منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t166031.html)

نيو فراولة 15-08-11 03:56 PM

96 - لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
96- لحظات الجمر - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة


الملخص




الحقيقة عندما لاتقال تخلق في الضمير حالة كابوس تنمو وتنمو كالأخطبوط الشرس, وتروح تعبث بالحالة النفسية وتؤثر على التصرفات, حتى تصل لحظات الجمر, لحظات قول الحقيقة ...فكيف اذا كان الحب مختبئا وراءها , ينتظر بفارغ صبر أن تقال ؟ جيردا لم تكون تتصورأن جوردان بلاك يمكن أن يفكر بها بشكل جدي , بل كانت تحاول الفرار من كل مايربطها به حتى انها استقالت من عملها وعزمت على السفر . فجوردان رجل بلا رحمة وهو يمقتها ولا يتوقف لحظة عن التنكيل بعواطفها .لذلك بقيت على عهدها لأخيه ستيوارت الذي تعرض لحادث أليم ولم تخبره الحقيقة..... وبينما كانت على أهبة الخروج من كل مصائبها , قرع الباب شبح طويل القامة.....

نيو فراولة 15-08-11 03:57 PM

1- أمرأة وحيدة



يوم الجمعة : عطلة نهاية أسبوع أخرى.
صعدت جيردا درجات السلم الثلاث ببطء , ولم يكن هناك أحد يلاحظ توقفها أو حركاتها المتعبة قبل أن تضع المفتاح في ثقب باب الشقة رقم 27 , كما لم تلحظ وجود أي شخص , من قبل , , في ممرات بناية كرافتون , المضاءة جيدا , كان الموجودون في البناية أناسا يعيشون خلف أبواب شققهم الفخمة والديكور الحديث دون الأهتمام بأن يكونوا جيرانا , ألا أن بواب البناية ذا الزي النظامي كان يعرفهم جميعا حسب أسمائهم وأرقام شققهم ولم يتوقف يوما عن الأيماء برأسه تحية لجيردا , صباحا ومساء.
أغلقت الباب خلفها دون أحداث أي ضجة كما لو أن الباب كان مبطنا بالقطيفة , لتنسل بهدوؤ الى عزلتها.
ستدخل , ذات يوم , الشقة بعد أن تتحول وحشتها إلى دفء بيت في أنتظار عودة صاحبة بعد يوم عمل شاق , إلا أن ذلك اليوم لم يحل بعد , حتى بعد أنتظار ستة شهور , كانوا جميعا محقين : هكذا فكرت وهي تفرغ محتويات كيس التسوق في الثلاجة وخزانة المطبخ , ولو أنها أصغت لنصيحة أصدقائها بعد وفاة بليز لأنتقلت من شقتها إلى مكان آخر أو ربما لقبلت دعوة والدة بليز للبقاء معها فترة غير محدودة , إلا أن فكرة العيش في بيت بليز الهادىء في منطقة ديفون , في صحبة أمرأة عجوز تعيش على ذكرياتها , كانت غير محتملة ثم أنها لم ترغب بالتخلي عن مكان منحها إياه بليز بكل حب.
منتديات ليلاس
ربما كان أصدقاؤها محقين , ربما كانت حمقاء لأصرارها على البقاء في مكان يذكّرها كل ما فيه ببليز بدلا من التخلص من ذكرياتها عن زواج لم يستغرق فترة طوية , أذ قضت معه فترة سنتين.
دق جرس الهاتف فخفضت الحرارة تحت أبريق الشاي , قبل توجهها لرفع السماعة , أجابها صوت كاثرين , كما توقعت , وأبتسمت أذ حدست مقدما ما ستقوله المرأة الأكبر منها سنا , فقالت:
ط كلا , أرجو أن تعذريني يا كاث , نعم أعرف أن لايل كيرك جاء لقضاء عدة أيام هنا فألتقيت بشقيقته منذ أيام , إلا أنني خططت للتخلص من بعض المشاكل الصغيرة خلال العطلة , وأرجو أعفائي من الدعوة , أنه لعطف كبير منك التفكير بي , لكنني.....".
" أعرف أنك عانيت من أرهاق طوال الأسبوع كله , وأنك متعبة ولكن أصغي لما سأقوله يا جيردا حان الوقت لأن يصارحك أحدهم بالحقيقة, أنك في الثانية والعشرين من عمرك وليس الثانية والأربعين , وقد مضت على وفاة بليز ستة أشهر فمتى ستتخلصين من تأثير ما حدث؟ لم أخترت هذا العمل ؟ كان عليك مغادرة البلد وزيارة والدتك لعدة أشهر , عزيزتي , تعليمين بأنني لا أحاول التدخل ألا أنني أحاول أعادتك ألى دورة الحياة الطبيعية , أنك لا ترغبين بالبقاء أرملة طوال حياتك , أليس كذلك؟".
توترت أصابع جيردا حول سماعة الهاتف وأجابت:
" ليس لذلك علاقة برفضي الدعوة , ألا أنني لا أرغب زيارة مكان يقضي أفراده معظم وقتهم في محاولة ربطي برجل أعزب , خاصة أذا كان الرجل لايل كيرك".
" وما هو عيب لايل؟".
" لا شيء عدا أنني لا أحس بأي شيء نحوه ولا أرغب في أقامة علاقة معه , أو مع أي رجل آخر".
أضافت بتجهم , أما كاثرين فأحست بجرح مشاعرها فقالت:
" من أوحى لك بذلك؟ أنك تدركين خطأك أليس كذلك؟ أنه الوقت الملائم للخروج مع رجل لطيف يدعوك للعشاء ثم يبادلك الحب , أنه العلاج الأفضل لوضعك".
" ربماأذا كنت تعلمين ما الذي ستعالجينه بالضبط".
وتذكرت جيردا شيئا , ناظرة بأتجاه المطبخ فقالت:
" كاثي , يجب أن أذهب الآن لأنني تركت الماء يغلي على النار , أعرف أنك تحاولين مساعدتي وأنا أقدر ذلك ولكن هل نستطيع نسيان الموضوع الآن وربما.......".
" حسنا , ألا أننا لن نسمح لك بالأنكفاء وحدك هكذا , أذ لم يتوقع منك بليز الحياة كراهبة بقية حياتك , ويكفي أن السنة الأخيرة كانت قاسية ما فيه الكفاية , يا للمسكين بليز لا بد أن الأمر حطّم قلبك.....".
" نعم , كاثي , سأتصل بك فيما بعد , عليّ الذهاب , مع السلامة".
وضعت جيردا السماعة في مكانها وأسرعت ألى المطبخ , كانت كاثرين صديقة عزيزة ألا أن ألحاحها كان أكثر من اللازم , وهذا أمر لم تتحمله أعصاب جيردا.
منتديات ليلاس
فتحت جيردا علبة من لحم لسان الثور , شرّحت ثمرة طماطم , ووضعت قليلا من الزبد على الخبز , ثم جلست عند الطاولة الصغيرة لتحدق في السطح المزين باللونين الأصفر والبرتقالي , دون أن تراهما.
كانت تعلم أن كاثرين محقّة , أذ لا يتوجب عليها العيش بهذه الطريقة , متجنبة الدعوات , فاقدة نفسها في زحمة العمل أثناء النهار ومستهلكة وقت فراغها وحدها , ممثلة بغباء الصورة النموذجية المعروفة عنها : أرملة شابة حرمها الموت من زواج مثالي سعيد ..... آه لو أنهم عرفوا الحقيقة.
ورغم ذلك أحبت جيردا بليز وبادلها هو الحب , لقد وجدت في بليز ملجأ تخلصت بواسطته من الماضي , فجأة دمعت عيناها فهزت رأسها بعنف: لماذا توجب عليك الموت يا بليز ؟ لماذا؟
رفعت صحن الطعام بتثاقل لأنها لم تستطع أتمام تناول طعامها , ثم جلست لتلقي نظرة على عمل الشركة الذي جلبته معها ألى البيت , كان عليها إعداد نسخ بعض المواصفات وموجز تقرير سيوفر عليها الكثير من الوقت يوم الأثنين , ثم إعداد بعض الملاحظات لهوارد دوربل عن مناقصة مهمة , مهما كان رأي كاثرين عن عملها فإن جيردا واثقة بأن عملها كمساعدة خصوصية لهوارد دوريل يمثل نقطة أرتكاز هامة في حياتها , أذا أحست بالحاجة لوجودها , ولم يكن لديها وقت للملل , كانت محظوظة في عثورها على العمل وتوفره وقت حاجتها , لم تكن المؤسسة كبيرة جدا ولهذا تسهل ملاحظة الجهود الفردية , وكان هوارد صديقا لها أكثر مما كان رئيس عمل , رغم أنها لم تسمح لنفسها بأستغلال صداقته.
بدأت الطباعة وتساءلت في الوقت نفسه عن مسار لقاء هوارد بممثل شركة فان لورن للمعدات الألكترونية , فقد كان هوارد متلهفا للحصول على العقد خاصة بعد سريان بعض الأشاعات عن شركتي فان لورن ووينتفورد كومباين , سحبت آخر صفحة من الآلة الطابعة ثم سمعت صوت جرس الباب , تعجبت لذلك وأسرعت نحو الباب لتفتحه إلا أنها تراجعت بدهشة حين رأت وجه الرجل المتعب الواقف أنتظارا.
" هوارد , لم أتوقع...".
ثم توقفت عن الكلام حين أدركت ما أصابه , تناولت من يده حقيبة العمل وقالت:
" أدخل وأجلس , سأعد لك بعض الحليب الساخن".
" كلا , لا تزعجي نفسك".
تجاهلت جيردا أعتراضه وأسرعت إلى المطبخ بعد أن جلس على الكنبة قرب المدفأة , سخّنت بعض الحليب بسرعة ثم تناولت قنينة دواء المعدة التي أحتفظت بها لمثل هذه الحالات الطارئة.
عانى هوارد من مرض رجال الأعمال : القرحة , وتبين لها من معرفتها أياه أن لا فائدة من محاولة تهدئته وتخديره , حين عادت إلى الغرفة همس :
" شكرا , أنك تشبهين أمك كثيرا , جميلة وباردة ظاهريا لكنك دافئة وحنونة من الداخل , ماذا سأفعل دونك؟".
" أفعل ما طلبه منك الأخصائي , وافق على إجراء العملية وتخلّص من المرض".
" أنني عجوز وخائف جدا".
" هراء , ستصبح رجلا جديدا".
" لست متأكدا من أنني أريد التحول إلى رجل جديد , جيردا , آسف لأقحامك في مشاكلي , ولكن هل ستساعدينني ؟".
" بالطبع , هل تريد مني مرافقتك إلى البيت ؟ هل أستدعي الطبيب............ أو؟".
ثم تذكرت شيئا مهما جعلها تقفز من مكانها , فقالت:
" ربما كان من الأفضل الأتصال بالسيد كنغسلي وألغاء دعوة العشاء معه , لا يزال هناك وقت".
" كلا , ليس ذلك ما أريده , اللعنة أنه حدث سيء وفي وقت أسوأ ..... جيردا , تلقيت مكالمة هاتفية بعد مغادرتك المكتب".
" هل تعني........؟".
وأشار برأسه إيجابا مضيفا:
" تأكد الأمر رسميا , لقد بيعت فان لورن لشركة وينتغورد".
أعتدلت جيردا في مكانها:
" هل تعتقد أن لهذا تأثيرا سلبيا علينا".
" قد يصح الأمر أذا لم ننجح في تجديد العقد".
وأرتسمت على وجه هوارد دلائل الألم رغم محاولته أخفاء ذلك , وحين أنتهت نوبة الألم مرر يده على جبينه , قائلا:
" لهذا جئت هنا الليلة , أذ ليس في أمكاني , في حالتي الصحية السيئة , مواجهة ليلة أخرى من الطعام الدسم والشراب حتى الساعات الأولى من الصباح , أنت تعلمين ما يعني ذلك".
كانت جيردا تعرف جيدا ما قصده , أذ لاحظت في الصباح الباكر وجوه الرجال الرمادية المتعبة , وجوها ترتدي قناع الموت ثمن مواصلة التنافس في عالم التجارة والمال , قالت :
" لا أعتقد أنك في حالة تسمح بذهابك , أذ ستقتل نفسك بهذه الطريقة , دعني ألغي دعوة الدعوة قبل ذهابك".
فرد عليها :
" لا أستطيع ذلك , يجب أن نحصل على العقد , وما أريده منك هو الذهاب نيابة عني".
" أنا؟ الليلة ؟ ..... لكنني!".
ونظرت إل ساعتها ثم إلى وجهه القلق , وواصلت قائلة :
" هوارد , لا أستطيع الذهاب نيابة عنك".
" لماذا ؟ هل أنت مدعوة إلى مكان الليلة؟".
" كلا , لكنك تعرف آراء الرجال المحجفة بحث النساء".
" هراء, ستكونين رائعة خاصة وأنك تعرفين تفاصيل العقد أحسن مني , حتى أنك لن تلجأي إلى قراءة الأوراق الرسمية , إبتسمي في وجه العميل وسيوقع العقد كالحمل".
تنهدت جيردا متذكرة كينغسلي , المتحدث اللبق ممثل شركة فان لورن , الذي ألتقت به بعد عدة أسابيع من بدء عملها في المؤسسة , ولم تكن الذكرى مشجعة مثلما ذكر هوارد.

نيو فراولة 15-08-11 03:59 PM

فقالت بلهجة متشككة :
" نعم , أنت تعلم بأنني سأبذل أقصى جهدي , لكن لا تلمني أذا رفض مناقشة الأمر مع أمرأة".
" لن ألومك , كنت سأرسل تيلور لولا أنه موجود في مانشيستر ولن يعود قبل الساعة التاسعة وربما في وقت متأخر أكثر بسبب زحمة المواصلات".
وتوقف هوارد عن الكلام ليهز كتفيه بأرتياح , ثم واصل حديثه:
" أنه ثقل أزيح عن ذهني . والآن , هل تريدين سيارتي أم أستدعي سيارة أجرة ؟".
" أفضل سيارة أجرة أذ سيخلصني من مشكلة البحث عن مكان لأيقاف السيارة".
" حساب النفقات مفتوح قدر ما تشائين بهذه المناسبة هل لديك بطاقة النفقات ؟ أستخدميها وسأصرف كل شيء فيما بعد".
أومأت جيردا برأسها .
" سأعطيك بعض المال أحتياطا".
وسحب بعض الأوراق المالية من جيبه وناولها أياها قائلا:
" والآن , سأستعيد معك بعض الملاحظات السريعة.......".
وحين قام بذلك وعلّق بأن معلوماتها أحسن من معلوماته هزت رأسها قائلة:
" أنني سعيدة لثنائك وثقتك بي , وآمل ألا أخيب ظنك .... بالمناسبة , أين ومتى سألتقي بالسيد كنغسلي؟".
" يا ألهي , لقد نسيت أهم شيء , أنه ليس كنغسلي , وكان ذلك جزءا من المعلومات التي تلقيتها , القادم هو ممثل وينتفورد الخاص , اللبق بنفسه".
" حقا ؟ تشرفنا .... أي واحد منهم؟".
" جوردان بلاك بنفسه".
" جوردان بلاك".
بعد ذلك , أدركت جيردا أن الفترة المنصرمة لم تتجاوز اللحظات بين نطقه للأسم وأختفاء الصدى من رأسها , ألا أنها ظنت أن الأمر أستغرق وقتا طويلا , قبل أن تسمع صوت هوارد من جديد.
" ظننت أن ذلك سيصدمك , ألا أنني آمل تحول الأمر الى بشرى خير , أذ أنه معروفا بأنجذابه للنساء وأرجو أن تمارسي جاذبيتك الأنثوية عليه أذ أننا.....".
توقف هوارد أذ أدرك خطأ ما قاله وأذ لاحظ شجوب وجه جيردا البيضوي الدال على عمق الصدمة.
" لا أستطيع آداء المهمة , آسفة , لا أستطيع ..".
" لم لا ؟".
وفكر بأنها عصبية ومترددة فواصل :
" ستكونين أفضل سفيرة لنا.... وأذا كان ما قلته يقلقك فأنني لا أظن بأنك ستخضعين للغواية بسهولة , حتى لو كان الشخص جوردان نفسه , كل ما عليك عمله هو أرتداء درعك المضاد للحب , والآن لا تقلقي أذ ليسهناك ما يستوجب القلق".
لم تسمعه جيردا , جوردان بلاك من بين جميع الرجال , آخر رجل رغبت في رؤيته مرة أخرى , وكان من المستحيل أقناع نفسها بأن شخصا آخر يحمل الأسم ذاته , أذ لا يتسع العالم في رأيها , لأثنين يحملان أسم جوردان بلاك , وأحال الخوف بشرتها الى لون جليدي وأحست بأرتخاء أطرافها , وفتحت فمها لتطلق صرخة كبحتها في اللحظة الأخيرة وأرادت القول أنها تفضل القيام بأي شيء عدا..... ثم رأت وجه هوارد المتشنج ألما وقلقه الظاهر بوضوح في عينيه فأستدعت ما حدث ذات مرة في الماضي.
منذ عشرين عاما مر والدها بالظرف نفسه ووقف هوارد دوريل الى جانبه وساعده على أجتياز الأزمة , منذ عشر سنوات كان دوريل منقذ العائلة بعد وفاة الوالد وأخيرا مساعدته لها منذ ستة أشهر عند فقدها لبليز , ولولا مغادرته البلد منذ أربع سنوات لعمل طارىء لما مرت بأقسى تجربة في حياتها ولأستطاعت بالتأكيد تغيير أساس وضعها الحالي , وبذلت جهدها لأستعادة هدوئها وكبحت مخاوفها : ( ليس في أستطاعتي خذلان هوارد ).
" آسفة , أنه أحساس عصبي , أين سألتقي به؟".
" الساعة الثامنة ولنصف في مطعم توبي , أنه مكان رجال , ألا أنني لم أفكر بذهابك ألا الآن".
" لا أمانع في الذهاب الى هناك مرة واحدة".
" أنه أفضل مطعم لتقديم اللحم المشوي ولو كنت أعلم بذهابك مسبقا لأخترت مكانا آخر يلائمك أكثر , ربما سيختار بلاك الذهاب الى مكان آخر".
وتلاشى صوت هوارد مرة أخرى وبدا وكأنه يعاني من جفاف في حلقه .
" لا يهم الأمر , من الأفضل أن أقوم بتغيير ملابسي".
" نعم , كيف ستتعرفين على بلاك؟".
ونهض هوارد واقفا ببطء.
( هل سأعرف جوردان بلاك ؟ خاطبت نفسها ثم أومأت برأسها:
" لا تقلق سأعثر عليه بسهولة , عليك الذهاب الى فراشك مباشرة وأستدع الطبيب , هل تسمعني؟".
" نعم , ها هو العقد , لن يوقعه الليلة , بل ما سيحدث هو مجرد الحديث عنه , ولكن من الأفضل لو أخذته معك , شكرا جزيلا يا عزيزتي , أذا عدت في وقت مبكر , فأتصلي بي , وأذا.....".
" سأتصل بك غدا".
ردت جيردا ...... حين غادر هوارد الشقة , ساد المكان صمت مخيف , توجهت الى الحمام حيث أغتسلت ثم بدأت محاولة أختيار فستان ملائم للمناسبة , كان الفستان الأبيض الكلاسيكي فاخرا بالنسبة لمكان كتوبي , فأختارت واحدا ورديا ورفعت شعرها الى قمة رأسها ولم ترتد أيا من مجوهراتها , كما راعت أن يكون الماكياج بسيطا.
كانت أصابعها باردة كالثلج حين وضعت بعض العطر على رسغيها وعنقها , ولمحت صورتها في المرآة : الوجه البيضوي محاط بقسوة الشعر الأشقر , ربما لن يتعرف عليها , فما حدث بينهما تم منذ ثلاث سنوات , ولم تعد هي في التاسعة عشرة من عمرها ذات الشعر الطويل المنسدل بحرية عل كتفيها , وملامح الوجه الجميلة ...... تنفست جيردا بعمق محاولة الحفازظ على هدوئها , ما الذي يستطيع جوردات بلاك عمله الآن ؟ ما حدث كان في الماضي , ليس هناك من يحمل الضغينة في داخله منذ تلك الفترة الطويلة , بالتأكيد ليس هناك من يحمل الضغينة في داخله منذ تلك الفترة الطويلة , بالتأكيد , ليس في أمكانه الحقد عليها طوال ذلك الوقت.
كان جوردان بلاك أول رجل رأته حين دخلت توبي.
طول الطريق حاولت أقناع نفسها بأنه قد لا يأتي لحادث طارىء وصدقت ما توهمته الى حد أنها لم تتوقع رؤيته أطلاقا , الى أن سارت داخل توبي حيث أحست بدفء المكان الرجولي , الكنبات الجلدية الثمينة والديكور الخشبي الغامق اللون , المطبوعات القديمة الموضوعة على الجدران والممثلة لرحلات صيد تمت في القرن الثامن عشر , ثم رأت جوردان جالسا في النهاية البعيدة وأمامه قدح شراب مثلج , بينما حمل بيده سيجار بدا وكأنه نساها.
وقفت قرب المدخل , محاولة تجاهل رؤوس الرجال الملتفتة للنظر اليها بأستغراب , أنها المرأة المقتحمة لملجأهم , ألا أن جوردان بلاك لم يرها بعد , وعليها المحافظة على رباطة جأشها حتى تلك اللحظة , أنه لم يتغير أطلاقا .
لا يزال الشعر الأبيض الكث منسدلا بلا ترتيب على جبينه وحاجبيه الغامقي اللون , الحنك القوي تتوسطه غمازة تضيف الى وجهه قسوة وصلابة عرف بهما , بينما تفارقت الشفتان بلا مبالاة أشارة الى شهوانية داخلية , وأكد طوله الفارغ قوته وتعجرفه , تعجرف رجل لا يقبل المساومة وواثق دائما من صحة أختياره , لم يرفع رأسه بعد.
تقدمت جيردا نحوه في محاولة يائسة للدفاع عن نفسها , خاطبت أولا الرجل الواقف خلف البار ثم سارت نحوه:
" مساء الخير سيد بلاك".
استدار برأسه بكسل , وألتقت عيناها بعينيه الزرقاوين المطلتين بأهداب سوداء , فلمحت ألتماعا أختفى بسرعة.
أجبرت جيردا نفسها على الأبتسام , أبتسامة يرسمها رجال الأعمال على وجههم كما تعلق الأمر بصفقة جديدة , أبتسامة ساحرة لا شخصية ودافئة في الوقت نفسه.
" آسفة لأخبارك عن عدم مجيء السيد دوريل , كان الأمر مفاجئا ولم يستطع تأجيل الموعد".
واصل النظر اليها بقسوة وصمت.
" لم نرغب بأزعاجك , فطلب مني السيد دوريل الحلول محله".
وأشارت الى المظروف الذي تحمله قبل أن تواصل القول:
" لدي كل التفاصيل هنا , أذا رغبت بمناقشتها معي , أظن أن بأستطاعتي توضيح كل غموض في الموضوع".
" هل هذا هو العقد الجديد مع غرينغفولدس؟".
" نعم".
أحست بجفاف شفتيها وشحوبها وسرت لأرتدائها فستانا ورديا يخفي ذلك.
" هل ترغب في شراب آخر يا سيد بلاك ؟ أو هل تفضل تناول العشاء الآن ؟".
" أكره أن تدعوني أمرأة للشراب والطعام".
ثم نظر بأتجاه النادل فجأء حالا لتلبية طلباته.
" ماذا تريدين يا آنسة...".
وتلفظ كلمة ( آنسة ) بأصرار.
" أنني السيدة مانستون".
أجابت بأصرار مماثل :
" أريد قدح عصير , رجاء".
" سيجارة".
وفتح علبة سجائره المزخرفة من جهة واحدة , ثم أشعل لها سيجارتها بيد ثابتة , وضغط على زر القداحة مرتين , لأنها لم تستطع أخفاء أرتجاف يديها , تناولت قدحها وفكرت بأن لقاءها بجوردان أسوأ مما تخيلته , قالت :
" أذا كنت ترغب بتأجيل اللقاء الى أن تتحسن صحة دوريل.....".
" لا أدري , ما هو مرض دوريل؟".
" القرحة المعدية , وهو يرفض التوقف عن العمل لمعالجتها ".
هز جوردان كتفيه بلا مبالاة وقال :
" لن يفعل ذلك أذا كان قلقا بصدد منافسيه , متى بدأ تزويد فان لورن بما تحتاجه؟".
" منذ خمس سنوات ".
" وهل أنتم قادرون على تجهيزنا ؟".
شعرت جيردا بتخلصها من بعض توترها ففي أستطاعتها أجابة الأسئلة بكفاءة ومقدرة ولم تسبب لها المصطلحات التقني أي أرتباك.
دفع قدحه جانبا وقال :
" لنتناول الطعام الآن".
تبعته بصمت , مدركة في الوقت نفسه تغير الأدوار حين تقدم النادل لسؤاله عما يرغبان من طعام , فأحست كما لو أنها كانت واقفة على رمال متحركة , وفكرت بأن هوارد أرتكب أكبر خطأ في حياته حين ظن أنها قادرة على ذلك مع أي رجل ساحر عادي , أما جوردان بلاك لم يكن رجلا عاديا , بل كان معتزا برجولته الى حد أن مجرد فكرة لقائه بأمرأة أعمال لمناقشة عقد جديد , مقدر عليها بالفشل منذ البداية.
أختار الشراب ثم كوكتيل الفاكهة لها وكوكتيل الأريبان له , ثم اللحم المشوي بعد ذلك , بعد أنتهائه من هذا وضع مرفقة على الطاولة وخاطبها :
" والآن أخبريني عن سبب وجودك هنا؟".

نيو فراولة 15-08-11 04:03 PM

دهشت للسؤال ألا أنها أسرعت بأجابته:
" أخبرتك السبب عند مجيئي , ولا بد أنك تعرف العقد المطروح وألا لما كنت موجودا هنا الليلة".
" ما هو مركزك في الشركة؟".
" مساعدة خصوصية للسيد دوريل ".
أجابته وهي تحاول تناول كوكتيل الفاكهة .
" حسنا وهل هو المدير الوحيد للشركة؟".
ضمت شفتيها مانعة نفسها من الأجابة بخشونة , ألم يقرأ أيا من الرسائل المتبادلة ؟ ألم يطلع على أي من المعلومات قبل قبوله الدعوة؟ وأذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يدع كينغسلي يواصل المفاوضات ؟ حسنا , أذا ما كان يرغب فيه هو تاريخ الشركة......
" السيد ميريك والسيد تيلور في مانشيستر كما أن هناك أضرابا في.....".
" أعرف كل تفاصيل الأضراب في ديلوز ولا تهمني التفاصيل غير الضرورية حاليا ".
فسألته بهدوء :
" ما الذي تريد معرفته بالضبط يا سيد بلاك؟".
" هل هذا هو أسلوبك الخاص مع رجال الأعمال يا جيردا؟".
وحلت لحظة المواجهة أخيرا , كانت عيناه باردتين ولم تستطع مقاومة التحديق فيهما , جف فمها وأزدادت ضجة غرفة الطعام حولها , فجأة الى حد تحولت فيه الى ضوضاء غريبة , قالت بصوت مختنق:
" لماذا لم تقل ذلك من قبل؟".
" لماذا تظاهرت بعدم معرفتي؟".
لم تستطع العثور على كلمات مناسبة للدفاع عن نفسها , وواصل قائلا:
" لم تتغيري , كل ما تغير هو أنك أمتلكت الجرأة للمجيء , ولكن لا بد أن السبب هو لأرضاء نرجسيتك بالتواجد في مكان مخصص للرجال".
أنتابها الوجوم وصمتت كما لو أنه ضربها على رأسها , ثم سحبت حقيبة يدها بعنف وقالت:
" أذا كان الأمر كذلك , فمن الأفضل أن أغادر المكان".
" وتسببين فضيحة ؟ أبقي في مكانك , وماذا عن العقد؟".
لحظت النادل مقتربا منهما , فسكتت ثم قالت بعد أبتعاده :
" لم تتغير أطلاقا يا جوردان , كما أنك لا تستطيع النسيان".
" هل توقعت مني ذلك؟".
" كلا , كنت سأكون بلهاء لو أنني توقعت أي شيء منك , وخاصة التفهم".
أحنت رأسها وتوقفت عن التظاهر بتناول الطعام لعلمها أن الطعام سيخنقها , لحظت أنعكاس الضوء على قدح شرابه وتكرار الأنعكاس عندما وضع القدح على الطاولة , قال :
" أذن , توفي بليز منذ ستة أشهر , هل ما زلت أرملة ؟ أم أن هوارد دوريل هو المرشح الجديد؟".
بتعمّد , دفعت صحن طعامها جانبا وجلست بأستقامة .
" أنت تعلم جيدا قوة مركزك حاليا , أذا ما رغبت بأهانتي فليس لدي الخيار بل سأسمح بذلك لأرضائك , ولكن أحتراما لرجل لا علاقة له بما حدث بيني وبينك , رجل لا يصح لومه لأي سبب كان , أطلب منك عدم ذكر أسم هوارد دوريل مرة أخرى".
" يبدو أنك تعلمت أخيرا , الأخلاص , ومن سوء الحظ أنك لم تتصفي به من قبل".
" لن أجادلك فيما قلته ". قالت ببرود : " لأنني جئت هنا لأنجاز عملي وليس .... وليس......".
وأحست بصعوبة في التنفس وأتمام جملتها ألا أنها قالت أخيرا:
" وليس لبدء نقاش في موضوع قديم مرة أخرى , والآن هل نستطيع أتمام حديثنا بصدد العقد؟".
" آه! نعم العقد".
ومال جوردان في مقعده ليتّخذ وضعا مريحا أكثر وقال :
" أنك ترغبين في الحصول على هذا العقد مهما كان الثمن , أليس كذلك؟ خاصة أن شركتكم مرت بعام تجاري سيء , في السنة الماضية ".
" تمر كل الشركات , أحيانا , بظرف عصيب".
وحاولت في الوقت نفسه الحفاظ على جمود ملامحها لئلا يجد لذة سادية في تعذيبها .
" ألا تريد بعض الحلوى؟".
أشار بيده رافضا وطلب من النادل جلب الجبن , وبعد أنصراف النادل قال:
" حسنا , لنعد الى العمل , أفترض بأنك مركز ثقة دوريل ... هناك أشياء كثيرة أود معرفتها قل الموافقة على العقد".
منتديات ليلاس
كانت وجبة طعام مخيفة , وبدا كأن جوردان قد تحول الى مخلوق آخر , مخلوق أشتهر بصلابته وقسوته في المعاملات التجارية , وتحوّلت أسئلته التي أطلقها الى تحقيق متواصل , حلّل فيه كل نقطة في العقد , وناقشها في أدق التفاصيل , وكانت أعصاب جيردا على وشك الأنهيار قبل أن يتوقف لأشعال سيجارة أخرى.
كانت صالة الطعام فارغة تماما , والجو مثقلا بدخان السجائر , راقبت جوردان مدخنا سيجارته ثم تذكرت ما قاله هوارد لها : ( لن يوقع الليلة , بل سيكون اللقاء مجرد تهيئة لذلك).
وسرت رعشة يأس في جسمها , وتلاشى أملها في منحه العقد للشركة , خاصة بعد معرفته بعملها .
بقيت صامتة , ألا أن التساؤل الواضح في عينيها دفعه للقول :
" لنخرج من هنا".
وقادتهما جملته الأخيرة الى تعقيد جديد , وخلافا للمألوف طلب من النادل الحساب ودفع هو كل شيء ثم قال للنادل المتعب أن يتناول شيئا على حسابه , ثم خرجا سويا.
" لا أسمح لأي أمرأة بدفع حسابي , أطلاقا".
قال بتصلب حين خرجا الى الظلمة وواصل قائلا:
" حسنا , أين سنتوجه الآن ؟".
حدقت في وجهه مما دفعه الى أطلاق ضحكة قصيرة.
" لم يتم شيء الليلة , كما تعلمين , وأحد الأسباب هو أن ضمان وقت التسليم ليس موافقا لمواصفاتي , والآن , لنأخذ سيارتي القريبة ولنعد الى بيتي".
" كلا ".
وأطلقت الجواب بسرعة دفعته للقول:
" لم لا ؟ أنه المكان الذي أجري فيه صفقاتي عادة".
" أفضل عدم الذهاب فالوقت متأخر و...".
ثم توقفت بصعوبة.
" وأنت تخافين الأساءة الى سمعتك , هل أنت متأكدة أن هذا هو السبب الوحيد؟".
" نعم".
" أرجو أن تكوني مقتنعة , على الأقل , بما تقولينه , كلا لم تتغيري في شيء يا جيردا! ذلك الجمال البريء البارد , المعروض لخداع أي رجل , إلا أنه لن يخدعني".
" عليّ الذهاب الآن ".
نظرت الى مكان خلفه.
" سأذكر تعليقاتك للسيد دوريل وسأسأله عن الضمان , سيتصل بك في أقرب فرصة".
ومدت يدها لمصافحته
"تصبح على خير وشكرا على وجبة الطعام".
تجاهل جوردان يدها الممدودة وقال:
" أين ستذهبين؟".
" الى البيت بالطبع".
" بسيارتك؟".
" كلا , بواسطة التاكسي".
" سآخذك بسيارتي".
" كلا , لا حاجة لأزعاجك , أذ أستطيع أستدعاء سيارة....... بسهولة".
" ربما , ألا أنني لا أترك أمرأة وحدها في الشارع في الساعة الواحدة صباحا".
أمسك بذراعها وساعدها على عبور الشارع , ولم تستطع التخلي عن حذرها حياله ,حتى عند أقترابهما من سيارته المرسيدس الخضراء.
قال بتجهم وهو يفتح باب السيارة:
"لا تقلقي , أعرف ما الذي تفكرين به , ولكنني لا بد أن أكون في حاجة ماسة الى أي أمرأة أذا ما فكرت بلمسك".
جذب الملف من يدها ورماه على المقعد الخلفي لسيارة , ثم قال بتصلبه المعهود:
" الى أين؟".
لم تبد أي رغبة بدخول السيارة بل قالت:
" لا بد أن كراهيتي الى هذا الحد ترضي رغباتك".
" كلا , ليس الكراهية , للكراهية صلة قريبة بالحب , عزيزتي جيردا , وأنا أشك بمبدأ فهمك للعاطفتين , لو أنك.......".
وجذبها نحوه قائلا:
" تعرفين ذلك , وألا لما جئت الليلة لرؤيتي".
منتديات ليلاس
أرتجفت لملمس ذراعيه ودخلت السيارة بسرعة , وأرتفعت في داخلها أصوات أحتجاج أن تصرخ , أن تحتج , أن تطلب منه تفهم ظروفها أرادت أن تهرب قبل أن تسقط في الفخ , ألا أنها لم تستطع القيام بأي شيء , بل دفعت رأسها الى الخلف ليلامس المقعد الجلدي الناعم وأن تصلي طلبا للقوة لتصمد أمام تعذيبه لها لحين أتمام مهمتها.... وبد ذلك...
وأهتزت السيارة , أذ دخل جوردان بلاك وأغلق الباب خلفه , ومست ذراعه ذراعها أذ بدأ لمسه لأزرار الأضواء وأنكمشت هي لملمسه وكان بقاؤها معه في ظلمة السيارة , وحدهما , أمرا غير محتمل ودهشت لسماع صوته مخاطبا اياها:
" أين تسكنين؟".
" بناية كرافتون".
" أعرف المكان ".
وسارت السيارة بسهولة , مطيعة لكل لمسة من لمساته وبلا مقاومة مثل أمرأة مستسلمةبلا أحتراس لعواطفها , وكما كانت في تلك الليلة قبل ثلاث سنوات , ترى هل هل يذكر ما حدث؟ هل يتذكر آخر مرة جلست الى جواره في السيارة بعد أن غادر المستشفى وحاولت أخباره الحقيقة عن علاقتها بستيوارت , بكت حينئذ كثيرا لأن ما حدث كان مأساويا , ألا أنها لم تستطع تفادي الأمر , وواساها بين ذراعيه , وظنت بأنه فهمها وأنه سيحاول تهدئتها , وجاءت التهدئة بشكل عناق , وأعتقدت للحظة بأنه أهتم بها وأنتابها أحساس رائع ورغبة بنسان كل ما حدث وأن تستسلم تماما لمشاعرها الجذلة بقربها منه فمسدت شعره الفضي الجميل.
منتديات ليلاس
أغلقت جيردا عينيها , كان الجرح عميقا ومؤلما كما لو أنه حدث يوم أمس , أذ لا تزال تحس بضغط يديه وضحكته المحتقرة حين دفعها بعيدا عنه بكل قسوة ووجه اليها أتهامات لم تحلم بسماعها من قبل , أتهمها بأنها كانت رخيصة , أنانية , وأنه لن يغفر لها مأساة أخيه طوال حياته.
حين وقفت السيارة , وأستدار نحوها أختلط الماضي في ذهنها بالحاضر وتوقعت منه الغضب ألا أنه أبتسم في وجهها .
" أخشى أن يكون علينا مواصلة النقاش فيما بعد , متى ستلتقين بدوريل؟".
" غدا صباحا , لن أتصل به الليلة لتأخر الوقت".
تناولت الملف ونظرت اليه قائلة دون أن تجرؤ على الثقة بأبتسامته:
" سأتصل بك صباح الأثنين".
" ذلك متأخر جدا أذ سأكون في باريس".
" كم سيطول ذلك؟".
" يوما واحدا , ثم سأتوجه الى بون وسأعود الى المدينة يوم الخميس".
" سأتصل بك يوم الخميس أذن".
وضع ذراعه على ظهر المقعد وتفحصها بدقة:
" أنك غير ملائمة لهذا العمل كما تعلمين , أذ تتركين لي فرصة الأنسلال بعيدا دون أعتراض".
ضمت شفتيها بقسوة متسائلة:
" أحقا؟".
" لو كان من أتحدث اليه رجل أعمال خبيرا لقيّدني بوضع معيّن منذ فترة طويلة".
وأدركت أن ما يقوله ما هو إلا تلاعب بأعصابها:
" وهل تكفي مصافحة سيد مهذب آخر بهذه المناسبة؟".
وأختفت أبتسامته الواثقة أذ قال:
" هل تعتقدين أن التجارة همل سادة مهذبين؟".
" في جيرنغفولد , نعم".
ووضعت الملف تحت أبطها ومدت يدها مرة أخرى لمصافحته.
" تصبح على خير وشكرا على إيصالي".
لم يتحرك من مكانه.
" ألم تنسي شيئا؟".
" لا أعتقد ذلك".
" ألا تودين السؤال عن ستيوارت؟".
وشحبت فجأة :
" هل سيغيّر سؤالي أي شيء , كيف هو في أي حال ؟ تقبّل حقيقة كونه مقعدا طوال حياته , أذ ليس لديه أي أمل في غير ذلك".
" أتذكر ذلك , ليس في مستطاعي نسيانه".
" كلا؟ أجد أن نسيانك أكثر أقناعا من تذكّرك".
" لقد أوضحت ذلك من قبل ومنذ البداية , ما الذي تتوقع مني عمله الآن ؟ أن أشعر بالأسف لشيء لم أرتكبه؟ أن أرسل أعتذاري المهذّب ؟ أي فائدة في ذلك؟".
" لا فائدة أطلاقا".
وألتمعت عيناه أذ مدّ يده لأغلاق باب السيارة.
ومزق صوت أغلاق باب السيارة صمت الليل وزاد الأمر سوءا صوت المحرك , وألتمعت الأضواء مثل عينين غاضبتين لحين أختفاء السيارة عند المنعطف , وعاد للطريق اهدوء.
وجدت جيردا نفسها في المصعد دون أن تتذكر كيف وصلت الى هناك , وأحست بتقلص معدتها عند توقف المصعد في الطابق الثاني وأنفتح الباب بهدوء , وأحست بالضغط يسري في أوصالها , أذ دخلت الشقة وجلست حالما وصلت أقرب مقعد , حتى قبل أن تخلع سترتها.
وسقطت سترتها الحريرية الناعمة على الأرض , حين تحركت لتسكب لنفسها قدح شراب , ورغم دفء الشقة , أحست جيردا بالبرودة تسري في جسمها , وكما لو أن ما حدث طوال الأمسية تسجل على شريط سينمائي , بدأت بأستعادة كل التفاصيل : جوردان بلاك واقفا عند الزاوية , ثم مواجهتها أياه عند تناول اعشاء , عيناه المتهمتان , خيل اليها أن قوته بالسيطرة عليها قد تلاشت بعد مضي ثلاث سنوات , ألا أن ما حدث أكّد عكس ذلك.
حدثت في ظلال الغرفة طوال الليل , وحاولت جيردا الأمساك بما يعيد اليها طمأنينتها , وتمنت أن يستعيد هوارد صحته قبل يوم الخميس , حينئذ لن يكون هناك أي سبب للقاء جوردان مرة ثانية , وسيغرق الماضي في ظلام النسيان من جديد.
ألا أنها لم تحصل على السلام المتوقع , ولمعرفتها الجيدة بطبيعة جوردان بلاك , أدركت أنه لم ينته منها بعد.

فتاة 86 15-08-11 06:15 PM

الله يزيد و يبارك
نشالله ما نحسدك على همتك و عطائك
يعطيكي العافية
و الله يحميكي من عيون الحساد


الساعة الآن 06:59 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية