منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   122 - في مجاهل الرغبة - كاي ثورب - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t164912.html)

نيو فراولة 21-07-11 10:06 PM

122 - في مجاهل الرغبة - كاي ثورب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
122- في مجاهل الرغبة - كاي ثورب - روايات عبير القديمة


الملخص



بين البرارى الأفريقية القاحلة فى كامبالا كانت سارة حرة طليقة تفعل ما تشاء. لا هم لها سوى التفتح بكسل ونعومة تحت شمس الأدغال , كأقحوانة برية تنتظر القطف.....
حتى ظهر ستيف يورك , الرجل الذى خبر الحياة بكل عنفوانها وجديتها ولا مجال لديه للأهتمام بصبية لاهية تعرض حياتها للخطر فى كل يوم. علاقتهما شائكة كالمخالب , وسارة تتحداه كغزالة وحشية لا تقبل الترويض. حتى يظهر فى حياتهما دون , رجل المدينة الأنيق المجرب وفى صحبته , أخته ديانا. وتبدأ لعبة الحب.منتديات ليلاس
أنها شرسة , مليئة بالأخطار مجهولة ربما أكثر من الأدغال.

نيو فراولة 21-07-11 10:08 PM

1- فتاة البراري



تمدّد التمساح ونصفه غارق في الوحل فبدا كجزيرة مرقّطة بالأخضر والأحمر الداكن , بحيث أنسجم أنسجاما تاما مع ألوان الضفة وراءه , ولكن سرعان ما عادت اليه الحركة على وقع حصاة في الماء , فزحف الى الأمام يسحب في مؤخرته ذنبا صلبا تخال أن لا نهاية لطوله , وأما سارة التي كانت ترمقه من بعيد , فقدّرت طوله بست عشرة قدما , كان أطول تمساح رأته في حياتها......
وأنحدرت سارة بعيدا عن الموضع الواطىء الذي تحجبه ستارة من الأعشاب , وأخذت تنفض بيدها التراب وما علق على قميصها وسروالها من نفايات الأرض , ثم جلست قليلا تنظر الى أعالي سفوح مارا الزرقاء اللون ومنها الى السهول الواسعة الممتدة الى الجنوب , وكان المازيون يحرقون العشب مرة أخرى كأمر ضروري يسمح للكلأ أن ينبت من جديد , غير أن ذلك لم يكن يخلو من الخطر أحيانا لقربه من الطريق , فقبل أسبوع أضطر والد سارة أن يعود الى مقر عمله عبر العشب المحترق فكاد الدخان يصيبه بالأختناق , أما اليوم فكانت الريح لحسن الطالع تهب من الجهة الأخرى.
وكان والدها في تلك اللحظة على متن طائرة متجهة الى أنكلترا ,ولولا وفاة أخيه الوحيد على حين غرّة لما عاد الى بلاده , أما هي فلم يكن عمرها يزيد على الثامنة حين أنتقلت عائلتها الى شرقي أفريقيا , فهي لذلك لا تذكر ألا القليل عن مسقط رأسها , وكان لدى العائلة رغبة في قضاء عطلة سنة هناك غير أن ذلك لم يخرج الى حيز التنفيذ , وبعد أن توفيت والدتها وهي في الثانية عشرة من عمرها لم يعد حتى لتلك الرغبة من وجود , ثم بلغ من أهتمام والدها بعلم أثر البيئة في الحيوان والنبات أنه أحتل منصبا في مصلحة صيد الحيوان , وكانت سارة لا تزال على مقاعد الدراسة حين أسندت الى والدها أدارة مركز كامبالا في المساحة المخصصة للصيد من مقاطعة مارا- مازاي , فكان على سارة أن تنتظر ستة أشهر قبل أن تتمكن من الألتحاق بوالدها.
وكانت سارة تبتسم كلما تذكّرت تلك الأيام التي كانت لا تزال فيها طرية العود , غير مستعدة بعد لأستيعاب كل ما أنطوت عليه الحياة هناك من خبرة وتجربة , أما الآن بعد مرور ثلاث سنوات على ذلك , فلا تزال تلك الحياة تأسرها , وأن كان الرعب منها تحول الى تقدير , فالزمن في ذلك المكان زمن ضائع , والحس من الرهافة بحيث جعل كل مشهد وكل صوت على قدر من الشفافية لم تعرف له مثيلا في أي مكان آخر , وخلال تلك السنوات الثلاث لم تقطع ذهابا وأيابا مسافة الأربعمئة ميل التي تفصلها عن نيروبي العاصمة ألا مرة واحدة ,ولم يكن لديها الرغبة أن تعاود الكرة الآن على الأقل , وأرتضت أن تقضي أيامها في تلك الديار على هذه الوتيرة.....
كانت الشمس تسرع الى المغيب وعلى سارة أن تعود الى منزلها , أخبرت تيد أنها لن تغيب أكثر من ساعة , ألا أنه لم يقلق عليها أذا تأخرت في العودة قليلا , فهو كوالدها يثق بأنها أصبحت تعرف كيف تتجنب المخاطر......
تناولت سارة البندقية الملقاة على العشب بجانبها ونهضت واقفة على قدميها , وكانت قد أوقفت سيارة اللاندروفر على طرف الغابة عند ضفة النهر , فسارت اليها عبر الطريق الضيق الذي دخلت منه , ثم مالت عنه بحذر الى الطريق العام , وسرّها أنها رأت ما جاءت لتراه , وهو ذلك التمساح الذي يعد أكبر التماسيح التي شاهدها كيماني حتى الآن , على الرغم من أن تيد يزعم أنه رأى واحدا يقارب طوله العشرين قدما.
وأقبل في الطريق أثنان من المازيين العائدين الى القرية وهما يدوسان الأرض بخفة , فبادرتهما سارة تحية الود المعتادة ومرت بهما , وخطر لها أن تذهب الى القرية في الغد لأن زوجة مغاري الثالثة لا بد أن تكون ولدت طفلها الخامس أو ربما السادس على الرغم من أنها لم تتجاوز مثلها التاسعة عشرة , وكان كيماني قد قال منذ بضعة أيام أن القبيلة ستفكر عما قريب بالرحيل مرة أخرى لأن المراعي في تلك الأنحاء بدأت تنفذ , ولم تكن سارة تريدها أن تنزح , ولكنها تدرك أن ذلك أمر لا مناص منه , فقبيلة مازي من البدو الرحل , ولذلك كان من عادتها أن ترحل من مكان الى آخر طلبا للرزق والكلأ , وحين تفعل ذلك تترك أكواخها للخراب وتبني أكواخا جديدة حيث يطيب لها المقام , كان هنالك على بعد عشرة أميال من السفوح أكواخ من هذا النوع عفا عليها الزمن قبل مجيء سارة.
كان الطريق العام يتشعّب في آخره الى طريقين ,واحد يتّجه يمينا نحو السفوح والآخر يهبط وسصعد شمالا فوق مرتفع واطىء نحو الغابة , وأختارت سارة الطريق الثاني , فسارت فيه بحذر نظرا الى كثرة الجذور الظاهرة على سطح الأرض , وحدث لها مرة أن علقت أحدى عجلات عربتها في تلك الجذور فأضطرت الى الأنتظار ساعة كاملة فيما قطيع من الأفيال يرعى على بعد مئتي قدم منها , على أنها لم تشعر بالخطر يتهددها , ذلك أن الريح جرت كما تشتهي , والفيل كمعظم الحيوانات لا يتخوف من عربة واقفة لا تتحرك , كان أمام سارة ساقية من الماء متفرعة من نهر مارا الذي كانت تراقب فيه ذلك التمساح , والطريق الذي أتخذته كان بمحاذاة الساقية على مسيرة بضع دقائق , ثم ينحرف الى الوراء ليدخل مرة ثانية في الغابة قبل أن يخرج الى متسع من الأرض يمتد صعدا الى جرف عال يحصن كامبالا من الوراء......

وحين شاهدت سارة مركز الأدارة لأول مرة لم تعجب كثيرا ببيوته الخشبية المتفرقة ذات الشرفات العريضة الظليلة والأثاث العتيق ,ومنذ ذلك الوقت لم يتغير الا القليل , فلم تزل البيوت هي نفسها وكذلك السور المضروب حولها من الأسلاك الشائكة , أما المأوى الذي أنشأته بمبادرتها الخاصة فلم يكن يضم آنئذ سوى غزال صغير وجده كيماني بجانب أمه بعد أن فارقت الروح في الغابة على الأقل كان القصد من وراء ذلك , غير أن الغزال الصغير لم يلبث أن أخذ يتبع سارة كظلها حتى خيّل أليها أنه سيفضّل الأنضمام يوما الى قردها كيكي كحيوان داجن على العيش في البرية..........
وفيما هي غارقة في التفكير , وقد وصلت الى مقربة من البيت , أدركت فجأة أن سيارة اللاندروفر المتوقفة عند أسفل الدرج لم تكن من سيارات مركز الأدارة , على الرغم مما ظهر على جانبها من كتابة تشير الى أنها تخص مصلحة صيد الحيوان , فالمصلحة على ما يبدو أرسلت من ينوب عن والدها في أدارة المركز الى أن يعود , وكانت سارة تتوقع ذلك وتأمل أن يكون الذي ينوب عنه هو بروس مادن الذي تعرفت اليه في نيروبي فأعجبت به.........
كانت سارة وصلت الى منتصف الدرج حين سمعت صراخا أرعبها ,, وبعد لحظة أطل كيكي من الباب وقفز الى حضنها , ثم أعتلى كتفها وراح يداعب شعرها بيده ويضم علبة سكاير باليد الأخرى , ولحق به في الحال رجل بثياب العمل ما أن رأى سارة حتى وقف فجأة وأخذ يحدق اليها بعينيه الرماديتين , ثم سألها قائلا:
" هل أنت أبنة ديف ماكدونلد؟".
وكان في لهجته ما جعلها تشعر بقشعريرة , فأجابت:
" نعم , وأذا كنت هنا لترى والدي , فهو قد سافر الى أنكلترا البارحة".
فقال الرجل:
" أعرف ذلك , أما الذي لا أفهمه فهو لماذا لم ترافقيه , خصوصا وأنه لم يذكر شيئا عن بقائك هنا".
" قررت أن لا أسافر , وأنا لا أظن أن أبي رأى سببا يجعله يخبر المكتب الرئيسي أنني سأبقى في البيت , هل تنتظرون قدوم بروس مادن؟".
فرفع حاجبيه ببطء وقال:
" كلا , أصيب بحمى الملاريا فدخل المستشفى , أنا ستيف يورك".
وألقى نظرة على السيارة التي نزل منها منذ حين وقال لها:
" هل كنت في البرية وحدك؟".
فأجابته:
" نعم , وهل في ذلك خطأ؟".
قال ستيف:
" كل الخطأ , ففتاة في مثل سنك تعرض نفسها للخطر أذا هي أخذت وتمرح في منطقة الصيد , وعلى والدك أن يدرك ذلك , ألا أذا كنت بعملك هذا أغتنمت فرصة غيابه".
" كلا , لم أغتنم أية فرصة , ثم أنني لم أعد فتاة صغيرة".
قالت سارة ذلك وقلبها يزداد خفقانا , أذ خشيت أن يكون عليها وعلى العاملين في المركز أن يتحملوا ههذا الرجل الذي أرسل ليحل مكان والدها لمدة ستة أسابيع , تفحصته من وراء جفونها فتبينت لها كتفاه العريضتان تحت قميصه الخشن , وصلابة جسده النحيل الطويل القامة وملامح وجهه الأسمر , وشعر رأسه الكتسنائي المنسرح , وتساءلت كم يكون له من العمر : 32-33؟ فهو لا يمكن أن يكون أكبر من ذلك سنا , نظرا الى نبرة صوته الصارمة الحازمة , ولا يمكن أن يكون متقدما في السن الى عمر يكتسب فيه الخبرة التي يمتلكها والدها وبروس مادن.
وأدركت سارة فجأة أنه هو أيضا ينظر اليها كمن ينظر الى شيء ممتع , فشعرت بالأحمرار يصعد الى خديها , هل كانت أفكارها وخواطرها من الوضوح بحيث سهل عليه أدراكها ؟ على أنها سارعت الى سؤاله قائلة:
" هل ألتقيت تيد ويليس؟".
فأجابها ستيف:
" لم ألتق أحدا بعد بأستثناء الخادمين اللذين في منزلك , فلم يمض على قدومي أكثر من ساعة , ولكن ليتك تخبريني أين الباقون؟".
فقالت له سارة:
" كيماني تكوجي يطارد لصوصا كانوا يصطادون خلسة في غابة الصيد الخاصة بالمركز , وقد أصطحب أربعة من الرماة , وأما الآخرون فهم يقومون بنوبة الحراسة , ولا بد أن يكون تيد هنا في مكان ما , فهو لا يترك المركز من دون خفير".
قال ستيف برقة ورصانة:
" هذا ما أرجوه , ويبدو الى أن الوضع كله هنا بحاجة الى تدقيق وأنعام نظر".
رفعت سارة وجهها بحدة وقالت :
" هل لي أن أدخل الى البيت الآن بعد أن نطقت بهذه الخلاصة ؟ فأنا عطشى وبحاجة الى شربة ماء بارد".
ومدت يدها وتناولت علبة السكاير من بين مخالب كيكي , ثم وضعت القرد على الشرفة قبل أن تستأنف صعودها أعلى الدرجات , وقالت لستيف:
" أظن أن هذه العلبة لك".
فأخذها ستيف منها قائلا:
" شكرا".

نيو فراولة 21-07-11 10:09 PM

ومرت سارة أمامه ودخلت الى غرفة الجلوس الظليلة بأرضها الخشبية العارية وبسطها الجلدية المفروشة هنا وهناك , وبعد أن فكرت قليلا تناولت بعض الزجاجات والكؤوس من الخزانة وسكبت قليلا من شراب البرتقال , ثم أخذت جرعة كبيرة منه قبل أن تلتفت وتسأل ستيف ببرودة أذا كان يرغب في كأس من الشراب...........
وكان ستيف قد تبعها الى الغرفة ووقف مستندا الى كتف الباب , ويداه في جيب سرواله , فهز رأسه بالنفي وبادرها سائلا:
" كم لك من العمر؟".
فأجابته بأختصار وقد أرتفع حاجباها السوداوان:
" تسع عشرة سنة".
" أصحيح هذا؟ كنت أظن أنك لا تزيدين على السداسة عشر , ولكن لا فرق , فأنت لا تزالين غير مؤهلة للتجول في غابة الصيد من دون حراسة".
قالت له بنبرة لاذعة:
" أما كنت ترى غير هذا الرأي لو كنت صبيا؟".
فرمقها بنظرة وأبتسم قائلا:
" ربما , ولكن هل أنت في هذا المكان مدة طويلة؟".
" ثلاث سنوات , وهي مدة كافية لأتعلم فيها ما يجب أو ما لا يجب أن أفعله هنا , فأنا قادرة على العناية بنفسي.......".
" وعلى العناية أيضا بتلك البندقية التي تركتها في السيارة خارجا.... وكان يجب أن لا تتركيها؟".
فبلغ الغيظ بسارة الى حد أنها كادت ترفس نفسها وترفسه , نعم , نسيت البندقية في السيارة , ولا ينفع القول أنها نسيتها لأول مرة في حياتها , فهو لن يصدقها.....
وضعت كأس الشراب جانبا وقالت له:
" أنت ألهيتني عنها , أنني ذاهبة لأجلبها.....".
وحين عادت بالبندقية كان ستيف لا يزال واقفا حيث كان , فمد يده وتناول البندقية وأخذ يتفحصها مبتسما , ثم أعادها الى سارة قائلا:
" هل تحسنين أستعمال البندقية جيدا؟".
أجابته:
" الى حد ما , هل تريدني أن أبرهن لك؟".
فهز رأسه قائلا:
" لا لزوم لذلك".
وحدقت به قائلة :
" ماذا تعني تماما بكلامك هذا؟".
فأجابها برصانة :
" أعني أنك لن تخرجي الى الغابة بعد الآت ألا برفقة أحد الحراس , وذلك طيلة وجودي هنا , فأنا مسؤول عنك بالنيابة عن والدك , ولكن بشروطي أنا".
" لا أحد يطلب منك أن تكون مسؤولا عني , فقد تكون مكانتك عظيمة هناك حيث كنت , ولكنها هنا لا تعنيني في شيء , فأنا لست موظفة في مصلحة صيد الحيوان , ولي ملء الحرية في أن أذهب حيث أشاء!".
نظر اليها مليا قبل أن يقول لها:
" لا تحسبي هذا الحساب , فقد تكونين كملكة النحل هنا في نظرك ولكنك في نظري لست أكثر من مخلوقة يعوزها التهذيب والتأديب , والحق ليس عليك , أذا كان مسموحا لك أن تتجولي في السنوات الثلاث الماضية , فلا غرابة في ذلك..... والآن هل تدلينني على غرفتي ونحن ننتظر عودة تيد؟".
" يمكنك أن تجدها بنفسك!".
قالت هذا الكلام بغضب شديد وخرجت مسرعة , فأصطدمت برجل كان يصعد الدرج وحيّته بقولها :
" أهلا وسهلا الى القصر.... الآن وصل اليه وليّ العهد!".
وظهرت الدهشة على وجه تيد ويليس وهو ينظر الى ستيف من فوق كتف سارة , فسأله قائلا:
" هل أنت البديل؟ كنا بأنتظار بروس مادن".
فأجابه ستيف بنبرة خافة :
" هذا ما أدركته ..... أنا ستيف يورك, جئت لأكون البديل لأن مادن تعذّر عليه المجبء , وأذا صدق ظني فأنت تيد ويليس".
فأجابه تيد:
" نعم أنا تيد ويليس , ويؤسفني أنني لم أكن هنا لأستقبالك , كنت أتفحص المستودعات في المكان الخلفي , حيث لا يمكن دائما سماع هدير السيارة".
فقال ستيف:
" يبدو كذلك".
" وبعد قليل ألتفت الى سارة وقال لها بهدوء:
" كنت ستريني أين غرفة نومي , يا آنسة مكدونلد ".
ترددت سارة وهي تنظر الى تيد , ثم أستدارت لمواجهة ستيف , وكان ستيف قد سمع ما قالته لتيد على الدرج , فواجهها بعينين لهما لون الرصاص , ولم تحفل سارة بذلك , بل عزمت أن لا تسمح له بتخويفها , وقالت له:
" حسنا , سأريك غرفتك يا سيد يورك".
فصاح بها:
" أنت لا تحتاجين الى البندقي فدعي تيد يحلفظ بها لك".
فناولت البندقية الى تيد من دون أن تفوه بكلمة , ثم مرت أمام ستيف وعبرت غرفة الجلوس الى الباب البعيد , وكان وراءه خمسة أبواب تؤدي الى الممشى , فتحت سارة الباب الثاني الى اليمين ووقفت متراجعة الى الوراء لتسمح لستيف بالمرور , وقالت له:
" هذه الغرفة أعتاد أن يشغلها والدي , وهي واسعة , والغرفة المجاورة لها هي غرفتي , كيماني يحتل الغرفة التي في الجانب المقابل ,وتيد تلك التي قبالتها , وأما غرفة الحمام ففي مؤخرة البيت".
وجال ستيف بنظره في أرجاء الغرفة بأثاثها القليل , ثم قال لسارة:
" لا بأس , متى تتناولون الطعام عادة؟".
" في الثامنة ".
وكانت الساعة تشير الى الخامسة والنصف فأضافت قائلة ببرودة:
" بأمكاني أن أهيء لك ما يسد رمقك الآن".
" مع السم , على ما أظن!".
وألتفت اليها قليلا ثم أضاف:
" أنظري , سنجد الأسابيع الستة التي سأقضيها هنا طويلة أذا كنت تنوين أن تستمري على تصرفاتك هذه.... وأنا لم يرق لي أن أجدك هنا أكثر مما راق لك أن تريني هنا بديلا عن مادن , ولكن لا حيلة لنا في الأمر , فعلينا أن نتحمله الى أقصى حد , وكل ما أطلبه منك هو قليل من التعاون".
فنظرت اليه سارة بقساوة وقالت:
" أهذا ما تسمية ؟".
أجابها بغيظ مكبوت :
" أفعلي ما تشائين , ولكنني أنذرك أن هناك حدودا لما أقدر أن أتحمله من الفتيات الصغيرات اللواتي يبالغن في تقدير أهميتهن , ما دمت مسؤولا عن العمل هنا فخير لك أن تفعلي ما آمرك به , هل هذا واضح كل الوضوح؟".
" واضح كالبلور!".
وقالت في نفسها وهي تغادر الغرفة.... يا له من رجل بغيض! هو كسائر الطغاة الذين أذا أعطيتهم قليلا من السلطة طارت عقولهم , لكنه سيرى أنني لن أخضع له , وأن الوقت حان لمن يوقفه عند حده.
ودخلت سارة غرفتها , وفيما هي تخرج من الخزانة سروالا وقميصا , حانت منها ألتفاتة الى المرآة فرأت الغبار يعلو خديها , لا بد أنها تلوثت به وهي على ضفة النهر , وكان شعرها أيضا غير منتظم , فلا عجب والحالة هذه أن يستخف لها ذلك الرجل ويحسبها صغيرة طائشة , وسمعت باب غرفته يفتح ووقع خطواته وهي تبتعد في الممشى , أيكون ذاهبا الى مراقبة تفريغ سيارته من حمولتها ؟ وتمنت أن لا يكون تيد في متناول اليد لمساعدته.
منتديات ليلاس
وفي الحمام أغتسلت وبدلت ثيابها وسرحت شعرها , ثم ألقت بأشيائها الوسخة في السلة لتجدها في الغد نظيفة ومرتبة على سريرها , فالخادمان مازوي ونجوروجي كانا أفضل من تولى الخدمة في المركز حتى الآن , وكم تمنت سارة أن تحتفظ بهما طويلا , ألا أن هذا التمني كان مشكوكا فيه , ذلك لأن كامبالا كانت بعيدة جدا عن البلاد التي قدما منها ولم يكن أجرهما برغم أرتفاعه ليعوض معنويا عن أنعدام المواصلات بينهما وبين ذويهما , فلم يبق لحل مشكلة فقدان الخدم ألا أقناع المازويين أنفسهم بمعاطاة هذه المهنة , غير أن النجاح في ذلك بدا ضئيلا جدا لقلة أهتمام هؤلاء القوم بالأشياء التي تشترى بالمال , فثروتهم تقتصر على الماشية التي تزودهم بكل ما يحتاجون اليه ,وفي ذلك كانوا أهنأ شعب على وجه الأرض .
كان تيد يتفحص خزان الماء فأستندت سارة الى أحد الأعمدة وراحت تراقبه , ثم قالت له:
" هل أسرفت في أستعمال الماء؟".
فأبتسم تيد وأجاب:
" أنت دائما تسرفين بأستعمال الماء للأغتسال , شأنك في ذلك شأن سائر النساء , ليتك رأيت كيف كانوا بقننون لنا الماء في ماضيات الأيام.... لا أكثر من كوب واحد لألأغتسال كل يوم , هذا أذا كان الواحد منا حسن الحظ".
فضحكت سارة وقالت:
" هذا ما يخبرني به دائما , فلو كان نصفه صحيحا لكان من اعجب أن لا تشم رائحتك الحيوانات على مسافة ميل!".
وكانت سارة تميل الى تيد ويليس , وهو لم يكن في الواقع يكبر أبيها أكثر من بضع سنوات , غير أن قضاء معظم حياته في البرية رسم في وجهه من التجاعيد ما جعله أشبه بخريطة جبال هملايا , ففي صباه كان صيادا ماهرا , ث بدأ نظره يضعف الى أن جاء وقت عجز فيه أن ينافس سائر منظمي رحلات الصيد هناك في تحديد مكان الطريدة لزبائنه , وكان في كامبالا حين قدمت سارة اليها , كم أنفق من الوقت في سرد الحكايات على مسامعها , وهي حكايات عن الأيام السالفة , ألا أن سارة كانت تظن أن معظمها يعود الى عهود أبعد منها بكثير , وسألت تيد:
" هل عاد كيماني؟".
فهز رأسه بالنفي وأجاب:
" لعله ذهب الى اللودج ".
" أنت تشك أذن في أنهم وجدوا شيئا ".
" نعم , أشك , هؤلاء الصيادون الذين يعتدون على أراضي الآخرين لا تنقصهم المهارة أبدا , فهم يدخلون حدود الأراضي في الليل ويخرجون منها قبل طلوع الفجر , والطريقة الوحيدة للقبض عليهم هي أن نعرف المكان الذي يأوون اليه في النهار , ثم نكمن لهم عند رجوعهم في الصباح ".
" وهل كل ما يهمهم هو قرن الكركدن؟".
" نعم , والذين يدفعونهم للقيام بسرقته لا يبخلون عليهم بالثمن الباهظ , على أن الربح الحقيقي هو من نصيب أولئك الذين لا يركبون أية مخاطر , ولو قام أحد بجولة بين الذين يعتقدون أن المسحوق المستخلص مناقرن يثير الشهوة , وأفهمهم بالبراهين العلمية أن ذلك لا صحة له لأصبح سلعة تجارية كاسدة وزال من السوق".

نيو فراولة 21-07-11 10:10 PM

وألتفت الى سارة فرآها تضحك , فقال لها:
" لك أن تضحكي يا فتاتي الصغيرة , ولكن ما أقوله صحيح , فلتجارة عرض وطلب , فأذا زال الطلب زال العرض".
قالت له سارة:
" أنني أصدقك...... ولكن ما رأيك بالرجل الذي جاء بديلا مؤقتا لأبي؟".
رفع تيد كتفيه وأجاب:
" سنرى , وهذا أمر غير مهم , فهو لن يبقى هنا أكثر من ستة أسابيع ".
فقالت سارة بكآبة :
" ولكنني أشعر أن الأسابيع الستة ستكون بمثابة سنوات ست , فهو رجل متعجرف , حتى أنه منعني أن أخرج الى البرية من دون حارس".
قال تيد بشيء من الدعابة:
" يا له من رجل شجاع ... ماذا قلت له أنت؟".
فأجابت سارة:
" ماذا تظن أنني قلت له ؟ كنت دائما.........".
وتوقفت عن الكلام قليلا , ثم تابعت كلامها بعد أن رمقته بنظرة شك:
" أنت لا توافقه على ذلك , أصحيح هذا؟".
فأعترف تيد قائلا:
" لا أظن أن فكرته سيئة , فمنذ سنتين وأنا أحاول أن أقنع بها ديف , مهما أحترست للأمر , يبقى هنالك بعض الخطر , فمن يضمن , مثلا أن لا تعضك أفعى؟".
" في السيارة شراب ضد السم".
" قد لا تصلين اليه قبل فوات الأوان , فسم بعض الأفاعي يفعل فعله في ثوان .... وعلى أفتراض أن هذا النوع من الخطر يمكن تفاديه , ماذ أذا هاجمك وحيد القرن ؟ هل بأمكانك أن تصديه بتلك البندقية الصغيرة التي تحملينها؟".
ضربت سارة برجلها حجرا كان أمامها وقالت:
" لم أقترب يوما من مكان وجوده أقترابا كافيا يعرضني للخطر.... وعلى كل حال , كنت أحسب أنك ستقف الى جانبي".
" لم أعلم أن هناك جانبا أقف اليه دون جانب , فأذا أمر هذا الرجل أن يرافقك حارس عند خروجك الى البرية , عليك أن تطيعي , فهو الآمر الناهي هنا الى أن يعود والدك , وألا كان يجب أن تذهبي معه أذا كنت غير مستعدة للقبول بذلك".
" لا أظن أنه أرادني أن أذهب معه , لأنه لم يحاول أن يقنعني ........ فهل يا ترى كان يخشى أن أقرر البقاء في أنكلترا؟".
وفكر تيد مليا ثم قال:
" هذا ممكن , فالبعيد عن العين بعيد عن القلب , كما يقول المثل ".
" لن أفارق هذا المكان , وأبي يعرف شعوري هذا".
" شعورك هذا الآن هو شعور صادق ,ألا أنه لم يتح لك في السنوات القليلة الأخيرة أن تقارني بين هنا وهناك".
فبادرته سارة بنظرة عاجلة وقالت له:
" ماذا تقصد بهذا الكلام يا تيد؟".
" أقصد أنه سيأتي يوم تطلبين فيه أكثر مما يستطيع هذا المكان أن يقدم لك , وعندئذ على والدك أن يجابه الواقع , كان عليه أن يتزوج مرة ثانية , فكم من أمرأة كانت تتمنى أن تقبل به زوجا لها!".
" لم يشأ على الأطلاق أن يتزوج مرة ثانية , وهو سعيد في الحال التي هو عليها , وأنا كذلك ".
نظر اليها تيد بدهاء وقال:
" أشك في ذلك , ولعل خير ما حدث لكما من زمن بعيد هو أفتراكما لبضعة أسابيع , أذ يتيح لكما أن تدركا أن الذي ولد له هو أبنة لا أبن".
فحدقت اليه سارة بأرتباك وقالت:
" ظننت أنك صديق مخلص لوالدي !".
" وأنا كذلك , ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن أضع حجابا على عيني وكمامة على فمي , نعم والدك ديف رجل طيب , ولكنه فيما يتعلق بك أناني كل الأنانية فقد علّمك الرماية كصبي وجعلك تتصرفين وتفكرين كصبي أيضا , وأنا لا أذكر آخر مرة رأيتك فيها ترتدين فستانا!".
" ولماذا يجب أن أرتديه ....... السروال يريحني أكثر مما يريحني الفستان....... أنت لا تعي ما تقول ..... وأنا لا أختلف عن أي فتاة من جيلي".
فقال تيد وقد جعدت الأبتسامة ملامح وجهه:
" أصحيح هذا ؟ دعينا نسأل ستيف يورك عن رأيه في هذا الشأن ".
فأجابت بكبرياء:
" أنا لا أبالي في أي شأن , وبما أنك مصمم على النيل من شخصية والدي في غيابه حين لا يستطيع الدفاع عن نفسه , فلن أعارضك في شيء".
وسارت الى المطبخ ببرودة فدخلته وتحدثت قليلا الى الخادم الأفريقي هناك ثم تابعت السير الى غرفتها , وهناك , لأول مرة منذ سنوات وقفت أمام المرآة وتفرست في صورتها وهي تضع يدا على شعرها القصير وتنفض أطرافه بأصابعها , وأدارت لسانها على شفتيها اللتين لا عهد لهما بالحمرة منذ زمن طويل , فيما أخذت ترتب طوق قميصها , وخيل أليها شيئا فشيئا أن تيد قد يكون على صواب , فهي تبدو كصبي أكثر منها كفتاة , ولم تعلم لماذا أزعجها قليلا أن تدرك ذلك مع أنها كانت مقتنعة أن لا فرق في أن تكون صبيا أو فتاة , على أنها مع ذلك عزمت أن ترفض تغيير هندامها وسلوكها لترضي تيد ويليس , أو أي أنسان آخر , فالسروال والشعر القصير أكثر ما يريح في تلك الديار , وهي أكتشفت ذلك في وقت مبكر لوصولها , ثم أذا كان والدها لا يبالي بمظهرها , فلماذا يبالي الآخرون؟

وسرعان ما خيّم الليل كعادته ,وفي السابعة دخلت سارة غرفة الجلوس فلم تجد أحدا , وجلست تتصفح بعض المجلات لبضع دقائق , ولكن عقلها لم يكن قادرا على التركيز , وسرها أن يصعد كيماني نكوجي الى الغرفة للجلوس معها.
فقالت له وهو يمزج لنفسه كوبا من العصير:
" متى وصلت؟ لم أسمع هدير سيارتك".
أجابها:
" منذ نحو ساعة , ففي الساعة الرابعة توقفنا عن مطاردة اللصوص".
" أذن , فتعبكم ذهب عبثا".
" لم نجد سوى بعض الخراب التي سقطت منهم , فهم أما خرجوا من المنطقة بكاملها وأما أختبأوا آملين أن نعتقد ذلك".
" تيد يرى أنهم يعبرون الحدود كل ليلة".
" أنا لا أرى ذلك , على الأقل في هذه المرة الأخيرة , لأن الطريدة التي أصابوها كانت بعيدة جدا الى الداخل , وفي أعتقادي أن واحدا يتسلل راكبا عجلته عبر الحدود في الليل ويأخذ قرن الكركدن منهم , رأينا آثار عجلة في أحد الأمكنة , ولكنها لا تؤدي الى مكان , ولعلها من مخلفات الجماعة الذين خيموا هناك في الأسبوع الفائت لمدة يومين".
" والآن , ماذا ستفعلون؟".
" هذا يتوقف على المدير الجديد , وفي رأيي أنه سيطبّق القوانين بحرفيتها , فقد أمرني أن أعير كل أهتمامي لوظيفتي المسندة الي , لا أن أقوم بوظيفة سواي".
وبدا لسارة أن ستيف يورك كان على حق , ذلك أن كيماني يعمل في قسم الأبحاث وواجباته منصوص عليها بوضوح , وهي أن يسجل التغييرات التي تطرأ على توزيع التجمعات الحيوانية في المنطقة , وقد مضى عليه هناك في مارا شهران , وربما بقي شهرين آخرين , والحق يقال أن مطاردة الصيادين المعتدين على مناطق الصيد الخاصة بالآخرين لم تكن من المهمات التي يتقاضى أجرا عنها".
وسألته سار قائلة :
" ما رأيك في ستيف يورك ؟".
فأجاب برصانة :
" ولماذا يكون لي رأي فيه؟ هو هنا ليقوم بوظيفته كأي واحد مناسب , أما كيف يقوم بها , فهذا شأنه وشأن المصلحة التي أرسلته ".
وقالت سارة مبتسمة :
" ما لك وللمصلحة .... فهي لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة الى يورك الذي يتصرف في تأدية مهمته كيفما يشاء ..... ولولا العيب والحياء لتمنيت أن يكسر رقبته بين الآن وبين موعد طعام العشاء ".
فأرتفع صوت من المدخل الآخر يقول:
" عبثا..... الجدران لها آذن ".
فقفزت سارة واقفة تحت تأثير المفاجأة , ولكنها بادرته قائلة بسرعة خاطر:
" الذين يسترقون السمع نادرا ما يسمعون كلام المديح .... وليس لك أن تتوقع مني كلمة أعتذار".
قال ستيف وهو يدخل الغرفة:
" هذا آخر شيء أتوقعه منك".
ثم سلّم على كيماني مبتسما وهو يمزج لنفسه كوبا من الشراب , ونظرا الى سارة فتجاهلته وعاد تتصفح المجلة التي بن يديها .
وأنتظرت منه أن يبدأ الكلام , ولكن دخول تيد حوّل أنتباهه الى أمور أخرى , وفي النصف ساعة التي تلت أخذ يلقي الأسئلة تباعا على كيماني وتيد بخصوص سير العمل في المركز , وكانت الأسئلة ذكية من شأنها أن تجعله مطّلعا كل الأطلاع على الأوضاع بأقل ما يمكن من المدة , فرجل من هذا النوع يعتقد دائما أن أسلوبه في العمل هو أفضل الأساليب , ولكن ذلك لا يصح دائما بالضرورة , فوالدها ديف أمضى في أدارة المركز أربع سنوات ولم تصدر من أحد أية شكوى.
في الساعة الثامنة دخل مازوي يحمل الطعام , فوضعه على الطاولة وخرج وعلى وجهه أمارات الكآبة والحزن , كان هو ونجوروجي أخوين , غير أنهما كانا مختلفين أحدهما عن الآخر أختلاف الليل والنهار , وكانت سارة تميل الى الأعتقاد أن الأول سيقنع الآخر بالعودة الى الوطن , فأذا تم ذلك لم يكن بوسع أحد أن يقف في وجههما , وتصبح المشكلة مشكلة أيجاد أحد يتكبد مشقّة السفر الطويل لمرافقتهما الى مسقط رأسيهما في الجانب الآخر من ناروك.
وجلس ستيف يورك الى الطاولة في المقعد الذي كان يجلس عليه والدها , فبدا رجلا ضخما معتدا بنفسه طاغي الرجولة , وتناولت سارة طعامها بصمت وهي تستمع الى الحديث الدائر حولها من دون أن تحاول المشاركة فيه , وتطلع اليها تيد بتساؤل مرة أو مرتين ولكنه لم يوجه أليها أية ملاحظة , على أن ستيف تجاهلها وأعتبرها كأنها لم تكن موجودة هناك على الأطلاق , كان يركز أهتمامه على ما يخبره به كيماني عما لقيه في غضون الشهرين الأخيرين.
وقال ستيف لكيماني ....... وهما يرشفان القهوة على الشرفة بعدما تناولا الطعام:
"سأذهب في الصباح لأتابع آثار المعالم التي كنتم تتعقبونها اليوم , فأذا كنت على حق في قولك أن اللصوص يعبرون الحدود في الليل لأخذ ما أصطاده عملاؤهم في الداخل , فأن تلك المعالم تساعد على تحديد الوضع الذي يأوون اليه , ولكن قد يتبين أنها من آثار تلك الجماعة التي ذكرت أنها نصبت خيامها هناك منذ أسبوع , فما علينا ألا أن نتأكد من ذلك".

نيو فراولة 21-07-11 10:14 PM

ونظر الى سارة حيث كانت مستلقية على كرسيها وقال لها بلطف:
" هل بقي شيء من القهوة ؟".
فتجنبت على مضض أن ترفض طلبه , بل وقفت على قدميها وتناولت كوبه الفارغ وهي تبادله نظرة الند للند , أذا كان يظن أنه يعيدها الى حجمها الطبيعي في النظام القائم هناك فهو مخطىء جدا , فغدا صباحا سيجد الى أين وصلت به سعة حيلته في معاملتها , لقد وضعت خطتها لليوم التالي ولا تنوي تغييرها....
وأجاب تيد وكيماني بالنفي حين سألتهما سارة أذا كانا يرغبان في فنجان آخر من القهوة , وحين ملأت فنجان ستيف أعادته اليه من دون أن تتفوّه بكلمة , ثم نزلت الدرج وأخذت تتمشى في الظلام خارجا كمن لا يعير أهتماما لشيء.
وكان الغزال الصغير مضطجعا في المأوى الذي أقيم له في الزاوية البعيدة من الحظيرة , فرفع رأسه حين أقتربت اليه سارة ونظر اليها من دون خوف وأنفه يرتجف , داعبته قليلا وهي تفكر أن عليها أن تختار له أسما عما قريب , ولم يكن من عادتها أن تداعبه , لأعتقادها أن مداعبة الحيوانات والعصافير الصغيرة التي تعتني بها يزيد في مرارة الفراق.
منتديات ليلاس
كان غناء الجداجد عاليا والنسيم مليء بالعبير المألوف , والأصوات في تلك الأنحاء حتى وهي تدوي الى أميال بعيدة يبقى كل منها منفصلا ومعروفا , أستطاعت سارة أن تسمع طرطشة الماء آتيا من جهة بركة فرس النهر , فوق نهبق حمار الوحش بعيدا في السهل وعواء الضبع على مسافة أقل بعدا منه , وتذكرت سارة الرعب الذي أستولى عليها في الليالي الأولى من أقامتها في تلك الديار حين كانت تضطجع يقظة وتحاول أن تعزو في ذهنها مختلف الصرخات والنداءات الى شيء حقيقي حي , ومن الغرابة أنه كان في زئير الأسد عزاء لها , وما ذلك ألا لأنها كانت تقدر أن تتبينه وتشخص صاحبه في مخيلتها , أما الذي كان يدب الذعر في قلبها فهو الصوت الذي تجهل صاحبه , ومع أنها قضت بضع سنوات هناك , فهي لا تزال تجهل بعض الأصوات , ألا أن الذعر قد زال منها , وأصبح السكون هو الذي يثير أعصابها.....
وشرع أسدان يتبادلان الزئير عبر النهر كما لو كانا يلبيان ما يجول في خاطرها , ثم سارع الى الأنضمام اليهما أسدان آخران كان يسمع زئيرهما بوضوح من مكان أبعد , وقفز الغزال الصغير من الخوف فأخذت سارة تهدىء روعه بكلمات الرقة والحنان , وما أن فارقته حتى عاد الى النوم آمنا مطمئنا على الرغم من الأسود التي ظلت ترسل زئيرهما كما في جوقة , وتساءلت سارة عما أذا كان أحد الزوجين من الأسود ينتمي الى القطيع الذي شاهدته في السهل منذ يومين , فقد كان في القطيع نحو عشرين أسدا ومن بينهم بشعة من الأشبال من مختلف الأعمار ,وكم أدهش سارة أن اللبوءات جميعا كانت تفتخر بأطعام أي شبل من تلك الأشبال بغض النظر عن أنتمائها , تلك هي...... في نظرها , الروح الجماعية الحقيقية التي تصدر عن غريزة لا عن تصور وتصميم.
وكانت سارة واقفة وظهرها مستند الى أحد العواميد تتسمع الى أصوات الليل عندما أحست بحضور شخص قربها , ولما ألتفتت وراءها رأت ستيف يورك واقفا على مسافة بضعة أمتار وهو يراقبها , ولم يكن المكان الذي وقفا فيه يتلقى ورا من البيت فبدا ستيف في الظلام على جانب كبير من الضخامة , مما بعث في سارة شعورا غريبا أثار أعصابها ,وهكذا لجأت بغريزتها الى الهجوم فقالت له:
" هل من الضروري أن تشملني برعايتك الأبوية هنا أيضا في هذا المكان الآهل ؟ أم أن لديك سببا آخر حملك على أن تتبعني؟".
فأجابها ستيف من دون أن يبدي حراكا :
" أعندك فكرة عن السبب؟".
فأبتعدت سارة عن اعمود ووقفت ويداها في جيبي سروالها .
قالت:
" كيف يكون عندي أية فكرة؟ وعلى كل حال ,متى جئت بتراقبني؟".
فوضع سيكارة بين شفتيه وأشعلها , ثم قال:
" جئت منذ نحو دقيقتين لأنني أريد أن أتحدث اليك".
فنظرت اليه بأزدراء وقالت:
" عن ماذا ؟".
" عنك".
قال ذلك وتوقف قليلا , ثم نفخ حبلا رفيعا من دخان سيكارته قبل أن يتابع كلامه قائلا:
" لي أخت من جيلك تقيم مع بعض الأصدقاء في نيروبي , فهل تريدين أن تذهبي الى هناك وحدك لقضاء أسبوعين؟ ستبتهج أختي جيل برفقتك ,كما أن التغيير يفيدك".
فقالت له سارة بغيظ:
" لا أحتاج الى تغيير , وأذا كنت تبحث عن طريقة تبعدني بها عن هذا المكان فلماذا لا تقول ذلك بصراحة؟".
" أنت على خطأ , وأنا بكل أخلاص أرى أنك بحاجة الى تغيير , فهو يفيدك".
" يبدو لي أنك بحثت الأمر مع تيد".
" قليلا , فالظروف أستدعت ذلك".
" ولكنها غير أستثنائية ".
" ألا تظنين أنها أستثنائية ؟ متى لبست فستانا لآخر مرة ؟ أو أطلت شعر رأسك؟ أو أستمعت الى حديث لم يكن بمجمله خاصا بالرجال ؟".
" أنا لا أكتفي بالأستماع الى الأحاديث بل أشارك فيها كالمعتاد, أما شعري وثيابي فهي تلائم نوع الحياة التي أعيشها".
" أعرف ذلك , وهذه هي المسألة , كل المسألة , فملازمتك هذا المكان تحرمك جانبا أساسيا من نموك الطبيعي , أنت بحاجة الى معاشرة الذين هم من جيلك , صبيانا وبناتا على السواء , فقالت سارة بسخرية:
"والهدف من هذا كله , على ما أظن هو أن أجد لنفسي زوجا أعيش معه حياة زوجية سعيدة!".
أنفرجت شفتا ستيف عن أبتسامة فاترة وقال :
" هناك ما هو أسوأ من ذلك!".
" هل أنت متزوج؟".
" كلا , ولكن المسألة التي نحن بصددها لا تنطبق على الرجال ".
" هل تقصد أنه يجوز لك كرجل أن تكون فرديا بينما لا يجوز لي ذلك لكوني أمرأة؟".
فحدّق ستيف أليها وقال:
" لم يتح لك الوقت الكافي لتعرفي ماذا تريدين أن تكوني , ففي وسعك أن تكوني على جانب كبير من الجمال يا سارة أذا توقفت عن لعب دور الفتاة القاسية , ألا تفكرين أبدا أنك بذلك تفقدين الكثير؟".
" في هذه اللحظة لا أرى أنني أفقد شيئا , وأنا على يقين أن الآلآف يتمنون أن يحظوا بأهتمام ستيف يورك بهم ..... أنا لا أريد أن أذهب الى نيروبي , وأنت لا تستطيع أن تجبرني".
فقال وقد بدا في نبرة صوته بعض الحدة:
" أنا لم أقل أنني أستطيع أن أجبرك , والآن دعينا نتفاهم منذ البداية , أذا كنت ستبقين هنا في هذا المركز فعليك أن تتعلمي آداب السلوك كأي أنسان بلغ سن الرشد , فقد طال الوقت الذي كنت تتصرفين فيه كصبية غريبة الأطوار , والآن حان لك أن تخضعي للعقل ,وسيكون لدي من كثرة المشاغل ما يكفيني ولا يسمح لي أن أضيّع وقتا بالقلق عليك!".
وأتجه ستيف نحو البيت بينما أخذت سارة ترافقه بنظراتها وهي تقول في نفسها مهددة واعدة:
(ألديه مشاغل كثيرة ؟ ولكنه لم يبدأ بعد!).

هدية للقلب 22-07-11 02:05 AM

اية الحماس دة كله ربنا يعطيك العافية يا قمر
حبيت اسجل حضورى واكون اول المشجعين
باين من الملخص انه رائعة كمليها بسرعة
شوقتينى كتيير تسلم ايدك
:liilas::peace:

نيو فراولة 22-07-11 11:55 AM

2- الأرض الذهبية





كان الفجر قد طلع حين أستيقظت سارة من نومها , فنهضت من الفراش بسرعة وأرتدت القميص والسروال اللذين كانت ترتديهما في الليلة الفائتة ثم لبست صدرية من الصوف فوق قميصها وأدخلت رجليها في حذاء قديم خاص بركوب الخيل.
وكانت السماء قد أصبحت زرقاء فاتحة حين خرجت من البيت , ورؤوس الأشجار ظهرت بلون الذهب في مواجهة شعاع الشمس المشرقة , وبدأت معالم الأشياء تتّضح حولها وهي تتسلق قمة الجرف وراء البيت , والصخرة تحت أصابعها تزداد حرارة وتلوّنا , وتحرك شيء ما بين الشجيرات في أسفل الجرف , ولاح فراء منقّط بالأصفر ثم لم يلبث أن أختفى , لعلّه ضبع , فكرت سارة في نفسها وهي تتمسك جيدا بصندوق التليسكوب الذي تحمله على ظهرها , فغالبا ما كانت الضباع تجيء للتجول حول المركز , تجذبها الى ذلك رائحة الطعام , حتى أن أثنين منهما شقّا طريقهما مرة الى مخزن المؤونة , والدليل على ذلك ما أحدثاه من خراب في المخزن , فضلا عمّا بان من أثر لدعساتهما عند طلوع الصباح....
منتديات ليلاس
وبلغت سارة الفجوة التي كانت تستهدف بلوغها , ثم قامت كعادتها بفحص المكان للأطمئنان الى أن لا وجود فيه للأفاعي قبل أن تجلس وتسند ظهرها الى الصخرة , وهي غالبا ما قصدت هذا المكان في الصباح , لأنه مكان رائع تشاهد منه البراري التي أحبتّها , فوراء النهر بضفتيه الواقعتين عند طرف الغابة تمتد السهول الى ما لا نهاية , ولا يقطعها غير بيوت النمل الترابية والشجيرات المسطّحة الرؤوس التي تحب الزرافات أن تقتان منها , وحين ينقشع غبش الليل عند طلوع الفجر والحر لا يكون قد كوّن ضبابه بعد , يمكنك أن تشاهد أقاصي الأرض.
وكان بوسع سارة أن تشاهد من هناك جميع أنحاء المركز وما يشتمل عليه من مبان , فرأت تيديخرج من البيت ويبدأ قبل تناول طعام الفطور بفحص سيارة اللاندروفر التي تخص ستيف يورك , وبعد بضع دقائق خرج ستيف نفسه , وأخذ يتحدث الى تيد قبل أن يعودا معا الى داخل البيت , وتذكرت سارة كيف تبعها ستيف الى الخارج في الليلة الفائتة , فأضطربت أعصابها .... كان لم يمض على مجيئه أكثر من أربع وعشرين ساعة ومع ذلك أفسد كل شيء , وتمنت لو كان بروس مادن هو الذي جاء بديلا عن والدها , بل يا ليت والدها لم يضطر الى القيام بتلك الرحلة , فهي لم تكن تحب التغيير , خصوصا أذا جاء على شاكلة الطاغية ستيف يورك!
وألتفتت الى السهول لتلقي نظرة ثانية عليها لآخر مرة قبل أن تهبط المنحدر , رأت مختلف الحيوانات البرية ترعى هناك في أمان , وفجأة بدأت تتراكض على نحو يوحي التحفظ والحذر , لا الخوف والذعر....
وحوّلت سارة نظارتي التليسكوب لترى السبب الحقيقي , فرأت تحركا بين الشجيرات التي الى اليمين , وحين ركّزت النظارتين أبصرت ثلاثة أفريقيين بلباس رعاة قبيلة مازي يخرجون ببطء وحذر الى العراء , وكانت أشعة الشمس تلمع على البنادق التي يقبضون عليها في أيديهم , فتوقفوا وتحادثوا قليلا , ثم رفع أحدهم يده نحو قمة المنحدر , كما لو كان يشير الى الطريق التي يجب أن يسلكوها , وبدا لسارة أنهم كانوا يتجادلون , ثم لم يلبثوا أن رجعوا جميعا الى حيث جاءوا.
منتديات ليلاس
وظنت سارة أنهم سيأخذون طريقهم حول محيط الأرض المكشوفة مخافة أن يراهم أحد , فأسرعت الى الوقوف على قدميها ووضعت التليسكوب في صندوقه , لم يكن هؤلاء من المازيين , ما في ذلك أي ريب , كانوا قصار القامة , وبشرتهم قليلة السواد , وتساءلت أذا كانوا يعرفون كم هم قريبون من المركز , ولماذا يسيرون في مثل تلك الساعة , على أن هذا التساؤل لم يكن مجديا في تلك اللحظة , فهنالك ما كان أجدى منه بكثير.
وأستغرق نزوبها هذه المرة ثلث الوقت المعتاد , وحين وصلت الى أسفل المنحدر هرعت الى المركز , فوجدت ستيف على الشرفة يدخن سيكارة ويراقبها وهي تقفز الحاجز وتتجه الى البيت , وما أن أقتربت منه حتى بادرها قائلا:
" أين كنت؟".
فأشارت سارة بيدها الى المنحدر وقالت:
" كنت هناك ..... والآن دعنا نرجىء الشروح والتفاسير ونعالج ما هو أهم.... أظن أنني رأيت اللصوص الذين تطاردونهم ...... أو سواهم , لا فرق".
فصاح ستيف قائلا:
" أين؟".
" تعال لأريك , ويجب أن نسرع لئلا نفقدهم".
وقفز ستيف فوق حاجز الشرفة الى حيث وقفت سارة , وبعد أن أصدر أمره الى الخادمين الأفريقيين في المركز بالبقاء حيث هما , طلب من سارة أن تدله على الأتجاه الذي يجب أن يسير فيه .
فقالت له سارة:
" أنت لا تعرف المنطقة كما أعرفها أنا , ولذلك فالوصول الى هناك يستغرق منك وقتا طويلا , وأقترح أن أذهب معك".
قال لها ستيف على مضض :
" حسنا , أصعدي الى السيارة".
فصعدت سارة الى السيارة وجلست في المقعد الأمامي بعد أن حيّت بمرح الحارسين الجالسين في المقعد الخلفي , وأعطى ستيف بعض التعليمات لتيد , ثم جلس بجوارها وأطلق للسيارة العنان , وبعد عشر دقائق وصلوا الى حيث رأت سيارة الأفريقيين الثلاثة , ثم صرفوا ست أو سبع دقائق للسير حول المرتقع الذي كانت سارة متأكدة أن اللصوص كانوا يقصدون اليه , وأوقف ستيف السيارة ورفع نظارتيه الى البعيد وأخذ يجول بنظره في كل ناحية , كان الحر بدأ يشتد ويجعل الرؤية غير صافية تماما , ثم أنه كان هناللك مئات الأمكنة التي بوسع الأفريقيين اللصوص أن يختبئوا فيها أذا كانوا سمعوا هدير السيارة , وأعلنت سارة عن شكّها في أنه كان بأمكانهم أن يسيروا الى أبعد من ذلك المكان في المدة التي أنقضت....
وحانت منهم ألفاتة فرأوا حركة بين الشجيرات الكثيفة بالقرب منهم , ثم لم يلبثوا أن شاهدوا رأس الكركدن بقرنه الضخم يخرج الى العراء , فلا بد أنه أحس بوجودهم هناك , ولكنه كان قصير النظر بحيث لم يكن بوسعه أن يتبين ما يراه , أقترب منهم قليلا وتوقف يفكر ماذا يعمل , وأستبدّ به حب الأستطلاع , فترك الحذر جانبا وركض نحو السيارة , فأسرع ستيف الى مقعده وقاد السيارة بعنف الى اليمين , ونظرت سارة الى الوراء فرأت أن الكركدن يهمّ بالهجوم ولكنه يتردد , أذ لم يلبث أن عاد الى مشيته الطبيعية وأحنى رأسه وأخذ يرعى , كان يصعب التكهن بتصرفاته , كما أن غباءه لا يصدق , على أن هجمة منه كانت كافية لتحويل السيارة الى حطام.
منتديات ليلاس
وكانوا الآن قد وصلوا الى وسط النباتات الشائكة حيث أنقطع هبوب الريح وساد السكون لولا صوت هدير السيارة , ولو كان اللصوص مختبئين هناك لكانوا في حال مزعجة جدا....
وبلغت السيارة الى فسحة من الأرض عبر أعشاب طويلة كثيفة في أستطاعتها أن تخبىء مئة رجل .
وقال ستيف فجأة :
" من الأفضل أن نعود , فلا شيء هنا".
فرمقته سارة بنظرة عاجلة وقالت:
" أنا متأكدة أنني رأيتهم يتجهون الى هنا....... أنت لا تصدّقني ....... هل تعتقد أنني لفّقت الأمر تلفيقا؟".
أجابها ستيف بوجه عابس:
" لا أعلم ماذا أعتقد ..... حاولي أقناعي مرة أخرى!".
فتطايرت عيناها شررا وقالت له:
" لا وفقك الله .... لك أن تعتقد ما تشاء.... هذه هي آخر مرة ......".
قاطعها ستيف قائلا بنبرة حادة:
" كفى!".
وكان الحارسان الجالسان في المقعد الخلفي يصغيان الى كل كلمة ويبتسمان , عضّت سارة على شفتها وغرقت في مقعدها متناسية الذين يرافقونها.....
وفي طريق العودة الى المركز لم ينطق أحد بكلمة , وقبل أن تتوقف السيارة أمام الباب الخارجي قفزت سارة من السيارة وأخذت تصعد السلم , ولم تكد تصل الى وسطه حتى كان ستيف قد لحق بها وألقى يده على كتفها وأدارها نحوه قائلا لها بخشونة:
" لا تقولي مثل هذا الكلام أمام رجالي مرة أخرى , وألا أنزلت بك عقابا لا تنسينه!".
ففتحت سارة فمها ونظرت الى عينيه , ثم أطبقته بغتة وأستأنفت صعود السلم , وعبرت الشرفة الى حيث مدّت مائدة طعام الفطور , فوجدت تيد وكيماني جالسين وعلى وجهيهما ما يدل على أنهما سمعا ما قاله لها ستيف على السلم , وتناولت سارة بغير مبالاة أبريق القهوة وسكبت لها فنجانا , ثم أخذت قطعة من الخبز المحمص وأتجهت نحو أقرب مقعد وجلست فيه , وحين وصل ستيف الى هناك وجدها تلتهم الخبز , كما لو كان ذلك كل ما يعنيها في الحياة.
وقال تيد لستيف وهو يجلس الى المائدة :
" هل توفقتم الى شيء؟".
فأجابه ستيف:
" كلا!".
ثم توجه بالكلام الى كيماني , فسأله أذا كان ينوي القيام بجولة تفتيشي بالطائرة , ولما أجاب بالأيجاب , قال له:
" أذن أطلب اليط أن تأخذ سارة معك وتتركها في اللودج لقضاء بقية النهار هناك , فحين غادرت نيروبي صباح البارحة كان جماعة من الأنكليز بستقلون الطائرة للمجيء الى هنا".
فقالت سارة:
" أفضّل البقاء هنا , شكرا!".
ساد الصمت قليلا , ثم قال ستيف :
" لا بأس , ولكن أحرصي على أن تبقي هنا".
ولم لم يزد العبارة الأخيرة بنبرتها المتعمدة التي أثارت أعصابها لكان من المحتمل أن تغير رأيها وتذهب الى اللودج.
وفرغت سارة من طعامها من دون أسراع , ثم جلست لبضع دقائق تصغي الى ما كان يدور حولها من أحاديث , وبعد ذلك نهضت ومرّت من أمام الرجال الثلاثة , فرأت كيكي متعلّقا بأحد غصون الشجرة الوارقة التي تظلل ذلك الجانب من البيت , ولما رآها هبط على كتفها , ولم يكن تناول طعام فطوره بعد , فأخذته الى غرفة الجلوس وأعطته موزة من الصحن الذي كان على المائدة , ثم تركته هناك ليأكلها وخرجت لتتفقّد الغزال الصغير.

نيو فراولة 22-07-11 11:57 AM

ولما وصلت الى الزريبة سمعت صوت محرك اللاند روفر يبدأ هديره , ولكنها لم تنظر اليه وهو يمر بها ويهبط الى الطريق مختفيا بين الأشجار.
وبعد حين غادر كيماني المكان الى المطار الصغير الخاص باللودج حيث كانت طائرة المركز الصغيرة , وكان كيماني ماهرا في قيادة الطائرة , رافقته سارة عدة مرات فأمتلأ قلبها بالبهجة والسرور , ومن الفضاء كان كيماني قادرا على أن يميّز الحيوانات التي رسمها من بين القطعان , وبذلك كان بأستطاعته أن يرصد تحركاتها الى حد يكاد يكون لوغه مستحيلا فيما لو حاول ذلك وهو على الأرض.
وفكرت سارة أنها كانت تود أن ترافق كيماني في رحلته هذه المرة , ولكن الأوان قد فات الآن.
وعند خروجها من البيت وفي يدها بندقيتها كان تيد قد هيأ أحدى السيارات , فصعدت اليها وقالت لتيد مبتسمة :
" أنا ذاهبة الى القرية , فأذا لم أعد قبل الغروب قل للمدير أنني قررت قضاء الليلة مع الأهلين".
فأجابها تيد وقد تجهّم وجهه بغتة:
" أنت مسؤولة عن نفسك...... هذا مع العلم أن ستيف هو الذي سيقلق لا أنت , أذا عاد ولم يجدك".
قالت سارة بحزم:
" فليكن!".
وأدارت محرك السيارة قبل أن تترك لتيد فرصة الكلام.
وأخذت سارة نفس الطريق الذي أخذته في اليوم الفائت , فمرت بالمكان الذي راقبت فيه التمساح على ضفة النهر وأجتازت قمة المرتفع , وبالقرب من مطلع السفح وطرف الأعشاب المستطيلة رأت لبوءة وشبلين من أشبالها, فخفّفت سيرها لتشاهدها جيدا وهي واثقة أنها في مأمن , وتجاهلتها اللبوءة ونظرت الى الجهة الأخرى كمن لا يريد المجابهة , وكانت سارة تعلم أنها لو وضعت رجلها على الأرض لتغير مزاج اللبوءة في لحظة , فتابعت سيرها مسرورة وكتفية بهذا المشهد العائلي الحميم....
كان الرعاة غادروا القرية مع مواشيهم قبل أن تصل الى هناك بوقت طويل , غير أن الحراس وقفوا على المدخل كعادتهم بقاماتهم الفارعة وحرابهم الطويلة وهم لا يبدون حراكا كتماثيل من النحاس الأصفر , وكان وسط القرية مزدحما بالناس , فألقوا عليها التحية من جميع الجهات بحرارة الأصدقاء , وكانت تحمل الحلوى فوزّعتها على الأولاد الذين تجمعوا حولها كالنحل على الخلية....
وكان مغاري جالسا خارج كوخه كالعادة , فرفع رأسه بكبرياء حين رآها تقترب اليه , وكانت تحيّته اليها تليق بزعيم قبيلة لما كانت عليه من اللياقة والرصانة.
وجلست سارة الى جانبه للتحدث اليه قليلا بلغة هي مزيج من السواحلي والمازي , الى أن يقرر أستدعاء زوجاته للترحيب بها , وكانت سارة تدرك أن هذا القدر من أهتمامه بها أمتياز لا يحظى به إلا القليلون , ذلك أن زوجات المغاريين لا شأن لهن غالبا كأفراد في المجتمع , وكم يكون مستغربا لو أن كيماني نغوجي عاش في هذه القرية كحارس , ربما كهؤلاء الحراس الذين على المدخل , على أنه قفز فوق الزمن فتعلّم لغة الجنس الأبيض وتلقّى العلم في الجامعة , وحصل لنفسه على مكانة في العالم الواسع , ولكن هل هو أسعد حالا يا ترى من أبناء قبيلته الذين لا يزالون يعيشون كما عاش أجدادهم من آلاف السنين ؟ كان هؤلاء القوم مكتفين بأنفسهم , مكتفين مع بيئتهم , لا تزعجهم ما يزعج أبناء الحضارة المعاصرة من تناقضات وتشابكات , فهم من نواح كثيرة يحسدون على ما كانوا عليه.
وجاءت لاوينا بآخر طفل ولدته لتريه لسارة, كان صبيا لا يتجاوز عمره الأسبوع زيّن جسده النحاسي الصغير بخرز ملوّن وودع , وحين أخذ يبكي وضعته أمه على صدرها وقعدت على الأرض بجانب سارة وهي تبتسم بحياء , كانت جميلة فملامحها منحوتة برقّة وهدوء ورأسها المحلوق آية في الشكل , وكان حول عنقها قلائد من الخرز الملون كالذي على جسد طفلها , وعلى ذراعيها صفوف من الأساور , وكان مغاري يتقبلها بسعة صدر , أذ كانت على ما يظهر زوجته المفضّلة.
ومرّ وقت الظهر قبل أن تهمّ سارة بمغادرة القرية , وحين فعلت رافقها جمهور غفير الى السيارة حيث ودّعوها وداعا حارا , وشعرت بالسعادة والهناء وهي تنزل الى المكان الذي رأت فيه اللبوءة وشبليها , وهناك عزمت على أن تترك الطريق العام وتعبر السهل بأتجاه المركز , وسرّها أنها تذكرت هذه المرة أن تجلب معها قبعتها , فحتى سقف اللاندروفر لا يقي تماما من حر الشمس في تلك الساعة من النهار.
وكان قطيع البقر الوحشي الأفريقي الذي لمحته من على الجرف قد سار نحو ميل واحد , فمرّت به بسلام على بعد عشرين قدما , وأصبحت على بعد نحو ثلاثة أميال من المركز , وهناك وقعت أحدى عجلات السيارة في حفرة , ولولا حسن الحظ لأنقلبت بها ....... ولما عادت الى رشدها من هول الصدمة , حاولت أن تسوق السيارة الى الوراء للخروج من الحفرة , فنتج عن ذلك أرتفاع هدير المحرك أرتفاعا جعلها تشك في أن السيارة أصيبت بعطل لا يمكنها بعد من الحراك....
جلست سارة وقتا طويلا تفكر في ما يمكن لها عمله , وكان السكون يسود السهول فلا يقطعه سوى أصوات بعض الحيوانات هنا وهناك , وخصوصا من جهة النهر , ففي ذلك الوقت من النهار أعتادت الحيوانات على الخلود الى الراحة في ظلال الشجر بأنتظار برودة المساء , وشعرت سارة بالوحشة القاتلة والعجز التام , فمنذ أن بدأت تقود السيارة لم يحصل لها مثل هذا الحادث الذي جاء في غير وقته تماما , على أنها لم تفكر على الأطلاق في ماذا يمكن أن يقوله أو يفعله ستيف يورك عندما يكتشف أمرها.
وفي آخر الأمر كان عليها أن تفعل شيئا , فرأت أن تتصل بتيد في المركز للمجيء الى مساعدتها, أدارت آلة الأرسال على أمل أن يكون أحد على مقربة منها ليسمع نداء أستغاثتها , وحين جاءها الرد لم يكن من المركز , بل من ستيف يورك نفسه وهو في سيارته , في مكان ما بين الأدغال , سألها:
" أين أنت؟".
من دون أية مقدمة , فتنهدت قبل أن تجيب , وعزمت على أن تبت الأمر معه عاجلا ودون تأخير , فقالت:
" أنا على بعد ثلاثة أميال من المركز , وعجلة السيارة الأمامية وقعت في حفرة , ويبدو لي أن كرسي المقود أصابه عطل".
فقال لها ستيف في الحال :
" هل أصابك أذى؟".
" كلا".
" أذن أنتظري في مكانك , نحن على بعد خمسة عشر ميلا , وسنصل في غضون أربعين دقيقة , دعي آلة الإرسال مفتوحة ولا تخرجي من السيارة , هل تسمعينني جيدا؟".
" لماذا تأتي أنت؟ ألا يكون من الأسرع أن يأتي تيد من المركز؟".
ولم يقبل ستيف طلبها , فقال:
" دور تيد سيأتي فيما بعد , الى اللقاء".
وشعرت سارة أن وقت الأنتظار يمر ببطء , كان ظهرها على مسند السيارة فيما قميصها مبلل بالعرق , فبدون النسيم الذي تحرّكه السيارة في سيرها تصبح مالآتون في مثل ذلك الوقت من النهار , وتاقت سارة الى الجلوس في ظل أحدى الأشجار المجاورة , ولكنها خشيت أن يشاركها في ذلك قطيع من الأسود , أو حتى فهد واحد يشعر بالوحشة , تلك مجازفة لا يقوم بها سوى المجانين.
ولم تسمع صوت ستيف في آلة الإرسال مرة ثانية , فأعتبرت سارة أنه لا بد أن يكون في طريقه اليها , وتمنت لو أنه يصل سريعا , فأي كلام يمكن أن يقوله عند وصوله يبقى أفضل من ذلك الأنتظار الذي لا نهاية له.
وفجأة شاهدت اللاندروفر مقبلا نحوها وهو على بعد ميلين أو أكثر , وهكذا صدق ستيف في كلامه أنه سيكون هناك في غضون أربعين دقيقة , وأنتظرت الى أن أقتربت السيارة الى مرمى حجر منها , فنزلت من سيارتها وأستلقت على العشب.
وأوقف ستيف سيارته عند وصوله ونزل منها , وبعد أن رمى سارة بنظرة صارمة , أقبل على مقدمة السيارة وأستلقى تحتها يتفحّص عجلتها الواقعة في الحفرة , ولما نهض على قدميه أسرع الى معالجة الأمر من غير إبطاء , فجلب حبلا من صندوق سيارته وربط به مقدمة السيارة الأخرى , ثم جرّها خارج الحفرة , وبما أنها كانت ذات عجلات أربع كان بالأمكان قيادتها ولكن ببطء وحذر , وبعد أن أمر ستيف الحارسين الأفريقيين الذين يرافقانه أن يتعاونا على أيصال السيارة الى المركز , ركّز أهتمامه على سارة فقال لها:
" أصعدي الى سيارتي".
فصعدت سارة من دون تردد , لأنها شعرت بأنها أمّا أن تطيع وأما أن تقع في مأزق مع ستيف لا يكون لصالحها , وجلست بصمت الى جانبه في السيارة فيما يتّجهان نحو المركز , والمخاوف تساورها مما سيحدث حالما يصلان الى هناك , وقالت سارة في نفسها أنه لا يتجرأ أن يقسو عليها , لأن والدها لن يرضى عن ذلك , ولكن والدها كان الآن في أنكلترا على مسافة آلاف الأميال.
وكان تيد لا يزال يصلح أحدى السيارات عندما وصلا الى المركز , فوقف منتصبا بعد أن كان منحنيا يتفحّص المحرك , وقال:
" ماذا جرى؟".
فأجاب ستيف بأقتضاب:
" ما فيه الكفاية ..... أرجو أن يكون في المستودع قطع غيار ...... يجب أن أتحدّث اليك بعد أن أعالج قضية أميرة الغابات هذه ".
وكانت يده على ذراعها وأصابعه تحفر عميقا في لحمها , ثم تابع كلامه معاتبا تيد:
" كان في وسعك أن تراقب تصرفات فتاة تافهة كهذه الفتاة!".
ولم ينتظر جواب تيد , بل دفع سارة أمامه الى المنزل , حيث أجلسها في كرسي وأغلق الباب وراءه , ثم وقف وأسند ظهره الى الباب وحدّق اليها بنظرة شرسة وقال :
" لو كنت أصغر سنا بسنتين لكسرت رأسك , هذا مع العلم أن هنالك ما يغريني على أن أفعل ذلك الآن!".
فقالت :
" تلك كانت حادثة طارئة ...... ويمكن لها أن تقع لأي كان! ".
قال موافقا:
" هذا صحيح , ولكنها لم تكن لتقع لك لو بقيت هنا في المركز".

نيو فراولة 22-07-11 12:01 PM

ووضع يديه في جيبيه كأنه كان يخشى أن يستعملهما لغرض آخر , ثم تابع كلامه قائلا:
" مشكلتك يا بنيّتي أنك لا تبالين على الأطلاق بما هو خارج مصلحتك , فأنت فتاة فاسدة مفسدة , تتمخترين هنا وهناك كالطاووس , يملأك الإعتزاز بنفسك إلى حد يحول بينك وبين إدراك ما أنت عليه في الحقيقة , وهي أنك جعلت من نفسك فتاة عنيد مغرورة , فقد كان في وسعك حين شرعت بالخروج من المركز أن تصطحبي أحد الحراس , ولكن ذلك يكون في نظرك خضوعا لما أمرتك به ! فأنت سارة مكدونلد , وهيهات أن تفعلي شيئا بالأكراه.....!".
وتوقف قليلا عن الكلام , ثم قال بخشونة :
" في الليلة الفائتة أخبرتك بعزمي على إرسالك إلى نيروبي لقضاء بضعة أسابيع مع أختي , هذا على الرغم من أنني أشك في أنك ستتصرفين كما ينتظر من كل ضيف أن ينصرف.... وأيوك يحمل تبعة كل ما أنت عليه".
وإستدار نحو الباب وقال بعد أن فتحه:
" سأتركك تفكرين في الأمر ... إنما إبتعدي عني طيلة ما تبقى من النهار إذا كنت تدركين ما هو خير لك!".
وتكومت سارة في كرسيها بعد أن أغلق الباب , وشعرت بحاجة إلى البكاء , أيكون أن الناس جميعا ينظرون إليها كما ينظر ستيف ........ أي فتاة طائش لا خير فيها ؟ وهو الذي لم بمض على معرفته بها أكثر من أربع وعشرين ساعة , وكم آلمها هذا الشعور بكراهية الآخرين لها , ولكن ماذا كانت تنتظر غير ذلك؟ فهي منذ أن وطأت قدما ستيف أرض المركز وهي تتحدّاه على مسممع ومشهد مرؤسيه في العمل.
وكان تيد على درجات السلم يدخّن سيكارة حين إستعادت سارة رباطة جأشها إلى حد يسمح لها بمواجه الآخرين , ونظر إليها تيد وهزّ رأسه قائلا لها :
" أنت تظهرين كمن داست عليه محدلة!".
فسألته قائلة:
" هل سمعت ما قاله لي؟".
أجابها:
" سمعت معظمه , لم أستطع أن أقاوم رغبتي في سماعه".
وهزّ رأسه مرة ثانية وقال مداعبا:
" نالني نصيب من التأنيب لأنني سمحت لك بأخذ السيارة ! ".
فأعلنت له عن أعتذارها , ثم قالت له بعد تردد :
" هل أنا في الحقيقة سيئة الى هذا الحد ؟ أعني هل أن ما أتهمني به ستيف صحيح؟".
فأجابها تيد:
" هو صحيح من بعض الوجوه , ولكن فيه على العموم بعض التطرف".
نظر إليها نظرة ود وحنان , وقال لها:
" خصال حميدة جدا يا صغيرتي سارة , وكل ما تحتاجين إليه هو تشذيب بعض الجواني الحادة من تلك الخصال , ولكن بلطافة ورفق ....".
منتديات ليلاس
فأحاطت سارة بذراعها العمود المنتصب عند الزاوية ووضعت خدها على خشبه الخشن , ولم تكن تدري تماما كيف كانت تشعر في تلك اللحظة , فكأنما كان في داخلها فراغ مليء بعلامة سؤال , طوال حياتها لم يطلب منها أحد أن تقف وتنظر إلى نفسها , ثم أن ستيف كان على حق في قوله إنها لم تكن تفكر , بل تنفعل , وهكذا كان موقفها منه.
وقالت لتيد بعد حين :
" هل ذكر شيئا يتعلق باللصوص؟".
فرمقها بنظرة وقال:
" إكتفى بالقول أنه هو ومرافقيه أضاعوا معالم آثارهم قبلما سمع نداءك , وكان في طريقه عائدا إلى المركز ..... هل حقا رأيت أولئك اللصوص هذا الصباح؟".
أجابت باألأيجاب , فقال تيد:
" ما لا أستطيع أن أفهمه هو لماذا جازفوا , فلم يبالوا بأن يراهم أحد في وضح النهار , ثم إنهم يعرفون ولا شك أن المركز على مقربة منهم ".
فقالت سارة وعلى وجهها إامارات التأمل والتفكير :
" أظن إنهم كانوا يفتشون عن مكان ملائم يختبؤن فيه ذلك النهار , وأنا متأكدة أنهم كانوا متجهين صوب السهول".
ورفعت رأسها فجأة وقالت لتيد :
" ألا تذكر في السنة الماضية حين أخبرتك أنت وأبي بأنني رأيت نمرا عند رأس المنحدر , فقلتما لي أن ما رأيته كان قطة برّية؟".
فنظر إليها متسائلا:
" نعم أذكر , لماذا؟".
" في هذا الربيع صدف أنني وجدت ما أعتقد أنه عرين ذلك النمر , هناك كهف صغير في الجهة البعيدة عند آخر المنحدر , وهو مغطى بالأشواك ومن الصعب لعثور عليه , وقد يكون أن اللصوص عثروا عليه في الصباح , فإذا كانوا مختبئين فيه عندما مررنا من هناك , فذلك يفسّر لماذا أختفوا من دون أثر...... ألا تظن ذلك؟".
قال تيد وكأنه لم يقتنع تماما :
" هذا ممكن , هل ذكرت ذلك لستيف هذا الصباح؟".
فقالت سارة:
" الآن تذكرت هذا الأمر ..... وعليّ أن أخبر ستيف به الآن قبل فوات الأوان , لأنهم مجبرون على أن يغادروه الليلة حالما يصبح ذلك آمنا".
وكان ستيف يتحدث إلى بعض الحراس حين مشت سارة حول زاوية المنزل , فلما رآها مقبلة نحوه توقف عن الحديث ونظر إليها وعلى وجهه إمارات التساؤل , قالت له سارة:
" أتسمح لي أن أكلّمك؟".

فأضطربت شفتاه ولكنه ضبط أعصابه بسرعة وقال لها:
" ماذا تريدين أن تقولي؟".
فبادرته بالقول:
" أريد أن أخبرك شيئا بشأن اللصوص".
حدّق إليها طويلا قبل أن يسمح لها بالكلام , ثم قال :
" ليكن ذلك بإختصار....".
لمّا أخبرته عن فكرتها قال لها والإهتمام باد على وجهه :
" تقولين أن الكهف في الجهة البعيدة , فكم هو ابعد , وكيف نجد الكهف؟".
وكانت قد فطنت إلى ذلك , فقالت:
" هناك علامة تمكنكم من إيجاد الكهف , وهي أن أمام المدخل شجرة يابسة , أما المدخل فهو على بعد نحو ربع ميل من المكان الذي وقفنا فيه هذا الصباح , فأذا أحسّوا بمجيئكم وحاولوا الهرب تستطيعون أن تبصروهم ".
قال ستيف :
" نعم , أذا كانوا بالفعل هناك!".
وبدا من كلامه أنه لم يكن مقتنعا تمام الإقتناع , ولكنه أمي أثنين من الحراس أن يذهبا ويجلبا البنادق , ثم إلتفت إلى سارة وقال لها :
" وأنت.......".
فقاطعته قائلة:
" أعرف ماذا تريد أن تقول , نعم , سأبقى هنا".
وذهب الثلاثة ثم عادوا بعد نحو ساعة , وسمعت سارة هدير سيارتهم فهرعت إلى إستقبالهم , ونزل ستيف من السيارة , وبعد أن أعطى تعليماته لمرافقيه الأثنين تقدّم الى سارة وقال لها:
"كنت على صواب بخصوص الكهف , لا ريب أن الرجال كانوا مختبئين هناك , ولكنهم هربوا بعدما غادرنا المكان هذا الصباح.... ليتك تذكرت الكهف في ذلك الوقت!".
وقال تيد :
" يخيّل إلي أنهم لم يتركوا أثرا ذا شأن ".
" لا شيء على الأطلاق , كانوا شديدي الحذر , ولعلهم يختبئون الآن في ملجأ ما".
" أتعتقد أنهم سيجازفون فيتابعون الصيد أيضا في هذه المنطقة؟".
" هذا ممكن , فمع حلول االظلام يكونون قد أستراحوا جيدا وأصبحوا في وضع يمكنهم على الأقل من المحاولة , وبعد الغداء سأذهب مع بعض الحراس في جولة حول المنطقة , فإذا لم نقبض عليهم ربما نخيفهم فيهربون ولو إلى حين".
ثم أقترب ستيف من تيد قليلا وقال له:
" ما رأيك بكأس من الشراب؟".
فأجابه تيد:
" فكرة حسنة".
وصعد ستيف السلم إلى الشرفة ليجلب الشراب , فلما رأى سارة تخرج من الداخل أضاف كأسا ثالثا وناداها أن تشاركهما قائلا:
" هل لك بكأس من عصير البرتقال؟".
وتناولت سارة الكأس من يده وقالت:
" أذن , هل أصبح مسموحا لي أن أنضم الى البالغين سن الرشد؟".
فقال لها ستيف:
" نعم , ما دمت تتصرفين مثلهم".
وجلس على مقعد وأخذ بنظر إليها متأملا , ثم قال لها:
" ليتني أعرف ماذا يجول الآن في خاطرك من أفكار بريئة ؟".
فقالت له:
" ظننت أنك تعرف كل شيء عني يا سيد يورك !".
قال لها بهدوء:
" كنت فظا معك إلى حد , ولكن يجب أن تعترفي أن لديّ ما يبرّر ذلك!".
" أنا لم أقل أن لا مبر لديك".
وتذكّرت ما قاله لها تيد , فتابعت كلامها بخبث:
" ولكن لا تنس أن للشيء ربما جوانب متعددة , لا جانبا واحدا! ".
فضحك وقال لها:
" يا لك من فتاة غامضة".
فردّت عليه قائلة:
" ولذلك يساء فهمي... ولكن إياك أن تفرض وصايتك عليّ , فأنا لم أعد فتاة صغيرة".
قال:
" نعم , صغيرة بما يكفي أن تجعليني أشعر بالعياء ,,,, ثم إن المسألة ليست مسألة سنين... وفي يوم من الأيام ستدركين ما أتحدث عنه".
" أي عندما أقوم بكل تلك الأعمال التي أنا محرومة منها الآن ..... ولكن قد لا أكون محرومة بهذا المقدار كما تظن".
وألتفتت إلى تيد قائلة:
" السيد يورك بشعر بالعياء , وأنت بماذا تشعر يا تيد؟".
فأجابها تيد :
" أشعر بقدر كاف من السعادة , ربما لبضع دقائق لا أكثر ..".
ورفع كأسه وقال:
" بالصحة والهناء!".
قال ستيف لسارة :
" أذا خطبتني مرة أخرى بلقب سيد , فسأحرمك من عصير البرتقال هذا الذي تشربينه....".
ثم أضاف قائلا:
" متى يعود كيماني عادة ؟".
فأجابته سارة:
" يعود عادة قبل حلول الظلام..... هل تنوي أن تأخذه معك هذه الليلة؟".
" كلا".
ثم أضاف:
" لن آخذ أحدا معي في جولتي التفتيشية هذه الليلة".
فقالت له سارة وهي تنظر إلى كأسها المليء بعصير البرتقال :
" ألا تحاول أن تغضّ النظر أحيانا؟".
فأجابها:
" كلا , عندما يؤخذ ذلك على محمل الضعف ... والعادة تنسى بسهولة ...... وأنا بطبيعتي من المشككين".
فشربت كأسها حتى الثمالة وقالت :
" أنا أعرف ذلك .... وأعدك أنني سأعمل بموجي القوانين , والآن هل تأذن لي بالإنصراف؟".
فلمعت عيناه وهو يجيبها قائلا:
" لا تغتري كثيرا , فأنا سأبقى في هذا المركز بعض الوقت".
وفكرت سارة وهي تعود إلى البيت أنه لو قال هذا الكلام منذ بضع ساعات لأنزعجت كثيرا , وهذا دليل على أن هنالك مختلف الوسائل للتعامل بنجاح حتى مع رجل كستيف يورك , أذا تم ذلك بعناية وحذر.

نيو فراولة 22-07-11 12:02 PM


وبدا الليل لسارة طويلا على غير عادته , بعد أن غادر ستيف المركز للقيام بجولته التفتيشية , وأمضت معظم الليل على الشرفة تفكر بالرجال الذين كانوا في السهول , وتمنت لو أنها كانت تشاركهم التفتيش عن اللصوص , ولو كان والدها موجودا هناك لما تركها في البيت , بل لأصطحبها معه , ذلك لأنه كان يعرفها ويثق بها أكثر من ستيف.
وتساءلت عما هي عليه حال والدها الآن في أنكلترا , فلو أن العم جيفري ترك وصيته لبعد مماته لسهل الأمر كثيرا ولتمكّن والدها من أنهاء مهمته هناك والعودة بعد أيام , ولكنه لم يترك أية وصية , ولذلك توجّب على والدها , بوصفه الأقرب إليه نسبيا , أن يبقى في أنكلترا إلى أن ينهي توقيع جميع الوثائق الخاصة بمثل تلك المناسبة.
وشعرت سارة بالقلق وهي تنظر إلى كيمانب نكوجي الجالس إلى الطاولة يكتب رسالة إلى والديه اللذين كانا يسكنان في موماسا ولم يكن يتاح له رؤيتهما كثيرا , ولكنه أستعاض عن ذلك بكتابة رسالة أسبوعية إليهما من دون أنقطاع.
وقالت له فجأة :
" هل أنت عاشق يا كيماني؟".
فنظر إليها مبتسما وأجاب:
" كلا , لم يكن لي متسع من الوقت للعشق".
فقالت له:
" ولكنك في الثانية والعشرين الآن , ولا أعتقد أنك ستبقى على هذه الحال طول حياتك , ألا تفكر في ذلك؟".
أجاب:
" أفكر بذلك من حين إلى آخر , ولكن من دون أستعجال , وكنت دائما أرى أن أمامي الوقت الكافي للعشق والزواج ...... ولكن لماذا هذه الرغبة المفاجئة منك لكي تريني مكبّلا بقيود الزواج؟".
ولم تكن سارة تعرف الجواب , إلا أنها إبتسمت وقالت له:
" كثيرا ما تساءلت لماذا يتكلم الرجال دائما عن الزواج بمثب هذا الكلام".
فقال كيماني :
" هي عادة أكتسبتها في غضون أقامتي بأنكلترا , دليل ذلك يعود إلى أكتفاء الأنكليز بزوجة واحدة , خذي مغاري مثلا , فهو ينعم بثلاث زوجات لأنه يتبع التقليد القديم , أما نحن الذين من الجيل اللاحق فقد فاتنا القطار".
" قلت هذا الكلام من قبل , فهل أنت بالفعل تتحسّ لأنك لا تستطيع أن تتبع التقليد القديم في تعدّد الزوجات ؟".
" كلا , لا أتحسّر , وقد كان لي الأختيار في إتباع ذلك التقليد , لم يجبرني أحد , وأنما لم يعد بإستطاعتي أن أعيش حياة القرية كما كان يفعل آبائي وأجدادي مهما يكن أنتمائي شديدا لتلك الحياة , ذلك أنني تعلمت في بيئة ثقافية أخرى أن أحتاج لمعيشتي أكثر مما تستطيع موارد القرية أن تقدّم لي , فبيني وبين مغاري نحو مئة سنة من العادات والتقاليد , وليس بالإمكان ردم الهوة بيننا , وبإمكان الواحد منا أن يبقى كما أو أن يتقدم إلى الأمام , ولكن ليس بإمكانه أن يرجع ألى الوراء ".
فأزعجتها عبارته الأخيرة من دون أن تدرك السبب , ثم قالت له:
" ذهبت إلى القرية هذا النهار".
قال لها:
" سمعت بذلك.... ولكنني أوافق ستيف على أن من الخطأ أن تذهبي وحدك إلى هناك".
فسألته قائلة بإنزعاج :
" لماذا؟".
أجاب بصراحة:
" لأنهم غير معتادين أن يروا أمرأة من الجنس الأبيض تتجول فيما بينهم , والذين يزورون القرية من حين إلى آخر بصطحيون رجالا لحراستهم , عل أن مغاري يعاملك معاملة مميزة لا يعامل بها أحدا من نساء قبيلته , لأنه يدرك الفرق الأساسي بينكن , غير أنه في نفس الوقت يدرك أن تسامحه معك يضر بنمط الحياة المستمرة منذ قرون".
وحافظت سارة على هدوئها طويلا , ثم قالت معترفة بصحة رأي كيماني:
" بدأت في الواقع أعتقد أنني لم أفكر في أي شيء بما فيه الكفاية من قبل".
ونهضت واقفة وهي تقول:
" أنا ذاهبة إلى الفراش الآن ...... أراك عند تناولطعام الفطور ".
ولعلّها كانت تصغي بعقلها الباطن , أو لعلها كانت تسمع صوتا سابقا أدى بها إلى حافة النعاس , ولكن مهما يكن السبب , فقد أستيقظت تماما وسريعا حين سمعت صوت هدير السيارة القادمة من جهة النهر , كانت عقارب ساعة يدها تشير إلى الثالثة والنصف , والليل خارج المنزل حالك السواد , وكان المطر ينهمر على السطح ويسيل فوق النوافذ في طريقه إلى الأرض تحت الشرفة , ولم يكن هنالك هبوب ريح , بل فقط سيل من المياه وصرير السلم الأمامي عندما تطأه الأقدام صعدا.
وأسرعت سارة إلى فراشها فذهبت إلى باب الغرفة ووقفت تنتظر , ثم قادتها خطواتها إلى باب غرفة الجلوس حيث سمعت بعض الأصوات , وأتضح لها أن ستيف ألقى سترته وحذاءه خارجا على الشرفة , ولكنه أحتفظ بسرواله المبلل حتى الركب , ورأته على ضوء المصباح الكهربائي الوحيد , فأذا به يبدو متعبا ويحتاج إلى حلاقة ذقن , وألتفت ليتناول كأس الشراب فلمحها واقفة في الباب , فقال لها:
" ما لك حافي القدمين؟".
ونظرت سارة إلى بيجامتها القطنية وأصابع قدميها الحافيتين , فأحست بحرارة الحياة تلامس خدّيها , سألته قائلة:
" هل توفّقت هذه المرة؟".
فأجابها:
" أكثر مما توقعت , فقد ألقيت القبض على أثنين من اللصوص , وتمكّن الثالث من الهرب , ولكننا فقدنا كركدن للحصول على هذه النيجة".
فقالت سارة وهي غير مصدقة:
" تهانيّ , أين هما الآن؟".
" حجزناهما في اللودج ألى الصباح , حين نقوم بالترتيبات اللازمة لتسفيرهما إلى نيروبي للمحاكمة".
" أذن , فقد طويت هذه القضية".
" هذه المرة , نعم , فهؤلاء اللصوص لم يكونوا الأوائل , كما لن يكونوا الأواخر".
وتوقف لحظة عن الكلام ثم أضاف:
" المهم هو أن نعرف من يقف وراءهم".
" هذان اللذان قبضت عليهما , ألا يمكن حملهما على الإقرار؟".
" أشك في أنهما يعرفان أي شيء أكثر من أنهما أذا عادا بالبضاعة إلى مكان معين , فإنهما يقبضان ثمنها المتفق عليه , والأمل الوحيد لمعرفة رؤوس العصابة هو البنادق التي زودوا هؤلاء اللصوص بها , هذا مع العلم أن الأمر ليس سهلا على الأطلاق".
وبعد أن تثاءب وتمطى من التعب والنعاس قال لها:
" أما حان وقت ذهابك إلى الفراش؟".
فأجابت :
" سأذهب حينما تذهب".
قال لها:
" بعد سنتين من الآن , أذا قلت مثل هذا الكلام تجلبين على نفسك الأذى , وعلى كل حال , أن كنت تشعرين بالرغبة في مجالستي , فما عليك إلا أن تدخلي وتجلسي , فأنا أريد أن أتحدث إليك , فليكن عاجلا لا آجلا".
فدخلت سارة وجلست على أقرب كرسي وهي تنظر أليه بحذر ثم قالت :
" بماذا تريد أن تتحدث إليّ؟".
فقال لها:
" أذا كان بأمكانك أن تهدئي روعك قليلا , فسأخبرك ...".
وصمت لحظة ثم تابع قائلا:
" لا أزال أفكر بأقتراحي الذي قدمته لك , وهو أن تذهبي وتقيمي مع أختي جيل في نيروبي".
فقالت سارة على الفور:
" لا أريد أن أذهب إلى نيروبي".
قال لها ستيف مبتسما:
" أعرف أنك لا تريدين الذهاب إلى هناك... لكن المسألة هي أنني كنت أنوي قضاء بضعة أسابيع مع جيل لأول مرة منذ سنتين , ثم أنشغلت بوظيفتي هذه , والآن أذا لم أغتنم وجودي هنا , فلا أعلم متى تتاح لي الفرصة لأجتمع إليها , فما رأيك أن أدعوها للمجيء إلى هنا لمدة من الزمن ؟ فهي لم تأت إلى هذه الأنحاء من قبل , الخبرة قد تفيدها".
وكانت ردة فعل سارة مزيجا من الترحيب والحذر , فهي من جهة أرادت التعرف إلى أخت ستيف حبا في الأستطلاع , ومن جهة أخرى خشيت أن لا تروق لها معاشرة فتاة من جيلها نشأت في بيئة مختلفة عن بيئتها , فتمتمت قائلة لستيف:
" لماذا تسألني رأيي في هذا الموضوع ؟ فلك ملء الحرية في أن تدعو من تشاء إلى هنا , ما دمت المسؤول الأول عن المركز".
فرفع عينيه إلى فوق وقال:
" أسألك عن رأيك لأنني لا أريد المتاعب فيما بعد , جيل تستطيع أن تدبّر أمورها جيدا , ولكن ما يهمني هو هل أنت مستعدة للترحيب بها من دون مشاكل؟".
قالت له:
" بكل سرور , أذا كان هذا ما تريده , هل تقيم عائلتك في أنكلترا؟".
فأجابها :
" لا عائلة لي , لم يبق منها سوى جيل وأنا".
وبعد أن صمت قليلا أضاف قائلا:
" سأقوم بالترتيبات الزمة في الصباح , فبإمكان جيل أن تستقل طائرة المؤونة التي ستأتي ألى هنا في الأسبوع القادم ...... والآن , فليذهب كل واحد منا إلى فراشه".

hoob 22-07-11 12:51 PM

باين عليها حلوة اوى بس ياريت يافرولاليه تكمليها بسرعهعلشان نقرائها كامله

أنس إسلام 22-07-11 03:28 PM

انا قرأتها من زمان وهي رواية جميلة :8_4_134:

نيو فراولة 22-07-11 05:27 PM

3- الجرح





مضت بضعة أيام لم يذكر فيها أحد زيارة جيل يورك الوشيكة , وكان ستيف خرج بعد أن تناول طعام الفطور في جولة تفتيشية على أن لا يعود قبل المساء , وبما أن سارة أعتادت قبل سفر والدها على الحرية في التصرف , فقد وجدت القيود التي فرضها ستيف على تحركاتها مزعجة إلى حد , وخصوصا حين رفض تيد أن يعطيها مفتاح خزانة الأسلحة ,قائلا بصراحة:
" آسف , قال ستيف أنك لا تحتاجين إليها , لأن الحراسة مؤمنة في كل جولاتك وتنزهاتك".
فأجابته بحدّة :
" لم أحتج إليها في حياتي , غير أنني تعوّدت أن أحملها معي.....".
فقال لها:
" على أية حال , لن أجعل نفس عرضة لتأنيب ستيف كالمرة الماضية , فإذا كنت تريدين أن تناقشي الموضوع , عليك أن تناقشيه معه".
ورأت سارة أن تيد على حق في وجهة نظره , فوافقته وأنصرفت إلى قضاء ذلك النهار في البحث مع كيماني عن قطيع من الأفيال لمحه كيماني من الطائرة , وفي اليوم التالي أرسلها كيماني إلى اللودج مع أحد الحراس للأستحمام في بركة السباحة , ولم يكن أحد هناك قبل الظهر لأن السياح المقيمين فيه كانوا يتجولون في السهول مع الأدلاء , ولكن عندما حان وقت الغداء بدأوا يتوافدون عائدين إلى اللودج.
وجلست سارة على حافة البركة وقدماها متدليتان في الماء , تراقب حركة أولئك السياح بين المطعم والمقهى , وخامرها الشك في أن يكون أحد منهم إستفاد شيئا ذا قيمة من زيارته هذه إلى مجاهل أفريقيا وأدغالها , فالأراضي المخصصة للصيد كانت في نظر معظمهم بمثابة حديقة حيوانات كبرى , ما عدا فارقا بسيطا وهو أن العنصر البشري هنا هو الذي يحتل الأقفاص, فيما الحيوانات هي التي تسرح وتمرح , وبعد أسبوع أو شهر من الآن يعود هؤلاء السياح إلى حيث جاؤوا , فيخبرون كيف أنهم شاهدوا الأسد والفيل والكركدن كلاّ في بيئته الطبيعية , ويعرضون بأعتزاز صورهم التي أخذت لهم في أثناء تجوالهم في تلك الأنحاء , وقد يمر لماما في خاطر واحد أو أثنين منهم ذكرى ليال مثقلة ومليئة بالأصوات وأشراقات الشمس , على نحو لا مثيل له في العالم كله.
منتديات ليلاس
وكانت سارة تهم بالأنتقال الى الظل , فأذا بشاب خارج من ناحية المطعم يترك أفراد عائلته ويجتاز العشب إلى حيث كانت جالسة , ولما أصبح على مقربة منها رأت أنه قد لا يكبرها بأكثر من سنة , كان يبتسم إبتسامة ودية ويضع يديه في جيب سرواله القصير , وشعره الأشقر يتطاير قليلا مع هبوب النسيم.
قال لها :
" يبدو أنك من القادمين الجدد ... هل وصلت هذاالصباح؟".
فهزت رأسها قائلة:
" كلا , أنا أقيم هنا".
أظهر دهشة وقال :
" هنا ؟ في هذا اللودج؟".
فأحاطت ركبتيها بذراعيها وأجابت:
" كلا , أنني أقيم على بعد عشرين ميلا من هنا..... فأبي مدير مركز صيد الحيوانات في كامبالا".
" أوه..... هذا شيء عظيم".
قال ذلك وهو يجلس بجانبها على العشب , ثم تابع كلامه قائلا:
" من يخطر بباله أنك تقيمين في هذه الأنحاء النائية ؟ لا شك أنك من النوع الذي يحب المغامرة.... أنا ترافس ويلارد من مدينة ديترويت بالولايات المتحدة الأميركية".
" وأنا سارة مكدونلد ... لم ألتقي أحدا من ديترويت قبل الآن".
" أنها لا تشبه هذا المكان في شيء ....... نحن نسكن في الطبقة السادسة عشرة من أحدى البنايات ....... ولا يمكنك إلا في يوم صاف أن تبصري الشارع!".
" نحن؟".
" نعم, نحن العائلة , أمي وأبي وأخي الأصغر , وهذه الرحلة هدية لي لمناسبة بلوغي التاسعة عشرة , ولكننا رأينا أن نرجئها ألى هذه السنة لنتمكن جميعنا من المجيء معا".
" وهل كانت الرحلة تستحق هذا الأنتظار الطويل؟".
" نعم ,فهي لا تفوّت ...... زرنا أبردير وأمبوزلي ونيروبي وهذا المكان هنا ...... وأنا لست مشتاقا للعودة إلى الوطن بعد غد! ".
" رحلة طويلة ... وكم أستغرقت من الوقت ؟".
" أستغرقت شهرا ...... وأستهلكت أفلاما عديدة من الصور التذكارية .
وألتفت إلى حيث جلست عائلته في الشرفة الظليلة , ثم تابع كلامه قائلا :
" تعالي , هل تريدين أن تتعرفي إلى أفراد عائلتي ؟ أنهم ولا شك يسعدون بالتعرّف إليك.....".
فقالت سارة :
" ولكن , ألا ترى أنه يجب أن أبدّل ثيابي؟".
" لا رى داعيا لذلك , فأنت جميلة المنظر , ويزيد من جمالك بشرتك التي لوّنتها أشعة الشمس ..... آه , ليت بشرتي مثل هذا اللون , فهي تحترق أحتراقا حين تتعرض لحرارة الشمس".
فقالت له سارة بأبتسام :
" أذن , عليك أن تسرع في العودة إلى الظل ..... وأنا أحب جدا أن أتعرف إلى أفراد عائلتك".
وتبين لها حين عرفت إليهم أنهم قوم طيبون كالأبن الأكبر , وهذا ما جعلها تشعر بأرتياح وهي بينهم , وكان الأخ الأصغر في نحو العاشرة في العمر ويلقبونه تشيبير , وحين قال له ترافس أن سارة تعيش في الأراضي المخصصة للصيد , أشرق وجهه وسألها من دون مقدمة:
" هل تستطيعين ركوب الأفيال؟".
فأبتسمت سارة وهزت رأسها علامة النفي , فقال لها:
" أذن , لا بد أن يكون عندك أسد صغير تربينه!".
وحين أجابت بالنفي أيضا , بدا عليه الأستياء وقال:
" كيف يكون ذلك وأنت تقيمين هنا؟".
وهنا تدخلت والدته في الحديث فأشارت عليه بالسكوت , وأعتذرت لسارة عما بدر عنه من إحارج لها , ثم قالت:
" سامحيه لأنه كان يشاهد كثيرا من الأفلام التلفزيونية عن مثل هذا الموضوع , فظن أن كل من يعيش هنا في الأدغال شبيه بطرزان ".
وقالت سارة لتشبيير :
" عندي قرد.. أيهمك هذا؟".
فبرقت عيناه وصاح:
" من أي نوع ؟ شمبانزي؟".
" كلا....... سلبكس".
" لم أسمع بهذا النوع من القرود".
" ربما رأيته في حديقة الحيوانات , وهو يسمى أحيانا القرد الأزرق , أو كيما باللغة السواحلية".
" هل تتكلمين هذه اللغة؟".
وهنا رفع السيد ويلارد رأسه وصاح بأبنه:
" كفاك أسئلة... وجّهت أليها من الأسئلة أكثر مما في وسع دائرة المعارف أن تجيب عليه في أربعة أسابيع!".
" لا يزعجني ذلك على الأطلاق".
ثم ألتفتت إلى تشيبير وقالت له:
" هناك في المركز أيضا غزال صغير , وهو أصغر مخلوق على وجه الأرض ....".
فنظر إليها الصبي مشدوها وقال:
" هل بأمكاني أن أراه.... وأرى القرد أيضا؟".
فصاحت به والدته:
" كم مرة قلت لك يا تشيبير أن لا تفرض نفسك على الآخرين هكذا؟ فأنت تعرف أنك لا تستطيع الذهاب إلى هناك لرؤيتهما....".
فقالت لها سارة في الحال:
" لم لا ؟ فأهلا وسهلا به وبكم جميعا في صباح غد , الدليل يقودكم إلى هناك بكل سهولة".
وقال تشيبير فرحا:
" يا الله .... لا يمكنني أن أصدق...".
قال السيد ويلارد موجّها كلامه إل سارة:
" أحقا أن لا مانع من ذهابنا غدا صباحا؟ ألا يزعج ذلك والدك ؟".
فأجابت قائلة:
" والدي غائب هذه الأيام......وأنا أدعوكم بكل قلبي...".
وألتفتت إلى تشيبير وقالت له :
" وأذا كنت تحب الأمكنة المرتفعة يا تشيبير , فسآخذك إلى مكان تشاهد منه كل أنواع الحيوانات".
وهنا صاح ترافس:
" وأنا ؟ أما لي نصيب من هذا كله؟".
فأبتسمت سارة وقالت:
" وأنت أيضا.....".
وفيما هي تزيح خصلة الشعر عن جبينها ملتفتة إلى الوراء , لمحت ستيف مقبلا عبر الشرفة , وحين وصل بقميصه الرياضي وسرواله القصير , وقف وخاطبها قائلا:
" جئت لأرى أذا كنت مستعدة للعودة معي إلى البيت .... ولكن لا عجلة في الأمر , فبأمكانك أن تنتظري تيمو لمرفقتك".
ثم نظر إلى السيدة ويلارد وقال لها:
" جميل منك أن تشمليها برعايتك .... فليس هنا في كامبالا من يصحّ أن تعاشرهم فتاة في مصل سنها".
وإستاءت سارة من كلامه ( الأبوي ) ولكنها ضبطت أعصابها وأخذت تعرّفه إلى أفراد العائلة , فقال السيد ويلارد :
" دعتنا سارة إل زيارة المركز غدا صباحا لرؤية ما لديها من حيوانات داجنة , فهل توافق على ذلك ؟".
" بكل تأكيد , أهلا وسهلا".
" شكرا..... والآن هل تشاركنا في تناول بعض المرطبات ؟".
ولم يرق لسارة أن يقبل ستيف الدعوة من دون تردد , وجلس ستيف في الكرسي التي قدمت إليه , فيما نادى السيد ويلارد الخادم ليجلب طلباتهم , وفكرت سارة في نفسها قائلة:
( ألا يمكنها أ تتحرر من ستيف ولو يوما واحدا ؟) وشقّ عليها ذلك , ناسية أنها لم تره في الأيام الثلاثة إلا في المساء.
وفي محاولة لأظهار إستيائها الذي لم يخف على ستيف , أدارت له ظهرها وألتفتت إلى ترافس وسألته أن يخبرها عما يقوم به من عمل في ديترويت , فقال لها أنه يتدرب ليكون مهندسا معماريا , ثم أخذ يسرف في الكلام على شغفه بهذا الحقل من المعرفة , وأصغت سارة إليه بحماسة وهي تبدي رأيها في الأسلوب المعماري أو ذاك , ولنها كانت تؤثر أن تصغي إلى الأجوبة التي كان ستيف يرد بها على أسئلة السيد ويلرد وزوجته , لأنها كانت تتناول بيئته العائلية ونشأته وما إلى ذلك , مما كان يشبع فضولها وحبّها للأستطلاع , ولم يكن من عاد ستيف أن يسهب في الكلام عن نفسه , ولكنه أحبّ عائلة ويلارد إلى حد جعله يغيّر عادته.
وبعد نحو نصف ساعة أستأذن ستيف بالأنصراف , فلم تنتظر سارة أن يسألها أذا كانت تريد مرافقته , بل سارعت إلى القول أنها تريد ذلك لتوفر على تيمو مشقة المجيء لعودة بها المركز , فقال لها ستيف :
" أذن , إرتدي ثيابك في الحال ... فلدي مشاغل كثيرة هذه الليلة ".

نيو فراولة 22-07-11 05:28 PM

فذهبت إلى خزانة الثياب ولبست قميصها وسروالها فوق ثوب الأستحمام , ثم أصلحت شعرها بأصابعها كالعادة , وحين عادت وجدت أن ستيف والعائلة ويلارد أنتقلوا إلى آخر الشرفة وأخذوا ينظرون إلى قطيع من حمير الوحش يسير إلى بركة الماء التي على بعد مئة متر منهم وعشرين مترا تحتهم , وكان تشيبير تغيّب أثناء الحديث , ولكنه عاد الآن ليذكرهم بموعد الزيارة في صباح اليوم التالي , فقال له ستيف:
" لن ننسى يا بنيّ , فلا تخف!".
وأنتظرت سارة إلى أن إبتعدا بالسيارة عن اللودج ودخلا الطريق العام , فقالت لستيف:
" شكرا لك !".
" على ماذا؟".
" على قبولك دعوتي لهم غدا".
" هل كنت تتوقعين عدم قبولي؟".
" نعم , فهذا ما يروق لك أن تفعله أذا كان الأمر يتعلق بي ".
ففكّر ستيف مليّا ثم قال:
" لا أفعل إلا أذا دعت الحاجة , ولا أظن أن الحاجة دعت إلى رفض دعوتك لهم ...... إلا أذا كنت دعوتهم على أمل مشاكستي....".
" كلا , لم تكن غايتي مشاكستك , فلو كان الأمر كذلك , لما أستعنت بأحد......".
فأبتسم ستيف وقال:
" أصدقك .... نسيت أنك تحرصين على أستقلالك في كل ما تفعلينه.........".
وسيطرت سارة على أعصابها , أذ كان من الواضح أنه يحاول أثارتها , فقالت له:
" وماذا تفضل أنت ؟ أن أكون خاضعة مستسلمة ؟".
" مشكلتك أن لك عقلا مشكّكا , يا صغيرتي , ويعوزك أن تثقي ولو قليلا بالجانب الصالح من الأنسان ........".
" ربما كنت أثق بذلك لو كان موجودا !".
قالت هذا الكلام ووضعت يدها على كتف ستيف محذرة :
" عا ! الأفيال أمامك!".
" رأيتها ".
وأخذ يبطىء في السير , ثم توقف حين خرج فيل من مخبأه يتبعه قطيع من البقر وزوج من العجول , وبعد مرورهما ظهرت حركة بين الشجيرات الكثيفة ألى شمال السيارة , ثم خرجت ثلاثة ثيران وهرعت تلحق بالقطيع الذي كان قد بلغ الطريق العام , وبعدها ظهرت بقرة تبلغ من الضخامة درجة لا عهد لسارة بمثلها من قبل , فما أن رأتها حتى تأهبت لمهاجمتهما , ولكن ستيف سارع إلى أدارة محرك السيارة , ثم قادها إلى الوراء بأتجاه الطريق العام , فيما البقرة تنظر إليهما نظرة أحتقار للجبن الذي أظهراه.
وقالت سارة بعد أن أتجهت بهما السيارة إلى الأمام :
" سرّني أنك لا تتجبّر على كل أنثى ".
فأبتسم ستيف قائلا:
" حين تكون الأنثى بمثل تلك الضخامة , فأنا دائما أتراجع هربا ".
ثم أنتقل الى الحديث عن ترافس , فقال لها:
" بدا لي من حديثك عن الفن المعماري أنك على شيء من المعرفة به , فكيف كان ذلك؟".
أجابته بتحسر:
" هو يعرف أكثر مني بكثير , على أنني لم أكن أنتظر منه محاضرة عن الموضوع".
" هذه عبرة لك , فلا تحاولي بعد الآنأن تحفري لي حفرة لئلا تقعي فيها , على كل حال , فهو شاب لا بأس به كما يبدو".
" لا شك في ذلك , فهل تعتقد أنه يكون لي زوجا صالحا؟".
فضحك ستيف وقال :
" لو قضى أسبوعا واحدا معك لتنسي يمينه من شماله .... والرجل الذي تتزوجينه في المستقبل يجب أن يقف دائما على رؤوس أصابعه!".
" يا لها من وقفة غير مريحة , وما دمت تعرفني كل هذه المعرفة فلعلك تختار لي حين تعود إلى نيروبيبعض طالبي الزواج , فترسلهم ألي لأوافقعلى واحد منهم!".
ولمحته ينظر اليها مستمتعا بكلامها , فقالت بغتة:
"هل تسمح لأختك جيل بأن يكون لها عشاقا؟".
فرفع حاجبيه قائلا:
" لماذا لا تسألينها حين تجيء الى هنا؟".
أجابت:
" سأسألها .... أرجو المعذرة , فأنا لم أقصد أ أتهكّم على حسابها , ولكن قل لي , هل لأختك أصدقاء كثيرون؟".
" نعم , وهي تسكن مع والدينصديقين لعائلتنا في مومباسا , وحيث أن لهما أبنتين , فضلا عن ابن واحد , فهي تقضي أيامها في محيط أجتماعي واسع , وأنت , هل ذهبت ال مومباسا يوما؟".
" ذهبت منذ مدة طويلة , قبل أن يشغل والدي وظيفته هذه".
" يوم كانت أمك على قيد الحياة؟".
" نعم".
" أتشعرين بفقدان أمك؟".
" طبعا , من بعض النواحي .... توفيت منذ مدة طويلة , وأبي أحسن معاملتي جدا".
" كان خيرا لكما أنتما الأثنين لو تزوج مرة ثانية , فالفتاة تحتاج ألى أم كما تحتاج الى أب..... هل كنت تمانعين لو عزم عل الزواج؟".
" كلا , لو وجد أمرأة أراد الزواج منها كنت ولا شك أحبها ".
فقلب ستيف شفتيه وقال:
" الحياة ليست بمثل هذه السهولة....".
" على كل حال , لم أكن سأشعر بالغيرة ...... أذا كان هذا الذي تقصده ...... فأنا لست فتاة أنانية الى هذا الحد!".
" لا تتسرعي في حكمك , كل ما قصدته هو أنه ليس من السهل على الأنسان أن يحب أحدا لمجرد أن سواه يحبه , والصفات التي يريدها الرجل في المرأة لا تشمل بالضرورة صفة الأمومة".

فبادرته قائلة:
" أوه..... ألا تحب الأطفال؟".
" لم أفكر بالأمر كثيرا.. ولكن ماذا جعلك تسألين هذا السؤال؟".
" ما قلته بخصوص الصفات التي يريدها الرجل في المرأة ".
" ما قلته يحتمل التعديل , فهو ليس رأيا حاسما , ويبدو لي الآن أني أحرص أذا تزوجت , أن يكون لي ولد أو ولدان".
فخففت سارة من غلوائها وقالت له:
" أما وأنت متمسك بعزوبيتك الى هذا المقدار , فالحالة التي ذكرتها يصعب أن تنشأ.....".
قال لها ستيف:
" لم أقل أنني متمسك بعزوبيتي ....... فأن أكون تجنبت النوم في الفراش الزوجي ال الآن , فلا يعني بالضرورة أنني لن أتخذ لي زوجة في يوم من الأيام , ويؤسفني أنك لست أكبر سنا ببضع سنوا , فبقليل من الترويض تصبحين المرأة التي أتمنى أن أتزوجها".
فأزداد خفقان قلبها لهذا الكلام , ولكنها حافظت على بسمتها وهي تقول:
" أغلب الظن أنني أدس السم في طعامك قبل أنقضاء أسبوع على زواجنا!".
" لا أشك في ذلك ... ولكن لا شيء أفضل من العيش بخطر , فيا للأسف ! ".
فقالت ونظرها الى الطريق:
" أرجو أن تقلع عن معاملتي كما لو كنت فتاة في الثانية عشرة ".
" كيف تريدين أن أعاملك؟".
" جرب أن تعاملني كفتاة بلغت سن الرشد , فلعلك تحظى برد فعل مماثل !".
فأوقف ستيف السيارة فجأة , ثم مال اليها وقال:
" أذن , أقتربي الى هنا ودعينا نتصرف كما يتصرف الراشدون!".
فتراجعت سارة بعفوية الى طرف المقعد وهي تقولله:
" لا تكن مضحكا!".
" ليس في الحب ما يضحك ".
قال هذا الكلام وأخذها بين ذراعيه وتمتم في أذنها قائلا:
"ليتك في السن التي تستطيعين أن تتحملي فيه شدة حبي لك ".
فتخلصت من بين ذراعيه وصاحت غاضبة:
" أنت...... أنت.........ز!".
فقال لها محذرا:
ط لا تقولي كلمة تندمين عليها فيما بعد".
وأفلتها وهو يقول:
" يكفي هذا القدر الآن.....".
فقاطعته قائلة:
" اياك أن تلمسني مرة ثانية ...... والا شكوتك الى مدير الشركة !".
" ما يعجبني فيك يا حبيبتي أنك لا تبعثين الضجر ...... والآن هل ستتصرفين بتهذيب الى أن نصل الى المنزل؟".
فجلست في مكانها بصمت وأستسلام , وهي تقول لنفسها:
" ما الفائدة من المقاومة , وستيف هو الذي يفوز في النهاية دائما.........).
وما أن توقفت السيارة أمام المنزل حتى نزلت منها من دون أن تتفوه بكلمة , وهرعت الى غرفتها , وهناك نظرت الى وجهها في المرآة وأخذت تلوم ستيف على ما بدر منه , وخصوصا محاولته أن يجرّها الى اعلان ما لا تضمر أو قول ما لا تعني , رغبة منه في السخرية بها , على أنها في نفس الوقت أحست بأن ما فعله ستيف خلق في قلبها شهوة الى المزيد... ووضعت سارة كفيها على خديها الملتهبين في محاولة لأبطاء دقات قلبها المتسارعة الموجعة , كان في ذلك ما يضحك , لأنها لم تكن تميل الى ستيف ميلا شديدا.....
وتجنّبته ما أمكن كل ذلك النهار , ولكنها بذلت جهدا بالغا عند تناول طعام العشاء لتظهر بحالتها الطبيعية , ومرة أو مرتين لمحت ستيف ينظر اليها متفحصا , ولكن من دون أن يقول كلمة تشير من قريب أو بعيد الى ما جرى لهما بعد الظهر , وفرحت سارة عندما دنت الساعة العاشرة وأصبح بأمكانها أن تأوي الى غرفتها متذرعة بالتعب والنعاس , ولم تغمض عينيها ألا بعد أن سمعت ستيف في الممشى يودّع كيماني , ثم صوت باب غرفته يغلق عليه.
ووصلت العائلة ويلارد في الساعة التاسعة صباحا برفقة الدليل الذي أستأجرته في اللودج , وكان تشيبير أول من نزل من اللاندوفر وكله حماسة وشوق , وكم كانت دهشته عظيمة حين رأى كيكي جاثما على كتف سارة , فأنزله وطاف به أرجاء المنزل , ثم أصطحبه الى الزريبة حيث داعب الغزال الصغير الى حد أثارة غيرة كيكي , فراح يعض أذنه بلطف وكأنه يحثه على مغادرة الزريبة.
وفيما كان السيد ويلارد وزوجته يتناولان مرطبا على الشرفة , برّت سارة بوعدها فأخذت تشيبير وأخاه الأكبر ترافس الى مشاهدة المناظر من على رأس الجرف , وحملت معها تلسكوبها ذا النظارتين مما أكسبها ثناء ترافس وهو يجيل بنظره متنقّلا من جهة الى أخرى , وكان تشيبير أظهر أهتماما شديدا بالأفاعي التي أخبرته سارة عنها , وكم كانت خيبته مريرة حين لم يجد ولا واحدة منها في ذلك الجوار.
وأعلن ترافس عن أمنيته في أن يعيش طول حياته في تلك الأنحاء , فقالت له سارة:
" ولكن كيف تتابع دراسة الهندسة هنا؟ صدقني أنك حينتعود ال ديترويت , لا تلبث أن تنسى كل هذا الذي تشاهده......".
فقال ترافس:
" ليس كله....".
ونظر اليها نظرة اعجاب وتابعع كلامع قائلا:
" لم أصادف فتاة مثلك بعد... كل ما تفكر فيه الفتيات هناك في المدينة هو اللباس وضرب المواعيد مع الشبان, أما أنت فأشك أنك تنظرين الى وجهك في المرآ , ومع ذلك تبدين أحسن حالا من أولئك الفتيات اللواتي يصرفن أمام المرآة ساعات طويلة...... ولا أظن أنني أول من قال لك من بين الذين يفدون الى اللودج أنك رائعة الجمال......".

نيو فراولة 22-07-11 05:30 PM

فابتسم سارة وقالت :
" لا أذهب الى اللودج كثيرا , كما أنني لم ألاحظ من قبل أن أحدا أبدى أقل أهتمام بي".
فقال لها ترافس:
" لعل السبب هو أنهم ينصعقون من الدهشة والأعجاب حالما تقع عيونهم عليك , فلا يجرأون على البوح بكلمة ,فأنت البارحة مثلا نظرت اليّ كما لو كنت حية تزحف على العشب......".
فجفلت من كلامه زقالت:
" أصحيح هذا؟".
ضحك ترافس وقال :
" لا تنزعجي ..... فأنا أتحمل الكثير من مثل ذلك التصرف قبل أن أقرّ بالهزيمة , حتى أن والدي يرى أنني أفتقر الى اللياقة .. فهل تريم رأيه؟".
فأجابت:
" يجب أن أتعمق في معرفتك قبل أن أجيب على سؤالك".
" لا مجال لذلك مع الأسف , فالأرجح أنني لن أراك ثانية , ولا أحسب أنك ستأتين يوما الى الولايات المتحدة الأميركية".
" وأنا كذلك........".
وتساءلت سارة لماذا لا تستطيع أن تتحمس لهذا الحديث أكثر مما تفعل , فها هنا شاب وسيم حلو المعشر يظهر لها من الأهتمام ما يفترض أن تتمناه كل فتاة , سواء كان هذا الأهتمام صادقا أم لا , ومع ذلك تتصرف نحوه كما لو كان أخاها الأصغر , نعم , كان ترافس في مطلع الشباب , ومن المعلوم أن الفتيات ينضجن عاطفيا قبل الشبان الذين من جيلهن , على أن ذلك بم يكن كل السب كما أدركت سارة , فالجو بينهما كان يعوزه نوع من الأثارة والحماس , فالبارحة مثلا كان قلبها وهي جالسة في السيارة بجانب ستيف يخفق خفقانا شديدا حتى قبل أن يلمسها , ولم يكن يخفق من الخوف وانما من أنتظار مغامرة ما , هذا مع العلم أن ستيف لم يكن حلو المعشر بالقياس الى ترافس , أذ أنه أعتاد على الأستبداد بها والتهكم عليها , بل حتى تهديدها حين يعنّ ذذلك على باله ...... فلماذا أذن تفضله على الآخر ؟ هذا ما لم تستطع فهمه.
وعادت من تلك التأملات الى واقع الحال لتجد ترافس واقفا أمامها وعلى وجهه أمارات الحزم , قال لها:
" كم أريد يا سارة أن أضمّك بين ذراعيّ ..... فهل تسمحين؟".
وحارت ماذا تقول , فصاحت:
" أين تشيبير ؟".
قال لها ترافس:
" أنه يجول حول المكان ....... وسنبحث عنه حين نعزم على العودة....".
ووضع يده على ذراعها مبتسما وقد أحمر وجهه وهو يقول:
" أنت تختلفين عن سواك من الفتيات .... ولا أظن أنني شعرت نحو أحداهن من قبل مثل شعوري هذا نحوك........".
وحدقت سارة اليه كطفل أمام صورة غامضة مبهمة , غير متأكدة تماما كيف تعالج الحال التي وجدت نفسها فيها , كانت تشعر نحو ترافس بالمودة البالغة وتعرف أنه أذا رفضت طلبه أن يضمها بين ذراعيه فسيقبل ولن يلجأ ال الألحاح , ولكنها مع ذلك رأت أن تجيبه قائلة:
" ولم لا؟".
فأخذها بين ذراعيه وراح يداعب شعره المنسرح على كتفيها , وأحست سارة بحرارة جسده الغض فراق لها ذلك , ولكنها خشيت من تماديه في عناقها , فتراجعت وقالت له:
" دعنا نبحث عن تشيبير ...... لأنه حان لنا أن نعود الى المنزل".
وفيما هما يبحثان عنه سمعا صوته ينادي:
" تعالا الى هنا.... وجدت أفعى كبيرة !".
فصاحت به سارة:
" أبتعد عنها".
وأسرعت نحو مكان الصوت يتبعها ترافس , فوجدا الصبي يحدق الى شق بين الصخور ويقول:
" هربت..... ليتك شاهدتها يا ترافس ..... هي طويلة ونحيلة , ولكنني لا أعرف نوعها".
فقالت له سارة:
" اياك أن تقترب من أفعى , فهي أذا لم تستطع اهرب هجمت لتدافع عن نفسها .... والآن هيا بنا الى المنزل".
وكان النزول موجعا لسارة , لأنها كانت قد وقعت على ظهرها حين هرعت مسرعة على نداء تشيبير , وشعرت أن قميصها يلتصق بظهرها , فهل كان ذلك عرقا أم دما؟
وعندما وصلوا الى المنزل وجدوا أن ستيف لا يزال يستضيف السيد ويلارد وزوجته على الشرفة , فيما أنصرف كيماني وتيد , وتناولت سارة كأسا من العصير وجلست تكبت الوجع الذي أحست به من أحتكاك ظهرها بمسند الكرسي , وكان عليها أن تنتظر أنصراف الضيوف قبل أن تكشف عن ظهرها وترى ما أصابه من جروح يجب معالجتها , أما الآن فعليها أن تبذل جهدها في تناسي ما أصابها , وفي أن لا يعرف ستيف بذلك.
وأخذ تشيبير يتحدث عن الأفعى التي وجدها , وكيف أنها هربت وأختبأت في شقوق الصخر , فتوقعت سارة أن ستيف سيؤنبها فيما بعد على أهمالها مراقبته , وقد قرأت ذلك بوضوح على ملامح وجهه.
وعد نحو نصف ساعة أستأذن الضيوف بالأنصراف الى اللودج لتناول طعام الغداء , ثم لمشاهدة ألعاب الصيد بعد الظهر , وشكر السيد ويلارد وزوجته للقائمين على المركز ضيافتهم الكريمة , وأطهر ترافس تردده في الأنصراف حين أمسك بيد سارة مدة أطول مما يتطلب أدب المصافحة.....
وبد أن أنصرف الجميع قال ستيف لسارة وهو يشعل سيكارته:
" أنهم لقوم طيبون ...... ولكن كم يكون مؤسفا لو أن أبنهم تشيبير أصيب بأذى!".
فقالت سارة:
" أعرف ذلك , وكنت أتوقع هذا التأنيب منك , والحقيقة هي أنه كان يجب أن لا أتهاون في مراقبته".
فقال ستيف بلهجة جافة:
" أحسب أنك كنت منشغلى بشيء آخر..... بترافس مثلا!".
" ولم لا ! فهو لا يحاول أن يستغل فتاة لا خبرة لها بعد!".
" قد تكونين قليلة الخبرة في بعض الأمور , ولكنك في الرد على كلام الآخرين خبيرة ماهرة , وسيأتي يوم......".
وتوقف عن الكلام حين أنتقلت سارة من مكانها ورأى أمارات الألم بادي على وجهها , ثم بادرها قائلا:
" ماذا بك؟".
فنظرت اليه وجها الى وجه وقالت:
" لا شيء..... تصلّب في الظهر من التسلّق".
ولكنه لم بصدقها لأنه رآها تتوجع رغم محاولتها كبت وجعها , فأقترب منها وأمسك بذراعيها وأدار ظهرها نحوه وصاح:
" الدم ينفد من قميصك ..... بربك قولي لي ماذا كنت تفعلين!".
فقالت له:
" لا ترفع صوتك... الأمر بسيط , وقعت على صخرة فأنخدش ظهري , هذا كل شيء , وأنا ذاهبة لمعالجته".
" وكيف ترين الجرح ؟ هيا الى الداخل لأكشف عنه".
" لا , لا أسمح لك بلمسي , وفي وسعي أن أتدبر الأمر بنفسي, شكرا".
" أنظري , أنا لا أستأذنك, بل آمرك , أدخلي وانزعي قميصك , بينما أجلب صندوق الأدوية".
وكانت لا توال واقفة في مكانها حين عاد اليها حاملا صندوق الأدوية , فجن جنونه وأمرها أن تجلس في أقرب كرسي وتدير ظهرها اليه , ولكنها رفضت ومانعت في أن ينزع عنها قميصها ليرى الجرح ويعالجه , وقالت:
" دعني أتدبر الأمر بنفسي!".
" وكيف ترين الجرح لتعالجيه ؟ يبدو لي أنك مجروحة تحت الكتف من الخلف , فأختاري أي وضع تريدين , شرط أن أتمكن من رؤية الجرح وأستخدام ما يلزم من علاج".
ولم تجد سار بدا من الأستسلام , فسارعت الى غرفتها ونزعت عنها قميصها وجلست على حافة السرير وظهرها الى جهة الباب , وحين دخل ستيف الغرفة لم تلتفت للنظر اليه.
وحدّق ستيف الى ظهرها النحيل الذي أسمرّ من أشعة الشمس وقال:
" يا له من جرح عميق..... لا بد أنه يؤلمك جدا, وهو بحاجة الى تضميد خاص بينقطع نزف الدم...".
وأحست سارة أن الفراش هبط قليلا حين جلس ستيف وراءها وفتح صندوق الأدوية وأخرج زجاجة السائل المطه , ثم أخذ يغسل الجرح بخفة ويضع الضماد عليه , فيما هي جالسة ولسانها بين أسنانها الأمامية تخفيفا للوجع , وأخذت تحس بلهاثه على رقبتها , بين خصلات شعرها المنسرحة الى الوراء , وتمنت أن تقول كلمة تكسر بها الصمت , ولكنها لم تستطع أن تجدها.
منتديات ليلاس
وقال ستيف:
" هذا كل شيء..... هل آلمتك كثيرا؟".
فأجابته سارة:
" كلا".
وبعد أن داعبها قليلا بحنان اخوي قال لها:
" سيتصلب مكان الجرح بعض الشيء وهو يلتئم , ولا حيلة لنا في الأمر".
وتوقف قليلا ثم قال متهكما:
" وأنه على الأقل يمنعك عن الشيطنة ليوم أو يومين ....... والآن بأمكانك أن تلبسي ثيابك".
وأنتظرت سارة الى أن أغلق الباب وراءه , فنهضت الى خزانة الثياب وهي تحمل قميصها وتنظر في المرآة , وخطر لها أن ستيف لم يتأثر برؤيتها هكذا , فكأنما هي في نظره فتاة صغيرة يسرّه أن يداعبها في بعض الأحيان , وهذا كل شيء , ورأت أن من الخير لها أن تردد ذلك لنفسها على الدوام........

نيو فراولة 23-07-11 07:18 PM

4- الغريم يأتي الى الأدغال





تلقت سارة من والدها بعد ذلك بيومين رسالة يؤيد فيها ما جاء في البرقي التي أرسلها اليها حال وصوله الى لندن , ففي تلك الرسالة يخبرها بأن الطقس رديء ولكن الأمور تجري كما يرام , وقال أنه سيقضي بضعة أيام في الريف مع بعض الأصدقاء , وربما أنفق جانبا من الوقت في صيد السمك أذا توقفهطول المطر , وأخبرها أيضا في رسالته بأن لندن لم تتغير ألا قليلا , ومن ذلك كثرة أزدحام السيارات في الشوارع وزوال بعض المعالم الى الأبد , غير أن المدينة لا تزال على العموم كما عرفها من قبل.
منتديات ليلاس
وأبدى والدها شكّه في أن تكون مدينة بنستون قد تغيرت في قليل أو كثير عمّا كانت عليه حين غادرها لآخر مرة , وتمنى من كل قلبه أن لا تكون قد تغيرت , أذ أنه نوى مرة من قبل أن يصرف بقية حياته فيها ...
وأقبل كيماني نحوها وهي تمسك الرسالة مفتوحة بين يديها , وقال لها:
" أتفتقدين والدك؟".
ففوجئت سارة بقدومه وبسؤاله , ولكنه أجابت:
" نعم , وكيف لا ؟ أنني أشعر كأنه سافر منذ زمن بعيد".
فقال لها وهو يجلس بجانبها ويشعل سيكارته:
" كان يجب أن تذهبي معه , فهو يسر برفقتك , وأنت تستفيدين من تغيير المكان".
وكانت سارة قد ضاقت ذرعا بتكرار هذه النصيحة على مسامعها فقالت لكيماني بخشونة:
" لا أريد أن أسمع هذه النصيحة من أحد بعد اليوم....".
ثم توقفت عن الكلام وتابعت قائلة:
" أعذرني ..... يبدو أنني بدأت أفقد أعصابي في هذه الأيام".
فأجابها بصراحة:
" لأنك تشعرين بالضجر .... وقد تتحسن الحال حين تجيء أخت ستيف , هل علمت متى يكون ذلك؟".
" كلا , لم يذكر لي ستيف شيئا عن هذا الموضوع منذ فاتحني به , وأنت , متى أخبرك عنه؟".
" منذ بضعة أيام , وهي قد تصل يوم الجمعة على متن الطائرة التي تحمل الموؤونة ".
" هذا ما أظنه.....".
ولم تكن سارة واثقة من أنها تحبذ مجيء جيل , فغيرت الموضوع , وقالت:
" هل ستذهب الى مكان ما اليوم؟".
" بعد قليل , هل تريدين مرافقتي؟".
" هذا يتوقف على المكان الذي أنت ذاهب اليه".
فأنفرجت شفتاه عن أسنانه البيضاء وقال:
" أنا ذاهب الى صيد الثيران الوحشية ...... فهل هذا يكفي لأثارة حماسك؟".
" ربما , هل تدعني أقود السيارة؟".
" لماذا لا ؟ الأنسان لا يموت الا مرة واحدة!".
فأظهرت أمتعاضها من كلامه هذا وهي تضع رسالة والدها في جيب سروالها وتنهض واقفة على قدميها , وقالت لنفسها أنها ستجيب على الرسالة في تلك الليلة , مع أنها لن ترسل الى يوم الجمعة ورأت أنه كان من الأفضل لو كتبت رسالة الى والدها وكلّفت لعائلة ويلارد وضعها في بريد نيروبي , ولكن ذلك لم يخطر لها ببال قبل مغادرتهم المكان , وتساءلت هل يا ترى يفكر فيها ترافس في تلك اللحظة؟
وأخذ كيماني وسارة تيمو معها , وتزوّدا ببعض الطعام ثم أتجها الى المنحدر مسافة ما يقرب من عشرة أميال , قبل أن يميلا نحو الأدغال بحثا عن الثيران الوحشية السوداء الخطرة , وكان كيماني قد شاهد قطيعين منفصلين في تلك الأنحاء منذ بضعة أيام , وأراد الآن أن يتبيّن الجهة التي سارا نحوها والمسافة التي قطعاها......
منتديات ليلاس
وبعد مسيرة نحو ساعتين تمكنا من أيجاد قطيع واحد , فقاد كيماني السيارة نزولا , ثم ترك سارة فيها وصعد مع تيمو بحذر لأحصاء عدد القطيع , وأخذت سارة تراقبهما بالتلسكوب لبضع دقائق الى أن أخفتهما غصون الأدغال الكثيفة عن نظرها , ثم أستسلمت الى الراحة بأنتظار عودتهما.
وكان على مسافة نحو ميل منهما قطيع من الغزلان يرعى بسلام , فراقبته لاهية لا تفكر في شيء , وفجأة لمحت حركة بين الأعشاب في منتصف الطريق بينها وبين القطيع , فتنبّهت وعاد اليها كامل وعيها , فأذا بحيوان يزحف نحو الغزلان محاولا الأقتراب منها ما أمكن قبل مهاجمتها , ولما تفرست فيه عرفت أنه من الفهود الخطرة جدا , فهي تهاجم لفريسة في النهار بسرعة لا تضاهى.
غير أن القطيع كان منتبها للخطر ومتأهبا لدرئه , ولما ولّى هاربا تبعه الفهد بسرعة فائقة وأنقضّ على أحد الغزلان وأعمل أنيابه في رقبته الى أن سقط مضرجا بدمه.
وسمعت سارة في الوقت نفسه صوت طلقين ناريين واحدا تلو الآخر , فقبضت على البندقية التي في السيارة وأسرعت في أتجاه الصوت , فأذا بها تجد تيمو منحنيا فوق كيماني المحدل على الأرض , وعلى مقربة منه ثور مقتول...
وكان كيماني غير فاقد الوعي ولكنه يئن متوجعا من كسر في ساقه اليمنى , ذلك أن الثور هاجمه بغتة من جانبه وأجبره أن يطلق عليه النار دفاعا عن النفس , ولما لم توقف الرصاصة هجومه أطلق عليه رصاصة أخرى وقفز الى جانب ليتفادى ثقل أنقضاض الثور عليه وأن كان فقد الروح , وفيما هو يفعل ذلك وقع بشدة وسمع صوت أنكسار عظم ساقه وهو يلوي تحته , وقال لسارة وتيمو:
" عليكما أن تجبرا الكسر وتساعداني على الخروج من هنا".
فبقيت سارة بقربه بينما ذهب تيمو الى أقرب شجرة وأنتزع منها غصنين مستقيمين , ثم عاد وربط الساق المكسورة بهما وهي ممددة عليهما , وكان ذلك موجعا جدا , حتى أن وجه كيماني أخذ يقطر عرقا.
وتعاونا معا على ايقاف كيماني على قدميه بصعوبة فائقة , ثم نقلاه الى السيارة تتقدمهم سارة والبندقية في يدها تحسبا للطوارىء.
ولم يكن في اللاندروفر متّسع ليتمدد فيه كيماني , فجلس بين المقاعد وساقه ممددة أمامه , وتمنت سارة لو كان في متناول اليد علاج يخفف عنه وجعه الشديد , فصندوق الأدوية في السيارة لم يكن يحتوي على المورفين.
منتديات ليلاس
وأدارت سارة ظهرها الى كيماني عمدا , فيما جلس تيمو في مقعد السائق وأشعل محرك السيارة , وهي أنما فعلت ذلك لعلمها بأن عنفوانه المازوّي يأبى عليه أن تشاهد أمرأة ضعفه وعجزه.
وفقد كيماني وعيه مرتين على الأقل في غضون الدقائق الخمسين التي أستغرقتها العودة الى كامبالا , وشقّ على سارا أنها لم تكن تستطيع مساعدته , وأما تيمو فأستطاع مساعدته بعض الشيء بأن حاول أن يقود السيارة في الأمكنة الممهدة من الطريق ليتجنب الأرتجاج ما أمكن.
وحين وصلوا الى المركز لم يكن ستيف رجع من جولته التفتيشية , فأستعان تيمو وسارة على حمل كيماني الى المنزل بأحد الرماة الموجودين هناك , فوضعوه على الفراش في غرفة , فيما بعث تيد ببرقية الى الشركة في نيروبي طالبا المعونة , وجاءه الجواب أن طائرة أرسلت في الحال لنقل المصاب الى هناك لمعالجته معالجة صحيحة.
وقالت سارة:
" ولكن يبقى علينا أن ننقله الى المطار , وهذا يستغرق ساعة من الزمن , وكيماني يكاد ينهار من الوجع منذ الآن ".
فقال لها تيد:
" عندنا هنا دواء المورفين , وقد أستعملته مرة في حادث طارىء كهذا ".
ثم أشار الى سارة أن تبقى في المنزل لتخبر ستيف بالأمر عند رجوعه , أما البقية فنقلوا كيماني الى السيارة وأتجهوا بها الى المطار , وراقبت سارة السيارة الى أن غابت عن نظرها , ثم دخلت الى المنزل وهي تفكر كيف حدث ما حدث بمثل تلك السرعة الفائقة , وأدركت لأول مرة أنها قد لا ترى كيماني , أن لم يكن الى الأبد فعلى الأقل الى مدة طويلة , فقد تعمد الشركة الى أستبداله برجل آخر ينهي العمل الذي أوكل اليه , ولم تستطع سارة أن تتصور كيف سيكون المكان من دون كيماني , وأما هي , فلا بد أنها ستفتقد خفة دمه وأستعداده للسماح لها بمشاركته في عمله.
وأقترب المساء ولم يرجع تيد , غير أن اللاندروفر عاد وتوقف أمام المنزل , فخرج منه ستيف , وحين تطلع الى أعلى السلم رأى سارة واقفة هناك في الظل , فقال لها:
" يبدو على وجهك الحزن والكآبة , فهل هذا ما تسببه لك عودتي؟".
قالت له على الفور:
" كيماني كسر ساقه , وهو في طريقه الآن الى نيروبي".
فأختفت البسمة عن شفتيه وقال لها:
" متى حدث ذلك؟".
فلما أخبرته قال :
" حظه كبير أنه نجا..... وكان عليه أن يعرف أن اللحاق بثور وحشي الى داخل الغابة لا يجوز ...... ما رأيك بكأس من العصير؟".
تبعته سارة الى غرفة الجلوس وقالت له:
" هل هذا كل ما يعني لك الحادث ؟".
فألتفتت ليتأملها لحظة ثم قال :
" والآن ماذ يشغل بالك؟".
" كان كيماني في خطر الموت , وكل ما أستطعت أن تقوله هو أنه أخطأ في اللحاق بالثور الى داخل الغابة".
" وماذا كان عليّ أن أقول؟".
" كان عليك التعبير عن شيء من العطف , كما هي العادة ".
" وماذا يفيده ذلك وهو ليس هنا ؟ بل ماذا يفيده ذلك لو كان هنا؟".
وتوقف قليلا عن الكلام , ثم نظر اليها قائلا:
" كيف حال ظهرك؟".
فأجابته بأيجاز :
" على ما يرام".
" هذا يجعلني أستنتج أنك لا تريدين أن تسمحي لي برؤيته مرة ثانية , فليكن....... ما لم تسؤ حالة الجرج , وهذا بعيد الأحتمال ".
قال ذلك وجلس في أقرب كرسي , وحين رآها في أقرب كرسي , وحين رآها مترددة لا تعرف ماذا تفعل , قال لها:
" أجلسي أو فأذهبي والعبي كما يفعل الأطفال".
وبعد توقف قليل صاح بها:
" بربك قولي ماذا بك!".
ولم تكن سارة تعرف بالتأكيد ماذا بها , كل ما كانت تعرفه هو أن التوتر الذي كان يتفاقم في داخلها في غضون اليومين الأخيرين , قد بلغ حد الأنفجار حين رأته يسير بغير مبالاة أمامها منذ دقائق , فكأنما لا شيء يؤثر فيه ولا حنان يختلج في داخله , وهذا ما جعلها تشعر برغبة جامحة في أيذائه , ولكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك , فأجابته:
" لا شيء يزعجني على الأطلاق ... ولكنني لا أحب أن أرى الذين يهمونني يعاملون بغير أكتراث كأن لا شأن لهم ولا قيمة , وأغلب الظن عندي أنك لم ترتكب خطأ في حياتك!".

نيو فراولة 23-07-11 07:20 PM

فأجابها :
" أرتكبت كثيرا من الأخطاء ولكنني لم أرتكب الخطأ مرتين.... والآن كفّي عن هذا الحديث !".
فقالت له غاضبة:
" لك أن تهددني , فترسلني الى الفراش من دون عشاء ... قل لي : هل تتصرف أيضا نحو أختك جيل كأب قاس؟".
" نعم , قبل أن تصبح في الرابعة عشرة .... أما أمرتك أن تكفي عن هذا الحديث؟".
" أبتعد عني!".
وأدركت سارة من ملامح وجهه أنه لم يعد يطيق تهجمها عليه , ولكنها أبت أن تتراجع , فما كان من ستيف إلا أن وقف على قدميه بعد قليل من التفكير وقال لها:
" أنت التي طلبت هذا.........".
وأقبل نحوها فهربت عبر الشرفة وهبطت السلم الى ساحة الدار , وكاد قلبها يخرج من بين أضلاعها وهي تسمع وقع خطواته خلفها , ولكنها أستمرت في جريها حول المنزل وعبر العشب الى أقرب جدار لتقفز وتختبىء بين الأشجار الكثيفة المجاورة , وفاتها أن تتذكر أن ستيف يورك لا يستسلم بمثل تلك السهولة , أذ ما أن دخلت بين الأشجار حتى كان قد لحق بها وأمسكها بحزام سروالها وشدّها اليه حتى أوقفها , ثم أدار وجهها اليه وهي ترفسه بقدميها الأثنتين وتضربه على صدره بقبضتيها , وأفلت ستيف حزام سروالها ورفعها عن الأرض بيديه وطوّقها بشدة قائلا:
" والآن ماذا عندك لتقوليه لي؟".
" لا شيء .... دعني وشأني".
قالت سارة ذلك وهي تلهث من الغيظ والعياء , ولكنه لم يستمع اليها بل زاد في تطويقها , حتى أنه أمسكها بركبتيها ورفعها عاليا بحيث ألقت رأسها على كتفه من دون أن تقوى على الحراك وكادت تستسلم اليه غي أنه لم يشأ , بل حملها الى البيت وألقاها في أحد المقاعد وهو يقول:
" مرة أخرى سأسلخ جلدك كما تسلخ الأرنبة!".
وهنا سمعا صوت هدير السيارة , فنظرا اليها وهي مقبلة على الطريق العام ورأيا أن تيد لم يكن وحده في داخلها , بل كان الى جانبه فتاة تبيّنها ستيف , فأذا هي أخته جيل , هرع الى لقائها عند الباب , ولما توقفت السيارة نزلت منها جيل وأرتمت في حضن أخيها , وقالت بفرح:
" أتعرف من جاء معي ؟ دون وديانا ؟ أليس ذلك رائعا؟".
فأفلتها ستيف وألتفت الى دون وديانا وهما يخرجان من مقعد السيارة الخلفي , وكانت ديانا فتاة جميلة ترتدي قميصا وسروالا بلون بنيّ , فقال لها ستيف:
" يا لها من مفاجأة ! لم أفكر يوما أنك تقومين برحلة الى هذه الأنحاء!".
فابتسمت ابتسامة أبرزت بها ملامح وجهها الغضّة المرهفة الأستطلاع تغلّب على التردد , فحجزنا أمكنة في اللودج لليلة أو ليلتين , هل تظن أنه سيكون لديك الوقت الكافي لتكون لنا دليلا يرينا المناظر والمشاهد؟".
فسألها ستيف وهو ينظر الى الرجل الذي يجانبها :
" كيف لا ؟ هل أنتما هنا لأنكما متشوقان الى ذلك أم لأنكما جررتما اليه جرا؟".
فأجابته قائلة:
" مهما يكن , فنحن مسرورون جدا بقدومنا ...... والآن , هل لك أن تعرّفنا الى صديقتك الصغيرة؟".
وحتى تلك اللحظة لم تكن سارة تعي أنها كانت واقفة هناك تحدق الى الضيوف الجدد.
وقال ستيف:
" أعرّفكم الى سارة مكدونلد , وهي أبنة مدير المركز هنا , أقتربي يا سارة وصافحي دون وديانا ميلسون".
فصاحت جيل:
" أخبرناستيف أنك تعيشين هنا منذ تركت المدرسة , وأنني أحذرك من الآن أنك ستتحملين كثيرا من جهلي التام بهذه الأدغال والمجاهل , فأنا , مثلا , لا أعرف الأفعى من العقرب!".
فأبتسمت سارة وقالت لها:
" هذا لا يهم ... فأخوك ستيف يعرف ذلك ".
وضحك دون فجأة وقال:
" هذا يعني يا جيل أنك لن تستطيعي أن تجولي في هذا المكان من دون أن يكون ستيف برفقتك!".
وحدّق الى سارة متأملا , ثم تابع موجها اليها الكلام:
" أظن أن صديقنا ستيف وضع الأحكام والقوانين منذ وصوله الى هنا, فهو يميل الى فرض ذلك على الجنس اللطيف , رغبة منه في أبقائهن تحت سيطرته.....".
فزجرته أخته ديانا بتحبّب قائلة:
" أسكت".
ثم قالت لسارة:
" عليك أن تأخذي أخي كما هو ..... فسلوكه ليس دائما على ما يرام!".
أذن , كان دون وديانا شقيقين , وسارة ظنتهما كتزوجين , وشعرت بأن عيني ستيف كانتا تنظران اليها , ولكنها لم تشأ أن تبادله النظر فقالت للضيوف:
" تفضلوا الى داخل المنزل , فأنتم لا شك بحاجة الى كأس من العصير بعد عناء السفر".
فقال دون :
" هذا أفضل أقتراح سمعته حتى الآن".
وتبع سارة الى الداخل وهو يقول لها:
" سيري ونحن وراءك!".
وأكتشفت سارة بعد حين أن دون بأمكانه أن يسحر حتى الطيور فتنزل من أعلى الشجر , كان أصغر من ستيف بسنتين أو ثلاث على الأرجح , أما جاذبيته فتعود الى مرحه الجامح الذي يكمن في عينيه , فيخفي شيئا من مسحة السخرية في ملامحه , وفكرت سارة أن مجرد أعجاب رجل كهذا بها كان بمثابة بلسم لروحها المنكسرة , فلا عجب أذن أن تتجاوب معه بحماسة , متجاهلة نظرات ستيف التهكميّة.

وكان تيد هو الذي أقترح في آخر الأمر أن يقيم دون وأخته ديانا في المنزل طيلة الأيام التي سيقضيانها في كامبالا , عوض الأقامة في اللودج , وكان من الصعب معرفة ردة فعل ستيف على هذا الأقتراح من الأشارات البادية على وجهه , على أنه قال بعد حين:
" أظن من الأفضل أن تشترك جيل وسارة في غرفة واحدة , هذا أذا لم يكن لدى سارة أي أعتراض".
فنظرت سارة الى جيل مبتسمة وقالت:
" لا أعتراض عندي على الأطلاق , بل يسرّني ذلك جدا , ففي غرفتي متسع لسرير آخر".
فألتفت ستيف الى تيد قائلا:
" أذن ما عليك ألا أن ترسل تيمو لجلب الحقائب , فأذا ذهب الآن بأمكانه أن يعود بها قبل حلول المساء".
وألتفت الى ديانا مبتسما وقال:
" لا نستطيع , مع الأسف أن نقدم لكم هنا كل أسباب الراحة التي يقدمها اللودج".
فأجابته قائلة :
" هنالك تعويض , ولا شك , عن ذلك هنا".
وكانت سارة متأكدة من وجود هذا التعويض الذي كان بمثابة صخرة ملقاة على صدرها , وحين نظرت الى دون وجدته يراقبها وعلى وجهه أنطباعات تعكس دهاءه , فبادلته الأبتسامة بطريقة خاطفة , ورحبت بتغيير جو المحادثة الذي بعثه ظهور كيكي على الشباك المحاذي لكتفها , وقالت لسارة:
" القرود دائما تثير فيّ الحساسية ..... فأرجو أن لا يدخل كيكي الى غرفة النوم!".
فقال لها ستيف:
" ليس من الضرورة أن يدخل حتى الى المنزل وأنت فيه , وسنبذل كل جهدنا لنبقيه تحت السيطرة. لا شك أن القرود مخلوقات محبّبة مسلّية , ولكنها تكون أحيانا مزعجة ..... والآن , لماذا لا تأخذين جيل وترينها المكان الذي ستنام فيه؟".
فأغتاظت جيل من كلامه وقالت:
" أنت تحاول أن تزيحني من الطريق , ولكن لماذا العجلة؟".
فابتسم ستيف وقال لها:
" ليس الأمر كما تظنين , فأنا أريد أن تتعارفا , وهذا يتم بسرعة أكثر أذا كنتما وحدكما".
ووقفت سارة متجنّبة نظراته وقالت لجيل:
" أنه على صواب... فتعالي نغتنم الفرصة ولا نضيع وقتنا".
وكان نجوروجي منهمكا بوضع سرير أضافي في غرفة سارة وترتيبه , حين دخلت سارة وجيل , فحيّاهما بلطف وأيناس وهو يدخل المخدة في غلافها الأبيض النظيف , فقالت له سارة:
" شكرا , بأمكاننا نحن أن نكمل ما تبقى".
وأخذت تبسط الشراشف والملاحف على الفراش , فيما خرج نجوروجي وأغلق الباب وراءه , وقالت سارة لجيل:
" نجوروجي يرتب الفراش بمهارة , ولكن ذلك يستغرق منه وقتا طويلا".
فضحكت جيل قائلة:
" يبدو لي أنه خادم ماهر ..... وديانا دائما تتذمر من خدم بيتها , فعليك أذن أن تراقبيها وألا أغرته وأخذته منك".
وقالت لها سارة:
" هل تعرفين دون وديانا ميلسون منذ زمن بعيد؟".
" عرفتهما منذ ثلاثة أشهر , ستيف ألتقاهما أولا , ثم دعينا الى قضاء بضعة أسابيع معهما ولكن لم يمض أسبوع واحد على ذلك حتى أتصلت الشركة بستيف وطلبت منه المجيء الى هنا".
رمقتها سارة بنظرة سريعة وقالت:
" ولكنه لم يكن مضطرا الى القبول , أذ كان في عطلة".
فأجابت جيل وهي جالسة على السرير الآخر تراقب سارة تصلح الفراش , من دون أن تعرض عليها مساعدتها :
" يبدو أن الشركة لم يكن لديها سواه في متناول اليد , ثم أن ستيف يعشق حياة البراري , والواقع أن المناخ هنا أفضل من المناخ الذي نعيش فيه على الساحل , فمومباسا رطبة المناخ في مثل هذا الوقت من السنة".
" هل تحبين نيروبي؟".
" أحبها كثيرا , وقد ننتقل للسكن فيها قريبا , فلدى ستيف رغبة في شراء المزرعة التي هي عبر الوادي من مزرعة دون وديانا".
" لم أكن أتصور أن ستيف مستعد بعد تمام الأستعداد لحياة مستقرة".
" لا أدري , ولكنه دائما يقول أن على الرجل أن يكتنز من الحياة في الثلاثين سنة الأولى ما يكفيه بقية عمره , وستيف على ما أعتقد فعل هذا ".
وقطبت جبينها وتابعت قائلة:
" ليت ستيف يشتري المكان الذي ذكرته لك , وبذلك تتكرر لقاءاتنا , فأنا لا أعيش معه عادة أكثر من ثلث السنة".
" يبدو لي أنك تعيشين بوفاق مع أخيك".
" نعم ...... وهل أنا مخطئة أذا قلت لك أنك لا تحبينه كثيرا؟".
فأرتبكت سارة وتساءلت هل أن ما تشعر به نحو ستيف له علاقة بالحب ؟ لا شك في أن ردة الفعل التي يلقاها منها لم تكن عادية بسيطة , وآلمها أن يمضي على مجيئه الى المركز خمسة عشر يوما دون أن يتاح لها أن تعرفه جيدا , فسألت جيل:
" أيكون ذلك لأنني أجده متسلطا بعض الشيء؟".
" نعم ".
أجابتها جيل :
" وديانا تدعوه في وجهه رجلا فظا لا يحتمل , ولكنها مع ذلك تعترف بأن هذه من الصفات التي تجعله محببا اليها ...... هل تعتقدين أن ديانا فتاة جميلة؟".

نيو فراولة 23-07-11 07:21 PM

فأجابت سارة وهي تحاول أن تبقي صوتها خاليا من التعبير عن حقيقة شعورها :
" بل هي بارعة الجمال ..... فهل بينها وبين ستيف ....... أعني هل تعتقدين أن ستيف سيتزوجها؟".
" من يدري ؟ فله صديقات كثيرات في مثل جمالها , ولكن أيا منهن لم تحتفظ بأهتمامه طويلا كما أحتفظت هي , فهي باردة المزاج وغير متصنّعة , ولا أحد يستطيع أن يتأكد بماذا تفكر".
" لا شك أنك معجبة بها........".
" بكل تأكيد , ولكنني من جهة أخرى لا أدري أذا كنت أرغب في أن تكون زوجة أخي, نعم , غرورها , فحين تكون في جماعة لا أحد سواها يحظى بالأنتباه , فهي من الناس الذين ما أن يدخلوا مجلسا حتى يصبحوا محور الأهتمام ".
وبعد أن فرغت سارة من ترتيب السرير الأضافي وأبتعدت عنه قليلا لتتأمله , قالت لها جيل :
" أنه واطىء بعض الشيء فهل أنت متأكدة أن ذلك لا يشكل خطرا؟".
" أنا متأكدة جدا , وعلى كل حال , لك أن تأخذي سريري وأنا آخذ هذا السرير".
" أحقا ما تقولين؟ أنا بصراحة أفضّل أن أنام بقرب النافذة ".
قالت جيل ذلك ونهضت تمتحن رفاص السرير , ثم عبرت أرض الغرفة الى حيث طاولة الزينة فرفعت عنها صورة موضوعة في أطار وقالت لسارة :
" هل هذا والدك؟".
" نعم".
" أنت تشبهينه كثيرا".
" هكذا يقال لي....... والآن هل نذهب ونجلب أمتعتك من السيارة؟ فعليك أن تخرجي ثيابك من الحقائب".
قالت جيل وهي تنظر من النافذة الى المنحدر:
" لدينا متسع من الوقت..... قولي لي: كيف تقضين وقتك هنا ؟ لا شك أن اللهو محرّم بعض الشيء!".
" لم نكن نشكو من ذلك قبل مجيء أخيك , ومهما يكن , فلا بد أن يجد ستيف متسعا من الوقت لمرافقتك هنا وهناك , بعد أن ينصرف دون وديانا".
فأجابت جيل على الفور:
" لمرافقتنا نحن الأثنتين , لا مرافقتي أنا وحدي , ودون جلب معه جهازه السينمائي ........." وتوقفت عن الكلام قليلا ثم تابعت قائلة:
" دون أيضا شخصية غير عادية ... فهو في الظاهر يبدي عدم الأكتراث , ولكنه في الباطن......".
وهنا غيّرت الموضوع وقالت:
" تزوّج مرة وزوجته ذهبت مع رجل آخر".
" هل كانت ديانا تقيم معهما آنئذ؟".
" أظن ذلك , ولكنني لست متأكدة , فهما مثل ستيف ومثلي لا أهل لهما , ولكن ديانا تقدر أن تكتفي بذاتها , ولا تقلق أذا هي أضطرت الى العيش وحدها لسبب من الأسباب".
وماذا عن جيل ؟ وخيّل الى سارة أن جيل , بخلاف ديانا , لا تستطيعالعيش وحدها , وأن ديانا لا تريد أن ترى أي أمرأة أخرى تستحوذ على أهتمام الرجل الذي تريده هي لنفسها , فأذا تزوجت ديانا من ستيف فغير مستبعد أن تجد جيل نفسها وحيدة معزولة . وهذا ما جعل سارة تشعر بالحرص على أن يتم هذا الزواج.
وجاء نوروغي بأمتعة جيل بعد ذلك ببضع دقائق , فتركتها سارة لترتبها وتضعها في الخزانة وسارت الى غرفة الجلوس لتجد دون ميلسون وحده , لأن ستيف أخذ ديانا في جولة قصيرة حول المركز.
قالت له سارة ببراءة:
" ألم تشأ أن ترافقهما؟".
" أما سمعت القول المأثور : أثنان يؤلفان جماعة ؟ لو هممت بالنهوض لمرافقتهما لقطعت ديانا ساقيّ تحتي , هل تدبرتما أمركما , أنت وجيل؟".

" بعض الشيء , وهي الآن ترتب ثيابها , هل تريد كأسا أخرى يا سيد ميلسون؟".
" أسمي دون , ألا يعجبك هذا الأسم؟".
" لك ما تريد , هل تريد كأسا أخرى يا دون؟".
" أفضّل عليه صحبتك!".
وربّت على المقعد بجانبه , وأكمل كلامه قائلا:
" تعالي أخبريني عنك".
" ظننت أنني فعلت ذلك من قبل".
" نعم , ولكن يهمني أن أعرف عن تلك الفتاة التي كانت تلجأ مسرعة الى البيت ورجل يحاول الحاق بها ! هل كان ستيف يتصرف نحوك تصرفا لا يجوز أن يصدر منه؟".
فسارعت سارة الى القول:
" كلا , كنت نتحادث , هذا كل شيء...... وهو يعتقد أنني لا أزال طفلة....".
" هذا قصر نظر منه , فأنت تتحلين بالرصانة والتعقل أكث من أي فتاة في مثل سنك عرفتها في حياتي , والحياة التي قضيتها منذ بضع سنوات في هذه الأصقاع جعلتك أكثر رغبة في الأستقلال الذاتي , ولعل هذا ما يعترض عليه ستيف , فهو يعتقد أن على المرأة أن تطيع الرجل حين يكون ذلك في صالحها".
فقالت له سارة بعد هنيهة صمت:
" أينطبق ذلك على أختك ديانا أيضا؟".
" بكل تأكيد , ولكن ديانا ماهرة في التلاعب بغرور الرجل , وهي تقبل من ستيف ما لا تقبله من رجل آخر".
فقالت سارة بحذر :
"هل هذا يعني أنها تعشقه؟".
ضحك دون وقال:
" لا أعرف الآن شيئا عن ذلك ,ديانا جاوزت عادة البوح بشعورها لي منذ أمد طويل.... هذا أذا كانت تفعل ذلك من قبل , وكل ما أستطيع أن أقوله أنها تميل اليه وتعجب به الى حد قيامها بهذه الرحلة التي لا تتوافق مع طبيعتها , فهي تفضّل حياة المدن على حياة الريف , ولكنها أذا أرادت الزواج من ستيف فهي قادرة على تغيير أسلوب حياتها للحصول على ما تريد ..... والآن يكفي التحدث عن الآخرين,ولنتحدث عنا نحن!".
" عنا نحن؟".
" نعم , أنت وأنا ....... وكليّ رجاء أن نصبح صديقين!".
وأحست سارة بقلبها يزداد خفقانا , كان دون ميلسون ولا شك شابا جذابا جدا , وبخلاف ستيف لا ينظر اليها نظرته الى طفلة , ومن غير أن تجد حاجة الى التفكير , قالت له ردا على كلامه:
" كل ذلك يتوقف على ما تتطلبه صداقتنا!".
فأتسعت الأبتسامة على شفتيه وقال:
" لا تتطلب أكثر مما أنت تريدين , أنا رجل أقنع بالسير الى حيث يقودني الآخرون , وكبداية هل تخبرينني أين أصوّر أفضل اللقطات بآلة التصوير التي معي؟".
وكان الآخرون بدأوا يعودون الى المنزل , فتناهت الى سارة ضحكات ديانا وهي تصعد درجات السلم , ونظرت الى دون مبتسمة وقالت:
" يسرّني أن أحاول مساعدتك في ما طلبته".
منتديات ليلاس
ودخل النهار في الليل خلسة فلم ينتبه اليه أحد , وعاد تيمو من اللودج بحقائب دون ميلسون , ودخلت ديانا الى غرفتها لتبدل ثياب السفر , وحين عادت الى غرفة الجلوس قبل موعد تناول طعام العشاء كانت ترتدي ثوبا من الكتان البسيط الفاخر , ذي اللون الأخضر المتألق الذي ينسجم أنسجاما رائع مع شعرها , وسرّ سارة بغتة أن جيل لم تبدل ألا قميصها , ولأول مرة بدأت ترى أنه من المستحسن للمرأة أن تظهر أنوثتها من حين الى آخر , هذا مع علمها بأنها لن تستطيع أن تطمح الى مجاراة ديانا ولو قليلا في جاذبيتها التي تسترعي الأنتباه..
وأفتقدت سارة غياب كيماني عن الشرفة تلك الليلة بعد تناول طعام العشاء , فهو لا بد أن يكون الآن سالما في أحد المستشفيات , وساقه مضمّدة ومستريحة , ومن مقعدها المعتاد قرب حاجز الشرفة أخذت تسترق النظر الى ديانا وهي تتحدث الى الرجال , فتعجب بحسن سلوكها وتصرفها , ثم نهضت فجأة وهي تقول:
" لم أتفقد كيكي والغزال الصغير بعد".
فسمعت دون يخاطبها بقوله:
" أنا ذاهب معك , أشعر بحاجة الى التمشي قليلا قبل النوم ".
وأنتظر دون الى أن أبتعدا عن الشرفة مسافة بعيدة عن مرمى السمع فقال:
" أهكذا تتصرفين هنا كل وقتك في الجلوس والكلام؟".
فأجابته بعد قليل من الصمت:
" نعم , معظمه على الأقل".
ثم نظرت اليه في ضوء القمر وسألته قائلة:
" هل أنت ضجر؟".
" كلا , ولكنني أتعجب كيف لا تشعرين أنت بالضجر , وأود أن تعلمي أن جيل لن تقدر أن تتكيف مع الحياة هنا".
" وماذا تقصد من وراء كلامك هذا؟".
" كل ما أقصده هو أنها معتادة على العيش عيشة مليئة بشيء أو بآخر , فهي بالغة الحيوية ...... أكثر مما يدرك ستيف , على ما أظن ".
" ولكنها بدت لي بعد ظهر اليوم أنها سعيدة بالمجيء الى هنا ".
" وجودها هنا الى حين خبرة جديدة بالنسبة اليها ...... ثم أنها ترحب بأية فرصة تتيح لها الأجتماع بستيف , كم من الوقت يتوقّع ستيف أنها ستقيم هنا؟".
" لا أعرف تماما , ربما ألى أن يعود والدي ... أي بعد نحو شهر ".
" أذن عليه أن يبذل جهدا في غضون هذا الشهر".
" أنا لا أن في أستطاعته أن يفعل ذلك , فبعد نهار مضن من العمل المتعب في البراري لا يريد الرجال هنا ذلك أكثر من الجلوس رافعيّ الأرجل , وبجانبهم كأس مليئة , وتوقفت قليلا ثم سألته قائلة:
" هل ستيف هنا يختلف عما هو في مكان آخر؟".
فأجابها بنبرة تأملية:
" أعتقد أنه لا يعرض حضور سهرات اللهو المنظمة ....... وقد تعيد ديانا النظر في علاقتها به بعد هذه الرحلة , فأنا لا أستطيع أن أتصورها ترفع رجليها ليلة بعد ليلة , ولو كرمى لعيني ستيف يورك! ".
( ولا أنا ) قالت سارة في نفسها , ولكن ستيف لم يكن ينوي أن يستمر طويلا في مثل هذا النوع من العمل , كما قالت لها أخته جيل , وبدا لها أن دون لم يكن يعلم ذلك , ولكن ماذا عن ديانا؟ فهي أذا علمت بنية ستيف هذه , لتحمّلت بضعة أيام من الضجر هنا للتأكد أنه لم ينس.
وأنتظر دون خارج الزريبة , فيما أخذت سارة تعدّ الغزال للنوم , وحين خرجت كان دون يدخّن سيكارته ويصغي الى أصوات الليل , فقال لها:
" سمعت مرة أسطوانة سجلت هذه الأصوات , فلم أصدّق الى الآن أن كلها حقيقة , هل تتكرر هذه الأصوات ذاتها دائما؟".
فأبتسمت سارة وأجابت:
" كلا , فهي أحيانا ترتفع , فالقرود صامتة الليلة , ولولا ذلك لعلا ضجيج يصمّ الآذان".
" فلنأمل أذن أن لا يزعجها أحد في صمتها".

نيو فراولة 23-07-11 07:23 PM

وأستند دون الى أحد عواميد السياج , فذكّرها ذلك بأول ليلة بعد مجيء ستيف , وتابع دون كلامه قائلا :
" هل من حاجة الى الأستعجال في العود الى البيت ؟ دعينا هنا نتحدث قليلا ".
" ذلك يثير قلق الآخرين.....".
" دعيهم يقلقون , هم يستحقون ذلك , أما فيما يخصّني , فأعدك بكبح جماح عواطفي والأمتناع عن مضايقتك ".
فنظرت اليه مشككة , وحين رأت أبتسامته أطمأنت فجأة وقالت له:
" يسعدني أن أسمع منك هذا الوعد , أذ كنت أعتقد أنك من الرجال الذين لا يضيّعون لحظة في سبيل بلوغ مأربهم!".
" الأشياء ليست دائما كما تظهر , يا عزيزتي! ".
" أصحيح ما تقول ؟ جيل تعتقد أنك لست ساخرا ولا عدميا كما تظهر".
فأستغرب الأمر وقال:
" أحقا هذا ما تقوله الآن ؟ لم أكن أعلم أنها صرفت دقيقة في التفكير بي..... وماذا أخبرتك أيضا عني؟".
وأدركت أنها أسترسلت في الكلام على هذا الموضوع , فأجابته بإيجاز:
" كل ما أخبرتني به أيضا هو أنك تزوجت و.......".
فقال دون :
" و........ ماذا؟ لا أظن أيضا أن جيل تركت الجملة ناقصة....".
فقالت سارة:
" و..... أن زوجتك تركتك وذهبت".
" هذا أسلوب لائق في التعبير عن الحادث , ولكن التعبير السائد هو أنها وجدت لنفسها رجلا آخر".
وكان في كلام دون ما جذب نظر سارة الى وجهه , فسألته قائلة:
" أليس هذا ما حدث؟".
وحين لزم الصمت طويلا تابعت كلامها قائلة :
" أعتذر عن توجيهي هذا السؤال اليك , فهو أمر لا يعنيني ".
فقال لها دون :
" لا لوم عليك في ذلك , فأنا أستدرجتك اليه ....... من الأسهل بعض الأحيان أن تدعي الناس يظنون ما يشاؤون , ولكن الحقيقة هي أن زوجتي كارولين تركتني لأنها أمتعضت من سكن ديانا معنا".
فقالت سارة بتردد:
" أما كان يمكن لديانا أن تجد مسكنا خاصا بها؟".
" أظن أنه كان يمكنها ذلك , ولكن لماذا؟ فالمزرعة نصفها لها , وكذلك المنزل , فكيف لي والحالة هذه أن أطلب منها أن تهجره ؟ على أن كارولين وحدها رأت غير هذا الرأي".
قال ذلك وتابع متأففا:
" فتش عن المرأة ! على كل حال , دعينا نختم هذا الموضوع بالقول أن هنالك أخطاء أرتكبها الفريقان , أنا وكارولين......".
وفرحت سارة بأختتام الموضوع , وحزنت في الوقت ذاته لأنها هي التي فتحته , فلا بد أن دون تألم كثيرا منه فيما مضى, وهو الآن كما يبدو جليا يأسف لهذا الأعتداء على خصوصياته , ولذلك فستنسى الموضوع كما ستنسى بأمتعاض شديد عدم مبالاة ديانا برؤية زواج أخيها يتحطم, من غير أن تضحّي قليلا في سبيل أنقاذه.
وخيّل إلى سارة أن ستيق رمقهما بنظرة حادة حين عادا إلى الغرفة , ولكنه لم يتفوّه بكلمة , ولما أعلنت جيل بعد دقائق أنها مرهقة وتشعر بحاجة إلى النوم , أغتنمت سارة هذه الفرصة فأستأذنتهم بالأنصراف هي الأخرى , بحجة أن جيل تشاركها الغرفة.
وفيما بعد حين كانت مضطجعة في السرير الضيق , وجيل في السرير الآخر وهي مستسلمة لنوم عميق , أخذت تصغي للهمسات والوشوشات الآتية إليها عبر النافذة المفتوحة على الشرفة , وخيّل إليها أن ستيف كان هناك مع ديانا يتبادلان بعض تلك الهمسات والوشوشات , ولماذا؟ فهما راشدان كل الرشد ويعرفان ما يريدان من الحياة , فضلا عن أن الواحد منهما كان يليق بالآخر.

فتاة 86 23-07-11 08:26 PM

:98yyyy:
أيوة يا عم
شدي الهمة نيو فراولة
يعطيكي العافية
عنجد شو ما بحكي ما بوافيكي حقك
موووووووووووووووووة

:;lkjlkutrfc:

نيو فراولة 23-07-11 10:10 PM

5- إذا وقعت في الحب.......




وجدت سارة أن الحياة في كامبالا بوجود جيل وديانا ودون ميلسون تختلف عما كانت عليه من قبل , حتى تيد تحمّس إلى حد بعيد , فأصبح يعقد ربطة عنق وقت تناول طعام العشاء , بدل الظهور كالمعتاد بقمصانه الريحة المفتوحة الياقة , وسارة نفسها التي لم تذهب في هندامها العادي إلى أبعد من النظر بتردد مرة أو مرتين إ‘لى خزانة ثيابها , أقرّت لنفسها مكرهة بأنها تشتهي الثياب المرحة التي كانت جيل ترتديها كل مساء , وأدركت كذلك أن قليلا من الثياب نفسها لم تكن تقاس من حيث الجودة بثياب جيل.
وكان الجميع يذهبون كل يوم بسيارة واحدة تاركين تيد يهتم بأمر المركز , وكان ستيف ماهرا في العثور على الطرائد , فيشير إلى وجود ثعالب هناك إلى اليمين ,أو أسود هنالك إلى اليسار قبل أن يلاحظ وجودها أحد , وكانوا يقطعون الغابات والسهول , حتى أنهم غالبا ما إجتازوا مساحات من الأعشاب التي كادت لطولها تغطي السيارة , وفي ثاني يوم خرجوا فيه صرفوا ساعة كاملة في مراقبة قطيع كبير من الزرافات عند حافة الغابة , وكانت الزرافات تراقبهم هي الأخرى بعيون واسعة مستطلعة , إلى أن بدرت من ديانا حركة تنم عن نفاد صبرها , فولّت الزرافات هائمة على وجوهها من دون أنتظام.
منتديات ليلاس
وكان أجمل الأوقات بالنسبة إلى ديانا وقت الظهر الذي كانت تقضيه في اللودج , حيث يتاح لها أن تظهر محاسنها بطريقتها الخاصة بها , فهي بخلاف أخيها دون وجدت الحياة في البراري باعثة للضجر والملل, على الرغم من أنها تحمّلت وطأتها بسعة صدر مدهشة , وكانت سارة ترى وهي تعاينها في ثوب الأستحمام الجذاب , أنها تفرض الأعجاب الشديد رغم عيوبها , وكذلك كانت سارة على أستعداد لبذل الكثير في سبيل الحصول على ما كانت تتحلى به ديانا من ثقة أكيدة بالنفس , في ظروف أبعد ما تكون عن نمط حياتها العادي.
وخرج دون من البركة فأستلقى على العشب بجانب سارة وقال لها:
" أنا على غير ما يرام.. وإلا لماذا ينهكني التعب بعد الشوطين الأخيرين من السباحة؟ وأنت , هل تنوين النزول ثانية الى البركة؟".
" لا أظن أنني سأفعل".
وكانت عينا سارة تنظران الى ستيف وهو واقف في الطرف الأبعد إلى جانب ديانا , يضجك من نكتة قيلت بينهما , فرأت جسمه النحاسيّ اللون , المكتنز العضلات , الخالي من اللحم الزائد , وفجأة أنتقلت بنظرها الى دون وقالت له :
" حسبت أن جيل برفقتك".
فأجابها:
" كانت برفقتي إلى أن جاء ذلك الفرنسي وأنتزعها مني , وهما الآن ينحادثان وجها إلى وجه على الشرفة ويشربان القهوة ..... ولا أظن لإلا أن معرفتي باللغة الفرنسية لا تتعدى معرفتي بها يوم كنت على مقاعد الدراسة.... هل تحملين معك سكاير؟".
فضحكت سارة وقالت:
" هل أبدو كمن يحمل معه سكاير .... حتى لو كنت أدخن؟".
فتأمّلها بعين مدرّبة وقال:
" كلا , لا أظن ذلك , فما تلبسينه الآن لا يتسع لعلبة سكاير... ليتني في التاسعة عشرة الآن , حين تكون كل الحياة أمامي!".
فقالت له:
" وهل تعتقد أن الأشياء عندئذ تكون غير ما هي عليه الآن ؟".
" قد تكون وقد لا تكون , وفي كلا الخالتين لو ألتقيت واحدة مثلك لتضاعف حظي بالفوز بها..... يخيّل ألي أنك أذا وقعت في الحب فلن تخرجي منه رغم أي تأثير خارجي".
وتعمّد دون متابعة كلامه بخفة , فقال:
" هل تعتبرين سن الثلاثين متأخرة , فلا تصلح للبدء من جديد ؟".
" نادرا ما يكون الأمر كذلك!".
" كم يشجعني رأيك هذا".
ونهض دون ومدّ يده إليها ليجذبها الى جانبه وهو يقول:
" دعينا نبدّل ثيابنا ونتناول كأسا قبل أن نعود أدراجنا الى البيت".
وكانت الساعة جاوزت الرابعة بعد الظهر حين وصل الجميع إلى كامبالا , فذهبت ديانا الى غرفتها لتستحم وتبدّل ثيابها , وأما جيل فغرقت في كرسي على الشرفة وأخذت تتذمّر لأخيها عن حسن نية , فقال لها:
" أنت تتذمرين من الحياة هنا لأنني أنتزعتك أنتزاعا من صديقك الجديد الذي ألتقيته في اللودج ... كان يراودك عن نفسك وأنا أقترب منكما ... يا له من صيّاد نساء ماهر!".
فقهقهت ضاحكة وقالت:
" يبدو أن لغتك الفرنسية أفضل من لغتي ..... فأنا لم أفهم ربع الكلام الذي كان يكلمني به!".
" لست بحاجة إلى معرفة عميقة بالللغة لتفهمي ما كان يريد أن يعبّر لك عنه ....ومهما يكن , فهل من عادتك أن تفسحي في المجال دائما لكل راغب؟".
" لا , ليس دائما , وأنما حين أعرف أن حامي حماي على مقربة مني , وهو متأهب لأنقاذي مما هو أشد وأدهى من الموت , وعلى كل حال , فهنري عازم على مغادرة المكان غدا صباحا , هذا ما أستطعت أن أفهمه منه , ويبدو لي أن القادمين إلى هذه الأنحاء يستعجلون العودة .... ألا تظن ذلك؟".
فأبتسم وقال :
" هكذا يبدو.. وما عليك إلا أن تنتظري حظك من القادمين الجدد!".
فألتفتت جيل الى سارة وقالت لها:
" ما رأيك يا سارة؟ تعالي معي...... فأن نعمل معا أسلم عاقبة من أن أكون وحدي ومن يدري , فليس ما يمنع أن نصبح بقليل من الجهد ملكتي جمال الأدغال!".
فقال لها ستيف:
" سارة لا يهمها المراهقون!".
" وأنا كذلك لا يهمونني....... لا أحد يهمني تحت الثالثة والعشرين!".
وهنا قال لها دون :
" وإلى أي سن يهمونك فوق الثالثة والعشرين؟".
فرمقته جيل بنظرة عاجلة وقالت:
" لم أفكر في الأمر.... فهل من الضروري أن أفعل؟".
" نعم.... لتستقيم الحال!".
وصعد تيد على السلالم وأقبل للأنضمام اليهم ثم قال:
" كيف كان نهركم؟".
فأجابه ستيف:
" لا بأس به , هل حدث في غيابنا ما يستحق الذكر؟".
فقال تيد وهو يهم للدخول الى البيت ليجلب لنفسه كأسا:
" جرح ثور برّي أحد الحراس في ساقه , وفي أستطاعتنا أن نعالج الجرح هنا , وعدا ذلك , فكل شيء على ما يرام.... ثم أن مغاري أرسل يدعونا جميعا الى السهرة الليلة".
فسارعت سارة الى القول :
" لأية مناسبة!".
" لم يقل , ولكن ليس من الضرورة أن يكون عندهم سبب خاص لأحياء سهرة ...... أنت تعرفين ذلك.... وقد يكون أن مغاري يريد تكريم ضيوفنا ........ وسنرى حين نصل الى هناك!".
وظهر الأهتمام على ملامح جيل ودون , قال دون لستيف :
" ليتنا نشاهد رقصة قبائلية ..... هل تظن أنهم يسمحون لنا بتصوير بعض المشاهد؟".
فأجابه ستيف:
" علينا أن نستأذنهم أولا ... فسهرات كهذه شأن خاص جدا , وأنه لشرف عظيم أن ندعى الى هذه السهرة".
وألتفت الى سارة وتابع كلامه قائلا لها:
" أنت تعرفين مغاري أكثر مني.... فكيف تكون في نظرك ردة فعله على التصوير؟".
فأجابته قائلة:
" هذا يتوقف على المناسبة التي بها يحتفلون.........".
ثم قالت بعد صمت:
" أنا لم أكن أعرف أنك ألتقيت مغاري!".
" قمت بزيارته منذ نحو أسبوع لأعرّفه بنفسي , فأستقبلني بترحاب , كان حريصا على الأطمئنان عنك , مما يدل على أنك نلت حظوة عنده .....".
فأبتسمت قليلا وقالت:
" أنه رجل مرهف الذوق , ويقدّر والدي كل التقدير..... وحفلة الليلة ليست أول حفلة أحضرها هناك مع أنها قد تكون الأخيرة.... فكيماني أخبرني أن القبيلة سترحل عما قريب".
" كيماني على حق , فهم مضطرون أن يأخذوا المواشي بعيدا كل يوم للعثور على مرعى جيد".
قال ستيف ذلك وأضاف:
" علي أن أتم بعض المهام قبل أن أنهي عملي هذا النهار".
ثم نزل درجات السلم وسار بقامته النحيلة وقميصه الرياضي وسرواله تحت الشمس المائلة الى المغيب.
وقطع دون الصمت الذي أعقب ذهاب ستيف بقوله:
" متى يجب أن نذهب الى هذه السهرة ؟".
" ربما عند الساعة التاسعة بعدما نكون تناولنا طعام العشاء ..... إلا أذا أردت أن تتعشى دم البقر وحليبه!".
فظهر الأشمئزاز على وجه جيل وقالت:
" أرجو أن يكون كلامك مزاحا".
" لا أمزح , قبيلة مازاي عادة لا يأكلون اللحم..... وما يأكلونه لا بأس به على الأطلاق".
" هل ذقته؟".
" مرة فقط , حين نزلت القبيلة بهذا المكان , وكان ذلك من قبيل اللياقة , كما قال والدي ".
" وهل يتوقعون منا أن نذوقه نحن أيضا.... في سبيل اللياقة!".
فأجابتها سارة قائلة:
" أذا قدّموا لك شيئا منه , فمن قلة التهذيب أن ترفضيه!".
فقالت جيل:
" أذن , لن أذهب الى الحفلة!".
وقال دون:
" أنها تمازحك , فلا تصدقي كلامها".
فألتفتت جيل الى سارة وسألتها قائلة:
" هل أنت تمزحين حقا؟".
أجابتها سارة:
" قليلا...... مغاري يعرف أن الأوروبيين لا يستسيغون نوع الطعام الذي يأكله أفراد قبيلته , ولذلك فلا داع للقلق الشديد , وكل ما عليك أن تفعليه هو أن تجلسي هناك وتشاهدي الرقص وتظهري أنك تتمتعين بمشاهدته جدا.......".
وبعد توقف أضافت قائلة:
" من منكم يخبر ديانا أن ترتدي سروالا , لأننا سنقعد هناك على الحصيرة على الأرض , والمكان لا بد أن يكون مليئا بالنمل ...".
فنهضت جيل وهي تقول:
" أنا ذاهبة لأخبرها , فهي عادة لا تغير ثيابها بعد العشاء!".
وكان تيد واقفا في الباب يتسمّع وعلى وجهه أبتسامة عريضة , فحاد عن الطريق ليدع جيل تمر , ثم جلس في الكرسي الذي تركته فارغا , كأنما كان من الصعب عليه أن يخطو بضعة خطوات للجلوس في كرسي آخر.
وقال تيد:
" على ذكر النمل , هل أخبركم عن تلك المرة التي نصبنا فيها خيامنا قبالة طريق مرات مرت فيها فرقة من نمل العسكر؟".
ولم ينتظر الجواب , بل تابع قائلا:
" في الثانية صباحا بدأ النمل يقبل نحونا , وحوالي الخامسة أقترب قبل أن يمر بنا , ومثل المد الأسود أجتاح خيمة بعد أخرى , وأنا مضطجع هناك على فراشي أراقبه راجيا أن لا تفكر واحدة منه أن تتسلق ساقي!".
فقال دون:
" كنت أحسب أن نمل العسكر يأكل كل شيء في طريقه , من ذلك ما قرأت في قصة أن النمل جرد رجلا نائما من لحمه وتركه هيكلا عظميا".
فأجابه تيد:
" لا بد أنه كان مقيدا أو غائبا عن الوعي , فأنت لا تستلقي مستسلما للنمل وهو يزحف عليك , والمهرب الوحيد هو أن تخلع ثيابك وتسرع الى النهر , ولكن حذار الكركدن والتمساح!".
وقالت له سارة:
" يستحيل علي أن أدرك كيف تخرج من كل تلك المخاطر سالما ,فهلا أخبرت دون عن صراعك مع الأسد؟".
فابتسم تيد وقال:
" أحتفظ برواية هذه الحادثة للمراهقين القادمين لتوهم من المدينة ......".
ورمته سارة بمخدة فوضعها خلف رأسه وقال لها:
" نسيت أن أخبرك أن في غرفتك رسالة من والدك".
فقفزت سارة واقفة والأبتسامة تعلو شفتيها وهرعت نحو الغرفة وهي تقول:
" لم أتوقع أن أتلقى رسالة منه بمثل هذه السرعة".

نيو فراولة 23-07-11 10:11 PM

كانت الرسالة من بنستون حيث كان والدها ينزل ضيفا على صديقين قديمين ذكرهما لها في رسالة سابقة , وفي هذه الرسالة تكلم بحماسة عن أنه وجد كل شيء في المدينة على حاله...... الكنيسة والأكواخ التي على شاطىء النهر , بل حتى الأوز لا يزال هناك , لا شيء على الأطلاق تغيّر , وكرر ديف ذلك مرارا كأنما لم يكن يصدق نفسه , وكان الصديقان اللذان أقام عندهما أخا وأختا من مجايليه هناك في بنستون, ولم تكن سارة تذكرهما , لأنها كانت حديثة السن حين كانت تلتقيهما , وكانت مولي أرملة آنذاك مات زوجها لست سنوات خات , فعادت الى البيت لتعتني بأمر أخيها لذي كان مزارعا , وأثنى دايف على مولي في رسالته تلك الى سارة , فقال أنها دائما متفانية في سبيل الآخرين .... ولذلك فهي تستحق من الحياة أكثر مما نالت حتى الآن , ثم قال : ( ستحبينها يا سارة).
وكرّرت سارة قراءة هذا الكلام والعبوس يعلو جبينها , وتذكرت أن تيد قال لها مرارا أنه كان على دايف أن يتزوج مرة ثانية , فهل يمكن أنه يتبيّن دونها حاجته هذه إلى الزواج؟ كانت هي ودايف سعيدين معا في السنوات الثلاث الأخيرة , ألا أن الأبنة غير الزوجة كرفيقة , وماذا عن الطريقة التي يتحدث بها في رسالته هذه عن أمرأة عرفها منذ الصبا؟ فأذا تزوج مرة أخرى , فماذا عساها هي أن تفعل في حياتها ووالدها لا يبقى محتاجا إليها؟ وشعرت سارة بكآبة شديدة حين خطرت ببالها هذه الفكرة.
وكانت السهرة في أوجهها عندما وصل الجميع الى مساكن القبيلة , فأستقبلهم مغاري أستقبالا حارا وأجلسهم على الحصر بجواره وجوار شيوخ القرية , وكانت سارة على يمينه وستيف على شماله , وأستمر الرقص من دون أنقطاع , فما أن يتعب فريق حتى يستبدل بفريق آخر من الرجال والنساء , وكانتحيوية الراقصين والراقصات مدهشة حقا , وكانوا ينحنون بين الفينة والفينة ويلتقطون حفنة من التراب ويدعونها تتسرب من بين أصابعهم الى الأرض في حركة تشبه الغربلة.
وألتفت دون الى سارة وسألها بصوت خافت:
" ما معنى هذه الرقصة ؟ وإلى متى تطول؟".
فأجابته سارة بصوت خافت أيضا:
"يطلبون الخصب للأرض ومرعى لمواشيهم في الموسم المقبل , وقد يطول الرقص ولكننا لسنا مضطرين للبقاء الى النهاية , كل ما أردناه من مجيئنا هذه الليلة هو تلبية الدعوة عملا بأصول اللياقة".
فقال لها دون:
" أذن علي أن أسارع الى أخذ بعض الصور...... فهل لك أن تستأذني عني شيخ القبيلة؟".
وترددت سارة قليلا قبل الألتفات الى مغاري لأستئذانه , وحين فعلت تردد مغاري هو الآخر في الجواب , حتى أن سارة أيقنت أنه سيرفض طلبها , غير أنه أجاب بالأيجاب آخر الأمر بعد أن أستشار الذين حوله من زعماء القبيلة.
وكان دون قد أعد الكاميرا للتصوير ليلا , فبدأ في الحال يطوف حول الراقصين ويصورهم على ضوء النار المشتعلة , وبعد بضع دقائق عاد الى مكانه مسرورا فرحا , ولم ينس أن يقدم الشكر لمغاري.
ثم قام الضيوف مودعين فشيّعهم مغاري الى المدخل , وحين هموا بركوب السيارة جلست ديانا بقرب ستيف في المقعد الأمامي فيما الآخرون تكوّموا , بعضهم فوق بعض , في المقعد الخلفي , وحاولت سارة أن لا تنتبه الى ما يجري بين ستيف وديانا , ولا أن تصغي الى ما يتحدثان به.
وكانت سارة آخر من نزل من السيارة عند وصولها الى المركز , وهناك تأخرت عن قصد في دخول البيت الى ما بعد دخول جيل وتيد , ثم أعلنت أنها ستتفقد كيكي قبل أن تأوي الى فراشها , وحرصت على أن يراها ستيف وسمعها وهي تطلب من دون مرافقتها وتقول:
" قد أحتاج الى حماية!".
فقال لها دون مبتسما:
" هذه هي المرة الأولى التي أدعى فيها لألعب دورا كهذا ". ومشى مع سارة نحو الزريبة مبتهجا راضيا , ثم سألها قائلا:
" لماذا تضعين القرد في قفص؟".
فأجابته قائلة:
" لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لمنعه من دخول البيت طيلة أقامة أختك ديانا هنا".
وأفلتت ذراعه بعد أن أبتعدا عن الشرفة , ثم أكملت كلامها بالقول:
" هذا مع العلم أن القرد لا يحب أن يغلق عليه".
فقال دون :
" لن تطول أقامتنا هنا , وديانا لا تستطيع أن تغير موقفها من القرود".
فقالت سارة:
" أعرف ذلك... وكيكي لن يتأذى من بقائه في القفص لبضعة أيام , وما قلته بخصوص ديانا لم يكن إلا من قبيل الخبث .... وأنا أعتذر".
فضحك دون وقال:
" ما أصرحك وأبعدك عن النفاق يا سارة مكدونالد....... أنا لم ألتق من قبل شبيها بك".
فنظرت اليه بطرف عينيها وقالت:
" هذا ما سمعته من أحدهم يوما ليس ببعيد".
" أحدهم؟".
" نعم , فتى طيب القلب ....... دعاني لزيارته في الولايات المتحدة الأميركية ".
" وهل ستلبين الدعوة؟".
" قد أفعل يوما من الأيام , ويوما من الأيام قد أفعل كثيرا من الأمور..... ففي رأي بعض الناس أنني خسرت الكثير بأقامتي في هذه الأدغال طيلة السنوات الثلاث الأخيرة.... فهل تظن يا دون أنني فتاة متخلفة؟".
" أنا أظن أنك ساحرة تمنين بالآمال الخادعة ".
قال ذلك وأمسكها بكتفيها وأدارها نحوه وهو يبتسم في وجهها عبر الظلام , ثم تابع كلامه قائلا:
" في وسع القرد أن ينتظر دقيقة أو دقيقتين.... ألا توافقين؟".
فقالت له سارة:
" نعم , أذا أقتضى الأمر".
ثم تابعت بعد تردد:
" أفضل أن لا تفعل شيئا يا دون ....... فأنا لا أشعر بميل الى المغازلة الآن.... ولا أقول ذلك عن حياء أو خجل ,بل لأنني......".
فقاطعها دون قائلا:
" بل لأنك غير متأكدة من حبك لي الى حد المغازلة ... لا بأس , لن أصر على ذلك , يبقى أن أنبّهك الى شيء , وهو أنه يجب أن لا تبدأي بالمداعبة أذا كنت لا تريدين أن تكملي الطريق الى النهاية ..... فقد لا تجدينني في المرة التالية في مزاج سلبي كما أنا الآن !".
فوعدته سارة بأنها ستفعل بنصيحته , ثم أمتدحته لطيبة قلبه ولياقته وهما يسيران نحو الزريبة , وبعد أن قاما بواجبهما نحو كيكي قفلا عائدين الى البيت.
وكان ستيف ينتظرهما في أعلى درجات السلم المؤدي الى الشرفة , فوجه سؤاله الى سارة قائلا:
" هل كل شيء على ما يرام؟".
فحدّقت اليه بحدة وقالت:
" نعم..... ولم يكن من واجبك أن تنتظر رجوعنا".
فأجابها:
الحق معك , وعلي الآن أن أكتب تقريرا قبل النوم ..... أرجو لكما ليلة هانئة".
وكانت يل لا تزال نائمة حين نهضت سارة من فراشها في السادسة صباحا , وما أن خرجت من الغرفة حتى وجدت ستيف منحنيا على حديد الشرفة , فحياها تحية الصباح وسألها أذا كانت جيل أستيقظت من نومها , فأجابته بالنفي وقالت له انها ذاهبة الى أعلى المنحدر , قال لها:
" أعرف ذلك..... فأنت تقضين كثيرا من وقتك هناك".
فأجابته:
" هذا صحيح".
بادرها بالقول:
" هل تمانعين أذا رافقتك؟".
فأجابت من دون أن تلتفت اليه لئلا يبوح له وجهها بأكثر مما تريد أن تبوح به:
" لا أظن أنني أقدر أن أمنعك.......".
ثم ندمت على خشونة جوابها , فأستدكت قائلة:
" في الواقع أنا لا أمانع , بل يسرني أن ترافقني".

نيو فراولة 23-07-11 10:12 PM

وكانت سارة تشعر بقامته المديدة وهو يسير بجانبها في الطريق الى سفح المنحدر , وسرّها أنه لم يمد يده لمساعدتها على التسلق كما فعل ترافس من قبل , كان وراءها تماما حين وصلا الى المكان المعهود , فألقى نظرة على الأرجاء البعيدة وهو يتناول علبة السكاير , قالت له سارة:
" أنت تكثر من التدخين".
فرمقها بنظرة وقال:
" هكذا تقول لي جيل , فهل تهمك صحتي؟".
أجابته قائلة:
نعم , أذا كان أهتمامي في محله".
ثم أشارت بيدها الى المسافات الشاسعة المحيطة بهما وقالت:
" ما رأيك؟".
فأجاب قائلا:
" يا له من مطل رائع .... لا عجب أنك تحبين المجيء الى هنا , خصوصا في مثل هذا الوقت من النهار".
وتوقف قليلا , ثم تابع كلامه قائلا:
" ستفتقدين هذا كله عندما تغادرين هذه الأنحاء يوما ما , ألا تظنين ذلك؟".
" نعم , سأفتقده".
" هذه حال الدنيا , ففي يوم من الأيام لا بد أن تلتقي أحدا تتزوجينه ولا يكون بالضرورة راغبا في الأقامة هنا".
" لماذا يطلب دائما من المرأة أن تضحي؟".
" لأن الرجل هو المعيل , وهو لذلك له الحق في أن يختار أين تعيش ويرتزق".
" حتى لو كانت زوجته غير سعيدة في المكان الذي يختاره؟".
" أذا كانت تحبه كفاية فلا فرق عندها , فالمرأة يجب أن تكون على أستعداد لأن تتبع زوجها الى أقاصي الأرض عند الأقتضاء".
وهنا تساءلت سارة أذا كان يفكر بديانا, أيكون أنها أفهمته بصراحة أن الأقامة لبضعة أيام في الأدغال هي كل م تستطيع أن تتحمله من الحياة؟ ولعل فكرة شراء المزرعة القريبة من مزرعتها لم تكن إلا من قبيل التسوية كوسيلة للحصول على المرأة التي يريدها , مع الأحتفاظ بشيء من الأستقلال في طريقة الحياة , على أن سارة لم تكن تعتقد أن ستيف من الناس الذين يقبلون بالتسوية مهما تكن الظروف , ولكن قد يكون أعتقادها هذا نابعا من عدم رغبتها في أن تراه يتصرف غير ذلك التصرف.
وساد الصمت بينهما لبضع دقائق , وأكمل ستيف تدخين سيكارته وأطفأ ما تبقى منها , ثم أستند الى الصخرة وقال لسارة:
" أظن أنك سمعت بما يشاع عن زوجة دون".
فقالت له:
" نعم , سمعت أنه كان متزوجا".
" هل تميلين اليه؟".
" هو رجل جذاب... ولي من الخبرة ما يكفي لمعرفة ذلك على الأقل".
"لن أجادلك في هذا الأمر , ولكن لو كنت مكانك لما أكترثت بأي شيء يقوله لي.... هو لا بأس به , سوى أنه لا يأبه بالشعور المرهف".
" تريد أن تقول أنه غير موثوق به , فهل تعرفه كل هذه المعرفة؟".
" أعرفه أكثر منك على كل حال.... وأنا أحاول أن أكون لبقا في التحدث اليك عن هذا الموضوع , فلا تتسرعي بأبداء آرائك قبل أن أنهي كلامي ... دون يلقي اللوم كله على زوجته لفشل زواجهما , ومع أنه قد لا يكون مقتنعا كل الأقتناع بأتهامه هذا , إلا أنه مصمم على أشراك كل أمرأة أخرى في اللوم...... وأنا لا أريد أن يصيبك أي أذى".
فرفعت رأسها وقالت:
" لن يصيبني أذى من أي مخلوق .... وقد تستغرب قولي لك أن مغازلة شخص لا تعني لي شيئا".
فقال بحدة:
" أذن , فقد غازلك!".
فعضّت سارة على شفتها , ولكن كبرياءها أبى عليها أن تتراجع , فقالت:
" لماذا لا ؟ فأنت غازلتني أيضا".
فكظم ستيف غيظه وقال:
" لم أنس ذلك , ولكن هناك فرقا بين نيتي ونيته".
أجابته قائلة:
" لا حاجة بك أن تخبرني بذلك .... هناك فرق شاسع بينك وبين دون , ولو أنت عرفت السبب الحقيقي لترك زوجته له , لوفرت عليك توزيع الشكوك هنا وهناك!".
فحدّق اليها والتصلب باد على قسمات وجهه , وقال:
" هيا , أخبريني!".
فقالت له:
" ليس لي أنا أن أخبرك ... اسأل من هو أقرب اليه مني!".
" تعنين ديانا؟ وهل تظنين أن لها علاقة بما حدث لدون وزوجته؟".
فنهضت سارة فجأة بعدما رأت أن الحديث عن هذا الموضوع تجاوز حده , وقالت:
" أنا نازلة من هنا".
فقال لها بلهجة التحدي:
" لا أسمح لك بالنزول الى أن تخبريني بقصدك من وراء هذا التصرف كله , فأنا لم أعرف في حياتي أحدا يشاكس مثلك حبا بالمشاكسة , ولعله من حسن الطالع أن أقامة دون وأخته هنا لن تطول أكثر من بضعة أيام أخرى , فمن شيمك أن تعمدي الى تشجيع دون على التعلق بك لمجرد رغبتك في الأقتصاص مني!".
فقالت له وقد نجحت في كظم غيظها :
" لا تمدح نفسك , أن كنت أشجع دون فلأنني لأول مرة أجد من يعزو أليّ بعض الذكاء .... فأنت منذ وصلت الى كامبالا أخذت تتصرف كأن لا أحد سواك يعرف شيئا عن مهام وظيفتك , بمن فيهم والدي , ومنذ اليوم الأول لوصولك بدأت تلقي ثقلك هنا وهناك , ولم تتوقف عن ذلك بعد , حتى أنك عمدت الى تدمير هذا المكان لأجلي".
وبعد صمت قصير قال لها ستيف:
" دعينا نتصارح بصدق , أنا لا أعرف والدك شخصيا , ولكن من يسافر الى أنكلترا ويترك أبنته وحدها في مكان ناء كهذا لا يبرهن في نظري عن أي شعور بالمسؤولية".
فسارعت سارة الى القول:
" لم يتركني وحدي , فهنا تيد وكيماني".
" صحيح , ولكن لا أحد منهما على ما يبدو في وضع يمكنه من فرض أية رقابة على تحركاتك".
" كلامك هذا يخالف ما قلته لتيد يوم أنكسر معي محور دواليب السيارة".
" نعم , لم أقل ذلك لتيد , لأنني في تلك الساعة كنت مستعدا أن أنقض على أي كان من دون تردد........ أنا أرسلت الى هنا للقيام بمهمة معينة , لا لأتوقى تربية أولاد الآخرين , فلو كنت متعقلة منذ البدء لجرى كل شيء بينا على ما يرام... والآن أريد أن أعرف متى تدركين الفرق بين الفضول وحسن السلوك".
وهنا تساءلت سارة بينها وبين نفسها ما دخل حسن السلوك في هذا الصدد , ثم قالت لستيف:
" هل أنت متأكد أنك تعرف الفرق؟ قد يكون من الخير لي أن أقع في غرام دون , وأن لم يعلمني غير ذلك الدرس الذي تعتقد على ما يبدو أنني أحتاج اليه , ومن جهة ثانية فقد أكون في آخر الأمر تلك الفتاة التي يحتاج هو اليها!".
" هذا لا شك فيه , فبعض الرجال يسرهم أن يعلموا الصغار البريئين حقائق الحياة ! ولكن مع الأسف لن يكون لدون الوقت الكافي لذلك , وأذا أضطررت فسأتحدث اليه عن هذا الأمر بنفسي".
فأحمر خدّاها من الغضب وقالت:
" لا يحق لك أن تفعل , فهذا الأمر لا علاقة له بوظيفتك في المركز هنا , وعلى كل حال , ماذا يجعلك تعتقد أن دون يبالي بما تقوله له؟".
" أذا لم يبال فسيعود الى حيث أتى في مدة أقصر مما يتوقع , والخيار خيارك , فأما أن تثنيه أنت من محاولة أكتسابك , وأما أن أفعل ذلك بنفسي......".
وهنا تشعّب الموضوع كثيرا في نظر سارة , ولم يكن الوقت وقت جدل في ذلك , فلا شك أن لستيف كل القدرة على أن يفعل ما يقول , غير أنه لو فعل لحمل دون على الأعتقاد أنها أخذت ما جرى بينهما بكثير من الجد حتى طلب مشورة ستيف.
فقالت ردا على كلامه:
" هذا ليس خيارا , بل أنذارا!".
فأجابها بنبرة لامبالية:
" أفهميه كما تشائين".
تزايد غضبها ولكنها حاولت كبته وهي تقول له:
" دع دون جانبا في العلاقة بيني وبينك , وأنا لن أسمح له بأن يقترب أليّ بعد ايوم.... والآن هل لي أن أعود الى البيت؟".
فأجابها قائلا:
" با نعود معا".
وكان نجورجي يرتب مائدة الطعام على الشرفة حين وصلا الى البيت , فحيّاهما وهو يقوم بعمله , وغاب ستيف في مؤخرة الشرفة , فيما جلست سارة في كرسيها تتمنى فجأة لو أنها رافقت والدها الى أنكلترا.

زهرة منسية 24-07-11 01:32 AM

:rdd12zp1:
بسم الله ماشاءالله عليكى ربنا يحميكى
أنت بجد يـــــا
نيو فراولةجوهرة ليلاس أيه الأبداع ده كله بصراحة أنت أثريتى المنتدى بأهم الرويات وثروة من الروايات القديمة بأرك الله فيكى
:55::Thanx::55::Thanx:

نيو فراولة 24-07-11 01:01 PM

6 -الألم واللذة معا





كانت نهاية الأسبوع هادئة : فبعد يومين من التجول المضني في اللاندروفر قنع دون وديانا وجيل بقضاء الوقت على الشرفة وحول البيت في حالة أستجمام , وما عدا جولة قصيرة يوم الأحد صباحا , لزم ستيف مقر المركز أيضا , كأنما أراد أن يوحي لسارة بالأنزعاج وقررت أن لا سبيل ألى راحة البال ألا برحيل دون وديانا ميلسون.
وهبّت عاصفة مساء الأحد أستمرت الى ما بعد أن تناولوا طعام العشاء , ثم أعقبها نسيم بارد حال دون جلوسهم على الشرفة لتناول القهوة , فتفرقوا هنا وهناك في غرفة الجلوس.
وجلست سارة على السجادة بقرب كرسي تيد , وأسندت ظهرها الى جانب الكرسي وهي تحاول أن لا تلاحظ كم كانت ديانا ملتصقة بستيف في جلوسها قربه على المقعد المزدوج , وكيف كانت أنامل يدها اليسرى تلامس ذراعه بغنج وهي تنحني لتضع بيدها اليمنى فنجان القهوة على الطاولة القريبة من ركبته , وفكرت سارة أن كل شيء تفعله ديانا كان مدروسا ومتعمدا.
منتديات ليلاس
وبدا القلق على جيل بعد أن مرت العاصفة , فأخذت تتنقل من نافذة الى أخرى , وعندما نفد صبرها , وضعت أسطوانة في الفونوغراف ووقفت تتسمع قبل أن تلتفت الى دون بإبتسامة مفاجئة لتقول:
" تعال نرقص , سأجن أذا طال قعودي على هذه الحال!".
فابتسم دون ردا على إبتسامتها , ثم نهض ليلبي طلبها , فسار بها الى وسط الغرفة بقامته المديدة ومظهره الوسيم , وكانت جيل الى جانبه تشع حيوية وفتونا , وهي التي لم تعرف دون معرفة خارجية أكثر من ثلاثة أسابيع.
وحين رأتهما سارة عادت بالذاكرة الى أول ليلة بعد وصول جيل برفقة دون وديانا الى المركز , ففي تلك الليلة قال لها دون أن جيل لا تطيق حياة الهدوء في المركز , وتبيّن لها الآن أنه كان على حق , رمقت ستيف بنظرة خاطفة , فأذا هو أيضا يراقب جيل ودون , من غير أن تبدو على وجهه امارات القلق , مما يدل على أنه لم يكن يرى أي خطر على جيل من معاشرة دون , ولعل ذلك مردّه الى ثقته بحسن تقديرها للأمور , وتساءلت سارة كيف سيعالج ستيف هذا الوضع المستجد , هل سيعامل جيل بشأن علاقتها مع دون كما عاملها هي في صباح يوم أمس؟
وتوقفت الموسيقى فأبتعدت جيل عن دون لتذهب وتضع أسطوانة أخرى , فأسرع دون نحو سارة وأنهضها من مكانها , غير مبال بأحتجاجها , وقادها الى وسط الغرفة وأخذ يراقصها وعيون الجميع شاخصة اليهما , وكم سرّها أن يطرأ عطل على الأسطوانة لتعود فتجلس مكانها , فقالت لها ديانا:
" لا بأس برقصتك كناشئة , وبقليل من التمرين تصبحين راقصة بارعة , ومن الأسف أن تكوني بعيدة جدا عن أي نوع من اللهو والتسلية هنا . ليتك تأيين وتقيمين معنا بعض الوقت فنريك كيف يعيش بقية الناس في هذا العالم".
وخطرت ببالها فكرة فتوقفت عن الكلام , ثم تابعت قائلة لها:
" بل لماذا لا تأتين معنا حين نعود يوم الثلاثاء المقبل ؟ فوالدك سينتهي من عمله هنا ويعود هو الآخر بعد ثلاثة أسابيع , أليس هذا صحيحا؟".
أجابتها سارة بالأيجاب , فقالت ديانا:
" وهكذا تكونين في نيروبي لملاقاته في المطار , والى أن يحين الوقت تصرفين وقتا ممتعا , وأنا متأكدة أن جيل ترحب برفيقة مثلك في البيت لمدة أسبوع أو أسبوعين , الى أن يعود ستيف لأكمال عطلته".
فساد الصمت قليلا , وأحمر وجه جيل , أما ستيف فأنتصب في جلسته وحدّق الى أخته قائلا:
" جيل؟".
فتطلعت ديانا من واحد الى آخر وقالت لجيل:
" ألم تخبري ستيف بعد؟".
فسألها ستيف بصوت حاد النبرة:
" تخبرني ماذا؟".
وألتفت الى جيل قائلا لها:
" كنت أحسب أنك ستبقين هنا أسبوعا أو أسبوعين آخريت يا جيل!".
فأجابته بتردد:
" هكذا كنت أنوي ....ولكنني لم أكن أدرك كم هي الحياة مضجرة مملّة هنا ... سارة أعتادت عليها , وأما أنا فأفقد صوابي أذا أضطررت لقضاء كل نهار وكل ليلة على وتيرة واحدة , يؤسفني ذلك يا ستيف ...... فأنت تعرف كم أحب أن أكون معك".
فأجابها ستيف قائلا:
" ولكن ليس على حساب متعتك الخاصة! على كل حل , لك ما تشائين , أنني أتفهم موقفك ....... كان عليّ أن أفطن الى ذلك من قبل".
ثم نظر الى سارة قائلا:
" وأنت , ما رأيك؟".
ولم تعرف سارة ماذا تجيب , فأذا كان لستيف بعض التحفظ حول علاقتها هي بدون هنا في كامبالا , فأن تحفّظه حول علاقة جيل به يشتد ولا ريب وهو بعيد في نيروبي , وأذا كان دون يلعب لعبة ضرب الواحدة بالأخرى , كما أتضح لسارة تلك الليلة , فوجودها في بيت دون وديانا لا يعزز صداقة جيل لها , ولكن أذا لم تذهب الى هناك فقد يستغل دون ميل جيل الواضح اليه أكثر مما ينبغي , فهي حين رأت جيل تلتمس ألتماسا من دون أن ينتبه الى وجودها , لم تعد متأكدة من أنها كانت مدركة فهمية كما ظنت لأول وهلة.
وفيما يتعلق بدون فأن رأيها فيه تبدّل فجأة حين تعمّد أن يترك جيل واقفة الى جانب الفونوغراف ليراقص فتاة أخرى , فهل كان ستيف على حق في قوله أن دون يحب أن يؤذي؟
منتديات ليلاس
وكان الجميع ينتظرون جواب سارة على سؤال ستيف لها بخصوص ذهابها الى نيروبي , فقالت ببطء:
" لا أملك الثياب الضرورية لزيارة كهذه , ولذلك يؤسفني أن لا ألبّي الدعوة".
فقال لها تيد:
" بأمكانك أن تشتري لك ثيابا هناك , فأنت لم تصرفي شيئا من المال الذي تركه لك ديف في البنك عندما كنت آخر مرة في نيروبي, ثم أن ذهابك الى هناك يتيح لك زيارة كيماني في المستشفى".
وبدا لام تيد مقنعا , فما كان من سارة ألا أن ألتفتت الى ديانا وقبلت دعوتها شاكرة لها حسن ضيافتها , فأعربت ديانا عن سرورها وقالت لها:
" عليك أن تسمحي لي بأن أريك أجمل مخازن الثياب في نيروبي , فتشتري ما يلزمك هناك وهنا كذلك".
ثم نظرت الى ستيف بدلال وقالت موجهة الكلام اليه:
" نأمل أن نراك أنت أيضا في المدينة بعد ثلاثة أسابيع".
فأجابها قائلا:
" سأكون هناك".
وما أن أطل الأثنين حتى كانت سارة ندمت على قبولها الدعوة , غير أن ندمها جاء متأخرا .
أيكون سبب ندمها أسفها لفراق ستيف أكثر من أسفها لمغادرة كامبالا ولو الى حين؟
كانت علاقتهما قصيرة تتصف بالهيجان وأحيانا بأثارة الغضب , ولكن حياتها تغيرت منذ قدومه مع أنه لا يزال ينظر اليها نظرته الى فتاة مرتهقة مزعجة , فالمرأة التي يريدها هي ديانا..... ديانا التي يريدها كل رجل.
وكانت سارة لا تزال مستيقظة في الساعة الثالثة ليلا , عندما سمعت باب ستيف ينفتح وينغلق بهدوء , ومن دون أي تفكير أنسلت من فراشها وفتحت باب غرفتها ووقفت تصغي , فأذا بها تسمع صوتا آتيا من غرفة الجلوس على الرغم من أنها كانت مظلمة , فتقدمت نحو الغرفة بهدوء وفتحت الباب على مهل , ولما لم تبصر أحدا دخلت فسمعت ستيف يقول لها:
" أمستيقظة أنت أم نائمة؟".
وكان ستيف جالسا في كرسيّه بعيدا عن الباب , وشعرت سارة أنه كان يتوقع مجيئها ولذلك جلس هناك ينتظرها , وسرّها وجود العتمة في تلك اللحظة , فلا هي أستطاعت أن تراه بوضوح ولا هو كذلك .
فقالت له:
" سمعت صوتا ولم أعلم أنه صوتك".

نيو فراولة 24-07-11 01:03 PM

فقال لها:
" صوت من كنت تتمنين سماعه؟".
فترددت قليلا قبل أن تجيب قائلة:
" من عادة تيد أن يتجول في مثل هذه الساعة".
فقال ستيف:
" هو الآخر أيضا؟ يبدو أننا جميعا مصابون بالأرق ....... وعلى كل حال فخير لك أن تلبسي شملة من نوع ما أذا كنت تنوين التجول في الليالي أثناء أقامتك مع دون وديانا.... وإلا كنت عرضة للزكام".
فقالت:
" أعذرني أذا كنت أزعجتك".
وتعمّد ستيف أثارتها فقال:
" لم تفعلي شيئا ألا لأزعاجي منذ جئت الى هنا ...... والآن هل تتشوقين للسفر غدا الى نيروبي؟".
" لماذا لا ؟ خصوصا أذا كان سفري يوفّر عليك الأنزعاج !".
" لكننا سنلتقي ثانية ..... وحينذاك أرجو أن تكوني أقلعت عن كرهك الشديد لي!".
" من قال أنني أكرهك ؟ أنا لا أكرهك على الأطلاق.......".
" بلى , كان كرهك لي واضحا من تصرفاتك نحوي".
" أذا كان الأمر كذلك فأنت الذي حرضتني........".
تأمّلها ستيف قليلا ثم لاحت على شفتيه أبتسامة وهو يقول لها:
" أهكذا تظنين؟ قد تكونين على حق , فيك شيء يحرّض أي أنسان على أثبات شخصيته , فأنت تسرفين في أستقلاليتك , ولو تعلمت أن تعتمدي قليلا على الآخرين لتلت الكثير مما تتوقين اليه".
قالت له سارة:
" فات أوان الأعتماد عليك مع الأسف!".
فأجابها بشيء من العطف:
" كلا , لم يفت الأوان.......".
ثم أضاف بعد قليل من الصمت:
" أود أن تعاهديني على شيء يا سارة".
فقالت له:
" ما هو ؟".
" أن لا تدعي دون يقف بينك وبين جيل .... كانت العلاقة بينكما طيبة الى ليلة الأحد...... ولا أظن أن دون يستحق الأهتمام بهذا المقدار".
" هل أخبرت جيل بذلك أيضا؟".
" لا فائدة من أن أخبر جيل بأي شيء الآن , فهي مفتونة به ولا أظنها تقبل سماع أي كلام ضده".
وأسند ستيف ذراعيه على ركبتيه وقال لها:
" أنا بحاجة الى مساعدتك يا سارة".
فلزمت سارة الصمت طويلا ثم قالت:
" أنت تريدني أن أحاول أقناع جيل بأن دون لا خير فيه , فأعامله بأزدراء...".
فقال لها ستيف:
" نعم , شيء كهذا".
" لماذا لا تقول له أنت أن يتركها وشأنها ؟ أو ........ وهذا أسهل...... لم لا ترسلها الى مومباسا حيث لا يمكنه الوصول اليها؟".
" لأن الطريقتين غير نافعتين , أريد جيل أن تقتنع هي بنفسها أن دون ليس كما هو في الظاهر وبذلك تبتعد عنه".
" ولكن لنفترض أنه مغرم بها حقا , وهي كذلك , فهل تظل غير راض عنه؟".
" نعم , لأن الفرق في السن بينهما كبير ,وهذا سبب مهم".
" أنا لا أرى لهذا الفرق علاقة بالأمر".
" كيف تقولين أن لا علاقة له بالأمر ؟ على كل حال , فهذا الموضوع ليس واردا , كفاك مراوغة يا سارة ! فأنت ليلة الأحد أدركت من هو دون على حقيقته وفي مقدورك أن تفتحي عيني جيل على هذه الحقيقة".
أجابته سارة في آخر الأمر:
" سأحاول جهدي , لا تلمني أذا أخفقت فجيل تشبهك كثيرا , أنها لا تتقبل مداخلتي في شؤونها!".
فلاح الغضب على وجه ستسف وقال:
" ما هذا الكلام ؟ آه تعرفين كم تساهلت معك في الأسابيع الأخيرة!".
فقالت له بعصبية ظاهرة:
" أن كنت على قدر من النضج يخولني القيام بما أوكلت الي , فبالأحرى أن أكون أيضا على قدر من النضج يجعلك تعتبرني بلغت سن الرشد.... كفاك معاملتي كأنني فتاة قاصرة!".
ومالت متجهة نحو الباب فصدمت قصبة رجلها بحافة المقعد وصرخت من الألم.
أسرع اليها ستيف وحملها بذراعيه الى أحد الكراسي , ثم ركع أمامها وأخذ يفرك مكان الوجع برفق وبعد حين مال الى الوراء وأخذ يتأملها بأبتسامة باهتة وقال:
" هل خفّ الألم".
وكانت تشعر بالألم واللذة معا حين رأته راكعا أمامها بوداعة ولطف , حتى أنها كادت تمد يدها وتضع أناملها على شفتيه.
وقالت:
" الأفضل أن أعود الى فراشي..... فغدا سيكون يوما متعبا ".
فقال ستيف:
" فكرة جيدة ... ولا تنسي ما دار بيننا الآن من حديث ".
فوعدته خيرا وتمنّت له ليلة سعيدة......

رشا.م 24-07-11 01:42 PM

امتى حتكمل يا جميل
تسلم ايديك واتمنى انها تكمل عن قريب:liilas::55:

نيو فراولة 24-07-11 03:24 PM

7- حب في المزرعة






كانت مزرعة آل ميلسون تبعد عن نيروبي مسافة عشرة أميال وتقع على سفح تلال نكوك , وكان المنزل على الطراز الأسباني في البناء ويثير الأعجاب.
ومن كان كسارة معتادا على المنزل المتواضع الذي تقيم به في كامبالا لا بد أن يجد ذلك المنزل رائعا بأثاثه ورياشه الفاخر وأرضه المفروشة بالبلاط النفيس , وكان واضحا أن آل ميلسون لم يكونوا يعتمدونفقط على دخل مزرعتهم , وألا فكيف كان في وسعهم أن ينفقوا على رحلات النزهة والأستجمام كالتي قاموا بها الى كامبالا؟
وتعرفت سارة الى باري سيمور مدير أعمال دون , الذي أوكل اليه المزرعة طوال الأسبوع الأخير , فلاحظت في الحال كيف كان يتبع حركات جيل وسكناتها على غير أنتباه منها.
وكانت نيروبي تغص بالسياح , والشارع الرئيسي الواسع يضيق بالسيارات , وأشترت سارة بمشورة ديانا فساتين من الكتان للأستعمال اليومي , وفستانا رابعا طويلا ملونا بظلال من الأزرق له فتحة عنق مقوّرة وأكمام أعتبرتها ديانا ضرورية أذا ما خطر للجماعة أن يزوروا نادي الريف في أثناء وجودها بينهم , وكان لدى سارة فضلا عما أشترته عدة سراويل في حالة ممتازة , مما جعلها تمتنع عن أنفاق المزيد من المال على ثياب قد لا تحتاج اليها بعد رجوعها الى كامبالا.
منتديات ليلاس
وتمكنت سارة من عيادة كيماني في المستشفى , فوجدته مستسلما للبقاء هناك مرغما لمدة أسبوع أو أسبوعين , فالكسر في ساقه لم يكن من السهل تطبيبه , حتى أنه شك في تمكنه من العودة الى مارا في الغد المنظور ,وتركته سارة بعد أن وعدته وعدا قاطعا أنها ستعود مرة ثانية في المستشفى قبل رجوعها.
وكانت جيل هي التي أقترحت على سارة أن تغير زينة شعرها , وقالت أن له لونا غير عادي فحرام أن لا يعطى له الشكل اللائق به ما دامت الفرصة سانحة , فقبلت سارة هذا الأقتراح بالروح الودية التي قدمته جيل بها , ورافقتها الى المزين , وحين خرجت بعد ساعة كان لشعرها شكل جديد أحدث تغييرا في تكوين هيئة وجهها , مما أثار أعجاب دون حين رأها , وقال لها:
" هذا مثال على ما يمكن أن يفعله قليل من التجميل.... والآن صار علينا أن نهيء ليلة ساهرة".
فقالت له أخته:
"ما رأيك في سهرة بالنادي؟ زارته جيل مرة فشعرت أن جوّه ودّي للغاية , وبأمكانك أن ترافق جيل وسارة , فيما أنا أبقى هنا في نهاية الأسبوع لتصريف بعض الأعمال".
فسارعت سارة الى القول:
" لماذا لا نطلب من باري أن يكون رابعنا؟".
ففوجىء دون بهذا الأقتراح وصاح:
" باري؟".
قالت له ديانا :
" نعم , باري , ولماذا لا ؟".
ورمقته بنظرة ساخرة وأضافت :
" أنه يحمل عنك ثقل فتاتين!".
فقال دون :
" لا مانع عندي..... سأدعوه اليوم بعد الظهر , ألا أذا شاءت جيل أن تدعوه عني".
فأجابت جيل:
" هذا ليس من شأني.......".
وأرتجفت نبرة صوتها قليلا , ثم تابعت قائلة:
" سأستريح قليلا قبل الغداء...... كان الحر شديدا في السيارة ".
وساد الصمت بعد أن غادرت جيل الغرفة , وكانت ديانا أول من تفوهت بكلمة , فقالت:
" وأنا أيضا عندي ما أعمله".
وخرجت تاركة سارة ودون وحدهما .
فقال لها دون:
" لماذا باري؟".
فنظرت اليه سارة وجها الى وجه وقالت:
" ولماذا لا ؟ لا أحسب ألا أنه رجل حلو المعشر".
قال دون:
" أنه معجب بجيل".
وحين قالت سارة أن لها علما بالأمر أبتسم دون وفاجأها بالقول:
" يا لك من فتاة ماهرة في تقريب القلوب وجمع العشاق..... ما الذي حملك على الأعتقاد أن عملك هذا يغيّر شعور جيل نحوي؟".
فبادرته الى القول:
" من يدري؟ قد يميز الفرق بينك وبينه ... باري , على الأقل, لا يحاول أن يضحك عليها!".
فأجابها والأهتمام باد على وجهه:
" وهل أنا أضحك عليها ؟ يبدو لي أنك تراقبين الأمور عن كثب , أهذا هو كل ما توصلت الى معرفته؟".
فقالت له:
" لم أتوصل الى معرفة شيء عنك لا تعرفه أنت نفسك , فأنت تشجع جيل على الوقوع في غرامك لتشبع ذاتك المتعطشة الى العظمة , ثم تضجر منها حين تبدأ بأظهار عاطفتها نحوك".
" هل هذا رأيك أم رأيها؟".
" رأيي طبعا , جيل لم تحدثني عنك ولا مرة ...... ألا حين أخبرتني أنك كنت متزوجا ".
" أذن يجب أن تحصلي على الوقائع كما هي , جيل فتاة حسناء , وكم سرّني أن أكون برفقتها طيلة الأسابيع التي كان ستيف غائبا فيها عن نيروبي , على أنني لم أوفر لها أي سبب للظن بأنني قد آخذها على محمل الجد!".
v " ألم تغازلها؟".
" طبعا , وقد توقعت ذلك , بل طلبته ...... أسوة بفتاة أخرى يمكنني ذكر أسمها!".
فأحمرّ وجه سارة حياء وقالت:
" هنالك فرق بين حالي وحالها!".
قال دون بدهاء:
"هذا صحيح , فأنت كنت تستعملينني لأثارة غيرة ستيف , أتظنين أنني لم ألاحظ ذلك ؟ والآن لا أعلم أين بلغت علاقتكما قبل أن نذهب الى كامبالا ونكون سببا في قطعها , غير أنني أدركت منذ البداية عاطفتك نحوه , وكما أستعملتني , فكذلك أستعملتك , فحسبت أنني أذا أظهرت ميلا اليك , فقد تميل اليّ جيل , لكن المشكلة أنني وجدت نفسي أغرق شيئا فشيئا في حبك ... فأنت فتاة رائعة يا سارة!".

نيو فراولة 24-07-11 03:26 PM

أوقعها كلامه في حيرة , فلم تعرف أذا كانت تصدقه أم لا , على أنها شعرت أن كل ما قاله كان ينضج بالصدق وأنما رأي ستيف فيه هو الذي جعلها تغيّر رأيها الأصلي وتتخوّف مقاصده ونواياه.
فسألت دون:
" وماذا تفعل الآن؟".
أجابها:
" الأمر لك , أما رأيي أنا , فهو أن تستمري على ما أنت عليه ".
فنظرت اليه نظرة حائرة وقالت:
" هل تعني بذلك أن نتظاهر بالحب حتى تتركك جيل وشأنك؟".
" نعم , ولكن لن يكون هذا فيما يخصني تظاهرا , فأنا أريدك حقا , ولكن لا تقلقي , فأنا لن أستغل الفرصة لصالحي".
وأدركت أن هذا الحل يناقض ما طلبه ستيف منها , وهو أن لا تجعل دون يقف بينها وبين جيل , فقالت لدون:
" لا أريد أن أخاصم جيل".
" لا أظن أن ذلك سيحدث ..... جيل فتاة طيبة القلب , وهي لن تنقم عليك لأنني مغرم بك , قد ينجرح شعورها في البدء , ولكن ذلك لن يدوم طويلا , فهي كانت مستعدة للوقوع في غرام أحد ما حين وصلت الى هنا , وصادف أنني كنت هذا الواحد".
فنظرت اليه سارة متسائلة وقالت:
" هل أنت تحاول أن تقول لي شيئا؟".
" ما أريد أن أقوله لك هو أن عاطفتك نحو ستيف هي على الأرجح مثل عاطفة جيل نحوي , ويا ليتني أعرف كيف يعالج ستيف أمره معك , وعلى كل حال , أنت الآن بعيدة عنه , والفرصة سانحة لك للتغلب بسرعة على عاطفتك نحوه , خصوصا بعد أن أدركت كيف تطورت العلاقة بينه وبين ديانا".
وفكرت سارة أن دون يصدقها أذا أنكرت وجود أية علاقة حب بينها وبين ستيف , ولكن ذلك لا يغير شيئا في الوضع كما هو , فهو على حق في قوله أن في البعد جفاء , وقالت له:
" يخيل ألي أنك شجعت جيل على الوقوع في غرامك أكثر مما أعترفت أنك فعلت .... ولكن لا معنى لهذا الآن ..... هل ستخبر ديانا بما أتفقنا عليه؟".
فقال لها:
" ما الفائدة . فهي لا تهتم ألا بأمورها الخاصة , والأفضل أن يبقى أتفاقنا سرا بيننا".
ورأت سارة أن بقاءه سرا بينهما هو لصالح دون , وشعرت أنها ستندم يوما ما على قبولها بذلك , ولكنها لم تستطع أن تعرف لماذا.
وكان الأسبوع التالي مليئا بالسهرات والحفلات , ولما لم تكن سارة معتادة على حياة كهذه فقد وجدت نفسها مرهقة لكثرة ما قابلت من الناس وحضرت من مآدب وولائم , ولكنها في الوقت نفسه تمتعت بذلك كله لأنه صرف تفكيرها عن الأمور الأخرى , وسرّها أن ترى جيل تميل أكثر فأكثر الى باري كلما أدركت أنها لن تستطيع الفوز بدون , وكانت تخفي ألمها بأفتعال المرح والسرور , فلا ينكشف ألا حين لم يكن يراقبها أحد...... وكانت سارة تشفق عليها لأنها وقعت في غرام رجل رأت فيه مثال الرجولة الكاملة , فأذا به لا يعدو كونه تمثالا من طين.
أما فيما يتعلّق بها فأن دون تصرف بلياقة أدهشتها وأزعجتها في الوقت نفسه , لأنه كان تصرفا غير أعتيادي أقرّ بميل متزايد نحوها . كانا يذهبان معا الى كل مكان , مع جيل وباري أحيانا , ووحدهما أغلب الأحيان , فلم يحاول مرة واحدة أن يغازلها....
ومع أن سارة لم تكن تريد أن يغازلها , ألا أنها شعرت بحاجة الى معرفة شعوره نحوها , هل هو لا يزال يجدها جذابة وفاتنة وحلوة المعشر ؟ وأقرّت سارة لنفسها بخجل وحياء أنها لهذا السبب أشترت ثوبا جديدا , وأظهر الثوب مفاتنها , أذ كشف كتفيها وجعل خصرها نحيلا تحت نسيجه الحريري الناعم ولونه العنبري الغامق , وتمنت أن يراها ستيف وهي ترتديه , فلا يعود يعتبرها فتاة صغيرة كما تعوّد أن يفعل......
وأعتذرت ديانا , مرة أخرى عن الذهاب الى النادي في نهاية ذلك الأسبوع ,فأزدحم الأربعة في سيارة دون وساروا الى هناك , وكانت سارة قد ألتقت معظم أعضاء النادي وأعتادت على جوّه , حين أتجهت هذه المرة نحو مائدة الطعام يرافقها دون ويتبعهما باري وجيل , وكانت سارة تشعر أن ثوبها يحظى بأعجاب الرجال والنساء جميعا , مما بعث فيها الثقة بالنفس......
وحان وقت الرقص , فدعاها دون الى الحلبة ثم قال لها:
" هل أنت سعيدة؟".
" جدا , كلهم هنا لطافة وظرف".
" بمن فيهم أنا؟".
فنظرت اليه من تحت جفونها وقالت:
" طبعا".
قال لها دون:
" أذن حان لي أن أغيّر الصورة التي لك عني , فحين تقول فتاة لرجل وجها لوجه أنه لطيف ظريف , فهذا أمر خطير!".
سألته قائلة:
" هل أنا جميلة؟".
" أنت دائما جميلة , وأما الآن فأنت أكثر جمالا!".
" لماذا؟".
" لأنك أصبحت تدركين أمكاناتك , فتغيرت كثيرا في الأسبوعين الأخيرين يا سارة , ولا أريد أن أدّعي أن لي فضلا على هذا التغير".
فأبتسمت أبتسامة مثيرة وقالت:
" ليس هذا أدّعاء منك , بل هو الحقيقة , فلولاك ولولا ديانا , لكنت الآن في كامبالا........".
فقال لها دون:
" دعينا الآن نخرج الى الشرفة".
سارت الى جانبه من غير تردد وهي تشعر كأنها تسير على غيمة , كن الطقس باردا في الخارج , فأخذت ترتجف قليلا حين وقفا معا ينظران الى أضواء المدينة المنتشرة في الأرجاء , وجذبها دون نحوه , وضمّها بين ذراعيه وقال:
" لم أعد أطيق الصبر".
وأستولى على سارة شيء من البرودة والهدوء , على الرغم منها , فقد كانت تريد أن تقع في غرام دون كما وقعت في غرام ستيف , أي على نحو مثير وموجع حقا , ولكن ماذا تعرف عن الحب ؟ هل يكون كما خبرته حتى الآن , وهو أن تعجب برجل ثم تنعم برفقته ومغازلته , وفي آخر الأمر تسرف في حبه حتى الرغبة الجامحة في أمتلاكه؟ فأذا كان الأمر كذلك فما شعرت به نحو ستيف لم يكن حبا , بل شعور فتاة مرتهقة عادية , والدليل هو أنها تغلبت على شعورها هذا بسهولة وسرعة.
ولما طال شرود ذهنها صاح بها دون :
" ما هذا؟ هل تشعرين نحوي بخيبة أمل؟".
فأجابت مبتسمة:
" كلا , كيف يمكن لفتاة أن يخيب أملها فيك يا دون؟ فأنت الرجل الذي تحلم به كل فتاة!".
فرمقها بنظرة غير أعتيادية وقال:
" أتسخرين بي؟".
أجابته قائلة :
" كلا , وأنا أريد أن أسألك عما تهدف اليه يا دون؟".

نيو فراولة 24-07-11 03:28 PM

وكانت يده حارة على كتفيها وهو ينحني ليلامس شعرها , فقال:
" هو في الزواج بك يا سارة, ولكن ليس الآن , فأنا غير متأكد أنني صرت قادرا على الوثوق بأمرأة مرة ثانية , ولذلك فخير لنا أن نترك الأمور كما هي عليه الآن , حتى أشعار آخر , ألا توافقين؟".
فأجابت سارة:
" نعم , وأشكرك على صدقك , وفي ظني أن التأجيل في صالحنا معا".
" أذن , أتفقنا".
قالت سارة :
" والدي سيعود من أنكلترا بعد نحو أسبوع , وعلي أن أعود معه الى كامبالا".
فأجابها دون:
" سنتحدث عن ذلك في حينه , فكثير من الأمور تحدث في أسبوع , لا تنسي , أنك تغلبت على عاطفتك نحو ستيف في أقل من هذه المدة".
صمتت قليلا ثم أضافت:
" نعم , ولكن أريد أن تعرف أنه لم يكن بيني وبين ستيف أي حب ...... ألا من جهته هو ".
" ألم يغازلك مرة؟".
" نعم , ولكن.........".
" أذن لم يكن الأمر من جهته هو وحده ....... لا ألومه , فأنا لم أستطع أن أقاوم مغازلتك ".
وطوّقها دون بذراعه وقال:
" أنت ترتجفين من البرد , فهيا بنا الآن الى الداخل".
ودخلا الغرفة فأذا بهما وجها لوجه أمام رجل مديد القامة يرتدي سترة بيضاء , وعلى وجهه أمارات القساوة , وشعرت بدون الى جانبها يتصلب ثم يتراخى , وسمعت صوته يقول:
" يا لها من مفاجأة يا ستيف , لم نكن نتوقع مجيئك ألا بعد أسبوع ".
فقال ستيف بلهجة جافة:
" بروس مادن قرّر أعفائي من العمل , فهو يظن أن الطقس هناك يفيد صحته بعد الحادث الذي تعرض له".
" ومتى جئت؟".
فأجابت عنه ديانا قائلة:
" منذ نحو ساعة ...... ثم عزمنا أن نحضر السهرة هنا , فهذه أول فرصة تتاح لستيف ليرى شيئا من حياة المدينة بعد أسابيع من الأنقطاع.......".
فقال لها دون:
" كنت تعتبرين هذا المكان باردا كالقبر, فماذا غيّر رأيك بهذه السرعة؟".
أجابته قائلة:
" الناس هم الذين يصنعون المكان يا عزيزي".
ومالت نحو ستيف وتابعت قائلة:
" كنا نتساءل أين ذهبت أنت وسارة!".
فقالت سارة:
" خرجنا الى الشرفة للترويح عن النفس قليلا .....".
قال لها ستيف:
" بدون شملة على كتفيك المكشوفتين؟".
وألتفت الى دون قائلا:
" كان عليك أن تنبهها يا دون!".
فأجابه دون:
" الحق معك.... لم أفطن الى ذلك ألا منذ حين".
ونظر الى سارة وقال لها:
" ما رأيك بفنجان من الشاي الساخن يا عزيزتي؟".
فأجابته قائلة:
" فكرة جيدة , هيا نحتفي كلنا بمجيء ستيف الى العالم المتمدن!".
وأزدحموا هم الستة حول مائدة واحدة وأخذوا يتحدثون , وكان ستيف ينظر الى سارة نظرات لا تخلو من المعاني , فتضايقت من ذلك , وحين أقترح على الجميع النزول الى حلبة الرقص , رحبت بالفكرة وهي تعلم ما كان ينتظرها حين ينفرد بها وحده.
وقال لها ستيف وهو يراقصها:
" يا لك من فتاة عجيبة! أتتحولين من فرخ بطة الى أوزّة في أسبوع......؟".
فتمتمت سارة قائلة:
" هي عشرة أيام بالضبط".
وشعرت بأصابعه تغرز في ظهرها.
وقال لها ستيف:
" لا تبالغي في أستفزازي ...... وما أشعر به الآن يدفعني الى القيام نحوك بعمل عنيف!".
فأبتسمت ببراءة وقالت:
" وهل يروق لي ذلك؟".
وأدرك ستيف أنها تتحداه فقال غاضبا:
" كفى..... ربما تعلمت الكثير في أثناء أقامتك مع آل ميلسون , لكن هذا الثوب الذي ترتدينه لا يجعلك بمأمن من التأديب !".
فواصلت تحديها له غير مبالية بشيء قالت:
" لعل تأديبك لي الآن يكون مشهدا أستعراضيا رائعا في حلبة الرقص هذه........".

وتوقفت الموسيقى , فأمسكها ستيف من كتفيها بشدة ودفعها أمامه وسط بقية الراقصين بأتجاه البهو , ومن هناك الى الباب الذي دخلت منه مع دون منذ حين, وكانت الشرفة خالية , فأغلق ستيف الباب وراءه ونظر الى سارة وقال:
" الآن في وسعك أن تمزحي!".
وفكرت سارة , وهي تتذكر آخر مرة عاملها هكذا , أنها لم تكن يوما أقل ميلا الى المزاح منها اليوم...... لم تكن خائفة منه , ولكنها لم تستطع أن تحدد نوع الشعور الذي كان يختلج في صدرها تلك اللحظة , كا ما كانت تعرفه هو أن لا شيء تبدّل منذ رأته لآخر مرة , وأنه لا يزال ينظر اليها نظرته الى فتاة مراهقة يستطيع أن يستبد بها ساعة يحلو له.
وقالت له ببرودة:
" أنا لا أزال بغير شملة على كتفي!".
فنزع سترته وألقاها على كتفيها , ثم أجبرها على النظر اليه وقال:
" أخبريني .... ماذا بينك وبين دون؟".
" لماذا لا توجه اليه هذا السؤال؟".
" أريد أن أوجهه اليك أنت!".
" هل تصدقني أذا قلت لك أن لا شيء بيننا على الأطلاق؟".
" كيف لي ذلك؟".
" أذن لن أقول لك شيئا .... ولكن مهما يكن هذا الذي بيني وبين دون , فهو من شأننا نحن الأثنين.....".
" ليس عندما يكون للأمر صلة بجيل . هل يسرّك أن تريها كيف تنتزعين دون بسهولة منها؟".
" كلا , لا يسرني ذلك على الأطلاق... ولكن ماذا أقدر أن أفعل أذا كان دون يفضلني على أختك؟".
" تقدرين أن تفعلي شيئا مهما , وهو أن لا تشجعيه على التعلّق بك!".
" يمكنك أن تحكم على الظاهر , ولكنك بعيد كل البعد عن معرفة الحقيقة الخفية... فهل يخطر ببالك للحظة أنني ربما أكون مغرمة بدون!".
وساد الصمت طويلا قبل أن يجيب ستيف على كلامها هذا , وحين أجابها كان في صوته نبرة غير أعتيادية , قال:
" كلا , لا يمكن أن يخطر ذلك ببالي , وكذلك لا يخطر ببالي أنك أصبحت تعرفين ما هو الحب , أنت في الواقع تمرين مع دون بالتجربة ذاتها التي مررت بها معي !".
فحدقت اليه وصاحت:
" معك أنت؟".
فأبتسم أبتسامة جافة وأجاب:
" نعم , معي , فأنا أول رجل , عدا مستخدمي المركز , ألتقيته منذ مايزيد عن سنة , وقبل ذلك كنت بدأت تشعرين بالحاجة الى أكثر مما يمكن للمركز أن يوفّره لك .. وكم راقك أن تشاكسيني يا سارة , بل كم كان يروق لك أن تخسري الى حد ما في مشاكستك لي , وما ذلك ألا لأنني أمثّل لك الشيء الوحيد الذي تفتقرين اليه في علاقتك بوالدك وتيد , وهو الأثارة الحسية..... ولا غرابة في ذلك ولا عار , وأنما يجب أن لا تعتبري الأثارة والحب شيئا واحدا!".
منتديات ليلاس
وأدركت سارة أنها تقاوم الآن لأنقاذ كبريائها أو ما تبقى منها , فقالت:
" أنا لا أعتبرها كذلك ....... أنت تقول أنني مغرمة بدون لا لشيء ألا لأنه أمتداد لما أجده فيك... قد يكون هذا صحيحا , ألا أنني تغيّرت كثيرا في شعوري نحوك منذ ذلك الحين , فلدوم فضيلة ليست من فضائلك , وهي النزاهة , فهو لم يغازلني مرة رغم أرادتي!".
فبدرها ستيف الى القول حانقا:
" ولا أنا فعلت ذلك رغم أرادتك... بل أنت التي دفعتني اليه بتصرفاتك".
وأمسك ستيف يدها التي رفعتها دون عمد , وضمّها بين يديه وقال:
" هذا شيء بسيط لا يستحق كل هذا الأهتمام , كل ما أردته هو أن أجعلك تدركين أن مبادئي اللقية خاصة بي , سواء أعجبك ذلك أم لا".
وأفلتت منه وهي ترتجف , ثم قالت:
" شيء واحد أدركته تماما , وهو أنك أكثر تكبرا وعجرفة من أي أنسان عرفته في حياتي".
وصاحت في وجهه قائلة:
" دون يساوي ثلاثة رجال من أمثالك!".
فأنتفض غاضبا وقال:
" هل هو هكذا حقا؟ أذن , لا شيء لي أخسره!".
وأمسكها بيدين قاسيتين وضمّها الى صدره طوي , وحين أفلتها بادرته بالقول:
" أنني أكرهك!".
وصمت ستيف قبل أن يجيب قائلا:
" يوما من الأيام ستجبرينني على جرح شعورك كثيرا يا سارة , وعندئذ ستكون الخسارة عليك وعليّ معا... تحملت منك فوق طاقتي , وأذا كان دون هو الذي تريدينه , فبارك الله لك فيه".
وألتقط سترته التي كانت وقعت على الأرض وقال لها:
" لندخل!".
وكان الآخرون لا يزالون في صالون النادي , فرمقتهما ديانا بنظرة أستياء فيما لم يظهر من سواها أية بادرة.
وتمكنت سارة من قضاء السهرة بسلام , فرقصت مرة مع دون , ومرة أخرى مع باري , وتجنبت حتى تبادل النظرات مع ستيف , وكان ستيف أكتفى بتسجيل موقفه منها , وهذا كل ما كان يبالي به في ذلك الحين , وبذلت سارة هي الأخرى جهدا للتظاهر بأن الأمر لم يعد يعنيها , فكانت تمرح وتقهقه كأن لا شيء يقلقها على الأطلاق , على أنها حين آوت الى فراشها وأخذت تفكر في نفسها أقرت بأن ستيف كان على حق في شيء واحد , وهو أنا لم تكن تعرف ما هو الحب , وهي الآن بدأت تتعلمه بألم ما بعده ألم.....

نيو فراولة 24-07-11 03:30 PM

ومرت نهاية الأسبوع من غير حادث يذكر , كانت سارة تأمل بتسلّم رسالة من والدها يوم الأثنين , ولكن بريد ذلك اليوم كان خاليا ألا من بضعة أسطر بعث بها تيد مع طائرة الصباح العائدة من كامبالا.
وفي تلك الأسطر قال لها تيد أن كل شيء هادىء في المركز بعد أن غادرته , وأن كيكي وميمي كليهما يظهران دلائل الحزن لفراقها , وأن بروس مادن تعافى من مرضه وقبل شاكرا قضاء أسبوع في كامبالا قبل أن يذهب الى مورشيسون فولز لتسلم منصبه الجديد هناك , وتمنى تيد عل سارة أن تخبر ستيف بأن أحد الحراس قبض على زمرة أخرى من اللصوص , وبذلك قوي الأحتمال بأكتشاف منظمي أعمال التسلل والأعتداء..
وتسلّم ستيف الخبر بأهتمام بالغ , وأعرب عن أمله بأن مثل هذه اورسائل المناقضة للقانون سيقضى عليها عاجلا أم آجلا , فلا يعود أحد يعتدي على الأراضي الخاصة بصيد الحيوانات في كامبالا أو سواها , وعجبت سارة وهي تتسمع اليه كيف أن رجلا كهذا غارقالى أذنيه في أعمال دائرة صيد الحيوانات يفكر , ولو للحظة , أن يعيقها ويختار طريقة الحياة التي كان يتبعها دون وديانا ميلسون.......
وأصطحب دون سارة الى نوهة في السيارة ذلك المساء , فأتجها غربا في طريق يقع بين المزارع وبين حقول مقاطعة كيكيو التي كانت تعج بقوافل الرجال والنساء والأطفال والمواشي , وكان ذلك الطريق ذاته يقود الى كامبالا على بعد مئة وتسعين ميلا , وهو الذي سلكته سارة منذ ثلاث سنوات حين رافقت والدها برّا الى المركز هناك , ولعلهما سيعودان من هذا الطريق حين رجوعه من أنكلترا بعد نحو أسبوع , فمن الممتع حقا أن تذكر ما أثارته فيها تلك الأنحاء من مشاعر وهي بعد في السادسة عشرة من عمرها.
وسألت سارة دون :
" لماذا أخترت الزراعة يا دون؟".
فأجابها دون وهما يمرّان بقطيع من الماعز:
" لم أخترها , كان في وصية والدي شرط , وهو أن نتابع العمل في المزرعة , وأن يعيش هناك واحد منا على الأقل مدة لا تقل عن تسعة أشهر في السنة".
" وأذن فلا يتغير شيء إن رحلت ديانا لتسكن في مكان آخر , فيما أذا تزوجت أنت".
" كلا , هل يزعجك أنني تزوجت مرة؟".
" لا , لا , أبدا , ولكنني أتساءل أحيانا أي نوع من النساء هي".
" سمراء , صغيرة وسمراء وشديدة الحيوية , كانت في العشرين , وكنت أنا في الرابعة والعشرين حين ألتقينا , ثم بعد سنة من زواجنا أفترقنا".
" أظن أنها كانت تفضّل الحياة الصاخبة في تلك السن".
" نعم ...... وكانت أيضا محبوبة من الجميع , ولكن المشكلة أنها كانت تغار من ديانا حتى الموت , فلم تكن تطيق أن تراها تحظى بالأهتمام في المجالس , والرجل الذي تركتني لأجله تحسبه ديانا ثريب الشبه بها , وكثيرا ما أتساءل أذا كانت تزوجته لأنها بالفعل تحبّه , أو لأنها أرادت أن تبرهن لنفسها أنها قادرة على أنتزاعه من ديانا".
" وأين هي الآن؟".
" حين تمّ طلاقنا كانت تقيم في كامبالا".
وأسرع دون قليلا في قيادة السيارة عندما خلا الطريق , وتابع كلامه قائلا ببطء:
" ومهما يكن من أمر , فأنا لا أزال أنكر تشجيعي لجيل على الوقوع في غرامي , فهي تشله زوجتي السابقة من بعض النواحي , ولكنني تغلّبت على أعجابي بها منذ أمد طويل.....".
فذكّرته سارة بقوله أنه لن يثق بأمرأة بعد تلك التجربة التي عاناها مع زوجته , فقال:
" نعم , قلت ذلك يوما , ولكنني كدت أقنع نفسي بأنني قد أعود فأثق بالمرأة , الى أن لمحت وجهك حين وقعت على ستيف فجأة بعد عودته ليلة السبت , كنت على خطأ في رأيي بعلاقتكما ...... فأنت مغرمة به يا سارة!".
فأحمرت وجنتاها وصاحت:
" كلا!".
قال لها:
" على الأقل أمتدحيني على أنني صادق في ما أقول وأفعل..... لا تخافي , فأنا لم أغرق في حبك بعد الى حد يجعلني أتألم فوق طاقتي".
فلزمت سارة االصمت طويلا ثم قالت:
" نعم , هذا صحيح , ولم أدرك أنني أحبّه الى أن رأيته ثانية".
فقال لها:
" كنت تدركين ذلك ولكنك كنت تتهربّين , فلو كنا نحصل على ما نريد لكنا جميعا في النعيم ....... وأسمحي لي أن أطمئنك بأن ديانا لن تحصل على ستيف".
فقالت سارة:
" لن تحصل عليه؟".
" نعم وجاء وقت كنت أظن أنها مستعدة لتتحمل أي شيء لتصبح زوجة ستيف يورك , ولكنني بعد أن رأيت ردة فعلها على طريقة حياته صرت أعتقد أنه هو الذي يجب أن يقدم كثيرا من التنازلات ليحصل عليها".
" ولكنه يفكر بشراء المزرعة التي في جواركم , ولا بد ......".
" جيل هي التي تفكر في ذلك , لأنها تريد منه أن يستقر في مكان ما , وأنا شخصيا لا أظن أن هذا المشروع سيخرج الى حيز الوجود , فستيف ليس من النوع الذي يطيق المساومة".
فقالت له سارة:
" أنت رجل قلّ مثيله يا دون , وأنني أتساءل لماذا لا أشعر نحوك الشعور ذاته الذي أشعر به نحو ستيف".
ولاحت أبتسامة خافتة على فم دون وقال:
" أنت تشبهينه في كثير من النواحي... وأذا كان عنده قليل من الفهم , فأنه يرى أنك تكونين له زوجة كاملة الأوصاف, ولكن , مع الأسف , فالأمور لا تسير دائما كما ينبغي".
وكان الوقت متأخرا حين عادا الى البيت , وكان ستيف على الشرفة مع ديانا , فراقب دخولهما , وعندما أقتربا أشار ستيف الى برقية على الطاولة وقال لسارة:
" هذه البرقية وصلت منذ نحو ساعة".
وكان على سارة أن تنحني أمامه لتلتقط البرقية , ففتحتها بسرعة والجميع ينتظرون بفارغ الصبر أن يعلموا محتواها , ولما رفعت رأسها , صارح بها ستيف:
" ماذا هناك؟".
" هذه البرقية من والدي , تزوج هذا الصباح , وهو ينوي البقاء في أنكلترا , ويطلب مني اللحاق به".
وساد الصمت , فيما أخذ وقع المفاجأة يبدو جليا على وجه سارة , وتقدم ستيف وأخذ البرقية من يديها المرتجفتين وقرأها سريعا , ثم نظر اليها قائلا:
" يقول في البرقية أنه أتبعها برسالة مطوية".
" نعم".
تفوهت سارة يهذه الكلمة مستسلمة وجلست في أقرب مقعد , ثم تابعت قائلة:
" هل أخبر رؤساءه بذلك يا ترى؟".

نيو فراولة 24-07-11 03:34 PM

فقال ستيف:
" أذا كان ينوي عدم العودة الى هنا على الأطلاق , فأغلب الظن أنه أخبرهم .......هل تريدين مني أتحرّى هذا الأمر؟".
فأجابته قائلة :
" لا لزوم لذلك........ أذا كانت أستقالته لم تصل اليهم بعد , فليس من اللائق أن يعلموا بها منك ".
وصعب على سارة أن تستوعب تصديق الخبر ..... كيتيا أصبحت موطنها , فكيف تهجرها؟ وكيف من جهة أخرى يمكنها أن تبقى فيها تحت الظروف المستجدّة ؟ فهي لا تملك أية مؤهلات تمكّنها من أيجاد وظيفة يصح للمرأة أن تشغلها هناك , وأذن , فما عليها إلا أن تلحق بوالدها , وتمتمت قائلة:
" أظن أنه يريدني أن أقوم بالترتيبات اللازمة لمغادرتنا كامبالا ......".
فقال لها ستيف:
" علينا الأنتظار لنرى ماذا يقول في رسالته التي أودعها البريد........ فلا ريب أنها ستتضمن تعليماته اليك بهذا الشأن".
ونهض على قدميه وقال:
" عليّ أن أذهب الى المدينة , وسأمر على مكتب البريد لأرى أذا كان لك شيء هناك..... وسأعود بعد نحو ساعة من الزمن".
وراقبته ديانا وهو ذاهب وعلى وجهها أمارات الحيرة والتساؤل , ثم ألتفتت الى سارة وقالت لها:
" يجب أن تبقي هنا عندنا , الى أن يتم تسوية كل شيء .... هل كان عندك أي توقع لهذا الذي فعله والدك؟".
فأجابت سارة قائلة:
" ذكر لي المرأة التي تزوجها في أحدى رسائله منذ نحو أسبوعين , وهي أرملة عرفها لسنوات خلت , قبل مجيئه الى أفريقيا , ولم يخطر ببالي أنه سيتزوجها ويبقى في أنكلترا".
فقالت لها ديانا:
" هناك رجال يعطون المرأة الأولوية ".
ثم نهضت وتثاءبت وهي تحدق الى الفضاء قائلة:
" يبدو أنها ستمطر قريبا , وأرجو أن يلاحظ باري ذلك , فهو في نزهة مع جيل في مكان ما بين التلال".
وضدقت نبوءة ديانا , فما أن مضت ربع ساعة حتى أنفتحت السماء وأنهمر مطر غزير , وفي هذه الأثناء عاد ستيف من المدينة حاملا عدة رسائل , فناول سارة أحداها وخرج مع دون من الغرفة ليتسنى لها أن تقرأ الرسالة وحدها.
ومما جاء في الرسالة:
" لم أكن أتصور أن يحدث لي هذا الأمر ..... أو أنه سبعني لي أكثر مما تعنيه طريقة الحياة التي صنعتها لنفسي هناك في السنوات الثلاث الأخيرة , مولي ترافقني الى كامبالا , أذا طلبت منها , ولكنني لا أريدها أن تبذل تضحية أخرى , فقد حان الوقت لأن يضحي أحد بشيء من أجلها.... كان لي دائما ذكريات سعيدة عن بنستون , كما تعلمين ,وحيث أنها ليست بعيدة جدا عن وندسور فقد أتمكن من أيجاد وظيفة في سافاري بارك , وهذا ليس مثل أفريقيا طبعا , ولكنه بديل كاف عنها , وحين تصل هذه الرسالة اليك نكون تزوجنا , وسأبعث اليك ببرقية في يوم زواجنا لأننا أنا ومولي نريد أن يكون لك نصيب من هذا الحدث ..... مولي تتطلع بفارغ الصبر الى لقائك بعد كل تلك السنين ........ فهي كانت تتمنى دائما أن يكون لها أبنة....
أنا طبعا أخبرت رؤسائي في المصلحة بأني لن أعود الى وظيفتي , وقمت بالترتيبات اللازمة لقبض ما يستحق لي عندهم من المال , وفيما يتعلق بكامبالا , فلك أنت أن تقرري ما نريد الأحتفاظ به من أثاث المنزل , وأتركي ما تبقّى للمدير الجديد الذي يخلفني , وهذا لن يأخذ وقتا طويلا , فبأمكانك أن تغادري كامبالا في آخر هذا الشهر , وقد تفضّلين السفر بطريق البحر فأشتري ما تحتاجين اليه..... حان الوقت لأن تبدأي الأهتمام بالثياب وما إليها......".
منتديات ليلاس
وكانت سارة لا تزال جالسة والرسالة مفتوحة في يدها حين عاد ستيف الى الغرفة وقد بدّل قميصه وسرّح شعره , فأشعل سيكارة وقال لسارة:
" والآن , ما رأيك؟".
فأجابته قائلة:
" سأسافر الى أنكلترا وأقضي وقتا سعيدا هناك.... وأذا كانت الطائرة ستقلع الى مارا غدا فسأستقلها لأقوم بتدبير الأمور في كامبالا ما دام بروس مادن هناك , فأنا لا أريد أن أتطفّل على الرجل الجديد الذي سيتولى الأدارة ....... هذا أذا تمكنت المصلحة من تعيينه في وقت قصير".
فقال لها:
" عيّنته..... وسأقود سيارتي في طريق العودة الى كامبالا في نهاية الأسبوع , وبأمكانك أن ترافقيني".
فحدّقت اليه وقالت:
" أنت لا تضيّع وقتك! .... أليس لهذا الغرض ذهبت الى المدينة , فتتأكد من أن لا أحد سبقك الى أحتلال المنصب... كان عليك أن لا تقلق , فكامبالا مكان ناء لا يطمح اليه إلا القليلون".
" لا تتسرعي في الأستنتاج , كل ما في الأمر أن المصلحة طلبت مني أن أستمر في تصريق الأعمال هناك , أما لمدة قصيرة أو لمدة طويلة , هذا يعود اليّ فتسلل اللصوص الى أملاك المصلحة هناك أصبح خطرا جدا بحيث يجب أن لا يترك المركز من غير مدير.....".
وفكرت سارة في أن هذه المسألة رهن بمشيئة ديانا فهي لا ترضى بأن تقيم في مكان ناء مثل كامبالا , غير أن ذلك لا يعني أنها لن ترضى بترتيب آخر يوافقها , وفي هذه الأثناء ينتظر ستيف في كامبالا , وبدا لسارة أن رغبة ستيف في أن يصبح مزارعا لم تعد واردة....
فقالت له:
" أرجو المعذرة , فأنا أشعر بشيء من القلق والأضطراب".
قال ستيف:
" هذا متوقع.... هل تظنين أنك ستحبين الأقامة في أنكلترا؟".
" لماذا لا ؟ فوالدي هناك".
" أهنئك على ولائك العائلي , طبعا لكل أنسان الحق في أن يقرر مصيره , هذا ليس موضع جدل , وأنما موضع الجدل هو طريقة التقرير... كأن يلقي والدك على كاهلك مهمة القيام بكل التدابير المتعلقة بمغادرة كامبالا .... وعلى كل حال , هل فكرت في أمكان البقاء هناك؟".
فقالت له:
" كيف؟".
" في أستطاعتك أيجاد عمل , فمصلحة الصيد قد تساعدك على ذلك".
" لا , لا , لا أطيق الجلوس وراء الطاولة بين أربعة جدران أملأ الأستمارات......".
" قد يكون هنالك وظائف من نوع آخر.....".
" على كل حال , لا أريد منك أن تتحمل مسؤوليتي من الآن فصاعدا , فذلك بالفعل أنتهى منذ جئت الى نيروبي".
" كلا , ما دام الذين أستضافوك أصدقاء لي , مسؤوليتي لا تنتهي ألا حين تستقلين الباخرة أو الطائرة أو أي شيء آخر.....".
وتحرك ستيف في مكانه فجأة وقال:
" سنغادر نيروبي الى كامبالا يوم الجمعة صباحا , وقبل ذلك الحين سأحجز لك مكانا في أحدى البواخر المسافرة عند آخر الشهر , هل توافقين؟".
فأجابت قائلة:
" كل الموافقة ...... وسأحاول أن لا أقف في طريقك".
فأبتسم ساخرا وقال :
" أنا متأكد من ذلك!".
وسمع ستيف هدير سيارة قادمة فصاح:
" هذه جيل قد عادت".
وبعد دقائق دخلت جيل ضاحكة وثيابها مبللة بالمطر الذي أنهمر عليها وعلى باري , عندما كانا بعيدين عن السيارة , هناك بين التلال........

دموع الورد 2 26-07-11 02:07 PM

:8_4_134:هاي انا اول مرة بشارك معكن ميرررررسي نيو فراولة:55:الرواية رررررررررررررروعة:0041::f63: بليييييييييييييييز كمليها بسرعة لاني متشوقة كتيير لاعرف النهاية:f63::flowers2::flowers2::Thanx::4redf54r:

hoob 26-07-11 02:13 PM

فرواليه هيه القصه مخلصتش كده تعمليها فيا انا فكرتها خلصت اعمل انا ايه دلوقتى ؟؟؟؟
من فضلك كمليها بسرعه انا متشوقه جد للتكمله :7_5_122::7_5_122::7_5_122::7_5_122:

نيو فراولة 26-07-11 04:25 PM

8 - مصير الغزال





وفي فجر يوم الجمعة غادر ستيف وسارة الى كامبالا , في الطريق التي سارت عليها سارة مع دون قبل ذلك بأيام.
ونهض دون وجيل باكرا لتوديع ضيفيهما ,ولكن ديانا تأخرت الى اللحظة الأخيرة , ثم خرجت من غرفتها وهي ترتدي رداء أسود مطرزا بلون ذهبي يلائم قامتها الهيفاء.
وكان تقرّر في أواسط الأسبوع أن ترافق ديانا جيل الى مومباسا في طائرة بعد الظهر , وذلك بالرغم من أنه لم يكن معروفا كم ستبقى جيل في ضيافة آل ميلسون , ولا لأي سبب كانت ستستقل الطائرة , وتساءلت سارة بينها وبين نفسها أذا كانت ديانا تحاول بذلك أن ترى ستيف أنها لن تجلس بأنتظاره الى ما شاء الله , وأنها لذلك عزمت على الذهاب الى مدينة الساحل للترويح عن النفس , فأذا كان ذلك هو مطلبها , فأنها لم تحصل منه على شيء , لأن ستيف لم يظهر أية مبالاة , ورأت سارة أن المسألة بين ستيف وديانا لم تكن على الأرجح إلا من قبيل العض على الأصابع , فمن سيصرخ أولا؟ هي أم ستيف؟ بالطبع ليس ستيف فمهما تكن رغبته في الحصول على ديانا , ألا أنه لن يسمح لأية أمرأة أن تفرض شروطها عليه في مثل تلك الطريقة.
منتديات ليلاس
ولم يشعر ستيف بميل الى الكلام في المرحلة الأولى من الرحلة , فعمدت سارة الى تركيز إنتباهها على المشاهد الطبيعية الساحرة وكأنها تراها لأول مرة , وكان ستيف حجز لها مكانا في باخرة ستترك مومباسا بعد أسبوع , ولكن كان عليها قبل ذلك بيوم واحد أن تستقل الطائرة من مارا الى مومباسا لقضاء ليلة مع جيل , أما من اليوم الى ذلك الحين فلم يكن لديها ما تعمله , وهي لم تشأ أن تفكر في أمر كهذا الآن......
وتساءلت سارة كيف تلقّى تيد نبأ عدول صديقه ديف عن العودة الى عمله في المركز , وما إذا كان سيبقى هناك تحت إمرة ستيف أذا قرر هذا الأخير أن يتولّى الأدارة الى حين , فكامبالا كانت مكان أقامة تيد أكثر من عشر سنوات , ولم يكن من السهل عليه في نظر سارة أن يقتلع جذوره في تلك المرحلة من عمره , هذا مع العلم أن سارة كانت تعلم أن ستيف يضيق ذرعا بتصرفاته اللامسؤولة أزاء حياته وعمله , وأذا كان والدها عطف على تيد فلأن الرجلان كانا متشابهين من عدة وجوه , وهذا لم يكن واقع الحال بينه وبين ستيف.
وتراجعت الحقول شيئا فشيئا وراء السيارة وحلّ مكانها المزارع المسيّجة ثم السهول الفسيحة التي وراء وادي رفت العظيم ومناظر الجبال الممتدة في الأفق البعيد , وأخذت المخلوقات البرية تظهر على الطريق , كالزرافات والبقر الوحشي وقطعان الزيبرا وما إلى ذلك , وتوقف ستيف وسارة لتناول طعام الغداء , ثم بلغا تاروك وهي آخر مستوطنة بين ذلك المكان وبين كامبالا.
وكان هناك جماعة من المازيين قاعدين على العشب خارج الحانوت , يقرعون الأصداف بأبتهاج , فتوقف ستيف لتحيتهم وصافحهم واحدا واحدا من نافذة السيارة , وحين تابعا سيرهما أستعاد ستيف بعض مرحه وميله الى الكلام.
فقال لها بعدما دخلا الأراضي الخاصة بالصيد والتابعة للمركز :
" بعد ساعتين سنصل".
وحين لم يتلقّ جوابا منها , نظر اليها وقال:
" أنتعبة أنت؟".
فأجابته سارة :
" قليلا , وأنني أنتظر وصولي الى البيت بفارغ صبر".
قال لها:
" سيبقى ذلك البيت في كامبالا بيتك الى أن تخليه ..... واليوم لن نفكر في هذا الأمر , بل دعينا الآن نأمل أن يكون مزاج ماسوي رائعا هذا النهار , وإلا فيكون طعام العشاء الذي أعدّه غير لذيذ".
فضحكت سارة وقالت:
" وهل تأمل أن يكون بخلاف ذلك ؟ هؤلاء القوم لا يعرفون إلا القليل جدا من أنواع الطعام , فلو تركوا من غير توجيه لكرروا النوع ذاته يوما بعد يوم..... وعلى كل حال , أرجو أن لا يتركك ماسوي ورفيقه , لأنني أعلم أنهما يتوقان الى الذهاب لزيارة الأهل".
فقال ستيف:
" هما مشتاقان الى زوجتيهما , وهذا أمر طبيعي , ليتنا نجد مكانا قريبا نحصل فيه على خدم لنا".
وفيما السيارة تقترب بهما الى المنحدر لتنعطف من هناك بأتجاه المركز , ظهرت لهما السهول على مدّ النظر , وكذلك البحر الذهبي وأمواجه المزبدة , وكانت الشمس آذنت بالمغيب حين بلغا النهر تاركين المنحدر وراءهما , فعبرا الأدغال الى كامبلا التي بدت أمامهما كعهدهما بها من قبل.
وكان تيد في أستقبالهما حين توقفت بهما السيارة أمام المنزل , فقال :
" أرجو أن تكونا تمتعتما بهذه الرحلة".
فأجابه ستيف:
" لا بأس بها".
ونزل من السيارة وتمطّى قليلا قبل أن ياتفت الى سارة ويدعوها الى كأس من العصير .
فقالت له :
" دعني أغتسل أولا".
فعمد ستيف الى أخراج الحقائب والأمتعة من السيارة , يساعده على ذلك تيد.
وكان تيد هو الذي حمل حقائب سارة الى غرفتها , فوضعها على سريرها ونظر اليها مبتسما وقال:
" مضى زمن كنت تضعين فيه كل أمتعتك في حقيبة صغيرة واحدة.... أما الآن فصرت تعرفين كيف يعيش الآخرون في المدينة".
" لك أن تقول ذلك يا تيد ...... والآن هل قررت ماذا ستعمل بعد أن أستقال والدي من عمله هنا؟".
" هذا يتوقف على المدير الجديد , فنحن لم نكن دائما على أتفاق في الرأي بخلال الأسابيع القليلة الماضية , والأنسان يحتاج الى الأنسجام ليتحمل الحياة في مكان كهذا ..... قد أنزل الى الساحل وأشتري لي مركبا رخيص الثمن وأقوم بعمل تجاري بين الموانىء , فعمل كهذا يدرّ أرباحا لا يستهان بها".
فقالت له سارة:
" لا أعرف عنك أنك على علم بشؤون البحر".
أجابها قائلا:
" لا أحتاج الى مثل هذا العمل لأتجول على طول الساحل , تكفي خبرتي بالتجارة , وإن كنت لم أمارسها منذ زمن بعيد".
وأخذت سارة تفكر في أمر تيد بعدما غادر الغرفة , وخيّل اليها أن حديثه عن المتاجرة على الساحل لم يكن إلا من قبيل الكبرياء وعزة النفس , والحقيقة هي أنه لا يريد أن يهجر المكان الوحيد الذي أعتاد عليه وأتخذه موطنا له , وعلى ستيف أن يتفهم هذه الحقيقة......
وظهر كيكي في النافذة المفتوحة وهو يصفق ويرقص طربا , ثم لم يلبث أن دخل من بين القضبان وأمسك بذيل قميصها , قهقهت ضاحكة وأرتمت على سريرها تداعبه الى أن تعب , فراح يتفحّص حقيبة يدها بشغف بالغ....
منتديات ليلاس
وأخذت سارة تراقبه وهو يخرج أصبع الحمرة من الحقيبة , فخطر لها عندئذ أنها ستتركه في كامبالا , في جملة ما ستتركه هناك عند سفرها الى أنكلترا , فلم يكن يسمح لركاب الباخرة أن يصطحبوا حيوانات داجنة , بل حتى لو سمح لها بأصطحاب كيكي , فإن الأعتناء به طوال مدة الرحلة لم يكن بالعمل السهل , ناهيك بأختلاف المناخ بين كامبالا وأنكلترا , وسالت دموعها لهذا الخاطر الذي مرّ ببالها , فمسحتها في الحال وأنّبت نفسها على الأستسلام الى عواطفها عبثا , ففي الأسبوعين القادمين يجب عليها أن تقسّي قلبها وتتظاهر بأنها لم تكن تبالي بمغادرة كامبالا , لئلا يدرك ستيف حقيقة شعورها.

نيو فراولة 26-07-11 04:27 PM

وكان ماسوي في مزاج رئق , على ما بدا من بذله الجهد في أعداد طبق لذيذ من الطعام مؤلف من اللحم والخضار , وبعد الأنتهاء من تناول الطعام قال ستيف لسارة:
" ليتك تهيئين لماسوي قائمة بأطباق الطعام التي يمكنه أن يتقن طهيها , بذلك تسهل الحياة هنا وتستحق أن تعاش.
فقالت له سارة:
" لم أكن أعلم بأمك تهتم بالطعام الى هذا الحد... فلا والدي ولا تيد يباليان بما يأكلان".
وقال تيد:
" كيف للشحاذين أن يختاروا بين هذا اللون من الطعام أو ذاك ! ".
ونهض على قدميه مستأذنا بالأنراف الى غرفته للنوم باكرا ..... وساد الصمت بعد ذهابه , كانت سارة جالسة ورأسها يستند الى ظهر الكرسي , تراقب النجوم التي كانت تلمع بين الغيوم , وكانت القرود في هرج ومرج بحيث أغرقت أصواتهم كل صوت آخر , وفكرت سارة أن نيروبي على كونها مدينة مدينة ممتعة من حيث الطمأنينة والصفاء , فجذوة عاطفتها نحو ستيف ستخمد مع الأيام , ولكن جزءا من حياتها سيبقى هنا في كامبالا.
وقالت لستيف:
" أشعر بالتعب , فالأفضل لي أن آوي الى فراشي".
فأجابها متهكما:
" الساعة لم تبلغ العاشرة بعد , ولكنني لا أستغرب أن تعودي الى عاداتك القديمة , حين لم يعد الآن أحد تحاولين التأثير عليه......".
وكان في نبرة كلامه هذا ما جعلها تقول له بخشونة:
" العادات تتغير بسهولة أكثر مما يتغير الناس....".
قال لها منتقدا:
" كنت فيما مضى مستقيمة في آرائك وتصرفاتك , أما الآن وقد تعلّمت شيئا من أساليب الحياة المتمدنة فأنك أصبحت كسائر بنات جنسك".
فقالت له:
" هذا ما أرجوه !".
ونظر ستيف اليها نظرة سريعة وقال:
" قد تكونين على حق .... والآن دعينا نفسح مكانا للسلام بيننا ".
وفكرت سارة أن هذا الهدف أذا تحقق فلن يدوم طويلا , والدليل على ذلك ما جرى بينهما في الدقائق الأخيرة , فكلما تحدّثا معا تكررت المعركة الكلامية نفسها , فعلى من اللوم ؟ لم تكن تدري , ولكن المهم أنهما هي وستيف لا ينسجمان الواحد مع الآخر.
وسألت ستيف قائلة:
" ماذا ستفعل بخصوص تيد؟".
فأجابها بغموض:
" ماذا ينتظر مني أن أفعل؟".
فقالت وقد ندمت على أنها فتحت هذا الموضوع في تلك المناسبة :
" تيد يظن أنك تنوي أستبداله".
" أهكذا يظن؟ أذن , فأنت تستعدين للدفاع عنه".
" كلا , فهو لا يحتاج الى من يدافع عنه , كل ما في الأمر هو أنني أعتقد أن من حقه معرفة مصيره...".
" نعم , من حقه هو أن يعرف لا أنت..... الى أن يخبرك هو بنفسه".
وكان ستيف مصيبا في موقفه هذا , ولكن ذلك لم يكن يقدم أو يؤخر في ردة فعل سارة التي لم تكن تتفهم هذا الجانب من الموضوع , فلا عجب أذن أن تجيبه ببرودة:
" أنا آسفة لأضطراري الى تركك تكمل السهرة وحدك".
ونهضت متجهة نحو الباب , ولكنها ما أن بلغته حتى صاح بها ستيف قائلا:
" هناك حد لطاقة الأنسان على الأحتمال , وطاقتي بلغت هذا الحد , وكنت آمل أن نتوصل الى التفاهمفي غضون الأسبوع القادم , والآن تبيّن لي أن أملي بعيد التحقيق .....ولعلك أذا أقلعت عن محاولة إيجاد نقص في كل ما أقوله , فذلك يكون خيرا لنا".
وغالبت سارة رغبتها في إلقاء كل تحفّظ جانبا والأرتماء بين ذراعي ستيف ملتمسة منه أن يدعها تبقى في كامبالا , ولكن كيف تنتظر منه أن يفهمها في حين أنها لا تفهم نفسها؟ كانت تحبه , ولكنها كانت في الوقت نفسه تشعر برغبة جامحة في مهاجمته وجرح شعوره.
قالت له:
" أظن أنك على حق في قولك أن الأمل يبدو ضئيلا".
فلم يجبها بشيء وهي تخرج من الباب الى الداخل.
وما أطل الصباح حتى كانت سارة توصلت الى قرار , أن أستمرار العلاقة على ما هي عليه بينها وبين ستيف أسبوعا آخر أمر لا يمكن أحتماله , ولذلك رأت أنه خير لها ولستيف معا أن تتنقل الى الفندق في نيروبي بأنتظار موعد سفر الباخرة.
على أنها عزمت أن لا تخبر ستيف بخطتها هذه , فهو ولا شك سيمنعها عن تحقيقها , فالأفضل أذن أن تعد العدة لمغادرة المنزل سرا.
وكان ستيف ترك المنزل حين خرجت الى الشرفة , ولكن تيد أنضم اليها وشاركها في تناول طعام الفطور , وكان مرحا في ذلك الصباح كعادته في سالف الأيام , وقال لها:
" أراك أكتسبت عادات سيئة في غيابك ...... فأنت عادة تبكرين في النهوض صباحا ".
فأجابته سارة :
" كنت تعبة من السفر , وقبله من السهر المتواصل في المدينة ".
ونظرت اليه عبر المائدة وقالت:
" هل فكّرت في مما أخبرتني به الليلة الماضية؟".
فهز رأسه وأبتسم قائلا:
" كنت كمن يجتاز الجسر قبل الوصول اليه ...... فبناء على كلام ستيف هذا الصباح سأبقى في وظيفتي هنا وقتا طويلا , وقد يزداد تفاهمنا الآن بعد أن أصبح مديرا دائما".
وهمّت سارة بالقول أن ستيف ليس مديرا دائما , ولكنها أحجمت عن ذلك للأنها لم تكن تعلم حقيقة الأمر , هل هو مدير مؤقت أم لا؟ حتى ستيف نفسه لم يكن متأكدا بعد , وتساءلت أذا كان ستيف حدّد لنفسه وقتا لمعاودة الحوار معها , أم أنه ينتظر أن تبدأ هي بالحديث معه عن إيجاد قاسم مشترك بينهما.
وشرعت سارة بترتيب حقائبها وحزم أمتعتها بعدما تناولت طعام الفطور , وطلبت من نجورجي أن يأتيها بصناديق فارغة لتعبئة كتب والدها وأوراقه الخاصة , وما أن جاءت الظهيرة حتى كانت الرفوف خالية , والغرفة عارية إلا من بعض الصور المعلقة منذ سنين على جدرانها وبعض البسط الجلدية العتيقة التي لم تتصور سارة أن مولي سترضى بأستعمالها , فضلا عن الستائر وأغطية الوسائد.
منتديات ليلاس
وفيما هي راكعة على ركبتيها تنظر في كدسة من الأسطوانات , دخل ستيف عائدا من عمله في الساعة الرابعة , ووقف في الباب يجيل النظر في الصناديق المليئة بالكتب والأوراق , ثم قال لها:
" يا لك من فتاة مجتهدة ! ولكن كيف ستقضين ما تبقّى من الأسبوع؟".
فأجابته من غير أن تتطلع اليه:
" لم أنتهي من عملي بعد .... هل تحتاج هذا الفونوغرافلأتركه لك؟".
فأجابها قائلا:
" لماذا لا ؟ فهو يساعدني على ملء الفراغ حين لا يبقى عندنا , أنا وتيد , ما نتحدث به ". ثم تقدّم الى داخل الغرفة:
" تتهيأ القبيلة للرحيل في الصباح , فأذا شئت أن تودّعي مغاري وزوجاته , فأنا مستعد أن آخذك بالسيارة الى هناك".
أجابته قائلة:
" هم لا يحبون الوداع !".
كما تريدين".
قال ذلك بنبرة لامبالية , فهو قد حاول أن يقوم بواجبه , وهذا كل ما كان يهمه من الأمر , وبعد قليل خرج من الغرفة.
وما أن جاءت ليلة الأحد حتى كانت سارة أنهت كل ما كان عليها أن تفعله , فالصناديق كانت مقفلة ومعنونة ومهيأة للشحن على متن الطائرة المسافرة يوم الجمعة.
وكانت تلك الليلة طويلة لا تحتمل , فبعد تناول طعام العشاء حاولت أن تطالع كتابا , غير أن الكلمات كانت تقفز أمام عينيها , وكان في وسعها أن تسمع صدى الحديث الذي كان يتجاذبه ستيف وتيد على الشرفة , ولكنها لم تشعر بميل الى الأنضمام اليهما خوفا من أن تفضح أمرها بكلمة أو أشارة.
وفكرت سارة أن تلك هي المرة الأخيرة التي تجلس فيها هكذا في هذه الغرفة وتسمع الأصوات المألوفة التي تهيم هناك خارجا في الظلام , فغدا في مثل هذا الوقت تصل الى نيروبي وتنزل وحدها بالفندق لقضاء أربعة أيام أخرى , ولكن أي شيء على الأطلاق كان في نظرها أفضل من البقاء هنا في كامبالا.

نيو فراولة 26-07-11 04:28 PM

وعاد ستيف بعد قليل ليملأ كأسه وكأس تيد , فرمقها بنظرة عابرة وقال لها:
" ماذا تريدينني أن أفعل بالغزال؟ هل أرسله الى حديقة للحيوانات؟".
فأستاءت من كلامه وقالت:
" لا , إياك أن تفعل !".
" قد أضطر الى مثل هذا التدبير لأن الغزال لا يزال صغيرا جدا , ولا يمكن أطلاق سراحه في البرية , خصوصا وأنت عوّدته على الأعتماد عليك , فمن الخطأ أن يسمح للحيوانات المتوحشة أن تصبح أليفة أكثر مما ينبغي".
قالت سارة :
" لماذا لا يبقى هنا في المركز ؟ فهو لا يزعج أحدا , وتيد يتولّى الأعتناء به".
فأجاب قائلا بنبرة قاسية:
" لتيد ما يشغله عن هذه المهمة !".
قالت بصوت خافت :
" الأعتناء بغزال صغير لا يأخذ شيئا من وقته..... فهل تريدني أن أتضرع اليك يا ستيف؟".
فأجابها قائلا بتهكّم:
" يكون ذلك حدثا لا مثيل له إذا فعلت ! ولكنني أؤكد لك أنني لا أفكر إلا في مصير الغزال".
ولما تطلّعت اليه تلاقت نظراتهما , فقالت:
" أذن , فأفعل ما تراه حسنا , فالحيوان في واقع الأمر لم يعد موضوع أهتمامي ...... والآن هل هناك ما تريد أن تبحثه معي؟".
فتقدم ستيف نحوها قليلا وقال بعصبية :
" كلا , لا شيء على الأطلاق !".
وحمل الكأسين وأسرع الى الشرفة , أما سارة فلم تبد حراكا , وتمنت لو أن الغد يحل قريبا .
وأنهمر المطر غزيرا تلك الليلة , ولكن الصباح أنجلى عن سماء صافية ونسيم عليل , وأنتظرت سارة الى أن ذهب ستيف , فخرجت من غرفتها وأصغت الى صوت محرك سيارته يبتعد شيئا فشيئا , ولاحظت أنها لم تحس بشيء من العاطفة.
وكان تيد بدأ عمله , فتناولت طعام الفطور وحدها وهي تفكر بالمغامرة التي ستقوم بها , ولم تشعر بالقلق , لأنها ما أن تصل الى ناروك حتى يسهل عليها مواصل
ة الرحلة الى نيروبي.
وكان اللاندروفر الذي أختارته متوقفا عند أول الطريق , وعند الساعة الثانية والنصف , بعد أن تأكدت أن تيد إبتعد الى مسافة لا تمكّنه من سماع صوت محرك السيارة , خرجت من السيارة بحذر شديد وهي تحمل الحقي بة التي تحتوي كل ما تحتاج اليه في أثناء الرحلة , ووضعتها في مؤخر السيارة بحيث بقي مكان للغزال , وذهبت وجاءت به سريعا ووضعته هناك , أما ماذا ستفعل به حين تصل الى نيروبي فسؤال أرجأت الأجابة عليه الى حينه , ولعل دون سيساعدها فيحتفظ به في المزرعة , فهناك مجال واسع لأقامته والعناية به.
منتديات ليلاس
ولم يكن أحد على مشهد منها حين صعدت الى السيارة وجلست وراء المقود , وأدارت المقود وأتجهت نحو المدخل وهي غير مبالية الآن أذا ما شاهدها أحد , ولا سيما ستيف , فهو لا بد أن يعتقد أنها ذاهبة كعادتها الى البرية , فلا يعرف الحقيقة إلا بعد أن يدخل الى غرفته ويجد الرسالة التي تركتها له فوق المخدة على السرير.
وأذا كان هنالك من شيء أسفت له كل الأسف فهو أنها لم تتمكن من وداع تيد الذي تكن له مودة خاصة , فهي أذا أعلمته بهربها فلا بد أن يخبر ستيف في الحال ليحول بينها وبين تنفيذ حطتها.
وأستغرق وصولها الى المنحدر أكثر من ساعة كانت فيها الشمس بلغت ضحاها وبدأ الهواء يصبح حارا في داخل السيارة , وتوقفت سارة قليلا لتسقي الغزال من وعاء جلبته معها , ثم فكرت أنها إذا حافظت على سرعة سيؤها فأنها ستصل الى نيروبي قبل حلول الظلام , هذا أذا لم يطرأ أي طارىء فيصبح أمامها أن تختار بين الذهاب رأسا الى المزرعة مع الغزال , أو ترك الغزال في السيارة خارج الفندق الى صباح اليوم التالي.
وبعد مسيرة نحو أربعين دقيقة لاحظت غبارا يرتفع في الطريق وراءها , فلا بد أن يكون القادم مسرعا جدا لا يهاب أية عثرة في طريقه , خفق قلبها خفقانا شديدا حين جزمت بينها وبين نفسها أن القادم لا يمكن أن يكون غير ستيف يورك .
منتديات ليلاس
وزادت سارة سرعتها الى أقصى حد ممكن , ولكن ذلك لم يجدها نفعا أذ لم يلبث ستيف أن لحق بها وأرغمها على التوقف , ولما توقفت نزل مسرعا من سيارته وسار بخطى واسعة نحوها وصاح بها:
" ماذا تحاولين أن تفعلي؟ أتقتلين نفسك؟".
فأجابته بضراوة:
" كان عليك أن لا تطاردني !".
فحدّق اليها وقال :
" تعالي , إحملي هذا الغزال الى سيارتي وأنا أجلب بقية أمتعتك".
فصاحت قائلة:
" لن أود معك الى كامبالا!".
" لن تعودي؟".
" كلا , لن أعود , فأنا غير مستعدة لقضاء أربعة أيام أخرى كاليومين الماضيين .... دعني أكمل طريقي !".
" الى أين أنت ذاهبة .... الى دون؟".
" ما لي ولدون ؟ ليتني لا أراه هو الآخر بعد اليوم , أنا ذاهبة الى نيروبي لأنني لم أعد أطيق البقاء معك تحت سقف واحد , ولأنني كرهت حتى الموت معاملتك لي كفتاة قاصرة لا تعرف شرقها من غربها ........ فأنت منذ اليوم الأول تضطهدني وتستهزىء بي .... الويل لديانا أذا تزوجتك , مع أن هذا لن يكون لأن لها كرامتها ولا تطيق الأستبداد والطغيان ...... بل ستجد لها رجلا يحترمها ويشعر نحوها بشيء من الحنان ..... أنت لا تريد زوجة , بل ممسحة !".
وكان ستيف واقفا يصغي الى هذا السيل العارم من الكلام , فلما فرغ صبره قال لها بهدوء:
" كفى , أنت تكررين كلامك".
فنظرت اليه , وإذا بملامحه تغيّرت وشفتيه تفرجان عن أبتسامة صارخة وهو يقول :
" الآن عرف كل منا موقفه الصحيح من الآخر !".
وأحمر وجهها حين أدركت أنها كشفت عن حقيقة شعورها نحوه , فما كان منها إلا أن ألتفتت نحوه وصاحت قائلة:
" أذهب...... أذهب عني ودعني وشأني !".
فأقبل عليها وأخذها بين يديه وقال لها:
" لم يعد أمامك مجال للتراجع ...... من قال لك أن ديانا هي التي أريد؟".
فحدّقت اليه حائرة وقالت :
" هذا واضح لا يحتاج الى دليل !".
قال لها:
" ليس واضحا لي ..... أنت لن تذهبي الآن الى أنكلترا يا حبيبتي , إلا حين نذهب معا".
" أهكذا تقول؟".
" نعم , ستبقين في كامبالا وتحاولين الأستزادة من معرفتي ".
" لماذا لم تخبرني ذلك من قبل... كنت في اليومين الأخيرين قاسيا جدا معي".
" ربما كنت خطئا في الأسلوب الذي أتخذته للفوز بك يا حبيبتي".
" آه , ستيف , ليتك تعلم كم أحبك ... منذ أيام قليلة تأكدت من ذلك , وأريدك من الآن فصاعدا أن تعاملني كأمرأة ناضجة".
" توقفت عن النظر اليك كفتاة صغيرة منذ تلك الليلة التي رأيتك فيها بصحبة دون ..... ففي تلك المرة لم تكوني فتاة صغيرة في شيء".
" ألهذا السبب بدأت تحبني؟".
" بدأت أحبك منذ وقعت عيناي عليك يا حبيبتي .... فأنت دائما كنت لي المرأة التي أحلم بها ولم أحظ بلقائها من قبل, والآن هل تقبلين الزواج بطاغية مثلي؟".
" نعم , لأنني أصبحت أعرف كيف أعالجه وأعيش سعيدة معه ".
فأخذها ستيف بين ذراعيه , ثم قال لها:
" هيا بنا يا حبيبتي!".
وفي طريق العودة الى كامبالا جلست سارة الى جانب ستيف وهي لا تصدق أنها ذاهبة الى بيتها , لا لتغادره هذه المرة بل لتبقى الى الأبد..........




تمت

فتاة 86 26-07-11 11:13 PM

شكراً يا حلو على كل هلحلو

hoob 27-07-11 01:19 AM

حلوة كتير شكرررررررررررررررررررررررررررررررررا كتير

دموع الورد 2 27-07-11 01:35 PM

:liilas:شكرا كتيير الرواية حلوة كتيير بشكرك مرة تانية والله يعطيكي الف عافية:liilas::liilas:
:55::55::55::55::55::55:
:aNF04909::aNF04909:

Rehana 27-07-11 01:57 PM

يعطيك الف عافية يالغلا
ولا خلا ولا عدم من تواجدك المميز
وكل عام وانت بخير .. وينعاد عليك الشهير بالخيرات والبركات

http://img.123greetings.com/eventsne...01-10-1062.gif

زهرة منسية 28-07-11 12:42 AM

:55::liilas::55::55::55::55::55:
:8_4_134::8_4_134::8_4_134:
lمشكورة كتير نيو فراولة ويعطيكى الف عافيه دايمن خاتمة روايات عبير القديمة مليانة بالرومانسية

هدية للقلب 29-07-11 01:49 AM

شكرا لك تسلم ايديكى على الرواية الحلوة
وربنا يعطيك العافية ودمتى بود

نجلاء عبد الوهاب 21-10-11 11:28 PM

:lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol::lol
:wookie::wookie::wookie::wookie::wookie::wookie::wookie
:mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2::mo2:
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754:
:110::110::110::110::110::110::110::110::110::110::110::110: :110::110::110::110::110:

امبراطورية ع 25-10-11 01:10 PM

رووووووووووووعه الروايه فراولايه
كل اختياراتك تجنن
سلمت اناملك

جنة الفواكه 06-11-11 08:06 PM

روعة روعة روعة تسلم الانامل:8_4_134::110::98yyyy:

الجبل الاخضر 08-11-11 12:21 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

ندى ندى 20-12-11 11:39 PM

روووووووووووووووووووعه

سماري كول 30-12-11 01:30 AM

تسلمين ع الروايه الحلوه يالغاليه

روح الفانيلا 15-01-12 11:15 PM

مشكوره على المجهود الرائع

روح الفانيلا 20-01-12 01:06 PM

رووووووووووووووووووووعه مشكوره

مشكلتي قمر 05-03-12 01:49 PM

وااو قمة الروعه


الساعة الآن 03:08 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية