منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   رجل المستحيل (https://www.liilas.com/vb3/f156/)
-   -   (رواية) 20 - ثعلب الثلوج (مكتوبة) (https://www.liilas.com/vb3/t16616.html)

منى توفيق 19-08-06 04:25 AM

20 - ثعلب الثلوج (مكتوبة)
 
أصدقائي وصديقاتي :friends:
بفضل الله تعالى وتشجيعكم ها أنا ذا أعرض لكم قصة ( ثعلب الثلوج )
ها نحن نبدأ
** بسم الله الرحمن الرحيم **

1 ـ مهمة عاجلة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ألقى مدير المخابرات المصرية نظرة للمرة العاشرة ، نظرة مستفيضة على التقرير الموضوع أمامه من ورقة واحدة ، وعاد يقرؤه بإمعان ، وهو ينقر بأطراف أصابعه على سطح مكتبه بتوتر وقلق واضحين ، ولم يلبث أن ضغط على زر جهاز ( الدكتافون ) الموضوع إلى جواره ، وقال بعصبية وضيق :
ـ ألم يصل المقدم ( أدهم صبري ) بعد ؟
أجابه مدير مكتبه :
ـ نحن في انتظاره يا سيدي .. لقد عاد مساء أمس فقط من الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد أن أنهى قضية شبكة الجاسوسية الخاصة بـ ( جيمس براند ) ، ولا ريب أنه لا يزال مستغرقاً في نومه ، فنحن في السادسة صباحاً .
تمتم مدير المخابرات بحنق :
ـ هراء .. إن ( أدهم ) يستيقظ في الخامسة والنصف دائماً ، حتى ولو أوى إلى فراشه في الرابعة .
نمَّ صوت مدير مكتبه عن الارتياح ، وهو يتنهد قائلاً :
ـ ها هو ذا يا سيدي .. لقد ول توَّاً .
ثم أردف بلهجة تدل على الدهشة :
ـ وفي كامل نشاطه بصورة تبث على الدهشة .
قال مدير المخابرات بلهفة ، قبل أن ينهي الاتصال :
ـ حسناً .. حسناً .. دعه يدخل في الحال .
وما أن اعتدل في مقعده ، حتى سمع صوت طرقات مهذبة على باب غرفته ، فصاح يدعو ( أدهم ) إلى الدخول ،ولم يكد ينطق بالكلمة ، حتى فتح ( أدهم ) الباب ، ودخل إلى الحجرة بهدوئه المعهود ، وعلى شفتيه ابتسامته الشهيرة ، التي تجمع ما بين كثير من الثقة بالنفس ولمحة من السخرية .. وهو يقول :
ـ صباح الخير يا سيادة المدير .. لقد أرسلت في طلبي .
أشار مدير المخابرات إلى مقعد قريب وهو يقول :
ـ اجلس أيها المقدم .. لدي هنا مهمة عاجلة معقدة ، تحتاج إلى رجل من نوعك .
ثم تناول التقرير الموضوع أمامه وقال :
ـ لقد تلقيت في الرابعة صباحاً ، تقريراً عاجلاً غاية في الخطورة ، من أحد عملائنا الموثوق بهم في جنوب إفريقيا ، يقول : إن شحنة اليورانيوم قد تم شحنها إلى أحد المصانع الكبرى بمدينة ( تروندهايم ) في ( النرويج ) ، بحجة استخدامها في بعض الأغراض الصناعية ، ولكن واقع الأمر أنه سيعاد شحنها ، بعد تعبئتها في علب الأسماك المحفوظة ، إلى أكثر الدول عداءً للعرب ، في منطقة الشرق الأوسط ، لاستخدامها في صنع واحد من أخطر أسلحة العصر الحديث .
ثم صمت لحظة وأردف قائلاً :
ـ القنبلة الذرية .
قطب ( أدهم ) حاجبيه وقال :
ـ وهل وصلت الشحنة إلى ( النرويج ) بالفعل ؟
هز مدير المخابرات رأسه نفياً وقال :
ـ ليس بعد يا ( ن ـ 1 ) .. ولكنها ستكون هناك في العاشرة من مساء اليوم بتوقيت القاهرة .
وتنهد بعمق قبل أن يستطرد قائلاً :
ـ ولا بد من منع وصول هذه الشحنة إلى تلك الدولة المعادية لنا بأية طريقة أيها المقدم .. لا بد من تدمير الشحنة على أرض ( النرويج ) .
نهض ( أدهم ) بهدوء وقال :
ـ متى سننطلق أنا والنقيب ( منى ) إلى ( النرويج ) يا سيدي ؟
تناول مدير المخابرات ملفاً صغيراً من جواره ، ناوله ( أدهم ) قائلاً :
ـ ليست لدينا إلا معلومات قليلة للغاية يا ( ن ـ 1 ) .. اسم المصنع ، واسم صاحبه ، ومستورد الشحنة ، وسيكون عليك وزميلتك البحث عن باقي المعلومات اللازمة .. أما عن موعد السفر فهو التاسعة والنصف صباحاً ، أي بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة من الآن ، وستجد زميلتك في انتظارك في مطار القاهرة الدولي .
ثم مد يده يصافح ( أدهم ) ، وهو يقول باختصار :
ـ وفقكما الله أيها المقدم .. أمن جمهورية مصر العربية بين أيديكما .
ابتسم ( أدهم ) وهو يقول بهدوء :
ـ لن يهتز أمن مصر يا سيدي .. أعدك بذلك .
* * *
2 ـ تحت سماء النرويج ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تطلعت النقيب ( منى توفيق ) بدهشة إلى قرص الشمس الأحمر الضخم في الأفق ، وقالت وهي تهز كتفيها بتعجب :
ـ يا إلهي !! إنها المرة الأولى التي أرى فيها قرص الشمس في منتصف الليل .. لم يكن باستطاعتي حتى تصور إمكانية حدوث ذلك !!
ضحك ( أدهم ) وهو يقول :
ـ ولِمَ يا عزيزتي ؟ .. هذه واحدة من الظواهر القطبية الشمالية المعروفة .. التي تشتهر بها ( النرويج ) .. فدوران الأرض حول محورها يؤدي إلى وجود ستة أشهر من سطوع الشمس .. وأخرى من الغروب التام في القطب الشمالي والدول الإسكندنافية مثل ( النرويج ) .. وهذه الظاهرة معروفة باسم ( شمس منتصف الليل ) .
عادت تهز كتفيها بتعجب ، ثم ارتجفت وهي تتطلع عبر نافذة الغرفة ، إلى الثلوج التي تغطي كل شيء بالخارج ، وقالت :
ـ تصور أن مجرد مرأى هذه الثلوج الكثيفة ، يبعث في جسدي قشعريرة البرد ، برغم جو الغرفة الدافئ بسبب أجهزة التكييف .
هز هو كتفيه هذه المرة وقال :
ـ مسألة تعود ليس إلا ..
ثم أردف بجدية واهتمام :
ـ والآن دعينا من الثلوج وشمس منتصف الليل ، ولنتحدث في المهمة التي أسندت إلينا .
وضمَّ كفيه أمام وجهه مستطرداً :
ـ لقد وضحت التحريات التي قمنا بها صباح اليوم ، أن هذا المصنع ملك لرجل أعمال نرويجي ، يدعى ( فريدريك أبسن ) ، في الأربعين من عمره ، وأنه يقيم معظم العام في ( أوسلو ) العاصمة ، وأنه من الشخصيات المعرفة ، ذات السمعة الطيبة هنا ، ولا أكتمك القول إنني أشك في تعامله مع رجال ( الموساد ) منذ فتره طويلة .
عقدت ( منى ) ساعديها أمام صدرها ، وهي تكمل قائلة :
ـ ولا تنس أن تحرياتنا قد أكدت وصول الشحنة بالفعل إلى المصنع صباح اليوم يا سيادة المقدم .
نهض ( أدهم ) وفتح حقيبته الصغيرة ليخرج منها علبة من الخشب ، وهو يقول :
ـ لا تشغلك هذه النقطة أيتها النقيب ، فتقسيم شحنة من اليورانيوم وتعبئتها في علب الأسماك المحفوظة ، وإعادة شحنها إلى دولة أخرى ، يحتاج إلى وقت ليس بالقصير .
وبهدوء تناول من العلبة الخشبية مسدسه قصير الماسورة ، من النوع ذي الساقية ، ورفعه أمام وجهه وهو يقول بلهجته الساخرة :
ـ وفي هذه الأثناء سنعمل نحن على إبادة الشحنة ، حتى لو اقتضى الأمر تحطيم مصانع ( فريدريك أبسن ) بأكملها .
* * *
داخل فيلا أنيقة للغاية على ساحل ( تروندهايم ) ، جلس رجل في حدود الأربعين من عمره ، وسيم الملامح ، مستقيم الأنف ، مدبب الذقن ، رفيع الحاجبين ، واسع العينين ، أزرق الحدقتين ، ناعم الشعر أسوده ، إلا من الأجزاء الملاصقة لأذنيه ، فقد وخطهما الشيب بشكل زاد ملامحه وسامة وأناقة ..
كان يطالع بعض الأوراق بين يديه ، وقد وضع ساقاً فوق أخرى ، عندما اقترب منه أحد خدمه بزيه الأنيق ، وانحنى أمامه باحترام بالغ قائلاً :
ـ لقد وصلت الآنسة ( سونيا جراهام ) يا سيدي .
زينت وجه ( فريدريك ) ابتسامة أنيقة ، وارتفع حاجباه وهو يقول :
ـ ادعها للدخول يا ( جون ) .. لقد كنت أنتظرها بفارغ الصبر .
لم تكد ( سونيا ) تخطو داخل الردهة الواسعة ، حتى قفز ( فريدريك ) واقفاً على قدميه ، وقد اتسعت عيناه دهشة ، وتدلت فكه السفلى ذهولاً .. ولم يلبث أن تمالك جأشه بسرعة ، وأسرع نحوها يتناول كفها الرقيق بين كفيه وهو يقول مبهوراً :
ـ معذرة يا سيدتي .. لقد أدهشني جمالك الساحر في البداية .. فلم أتصور مطلقاً أن تعمل فتاة باهرة الحسن والرقة مثلك في رجال المخابرات .
صدمه صوتها الجاف القاسي ، وهي تقول ببرود :
ـ ومن أدراك أنني حقاً ( سونيا جراهام ) ؟
تلعثم ( فريدريك ) ، وبدا الارتباك واضحاً في صوته ، وهو يقول :
ـ لقد أخبروني بقدومك مسبقاً .
زوت ما بين حاجبيها ، وهي تجلس على أقرب المقاعد إليها ، قائلة ببرود شديد :
ـ ولكنهم لم يرسلوا إليك صورتي يا مستر ( أبسن ) .
تطلع إليها ( فريدريك ) بدهشة وهلة ، ثم تحولت دهشته إلى ابتسامة عريضة ، وهو يضرب جبهته براحته قائلاً:
ـ معذرة يا عزيزتي .. لقد أنساني جمالك المبهر إلقاء كلمة السر .
تراقصت ابتسامة ساخرة على طرف فمها الرقيق ، وهي تقول :
ـ هكذا ! .. وما هي إذن ؟
هَمَّ ( فريدريك ) بنطق كلمة السر ، ثم توقف فجأة وزوى ما بين عينيه ، قائلاً :
ـ مهلاً .. لقد كان من المفروض أن تنطقيها أولاً .
انطلقت من فم ( سونيا ) ضحكة عالية ساخرة ، وتراجع رأسها الجميل إلى الخلف ، وهي تهز ساقها بصورة تهكمية ، أثارت غضب ( فريدريك ) إلى درجة كبيرة ، فصاح في وجهها في حنق :
ـ كفّي أيتها اللعينة !!
توقفت ( سونيا ) عن الضحك ، ونظرت إليه دون أن تفارقها ابتسامتها الساخرة ، على حين استطرد هو في غضب :
ـ ينبغي أن تعلمي جيداً أن هذه ليست الوسيلة الصحيحة للتعامل مع ( فريدريك أبسن ) .. لقد أردت استقبالك بصورة صحيحة ، احتراماً لتعاملي الطويل مع دولتك ، ولكنك أفسدت الأمر بأسلوبك السخيف المتغطرس .. وأنا لا أحب أن يعاملني أحد بهذه الطريقة .. إنني مستعد لإلقاء الشحنة بأكملها في البحر لو أن ..
قاطعته وهي تقول بصوت غاية في الرقة :
ـ لِمَ كل هذا الغضب يا عزيزي ( أبسن ) .. لقد كنت أداعبك فحسب .
توقف ( فريدريك ) عن الاستطراد في عباراته الغاضبة ، وبدا وكأنه يزن الأمر في عقله ، ثم لم يلبث أن لانت ملامحه ، وابتسم وهو يقول :
ـ مرحباً بك في ( النرويج ) يا عزيزتي ( سونيا ) .
افترَّ ثغر ( سونيا جراهام ) عن ابتسامة ساحرة ، وهي تقول :
ـ كيف حال شمس ( النرويج ) ؟
غمز بعينيه ، وهو يقول :
ـ لن تغوص في البحر قبل ستة أشهر .
ضحكت ( سونيا ) برقة ، فقد تم تبادل كلمات السر ، ثم نهضت فجأة وهي تقول :
ـ سيكون من دواعي سروري أن تجد لي فراشاً وثيراً يا مستر ( أبسن ) .. فقد وصلت توَّاً بعد رحلة شاقة ، وأحتاج إلى وقت طويل من الراحة ، حتى يمكنني التفكير بصورة سليمة .
تناول ( فريدريك ) كفها ، وانحنى يقبل أناملها الرقيقة ، بشكل دبلوماسي ، وهو يقول :
ـ على الرحب والسعة يا عزيزتي .. منزل ( فريدريك أبسن ) بأكمله تحت أمرك .
ابتسمت ( سونيا ) في وجهه ابتسامة جذابة ، وما أن استدار لينادي خادمه ، حتى تحولت ملامحها إلى الشراسة ، وتمتمت بصوت خافت إلى درجة غير مسموعة :
ـ سأتملقك حتى يتم نقل الشحنة يا مستر ( أبسن ) ، وبعدها سأعلمك كيف تعامل ( سونيا جراهام ) ، أيها الوغد الأنيق .
* * *
3 ـ في مواجهة الخطر ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تطلعت ( سونيا ) بسعادة ، إلى الصندوقين الخشبيين الضخمين ، اللذين يحويان شحنة اليورانيوم الواردة من جنوب إفريقيا ، ثم التفتت إلى ( فريدريك ) وقالت :
ـ الصندوقان مبطنان بالرصاص يا مستر ( أبسن ) .. أليس كذلك ؟
أومأ بأسه موافقاً ، وقال :
ـ تماماً كما يحدث مع علب الأسماك المحفوظة يا عزيزتي ( سونيا ) .
ابتسمت في وجهه ابتسامة مغرية ، وهي تداعب رباط عنقه قائلة :
ـ هذا رائع .. سيزداد وزنها كثيراً ، ولكنها لن تنفذ أشعة المعدن الثمين يا مستر ( أبسن ) .. هل رأيت كيف تعمل مخابراتنا ؟ .. كل شيء مرسوم بدقة بالغة .
هَمَّ ( فريدريك ) بالتعقيب على قولها ، ولكن أحد رجاله قاطعه ، عندما اقترب منه قائلاً :
ـ هناك رجل يصر على مقابلتك يا سيدي ، وليس لديه موعد سابق .
قطب ( فريدريك ) حاجبيه ، وظهر الاهتمام على وجه ( سونيا ) ، وهي تسأل الرجل :
ـ ومن هذا الرجل ؟ .. ولماذا جاء ؟
أجاب الرجل :
ـ رجل أعمال مصري يدعى ( إبراهيم صفوت ) ، يقول إنه جاء للتباحث بشأن استيراد الأسماك المحفوظة .
زوت ( سونيا ) ما بين حاجبيها بقلق ، وهي تقول :
ـ مصري ؟ .. ولماذا الآن بالذات ؟
أشار ( فريدريك ) للرجل بالانصراف ، وسألها باهتمام :
ـ فيمَ تفكرين يا عزيزتي ؟
هزت ( سونيا ) كتفيها ، وقالت :
ـ لست أدري ، ولكن من المثير للشك أن يحضر مصري لمقابلتك في هذه الظروف بالذات .. إن هؤلاء المصريين ....
ثم بترت عبارتها وهي تعض على شفتيها ، فسألها ( فريدريك ) بقلق :
ـ هل تظنين أنهم قد كشفوا الأمر ؟
هزت كتفيها مرة أخرى ، وقالت :
ـ لست أدري .. ولكن لي تجربة مريرة مع أحد ضباط المخابرات المصرية في الولايات المتحدة ، لم يمضِ عليها أسبوع واحد ..
سألها ( فريدريك ) :
ـ هل هزمك هناك ؟
قطبت حاجبيها وهي تقول بحنق :
ـ إنه ليس رجل مخابرات عادياً .. إنه شيطان بشري و .....
ثم هزت رأسها وكأنها تنفض عنها التفكير في الأمر ، وقالت :
ـ دعنا من هذا ، ولتذهب لمقابلة هذا المصري ، فالشوق يتملكني لمعرفة الأمر الذي قدم بشأنه .
سألها ( فريدريك ) :
ـ هل ستحضرين المقابلة ؟
ابتسمت ابتسامة ساخرة ، وهي تقول :
ـ لا بالطبع .. ولكنني سأختلس النظر والسمع في غرفة السكرتيرة الملحقة بغرفتك .
* * *
زوى ( فريدريك أبسن ) ما بين عينيه ، وهو يتطلع إلى زائره باهتمام وفضول .. كان رجلاً في العقد الخامس من العمر كما تدل ملامحه ، وتجعيدات وجهه .. أسمر البشرة أشيب الشعر ، كث الشارب ، كثيف الحاجبين .. وعندما تحدث خرج صوته من بين شفتيه أجش مبحوحاً وهو يقول :
ـ مستر ( أبسن ) .. تسعدني مقابلتك .. لقد حضرت من القاهرة خصيصاً ، للتفاوض معك ، بشأن استيراد الأسماك المحفوظة التي تنتجها مصانعك .
صافحه ( فريدريك ) بشكل رسمي ، ثم جلس خلف مكتبه صامتاً ، يتأمل وجه الرجل قبل أن يقول :
ـ ولماذا أسماك مصانعي بالذات يا مستر ( صفوت ) ؟
جلس الرجل ببطء يدل على إصابته بشيء من تصلب العظام ، وقال :
ـ لا تبخس نفسك قدرها يا مستر ( أبسن ) .. إن شهرة أسماكك المحفوظة تفوق الوصف .
ابتسم ( فريدريك ) ابتسامة واثقة ، واستكان في مقعده ، وبدأت لهجته تكتسي بالود ، وهو يقول :
ـ حسناً يا مستر ( صفوت ) .. إن هذا يسعدني بالفعل .. كم يمكنك التعاقد بشأنها ؟
ابتسم ( إبراهيم صفوت ) وقال :
ـ هذا الأمر يحتاج إلى أكثر من زيارة واحدة يا مستر ( أبسن ) ، المهم هو موافقتك المبدئية على التعامل معي .
لم يكد ( إبراهيم صفوت ) ينصرف بعد انتهاء التباحث ، حتى فتحت ( سونيا ) الباب الموصل بين مكتب ( فريدريك ) وسكرتيرته ، ودخلت إليه قائلة :
ـ كيف وجدته ؟
أشار ( فريدريك ) بذراعيه إشارة ذات معنى ، وهو يقول :
ـ رجل أعمال مصري .. صدقيني يا عزيزتي ( سونيا ) .. إنه رجل لا غبار عليه .
ابتسمت ( سونيا ) بمرارة وسخرية ، وهي تقول :
ـ لا غبار عليه ؟! .. يا لك من أحمق يا مستر ( أبسن ) .
نظر إليها ( فريدريك ) بحنق صائحاً :
ـ ماذا تعنين أيتها الـ ....
قاطعته وهي تشير إلى باب مكتبه ، قائلة بحنق شديد :
ـ كُف عن غطرستك هذه يا مستر ( أبسن ) .. إن زائرك هذا لن يخدعني ، حتى ولو كان إمبراطور التنكر في العالم .
نظر إليها ( فريدريك ) بدهشة وتساؤل ، فاستطردت بغضب :
ـ إن هذا الرجل ما هو إلا ضابط مخابرات مصري .. إنه ذلك الشيطان الذي كنت أتحدث معك عنه منذ لحظات .. إنه ( أدهم صبري ) .
* * *

منى توفيق 19-08-06 04:29 AM

أنتظر ردودكم
 
[frame="2 80"]أرجو أن يكون الجزء السابق قد نال إعجابكم
وأنا بانتظار ردودكم لإكمال باقي القصة

مع تحيات ;)
منى توفيق :flowers2:
[/frame]

^RAYAHEEN^ 19-08-06 07:53 AM

منى توفيق
الله يعطيكي الف عافية ياااااارب
مجهود عظيم ورائع
ورغبة اكيدة في انك تخلينا نستمتع بقراءة الرواية
الله يحفظك يا رب
منتظرين بقية الرواية ،،،

منى توفيق 19-08-06 09:35 AM

شكراً لردك صديقتي RAYAHEEN وأرجو أن تستمتعي وباقي أصدقائي بباقي القصة
** بسم الله الرحمن الرحيم **
{ نعود لقصتنا }

4 ـ واندلعت النيران ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأملت ( منى ) ( أدهم ) بإعجاب وهو يزيل تنكره ، وقالت :
ـ يراودني في بعض الأحيان ، أن براعتك المذهلة في فن التنكر ، لها الفضل الأول في نجاحك الدائم يا ( أدهم ).
ابتسم ( أدهم ) ابتسامة ساخرة ، وقال :
ـ عجباً .. لقد نجحت في كثير من المهام ، دون أن أتنكر مرة واحدة يا عزيزتي .
ضحكت بمرح وهي تقول :
ـ حسناً .. إنني أستسلم .. لن أنجو أبداً من سخريتك اللاذعة .
وقبل أن يتهكم على عبارتها دق جرس الهاتف ، فأسرع يتناوله وهو يحوِّل صوته ببراعة مذهلة إلى صوت ( إبراهيم صفوت ) الأجش المبحوح قائلاً :
ـ هنا ( إبراهيم صفوت ) .. من المتحدث ؟
جاءه صوت ( فريدريك أبسن ) مرحاً يقول :
ـ هاللو مستر ( صفوت ) .. لقد بحثت أمرك مع معاونيَّ جيداً ، وقررت أن أوقع معك العقد على الفور ، نظراً لارتباطي بسفر عاجل إلى ( سويسرا ) .. هل لك في الحضور إلى مكتبي في الحال ؟
صمت أدهم لحظة زوى فيها حاجبيه ، ثم افترَّ ثغره عن ابتسامة ساخرة ، لم يظهر أثرها في صوته وهو يقول بهدوء :
ـ بكل سرور يا مستر ( أبسن ) .. إن ذلك يسعدني للغاية .
دلَّت لهجة ( فريدريك ) على الانتصار ، وهو يقول :
ـ رائع .. سأنتظرك بعد نصف ساعة تماماً .
وما أن وضع ( أدهم ) سماعة الهاتف ، حتى أخرج مسدسه من جيب سترته ليتأكد من حشوه ، وهو يقول بسخرية :
ـ يبدو أن هناك لعبة تعدُّ لإيقاعنا أيتها النقيب .
سألته ( منى ) بقلق :
ـ ماذا تعني ؟
أجابها وهو يعيد مسدسه إلى سترته بهدوء :
ـ إن ( فريدريك أبسن ) يريدني في مصنعه بعد نصف ساعة فقط ، ويدعي أنه سيسافر إلى ( سويسرا ) .. وهو لا يدري أو يتظاهر بأننا لا نعلم شيئاً عن أمره ، وأنه مستحيل أن يغادر ( تروندهايم ) ، قبل أن ينتهي من أمر الشحنة .
قالت ( منى ) بقلق :
ـ لن نذهب إذن .. أليس كذلك ؟
ابتسم ( أدهم ) ابتسامة ساخرة ، وقال وهو يضم قبضته أمام وجهه :
ـ بالعكس يا عزيزتي .. إنني أحتاج إلى بعض النشاط .. ثم إنني أميل إلى اللهو هذا المساء .
وازدادت ابتسامته سخرية ، وهو يقول :
ـ ثم إنه لا يصح أن نصيب السيد ( فريدريك ) بخيبة الأمل ، بعد أن وضع خطته على هذا النحو .
* * *
تملك القلق ( منى ) وهي تتطلع إلى جانبي الطريق في أثناء قيادة ( أدهم ) للسيارة ، في الطريق الموصل إلى مصنع ( فريدريك أبسن ) ، حتى سمعت ( أدهم ) يقول بسخرية :
ـ لا داعي للقلق أيتها الزميلة .. إنهم لن يهاجموننا في الطريق العام .
سألته بحدة :
ـ وأين تتصور أن مهاجمتهم لنا إذن ؟
أجابها ببساطة :
ـ عند وصولنا إلى الطريق الفرعي الخاص بالمصنع ، فهو محاط بالجبال الثلجية ، ويمكن لفيل ضخم الاختباء فيه .. أو داخل المصنع نفسه .
ولم يكد ينهي عبارته حتى انحرف إلى الطريق الجانبي ، قائلاً بتهكم :
ـ ارتدي قفازك أيتها النقيب ، فربما تجبرنا الظروف على مغادرة السيارة ، وأنت تعلمين مدى برودة الجو خارجها .
وعلى ربوة قديمة نفث رجل ضخم بخار الثلج من بين شفتيه ، وهو يتطلع من خلال منظار مقرَّب ، وقال لرفيقه الواقف إلى جواره :
ـ لقد اختفت السيارة خلف تل ثلجي متوسط يا ( جورج ) .
أجابه رفيقه ، وهو يضم ياقة معطفه السميك المصنوع من فراء ( المنك ) :
ـ لا عليك يا ( هنريك ) .. سرعان ما تبدو سيارتهما مرة أخرى بعد اجتيازها التل .. إن هذا الموقع مثالي للمراقبة .
قال ( هنريك ) بقلق :
ـ لقد طال الوقت ، والتل أقصر من أن تقضي السيارة كل هذا الوقت للمرور به .
شعر ( جورج ) بالقلق يكتنفه ، وهو يقول :
ـ ناولني هذا المنظار ، ربما عجزت عن تمييز سيارتهما البيضاء وسط الثلوج التي تغطي كل شيء .
تناول ( جورج ) المنظار المقرب ، ووضعه فوق عينيه ، ودار به يفحص المكان بسرعة ، ولم يلبث أن زوى ما بين حاجبيه قائلاً في توتر :
ـ اللعنة !! أتبخرت السيارة ؟ .. أم ذابت وسط الجليد ؟
قال ( هنريك ) بتردد :
ـ هل نلقي نظرة عن قرب يا ( جورج ) ؟
صمت ( جورج ) مفكراً ، ثم أزاح قطرات الثلج التي تجمدت على أطراف شاربه ، وقال :
ـ يبدو أننا سنضطر إلى ذلك يا ( هنريك ) ، فأوامر مستر ( أبسن ) تقضي بالتخلص من الرجل بأية وسيلة .
قبض كل منهما على مقبض مسدسه الضخم بحرص ، وأخذا يهبطان التل الجليدي بحذر ، ثم اقتربا بهدوء من التل ، وأشار ( جورج ) على صاحبه ، قائلاً :
ـ سيدور كل منا حول التل من اتجاه مختلف عن الآخر ، حتى يمكننا مفاجأتهما .
لم يعترض طريق أحدهما شيء ، وسرعان ما تلاقيا بجوار السيارة البيضاء الساكنة والخالية ، فتطلعا إليها بدهشة وحيرة ، وقال ( هنريك ) وهو يلتفت حوله :
ـ أين ذهب العجوز والفتاة بحق الشيطان ؟
هز ( جورج كتفيه بحيرة ، وه يتطلع حوله بدوره ، قائلاً :
ـ فلأذهب إلى الجحيم ، لو كنت أستطيع إجابة تساؤلك .
ثم أشار فجأة إلى ( هنريك ) أن يصمت ، وعاد يشير بسبابته إلى حذاء حريمي صغير ، يظهر طرفه من خلف تل ثلجي قريب ، وهمس :
ـ يالغباء هذه المرأة !! تختفي وسط الثلوج بحذاء أحمر يشبه بقعة من الدم ، فوق صفحة بيضاء ناصعة !!
واقترب كلاهما بحذر ، وقد أعدَّا مسدسيهما للإطلاق ، وما أن أصبحا على قيد خطوات من الحذاء ، حتى قطب ( جورج ) حاجبيه بغضب ، وقال بحنق :
ـ اللعنة !! إن هذا الحذاء خالٍ تماماً .
وانتفض جسده بغتة ، عندما سمع صوتاً هادئاً ساخراً من خلفه يقول بتهكم :
ـ وماذا كنت تنتظر إذن يا ملك الأغبياء ؟
استدار الرجلان بحدة وسرعة تلائم محترفين مثلهما ، وقد استعدت سبابتهما للضغط على الزناد ، ولكن هيهات .. فغريمهما ليس رجلاً عادياً .. إنه ( أدهم صبري ) الملقب بـ ( رجل المستحيل ) .
* * *
لا يمكن الجزم بان أحد الرجلين قد ميز ملامح خصه .. فقبل أن تكتمل استدارتهما ، كانت قدما ( أدهم ) قد أطاحتا بمسدسيهما ، في قفزة رائعة ، ثم توجهت قبضة ( أدهم ) اليمنى كمطرقة فولاذية ، لتهشم أنف ( هنريك ) ، واندفعت يسراه كالقنبلة في معدة ( جورج ) ، أعقبتها يمناه كالصاعقة تحطم فكَّ هذا الأخير بصوت مسموع ، اختلط بآهـة مكتـومـة ، تدلـت مـن شفتي ( جورج ) قبـل أن يهـوي علـى الجليـد فاعد الوعي ، علـى حيـن ترنح ( هنريك ) ، وحاول رفع كفّه إلى وجهه ، لمسح الدماء التي اختلطت بقطرات الثلج حول أنفه المهشم ، ولكن قبضة ( أدهم ) الحديدية ألصقت كفَّ ( هنريك ) بوجهه ، وفتتت عظام فكه ، وأرسلت به إلى عالم اللاوعي .
مسح ( أدهم ) الدماء مع قبضته بهدوء ، وهو يقول ساخراً :
ـ حسناً .. المرء يحتاج إلى بعض النشاط من آن لآخر .
ابتسمت ( منى ) وهي تتطلع إلى الرجلين ، قائلة لـ ( أدهم ) :
ـ لقد ساعدك معطفك الأبيض على التخفي وسط الثلوج يا سيادة المقدم .
ضحك ( أدهم ) بسخرية ، وولج إلى سيارته قائلاً :
ـ دعابة جيدة أيتها النقيب .. أسرعي بركوب السيارة حتى لا نتأخر عن موعدنا مع السيد ( أبسن ) .
سألته ( منى ) بدهشة ) :
ـ هل ستذهب لمقابلته بعد ذلك ؟
هز كتفيه وهو يقول ساخراً :
ـ ولم لا ؟ .. ما دمت قد وعدته ، فلا بد لنا من الذهاب .
ثم أردف بعبث :
ـ إنني أهوى مشاهدة علامات الخيبة على وجوه أعدائي .
* * *
5 ـ رصاصة الموت ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتفض ( فريدريك أبسن ) في مقعده ، وهو يصيح في وجه سكرتيرته بدهشة :
ـ ماذا ؟! .. هل وصل مستر ( صفوت ) إلى هنا حياً ؟ .. أقصد هل وصل في موعده ؟
أجابته السكرتيرة بدهشة مماثلة :
ـ نعم يا سيدي ، وهو ينتظر في غرفتي حتى تسمح له بالدخول ، وبصحبته سكرتيرته .
التفت ( فريدريك ) إلى ( سونيا ) ، وسألها بدهشة :
ـ كيف أمكنك استنتاج ذلك ؟ .. كيف جزمت منذ دقيقة واحدة أنه سيصل سليماً في موعده ؟
ابتسمت ( سونيا ) بدهاء ، وقالت :
ـ لدينا ملف كامل عن هذا الشيطان يا مستر ( أبسن ) .. ومن العسير تصور مهاراته وقدرته ، ما لم يتعامل معه المرء شخصياً .
ثم التفتت إلى سكرتيرة ( فريدريك ) ، وقالت بلهجة آمرة :
ـ دعيه يدخل وسكرتيرته .. وثقي أن رؤيتي ستكون مفاجأة له .. آخر مفاجآت حياته .
* * *
لم يكد ( أدهم ) و( منى ) يخطوان داخل حجرة ( فريدريك أبسن ) ، حتى تراجعت ( منى ) خطوة إلى الوراء ،
واتسعت عيناها دهشة وذعراً ، على حين ابتسم ( أدهم ) بسخرية وضحك ، وهو يقول :
ـ مرحى يا عزيزتي ( سونيا ) .. هل سمحوا لك بالعمل مرة أخري ، بعد هزيمتك الساحقة في ( تكساس ) ؟
اتسعت عينا ( سونيا ) دهشة على الرغم منها ، وهي تصوب إليهما مسدساً ضخماً تدور أصابعها حول مقبضه بصعوبة ، وقالت :
ـ عجباً .. إنك لم تحاول حتى التظاهر بالعكس يا مستر ( صبري ) ، برغم أنك متنكر ببراعة فائقة .
هز ( أدهم ) كتفيه ببساطة وبلا مبالاة ، وهو يقول :
ـ ولم يا عزيزتي ( سونيا ) ؟ .. إنني لا أحب إضاعة الوقت فيما لا يفيد ، وكلانا يعلم جيداً أنك الوحيدة في مخابرات دولتك ، القادرة على تعرُّفي مهما تنكرت ، بسبب شكل أذني .
ثم التفت إلى ( منى ) قائلاً بسخرية :
ـ ذكريني حتى أخفي أذني في المرة القادمة يا زميلتي العزيزة .
رفعت ( سونيا ) حاجبيها إلى أعلى ، وقالت :
ـ أنت متفائل للغاية يا مستر ( أدهم ) .. أؤكد لك أنه لن تكون هناك مرة قادمة .
ابتسم بتهكم ، وقال وهو يعقد ساعديه أمام صدره :
ـ ومن يضمن ذلك يا صغيرتي ؟
صوبت ( سونيا ) مسدسها إلى صدره ، وقالت بعزم :
ـ رصاصات مسدسي تضمن ذلك ، أيها الشيطان المصري .
تكلم ( فريدريك ) لأول مرة منذ دخول ( أدهم ) و( منى ) ، فقال بحنق :
ـ لحظة يا ( سونيا ) .. إنني لا أسمح بقتلهما في مكتبي .
ابتسمت ( سونيا ) بسخرية ، وقالت :
ـ يا للرقة !! أتخشى رؤية الدماء ؟ أم أنك تحبذ لا فكرة القتل ؟
صاح ( فريدريك ) بعصبية :
ـ إنني لا أحب إثارة المتاعب دونما ضرورة ، وأنت تعلمين أنني قد أرسلت ( هنريك ) و( جورج ) للتخلص منهما و ....
قاطعه ( أدهم ) ضاحكاً بسخرية وقائلاً :
ـ هل تقصد السخيفين اللذين اعترضا طريقنا ؟ .. نسيت أن أخبرك أنهما في حالة سيئة وسط الثلوج .
ضغطت ( سونيا ) على أسنانها وهي تقول لـ ( فريدريك ) ، الذي احتقن وجهه غضباً :
ـ هل رأيت نوعية هذا الشيطان المصري ؟ .. صدقني .. الوسيلة الوحيدة للتخلص منه هي قتله دونما تردد ، ما دامت الفرصة سانحة .
رفع ( أدهم ) راحته أمام وجهه ، وهو يقول بسخرية :
ـ لحظة يا عزيزتي ( سونيا ) .. هل تسمحين لي بخلع معطفي ؟
ومد يده إلى معطفه وكأنه يهم بخلعه ، ولكن ( سونيا ) صاحت بلهجة آمرة :
ـ توقف يا مستر ( صبري ) .. كُف عن خداعك هذا .
ابتسم ( أدهم ) بخبث ، وقال :
ـ هل تظنين أنني أعمد إلى خطة ما ، عندما أطلب خلع معطفي ؟
قالت بصرامة وضيق :
ـ بالتأكيد .
ضمَّ (أدهم ) كفيه أمامه ، وقال بهدوء :
ـ حسناً يا عزيزتي ( سونيا ) .. لن أفسد متعتك .. أطلقي النار على قلبي مباشرة .
صاحت ( منى ) فجأة :
ـ كلا .. أنني أفضل الموت عن ....
وبترت عبارتها فجأة ، وتخضب وجهها بحمرة الخجل ، فانطلقت من فم ( سونيا ) ضحكة ساخرة عالية ، وقالت وهي تسدد مسدسها نحو قلب ( أدهم ) بإحكام :
ـ يا للعاطفة الرقيقة !! إنها فرصة نادرة أن أجد نفسي أنا ( سونيا جراهام ) ، وسط كل هذا الفيضان من العواطف الجياشة .
واكتست ملامحها الرقيقة فجأة بشراسة رهيبة ، ألقت الرعب في قلب ( منى ) وهي تقول بقسوة :
ـ وداعاً يا رجل المخابرات المصري .. لا تقلق على زميلتك ، سأرسلها خلفك في الحال .
ابتسم ( أدهم ) بسخرية شديدة ، وهو يقول بهدوء :
ـ هيا يا عزيزتي ( سونيا ) .. لقد مللت الانتظار .
وبغضب عارم وتصميم شديد ، ضغطت على زناد مسدسها المزود بكاتم للصوت .. وشهقت ( منى ) ذعراً عندما صوت انطلاق الرصاصة المكتوم ، وهي تعبر فوهة المسدس ، وصوت ارتطامه بصدر ( أدهم ) .. في موضع القلب تماماً .
* * *
6 ـ وثبة الثعلب ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صرخة ( منى ) صرخة قوية ملتاعة ، وهي تغمض عنينها بقوة ، وقد طفرت من منهما دموع اللوعة والأسى،
ولكنها عادت تفتحهما بدهشة بالغة ، عندما سمعت صرخة تموج بالذهول ، تحمل صوت ( سونيا جراهام ) ..
فتحت عينيها ليطالعها مشهد تدلت لها فكها السفلي بذهول .. فقد كان ( أدهم ) بمعطفه الفرائي الأبيض ، يشبه ثعلباً ضخماً من ثعالب الثلوج ، وهو يثب وثبة رشيقة غاية في المهارة نحو ( سونيا ) و( فريدريك ) ، اللذين ملأتهما الدهشة ، حتى تفجرت بأقصى صورها في ملامحهما ، عندما هبط ( أدهم ) أمامهما تماماً ، وامسك بمعصم ( سونيا ) ، ليرفع مسدسها بعيداً عن مدى إصابته ، ويلكم ( فريدريك ) في الوقت ذاته لكمة قوية ساحقة ، ألقت به فوق مكتبه ، فتناثرت محتوياته في الغرفة ، ثم عاد بكفه ليصفع ( سونيا جراهام ) صفقة قوية ، تردد رنينها في الحجرة ، وسقطت هي على أثرها على الأرض دون أن تنطق بكلمة واحدة ..
أسرعة ( سونيا ) واقفة على قدميها ، وقد انطبعت أصابع كف ( أدهم ) الحمراء على خدها الأبيض ، وامتلأت ملامحها بالحنق والغضب والدهشة ، في حين أطلق ( أدهم ) ضحكة ساخرة عالية ، وهو يصوب مسدسه إلى ( سونيا ) و( فريدريك ) ، ويمسك كف ( منى ) الرقيق في راحته ..
صاحت ( منى ) بدهشة :
ـ كيف أمكنك ... ؟
قاطعتها ( سونيا ) بحنق :
ـ هذا ما أود أن أسأله يا فتاة المخابرات .
ضحك ( أدهم ) بسخرية ، وهو يمسك بطرف معطفه قائلاً :
ـ لا ريب أنك تعرفين هذا النوع من المعاطف الواقية من الرصاص ، يا عزيزتي ( سونيا ) .
اتسعت عينا (سونيا ) وهي تقول بذهول :
ـ مستحيل !! إنني لم أتوقع ..
قاطعها ( أدهم ) بسخرية قائلاً :
ـ عجباً !! لِمَ يصر الجميع على أنهم يفاجئون بم أفعل ؟ .. حتى لو تصرفت بصورة بسيطة طبيعية .
وابتسم بخبث ، وهو ينظر في عيني ( سونيا ) مباشرة ، قائلاً :
ـ ولا تنسي يا عزيزتي ( سونيا ) ، أنني عرضت عليك خلع هذا المعطف الواقي من الرصاص ، ولكنك رفضت بإصرار .
تمتمت ( سونيا ) بحنق :
ـ مغرور ..
ضحك ( أدهم ) وهو يقول لـ ( منى ) :
ـ هيا يا زميلتي العزيزة .. سنقيد هذا الوغد ، وهذه الحية الرقطاء ، حتى نغادر المصنع بأمان .
لم يكد ( أدهم ) و( منى ) يغادران الغرفة ، حتى قفزت ( سونيا ) واقفة على قدميها ، وألقت قيودها بعيداً ، وهي تقول بغضب :
ـ يا لهذا المغرور !! أيظن أنه الوحيد الماهر في التخلص من القيود .
نظر إليها ( فريدريك ) بدهشة وصاح :
أسرعي يا عزيزتي ( سونيا ) .. حلّي قيودي .
ـ لحظة يا مستر ( أبسن ) .. لابد أولاً من إبلاغ حراس المصنع ، حتى يمنعوا هذا الشيطان ورفيقته من مغادرة المكان ، حتى ولو اضطروا لقتلهما .
* * *
كان ( أدهم ) يقود السيارة المرسيدس البيضاء بهدوء نحو بوابة الخروج للمصنع ، وهو يقول لـ ( منى ) :
ـ لقد انكشفت خطتنا هذه المرة أيتها النقيب ، وسنضطر إلى العمل بأسلوب حرب العصابات كالعادة .
هزت كتفيها ببساطة ، وهي تغوص في مقعدها قائلة :
ـ لا عليك يا سيادة المقدم .. لقد اعتدت ذلك .
زوى ( أدهم ) ما بين حاجبيه ، وهو يتمتم بسخرية :
ـ يا للسخافة !!
اعتدلت ( منى ) وسألته بقلق :
ـ ماذا حدث ؟
أجابها ( أدهم ) وهو ينحرف بسيارته في صورة مباغتة ، ويزيد من سرعتها في الوقت ذاته :
ـ يبدو أن صديقتنا ( سونيا ) قد نجحت في التخلص من قيودها بأسرع مما توقعت .. فحراس المصنع ينتظروننا وقد أغلقوا البوابة ، وحملوا أسلحتهم في وضع التأهب للقتال .
لم يتم عبارته ، حتى اخترقت رصاصة من رصاصات الحرس زجاج السيارة الخلفي ، ومرقت من الزجاج الأمامي بقوة .. فصاح ( أدهم ) في مرح وهو يعاد الانحراف بسيارته :
ـ يا إلهي !! إن الأوامر قد صدرت بالتخلص منا تماماً يا ( منى ) .
أسرعت ( منى ) تخرج مسدسها من حقيبتها الصغيرة ، وتصوبه نحو الحراس وهي تقول :
ـ حسناً .. لن أدع أمامهم فرصة للندم .
ضحك ( أدهم ) بسخرية ، وهو يقول :
ـ أعيدي مسدسك إلى حقيبتك يا عزيزتي ، وتشبثي بمقعدك جيداً .
لاحظت ( منى ) أنه قد دار بالسيارة ليواجه البوابة مرة أخرى ، ورأته يضع عصا السرعة في الوضع الرابع .. فسألته بدهشة وقلق :
ـ ماذا تنوي أن تفعل يا سيادة المقدم ؟
اندفعت سيارة ( أدهم ) كالصاروخ ، نحو كومة من الخشب مواجهة للبوابة ، وهو يقول بسخرية :
ـ في نيتي أن أحول هذه المرسيدس إلى طائرة أيتها النقيب .
صاحت ( منى ) في ذعر :
ـ لن تحتمل السيارة يا ( أدهم ) .. لن يمكنك أن ....
وتحولت صيحتها إلى صرخة رعب عالية ، عندما ارتطمت عجلتا المرسيدس الأماميتان بكومة الأخشاب ، فأدت سرعتها البالغة إلى ارتفاعها عن الأرض ، وطارت في الهواء عالياً ، مجتازة رجال الحرس وبوابة المصنع ، التي يبلغ ارتفاعها مترين ونصف المتر ، واندفعت تشق الهواء ، في طريقها إلى الأرض المغطاة بالثلوج ، كطائرة تهوي من ارتفاع شاهق وبسرعة بالغة .
* * *

منى توفيق 19-08-06 09:41 AM

[frame="2 80"]أرجو أن يكون هذا القسم أيضاً قد أعجب أصدقائي :friends:

وأرجو أن يسعدهم ما كتبت حتى لا يضيع مجهودي

ويذهب أدراج الرياح ;) وأنا بانتظار ردودكم

مع تحيات
منى توفيق :flowers2:
[/frame]

علاء سيف الدين 19-08-06 11:32 AM

تسلمين أختي الكريمة مني توفيق.

safaeensat 19-08-06 11:02 PM

مشكوووووووووووووووورة اختي القصة رائعة

لو سمحتي البقية


mErCi

منى توفيق 20-08-06 07:30 AM

تكملة القصة
 
والله أنا مش عارفة ماذا أقول لكم ، لقد شوقتموني أنا على نشر باقي القصة :D
** بسم الله الرحمن الرحيم **
{ نعود لمتابعة أحداث قصتنا }


7ـ صراع مع الزمن ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارتجف قلب النقيب ( منى توفيق ) برعب ، فقد ذكرها هذا الموقف بما حدث لها في إحدى مغامراتها ، عندما هبطت بسيارتها فوق سيارة ( دونا ماريا ) ، المهربة الأسبانية الشهيرة على أرض ( السويد ) .. ذلك الموقف الذي أدى إلى إصابتها بإصابات بالغة ، اقتضت بقاءها في فراش المرض ستة أشهر كاملة (1) ...
أما ( أدهم ) فقد كان يبتسم بسخرية ، وكأنما يجد لذة في تحدي الخطر ، وأمسكت قبضتاه بعجلة القيادة في قوة وحرص بالغين .
وبعد ربع دقيقة خيّل لـ ( منى ) أنها استغرقت دهراً كاملاً ، لمست عجلات المرسيدس الأرض ، وتناثرت الثلوج حولها خارج المصنع ، ودارت حول نفسها منزلقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع قصة ( حلفاء الشر ) .. المغامرة رقم ( 12) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوق الثلوج ، في حين ضغط ( ادهم ) على ( فراملها ) بقوة متوسطة ، وهو يعيد ذراع السرعة إلى وضع الصفر ، ويمسك عجلة القيادة بقوة بالغة ..
ولم تكد السيارة تبطئ في انزلاقها ، حتى وضع ( أدهم ) ذراع السرعة في الوضع الأول ، ورفع قدمه عن دواسة ( الفرامل ) ، ليضغط بها بشدة على دواسة الوقود ، في نفس اللحظة التي انطلقت فيها رصاصات الحرس نحو المرسيدس البيضاء ، التي انطلقت بسرعة تدل على مدى مهارة وجرأة قائدها ، مبتعدة عن المصنع ، وفي داخلها أطلق ( أدهم ) ضحكة عالية ، وهو يقول :
ـ وداعاً أيها الأوغاد .. ليس من السهل القضاء على ( أدهم صبري ) .
تنهدت ( منى ) بعمق ، وابتسمت بصعوبة وهي تقول :
ـ يا للغرور !!
أطلق ( أدهم ) ضحكة أخرى عالية ، وانطلق بالسيارة لا يلوي على شيء .
* * *
تأملت ( منى ) بعصبية ( أدهم ) ، الذي انهمك في تغيير ملامحه مرة أخرى ، ولم تتمالك نفسها ، فسألته بحنق :
ـ ماذا تنوي أن تفعل الآن بعد انكشاف خطتنا يا سيادة المقدم ؟
أجابها بسخرية :
ـ أنوي قضاء إجازة الصيف في ( النرويج ) يا عزيزتي .
صاحت بغيظ :
ـ ليس في استطاعتي تحمل دعاباتك هذا المرة يا سيادة المقدم ، فنحن نحاول منع وصول شحنة خطيرة إلى أشد الدول عداء لنا ، ولا يمكننا التنبؤ بالزمن اللازم لذلك .. إننا هذه المرة في صراع مع الزمن .
هز كتفيه بلا مبالاة ، وقال :
ـ إننا هكذا في كل مرة يا عزيزتي .
صاحت بعصبية :
ـ ولكنك تتصرف وحدك ، وكأنني لست هنا .. لابد لي من معرفة ماذا سنفعل ؟
ابتسم ( أدهم ) وهو يضع اللمسات الأخيرة لتنكره ، وقال بهدوء :
ـ هدئي من روعك يا عزيزتي لقد لاحظت مثلي أن ( فريدريك ) و( سونيا ) غير متفقين في أسلوب العمل .. فهو يميل إلى الخطوات الهادئة البعيدة عن المتاعب ، أما هي فلقد حاربت الكثير من الرجال ، ولم أقابل من هو في نفس شراستها .
استعادت ( منى ) هدوءها وهي تسأله :
ـ وبمَ سيفيدنا ذلك ؟
ابتسم بمكر وهو يرفع سماعة الهاتف قائلاً :
ـ سنتبع المبدأ الاستعماري القديم : ( فرق تسد ) .
* * *
تحسست ( سونيا ) بعصبية في غرفة ( فريدريك ) ، وتحسست آثار صفعة ( أدهم ) على خدها في حنق ، ثم صاحت في غضب :
ـ لابد من الإسراع في إرسال الشحنة إلى دولتي يا مستر ( أبسن ) .. متى ينتهي رجالك من إعدادها ؟
قلَّب ( فريدريك ) كفيه ، وقال :
ـ لابد من بعض الوقت يا عزيزتي ( سونيا ) .. لقد انتهى طلاء العلب الصفيحية بالرصاص ، ولكننا نحتاج إلى ثلاثة أيام لتعبئتها .
قاطعته صائحة :
ـ ثلاثة أيام كاملة ؟ .. وهل تعتقد أن هذا الشيطان المصري سيسمح لنا بكل هذا الوقت ؟
قال بغيظ :
ـ الشحنة ضخمة ، وتحتاج إلى عناية خاصة ، ولن يمكنني تجهيزها في أقل من ذلك ، حتى ولو هبطت شياطين الجحيم جميعاً .
صاحت بغضب وهي تشيح بذراعيها :
ـ فليعمل رجالك ليل نهار .. لابد من إنجاز الشحنة في يوم واحد .. إن المخابرات المصرية قد تدخلت في الأمر وأرسلت أخطر رجالها ، وهذا يهدد العملية بالفشل .
احتقن وجه ( فريدريك ) غضباً ، وهمّ بالاعتراض ، ولكن جرس هاتفه الخاص رن في تلك اللحظة ، فكتم غيظه ورفع السماعة بغضب ، وهو يقول :
ـ هنا ( فريدريك أبسن ) من المتحدث ؟
ظهرت الدهشة على وجهه لحظة واحدة ، عندما سمع صوت محدثه الهادئ يقول :
ـ أرجو ألا تتغير ملامحك إذا كانت ( سونيا ) إلا جوارك .. أنا ( أدهم صبري ) .
ازدرد ( فريدريك ) لعابه ، وتمالك أعصابه ، وقال بهدوء مصطنع :
ـ ماذا تريد يا مستر .... ؟
قاطعه ( أدهم ) قائلاً :
ـ أريدك أنت يا مستر ( أبسن ) ، دون أن تعلم ( سونيا جراهام ) بشيء .. أريد أن أتفاوض معك بشأن الشحنة .
اعتدل ( فريدريك ) في مقعده وقال :
ـ كم تطلب بالضبط ؟
قال ( أدهم ) بهدوء :
ـ ثلاثة ملايين دولار .
قال ( فريدريك ) باختصار :
ـ أين ؟
أجابه ( أدهم ) :
ـ في مدينة الملاهي العاملة ( بأوسلو ) .. في التاسعة من مساء اليوم .
ابتسم ( فريدريك ) ابتسامة باهتة ، وقال :
ـ وما الذي سأحصل عليه بالمقابل ؟
ضحك ( أدهم ) ، وقال :
ـ أنت حقاً رجل أعمال يا مستر ( أبسن ) .. حسناً .. سأبتعد عن طريقك تماماً ، ولن أتدخل في أمر الشحنة .. المهم ألا تخبر ( سونيا ) بما اتفقنا عليه ..
ضحك ( فريدريك ) بجذل ، وقال :
ـ اتفقنا .. سأوافيك في الموعد .
ولم يكد ينهي الاتصال ، حتى سألته ( سونيا ) ببرود :
ـ مع من كنت تتحدث يا مستر ( أبسن ) ؟
لوح بكفه علامة اللامبالاة ، وقال :
ـ لا شيء يهم ، إنه أحد عملاء المصنع .. فلنعد إلى حديثنا الهام حول شحنة اليورانيوم .
* * *
8 ـ صراع الأعداء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انعكست أضواء الملاهي الضخمة على زجاج سيارة ( أدهم ) ، وهو يوقفها في المكان المخصص للانتظار ، ويهبط منها بهدوء ، ولم تلبث أن تبعته ( منى ) وهي تقول :
ـ قلبي يحدثني أننا نسير بأقدامنا إلى فخ محكم .
ابتسم ( أدهم ) ، وقال :
ـ لهذا اخترت مدينة الملاهي مكاناً للقاء يا ( منى ) ، فمن العسير إطلاق النار علينا وسط هذا الجمع من البشر .
ضحكت بحنق وهي تقول :
ـ هناك وسائل أخرى للقتل بخلاف الرصاص يا سيادة المقدم .
هز كتفيه بلامبالاة ، وقال وهو يعبر إلى داخل مدينة الملاهي :
ـ فلندع أمرنا للقدر ، يصرّفه كما يشاء يا عزيزتي .
أخذ ( أدهم ) يجول ببصره في أرجاء مدينة الملاهي ، حتى توقف عند لعبة تعتمد على دوران بعض العربات المثبتة في أسطوانة ضخمة ، وأشار بسبابته نحوها وهو يقول بسخرية :
ـ ها هو ذا صديقنا ( فريدريك أبسن ) يا عزيزتي .. سنبدأ خطتنا الجديدة في الحال .
اقترب ( أدهم ) و( منى ) بهدوء إلى ( فريدريك ) ، الذي ظهر التوتر واضحاً على ملامحه ، وهو يتطلع بدهشة إلى ( أدهم ) ، الذي ارتدى منظاراً طبياً ، وصبغ شعره بلون أشقر كالذهب ، وحوَّل عينيه إلى لون في زرقة السماء ، وكسا وجهه بشارب ولحية كثيفين من نفس لون شعره .
صافحه ( أدهم ) بهدوء قائلاً :
ـ دعك من التطلع إلى ملامحي يا مستر (أبسن ) ، فهي تتغير بسرعة تفوق سرعتك في استيعابها ، ودَعنا نتحدث في العمل .. هل أحضرت النقود ؟
مد إليه ( فريدريك ) يده بحقيبة صغيرة ، وهو يقول في ارتباك :
ـ ها هي ذي يا مستر ( صبري ) ، ولكنني أريد وعداً منك بعدم التدخل في أموري مرة أخرى .
ابتسم ( أدهم ) بسخرية قائلاً :
ـ لا تعطني النقود هنا يا مستر ( أبسن ) .. دَعنا نركب إحدى هذه العربات الدوارة أولاً ..
سأله ( فريدريك ) بحيرة وقلق :
ـ ولكن لماذا يا مستر ( صبري ) ؟
قال ( أدهم ) وهو يمسك بذراعه ، ويقوده على شباك التذاكر الخاص باللعبة :
ـ هذه هي أصول العمل يا مستر ( أبسن ) .. سرعان ما تعدادها .
ثم التفت إلى ( منى ) ، وقال بحزم :
ـ لا تتحركي من مكانك يا زميلتي العزيزة ، وسأعود إليك بعد انتهاء مهمتي هذه .
* * *
شعرت ( منى ) ببعض القلق ، عندما شاهدت ( أدهم ) يجلس بجوار ( فريدريك أبسن ) داخل عربة الملاهي الصغيرة ، وتضاعف قلقها بلا مبرر عندما بدأت العربة في الدوران حول الأسطوانة الضخمة ، وأخذت تفرك كفيها بعصبية ، وتنفث من فمها الصغير بخار الثلج بتوتر ، في نفس الوقت الذي ازدادت فيه سرعة الدوران العربة ، كما يحدث عادة في ألعاب الملاهي ..
وفجأة لمحت ( منى ) وجهاً مألوفاً أثار الرجفة في أوصالها ، بالإضافة إلى البرد الشديد .. رأت ( سونيا جراهام ) وهي تتحدث مع الرجل المسئول عن إدارة تلك اللعبة التي يركبها ( أدهم ) و( فريدريك ) ، ورأتها وهي تدس في يده مبلغاً كبيراً من المال ، وفهمت في الحال سبب القلق الذي تشعر به منذ البداية ..
لا ريب أن ( سونيا ) تدبر أمراً ما ، للتخلص من ( أدهم ) و( فريدريك ) .
وقبل أن تخطو ( منى ) خطوة واحدة أو حتى تهم بالصياح لتحذير ( أدهم ) ، أحاط بها رجلان ضخما الجثة ، وشعرت بيد تحمل منديلاً تكمم فمها ، برائحة نفاذة تتصاعد من أنفها إلى مخها ، ثم غابت عن الوعي بين ذراعي أضخم الرجلين ، وهي تحتف في أعماقها لتحذير زميلها .. ( رجل المستحيل ) .
* * *
لم تكد عربة الملاهي الصغيرة تصل إلى سرعتها الثابتة ، حتى عاد ( فريدريك ) يسأل ( أدهم ) بقلق :
ـ ما زلت لا أفهم سبب ركوبنا هذه العربة يا مستر ( صبري ) .. ألم يكن من الأسهل تسليمك الملايين الثلاثة في أرض الملاهي ؟
وجفَّ لعابه فجأة ، فلم يستطع إضافة حرف جديد ، وشحب وجهه للغاية عندما رأى فوجئ بمسدس ( أدهم ) في وجهه ، وسمع صوت هذا الأخير الساخر يقول :
ـ ولكن ( سونيا جراهام ) ترى غير ذلك يا مستر ( أبسن ) .
حرك ( فريدريك أبسن ) لسانه الجاف بصعوبة ، وقال بصوت أجش :
ـ وما صلة ( سونيا جراهام ) بذلك ؟
قال ( أدهم ) في برود ، وهو يسحب إبرة الأمان بمسدسه :
ـ أنت كثير الاعتراض والمناقشة يا مستر ( أبسن ) .. والمخابرات التي تتبعها ( سونيا ) ولا تحب هذا الأسلوب .. ولذلك ....
اتسعت عينا ( فريدريك ) ذعراً ، وصاح :
ـ هل تعني أن ( سونيا جراهام ) كلفتك بقتلي ؟
ابتسم ( أدهم ) بسخرية ، وقال :
ـ إذن فأنت ذكي ، بعكس ما يدَّعون يا مستر ( أبسن ) .. نعم هذا صحيح .. لقد كلفتني ( سونيا جراهام ) شخصياً التخلص منك .
وفجأة شعر ( أدهم ) بغثيان شديد ، وبأن عينيه تكادان تغادران محجريهما ، وبدوار شديد .. أما ( فريدريك ) فقد تقيأ بالفعل ، وهو يتمتم بصوت مريض :
ـ اللعنة !! هذه العربة تدور بسرعة تفوق المعتاد .
وفي تلك اللحظة كان العامل المسئول عن إدارة اللعبة يسأل ( سونيا ) بدهشة :
ـ إلام تهدفين يا سيدتي .. إن دوران اللعبة حتى بضعف هذه السرعة لن يقتل أحداً .
ابتسمت ( سونيا ) بشراسة ، قالت :
ـ إنها مجرد دعابة أيها الرجل .. كما سبق أن أخبرتك .
ثم قالت لنفسها بصوت خفيض لا يكاد يُسمع :
ـ صحيح أن ذلك لن يقتل ( أدهم صبري ) ، ولكنه حينما يهبط من اللعبة ، لن يصبح قادراً على تصويب مسدسه إلى فيل ضخم في غرفة مغلقة .
* * *
شعر ( أدهم ) بالضغط يزداد على أذنيه ، ولكن رغبته في القيء تلاشت أو كادت مع ثبات السرعة المرتفعة ،
أما ( فريدريك ) فقد الوعي تماماً ، مما ساعد ( أدهم ) على التفكير في الأمر بهدوء ..
كان يعلم بحكم خبرته في الطيران أن استمرار الدوران بهذه السرعة الشديدة ، سيؤدي بالضرورة على تحطم طبلتي أذنيه ، وأنه من الضروري إيقاف هذه العربة قبل أن يصل الموقف إلى هذه النقطة ..
حلَّ ( أدهم ) حزام الأمان بالعربة الصغيرة ، ثم قاس بنظرة خبيرة المسافة التي تفصله عن الأعمدة الثابتة التي تحيط باللعبة .. واتخذ قراره بسرعة ..
وأمام عيون رواد مدينة الملاهي الذين تملكهم الفزع ، قفز ( أدهم صبري ) من العربة التي تدور بسرعة تزيد على المائتي كيلومتر في الساعة ، وأصابعه مفتوحة ، وذراعاه ممدودتان في رحلة نحو الحياة .. أو الموت .
* * *
9 ـ الشيطان والأفعى ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان أكثر رواد الملاهي ذهولاً هما ( سوني جراهام ) والعامل المسئول عن إدارة اللعبة ، فقد طار ( أدهم ) في الهواء كالصاروخ ، قبل أن تتشبث كفاه في إحدى القوائم الرأسية المحيطة باللعبة ، في قوة يعجز عنها البشر ، ثم يدور بجسده دورة أفقية كمروحة الهليكوبتر ويفتح كفيه ، لينطلق نحو الغرفة الزجاجية التي تحوي آلات قيادة باللعبة ، ويخترقها كالقنبلة محطماً زجاجها في دوي شديد ، وهابطاً فوق العامل المسئول تماماً ..
سقط العامل بفعل الثقل ، وهو يطلق صيحة تجمع ما بين الجزع والدهشة والألم ، وأسرعت ( سونيا ) ترفع مسدسها الصغير في وجه ( أدهم ) ، ولكن ( أدهم ) قفز واقفاً على قدميه ، دون أن يهتم ببقايا الزجاج المتناثرة على سترته ، وأطار مسدس ( سونيا ) بضربة قوية من كفه ، ثم أمسك بوسطها ورفعها في الهواء كدمية صغيرة ، ورفعها لترتطم بالحائط الوحيد في الغرفة ، وهو يقول في سخرية لاذعة :
ـ فشل آخر يا عزيزتي ( سونيا ) .
صرخت ( سونيا ) من الألم والفشل ، عندما ارتطم ظهرها بالحائط ، وبذلت جهداَ شديداً وتحتفظ بتوازنها ، ولكن ( أدهم ) عاد يصفعها صفعة قوية ، ألقت بها أرضاً مرة أخرى ، وتهدلت خصلات شعرها الناعم على وجهها ، فأزاحتها بحنق وهي تحدق في وجه ( ادهم ) بشراسة ، وسمعته يقول بسخرية :
ـ ما رأيك لو أغلقت ملفك الحافل في مخابرات دولتك الآن ؟
نهضت ببطء وهي تقول بقسوة وغضب :
ـ حاول يا مستر ( أدهم ) .. حاول ولن ترى زميلتك مرة أخرى .
كان رواد الملهى قد تجمعوا وتجمهروا حول اللعبة التي أوقفها ( أدهم ) ، ولاحظ هو عدم وجود ( منى ) ، فأمسك بكف ( سونيا ) ، وجذبها خارج غرفة التحكم ، وهو يقول ببرود أدهشها :
ـ هيا يا عزيزتي ( سونيا ) .. سأدعوك إلى كوب من الشراب في كافيتريا الملاهي ، ريثما نتحدث في شأن زميلتي الغائبة .
* * *
تناولت ( سونيا جراهام ) رشفة من مشروبها المنعش في هدوء ، وكأنها تجالس صديقاً عزيزاً ، ثم وضعت الكوب أمامها ، والتقت نظراتها الماكرة بعيني ( أدهم ) ، وهي تقول في برود :
ـ كل ما أطلبه هو أن تبتعد عن العملية ، حتى يتم نقل الشحنة إلى دولتي يا مستر ( أدهم ) .. وزميلتك هي الثمن .
أدار ( أدهم ) كوب الشراب بين راحتيه لحظة ، ثم قال ساخراً :
ـ وهل تصورت أنني سأقبل هذا النوع من المساومة ؟
ابتسمت وهي تشعل سيجارة رفيعة ، وتقول بهدوء :
ـ نعم يا مستر ( أدهم ) .. فنحن نعلم مدى ارتباطك بزميلتك ، ومدى شهامتكم أيها المصريون .
تراجع ( أدهم ) إلى الخلف قليلاً ، وقال بتهكم واضح :
ـ هكذا ؟! .. وهل تتصورون أنه من الشهامة أن أضحي بالتفوق العسكري لدولتي ، من أجل فتاة ، مهما
بلغت محبتها في قلبي ؟
نظرت إليه بدهشة شديدة ، فأردف بهدوء وبصوت يجمد الدم في العروق :
ـ لا أيتها الوقحة المغرورة .. أنا لا أوافق على هذه الصفقة ، ولكنني أحذرك في الوقت نفسه يا ( سونيا جراهام ) .. لو أنكم مسستم شعرة واحدة من جسد ( منى ) ، فإنني أقسم بأن النمل نفسه سيعجز عن العثور على بقاياك ، أو بقايا أي عميل من عملاء دولتك ، يلقيه سوء حظه في طريقي .
وبرغم برود أعصابها الشهير ، وقلبها الذي لا يعرف الخوف ، إلا أنها شعرت برهبة شديدة من لهجة ( أدهم ) ونظراته المخيفة ، فنهضت وهي تقول :
ـ سنرى يا مستر ( صبري ) .. سنرى .
ولكنه أمسك بمعصمها بيد قوية فولاذية ، وقال ببرود :
ـ نصيحة أخيرة قبل أن تنصرفي يا ( سونيا ) .. احرصي على بقاء ( منى ) على قيد الحياة .. وإلا فليس هناك ما يمنعني عن تمزيقك سوى ذلك .
ارتجف صوتها على الرغم منها ، وهي تقول متظاهرة باللامبالاة :
ـ ستبقى يا مستر ( أدهم ) .. ستبقى .
* * *
انهمرت الثلوج بغزارة هذا المساء ، ووقفت ( سونيا ) تتأملها من خلف زجاج نافذة مكتب ( فريدريك أبسن ) ،
وهي صامتة ، على حين كان هذا الأخير يقول بحنق وغضب :
ـ لقد انتهى عملنا معاً يا ( سونيا ) .. وهذا أكرم ما يمكنني أن أجود به ، بعد محاولتك القذرة للتخلص مني بوساطة ( أدهم صبري ) .
استدارت محنقة صائحة :
ـ أنت أغبى من رأيت في عمري بأكمله يا مستر ( أبسن ) .
صاح في غضب عارم :
ـ نعم يا ( سونيا ) .. أنا أغبى مخلوق في الوجود ، لأنني وثقت في دولتك .. لقد كنت أستحق القتل لقاء ذلك.
ضغطت على أعصابها بصعوبة ، وقالت :
ـ لا تساعد هذا الشيطان المصري في مخططه يا مستر ( أبسن ) .. إنه يستعمل أسلوبنا القديم المعروف بمبدأ : ( فرق تسد ) .
ضحك بمرارة وعصبية ، وقال :
ـ هكذا ؟! .. وهل يدفعه هذا الأسلوب إلى قتلي ؟ .. ثم ماذا يفيده إخباري بذلك ، ما دام بسبيله إلى قتلي ، لو لم يكن الأمر حقيقة ؟
تنهدت بعمق ، وقالت :
ـ لا ريب أنه كان يتظاهر بفشل محاولة القتل ، ويترك في نفسك الأثر فحسب .. ولكنني تسرعت بإدارة اللعبة بسرعتها القصوى و ....
قاطعها ( فريدريك ) صائحاً :
ـ ها هو ذا اعترافك يخرج من بين شفتيك تلقائياً أيتها اللعينة .. ما دمت لا تستهدفين قتلي ، فلم أطلقت سرعة اللعبة وأنا في داخلها ؟
ضغطت ( سونيا ) على أسنانها بغيظ ، وقالت :
ـ كنت أعلم أن ذلك لن يقتلك ، ثم إنها كانت فرصة مناسبة لـ ....
قاطعها صارخاً :
ـ لا .. لا تواصلي خداعي هكذا أيتها اللعينة .. إنني لم أعد أثق بدولتك أو مخابراتها .. سألقي الشحنة بأكملها في البحر .
شحب وجه ( سونيا ) ، وقالت :
ـ لا يا مستر ( أبسن .. لا تقدم على عمل تندم عليه فيما بعد .
رفع ( فريدريك ) سماعة الهاتف ، وهو يصرخ بغضب :
ـ بل سأفعل يا ( سونيا ) .. سأطلب من رجالي فعل ذلك في الحال .
سمع ( فريدريك ) صوت ( سونيا ) قاسياً بارداً وهي تقول :
ـ لحظة يا مستر ( أبسن ) .
استدار إليها بحدة .. لم يكد بصره يقع عليها حتى سقطت سماعة الهاتف من يده ، واتسعت عيناه ذعراً ، ومد يده أمامه ، وكأنه يدافع عن نفسه ، فقد كانت ( سونيا ) تصوب نحوه مسدسها الصغير ، وهي تقول ببرود وقسوة :
ـ إنك لم تترك لي الخيار يا مستر ( أبسن ) .
وبهدوء شديد ضغطت أناملها الرقيقة على زناد مسدسها ، لتنطلق من فوهته رصاصة ، استقرت بين عيني ( فريدريك أبسن ) تماماً .
* * *

منى توفيق 20-08-06 07:37 AM

[frame="2 80"]أرجو أن يكون ما كتبته قد أعجبكم ، وأشكركم على المتابعة :flowers2:
وسأرسل جزءاً آخر إن شاء الله


مع تحيات
منى توفيق ;)
[/frame]

منى توفيق 21-08-06 05:02 AM

تابع أحداث قصة ( ثعلب الثلوج ) العدد رقم 20
 
أرجو أن يكون الجزء السابق قد نال إعجاب أصدقائي
وسأتابع معكم أحداث هذه القصة الشيقة
;)
فلنبدأ
** بسم الله الرحمن الرحيم **
{ نعود لقصتنا }
10 ـ الثعلب والذئاب ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضع أحد حراس المصنع منظاره المقرِّب فوق عينيه ، ودار ببصره يفحص المنطقة وهو يقول لزميله :
ـ لم أعد أدري أيهما الرئيس !! .. مستر ( أبسن ) ، أم تلك الحسناء ( سونيا جراهام ) ؟
أجابه زميله بضجر :
ـ هذا لا يهم يا زميلي العزيز ، فلقد أمرنا مستر ( أبسن ) بطاعة أوامر ( سونيا جراهام ) منذ قدومها .
عاد الرجل الأول يقول :
ـ قاسية جداً هذه المرأة .. لقد أجبرت الرجال على العمل المتواصل لتجهيز الشحنة ، وأمرتنا بالمراقبة الدائمة ، وكأننا في حرب .
نمَّت لهجة الزميل الآخر عن الإعجاب ، وهو يقول :
ـ لا يمكننا إنكار مدى فاعلية أسلوبها ، فها هي ذي الشحنة قد أصبحت جاهزة ، برغم أنها تستغرق في العادة ثلاثة أيام .
وفجأة صاح الرجل الذي يضع المنظار المقرِّب فوق عينيه :
ـ مهلاً أيها الزميلان .. لقد خيّل إلى أن قطعة من الجليد قد تحركت و ....
قاطعه زميله ضاحكاً :
ـ إنها ظلال الغروب يا صديقي ، فهي تتحرك بسرعة ، قبل أن يستغرق قرص الشمس ساكناً وسط الأفق .
مط الرجل شفتيه ، وقال :
ـ يبدو أنك على حق يا زميلي .. ثم أي أحمق يفكر في اختراق الثلوج لمهاجمة مصنعنا بمفرده .. لابد أن يكون مجنوناً ليفعل ذلك .
* * *
تحرك ( أدهم ) بخفة ومهارة ، وسط الثلوج الكثيفة المحيطة بالمصنع .. كان الجو بارداً ، حتى إنه يقل عن الصفر المئوي بخمس عشرة درجة ، برغم ذلك كان ( أدهم صبري ) يموج بالنشاط والحرارة ، وهو يتسلل بمعطفه الفرائي الأبيض ، كالثعلب القطبي ، وبنفث أبخرة الثلج ، وهو يدرس المصنع بحرص وعناية ، ثم قال لنفسه :
ـ لا شك عندي في أن ( سونيا ) تحتفظ بـ ( منى ) في داخل هذا المصنع ، فهو يعد أكثر الأماكن أمناً بالنسبة لها .
وبهدوء شديد تحرك نحو سور المصنع ، وأخذ يفحصه .. كان السور مصنوعاً من الفولاذ ، بارتفاع مترين ونصف المتر تقريباً ، فابتسم ( أدهم ) بسخرية ، وقال :
ـ أعتقد أن الطول مناسب جداً ، المهم أن أعصر ذاكرتي ، للتوصل إلى أكثر الأماكن مناسب للاقتحام .. وبعد ذلك يأتي دور صديقتنا ( سونيا جراهام ) .
* * *
تنبه أحد حراس المصنع فجأة ، إلى حركة غير طبيعية تحدث خلفه ، فاستدار بحدة شاهراً مدفعه الرشاش وكنه لم يجد سوى كتلة من الأخشاب الساكنة ، وبرغم ذلك لم يطمئن قلبه ، فتحرك بحذر محاولاً الالتفاف حول الكتلة الخشبية ، وهو ينقل قدميه في بطء ، ثم قفز فجأة مصوباً مدفعه إلى ما خلف الأخشاب ، ولم يلبث أن تنهد في ارتياح ، حينما لم يجد ما يستدعي الخوف أو القلق ، ولم يكد يرخي مدفعه حتى شعر
بأصابع قوية تنقر على كتفيه ، وسمع صوتاً هادئاً ساخراً يقول :
ـ هل تبحث عن شيء ما يا صديقي ؟
استدار الرجل بسرعة بالغة معيداً تصويب مدفعه الرشاش ، ولكن استدارته لم تكتمل ، ومدفعه لم يجد الوقت الكافي للانطلاق ، إذ أوقفته قبضة صُبَّت من فولاذ ، هوت على فكه بقوة كافية لتحطيم فك ثور ، فتهشمت فك المسكين بصوت مكتوم ، وجحظت عيناه ألماً ورعباً ، وهو يهوي على الأرض كالصخرة .
تناول ( أدهم ) المدفع الرشاش ، وأسرع يجذب الرجل إلى ركن قصيّ ، وينزع معطفه الأزرق المميز لرجال الحرس بالمصنع ، وهو يقول بسخرية :
ـ لو أن أعمالي كلها تتم بنفس هذا القدر من البساطة ، ما أصابني هذا الإرهاق الذي أشعر به دائماً .
وما هي إلا لحظات ، حتى أصبح من الصعب تمييز ( أدهم صبري ) بين حراس المصنع ، الذين يتحركون بشكل غير منتظم ، يدل على ضعف تدريبهم ، أما هو فقد سار بهدوء ، حاملاً المدفع الرشاش نحو السلم الذي يقود إلى مكتب ( فريدريك أبسن ) .
وفجأة أوقفه أحد الحرس قائلاً :
ـ لحظة أيها الزميل .. ألا تعلم أن المرور في هذا الطريق ممنوع ، حتى تصل الشاحنات .
أخذ عقل ( أدهم ) يفكر في تعليل مقنع ، ولكن صوت بوق سيارة أعفاه من ذلك ، فقد أشاح الرجل بذراع في ضجر ، وتحرك نحو بوابة المصنع فور سماعه له ، فأسرع ( أدهم ) يجتاز المسافة الباقية ، ويصعد سلالم مكتب ( فريدريك ) قفزاً حتى وصل إلى باب مكتبه ، فدفعه بقوة ، وقفز نحو السكرتيرة التي همت بالصياح ، ولكن كف ( أدهم ) كتمت صراخها ، وهو يصوب مدفعه الرشاش إلى رأسها قائلاً :
ـ من بالداخل يا صغيرتي ؟
أجابت السكرتيرة وهي ترتجف من قمة رأسها إلى أخمص قدميها :
ـ السيدة ( سونيا ) والسيد ( فريدريك ) .. ولكن السيدة منعتني من إدخال أي كائن كان .
ابتسم ( أدهم ) بسخرية قائلاً :
ـ فليطمئن قلبك إذن يا سيدتي ، فأنا لست أي كائن كان .
ثم جذب حبلاً من سترته وأخذ يقيدها قائلاً :
ـ معذرة يا سيدتي ، ولكن بقائك حرَّة قد يفسد الخطة بأكملها .
* * *
زمَّت ( سونيا جراهام ) شفتيها بحنق ، عندما دق باب حجرة المكتب التي تجلس في داخلها ، وقالت بغضب:
ـ من بالباب ؟ .. ألم أمنع دخول أي إنسان ؟
وبرغم لهجتها الغاضبة فُتِحَ الباب بهدوء ، ودخل أحد رجال الحرس بمعطفه الأزرق المميز ، ودار ببصره في أرجاء الغرفة بوقاحة ، فصاحت ( سونيا ) في وجهه :
ـ كيف دخلت إلى هنا أيها القذر ؟ .. كيف سمحت لك تلك السكرتيرة المعتوهة بذلك ؟ .. ألم آمرها .. ؟
قاطعها الحارس وهو يسأل ببرود :
ـ أين مستر ( أبسن ) ؟ ..
قطبت حاجبيها وهي تقول بغضب :
ـ هذا لا يعنيك أيها الوقح .. اغرب عن وجهي .
أشار الحارس إلى خارج الغرفة إشارة مبهمة ، وهو يقول بنفس البرود :
ـ وهذه الفتاة المصرية .. ماذا سنفعل بها ؟
صاحت ( سونيا ) في غضب عارم :
ـ سنتركها كما هي في غرفة الحفظ ، حتى أصدر أوامري بشأنها أيها الحارس .
ارتسمت على شفتي الحارس ابتسامة ساخرة ، بعثت شعوراً بعدم الارتياح في نفس ( سونيا ) ، وازداد هذا الشعور عندما قال بلهجة تهكمية :
ـ سؤال أخير يا سيدتي .. هل لاحظت ذلك ؟ .
نطق بهذه العبارة وهو يمسك بأذنيه ويجذبهما إلى الخارج في قوة ..
خيِّلَ لـ ( سونيا ) وهلة أن الحارس قد انتزع أذنيه ، ثم تنبهت إلى الأمر ، فأسرعت يدها إلى مسدسها
الموضوع فوق المكتب ، ولكنها تسمرت بدهشة حينما صوب إليها الحارس فوهة مدفعه الرشاش ، وقال بصوت ساخر مألوف لا يخلو من الصرامة :
ـ شكراً يا عزيزتي ( سونيا ) .. لقد وفرت عليَّ الكثير من الوقت في البحث عن ( منى ) .. لاحظي أنني قد استوعبت الدرس هذه المرة ، وعمدت إلى تغيير معالم أذني .
ضغطت على أسنانها في قهر ، وهي تتمتم :
ـ كيف أمكنك .... ؟
قاطعها ( أدهم ) في سخرية قائلاً :
ـ إنني أجد متعة في أداء ما يظنه الآخرون مستحيلاً يا عزيزتي .
ثم أردف بصوت بارد قاس :
ـ والآن اسمحي لي بتكبيل يديك ، وتكميم فمك يا عزيزتي ( سونيا ) .. فمن الأفضل أن أعمل دونما تدخل منك .
سألته وهي تهز كتفيها ، متظاهرة باللامبالاة :
ـ ماذا تنوي أن تفعل يا مستر 0 صبري ) ؟
أجابها ببرود :
ـ أنوي إشعال النيران في شحنة اليورانيوم أولاً .
ضحكت ( سونيا ) ضحكة ساخرة ، مال على أثرها جسدها الضئيل إلى الخلف ، ثم نظرت في عيني
( أدهم ) مباشرة وهي تقول :
ـ هكذا ؟! .. تُرى ، هل تعلم ماذا يصيب اليورانيوم المشع من جراء الاشتعال ؟
قطب ( أدهم ) حاجبيه في ضيق ، فلم يكن حقاً يعلم نتائج اشتعال اليورانيوم ، ولكنه قال بتحد :
ـ ليكن ما يكون .. المهم ألا تصل الشحنة إلى دولتك .
عادت تضحك في سخرية ، ثم قالت بشماتة :
ـ هل تسمع صوت هذه الناقلات التي تبتعد يا مستر ( صبري ) .. إنها تحمل شحنة اليورانيوم إلى حيث يتم شحنها إلى دولتي .. أما زميلتك العزيزة فسيتم تقطيعها قطع صغيرة ، وتعبئتها في علب الأسماك المحفوظة .
ثم نظرت في ساعتها ، واستطردت بسخرية :
ـ والوقت لا يكفي لإنقاذ الاثنين .. عليك أن تختار يا مستر ( صبري ) .. الشحنة .. أو زميلتك .
* * *
11 ـ بين نارين ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعر ( أدهم ) بغضب عارم يملأ نفسه ويهز كيانه بأكمله ، ووجد نفسه يطوّح كفه ليصفع ( سونيا ) صفعة ، أودعها كل ما يعتمل في نفسه من غضب ، وهو يقول :
ـ أيتها الحيَّة الم********************************ة .
سقطت ( سونيا ) من أثر الصفعة على الأرض ، وارتطمت رأسها بحافة المكتب ، ففقدت وعيها في الحال .. وقفز ( أدهم ) إلى خارج الغرفة ، ثم حلَّ كمامة السكرتيرة وجذبها مِنْ شعرها في قسوة ، وهو يصيح في وجهها :
ـ أين غرفة الحفظ ؟
ولم تكد السكرتيرة الفزعة تنتهي من وصف المكان ، حتى قفز ( أدهم ) خارجاً ، وهو يحمل مدفعه الرشاش ، وهبط درجات السلم العشرين في قفزة واحدة ، اندفع بعدها وسط الجميع في دهشة الجميع إلى مبنى المصنع .. كان منظره عجيباً إلى درجة دفعت كثيراً من رجال الحرس إلى تتبعه في شك ، برغم أنه يرتدي نفس زيهم المميز ، ولكن خطواته الواثقة وعدم التفافه إليهم ، جعلهم يظنون أنه أحد زملائهم ، في طريقه لأداء أمر عاجل ، فعاد كل منهم يتشاغل بعمله غير ملتفت إلى ( أدهم ) ، الذي قفز درجات سلم المصنع صاعداً ، ثم انحرف في أول ممر إلى اليمين ، وأخذ يعدو حتى الغرفة السابعة ، فتوقف أمامها يلهث ، ثم دق بابها في هدوء ..
سمع ( أدهم ) صوتاً يسأله عمن يكون ، فأجاب بلهجة نرويجية سليمة :
ـ ( سونيا جراهام ) تطلب المصرية في غرفتها حالاً .
فُتح باب الغرفة بهدوء ، وأطل منه وجه رجل ضخم الجثة ، نظر إلى ( أدهم ) بشك ، وهمَّ بالتفوه بكلمة
تساؤل ، ولكن الكلمات احتبست في حلقه ، عندما هوى ( أدهم ) بقبضته الفولاذية على فكه ، فأرسله إلى عالم اللاوعي ..
نظرت ( منى ) بجزع ، إلى الشاب الأشقر الوسيم الذي قفز إلى داخل الغرفة وأسرع نحوها ، ولم تلبث أن تهللت أساريرها عندما تعرَّفت الشاب ، فهتفت بسعادة :
ـ ( أدهم ) ؟! .. كيف نجحت في الوصول إلى هنا ؟
أخذ ( أدهم ) يحل وثاقها بسرعة ، وهو يقول :
ـ لا وقت لشرح الأمور أيتها النقيب ، فالشحنة تكاد تفلت من بين أصابعنا .
قالت ( منى ) بدهشة :
ـ كيف ؟ .. لقد كنت أظن ذلك الصندوق الذي أحضروه ..
توقف ( أهم ) عن حل وثاقها ، وقاطعها قائلاً :
ـ أي صندوق يا (منى ) ؟
أشارت برأسها إلى صندوق متوسط الحجم في طرف غرفة الحفظ ، فأسرع ( أدهم ) يحل الجزء المتبقي من وثاقها ، ثم نهض وسار نحو الصندوق ، وأخذ يعمل عل فتحه ، وتبعته ( منى ) بفضول ..
لم يكد ( أدهم ) يرفع غطاء الصندوق ، حتى أطلقت ( منى ) صرخة رعب مكتومة ، وقطب ( أدهم ) حاجبيه في دهشة وغضب ، فبداخل الصندوق تكومت جثة تجمدت الدماء حول ثقب بين عينيها .. جثة
( فريدريك أبسن ) .
* * *
كان المشهد مرعاً ومثيراً للاشمئزاز ، ولكنه كان الدليل القوي على أن خطة ( أدهم ) ، المبنية على التفرقة بين المخابرات المعادية و( فريدريك أبسن ) ، قد نجحت لم يتصورها هو نفسه .. ولكنه أعاد الغطاء بهدوء ، وأمسك بيد ( منى ) قائلاً في برود يفوق برودة الجو نفسه :
ـ هيا أيتها النقيب .. لقد غامرت بضياع الشحنة من أجل إنقاذك ولم يعد هناك المزيد من الوقت لنضيعه .
أسرعت ( منى ) تتبعه وهو يتقدمها حاملاً مدفعاً الرشاش ، حتى وصلا إلى الباب الذي يقود إلى ساحة المصنع ، فهمس ( أدهم ) في أّنها :
ـ انتظري هنا حتى أحصل على وسيلة انتقال تمكننا من اللحاق بالشحنة .
تحرك ( أدهم ) بهدوء خارجاً ، وهو يرخي غطاء الرأس فوق جبهته ، ويضم ياقة المعطف الأزرق المميز ، وقد خفض فوهة مدفعه الرشاش ، وأخذ يسير بثقة نحو سيارة ( فريدريك ) المرسيدس الزرقاء .. ولم يكد يصل إليها حتى مد يده بهدوء ، ففتح بابها واندس أمام عجلة القيادة ..
أسرع إليه الحارس المكلف بحراستها ، وسأله بحدة :
ـ ماذا تفعل أيها التعس ؟ .. إنها سيارة الرئيس الخاصة .
أجابه ( أدهم ) بصرامة وبلغة سليمة للغاية :
ـ ابتعد أيها الغبي .. لقد أسند إليَّ مستر ( أبسن ) مهمة عاجلة تختص بالشحنة ، وويل لمن يعترض طريقي .. تراجع الحارس بقلق ، حتى أنه لم يلحظ أن ( ادهم ) أدار محرك السيارة عن طرقي سلكي الكهرباء ، وليس عن طريق مفتاحها الأصلي ..
انطلق ( أدهم ) بالسيارة في ثقة تبعد الشكوك في طبيعته تماماً ، حتى توقف أمام الباب الداخلي للمصنع ، وأشار إلى ( منى ) ، فأسرعت تحتل مكانها إلى جواره ، وهو يقول :
ـ من الواضح أن رجل مستر ( أبسن ) من النوع الذي يسهل خداعه .
ولم يكد ( أدهم ) يدير محرك السيارة ، حتى دوَّى في أرجاء المصنع صوت ( سونيا جراهام ) ، وهي تقول في عجلة :
ـ هناك جاسوس في أرض المصنع يحاول إنقاذ الفتاة المصرية .. اقبضوا عليه قبل أن يحاول الهرب .. أريده حياً أو ميتاً .
التفتت الأنظار كلها وفوهات المدافع الرشاشة إلى سيارة ( فريدريك ) التي يستقلها ( أدهم ) ، وإلى جواره
( منى ) ، فقد فهم الجميع من لحظة واحدة أن ذلك الحارس الذي يتصرف بأسلوب مريب منذ البداية ، ما
هو إلا الجاسوس المطلوب .. ويجب قتله في الحال .
* * *
وبرغم صعوبة الموقف الجديدة ، أطلق ( أدهم صبري ) الملقب بـ ( رجل المستحيل ) ضحكة ساخرة عالية ، وقال وهو يضغط دواسة البنزين بقوة :
ـ عجباً !! هذا المشهد يتكرر للمرة الثانية .
ثم انطلق بالسيارة في سرعة جنونية نحو بوابة المصنع ، وهو يقول لـ ( منى ) :
ـ أخفضي رأسك أيتها النقيب ، فسينهمر علينا الرصاص كالمطر ، ولابد لنا من اللحاق بالبوابة قبل إغلاقها ،
فهي لا تزال مفتوحة منذ خروج الناقلات التي تحمل شحنة اليورانيوم المطلوبة .
لم تستجب ( منى ) لأوامره ، بل أسرعت تتناول المدفع الرشاش من المقعد الخلفي ، وأخذت تطلق نيرانه من النافذة في جرأة وإقدام ، على حين انهمرت رصاصات الحرس خلف المرسيدس الزرقاء ..
ضحك ( أدهم ) بسخرية قائلاً :
ـ مرحى يا زميلتي العزيزة .. ها قد أصبحت أخيراً عضواً فعالاً في المخابرات المصرية .
أسرع الحرس يحاولون إغلاق البوابة ، ولكن ( أدهم ) اندفع بسيارته كالسهم ، وهو يقول :
ـ مهلاً أيها الأوغاد .. أنا مصر على العبور .
تحطم زجاج السيارة تماماً من الرصاص المنهمر كالمطر ، وأصيب ذراع ( منى ) برصاصة ، ولكنها لم تنبس ببنت شفة ، واستمرت في إطلاق مدفعها الرشاش ، وهي تضغط على أسنانها من شدة الألم .. وشعر ( أدهم ) برصاصة تحتك بعنقه ، وتستمر في طريقها لتحطيم زجاج السيارة الخلفي ، وبالدم يسيل على رقبته ويلوث المعطف .. وكانت البوابة الحديدية الضخمة قد قاربت الإغلاق ، ولكن ( أدهم ) لم يرفع رجله عن دواسة البنزين ، واستمر في طريقه بجرأة مذهلة ، وإصرار فولاذي ، حتى اقتحم البوابة ، وارتطم بقوة حطمت مقدمة السيارة ، التي أثبتت مرة أخرى تفوق هذا النوع من السيارات ، فقد واصلت طريقها برغم ذلك إلى خارج المصنع ، بعد أن انفتحت البوابة على الرغم منها ، وأصبح ( أدهم ) و( منى ) خارج دائرة الخطر .
* * *
صاحت ( منى ) بفرح :
ـ لقد نجونا يا ( أدهم ) .. لقد نجونا .
غير أنه قال بلهجة غامضة :
ـ ليس بعد يا عزيزتي .. ليس بعد .
وفوجئت به ( منى ) يستدير بالسيارة ، برغم الأرض الثلجية الزلقة ، ليعود مواجهاً بوابة المصنع ، ثم أوقف السيارة فجأة ، فصاحت فيه ( منى ) :
ـ يا إلهي !! إننا ما زلنا في مرمى نيرانهم يا ( أدهم ) .
لم يهتم ( دهم ) بعبارتها ، ولكنه ضم كفيه أمام وجهه كالبوق ، وصاح بملء فيه :
ـ كفى أيها الأغبياء .. إنكم تطيعون أوامر ( سونيا ) التي قتلت زعيمكم ، ووضعته داخل صندوق خشبي في غرفة الحفظ .. اقتصوا منها بدلاً من ذلك .
تسمر الحراس في ذهول ، وانخفضت فوهات مدافعهم الرشاشة ، وهم يتبادلون النظرات فيما بينهم ..
كانت عودة ( أدهم ) متحدياً الخطر لتحذيرهم ، قد أشعرتهم بصدق ما يقول ، فتردد كل منهم في إطلاق النار عدا واحداً صاح بحنق :
ـ أنت كاذب .
وألقى بكرة معدنية نحو السيارة في غضب واضح .. وبدلاً من أن يتفادى ( أدهم ) الكرة ، مد يده خارج الزجاج المهشم والتقطها بمهارة ، ثم دار بالسيارة ، وانطلق في طريقه كالصاروخ ، غير ملتفت إلى الرصاصات التي عادت تنهمر خلفه ..
صاحت ( منى ) بحنق :
ـ ما معنى هذا الأسلوب المسرحي ؟
ابتسم ( أدهم ) وهو يمسح الدم الذي يلوث عنقه ، وقال :
بالعكس يا عزيزتي .. لولا هذه الحركة المسرحية ، لضاعت منا الشحنة إلى الأبد .
سألته ( منى ) باهتمام ، وهي تعقد منديلاً صغيراً حول ذراعها المصاب :
ـ هل تعني أن هذه الكرة المعدنية .... ؟
قاطعها ( أدهم ) قائلاً :
ـ نعم يا عزيزتي ، هذه الكرة المعدنية تحتوي على تقرير من عملينا السري داخل المصنع ، يبين خط سير الشحنة ، حتى يمكننا تعقبها وتدميرها .
صاحت ( منى ) بدهشة :
ـ عميل سري ؟
أجاب ( أدهم ) بابتسامة :
ـ إن أحد رجال ( فريدريك أبسن ) في الواقع ، تمكنت مخابراتنا من شرائه بمبلغ ضخم يحتوي على ستة أصفار ، ووعدناه بمبلغ مماثل ، لو أنه ساعدنا في تعقب وإيقاف خط سير الشحنة .. إنه سحر المال يا عزيزتي ، الذي لا يحرك إلا الأوغاد .
ثم ناولها الكرة المعدنية قائلاً :
ـ هذه الكرة مقسومة إلى نصفين متساويين يا عزيزتي .. افتحيها وأخرجي الورقة التي في داخلها ، وأخبريني أين ستذهب الشحنة .
قالت ( منى ) بضعف :
ـ لا أعتقد أنه سيمكنني هذا يا سيادة المقدم .. فذراعي تنزف بغزارة ، وأشعر وكأنني سأفقد وعيي .
أوقف ( أدهم ) السيارة بصورة مباغتة ، والتفت إليها بجزع قائلاً :
ـ هل أصابتك رصاصة من هؤلاء الأوغاد ؟
أومأت برأسها موافقة ، فدار بالسيارة وهو يقول :
ـ لابد من علاج ذراعك أولاً .
صاحت بضعف :
ـ دعنا نلحق بالشحنة أولاً .
قال ( أدهم ) بصرامة ، وهو ينطلق نحو مدينة ( تروندهايم ) :
ـ ذراعك أولاً أيتها النقيب .. هذا أمر .
أرجعت ( منى ) رأسها ، واستندت بضعف إلى مسند مقعدها ، وهي تشعر بالامتنان البالغ تجاه ( أدهم ) ، أما هو فقد انطلق بالسيارة وعقله يعمل بقوة ، محاولاً التوفيق بين إسعاف ( منى ) واللحاق بالشحنة التي تهدد أمن مصر .
* * *
12 ـ الانتحاري ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع الطبيب الرصاصة التي استخرجها من ذراع ( منى ) في وجه ( أدهم ) وابتسم وهو يقول :
ـ ها قد انتهينا يا سيد ( أدهم ) .. ولست أدري إذا كان ما أفعله صحيحاً أم لا ؟!
قال ( أدهم ) وهو يتحسس الضمادات التي تغطي الجرح العميق برقبته :
ـ لك أن تفعل ما تراه صواباً أيها الطبيب ، فأنا لا أملك ما يؤيد أقوالي .
هز كتفيه بلامبالاة ، وقال :
ـ لست أحتاج إلى أدلة يا سيد ( أدهم ) ، فكلانا مصري ، يعمل من أجل مصر في ( النرويج ) سواء كنت على حق أم على خطأ ، فسأغامر على أمل أن يؤدي عملي هذا إلى قطرة خير من أجل مصر .
صافحه ( أدهم ) بإعجاب وامتنان ، وهو يقول :
ـ صدقني يا سدي الطبيب ، أن عملك هذا سيحقق لمصر ما لا يمكنك تصوره .
شملت وجه الطبيب المصري المهاجر ابتسامة واسعة ، وهو يقول :
ـ يكفيني هذا القول يا سيد ( أدهم ) .
عاون ( أدهم ) زميلته على النهوض ، وهو يقول :
ـ معذرة يا سيدي .. سنضطر إلى مغادرتك فوراً ، فعملنا يحتاج إلى السرعة :
قال الطبيب بدهشة :
ـ ولكن هذه الفتاة تحتاج إلى الراحة .
ابتسمت ( منى ) ، وقالت :
ـ لا عليك يا سيدي .. إن من يعمل مع ( أدهم صبري ) لا يجد الراحة مطلقاً .
* * *
سألت ( منى ) ( أدهم ) وهو ينطلق في سرعة جنونية :
ـ ماذا عن خط سير الشحنة ؟
أجابها ( أدهم ) دون أن يرفع عينيه عن الطريق :
ـ خط سير الشحنة يقضي بنقلها عن طريق الشاحنات براً إلى ( أوسلو ) العاصمة ، حيث يتم نقلها بواسطة قطار بضائع إلى ميناء ( ستافنجر ) على بحر الشمال ، ومن هنا تنقل عن طريق البحر إلى ميناء ( كاليه ) الفرنسي ، ثم بالقطار عبر ( فرنسا ) إلى ميناء ( مرسيليا ) ، ومنه عبر البحر المتوسط إلى ( تل أبيب ) .
سألته ( منى ) بقلق :
ـ وهل تعتقد أنه في إمكاننا اللحاق بالشحنة في ( أوسلو ) ؟
زوى ( أدهم ) ما بين حاجبيه ، وهو يقول :
ـ لو أننا فشلنا في ذلك ، فنضطر إلى القيام بخطوة انتحارية ، لا مناص منها أيتها النقيب .
* * *
صرخت عجلات سيارة ( أدهم ) بصرير مزعج ، عندما توقفت السيارة دفعة واحدة أمام محطة القطار في
( أوسلو ) ، وقفز منها ( أدهم ) و( منى ) ، وأسرعا نحو الباب الرئيسي ، وصاح ( أدهم ) يسأل حارس الباب :
ـ هل غادر قطار البضائع المتوجه إلى ( أوسلو ) المحطة ؟
أجاب الرجل في هدوء وبإيماءة من رأسه قبل أن يقول :
ـ نعم يا سيدي .. منذ ساعة تقريباً .
سأله ( أدهم ) متظاهراً باللامبالاة :
ـ وهل حمل شحنة الأسماك المحفوظة ؟
أجاب الرجل مبتسماً :
ـ بالطبع يا سيدي .. لقد أشرفت على شحنها بنفسي .
ظلت ملامح ( أدهم ) جامدة وهو يقدم شكره للرجل ، أما ( منى ) فقد ظهرت على وجهها خيبة الأمل وهما ينصرفان ، ولكن ( أدهم ) قفز إلى السيارة ، وأشار إليها أن تحذو حذوه ، فقفزت بدورها إلى جواره ، وسألته بإحباط :
ـ والآن ماذا سنفعل ؟
قال ( أدهم ) وهو يعاود الانطلاق بالسيارة :
ـ من المستحيل اللحاق بالقطار بواسطة السيارة ، فسرعته تبلغ مائة وستين كيلومتراً في الساعة ، والطرق البرية زلجة مغطاة بالثلوج ، لا تصلح للانطلاق بالسيارة ، بنفس السرعة .
سألته ( منى ) بتوتر :
ـ وماذا بعد ؟
قال ( أدهم ) وهو منطلق بسرعة شديدة :
ـ القطار في طريه الآن إلى ( كريستيانسوند ) ، قبل أن يصل إلى ( ستافنجر ) ، ويمكننا اعتراض طريق الشحنة في هذه المنطقة تقريباً .
سألته ( منى ) بدهشة :
ـ وكيف يمكننا الوصول إلى هناك قبل أن يصل القطار ؟
أجابه ( أدهم ) ، وهو ينحرف إلى طريق جانبي ضيق مغطى بالثلوج :
ـ سنقوم باستئجار طائرة صغيرة يا عزيزتي .
خرجت من فم ( منى ) صرخة تعجب ، وعادت تسأله بدهشة :
ـ ولكن المنطقة هنا شديدة الوعورة ، حسبما أذكر من دروس الجغرافيا ، ولن يمكننا أن نجد شبراً واحداً صالحاً للهبوط .
قال بهدوء وفوق شفتيه ابتسامة ساخرة :
ـ لهذا سنضطر إلى شراء مظلة هبوط أيتها النقيب .
اتسعت عيناها دهشة وهمت بالاعتراض ، ولكنها عادت تضم شفتيها ، وتهز كتفيها ، فقد كانت تعلم جيداً أنه من المستحيل منع عمل قرر أن يقوم به ( أدهم صبري ) .
* * *
انطلق قطار البضائع يشق طريقه إلى ( كريستيانسوند ) بسرعته البالغة مائة وستين كيلومتراً في الساعة ، وهو يطلق صفيراً عالياً ، منبهاً كل من يدفعه سوء حظه إلى اعتراض طريقه ..
وعلى ارتفاع مائتي قدم فوق القطار ، ظهرت طائرة صغيرة ذات محركين .. كان من الواضح أنها تنطلق بسرعة تفوق الحد الأقصى لانطلاقها ، حتى وهي جديدة ، وفي داخلها قال ( أدهم ) لزميلته :
ـ ها قد نجحنا بفضل سرعة الطائرة ، واتخاذ الطرق الجوية المختصرة من اللحاق بالقطار ، ولكن لابد لنا من تخطيه بعد أن نتم مهمتنا هنا .
ثم تخلَّى عن عجلة القيادة وهو يقول :
ـ هيَّا أيتها النقيب .. لنرى مهارتك في القيادة .
أسرعت ( منى ) تحتل مقعد القيادة وهي تقول :
ـ لن أبلغ نصف مهارتك على أية حال يا سيادة المقدم .
فتح ( أدهم ) باب الطائرة ، وشعرت ( منى ) بالبرودة الشديدة ، عندما عبر الهواء المثلج إلى داخل الطائرة ، ولكنها ضمت كتفيها ، وتشبثت بعجلة القيادة ، وسمعت ( أدهم ) يقول :
ـ سأتعلق بالسلم الصغير المصنوع من الحبال ، وأهبط على سطح القطار أيتها النقيب .. حاولي المحافظة على سرعة الطائرة ، بحيث تساوي سرعة القطار تقريباً .
وقبل أن تنطق ( منى ) بما يفيد سماعها للأوامر ، تعلق ( أدهم ) بالسلم الصغير ، وهو يضم إلى صدره حقيبة كبيرة بعض الشيء ، وشعر بالرياح الشديدة المثلجة ترتطم بوجهه وصدره ، وتدفعه إلى الخلف ، ولكنه أحكم قبضته على السلم ، وتدلَّى بنصفه السفلى نحو سطح القطار ..
ولو أن رجلاً آخر في وضع ( أدهم صبري ) لتجمدت أطرافه من شدة البرد والرياح الثلجية .. ولكن جسد ( أدهم ) كان يفيض بنوع عجيب من الحرارة ، حراس التصميم والحماس وحب مصر ..
لم تكد قدما ( أدهم ) تلمسان سطح القطار ، حتى سقط بوجهه على السطح البارد ، وانزلق جسده بشدة ، ولكنه تعلَّق في اللحظة الأخيرة بحافة القطار ، دون أن تفلت قبضته عن الحقيبة التي أمسكها بقوة ، وكأنها تحوي كنزاً بأكمله ، ثم انتظر قليلاً حتى اعتاد جسده على شدة الرياح ، ثم فتح الحقيبة بعناية ، وأخرج منها أسطوانتين من مادة ( ت . ن . ت ) الشديدة التفجير ، وألصقها بواسطة قرص مغناطيسي قوي في سطح العربة التي يقف فوقها ..
تحرك ( أدهم ) بسرعة وخفة برغم البرد والرياح ، وأعاد الكرَّة مع كل عربة من عربات القطار ، حتى تأكد أنه قد وزع متفجراته بشكل سليم ، فأسرع يعدو فوق السطح حتى وصل إلى المنطقة التي تفصل القطار عن قاطرة السحب الرئيسية ، فتسلَّل في الفراغ الضيق ، وأخذ يعالج السلسلة التي تصل القطار بالقاطرة محاولاً فصلهما ، وعندما عجز أخرج مسدسه وصوبه إليها وهو يتمتم بسخرية :
ـ معذرة أيتها السلسلة المسكينة .. ليس أمامي سوى ذلك .
ثم أطلق ست رصاصات متتالية ، تحطمت السلسلة على أثرها ، وانفصل القطار عن المقطورة تماماً ..
ازدادت سرعة القاطرة بعد انفصالها ، على حين بدأت سرعة القطار في الانخفاض تدريجياً وببطء ، فأسع ( أدهم ) يصعد سطح القطار وأشار بذراعيه إلى ( منى ) ، التي هبطت بالطائرة حتى أصبحت على ارتفاع ثلاثة أمتار فقط من سطح القطار ، وتدلَّى السلم الصغير وأخذت الرياح تطوحه بعيداً ، ولكن الوقت لم يكن يسمح بالتردد ، فجمع ( أدهم ) قوته ، وألقى بالحقيبة الفارغة بعيداً ، ثم قفز ليتعلَّق بالسلم ..
ولأول مرة أخطأ تصويب ( أدهم ) ، بسبب الرياح التي تهز السلم بقوة .. فوجد يديه متعلقتين بالهواء ، وجسده يهوي نحو الأرض بسرعة وقوة .
* * *

منى توفيق 22-08-06 08:38 AM

باقي قصة ( ثعلب الثلوج ) العدد رقم 20
 
ها أنا ذا أصدقائي أكمل لكم باقي أحداث قصة
( ثعلب الثلوج ) وأرجو بعدها أن أرى رأيكم بها

** بسم الله الرحمن الرحيم **
<< نتابع أحداث قصتنا >>


13 ـ قاهر المستحيل ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أحد يجد تفسيراً لما حدث بعد ذلك .. لعلها الرياح الشديدة القوية أو سرعة القطار الشديدة ، أو كما يبالغ البعض .. إرادة ( أدهم صبري ) الفولاذية .. فقد اندفع جسده إلى الأمام ، وكأن هناك مغناطيساً يجذبه نحو
السلم الصغير المصنوع من الحبال ، ولم تكد أصابعه تمس طرف السلم حتى قبض عليه بقوة مذهلة ،
وتدلَّى منه متعلقاً بذراع واحد ، وجسمه يتمايل بشدة مع الرياح ...
مضى جزء من الثانية قبل أن يقذف ( أدهم ) بذراعه الأخرى ليتعلق بالسلم ، ثم واصل صعوده حتى أصبح داخل الطائرة ..
صاحت ( منى ) بانفعال :
ـ حمداً لله .. لقد كاد قلبي يتوقف عندما أفلتت يدك من السلم .. كيف نجحت في التعلق به مرة ثانية ؟
هز رأسه بحيرة ، ثم ابتسم وهو يقول :
ـلست أجد جواباً لذلك يا عزيزتي .. إنها إرادة الله ( سبحانه وتعالى ) فحسب .
ثم أزاحها برفق وجلس أمام عجلة القيادة قائلاً :
ـ سنحاول الآن أن نسبق القطار إلى النقطة التي اخترناها مسبقاً يا ( منى ) .. ولو نجحنا سنكون قد وضعنا حدَّاً لمشكلة الشحنة الملعونة .
* * *
زأر محرك الطائرة الصغيرة ، وكأنه يعترض على السرعة التي يجبره ( أدهم ) على الانطلاق بها ، ولكنه أطاعه باستسلام ، وواصلت الطائرة انطلاقها ، حتى حلَّقت فوق منحنى غاية في الخطورة ، تسير إلى جواره قضبان القطار الحديدية ، يطل على هوة سحيقة ، تنتهي بـأكثر أجزاء بحر الشمال عمقاً ووعورة ..
تخلَّى ( أدهم ) عن عجلة القيادة لـ ( منى ) ، وأحكم رباط المظلة حول كتفيه وساقيه ووسطه وهو يقول :
ـ عليك القيام بدورة واسعة أيتها النقيب ، ولكن بسرعة ، فسيصل القطار إلى هنا بعد سبع دقائق تقريباً ، أما القاطرة فستعبر المنحنى بعد دقيقة واحدة .
قالت ( منى ) بقلق :
ـ ألا تظن أن الهبوط بالمظلة يشتمل على كثير من الخطر ، خاصة في مثل هذه المنطقة الوعرة ، وهذا الوقت من الليل .
ابتسم ببساطة وهو يتناول حقيبة صغيرة ، ويفتح باب الطائرة قائلاً :
ـ لقد هبطت بالمظلات كثيراً يا عزيزتي في وضح النهار وظلام الليل ، ولكنها فرصتي الوحيدة للهبوط في ليل تزينه شمس منتصف الليل .
وضحك بسخرية وهو يلقي بنفسه من باب الطائرة ، دون أن يتردد لحظة واحدة ..
شعر ( أدهم ) بالرياح القوية الباردة ، وبأطرافه تتجمد ، ولكنه لم يدع المجال لمخاوفه ، بل جذب حبل المظلة التي انفتحت بقوة ، وجذبتها الرياح بعيداً ، ولكن أيدي ( أدهم ) الخبيرة المدربة جذبت حبال المظلة بدقة ومهارة ، أجبرت المظلة على الانصياع لرغبته ، فهبط في المنطقة التي أرادها تماماً ، وأسرع يحل أحزمة المظلة من حول جسده ، وتركها تسقط في الهوة السحيقة ، في نفس اللحظة التي عبر ت أمامه فيها القاطرة بسرعة رهيبة .
أخرج ( أدهم ) من الحقيبة الصغيرة أربع أسطوانات مفجِّرة ثبتها بوساطة القرص المغناطيسي في قضيبي القطار ، ثم أخذ يعدو مبتعداً عن المنطقة ، وتوقف على بعد مائة متر تقريباً ، وأخرج مسدسه وهو يقول لنفسه بلهجته الساخرة :
ـ من المؤسف ألا تشاهد عزيزتنا ( سونيا جراهام ) فشلها بعينها .
وصل إلى مسامعه صوت القطار وهو يقترب ، وقد انخفضت سرعته إلى ما يقرب من المائة كيلومتر ، بعد انفصاله عن القاطرة ، فصوب مسدسه إلى أسطوانات المفجِّر بإحكام وهو يقول بسخرية ، وكأنه يحدِّث رجلاً آخر :
ـ تُرَى .. هل يمكنك إصابة المفجِّر على بعد مائة متر يا عزيزي ( أدهم ) ؟
ثم ضحك بسخرية ، فقد كان يعلم أنه قادر على ذلك .. كانت ثقته بقدراته تفوق الحد .. كانت ثقته عارمة لائقة بمن يحمل لقب .. ( رجل المستحيل ) ..
وفي نفس اللحظة التي قرر فيها ( أدهم ) الضغط على الزناد ، وصل إلى مسامعه صوت مدفع رشاش ينطلق ، وصوت رصاصاته ترتطم بجسم معدني ، فرفع رأسه إلى السماء في حدة ، واتسعت عيناه جزعاً عندما رأى ما يحدث فوقه ..
كانت هناك طائرة صغيرة أخرى ، تطارد الطائرة التي تقودها ( منى ) في إصرار ، ومن بابها برز مدفع رشاش لا يكف عن الانطلاق ، وخلف زناده وجه مألوف ، دفع ( أدهم ) إلى أن يهتف بلا وعي :
ـ يا إلهي !! ( سونيا جراهام ) ؟!!!
* * *
كان موقفاً شديد الخطورة لا يحسد عليه ( أدهم صبري ) .. فالقطار يقترب من النقطة المطلوبة ، وسيعبرها بسرعة ، و( سونيا جراهام ) تطلق رصاص مدفعها الرشاش على ( منى ) بسخاء ، والوقت يمر بسرعة .. بسرعة رهيبة .
خفق قلب ( أدهم ) بشدة .. كان أمام خياران أحلاهما مرٌّ للغاية .. إما أن يخسر المعركة .. أو يفقد زميلته
( منى توفيق ) ، التي تحتل في قلبه مكانة خاصة .
التفت إلى القطار الذي اقترب إلى درجة الخطورة ، ثم عاد ينظر بحنق إلى طائرة ( منى ) ، التي تحاول الإفلات من مطاردتها بيأس ، و( سونيا ) التي تطلق النار بحقد وغلّ .. وشعر بغضب عارم يملأ نفسه ، وبكيانه يرتجف من الغيظ .
شعر بمرارة شديدة تصاعدت من قلبه على لسانه وشفتيه ، وقفزت من أعماقه صيحة غضب هائلة ، ارتجفت لها ثلوج المكان ، وتحركت يده بسرعة مذهلة ، وضغطت أصابعه على الزناد في تصميم رهيب .
* * *
14 ـ عملاق الثلوج ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت ( سونيا جراهام ) ، فتاة المخابرات الشرسة الحسناء ، في تقريرها المختصر الذي قدمته إلى مخابرات دولتها المعادية لمصر ، أن ضابط المخابرات المصرية( أدهم صبري ) الذي يطلقون عليه في دولتها لقب ( الشيطان المصري ) ، قد أتى عملاً أقل ما يوصف به هو أنه خارق لكل القواعد والقدرات المألوفة ، وحتى المهارات الخاصة المألوفة عن البشر .. واعترفت أن هذا الضابط المصري يفوق جهاز بقدراته مخابرات دولتها بأكمله ..
فقد أطلق الرصاص على حد قولها من مسافة تقدر بنحو الأمتار المائة ، في تسديد مذهل ، ليصيب عبوة ناسفة على شريط القطار ، الذي كان يحمل شحنة اليورانيوم ، محدثاً انفجاراً هائلاً ، أدى بالقطار إلى الانحراف عن مساره ، والسقوط في الهوة السحيقة ، في نفس الوقت الذي أخذت فيه عرباته تنفجر فيه واحدة تلو الأخرى ، بطريقة تؤكد أنها قد زوّدت بشحنات ناسفة مسبقاً .. وانتهى الأمر بتحطم القطار تماماً ،
وتدمير الشحنة عن آخرها ، وغرق بقاياها في أشد مناطق بحر الشمال عمقاً ووعورة ..
ولكن الأكثر مدعاة للذهول ، هو أن ( أدهم صبري ) بعد إطلاقه الرصاصة الأولى ، التي حطمت شرط القطار بجزء على عشرين من الثانية ، استدار بسرعة يقدر علماء القدرات البشرية استحالتها ، وأطلق ثلاث رصاصات متوالية بسرعة على طائرة ( سونيا ) ، التي تطارد طائرة فتاة المخابرات المصرية بسرعة وإصرار ، فأصاب خزان البنزين فيها برصاصة ، وحطم محرك الجناح الأيمن بالرصاصتين الأخريين ، مما أدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة ، واشتعال النار في ذيلها ، مما كان معه من المحتَّم سقوطها في البحر ، وقد لقي قائدها مصرعه ، ونجحت ( سونيا جراهام ) في النجاة بأعجوبة .
* * *
ولو أننا عدنا إلى اللحظة التي حدث فيها ذلك ، فسنجد أن ( منى ) قد أصيبت بالذهول مما حدث ، فتطلَّعت بدهشة عارمة إلى طائرة ( سونيا جراهام ) ، وهي تهوي مشتعلة في بحر الشمال ، ثم انطلقت من حنجرتها صيحة انتصار عظيمة ، وهي تهتف مقاومة دموع الفرح التي انغمرت غزيرة من عينيها :
ـ لقد فعلتها .. لقد فعلتها مرة أخرى يا ( أدهم ) .. لقد حققت نجاحاً جديداً رائعاً يا ( رجل المستحيل ) .
ولم يكن ( أدهم صبري ) نفسه أقل دهشة مما حدث ، فقد تطلع إلى مسدسه الذي ينبعث الدخان من فوهته ،
في قبضة يده ، وربَّت عليه براحته اليسرى ، وهو يقول في سخرية عجيبة ، وكأنه يحدِّث صديقاً عزيزاً :
ـ عجباً .. كيف نجحنا في ذلك يا صديقي العزيز ؟
ثم رفع رأسه إلى السماء ، وابتسم براحة وسعادة عندما شاهد طائرة ( منى ) تدور حول المكان ، ولوَّح لها بيده التي تحمل المسدس ، وهو يقول في سخريته المألوفة :
ـ فلنؤجل إجابة هذا السؤال حتى نعود إلى مصر يا صديقتي .. هذا إذا ما وجدنا له إجابة مقنعة .
وبمهارة شديدة هبطت ( منى ) بالطائرة إلى أدنى ارتفاع ممكن ، وألقت نحو ( أدهم ) السلم الصغير المصنوع من الحبال القوية ، دون أن يراودها الشك لحظة في أنه قادر على التعلق به ، والصعود إلى الطائرة ، بنفس البساطة التي يصعد بها شاب رياضي سلم منزل صغير ، مكوَّن من ثلاث درجات على الأكثر .
* * *
14 ـ الختام ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضع مدير المخابرات المصرية على سطح مكتبه التقرير الذي قدمه إليه ( أدهم ) ، بعد أن انتهى من قراءته ، وابتسم وهو يهز رأسه بإعجاب ، ويخلع منظاره الطبي ، ثم رفع رأسه يتطلع إلى ( أدهم ) و( منى ) بنظرات واضحة الإعجاب ، ومضى ينقر بأصابعه على مكتبه فترة تبادل فيها الجميع بالصمت ، قبل أن يقول بلهجة حرص على أن يجعلها تبدو هادئة عادية :
ـ إنجاز رائع أيها المقدم وأيتها النقيب .. لقد لقنتما المخابرات المعادية درساً قاسياً ، بنجاحكما المذهل في هذه المهمة .
ابتسمت ( منى ) بخبث ، وهي تقول :
ـ الجزء الأعظم من هذا النجاح يعود إلى سيادة المقدم يا سيدي .
ابتسم ( أدهم ) وهو يقول :
ـ لم أكن لأحقق هذا النجاح ، لولا قيادتك الماهرة للطائرة أيتها النقيب .
ابتسم مدير المخابرات في أعناقه ، وهو يلمح نظرات الإعجاب والود المتبادلة بين ( أدهم ) و( منى ) ، ولكنه حرص ألا تبدو هذه الابتسامة على شفتيه ، وهو يتناول التقرير ، ويسأل ( أدهم ) بجدية :
ـ كيف أمكنك إصابة الشحنة الناسفة وطائرة ( سونيا جراهام ) ، في أقل من ثانية وبدقة بالغة ، برغم المسافة الكبيرة التي كانت تفصلك عن كل منهما ؟
هز ( أدهم ) كتفيه بحيرة ، ومطَّ شفتيه وكأنه عاجز عن الإتيان بجواب مقنع .. فأسرعت ( منى ) تقول :
ـ إن الإنسان العادي تزداد قدراته مع الشعور بالخطر يا سيدي ، كما تعلمنا في دروس المخابرات ، وأعتقد أن ذلك بسبب زيادة إفراز مادة الأدرينالين في جسمه .. فما بالك برجل في قدرات المقدم ( أدهم
صبري ) ؟!!
ابتسم مدير المخابرات على الرغم منه ، وتطلَّع ( أدهم ) إلى ( منى ) بنظرة مرحة ، وهو يرفع حاجبيه إلى أعلى ، فشعرت هي بالخجل ، وتخضب وجهها احمراراً ، فخفضت وجهها وهي تقول :
ـ لا تنس يا سيدي أنكم تطلقون على ( ن ـ 1 ) لقباً خاصاً .
ضحك مدير المخابرات وقال :
ـ أنت محقة أيتها النقيب .. ولكن لدي سؤال آخر .. كيف نجحت ( سونيا جراهام ) في الهرب من رجال ( فريدريك أبسن ) بعد أن نبَّهتم أنت يا ( أدهم ) إلى مصرعه على يديها ؟
ابتسم ( أدهم ) بمكر ، وقال :
ـ لو أنني في مكانها يا سيدي لصرخت ، أؤكد أن الأمر خدعة ، وأن ( أدهم صبري ) هو الذي قتل ( فريدريك أبسن ) ، بدليل أنه يعرف مكان جثته .
صمت مدير المخابرات لحظة مفكراً ، ثم قال :
ـ هذا منطقي .. ولكن كيف لحقت بكم بالطائرة الأخرى ؟
قال ( أدهم ) بجدية :
ـ إن ( سونيا جراهام ) ذكية وشرسة للغاية يا سيدي ، ومن السهل عليها التفكير بعقولنا والوصول إلينا .
ابتسم مدير المخابرات وهو يتناول التقرير ويوقِّعه ، ثم يدفع به إلى أحد أدراج مكتبه وهو يقول :
ـ إن الكلمات لا تسعفني للتعبير عن امتنان مصر تجاهك أيها المقدم ، ولكن الجميع يعلمون مدى ما تتمتع به من قدرات خاصة .
ونهض وهو يضع منظاره أمام عينيه مكمِّلاً :
ـ إننا لم نطلق عليك عبثاً لقب ( رج المستحيل ) .
* * *
[ تمت بحمد الله ]

Eman 28-01-13 10:12 AM

رد: 20-ثعلب الثلوج
 
يسلمو ايديكي يامنى..
يعطيكي الف عافية..
عملت الرواية ككتاب PDF :
http://www.4shared.com/office/lmYdhjLG/20-_.html


الساعة الآن 08:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية