منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   29 - بوهيميا - آن ويل - قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t165185.html)

جين استين333 12-01-12 07:37 AM

قالت جوسلين في الحال:
-هل تعتقدين أن هذا قرار مناسب لك, يا كاميليا, الطريق رجراجة, صدقيني.
-آه, لا أريد مشاكل, يا جوسلين. فجان-مارك سيقود السيارة على مهل.
قالت سيلين:
-وأنت, يا آنسة بيشوب, تعالي معهما.
لكن كاميليا تدخلت بسرعة و قالت:
-على جوسلين أن تبقى مع العمة, فلا يجب تركها وحدها, خاصة أنني سمعت جيرفيه يقول بأنه ذاهب في المساء إلى آلرز.
-آه, نعم... نسيت العمة مادلون
نهضت جوسلين وقالت:
-المعذرة, عليّ أن أهتم بتحضير الغداء.
اعدت الفتاة حساء البصل, ثم تذوقته وفرحت لروعة طعمه اللذيذ. و بينما كانت تقطع شرحات الخبز تساءلت لماذا ابنة عمها اصرّت على ابعادها من زيارة مزرعة آل دورانس.
عرّجت سيلين إلى المطبخ في طريق ذهابها وقالت لجوسلين:
-آه, الحر شديد هنا. لا شك أن هذا العمل الذي تقومين به الآن مرهق, أليس كذلك؟
أجابت الفتاة الانكليزية بتواضع:
-لا بأس. لقد قيل لي بأن منزل والدك عصري, و مجهز بكل والوسائل الحديثة الضرورية؟
-نعم. كل شيء فيه. لكن، أنا لا أنظف البيت ولا اعدّ الطعام.
ثم نظرت إلى قدر الحساء و أضافت سائلة:
-وماذا هنا في داخل القدر؟
-حساء بصل.
-هل بإمكاني تذوقه؟
-نعم، طبعاً.
-آه، انه رائع. قال جيرفيه بأن...
سعلت الفتاة كأن الحساء حرق حنجرتها لشدة سخونته ثم تابعت تقول:
-قال جيرفيه بأنك طباخة ماهرة.
-آه, صحيح؟
سمعت جوسلين العمة ترن جرسها, فهرعت إليها. و لما عادت إلى المطبخ كانت سيلين قد ذهبت.
قبل موعد الغداء بقليل, جاءت كاميليا وقالت لابنة عمها:
-ستجعدين شعري, يا جوسلين, اليوم بعد الظهر. فلا يمكنني الخروج هكذا.
قالت هذا الكلام بلهجة آمرة و ولّت.
وعلى مائد الغداء, كانت جوسلين آخر من سكب الحساء في طبقه. جلست بفخر لتستمتع بهذه الوجبة الطيبة. لكن ما ان احتست الجرعة الأولى حتى تقلص جسمها. ولم تصدق, تناولت جرعة ثانية. طعم الحساء مقيت!
وضعت الملعقة و نظرت إلى الرجال. لا أثر لأي تعبير استياء أو قرف على وجوههم, يأكلون بشهية كالعادة ولا يتذمرون من شيء. ثم التفتت نحو ابنة عمها التي كانت تتصنع الاحتساء. اشتبكت نظراتهما، فرمقتها المرأة بنظرات حانقة مما جعل جوسلين على وشك الانهيار وتمنت لو باستطاعتها الاختفاء تحت الطاولة.
أخذت نفساً عميقاً وأعلنت تقول:
-سادتي, يجب أن أعتذر منكم. هذا الحساء لا يؤكل. طعمه مقيت.
وضع الواحد تلو الآخر ملعقته على الطاولة من دون النظر إليها. بعضهم اكتفى بمضغ الخبز, و البعض الآخر, وضعوا فوقه زبدة. تعابير وجوههم فير واضحة.
نهضت جوسلين من مكانها و أضافت تقول:
-أنا آسفة... حقاً آسفة. بسرعة سأحضر لكم شيئاً آخر.
قال جيرفيه بصوت هادئ:
-لا ضرورة, يا صغيرتي. سنكتفي بأكل الخبز الطازج مع الجبنة.
رمقها بابتسامة حارة, فتأثرت كثيراً وفرح قلبها.
ولما باتت كاميليا وحدها مع جوسلين, راحت تؤنبها قائلة:
-حقاً, يا جوسلين! لم يسبق أن انزعجت في حياتي مثل الآن. كيف باستطاعتك أن تفعلي شيئاً كهذا, أنت الفتاة الشاطرة؟!
-آسفة. لم أفعل ذلك عن قصد. حتى الآن لم أفهم ماذا جرى.
-انه الصابون, طبعاً. كيف بإمكانك أن تكوني غافلة, طائشة, إلى هذه الدرجة؟
-صابون؟ مستحيل! كيف يقع الصابون في الحساء؟
-هذا ما أحب معرفته. لا شك أنك كنت ساهية و وضعت منه بدل الزبدة. بأي تفسير آخر يمكنك أن تبرري غلطتك؟
-لكنني من النوع الذي ينتبه كثيراً, ولا أسهو أبداً.
-يا ابنتي العزيزة. لا ضرورة لمتابعة هذا الحوار. في الحساء صابون و هذا كل ما في الأمر. هل سكبت من الحساء للسيدة سانتون؟
-كلا. أطعمتها عجة بالفطر.
-لا شك اذن بأن جيرفيه سيخبرها بما حصل. لحسن حظك أن الصابون ليس مادة خطرة. لكن, مع ذلك، سيمرض بعض الرجال, حاصة الذين تناولوا كل شيء.
ذعرت جوسلين و قالت لابنة عمها:
-آه, لا! هل تعتقدين ذلك؟
-لن أفاجأ بالأمر. أشعر الآن بألم حاد في رأسي. سأرتاح نصف ساعة, و بعدها تجعدين شعري.
بينما كانت الفتاة تجلي الصحون لم تكف لحظة واحدة عن التفكير بما حدث, علها تجد تفسيراً لوجود الصابون في الحساء. افرغت محتوى القدر في برميل القمامة وصعقت حين وجدت في قعره فتيلة شمعة: " آه, الشموع موضوعة في خزينة المونة, و أنا لم أفتحها منذ البارحة". أطرقت الفتاة تقول في نفسها: " إذن, ما حدث ناتج عن تخطيط مسبق. لكن من؟ ولماذا؟
الجواب الأول الذي خطر لها: السيدة سانتون... لكن، صحيح أن العجوز عنيدة وصلبة, لكنها ليست شريرة إلى هذا الحد. و لو أن العمة هي التي وضعت الشمعة في الحساء، لفعلت ذلك في الصباح الباكر, عندما كانت الفتاة تنظف البيت. في الساعة الحادية شرة, كان الحساء لذيذاً لقد ذاقته, و كذلك سيلين...
سيلين! ربما هي التي فعلت ذلك. كانت في المطبخ عندما قرعت العجوز. ولما عادت جوسلين إلى المطبخ, كانت سيلين قد اختفت. تكفي ثوان معدودة لجلب شمعة من خزانة المؤن و وضعها في الحساء.
لكن، كيف تمكنت سيلين من معرفة مكان وجود الشموع, هي التي تأتي إلى المزرعة نادراً جداً؟ لأي سبب فعلت ذلك؟ للمزاح و النكتة؟
كانت جوسلين ما تزال تبحث عن مفتاح السر عندما رأت جيرفيه عائداً على حصانه. دخل المطبخ و سأل:
-أين كاميليا؟ ألا يمكنها مساعدتك في تنشيف الصحون؟
-تعاني من ألم حاد في الرأس, و ترتاح في الوقت الحاضر.
سحبت الفتاة يديها من ماء الجلي, ثم نشفتهما. لقد نسيت أن ترتدي القفازين البلاستيكيين الجديدين, فبدت يداها حمراوين منتفختين.
-وأنت أيضاً بحاجة إلى الراحة. يجب أن تمضي فترة القيلولة في سريرك. لم تخلدي إلى النوم البارحة إلا خمس ساعات وهذا لا يكفي. اتركي كل شيء الآن, و اذهبي إلى غرفتك. تنشفين الصحون فيما بعد.
-كلا, وعدت كاميليا أن أجعد شعرها. ستذهب في المساء إلى مزرعة آل دورانس مع جان-مارك. في كل حال, أنا لا أشعر بالتعب.
كانت تكذب طبعاً, وبينما راحت تمد يدها لجلب منشفة الصحون, أمسك جيرفيه معصمها و هز رأسه و قال:
-ستذهبين إلى غرفتك الآن و ترتاحي, يا ابنتي. تباً لكاميليا و لشعرها. آه, ماذا هنا؟ جرحت اصبعك؟
من دون أن يتركها, جلبها إلى كرسي قرب الطاولة و قال:
-اجلسي. سأضع فوق الجرح دواء مطهراً, ثم لصقة وقائية.
ادركت جوسلين في الحال أنه من الأفضل لها عدم معارضته و إلا جرها إلى غرفتها. قال:
-اذن كاميليا ذاهبة في المساء لزيارة مزرعة آل دورانس! أنا غير موافق لكن لا أستطيع منعها إذا كان زوجها موافقاً. هل دتك سيلين لزيارتها أيضاً؟
-نعم, لكنني رفضت. أنت ذاهب إلى المدينة, أليس كذلك؟ و أنا سأبقى قرب العمة و أنام باكراً.
ذهب جيرفيه ليجلب ما يحتاج لتضميد جرح اصبع الفتاة, ثم عاد وتقدم منها و قال:
-يداك لم تكونا على هذه الحال لدى وصولك إلى هنا. ألست نادمة على قبولك العمل مكان العمة؟
احمرّ وجه الفتاة, فأشاحت وقالت:
-هل تحاول اقناعي بأنك على حق, و بانني مخطئة؟ خاصة بعد حادثة الغداء...

جين استين333 12-01-12 07:58 AM

-آه, نعم... الحساء...
فضلت عدم النظر إليه كي لا تعرف قصده. تشعر دائما بالانزعاج قربه و خصوصاً اليوم, لأن اعصابها متوترة جداً. قالت بصوت متقلص:
-كنت لطيفاً في تصرفك معي, بعد الحادثة. وفي كل حال, لم تكن مخطئاً حيالي.
سألها بجفاف:
-وهل رأيي يهمك؟ تصورت بأنك لا تبالين بما أقول و أفكر.
نظرت إليه أخيراً و رأت في عينيه بريقاً يقطع الانفاس. لم يتسن لها الوقت للرد عليه, لأن كاميليا دخلت في هذه الأثناء إلى المطبخ وقالت:
-أشعر الآن بتحسن, يا جوسلين. هل أنت مستعدة لتجعيد شعري؟
قال جيرفيه بسرعة:
-للأسف جوسلين تعاني من ألم حاد في الرأس و أمرتها أن ترتاح حوالي ساعتين.
بدأت كاميليا تقول:
-لكن, و شعري...
قاطعها بخشونة و قال:
-شعرك يستطيع الانتظار, يا سيدة.
ثم تأبط ذراع الفتاة و رافقها حتى الغرفة, وقال لها:
-لا تحاولي الخروج. سأكون في المنزل و سأسمعك.
ثم أدار ظهره و ذهب.
بقيت جوسلين ممددة في غرفتها المعتمة طول ساعات الظهر الحارة. لكنها لم تنم لحظة. لا تفكر بشيء, لا بالحساء المقيت, ولا بتجعيد شعر ابنة عمها, و لا بالكوي غير المنتهي, ولا بتحضير العشاء... بدت لها كل هذه الأمور من غير أية أهمية اطلاقاً. لا يهمها سوى شيء واحد: اكتشافها الرهيب بأنها وقعت في حب جيرفيه سانتون.
حوالي الرابعة, نهضت جوسلين من سريرها, اغتسلت و ارتدت ملابس نظيفة ثم خرجت إلى المطبخ, حيث وجدت كلمة تقول:
-لقد أوكلت شخصاً لزيارة عمتي في المساء و المكوث قربها, فأنت اذن حرة لزيارة مزرعة آل دورانس, إذا كنت ترغبين ذلك.
لا توقيع على الرسالة, لكنها ليست غبية لتعرف بأنها صادرة عن جيرفيه نفسه.
لما حملت جوسلين القهوة لابنة عمها, قالت لها هذه الأخيرة بوجه عابس:
-اذن, تشعرين الآن بتحسن؟
-نعم, شكراً. هل ذهب جيرفيه إلى مدينة آلرز؟
-نعم. كما وجد من يبقى مع عمته. بإمكانك المجيء معنا, إذا كنت ترغبين بذلك.
-كلا, لن آتي. لا شيء يهمني في هذه الزيارة.
هزت كاميليا كتفيها و قالت:
-كما تريدين.
كانت المرأة غاضبة بسبب شعرها, لكنها لانت عندما اقترحت عليها ابنة عمها أن تجعده لها على الناشف. ولما عاد جان-مارك من عمله, كانت زوجته جاهزة, متألقة, و بمزاج رائع.
حوالي الثامنة, انتهى العشاء, فغسلت جوسلين الصحون كالعادة, ثم خرجت في سيرها الاعتيادي نحو الساقية, بينما كانت زوجة أحد الحراس تثرثر مع العمة. راحت تتأمل السهل الواسع, الممتد أمامها محروقاً بالشمس اللاهبة.
منتديات ليلاس
فجأة فكرت بانفعال مفاجئ: " ربما جيرفيه يعود باكراً ؟ "
ثم قالت الناحية المدركة في دماغها: " لا تكوني حمقاء. إذا بدأت منذ الآن التفكير و الحلم به, ستخسرين نفسك! الأفضل عدم التفكير به اطلاقاً. ليس هذا ما يسمونه " الحب" يا أيتها الحمقاء, انما ميل فاتن, فقط لا غير " .
و بينما كانت منغمسة في افكارها, لم تسمع رفاييل يقترب منها. فحين لمس ذراعها, انتفضت, فقال لها:
-لم أكن أقصد اخافتك. انما كنت أتساءل إذا...
توقف عن متابعة الكلام, منزعجاً, خجولاً. نظرت إليه الفتاة نظرة مشجعة, فأضاف يقول:
-...إذا كنت تحبين أن تأتي إلى للسباحة, يا آنسة؟
-لكن, أين؟
-في البحر. انه لا يبعد من هنا سوى كيلومترات قليلة. في دراجتي النارية, نصل بسرعة. لكن, ربما لا تحبين البحر؟
-آه, بلى, بالعكس.
-اذن, هل تأتين؟
ترددت جوسلين. لديها الكوي غير المنتهي. لكنها بحاجة إلى تمويه عقلها. فالسهرة على شاطئ البحر شيء مريح, سيسمح لها بالنوم جيداً, خاصة إذا سبحت حتى التعب, ثم أجابت:
-سأكون مسرورة جداً بمرافقتك, يا رفاييل. انتظرني.
لم تسألها السيدة سانتون إلا عن موعد عودتها, عندما اخبرتها الفتاة عن رحلة البحر. فارتدت قميصاً قطنياً فوق سروال الجينز و وضعت بزة السباحة في منشفة, ولم تنس أن تأخذ معها كنزة.
كان رفاييل ينتظرها على دراجته النارية. بعدما تأكد من جلوسها المريح وراءه, أدار المحرك, ثم قال لها بصوت عالٍ:
-تمسكي جيداً, يا آنسة.
وضعت الفتاة ذراعيها حول خصره و تنفست عطره الناعم, ثم تذكرت تحذيرات جيرفيه: " إذا كنت لطيفة, سيظن بأنك تريدين مغازلته. انه رجل... و أنت, بالنسبة إليه, امرأة " .
α α α α

جين استين333 12-01-12 08:05 AM

تم الفصل الرابع ^___^

إن شاء الله اليوم أنزل جزء من الفصل الخامس

جين استين333 12-01-12 10:13 AM

5-وكان لابد لها أن تشهد الجانب العنيف من حياة الكامارغ فبعد وقت لطيف على الشاطئ جاء عراك و بعد العراك جاءت البصّارة...

قبل التاسعة وصلا إلى الشاطئ, النهار ما زال ساطعاً مع أن الشمس بدأت تختفي وراء الأفق. المكان رائع ولا أحد في الجوار. ارتدت جوسلين بزة السباحة وراء شجرة صغيرة, قم وافت رفاييل إلى البحر. لعبا معاً في الماء الدافئة, الشفافة لمدة نصف ساعة, و لما عادا إلى الشاطئ الرملي, كانت جوسلين قد استعادت حيويتها, فارتمت فوق منشفتها و قالت:
-آه, انها الجنة!
جلس رفاييل قربها على منشفته, ثم انتشل من كيس صغير لوح شوكولاتة و ناولها اياه, فقالت له:
-آه, رائع! أنا جائعة حقاً. و كان يجب عليّ أن أتذكر و أجلب بعض الخبز على الأقل.
قطعت لوح الشوكولاتة نصفين و ناولته جزءاً, فقال لها:
-كلا, اللوح كله لك, أنا سأدخن سيكاره.
بقيا صامتين قليلاً, الفتاة تقضم بشهية و تتأمل الأمواج تصفق على الرمل, و الشاب ممدد على ظهره, مغمض العينين, يدخن سيكارته بكسل. نسيت الفتاة وجوده كلياً, عندما نهض فجأة وسألها:
-هل لديك صديق في انكلترا, يا جوسلين؟
أجابت و هي تنظر إلى البحر قلقة:
-أنا لست مخطوبة لأحد, إذا كان هذا ما تريد معرفته.
-لكن, هل هناك رجل تحبينه كثيراً و تفضلينه عن الآخرين؟
تذكرت طوم, لو لم تسافر لربما عقدا خطبتهما؟ طوم العزيز... اللطيف... الواثق من نفسه... ربما لقيت السعادة معه... لو لم تأت إلى فرنسا.
أجابت الفتاة:
-كلا, كلا, لا أحد.
اطفأ رفاييل سيكارته و قال:
-أنا, تعرفت على العديد من الفتيات, لكن لم يحصل شيء جدي حتى الآن. في كل حال, لا أنوي الزواج قبل أن أبلغ الثلاثين من عمري, على الأقل.
نظرت إليه مبتسمة و قالت:
-إذا انتظرت حتى ذلك الوقت, ربما انقرضت الفتيات الجميلات! يقال أن فتيات مدينة آلرز رائعات الجمال, أليس كذلك؟
-آه, نعم... عندما يكن شابات فقط... إذ سرعان ما يصبحن سمينات, شرسات, كلما كبرن في السن. لكنك أنت و ابنة عمك تختلفان عن بنات بلادنا.
-ماذا تعني؟
-أعني بأن بنات بلادنا متى تزوجن, يتوقفن عن الاهتمام بأنفسهن.
-لو كنا, ابنة عمي و أنا, نعمل بقسوة مثل نساء الحراس, لما وجدنا, مثلهن, الوقت للاعتناء بأنفسنا. في كل حال, أنت أيضاً, لن تبقى شاباً وسيماً إلى الأبد. ذات يوم ستنتفخ و ستشيخ و ستفقد وسامتك و نضارتك.
ضحك و قال:
-ربما. لكن أنت, ستظلين جميلة دائماً.
ضحكت الفتاة و لم تعرف تماماً كيف تنظر إلى الوضع الحالي. هل يتكلم رفاييل هكذا مع كل الفتيات؟ فأحابتها غير مبالية:
-شكراً لهذا المديح. لكن, قل لي, ما رأي الحراس بزواج جان-مارك من فتاة أجنبية؟
-يقولون عنه بأنه محظوظ. آه, هل قيل لك بأن السيدة سانتون كانت تأمل من جان-مارك أن يتزوج الآنسة دورانس؟
-نعم. هل هذه الأقاويل خاطئة؟
-كلا, كلا, انها صحيحة. قبل ان يسافر جان-مارك إلى باريس, كان يبدو عليه أنه سيوافق على قبول هذا الزواج. لكنه وجد صعوبة في الحصول عليها, لأنها فتاة فظة, لا تريده هو, انما تريد الزواج من المعلم الكبير.
قالت جوسلين باضطراب و دهشة:
-من جيرفيه؟
-لا تعرفيه ذلك بعد؟ انه الموضوع الأكثر تسلية في أحاديث المنطقة: هل تحصل عليه أم لا؟
-وحسب رأيك, ماذا سيحدث؟
-آه, سيستسلم لها جيرفيه في نهاية المطاف. انها فتاة جميلة, جذابة, و تملك مهراً ضخماً. يعرف المعلم كيف يسيطر عليها. الثيران, الأحصنة, النساء... شيء واحد بالنسبة له. الفتاة اللطيفة, السلسة, الطيعة, لا تناسبه أبداً...
حل الليل و الرمل ما يزال ساخناً. لكن جوسلين أخذت ترتجف برداً, فقالت:
-لماذا إذاً, لا يطلب جيرفيه يدها؟ ماذا ينتظر؟
-جيرفيه لا يريد الزواج الا من أجل انجاب أولاد يرثونه و يحلون مكانه فيما بعد. رجل مثله ليس بحاجة إلى خاتم في جيبه ليركّع الفتيات أمامه.
نهضت جوسلين وقالت:
-سأرتدي ملابسي.
ثم عادت إلى رفاييل الذي كان يسرح شعره بتأن. فقال لها:
-آسف لأنني حدثتك بهذه اللهجة و هذه الصراحة. ليس في نيتي أن أصدمك. انما هذه هي الحقيقة في بلادنا.
لم تنهض الفتاة بسبب كلام رفاييل, انما لتخيلها صورة جيرفيه، الرجل العازب, المحنك, الذي يريد زوجة له, فقط, كي يستمر نسله.
أجابت جوسلين بهدوء:
-لا أهمية لذلك, يا رفاييل.
لما صعدا إلى الدراجة النارية, اقترح الشاب قائلاً:
-هناك مقهى صغير في طريقنا, باستطاعتنا التوقف عنده و احتساء القهوة.
المقهى بناء منعزل و قديم. امامه توقفت الشاحنات و الأحصنة المربوطة بالحاجز و قافلة غجر. أشار رفاييل رأسه إلى القافلة و قال:
-الغجر!
في تلك الأثناء سمعا عزف قيثارة داخل المقهى, فاختفى ضجيج الأصوات و الضحكات و بدأ الناس يغنون و يصفقون مع ايقاع الموسيقى. كانت الصالة تعج بالناس. أمسك الشاب يد جوسلين و سارا معاً نحو احدى الزوايا, ثم هتف لأحد الحراس فنهض الحارس و أعطى مكانه للفتاة, ابتسمت له جوسلين و قالت:
-شكراً, يا سيد, شكراً.
انحنى الحارس مبتسماً, ثم ابتعد. طلب رفاييل من الخادم احضار القهوة. وبينما كان أحد الفجر يعزف على الكمان, راحت امرأة عجوز تمر بين الطاولات طالبة من الزبائن كشف بختهم.
بعد قليل لاحظت الفتاة مجموعة رجال غرباء عن المنطقة, جالسين حول طاولة يحتسون المشروبات. فجأة لمحت أحد رجال هذه المجموعة يشير إليها بيده, فاحمرت و أزاحت وجهها. أخبرها رفاييل, بعد أن رمق الرجل بنظرات حقد, بأن هؤلاء الرجال من عمال حقول الأرز. فتذكرت ما أخبرها به جان-مارك عن المشاجرات التي تحصل عادة بين حراس الماشية و هؤلاء العمال.
فبعد الحرب, جرى تخصيص قسم كبير من أراضي منطقة الكامارغ لزراعة الأرز, فخاف أصحاب الماشية و حراسها أن يتسع هذا القسم بمرور الزمن, على حساب مراعي القطعان. خاصة أن العمال النازحين يختلفون كلياً عن الحراس المحافظين, الفخورين بأرضهم و منطقتهم. و هذا الخوف ما زال مسيطراً على المنطقة.
نظرت جوسلين إلى ساعة يدها و فوجئت بتأخرها. الساعة تشير إلى العاشرة و النصف, بينما وعدت السيدة سانتون في العودة إلى المزرعة قبل العاشرة فطلبت من رفاييل الذهاب فوراً. وبينما كان الشاب يدفع الفاتورة, تقدم أحد العمال من الفتاة و انحنى و قال لها شيئاً لم تفهم معناه.
لكن رفاييل سمع ما قاله العامل, فارتسم الغضب على وجهه وأمر الرجل بترك جوسلين و شأنها. وما حدث بعد ذلك كان بمثابة كابوس بالنسبة إليها. عم الصمت أرجاء المكان, و حدقت العيون بالشاب و العامل.
خرج رفاييل إلى خارج المقهى و تبعه العامل, و بدأت المعركة بينهما. لم يسبق للفتاة أن رأت مشاجرة حية بالأيدي من قبل. الحقيقة القاسية أغثتها, فراحت تصرخ و تقول لصاحب المقهى:
-آه, أرجوك... أوقفهما! أرجوك!
لكنه كان يهز كتفيه و رأسه و يقول:
-عراك كهذا يتكرر باستمرار ومن الأفضل عدم التدخل.
خلال الدقائق الأولى, ظل العراك مناصفاً. صحيح أن العامل أضخم جثة من رفاييل, لكنه أقل منه بنية جسدية. احتد العراك و أحيطت حلبة المصارعة بدائرة من الزبائن المتحمسين لمعرفة نتيجة العراك. فجأة, توقفت سيارة جيب على بعد امتار قليلة من حلقة المشاهدين, نزل منها جيرفيه و تقدم داخل الحلبة. فرح قلب جوسلين لدى رؤيته, ولو لم تكن محاطة بالغجر, لأسرعت إليه.
أطلقت زفرة ارتياح عندما رأته يدفع رفاييل جانباً ثم أمسك بخصر العامل الذي حاول التخبط بشدة, لكنه وقع أرضاً بدوره.

جين استين333 12-01-12 11:27 AM

رفع جيرفيه نظره إلى الجمهور و لمح بعض رفاقه, فقال آمراً:
-خذوه من هنا.
ثم رأى جوسلين, فاتجه نحوها بوجه غاضب و حاقد, ثم أمسكها من ذراعها بشدة و جرها إلى سيارته, بينما كانت تردد بتلعثم قائلة:
-لكن... لكن رفاييل؟
لم يرد عليها, بل دفعها إلى داخل السيارة ثم صعد إلى مكانه و أقلع في غيمة غبار كثيفة. بصعوبة تمكنت الفتاة من السيطرة على ارتجاف جسمها و توترها العصبي لكنها ظلت تخشى المشهد الذي سيلي.
عندما وصلا إلى المزرعة, كانت عينا جيرفيه قد فقدتا برقيهما التهديدي, انما فمه ظل متقلصاً. و بصوته العادي الهادئ قال:
-اذهبي إلى فراشك. سأعيد زوجة الحارس إلى منزلها...
نظرت إليه الفتاة بذعر, و من غرفتها سمعت محرك الجيب يقلع. و بعد قليل وصل جان-مارك و كاميليا. و لما تأكدت من أن الزوجين ناما, نزلت إلى المطبخ لتعد لنفسها فنجان قهوة علها تستعيد نشاطها. لن تستطيع النوم قبل أن تتحدث إلى جيرفيه و تبرر موقف رفاييل.
لكن عندما سمعت أصوات خطوات تتقدم من الباب الخلفي, كادت أن تفقد رباطة جأشها و تفر, ولما رآها جيرفيه جالسة أمام الطاولة, قطب حاجبيه و قال:
-هذه أنت... ألم أقل لك أن تذهبي إلى فراشك؟
بلعت الفتاة ريقها و أجابت:
-عليّ أن أحدثك... أن أشرح لك ما جرى.
-بإمكانك مناقشة ذلك غداً صباحاً. الساعة تشير إلى منتصف الليل ولا أريد ازعاج الآخرين.
-آه, أرجوك... لا استطيع أن أنام قبل أن أحدثك. أنت غاضب, أعرف ذلك. اسمعني, أرجوك. لن أطيل الحديث.
-حسناً. ما دمت تصرين. لكنني أتكهن بما حدث. انه رفاييل الأحمق, لا مكان له في مزرعتي بعد الآن. عليه أن يبحث عن عمل في مكان آخر.
-هل يعني بأنك ستطرده؟
-نعم. لقد سبق و أنذرته مراراً. و إذا كان يفضل عدم طاعتي, فعليه أن يتحمل عواقب ذلك.
-لكن, ليس من العدل طرده... لم تكن غلطته. لو ... لو كنت انت هناك أيضاً, لتشاجرت مع هذا العامل الحقير. لقد عاركته في كل حال.
-ضربته لأنها الطريقة الوحيدة لوضع حد نهائي للعراك. أنا أعارض الرد على التحديات. العنف لا يؤدي إلى شيء.
خلع سترته الجلدية و قال:
-أهالي منطقة الكامارغ يخافون جميعاً امتداد حقول الأرز. لكن العراك لا فائدة منه. إذا كان رفاييل لا يستطيع رؤية أحد هؤلاء العمال من دون أن يجن جنونه, فهو إذن بحاجة إلى درس جيد.
قالت محتجة:
-أنت لا تفهم. كانت الغلطة غلطتي أنا. لقد تشاجرا بسببي أنا.
تقلص حنقه و سألها بجفاف:
-ماذا تقصدين؟
-قال لي العامل شيئاً لم أفهمه, فطلب من رفاييل الابتعاد, فأجابه العامل بأنه لن يبتعد إلا بالقوة. حتى أنت, كنت رديت على هذا التحدي أليس كذلك؟
لمعت عينا جيرفيه و قال:
-ما كان عليه أن يصطحبك إلى هذا المكان, في بادئ الأمر.
-لكن معظم زبائن هذا المقهى من حراس الماشية و أنا أعرف أن أخلاقهم رفيعة و تصرفاتهم مدروسة.
-ليس هذا ما أقصده. لكن الظاهر نسيت بأنني نصحتك عدم معاشرة رفاييل.
-لا, بل أتذكر تماماً. أنت مخطئ بحقه. لقد أمضيت معه سهرة رائعة, إلى أن وصلنا إلى المقهى.
أمسكها جيرفيه بكتفها بعنف و قال بخشونة:
-آه صحيح! لكن هذا لن يتكرر... و أصر على ذلك. ما دمت تعيشين تحت سقفي, فستحترمين رغباتي, يا صغيرة. و الآن, إلى فراشك. القضية انتهت و أقفل الموضوع. ولا أريدك أن تحدثيني بهذا بعد الأن, اطلاقاً.
ثم خرج و اختفى في الظلام.
لا جيرفيه ولا رفاييل ظهرا على مائدة الفطور صباح اليوم التالي, ولم تتجرأ جوسلين أن تسأل الحراس إن كان رفاييل قد عاد إلى المزرعة مساء أمس, و كانت تخشى أن تلاحظ كاميليا ملامح الأرق في عينيها المرهقتين بعد ليلة بيضاء, لكن المرأة كانت منهمكة بالحديث عن مزرعة آل دورانس ولم تلاحظ وجه الفتاة الشاحب و جفنيها الحمراوين. انما كانت تقول:
-انها حقاً مزرعة رائعة, يا جوسلين. لو كان الأمر مشابهاً هنا, لقبلت العيش بكل سرور. لكن المكان بحاجة إلى انسان ذواقة و مرهف كي يصبح جنة و روعة.
-وهذا المكان بحاجة إلى المال ليصبح ما تحلمين به يا كاميليا.
-جيرفيه يملك المال. و يملك أيضاً أفضل ثيران المنطقة. لا شك أنه مرتاح من الناحية المادية, مع أنه لا يبدو هكذا. الله وحده يعرف ماذا يفعل جيرفيه بأمواله الطائلة. حتى جان-مارك نفسه لا يفهم لماذا أخوه اقتصادي إلى هذه الدرجة.
سألت جوسلين لتغير الحديث:
-هل سيلين الفتاة الوحيدة لوالديها؟ أليس لها أخ؟
-انها وحيدة, والدها تجاوز الستين من عمره ولا شك أنه تزوج في سن متأخرة. انه رجل لطيف جداً.. و ذكرني بالمثل المشهور, موريس شونالييه, لكن للأسف, اصيب العام الماضي بذبحة قلبية, و سيلين قلقة على صحته كثيراً.
و قالت جوسلين لنفسها: " لا تملك سيلين، الجمال و المهر, فحسب، إنما ذات يوم, ستملك مزرعة والدها كلها. لهذا السبب لا يريد جيرفيه أن يصرف فلساً واحداً على مزرعته".
شعرت بالاشمئزاز و القرف... ليس اتجاهه, بل اتجاه نفسها, لمجرد تصوره قادراً على مشاريع حقيرة كهذه.
ثم قالت لنفسها بخجل: " لو كنت أحبه حقاً, لما فكرت هكذا, بل لكنت وثقت به و آمنت به و صدقته. و إذا كان هذا الشعور الداخلي ليس حباً, لماذا أتعذب إلى هذه الدرجة؟ لماذا تبدو حياتي بلبلة حقيقية؟ لماذا وصل بي الأمر أن أخشى العودة إلى انكلترا؟"
خلال فترة الصباح, اصرت العجوز أن تنهض من سريرها, مع العلم أنها لم تشف بعد نهائياً. لكن جوسلين أصرت على المواصلة في القيام بالأعمال المنزلية الصعبة, فقالت لها العمة:
-أنت فتاة طيبة, يا جوسلين. لدى وصولك إلى هنا, لم أنظر إليك نظرة جيدة, بعدما رأيت ملابك الأنيقة و الطلاء على اظافرك. لكنك برهنت بأنك فتاة مسئولة و ستصبحين في المستقبل امرأة قادرة. يا الأسف, فكاميليا لا تشبهك!
أجابت الفتاة بهدوء:
-انها تحب ابن أخوك و تحمل ولده. ليس مجرد أن تتقن الزوجة الطهي, تكون زوجة جيدة, يا سيدتي.
زمت العجوز شفتيها وقالت:
-ربما. لكن واجب المرأة أن تطعم زوجها و تغذيه جيداً. عندما كانا يسكنان في مدينة آلرز, كان جان-مارك رجلاً جائعاً. فهو ليس مثل جيرفيه بصحة متينة. انه سريع العطب منذ صغرة. حتى السابعة من عمره, كان يعاني من الربو أمضيت الليالي الطويلة أسهر عليه. أحياناً كان يصح أزرق حتى الموت. سأريك احدى صوره.
تناولت العمة صورة من دولابها و قالت وهي تشير إلى الرجل الضخم فيها:
-هذا هو زوجي!
كانت العمة في الصورة جالسة على كرسي, تلف ذراعها حول كتف صبي يتكئ عليها.
-وهذا هو جان-مارك أترين كم هو نحيل. كان في العاشرة من عمره بينما يبدو في الحقيقة في السادسة.
لكن جوسلين كانت تنظر إلى وجه الصبي الأكبر الواقف قربه. و تساءلت لنفسها: " لماذا لم تضع العمة ذراعها الثانية حول كتفه, بينما هو متروك على حدة, عابس و عدائي؟ بسبب جان-مارك و مرضه, لم تجد له وقتاً؟ هل قساوته ناتجة عن نقص في الحنان؟".
وبينما كانت جوسلين تكنس تحت سريرها, لمحت ظلاً وراء نافذتها, فصرخت مندهشة:
-رفاييل! آه, رفاييل, يا لوجهك المسكين!
-لقد رأيت اسوأ من ذلك, يا آنسة.
ثم قال بصوت منخفض:
-ذهبت إلى المطبخ لأتحدث معك, فرأيت العجوز. أنا آسف لما حدث مساء أمس. لا شك أنك غاضبة مني. لكنني لم أتحمل اهانة العامل لك و شتيمته الكبيرة.
-أنا لا ألومك, يا رفاييل. لكن جيرفيه غاضب جداً. هل رأيته؟
-نعم. أخرجني من السرير قبل الفجر. وقال لي, بأنه, في المرة المقبلة, إذا حصل معي شيء مماثل, فسيطردني نهائياً من دون أي تردد.
-لكنه قال لي في الأمس بأنه سيطردك اليوم نهائياً.
-آه, صحيح؟ ربما غير رأيه في الليل. انه سريع الغضب حيال من لا يطيعه. و هو في الوقت نفسه رجل صادق. لقد سمح لي أن أشرح له ما حدث, إذا اقترب مني أحد, عليّ أن أتحاشاه و أبتعد. كما أمرني أيضاً ألا أوجه إليك الكلام أبداً.
منتديات ليلاس
اختفى رفاييل من وراء النافذة حين دخلت كاميليا إلى غرفة جوسلين. وما ان انتهت الفتاة من تنظيف غرفتها, توجهت لتنظيف غرفة جيرفيه, الغرفة الوحيدة التي تجاهلت الاعتناء بها منذ أن حلت مكان العمة. و ها هي تدخلها للمرة الأولى, بإلحاح, علها تجد فيها تفسيراً لشخصيته المحيرة.
كانت الغرفة تحتوي على سرير ضيق يقع تحت احدى النوافذ. أحد جدرانها مليء بالكتب و بعض صور الخيول و القطعان. على الجدار المواجه, تعلقت لوحة زيتية تمثل قطيع أحصنة بيضاء تجتاز فوق مستنقع صغير. لم تكن الغرفة وسخة أبداً. و الظاهر أنه يحافظ على نظافتها بنفسه. كما لاحظت الفتاة بأن الرجل يجيد تقطيب الأزرار و رتق ملابسه و تصليحها.
فجأة لفتت نظرها صورتان, على طاولة قرب السرير. الأولى تمثل زوجين متعانقين: الرجل يشبه جيرفيه و المرأة تشبه جان-مارك. عرفت في الحال أنها صورة والديه. أما الصورة الثانية كانت تمثل سيلين دورانس, وهي واقفة قرب نافذة, ترتدي ثوباً أسود, ضيقاً, يظهر كل تفاصيل جسمها و قامتها الجميلة. تبدو ناعمة, بعينيها الثاقبتين و ابتسامتها الساخرة.
" ربما يحبها جيرفيه حقاً. ربما لم يطلب يدها بعد لاعتقاده بأنها ما تزال تحب أخاه. هل يجهل بأنها لم تكن تحب جان-مارك، انما تحبه هو؟ أليست هذه الصورة برهاناً لحب جيرفيه؟"
وضعت الفتاة الصورتين مكانهما لدى سماعها خطوات في الممر. لكن جيرفيه ظهر على عتبة باب غرفته قبل أن تتمكن من جمع معدات التنظيف و الخروج. بدا منزعجاُ لرؤيتها داخل غرفته, فأحمر وجه الفتاة. قال لها:
-لست بحاجة لتنظيف غرفتي. فأنا أفضل أن أنظفها بنفسي. لا أحب رؤية أغراضي في غير محلها.
-آسفة جداً, لم أكن أعرف ذلك. لم ألمس شيئاً على كل حال.
كان يمسك باب الغرفة مفتوحاً و ينتظر رحيلها, لكنها همست تقول:
-اشكرك لأنك غيرت رأيك بما يختص برفاييل.
-هل تحدثت معه؟
كذبت و قالت:
-كلا, لكنني رأيته من نافذة المطبخ, و أدركت بأنك غيرت رأيك.


الساعة الآن 10:48 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية