منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t165156.html)

نيو فراولة 26-07-11 04:33 PM

91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
91 - تناديه سيّدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة


الملخص






سألها:
" أيمكنك مقاومة من يريدك؟".
فسألته بدورها" ومن يريدني؟".
وعندها شعرت أنها أصبحت ضعيفة كالماء بين ذراعي المركيز.
"أنني هربت من كينيث امام اصدقائه, كذلك عرف ريك أننا أمضينا ليلة الضباب معا... أو هو عرف على الاقل أنني كنت ليلتها مع رجل".
" ألم تقولي له أنني كنت ذلك الرجل؟".
"ماكنت لأستطيع وإلاعلمت الجزيرة كلها وتوقعت زواجك مني".
" إذا لم توافقي على زواجنا فسأعمل على أن تعلم الجزيرة كلها لأنني أريدك, ولأنك بالنسبة الي فتنة العالم كله".
احتجت قائلة : "وهل يتزوج المركيز من خادمة؟ ".
اجاب باعتزاز: " هذا المركيز يفعل تماما مايريده".

نيو فراولة 26-07-11 04:35 PM

1- مطر الغابات




دوّت صفارات الأنذار , وذعر الركاب , وإرتطمت زوارق النجاة بالماء , وأنقلب أحدها أثناء إنزاله من جانب الباخرة المائل , وأحسّت أيفين بلغريم بلفحة هواء الليل , وبهبوط مفاجىء في جوف البحر , فغطى الماء رأسها وكاد يلفّها إلى أن طغت على سطح الماء بفضل قميص النجاة الذي ترتديه.
كان ذلك أشبه بكابوس لا طاقة لاها على الخلاص منه , وكان رأسها يمتلىء بصرخات هلع الركاب , ولكنها في الوقت نفسه راحت تتذكّر الموسيقى التي كان الركاب يرقصون على أنغامها في صالون الباخرة , نغمات حلوة عاطفية تابعتها أيفلين بنقرات قدمها , وتاق معها قلبها إلى رفيق يراقصها.
منتديات ليلاس
ولكن أحدا لم يقترب منها أذ كانت تنزوي في سمت إلى جانب مخدومتها , ونظارتها على وجهها , وشعرها معقود كالعكعة , كانت السيدة ساندل تقوم برحلة بحرية في الشواطىء المشمسة بناء عل نصيحة طبيبها , وقد وقع أختيارها على أيفلين لمرافقتها بعدما تأملت حاشية بيتها , وكانت أيفين تعمل لدى عائلة ساندل منذ كانت في الخامسة عشرة , أولا كمربية للأطفال ثم خادمة ورفيقة للسيدة ساندل السريعة الغضب , وكانت أحتياجات أيفلين وأحلامها كفتاة في التاسعة عشرة بعيدة عن يدها وإدراكها .
ومنذ بداية الرحلة توقعت ايدا من مرافقتها أن تلازمها بإستمرار ,وقالت لها بطريقتها الحادة الآمرة:
" أنت فتاة عاقلة وتعرفين مكانك وحدودك , فلا تتوقعي المشاركة في اللهو والمرح مع ركاب الباخرة الشباب , أو السباحة دوما في بركة الباخرة أو الرقص والمغازلة".
وما دانت أيفين لتحلم بالوقوع في الغرام على ظهر الباخرة , ولكنها ودّت لو تتمتع بمشاركة من هم في سنّها ألعابهم على سطح الباخرة بدلا من مطالعة جين أوستن لأجل السيدة ساندل , وودّت شيئا من التغيير المبهج كأن تتنزه على سطح الباخرة برفقة أحد الشباب.
لم تجتذب هذه الفتاة الصغيرة ذات الثوب البسيط والنظارة التي تلازمها , أنتباه أي فتى على سطح الباخرة , لعلهم أفترضوا أنها خجولة للغاية , أو أنها تخشى رفيقتها مما قد يجعل صحبتها غير مثيرة , ولم يكن لديهم أية فكرة بأن تحت ثوبها غير الأنيق يدق قلبا فتيا دافئا يتوق للمغامرة.
مغامرة! لقد شعرت أيفين بتخدير حركة البحر وهي تطفو طوال الوقت مبتعدة عن الباخرة المنكودة , شيء ما قد أنفجر في غرفة محركها , وفي دقائق معدودة وبشكل جنوني غمرت المياه السفينة , كما غمرها دوي صفارات الأنذار , الكل فوق سطح السفينة , والكل أخذوا أماكنهم المحدّدة لهم ! وكانت أيفين أول الأمر هي التالية بعد السيدة ساندل التي ما عادت واثقة من شيء , وراحت في هلع اليائسة تمسك بحقيبة حليّها وحقيبة يدها , وحين أصبح أحد زوارق الأنقاذ جاهزا نحت أيفين جانبا , وبسبب أندفاع الركاب غابت السيدة ساندل عن أنظار أيفين , ولحظة أنقلب الزورق تناهت ألى سمع أيفين صيحة ربما كانت صيحة السيدة ساندل التي لم تعرف طوالها حياتها غير التدلل , والآن يتقاذفها البحر الذي قد يقسو عليها .
طغت أيفين فوق الماء وعادت برغم دوارها تدرك أنه لا توجد أجسام أخرى طافية تؤنسها , كانت صيحات ركاب الباخرة المنكوبة تتلاشى وراءها , وشعرت بصمت رهيب يلفها , ومع أن البحر كان يبدو خلال النهار أزرق دافئا , فهو الآن بارد , وكأن الحياة كلّها تخرج من أطراف جسمها.
رأت أن تغني أو تصيح صيحة صغيرة حزينة في سكون الليل :
" آه ".
ولكن لا مجيب ولا سميع , ولكونها خفيفة الوزن حملها قميص النجاة بعيدا عن سمع الركاب الآخرين , سرعان ما تكون وحيدة تماما وسط المحيط بين ساحل أسبانيا الصخري وساحل أفريقيا الشمالي.
يا له من أمر مخيف , أن أندفاعها في مياه غريبة أعاد إليها صور وحدتها في السنوات الماضية حيّة من جديد , وأخذت الذكريات تتكاثر عليها , وقد صدق قول الناس , أن المرء حين يغرق يعود إليه ماضيه حيا.
جاءت من مكان في سومر ست يدعى كومب سانت بليز , وكان هناك حجر فوق الأرض يسمى الملاك الأسود أعتادت يوم كانت طفلة أن تلعب حوله وتجمع الزهور البرية لتحملها إلى الكوخ الذي تعيش فيه مع أبيها حارس الطيور , فأمها مانت بعد ولادتها , وقد أحبّت هي والدها , الرجل القوي البنية بشعره الأحمر الداكن , والذي كان يعنى بطيور منتزه عائلة ساندل الواسع حيث البيت الريفي.
منتديات ليلاس
وهي تعلم أنهما من أقارب آل ساندل من ناحية أمها , ولكنها قرابة بعيدة , وكانت أحيانا تسمع مبكرا صوت أبواق الصيد حين يخرج رجال العائلة ونساؤها عبر أراضي الصيد لمطاردة الثعالب الحمراء , وبسبب الثعالب كرهت أيفين آل ساندل المتغطرسين غير الرحماء , وكانت تأمل أن لا تعمل أبدا في خدمتهم مثل والدها.
ما أعظم سومرست , هكذا كان يقول أبوها , لم تكن هناك زهرة برية لا يعرفها بإسمها , ولا طير لا يمكنه تقليده.
رتعشت أيفين في الماء كما سبق أن أرتعشت في الكنيسة يوم دفن والدها , كان كله حيوية , وفي يوم منحوس مات أثر رفسة حصان أحد الصيادين , وصمت صوته الحنون إلى الأبد.
أحدى الجارات ربطت لها شعرها , وهو في لون أوراق الخريف , بقوس أسود كبير , وكان أبوها يقول أن شعرها كمطر الغابات ناعم ورائع.
بعد الدفن لم تنعم ألا بالقليل من أسباب الراحة , فهي مجرد أبنة حارس يتيمة , الأذرع الحنونة لم تعد تمتد إليها , خدّرها الحزن , وحبست دموعها في كيانها , نقلوها إلى البيت الريفي , ووضعوها في غرفة صغيرة , وفي اليوم التالي بدأت تعمل في غرفة أطفال كان يشغلها طفلا أبن أيدا ساندل وزوجته.
كل شيء تغيّر بسرعة وبشكل محيّر , كانت أيفين قبل يوم حرّة تجوب البرّية , وبعده أخذت تتلقى الأوامر من آل ساندل , وبمرور بضعة أشهر في خدمة الطفلين , شرعت أيدا تستخدمها كخادمتها الخاصة , وعادت إلى ذاكرة أيفين سهرة الصيد الراقصة , بعد عام من وفاة والدها , تذكرت وصول الضيوف في عطلة نهاية الأسبوع , والساعات الطويلة التي كانت تقضيها في ترتيب شعر أيدا , ومساعدتها لها في إرتداء ثيابها , وسماع الموسيقى تنساب إلى الرواق حيث تجلس عند السلم المؤدي إلى العلية , وتذوب في أحلام مستحيلة.
كان في إمكانها أن تهرب وتمارس عملا في المدينة , ولكن ماذا تعرف عير حمل صواني الشاي , وإصلاح الثياب , والمشي مع كلاب أيدا وتأمين قصصها ودعك قدميها.

نيو فراولة 26-07-11 04:37 PM

كان في إمكانها أن تهرب..... وقد هربت الآن ...... جرفها البحر وهي في قميص النجاة أشبه بحطام سفينة , تكاد تموت بردا وذعرا , والظلام يزحف حولها , وضاعت نظارتها التي كانت أيدا ساندل تصر على أنها ضرورية لها , وأنطلق شعرها من عقدته المحبوكة في مؤخرة عنقها , وألتصق ثوبه الصوفي بجسمها النحيل , وشعرت بالدوار كطفل إستبد به النعاس.
ترى هل يغشاها النوم الأبدي الذي لا صحوة منه؟ وهل ستحظى ثانية بشبح الفارس الطويل القوي يضمها بين ذراعيه ويقول لها أنها ستصبح أميرة في قلعتها الخاصة؟ وبينما الأمواج تغطيها تساءلت هل سيكون ذلك مؤلما؟ لم تسمع في الليل غير دقات هي بالتأكيد دقات قلبها ترن في أذنيها وتشتد , وفجأة أصبح كل شيء مجرد أمواج كثيرة تطوقها في مثل بياض البرق.
صرخ أحدهم.... وأمواج أخرى كثيرة تغطيها وتخنقها , ثم , صوت لطمة على الماء تقترب منها , ويدان من حديد تطبقان عليها , ولغة لم تستطع فهمها , وأحست برجل يمسك بها وهي تتعلّق به كأنه صخرة في البحر المضطرب.
إستيقظت أيفين فيما بعد لتجد نفسها متدثرة بأغطية في مضجع حجرة صغيرة , كانت ترقد مذهولة وتشعر بحركة الزورق , وبدفء جميل يسري في أطرافها , وكان معنى هذا أنها في أمان ولم تغرق.
وأتسعت عيناها حينما أنفتح باب الحجرة ودخل رجل يرتدي قميصا صوفيا سميكا عالي الرقبة , كان نحيل الوجه أسمر البشرة أقبل ناحية المضجع وأنحنى فوقها وتأمل وجهها بعينيه السوداوين وسألها بالأسبانية عن حالها.
لم تفهم قوله أبتسمت له , أنه الشاب الذي أنتشلها من البحر وأنقذها , وبكل أمتنان قالت :
" شكرا لك".
أبتسم لها كذلك وتركها تستريح من محنتها , كان وسيما قوي البنية كأنما لا شيء يخيفه , وأدركت أن فارسها البحار المنقذ أسباني لطيف.
وصل الزورق إلى الميناء مع طلوع الفجر , وقدّم لها البحار أبريق قهوة ساخنا وقميصا صوفيا وبنطلونا من الجينز وما أن أرتدتهما حتى كانت الشمس تنفذ من كوة الحجرة , وبنظرة إلى الخارج تبينت أيفين وسوّ الزورق عند شاطىء أشبه بحاجز رصيف ناتىء , كما تبيّنت أن الرائحة التي تفوح في الهواء هي رائحة أشجار صنوبر عالية قريبة من الشاطىء , صعدت سلما ضيقا إلى سطح الزورق , كان زورق صيد بمحرك آلي , ألتصق برصيف الميناء الحجري , وكانت على الرصيف فتاة تداعب نسمات الصباح بأطراف شالها الذي غطّت به رأسها , تحملق بالزورق عندما قفز منه منقذ أيفين وأحتواها بين ذراعيه , تعلّق كل منهما بالآخر , وراحت أيفين تراقبهما وهي تحس بشعور الوحدة ينتابها.
أنتظرت أيفين بضع دقائق , ثم مشت فوق الزورق بأتجاه الرصيف حيث أمتدت إليها يد الشاب القوية , كان شعرها قد جفّ ولمع من أثر الملح وأنسدل على كتفيها , وقميصها المستعار يتدلى فوق الجينز , وبدت كشريدة عصفت بها الأمواج.
تطلعت إليها المرأة ذات الشال بفضول , كانت جميلة وسمراء كالشاب البحار , وإبتسمت أيفين عندما قدم لها المرأة ببساطة قائلا بالأسبانية :
" زوجتي ماري لويز".
الآن بعد زوال الدوار فهمت أيفين قوله , أذ عادت تتذكر بعض الكلمات الأسبانية التي تعلمتها مع أيدا ساندل , وأبتسمت شبه إبتسامة حين أدركت أن فارسها المنقذ رجل متزوج سعيد!
رافقت الزوجين إلى بيتهما القائم بجدرانه البيضاء وسط أشجار الصنوبر , وهناك كان طفلهما ينام في سريره , غير بعيد عن أكواز الصنوبر والخشب المشتعل في المدفأة , وتحدّثت ماري ليز مع زوجها , فأستأذن وخرج من المطبخ.
سمعتها أيفين تقول لزوجها :
" أمريتو أتصل بالسيد الكبير".
وتطلّعت أيفين ألى ماري ليز التي كانت تعد المائدة وسمعتها تقول ثانية :
" السيد الكبير , حدثه يا أمريتو عن السيدة الأنكليزية , أفهمت ؟".
يبدو أن أمريتو على وشك أن يسلمها إلى سيد كبير في هذه المنطقة , تأملت أيفين الطفل النائم في مهده بإعجاب , وأكلت البيض المقلي الذي أعدته لها ماري ليز , وكانت تتناول فنجان قهوة حينما عاد أمريتو وأفهمها أن سيارة ستأتي لتنقلها إلى قصر السيد الكبير.
نظرت أيفين من النافذة وتساءلت :
" أين أنا ؟ أي جزء من أسبانيا هذا؟"
أخذت ماري ليز تهدهد إبنها بين ذراعيها , وتركت لزوجها الشاب مهمة الأجابة , وعلمت أيفين بشيء من الذهول والذعر أنه جيء بها إلى جزيرة على الساحل الأسباني تدعى , جزيرة دي ليون.
وما أن أستوعبت الحقيقة المذهلة , حتى سمعت صوت سيارة تتوقف خارج البيت , وفتح أمريتو الباب وخرجت أيفين إلى نور الشمس الذي كان يتخلل الشجر ويسطع على هيكل السيارة الرابضة هناك , سيارة ليموزين عليها شعار أسد فضي في مقدمتها وهلال على أبوابها , وألتقطت أيفين أنفاسها , إن آل ساندل لم يركبوا سيارات مثلها , ولم يكونوا من الأهمية بحيث يكون لهم شعار أو نبالة.
برز من وراء مقود السيارة سائق في بدلة ملونة وفتح الباب , إبتسمت أيفين وهي تودّع الزوجين وشكرت أمريتو قائلة:
" أنت أنقذتني ولساني عاجز عن شكرك بما فيه الكفاية".
رد أمريتو :
" في رعاية الله".
قبّلت أيفين خصلات شعر الطفل , وأرتمت داخل سيارة الليموزين , شعرت بنعومة مقاعدها المخملية وأمتلأت بالزهو , أنها لم تحلم أبدا بأن تقذفها الأمواج ألى جزيرة وتركب سيارة يقودها سائق خاص , كانت السيارة مزودة أيضا بسجادة تحت قدميها ووسادة خلف رأسها فجلست في غاية الراحة , وأخذت السيارة تترك طريق الغابة وتصعد في طريق جبلي دائري.
وأخيرا توقفت السيارة , وفتنها المنظر الطبيعي ولمعان البحر الذي يلف جزيرة دي ليون , من يكون دي ليون هذا , أيمكن أن تكون جالسة في سيارته التي أخذتها إلى قصره ؟ كانت تسمع عن بعض النبلاء الأسبان الذين لا يزالون يعيشون كاللوردات الأقطاعيين في هذه المناطق النائية , أن زوجة البحار الذي أنقذها كانت تسمي الرجل الذي استدعاها بالسيد الكبير.
فجأة أمسكت أيفين مقبض باب السيارة الداخلي الفضي , وأحست بطعنة من الشك والخوف , أرادت أن تطلب من السائق أن يعيدها إلى عائلة أمريتو الطيبة التي تعيش في كوخها الوديع , ولكن لغتها الأسبانية لا تسعفها , فهي لا تعرف غير كلمات وعبارات قليلة, وليس من بينها : ( أوقف السيارة , أريد الخروج من هنا ).
حملقت من نافذة السيارة , ورأت صخور الشاطىء وشجر الصنوبر والصمغ , ومسحة ذهبية تعلة الجبال البعيدة , وزرقة أخاذة لمياه البحر .
كان البحر الذي وقعت فيه الليلة الماضية مخيفا , أما الآن فهو أشبه ببركة مملوءة بياقوت أزرق , وحين نظرت إلى المياه البعيدة لحظة زاد صعود السيارة إلى أعلى التل , فكرت في حال مخدومتها أيدا ساندل , هل نجت؟ وهل ستسعى للأستعلام عن خادمتها أيفين بلغريم؟
أيفين تعرف أن إسمها الأول غريب , قال لها أبوها أنه أختاره من كتاب حكايات خرافية , ولم تكن أبدا ساندل تحب إسم أيفين الخرافي , لهذا كانت تناديها دائما بأسمها العائلي , كانتتقول لها:
ط دلكي رقبتي يا بلغريم , خذي الكلب إلى الحديقة يا بلغريم ....".
صحيح أن الرحلة البحرية الأخيرة بدت مثيرة , ولكن ما من شيء تغيّر بالنسبة إلى أيفين على ظهر الباخر , إلى أن دوّت صفارات الأنذار ومال قارب النجاة ووقعت في البحر الذي قذفها قريبا من شاطىء تلك الجزيرة فأنقذها البحار الأسباني الشاب.
جزيرة دي ليون , أمتلأت عيناها العسليتان بالعجب , كيف لها أن تنسى الحكاية الخرافية التي أختار أبوها أسمها منها , أيفين كما تقول الحكاية فتاة أعانها أسد في صراعها مع التنين!
حينما تمهّلت السيارة في منعطف بالطريق الحلزوني , لمحت أيفين أبراج قلعة أشبه بقلاع القصص الأسبانية فأحست بأشتداد دقاق قلبها وهي تتأمل روعة المكان , كانت القلعة أشبه بسجادة ساحرة , أراجها تشق السماء الزرقاء الذهبية , وفوق أحد الأبراج يرفرف علم عائلي , والألوان الذهبية والقرمزية تنتشر مع الريح والشمس.
تنفست أيفين بهدوء , لم يكن حلما لأنها أحست بالريح على خديها , وشمّت رائحة شجر الصنوبر وملح البحر في الهواء , لم يكن حلما لأن السيارة دخلت إلى فناء القلعة , ورأت أيفين تمثال أسد حجري يعلو المدخل.

ليتني اعود طفلة 26-07-11 07:47 PM

واااااااااااااااااااااااااااااااااااااو الرواية من مقدمتها رووووووووووووووووووووووعة
بقراها ان شا الله لما تنهيها وشكرا عرواياتك الرائعة

فتاة 86 26-07-11 11:01 PM

:98yyyy:
[B]
يا ويلي شو عم تعملي فينا والله هيك كثير
قلوبنا كثير ضعيفة على كل هلرومنسية يلي عم تتحفينا فيها
:0ccf119f58f726ed5c0:0ccf119f58f726ed5c0:0ccf119f58f726ed5c0
:004f7e0fc7a81f70dfc:004f7e0fc7a81f70dfc:004f7e0fc7a81f70dfc
أكيد إنت ناوية علينا بشي جلطة عاطفية
بس بحذرك فاتورة المشفى عليكي
[/B
:hR604426:

زهرة منسية 27-07-11 09:25 AM

‎بصراحة أنا بأيد فتاة86 فى كل كلمة بتقولها بس لو جلطة رومانسية أنا مش همانع أبدا‎

نيو فراولة 27-07-11 04:57 PM

هاهاها شو مهضومين .
لسة أحبائي في روايات أحلى

نيو فراولة 27-07-11 04:59 PM

دارت السيارة حول بئر حجرية وسط الفناء , ثم توقفت أسفل سلم يؤدي إلى بهو , ونزل السائق وفتح باب السيارة المجاور لأيفين , فأسرعت بالخروج وراحت تتأمل السلم وشعار النبالة الذي يعلو البهو.
أنها تدخل بيت أسرة عريقة ,ولا بد أنه يحفل بالمحبة والأطفال .
قال السائق وهو يشير إلى باب من الحديد المشغول في جدار الفناء:
" أسمحي لي".
وفتح البوابة ودخلت أيفين إلى باحة مرصوفة بهرتها , خيّل إليها أنها تمشي داخل لوحة , وأحست أنها بهذه الثياب الغريبة تبدو شاذّة وسط الزهور العطرة التي تملأ الباحة حول النافورة , والورود التي تلتف حول أعمدة الممشى , قالت:
" ما أحلى الزهور والورود!".
أجاب السائق بأدب:
" حقا يا سيدتي , سيد القلعة رجل غني للغاية".
راحت تسير إلى حيث يقودها السائق عبر باب زجاجي مفتوح على قاعة ثم نحو سلم فخم من الرخام والحديد المشغول.
توقف السائق أمام باب مزدوج من الخشب المحفور , وطرق الباب مستأذنا وأمسك بالمقبض البرونزي وفتحه تاركا أيفين تدخل الغرفة وحدها.
وقفت أيفين مشدوهة عند العتبة تتأمل أثاث الغرفة الكلاسيسكية وسقفها وجدرانها المكسوة بألواح الخشب البنيّة اللامعة , وكانت على الجدران لوحات أسبانية ذات أطارات مذهبة , وكذلك سجادة حريرة عليها صورة طفل.
منتديات ليلاس
خطت خطوة إلى الأمام , وفي الحال أنغلق الباب وراءها وأتسعت حدقتاها حين تركزتا على السيد الطويل القامة الذي وقف ينظر إليها عند أحدى النوافذ , كان يدخن سيكارا رفيعا , وبدت لها ملامحه كالنسر وعيناه لامعتين باردتين , وكانت عظام خديه تضفي على وجهه مسحة شيطانية , وأنفه الكبير يتناسب مع فمه المهيب , وقف بلا حراك قبالة النافذة ذات الزجاج الملون , بلفه السكون ودخان سيكاره , وشعاع من الضوء الياقوتي يتلاعب فوق شعره الأسود الكثيف الذي تتخلله بضع شعرات فضية.
كان أسبانيا مرموقا فيه نبل وتحفظ وحزن, يرتدي ثيابا حيكت بمنتهى الدقة , مما زاد في شعور أيفين بغرابة ثيابها.
أخذ السيد يقيّمها من رأسها حتى قدميها , وتعقّدت أصابعها بعصبية فوق بنطلونها الجينز الذي طوت ساقيه من فرط طولهما , وأنبهرت لعظمة الرجل وفخامة محيطه , ولم تجد في تلك اللحظة , الشجاعة لتفتح الباب وتلوذ بالهرب من عينيه العميقتين وفمه الذي لا يعرف الأبتسام على ما يبدو.
" أنت الفتاة التي أنقذها مريتو من المحيط؟".
" نعم".
قالتها وقد أنخلع قلبها من الأثارة , ومع أنها كانت تعلم قبل أن يتحدث أن صوته سيكون عميقا ومغناطيسيا , فأنها لم تكن تعرف أنه سيحدثها بأنكليزية صحيحة تماما مع لكنة أسبانية , كان صوته ساحرا قويا كنظرته.
" ما أسمك؟".
" أسمي..... أسمي أيفين بلغريم يا سيدي".
أشار إلى كرسي مخملي عالي الظهر وقال:
" أجلسي لنتحدث".
سرّها أن تجلس قبل أن تخونها ساقاها , كانت ترتعش , لم تشعر أبدا في حياتها هكذا ..... بالتأكيد هذا هو الخوف من أول نظرة!
أبتعد عن النافذة ولاحظت أنه يمشي مستعينا بعصا سوداء , وأن ساقه اليسرى ليست على ما يرام, وعندما وصل إلى المدفأة التي يعلوها شعار عائلته أنحنى أنحناءة بسيطة وقال بصوت عميق يفرض الطاعة:
" أنا دون خوان دي كونك واراندا , المركيز دي ليون".
شعرت بالأغماء بعد سماع إسمه الرنان , هو أذن مركيز الجزيرة , لورد أقطاعي يحكم من قلعته , ولعّل كلمته هنا هي القانون ".
" عندنا مثل يا آنسة بلغريم يقول : الأسباني قد يجرحك ولكنه لن يسلخ جلدك على الفور , لا تنظري إليّ بمثل هذا الأضطراب!".
زاد أضطرابها عن قبل أذ أصبح الآن على مقربة منها وقد تركزت عيناه على وجهها وعلى فمها الذي لم يمسه رجل.
سألها:
" ألا يعجبك بيتي يا آنسة ؟ كثيرون يجدونه جميلا ببرجه البحري , وبساتين لوزه , ونافورة باحته".
أجابته :
" بيتك قلعة يا سيدي".
كرر بسخرية :
" بيتي قلعة ". وسأل : " ألم تدخلي قلعة من قبل؟".
أجابت أيفين وقد خفضت ذقنها :
" كلا يا سيدي , ماذا تفعل مرافقة مثلي في قلعة؟".
لمس بأصبعه الورود المنسقة في مزهرية فوق المدفئة الرخامية وأمتزج عبير الورود برائحة دخان سيكاره , وقال :
" حقا , ماذا تفعل؟ ". وأستطرد سائلا: " كم عمرك يا آنسة بلغريم؟".
جلست مبهوتة , فسؤال كهذا لا يسأله رجل من مواطنيها على هذا النحو المباشر , وقطب هو جبينه , وتذكرت أنه أذا سأل المركيز دي ليون سؤالا فعليها الأجابة بدون تردد , بغض النظر عن خصوصية السؤال.
" في التاسعة عشرة يا سيدي".
" حسبتك أصغر".
وأخذت عيناه تتفحص قوامها النحيل في الثياب الفضفاضة التي أعطاها إياها أمريتو , وأبتعد عن المدفأة وعرج بأتجاه طاولة صغيرة فوقها صحن عنب حباته كالذهب , وأخذ الصحن وناوله إلى أيفين , وقال :
" أنت صغيرة ويحسن بك أن تكثري من الفاكهة ".
وأرتسمت على شفتيه إبتسامة باهتة وأضاف:
" أنها من كروم القلعة".
كانت حبات العنب لذيذة , ولكن أيفين شعرت بالخجل بسبب العينين السوداوين اللتين تتطلّعان إليها وقد تناولت ثلاث حبات أو أربع.
سألها وقد وقف أمام الصورة وهو يتكىء بشدة على عصاه:
" هل أطعمك أمريتو؟".
لاحظت أيفين أن ساقة تؤلمه , وأن فمه الجميل يعلوه حزن يقربه منها .
" زوجته قدمت لي أفطارا يا سيدي .... كان مصيري الموت لولا أمريتو".
قال وهو يتأملها من خلال دخان سيكاره :
" أهدأي , كان شيئا لا يصدق بالنسبة إليك , كان كابوسا وعليك نسيانه".
" كان الناس يصرخون والسفينة تغرق!".
" لعل كثيرين منهم قد نجوا مثلك".
" كنت أسافر كمرافقة للسيدة ساندل , وأتساءل......".
" أذا كانت هي أيضا قد نجت؟".
" نعم يا سيدي".
قالت أيفين ذلك وقد أتسعت عيناها من الأسى , صحيح أنها لم تشعر أبدا بمحبة كبيرة لسيدتها , ولكنها عرفت تجربة الغرق في المحيط المظلم والخوف يزحف إلى قلبها.
" سأطلب الأستفسار عنها ". ثم نظر إليها وإستطرد : " أتودين العودة إليها أذا كانت قد نجت؟".
" كلا!". أنطلقت الكلمة قبل أن تتمكن من كتمانها : " أظن أنه يتوجب عليّ ذلك ...... فلا شيء لديّ , لا ثياب ولا مال".
" هل تفضلين البقاء هنا".
لم تصدق أيفين أنها سمعت العبارة صحيحة , ولكنها في لمح البصر وكأنما هزّها إنفجار قنبلة أيقنت أنها سمعتها بوضوح تام , وتطلعت إليه بحيرة لتفهم دعوته , هو مركيز وهي مجرد مرافقة , أتراه يعرض عليها وظيفة خادمة في القلعة؟ فسألته بصوت خافت:
" أتسمح لي بالعمل هنا يا سيدي؟".
مرة أخرى إرتسمت الأبتسامة المقتضبة على شفتيه وقال:
كلا يا آنسة , أنا أدعوك للبقاء هنا فترة , أن خدمي كلهم من الرجال بأستثناء مدبرة المنزل".
" ولكن....".
رفع حاجبيه وقال:
" ولكن مناذا , كان واضحا أنك غير راغبة تماما في العودة إلى عملك السابق , ألا تفضلين البقاء هنا في القلعة؟".
سألته وهي تشعر بشيء من العذاب:
" بأية صفة؟".
" بصفة ضيفتي يا آنسة بلغريم , أتظنين أنك أثرت عواطفي؟".
أنتابها الحياء , وأحسّت بعينيه تتابعان سريان هذا الحياء من خديها إلى شعرها الذي جعده البحر , طمأنها بسخرية:
" أؤكد لك أنني لا أمارس حق السيد على كل أنثى تطأ الجزيرة , أنت فتاة مشردة وستمكثين هنا , هذا ما أراه".
أستقرت أيفين في الكرسي المخملي الطويل الظهر , وبين يديها صحن العنب الذهبي , ماذا عن عائلته؟ لن يسرها بالتأكيد أن تحل فتاة تعيسة مشرد ضيفة عليها؟
أتكأ على عصاه وأمهن النظر إليها كأنها شيء غريب في غير موضعه داخل هذه الغرفة الجميلة , إلا أن شيئا قد جذبه إليها , فسألها :
" ما هو الأعتراض الآن؟".
" ماذا تقول عائلتك؟".
" ليس عندي عائلة".
وفجأة أعتلت وجهه خشونة , وكأنما مسّت جرحا كان يخفيه , وأضاف:
" لا زوجة ولا أولاد عندي , في القلعة بعض القطط وكلب صيد كما ترين".
وضرب بعصاه قدمه اليسرى ثم قال:
" وها أنذا أعرج كالشيطان".
وسرت قشعريرة في كيان أيفين , أجل أنها أحست من اللحظة الأولى للقائه أن هناك شيئا شيطانيا في هذا الرجل! سألته منزعجة:
" تعني أنك ستكون مسؤولا عني؟".
" سيكون ذلك شيئا جديدا".
وقرع جرسا فضيا لأستدعاء أحد حاشيته , وتابع:
" أرى أن الأنكليزية لا تريد أن يطوقها أحد بجميله , ولكن الجزيرة بعيدة جدا عن الأرض الأم ( أسبانيا ) وعليك قبول ضيافتي , شئت أم أبيت".
" هذا كرم منك يا سيدي".
" كرم؟ أنا عملي وأسباني , بيتي بيتك!".
منتديات ليلاس
نظرت الى ما حولها من سجلد غني بألوانه اللامعة والى المزهرية الذهبية , وشعرت كأنها شحاذة بين يدي أحد الكلوك!".
" كل الأجراءات اللازمة سيجري تنظيمها مع البوليس الأسباني ".
قال ذلك ثم نظر الى الباب وهو ينفتح وتدخل منه أمرأة , كانت متجهمة الوجه ترتدي ثوبا أسود , وقد تحدث اليها الماركيز بسرعة بالأسبانية , وشعرت أيفين بالنظرة الباردة التي مقتها بها المرأة .
" أمرك يا دون خوان".
ثم أنحنت وأنسحبت من الغرفة , فقال:
" طلبت من مدبرة المنزل أعداد غرفة لك , اسمها آلما , وستجدينها معينة".
نظرت اليه أيفين في حيرة , أنه يتولى رعايتها كأنها هرة صغيرة وجدها عند عتبة بابه , ولكن ليس في تصرفاته أي شعاع من حنان , فهمست شاكرة بأحساس العارفة بقلة حيلتها , لعله قد دعاها للبقاء لكي يدرس أنطباعها عن قلعته , تمنت لو أنه في مقدورها معارضته , قال:
" سترين البحر من غرفة نومك , أنه بحر فاتن".
جفلت من وصفه للبحر بالفتنة , أنها لم تنس بعد أن البحر جرفها في عتمته كحطام سفينة , ولم تكن لتنسى الخوف والوحدة.

نيو فراولة 27-07-11 05:01 PM

سألها دون خوان وعيناه تطالعان خواطرها:
" أتفهمين لغتنا؟".
" عبارة من هنا وأخرى من هناك".
" يمكنني القول أنك ستفهمين الكثير قبل مغادرتك للجزيرة , وربما تسعدني وصايتي عليك".
أثارت فكرة الوصاية أيفين , أنها وصاية الشيطان , وقفت وأمسكت بصحن العنب ونظرت الى ثيابها في المرآة المعلقة على الحائط , وفجأة بدأت تضحك , وأذا بالهستيريا التي كتمتها تنطلق من كيانها فلم تكف عن الضحك , ورغم ضحكها , انسابت الدموع على وجهها , وأمرها المركيز بألتزام الهدوء , وبكت عندما رفع يده وصفعها متعمدا.
أرتعدت وتأوهت , وأحست بألم خدها , ووقفت كطفل حزين , الدموع في عينيها والصفعة على وجهها , وكرهت المركيز من كل قلبها , قال لها بهدوء:
" لا هستيريا بعد الآن , عليك التصرف بوقار أتفهمين؟".
ذرفت الدموع من عينيها الواسعتين في سكون:
" ولماذا ؟ ألم أقل أنني كنت مجرد خادمة عند أمرأة مدللة أنانية".
أمسك ذقنها ورفع وجهها المبلل بالدموع لكي يتأمله مليا بلا رحمة وقال:
" أيفين , لك أسمساحر وعليك العيش في سحره".
أصابعه التي أمسكت بذقنها وهي بذاتها التي صفعته , كان قاسيا فوق تفهمها , وقبل أن يسلمها الى مدبرة منزله , أخرج منديلا من جيبه وطلب منها أن تمسح عينيها وقال:
" غدا تنسين الباخرة الغارقة , أتفهمين؟ أذهبي وأستريحي , وستتحسن حالتك".
مسحت عينيها وشعرت بالتعاسة , ما أجمل أن تجد الفتاة في الأزمات شخصا حنونا , ولكن ما أبعد ذلك الزمان الذي كان والدها يفيض عليها بحبه.
وفي هدوء أعادت اليه المنديل , فوضعه في جيب سترته المخملية السوداء , كان في يده اليسرى خاتم به ياقوتة واحدة حمراء , وكانت الياقوتة تتلألأ وسط سواد سترته , ألوان شيطانية تناسب تماما رجلا على شاكلة المركيز دي ليون.
تبعت أيفين مدبرة المنزل وصعدت السلم الدائري الى غرفتها , وعرفت من الجدران والنوافذ المقوسة أنها أعطيت غرفة في برج القلعة , وفتحت المدبرة بابا داخليا كشف عن حمّام يكسوه الفيشاني المذهب والأخضر .
قالت مدبرة المنزل بصوتها القاسي:
" هذا هو الجناح الخاص , ودلّت أيفين على صنبور الماء الساخن والبارد , وفتحت خزانة علقت بها المناشف وتحتها صابون وأسفنجة , كان في أحد أركان الحمام مغسلة من البورسلين , وأدركت أيفين في الحال أنها تنعم بخصوصية تامة في هذا الجناح من البرج.
وأبتسمت لمدبرة المنزل التي لم تبادلها الأبتسام , ووجدتها تنظر الى ثيابها بأزدراء , وتذكرت أيفين غطرسة الخدم في بيت آل ساندل , قالت:
" حسنا, سآخذ حماما".
وفهمت المرأة الكلمات الأنكليزية وقالت:
" ستجد الآنسة على السرير قميصا وروبا , أن السيد المركيز أمر بأحضار ثياب للآنسة من البلدة".
وتعجبت أيفين:
" هناك بلدة؟".
ورفعت آلما حاجبيها وقالت:
" بالطبع , القلعة منعزلة هنا..... ولكن على مسافة ستة أميال هناك محلات وفندق ومسرح , وبيوت كبيرة في ميناء بورتو دي ليون , وأصدقاء المركيز لهم بيوتهم هناك".
( ما أسعدني بمعرفة كون الجزيرة غير منقطعة عن االمدنية تماما! )
وأمسكت أيفين بقطعة صابون كبيرة من زيت الصنوبر وتشممت رائحتها الذكية , أن الحمام ثم النوم في السرير الكبير بالغرفة المجاورة سيعيدان عافيتها اليها.
" هل تود الآنسة تناول فنجان شاي؟".
" بكل سرور , أذا أمكن ".
ومرة أخرى رمقتها آلمها بنظرة مؤنبة , وقالت:
" لسنا من المتوحشين في هذه الجزيرة , منذ سنوا وأحد أفراد أسرة دي ليون يتولى الأشراف هنا , وأمثال السيد المركيز هم من علية القوم".
وعلقت أيفين قائلة:
" أن المركيز يبدو محبا لطريقة حياته الخاصة".
" الأسباني عادة سيد في بيته , والمركيز أكثر من ذلك , فأمجاد عائلته مسجلة في كتب تاريخ أسبانيا يا آنسة".
ولم تشك أيفين لحظة في أقوالها , فتاريخ عائلته الأقطاعي مكتوب على وجهه , وعميق في دمه وعظامه , قد يكون كريما ولكنه يستطيع أن يكون قاسيا أيضا.
وقالت أيفين لكي تواصل الحديث:
ط لا بد أن الجزيرة رائعة للغاية".
" تستطيع الآنسة أن ترى بعينيها , تعالي".
وقربتها آلما من أحدى النوافذ المطلة على الخارج, وفي الحال , أستطاعت أيفين سماع صوت البحر كأنه ريح في أغصان الأشجار العالية تتنهد في قلق , وتهمس بأسرارها, وأستطردت آلما :
" أنظري الى البحر".
وتطلعت أيفين حيث أشارت آلما فرأت البحر بزرقته الفيروزية , والصخور الشبيهة بالأبراج تعانقه بأستمرار , وتستحم برغوته التي تتكاثر حينا وتتلاشى حينا آخر , وتطاير شعر أيفين بالهواء المالح الذي تجمع حول غرفتها , وشعرت كأنها هنا أسيرة الساحر الأسمر سيد القلعة.
كان صوت مدبرة المنزل بالقرب من أيفين وهي تقول:
" البحر يهمس , وستسمعينه ليلا , وسيبدو كصوت أحد البشر , أعلمي يا آنسة أن عروسا من آل ليون ماتت فوق هذه الصخور منذ زمن طويل".
ألتقطت أيفين أفاسها وأبتعدت عن النافذة , وألتقت بعيني مدبرة المنزل ورأت فيهما كل معاني عدم الترحيب , والعزم عل أثارة أعصابها.
" كانت صغيرة في مثل عمرك , ومن بلد غريب مثلك , وتميل الى المشي بمحاذاة صخور القلعة مع كلب صيد من نوع كانت الأسرة تحب دائما تربيته , وقد جذبها الكلب بتقدمه الى حافة الصخور وبعدها غابا معا".
هذا ما قالته آلما وهي تتجه الى الباب وتخرج قائلة:
" سآتي لك بأبريق الشاي يا آنسة بعد الحمام".
أنغلق الباب بعد أبتعاد مدبرة المنزل المتشحة بالسواد , وأرتعدت أيفين بعدما ترامى اليها صوت البحر ودخلت الرياح من النافذة الخشبية محملة بنكهة الملح والرمل والزهر , ووجدت نفسها مسحورة بصوت غيّبته الصخور والأمواج.
ولأول مرة ألقت نظرة فاحصة على غرفتها فوجدتها جميلة للغاية ....وأشبه بغرفة صممت لشخص جاء ثم غاب........ أو لأمرأة لم تأت ولم تعش بها , كان السرير واسعا وعليه أغطية جميلة مطرزة وعليها الحرف الأول لأحد الأسماء , والمصباح المجاور للسرير من الفضة والخشب المحفور كبقية الأثاث , وفي الغرفة مقاعد صغيرة مريحة وكرسي أسترخاء طويل من الطراز ذاته , وفوق أرضية الغرفة سجادة سميكة في زرقة البحر.
وقارنت أيفين بين هذه الغرفة وبين الغرفة التي كانت تشغلها لدى آل ساندل , والتي غصّت ببقايا أثاث قديم من غرف البيت الأخرى .
وترامي الى سمعها , وكما لو كانت غارقة في حلم , رنين أجراس كنيسة قريى تختلط بصوت البحر.
( في خطوط كفك مفترق طرق) هذا ما سبق أن قالته لها غجرية رومانية عجوز في معرض ساحة سانت بليز قبل أسبوع من سفرها مع أيدا ساندل , في الرحلة البحرية التي أنتهت بكارثة , يومها كانت تتجول في المعرض بمفردها , وتستمع الى الضحكات السارة التي ترددها الفتيات الآخريات مع رفاقهن , وكانت تتمنى من أعماق قلبها أن تخبرها الغجرية بأنها ستلتقي على ظهر الباخرة بفارس أحلامها.
وألتقطت أيفين أنفاسها وصورة الأسباني الطويل الأسمر غير المبتسم الذي قدّم اليها المأوى المؤقت تملأ عينيها , ولكنه ليس بالشاب الساحر فتى أحلامها.... لقد أخافها بوجهه الجامد وملامحه البارزة وعينيه الحزينتين وساقة التي يجرها.
أن دعوته لها بالبقاء هنا سخرية منه.... ولكن ترى أي شعور أثارته في هذا الرجل الذي يعيش وحيدا في قلعة البحر؟

نيو فراولة 27-07-11 05:03 PM

2 - رجل يشبه البرج




أستيقظت أيفين مع طلوع الشمس , وكانت في غاية الراحة حتى أنها نهضت من الفراش بعد لحظة وأسرعت نحو النافذة الخشبية كي تتأمل محيطها الجديد , وكان قميص نومها واسعا ينزلق من فوق كتفيها , وتطلعت من النافذة كطفلة خائفة.
بحر أزرق فيروزي , وجبال أسبانية بعيدة , وهذه الجزيرة أشبه بعالم مستقل بذاته , الآن وقد أراح النوم الطويل أيفين وحجب عنها قليلا كابوس غرق الباخرة , شعرت بدافع لأكتشاف دنياها االجديدة.
وتأملت غرفة نومها وتذكرت قول مدبرة المنزل بالأمس عن طلب ثياب لها من محل في البلدة التي تبعد عن الجزيرة ستة أميال , أن قميص الأمس الصوفي والسروال الجينز أختفيا , ودفعها فضولها للأندفاع نحو خزانة الثياب الكبيرة فأخذت تفحصها , ثوب قطني برتقالي , وآخر كتاني مخطط , وثالث حريري مزركش , وأعجبتها تنورة خضراء وبلوزة ذات كشكشة وأكمام واسعة أشبه الريف , ووجدت في علبة رقيقة مزينة برسوم الزهور بعض الثياب الداخلية , وسرعان ما أغتسلت أيفين , وأرتدت التنورة والبلوزة , وبعد ذلك مشّطت شعرها وكانت على وشك أن ترفع جديلتها الى أعلى على طريقتها السابقة , ولكنها تذكرت فجأة أن هذا ليس بيت ساندل , وأن المركيز دي ليون ليس مخدومتها السابقة .
منتديات ليلاس
وتركت ضفيرتها تنساب على كتفها الأيسر , ورأت صورتها في المرآة غريبة عنها , كانت عيناها بدون النظارة واسعتين أخاذتين , وبدت لطيفة بثيابها الجديدة والزنار العريض في وسطها , ثم تذكرت أن أيدا ساندل ربما لا تكون بين الناجين.
ابتعدت عن المرآة وأعتزمت النزول من غرفتها لتبحث عن طعام تتناوله لشعورها بالجوع , وخاصة بسبب هواء البحر الذي تسلل طوال الليل الى غرفتها.
هبطت سلم البرج الدائري , حتى وصلت الى ممشى يؤدي الى القاعة , وعن يساره باحة مقنطرة , كانت الشمس تملأ المكان بأشعتها الذهبية عندما وقفت تحت قناطر الباحة تتطلع الى المنظر.
كان هناك تحت شجرة بنفسجية مزهرة مائدة صغيرة وشخص جالس , في شعره الأسود بعض خيوط فضية , منهمكا في تقشير المندرين , وكادت أيفين أن تتراجع حينما تطلع هو الى فوق كأنما شعر بوجودها , وأدار رأسه ببطء ناحيتها وقال:
" صباح الخير , يسرني مشاركتك يا آنسة بلغريم".
وأبتلعت لعابها في عصبية , فهو رغم ثيابه غير الرسمية المؤلفة من سترة كشمير ذهبية وسروال بني , لا يزال يبدو مترفعا في وقفته , أستند بيده على حافة المائدة الى أن جلست في المقعد الآخر , وبعد جلوسه لاحظت كيف يمدد ساقه اليسرى كأنه غير قادر على ثنيها عند الركبة , سألها:
" هل نمت نوما حسنا؟".
ثم دق جرسا فضيا صغيرا وأستمر في تقشير المندرين الذي أختلطت رائحته بشذى الأزهار والأشجار.
" أجل , شكرا".
وشعرت أيفين بالحياء ولم تكن واثقة منه فسألته :
" ترى هل سمعت شيئا عن ركاب الباخرة الآخرين يا سيدي ؟".
" لقد ذهب أمريتو الى العاصمة للأستفسار بالنيابة عني , ولأبلاغ السلطة أيضا أنك ضيفة عندي".
بدا لها غريبا أن يقال عنها ضيفة , وهي التي لم تكن تجد في السنوات القليلة الماضية فراغا من الوقت للراحة , ولم تكن تعامل بأنصاف , كانت تخدم الغير ولا أحد يخدمها على هذا النحو.
قدم الخادم وسألها المركيز :
" ماذا تحبين للأفطار , بيض مقلي , فطائر ساخنة وعسل أم مربى؟".
" أجل , أرجوك ". وعبق خداها بحمرة الخجل وأستطردت : " كل شيء يبدو لذيذا , وأفضّل العسل".
ونظر اى خادمه , الواقف بأدب في سترته البيضاء وسرواله القاتم , وقال بأسبانية سريعة مما زاد في روعة المكان الذي وجدت أيفين نفسها فيه.
" لقد تناولت أفطاري من القهوة والفطائر والفاكهة ". وتطلع المركيز الى البلوزة والتنورة , وقال : " أرى أن رغبتي بشأن الثياب قد نفذت , أنك لا تبدين هذا الصباح كفتاة حزينة تائهة".
" أنا شاكرة لك هذه الثياب يا دون خوان , ولا أدري كيف سأرد هذا الجميل".
قال بطريقة مبهمة:
" بالتأكيد سنجد طريقة ما".
ورأت أسنانه اللامعة الصلبة وهو يأكل المندرين , وكانت الشمس تتسلل من خلال أغصان الشجرة البنفسجية , وشاع الدفء في المكان بأستثناء العينين السوداوين اللتين تنظران اليها قال :
" الحياة تغيرت بالنسبة اليك فجأة على نحو مثير يا آنسة بلغريم , ألا تثيرك هذه الأشياء الجديدة؟".
" في هذه اللحظة أشعر بالحيرة".
منتديات ليلاس
وراحت أيفين تتطلع الى قناطر الباحة وأرضيتها وجدرانها المذهبة , والأزهار , والنافورة غير الظاهرة وبعض الطيور المغردة عند أشجار الدفلي العطرة , يا لها من حديقة جميلة ربما تخفي بداخلها حيّة , كان كل شيء أشبه بالحلم , وكانت أيفين تتخذ موقف الدفاع , لقد تعلمت أن تكون كذلك , حتى عندما كانت الموسيقى تعزف على الباخرة ثم حدث ما مزق قلبها عند ألقاء الركاب المسالمين الى البحر , وتحدث الماركيز دون خوان بلهجة حادة:
" عليك الأبتعاد عن الماضي , صدقيني يا آنسة , الذكريات قد تظل شديدة الوطأة , وأنت بعد صغيرة وعليك أن تتخلي عن النظرة القاتمة".
أمسكت ببرعم سقط على المائدة وقالت:
" في هذه اللحظة الذكريات حية لا تنسى , سأشعر بتحسن عندما أعلم أن السيدة ساندل سالمة".
" ولكنك لم تكوني سعيدة معها ".
هزت أيفين رأسها وقالت:
" كانت قاسية , ومع ذلك لا تستحق الغرق!".
" نحن الأسبان نؤمن بأن لكل أنسان قدره , ها هو لويس يأتي بالأفطار".
قال دون خوان ذلط وهو يقف ممسكا بعصاه ذات الرأس الفضي , وأضاف:
" عندي بعض الأعمال , ولهذا سأتركك تتسلين بمشاهدة المكان , ومداعبة الحيوانات , وأذا رغبت في المطالعة فأن مدبرة المنزل ستدلك على الطريق الى المكتبة الموجودة بالبرج , تذكري أن عليك الأبتعاد عن الصور الكئيبة والهموم في هذه السن".
وأنحنى أمامها أنحناءة صغيرة , ونظرت ال أصابعها وهي تسحق البرعمة البنفسجية عندما أبتعد بساقه العرجاء في أتجاه قاعة القلعة , ترى ما الذي يحزنه ويجعله لا يبتسم ألا نادرا؟ أنه مثل برجه البحري مترفع وغامض.
رتب لويس الصحون أمامها على المائدة , البيض المقلي بالزبدة والفطائر الساخنة والعسل وأبريق الشاي الفضي.
قالت له بالأسبانية شكرا وأبتسمت , ولكنه كان متحفظا مثل آلما , كأنه يعرف أنها غير معتادة أن تعامل كسيدة للبيت , وجمع البراعم المتناثرة , وقشور المندرين التي تركها سيده , أحست أيفين بشيء من الأمتعاض , لقد قال لها دون خوان ( بيتي هو بيتك ) , ولكنها تبدو بالنسبة الى الخدم دخيلة , وهم يرون أنها تفتقر الى الثقة التي يعرفها من ولد لأعطاء الأوامر وتلقي الخدمات , وهم يعرفون أنها كانت تعمل خادمة لسيدة.

نيو فراولة 27-07-11 05:08 PM

أثناء تناولها الأفطار أمتد رأس كلب من خلال ساتر الأزهار المجاور , نظر اليها الحيوان , ثم دنا كي يتفحص وجهها الغريب , لم تشعر بأي خوف أذ كان بيت ساندل يعج بالكلاب , فقالت:
" مرحبا , أرجو أن تكون أكثر ودا من بقية الحاشية".
جلس كلب الصيد الألزاسي على مقدمتيه وتشمم نعليها التوريرو وأسند رأسه ورقبته ذات الطوق والميدالية عند قدميها , فقالت مداعبة : " ما أسمك ". وأنحنت الى الأمام وألقت نظرة على الميدالية التي تحمل أسمه ثم قالت : " كارلوس , تعال نتمشى معا".
وسمع الكلب ذلك , ولكنه هز المائدة وتطلع الى بقايا الطعام في الصحون فقالت:
" أعتدت على الرشوة , أليس كذلك؟".
نظر الكلب اليها راضيا بعد أن ألتهم قطعة فطير بالعسل, وبعد ذلك قادها خلال مسلك مقنطر الى الجزء الرئيسي من أرض القلعة , وكانت هناك درجات سفلي من الحجر , تزينها على الجانبين تماثيل وأصص , وأشجار اللبلاب تتدلى فوق التماثيل بظلها الأخضر , وفي أسفلها يمتد ممشى مائي يزخر بأشجار وأزهار تنعكس عليها أشعة الشمس.
هذه الحديقة الشاسعة الرائعة لأجل رجل واحد فقط.... أنها مكان يمكن للصغار أن يمرحوا فيه وأن يتسلقوا أشجار المنغوليا .
وتبعت الكلب الذي مشى في ممر أشجاره ذات أوراق مخملية غريبة , وكان في آخر الممر مستنبت زجاجي على مدخله مصباح معلق في سلسلة , وخطت أيفين خطوة الى الداخل ورأت أغصان نخيل مدلاة ورقعة ظليلة بها أثاث من الأغصان المجدولة , وبركة بحرية صغيرة يلهو بها سمك ذهبي , وكانت الأعشاب السحلية المعمرة وأشجار اللوتس تفوح برائحة مخدرة , وأشعة الشمس تتسلل من خلال قبعة المستنبت الزجاجي.
أدخل الكلب كارلوس أنفه في بركة السمك , ثم تمدد عند حافتها فوق بلاطها الملون , وتأملت أيفين ما حولها بسرور , ومدت يدها الى رؤوس الأزهار الأستوائية الملونة وأنحنت لتفتح أحداها , ترى هل يأتي دون خوان الى هنا لتدخين سيكار من ورق هذه الأزهار التي تتفتح ليلا , وهل يرافقه الكلب ويقبع عند قدميه ؟ في وسع أيفين أن تتخيله , وهو غائب وسط دخان سيكاره وفي هذا المكان الغامض , ووهج سيكاره ينعكس على وجهه النحيل.
جلست في مقعد من الأغصان المجدولة , وأدار الكلب رأسه كي ينظر اليها : " يا لك من حمل في جلد ذئب , أليس كذلك يا كارلوس؟".ثم ربتت بيدها على ظهر الكلب وراحت تفكر , ترى الى متى يتوقع دون خوان أن تمكث في القلعة ؟ وماذا يحدث لو أن أيدا ساندل سالمة لم تغرق وتريدها؟
تنشقت أيفين رائحة الزهور المثيرة التي تجمعت مزهرة من حولها وشعرت بالسكينة والراحة لأنها لا تعمل الآن عند أمرأة مثل أيدا ساندل كثيرة المتطلبات , الآن يمكنها أن تبتعد عن الهموم ..... ولكن لا يمكنها أن تتوقف عن التفكير فيما يكمن وراء دعوة الماركيز , أنه يتّسم بالبرودة والروح العملية , وهذا لا يجعله متعاطفا مع فتاة أنكليزية شرّدها البحر , لماذا سلها بسخرية : " تظنين أنك أثرت مشاهري؟".
عضت أيفين شفتيها , وأقبل الكلب وأراح رأسه على حجرها كأنما شعر بقلقها , فدفنت أصابعها في رقبته وقالت :
" كارلوس , ليتك تستطيع التحدث وتخبرني بحقيقة سيدك , أنه يخيفني قليلا , فهو ليس كأحد ممن ألتقيت بهم من قبل , أن عائلة ساندل تظن نفسها أرستقراطية , ولكن المركيز نبيل حقا , ولا أدري ماذا يريد مني".
مضى الصباح , وعادت الى باحة القلعة لتتناول الغداء وحدها , وبعد كان كل شيء هادئا , وفهمت من آلما أن المركيز سيغيب بقية النهار .
" أنصح الآنسة أن تنام القيلولة , وألا فستجد النهار طويلا , أن دون خوان سيتعشى بلا شك مع صديقه السيد فونسكا وأبنته الجليلة دونا راكيل في دارهما بالبلدة , ثم يذهبون الى المسرح , وسيكون الوقت متأخرا حين يعود الى القلعة".
قالت أيفين بشيء من الفضول :
" أن دونا راكيل أسم جميل".
وألقت مدبرة المنزل نظرة على قوام أيفين وقالت :
" يمكنني أن أؤكد لك يا آنسة أن دونا راكيل آية من الجمال الأسباني , وأذا تزوج دون خوان فلن يختار عروسا أفضل منها , الأسباني النبيل عليه أن يتزوج فتاة كريمة الأصل , وقد تعلم درسا من الزواج الكارثة الذي مني به والده عندما تزوج بواحدة ليست من مستواه".
ألتقطت أيفين أنفاسها وكانت تريد أن تطرح مزيدا من الأسئلة , ولكن آلما تركتها تفكر مليا في كلماتها الأليمة.
في ساعة متأخرة من الليل بينما هي مستلقية في الفراش سمعت عودة سيارته وهي تزمر كي يفتح الحارس البوابة , وتصورت سيارة الليموزين تعبر البوابة , وراكبها في المقعد الخلفي وعلى شفتيه نصف أبتسامة أثناء تفكيره في دونا راكيل.
هناك الكثير الذي ينبغي معرفته عن سيد القلعة , ولهذا تأمل أيفين أن تمتد أقامتها حتى تتبين أي رجل يخفي وراء قناعه المتحفظ الذي يتعذّر فهمه!
مرت عدة أيام قبل أن تراه أيفين ثانية , وكانت القلعة مكانا ممتعا فأخذت تتجول في أرضها خلال النهار , وتستكشف غرفها ذات الصدى , وكان دون خوان أذا أتى المساء يركب سيارته للعشاء مع الأصدقاء أو يتناول عشاءه بمفرده بدون أن يدعو ضيفته الشابة لمشاركته , ووجدت أيفين في الكلب رفيقا مؤنسا فلم تكترث لتجاهله لها, كان ذلك تغييرا مريحا بعد أن ضاقت ذرعا بحياتها مع أيدا ساندل.
علمت من مدبرة المنزل أن أمريتو عاد من أسبانيا فظلت طوال ذلك اليوم تنتظر الأخبار , ولهذا لم تفاجأ لأن المركيز ترك لها رسالة تقول أنه سيتناول العشاء معها الساعة التاسعة!
لم يكن في خزانة الثياب ثوبا للعشاء , لذلك رأت أن ترتدي الثوب الحريري المزركش , كان مقاسه كبيرا لا يناسبها , ولكن بفضل تدربها على أستعمال الأبرة أستطاعت تعديله , كانت رسوم الثوب عبارة عن زهرات قرمزية تنسج مع اون شعرها الداكن الأحمرار , ولكنها حدثت نفسها بأن دون جوان لن يلاحظ على الأرجح كيف تبدو في الثوب.
وحانت لحظة ملاقاته , وبعد نظرة أخيرة في المرآة , هبطت سلم البرج ببطء , وكان السلم الدائري خلفية زادت من رشاقة قوامها وشبابها وشكوكها , ووصلت القعة الحافلة بظلال الألواح الخشية والعديدة من الصور والدروع , وعبرت القاعة بنعليها التوريرو الى غرفة مكتب دون جوان الخاص , وأرتعشت أصابعها وهي تقرع الباب.
كانت ساعة القاعة تدق التاسعة وهي تقرع الباب , فأستجمعت قواها ودخلت الغرفة , وجدته واقفا أمام خزانة كتب مرتديا سترة مخملية سوداء للعشاء , وقد أستند على عصاه وبدا عظيما الى حد أن أيفين أحمرت خجلا.
وقال بلهجة رسمية وهو ينظر اليها بدون أن تغير في تعبير عينيه السوداوين :
" مساء الخير يا آنسة بلغريم , سنذهب للعشاء في الغرفة المجاورة الملحقة بهذه الغرفة".
أستعان بعصاه وهو يمشي نحو باب من شقين وفتحهما , وتقدمته أيفين الى غرفة الطعام , ولم تبدد فخامتها حياءها , كانت المائدة الطويلة معدّة بالشمعدانات والبلور , وأزدانت قمة كل من المقعدين الموجودين في طرفي المائدة بأكليل مذهّب , وهرع الخادم وسحب المقعد الموجود في نهاية المائدة فجلست أيفين وأمتلأت عيناها بضوء الشموع وهي تمد بصرها ناحية مضيفها , وكان الأكليل يعلو رأس أيفين وشعرها الأحمر وبدت كتائهة لا تشعر بأمان وتخاف من الرجل الجالس قبالتها.
" لا بد من الحصول على ثياب من مقاسك , ولن يكون بينها بالتأكيد ما هو قرمزي اللون".
هذه هي الكلمات التي خرجت من بين شفتيه الجامدتين , وبعد نفس عميق قالت أيفين:
" ولكن ربما لن أمكث هنا طويلا".
" عندي اليوم أخبار قد تطيل في بقائك كضيفتي".
" أخبار عن السيدة ساندل؟".
لم تلحظ جيدا وقفته قبل أن تفوه بالكلمة الأخيرة , ولكنها كانت قلقة عن المرأة التي كانت في أكثر من مناسبة غير طيبة معها , فعادت تسأل :
" أخبار حسنة يا سيدي؟".
داعبت أصابعه كوب عصير الفاكهة الذي ملأه لويس , ثم قال :
" علمت من الشرطة في أسبانيا أن سيدة تدعى ساندل كانت بين الركاب الذين تم أنتشالهم ونقلهم بالباخرة الى طنجة , ومن هناك علمت أنها ركبت الطائرة عائدة الى وطنها أنكلترا , مفترضة ولا شك أن مرافقتها قد غرقت , وكان من السهل أن تعلم بنجاتك لو أنها أتصلت بالسلطات الأسبانية , ولكن يبدو أنها لم تكترث , أذ بعد نجاتها لم تهتم ألا بنفسها فقط".

نيو فراولة 30-07-11 09:05 PM

كانت كل كلمة محدودة وباردة كالصقيع على الزجاج , وأصبحت النتيجة واضحة للغاية , أنها الآن في حمى هذا الرجل وحده.
وعندما تطلعت اليه , أنعكس لهب الشموع فوق الخشب الوردي والفضة , وحاولت أن تقرأ ما يجول في عينيه , وأدركت أن عليها أطاعة ما يقرره بشأنها.
طلب من الخادم السلطة , ثم قال :
" لم تعودي بعد الآن في خدمة أمرأة مدللة أنانية".
كان الطعام لذيذا وممتعا , ورغم جلوسها بعيدة في طرف المائدة فقد شعرت أن دون جوان أصبح يستحوذ عليها.
بعد العشاء لم يعودا الى الغرفة الملحقة بغرفة الطعام :
" هناك صالون صغير غير مستعمل كثيرا هذه الأيام , أريد أن تشاهديه ".
قال دون جوان ذلك بينما عصاه الأبنوسية تضرب بلاط القاعة وهو يتجه الى باب يحرسه درعان , وكان الباب بيضاويا عميقا , وأخرج سلسلة مفاتيح من جيبه وأنحنى وفتح قفل الباب , ثم قال وهو يدير زر الكهرباء ويضيء الغرفة:
" أننا نسميها الغرفة الذهبية ".
كانت أشبه بصندوق حلي يكشف عن روائعه.
منتديات ليلاس
أومأ اليها بالدخول : ( تفضلي ) , وأطاعته كأنها في حلم , وتأملت ستائر النافذة الذهبية التي تنساب من تيجان عالية الى سجاد الأرض الثمين , ورأت أثاث الغرفة الرائع , والمزهريات الذهبية واللوحات المذهبة التي تغطي الجدران والسقف.
كانت غرفة جميلة لها ذكريات بالنسبة الى المركيز الحزين , وراحت أيفين تلمس بعض تحف الغرفة الخلابة مثل سلة أندلسية وشال مطرز ملقى على بيانو عاجي اللون مذهب , وفوق غطائه وردة حمراء , كانت الغرفة تفوح بجو رومانسي حزين , ولا بد أنها كانت تخص سيدة تستعملها كثيرا , من كان يعزف على البيانو ؟ من كان يحب الورد الأحمر والموسيقى ؟
وقعت عيناها عندما دارت لتنظر الى دون جوان على صورة علق فوقها صناجتان للرقص على شكل صدفة , وتأملت أيفين صاحبة الصورة : الشعر أسود فاحم والثوب أحمر ياقوتي , والوجه في اون القشدة , والعينان سوداوان , كانت صورة فتاة في وقفة راقصة , ذراعها اليسرى تعلو الى الوراء , والصناجة ( الكاستانيت ) على أصابعها , والزهور في شعرها مليئة بالحيوية كعينيها.
" هذه صورة لأمي روزالينا , الراقصة الغجرية التي تزوجها أبي".
قال دون جوان العبارة الأخيرة بعدما أصبح وراءها بقامته المديدة وأستدارت أيفين لتنظر اليه بعد المفاجأة وهي مبهورة الأنفاس , وألتقت عيناها بعينيه..
" نعم كانت أمي فتاة غجرية , ولم تغفر له العائلة أبدا زواجه منها , ولقد جاء بها لتعيش هنا , وأعد لها هذه الغرفة التي كانت تلوذ بها في فترة حملها لكي تعزف على البيانو موسيقى الفلامنغو التي كانت تحبها , كانت شعلة من المرح والسعادة , ثم أصبحت زهرة ذبلت ببطء في الجو الخانق الذي أحاطتها به عائلة أبي".
أمتلأت عينا دون جوان بذكريات أثارتها صورة أمه فقال هامسا:
" أتذكر كيف كانت تدفىء الصناجات قبيل الرقص بين شلالات شعرها الأسود كالليل".
وتقدّم الى الجدار وأخذ الصناجتين من المسمار الذي تتدليان منه , فأذا برنينهما كصدى صرخة أنقطعت , ثم أعادهما , وقال :
" سنتناول القهوة هنا".
وأمسك بمشد الجرس وقرعه , بينما راحت أيفين تمعن النظر اليه , وقد لاحظت أن عينيه شبيهتان بعيني أمه , وأن تحت عظام وجهه شعلة تخفيها برودة الوجه , سألها وهو يشير الى البيانو:
" أتعزفين؟".
أجابته في رزانة :
" أعمال المرافقة لم تكن تتضمن هوايات كهذه يا سيدي".
منتديات ليلاس
كانت تجلس فوق كرسي كسوته حريرية , وقد تشابكت يداها في حجرها , أنها تريد سماع المزيد عن أمه , أتتجاسر على الطلب؟ رأت أن تمتنع عن الطلب , في الوقت الذي كان ينحني على عصاه أمامها ويقارن ولا شك بفكره بينها وبين فتيات بلاده , وعاد يسألها:
" كم سنة أشتغلت عند تلك المرأة ؟".
" منذ كنت في الخامسة عشرة يا سيدي , بعدما قتل أبي من جراء رفسة جواد ".
وفي الحال لمعت عيناه السوداوان وسألها :
" أكان يمتطي صهوة جواد؟".
" كان في بيت ساندل ضيوف للصيد , وكان يقدم يد المساعدة في أصطبلات الخيل".
وأطبقت يداها في ألم وهي تتذكر موته ثم ثم تابعت:
" وقع الحادث وهو يهييء ركاب الجواد , كان يحب الحيوانات , وهكذا مات ".
" وأمك؟".
" لا أتذكرها يا سيدي , لم يكن لي غير أبي , وبعد ذلك أشتغلت في بيت ساندل".
" ألم تكوني راضية؟".
" أحيانا كنت أفكر في الهرب".
" ولماذا بقيت؟".
" لأن المدن مملوءة بالضجيج , وعندما كنت أستطيع الأفلات من البيت الريفي ساعة , كنت أجد في غابات وبراري سومرست مجالا للتجول , كنت قريبة من الأماكن التي أحبها أبي دائما , الطيور وجماعات روماني الغجرية التي كانت تخيّم في المرج .....".
" هل كنت تحبين هذه الجماعات ؟".
" كانوا يضجون بالحيوية , ولهذا....".
ضحك دون جوان , كانت المرة الأولى التي تسمعه يضحك فيها , وقد عكست عيناها دهشتها , قال:
" صحيح , هناك عرق يتعذّر ترويضه عند الغجر وهم يحبون الفقير والغني على السواء".
دخل الخادم لويس بصينية القهوة , فطلب منه وضعها على الطاولة القريبة من أيفين , ولمحت الأنتفاضة الخفية في عيني لويس وعرفت في الحال ما يدور برأسه , لم يكن عاديا أن تجلس فتاة خادمة في الغرفة الذهبية , والقهوة الى جانبها لكي تصب للمركيز قهوته.
ولكونها كانت خادمة فأنها تعرف ثرثرة الخدم في المطبخ , ولذلك شعرت بالحرج.
وأنغلق الباب وراء لويس فقال دون جوان : " أرجو أن تصبي القهوة ". ثم أخذ مقعدا ومدد عليه ساقه التي تؤلمه , وأحتاطت أيفين لئلا تنسكب القهوة منها وهي تصبها من الأبريق وأرتعشت يدها قليلا وهي تناول دون جوان قهوته الخالية من السكر بناء على طلبه سألها:
"هل أنت مضطربة بسببي؟".
" وهل تستغرب يا سيدي ؟ أنا لست معتادة على كل هذا".
" مع الممارسة سيكون كل شيء على أكمل وجه ".
رفعت بصرها اليه , وكأن سلكا كهربائيا قد نبّه ألتفاتها , لقد رفع حاجبه الأسود وهو يشرب قهوته , وقال:
" سنكون معا هكذا مرات أخرى يا آنسة بلغريم وأرجو مع الزمن ألا تنظري اليّ كما لو كنت غول القلعة".
" لم أفعل".
" عيناك واسعتان , وفي وسع المرء أن ينظر في أعماق العيون كما ينظر من نوافذ البيت , أنه نوع من المتطفل أشبه بنظرة مختلة الى روح شخص أخر".
ألتقت نظراتهما وشعرت أنها قد سلّمت هذا الساحر الأسمر شيئا من دخيلة نفسها.
" تناولي قهوتك قبل أن تبرد ". ثم تابع: " لقاؤنا هنا في هذه الغرفة هو أحتفال بنجاتك ووصولك سالمة الى جزيرة دي ليون ,يا له من عالم صغير , أن الحظ يا آنسة بلغريم سيد على الجميع".
أطمأنت أيفين بعد أن أنتهت من تناول القهوة , وزال توتر أعصابها , وأحست بالراحة في هذه الغرفة , وأستطاعت أن تتخيّل روزاليتا وهي تعزف البيانو وفي شعرها الفاحم وردة قرمزية.
منتديات ليلاس
لمحت دون جوان يتطلّع الى صورة أمه وهو غارق في أفكاره , ووجدت أن في أستطاعتها دراسة صورة وجهه الجانبية , فقد أمتزجت القوة والعاطفة في ملامحه أمتزاج البياض والسواد في شعره , أن الألم ترك خطوطا بجانب شفتيه وبياضا في شعره , وعرفت بغريزتها لا بعينيها أنه أصغر سنا من مظهره .
" هل شاهدت رقصة الفلامنغو؟".
" كلا يا سيدي , سمعت أنها مثيرة جدا".
" رقصة الفلامنغو هي مبارزة بين ردل وأمرأة".
وعند إبتعاد عينيه عن صورة أمه لاحظ نظراتها إليه , ولكنع تابع قائلا:
" لا بد أن أتيح لك فرصة مشاهدة الفلامنغو , أن الناس يعتبرونها نوعا من تعليم بناتهم , وأعتقد أن هناك الشيء الكثير الذي يتوجب عليك تعلّمه".
" أنا في التاسعة عشرة!".
" أنها سن المعرفة , والعتبة إلى العشرينات عندما يكون المرء عاطفيا غير متمكن من السيطرة على عواطفه".
وبينما كان يرفع سيكاره الى شفتيه , كانت لعينيه قوة جاذبة تشدّها إليه , وكانت أزرار قميصه الصدفية السوداء تلمع لمعان عينيه , قال:
" أنت تعتقدين أنني متغطرس وسيد العارفين؟".
وبشيء من الجرأة قالت له:
" أعتقد أنك تعتبر الناس قطع شطرنج بين يديك ".
" وأية قطعة شطرنج أنت يا آنسة؟".
" بيدق ضعيف من بيادق الملك".
" وأية نقلة سأعتزم نقلك؟".
" لا أدري".
" ولكنني أراك واسعة الخيال".
وأستقرت نظرته على شعرها الداكن ثم على عينيها العسليتين الذهبيتين , وراح يقيّمها وهي بثوبها الذي لا يناسبها ولا يجمّلها , وظنت أنه سيبتسم ولكنه ظل متحفظا ومتسترا بقناع الوسامة الشيطانية.
هزّتها الكلمة عندما ألمّت بفكرها , أن المرء لا يستعملها بالنسبة الى الرجل , ولكنها كلمة سبق أن أستعملت بالنسبة الى دانتي وبايرون , وإلى الشهيد سباستيان , وسيد الجزيرة الأسمر الخطر شبيه بهم , هذا الشيطان الطويل الأعرج!
قرأ عينيها وأخفى عينيه وراء سحابة دخان سيكاره وقال :
" أن خيالك يعمل حاليا , أن مستوى أستجابتنا للحياة أما عميق وأما ضحل , وعذاباتنا المترتبة على ذلك سبّبها هذا المستوى , ولا أظن أنك ضحلة يا آنسة بلغريم , وإلا لطلبت من أمريتو ترحيلك من الجزيرة الى أسبانيا".
" ربما آثرت الذهاب إلى هناك , أذ لا أستطيع البقاء هنا إلى ما لا نهاية يجب عليّ أن أجد عملا ... فليس معي نقود".
" لديّ الكثير , لقد لاحظت على المائدة أنك تأكلين كالعصافير , ولعل الحياة علّمتك القناعة بأقل مما ترغبين , ما هي أمنيتك يا آنسة؟ فقد أكون قادرا على تحقيقها لك"
قالت بلهجة جادة:
" أنا في حاجة الى عمل".

نيو فراولة 30-07-11 09:07 PM

إبتسم على الفور وقال :
" يا لك من مخلوقة صغيرة قنوعة , أي نوع من العمل تريدين ؟ مرة أخرى خادمة تقوم بكل الأعمال عند إمرأة لا قلب لها".
" هذا كل ما تدرّبت عليه يا سيدي , أتعرف واحدة؟".
" نعم , عدة سيدات يسرّهن أن تعملي لديهن".
" أذن؟".
" لن أوضي بك عند أية واحدة منهن".
" أوه!".
" لا تذرفي دموعك !".
قالت بعزة نفس:
" أنا....... أنا لا أبكي أبدا أمام الآخرين".
" صفة ممتازة".
" قد تكون كذلك في حضرة شخص مثلك".
" مثلي أنا؟".
" أنت أسباني أرستقراطي لست في حاجة للأعتماد على الآخرين للعيش".
" أننا جميعا يا آنسة تعتمد على الآخرين بشكل أو بآخر , عليك أن تكوني طموحة لما هو أكثر من خادمة أو مرافقة , قولي , ماذا تودين تحقيقه في حياتك؟".
كان لأظهاره الأهتمام بها والأستعداد للأستماع إليها أثر عكسي عليها , أذ أضطرها هذا للسكوت حياء , أنها في أية حال لم تفكر أبدا تفكيرا جادا بشأن عمل آخر , فذلك يتطلب دراسة خاصة وهي قد أخرجت من المدرسة وألحقت بالعمل في البيت الريفي يوم كانت في ربيعها الخامس عشر , بالطبع , وكأي فتاة أخرى , كانت تظن أن العمل كمضيفة جوية شيء ممتع يتيح لها السفر إلى بلاد أخرى , وأحيانا كانت تحلم من أعماق قلبها أن العمل معاونة لشخص لامع في تجارة التحف والروائع الفنية.
كانت أيفين مولعة بالأشياء القديمة الرائعة , وإستجابتها لهذا المكان مرده إلى الروائع التي يزخر بها.
سألها دون جوان بصوت ودود:
" هل أمنيتك متعذّرة إلى حد لا تتجاسرين على ذكرها؟".
طأطأت رأسها خشية أن تلتقي عيناها بعينيه , ثم فوجئت به يتقدم اليها متّكئا على عصاه , ويرفع ذقنها بيده لتنظر إليه , وإرتعشت رعشة خفيفة لم تقو على السيطرة عليها , وقالت:
" أذا عرفت فقد تبتسم".
" أنا شخص لا يحب أخفاء الأمور عنه , تعالي وأذكري أمنيتك وسنرى أذا كان في مقدوري تحقيقها".
" لا تستطيع أن......".
فقاطعها قائلا:
" على الأقل دعيني أسمع هذا الذي لا أستطيع فعله".
رفع رأسها فلم تستطع الأفلات من نظراته وهو يتفحص وجهها القروي وبشرتها الشابة وفمها الذي الذي يفيض بالحساسية وعينيها العسليتين , أن وجهها ليس ساحرا بالمعنى التقليدي , ولكن أذا هي أعطيت الثياب المناسبة , والفرصة التي تضيء الملامح عندئذ تكون لها جاذبية حلوة.
ولكن أيفين غير مدركة لذلك , وهي تعتقد أنها فتاة عادية بالصورة التي أظهرتها فيها أيدا ساندل.
كرّر الطلب لأنتزاع أمنيتها وفي عينيه جاذبية قوية:
" هيا أخبريني".
" قد يكون رائعا أن أعمل معاونة لبائع تحف فنية ناجح ". ثم ضحكت قائلة:" أليست أمنية مستحيلة لفتاة مثلي لا تعرف غير العناية بالكلاب الأليفة تبحث عنها وتحملها وتمشي معها نيابة عن ربة البيت".
" شيء غريب , عادة تطمح الفتيات الصغيرات للعمل في مجالات الجمال , عارضات أزياء أو موديلات".
" عارضة أزياء ؟". وضحكت ضحكة زادت من حلاوة عينيها :" لا أعتقد أنني أصلح لهذا النوع من العمل أطلاقا".
أدار دون جوان وجهها من اليسار إلى اليمين كما لو كان يدرس قطعة فنية وقال:
" تكوين عظام الوجه حسن , أذن أنت تودين العمل في التحف النادرة الثمينة , أولا عليك معرفة الأمور التي تجعلها نادرة".
" هذا هو العائق". أتسمت عيناها بمسحة جذابة وأضافت:" لم أحصل على قسط وافر من التعليم أذ تركت المدرسة يوم كنت في الخامسة عشرة".
بدت نشوة الحياة في عينيه:
" أيتها الصغيرة لقد كنت أقطع البراري في أميركا الجنوبية في صباي , كنت راعيا أي مجرد جوشو كما يسمون رعاة الأغنام هنا".
وأسرعت تقول:
" ولكنك المركيز دي ليون!".
" كنت مجرد راع لما كنت في الخامسة عشرة".
وإبتعدت أصابعه عن وجهها , تاركة دفئا أحست به , وتحولت نظرته عنها إلى صورة أمه فقال:
" لقد مات أبي في الحرب الأهلية , وهربت أمي من عائلته وأخذتني معها إلى الأرجنتين في زورق لاجئين , وهناك أشتغلت راقصة فلامنغو , وصرت أنا راعيا للبقر الى أن دفعني طموحي للعمل في إستخراج الفضة من الأراضي النائية , وحالفني الحظ وعثرت على منجم فضة , فأشتريت لأمي بيتا في ليما ( عاصمة البيرة) ولم تعد في حاجة للعمل".
ثم تابع حديثه قائلا:
" ماتت أمي من شدة حزنها على أبي , لم أعد لجزيرة دي ليون إلا بعد أن مات جدي , أنني لم أغفر لأهلي أبدا تجاهلهم لأمي , كانت أسرة أبي تريدني وحدي , لقد أضطرتني الأحداث للعودة الى الجزيرة , ولكنني خلّفت ورائي محبة لمدينة ليما بتاريخها الوحشي وجمالها الغريب".
ولمعت عيناه وألتقت بعيني أيفين , فقال:
" أن راعي البقر يعيش على سرج الجواد , لم أكن دائما كما تجدينني الآن".
" هل تعرضت لحادث...... يا سيدي؟".
" أجل , حادث".
كان يبدو أنه لا يريد أن يتحدث عن هذا الجانب من حياته في ليما , وفي لحظة أتسمت ملامحه بذكريات أليمة , ولهذا قال:
" أذن أنت تتمنين العمل وسط تحف قديمة جميلة؟".
أجابت بنصف إبتسامة:
" أليس جميلا أن نحلم؟".
" لا حاجة أن يظل حلما , أنت لست فتاة سطحية , أرى من ناحيتي أنك تقدرين هذه الغرفة بتحفها التي جئت بها من ليما وبأثاثها الجيد الحفر , بالطبع أنت في حاجة لتعلم أشياء كثيرة , ومعرفة لغة أجنبية شيء ضروي , لي صديق يقيم في الجزيرة ويعرف الكثير عن كبار الرسامين والنحاتين , وكان يتولى التدريس في مستهل حياته , أنه السيد فوتسكا , أتعرفينه؟".
تذكّرت قول مدبرة المنزل بأن للسيد فونسكا إبنة بارعة الجمال يحتمل أن تصبح زوجة دون خوان , فأجابت:
" نعم يا سيدي".
" حسنا عما قريب سآخذك إليه ونبحث أمكانية أن تكوني تلميذته بضع ساعات يوميا , أن عينيك تتسعان من الدهشة , أليست أمنيتك هي تحصيل العلم من رجل قدير؟".
" أنا........ أنا أفكر في المصاريف يا سيدي".
" كفي عن هذا التفكير فورا , قد يأتي اليوم الذي يمكنك فيه تسديد ذلك , وفي الوقت ذاته , سأستمتع بأن أكون وصيا على فتاة أنكليزية".
" وصيّا؟".
" ألم نتفق في أن أكون مسؤولا عنك أثناء أقامتك في الجزيرة؟ وأذا وافق السيد فونسكا على قبولك طالبة , فسيتطلب ذلك فترة قبل أن تتمكني من مغادرة الجزيرة إلى عالم الفن والتحف , وستحتاجين إلى بيت ولهذا ستقيمين هنا , عندي قريبة في أسبانيا هي السيدة أوغستا يمكنها الحضور للجزيرة لتظل في رفقتك حرصا على اللياقة الأجتماعية , أيرضيك هذا؟".
علتها حمرة الحياء وأرتبكت لقدرته على قراءة ما يجول بخاطرها , وقالت :
" أنا...... لا أعرف كيف أشكرك يا دون جوان".
" ستكون أكبر مكافأة لي أن أدخل يوما إلى محل للتحف وأجدك المسؤولة عنه".
كان يتفحّصها حتى أثناء حديثه.
" غدا أطلبي من مدبرة المنزل أخذ مقاساتك , كي نرسلها إلى بيت أزياء أخنازيو في مدريد , مع تفاصيل عن ألوانك , سنطلب لك نصف دزينة من كل شيء بما في ذلك الثياب النهارية والمسائية من أجل نمط الحياة التي ستعيشينها وأنت تحت وصايتي ". ثم مدّ يده ليمنعها عن شكرن :" لا تقولي كلمة شكر أخرى , أنا أفعل ذلك لصالحي , أن الورود الحمراء على هذا الثوب لا تتناسب مع لون شعرك يا آنسة".
كان يمكن أن تشعر بحنان نحوه في هذه اللحظة , لأنها كانت في غاية الأمتنان له من أجل هذه الفرصة التي أتاحها لها , ولكنه أسرع متكئا على عصاه كي يفتح الباب , وقال:
" عليك أن تأوي الى فراشك الآن ".
وودعته في القاعة:
" تصبح على خير يا سيدي".
" وأنت بخير يا آنسة بلغريم".
وأنحنى للأنصراف وأسرعت هي في القاعة وسمعت أنغلاق باب الغرفة الذهبية من ورائه.
هكذا أذن قد تغيرت الحياة بالنسبة لها , فوصيّها الأسمر منحها أمنيتها وستبدأ في التدرب للعمل.
لم يكن في القاعة أحد , فوقفت أمام مرآة على الحائط وأنحنت بإحترام لصورتها في المرآة , وأبتسمت وقالت ( ستصبحين سيدة مجتمع يا أيفين , هل خطر لك أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث؟).
وأثناء صعودها السلم الدائري في البرج , فكرت في أيدا ساندل التي لم تهتم بالأستفسار عنها ومعرفة ما أذا كان قد جرى أنقاذها من الغرق , لعله من الخير أن أيدا لم تسأل عنها وإلا كان من الممكن أن تطالب بعودتها للعمل خادمة لكل شيء , وما كان دون جوان يقول أنها من الآن فصاعدا ستكون تحت وصايته.

نيو فراولة 30-07-11 09:08 PM

3- أنا مشدود اليك




من المستحيل النوم في القلعة إلى وقت متأخر فالشمس تغزو الغرفة مبكرا , وتملأ غرفتها في البرج دفئا ونورا , لهذا كانت تسرع في أخذ حمامها وأرتداء ثيابها والخروج إلى الشاطىء , مؤجلة الأفطار تفاديا للأنفراد مع دون جوان , أما هو فكان يذهب للعمل في برجه البحري بعد تناول القهوة والفاكهة , أو يأمر بمجيء السائق لنقله من أجل حضور اجتماع عمل في البلدة.
كان ينهمك كثيرا في كل شؤون الجزيرة , فهو رئيس مجلس أدارة في عدة شركات تتولى تأمين التعليم والرعاية الصحية لسكان الجزيرة , ولكن لم يكن لدى أيفين أية فكرة عن أشغاله في البرج البحري , وهو المكان الذي فتنها ولكنها لم تجرؤ على أكتشافه رغم أنه سمح لها بأستعمال المكتبة.
كان في وسعها أن تسأل آلما مدبرة المنزل , ولكنها منذ الصباح الذي أخذت فيه مقاسها لأرسالها الى بيت الأزياء في مدريد وهي تلتزم الصمت والجمود معها , كأنها تظن أن أيفين تستغل أنوثتها لأنتزاع أموال دون جوان.
منتديات ليلاس
قطفت أيفين زهرة برية , قبل أن تشق طريقها الى الشاطىء , كان يمكن أن تظل مسرورة بالثياب القليلة البسيطة التي وجدتها في الخزانة غير أن دون جوان كان رجلا دقيقا بالنسبة الى الثياب , وقد قرر أن يرعاها ما دامت تحت وصايته , أنه لا يقبل أن تعكر عينه الناقدة فتاة غير أنيقة.
وضعت الزهرة في ضفيرتها , ووقفت تتأمل رغوة البحر البيضاء وهي تلتقي مع الرمال الذهبية , من يصدّق أن كل هذه المياه الزرقاء الجميلة المتلألئة كادت أن تجرها في ليلة معتمة الى الأعماق وتخنقها , ومع أن الخوف قد أبتعد عنها , ومع أنها تلهو على الشاطىء بجمع الأصداف وممارسة لعبة البط والمراكب بواسطة قطع من الأخشاب , فأنها لم تجرؤ على الخوض في الماء لأكثر من قدميها , ولم تكن لها أية رغبة في تعلم السباحة منذ ليلة غرق الباخرة.
سمعت نباح الكلب كارلوس الذي جاء الى الشاطىء لمشاركتها في لهوها , كانت تلقي بقطع صغيرة من الخشب الناعم ليركض وراءها , وسرعان ما أقتربا من الطريق المؤدي الى كوخ أمريتو في الغابة , قررت أن تزور ماري لويز وطفلها , وقبلت البقاء على الأفطار ثم مجالسة الطفل بينما تذهب ماري لويز على ظهر حمار كي تتسوق من قرية الصيد الصغيرة التي تبعد نحو ميل بمحاذاة الشاطىء.
منتديات ليلاس
كانت أيفين معتادة على تسلية الأطفال الصغار أذ أشتغلت نحو سنة في حضانة الأطفال لدى آل ساندل , كان كل شيء على ما يرام الى أن ألتقط الطفل حصاة بقبضته وحشرها بقبضته وحشرها في فمه , ولم تضيّع أيفين أي وقت في أنتزاعها من فمه وهذا ما جعله يصرخ , وشاركه الكلب كارلوس بنباحه , وأخذت أيفين تتمشى على الرمال حاملة الطفل لتهدئته , وأذا بشخص يظهر على الشاطىء ويتأمل ما يحدث.
وفجأة ترامى الى سمع أيفين صوت موسيقى غيتار , ونظرت حولها فوجدت شابا يتقدم نحوها , وعندما أقتربت منه بدأ يغني أغنية أسبانية بصوت مخملي كعينيه , يرتدي بنطلون الميتادور وقميصا حريريا ويلف رقبته بمنديل أحمر , كان شابا أسود الشعر أستند الى شجرة وراح يغني سرنادة ( أغنية عاشق تحت نافذة المحبوبة ) للفتاة والطفل , كان صوته ساحرا حتى أن الطفل توقف عن الصراخ وأخذ يمص أصبعه راضيا.
وظل الشاب يغني ويعزف حتى نام الطفل ثم تقدّم بهدوء ليلقي نظرة اليه بين ذراعي أيفين , قالت بالأسبانية في حياء:
" ألف شكر لك يا سيد".
وأجابها بالأسبانية , ولكنها لم تفهم كلمة مما قاله , وأوضحت بالأنكليزية :
" آسفة , أنا لا أتحدث الأسبانية".
ولمع بريق عينيه وقال:
" طفلك له رئة قوية يا سيدتي , وسيكون مغنيا مثلي".
وأبتسمت للخطأ الطبيعي الذي وقع فيه وقالت:
" ليس هذا طفلي يا سيدي أنني أرعاه الآن فقط حتى تعود أمه بعد التسوّق من القرية".
وزاد التألق في عينيه وقال:
" فهمت , عندما رأيتك قلت لنفسي : ريك من سوء حظك أنك وصلت متأخرا جدا ! في كل حال كان خطأ سارا , فأنت أذن لست أما يا آنسة , ولست لرجل آخر؟".
" كلا".
قالتها بسرعة وأرادت أن تتجنب نظرة عينيه المثيرتين , ووضعت الطفل على قماشته السميكة , وبعدما نظرت ثانية الى عازف الغيتار الشاب أنحنى أمامها وقدّم نفسه معلنا أسمه ( مانريك كورتيز أيستبان ) , ويقيم في الجزيرة لمدة ستة أسابيع يغني خلالها في نادي هيدالغو بميناء بورتو دي ليون.
" هل تسمحين لي لي بالجلوس الى جانبك؟".
وتطلع الى الرمل وفي لحظة جلس بحرية ثم تطلع اليها بأبتسامة وقال في النهاية:
" ألا تقول الآنسة أسمها؟ ربما نتحدث ساعة ثم نفترق , فأذا عرفت أسمك سأتمكن من العثور عليك ثانية".
" أتريد هذا حقا؟".
لم يسبق أن تحدث اليها شاب بمثل هذه الحرية.
" بعض الناس يرون أن ساعة تكفي لمعرفة كل شيء , في حين أن الأمر مع آخرين قد يستغرق العمر كله".
وأستقرت نظرته على شعرها الذي جمعته في ضفيرة واحدة أنسابت على كتفها النحيل , وتابع:
" لا بد أن لك أسما فريدا , فهناك شيء غير عادي بالنسبة اليك , أنت تختلفين عن شابات الرحلات المرحات اللواتي ألتقيت وتحدثت اليهن في أسبانيا".
" أنت تتحدث الأنكليزية بطلاقة يا سيد".
" هل أنت أنكليزية يا آنسة؟".
" طبعا".
" في الواقع , هناك شيء مختلف في صوتك".
وأبتسم وقال :
" أنا مشدود اليك ".
كانت عبارة ثناء جعلتها تتساءل ماذا كان يمكن أن يفعل هذا الشاب لو ألتقاها بثوبها وشعرها المرفوع فوق رأسها والنظارة على عينيها مثلما كانت في الأيام السابقة.
مال الى الأمام قليلا ليمعن النظر في الأبتسامة التي تعلو شفتيها , ولم تشعر بأي خوف , ولا بأي حافز للتراجع كما فعلت مع دون جوان , وأضاف:
" وضحكتك أيضا غامضة , هل جئت من مكان ساحر من بين تلك الغابات الصنوبرية؟".
فأجابته بدلال :
" ربما من القلعة , ومعي كلبي لحراستي".
ونظر الى الكلب كارلوس الذي أقترب رأسه من كتف أيفين الجالسة , وقال :
" أنه يدعو للمشاجرة , ألا تخافين منه؟".
ربتت بيدها على الكلب وقال :
" كلا أطلاقا , أنه حمل وديع".
" يبدو كالذئب".
" أفترض أنني أقول الشيء نفسه عنك؟".
ضحك للملاحظة البارعة بدون أن يتخلى عن التقرب منها وقال:
" أن الأسبان هم سلالة جنس من ذوي الدم الدافىء يا آنسة , ويحبون التحدث عن الجمال , ما من أسباني يتسم بالبرود كما تعلمين , فالله وهبه نعمة النظر والحواس , وسواء كان صغيرا أم كبيرا فأنه يحسن أستخدام بصره وحواسه ".
قالت:
" أليس هذا صعبا , مع وجود القضبان الحديدية على النوافذ الأسبانية؟".
ثم أبتسمت ابتسامة رزينة خادعة.
جاب في خبث:
" لا حاجز بيننا".
“ هناك كارلوس , وكذلك كوني لا أكاد أعرفك يا سيد....".
" هذه ملاحظة واعدة من الآنسة الغامضة , هل آمل أن تسمحي لي بأن نكون أصدقاء؟".
" جميل دائما أن يكون للمرء صدقاء".
" فتاة بمثل هذه الجاذبية لا بد أن لها عدة أصدقاء".
داعبت أيفين بأصابعها رأس الكلب وقالت:
" على العكس , هناك فقط أمريتو وزوجته .. ولست متأكدة من ناحية المركيز دي ليون".
رفع عازف الغيتار الشاب حاجبيه وسأل:
" أتعرفين المركيز؟".
" ومن الذي يمكنه أن يقول أنه يعرفه؟". قالت ذلك وهي تمد بصرها الى البحر المحيط بالجزيرة وأضافت:
" أنا أعيش معه .....يا ألهي , هذا يبدو مستهجنا ! أقصد , أنا تحت وصايته يا سيدي".
" تحت وصايته؟ تعنين أنك الفتاة التي أنقذوها من السفينة الغارقة ؟ أن الجميع في ميناء بورتو دي ليون يتحدثون عنك , ولكن المركيز رجل لا يجرؤ على سؤاله أحد , أذن فهو يقول أنك تحت وصايته".
" نعم!".
وقفت فجأة فذعر الكلب , وكاد طفل ماري لويز يستيقظ , وسألته:
" بماذا يتحدث الجميع يا سيد كورتيز , هل يقولون أنني أنتزع ماله ؟".
" أنت؟".
وقبل أن يتابع كلامه نهض بقامته التي تعلو عنها بكتفيه ورأسه , وكان قميصه الحريري يلتصق بجسمه الشاب بينما هبّت نسمة لطيفة , وأضاف:
" كيف يمكن لأحد أن يراك وتساوره هذه الظنون؟كما أن المركيز ليس بالأبله , وهو معروف بالكرم , ولكن لم تحرّك أمرأة فؤاده".
علّقت على قوله:
" أنه أسباني حتى العظم , أليس الأسبان من ذوي الدم الدافىء كما قلت قبل قليل؟".
" كنت أتحدث عن الأشخاص العاديين".
" أعتقد ذلك".
وتلاقت عيونهما تحت نور الشمس , فتابعت :
" أن أمريتو الذي يعمل عنده وجدني في البحر وجاء بي الى الجزيرة , وقال المركيز أن عليّ البقاء في القلعة الى أن يتم الأستفسار عن مخدمتي ومعرفة ما أذا كانت بين الذين تم أنقاذهم , وقد نجت وسلمت ولكنها تركتني شريدة.... وليس لي من أحد إلا دون جوان , أنه يعطف عليّ بطريقته الخاصة".
" ألم تفكري بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" ألم تقل بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" كان دون جوان الآخر يحطم القلوب وظل قلبه سليما".
" أتظن أن قلبي في خطر؟".
" أن المركيز شخصية مرموقة".
" وأنا لم أكن قبل أسبوعين غير خادمة يا سيد كورتيز".
" ألا تتكرمين وتنادينني بأسم ريك".
" أتصر على أن نكون أصدقاء؟".
" أكثر من قبل , وأذا لم تقولي لي أسمك , فسأدعوك سوليداد".
" أسم حزين!".
" معناه فتاة الوحدة , وهي حالة أرى أن أغيّرها".
" أنت واثق من نفسك؟".
" ألا تريدين الخروج من صدفتك؟".
" يبدو أنها عملية مؤلمة....".
" أعدك بأنها لن تكون مؤلمة أطلاقا....... ". وأخذ بيده الزهرة التي وضعتها في شعرها وقال:
" الحياة كهذه الزهرة , مزيج من الحلاوة والمرارة , الى اللقاء يا سوليداد".
ذهب مثلما جاء بهدوء وسط الأشجار , ولكن بعد لحظات سمعت أيفين صوت محرك سيارة سريعة , وتخيلت السيارة تشق طريقها في الريح , والشال الأحمر الذي يلف عنق الشاب يتطاير في الهواء حتى غابت السيارة عن الأبصار.
وضعت أيفين الطفل في قماشته وأتجهت به الى الكوخ , كانت ماري بويز قد عادت حاملة معها شماما كبيرا ذهبيا , تناولت معها فنجان قهوة , ولما حان موعد عودتها الى القلعة أصرت ماري لويز على أعطائها شمامة , كانت كبيرة ناضجة حتى أن أيفين لم تمانع في أخذها , لهذا وصلت القلعة وهي حاملة الشمامة على ذراعها والأبتسامة على شفتيها.
دخلت من حاجز حديد مشغول في الباحة , وأنتابها الذعر على الفور أذ وجدت دون جوان مشغولا وفي رفقة حسناء جميلة ذات ثوب من الشيفون الأرجواني وعلى رأسها قبعة عريضة تكشف عن وجه أبيض وعينين واسعتين سوداوين.
منتديات ليلاس
وقفت أيفين عند الحاجز حاملة الشمامة وتمنت لو أنها من الضخامة بحيث تخفي ساقيها المتسختين برمال الشاطىء ووجهها الملوح بالشمس , بعيدا عن الجالسين تحت الشجرة المزهرة بلون ثوب الحسناء.
وببطء رفع دون جوان رأسه ,وفي لحظة لا نهائية بدت عيناه كأنما تركز على أيفين بكل شبابها وعدم أناقتها , كان يرتدي بدلة بيضاء زاد من نصوعها شعره الغزير الذي يلمع كجناح غراب.

نيو فراولة 30-07-11 09:10 PM

في تأديب جم متعال , وقف مستعينا بعصاه الأبنوسية وحيّا أيفين وقال :
" الرجاء المجيء والتعرف على دونا راكيل فونسكا , كنت أحدثها عن تتلمذك على يد أبيها".
تقدّمت أأيفين بكل طاعة , وهي لا تزال تحمل الشمامة , وشعرت بعينين فاتنتين تفحصانها هي وثوبها القطني , فقالت راكيل بصوت دافىء مغناج وبلهجة حلوة:
" كم يسرني التعرف عليك يا آنسة بلغريم ".
ثم ضحكت مبهورة وحولت نظرها الى المركيز.
" جوان , أنك لم تقل لي أن الفتاة التي تشملها بوصايتك هكذا أبنة للطبيعة! ما أروعها بالشمامة وكل شيء الآن أفهم لماذا ترغب في وضعها تحت جناحك الرحيم".
هزّ دون جوان رأسه كما لو كان موافقا على كل كلمة خرجت من بين شفتيها الحريريتين الورديتين , كلمات تحط من أيفين بسخرية مبطنة , الشمامة وكل شيء ! كانت أيفين تريد أن تلقي بالشمامة بين الشجرة ولكنها عندما تذكرت ماري لويز وسرورها في أهدائها أياها , خجلت من نفسها بما قالته تلك الفتاة التي في غنى عنها وعن شمامتها , قالت أيفين:
" أتطلع الى مقابلة السيد فونسكا , عرفت من السيد المركيز أن أباك رجل علم وثقافة قدير".
كانت محاولة متعمدة من أيفين للعودة , وقد شعرت الى جانبها بصلابة دون جوان وصفائه , وهو يقول لها:
" دونا راكيل باقية للغداء معنا في القلعة , لديك نصف ساعة يا أيفين كي تستعدي لمشاركتنا".
" أترغب في مشاركتي لكما؟".
قالت أيفين ذلك وكانت تأمل أن تعفى من عذاب الجلوس الى المائدة مع الفتاة الأسبانية ذات الثوب الأنيق والماكياج الكامل , والشعر الذي لم يحركه هواء البحر المالح في الشاطىء.
أجاب دون جوان:
" هذه رغبتي".
ولمحت أيفين أبتسامة تنفرج على شفتي دونا راكيل.
وعلّقت راكيل:
" رغبتك أمر مطاع ما دمت الوصي , أليس كذلك يا جوان ؟ ونطقت أسمه بعذوبة كأنما تعانقه.
" سأذهب وأستعد , أرجو أن تأذنا لي".
وكادت أيفين أن تركض بعيدا عن وصيّها وضيفته , وكانت أظافرها تخدش الشمامة التي ألقت بها على الفراش عندما وصلت الى غرفتها .
وتطلعت الى صورتها في مرآة خزانة الثياب فأذا بها تبدو كمتشردة صغيرة تعيش على الأحسان , فهل من الغرابة أن تتخذها راكيل فونسكا هدفا للتسلية وبعض العبارات المبطنة؟
فتحت الخزانة وأخرجت التنورة الخضراء والبلوزة ذات الكشكشة , وبينما كانت تغتسل وترتدي ثيابها تساءلت متى تصل ثيابها الجديدة من مدريد , كانت في البداية تتمنع في الموافقة على طلبها , أما الآن فهي مسرورة لأنه تم طلبها , وبما أن دون جوان وصي عليها فستضطر الى مقابلة أصدقائه وهو لا يرغب أن يحرج بسببها , ولا هي تريد أن تهينها فتيات لم يعرفن أبدا ما معنى أن تكون الفتاة يتيمة ثم خادمة تعمل من الفجر الى أن تأوي الى فراشها.
كان غداء بهيجا بالنسبة الى راكيل التي كانت خبيرة بكل الأساليب التي تفتن الأسباني , فيها دلال وغنج وتظاهر بالرزانة , وخيل لأيفين أن وصيها المترفع مسحور براكيل , كان يصغي اليها والأبتسامة على شفتيه , كما ضحك عندما وصفت الحفل الذي حضرته على ظهر يخت يملكه ميتادور مشهور.
" كانت أزرار قميصه ماسية , يا جوان , وقال أنه في المرة القادمة التي يزور فيها أشبيلية علي أن أراه وهو يصارع الثيران في الحلبة وقال سيقدم أليّ أذن الثور".
" يا للفظاعة!".
نطقت أيفين بالعبارة قبل أن تتمكن من حبسها , ثم تابعت:
" أقصد بالنسبة الى الثور , لا الأزرار الماسية".
نظرت اليها راكيل ببرود , وتركت شوكتها فوق طبقها المملوء بالحلوى , وقالت:
" من السخرية أن تظن البريطانية أننا قساة بسبب مصارعة الثيران , أليس صحيحا أن مواطنيك يذهبون للصيد بستراتهم الحمراء , وأعتقد أنهم يطاردون الثعلب أو الأيل؟".
" أنا أكره الصيد كذلك".
قالت أيفين ذلك وقد شحب وجهها , لأنها تذكرت صوت الأبواق في صباح ضبابي , وتذكرت موت أبيها في أصطبلات بيت ساندل الريفي , وتابعت:
" الذين يعتقدون أن الرياضة هي مهاجمة الطرائد وتمزيقها لا يشعرون بأي شيء سوى الأثارة من وراء قسوتهم , وأتمنى أن تحظر بلادي الصيد".
وتحدث دون جوان بهدوء مع شيء من الصرامة في صوته:
" أن مصارعة الثيران شيء مزر , لقد كنت أكره دائما حجب عيون أحصنة البيكادور ( الفارس الذي يهيّج الثور ويغرز الرماح في عنقه)".
" أنت تقول ذلك يا جوان لأن الحصان ..........".
وحسم جوان الموضوع قائلا:
" لن نناقش المسألة يا راكيل".
ولاحظت أيفين أنه أبتسم ولكن عينيه كانتا ساكنتين كالبحيرات التي قد تخفي أعماقها أشياء كثيرة غامضة , ثم غيّر الموضوع قائلا:
" ستكون هناك حفلة موسيقية في نادي هيدالغو , وأظن أن أيفين قد تستمتع بها".
ونظرت راكيل عبر المائدة الى أيفين وهي بثوبها الريفي وشعرها المضفر ورقبتها النحيلة العارية من الحلي , وأبرزت الفتاة الأسبانية حليها وقالت برزانة:
" أمتأكد يا جوان أن موسيقانا ستعجب الآنسة بلغريم؟ أنها تختلف عن موسيقى الغيتار الشعبية التي تسمعها في بلادها"
ونظر الى أيفين وسألها:
" هل أنت من عشاق الموسيقى الشعبية؟".
" في الواقع يا سيدي لم يكن لدي الوقت لأعرف , بين حين وآخر كانت هناك حفلات رقص في البيت وكان يتم أستئجار فرقة موسيقية للمناسبة , غير أن أصدقاء مخدومي لم يكونوا من أفراد المجتمعات الدولية".
وأبتسم , وفي لحظة محيرة بدا كما لو أنها نفدت الى عينيه السوداوين ووجدت فيهما وعدا بالعطف والملاطفة.
" أعتقد أننا نستطيع الأطمئنان يا راكيل أن أيفين لم تفقد بعد قيمها البريئة , وموسيقى عازف الغيتار مانريك كورتيز لن تشيع سدى".
وبدا وكأن قلب أيفين تخطى أحدى دقاته , أنها ستكون برفقة دون جوان عندما ترى ثانية الشاب الذي سمّاها فتاة الواحدة ( سوليداد ) , هذه الحفلة المتوعة ستكون مثيرة!

نيو فراولة 01-08-11 12:30 PM

4- ليلتك سعيدة يا صغيرة



كان بيت الزهور أشبه بكهف ظليل كله شذى , وخيوط الشمس الذهبية تبرز الزهور المتعددة الألوان وبعض ثمار الزينة الصغيرة فوق شجر اللوتس , أنه الملجأ الذي تلوذ به أيفين لتطالع كتابا أو لتستمتع بالكسل , وهي تنتظر على أحر من الجمر اللحظة التي يأخذها فيها المركيز الى السيد فونسكا , أنها تتطلع الى التلمذة وتتوق لتعلم الفن وتاريخه وكل الأشياء التي ستوفر لها حياة العمل لأن العمل هو خبز الحياة كما يقولون.
كانت تحدّث نفسها قائلة أنها أشبه بتمثال الأنثى غالاتيا الذي نحته بغماليون , أو مثل أليزا دولتيل بطلة رواية ( سيدتي الجميلة) التي صقل لهجتها السوقية وهذبها أستاذ مثابر عنيد.
غير أن فكرة الشخصية الأخيرة جعلتها تبتسم , وذلك لأن دون جوان ليس بالأستاذ العنيد , أنه أسباني نبيل شملها بوصايته لأن في ذلك تسلية له.
أعتادت التنزه بمحاذاة الصخور عند ميناء الصيد الصغير , وكانت أذا أنحسر الماء تجد على الشاطىء قناديل البحر وغيرها من الأصداف والأسماك القشرية , تلك القرية الصغيرة تسمى سان كاليز وفيها تراقب أيفين الصيادين وهم يسحبون شباكهم , أو تتجول في الشوارع الضيقة المسقوفة بالقناطر , ثم تخرج منها الى حيث نور الشمس.
منتديات ليلاس
هناك دخان الأخشاب المشتعلة الذي ينتشر في الهواء , وطاحونة هواء لري المزروعات تزيد في سحر الجزيرة , وأطلال دير قديم كان معزولا عن العالم , وكان رهبانه فيما مضى من الزمان يدافعون عن سكان الجزيرة بأطلاق النار من مدفع قديم على مراكب القراصنة الشراعية.
كل هذا فتن أيفين , فهي لم تكن أبدا فتاة مدينة , لهذا فهي تمرح في الرمال وتركض بمحاذاتها , وشعرها يتطاير من ورائها , كانت تحملق كالحالمة الى القلعة الرابضة على الضخور , بجدرانها المقوسة وبأبراج زواياها المتوهجة , وبرجها البحري بنوافذه الضيقة وهي تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية.
كان دون جوان هناك في القلعة , سيد قلعتها التي لاذت اليها , رجل مهذب ومترفع يجب أن يعطي الأنطباع بأنه غير عاطفي , وتساءلت أيفين عما أذا كان قد تعرّض للأذى عندما كان في ليما ...... وتذكرت أنها يوم تحدثت عن الجياد غيّر الموضوع , لقد تعرّض لأصابته عندما كان يمتطي صهوة جواده ..... أهذا هو سبب خلو أصطبلات القلعة من الجياد؟
عندما عادت أيفين عصر ذلك اليوم الى القلعة , وجدت أن علب الثياب الجديدة قد وصلت في غيابها , وقد صفت في غرفتها فوق السرير وعلى الكراسي , وسرعان ما فضّت أغلفتها وفتحتها بشوق لترى محتوياتها .
ضاعت يداها في ثياب رقيقة بيضاء وتفاحية , وأخرى داخلية في علبة فضية , وأحتكت أصابعها بثياب من الجيرسيه والشيفون المتعدد الثنيات وثياب مسائية من المخمل اللامع , وأخرى للشاطىء أو نهارية بسيطة منها ما بلون الشمس ومنها ما هو أخضر أو برونزي يتناسب مع لون شعرها , وكانت هناك أحذية لكل المناسبات ....وشيء في علبة طويلة تجرأت ولمسته.
مرت أصابعها المترددة على الفراء العسلي اللون....... لا بد أن هناك خطأ , أن دون جوان لم يتحدث عن قطعة من الفراء , ومع ذلك جاءتها هذه القطعة , وهي ذات زر كبير من الفراء أيضا يجمعها على الكتفين ولها شرائط حريرية تحت الفراء لأدخال الذراعين فيهما.
وضعتها على كتفيها وكأنها في حلم ونظرت الى المرآة وحملقت في صورتها , أيفين ترتدي فراء! أيفين الخادمة في ثياب الأميرات!
منتديات ليلاس
عبق وجها كله بحمرة الخجل , أنها لم تفهم دون جوان عندما قال أنها ستكون تحت وصايته , لقد قال عازف الغيتار مانريك كورتيز أن الناس كانوا يتحدثون عنها , أتراها ببراءتها جعلت المركيز يفترض أنها في مقابل الثياب الجميلة ستنصاع لطلبات تتجاوز وصايته عليها؟
مزقت غلاف العلبة , وألقت به على الفراش وخرجت مسرعة من الغرفة , ولم تتوقف عن الجري الى أن وصلت غرفة مكتبه في أعلى البرج البحري , وطرقت الباب قبل أن تفقد أعصابها , كانت ستبلغه أن الثياب شيء غال جدا بالنسبة اليها , وأنها أنما كانت تريد أشياء بسيطة للغاية , عليها أن توضح له الأمور...... أنها فتاة رزينة , وليست واحدة يمكن شراؤها بفراء.......
دعاها صوت عميق بالأسبانية للدخول , فأخذت نفسا عميقا قبل أن تدير قبضة الباب وتدخل , أنها غرفة دائرية , وللوهلة الأولى تذكرت الشخص النحيل الجالس وراء مكتب خشبي فخم , كان يرتدي قميصا حريريا مفتوح الرقبة , وشعره يبدو غير ممشط لكثرة ما عبث فيه بأصابعه , وسحابة دخان سيكاره تحيط به.
" أخيرا عرفت الطريق الى برج المراقبة".
ونهض على قدميه وأومأ اليها بالجلوس على مقعد قريب مكسو بالمخمل الأسود , وقد أطلق على غرفة مكتبه برج المراقبة لأنها كانت تستعمل قريبا لمراقبة سفن القراصنة الشراعية , وكان أحد أفراد أسرة ليون قرصانا بحريا معروفا.
كشفت أبتسامته عن أسنانه البيضاء في لمحة وقال:
" أن تاريخ أسرتي كثيرا ما فتنني وأنا الآن أقوم بكتابته".
أشار الى مجموعة المخطوطات والمفكرات والمذكرات المفتوحة على مكتبه , وأضاف:
" أنها عملية شائقة , فقد كان في العائلة عسكريون ومكتشفون وقراصنة وشعراء".
نظرت أيفين الى وجهه الأسمر الوسيم , يبدو رجلا شديد الجاذبية في قميصه الحريري الأبيض وشعره المنفوش, وخفق قلبها ....... أنه رجل يحمل في عروقه دم سلفه القرصان ! ودفعها الخجل الى تحويل عينيها عنه والنظر الى غرفة مكتبه , كانت خالية من الزينة بأستثناء الخزائن الجدرانية الحافلة بالتذكرات وبعض البنادق والتماثيل الخزفية الصغيرة لرجل كان وافر النشاط فيما مضى , وهناك أقنعة وأشياء من أماكن غريبة , وكتلة من الفضة , لعلها أول قطعة أستخرجها.
أعاد النظر اليها من خلال دخان سيكاره , فقالت:
" جاءت الثياب من مدريد".
" آمل أن تعجبك".
" دون جوان".
" نعم يا أيفين".
كان ترديده لأسمها , ونبرة صوته المخملية , والطريقة التي نظر بها اليها مما جعلها تشعر بالذعر فقالت:
" لقد أرسلوا قطعة فراء للكتفين يا سيدي , هل أمرت بذلك؟".
" طبعا فعلت".
كان في أعماق عينيه شيء غامض , وتابع:
" شال الفراء يناسب من هي في مثل عمرك.. ألم يعجبك يا آنسة؟".
" أنه جميل , ولكنني لا أستطيع قبوله !".
" لم لا؟".
" أنه غال جدا".
" أذا أصبح الفراء على كتفيك فلن أسأل عن ثمنه".
" ولكنني أنا سأسأل يا سيدي!".
" أنت يا آنسة؟".
" وسحب نفسا من سيكاره ثم قال:
" وهل تتوقعين دفع قيمة الثياب كذلك؟".
أجابت: " الفراء عادة يدفع ثمنه مرتين".
ودق قلبها بجنون , لأن وجهه كان ساكنا , ولكن النار كانت تتأجج في عينيه , وأمسكت بحافة المقعد وكانت على وشك الخروج.
فقال ممازحا:
" أذن لقد خطرت لك نيتي الخبيثة , وأنت فتاة لا تشترى بالفراء , يا لخيبة أمل سيد القلعة , ماذا تراه سيفعل الآن لأغراء الفتاة البريئة..... هل سيتغلب على وساوسها في الحلقة الثانية من الرواية ؟".
تطلعت اليه أيفين وحمرة الخجل تسري في وجهها , نفض رماد سيكاره في منفضة برونزية وقال :
" أي روايات غريبة كانت السيدة ساندل تأمرك بقراءتها لك , يا صغيرتي , لقد أعطيتك الثياب الجديدة لأنك في حاجة اليها ,ولأن الفتيات الصغيرات ينبغي أن يتوفر لهن أشياء جميلة , أظن أن أحدا لم يعطك هدية منذ وقت طويل , ولهذا فأنت في شك من الهدايا , لا حاجة لذلك , الفراء ضروري الى ذهبنا الى المسرح أو للعشاء مع أصدقائي , وبما أنك تحت وصايتي فأنا أريد أن تكوني أنيقة".
أبتلعت أنتقاده لظنونها وقالت:
" آسفة لغباوتي يا سيدي".
" أنا لا ألومك , فقد أشتغلت لدى أمرأة غبية زرعت في رأسك أن الحب بين الكبار سلعة , شيء يباع ويشترى , وأنا شخصيا أعرف أن هناك أناسا تشرّبوا هذه الفكرة , أن أسرة أبي لم تستطع أبدا فهم أبي الذي آثر الحب على الأقتران بفتاة باردة غنية , ولم يغفروا له ذلك الى يوم مماته".
أستقرت عيناه طويلا على قطعة الفضة التي أستخرجها من البراري الموحشة في شبابه.
" كانوا يسمونني أبن الساحرة , وكانوا يقولون أن أمي قد نفخت في أبنهم روح الفجر.... ولاموها عندما وافته المنية , كان أهلها من المحازبين , وقد حاربت أمي وأبي في تلال أسبانيا مع المحازبين الى أن قتل أبي".
تعلّقت عينا أبن روزاليتا بعيني أيفين وأسرتهما , ثم نهض المركيز واقفا وبمعاونة عصاه مشى يعرج الى نافذة من نوافذ برجه البحري.
قال وهو يفتح النافذة وهواء المساء يندفع منها:
" تعالي وتأملي غروب الشمس في البحر".
تقدمت أيفين وهي خجلى , لكي تنظر الى الغروب , لهيب عظيم يحترق ويشق طريقه في المياه البعيدة ويضيء بألوانه الأمواج الحريرية .
وتنفست قائلة:
" في منتهى الروعة والقسوة ". ثم تابعت : " أن قلعتك مصانة وهي لا بد قديمة جدا".
" نحو مئة سنة يا آنسة".
ولمعت عيناه عندما وجد أنه شيء مسل أن تظن مرتهقة جميلة الساقين أنه واقع في غرامها , وأضاف:
" كانت القلعة الأصلية بناء غير منتظم , ولكنني أرى أن المبنى الحالي متناسق وأكثر جاذبية , ما رأيك؟".
" أنا أحبها".
قفزت العبارة دافئة من بين شفتيها , وزادت:
" ما كان يدور بخلدي أبدا أن أعيش في قلعة , ما أشبه ذلك بحكاية خرافية".
" وأنا الغول؟".
" كلا......".
" لا داعي للمجاملة , لماذا لا تجدني فتاة صغيرة شخصا منحوسا بساقه العرجاء وأجتراره للماضي".
أبتعد عنها بدون أن ينتظر جوابا وعرج عائدا الى مكتبه , وقال :
" غدا مساء سنتناول العشاء في النادي مع السيد فونسكا وأبنته , وأحب أن ترتدي شيئا من الثياب الجديدة".
" حسنا يا سيدي".
سمعت أمر الأنصراف في صوته ومشت نحو باب برجه , ثم توقفت وعادت تنظر اليه:
" شكرا للثياب الجميلة يا دون جوان , أنا ممتنة حقا".
" أنها ضرورية لحياتك الجديدة ". قال ذلك بوضوح وهو يدرس ورقة مخطوطة , وأضاف:
" سأشتغل معظم هذا المساء , في رعاية الله".

نيو فراولة 01-08-11 12:33 PM

رافقتها العبارة الأخيرة بالأسبانية الى أن وصلت غرفتها , حيث مضت تملأ خزانة الملابس بثيابها الجديدة وممتلكاتها الرائعة , وتأملت ثوبا مخمليا نصفه السفلي على شكل جرس ثم ألتفتت بأهتمام الى ثوب من الشيفون ذي تكسيرات من كتفيه الى ذيله , لم يسبق لها في حياتها أن عانت من مشكلة أختيار ثوب للذهاب الى العشاء مع رجل في ناد ليلي فخم , كان أشبه بحلم , ولكن عندما قرصت جسمها أحست بألم فعلي.
الثياب حقيقية...... والقلعة حقيقية...... وفي الصباح لن تستيقظ على صوت جرس أيدا ساندل , ذلك كله كان صفحة ماضية ....... وهذا كله صفحة جديدة من حياتها الآتية.
وبعد أن تناولت العشاء وحدها , جلست عند نافذة غرفة نومها وأخذت تراقب النجوم اللامعة المطلة على البحر , وتنشقت رائحة نعنع الماء وتساءلت ماذا سيقول عنها مانريك كورتيز مساء الغد وهي في ثيابها الرائعة.
خفق قلبها بهدوء من الأثارة , أن مانريك رآها جذابة , وعندما لمست شعرها , تذكرت كيف كان الشبان على سطح الباخرة يتجاهلونها فلا يعيرونها نظرة ثانية , لقد كان يؤذيها أن تكون زهرة حائط , وذلك جعلها تشعر بالوحدة وأنه غير مرغوب فيها , وهي تراقب الفتيات الأخريات يرقصن مع الشباب , وأحيانا كانت تبكي في سكون الليل , وتاقت لشخص يقول لها أشياء لطيفة.
وجاء مانريك وحدثها بما تاقت اليه , ولعلله عندما سيراها سيطلب مراقصتها.
أقبل المساء التالي وأختارت ثوبا مخمليا أحبت لون قماشه الذهبي اللامع , وخاصة السترة القصيرة المطرزة , وموّجت شعرها الذي غسلته في الصباح , وشدته في أعلاه , ووضعت على وجهها القليل من البودرة , وأحمر الشفاه وظلا خفيفا للعين , وكان محل الأزياء قد أرسل لها مع الثياب الجديدة مجموعة من مواد التجميل , وراعتها فتنة نضوجها , وظهر بريق عينيها الذي كانت تحجبه النظارات فيما مضى , وبضحكة سعيدة أنحنت لخيالها في المرآة , سرّها أنها ستبدو جميلة... أمام مانريك ...... والآن عليها أن تهبط الدرج وتقدم نفسها للوصي عليها.
كانت أصايعها تمسك محفظة يدها المخملية بشيء من الأضطراب وهي في طريقها الى القاعة , وقبل أن تصل الى أسفل الدرج الحلزوني لمحت قامة وصيها السمراء عند فتحة القاعة المؤدية للخارج , وكان يعلوها مصباح يلقي عليه بضوئه ذي المظلة كما لو كان على تمثال ..... ولم يتحرك ولم يتكلم إلا بعد أن ألتقت عينا أيفين به.
وتوقفت أيفين عند الدرج وقربت محفظة يدها الى قلبها .
" أوه , مساء الخي يا سيدي".
مد يده اليها , فأقبلت صوبه بلا تردد , وقال:
" أصبحت ناضجة جدا".
وعندما أمسك بيدها ظنت أنه سيرفعها ويقبلها , ولكنه لم يفعل , بل جذبها ناحية الضوء وتفحص وجهها , ثم قال:
" أحمر الشفاه زائد , تعالي!".
وأخذها بيده الى الصالون.
وتأمل مرآة على الحائط , وقال آمرا:
" أمسحي الأحمر ".
وأطاعته , ولكنها كانت ترتعد في دخيلة نفسها , هل كانت تظن أن هذا الرجل سيعجب بالثوب الذي أشتراه؟ يا له من أمل كاذب ! أن كل ما يطلبه هو أن تشرفه أمام أصدقائه.
" أهكذا أفضل يا سيدي؟".
وأستدارت لتواجهه , فأثار فيها كل أرتباك الشباب عندما نظر اليها نظرة شاملة , ل تحظ منه بقدر من أبتسامة وقد أنحنى على عصاه وأخذ يتفحصها وكأنها لوحة على حائط لا فتاة حية ينبض قلبها بسرعة.
أستقرت عيناه على عنقها الصغير العاري , وقال:
" تزيين الصغيرات باللاليء أشبه بتهذيب الزنبق , ولكنك أعتقد أنك ربما تحبين هذه".
وأخرج من جيبه عبة حلي وأعطاها أياها , فتحت غطاءها بأصابع مرتعشة وألتقطت أنفاسها بعدما رأت قلادة ذهبية مجدولة تزدان هنا وهناك بوريقات ناعمة من أحجار كريمة خضراء وقالت:
" أنها نادرة وقد أموت من الخوف أذا فقدتها".
كانت على وشك أن تغلق العلبة عندما مد يده وأخرج القلادة ثم قال:
" تعالي هنا".
ولم تجرؤ على عدم طاعته , وأحست بأنفاسه بعدما أصبحت القلادة حول رقبتها وأصابعه تربط مشبكها.
" أستديري يا أيفين".
أستدارت ثم ضحكت ضحكة عصبية مفاجئة وقالت:
" آه لو رأتني الآن السيدة ساندل!".
" ماذا يمكن أن تقول؟".
" لا بد أن المفاجأة قد تعقد لسانها".
" حقا يا أيفين".
" من قبل , لم يكن عندي أي ثوب جميل ..... وكنت دائما أبدو شنيعة في لون البيج , وكانت ترغمني على وضع نظارة".
أخذ وجهها بيده وكأنه زهرة وقال:
" أن بصرك لا يبدو ضعيفا , ماذا حدث للنظارة؟".
" ضاعت في البحر".
" عليك أن تتركي الذكريات الحزينة تضيع أيضا يا آنسة , أعدك بأنك لن تلبسي اللون البيج أثناء وجودك في القلعة".
" أنا ممتنة لعطفك يا سيدي".
" لا أريد شكرا , وأنا لست عطوفا بوجه خاص".
وكانت أسيرة لعينيه لحظة , ثم ترك وجهها وقال:
" هيا , أمامنا ستة أميال للوصول الى بورتو دي ليون , ولا أريد أن نتأخر على راكيل وأبيها".
تقدمته أيفين وهما يخرجان من الغرفة ثم من القلعة , وفتح السائق باب السيارة فدخلت أيفين وكأنما تسمع همس ثوبها المخملي , وتبعها دون جوان بأرتباك بسبب عرجه , ووقعت عصاه على أرض السيارة , وأستعادتها أيفين بسرعة , وجفلت عندما قبضت أصابعه على أصابعها وعصاه, وشكرها بأحترام , وبدا وجهه جامدا كقناع قاس عندما سقط عليه ضوء مصباح سقف السيارة.
أنكمشت أيفين في ركن السيارة يعد الخروج من بوابة القلعة , وبدت فتية القوام في ثوبها وقلادتها.
شعرت وكأنها لن تفهم هذا الرجل أبدا , فهو حينا يبدو طيبا يفيض بالأنسانية , وحينا مترفعا لا سبيل للدنو منه , أنه أعطاها المسكن والمأكل والملبس , ولكنه يمنعها من أن تقدم له أي شيء في المقابل ..... حتى التعاطف والمحبة.
وتأملت ملامحه الجانبية لها فبدت جامدة كأنما هو رجل من حجر .
لم تكن أيفين تدري أن نادي هيدالغو سيكون بمثل هذه العظمة ! كانت هناك عدة سيارات متوقفة أمامه , وعدة نوافذ طويلة تشعشع بضوء الشمعدانات البلورية , وهواء النادي يعبق بعطور النساء وموسيقى الأوركسترا.
أستقبل المركيز دي ليون والفتاة التي في صحبته بالترحاب ونظر الناس اليهما الى أن أوصلهما الخدم الى مائدتهما التي كان يشغلها رجل ذو شعر فضي وذقن وقور , ومعه راكيل فونسكا الجميلة.
" شكرا لمجيئك".
ووقف السيد فونسكا , ولمحت أيفين عينيه الورديتين فزال أضطرابها فورا , وأنحنى على يدها عندما قدّمها المركيز وكان يبدو ألطف من أبنته التي كانت تتفحص ثوب أيفين المخملي وقلادتها الذهبية بعينين ثاقبتين.
وقالت راكيل بصوتها الدافىء:
" جوان , من الصعب أن أتبين فتاتك التي شملتها بوصايتك كما كانت آخر مرة رأيتها , تصور يا أبي أنها كانت مسلية للغاية , عندما جاءت من الشاطىء , تحمل شمامة ضخمة وحسيتها تلميذة مدرسة , الليلة تبدو أنيقة للغاية.... ما أروع ما تفعله ثياب محلات غران فيا للمرأة".
إبتسمت بعذوبة بعدما أستقر الجميع في مقاعدهم , وتحدث دون جوان قائلا:
" الليلة سنطيل السهرة قليلا".
تطلعت راكيل عبر المائدة الى أيفين وقالت:
" سيكون هذا ممتعا , ولكن لماذا هذه الليلة بالذات , أهو عيد ميلادك يا عزيزتي؟".
أجابت أيفين:
" كلا".
وأشتدت قبضة يدها في حجرها ونظرت الى السيد فونسكا كأنما تسأله العون , ووجدته طيبا سمحا مما جعلها تشعر بالأطمئنان , وتابعت:
" على الأقل أشعر كأنما ولدت من جديد , فكل هذا جديد بالنسبة الي".
وهزت راكيل بيدها مروحتها التي كان رسم ورودها يتناسب مع لون ثوبها , وقال:
" أظن أنك كنت مرافقة , أليس كذلك؟".
وصححت أيفين قول راكيل وهي تدرك أنها على علم بأمرها ولكنها تجبرها على الجهر بذلك , فقالت:
" مرافقة وخادنة".
أبتسم السيد فونسكا وقال:
" لا عجب أذا كان هذا كله يبدو لك أشبه بمولد جديد , أن جوان يرغب أن أعلمك الأسبانية وأشياء أخرى وأظن أنه سيسرني أن أكون مدرسا لفتاة جذابة مثلك".
تمنت لو أستطاعت أن تحتضنه في هذه اللحظة , وقالت:
" أنا تواقة للتعلم على يديك يا سيدي , وأحذرك بأنني سأكون تلميذة متعطشة للعلم".
ضحكت راكيل وغازلت عيناها من فوق مروحتها دون جوان وقالت:
" أصبح عندك في العائلة يا صديقي عاشقة علم , وسحب أبي شحنها بالمعرفة , ولكنني أرى أن الأفضل أن تستمتع بالحياة وأن تجمع حولها المحبين".
وضحك السيد فونسكا وقال:
" ترى ماذا يحدث يا جوان عندما يسمح الأسباني لأبنته بأن تتحرر ؟ أنها تتجه فورا الى الطراز الأسباني وتفكر فقط في الغرام".
وقالت راكيل في دلال:
" وأي شيء ألطف من التفكير في الغرام ؟ بالطبع أذا كانت الفتاة عادية , فمن الأفضل لها أن تكون ماهرة , وأنا لم أكن ماهرة جدا".
رأت أيفين , من التلميحات فقط , أنها بالنسبة الى الفتاة الأسبانية تبدو ساذجة ومرتبكة , وغير معتادة على الظهور بمظهر المرتدية ثوبا غاليا من محلات غوان فيا , حدّثت نفسها قائلة أن الأكليل الذين تزيّن به رأسها يبدو غريبا ,وشفتيها باهتتين , أيعتقد دون جوان أن شفتي راكيل ورديتان بطبيعتهما؟
كان قدوم الخادم بالمقبلات قد ساعد على فتح مجالات أخرى لحديث خفيف بهيج , وتوالت الأطباق الشهية بعد ذلك مما جعل وقت العشاء سارا وممتعا , وأيفين تستمع لما يدور من كلمة هنا وأخرى هناك , وعزفت الأوركسترا وأمتلأت حبة الرقص , وكانت تعرف أن مانريك كورتيز لا بد أن يظهر ويسحر الجو بصوته وغيتاره.
هذا التفكير أضاء عينيها , وفي لحظة أدركت أن دون جوان كان ينظر اليها مباشرة , سألها:
" أيسرك عزف الأوركسترا؟".
تجرأت وإبتسمت له قائلة:
" أنها تجعل المرء يشعر بالأرتياح والسرور".
وأتجه أهتمامها بعد ذلك الى حلبة الرقص على مقربة من الأوركسترا حيث ظهر وسط عاصفة من التصفيق شاب يرتدي سروالا ضيقا قاتم اللون وقميصا فيه كشكشات , أنحنى , ونظر حواليه , وشعرت أيفين بأثارة شديدة عندما ألتقت عيناه بعينيها , أبتسم وشعرت كأن كل فرد قد عرف أنه أبتسم لها وحدها.

نيو فراولة 01-08-11 12:34 PM

" سيداتي سادتي , سأغني أغنية قديمة من أغاني أشبيلية".
وأستند الى أحد الأعمدة وأحتضن غيتاره , وبدأت الأضواء تخفت , ثم قال:
" تخيّلوا شرفة وفتاة , وتحتها في الليل عاشق يعرف أن هناك رجلا آخر يحول بينه وبين رغبته".
أخذ مانريك يعزف على غيتاره , وبدا كأن الغيتار قد دبت فيه الحياة بين يديه , وشمل المكان سكون مطبق فلا قرقعة سكاكين أو ملاعق أو همسات زبائن , من قبل أحست أيفين عند الشاطىء بسحر صوته وموسيقاه , والليلة أختلطت موسيقاه بسهرة عشاء لم تتعود على مثلها , وأحست كأنها هي فتاة الشرفة في الأغنية , فتاة مرغوبة وممزقة بين عاطفتين.
ووسط التصفيق الذي أعقب الأغنية , لاحظت راكيل أنه كان جذابا للغاية , وكانت أيفين تحس بنظراتها , فجفلت كأن الفتاة الأخرى لديها القوة على أفساد حلمها.
مال السيد فونسكا يحاول تقديم شعلة لجليسه وقال:
" أنه موسيقي بارع يا جوان , ولكن لا شك أن الشلبتين هنا تهتمان بشخصيته الجذابة".
أحاط الدخان بعيني دون جوان , وشعرت أيفين بأنه يتطلع اليها , بينما أخذ مانريك يعزف بعض الموسيقى الأسبانية , وكانت قطعة موسيقية مرحة مليئة بالهيام الأسباني , وأبتعد عن العمود الذي كان يستند اليه وراح ينتقل بين الموائد , وقفز قلب أيفين الى حلقها عندما توقف عند مائدتهم وغنى شطرا من الأغنية خصيصا لها... ثم أبتعد.
قالت راكيل وهي تهز مروحتها كجناح طير عنيف:
" أن أيفين كانت تنظر اليه منذ اللحظة التي بدأ يغني فيها".
وظلت أيفين لحظة صامتة , ثم نظرت الى راكيل وشعرت بدافع بدائي لشدّها من شعرها , وقالت :
" الواقع أنني أعرفه , لقد ألتقيت به عند الشاطىء في اليوم السابق , وأصبحنا صديقين".
أضيئت الشمعدانات في هذه اللحظة وكتم التصفيق للمغني كل كلام لعدة دقائق , ولكن نظرة راكيل كانت واضحة المعاني , وأدركت أيفين بتحد أن عيني المركيز قد ضاقتا.
وبعد أن هدأت عاصفة التصفيق قال دون جوان:
" لماذا لم تدعي السيد كورتيز الى القلعة؟ العادة لدى الأسبان أن يقدم الشاب نفسه رسميا الى والد الفتاة أو وصيها".
أجابت:
" أنني بريطانية , ومثل هذه العادات الفكتورية قد بطلت في بلادي ".
وفي الحال وكأنما شعلة تلتهب في عمق عينيه قال:
" عليك أتباع عاداتنا أثناء وجودك ضيفة في بيتي , في المرة التالية التي يقترب فيها شاب منك.....".
وتوقف في هذه اللحظة , أذ عندما بدأت الأوركسترا تعزف موسيقى راقصة , أقترب مانريك كورتيز من مائدتهم مرة أخرى , كان يرتدي جاكيت للسهرة وعلت وجهه مسحة مهذبة وأنحنى أمام المركيز وضيوفه , وسأل:
" هل يسمح لي السيد المركيز بأن أطلب الآنسة الأنكليزية للرقص؟ لقد ألتقينا , ولكنني أنتهز الفرصة لأقدم نفسي رسميا لوصيها".
وبدت المسألة بالنسبة الى أيفين كأنها تشاهد مشهدا في مسرحية من مسافة , وأنها واحدة من الجمهور لا واحدة من النجوم , رأت دون جوان ينفض رماد سيكاره , ومروحة راكيل تتوقف كأنما هي جناح مكسور , وقال دون جوان:
" لا بد أن أهنئك يا سيد كورتيز على مهارتك كعازف , لقد أستمتعنا كثيرا بعزفك , ولو علمت من قبل أنك تعرف ضيفتي لدعوتك لمشاركتنا العشاء , ولعله يمكنك الآن؟".
ونظر مانريك الى أيفين وأبتسم في عينيها وقال :
" السيد المركيز كريم للغاية , ويكفيني جدا أن تسمح لي بالرقص مع الآنسة".
وأتجه دون جوان بنظره مباشرة الى أيفين وسألها:
" أترغبين في الرقص؟".
وقالت مرتبكة:
" أود حقا , ولكنني لا أجيد ذلك تماما".
" دعيني أعلمك يا آنسة ". وساعدها على النهوض من مقعدها وتقدم بها الى حلبة الرقص , وهناك أحاطها بذراعيه وهمس : " مرحبا سوليداد , يا ألهي , كنت أشبه بمن يتقدم الى عرين الأسد لآخذك من الوصي العنيد!".
" أعرف ماذا تعني".
ثم ضحكت في خجل وأندمجت مع أيقاع الموسيقى ووجدت مانريك رفيقا ممتازا , أنه يحيطها بذراعين قويتين , وكتفه عند الأرتفاع المناسب تحميها من نظرات الوصي عليها ونظرات راكيل فونسكا , وقال يغيظها مداعبا:
" قلت أنك لا تحسنين الرقص , أظن أنك فتاة غامضة , أخبريني مع من رقصت من قبل؟".
" مع كبير الخدم , في سهرة العيد يوم كنت خادمة , وكان ذلك شرفا لأنه فضّلني على غيري".
أستمرت ترقص مع مانريك نحو ساعة لم يغادرا فيها الحلبة , وعندما غادراها وجدت نفسها في الشرفة معه , النجوم تلمع في السماء , ورأسها وقلبها في دوامة , ضحكت بنعومة وقالت:
" لم أسعد أبدا بوقت ممتع كهذا ! هل أنتصف الليل؟ وهل عليّ أن أبتعد سريعا قبل أن تزول أناقتي؟".
أمسكها مانريك من ذقنها كأنما يتأمل عينيها , وفي الحال وجدت نفسها تتركه وتهبط درج الشرفة الى الحديقة , وتبعها وسرعان مت أختفيا وسط شجر اللوز وأحواض الزهور , هنا حيث الظلال والورود تقوم كحاجز بينها وبين دون جوان وسلطانه عليها , وأمسك بها مانريك عند شجرة وقال:
" أنت رقيقة للغاية , أليس كذلك ؟ ولكنني معجب بك كما أنت بغير تصنّع".
ومع أن قلبها كان يدق بسرعة من كثرة الرقص , ألا أنها لم تكن مضطربة مع مانريك مثلما هي الحال عندما تكون مع دون جوان , سألته:
" أليست صداقتنا جديدة للتحدث عن الأعجاب؟".
" كلا , أن الشباب الأسبان يرددون دائما أحاديث الأعجاب والهوى".
" أنا لست أسبانية يا سيدي".
" تعنين أنك لم تسمعي مثل هذا الكلام من الشباب؟".
وهزت رأسها مبتسمة , فهي حتى الليلة لم ترقص مع شاب , ولم تعرف أثارة الخلوة مع شاب جذاب جريء , أن سهم الحب لم يعرف الطريق اليها بعد.
" لقد كنت محاطة بحماية كبيرة ".
" كنت معزولة , هذه الكلمة أفضل".
قالت ذلك وداعبت بأصابعها ثوبها المخملي , وتابعت:
" من الغرابة أن أجد نفسي في ثياب كهذه , كأنني متنكرة في ثياب فتاة أخرى".
تطلّع مانريك اليها في الحديقة شبه المعتمة , وقال:
" لكنك لست .زز المركيز غني وقد جعل نفسه وصيا عليك , هذه القلادة مطعمة بالماس والزمرد".
لمست أصابعه القلادة وأرتعشت لسبب غريب , وقالت:
" أنا ممتنة لك , ولكنني أشعر كأنني مملوكة له ".
كانت يداه تمسكان بها عندما سألها:
" ماذا تعنين ؟ أنه يعاملك مثل أبنته , أليس كذلك؟".
" أجل.......".
" أذن لماذ تتحدثين عن الأمتلاك , أننا نستخدم الكلمة عندما نعني شيئا آخر معناه أنا أريدك كأمرأة وليس كإبنة !".
تملصت من بين يديه وقالت:
" لا تقل هذا ! لم أقصد شيئا كهذا , دون جوان وصي عليّ , وهو يحمل المسألة محمل الجد على نحو كبير , لقد طلب لي من أسبانيا مشرفة ترعاني , وقبل أن أعقد صداقة مع من أريد على أن أقدمه له للموافقة!".
ضحك مانريك وقال :
" الآن فهمت! هذا هو الحال مع الأب أو الوصي , وعليك أن تتوقعي من المركيز أن يعاملك على هذا النحو , أصبحت الآن مؤهلة تماما".
أنتابتها الحيرة فسألته:
" ماذا تعني , التحدث عن شخص أنه مؤهل يتضمن الزواج والمهر , أؤكد لك.....".
لمس مانريك خدها كأنه يهدىء من روعها وقال:
" لقد تكررت الآن , يا عزيزتي , ما دمت تحت وصاية المركيز فأنك تحصلين منه على مساعدتك كثيرة , أنت تعرفين هذا بالتأكيد , كما أن الأسباني يتحمل مسؤولياته بصورة جادة".
" كل ما أريده هو التعلم!".
" يا لك من لطيفة وبريئة ! كل ما تريدينه هو تعلّم أحتياجات الفؤاد , دعيني أكون معلمك".
ثم حاول أن يقربها منه أبتعدت وقالت:
" كلا يا مانريك !".
ثم جمدت وصمتت أذ سمعت وقع خطوات على الممشى الممتد بين الشجر وقالت:
" أنه هو".
" أيفين , أين أنت؟".
لم تستطع الرد عليه , ولم يحرك مانريك ساكنا أيضا , كانا يقفان على مقربة من بعضهما في ظلام الحديقة.
وراح دون جوان يفرّق أغصان الشجر بعصاه وهو يتقدم منهما قائلا:
" نحن على وشك العودة الى البيت".
كان صوته مثل وجهه بلا تعبير , ولكنه أضاف موجها الكلام الى العازف:
" أرجو أن تترك ضيفتي يا سيد , ويكفيها كل هذه الأثارة في ليلة واحدة".
بدت أيفين شاحبة ومذنبة , وتنحى دون جوان جانبا حتى تتقدمه , وسمعته يقول لمانريك:
" في المستقبل عليك أن تتذكر أنني وصي على أيفين , ومثل هذه الخلوات في الظلام تضطرني لمنعها من رؤياك".
منتديات ليلاس
أستدارت كي تحتج ولكنه لوّح لها بالسير في الممشى , ولم تتجرأ على عدم أطاعته , أنه طويل وأسمر وجاد , وجمعت ذيل ثوبها وجرت متقدمة عنه , شعرت كأنها طفل ضبط متلبسا بسلوك سيء , وحاولت وهما في السيارة في الطريق الى البيت أن تدافع عن براءتها , فقالت وقد ركزت عينيها على الزجاج الذي يفصل بينها وبين سائق السيارة.
" لم يحدث بيننا أي عناق".
" أنا متأكد أن ذلك كان حتما سيحدث أذا تأخرت عن المجيء".
" مثل عم من الزمن الفكتوري !"
" أهذا هو شعورك؟".
وعمقت أبتسامة صغيرة خطوط السخرية المحيطة بفمه , وأضاف:
" البراءة تغمرك يا أيفين , ولكنني أعرف الشبان الأسبان وخبرتهم في المغازلة , ولا أريدك أن تخلطي بين الحديث الصريح لموسيقي شاب وسيم والأحاسيس العميقة الصامتة , أود أن تزداد معرفتك بالأسبان وبعاداتهم , وبعد ذلن لن تحتاجي لحماية عم من الزمن الفكتوري".
وعضّت أيفين شفتها وقالت:
" آسفة أن أكون قد أتعبتك وأصبحت عبئا عليك يا سيدي".
" أنت تضيفين كلمات لم أستعملها يا آنسة , تقصدين تصرفي , عندما وجدتك مع هذا الشاب في ظلام الحديقة".
" لقد كنت معه في حلبة الرقص..... وهل هناك فرق كبير؟".
" يا صغيرتي العزيزة , أذا كنت لا تعرفين الفرق , فهناك أذن نواحي أخرى من التعلم ينبغي أخذها بعين الأعتبار".
نظرت اليه بسرعة ولمحت في عينيه السوداوين هذا البريق من الدعابة غير المتناغمة , وهذا ما جعلها تجفل أذ أن وجهه لم يكن ينم عن شيء , بل كان أشبه بنور الشمس المتجمعة في قاع بركة , كان ذلك البريق علامة للشيطنة ...... وتذكيرا بأن جوان دي ليون لم يكن دائما رجلا أعرج.
" أنت تمثل الطاغية الحديدي لكي تغيظني".
ضم يديه على قمة عصاه الفضية وقال:
ليس تماما , لقد عنيت ما قلته لمانريك كورتيز , يمكنه أن يكون صديقا لك لأنك في حاجة الى شاب تتحدثين اليه وترقصين معه ..... ولكنني لن أسمح بعلاقة غرام , هل فهمت؟".
نظرت الى ملامحه الجانبية وشعره الدخاني عند السوالف , كان مزيج القوة والنضوج مزعجا , وكانت تود أن يكون مختلفا , كانت تود أن يكون هذا الرجل بمثاب الأب لها , ولهذا قالت:
" نعم , فهمت يا سيدي , سأحاول فعل ما تشير به عليّ, ولكن ماذا عن شعوري؟".
نظر اليها عن عمد وقال:
" شعورك!".
" لا يمكنك منعي من أن أحب".
" أذا كنت تتحدثين عن غرام المراهقة السريع الزوال , فهذا شيء علينا جميعا أن نعاني منه الى أن يكتمل نمونا ونضجنا".
قالت بهدوء:
" قالت بهدوء:
" لقد أكتمل نموي منذ بلغت الخامسة عشرة وفي حالتي , لا أظن أن مانريك يود أن يظل صديقا لي بعد الذي قلته له".
نظر اليها دون جوان وقال:
" الأسبان ليسوا بمثل هذه الحساسية , وهم أكثر أصرارا عندما يتطلعون الى هدف".
وأبتسمت نصف أبتسامة وقالت:
" مثل دون كيشوت مثلا؟".
وتلاقت عيونهم:
" بالضبط , هل قرأت مغامراته؟".
" ضمن نطاق مطالعاتي قصص الحب للسيدة ساندل".
أبتسم وقال:
" مكتبتي في البرج البحري تزخر بكتب أنكليزية كثيرة , وهي لك للمطالعة والمتعة".
شكرته وفكرت كيف تحول بلباقة من التحدث عن الرومانسية الى التعلم , يمكنها أن تظل صديقة لمانريك , ولكن المركيز لا يرى أنها ناضجة بما فيه الكفاية للحب.
أخذت تحلم قليلا أحلام الفتيات ثم أستولى عليها النوم , ولما وصلت السيارة فناء القلعة كانت يد تلمس شعرها وسمعت صوتا يهمس بأسمها:
" وصلنا البيت يا أيفين".
قالت والنعاس ملء عينيها:
" البيت؟".
وعندما فتحت عينيها كان رأسها يستند على كتف مضيفها ووجهه قريبا منها , وفي أقل من ثانية أسرعت بالأبتعاد عن وجهه.
" لقد غلبك النوم بعد كل هذا الرقص مع مانريك الوسيم , هيا ا , وتذكري أن غدا بداية دروسك مع السيد فونسكا".
وبعدما خرجت من السيارة شبه نائمة , تبعت دون جوان على الدرج المؤدي الى باب القلعة الواسع , وبعدما دخلا القلعة أنحنى لها المركيز مودعا:
" ليلتك سعيدة يا تلميذة".





اماريج 01-08-11 12:39 PM

يعطيك العافية حبيبتي
رواية حلوة ووانامل احلى يلي عم بتكتبها
تحيااااااااتي لك
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13121951591.gif


اسماء88 02-08-11 06:57 PM

رواية كتير حلوة يعطيك الف عافية و رمضان كريم للجميع

فتاة 86 06-08-11 12:04 AM

وينك يا أحلى فراولة
 
فراولة حبيبتي مالك بلعادة تطولي علينا نشالله خير
شو بدك تزيدي تشويقنا
لا تخافي إنت قطعتي أنفاسنا بكمية الروايات السابقة يلي أتحفتينا فيها
من شان هيك ما عاد إلنا حيل علإنتظار و خاصةً أنو الروايات يلي بتشاركينا فيها
روايات روعة بتخلينا دائماً متشوقين لمعرفة الأحداث
يعطيكي العافية حبيبتي

فداني الكون0 08-08-11 12:38 AM

بليز كمليها لانه روعه وانا متشوقه حدي للروايه
يعطيج العافيه حبيبتي

نيو فراولة 10-08-11 12:15 AM

أنا بعتذر من الجميع بس عندي مشكلة باللاب توب وأنشالله بدي أشتري واحد جديد بس بعد رمضان .بكرر أعتذاري .

نيو فراولة 10-08-11 12:26 AM

5- عيون لا تنام

كانت فيللا فونسكا تطل على مياه الميناء الزرقاء الحريرية , حيث مراكب الصيد راسية الى جانب الجدران التي يبللها البحر والتي شيدت من فوقها البيوت البيضاء , ركب دون جوان السيارة مع أيفين الى بيت فونسكا , ولكنها علمت عند وصولهما أن ركوبه معها لم يكن رغبة منه للأطمئنان على سلامة وصولها الى مدرّسها , بل لأن دونا راكيل في أنتظاره , تبدو كزهرة جميلة ندية , في ثوب من الدانتيل الأبيض , وقبعة عريضة ذات وردة تحت حافتها , كانت هي ودون جوان ذاهبين من الجزيرة الى الأرض الأم ( أسبانيا ) لقضاء اليوم , راكيل من أجل التبضّع والمركيز لأجراء بعض الأعمال.
وقبل ذهابهما تناول الجميع الشاي بالليمون المبرد في باحة الفيللا , وكانت الباحة مكانا به زوايا رومانسية وأشجار زيتون قديمة ملتوية , وهناك مقعد يحيط بأحدى الأشجار , جلست فوقه راكيل بقبعتها العريضة , راضية لأن الرجل الأسمر النحيل ذا البدلة البيضاء الأنيقة سيكون لها وحدها طوال يوم كامل , قال لها:
" أنت أشبه بلوحة للرسام الفرنسي رينوار".
أبتسمت وأستقرت عيناها لحظة على أيفين في ثوبها الأصفر البسيط ذي الياقة الفراشية البيضاء , ثوب قصير بلا أكمام يكشف عن ذراعيها وساقيها , وشعرها الداكن ينساب فوق أحد كتفيها , وقد ربطته بشريطة خضراء.
وسألته راكيل وهي ترف بأهدابها ناظرة اليه , كأنما تبعث اليه بلغة أهدابها أحدى الرسائل السرية المتبادلة بين المحبين:
" جوان , وأي رسام قد يكون رسم ضيفتك؟".
مال ببدلته البيضاء عند شجرة قاتمة , بينما كان السيد فونسكا يجلس مرتاحا فوق كرسي من الأغصان المجدولة يدخن سيكارة بفم من العظم الملون , وأجاب فونسكا على السؤال نيابة ع دون جوان الذي لا رأي له على ما يبدو بخصوص ضيفته فقال:
" الرسام الفرنسي ديفاس , فهو وحده قادر على أن يصور هذه الأذرع والسيقان الرشيقة والعيون الواسعة , كان للبنات في لوحاته دائما سحر خفيف أشبه بسحابة صيف تسبح في الفضاء.
ونهضت راكيل وهي تضحك وقالت:
" أذن أنت يا عزيزتي لست مثلنا في أرض الواقع , أبي , أعط الحالمة الصغيرة قطعة أخرى من كعكة اللوز لئلا تصبح كالريشة في الهواء ".
وضحك السيد فونسكا وقال:
" هل أنت ذاهبة للتبضع ! جوان , خذ أبنتي هذه المدللة ودعني مع هذه الصغيرة التي لم يزدحم عقلها بصرعات الثياب والحفلات والملذات!".
أبتسم جوان , وأمسك بعصاه ووقف قبالة أيفين , على النحو الذي عرفته جيدا , أنحنى نصف أنحناءة ثم نظر اليها وقال:
" كوني طالبة مجدة يا صغيرتي , سأوجه لك أسئلة عندما نلتقي ثانية".
تلاقت عيناه بعينيها ووجدت أنه أصبح مرة أخرى الوصي الجاد , أن الكتف الذي أستندت اليها كانت بعيدة غير حنونة , واليد التي تمسك بالعصا الأبنوسية يد لا رقة فيها إلا في الأحلام , تحدثت الى دون جوان قائلة:
" آمل أن تستمتع بيومك يا سيدي".
وأبتسمت لمدرسها , لأن الوصي عليها لا يريد على ما يبدو أبتسامات من أحد غير راكيل , أنها وحدها التي تحمل على ما يبدو مفتاح شخصيته المحيرة.
وسألها دون جوان فجأة وفي أدب:
" ماذا أحضر لك؟".
أتسعت عيناها حتى لم تعد ترى وجها آخر غير وجهه الأسمر المميز , ولاحظت نظرة راكيل اللاهية ويدها التي تعبث بمقبض حقيبة يدها , وأجابت المركيز:
" لا شيء , دون جوان".
وعاد يسأل وفي عينيه أبتسامة:
" ولا حتى علبة حلوى؟".
فأجابته بأبتسامة مترددة:
" حسنا , حلوى".
ثم أستدار نحو السيد فونسكا وقال:
" سنعود في ساعة متأخرة يا صديقي , ولكنني أعدك بأنني لن أترك أبنتك الجميلة تشرد بعيدا عني".
وضحكت راكيل ضحكة دافئة وتأبطت ذراعه بعد أن قالت:
" جوان , لا تبدأ في معاملتي بلهجة الوصي ....... لست في حاجة لذلك , فأنا لست مراهقة كما تعرف".
أبتسم وقال:
" أعرف يا راكيل , والآن علينا أن نرحل أذا كان علينا اللحاق بالباخرة".
أنحنى دون جوان للسيد فونسكا , ونظر لحظة الى أيفين ثم رحل هو وراكيل من الباحة , وسرعان ما أختفى صوت عصاه وصوت كعب حذاء راكيل العالي عبر القاعة وأعقب ذلك أغلاق الباب.
بعد دقيقة أو نحوها أستعادت أيفين كما أستعاد مدرسها الأحساس بالسكينة التي غمرت الباحة من جديد , كأنما كانت هناك عواطف متضاربة تتقاتل في نور الشمس , ولم يعد هناك الآن غير زقزقة الطيور الطبيعية ونفثات النافورة الموجودة على الحائط , كانت الفيللا مبنية على الطراز الباروكي وجدرانها صفراء , وهناك شجرة دقلى حمراء تفوح منها رائحة ذكية , قال فونسكا:
" أنت أذن تواقة للتعلم , أكانت الفكرة فكرتك أم هي فكرة دون جوان ؟ أنه صاحب أرادة قوية , وهو شيء غير عادي أن تقدم فتاة جذابة على دراسة فلسفة الفن وتاريخه , أذ أن معظم الفتيات الصغيرات غارقات في الرومانسية".
أبتسمت في حياء وأجابت:
" أنا لم أحصل على تعليم حقيقي يا سيدي , ومما يشبه المعجزة أن يأتي بي دون جوان اليك لتتولى تعليمي , أنا أريد أن أتعلم وأتشرّب العلم وأنمو بفضله فالمرء بدون المعرفة يظل غير ناضج".

قال فونسكا:
" لعله من غير العادي أن يتولى شخص أعزب رعاية فتاة , ولكن الحقيقة هي أنك غير عادية , وليس جوان بالرجل العاطفي , وأنني متأكد أنك لو كنت غير ذكية لأعادك الى وطنك مع شيء من المال وأنحناءة مهذبة , لقد قال لي أنه ليس لك عائلة".
" لا أحد الآن".
" هذا محزن بالنسبة اليك , كل شخص لا بد له من شخص آخر , لعلك تعتبرين دون جوان في منزلة العم؟".
" كلا ". وأبتسمت أبتسامة تحولت الى ضحكة : " الواقع أنني لا أتصور نفسي أدعوه بالعم جوان , أنه مترفع جدا وله مكانته ...... أنه أسد هذه الجزيرة".
" وأنت تعتبرين نفسك نزوة من نزواته؟".
" أجل".
" أتعرفين يا صغيرتي أن الرجل الأسباني فيه قسوة وتفرّد ؟".
" أعرف هذا الآن".
مال فونسكا الى الأمام وعيناه تنصبان على وجهها وقال:
" هل أعطاك جوان بالفعل الدليل على ذلك ؟ وفي أي ناحية؟".
" أنه يعارض قليلا صداقتي مع مانريك كورتيز , أظن أنه يعتبرني غير ناضجة الى الحد الذي أستطيع فيه التعامل مع شخص منفتح مثل مانريك".
" أنت تسرّين برفقة هذا الشاب؟".
" من دواعي السرور دائما يا سيدي أن أجد صديقا لأنه ليس لي أصدقاء كثيرون , ومانريك مرح وحسن المظهر و.....".
أبتسم فونسكا وقال:
"صداقته تشعرك بالرضا , وهذا شسء طبيعي , عندي أبنة وأعرف ماذا يعني للفتاة أن تحظى بالأعجاب".
" أن دونا راكيل جميلة ". قالت أيفين ذلك بأخلاص وأن تكن الشكوك تساورها بالنسبة الى طبيعة ذلك الجمال , ثم قالت: " لا بد أنها دائما محط الأنظار".
وصرّح الأب بدون أي أعتزاز في عينيه:
" منذ طفولتها , أنها تشبه أمها , ولكن آنا كانت لطيفة وطيبة وكانت سنواتنا القليلة معا سنوات سعيدة جدا , وأبنتي راكيل فيها القليل من أمها , وأنا أشفق على الرجل الذي ستتزوجه".
كانت أيفين تقطع لاهية أوراق أحدى الزهور , وأخذت تتخيل صورة راكيل وهي اليوم تضع يدها ذات الحلي في ذراع دون جوان , وأدركت أن راكيل قد وجدت أن من صالحها ومن المثير أيضا أن تصبح عروسا للمركيز , وتساءلت ماذا يمكن أن يحدث لها كضيفة لدى دون جوان.
" فيم تفكرين يا صغيرتي وقد أكتست عيناك بالغموض؟".
تطلّعت أيفين الى مدرّسها وجادت عليه بأبتسامة وقالت:
" الحياة شيء محير للغاية , هل صحيح أن طريقنا مكتوب حتى قبل أن نولد".
بدا على فونسكا التفكير ثم قال:
" القدر , أنني أميل الى الأعتقاد أن أمام كل منا مفترق طرق في حياته , آه , أنت تفتحين عينيك العسليتين , هل قلت لك شيئا مهما يا آنسة؟".
" نعم أنه لأمر غريب".
ثم سقطت البراعم الصغيرة من يدها بينما أخذت تتفحص كفها التي رأت فيه أحدى الغجريات خطوط مفترق الطرق , وأخبرت مدرّسها بما قالت الغجرية عن كفها , وأنتظرت منه أن يبتسم ولكنه لم يفعل , قال:
" لدى الغجريات , الرومانيات موهبة الأستبصار , والدة دون جوان كانت غجرية أسبانية , وأنني أتساءل أحيانا أذا كانت قد عرفت سلفا أن زواجها من والد جوان سينتهي بمأساة , أن المركيز الكبير ما كان ليقبل الفتاة الغجرية , وعندما وقعت المأساة وأصبحت أرملة , هربت مع أبنها الطفل جوان الى أميركا الجنوبية , وهناك ترعرع جوان وأصبح رجلا , وبفضل أرادته القوية وطموحه نجح في عمله بدون مساعدة أسرة والده , وكان ذلك في ليما.......".
وتوقف فونسكا وتفحص وجه أيفين ثم قال:
" أن لك القدرة على الأصغاء بهدوء للرجل...... ألم يكشف لك جوان أبدا عن القليل من ألمه؟".
وكررت كلمة ( ألمه ) وتذكرت اللحظات التي كان يبدو فيها تائها في بحر أكتئاب مظلم , والأوقات التي كان عبوسه يرعبها ويضطرها الى الأبتعاد عن طريقه.
قال فونسكا:
" أن ساقه لا تزال تتعبه , في البداية أراد الأطباء فيليما بتر الساق , ولكنه لم يقبل وسافر الى أنكلترا رغم بعدها , حيث أستعان بجراح عظام ماهر شرع في ترميم ساقه بواسطة سلسلة جراحات مضنية , مر بعدة أنتكاسات وعذابات , وكانت أعجوبة أن أحتفظ بساقه بعد تهشّم عظامها على أثر سقوطه بسبب أنكسار عظمة حافر الجواد الذي كان يركبه , كان جوان يحب القفز بالحصان وهو مسرع , ويوم وقع الحادث كان يصعد بالجواد فوق أحدى التلال , فأذا بالحصان يقذف به وتتهشم ساقه ثم يقع عليه الجواد ويتدحرجان معا".
وألتقطت أيفين أنفاسها وتخيّلت بسرعة فظاعة الحادث , سقوطه من فوق صهوة الجواد , والتدحرج , والساق المهشمة , ثم قالت بصوت متألم:
" لا بد أنه كان بمفرده في تلك البراري".
" ظل كذلك بضع ساعات حتى مر به بعض الرعاة ووجدوه يعاني من الألم تحت الشمس المحرقة , والحصان ميت الى جانبه من الرصاصة التي أفرغها فيه كي يريحه من شدة الآلآم التي تعذبه , قال لي ذات مرة أن وجود المسدس في جرابه حفظه من الجنون ساعات الأنتظار , كان يعلم أن في أمكانه أذا عجز عن التحمل أن ينهي عذابه كما أنهى عذاب الحصان ".
وهمست أيفين:
" ليس لأحد غير صاحب أرادة حديدية أن يتحمّل ما تحمّله , الألم والشمس المحرقة وكونه بمفرده في مثل تلك الحالة".
" يا صغيرتي أن دون جوان أسباني وغجري معا , من نوع الغجر الذين قاموا قديما بغزو عوالم جديدة وعانوا المشاق وسببوا لغيرهم المتاعب أيضا , وبفضل هذه القوة الكامنة فيه , والسيطرة على العواطف والأعصاب , تغلّب على الحادث بتحمله التعرضللشمس , وتحمل شهورا طويلة من العلاج البطيء , ثم عاد الى أسبانيا ليقيم وحيدا في قلعة حزينة , حزينة بسبب التعاسة التي عاشتها أنه بين جدرانها".
قالت أيفين بنعومة:
" لقد رأيت صورتها , من الصعب عليه أن يغفر لمن ألحقوا بها الأذى , كيف يظهرون لها الكراهية وهي أشبه بزهرة سمراء حلوة".
أستفزت نظرات فونسكا بحزن على الورود النامية قرب حائط الباحة , وقال:
" نعم , روزاليتا , لقد قابلتها في زيارة خاطفة للجزيرة , في تلك الأيام كنت أدرس للشهادة العليا بجامعة مدريد , ولم أكن قد أقمت بعد مسكني في الجزيرة , قابلت روزاليتا ووالد جوان قبل فترة قصيرة من مغادرتهما الجزيرة , وكأنما كتب عليهما ألا بعودا اليها بعد ذلك , كان تألقها قويا يشبه السحر , والمركيزة , جدة جوان أمرأة قوية السلطان لا تلين , أختارت لأبنها عروسا غنية ولكنه آثر أن يجعل من راقصة غجرية زوجة له , وأن تكون المركيزة في المستقبل.... ولهذا لم تغفر له أسرته ذلك".
وتعجبت أيفين قائلة:
" يا له من تكبّر وحرص على الجاه والمركز دون الحب!".
فقال فونسكا بشيء من سخرية رجل في منتصف العمر:
" أن عواطف الشباب يا صغيرتي قليلة القيمة في نظر الذين لم يعرفوا العواطف أبدا , كان من الطبيعي للثراء في عائلة جوان أن يتزوج الثراء , ولأصحاب االمراكز مصاهرة أصحاب المراكز , وقد حطّم والد جوان القاعدة , وأجدني أحيانا.......".
" نعم يا سيدي؟".
" بالنسبة الى جوان , أنه إبن نبيل ثائر وغجرية ساحرة , لا أظن أنه كان ليحافظ على لقبه ومركزه هنا , لو لم يكن الحادث هدّأ من الروح القلقة في نفسيته. يكفي أن تتأمليه على حين غرّة فتجدين في عينيه الأسد السجين في قفصه , أما في أوقات أخرى فتجدين فيهما سخرية الأسباني الذي يتقبّل قدره المكتوب".
كانت الباحة دافئة ومع ذلك أرتعشت أيفين قليلا , أن القدر قد يقسو على بعض الناس , ولاح لها أمل بأن تجد السعادة طريقها اليه حتى تعوّضه عن الألم الذي عاناه ورسم خطوطه على وجهه , وأشاع الفضة في شعره , وحرمه القدرة على أن يمتطي جواده أو يمارس رياضة التنس , أو ينعم برقصة مع فتاة , وجدت نفسها تسأل فونسكا:
" كم هو عمر دون جوان ؟".
" إنه في الثانية والثلاثين".
" حسبته أكبر من ذلك بكثير وهو يعاملني كطفلة !".
ضحك مدرّسها وقال:
" بالنسبة الى جوان أنت صغيرة وبريئة , أعتقد أنه عاش في ليما أسما على مسى , وهي مدينة تزخر بسيدات المجتمع".
وهمست:
" دون جوان , العاشق الكبير الذي ظل قلبه بغير جراح".
" يقال أنه وقع في الحب مرة واحدة".
" حقا؟".
ومرة أخرى خطرت لها راكيل وهي ممسكة ذراعه بأصابعها ذات الخواتم الماسية , وهو يتأمل تلك الفتاة بعيني مجرب فيهما أعجاب بجمالها , ولعلّ قلبه أصبح أخيرا على أستعداد للأستسلام , وقف فونسكا وقال:
" حان الوقت لنبدأ درسنا , وغرفة الجلوس في الداخل ليست حارة وفيها كتب وبعض قطع فنية جديرة بالدراسة".
كان أثاث الغرفة , التي ستصبح فيما بعد مألوفة لها , من طراز عهد أيزابيلا , قاتما وغنيا بالنقش الجيد , ولهذا بدت مجموعة فونسكا الفنية رائعة.
ولاحظت أيفين على الفور بعض تماثيل صغيرة لأطفال بثياب أسبانية , وقد سمح لها المدرس أن تمسكها بعناية , وقال لها:
" عليك أن تحبي القطع الفنية حبا نابعا من القلب".
قالت : هذه جميلة , وما أن أمسكت بالتماثيل الصغيرة حتى لم تشعر بأي شيء آخر غير الأهتمام الفني , ونظرت الى لوحات الرسم المعلقة على الجدران المكسوة بألواح الخشب , ورأت فيها عيون أناس حقيقيين بدلا من عيون مرسومة , شعرت بالتأثر , أن الأشياء المجسّدة أيا كان جمالها لا يتحرك لها قلبها , الناس وحدهم هم الذين يقدرون على ذلك, والغضب أو الشفقة أو السرور فقط.
ومرة أخرى قالت : جميلة , ثم شعرت بعيني مدرّسها تستقران عليها بعنف , وأخذ فونسكا كتابا كبيرا من فوق أحد الرفوف وقال:
" سنبدأ بحكاية تيتيان , وأعتقد أنك ستتعاطفين مع شخصيته على نحو أكثر ....... وبعد ذلك ستكونين جاهزة لدراسة الفنان المعلم".
وتساءلت بعينيها الكبيرتين العسليتين.
فقال وهو يبتسم:
" ليوناردو دافنشي ".
ولكن بدا لأيفين أنه إنما يقصد شيئا يختلف كل الأختلاف!

Rehana 10-08-11 02:20 AM

كل عام وانت بخير ويارب ينعاد عليك الشهر بالخير والبركات
طيب حبيبتي فراولة.. راح اغلق روايتك لحتى رجوعك بالاب توب الجديد
ومبروووك مقدما .. ^^

نيو فراولة 10-08-11 04:44 PM

6- رائحة العدس والأعشاب



اليوم هو الأحد..... لا دروس , بل دعوة من مانريك كورتيز لنزهة بالسيارة حول الجزيرة , سلمت اليها على مائدة الأفطار , وبذلك فهي مضطرة أن تسأل دون جوان أذا كان من المناسب لها تلبية الدعوة , رفع بصره اليها ببطء من فوق رسائله المكدّسة أمامه وقال:
" قلت أنه لا أعتراض لي على الشاب كصديق يا أيفين , بالطبع يمكنك التنزه معه في السيارة".
" شكرا لك".
" يبدو في طل حال أن علينا التخلي عن فكرة أحضار مرافقلك , لقد جاءني الر د من دونا أوغستا بخصوص دعوتها الى القلعة , أعتذرت لأنها أبتدأت عملا صغيرا مستقلا وبالطبع لا يمكنها تركه للقيام بخدمة لن تكون دائمة".
وكانت أبتسامته مجرد أنفراج للشفتين , ولكنه تابع وسألها:
" أتعتقدين أن في أمكانك تحمل البقاء في القلعة بدون مرافقة؟".
سألته هي بدورها :
" وما هي حاجتي لمرافقة؟".
" فعلا لماذا؟ ولكنني أذكر أن الشكوك ساورتك أتجاه نواياي يوم وصلتك الثياب الجديدة من مدريد".
" أنا أعرفك الآن معرفة أفضل يا دون جوان".
" أحقا ذلك؟". ثم مدّ يده الى أبريق القهوة وأعاد ملء فنجانه وقال:
" عرفت الآن أنني لست أسما على مسمى أليس كذلك؟".
" كان عاشقا مكثارا بلا قلب".
" وماذا عني أنا؟".
أطلقت ضحكة محيّرة وقالت:
" أنت رجل منفتح الشخصية , ولا بد أنك سررت لكوني ساذجة لدرجة أنني أسأت فهم كرمك.....".
كان يشرب قهوته بدون حليب, وقال:
" لماذا تصرين على التحدث عن كرمي , وكأنني عم أو خال؟ أعمالي نادرا ما تكون بدافع من العاطفة , أنا رجل عملي مثل معظم الأسبان , ولا أحب أن أرى الشباب والذكاء ضائعين وبالأخص لأجل امرأة مبتذلة مثل مخدومتك , وأنا مسرور من التقدم الذي أحرزته مع الأستاذ فونسكا , حدثني أن لك ميلا طبيعيا للغتنا , هيا قولي شيئا بالأسبانية!".
" لا أستطيع !".
" لا تخجلي مني ! تصرّفي وكأنني مانريك كورتيز".
" مستحيل !".
" ولماذا , هل لأنه من جيلك وأنا كبير السن في منزلة العم؟".
أحتجت قائلة:
" أنا......... أنا لا أعتبرك عما".
" ولكنك تخشين أن أجرحك , فترفضين التحدث الي ببضع كلمات أسبانية".
" أنت ......تخجلني ".
قال ساخرا:
" هل أدير ظهري , صحيح يا أيفين أنك تقولين أنني كريم , ولكنك طوال الوقت تظنين أنني صارم".
وبعد ذلك نظر الى الخادم وقال:
" ماذا هنا يا لويس؟".
" السيد كورتيز سأل عن السيدة الصغيرة يا سيدي , وهو ينتظر في سيارته".
" شكرا يا لويس".
ونظر دون جوان الى أيفين وقال:
"لا شك أنك مشتاقة لمقابلة المعجب بك , ولهذا سنواصل مناقشتنا فيما بعد , وتذكري يا أيفين ما قلته لك , أنا وصي عليك ولا أريد أن يأخذ الناس فكرة أن الشاب كورتيز يتمادى معك".
" سأكون في غاية الحذر يا سيدي".
وكانت تتطلع الى النزهة بالسيارة الىحد أن عينيها قد تلألأت وهي تهب من المائدة وتقول:
" لا أعرف متى سأعود الى البيت".
فقال المركيز بهدوء:
" هذا ليس شأني , وأنا شخصيا سأخرج".
" آمل أن تستمتع بوقتك يا سيدي ".
" أنا متأكد من أنك ستقضين وقتا ممتعا يا أيفين".
ثم أنحنى أنحناءة صغيرة وتابع:
" هيا يا صغيرتي , لا تدعي الشاب ينتظر".
" الى اللقاء".
رد عليها بالأسبانية عامدا , كأنه يذكّرها بأنه يريدها أن تتحدث الأسبانية بين حين وآخر.
" هاستا لا فيستا ( الى اللقاء)".
أسرعت مبتعدة وعبرت القاعة الى حيث كان الخادم لويس يمسك بالباب الأمامي مفتوحا , وحينما مرّت أمامه شعرت برقة عينيه , لم يكن غير ودي تماما كما كان في السابق , وكأن حضور شاب الى القلعة شيء جديد, وهمس:
" طاب يومك يا آنسة".
أبتسمت وقالت:
" شكرا يا لويس , في أنكلترا إذا أشرقت الشمس هكذا ينتهي عادة النهار بالمطر"
ونظر لويس الى السماء الصافية :
" لا أظن أن على الآنسة أن تقلق".
" ها أنت تصلين يا أيفين !".
صاح مانريك وهو واقف في أسفل الدرج , وإبتسامته تلمع بيضاء وسط بشرته السمراء , وجرت نحوه , كان يرتدي سترة بيضاء وقميصا من الحرير الأسود , وبنطلونا قاتما وصندلا , وأمسك بيديها نظرة شلملة عليها , كانت في ثوب أبيض يتوسطه حزام يتوسطه حزام برونزي في لون حذائها , وأنعكست الشمس في عينيها وفي شعرها , أبتسم وقال:
" كل مرة ألقاك تزدادين جمالا , مثل زهرة كانت مغلقة في الظل , والآن تتفتح في شمسنا عن جمال غير متوقع".
قالت وهي تلهث :
" دعك من هذا فأنا لست حتى لطيفة !".
ورافقها الى السيارة وقال:
" وما دخل اللطافة في الجمال؟".
كانت سارة رياضة بيضاء , لون أثاثها جميل , وكانت قطعها المعدنية تلمع في الشمس , وسقفها مفتوحا , ولهذا رأت أيفين أنها سيارة جديدة , قالت بسخرية:
" كل الرجال الأسبان يحبون أطراء النساء".
فسألها مانريك :
" وحتى دون جوان ؟".
" الوصي على رجل يعرف المسؤولية .....".
قال مانريك وهو يدير محرك السيارة , ويقودها الى خارج البوابة ثم الى الطريق الشديد الحرارة , وكان البحر يبدو على البعد أزرق فاتنا :
" أنه أسباني وله عينان سريعتان , وهو لا يزال شابا ...... فكيف يتولى الوصاية عليك؟".
" آمل ألا تظن......".
ضحك وقال:
" بالطبع لا , من الواضح تماما لي أن أحد لم يحدثك عن الحب".
" ألا نتحدث في شيء آخر؟".
" آمل أن يكون الكلام مسموحا ".
" الكلام لا غبار عليه في نطاق الصداقة".
" أذا كان الوصي يريدني أن أعاملك كتلميذة مدرسة , فأولى به أن يحجزك في برجه , هل أدور بالسيارة وأعيدك الى البيت؟".
" كلا , فهو سيخرج".
" مع الغريبة راكيل؟".
" أتوقع ذلك".
" تسود الجزيرة أشاعة نية زواجه منها , أتعتقدين أنه سيتزوجها؟".
" إنه لا يحدثني عن أسراره".
" لا أعتقد أنك ستحبين زواجه منها , أذا أصبحت راكيل سيدة القلعة ربما تمانع في بقاء زوجها وصيا على فتاة جذابة".
" أن دوم جوان لن يصبح وصيا علي بصفة دائمة , وهو كريم الى حد أنه يريد مساعدتي , وأنا أقيم في القلعة بينما يعلمني السيد فونسكا بعض الأمور التي تعينني على العمل".
أبطأ مانريك اسرعة السيارة عند وصولهما الى منعطف في الطريق وأتاح له ذلك أن يلقي نظرة عليها , كان شعرها يمرح في الهواء وبدت صغيرة وجذابة , وغير مدركة لجاذبيتها , فسألها:
" هل أنت جادة ؟".
" سيكون عملا أمتع من الأشتغال خادمة".
" هناك ما هو أمتع من العمل ... وهو أن تتزوجي".
" أود أن أحب قبل أن أخطو هذه الخطوة".
أغاظها مداعبا بقوله :
" لكنك تخافين من الحب".
" لم أعد أخافه , شأني شأن أي فتاة أخرى , ولكنني حذرة , أإنظر الى البحر يا ريك ! أنه يبدو جميلا حتى لا أكاد أصدق أنه أرعبني".
وأسرعا بالسيارة , وكانت أيفين تملأ عينيها بكل شيء , وتختزن مشاهدات اليوم حتى تتمكن من تذكرها أذا حان وقت مغادرتها الجزيرة , مرت السيارة على بساتين اللوز , والزيتون , وطاحونة هواء فوق رابية تعيد للمرء صفحات دون كيشوت , وبدت جبال أسبانيا على البعد بنفسجية اللون , سألته أيفين:
" هل الجزيرة مثل أسبانيا؟".
" الى حد كبير , كأنما سرق أحدهم الزمن الغابر قطعة من الأندلس ووضعها في المحيط , أنا من الجنوب ومع ذلك قد أزداد شغفا بالحياة هنا"
أبتسمت وقالت:
" أنت رجل مدن , فالموسيقى والغناء سيأخذانك حول العالم , وأنت تعرف ذلك".
" هذا صحيح".
"أتساءل أذا كنا سنتذكر في المستقبل هذه النزهة في شمس النهار ؟ مرورنا هذه اللحظة ببيت أبيض الجدران يزدان بزهر أرجواني ؟ ورؤيتنا في اللحظة التاليى لشخص بمفرده على الشاطىء يجمع عشب البحر ويكدسه في عربة يجرها حمار ؟ هل يمكنني أن أشم رائحة العشب ورائحة الزهور , ولعله يأتي يوم أشمهما فيه مرة أخرى , وبمجرد أن أغمض عيني سأتذكر".
ونظرت الى مانريك وتفحصت صورة وجهه الجانبية , وأضافت : " هل ستذكر؟".
" الذكريات شيء ضبابي للغاية , أريد أن أمسك بشخص حي بعيش ويتنفس".
" هذا لأنك رجل , أظن أن الرجال يتذكرون فقط الأشياء التي تؤذيهم".
وفكرت في دون جوان الذي ما كان ليعود ويستعيد لقبه , ويعيش في قلعة أجداده لو لم يتعرض لذلك الحادث المخيف , لقد مر حتى الآن على حد قول مدرسها بأوقات كان يتألم فيها.
أوقف ريك السيارة , وكان صوت البحر يملأ الجو , أستنشقت هواء البحر بعمق وشعرت بالأمان لجلوسها هنا , ولم تعد تذكر لحظة غرقها في ظلمة البحر , سألها:
" فيما تفكرين ؟".
أمسك ريك بيدها , وأبهامه على عظام رسغها الهش وقال:
" منذ لحظة بدت عليك صورة فتاة حالمة , ترى من الذي يشغلك في أحلام يقظتك وخارجها؟".
" كل أنواع البشر".
قالت ذلك ضاحكة , ولكن نبضها كان يسرع , وتساءلت عما أذا كان قد شعر بسرعته.
" أنت تعكرين نزهتنا يا أيفين , أن كثيرات من الفتيات في طبعهن الغزل , وهن يعرفن لغة العيون , لا بد أن حياتك حتى الآن كانت محمية".
" كانت حياة محصورة , وهذا شيء مختلف , فالفتاة التي تفقد والديها لا تكون محمية يا ريك , لهذا لا تعاملني كما لو كنت طفلة".
" أود أن أعاملك كحبيبة".
وأقترب بوجهه الوسيم منها , مما أضطرها على التراجع فوق مقعد السيارة:
" ريك........".
" أن المحرمات فرضت علينا , وهي تغري الرجل".
" أرجوك لا تفسد يومنا".
" أنا أبذل جهدي لتحسين اليوم , أنظري حولك , تجدين أننا وحدنا بأستثناء جامع الأعشاب البحرية , والمركيز ليس على مرمى البصر , ومن المحتمل أ يكون مع دونا راكيل ولعله يسترضيها بكل تحفظه المهذب".
حاول أن يداعب شعرها الأحمر الداكن , فأكتفت بأن أبتعدت قليلا وقالت:
" ألا يمكن أن تكون أكثر تحفظا؟".
منتديات ليلاس
الواقع أن لمسته لم تحرك فيها الأحساس الذي سبق أن أحست به عندما شبك لها المركيز القلادة حول جيدها , أو عندما كان قريبا منها وهي تطل على البحر من نافذة برجه , وأضافت:
" أعتقدت أننا سنتناول الغداء في فينكا".
" بعد لحظة".

نيو فراولة 10-08-11 04:47 PM

وأدرك ريك بأنها لا تريد أن يدنو منها , فبدا الأرتباك في نظراته , وسرعان ما سألها:
" هل الفتيات الأنكليزيات باردات كالثلج؟".
" أذا وجدن الشخص الآخر يريد أن ينتزع منهن شيئا دون أرادتهن".
" هذا واضح , وأظنك وجدتني غير جذاب".
" كلا يا ريك , كل ما في الأمر هو أنني أود معرفتك معرفة أفضل , أريد أن نكون أصدقاء.....".
ضحك بسخرية وقال:
" أصدقاء ! رجل وفتاة؟ ما كنت لتكوني معي هنا في السيارة لو لم أعجب بك".
" أهذا كل ما تهتم به , الغلاف لا المحتوى؟ ". ثم أمسكت بمقبض باب السيارة وفتحت الباب ونزل وقالت : " شكرا للنزهة......".
" لا تكوني بلهاء!".
" البلهاء لا تمانع في المعانقة في السيارات ".
ولما رأت المنحدر الهابط الى الشاطىء , خلعت حذاءها وركضت الى حيث توجد الرمال , وسمعت ريك يحاول مطاردتها , وشعرت بعدم الأرتياح أذ وجدت أن جامع الأعشاب البحرية وعربته التي يجرها الحمار قد تركا الشاطىء , وأذا بها وحدها على الشاطىء وشاب غامض يحاول اللحاق بها.
" أيفين .... أنت تتصرفين كطفل !".
ربما كان هذا صحيحا , ولكنها على الفور كرهت ريك ولا تريد أن يلمسها بعد الآن , أسرعت خطاها , وهي تسير على الرمال حافية , ورأت حاجزا خشبيا يكسر الأمواج , ثم لمحت على مسافة قصيرة رصيفا صغيرا به ممر بين الصخور يؤدب الى درجات سلم للرصيف , وما هي إلا لحظات حتى كانت تصعد الدرجات لاهثة , ثم أطمأنت عندما رأت نفرا من الناس يتمشى على الرصيف.
أرتدت حذاءها وأنضمت الى المشاة , ورأت ريك ينظر اليها من الشاطىء , ثم يعود أدراجه الى سيارته , لم تأسف عندما رأته يذهب , وأنضمت الى صبي صغير يصطاد السمك بصنارة صيد , سألته بأسبانية متلعثمة:
" هل أصطدت شيئا ؟".
أجاب يطمئنها:
" عن قريب أصطاد سمكة ضخمة".
لم تصدقه ولكنها لم تضحك , ولدهشتهما وسرورهما تمكن بعد نحو نصف ساعة من أصطياد سمكة كبيرة توعا , ودعاها لمشاركته فيها بعد شيّها على نار الخشب المتناثر على الشاطىء.
لقد خرجت من القلعة وهي مصممة على الأستمتاع بيومها , وبالرغم من تشاحنها مع ريك فقد أستمتعت بكل لحظة من الساعات التالية , كان أسم الصبي الصغير هو فرناندو ومعه في كيسه رغيف أسباني وبعض الخضار وسكين لتنظيف السمك.
أشتركا معا في جمع قطع الخشب وأشعال النار , وبعد أن تم شواء السمكة كانت لذيذة الطعم , أستراحا قليلا بعد الطعام ثم لعبا الكرة الطائرة.
كان كل شيء ممتعا وغير متوقع ومضى الوقت بدون أن تشعر أيفين الى أن قال الصبي أنه قد حان الوقت ليعود الى بيته , كما قال لها أنها على مسافة أميال من القلعة , وأشار اليها بالأتجاه الذي يتحتم عليها أن تسلكه , وقال لها أنه مشوار طويل , عضّت أيفين شفتها وقالت:
" كانت السمكة لذيذة , شكرا لك يا فرناندو لأنك سمحت لي بمشاركتك في الطعام".
" لقد سرّني ذلك يا آنسة".
وكان شعرها قد تلبّد حول عنقها وعلى كتفيها , وذيل ثوبها تبلّل بماء البحر لأنها كانت تغوص بقدميها في الماء وراء الكرة , فسألها:
" هل تعيشين حقا في قلعة السيد المركيز؟".
أبتسمت وأجابته:
" حقا أنا جادة فيما أقول".
ثم لوّحت بيدها مودّعة :
" وداعا يا فرناندو , آمل أن نلتقي ثانية".
وعلى طريقة الأسبان المهذّبة أنحنى على يدها وقبّلها , وقال:
" الى اللقاء يا آنسة".
شعرت أيفين بالوحدة بعدما غاب الصبي عن الأنظار , عما قريب تغرب الشمس , وحذاؤها رقيق لا يصلح للمشي في طرق وعرة , كما أن وقوفها مكانها تتأسف على حالها لن يقربها من القلعة , وبدأ تسرع قبل أن تغرب الشمس وتسير بمحاذاة طريق البحر كما أرشدها فرناندو , ولاحظت أن الضباب يلف جبال أسبانيا بأستثناء القمم , وأن الشمس حجبها الضباب وهي تقارب على الغروب.
عما قريب يسود الظلام وبدا أن ضباب البحر راح يزحف على البر , أخذت تسرع ..... وفجأة صرخت لألواء قدمها أذ أن كعب حذائها الأيمن أنخلع , دعكت موضع الألم في كاحل قدمها ونظرت الى الحذاء الذي أصبح بلا كعب.
وحدّثت نفسها : ( هذا ليس يومك ) فقد زحفت عتمة الضباب من حولها وهي تسير بعرج وأخذت تمعن النظر لعلها ترى أبراج القلعة في الظلام.
بدأت حبات العرق تتكون على شعرها وسمعت أصوات صفارات الضباب التي تطلقها البواخر القادمة نحو الميناء تترامى من الساحل الأسباني , أسرعت قليلا رغم عرجها , وأنتشر الضباب الرقيق , أدركت كل شيء ولكنها لم تكن شديدة الخوف , لقد سبق أن ضلّت مرة أو مرتين في براري كومب سانت بليز , ولكن لكونها فتاة قروية لم تشعر بالرعب , هذا هو ما ينبغي تجنّبه أذا تملك المرء وأبعده عن الطريق الصحيح فأنه قد يضل لساعات.

تفهمت حالها وأدركت أنه خلال فترة قصيرة سيعلو الضباب أمامها ولا تعود الرؤية واضحة , وأنه سيتحتم عليها أن تعتمد على غريزتها وأعصابها لكي تتمكن من العودة الى البيت , كانت تعلم أنه توجد في الجوار بعض الأكواخ , ولكنها متناثرة في جبال التل , وهي لا تجرؤ على ترك جانب الطريق الساحلي لئلا يتعذر عليها العودة اليه ثانية.
تذكّرت ما قالته للخادم لويس هذا الصباح , أن الصباح المشرق الساطع في أنكلترا غالبا ما ينتهي بعاصفة , وما كانت تدري أن شروق الشمس الرائع فوق هذه الجزيرة قد يتحول فجأة الى ضباب بحري كثيف , ولكن ها هي في قلب الضباب وتشعر بعجزها كذبابة سقطت في العسل , شعرت بالوحدة والبرد وتمنت لو كان معها سترة ترتديها , وأذا بصوت من ورائها جعلها تستدير لسرعة لتلقي نظرة.
ولأول مرة منذ ساعة , كانت أضواء سيارة تشق العتمة الضبابية كأنها أضواء منارة , دق قلبها من الفرح , عليها أن توقف السيارة بأي شكل وتطلب المساعدة ...... لا بد من ذلك!
أسرعت بدون تردد بالوقوف في عرض الطريق وبما أن ثوبها الأبيض كان باديا بفضل أضواء السيارة الكاشفة فأن السائق يجب أن ينحرف تفاديا للأصطدام بها , وبالفعل أستعمل السائق الفرامل ليتجنب صدمها , ولو تأخر توقفه لحظة لصدمها , ومع صرير المعدن وتكسر زجاج السيارة , أصطدمت السيارة بشجرة وتبع ذلك سكون.
أسرعت أيفين نحو السيارة في توق وذعر معا , وبدأت تعالج فتح بالها , فتحه أحدهم من الداخل , وبرغم الضباب وبصيص الضوء الصادر من مصباح سقف السيارة , عرفت الشخص القابع داخلها بجسمه النحيل , ووجهه العبوس , وشعره الأسود , ونظراته المشتعلة.
وسطهذا الضباب وتحت الضوء الداخلي الخافت حملق كل منهما بالآخر , سألت أيفين:
" هل أنت بخير؟".
أجابها:
" كلا , والفضل لك ...... أظن أنك ضائعة وسط الضباب؟".
" نعم يا سيدي".
كانت شبه باكية من الصدمة والأطمئنان ارؤيته سليما وراء عجلة القيادة , وعندما حاول تشغيل المحرك , كان صوته يدل على عدم دورانه , كانت تعلم أنه يقود أحيانا بمفرده سيارة مصممة خصيصا على نحو يتيح له مد ساقه.
وعندما تذكرت ساقة والألم الذي سبق له أن عاناه أحست بالدوار فأمسكت بمقبض باب السيارة , وسألته بصوت منخفض:
" آمل ألا تكون ساقك تؤلمك".
" كل شيء على ما يرام بأستثناء سيارتي ومزاجي , لماذا لم تقفي الى جانب الطريق وتلوحي لي للتوقف؟ الضوء الكشاف لا بد أن يكشف حتما عن وجودك بهذا الثوب الأبيض".
" لم أفكر في أي شيء سوى الحصول على مساعدة , آسفة بخصوص سيارتك.... هل تعرّض المحرك لأي ضرر؟".
حاول تشغيل المحرك مرة ثانية ولكنه لم يستجب له , ولم يصدر عنه غير صوت خلخلة في سكون الليل الكثيف الضباب , وقال بدون أنفعال :
" يظهر أن هناك ضررا لحق بالمحرك".
ألقى نظرة شاملة على أيفين , وأتّجه ناحيتها فوق المقعد الأمامي ومدّ يده وجذبها الى الداخل وقال:
" أغلقي الباب لئلا يدخل الضباب".
أغلقت الباب , وفتح هو لوحة صغيرة مجاورة لعجلة القيادة وأخرج من ورائها علبة شوكولا وناولها إياها وقال:
" أنت ترتعدين يا أيفين".
فتحت العلبة وتناولت قطعة من العلبة , وسمعته يقول:
" أنتن النساء أذا سطعت الشمس تخرجن بدون معطف , وتتجاهلن الطقس ولذعات البرد , تناولي قدر أستطاعتك من العلبة كي تشعري بالدفء". ثم أضاف: " في المقعد اخلفي بطانية للسفر ضعيها عليك".
ركعت على المقعد الأمامي وأستدارت لأحضار البطانية من الخلف , ولمست أصابعها شيئا ناعم الملمس , وسرها عندما وجدت أن بطانية السفر مصنوعةمن الفراء , وقال دون جوان:
" ثوبك بلا أكمام , هيا غطي جسمك بها".
أسرعت دقات قلبها عندما أنحنى الى الأمام ولف الفراء حول رقبتها , وأحست بأصابعه الدافئة , وقال لها:
" لقد رأيت كورتيز في الهيدالغو عصر اليوم , وسألته أين كنتما , فقال لي أنك عدت الى القلعة , ماذا جرى يا أيفين ؟ هل تشاجرتما معا؟".
أعترفت وقالت:
" أختلفنا في الرأي".
" أختلفتما على ماذا؟".
" شيء غير مهم , أنت تعرف كيف يتطور الجدل".
" بدا لي الشاب غاضبا , هل حاول أن ....... يجرح شعورك؟".
" كلا........".
" الحقيقة يا أيفين , أرجوك".
أرادت أن تهون من الأمر فضحكت قليلا , سألها:
" أظن أنك كنت تتجولين طوال اليوم...... بدون غداء!".
أحتجت وقالت:
" لقد تناولت غداء لذيذا , تصادقت مع صبي يدعى فرناندو , كان يصطاد السمك من أحد أرصفة الميناء وشاركته في صيده , شوينا السمكة على الخشب وتناولنا معها ما لديه من خبز".
" أرجو أن يكون فرناندو أقل حماسة من فارسك الآخر؟".
ضحكت وقالت:
" كان أكثر نخوة ولطفا ". ثم أبتسمت : " وقد قبّل يدي عندما أفترقنا".
" كان على هذا الشاب أن يرافقك ليطمئن على وصولك سالمة مي يكون أكثر لطفا".
بدا وجه دون جوان قاسيا فأخذت تضحك , وأمسك بكتفيها وهزّها , وسألها:
" لماذا تضحكين ؟ ما الذي يثير الضحك الى هذا الحد؟".
" لا شيء غير أن الشاب الذي شاركته الغداء على الشاطىء صبي في الحادية عشرة من عمره يا سيدي".
أشتدت قبضة بده وقال:
" أيتها اللعينة الصغيرة , هكذا تغيظينني؟".

نيو فراولة 10-08-11 04:49 PM

نظرت اليه وأنقطعت ضحكتها عندما أدركت جو الألفة بينهما وهما على أنفراد , أن الضباب حجزها في سيارة رجل كان شابا لا يجاري كما يدا عليه أسمه , وهذا التيار من الوعي أشتد ببطء حتى أصبح قوة أخافتها قليلا , فسحبت نظرتها عنه وأتجهت بنظرها ناحية النافذة ,وقالت:
" ربما نكون نحن فقط هما الوحيدان اللذان عزلهما الضباب عن العالم , هل تعتقد أن الضباب سينقشع يا سيدي؟".
" ليس قبل الفجر".
كانت أجابته كمغناطيس أعادها للنظر اليه :
" هل تعني أننا سنبقى هنا طوال الليل؟".
" سننتظر بعض الوقت لعل سيارة أخرى تمر من هنا لتأخذنا معها , وإلا سنسعى لنجد مأوى نقضي فيه ليلتنا , أن زجاج السيارة الأمامي قد تكسر قليلا , والضباب يتسرّب منه".
كان الضباب يتسرب بشكل هبّات باردة وأحكمت أيفين الفراء حول رقبتها , وفتح ددون جوان علبة سكائر ذهبية رفيعة وقدّمها الى أيفين قائلا:
" تفضّلي , هذه سيكارة لعلها تهدىء من روعك ومحنة قضاء الليل وحيدة في صحبتي".
" هذا دورك لتغيظني يا دون جوان".
وقبلت سيكارة , أنها لا تدمن التدخين , ولكنها كانت تدخن خلال عملها لدى أيدا ساندل بين حين وآخر تهدئة لأعصابها كلما أثارتها مخدومتها للأسراع في تلبية طلبات زينتها .
أنحنت كي تشعل سيكارتها من المركيز , وتجمعت أمامها في تلك اللحظة غرابة أحداث تلك الأسابيع القليلة الماضية, كل ما حدث منذ الليلة التي سبقت غرق السفينة حتى الآن تراءى كأنه حلم , ولكن تلاقى دخان سيكارته بسيكارتها , وزجاج السيارة الذي تكسّر وحيوية عينيه السوداوين من وراء نفثات الدخان ...... كل هذا حقيقة وليس حلما . وسألها على غير توقع:
" هل تحبين الأولاد الصغار؟".
قالت مبتسمة :
" نعم , كان ممتعا قضاء الوقت مع فرناندو , وهذا ما أخّرني عن العودة الى البيت".
" هل تعتبرين القلعة بيتك ؟".
" أنها كذلك الآن :. وتلاقت نظراتهما فأضافت: " أرجو ألا تمانع؟".
" كلا , أطلاقا , أعتقد أن القلعة أنتظرت طويلا من أجل مجيء شخص في سن الشباب ليطرد الظلال , وعندما يحين الوقت......".
قاطعته قائلة:
" لكي أرحل؟".
لم يجب لعدة ثوان , وكانت عيناه لا تفصحان عن شيء , ثم قال :
" نعم , سيبدو غريبا لفترة من الومن , والآن علينا أن نفكر بخصوص الليلة , سيزداد البرد هنا تدريجيا , فأصطدام المحرك عطّل على ما يبدو جهاز التدفئة بالسيارة , في أستطاعتي سد ثقوب الزجاج الأمامي بأي شيء ولكننا لن نرتاح تماما هنا".
" هل تؤلمك ساقك يا سيدي؟".
" قليلا , أحيانا أتمنى لو كنت قبلت قيام منشار العظام بعمله , ولكنني عنيد ولا أحب الأشياء الأصطناعية".
" أخبرني السيد فونسكا بالحادث القديم الذي تعرضت له ". قالت له ذلك وهي شبه خائفة من أظهار الشفقة , وأضافت : " لا بد أن ذلك الحادث كان فظيعا".
" ليس أكثر مما يحدث لجندي في معركة , ولكنني رفضت فقدان ساقي , ولهذا فأن أي أوجاع وآلام أشعر الآن بها علي أن أتحملها فهي نتيجة لأرادتي الذاتية , إن الأسبان لا يتهاونون مع أنفسهم ولا مع الغير يا صغيرتي , أدرسي لوحاتنا وطالعي كتبنا , وتذكري حياة الغزاة الأسبان في أميركا".
همست قائلة:
" يوجد شعور من فولاذ ولهيب وفروسية , والمرء يشعر بذلك هنا في الجزيرة , ويراه في وجوه الناس , أنها تشبه الوجوه التي رسمها الفنان دياز , والعيون التي رسمها آل غريكو".
" أن الفنان آل غريكو فهم أسبانيا وناسها رغم أنه كان يونانيا , لعل الشخص الغريب عن ديارنا قد يفهمنا على نحو أفضل مما نفهم نحن أنفسنا؟".
تلاقت عيونهما ورأت في وجهه كل المقومات التي جعلت من أسبانيا دولة حميمة وقاسية وأخاذة , أهلها من الصخر الصلد والشمس المحرقة والظلال العميقة , أنها تجمع بين الألفة والعاطفة وتجعل المرء يفهم كنه الحياة وجوهرها.
إبتسمت وقالت:
" السيد فونسكا يعلمني كل شيء عن أسبانيا".
" وهل تحبين ما تتعلمينه؟".
" أنا مفتونة به يا سيدي".
" بسكان البلاد , أم تاريخها أم طبيعتها؟".
" بكل شيء , الناس والتاريخ والطبيعة".
نظر اليها وهو يطفىء سيكارته وقال:
" أي خليط من الحكمة والحماقة أنت".
" أنه بسبب صغر السن يا سيدي".
" طبعا".
مال الى الأمام وراح يتفحص عينيها الواسعتين , ونحولها الذي غاص نصفه في الفراء القاتم اللامع , وقال:
" أنك فعلا صغيرة في بعض الأمور , ومع ذلك يمكنني أن أدرك لماذا كان كورتيز غاضبا عندما تحدثت اليه , ماذا فعلت له , هل صفعته؟".
إبتسمت بعصبية وقالت:
" كلا , قفزت من سيارته وركضت مبتعدة عنه".
" وهل طاردك؟".
" نعم , الى أن وصلت الى الرصيف , وكان هناك بعض الناس , ولهذا كنت في أمان".
" من أهتماماته غير المرغوبة؟".
وجذبت بأصابعها بطانية الفراء وقالت:
" نعم , بعض الرجال يظن أن وجوده على أنفراد مع فتاة يعطيه الحق في معاملتها كعاشق".
" نحن على أنفراد يا أيفين , ألا تخافين من غريزتي".
" أنت وصي علي".
" ألا أجعلك تريدين الفرار مني؟".
منتديات ليلاس
نظرت اليه , وضاعت الكلمات منها , وفي لحظة مذهلة بدا لها كأنما وجدت نفسها على أنفراد مع دون جوان الجسور الذي كان يهوى الخيول السريعة , والذي كان يستخرج الفضة من مناجمها في البراري , ويحب صحبة الفاتنات , وكانت بسبب صغر سنها غير واثقة من دون جوان مثلما هي غير واثقة من أي رجل آخر.
أطمأنت نفسيا عندما وجدته يركّز أهتمامه على موضع القفاز في السيارة , ورأته يخرج من هذا القسم بطارية يد , وأضاءها ثم قال:
" أقترح أن نترك السيارة ونبحث عن مبيت في أحد الأكواخ القريبة من هذا الطريق , تدثّري جيدا بهذا الفراء".
خرجا من السيارة الى الطريق الذي يلفه الضباب وحملقت أيفين حولها بعصبية , كانت الأصوات كلها خرساء , والأشجار كالأشباح , وقالت:
" أليس من الأفضل أن نبقى في السيارة يا سيدي؟".
أجاب بحزم:
" كلا , قد يصيبك البرد , كما أن ساقي تؤلمني , تعالي , كوني قريبة مني وأعدك بأننا بعد قليل سنجلس بقرب نار مشتعلة ونشرب قهوة ساخنة".
كان شعاع بطارية اليد يشق الضباب , وبعد فترة وجدا أنهما فوق طريق جانبي عليه آثار أقدام لا بد أن تفضي الى مساكن من نوع ما , وعملت أيفين بنصيحة الوصي عليها فظلت الى قربه وكان يعرج أكثر من المعتاد , أنها الرطوبة تسري في عظام ساقه - وأرادت أن تضع أصابعها في الجزء المعقووف بذراعه- كما فعلت راكيل بصورة حميمة – وتمنحه بعض الراحة.
وقف بغتة وقال : " آه ! ". وولى قلق أيفين عندما رأت شعاع البطارية يشير الى بياض جدار وأطار نافذة ثم الى باب خشبي عليه حلقة حديدية تستعمل مطرقة للباب.
وأضاء بالبطارية وجه أيفين وقال:
" حسنا يا غريتل , لقد عثرنا على كوخ في الغابة , هل تظنين أن هانزل سيتجرأ ويطرق الباب ( غريتل وهانزل من الشخصيات المعروفة في قصص الأطفال )".
ضحكت أيفين ضحكة خافتة , أذ أعجبتها دعابة دون جوان التي تختبىء في صدره كعرق من الذهب , وقالت:
" قدما غريتل باردتان".
" لاحظت أنك تعرجين يا صغيرتي".
" لقد فقدت كعب الحذاء الأيمن".
ولما وصلا الى باب الكوخ , رفع الحلقة الحديدية وطرق الباب مرة ومرتين وثلاثا , وأنتظر ! ثم سمعا النافذة العليا تفتح وترامي اليهما صوت عجوز تسأل :
" من بالباب؟".
" سيدتي , نسألك المأوى هذه الليلة , سيارتنا تحطمت وقد أصحنا معزولين في الضباب".
" آسفة يا سيدي , ليس عندي غرفة ....".
" سأدفع لك مبلغا حسنا يا سيدتي".
ساد السكون بعدما ترددت العجوز وأغلقت النافذة .
تحدث دون جوان بالأنكليزية الى أيفين :
" القرويون يشعرون بالعصبية في ليلة كهذه , أن العجوز ستفتح لنا أذا أجزلت لها العطاء".
أقترحت أيفين :
" أخبرها من تكون ".
وأجابها بأبتسامة في صوته :
" أفضّل أن نبقى غرباء بالنسبة اليها".
وبينما كانت أيفين تستوعب ملاحظته , سمعت أنفتاح أقفال الباب من الداخل , وأنفتح الباب ببطء وظهرت أمرأة مغطاة بشال وفي يدها مصباح يعلو دخانه , رفعت مصباحها كي تتأمل الواقفين ببابها , وحملقت جيدا في وجه دون جوان الممدود القامة والمهاب برغم شعره المشعث , ونظرت بأهتمام الى رفيقته الصغيرة المتدثرة بالفراء , ويبدو أنها لم تتعرف عل المركيز لأنها قالت رافضة :
" لا أعرف أذا كان علي أن أفتح بابي للغرباء , كيف لي أن أعرف أنكما من الشرفاء؟".
أخرج دون جوان محفظة نقوده من جيبه وأخرج منها عدة أوراق وقال :
" تفضّلي يا سيدتي , أعتقد أن هذه تشتري لنا سقفا من أجل ليلة واحدة ؟ هيا , فالسيدة الصغيرة ترتعش من البرد".
دسّت العجوز المال في صدرها وفتحت الباب فتحة تكفي لدخولهما الى الممر الضيق , وأغلقت الباب بأحكام , وقادتهما الى المطبخ حيث توجد نار قليلة مشتعلة , تلقي بظلال حمراء على الجدران الكلسية الدهان.
منتديات ليلاس
ووضعت المضيفة المصباح على المائدة , وأضافت بعض الخشب الى النار , وعادت مرة أخرى بعدما أزدادت ألسنة اللهب لتتفحص جيدا الزائر والزائرة , ورأت أيفين أن العجوز بعينيها الحادتين ووجهها المغضن المحاط بالشال الأسود أشبه بساحرة , لقد نظرت الى أيفين وقالت شيئا بأسبانية سريعة , وتطلعت أيفين الى دون جوان تسأله العون لأنها لم تستطع فهم اللهجة اقروية.
" السيدة تسأل أذا كنت ترغبين في تناول بعض الشوربة ".
" أوه , نعم , رجاء".
رد على العجوز بالأيجاب , فذهبت الى المدفأة وحرّكت قدرا أسود جهة اللهب , وطوال الوقت كانت تلقي بالملاحظات من فوق كتفها ,وأحست أيفين فجأة بقبضة دون جوان المفاجئة وهو يرفع بيديه الفراء عن كتفيها , وأسرعت العجوز الى المائدة وأخذت تضع آنية فخارية للشوربة وملاعق وبعض الخبز , وسألته أيفين:
" ماذا تقول؟".
كان المطبخ من الطراز القديم بمقاعده الخشبية ذات القوائم الثلاث , والبساط الملون الممدود أمام المدفأة , والخزانة المملوءة باآنية المختلفة , والمزهريات ذات الورود الأصطناعية .
وأمتد ظل دون جوان الى السقف , وكان يبدو في سترته الرمادية غريبا وسط هذا المطبخ القروي , لقد أعتادت أيفين على رؤيته وسط الستائر الذهبية الفخمة والأثاث الكلاسيكي الفاخر , وشذى الورود يختلط بدخان سيكاره.
وكان يبدو مترددا , كأنه يريد عدم خدش شعورها ... بشيء كان غير أعتيادي.
" تقول المرأة أنه لا يوجد غير فراش واحد ...... وهي مستعدة للنوم هنا بقرب المدفأة ".
نظرت اليه أيفين وقد غمرها شعور يائس , كان يستند بتعب على عصاه , أدركت أن ساقه تؤلمه وأنه ما من مكان آخر يمكنه أن يرتاح فيه ...... بأستثناء غرفة النوم الوحيدة هذه ! وأبعدت بصرها عنه وحدّثت نفسها قائلة أنه ينبغي ألا تكون متشددة ..... ولكن ماذا تراه قال للعجوز ؟
كان المطبخ يفوح برائحة العدس والأعشاب عندما أخذت العجوز تملأ الصحون بالشوربة , جلست أيفين الى المائدة بدون أن تتجرأ على النظر الى دون جوان , وشعرت بضعف ركبتيها , وكانت غريزتها تحدثها بأن الأسبانية العجوز لن تسمح لهما بالنوم معا إلا أذا أعتقدت أنهما متزوجان !
صعدا درجات حجرية ضيقة الى غرفة النوم , وأضاءت الشمعة التي تحملها أيفين جدران الغرفة وغطاء السرير اللامع عندما دخلا الغرفة ذات السقف المنخفض.
كان هناك سرير واحد , وخزانة صغيرة ومقعد , وكانت الغرفة تحت سقف الكوخ , وذكرت أيفين بغرفتها الصغيرة الباردة عند آل ساندل , ولكن لم يحدث أبدا أن تقاسمت الغرفة مع رجل أسمر طويل في عينيه لمعة شيطانية .
منتديات ليلاس
ولمحت هذا البريق وهو ينظر من المقعد الخشبي الوحيد الى الفراش , وشعرت كأنما سكون الغرفة يمتلىء بدقات قلبها.
همس : " يبدو أنك مضطربة ".
تلاقت عيناها بعينيه , ورأت فيهما سبب أضطرابها , وقالت :
" أنني دائما أضطرب هكذا عندما أكون متعبة ". وطوّحت بشعرها فوق كتفها , وأضافت:
" أنني .... أنني لن أتصرف بسخافة لأن علينا أن نتقاسم هذه الغرفة".
" بل علينا أيضا أن نتقاسم السرير , يمكن أن أكون قديسا وأجلس طوال الليل في هذا المقعد غير المريح , ولكنني واثق أن قلبك الرقيق لن يدعني أقاسي هذا العناء".
" بالطبع لا".
ثم شعرت بالضعف مرة أخرى وودت لو تخر ساقطة على جانب السرير ذي التنجيد الجنوني , والأعمدة الخشبية المحفورة باليد , ونظرت في كل مكان بأستثناء مكان دون جوان ووجهه الذي أنعكس عليه ضوء الشمعة وزاده سحرا , عليها أن تحاول عدم أساءة التصرف لأن الظروف أضطرتهما لتقاسم الغرفة........ والفراش !
وبدون تفكير قالت :
" يمكنني الأكتفاء بالمقعد ! ".
فقال بصوت ناعم ومنخفض:
" أيفين , حسبت أنك تشعرين معي بالأمان".
" أنني فقط ......".
" فقط ماذا , يا صغيرتي ؟".
" أنني لست طفلة".
" أذا أنت كبيرة الى حد تحافظين فيه على نفسك , وتظنين أننا الآن وحدنا هكذا , وأنني سأفقد السيطرة على نفسي وأندفع نحوك مبديا أعجابي".
ولكونها كانت غير واثقة منه الى هذا الحد , فقد مرّت ثانية أو ثانيتان قبل أن تدرك أنه كان يتهكم , فأسرعت قائلة :
" أنني غير معتادة على مثل هذه المواقف".
" أنت لست طفلة حتى أضربك , ولكن هناك وسيلة تعامل أخرى للرجل مع افتاة الخائفة , هل يمكنك معرفتها؟".
نظرت الى فمه وأبتعدت عنه قدر المستطاع , كان ضوء الشمعة على عنقها وذراعيها العاريتين ينعكس أيضا على عينيها المذعورتين وشعرها الأحمر الداكن , وكان مجرد التفكير في أن دون جوان قد يسيء اليها كافيا ليعكر هدوءها , وفجأة أنهمرت دموعها من العاطفة والتعب , ثم قالت وهي ترتعش:
" أنا ...... أنا لا أود أن أتشاجر معك ".
قال وهو ينظر الى دموعها وجسمها المتوتر :
" وماذا تريدين يا أيفين , لعلك لا تعرفين بنفسك , وأنا لا أريد أن أغضبك أكثر من هذه الليلة , ستنامين تحت أغطية الفراش , وسأنام أنا فوقها على الجانب الآخر".
وكانت أبتسامته محدودة , ولكنها كانت رحيمة , وأحست مرة أخرى بمشاعر لا تكاد تفهمها , في لحظة تريد أن تتشاجر معه وتهرب , وبعدها يجعلها تريد شيئا مختلفا.
لحظة أبتسم لها أطمأنت له كل الأطمئنان , وزالت عنها كل المخاوف والأوهام .
أرتعشت ..... قد يكون ذلك من جراء أفكارها , أو برودة الغرفة , وفي الحال لاحظ ذلك فأقترب منها وهو يعرج , وأمسك بيدها وأحس برودتها , وسألها:
" هل قدماك باردتان أيضا؟".
هزت رأسها وقالت:
" أن البرودة كانت دائما مشكلة بالنسبة الي , وأعتدت أن أصاب بتقرحهما في الشتاء ... بيت ساندل الريفي كان كبيرا وباردا".
" وكانت غرفتك بدون مدفأة ". وأجلسها على حافة الفراش وقال :
" أخلعي حذاءك , وسأدفىء لك قدميك".
لم يكن ثمة سبيل للأحتجاج , وبدون الحذاء , شعرت أنها صغيرة , طفلة , لا تقوى على شيء , ولمّا أخذ قدمها بين يديه وفركها حتى سرى فيها الدفء , شعرت بالخجلوالأمتنان , كان أشبه بشيء يفعله الأب الى أبنته , ولكن هذا الرجل لم يكن أبويا في تصرفاته , أحست بالنعاس بعد الدفء , رفعها فوق الفراش ولف الأغطية من حولها , ونظرت هي اليه وقد ثقل جفناها.
سألها وظله كالقوس على الحائط أذ أنحنى كي يبعد شعرها عن وجهها :
" هل هذا أفضل ؟".
" كل شيء لطيف ومريح جدا".
سحب أصابعه من فوق خدها بعد أن أبعد شعرها عنه , وخطر لها أن تمسك بيده شاكرة , ولكنها تراجعت حتى لا تفسر كل شيء , وبسرعة أبتعد عنها , وأخذت تنظر الى ظله على الحائط وهو يخلع الحذاء والسترة وربطة العنق وأزرار أكمام القميص , ووضعها على المقعد المجاور للفراش , ثم أطفأ الشمعة وتمدّد على الجانب الآخر من الفراش وقد غطّى ساقيه بقطعة الفراء.
سمعت أيفين تنفسه , ثم صدرت عنه تنهيدة الراحة بعد تمديد ساقه التي تؤلمه.
يجب ألا يعلم أحد بهذه الليلة , وعلى الأخص راكيل التي قضى معها النهار , أن عيني راكيل تكشفان الأسرار أذا أستقرتا عليه , وهي لن تصدق أيضا أن فتاة قد تقضي اليل مع دون جوان بدون أن تجد نفسها تحلم به , وسمعته بهمس :
" أغمضي عينيك الواسعتين يا صغيرتي ونامي , الليلة هي سر بيننا , وغدا نبتسم بشأنها ".
وأخيرا تجرأت أيفين وسألته :
" ماذا قلت للعجوز ؟".
" لم أقل لها شيئا عنا".
" تعني أنك تركتها تفترض أنه يحق لنا المشاركة في الغرفة؟".
" الأفتراض هو الكلمة الصحيحة ".
" إنك لخبيث حقا يا دون جوان !".
" أذا كان هذا هو رأيك , ولكن عليك الأعتراف بأن الفراش أكثر راحة من الرقاد على مقعد طوال الليل".
" هذا صحيح".
" لا تثقلي على ضميرك , وأعتبري نفسك بعيدة جدا عني وأنعمي بالنوم".
أرادت أن تقهقه عندما قال ذلك ..... أنها تحبه عندما يلجأ الى الدعابة.......
تحبه؟
ظلت بلا حراك وأصغت الى أنفاسه , وشعرت بنقاة ساقه الى وضع أكثر راحة , وأذا بها تستعيد في ذاكرتها كلمات قديمة : كم أحبك ؟ أحبك بالعاطفة التي تحركها أحزاني الماضية وطفولتي البريئة أحبك مع أنفاسي وبسماتي ودموع حياتي !
وأغمضت عينيها ونامت .
أستيقظت قبله في الصباح ووجدت الشمس تملأ الغرفة ذات الجدران البيضاء , حيث تعشعش الطيور وتغرد , وتذكرت في الحال أحداث الليلة الماضية , وتأملت الوجه النائم الى جوارها , تأملت سواد شعره وكبرياء أنفه , وأدركت مدى أطمئنانها له.
منتديات ليلاس
تركت الفراش وأتجهت الى النافذة , وفتحتها على آخرها وأنحنت الى الأمام , وأستنشقت هواء الصباح ووجدت الشمس دافئة بعد الليلة الماضية الباردة , وكانت آخر آثارها الضبابية يمكن رؤيتها وسط أشجار الصنوبر والأعشاب الندية التي تملأ الهواء بشذاها.
وأذا كان للمرء أن يتعلق بلحظة من أختياره لا يريد الأفلات منها , فها هي لحظتها , وهي الآن تختار أن تظل أسيرة هذا الصباح الجميل وأن تكون الفتاة الوحيدة في حياة دون جوان , كل الكلمات أو الوعود التي سبق أن رددها لغيرها لا يمكن أن تزيل سحر هذه اللحظة.

نيو فراولة 10-08-11 04:51 PM

عتدي مشكلة بالنسبة للحجم واللون , ما بعرف ليش؟

فتاة 86 13-08-11 12:24 AM

يعطيكي العافية حبيبتي
بس حابة إسألك من كام بارت بتتألف الرواية
و شكراً

نيو فراولة 13-08-11 11:29 PM

7- أكثر من حب حياتي



أهتمت أيفين في الأيام التالية بالتصرف كأنما لا شيء يشغلها غير دروسها مع فونسكا , كان السائق يقودها كل صباح الى البلدة حيث توجد الفيللا , وأحيانا ترى راكيل في الحديقة أو خارجة في طريقها الى النادي ليتفرج على التنس أو لتناول الغداء مع أحد الأصدقاء.
وكانت راكيل كلما رأت تلميذة والدها تتظاهر بعدم الأهتمام كثيرا , وذات صباح قالت لها وقد وجدتها قرب طاولة في الحديقة منهمكة في دراستها :
" أنت مخلوقة صغيرة جادة , بالأمس فقط كان مانريك كورتيز يسأل عنك , وقد قلت له أن في أمكانه أن يلقاك هنا على الرحب والسعة ".
أجابت أيفين :
" آمل ألا يفعل , قد يلهيني عن الدراسة وأنا أهتم بالدروس".
قطفت راكيل وردة صغيرة ووضعتها فوق ثوبها الجميل:
" أرى هذا بوضوح , ولكن أليس من الأجمل أن تتزوجي شابا لظيفا , بدلا من دراسة هذه الكتب وحشو فكرك بالحقائق والتواريخ؟".
" أنا أحب التعلم , ووالدك أستاذ رائع".
قالت راكيل بأبتسامة الموافقة:
" أنه محبوب , وهناك رجل آخر فقط يجاريه في عمله وذكائه وجاذبيته الأسبانية , هل تجدين رجالنا جذابين لطفاء يا آنسة بلغريم؟".
رفعت أيفين نظرها ووجدت راكيل تتفحص ثوبها الأخضر الهادىء وشعرها الأحمر الداكن المنساب كذيل الحصان , وقالت وهي تبتسم:
" أجل أحب جاذبيتهم ولطفهم , أن للأسبان بالتأكيد سحرهم ولطفهم".
" أذن من الغريب أنك لم تحبي أحدهم يا آنسة بلغريم , بالطبع , إنني سمعت عن هدوء أعصاب الجني االبريطاني وإنهم لا يكشفون عن شعورهم".
" أرى أنك تلمّحين الى شيء يا آنسة فونسكا , أرجوك كوني صريحة معي ".
" أن دون جوان لا يمكن أن يظل دائما مسؤولا عنك ..... هل صراحتي هذه كافية ؟ وأنت لست طفلة حتى لو كان جوان يعتقد ذلك؟".
نظرت أيفين الى عيني الفتاة الأخرى وقالت :
" كلا يا آنسة أنا لا أحلم بالأعتماد على كرم دون جوان أكثر مما يلزم , والدك يعرف مدير أحدى صالات الفن في مدريد وآمل أن أذهب عمّا قريب للعمل هناك كمساعدة له".
" مدريد؟ لا بد أن هذا سيناسبك بخصوص صداقتك مع مانريك كورتيز , يبدو أنه مهتم بك , ونصيحتي اليك هي ألاّ تغالي في التشدد , أن الرجال يحبون أثارة المطاردة , ولكنهم يحبون أيضا اللحاق بالطريدة ".
أرخت راكيل أصابع قفّازيها ثم أضافت : " هل تخافين قليلا من الرجال؟".
أحتجت أيفين وقالت :
" أنا لست بنفسجة خجولة".
" يبدو أن مانريك يعتقد بأنك متواضعة وخجولة , وأنه ربما أزعجك في المرة الأخيرة التي كنتما فيها معا".
" لقد ضايقني".
وبدت راكيل فضولية أذ سألتها:
" ماذا أفعل يا عزيزتي؟".
وعادت أيفين تتذكر نزهة السيارة مع مانريك ووجدت أن تفاصيلها قد طمستها الأحداث التي أعقبتها في الكوخ ليلة الضباب , آه , لو أن راكيل علمت بتلك الليلة ! أن ذلك يمكن أن يزلزل كيانها , فهي ليست من النوع الذي يصدق أن فتاة يمكن أن تظل بريئة بعد قضاء ليلة مع رجل , لا شك أنها ستتكدر من كون دون جوان يميل الى واحدة غيرها .
آه لو كان ذلك صحيحا.
منتديات ليلاس
شعرت أيفين بالأضطراب مجددا , وشعرت كذلك برغبة في أن تثور , أن راكيل بالمقارنة مع دون جوان سطحية , أنها تقضي أيامها في متع تافهة , وحبها له ليس عميقا.
كانت عودة السيد فونسكا الى الحديقة حاملا معه كتابا به مستنسخات من روائع الفن يريد منها دراسته , بمثابة خلاص لها من راكيل , أذ سأل أبنته:
" أتنوين البقاء ومشاركتنا الدراسة؟ ظننت أنك كنت في طريقك للغداء في هيدالغو مع واحد من المعجبين بك".
أبتسمت راكيل مبدية شفقتها على أيفين , وأجابته:
" أنه لن يمانع في أنتظاري , أشفق عليك يا عزيزتي لأنك مضطرة للعمل, عليك أن تأخذي بنصيحتي وتبحثي عن زوج".
سألها والدها بجفاء:
" وهل وجدت أنت زوجا لك".
" نعم يا أبي , هناك شخص خاص".
وأبتسمت في غموض وهي تقبل والدها على خده , وكانت لا تزال تبتسم وهي تلوح لأيفين مودعة , خرجت من باحة الحديقة , وأنتشر عطرها في الهواء ولم تفارق كلماتها أيفين بقية الصباح , كان دون جوان هو هذا الشخص الخاص , الذي يجب أن يتزوج ليكون له أبن يحمل لقبه ووصايته على الجزيرة.
تناولت أيفين الغداء مع معلمها تحت شجرة ظليلة , بينما الطيور تغرد والزهور تتعرّض لهجمات النحل.
" يبدو أنك حزينة , هل أنت متعبة؟".
" كنت أفكر يا سيدي أنني لا أستطيع البقاء في القلعة الى ما لا نهاية , متى تعتقد أنه يمكنني أن أعمل في غاليري مدريد؟".
أبتسم وهو يقطف خوهتين من الشجرة القريبة من الحائط بواسطة سكين ذات مقبض عاجي وقال :
" أن الصغار لا يصيرون , وهم يتوقون للمغامرات الجديدة , هل مللت بسرعة من مدرسك ذي اللحية والكتب السميكة التي يريد منك دراستها؟".
أسرعت الى القول:
" كلا , ليس هذا هو الأمر أنني أستمتع بكل لحظة هنا , وألعق كل ما تعلمني أياه كقطة عطشى , ولكنني أتوق الى الأعتماد على نفسي ..... لا يمكنني أن أعتمد دائما على دون جوان في مأكلي ومسكني".
أخرج فونسكا بذرة أحدى الخوختين ثم وضعها في صحن أيفين , وقال :
" أنا متأكد من أنه مسرور بتوفيرهما لك , أن جوان أسباني أصيل وهو كريم جدا , والقلعة خالية بالنسبة اليه وأنت تساعدين على شغلها , تعالي , تناولي لخوخة ولا تتصوري أنك عالة على أحد".
" متى يتزوج يا سيدي ؟".
" لا أظن أن االيوم الكبير قريب يا صغيرتي".
" ولكنني أريد أن أرحل يوم حدوثه".
ركّز السيد فونسكا نظره على أيفين وقال :
" هذا مفهوم , يوم يتزوج جوان , ستتغير الحياة بالنسبة اليك , ولكن أستمتعي حاليا بأيامك وأنت تحت وصايته".
أبتسمت وأكلت الخوخة وقالت :
" هذه هي الحياة".
" أجل يا صغيرتي , ما كتب علينا سنراه , وليس لنا جميعا غير الرضى بقدرنا مهما كان شكل هذا القدر".
" هذا يجعلني كورقة خريفية لا تدري متى تسقط".
" أنت تشعرين كذلك لأنك في سن الشباب , وللشباب أحلامه وآماله وأحزانه أحيانا , أن أفضل الشعراء والفنانين هم من الشباب , يجدون في الحب العذاب أكثر مما يجدون فيه من الراحة , والحب يتغلغل في كل شيء ..... لا مفر منه".
" لم أحب أبدا , وأعجب كيف يعرف المرء..........".
تأملها فونسكا للحظة طويلة ثم قال :
" يشعر المرء كأنما يموت ميتة صغيرة في كل مرة يودع فيها شخصا معينا بالذات , ويبتعد عنه ويكون مراده هو فقط البقاء الى جانبه , الحب شيء أساسي يا أيفين , أنه الرغبة لأن نكون جزءا من ذلك الشخص , ليس لساعة واحدة وأنما كل يوم , صدقيني , ستعرفين عندما تحبين , فأنت حساسة وعاطفة صادقة".
ضحك بهدوء على الطريقة التي تطلّعت بها اليه , كانت عيناها في صفاء العسل , وتنبأ قائلا:
" ستجدين سرورا عظيما أو حزنا كبيرا , ولا يمكن أن تكون حالة وسطى للفتاة التي يجب أن تعطي كل شيء لرجل واحد ".
قالت شبه ضاحكة :
" بدون هذا التفاني لا تصبحين طالبة ممتازة ".
" شكرا لك يا أستاذ , ومتى ستعطيني الدبلوم؟".
" في الوقت المناسب يا أيفين , أذا أصبح زواج دون جوان وشيكا فسأكون من بين أوائل العارفين به".
طبعا , سيكون والد راكيل أول من بعلم بأن عليه أن يتوقع زواج أبنته من دون جوان في يوم معين في كاتدرائية الجزيرة , وسيكون على العروس أن ترتدي ثوب العرس الطويل المطرز وتحمل بيدها باقة الزنبق , وستعلو الأبتسامة شفتيها الناعمتين , وسيتم أعلان يوم الأحتفال للجزيرة كلها , والجميع سيتمنون السعادة للمركيز , وسيقولون أنه أحسن الأختيار.
مرّت بضع دقائق قبل أن تتذكّر أيفين أن السيد فونسكا قد تركها لينام القيلولة بعد الغداء , أن محادثتهما قد جعلتها تشعر بالقلق , ووجدت نفسها ترسم وجوها في دفترها ..... وجوه أسبان بشعر كثيف , وضعت قلمها جانبا وبدافع مفاجىء خرجت من باب جانبي في الحديقة , وهكذا تغيبت من دروسها.
شقّت طريقها في الشوارع ذات الدرج صوب الساحل , حيث تقبع مراكب الصيد والزوارق الشراعية وقت العصر في حرارة الشمس الخفيفة , قلة من الناس هنا وهناك , وبعض القطط تتمدّد في ظل قناطر الطرق , والنوافذ الضيقة تغلق ستائرها الخشبية لدرء حرارة الشمس , والبحر يفوح برائحة السمك والورود , وكانت هناك نخلة تلقي بظلها على جدار , وأيفين وحيدة بثوبها الأخضر وشعرها يلمع بأشعة الشمس.
قادتها السلالم الحجرية الى الشاطىء الرملي , ورأت قاربا مقلويا جففت الشمس قعره الذي كان يختبىء تحته سرطان خرج من مخبأه عندما جلست أيفين على هيكل القارب , كل شيء هادىء , البحر ساكن , وجبال أسبانيا البعيدة بدت كسلسلة من الحديد الأزرق عبر الأفق.
بالتأكيد لن يطول الوقت كثيرا حين يحين اليوم الذي تعبر فيه تلك الجبال راكبة الباص الذي يقطع الطرق البيضاء الى أن يدخل مدينة مدريد حيث ستشتغل هناك , حاولت أن تشعر بالفرح والأمل أتجاه المستقبل , ولكن عندما تخيّلت الوحدة التي ستعانيها في مدينة كبيرة , أحست بالأنقباض وأنكمشت فوق هيكل قارب الصيد كأنما تشعر بالبرد.
منتديات ليلاس
أن الأحساس بالوحدة يوحي بالبرودة , وبدا كأن عليها طوال حياتها أن تترك ما تحب وتذهب الى مكان آخر , لقد أحبت كوخ والدها في كومب سانت بليز , ولكن بعد وفاته لم تتمكن من البقاء فيه , وها هي تحب هذه الجزيرة وتحب القلعة , ولكن بعد أن يتزوج الوصي عليها لا بد أن تغادرها أيضا لتعيش وسط غرباء , طرفت عيناها وأحست بالدموع تبلل رموشها , وشعرت بالوحدة الى حد أنها تاقت الى صوت يحدّثها وتكون له شاكرة.
وعندما سمعت الصوت عرفته بدون أن تدير رأسها ناحيته , إنه صوت الأسباني عازف الغيتار.
" كنت أفكر فيك يا أيفين , ولا بد أن أفكاري قادتني اليك".
مدّت له يدها , كأنما تريد لقبضته الدافئة أن تخرجها من برودة أفكارها , وقالت:
" مرحبا ريك , نحن والقطط وحدنا هنا".



نيو فراولة 13-08-11 11:30 PM

أمسك يدها ووضع أصابعه بين أصابعه , كان شعره قاتما كالظلال , وأبتسامته كالشمس المنعكسة على جدران البيوت البيضاء المطلة على الشاطىء , ولمسته دافئة , ولم تتأفف هذه المرة من صراحة نظرته الجريئة , سألها:
" ما الذي أسال دمعك , الشمس المنعكسة على الماء , أم الطريقة التي هربت بها مني بدون سبب حقيقي؟".
قالت بسخرية ولكن بصوت فيه سرور لرؤيته:
" ربما من البكاء عليك , أجلسي وحدثني يا ريك".
" هذا ما أريده".
وجلس الى جانبها على القارب وتابع:
" ماذا فعلت بعدما تركتني الأحد الماضي ؟ آمل ألا يكون تجوالك في الشاطىء قد طال , لأن الضباب ملأ الجو".
وكيف لها أن تنسى الضباب ؟ ولكنها قالت:
" دعنا من الحديث عن تلك المشاجرة السخيفة".
" كانت سخيفة يا أيفين , ما الذي فعلته وكان بغيضا؟".
" أرجوك , دعنا نبدأ من جديد أنطلاقا من أول لقاء لنا , كنت لطيفا جدا , مثل تروبادور الزمن الماضي".
" أفضل شعور شباب الجيل يا صغيرتي , ترى هل قال لك المركيز أن عليك الأهتمام بدروسك وعدم تشجيع الشباب على مقابلتك؟".
" أنا في حاجة ماسة الى التعلّم ".
" وماذا ستدرسين الآن , هل ستكتبين مقالة عن قوارب الصيد؟".
أعترفت قائلة :
" أوه , لقد هربت من الدراسة , أذ شعرت فجأة بعدم قدرتي على التركيز , فتركت كتبي طلبا للراحة نحو ساعة".
شدّ ريك قبضته على يدها وقال:
" كتب , دروس ! لا بد لك من المرح واللهو , ولو كنت المركيز لأعطيتك دروسا من نوع آخر".
" ريك!".
ضحك بدون خجل :
" هل حضرت عرسا أسبانيا يا عزيزتي , بالطبع لا , سآخذك اليوم الى زواج في الساعة السادسة , العروسان سيذهبون الى الكنيسة , وبعد مراسم الزواج ستقام حفلة , وقد وعدتهم بالعزف فيها , وقيل لي أن أحضر مع فتاة".
تمهّل ريك قليلا ثم تأمل ثوبها الأخضر وقال:
" سيكون من دواعي سروري أن أصحبك الى هذا العرس".
" أود ذلك يا ريك , ولكن السيارة ستأتي لأعادتي الى القلعة ".
" يمكنك أن تقولي للسائق أن يعود فيما بعد".
وافقت وقالت:
" يمكنني , ولكن هناك دون جوان......".
وسألها ريك ساخرا :
" وهل يسجنك في القلعة بقية اليوم , وهل أنت خاضعة لنفوذه وسحره فلا تجدين الجرأة على أرضاء سواه ؟ أنا أريد أن أعاملك كأمرأة يا أيفين وليس كطفلة , أريد أن أعطيك الموسيقى والضحك وليس جدران القلعة الحزينة والعشاء الرزين داخل غرفة تحجبها ذكريات الماضي , إنه بسبب عجزه عن الرقص يظن أنك لا تريدين الرقص , ويتوق لأن تكوني طفلة طوال النهار , وعانسا غير شاكية في الأمسيات !".
أحتجت قائلة:
" ريك , ما هذا التقريع , دون جوان ليس كما تقول أطلاقا , إنه سيسمح لي بالذهاب الى العرس أذا كنت أريد ذلك".
إبتسم ريك وقال:
" أذن ليست هناك مشكلة , نعود الى افيللا في الرابعة , وبذلك يمكنك أعطاء السائق رسالة الى المركيز , ثم نذهب الى نادي هيدالغو لكي آخذ غيتاري , لا عمل لي في النادي هذا المساء , وبذلك نظل معا هذا المساء لنقضي وقتا ممتعا , ألا تجدين الأحتفال بعرس تحت النجوم فيه رومانسية؟".
" أنتم الأسبان لديكم أستعداد للرومانسية".
" أن الفتاة الأسبانية تعيش لأرضاء الرجل الذي تحبه ".
" أظن ما من شيء سيجعلني أسبانية ".
أقترب منها وقال:
" أنت مخطئة أذا تزوجت أسبانيا تصبحين أسبانية ".
" سأظل دائما أنكليزية في أعماقي , ولن تكون عندي الروح الأسبانية الحقيقية".
" أن لك سحرك الذاتي".
ثم سرح نظره على وجهها وأستقر على شعرها الأحمر الداكن مثل أوراق الخريف فوق الثوب الأخضر الهادىء , وهمس بالأسبانية وهو يقرّب يدها من خده:
" باردة هي يد الفتاة ذات القلب الدافىء , في الأسبوع الماضي , تمنيت مغازلتك فقط , والآن سأعاملك على نحو مختلف".
أشتدّت دقات قلبها فقالت:
" كلا يا ريك , دعنا نظل هادئين".
" سنكون كالأجراس والموسيقى وضوء القمر".
" ريك , لا تستعمل سحرك أتجاهي , ربما لا أستطيع مقاومته , وقد نتأذى ".
" لهذا كانت الحياة , أن نتأذى وأن تندمل جراحنا , وأن نسعد , أيفين , لا تقاومي تيار الحياة".
ما أسهل ألا تقاوم لون أن القدر تركها تقع في حب عازف الغيتار , لم تستطع الأبتسام فقالت:
" أن الأسبان خطرون أذ يمكنهم أن يكونوا لطفاء . سأرقص في عرس صديقك , سيكون شيئا من ذكرياتي بعدما أغادر الجزيرة".
" لا تعتزمين البقاء هنا ؟".
هزّت رأسها وقالت:
" كان مجرد تدبير نؤقت , عما قريب أذهب الى مدريد للعمل".
" آه في مدريد الكثير االذي يجب التفرج عليه معي , القديم والحديث , العتيق والجميل , سنكون سعداء هناك".
نظرت اليه وأرادت أن تصدق أنها يمكن أن تكون سعيدة على بعد أميال من جزيرة زهور الدفلى العطرة وأشجار الصنوبر , جزيرة الشمس والأبراج تحت السماء الزرقاء.

" يبدو كأنك ستحزنين لمغادرة الجزيرة يا أيفا".
أخذت تتأمل شباك الصيد وصواري المراكب الشراعية , ثم أستدارت نحوه وفي عينيها نظرة مروعة:
" سميتني أيفا؟".
" ألم يعجبك ؟".
" بلى أعجبني ".
" والأكثر من هذا يا أيفا أن أسم التصغير علامة أعجاب من الأسباني بك ".
ضحكت وقالت :
" لقد أوقعتني في الفخ عندما جعلتني أسميك ريك منذ البداية !".
" آمل ذلك".
تلاقت نظراتهما , ورأت في عينيه حنانا , وأرادت أن ترجوه بألا ينظر اليها هكذا , ولا بد أنه فهم مرادها , أذ أخذ يحدّثها عن أشياء أخرى , عن طفولته في تلال أسبانيا , وطموحه لأن يكون أكثر من مجرد عامل يقطع اللوز والزيتون , وعن هربه من البيت في الخامسة عشرة من عمره وذهابه الى برشلونة حيث أشتغل خادما في أحد المطاعم , ثم أصبح تلميذا لعازف غيتار يشبه الملاك ولكنه يعيش كالشيطان.
وقال ريك:
" لدي فقط نصف مواهب ذلك الرجل , ولكنني أستغلها كل الأستغلال , وعندي طموحي أيضا , أفكر في جمع المال حتى أذا صرت غنيا أشتريت بيتا كبيرا فيه أشجار اللوز وفيه نوافير , وسأكون رجلا له زوجة وعائلة".
أبتسمت أيفين وقالت:
" أنت تذهلني يا ريك".
" أنت نظنينني بلاي بوي , أنني أسباني قبل أي شيء آخر , ونحن نأخذ الحياة بروح جادة برغم أننا نغني ونحتفل كلما سنحت لنا الفرصة , الليلة سترين كيف نمرح , وسأعلمك كيف ترقصين كأسبانية".
" هل سنذهب الى الكنيسة لنرى حفل الزواج؟".
" سنذهب طبعا يا عزيزتي".
كانت الشموع الطويلة تضيء فوق مذبح الكنيسة , ونورها يرسم هالة حول العروسين الواقفين أمام القسيس وهما يتمتمان القسم , وكان كل شيء داخل الكنيسة يوحي بالخشوع , وأخذ الحضور يركزون أبصارهم على العروسين.
وتأملت أيفين وهي صامتة ومأخوذة , بينما كانت طرحة العروس البيضاء تنبسط فوق كتفي العريس الواقف بجوارها , وذلك جزء رمزي من الأحتفال , معناه الوعد بأن تخضع العروس له بالمحبة والوفاق , بعد ذلك وضع في يدها خاتم الزواج , وبنظرة خجولة الى وجهه وضعت خاتما في يده , هذا التبادل للخاتمين رمز تحالفهما , وأذا بتنهيدات الرضى تعلو وسط جموع الحضور.
كان دخان الشموع يختلط برائحة القرنفل عندما أعلن القسيس أنهما أصبحا رجلا وزوجة , وأبتسم الشاب الأسمر وضغط على اليدين اللتين تحملان زهر البرتقال , وكتاب صلاة مغلف بالصدف ومسبحة , كانا خجولين الى حد لم يقبّل أحدهما الآخر أمام الناس , ورأت أيفين أن العروس تمسح دموعها بمنديلها , أن قسم الزواج رباط مقدس , ولا أفتراق فيه عند الأسبان , وقد نظر كل من العروسين للآخر نظرة أمل وثقة وفرح.
كانت الشمس عند الغروب في لون البرتقال والذهب المتوهج , عندما خرج الضيوف من الكنيسة سعداء وركبوا العربات الغريبة اللامعة التي أستأجرها والد العريس , وكانت الأجراس ترن حول رقاب الخيل وهي تتبع عربة العروسين الى بيت العريس , وكان بيتا قوقازيا ريفيا في التلال , بجدران عالية وفناء فسيح تضاء فيه القناديل أول الليل وتزدان أغصان شجر الدفلى والسرو بأضواء خافتة.
تمايلت أثواب الفلامنغو الأسبانية الواسعة تحت الخصر , بينما راح الشبان يرفعون الفتيات من العربات , وكان الشبان يرتدون الثياب السوداء الأنيقة والقبعات العريضة , وجاء بعض الضيوف على صهوات الخيل , وشعرت أيفين كأنما عادت الى الوراء قرنا أو يزيد , الى أيام الأسبان القدامى وفرسانهم وقبعاتهم.
وأبتسم ريك وهو يصحب أيفين عبر الفناء ليقدّمها الى والدي العروسين , كانت أيفين ترتدي منديلا مطرزا زوّدها به مدرّسها من خزانة ثياب راكيل , وحظيت بنظرات الأعجاب من أم العروس وأم العريس , وكانت كل منهما تضع في شعرها مشطا عاليا يزدان بالأحجار الكريمة.
في مناسبات كالزواج تتزيّن الأسبانيات الكبيرات بما لديهن من حلي وجواهر أكثر من العروس , وأخذت المراوح تهتز في الأيدي والعيون تتلألأ , وأنحنى شبان كثيرون على يد أيفين وهم يهمسون بالسرور العميق لتعرفهم بالأنكليزية , وأسرعت دقات قلبها وهي تجيبهم بالأسبانية المترددة وهم يستجيبون بأبتسامات السرور لأنها تعلّمت لغتهم , كانت تبتسم وتقول:
" وجدت لغتكم وموسيقاكم وحفلات أعراسكم ساحرة للغاية".
ولعله كان يمكنها أن تضيف أنها معهم تعيش من جديد صباها يوم كان والدها يحملها على كتفيه لكي تحضر حفلات الرقص الريفي في البراري في كومب سانت بليز حيث تلهو مع الصغار.
وهنا في حفل دوريتا والفارس , كان الصغار يندفعون حول الأشجار المزيّنة بالأضواء الملونة , ويقبضون بأيديهم قطع الثلج أو البرتقال , ويرتدون أبهى الثياب ذات الكشاكش والسترات السوداء.
تطلعت أيفين حولها وجعلها المرح الكثير تتساءل عما إذا كان المركيز يتناول عشاءه هذه الليلة بمفرده , هل هو وحده في القلعة , أم هو مع راكيل التي تلف حوله ببطء شباك جاذبيتها؟ ترى هل وقوفه الى جانب عروس متلألئة وتقبله التهاني أصبح وشيكا ؟ الآن وقد شاهدت عرسا أسبانيا , يمكنها أن تتخيّل صورة المركيز بقامته الطويلة أمام هيكل الكنيسة والخاتم الذهبي اللامع في أصبعه بعدما يكون قد وضع الخاتم للعروس في أصبع يدها المصبوغة الأظافر , وبعدئذ ترتسم الأبتسامة على شفاه راكيل لأن خاتمه وقسمه يجعلانها مركيزة , وهي ستحسن آداء دور المركيزة.

نيو فراولة 13-08-11 11:32 PM

ولكن ما يرمز اليه بسط طرحتها فوق كتفي دون جوان لن يكون له معنى حقيقي بالنسبة اليها , أنها لن تخضع له أنطلاقا من حب حميم صادق .
أخرجها ريك من أفكارها أذ سحبها من ذراعها قائلا:
" هيا نتناول شيئا من الطعام قبل أن يطلبوا أليّ العزف والغناء".
ورافقته نحو المائدة العامرة بألوان شتى من الأطعمة القروية الشهية , وأختار كل منهما في طبقه ما راق له.
بدأ شاب وفتاة رقصة الفلامنغو على مهل , وكانت الموسيقى الوحيدة هي طقطقة الكاستانيت بين أصابع الفتيات ونفر خطوات الشاب الضيقة , ثم تسارعت خطواتهما الى أن دار كل منهما حول الآخر , وأخذ ذيل ثوب الفتاة الملون المتعدد الثنيات يمس سروال الشاب الذي يراقصها , وأخذت الموسيقى إيقاع رنات الكاستانيت ونفرات الكعوب , وبين الحين والآخر وكقلب يوقف أحدى خفقاته , تتوقف الموسيقى ويواجه الشاب فتاته بشدة , وهكذا دواليك تواصل الرقص تحت أضواء الفوانيس والنجوم.
أعجبت أيفين بالرقص , وكانت كالحالمة لا تريد أن تفكر في أي شيء يتخطى ليلة العرس , لم تكن تريد أن تواجه الغد والواقع.
منتديات ليلاس
أرتشفت بعض عصير الفاكهة الذي ناولها أياها ريك وقالت:
" شكرا لأنك دعوتني الى هذا المكان الليلة , حسنا فعلت , فما كنت لأضيّع هذه الفرصة".
" تتحدّثين كأنك لن تشاهدي أي عرس أسباني آخر بعد هذه المرة".
" ربما أحضر عرسا آخر , ولكن المرة الأولى لها سحرها وروعتها".
" مثل الحب الأول".
كانت أضواء الفوانيس تنفذ الى أعماق عينيه قبل أن تقول له:
" أتوقع تحطّم المرة الأولى في حبي".
عبثا حاول أن يقرأ في عينيها الواسعتين اللتين تزايد سحرهما الليلة سر تخوفها , فتعجب وقال:
" جميع هؤلاء الناس يعتقدون أننا حبيبان , الأسباني لا يعرف شيئا أسمه الصداقة بين رجل وفتاة , حب أو عاطفة فقط".
"ولكننا أصدقاء!".
" لا تكوني بمثل هذه البراءة يا أيفين , الصديق بالنسبة الى الأسباني هو الشخص الذي يناقش معه السياسة وحفلات مصارعة الثيران".
" هل جئت بي هنا عمدا , حتى يعتقد كل شخص أننا أكثر من صديقين؟".
" هل تعنين أنني عرضتك للفضيحة؟".
قال ذلك وأطلق ضحكة صغيرة ولمس خدّها قبل أن تمنعه , وأضاف:
" مسألة كهذه تتطلب أكثر من هذا يا صغيرة , قولي أنني قضيت ليلة معك بمفردنا مع وجود شاهد على ذلك , وعندئذ يكون لزاما عليّ كأسباني أن أتزوجك , وإلا تكونين فتاة ملطخة الأسم , لا تجد رجلا آخر يريدها زوجة له".
دقّ قلبها بقسوة وسرعة وقالت:
" تقصد أن أحدا لا يصدق براءتنا؟".
" وهل يمكن أن تكون مثل تلك الليلة بريئة؟".
" نعم , أذا كان الرجل شخصا شريفا".
ضحك ريك وقال :
" لا بد أن يكون من حجر , في كل حال , الأمر سيّان حتى أذا كانت ليلة بريئة , سيتوجب عليه مع ذلك أن يتزوج الفتاة ويتركها تنضم للأشباح".
رددت أيفين:
" الأشباح؟".
" نعم , هذه عبارة تقال عن الفتيات المتروكات على الرف".
" هل تعني حقا أن الأسبان يمكن ألا يتسامحوا هكذا أتجاه فتاة منيت بورطة بسبب قوة خارجة عن أرادتها أو سيطرتها؟".
" للأسبان قواعد صارمة تتعلق بالشرف , وعليك أن تتذكري أن حواء هي التي أغوت أول رجل ".
" أيها الرجال المساكين , لا بد أنه من الصعب عليكم التعرض لخطر كهذا".
ضحك وقال :
" صحيح , ولكن فكري في اللذات التي كنا سنفتقدها بدون وجود الجميلات".
" أظن أن حواء ضيّعت علينا المبادرة لقيامها بالأغواء , إنها جعلت آدم يعتقد أنه جائزة علينا نحن النساء أن نفوز بها , ومنذ الخروج من الجنة وهو يتصرف كأنه ورقة اليانصيب الرابحة في حياة الفتاة".
قال ريك بدون خجل:
" هذا صحيح بالنسبة الى معظم الفتيات , وأنت هل تريدين العيش في الحياة بدون رجل يحبك؟".
أستدارت أيفين لتنظر الى العروسين وقد غمرتهما السعادة وأحاط بهما الأصدقاء , حتى أن أيفين تمنت أن لا تحجب واقعية الزواج نور النجوم الذي يتلألأ في عيونهما , أنهما متحابان....... ومعظم الناس يريدون أن يكونوا محبوبين , وبدون ذلك تبدو الحياة فارغة في جوانب كثيرة.
وفي هذه الأثناء بدأ الضيوف في طلب ريك ليعزف لهم , وسرعان ما أشتد سحر الموسيقى مع شذى الزنبق الذي سحقته الأقدام وبريق الفوانيس والأضواء الملونة على الوجوه الأسبانية المجتمعة في الفناء.
شعرت أيفين بالترحاب وسط هؤلاء الناس , كانوا أشبه بصورة مطرزة في لوحة من السجاد القديم , كانت وجوههم من النوع الذي لم تفسده الحياة العصرية بضغوطها ومشاقها , وعيونهم يقظة ومتقدة , وبدا كأنهم يضعون كل قلوبهم في الأستمتاع بالموسيقى وينعمون بها كأنها العسل المصفّى , وسرعان ما تشابكت الأيدي في حلقات كبيرة وبدأوا يرقصون.
منتديات ليلاس
كانت رقصة جديدة بالنسبة الى أيفين وقد أحبتها , وكان الجميع على أستعداد لتعليمها كيف تقوم بخطوات قصيرة ثم تليها خطوات طويلة , الى أن ألتقطت إيقاع الرقصة وأحست بسحرها.
هل مضت ساعة أم ساعتان قبل أن تجد نفسها وحيدة تهز منديلها طلبا للأنتعاش ؟ كان بريق القمر في عينيها وجمال السماء ينجلي من خلال الشجر , الليلة وجدت ملاذا صغيرا كاد يطمس أدراكها بأن عليها عما قريب أن تغادر جزيرة القلوب الحنونة والأيام المشمسة والليالي الساحرة.
لحظات وتنتهي الموسيقى ويعود ريك للبحث عنها , ويجدها بفضل هذا العرس السعيد الجميل مستعدة للتغاضي عن تحرشاته.
عاد كظل مخملي , وكنمر يستعد للأنقضاض على فريسته , وأقترب من الشجرة التي تستند اليها , وقال:
" على المرء ألا يغيب نظره عنك وإلا أختفيت".
" منذ فترة كنت تحثني على الحب".
" أظن أن عليّ الآن أن أضعك في مزهرية فضية أنيقة وأعجب بك ".
ضحكت وقالت:
" فوق الرف".
وضحك معها وقال:
" تعالي , إن العروسين على وشك أعطاء حلوى من شجرة الأس الموينة خصيصا لهما".
وضع يده في يدها وسارا مع بقية الضيوف المتجمعين حول العروسين لمشاهدة العروس والعريس وهما يقدمان الحلوى لكل شاب وفتاة من الضيوف , وكانت أيفين مشغولة بروعة اللعبة حتى أنها فوجئت لما وجدت العروس دوريتا تقدم لها قطعة من الحلوى بينما العريس الفارس يقدم قطعة أخرى الى ريك , وأنطلقت الضحكات , وما من أحد علت وجهه الدهشة مثل أيفين , وبينما هي تستدير ناحية ريك شد أنتباهها وجه أمرأة في ضوء الفانوس , كان وجه العجوز التي نامت هي ودون جوان في كوخها ليلة الضباب , ذهلت , كانت تلك العجوز جزءا من حلم أنطمست معالمه , ومع ذلك كان وجهها لا ينسى.
كانت العجوز تحمل أبريقا من عصير الفاكهة وتتولى توزيع أكواب منه على الضيوف , لا بد أن أصحاب العرس أستأجروها لخدمة ضيوفهم , ولا بدّ أن أيفين كانت مفتونة بالحفل الى حد أنها لم ترها إلا الآن.
أبتسمت في تردد بينما كانت العجوز تنظر اليها , كان المتجمعون حول أيفين يقولون :
" لا تخجلي , يا آنسة , كلي الحلوى!".
ولكنها لم تستطع , لق جف حلقها وأشتد نبضها , ولم تكن تهتم لأحد غير تلك العجوز ذات الثوب الأسود , التي أقتربت منها وقالت:
" هل أستطيع أن أقدم كوبا من العصير للسيدة ؟". وأضافت بعد أن أقتربت أكثر : " آمل أن يكون زوج السيدة في خير حال ؟ أنه سيد شريف , كان سخيا بنقوده في تلك الليلة التي قضيتمونها في بيتي".
وفيما كان الأشخاص المحاورون لأيفين يحملقون فيها والفضول يملأ عيونهم , قاطعها ريك قائلا:
" أنت مخطئة , رفيقتي ليست متزوجة".
تطلّعت العجوز الى وجه أيفين الشاحب وقالت:
" أذن لا عجب في أن السيد كان سخيا فيما دفعه لي".
سألها ريك وكأنه ينفث نارا:
" ماذا تعنين يا عجوز؟".
" الأفضل أن تسألها هي يا سيدي".
وأبتعدت المرأة كروح خبيثة , وتأوهت أيفين من الألم عندما أمسك ريك معصمها وضغط بأصابعه بشدة:
" هل فهمت ما قالت ؟".
" لقد فهمت أيفين بوضوح من وجهه, أن سرّها – مع دون جوان – قد أفتضح , فقالت:
" نعم , فهمت بعض قولها".
بدا الشر في عينيه وهو يمسك بها من معصمها ويبعدها الى مكان معزول في الفناء :
" أريد منك تفسيرا أذا كنت لا تمانعين , مع من أمضيت ليلة في الكوخ العجوز , ولماذا قدّمتما أنفسكما كزوج وزوجة ؟".
جذبت أيفين معصمها من قبضته:
" أخشى أن لا أستطيع أن أخبرك.....".
" أنا أصر على أن أعرف!".
" وأنا أرفض أن أخبرك".
كانت ترتعش إذ شعرت فجأة أن العرس لم يعد له جاذبيته بالنسبة لها , واتت تريد شيئا واحدا فقط وهو العودة الى القلعة فقالت:
" بغض النظر عمّا ألمحت اليه المرأة العجوز , كانت تلك الليلة في كوخها بريئة ونتيجة لظروف خارجة عن أرادتي أو .........".
وتوقفت كاتمة الأسم الذي لا يجب أن يذكر ...... أسم الوصيّ عليها , لا يجب أن يعلم أحد , لأن ريك قال منذ برهة أن على الأسباني الذي يعرّض فتاة للفضيحة أن يعيد لأسمها طهارته بالزواج منها ! قالت بتوتر:
" أظن أنه يجب عليّ أن أترك المكان".
أعترض سبيلها حيث كانت واقفة بين بعض الأشجار , وقال لها :
" كلا , علينا أن ننهي هذه المسألة , لا يمكننا أن نمشي ونتظاهر بأنها لم تحدث , علينا أن ننهي هذه المسألة , لا يمكننا أن نمشي ونتظاهر بأنها لم تحدث ! أريد أن أعرف أسم هذا الرجل ........ أن هويته يمكن أن تبيّن أذا كانت الليلة التي قضيتها معه كانت بريئة كما تقولين , أريد أن أصدق براءتك".
شعرت ببرودة نسمة منتصف الليل على ذراعيها العاريتين وقالت:
" هذه شهامة منك , ولكنك بعجرفة الرجال تضع شروطك قبل أن تبرهن عن شهامتك , آسفة يا ريك , لا أستطيع أن أخبرك بأسم شريك في المحنة , وعليك أن تظن ما تشاء......".
" هل كان هو دون جوان , لسبب ما؟".
تسمرت لحظة وظنت أن آهة كادت تخونها وتنطلق منها , ولكن الواقع أن الصدمة جمدتها , وكان عليها أن تبذل جهدا لكي تجيبه , فقالت :
" ما هذا الذي تقوله ! لو كان دون جوان يريد مني شيئا , لما أحتاج لأن يأخذني الى بيت شخص آخر ليلا !".
وأبتعدت عن ريك وقد آلمها أنه أجبرها على أن ينتزع تلك الكلمات منها.
" أذن من يكون ؟".
سألها ريك بصوت متذمر , وهو يقف أمامها متوترا , وكأنه على أستعداد للأنقضاض عليها لينتزع منها أسم الرجل الذي تحميه :
" أذن أي رجل آخر تعرفين على هذه الجزيرة ؟ فيما عدا السيد فونسكا؟".
زحفت برودة أطرافها الى صوتها وهي تقول :
" هل تتهم الآن أستاذي ؟ ريك , هل هذا يهم , ألا تصدق أنه لم يحدث أي سوء؟".
" ولماذا تحمين الرجل بكل هذا العناد؟".
تنهدت وقالت :
" أنت الشخص العنيد يا ريك , نسيت الأحد الذي كنا نتنزه فيه بالسيارة ثم تشاجرنا , لقد قابلت شخصا آخر لا تعرفه ".
كانت نصف الحقيقة هذه محاولة يائسة منها لتغطية الوصي عليها, وتجنبيه التعرض للفضيحة , أن أخلاقيات هؤلاء الناس الصارمة ذات أثر عكسي أذ تثير الفضيحة , وأن آخر شيء تريده هو أن تسوء صفحة دون جوان في نظرهم , أنه ليس قديسا ولكنه يعتبر مثالا للشرف والشجاعة والكياسة , ولعله قد يرى نفسه ملزما على الزواج منها أذا شملتهما الفضيحة.
تلاقت عيناها مع عيني ريك تحت ضوء القمر فرأت الغضب المحير ينعكس عليهما , فقالت محاولة أن تخفف عنه:
" سامحني لأنني حطمت أوهامك عني , يجب أن تصدق أننا أوينا الى أول سقف وجدناه , كان طيا ومهذبا وسأكون دائما ممتنة له".
" هل أنت مغرمة به؟".
بهرها السؤال , وكان عليها ألا تتخاذل أمام الأثارة , فضحكت وقالت:
" أن المرء لا يقع في حب شخص غريب , وإلا واجه تجربة مرهقة للأعصاب , ومع ذلك فلن أنساه بسهولة".
" لا أفهم كيف تسمحين لغريب أن ينتحل صفة الزوج لك !".
" أن المرأ العجوز هي التي أفترضت ذلك .... وقد ظن أن لا أهمية لذلك في تلك الظروف".
قال ريك:
" كم هو قصير النظر , أن تلك العجوز قد رأتك ثانية وفضحتك , وجميع أصدقائي سيعتقدون أنك فتاة مغامرة".
تفحصت وجهه تحت ضوء القمر , ورأته عابسا حانقا كأنه طفل وجد عيبا في لعبة أحبها , فقالت:
" وهل أنت تتأثر الى هذا الحد بظنون الآخرين ؟ أنك أسبني متزمت , أليس كذلك يا ريك ؟ ويبدو أنني كاللواتي مكانهن الرف".
" لا تحولي المسألة الى مزحة !".
أبتسمت وقالت :
" من الأمور المسلية أن أعدو أمرأة موصومة بينما كنت من بضعة أسابيع زهرة على الجدار..........".
أمسك بكتفيها وهزّها وقال:
" أيفين , أن الفضيحة تنتشر هنا في هذه الجزيرة أنتشار النار , وسيبدأ الناس بالتهامس عنك , ألا تهتمين؟".
منتديات ليلاس
أن أكثر ما تهتم له هو ألا يكتشف أن دون جوان كان الرجل الذي قضى معها الليلة في غرفة واحدة في الكوخ , لقد كان طيبا معها للغاية , وخفق قلبها للتفكير فيه وأرادت أن ترد له الجميل الذي طوّقها به , والأشياء التي أعطاها لها وخاصة أسابيع الدراسة مع والد راكيل , وفكرت في علاقته الرومانسية مع راكيل..... وأرادت لحظة أن تنحي هذا التفكير جانبا, قالت:
" أود أن أعود الى البيت , فقد أنتصف الليل وبعض الضيوف يخرجون".
وكانت الكلمات قد تجمّدت على شفاه ريك , فنظر الى وجهها الحزين الجذاب والقمر في عينيها , وشعرها الذي أنساب على كتفيها بعد الرقص , منذ فترة كانا سعيدين ......... وقد أعطاهما العروسين الحلوى .
ودّعا أهل العروسين , وغادرا المكان في سيارة صديق , وشعرت أيفين بالراحة عندما لاحت في الأفق أبراج القلعة وقد أفاض القمر عليها أنواره , وأحست مثل سندريللا التي توجهت الى الحفلة الراقصة كلها سعادة ثم عادت الى البيت والدمع في عينيها.
ودّعت ريك وصديقه في السيارة ثم أسرعت الى فتح باب القلعة الجانبي , وما أن أغلقت الباب وراءها حتى أبتعدت السيارة.

نيو فراولة 13-08-11 11:34 PM

8- وقعت في حب الجزيرة!




كانت المصابيح الفراشية الشكل تشع أضواؤها الخافتة في الباحة عندما عبرت أيفين الممشى الذي قادها الى داخل القلعة , وكانت الفراشت الخضراء تهيم حول الشجر , وأحد الضفادع ينق في حوض النافورة , والقمر ينساب في سمائه ساطعا ويلقي نوره كغلالة فضية رقيقة على كل ما تحته في الليل الساكن .
وبينما هي واقفة تتأمل طبيعة الليل تناهت الى سمعها موسيقى البيانو من القلعة , كانت الموسيقى تتسلل ناعمة وحزينة , وشدّتها الموسيقى فوجدت نفسها عند باب الغرفة الذهبية المفتوح جزئيا , توقفت وأصغت , كان الوقت متأخرا جدا والقلعة ساكنة , كأنما هناك شبح في غرفة روزاليتا يعزف مقدمة شوبان , كان يعزف وحيدا في سكون الليل حتى أن أيفين ترددت في النظر الى داخل الغرفة.
خفق قلبها بهدوء , وأخيرا تشجعت وخطت الخطوات القليلة التي مكنتها من رؤية العازف , كان فوق البيانو شمعدان يهتز لهب شمعتيه راسما ظلالا على وجه دون جوان.
تابع عزفه كأنما يتجاهل حضورها وإن كانت تعرف بغريزتها أنه شعر بوجودها , ولكنه مستاء منها , وكأنما سرعة دقات قلبها قالت لها أنه كان ينتظر عودتها الى البيت , وكان من الواضح من ثيابه وربطة العنق الحريرية أنه لم يذهب الى فراشه.
وعندما قاربت موسيقى مقدمة شوبان على الأنتهاء , كانت سرعة دقات قلبها قد جعلتها تشعر بأغماء , أرادت أن تبتعد وتتراجع عنه ولكنها لم تستطع , أرادت أن تتحدث ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها , إنها على أستعداد أن تفعل أي شيء , أن تركع عند قدميه أذا لم يعاملها كطفل تأخر خارج البيت ولا بد من أن يؤنب وينال عقابه.
غمر السكون الغرفة , ثم أستدار ببطء لينظر اليها , كان وجهه شاحبا وزاد من شحوبه القميص الحريري القاتم وربطة العنق , وشدّتها عيناه ورأت فيهما وميض الغضب , سألها بلهجة لاذعة:
" تعرفين كم الساعة؟".
قالت وصوتها يرتجف :
" أعرف ..... أنني متأخرة , كنت مدعوة الى عرس في الكنيسة , وأقيمت بعد ذلك حفلة للعروسين ولم نغادر المكان إلا بعد منتصف الليل....".
" أعتقد أنك تقصدين أنت ومانريك كورتيز ؟".
" نعم يا سيدي".
" كان العرس مرحا , وزاهيا فشق عليك مغادرة الحفلة ؟ وكان هناك موسيقى ورقص , ويبدو عليك أنك أستمتعت بالرقص".
" أحب الرقص , وهل من العيب يا دون جوان أن أستمتع بحفل عرس ؟ هل أنا صغيرة وبلهاء لئلا يوثق بي في أي مكان إلا هنا أو في دروسي؟".
نظر الى وجهها وثوبها والمنديل المطرز الذي يغطي كتفيها:
" أنت لست في عمر يسمح لك أن تبقي في الخارج الى ما بعد منتصف الليل , والآن أدخلي وأغلقي الباب , أرجو أن تخبريني من هم أصحاب العرس , لا بد أنهم أصدقاء كورتيز؟".
أحمرت وجنتاها وهي تغلق الباب بكل طاعة ووقفت أمامه موقف الدفاع , وقالت :
" كانا ألطف عروسين , وقد أقيم الحفل في فناء دار واسعة في التلال يملكه والد الفارس العريس ويدعى السيد فيلاردي".
" أذن هو رجل له مكانته في الجزيرة , يسرني أن كورتيز أخذك الى أناس يمكنني الموافقة عليهم , فأنني سمعت أنه ليس دائما بلشخص الذي يوثق به".
تعجبت أيفين وقالت:
" أنت تتشدد ! وأنا لست بفتاة عاشت في دير ويتوجب حراستها , أنت تنسي يا سيدي أنني أشتغلت خادمة وكنت أقوم بخدمة الضيوف في حفلات بيت آل ساندل الريفي , وكان تغييرا لطيفا أن أكون الليلة ضيفة في حفلة !".
" يسرني أنك قضيت ممتعا , ولكن كوصي عليك لي الحق أن ينتابني القلق عندما تعودين الى البيت متأخرة".
تفحصت وجهه في ضوء الشموع , لم يكن قلقا عليها , وإنما كان متضايقا , فقالت بعنف:
" لا حاجة بك لأنتظاري إلا أذا كنت تشعر بضرورة تأنيبي".
" أنا لا أؤنبك يا صغيرتي".
إبتسمت وقالت :
" ولكن الحال أشبه بذلك , وعبوسك شديد حتى لم تعد لي قدرة على الوقوف , وإذا بقيت هكذا فمن المحتمل أن أنهار على السجادة من الخوف !".
ضحكت شفتاه وقال :
" أظن أنني نسيت ما معنى أن يكون الأنسان صغيرا وينسى الوقت مع رفاقه , ونسيت أنك لم تشهدي أبدا عرسا أسبانيا وأنك كنت مفتونة به , أخبريني أي مشهد أعجبك أكثر من غيره".
وبعد ذلك حرّك ساقه وهو ممسك بعصاه الأبنوسية التي لا تبعد عن يده.
عادت تتذكر الكنيسة والشموع , وطرحة العرس المطرزة التي بسطتها العروس على كتفي العريس وتبادل خاتمي الزواج, وقالت :
" الأحتفال ذاته يا دون جوان".
وفجأة , وبخفة الشباب , ركعت ومدّت مقعدا بثلاث قوائم تحت ساقه اليسرى , ونظر اليها فغابت في أعماق عينيه , فسألها:
" لماذا فعلت هذا؟".
أجابته وهي راكعة أمامه وثوبها يشبه بركة خضراء من حولها , وشعرها يتدلى حول عنقها ووجهها يتطلع اليه من أسفل وقد بدا شاحبا في ضوء الشموع , وفي عينيها خجل لأنها أخيرا تجرأت وحدّثته عن ألمه.

" أنا حادة الملاحظة ".
" وأنت مترفع جدا- دائما – الى حد لا تبوح فيه بما يؤلمك يا سيدي".
" قد أصبح عبئا ثقيلا يا أيفين أذا تأوهت في كل مرة أشعر فيها بوخزة ساقي , لقد أعتدت العيش بها , وعليك ألا تدلليني".
أبتسمت وقالت:
" ينبغي لنا جميعا أن ندلّل بين حين وآخر".
أنحنى الى الأمام , وأمسك معصمها بأصابعه الطويلة , فأنفعلت لرد الفعل المباغت ..... والرعشة التي تغلغلت في عظامها , وقال:
" أيفين , لا تفكري في العبودية مرة أخرى , أنت لست مدينة لي بأي شيء , وعلى الأخص عطفك, هل فهمت؟".
أطلقت زفرة مهزوزة وقالت:
" نعم فهمت , يمكنني أن آخذ منك أشياء لأن عندك المال , ولكنك ترفض أي ذرّة من الأمتنان أسديها لك , ليس هذا بكثير , ولكنه كل أملك".
إبتسم على نحو غريب عندما قالت ذلك:
" إن بريق عينيك يجعل المرء يظنك فتاة أسبانية , ستجدين بالقرب من النافذة البعيدة أبريقا فيه عصير البرتقال , وفي الخزانة المجاورة للنافذة عدد من الأكواب".
هبّت واقفة وأتجهت الى النافذة ذات الستائر الحريرية , وأنهمكت في ملء كوبين من العصير , وسرى في كيانها خاطر كالعاصفة وهو أن دون جوان قد يتحطم أذا هو أحب أمرأة لا يفهما , ولم تستطع أن تصدق أنه أحب راكيل فونسكا بمثل هذا النحو , أن راكيل لن تقلق أذا هو فعل ذلك , وهي تسعى لأشباع فضولها , وتريد أن تحظى بأعجاب الرجال الآخرين الموجودين على شرفة نادي هيدالغو أما هي فستكون قانعة ..... وسعيدة جدا أذا هي نعمت بحب مركيز الجزيرة.
حملت أيفين عصير الفاكهة الى حيث يجلس دون جوان , كان حقيقة ماثلة أمامها ومع ذلك بدا في الوقت ذاته مجرد جزء من الحلم الذي ستحمله معها وستتذكره هنا كجزء من السحر الأخاذ لغرفة المرايا الذهبية ,والبيانو بأطاره الرائع , ولوحات الوجوه الأسبانية المرسومة على خلفية ذهبية.
وقدمت له الكوب : " ها هو ذا يا سيدي ". وودت لو يعزف مقطوعة أخرى , فهمست:
" ليتك تعزف شيئا آخر قبل أن أسرع الى النوم".
شدّتها عيناه وهو يقول :
" ألم تسمعي ما يكفي من الموسيقى هذه الليلة ؟ أنا واثق أن كورتيز عزف لك بغيتاه وليس من آلة أخرى تعطي روعة الحس الأسباني مثلها".
وتعلقت عيناها بالغيتار المعلّق بالأشرطة القرمزية الى جواره صورة روزاليتا , في إمكانها أن تتصور دون جوان صبيا جالسا عند ركبة أمه يستمع اليها وهي تعزف له وتغني عن الأرض التي فرت منها ..... سألها:
" أي شيء تريدين سماعه؟".
نظرت اليه وعرفت أن المعزوفة لا بد أن تكون شيئا لا تنساه.
" أعرف لي شيئا تهواه".
" حسنا يا أيفين".
وضع الكوب جانبا , وجلست هي بين وسائد مقعد مريح , وأسرعت دقات قلبها من نشوة وجودها معه , وأغمضت عينيها عندما شرع يعزف , وكانت هي الموسيقى التي كان يمكن أن تختارها , حلوة وحزينة , حزن عاشقين يتحتم عليهما الأفتراق.
عزف مقطوعة حب تريستان وايزولد , وطوال عزفها كانت أيفين تشعر وكأن أمه موجودة في الغرفة , أن روزاليتا كانت تتخذ من هذه الغرفة ملاذا لها من برودة أهل زوجها , في هذه الغرفة كانت تنتظر عودة زوجها اليها من أسبانيا , وأخيرا فرت لتنضم اليه , وقد حاربا معا في التلال كمحازبين , ومات في التلال فرحلت بأبتها بعيدا جدا , وعلمته , أن يحب الموسيقى ..... ولكنها علّمته أيضا أن يكون حذرا من الحب.
نظرت أيفين الى صورة روزاليتا , بدا لها كأنما عيناها تلتقي بعينيها وتحدثها قائلة أن الحب الكثير قد يجلب لها وجع القلب , وأن عليها أن تنتبه قبل أن تصبح حياتها تعسة بسبب حب لم تخلق له.
وتوقفت الموسيقى بهدوء وأدركت أيفين أن الدمع يبلل عينيها وأغمضتهما وأبعدتهما بسرعة قبل أن يستدير دون جوان لينظر اليها , كانت عيناه تشبهان عيني أمه في الصورة , والموسيقى التي عزفها عن حب محرم , لعله أخبرها بطريقته الناعمة أن عليها أن تتركه مثلما جاءته الجزيرة ضالة , سألها :
" هل أعجبتك المعزوفة التي أخترتها لك؟".
هزت رأسها :
" كانت جميلة يا سيدي , مثل اللحظة التي بسطت فيها العروس طرف طرحتها على كتف زوجها , شيء خاص جدا للذكرى".
" تعرفين معنى هذا الجزء من مراسم الزواج؟".
أعتقد أن ذلك يعني أن العروس تسلم ذاتها الى سلطة الزوج , يبدو أنه يعني شيئا من هذا القبيل , وكان شيئا جميلا , الطرحة البيضاء على سترته السوداء وشعرها الأسود يربطهما معا".
" أن قسم الزواج الأسباني رباط أبدي يا أيفين , على الأرض وفي السماء , وسواء كانا معا أو كانا مبتعدين , لهذا السبب يجب على الرجل أن يكون على ثقة , ويجب على الزوجة ألا تتعامى عن الأشياء الأخرى الخارجة عن نطاق الحب , وعليها أن تشعر نحو الرجل بأكثر من الأعجاب أو العاطفة وبأكثر من الأمتنان لأنه ربما كان طيبا نحوها , في البداية يكون التألم في الحب أكثر من السرور به".

نيو فراولة 13-08-11 11:36 PM

لم تستطع أيفين أن تقرأ التعبير المرتسم على وجهه , ففي تلك اللحظة أنطفأت أحدى الشموع , ولكن حديثه عن التألم في الحب معناه أنه يشعر به , وأنه واقع في الحب , وأنه سيتزوج ليس فقط من أجل أنجاب وريث يحمل أسمه , سيتزوج من أجل الزواج نفسه لأنه يريد المرأة أكثر من أي شيء آخر على الأرض.
وأخيرا بدت الغرفة باردة , وشعرت أيفين برعشة , وأخذ ضوء الشموع يذبل , فنهضت من مقعدها المريح وقالت :
" الوقت قد تأخر جدا , ربما يغشاني النوم أثناء دروس الغد".
" أجل , على كل منا أن يأوي الى فراشه".
ومد يده ليلتقط عصاه , ولكنها زلقت من يده ووقعت على الأرض ,وفي لمح البصر أسرعت أيفين الى الأمام لكي تلتقطها , وقدمتها اليه بأبتسامة تلاشت في الحال بعد نظرته القاسية اليها وهو يأخذها , نظرة قاسية كأنما ضربها بالعصا.
تراجعت حائرة خائفة وهو يقول :
" أذهبي الى غرفتك !".
فقالت والكلمات ترتعش على شفتيها:
" ألا تقول طاب مساؤك؟".
" طابت ليلتك , في المستقبل أحتفظي بشفقتك ولا تستعيدي الأشياء التي تسقط مني كأنما أنا عاجز ضعيف !".
أجابته :
" آسفة".
ولكن كلماته جرحتها وخنقتها دموعها وهي تجري خارجة من الغرفة , وصعدت الدرج المؤدي الى غرفتها , لم يكنطيبا أطلاقا , بل كان متكبرا وقاسيا وأرادت أن تغادر بيته ! أرادت أن تبتعد أميالا , وغدا سوف تطلب من السيد فونسكا أن يرتب لها الذهاب الى مدريد بأسرع ما يمكن , هناك تحصل على عمل وتعيل نفسها , محاولة أن تنسى المركيز وقسوته بالأبتعاد عنه.
منتديات ليلاس
نامت نوما متقطعا وكانت مسرورة عندما أتى الصباح , وقد أطمأنت لأن دون جوان لم يشاركها الأفطار في الباحة , وبحلول الساعة التاسعة كانت في طريقها بالسيارة الى فيللا فونسكا.
وبعدما دخلت الفيللا , جاءتها راكيل عبر القاعة وهي بادية الأضطراب , وقالت:
" والدي مريض , والطبيب معه , عليك أن تعودي يا أيفين الى القلعة , لا يمكنك البقاء هنا لأنني أريد التفرغ للعناية بأبي".
فقالت أيفين على الفور من أجل أستاذها :
" آسفة يا راكيل ! أظن أنه كان متعبا بالأمس والطقس كان حارا , وأعتقدت أن سبب تعبه حرارة الطقس".
علّقت راكيل قائلة:
" كان من حين الى آخر يشكو من وجع جبنه , وقد حذّره الطبيب من رفع الكتب الثقيلة التي في مكتبه , والآن قد أجهد قلبه وعليه أن يرتاح لأسبوع أو أكثر".
شعرت أيفين بحرج وقالت:
" مسكين السيد فونسكا , هل من شيء أستطيع تقديمه للمساعدة , أنا معجبة به كثيرا و....".
قالت راكيل:
" هناك يا عزيزتي خدمة يمكنك القيام بها من أجلي , يمكنك أخذ رسالة نيابة عني الى السيدة غرايسون الأميركية التي وجهت لي دعوة للغداء معها اليوم على ظهر يختها , أنها لطيفة وأحب أن أعتذر لها".
وأنتظرت أيفين حتى كتبت رسالة الأعتذار على مكتب صغير أنيق في صالة الفيللا , كانت مهتمة بالأعتذار عن دعوة الغداء بمثل أهتمامها بأبيها المريض , وشعرت أيفين بتذكرها أن الوالد للفتاة شخص عزيز جدا وأنه ما من أحد يمكن أن يحل محله , ما من رجل آخر في حياة الفتاة يمكن أن يكون لطيفا ومتفهما , وما من حب آخر كان مأمونا وغير متطلب مثل الحب الأبوي.
سلّمتها راكيل مظروفا صغيرا وقالت لها:
" أن الدلفين الأزرق , يخت السيدة غرايسون , يرسو على بعد ميل من الجزيرة , وأحد صيادي السمك يمكن أن يتولى نقلك الى اليخت في قاربه , اليخت سفينة رائعة وكنت أتطلع للتفرج عليه , كما أن السيدة لمّحت الى دعوتي لرحلة على ظهره....".
همست أيفين :
" أن رحلة بحرية هي بالتأكيد فرصة حسنة لوالدك ".
فأجابت راكيل وهي تنظر ناحية سلم غرفة النوم :
" بالطبع ...يحسن بي أن أصعد اليه ".
" أرجو أبلاغه تمنياتي له بالشفاء , وأنني سأفتقد دروسنا".
وقالت راكيل في حدة:
" لا ينبغي له أن يعطي دروسا , أن حمله لتلك الكتب الثقيلة قد أضطرنا الى حمله الى غرفة نومه !".
عضت أيفين شفتيها وقالت:
" لن آخذ المزيد من الدروس , كنت سأتحدث اليه اليوم بخصوص عملي في مدريد , أشعر أنني جاهزة للعمل".
سألتها راكيل وقد خطر لها أن تتنبأ :
" هل تعنين أنك تودين مغادرة الجزيرة ؟ ألست سعيدة في القلعة ؟ أن جوان كان سخيا معك , ولكنني أعتقد أن طيبة الرجل تعني القليل بالنسبة الى الفتاة إذا كانت الطيبة ليست بدافع أهتمام شخصي , أن جوان كريم بطبعه".
جفلت أيفين , لأن أحسان دون جوان هو آخر شيء على الأرض تريده , وضعت رسالة راكيل في جيب سروالها الخلفي ذي اللون الأصفر الشاحب , وحاولت أن تبدو مرحة مثل قميصها البرتقالي الرياضي , وقالت :
" سأحضر غدا أن أستطعت , للسؤال عن صحة الأستاذ؟".
" تعالي إذا كانت هذه رغبتك , وأكدي للسيدة غرايسون أنني آسفة جدا لعدم تلبية الدعوة , أذ عليّ أن أكون أبنة مخلصة وأظل الى جانب والدي".
وقالت أيفين بصدق :
" ليست كل فتاة لديها مثل هذا الأب الرائع , أتمنى له الشفاء العاجل يا آنسة , الى اللقاء غدا".
خرجت مرة ثانية الى الشمس ثم سارت في الطريق المرصوفة بالحصى والموصلة الى الميناء , كان كل شيء في هذا الصباح يفوح برائحة الخوخ , وتكدرت لأن السيد فونسكا قد لزم فراش المرض , أنه يحب جمال هذه الجزيرة المختفية بعيدة عن العالم حتى أن الأساطير القديمة وخرافات السحر لا تزال تعشعش فيها , أحست بالشمس على ذراعيها وهي تعبر الساحة ذات النافورة القديمة التي يعود طراز زخرفتها الى العصر الباروكي , وتجمعات البيوت التي تزخر شرفاتها بالزهور المعلّقة , وكان البطيخ يباع على منصة قريبة من الكنيسة , وتوقفت لتشتري شريحة باردة سرّتها حلاوة طعمها , وذلك قبل أن تصل الى شباك الصيد والصواري الممتدة على الشاطىء.
منتديات ليلاس
كانت تبحث عن بحار يملك قاربا وعنده فراغ من الوقت ليكسب القليل من المال مقابل نقلها الى اليخت , وكان من حسن الحظ أنها تحمل بعض النقود في جيبها , لأن راكيل لم تفكر في أعطائها النقود اللازمة لتأدية مهمتها.
ولمحت أيفين شابا يستند الى نخلة قرب قارب على الشاطىء , وكانت الشمس قد أعطته جاذبية البحار , فأقتربت منه وسألته إذا كان في وسعه أن ينقلها في قاربه الى يخت الدلفين الأزرق , الذي يبدو في لونيه الأبيض والأزرق راسيا على مسافة ميل من الشاطىء.
وألقى نظرة الى ثيابها غير الرسمية وشعرها الذي ينساب على كتفها وسأل :
" هل للآنسة أصدقاء على ظهر اليخت؟".
" معي رسالة للسيدة التي تملك اليخت , وأود أن تعود بي الى الشاطىء بعد تسليمها".
هز رأسه موافقا , وبدأ يسحب القارب وينزله الى الماء , وثبت القارب الصغير الى أن ركبت أيفين وجلست على لوح خشب بشكل مقعد وشعرت بلحظة خوف عندما نزل المجذافان في جمال الميناء ونسمة البحر المنعشة تمسح وجهها وكانت المياه زرقاء حتى كادت تتوقع أنها ستلون أطراف أصابعها عندما تلمسها , والطيور تسبح في الفضاء , وبشرة الشاب السمراء تداعبها خصلات شعره , وقال :
" لا يأتينا كثير من السياح الى هذه الجزيرة , أنهم لا يجدون تشجيعا من المركيز الذي يود أن تبقى الجزيرة بغير تلوث وفساد:,
علّقت قائلة وقد علت شفتيها أبتسامة مرحة:
" أرجو ألا يظن المركيز أنني أفسدت له الجزيرة".
وبنظرة أعجاب جريئة قال الشاب :
" كلا , لو أن جميع السياح في جمال الآنسة , فأنا واثق من أن المركيز سيكون مسرورا للغاية".
" لا أظن".
ثم أطلقت ضحكة مشوبة بشيء من الحزن ولاحظت أقترابهما من يخت الدلفين الأزرق.
" مرحبا".
صاح شاب بلهجة أميركية وكان يرتدي زي البحارة وقد أزاح طاقيته الى الوراء , وأنحنى على جانب اليخت عندما وصل القارب , ولوحت أيفين بالرسالة موضحة أنها تريد تسليمها.
" هيا أصعدي !".
ترددت أيفين أذ كان البحر يموج قليلا حول اليخت , وكان لا بد من أن تحافظ على توازنها لكي تخطو من القارب الى درجة السلم الموصل الى ظهر اليخت.
وسمعت الصوت يقول لها:
" أصعدي ولا تنظري الى أسفل".
وما أن وصلت الى أعلى حتى رفعتها ذراعان قويتان , وضحكت وصافحت عيناها عينين زرقاوين نظر اليها قائلا:
" هذه مفاجأة ! هل يوزعون البريد في هذه الجزيرة بواسطة الحسناوات المحليات؟".
" من دونا راكيل".
تأمل مظروف الرسالة وقال:
" الى والدتي أليس كذلك؟".
أجابت بالأنكليزية :
" السيد فونسكا ليس على ما يرام وقد رأت راكيل أن من الأفضل أن تظل معه , وهي مستاءة بخصوص تغيبها عن المجيء الى اليخت".
نظر الى أيفين ثم ضحك وقال:
"أذن فأنت لست سنيوريتا , أنت سائحة مثلي".
نفدت الكلمة الى أعماقها كأنها سكين , ولكنها كانت كلمة صادقة , أنها فعلا سائحة فقط وقعت في حب هذه الجزيرة , أنها لا تستطيع البقاء فيها مثل صيادي السمك أو النسوة اللواتي يجمعن عشب البحر على الشاطىء , أو طالبات الدير اللواتي يسرن مع الراهبات.
" جزيرة دي ليون مكان رائع ".
هذا ما قاله إبن السيدة غرايسون وهو ينظر من سطح اليخت الى الجزيرة , ثم سألها:
" هل أنت مقيمة عند آل فونسكا , أن راكيل لم تذكر وجود ضيفة لديهم....".
لقد أعفى أيفين من الرد وذكر مكان أقامتها , ظهور سيدة على سطح اليخت في تلك اللحظة , كانت ممتلئة الجسم , رمادية الشعر وترتدي ثوبا قرنفليا , سألت :
" كينيث , من الذي جار لزيارتنا؟".
أقتربت بأبتسامة مماثلة ثم أتسعت عيناها عند رية أيفين وقالت :
" أهلا , هذا شرف لنا , لقد رأيتك منذ يومين وقيل لي أنك تحت وصاية المركيز دي ليون".
جفلت أيفين وشعرت كأنما تريد أن تتجه الى الممر الخشبي ناحية جانب اليخت.
وعلّقت السيدة غرايسون :
" أيفين والأسد ! ( ليون ) , ما أغرب روعة التعرف عليك يا عزيزتي , هل أنت صديقة أبني كينيث؟".
كان كينيث يتابع حديثهما فأسرع الى تسليم رسالة راكيل الى أنه :
" أن الآنسة أحضرت هذه الرسالة".
فتحت الرسالة وقرأتها وأعربت عن أسفها لمرض السيد فونسكا , ثم أعلنت أنه ما دامت راكيل لم تستطع مشاركتهما على الغداء فيجب أن تحل أيفين محلها.
كانت أيفين تريد أن تتجنب الرد على الأسئلة التي تتعلق بالمركيز , إذ كان الفضول باديا في عيني السيدة غرايسون , فقالت:
" كلا , لا أستطيع......".
" أنني أصر يا عزيزتي , وسأتركك تذهبين أذا كنت ستقابلين المركيز على الغداء".
وكانت بنتيا غرايسون سيدة أعتادت على ألا يرفض لها أحد دعوة .
حاولت أيفين أن تكذب كذبة بيضاء , ولكن صدقها تغلب فقالت أن المركيز لا يتوقع عودتها على الغداء.
" لكن لدي بعض الدروس التي أريد مراجعتها".
تعجبت السيدة غرايسون وتساءلت:
" دروس , دروس لغة يا عزيزتي ؟".
" أجل ".
" بالتأكيد يمكنك تأجيلها , أننا أنا وكينيت نحب أن تشاركينا الغداء , ولن أقبل الرفض ". ونظرت الأم الى أبنها وتابعت : " سنأتي بالمقبلات الى سطح اليخت , أنا مشتاقة للتعرف على بطلة حكايتنا الطفولية ".
تحدثت أيفين وهي تتفادى النظر الى عيني كينيت :
" لقد جاء بي صياد بقاربه وهو ينتظر للعودة بي الى الجزيرة".
قال كينيت بإبتسامة :
" سأذهب وأبلغه بأنك لن تعودي الآن , وأنما بعد فترة".

نيو فراولة 13-08-11 11:37 PM

هي من 10 أجزاء أنشالله بكملها بكرا كلها .

الجبل الاخضر 14-08-11 03:17 AM

حلوه وتسلم ايدك نتظرك على جمر:wookie:

نيو فراولة 14-08-11 11:27 PM

9- فتاة الحكاية الخرافية




وجدت أيفين أنها تقابل كينيت غرايسون كثيرا في الأيام الأخيرة , كانت صحبته من النوع السار , وكان السيد فونسكا قد لزم الفراش بسبب مرضه فأعطاها ذلك الوقت الكافي للتجول في الجزيرة مع كينيت الذي كان يعشق التصوير الفوتوغرافي , وقد ألتقط صور أماكن قديمة وأخرى رائعة.
وبالطبع رغب في زيارة القلعة , ولكن أيفين كانت تنتحل الأعذار حول أخذه اليها لمقابلة الوصي عليها , وكانت تقول له أن دون جوان لا يعتبر بيته مكانا سياحيا.
وكان كينيت يقول :
" ولكنني صديق لك , وأنت تحت حمايته , وبالتأكيد يمكنني أن أرافقك الى القلعة وتقدمينني له؟".
" أنه يحب حرمته البيتية".
" هل أنت خائفة منه؟".
سألها ذلك وهو يلتقط لها صورة وهي جالسة على جدار شجرة لوز مزهرة.
" بالطبع لا !".
" يبدو أنك كذلك يا عزيزتي , هل هو صارم ويتحكم فيك بشدة؟".
ضحكت وقالت :
" إنه وسيم للغاية , وأذا تعكّر مزاجه أحيانا , فذلك يرجع الى أنه عانى حزنا في حياته , وتعذب من ساقه التي تؤلمه والتي كاد يفقدها في حادث ركوب جواده , كان يحب ركوب الخيل , وكان من رعاة البقر في شبابه".
أستند كينيت الى الحائط وأشعل سيكارة , وضاقت عيناه وهو ينفث الدخان , وأنعكست أشعتهما الزرقاء على وجهها , ثم سألها :
" كم يبلغ عمره الآن؟".
" أنه في الخامسة والثلاثين تقريبا".
وبدت أيفين صغيرة وهي تسوي شعرها بأناملها , ولكنها بدت أيضا غير واثقة من المستقبل , لم يكن في وسعها أن تحدّث أستاذها عن العمل الذي سيساعدها في الحصول عليه في مدريد قبل أن تتحسن صحته , أرتسمت على شفتي كينيت أبتسامة وقال:
" كان لدي أنطباع بأنه أكبر سنا , وتقولين أنه وسيم أيضا ؟ ومن العجيب أنك لست مولعة به , وقد سمعت أن الأسبان لديهم جاذبية أسبانية ساحرة".
إبتسمت وكررت قوله:
" جاذبية أسبانية ؟".
أنحنى كينيت الى الأمام وداعب ضفيرتها مما ذكّرها بالعازف ريك وجعلها تخجل من لمسه لشعرها , وقال :
" تعرفين ما أقصد يا آنسة بلغريم , هل تخجلين من الرجال يا أيفين ؟".
" أنني أحب الصداقة ".
" لأنها أكثر راحة ".
" لا أرى معنى لأن تغازل الفتاة كل رجل تقابله".
" أنت تعتقدين أن جوانب معينة من العلاقة بين الرجل والمرأة ينبغي أن تكون مقدسة , بينها وبين رجل واحد فقط , هل ألتقيت مع فتاة من الطراز القديم التي لا هم لها إلا الأمان الذي يوفره الزوج للفتاة ؟".
" كينيت , ليس النساء جميعا مرتزقة !".
" النساء اللواتي ألتقيت بهن لسن من النوع الذي يبني عش الحب".
" لقد فررت من الوقوع في حبائل أحداهن , أنت أذن طائر مراوغ تعرف ما تريد".
" لعلّي أريد واحدة مثلك ؟". قال ذلك في أستخفاف ولكن بوميض في عينيه , ثم أضاف : " هل أنت يا أيفين حرة القلب؟".
" نعم , وسأظل كذلك".
نزلت من فوق الجدار المنخفض , وأتجها معا الى مطعم في الشاطىء , تظلل الشماسي موائده.
أن المشي في الشمس جعلهما يشعران بالعطش , ولهذا طلب كينيت عصير فاكهة مثلج وسأل الخادم أن يحضر قائمة الطعام بعد ربع ساعة , كانت مياه البحر لا تبعد عن مائدتهما غير بضعة أمتار , وكان سرب من طيور البحر يتراخى في كسل عند موجات البحر.
منتديات ليلاس
كانت أيفين مسرورة لأرتشاف عصير مثلج في رفقة شاب جذاب , ومدركة أيضا لأنسياقها في علاقة جديدة يمكن أن تعطيها عاطفة أكبر من عاطفة ريك , ولكنها أقل من النشوة العارمة التي تحلم بها.
أنها تميل الى كينيت , وأمه لطيفة طيبة القلب وإن تكن فضولية , بالأمس عندما كانا يجلسان على سطح اليخت نحو ساعة وهما يحلمان تحت سماء تضيئها النجوم , لمحت السيدة غرايسون الى أن أيفين هي نعم المرافقة , وأنهما عما قريب سيبحران الى أسبانيا , والى البرتغال ثم يعودان الى وطنهما أميركا , وبأستطاعة أيفين أن تذهب معهما ....... أذا أختارت ذلك".
أخذ كينيت يدها وضغط أصابعها النحيلة وقال :
" هيا تعالي من هذا البعيد الذي شطحت بخيالك اليه , فقد شعرت بأنني وحيد وكأن لا مكان لي في خواطرك".
أبتسمت له وقالت :
" ولكنني كنت أفكر فيك , وسأفتقدك يا كينيت عندما تبحر".
قال ملاطفا :
" أبحري معنا , أمي تحبك , ويمكنك أن تعملي كمرافقة كما ألمحت اليك , ويمكننا نحن أن ندع الأمور تأخذ مجراها في لطف وسهولة بيننا , وإذا لم تتطور الأمور بيننا , ولن يكونهذا لقلة التشجيع من جانبي , عندئذ لن تكوني قد خسرت شيئا , لقد قلت لي أنك ستغادرين الجزيرة للعمل في مدريد , ماذا ستفعلين هناك وحدك ؟ فتاة مثلك , أشبه بقطة صغيرة ذات نظرة ضائعة في عينيها , وهذا يا أيفين يجعلني أتعجب".
قالت ضاحكة :
" أنني الآن جائعة وأشتهي أكلة قريدس لذيذة , هيا طقطق أصابعك مثل الأسبان ودعنا نلقي نظرة على قائمة الطعام".
" أنا لست أسبانيا يا عزيزتي".
أستقرت عيناها على شعره القصير , وعلى طلته الأميركية وهو يتأمل البحر ويطبق على شفتيه , وقالت :
" كلا , ليس فيك أي شيء أسباني يا كينيت ".
" وهل يغير ذلك من شيء؟".
" على العكس , أن ذلك يجعلني أشعر بالطمأنينة ".
" على أرض صلبة ليس تحتها أي نيران أو براكين خفية".
ضحكت ثانية , وتجاهلت وخزة الألم مع تذكر غليان البركان في دون جوان , وغضبه عندما ألتقطت له عصاه الأبنوسية , وأمره لها بأن تحتفظ بشفقتها لنفسها , الشفقة ؟ أنها لم تشعر بشيء من هذا لرجل قوي للغاية وناضج جدا ويعتمد على نفسه كليا , أنها رادت فقط أن تعطيه شيئا قليلا من دفء قلبها.
أستند كينيت الى ظهر مقعده وكوب العصير في يده وقال :
" الثابتون يقدمون على المدى البعيد أكثر مما يقدمه الأشخاص الغامضون الذين لا يستكطيع المرء أن يتصل بهم أتصالا وثيقا , وأعتقد أنك إذا جئت معنا وتركت هذه الجزيرة بدون التطلع الى الوراء ستجدين السعادة".
نظرت أولا الى كينيت ثم الى جبال أسبانيا البعيدة وقالت :
" أن العمل في مدريد كان هو كل ما أستقر عليه رأيي قبل مجيئك , وكان والد راكيل ساعدني في دراسة القطع الفنية والأثرية ".
" توجد في ولاية كاليفورنيا مؤسسات ومخازن لبيع الآثار الفنية , وسأكون الى جانبك يا أيفين".
" الأميركان باعة مثابرون على ما أرى".
" وفي كاليفورنيا وديان البرتقال وبيوت من الحجر الأبيض , وستعجبك الحياة هناك".
" وهل تعيش أنت ووالدتك يا كينيت في بيت من الحجر الأبيض؟".
أبتسم أبتسامة جذابة وقال :
" نعم , وفي البيت باحتان فيهما أشجار بنفسجية الزهر , ومنظرها رائع وعلى الأخص أمام الجدران البيضاء".
أطلقت تنهيدة شخص غير واثق وقالت:
" أنا , أنا لا أستطيع تقرير أي شيء قبل التحدث بهذا الشأن مع الوصي علي".
" أنه وصي مؤقت يا أيفين , وأنت لست ملكا له".
" كلا.......".
" هل يتصرف كأنه يملك؟".
" كلا , ولكنه أحسن الي , لم يكن لدي أي شيء عندما أنقذوني من البحر وجاء زورق الصيد الى الجزيرة , وقد رتب مع السلطات الأسبانية أقامتي هنا كزائرة , وطلب الي ثيابا أنيقة من مدريد , وأقنع السيد فونسكا بأن يتولى تعليمي ..... لم أكن غير خادمة ومرافقة , وعاملني كأنني أحدى قريباته".
" ليس كأبنه له؟".
أبتسمت قليلا:
" أنه ليس كبيرا الى هذا الحد".
" أود أن أقابله يا أيفين , وأشعر أنه يتحتم عليّ ذلك في هذه الظروف , وأعتقد أنك تميلين الى قبول العمل لدى والدتي , وأذا تحدثت الى المركيز فأنه على الأقل لن يشك في مكانه عائلتي التي ستعملين عندها , ويخيل الي أن المرأة الأخرى التي كنت تشتغلين لديها كانت متوحشة نوعا".
" نعم كانت أشبه بالتتار , وربما أنا أيضا سحت لها بالتسلط علي , وقد علّمني أختلاطي بالأسبان أن الأعتزاز لا يعني الضغط على الآخرين وأن الناس سواسية , أنني لم أر ولم أسمع طوال مدة أقامتي في القلعة غير معاملة دون جوان اللطيفة أتجاه حاشيته , إنه متحفظ وهذه طبيعته , ولكنه لا يستأسد على الضعفاء ".
" هل تأخذيني لمقابلته؟".
" كينيت , دعنا ننتظر يوما أو يومين.....".
" ولكننا سنترك الجزيرة يوم السبت ! وليس أمامنا غير مهرجان يوم الجمعة نمرح فيه , وعليك أن تقرري يا أيفين , يخيّل الي أن المركيز إذا قال لا بخصوص أي شيء , فإنك تنصاعين له".
أحتجت وقالت :
" ليس في كل الأمور".
" ومتى أعترضت عليه؟".
" مثلا فيما يتعلق بالشاب ريك , كان المركيز غير متحمس لصداقتي له , وقد وجدت فيما بعد أن المركيز أكثر مني تبصرا بالناس , أو يمكنني أن أقول أكثر مني فهما للحياة وخبرة بها".
وبدت الغيرة على وجه كينيت.
" من هو ريك؟".
" أنه عازف الغيتار في نادي هيدالغو".
وفي غيظ قال كينيت:
" أنه وسيم الى حد لا يستغرب عنه التلاعب".
" أجل ".
منتديات ليلاس
ضحكت أيفين بعصبية وهي تقول ذلك , وتذكرت المرة الأخيرة التي ألتقت فيها مع ريك ثم كيف أفترقا , ونظرت الى كينيت الذي كان رفيقها الدائم خلال الأيام الأخيرة , وشعرت بالخوف فجأة , ربما أخذ الناس يتحدثون عنهما , وربما أخذوا يقولون أنه هو الرجل الذي أمضت معه الليل وحدهما , ترى إذا بلغت الأشاعة مسامع كينيت , فهل يتصرف مثلما تصرّف ريك؟
سألها وهو يبتسم:
" أجائعة أنت ؟ هل نطلب ذلك القريدس الكبير اللذيذ؟".
أومأت برأسها , ونادى الخادم , كان كينيت لطيفا وشعرت بالراحة معه , وكاليفورنيا تبعد أميالا عديدة عن الجزيرة , وهذه المسافة الطويلة ستطمس ذكرى دون جوان الى أن تعود تتذكّره زوجا سعيدا مع راكيل ولا يعيش وحيدا.
جاء القريدس بلونه الوردي , ومعه بعض لفائف الخبز الأسباني , وبعض المقبلات , ولم تعد أيفين تشعر بالجوع ولكن بدا لها البحر كأنه قد فقد بعض بريقه كما أن تغريد الطيور بدا حزينا نوعا , هكذا تبدو الأشياء عندما تعرف أنك أنما تراها للمرة الأخيرة , وأذا هي تركت الجزيرة يوم السبت مع كينيت وأمه , عندئذ يتحول هذا المكان في هذه اللحظة الى ذكريات.

نيو فراولة 14-08-11 11:28 PM

بعد الغداء راحا يستريحان في كسل تحت نخلة ظليلة في الشاطىء , ولم يتحدثا كثيرا , وظن كينيت أن هدوءها وحزنها هما مجرد تنفيس عن تعلقها بالجزيرة , كأنما تستعد لوداعها وسماع كلمات الوداع من المركيز.
دعاها كينيت لقضاء سهرة مهرجان الجمعة على ظهر اليخت , الذي جرى تزيينه بمصابيح ملونة لهذه المناسبة , وسألتها والدة كينيت:
" هل تعتقدين أن السيد المركيز يوافق على حضور حفلنا الوداعي . لقد رأيت راكيل هذا الصباح وعلمت أن صحة والدها تحسنت بحيث سمكنها حضور الحفل , وأظن أن دون جوان قد يسره مرافقتها لحضور حفلنا".
رأت أيفين أنها لا يمكنها بعد ذلك تفادي لقاء كينيت ووالدته بالوصي عليها , فقالت:
" لا أظن أنه سيمانع أذا كانت راكيل ستحضر".
فقالت بتينا غرايسون :
" أذن , سأوجه اليه دعوة رسمية على الفور".
وأسرعت الى غرفتها لتكتب لدعوة , وتطلعت أيفين الى مياه البحر الهادئة التي قد تحمل الغدر في أعماقها , سألها كينيت:
هل صحيح ما يقوله الناس , وهو أن راكيل الأنيقة تطمح الى أن تصبح المركيزة؟".
أجابته أيفين وهي لا تزال تتطلع الى البحر ".
" ألا تظن أنها ستكون مركيزة رائعة , فهي جميلة ويمكنها أن تكون لطيفة للغاية , وأن تكون سيدة القلعة المثالية والمضيفة الجذابة".
قال كينيت ويده تلمس شعر أيفين:
" بالتأكيد أن الرجل يستحق ما هو أكثر من ذلك , وحتى الرجل المتحفظ يريد من يحبه بعاطفة؟".
" ألا تعتقد أن راكيل عاطفية؟".
" مثل تمثال رخامي".
" كينيت , إنك لا تعرفها تماما!".
" يا عزيزتي , أنني أعرف طرازها , وهو طراز لا تنفرد به الجزر الأسبانية وحدها".
" هل عرفت فتيات كثيرات يا كينيت؟".
أعترف ضاحكا:
" بضع فتيات , معرفة الفتيات لعبة في أميركا , ولكنني مثل معظم الرجال أعرف طراز الفتاة التي أرغب في الأحتفاظ بها , هل سمعت بهذه العبارة المعروفة عن هيلين فتاة طروادة ؟ هل هي جديرة بالأحتفاظ ؟ ولم لا , أنها لؤلؤة , الرجل يميز بين اللؤلؤة الحقيقية وغير الحقيقية , وراكيل من النوع الأخير وهي تفتقر الى وهج العاطفة".
كان كينيت رشيقا وهو يدير وجه أيفين حتى تواجهه , ويقول لها:
" لدي شيء أود أن أقدمه لك , لقد وجدته في دكان صغير في الساحة ".
وأدخل يده في جيبه ثم أخرج منها لفافة صغيرة من الورق وأضاف:
" هذه هدية لك , فقد كنت لي نعم الدليل أثناء التصوير طوال هذا الأسبوع".
وبعدما فك اللفافة رأت أيفين سوارا ذهبيا لامعا تتدلى منه عدة طلاسم دقيقة تجلب الحظ : سلم صغير , حدوة حصان , قطة , تفاحة , قلب.... نحو عشرة أشياء صغيرة جميلة تتدلى من السوار الذي ثبّته في معصمها .
" أوه , كينيت !".
" فاتنة , أليس كذلك؟".
" ما كان عليك أن تعطيها لي".
" ولم لا ؟ أن الفتيات في أميركا يتوقعت أخذ تذكارات صغيرة على سبيل التقدير ".
لمست بأصبعها الأشياء الصغيرة التي تتدلى من السوار وأبتسمت لأنها كانت هدية لا تقاوم وكانت في عيني كينيت طيبة بادية , وقالت :
" لكننا لسنا في أميركا , شكرا لك يا كينيت , سأحب سوارك هذا على الدوام".
" أود أن يكون شعورك هذا بالنسبة الي أيضا".
وتلاقت عيناه بعينيها ورأى فيهما شوقا صارخا , وتمنى أن تنسى كل من عرفتهم ولا تذكر سواه , وأن تنسى كل شيء إلا تلك اللحظة.
" أيفين....".
ألقت بوجهها تحت كتفه , وأخذت تذوب في أحلامها كأي فتاة تتناسى واقع حياتها وترخي العنان لأمانيها وأحلامها.
تركا اليخت وذهبا الى الشاطىء في زورق صغير ورافقها كينيت الى القلعة , كانت بعض الأضواء مضاءة, ولكن البرج البحري كان معتما ولا يبدو إلا من أنعكاس نور النجوم عليه.
أمسك كينيت بيدها كأنما يكره أن يتركها تدخل بيت الوصي وحدها ثم قال :
" المكان يبدو كئيبا بعض الشيء".
" أن الوقت ليل , أما في النهار فالجدران زاهية والباحات تجمّلها الزهور , ويبدو البرج البحري رومانسيا وهو يشق عنان السماء الزرقاء , في أستطاعة عاشقة مثل رابونزال ( حسناء ذات ضفيرة ذهبية من بطلات حكايات الأطفال) أن تتطلع من نوافذ البرج كي ترى حبيبها".
وسألها كينيت مازحا:
" وأنت هل تطلعت من نوافذ برج دون جوان؟".
" أنه يشتغل في غرفة مكتبه هناك ويحب عزلته , وأنا لا أتطفل عليه إلا إذا دعاني".
" ولكنك كنت معه في برجه! ".
" مرة أو مرتين , أنه مكان منير يطل على مناظر خلابة للجزيرة".
" أنه يتربع في برجه كالأسد في عرينه , أليس كذلك؟".
" أنه لا يزمجر جيئة وذهابا , فهو رجل هادىء يحب العزلة , أحيانا يتوجع من ألم ساقه ولكنه لا يحب أن يعلم الناس بألمه , الرجال الأقوياء لا يحبون البوح بضعفهم , وهم في هذا أغبياء لأن الذي تكرهه النساء هو ضعف الشخصية".
أمسك كينيت بمعصمها وضغط على السوار فتألمت قليلا:
" وألى أي حد تحبين الرجل , هذا الشخص البيروني ( نسبة الى الشاعر بيرون ) الذي يعيش في قلعة ويعرج في مشيته ووجهه أسمر وسيم ؟ لا تنسي يا أيفين أن للنبل مقتضياته أذا فكّر رجل له مركزه ولقبه في الزواج !".
نزعت أيفين يدها من كينيت وقالت:
" وهل تحسبني بلهاء رومانسية , في الروايات التافهة فقط يقع المركيز في حب مرافقة!".
" أننا نتحدث عن شعورك نحوه".
" أنا أشعر بالأمتنان له".
ضحك كينيت وقال :
" أظن أنني الأبله , ويعود تفكيري هذا الى أنك مختلفة تماما عن الفتيات الأخريات اللواتي عرفتهن , وأريد أن أحتفظ بك على هذا النحو , ومع أنني أريد أن أغزو قلبك فأنا لا أحتمل التفكير في أي شخص آخر ..... أتفهمين؟".
" الرجال يمكنهم أكل كعكتهم , وعلى الفتيات البقاء متحفظات ".
" هذه أنانية من ناحية الرجل , ولكنه إذا وجد فتاة..........".
" تريد الأطمئنان على أن تحفظي لم يذب بعد؟".
" أن صوتك بارد يا أيفين".
تلمست أصابعها مقبض باب الباحة وقالت:
" وهل تعجبك لذلك ؟ أرجوك يا كينيت دعني أذهب الآن , غدا تنسى هذا كله في العيد".
" لماذا لا نتحدث قليلا في الفلعة بدعوة منك ؟ أعدك بأن أكون عاقلا".
شعرت في الحال أن كل عواطفها المختلطة قد أنهكتها فقالت:
" أنا متعبة ".
همس قائلا:
" يا لك من مسكينة , حقا إنك مضطربة , ولكن يا عزيزتي عليك أن تتخذي قرارك بشأن السبت , عليك أن تقرري ".
" دعني أقرر غدا , أعدك بذلك ".
" عليك أن تبحثي الأمر مع الوصي الأسباني , أيه؟".
" أعتقد أنه يتوجب علي ذلك يا كينيت".
" لا تتركيه يقنعك بعدم الذهاب معنا , في أي حال , كان سيرسلك الى مدريد".
سرت قشعريرة باردة في سلسلة ظهرها:
" حسنا , والآن طابت ليلتك يا كينيت".
" طابت ليلتك يا أيفين".
وأكتفى بالتسليم عليها بيده , وأبتسم وأضاف:
" الأسبان يقبلون أنامل الفتاة عند التحية , فهل فعل دون جوان ذلك؟".
" ولماذا؟".
" ربما لأن أسمه دون جوان".
" أطمئنك يا كينيت أن المركيز يحب فتاة واحدة فقط , وأنه سيحضر حفل والدتك لأن راكيل ستكون هناك ".
" أراك أكثر جاذبية منها".
" شكرا لك ".
قالت ذلك مودعة إياه ثانية , تملصت منه ضاحكة ودخلت القلعة عبر باب الباحة .
" الى اللقاء غدا يا فتاة الحكاية الخرافية ".

نيو فراولة 14-08-11 11:32 PM

10- موجة تضيئها النجوم



أرتسمت الأبتسامة على شفتيها وهي تعبر القاعة متجهة الى طاولة صغيرة قديمة الطراز , ووضعت على صينية للرسائل بطاقة الدعوة التي كتبتها بتينا غرايسون للمركيز.
أنه سيرى البطاقة عند عودته , لعله قد أمضى المساء مع راكيل ووالدها , ولعلها أبلغته أنها ستذهب الى حفل التوديع الذي يقيمه آل غرايسون على ظهر يختهما قبل الأبحار يوم السبت , وهكذا يحضر الحفل مع راكيل ويتعرف الى كينيت.
وأسرع قلبها في الخفقان عند مرورها بالغرفة الذهبية في طريقها الى غرفة نومها , وتذكرت الموسيقى التي عزفها لها المركيز , وتذكرت الغضب الذي تأججت ناره عندما أمرها بألا تعامله كعاجز ضعيف , والليلة يعم الغرفة الذهبية الظلام كما أن البيانو صامت , والمركيز مع المرأة التي سيكون لها عما قريب كل الحق في أبقاء غرف القلعة على حالها أو أدخال ما يحلو لها من تغييرات وفق ذوقها وشخصيتها , ولن يتدخل دون جوان , إنه سيدلل المرأة التي ستجيء الى هنا وتبعده عن وحدته.
منتديات ليلاس
صعدت أيفين بسرعة الدرج المؤدي الى غرفتها , وهي تعرف أن عليها الليلة قبول عرض كينيت والأبحار معه هو وأمه , في مدريد قد تسنح لها الفرصة بأن ترى دون جوان مع زوجته , أما في أميركا فلن تكون هناك فرصة كهذه بسبب بعد المسافة.
وقبل أن تأوي الى فراشها , فتحت خزانة ثيابها وألقت نظرة أخرى على الثوب الذي أستأجرته لمهرجان الغد , أن تنورته من المخمل القرمزي اللون وفي نهاية ذيلها شريط أسود , أما القميص الصغير الأسود فهو أيضا من المخمل وأزراره فضية , وأكمامه مشقوقة تكشف عن كشكشة البلوزة الصفراء اللون , وقد أبتاعت عدة سلاسل من المرجان والفضة تناسب هذا الثوب , وكذلك طرحة أسبانية مطرزة , وقد جربت أرتداء ذلك كله أمام المرآة.
كان ضوء المصباح الموجود الى جوار المرآة ينعكس على السوار الذي أعطاه لها كينيت , والذي تتدلى منه القطع الصغيرة الدقيقة , لمست حدوة الحصان لعلها تجلب لها الحظ , والتفاحة الدقيقة للأغواء , وتأملت القلب الذهبي الصغير وسرحت بخيالها , معظم الناس يتوفون الى أن يكونوا محبوبين , والحب بالنسبة الى كل منهم يعني شيئا مختلفا , إنه يعني العاطفة أو الأمن , والرفقة بدلا من الوحدة , والتفاهم , ويدا تمسك بها في الظل أو في الشمس.
تلاقت عينا أيفين بعينيها هي في المرآة , وقد أنعكس فيهما ما تتوق اليه : أنه الحب الذي تنشده , ولكنه من نوع جميل لم يسمع به أحد أنها كلمات الشاعر الأنكليزي بيتس , وهي تعبر عما يتوق اليه قلب أيفين , حب ليس مثله آخر , حب يخفق له القلب من الخوف والنشوة , حب يسري في كيانها ويبقيها في السحاب دوما , ضحكت وحدثت نفسها قائلة : أيفين , يا لك من بلهاء رومانسية , وأبتعدت بسرعة عن المرآة , ولكن التوق لم يفارق عينيها.
منتديات ليلاس
كانت متدثرة بغطاء الفراش , وكان الوقت متأخرا عندما سمعت المركيز يعود في السيارة , وسمعت باب السيارة وهو يغلق , وتصورته وهو يعرج صاعدا الدرج الموصل الى قاعة القلعة , ثم..... يتوقف الى جانب طاولة الرسائل , ويتناول بطاقة الدعوة ويتأملها لحظة قبل أن يفتحها , وبعدئذ يستند على عصاه الأبنوسية ويقرأ البطاقة , إنه لا يعرف آل غرايسون ولكنه سيذهب الى الحفل لأن راكيل ستكون هناك , ولعله يذهب أيضا ليشبع فضوله بالنسبة الى المرأو الأميركية وأبنها , ولا بد أنه قد علم الآن أن أيفين شوهدت هنا وهناك حول الجزيرة برفقة كينيت غرايسون.
طلع فجر المهرجان مشرقا مشمسا , وسمعت أيفين رنين الأجراس في الدير وفي الكنيسة بالميناء , أنها دقات المهرجان تمتزج بالشمس الساطعة على البحر , وفي جو يتأرجح بين المرح والجدية لبست ثوب المهرجان ونزلت الى باحة الحديقة لتناول الأفطار وهي ترتديه , كانت قد ضفرت شعرها وسبكته كالتاج , وتوقفت أمام مرآة في القاعة وتأملت صورتها في الثوب الجديد.
إطار المرآة القديمة الطراز جعلها تبدو كأنما تطلع من زمن بعيد .. ثم ضغطت بيدها على صدرها من شدة خفقان قلبها عندما بانت في المرآة قامة المركيز واقفا خلفها.
قال بصوته العميق:
" صباح الخير يا أيفين".
وشعرت بعينيه تغمرانها , وهو يتطلع الى كشكشة البلوزة الصفراء والقميص المخملي , والتنورة الطويلة القرمزية , وأخيرا قال في أعجاب:
" أنت جذابة يا صغيرتي , أشبه بسيدة من الجزيرة , تعالي , نقطف لك قرنفلة تضعينها في شعرك".
قدم لها يده ليرافقها الى حديقة القلعة , وسرى في كيانها تيار من النشوة يجمع بين الدفء والبرودة في آن , وأثناء سيرهما ألقت عليه نظرة خجولة , سألته:
" هل أنت ذاهب الى المهرجان يا سيدي؟".
أبتسم بطريقته المهذبة وهو ينظر الى عينيها , وقال :
" طبعا , يحسن بي أن أستمتع بهذا المهرجان الخاص المسمى موكب آدم وحواء , أنه مهرجان داخل الجزيرة منذ زمن طويل على يد عروس من أسلافي , كانت من أقليم غاليشيا ( أسبانيا القديمة ) , وقد شعرت بالحنين الى موطنها والأشياء التي خلفتها وراءها , فأقنعت زوجها بأحياء الموكب الذي كان يقام سنويا في جبال غاليشيا , وها هو الآن يقام سنويا في الجزيرة ".

قالت أيفين وهما يهبطان الدرج الحجري العريض الى الحديقة وقد عبق الهواء بشذى القرنفل :
"ما أروع ذلك".
أخرج دون جوان مطواة صدفية من جيبه وقطع عنق زهرة لا تزال ندية , وقدمها الى أيفين بأنحناءة صغيرة , فغمرها الحياء وأرتعشت يدها قليلا وهي تثبتها في شعرها , وقالت:
" إنه يوم رائع للمهرجان".
" لقد أتخذت الترتيبات لكي نشاهد الموكب من شرفة قصر رئيس البلدية , أنها تطل على الساحة مباشرة , والموكب سيتوقف هناك وكذلك فرقة الموسيقى ةالرقص".
قال دون جوان ذلك وهو يقودها للجلوس الى المائدة المعدة للأفطار في باحة حديقة القلعة , وسرّها أن تجلس أذ لم تعد قادرة على الوقوف.
" دون جوان........".
" نعم يا صغيرتي".
وصب عصير البرتقال من الأبريق ووضع كوبا أمامها , أرتشفت قليلا من العصير وتمنت لو أنه كان هذا الصباح أقل لطفا وأقل تأكدا من طاعتها عندما حدّثها عن التنظيمات التي أعدها لحضور المهرجان.
" لديك شيء تودين قوله يا أيفين؟".
" ما أحلى القرنفل وشذاه هذا الصباح".
منتديات ليلاس
ثم أبتسمت بعصبية عندما أقبل الخادم لويس ووضع البيض المقلي على المائدة وطبقا فيه قطع لحم صغيرة مقلية , ولمعت الشمس فوق أبريق القهوة , وتوترت مرة أخرى بعدما غادر لويس في سكون , ولم يعد هناك غير رنين الأجراس وطنين النحل , أخذت بيضة مقلية وبعض اللحم ومسحت قطعة خبز بالزبدة بدون أن تجرؤ على النظر الى المركيز , لماذا أصبح متعذرا عليها التحدث اليه؟ لماذا هذا التوتر ؟ لقد كان لطيفا بما فيه الكفاية ولكن على نحو متباعد , أزداد خفقان قلبها , كأنما عرف أنها آثرت أن تمضي يوم المهرجان مع كينيت غرايسون.
قال وهو يمسح فمه بفوطة صغيرة وحذت أيفين حذوه وتلاقت عيناها بعينيه:
" أيفين يبدو أنك عصبية بسببي , إذا قمت بأجراءات أخرى بخصوص اليوم فأرجو أن تقولي ذلك , أنا لن أقطع رأسك أو أحجزك هنا".
نظرت اليه في تعجب , وعندما رأته يبتسم أرادت فقط أن تدخل السرور الى قلبه , ولكن إذا هي ذهبت معه الى المهرجان ستكون راكيل هناك وستبدو راكيل فاتنة ومذهلة , ستكون هي السيدة الأسبانية الحقيقية ولن تعرف عيناه غيرها.
أعترفت بعصبية :
" لدي ترتيبات أخرى , إذ وعدت شخصا آخر بقضاء يوم المهرجان معه".
" أحد الشباب؟".
أحتست قليلا من القهوة ثم قالت:
" نعم , لعلك سمعت عن آل غرايسون من راكيل , الأم الأميركية وأبنها الشاب , أنهما لطيفان وقد أصبحت صديقتهما , آمل ألا تمانع؟".
" وهما اللذان يقيمان حفلة على ظهر اليخت , ثم يبحران ظهر الغد , أليس كذلك؟".
أومأت برأسها وسألته:
" سيدي , هل تأذن لي بقضاء النهار مع كينيت؟".
" برغم كل الأعتبارات يا صغيرتي , فقد أمضيت معه كل أيام الأسبوع الماضي , وأكره أن أحرمه اليوم من رفقتك خاصة أنه سيبحر غدا".
لمحت الأبتسامة الساخرة التي أرتسمت على شفاهه وشعرت فجأة برغبة مؤلمة في أن تقول له أنها ستغادر الجزيرة مع آل غرايسون , أنه شيء عليها أن تصارحه به غدا , فلماذا لا يكون الآن ؟ لعل ذلك يكدر عليه المهرجان , وربمل يؤلمه قليلا أنها أختارت الذهاب بعيدا الى هذا الحد حتى لا يلتقيا ثانية.
كانت على وشك أن تبوح له عندما لمحته ينظر الى السوار الذي أعطاه أياها كينيت , والذي آثرت أن تضعه اليوم في معصمها في ثوب المهرجان لكي يجلب لها الحظ ويمنحها الشجاعة , أمسك معصمها وقال:
" لم أر ذلك من قبل ! هل هو حلية أشتريتها بنفسك؟".
" كينيت أشتراه لي".
" فهمت".
وأشتدت قبضته على معصمها حتى كادت أن تصرخ من الألم , ولمحت في عينيه غضبا خفيا , وأضاف:
" تعرفت على هذا الشاب مدة تقل عن أسبوع ومع ذلك تقبلين منه هدية هي في نظر الأسبان علامة خطوبة".
" كينيت أميركي يا سيدي , ولا أظنه يعرف الكثير عن عادات الأسبان".
" هل تعرفين يا أيفين أن الأسباني في هذه الجزيرة يعطي الفتاة التي يحبها سوار المعصم الرمزي لكي يعلم الجميع أنها أصبحت له؟".
" لقد سمعت بأساور العبيد إذا كنت تعني سوارا منها".
فاهت بهذه الكلمات عبر مائدة الأفطار , وهي تشعر بالأيذاء والغضب والذعر , غير مكترثة بما قاله كل منهما للآخر لأنها لا تستطيع أن تهرع الى عيناه تنظران اليها في عمق.
أرخى دون جوان قبضته عن معصمها ولكنه ظل ممسكا به وقال بينما عيناه تنظران اليها في عمق:
" أظن أن سوار الخطوبة يعني الى حد ما قبول الزوجين بالعبودية , وهذا هو كل شيء عن الحب يا صغيرتي الرومانسية , الحب يقول : أريدك , والمرأة غير المستعدة لذلك أنما لا تزال طفلة".
داعبت أصابعه القطع الصغيرة المتدلية من السوار وقال:
" هذا الأميركي الشاب له نظرة لما هو غير عادي وفاتن , هذه تفاحة حواء , وهذا السلم الى النجوم , أهو هدية الوداع أم تذكار الحب؟".
حررت يدها من قبضته ثم وقفت وقالت :
" الأميركي يعطي الفتاة خاتما إذا كان يحبها , أنا خارجة ! الآن يا سيدي , كينيت سيكون في أنتظاري".

نيو فراولة 14-08-11 11:35 PM

سألها دون جوان وهو يصب فنجانا من القهوة:
" أين ينتظرك يا أيفين؟".
" سنلتقي عند شجرة الكاتلبا قبالة الشاطىء الذي يرسو فيه اليخت".
" أرى أنكما أخترتما مكان لقاء مناسب , نحن نسمي شجرة الكاتلبا بشجرة الوداع , أستمتعي بالمهرجان يا صغيرتي , أظن أنك ستحضرين أيضا حفل التوديع في يخت الشاب؟".
" نعم يا سيدي , وهل ستكون في الحفل".
" أن السيدة غرايسون تكرمت ووجهت الي دعوة , نعم يا أيفين سأحضر الحفل , وأعتقد أن علي مقابلة أصدقائك".
" آمل أن تنعم أنت وراكيل بالمهرجان".
قالت ذلك ثم أسرعت لمقابلة كينيت , الشمس دافئة وكانت تستطيع أن تشم زهرة القرنفل التي قطفها دون جوان لها , كانت تريد أن ترتدي الطرحة الأسبانية ولكنها تركتها في غرفتها , وفضّلت أن تسرع في الخروج من القلعة , هي تريد أن تكون مع كينيت , الشخص غير المعقد , وتريد أن تنسى نفسها معه في المهرجان وأن تضحك وتمرح وألا تفكر في الغد.
كان ينتظرها وهو يدخن سيكارة , تحت شجرة الكاتلبا التي تظلل المعبر المؤدي الى الشاطىء , والهواء يمتلىء برائحة البحر.
ركضت اليه كأنها تطير , وألقى كينيت بسيكارته وتعانقا , كانت فرحة ودمعت عيناها قليلا وهي تقول:
" هل جعلتك تنتظر طويلا؟".
" كنت مستعدا للأنتظار اليوم كله , أنت أشبه ببطلة في حكاية شعبية... كأنك رابونزل التس سعت الى الهرب من البرج لمقابلة حبيبها".
أمسك يدها ونظر الى أعماق عينيها وسألها:
" أهذا وحده يومنا أم لنا الغد أيضا وكل الأيام التالية؟".
" هيا نذهب الى المهرجان وننعم أولا بكل ما في يومنا".
كانت لا تزال عاجزة عن أن تلزم نفسها بأي كلمات أو وعود.
كانت شرفات البلدة تزدان بالزهور والسجاجيد الأسبانية الزاهية والشالات الحريرية , وتغص بعائلات في ثياب المهرجان , يضحكون ويعزفون الغيتار ويلقون القرنفل على المارة.
قوارب الصيد في الميناء تعلوها الزينات , والنساء والفتيات في ثياب زرقاء أو قرمزية جذابة , وعقودهن وأقراطهن الطويلة تلمع تحت أشعة الشمس كلما تحركت رؤوسهن وأثارهن أعجاب الشبان , مراوح النساء المطرزة أو الحريرية أشبه بأجنحة في الهواء , والنسوة كالفراشات الى جانب الرجال في بدلاتهم القاتمة وقمصانهم المكشكشة وقبعاتهم العريضة السوداء , وكان بعضهم يلف خصره بوشاح قرمزي أو أزرق.
جراس الكنائس تعلو فوق مرح وضحكات جموع الناس في المهرجان , والصغار يجرون هنا وهناك يلقون بعقود صغيرة من الزهور على رؤوس الغواني اللواتي تم أختيارهن لموكب آدم وحواء , وكان الباعة في الشوارع يبيعون كعك اللوز وشراب اللوز المثلج.
توقفت أيفين ومرافقها بجانب أحد الباعة وتناول كل منهما كوبا من الشراب المثلج , وأخذا يراقبان رقصة الجيغ السريعة التقليدية على أنغام الطبول والدفوف ونوع غريب من القرب الموسيقية , وفي ركن آخر من الساحة كان فريق من الغجر يقدم رقصاته , والعربات القروية تأتي من التلال مزدانة بالزهور , تحمل المزيد من الناس في ثياب زاهية.
كان أشبه بمهرجان تاريخي من مهرجانات الماضي , وكانت أيفين مأخوذة ومتلهفة لرؤية كل شيء , ورفعها كينيت الى عتبة نافذة حجرية في أحد بيوت الساحة بحيث يمكنها أن تشاهد على أفضل نحو مشاهد الموكب أثناء مروره , وقد شعرت بدفء كتفه تحت يدها.... وفي الوقت نفسه شعرت فجأة بدافع للنظر الى أحدى شرفات قصر شامخ في الساحة.
هناك رأت دون جوان الى جانب راكيل ووالدها , كانت راكيل ترتدي ثوبا أنيقا أزرق وقد غطّت شعرها الفاحم اللامع بطرحة بيضاء مطرزة تتلألأ ماساتها تحت الشمس , أحست أيفين كأن قلبها يثب هلعا , كانت راكيل تبدو أشبه بعروس وهناك قرنفلة صغيرة في عروة سترة المركيز.
سألها كينيت:
" أهذا هو ؟ أهذا هو الوصي المهيب الطويل القامة الواقف بجوار دونا راكيل المتألقة؟".
أومأت برأسها .
ونظر كينيت الى دون جوان ثانية وقال :
" أجل , أنه أصغر بكثير مما كنت أظن , أنهما هو وراكيل يؤلفان زوجين رائعين.... ومن يكون الأسباني الآخر الواقف وراءها ؟ إنه يرتدي ثياب مصارع الثيران!".
تأملت أيفين الأسباني الذي كان يرتدي فعلا ثياب المصارع , كان يضحك ويلوح للجمهور المحتشد تحت الشرفة , وتذكرت أيفين قول راكيل ذات مرة أن مصارع ثيران مشهورا طلب يدها وأنه يتردد على زيارة الجزيرة من حين الى آخر لكي يتقدم الى خطبتها.
وبينما كانت أيفين تراقب شرفة القصر , رأت دون جوان ينحني برأسه ويهمس بشيء الى راكيل , أبتسمت ونظرت الى المصارع ووضعت يدا نحيلة على كم دون جوان , ولمعت أشعة الشمس على ماسات السوار الذي يحيط بمعصم راكيل كنار ملتهبة فوق كم دون جوان القاتم.
أبتعدت أيفين بنظرها ناحية أخرى , في هذا الصباح بالذات قال لها دون جوان على الأفطار أن الرجل في الجزيرة لا يزال يعطي الفتاة التي يحبها سوارا لكي يعرف الجميع أنه يريدها , وراكيل بالطبع إنما تطلب سوارا ماسيا يناسبها , ودون جوان يعطي بسخاء حتما لمن يقول لها ( أنا أريدك).
أقترب صوت فرقة موسيقية وعم الطنين الحشود المرتقبة , وأقبل الموكب الى الساحة وحمل الآباء أطفالهم على أكتافهم حتى يمكنهم أن يلقوا بعقود الزهر , وأخذت الفتيات يرقصن للشبان ...... حواء تغري آدم.
لمست أيفين سوارها , ولكنها لم تقو على رفع بصرها الى كينيت , وهذا المهرجان هو أحتفال للحب ! الغواية تفوح في الهواء , وفي وسعها أن تستسلم الآن وتقول له خذني بعيدا عن الجزيرة.
كانت على وشك أن تتحدث وإذا بصوت يصيح ويهلل لهما : ( يوهوا ! ) أنها بتينا غرايسون مع بعض الأصدقاء , قالت:
يا أعزائي كنا نبحث عنكما في كل مكان , أليس هذا ممتعا , يقولون أننا الآن , على وشك أن نرى آدم وحواء!".
وصل الموكب وأمطر الجمهور الشخوص التي تمثل آدم وحواء ومن يحيط بهما من الراقصات والراقصين بالزهور , وكان الشيء الذي لفت أنتباه أيفين أن الرجل الذي يمثل آدم لم يكن شابا صغيرا وإنما رجلا ناضجا وكانت الفتاة التي تمثل حواء تحمل باقة زهور بيضاء وسلة برتقال ( أهل البلدان الجنوبية يعتقدون أن البرتقالة هي فاكهة الغواية ) وكان ثوبها الأبيض الطويل يحيط به زنار ذهبي على شكل أفعى , وحول شعرها شريط حريري أبيض , إبتسمت لآدم وقدمت له البرتقالة من سلتها , هز آدم رأسه بشكل حاسم , وألقى أبتسامة على جمهور المحتشدين وضحك الجميع.
وعندما نظرت أيفين ثانية الى شرفة القصر , كان رئيس البلدية وجماعته قد تركوا الشرفة وعادوا الى داخل القصر , وبعد مرور الموكب بدأ الناس يتفرقون جماعات , وغادرت أيفين مع آل غرايسون وأصدقائهم , ومر نهار المهرجان كالحلم بالنسبة لها.
لقد شاركت في الضحك والرقص وأكلت الفاكهة وتركت المرح يغمرها كموجة من النسيان , ومرت الساعات بسرعة , ولما بدأت الأضواء الملونة في الظهور على أمتداد الميناء , قال آل غرايسون أن الوقت قد حان للعودة الى اليخت:
" ها هو الدلفين الأزرق!".
قال كينيت ذلك وهو يشير الى اليخت عندما نزلوا الدرج المؤدي الى الميناء , كانت حبال المصابيح الملونة مضاءة واليخت راسيا على الميناء المعتمة كسفينة خيالية.
وفتنت أيفين لحظة خاطفة بجمال منظره , ثم أدركت على الفور أنها لا تستطيع مواجهة الذهاب الى ظهر اليخت , لم تعد تستطيع أن تواجه المزيد من الناس أو الموسيقى أو الطعام أو أي سشيء آخر من مرحها المزيّف.
" آسفة يا كينيت!".
قالت ذلك وسحبت ذراعها من ذراعه وشعرت أن سوارها قد سقط من معصمها , أندفعت مذعورة تصعد الدرجات وتشق طريقها وسط زحمة المتجمعين في الميناء لمشاهدة الألعاب النارية , سمعت كينيت يناديها ولكنها تابعت جريها , لم تنظر الى الوراء ولم تتوقف حتى عندما أرتطم ذراعها بجدار الميناء , أخذت تسرع وتعض شفتها بألم وتشعر بخلو معصمها من السوار , لم تعد تسمع صوت كينيت وكانت تأمل أن يسامحها لتصرفها غير السليم , يجب أن تكون وحيدة ! إن التفكير في الأضطرار الى الأبتسام والتظاهر بالمرح لثلاث أو أربع ساعات أخرى كان أكثر مما تستطيع تحمله , أرادت أن تشعر بنسيم البحر يداعب وجهها ولكن ليس على ظهر يخت مزدحم بالمدعوين , أرادت أن تستمع الى همس الأمواج وأن تجد بعض الراحة لقلبها الذي كان يتوجع طوال النهار تحت قناع التظاهر بالبهجة.
أخيرا توقفت وهي تلهث ووجدت نفسها وحيدة على الشاطىء , كانت أضواء البلدة على مسافة بعيدة خلفها , وتبدو كسلسلة من الماس , وسرعان ما بدأ عرض الألعاب النارية في السماء ورأت أن تراقبها من هذا الموقع.
أخذت نسمات البحر تداعب شعرها وتنعشها , وكانت النجوم ساطعة جدا وتلقي ظل فضي على البحر , وجمال الليل يعزف على أوتار قلبها , وتقدمت الى حافة ماء البحر المندفع بموجات واهية ويلقي بأحجار وأصداف صغيرة.
وفجأة تاقت الى الشعور ببرودة الماء على قدميها فخلعت حذاءها وجوربها وتخطت موجة متكسرة على الشاطىء تضيئها النجوم , كان الماء يغمر قدميها العاريتين فشعرت بأسترخاء أعصابها , أتراها جنت لتفضل هذا على حفل التوديع وما فيه من رقص وموسيقى وكل ما لذ وطاب.
وحدها على الشاطىء , وكان في مقدورها أن تكون محط الأنظار على ظهر اليخت بصحبة شاب أزرق العينين , سيكون متكدرا لأنها هربت منه , وسيغضب دون جوان لأنها لن تكون حاضرة في الحفل وتسمع تمنيات المقربين له بالسعادة مع راكيل .
تحسست بأصبعها الكدمة التي أصابتها في ذراعها من جراء أرتطامها بجدار الميناء , ووقفت تائهة وسط أفكارها بينما الأمواج تدغدغ كاحليها , كان ظهرها قبالة الشاطىء الصخري الذي ينحدر صعودا الى الطريق العام الممتد من البلدة والذي يشتد أنحداره عند قطعه للتلال , لم تكن السيارات التي تعبر هذا الطريق كثيرة ولكن أيفين لم تسمع السيارة التي توقفت عند الجانب الآخر من الطريق , أن أنحدار الطريق هو الذي مكّنه من أن يشرف على الشاطىء ويرى الفتاة الواقفة عارية القدمين عند الأمواج المتكسرة , كان شعرها الطويل يتطاير مع الريح وكانت وحيدة وشبه تائهة.

نيو فراولة 14-08-11 11:36 PM

كل شيء كان هادئا , ثم سمعت صوتا يناديها:
" أيفين أهذا أنت يا صغيرتي؟".
سمعت إسمها كأنها في حلم وكأن البحر هو الذي ناداها , وأستدارت ببطء وإذا في أعلى الشاطىء يقف شخص أسمر الوجه طويل القامة , لا أحد غيره يزيد من سرعة دقات قلبها ولا أحد غيره يسيطر عليها بنظرة , ويغريها بدون كلمات , ويتعرف على أحتياجاتها قبل أن تدركها هي ذاتها.
" دون جوان!".
سمعت نقرات عصاه على الصخور وأدركت أنه يهبط اليها , لم يكن الشاطىء مستويا , وربما يؤذي ساقه , وفجأة أخذت تركض نحوه عبر الرمال وتلاقيا بقلق متزايد , وتعانقا وغابا عن الوجود لحظة.
" أهذا أنت !".
ضحكت ضحكة قوية وقالت:
" من تظن تكون غير صغيرتك المجنونة؟".
" هكذا ظننت ! من غير أيفين تلهو بقدميها في الماء وحدها , وشعرها يتطاير مع الريح , ولا تهتم بالحفلات وتثير قلق وصيها؟".
نظرت الى عينيه فإذا فيهما بريق عاطفي:
" كنت آمل ألا تقلق علي , ظننت أنك مشغول ببأشياء أخرى هذه الليلة بالذات , ولماذا تعيرني أي أهتمام؟".
قال مازحا:
" ولماذا حقا؟ ". ثم رفع شعرها من فوق عينيها , وأمسك بيدها ووجدها ترتعد فقال:
" هل تشعرين بالبرد ؟ لا بد أن الأمر كذلك فقدماك عاريتان , أين حذاؤك وجواربك؟".
أشارت الى الشاطىء.
" في مكان ما , ألن تغضب راكيل لأنك تركت الحفلة وجئت تبحث عني؟".
" ولماذا تغضب راكيل؟".
قال ذلك ثم أبعد شعرها الطويل عن عنقها ورفع وجهها لكي تتطلع اليه.
" كان في معصمها سوار الخطبة , رأيتها معك في المهرجان , وكانت تبدو كالعروس ".
" عما قريب تكون عروسا".
سرت رعشة في كيان أيفين , وأبتعدت عنه قليلا , فسألها:
" هل دبّت الغيرة فيك لسماعك أن راكيل ستتزوج ؟ وهل تتمنين أن تكوني محلها ؟".
" كلا.....".
وفجأة أنقلب بريق عينيه الى الضحك وقال:
" تقولين كلا يا قنفذة البحر الصغيرة , لأن راكيل ستتزوج مصارع ثيران شابا ظل يطاردها بإلحاح حتى أنها في النهاية لم تستطع مقاومته , ألم أقل لك أن الأسباني يقول أنا أريدك ؟ وأية أمرأة يمكنها مقاومة من يريدها ؟ أيمكنك أنت؟".
سألته :
" ومن يريدني؟".
وشعرت أنها أصبحت ضعيفة أمامه كالماء , المصارع أذن هو الذي ستتززوجه راكيل ؟ وليس المركيز دون جوان ! ها هو هنا أمامها يغيظها.... كأنه يعلم بشعورها نحوه , وألتهب غضبها وقالت:
" لقد هربت من كينيت أمام أصدقائه , كذلك عرف ريك أننا أمضينا معا ليلة الضباب سويا ...... أو هو على الأقل عرف أنني كنت ليلتها مع رجل".
" ألم تقولي له أنني كنت ذلك الرجل؟".
" كيف أستطيع ذلك ؟ عندئذ تتوقّع الجزيرة كلها زواجك مني".
" وأنت ألا تحبين هذا ....... أن تكوني زوجتي؟".
" دون جوان.........".
وفجأة لم تعد تتحمل المويد:
" أريد أن أرحل , أرجوك دعني أرحل!".
" وإلى أين ترحلين؟".
" ‘لى مدريد أو أميركا كمرافقة للسيدة غرايسون".
" أنها أمرأة لطيفة , ولكن بعد فترة سيرهقك العمل , وربما تنتابها الغيرة قليلا كلما تطلّع إبنها اليك , وتصر في النهاية على أن تربطي شعرك , وتخفي عنه أغراء عينيك العسليتين بوضع نظارة , كلا ! هذا لن يحدث ما دمت حيا ! إمكثي معي يا أيفين , تذكري أنني تعهدت أن أصونك وأحفظك أمرأة شريفة؟".
" ولكن لا أحد يعرف......... أنك أنت الذي كنت معي ليلة الكوخ".
" أذا لم توافقي هنا الآن على زواجنا , فسأعمل على أن تعرف الجزيرة كلها".
" ولكن لماذا؟".
" لأنك بريئة للغاية , ولأنني أريدك , ولأنك بالنسبة لي فتنة العالم كله , أحب وجهك الأغريقي وأساليبك الصغيرة في التقرب مني ثم الأبتعاد عني , في أول الأمر حدّثت نفسي بأن لا حق لي فيك لأنني أكبر منك سنا , ولأن لي هذه الساق التي تجعلني أعرج , ولكن إذا لم آخذك , فإنك ستعودين الى عبودية إمرأة متسلطة , ولأنه من الأفضل بكثير يا صغيرتي أن يسيطر عليك رجل يحبك الى حد يحيّره".
همست:
" أنا؟".
" أنت يا أيفين , ويمكنني حتى أن أحتمل عدم حبك فترة , ولكنني مصمم على أن أجعلك تحبينني , أريدك , أريدك رفيقة حياتي , وسأصونك وأعتز بك على الدوام , وهذه الكلمات بالنسبة للأسباني أشياء ثابتة".
" ولكن المركيز لا يتزوج من خادمة".
" هذا المركيز يفعل تماما ما يريده , أنك خلقت للعيش في قلعة , يا حبيبتي , وقد أنتظرتك القلعة وأنا أيضا لكي تأتي الى هنا وتضفي عليها نضارة شبابك وضحكك , أيفين , هل تحكمين عليّ بحياة الوحدة ثانية؟".
" أوه , كلا !".
عانقته طويلا وأضافت:
" أذا كنت تريدني فأنا لك , وإذا حدث في مرات أن إبتعدت عنك فذلك لأنني كنت أريد كثيرا الأقتراب منك".
داعب شعرها بأصابعه القوية وقال:
" هل أعتقدت أن راكيل على وشك أن تكون عروسي؟".
" كان يبدو بينكما أشياء كثيرة مشتركة".
" أشياء كثيرة , ولكن لم يكن الحب بينها".
رفع وجهها وأبتسم بشكل أذاب قلبها وقال:
" تعالي يا صغيرتي , نذهب الى البيت , الى قلعتنا؟".
أومأت برأسها , ولم يفه بكلمة فقلبها يفيض بالحب , وزادمن سرورها أن كينيت سيبحر غدا بدونها , تاركا إياها حيث يريد قلبها , وحيث يتوق قلبها الى البقاء على الدوام .... في بيتها..... في قلعة حبيبها دون جوان.

منتديات ليلاس


تمت

الجبل الاخضر 15-08-11 06:53 AM

برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل الذهبيه :peace:من جد اختيار ممتاز :lol:وننتظر جيدك :dancingmonkeyff8:وشكرالك على مجهودك:lol:

فتاة 86 15-08-11 05:02 PM

أحلى فراولة لبنانية
 
أبدعتي حبيبتي
ربنا ما يحرمنا منك
و أكيد عم نتطلع لجديدك

Rehana 15-08-11 11:03 PM

يعطيك العافية حبيبتي

ماننحرم منك

http://www.mooode.com/data/media/275/5thanks_25.gif

قماري طيبة 17-08-11 08:20 AM

رواية جدا جميلة سلمت يداك عليها

فداني الكون0 17-08-11 09:05 AM

يعطيج العافيه حبيبتي
تسلم ايدج

انكوى قلبي 19-08-11 12:38 AM

يعطيك العافيه وتسلم ايدك الروايه جدا رائعه
واختيارك موفق

زهرة منسية 02-09-11 12:12 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير أبدااااااااااااع

وردة الزيزفون 04-09-11 03:02 AM

رواية جميلة جدا وممتعة لابعد حد تسلم ايدك على المجهود وعلى اختيارك المميز جدا ........في انتظار اختيارك القادم

ندى ندى 04-09-11 05:03 AM

روووووووووووووووووووووووووعه

fatma alaa 29-09-11 10:08 PM

حاوة حلوة حلوة خااااااااااااااااااااااااااااالص
بجد رواية جميلة اوي:55:

hamesha 03-10-11 12:19 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير

saosnsaosn 11-05-15 12:42 PM

[QUOTE=نيو فراولة;2824147] 2 - رجل يشبه البرج




أستيقظت أيفين مع طلوع الشمس , وكانت في غاية الراحة حتى أنها نهضت من الفراش بعد لحظة وأسرعت نحو النافذة الخشبية كي تتأمل محيطها الجديد , وكان قميص نومها واسعا ينزلق من فوق كتفيها , وتطلعت من النافذة كطفلة خائفة.
بحر أزرق فيروزي , وجبال أسبانية بعيدة , وهذه الجزيرة أشبه بعالم مستقل بذاته , الآن وقد أراح النوم الطويل أيفين وحجب عنها قليلا كابوس غرق الباخرة , شعرت بدافع لأكتشاف دنياها االجديدة.
وتأملت غرفة نومها وتذكرت قول مدبرة المنزل بالأمس عن طلب ثياب لها من محل في البلدة التي تبعد عن الجزيرة ستة أميال , أن قميص الأمس الصوفي والسروال الجينز أختفيا , ودفعها فضولها للأندفاع نحو خزانة الثياب الكبيرة فأخذت تفحصها , ثوب قطني برتقالي , وآخر كتاني مخطط , وثالث حريري مزركش , وأعجبتها تنورة خضراء وبلوزة ذات كشكشة وأكمام واسعة أشبه الريف , ووجدت في علبة رقيقة مزينة برسوم الزهور بعض الثياب الداخلية , وسرعان ما أغتسلت أيفين , وأرتدت التنورة والبلوزة , وبعد ذلك مشّطت شعرها وكانت على وشك أن ترفع جديلتها الى أعلى على طريقتها السابقة , ولكنها تذكرت فجأة أن هذا ليس بيت ساندل , وأن المركيز دي ليون ليس مخدومتها السابقة .

وتركت ضفيرتها تنساب على كتفها الأيسر , ورأت صورتها في المرآة غريبة عنها , كانت عيناها بدون النظارة واسعتين أخاذتين , وبدت لطيفة بثيابها الجديدة والزنار العريض في وسطها , ثم تذكرت أن أيدا ساندل ربما لا تكون بين الناجين.
ابتعدت عن المرآة وأعتزمت النزول من غرفتها لتبحث عن طعام تتناوله لشعورها بالجوع , وخاصة بسبب هواء البحر الذي تسلل طوال الليل الى غرفتها.
هبطت سلم البرج الدائري , حتى وصلت الى ممشى يؤدي الى القاعة , وعن يساره باحة مقنطرة , كانت الشمس تملأ المكان بأشعتها الذهبية عندما وقفت تحت قناطر الباحة تتطلع الى المنظر.
كان هناك تحت شجرة بنفسجية مزهرة مائدة صغيرة وشخص جالس , في شعره الأسود بعض خيوط فضية , منهمكا في تقشير المندرين , وكادت أيفين أن تتراجع حينما تطلع هو الى فوق كأنما شعر بوجودها , وأدار رأسه ببطء ناحيتها وقال:
" صباح الخير , يسرني مشاركتك يا آنسة بلغريم".
وأبتلعت لعابها في عصبية , فهو رغم ثيابه غير الرسمية المؤلفة من سترة كشمير ذهبية وسروال بني , لا يزال يبدو مترفعا في وقفته , أستند بيده على حافة المائدة الى أن جلست في المقعد الآخر , وبعد جلوسه لاحظت كيف يمدد ساقه اليسرى كأنه غير قادر على ثنيها عند الركبة , سألها:
" هل نمت نوما حسنا؟".
ثم دق جرسا فضيا صغيرا وأستمر في تقشير المندرين الذي أختلطت رائحته بشذى الأزهار والأشجار.
" أجل , شكرا".
وشعرت أيفين بالحياء ولم تكن واثقة منه فسألته :
" ترى هل سمعت شيئا عن ركاب الباخرة الآخرين يا سيدي ؟".
" لقد ذهب أمريتو الى العاصمة للأستفسار بالنيابة عني , ولأبلاغ السلطة أيضا أنك ضيفة عندي".
بدا لها غريبا أن يقال عنها ضيفة , وهي التي لم تكن تجد في السنوات القليلة الماضية فراغا من الوقت للراحة , ولم تكن تعامل بأنصاف , كانت تخدم الغير ولا أحد يخدمها على هذا النحو.
قدم الخادم وسألها المركيز :
" ماذا تحبين للأفطار , بيض مقلي , فطائر ساخنة وعسل أم مربى؟".
" أجل , أرجوك ". وعبق خداها بحمرة الخجل وأستطردت : " كل شيء يبدو لذيذا , وأفضّل العسل".
ونظر اى خادمه , الواقف بأدب في سترته البيضاء وسرواله القاتم , وقال بأسبانية سريعة مما زاد في روعة المكان الذي وجدت أيفين نفسها فيه.
" لقد تناولت أفطاري من القهوة والفطائر والفاكهة ". وتطلع المركيز الى البلوزة والتنورة , وقال : " أرى أن رغبتي بشأن الثياب قد نفذت , أنك لا تبدين هذا الصباح كفتاة حزينة تائهة".
" أنا شاكرة لك هذه الثياب يا دون خوان , ولا أدري كيف سأرد هذا الجميل".
قال بطريقة مبهمة:
" بالتأكيد سنجد طريقة ما".
ورأت أسنانه اللامعة الصلبة وهو يأكل المندرين , وكانت الشمس تتسلل من خلال أغصان الشجرة البنفسجية , وشاع الدفء في المكان بأستثناء العينين السوداوين اللتين تنظران اليها قال :
" الحياة تغيرت بالنسبة اليك فجأة على نحو مثير يا آنسة بلغريم , ألا تثيرك هذه الأشياء الجديدة؟".
" في هذه اللحظة أشعر بالحيرة".

وراحت أيفين تتطلع الى قناطر الباحة وأرضيتها وجدرانها المذهبة , والأزهار , والنافورة غير الظاهرة وبعض الطيور المغردة عند أشجار الدفلي العطرة , يا لها من حديقة جميلة ربما تخفي بداخلها حيّة , كان كل شيء أشبه بالحلم , وكانت أيفين تتخذ موقف الدفاع , لقد تعلمت أن تكون كذلك , حتى عندما كانت الموسيقى تعزف على الباخرة ثم حدث ما مزق قلبها عند ألقاء الركاب المسالمين الى البحر , وتحدث الماركيز دون خوان بلهجة حادة:
" عليك الأبتعاد عن الماضي , صدقيني يا آنسة , الذكريات قد تظل شديدة الوطأة , وأنت بعد صغيرة وعليك أن تتخلي عن النظرة القاتمة".
أمسكت ببرعم سقط على المائدة وقالت:
" في هذه اللحظة الذكريات حية لا تنسى , سأشعر بتحسن عندما أعلم أن السيدة ساندل سالمة".
" ولكنك لم تكوني سعيدة معها ".
هزت أيفين رأسها وقالت:
" كانت قاسية , ومع ذلك لا تستحق الغرق!".
" نحن الأسبان نؤمن بأن لكل أنسان قدره , ها هو لويس يأتي بالأفطار".
قال دون خوان ذلط وهو يقف ممسكا بعصاه ذات الرأس الفضي , وأضاف:
" عندي بعض الأعمال , ولهذا سأتركك تتسلين بمشاهدة المكان , ومداعبة الحيوانات , وأذا رغبت في المطالعة فأن مدبرة المنزل ستدلك على الطريق الى المكتبة الموجودة بالبرج , تذكري أن عليك الأبتعاد عن الصور الكئيبة والهموم في هذه السن".
وأنحنى أمامها أنحناءة صغيرة , ونظرت ال أصابعها وهي تسحق البرعمة البنفسجية عندما أبتعد بساقه العرجاء في أتجاه قاعة القلعة , ترى ما الذي يحزنه ويجعله لا يبتسم ألا نادرا؟ أنه مثل برجه البحري مترفع وغامض.
رتب لويس الصحون أمامها على المائدة , البيض المقلي بالزبدة والفطائر الساخنة والعسل وأبريق الشاي الفضي.
قالت له بالأسبانية شكرا وأبتسمت , ولكنه كان متحفظا مثل آلما , كأنه يعرف أنها غير معتادة أن تعامل كسيدة للبيت , وجمع البراعم المتناثرة , وقشور المندرين التي تركها سيده , أحست أيفين بشيء من الأمتعاض , لقد قال لها دون خوان ( بيتي هو بيتك ) , ولكنها تبدو بالنسبة الى الخدم دخيلة , وهم يرون أنها تفتقر الى الثقة التي يعرفها من ولد لأعطاء الأوامر وتلقي الخدمات , وهم يعرفون أنها كانت تعمل خادمة لسيدة.
[/جمييييييييييييييييييييلةQUOTE]

حنان محمد ابراهيم 16-11-15 07:23 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
الرواية غاية فى الجمال و الرووووووووووووعةشكرا

هياتم 17-11-15 12:18 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا الكون حلوه القصص كتيرررر و انا بنبسط فيهن

صمت السسكون 19-11-15 03:19 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
😙😙😙😙😙😙

جماااال الرواايةةة

توووووم 03-02-16 04:53 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . انها حقا قصة ممتعة
:55::dancingmonkeyff8::55::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff 8::dancingmonkeyff8::55:

شمس الزهراء 04-02-16 02:29 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

الاميره ناديه 19-02-16 06:29 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
بحب الروايه دى جدا مشكووووووره

ام ايلاف الحبوبة 09-03-16 11:31 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلم الايادي...

فرحــــــــــة 08-07-16 04:00 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
نيو فراولة
تعجبنى اختيارتك دائما
تختارين الاروع والاجمل
سلمت يداكى على ماقدمتى لنا
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

ميموزيل مدموزيل 28-07-17 12:28 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلمووووووووووووووووووو

أم يحي 24-09-17 03:50 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم وموفقين على الدوام

صفاء القلوب الحزينه 02-10-17 10:17 PM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكراااااا للمجهود الرائع

مريانا ادريس 16-01-18 08:45 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

Moubel 22-12-21 08:57 AM

رد: 91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك على المجهود

laili22 11-11-22 05:04 PM

مشكوريييييييييييين على المجهودات





سألها:
" أيمكنك مقاومة من يريدك؟".
فسألته بدورها" ومن يريدني؟".
وعندها شعرت أنها أصبحت ضعيفة كالماء بين ذراعي المركيز.
"أنني هربت من كينيث امام اصدقائه, كذلك عرف ريك أننا أمضينا ليلة الضباب معا... أو هو عرف على الاقل أنني كنت ليلتها مع رجل".
" ألم تقولي له أنني كنت ذلك الرجل؟".
"ماكنت لأستطيع وإلاعلمت الجزيرة كلها وتوقعت زواجك مني".
" إذا لم توافقي على زواجنا فسأعمل على أن تعلم الجزيرة كلها لأنني أريدك, ولأنك بالنسبة الي فتنة العالم كله".
احتجت قائلة : "وهل يتزوج المركيز من خادمة؟ ".
اجاب باعتزاز: " هذا المركيز يفعل تماما مايريده".
[/QUOTE]


الساعة الآن 05:46 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية