تسلمين أختي الكريمة مني توفيق.
|
مشكوووووووووووووووورة اختي القصة رائعة
لو سمحتي البقية mErCi |
تكملة القصة
والله أنا مش عارفة ماذا أقول لكم ، لقد شوقتموني أنا على نشر باقي القصة :D
** بسم الله الرحمن الرحيم ** { نعود لمتابعة أحداث قصتنا } 7ـ صراع مع الزمن .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ارتجف قلب النقيب ( منى توفيق ) برعب ، فقد ذكرها هذا الموقف بما حدث لها في إحدى مغامراتها ، عندما هبطت بسيارتها فوق سيارة ( دونا ماريا ) ، المهربة الأسبانية الشهيرة على أرض ( السويد ) .. ذلك الموقف الذي أدى إلى إصابتها بإصابات بالغة ، اقتضت بقاءها في فراش المرض ستة أشهر كاملة (1) ... أما ( أدهم ) فقد كان يبتسم بسخرية ، وكأنما يجد لذة في تحدي الخطر ، وأمسكت قبضتاه بعجلة القيادة في قوة وحرص بالغين . وبعد ربع دقيقة خيّل لـ ( منى ) أنها استغرقت دهراً كاملاً ، لمست عجلات المرسيدس الأرض ، وتناثرت الثلوج حولها خارج المصنع ، ودارت حول نفسها منزلقة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع قصة ( حلفاء الشر ) .. المغامرة رقم ( 12) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فوق الثلوج ، في حين ضغط ( ادهم ) على ( فراملها ) بقوة متوسطة ، وهو يعيد ذراع السرعة إلى وضع الصفر ، ويمسك عجلة القيادة بقوة بالغة .. ولم تكد السيارة تبطئ في انزلاقها ، حتى وضع ( أدهم ) ذراع السرعة في الوضع الأول ، ورفع قدمه عن دواسة ( الفرامل ) ، ليضغط بها بشدة على دواسة الوقود ، في نفس اللحظة التي انطلقت فيها رصاصات الحرس نحو المرسيدس البيضاء ، التي انطلقت بسرعة تدل على مدى مهارة وجرأة قائدها ، مبتعدة عن المصنع ، وفي داخلها أطلق ( أدهم ) ضحكة عالية ، وهو يقول : ـ وداعاً أيها الأوغاد .. ليس من السهل القضاء على ( أدهم صبري ) . تنهدت ( منى ) بعمق ، وابتسمت بصعوبة وهي تقول : ـ يا للغرور !! أطلق ( أدهم ) ضحكة أخرى عالية ، وانطلق بالسيارة لا يلوي على شيء . * * * تأملت ( منى ) بعصبية ( أدهم ) ، الذي انهمك في تغيير ملامحه مرة أخرى ، ولم تتمالك نفسها ، فسألته بحنق : ـ ماذا تنوي أن تفعل الآن بعد انكشاف خطتنا يا سيادة المقدم ؟ أجابها بسخرية : ـ أنوي قضاء إجازة الصيف في ( النرويج ) يا عزيزتي . صاحت بغيظ : ـ ليس في استطاعتي تحمل دعاباتك هذا المرة يا سيادة المقدم ، فنحن نحاول منع وصول شحنة خطيرة إلى أشد الدول عداء لنا ، ولا يمكننا التنبؤ بالزمن اللازم لذلك .. إننا هذه المرة في صراع مع الزمن . هز كتفيه بلا مبالاة ، وقال : ـ إننا هكذا في كل مرة يا عزيزتي . صاحت بعصبية : ـ ولكنك تتصرف وحدك ، وكأنني لست هنا .. لابد لي من معرفة ماذا سنفعل ؟ ابتسم ( أدهم ) وهو يضع اللمسات الأخيرة لتنكره ، وقال بهدوء : ـ هدئي من روعك يا عزيزتي لقد لاحظت مثلي أن ( فريدريك ) و( سونيا ) غير متفقين في أسلوب العمل .. فهو يميل إلى الخطوات الهادئة البعيدة عن المتاعب ، أما هي فلقد حاربت الكثير من الرجال ، ولم أقابل من هو في نفس شراستها . استعادت ( منى ) هدوءها وهي تسأله : ـ وبمَ سيفيدنا ذلك ؟ ابتسم بمكر وهو يرفع سماعة الهاتف قائلاً : ـ سنتبع المبدأ الاستعماري القديم : ( فرق تسد ) . * * * تحسست ( سونيا ) بعصبية في غرفة ( فريدريك ) ، وتحسست آثار صفعة ( أدهم ) على خدها في حنق ، ثم صاحت في غضب : ـ لابد من الإسراع في إرسال الشحنة إلى دولتي يا مستر ( أبسن ) .. متى ينتهي رجالك من إعدادها ؟ قلَّب ( فريدريك ) كفيه ، وقال : ـ لابد من بعض الوقت يا عزيزتي ( سونيا ) .. لقد انتهى طلاء العلب الصفيحية بالرصاص ، ولكننا نحتاج إلى ثلاثة أيام لتعبئتها . قاطعته صائحة : ـ ثلاثة أيام كاملة ؟ .. وهل تعتقد أن هذا الشيطان المصري سيسمح لنا بكل هذا الوقت ؟ قال بغيظ : ـ الشحنة ضخمة ، وتحتاج إلى عناية خاصة ، ولن يمكنني تجهيزها في أقل من ذلك ، حتى ولو هبطت شياطين الجحيم جميعاً . صاحت بغضب وهي تشيح بذراعيها : ـ فليعمل رجالك ليل نهار .. لابد من إنجاز الشحنة في يوم واحد .. إن المخابرات المصرية قد تدخلت في الأمر وأرسلت أخطر رجالها ، وهذا يهدد العملية بالفشل . احتقن وجه ( فريدريك ) غضباً ، وهمّ بالاعتراض ، ولكن جرس هاتفه الخاص رن في تلك اللحظة ، فكتم غيظه ورفع السماعة بغضب ، وهو يقول : ـ هنا ( فريدريك أبسن ) من المتحدث ؟ ظهرت الدهشة على وجهه لحظة واحدة ، عندما سمع صوت محدثه الهادئ يقول : ـ أرجو ألا تتغير ملامحك إذا كانت ( سونيا ) إلا جوارك .. أنا ( أدهم صبري ) . ازدرد ( فريدريك ) لعابه ، وتمالك أعصابه ، وقال بهدوء مصطنع : ـ ماذا تريد يا مستر .... ؟ قاطعه ( أدهم ) قائلاً : ـ أريدك أنت يا مستر ( أبسن ) ، دون أن تعلم ( سونيا جراهام ) بشيء .. أريد أن أتفاوض معك بشأن الشحنة . اعتدل ( فريدريك ) في مقعده وقال : ـ كم تطلب بالضبط ؟ قال ( أدهم ) بهدوء : ـ ثلاثة ملايين دولار . قال ( فريدريك ) باختصار : ـ أين ؟ أجابه ( أدهم ) : ـ في مدينة الملاهي العاملة ( بأوسلو ) .. في التاسعة من مساء اليوم . ابتسم ( فريدريك ) ابتسامة باهتة ، وقال : ـ وما الذي سأحصل عليه بالمقابل ؟ ضحك ( أدهم ) ، وقال : ـ أنت حقاً رجل أعمال يا مستر ( أبسن ) .. حسناً .. سأبتعد عن طريقك تماماً ، ولن أتدخل في أمر الشحنة .. المهم ألا تخبر ( سونيا ) بما اتفقنا عليه .. ضحك ( فريدريك ) بجذل ، وقال : ـ اتفقنا .. سأوافيك في الموعد . ولم يكد ينهي الاتصال ، حتى سألته ( سونيا ) ببرود : ـ مع من كنت تتحدث يا مستر ( أبسن ) ؟ لوح بكفه علامة اللامبالاة ، وقال : ـ لا شيء يهم ، إنه أحد عملاء المصنع .. فلنعد إلى حديثنا الهام حول شحنة اليورانيوم . * * * 8 ـ صراع الأعداء .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انعكست أضواء الملاهي الضخمة على زجاج سيارة ( أدهم ) ، وهو يوقفها في المكان المخصص للانتظار ، ويهبط منها بهدوء ، ولم تلبث أن تبعته ( منى ) وهي تقول : ـ قلبي يحدثني أننا نسير بأقدامنا إلى فخ محكم . ابتسم ( أدهم ) ، وقال : ـ لهذا اخترت مدينة الملاهي مكاناً للقاء يا ( منى ) ، فمن العسير إطلاق النار علينا وسط هذا الجمع من البشر . ضحكت بحنق وهي تقول : ـ هناك وسائل أخرى للقتل بخلاف الرصاص يا سيادة المقدم . هز كتفيه بلامبالاة ، وقال وهو يعبر إلى داخل مدينة الملاهي : ـ فلندع أمرنا للقدر ، يصرّفه كما يشاء يا عزيزتي . أخذ ( أدهم ) يجول ببصره في أرجاء مدينة الملاهي ، حتى توقف عند لعبة تعتمد على دوران بعض العربات المثبتة في أسطوانة ضخمة ، وأشار بسبابته نحوها وهو يقول بسخرية : ـ ها هو ذا صديقنا ( فريدريك أبسن ) يا عزيزتي .. سنبدأ خطتنا الجديدة في الحال . اقترب ( أدهم ) و( منى ) بهدوء إلى ( فريدريك ) ، الذي ظهر التوتر واضحاً على ملامحه ، وهو يتطلع بدهشة إلى ( أدهم ) ، الذي ارتدى منظاراً طبياً ، وصبغ شعره بلون أشقر كالذهب ، وحوَّل عينيه إلى لون في زرقة السماء ، وكسا وجهه بشارب ولحية كثيفين من نفس لون شعره . صافحه ( أدهم ) بهدوء قائلاً : ـ دعك من التطلع إلى ملامحي يا مستر (أبسن ) ، فهي تتغير بسرعة تفوق سرعتك في استيعابها ، ودَعنا نتحدث في العمل .. هل أحضرت النقود ؟ مد إليه ( فريدريك ) يده بحقيبة صغيرة ، وهو يقول في ارتباك : ـ ها هي ذي يا مستر ( صبري ) ، ولكنني أريد وعداً منك بعدم التدخل في أموري مرة أخرى . ابتسم ( أدهم ) بسخرية قائلاً : ـ لا تعطني النقود هنا يا مستر ( أبسن ) .. دَعنا نركب إحدى هذه العربات الدوارة أولاً .. سأله ( فريدريك ) بحيرة وقلق : ـ ولكن لماذا يا مستر ( صبري ) ؟ قال ( أدهم ) وهو يمسك بذراعه ، ويقوده على شباك التذاكر الخاص باللعبة : ـ هذه هي أصول العمل يا مستر ( أبسن ) .. سرعان ما تعدادها . ثم التفت إلى ( منى ) ، وقال بحزم : ـ لا تتحركي من مكانك يا زميلتي العزيزة ، وسأعود إليك بعد انتهاء مهمتي هذه . * * * شعرت ( منى ) ببعض القلق ، عندما شاهدت ( أدهم ) يجلس بجوار ( فريدريك أبسن ) داخل عربة الملاهي الصغيرة ، وتضاعف قلقها بلا مبرر عندما بدأت العربة في الدوران حول الأسطوانة الضخمة ، وأخذت تفرك كفيها بعصبية ، وتنفث من فمها الصغير بخار الثلج بتوتر ، في نفس الوقت الذي ازدادت فيه سرعة الدوران العربة ، كما يحدث عادة في ألعاب الملاهي .. وفجأة لمحت ( منى ) وجهاً مألوفاً أثار الرجفة في أوصالها ، بالإضافة إلى البرد الشديد .. رأت ( سونيا جراهام ) وهي تتحدث مع الرجل المسئول عن إدارة تلك اللعبة التي يركبها ( أدهم ) و( فريدريك ) ، ورأتها وهي تدس في يده مبلغاً كبيراً من المال ، وفهمت في الحال سبب القلق الذي تشعر به منذ البداية .. لا ريب أن ( سونيا ) تدبر أمراً ما ، للتخلص من ( أدهم ) و( فريدريك ) . وقبل أن تخطو ( منى ) خطوة واحدة أو حتى تهم بالصياح لتحذير ( أدهم ) ، أحاط بها رجلان ضخما الجثة ، وشعرت بيد تحمل منديلاً تكمم فمها ، برائحة نفاذة تتصاعد من أنفها إلى مخها ، ثم غابت عن الوعي بين ذراعي أضخم الرجلين ، وهي تحتف في أعماقها لتحذير زميلها .. ( رجل المستحيل ) . * * * لم تكد عربة الملاهي الصغيرة تصل إلى سرعتها الثابتة ، حتى عاد ( فريدريك ) يسأل ( أدهم ) بقلق : ـ ما زلت لا أفهم سبب ركوبنا هذه العربة يا مستر ( صبري ) .. ألم يكن من الأسهل تسليمك الملايين الثلاثة في أرض الملاهي ؟ وجفَّ لعابه فجأة ، فلم يستطع إضافة حرف جديد ، وشحب وجهه للغاية عندما رأى فوجئ بمسدس ( أدهم ) في وجهه ، وسمع صوت هذا الأخير الساخر يقول : ـ ولكن ( سونيا جراهام ) ترى غير ذلك يا مستر ( أبسن ) . حرك ( فريدريك أبسن ) لسانه الجاف بصعوبة ، وقال بصوت أجش : ـ وما صلة ( سونيا جراهام ) بذلك ؟ قال ( أدهم ) في برود ، وهو يسحب إبرة الأمان بمسدسه : ـ أنت كثير الاعتراض والمناقشة يا مستر ( أبسن ) .. والمخابرات التي تتبعها ( سونيا ) ولا تحب هذا الأسلوب .. ولذلك .... اتسعت عينا ( فريدريك ) ذعراً ، وصاح : ـ هل تعني أن ( سونيا جراهام ) كلفتك بقتلي ؟ ابتسم ( أدهم ) بسخرية ، وقال : ـ إذن فأنت ذكي ، بعكس ما يدَّعون يا مستر ( أبسن ) .. نعم هذا صحيح .. لقد كلفتني ( سونيا جراهام ) شخصياً التخلص منك . وفجأة شعر ( أدهم ) بغثيان شديد ، وبأن عينيه تكادان تغادران محجريهما ، وبدوار شديد .. أما ( فريدريك ) فقد تقيأ بالفعل ، وهو يتمتم بصوت مريض : ـ اللعنة !! هذه العربة تدور بسرعة تفوق المعتاد . وفي تلك اللحظة كان العامل المسئول عن إدارة اللعبة يسأل ( سونيا ) بدهشة : ـ إلام تهدفين يا سيدتي .. إن دوران اللعبة حتى بضعف هذه السرعة لن يقتل أحداً . ابتسمت ( سونيا ) بشراسة ، قالت : ـ إنها مجرد دعابة أيها الرجل .. كما سبق أن أخبرتك . ثم قالت لنفسها بصوت خفيض لا يكاد يُسمع : ـ صحيح أن ذلك لن يقتل ( أدهم صبري ) ، ولكنه حينما يهبط من اللعبة ، لن يصبح قادراً على تصويب مسدسه إلى فيل ضخم في غرفة مغلقة . * * * شعر ( أدهم ) بالضغط يزداد على أذنيه ، ولكن رغبته في القيء تلاشت أو كادت مع ثبات السرعة المرتفعة ، أما ( فريدريك ) فقد الوعي تماماً ، مما ساعد ( أدهم ) على التفكير في الأمر بهدوء .. كان يعلم بحكم خبرته في الطيران أن استمرار الدوران بهذه السرعة الشديدة ، سيؤدي بالضرورة على تحطم طبلتي أذنيه ، وأنه من الضروري إيقاف هذه العربة قبل أن يصل الموقف إلى هذه النقطة .. حلَّ ( أدهم ) حزام الأمان بالعربة الصغيرة ، ثم قاس بنظرة خبيرة المسافة التي تفصله عن الأعمدة الثابتة التي تحيط باللعبة .. واتخذ قراره بسرعة .. وأمام عيون رواد مدينة الملاهي الذين تملكهم الفزع ، قفز ( أدهم صبري ) من العربة التي تدور بسرعة تزيد على المائتي كيلومتر في الساعة ، وأصابعه مفتوحة ، وذراعاه ممدودتان في رحلة نحو الحياة .. أو الموت . * * * 9 ـ الشيطان والأفعى .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كان أكثر رواد الملاهي ذهولاً هما ( سوني جراهام ) والعامل المسئول عن إدارة اللعبة ، فقد طار ( أدهم ) في الهواء كالصاروخ ، قبل أن تتشبث كفاه في إحدى القوائم الرأسية المحيطة باللعبة ، في قوة يعجز عنها البشر ، ثم يدور بجسده دورة أفقية كمروحة الهليكوبتر ويفتح كفيه ، لينطلق نحو الغرفة الزجاجية التي تحوي آلات قيادة باللعبة ، ويخترقها كالقنبلة محطماً زجاجها في دوي شديد ، وهابطاً فوق العامل المسئول تماماً .. سقط العامل بفعل الثقل ، وهو يطلق صيحة تجمع ما بين الجزع والدهشة والألم ، وأسرعت ( سونيا ) ترفع مسدسها الصغير في وجه ( أدهم ) ، ولكن ( أدهم ) قفز واقفاً على قدميه ، دون أن يهتم ببقايا الزجاج المتناثرة على سترته ، وأطار مسدس ( سونيا ) بضربة قوية من كفه ، ثم أمسك بوسطها ورفعها في الهواء كدمية صغيرة ، ورفعها لترتطم بالحائط الوحيد في الغرفة ، وهو يقول في سخرية لاذعة : ـ فشل آخر يا عزيزتي ( سونيا ) . صرخت ( سونيا ) من الألم والفشل ، عندما ارتطم ظهرها بالحائط ، وبذلت جهداَ شديداً وتحتفظ بتوازنها ، ولكن ( أدهم ) عاد يصفعها صفعة قوية ، ألقت بها أرضاً مرة أخرى ، وتهدلت خصلات شعرها الناعم على وجهها ، فأزاحتها بحنق وهي تحدق في وجه ( ادهم ) بشراسة ، وسمعته يقول بسخرية : ـ ما رأيك لو أغلقت ملفك الحافل في مخابرات دولتك الآن ؟ نهضت ببطء وهي تقول بقسوة وغضب : ـ حاول يا مستر ( أدهم ) .. حاول ولن ترى زميلتك مرة أخرى . كان رواد الملهى قد تجمعوا وتجمهروا حول اللعبة التي أوقفها ( أدهم ) ، ولاحظ هو عدم وجود ( منى ) ، فأمسك بكف ( سونيا ) ، وجذبها خارج غرفة التحكم ، وهو يقول ببرود أدهشها : ـ هيا يا عزيزتي ( سونيا ) .. سأدعوك إلى كوب من الشراب في كافيتريا الملاهي ، ريثما نتحدث في شأن زميلتي الغائبة . * * * تناولت ( سونيا جراهام ) رشفة من مشروبها المنعش في هدوء ، وكأنها تجالس صديقاً عزيزاً ، ثم وضعت الكوب أمامها ، والتقت نظراتها الماكرة بعيني ( أدهم ) ، وهي تقول في برود : ـ كل ما أطلبه هو أن تبتعد عن العملية ، حتى يتم نقل الشحنة إلى دولتي يا مستر ( أدهم ) .. وزميلتك هي الثمن . أدار ( أدهم ) كوب الشراب بين راحتيه لحظة ، ثم قال ساخراً : ـ وهل تصورت أنني سأقبل هذا النوع من المساومة ؟ ابتسمت وهي تشعل سيجارة رفيعة ، وتقول بهدوء : ـ نعم يا مستر ( أدهم ) .. فنحن نعلم مدى ارتباطك بزميلتك ، ومدى شهامتكم أيها المصريون . تراجع ( أدهم ) إلى الخلف قليلاً ، وقال بتهكم واضح : ـ هكذا ؟! .. وهل تتصورون أنه من الشهامة أن أضحي بالتفوق العسكري لدولتي ، من أجل فتاة ، مهما بلغت محبتها في قلبي ؟ نظرت إليه بدهشة شديدة ، فأردف بهدوء وبصوت يجمد الدم في العروق : ـ لا أيتها الوقحة المغرورة .. أنا لا أوافق على هذه الصفقة ، ولكنني أحذرك في الوقت نفسه يا ( سونيا جراهام ) .. لو أنكم مسستم شعرة واحدة من جسد ( منى ) ، فإنني أقسم بأن النمل نفسه سيعجز عن العثور على بقاياك ، أو بقايا أي عميل من عملاء دولتك ، يلقيه سوء حظه في طريقي . وبرغم برود أعصابها الشهير ، وقلبها الذي لا يعرف الخوف ، إلا أنها شعرت برهبة شديدة من لهجة ( أدهم ) ونظراته المخيفة ، فنهضت وهي تقول : ـ سنرى يا مستر ( صبري ) .. سنرى . ولكنه أمسك بمعصمها بيد قوية فولاذية ، وقال ببرود : ـ نصيحة أخيرة قبل أن تنصرفي يا ( سونيا ) .. احرصي على بقاء ( منى ) على قيد الحياة .. وإلا فليس هناك ما يمنعني عن تمزيقك سوى ذلك . ارتجف صوتها على الرغم منها ، وهي تقول متظاهرة باللامبالاة : ـ ستبقى يا مستر ( أدهم ) .. ستبقى . * * * انهمرت الثلوج بغزارة هذا المساء ، ووقفت ( سونيا ) تتأملها من خلف زجاج نافذة مكتب ( فريدريك أبسن ) ، وهي صامتة ، على حين كان هذا الأخير يقول بحنق وغضب : ـ لقد انتهى عملنا معاً يا ( سونيا ) .. وهذا أكرم ما يمكنني أن أجود به ، بعد محاولتك القذرة للتخلص مني بوساطة ( أدهم صبري ) . استدارت محنقة صائحة : ـ أنت أغبى من رأيت في عمري بأكمله يا مستر ( أبسن ) . صاح في غضب عارم : ـ نعم يا ( سونيا ) .. أنا أغبى مخلوق في الوجود ، لأنني وثقت في دولتك .. لقد كنت أستحق القتل لقاء ذلك. ضغطت على أعصابها بصعوبة ، وقالت : ـ لا تساعد هذا الشيطان المصري في مخططه يا مستر ( أبسن ) .. إنه يستعمل أسلوبنا القديم المعروف بمبدأ : ( فرق تسد ) . ضحك بمرارة وعصبية ، وقال : ـ هكذا ؟! .. وهل يدفعه هذا الأسلوب إلى قتلي ؟ .. ثم ماذا يفيده إخباري بذلك ، ما دام بسبيله إلى قتلي ، لو لم يكن الأمر حقيقة ؟ تنهدت بعمق ، وقالت : ـ لا ريب أنه كان يتظاهر بفشل محاولة القتل ، ويترك في نفسك الأثر فحسب .. ولكنني تسرعت بإدارة اللعبة بسرعتها القصوى و .... قاطعها ( فريدريك ) صائحاً : ـ ها هو ذا اعترافك يخرج من بين شفتيك تلقائياً أيتها اللعينة .. ما دمت لا تستهدفين قتلي ، فلم أطلقت سرعة اللعبة وأنا في داخلها ؟ ضغطت ( سونيا ) على أسنانها بغيظ ، وقالت : ـ كنت أعلم أن ذلك لن يقتلك ، ثم إنها كانت فرصة مناسبة لـ .... قاطعها صارخاً : ـ لا .. لا تواصلي خداعي هكذا أيتها اللعينة .. إنني لم أعد أثق بدولتك أو مخابراتها .. سألقي الشحنة بأكملها في البحر . شحب وجه ( سونيا ) ، وقالت : ـ لا يا مستر ( أبسن .. لا تقدم على عمل تندم عليه فيما بعد . رفع ( فريدريك ) سماعة الهاتف ، وهو يصرخ بغضب : ـ بل سأفعل يا ( سونيا ) .. سأطلب من رجالي فعل ذلك في الحال . سمع ( فريدريك ) صوت ( سونيا ) قاسياً بارداً وهي تقول : ـ لحظة يا مستر ( أبسن ) . استدار إليها بحدة .. لم يكد بصره يقع عليها حتى سقطت سماعة الهاتف من يده ، واتسعت عيناه ذعراً ، ومد يده أمامه ، وكأنه يدافع عن نفسه ، فقد كانت ( سونيا ) تصوب نحوه مسدسها الصغير ، وهي تقول ببرود وقسوة : ـ إنك لم تترك لي الخيار يا مستر ( أبسن ) . وبهدوء شديد ضغطت أناملها الرقيقة على زناد مسدسها ، لتنطلق من فوهته رصاصة ، استقرت بين عيني ( فريدريك أبسن ) تماماً . * * * |
[frame="2 80"]أرجو أن يكون ما كتبته قد أعجبكم ، وأشكركم على المتابعة :flowers2:
وسأرسل جزءاً آخر إن شاء الله مع تحيات منى توفيق ;) [/frame] |
تابع أحداث قصة ( ثعلب الثلوج ) العدد رقم 20
أرجو أن يكون الجزء السابق قد نال إعجاب أصدقائي
وسأتابع معكم أحداث هذه القصة الشيقة ;) فلنبدأ 10 ـ الثعلب والذئاب ..** بسم الله الرحمن الرحيم ** { نعود لقصتنا } ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وضع أحد حراس المصنع منظاره المقرِّب فوق عينيه ، ودار ببصره يفحص المنطقة وهو يقول لزميله : ـ لم أعد أدري أيهما الرئيس !! .. مستر ( أبسن ) ، أم تلك الحسناء ( سونيا جراهام ) ؟ أجابه زميله بضجر : ـ هذا لا يهم يا زميلي العزيز ، فلقد أمرنا مستر ( أبسن ) بطاعة أوامر ( سونيا جراهام ) منذ قدومها . عاد الرجل الأول يقول : ـ قاسية جداً هذه المرأة .. لقد أجبرت الرجال على العمل المتواصل لتجهيز الشحنة ، وأمرتنا بالمراقبة الدائمة ، وكأننا في حرب . نمَّت لهجة الزميل الآخر عن الإعجاب ، وهو يقول : ـ لا يمكننا إنكار مدى فاعلية أسلوبها ، فها هي ذي الشحنة قد أصبحت جاهزة ، برغم أنها تستغرق في العادة ثلاثة أيام . وفجأة صاح الرجل الذي يضع المنظار المقرِّب فوق عينيه : ـ مهلاً أيها الزميلان .. لقد خيّل إلى أن قطعة من الجليد قد تحركت و .... قاطعه زميله ضاحكاً : ـ إنها ظلال الغروب يا صديقي ، فهي تتحرك بسرعة ، قبل أن يستغرق قرص الشمس ساكناً وسط الأفق . مط الرجل شفتيه ، وقال : ـ يبدو أنك على حق يا زميلي .. ثم أي أحمق يفكر في اختراق الثلوج لمهاجمة مصنعنا بمفرده .. لابد أن يكون مجنوناً ليفعل ذلك . * * * تحرك ( أدهم ) بخفة ومهارة ، وسط الثلوج الكثيفة المحيطة بالمصنع .. كان الجو بارداً ، حتى إنه يقل عن الصفر المئوي بخمس عشرة درجة ، برغم ذلك كان ( أدهم صبري ) يموج بالنشاط والحرارة ، وهو يتسلل بمعطفه الفرائي الأبيض ، كالثعلب القطبي ، وبنفث أبخرة الثلج ، وهو يدرس المصنع بحرص وعناية ، ثم قال لنفسه : ـ لا شك عندي في أن ( سونيا ) تحتفظ بـ ( منى ) في داخل هذا المصنع ، فهو يعد أكثر الأماكن أمناً بالنسبة لها . وبهدوء شديد تحرك نحو سور المصنع ، وأخذ يفحصه .. كان السور مصنوعاً من الفولاذ ، بارتفاع مترين ونصف المتر تقريباً ، فابتسم ( أدهم ) بسخرية ، وقال : ـ أعتقد أن الطول مناسب جداً ، المهم أن أعصر ذاكرتي ، للتوصل إلى أكثر الأماكن مناسب للاقتحام .. وبعد ذلك يأتي دور صديقتنا ( سونيا جراهام ) . * * * تنبه أحد حراس المصنع فجأة ، إلى حركة غير طبيعية تحدث خلفه ، فاستدار بحدة شاهراً مدفعه الرشاش وكنه لم يجد سوى كتلة من الأخشاب الساكنة ، وبرغم ذلك لم يطمئن قلبه ، فتحرك بحذر محاولاً الالتفاف حول الكتلة الخشبية ، وهو ينقل قدميه في بطء ، ثم قفز فجأة مصوباً مدفعه إلى ما خلف الأخشاب ، ولم يلبث أن تنهد في ارتياح ، حينما لم يجد ما يستدعي الخوف أو القلق ، ولم يكد يرخي مدفعه حتى شعر بأصابع قوية تنقر على كتفيه ، وسمع صوتاً هادئاً ساخراً يقول : ـ هل تبحث عن شيء ما يا صديقي ؟ استدار الرجل بسرعة بالغة معيداً تصويب مدفعه الرشاش ، ولكن استدارته لم تكتمل ، ومدفعه لم يجد الوقت الكافي للانطلاق ، إذ أوقفته قبضة صُبَّت من فولاذ ، هوت على فكه بقوة كافية لتحطيم فك ثور ، فتهشمت فك المسكين بصوت مكتوم ، وجحظت عيناه ألماً ورعباً ، وهو يهوي على الأرض كالصخرة . تناول ( أدهم ) المدفع الرشاش ، وأسرع يجذب الرجل إلى ركن قصيّ ، وينزع معطفه الأزرق المميز لرجال الحرس بالمصنع ، وهو يقول بسخرية : ـ لو أن أعمالي كلها تتم بنفس هذا القدر من البساطة ، ما أصابني هذا الإرهاق الذي أشعر به دائماً . وما هي إلا لحظات ، حتى أصبح من الصعب تمييز ( أدهم صبري ) بين حراس المصنع ، الذين يتحركون بشكل غير منتظم ، يدل على ضعف تدريبهم ، أما هو فقد سار بهدوء ، حاملاً المدفع الرشاش نحو السلم الذي يقود إلى مكتب ( فريدريك أبسن ) . وفجأة أوقفه أحد الحرس قائلاً : ـ لحظة أيها الزميل .. ألا تعلم أن المرور في هذا الطريق ممنوع ، حتى تصل الشاحنات . أخذ عقل ( أدهم ) يفكر في تعليل مقنع ، ولكن صوت بوق سيارة أعفاه من ذلك ، فقد أشاح الرجل بذراع في ضجر ، وتحرك نحو بوابة المصنع فور سماعه له ، فأسرع ( أدهم ) يجتاز المسافة الباقية ، ويصعد سلالم مكتب ( فريدريك ) قفزاً حتى وصل إلى باب مكتبه ، فدفعه بقوة ، وقفز نحو السكرتيرة التي همت بالصياح ، ولكن كف ( أدهم ) كتمت صراخها ، وهو يصوب مدفعه الرشاش إلى رأسها قائلاً : ـ من بالداخل يا صغيرتي ؟ أجابت السكرتيرة وهي ترتجف من قمة رأسها إلى أخمص قدميها : ـ السيدة ( سونيا ) والسيد ( فريدريك ) .. ولكن السيدة منعتني من إدخال أي كائن كان . ابتسم ( أدهم ) بسخرية قائلاً : ـ فليطمئن قلبك إذن يا سيدتي ، فأنا لست أي كائن كان . ثم جذب حبلاً من سترته وأخذ يقيدها قائلاً : ـ معذرة يا سيدتي ، ولكن بقائك حرَّة قد يفسد الخطة بأكملها . * * * زمَّت ( سونيا جراهام ) شفتيها بحنق ، عندما دق باب حجرة المكتب التي تجلس في داخلها ، وقالت بغضب: ـ من بالباب ؟ .. ألم أمنع دخول أي إنسان ؟ وبرغم لهجتها الغاضبة فُتِحَ الباب بهدوء ، ودخل أحد رجال الحرس بمعطفه الأزرق المميز ، ودار ببصره في أرجاء الغرفة بوقاحة ، فصاحت ( سونيا ) في وجهه : ـ كيف دخلت إلى هنا أيها القذر ؟ .. كيف سمحت لك تلك السكرتيرة المعتوهة بذلك ؟ .. ألم آمرها .. ؟ قاطعها الحارس وهو يسأل ببرود : ـ أين مستر ( أبسن ) ؟ .. قطبت حاجبيها وهي تقول بغضب : ـ هذا لا يعنيك أيها الوقح .. اغرب عن وجهي . أشار الحارس إلى خارج الغرفة إشارة مبهمة ، وهو يقول بنفس البرود : ـ وهذه الفتاة المصرية .. ماذا سنفعل بها ؟ صاحت ( سونيا ) في غضب عارم : ـ سنتركها كما هي في غرفة الحفظ ، حتى أصدر أوامري بشأنها أيها الحارس . ارتسمت على شفتي الحارس ابتسامة ساخرة ، بعثت شعوراً بعدم الارتياح في نفس ( سونيا ) ، وازداد هذا الشعور عندما قال بلهجة تهكمية : ـ سؤال أخير يا سيدتي .. هل لاحظت ذلك ؟ . نطق بهذه العبارة وهو يمسك بأذنيه ويجذبهما إلى الخارج في قوة .. خيِّلَ لـ ( سونيا ) وهلة أن الحارس قد انتزع أذنيه ، ثم تنبهت إلى الأمر ، فأسرعت يدها إلى مسدسها الموضوع فوق المكتب ، ولكنها تسمرت بدهشة حينما صوب إليها الحارس فوهة مدفعه الرشاش ، وقال بصوت ساخر مألوف لا يخلو من الصرامة : ـ شكراً يا عزيزتي ( سونيا ) .. لقد وفرت عليَّ الكثير من الوقت في البحث عن ( منى ) .. لاحظي أنني قد استوعبت الدرس هذه المرة ، وعمدت إلى تغيير معالم أذني . ضغطت على أسنانها في قهر ، وهي تتمتم : ـ كيف أمكنك .... ؟ قاطعها ( أدهم ) في سخرية قائلاً : ـ إنني أجد متعة في أداء ما يظنه الآخرون مستحيلاً يا عزيزتي . ثم أردف بصوت بارد قاس : ـ والآن اسمحي لي بتكبيل يديك ، وتكميم فمك يا عزيزتي ( سونيا ) .. فمن الأفضل أن أعمل دونما تدخل منك . سألته وهي تهز كتفيها ، متظاهرة باللامبالاة : ـ ماذا تنوي أن تفعل يا مستر 0 صبري ) ؟ أجابها ببرود : ـ أنوي إشعال النيران في شحنة اليورانيوم أولاً . ضحكت ( سونيا ) ضحكة ساخرة ، مال على أثرها جسدها الضئيل إلى الخلف ، ثم نظرت في عيني ( أدهم ) مباشرة وهي تقول : ـ هكذا ؟! .. تُرى ، هل تعلم ماذا يصيب اليورانيوم المشع من جراء الاشتعال ؟ قطب ( أدهم ) حاجبيه في ضيق ، فلم يكن حقاً يعلم نتائج اشتعال اليورانيوم ، ولكنه قال بتحد : ـ ليكن ما يكون .. المهم ألا تصل الشحنة إلى دولتك . عادت تضحك في سخرية ، ثم قالت بشماتة : ـ هل تسمع صوت هذه الناقلات التي تبتعد يا مستر ( صبري ) .. إنها تحمل شحنة اليورانيوم إلى حيث يتم شحنها إلى دولتي .. أما زميلتك العزيزة فسيتم تقطيعها قطع صغيرة ، وتعبئتها في علب الأسماك المحفوظة . ثم نظرت في ساعتها ، واستطردت بسخرية : ـ والوقت لا يكفي لإنقاذ الاثنين .. عليك أن تختار يا مستر ( صبري ) .. الشحنة .. أو زميلتك . * * * 11 ـ بين نارين .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ شعر ( أدهم ) بغضب عارم يملأ نفسه ويهز كيانه بأكمله ، ووجد نفسه يطوّح كفه ليصفع ( سونيا ) صفعة ، أودعها كل ما يعتمل في نفسه من غضب ، وهو يقول : ـ أيتها الحيَّة الم********************************ة . سقطت ( سونيا ) من أثر الصفعة على الأرض ، وارتطمت رأسها بحافة المكتب ، ففقدت وعيها في الحال .. وقفز ( أدهم ) إلى خارج الغرفة ، ثم حلَّ كمامة السكرتيرة وجذبها مِنْ شعرها في قسوة ، وهو يصيح في وجهها : ـ أين غرفة الحفظ ؟ ولم تكد السكرتيرة الفزعة تنتهي من وصف المكان ، حتى قفز ( أدهم ) خارجاً ، وهو يحمل مدفعه الرشاش ، وهبط درجات السلم العشرين في قفزة واحدة ، اندفع بعدها وسط الجميع في دهشة الجميع إلى مبنى المصنع .. كان منظره عجيباً إلى درجة دفعت كثيراً من رجال الحرس إلى تتبعه في شك ، برغم أنه يرتدي نفس زيهم المميز ، ولكن خطواته الواثقة وعدم التفافه إليهم ، جعلهم يظنون أنه أحد زملائهم ، في طريقه لأداء أمر عاجل ، فعاد كل منهم يتشاغل بعمله غير ملتفت إلى ( أدهم ) ، الذي قفز درجات سلم المصنع صاعداً ، ثم انحرف في أول ممر إلى اليمين ، وأخذ يعدو حتى الغرفة السابعة ، فتوقف أمامها يلهث ، ثم دق بابها في هدوء .. سمع ( أدهم ) صوتاً يسأله عمن يكون ، فأجاب بلهجة نرويجية سليمة : ـ ( سونيا جراهام ) تطلب المصرية في غرفتها حالاً . فُتح باب الغرفة بهدوء ، وأطل منه وجه رجل ضخم الجثة ، نظر إلى ( أدهم ) بشك ، وهمَّ بالتفوه بكلمة تساؤل ، ولكن الكلمات احتبست في حلقه ، عندما هوى ( أدهم ) بقبضته الفولاذية على فكه ، فأرسله إلى عالم اللاوعي .. نظرت ( منى ) بجزع ، إلى الشاب الأشقر الوسيم الذي قفز إلى داخل الغرفة وأسرع نحوها ، ولم تلبث أن تهللت أساريرها عندما تعرَّفت الشاب ، فهتفت بسعادة : ـ ( أدهم ) ؟! .. كيف نجحت في الوصول إلى هنا ؟ أخذ ( أدهم ) يحل وثاقها بسرعة ، وهو يقول : ـ لا وقت لشرح الأمور أيتها النقيب ، فالشحنة تكاد تفلت من بين أصابعنا . قالت ( منى ) بدهشة : ـ كيف ؟ .. لقد كنت أظن ذلك الصندوق الذي أحضروه .. توقف ( أهم ) عن حل وثاقها ، وقاطعها قائلاً : ـ أي صندوق يا (منى ) ؟ أشارت برأسها إلى صندوق متوسط الحجم في طرف غرفة الحفظ ، فأسرع ( أدهم ) يحل الجزء المتبقي من وثاقها ، ثم نهض وسار نحو الصندوق ، وأخذ يعمل عل فتحه ، وتبعته ( منى ) بفضول .. لم يكد ( أدهم ) يرفع غطاء الصندوق ، حتى أطلقت ( منى ) صرخة رعب مكتومة ، وقطب ( أدهم ) حاجبيه في دهشة وغضب ، فبداخل الصندوق تكومت جثة تجمدت الدماء حول ثقب بين عينيها .. جثة ( فريدريك أبسن ) . * * * كان المشهد مرعاً ومثيراً للاشمئزاز ، ولكنه كان الدليل القوي على أن خطة ( أدهم ) ، المبنية على التفرقة بين المخابرات المعادية و( فريدريك أبسن ) ، قد نجحت لم يتصورها هو نفسه .. ولكنه أعاد الغطاء بهدوء ، وأمسك بيد ( منى ) قائلاً في برود يفوق برودة الجو نفسه : ـ هيا أيتها النقيب .. لقد غامرت بضياع الشحنة من أجل إنقاذك ولم يعد هناك المزيد من الوقت لنضيعه . أسرعت ( منى ) تتبعه وهو يتقدمها حاملاً مدفعاً الرشاش ، حتى وصلا إلى الباب الذي يقود إلى ساحة المصنع ، فهمس ( أدهم ) في أّنها : ـ انتظري هنا حتى أحصل على وسيلة انتقال تمكننا من اللحاق بالشحنة . تحرك ( أدهم ) بهدوء خارجاً ، وهو يرخي غطاء الرأس فوق جبهته ، ويضم ياقة المعطف الأزرق المميز ، وقد خفض فوهة مدفعه الرشاش ، وأخذ يسير بثقة نحو سيارة ( فريدريك ) المرسيدس الزرقاء .. ولم يكد يصل إليها حتى مد يده بهدوء ، ففتح بابها واندس أمام عجلة القيادة .. أسرع إليه الحارس المكلف بحراستها ، وسأله بحدة : ـ ماذا تفعل أيها التعس ؟ .. إنها سيارة الرئيس الخاصة . أجابه ( أدهم ) بصرامة وبلغة سليمة للغاية : ـ ابتعد أيها الغبي .. لقد أسند إليَّ مستر ( أبسن ) مهمة عاجلة تختص بالشحنة ، وويل لمن يعترض طريقي .. تراجع الحارس بقلق ، حتى أنه لم يلحظ أن ( ادهم ) أدار محرك السيارة عن طرقي سلكي الكهرباء ، وليس عن طريق مفتاحها الأصلي .. انطلق ( أدهم ) بالسيارة في ثقة تبعد الشكوك في طبيعته تماماً ، حتى توقف أمام الباب الداخلي للمصنع ، وأشار إلى ( منى ) ، فأسرعت تحتل مكانها إلى جواره ، وهو يقول : ـ من الواضح أن رجل مستر ( أبسن ) من النوع الذي يسهل خداعه . ولم يكد ( أدهم ) يدير محرك السيارة ، حتى دوَّى في أرجاء المصنع صوت ( سونيا جراهام ) ، وهي تقول في عجلة : ـ هناك جاسوس في أرض المصنع يحاول إنقاذ الفتاة المصرية .. اقبضوا عليه قبل أن يحاول الهرب .. أريده حياً أو ميتاً . التفتت الأنظار كلها وفوهات المدافع الرشاشة إلى سيارة ( فريدريك ) التي يستقلها ( أدهم ) ، وإلى جواره ( منى ) ، فقد فهم الجميع من لحظة واحدة أن ذلك الحارس الذي يتصرف بأسلوب مريب منذ البداية ، ما هو إلا الجاسوس المطلوب .. ويجب قتله في الحال . * * * وبرغم صعوبة الموقف الجديدة ، أطلق ( أدهم صبري ) الملقب بـ ( رجل المستحيل ) ضحكة ساخرة عالية ، وقال وهو يضغط دواسة البنزين بقوة : ـ عجباً !! هذا المشهد يتكرر للمرة الثانية . ثم انطلق بالسيارة في سرعة جنونية نحو بوابة المصنع ، وهو يقول لـ ( منى ) : ـ أخفضي رأسك أيتها النقيب ، فسينهمر علينا الرصاص كالمطر ، ولابد لنا من اللحاق بالبوابة قبل إغلاقها ، فهي لا تزال مفتوحة منذ خروج الناقلات التي تحمل شحنة اليورانيوم المطلوبة . لم تستجب ( منى ) لأوامره ، بل أسرعت تتناول المدفع الرشاش من المقعد الخلفي ، وأخذت تطلق نيرانه من النافذة في جرأة وإقدام ، على حين انهمرت رصاصات الحرس خلف المرسيدس الزرقاء .. ضحك ( أدهم ) بسخرية قائلاً : ـ مرحى يا زميلتي العزيزة .. ها قد أصبحت أخيراً عضواً فعالاً في المخابرات المصرية . أسرع الحرس يحاولون إغلاق البوابة ، ولكن ( أدهم ) اندفع بسيارته كالسهم ، وهو يقول : ـ مهلاً أيها الأوغاد .. أنا مصر على العبور . تحطم زجاج السيارة تماماً من الرصاص المنهمر كالمطر ، وأصيب ذراع ( منى ) برصاصة ، ولكنها لم تنبس ببنت شفة ، واستمرت في إطلاق مدفعها الرشاش ، وهي تضغط على أسنانها من شدة الألم .. وشعر ( أدهم ) برصاصة تحتك بعنقه ، وتستمر في طريقها لتحطيم زجاج السيارة الخلفي ، وبالدم يسيل على رقبته ويلوث المعطف .. وكانت البوابة الحديدية الضخمة قد قاربت الإغلاق ، ولكن ( أدهم ) لم يرفع رجله عن دواسة البنزين ، واستمر في طريقه بجرأة مذهلة ، وإصرار فولاذي ، حتى اقتحم البوابة ، وارتطم بقوة حطمت مقدمة السيارة ، التي أثبتت مرة أخرى تفوق هذا النوع من السيارات ، فقد واصلت طريقها برغم ذلك إلى خارج المصنع ، بعد أن انفتحت البوابة على الرغم منها ، وأصبح ( أدهم ) و( منى ) خارج دائرة الخطر . * * * صاحت ( منى ) بفرح : ـ لقد نجونا يا ( أدهم ) .. لقد نجونا . غير أنه قال بلهجة غامضة : ـ ليس بعد يا عزيزتي .. ليس بعد . وفوجئت به ( منى ) يستدير بالسيارة ، برغم الأرض الثلجية الزلقة ، ليعود مواجهاً بوابة المصنع ، ثم أوقف السيارة فجأة ، فصاحت فيه ( منى ) : ـ يا إلهي !! إننا ما زلنا في مرمى نيرانهم يا ( أدهم ) . لم يهتم ( دهم ) بعبارتها ، ولكنه ضم كفيه أمام وجهه كالبوق ، وصاح بملء فيه : ـ كفى أيها الأغبياء .. إنكم تطيعون أوامر ( سونيا ) التي قتلت زعيمكم ، ووضعته داخل صندوق خشبي في غرفة الحفظ .. اقتصوا منها بدلاً من ذلك . تسمر الحراس في ذهول ، وانخفضت فوهات مدافعهم الرشاشة ، وهم يتبادلون النظرات فيما بينهم .. كانت عودة ( أدهم ) متحدياً الخطر لتحذيرهم ، قد أشعرتهم بصدق ما يقول ، فتردد كل منهم في إطلاق النار عدا واحداً صاح بحنق : ـ أنت كاذب . وألقى بكرة معدنية نحو السيارة في غضب واضح .. وبدلاً من أن يتفادى ( أدهم ) الكرة ، مد يده خارج الزجاج المهشم والتقطها بمهارة ، ثم دار بالسيارة ، وانطلق في طريقه كالصاروخ ، غير ملتفت إلى الرصاصات التي عادت تنهمر خلفه .. صاحت ( منى ) بحنق : ـ ما معنى هذا الأسلوب المسرحي ؟ ابتسم ( أدهم ) وهو يمسح الدم الذي يلوث عنقه ، وقال : بالعكس يا عزيزتي .. لولا هذه الحركة المسرحية ، لضاعت منا الشحنة إلى الأبد . سألته ( منى ) باهتمام ، وهي تعقد منديلاً صغيراً حول ذراعها المصاب : ـ هل تعني أن هذه الكرة المعدنية .... ؟ قاطعها ( أدهم ) قائلاً : ـ نعم يا عزيزتي ، هذه الكرة المعدنية تحتوي على تقرير من عملينا السري داخل المصنع ، يبين خط سير الشحنة ، حتى يمكننا تعقبها وتدميرها . صاحت ( منى ) بدهشة : ـ عميل سري ؟ أجاب ( أدهم ) بابتسامة : ـ إن أحد رجال ( فريدريك أبسن ) في الواقع ، تمكنت مخابراتنا من شرائه بمبلغ ضخم يحتوي على ستة أصفار ، ووعدناه بمبلغ مماثل ، لو أنه ساعدنا في تعقب وإيقاف خط سير الشحنة .. إنه سحر المال يا عزيزتي ، الذي لا يحرك إلا الأوغاد . ثم ناولها الكرة المعدنية قائلاً : ـ هذه الكرة مقسومة إلى نصفين متساويين يا عزيزتي .. افتحيها وأخرجي الورقة التي في داخلها ، وأخبريني أين ستذهب الشحنة . قالت ( منى ) بضعف : ـ لا أعتقد أنه سيمكنني هذا يا سيادة المقدم .. فذراعي تنزف بغزارة ، وأشعر وكأنني سأفقد وعيي . أوقف ( أدهم ) السيارة بصورة مباغتة ، والتفت إليها بجزع قائلاً : ـ هل أصابتك رصاصة من هؤلاء الأوغاد ؟ أومأت برأسها موافقة ، فدار بالسيارة وهو يقول : ـ لابد من علاج ذراعك أولاً . صاحت بضعف : ـ دعنا نلحق بالشحنة أولاً . قال ( أدهم ) بصرامة ، وهو ينطلق نحو مدينة ( تروندهايم ) : ـ ذراعك أولاً أيتها النقيب .. هذا أمر . أرجعت ( منى ) رأسها ، واستندت بضعف إلى مسند مقعدها ، وهي تشعر بالامتنان البالغ تجاه ( أدهم ) ، أما هو فقد انطلق بالسيارة وعقله يعمل بقوة ، محاولاً التوفيق بين إسعاف ( منى ) واللحاق بالشحنة التي تهدد أمن مصر . * * * 12 ـ الانتحاري .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رفع الطبيب الرصاصة التي استخرجها من ذراع ( منى ) في وجه ( أدهم ) وابتسم وهو يقول : ـ ها قد انتهينا يا سيد ( أدهم ) .. ولست أدري إذا كان ما أفعله صحيحاً أم لا ؟! قال ( أدهم ) وهو يتحسس الضمادات التي تغطي الجرح العميق برقبته : ـ لك أن تفعل ما تراه صواباً أيها الطبيب ، فأنا لا أملك ما يؤيد أقوالي . هز كتفيه بلامبالاة ، وقال : ـ لست أحتاج إلى أدلة يا سيد ( أدهم ) ، فكلانا مصري ، يعمل من أجل مصر في ( النرويج ) سواء كنت على حق أم على خطأ ، فسأغامر على أمل أن يؤدي عملي هذا إلى قطرة خير من أجل مصر . صافحه ( أدهم ) بإعجاب وامتنان ، وهو يقول : ـ صدقني يا سدي الطبيب ، أن عملك هذا سيحقق لمصر ما لا يمكنك تصوره . شملت وجه الطبيب المصري المهاجر ابتسامة واسعة ، وهو يقول : ـ يكفيني هذا القول يا سيد ( أدهم ) . عاون ( أدهم ) زميلته على النهوض ، وهو يقول : ـ معذرة يا سيدي .. سنضطر إلى مغادرتك فوراً ، فعملنا يحتاج إلى السرعة : قال الطبيب بدهشة : ـ ولكن هذه الفتاة تحتاج إلى الراحة . ابتسمت ( منى ) ، وقالت : ـ لا عليك يا سيدي .. إن من يعمل مع ( أدهم صبري ) لا يجد الراحة مطلقاً . * * * سألت ( منى ) ( أدهم ) وهو ينطلق في سرعة جنونية : ـ ماذا عن خط سير الشحنة ؟ أجابها ( أدهم ) دون أن يرفع عينيه عن الطريق : ـ خط سير الشحنة يقضي بنقلها عن طريق الشاحنات براً إلى ( أوسلو ) العاصمة ، حيث يتم نقلها بواسطة قطار بضائع إلى ميناء ( ستافنجر ) على بحر الشمال ، ومن هنا تنقل عن طريق البحر إلى ميناء ( كاليه ) الفرنسي ، ثم بالقطار عبر ( فرنسا ) إلى ميناء ( مرسيليا ) ، ومنه عبر البحر المتوسط إلى ( تل أبيب ) . سألته ( منى ) بقلق : ـ وهل تعتقد أنه في إمكاننا اللحاق بالشحنة في ( أوسلو ) ؟ زوى ( أدهم ) ما بين حاجبيه ، وهو يقول : ـ لو أننا فشلنا في ذلك ، فنضطر إلى القيام بخطوة انتحارية ، لا مناص منها أيتها النقيب . * * * صرخت عجلات سيارة ( أدهم ) بصرير مزعج ، عندما توقفت السيارة دفعة واحدة أمام محطة القطار في ( أوسلو ) ، وقفز منها ( أدهم ) و( منى ) ، وأسرعا نحو الباب الرئيسي ، وصاح ( أدهم ) يسأل حارس الباب : ـ هل غادر قطار البضائع المتوجه إلى ( أوسلو ) المحطة ؟ أجاب الرجل في هدوء وبإيماءة من رأسه قبل أن يقول : ـ نعم يا سيدي .. منذ ساعة تقريباً . سأله ( أدهم ) متظاهراً باللامبالاة : ـ وهل حمل شحنة الأسماك المحفوظة ؟ أجاب الرجل مبتسماً : ـ بالطبع يا سيدي .. لقد أشرفت على شحنها بنفسي . ظلت ملامح ( أدهم ) جامدة وهو يقدم شكره للرجل ، أما ( منى ) فقد ظهرت على وجهها خيبة الأمل وهما ينصرفان ، ولكن ( أدهم ) قفز إلى السيارة ، وأشار إليها أن تحذو حذوه ، فقفزت بدورها إلى جواره ، وسألته بإحباط : ـ والآن ماذا سنفعل ؟ قال ( أدهم ) وهو يعاود الانطلاق بالسيارة : ـ من المستحيل اللحاق بالقطار بواسطة السيارة ، فسرعته تبلغ مائة وستين كيلومتراً في الساعة ، والطرق البرية زلجة مغطاة بالثلوج ، لا تصلح للانطلاق بالسيارة ، بنفس السرعة . سألته ( منى ) بتوتر : ـ وماذا بعد ؟ قال ( أدهم ) وهو منطلق بسرعة شديدة : ـ القطار في طريه الآن إلى ( كريستيانسوند ) ، قبل أن يصل إلى ( ستافنجر ) ، ويمكننا اعتراض طريق الشحنة في هذه المنطقة تقريباً . سألته ( منى ) بدهشة : ـ وكيف يمكننا الوصول إلى هناك قبل أن يصل القطار ؟ أجابه ( أدهم ) ، وهو ينحرف إلى طريق جانبي ضيق مغطى بالثلوج : ـ سنقوم باستئجار طائرة صغيرة يا عزيزتي . خرجت من فم ( منى ) صرخة تعجب ، وعادت تسأله بدهشة : ـ ولكن المنطقة هنا شديدة الوعورة ، حسبما أذكر من دروس الجغرافيا ، ولن يمكننا أن نجد شبراً واحداً صالحاً للهبوط . قال بهدوء وفوق شفتيه ابتسامة ساخرة : ـ لهذا سنضطر إلى شراء مظلة هبوط أيتها النقيب . اتسعت عيناها دهشة وهمت بالاعتراض ، ولكنها عادت تضم شفتيها ، وتهز كتفيها ، فقد كانت تعلم جيداً أنه من المستحيل منع عمل قرر أن يقوم به ( أدهم صبري ) . * * * انطلق قطار البضائع يشق طريقه إلى ( كريستيانسوند ) بسرعته البالغة مائة وستين كيلومتراً في الساعة ، وهو يطلق صفيراً عالياً ، منبهاً كل من يدفعه سوء حظه إلى اعتراض طريقه .. وعلى ارتفاع مائتي قدم فوق القطار ، ظهرت طائرة صغيرة ذات محركين .. كان من الواضح أنها تنطلق بسرعة تفوق الحد الأقصى لانطلاقها ، حتى وهي جديدة ، وفي داخلها قال ( أدهم ) لزميلته : ـ ها قد نجحنا بفضل سرعة الطائرة ، واتخاذ الطرق الجوية المختصرة من اللحاق بالقطار ، ولكن لابد لنا من تخطيه بعد أن نتم مهمتنا هنا . ثم تخلَّى عن عجلة القيادة وهو يقول : ـ هيَّا أيتها النقيب .. لنرى مهارتك في القيادة . أسرعت ( منى ) تحتل مقعد القيادة وهي تقول : ـ لن أبلغ نصف مهارتك على أية حال يا سيادة المقدم . فتح ( أدهم ) باب الطائرة ، وشعرت ( منى ) بالبرودة الشديدة ، عندما عبر الهواء المثلج إلى داخل الطائرة ، ولكنها ضمت كتفيها ، وتشبثت بعجلة القيادة ، وسمعت ( أدهم ) يقول : ـ سأتعلق بالسلم الصغير المصنوع من الحبال ، وأهبط على سطح القطار أيتها النقيب .. حاولي المحافظة على سرعة الطائرة ، بحيث تساوي سرعة القطار تقريباً . وقبل أن تنطق ( منى ) بما يفيد سماعها للأوامر ، تعلق ( أدهم ) بالسلم الصغير ، وهو يضم إلى صدره حقيبة كبيرة بعض الشيء ، وشعر بالرياح الشديدة المثلجة ترتطم بوجهه وصدره ، وتدفعه إلى الخلف ، ولكنه أحكم قبضته على السلم ، وتدلَّى بنصفه السفلى نحو سطح القطار .. ولو أن رجلاً آخر في وضع ( أدهم صبري ) لتجمدت أطرافه من شدة البرد والرياح الثلجية .. ولكن جسد ( أدهم ) كان يفيض بنوع عجيب من الحرارة ، حراس التصميم والحماس وحب مصر .. لم تكد قدما ( أدهم ) تلمسان سطح القطار ، حتى سقط بوجهه على السطح البارد ، وانزلق جسده بشدة ، ولكنه تعلَّق في اللحظة الأخيرة بحافة القطار ، دون أن تفلت قبضته عن الحقيبة التي أمسكها بقوة ، وكأنها تحوي كنزاً بأكمله ، ثم انتظر قليلاً حتى اعتاد جسده على شدة الرياح ، ثم فتح الحقيبة بعناية ، وأخرج منها أسطوانتين من مادة ( ت . ن . ت ) الشديدة التفجير ، وألصقها بواسطة قرص مغناطيسي قوي في سطح العربة التي يقف فوقها .. تحرك ( أدهم ) بسرعة وخفة برغم البرد والرياح ، وأعاد الكرَّة مع كل عربة من عربات القطار ، حتى تأكد أنه قد وزع متفجراته بشكل سليم ، فأسرع يعدو فوق السطح حتى وصل إلى المنطقة التي تفصل القطار عن قاطرة السحب الرئيسية ، فتسلَّل في الفراغ الضيق ، وأخذ يعالج السلسلة التي تصل القطار بالقاطرة محاولاً فصلهما ، وعندما عجز أخرج مسدسه وصوبه إليها وهو يتمتم بسخرية : ـ معذرة أيتها السلسلة المسكينة .. ليس أمامي سوى ذلك . ثم أطلق ست رصاصات متتالية ، تحطمت السلسلة على أثرها ، وانفصل القطار عن المقطورة تماماً .. ازدادت سرعة القاطرة بعد انفصالها ، على حين بدأت سرعة القطار في الانخفاض تدريجياً وببطء ، فأسع ( أدهم ) يصعد سطح القطار وأشار بذراعيه إلى ( منى ) ، التي هبطت بالطائرة حتى أصبحت على ارتفاع ثلاثة أمتار فقط من سطح القطار ، وتدلَّى السلم الصغير وأخذت الرياح تطوحه بعيداً ، ولكن الوقت لم يكن يسمح بالتردد ، فجمع ( أدهم ) قوته ، وألقى بالحقيبة الفارغة بعيداً ، ثم قفز ليتعلَّق بالسلم .. ولأول مرة أخطأ تصويب ( أدهم ) ، بسبب الرياح التي تهز السلم بقوة .. فوجد يديه متعلقتين بالهواء ، وجسده يهوي نحو الأرض بسرعة وقوة . * * * |
الساعة الآن 02:09 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية