منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t166031.html)

نيو فراولة 20-08-11 03:26 PM

" لا أستطيع القول بأنني عدت , أذ ألتقيت به لأول مرة , في الأسبوع الماضي , ألم يخبرك بنفسه ؟".
" أخبرني , ليلة الجمعة , بأنه كان يتعشى مع حبيبتي السابقة".
الحبيبة السابقة ! هل هي من كلمات جوردان أن ستيوارت؟".
" ألتقينا مرة واحدة وكان الغرض مناقشة بعض الأعمال".
" ذلك العقد ؟ أستغرق توقيعه فترة طويلة , أليس كذلك؟".
أغلقت عينيها , من هو المتلاعب بالوقت . لم تجبه فقال :
" ما هي لعبته؟".
" لا أدري , هل لديه لعبة معينة؟".
" بالتأكيد , لا يقوم جوردان بشيء بدون سبب".
ومن يعرف جوردان أحسن من أخيه ؟ وتساءلت إذا ما كان ستيوارت يعرف كل شيء , إلا أنها قررت , بعد لحظة تفكير , عدم أحتمال أطلاعه على الخبر , أذ غادرت المكان مع جوردان صبيحة يوم الأثنين بعد توديع ستيوارت شبه النائم في حينه.
" جيردا؟".
" نعم.....".
وأتخذت وضعا مريحا أكثر أذ أنها مدّت قدميها على الكرسي المجاور .
" غالبا ما تساءلت ....... رغم أنه لم يخطر ببالي إلا بعد الحادث".
" ماذا؟".
" هل كانت هناك علاقة ما بينك وبين جوردان؟".
ولا بد أنه سمعها تتنهد إذ قال بحدة:
" نعم كانت هناك : لا أدري لماذا كنت أعمى , فطوال الوقت كان السبب هو أخي ولم أعرف أنا شيئا , كما لم يفتح فمه بشيء , حسنا......".
ثم بدأ ستيوارت الضحك بسخرية مريرة.
وجمدت في مكانها , صامتة , ودعاه الصمت للتساؤل:
" هل ما زلت هناك ؟".
" نعم".
وأجبرت نفسها على الأجابة .
" إلا أنك مخطىء , لم يكن لجوردان لحظة فراغ يهتم فيها بي أو حتى.......".
" جيردا , لا حاجة لخوفك الآن , ألا تعلمين بأننا كنا نصادق أحيانا فتاة واحدة ؟ إلا أن جوردان لم يكن جادا بأمر الفتيات , وعلى أي حال".
لم يكن الأمر مفاجئا , إلا أن الطعنة كانت باردة .
" بأستثناء ديانا بالطبع ".
" ديانا؟ هل هي خطيبته؟".
" كلا , إنها لم ترغب بذلك , إلا أنها ستكون محظوظة أذ نجحت".
" آه , لم أكن أعرف ذلك".
" بالطبع , نسيت غيابك عنا فترة طويلة , أن لجوردان علاقة بديانا بدأت في العام الماضي ". ثم أضاف بخبث : " أنها فتاة طيبة أذا كنت راغبة في الفتيات الأيطاليات ابدينات ".
" هل هي بريطانية؟".
" كلا بل أنكليزية , إلا أنني أعتقد أنها بحاجة الى درس منك في أخضاع الرجل لسيطرتها".
وبدا أن ظلال الغرفة المظلمة أقتربت منها أكثر , أرتجفت وأحست بقلبها يغوص بين أضلاعها , ثم سمعت الصوت من جديد :
" بلا تعليق؟".
" بلا تعليق".
أجابت بكسل.
" أصبت بالخيبة".
" صحيح ؟ ستيوارت أن الوقت متأخر جدا وأحس بالبرودة , هل تنزعج إذا....".
" باردة ؟ في ليلة دافئة كهذه؟ لا بد أنك.......".
" نعم, الجو دافىء , لكنني يجب أن أنام إذ علي الذهاب للعمل غدا , هل تستطيع النوم الآن؟".
" سأحاول , هل ستأتين لزيارتي قريا؟".
" أذا رغبت في ذلك".
أجابت بأرهاق.
" لا بد أنك متعبة فعلا , أنك حرة الآن حتى الغد , ليلة سعيدة ".
وكانت تلك الليلة بداية أتصالاته الهاتفية الليلية بها.
منتديات ليلاس
وبدا وكأنه يستعيد راحته خلال حديثه معها وغالبا ما دار حديثه عن أصدقاء هم مجرد أسماء بالنسبة اليها وعن سوزان وليون وجوردان أحيانا .
لم تستطع ألغاء المكالمات التلفونية رغم أحساسها بالتعب الشديد عند منتصف الليل , أذ فكرت بأن تعبها لا يهم ما دامت تساعد ستيوارت على قضاء لياليه الوحيدة , كما لم تستطع رفض دعوة ستيوارت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع المقبل في منزله , وبدا لها غريبا أن الدعوة صادرة عن ستيوارت وليس بموافقة جوردان , ولن تتم بحضوره حسب ما علمت من ستيوارت , ولم يكن ستيوارت أكثر خبرة مما أعتقدت , بل كان جاهلا بمخطط أخيه لجيردا , ما الذي سيقوله ستيوارت أذا علم بخطة جوردان ؟ صحيح أن لستيوارت أخطاءه إلا أنه لم يكن خبيثا , قد يدفعه الخوف الى التهجّم , وهذا شعور أنساني وطبيعي , ولن يعمد لذلك بدونه.
ربما لم تكن قسوة جوردان ضرورية , فكرت جيردا بمرارة , أذ أكتشفت أن تعاستها ومشاعرها قد تقودها الى التضحية برغباتها, لماذا يجب محاربة قدرها المظلم ؟ يبدو أن قدرها مرسوم منذ زمن بعيد حين ستتحطم سعادة مستقبلها وتنتهي حياة من تحبهم , لقد فقدت أولا والديها المحبين ثم بليز وحنى ستيوارت الذي أحبته بطريقة تختلف عما أراده , وهوارد من تدين له بالأخلاص والمودة , وفوق ذلك طغى شبح جوردان بلاك.
لم يستطع رجل واحد أمتلاك قوة تحطيم حياتها , أو منحها السعادة ؟ وإذا أستعادت ما جرى في السنوات الأربع الأخيرة تساءلت هل كان في مقدورها سلوك سبيل آخر , هل كان بأمكانها التصرف بطريقة أخرى ؟ لماذا لم تستطع حتى الآن , الأستدارة وترك كل شيء خلفها؟
ثم تتوجه الى مكان آخر , أي مكان , حيث لا تعرف أحدا ولا تحاول النسيان؟

نيو فراولة 20-08-11 03:28 PM

بحلول يوم الخميس , كان هناك بعض التحسن في صحة هوارد , وسمح له لأول مرة بالجلوس فترة قصيؤة , وأحس ميرك بفرح غامر , وقال بحماسة شديدة.
" سنستعيده بيننا خلال فترة قصيرة جدا".
إلا أن جيردا كانت أعلم بما يجري , أنها واصلت زيارته في المستشفى وواصلت الأستماع الى تحذيرات الأطباء له , الذين حذروها من أن التوتر والأرهاق سيشكلان خطرا على صحته بعد أصابته بضعف القلب وسيمر وقت طويل قبل أن يستطيع هوارد مواصلة حياته الطبيعية , هذا إذا نجح في ذلك , لكنها أحتفظت بمخاوفها لنفسها , وكل ما عملته هو محاولتها تسليته ورفع معنوياته قدر الأمكان وأبعاده عن المشاكل والقلق.
وأنتابتها أحيانا الرغبة في الإتصال بجوردان والتوسل اليه كي يلين مهما كانت العملية مهينة لها إلا أن أحساسها بالمرارة منعها , الى جانب خوفها من الفشل , في مثل تلك اللحظات أنتابها غضب جامح لحضور ميرك السلبي , الذي أكتفى بمتابعة الأعمال اليومية مكررا بأن لا سبيل لمنع حدوث ما هو مقدر حدوثه , لم يكن قلقا ولعل هذا سبب عدم حصوله على مركز هوارد.
ومن الغريب أنها أحست بالضياع حين حلّ منتصف ليلة الخميس دون أن يتصل بها ستيوارت , فبررت سلوكه بأنه , ضجر من المحادثات الليلية وأنه أكتشف ألا ضرورة لها , أو لعلّه ظنّ أن لا داعي للأتصال بها ما دامت ستقضي عطلة نهاية الأسبوع معه , لذلك دهشت حين رنّ الهاتف فجأة في الوقت الذي أستعدت فيه لدخول الفراش.
" سأجلب معي بعض الحبوب المنوّمة".
قالت مباشرة حالما أمسكت بسماعة الهاتف , فأجابها جوردان :
" أنني لا أحتاجها أطلاقا".
دهشت فقال :
" من الذي توقعت مخاطبته؟".
" ستيوارت".
وأنتظرت تعليقه.
" فهمت بأنه كان على أتصال بك وأنك قادمة لزيارته غدا".
" نعم".
" حسن جدا , لم أتوقع أن أكون بلا عمل إلا أنني سأمر بك عند منتصف النهار".
" لا داعي لذلك أذ رتبت كل شيء , سأذهب بواسطة القطار وسينتظرني ليون قرب المحطة".
" سآخذك معي , أنه يوم مزعج للسفر بواسطة القطار خاصة أننا نمر بموسم العطل الآن ".
" لا يزعجني ذلك و.........".
" أن الوقت متأخر للمجادلة , سأمر عليك منتصف نهار الغد وسنتغدى سوية في طريق الذهاب , الى اللقاء".
وأنهى الأتصال الهاتفي قبل أن تعترض تاركا إياها محدقة بسماعة الهاتف , أثار الترتيب غضبها حتى اليوم التالي حين وصل في الوقت المحدد ودخل الى الصالة مباشرة:
" أتريد سيجارة؟".
" كلا شكرا".
ولم تكن مهيأة تماما أذ أحست برغبة في تأخير رحلتها معه فنظفت أرضية المطبخ عدة مرات وتفقدت أن كل شيء بمكانه.
وأذ دخلت المطبخ ثانية سألها:
" وماذا عن الموقد الغازي؟".
" لقد أطفأته".
ودخلت الى غرفة النوم لتأخذ سترتها , ثم حملت حقيبتها ووقفت في أنتظاره , إلا أنه تمهّل في مكانه وقال :
" نسيت النافذة مفتوحة ".
وبحركة واحدة قام بما كانت على وشك القيام به عند وصوله , ثم نظر اليها والى الشقة المرتبة:
" لا يبدو عليك الفرح , هل أن فكرة الزواج من أخي لا تزال تزعجك؟".
" ليس الأمر مضحكا , وأعتقد بأنني أوضحت موقفي بصدد الموضوع , هل نغادر الآن ؟".
" لحظة واحدة ".

وببرود تفحّص وجهها وعينيها الجريئتين الرافضتين دائما للتخاذل تحت قوة نظراته.
" أعرف جيدا بأنك تحتقرينني , وأنك تظنين بأنني قاس ومخادع إلا أنني أرغب في تذكيرك بشيئين , أولهما مهم جدا بالنسبة اليك , ولا أعرف بالضبط لماذا تعلقين هذه الأهمية الكبيرة على جيرنغفولدز والعقد , أن رؤسائي في الشركة يثقون بي الى حد معقول فقط وأشك كثيرا بأنهم سيمهلونني فترة طويلة , وكل ما أستطيع التفكير به تبريرا لموقفك هو وجود علاقة معينة بينك وبين هوارد دوريل , المعرّض للأفلاس أذا ما خسر العقد , هل تربط بينكما علاقة ما؟".
" لا علاقة لك بالأمر أطلاقا ".
" كلا , ولكن معرفة ذلك سيوضح الكثير من الأمور".
" هل هناك شيء يتطلب التوضيح؟".
سألت ببرود ثم أضافت :
" لم لا تعترف بأن شروطك واضحة وقجّة؟".
" كلا , أذ أن الجانب الأخلاقي غير واضح".
" أخلاقي أنها آخر ما يمكن أستخدامها لوصف مخططك".
" كل ما تفكرين به هو وجهة نظرك وموقفك بصدد القضايا المهمة لك ".
وألقى نظرة سريعة على ساعته :
" بينما أفكر أنا بأخي وتهمني جدا حالته ".
" أتساءل فيما لو كان هناك شخص أو شيء يهمك فعلا".
وأنحنت لتحمل حقيبتها لكنه خطا الى الأمام بسرعة وسحبها من يدها فتركت الحقيبة حالا مخافة أن تلمس يديه.
" ما الذي تريد قوله؟".
" أريد أن أقول : تقع عليك مسؤولية ثقيلة أتجاه أخي ولا تحاولي أبدا نسيان ذلك ".
" وهل ستترك لي فرصة النسيان؟".
" كلا".
ثم وضع يده على كتفها قبل أن يقول :
" هناك شيء آخر......".
ووقفت صامتة , رافضة النظر اليه , محاولة أن تنهي المحادثة عند ذلك الحد , قبل أن يرسخ حضوره ذكريات مؤسفة في شقتها.
" لا تحاولي أثارة أهتمام أخي , ثم تحطيمه بعد ذلك , أذا فعلت ذلك , أقسم بأنني سأجعلك تأسفين كل لحظة".
فتح الباب وأنتظر منها المغادرة أولا ثم حرص على أغلاق الباب وقفله , وبدون أن يتفوّه بأي كلمة صاحبها الى خارج البناية , وأذ برزا سوية , كان الجو صحوا والشمس مشرقة إلا أن جيردا أحست ببرودة غريبة رغم حرارة الشمس , ثم فتحت باب السيارة.
تركها جوردان لحظة وصولهما مباشرة الى غرين ريغ ومضى بعض الوقت قبل أكتشافها عودته الى المدينة , وقال ستيوارت معلقا:
" أتمنى أن يأتي غدا أذ أعددت مفاجأة له".
دمدمت شيئا ما دون أن تسمع , حقيقة , النصف الثاني من ملاحظته , لماذا أصرّ جوردان على القدوم معها ؟ هل تكبّد مشقة المجيء الى شقتها ومن ثم أصطحابه لها الى غرين ريغ لمجرد أعطائها الأنذار الأخير بصدد أخيه وزواجها منه؟
وأذ تذكرت أن ستيوارت ينتظر جوابها , هزت كتفيها فلاحظت تقطيبته.
" ماذا جرى؟".
أجابته بسؤال آخر :
" لا شيء , ماذا يمكن أن يحدث؟".
" هذا ما أنا أسألك عنه يا عزيزتي".
ومدّ يده نحو أناء يحتوي أنواع الفاكهة وأختار خوخة كبيرة قدّمها لها ثم أختار واحدة أخرى لنفسه.
" نظراتك توحي بالشعور بالذنب".
وكادت أن تسقط الخوخة من يديها , إلا أنها أمسكتها بقوة وقضمت جزءا منها :
" أنني قلقة , كنت أفكر بهوارد وأشياء أخرى.....".
نظر ستيوارت اليها بثبات وبدا كأنه يزن الخوخة :
" هل هذا صحيح ؟ أشعر بأنني خبير بقراءة تعابير الوجه وماذا تخفي".
" وألتقط سكينا فضيا وأزال نواة االخوخة.
" ولدي المتسع من الوقت للتفكير والممارسة , لنأخذ جوردان مثلا ".
توقف عن الكلام وأدركت مدى فشلها في أخفاء مشاعرها.
" كان المفروض أن يلتقي جوردان برجل أعمال مهم خلال اليوم أذ سيتوقف الرجل في لندن عدة ساعات فقط في طريقه من أميركا الى بروكسل وميونيخ , وبسبب هذه الشخصية الهامة تخلى جوردان عن وعده لديانا بقضاء العطلة معها في أحد الأماكن القريبة من نهر التايمس وكانت ديانا تعاني من الصدمة وتحاول جهدها أعتصار بعض الدموع.... يا لها من مسكينة , إلا أنها كسرت أحد أظافرها وهي تقشر البصل".
" ستيوارت , أنك مخلوق بائس بلا قلب , ولكلماتك نبرة فتاة غيورة".
ضحكت جيردا آملة أن تحوّل الجملة الأخيرة عن موضوع أخيه وأضافت :
" أخجل من نفسك".
" كلا , ما عملته هو أنني كررت كلمات سوزان في وصف ديانا , وفي الحقيقة ديانا وسوزان صديقتان مخلصتان وأعتقد بأنك ستكونين الثالثة ".
" بلا شك هل لاحظت العصير على قميصك".
" لا يهم ". وأبتلع ستيوارت آخر الخوخة وأضاف : " بناء على ذلك , لم يضيع جوردان صباح يومه الثمين في أصطحابك الى هنا؟".
" لا أدري , إذ أخبرته الليلة الماضية ألا داعي لأزعاج نفسه".
" آه , خمنت وجود شيء خفيّ , أذن كنت معه الليلة الماضية".
وظهرت على وجهه سيماء أنتصار خبيث.
" كنت أعلم بأنه يخدعني , محاولا أقناعي بأنك ظهرت فجأة ...... يريد أن يعيدك اليّ , لماذا ؟ ماذا يجري حولي؟".
" أنك تتخيل الأشياء".
" كلا , أدركت ذلك في نهاية الأسبوع الماضي , وأنا متأكد الآن".

نيو فراولة 20-08-11 03:32 PM

وتحوّل تعبيره من شبه الجد الى الشك.
" إصغي الي يا جيردا , لمدة ثلاث سنوات , لم تكوني أنت موجودة بالنسبة الى جوردان , ثم ها أنت هنا فجأة , وتبدين مذعورة حتى من ظلك أحيانا والشعور بالذنب يجثم على صدرك أحيانا أخرى , بينما يبدو أخي وكأنه يحسب كل خطوة بعناية".
ودار ستيوارت بكرسيه حتى أصبح على مقربة منها , وكانت الحركة الهادئة خلفها مثيرة للأضطراب , فمسحت أصابعها في عصبية بمنديلها :
" أخبرتك من قبل بالحقيقة , أنني لم ألتق بجوردان إلا قبل أسبوعين".
لم يبد على ستيوارت أنه أصغى الى كلماتها وعضّ فجأة على شفتيه ونظر اليها بحدة:
" أنك لم تخبريه بما حدث , أليس كذلك ؟".
" كلا , لم أخبره أبدا".
" شكرا لذلك وإلا لدفعت الثمن غاليا , أعتقد بأننا نجحنا في أخفاء الحقيقة عنه...... ولكن جوردان......"وضغط بيده على جبينه:
" كانت الأيام التالية للحادث مثيرة للأضطراب , وأذا حاول أستعادة أحداثها لا أجدني أذكر الكثير , كل ما تذكرته هو وجوب عدم معرفة أحد بالسر فيما عدانا".
تنهدت قائلة بهدوء:
" أنس الموضوع , أذ لا أحد بعرف سوانا الآن".
كان ستيوارت صامتا ووشّى وجهه بالتأمل ثم قال أخيرا:
" لم نكن حسني السلوك معك , أليس كذلك؟".
ونهضت عن مقعدها وسارت عبر الغرفة لتلقي نظرة على لوحة موضوعة فوق الخزانة الجانبية , ثم سألت:
" نعم , أنها مزعجة".
" لا أعتقد ذلك".
وتفحصت عن قرب ما بدا لها سطحا رمليا ومهجورا عند الغروب , كان للبحر سطح أحمر ضبابي هادىء , وأحاط اللوحة جو يشير الى الموت.
" هل توجب عليك رسم اللوحة أثناء الجزر وأحتشاد الساحل بالأوساخ؟".
وتوقفت عن الحديث حين رأت فجأة الأشكال المخيفة في اللوحة:
" متى رسمت اللوحة؟ أنها مخيفة".
" هل تستهجنين وجود الجماجم؟".
وكان الرضى واضحا في صوته كما لو أن صدمتها أرضت رغبة دفينة في أعماقه وقال :
" رسمت اللوحة خلال تأثري بلوحات دالي , وقبل أن أكتشف أنني لم أكن موهوبا في الرسم , إلا أنها مجرد بداية".
" أعتقد أنك تتمتع بصدم مشاعر الناس".
" إنه واحد من الأشياء القليلة التي تركت لي لأتمتع بها , هل تريدين شرابا؟".
" نعم رجاء".
وخلط كأسين من الشراب لهما وأضاف بعض الثلج الى قدح جيردا ثم قال:
" حسنا , أقتربي وتناولي كأسك , وقولي شكرا بالطريقة المناسبة".
" هل تعني أن عليّ دفع الثمن؟".
أجابته بثبات محدقة في اليد الممسكة برسغها.
" أليس هذا جزءا من الخطة؟".
وحرّر يدها وأبتسم بسخرية مضيفا : " إذ أنني لست غبيا كما تعلمين ".
" لا أعتقد أنك غبي أطلاقا ".
وتراجعت الى مقعدها حيث جلست , وسألت:
" أين سوزان وليون؟".
" ذهبا الى أيست بورن".
" ألا تشعر بالغيرة ؟ في حال نشوء علاقة بينهما".
أضافت بعجل , خائفة أن يسيء تفسير قولها :
" كلا , أطلاقا أذ أن سوزان ملك لي".
منتديات ليلاس
تناولت قليلا من شرابها , واعية لتوترها متسائلة عن مدى تحملها لضغوط ستيوارت , قد يكون قاسيا مثل جوردان وهذا ما يمنح جوردان الحق بالقل على أخيه , رغم أنها جادلته بشدة في المرة السابقة , ودافعت عن موقف ستيوارت نحو الحياة , إلا أنها غيّرت رأيها الآن ....... إذ لاحظت أن عجزه أحاله الى شخص محروم يعاني بأستمرار ويراقب الآخرين بطريقة تدفعه الى الرغبة بأملاء رغباته عليهم , في أمكانه فهم حالته بالتأكيد إلا أن أحساسه الحاقد كان مثيرا لأضطرابها , ولأول مرة أكتشفت قبولها وجهة نظر جوردان بأن نظرة ستيوارت الى الحياة غير صحيحة".
" وها نحن نعود الى مناقشة موقفك , ترى هل أكتشفت بعد هذه السنوات أنني أعني شيئا لك ؟ أو أنك النهاية الحادة للتأسفات؟".
وتولد في داخلها أقتناع مخيف بأنه يعرف خطة جوردان.
" توقفي عن التظاهر يا عزيزتي , لم لا تعترفين بأنك مستخدمة لغرض تمهيد الطريق لخطوة أكبر؟".
وعذبها أحساسها بالذنب وحدقت في وجه الشاب الساخر متسائلة عن أفضل حل للتخلص من موقفها في الخلاف بين الأخوين , ألا أن ستيوارت لم يزعج نفسه بأنتظار جوابها بل قال بمرارة:
" أن الأمر واضح تماما , يأمل جوردان بنجاحك حيث فشل هو ".
" ولكن كيف فشل؟".
" أن لجوردان شخصيته المسيطرة , ويحب أدارة حياة الآخرين , ويشبه في ذلك والدنا , أنه قاس وصعب المعاشرة ويحمل بين يديه دائما صلاحية أدارة الأمور المالية ....... وتوقف ستيوارت عن الحديث فجأة , ثم توجه بكرسيه الى مكان قرب النافذة حيث تطلع الى خضرة الحديقة , وفضحت ملامحه غضبه الشديد.
" لماذا يجب أن أكون معتمدا عليه ؟ أتمنى أحيانا لو أنني لم أولد لو لم تكن والدتي ضعيفة الشخصية لما كنت في حالتي هذه , آه أرجو أن تذهبي وتتركيني وحدي , لا أريدك , لا أريد رؤية أحد".
وصدمتها فجائية الكلمات فوقفت مدهوشة , إلا أن رؤيتها لرأسه المنكس على حافة الكرسي بألم جعلها تشعر بشفقة لا حد لها أنستها مخاوفها ويأسها فركضت اليه وجلست الى جانسبه"
" ستيوارت ....." , ومدت يدها نحوه :" ما هذا ؟ ألا تستطيع أخباري؟ أنك لا تعني فعلا ما قلته , أنا متأكدة بأن جوردان ....... هل أنت متأكد.....؟".
وتوقفت عاجز عن التوضيح أكثر , باحثة عن تفسير لما قاله.
" أنها الحقيقة , إلا أنك لا تريدين سماع كل شيء".
" إذا كان سيساعدك ويشعرك بالراحة, فحدثني أذن وإذا كان الأمر عكس ذلك فسأتركك وحدك".
" كلا".
وأمسك بيدها , وشدّها بقوة الى صدره :
" لا تبتعدي عني ثانية , لم أشعر بأهمية الأمر قبل الحادث , أذا كانت علاقتي بجوردان حسنة , فنحن لم نحاول الألتقاء دائما وأكتفينا بتبادل المجاملات دون أثارة بعضنا , ولم أكن بحاجة الى الأعتماد عليه , أشعلي لي سيجارة رجاء".
قال هذا في محاولة لأستعادة هدوئه وتجنب النظر مباشرة اليها.
" حدث أن والديّ أفترقا حين كان جوردان طفلا , لن أخبرك كل التفاصيل السيئة بل سأكتفي بالقول أن والدي كان قاسيا , متجهما بينما كانت والدتي ضعيفة وحنونة ولم يستطيعا العيش سوية , وهذا سيساعدك على فهم الأختلاف بيني وبين جوردان .
منتديات ليلاس
بعد ذهاب أمي تولى والدي تربية جوردان بطريقة خاصة , وأرسله الى أحدى المدارس حيث كان عليه النهوض عند منتصف الليل لكسر الثلج وإذابته قبل الأغتسال والأصغاء لأنواع الأهانات قبل تناول الأفطار .
لكن والدتي عادت للعيش مع الوالد حين كان جوردان في الرابعة عشرة من عمره وكنت أنا النتيجة , ويفسّر ذلك أختلاف العمر بيننا , أننا نعود الى قطبين مختلفين , وأعتقد بأنني كنت محظوظا أذ تغيّر والدي قليلا بعد ولادتي وأصبحت معاملته أقل قسوة من السابق , لذلك لم أعان من قسوة المعاملة التي تلقاها جوردان".
" لا بد أنك كنت صغيرا حين توفي والدك".
" توفي اليوم التالي لعيد ميلادي العاشر , وأذكر بأنني غضبت لأنه رفض شراء بندقية لي , ثم ندم في اليوم التالي ووعدني بشرائها , كان ذلك في الصباح الباكر , وتوفي الوالد مساء".
وهز ستيوارت كتفيه مضيفا:
" وتحمل جوردان مسؤولية إدارة الأعمال مباشرة وكان مركز والدي ملائما تماما لجوردان الذي أحتل مكانه في كل شيء بشكل طبيعي".
قالت جيردا معلقة بنعومة:
" كان لا بد من وجود أحد يتحمّل المسؤولية , ولم يكن هناك أحد غير جوردان".
وبقي ستيوارت متوترا , فأحست بالحاج الى التوضيح أكثر , رغم كراهيتها لأتخاذ موقف مؤيد لجوردان:
" قد تجد أن كل شيء صعب الآن , ولكن بالنسبة الى جوردان , فحاول الحكم عليه بنزاهة , فهو قام بكل شيء يستطيع أنسان القيام به من أجلك".
" آه , نعم , أقر بذلك , ولكن لماذا لا يدعني أنجز الأشياء بطريقتي أنا ؟ ما الذي يفعله ؟ أنه يأتي دائما للتنكيد عليّ , لينتقد أصدقائي , أنه قاس في سلوكه نحو سوزان , يلقي علي المحاضرات حول السلوك الحسن , ويصرخ متشكيا أذا ما أستلم قائمة مصروفاتي , ما الذي يتوقع مني عمله؟".
لم تعلق جيردا بشيء , أذ لم تجد شيئا تقوله , لأنها وجدت أم كلا الأخوين محقان ومخطئان في الوقت نفسه , إلا أنها لم تجد حلا ملائما.... بأستثناء....
" جيردا , أنا في أنتظار رأيك".
ونظر اليها مبتسما.
" هل أنت بأنتزار معجزة تحل كل مشاكلك؟".
" كلا , بل في أنتظار حديثك الحيوي المقنع".
" حديث حيوي ؟ ماذا تعني؟".
" لا تتظاهري بالبراءة , أعرف أن مجيئك تم بترتيب من جوردان آملا أن يعيد أليّ حيويتي وشعلة الحياة في داخلي , أن تحاولي أقناعي بأجراء العملية في ألمانيا , أليس ذلك صحيحا؟".
منتديات ليلاس
كان قريبا من الحقيقة وأمتلكها أحساس بذكر كل شيء له , إلا أنها نجحت أخيرا في التخلص من ذلك الأغراء , إذ ليس في مستطاعها إحداث قطيعة أكبر بين الأخوين , مهما كانت الأسباب الداعية لذلك , ثم أن ستيوارت كان مخطئا في شكوكه , قد يكون جوردان مغاليا في سلوكه إلا أنه كان بالتأكيد مهتما بستيوارت الى حد لا يمكن أنكاره , الى حد أنه كان مستعدا لتحطيم حياتها وحياة آخرين من أجل إعادة الأمل الى أخيه , وأحست بالكآبة تنتابها إذ لم تجد سوى هذا الجواب تتلفظ به:
" كلا , ستيوارت , أن حكمك خاطىء , لم يذكر جوردان كلمة واحد عن إجرائك العملية , قبولك أو رفضك أياها , وأقسم بذلك".
" لكنه سيثير الموضوع".
هزت رأسها مرة أخرى , عاجزة عن هز شكوكه رغم جوابها المقنع .
" حسنا , إذا ما ناقش الموضوع معك فأنني لا أرغب بسماع أي شيء عنه وخاصة منك يا جيردا , أنها حياتي وليس لأحد الحق بتوجيهي غلى ما أفعله أو لا أفعله , هل تفهمين؟".
أومأت أيجابيا وساد بينهما الصمت للحظات قصيرة , ثم أستدار بكرسيه متوجها الى المكتب الصغير حيث فتح أحد الأدراج وتناول منه قنينة حبوب فتحها , ثم ألتهم حبتين في آن واحد.
" ما هي هذه الحبوب؟".
سألت لأنها أحست بالحاجة الى كسر طوق الصمت حولهما أكثر من أحساسها بالفضول .
" حين يبدو العالم مظلما , تساعدني الحبوب على تحمله .... جيردا .....".
" نعم ".
وأستدارت نحوه وأحست بالخوف لمرأى نظرته المؤلمة وإذ مد يده نحوها لم تجد أمامها غير الرضوخ لطلبه وأمسكت يده محاولة الأبتسام في الوقت نفسه.
" حاول الأبتسام يا ستيوارت , وإلا أتهموني بالأساءة اليك إذا ما عادوا ووجدوك في هذه الحالة".
" أنهم يعرفون مزاجي أحسن منك يا عزيزتي , هل أنت متأكدة أن جوردان لا يستخدمك في أحدى لعبه؟".
" ليجبرك على تغيير رأيك ؟؟ كلا , لم أعرف بالموضوع حتى أخبرتني".
ولا بد أن شيئا ما في نظراتها الثابتة أقنعه , إذ أومأ برأسه رغم ألحاحه يسؤال جديد:
" ولكنك توافقينه الرأي , أليس كذلك؟".
" نعم , ولا أعدك بأنني لن أحاول أقناعك بأعادة التفكير في المسألة ".
وحدّق في وجهها لفترة طويلة كما لو رغب في أكتشاف الحقيقة في ملامحها , ثم قال:
" هل سيهمك ما سيحدث لي؟".
" بالطبع يهمني الأمر , لا تزال حياتك أمامك وعليك ألا تيأس ويجي ألا تضيّع حياتك".
" أذن أنت تؤمنين فعلا بوجود معجزة قريبة؟".
" كلا , لا أؤمن بوجود معجزة , بل أؤمن بوجود الأمل".
تنهّد بعمق ومس يدها بحنان:
" جيردا , لا تتركيني مرة أخرى رجاء , عديني بالبقاء".

نيو فراولة 24-08-11 08:39 PM

5- الصباح يجلب الغيوم




عادت سوزان وليون بعد فترة قصيرة بالبضائع , بعدما تسوقا في أيست بورن.
كان ترحيب ليون بجيردا وديا , إلا أن سوزان أبدت وبوضوح شكوكها بصدد الزيارة ولم تبذل أي جهد لأخفاء مشاعرها , كانت سوزان صغيرة الجسم , ترتدي بنطالا أخضر وقميصا مزينا بورود صغيرة وسيطرت على جو المكان كله طوال فترة العشاء وتجاهلت حضور جيردا كلية , إلا أن ستيوارت بدا في مزاج أفضل , لذلك صارعت جيردا رغبتها في اللجوء الى السكوت طوال الوقت وحاولت ألا تظهر ألمها حين أجتمعوا بعد العشاء في شقة ستيوارت للأستماع الى الأسطوانات الجديدة التي أشترتها سوزان في أيست بورن.
أطفأ ليون بعض الأضواء ومع بدء الموسيقى تخلت سوزان عن تظاهرها الكاذب بالمرح , فركنت الى الصمت لفترة طويلة , مستلقية على الكنبة ومحدقة في سقف الغرفة , وحين أنتهت الأسطوانة رفضت المشاركة في مناقشتها , إلا أنها أستعادت نشاطها فجأة حالما وضع ليون أسطوانة أخرى موسيقاها جزء من موسيقى فيلم شعبي معروف , فحملت مقعدا صغيرا وسارت متوجهة نحو ستيوارت وجلست الى جانبه وبدأت تناوشه كما لو أرادت أظهار عواطفها للحاضرين.
لم يحاول ستيوارت منعها أو تشجيعها بل أكتفى بالأبتسام وعلى وجهه تعبير يوحي بأن أفكاره بعيدة جدا عن المكان , كأنه لم يشعر بالذراعين النحيفتين تلتفان حوله واليد الناعمة تلمس وجهه بحركات بطيئة.
وأخيرا , ركعت أمامه وأسندت رأسها الى حضنه , وتركت شعرها الأسود الطويل منسدلا على ساقيه , نظر اليها وبدأ بتمسيد شعرها محركا أصابعه بخفة في خصلاته.
لم يبد التأثر على ليون للمشهد العاطفي , إلا أن جيردا أضطربت لذلك , أذ لم تستطع أبدا أظهار عواطفها وحبها لشخص أمام الآخرين ولم تفهم كيف تستطيع التركيز على سماع الموسيقى والنظر الى الجهة الأخرى فسمعت ليون يضحك ضحكة قصيرة , وإذ نظرت رأت أن ستيوارت دفع كرسيه الى الوراء ببطء ولم تشعر سوزان بحركته فوقعت أرضا.
وتحول لون وجهها الى لون قرمزي لشدة الغيظ :
" وحش , وحش".
صرخت بصوت عال :
" أكرهك , أكرهكم جميعا".
وبدأت البكاء بشكل مفاجىء ثم غادرت الغرفة حالا.
ونظرت جيردا بدهشة الى الرجلين , هز ليون كتفيه أستهزاء بينما عبس ستيوارت بقسوة:
" لا تقلقي ستتخلص من هذه النوبة بسرعة , أن عزيزتنا سوزان مخلوقة مزاجية ".
" ولكن ألا يذهب أحد......؟".
وأشارت برأسها نحو الباب .
" كلا , لن تشكرك لذلك".
وعدل ستيوارت الكرسي المقلوب.
" بل أنها في الحقيقة تتمتع بالبكاء كثيرا , ألا ترغبين بالجلوس الى جانبي وتمسيد رأسي المتعب؟".
وأشار الى المقعد المجاور له.
" كلا , لن أفعل ذلك".
وأحست جيردا بأنها غير قادرة على العمل أكثر , وتذكرت أحساسها بالأرتياح حين علمت بعدم مجيء جوردان لقضاء الليلة في المنزل , لكنها ندمت لذلك الأحساس وتمنت وجوده , أذ في أستطاعتها التنبؤ الى حد ما بخطوة جوردان التالية مما يقودها الى تحصين نفسها ضده تبعا لذلك , إلا أن الأمر مختلف مع ستيوارت أضافة الى وجود سوزان المضطربة عصبيا , نهضت من مقعدها مدمدمة بعذر ما وغادرتهما بسرعة متوجهة الى غرفتها .
كان سكون المنطقة ليلا وهدوءها مثيرا للأكتئاب أو هذا على الأقل ما شعرت به جيردا , كان الهواء حارا وهي على أستعداد للترحيب حتى بصوت السيارات المسموع عادة خارج شفتها.
بينما لم تستطع هنا حتى سماع همسة واحدة , وهكذا قضت ليلة بدت وكأن لا نهاية لها.
وجلب الصباح معه الغيوم والرعد , وإذ نظرت جيردا من النافذة وتساءلت عما يجب أن تفعله : تغيير ملابسها أو العودة الى الفراش من جديد .
كانت الساعة السابعة ولم تسمع ما يشير الى أستيقاظ أي شخص آخر في المنزل , جلست على حافة السرير وراقبت تجمع الغيوم السوداء من خلال النافذة , هل ستصرف ستيوارت وسوزان بهذه الطريقة دائما ؟ جدال , حب , وعراك ؟ وبدت لجيردا صورة علاقة غريبة , أي سعادة يجدانها في تلك العلاقة ؟ وما هو موقفها من المسألة كلها؟ وكلما أمعنت النظر والتفكير لم تجد غير التعاسة , ألم يستطع جوردان رؤية ذلك ؟ لماذا لم تمتلك الجرأة على العناد ؟ أن تهرب قبل أن تقع في المصيدة تماما........ حتى لو عنى الأمر خذلان هوارد , حتى لو ........ وأعادها الى الحاضر صوت قرع الباب ثم سمعت صوتا يقول:
" هل أستيقظت ؟ الشاي جاهز".
وفتح ليون الباب , ومن دون أن يرتبك لوضعها المشوش , وضع الصينية جانبا ثم توجه نحو النافذة .
" هل أسحب الستائر ؟ أو أتركها لتصد ضوء النهار؟".
" إسحبها رجاء , شكرا لجلبك الشاي أذ لم أتوقع هذا".
إبتسم ليون بهدوء وقال :
" أقوم بإعداد الشاي كل يوم أحد وهكذا تتاح الفرصة للسيدة بي للحصول على بعض الراحة".
وبدا عليه الأستعداد للمحادثة فسألته بكسل:
" لماذا تدعوها السيدة بي؟".
" لأن أسمها الحقيقي هو بريدنغهام ونحن جميعا كسالى ".
" آه".
وبدأت تناول بعض البسكويت مع الشاي وساءلت نفسها عما إذا كان ليون ممرضا مؤهلا , وكيف يستطيع التلاءم مع مزاج ستيوارت المكتئب ؟ إذ بدا لها شخصا سهل المعشر وينتمي الى العائلة , لا بد أن ستيوارت محظوظ لبقائه معه.


نيو فراولة 24-08-11 08:41 PM

رفعت عينيها ودهشت لنظرة ليون , ثم قال بمرح:
" ليست الأمور سيئة الى الحد الذي تفكرين به".
وإذ واصلت التحديق في وجهه واصل:
" كنت قلقة في الليلة الماضية ولم أستطع قول أي شيء في حينه , إلا أنني فكرت بالحديث عما حدث الآن , ظاهريا , يعامل ستيوارت سوزان بقسوة وتستجيب هي لسلوكه مثل عبدة صغيرة , إلا أنهما في الحقيقة متفاهمان جدا , والأكثر أهمية أن حضورهما سوية يزود أحدهما الآخر بصمام أمان".
توقف عن الكلام وأستدار ليغادر الغرفة إلا أنه توقف عند الباب قائلا من جديد بأبتسامته المؤدبة:
" لا تدعي الأمر يقلقك ولا تظهري القلق".
لم تكن ملاحظته أعتذارا بل كانت نوعا من التحذير والمنع , منعها من ماذا؟ وتساءلت بعد مغادرته , وتزايد أقتناعها بسلوكه التحذيري أثناء تغييرها ملابسها , ولكن لماذا التحذير ؟ ولم تستطع التخلص من أفكارها رغم حلول النهار , كما لم تستطع فهم تحذير ليون وتذكرت خوف جوردان من زواج أخيه بالفتاة الغريبة المحبة وتساءلت عما إذا كان ليون على معرفة بشيء يجهله جوردان , هل خطط للتهرب من مخطط جوردان ؟ وإذا كانت الفكرة صحيحة , فما علاقتها بالموضوع؟ هل كانت تتمنى منع الزواج ؟ ما الذي سيحدث لو أمتلكت قوة جوردان وسيطرته؟
منتديات ليلاس
كانت سوزان مرحة ذلك الصباح الى حد لا يتناسب وأنفجارها العاطفي في الليلة الماضية , توجه الجميع الى الحديقة بعد أنتهاء الأفطار , ووجدت سوزان لعبة قديمة : عمود نصبته في زاوية من الحديقة وحلقات رمتها محاولة أحاطة العمود بها , من مسافة معينة , ولم تبد أهتماما بالأذى الذي ألحقته بالأعشاب بل واصلت اللعب بشكل طفولي وشاركها ليون اللعب لبعض الوقت , ولاحظ ستيوارت ملابسها قائلا :
" أنك تبدين مثل ملكة القلوب بتنورتك القرمزية".
" لا يهمني ما تقوله ".
وأطلقت شتيمة بصوت عال لفشلها في وضع إحدى الحلقات في مكانها الصحيح.
" أنني أقوم بهذا من أجلك , أتعلم هذا؟".
" نعم دون أن أتحرك من مكاني".
" يا لك من وحش!".
" ولكنني أعرف أنك تحبينني".
وأنتاب جيردا أحساس غريب بالحضور في المكان وعدم وعدم الحضور في آن واحد , وبدت الحقيقة جزءا من قصة ( أليس في بلاد العجائب) وواصلوا اللعب حتى بدء سقوط المطر , حينئذ أقتربت سيارة سباق بيضاء من المنزل , توقفت عند الباب الخارجي , نزلت من السيارة فتاة زنجية ترتدي قميصا أبيض وبنطالا ضيقا , حيّت الحاضرين بألفة وسارعت لدخول المنزل.
دمدم ستيوارت قائللا:
" هل جلبت المطر معك يا ديانا , هل تعرفين جيردا؟".
وعرف ديانا بجيردا .
أومأت الفتاة برأسها تحية ونفضت عن ملابسها قطرات المطر قبل أن تسأل :
" أين جوردان؟".
" غير موجود , لماذا هل توقعت حضوره معنا؟".
" نعم , هو طلب مني المجيء , هل ما زال مقيدا بصفقته التجارية , أم ماذا؟".
" أن صفقته حاضرة الآن معنا".
وأومأ برأسه أتجاه جيردا.
" حقا؟".
ونظرت الى جيردا متفحصة بنظرات عدائية , ثم قبلت الدعوة لتناول الشراب وأتخذت مكانا مريحا متصرفة كما لو كانت في منزلها.
لم تكن ديانا جميلة بالمعنى الكلاسيكي , فقد كانت عيناها صغيرتين وشفتاها ممتلئتين , إلا أنها كانت جذابة وذات ملامح متناسقة وجسد جميل , وكانوا على وشك الأنتهاء من تناول وجبة الغداء حين قدم جوردان , وبدت عليه الدهشة لرؤية ديانا وأنتقل بنظرته الخاطفة الى جيردا ثم الى ديانا من جديد قبل أن يقول:
" لم أتوقع رؤيتك اليوم هنا".
وإبتسمت براحة وقالت:
" ألم تعلم ؟ أراد ستيوارت أن يفاجئك".
قطب جبينه قائلا:
" أنا مندهش الى حد يثير الضجر , إلا أنني لا أستطيع البقاء معك يا عزيزتي".
" لا أهمية لذلك , هناكالغد وكل الأيام المقبلة , هل تناولت بعض الطعام؟".
" نعم , إلا أنني سأشرب القهوة معكم".
وراقبها تصب القهوة ثم تجلبها له , وجلست على ذراع كرسيه محركة ساقها بهدوء في الهواء , أنحنت بنعومة أتجاهه حتى مست بجسمها كتفيه ولم يحاولا أخفاء مشاعر الألفة بينهما وساد بينهما جو من الوئام أذ واصلت ديانا الحديث إليه بطريقة ناعمة لم يسمعها الآخرون , حاولت جيردا إلا تراقبها : هذه إذن فتاة جوردانّ !
منتديات ليلاس
وشعرت بالغيرة رغم علمها بإستحالة العلاقة بينهما , لماذا تخيلت أن جوردان يعيش وحيدا ؟ كان جوردان في منتصف االثلاثينات من عمره وغير متزوج , ومن حقه أقامة علاقة مع أي فتاة يحبها.
إلا أن ديانا كانت بسيطة جدا ومثيرة.... وقبلت جيردا قدّمها اليها ليون وصممت على تجاهل جوردان , إلا أن مخيلتها لم تتوقف عن تصور اللحظات المشتركة بينه وبين ديانا.
وأستمر هطول المطر طوال الظهيرة , وغادرهم جوردان عند الساعة الثالثة معتذرا بضغط بعض الأعمال المستعجلة.
لم تبد ديانا أرتياحها لذلك وأخبرته بصراحة , إلا أنه لم يتأثر بألحاحها ونظر اليها بإستقامة قائلا:
" عزيزتي أظن أنك تعرفينني الآن بشكل أفضل من السابق , إذ لا أقوم عادة بوعد فتاة بقضاء العطلة معها وتجاهلها أثناء ذلك , لهذا ألغيت وعدي معك".
" لماذا أذن دعيت الى هنا؟".
قالت وهي تتبعه الى الباب .
" ولكنني لم أدعك".
ولمس خدها بيده وأحست جيردا بالألم يعتصر قلبها وأضاف:
" إلا أنه لا يتوجب عليك مغادرة المكان , أبقي وأعتبري نفسك في بيتك".


الساعة الآن 07:57 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية