منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t166031.html)

نيو فراولة 15-08-11 03:56 PM

96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة


الملخص




الحقيقة عندما لاتقال تخلق في الضمير حالة كابوس تنمو وتنمو كالأخطبوط الشرس, وتروح تعبث بالحالة النفسية وتؤثر على التصرفات, حتى تصل لحظات الجمر, لحظات قول الحقيقة ...فكيف اذا كان الحب مختبئا وراءها , ينتظر بفارغ صبر أن تقال ؟ جيردا لم تكون تتصورأن جوردان بلاك يمكن أن يفكر بها بشكل جدي , بل كانت تحاول الفرار من كل مايربطها به حتى انها استقالت من عملها وعزمت على السفر . فجوردان رجل بلا رحمة وهو يمقتها ولا يتوقف لحظة عن التنكيل بعواطفها .لذلك بقيت على عهدها لأخيه ستيوارت الذي تعرض لحادث أليم ولم تخبره الحقيقة..... وبينما كانت على أهبة الخروج من كل مصائبها , قرع الباب شبح طويل القامة.....

نيو فراولة 15-08-11 03:57 PM

1- أمرأة وحيدة



يوم الجمعة : عطلة نهاية أسبوع أخرى.
صعدت جيردا درجات السلم الثلاث ببطء , ولم يكن هناك أحد يلاحظ توقفها أو حركاتها المتعبة قبل أن تضع المفتاح في ثقب باب الشقة رقم 27 , كما لم تلحظ وجود أي شخص , من قبل , , في ممرات بناية كرافتون , المضاءة جيدا , كان الموجودون في البناية أناسا يعيشون خلف أبواب شققهم الفخمة والديكور الحديث دون الأهتمام بأن يكونوا جيرانا , ألا أن بواب البناية ذا الزي النظامي كان يعرفهم جميعا حسب أسمائهم وأرقام شققهم ولم يتوقف يوما عن الأيماء برأسه تحية لجيردا , صباحا ومساء.
أغلقت الباب خلفها دون أحداث أي ضجة كما لو أن الباب كان مبطنا بالقطيفة , لتنسل بهدوؤ الى عزلتها.
ستدخل , ذات يوم , الشقة بعد أن تتحول وحشتها إلى دفء بيت في أنتظار عودة صاحبة بعد يوم عمل شاق , إلا أن ذلك اليوم لم يحل بعد , حتى بعد أنتظار ستة شهور , كانوا جميعا محقين : هكذا فكرت وهي تفرغ محتويات كيس التسوق في الثلاجة وخزانة المطبخ , ولو أنها أصغت لنصيحة أصدقائها بعد وفاة بليز لأنتقلت من شقتها إلى مكان آخر أو ربما لقبلت دعوة والدة بليز للبقاء معها فترة غير محدودة , إلا أن فكرة العيش في بيت بليز الهادىء في منطقة ديفون , في صحبة أمرأة عجوز تعيش على ذكرياتها , كانت غير محتملة ثم أنها لم ترغب بالتخلي عن مكان منحها إياه بليز بكل حب.
منتديات ليلاس
ربما كان أصدقاؤها محقين , ربما كانت حمقاء لأصرارها على البقاء في مكان يذكّرها كل ما فيه ببليز بدلا من التخلص من ذكرياتها عن زواج لم يستغرق فترة طوية , أذ قضت معه فترة سنتين.
دق جرس الهاتف فخفضت الحرارة تحت أبريق الشاي , قبل توجهها لرفع السماعة , أجابها صوت كاثرين , كما توقعت , وأبتسمت أذ حدست مقدما ما ستقوله المرأة الأكبر منها سنا , فقالت:
ط كلا , أرجو أن تعذريني يا كاث , نعم أعرف أن لايل كيرك جاء لقضاء عدة أيام هنا فألتقيت بشقيقته منذ أيام , إلا أنني خططت للتخلص من بعض المشاكل الصغيرة خلال العطلة , وأرجو أعفائي من الدعوة , أنه لعطف كبير منك التفكير بي , لكنني.....".
" أعرف أنك عانيت من أرهاق طوال الأسبوع كله , وأنك متعبة ولكن أصغي لما سأقوله يا جيردا حان الوقت لأن يصارحك أحدهم بالحقيقة, أنك في الثانية والعشرين من عمرك وليس الثانية والأربعين , وقد مضت على وفاة بليز ستة أشهر فمتى ستتخلصين من تأثير ما حدث؟ لم أخترت هذا العمل ؟ كان عليك مغادرة البلد وزيارة والدتك لعدة أشهر , عزيزتي , تعليمين بأنني لا أحاول التدخل ألا أنني أحاول أعادتك ألى دورة الحياة الطبيعية , أنك لا ترغبين بالبقاء أرملة طوال حياتك , أليس كذلك؟".
توترت أصابع جيردا حول سماعة الهاتف وأجابت:
" ليس لذلك علاقة برفضي الدعوة , ألا أنني لا أرغب زيارة مكان يقضي أفراده معظم وقتهم في محاولة ربطي برجل أعزب , خاصة أذا كان الرجل لايل كيرك".
" وما هو عيب لايل؟".
" لا شيء عدا أنني لا أحس بأي شيء نحوه ولا أرغب في أقامة علاقة معه , أو مع أي رجل آخر".
أضافت بتجهم , أما كاثرين فأحست بجرح مشاعرها فقالت:
" من أوحى لك بذلك؟ أنك تدركين خطأك أليس كذلك؟ أنه الوقت الملائم للخروج مع رجل لطيف يدعوك للعشاء ثم يبادلك الحب , أنه العلاج الأفضل لوضعك".
" ربماأذا كنت تعلمين ما الذي ستعالجينه بالضبط".
وتذكرت جيردا شيئا , ناظرة بأتجاه المطبخ فقالت:
" كاثي , يجب أن أذهب الآن لأنني تركت الماء يغلي على النار , أعرف أنك تحاولين مساعدتي وأنا أقدر ذلك ولكن هل نستطيع نسيان الموضوع الآن وربما.......".
" حسنا , ألا أننا لن نسمح لك بالأنكفاء وحدك هكذا , أذ لم يتوقع منك بليز الحياة كراهبة بقية حياتك , ويكفي أن السنة الأخيرة كانت قاسية ما فيه الكفاية , يا للمسكين بليز لا بد أن الأمر حطّم قلبك.....".
" نعم , كاثي , سأتصل بك فيما بعد , عليّ الذهاب , مع السلامة".
وضعت جيردا السماعة في مكانها وأسرعت ألى المطبخ , كانت كاثرين صديقة عزيزة ألا أن ألحاحها كان أكثر من اللازم , وهذا أمر لم تتحمله أعصاب جيردا.
منتديات ليلاس
فتحت جيردا علبة من لحم لسان الثور , شرّحت ثمرة طماطم , ووضعت قليلا من الزبد على الخبز , ثم جلست عند الطاولة الصغيرة لتحدق في السطح المزين باللونين الأصفر والبرتقالي , دون أن تراهما.
كانت تعلم أن كاثرين محقّة , أذ لا يتوجب عليها العيش بهذه الطريقة , متجنبة الدعوات , فاقدة نفسها في زحمة العمل أثناء النهار ومستهلكة وقت فراغها وحدها , ممثلة بغباء الصورة النموذجية المعروفة عنها : أرملة شابة حرمها الموت من زواج مثالي سعيد ..... آه لو أنهم عرفوا الحقيقة.
ورغم ذلك أحبت جيردا بليز وبادلها هو الحب , لقد وجدت في بليز ملجأ تخلصت بواسطته من الماضي , فجأة دمعت عيناها فهزت رأسها بعنف: لماذا توجب عليك الموت يا بليز ؟ لماذا؟
رفعت صحن الطعام بتثاقل لأنها لم تستطع أتمام تناول طعامها , ثم جلست لتلقي نظرة على عمل الشركة الذي جلبته معها ألى البيت , كان عليها إعداد نسخ بعض المواصفات وموجز تقرير سيوفر عليها الكثير من الوقت يوم الأثنين , ثم إعداد بعض الملاحظات لهوارد دوربل عن مناقصة مهمة , مهما كان رأي كاثرين عن عملها فإن جيردا واثقة بأن عملها كمساعدة خصوصية لهوارد دوريل يمثل نقطة أرتكاز هامة في حياتها , أذا أحست بالحاجة لوجودها , ولم يكن لديها وقت للملل , كانت محظوظة في عثورها على العمل وتوفره وقت حاجتها , لم تكن المؤسسة كبيرة جدا ولهذا تسهل ملاحظة الجهود الفردية , وكان هوارد صديقا لها أكثر مما كان رئيس عمل , رغم أنها لم تسمح لنفسها بأستغلال صداقته.
بدأت الطباعة وتساءلت في الوقت نفسه عن مسار لقاء هوارد بممثل شركة فان لورن للمعدات الألكترونية , فقد كان هوارد متلهفا للحصول على العقد خاصة بعد سريان بعض الأشاعات عن شركتي فان لورن ووينتفورد كومباين , سحبت آخر صفحة من الآلة الطابعة ثم سمعت صوت جرس الباب , تعجبت لذلك وأسرعت نحو الباب لتفتحه إلا أنها تراجعت بدهشة حين رأت وجه الرجل المتعب الواقف أنتظارا.
" هوارد , لم أتوقع...".
ثم توقفت عن الكلام حين أدركت ما أصابه , تناولت من يده حقيبة العمل وقالت:
" أدخل وأجلس , سأعد لك بعض الحليب الساخن".
" كلا , لا تزعجي نفسك".
تجاهلت جيردا أعتراضه وأسرعت إلى المطبخ بعد أن جلس على الكنبة قرب المدفأة , سخّنت بعض الحليب بسرعة ثم تناولت قنينة دواء المعدة التي أحتفظت بها لمثل هذه الحالات الطارئة.
عانى هوارد من مرض رجال الأعمال : القرحة , وتبين لها من معرفتها أياه أن لا فائدة من محاولة تهدئته وتخديره , حين عادت إلى الغرفة همس :
" شكرا , أنك تشبهين أمك كثيرا , جميلة وباردة ظاهريا لكنك دافئة وحنونة من الداخل , ماذا سأفعل دونك؟".
" أفعل ما طلبه منك الأخصائي , وافق على إجراء العملية وتخلّص من المرض".
" أنني عجوز وخائف جدا".
" هراء , ستصبح رجلا جديدا".
" لست متأكدا من أنني أريد التحول إلى رجل جديد , جيردا , آسف لأقحامك في مشاكلي , ولكن هل ستساعدينني ؟".
" بالطبع , هل تريد مني مرافقتك إلى البيت ؟ هل أستدعي الطبيب............ أو؟".
ثم تذكرت شيئا مهما جعلها تقفز من مكانها , فقالت:
" ربما كان من الأفضل الأتصال بالسيد كنغسلي وألغاء دعوة العشاء معه , لا يزال هناك وقت".
" كلا , ليس ذلك ما أريده , اللعنة أنه حدث سيء وفي وقت أسوأ ..... جيردا , تلقيت مكالمة هاتفية بعد مغادرتك المكتب".
" هل تعني........؟".
وأشار برأسه إيجابا مضيفا:
" تأكد الأمر رسميا , لقد بيعت فان لورن لشركة وينتغورد".
أعتدلت جيردا في مكانها:
" هل تعتقد أن لهذا تأثيرا سلبيا علينا".
" قد يصح الأمر أذا لم ننجح في تجديد العقد".
وأرتسمت على وجه هوارد دلائل الألم رغم محاولته أخفاء ذلك , وحين أنتهت نوبة الألم مرر يده على جبينه , قائلا:
" لهذا جئت هنا الليلة , أذ ليس في أمكاني , في حالتي الصحية السيئة , مواجهة ليلة أخرى من الطعام الدسم والشراب حتى الساعات الأولى من الصباح , أنت تعلمين ما يعني ذلك".
كانت جيردا تعرف جيدا ما قصده , أذ لاحظت في الصباح الباكر وجوه الرجال الرمادية المتعبة , وجوها ترتدي قناع الموت ثمن مواصلة التنافس في عالم التجارة والمال , قالت :
" لا أعتقد أنك في حالة تسمح بذهابك , أذ ستقتل نفسك بهذه الطريقة , دعني ألغي دعوة الدعوة قبل ذهابك".
فرد عليها :
" لا أستطيع ذلك , يجب أن نحصل على العقد , وما أريده منك هو الذهاب نيابة عني".
" أنا؟ الليلة ؟ ..... لكنني!".
ونظرت إل ساعتها ثم إلى وجهه القلق , وواصلت قائلة :
" هوارد , لا أستطيع الذهاب نيابة عنك".
" لماذا ؟ هل أنت مدعوة إلى مكان الليلة؟".
" كلا , لكنك تعرف آراء الرجال المحجفة بحث النساء".
" هراء, ستكونين رائعة خاصة وأنك تعرفين تفاصيل العقد أحسن مني , حتى أنك لن تلجأي إلى قراءة الأوراق الرسمية , إبتسمي في وجه العميل وسيوقع العقد كالحمل".
تنهدت جيردا متذكرة كينغسلي , المتحدث اللبق ممثل شركة فان لورن , الذي ألتقت به بعد عدة أسابيع من بدء عملها في المؤسسة , ولم تكن الذكرى مشجعة مثلما ذكر هوارد.

نيو فراولة 15-08-11 03:59 PM

فقالت بلهجة متشككة :
" نعم , أنت تعلم بأنني سأبذل أقصى جهدي , لكن لا تلمني أذا رفض مناقشة الأمر مع أمرأة".
" لن ألومك , كنت سأرسل تيلور لولا أنه موجود في مانشيستر ولن يعود قبل الساعة التاسعة وربما في وقت متأخر أكثر بسبب زحمة المواصلات".
وتوقف هوارد عن الكلام ليهز كتفيه بأرتياح , ثم واصل حديثه:
" أنه ثقل أزيح عن ذهني . والآن , هل تريدين سيارتي أم أستدعي سيارة أجرة ؟".
" أفضل سيارة أجرة أذ سيخلصني من مشكلة البحث عن مكان لأيقاف السيارة".
" حساب النفقات مفتوح قدر ما تشائين بهذه المناسبة هل لديك بطاقة النفقات ؟ أستخدميها وسأصرف كل شيء فيما بعد".
أومأت جيردا برأسها .
" سأعطيك بعض المال أحتياطا".
وسحب بعض الأوراق المالية من جيبه وناولها أياها قائلا:
" والآن , سأستعيد معك بعض الملاحظات السريعة.......".
وحين قام بذلك وعلّق بأن معلوماتها أحسن من معلوماته هزت رأسها قائلة:
" أنني سعيدة لثنائك وثقتك بي , وآمل ألا أخيب ظنك .... بالمناسبة , أين ومتى سألتقي بالسيد كنغسلي؟".
" يا ألهي , لقد نسيت أهم شيء , أنه ليس كنغسلي , وكان ذلك جزءا من المعلومات التي تلقيتها , القادم هو ممثل وينتفورد الخاص , اللبق بنفسه".
" حقا ؟ تشرفنا .... أي واحد منهم؟".
" جوردان بلاك بنفسه".
" جوردان بلاك".
بعد ذلك , أدركت جيردا أن الفترة المنصرمة لم تتجاوز اللحظات بين نطقه للأسم وأختفاء الصدى من رأسها , ألا أنها ظنت أن الأمر أستغرق وقتا طويلا , قبل أن تسمع صوت هوارد من جديد.
" ظننت أن ذلك سيصدمك , ألا أنني آمل تحول الأمر الى بشرى خير , أذ أنه معروفا بأنجذابه للنساء وأرجو أن تمارسي جاذبيتك الأنثوية عليه أذ أننا.....".
توقف هوارد أذ أدرك خطأ ما قاله وأذ لاحظ شجوب وجه جيردا البيضوي الدال على عمق الصدمة.
" لا أستطيع آداء المهمة , آسفة , لا أستطيع ..".
" لم لا ؟".
وفكر بأنها عصبية ومترددة فواصل :
" ستكونين أفضل سفيرة لنا.... وأذا كان ما قلته يقلقك فأنني لا أظن بأنك ستخضعين للغواية بسهولة , حتى لو كان الشخص جوردان نفسه , كل ما عليك عمله هو أرتداء درعك المضاد للحب , والآن لا تقلقي أذ ليسهناك ما يستوجب القلق".
لم تسمعه جيردا , جوردان بلاك من بين جميع الرجال , آخر رجل رغبت في رؤيته مرة أخرى , وكان من المستحيل أقناع نفسها بأن شخصا آخر يحمل الأسم ذاته , أذ لا يتسع العالم في رأيها , لأثنين يحملان أسم جوردان بلاك , وأحال الخوف بشرتها الى لون جليدي وأحست بأرتخاء أطرافها , وفتحت فمها لتطلق صرخة كبحتها في اللحظة الأخيرة وأرادت القول أنها تفضل القيام بأي شيء عدا..... ثم رأت وجه هوارد المتشنج ألما وقلقه الظاهر بوضوح في عينيه فأستدعت ما حدث ذات مرة في الماضي.
منذ عشرين عاما مر والدها بالظرف نفسه ووقف هوارد دوريل الى جانبه وساعده على أجتياز الأزمة , منذ عشر سنوات كان دوريل منقذ العائلة بعد وفاة الوالد وأخيرا مساعدته لها منذ ستة أشهر عند فقدها لبليز , ولولا مغادرته البلد منذ أربع سنوات لعمل طارىء لما مرت بأقسى تجربة في حياتها ولأستطاعت بالتأكيد تغيير أساس وضعها الحالي , وبذلت جهدها لأستعادة هدوئها وكبحت مخاوفها : ( ليس في أستطاعتي خذلان هوارد ).
" آسفة , أنه أحساس عصبي , أين سألتقي به؟".
" الساعة الثامنة ولنصف في مطعم توبي , أنه مكان رجال , ألا أنني لم أفكر بذهابك ألا الآن".
" لا أمانع في الذهاب الى هناك مرة واحدة".
" أنه أفضل مطعم لتقديم اللحم المشوي ولو كنت أعلم بذهابك مسبقا لأخترت مكانا آخر يلائمك أكثر , ربما سيختار بلاك الذهاب الى مكان آخر".
وتلاشى صوت هوارد مرة أخرى وبدا وكأنه يعاني من جفاف في حلقه .
" لا يهم الأمر , من الأفضل أن أقوم بتغيير ملابسي".
" نعم , كيف ستتعرفين على بلاك؟".
ونهض هوارد واقفا ببطء.
( هل سأعرف جوردان بلاك ؟ خاطبت نفسها ثم أومأت برأسها:
" لا تقلق سأعثر عليه بسهولة , عليك الذهاب الى فراشك مباشرة وأستدع الطبيب , هل تسمعني؟".
" نعم , ها هو العقد , لن يوقعه الليلة , بل ما سيحدث هو مجرد الحديث عنه , ولكن من الأفضل لو أخذته معك , شكرا جزيلا يا عزيزتي , أذا عدت في وقت مبكر , فأتصلي بي , وأذا.....".
" سأتصل بك غدا".
ردت جيردا ...... حين غادر هوارد الشقة , ساد المكان صمت مخيف , توجهت الى الحمام حيث أغتسلت ثم بدأت محاولة أختيار فستان ملائم للمناسبة , كان الفستان الأبيض الكلاسيكي فاخرا بالنسبة لمكان كتوبي , فأختارت واحدا ورديا ورفعت شعرها الى قمة رأسها ولم ترتد أيا من مجوهراتها , كما راعت أن يكون الماكياج بسيطا.
كانت أصابعها باردة كالثلج حين وضعت بعض العطر على رسغيها وعنقها , ولمحت صورتها في المرآة : الوجه البيضوي محاط بقسوة الشعر الأشقر , ربما لن يتعرف عليها , فما حدث بينهما تم منذ ثلاث سنوات , ولم تعد هي في التاسعة عشرة من عمرها ذات الشعر الطويل المنسدل بحرية عل كتفيها , وملامح الوجه الجميلة ...... تنفست جيردا بعمق محاولة الحفازظ على هدوئها , ما الذي يستطيع جوردات بلاك عمله الآن ؟ ما حدث كان في الماضي , ليس هناك من يحمل الضغينة في داخله منذ تلك الفترة الطويلة , بالتأكيد ليس هناك من يحمل الضغينة في داخله منذ تلك الفترة الطويلة , بالتأكيد , ليس في أمكانه الحقد عليها طوال ذلك الوقت.
كان جوردان بلاك أول رجل رأته حين دخلت توبي.
طول الطريق حاولت أقناع نفسها بأنه قد لا يأتي لحادث طارىء وصدقت ما توهمته الى حد أنها لم تتوقع رؤيته أطلاقا , الى أن سارت داخل توبي حيث أحست بدفء المكان الرجولي , الكنبات الجلدية الثمينة والديكور الخشبي الغامق اللون , المطبوعات القديمة الموضوعة على الجدران والممثلة لرحلات صيد تمت في القرن الثامن عشر , ثم رأت جوردان جالسا في النهاية البعيدة وأمامه قدح شراب مثلج , بينما حمل بيده سيجار بدا وكأنه نساها.
وقفت قرب المدخل , محاولة تجاهل رؤوس الرجال الملتفتة للنظر اليها بأستغراب , أنها المرأة المقتحمة لملجأهم , ألا أن جوردان بلاك لم يرها بعد , وعليها المحافظة على رباطة جأشها حتى تلك اللحظة , أنه لم يتغير أطلاقا .
لا يزال الشعر الأبيض الكث منسدلا بلا ترتيب على جبينه وحاجبيه الغامقي اللون , الحنك القوي تتوسطه غمازة تضيف الى وجهه قسوة وصلابة عرف بهما , بينما تفارقت الشفتان بلا مبالاة أشارة الى شهوانية داخلية , وأكد طوله الفارغ قوته وتعجرفه , تعجرف رجل لا يقبل المساومة وواثق دائما من صحة أختياره , لم يرفع رأسه بعد.
تقدمت جيردا نحوه في محاولة يائسة للدفاع عن نفسها , خاطبت أولا الرجل الواقف خلف البار ثم سارت نحوه:
" مساء الخير سيد بلاك".
استدار برأسه بكسل , وألتقت عيناها بعينيه الزرقاوين المطلتين بأهداب سوداء , فلمحت ألتماعا أختفى بسرعة.
أجبرت جيردا نفسها على الأبتسام , أبتسامة يرسمها رجال الأعمال على وجههم كما تعلق الأمر بصفقة جديدة , أبتسامة ساحرة لا شخصية ودافئة في الوقت نفسه.
" آسفة لأخبارك عن عدم مجيء السيد دوريل , كان الأمر مفاجئا ولم يستطع تأجيل الموعد".
واصل النظر اليها بقسوة وصمت.
" لم نرغب بأزعاجك , فطلب مني السيد دوريل الحلول محله".
وأشارت الى المظروف الذي تحمله قبل أن تواصل القول:
" لدي كل التفاصيل هنا , أذا رغبت بمناقشتها معي , أظن أن بأستطاعتي توضيح كل غموض في الموضوع".
" هل هذا هو العقد الجديد مع غرينغفولدس؟".
" نعم".
أحست بجفاف شفتيها وشحوبها وسرت لأرتدائها فستانا ورديا يخفي ذلك.
" هل ترغب في شراب آخر يا سيد بلاك ؟ أو هل تفضل تناول العشاء الآن ؟".
" أكره أن تدعوني أمرأة للشراب والطعام".
ثم نظر بأتجاه النادل فجأء حالا لتلبية طلباته.
" ماذا تريدين يا آنسة...".
وتلفظ كلمة ( آنسة ) بأصرار.
" أنني السيدة مانستون".
أجابت بأصرار مماثل :
" أريد قدح عصير , رجاء".
" سيجارة".
وفتح علبة سجائره المزخرفة من جهة واحدة , ثم أشعل لها سيجارتها بيد ثابتة , وضغط على زر القداحة مرتين , لأنها لم تستطع أخفاء أرتجاف يديها , تناولت قدحها وفكرت بأن لقاءها بجوردان أسوأ مما تخيلته , قالت :
" أذا كنت ترغب بتأجيل اللقاء الى أن تتحسن صحة دوريل.....".
" لا أدري , ما هو مرض دوريل؟".
" القرحة المعدية , وهو يرفض التوقف عن العمل لمعالجتها ".
هز جوردان كتفيه بلا مبالاة وقال :
" لن يفعل ذلك أذا كان قلقا بصدد منافسيه , متى بدأ تزويد فان لورن بما تحتاجه؟".
" منذ خمس سنوات ".
" وهل أنتم قادرون على تجهيزنا ؟".
شعرت جيردا بتخلصها من بعض توترها ففي أستطاعتها أجابة الأسئلة بكفاءة ومقدرة ولم تسبب لها المصطلحات التقني أي أرتباك.
دفع قدحه جانبا وقال :
" لنتناول الطعام الآن".
تبعته بصمت , مدركة في الوقت نفسه تغير الأدوار حين تقدم النادل لسؤاله عما يرغبان من طعام , فأحست كما لو أنها كانت واقفة على رمال متحركة , وفكرت بأن هوارد أرتكب أكبر خطأ في حياته حين ظن أنها قادرة على ذلك مع أي رجل ساحر عادي , أما جوردان بلاك لم يكن رجلا عاديا , بل كان معتزا برجولته الى حد أن مجرد فكرة لقائه بأمرأة أعمال لمناقشة عقد جديد , مقدر عليها بالفشل منذ البداية.
أختار الشراب ثم كوكتيل الفاكهة لها وكوكتيل الأريبان له , ثم اللحم المشوي بعد ذلك , بعد أنتهائه من هذا وضع مرفقة على الطاولة وخاطبها :
" والآن أخبريني عن سبب وجودك هنا؟".

نيو فراولة 15-08-11 04:03 PM

دهشت للسؤال ألا أنها أسرعت بأجابته:
" أخبرتك السبب عند مجيئي , ولا بد أنك تعرف العقد المطروح وألا لما كنت موجودا هنا الليلة".
" ما هو مركزك في الشركة؟".
" مساعدة خصوصية للسيد دوريل ".
أجابته وهي تحاول تناول كوكتيل الفاكهة .
" حسنا وهل هو المدير الوحيد للشركة؟".
ضمت شفتيها مانعة نفسها من الأجابة بخشونة , ألم يقرأ أيا من الرسائل المتبادلة ؟ ألم يطلع على أي من المعلومات قبل قبوله الدعوة؟ وأذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يدع كينغسلي يواصل المفاوضات ؟ حسنا , أذا ما كان يرغب فيه هو تاريخ الشركة......
" السيد ميريك والسيد تيلور في مانشيستر كما أن هناك أضرابا في.....".
" أعرف كل تفاصيل الأضراب في ديلوز ولا تهمني التفاصيل غير الضرورية حاليا ".
فسألته بهدوء :
" ما الذي تريد معرفته بالضبط يا سيد بلاك؟".
" هل هذا هو أسلوبك الخاص مع رجال الأعمال يا جيردا؟".
وحلت لحظة المواجهة أخيرا , كانت عيناه باردتين ولم تستطع مقاومة التحديق فيهما , جف فمها وأزدادت ضجة غرفة الطعام حولها , فجأة الى حد تحولت فيه الى ضوضاء غريبة , قالت بصوت مختنق:
" لماذا لم تقل ذلك من قبل؟".
" لماذا تظاهرت بعدم معرفتي؟".
لم تستطع العثور على كلمات مناسبة للدفاع عن نفسها , وواصل قائلا:
" لم تتغيري , كل ما تغير هو أنك أمتلكت الجرأة للمجيء , ولكن لا بد أن السبب هو لأرضاء نرجسيتك بالتواجد في مكان مخصص للرجال".
أنتابها الوجوم وصمتت كما لو أنه ضربها على رأسها , ثم سحبت حقيبة يدها بعنف وقالت:
" أذا كان الأمر كذلك , فمن الأفضل أن أغادر المكان".
" وتسببين فضيحة ؟ أبقي في مكانك , وماذا عن العقد؟".
لحظت النادل مقتربا منهما , فسكتت ثم قالت بعد أبتعاده :
" لم تتغير أطلاقا يا جوردان , كما أنك لا تستطيع النسيان".
" هل توقعت مني ذلك؟".
" كلا , كنت سأكون بلهاء لو أنني توقعت أي شيء منك , وخاصة التفهم".
أحنت رأسها وتوقفت عن التظاهر بتناول الطعام لعلمها أن الطعام سيخنقها , لحظت أنعكاس الضوء على قدح شرابه وتكرار الأنعكاس عندما وضع القدح على الطاولة , قال :
" أذن , توفي بليز منذ ستة أشهر , هل ما زلت أرملة ؟ أم أن هوارد دوريل هو المرشح الجديد؟".
بتعمّد , دفعت صحن طعامها جانبا وجلست بأستقامة .
" أنت تعلم جيدا قوة مركزك حاليا , أذا ما رغبت بأهانتي فليس لدي الخيار بل سأسمح بذلك لأرضائك , ولكن أحتراما لرجل لا علاقة له بما حدث بيني وبينك , رجل لا يصح لومه لأي سبب كان , أطلب منك عدم ذكر أسم هوارد دوريل مرة أخرى".
" يبدو أنك تعلمت أخيرا , الأخلاص , ومن سوء الحظ أنك لم تتصفي به من قبل".
" لن أجادلك فيما قلته ". قالت ببرود : " لأنني جئت هنا لأنجاز عملي وليس .... وليس......".
وأحست بصعوبة في التنفس وأتمام جملتها ألا أنها قالت أخيرا:
" وليس لبدء نقاش في موضوع قديم مرة أخرى , والآن هل نستطيع أتمام حديثنا بصدد العقد؟".
" آه! نعم العقد".
ومال جوردان في مقعده ليتّخذ وضعا مريحا أكثر وقال :
" أنك ترغبين في الحصول على هذا العقد مهما كان الثمن , أليس كذلك؟ خاصة أن شركتكم مرت بعام تجاري سيء , في السنة الماضية ".
" تمر كل الشركات , أحيانا , بظرف عصيب".
وحاولت في الوقت نفسه الحفاظ على جمود ملامحها لئلا يجد لذة سادية في تعذيبها .
" ألا تريد بعض الحلوى؟".
أشار بيده رافضا وطلب من النادل جلب الجبن , وبعد أنصراف النادل قال:
" حسنا , لنعد الى العمل , أفترض بأنك مركز ثقة دوريل ... هناك أشياء كثيرة أود معرفتها قل الموافقة على العقد".
منتديات ليلاس
كانت وجبة طعام مخيفة , وبدا كأن جوردان قد تحول الى مخلوق آخر , مخلوق أشتهر بصلابته وقسوته في المعاملات التجارية , وتحوّلت أسئلته التي أطلقها الى تحقيق متواصل , حلّل فيه كل نقطة في العقد , وناقشها في أدق التفاصيل , وكانت أعصاب جيردا على وشك الأنهيار قبل أن يتوقف لأشعال سيجارة أخرى.
كانت صالة الطعام فارغة تماما , والجو مثقلا بدخان السجائر , راقبت جوردان مدخنا سيجارته ثم تذكرت ما قاله هوارد لها : ( لن يوقع الليلة , بل سيكون اللقاء مجرد تهيئة لذلك).
وسرت رعشة يأس في جسمها , وتلاشى أملها في منحه العقد للشركة , خاصة بعد معرفته بعملها .
بقيت صامتة , ألا أن التساؤل الواضح في عينيها دفعه للقول :
" لنخرج من هنا".
وقادتهما جملته الأخيرة الى تعقيد جديد , وخلافا للمألوف طلب من النادل الحساب ودفع هو كل شيء ثم قال للنادل المتعب أن يتناول شيئا على حسابه , ثم خرجا سويا.
" لا أسمح لأي أمرأة بدفع حسابي , أطلاقا".
قال بتصلب حين خرجا الى الظلمة وواصل قائلا:
" حسنا , أين سنتوجه الآن ؟".
حدقت في وجهه مما دفعه الى أطلاق ضحكة قصيرة.
" لم يتم شيء الليلة , كما تعلمين , وأحد الأسباب هو أن ضمان وقت التسليم ليس موافقا لمواصفاتي , والآن , لنأخذ سيارتي القريبة ولنعد الى بيتي".
" كلا ".
وأطلقت الجواب بسرعة دفعته للقول:
" لم لا ؟ أنه المكان الذي أجري فيه صفقاتي عادة".
" أفضل عدم الذهاب فالوقت متأخر و...".
ثم توقفت بصعوبة.
" وأنت تخافين الأساءة الى سمعتك , هل أنت متأكدة أن هذا هو السبب الوحيد؟".
" نعم".
" أرجو أن تكوني مقتنعة , على الأقل , بما تقولينه , كلا لم تتغيري في شيء يا جيردا! ذلك الجمال البريء البارد , المعروض لخداع أي رجل , إلا أنه لن يخدعني".
" عليّ الذهاب الآن ".
نظرت الى مكان خلفه.
" سأذكر تعليقاتك للسيد دوريل وسأسأله عن الضمان , سيتصل بك في أقرب فرصة".
ومدت يدها لمصافحته
"تصبح على خير وشكرا على وجبة الطعام".
تجاهل جوردان يدها الممدودة وقال:
" أين ستذهبين؟".
" الى البيت بالطبع".
" بسيارتك؟".
" كلا , بواسطة التاكسي".
" سآخذك بسيارتي".
" كلا , لا حاجة لأزعاجك , أذ أستطيع أستدعاء سيارة....... بسهولة".
" ربما , ألا أنني لا أترك أمرأة وحدها في الشارع في الساعة الواحدة صباحا".
أمسك بذراعها وساعدها على عبور الشارع , ولم تستطع التخلي عن حذرها حياله ,حتى عند أقترابهما من سيارته المرسيدس الخضراء.
قال بتجهم وهو يفتح باب السيارة:
"لا تقلقي , أعرف ما الذي تفكرين به , ولكنني لا بد أن أكون في حاجة ماسة الى أي أمرأة أذا ما فكرت بلمسك".
جذب الملف من يدها ورماه على المقعد الخلفي لسيارة , ثم قال بتصلبه المعهود:
" الى أين؟".
لم تبد أي رغبة بدخول السيارة بل قالت:
" لا بد أن كراهيتي الى هذا الحد ترضي رغباتك".
" كلا , ليس الكراهية , للكراهية صلة قريبة بالحب , عزيزتي جيردا , وأنا أشك بمبدأ فهمك للعاطفتين , لو أنك.......".
وجذبها نحوه قائلا:
" تعرفين ذلك , وألا لما جئت الليلة لرؤيتي".
منتديات ليلاس
أرتجفت لملمس ذراعيه ودخلت السيارة بسرعة , وأرتفعت في داخلها أصوات أحتجاج أن تصرخ , أن تحتج , أن تطلب منه تفهم ظروفها أرادت أن تهرب قبل أن تسقط في الفخ , ألا أنها لم تستطع القيام بأي شيء , بل دفعت رأسها الى الخلف ليلامس المقعد الجلدي الناعم وأن تصلي طلبا للقوة لتصمد أمام تعذيبه لها لحين أتمام مهمتها.... وبد ذلك...
وأهتزت السيارة , أذ دخل جوردان بلاك وأغلق الباب خلفه , ومست ذراعه ذراعها أذ بدأ لمسه لأزرار الأضواء وأنكمشت هي لملمسه وكان بقاؤها معه في ظلمة السيارة , وحدهما , أمرا غير محتمل ودهشت لسماع صوته مخاطبا اياها:
" أين تسكنين؟".
" بناية كرافتون".
" أعرف المكان ".
وسارت السيارة بسهولة , مطيعة لكل لمسة من لمساته وبلا مقاومة مثل أمرأة مستسلمةبلا أحتراس لعواطفها , وكما كانت في تلك الليلة قبل ثلاث سنوات , ترى هل هل يذكر ما حدث؟ هل يتذكر آخر مرة جلست الى جواره في السيارة بعد أن غادر المستشفى وحاولت أخباره الحقيقة عن علاقتها بستيوارت , بكت حينئذ كثيرا لأن ما حدث كان مأساويا , ألا أنها لم تستطع تفادي الأمر , وواساها بين ذراعيه , وظنت بأنه فهمها وأنه سيحاول تهدئتها , وجاءت التهدئة بشكل عناق , وأعتقدت للحظة بأنه أهتم بها وأنتابها أحساس رائع ورغبة بنسان كل ما حدث وأن تستسلم تماما لمشاعرها الجذلة بقربها منه فمسدت شعره الفضي الجميل.
منتديات ليلاس
أغلقت جيردا عينيها , كان الجرح عميقا ومؤلما كما لو أنه حدث يوم أمس , أذ لا تزال تحس بضغط يديه وضحكته المحتقرة حين دفعها بعيدا عنه بكل قسوة ووجه اليها أتهامات لم تحلم بسماعها من قبل , أتهمها بأنها كانت رخيصة , أنانية , وأنه لن يغفر لها مأساة أخيه طوال حياته.
حين وقفت السيارة , وأستدار نحوها أختلط الماضي في ذهنها بالحاضر وتوقعت منه الغضب ألا أنه أبتسم في وجهها .
" أخشى أن يكون علينا مواصلة النقاش فيما بعد , متى ستلتقين بدوريل؟".
" غدا صباحا , لن أتصل به الليلة لتأخر الوقت".
تناولت الملف ونظرت اليه قائلة دون أن تجرؤ على الثقة بأبتسامته:
" سأتصل بك صباح الأثنين".
" ذلك متأخر جدا أذ سأكون في باريس".
" كم سيطول ذلك؟".
" يوما واحدا , ثم سأتوجه الى بون وسأعود الى المدينة يوم الخميس".
" سأتصل بك يوم الخميس أذن".
وضع ذراعه على ظهر المقعد وتفحصها بدقة:
" أنك غير ملائمة لهذا العمل كما تعلمين , أذ تتركين لي فرصة الأنسلال بعيدا دون أعتراض".
ضمت شفتيها بقسوة متسائلة:
" أحقا؟".
" لو كان من أتحدث اليه رجل أعمال خبيرا لقيّدني بوضع معيّن منذ فترة طويلة".
وأدركت أن ما يقوله ما هو إلا تلاعب بأعصابها:
" وهل تكفي مصافحة سيد مهذب آخر بهذه المناسبة؟".
وأختفت أبتسامته الواثقة أذ قال:
" هل تعتقدين أن التجارة همل سادة مهذبين؟".
" في جيرنغفولد , نعم".
ووضعت الملف تحت أبطها ومدت يدها مرة أخرى لمصافحته.
" تصبح على خير وشكرا على إيصالي".
لم يتحرك من مكانه.
" ألم تنسي شيئا؟".
" لا أعتقد ذلك".
" ألا تودين السؤال عن ستيوارت؟".
وشحبت فجأة :
" هل سيغيّر سؤالي أي شيء , كيف هو في أي حال ؟ تقبّل حقيقة كونه مقعدا طوال حياته , أذ ليس لديه أي أمل في غير ذلك".
" أتذكر ذلك , ليس في مستطاعي نسيانه".
" كلا؟ أجد أن نسيانك أكثر أقناعا من تذكّرك".
" لقد أوضحت ذلك من قبل ومنذ البداية , ما الذي تتوقع مني عمله الآن ؟ أن أشعر بالأسف لشيء لم أرتكبه؟ أن أرسل أعتذاري المهذّب ؟ أي فائدة في ذلك؟".
" لا فائدة أطلاقا".
وألتمعت عيناه أذ مدّ يده لأغلاق باب السيارة.
ومزق صوت أغلاق باب السيارة صمت الليل وزاد الأمر سوءا صوت المحرك , وألتمعت الأضواء مثل عينين غاضبتين لحين أختفاء السيارة عند المنعطف , وعاد للطريق اهدوء.
وجدت جيردا نفسها في المصعد دون أن تتذكر كيف وصلت الى هناك , وأحست بتقلص معدتها عند توقف المصعد في الطابق الثاني وأنفتح الباب بهدوء , وأحست بالضغط يسري في أوصالها , أذ دخلت الشقة وجلست حالما وصلت أقرب مقعد , حتى قبل أن تخلع سترتها.
وسقطت سترتها الحريرية الناعمة على الأرض , حين تحركت لتسكب لنفسها قدح شراب , ورغم دفء الشقة , أحست جيردا بالبرودة تسري في جسمها , وكما لو أن ما حدث طوال الأمسية تسجل على شريط سينمائي , بدأت بأستعادة كل التفاصيل : جوردان بلاك واقفا عند الزاوية , ثم مواجهتها أياه عند تناول اعشاء , عيناه المتهمتان , خيل اليها أن قوته بالسيطرة عليها قد تلاشت بعد مضي ثلاث سنوات , ألا أن ما حدث أكّد عكس ذلك.
حدثت في ظلال الغرفة طوال الليل , وحاولت جيردا الأمساك بما يعيد اليها طمأنينتها , وتمنت أن يستعيد هوارد صحته قبل يوم الخميس , حينئذ لن يكون هناك أي سبب للقاء جوردان مرة ثانية , وسيغرق الماضي في ظلام النسيان من جديد.
ألا أنها لم تحصل على السلام المتوقع , ولمعرفتها الجيدة بطبيعة جوردان بلاك , أدركت أنه لم ينته منها بعد.

فتاة 86 15-08-11 06:15 PM

الله يزيد و يبارك
نشالله ما نحسدك على همتك و عطائك
يعطيكي العافية
و الله يحميكي من عيون الحساد

badodo 15-08-11 08:33 PM

تسلم الايادى

نيو فراولة 16-08-11 09:54 PM

2- غريب يطرق الباب




حين أستيقظت جيردا صبيحة يوم السبت , كانت لا تزال تعاني من ثقل لقائها بجوردان , ورسم الأرق خطوطه الزرقاء تحت عينيها فظل لونها الوردي الطبيعي.
أعدت أفطارها ببطء لتشغل نفسها حتى بلوغ الوقت الملائم للأتصال بهوارد , وحين أشارت عقلرب الساعة وضعت صحيفة الصباح جانبا وأسرعت لتلتقط سمتعة التلفون.
بقي جرس التلفون يرن في الجهة الثانية دون جواب وبقيت منتظرة عدة دقائق ثم أعادت سماعة الهاتف الى مكانها , ربما عانى هوارد طوال الليل ولجأ للنوم في ساعة متأخرة ولا بد أن السيدة ساندرز , مدبرة منزله , غير موجودة لأنها ذهبت تسوق.
دارت جيردا في شقتها بلا غاية , تمزقها الرغبة في الأتصال بهوارد بأسرع وقت ممكن , وفي رغبتها في تقدير ما يحتاجه الرجل المريض من راحة , ومع ذلك , أذا لم تتصل به الآن ربما سيحس بالقلق , أنتظرت حتى التاسعة والنصف ثم توجهت نحو الهاتف , ولكنها وفي لحظة ألتقاطها سماعة الهاتف , أرتجفت لسماعها الجرس يرن , ثم ألتقطت السماعة بسرعة هامسة لنفسها أسم هوارد..
منتديات ليلاس
وكادت أن تنطق بأسمع مرحبة , ألا أن كلمات وصوت المخاطب جعلت عينيها تتسعان وصدمت لسماع الخبر حتى أنها قالت:
" آه , كلا , كلا".
بعد لحظات , أعادت سماعة الهاتف الى مكانها وبدأت تتوار خلف حزنها , وفحزى المكالمة أن هوارد سقط فاقدا وعيه في الليلة الماضية , أذ عانى من نزيف في معدته ونقل فورا الى المستشفى وأخبرتها السيدة ساندرز بأنه لا يزال في حالة خطرة.
حاولت جيردا أستعادة رباطة جأشها , وقد نسيت في خضم الخبر السيء جوردان بلاك , وبينما قضت طوال ليلتها السابقة قلقة على نفسها , كان هوارد يعاني من آلامه المبرّحة وبشكل أسوأ مما توقعت , ورغم أن السيدة ساندرز أتصلت بالمستشفى قبل اخبار جيردا , ألا أن رغبتها بالأتصال بالمستشفى من جديد غلبت على تفكيرها السليم القائل بأن لا أخبار جديدة عنه.
وجاءها صوت الممرضة المشرفة على الردهة هادئا ومثيرا للأطمئنان , وحاولت جيردا أن تتحدث بهدوء بدورها موضحة هويّتها , متذكرة أن أغلب المستشفيات تتبع قانونا عاما بعدم أعطاء المعلومات عن حالة المرضى ألا للمقربين منهم , فقالت:
" ليس للسيد دوريل أقرباء , بأستثناء أرملة شقيقه في أسكوتلندا".
" الأمر واضح الآن , فقد كان السيد دوريل مريضا جدا في الليلة الماضية ولم يستطع تزويدنا بالمعلومات اللازمة , كما كانت ربة منزله قلقة جدا".
" كيف حاله الآن؟".
" لا يزال مريضا , ألا أنه أفضل من السابق".
" هل أستطيع زيارته؟".
" لحظة واحدة...".
وتلا ذلك لحظات صمت طويلة , وطرقت سمعها أصوات بعيدة تتحدث , ثم سمعت صوت الممرضة من جديد , قائلة:
" نعم , في أستطاعتك زيارته , ووقت الزيارة من الثانية حتى الرابعة بعد الظهر , ولكن عليك رؤيتي قبل دخولك الردهة".
كانت لهجتها آمرة وشكرتها جيردا بأمتنان , وذكرتها أوقات الزيارة بمرض أمها قبل أربع سنوات حين سمح لها بالزيارة في أي وقت شاءت , ترى هل يدل التحديد على خطورة وضع هوارد الصحية........؟
وكانت على وشك اليأس من حلول وقت الغداء لأنتظارها بفارغ الصبر , ألا أنه حلّ أخيرا , وغيّرت ملابسها أستعدادا للذهاب الى المستشفى , هل يحتاج أي شيء؟ لم يكن من المحتمل أن يحتاج لأي طعام في هذه المرحلة , كما ليس في أستطاعته القراءة حتما , هل تذكرت السيدة ساندرز كل حاجاته الشخصية , البيجاما , المنشفة , آلة الحلاقة ........ ألخ؟ ولكن ربما لن يحتاج أيا منها الآن , وأهم شيء في الوقت الحاضر هو رؤيته.
ورغم أستعدادها لمشاهدة المستشفى والمرضى لكنها لم تستطع مغالبة صدمة رؤية جانب الردهة حيث وضع هوارد , وبدا الرجل الضخم أكبر من عمره بعدة سنوات وبدا وجهه شاحبا الى حد ماثل فيه لون بشرته لون المخدة , وكل ذلك تمّ خلال ساعات قليلة فقط , والى جانب سريره , وضع محلول البلازما , وكان مغطى بشراشف بيضاء كانت تبدو وكأنها تمحو شخصية المريض.
فتح عينيه وبدا فيهما ألتماع دل على تعرفه عليها , حاول الأبتسام وبدهشة أنحنت وقبّلت خدّه.
همست بسرعة:
" لا تتحدث , أذا كنت متعبا جدا".
" جيردا رؤيتك أمر جيد".
وأشار بيده فأمسكت به ولم تستطع كبح دموعها أذ رأت شحوب اليد وبروز عروقها الزرقاء فاضحة مقدار ما فقده من الدم.
أستقامت ونظرت حولها باحثة عن مكان لتضع فيه باقة الورود , مجموعة من الزهور الصفراء أشترتها من محل الزهور القريب من المستشفى , قال:
" أنها جميلة...... ما كان عليك تكبد المشقة".
وضعت جيردا الزهور في مغسلة اليد الصغيرة , وحين أستدارت رأت علامات التساؤل في وجهه فأدركت ما أراد السؤال عنه , جلست الى جواره وقالت:
" حذّرتني الممرضة ألا أبقى طويلا..... وألا أقلقك , لذلك لا تقلق بل أهتم بصحتك".
وأبتسمت بتفاؤل.
" يجب أن أعرف وإلا سأقلق , ماذا حدث في الليلة الماضية؟".
" لم يكن الأمر سيئا".
وحاولت الحفاظ على هدوء صوتها , عارفة في الوقت أن عليها أن تكون صريحة معه.
" لم يوقع جوردان بلاك العقد ولم يعد بشيء , كما توقعت أنت تماما , وسيذهب الى باريس يوم الأثنين , ثم الى بون , هكذا علينا الأنتظار لحين عودته".
فكّر هوارد بما قالته لحظة ثم قال:
هل كان موقفه مبشّرا بالخير؟".
" لست متأكدة تماما , أذ بدا عليه وكأنه يستهين بحضوري".
" ولكن هذا ما أخبرتك به من قبل , لا بد أنك جذبت أهتمامه أذن".
وأذ نظرت بعيدا قال هوارد مبتسما :
" أرجو أنك تذكرت ذكر العقد في طريق العودة الى البيت".
" نعم , وعدة مرات قبل ذلك".
وأستدارت جيردا أذ سمعت صوت أنفتاح الباب ونداء الممرضة , وقالت جيردا:
" أعتقد بأنهم سيرمونني خارجا , هل تريد مني جلب أي شيء غدا؟".
" كلا , يا عزيزتي ولا حاجة لك لقضاء يوم عطلتك في المستشفى".
ألا أنها كانت مستعدة للمجيء رغم أعتراضه , ولاحظت في مساء اليوم التالي , تحسن صحته قليلا , وشعرت براحة غريبة أذ لم يعاود ذكر مسألة العقد وشكرت ضمنيا جوردان بلاك لرحلته خارج البلد , وحدث أن أوقفتها الممرضة يوم الثلاثاء وهي في طريقها الى الردهة , فأحست برجفة خوف تسري في أوصالها , تابعة الممرضة الى مكتبها ثم دخل طبيب الى الغرفة ,وبلا مقدمة قال:
" نحن نقدر زيارتك له يا سيدة مانستون , لكننا لسنا مرتاحين عن بعض النواحي".
شعرت بالتصلب وقالت:
" ماذا تعني يا دكتور؟".
" عالجنا حلالات مشابهة من قبل , رجال الأعمال المرضى وزوارهم يجلبون معهم مشاكل مكاتبهم , وأضطررنا في الشهر الماضي الى منع زيارة أحد المرضى , حين بدأ المريض وهو رجل أعمال بأدارة أعمال شركته من سريره في المستشفى , وأذ وصلت أوراقه الخصوصية وسكرتيرته مع المسجل أضطررنا الى أيقاف ذلك , نحن لا نتهمك بالأمر نفسه ولكنني أحاول أبداء أهتمامي بصحته , هناك شيء ما يقلقه أليس كذلك؟".
" نعم , عقد مهم".
" حسنا , عليك تخليصه من القلق , ما حدث لرئيسك كان شيئا خطرا , وقريبا من الموت , ربما كان ذلك العقد الأخير في حياته , حيث فقد أربعين بالمئة من دمه , وهو ليس شابا , هل توضح الأمر لك؟".
" تماما , وتستطيع الوثوق بي ولن يجد السيد دوريل سببا للقلق وسأهتم بذلك".
ولكن هل تستطيع هي؟ في أستطاعتها مراوغته في الأجابة وطمأنته أن كل شيء على ما يرام , واعدة أياه أنها ستخبره بكل التطورات ولكن كيف تستطيع منحه ما سيعيد الطمأنينة الى ذهنه حقا؟
وأذ مرّ الوقت سريعا زاد قلقها لمعرفتها بما يدور في رأس هوارد ويوم الخميس جعلها مصممة أن تحصل على العقد , ولكن كيف؟
تبدو المسألة سهلة نظريا , كل ما عليها عمله هو سؤال السيد ميرك ألغاء كل أرتباطاته والأهتمام بصفقة وينتفورد بعد أن تسلمه كل شيء , ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة عمليا , لقد ألغى ميرك عطلته وعاد ليمارس مهام عمل دوريل ورغم أنه كان ماهرا في أدارة الأمور المالية ألا أنه كان عاجزا عن التعامل بطريقة دبلوماسية , وكان هوارد هو الخبير الأول في دعوة رجال الأعمال وتسليتهم.
قال السيد ميرك بلا حماس , بعد أن ذكرت له توضيحاتها غير المقنعة:
" حسنا , أذا كنت تشعرين بأنك غير قادرة على أجتذاب بلاك فمن الأفضل ترك الأمر لي".
قالت بتواضع:
" نعم يا سيد ميرك".
ألا أنها ورغم محاولاتها المتواصلة للأتصال بجوردان , لم تستطع العثور عليه , وطال الأمر حتى يوم الجمعة , فنقلت الخبر الى ميرك فقال:
" لا تهتمي , قد ألتقي الليلة بكينغسلي في النادي".
ألا أنها كانت واثقة , في قرارة نفسها , بأنه أمل شبه يائس , أذ عالم التجارة لا يتعامل بالتعطاف وشكت فيما لو كان لكلمة كينغسلي أي تأثير الآن , كانت له قوته ونفوذه مع فان لورن , أما مع وينتفورد فلا بد أنه يسائل نفسه الآن عن ماهية مركزه , وبدا كأن ميرك قرأ أفكارها , رغم أستغراقها في تغطية الآلة الطابعة وترتيب مكتبها , فعلق:
" هذا أذا كان كينغسلي محتفظا بمنصبه".
" هل ستطلعني على الأخبار, أذا ما حدث شيء جديد؟".
وظهرت على ملامح وجهه القاسية علامات التفهّم وقال:
" بالتأكيد , أذا كان الأمر مثيرا للتفاؤل , ولن نفعل ذلك أذا كان ما سيحدث هو العكس".
أومأت برأسها بحزن قائلة:
" نعم , شيء من هذا القبيل".
منتديات ليلاس
وعدها أن يتصل بها تلفونيا , في شقتها , صبيحة اليوم التالي , لكنه لم يتّصل حتى الساعة الحادية عشرة وظنّت أنه نسي أو فشل في الأتصال بكينغسلي , وخطت نحو النافذة وتأملت من خلالها أزدحام السيارات والناس يوم السبت , كلا لم يعد بمستطاعها أخفاء مخاوفها , أذ لم تدع لها أحداث الأسبوع الماضي أي أحساس بالتفاؤل , فلو لم يقع هوارد ضحية المرض ولو لم تذهب للقاء جوردان لكان العقد الآن في متناول هوارد , لا شيء يستطيع أقناعها بأنها لم تكن السبب في أعاقته التصديق على المشروع طوال الأسبوع.

نيو فراولة 16-08-11 09:55 PM

كم كانت حمقاء أذ جعلته بحس أن قراره سيؤذيها شخصيا , لو أنها .......
أبطأت السيارة الخضراء المتوجهة نحو بنايتها , كما حاولت سيارة شحن صغيرة الوقوف في مكان غير مسموح الوقوف فيه , وفكرت بأن بعض السائقين حمقى........ كانت السيارة الخضراء مارسيدس , وأنحنت جيردا محاولة تفحص ما جر ألا أن رأسها أرتطم بزجاج النافذة , وقفت سيارة المرسيدس وترجّل السائق , وأنعكس ضوء النهار على الشعر الفضي ولاحظت أرتسام صورة الرجل على الباب بعد أنغلاقه , ألقى جوردان بلاك نظرة على البناء ونوافذه العالية ثم سار بأتجاه المدخل , تلك الخطوات المتمهلة , الخطوات المتميزة ..... كلا أنه ليس قادما لرؤيتها!
وقفت جيردا في مكانعا مرعوبة ثم أسرعت الى المرآة ونظرت الى ماكياجها وحاولت أن تتذكر أذا كان وجهها بحاجة ماسة له , كلا , لن تسرع لتمشيط شعرها ووضع أحمر الشفاه , كلا لن تفتح الباب....
حين سعت جرس الباب يقرع وفتحت الباب تذكرت قرارها الخاطف بعدم فتح الباب , ورأت عينيه تحدقان في وجهها ثم تنحدران الى جسدها وقدميها وأحست بتفوّقه عليها , قال:
" حسنا , هل سأبقى عند الباب طوال اليوم؟".
تراجعت , محاولة أخفاء قدميها العاريتين , ثم دعته الى الصالون قبل أن تهمس بعذر ما وتتوجه بعد ذلك الى غرفة النوم لترتدي حذاءها.
" بحذائيك أو بدونهما , الأمر سواء بالنسبة اليّ".
قال مخاطبا أياها , بينما كان واقفا قرب الباب يراقب خطواتها المتعجلة وأكمل:
" بل أن مظهرك غير الرسمي أفضل بدونهما".
" صحيح؟ هل تريد أن تشرب شيئا؟".
" كلا , أنجح دائما في تفادي الشراب حتى منتصف النهار".
وتبعها الى الصالون وأسترخى على الكنبة المريحة ثم قال:
" سأجرب القهوة".
وأحست بنظراته تخترق ظهرها , أذ سارت متوجهة الى المطبخ , خلال الحاجز راقبته وهو يشعل سيجارته ثم نهض ليبحث عن منفضة سجائر , وخلال نظراته رأت الصالون الفسيح الذي أختارت أثاثه وألوانه المتناسقة مع بليز وكيف قررا تصميم كل شيء وفق الطراز الأسكندنافي , ووقف يتفحص تخطيط صورتها , التخطيط الذي أتمه بليز بعد أسبوع من زواجهما , ثم دخلت حاملة الصينية , فأدار رأسه قائلا:
" كما رآك بليز؟".
" أظن ذلك , هل تريد سكرا في القهوة؟".
" كلا , شكرا , يجب ألا يرسم الأزواج زوجاتهم".
وعاد الى مكانه في الكنبة , ثم واصل حديثه:
" وفي الحقيقة يجب ألا يحاول المحب رسم صورة حبيبته".
بقيت صامتة , جالسة بأستقامة في كرسيها المجاور للنار.
" الصورة ليست حقيقية".
" هل هناك صورة ببعدين؟".
" أنه نقيض مثير للتصوير , أو ربما لا توافقينني الرأي؟".
تصلّبت في مكانها بينما أبتسم بتهكم:
" أرى أنك لم تنس , هل كان هذا سبب فرض بليز لأنطباعه الجديد عن فتاة التقويم العالمي؟".
وضعت جيردا كوب قهوتها جانبا وقالت بحدة:
" لم تأت الى هنا لمناقشة ذلك , ومن الأفضل أن تخبرني عن سبب مجيئك".
وتقوّس حاجبه تعجبا :
" سؤال غريب من فتاة أتصلت بمكتبي سبع مرات خلال اليومين الأخيرين".
" السيد ميرك أتصل بمكتبك سبع مرات".
" لا تراوغي , كيف صحة دوريل؟".
" أفضل بقليل , ألا أنه لا يزال مريضا جدا".
" وهل هناك ما يشير الى عودته القريبة الى بيته؟".
" كلا".
ونهضت لتأخذ قدحه الفارغ , ألا أن ذكرى شيء ظنت أنها نسته منذ فترة بعيدة جعلها غير متوازنة , فأهتز الكوب بين يديها وهي تضعه في الصحن الصغير وسقطت الملعقة الفضية على السجادة , وكان رد فعل جوردان أسرع منها بكثير فأنحنى ملتقطا الملعقة ثم تناول الكوب والصحن من بين يديها.
" أنك عصبية اليوم , هل لديك ألتزامات معينة خلال العطلة؟".
" لماذا؟".
وتذكرت طريقته الماهرة في تغيير الموضوع.
" هل تريد رؤية السيد ميرك؟".
" كلا , أذا كانت لديك أي مواعيد فألغيها".
" بهذه السهولة ؟".
جلس ثانية وقال:
" أمامك عطلة نهاية أسبوع حافلة بالعمل".
" أسمع أرجو أن تخبرني بصراحة , ماذا عن عطلة نهاية الأسبوع؟".
" أنت تريدين التحدث عن العقد , حسنا , سنناقش الموضوع اليوم وغدا , سآخذك معي الى غرين ريغ مباشرة".
" ولكن..........".
وأنتابها خوف غريب:
" ولكنني لا أستطيع ...ز ليس دون أن أرتب حالي , ثم أنني سأذهب لزيارة هوارد مساء يوم غد , و..........".
" لن يهتم بذلك , فما سيجري سيكون لمصلحته أليس كذلك؟".
ولم تسمع سؤاله القصير الجاف , الذهاب الى غرين ليومين , ومع جوردان بلاك , وصرخ كل شيء في داخلها مطالبا أياها بالرفض لم يكن العقد مهمّا بالنسبة لوينتفورد الى حد يكرّس فيه جوردان بلاك عطلة نهاية الأسبوع بكامله لمناقشته , لا بد أن ما يهدف اليه شيء آخر , شيء مخادع يتعلّق بها , وأحست به يراقبها وملامحه تشير الى ثقته العالية بنفسه , مدركا بأنها ستتبع خطواته.

نيو فراولة 16-08-11 09:57 PM

فتحت فمها لترفض ثم تذكرت هوارد دوريل وعلمت أن في هذا نهاية أمله بالحصول على العقد , كانت عاجزة عن الرفض ولم يكن بأستطاعتها خذلانه الآن , قالت:
" عليّ حزم بعض الأشياء القليلة".
وتوجهت الى غرفة النوم.
" بالتأكيد".
وأسترخى على مقعده واضعا قدميه على المقعد الصغير المجاور , ثم أضاف:
" تذكري بأن الرحلة غير رسمية , وأنني أستطيع التباحث بشؤون الأعمال قرب ساحل البحر أو في مكتب الشركة".
وتنبأت هي بذلك إلا أنها ستحاول جهدها ألا يتم التباحث في العقد قرب ساحل البحر , فكرت بأمتئاب واضعة بعض ملابسها في حقيبة صغيرة.
كان الجو صاحيا والشمس مشرقة مما دعا غالبية سكان المدينة للجوء الى البحر فأكتظت الشوارع بالسيارات , الأمر الذي أشعر جيردا بالأمتنان لأنه شغل جوردان عن الحديث اليها , منذ ثلاث سنوات قامت بالرحلة نفسها , جنوبا قرب الساحل , حيث يلجأ جوردان بلاك عادة كلما أحس بالتعب , وجعلها الطريق تستعيد العديد من الذكريات المريرة وأصبحت مشاعرها أكثر سوداوية كلما أقتربا أكثر من نهاية الرحلة , ومجرد جلوسها بجانبه أشعرها بالقلق , أما العودة الى مكان الذكريات ....... ذكريات تحققت منذ ثلاث سنوات فهو أمر لم تحسب حسابه بعد .
منتديات ليلاس
كان الوقت عصرا حين أتخذ جوردان طريق جانبيا حول القرية , وأمتنعت عن سؤاله حين أوقف السيارة أمام كوخ صغير وقال:
" سنتناول الشاي هنا".
كان في الصالة الصغيرة أربع طاولات فقط , وبأستثناء زوجين شابين وطفلهما الصغير , بدا المكان خاليا من أي شخص آخر , وحين قدم إليهما الشاي والكعك , فضّل جوردان تناول الشاي وحده ثم قال:
" قلت بأننا سنصل عند السابعة".
ونظر إليها بشكل يتحدّاها فيه أن تناقش ذلك , ألا أنها أكتفت بالقول :
" لديك ثلاث ساعات أضافية أذن".
وساد بينهما الصمت وشغلت نفسها بالنظر خلال النافذة , الى المكان الريفي الجميل وهدوء المنطقة مع حضور جوردان وتوتر أعصابها المتزايد بمرور الوقت , رغم حرصها على عدم أظهار قلقها , ثم تحرك في مقعده فتبعته الى السيارة.
" أين سنذهب الآن ؟".
قال بادئا تشغيل السيارة :
" سنطوف حول المنطقة قليلا , ثم نسير قليلا بعد ذلك , لأنني بحاجة الى بعض الهواء النقي".
وبدت ملاحظاته واضحة بما فيه الكفاية , ألا أن جيردا لم تستطع غير النظر اليه جانبا , الأمر الذي ندمت له فيما بعد , حيث أدار رأسه بأتجاهها وأرتسمت على وجهه أبتسامة تهكم غريبة , وتحاشت النظر خاصة الى وجهه وشفتيه , وقال:
" هل لديك أيّ أعتراض؟".
بعد مسير أربعة أميال , ظهر البحر أمامهم , فأوقف جوردان السيارة في مكان بعيد عن الطريق العام , وأطفأ محرك السيارة , أستدار نحوها وبدأ قلب جيردا بالخفقان بسرعة.
" حسنا لم لا تتحدثين عن الأمر؟".
" أتحدث عن ماذا؟".
" عن سبب مجيئنا الى هنا".
" قلت أنك بحاجة الى هواء البحر النقي".
" صحيح ! أنك لم تتغيري أطلاقا".
وترك السيارة سائرا بأتجاهها وكان من المستحيل تجاهل يده الممدودة لتساعدها على الترجل على الأرض غير المستوية.
وأحتفظ بيدها في يده أذ بدا الأنحدار الى الساحل وكانت واثقة بمعرفته رغبتها في التخلص من قبضته والأنطلاق حرّة وحدها , بدأ الصفير بعد ذلك كأنه لم يلاحظ تعثر خطواتها عند أقترابهما من البرز الطباشيري , قال بلا مبالاة:
" هل لا تزالين بحّارة سيئة؟".
" نعم".
وجاء أعترافها أجباريا أذ علمت ما الذي سيتبع ذلك".
" تخلى ستيوارت عن الأبحار كما تعلمين".
" توجب عليه ذلك , أنه أمر مؤسف , أذ أحب الأبحار كثيرا".
ولعقت شفتيها الجافتين وأحست بالألم يسري في جسمها , وتسلق جوردان الى الفجوة وفرش السترة الطويلة على الأرض ثم أنحنى ومد يديه ليجذبها , وشعرت بأنها واقعة تحت سيطرته أكثر وأكثر , وأمسكت بيديه فجذبها الى جانبه , وللحظة ظنت بأنه سيجذبها أكثر وسيضمها بين ذراعيه , ألا أنه حررها وأشار لها بالجلوس.
جلس جوردان في وضع مريح وحدّق في البحر.
" أعتدنا جلبه الى اليخت في كرسيه المتحرك بعد أن صمم له مكان خاص ليصون سلامته , ألا أنه كره ذلك خاصة بعد أن أدرك فشله في المشاركة بأي شيء وتحولت الرحلات البحرية الى تعاسة للجميع , لذلك قررنا , في النهاية بيع اليخت , بعد ذلك , يئسنا من محاولة أثارة أهتمامه بالخروج من البيت , لأنه رفض تعلم قيادة السيارة الخاصة بالمقعدين كما رفض الخضوع لأي علاج , كان يجلس لساعات متواصلة وبيده كتاب لا يرغب حتى بقلب صفحاته , وتحول الى مخاوق لا يستطيع أحد الحديث اليه , وبدأت تنتابه نوبات غضب يلعن فيها ساقيه العاجزتين , وبلعننا لأننل نستطيع السير بينما عجز هو عن ذلك".
بقي صوته محايدا طوال فترة حديثه وملامحه قاسية كالعادة , وأستمر قائلا:
" أستمر الأمر عدة أشهر , الى أن عانت والدتي من أنهيار عصبي , فأرسلتها الى أيطاليا ثم الى الجزر اليونانية بصحبة مرافقة لها , وبقيت أنا وحدي مع ستيوارت , ونجحت بعد فترة قصيرة في أعادته الى الحياة , لأنه أكتشف أهتماما بالرسم وخاصة بالحركة الأنطباعية الجديدة , كانت لوحات ستيوارت مشابهة للكوابيس الليلية , ألا أن ما كان مهما هو ظهور الأهتمام بشيء ما , لكنني لم أستطع البقاء معه فترة غير محددة محيطا أياه بالناس والمتع , وحين عاد الى البيت جعلته يستقر في غرين ريغ وبدأ تدريجيا العودة الى أنطوائيته ويأسه , ولكن مع أختلاف ضئيل : بدأ يتقبل مصيره".
منتديات ليلاس
تحرك جوردان ونظر مباشرة في عيني جيردا مضيفا:
" ألا أنه لم ينس أبدا".
فقالت :
" كما لم تنس أنت".
وفقدت سيطرتها على نفسها نتيجة لرتابة صوته وأستطراده في ذكر التفاصيل المؤلمة , ورفعت يديها المرتجفتين الى وجهها متسائلة:
" لماذا؟ لماذا تواصل لومي على عجز ستيوارت؟ ما حدث كان مجرد حادث".
" نحن نعلم بأنه كان حادثا , نعرف أصطدام ستيوارت , ألا أنني أعرف سبب الحادث , رغم أنه يرفض حتى الآن لومك".
" لماذا تواصل لومي أذن؟".
سألت بمرارة:
" لأنك لو حافظت على وعدك لأختلف الأمر , ألا أنك لم تفعلي ذلك , كنت أنانية , ولم تكوني قادرة على الأكتفاء برجل مقعد , أليس كذلك؟".
تحاشت الأجابة على سؤاله وهزت رأسها يائسة , كان من المستحيل أقناع جوردان بسوء حكمه , لقد حاولت منذ ثلاث سنوات , القيام بذلك وفشلت , قالت :" هل هذا سبب جلبك أياي الى هنا؟ أن تفتح الجرح القديم مرة أخرى , أنت تمارس تعذيبي بكراهيتك وحقدك , لا أظن أن ستيوارت يكرهني الى هذا الحد رغم أنه هو المصاب , ألا أن كل ما تهتم به هو رغبتك في الأنتقام , ولكن لماذا؟ ما الذي فعلته لك؟ وما فائدة الحقد الآن؟".
تساءلت بمرارة , هز كتفيه أستهجانا بدون أن يتأثر بألمها.
" لا أدري , كل ما أعرفه هو رغبتي بالعودة منذ مجيئك الى توبي تلك الليلة , لأرى هل تغيّرت خلال ثلاث سنوات , أو أذا ما زلت قادرة على الوقوف بشكل محايد , كما لو أن شيئا لم يحدث".
" هل تعني بأنك أردت أقناع نفسك بصحة موقفك السابق ؟ وأن الشك لا يراودك , وأنك لا تشعر بالذنب لأدانتك أياي؟".
" لم يكن هناك شك في الموضوع , كنا نعلم أن ستيوارت لم يكن في وضع عقلي يسمح له بقيادة السيارة تلك الليلة , وكان سبب ذلك جيدا : فقد ظن أنك قبلت الزواج به ثم أكتشف خداعك له مع رجل آخر , وقاد السيارة كالمجنون , ما الذي توقعته؟ أن يتقبل الأمر بصمت ؟ لو ان عاقلا لفعل ذلك بالتأكيد".
ثم أضاف جوردان بمرارة:
" كان عليه أكتشاف حقيقتك وحقيقة كونك أمرأة أنانية , باحثة عن ثروة تكسبها".
" هل ما زلت تصدق ذلك ؟ رغم أنني أخبرتك أنني كنت مع بليز تلك الليلة , بعد....".
وتوقفت غير قادرة على الأستمرار فلوى جوردان شفتيه علامة عدم التصديق.
" وتزوجت بليز , أليس كذلك؟ آمل أنه تمتع بصفقته".
وأرتعشت بشكل لا أرادي لقسوته وأستهانته بها , ثم قال:
" لم يكن هناك تفسير آخر لسلوكك المروع , حتى أذا أستثنينا وجود بليز , حين أكتشفت عدم قدرتك عل أخفاء الحقيقة , أجبرت على الأعتراف بأنك كنت مع ستيوارت في السيارة تلك الليلة , وصدقيني لو أن ذلك الشاهد الذي رآك تهربين من موقع الحادث , كان أكثر أيجابية لتكفل بأن يذكر أسمك في كل صحيفة في البلد ولتشوّه أسمك الى الأبد , كاشفا عن حقيقتك التافهة , ولكان ذلك أقل مما تستحقين حيث تركته وحده , فاقدا وعيه وهربت لتنجي بنفسك , ثم بدأت بأطلاق الأكاذيب لحماية سمعتك".
ورأت الأحتقار المرتسم على وجهه.
" ولكن الأمر لم يكن كذلك أطلاقا , لم لا تصدقني؟ فقد عدت الى مكان الحادث , في البداية ركضت طلبا للنجدة , ركضت باحثة عن هاتف عمومي وكان على بعد عدة أميال , وحين عثرت عليه كان عاطلا , وواصلت الركض.....".
" من الغريب أننا لم نعثر على أحد يثبت أنك أستدعيت سيارة الأسعاف , لماذا تضيّعين وقتك ؟ أذ نعلم جيدا ما حدث , كنت مذعورة الى حد أنك هربت بأقصى سرعة".
" لم أهرب , بل عدت الى مكان الحادث, ولكنني كنت متأخرة".
" أجدك محقة في هذا: كنت متأخرة".
" لكنني أخبرتك , أتصل أحدهم بالمستشفى من لمنزل , لا بد أنه كان راكب الدراجة النارية , وحين عدت لم أجد أحدا , أذ تم نقل ستيوارت الى المستشفى , ولم يكن في أمكاني عمل أي شيء".
كررت جيردا حديثها بتعاسة.
منتديات ليلاس
" وأسرعت الى منزلك محاولة التظاهر بعدم معرفتك بأي شيء , وصدقتك في البداية , رغم أن شحوب وجهك فضح الحقيقة وأحساسك بالذنب , ثم حثني ستيوارت على تجنب ذكر أسمك في القضية ولم يرغب بأقحامك في أي أشكال , وماذا فعلت أنت عرفانا بالجميل ؟ هجرته وتزوجت رجلا آخر , وها أنت تتساءلين لماذا أشعر بالمرارة؟".
شعرت جيردا بالألم في حلقها , وأدركت أنها لن تستطيع أقناعه ببراءتها ولا فائدة من أخباره بأن ما حدث لم يكن بسببها ما لم ترغب بأخباره الحقيقة كاملة , وهو شيء لن تفعله أبدا , أذ سيؤّدي ذلك الى إيلام آخرين , وساعدها أحساسها بالشفقة على الصمت وما دام ستيوارت قد أختار الصمت , فقد توجّب عليها فعل الشيء ذاته , ولكن الى متى ستبقى متحملة أتهامات جوردان المريرة؟

نيو فراولة 16-08-11 09:58 PM

تشنّجت يداها وغابت دموعها , ثم قال جوردان فجأة :
" لو كنت صادقة لما أستطعنا لومك الى هذا الحد , ونحن لسنا قديسين كما أن الرجل لم يعد يتوقع بقاء الفتاة ملاكا بريئا ولكنك خدعت الجميع بمظهرك البريء منذ البداية , فلو أخبرت الجميع أن هناك شخصا آخر بدلا من رمي شباك حول ستيوارت , لتغير الأمر , لكنك لم تفعلي ذلك , بل حاولت خداعي أيضا".
صرخت معترضة:
" أوه , كلا , لمني على حادث ستيوارت , أذا توجب عليك ذلك ولكن لا تتهمني بخداعك".
" ألم تفعلي ذلك؟".
كان قريبا جدا منها وأنتقلت نظراته المتألمة الى وجهها بطريقة أشعرتها بالحرارة تسري في جسمها .
" لا أتذكرك بغير ذلك , وربما لم تستطيعي حسم أمرك في الأختيار بين الأخوين ؟".
وأصبح لنظراته قوة غريبة عليها.
" صدم ستيوارت حين جئت معه لأول مرة , في عطلة نهاية الأسبوع وأخبرته بأنك لا تحبين الأبحار بالقارب , أدعاء كاذب , أذ أن صديقات ستيوارت يفضّلن الأبحار وقيادة سيارات السباق السريعة عادة , ولم تختر أي واحدة منهن التسكع في الضواحي الريفية مع شقيقه".
" لكنك طلبت مني ذلك".
ضحك بسخرية وقال:
" صدقتك أذ أن بعض الناس يخافون الأبحار , والأصابة بدوار البحر تفسد على بقية الناس عطلتهم , فلم يبق أمامي إلا أن أختار غير تسليتك بطريقة أخرى".
" قد لا تصدقني , لكنني كنت ممتنة لمساعدتك , لم أعلم حين قبلت دعوة ستيوارت أنه سيبحر وأنه توقع مني الذهاب معه".
" وهل كان أختيارك لبدلة السباحة صدفة أيضا؟".
أنه لم ينس شيئا , حتى ملابسها , حتى ....... وأرتعشت.
" كانت فرصة سانحة أنتظرتها طويلا , أليس كذلك ؟ لأختباري ولتحكم أذا ما كانت صالحة للزواج من أخيك ".
" كان لديك ذوق رفيع في أختيار ما أرتديته , ذلك المايوه الأزرق تعلوه السترة البيضاء ذات الأزرار النحاسية وصورة المرساة الحمراء الصغيرة .... لا عجب أنك أثرت غضب ستيوارت عندما رفضت الإبحار معه , ولم يراودني الشك في موقفك حينئذ".
" كلا".
أجابته بقوة عارفة بأنه مصر على كشف التفاصيل وحاجتها الى الهرب من المواجهة.
أمسكت بحقيبتها ونهضت واقفة ولكن جوردان تحرك أيضا , أمسك بذراعها وأدارها لتواجهه , تعثرت وكانت على وشك الوقوع ألا أن ذلك لم يخلصها من قبضته.
" لم تكوني مستعجلة في المرة الأخيرة".
قال ببرود , حاولت التخلص منه ألا أنه هز رأسه , وأبتسم بهدوء قائلا:
" لم تحن فرصة الهرب بعد".
أنكمشت أذ أحست بيده تلمس مؤخرة عنقها وتداعب شعرها الناعم مجبرا إياها على النظر اليه.
" لست الآن في الثامنة عشرة ولست بريئة كالسابق يا جيردا!".
أحست بقلبها يرتجف كما لو كان على وشك الأنفجار وإنتابها أحساس بالضعف أعاق صراعها معه للتخلص من قيده.
رفع رأسه وكانت عيناه شبه مغلقتين تحت جفنيه.
" هل نسيت أول مرة عانقتك فيها؟".
هزت كتفيها وأدارت رأسها جانبا متحاشي النظر اليه.
" في ذلك الوقت شككت ولأول مرة بسوء حكمي عليك , حين جلسنا هنا في تلك الأمسية وأبتعدت متراجعة الى الوراء , مذعورة , وشعرك مبتل بماء البحر وبدوت صغيرة وبريئة الى حد لا يتجرأ معه أي رجل على لمسك , وعانقتك لأكشف حقيقة ذلك".
وضحك بنعومة وواصل حديثه:
" هل تعلمين ما فكرت فيه في تلك اللحظات ؟ تخيلتك بطلة لأحدى قصص الأطفال , ظننت بأنك أستحوذت على البراءة في قلبك , كم كنت مخطئا".
أطلقت جيردا أنينا مؤلما فوضع يده تحت ذقنها ليجبرها على النظر اليه .
" كنت على وشك التراجع , حتى أنني أوشكت على تحذيرك من أخي لسمعته السيئة مع الفتيات".
توقف جوردان عن الحديث وألتوى فمه سخرية:
" لم أنس أبدا تلك اللحظة , حين وضعت يدك على كتفي وأقتربت مني".
في مكان ما أطلقت نوارس البحر صراخها , وبدت الأصوات كأنها صادرة من عالم آخر , فأرتعشت جيردا من ثقل الذكريات , وأستدعت كلماته الماضي بعذاباته وقارنته بالحاضر أذ تقف الآن في الموقف ذاته , قريبة منه وراغبة فيه , جوردان الآن وجوردان حينئذ , المساء الحار وملوحة البحر على جسديهما , كيف تستطيع أقناعه بأنه كان أول رجل يضع يديه عليها؟
سقطت يدا جوردان عن كتفيها فأحست بالضياع , كما لو أن جزءا منها توقف عن الحياة , قال ببطء:
" سألت نفسي عن عدد الرجال الذين خدعتهم بنظراتك البريئة وتلك التي في القلب , خدعتهم الى حد أنهم فقدوا عقولهم من أجلك".
إبتعدت عنه وكتفاها تشيران الى أندحارها , وتساءلت بمرارة:
" أنك واثق من معرفتك بكل شيء , أليس كذلك ؟".
" أنا واثق الآن , لم أعرف حينئذ عن قضية التقويم السنوي , وأن ستيوارت أختار لنفسه فتاة أعلانات رخيصة , لو علمت ذلك في حينه , لتغير الكثير من الأمور وما كنت سمحت بالخطوبة".
" تمنيت لو أنك علمت , تمنيت لو أنني لم ألتق بك في حياتي كلها , لا شيء يجعلك تصدقني , أنك مصمم على تصديق أفتراءاتك عني دون وجود برهان واحد على صحة ما تقول".
وخذلها صوتها , وفجأة لم تعد تهتم حتى بتظاهرها بالكبرياء وأخبرته:
" كنت أول رجل عانقني بتلك الطريقة , لذلك فمهما كانت الصورة المرتسمة في ذهنك عني , فإنك ساعدتني على خلقها".
" أنا؟ جيردا أن الوقت متأخر لمثل هذا النوع من الأكاذيب".
" أنها الحقيقة , وكرهتك ذلك اليوم بقدر ما كرهت نفسي".
" كراهية؟".
ولفظ الكلمة بلهجة شك وعدم تصديق :
" لأنني حاولت عناقك؟".
" نعم , ولأنني كنت حمقاء الى حد أنني وثقت بك".
نظر إليها غير متأثر بألتماع دموع الغضب في عينيها وقال:
" ماذا توقعت؟ فتاة ترتدي تلك الملابس وتسير الى جانب رجل , وحدهما , ثم ذعرت وتراجعت متذكرة أنك لا ترغبين في الأقتراب مني الى ذلك الحد وتظاهرت بالخجل والغضب".
ولمس خده بيدها وتفحّصها بنظرة بارد قبل أن يقول:
" لم تكن صفعة مقنعة أبدا".
وبدون وعي , شابكت يديها وأحست كأنها صفعته لتوها , وتمنت لو تستطيع أيذاءه بقدر ما آذاها حتى الآن , إلا أن الحافز أختفى بسرعة , أذ بدا محصنا ضد أن يلحقه الأذى , وأستدارت لتنظر بعيدا.
" حسنا , ما الذي سيحدث الآن ؟ هل تشعر بالأكتفاء ؟ هل تريد مني العودة لأخبار جيرنغفولدز أنهم خسروا الصفقة , وأن منافسيهم فازوا بالعقد؟".
وأستدارت لتواجهه قائلة:
" ولم ر تقول ذلك ؟ أنك لا ترغب بمنحنا العقد , أن موقفك واضح".
لم يتغير وجه جوردان , بل أنحنى وألتقط سترته ثم نظر اليها قائلا:
" يبدو أن دوريل لم يعلمك الكثير عن الجانب التجاري , أليس كذلك؟".
" لا أدري ما الذي تعنيه بقوبك , إلا أنني أثق عادة بغرائزي".
" وما الذي تخبرك به غرائزك الآن؟".
" أنني أضيع وقتي , وأنت أيضا تضيع وقتك".
" أذن ها أنا هنا أضيّع وقتي , كيف؟".
وقفز ثم مد يده لمساعدتها , إلا أنها تجاهلت يده الممدودة وكانت على وشك السقوط.
" لا فائدة مما يجري , أذ أنتهى كل شيء منذ فترة طويلة".
" ما الذي أنتهى؟".
وبدا متمتعا الى حد كبير بتعذيبه إياها ببطء وخاصة بأسئلته المتتالية .
" كل شيء , وأنت تعرف ذلك كما أعرفه أنا".
" أتظنين ذلك؟".
وحدّق في وجهها الحائر وهز رأسه قائلا:
" كلا لا أظن ذلك".
ورفع يده ومس خدها مضيفا:
" لم ينته شيء بعد , بل إنها البداية يا جيردا".

نيو فراولة 19-08-11 04:31 PM

3- الأفق المهجور




لم يتغير المكان كثيرا رغم مرور السنوات , ورغم توسيع الطريق الساحلي وهدوئه وكأن المدنية لم تمسه وبقيت الخضرة المحيطة به كما هي منسية منذ قرون.
وأحاطت أشعة شمس المساء الضبابية المنزل ونزافذه بلون ذهبي وخاصة عند ألتفاف السيارة قرب البوابة الخارجية , وزاد السلام المخيّم على المكان من ثقل أحساس جيردا بالتشاؤم وصدمت لأكتشافها أرتجاف ساقيها حين نزلت من السيارة , وتمنت , فجأة , لو أنها لم تكن موجودة في الشقة عند قدوم جوردان لرؤيتها صباح ذلك اليوم , كما تمنت لو أنها كانت قوية بما فيه الكفاية لرفض عرضه بقضاء العطلة معه.
دار حولمقدمة السيارة وأندمج ظله بظلها , ثم لمس ذراعها بأحدى يديه وقادها الى جانب المنزل , حاولت أن تمنع نفسها من الأرتجاف , ربما مرت ثلاث سنوات منذ سارت بالطريقة نفسها مع ستيوارت ليقودها الى باب الحديقة المستخدم من قبل الجميع.
منتديات ليلاس
بقيت غرفة الجلوس الكبيرة كما هي , المقاعد العميقة المريحة , منضدة كرة الطاولة قرب النافذة , قطع الأثاث غير المتناسبة , ألا أنها كانت ملائمة لبيت أستهدف وجود راحة المقيمين فيه , الكتب موجودة في كل مكان , والقنينة الزرقاء لا تزال في مكانها , في الخزانة الصغيرة قرب الزاوية , وساءلت جيردا نفسها عما أذا كانت أم جوردان لا تزال كما كانت ربة بيت فخورة بنفسها , وكانت غرف المنزل الأخرى متناسقة وجميلة , يحيط بها صمت يدفع الموجودين للتحرك بهدوء لئلا يؤثروا على كنوز السيدة بلاك , ربما أختلفت الأمور الآن , فكرت جيردا أذا تبعت جوردان عبر الغرفة الى قاعة صغيرة مطلية جدرانها باللون الأبيض , ولم تتذكر جيردا المكان .
" قمنا بأجراء بعض التغييرات منذ زيارتك الأخيرة للمكان".
قال جوردان موضحا.
" هذا هو مكتبي في المنزل الآن , توجب علينا أجراء التعديلات بسبب ستيوارت , فحوّلنا الطابق الأرضي للجناح الغربي الى شقة له بينما أحتفظت والدتي بغرفة الجلوس الأصلية والجناح الواقع فوق شقة ستيوارت , وأصبح الوضع أفضل بالنسبة الينا جميعا".
وقف عند قمة السلم وأومأ مشيرا الى الجانب الأيمن:
" أرتاحي هناك , أذ لديك متسع من الوقت لحين حلول موعد العشاء , أنولي عندما تكونين مستعدة وسأكون موجودا في غرفة الجلوس الكبيرة".
مد يده فأعطاها حقيبتها , تناولتها بصمت وبقيت واقفة في مكانها منتظرة أنصرافه لكنه رفع حاجبيه تعجبا , وقال:
" حسنا , ماذا تنتظرين؟ أو ربما تريدين مني مرافقتك لترتيب ملابسك؟".
" لن يكون ذلك ضروريا".
ثم توجهت الى غرفة الضيوف , فتحت الباب وأغلقته خلفها بعنف غير مناسب , بقيت ساكنة لعدة لحظات تفكر بسلوكه العادي معها , الى حد أأستعادت فيه هدوءها وبدأت تعتقد بأنها موجودة في بيت ريفي جاءت لقضاء عطلة نهاية أسبوع هادئة فيه.
ألا أن الأمر لم يكن كذلك , ولن تكون عطلتها هادئة أطلاقا , ولاحظت لأول مرة عزلة المكان وخلوه من السكان , وضعت حقيتها على السري ثم سارت نحو النافذة , فوجدتها مفتوحة , وأحست بالنسيم يداعب وجهها فأستندت بمرفقها على أطار النافذة وألقت نظرة شاملة على المكان المحيط بالبيت, كانت تواجه مقدمة المنزل , فرأت الأرض المكسوة بالعشب تحيط بها ممرات ضيقة مزينة بورود محتلفة الألوان , ثم رأت مقدمة المرسيدس عند الجهةاليسرى , قطبت جيردا جبينها , محدقة فترة أطول في الأفق المهجور قبل أن تتوجه الى حقيبتها الصغيرة , ففتحتها ورتّبت أشياءها, علقت بعضها في خزانة الملابس بينما وضعت أدوات الزينة عند المنضدة القريبة , رأت في المرآة عينيها وقد ظللهما التعب والقلق , وأستدارت برأسها فجأة لتبعد عن نفسها عدم الأحساس بالراحة وبدأت تنظف وجهها بالمستحضر الخاص بذلك.
منتديات ليلاس
عليها ألا تفقد أعصابها, كررت جيردا مخاطبة نفسها , أذ لن بستغرق الأمر أكثر من أربع وعشرين ساعة , يجب ألا تدع جوردان يحس بخوفها منه , لماذا يجب أن تخافه ؟ سألت نفسها محاولةرفع معنوياتها , ولكن الواقع كان شيئا آخر , فجوردان يكرهها ويلومها على ما حدث , كما أنه يمتلك القدرة على أيذائها , وخاصة من خلال رفضه توقيع العقد مع هوارد , وأن يؤذيها لأنها......
ورفضت جيردا مواجهة السبب الحقيقي , رافضة الأعتراف به , كلا , أنتهى الأمر منذ فترة طويلة , فلن تدفع له فرصة معرفة قدرته على أرباكها ذهنيا , وأبتعدت مذعورة من مواجهة عينيها المتعبتين في المرآة , وأعترفت أخيرا بأنها لن تحصل على راحة الباب ما لم تبتعد بأقصى سرعة عن جوردان بلاك.
كان سكونها الظاهري مجرد قناع حاولت التمسك به وهي تنزل الى الطابق السفلي , لم تر حتى تلك اللحظة أحدا , كما لم تسمع صوت أحد في المنزل وبقيت الأفكار السوداء محيطة بها وتحاول أختراقها مثل ظلمة لا تعرف مصدرها , وهكذا أنتابها أرتياح مفاجىء لسماع صوت فتاة منبعثا من الباب نصف المفتوح , المجاور لغرفة الجلوس.
توقفت جيردا في مكانها وأختفى الصوت , ثم سمعت جوردان يقول:
" كلا , سنتعشى معه الليلة , لذلك عليك نسيان الأمر".
" لكنني رتّبت كل شيء , وأراد هو ذلك , كانت هذه فكرته مبدئيا".
" لا تهمني فكرة من كانت , لن تأخذي ستيوارت الى ميرافيل الليلة , وفي أمكانك.....".
" في أمكاني ؟ حسنا , وتستطيع الآن نسيان الموضوع".
وأرتفع صوت الشابة بغضب:
" لم يحدث ذلك دائما ؟ أنك مستعد لعمل أي شيء لتتخلص مني أليس كذلك؟ أنك تخشى فقدانه , وخاصة أذا ما أخذته بعيدا عنك , لأنك اردت دائما السيطرة عليه وتنظيم حياته حسبما تريد , لن تنجح هذه المرة , هل تسمعني ؟ وأعتقد أنك أنسان بائس لجلبها لرؤيته بعد أن خذلته , إنه لا يريدها ! أنه لا يحبها , أنه يحبني أنا ولن تستطيع منعه من ذلك ...... أنا......".
" أخرسي , أو غادري المكان حالا".
" لن أغادر المكان , كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه الطريقة ؟ إنك ....".
" سأخاطبك بالطريقة التي تعجبني , والآن توقفي عن الحديث مثل مراهقة غبية , أذ لديك الأسبوع بكامله لتتمتعي مع ستيوارت , هل أطلب منك الكثير أذا ما سألتك أحترام رغباتي أمسية واحدة؟".
" رغبات ؟ إنك أكثر من ديكتاتور , إنك....".
" ربما , أخبري ليون أنني أرغب برؤيته".
" لست خادمة لك ".
" أذا لم يعجبك الأمر , تعرفين ما عليك عمله".
وساد المكان الصمت , ثم سمعت جيردا صوت خطوات سريعة أعقبها صوت غاضب , وظهرت الفتاة , وجهها بيضوي شاحب لا يتناسب مع أحمر الشفاه الغامق اللون والشعر الأسود المتناثر بلا ترتيب , كانت على وشك البكاء وتوقفت للحظة مندهشة , أذ كانت تصطدم بجيردا , حدقت في وجه جيردا الى أن جاء جوردان فنظرت بكراهية الى كليهما وغادرت المكان مسرعة , متّجهة الى الصالة.


نيو فراولة 19-08-11 04:33 PM

كانت ملامح جوردان قاسية وغاضبة وسيطر على صوته بسرعة طالبا من جيردا الدخول , وحلّ محل أحساسها بالعطف نحو الفتاة , أذ كانت الأخرى ضحية لجوردان , أحساس بمعرفة شخصية الفتاة.
بدأت الحديث متساءلة:
" هل كانت الفتاة سوزان لاموند؟".
" نعم , إبنة سير هيوبرت , هل تعرفينها؟".
" قابلتها مرة واحدة قبل سنوات".
ونظرت جيردا بعيدا قبل أن تستطرد:
" لم أكن متأكدة من شخصيتها".
" نعم , أنها سوزان , الطفلة الثرية المدللة , أنها في الثامنة عشرة من عمرها وعصبية الى حد لا يطاق , لا أدري ما الذي سيحدث لها أذا كانت في سن أكبر ". قال بقسوة وأضاف : " أعذريني , سأعود خلال لحظة".
وتركها مسرعا وغادر الغرفة وشعرت جيردا بالأمتنان لمغادرته غير المتوقعة , كي تجد وقتا كافيا لأستعادة قدرتها على التفكير , ترى ما سبب وجود سوزان لاموند في هذا المكان ؟ جلست جيردا على كرسي مريح , واجمة تحدّق في فراغ الغرفة , كان والد سوزان مديرا عاما لمؤسسة وينتفورد ولا يزال شخصية بارزة في عالم التجارة , وكانت هناك منافسة حادة بين سير هيوبرت وأرنولد بلاك , والد جوردان يعود تاريخها الى سنوات بعيدة , أذ وسع سير هيوبرت مرتين أعمال مؤسسته في حقل الألكترونيات على حساب أرنولد بلاك , مما أدى الى أعلانه الأفلاس , والآن بعد وفاة أرنولد , تقاعد سير هيوبرت وأصبح جوردان بلاك الرجل المسيطر على مركز مهم في مؤسسة عدو والده القديم لكنه نجح في ذلك بالتأكيد , وأذا ما صحت توقعت هوارد فأنه سيصبح رئيس مجلس أدارة المؤسسة خلال عام واحد.
هل كان الأنتقام سبب ذلك؟ تساءلت جيردا , إنه رجل قاس وبلا رحمة بالتأكيد , إلا أن جيردا لم تستطع إنكار مساوىء سير هيوبرت في الماضي.
أين هو موقع سوزان في القضية إذن؟
أستنادا الى حديثهما , الى طريقتهما في فضح موقفه , والطريقة التي خاطبها بها , بدا لجيردا أن العداوة القديمة حيّة كالسابق.
نهضت جيردا وخطت نحو النافذة , وشعرت بثقل في صدرها , ولم تعتقد أن ستيوارت كان يساعد سوزان على هزيمة أخيه , بحيث سيؤدي الأمر إلى خلق عداوة أخرى بين الأخوين , أغلقت عينيها بيأس , ما الذي حدث خلال الثلاث سنوات التي نجحت فيها في تحرير نفسها من تأثير عائلة بلاك؟ ترى هل ستعود مرة أخرى , مجبرة , الى حياتهم العاصفة ؟
ولم تسمع خطوات جوردان بلاك عائدا الى الغرفة , وجفلت أذ وضع يديه على كتفيها وقال بنعومة:
" ألم تسمعيني أدخل الغرفة؟".
" كلا".
وتحركت في مقعدها لتبتعد بهدوء عن ملمس يديه , وقالت :
" هل تزحف دائما بهذا الشكل لتخويف الناس ؟".
" ليس دائما , فقط حين يستغرقهم حلم اليقظة , ماذا حدث ؟ تبدين وكأنك تشعرين بالأسف لشيء ما".
بادلته النظرات الثابتة وهزّت رأسها قائلة:
" توقفت عن الأحساس بالأسف منذ زمن بعيد , وخاصة حين تقدمت بالعمر".
" لا بد أنه كان يوما حزينا".
هزت كتفيها فإبتسم بطريقته المتميزة ولاحظ :
" ألا تشعرين بالأسف من أجلي؟".
" إنك آخر شخص أشعر بالأسف من أجله , هل تنشد الشفقة الآن؟".
" أنني لا أنشد الشفقة أطلاقا".
" إنك لا تمنحها أيضا".
" إلا أنني أفعل ذلك يا عزيزتي".

وكان يخلط الشراب في مكان ما خلفها , متذكرا دائما أن الشفقة ليست سوى مسكن مؤقت في أحسن حالاتها وهي تمرغ في الرثاء في أسوأ حالاتها , أي شراب تفضلين؟".
وقال الجملة الأخيرة دون أي تغيير في لهجته , فأجابت:
" عصير برتقال , رجاء , أين ستيوارت؟".
" يغيّر ملابسه أستعدادا للعشاء في مناسبة حضورك".
وناولها العصير مواصلا:
" ونتيجة للمشهد الدرامي القصير , طلبت من سوزان المغادرة طوال الأمسية".
" وهل لبّت سوزان أوامرك؟".
أومأ برأسه إيجابا وكان مستندا الى المكتب القريب محدّقا في كأسه قبل أن يشرب.
هكذا تجري الأمور أذن ؟ وتنهدت جيردا وبقيت الى جانب النافذة , من الغريب حدوث ذلك بسرعة , خاصة إنها سمعت الكثير عن عناد سوزان وسلوكها الجريء , وخاصة أذا طلب أحد منها إلغاء ترتيبات أستعدت من أجلها منذ بعض الوقت.
وأضاف جوردان قائلا:
" أخذها ليون..... أعتقد أننا سنشعر بحرية أكبر , أذا ما بقينا نحن الثلاثة وحدنا".
" هل سيتحقق ذلك؟ " ونظرت الى قدحها إلا أنها لم تشرب شيئا وقالت:
" من هو ليون؟".
" أنه يهتم بستيوارت , أذ يجب أن يرفعه أحد , ويضعه في الكرسي , كما يساعده على أرتداء ملابسه , ويساعده على........".
" نعم , أفهم ذلك , لم يجب علي........".
وأمتلأت عيناها بالدموع وأرتجف فمها وهمست:
" آسفة , لا بد أن الأمر فظيع بالنسبة اليه".
ودفعت بنفسها في مقعدها مدركة مدى خوفها من اللقاء المرتقب مع ستيوارت , ما فائدة ذلك ؟ تساءلت بعجز , لا بد أنها آخر شخص أراد الشاب المقعد رؤيته , لو أنها علمت فقط بخطة جوردان الحبيثة!
" إنك بحاجة الى الشراب , إشربي إذن".
وأذ قامت بحركة آلية محاولة أطاعة أمره , تحرك من مكانه وجلس إلى جانبها.
" هل أنت خائفة من لقاء ستيوارت؟".
سأل بنعومة:
" كلا , لست خائفة من رؤيته , أذا كانت تتضمن كلماتم معنى الخوف من مواجهة شيء مقيت , حين تتلفظ بها بتلك الطريقة".
وحاولت تجنب نظراته المحدقة:
" كلا ليس الأمر كذلك أطلاقا".
" ما هو أذن؟".
" هل من الحكمة لقاؤه ؟ ماذا سينجز ذلك؟ كيف سيساعد اللقاء ستيوارت؟".
وفقدت سيطرتها على نفسها وكادت أن تقترب منه أكثر لتلمسه إلا أنها تحكمت برغبتها.
" جوردان هل أنت واثق من صحة ما تقول ؟ ما حدث كان في الماضي , وليس منالصحيح أعادته الآن , أذ ليس في الإمكان تغيير الماضي".
" كلا , قد لا يكون للقائنا علاقة بما ذكرته , وأعتقد أنني أخبرتك بأنني سأوضح كل شيء هذا المساء , أو هل نسيت؟".
" لم أنس شيئا".
" أذن لا بد أنك توافقينني , حان الوقت لوضع نهاية للأمر".
" نهاية؟".
" نعم".
وتناول يديها وسحبها لتقف الى جواره.
" يبدو أنك غير قادرة على إدراك حقيقة واحدة بسيطة يا جيردا , إنك لا تستطيعين نسيان شيء لم ينته بعد".
وبقي ساكنا , ناظرا الى وجهها الحائر ثم لمس خدها بحنان قائلا:
" تعالي , حان الوقت لآخذك لرؤية ستيوارت".
وأذ رافقها جوردان بصمت الى الجانب الآخر من المنزل , شعرت جيردا بالتوتر في جسمها كله وتساءلت عما ستقوله خلال اللحظات الأولى الصعبة من اللقاء , وفجأة سألت نفسها أذا كان جوردان أخبر ستيوارت عن مجيئها , ولن تستغرب سلوك جوردان وحسّه الغريب بالدعابة لو أنه رتّب الأمر كله كمفاجأة لأخيه.
أرتجفت لسادية الفكرة , كلا , ليس في إمكان جوردان ... ولكن ربما لن يتعرف عليها ستيوارت , أذ مرت ثلاث سنوات منذ أفتراقهما وقد تغيرت هي كثيرا , لكنه سيتعرف عليها بالتأكيد.....
حين توقف جوردان ودفع باب الغرفة ليفتحها , تراجعت جيردا بشكل لا أرادي الى الوراء , شعرت بجفاف حلقها ,, كما لو أن كلمات الترحيب ألتصقت بلثتها , ثم أحست بيد جوردان على كتفها لتدفعها قليلا الى داخل الغرفة , كانت الغرفة كبيرة , والكرسي المتحرك يواجه النافذة , وتبخّرت كلمات الترحيب المهيأة مسبقا إذ لم تتوقع لقاء كهذا.
إستدار ستيوارت وقال بتجهم:
" أستغرقكما القدوم وقتا طويلا , أين كنتما؟".
وظنت للوهلة الأولى أنه يعنيها إلى أن تقدم جوردان خطوة الى الأمام:
" كنت أهتم بصديقتك الغالية , أنك تشجعها على إثارة الإضطراب هنا , والآن , أذا لم يكن بمقدورك أن تكون لطيفا , فكن مهذبا على الأقل".
" ألست مهذبا؟ مرحبا يا جيردا , مضى وقت طويل منذ لقائنا الأخير ".
تخدّرت في مكانها وكان رد فعلها آليا وغير واقعي , قال جوردان:
" أعد لها شرابا , سأراكما في غرفة الطعام".
وأنسحب من الغرفة دون أن ينظر اليها , ووقفت في مكانها ساكنة , لا تعرف ما الذي ستفعله , وألتقت عيناها بعيني ستيوارت الداكنتين.
وخطت الى الأمام , محاولة الأبتسام فقال:
" أوه , كلا , لا تفعلي ذلك أنت أيضا".

نيو فراولة 19-08-11 04:35 PM

وأشار بيديه رافضا وإبتسم لتعبير وجهها المصدوم:
" أنك تشبهين البقية تماما , فلو أنهم لم يروني منذ وقوع الحادث لتجنبوا النظر الى هذا".
وأشار بيده الى الغطاء الحريري الموضوع على ساقيه.
" ولأمتنعوا عن التفكير بساقي المشلولتين ولأجبروا أنفسهم على الأبتسام وسؤالي عن صحبتي , أنهم يثيرون تقززي".
قالت شاعرة بالحرج:
" أنا متأكدة بأنهم لا يعنون ذلك , لن أسألك عن صحتك أذن".
" من الأفضل ألا تفعلي ذلك , أذ أفضّل أن يتجاهلني الناس".
" ألن يكون ذلك قاسيا؟".
وأرادت أن تتساءل عما إذا كان تجاهله سيساعده على نسيان ساقيه المشلولتين , إلا أنها لم تجرؤ على قول ذلك.
" هل ترغبين بالشراب؟".
" كلا , شكرا".
ونظرت إلى الجهة البعيدة من الغرفة , محاولة تمالك أعصابها ومدركة لصعوبة موقفها:
" يا لها من غرفة جميلة !".
" ليست سيئة , هل هذا كل ما تريدين قوله؟".
عضّت على شفتها العليا وقالت:
" لا أعرفماذا أريد قوله أو ما الذي تتوقعه مني , إذ مضى وقت طويل منذ لقائنا الأخير".
" نعم وقت طويل جدا , أتمنى لو تقتربين قليلا , إذ لا أستطيع أنا القدوم بإتجاهك".
منتديات ليلاس
أقتربت منه ببطء , ونظرت اليه عن قرب رغم طريقته السيئة في معاملة الآخرين , كان لا يزال مزاجيا كالعادة , إلا أن المرض لم يغير كثيرا من ملامح وجهه , كان يشبه أخاه الى حد كبير رغم بعض الظلال المحيطة بعينيه , كان كعهده السابق , النسخة الصبيانية غير الناضجة لجوردان , الملامح الناعمة ذاتها , البشرة المخملية والشفة السفلى المكتنزة وكان الشعر هو الأختلاف الوحيد بين الأخوين , فشعر ستيوارت أسود مجعد أضفى على ملامحه نعومة خاصة , إضافة إلى أن عرض كتفي جوردان جعله يبدو كالطفل الى جانبه.
" هذا أحسن , تستطيعين الأقتراب مني وأنت مطمئنة على سلامتك , إذ كما تعلمين ليس بمقدوري ألحاق الأذى بك , حتى لو أردت ذلك".
إبتسمت وأجابته:
" نحن أكبر عمرا الآن وأكثر رزانة من السابق".
أختفى عبوسه ومد إحدى يديه نحوها مضمتها بين يديها :
" ربما كنت أكبر عمرا لكنني لست رزينا وها أنا أدرك الآن مقدار أفتقاري إياك".
" حقا؟ فكرت بك كثيرا , وتساءلت عن وضعك , ووصلت أحيانا الى حد الكتابة اليك , إلا أن الظروف ........".
ونظرت عبر النافذة الى الحديقة , لكنها لم تر الزهور ولا الخضرة المحيطة بها .
" ولم لم تكتبي أذن؟".
لم تجبه فشدّ على يدها بقوة أكبر وتساءل:
" لم لم تأتي لزيارتي في المستشفى؟".
" لم أظن أنك أردت رؤيتي".
وبدا تعبير ساهم على وجهه ثم قال:
" هل حذّرك جوردان من المجيء؟".
" كلا".
وكذبت , إلا أنها لم ترغب بسلوك طريق لا تحمد عاقبته فأضافت:
" بل ظننت أنه من الأفضل الأمتناع عن ذلك".
وصمت مرة أخرى وعلى وجهه سيماء التفكير , إلا أنه أبتسم أخيرا وقال:
" ربما كنت محقة".
فكرت بجوردان وأحست بمرارة الذكرى من جديد , كانت دوافعها خلال تلك الأيام المخيفة تحثّها لآداء الكثير , إلا أنها كانت أبعد ما تكون عن أتخاذ قرار حكيم , والآن أصبح الوقت متأخرا ولم يبق أمامها غير الندم.
قال فجأة :
" هل غفرت لي ما أرتكبته؟".
" بالطبع , سامحتك منذ زمن بعيد أذ أكتشفت أن ليس هناك ما يستدعي الغفران حتى........".
ومرر يده على وجهها قبل أن يقول:
" أنا مسرور لذلك , فقد غفرت أنا أيضا , لك كل شيء".
" هذا يجعلنا متساويين".
وعنت أن تكون كلماتها مرحة , إلا أن وقعها كان مختلفا فقالت :
" أتمنى ......".
بدأت الكلام ثم توقفت هازة رأسها:
" تتمنين لو أن الأمر لم يحدث؟".
" نعم........".
ولم تستطع أخباره أنها تمنت أيضا سماع كلمات الغفران من جوردان أيضا , تنهدت عارفة أن تحقيق ذلك أكثر صعوبة من لمس القمر وأحست بيد ستيوارت تمسد يدها.
" أنني مسرور لمجيئك اليوم".
إبتسمت وتجنبت نظراته , فحاولت تغيير موضوع الحديث بالأشارة الى الحديقة:
" من الرائع مغادرة الحديقة حين يكون الجو جميلا بهذا الشكل , لاحظت أن لا درجات هناك وهكذا تستطيع تمضية معظم وقتك في اخارج حين يكون الجو صحوا".
" نعم , أليس لديك شيء آخر للمقعد؟".
دهشت , أذ لم تسمع حركة الكرسي ونظرت اليه يقترب منها , وبدا في ملامح وجهه الهادىء ما أراده بوضوح , فتقدمت منه وعانقته.
بحركة خرقاء وضع يده حول عنقها وجذبها اليه بكل قوته القديمة .
أرادت في البداية التظاهر بالأستجابة ألا أنها علمت أن كذبها سيؤدي الى جرح مشاعره بعمق أكبر من الصدق فأنسلت بهدوء بعيدا عنه , وقبل أن يحررها لمس بهدوء خديها.
" لم تتغيري أطلاقا يا جيردا , تبدين مختلفة , أكثر ثقة بنفسك وأكثر جمالا , إلا أنك ما زلت في داخلك كالسابق , باردة ومكتفية بذاتك , وخائفة من أطلاق العنان لمشاعرك , هل تعلمين؟".

نيو فراولة 19-08-11 04:36 PM

وأسترخى في مقعده فأحست براحة أكبر , وأستمر قائلا:
" كنت أول فتاة أمتنعت عن الأستسلام لي".
" أن لك طرقك المقنعة".
" إلا أنها لم تنجح معك , هل تعلمين لم عرضت عليك الزواج ؟".
ونظر اليها نظرة جانبية تتذكرها تماما وإبتسم قبل أن يواصل حديثه:
" لأنك كنت البرهان على نجاح الطريقة التقليدية في إجبار الرجل على الزواج".
" هل كان ذلك السبب الوحيد لعرضك الزواج عليّ؟".
" كلا , ليس تماما , رغم أنني جننت للجوئك إلى أستخدام أسلوب قديم لأبتزازي".
" لم أفعل ذلك ".
" ألم تفعلي ذلك ؟ ظننت أن ما قمت به يدل على معنى واحد : تزوجيني أو لا شيء آخر , إلا أنك بقيت الفتاة الوحيدة التي شعرت بأنني مستعد للنظر في وجهها صباح كل يوم طوال حياتي".
" كان هدفك أذن الزواج بشكل دائم؟".
" نعم , وتمنيت دوامه ما دمنا أحياء".
" غير أنني لم أفكر بما قمت به بأعتباره أبتزازا على الأطلاق".
قالت مستعيدة قدرتها على الدفاع.
" كلا , ألا أنك قدتني وراءك كالحمل الوديع ".
وضحك ثم لمس زرا جانبيا موضوعا على جانب المقعد فتحرك بهدوء وصار فجأة الى جانبها , الأمر الذي لم تتوقعه , ثم نظر اليها وقال:
" تعالي سأريك ما أستطيع عمله بهذا المقعد".
وقفت وتبعته الى وسط الغرفة.
" أرى أنك أسرع مني في الوصول ".
" أطار أحيانا سوزان , مدّعيا بأنني سأصدمها , وكنت مرة على وشك ذلك".
" لا يثير ذلك دهشتي ".
قالت جيردا بجفاف ونظرت الى أرضية الغرفة الناعمة , الصقيلة وتخيلت ستيوارت منزلقا بمقعده بسرعة مخيفة يغطي بها أحساسه بالعجز , وكما لو أنه حدس ما تفكر به فقال:
" أنه الجانب السادي في ذاتي , نوع من عقدة التفوق , أذ عليّ أقناع نفسي بقدرتي على السيطرة رغم أصابتي بالعجز".
بقيت جيردا صامتة وتبعته حول الغرفة حتى أقترب في النهاية من الباب الموجود في الجانب الآخر من الغرفة , وأذا أصبح المقعد على مبعدة ثلاث أقدام منه أنفتح الباب آليا ثم أنغلق بهدوء وكادت جيردا أن تنحصر بينه , لولا أنها أستطاعت الأبتعاد في اللحظة الأخيرة.
" آسف , كان علي تحذيرك بأنه باب آلي".
ثم أستدار ليوضح لها بقية الموجودات في الغرفة , مشيرا بيديه الى الأشياء.
" أترين ذلك اللوح الجانبي بجانب الفراش؟ أستطيع بواسطته أدارة الراديو والتلفزيون أضافة الى التدفئة والتبريد والأضاءة , أستطيع فتح النوافذ , سحب المكتبة الصغيرة وأستدعاء ليون أو أحد الخدم".
" معجزة ألكترونية , ما هذا؟".
لمس الزر فأنسحبت الستائر تغطي النوافذ وأصبحت الغرفة مظلمة , إلا أن أحد الأزرار بقي لامعا فقال:
" ثم أختار الضوء الملائم , في الوقت الملائم".
تأملت الشاشة السينمائية , أجهزة التسجيل الضخمة , الباب الجانبي الموضوع بحيث يمكن أستخدامه في غرفتين في آن واحد , والأثاث الفخم والجدران المكسوة بخشب صقيل أضفى على المكان أبهة أنيقة , كل شيء يمكن شراؤه , وضع في غرفة ستيوارت ... ولكن هل يعوّض هذا عن.........؟".
وراقبها قبل أن يعلق بمرارة:
" سخرية القدر... أليس كذلك؟".
تجاهلت تعليقه وقالت:
" بذل أحدهم جهدا كبيرا لأنجاز هذا العمل ".
" كل شيء تحت سيطرتي , تم كل ذلك تحت رعاية وأهتمام أخي الكبير".
" هل قام بكل ذلك؟".
وأغمضت عينيها أذ أنطفأت الأنوار وأنفتحت النوافذ لتسمح بدخول أشعة الشمس.
" نعم , وجاء معه خبيران ساعداه على أتمام كل شيء , ولم ينسوا شيئا بأستثناء عكازين أستخدمهما بدلا من الساقين".
عاد الى الغرفة وتوجه نحو النافذة منتظرا أياها لتلحق به , وبدا في أنتظار أن تعلق على شيء ما , فقالت أخيرا ببطء:
" أليس في مستطاعهم عمل شيء؟".
" من أجلي؟".
أومأت برأسها أيجابا وتساءلت فيما أذا كان سؤالها حكيما.
" كلا , تم أجراء كل شيء من أجلي , عمليت متواصلة , علاج طبيعي وحتى العلاج بالأعشاب , وكان الجواب واحدا : ( الأعصاب ميتة ولا فائدة من أصلاح العطب ) الى أن حدث شيء في العام الماضي.....".
وتوقف ستيوارت ليشعل سيجارة , وسحب نفاضة السجائر حتى قبل أن تستطيع رؤيتها لتجلبها له:
" في العام الماضي , سمع جوردان عن أخصائي ألماني له خبرة كبيرة في الموضوع فذهبنا الى ألمانيا لرؤية الأخصائي".
وحين لاحظت تردده قالت:
" ثم...؟".
بدا على وجه ستيوارت ألم المعاناة ومرت وهلة قبل أن يجيبها:
" أظن بأنه كان أول من منحني القليل من الأمل , كان مستعدا لأجراء العملية , إلا أن نسبة النجاح لم تكن حتى خمسين بالمائة , بل الثلث فقط".
" ولم لم توافق؟".
" هل تظنين أنني أحمق , خاصة بعد أن وضع الأخصائي بعض المحاذير حين قال قد أسير ثانية ولكن بمساعدة عكازين , أضافة الى أنني سأعاني من عدم القدرة على التوازن , أنها مجرد أحتمالات , قد أصاب بذلك وقد تنجح العملية".
" ولكن أجراء أي عملية يحمل ضمنا بعض الخطر , أتذكر ما حدث حين كانت والدتي مريضة وبدت الدنيا مظلمة في عيني , إلا أنها في صحة جيدة الآن وهي أسعد مما كانت عليه طوال حياتها".
" بلا شك ". ثم تنهد قائلا: " ولكن حالتي مختلفة , لقد كان علي الأختيار , أذ حذّرني بأنني قد أموت أثناء العملية ..... فهل تقبلين المخاطرة لو كنت مكاني؟".
" لا أدري".

نيو فراولة 19-08-11 04:38 PM

قالت مدركة معنى حيرته المعذية وكررت:
" لا أدري , أعتقد أنني ...... نعم أعتقد أن المحاولة تستحق التجربة ".
ونظرت في أتجاه مغاير متجنبة النظر اليه.
" كلا شكرا , لم ترد مني والدتي المخاطرة , رغم رغبة جوردان وكان هذا كافيا لأقناعي , أذ يبدو سهلا عليه الحديث عني بأعتباري الحي الميت , إلا أنه ينسى دائما بأنه ليس المعاني والمختار لمصيره , وهذا ساعدني على أن أقدر الحياة رغم عجزي".
ثم أضاف ببطء:
" حتى العام الماضي , كانت حياتي جحيما , وحاولت قدر أمكاني تحويل حياة المحيطين بي الى جحيم أيضا , ولكن بعد الرحلة الى ألمانيا , وبعد تفكيري مليا قررت أختيار الحياة , ثم أنني قادر من مكاني هذا على تحريك بعض الأحداث والأشخاص , وها أنا أستعيدك من جديد".
" أنك تشبه محرك الدمى على المسرح".
" هل هذا صحيح ؟ آمل ذلك رغم علمي جيدا بأن المحرك الأصلي هو , يا عزيزتي جيردا , الأخ الأكبر جوردان".
منتديات ليلاس
وصمتت حين أدركت أستعادته للأحساس بالمرارة كلما تحدث عن أخيه جوردان , وتذكرت ما أحست به حين لتقت بهما لأول مرة ولاحظت وجود بعض سوء التفاهم بينهما , أذ فكّرت بأنه أحساس طبيعي بين الأخوةخاصة أذا كان الأخ الكبير قاسيا ومتشددا بينما الأخ الصغير مدلل وغير ملتزم بأي نظام حياتي , لكنها.......
وأحست بالأرتياح حين فتح الباب ودخل جوردان , ألا أن ستيوارت لم يشاركها أحساسها بل أستدار لينظر الى جوردان بقامته الفارعة , مرتديا بدلة سوداء أنيقة وقال بتجهم:
" ماذا تريد ؟ كنا على ما يرام , ولسنا بحاجة الى أشرافك".
" حان وقت العشاء , ألا يهمك الأمر؟".
ولم يبد تأثر لخشونة ستيوارت وربما توصل بمرور الوقت الى حماية نفسه باللجوء الى الصير من نزوات الأخ المقعد , مهما تكن الأسباب أبدى جوردان هدوءا وصبرا , وتعجبت لذلك خاصة بعد تذكرها سلوكه معها , وبقيت مهمومة تفكر بذلك , رغم سيرها الى جوارهما , متوجهين الى غرفة الطعام.
وكان الجو هادئا , مشحونا بعواطف حاول الجميع أخفاءها , عدا ذلك كانت وجبة الطعام جيدة , فقدمت مدبرة المنزل حساء الخضار اللذيذ , وتركت لهم على الطاولة أنواعا مختلفة من السلطة واللحم المشوي.
وكان سلوك جوردان مهذبا طوال العشاء , وباردا أو هذا ما بدا لجيردا على الأقل , رغم ذلك أحست بالأضطراب أكثر مما لو كان سلوكه عدائيا , أما ستيوارت فلم يهتم بمتابعة الحديث معها , وأثبت ذلك عدم تغيّره كثيرا عن السابق أذ بقي مزاجيا , لا يستطيع أخفاء مشاعره أذا ما آذاه شيء ما أو أزعجه أحد الحاضرين مهما كان السبب ضئيلا , وأحست ببعض الراحة حين رمى ستيوارت منشفة الطعام على صينية الطعام المجاورة وقال مخاطبا جوردان:
" كان عليك أعلامي بالأمر في وقت أبكر".
" أعلامك بماذا؟".
" بترتيبك العطلة نهاية الأسبوع ومجيء جيردا".
" أخبرتك بالأمر الليلة الماضية , أليس هذا مبكرا ما فيه الكفاية ؟".
وحافظ جوردان على هدوئه مناولا جيردا بعض الحلوى , ومحاولا في الوقت نفسه تناول كمية أكبر.
" عليك تناولها مع القشطة الطازجة , هل تريد بعض الحلوى يا ستيوارت؟".
" كلا , شكرا , أنك ذو أعصاب هادئة حقا , أذ لم ترني وجهك طوال الستة أسابيع الأخيرة , وحتى لم تتصل هاتفيا , وها أنت تأتي فجأة مع جيردا , لم لم تخبرني؟".
" أنا نفسي لم أعرف ذلك".
فكرت جيردا بأنها , هي أيضا , لم تعلم عن مجيئها ألا عند الظهيرة وأحست بالغضب ينتابها , لا بد أنه قرر الليلة الماضية , وكان واثقا تماما من قبولها المجيء , ربما لأدراكه بأنه كان يحمل في يده سوط التهديد , وواصل ستيوارت المجادلة:
" وما كان ليخطر ببالك أن سوزان أعدت ترتيبا آخر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع".
" نعم خطر ببالي ذلك , لذلك لا تتعب نفسك بتغيير أي شيء أذ أننا سنشاركك فيما سيجري , أما إذا أحسست بالضيق فسأذهب مع جيردا الى المدينة غدا صباحا وسنناقش أعمالنا هناك".
" أعمال ؟ أي أعمال؟".
وبدا ستيوارت مصدوما :
" عقد جديد , أذ تعمل جيردا مع جنيفر فولدز الآن".
نظر ستيوارت الى كليهما نظرات أتهام وقال:
" لم تخبرني بذلك , وكل ما فكرت به أنك ألتقيت بها صدفة ثم طلبت منها المجيء أستعادة لذكرى الأيام الماضية".
" فكرتك خاطئة أذن".
" يبدو بأنني المخطىء دائما , هل أستشرت......".
" رجاء توقف عن المجادلة , بحق السماء , ليس في نيتي أفساد عطلتك , ولو أنني علمت......".
وضع جوردان بده على ركبتها القريبة منه والمغطاة بشرشف الطاولة :
" دعني أحسم الأمر بنفسي , أذ أنك لم تفسدي شيئا و........".
" عزيزتي لم أعنيك بما قلته أطلاقا".
قاطع ستيوارت جوردان الذي قال:
" أتمنى لو أنك تخبرنا بما تريده , وسنحل الأشكال , هل تريد منا مغادرة المكان وتركك لتمتع نفسك؟"

نيو فراولة 19-08-11 04:40 PM

وشدّ جوردان على ركبة جيردا بقوة ثم تركها .
" لو أنك جلبتها لمناقشة العقد فقط فلا يهمني بقاؤكما , أذ سيصل الضيوف غدا صباحا وسنتوجه الى ضفة النهر , لنشرب ونتناول الغداء .
" سنشارككم الحفلة أذن".
فقاطعه ستيوارت قائلا:
" وحقيبة أعمالك بيدك؟".
أختار جوردان تجاهل الملاحظة الأخيرة , إلا أن جيردا لم تستطع إيقاف نفسها عن التفكير بيوم الغد , وأنتابها أحساس غريب بالشفقة على جوردان , من الواضح أنه قام بكل شيء أنساني من أجل أخيه لينسيه أحساسه بالعجز ..... لكنه من الواضح أيضا أن ستيوارت يحاول أستغلال ذلك الى أقصى حد ممكن , وخلال اليوم التالي بدا واضحا لها أن ستيوارت لا يستغل ذلك الى أقصى حد ممكن , وخلال اليوم التالي بدا واضحا لها أن ستيوارت لا يستغل أخاه فحسب بل يستغل مشاعر وعطف المحيطين به كلهم.
ولم تجد جيردا كلمة تصف بها سلوك ستيوارت يوم الأحد وبعد تجمّع المدعوين , غير كلمة ( الحاكم ) كان صوته أعلى من أصوات البقية وشخصيته هي المسيطرة , وله وحده كان حق مقاطعة الآخرين أو أثارة موضوع جديد للنقاش , وأذا ما أنتاب ستيوارت الضجر سارع الحاضرون الى ركوب سياراتهم متوجهين الى مكان آخر وحين قرر ستيوارت فجأة أن من الأفضل لعب الورق , عاد الكل معه الى البيت ولعبوا الورق.
لم تستطع جيردا لعب الورق خاصة أنها لم تمارس اللعبة طوال حياتها , وبدا ما تعرفه عن اللعبة نكتة طريفة الى جانب الحضور الملتف حول ستيوارت.
أقترحت سوزان مخاطبة جيردا:
" أجلسي جانبا وراقبي كيفية اللعب لبعض الوقت".
ثم جلست الى جانب ستيوارت لتهتم بتلبية طلباته وتزويده بما يحتاجه من سجائر , منفضة سجائر , قداحة , ثم سألته:
" هل ترغب بسماع شريط التسجيل الجديد؟".
" يا لها من فكرة جيدة , ودعي جيردا تجلس الى جانبي أذ سأشاركها اللعب الى أن تتعلم بعض القواعد الأساسية , هل يهتم ليون بالحاضرين؟".
وأدّى ليون واجبه كاملا , أذ كان يدور بين الحاضرين يوزع عليهم الشراب والسجائر ملبيا طلباتهم بسرعة وأتقان.
كان ليون أصغر من جيردا عمرا , خلافا لما توقعته , هادئا أشقر الشعر ونحيفا بشكل لا يوازي قوته , حين لاحظته وهو يرفع ستيوارت من مقعده الى السيارة بكل سهولة , وباشر ليون عمله مع ستيوارت منذ عامين كمساعد ومعالج طبيعي , ويبدو أنهما تحولا الى صديقين بمرور الوقت , ألا أن ما حيّر جيردا أكثر من أي شيء آخر هو وجود سوزان , أذا كان موقفها غريبا حيال الآخوين , بدت ملتصقة بستيوارت , تعرض عليه خدماتها في كل لحظة ولا تفارقه أطلاقا , أما مع جوردان فيبدو أنها , وبمرور الوقت , توصلت الى تناسي جدالهما الحاد وأختلافهما في اليوم السابق وأستطاعت , ذات مرة , الأنفراد به لتسأله نصيحته أو رأيه أو ربما مناصرته أياها في قضية ما , وحكمت جيردا أستنادا الى تعابير وجهها , بفشلها في أثارة أهتمامه وأقناعه بما أرادت ثم لجأ جوردان للتخلص منها الى أسلوبه اللامبالي , واللاغي لحضور الشخص الآخر , ولجأت سوزان الى الهدوء بعد ذلك , جالسة الى جوار ستيوارت , المنطرح تحت الشمس للراحة إلا أن سوزان أستعادت هدوءها وطبيعتها الأجتماعية بعد قليل , وعادت الى لاعبي الورق لمشاركتهم اللعبة دون أن تحمل حقدا على جوردان.
وكان جوردان وستيوارت آخر اللاعبين أذ كان ستيوارت يلعب لصالح جيردا , ونهضت سوزان من مكانها متوجهة نحو جوردان ووقفت خلفه متطلعة في الوقت نفسه الى ورقة لعبه , وبدا على وجهها الفرح وأقتربت بوجهها منه حتى لمست أذنه شفتيها وهمست شيئا ما , إلا أن جوردان لم يتأثر أطلاقا بحركاتها وبقي في وضعه ذاته وكأنه لم يحس بوجودها أطلاقا , فقال ستيوارت لجيردا معقبا:
" خلال لحظة واحدة سيستدير ويكسر عنقها , يا لها من فتاة حمقاء خيفة خاصة أنها تحاول أشعارنا بقيمة أوراقه".
نظر الى وجه أخيه وعبس قائلا:
" أكشف عن ورقك".
ثم وضع أوراقه على الطاولة , قائلا لسوزان :
" شكرا يا عزيزتي لولاك ما فزت".
إلا أن سوزان خاطبت جوردان قائلة:
" ولكننا الفائزان أليس كذلك ؟ ألم أجلب لك الحظ السعيد؟".
" حقا ؟ من الأفضل ترك المكان لك , في أستطاعتك الجلوس محلي ".
ووضع يديه على كتفها بشكل لم تستطع معه إلا أطاعة أمره وأضاف :
" لا أعتقد أن وجود جيردا ضروري , أذ أنها ليست لاعبة ماهرة".
ثم وضع يديه على كتفيها , فقال ستيوارت:
" هل ستنصرفان؟".
فأجابه جوردان:
" نعم".
ولم يتطرق اليه الشك لحظة في مدى موافقة جيردا على قراره بالمغادرة بأنتظارها حتى نهضت وتمنت للحاضرين ليلة سعيدة.
نظرت جيردا الى جوردان دون أن تنطق بشيء , وأحست بأزدرائها لنفسها أذ وافقته على طلبه بسهولة.
" فكرت بأنني سأنقذك من الجلسة بعد أن لاحظت عدم تمتعك".
" هل تمتعت؟".
" كلا".
أعترفت فورا.
" حسنا جدا , أذ أنني أكره رؤية النساء يلعبن الورق".
إلا أنها أعترضت قائلة:
" ولكنها كانت لعبة ودية".
وتبعته الى مكتبه.

نيو فراولة 19-08-11 04:42 PM

" كلا , لم تكن كذلك , أذ سيواصل الحاضرون اللعب حتى الصباح خاسرين أثناء ذلك مئات الجنيهات , هل كنت مستعدة للخسارة؟".
" وكأنك أنقذتني من جحيم مقامرة يجري في بيتك".
لم أنقذك من شيء يا عزيزتي , كل ما في الأمر أنني رغبت في الحديث معك".
وعاودها الأحساس بالخوف مرة أخرى , وراقبته وهو يهيء لها قدح العصير المثلج , ولم تستطع منع نفسها من الأرتجاف بعد أن وضع القدح بين يديها , ونظرت الى وجهه متسائلة :
" العقد؟".
" فيما بعد".
وفتح علبة سجائره المعدة له خصيصا في مورلاندز , وعرض عليها واحدة , حين هزت رأسها رافضة , أغلق العلبة دون أن يتناول أيا منها , ونظر الى كأسه مفكرا قبل أن يتأملها بحدة:
" ما هو رأيك في مجموعة ستيوارت؟".
وجمدت لوهلة دون أن تجرؤ على الأجابة على السؤال غير المتوقع .
" إنهم , إنهم...... لا بأس بهم .... صحبة ممتعة أذا كنت ترغب بالمتعة".
" ألم يثيروا أهتمامك؟".
" لم أقل ذلك , لم تسألني ؟ أذ لا داعي لأبداء رأي في أصدقاء ستيوارت".
تلفّظت بذلك بعد أن أحست بأن السؤال لم يكن عرضيا , ولا مجرد فاتحة للحديث.
" أردت معرفة رأيك ".
" ولكن لماذا رأيي أنا؟".
تجاهل جوردان حيرتها , ووضع كأسه على الطاولة , مما أحدث ضجة هزت هدوء الغرفة.
" ما رأيك بسوزان؟".
وأنتابتها الدهشة مضاعفة هذه المرة , ولكن مع أحساس غريب بالتحذير.
" ما الذي تريد الوصل اليه يا جوردان ؟ يبدو كأنك تريد الحصول على رأي يثبت صحة بعض الشكوك".
" أنني لا أوجه الأسئلة لغرض المتعة , لكنني , بالتأكيد , لست بحاجة الى ما يثبت صحة رأيي".
وأثار قلقها شيء بدا واضحا في عينيه , وخطرت في ذهنها فكرة مفاجئة كادت أن تدفعها الى التقيؤ , ترى ما الذي أكتشفه؟ هل أخبره ستيوارت؟ ولكن ذلك مستحيل : وماذا عن ستيوارت؟
" كان علي طرح السؤال بصيغة أخرى لأعرف أنطباعك عن علاقة ستيوارت بسوزان".
" يبدو أنها مولعة به , ولكن كيف أستطيع الحكم خلال يوم واحد؟".
وترددت مثل سائر يحاول تلمّس طريقه في الظلمة.
" ثم ماذا هناك للحكم ؟ ستيوارت شاب وبحاجة الى صحبة شابة مثلها , أذ لا بد أنه يعاني من الوحدة المخيفة".
" نعم , لكنه ليس بحاجة الى سوزان".
" أنك لا تودها , أليس كذلك؟".
" أن تأثيرها عليه سيء , وأسوأ بكثير من تأثير أمي عليه".
وصدمت جيردا للهجته فقالت:
" أنك لا تعني ما تقول : أذ لا وجود لأي تأثير سيء على ستيوارت ".
" ماذا ؟ أنظري الى ما يحدث كل نهاية عطلة أسبوع حين يكتظ المنزل بهؤلاء الشباب المجانين , ومعظم الأسبوع أحيانا , أنهم يشربون ويقامرون وسوزان أول من يشجعهم".
" إلا أنه بحاجة الى الصحبة , ثم إنه كان دائما......".
" نعم , واصلي حديثك وقولي ما خطر ببالك , كان متهورا دائما , إلا أنه كان قادرا على أستخدام ساقيه في تلك الأيام , ولم يكن يعاني من نوبات الكآبة المؤدية الى الأنتحار كلما ترك وحده , أتعلمين بأنه حاول الأنتحار مرتين ؟ هل تعتقدين أن لهذا تأثير جيدا عليه؟".
" كلا".
أستنكرت جيردا بقوة ثم وضعت كأسا جانبا بعض أن لاحظت أرتجاف يديها.
" ولكن هل أنت واثق من صحة أتهامك لسوزان ؟ خاصة أنك تتهمني بخذلان أخيك؟".
" أظن بأنك تعرفين رأيي بصدد هذا الموضوع ولا أود مناقشته من جديد".
لمحت النظرة القاسية في عينيه وأقشعر جسمها خوفا من عاقبة أنتقامه, كلا , ليست مخاوفها وهمية , أذ تجسّد خوفها حقيقة واقعة في وجهه الغاضب.
منتديات ليلاس
وقف الى جانب المنضدة ثم أستند بيد واحدة على رف الكتب وأظهرت حركته البسيطة مقدار أكثر من أي أستعراض متعمد للقوى.
" ستتزوج سوزان ستيوارت غدا أذا ما رغب هو بذلك ولن يهمها كثيرا حقيقة كونه مقعدا".
وأحست جيردا بالضعف يسري في جسمها فجأة , وبدت لها فكرة زواج ستيوارت من أي فتاة , غريبة , إلا أنها فكرت ثانية ولم تجد سببا يدعوها للأستغراب , أذ سمعت الكثير عن حالات زواج تمت بين المقعدين , زواج تم على أساس الفهم المتبادل والحب المشترك , وأمتلاك القوة للأنتصار على العاهات , إلا أن سوزان ..... هزت جيردا رأسها بلا تعمد , أنها تعرف القليل عن سوزان , إلا أن هذا القليل فيه الكفاية ليقنعها أن سوزان لا تملك الصبر والثبات للأستمرار بزواج موضوعة أمامه العقبات مسبقا , أنها شابة , وطائشة , مندفعة وتشبه بذلك ستيوارت الى حد كبير , نظرت بخوف الى وجه جوردان وتساءلت:
" هل ستتدخل بينهما ؟ حتى ولو كانا يحبان بعضهما؟".
" أتدخل ؟ بالتأكيد سأتدخل وسأمنع الزواج حتى ولو كان آخر شيء سأفعله في حياتي , أنه أسوأ ما يمكن أن يحدث لستيوارت ".
" ولكن , هل أنت متأكد بأنه سيحدث؟".
" نعم , رغم أن ستيوارت أتخذ موقف صحيحا حتى الآن برفضه الزواج , إلا أنه سيستسلم في النهاية , وسيندم فيما بعد كما ستندم هي لذلك ".
" وكيف تستطيع التنبؤ بفشل زواجهما مسبقا؟".
" كفى هراء , أنها مجرد طفلة , طفلة مدللة..... أستحوذ عليها وهم اسيطرة عليه وجعله معتمدا عليها في كل شيء , أستخدمي مخيلتك , هذا أذا كنت تمتلكين أي مخيلة".
قال بأحتقار مقاطعا نفسه ثم واصل الحديث:
" على ستيوارت مواجهة الواقع , ولن يستطيع ذلك ما دامت هناك فتاة مجنونة تقنعه بأن في مستطاعها الأنعزال عن العالم والعيش في أرض المستحيل , أذ بناء على رأي سوزان نحن جميعا مقعدون روحيا وما الجسد إلا غلاف لا أهمية له , أنها مجنونة , ويجب أن أوقفها عند حدها".
" ألست عدائيا بلا مبرر ؟ كيف تستطيع الحكم بجنونها ؟ كيف تستطيع رؤية العالم والحكم عليه بدلا من ستيوارت ؟ أنه في حاجة الى وجود شخص يساعده على الثبات , أنه عالم مختلف بالنسبة اليه , كيف تثق الى هذا الحد بأن سوزان ليست قادرة على أسعاده ؟ ليس في مستطاعك أبعادها عنه..... ومن القسوة.......".
" أنك تبدين أهتماما فائقا بوضعه , فجأة , وأنا مسرور لتأثرك , أذ سيجعل هذا الأمور أسهل".
" أسهل ؟ ماذا تعني؟".
أبتسم وأستقام في مكانه ثم سار ليقف الى جوارها , متفحصا وجهها عن قرب قبل أن يقول:
" أن عطلة نهاية الأسبوع هذه نوع من تجربة أردت أجراءها , وأعتقد بأن التجربة ناجحة".
توقف , مراقبا أياها وكأنه رأى تحت بشرتها خضوعها السهل لقوته , فواصل حديثه متعمدا:
" أردت أن أرى أذا كان ستيوارت لا يزال مهتما بك , راقبته طوال اليوم عن قرب وأعتقد بأنك ما زلت مفضلة لديه , قد يكون أهتمامه مجرد أعتزاز بماض أحبه أو بوجه جديد إلا أنني لا أعتقد ذلك صحيحا , أن أخي كان مولعا بك منذ سنوات وضحّى بحياته بسبب ذلك ولا أعتقد أنه نسيك ..... هل نسيت أنت؟".
مدت يديها بأستسلام , عاجزة عن الصراخ وأنكار ما قاله خوفا من الحقيقة , تذكرت ستيوارت ومحاولته عناقها في اليوم السابق وكيف فشلت في تحمّله , وأحست بالمصيدة تلتف حولها ولم تجد طريقة للهرب.....
" وهكذا يا عزيزتي جيردا , عليك الآن التكفير عن خطاياك".
" التكفير . عن ماذا؟".
" ستحلين محل سوزان , قلت قبل قليل أن ستيوارت بحاجة الى صحبة فتاة , فلم لا تكونين أنت الفتاة؟".
فصرخت فجأة :
" لكنني , لكنني لا أستطيع .... كيف أستطيع ذلك؟".
" أنك حرة الآن وتمثلين الحل الأفضل".
" كلا........"
ورفعت يدها لتحاول أسكاته مدركة بأنه لن يحس بالرحمة أتجاهها .
" نعم , وأذا صح ما سمعته بأنك تزوجت من بليز شفقة به.. فم لا تتزوجين أخي؟".
" هل تعني..... تعني بأن علي الزواج من ستيوارت؟".
" هذا بالضبط مت أعنيه!".
ومدت يدها الى عنقها أذ أحست بالأختناق.
" لكنني لا أحبه..... أنه ليس .......".
" حب؟".
وبدا الأحتقار واضحا في عينيه:
" ما أهمية الحب في مسألة كهذه".
أنكمشت في مكانها وقالت بصوت عال:
" أنك مجنون".
" كلا يا عزيزتي جيردا , قد أكون حاملا للعديد من الصفات السيئة , إلا أن الحنون ليس واحدا منها".

نيو فراولة 19-08-11 04:43 PM

راقبها للحظة واحدة ثم قال:
" ولم لا تعترفين بالأمر ؟ إنك تزوجت من بليز مانستون لسببين : أولا لأحساسك بالشفقة وثانيا لأنه ساعدك على الخلاص من تعاستك بعد أنتهاء علاقتك بستيوارت".
" كلا , كلا ليس هذا صحيحا".
" أو على الأقل أليس منافيا لصحة ما حدث".
وفجأة أنتابها أحساس يوجوب مغادرة مكانها , ودون أن تشعر بنفسها أندفعت عبر الغرفة الى النافذة , كانت السماء ذات لون فضي غامق يشير الى ليلة صيف صاحية ولاحظت وجود بعوضة تحاول الأنطلاق بعيدا عن الغرفة وبدت كأنها ترمز الى وجودها ويأسها في مكان لا ترغب البقاء فيه , قالت بصوت خفيض:
" كيف تستطيع أقتراح ما قلته بأعصاب باردة ؟ وذلك لخوفك من إتمام زواج لا توافق عليك".
" أن أستخدامك تهمة القسوة أمر غريب من قبلك , وكلمة ( الحب ) تبدو فارغة أذا أستخدمتها , أخبريني ما هو معنى الحب الذي تتلفظين به وتقدرينه الى هذا الحد؟".
" لن تصغي الي أذا ما أخبرتك , وإذا أصغيت فلن تفهم بالتأكيد ".
" كم هو صحيح ما تقولينه".
وخطا بهدوء ليقف وراءها فأرتجفت لأحساسها بوجوده قريبا الى ذلك الحد:
" أنت تشبهين غالبية بنات جنسك الرافضات مواجهة الواقع وخاصة مواجهة ما يسمى ( الحب ) أنك تتحدثين عن الثقة والفهم والمشاركة بينما تعنين , طوال الوقت , حب الذات , تنشد النساء الحب ثم يبكين أذا ما لحقهن الأذى بسببه , لأن ما يرغبن فيه فعلا هو الأستحواذ على الرجل بينما يخدعن أنفسهن بتوهم العطاء".
" أنك لا أنساني".
" كلا , كلا ما أقوم به هو مواجهة الحقائق ولا أدع العاطفة تعميني عن حقيقة الناس".
وأمسك بكتفيها ثم لمس شعرها بهدوء :
" هذا هو الوهم الكبير الخادع للنساء أيتها المدعية الصغيرة , أنهن يتخيلن العيون المسدلة والوعود الكاذبة بالوفاء الأبدي , ثم لا يعترفن ؟ لم لا يعترفن بأن ما يرغبن فيه هو التملك؟".
وشد من قبضته على كتفيها ثم همس في أذنها:
" هذا هو ملخّص الحكاية , الرغبة والأخذ ولكن في الوقت نفسه , التظاهر بأنه عطاء".
نجحت في التحرر من سيطرته وقالت:
" إنني أحتقرك , إنك قاس , إنك......".
" عليك إذن الشعور بالأمتنان لأنك لن تتزوجيني".
" لن أتزوجك أبدا , كما لن تنجح في أجباري على الزواج من أي شخص آخر".
" كلا , لن أستطيع أجبارك".
ودفعها شيء ما في صوته للأستدارة ومواجهته:
" كلا , إنه مناف للعقل".
" لدي سببان وجيهان لقبولك ما أريد".
" سببان ؟ لا أعرف ما الذي تتحدث عنه , أو كلا".
وطغى عليها الخوف الى حد أنها شكت بسلامة عقلها.
" أتعني , أنني أذا ما قبلت الخضوع لمخططك , أذا ما وافقت على تنفيذ فكرتك..... الفكرة المستحيلة....... إذا ما وافقتك فستوقع العقد؟".
" شيء من هذا القبيل , هذا إذا ما وافق ستيوارت بالطبع".
" أنك وحش وتحاول إبتزازي".
" أنه أبتزاز أخلاقي يا عزيزتي جيردا , محاولة لأنقاذ شخص عزيز كما أعتقد".
" أنها محاولة لا أخلاقية".
هز كتفيه دون أن يبدو عليه التأثر لأتهامها:
" أعتقد بأنك مدينة لستيوارت".
هزت رأسها محاولة طرد الكابوس المحيط بحياتها , وخلال الضباب نظرت الى وجهه القاسي وقالت:
" أعتقد بأنك تعني ما تقول فعلا".
" أنني لا ألفظ عادة أشياء لا أعنيها , وأعتقد أنك تعرفينني جيدا من هذه الناحية".
" لا أعتقد بأنني سأكون قادرة على فهمك أو معرفة سبب كراهيتك , أنك لا تفعل هذا من أجل ستيوارت , كل ما تحاوله هو أرضاء جوع غريب في ذاخلك , ولكن لماذا؟".
" لا تكوني عاطفية , الخيار متروك لك , فكري بالأمر , ولكت تذكري بأنني قد أكون قادرا على الأنتظار ولكنني لا أزن جينغرفولدز قادرة على ذلك".
ووقف وأشعرها طوله بالخوف من قوته , وحدقت في وجهه بصمت وحاولت التحرك من مكانها , وبدا لها أن المسافة بينها وبين الباب طويلة , ولم تلحظ أقترابه منها ومساعدته أياها على السير والخروج من الباب , وإذ أجتازته بقيت كلماته الأخيرة ترن في رأسها مرات ومرات , وتذكرت شيئا غفلت عنه في البداية فتوقفت في مكانها وقالت:
" قلت بأن لديك سببين , ما هو السبب الآخر؟".
أبتسم وتراجع بخفة الى الوراء قائلا:
" ذلك شيء سألجأ الى أستخدامه فيما بعد".

حلا الكويت 20-08-11 02:35 AM

الله يعطيك العافيه ..ننطر التكمله ...

نيو فراولة 20-08-11 03:25 PM

4- حافة الهاوية



حين عادت جيردا الى الشقة بعد الساعة العاشرة من صبيحة يوم الأثنين , كان هواء الشقة خانقا, فوضعت حقيبتها جانبا ووقفت في منتصف الغرفة متسائلة عن خطوتها التالية , عليها أولا الأتصال بالسيدة ساندرز أو المستشفى لتعرف آخر الأخبار عن هوارد , ثم عليها بعد ذلك التوجه الى المكتب مباشرة.
آه , ما الذي عليها عمله؟
وتحوّل كل شيء , في صمت الشقة الى حقيقة مخيفة.
ورنت في ذهنها من جديد أقتراحات جوردان , رغم نجاحها في الهرب منها طوال رحلة العودة , كلا , لم يكن جديا أذ ليس في أستطاعتها الأرتباط بستيوارت , لأنه زواج محكوم عليه بالفشل مسبقا.
ومن الغريب أن جوردان لم يشر أطلاقا الى الموضوع طول طريق العودة , بل أنه , في الحقيقة لم يتحدث معها إلا بما هو ضروري , كما حاول قدر أمكانه تجنب أثارة ما حدث بينهما في الليلة الماضية , وبدا وكأنه ألغى الفكرة , إلا أنها كانت تعرف جيدا بأنه كان في أنتظار جوابها , أذا أتم خطوته الأولى وهو على أستعداد لأتخاذ الخطوة التالية....
منتديات ليلاس
وحين وصلا البناية , لم يتحرك من مقعده في السيارة معتذرا لحاجته الى الأنصراف بسرعة أذ عليه الوفاء بموعد في المدينة , وأكتفى بمناولتها حقيبتها وأبتسم في وجهها أبتسامة عبرت عن كل ما أراد قوله ثم قال بصوت مرتفع:
" أرجو أن نلتقي قريبا".
ماذا عليها فعله؟
وتمنت لو أن هوارد أستعاد صحته بأعجوبة وعاد الى تحمل مسؤولياته في الشركة والأهتمام بالعقد , إلا أن أمنيتها تلاشت عند نهاية يوم الأثنين التعس.
كانت صحة هوارد كالسابق تدعو الى القلق , ولم ينصح أحد بالسماح له بمغادرة المستشفى فورا , كما حذّرها الطبيب بأنه سيكون في حاجة الى فترة نقاهة طويلة بعد أن يسمح له بمغادرة فراش المرض.
" لا أظن بأنه سيكون قادرا على العودة الى المكتب قبل مرور شهرين".
قال ميرك متناولا كأس شايه ظهيرة يوم الأثنين وأضاف :
" أتمنى لو كان معنا اليوم".
وألتقط ميكروفون جهاز التسجيل الصغير وحاول أملاء شيء , ثم غيّر رأيه , ووضعه جانبا , مخاطبا جيردا:
" أن مشكلة هوارد الأساسية هي أنه أحتفظ بالكثير من المعلومات في رأسه".
تنهدت جيردا قبل أن تقول:
" أعتاد القول بأنه لم يكن بحاجة لأي شيء مكتوب بأستثناء الأرقام والتواقيع , وأن مصافحة اليد أفضل من أي شيء آخر".
" إنه لمن الرائع التظاهر بالكمال ولكن كيف نستطيع معرفة ما كان يدور في ذهنه ؟ ها هي أوراق منتصف العام الحالي وتقارير السوق المالية ناقصة .... ما الذي أراد عمله بصددها ؟ أن الأمر سيختلف أذا حصلنا على فان لورن".
بقيت جيردا صامتة , فأسترخى ميرك في مقعده وتمطى:
" بالتأكيد تنتهي متاعبنا عند توقيع العقد , لكنني سأكون ممتنا تماما أذا ما رأيت هوارد يدخل المكتب الآن ".
ألن يكونوا ممتنين جميعا ؟ تساءلت جيردا بتعاسة , وتبادر الى ذهنها شيء قاله والدها منذ فترة طويلة , كان من الخطر لأي شركة منح رجل واحد كافة الصلاحيات , وكان ذلك أساس المتاعب في جيرنغفولدز حيث كان هوارد هو جيرنغفولدز , كان رمز الثقة وكان مشهورا بأتخاذه الموقف الصحيح في الوقت الملائم ولولا مرضه وأندماج فان لورن بونتفوردز , لجرى كل شيء على ما يرام.
وتذكرت كيف نظر اليها , تلك الأمسية , حين زارته بتفاؤل آلمها وجعلها تنسى ما وعدته من تبريرات لرفض المضي في الأهتمام بالعقد , لم تستطع أخباره أنها أمضت نهاية الأسبوع في منزل جوردان وأنها ناقشت العقد معه , كما لم تستطع حتى أخباره أنها ألتقت بجوردان .
قبّلته وهزت رأسها بأسف :
" آسفة , أملت أن أبلغك بعض الأخبار اليوم , ولكن لا شيء جديدا".
وبذل هوارد جهدا كبيرا ليخفي خيبة أمله بمس يدها وقال :
" لا داعي للقلق يا عزيزتي , أعلم بأنك تحاولين جهدك وأعتقد بأنك رائعة , لذلك حاولي ألا تيأسي ".
وأبتسم مضيفا :
" لأنني لا أشعر باليأس ".
لكنها كانت تعلم , رغم تظاهره بأرتفاع المعنويات , مدى خيبته وأحست بثقل في قلبها خاصة بعد أن تركته عائدة الى شقتهاووحدتها .
وأذ دخلت فراشها , متعبة الى حد لا يصدق ولكن مدركة في الوقت نفسه صعوبة الأخلاد الى النوم , أحست بأنها على حافة هاوية .
لماذا يجب أن تكون حياة ومصائر العديد من الناس تحت رحمة جوردان بلاك ؟ لماذا أختار رمي حجر كبير في بحيرة حياتهم ووقف جانبا ليراقب ما سيحدث من أضطراب على سطح الماء , أضطراب في حياتها وحياة هوارد وحياة كل العاملين في الشركة ؟ ولماذا أختارها هي بالذات لتكون مركز الثقل ؟
حدقت في الظلمة ولم تجد جوابا غير كآبة قلبها , لو كانت هناك فائدة في تكرارها لنفسها مدى كراهيتها لجوردان بلاك ! الكراهية , كراهيته لها...... وكراهيتها له ...... الكراهية تحيط بها في ظلمة الليل , ودفنت وجهها في الوسادة ثم تصلّبت فجأة أذ سمعت رنين الهاتف في الصالة.

وتسارعت دقات قلبها , من ؟ في منتصف الليل؟
جوردان؟
قامت مسرعة , أشعلت المصباح متحاشية التفكير , ولكن ربما كان هوارد......؟ أوه , كلا , كلا........
توجهت الى الهاتف بعد أن لفت نفسها بغطاء السرير , وخشيت توقف الهاتف عن الرنين قبل الوصول اليه.
" آلو , جيردا ؟ هل أيقظتك؟".
منتديات ليلاس
وأحست بأرتياح كبير حالما تعرفت على صوت ستيوارت , وأحست بضعف كاد أن يدفعها الى الإغماء فجلست على الكرسي المجاور للهاتف , وأذ لم تستطع الأجابة , هتف ستيوارت قائلا :
" هل أنت هناك جيردا ؟ هل أنت بخير ؟".
" نعم , لحظة واحدة رجاء".
وأحاطت نفسها بالغطاء جيدا .
" لم أتوقع أتصالك بي , وأذ سمعت الرنين ظننت أنها قد تكون أخبارا سيئة عن هوارد دوريل , أذ أنه مريض جدا".
" آسف , لا بد أنني أيقظتك من نومك".
وتنهّد بصوت مسموع :
" لم أستطع النوم وكنت أفكر بك , لذلك قررت الأتصال ". وأحست بالأسترخاء , حتى أنها أحست بالمتعة بعد ألم المعاناة , فقالت : " في الحقيقة لم أكن نائمة أنا أيضا".
" هل أنت متعبة؟".
" كلا ".
" غالبا ما أتصل بسوزان ليلا لنتحدث ساعات طويلة , أذ من الرائع الأتصال هاتفيا حين يكون الآخرون نائمين ولا أحد يقاطعك لكنني أردت التحدث اليك الليلة".
وتوقف بأنتظار تعليقها , إلا أن صمتها دفعه لمواصلة الحديث:
" كان غريبا لقاؤك من جديد , ولم يتم اللقاء كما توقعت".
" ما الذي توقعته؟".
" لا أدري , هل تمتعت بعطلة نهاية الأسبوع ؟".
" نعم ".
قالت كاذبة .
" هل تريدين المجيء مرة أخرى ؟".
" نعم , أذا أردت ذلك ". ثم أضافت بعد تردد : " إذا .......".
" أذا كان جوردان هنا؟".
قاطعها بحدة ثم بأقتراح بديل :
" أو أذا لم يكن جوردان هنا؟".
" ألا يقضي عطلة نهاية الأسبوع دائما في المنزل ؟".
" جوردان ؟ كلا , أنه يكره رؤية صحبتي , جيردا؟".
" نعم , ".
" متى عدت الى مدار جوردان؟".
ودلّت نبرته على شك عميق .

نيو فراولة 20-08-11 03:26 PM

" لا أستطيع القول بأنني عدت , أذ ألتقيت به لأول مرة , في الأسبوع الماضي , ألم يخبرك بنفسه ؟".
" أخبرني , ليلة الجمعة , بأنه كان يتعشى مع حبيبتي السابقة".
الحبيبة السابقة ! هل هي من كلمات جوردان أن ستيوارت؟".
" ألتقينا مرة واحدة وكان الغرض مناقشة بعض الأعمال".
" ذلك العقد ؟ أستغرق توقيعه فترة طويلة , أليس كذلك؟".
أغلقت عينيها , من هو المتلاعب بالوقت . لم تجبه فقال :
" ما هي لعبته؟".
" لا أدري , هل لديه لعبة معينة؟".
" بالتأكيد , لا يقوم جوردان بشيء بدون سبب".
ومن يعرف جوردان أحسن من أخيه ؟ وتساءلت إذا ما كان ستيوارت يعرف كل شيء , إلا أنها قررت , بعد لحظة تفكير , عدم أحتمال أطلاعه على الخبر , أذ غادرت المكان مع جوردان صبيحة يوم الأثنين بعد توديع ستيوارت شبه النائم في حينه.
" جيردا؟".
" نعم.....".
وأتخذت وضعا مريحا أكثر أذ أنها مدّت قدميها على الكرسي المجاور .
" غالبا ما تساءلت ....... رغم أنه لم يخطر ببالي إلا بعد الحادث".
" ماذا؟".
" هل كانت هناك علاقة ما بينك وبين جوردان؟".
ولا بد أنه سمعها تتنهد إذ قال بحدة:
" نعم كانت هناك : لا أدري لماذا كنت أعمى , فطوال الوقت كان السبب هو أخي ولم أعرف أنا شيئا , كما لم يفتح فمه بشيء , حسنا......".
ثم بدأ ستيوارت الضحك بسخرية مريرة.
وجمدت في مكانها , صامتة , ودعاه الصمت للتساؤل:
" هل ما زلت هناك ؟".
" نعم".
وأجبرت نفسها على الأجابة .
" إلا أنك مخطىء , لم يكن لجوردان لحظة فراغ يهتم فيها بي أو حتى.......".
" جيردا , لا حاجة لخوفك الآن , ألا تعلمين بأننا كنا نصادق أحيانا فتاة واحدة ؟ إلا أن جوردان لم يكن جادا بأمر الفتيات , وعلى أي حال".
لم يكن الأمر مفاجئا , إلا أن الطعنة كانت باردة .
" بأستثناء ديانا بالطبع ".
" ديانا؟ هل هي خطيبته؟".
" كلا , إنها لم ترغب بذلك , إلا أنها ستكون محظوظة أذ نجحت".
" آه , لم أكن أعرف ذلك".
" بالطبع , نسيت غيابك عنا فترة طويلة , أن لجوردان علاقة بديانا بدأت في العام الماضي ". ثم أضاف بخبث : " أنها فتاة طيبة أذا كنت راغبة في الفتيات الأيطاليات ابدينات ".
" هل هي بريطانية؟".
" كلا بل أنكليزية , إلا أنني أعتقد أنها بحاجة الى درس منك في أخضاع الرجل لسيطرتها".
وبدا أن ظلال الغرفة المظلمة أقتربت منها أكثر , أرتجفت وأحست بقلبها يغوص بين أضلاعها , ثم سمعت الصوت من جديد :
" بلا تعليق؟".
" بلا تعليق".
أجابت بكسل.
" أصبت بالخيبة".
" صحيح ؟ ستيوارت أن الوقت متأخر جدا وأحس بالبرودة , هل تنزعج إذا....".
" باردة ؟ في ليلة دافئة كهذه؟ لا بد أنك.......".
" نعم, الجو دافىء , لكنني يجب أن أنام إذ علي الذهاب للعمل غدا , هل تستطيع النوم الآن؟".
" سأحاول , هل ستأتين لزيارتي قريا؟".
" أذا رغبت في ذلك".
أجابت بأرهاق.
" لا بد أنك متعبة فعلا , أنك حرة الآن حتى الغد , ليلة سعيدة ".
وكانت تلك الليلة بداية أتصالاته الهاتفية الليلية بها.
منتديات ليلاس
وبدا وكأنه يستعيد راحته خلال حديثه معها وغالبا ما دار حديثه عن أصدقاء هم مجرد أسماء بالنسبة اليها وعن سوزان وليون وجوردان أحيانا .
لم تستطع ألغاء المكالمات التلفونية رغم أحساسها بالتعب الشديد عند منتصف الليل , أذ فكرت بأن تعبها لا يهم ما دامت تساعد ستيوارت على قضاء لياليه الوحيدة , كما لم تستطع رفض دعوة ستيوارت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع المقبل في منزله , وبدا لها غريبا أن الدعوة صادرة عن ستيوارت وليس بموافقة جوردان , ولن تتم بحضوره حسب ما علمت من ستيوارت , ولم يكن ستيوارت أكثر خبرة مما أعتقدت , بل كان جاهلا بمخطط أخيه لجيردا , ما الذي سيقوله ستيوارت أذا علم بخطة جوردان ؟ صحيح أن لستيوارت أخطاءه إلا أنه لم يكن خبيثا , قد يدفعه الخوف الى التهجّم , وهذا شعور أنساني وطبيعي , ولن يعمد لذلك بدونه.
ربما لم تكن قسوة جوردان ضرورية , فكرت جيردا بمرارة , أذ أكتشفت أن تعاستها ومشاعرها قد تقودها الى التضحية برغباتها, لماذا يجب محاربة قدرها المظلم ؟ يبدو أن قدرها مرسوم منذ زمن بعيد حين ستتحطم سعادة مستقبلها وتنتهي حياة من تحبهم , لقد فقدت أولا والديها المحبين ثم بليز وحنى ستيوارت الذي أحبته بطريقة تختلف عما أراده , وهوارد من تدين له بالأخلاص والمودة , وفوق ذلك طغى شبح جوردان بلاك.
لم يستطع رجل واحد أمتلاك قوة تحطيم حياتها , أو منحها السعادة ؟ وإذا أستعادت ما جرى في السنوات الأربع الأخيرة تساءلت هل كان في مقدورها سلوك سبيل آخر , هل كان بأمكانها التصرف بطريقة أخرى ؟ لماذا لم تستطع حتى الآن , الأستدارة وترك كل شيء خلفها؟
ثم تتوجه الى مكان آخر , أي مكان , حيث لا تعرف أحدا ولا تحاول النسيان؟

نيو فراولة 20-08-11 03:28 PM

بحلول يوم الخميس , كان هناك بعض التحسن في صحة هوارد , وسمح له لأول مرة بالجلوس فترة قصيؤة , وأحس ميرك بفرح غامر , وقال بحماسة شديدة.
" سنستعيده بيننا خلال فترة قصيرة جدا".
إلا أن جيردا كانت أعلم بما يجري , أنها واصلت زيارته في المستشفى وواصلت الأستماع الى تحذيرات الأطباء له , الذين حذروها من أن التوتر والأرهاق سيشكلان خطرا على صحته بعد أصابته بضعف القلب وسيمر وقت طويل قبل أن يستطيع هوارد مواصلة حياته الطبيعية , هذا إذا نجح في ذلك , لكنها أحتفظت بمخاوفها لنفسها , وكل ما عملته هو محاولتها تسليته ورفع معنوياته قدر الأمكان وأبعاده عن المشاكل والقلق.
وأنتابتها أحيانا الرغبة في الإتصال بجوردان والتوسل اليه كي يلين مهما كانت العملية مهينة لها إلا أن أحساسها بالمرارة منعها , الى جانب خوفها من الفشل , في مثل تلك اللحظات أنتابها غضب جامح لحضور ميرك السلبي , الذي أكتفى بمتابعة الأعمال اليومية مكررا بأن لا سبيل لمنع حدوث ما هو مقدر حدوثه , لم يكن قلقا ولعل هذا سبب عدم حصوله على مركز هوارد.
ومن الغريب أنها أحست بالضياع حين حلّ منتصف ليلة الخميس دون أن يتصل بها ستيوارت , فبررت سلوكه بأنه , ضجر من المحادثات الليلية وأنه أكتشف ألا ضرورة لها , أو لعلّه ظنّ أن لا داعي للأتصال بها ما دامت ستقضي عطلة نهاية الأسبوع معه , لذلك دهشت حين رنّ الهاتف فجأة في الوقت الذي أستعدت فيه لدخول الفراش.
" سأجلب معي بعض الحبوب المنوّمة".
قالت مباشرة حالما أمسكت بسماعة الهاتف , فأجابها جوردان :
" أنني لا أحتاجها أطلاقا".
دهشت فقال :
" من الذي توقعت مخاطبته؟".
" ستيوارت".
وأنتظرت تعليقه.
" فهمت بأنه كان على أتصال بك وأنك قادمة لزيارته غدا".
" نعم".
" حسن جدا , لم أتوقع أن أكون بلا عمل إلا أنني سأمر بك عند منتصف النهار".
" لا داعي لذلك أذ رتبت كل شيء , سأذهب بواسطة القطار وسينتظرني ليون قرب المحطة".
" سآخذك معي , أنه يوم مزعج للسفر بواسطة القطار خاصة أننا نمر بموسم العطل الآن ".
" لا يزعجني ذلك و.........".
" أن الوقت متأخر للمجادلة , سأمر عليك منتصف نهار الغد وسنتغدى سوية في طريق الذهاب , الى اللقاء".
وأنهى الأتصال الهاتفي قبل أن تعترض تاركا إياها محدقة بسماعة الهاتف , أثار الترتيب غضبها حتى اليوم التالي حين وصل في الوقت المحدد ودخل الى الصالة مباشرة:
" أتريد سيجارة؟".
" كلا شكرا".
ولم تكن مهيأة تماما أذ أحست برغبة في تأخير رحلتها معه فنظفت أرضية المطبخ عدة مرات وتفقدت أن كل شيء بمكانه.
وأذ دخلت المطبخ ثانية سألها:
" وماذا عن الموقد الغازي؟".
" لقد أطفأته".
ودخلت الى غرفة النوم لتأخذ سترتها , ثم حملت حقيبتها ووقفت في أنتظاره , إلا أنه تمهّل في مكانه وقال :
" نسيت النافذة مفتوحة ".
وبحركة واحدة قام بما كانت على وشك القيام به عند وصوله , ثم نظر اليها والى الشقة المرتبة:
" لا يبدو عليك الفرح , هل أن فكرة الزواج من أخي لا تزال تزعجك؟".
" ليس الأمر مضحكا , وأعتقد بأنني أوضحت موقفي بصدد الموضوع , هل نغادر الآن ؟".
" لحظة واحدة ".

وببرود تفحّص وجهها وعينيها الجريئتين الرافضتين دائما للتخاذل تحت قوة نظراته.
" أعرف جيدا بأنك تحتقرينني , وأنك تظنين بأنني قاس ومخادع إلا أنني أرغب في تذكيرك بشيئين , أولهما مهم جدا بالنسبة اليك , ولا أعرف بالضبط لماذا تعلقين هذه الأهمية الكبيرة على جيرنغفولدز والعقد , أن رؤسائي في الشركة يثقون بي الى حد معقول فقط وأشك كثيرا بأنهم سيمهلونني فترة طويلة , وكل ما أستطيع التفكير به تبريرا لموقفك هو وجود علاقة معينة بينك وبين هوارد دوريل , المعرّض للأفلاس أذا ما خسر العقد , هل تربط بينكما علاقة ما؟".
" لا علاقة لك بالأمر أطلاقا ".
" كلا , ولكن معرفة ذلك سيوضح الكثير من الأمور".
" هل هناك شيء يتطلب التوضيح؟".
سألت ببرود ثم أضافت :
" لم لا تعترف بأن شروطك واضحة وقجّة؟".
" كلا , أذ أن الجانب الأخلاقي غير واضح".
" أخلاقي أنها آخر ما يمكن أستخدامها لوصف مخططك".
" كل ما تفكرين به هو وجهة نظرك وموقفك بصدد القضايا المهمة لك ".
وألقى نظرة سريعة على ساعته :
" بينما أفكر أنا بأخي وتهمني جدا حالته ".
" أتساءل فيما لو كان هناك شخص أو شيء يهمك فعلا".
وأنحنت لتحمل حقيبتها لكنه خطا الى الأمام بسرعة وسحبها من يدها فتركت الحقيبة حالا مخافة أن تلمس يديه.
" ما الذي تريد قوله؟".
" أريد أن أقول : تقع عليك مسؤولية ثقيلة أتجاه أخي ولا تحاولي أبدا نسيان ذلك ".
" وهل ستترك لي فرصة النسيان؟".
" كلا".
ثم وضع يده على كتفها قبل أن يقول :
" هناك شيء آخر......".
ووقفت صامتة , رافضة النظر اليه , محاولة أن تنهي المحادثة عند ذلك الحد , قبل أن يرسخ حضوره ذكريات مؤسفة في شقتها.
" لا تحاولي أثارة أهتمام أخي , ثم تحطيمه بعد ذلك , أذا فعلت ذلك , أقسم بأنني سأجعلك تأسفين كل لحظة".
فتح الباب وأنتظر منها المغادرة أولا ثم حرص على أغلاق الباب وقفله , وبدون أن يتفوّه بأي كلمة صاحبها الى خارج البناية , وأذ برزا سوية , كان الجو صحوا والشمس مشرقة إلا أن جيردا أحست ببرودة غريبة رغم حرارة الشمس , ثم فتحت باب السيارة.
تركها جوردان لحظة وصولهما مباشرة الى غرين ريغ ومضى بعض الوقت قبل أكتشافها عودته الى المدينة , وقال ستيوارت معلقا:
" أتمنى أن يأتي غدا أذ أعددت مفاجأة له".
دمدمت شيئا ما دون أن تسمع , حقيقة , النصف الثاني من ملاحظته , لماذا أصرّ جوردان على القدوم معها ؟ هل تكبّد مشقة المجيء الى شقتها ومن ثم أصطحابه لها الى غرين ريغ لمجرد أعطائها الأنذار الأخير بصدد أخيه وزواجها منه؟
وأذ تذكرت أن ستيوارت ينتظر جوابها , هزت كتفيها فلاحظت تقطيبته.
" ماذا جرى؟".
أجابته بسؤال آخر :
" لا شيء , ماذا يمكن أن يحدث؟".
" هذا ما أنا أسألك عنه يا عزيزتي".
ومدّ يده نحو أناء يحتوي أنواع الفاكهة وأختار خوخة كبيرة قدّمها لها ثم أختار واحدة أخرى لنفسه.
" نظراتك توحي بالشعور بالذنب".
وكادت أن تسقط الخوخة من يديها , إلا أنها أمسكتها بقوة وقضمت جزءا منها :
" أنني قلقة , كنت أفكر بهوارد وأشياء أخرى.....".
نظر ستيوارت اليها بثبات وبدا كأنه يزن الخوخة :
" هل هذا صحيح ؟ أشعر بأنني خبير بقراءة تعابير الوجه وماذا تخفي".
" وألتقط سكينا فضيا وأزال نواة االخوخة.
" ولدي المتسع من الوقت للتفكير والممارسة , لنأخذ جوردان مثلا ".
توقف عن الكلام وأدركت مدى فشلها في أخفاء مشاعرها.
" كان المفروض أن يلتقي جوردان برجل أعمال مهم خلال اليوم أذ سيتوقف الرجل في لندن عدة ساعات فقط في طريقه من أميركا الى بروكسل وميونيخ , وبسبب هذه الشخصية الهامة تخلى جوردان عن وعده لديانا بقضاء العطلة معها في أحد الأماكن القريبة من نهر التايمس وكانت ديانا تعاني من الصدمة وتحاول جهدها أعتصار بعض الدموع.... يا لها من مسكينة , إلا أنها كسرت أحد أظافرها وهي تقشر البصل".
" ستيوارت , أنك مخلوق بائس بلا قلب , ولكلماتك نبرة فتاة غيورة".
ضحكت جيردا آملة أن تحوّل الجملة الأخيرة عن موضوع أخيه وأضافت :
" أخجل من نفسك".
" كلا , ما عملته هو أنني كررت كلمات سوزان في وصف ديانا , وفي الحقيقة ديانا وسوزان صديقتان مخلصتان وأعتقد بأنك ستكونين الثالثة ".
" بلا شك هل لاحظت العصير على قميصك".
" لا يهم ". وأبتلع ستيوارت آخر الخوخة وأضاف : " بناء على ذلك , لم يضيع جوردان صباح يومه الثمين في أصطحابك الى هنا؟".
" لا أدري , إذ أخبرته الليلة الماضية ألا داعي لأزعاج نفسه".
" آه , خمنت وجود شيء خفيّ , أذن كنت معه الليلة الماضية".
وظهرت على وجهه سيماء أنتصار خبيث.
" كنت أعلم بأنه يخدعني , محاولا أقناعي بأنك ظهرت فجأة ...... يريد أن يعيدك اليّ , لماذا ؟ ماذا يجري حولي؟".
" أنك تتخيل الأشياء".
" كلا , أدركت ذلك في نهاية الأسبوع الماضي , وأنا متأكد الآن".

نيو فراولة 20-08-11 03:32 PM

وتحوّل تعبيره من شبه الجد الى الشك.
" إصغي الي يا جيردا , لمدة ثلاث سنوات , لم تكوني أنت موجودة بالنسبة الى جوردان , ثم ها أنت هنا فجأة , وتبدين مذعورة حتى من ظلك أحيانا والشعور بالذنب يجثم على صدرك أحيانا أخرى , بينما يبدو أخي وكأنه يحسب كل خطوة بعناية".
ودار ستيوارت بكرسيه حتى أصبح على مقربة منها , وكانت الحركة الهادئة خلفها مثيرة للأضطراب , فمسحت أصابعها في عصبية بمنديلها :
" أخبرتك من قبل بالحقيقة , أنني لم ألتق بجوردان إلا قبل أسبوعين".
لم يبد على ستيوارت أنه أصغى الى كلماتها وعضّ فجأة على شفتيه ونظر اليها بحدة:
" أنك لم تخبريه بما حدث , أليس كذلك ؟".
" كلا , لم أخبره أبدا".
" شكرا لذلك وإلا لدفعت الثمن غاليا , أعتقد بأننا نجحنا في أخفاء الحقيقة عنه...... ولكن جوردان......"وضغط بيده على جبينه:
" كانت الأيام التالية للحادث مثيرة للأضطراب , وأذا حاول أستعادة أحداثها لا أجدني أذكر الكثير , كل ما تذكرته هو وجوب عدم معرفة أحد بالسر فيما عدانا".
تنهدت قائلة بهدوء:
" أنس الموضوع , أذ لا أحد بعرف سوانا الآن".
كان ستيوارت صامتا ووشّى وجهه بالتأمل ثم قال أخيرا:
" لم نكن حسني السلوك معك , أليس كذلك؟".
ونهضت عن مقعدها وسارت عبر الغرفة لتلقي نظرة على لوحة موضوعة فوق الخزانة الجانبية , ثم سألت:
" نعم , أنها مزعجة".
" لا أعتقد ذلك".
وتفحصت عن قرب ما بدا لها سطحا رمليا ومهجورا عند الغروب , كان للبحر سطح أحمر ضبابي هادىء , وأحاط اللوحة جو يشير الى الموت.
" هل توجب عليك رسم اللوحة أثناء الجزر وأحتشاد الساحل بالأوساخ؟".
وتوقفت عن الحديث حين رأت فجأة الأشكال المخيفة في اللوحة:
" متى رسمت اللوحة؟ أنها مخيفة".
" هل تستهجنين وجود الجماجم؟".
وكان الرضى واضحا في صوته كما لو أن صدمتها أرضت رغبة دفينة في أعماقه وقال :
" رسمت اللوحة خلال تأثري بلوحات دالي , وقبل أن أكتشف أنني لم أكن موهوبا في الرسم , إلا أنها مجرد بداية".
" أعتقد أنك تتمتع بصدم مشاعر الناس".
" إنه واحد من الأشياء القليلة التي تركت لي لأتمتع بها , هل تريدين شرابا؟".
" نعم رجاء".
وخلط كأسين من الشراب لهما وأضاف بعض الثلج الى قدح جيردا ثم قال:
" حسنا , أقتربي وتناولي كأسك , وقولي شكرا بالطريقة المناسبة".
" هل تعني أن عليّ دفع الثمن؟".
أجابته بثبات محدقة في اليد الممسكة برسغها.
" أليس هذا جزءا من الخطة؟".
وحرّر يدها وأبتسم بسخرية مضيفا : " إذ أنني لست غبيا كما تعلمين ".
" لا أعتقد أنك غبي أطلاقا ".
وتراجعت الى مقعدها حيث جلست , وسألت:
" أين سوزان وليون؟".
" ذهبا الى أيست بورن".
" ألا تشعر بالغيرة ؟ في حال نشوء علاقة بينهما".
أضافت بعجل , خائفة أن يسيء تفسير قولها :
" كلا , أطلاقا أذ أن سوزان ملك لي".
منتديات ليلاس
تناولت قليلا من شرابها , واعية لتوترها متسائلة عن مدى تحملها لضغوط ستيوارت , قد يكون قاسيا مثل جوردان وهذا ما يمنح جوردان الحق بالقل على أخيه , رغم أنها جادلته بشدة في المرة السابقة , ودافعت عن موقف ستيوارت نحو الحياة , إلا أنها غيّرت رأيها الآن ....... إذ لاحظت أن عجزه أحاله الى شخص محروم يعاني بأستمرار ويراقب الآخرين بطريقة تدفعه الى الرغبة بأملاء رغباته عليهم , في أمكانه فهم حالته بالتأكيد إلا أن أحساسه الحاقد كان مثيرا لأضطرابها , ولأول مرة أكتشفت قبولها وجهة نظر جوردان بأن نظرة ستيوارت الى الحياة غير صحيحة".
" وها نحن نعود الى مناقشة موقفك , ترى هل أكتشفت بعد هذه السنوات أنني أعني شيئا لك ؟ أو أنك النهاية الحادة للتأسفات؟".
وتولد في داخلها أقتناع مخيف بأنه يعرف خطة جوردان.
" توقفي عن التظاهر يا عزيزتي , لم لا تعترفين بأنك مستخدمة لغرض تمهيد الطريق لخطوة أكبر؟".
وعذبها أحساسها بالذنب وحدقت في وجه الشاب الساخر متسائلة عن أفضل حل للتخلص من موقفها في الخلاف بين الأخوين , ألا أن ستيوارت لم يزعج نفسه بأنتظار جوابها بل قال بمرارة:
" أن الأمر واضح تماما , يأمل جوردان بنجاحك حيث فشل هو ".
" ولكن كيف فشل؟".
" أن لجوردان شخصيته المسيطرة , ويحب أدارة حياة الآخرين , ويشبه في ذلك والدنا , أنه قاس وصعب المعاشرة ويحمل بين يديه دائما صلاحية أدارة الأمور المالية ....... وتوقف ستيوارت عن الحديث فجأة , ثم توجه بكرسيه الى مكان قرب النافذة حيث تطلع الى خضرة الحديقة , وفضحت ملامحه غضبه الشديد.
" لماذا يجب أن أكون معتمدا عليه ؟ أتمنى أحيانا لو أنني لم أولد لو لم تكن والدتي ضعيفة الشخصية لما كنت في حالتي هذه , آه أرجو أن تذهبي وتتركيني وحدي , لا أريدك , لا أريد رؤية أحد".
وصدمتها فجائية الكلمات فوقفت مدهوشة , إلا أن رؤيتها لرأسه المنكس على حافة الكرسي بألم جعلها تشعر بشفقة لا حد لها أنستها مخاوفها ويأسها فركضت اليه وجلست الى جانسبه"
" ستيوارت ....." , ومدت يدها نحوه :" ما هذا ؟ ألا تستطيع أخباري؟ أنك لا تعني فعلا ما قلته , أنا متأكدة بأن جوردان ....... هل أنت متأكد.....؟".
وتوقفت عاجز عن التوضيح أكثر , باحثة عن تفسير لما قاله.
" أنها الحقيقة , إلا أنك لا تريدين سماع كل شيء".
" إذا كان سيساعدك ويشعرك بالراحة, فحدثني أذن وإذا كان الأمر عكس ذلك فسأتركك وحدك".
" كلا".
وأمسك بيدها , وشدّها بقوة الى صدره :
" لا تبتعدي عني ثانية , لم أشعر بأهمية الأمر قبل الحادث , أذا كانت علاقتي بجوردان حسنة , فنحن لم نحاول الألتقاء دائما وأكتفينا بتبادل المجاملات دون أثارة بعضنا , ولم أكن بحاجة الى الأعتماد عليه , أشعلي لي سيجارة رجاء".
قال هذا في محاولة لأستعادة هدوئه وتجنب النظر مباشرة اليها.
" حدث أن والديّ أفترقا حين كان جوردان طفلا , لن أخبرك كل التفاصيل السيئة بل سأكتفي بالقول أن والدي كان قاسيا , متجهما بينما كانت والدتي ضعيفة وحنونة ولم يستطيعا العيش سوية , وهذا سيساعدك على فهم الأختلاف بيني وبين جوردان .
منتديات ليلاس
بعد ذهاب أمي تولى والدي تربية جوردان بطريقة خاصة , وأرسله الى أحدى المدارس حيث كان عليه النهوض عند منتصف الليل لكسر الثلج وإذابته قبل الأغتسال والأصغاء لأنواع الأهانات قبل تناول الأفطار .
لكن والدتي عادت للعيش مع الوالد حين كان جوردان في الرابعة عشرة من عمره وكنت أنا النتيجة , ويفسّر ذلك أختلاف العمر بيننا , أننا نعود الى قطبين مختلفين , وأعتقد بأنني كنت محظوظا أذ تغيّر والدي قليلا بعد ولادتي وأصبحت معاملته أقل قسوة من السابق , لذلك لم أعان من قسوة المعاملة التي تلقاها جوردان".
" لا بد أنك كنت صغيرا حين توفي والدك".
" توفي اليوم التالي لعيد ميلادي العاشر , وأذكر بأنني غضبت لأنه رفض شراء بندقية لي , ثم ندم في اليوم التالي ووعدني بشرائها , كان ذلك في الصباح الباكر , وتوفي الوالد مساء".
وهز ستيوارت كتفيه مضيفا:
" وتحمل جوردان مسؤولية إدارة الأعمال مباشرة وكان مركز والدي ملائما تماما لجوردان الذي أحتل مكانه في كل شيء بشكل طبيعي".
قالت جيردا معلقة بنعومة:
" كان لا بد من وجود أحد يتحمّل المسؤولية , ولم يكن هناك أحد غير جوردان".
وبقي ستيوارت متوترا , فأحست بالحاج الى التوضيح أكثر , رغم كراهيتها لأتخاذ موقف مؤيد لجوردان:
" قد تجد أن كل شيء صعب الآن , ولكن بالنسبة الى جوردان , فحاول الحكم عليه بنزاهة , فهو قام بكل شيء يستطيع أنسان القيام به من أجلك".
" آه , نعم , أقر بذلك , ولكن لماذا لا يدعني أنجز الأشياء بطريقتي أنا ؟ ما الذي يفعله ؟ أنه يأتي دائما للتنكيد عليّ , لينتقد أصدقائي , أنه قاس في سلوكه نحو سوزان , يلقي علي المحاضرات حول السلوك الحسن , ويصرخ متشكيا أذا ما أستلم قائمة مصروفاتي , ما الذي يتوقع مني عمله؟".
لم تعلق جيردا بشيء , أذ لم تجد شيئا تقوله , لأنها وجدت أم كلا الأخوين محقان ومخطئان في الوقت نفسه , إلا أنها لم تجد حلا ملائما.... بأستثناء....
" جيردا , أنا في أنتظار رأيك".
ونظر اليها مبتسما.
" هل أنت بأنتزار معجزة تحل كل مشاكلك؟".
" كلا , بل في أنتظار حديثك الحيوي المقنع".
" حديث حيوي ؟ ماذا تعني؟".
" لا تتظاهري بالبراءة , أعرف أن مجيئك تم بترتيب من جوردان آملا أن يعيد أليّ حيويتي وشعلة الحياة في داخلي , أن تحاولي أقناعي بأجراء العملية في ألمانيا , أليس ذلك صحيحا؟".
منتديات ليلاس
كان قريبا من الحقيقة وأمتلكها أحساس بذكر كل شيء له , إلا أنها نجحت أخيرا في التخلص من ذلك الأغراء , إذ ليس في مستطاعها إحداث قطيعة أكبر بين الأخوين , مهما كانت الأسباب الداعية لذلك , ثم أن ستيوارت كان مخطئا في شكوكه , قد يكون جوردان مغاليا في سلوكه إلا أنه كان بالتأكيد مهتما بستيوارت الى حد لا يمكن أنكاره , الى حد أنه كان مستعدا لتحطيم حياتها وحياة آخرين من أجل إعادة الأمل الى أخيه , وأحست بالكآبة تنتابها إذ لم تجد سوى هذا الجواب تتلفظ به:
" كلا , ستيوارت , أن حكمك خاطىء , لم يذكر جوردان كلمة واحد عن إجرائك العملية , قبولك أو رفضك أياها , وأقسم بذلك".
" لكنه سيثير الموضوع".
هزت رأسها مرة أخرى , عاجزة عن هز شكوكه رغم جوابها المقنع .
" حسنا , إذا ما ناقش الموضوع معك فأنني لا أرغب بسماع أي شيء عنه وخاصة منك يا جيردا , أنها حياتي وليس لأحد الحق بتوجيهي غلى ما أفعله أو لا أفعله , هل تفهمين؟".
أومأت أيجابيا وساد بينهما الصمت للحظات قصيرة , ثم أستدار بكرسيه متوجها الى المكتب الصغير حيث فتح أحد الأدراج وتناول منه قنينة حبوب فتحها , ثم ألتهم حبتين في آن واحد.
" ما هي هذه الحبوب؟".
سألت لأنها أحست بالحاجة الى كسر طوق الصمت حولهما أكثر من أحساسها بالفضول .
" حين يبدو العالم مظلما , تساعدني الحبوب على تحمله .... جيردا .....".
" نعم ".
وأستدارت نحوه وأحست بالخوف لمرأى نظرته المؤلمة وإذ مد يده نحوها لم تجد أمامها غير الرضوخ لطلبه وأمسكت يده محاولة الأبتسام في الوقت نفسه.
" حاول الأبتسام يا ستيوارت , وإلا أتهموني بالأساءة اليك إذا ما عادوا ووجدوك في هذه الحالة".
" أنهم يعرفون مزاجي أحسن منك يا عزيزتي , هل أنت متأكدة أن جوردان لا يستخدمك في أحدى لعبه؟".
" ليجبرك على تغيير رأيك ؟؟ كلا , لم أعرف بالموضوع حتى أخبرتني".
ولا بد أن شيئا ما في نظراتها الثابتة أقنعه , إذ أومأ برأسه رغم ألحاحه يسؤال جديد:
" ولكنك توافقينه الرأي , أليس كذلك؟".
" نعم , ولا أعدك بأنني لن أحاول أقناعك بأعادة التفكير في المسألة ".
وحدّق في وجهها لفترة طويلة كما لو رغب في أكتشاف الحقيقة في ملامحها , ثم قال:
" هل سيهمك ما سيحدث لي؟".
" بالطبع يهمني الأمر , لا تزال حياتك أمامك وعليك ألا تيأس ويجي ألا تضيّع حياتك".
" أذن أنت تؤمنين فعلا بوجود معجزة قريبة؟".
" كلا , لا أؤمن بوجود معجزة , بل أؤمن بوجود الأمل".
تنهّد بعمق ومس يدها بحنان:
" جيردا , لا تتركيني مرة أخرى رجاء , عديني بالبقاء".

نيو فراولة 24-08-11 08:39 PM

5- الصباح يجلب الغيوم




عادت سوزان وليون بعد فترة قصيرة بالبضائع , بعدما تسوقا في أيست بورن.
كان ترحيب ليون بجيردا وديا , إلا أن سوزان أبدت وبوضوح شكوكها بصدد الزيارة ولم تبذل أي جهد لأخفاء مشاعرها , كانت سوزان صغيرة الجسم , ترتدي بنطالا أخضر وقميصا مزينا بورود صغيرة وسيطرت على جو المكان كله طوال فترة العشاء وتجاهلت حضور جيردا كلية , إلا أن ستيوارت بدا في مزاج أفضل , لذلك صارعت جيردا رغبتها في اللجوء الى السكوت طوال الوقت وحاولت ألا تظهر ألمها حين أجتمعوا بعد العشاء في شقة ستيوارت للأستماع الى الأسطوانات الجديدة التي أشترتها سوزان في أيست بورن.
أطفأ ليون بعض الأضواء ومع بدء الموسيقى تخلت سوزان عن تظاهرها الكاذب بالمرح , فركنت الى الصمت لفترة طويلة , مستلقية على الكنبة ومحدقة في سقف الغرفة , وحين أنتهت الأسطوانة رفضت المشاركة في مناقشتها , إلا أنها أستعادت نشاطها فجأة حالما وضع ليون أسطوانة أخرى موسيقاها جزء من موسيقى فيلم شعبي معروف , فحملت مقعدا صغيرا وسارت متوجهة نحو ستيوارت وجلست الى جانبه وبدأت تناوشه كما لو أرادت أظهار عواطفها للحاضرين.
لم يحاول ستيوارت منعها أو تشجيعها بل أكتفى بالأبتسام وعلى وجهه تعبير يوحي بأن أفكاره بعيدة جدا عن المكان , كأنه لم يشعر بالذراعين النحيفتين تلتفان حوله واليد الناعمة تلمس وجهه بحركات بطيئة.
وأخيرا , ركعت أمامه وأسندت رأسها الى حضنه , وتركت شعرها الأسود الطويل منسدلا على ساقيه , نظر اليها وبدأ بتمسيد شعرها محركا أصابعه بخفة في خصلاته.
لم يبد التأثر على ليون للمشهد العاطفي , إلا أن جيردا أضطربت لذلك , أذ لم تستطع أبدا أظهار عواطفها وحبها لشخص أمام الآخرين ولم تفهم كيف تستطيع التركيز على سماع الموسيقى والنظر الى الجهة الأخرى فسمعت ليون يضحك ضحكة قصيرة , وإذ نظرت رأت أن ستيوارت دفع كرسيه الى الوراء ببطء ولم تشعر سوزان بحركته فوقعت أرضا.
وتحول لون وجهها الى لون قرمزي لشدة الغيظ :
" وحش , وحش".
صرخت بصوت عال :
" أكرهك , أكرهكم جميعا".
وبدأت البكاء بشكل مفاجىء ثم غادرت الغرفة حالا.
ونظرت جيردا بدهشة الى الرجلين , هز ليون كتفيه أستهزاء بينما عبس ستيوارت بقسوة:
" لا تقلقي ستتخلص من هذه النوبة بسرعة , أن عزيزتنا سوزان مخلوقة مزاجية ".
" ولكن ألا يذهب أحد......؟".
وأشارت برأسها نحو الباب .
" كلا , لن تشكرك لذلك".
وعدل ستيوارت الكرسي المقلوب.
" بل أنها في الحقيقة تتمتع بالبكاء كثيرا , ألا ترغبين بالجلوس الى جانبي وتمسيد رأسي المتعب؟".
وأشار الى المقعد المجاور له.
" كلا , لن أفعل ذلك".
وأحست جيردا بأنها غير قادرة على العمل أكثر , وتذكرت أحساسها بالأرتياح حين علمت بعدم مجيء جوردان لقضاء الليلة في المنزل , لكنها ندمت لذلك الأحساس وتمنت وجوده , أذ في أستطاعتها التنبؤ الى حد ما بخطوة جوردان التالية مما يقودها الى تحصين نفسها ضده تبعا لذلك , إلا أن الأمر مختلف مع ستيوارت أضافة الى وجود سوزان المضطربة عصبيا , نهضت من مقعدها مدمدمة بعذر ما وغادرتهما بسرعة متوجهة الى غرفتها .
كان سكون المنطقة ليلا وهدوءها مثيرا للأكتئاب أو هذا على الأقل ما شعرت به جيردا , كان الهواء حارا وهي على أستعداد للترحيب حتى بصوت السيارات المسموع عادة خارج شفتها.
بينما لم تستطع هنا حتى سماع همسة واحدة , وهكذا قضت ليلة بدت وكأن لا نهاية لها.
وجلب الصباح معه الغيوم والرعد , وإذ نظرت جيردا من النافذة وتساءلت عما يجب أن تفعله : تغيير ملابسها أو العودة الى الفراش من جديد .
كانت الساعة السابعة ولم تسمع ما يشير الى أستيقاظ أي شخص آخر في المنزل , جلست على حافة السرير وراقبت تجمع الغيوم السوداء من خلال النافذة , هل ستصرف ستيوارت وسوزان بهذه الطريقة دائما ؟ جدال , حب , وعراك ؟ وبدت لجيردا صورة علاقة غريبة , أي سعادة يجدانها في تلك العلاقة ؟ وما هو موقفها من المسألة كلها؟ وكلما أمعنت النظر والتفكير لم تجد غير التعاسة , ألم يستطع جوردان رؤية ذلك ؟ لماذا لم تمتلك الجرأة على العناد ؟ أن تهرب قبل أن تقع في المصيدة تماما........ حتى لو عنى الأمر خذلان هوارد , حتى لو ........ وأعادها الى الحاضر صوت قرع الباب ثم سمعت صوتا يقول:
" هل أستيقظت ؟ الشاي جاهز".
وفتح ليون الباب , ومن دون أن يرتبك لوضعها المشوش , وضع الصينية جانبا ثم توجه نحو النافذة .
" هل أسحب الستائر ؟ أو أتركها لتصد ضوء النهار؟".
" إسحبها رجاء , شكرا لجلبك الشاي أذ لم أتوقع هذا".
إبتسم ليون بهدوء وقال :
" أقوم بإعداد الشاي كل يوم أحد وهكذا تتاح الفرصة للسيدة بي للحصول على بعض الراحة".
وبدا عليه الأستعداد للمحادثة فسألته بكسل:
" لماذا تدعوها السيدة بي؟".
" لأن أسمها الحقيقي هو بريدنغهام ونحن جميعا كسالى ".
" آه".
وبدأت تناول بعض البسكويت مع الشاي وساءلت نفسها عما إذا كان ليون ممرضا مؤهلا , وكيف يستطيع التلاءم مع مزاج ستيوارت المكتئب ؟ إذ بدا لها شخصا سهل المعشر وينتمي الى العائلة , لا بد أن ستيوارت محظوظ لبقائه معه.


نيو فراولة 24-08-11 08:41 PM

رفعت عينيها ودهشت لنظرة ليون , ثم قال بمرح:
" ليست الأمور سيئة الى الحد الذي تفكرين به".
وإذ واصلت التحديق في وجهه واصل:
" كنت قلقة في الليلة الماضية ولم أستطع قول أي شيء في حينه , إلا أنني فكرت بالحديث عما حدث الآن , ظاهريا , يعامل ستيوارت سوزان بقسوة وتستجيب هي لسلوكه مثل عبدة صغيرة , إلا أنهما في الحقيقة متفاهمان جدا , والأكثر أهمية أن حضورهما سوية يزود أحدهما الآخر بصمام أمان".
توقف عن الكلام وأستدار ليغادر الغرفة إلا أنه توقف عند الباب قائلا من جديد بأبتسامته المؤدبة:
" لا تدعي الأمر يقلقك ولا تظهري القلق".
لم تكن ملاحظته أعتذارا بل كانت نوعا من التحذير والمنع , منعها من ماذا؟ وتساءلت بعد مغادرته , وتزايد أقتناعها بسلوكه التحذيري أثناء تغييرها ملابسها , ولكن لماذا التحذير ؟ ولم تستطع التخلص من أفكارها رغم حلول النهار , كما لم تستطع فهم تحذير ليون وتذكرت خوف جوردان من زواج أخيه بالفتاة الغريبة المحبة وتساءلت عما إذا كان ليون على معرفة بشيء يجهله جوردان , هل خطط للتهرب من مخطط جوردان ؟ وإذا كانت الفكرة صحيحة , فما علاقتها بالموضوع؟ هل كانت تتمنى منع الزواج ؟ ما الذي سيحدث لو أمتلكت قوة جوردان وسيطرته؟
منتديات ليلاس
كانت سوزان مرحة ذلك الصباح الى حد لا يتناسب وأنفجارها العاطفي في الليلة الماضية , توجه الجميع الى الحديقة بعد أنتهاء الأفطار , ووجدت سوزان لعبة قديمة : عمود نصبته في زاوية من الحديقة وحلقات رمتها محاولة أحاطة العمود بها , من مسافة معينة , ولم تبد أهتماما بالأذى الذي ألحقته بالأعشاب بل واصلت اللعب بشكل طفولي وشاركها ليون اللعب لبعض الوقت , ولاحظ ستيوارت ملابسها قائلا :
" أنك تبدين مثل ملكة القلوب بتنورتك القرمزية".
" لا يهمني ما تقوله ".
وأطلقت شتيمة بصوت عال لفشلها في وضع إحدى الحلقات في مكانها الصحيح.
" أنني أقوم بهذا من أجلك , أتعلم هذا؟".
" نعم دون أن أتحرك من مكاني".
" يا لك من وحش!".
" ولكنني أعرف أنك تحبينني".
وأنتاب جيردا أحساس غريب بالحضور في المكان وعدم وعدم الحضور في آن واحد , وبدت الحقيقة جزءا من قصة ( أليس في بلاد العجائب) وواصلوا اللعب حتى بدء سقوط المطر , حينئذ أقتربت سيارة سباق بيضاء من المنزل , توقفت عند الباب الخارجي , نزلت من السيارة فتاة زنجية ترتدي قميصا أبيض وبنطالا ضيقا , حيّت الحاضرين بألفة وسارعت لدخول المنزل.
دمدم ستيوارت قائللا:
" هل جلبت المطر معك يا ديانا , هل تعرفين جيردا؟".
وعرف ديانا بجيردا .
أومأت الفتاة برأسها تحية ونفضت عن ملابسها قطرات المطر قبل أن تسأل :
" أين جوردان؟".
" غير موجود , لماذا هل توقعت حضوره معنا؟".
" نعم , هو طلب مني المجيء , هل ما زال مقيدا بصفقته التجارية , أم ماذا؟".
" أن صفقته حاضرة الآن معنا".
وأومأ برأسه أتجاه جيردا.
" حقا؟".
ونظرت الى جيردا متفحصة بنظرات عدائية , ثم قبلت الدعوة لتناول الشراب وأتخذت مكانا مريحا متصرفة كما لو كانت في منزلها.
لم تكن ديانا جميلة بالمعنى الكلاسيكي , فقد كانت عيناها صغيرتين وشفتاها ممتلئتين , إلا أنها كانت جذابة وذات ملامح متناسقة وجسد جميل , وكانوا على وشك الأنتهاء من تناول وجبة الغداء حين قدم جوردان , وبدت عليه الدهشة لرؤية ديانا وأنتقل بنظرته الخاطفة الى جيردا ثم الى ديانا من جديد قبل أن يقول:
" لم أتوقع رؤيتك اليوم هنا".
وإبتسمت براحة وقالت:
" ألم تعلم ؟ أراد ستيوارت أن يفاجئك".
قطب جبينه قائلا:
" أنا مندهش الى حد يثير الضجر , إلا أنني لا أستطيع البقاء معك يا عزيزتي".
" لا أهمية لذلك , هناكالغد وكل الأيام المقبلة , هل تناولت بعض الطعام؟".
" نعم , إلا أنني سأشرب القهوة معكم".
وراقبها تصب القهوة ثم تجلبها له , وجلست على ذراع كرسيه محركة ساقها بهدوء في الهواء , أنحنت بنعومة أتجاهه حتى مست بجسمها كتفيه ولم يحاولا أخفاء مشاعر الألفة بينهما وساد بينهما جو من الوئام أذ واصلت ديانا الحديث إليه بطريقة ناعمة لم يسمعها الآخرون , حاولت جيردا إلا تراقبها : هذه إذن فتاة جوردانّ !
منتديات ليلاس
وشعرت بالغيرة رغم علمها بإستحالة العلاقة بينهما , لماذا تخيلت أن جوردان يعيش وحيدا ؟ كان جوردان في منتصف االثلاثينات من عمره وغير متزوج , ومن حقه أقامة علاقة مع أي فتاة يحبها.
إلا أن ديانا كانت بسيطة جدا ومثيرة.... وقبلت جيردا قدّمها اليها ليون وصممت على تجاهل جوردان , إلا أن مخيلتها لم تتوقف عن تصور اللحظات المشتركة بينه وبين ديانا.
وأستمر هطول المطر طوال الظهيرة , وغادرهم جوردان عند الساعة الثالثة معتذرا بضغط بعض الأعمال المستعجلة.
لم تبد ديانا أرتياحها لذلك وأخبرته بصراحة , إلا أنه لم يتأثر بألحاحها ونظر اليها بإستقامة قائلا:
" عزيزتي أظن أنك تعرفينني الآن بشكل أفضل من السابق , إذ لا أقوم عادة بوعد فتاة بقضاء العطلة معها وتجاهلها أثناء ذلك , لهذا ألغيت وعدي معك".
" لماذا أذن دعيت الى هنا؟".
قالت وهي تتبعه الى الباب .
" ولكنني لم أدعك".
ولمس خدها بيده وأحست جيردا بالألم يعتصر قلبها وأضاف:
" إلا أنه لا يتوجب عليك مغادرة المكان , أبقي وأعتبري نفسك في بيتك".

نيو فراولة 24-08-11 08:44 PM

وكأنما تخلص من ديانا , أستدار ولم يخاطب شخصا معينا بل قال بشكل عام:
" أرجو أن يطلب أحدكم من السيدة بي جلب شراب مبرد لي حوالي الساعة السابعة".
أستجاب ليون لطلبه , ثم غادر المكان ليتوجه الى مكتبه حيث يستطيع أنجاز عمله.
بقيت ديانا معهم حتى الخامسة ثم غادرتهم , ولم يحاول أحد أقناعها بالبقاء وتملكت جيردا الرغبة بمغادرة المكان هي أيضا , لكنها , بدلا من ذلك , توجهت لمساعدة ليون لأزالة الصحون والأكواب بعد تناول شاي العصر , وشعرت بالأمتنان لأنها وجدت عذرا يبعدها عنهم حتى لة تطلب العذر أن يقوم الضيف بغسل صحون مضيفه.
وأستمر المطر بالهطول وكان لوقع سقوطه على النافذة تأثبر منوّم , سيطر عليهم جميعا وأشعرهم بالضجر , قال ستيوارت معلقا:
" أنه يوم أحد أنكليزي نموذجي".
وكان هذا أسوأ عطلة قضتها جيردا في حياتها , وحاولت جهدها تعزية نفسها بأنه لم يبق غير ساعات قليلة لأنقضاء اليوم كله وساغادر غدا صباحا في وقت مبكر , عائدة الى روتين حياتها العادي.
جلس الآخرون لمشاهدة فيلم تلفزيوني بعد أن أعدوا كؤوس شرابهم وصحونهم مملوءة بالفستق وشرائح البطاطا المقلية , وإذ حل الظلام أصبحا جيردا أكثر قلقا وتخلت أخيرا عن جهدها في محاولة التركيز على شاشة التلفزيون ونهضت من مكانها , لم يلحظ أحد تسللها فتوجهت الى جزء الحديقة المزود بسقيفة تمنع المطر.
وأخيرا توقف المطر عن السقوط , وأصبح الهواء منعشا وتمشت ببطء في الممر المحيط بالحديقة , لم ترغب بالبقاء فترة طويلة في الخارج , خاصة حين برد الهواء وأحست برعشة برد تسري في أوصالها , وقررت , بعد دقائق العودة الى الغرفة فسارعت خطواتها ولكنها توقفت جامدة في مكانها لحظة وصولها باب الشقة.
أراحت يديها على مقعد الحديقة وواجهت سبب قلقها , كان جوردان بلاك في المنزل الآن وأحست بوجوده دون أن تدخل , رغم الحائط الفاصل بينهما , وغزت أفكارها صورة ديانا , وقررت ألا تذكرها لأي شخص آخر , كانت مشاعر كراهية مختلطة بالحسد والشفقة والغيظ الطفولي , كرهتها لأنها كانت واثقة من نفسها ويطغى حضورها على حضور بقية النساء في أي مجتمع , أحست بالغيرة لأن ديانا جزء من حياة جوردان وربما لأنه أحبها بقدر ما سمحت له طبيعته بحب أي أمرأة , ولأنها عرفت معنى وجوده العاطفي والأنساني أكثر من أي شخص آخر , إلا أن جيردا أحست بالشفقة لأنها أدركت أن ديانا ستعاني من علاقتها بجوردان عاجلا أم آجلا , إذ أن أي أمرأة حمقاء تحب جوردان ستتأذى بطريقة ما , ما لم تكن ديانا عاقلة بما فيه الكفاية لئلا تحبه , ربما كانت ذكية , مستعدة للأخذ والعطاء دون السقوط في فخ الحب, ربما تمتعت بالشكل الظاهري المناسب للعلاقة والمشاركة , خاصة أن جوردان سخي من الناحية المادية وكانت جيردا واثقة من ذلك.
أرتجفت وأستدارت بسرعة لتتهرب من أفكارها فوجدته واقفا خلفها , شهقت وتراجعت بشكل لا إرادي:
" لم أسمعك ".
" كنت على مبعدة أميال من هنا".
ووضع يده على المقعد كما فعلت هي من قبل ونظر اليها:
" بدا عليك محاولة الوصول الى قرار..... أليس كذلك....؟".
" لم أحاول شيئا خاصا".
" هل وجدت العطلة مخيّبة للأمل؟".
" كلا , بل أنها مبتلة بالمطر".
" صحيح ". ودهش لأرتجافها : " ماذا حدث ؟ هل تشعرين بالبرد؟".
" كلا , نعم , أعتقد".
" قرري بسرعة , أو ربما تريدين مني أتخاذ القرار بدلا عنك؟".
وضع ذراعيه حولها وشدّها الى صدره رغم تشنجها.
" كلا , أن الوقت متأخر الآن , لو لم ترغبي بالحديث لهربت مباشرة , إلا أنك لست من النوع السريع في أتخاذ القرارات , أليس كذلك ؟ إلا أنك ترتجفين بردا........".
وبدأ بتدليك ذراعيها لامسا نعومة قميصها الحريري.
" لم لا ترتدين شالا؟".
" خرجت لأختناق الجو في الغرفة , جوردان , أريد أن أتحدث معك........".
" أخبريني بما تريدينه , أنا الى جانبك".
" نعم , لكن......".
وأمسكت ظهر المقعد بقوة حتى شحبت , كان أقترابه منها مدمرا لمشاعرها ولم تعد قادرة على التفكير بأي شيء.
" ليس هنا , ليس.....".
" ليس ماذا؟".
وأجبرها على مواجهته , شادّا ذراعيه بقوة أكبر فلم تجد أمامها غير النظر اليه بعينين يائستين.
وأنعكست السماء المظلمة على زجاج النافذة , فعثرت جيردا على تبرير موقفها.
" قد يرانا ستيوارت أو أي شخص آخر......".
" لا أعتقد أن لذلك أهمية , بل قد تكون هذه فكرة جيدة , أثارة غيرة ستيوارت قليلا , أنه سيساعد عل العودة الى المشاعر الطبيعية , لماذا أذن لا نقوم بذلك , أنك ما زلت حليفة لي..... أليس كذلك يا جيردا؟".
وجذبها نحوه أكثر , وأحست جيردا بخطورة موقفها وسيطرته الكاملة عليها وأدركت بأنه يعلم جيدا مدى قوته وبرغبتها فيه أيضا.
وساعدتها أفكارها الأخيرة على التصميم على مواجهته للمرة الأخيرة , بكل كبرياء فهمست:
" كلا , لست حليفة لك , لست سلاحا تمتلكه بين يديك لتؤذي به ستيوارت , أتركني".

نيو فراولة 24-08-11 08:46 PM

ضحك بنعومة لمرأى يديها الصغيرتين تضربان صدره بلا فائدة.
" لكنني لا أريد تركك , فأنني أحب التحاور معك , أنك صغيرة وباردة مثل الفولاذ ولكنك لست قوية مثله".
وأمسك بيديها , فلم يعد بأمكانها أبداء حتى تلك المقاومة الضعيفة, قاومته عبثا ومالت برأسها جانبا:
" كلا , ألا تذكر ما قلته تلك الليلة في توبي؟".
" ماذا قلت؟".
" أنك لن تمسني حتى لو كنت آخر أمرأة ".
وتكسر صوتها أمام رغباته وبدا أن ما قالته زاده أثارة.
" ذلك ما قلته حينئذ , ونحن الآن في وقت مختلف , أن لك جاذبيتك الخاصة يا جيردا , أنك تحد صعب لأي رجل".
" لم أحاول أبدا تحديك".
" كلا , أنظري الي أذن ما لم تكوني خائفة".
وخدّرتها لهجته الناعمة وكلماته المنطوقة بصوت خافت.
وواصلت محاولتها المقاومة , حاولت التغلب على ضعفها ورغبتها في الأستسلام:
" لن تتغيّر أبدا , أنك تستخدم الناس للوصول الى غاياتك فقط , إنك قاس وبلا رحمة".
" هل أنا كذلك؟".
ولم تؤثر كلماتها ولم تتغير نبرة صوته.
وأحست بالحقد يطغى عليها غير مصدقة لما سمعته أذناها وأرتجفت غيظا وأحتقارا له :
" إنك حقير , أنني أكرهك ! الى حد لا يصدق".
أرتخت ذراعاه , وللحظة ظنت بأنه على وشك أن يضربها , إلا أنه أبتسم بطريقة آلمتها أكثر:
" أنا حقير أذن , أنك لم تتغيري يا جيردا".
وحدق في وجهها فترة طويلة ثم قال ببطء:
" أتساءل من هو المفتري منا , تعالي معي , هناك شيء أود أن تريه".
وسرت رعشة الخوف في جسمها وتسمرت في مكانها بلا حراك , مما دفعه للقول:
" لا حاجة بك للوقوف بهذا الشكل متظاهرة بالبراءة , تجيدين منح قبلة الموت لأي رغبة أنسانية".
ودون أن تنطق بشيء تحركت دون أن ترى أتجاهها وأنهمرت الدموع على خديها , وتبعته وأنحرفت بجسمها بعنف حين أصطدمت به لدى محاولته فتح الباب المؤدي الى مكتبه.
منتديات ليلاس
كانت الغرفة معتمة وبدا لها أن للظلال أسرارا مخبوءة , وقفت عند الباب خائفة مما سيحدث ومدركة في الوقت نفسه أن مصدر خوفها الوحيد موجود الى جوارها في شخص جوردان , خطا في الغرفة وأضاء المصباح , توجه الى الطاولة الصغيرة وأعد كأسين من الشراب , ناولها أحدهما إلا أنها قالت:
" كلا , شكرا , أنا........".
" أنت حرة".
وبدأ يشرب ما في قدحه .
قالت:
" ماذا في الأمر ؟ أذا كان لذلك علاقة بفكرتك المستحيلة فأنني لا أرغب بالأنصات اليك , أتخذت قراري وأخبرتك به من قبل , ولن أسمح لك بوضعي ضمن مخططك , لن أحاول رؤية ستيوارت مرة أخرى ولن أحاول أقناعه بفعل شيء ضد أرادته إذ عانى حتى ان ما فيه الكفاية".
وأحست بالغضب يغلي في داخلها فصرخت:
" كلا لن أفعل ذلك ولن تجبرني ...... هل تسمع؟".
لم يبد عليه أنه سمع بل كان يغبث بمجموعة ملفات موضوعة في حقيبته الخاصة الى أن عثر على ما كان يبحث عنه فسحبه.
كان ملفا كبيرا , فتحه وبعثر محتوياته , كانت هناك مجموعة من الصور , صفحات مملوءة بالملاحظات إضافة الى أوراق ملونة خالية من الكتابة وما بدا كأنه تصميم أحد الفنانين لغلاف ما.
أستقام جوردان وبدا التصميم على وجهه الجامد.
" هل تتذكرين هذه؟".
وشعرت بالخوف ولم تستطع الأجابة على سؤاله.
" أنظري".
وأشار الى الملف الموضوع على المكتب بلا أكتراث.
" كيف حصلت عليه؟".
" سلمني أياه وكيل لنا يوم الجمعة".
وبدا صوته منبعثا من مكان بعيد , ألتقط واحدة من الصور وحدّق فيها بشكل ساخر ثم ألتقط أخرى بيده اليسرى مدققا لفترة طويلة ثم وضعها على الملف.
أغلقت جيردا عينيها وأستندت الى الكرسي المجاور , لاحظت في نظراته إدانة للصور الجميلة , إدانة أشعرتها بالخجل , كيف عثر عليها؟ كيف يستطيع فهم طبيعة صورها المأخوذة عند ساحل البحر , وكيف يستطيع تقدير عمق كآبتها عند أتخاذها لقرارها الحاسم قبل أربع سنوات؟ كم هي فظيعة طبيعة خطته الحالية!
نظر اليها دون أن يتأثر بيأسها التراجيدي وقال بلا أهتمام:
" أفروديت في الماضي والحاضر , يجب أن أعترف بسحرك رغم عدم نضجه حينئذ".
وتناول قدح شرابه مواصلا:
" أخبريني هل تطلّب الأمر منك شجاعة كبيرة , أن تدعي عدسة الكاميرا فرصة كشفك للعالم كله؟ ورغم الهالة الفنية المحيطة إلا أننا لا نستطيع غير رؤية النوارس والأمواج ويبرز من بين الضباب جسد حورية البحر , يجب أن أعترف بموهبة المصور إذ أنه بلا شك فنان كبير".
" أقسم امصور بأن لا أحد يستطيع التعرف اليّ , وتم ألتقاط الصور لغرض معين وقال بأنه لم يرغب باللجوء الى ( موديل ) محترفة لأنه لم يجد واحدة منهن ملائمة".
" ما عداك لعرض شبابك وبراءتك!".
" كرهت نفسي بعد ذلك, إلا أنه عرض علي مبلغا كبيرا من المال وطردته في البداية , إلا أن شيئا هاما حصل فيما بعد فأحتجت الى المال".
وتحشرج صوتها وحاولت السيطرة على نفسها , وحجزت دموعها المتساقطة فمسحت وجهها بظاهر يدها:
" لماذا حصلت عليها؟ لماذا؟".
" أنها من بين مجموعة أرسلت الينا لنختار بعضها لتقويمنا السنوي المقبل".
ونطق الكلمات بطريقة دفعت الدماء الى خديها.
" وناقشنا موضوع أستخدام العنصر الأنثوي لدعاية منتوجاتنا , وتذكر أحدهم التقويم العالمي القديم المشهور حاليا في أرجاء أروروبا , رغم أنه لم يوزع في أنكلترا".
" هل تعني , هل تعني أن وينتفورد تريد........؟".
وأجتاحها الرعب , فكرت بأمها , بزوج أمها الهادىء الفخور بها والذي ألتقت به مرتين فقط بعد زواج أمها.
همست دون أن تجرؤ على تصديق ما يجري حولها:
" ولكنك لن تنفذ الأمر؟".
" ما الذي يدفعك للظن بأنني لن أنفذه؟".
أحنت رأسها وسقطت يداها الى جانبيها , لم يجب أن تتوقع الرحمة من جوردان بلاك؟
" أنني قاس , أنني حقير". قال ببرودة : " لكنها مسألة أعمال , بضاعة بعتها منذ أربع سنوات , لماذا لا أفيد منها؟".
كان المضمون واضحا تماما , وكان ذلك تهديد جوردان الثاني.

الجبل الاخضر 25-08-11 06:57 AM

:55:حماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااس :wookie:كميليها ننتظر على احر من الجمر:dancingmonkeyff8:

نيو فراولة 27-08-11 07:20 PM

6- هل الزمن علاج؟



أستنفد الصدام بين جيردا وجوردان قواها , وتركها مرتجفة كما لو كانت تعاني مرضا حادا , وجدت نفسها خارج غرفتها دون أن تذكر كيف وصلت هناك , وشعرت بحاجة ملحة للعودة الى فراشها لتسترخي وتتناول شرابا يبلل حلقها , إلا أنها لم تجد في نفسها القوة على العودة الى الطابق الأرضي للحصول على الشراب , فركنت الى الحاجة الأخرى الى الوحدة.
فتحت باب الغرفة نصف المفتوح , لكنها تراجعت أمام سوزان لاموند .
" أسرع مما توقعت , ظننت أنك ستبقين فترة أطول مع جوردان".
نظرت بعناد الى وجه جيردا الشاحب وقالت بهدوء:
" أريد أن أتحدث معك".
" فيما بعد رجاء".
ولم تستطع للحظة إيجاد عذر تبعد به نظرات الفتاة القاسية عن وجهها , ثم قالت:
" أنني مصابة بصداع فظيع".
وأذ قالت ذلك أدركت بأنه كان صحيحا وشعرت بالبرودة والمرض.
توجهت نحو حوض الماء الصغير وبللت وجها بالماء البارد ثم جففته بالمنشفة دون أن تهتم بمكياجها.
" أنك في حالة سيئة , هل سيغمى عليك؟".
" كلا".
أجابت جيردا ببلادة ثم جلست على المنضدة الصغيرة وتناولت منديلها , لتمسح به ماكياجها وتحاشت في الوقت نفسه نظرات سوزان المتفحصة من خلال المرآة.
" ماذا تريدين؟".
" أن أعرف ما هي لعبتك بالضبط؟".
لعبة , وتنهدت جيردا , لا بد أن العراك مع سوزان سيكون آخر إهانة لها , قالت بصوت أنهكه التعب :
" قولي ما تريدينه رجاء ثم أتركيني , إذ أشعر بأنني مريضة ".
" هل تعرفين ما أشعر به؟ لماذ عدت الى هنا؟".
" لأنني دعيت للمجيء".
" ليس ذلك صحيحا , جئت لأن جوردان يريد أنهاء علاقتي بستيوارت , أو هو يعتقد بأنك قادرة على ذلك , ليس بمستطاعك ذلك , وإذا كنت عاقلة فلا تحاوليه أيضا , لم تريدي ستيوارت منذ ثلاث سنوات ولا أعتقد بأنك تريدينه الآن".
ثم نهضت عن الفراش وقالت بغضب:
" إبتعدي وأتركينا وحدنا".
" أصغي الي , حاولي تصديقي , ما أريده هو سعادة ستيوارت ومستقبله".
" أستطيع أنا القيام بذلك لأنني أحبه".
" أعرف وأنا أيضا أحبه برغم شكي في قدرتك على فهمي".
" أفهم جيدا , أنك تشبهين البقية , أن الجميع يرغب براحة ستيوارت وليس هذا ما يريده , أنكم جميعا عميان لا ترون ما أراه".
وكان لكلمات سوزان وقع الحقيقة , حقيقة لا يراها أحد عداها , ثم أضافت بنعومة:
" ليس هناك شك ولا غموض فيما هو الأحسن لستيوارت , الحل الوحيد والأفضل هو أن يستطيع المشي على قدميه من جديد".
" نعم , لكن هذا لن يحدث ما دمت أنت وجوردان وكل شخص آخر تحاولون جميعا دفعه للمخاطرة بحياته".
" لن يموت ستيوارت , إنه شاب قوي وشجاع".
" هذا ما يقوله الجميع".
ودفعت نفسها في الفراش أكثر ثم قالت بقوة:
" ألا تستطيعين الأحساس بخوفه ؟ إنه بحاجة الى التفهم وإلى شيء قوي ما فيه الكفاية لينتصر على خوفه".
" أعتقد أن الرغبة في المشي ثانية كافية لتخليصه من خوفه".
وأبتعدت جيردا عن المرآة واضعة يديها على عينيها.
" هل تعتقدين حقا بأنك ستنجحين حيث فشل الآخرون؟".
" نعم , لو تركني الناس أقوم بما أريده بطريقتي الخاصة".
تنهدت جيردا وقالت:
" أليس القرار خاصا بستيوارت في الدرجة الأولى ؟ لا أعتقد أنه بمستطاع أي منا إجباره , أمه مثلا ضد الفكرة وإذا ما أثرت عليه......".
وصرخت سوزان بلا إرادة قائلة:
" ذلك شيء آخر , لو أنك لم تأتي لتتدخلي لأختلف الأمر تماما".
" آه يا ربي ! كيف أن قضائي عدة أيام في هذا البيت يدفعك للأعتقاد بتغيير ستيوارت؟".
" أن السيدة بلاك تقضي عطلتها بعيدا , وأقنعت ستيوارت بعدم الذهاب معها والبقاء معي , وهكذا تتاح لنا فرصة البقاء شهرا كاملا وحدنا , ولولا عودتك وأثارتك للأضطراب لكنا متزوجين الآن".
" زواج ؟ هل تظنين أن جوردان كان سيسمح بذلك؟".
" أعرف تماما ما يفكر به جوردان وسأنتصر عليه , إذ أنجزت أنا وستيوارت كل شيء".
" نعم , لنفترض ذلك , ثم ماذا؟ كيف ستهتمين بستيوارت ؟ أين ستعيشان ؟ هل لديك فكرة عن العيش مع مقعد؟ أنك مجنونة لمجرد التفكير بذلك".
ونظرت الفتاة الى جيردا بهدوء وقالت بلهجة واثقة:
" كلا لست مجنونة , لو أنني أخبرتك التفاصيل لنقلت الخبر الى جوردان , سيكون كل شيء على ما يرام , لا تقلقي".
منتديات ليلاس
حدقت جيردا في وجهها بمرارة وقالت:
" جوردان هو آخر شخص أرغب في أخباره أي شيء , ولكن لا تخبريني إذا لم ترغبي بذلك".
" أريد أخبارك لأنني أريد منك أن تفهمي , أريد من ستيوارت الزواج مني سرا , كلانا في سن الرشد ولن يستطيع أحد منعنا , أعتقد أن ليون سيساعدنا عمليا من ناحية أخذ ستيوارت الى إيست بورن للأحتفال , ولكن إذا رفض فسأجد شخصا آخر يقوم بذلك , ثم نعود بعد أجراء المراسيم ولن نخبر أحدا".
" نعم , لكن المسألة ليست سهلة الى هذا الحد".

نيو فراولة 27-08-11 07:21 PM

" لم أكمل حديثي بعد , كما أنني أدرك صعوبة الحدث , سيكون زواجنا شرعيا إذ أن الحادث لم يؤثر على قدرة ستيوارت على الزواج , لذلك لن تكون أمام جوردان فرصة نقض الزواج لأي سبب , لن يكون بإمكانه عمل شيء عدا أن يطلب منا مغادرة المنزل ولا أعتقد بأنه سيفعل ذلك , ولكن إذا لجأ الى هذا الحل فستجد بالتأكيد حلا ما , إن والدي غني جدا..... كما أنني سأعمل ليلا ونهارا من أجل ستيوارت , لن يقلقني ذلك أطلاقا".
وأحست جيردا بالأعجاب بسوزان رغم إرادتها , فمهما كانت أخطاء سوزان فهي لا تفتقد الشجاعة , وقد عنت كل كلمة نطقت بها.
تساءلت جيردا بنعومة :
" ثم ماذا؟".
" سيختار ستيوارت إجراء العملية ".
" ربما لن يقبل إجراء العملية... هل فكرت بذلك الإحتمال؟".
" كلا ألا تفهمين ؟ إذا تزوجته وحملت منه بعد ذلك , سيقتنع ستيوارت بحبي له وسيدفعه حافز قوي للرغبة بالحباة من جديد وسيرغب في المشي إذ سأمنحع الثقة بنفسه".
وإتسعت عينا جيردا , هناك شيء رائع ومثير في حب وإخلاص سوزان , فقالت:
" إنك تحبينه كثيرا".
" بالطبع, أحببته منذ ثلاث سنوات ولن أرغب بالنظر الى أي رجل آخر , فأنا حاربت من أجله جوردان وعائلتي , خدعتهم وآذيتهم جميعا من أجله , كما هناك شيء آخر , هناك شيء يجمعني بستيوارت وسيربطنا الى الأبد , لحين موتنا , لا نستطيع التهرب منه ولا أرغب شخصيا بالتخلص منه , لذلك يجب أن نتزوج ونعيش سوية بقية حياتنا , مهما حدث".
وأظلمت الدنيا في عيني جيردا , إذ نظرت دون أن ترى شيئا بحثا عن حجاب يخفي ما عرفته منذ سنوات , سرا شاركت ستيوارت معرفته , ورغبت في الصمت إذ لم يعد كشف السر شيئا , ومن الأفضا إبقاء الأوضاع على ما هي عليه حاليا.
نهضت سوزان واقفة وأحست جيردا بأنها تحاول إثارة أضطرابها من جديد:
" لذلك أتركينا ولا تعودي ثانية , ستيورات لا يحبك الآن , أعرف بأنه أحبك ذات مرة , إلا أن حبه لك ميت كما إنك لا تحبينه".
تنهدت جيردا لأنه لم يعد أمامها ما تقوله خاصة أنها ترغب في كتمان ما تعرف , فخطة جوردان محكوم عليها بالفشل مسبقا , أدركت ذلك منذ البداية وفشلت في إقناعه , ولكن هل تستطيع الآن؟
" إذا لم تتركيه وحده فسأخبره بكل شيء".
" تخبرينه ماذا ؟ ماذا ستخبرين جوردان؟".
" قلت أنني سأخبر ستيوارت بما رأيته الليلة , أنك قضيت بعض الوقت مع جوردان في الحديقة ثم تبعته بعد ذلك الى غرفته , لا عجب أنه أبعد ديانا المسكينة عن المكان".
ونظرت سوزان الى جيردا بإحتقار , ورأت شفتي جيردا تفترقان دهشة فهزت كتفيها أستهانة.
" لا يهمني كثيرا مع من يسلي جوردان نفسه".
ثم توجهت نحو الباب وتوقفت هناك لحظة لتقول:
" لا تقلقي , سأحل مشكلتي بنفسي".
ولم تجرؤ جيردا على النطق بصوت عال بل تمنت لها النجاح من أجلهما سوية ولم تفكر بما سيحدث لها بل أجلته لوقت آخر , وكل ما أحست به في تلك اللحظة هو راحة غريبة لتخلصها من مسؤولية كبيرة , وإذ لمحت سوزان الحقيقة أحست بالخجل , لأنها أرتكبت خطأ جوردان نفسه في إطلاق حكم خاطىء عليها , أو ربما سمحت لنفسها بالتأثر بحكمه , لم تكن سوزان مراهقة طائشة كما أعتقدت من قبل , ربما كانت في السابق لكنها ليست كذلك الآن, بل تميز موقفها بالوضوح وكأنما ما تريده كان بسيطا ورغم قلة خبرتها فهي أكثر نضجا في رؤيتها لما ترغب.
نظرت الى الفتاة ذات البدلة الزاهية والقلادة المصنوعة من خرز فأحست فجأة بتقدمها في العمر وبحماقتها.
ترددت سوزان مداعبةة قلادتها بحركان لا إرادية كأنها لم تعرف كيف تنهي اللقاء , وضعت يدها على مقبض الباب وقالت:
" حسنا سأذهب الآن".
" أنتظري سوزان , هل ترغبين بعمل شيء من أجلي؟".
" يعتمد ذلك على طبيعة ما تريدينه".
" أريد أن أترك المكان في وقت مبكر غدا صباحا لكنني لا أعرف أوقات سير القطارات , أو كيف أصل المحطة من هنا".
أسترخت سوزان وأجابت:
" هذا سهل , سآخذك بنفسي".
وجاء الحل أسهل مما حلمت جيردا , لقد أدركت سوزان مصدر قلق وأضطراب جيردا وعلاقتهما بوجود جوردان بلاك , وجاءت سوزان بصينية وضعت عليها الشاي والخبز المحمص إضافة الى بيضة مسلوقة , في الساعة السابعة صباحا وساعدت جيردا على التحرك بسرعة , وأطاعت جيردا سوزان إذ لم ترغب برؤية جوردان بلاك قبل هربها , وفي أقل من عشرين دقيقة كانت جيردا في المحطة وبقيت سوزان معها حتى مغادرة القطار.
وفي لحظات الوداع أمسكت جيردا بيد سوزان ثم قبّلتها قائلة :
" أنا متأكدة من حصولك على ما تريدين وآمل أن يتم قريبا , أنني مسرورة لأخبارك إياي , وشكرا".
" عفوا".
قالت سوزان وبدا كأنها عادت الى موقفها المتحفظ من جيردا .
" سأخبر جوردان بمغادرتك ".
أومأت جيردا برأسها وجلست على مقعدها , وواصلت الأحساس بالأرتياح لأن موضوع ستيوارت ومستقبله أنتهيا بالنسبة ايها حتى قبل أن تفهم ما كان يدور حولها , إلا أن ظل جوردان بقي مخيما عليها وأشعرها بالعجز أن شيئا لم يحل حتى الآن , إلا أنها تخلصت من الإحساس بالمسؤولية , لأنها فقدت الرغبة في السباحة ضد مد اليأس.

نيو فراولة 27-08-11 07:22 PM

وزادت سرعة القطار وأنعكست الشمس الوردية الشاحبة على زجاج النافذة , وكان لصوت القطار صدى يشابه رتابة أسئلة لا تعرف أجوبتها , العقد , رد فعل جوردان لتحالفها مع سوزان , لقاؤها الغريب مع جوردان في الليلة الماضية , ودارت مرات ومرات في الدائرة نفسها متخلصة تدريجيا من آلامها ومركزة على مصدرها فقط , الرجل القاسي مصدر عذابها.
طوال الليلة الماضية وخلال ساعات أرقها الطويلة عاودت التفكير عدة مرات بما حدث في غرفة جوردان محاولة إقناع نفسها بأنه كان كابوسا مخيفا , إذ لا يمكن أن يكون قاسيا الى حد عرض تلك الصور التي نجحت في نسيانها خلال السنوات الأربع الأخيرة , ثم أن هناك موضوع أستخدامها لتشويه سمعتها وإثارة فضيحة كبيرة لمجرد إرضاء رغبته في الإنتقام.
منتديات ليلاس
وأخيرا العقد! هوارد! ستيوارت ويوزان..... وتلاشى الجميع من مخيلتها عند تفكيرها بالعقد , ولكن هل يهمها الأمر الى هذا الحد؟ هل هناك شيء أقسى من كلمات جوردان الأخيرة لها ؟ مسألة أعمال , بضاعة , شيء يجب أستخدامه.
رجل بلا رحمة , إلا أنها تحبه!
كان اليومان التاليين متعبين الى حد لم تصدقه , لقد توقعت في كل لحظة تلقي مكالمة هاتفية غاضبة من جوردان بلاك , ونظر اليها ميرك متفحصا عند دخولها المكتب وقال:
" إنك تبدين في حالة سيئة , هل أنت بخير؟".
وحك رأسه قبل أن يقترح:
" لم لا تأخذين اليوم إجازة لك لترتاحي؟ إذ ليس هناك الكثير لتعمليه بدون وجود هوارد كما تعلمين".
رفضت جيردا الأقتراح مدركة وجوب إستمرار حياتها اليومية بشكلها العادي , كما لم ترغب في البقاء وحدها في الشقة مستعيدة , طوال الوقت , ذكرياتها المريرة.
" أعتقد أنني سأرتب محتويات الخزانة في مكتب هوارد , إذ لم أفعل ذلك منذ زمن طويل".
وأنشغلت طوال الصباح بتلك المهمة رغم أنها لم تتمتع بالعمل إذ كان حضور هوارد قويا ومؤلما وأفتقدت وجوده وحيويته في كل مكان.
وجاء ميرك ليرى ما فعلت مرة ثم بدا وكأنه أحس بفراغ المكتب فعاد ثانية طالبا منها شيئا مستعجلا:
" أتركي ذلك , أريد الكتابة لجوردان".
وتمنت فجأة لو أنها لم ترفض عرضه ترك العمل اليوم , إلا أنها تبعته الى مكتبه الصغير.
" إنني مشمئز من كل هذا التلكؤ , لم نكن نلعب هكذا كالأطفال في الماضي , من هو بلاك هذا ليتصرف بهذه الطريقة؟ هل هو الشخص الوحيد على الأرض أم ماذا؟".
وأملى عليها الرسالة ثم طبعتها , كان أسلوب ميرك فجا ومباشرا وتساءلت عن وقع الرسالة على جوردان عند إستلامه إياها , كانت مجهودا عقيما وكانت واثقة من النتيجة , وللحظة واحدة إمتلكها حافز بتغيير مضمون الرسالة الى:
" السيد العزيز:
ربما سيؤثر على أتخاذك القرار معرفتك بأننا طردنا السيدة مانستون نتيجة إهمالها وسوء تصرفها أثناء المحادثات....".
كلا , ربما ستضيف ( سوء معاملتها ) بدلا من ( إهمالها) .
منتديات ليلاس
سعل ميرك وصارعت رغبتها الطارئة في تغيير الرسالة , أعادت قراءة الرسالة , ثم وقعها ميرك بدون قراءتها.
" لننتظر جواب الرسالة , هذا إذا تلقينا أي جواب".
وبدا كأن توقعاته صحيحة , إذ مضى أسبوع دون تلقي أي جواب من وينتقوردز , كما لم تسمع جيردا أي شيء من ستيوارت , إذ توقف عن الإتصال هاتفيا بها , ولم يعد أمامها غير الإنتظار كمحاولة للنسيان , فالزمن أفضل علاج لجرحها , لكن القدر لم يمنحها تلك الفرصة...
وكان الحدث المفرح الوحيد ذلك الأسبوع هو تحسن صحة هوارد وأنتهاء فترة بقائه في المستشفى , ورفع يده ليرحب بها حين دخلت غرفته وإبتسم بفرح.
وأخبرها بعد جلوسها على الكرسي المجاور لسريره:
" سأغادر المستشفى الأسبوع المقبل , ربما يوم الأثنين , وسيتم نقلي غدا الى دار النقاهة".
" إنني مسرورة جدا".
" وهكذا خيبت توقعاتهم ببقائي عدة أسابيع قبل إستعادة صحتي , كما أنني قضيت فترة طويلة أجادلهم.
ثم بدأ يكرر كل مجادلاته معهم بالتفصيل مما دفع جيردا الى الأعتراض:
" أنك تثير نفسك , إهدأ ولا تفسد الأمور".
" توقفي عن إبداء نصائح لي أنت أيضا".
وإسترخى من جديد متنهدا بصوت عال , مراقبل إياها بمودة وحب , وأحست بأنه يحاول إستعادة بعض ما حدث قبل مرضه , حالة يمر بها المريض عادة عند تحسن صحته , كأن ذهنه يمر بإعادة شحن تساعده على بدء الحياة مرة جديدة وبقيت صامتة الى أن إبتسم.
" هل كنت أحدق في وجهك ؟".
" كلا , بل بدوت وكأنك تحلم".
" صحيح؟ كنت أفكر بأنك تشبهين أمك , هل يؤذيك قولي هذا ؟ إذ أذكر أنني قلت الشيء نفسه من قبل , وأعني حين كانت في عمرك , كانت جميلة جدا كما تعلمين".
" ولا زالت جميلة".
أجابت بهدوء.
" هل هي سعيدة؟".
" أعتقد ذلك".
قالت جيردا بحذر.
" لم أكن أتصور أنها ستستقر في الخارج مع رجل مختص بالتاريخ , إذ كانت فتاة إجتماعية , مرحة تهوى إرتياد الأماكن , والحفلات , ربما غيّرها مرضها".
" كان ذلك شيئا سآسف عليه طوال حياتي , إذ كنت في أستراليا في وقت أحتاجتني فيه أمك ,ولن أغفر لك عدم إخباري".

نيو فراولة 27-08-11 07:24 PM

" كيف كان في إمكاني إخبارك ؟ كنت بعيدا جدا ولم أود إرهاقك بطلباتنا".
" كان في مستطاعي العودة فورا".
" من أستراليا؟ ألم تقم ما فيه الكفاية من أجل والدي؟ أعرف إنك كنت على أستعداد للمساعدة , بل كثيرا ما تمنيت وجودك الى جانبنا".
" ومع ذلك لم تخبريني بشيء".
أطرقت رأسها وصمتت للحظات وغرق كلاهما في أفكاره الخاصة , ثم تحرك ونظر الى وجهها الشاحب.
" أردت الزواج منها , أكثر من أي إمرأة عرفتها , أولا حين كنا مراهقين وفاز والدك في تلك الجولة , ثانية حين أصبحت أرملة وأردت الإهتمام بكما سوية , إلا أنها لم توافق أبدا".
وعاد الى صمته وراقبته , مفكرة بأنه كان سيكون والدها , إلا أن القدر أتخذ وجهة أخرى , لم يتزوج أبدا وليس في إمكانه الزواج الآن , ولم تستطع مقاومة تأثرها لمراقبة كآبة رجل أحب ورعى إمرأة رغم إدراكه بأنها لن تكون له , وقارنت الصورة في مخيلتها بوضعها الحالي فهي تحب رجلا يبذل أقصى جهده لألحاق الأذى بها......
وعادت الى واقعها حين سمعت صوت دوريل , ذاكرا إسم بليز:
" إنك بحاجة لمن يرعاك , إنك لست مؤهلى للعمل كإمرأة أعمال , ألم تلتق بشخص يحل محل بليز".
" كلا , لا أحد إطلاقا, ليس لدي الرغبة بالزواج من جديد".
" يبدو وكأنك عانيت من زواج تعس , لكنك كنت سعيدة مع بليز , أليس كذلك؟".
" نعم".
وتحاشت نظراته بسرعة:
" آسف لتدخلي , إذ نسيت أنني لا أملك حق التدخل في شؤونك الخاصة ,لكنني أريد منك اللجوء غليّ كلما أحتجت شيئا".
" ولكننني سأفعل ذلك بالتأكيد , ألم ألجأ اليك بعد وفاة بليز وهيأت لي مكانا في جيرنغفوردز ؟ بعد أن نسيت كيف أستخدم الآلة الطابعة والأختزال وحتى كيفية مسك القلم ؟ إنك من يستحق القلق الآن , لذلك فكر بنفسك فقط وأرجو أن نراك في بيتك بأسرع وقت".
" سأعود في نهاية الشهر وهذا وعد مني".
وأحست بالأرتياح لتأكيده , ولسماعها صوت جرس المغادرة , إذ كان عطف هوارد مؤلما ومذكرا دائما بفشلها في مهمتها.
" آه".
وتذكر شيئا إذ كانت على وشك الخروج.
" هناك عدة أشياء أحتاجها قبل يوم الأثنين , كتبت قائمة بذلك , أرجو أن تطلبي من السيدة ساندرز جلبها , إذ قد لا تزورني قبل الأثنين".
وضعت جيردا القائمة في حقيبتها بعد أن وعدته بتنفيذ ما أراد وبأنها ستزوره يوم الأحد قبل نقله الى بيت النقاهة في الريف , ثم قررت التوجه لرؤية السيدة ساندرز وإبلاغها طلباته.
رحبت السيدة ساندرز بزيارتها وألحت عليها للبقاء وتناول فنجان قهوة معها وإذ أستطاعت جيردا التخلص من إلحاحها والعودة الى شقتها كان النهار على وشك الأنقضاء , فأعدت ملابسها للصباح التالي , وما ستتناوله من أفطار , غيرت ثيابها وصففت شعرها ونظفت وجهها من الماكياج وبذلت أقصى جهدها لأبعاد وجه جوردان عن ذاكرتها.
لأول مرة منذ ستة أشهر تأخرت جيردا في النهوض صباحا ووصلت الى مكان عملها متأخرة ما يقارب الساعة , أسرعت قلقة لأنها كانت حريصة على الوصول في الوقت المطلوب , ولم تحاول أستغلال علاقتها الخاصة برئيسها , ومما زاد في تأخيرها إزدحام المرور وهبوب ريح قوية ذات إتجاه شمالي.
ولأنشغالها بترتيب شعرها والسير بسرعة داخل البناية لم تلحظ أولا الهدوء الغريب المحيط بها , ثم أفتقدت سماع صوت الآلآت الطابعة من الغرفة الرئيسية وكذلك قرقعة صينيات الشاي , في فترة الراحة من الصباحية , وإذ أسرعت لخلع معطفها أستطاعت إلقاء نظرة سريعة خلال الباب الزجاجي المؤدي الى مكتب الشؤون المالية , تجمعت الفتيات في زاوية واحدة هامسات بشيء ما وظهر القلق واضحا على وجوه الجميع , هناك السيدة جيمسون ومدير المبيعات الجديد , لا بد أن هناك خطأ ما في الحسابات , فكرت جيردا إذ فتحت باب مكتب هوارد لتلقي نظرة سريعة قبل توجهها الى مكتب ميرك.
سمعت أصواتا عديدة في الغرفة وقبل أن تطرق الباب طالبة الأذن بالدخول , غادرت الغرفة إمرأة متوسطة العمر ذات علاقة جيدة بجيردا , تدعى أليزابيث سميث.
وبدا على وجهها تعبير القلق ذاته الذي لمحته جيردا على وجوه العاملين في قسم الحسابات المالية.
" ما كان علي دخول الغرفة".
" لماذا؟ ماذا حدث؟".
" لست متأكدة بعد , لا بد أنه أمر مهم , إلا أن أحدا لم يخبرنا بما حدث حتى الآن , وكل ما طلبوه هو عدم مقاطعتهم في أجتماعهم".
" من هناك؟".
" السيد تيلور والسيد ميرك وأحد المدراء , من الأفضل أن نذهب لتناول الشاي الآن ".
"وصلت المكان منذ وهلة منافية بذلك أصول العمل".
وعضت جيردا شفتيها محاولة تخمين ما حدث , ثم أظلم وجهها فجأة :
" هل لذلك علاقة بالسيد دوريل.....؟".
" كلا......".
فأحست جيردا بالأرتياح:
" من الأفضل أن أهتم بالبريد".
" لا تستطيعين ذلك , لأنه موجود في المكتب , وقد خطرت لي الفكرة ذاتها قبلك".
من الغريب أن مجرد الأحساس بقرب كارثة ما يمكن أن يبلبل حياة مكتب بكامله , ورافقت جيردا أليزابيت معا قهوة الصباح , وخيم الصمت عليهما تحاشيا للوصول الى أستنتاجات خاطئة حول وضع الشركة.

نيو فراولة 27-08-11 07:26 PM

سمعتا أخيرا شخص غادر المكتب وشاهدتا من خلال النافذة , السيد تيلور والمدير الآخر , يدخلان سيارتيهما , إستدارت جيردا وقالت لأليزابيث:
" لا أستطيع تحمل الأمر أكثر , سأذهب لأتقصى ماهية ما يجري".
" لا تنسي العودة لأخباري ".
قالت أليزابيث بلهجة مستسلمة عائدة للجلوس خلف مكتبها.
ترددت لحظة حين سمعت رنين الهاتف , لكن أليزابيث أومأت برأسها نحوها.
وجدت ميرك غارقا في كآبته , ونظر اليها وبقيت نظراته ساهمة:
" ماذا حدث؟".
" قرر مدير تيلور الأنسحاب من المؤسسة".
" ماذا؟ الأنسحاب من جيرنغفودز ؟".
وجمدت جيردا من مكانها .
" نعم بعد عمله طوال حياته في المؤسسة , سمعنا الخبر هذا الصباح".
" لكنه لا يستطيع إنه يملك ثلت الأسهم.....".
" أنسحب وأنتهى الأمر".
" لا أستطيع تصديق الحدث , ما الذب ستفعله؟".
" دعوت مجلس الأدارة الى إجتماع طارىء , إلا أنه لن يتم قبل الأثنين ولا نستطيع أتمامه قبل ذلك , أريد منك الأتصال بهم مباشرة شخصيا , أرسلي برقيات لهم إذا تطلّب الأمر , وبجب أن يكونوا موجودين جميعا يوم الأثنين , وأخيرا ألقي نظرة على هذه!".
ونظر خلال الأوراق الموضوعة على المكتب ثم سحب ورقة وسلّمها إياها ,كانت رسالة رسمية تحمل ختم وينتفوردز ,وأحست بالتصلب والبرودة ,إذ شعرت بوقوفها عند حافة هاوية جديدة.
" شكرا على رسالتكم المؤرخة في الخامس عشر من الشهر الحالي ,وتبعا لأستقصائي نتائج بعض التحقيقات ولحاجتي قضاء وقت أطول في مداولتها ,آسف إذ اخبركم بتأجيل قرار بصدد منحكم إمتياز العقد , وأعتذر لأي إخلال قد ينتج عن التاخير وأؤكد لكم في الوقت نفسه ان التأخير لا يعكس عدم رضانا عن نتاج مؤسستكم ,ارجو تبليغ أفضل تمنياتي للسيد دوريل لتحسن صحته
المخلص ........
منتديات ليلاس
كان التوقيع واضحا ,جوردان بلاك , لا بد إنه يستخدم حبرا أسود كإسمه ,فكرت جيردا , واضعة الرسالة جانبا بغضب , إن لوقع افضل تمنياته صدى الأحتقار للمؤسسة , قال ميرك:
" إنها القشة الأخيرة ,أليس كذلك؟".
هزّت جيردا رأسها بدون أن تجرؤ على الحديث , نهض ميرك عن مقعده وإتجه نحو النافذة ,محدقا في الطريق العام ثم قال ببطء:
" ترى أليس من المحتمل جلب هوارد الى هنا , صبيحة الأثنين قبل نقله الى المصح ؟ اعرف أنه سيرغب بالمجيء ,ويجب ا نياتي ,حين سيسمع عن تيلور وحين يعلم بخبر هذه الرسالة...
هل زرته الليلة الماضية؟ ماذا تظنين؟".
" كلا ,إنه مريض ويجب ألا نخبره , يجب الا نخبره !".
" ولكن , يجب أن نطلعه على ما حدث ,وسيغضب إذا لم نفعل ذلك ,إنك لا تعرفين ما تتحدثين عنه".
" نعم , لكنها ستكون صدمة كبيرة له , مصيبة واحدة تكفي ولا يجب إعلامه بالكارثتين معا ,ألا تفهم ؟ قد ينهي ذلك تحسنه الصحي , خاصة أن الاطباء نصحوا بعدم إزعاجه ,ولا بد أن الصدمة ستنهي حياته".
" اعرف انه بحاجة للراحة ,ولكن ما الذي نستطيع عمله غير ذلك؟".
ومرر اصابعه في شعره قبل ان يضيف:
" أو ما الذي تقترحين عمله؟".
ولم تؤلمها لهجته الساخرة , إذ نالت في الايام الماضية ما يكفيها من الألم .
فقالت بعجز :
" لا أدري , أتمنى لو أنني اعرف ,ألا نستطيع الأنتظار حتى إنتهاء الأجتماع ؟ لنر ماذا سيحدث ونخبره بالنتيجة.......".
" وماذا عن الرسالة ؟".
وقلب ميرك بعض الأوراق على مكتبه ثم حدّق في وجهها ,قائلا:
" كلا , لا فائدة من ذلك يا جيردا , اعرف بأنك تحبينه لكنه وقت غير ملائم لأظهار العواطف ,إنها مسألة مهمة ويجب إطلاعه على التفاصيل".
بقيت جيردا صامتة , مدركة في داخلها بعدم وجوب جواب آخر , ومع ذلك بقي هناك حافز يحذرها من خطورة إطلاع هوارد على المشاكل .
قال ميرك :
" سأذهب لزيارته الليلة , وننتهي من المشكلة ,هل تريدين المجيء معي".
" كلا......لدي فكرة أخرى .... إمنحني فرصة يوم واحد ......حتى الغد".
" ماذا ستفعلين بحق الله ؟ليس بمقدورك منع ما سيحدث".
" نعم استطيع , سأذهب للقاء جوردان بلاك ,لا أستطيع الحيلولة دون تخلي المدير عن المؤسسة ,ولكنني قد استطيع إقناع جوردان بلاك بتغيير رأيه".
دهش ميرك واشار إلى الرسالة :
"هل تدل لهجة الرسالة على إحتمال تغيير رايه؟".
"كلا ,لكنني سأحاول , يجب أن احاول".

نيو فراولة 30-08-11 08:11 PM

7- ماذا في اللاوعي؟



إذا إتخذت جيردا قرارها لم يعد للكبرياء والعناد أي تاثير معاكس ,وسدّ حاجزغريب في لا وعي جيردا كل شيء عدا اللحظات التي أستدعت إتخاذها القرار ,ولم تستطع إضفاء واجهة معقولة على قرارها الحاسم , وإذ قررت أخيرا مغادرة غرفة نومها ,كانت الغرفة ساحة لمعركة خاضتها مع نفسها لإختيار ما ستلبسه ونوع الماكياج والوشاح...
ومع ذلك غادرت الغرفة دون أن تدرك ما فعلته او كيف بدت في النهاية ,كما لم تعلم إلى اين ستتبعه أو إذا كانت ستعثر على جوردان بلاك هناك ,كانت لديها فكرة غامضة عن شقته في المدينة ..... وعثرت على العنوان في دليل الهاتف ,من الفضل لو انها إستأجرت سيارة إذ لم تستطع العثور على المكان وحدها و كما أنها لن تجرؤ على الأتصال به هاتفيا ... وما الذي ستقوله ؟ ورغم وصولها وتوقف سيارة الجرة أمام الطريق الضيق المؤدي إلى مدخل البناية ,لم تستطع إعداد ما ستقوله ,أشرقت الشمس المتأخرة على زجاج الابنية العالية المشرفة على المبنى الذي يدل بوضوح على قدم المنطقة ومحافظتها على بعض ملامحها الأصيلة , كانت هناك مصابيح قديمة تنير خارج المنزل ,كذلك صناديق النباتات والزهور الجميلة وتساءلت جيردا فيما لو كانت مخطئة في فكرتها عن شخصية جوردان بلاك و إذ لا بد أنه يعيش في شقة تقع أعلى بناية شاهقة , وليس في ذلك المنزل المواجه لها في نهاية الطريق , كان هناك لوحة صغيرة تحمل إسمه وجرس مما مما دفعها للتردد من جديد , لن يكون هناك, اليوم هو الجمعة , لا بد أنه توجه إلى غرين ريغ لقضاء العطلة.
سارت ببطء حول زاوية المنزل ولمحت السيارة الخضراء في الجانب الاخر , وقفت هناك ممزقة الرغبات ثم سمعت فجأة صوت جوردان بلاك .
" الباب مفتوح".
دهشت لرؤيته ينظر اليها من خلال النافذة , وقال :
" إفترضي أنك كنت تتجولين في المنطقة باحثة عني".
ودون أن تجيبه توجهت نحو الباب ,فتحته كما قال بدفعة صغيرة ,ووجدت نفسها في صالة صغيرة ذات سقف منخفض , وباب مسدود يواجهها وسلّم ضيق في الجهة اليمنى , ترددت وبدأت صعود السلم .
كانت هناك مطبوعات يابانية قديمة بأرتفاع كتفيها لكنها لم تستطع رؤيتها , وأدّى بها السلم إلى غرفة جلوس فسيحة,كما كان واقفا قرب النافذة .
" تعالي إذن , ما لم تقرري الجلوس عل السلم والتحدث إليّ من هناك".
تحركت نحو الطرف البعيد من الغرفة وجلست على كرسي جلدي , ثم قالت :
" أغلقت الباب ".
" يا له من أمر خطير ".
وتحرك اخيرا من مكانه :
" ماذا تريدين ان تشربي؟".
"لا شيء , شكرا".
"إجلسي , هل تريدين سيجارة ؟".
" كلا , شكرا ,هل كنت على وشك الخروج؟".
"كلا , إذ أبقى احيانا في المنزل".
جلس على احد المقاعد ولم يبد عليه الأستغراب لرؤيتها تبحث عنه , ثم نظر إليها فترة طويلة قبل ان يبتسم قائلا:
" حسنا ,إنها زيارة غير متوقعة".
إنتظر صامتا دون أن يحاول تسهيل الأمر عليها فنظرت حولها بإعجاب إلى الأثاث الأنيق كأنها تبحث عن ملهم يساعدها لبدء الحديث , راقبها بكسل ضاغطا بأصبعه على شفته ثم متتبعا تفحصها للغرفة , ونهض واقفا:
" ولكن بالطبع إنك تودين مرافقتي في جولة سريعة داخل المنزل , تعالي , سأريك التفاصيل , سنذهب الى الطابق ألارضي أولا , في الحقيقة لم أشرف على تجديد البناء بنفسي وإلا لضحّيت بالحديقة الصغيرة .... وإذ
أكره إستخدام المطبخ لتناول الطعام , حوّلت هذه الغرفة إلى غرفة للسفرة ,سأقوم ذات يوم بتغيير أخشاب المطبخ , إنه فسيح وجميل إلا أن ديكوره يضفي صيغة كاذبة على حقيقة المكان".
وقفت إلى جانب الثلاجة و بينما القت هي نظرة سريعة على محتويات المطبخ المشابهة لصورة أخذت من ( كتالوغ ) حديث , ثم قادها عبر غرفة الطعام الصغيرة على الطابق العلوي مع تعليقه االدائم على كل مكان وعن رغبته في خلط القديم بالحديث , إلى أن توقف فجأة قرب الحمام مواجها إياها :
" إنك تعلمين جيدا بانك لم تصغي لأي شيء ذكرته , لماذا جئت؟".
جذبت نفسا عميقا:
" جئت لأسألك النظر ثانية في قرارك".
" أي قرار؟".
" انت تعلم أي قرار , إستلمنا رسالتك اليوم".
" آه , إنها زيارة عمل".
" كلا , ليست زيارة عمل ,كانت رسالتك أقسى........".
وكبحت جماح غضبها وأمسكت عن نطق الكلمات العاطفية محاولة المحافظة على هدوئها.
" جئت لأسالك عن الأسباب المنطقية ضد تجديد العقد وماذا تعني بالضبط حين ذكرت التحقيقات والمباحثات".
" أظن أنك تعرفين ما عنيت".
" لو كنت أعلم لما سألتك".
" حسنا جدا و أفكر بشراء جيرنغفوردز ".
" ماذا تفكر؟".
" ولم لا ؟ ستكون ملحقا جيدا".
" لكن جيرنغفوردز غير معروضة للبيع , لا اعتقد أن هوارد سيسمح بذلك , كما أنه يملك الجزء الأكبر من السهم وليس من المعقول......".
" أعتقد أنه معقول ,اعرف ما قرّره للمدير تيلور , كما أعرف أشياء أخرى تؤكد الأحتمال وأظن أن دوريل نفسه لن يمانع بعد أن يشفى".
سألت بحدة :
" نعم سيمانع , متى بدأت التفكير بالشراء؟".
" منذ فترة, منذ عدة أسابيع".
وجلس على الكنبة القريبة محدّقا في وجهها .
" كل ذلك الوقت ؟ ولم تخبرني بذلك؟".
" لم يكن الوقت ملائما".
" لا استطيع تصديق الأمر".

نيو فراولة 30-08-11 08:13 PM

شعرت بإهتزاز موقفها وبالبرودة ولم تعد قادرة على فهم ما يجري حولها , فجأة تفجّرت عواطفها ولم يعد لزمام العقل أي تحكّم عليها :
" هل تفعل هذا بسببي وبسبب ستيوارت وسوزان؟".
" انا رجل أعمال وسلوكي يتطابق مع مصلحتي التجارية".
ثم اضاف موضحا :
" أن جيرنغفوردز على وشك الأنهيار ,وبمعدل سريع ,وفي إستطاعتي أسناد الشركة ماديا ودعمها كملحق مفيد لوينتفورد".
" هل هذا هو كل ما تفكر به؟ تجارة وربح , ولا تفكر بالناس ولا مشاعرهم".
هز كتفيه إستهانة فأحست بالفشل يلحق بها , صمتت لحظات طويلة ثم تنهدت ونهضت من مكانها , كانت حمقاء لمجرد التفكير أنها تستطيع تغيير رأيه بزيارتها المفاجئة , مجنونة لأنها ظنت أنها قد تؤثر عليه لتلينه قليلا , كان قاسيا ومتصلبا في موقفه وكانت هي آخر شخص يمكنه التأثير عليه.
وبتأدبه البارد حمل سترتها القطنية وإذ كانت على وشك مد ذراعها ترددت و ألتقت عيناها بعينيه , وسقطت ذراعاها الى جانبيها :
" جوردان ,قل لي رجاء , كن صادقا معي , هل لهذا كله علاقة بي ؟ لأنني اعمل لجيرنغفوردز ولصداقتي الشخصية مع دوريل ؟ أعرف طبيعة مشاعرك نحوي ونحو ستيوارت وكل شيء , لكن ارج وان تخبرني , هل تسمح لمشاعرك الشخصية بالتاثير على قراراتك التجارية؟".
" لنفترض أن جوابي نعم , فماذا تقولين؟".
" حاولت إقناع نفسي بخطأ أفكاري, إلا انني لم أستطع".
وهزّت رأسها بيأس:
"لا أعرف ماذا أقول بإستثناء ان قرارك سيحطم دوريل وسيؤثر على حياة العديدين , كل ذلك لأنني...".
وأرتجف فمها وتخلت عن تصميمها في مواجهة نظراته , تناولت السترة بهدوء دون أن تسمح له برؤية إنهمار دموعها.
" يجب ان أذهب الان .....أنا ... أنا".
" جيردا".
وأدهشها التغيير في صوته إلا أنها لم تلتفت , وخطا نحوها ثم توقف :
" إنني لا أفهمك يا جيردا ,هذا الولاء العميق لدوريل والشركة وإنه شيء غير طبيعي بالنسبة إليك".
" غير طبيعي لأمراة ... أتعني ذلك؟".
" امرأة أكتشفت أنها بلا أخلاص شخصي , وحتى الآن ...... إنسي ذلك , وبحق السماء لا تنظري أليّ بهذه الطريقة مثل شهيدة كما لو كنت أنا الملام".
" الست الملام؟".
تساءلت بمرارة.
" انت توجهين الأتهام ؟ يا له من سلوك نموذجي لأمراة ".
وأستعاد وجهه صلابته قبل أن يكمل جملته:
" في إمكان المرأة فقط إتخاذ موقف يستند الى كذبة وتتبنى الدفاع عنه حتى النهاية".
" الدفاع ؟كيف استطيع الدفاع؟ إذ تحمل أنت كافة الأسلحة بين يديك ,كيف استطيع المحاربة إذ ترفض أنت الأصغاء إلى الحقيقة؟ منذ البداية وأنت تتبنى اسوأ فكرة عني ,لمتني في حادث اخيك , ثم حاولت إبتزازي لأنهار علاقته بفتاة تحبه فعلا ويحبها لمجرد كراهيتك لها , أتهمتني بعدم الأخلاص حكمت عليّ وأدنتني دون معرفة الحقائق ,وأحتقرتني لذلك , آه ,نعم ".صرخت إذ رأته يحاول الأنكار : " لم أنس بعد كيف حاولت إغوائي منذ ثلاث سنوات لترى بنفسك إن كنت صالحة لأخيك العزيز , واخبرني بذلك بنفسه ,وظننا الأمر مضحكا حينئذ لكنني لن اسامحك ابدا ,حسنا : إكرهني وعاقبني إذا اردت ولكن لا تدع رجلا آخر يعاني , رجلا يستحق أفضل حياة ممكنة".
" هل يهمّك الى هذا الحد؟".
" نعم يهمني".
منتديات ليلاس
وإرتجفت محاولة التمسك بشيء يعيد إليها هدوءها وسيطرتها على نفسها:
" لا تفعل هذا بسببي ولأن سلوكك قاس وغير عادل ,ولا أستطيع تحمله اكثر , أنا........".
" ها توجّهين إليّ إتهامك الآن و إنك .... آه , لا تبكي رجاء : لماذا تلجأ النساء دائما.....".
هزت رأسها ومدت يدها تمسك حقيبتها محاولة تحاشي نظراته.
وحاولت في الوقت نفسه , إرتداء سترتها فلم تستطع الرؤية بسبب دموعها , أعاق سيرها ووقف أمامها.
" لا تستطيعين المغادرة بهذا الشكل".
" غير مهم , عرفت بانك لن تسمح وغنني......".
" جيردا , لا تذهبي.....".
" لا يهمني ما سيحدث ,دعني اذهب".
" كلا".
وبقي واقفا في طريقها.
"جيردا , لا استطيع..........".
وامسك بكتفيها بقوة كما لو أنه سيساعدها على إستعادة هدوئها.
"ووقعت سترتها على الأرض فإنحنت لألتقاطها فكانت النتيجة اصطدامها به , وحاول أن يساعدها على إرتداء السترة وتعديل ياقتها إلا أنه توقف فجأة وأحاطها بذراعيه من جديد.
" إهداي ,إنك مهتاجة الأعصاب".
تنهدت فقال:
" من الأفضل لك الجلوس قليلا ".
" كلا".
استدارت برأسها بشكل لا إرادي:
" لا أريد".
" لا تتكلمي".
كانت يداه قاسيتين وضغط رأسها على كتفه:
" قلت ما فيه الكفاية".
ارتجفت كتفاها :
" كلا , لم..........".
" أصمتي".
كان صوته لطيفا وحاسما في الوقت نفسه وواصل الأمساك بها ,رغم محاولتها اليائسة للتخلص منه والأبتعاد بأي وسيلة عنه ,قال بعد لحظات :
" أظن أن هوارد أرسلك".
"كلا , إنه لا يعلم بمجيئي ولا أريده أن يعرف".
بقي صامتا ومسّد شعرها بيديه ,مهدئا إياها مثل طفل يبكي ويلجأ الى صدر من هو أكبر منه للحماية ,إلا أن حنانه وعطفه عليها دفعاها الى بكاء أشد خاصة بعد إدراكها لضعفها حياله.

نيو فراولة 30-08-11 08:15 PM

تحركت فإستجاب وترك لها حرية الإبتعاد عنه:
" هل تشعرين بالتحسن؟".
أومأت برأسها إيجابا ,دون النظر اليه ,وقال بصوت غريب , متقطع :
" جيردا , حتى لو أنني لبّيت ما تريدين : منح العقد لدوريل ونسيان خطتي بشان جيرنغفوردز , هل تعتقدين أن ذلك سيحل كل شيء؟".
" يحلّ ؟ بالطبع".
همست بصوت مبحوح .
" هل أنت متأكدة ؟".
" نعم...... ولكن ماذا تعني؟".
" أظن انك تعرفين , جيردا انظري غليّ.....".
وشكّت بقدرتها على النظر اليه دون أن تفضح نفسها , فنفذ صبره :
" لماذا لا تواجهين الحقيقة؟ لماذا تحاربين المحتوم؟".
" لكنه ليس محتوما غذ لست مجبرا على شراء جيرنغفوردز ".
" لست أتحدث عن ذلك".
ووضع أصبعه تحت حنكها مجبرا إياها على النظر اليه ,وتقلّص وجهه إذ رأى وجهها المغطى بالدموع , أغلقت عينيها فقال :
"لا يغيّر ذلك شيئا كما تعلمين".
" ماذا؟".
" ماكياجك يسيل على خدّيك , ذلك لا يعني شيئا إطلاقا".
سكتت فإنحنى نحوها ,وزادت حركة يديه عنفا لتدل على رغبته فيها , وأحست جيردا بالتحذير ينطلق من داخلها , ينبّهها الى خطورة موقفها
وكأنه أحس بضعفها فبدا يمسّد شعرها بحنان أكبر حتى دفعها للأحساس بان لا مفر امامها من ذراعيه غير اللجوء اليه.
" اردت أن افعل هذا منذ سنوات".
همس في أذنيها بصوت مرتعش , وإستجاب قلبها لدقات قلبه ولم ترغب بالتحرك من مكانها وتحركت شفتاها لتلفظ إسمه مرّات عديدة كأنها تحاول إخباره عن شوقها اليه.
وإذ تحرّك أخيرا قال:
" جيردا إبقي معي الليلة".
وجمدت في مكانها مستعيدة برودتها:
" ابقى ؟ هل تعني؟".
" نعم , اريدك ان تبقي معي , أردتك دائما أن تفعلي هذا".
" كلا ,لا استطيع , لا تطلب مني ذلك".
" لم لا ؟ انك تريدينني بمقدار ما اريدك".
" كلا".
وتحررت من ذراعيه وإبتعدت عنه:
" ليس ذلك صحيحا ........ إنك...........".
" لم قمت بذلك إذن؟".
" لم أرد منك .....".
وضمّت قبضتيها يأسا.
" لم أعن تلك الطريقة......".
" هل حدث صدفة إذن ؟". قال بغضب شديد : " حدث ذلك صدفة والخطأ هو خطأ الرجل دائما".
"كلا وليس ذلك عدلا ". وواجهت الأحتقار في عينيه : " لم اقل ذلك , كما لم آت الى هنا لأغويك".
" كلا؟". وعاود سخريته المعتادة : " ولكن وجودك ذاته إغواء لي , قد لا تعرفين ذلك وسيتطلب الأمر جهدا كبيرا لقناعي بخطأ رأيي".
نظرت بعيدا لتتحاشى نظراته المصممة على إهانتها وفضح ضعفها , وواصل التحديق فيها كانه أحسّ بضعفها وأراد إستغلال تلك النقطة لصالحه فخطا إلى الأمام مقتربا منها من جديد , ثم قال بنعومة:
" تكادين تقنعينني احيانا بتغيّر مشاعرك ,ثم أكتشفت بعد ذلك عدم تغيير أي شيء و فيدفعني إحساس جديد إلى محاولة تحطيم قناع البراءة الذي تواصلين إرتداءه ".
وواصل الأقتراب منها فأشعرها ذلك بالقشعريرة تسري في جسمها وخشيت إقترابه منها إلى اقصى حد.
" منذ فترة طويلة وانت تتحدين مشاعري وسأضع نهاية لهذا التحدي".
ولم تستطع غير الهمس بصوت لم تعرف إن كان مسموعا أم لا :
" كلا يا جوردان و لم ارغب بذلك ابدا".
++++++++++++++++++++++++++++++++++++
إلتقت جيردا بجوردان بلاك لأول مرة , في حفلة أقيمت قرب ويندسور وكانت قد إلتقت أخاه ستيوارت , لم يعرها أي إهتمام في البداية , كما لم يرحّب بها عندما عرّفها ستيوارت به لأول مرة واحست بعد ذلك بمشاعر غريبة نحوه , لم تحاول تحليل طبيعتها الى ان إلتقت به بعد عدة أشهر إثناء عطلتها في غرين ريغ فأدركت حقيقة مشاعرها وبدا لها كل شيء مختلفا لحظة إقترابه منها.
إلا ان ستيوارت كان متعلقا بها , ولم تتح لها فرصة اللقاء بجوردان إلا نادرا وإعترفت لنفسها أن سبب مواصلتها للقاء ستيوارت هو رغبتها في رؤية جوردان.
وعذّبتها معرفتها بالحقيقة فأحست بالذنب , حاولت ان تعترف لستيوارت بحقيقة مشاعرها وبحبها لأخيه , إلا أنها لم تملك الجرأة للقيام بذلك , وكان الأمر كله مخالفا لطبيعتها وفضّلت الموت على فضح سرّها ,وتحوّلت مشاعرها إلى عذاب دائم لها إلى أن حلّت الليلة التي عرض فيها ستيوارت الزواج منها ,وجاء عرضه متوافقا مع طبيعته الطائشة وموقفه من الحياة , إذ إعتبر من الطبيعي أن يعرض عليها الزواج ما دامت رفضت الأستسلام له قبل ذلك , وحين رفضت بألطف طريقة ممكنة , دهش في البداية ,غير مصدّق ثم إنتابه الغضب حين أدرك إصرارها ,ودفعته كبرياؤه المجروحة إلى النطق بكلمات ما كان ليتلفّظ بها لولا ذلك , غلا أن ذلك جرحها برغم فهمها لأسبابه الدافعة , ثم إتهمها في النهاية بعلاقتها مع بليز مانستون, هذا إتهام انكرته بقوة و خاصة ان بليز كان صديقا رعاها وإهتم بها وكما كان دوريل بالنسبة لأمها و لم تفكر ببليز بإعتباره حبيبا لها أطلاقا ,كما لم يخطر في ذهنها التساؤل عما إذا كان بليز فكر بها بما هوأكثر من مجرد فتاة في الثامنة عشرة ,خجلة , غير مدركة لطبيعة جمالها ,ومخلصة , إخلاصا لا حد له للناس الذين تحبهم.

نيو فراولة 30-08-11 08:22 PM

كلا ، كان بليز شخصا تحتمي به عند الحاجة وتشعر نحوه بالمودة وعرفان الجميل ، وكان هو من لجأت اليه بعد الحادث ووجدت في علاقتها به معنى العطاء الدائم والسلام النابع من توفير الراحة لمن تحب : إلا انها لم تستطع النسيان أبدا.
ولم يمت حبها لجوردان بلاك بل بقي مترسبا في أعماقها ,تثيره أحيانا بعض الذكريات السريعة , لكنها قاومت الذكرى بعنف لئلا تسيء إلى بليز , إلى ان تزوجت شقيقته الصغرى , وحين عادت مع زوجها بعد قضاء شهر العسل في كابري , تمّ لقاء العائلة باكملها في بيت والدته في ديفون , كان الجو رائعا فتوجهوا جميعا إلى ساحل البحر ,وإكتشفت جيردا هناك معنى العلاقة بين حبيبين حين راقبت تبادل الحب بين الزوجين الشابين ,وبقيت صامتة طول طريق الرحلة إلى البيت مع بليز وإذ عادت إلى سريرها وحدها كالعادة , بقيت مستيقظة تحلم بما رأته.
++++++++++++++++++++++++++
أرتجفت وإبتعدت عنه.
" لم لم تخبريني؟".
" هل كنت ستصدقني؟".
وكان صوتها مليئا بالمرارة.
" بالطبع ,آه كيف كنت سأتوقع هذا؟".
نظرت إلى كتفيه ,وشعرت بحذر غريب:
" هل سيؤثر ذلك على أي شيء؟".
" طبعا..........".
ونهض سائرا الى الجهة الأخرى من الغرفة.
" لم أتظاهر ابدا بأنني قديس , لكنني لم اكن مستعدا أيضا لأغواء فتاة بريئة".
ولم تستطع الرد ,فمرّر يده في شعره قائلا:
" لم أحلم بأنك فتاة لم تمس من قبل ,ولكنك كنت متزوجة من بليز".
" لم كن زواجا حقيقيا , هل يصدمك إعترافي؟".
" كلا ,لكن......لكنني لا عرف ما الذي افكر فيه حاليا".
" لم يعرف احد بالأمر إطلاقا".
" لست بحاجة الى التوضيح..... إنني........".
وسحبت يدها بسرعة :
" كلا ,اظن أنني اريد إخبار شخص ما ,كان عليّ إخبارك منذ البداية , بدلا من محاولة خداعك"
" كلا يا جيردا".
ومد يده الى علبة سجائره فسحب واحدة بدأ تدخينها وأحست بالرغبة في إخباره كل شيء , رغم إخفائها الحقيقة عن الجميع لسنوات طويلة .
" أخبرتك ذات مرة أنني تزوجت بليز بدافع الشفقة ,حسنا إنها الحقيقة ,قد يبدو الترتيب مستحيلا لكنه لم يكن بسبب ما فكرت به ،إذ لم اتزوجه هربا من مسؤوليتي اتجاه ستيوارت والحادث......".
" جيردا , لا حاجة بك لإعادة الحديث......".
" بل يعود الأمر الى زمن بعيد ,حين مرضت والدتي أوصى الطبيب بوجوب مغادرتها انكلترا اثناء الشتاء وقضائها الفترة في عيادة سويسرية ورتّب الحجز لنا , وذهبت معها لقضاء العطلة سويا ,وكان بليز مريضا في العيادة نفسها , بعد ان أزيلت إحدى رئتيه ، غلا أن المرض تسلل الى قلبه بعد ذلك ,ولأنه كان النكليزي الوحيد فكان من الطبيعي لقاؤنا وتبادل الأحاديث ,كان عطوفا ومثيرا للأطمئنان ومنح والدتي كل مساعدة ممكنة للأستقرار وهكذا شعرت بالأمان لتركها هناك والعودة الى أنكلترا دون خوف عليها ,بعد ستة اشهر إستلمت رسالة منها قالت فيها بأنها أفضل من السابق ،وأنها ستنتقل في الأسبوع المقبل الى مصح آخر ,لا أستطيع لفظ أسمه بطريقة صحيحة لكنه قد يكون تاميتا جورجي ,هناك ألتقت بالبروفسور هيرتز ,تزوجا بعد عدة اشهر وإستقرت هناك بشكل دائم , إنه مختص بالكتب النادرة ويعمل قرب جامعة غراز ,وهما سعيدان جدا".
منتديات ليلاس
توقفت عن الكلام مدركة بأنها إبتعدت عن الموضوع الأصلي , ثم تابعت:
" أخبرتني في رسالتها أن بليز في طريق عودته الى أنكلترا وإنه سيأتي لزيارتي ,وعندما جاء دعاني للعشاء فتحدثنا عن والدتي وسويسرا وعمله ,كان أكبر مني سنا , وتوفيت زوجته قبل سنوات ,وحين تزوجت والدتي كان عليّ أن أقرر هل اذهب لأعيش معها أم لا واعرف أنهما ارادا مني العيش معهما ,خاصة ان زوج والدتي رجل عطوف ورائع ,لكنني لم أكن واثقة من رغبتي بترك انكلترا وحياتي فيها ,وإذ حثني المحيطون على الذهاب الى سويسرا ,نصحني بليز بعدم الذهاب ما لم اكن واثقة تماما من اختاري وأن اترك الفرصة لوالدتي للأستقرار في حياتها الجديدة , بعدئذ ,حين ذهبت لقضاء عطلة طويلة معهما , أدركت صحة رأيه , إذ كان الأثنين منغلقين في علاقتهما تماما , هو يقوم بترجمة بعض نصوص القرون الوسطى ,تساعده والدتي في ذلك خاصة بعد ان أتقنت اللغة في فترة قصيرة ,وأحست بعدم الحاجة أليّ , كانت في صحة جيدة وتتمتع بحياتها الخاصة , وحين عدت الى انكلترا وإلتقيت بستيوارت وتوقفت عن لقاء بليز ,حينئذ كنت متعودة على الأخذ دون العطاء ,وعلمت اثناء ذلك أن رئة بليز الأخرى معطوبة وان الاطباء اخبروه أنه لن يعيش أكثر من عام آخر".
تحركت جيردا , فتناول جوردان السيجارة من يدها خاصة وأنها لم تدخنها إطلاقا.
" انت تعرف البقية و ادركت أنني لا احب ستيوارت ,وبعد الحادثة لم أعرف ما الذي أفعله وكنت تعيسة جدا ,وذات ليلة عرض عليّ بليز الزواج وأخبرني بانه لا يملك الكثير ليقدّمه اليّ وأنه لن يستغرب إذا ما رفضته بعنف ,ولكنه اضاف بأنني إذا لم أقرر الذهاب للعيش مع والدتي فيجب أن افكر بإقتراحه ,وكنت أعلم بأنه سيمنحني السعادة , وأدركت فجأة بأنني أريده وانني أحبه وأريد العيش معه والأهتمام به".
وتنفست بعمق:
"كنا سعداء جدا ,ورغم خوفي الدائم مما سيحدث كنا قادرين على الضحك والفرح ,ومرّت بنا ايام كان فيها بليز مريضا جدا لكنه كان شجاعا فاجبرني على مشاركته أحاسيسه , وإذ مرّ العام وبدا عليه بعض التحسن تجرانا على التفكير بخطأ إفتراض الأطباء , أو حدوث معجزة ...... إلا أن كل شيء إنتهى في العام الماضي ...." وإرتعش صوتها :" وكنا على وشك الذهاب الى ديفون , إلا أنه أحس بالضعف الشديد ثم توفي المستشفى في ليلة عيد الميلاد".
وساد بينهما صمت طويل بعد ان أنهت حديثها , وأخيرا تحرك جوردان ووضع يديه على ركبتيه للحظة قبل أن يقف ثم يتمشى في الغرفة ,وقال :
" وماذا ترك لك ؟ بعض المال والذكريات؟".
بقي مديرا ظهره لها ولم تستطع فهم حقيقة سؤاله ,إلا أنها اجابته بهدوء:
" كلا, لكنني تعرفت من خلال الزواج على شخص طيب ,لم يكن هناك أي خداع في زواجنا ,بل منحته الحب والتضحية وارجو أن أكون قد ساعدته في تسهيل آلام السنة الأخيرة ,ومنحني هو السلام والفهم اللذين كنت في حاجة اليهما ,ليس لدي ما آسف عليه بصدد زواجي من بليز وكنت فخورة بكوني زوجته".
إستدار جوردان وكان فمه متقلصا كأنه كان على وشك قول شيء ثم غيّر رايه في اللحظة الأخيرة :
" كان من الممكن بقاء بليزحيّا عدة سنوات ,هل كنت ستحافظين على مشاعرك ذاتها نحو الزواج ؟".
" نعم ".
منتديات ليلاس
همست مؤكدة قبل ان ينتابها أحساس مفاجىء بوجوب هربها ,لكنه لم يفهم قلقها ورغبتها في الأختلاء بنفسها , فعاد ليجلس الى جانبها ولأول مرة رات في وجهه القلق والندم وشيئا آخر لم تفهمه ، قال :
"هذا يجعل الأمور مختلفة هل تفهمين ؟ما كنت سأتصرف بهذه الطريقة ,لو أنني عرفت من قبل ما قلته لتوك".
وبحركة مفاجئة حاول معانقتها معتذرا عن سلوكه :
" لا احاول إختلاق الأعذار لسلوكي ,لكن يجب ان تصدقي ما قلته".
إلا أن جوردان نسي كبرياء المرأة وقوتها على إخفاء باقي المشاعر ,وحتى فضيلة الغفران ,وكانت ,في تلك اللحظة ,لمسة جوردان آخر شيء ارادته فإنكمشت في مكانها ,مبتعدة عنه :
" نعم قلت لك لا اهمية للأمر ".
كانت حركتها مندفعة ,فوقف جوردان بسرعة ونظر اليها بمرارة.
"نعم , أظن أنني المخطىء تماما".
حاولت ترتيب شعرها وإرتدت حذاءها ثم قالت بتعب:
" رجاء....... كل ما اريده هو نسيان ما حدث , ولست الومك".
وواصلت ترتيب شعرها كأنها لم تسمع فعلّق بصوت عال:
" حسنا , أنت محقة ,كنت مخطئا في حكمي عليك , ثم أكتشفت هذه الحقيقة المثيرة الأمر الذي يجب أن تشكريني عليه , لكنه لا وجود لمرأة ذات منطق وتتعرّف على الحقائق ,لوانني اغويتك فعلا لحوّلت الموقف الى مأساة ,أما لأنني لم افعل فإنك تسمين الأمر إحتقارا ...... أليس كذلك؟".
وتملّك جيردا غضب أعماها ,وكانت مرتبكة الى حد لم تفهم فيه أن جوردان نطق كلماته الأخيرة ليحمي نفسه وتزعزع ثقته بنفسه ,و وتجاهلت كل محاولاته للحديث معها وإقناعها باخذها الى البيت بواسطة سيارته , فهرعت مغادرة المنزل باقصى سرعة لتجد في الظلمة ملجأ لها.

نيو فراولة 31-08-11 01:39 PM

8- من يملك الحكم


تأرجحت مشاعر جيردا خلال عطلة نهاية الأسبوع ,بين الكراهية اللامعقولة لكل الرجال وجوردان بلاك بشكل خاص بين إحتقار ذاتي بالقدر نفسه ,وفقدت القدرة على تذكر السباب الأولية التي دعتها للذهاب لرؤية جوردان وبقيت مكتئبة نتيجة ما حدث ,وفكرت بأنها لم تفشل في إقناعه بتغيير قراره بصدد العقد فحسب بل خسرت بقية إحترامه لها ، هذا إذا تجاهلت فقدانها إحترامها لنفسها.
كانت مكتئبة وتعيسة حين ذهبت الى المستشفى يوم الأحد ، ولولا وعدها بزيارة هوارد ومعرفتها بنقله الى المصح في اليوم التالي , لما وجدت الجرأة الكافية لرؤية أحد , لكنه بدا بصحة جيدة ومتمتعا بمعنويات عالية , ووجدته جالسا خارج الردهة في قاعة الزوار , الأمر الذي أفرحها لوهلة , تلا ذلك إحساسها بأنه لم يعرف بعد ما جرى لجيرنغوردز.
إبتسم لها ومد يديه ليمسك بيديها حين رآها تتقدم نحوه وقال :
" إنه يوم جميل..... أليس كذلك؟".
وإنتبهت جيردا الى جمال النهار وحاولت الأبتسام والموافقة.
" إذا بقي الجو حسنا سأتمتع بفترة نقاهتي , سأتمشى وأتمتع بالشمس وربما سأمارس لعبة الغولف و حينئذ سأدرك أنني اصبحت رجلا عجوزا".
" أنك لست عجوزا ,وليس لعب الغولف دليل ذلك , لأنها لعبة يمارسها الشباب".
" صحيح؟".
إبتسم هوارد بغموض ثم قال:
" ماذا جرى ؟يبدو عليك التعب".
" لا شيء , إنني بصحة جيدة".
وأجبرت نفسها على الإبتسام من جديد.
" لا يبدو عليك ذلك , هل أستطيع مساعدتك؟".
"كلا ,لا شيء هناك ، بإستثناء..........".
وتوقفت برغم علمها بوجوب إخباره، إلا أنها كانت تحاول وبقدر الأمكان تأجيل التحدث ,وأرادت إخباره بلطف دون أن تثيره أو تزيد من آلامه.
" بإستثناء ماذا ؟". وقطب جبينه : " جيردا , هل أنت قلقة بشأني وشان الشركة ؟ وذلك العقد ؟ لأنني.......".
"نعم ,ولم أرد أقلاقك ,إذ املت بنقل أخبار.......".
وبدأت فجأة إعترافها بجمل متكسرة وبطريقة تختلف عن أسلوبها الهادىء معه عادة.
" كانت رسالته باردة ,اعرف أنها رسالة رجل أعمال لكنني اردت تغيير رايه وأملت ان انجح بذلك , قبل نقل الأخبار السيئة اليك ,فطلبت من ميرك تاجيل حديثه معك علني أبحث مع جوردان بلاك ثم ألتقيت به ,إلا أن اللقاء كان فاشلا ولم يغير رأيه وكنت حمقاء في سلوكي إذ إنني زدت الأمور سوءا".
"وهل هذا ما يقلقك الى هذا الحد؟".
قاطعها هوارد.
فأومأت برأسها إيجابا خائفة من إشعاره بأنها خذلته في تنفيذ المهمة , فقال ببطء:
" بدات أتساءل عما إذا صدقت دعابتي حين اقترحت عليك إستخدام سحرك في إغواء جوردان ....... آمل أنك لم تصدقي ما قلته ولم تقومي بتوريط نفسك في علاقة شخصية مع بلاك؟".
وبذلت اقصى جهدها للسطرة على مشاعرها:
" لا أدري إذا كنت اخبرتك من قبل...... إلا أنني كنت على معرفة وطيدة بأخيه ستيوارت وهكذا كان هناك عنصر شخصي في المسألة ......إلا أنه لم يؤثر على الموضوع".
"كلا لا اظن ان لذلك تاثيرا ,إذ من الخطأ السماح بخلط العلاقات الشخصية بالعمل ,واعتقد أن النتيجة ستكون زيادة عدد الأعداء وفقدان الأصدقاء".
وصمت ثم اضاف متأملا:
" تعجبت لنك تبدين مختلفة ,لا داعي لقلاق نفسك ,أنا واثق من إخلاصك في عملك ,ولا داعي لتكرار ذلك , إلا أنني إذا ما سمحت لمشاكلي باقلاقك ".
وحرك يده إشارة الى إغلاق الموضوع.
"حسنا ,والان إليك أخباري ,انا لست منفصلا تماما عن العالم ,وإذ انك لم تأتي لزيارتي يوم الجمعة , فلمتعلمي بأن ميرك جاء وأخبرني كل شيء بما في ذلك محاولتك الصغيرة للتأثير على جوردان , لم أرد إخبارك أولا ,ولكن بما انك ذكرت كل شيء , فأجد من الأفضل ان تعرفي , تحدثت فترة طويلة مع ميرك وأبلغته قراري ,المر الذي لم يرغب فيه هو ,لكنه ادرك أنه الحل الوحيد الموجود أمامنا".
إنكمشت في مكانها وأحست بأنه على وشك إطلاعها على خبر سيء ,وبدا على هوارد محاولة إختيار كلماته بدقة وإذ تحدّث ,أدركت صحة احساسها:
" فكرت كثيرا ,خلال اليام الماضية ,وواجهت شيئا لم استطع مواجهته من قبل وهو االمرض , لذلك قررت الأنسحاب ,نعم , سأنسحب من جيرنغفوردز وسأتقاعد , سابيع بيتي في المدينة وأجعل من منزلي في ديفون محل إقامتي الدائم ,وفي إمكانك المجيء لقضاء عطلتك معي ومشاركتي حياتي البسيطة".
كان ذلك آخر شيء توقعت سماعه وهوارد يتخلى عن صراعه!
" لا اصدق ذلك ,اعرف باننا جميعا حاولنا إقناعك بالتخلي عن بعض مسؤولياتك ومراعاة صحتك ولكن أن تتقاعد ,ما الذي ستفعله طوال يومك إذن؟".
" اتمشى ,أصطاد السمك وأرعى الحديقة , وربما سأكتب كتابا حلمت دائما بكتابته , سأتخلص اخيرا من الِشركة وسأكون سعيدا لذلك".
"نعم ,إنك تستحق السعادة وسأساعدك على تنفيذ ما تريده".
" ىمل أن تفعلي ذلك لنني مدرك لمدى ارتباطي بالعمل ,وقد احس أحيانا بالقلق والندم لقراري ,لكن ذلك سيقل بمرور الوقت وسأتوصل الى الأقتناع بأن قراري كان لصالح الشركة وزملائي ونفسي".
" لا أعرف ماذا ستكون عليه الأمور بعد ذلك".
" انك إنسانة رقيقة وعاطفية ,اؤكد لكك بأنني سأنسى خلال شهرين وتعود الأمور الى مجراها الطبيعي بالنسبة اليك إذ ستبقين مساعدة شخصية لميرك".
"نعم ".
وتنهدت محاولة تغطية شكوكها:
" ليس الأمر كذلك..........".

نيو فراولة 31-08-11 01:41 PM

وساءلت نفسها فجأة ,عن شخصية الرئيس الجديد المؤهل لأحتلال محل هوارد , ثم تذكرت شيئا آخر ,فرفعت رأسها بحذر ,ماذا أخبرها جوردان ؟كان يفكر بشراء جيرنغفوردز !
وألتقت عيناها بعيني هوارد وكتمت أنفاسها لئلا تلفط السر الآخر , لكن كل ما قاله جوردان هو انه يفكر بشراء الشركة وقد يغيّر رايه ,وجوردان ليس من النوع الذي يكذب عادة ,فهل من الحكمة ترداد كلماته لهوارد؟
وإذ واصلت صمتها قال هوارد أخيرا :
" في أي حال , سنعرف مصيرنا في لقاء يوم الغد سأكون حاضرا في العاشرة والنصف ,وسأغادر المكان الى المصح بعد فترة الغداء".
وقف في مكانه وكان متمتعا بهدوئه:
" ارج وان تحجزي لي مائدتي المعتادة في المطعم , في الثانية عشرة والنصف ".
" نعم بالطبع ,هل تحتاج شيئا آخر؟".
" لا أعتقد ذلك , بإستثناء رجائي ان تتخلصي من دلائل القلق على وجهك".
ربّت على كتفها وبدا السير ببطء عائدا الى مدخل الردهة مكررا :
" سيكون كل شيء على ما يرام , إطمئني".
ولكن هل جرت المور وفق ما تمناه؟
منتديات ليلاس
كان الجو العام في المكتب , صبيحة اليوم التالي ,مشحونا بهدوء العاصفة ,بدا القلق واضحا على العاملين وسادهم الصمت ,ورغم أشعة الشمس الساطعة ,كان مكتب الأجتماع باردا ،ولم تؤثر حتى الزهور التي وضعتها أليزابيث على عجل قرب النافذة ,على الجو الصارم المحيط بكل شيء.
وكان هوارد آخر القادمين ، لذلك لم تجد جيردا فرصة للحديث معه ، بإستثناء مبادلته تحية الصباح واعدت دفترها إستعدادا في حالة رغبته بإملاء أي ملاحظة عليها.
كان الإجتماع هادئا بشكل غير معتاد وساد الحاضرين إحساس بالأكتئاب غطّى حتى على ضجة حركات ميرك المالوفة ، بل شعرت جيردا بحزن الموجودين وتساءلت عما إذا كان خبر ترك هوارد للشركة قد تسرّب لديهم وتأكدت من حقيقة ذلك إذ لم تلحظ الدهشة عند إعتلائه اياه.
واحست جيردا بالحزن العميق ينتابها اثناء فترة الصمت التالية وغالبت كآبتها محاولة عدم التفكير بانها آخر مرة يرأس فيها هوارد إجتماعا في هذه الغرفة ، وسيجلس في مكانه شخص آخر شخص يختلف عن هوارد الصديق الحميم ,ومال هوارد الى الأمام وسعل كعادته كلّما أراد ذكر شيء مهم ، كلا لن تعود المور الى مجاريها القديمة ........... بهدوء وبصمت خال من العواطف اعلن هوارد مقترحاته وعرض جوردان بلاك لدمج الشركة تحت إدارة شركته الحالية.
وعند التصويت وافق الحاضرون على مقترحات هوارد بإستثناء اثنين ، وكانت الخطوة بداية النهاية لجيرنغفوردز ، غذ يعني قبول عرض جوردان بلاك أن إدارة الشركة ستكون تحت أمرة وينتفورد وسياستها موجهة من قبلها ، اما بالنسبة الى جيردا فالتغيير عنى ما يلي:
أولا انج وردان بلاك سيحل محل هوارد ، وأن ايامها الخيرة في الشركة قاربت الإنتهاء ,لأنها لن تتحمل رؤية جوردان بلاك كمدير لها يسيطر على الشركة.
ولكن ، لماذا لم يخبرها هوارد ؟ لا بد أنه أتصل بجوردان , وعرف بعرضه ، وكتبت بشكل آلي ما أملاه عليها ، ولم تكن مصغية للنقاش الدائر ، بل سمعت فجأة انفتاح الباب.
اغلقت دفترها ورفعت رأسها فرأت جوردان بلاك داخلا الغرفة.
منتديات ليلاس
أنتهى الإجتماع ، لكنها بقيت جامدة في مكانها ، ورأت هوارد ينهض عن كرسيه للقاء جوردان وغذ مدّ الأخير يده للمصافحة فتقبّلها هوارد مبتسما ، وإنتهى الصمت الطارىء حين بدأ هوارد يعرّف الأعضاء بجوردان ، وتحرّك الرجال مبتعدين عن الطاولة التي بدت فجأة مهجورة مغطاة بالأوراق والأقلام ، وبعض بقايا السجائر.....
وقفت جيردا ممسكة الدفتر بإحكام إذ رأت نظرات جوردان تستقر عليها ، ثم إسترعى إنتباهه شيء تفوّه بهم يرك فإستدار للإنصات اليه ، دخلت أليزابيث الغرفة وهمست في اذنها لكنها لم تسمعها بل كانت مشغولة بمراقبة هوارد يلتقط حقيبته ثم يصافح الأعضاء مودعا ، إبتسم لجوردان بلاك وخرج الرجلان سوية دون النظر الى الوراء.
وأحست بالبرودة كأنها تعرضت للخيانة ، فكم كانت عاطفية حمقاء ، وكم من المتاعب واجهت وعرّضت سمعتها للتشويه....
كانت بقية اليوم عذابا مبرحا لها ، وجدت من الصعب جدا التركيز على طباعة وإعداد الرسائل المطلوبة ،وأخيرا فقد ميرك صبره وسيطرته على أعصابه فوبّخها غير مرة.
وحدّق ميرك في وجهها مدهوشا.
" عليك القيام بعملك بطريقة افضل يا عزيزتي ، خاصة عند وصول الحاكم الجديد".
لمتكن لهجته قاسية إلا انها تألمت لمجرد الملاحظة.
" لا اعتقد أنني سأبقى مع العهد الجديد".
"هذا هو السبب إذن ، كان عليّ إدراك المر ، لكن كل شيء سيبقى كما هو الآن دون تغيير".
صمتت لتفكر بحالها ، وعنى التغيير بالنسبة اليها ترك المدينة والعمل وغيجاد مكان آخر للعيش ، وكانت تلك هي الطريقة الوحيدة للتغيير الحقيقي".
" أذا كنت قلقة لوجود جوردان بلاك فلا داعي لذلك ، صحيح أنه سيشن هجومه من حين لآخر ، إلا انني سأستغرب إذا رايناه اكثر من عشر مرات في السنة".
وإنكمشت لملاحظة ميرك المقللة من شأن جوردان وكفاءته وتذكرت بأنه قادر على توجيه التهمة ذاتها اليها.
نظرت الى أرجاء الشقة ، ذلك المساء ، بعينين باكيتين ، هل تستطيع بيع البيت الذي جهّزته مع بليز ؟ خاصة بعد ان تقبّلت وحدتها وعزلتها إثر وفاته ,ماذا سيكون الوضع في مدينة جديدة لا تعرف فيها أحدا؟

الجبل الاخضر 31-08-11 11:50 PM

عيدسعيد
 
كل عام وانتو بخيررررررررر:55: الرويه رائعه :dancingmonkeyff8:وننتظررررررررررر على احر من الجمر:party0033:

فداني الكون0 03-09-11 06:58 PM

يسلمو يا حياتي الروايه روعه

faiza531 05-09-11 02:09 PM

والله كتير روعه بليس التكمله

wedad r 05-09-11 10:35 PM

رووووعه يسلمو ننتظر التكمله

فتاة 86 07-09-11 12:31 AM

فراولتي يعطيكي العافية

نيو فراولة 03-10-11 09:23 PM

ربما ستعثر على عمل مختلف ، ولا يتوجب عليها العثور على منزل جديد ، لكنها لم تستطع التفكير بوضوح ولم تشعر بالراحة لقرارها بالمغادرة ، رغم إدراكها بانها الطريقة الوحيدة للتخلص من رؤية جوردان بلاك الى البد ، كان وجوده مثل جرح في داخلها ، مثل شوكة إنغرزت عميقا في جلدها ولا تجرؤ على إنتزاعها للتخلص من المها ، كيف تستطيع نسيانه ونسيان عواطفها اليائسة؟
وانتابتها فكرة حمقاء أخيرة:
ترى هل كانت ستتخلص من مشاعرها المحتدة وعواطفها ونزاعها المستمر معه لو أنها إستسلمت كليا لأرادته ؟ هل في إمكان العلاقة الجسدية بين الإثنين إنهاء خلافاتهما الأخرى ؟هل كانت ستتحرر منه عن طريق الخضوع اليه ولو مرة واحدة؟
وتملّكها خوف شديد طوال الأسبوع وهو أن تراه يظهر فجأة في المكتب ، وخشيت حتى الإجابة على نداءات الهاتف لئلا تسمع صوته ، غلا أن السبوع مر بهدوء ولم يظهر جوردان في المكتب وإستلم ميرك كل مخابراته الهاتفية فبدأت تشعر بالإسترخاء قليلا وإفترضت صحة نظرية ميرك ، وما كان عليها الإستعجال بإتخاذ قرار بصدد تركها العمل ، وإذا كانوا على وشك مغادرة المكتب يوم الجمعة ، ظهر جوردان بلاك فجاة ، لم يضيّع وقته في توجيه التحيات المهذبة ، وطلب من ميرك مرافقته في زيارة سريعة لجيرنغفوردز.
وأحست جيردا بالراحة لأنه لم يطلب منها مرافقته بل رافقته سكرتيرة أخرى مع السيد تيلور من قسم الحسابات ، وعادت السكرتيرة حاملة معها كومة من الأوراق المكتوبة وآملة أن تكون الزيارة القادمة من نصيب سكرتيرة أخرى بينما حمل جوردان مسجله الصغير ليسجل تقريره الشامل .
اسرعت أليزابيث بجلب صينية الشاي واجبرت جيردا على القيام بدور المضيفة ، غذ أسرعت أليزابيث للرد على الهاتف ، وتمنت في داخلها عدم حدوث شيء طارىء يتطلّب إستدعاء ميرك وتيلور وبالتالي تركها وحدها مع جوردان.
ولم يكن امامها خيار غير صب الشاي وتوزيعه على الثلاثة أحست بالرعشة تسري في جسدها إذ قدّمت له الكوب ، غلا أنها لم تنس حرصها على ترتيب كل شيء في مكانه مثلما كانت تفعل عند زيارة أحد المدراء لهوارد، حين تضع المنفضة وعلبة السجائر والولاعة في مكان يسهل الوصول اليه.
جلس جوردان بهدوء في بدلة غامقة اللون كالعادة وبدا كعادته ايضا كما لو أنه خرج لتوه من الحمام ، حليق الوجه والعطر الرجالي يحيط بجو خاص ، دمدم بصوت خافت دون ان يتحرك من مكانه:
" شكرا".
وبدا كانه على وشك الإبتسام لها.
وتصرّف معها كأنها غريبة لكنها لمحت في نظراته ما ذكّرها بما حدث بينهما في منزله ، فإستدارت بسرعة متحاشية النظر مباشرة اليه وغير قادرة على التصرف بشكل طبيعي ، وأحست بإحمرار خديها وقاومت رغبتها في الضغط عليهما بيديها الباردتين لإطفاء اللهيب الساخن وأرادت التسلل بهدوء خارج الغرفة لكن صوت ميرك أعادها الى مكانها ، إذ طلب منها إخراج نسختين من العقد مما ذكّرها من جديد بمأساتها واضاف:
" لم لا تشربين شايك؟".
وسحبت نسختين من العقد من درج المكتب ، وناولت الأولى لميرك ووضعت الثانية على المكتب أمام جوردان بلاك ، ولم يهمها إذا كان سيوقّع أو لا يوقّع العقد .
رفع راسه وقال :
" لدي نسخة ، اتذكرين؟".
وفتح حقيبته وسحب نسخته الخاصة فاجبرها بذلك على الألتفاف حول المكتب واخذ النسخة الثانية لعادتها الى مكانها ، وفكّرت بأنه تعمّد إبداء الملاحظة ليهينها مرة جديدة ، صبت لنفسها قدح الشاي وأخذته الى مكتبها في زاوية الغرفة وجلست في وضع يبعدها عن مدى رؤيته.
فتحت ملفا موضوعا على المكتب متظاهرة بآداء بعض العمل ولاحظت جوردان بلاك وهو يوقع العقد بلا إهتمام ، وصل الى حد السخرية ثم سمعت ميرك يهمس بشيء ثم ضحكا سوية ، فأحست بالإكتئاب ، نعم ممن حقه أن يضحك غذ أنه يقوم الان بإستلام ضحيته الثانية : فان لوران اولا وجيرنغفوردز ثانيا ، وأستلسلام هوارد بلا آسف ، كما توقع جوردان تماما ، وكان جوردان على معرفة أكيدة بكل خطواته التالية ومع ذلك واصل التلاعب بها واختبار اخلاصها رغم اتهامه لها بعدم الخلاص.
حسنا إنه درس مفيد لها وستحاول من الان فصاعدا اختيار العمل مع غرباء عنها وان تحتفظ بمشاعرها لنفسها دون خلطها بمسائل العمل ، ستحاول بالتأكيد العمل بكل جد وإخلاص ولكن بشكل غير شخصي......
وستكون ذات يوم، قادرة على النسيان.....
" هل تعملين هنا عادة؟".
أجابت دون أن ترفع رأسها:
" نعم".
" يجب أن تعملي دائما بحيث يكون الضوء مسلطا على كتفيك ولا يواجهك".
وتحرّك خلفها ليقف عند الجانب الآخر واراح يديه على صفحة المكتب .

نيو فراولة 03-10-11 09:25 PM

كانت أظافره شاحبة ولاحظت شعره السود الكثيف مغطيا رسغيه وإنتبهت الى ساعته الثمينة ، حرّك يده على المكتب وقال:
" صفحة هذا المكتب تعكس الضوء ومن الفضل أن تعملي على مكتب مختلف وأن يوضع المكتب في الجهة اليسرى هناك".
"عملت بكفاءة وراحة طوال الشهور السبعة الأخيرة، دون الحاجة لتغيير أي شيء".
" لم أحاول التشكيك بكفاءتك ، قلة من الناس يدركون خطأ مواقع عملهم الى ان يتم تصحيحها فيشعرون بالفرق ، والموافقة المبدئية على الفكرة تثير الحماس عادة".
تنفست بعمق وعلّقت:
" شكرا لنصيحتك يا سيد بلاك ، غنني اقدّرها ، لكنها ليست ضرورية".
ورفع يده عن المكتب لينظر اليها متسائلا:
" إذن قررت التوقف عن العمل هنا؟".
وتردد قليلا لكنه إستعاد برودته المعتادة وقال :
" يصح المبدأ في أي مكان ستعملين فيه ، بالمناسبة ، سيتزوج ستيوارت غدا".
لم ينتظر إستجابة منها ، وإذا أدارت رأسها أخيرا لم يكن هناك أحد غير ميرك سائرا في الممر الخارجي.
وغطّت خيمة سوداء الشمس ، إذ راقبت جوردان بلاك يسوق سيارته .
وبدا وكان البرودة قادرة على إختراق دفء المكتب.
توجّب على اليزابيث ترداد كلامها مرتين قبل أن تنجح في جذب إهتمام جيردا ، ثم طلبت منها التكرار مرة أخرى معتذرة بالصداع.
" قلت بان لحضوره وقع العاصفة ، وقد اصيبت إحدى العاملات في المكتب العام بالصاعقة!".
" كيف؟".
" حسنا ن ن حسناءنا ذات العينين الزرقاوين ستكون عاطلة عن العمل بقية اليوم لأنها لا تزال تنظر من النافذة متتبعة خطوات جوردان ، والتعبير على وجهها يماثل التعبير المرتسم على وجهك الآن ، بل اعتقد بأنها تنوي البقاء عند النافذة الى أن تراه ثانية مبتعدا قرب المنعطف.
" حقا؟".
" نعم ، أعتقد انه يمتلك جاذبية خاصة تدير رؤوس الشابات ، وإنني أشعر بالراحة لأنني جتزت تلك السن".
" سيشفيهن جميعا قريبا".
" بهذه السهولة !".
وإبتعدت الى الجانب الآخر من المكتب ثم قالت :
" آه ، ربما كنت محقة ، إذ يتوجب على الأرض مواصلة دورانها".
منتديات ليلاس
وبقي صدى ملاحظات أليزابيث يرن في رأس جيردا بقية النهار ، إضافة الى تفكيرها بحاجتها الماسة الى بدء حياة جديدة ، يجب ان تتمالك نفسها وان تغادر جيرنغفوردز ، أليس الان؟ لكن متى ! وإلى اين ؟".
وكان ستيوارت على وشك الزواج ، لا بد أنه سيتزوج سوزان ، وكانت ملاحظة جوردان القصيرة دليلا على شخصيته لمفاجأة الاخرين دون توقع ، هلل غيّر رايه الى حد أن وافق على الزواج وباركه ؟ أليس من المعقول تغيّره بهذه السرعة ؟
فكرت بوجوب إتصالها بستيوارت لتهنئه ولتتمنى لهما السعادة إلا أنها كانت تعاني من اكتئاب جمّدها في مكانها ، دون أن ترغب بالحركة لساعات طويلة ، الى أن عرض على شاشة التلفزيون برنامج وثائقي ممل ، فتحركت اخيرا متوجهة نحو الهاتف ، لماذا تستسلم للحزن والإكتئاب لمجرد فشلها في علاقة حب ، بينما يعاني الكثير من الناس من حالات مرضية مخيفة؟
لم تتعرف في البداية ، على صوت المجيب الى أن ذكر إسمه , ليون ، وطلب منها الأنتظار لحظة ثم نادى ستيوارت ، وسمعت أصوات عديدة في الغرفة وصوت موسيقى صاخبة ، لا بد أنهم يحتفلون بالزواج .
" نعم ، الخبر صحيح ، وها نحن نحتفل مسبقا قبل توجهنا الى مكتب الزواج غدا ، هل أخبرك جوردان ؟ طلبت منه أن يجلبك معه الليلة إذا لم تخططي شيئا آخر لكنه إعتذر قائلا أنه مشغول جدا ، هل تريدين التحدث الى سوزان ؟ إنها في مكان ما هنا ، إنتظري ".
وسمعته يصرخ طالبا من أحدهم التخلص من الموسيقى.
" أما زلت هناك؟".
" نعم".
كان ستيوارت جذلا ولا بد أن الإحتفال جميل فقالت بسرعة:
" لن أعيقك فترة اطول عن مواصلة حفلتك ، كل ما اردته هو تمني السعادة لك ولسوزان".
" نعم ، نعم ، اين هي ؟ أنا متأكد بانها تريد محادثتك ، بل اخبرتني بانكما تصارحتما بالكثير من الأشياء ، فإفترضت بأن هذا سبب عدم إتصالك بي ، إلا أنها مسرورة الآن ولا تشعر بالغيرة منك ، أعترفت لها في الليلة الماضية بكل ما في الأمر ، حين استعيد الماضي الان تنتابني الرغبة في الضحك ، تمنيت لو أنني لم أخبرها ، ولكن ما كان عليّ فعله غير ذلك؟ وكنت انت الوحيدة المتفهّمة لظروفي ، وشعرت بانني انتهيت منه الان ، وبإستثناء جوردان لن يتذكره أحد ، أعني ، لم تؤلمك المسالة أليس كذلك؟".
ثم توقف بإنتظار موافقتها المضمونة ، وفجاة قال كما لوخطرت على باله فكرة رائعة:
" لم لا تأتين غدا لمرافقتنا ؟ لن يحضر الكثيرون بل سأكون انا وسوزان ، جوردان وليون فقط ، وسنشرب نخب الأيام القديمة".
" كلا , لا أستطيع ، سارحل غدا الى مكان آخر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ، ولكن شكرا للدعوة ,واتمنى لكما السعادة وسأصلي لك كي تستطيع المشي على قدميك قريبا ، مع السلامة وحظا سعيدا".
وقبل أن يجيبها وضعت سماعة الهاتف جانبا ، هكذا إذن إنتهى كل شيء....وسألها إذا آلمها الأمر ؟ ....... إسترخت في كرسيها ..... نعم عليها الإبتعاد عن المنزل ..... اين تذهب ؟ ليس الى البحر ولا الى الريف الجنوبي ...... بل الى مكان تنسى فيه...
منتديات ليلاس
وصلت الى مدينة اكسفورد ، عند ظهيرة يوم السبت وتجولت في شوارعها المزدحمة بالمتسوقين ، ثم إبتعدت بعد ذلك الى ريف المنطقة الهادىء ، وكان الجو جميلا ، الشمس مشرقة والخضرة في كل مكان ، حجزت لها مكانا لقضاء الليلة في فندق قديم منعزل قريب من منطقة محاطة بالأشجار.
بقيت هناك حتى مساء الحد ، مؤجلة عودتها مع عودة آخر قطار حتى لو كان بعد منتصف الليل ، وهذا ما حدث إذ عادت في وقت متأخر الى شقتها ، وتساءلت عن عدد المرات التي رنّ فيها الهاتف أوقرع فيها جرس الباب.
وهكذا مضت 48 ساعة قبل أن تسمع الأخبار المخيفة : توفي هوارد دوريل في صبيحة يوم السبت ، إذ تخلّى القلب المتعب عن صراعه من اجل الحياة واستسلم للموت أثناء نومه ولم تصدّق الخبر ، غلا أن ذلك حدث فعلا.
وإذ تخلّصت من التأثير الأولي للصدمة ، لم تحاول إخفاء حزنها بل بكت لساعات طويلة مدركة حتميّة الموت متناسية مشاكلها امام المصيبة الكبرى , رغم انها لم تنس تحطم قلبها.

نيو فراولة 03-10-11 09:27 PM

9- على ضفاف الراين



إنتهى كل شيء ، لم يبق امامها غير إغلاق حقيبة ملابسها وإنتظار سيارة الجرة ، خلال ساعات قليلة ستكون في فيينا ، لكن الفكرة لم تثرها ، بل وإعتقدت أن الناس هم مبعث الفرح والحزن وليس الأماكن ، جلست على حافة الكرسي المجاور للنافذة ، كانت عيناها ثقيلتين مستسلمتين لما سيأتي بعد التخلص من ثورة الروح والعاطفة ، إلا أنها ما زالت تشعر بالحزن والأسف اللامجديين وإستسلمت للأحساس بأنها ستحتاج وقتا طويلا للتخلص من ذكريات الأيام الأخيرة ، لو انها لم ترتبط في ذهنها بمرأى جوردان بلاك لآخر مرة في المدفن ، حيث نظر اليها مرة واحدة ، نظرة غريبة ، منعزلة وباردة ، ثم إنصرف بصحبة رجل لا تعرفه ، جاء ليعزي بوفاة هوارد دوريل وتساءلت بمرارة إذا كان إحساسه بالسف حقيقيا ، تحت ذلك القناع البارد.
نهضت بقلق ونظرت الى ساعتها وحاولت إجبار نفسها على التفكير برحلتها ، أرسلت برقية الى امها بعد سماعها الخبر مباشرة ، لكن والدتها كانت في زيارة بعض الأصدقاء والى ان عادت وإستلمت البرقية كان الوقت متأخر لحضور مراسيم الدفن واتصلت بجيردا هاتفيا مساء اليوم ذاته وهي في حالة يرثى لها من الحزن ، اتفقت مع جيردا على السفر مباشرة للبقاء الى جانبها .
تفهم ميرك مشاعرها وإكتفى بالقول:
" إذهبي ، أنت بحاجة الى الراحة".
ولم تخبره عن رغبتها في الرحيل الدائم ، بل فهم ذلك تلقائيا.
كان من الغريب كيف قسمت الحياة نفسها الى أجزاء منفصلة : الطفولة والمدرسة والبيت ونهايتها المؤسفة بفقدان والدها ، ثم بحثها عن العمل وتطلعات المراهقة ومواجهتها لأول ازمة في حياتها وقبل إغلاقها باب تلك الفترة ، لقاؤها ببليز .... ربما كانت والدتها محقة ، ربما حان الوقت لعودتها الى البيت ولكن اين البيت؟
وبدات تتفقد حقيبتها : الجواز ، بطاقة السفر ، العملة الأجنبية والنقود في محفظتها لدفع اجرة التاكسي ....... وإنتابها الإحساس بنفاد الصبر والرغبة في المغامرة باسرع وقت، وإذ سمعت قرعا على الباب حملت كل شيء وألقت نظرة اخيرة حولها قبل أن تتوجه نحوالباب.
وإرتسمت في ذهنها صورة سائق التاكسي ، وهي تحاول فتح الباب ، واعاق حركتها وجود الحقيبة فدفعتها قليلا واخيرا نجحت وإمتدت يد اليها:
" يمكنك إعادة الحقيبة الى مكانها".
وكان تاثير المفاجأة كبيرا الى حد انها أطاعت الأمر بلا تردد وسقطت الحقيبة على الرض.
تناول جوردان بلاك الحقيبة ودخل الشقة بعد أن اغلق الباب خلفهما,وواجهها قائلا:
" من الفضل لو تجلسين ، غذ يبد أنني اصبتك بصدمة".
" انا، انا.........".
ولم يطعها صوتها ، بل بقي لسانها ملتصقا بلثتها ونجحت أخيرا في نطق إعذارها المتكسرة:
" لكنني لا استطيع ........ إذ علي الرحيل بعد فترة قصيرة ، إنني ذاهبة الى النمسا".
وتخلّصت من آثار الصدمة ، وواصلت حديثها :
" إنني ذاهبة للبقاء مع أمي وستصل سيارة الجرة في أي لحظة ، ووقت الطيرا ن....".
" اعرف ذلك".
وسحب حقيبة يدها وحقيبة السفر من كتفها ووضعهما جانبا.
" إذا كنت محظوظة فستصلين في الوقت المحدد للطيران ، إما إذا تأخرت ففي أستطاعتك السفر بعد ذلك وساقوم بما يجب".
" لكنك لا تستطيع ، ووالدتي ستقلق لأنها تتوقع وصولي.......".
"قلت ساقوم بالضروري ، لدي ما أود الحديث عنه ، وإذا لم نتحدث الآن ، فلن نفعل ذلك ال الأبد ، ارج وان تجلسي ولا تجادليني".
خطت نحو الكنبة ، لكنها بقيت واقفة حين سمعت جرس الباب يقرع ، فاسرع معيقا حركتها وذهب بنفسه يطلب من السائق الإنصراف.
" كانت تلك سيارة الأجرة وسأ....".
" سمعتك وفهمت ما قلت ، والان انا بحاجة الى بعض الشراب".
أشارت بيدها الى الخانة الصغيرة في المطبخ ، بينما جلست على الكنبة محاولة السيطرة على إرتعاش ساقيها.
" لا افهم ما يجري ، ماذا تريد مني؟ الم يكفك ما فعلت ؟ لماذا جئت الى هنا؟".
وراقبته حين عاد حاملا بيده كأسه ، جلس الى جوارها وإستدار يتفحص وجهها ن ولاحظ وضوح الظلال السوداء تحت عينيها.
منتديات ليلاس
" لا تنظري إليّ هكذا ، كما لو أنني .... لماذا لم تخبريني الحقيقة منذ سنوات ؟ لم تركتني مقتنعا برايي تلك الفترة كلها ؟........كان في إمكاني قتل شخص ما ..... كم كنت مخطئا ، طوال الوقت ، وبقيت أنت صامتة بسبب سلوك طفل اناني وصبي أحمق ترك فتاة بريئة تعاني إرضاء لغروره ورغباته ، الا تفهمين ؟ لم أستطع تركك ترحلين دون ان أعتذر اليك ، دون محاولة إعادة المياه الى مجاريها ، حاولت أن أجدك طوال الأيام الماضية ، إتصلت بك عدة مرات يوم السبت ثم جئت بنفسي يوم الأحد ، وكدت أجن لأنك لم تكوني موجودة ، ثم رايتك عند حضوري مراسم الدفن ولم اتحدث اليك مخافة جرحك تلك الآونة وفضّلت ان أترك لك بعض الوقت لتستعيدي قواك ، ثم ذهبت جينغفوردز وسمعت هناك بأنك ستغادرين لبلد ، فلم أستطع إنتظار عودتك ، هذا إذا عدت ، نعم ، إنني اعرف كل شيء الآن ولا اعرف ما الذي ساقوله بإستثناء إنني ىسف".
وبدا وكأن كلماته صادرة من مكان بعيد ، ثم اضاف ببطء:
" نعم ، اعرف الان انك لم تكوني مع ستيوارت في السيارة أثناء الحادث ، وأعرف لماذا".

نيو فراولة 03-10-11 09:29 PM

" هل أخبرك ستيوارت؟".
" كلا ، أخبرتني سوزان ".
" سوزان ؟ ولكن متى علمت ، لم يكن من المفروض...........".
"كلا ، اخبرتني قبل الزواج بدقائق ، لم تعرف فيما حدث إلا بعد ان أخبرها ستيوارت ، وإرتبكت حينئذ الى حد انها رغبت بإخباري ، وما زلت بحاجة الى معرفة بعض التفاصيل : لماذا حدث المر بالدرجة الأولى ؟ ولماذا كان خداعي ضروريا ؟ لماذا اراد ستيوارت الكذب وقبلت انت كذبته؟".
تنهدت ونظرت الى يديها ، وإذ أزيل عن كاهلها الأحساس بالذنب شعرت براحة عجيبة تنتابها ، ربما وصلت الى مرحلة لم يؤثر فيها اللم ، ربما خلّصها موت هوارد من مشاعر تملكتها فترة طويلة ، ولم ترغب في العودة الى التفاصيل القديمة إذ يكفيها الان ، معرفته الحقيقة.
قال :
" اعرف أن سوزان كانت تقود السيارة ، وأنها كانت في الخامسة عشرة من عمرها وأنها لم تكن حائزة على إجازة على إجازة للقيادة وانها اصيبت بالرعب ، افهم ذلك ، كما استطيع تخيّل رد فعل والدها ، فيما لو تدخّل رجال الشرطة في المسألة ، ولكن لماذا سمح لها ستيوارت بقيادة السيارة بالدرجة الأولى ؟كان يعرف أنها دون سن البلوغ وليس لديها إجازة ولا تجيد القيادة ، لا بد أنه كان مخرقا".
" كانا قد غادرا إحدى الحفلات لتوهما ، وكان الطريق هادئا وتوسلت اليه ان يدعها تجرب القيادة ، كانت سوزان مغرمة به حتى في ذلك الحين وإستحوذت على إهتمامه ، كانت صغيرة جدا ومدللة ، لأنها الطفلة الوحيدة في العائلة ، غذ تزوج هيوبرت في سن متقدمة ، ووفّر لها كل شيء ولم يمنعها من تحقيق أي شيء رغبت فيه ، فكيف تتوقع منها التغير بسرعة ؟ غلا أن ستيوارت لم يشجعها ، لمتكن له علاقة خاصة بها........ كانت طفلة اثارت إعجابه اكثر من أي شيء آخر".
" بإمكان أي انثى شابة وجميلة أن تثير إعجاب ستيوارت ولكنني لا افهم حتى الآن لم تركها يقود السيارة؟".
" لا أظن ستيوارت نفسه يفهم ذلك".
" أعني إخفاءه المتعمد للحقيقة عني".
" كان خائفا وكان مجروحا".
قالت بهدوء:
" نعم ، إلا أنه لا يزال خطأه اساسا".
ولم تلن ملامح وجه جوردان القاسية فتنهدت جيردا ، لو أن جوردان قادر على نسيان ما حدث وما فائدة التذكر الآن ، وإذا كانت هي قادرة على غفران خطأ ستيوارت وكذبته فلماذا لا يستطيع جوردان تناسي كبريائه المجروحة والمه بسبب كذبة أخيه ؟ أخذت نفسا عميقا وإستدارت الى الجهة الأخرى ، إذا كانت مقتنعة بان ستيوارت دفع ثمن خطاياه كاملا.
" اراد حماية سوزان ، وكان مغمى عليه في المستشفى ولم يعرف ما الذي قاله".
" بل كان يعرف جيدا ، إذ كان أول شيء تلفّظ به : اين هي ؟ هل هي بخير؟ وهكذا علمنا بوجود شخص ىخر معه في السيارة ، وقت الحادث ، إذ ظننا في البداية ، انه كان وحده ، ولكن حين سألته عن هوية الشخص الاخر ، بدأ يتذكر ثم تظاهر بالحيرة والتلعثم وقال بأنه كان وحده ، حينئذ إستدعاني الطبيب ثم البوليس وسمعت تصريح سائق الدراجة النارية عن رؤيته لفتاة تهرب من مكان احادث ، وبالتأكيد كان المكان مظلما ولم يستطع السائق التأكد بأنها خرجت من السيارة / وغذ عدت لرؤية ستيوارت طلبت منه إخبارنا الحقيقة وإذا ما كانت هناك فتاة الى جانبه عند وقوع الحادث ، إذ ربما كانت تعاني من صدمة الحادث وهربت الى مكان ما ، لكنه خاف ثانية ، وكان إسمك اول ما تبادر الى ذهني ، وإذ ذكرت إسمك إكتفى ستيوارت بإدارة وجهه جانبا ، الم أكن محقا في تصديقه ؟ الم تكوني خطيبته ؟ ثم أكّدت أنت ما حدث ، لماذا؟".
" لا أدري ، ربما لنني شعرت بالذنب ، لا ادري إذا كان ستيوارت اخبرك ، لكنه عرض عليّ الزواج قبل الحادث بأسبوع ، وتألم كثيرا حين رفضت ، ثم علم أنني لم احبه وهكذا واصل اللتقاء بفتيات أخريات وكنت ...... حين جئت للبحث عني تلك الليلة ، كنت في البيت طوال الوقت ، وصل بليز قبل وصولك بنصف ساعة ، لو أختلفت الأمور ، لو كنا خارج المنزل مثلا لحظة وصولك لما صدّقت ستيوارت ..........".
وترددت فجلس جوردان الى جانبها محدّقا في وجهها بعينين متعبتين .
" لو لم أكن متطرفا لأدركت أن صدمتك كانت حقيقية ، ولكنني تقبلت فكرة وجودك اثناء الحادث وهربك ، وبدا لي وجهك الشاحب تعبيرا عن الذنب ، وإذ بدأت إخبار بليز بألا يقلق وأنك ستصحبينني لزيارة ستيوارت ، ايقنت بصواب فكرتي وظننت بانك تحاولين إخفاء الحقيقة عن بليز أيضا".
" لم أرغب بإثارة قلقه ، وكان هذا احد الأسباب الداعية لمرافقتي إياك فورا ، ولكن حين بدأت الحديث عن شاهد رىني اهرب مرتدية فستانا أبيض......".
" وكنت انت مرتدية فستانا ابيض تلك الليلة ".
أومأت براسها إيجابا:
" شعرت بالخوف ثم حين رايت ستيوارت شعرت بالسف الى حد أنني رغبت بالبكاء ، هل تذكر أنه أمسك بيدي وطلب منك الإبتعاد ؟ ولم ترغب انت بذلك، لكنك رضخت أخيرا ، فاخبرني حينئذ عن سوزان ، كان مرعوبا ، لم يعرف ماذا حدث لها ، وكل ما فكّر فيه هو إحتمال إثارة الفضيحة ونتائج ذلك إذا ما عرف رجال الشرطة هويتها ، وطلب مني البحث عنها والإطمئنان عليها وإخبارها بأن تلزم الصمت وانه سيقسم أمام رجال الشرطة بانه كان وحده اثناء الحادث ، وهمس بأنها ستعاني جحيما لا نهاية له لو علم والدها أوعلمت أنت ، ثم اخبرني عن الشاهد وكيف بلغك بأنني كنت معه".

نيو فراولة 03-10-11 09:30 PM

وأطلق جوردان تنهيدة غاضبة ، فأحنت راسها بإستسلام:
" توجب عليّ ذلك ، نظر اليّ بعجز وكان مريضا ثم قال لي بأن ما حدث كان بسبب خطأ ، ولحسن الحظ لم تقتل سوزان ، ولم أستطع تركه وحده ، لذلك دفعتك للإعتقاد بانني كنت معه وأنني ركضت لإستدعاء النجدة ، وكنت واثقة بأن هذا ما فعلته سوزان ، ثم بعد ان اخذتني الى المنزل وبعد المشهد العاصف بينا ، إتصلت بسوزان في بيتها ، طلبت منها البقاء هادئة ونقلت اليها ما قاله ستيوارت ، إلا أنني كنت مرعوبة ما فيه الكفاية حينئذ".
" توهمت بأنه يرغب بحمايتك ولم أظن بانك تستحقين ذلك ، وحتى ذلك الوقت لم يخبرني بأنك رفضت الزواج منه ، لذلك قبلت وواصلت أنت صمتك".
نهض وخطا خطوات مسرعة في الغرفة ثم إستدار قائلا:
" لا بد أنني آلمتك كثيرا".
" كنت محقا في سلوكك لأنك لم تعرف الحقيقة ، إلا ان كل شيء انتهى الان وما أرغب فيه هو النسيان".
" لا استطيع ذلك".
" إنه الشيء الوحيد المتبقي لي ، انا ممتنة لأطلاعك على الحقيقة ، لكن......".
" هل تعرفين لماذا شعرت بالمرارة؟".
" إنه امر طبيعي ، لأنك تحب ستيوارت وتركه الحادث مقعدا ، لوكنت مكانك لتملكني الحساس ذاته".
" إنك متفهمة جدا ، لكن لم يكن ذلك السبب الوحيد".
وأشعل سيجارة لنفسه وتامّل القداحة قبل أن يعيدها الى جيبه.
" لم اتحمل مواجهة الواقع ........ انت".
" أنا؟".
" لم أرغب بتصديق كل شيء ، لم اصدق بانك خدعت رجلين أحدهما اخي ثم كنت مستعدة للتمتع بعلاقتك معي ، وأكثر الأشياء إثارة لمرارتي هو هذا ".
وسحب من جيب سترته مظروفا وضعه الى جانبها متحاشيا في الوقت نفسه النظر الى وجهها.
" من الفضل ان تعديها لتتأكدي من وجودها كاملة".
نظرت الى المظروف وإرتجفت ، إذ عرفت ما الذي ستجده ، وأحست وكأنها اصيبت في قلبها بسكين حادة ولم تستطع التحرك لتناول المظروف.
" عديها , أو هل يجب أن اقوم بذلك بنفسي؟".
وتناولت المظروف وعدّت المحتويات ، إثنتا عشرة صورة مع الفيلم الكامل ، وأحست بالدوار واصبحت حركاتها خرقاء الى حد أن بعض الصور وقعت على الرض كشاهدة إتهام ضدها ، تصلّبت في مكانها ونظرت بعيدا.
" آه ، بحق السماء! يجب الا تخجلي مما ترين ، إنها صور جميلة ، الى حد أنني أرغب ....بحق..... إذا كانت كلها هناك فدعينا.......".
وجمع الصور كلها ووضعها في المظروف بحركات عنيفة وغاضبة ...
" تعالي سآخذك الى المطار".
" كلا ، دع لي الصور ، غذ يكفيني ما جرى لي من المتاعب بسببها ، اعطني غياها وسأتخلص منها...".
" كلا ، سأتلفها بنفسي وهكذا ساتاكد بأنه لن تتاح لأي رجل آخر فرصة رؤيتها".
وإبيض وجهه لشدة الغضب ثم بدأ بتمزق الصور والمظروف:
" والان في مستطاعك حرقها".
ثم حاول جهده إستعادة هدوئه وقال:
" إذا كنت مستعدة...".
دهشت لغضبه وشعرت بالعجز حياله ، فهمست:
" بدا عليك الأهتمام !".
" الاهتمام ؟ نعم ، يهمني المر ، وأهتممت بذلك منذ ثلاث سنوات وتحول إهتمامي الى جحيم حارق لي !".
ومل عنفه الغرفة ، فوقفت الى جوار الحقاب دون ان تجرؤ على الإنحناء لحملها ، ثم أحسّت بإقترابه منها :
" نعم ، احببتك طوال الوقت ، تنحيت جانبا لن أخي كان يحبك ، او هذا ما توهمته ، ثم إكتشفت زواجك برجل آخر ، حتى قبل معرفتي بإنتهاء علاقتك بستيوارت ، والآن اصبحت تعرفين سبب إحساسي بالمرارة ، قد لا يكون لك تعزية كافية للالآم التي عانيتها ولكن قد يهمك أن تعرفي أنني عانيت الكثير والان ، سآخذك الى المطار...".
وتردد صدى صوته في الشقة عدة مرات بعد أن توقف عن الكلام ، واحست بالدوار وإنتظرت عدة دقائق لتستعيد وضوح الرؤية.
" كلا , كلا....... قل ذلك ثانية ، هل كنت أحلم ؟ هل قلت........؟".
" إنك غير مقتنعة بصدقي وإخلاصي وبأنني أكره نفسي قدر ما تكرهينني ؟ ما الذي أستطيع قوله إذن؟".
هزت رأسها:
" كلا ,كرّر ما قلته من قبل ، عن إهتمامك بي لأنني لا اصدق ما قلته عن حبك و........".
ونظر اليها فترة طويلة ولاحظت الألم واضحا في عينيه فتنهدت وتقدمت نحوه بسرعة فوجدت ذراعيه بإنتظارها.
همست في اذنه :منتديات ليلاس
" جوردان....... جوردان.....".
ولم يجبها بل نظر اليها بحب هامسا:
" هل تصدقينني الآن؟".
" نعم ".
" جوردان يجب أن أخبرك ، أحببتك منذ البداية ، لهذا لم أقبل عرض ستيوارت بالزواج ، وتأكدت من الأمر حين كنا سوية قرب الساحل و.....".
"ومع هذا تزوجت رجلا آخر؟".
" اعرف ذلك ، أذ ظننت بأنك لم تهتم بي ، ولم احلم بإسترعاء إنتباهك ، ربما لو أنني كنت أكبر سنا أو اكثر حكمة ....... لا ادري........".

نيو فراولة 03-10-11 09:32 PM

كان صامتا فواصلت القول:
" اما بالنسبة الى الصور فيجب ان أخبرك عنها الان ، كنت بحاجة ماسة الى المال بسبب مرض امي ، وأخبرني المصور أن كل ما يهتم به هو الضوء ، وهذا ما حدث فعلا ، غلا أنني ذعرت حين رايت الصور ولوكنت ، كما قلت سابقا ، أكبر سنا أوقادرة على التفكير في المستقبل لما فعلت ذلك إطلاقا ، لكنني لم أكن كبقية الفتيات افكر بما سيحدث".
" كم دفع لك ؟".
" خمسون جنيها استرلينيا".
" فقط؟".
" نعم ، وبدل لي المبلغ ثروة صغيرة في حينها ، هل إشتريت الصور لطبعها في التقويم ؟ ثم غيّرت رايك؟".
وبدا على وجهه الأمتعاض حين تساءل:
" ما رايك؟".
أطرقت براسها وبدا على وجهه الهم ، ولم يستطع إخبارها عن المبلغ الضخم الذي دفعه ثمنا للصور وللمصور ، هذا أفضل عمل قام به في حياته ، ثم قال:
" لا تفعلي ذلك ثانية إطلاقا ، هل تفهمين؟".
ورغم قربها منه ، بقيت تشعر بأنها في حلم ولم تصدق ما يجري حولها :
" هلل تصدقني ؟".
" بالطبع".
" وتفهم سبب زواجي ببليز؟".
"نعم... ولكن يجب ان أوضح ما يلي : إنني لست شخصا هادئا ومتفهما بطبيعتي ، بل غنني معاند ومتعجرف واطالب بالكثير وإذا ما أذاني احدهم أرغب برد الأذى ، نادرا ما أمرض ، ولكن إذا شعرت باللم في اصبعي الصغير فإنني أطلب منك إستدعاء فريق كامل لعلاجي ، ولست صبورا مع الحمقى ، أعرف أخطائي ولست قديسا ، إلا أنني أحبك اكثر من أي شيء آخر على وجه الأرض ، هل هذا كاف؟".
" إذا صدقت بأنني احببتك طوال الوقت وأنني كنت على وشك مغادرة البلد بسببك لانني لم اتحمل العيش بدونك ، قد يعطيك هذا الجواب على تساؤلك ".
" هل تقبلين الزواج مني؟".
" نعم".
" كيف تستطيعين العفو عني بعدما عانيته بسببي ، رغم أنني لا استطيع الغفران لنفسي؟".
" كلا ، إصمت ، كل ما اطلبه هو الا تدعني ارحل".
" ابدا إنني احبك وأحتاجك ، وساحاول طوال حياتي تعويضك عما حدث ، لأن ما حدث ارعبني وزعزع ثقتي بنفسي ,كنت دائما ، واثقا من نفسي ولكنني أحسست بتململ قلبي رغم سيطرة العقل وحساباته".
" إصمت رجاء ، إذ لا اتحمل إدانتك لنفسك ، ما حدث إنقضى وتكفينا سعادة الحاضر الان".
"كلا ، إذ ما كان سيحدث لو ان سوزان لم تقرر إخباري ؟ وكنت مخطئا بحق سوزان أيضا ، برغم عذابها لعدة سنوات ، ولو كنت أقل عجرفة لسالت نفسي عن سبب اهتماماتها بستيوارت رغم عجزه ولفهمت بأنه كان السبيل الوحيد لتعوض عن إحساس بالذنب وانها أحبته بصدق وارادت العيش معه ، وأنها لم تكن مجرد مراهقة حمقاء تتظاهر بحب رجل مقعد".
"كانت سوزان أكثرنا حكمة".
قالت بنعومة ، واحست هي الأخرى ، بأنها اقوى منه ومن ثقته الخاطئة بنفسه ، إذ حاولت على طريقتها تصحيح الأمور.
"والان لنحاول النظر الى المستقبل ، وكفانا أسفا وإعتذارا".
" نعم، كفانا اسفا وإعتذارا ".
لكنها علمت ان هناك شبحا لن تستطيع محوه من ذهنه ، عجز اخيه ، فسالته:
" هل قرّر ستيوارت قبول إجراء العملية؟".
" نعم ، ربما خلال الأسبوعين المقبلين وأتمنى لو نستطيع الزواج في اقرب وقت ، إذ اعرف مكانا جميلا قرب الراين ، نستطيع قضاء شهر العسل هناك ، ونستطيع زيارة ستيوارت وسوزان التي ستبقى معه بالتاكيد ، ثم نستطيع بعد ذلك الذهاب لزيارة والدتك ، لأنني لا اعتقد انك ستسافرين اليوم ، وعلي الان الأتصال هاتفيا ب..........هل أبدو متعجلا في قراراتي؟".
"كلا ، احب ذلك ,وأريد ان أرى ستيوارت قادرا على المشي من جديد".
بعد ستة اسابيع ، تحقّقت كل أمنياتها.
في شرفة مضاءة ، بالقمر قرب نهر الراين ، وتحت ظل قلعة قوطية الطراز ، راقبت جيردا البدر مضيئا أشجار الصنوبر وكان قلبها ممتلئا بالإرتياح والقناعة ، إذ راقبو ذلك الصباح ، ستيوارت واقفا لأول مرة ، محاولا أن يخطو.
كانت خطواته غير متوازنة وبمساعدة إيد محبة ، إلا انها خطوات قادته الى ذراعي فتاة أحبته وضحك الجميع وإختلطت ضحكاتهم بالدموع وكان كل ما قالته سوزان وببساطة:
" أنظر الم اقل انك قادر على المشي".
" الحب والأخلاص ".
قال جوردان وكأنه إستطاع قراءة افكارها .
"والآن نستطع التمتع بسعادتنا الخاصة".
اومت براسها وسادهما الصمت من جديد حتى قال بهدوء:
" اخبريني مرة أخرى".
" ماذا؟".
وتظاهرت بالحيرة.
" انك تحبينني".
" احبك أكثر من أي شيء ىخر في العالم".
" اتمنى لو استطيع إكتشاف الف طريقة جديدة أعبّر فيها عن حبي لك ,وتعرفين يا عزيزتي انني مستعد لمنحك العالم كله ، لو كان ملكي ".
إستدارت نحوه وهمست:
" لا أريد العالم كله ، بل أريدك أنت".



تمت

Rehana 08-10-11 09:05 PM

حبيبتي فريال .. ربي يعطيك العافية
والله لا يحرمنا تواجدك المميز
لك وودي

http://static.blogstorage.hi-pi.com/...RCI-A-TOUS.gif

الجبل الاخضر 12-10-11 09:18 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2: تسلمين :55:اختيار مرررررررررررررررررررررره جنان :Welcome Pills4:وممتاز:flowers2: وشكراعلى مجهودك:friends: وننتظر جديدك:friends:

عطر@المحبة 20-11-11 02:58 PM

واو . . . رواية رائعة فعلا
يعطيك الف عافية

ندى ندى 21-12-11 10:19 PM

جميله جدا ورائعه

سماري كول 25-12-11 07:14 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه الغاليه

tootty 27-12-11 10:05 AM

sooo niceeeeeeee

غنجة بيا 25-09-13 03:15 AM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية راىعة مشكورة :lol:

الامل المفقود 27-09-13 02:01 AM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
بجد رواية روعة ومجهود اروع بانتظارك حبيبتي برواية جديدة مشكورة كثثير

7essa sultan 29-09-13 06:53 PM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميلة جداً ، أُحب قصص الصراع والخلاف ثم الوقوع في الحب !
ممتنه لكل من ساهم في انتاج هذه الروايه الرائعة ♡

black star 02-10-13 02:34 PM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روايه رائعه يسلموا ع المجهود و الاختيار

كريمانعمرو 27-10-13 02:50 PM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
اهههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

عاشقة تاماهومي 08-11-13 10:10 AM

رد: 96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روايه رااااااااااااااااااااااااااااااااائعة تسلمين يا قمر
انا اشتركت هون بسببه امبارح قريتهه واليوم اشتركت ههههههههه

هتونا 15-01-16 03:44 AM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رؤعة الف شكر ودمتم

منى عبير 21-02-16 02:50 PM

شكرااااااااااااا

amany khalil 01-03-16 01:08 PM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رررررررررررررررررررررررررائعه مشكوره

سعدودة 19-04-16 04:13 PM

شكرررررررررررررا يسلموا

fatat jamila 03-05-16 12:26 AM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
raw3aaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa

فلورنسيا 02-06-16 01:29 AM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
thank youuuuuuuuuu

فرحــــــــــة 02-06-16 10:08 AM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
قصة راااااااائعة
لك منى كل الشكر والتقدير
على الاختيار الرائع
دمتى بكل الخير
فيض ودى

Kooa 23-09-16 09:34 PM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو

Kooa 26-09-16 07:56 PM

رد: 96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو


الساعة الآن 06:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية