منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   حصري 103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t164261.html)

هدية للقلب 08-07-11 07:17 PM

103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة )
 
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رواية من روايات عبير
المفاجأة المذهلة
للكاتبة
مارغريت بارغيتر
للمشاركة فى المسابقة


الملخص


هل الرجال دائما قساة ؟
سؤال حير سوزان غريتجر طويلا خاصة
بعد ان حملتها الاقدار لقمة سائغة لترميها
بيــن فكى ميريك فيندلى الرجل الطاغيـة .
منذ رأته لأول مرة شكت فى امره،وتأكدت
بأنه مجرد لص وداهية استولى على أملاك
والدها الشاسعة بأساليبه الملتوية. وها هو
بأكاذيبه وألاعيبه يحاول الاستيلاء عليــها
كجزء من الثروة التى يحلم بها. ولكن لا .
سوزان لن تدع هذا الرجل يرتاح،لن يغمض
له جفن ما دامت هى على قيد الحياة . يجب
ان تحاربـه بــكل اسلحتها يجب ان تفضح
حقيقته امام والدها الذى وثق بــه وسلمه
مفاتيح حياته لن ترضخ لأوامره، لن تستمع
لنصائحه، لن تصدق اقواله، لن تثق بأفعاله.
وستظل وراءه تتحين الفرصة المناسبــة
لتنقض عليه وتكشف جميع أوراقه انه
واجبها كأبنة وحيدة لرجل عجوز انهكه
المرض وجاء اليوم الموعود، واقتربت
اللحظة الحاسمة وانكشفت جميع الأوراق
المستترة . وكانت المفاجأة مذهلة !
لا احل نقل جهدى أو تعبى بدون ذكر أسمى أو أسم منتديات ليلاس
ملحوظة اذا اعجبتكم الرواية لاتنسوا ان تضغطوا أيقوة الشكر:peace:

زهرة منسية 08-07-11 07:47 PM

يسلموا أيديكى موفقة حبيبتى

هدية للقلب 08-07-11 08:08 PM

شكرا حبيبتى واتمنى تعجبك :liilas:

فتاة 86 08-07-11 11:18 PM

:toot::lol::toot:
WAW HOPELESS
ANOTHER STORY
YOU'RE GREAT
I'LL BE WITH YOU STEP BY STEP
THANKSSSSSSSSSSSSSS

:55::8_4_134::55:

*mero* 09-07-11 03:40 AM

شكرا لك شكلها حلوة وتحمس بس الله يخليك لاتتأخرين علينا أمانة مع حبي..

زهرة منسية 09-07-11 11:00 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hopeless (المشاركة 2804110)
شكرا حبيبتى واتمنى تعجبك :liilas:

أكيد هتعجبنى طالما أنها من أختيارك وأنا عرفه ذوقك كويس علشان أنا قريت كل رواياتك اللى نزلتيها فى أحلام وأكيد هستمتع بالرواية علشان ملخصها روعة زيك يا قمر‎
‎موفقة حبيبتى:8_4_134:

Rehana 09-07-11 02:29 PM

اهلين ياحلوة ..
ماشاء الله عليك ..الله وفقك يارب في الكتابة والتنزيل

وهذا احلى تثبيت


فداني الكون0 09-07-11 07:14 PM

شكوره حبيبتي شكل الروايه ممتعه
يعطيج العافيه

هدية للقلب 09-07-11 11:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2804385)
:toot::lol::toot:
WAW HOPELESS
ANOTHER STORY
YOU'RE GREAT
I'LL BE WITH YOU STEP BY STEP
THANKSSSSSSSSSSSSSS

:55::8_4_134::55:

عفوا حبيبتى انتى اللى عظيمة واتمنى ما أتأخر عليكى فى الكتابة
واقدر اكون السبب فى اسعادك ولو بجزء بسيط :hR604426:

هدية للقلب 09-07-11 11:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *mero* (المشاركة 2804553)
شكرا لك شكلها حلوة وتحمس بس الله يخليك لاتتأخرين علينا أمانة مع حبي..

عفوا حبيبتى هحاول ما أتأخر واتمنى تعجبك وشكرا :8_4_134:

هدية للقلب 09-07-11 11:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nona1979 (المشاركة 2804781)
أكيد هتعجبنى طالما أنها من أختيارك وأنا عرفه ذوقك كويس علشان أنا قريت كل رواياتك اللى نزلتيها فى أحلام وأكيد هستمتع بالرواية علشان ملخصها روعة زيك يا قمر‎
‎موفقة حبيبتى:8_4_134:

شكرا حبيبتى انتى اللى قمر علشان شيفانى كدة وانا هتابع روايتك واكيد هتكون جميلة مثلك وربنا يعطيك العافية :8_4_134::55::ma1:

هدية للقلب 09-07-11 11:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2804904)
اهلين ياحلوة ..
ماشاء الله عليك ..الله وفقك يارب في الكتابة والتنزيل

وهذا احلى تثبيت


اهلين بيكى حبيبتى وانا بتعلم من الاستاذة واتمنى اكون مثلك والله يعطيك العافية حبيبتى :8_4_134::55:

هدية للقلب 09-07-11 11:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداني الكون0 (المشاركة 2805229)
شكوره حبيبتي شكل الروايه ممتعه
يعطيج العافيه

شكرا يا عسل واتمنى تعجبك مع حبى :liilas::8_4_134:

هدية للقلب 10-07-11 04:26 PM

1- آنسة خارجة من التاريخ
كان ظهرا حارا من ايام آب (اغسطس) وأشعة الشمس الحادة تتراقص فى أرجاء المطعم وعلى طاولاته المفروشة بأغطية بيضاء . لاحقتها سوزان غرينجر بعينيها الرماديتين، ولما سمعت أحد الزبائن يتذمر من وهج الشمس، لاحظت ان صاحب المطعم الشاب سارع الى اسدال الستائر فانحجب الوهج .
كانت الستائر قطنية ذات خلفية بنية مزينة بنقوش هندسية بيضاء . بدت جذابة وجديدة بالنسبة الى سو ،فاستحوذت على اهتمامها وغرقت فى تأملها الى حد جعلها تنسى الرجل الذى يشاركها طعام الغداء .
- سوزان !
هتف تيم ماسون اسمها بنفاد صبر . لكنها استمرت فى تأملها ولم تفق الا حين خاطبها ثانية، فعاد بصرها المسافر يتركز بتعاسة على وجهه .
- آسفة .
غمغمت وهى تنكمش ليلا أمام نظرته الجافة . لكن وصول المضيفة بقهوتهما أنقذ موقفها فشعرت نحوها بالامتنان .
كان من الخطأ ان ترافق تيم الى المطعم برغم الحاحه الشديد، فهى لا تتوقع منه ان يتفهم استرسالها فى العجز عن التركيز. حادثة أمها ، موتها المفاجئ وأمور أخرى صدمتها بقوة وأوصلتها الى ما هى عليه. ذلك الزبون المتذمر ... أليس غريبا ان يهبها تصرفه العادى البسيط شعورا طبيعيا مريحا عجزت عن اعطائها اياه كل تشجيعات تيم الصارمة وعطفه الفياض :-آسفة .
كررت الاعتذار فيما راح يحرك قهوته بغضب وقال :- لا بأس يا حبيبتى لكن فرصة الغداء محددة، وويلكوكس العجوز سيصاب بنوبة اذا تأخرت خمس دقائق. باستطاعتك على الاقل ان تصغى الى ما أقول . كنت أسألك عن تلك الرسالة . لقد أتيح لك الوقت الكافى للتفكير . فهل مازلت تأخذينها على محمل الجد؟.
أشاحت وجهها عنه ونظرت بحيرة الى يديها ثم سألت بتحد :- وماذا اذا أخذتها على محمل الجد؟.
- أولا ، تفهمت موقفك المبلبل بعد الحادثة، لكن الوقت حان لان تعودى الى التفكير المنطقى .
- لقد أعطيت وعدا. أنه الوعد الاخير الذى سأعطيه .
- أعتقد انك تبالغين فى الدراماتيكية. ثم قرب رأسه عبر الطاولة وقال بجدية مفاجئة :- بامكانك ان تطلبى منى عدم التدخل فى شؤونك اذا شئت . لكنك أوقفت حياتك على أمك وهى تمكنت من تقييدك وحرمانك من الحرية الحقيقية.
حاولت الاعتراض فأسكتها بحركه من يده وتابع :- لقد طلبت منك ايصال هذه الرسالة حين كانت فى حالة مرضية شديدة أعاقتها عن استيعاب هذا الطلب. الا ترين يا سو ، ان الامر قد يعنى مزيدا من القيود ولديك منها ما يكفى ؟ انك لم تسمعى بهذا الشخص الذى ستحملين له الرسالة ، وقد يكون قريبا عجوزا ، انه عجوز بلا شك ، اذا كانت امك كتبت الرسالة منذ أمد بعيد. ومهما يكن هذا الشخص، سيحتاج على الارجح الى رعاية واهتمام، وأنت لن ترفضى هذه المساعدة لمعرفتى بك!
تقلت يداها بعصبية تحت الطاولة .لا يحق لتيم ان يكلمها هكذا ! انها لاتخصه بأى شكل ولا تريد ان تخصه. لكن هل تراه خاطبها بهذا الاسلوب لآنه قلق عليها ؟
أجابت بتلعثم :- قد تكون مخطئا يا تيم ، لقد أخبرتك سابقا ان أمى كتبت الرسالة قبل بضعة أسابيع . لم تكن مفرطة الحساسية انما كانت عرضة لهذه التكهنات المسبقة .
تحاشت الرد على تعليقاته الاخرى لعجزها عن نفى ما تحتويه من حقائق .
لم يتأثر بجوابها وهى ما توقعت ان يفعل . اجابها بجفاف وبنظرة شك من عينيه البنيتين:- سوزان باستطاعة كل منا ان يتخيل اصابته بحادث. انه نوع من الواقع الفيزيولوجى، والحوادث تحصل كل يوم . لكن أمك كانت صارمة وعنيدة الى حد منعها من الاستعانة ببعض التعقل .
- ليس الامر كذلك يا تيم .
كان صوته يمزق أعصابها بقسوة ، وأسلوبه الاستخفافى يثير فى اسنانها صريرا . أرادت ان تنهض وتتركه ، لكن نزعة عنيدة فى طبيعتها أرغمتها على البقاء . أردفت تقول :- يجب ان تفهم ان هذه مهمة يتوجب على القيام بها بغض النظر عن رغبتى تجاهها. فأنا لا أرغب شخصيا فى ملاحقة شخص مجهول ف اسكتلندا فى الوقت الحاضر . لكنى وعدت !
- كنت حينها مضطربة بطبيعة الحال! ليتك تفكرين بعناية يا حبيبتى ... فالوعود ...
ولأول مرة تردد واحتار خوفا من ايلامها ، فأكملت عبارته بجمود :- تقصد الوعود التى تقطع على فراش الموت .
- أعتقد انى أقصد ذلك، لكنى ما نويت ان أقوله بهذه الفجاجة. أعلم ان كثرة من الناس تستصعب رفض الطلبات فى وقت كهذا.
أضاف سكرا الى قهوته معطيا لنفسه وقتا للتفكير. ثم سألها:- أتسمحين لى بالصراحة يا سوزان؟.
أومأت وبشئ من الحذر ، فتابع وبصره يجول بلطف فى محياها الناعم الجميل :- أدرك شعورك تجاه أهمية هذه الرسالة . ولكن فيما يتعلق بك، لم أكن أثق بأمك فى حياتها ، واخشى انى لا أثق بها حتى الان .
- أرجوك ...
لكنه لم يسمح لشهقتها المعترضة بأن توقفه عن الكلام :-
- اسمعينى الى النهاية لأنى لا أقصد سوى مصلحتك . كنت أشعر احيانا ان أمك لا تحبك كثيرا، واستغرب هذا بأعتبارك ابنتها الوحيدة. فلطالما رأيتها تنظر اليك نظرات غريبة وكأنها لا تأبه كثيرا لما ترى . كأنك تذكرينها بشخص لا تحبه. فضلا عن انك لا تشبهينها البتة. لكن من ناحية أخرى.كانت معظم الوقت تتشبث بك بتملك، وأحيانا ترفض ان تدعك تغيبين عن بصرها. تذكرى كيف أصرت على أن تجدى عملا فى الجوار بعد تركك الجامعة ، أرادتك دائما قريبة منها ، وهذا ليس اثباتا لمدى حبها لك. قد يكون السبب افتقارها الى الامومة الحقة، فلم العجب الان اذا أبديت شكوكى فى طلبها الاخير؟.
آلمتها منطقية كلامه فجفت شفتاها وشحب وجهها . لم تدرك انه كان واعيا لهذا المقدار من الحقائق! لم تشك كثيرا فى أن اهتمامه كان بدافع ذاتى . لكن انى له ان يدرك كم يتألم المرء حين تخضع مخاوفه وظنونه الخاصة لتحليل قاس كهذا ! ان علاقتها المشتركة مع أمها كانت شيئا لم تشأ ابدا ان تبحثه مع أحد، ولا مع تيم بالذات، ذى النظرة الموضوعية للامور.
لهذا أجابت اخير ببرود:- أفضل عدم بحث الموضوع.
عاد صبره ينفد وهو يراقب عينيها تتسعان تحت أهدابها الداكنة بنظرة دفاعية، وتمتم غاضبا:- أعتقد أحيانا انى لا أفهمك بالمرة يا سو .
وكادت ان تجيبه: (انا ايضا لا أفهمك معظم الوقت ). لكنها ابتلعت الجواب . فهو برغم كل شئ، كان عطوفا وساعدها كثيرا فى الايام الاخيرة، وبدا انه الصديق المقرب والوحيد فى حياتها . كان ايضا الرجل الوحيد فى دائرة معارفهما الصغيرة التى تقبلتها امها بلا أعتراض . نظرت اليه بكآبه وقالت :- حاول ان تفهم وتتحمل يا تيم، فالحادثة ما تزال جديدة.
- انى أحاول يا سو .
سمعته يتنهد ، ثم بدل تكتيكه فجأة فتوسلها بلطف محيرا اياها كما كان يفعل لدى انقلاباته هذه. غطى يديها بكفه المتقلص وقال :- حبيبتى لماذا لا نتزوج لأستطيع الاعتناء بكل شئ عنك. انى واثق من ان أمك كانت ستوافق اذا تزوجنا سأضطلع بكل شؤونك ، واذا أصريت، سأرافقك لتسليم تلك الرسالة الغامضة ربما فى عطلتى المقبلة أو فى نهاية اسبوع طويلة .
- أواه يا تيم !.
تجمع الدمع فى مقلتيها وتمنت لو تتمالك أعصابها...لفتة عطف واحدة ما تزال تبكيها ! منعت دموعها من السقوط وقبل ان يتنبه تيم لتأثرها . انها لم تبلغ العشرين بدون ان تقيم صداقات مع الجنس الاخر . كلنت صبية معافاة وتحب الاستمتاع والمرح، لكنها لم تستمتع فى الحقيقة بمعظم تلك الصداقات لأن امها كانت تبذل أقصى جهدها لاغاظة هؤلاء الشبان، ولم تتمكن ابدا من الاحتفاظ بهم بعيدا عن امها التى كانت تجد فى كل منهم سيئة ما تظهرها بوضوح فتتلف صداقة مرحة انما قابلة بسهولة للتحطيم .
تذكرت سوزان هذا وتساءلت لماذا كانت تستسلم لامها بسرعة . كان يضايقها احيانا انها وصلت هذه السن من دون ان تعرف الحب. هل هى مثل أمها تخلو من اية طاقة حقيقه على الاحساس بمشاعر أعمق ؟ أو ربما العواطف التى حلمت بها كانت غير واقعية كليا، والاحاسيس الدافئة المجنحة مجرد أسطورة؟ كانت مولعة بتيم معظم الوقت فهل كان هذا كافيا يا ترى؟ لكنها نبذت فكرة الزواج منه حالما طرقت ذهنها. لايمكنها ان توافق. ليس الان. ليس قبل ان تتأكد تماما .
ارتجف
صوتها قليلا وهى تحاول اخفاء ترددها وقالت :-آسفة يا تيم لايمكننى الزواج من أى كان فى الوقت الحاضر.
نظر الى وجهها الشاحب والمتورد قليلا ، واعتقد أنه فهم السبب . لقد استعجل عليها ولم يمض وقت طويل على فجيعتها. ضغط يدها مطمئنا وقال :
- لاتقلقى يا حبيبتى سأكرر طلبى فى مرة أخرى ، انما فكرى فى الموضوع .
ثم نظر الى ساعته بقلق وأضاف :- لكن عدينى الا تتصرفى فى الموضوع الاخر قبل أن تعلمينى .
تمنت لو أنه يتوقف عن مناداتها حبيبتى ، فقد يترك ذلك أنطباعا سيئا لدى الناس . شعرت ايضا بفيض من الارتياح لكونه جمد فكرة الزواج ،لكنها لم تشأ ان تعده بأى شئ ، ولا حتى باطلاعه على تفاصيل عابرة عن تحركاتها، فقد يفيدها الابتعاد عنه لفترة ، ومن الافضل الا تصارحه بهذا تحاشيا لايلامه. هزت كتفيها وقالت بعد ان نظرت اليه بسرعة:-لست متأكدة مما سأفعله.
حملت حقيبتها استعدادا للخروج وأشار هو الى المضيفة طالبا الحساب. وهنا أضافت:- لن أتاكد قبل ان أقابل محامى والدتى . لدى موعد معه اليوم بعد الظهر .
واجهتها ريح صيفية جافة حين افترقت عنه خارج المطعم، فشقت طريقها نحو موقف الباص. خسارة فى هذا الطقس المشرق ان لا تذهب مشيا. لكن الريح كانت مزعجة تطيح بالنفايات الصفيرة وتنثر الغبار الناعم حول قدميها. كان هناك تلميذ بادى الضجر ، يمرغ أصابع قدميه فى الغبار فقاومت رغبة فى الحذو حذوة. شدت قامتها وقالت لنفسها بحزم ان لندن، حتى فى شهر آب اغسطس، لاتخلو من الملاحة، وانها اذا لم تكن تحب العيش فى مدينة كبرى فهناك ألوف يحبون ذلك. أمها أحبت لندن ووجدت فى شوارعها المكتظة ما كانت تصبو اليه من مجهول .
تنهدت بضيق وقفزت الى الباص حين وصل، مختارة الجلوس فى طبقته العليا، وراحت تحدق عبر النافذة الى صفوف البيوت والحوانيتالتى كانت تعترض بصرها ثم تذوب وتتحول الى بقع تافهة . وسرعان مااجتاحها احساس واضح بالحرية ، احساس بأنها تستطيع لاول مرة فى حياتها ان تختار ما يسرها من أمكنة السكن والعمل. هناك بالطبع مشكلة الشقة لكن اخلاءها سهل، كذلك عملها الحالى فى مكتبة الحى يمكنها لرحتفاظ به ريثما تجد عملا تدريسيا ثابتا. فبعد رحيل امها لا يوجد من يضطرها الى البقاء هنا . تيم سيتقبل فى النهاية رفضها الزواج منه، واذا شاء برغم ذلك ان يظل على اتصال بها فلن تمانع .
لم يدعها المحامى تنتظر طويلا. كان رجلا شابا، ذا عقل كمبيوترى واسلوب أشبة بجهاز النقل فى تعامله مع الزبائن. دعاها فورا الى الجلوس وعزاها بصوت رسمى رفيع النبرات. وبرغم ذلك سرتها ضيافته الجدية ووجدت فيها تغييرا مريحا لعطف تيم الخانق فى معظم الاحيان . جلست على المقعد الذى اختاره لها وواجهته بوقار . قال لها وعيناه الرماديتان تحتويانها بلا ابتذال:- كنت خارج لندن ولذا تأخرت فى الاتصال بك. أملاك امك لاتشكل اية معضلة، أنما هناك شئ غامض بالنسبة الى .
انتظرت بصبر حين توقف عن الكلام وأخذ يبحث عن ورقة على مكتبه. لم تلتق هذا الرجل من قبل مع ان امها استشارته مرتين حول قضايا بسيط. انها لم تسمع بوجود أملاك. لعله يقصد بعض الباوندات التى قد تكون امها تركتها فى المصرف. وعندما تذكرت سو مال التأمين
فقالت للمحامى:- اعتقد ان والدى ترك تأمينا . فبعد موته، كانت امى تتلقى مبلغا شهريا منتظما. لم تذكر لى قيمته، ولا أعتقد انه سيساوى كثيرا بعد التضخم. أى توفى والدى قبل أن أولد وهذا المال ساعدنا كثيرا. أظن انه من واجبى الان ابلاغ الشركة بوفاتها. كانت سخافة منى ان أنسى هذا الواجب.
اتعسها عرضها المشوش للحقائق والالم الذى أحدثه ، فقلصت يديها فى حضنها.
وجد المحامى ما كان يبحث عنه وحين نظر اليها بأمعان لاحظ الضيق فى عينيها الغائمتين فقال بهدوء:- لا تقلقى لهذا التأخير يا انسه غرينجر، لكننى أردت فى الواقع ان أحدثك بشأنه، فأمك ذكرت قضية التأمين منذ وقت بعيد، انما حين استفسرت عنه فى المصرف اتضح ان لا تأمين هناك. بالطبع كان يضاف مبلغ الى حسابها كل شهر لكنى لم أتوصل الى مصدره. فهل لديك معلومات توضح المسألة؟.
فاجأها الخبر فأحست خواء فى داخلها. اذا لم يكن هناك تأمين ولا سبب يدعوها الى تكذيب المحامى فمن اين كان المال يأتى ؟ سألته:- أأنت متأكد من عدم وجود غلطة ما؟
- الغلط ليس واردا بالتاكيد.
تقبلت جزمه بانهزام وراح ذهنها يبحث عن تفسير معقول. لم تتوصل الى نتيجة فدب فيها الخوف.
- انا لا أملك الا الرسالة.
قالت العبارة همسا وشعرت فورا بالذنب. ولكن ما عساها أن تفعل غير هذا؟.
- رسالة ؟ هل يمكننى الاطلاع عليها؟ ومد يده منتظرا.

هدية للقلب 10-07-11 06:49 PM

أجفلت داخليا وهى تخرج الرسالة من حقيبتها وقالت :- أسفة. لقد وعدت أمى بأن اسلمها لصاحبها بدون ان افتحها. لكن اذا كان العنوان يساعدك فلا بأس ان تطلع عليه.
تناولها من أصابعها الباردة بدون ان يعلق على عبارتها الغريبة وقرأ العنوان بامعان. ثم قال:- انها معنونة الى السيد جون فريزر فى غلنرودن، بيرتشاير وبخط أمك ان لم أكن مخطئا.
تناول احدى الاوراق وقارن الخطين ثم أومأ قائلا:- الخط واحد فلدى هنا توقيع امك . لكن اليس لديك فكرة عن مضمون الرسالة؟.
- كلا. لكنى مزمعة على زيارة اسكوتلاندا فى أسرع وقت فلعلى اكتشف مضمون الرسالة؟.
- ربما . هل حدث وسمعت شيئا عن السيد فريزر هذا ؟
هزت رأسها سلبا وقالت :- كل ما أعلمه ان والدتى لم تذهب ابدا الى اسكوتلاندا ، كذلك لم تبارح لندن. كانت تقول ان اسكوتلاندا مكان مقفر بارد.
- وهل صدقتها؟.
- ليس تماما. أعتقد انها كانت ستغير رأيها فى حال أقنعها أحد بزيارتها. انى أحاول فقط ان أفسر استغرابى لهذه الرسالة ولا أعرف مطلقا من يكون هذا الرجل.
- وحتما لن تفكرى بفتح الرسالة؟ ان الاطلاع عليها قد يوفر ... متاعب كثيرة على المدى البعيد.
- كلا لايمكننى بحال أن أفتحها.
لماذا تردد قبل أن يقول متاعب ؟ ثم الا يدرك بأنه يطلب المستحيل؟ ربما هو كما تيم يظنها بالغة الدراماتيكية. أثقلتها الحيرة فاشاحت عن المحامى.. لقد وعدت امها ، والوعد وعد مهما تكن الظروف .
قال :- فهمت .
لم يعلق بكلمة اخرى أحسته يتفرس فيها متفحصا، وأخيرا تابع:- اذن سننتظر نتيجة زيارتك لبيرتشاير لنتصرف فى ضوئها. رحلتك قد تكون مفيدة من عدة نواح واذا لم تكن لن تؤثر عليها خسارة اسبوع او اثنين.
كانت لاتزال تفكر فى تعليقاته الغامضة حين أقتربت بعد اسبوع من ادنبرة قبيل الغروب.
- ظلى على اتصال بى واعلمينى بكل ما يحدث معك.
قال لها لما اخبرته لتودعه. لقد أظهر ذعرا ، كما فعل تيم، حين أصرت على الذهاب بمفردها. بيد انها لم تخبر أيا منهما بان أمها توسلت اليها الا تصطحب احدا . تيم حاول أقناعها بان قرارها خال من المنطق تماما، واستاء للغاية حين رفضت الاصغاء اليه. ان مجيئها بمفردها أفضل بكثير ففى حال كانت الرسالة تتضمن اخبارا سيئة فلن يكون معها احد يشهد ذلها. ومن عادة تيم ان يجهر تعليقاته الشامتة حين تظهر الاحداث انه لم يكن مخطئا .
وبرغم الجدل حول مهمتها وبرغم تخوفاتها الخاصة، تلفتت سو حولها بلهفة وسيارتها الصغيرة تنهب الاميال بلا أى خلل أو ابطاء. كانت تخص أمها التى ابتاعتها رخيصة بمال ربحته فى احدى المسابقات. لقد أصرت على ان تتعلم سو القيادة كى تتمكنا من التنزة معا فى نهايات الاسابيع . ضريبة السيارة كانت مدفوعة حتى نهاية السنة ولكن بعد عودتها الى لندن لابد لسو من التخلى عنها توفيرا للمصاريف.
تنهدت ثم أخذت تفكر فى رحلتها لتحول أفكارها الى قناة أبهج .كانت رحلة جيدة لغاية الان. لقد ودت ان تقضى وقتا أطول فى يورك حيث الكاتدرائية الساحرة ، لكن الطقس كلن رائعا ومشجعا على متابعة السفر توفيرا للوقت . شمالا، وبعد اجتيازها منطقة تاين وتيز الصناعية الخانقة رحبت بالتلال والجبال. توقفت قليلا فى بلدة ألنويك التاريخية الحدودية لتناول الغداء ثم تابعت السفر بلا توقف. الان شعرت بالتعب وتثاءبت وهى تقود سيارتها على طريق دالكيث. ربما كان من الغباء ان تقطع هذه المسافة فى وقت قصير كهذا
انما كان فى داخلها شئ يحثها على التقدم، فضول عميق للتعرف الى هذا الرجل المدعو فريزر، الى هويته وشكله فضول ممزوج فى غرابة بمشاعرها الغاضبة تجاه امها لانها لم تأت على ذكره الا بعد ان فات الاوان علىأى تفسير.
لاشك انه كان شخصا مهما بالنسبة اليها فى احدى مراحل حياتها، تيم محق على الارجح ففى مكان ما قد يكون هناك خال أو جد هجرته امها يوما. هذا الشخص موجود حتما والا لماذا شعرت امها بعذاب الضمير؟
ادنبرة عاصمة الشمال الرمادية ، هى حقا مدينه جميلة وبهية. لدى وصولها اليها أخذت سو انطباعات خاطفة عن النباتات الرائعة والشوارع الفسيحة المحددة بعمارات سكنية عالية وأزقة ضيقة. القديم والجديد جنبا الى جنب! تقدمت ببطء وبلا تذمر عبر حركة سير مسائية متكاثفة . اهتمام مثير بدأ يمحو تكاسلها السابق ، وازدادت حماسة وهى تتأمل ما حولها لدى تباطؤ السير. على جسر ويفرلى ودخولا فى برنسس ستريت أحست ألقا أيجابيا يعود اليها.
لكن الالق خبا قليلا لدى بحثها عن مكان تنام فيه. طرقت عدة فنادق بلا جدوى ، فى النهاية استعانت بمركز الاستعلامات فأمن لها غرفة مرتفعة الاجر . كل الفنادق مكتظة بسبب المهرجان السنوى الذى يؤمه الناس من كل صوب. هكذا اخبرتها موظفة الاستقبال فى الفندق.
ولما استتبت فى غرفتها احتارت أى ثوب ترتدى للعشاء ، لكونها لم تحضر معها ثيابا رسمية سوى تنورة طويلة سوداء لم تتوقع ان ترتديها. وحين استعرضت الاثاث الفاخر حولها قررت ان تلبسها مع بلوزة بيضاء طويلة الكمين.
كانت جائعة فاستحمت ولبست بسرعة وهبطت الى المطعم. ولأول مرة منذ غادرت لندن قرصتها الوحشة اذ وجدت نفسها وحيدة وسط الازواج وأفراد العائلات الضاحكين حولها. انه وقت المهرجان والجميع يلهو ويستمتع . هزت كتفيها وذكرت نفسها بأنها لم تأت بقصد الاستمتاع.
طلبت طاولة هادئة. فقادها رئيس الخدم الى واحدةوهويرمقها باستحسان. تبعته غير شاعرة بأنها فى ثوبها الرسمى وشعرها الاملس المسحوب الى خلف بشريطة مخملية تبدو كأنسة فكتورية انفلتت من التاريخ.
كانت تتناول طبق السمك حين دخل الرجل صاحب التنورة. لقد قيل لها انها لن ترى اليوم فى اسكتلندا رجالا يرتدون هذه التنانير، وان السياح الذين يتوقعون هكذا مشهد يصابون بخيبة، لكن هذا الرجل يرتدى واحدة ! رداء رائع من التارتان( قماش صوفى مربع متعدد الالوان) يأسر النظر او بالاحرى الشخص الذى يلبسه! رجل جبلى وسيم، فارع القامة مديدها! انحبس النفس ضيقا فى حلقها. كان طويلا اسمر. تبدو الثقة واضحة فى كل خطوط جسمه المتين وفى شموخ رأسه . ولحظت سو قبل ان يجلس كيف تطوحت التنورة برشاقة حول ردفيه. وبجهد ازاحت بصرها عنه لئلا يراها تحدق اليه. كانت معه رفيقة فتاة تكبرها سنا انما اصغر من الرجل فى أواخر عشريناتها ربما.
كانت انيقة ترتدى التارتان ايضا مع وشاح داكن على كتفيها. كانا كأخوين تقريبا فتقاسيمهما تبدو مجبولة بالاعتداد الشديد نفسه.
ركزت سو على طعامها وهى ترفض صبغ مشاعرها العاطفية بطابع الجد، وتعزو تشتت ذهنها الى فجيعتها الاخيرة والمسؤولة بالتاكيد عن تصرفها الانف وكأنها تلميذة مراهقة سريعة الانفعال!
وفجأة، احست بنظرة مباشرة تسلط عليها وتجذب بصرها كما المغنطيس. رفعت عينيها بالرغم منها لترى صاحب التنورة يحدق اليها كما حدقت اليه من قبل. كانت عيناه تستقران على وجهها بدون طرفة جفن وبتركيز حاد وكأنه يرى شبحا.
وبصعوبه اشاحت بصرها عنه. سرت فيها رعدة غريبة وضايقها ان يتمكن هذا الغريب من التأثير عليها بعينيه فقط. هل ان امعانها السابق به جذب اهتمامه بها؟ اخجلتها الفكرة ألهبت الدم تحت جلدها . امتعضت لتصرفها الجبان، ولخوفها من انفعالات مخجلة لاحقة، تناولت حقيبتها وغادرت المكان بسرعة.
وفى احدى قاعات الاستقبال الفسيحة غرقت فى مقعد وثير مرغمة نفسها على الاسترخاء . ان الرجل بالكاد لاحظها ، وهى تصع من الحبة قبة . ثم لماذا يهتم بفتاة غريبة مثلها، وبرفقته فتاة ساحرة أخاذة؟ فى أى حال طمأنت نفسها لن تراه مرة اخرى فهنا ستضيع وسط الرواد الكثروخليط الطاولات والمقاعد الوثيرة، وستتمكن من الاسترخاء قبل العودة الى غرفتها . الوقت متأخر وعليها ان ترحل باكرا .
احتست قهوتها باطمئنان وتركت رأسها يرتاح على طراوة المقعد. الجلبة خفت حولها وأدركها التعب ، فأغمضت عينيها وكادت تنام.
صوته المفاجئ أجفلها بقوة وجعلها تنتصب جالسة بذعر وتتورد مرتبكة. قال :- مساء الخير . أعتقد انى مدين لك باعتذار.
كان صوته عميقا كامل الرجولة ككل شئ فيه . قربه منها فارعا ومتألقا فى ردائه الفولكلورى كان له وقع اسوأ من الوقع السابق . شعرت وكأنه يمد يده ويلمسها، فاكتنفعا الذعر حين تشابكت نظراتهما.
- عفوا.
كلمة خاوية لفظتها بصعوبة وهى تتشبث بذراعى المقعد. لم تجد شيئا آخر تقوله. لماذا يتصور انه مدين لها باعتذار؟ الا اذا !
- أظن انى اخفتك فى قاعة الطعام.
تابع يقول وكأنها لم تتكلم، وهو يتحرك حولها ويزيح فنجان القهوة الذى لامس تنورته. تسمرت فى مكانها ولاحظت توهج الخاتم الماسى حول اصبعه. وطوال الوقت كان يحيطها بنظرته الثابتة، معريا اياها من ثقتها الذاتية. تمعن فى محياها البيضاوى الناعم شعرها الاشقر عينيها الدخانيتين، اهدابها الداكنة وقال:- لدى شعور بأنى رأيتك قبلا فى مكان ما . كنت أحاول التوصل الى هويتك لكنك غادرت فجأة وبدون ان تنهى طعامك. وفورا احسست بالذنب.
- أحسست بالذنب؟.
رمشت بحيرة ورمقته بارتباك وشك فرأته يبتسم ويمعن فى جرأته انها حتما أقدم لعب الاصطياد فى العالم ! لقد أثارت اهتمامه فأراد التعرف اليها والا لماذا يهبط رجل مثله الى مستوى منحرف كهذا؟ وللحظة قصيرة تملكها الغضب لكنها سرعان ما أخمدته بشئ من التعقل. فرجال فى مستواه لا يلتقطون الفتياتبهذا الشكل كما لا يجب على الفتيات مثيلاتها ان يفكرن بهذا الاسلوب الرخيص. اذن لماذا تقرب منها هكذا ؟ الانه شعر غريزيا بانجذابها اليه ؟ قالت فى برود :- أخشى أنك اخطأت الظن فانا واثقة من اننا لم نلتق أبدا من قبل . ربما أنت تعرف فتاة تشبهنى. والان استأذن...
لم يحاول نفى تأكيدها ولم يتزحزح بل استمر يعلو عليها ويرمقها عن كثب متفرسا فيها بغرابة. لذا لم ينتبة كلاهما لوصول الفتاة الاحين تكلمت وسألته:- ماذا تراك تفعل هنا يا حبيبى؟ فهمت منك انك ستنتظرنى عند مكتب الاستعلامات؟.
ثم شخصت الى وجه سو المتوتر واضافت بحدة:- لم أعلم انك تعرف احدا هنا.
توقفت سو عن تناول حقيبتها وأدارت رأسها تتأمل الفتاة عن قرب. لم تكن مراهقة بأى حال انما جميلة . لكن وجهها كان يتميز بقسوة معينة تتعارض مع الرقة الذائبة فى نظراتها الى الرجل. من هنا تأكدت سو انها ليست شقيقته. فليس هناك أخت تنظر الى أخيها هكذا.
وقبل ان تتكلم قال الرجل باقتضاب وكأنه لم يرحب بوصول رفيقته المؤقت:- انك تطيلين الوقت عادة فى اصلاح زينتك يا كارلوت . كنت فقط أكلم هذه السيدة الشابة لتصورى انى رأيتها قبلا فى مكان ما ، لكن يبدو انى كنت مخطئا على اى حال انها تبدو وحيدة ولعلها تقبل دعوتنا الى فنجان شاى.
اقتراحه أخل فجأة بأنفاس سو. رمقت الفتاة بارتباك فرأتها تحدق بالرجل بعبوس وتعجب واستياء وفى عينيها ادانه واضحة لتقربه من سو وسمعتها تعترض بصوت جليدى :- لكنها لا تعرفنا البتة.
- سنعالج ذلك بسهولة .
عاد ينظر الى سو ومد يده بتهذيب قائلا:- أنا ميريك فيندلى وهذه الانسة كارلوت كريغ.
لم تتعجب سو كثيرا لعدم اهتمام كارلوت بالتعريف . تجاهلته تماما وأخذت تحدق الى ميريك فيندلى وكأنه فقد عقله، وارتفع صوتها الى نبرةشبة هستيرية:- لقد نسيت يا ميريك ان امى تنتظرنا . لقد تأخرنا بما فيه الكفاية.
فأجابها:- لن يضيرها ان تنتظر دقائق أخرى.
وعاد ينظر الى سو المرتبكة ويسجن نظراتها بعينين مهددتين كأنهما بركتا ظلام.
أحست سو وكأنها ذبابة تسقط فى شرك فيما العنكبو يترصدها ويلاحقها بقسوة . كان محياه الداكن يحوم فوقها بتعبيرات مبهمة فتوقف قلبها للحظة عن الخفقان. فقدت كل ارادتها وأحست ارتخاء غريبا فى مفاصلها. أذعرها الشعور ومرة اخرى برقت شفتاه بابتسامة خفيفة وكأنه أحس بعجزها عن الحركة.
وفجأة لفح الغضب ذهنها وجسمها المخدرين اذ خطر لها انه تصرف معها هكذا ليثير غريزة رفيقته او ليغيظها بشكل ما . انه احتمال مرجح ولطالما علقت امها على الوسائل الملتوية لبعض الرجال!
التهبت خداها ونهضت بسرعة متجاهلة يده الممدودة: واستدارت الى كارلوت تقول بعذوبة:- اعتذر ان كنت قد اخرتكما عن موعدكما بدون قصد. لا تجعلانى أؤخركما أكثر وانا أكيدة بان السيد فيندلى لم يدعنى الا من باب التهذيب.
عضت شفتها بخيبة واعتبرت الحادثة منتهية بالنسبة اليها. انحنت لتتناول شالها فرأت اليد التى تجاهلتها تلتقطه بالنيابة عنها وقبل ان تستطع الاعتراض فرشه على كتفيها فأرعشها ملمس أصابعة عبر قماش بلوزتها الرقيق. خفق قلبها متسارعا فجمدت مسلوبة الاعصاب تشاركه النظر بعينين متسعتين. وخلال الصمت اللاحق قالت:-تصبح على خير .ثم هربت قبل ان يستطيع الكلام.
شرارة انتصار واحدة أنارت طريقها وهى تعود مهرولةالى غرفتها. لقد استعانت ببعض التعقل فلم تذكر اسمها لميريك فيندلى!
نهاية الفصل الاول

فداني الكون0 12-07-11 12:32 PM

يعطيج العافيه

هدية للقلب 12-07-11 02:43 PM

شكرا حبيبتى ويعطيك العافية :8_4_134:

هدية للقلب 12-07-11 02:44 PM

2- لقاء المارد
اطل الصباح التالى ضبابيا رماديا مع انسكاب مطر ، فبلل المعنويات والثياب معا. لكن سو شعرت ازاءه بامتنان غريب اذ رحبت بأية تغطية يمكن ان يزودها الفضاء الغائم بكثافة.
(طقس آبى اغسطسى نموذجى) علقت موظفة الاستقبال وهى تبتسم بالتواء لكن سو لم تعر التعليق كثير انتباه وهى تسارع فى دفع الحساب قبل ان تلتقط سيارتها من المرآب .لم تر الا القليل من ادنبره وهى تغادرها، حتى القلعة كانت بالكاد مرئية تحت خيمة الغيوم التى تلفها، فقط تمثال سكوت (الشاعر والروائى الاسكتلندى) بدا واضحا خلال عبورها برنسس ستريت. وهنا وعدت نفسها مجددا، كما فعلت فى يورك بأن تقضى فيهما وقتا أطول لدى عودتها كى ترتاد معالمهما جيدا. تنهدت وهى تضغط فى ندم على دواسة الوقود فهى على ما يبدو تقوم بالاشياء بالمقلوب.
حثها شعور مؤلم على العجلة فخرجت من المدينة فى سرعة عبر جسرالشارع الرابع الى تلال فايف،ركزت كليا على الطريق المبللة الزلقة،وعلى المطر المنهمر على زجاج السيارة الامامى. كان عليها ان تفكر بأى شئ ينسيها الليلة الماضية الحادثه المقلقة فى الفندق. فهى ما تزال ترتعش لدى التفكير فيها. لم تكن تتصور ان تلتقى ميريك فيندلى مرة أخرى، ولا هى ترغب فى ذلك، هكذا طمأنت نفسها انما، وبسبب صدفة غريبة، ما انفك قلبها يخفق كلما فكرت فيه، وماتزال تحس رفة ندم غريبة تتصارع مع رغبتها فى النسيان.
من الواضح ان ميريك فيندلى كان ايضا عرضة لتندمات من نوع اخر ، فهى لم تر له أثر حين تناولت فطور الصباح.تناولته فى عجلة لخشيتها من احتمال لقائه، لكن قلقها كان فى غير محله. فالطاولة التى احتلها فى الليلة السابقة كانت خالية ، وكارلوت لم يظهر لها اثر هى الاخرى.
لذا لم يسع سو الا ان تقرر جازمة بان استنتاجاتها كانت صائبة. كان ميريك يستعملها ككماشة صغيرة لينتزع بعض الغيرة من صديقته الجميلة. الناس لا يتورعون عن فعل اغرب الاشياء من اجل حماية عواطفهم... لكن استحالة اقدام ميريك على تصرف كهذا استمر يعذب آمالها واضطرت لبذل مجهود قوى كى تحول افكارها الى اتجاهات اخرى، ولتطرد من ذهنها وجهه الجذاب الى حد الخطر. لايجب ان تسمح لاى شخص ولأى شئ ان يشغلاها عن ايجاد غلنرودن والسيد فريزر الغامض.
كانت الرؤية محددة بسبب المطر والضباب، ولما انقشع الجو اخيرا واشرقت الشمس حمدت سو ربها. هنا، ادهشها ان ترى الريف قليل الوعورة. كانت اراضيه متدحرجة ذات حقول شاسعة وبيوت زراعية كبيرة.
لكن بعد اجتيازها بيرث تغيرت طبيعة الارض فاصبحت جبلية برية ، وبعد دانكلد واجتيازها الطريق العام، احست بوحشة الغابات تكتنفها وتضغط عليها. استعانت بخريطتها لتحاشى اتباع المنعطفات الخاطئة. وبعد ان قطعت عدة اميال ووصلت قرية هناك قررت ان تتوقف وتستعلم عن الطريق . فلابد انها اصبحت قريبة من المكان ، والاستفسار عن الوجهة الصحيحة يوفر عليها اميالا طويلة . هذا ما قالته فى نفسها وهى توقف السيارة امام حانوت القرية .
- غلنرودن؟.
هتفت المرأة الكهلة عبر الفاصل الخشبى جوابا على سؤال سو المتلهف، وقد استغربت امتلاء الحانوت بالناس بالمقارنة مع وحشة الريف المحيط بالقرية. شعرت بخديها يتوردان قليلا حين استدارت اليها عدة وجوه ترمقها فى فضول.
- لاشك انك تريدين جون فريزر.
تابعت المرأة فيما اومأت سو برأسها مرتبكة وقالت :- أو ربما تستطيعين ...
فقاطعتها امرأة اخرى بلهفة :- اعتقد ان السيد فريزر يشكو التواء فى كاحله. هكذا اخبرتنى جارتى هذا الصباح. لقد لواه فى حقل الخليج (نبات منخفض فى الجزر البريطانية ) ولذا ستجدينه فى البيت حتما.
لم تجب سو بل وقفت صامتة تتلقى الارشادات من المرأتين معا. قالت احداهما:- تقدمى مسافة ميلين فى خط مستقيم، خذى يمينك مرتين ثم يسارك مرتين. لن تضيعى المكان .
وقالت صاحبة الحانوت:- هناك بيتان، واحد كبير واخر اصغر منه . جون فريزر يقطن الاصغر.
ثم نظرت الى سو مقطبة واضافت بدون ان تتوقف عن تلبية الزبائن:- يبدو لى انى رأيتك من قبل فى مكان ما .
- لا أعتقد ذلك.
اجابت سو فى شبه ابتسامة وشكرتت المرأتين على مساعدتتهما، ثم اردفت وهى تتراجع فى عصبية صوب الباب:- لم ازر هذا المكان من قبل لذا استبعد ما تقولين .
خرجت الى سيارتها مهرولة وصدمة قارصة تسرى فى كيانها. لقد جاءت لتبحث عن هذا الرجل المدعو فريزر ولكن عثورها عليه سحق فيها املا واهيا بأن لا يكون موجودا . حاولت بقنوط مقاومة رغبة فى العودة الى لندن، وهى تدرك فى الوقت نفسه بانها لا تحب ان تنقاد لميولها الجبانة هذه. اجفلت كسائر فى نومه يوقظه احدهم بقسوة، وادركت انها امام خيار واحد فقط. لان اى تصرف اخر كفيل بأن يحرمها راحة البال فى المستقبل.
ادارت محرك السيارة بحركة آلية فاعادها الهدير المفاجئ بعنف الى الواقع. ما اغباها تجلس هنا وترتجف كورقة. كل ما عليها فعله ان تتقدم الى غلنرودن فتوصل الرسالة ثم تعود. هذه العملية قد تستغرق اقل من ساعة، اذن لا موجب لكل هذا الاضطراب وليس ثمة ما يبرر شعورها الطاغى بالتعاسة. استوت فى جلستها بحزم ثم ازاحت شعرها الاشقر بأصابعها المستمرة الارتعاش ومضت بسيارتها قدما .
وجدت غلينرودن فى سهولة وبخلاف ما توقعت. الصعوبة الوحيدة كانت فى الطريق الملتوية ذات المنعطفات المجنونة التى كادت تصيبها بدوار. فى احد الاماكن اضطرت لان تعبر مقطع نهر حيث المياه تغمر الطريق، وحين اندفعت بقوة تهاجم دواليب السيارة احست سو للحظة بالخوف، اذ تصورت فيضانا كاملا يغمر هذه البقعة من الطريق وما يمكن ان يشكله من خطر على الوافدين الغرباء، وتنفست الصعداء حين خرجت منه بسلامة.
كان النهر يصب فى خليج بدا فى الجو الغائم كثيفا رماديا، ما لبث ان حجبه امتداد من الصنوبريات فلم تعد تراه. اخذت المنعطف اليسارى الاخير وتبعت النهر خلف الوادى، وبعد نصف ساعة وجدت البيتين المنشودين، مختفين تقريبا فى غابة من الصنوبر.
داست بسرعة على مكابح السيارة اذ كادت تتخطى نهاية الطريق بلا انتباه. غيرت جهاز التبديل بضجيجوبدون براعتها المعهودة، اذ كانت تركز على ما كان يظهر من البيتين من خلال الشجر. توقفت السيارة من تلقاء نفسها واستقرت بانحناء على الحافة المشجرة .
- اللعنة!.
هتفت سو باستسلاموهى تريح ذراعيها قليلا على حضنها. وانقضت بضع ثوان قبل ان تنتبه للرجل الواقف على مطل صخرى، على مسافة غير بعيدة عنها. شهقت وهى ترى المشهد، بدا الرجل وكأنه (تيرنر) عصرى (رسام بريطانى) يرسم مشهدا معقدا من الدراما المتناهية.
لم تستطع ان تميز تقاطيع الرجل الا انها احسته ينظر اليها من مكانه العالى . لاشك انه سمع صوت المحرك فوقف يدينها بسوء القيادة من على برجه الشامخ! اشاحت عنه بسرعة وتساءلت لماذا يعلق اهمية على تصرفها والغرباء لا يفدون بكثرة الى هذه المناطق؟ لكن اذا لم يكن لديه ما يفعله فهى لديها مهمة عاجلة ... ارجعت سيارتها عن العشب وتابعت القيادة بدون ان تنظر مرة اخرى فى اتجاه الصخرة .
ومن لحظة توقفها امام البيت الصغير احست بأن كل شئ سيكون بخلاف ما تصورت. لم تستطع تفسير السبب ، وانتابها شعور غريب جدا مابين الكوخ والمدخل. انه كوخ اكثر منه بيتا، قالت لنفسها وهى تقترب منه متفحصة اياه فى تمعن. البيت الاخر يبعد عن هذا مسافة مئة ياردة تقريبا ويبدو مهيبا وسط الاشجار. لم تقدر ان تراه بوضوح لكنه بدا اكبر حجما من الاول .
كان باب الكوخ منفرجا مما اكد لسو وجود السيد فريزر فيه. طرقته فى ترقب وارتعشت فى ارتباك حين لم تسمع جوابا. حاولت مرة اخرى بلا نتيجة. احتارت فى امرها، ثم دفعت الباب بلطف وعناية ودلفت الى الداخل.
وجدت نفسها فى ردهة مربعة، متوسطة الحجم انما مكسوة بألواح دافئة وداكنة من خشب السنديان. وعدا سجادة عجمية مستطيلة لم يكن هناك اى اثاث باستثناء سلم خشبى ضيق يبدأ من زاوية بعيدة . الباب الى يمينها كان مغلقا، اما اليسارى فكان نصف مفتوح. وفيما هى تحدق اليه وتتردد فى طرقه ، رأت رجلا يكمل فتحه ويقف على عتبته.
لاشك انه جون فريزر. هبط بصرها الى قدمه، كان يقف على ساق واحدة متكئا على عصا. وفجأة اطلقت شهقة صغيرة حين نظرت الى وجهه مدفوعة بحس خارج عن ارادتها، ويقين داخلى بأنها يجب ان تعرف هذا الرجل الذى لاتعرفه ولا تتذكر انها رأته مرة من قبل .
كانت عيناه الرماديتان مسمرتين كعينيها . وقبل ان تقول شيئا سألها بفظاظة :- من انت؟
اعادها سؤاله بقوة الى الواقع ، لكن ردود فعلها الخاصة استمرت تحيرها. انها تواجه رجلا طويل القامة ذا شعر غزا معظمه الشيب... شعر اشقر كشعرها وعيناه رماديتان كعينيها، بل هو نسخة طبق الاصل عنها! رجرجت الفكرة ذهنها فى عناد وهى تنظر اليه.
- من أنت ؟.
كرر السؤال وهو لايقل عنها ارتباكا انما كان مصمما ايضا على اكتشاف اسمها . فأجابت بتلعثم لم تدر له سببا:- آسفة ... كان يجب ان اخبرك .اسمى سوزان غرينجر ومعظم اصدقائى يسموننى سو.
لم تكن مستعدة للوقع الجارح الذى احدثه تصريحها. فقد شحب وجهه وتهدل شكله العسكرى فجأة برغم ان بصره لم يفارق محياها.
وظنت للحظة انه سيقع لكن حين سارعت اليه ابعدها عنه وتمتم فى خشونة:- انى بخير . لقد اذيت كاحلى فحسب، ضرر بسيط لا يستحق الشوشرة. ارجوك ان تتفضلى.
استدار فتبعته الى قاعة الجلوس كانت ، بخلاف الردهة ، مكتظة وتشوشها كتب وصحف مبعثرة فى كل مكان. لكنها لم تحفل بذلك. توقفت معه قرب النافذة المفتوحة حيث استمر يتفحصها عن كثب.
قالت وهى تتململ متضايقة من نظرته الثاقبة:- انى ابحث عن السيد فريزر . جون فريزر.
ظل صامتا فتابعت فى عصبية :- لدى رساله له من امى . هل تعرف هذا الرجل ؟.
أومأ بالايجاب ، وذعرت سو لما اكتسى وجهه من صدمة وذهول. وسألها بصوت غريب:- ما أسم أمك. هل هو هيلين غرينجر ؟
- اجل كانت تدعى هكذا.
- كانت ؟ هل تقصدين ما اظن انك تقصدينه؟.
اومأت برأسها كيلا تتلفظ بالجواب ، ولم تندهش كثيرا حين قال فى جمود :- كانت زوجتى ايضا.
لم يصفعها الوعى الكامل للحقيقة الا حين سمعته ينطقها. اغرقتها الصدمة. فراحت تشخص اليه والعذاب يغمق عينيها ويشحب وجنتيها. هل هذا الرجل والدها؟ شبهها قد يكون عرضيا. فبأى طريقة تتأكد من الحقيقة؟.
كان مثلها مرتجا. بدأ يقول شيئا ثم عدل عنه... امسك ذراعها بلطف وقادها الى حيث الموقد . تمالك نفسه وقال بهدوء:- من الافضل ان تجلسى يا عزيزتى . وقبل ان نخوض الموضوع يستحسن ان تعطينى الرسالة. اعرف انك ابنتى قبل قراءتى لمضمونها فشكلك يؤكد لى ذلك .
اكتنفتها الحيرة وهى تجلس قبالته فى حذر. لم تجرؤ على النظر المباشر اليه. تناولت الرسالة من حقيبتها وسلمتها اليه وقد ازمعت جزئيا على ان تبقيها معه . ورجوعا الى الماضى القريب عاد اليها تحذير تيم عاليا وواضحا. ولكن كيف كان لها ان تعرف بأن جون فريزر قد يكون اباها! الان ادركت كما ادرك جون بدون مطلق شك ، وقبل ان تقرأ الاثبات الاضافى على الورق، بانه ابوها! استرقت اليه النظر وهو يقرأ الرسالة . كان طويلا ونحيلا، او بالاحرى واهيا، لكن بمجموعة كان حسنا، من نوعية الرجال ذاتها التى طالما تصورت اباها ينتمى اليها. لماذا ، لماذا تساءلت فى قنوط لماذا لم تخبرها امها الحقيقة ابدا؟ هل يعقل ان يستطيع احد الاقدام على خداع قاس كهذا؟ ثم كيف استطاعت امها ان تحفظ سرا كهذا طوال الوقت!
بالنسبة الى دور ابيها فى التمثيلية فلا يسعها ان تحزر. هناك أشياء كثيرة لا تفهمها وقد يكون من الافضل الا يحاول . ربما يحاول أبوها ان يفسرها بعد انتهائه من القراءة.
وكأنما تكهن بأفكارها رفع جون رأسه ثم طوى الرسالة وناولها اياها قائلا:- لا أدرى اذا كان يحق لى بأن ادعك تقرأينها يا سوزان، لكنها قد تفسر لك بضعة أشياء لا بد ان تعرفيها . فكلانا ، انا وأمك ، لم نفلح كثيرا فى واجباتنا تجاهك.
كان صوته واهنا بعيدا، وكأن مضمون الرسالة هزه كثيرا شعرت بأنها كانت تشهد عذابا شخصيا لايمكنها المشاركة فيه، فأشاحت بصرها عنه وحدقت الى الاوراق بين يديها، وانخرطت تقرأ التالى:-
شعور يخامرنى منذ مدة طويلة ، يا جون بأن هناك شيئا على وشك الحصول. فاذا كان حدسى صائبا ، وهو لم يخذلنى ابدا. فسوزان ستبقى وحيدة بلا معين. لهذا السبب أرسل اليك أبنتك. اذا ساورك اى شك فى أبوتك لها ، فما عليك الا ان تتأمل رسوم العائلة، تلك المجموعة المضحكة فى حوزتك، لتتأكد من الحقيقة. تركتك يا جون لأنى لم احبك يوما ، مع انى حاولت كثيرا كما تعلم. وحين تأكدت من حملى بسوزان، شعرت بضرورة الهرب. ولو لم اتركك انذاك لما سمحت لى بهجرك وأنا حامل بطفلة او ربمابطفل. كان قرارا مصيريا بالنسبة الى ، لكنى لم أندم عليه ابدا.
لن احتاج النفقة بعد اليوم يا جون لانه اذا قدر لك ان تقرأ هذا فسأكون فى عداد الاموات، انما هناك سوزان التى أرجو ان ترعاها نيابة عنى، وان تسكنها معك اذا اقتضى الامر، اعتقد انى ما ستطعت ابدا ان ازودها بالحنان كما يجب، فلعلك تفعل ذلك ايضا...
كان هناك المزيد ولا شئ فيه ينير الطريق. الرسالة بحاجة الى تشريح لاستخراج الاستنتاجات والمعلومات المطلوبة، لكنها شعرت ان تشوشها الذهنى يحول دون ذلك. سقطت الاوراق من أصابعها الرخوة فيما اخذت عواطفها تتكور وتتمدد فى داخلها. لم تتوقع مطلقا ان تعلم بوجوب أب لها هنا، مايزال حيا يرزق وليس كما جعلتها امها تعتقد . لقد كابدت الكثير ويصعب عليها هضم هذا النبأ الجديد فورا. حتى حزن والدها ، لم تقدر لغاية الان ان تسبر عمقه، فاكتشافه لوجودها قد يقلب دنياه رأسا على عقب.

هدية للقلب 12-07-11 05:58 PM

وقال جون فريزر وكأنه شعر بحاجتها الى التطمين:- سوزان قد يكون أسهل اذا بدأنا من البداية. أريدك ان تفهمى ان دهشتى تماثل دهشتك، والفرق الوحيد هو انى أكبر منك سنا وبالتالى اكثر قدرة على تحمل الصدمات، الا انى اقر بأن النبأ رنحنى نوعا.
فرمقته بشئ من القنوط وقالت :- سأذهب ان شئت . انك لن ترعب حتما فى بقائى بعد كل هذه السنين.
ثم أضافت برفة غضب مفاجئة:- انا نفسى لست متأكدة من رغبتى فى البقاء.
فأجابها وهو يبتسم قليلا:- لنؤجل هذا الحديث الى وقت اخر.
ثم تابع بصوت أمتن فيه خيط رفيع من السلطة الابوية، وعيناه لا تفارقان محياها المضطرب:- ما رأيك لو استعرضنا الامر بأيجاز. الوقائع المطلوبة فقط ، ثم نعود الى التفصيل فى وقت أخر.
شعرت ببوادر النفوذ فى كلامه فانكمشت فى مقعدها، وانتظرت فى خضوع. كان يبحث فى مشقة عن الكلمات المناسبة فتعمق التقطيب فى جبينه المجعد. ولأول مرة منذ وصولها، نسيت همومها الخاصة لتفكر قليلا بضخامة همومه، فاذا بقلبها يرق فجأة لمرأى الاعياء التناهى يجلل وجهه. مديرا ظهره للنار وقال:- تزوجت أمك عندما كنت فى الجيش يا سوزان. كنت الابن الثانى لأبوى، والخدمة العسكرية كانت مهنتى . امك أحبت تلك الحياة المرتحلة من مكان الى آخر، ومعظم اجازاتى كنا نقضيها فى لندن، او خارج الوطن اذا صدف وجودنا هناك . فى تلك الفترة لم تأت امك الى غلينرودن سوى مرة واحدة ، حين كانت جدتك على قيد الحياة. لم تنسجم فى غلينرودن ولا مع امى. فهل حدثتك بشئ عن ذلك؟.
هزت سو رأسها سلبا. كانت مستغرقة فى الاصغاء ومتلهفة الى سماع المزيد . فتابع :- كان يجب ان اتحسب لكنى لم استطع التكهن بأن اخى سيرحل قبلى . كان لا مناص لى من العودة الى مسقط رأسى لادارة الاملاك.
صمت قليلا فتجرأت سو على السؤال:- ألم ترافقك امى الى هنا؟.
- أجل لكنها تركتنى بعد فترة قصيرة وذهبت لتعيش مع أمها. عادت بعد وفاة أمها، لا أدرى لماذا رجعت بعدما عجزت من قبل عن اقناعها بالعودة. على اى حال قررنا ان نحاول ثانية لكن المحاولة فشلت . وفى آخر مره لحقت بها لأرجعها، تشاحنا بعنف وبعد ذلك ألقيت سلاحى. استطعت بالطبع ان أدفع لها نفقة شهرية منتظمة، لكن فى اخر مرة حا ولت الاتصال بها بواسطة عنوانها القديم فاتضح لى انها باعت البيت وانتقلت الى مكان اخر ولم تطلعنى بعد ذلك ابدا على مكان اقامتها الجديد .
- ألم تفكر مرة فى الطلاق؟.
- كلا عرضته عليها فى لقائنا الاخير ذاك. لكنها بدت بعيدة التفكير عنه او ربما هى رفضته بسببك أنت. فكما قالت فى رسالتها هذه لو انى عرفت بحملها بك لكانت الامور اختلفت تماما.
غزت المرارة صوته فخرج قاسيا وهويضيف:- ما كان يجب أن اسهى عن امكانية الحمل. الان فات الاوان عشرينسنة ونيف.
- عمرى فى حدود ذلك.
همست وهو يتفحص تقاسيمها الشابة فى وجوم. واضافت:- قد لا يجدر بى أن أقول هذا ، لكنى اعتقد ان أمى ما احبتنى كثيرا فى الحقيقة، وهذا يزيدنى حيرة فى كلامك.
- أمك كانت تجنح الى حب الذات والتملك يا سوزان. كلنا هكذا الى حد ما . لا أريد ضربها الان بحجر وبخاصة بعد موتها. ربما لم تحبك فى العمق بسبب شبهك الشديد لعائلتى، فأنت فى الواقع تكادين تكونين نسخة طبق الاصل عن أمى ، وبالتالى كانت تراها فيك كلما نظرت اليك، ولا يجب ان نلومها كثيرا اذا استنكرت ذلك.
وفى شرود طارت أفكارها الى تيم فتذكرت تعليقاته التهكمية القاسية . ولكى تطمس الذكرى سارعت الى السؤال:- ألم تفكر مرة فى بيع الاملاك؟.
رأته يجفل وانتابها الفضول حين تورد خداه الشاحبان وبرز تحفظ مفاجئ فى عمق عينيه.
قال:- الاراضى لا تباع بهذه السهولة يا سوزان. هذه الاملاك يحصر ارثها، ولكن كانت هناك مشكلات استغرق حلها سنوات كان ذلك قبل موت أخى ثم جاءت مصاريف الوفاة وأكلت قسما منها .
كان صوته ثابتا وقد زال التوتر من وجهها. لم تقصد سو ان تتحشر فى أملاكه وقد يصعب عليها اخباره بأنها ترغب فى طى موضوع امها . ربما تخبره ذلك فى وقت اخر ، عندما يتعرفان الى بعضهما اكثر، وحيث عليه ان يؤكد للمصرف بنفسه ان ذلك التأمين الغامض كان نفقة أمها فى الواقع. التفاصيل المطلوبة يجب ان ترسل الى لندن ، انما ليس الان . يكفى انها هنا، وهذا الرجل مستعد لتقبل بنوتها تقبلا مطلقا. عاطفة جديدة ومحيرة فى حدتها غمرت قلب سو . لقد بدأت فى لاوعيها تعتبر غلينرودن وطنها الاصلى.
وكأنه تابع مسلسل افكارها وحبذه، فقد اضاءت فمه الصارم ولول مرة ابتسامة دافئة، واستقرت عيناه على وجهها المتوتر وقبل ان تحاول شرح مشاعرها قال فى رقة:- لنعالج الموضوع خطوة خطوة يا سوزان. كلانا شاء أم أبى، يواجه وضعا غير عادى، وقد يكون من الافضل ان نتعرف الى بعضنا تدريجيا ، فكلانا يدرك وجود العناصر الاساسية الكفيلة بانجاح هذه العلاقة . انه شعور رائع بالطبع ان اعرف بان لى ابنة ، وبوسعى ان اصفح عن أشياء كثيرة مقابل امتياز كهذا. امل فقط يا عزيزتى الا تحذى حذو امك من حيث كرهها لبرارى اسكتلندا، فأنا أتوقع بالطبع ان ترسى جذورك ههنا.
أومأت برأسها صامتة وأثرت فيها كلماته بغرابة حين لمست فيها خيطا من الحساسية المدركة كانت تفتقدها تماما فى طبيعة أمها. تنفست بعمق وقالت بعد ان أشاحت بصرها عن وجهه المتعب :- قد استطيع مساعدتك فى ادارة الاملاك.
- الاملاك...
وهنا تصلب صوته وعاد اليه التوتر، ثم فجأة شاب اعياءه تهكم غريب حين تابع:- لدى شريك يا عزيزتى رجل كفوء للغاية ولا اعتقد انه سيرحب بمساعدتك. انه يعتنى بكل شئ هذه الايام، يوفر على كثير من الوقت والازعاج فأنصرف الى اهتماماتى الخاصة.
- ولكن هناك أعمال اخرى كثيرة بالطبع ... أقصد . احتارت فى ايجاد الكلمات المناسبة ثم تابعت:- ألست انت الذى يشرف على كل شئ؟.
- فى الواقع أنا مشغول بكتابة اطروحة عن المناورات العسكرية ابتداء من العام 1745. انها تحتاج ابحاثا كثيرة تشغلنى باستمرار، لكنها لا تمنعنى من زيارة الاملاك بين حين واخر .
غشت الحيرة عينيها الدخانيتين وبرغم ان التعقل حذرها من مغبة الاسترسال فى الموضوع الا ان شيئا عنيدا فى داخلها تغلب على التحذير فقالت وهى تحدق الى ما حولها فيما الانطباعات والافكار تتراكم وتغوص فى ذهنها المرهق:- أعتقد انك لم تعش فى هذا البيت دائما، بل كنت تقطن البيت الاخر الذى رأيته من خلال الاشجار.
- لم لا تطلب اليها ان تلتزم شؤونها الخاصة يا جون، بدل ان تقف امامها مسلوب الارادة ؟.
قفزت سو فى مقعدها وتوحشت عيناها لدى سماعها ذلك الصوت الذى كان يرعد فى تهديد مكشوف قائلا لها بمنتهى الوضوح انه عدوها . كم من الوقت كان يفق هناك ؟ توقفت نبضاتها ثم أرتجفت. لم تكن فى حاجة لان تنظر اليه لترى انه الرجل الذى كان فى الفندق ، وعلى الصخرة. كان ميريك فيندلى!

هدية للقلب 12-07-11 05:59 PM

- لا عليك يا ميريك ...
كلمات جون أكدت ظنونها مع انها بدت عاجزة عن سماع أى شئ عبر ضجيج قلبها. صفعتها قوته حين هاجمها بعينيه المليئتين بازدراء لا يفسر... من الواضح انه يعتبرها عدوا وهذا اسوأ من تصرفه المحير فى اليلة السابقة، وحيث لم يكن عداؤه واضحا الى هذا الحد .
نقل جون فريزر بصره بين الاثنين ، ثم رأته سو يعود ويجلس على مقعده، وعلى وجهه تساؤل وحيرة . جمعت شتات نفسها فى صعوبة وقالت فى برود :- اعتقد ان السيد فيندلى مخطئ فى استنتاجاته ، بل اعتقد ايضا انه مدين لى باعتذار، الا اذا استطاع تقديم تبرير منطقى!
فقاطعها ابوها بدهشة واضحة :- لحظة يا سو! انا الذى يحتاج ايضاحا. انكما تعرفان بعضكما على ما يبدو لكن يؤسفنى ان اراكما تتخاصمان.
فقال ميريك فيندلى بشراسة :- لم ألتق هذه الفتاة الا مساء أمس يا جون بيد انى عرفت فورا من تكون .
أجاب جون وعيناه ترمشان فى ارتباك متزايد:- انها ابنتى ولم يكن بوسعك ان تعرف ذلك.
فرد ميريك متجاهلا وجه سو الثائر :- لم تعرفنى بنفسها يا جون وما أزال أجهل اسمها لكنى أدركت من شكلها انها تمت بقرابة الى العائلة . كنت واثقا من انها ستأتى اليوم الى هنا ولقد رأيتها بأم عينى قادمة وكان يجب ان اكون هنا لأمنعها من الدخول.
فقاطعه جون باصرار هادئ:- أما سمعتنى أقول انها ابنتى يا ميريك؟.
- لا يهمنى ما تدعيه هى ما دمت أنت لا تصدق زعمها الا باثبات . دائما كنت طيب القلب يا جون وما تزال. اجمع ما تشاء من أنواع الاقرباء لكن لا تقل يوما بأنى لم أحذرك منهم .
غلى الدم فى عروق سو واتقدت عيناها بغضب عاجز. هذا الرجل يعتبرها مخادعة ، وحتى لو كان مصيبا فى افتراضه، فلا يحق له مطلقا ان يكون وقحا الى هذا الحد. تصرفه دل على اكثر من سوء خلق. كان يتقصد الايذاء وكأنه مصمم على تحطيم علاقة ما تزال هشة ليسقطها تحت حوافر هجومه المدروس. والوميض فى عينيه ان دل على شئ فعلى استمتاعه التام بحملته التحطيمية هذه!
واجهته بنظرة مباشرة وردت فى حرارة برغم الرجفة الخفيفة فى صوتها :- ثق يا سيد فيندلى بأنى ما زرت هذا المكان الا بدافع رسمى وبأنى فوجئت بأبوة جون فريزر لى ، مثلما فوجئت أنت تماما . أما بالنسبة الى بقائى أو رحيلى فهو ليس من شأنك على الاطلاق !.
خيم صمت تام بعدما انهت كلامها . عبر ميريك الغرفة وارتكز على حافة الطاولة بدون ان يسلخ بصره البارق عنها، فكادت تحس جسديا بوقع شخصيته الصلبة. كانت وكأنها ذبابة يستعد لسحقها حين احتواها بنظرة شاملة مزدرية وباردة ، ا لاقامة وقال :- لكنك صممت على البقاء يا آنسة . ايه ، هل أقول فريزر؟.
فتدخل جون بجرأة يقول :- بالطبع ستبقى يا ميريك . لو انك تهدأ قليلا لأفسر ...
- بالطبع ستبقى. ردد ميريك ساخرا، وعيناه تعودان الى جون وكأن سو غير موجودة وتابع:-ستبقى حتى تتأكد من اعجابها بالمكان، وان لم يعجبها تقفل عائدة الى لندن !.
- لن أفعل ذلك ابدا!.
هتفت سو ثائرة وصدرها يغلى كالبركان. انها تستطيع على الاقل ان تواجه اعداءها، واذا كانت ستبقى فلتبدأ معركتها الان وقبل ان يسيطر عليها السيد فيندلى ! وقفت قربه فرأت نفسها منعكسه فى عينيه الساخرتين وشعرت بضألة حجمها أمام ضخامته . لكنها ستريه ان عنفوانها كفيل بتعويض هذا الفارق كان واضحا انه يسيطر على جون فريزر ! التفتت الى جون وضايقها ارتباكه، فقالت والشرر يتطاير من عينيها الثائرتين:- هل تسمح لمديرك دائما بأن يسيطر عليك بهذا الشكل؟.
- سوزان!.
هتف والدها ثم صمت مكهرب. توردت وهمدت ثورتها فجأة يبدو انها اقترفت خطيئة كبرى ويجب ان تعتذر. لكن أباها تابع ووجهه يشحب فى غرابة:- سوزان، سبق وأفهمتك ان ميريك شريكى.
فأجابته وهى تطرف حائرة :- لكنه شريك مسيطر اليس كذلك؟ انى اعتذر عن وقاحتى وخاصة انى جديدة هنا. ولكن السيد فيندلى لم يكن دمثا بدوره.
فقال ميريك فى برود:- قد تكون سوزان مصيبة يا جون. وبدلا من التعارك السوقى أفضل ان اتفق واياها على هدنة ، ولا شك اننا سنجد وقتا وفيرا للتفاهم فى ما بعد. انى أعلم انك متزوج يا جون، وبالتالى ، من المحتمل جدا ان تكون لك ابنة . لنقفل الموضوع الان ولنبحث الترتيبات بشأن المنامة .
فقالت سو فى جمود:- لم افكر فى مكان النوم، وحتما سأجد غرفة فى القرية.
فقال جون فريزر :- لن تذهبى الى القرية يا سو ، فهذا بيتك ومن اليوم فصاعدا تعيشين معى لا أريد ان اخسرك وانا بالكاد وجدتك.
بدا تعبا واهنا فتملكها ندم ثقيل. فالنبأ الذى أتت به ازعجه ولا شك برغم انه لم ير أمها منذ سنوات طويلة . انتابتها رغبة مفاجئة فى البقاء كى تعتنى به. وهو يحتاج بالطبع الى من يرعاه لكونه يعيش وحيدا فى هذا البيت. وتمنت فقط لو يختفى ميريك فيندلى بدل ان يقف كالمارد فوقهما وبذلك التعبير المتعالى على وجهه، كى يتمكنا من التفاهم فى ما بينهما .
خاب املها وهى ترى ميريك يتمخطر صوب النافذة ثم يقف عندها والافق الغارب خلفه. ظنت للحظة انه على وشك الاستئذان ثم الرحيل ، لكنه تأمل الفضاء قليلا واستدار اليهما قائلا:-تعلم يا جون ان لا مكان هنا لاقامة سوزان، لكن هناك غرفا كثيرة فى البيت الاخر . غرفتك ماتزال ... منذ الاسبوع الماضى، واذا انتقلنا فورا فقد نجد السيدة لينوكس ما تزال هناك لتهيئ العشاء لسوزان.
- أرجوك.
قالت فى ارتباك لكن وجهه الوسيم ظل قاسيا. أدركت غريزيا انه كان معتادا على السيطرة، فما عليه الا ان يعطى الاوامر كى يسارع الناس الى تنفيذها. حسنا ، سيجد الان نفسه امام شخص لا ينفذ ! أشاحت بصرها عن عينيه القاتمتين المتحديتين وليس بدافع الخوف، فهى مستعدة جدا لمقارعته اذا شاء المقارعة ولن يجد فيهاى شيئا من خنوع ابيها .
قالت :- اذا كان هذا الكوخ صالحا لاقامة ابى فهو يصلح لى ايضا. لن أعجز عن ايجاد مكان أنام فيه وبدون ان نزعج السيدة لينوكس هذه .
استدار ميريك حانقا الى شريكه وقال فى نفاد صبر:- جون! هل لك ان تفهم هذه الفتاة بأن كيلى طفح بدون ان تضيف اليه هدرها لوقتى؟ أخبرها ان الغرف العليا نستعملها كمخازن لمختلف الاشياء القديمة البالية، وأن غرفة النوم الارضية الوحيدة ليست فى حالة أفضل. قد نحتاج شهرا لافراغ الغرف وليس لدى وقت أضيعه الان فى الجدل.
ضايق سو ان يوافق ابوها تماما على كلامه حين قال:- ميريك على حق يا عزيزتى الاقامة هنا غير مريحة. فأنا استعمل هذا البيت كمكان هادئ للكتابة، عندما أكتب، ولم أهتم بترتيبه كما يجب . انى كما ترين أعتمد على ميريك أكثر من اللزوم.
هذا واضح جدا.. قالت فى نفسها غاضبة ولكن هل من الضرورة ان يكون أبوها خاضعا الى حد الخنوع؟ أما يجب ان يصدر هو الاوامر بصفته صاحب الاملاك ؟ ربما كان من واجبها ولو لفترة على الاقل ان تبقى وتساعده على استعادة ثقته التى سلبه اياها هذا الطاغية . وربما فى البيت الاخر تصبح فى مركز افضل يمكنها من وضع السيد فيندلى عند حده !
توردت وجنتاها بلون دفاعى وهى ترمق ميريك وتقول بصوت حريرى :-سأفعل باقتراحك اذا كان ذلك يسر أبى على ان نعود للاقامة هنا بعد فترة معقولة، فأنا لا أرغب فى البقاء تحت بصرك لمدة طويلة يا سيد فيندلى .
نهاية الفصل الثانى

هدية للقلب 13-07-11 07:18 PM

3- فراشة معتقلة فى دبوس
فى الصباح التالى استيقظت على سريرها العريض المظلل، وسمحت لنفسها بعشر دقائق من الترف تقضيها مستلقية تفكر. تعب الليلة الماضية زاولها، واتسعت عيناها وهى تنظر حولها الى الغرفة الواسعة الجيدة الاثاث وتكاد تقرص جلدها لتصدق اسطورة وجودها هنا.
غرفة نومها كانتحقا كغرف القرون الوسطى، أو هكذا بدل لها لاعتيادها على الشقق العصرية وخزائنها الداخلية البراقة . الاثاث حولها لايبدو انه قد تغير منذ مئة سنة! خزائن ضخمة غامقة، طاولة زينة واسعة ذات مقابض نحاسية ومغسلة يدين ايضا، قوامها أبريق وطشت من الخزف. كلها كانت تحيط بالسجادة المربعة الباهتة التى نسجت لتدوم طويلا، ربما لمئة سنة اخرى على الاقل ! انها لم تر أثاثا كهذا من قبل عدا فى البيوت الريفية الاثرية التى كانت تزورها احيانا وحتما لم تتصور مطلقا ان تمكث فى احدها ولو لبضع ليال .
تساءلت بفضول عن شكل سائر الغرف التى لم تر منها سوى المطبخ ليلة أمس... فقبل ان يغادروا الكوخ وفيما كان جون يجمع بعض حوائجه، اتصل ميريك بالبيت الكبير هاتفيا ولما وصلوه كانت السيدة لينوكس قد هيأت العشاء ثم صعدت لتهيئ غرفة سو التى تناولت الطعام بمفردها على طاولة المطبخ.
أبوها استأذنها فى الذهاب فورا الى فراشه بعدما شكا من ألم كاحله المبرح، أما ميريك فيندلى فقد اختفى معه ولم يرجع الا بعدما غادرت سو المطبخ لتبحث عن السيدة لينوكس. كان التعب يرنحها فوقفت خارج باب المطبخ لا تعرف فى أى اتجاه تسير. ولم تكد تسمعشخصا يعبر الردهة حتى وجدته واقفا قربها .
رمقها انذاك متفحصا وقال فى سلاسة : غرفة جون الى جانب الردهة. الباب الثالث الى اليمين. أتودين رؤيته قبل ان تصعدى؟.
- نعم ، بالطبع . أجابته متلعثمة ونظرته الفولاذية تعيقها عن النظر اليه بامتلاء. فعلى الرغم من كل ما قيل، شعرت بأنها ما تزال غريبة . صحيح انها وجدت والدا، لكنها لم تشعر بعد بعاطفة قوية نحوه ، لذا غمرتها خشية غامضة من فكرة الذهاب اليه.
- ليس الامر سهلا، اليس كذلك يا آنسة سوزان ؟.
نطق الكلمات بخشونة فازداد شعورها بالارتباك . وردت عليه حينها بغضب قائلة :- وكيف له ان يكون سهلا؟ لو كنت مطلعا على الحقائق لاستطعت ربما ان تفهم موقفى .
- لقد شرح لى جون امورا كثيرة حين رافقته الى غرفته. لم تكن صعبة الادراك، لكنك بدأت تكتشفين ان الحقائق والعواطف شيئان مختلفان اليس كذلك ؟.
- ربما انت على حق .
- لو كنت مكانك لنظرت الى الوضع نظرة طفل ربيب يقابل لاول مرة اباه بالحضانة، فلعل ذلك يخفف ارتباكك.
- ولكن مع الاباء بالحضانة لايكون هناك ... روابط دم .
- روابط الدم ليست دائما مهمة كما يحلو لنا ان نعتقد. روابط العشرة الاكثر أهمية فى معظم الاحيان، وهى ماتزال مفقودة بينك وبين أبيك وقد تظل مفقودة الى الابد .
وقتها ابتعدت عنه متعثرة دونما تعليق وكرهته قليلا بسبب قسوته وعجزت فى الوقت نفسه عن نفى الصحة فى كلامه. لقد نجح ربما فى تبديد شئ من حيرتها الذهنية لكن ذلك لم يخفف نفورها منه .
- الق عليه تحية المساء بالنيابة عنى من فضلك . قالت له وهى تستدير راكضة على السلم .
لم تتذكر تماما كيف آوت الى فراشها . تذكرت فقط ان السيدة لينوكس نزعت عنها ثيابها بيدين خبيرتين، وبسرعة وجدت نفسها فى السرير. ايضا تذكرت كلامها حين تأملت وجهها المتعب وقالت باسمة:- غدا تعرين بالتحسن يا عزيزتى كنت ممرضة وأعرف هذه الامور . السيد فريزر اطلعنى على النبأ السار ، وسررت كثيرا لكونك جميلة جدا ولطالما تساءلت عما سيكون عليه شكلك.
كلمات غريبة وتبدو الان غير قابلة للتفسير. قطبت سو حاجبيها وهزت كتفيها. ربما كانت السيدة لينوكس مرهقة ولذا صاغت اراءها بطريقة خاطئة. فى أى حال، ستستوضحها قصدها بعد ان تشرب الشاى. حنينها الى كوب من الشاى جعلها تتساءل عن الوقت . ولما راحت تبحث عن ساعتها تذكرت قول السيدة لينوكس بأنها ستتغيب اليوم عن العمل. اذن لن تأتيها بشاى الصباح. الساعة جاوزت السابعة ويجب ان تسارع الى الاطمئنان عن جون .
طرق الباب فجأة وقبل ان تسمح للطارق بالدخول فتح ميريك الباب ودلف الى الغرفة. فوجئت بدخوله وما ان تدثرت بالغطاء حتى وجدته يحلق فوقها ويلقى بفنجان من الشاى على طاولة السرير. وفى غمرة جيشانها سمعت نفسها تشكره فيما كانت عيناه تنهشان وجهها بنظرة امرة جعلت رأسها يلتصق بقسوة بالوسادة كفراشة معتقلة فى دبوس.
تجاهل شكرها وقال بلا مواربة :- اشربى الشاى بسرعة السيدة لينوكس غائبة ووالدك متوعك الصحة. ربما انت مسؤولة جزئيا عن اعتلاله فعليك ان تساهمى فى العناية به.
قفزت جالسة فانزلق الغطاء من بين أصابعها الواهية، كاشفا معالم جسمها المتقلص من خلال قميص نومها الحرير الرقيق.
- ماذا تعنى بأنه متوعك؟.
سألت بصوت حاد وهى تتجاهل الشاى فتناول الفنجان وأجبرها على حمله وقال فى أيجاز:- اشربيه فوجهك الباهت يدل على حاجتك اليه. لا أريد ان اعتنى بمريضين دفعة واحدة. انى رجل مشغول وهذا التباطؤ الانثوى يقتل الوقت.
كادت ترفض الانصياع لامره ثم غيرت رأيها... اذا اطاعته فقد يشرح الامر ويخرج. جرعت الشاى وكادت تشرق به حين استمر يتفحص وجهها مستكشفا فأخفت ذعرها تحت صوتها الفاتر وهى تجيب:- اعتذر اذا كنت أضيع وقتك انما لماذا تعتبرنى المسؤولة عن اعتلال والدى ؟ لقد التوى كاحله قبل وصولى على ما أعتقد.
- الامر لا يتعلق بكاحله بل بقلبه وقد عاده الطبيب مساء أمس بعد ذهابك الى الفراش.
- كان يجب ان تعلمنى !
ولماذا أعلمك؟ وماذا كان بوسعك ان تفعلى؟ انا معتاد على نوبات جون وأنت كنت مرهقة بما فيه الكفاية.
اذن هو لاحظ وضعها . ملاحظته هذه ازالت بشكل ما بعض الصقيع المحيط بقلبها.
- كان من الجائز ان يموت.
فأجاب رافضا اعطاءها التطمين الذى تنشده فى اعماقها :- من الجائز ان يموت فى أى يوم فهناك أشياء تخرج احيانا عن سلطة الارادة البشرية، وهذا ما سيشرحه لك الدكتور ماكروبرتس حتما. واذا رغبت فى مزيد من التفسيرات فقد يسرك ان تعلمى بأن الطبيب الطيب كان داريا بقصتك منذ البداية .
- من البداية؟.
اذا ظللت ترددين ما أقول فقد يفقدنى ذلك تعقلى وبخاصة اذا استمريت تنظرين الى كما تنظرين الان .
- ارجوك...
لكنه هز كتفيه وانتابتها البرودة مجددا حين قال:- يبدو ان أمك كانت استشارت الدكتور ماكروبرتس منذ سنوات طويلة . قبل ان تهجر غلينرودن لكن حجب هذه المعلومات لم يعجب جون على ما يظهر ويبرر الدكتور ماكروبرتس صمته بأن المبدأ المهنى لم يسمح له بأطلاع جون على الحقيقة حينها. ربما استطعت انت ان تقنعيه بوجهة نظر الطبيب.
- السيدة لينوكس قالت ..
قطعت عبارتها لعجزها الكامل عن استيعاب ما قاله ميريك فيندلى وقفز ذهنها الى الليلة الفائتة.
- ماذا قالت السيدة لينوكس؟.
- قالت انها طالما تساءلت عما سيكون عليه شكلى. فكيف بأمكانها ان تعرف؟
- اعتقد ان السيدة لينوكس كانت تعمل عند الطبيب كممردة وكموظفة استقبال قبل ان تتزوج وتترك غلينرودن ولاشك انها عرفت بالحمل من ملفات العيادة .
- والان عادت الى العمل ؟.
- اجل انما ليس عند الدكتور ماكروبرتس الذى استخدم ممرضه اخرى منذ وقت طويل على كل السيدة لينوكس ترملت الان ولم تعد شابة. انها تملك كوخا وتساعدنا هنا وخبرتها فى التمريض تفيدنا حينما يمرض جون .
خيم صمت قصير كانت سو فى خلاله تغربل المعلومات فى ذهنها وتصطدم بتعقيداتها . لاشئ يبدو صافيا كالبلور، عدا حقيقة واحدة أنارت بعض الشئ رؤياها الملبدة .
قالت وكأنها تتساءل:- يبدو بدون أدنى شك انى سوزان غرينجر،فريزر.
ابتسم قليلا وأجاب :- مئة بالمئة ولو كنت مكانك لاستغنيت عن اسم غرينجر. لم يعد ضروريا.
- لست واثقة بعد مما سأفعله. هل عرفت هويتى ليلة التقينا فى الفندق ؟.
- لنقل انى عرفت بأنك من عائلة فريزر، ولعلمى بضعف قلب جون فقد اذعرنى الاكتشاف فى الوقت الحاضر أرتأى ان نتوقف عند هذا الحد. اما فى هذه اللحظة فأقترح ان تنهضى من فراشك.
عادت القسوة الى صوته تثير فيها امتعاضا وتحسسها بأن ميريك فيندلى قد يكون عدوا أكثر منه صديقا.انجذابها اليه فى الفندق ذلك الانجذاب القضير والخطير زال الان وشعرت بومضة ارتياح لزواله. صحيح انه ساعدها على استجلاء امور معينة لكنها ترفض الان ان تريه ذرة من الامتنان. قالت برقة :- حالما تخرج من الغرفة سأنفذ اقتراحك بسرور .
واخيرا خرج وتنفست الصعداء! استحمت وارتدت ثيابها وأفكارها تنتقل جيئة وذهابا بين جون وميريك وقررت أخيرا ان ميريك فيندلى شخص تقضى الحكمة بعدم الوثوق به. وانه بالنسبة الى مصالح ابيها ، شخص من الافضل ان تتحرى عنه. قد تبدو وقحة طامعة بالرزق ان هى اظهرت الان حشرية زائدة فى شؤون ابيها لكنها ستأخذ هذا الامر بعين الاعتبار. اجل، قليل من التحرى الذكى لن يسبب لها أى ضرر... منذ تدهورت صحة جون اضطر على الارجح لان يسلم هذا الرجل مقاليد الامور. الان يوجد من يساعد جون شخص من لحمه ودمه. قد يكون السيد فيندلى شريكا له بشكل ما انما الويل له اذا حاد خطوه عن حدوده هى ان لم تقدر ان تحب اباها لغاية الان فهناك طريق أخرى تثبت من خلالها انها ابنة بارة .
تدعمت قليلا بهذه الافكار الشجاعة انما البعيدة كثيرا عن الواقعية فارتدت بسرعة فستانا قطنيا، وسرحت شعرها بضربتين من الفرشاة وهرولت الى أسفل .
لم تلتق بأحد وسرها انها تعرف مكان المطبخ. لكنها ترددت قبل ان تفتح بابه وهى تنظر الساعة الكبيرة على حائط الردهة. كانت تجاوز الثامنة. اليس من الواجب ان تطمئن قبلا على والدها؟ لاشك ان ميريك بكفاءته الواسعة قد حمل له فنجانا من الشاى، لكنه قد يكون فعل ذلك فى الصباح الباكر.
وبشئ من العصبية عادت تعبر الردهة بمنتهى الهدوء تذكرت ارشادات ميريك، فأحصت بابين ثم طرقت الثالث بلطف. ولما لم تتلق جوابا، ادارت المقبض، ودخلت الغرفة فوجدت جون فريزر غارقا فى النوم. شعرت بالارتياح واخدجلها هذا الشعور قليلا. عادت تنظر الى الرجل النائم. لقد قضى ليلة سيئة على الارجح فبدا مرهقا. احست بشفقة غير عادية تتحرك فى قلبها وهى تتفحص وجهه المتعب، وعاهدت نفسها مجددا على مساعدته بكل امكاناتها .
على الطاولة قرب السرير. كانت هناك صينية تحمل بقايا فطور خفيف من اتى بها والسيدة لينوكس غائبة ؟ حملتها بسرعة وخرجت تغلق الباب فى هدوء واتجهت الى المطبخ.
وحالما فتحت بابه أحست بوجود شخص فيه لكنها استغربت ان ترى كارلوت كريغ تجلس الى النافذة تشرب القهوة وكأنها فى بيتها! لم تتوقع ابدا ان ترى كارلوت ثانية أو بهذه السرعة، لذا أخرسها الاستغراب فيما كان الفتاة تتأملها صعودا ونزولا فى برود ثم قالت :- لو كنت مكانك لما وقفت على العتبة هكذا . ادخلى واغلقى الباب فأنت تبدين قادرة على التسلل الى أماكن عديدة.
كان صوتها مهينا وعيناها معاديتين كما كانتا فى ادنبره، واختيارها للكلمات عكس بوضوح منهج تفكيرها. كانت سو جائعة وبعيدة عن المودة هى الاخرى، لكن رفة فضول جعلتها تمسك لسانها عن اعطاء جواب قاس. كيف عرفت كارلوت انها هنا ولماذا جاءت؟ انها تسكن حتما فى الجوار حتى تأتى فى هذا الوقت الباكر. من الواضح ان كارلوت تزدريها كما فى اللقاء السابق. لكن لماذا ؟ هل هى مخطوبة الى ميريك فيندلى وبالتالى تعتبر سو غريمة متطفلة ؟
وضعت الصينية ببطء على الطاولة الفسيحة وهى تتمنى بحرارة لو انها على دراية اكبر بوضعية المطبخ، فلا يمكنها بحال ان تبحث عن مكان الاغراض وكارلوت تدرسها بهذا التحديق البارد المدروس.
- هل جئت تبحثين عن السيد فيندلى أم لترى والدى؟.
سألتها سو وهى تصارع اندفاعا عدائيا فى داخلها . فمن جهة تريد تحسيس كارلوت بمكانتها كأبنة لجون فريزر ومن جهه ثانية لاتريد الحياد عن تهذيبها المألوف، ولذا لطفت وقع كلماتها بابتسامة خفيفة.
لكن املها بزعزعة كارلوت خاب فقد لوت كارلوت شفتيها ازدراء وكأنها استشفت خدعة سو بوضوح ، واجابت:- التقيت بميريك على طريق الوادى وحدثنى عن زعمك بأنك ابنة جون . لم أتمالك فضولى فجئت اتحقق الامر بنفسى . انا على فكرة ابنة عم جون.
- ابنة عم جون؟.
- اجل فالناس لها ابناء عم كما تعلمين وزعمى قد يكون أكثر صدقامن زعمك بمراحل.

هدية للقلب 13-07-11 11:01 PM

- ماذا تقصدين ؟.
- بالرغم مما يقوله جون أو الدكتور ماكروبرتس وحتى مما يحلو لميريك من أفكار انى اقصد ان افضح امرك ولو استغرقنى ذلك شهورا طويلة !.
وخرجت بدون ان تلتفت الى الوراء صافقة الباب خلفها. ارتخت ساقا سو فطرحت نفسها على اقرب مقعد، واحست برغبة فى ان تحزم حقيبتها وترحل عن المكان بلا رجعة. لاعجب ان تهرب امها من هذا البيت اذا كان يعج آنذاك بالدسائس كما حاله الان ! أحست غشاوة على عينيها فسارت متعثرة الى النافذة واسندت جبينها الساخن على الزجاج البارد متندمة على ظنونها المتسرعة وعاجزة عن ضبطها. ونسيت لبرهة كلمات كارلوت التهديدية .
عند الحائط المنخفض فى الخارج كانت اشجار الصفصاف تنحنى بلطف لريح دافئة ، داعية اياها للزيارة والاستكشاف. فتاقت سو فجأة الى الانطلاق الى الطيران عبر حقل الخليج والتوغل صعودا فى الغابات، فى العالم الذى تلمحه فقط من خلال الاشجار.
لكنها لا تستطيع وتساءلت كيف استطاعت امها ان تهجر مكانا كهذا تنهدت واستدارت تبتعد عن النافذة فوقع بصرها على رسالة قصيرة ، كانت مركزة بين ابريق الشاى ةاناء الحليب على رف احدى الخزائن كانت معنونة ببساطة سوزان ، فالتقطتها مرتبكة . كان الخط رجاليا، وقبل ان تفتحها حزرت انها من ميريك فيندلى .
صدق ظنها وقرأت ما يلى :- لا أنصحك بازعاج جون فهو سينام حتى موعد الغداء على الارجح، ولحين عودة السيدة لينوكس . اكتفى باطلالة بسيطة لمجرد الاطمئنان. لن اتى فى موعد الغداء فلا تشرعى فى تحضير أى شئ لى . انتهت باقتضاب وكانت موقعة باقتضاب، فيندلى .
أحست بومضة ارتياح لانها لن تراه لبضع ساعات على الاقل وهذه فرصة لتعزز وسائل دفاعها ولتحاول ان تجد بعض الطعام لها . انه يتحدث عن الغداء وهى لم تتناول فطورها بعد! وبحركة غضب مسحت بقايا طعامه عن الطاولة وحملت الصحون الفارغة الى حوض الغسيل.
واخيرا حين وجدت شيئا تأكله استمر تصرف كارلوت الغريب يطن فى رأسها ففقدت شهيتها للطعام وألقت شريحة الخبز جانبا . اذا كانت كارلوت ابنة عم جون حقيقة وتتوقع ان تتزوج ميريك فيندلى . فأنها تتوقع ايضا ان ترث غلينرودن بكاملها، والاملاك حتما شاسعة اذا قورنت بحجم البيت. وبمجيئها الى هنا ، رأت كارلوت فيها تهديدا لمخططاتها، فلا عجب اذن ان تشعر ازاءها بالمرارة.
تنهدت بقلق وقفزت واقفة وبدأت تنظيف المطبخ أى شئ أفضل من الجلوس والتفكير فى امور حدثت ولا ريب قبل مجيئها الى هنا . لديها عمل كثير ويجب ان تؤجل التركيز على دسائس ميريك وصديقته لوقت اخر . انخرطت فى العمل وبرغم ذلك انتابها ألم غريب لما تخيلت ميريك على طريق الوادى يخبر كارلوت كل شئ عنها .
عادت السيدة لينوكس قبل الثانية عشرة ظهرا وقالت لها مبتسمة:- أجلت موعدى الاخر كيلا أتاخر عليك يا عزيزتى ، فكل شئ غريب بالنسبة اليك والسيد فيندلى لن يجد وقتا ليعرفك الى تفاصيل البيت.
فبادلتها سو الابتسام بامتنان . جون لم يستيقظ بعد . تفقدته مرارا ووجدته يتقلب فى فراشه وهو نائم فشعرت فى كل مرة بتخوف مذنب فطمأنتها السيدة لينوكس بقولها :-أحيانا ينام لساعات حين يمرض هكذا. لاعليك . سأهتم بأمره وأعرف تماما كيف أفعل ذلك.
واضافت :- ولكنه قد يرغب فى رؤيتك عندما يستيقظ، ومن الافضل ان تظلى قريبة ، فأنا أكيدة بأنه سيطلبك انت قبل الجميع.
أومأت برأسها وساعدت السيدة لينوكس فى تحضير غداء خفيف قبل ان تصحبها فى جولة داخل البيت,وقالت السيدة لينوكس وهما تنتقلان من غرفة الى اخرى :- لا أدرى اذا كان من حقى ان أفعل هذا ، فأنا لا أتأكد ابدا من المكان الذى يقيم فيه المايجور حقيقة . هل يقيم هنا أم فى الكوخ.
- المايجور؟.
- اقصد والدك بالطبع . الم تعلمى انه كان رائدا فى الجيش النظامى؟.
- اجل ، لكنى كنت اجهل رتبتة .
أغلقت السيدة لينوكس بابا اخر وعادت مع سو الى المطبخ وهى تقول:-لا بأس اذا جهلت بعض الامور فلا يمكنك ان تعرفى كل شئ دفعة واحدة كيف وجدت البيت ؟.
- اعترف بأنه من نوع البيوت الذى طالما حلمت به. حجمه معقول مريح وشرح، ملئ بالاثريات التى تبدو جميلة وقديمة فى ان واحد . الجو بمجموعة يبدو لطيفا.
- شعرت هذا بنفسى . انه بيت لطيف . السيد فيندلى يراه ايضا هكذا لقد ابتاع بعض الاثريات الرائعة بنفسه على مر السنين. ربما دعاك الى مشاهدتها فى ساعة فراغ.
- يبدو ان السيد فيندلى رجل دائم الانشغال.
خرج صوتها قاسيا فتحاشت النظر الى وجه الممرضة المتسائل. ولما لاذت السيدة لينوكس بالصمت أضافت سو :- عندما يمرض ابى أعتقد انه يأخذ كل شئ على عاتقه.
لم يكن هذا ما قصدته بالضبط وعرفت ان السيدة لينوكس عرفت!
اتضح ان نوبة جون كانت قوية فمضت عدة ايام قبل ان تتمكن سو من محادثته. وخلال هذه المدة لم تبتعد كثيرا عن البيت، ولم تقدر ان تجد شيئا يثبت ظنونها . ومع ان كارلوت زارت جون مرارا واظهرت قلقها عليه بشكل ضوضائى، الا ان سو لم تلحظ فى ميريك اهتماما زائدا بصديقته لكنه على اى حال ليس من النوع الذى يفضح عواطفه بسهولة، ولعله كان يقضى أوقاتا طويلة مع كارلوت بدون ان تدرى وبشكل ما شعرت سو بأنه ليس ناسكا برغم مظهره الخارجى الغامض. كان ثمة شئ فى شكل فمه أوحى اليها بأنه يستمتع ببعض المداعبات مع الجنس الاخر مع انها شخصيا لم تثر اهتمامه ولا تريد ان تثيره . هكذا أكدت لنفسها.
من جهة اخرى لم تستطع النكران بانها تشعر برجولته كثيرا، برغم انه يبدو جاهلا لوجودها بصورة عامة. فخلال النهار كان نادرا ما يأتى لتناول الطعام، وفى المساء يخرج للعشاء فى معظم الاحيان . لكن فى كل مرة رأته فيها كان ثمة شئ فيه يحرك فيها التجاوب نفسه الذى احسته بجلاء فى ادنبره. ربما كان السبب تلك التنورة المضحكة التى كان يلبسها اقنعت نفسها بالتواء. فى تلك التنورة يبدو كرجل جبلى برى رأت صورة فى كتب والدها. انه سبب كاف لان يجعل قلب ايه فتاة يخفق قليلا وليس هناك بواعث أخرى للتخيل بأنها منجذبة اليه بمتانة غير قابلة للانقطاع.
لكن قلبها ازعجها بتصرفه غير المتوقع حين عاد فى احدى الامسيات باكرا. كان البيت هادئا فالسبيدة لينوكس غائبة وأبوها فى غرفته، يكب مبتهجا على دراسة مؤلف عسكرى اهدته اياه كارلوت. انها تأتى له دائما بأشياء مختلفة وليس دائما تكون هداياها مناسبة. لم تبد سو اى اعتراض علنى على ذلك لان جون كان يرحب بالفتاة ويبدى سرورا كبيرا بهداياها .
وفى الواقع كانت سو تفكر احيانا بأنها ربما أخطأت الحكم على كارلوت لولا النظرات المقصودة التى كانت تحدجها بها فى مناسبات خاصة اضافة الى شك سو بأن زيارات الفتاة المتكررة كانت ايضا من اجل ميريك فيندلى لكن كان من القسوة ان تصارحها بهذا.
فى تلك الامسية انتاب سو قلق غريب ضيق عليها انفاسها. وبعد ان تأكدت من وجود الجرس فى متناول جون أغلقت عليه الباب بلطف وراحت تتمشى هنا وهناك فى غرفة الجلوس . كانت واقفة أمام لوحة جدتها تتأملها عندما دخل ميريك .
لم يفاجئها لكونها سمعت شخصا يتحرك فى الردهة، ومع ذلك اجفلت حين استدارت ورأت انه هو فعنفت حاستها السادسة بصمت لكونها لم تنذرها . ادركت فى تلك اللحظة انها لن تستطيع الهرب وتمنت لو انه لم يضبطها وهى تحدق الى لوحة عائلية .
- لقد جئت باكرا.
نطقت أول خاطرة لاحت لها وهى تحس ارتباكا مفاجئا يجفف شفتيها رطبتهما بتحفظ برأس لسانها وازدادت ارتباكا حين ركز عينيه السوداوين على فمها . استمر صمته فأضافت قائلة:-هل تناولت عشاءك؟
- تناولت عشائى شكرا.
وجهه الصلب كان مغلق التعابير مبهما الا ان شيئا فى قولها الابله أو فى شكلها أثار فيه التسلية وراحت عيناه تحتويانها بتمهل غير عابئتين بأنهما تعرضانها لتفحص مربك.
الصمت لم يزعجه البتة واستمرت عيناه تخترقان وتستكشفان تفاصيلها.قوامها تقاسيم وجهها الدقيقة الواضحة ، شعرها الناعم كشعر طفل انما الكث والمتموج نزولا حتى كتفيها، عينيها الجميلتين بلونهما الرمادى الغائم والمتناقض بنعومة مع بشرتها المتوردة والبيضاء كما زهرة الغاردينيا.

هدية للقلب 14-07-11 03:12 PM

بدا منكبا على فحص دقيق فتقلص جسم سو حين احست بومضة لهب تخترقه. ولما ادار بصره عنها فجأة ونقله الى اللوحه، وعت الحقيقة. ولما تكلم أكدت عبارته صدق استنتاجها وأخمدت الضوضاء فى قلبها. قال فى تمهل:- ليس فى امكان أحد ان ينكر صلتك الدموية بعائلة فريزر، ولكنى اتساءل كم من خصائص امك وطباعها يختبئ تحت قشرتك الخارجية ؟.
قست عيناه من جديد وصوته كان قاطعا كالسكين! يا له من انعطاف مهين!
لم يكن يعرف امها بتاتا فلماذا يستنكرها الى هذا الحد؟ ما الذى يجعله يجلس قاضيا ويحكم عليها بهذه الطريقة المتعالية؟ الوفاء يموت بصعوبة وبأصعب مما تموت المحبة، لو ان سو توقفت قليلا لتفكر فى هذا لكنها هوت برعونه الى الشرك. واجابت بشهقة غضب:- ربما أنت لا تتقصد هذه الاهانة!.
- من كان مطلعا على الظروف لا يسعه الا ان يتقصد ذلك. فعندما تحرم زوجة زوجها من حقه الشرعى ... لايمكنها ان تتوقع حكما رحيما من الناس .
- لكنها كانت طرفا واحدا فى القضية، ولو ان والدى اهتم كفاية ليحتفظ بنوع ما فى الاتصال فلربما ...
- لا تدعى الامر يؤرقك . عزى نفسك بأنك كنت أصغر سنا من ان تعى اى شئ عنه. ان قله من البشر تنعم بهكذا مناعة ضد أخطاء الاخرين .
عذبها الجفاف المتناهى فى نبراته. كان شيطانا هازئا ولا يأبه لكلماته الجارحة وهو يوجع ذهنها وجسمها معا. ارتخت مفاصلها تماما وكأن خدر الاسابيع الاخيرة قد افقدها حسها، افاقت مشاعرها انما بخواء غريب وكأنها بمجموعها تتوق فى اللاوعى الى تجربة جديدة بعيدة عن متناولها .
شخصت اليه بخوف يائس وهى لا تدرى مدى قدرتها على مواجهة ردود فعلها المتضاربة ، وتدرى فقط انها تحتاج وقتا مهما كان قصيرا ، ولانها تعلم بأن ميريك مرتبط بشكل ما بهذه المشاعر فقد بالغت فى ردود فعلها كطفل مضعضع. تغاضت عن نصيحته بعناد ، وقالت :- تتكلم وكأن الطلاق والفراق مرفوضان فى هذا العصر. انى لأتساءل ماذا كنت تفعل لو ان زوجتك هجرتك هكذا ؟.
- لو كنت متزوجا لجعلت زوجتى لا ترغب فى تركى اساسا. لكننا لسنا فى معرض الحديث عنى . لقد أخطأت فهم قصدى الاول يا عزيزتى سو، فأنا ما اردت سو نصحك بعدم ترك غلينرودن فى حال خطر لك ذلك. ثم شككت فقط بأنك قد ورثت عن امك ميلها الى الهرب فى اللحظة الغلط وهذا شئ لا فائدة منه.
هل تراه يهددها؟ ارتفعت اصابعها البضة الى عنقها لتغطى النبض العصبى فى اسفلة وسألت :- أتقصد علاقة رحيلى بوالدى؟.
- أجل فصدمة أخرى لن تساعده.
- كالصدمة التى احدثها ... مجيئى ؟.
أخافتها قسوته فابتعدت عنه واستقرت عيناها للحظة عمياء على وجه جدتها وهى ترفض الاقرار بمنطقية كلامه الا انه قال لها :- الامر رهن ارادتك انما لا تعذبى نفسك بحق السماء يا فتاة ! هذا ليس وقت الكلمات الرقيقة اذا كانت الشئ الذى تريدين.
وللحظة انفرجت شفتاها بصمت وتراخت عليه مكدودة من حمى الصراع فى داخلها. ثم وبجهد مجنون سلخت نفسها عنه واستدارت تواجهه قائلة :- انا لا أتوقع أى حنان منك يا سيد فيندلى ولماذا أتوقع ؟ قد تكون شريك والدى لكنك لست حتما شريكى . أرجوك ان تتذكر ذلك !
وخرجت من الغرفة غاضبة مهرولة وصدى صوتها المختنق يلاحقها . لو انها استعانت ببعض الكرامة لكانت انتصرت عليه بعبارتها الاخيرة. لكن الفرصة فاتتها.
لازمها ذلك الشعور الغريب بالقلق طوال اليومين التاليين والى حد لفت انتباه السيدة لينوكس التى نصحتها بقولها:- انك بحاجة الى التغيير يا عزيزتى سأحضر لك بعض الساندويتش تحملينه معك انطلقى بسيارتك وتنزهى ثم تناولى غداءك فى مكان ظليل. اذا التزمت الطريق العام فلن تضيعى. هواء الخليج سينعشك ويعيد اللون الى خديك.
وعدت ايضا بأن تأخذ بالها من جون ومع ذلك وافقت سو على الذهاب بتردد. فبرغم ان جون غادر فراشه الا ان الطبيب حذرها من مغبة تعريضه للتعب ونصح فقط برياضة التمشى داخل البيت. اليوم بدا متعبا وفضل التزام الفراش. هكذا يرتاح بالها اكثر ، قالت لنفسها وهى تخرج بسيارتها من المرآب.
وما ان اصبحت على الطريق حتى أحست معنوياتها ترتفع وسرت لكونها عملت بنصيحة السيدة لينوكس. كان هناك صمت خريفى يخيم على الحقول البرية، تخرقه بين حين واخر طلقات صيد بعيدة . جون أخبرها فى الصباح ان ميريك يصطحب فرق صيد مرتين او ثلاثة فى الاسبوع فى هذا الفصل، ولم يزل استغرابها حتى شرح لها التفاصيل وهويبتسم بأسى:- هذا العمل كان من اختصاصى وتوقفت عنه منذ بضع سنوات، لكن اتفاقنا مع فندق القرية مايزال ساريا. اننا نزود الطرائد وهو يزود الصيادين. انه عمل شاق نوعا ولا أدرى الام سيستطيع ميريك الاستمرار فيه لكنه يساعدنا ماديا.
- منذ متى بدأ ميريك العمل معك؟.
لم تقصد ان تسأل لكن ميريك لم يكن ليبارح أفكارها منذ لقائهما فى غرفة الجلوس.
رمقها جون وقتئذ بسرعة وكأنه استغرب تعبيرها ، ثم اكتفى بالقول:- منذ عشرة أعوام تقريبا. جاء هنا فى منتصف عشريناته. وساعدته على تعلم امور كثيرة وعساك تفهمين ما أقصد. ابوه توفى فى جنوب افريقيا ولذا لم يجد الى جانبه احدا سواى.
لم تفهم قصده بالضبط لكنها كانت تتعلم بسرعة كيف يتقوقع ابوها احيانا داخل صدفه معينة حين تطلب منه مزيدا من الايضاح . لذاحولت الموضوع وركزت على جنوب افريقيا، وكلها فضول غريب لمعرفة تلك الحقبة من حياة ميريك . لكن السيدة لينوكس دخلت فنهضت تستعد للخروج على ان تتابع الحديث فى اليوم التالى .
نهاية الفصل الثالث

هدية للقلب 15-07-11 04:28 PM

4 - حبيبه قلبه !
قررت سو طرد هواجسها وركزت على القيادة وايجاد الخليج. السيدة لينوكس مدربة على التريض وأبوها سيكون فى امان . وبعد دقائق وجدت الطريق بسهوله ، فمن خلف مقطع النهر، انعطفت يمينا بدل الوجهة اليسارية المؤدية الى القرية . سيارتها الصغيرة كانت تسير على أفضل ما يرام الطقس كان جميلا ، وعلى الطريق أغنام سوداء تتراكض امام السيارة . صخور ضخمة كانت تمر بها أماكن مثالية لنزهة فى الصحو، قالت فى نفسها وهى تمضى قدما ، ولا تفكر بالتوقف حتى تصل الخليج.
مرت بعدة سيارات على الطريق ولم تستغرب ذلك كثيرا فالمنطقة تعيش حاليا موسمها السياحى. تذكرت يوم وصولها حشد الزبائن فى حانوت القرية. ومع ذلك تبدو هذه الطرقات مقفره بالمقارنه مع طرقات مشابهة فى الجنوب. الجنوب ... وتساءلت فجأة عما اذا كانت ستعود الى لندن يوما... هل ترغب فعلا فى ذلك ؟ قد لا يكون سهلا ان تبقى هنا . من الغباء ان تأمل بهذه السهولة. فعليها ان تجد اصدقاء جددا وأن تجد عملا فى نهاية الامر، لا يمكنها ان تقضى بقية عمرها متجولة فى ربوع غلينرودن. وهنا سقط قلبها بين ضلوعها. اذا كان ميريك سيتزوج كارلوت كريغ فقد لا تتمكن مطلقا من البقاء!
ثم خلف المنعطف التالى وبدون انذار أطلت على تجمع العربات المقطورة.
فاجأها المشهد فانتحت جانبا من الطريق وأوقفت سيارتها وراحت تحدق. كان واحدا من احلى المتنزهات التى رأتها فى حياتها لكن استياء عميقا ضايقها مما بدا لها تهجما على خلوتها. فحولها من كل الجهات كانت الجبال والبرارى فى عزها، تصطلى بشمس خريفية، وهنا كان الشئ الوحيد الذى أملت ان تهرب منه جموع الناس !
ارغام داخلى ما وليس ميلا ، جعلها تقرر زيارة المكان. تركت سيارتها وسارت نزولا على الدرب الواسع بين العربات، فرأت لافته كتب عليها بوضوح متنزه غلينرودن للعربات. لاأماكن خالية. لم تعلق على ذلك أهمية خاصة لكن حين رأت كارلوت تبرز من خلف احدى العربات بدأ الشك يساورها.
توقفت كارلوت وهى لا تقل دهشة عن سو وقالت فى حذر:-ما الذى تفعلينه هنا ؟
- ألقى نظرة على المكان.
لم يكن الجواب مطابقا لما كانت تريد قوله، لكن لا يجب على كارلوت ان تطرح أسئلة سخيفة. ثم ما الذى يدعوها الى التصرف بهذا الشكل وكأنها تملك المكان؟ انها حتما لا تعيش هنا؟ ووعت فجأة انها تجهل تماما اين تسكن كارلوت. تصورت انها تسكن القرية.
- سأعرفك الى المكان، اذا شئت؟.
فسألت سو بمكر لتشبع فضولها :-تعرفيننى الى المكان؟ ولماذا تفعلين ذلك؟.
فاستشفت كارلوت مغزاها بسهولة وقالت :- اذا كنت تقصدين ان تسألى عما اذا كنت أعيش هنا أو أملك المكان فالجواب لا . انه جزء من غلينرودن؟.
- أتقصدين املاك غلينرودن؟.
تضرجت سو حين ألقت السؤال . انها تكره الالحاح فى طلب المعلومات ولم يطلعها احد على هذا الامر.
زادتها كارلوت حرجا حين اومأت برأسها فاهتز شعرها الاسود المالس وقالت بنظرة اعتلاء:- يبدو ان هناك أشياء كثيرة تجهلينها، وأتساءل عن السبب.
الكلمات بريئة ولكن النبرة كانت هازئة . وتابعت تشرح الصورة:- هناك امرأة تدير المكتب عادة لكنها الان غائبة، ولذا طلب ميريك مساعدتى ريثما تعود.
تجمدت سو ثم هوى قلبها مرة اخرى على الرغم منها كلاهما يعمل هنا الى جانب الاخر! لكن ما الذى يحوج غلينرودن الى مجمع عربات؟ انها شاسعة وغنية بما فيه الكفاية ولا موجب لان تلجأ الى هذا النوع من التجارة. اجابت فى جمود:- والدى لم يذكر وجود هذا المنتزه، على كل انه مريض وأنا لا أرى السيد فيندلى كثيرا.
وحالما انهت سو كلامها ندمت على الشق الاخير منه، فى حين تمددت ابتسامة مختلفة على فم كارلوت ، وقالت:-ميريك لن يرغب فى بحث هذه الشؤون معك وبخاصة انك غريبة. كذلك يعتقد بأنك لن تطيلى اقامتك بعد ان يتحسن جون ولذا سيضيع وقته ليس الا.
احجمت سو بصعوبة عن اعطاء جواب قارص. فمن الجائز ان كارلوت تروى الحقيقة وهى لا تستبعد صدور آراء كهذه من ميريك. لكن الفتاة كانت تضع لها طعما وهى تجب ان ترفض السقوط فى شرك الاستعداء كى تتمكن من معرفة ما يجرى . عضت شفتها بقوة ثم أفرجت عنها وابتسمت وهى تقول:- يسرنى ان أجول فى المكان أذا سمحت ، طالما انى هنا .
أمضت الساعة التالية مع كارلوت تتمشى فى أرجاء المنتزه، وسرعان ما تأكدت من جودته ونجاحه. كان يحتوى كل الوسائل العصرية المريحة بما فيها دكان يبيع الضروريات الغذائية كاللحم والحليب والبيض . وقالت كارلوت تشرح المزيد:- المواد الاخر يبتاعونها من حانوت القرية والمنتزه ساعد القرية كثيرا من الناحية المادية .
وأضافت تقول ان كل العربات مؤجرة ، فالناس يحبون هذا النمط فى قضاء الاجازات وقد انتشرت شهرة المتنزه فى العامين الاخيرين ونتيجة لذلك صار الموسم السياحى يمتد حتى منتصف الخريف ، بل أصبح أكثر فصول السنة شعبية ورواجا .
بعد انتهاء الجولة دعتها كارلوت بترحاب الى شرب القهوة فى المكتب فقبلت دعوتها شاكرة كيلا تبدو عديمة التهذيب. كارلوت ستنجح حتما كدليلة فى وكالة سياحية، فهى تبدو بارعة فى هذا النوع من العمل واذا كانت تحاول ان تثبت منفعتها لميريك، فلاشك انها نجحت تماما!
كان المكتب صغيرا وحيدالتجهيز. اراحت كارلوت قوامها الانيق على المقعد الوثير خلف الطاولة، وأشارت الى سو بأن تجلس مقابلها وقالت:-بعد ساعة ستأتى امرأة اخرى لتحل مكانى. العمل يتكثف فى الصباح الباكر وبعد الظهر حين يصل أناس جدد وميريك لا يدعنى أتعب نفسى معهم.
هذا قد يعنى أشياء كثيرة فكرت سو بتهكم عندما تابعت رحلتها بعد انتهاء الزيارة بوقت قصير . فأما ان كارلوت ليست قديرة كما تبدو واما ان ميريك فيندلى بالغ القلق على حبيبه قلبه. وصلت بعيد الظهر الى الخليج حيث تناولت الغداء ثم تنزهت حوله وقررت ان تكتفى بهذا القدر من التجوال وقد فقدت الحماس لشعور لم تدرك له سببا.
لما وصلت البيت، استغربت السيدة لينوكس عودتها المبكرة فطمأنتها بقولها :- قضيت يوما لطيفا . دعينى أقدم الشاى عنك لتنصرفى باكرا فأنت ايضا تحتاجين الى بعض الفرص.
كانت الصينية مهيأة فحملتها واتجهت الى غرفة جون وهى تقاوم حشرية فى ان تسأل السيدة لينوكس عن منتزه العربات، انما تخشى ان تتلقى جوابا مماثلا لجواب كارلوت. من الافضل ان تسأل ميريك بالذات حينما تراه.
فتحت باب جون، وأجفلت لما رأت ميريك معه. عبرت الغرفة فنهض متناولا الصينية منها، ووضعها على الطاولة الصغيرة قبالة الموقد. استدار يتفرس فى محياها الذى تضرج فجأة وقال :- أظنك كنت خارج البيت ؟.
يا له من حشرى! يريد ايضا ، ان يعرف اين كانت . هذا ما تقوله نبرة صوته او هكذا تفسرها هى. حسنا لن تشبع فضوله فورا ... ابتسمت لوالدها قبل ان تجيب ميريك بسؤال من عندها :- أراك تعود باكرا أين تركت صياديك؟.
- فى رعاية مساعدى القدير على ما أرجو. كانوا على وشك الانتهاء عندما غادرت واخالهم عادوا الان الى الفندق .

هدية للقلب 15-07-11 05:51 PM

كان صوته مرحا ومؤنبا ، وكأنه حزر عزمها على مماطلته فأراد مجاراتها الى حد معين .
- يبدو انك قادر على التهاون فى واجباتك احيانا سيد فيندلى .
بادلته النظر فى عدائية لم تس
تطع ضبطها، فتصادمت نظراتها، عيناه تبرقان فى خطر وعيناها تلمعان كالجليد .
فأجاب بقسوة وتعمد:- لا أعرف أين ذهبت لكن الهواء هناك يناسبك حتما يا آنسة فريزر. لكنى أكيد من ان أباك يفضل الشاى على نزقك .
هذا الرجل يحتاج الى من يضعه فى مكانه . هذه المهمة منوطة بها مادام أبوها يبدو وكأنه فى عالم ثان... سارت الى الطاولة وشرعت تسكب الشاى ، وأهدابها تبدو كمراوح سود على خديها.
التزم ميريك الصمت فيما كانت تقدم الشاى لأبيها. لكن صمته كان أكثر تهديدا من الكلام. ولما ناولته فنجانه ألقت عليه نظرة خاطفة مترقبة واشاحت عنه بسرعة. كان يرتدى تنورته المعهودة مع سترة من التويد ( قماش صوفى خشن ) تحتها قميص بنى وربطة عنق سادة، ومن وسطه تتدلى سلسلة معدنية تحمل كيسا من الجلد البنى . هذا الكيس ــ بحسب معلوماتها ــ يستعمل كبديل للجيوب غير الموجودة فى التنورة. جواربه كانت من الصوف البنى لمحت حمالتيها، بالاضافة الى حذاء من الجلد المدبوغ، وفى أعلى جوربه الايمن لاحظت غمد سكين ذات مقبض بشكل البوق، فيما كانت ركبتاه عاريتين مشردتين. بدا قاسيا ووسيما .
أبرقت عيناها العاصفتان فوق فمه المتهكم فى خبث، قضمت بعصبية لقمة من ساندويش الخيار، ثم صرحت بحدة:-فى أثناء خروجى اكتشفت بالصدفة المحضة ، وجود مجمع عربات عند الخليج، وتطوعت كارلوت بدماثة لاصطحابى فى جولة فيه .
أخيرا بقت البحصة، وأحاطتها على رغم منها، بعتاب غاضب ، وقد أحست حين نطقت اسم كارلوت بغيرة غير مألوفة تنبثق فيها. فورا استشعرت نظرة ميريك السريعة ونظرة أبيها المضطربة قليلا .
وتكلم والدها وليس ميريك فقال بشئ من الارتجاج:-كنت مريضا يا سوزان ، وهذه الاشياء تسهى عن بالى .
وأضاف ميريك بانفعال حاد :- لماذا تعطين الامر كل هذه الاهمية؟ أبوك بغض النظر عن مرضه،لا يأبه كثيرا لهكذا مشروع . انا صاحب الفكرة من الاساس، ولذا من الطبيعى جدا ان يسهى جون عن ذكر الموضوع لك .
- هناك أناس اخرون فى البيت اضافة الى والدى !
- الاخرون لديهم أشغال يا عزيزتى.
- أتقصد انى غير مشغولة؟.
أظلم وجهه وخالت للحظة انه سيسير اليها حيث هى ليهزها. بدا كرجل غريب، متجهم وهائل. أجاب فى برود:- أقصد العكس لكن مشاغلنا لا تسير فى الاتجاه نفسه.
- لا أعتقد انك تعمل كل مساء . فى وسعك ان تجد بعض الوقت لتطلعنى على مجمل الاوضاع .
- ولو لنى أتاكد من ترحيبك برفقتى، لكنت ألبى الطلب راضيا مسرورا.
كان واضحا انه يقصد شيئا بعيدا تماما عما يدور فى ذهنها. كانت عيناه الملتصقتان بعينيها الرماديتين، مليئتين بتهديد واضح حرى باهتمامها، وكأنما تقولان: أبقى حيث انت لبينما تقررين ملاقاتى فى منتصف الطريق ضعضعها كليا تفسيرها المجنون لنظرته ، فهتفت فى رعونه:-ليس ثمة سبب يدعو الى الافتراض بأن الانسة كريغ تحتكر كل أوقات فراغك!
- فى وسعك ان تخبر ابنتك يا جون كيف أقضى معظم امسياتى وحيث أتعشى فى الفندق فى اطار المصالح العملية .
تجاهل ذكرها لكارلوت والتجاؤة الى معونة جون قد يكون مرتبطا بواقع العمل الا انه بدا عرضيا محضا.
انتشل جون نفسه من انغماسة فى سماع الراديو وشرب الشاى وكأنه غافل تقريبا عن مصارعتهما الكلامية، وتمتم قائلا :- كان من واجبى ان اخبرك ذلك ايضا يا سوزان. أحاديث كثيرة يتبادلها الناس فى سهرة واحدة . كانت السهرة امتع الاوقات بالنسبة الى فى الايام الخوالى ، حين كان الضيوف...
التهب صدرها غضبا وقضمت شفتها. هذا القصم بدأ يصبح عادة لديها ... أبوها وميريك، كانا معا كجدار حجرى وكلاهما كان قاهرا بطرقه المختلفة. لايسعها ان تأمل ابدا بأحتراق قواهما الموحدة . أحست خيبة عاجزة فقالت فى سخرية :- يدهشنى كل هذا الذى يجرى من أجل المصالح المادية.
أجابها الصمت من كلا الجانبين. جون، رافضا ربما متابعة أى اهتمام مطول بأى شئ يزعجه، فالتجأ الى الراديو يرفع صوته، تاركا الزمام لميريك ومتجاهلا وجه سو الغاضب. هذا ما استنتجته قبل ان ترتطم عيناها مجددا بعينى ميريك الغامقتين. كان ينهى شرب الشاى بجرعة كبيرة ، ونظرته ما تزال تتأرجح بين الغضب والتسلية.
أعاد فنجانه الى الصينية ونهض واقفا، فشعرت سو بقوته تهوى عليها كما الصفعة، طاردة من جسمها كل ردود الفعل العصبية. ومع انها ظلت لبضع ثوان تتحدى نظرته القاتمة لكنها سرعان ما ندمت على كلماتها المتسرعة. التقطت فنجانها لتعزز موقفها ضد هجمات لاحقه. ورشفت الشاى فى شرود.
وعندما تكلم ميريك اخيرا انخدعت بلطف صوته وهو يقول:- ليس من عادتى ان أبرار تصرفاتى للناس يا انسة سو، ولن أغير الان هذه العادة. واذا كنت تفكرين فى أجراء تحريات خاصة فسارعى الى ذلك على مسؤوليتك الخاصة .
- لم أكن ... اختنق صوتها فلم تكمل .
فأكمل هو عنها وصوته ما يزال يلفها بنعومة الحرير:-لم تكونى تطعنين فى سمعتى، اليس كذلك؟ لقد استعملت تعبيرا عتيقا، انما ليس هناك تعبير عصرى أنسب منه.
لن تقدر ان تنتصر على هذا الرجل ابدا ولو عاشت لمئة عام . صوته المتهكم البطئ يغيظها بتبدلاته أكثر مما تغيظها كلماته الفعلية، لكن ذهنه حاد كحافة شفرة وهذا لا يعجبها احيانا... مررت أصابعها المضطربة على جبينها وقالت:-يجب ان تقر بحقى فى الاطلاع على مزيد من الحقائق ! أبى مريض ولا ألومة ان هو قصر فى ذلك.
ورمقت أباها متوسلة اذ كان توترها الداخلى أكثر مما تستطيع احتماله. كان جون قد فرغ من شرب الشاى وتناول سيكارا راح يقص طرفه بتمهل ويشذبه ويشعله . ثم فاجأها بقوله من خلال الدخان الازرق:- ميريك جاء اليوم باكرا ليعرفك الى المكان. لقد مر بعض الوقت على مجيئك هنا ، فأرتأى ان يصحبك فى نزهة ريفية .
فقالت :- ليس هذا ما قصدت بالضبط.
تململت قلقة وقد تفاجأت بما قاله أبوها، لكن ذلك لم يلطف غضبها. أضافت وهى تستدير ناظرة الى ميريك :- انا لست مجرد سائحة عابرة لاعامل كما السياح، فاكتشافى عرضا لشأن يخصنى كفيل باحراج موقفى. مثلا اكتشافى لمجمع العربات ولوجود كارلوت فيه، وحيث اضطررت للاعتراف بأنى اجهل اى شئ عنه . كان ذلك مهنيا بالنسبة الى!
رمقها ميريك من علوه الشامخ وفى عمق عينيه يأس مصطنع وقال ساخرا:- ان مطلق واد اسكتلندى وبخاصة فى بيرتشاير، يغص بالاشياء المغرية غابات ، تلال، قفار ، مستنقعات، عالم غنى يالحياة البرية . ومن بين كل ذلك ، اخترت العثور على مجمع للعربات !
- أنت مقتنع على ما يبدو بأن حدسى ساقنى اليه؟ بطريقة مغنطيسية ما ؟.
-أو بدافع فضول فطرى لا يعرفه سكان المدن بصورة عامة. وبالنسبة الى كارلوت ، فهى لا تترفع عن مساعدتى فى حال طلبت منها ذلك، ولديها كل المعلومات السياحية المطلوبة، بالاضافة الى كونها فتاة ساحرة .
وخزتها الصدمة بحدة فشخصت الى يديها . انه يعتبر كارلوت فتاة ساحرة! صفعتها المعرفة بألم لا منطقى . فتنفست بعمق وقالت :- اذا بقيت هنا ، فقد أتعلم أنا ايضا القيام بعمل مفيد .
- ليس فى المنتزه اذا كان هو المقصود .
- لم أقصده بالذات ...
وانقطع صوتها اذ راح ذهنها المشوش يقاوم التوضيح. لو انه يبتسم قليلا لشرحت له ربما بأنها تكره ان تعامل كزائرة غريبة . هزت كتفيها بتمرد، وعيناها تتوجهان فى بطء الى ركبتيه العاريتين . كان جلدها خشنا متينا ككل شئ فيه ومعتاد على صفع الرياح .

هدية للقلب 15-07-11 07:35 PM

سقطت جمرة فى الموقد فانتبهت الى صمته المنتظر جوابها. تناولت صينية الشاى بسرعة وهبت واقفة . وبدل ان تحاول اكمال عبارتها المقطوعة بدأت واحدة جديدة قائلة :- ربما انا مدينة لك بأعتذار يا سيد فيندلى . اذا كنت عازما بالفعل على اصطحابى فى جولة تعريفية فلك شكرى وامتنانى ، لكن الوقت داهمنى فأنا اطهو طعام العشاء عادة ويجب الاسراع به . ساكون على أتم الاستعداد لمرافقتك فى يوم اخر .
لكن اليوم الاخر لم يحن بسرعة ، وبدا ميريك فيندلى وكانه نسى كل شئ عنه، فيما ترددت سو فى تذكيره به برغم شوقها الى زيارة الاملاك ومعرفة حدودها بدقة. ربما ميريك بصفته مديرا للاملاك، كان يتردد فى المبادرة ولكن عجزها هى عن المبادرة لسبب غامض ما ، أوقعها فى ورطة .
انشغلت فى مساعدة السيدة لينوكس فى أعمال البيت لكن هذا الانشغال لم يكن كافيا وبرغم ان جون كان ينتكس احيانا فيحتاج اليهما معا. وحتى فى تلك الظروف كانت السيدة لينوكس تضطلع بمسؤولية التمريض، ولذا قررت سو ان تبحث عن عمل تعليمى حالما تتحسن صحة جون . لابد ان مؤسسة ما فى الجوار تحتاج معلمة للصغار. ومن الافضل ان تستعلم عن ذلك، فمنطقة بيرتشاير تبعا لخريطتها مليئة بالقرى الصغيرة .
بدأت الاستعلام من السيدة لينوكس التى اجابتها :- لا أعرف شيئا عن القرى الاخرى يا عزيزتى لكن المدرسة فى قريتنا لديها معلمتان توظفتا منذ سنوات طويلة وكلتاهما لم تصل بعد سن التقاعد .
- قد اضطر للبحث فى مكان أبعد .
- ربما .
ترددت المرأة قليلا حين لحظت التعبير الجدى على وجه سو وأضافت :-ليتك تنتظرين لحين يتعافى والدك تماما، فهو يظهر قلقا عندما تغيبين عن بصره، وقد ينزعج كثيرا اذا عملت خارج البيت .
- معك حق .
اجابتها سو بتكلف . كيف يمكنها افهام السيدة لينوكس بأنها لا تمانع فى البقاء الى الابد لو تشعر فقط بأنها كانت تشكل بالفعل جزءا من غلينرودن ؟ أبوها يتعلق بها بدافع ابتهاجه الشديد بعثوره على ابنة لم يحلم بوجودها وكان فى شوق لأن يعرفها الى اصدقائه حين تتحسن صحته . لكنها تريد ان تكون أكثر من قطعة للعرض . تريد الانتماء! ترى هل سيفتقدها احد هنا اذا رحلت ؟
فقالت وأفكارها تتحول الى مجرى اخر :- اذا عملت ، فقد يسر السيد فيندلى ان يرتاح منى لبعض الوقت لانه بدأ يتضايق ةلاشك من وجودى المستمر حوله .
كان اسلوبا ماكرا للاطمئنان على قضية معينة لكنها شعرت فجأة بأهمية الاطمئنان.
اتسعت عينا السيدة لينوكس بدهشة حقيقية وأجابت :- ثقى انك مخطئة يا عزيزتى ، فالسيد فيندلى قليلا ما يلاحظ وجودك .
فالتمعت عيناها بلهو ساخر حسنا . انه ليس الجواب الذى تأملت ان تسمعه لكنها تستحقه حتما . فهى التى جلبت الدب الى كرمها ! وبرغم ذلك ثابرت عليه فى اتجاه اخر حين اضافت :- كارلوت لم تزرنا مؤخرا وأعتقد انها ماتزال فى مخيم العربات . سألت والدى عن مكان سكنها فقال انه بالقرب من بيرث. انها لمسافة بعيدة تقطعها ذهابا وايابا الى مكان العمل .
أومأت السيدة لينوكس بشرود وهى تباشر تحضير الغداء، وأجابت :- أبوها متوفى . كان ابن عم والدك اللزم ، وهى تعيش مع أمرأة مسنة من قريبات امها . اعتقد انها كانت قريبة ابيك الوحيدة حتى جئت انت .
- يبدو ان السيد فيندلى يودها.
- اعتقد انه يفعل فهى تأتى كثيرا الى غلينرودن ودائما كانا على انسجام .
السيدة لينوكس تتعمد الكتمان وهى تفعل ذلك عندما تريد . هذا ما ارتابت به سو عندما خرجت المرأة تلبى نداء الجرس فى غرفة جون. انها لن تستطيع استخلاص شئ منها! حياتها فى غلينرودن كما العيش فى فراغ ... الماضى والمستقبل لن يتوضحا تماما قبل ان يستعيد جون عافيته بكاملها، وفى خلال ذلك ستظل نزيلة سجن صنعته بنفسها. واذا كانت تشعر بأن الجزء الاكبر من قلقها الغريب يتأصل من مصدر اخر ، فأنها ترفض الاقرار بهذا الشعور فميريك فيندلى ليس له أى مكان فى خططها المستقبلية على الاطلاق !
فى احدى الامسيات قررت بعد العشاء النزول الى الكوخ. السيدة لينوكس كانت ستنام عندهم فوجدت فى ذلك فرصة مثالية . كانت تقضى وقتها مؤخرا فى مساعدة ابيها على كتابة ابحاثه، وفى اليومين الاخيرين أكبا على كتابة الفصل المتعلق بثورة اليعقوبيين (حزب سياسى بريطانى) كان جون قد عالج معركة كالودين (موقع اسكتلندى) بثلاثة أساليب مختلفة على أقل تقدير، وانتقل الان الى جيش هانوفر فى ابان الاحتلال ( هانوفر كان مجلسا حاكما فى بريطانيا ) . شكر سو على مساعدتها القيمة فى جمع الملاحظات المطلوبة، وقال انه عندما يتحسن سيجد فيها كل ما يحتاجه لاكمال أطروحته. مسودته الاولى كانت ماتزال فى الكوخ، فطلب الى سو ان تأتيه بها ، اضافة الى مجلدين يحويان معلومات اضافية يود الاستعانة بها كان المساء دافئا فلم تحتج الى معطفها ، واخذت معها سلة لتضع فيها الكتب ثم خرجت فى هدوء من الباب الجانبى .
كان من السهل الوصول الى الكوخ وذلك باتباع درب عشبى يمر عبر الاشجار. أسرعت الخطى لان الغروب كان بدأ يخيم برغم الشمس الغاربة التى كانت تعزز جمال التل والوادى، والتى جعلتها تخفف سيرها بالرغم منها . أعجبتها رائحة الاحراج الخريفية ، عبير العشب المتيبس، النضوج المنعكس فى احمرار الاجاص وارجوانية التوت وذهب البندق.
فتحت القفل بسرعة ودخلت الكوخ المعتم وهى تؤنب نفسها على تلكؤها لكنها شعرت بالارتياح حين وجدت ان الكهرباء لم تقطع فى خلال غياب جون. كبست زر الردهة فغمر النور المكان لكنها عادت وأطفأتها فضوء الغروب يكفيها وهى وعدت نفسها بجولة هادئة وخشيت اذا اضاءت النور ان يراها احد فياتى ليتحرى السبب.
جالت فى البيت حذرة ووجدت كل شئ كما وصفة ميريك فيندلى فى الليلة الاولى . أصيبت بشئ من خيبة الامل فعادت الى غرفة الجلوس ووضعت السلة على حافة الطاولة . لقد سألت جون عدة مرات عن رايه فى العودة الى الكوخ للسكن فيه، لكنه فى كل مرة كان يهزرأسه ويجيب :- ظننتك مرتاحة هنا يا عزيزتى . انا لم استعمل الكوخ الا للكتابة من حين اصابتى بمرض القلب ، وميريك لا يريدنى ان أعيش هناك بمفردى .
- لكننى الان معك وسأبقى معك حيثما تكون . كانت تجادل بلا طائل. انما فى اعماق نفسها، كانت بدأت تحب البيت الكبير، كما يسميه الجميع، لكن ميريك فيندلى كان يقلقها واحست بغريزة ما تنذرها بوجوب الانتقال قبل فوات الوقت .
بيد ان والدها تشبث بموقفه العنيد ، وقال لها مرة :- انك لا تعين ما سيسببه الانتقال من مشقات يا سوزان . فكرى فى كل التجديدات التى سيتوجب علينا اجراؤها والتى لن تستطيعى مواجهتها بمفردك. من الافضل جدا ان نبقى هنا .
كانت تلك وجهه نظره لكنها الان ، وبعد ان تحققت من وضع الكوخ بنفسها أدركت انه على حق. فالغرف العليا، برغم بنائها السليم، كانت فى منتهى الفوضى، وقد بدأ سقفها يتقبع وكذلك ورق الجدران فضلا عن اكتظاظها بالاغراض القديمة وقطع الاثاث، وهيهات ان تنقل فى اقل من اسبوع. الغرفة الاخرى فى الطابق الارضى كانت تستعمل كغرفة نوم ولكنها مشوشة ايضا وفيها روائح عفن. وتساءلت سو عما حدا بوالدها لان يأتى ويعيش هنا من الاساس.
حاولت مرتين ان تستوضحه السبب فكان يغمغم الرد وكأنه يجد صعوبة فى الخوض معها فى اى موضوع باستثناء الحديث عن كتابه. ايضا، كان وعدها بأن يوقف ارسال النفقة الى مصرف لندن، وبعد ذلك تحاشى ذكر الامر فاضطرت فى النهاية لان تكتب الى المحامى بنفسها شارحة له بعض التفاصيل، ووعدته بأن تظل على اتصال مما ذكرها بوعدها لتيم بأن تكتب له. كانت بعثت له برسالة قصيرة بعيد وصولها كفيلة فقط بتطمينه، ولا بد انه ينتظر الان رسالة اطول تتضمن مزيدا من التفاصيل والاخبار. انه يستاهل رسالة كهذه لانه ما تصرف معها الا بمحبة واخلاص وقررت ان تؤدى هذا الواجب فورا .

ليتني اعود طفلة 15-07-11 10:26 PM

من المقدمة مبين عليها روعة
بقراها لما انهي الرواية اللي بنزلها ان شا الله

هدية للقلب 16-07-11 03:11 PM

شكرا حبيبتى وان شاء الله تعجبك

هدية للقلب 16-07-11 03:13 PM

سارت الى المكتب الرازح تحت الاوراق والكتب وبحثت فى عناية بين الاكوام حتى وجدت ورقا وقلما فحملتهما الى حيث الطاولة وجلست اليها تفكر فى ما يجب ان تقول . التقطت القلم بتردد فأوعز اليها ضميرها بأن تباشر الكتابة بلا تردد، لكنها فى الاسبوعين الاخيرين قلما فكرت فى تيم او تذكرته، ولذا لم تعرف كيف تبدأ. وفى الاخير كتبت .
- عزيزى تيم قد يدهشك ان تعلم بأن والدى صاحب املاك واسعة ...
كلا ! لم يعجبها ما كتبت فتوقفت وراحت تقضم طرف القلم. عبارتها بدت متفاخرة. قطبت ومدت يدها لتنزع الصفحة حين جعلها صوت خارج الباب تقفز داخل جلدها. هناك شخص ما . أتراها السيدة لينوكس جاءت تستدعيها؟ هل حصل شئ؟ هبت واقفة وأركضها الذعر الى الباب لتجده ينفتح فى وجهها ولترى ميريك فيندلى يقف على العتبة.
اطلقت شهقة نصفها ارتياح، وقالت :- سمعت شيئا فظننته شبحا.
- لو كان شبحا لما جعلك تشحبين الى هذا الحد.
قال فى جفاف وهو يطبق الباب خلفه، ثم أمسك بذراعها وقادها الى اقرب مقعد. بعد ذلك انحنى على المدفأة واشعلها قائلا:- الغرف المهجورة يعشش فيها البرد. قليل من الدفء وتشعرين حالا بالتحسن.
وخطر لسو ان تقول بأنها تفضل الاستدفاء بقلقه عليها لانه اكثر حرارة من النار لكنها طردت الفكرة وقالت تعترض بضعف :-لا أشكو من شئ . كل ما فى الامر انى لم أتوقع رؤيتك.
فرمقها بطرف عينه وأجاب :-انك لا تتوقعين رؤيتى ابدا ، اليس كذلك يا سو ؟ قد يرضى غرورى كثيرا اذا اعتقدت للحظة ، بأنى كنت السبب فى تصرفاتك المحمومة هذه!
رفرفت أهدابها وهى تحاول الصمود أمام تحديقه الساخر فيما زحف الاحمرار كوردة برية الى وجهها . انكمشت قليلا وأسندت رأسها الى ظهر المقعد وقد شعرت بالعجز عن محاربة رجولته القاسية . حاولت التركيز على عبارته الاخيرة ، ثم قالت :-تصورت ان السيدة لينوكس جاءتنى بنبأ سيئ. أعتقد ان ذلك كان غباء منى .
- كان غباء كبيرا .
لم يتظاهر بأنه أساء فهم كلامها وفجأة بدت عيناه أكثر عطفا وهو يتابع :-فى الواقع لم أجدك هنا عرضا. جون أعلمنى بمكانك فقررت المجئ والعودة معك الى البيت . فعما قليل يحل الظلام وقد تضيعين فى العتمة بالاضافة الى شئ أردت استفسارك عنه.
كانت تعيره نصف سمعها وهى تحدق الى النار وتفكر فى المشاعر المتضاربة والمضطرمة فى داخلها. بالكاد احست به حين استدار وجلس فى المقعد المقابل، ما الذى يريد الاستفسار عنه ؟ لاشئ مهما بالتأكيد. وفى لحظة ذعر عصبى، قالت فجأة :- انى أساعد والدى فى ابحاثه جئت هنا لغرض يتعلق بها لأجلب له كتبا لعله أخبرك ذلك .
- ألا يشعرك هذا العمل بالملل ؟.
- ولماذا يضجرنى؟
استوت جالسة فسقط شعرها كقوس أشقر على خدها المتورد. وأضافت قائلة :- اعترف بأنى لم أكن واثقة فى البداية من ميلى اليه لكنه سرعان ما جذبنى اكثر مع مرور الايام .
- هل تستمتعين بتاريخ اسكتلندا بحد ذاته أم بالطريقة التى يحارب بها جون كل معركة وكأنه كان هناك شخصيا؟.
عاد البريق الى عينيه وكأنه يغيظها ، فردت بخفة :- استراتيجيته تبدو جيدة فلو انه حارب انذاك لكان الامير تشارلز انتصر ومات ميتة كريمة. أما بخصوص اهتمامى فاسكتلندا وطنى مع انى اكتشفت هذا مؤخرا .
- أنا ايضا لم يمض وقت طويل على وجودى هنا لكننى عدت الى موطنى .
- عدت؟ تقصد انك كنت هنا قبلا فى اجازة ؟.
ليس تماما . لا اعتقد ان جون وجد الوقت ليخبرك. رحلت مع أبوى حين كنت فى السادسة . كان أبى مقامرا الى حد ما، وليس عسكريا كوالدك.
- كان مقامرا ؟
- المقامرة متعددة الانواع يا سو . ابى قامر بكل ما لديه، وانتفع ماديا لكنه خسر حياته.
- ماذا كان يعمل ؟.
- فى استخراج الذهب . ولم يزد حرفا .
- آه . فهمت .
- لا. لم تفهمى . لكن لنقفل الموضوع . يكفى القول انى رجعت
فأصرت سو على الاسترسال وقالت :- أغلب الظن انك عشت طويلا فى جنوب افريقيا . اما حزنت لفراقها ؟.
- لو انى حزنت لما تركتها . كنت المسؤول الوحيد عن نفسى. ربما شعرت بوطنى يشدنى اليه.لكن ماذا عنك أنت ؟.
مد ساقية بكسل فى اتجاه النار وقال ليلهيها عن الاهتمام بشؤونه الخاصة :- لقد عشت فى لندن طوال حياتك، انما فهمت من كلامك انك لا تفتقدينها كثيرا .
- ليس كثيرا .
توقفت محتارة هذه فرصة لتأخذ رأيه فى مشكلة شقتها، ولا مفر لها فى النهاية الا ان تسأل احدا. وميريك فيندلى ، برغم تعليقاته المهينة على رحيلها كان أنسب الجميع، فهو عايش أباها لسنوات طويلة ، وبالتالى يعرف جون أكثر مما تعرفه. عزمت على سؤاله فقالت بسرعة قبل ان تغير رأيها :- الامر يتعلق بشقتى فأنا لا أعرف ماذا أفعل بها . اذا تركتها فقد لا أجد شقة أخرى فى اعتدال ايجارها وأخشى الا أجد أخرى مناسبة على الاطلاق .
- ها نحن نعود الى الاسطوانه ذاتها . تريدين العودة الى لندن.
كان يقرر واقعا فى ضوء استنتاج توصل اليه بمفرده. انتابها الغضب وانعكس فى عينيها وهما تلتقيان عينيه القائمتين وتقول :- انك تتعمد اساءة فهمى وتستمتع بالحكم على بدون ان تعرف شيئا من الحقائق! من البديهى انى كنت أسكن فى مكان ما قبل مجيئى هنا. كنت وأمى نعيش فى شقة رخيصة الايجار نسبيا وهو مدفوع مقدما لفترة اخرى من الوقت. لكن ليس هذا المهم. لقد تركتها مؤقتا لأوصل رسالة معينة وكنت أزمع العودة اليها والبحث عن وظيفة تعليمية فى لندن .
- هذه أيضا ليست مشكلة تقدرين بسهولة ان تجدى عملا كهذا فى الجوار .
- هذا ليس بيت القصيد !
هتفت ثائرة وهى تود لو تنتف شعرها . لكنه ضحك بحرارة ثم قال :- حاولى ان تشرحى لى بالضبط لماذا تريدين فسخ عقد ايجارها ولا تجرؤين على التخلى عنها فى الوقت نفسه .
- أوه ... لا تكن سخيفا.
- لم أقل شيئا سخيفا لكن اذا استمريت ترفضين الايضاح الكامل فأجوبتى ستستمر ايضا فى اثارة غضبك .
- كنت أمهد للتوضيح !.
عبقت وجنتاها وأسقطت بصرها لتشخص الى النار مجددا . سقط شعرها على خدها فازاحته فى صبر نافد . هل يتوقع منها ان تجمع كل مخاوفها وتطرحها عند قدميه؟ لقد سألته فقط عن الشقة ولم تطلب منه استجوابا قاسيا !
أربكها أكثر حين انحنى صوبها وقبض فجأة على رسغها وقال :- لاأريدك ان ترهقى تحايلك المبدع يا آنسه فريزر. خذى كل الوقت الذى تريدين. ولبينما تصلين الى نتيجة ، سأتسلى بتحضير القهوة لكلينا .
هز كتفيه العريضتين وأطلق يدها ثم وقف يقول :- قد نصل الى بعض التفاهم قبل منتصف الليل وهذا يتوقف عليك أما انا فلست مستعجلا على شئ.

نهاية الفصل الرابع
اتمنى لكل الليلاسين والليلاسيات قرأة ممتعة

هدية للقلب 16-07-11 06:11 PM

5
-تعالى معى
نهضت سو وتبعته الى المطبخ، ورسغها ما يزال منملا من ضغط اصابعه ، وسرعان ما امتد الخدر الى ذراعها. كل غريزة فيها اهابت بها الا تشاركه شرب القهوة فى هذا الكوخ العتيق، حيث يتولد بسهولة جو من الحميمية تود ان تتجنبه. كانت تدرك احتمال الخطر من جراء احساسها القوى بوجود ميريك فيندلى ، لكنها استبعدت جدا ان يكون لديه اى اهتمام شخصى فيها .
فاتها ان ترى المطبخ خلال جولتها الاستطلاعية ، ووجدته الان صغير الحجم كالذى فى شقتها ، بالكاد يتسع لشخصين يتحركان فيه براحة . حدقت حولها تتظاهر بالتفرج، وهى لا تشعر الا بالرجل الواقف قربها، وفى عمق عينيه وميض هازئ يتحداها ان تتراجع . بقيت مكانها بل لم تجرؤ على الاعتذار عن القهوة كى تعطى مبررا لبقائها . ولشدة ارتباكها راحت تبرر وجودها بطريقة اخرى فتقول :- استشرت ابى فى مسألة رجوعنا للسكن هنا فلم يظهر رغبة فى ذلك . لا اقدر ان افهمه كما يجب .
فأدار ميريك بصره الى الابريق الذى ملأه لتوه ، واشعل الغاز ثم ركز الابريق على اللهب العارى ، وقال بلطف :- هل يعنى هذا انك لا تريدين العيش معى تحت سقف واحد؟.
تطلعت اليه مستغربة تفسيره وغير واثقة من موافقته عليه . لكنها رفضت ان تزوده بمبرر واحد للشك. وردت بحماسة بالغة :- انك مخطئ تماما ، فنحن بالكاد نراك ولا ادرى ما الذى ادخل هذه الفكرة الى رأسك !.
- الا تعتبرين نفسك مسؤولة عن اى شئ؟.
هل يلمح الى غيابه المتكرر ام الى الجزء الاخير من عبارتها؟ رفضت الوقوع فى الشرك واعتبرت تعليقه تافها. فقالت تتابع كلامها السابق :-انا شخصيا احب السكن هنا لكنه يرفض بحث الموضوع كليا .
- اخبرتك سابقا انه يحتاج الى وقت .
- لبينما يتعافى ؟.
- اقصد انه يعجز فى الوقت الحاضر عن الارتباط بالماضى اذا انتقل الى الكوخ فيما اذا بقى معى فى البيت الكبير فلن يشعر باضطرار للارتباط بأى شئ.
- عندما يكون مرتاحا، يصطحبنى الى غرفة الجلوس ليتأمل لوجة جدتى وكأنه اذا قارن بيننا يقنع نفسه بأنى ابنته فعلا .
فتح خزانة وتناول منها فنجانين وضعهما على الطاولة :- أتقصدين القول بأنه لا يشعر بأبوته الحقيقية تجاهك ؟.
- اجل اذا اردت ان تضعه فى هذا القالب اعلم انه لا يحبنى لكنه يودنى ويشعر نحوى بنوع من القربى العاطفية، ولا شئ غير ذلك .
- وانت تتوقعين مشاعر اقوى وروابط امتن ؟.
- انا لا أتوقع شيئا . كانت لى آمال معينة فى السابق، والان لا أستطيع تفسير مشاعرى .
قطب حاجبيه فتغضن جبينه بشكل جذاب اقلق سو، فيما رف جانب فمه باستسلام ، فعبرت الحركة عن ضيق صدره الواسع . قال:- اسمعى يا سو قد يكون من الافضل لك ان تنظرى الى الموضوع من هذه الزاوية، افترضى نفسك يتيمة او ابنة بالحضانة سبق ونصحتك بهذا واكتفى بأن تطورى علاقتكما بالتدريج . اذا كان بينكما ود مشترك فهو اساس جيد تبنيان عليه العلاقة ولكن تخلصى بحق السماء من كل ما لديك من عقد نقص ومشاعر ذنب .
- المشكلة انى لم اعد طفلة كما ان الاطفال بصورة عامة يتقبلون الاوضاع على علاتها ولا يمكننى ان افعل هذا .
- فهمت تريدين الاطلاع على اشياء معينة . هيا اطرحى اسئلتك،انما لا تمتعضى اذا عجزت عن اجابة بعضها.
- شكرا ، لم اكتب قائمة بالاسئلة لدى فقط واحد يحيرنى . اريد ان اعرف ابى على حقيقته، فى العمق لتسهل على امور كثيرة ربما.
- لماذا ؟.
ترددت وهى تعى غطرسة وجهه الصخرية اكثر من اى وقت اخر . ما اصعب الكلام وتلك النظرة المفزعة تتسلط عليها! تعثرت وهى تحاول صياغة افكارها المكتومة فى كلمات :- امى ... لم تؤمن ابدا بضرورة اظهار عواطفها. لا اذكر انها احتضنتنى مرة او احاطتنى بعطف. لم تكن تعطف على مطلق انسان. احيانا كنت اسرح فى تحليلى ، فاعتقد انها متجمدة جزئيا وعاجزة عن الدفء والانفتاح، وعن كل الاشياء الطبيعية العادية التى يجب ان تتوفر فى الامهات. لكن يبدو انى عاجزة عن التفاهم العاطفى مع والدى ايضا .
- وانت ترفضين هذا الوضع فلا تتوقفين عن الغوص والحفر والتشريح، وتتساءلين الان عما اذا كنت ورثت ربما خصائص مضادة عن كليهما؟ عليك اذن ان تقنعى رأسك الجميل بأن التجارب القاسية كالتى عاناها والداك ، من شأنها دائما ان تترك جروحا بدون ان تؤثر بالضرورة على اولادهما. فما الذى يحملك على الاعتقاد بانك باردة وعاجزة عن كل التجاوبات الطبيعية ؟.
- انك تتجنى على بدل ان تساعدنى كنت اشير فحسب الى احتمال معين .
- وانا كنت اشير فقط الى انك تبدين قادرة على التوافق معى وبالتالى انت انسانة طبيعية . لكن اذا اصريت على متابعة الاستقصاء فهناك اسئلة يجب ان تطرحيها على نفسك... مثلا كيف تتجاوبين عندما يعانقك رجل ما؟ هذا السؤال قد استطيع اجابتك عليه.
طغت السخرية على صوته وألهبت صراحته وجنتيها.
- لا أفهم ما ترمى اليه؟.
غمغمت وهى مدركة تماما لقصدة انما عاجزة عن الاعتراف له بانها ما احست يوما اية اثارة فى موقف كهذا. اترى البرودة هى السبب ؟.
تأملها بخبث وقال :-يمكننى تبيان ذلك ان شئت لكن اساليبى قد لا تعجبك.
- اوه!
هتفت سو ومحياها يزداد اشتعالا وقد تأكدت من نواياه تماما. ثم اشاحت عنه وقالت :-اعتقد اننا نتحدث عن شيئين مختلفين كل الاختلاف.
- لكن كليهما ملتصق بالاخر يا صغيرتى الجبانة .
منذ دقيقة وصفها بالجمال فارتجفت، والان يسميها جبانة! تراجعت قليلا وركزت عليه بصرا مليئا بالاستياء وقالت :-انا لا اشاطرك هذا الرأى . ولو ان مشكلاتى تنحصر فى وحدى لما تطرقتمطلقا الى الموضوع. لا ابغى الاساءه الى احد .
عاد يتفحص وجهها وضاق بهما المطبخ فجأة. احست حرارة تعبر جسمها، فارتفعت يدها لا شعوريا الى ياقة قميصها تفك الزر الاعلى فيلتمع اسفل عنقها ناعما بضا. كان لديها شعور مخيف بانها تختنق. ما كان يجب ان تتوقع منه نصيحة منطقية، ولا يوجد مساعدة حقيقية فى ذينك الحاجبين المقوسين بوقاحة، ولا فى تينك العينين الساخرتين!
وقف يسد مدخل الباب وكأنه حزر رغبتها فى الهرب وقال بصوت متكاسل :- لا اعتقد انك تشبهين امك فى اى شئ. فهى برغم سيئاتها، كانت ولا ريب امرأة واثقة لا تخشى اتخاذ القرارات وهذا غير موجود فيك، اذ تطلبين من الغير دائما ان يقرروا شؤونك بالنيابةعنك. حسنا لنبدأ بالشقة التى يمكنك اخلاؤها فورا واذا اردت ايجاد اخرى سأجدها لك. ثانيا ، لا تفكرى فى ايجاد اى عمل فى الوقت الحاضر، ولا فى الانتقال من البيت الكبير للسكن هنا. هذا النوع من القرارات لا يستعصى على ذكائى لكن لا تطمعى كثيرا بكرمى لانه محدود فضلا عن وجود اشياء لاحقه يجب ان تقرريها بنفسك.
- مثلا؟.
خرج السؤال كشهقة غاضبة من غرورة المتناهى بدل ان تشعر نحوه بالامتنان.
اخذت تبتعد عنه فقبض على خصرها وقهقه عاليا ثم قال :-مثلا عندما تلتقين الرجل المناسب يا عزيزتى سو وحيث انك لم تتأكدى انه كذلك فلا اريدك ان تهرعى الى تطلبين النصيحة .
غامت عيناها الرماديتان بغضب عاجزة وهى تحاول الافلات من اصابعه القاسية والرد عليه بضحك مماثل فاخفقت وقالت تثرثر:- لا احسبنى سأزعجك عندما يحصل هذا فانا قادرة تماما على اختيار اصدقائى.
- اشك فى هذا فضلا عن ان اختيار الصديق يختلف عن اختيار الحبيب.
كان صوته وقحا كقبضه على خصرها. توقفت عن المقاومة اذ شعرت بضعفها امام قوته الخارقة، الى جانب شعورها بأنه كان مستلذا بحرقصتها، ربما لانه ينوى معاقبتها قليلا على مضايقته بمشكلاتها ولديه ما يكفيه من مشكلاته الخاصة.
انسكب صوته فى اذنها خافتا متهكما وهى لا تستطيع حراكا:- اذا اتحت الفرصة لتجاوباتك العاطفية ستجدينها سليمة على ما أظن لا يمكنك ان تخفيها فى ثلاجة الى الابد .
استدارت كما العاصفة تحاول الدفاع عن هشاشتها، وعيناها تشتعلان بالعداء. هتفت بانفعال طائش :- ليس من شأنك ان تحلل تركيبتى العاطفية. انت لست وصيا على!.
- انا تحت تصرفك فى اى شئ لكن بثمن معين .
- قد تكون مديرا لوالدى انما لا تتوقع ان تديرنى انا !
- اهذا رأيك اذن ؟
شمخ بتهديد واضح وهو يحدق الى بشرتها الناعمة ولمعان شعرها الاشقر الكث، واضاف :- اذا كنت اخطأت احيانا فى فهم الناس فأنا اكيد بانى لم اخطئ فهمك يبدو ان الكلام لا يكفى لاقناعك وهناك طرق اخرى قد تعجبك اكثر .
نقل يديه الى كتفيها بتمهل وكأنه يبغى حبس النفس فى حلقها . كان يسجنها بين الحائط وبينه، فاعتراها ارتجاف ارخى مفاصلها. غليت الماء فى الابريق فأطفأ الغاز باحدى يديه وهو ما يزال يحبسها قال وعيناه تفترسان محياها الشاحب:- لقد نجحت فى اثارة فضولى وغضبى معا وهذا لعمرى مزيج خطر اليس كذلك ؟.

هدية للقلب 16-07-11 08:23 PM

خيل اليها انها شعرت بذراعه قبل ان تعانقها، فحاولت يائسة ان تحافظ على تقلص جسمها، لكن التوقع شوش ذهنها وشحذ تجاوبها فى الوقت نفسه، فتسربت قوتها وكأنها مصممة على بعثرة بقايا مقاومتها حين شدها اليه وعيناه تطعنانها فيما اغمضت هى عينيها هربا من قسوته.
ومع ان الغريزة اهابت بها الا تقاومه فقد رفض جسمها البقاء جامدا بين ذراعيه، وارتفع يداها تحاولان دفعه عنها فلم تصلا الى ابعد من صدره حيث بدد ملمس عضلاته القوية كل صمود وتعقل. احست شيئا يتفجر فيها كما الزجاج المتحطم ويجعلها تلف ذراعها حول عنقه فتلمسان المفرق بين الشعر والجلد فى اسفل رأسه .
اخيرا ابتعد عنها قليلا ليتأمل وجهها العابق وهو يزيح الخصلا ت المتناثرة على جبينها ، فاحست سو بما تملكه يده من خبره فى منعطفات الحب، واحستها فى ذلك الخط الرفيع الفاصل بين الشبان الاغرار الذين تعرفهم وبين هذا الرجل الذى يعرف ماذا يفعل. كان قلبها يخفق بتزامن مع نبضات عروقها، حين رفعت اهدابها الكثيفة وحدقت اليه مذهولة لقد اثارت ذراعاه نوعا من السحر المجنون كما الطيران على ظهر شهب لامع ، وفجأة ودت لو يستمر . فقالت هامسة :- أرجوك...
لكنه تراجع قليلا وقال :- بماذا تطالبين يا انسة فريزر بتكرار الفعل ام اطلاق سراحك؟
صوته دل على تهكم خفى وعيناه العميقتان تقولان عكس ذلك. وبرغم ذلك اجفلها سؤاله وجعلها تعود الى رشدها وتكتم الاعتراف بانها لاترغب الا فى البقاء بين يديه. لكنها قالت وهى تحاول التملص منه:- كنت اطالبك باطلاق سراحى ! على كل اذا كان عناقى قد امتعك فاعتبر ذلك ثمنا للوقت الذى صرفته فى الاستماع الى حديثى السخيف .
- مهلا يا آنسة البلاهة والجليد! ان اللواتى يستمتعن بعناقى قلما يستطعن بعد العناق ان يلقين محاضرة طويلة كهذه . يبدو انى بدأت افقد مهارتى !
- أنت وحش !
لم يسعفها ذهنها باكثر من هاتين الكلمتين، فجاء انتقامها ضعيفا عديم التأثير اذ استمر ميريك يتأمل محياها لغاضب وشفتيها المرتجفتين بأقصى درجات الارتياح، ثم قال :- لا داعى لن تشكى فى تجاوباتك العاطفية من اليوم فصاعدا، وقد يأتى يوم تعترفين فيه بفضلى بالرغم من تعليقاتك المهينة
- انت تثير الكراهية !
تملكها الحنق والشعور بالذل فهو تسلى بسذاجتها وارضى غروره بتجاوبها حاولت جاهدة الافلات منه وآلمتها نبضات عرق فى اسفل عنقها كان ميريك يراقبه باستغراق وكأنه فى زمن ومكان اخرين . ثم افلتها بغته فكادت تسقط ارضا. استدار بسرعة الى الابريق الساخن وشرع يسكب الماء فى الفنجانين .
وضعهما على صينيه مع وعاء سكر وقال لها :-افتحى الباب عنى يا شاطرة ، وهيا نشرب القهوة فى هدوء.
حدجها بنظرة ثاقبة فأحست دموعا مفاجئة تلسع جفنيها . فتحت الباب كما طلب ، وسبقته الى غرفة الجلوس قبل ان يلحظ دموعها .
عادت الى مقعدها قبالة الموقد ولم تع وجوده الا حين اجفلها هتاف مكتوم جعلها تستدير فى مقعدها مستطلعة. انتابها الفزع حين وجدته يركز عينيه على الرسالة التى كانت تكتبها الى تيم. تذكرت كلماتها واحدة واحدة فقلقت وتمنت لو انها خبأتها بشكل ما . الان فات الاوان قرأت فى وجهه الشك والازدراء حين تناول الصفحة .
- ومن يكون تيم ؟.
سأل وهو ينظر بطرف عينه الى وجهها المضطرب الصامت .
فتمنت لو تهرب او تنشق الارض وتبتلعها . كان يقف كقاض جبار، يشتت ذهنها وهى فى اشد الحاجة اليه وفى الاخير غمغمت قائلة :- مجرد صديق .
فرد فى جفاف متناه وهو يتفحصها كما النسر:- مجرد صديق ... لماذا تكتبين بهذه الطريقة وكأنك ربلحت جائزة مالية كبرى؟.
فأجابت متلعثمة :- لاأدرى ... كيف توصلت ... الى هذا الاستنتاج .
فهمت سو قصده تماما لكنها خشيت الاعتراف له بذلك وهو على تلك الحالة من الغضب. لم تكن تقصد كتابة تلك العبارة وكانت على وشك تمزيق الصفحة . فانطلق صوته قائلا :- يؤسفنى ان لا اصدق كلامك ليس بعد ان لمست تجاوبك بين ذراعى فالتى تتجاوب هكذا لا تخلو حياتها من الصداقات الحبية!
- ليس الامر كما تظن .
- انا لست مغفلا ولا غبيا. ما هى خطوتك التالية ؟ اهى استدعاء عزيزك تيم ليعاين ارض الميعاد؟ ليتعرف الى ارثك العظيم ؟.
- كيف تجرؤ على هذا القول! انك مخطئ تماما فى افتراضاتك الرهيبة! كل ما فى الامر ان تيم كان صديقا رؤوفا بعد وقوع الحادثة .
- من السهل على مطلق رجل ان يكون رؤوفا وهو بين ذراعيك يا سو.
- انت لا تحتمل وتتعدى صلاحياتك !.
يأسها الشديد جعلها تقذف هذه الكلمات بجرأة وتضيف مرفوعة الرأس ثائرة :- لم يطب لى عناقك كما تعتقد وقوتك الوحشية هى التى اضطرتنى للاستسلام .
سمعته يضحك فى غموض. فشعرت للمرة الثانية بأنها اثارته للحظة عابرة . قال :- افضل الا اتهمك ببعض الكذب يا سو وفى مرة مقبلة سأعمل على امتاعك .
- انى اكرهك احيانا !.
- لا تهدرى عواطفك بهذا الشكل.
قال هذا وهو ينظر بتجهم الى وجهها الملتهب، لكنه اضاف بصوت متزن وكأنه ات من مكان سحيق :- ليتك تنتظرين لتتأكدى من مساحة الاملاك قبل ان تفرغى جعبتك كنت انوى دعوتك للقيام غدا بجولة على الاراضى اذا شئت .
- وهل لدى خيار اخر ؟.
يمكنك الرفض اذا استطعت اعطاء عذر مناسب لجون الذى يصر على وجوب هذه الجولة. انا لا احب ان ارغم احدا على رفقتى لكن البرارى كثيرة وغير امنة لتجوالك فيها بمفردك اضافة الى انك لا تعرفين حدود الاراضى.
- لقد اهملت هذا الامر طويلا تيم ماسون كان يعرف على الاقل كيف يعاملنى ــ كسيدة .
- الفضل لاتزانك.
ثم نظر الى الرسالة واضاف بصوت ساخر:- لكن تيم استفاد على ما يبدو من صداقتكما البريئة. انما اخبرينى، الا تتعبين ابدا من معاملته لك كسيدة ؟.
- ربما كنت تعتمد اسلوبا اخر فى جنوب افريقيا قد لا يعجب كل الفتيات .
كان صدرها مفعما بالخيبة والمرارة فتاقت الى ذكرى كارلوت بالاضافة الى شكوكها الخفية لكنها لم تجرؤ . تبخر غضبها فجأة فأشاحت عنه متعبة خائرة . ثم اضافت باختصار وبكل ما تملك من كرامة :- اعتقد انه من الافضل لنا ان نرجع الى البيت.
فهز كتفيه العريضتين وخلت عيناه من السخرية ومن الغضب. طوى الرسالة بعناية وناولها اياها، ثم اطفأ المدفأة وقال وهو يستعجلها فى الخروج :-اذا خطر لك ان تبعثى رسالة ثانية الى لندن ، فاكتبى الى محاميك بدلا من تيم واطلبى اليه ان يدرس موضوع الشقة.
تأجلت الجولة المزمعة فى غلينرودن بسبب الطقس. فخلال الايام القليلة التى تلت لقاءها العاصف بميريك هطلت الامطار فى تواصل ولف الضباب التلال. بدا الشتاء مستعجلا فى الحلول والخريف فى بدايته، لكن جون طمأنها بأن ايام الصحو اتية ولا ريب فما بين تشرين وتشرين صيف ثان تبعا للمثل .
- كل هذا هو جزء من طبيعة اسكتلندا .
علق قائلا وهما يجلسان فى احدى الامسيات فى غرفة الجلوس يراقبان المطر يجلد زجاج النافذة. كانت الريح تسانده ، فترنح اغصان غابة الصنوبر العتيقة القائمة على حافة الحديقة . كانت تجرف كل ما امامها وتبعثر باكورة الاوراق المتساقطة على مروج الحديقة وتطرحها قطعا رائعة من الذهب .
- اتقصد الطقس ؟.
سألت سو وهى تدير بصرها من النافذه وتتأمل بتكاسل الحطب المشتعل فى الموقد. كان جون فى صحة جيدة هذا اليوم برغم العاصفة فى الخارج وقد قضيا معظمه منشغلين فى الكتاب وحيث اكملا مسودة فصل كامل عن تاريخ ثكنات روثغن التى شهدت المرحلة الاخيرة للثورة اليعقوبية. وحيث تجمع متمردون من اتباع الملك تشارلز ادوارد بعد معركة كاللودن ليتلقوا بعد ذلك الاوامر المؤلمة بالانفضاض. كانت طباعة سو على الالة الكاتبة تتحسن يوميا كذلك استيعابها لتفاصيل تلك الثورة، مما سر والدها وجعله يعترف بأنه شك مرة فى قدرته على انجاز فصل واحد من الكتاب.
الان وبعدما ارتاحت احست سو بالانتعاش فقررت الخروج للتنزة واكدت لجون انها لن تذهب بعيدا حين رأته ينظر بقلق الى انسكاب المطر داعبت اذنى الكلب بروس وقالت :- بروس اصبح كسولا مثلى ولذا سآخذه معى.
سأصحب كلب ميريك ايضا فهو على الارجح لم يفعل اليوم شيئا اقصد الكلب سوى الجلوس فى سيارة اللاندروفر واشك انه فعل .
لاحظ جون شحوب وجهها فأومأ موافقا وقال :- حسنا اذهبى الان فالطقس يصحو احيانا فى هذا الوقت. ستجدين ركس فى غرفة المكتب مع ميريك الذى يراجع بعض الحسابات .
قفزت سو على قدميها وحاولت اخفاء لهفتها وهى تخرج مهرولة لكنها لم تستطع كبح خطواتها الراقصة . لم تر ميريك الا لمامل منذ لقائهما فى الكوخ وبالرغم مما جرى بينهما لم تتوقف عن التفكير فيه من المستغرب ان يعيشا فى بيت واحد ولا تراه الا نادرا . كان يتعشى عادة خارج البيت ويتزود بساندوتش للغداء اما الافطار فكان يتناوله باكرا جدا وقبل ان تنهض هى من النوم .لذا وجدت نفسها احيانا تتوق الى حلول الشتاء وسهراته الدافئة المكنونة حيث سيضطر ميريك لالتزام البيت .

هدية للقلب 16-07-11 09:47 PM

وقفت عند الباب تنادى بروس وتقول لجون باسمة :-لقد انصرفت السيدة لينوكس لكنى سأعود باكرا لاهئ العشاء واذا احتجت الى شئ فميريك قريب منك.
دخلت المطبخ وهى تدندن لحنا طروبا وتناولت معطفها الواقى من احدى الخزائن ، ثم حشرت شعرها الاشقر تحت قبعة مماثلة . هرولت تقطع البهو الواسع، وطرقت باب غرفة المكتب بسرعة ثم فتحته.
ارتدت على عقبيها منجفلة واحست النفس يتوقف موجعا فى حلقها كارلوت كانت ايضا هناك بين ذراعى ميريك! تجمدت ورعشت صحيح ان الضمة كانت بسيطة لكنه كان يبتسم لها برقة ، وبدا وجهها قريرا ومتألقا . ولاحظت سو بغضب ان ميريك لم يبد اى انفعال حين رفع رأسه وراها واقفة على العتبة . اجتاحها عداء شديد تجاههما وبذلت جهدا كبيرا لتظل فى مكانها تنظر اليهما باسمة ، لتخفى عنهما اضطرام مشاعرها الرهيب .
تجاهلت القاء التحية على كارلوت ولما طال الصمت قالت تبرر تطفلها بأرتباك :- كنت سأخرج مع بروس للتنزه ففكرت ان اخذ ركس كذلك .
لم يتحرك ميريك أو يتكلم سوى انه رفع حاجبيه متساءلا ورمقها متلذذا بعينيه البارقتين .
اما كارلوت فتألق محياها بتشف وهى تتأمل ارتباك سو ثم غمغمت :- لا تدعينى اؤخرك. لقد خطفت رجلى لأرى ميريك . خذى الكلب انه هناك .
لم يظهر على ميريك انه انتبه لنبرة كارلوت الوقحة والناعمة فى آن اذ لم يطرف له جفن . تنهد بأسف وهو يبعد ذراعيه عن الفتاة وقال لها وليس لسو:- ربما حزرت الانسة فريزر بأنى توقفت عن عملى فجاءت لتتأكد انها تكب منذ الصباح على آلتها الكاتبة وتحث الجميع على الكد المتواصل .
تجاهلت تعليقه الساخر ونادت بحدة على ركس، ثم بادلته ابتسامته الجافة بنظرة جوفاء واجابت فى برود :- اعتذر ان كنت قطعت عليكما شيئا . الى اللقاء.
لم تأبه لواجبات الضيافة التى تقضى عليها بأن تعرض على كارلوت فنجانا من الشاى على الاقل. لم تكن لديها اقل رغبة فى استضافة الفتاة وتحمل لسانها اللاذع، فضلا عن ان ميريك سيقوم بالواجب بالاضافة الى اشياء اخرى. وقبل ان تغلق الباب لمحت فنجانين فارغين مما أكد لها ان قلقها الضيافى لم يكن فى محله.
اضطرم قلبها بغضب غريب وهى تخرج من البيت راكضة وكأن عددا من العفاريت يلاحقها. لكن حين ابطأت فى السير على الدرب العشبى المؤدى الى الغابة اضطرت للاعتراف بأنها كانت سخيفة بعض الشئ. فمن الواضح ان ميريك على علاقة ما بالفتاة لكن من الواضح كذلك ان عواطفه تخصه هو وحده .
حاولت ان تجمع شتاتها وتراقب سلامة الكلبين وهما يوغلان بين الاشجار. من الصعب عليها فى هذه الغابة البدائية ان تنكر حقيقة انجذابها الى ميريك فيندلى بل هى على وشك الوقوع فى حبه وستقع كليا عما قريب فيا لتعاستها وحظها السئ!
كان المطر يلسع وجهها والريح تهاجم ثيابها فلم تبال لأن عاصفة الطبيعة وجدت صداها فى عاصفة قلبها احست عواطفها تنفلت من عقالها وتجرى فى كيانها ، فاجتاحتها رغبة وحشية فى العودة ركضا واتهامة بالخيانة. رغبة سخيفة بل اسخف من افكارها السابقة. انها تزداد تعاسة ،ولهذه التعاسة اسم اخر . هو الغيرة القوية المحضة .
ضاقت ذرعا بنفسها ، فتوقفت تستند الى شجرة . وتتوق الى قدر من رباطة الجأش. حمدا لله على ان لا احد هنا يشهد ضياعها. عناق ميريك لها ما كان الا نوعا من العقاب لانها حطت من مقامه كمدير اعمال . لا تدرى لماذا ثارت حساسيته تجاه امر بسيط كهذا . لقد راقبت الامور طوال هذا الوقت وادركت فى النهاية استحالة سير الاعمال من دون وجوده . ابوها مجرد صورة ، وهى تستبعد ان يكون لها هى اى تدخل فعلى فى قضايا غلينرودن. لكنها يجب ان تصر يوما على معرفة مركز ميريك بالتحديد وأن ترفض البقاء على الهامش بسبب اجوبة جون المراوغة .
وعادت تتمنى لو انها عرفت اباها منذ الطفولة لانا لن تستصعب فى هذه الحالة ان تلح على المعرفة وتتوقع الصراحة فى معظم القضايا، وتعتمد جزئيا على الحدس الذى توجده سنوات العشرة الطويلة . وما يؤلمها اكثر شعورها فى معطم الاحيان بأنها غريبة وفاقدة تماما للدفء والراحة اللذين تزودهما علاقة اعمق. ليس امامها الا حل عاقل واحد هو الرحيل وقبل ان تنهوس كليا بغلينرودن وسكانها . لكن هذا الحل اقرت بقناعة كاملة ، كان ايضا طريق الهلاك !
لدى عودتها استغربت ان تجد كارلوت جالسة فى السيارة تنتظر قدومها. لقد تأخرت فى الرجوع . وهدرت الوقت فى محاولة فاشلة للتخلص من اضطرابها . كان المطر قد انقطع تقريبا ، كما تكهن جون ، فسارت متمهلة فى الغابة المظللة الجافة . الشمس اطلت خفيفة من بين الغيوم الكثيفة ، ولمست اشعتها رؤوس الجبال بلون وردى واخر اصفر ، فأحدثت شبكة براقة كما الفسيفساء ظهرت من بين اغصان الصنوبر .
كان فى هدوء الغابة جمال خاص احبته سو وكرهت ان تتركه . لقد حدثها جون مرارا عن الغابات وعن تمازجها بحياة برية خاصة بها ، لكن سو لم تر اثرا للطيور والحيوانات التى وصفها لها . ربما لم تعرف اين تبحث عنها ولعل الجرأة تواتيها، فتطلب الى ميريك ان يريها اياها، فى يوم ما .
وصلت مبللة الثياب فلم ترحب بمرأى كارلوت الجالسة فى السيارة لكنها ابتسمت لها فى ادب وقالت :-لقد سرقنى الوقت ويجب ان اسارع فى تهيئة العشاء.
وقبل ان تلجم لسانها سمعت نفسها تضيف ولتعوض ربما عن تقصيرها السابق فى الضيافة :-هل تبقين لتناول العشاء معنا؟ سيكون الطعام بسيطا لكن اهلا بك ومرحبا.
ابتسمت كارلوت بدورها وكالعادة لم تصل الابتسامة عينيها وقالت:- لا داعى لازعاجك لان ميريك دعانى الى تناول العشاء فى بيرث سيمر على بعد ساعة لذا لست وحدك المستعجلة .
احست سو بوجهها يتصلب فجأة فكارلوت ما انتظرتها الا لتزف اليها هذا الخبر ! كان يجب ان تعلم ان الانتظار لم يكن مجرد بادرة محبة . هزت كتفيها واجابت :- لن أؤخرك اذن عن موعدك. على اى حال ان ميريك قلما يتعشى هنا .
وللمرة الثانية التمعت الشماته فى عينى كارلوت وبدا ان سبب انتظارها كان ذا شقين اذ فاجأت سو بقولها :- انا وميريك صديقان قديمان ولطالما تعشينا معا. لا اعرف مركزه بالضبط بالنسبة الى جون والى غلينرودن ، لكن بما انى سأرث كل شئ فى يوم ما فلن اناقشه الان فى سير الامور.
حدقت اليها سو فى جمود وقد احست بالبديهة ان تصريح كارلوت كان نوعا من التحدى اذ شعرت ان الوقت حان لتطلع سو على مكانتها الحقيقية بالنسبة الى الارث، ولتحذرها فى الوقت نفسه من مغبة الوقوف فى طريقها لكنها كانت تحاول ايضا ان تستكشف مدى اطلاع سو على اوضاع الاملاك الحقيقية .
هذه الفتاة لا تتوانى عن اى شئ لتحصل على المعلومات التى تريد ولا يهمها اى اسلوب ملتو تلجأ اليه لتحقيق مأربها. اجابتها سو فى برود :- الذى اعلمه يا كارلوت ان ميريك فيندلى هو مدير الاعمال فحسب وليس فى الامر اى لغز لذلك اذا كنت تسعين الى زوج ثرى فنصيحتى ان تبحثى عنه فى مكان اخر .
ساد صمت ثقيل حين تراجعت سو خطوة الى الوراء ووقفت تنتظر بجمود وتهذيب رحيل كارلوت . جعر محرك السيارة وحين اغلقت كارلوت الباب وانزلت زجاج النافذة كانت لديها عبارة اخيرة قالتها بثقة كاملة لولا التورد البسيط فى خديها:- اليك همسة صغيرة يا انسة فريزر انا ما احببت ابدا من يقف فى طريقى تذكرى هذا جيدا والا كنت الخاسرة !
الرسالة التى انتظرت سو مجيئها من لندن وصلت صباح اليوم التالى وبأسرع مما توقعت . قرأت مضمونها بسرعة وكانت على وشك الانتهاء من فطورها حين اطل ميريك ودخل المطبخ .
شملت نظرته الرسالة ووجها المفكر فقال:- ارجو ان تكون الاخبار جيدة ؟.
رفعت وجهها اليه وقد استغربت مجيئة فى هذا الوقت .لاحظت خطوط ارهاق حول فمه وتعبا خفيفا فى عينيه . لاشك انه سهر طويلا ليلة أمس!
اجابته:- الرسالة من المحامى وليس فيها ما يزعج.
انتظر بحاجبين متسائلين فأضافت بعد تردد:-انه لا يجد اية صعوبة فى تأجير الشقة مجددا لأن هذا النوع من الشقق مطلوب بكثرة لكنه يرتأى ان اعود الى لندن كى اشرف بنفسى على بيع بعض الاغراض الخاصة كلها لن تساوى كثيرا اقصد على صعيد الاشياء المستعملة اذ لم نكن نملك تحف . لكن هناك ملابسى وكتبى واشياء اخرى مختلفة على ان افرزها بنفسى.
- هذا طبيعى.
تقبل شرحها المشوش بايمأة مختصرة وسكب لنفسه فنجانا من القهوة الجاهزة على النار وقال:- انا تلقيت رسائل من لندن هذا الصباح وفيها ما يضطرنى للذهاب الى هناك. قد تكون فكرة جيدة ان تسافرى معى بعد يومين ان شئت .
نهاية الفصل الخامس

هدية للقلب 17-07-11 03:48 PM

6 - أرجوك . . . أرجوك
الطائرة التى أقلتهما من مطار تورنهاوس، بدت مليئة برجال الاعمال والسياح الاثرياء. لجأت سو بسرعة الى مقعدها، ليس بدافع التعب، بل لانها لم تأت مع ميريك بمفردها ، اذ كانت معهما كارلوت . لقد مرا عليها فى بيرث بالسيارة وها هى تجلس امامها مع ميريك وشعرها الاسود يلامس كتفه .
فى الواقع لم يكن ميريك المسؤول المباشر عن مجئ كارلوت وهذه الحقيقة شكلت ذرة التعزية الوحيدة التى استطاعت سو ان تجنيها من حصاد الوضع الفاشل ... كارلوت جاءت أمس تزورهم فتحدث جون عفويا عن رحلة سو المقررة ، وذكر ان ميريك سيذهب ايضا. وهنا تصنعت كارلوت الحاضرة البديهة دائما، البهجة وقالت انها فرصة مثالية لتزور أمها القاطنة فى كنت ولتستمتع بمرافقتهما.
استغربت سو ان تعلم بوجود أم كارلوت على قيد الحياة ثم تذكرت ان الفتاة أتت على ذكرها حين التقتها وميريك لأول مرة فى ادنبره، حيث كانت ستذهب برفقة ميريك لزيارتها. لكن سو تساءلت لماذا لا تعيش مع أمها ولما طرحت السؤال على جون وكانت كارلوت خرجت تبحث عن ميريك أجابها فى اختصار:- أمها تزوجت ثانية ولكن كارلوت لسبب او لاخر لم تنسجم مع زوج أمها فانفصلت عنهما فى السكن. هى وأمها تتزاوران بالطبع وعلاقتهما تقف عند هذا الحد. ربما كان ذلك أفضل للطرفين لان كارلوت تحب السيطرة .
وقالت سو لنفسها، وهى تربط حزام المقعد تلبية لتعليمات المضيفة ، من الواضح ان لكارلوت عذرا شرعيا لرحلتها. واحتراما للحقيقة لا يجب ان تسميه عذرا بل مبررا فالفتاة تزور أمها كثيرا وبمفردها وربما أحبت هذه المرة ان تسافر معهما لتستأنس برفقتهما.
كل هذا التعقل من جانب سو لم يمنعها من التطلع فى حسرة صوب ميريك لدى اقلاع الطائرة . كانت لاول مرة تسافر جوا وبالرغم ان ميريك لا يعرف هذا، فقد ودت لو انه جلس الى جانبها. كان جارها سائحا يبدو عليه التعب ونصف نائم تقريبا، مما دل على اعتياده السفر جوا. أغمضت عينيها بشئ من الخوف حين ارتفعت الطائرة الضخمة فى الفضاء، وحاولت تركيز أفكارها على شئ اخر .
لما اقترح ميريك ان تسافر معه وكان ذلك فى المطبخ قبل أربعة أيام لم تقتنع فى سهولة ، وما تزال حتى الا ن تشك فى صوابية قبولها. فتحت عينيها بسرعة وحدقت الى رأسه وكتفيه، تتذكر نقاشهما وكيف حاول اقناعها بمرافقته ... قال آنذاك مؤكدا:-يقضى العقل ان نسافر معا . فقد تحتاجين الى مساعدة ما وصديقك تيم ماسون قد لا يكون موجودا أو يكون مشغولا .
فوجدت نفسها تعارض بحرارة وبدون ان تقصد:- يجب ان تعلم تيم ...
- يعلم ماذا ؟.
- بأنى سأتخلى عن الشقة فهو كان يطل عليها فى غيابى .
- هذا يعنى انه يحمل مفتاحا لها .
- ليس الامر كما تظن ! لم أجد احدا سواه يعتنى بالشقة .
- هذا ما تقولينه لى باستمرار يا حبيبتى سو وأخشى انك بدأت تستهلكين طاقتى على التصديق .
أمس مساء سمعته يقول لكارلوت حبيبتى . اليس هناك حدود لغروره ؟ أجابته حينها بجمود :- فكر بالطريقة التى تريد اذ يبدو انك تبنى أسوأ الظنون على مطلق شئ أفعله .
فحدق اليها للحظة بدت طويلة متوترة ثم تخلص من مزاحه الاسود لاويا شفتيه بسخرية وبما يشبه الابتسامة وقال :- اعتبرى ظنونى غيره اذا كان هذا يريحك يا سو وهناك أخريات كان يسعدهن جدا اعتقادهن بأنى أغار عليهن .
- انت تغار ؟.
رفعت حاجبيها لتصبغ عبارتها باحتقار شفاف ، فقست نظرته البراقة بما يشبه التهديد .
وفجأة تحولت ابتسامته الجافة الى ضحك ، وقال فى مرح ساخر لم يحاول اخفاءه:- عندما افكر فى ضربك أجدنى فى الوقت نفسه ارغب فى شئ آخر ! لنعد الى حديثنا السابق كى نأمن السلامة .
وفيما كان قلبها يتخبط بين جنبيها، راح يتحدث فى راحة حول الطيران الى لندن فى ظرف يومين، قائلا ان الرحلة من ادنبره تستغرق ساعة فقط ولم يقل شيئا عن التكلفة! لم تكن لديها أيه فكرة عن المبلغ الذى ستدفعه وعندما سألته ذلك لتجس نبضه ، قال :- لا يقلقنك موضوع التكاليف فريع غلينرودن سيتكفل بها. لقد عملت بجد فلى الاسابيع الاخيرة واعتبرى مصاريف الرحلة دفعة من راتبك .
تقلصت يداها بغضب فى حضنها كم يحب ميريك ان يسيطر بعنف على مشاعرها الاخرين ! تعليقاته القليلة المبهمة أفهمتها بوضوح انه على علم بوضعها المادى الشحيح. ودت وقتها ان ترفض عرضه بجواب ثائر وقح الا ان شيئا مجهولا كبحها فانقضت اللحظة التى كان يمكن ان تسجل رفضها ، واكتفت باعتراض اخر خرج من شفتيها ضعيفا :- هل يصح ان نترك ابى معا وهو مريض الى هذا الحد ؟.
- الى هذا الحد؟.
ثم اضاف :- اجل انه انسان مريض لكنه قد يستمر هكذا لسنوات طويلة حالته ليست خطيرة فصحته تتحسن ما بين نوبة وأخرى، وأعتقد اننا نستطيع تركه ليومين فى رعاية السيدة لينوكس، فهى سبق واعتنت به من قبل وهناك عمال كثيرون سيساعدنها اذا احتاجت الى اية مساعدة .
ومع ذلك لم تستطع طرد مخاوفها ، وفى الوقت نفسه لم تقدر ان تقاوم فكرة السفر معه السبب الحقيقى لذهابه بدا لها غامضا ، وداخلها شك حاولت طرده ، بانه قرر الذهاب ليؤمن عودتها بنفسه. من جهة أخرى قد يكون جون هو الذى طلب اليه مرافقتها. وبغض النظر عن السبب، كانت وقتها فى حالة نفسية سيئة جعلتها تتعلق بحبال هوائية .
كانت الطائرة مريحة ودافئة وقد سرها هذا لان معطفها كان رقيقا جدا بالنسبة الى برد اسكتلندا الخريفى. ستأتى بثيابها الشتوية من الشقة وستكتفى بها، برغم خروجها عن الموضة، لبينما تشتغل فتتمكن من شراء ثياب جديدة. بعد الاقلاع بدأت تستمتع بالرحلة فهذه أول سفرة جوية تقوم بها ، واثارة التجربة تحت أبصارها يبهر الانفاس، وقد بدا من هذه الزاوية مختلفا تماما . وبرغم انها فشلت فى تحديد معالم كثيرة الا ان المشاهدات استحوذت عليها واشغلتها عن التفكير فى الشخصين الجالسين أمامها .
وصلو بسرعة الى غاتويك بعد ثلاثة ساعات وقليل من مغادرتهم غلينرودن وهذا يعنى ان الرحلة من ادنبره استغرقت ساعة فقط. كان الوقت صباحا ولم تكن تشعر بأقل تعب وفى خلال وقت قصير أوصلها ميريك الى شقتها فى كنغستون .
طلب الى سائق التاكسى ان ينتظر ورافقها الى البوابة . دعته الى الدخول فرفض لكنه بقى فى مكانه ينتظر وهى تنكش فى حقيبتها بحثا عن المفتاح سألها وعيناه تركضان على وجهها الشاحب :- هل ستكون فى خير ؟.
- طبعا!
أجابته ونظرها يتجه بلا تعمد الى حيث كانت كارلوت تنتظر فى التاكسى. لاجدوى من الاعتراف له بأن هواجس كثيرة تحيط بها من جراء عودتها الى هنا . فخلال غيابها عن لندن ، لم يكن صعبا عليها ان تنسى موت امها المأساوى اما الان ، فالذكرى عادت تلاحقها وتجعلها تتردد فى دخول الشقة. لكن كيف يمكنها ان تشرح له كل هذا وبخاصه ان وجود كارلوت معهما لا يتيح له التأخر فضلا عن أن ايجادها للكلمات المناسبة قد يكون مستحيلا .
كذلك شعرت فجأة انه غريب عنها . فلأول مرة منذ عرفته، كان استبدل تنورته ببدلة كحلية بدا فيها جذابا جدا ولكن بطريقة اخرى مختلفة وحيث تغيير الزى أضفى عليه اناقة عصرية محيرة . اجل كان واضحا انه رجل عالم بأحوال الناس والحياة ودونما حاجة لان يؤكد شعره الانيق ووجهه الحليق هذه الحقيقة .
قطب قليلا وهى تقف تنتظر ذهابه ، وقال :- لا تنسى انك ستنزلين الليلة فى الفندق الذى زودتك باسمة وعنوانه . قد أتعشى فى مكان اخر لكننى سأمر بعد ذلك على الفندق لاتأكد من وصولك .
أومأت سو بصمت وتابعته بنظرها وهو يرحل فى التاكسى وعلى شفتيها ابتسامة ثابتة كانت متأكدة من انه سيمضى السهرة مع كارلوت مع انها لم تقل له هذا كذلك لم تظهر كارلوت استعجالها للذهاب الى كنت . حيث تقطن امها! انتابها يأس شديد وهى تغلق باب الشقة خلفها .
خلال الساعة التالية حاولت بقنوط ان تستعيد مشاعرها القديمة تجاه الشقة لكنها بدت غريبة عنها فأحست بالعجز عن ربط نفسها بهذا المكان الذى قضت فيه قسما كبيرا من حياتها . لقد تجولت بلا هدف من غرفة الى اخرى ولم تقدر ان تتعرف فى اى منها الى الحقيقة . لدى دخولها اعتراها الخوف لكنه زال فى سرعة وزال معه كل شعور بالوحشة لغياب امها. كذلك فى غلينرودن تضاءل حزنها سريعا وعزت ذلك الى تغيير الجو والمكان . أجل كادت تنساها تماما وكأنها لم تعش معها ابدا . وكالعادة أخذت سو تبحث عن نقص فى تصرفاتها وخلقها قد يبرز قساوة قلبها الواضحة .
كفت فى الاخير عن تحليل ردود فعلها وباشرت مهمتها. كانت الغرف صغيرة لكن بعد ان تفحصت الاثاث وجدته مريحا وذا نوعية ممتازة . كل ذلك كان بفضل النفقة الشهرية التى كان ابوها يرسلها بانتظام وكرم. أحست بمرارة وتمنت لو انها وعت من قبل هذه الحقيقة ، كذلك احست بخسارة بيع الاثاث بسعر بسيط. جمعت أغراضها الخاصة ووضبتها فى حقائب، ثم قررت ان تخابر تيم وتسأله اذا كان يرغب فى قطعة معينة منالاثاث لتهديه اياها، ولتشكره ايضا على كل مواقفه الطيبة ازاءها .
لكنها تذكرت فجأة ان التليفون والكهرباء كانا قد قطعا فى اثناء غيابها، وفضلت ان ترجئ مخابرته لحين موعد الغداء بدل ان تذهب الان الى الكشك فى نهاية الشارع .

هدية للقلب 17-07-11 05:19 PM

ابتهج تيم لدى سماعه صوتها وأصر فورا على عودتها الى الغداء وحالما جلسا متقابلين قال لها معاتبا :-كان يجب ان تعلمينى بأنك اتية . كنت انتظر يوميا ان أطلع على تفاصيل مغامرتك العظيمة وفجأة أجدك هنا! منذ مدة وأنا احاول الحصول على اجازة اضافية . كان من الممكن ان اذهب انا من طريق وتأتين انت من طريق اخرى . فلا نرى بعضنا !.
لقد اتى بها الى المطعم ذاته الذى تناولا فيه الغداء فى ذلك اليوم الحار قبل ان تقابل محامى امها . انذاك طلب اليها الزواج فرفضت، او بالاحرى حاولت ان تتذكر بصدق موجع انها ما طلت فى الجواب لانها لم تتحمس للفكرة. من الغريب ان تنسى حادثة مهمة كهذه. اما فى هذه اللحظة . فتشعر فقط بالقلق لانه حاول اللحاق بها الى غلينرودن ولذا اجابته قائلة :- لا احبذ ذهابك الى هناك ليس الان على الاقل .
انشغل بطلب الطعام، لكن نظرتها السريعة اليه اخبرتها ان جوابها مس احساسه. لا داعى لان تغوص فى اعماقه كى تقرأ وجهه ككتاب . أجابها وهو يزم شفتيه:- ذهابى أعتقد ضروريا لادرس الامور بنفسى. فالرجل الثرى المريض بالقلب يحتاج الى معاملة دقيقة ، وبالتالى يجب ان يكون الى جوارك شخص يرعى مصالحك .
- لم اقل ابدا انه رجل ثرى يا تيم .
بدأت تقول ردا على عبارته الموحية بميولة المادية لكنها استدركت قائلة :- اقصد .. ربما هو ميسور الى حد الثراء لكنى لا أعرف ايه تفاصيل عن مدى ثرائه .
- انى على حق اذن ! لقد خدعوك بسهولة يا عزيزتى سو . ذلك المدير الذى تتحدثين عنه ، يبدو من النوع الجدير بالمراقبة فى ضوء الظروف التى وصفتها .
- لكنى لم أصف أى شئ يا تيم ! انك تؤلف هذا بنفسك. اطلعتك فقط على الوقائع العارية . ابى رجل مريض وأنا لم أحاول التجسس.
- اذن كان يجب ان تفعلى يا حبيبتى حفاظا على مصالحك. انا ابغى افادتك من خلال خبرتى . لقد اعتدت القراءة ما بين السطور حتى اصبحت جزءا من مهنتى .
- ارجوك .
- تقولين انك ستخلين الشقة وستتركين لندن نهائيا فما عساى افكر أو أفعل ؟.
تأملته فى أسى وأجابت :- قبل ذهابى الى اسكتلندا قلت بنفسك انى قد أجد قريبا مسنا فى حاجة الى الرعاية والاهتمام، وقد صدق كلامك. لكن ابى اصيب بالمرض قبل وصولى بزمن طويل، واعتقد انه فى حاجة كبيرة الى وجودى . انا عازمة على البقاء معه مادام يريدنى هو ان ابقى .
لقد احببت غلينرودن على الرغم منى اما مسألة اخلاء الشقة فالواقعية تفرض على ذلك ، واخلاؤها لا يعنى انى لن اعود الى لندن فى يوم ما .
- استبعد جدا ان تعودى . فهذا المدير ...
فقاطعته بحدة :- ليتك تتوقف عن مهاجمته ! انه يقوم بعمل رائع ولا اعتقد انه يطمع فى املاك ابى . وفى الواقع جاء معى اليوم الى هنا .
- يا ألهى !.
أزاح طبقه وكأنه فقد شهيته فى الطعام واضاف :- أترين انى صادق فى اتهامى ؟ من الواضح انه لا يحتمل ابتعادك عن بصره وربما يعتقد انه سيستولى عليك مع الاملاك عندما يموت الرجل العجوز.
حملقت فيه وكأنه صفعها ثم قالت فى برود:- لايحق لك أن تقول أشياء كهذه . لك ان تفكر فيها اذا شئت انما أرجوك ان تحتفظ بهذه الاراء لنفسك . لقد فسرت لك الوضع بكامله ، واذا كان صعبا عليك ان تتقبله ...
فهز كتفيه وقال :- اعرف ذلك تماما واعرف انى أضيع فرصى بغبائى .
احس بالندم فانحنى صوبها عبر الطاولة اخذا يدها فى يده، وقال بنظرة تتوسل الغفران :- ما فكرت الا فى مصلحتك يا سو فأنت لا تجهلين حبى لك منذ زمن طويل .
خبر جديد بالنسبة اليها الا انها لم تقل شيئا . صحيح انه عرض عليها الزواج لكنها عزت السبب جزئيا الى رغبته فى ان يسكن شقة مريحة، ولطالما ابدى اعجابة ببيتها الجذاب، وربما كان منجذبا ايضا الى زوجة ذات دخل خاص وأهلية ثقافية تتيح لها عملا ذا راتب جيد. اضافة الى ذلك الم يلمح له رئيسه مرارا بأن الزوجة المناسبة تزود الرجل بالثبات المطلوب لترقيته فى عمله ؟
ومرة اخرى شعرت بالخوف حين قال بنعومة :- ا ذا كنت سترثين املاكا جبلية او اى نوع اخر من الاملاك ستحتاجين الى شخص يرعى مصالحك وهذا المدير ...
- ميريك فيندلى لا يهتم بى شخصيا اذا كان هذا مقصدك.
- أتتوقعين منى ان اصدق ذلك ؟.
- لم نأت بمفردنا. جاءت معنا فتاة يعزها ميريك كثيرا .
- أوه . فهمت .
تراخت اعصابه المشدودة ولاحت على شفتيه ابتسامة ذات مغزى وقال :- هذا أفضل فأنت تعرفين مغبة تقارب كهذا يتطلب يقظة شديدة وما كنت ابدا فتاة مجربة فى هذه الامور .
قطع كلامه ونظر الى ساعته وقال :- الوقت داهمنى يا سو يجب ان أذهب فورا. سأمر عليك مساء لنتعشى فى مكان ما . من المؤسف انك لم تعلمينى بعودتك . لقد أحرجت موقفى بالنسبة الى ضيق وقتى.
تجاهلت تأنيبه وقالت:- لابأس يا تيم ,لاتنس انك وعدت بالقاء نظرة على الاثاث.
- سأفعل احب فى الواقع ان اسكن مكانك فى الشقة لانها أكثر راحة من شقتى لكن عقدك لا يسمح لك بتأجيرها بالبدل نفسه، وكمستأجر جديد اخشى ان يطلب المالك بدلا مرتفعا لا اقوى عليه فى الوقت الحاضر .
ذهن تيم يفكر دائريا قالت سو لنفسها وهو يخرج من المطعم انه يحور ويدور ويرجع للتركيز على نفسه. على كل يبقى صديقا تعرفه ، ولاول مرة شعرت بأنها وحيدة فى لندن، وودت لو انهما قضياالعصر معا لكن ما يزال لديها عمل كثير... لقد حزمت معظم الاشياء التى قررت الاحتفاظ بها. وميريك سيرتب مسألة نقلها فى القطار لكن هناك بعض الاغراض الصغيرة كالكتب والاوانى العتيقة التى لن يشتريها احد. ربماتأخذها للرجل العجوز فى كوين ستريت كى يتصرف بها مادام يملك حانوتا لبيع وشراء الاغراض المستعملة . خابرته فوافق على شرائها ووعد ان يذهب بعد ساعة لتسلم الاغراض . شكرته وتابعت سيرها الى الشقة من الضرورى ان تفرغها اليوم لتسلم المفتاح غدا الى المحامى وقد يغطى سعر الاثاث أجرته .
عند احدى الزوايا توقفت مبهورة امام متجر صغير كان يعرض قميص نوم من الشيفون مع روب مماثل لونهما وردى رائع . حدقت اليهما مأخوذة وتخيلتهما ينسجمان فى جمال مع شعرها الاشقر وعينيها الرماديتين. انها لا تملك ثياب نوم كثيرة ، فعدا قميص من النايلون ارتدته طوال الصيف كانت ترتدى عادة بيجامة صبيانية تبتاعها امها رخيصة فى مواسم التصفيات. كان يريح سو ان ترتديها لكن هذا القميص فى الواجهة من نوع خاص ليس عرائسيا تماما انما حلو جدا .
دخلت المتجر تسأل عن سعره وتفاجأت بارتفاعه. سارعت البائعة وانزلته من الواجهه وقالت لسو بحماسة :- انه جميل حقا يا سيدتى انظرى التخريم الفضى الدقيق حول الخصر لقد صنع خصيصا لفتاة جميلة القوام مثلك.
حساباتها أوحت اليها بعدم الشراء لكن ملمس القماش الناعم جعلها توافق على ابتياعه... بعد ان تدفع ثمنه يبقى لديها مبلغ يكفى فقط لشراء سروال.
تناولت الرزمة من البائعة وهرولت خارجة قبل ات تغريها نفسها على شراء شئ اخر. قد لا يكون قميص النوم واقعيا بالنسبة الى الشتاء الاسكتلندى، الا انها فى هذه اللحظة الفرحة لم تأبه لشئ على الاطلاق .
احست بالتعب قبل ان يمر عليها تيم بساعات. عادت واياه الى الفندق وتركته يشرب قهوة فى قاعة الجلوس وصعدت لتستحم وتبدل ثيابها. وعندما اقترح ان يتناولا العشاء فى مطعم الفندق الفخم وافقت فى سرور، لكن دعوته فى ما بعد الى السهرة ازعجتها انما نظرة الخيبة فى عينيه اضطرتها للقبول .
رجعا بعد منتصف الليل، وبرغم تعبها الشديد لم يؤسفها التأخر فالنادى الليلى كان مفعما بالحيوية والمرح مما ازال الكثير من تواتراتها السابقة فضلا عن ان تيم كان رفيقا مبهجا ذكرها بتصرفاته الدمثة القديمة. وحين ودعها خارج الفندق شعرت نحوه بتعاطف لم تشعره طوال ذلك النهار.
كان فى صباح الغد سيذهب مع رئيسه الى ديفون فى مهمة تتعلق بتخمين الضرائب ولذا لن تراه ثانية قبل ان تغادر لندن قال لها وهو يودعها :- لا تنسى ان تكتبى لى وتخابرينى والا قلقت عليك يا سو .
تنهدت بما يشبه الارتياح وصعدت الى غرفتها بعدما اخذت مفتاحها من موظف الاستقبال. وما ان اغلقت على نفسها الباب حتى شعرت بالارهاق يرنحها ولم تشته الا النوم الفورى . كان لابد من الاغتسال فاستحمت بسرعة وانعشها الماء الدافئ قليلا فارتدت قميص نومها الجديد.
صعدت اخيرا الى الفراش ولم تكد تلقى رأسها على الوسادة حتى طرق الباب. خفق قلبها بقلق وانتظرت قليلا لكن الطرقات عادت فنهضت مستاءة، وسارت متعثرة دون ان تشعل النور .
فتحت الباب بعنف وفوجئت برؤية ميريك واقفا فى الممر . لقد تعمدت طوال النهار ان لا تفكر فيه ونجحت. حتى عندما تهجم عليه تيم رفضت ان تركز عليه اكثر من الدقيقة التى استغرقتها لتدافع عنه. تذكرت الان انه وعد بالمرور على الفندق ليتأكد من وجودها هناك وقد نسيت ذلك لسوء الحظ.

هدية للقلب 17-07-11 06:50 PM

قالت فى اندهاش قبل ان يتكلم :- اذا انتظرت قليلا سأضئ النور وارتدى روبى .
فرد متهكما :- اختارى الذى يعجبك. لن يضيرنى الانتظاربضع دقائق بعد الوقت الطويل الذى صرفته اذرع ارض هذا الطابق والطابقين الاعليين هذا ان لم اذكر اهتراء حذائى .
كان يرتكز الى مقبض الباب باسترخاء وعفوية لكن صوته كان مزينا بالتهكم . القت عليه نظره واحدة ثم هربت ,راحت اصابعها تبحث عن زر الكهرباء. وبيدها الاخرى التقطت روبها من على السرير. اضاء مصباح السرير الغرفة بنور خافت وكاف فى الوقت نفسه. احست فجأة بشفافية الروب الوردى، فحضنت كتفيها وصدرها بذراعيها واستدارت صوب الباب لترى ميريك يدلف يدلف منه قائلا :- دخلت لامنعك من المبادرة الى تمشيط شعرك او الى اى شئ اخر تفعله النساء حين يواجهن رجلا لم يتوقعن قدومه . واضاف مغمغما :- حتى لو كان رجلا ينفرن منه .
اثارها غروره كما فى كل مرة سابقة واجابت غاضبة :- لم افعل اكثر من الضرورى كما ترى .
- الذى اراه يعجبنى ويسرنى لان انتظارى لم يذهب عبثا .
- هل جئت قبلا الى هنا؟.
- لا تقولى انك نسيت ؟.
- قلت انك ستتأكد من وجودى هنا .
- وهذا ما كنت افعله طوال الساعة الماضية. لم يخطر لى انك ستتأخرين الى هذا الحد .
- قضيت السهرة مع تيم ماسون .
- هذا ما حسبته تماما كذلك خطر لى ان لك اصدقاء اخرين ولا ريب وتساءلت عما اذا كنت اعلمتهم بقدومك ؟.
حاولت استيعاب عبارته وتحليلها فاتسعت حدقتاها وهمست من حلق متقلص:-ما كان فى وسعى ان افعل هذا ولم افكر باقامة حفلة .
هز كتفيه وابتعد قليلا عنها فيما راح ظله يتراقص على الجدار ودت متأخرة لو انها اضاءت نور السقف لان ضوء المصباح الخافت كان حميما اكثر من اللزوم. راقبته مرتبكه وهو يستدير فى هدوء ويواجهها. رفعت رأسها تتهيأ لهجومه فضحك وقال :- اذن ركزت على رجل واحد على تيم موظف الضرائب! فما رأى حضرته بقضية الشقة ؟ هل وافقك على اخلائها يا ترى ؟.
كان فى ذقنه غمازة محفورة فى عمق تحت شفتيه فحدقت اليها سو كى تهرب من سخرية عينيه المشتعلتين. اخذت نفسا طويلا وحاولت ان تبادلة ذلاقته الهازئة نفسها وهى تقول :- قد تنبت لى مشكلة ضرائبية فاستعين به وهو على فكرة خدوم جدا . ثانيا انه لا يحبذ كثيرا فكرة رحيلى الا انه لم يعارضها. هل تقنعك هذه الاجوبة ؟.
ليس تماما لكن بما انى لا اعرف صديقك شخصيا فلا اعرف كذلك كيف يشغل عقله .
اذا كان بالفعل لا يعرف تيم شخصيا فكيف درى انه يعمل فى مصلحة الضرائب الداخلية ؟ لاجدوى من سؤاله لانها ستتلقى جوابا مراوغا على الارجح. ثم ان رجلا كميريك فيندلى يهمه جدا كل شئ من شأنه ان يمسه ولو بطريق غير مباشر ولا ريب ان فترة وجودها فى غلينرودن زودته بعذر كى يراقبها فى شمول ودقة .
اجابته مغمغة ودونما اكتراث:- اذا كنت قد حذفت ايه معلومة ضرورية فانا اكيدة من انك ستعوض هذا النقص .
ودونما اكتراث ايضا القى يديه على كتفيها ليؤكد وجهة نظرة حين قال :- من الافضل ان تقررى نهائيا ان الرجل اشباه تيم ماسون لا وزن لهم فى المجتمع. ليس بما يتعلق بك بالذات... يجب ان تودعيه غدا وتبدأى حياة جديدة . ان قطع علاقتك به نهائيا هو طريقك الوحيد .
اجتاحها ضعف مروع حين لامست يداه كتفيها وتململت قلقة وهى تحاول طرد مشاعرها والتركيز على كلامه . غلينرودن مهمة جدا بالنسبة الى ميريك وقد يفعل اى شئ من اجل حمايتها. انه يرعى تلك الاملاك كطفل صغير ويخشى عليها من النسيم العابر لكن الا يرى انه يؤذى الاخرين بهذا التصرف؟ هتفت والنار تسرى فيها وتقلص عضلاتها :- لا يمكنك ان تحكم على كل شئ تبعا لقواعد ثابتة بل يجب ان تتيح المجال للعنصر الانسانى .
- العنصر المتمثل فيك ؟.
- هناك معزة مشتركة بينى وبين تيم ولا يسعنى ان اكون عديمة الرأفة مثلك .
فقال بنظرة هازئة وحذرة :- لا تبدين لى كفتاة يطير بها الحب عاليا لكن قد تسعدين اكثر اذا ثبت قدميك على الارض .\
التحمت نظراتهما بغضب واجابت :- لا شأن لك بحياتى العاطفية يا ميريك فيندلى !.
- اتعتقدين ذلك حقا ؟ انى اذكر مناسبة معينة بدوت فيها منسجمة عاطفيا بين ذراعى . اخبرينى هل تقولين لتيم ارجوك بعد ان يعانقك ؟.
انتاب كليهما توتر براق كهرب الهواء فى ما بينهما فاطلقت نفسا مسموعا عبر شفتيها الورديتين المنفرجتين ثم قالت فى شبه هذيان :- انى متعبة وفى حاجة الى النوم .
فأضاءت وجهه ابتسامه متألقة وقال متأملا قوامها الرائع:- هل اعتبر ذلك دعوة لى ؟.
كانت اصابعه تحرقان كتفيها من خلال القميص الرقيق فيلتهب دمها بحمى لم تعرفها ابدا من قبل ارجفتها صدمة الاكتشاف فلجأت الى الكلمات لتضبط ارتجافها:-لماذا تجد لذة فى تحوير معانى كلماتى؟ لا ادرى سبب مجيئك الليلة لكنى واثقة من انك لم تأت بسبب انجذابك الى.
- انك لساحرة يا انسه فريزر فلا تستهينى بما لديك من مفاتن ولا بقدرتك على الاستمتاع بمباهج الحياة الحسية . لاتقولى ان تيم لم يعانقك مودعا ؟.
فى الواقع حاول تيم ذلك لكنها لم تكن فى وارد العناق. هذا على الاقل ما قالته لنفسها وهى تبعده عنها متذرعة بالتعب. وبالطبع لن تعترف لميريك بذلك ! ساءها ان يسأل فلاذت بالصمت الىان تحركت يداه على ذراعيها فعادت المشاعر السابقة تنسيها كل شئ.
قرأ افكارها وقال :- اذن تشعرين بالحرمان ربما تودين ان اعوض انا عن تقصيره؟.
شد ذراعيه حولها الى درجة الايلام ثم طبع على جبينها قبلة خاطفة وقاسية وكأنه يعاقبها على اعتراضاتها السابقة وافلتها وهو يقول بصوت متوتر :- هذا يثبت وجهة نظرى بانك لست قطعة ثلج كما تتظاهرين.
ابتعد عنها فجلست متهاوية على حافة السرير . كل ما يزعمه ليس صحيحا وحتى لو كان فيه شئ من الصحة فلا يحق له ان يفرض اراءه بهذه الطريقة .
تحول تضرج وجهها الى شحوب وخفق قلبها وهى تحدق اليه حاولت جاهدة ان تجمع شتات ذهنها الذى تاه منها فى تلك اللحظات المجنونة بين ذراعيه. وسمعته يقول هامسا :- لو انك تعقلت وعدت باكرا لما حصل شئ من هذا .
- اذن انا الملومة ؟.
- اسمعى يا سو لست مستعدا للدخول فى جدل لاحدد المسؤول عما حدث. وهنا ابتسم قليلا واضاف:- قد نضع اللوم على الشخص الذى باعك هذا اللباس الليلى المغرى .
افقدها كلامه انضباطها فقالت كاذبة :- اتعتقد انى ابتعته خصيصا ؟ لقد غسلته عدة مرات لغاية الان .
تألق وجهه بتلذذ وقال وهو يتقدم نحوها فجأة :- انك تكذبين الا اذا كان لدينا بطاقات اسعار قابلة للغسيل !
وبسرعة مد يده وافتلع بطاقة صغيرة من بين كشكش الياقة ليريها اياها .
انحشر الهواء فى حلقها ففقدت صوتها . لكنه لم يعطها فرصة للجواب وتناسى الحادثة بهزة كتف قصيرة قبل ان يضيف:- اضطررت لرؤيتك هذه الليلة يا سو لانى سأنشغل غدا بموعد مهم وسأذهب الى المطار فور انتهاء الاجتماع. لقد رتبت كل شئ هنا . وغدا بعد الظهر سيمر عليك سائق التاكسى ليأخذك الى المطار . لم اعرف كيف سارت امورك وخشيت ان تكونى صادفت بعض المشاكل فجئت لاطمئن الى احوالك .
سار الى الباب وادار مقبضه وهو ينظر اليها تمنت لو يمضى بسرعة متجاهلة مشاعرها الجياشة التى كانت تتمنى بقاءه بدورها . تمالكت نفسها فى صعوبة وقالت :- فى الصباح لدى موعد مع محامى والدتى وحيث سأوقع بعض الاوراق سأسلمه مفتاح الشقة وسيتهم بأمر الاخلاء وغيره لقد حزمت اغراضى الخاصة كما اشرت على ...
وغاب صوتها اذ لم تجد شيئا اخر تقوله.
حسنا غدا نلتقى فى المطار اذن ... يؤسفنى ان يضيق وقتى بهذا الشكل وربما فى رحلة اخرى نرى بعضنا اكثر .
ارتعشت حين اختفى بسرعة وظلت لدقيقة تحدق الى الباب المغلق... لو ان ما راته كان حلما فاستيقاظها كان فجائيا قاسيا لا قبل لها باحتماله. قفزت واقفة فتهاوى شعرها على وجنتيها. سارعت الى حقيبة ثيابها والقت بمحتوياتها على الارض، ثم نزعت القميص والروب باصابع مرتجفة وارتدت بيجامتها القديمة. كانت قصيرة قليلا وصيبيانية لكنها شعرت فيها بالعودة الى شخصيتها المتزنة السابقة .
اندست بين الاغطية وهى تحس تعاسه غريبة . غدا صباحا تضع قميص النوم فى سلة المهملات او تقدمه هدية الى عاملة الفندق ذات الابتسامة الحلوة. لن تأسف كثيرا على ضياع ثمنه ولن تقلق على مصيره فقط لا تريد ان تراه مرة اخرى !
نهاية الفصل السادس

هدية للقلب 18-07-11 02:35 PM

7 - غابة بدون أشجار!
لدى عودتهما الى ادنبره، حاولت سو اعتبار الحادثة كمجرد خدعة لعبها الليل على مشاعرها الحساسة جدا . فميريك فيندلى ليس من النوع الذى ينغمس فى مغامرات عابرة كهذه ، وشخصيته تعزز هذه التبرئة .ولكن حياة مطلق رجل لا تخلو من بعض لحظات التهور. لقد كان متعبا مثلها على الارجح، والذى حصل لم يحدث عن تعمد او تنفيذا لخطة مرسومة. هذا التحليل برغم دنيويته اراحها مؤقتا، فتعلقت به تعلق الغريق بخشبة وصلا مطار تيرنهاوس قبيل الغروب، واصر ميريك على ان يتناولا الشاى قبل مواصلة السفر الى غلينرودن، وشرح السبب بقوله :- انها مسافة بعيدة وانا لا احب التوقف على الطريق .
استرقت اليه النظر وهما يدخلان ادنبره ولم تعلق . لقد استمتعت بالرحلة الجوية اكثر من المرة الماضية . فكارلوت لم ترجع معهما، وميريك جلس الى جوارها ، يعرفها الى المعالم المختلفة التى لم تستطع معرفة اسماءها فى المرة السابقة . اجاب على كل اسئلتها بمهارة المسافر الخبير .
ومع انها لم تر ميريك كثيرا فى لندن الا ان اشرافه الدقيق على شؤونها كان واضحا . فتنظيمه الصارم واصراره على توضيب كل غرض يتعلق بحياتها السكنية فى كنغستون ومن ثم الشحن والبيع والتصريف كل ذلك تم فى وقت قصير وكأنما بقيادة محرك لاسلكى . لم يخطر لها مطلقا ان تعارض سلطته او تناقشه لكونه تخطى صلاحياته واتخذ عنها معظم القرارات. كانت تحافظ دائما على استقلاليتها ولذا احست بشئ من القلق بشعور مسبق بانه يسيطر عليها اكثر اذا لم تاخذ الاحتياط الكافى فى المستقبل.
تنهدت وغمغمت بتأثر :- ما احلى العودة الى الوطن. اسكتلندا حققت كل احلامى بها . ماغبت عنها يومين حتى افتقدتها.
استدار اليها قليلا وقال :- الاحلام خطرة احيانا .
ما به؟ هل تعرقلت اعماله فى لندن ؟ وسألته :- هل ساءك ان اعود معك هكذا ؟.
- ولماذا استاء ؟ لك مطلق الحق فى العودة والدك يحتاج اليك .
وودت لو تضيف :- لكنك لا تحتاجنى. تذكرت فى اسى مواقفهما العاطفية وانتقلت الى صداقته لكارلوت. هل يعقل انه يلهو بهما معا ولبينما يتضح له من منهما سترث غلينرودن؟ هل سيجد صعوبة فى الاختيار ؟ قد يعيش جون لسنوات طويلة وربما لا يعيش . اخافتها افكارها فحاولت الا تغوص فى المستقبل انها لم تحب امها ابدا فى عمق ومع ذلك تفتقدها احيانا ،وابوها كذلك تخاف ان تفقده بعدما عثرت عليه. ما نفع ان نحب الناس اذا كان القدر سيختطفهم فجأة مخلفين وراءهم فراغا مؤلما ؟
حتى اهتمامها المتزايد بميريك فيندلى قد يكون دعوة الى العذاب . ادارت بصرها وحدقت الى المتاجر وجموع الناس على الارصفة . لماذا تسمح للحظات عناق قصيرة ولخفقات قلبها المجنونة ان تسبب لها كل هذا التمزق ؟ ميريك يجب ان يبحث عن التسلية فى مكان اخر وهى يجب ان تتعلم كيف تقسى قلبها .
اوقف ميريك السيارة امام احد الفنادق وقال وهما يهبطان منها:- للعاصمة مظهر دراماتيكى مؤثر الا تعتقدين هذا ؟
التفت اليها ولم يبد عليه اى انزعاج من صمتها المفاجئ.
تطلعت الى فوق فوقع بصرها على خيال القلعة الصخرية المشيدة منذ الف عام وعلى ظلال ادنبره القديمة الواقعة خلف حدائق برنسيس ستريت . كان مشهدا ر ائعا يسحر النظر .
وقال ميريك :- عندما نستغنى عنك ليومين يمكنك ان تقضيهما هنا لتتعرفى جيدا الى ادنبره
ابتسم قليلا وقادها عبر الشارع نحو الفندق ويده تحتضن خصرها وقال :- خسارة اننا لن نبقى هنا وقت اطول انما من الافضل ان نتابع السفر.
العودة الى البيت لم تستغرق وقتا طويلا او هكذا خيل الى سو لما تذكرت سفرتها الاولى الموحشة فى اغسطس/ اب. معظم الطريق بدا ميريك منشغلا بافكاره فوجدت نفسها تغفو بين حين واخر . وقبيل وصولهم نفضت عنها ذيول التعب والنعاس لتسأله عن موعد عودة كارلوت. فاجابها فى اختصار :- نسيت ان اسألها وهى لم تخبرنى, انك ستعيشين بدونها لبضعة ايام فلا تخافى .
- لا داعى لتهكمك . حسبتك ستتساءل لماذا لم اسألك .
- لم اتساءل وهى لا تتغيب عادة لوقت طويل .
هز كتفيه بحركة لا مبالية واختلس اليها النظر من طرف عينه كلاهما كان شاعرا بوجود الاخر انما لم يرغب فى الكلام. هذا التوتر احزن سو وحيرها فاستدارت تتأمل القفار عبر النافذه وبقايا المطر تغمرها بالرطوبة والوجوم. احست بوحدة الطبيعة تلمسها وتشعرها بالراحة وسط اسوداد الغروب.لاجدوى من الافكار بأن ميريك لا يريدها وكذلك كارلوت لكن غلينرودن اصبحت بيتها ووطنها ولن تغادرها مهما واجهت من منافسة .
الان وقد قصرت النهارات قررت السيدة لينوكس ان تنام ايضا فى البيت طيلة فصل الشتاء. الدكتور ماكروبرتس لم يكن مطمئنا الى صحة جون الذى كان يهزل يوما بعد يوم ، فعرضت الممرضة ان تقدم مزيدا من المساعدة فضلا عن ان الطريق بين غلينرودن والقرية كانت تنقطع احيانا فى الشتاء لدى فيضان النهر ، فخشيت السيدة لينوكس ان تحتجز فى القرية لايام متتالية بسبب ذلك .
شعرت سو بالامتنان لهذا الترتيب الجديد انما كان على الممرضة ان تنظم امورها فى القرية استعدادا للبقاء فى غلينرودن فساهمت سو فى اعمال اضافية فى البيت كذلك استمرت تساعد اباها فى الكتاب وعلقت السيدة لينوكس على ذلك بقولها :- احيانا اتساءل يا عزيزتى من الذى يؤلف الكتاب هو ام انت فلولاك ما استطاع ان يكتبه ابدا .
- هذا العمل يشغل ذهنى ويبعده عن التفكير فى امور اخرى .
اجابتها سو بابتسامة غامضة . وبالرغم من نظرة المرأة المتسائلة لم توضح ان الاشياء الاخرى تعنى بمعظمها ميريك فيندلى .
فعلى الرغم من وجهة نظرها الخاصة بانه مغامر جرئ يسعى الى تأمين مصالحه المستقبلية ، استمر ميريك يعذب قلبها. والى جانب شعور الاحتقار. كان يثير فيها احاسيس اخرى هى فى غنى عنها. كانت كلما راته تتذكر فى خجل مذنب انها حين قابلت المحامى فى لندن، كانت على وشك ان تأخذ رايه فى اجراء تحر قانونى عن اوضاع ميريك وبطريقة لا تثير الشكوك. لكنها لسبب ما وجدت نفسها عاجزة عن عرض شكوكها ومخاوفها امام المنطق القانونى الصارم. بل ان مجرد فتح الموضوع بدا لها تصرفا وقحا انذاك .
اما الان وبعد ان عادت الى غلينرودن فقد انبت نفسها على غبائها لان الفرصة قد لا تسنح ثانية . من جهة اخرى لم تكن لديها اية فكرة عن مغبات اجراء كهذا وخافت من النتائج التى قد تثبت خطأ ظنونها . لم تكن لتبرئ ميريك من كل شئ الى جانب سعيه الطبيعى الى تأمين مستقبله ماديا ، لكنه قد يرحل عن غلينرودن اذا اقدمت على شئ بلا مبرر منطقى وطعنته فى الصميم .
ومرت الايام واستمر ميريك يشرف على رحلات الصيد لكن متنزه العربات كان سيقفل ابوابه مع انتهاء الموسم فى اواخر اكتوبر / تشرين الاول ، او هكذا اخبرتها كارلوت لما عادت من لندن. قالت :- قررنا للعام المقبل ان نستصلح بضعة دونمات اخرى قرب الخليج بموجب رخصة بالطبع. واذا حصلنا عليها فقد اقضى الصيف المقبل فى غلينرودن. فميريك على ما يبدو لا يمكنه الاستغناء عن خدماتى . لن تكونى هنا على الارجح لكن احسبك تودين معرفة ذلك .
كان فى وسع سو ان تجيب بانها لا تود ان تعرف وبأنها لم تستسغ مذاق الخبز انما كان من المحتمل جدا ان تترك غلينرودن على الرغم من كل ما قد يحدث لذا بقيت صامته تستمع فى تهذيب الى ثرثرة كارلوت محاولة ان تعطى الانطباع بانها لا تكترث اطلاقا لما سيحدث فى السنة المقبلة فى هذا الجزء من العالم !
اخبرتها كارلوت كذلك ان ميريك دعاها للعشاء خارجا مما زاد من مرارة سو لكونه لم يفكر مرة بدعوتها بل تعمد الابتعاد عن طريقها وفى الاخير ذكرت كارلوت ان مدرسة قرب بيتها قد تطلب معلمة شابة للعمل عندها بعد عيد الميلاد فتشبثت سو بالفكرة وطلبت الى الفتاة ان تتأكد من الامر وتعلمها به فورا .
وفى احد الايام قرب نهاية الشهر اصطحبها ميريك فى الجولة الموعودة . فقد فاجأها فى احدى الامسيات بتجديد دعوته وقبلتها فى سرور برغم انها كانت عازمة تقريبا على رفضها.
كان صباحا صافيا برغم هبوب الريح وكان ميريك قد نبهها الى وجوب ارتداء ثياب دافئة بقوله :-الدروب وعرة والطقس متقلب فلا تتمسكى بالموضة وتلبسى تنورة وبلوزة رقيقة. اذا فعلت ذلك سأعيدك الى غرفتك لترتدى المطلوب.
كان فى نبرته تهديد خفيف جعلها تهرع الى خزانتها وتختار سروالا سميكا وقميصا دافئا وكنزة وقبعة صوفيتين .
السيدة لينوكس شاركت بدورها فى العمل على انجاح الرحلة فهيأت ساندويشات وضعتها فى حقيبة ظهر خفيفة اعتطها لسو متمنية لها رحلة ممتعة .
ابتسمت سو وهى ترقض الى حيث كان ميريك يجلس فى سيارته وحالما صعدت الى جانبة ادار المحرك بفروغ صبر وانطلقا.
نظر اليها وقال باسما:- تبدين متألقة هذا الصباح .
- لقد نفذت تعليماتك بحذافيرها كما ترى . انا مستعدة لكل شئ تطبيقا لكلماتك .
- ربما ما طلبت هذا بالضبط لكن طالما نحن ذاهبان فى مطاردة فالثياب الثقيلة انسب .
فقفز بصرها الى وجهه الاسمر وسألت فى لهفة :- مطاردة؟ اتقصد اننا سنطارد الغزلان الاوائل ؟.
- جمع ايل هو ايائل يا بلهاء وليس اوائل .
فبادلته الضحك وردت فى جرأة :- الشاطر حسن ! هكذا كنا نسمى التلاميذ اللامعين فى المدرسة .
فبادلها مزاحها بأقسى منه :- عرفت نساء كن يطلقن على اسماء الطف . انا اسمى ميريك ولم اسمعه من فمك سوى مرة او اثنتين .
اشاحت بصرها صوب الجبال البعيدة واخذت نفسا عميقا ثم قالت فى جدية :- عندما تتصرف وديا تكون لطيفا جدا لكن هناك اوقاتا تليق فقط بمناداتك (السيد فيندلى ).
- بالنسبة الى خطاياى يسرنى ان اعرف بانى اثير ردود فعل ايجابية فى بعض الاحيان. الا توافقينى رايى يا حلوتى سو بناء على تجاربنا السابقة؟
- لنحصر حديثنا فى موضوع الغزلان .
- اوه، الغزلان .
ثم ابتسم ساخرا واضاف :- منذ ايام حواء والمرأة استاذه فى فن المراوغة . لكنك فى يوم ما ستتعلمين شيئا واحدا يا سو وهو انك لن تستطيعى الهرب الى الابد لكن فى الوقت الحاضر لنتكلم فقط عن الغزلان كما طلبت .
ازدادت توردا وخفق قلبها وهى تقول :- حدثنى عنها اذن .
فاجابها فى ليونة وهوينعطف بالسيارة الى الطريق العام:- اود ان اريك ايلا او اكثر وقد ترين بعضا من اناثها .
- هل سنراهم على اراضى غلينرودن ؟.
وهنا تنبهت واضافت فى حذر :- اقصد انى لا اعرف الكثير عن غلينرودن هل هى املاك واسعة ؟.
تشبثت بحافة المقعد فى عصبية وقد تعرقت يداها من الخوف. انها تكره الاقرار بجهلها ومع ذلك لا تجد غضاضة فى قهر كبريائها لتعرف المزيد عن هذا المكان الذى بدأت تحبه .
لكن ميريك لم يستغرب سؤالها ورد قائلا :-الجواب نعم على كلا السؤالين. فغلينرودن شاسعة تبعا لبعض المقاييس. انما لا تخلطى بين الحجم والانتاج المادى . انها تضم غابة غزلان، مستنقعات تعيش فيها طيور القطا، والخليج الذى رايته اما فى الاودية فلدينا تلال ترعى فيها الاغنام وبعض حقول الحبوب والخضار والدرنية (كالبطاطا والفجل الخ ) .
هذه الحقول هزيلة بعض الشئ ونعتنى بتحسينها عاما بعد عام بيد ان الارض ما تزال صخرية .
لم تقتنع تماما فقطبت حاجبيها وتساءلت :- تقول ان الارباح ليست كبيرة فلماذا مادامت الاملاك واسعة وكثيرة ؟.
- لان هذا النوع من الاراضى لا يتيح المجال لربح وفير. اعطيك مثلا اذا كانت لديك غابة غزلان، فهى تحتاج الى عناية مستمرة لكنها تكلف مالا كثيرا ... غابتنا نحن بدأت تدر ربحا بعد ان تعاقدنا نع الفندق على استئجاره فى موسم الصيد احيانا يتم الصيد وفقا للاصول واحيانا يكون الموسم كارثة وذلك حين لا يعرف الصيادون اى نوع من الغزلان يقتلون. فى هذه الحالة الجأ مع مسؤول الغابة الى الاشراف على كل شئ فى ضوء خبرتنا ومعرفتنا بواقع الحال .
- اتقصد انك تدع الناس يقتلون الغزلان ؟.
- ليس قبل ان نقوم بعملية الفرز .
- يعنى انكم تقتلون قسما منها! هذه قسوة !
- يجب ان نقتل عددا معينا من الغزلان كل سنة كى نضع حدا لتكاثر القطيع .
استغربت هذا المنطق المغاير للواقع فحولهما اراض هائلة اميال واميال من التلال والوهاد الممتدة حتى حدود البصر وليس فيها من مخلوق انها تتسع حتما لمئات الغزلان !
تململت فى مقعدها وسألت :- لماذا تمنعون تكاثر القطيع ؟.
- لان الغذاء محدود غابتنا جبلية برية وهذا يعنى ان القطيع يجب حصره فى اعداد معينة والا ماتت الغزلان جوعا لبينما يعود العشب الى النمو فى الربيع .

هدية للقلب 18-07-11 03:41 PM

- فهمت .
فكرت فى قحل المرتفعات فبدا كلامه منطقيا وهى لم يخطر لها ان تتساءل عن طعام تلك الحيوانات البرية .
كانا قد وصلا مقطع النهر على الطريق وحيث يتابع جريانة صوب الخليج وبعد عبور المخاض اتجه ميريك بالسيارة يمينا وراح يصعد دربا ضيقا مجانبا للنهر ومتابعا مجراه الصخرى عبر غابة من اشجار البتولا .
- تمسكى جيدا !
هتف ميريك حين تمايلت السيارة اثر نزلة سيئة جعلت سو تميل بدورها وتصطدم بكتفه. ابتسم واسندها بذراعيه حتى استعادة توازنها ثم قبض على المقود بكلتا يديه ليضبط الدواليب الدائرة على نفسها .
انكمشت سو فى الزاوية تحاول ابعاد مشاعرها عن ملمس عضلاته وصلابة قبضته ففضلت ان تركز افكارها على موضوع الغزلان . ثم سألته :- الا يمكنكم اطعامها اغذية اصطناعية كما يفعل المزارعون مع البقر ؟.
ارجأ الجواب حتى استقام الدرب امامهما فاسترخت يداه على المقود وقال :- لنيتعرض المشكلة من البداية . غابة الغزلان قد تبدو كبيرة على الخارطة انما فى الواقع هناك اماكن معينة فقط تصلح للمرعى وبالتالى لتغذية عدد معين من الغزلان هذا العدد نعرفه واحدا واحدا ونعرف انه يأخذ كفايته من الزاد .
- الا تحتاجون الى اطعامها شيئا اخر ؟.
- اجل نطعمها فاصوليا وبطاطا وملحا يابسا الا اننا لا نفعل ذلك الا فى شتاء قارس جدا لانه يكلف مالا ونحتاج الى مردود سنوى لنستطيع تزويدها بهذا الطعام سنويا . لكن الغزلان تعلف نفسها عادة بشكل جيد .
- لماذا قلت عادة ؟
- لانه ليس دائما يكون الشتاء قاسيا ومثيرا للمشاكل وحيث يتجمع الثلج عميقا فى الجوفيات العشبية التى تؤمن الغذاء للايائل . وحين يتعمق الثلج يستغرق ذوبانه وقتا طويلا وهنا تكمن فترة الخطر ... فى مرة كهذه وجدنا الغزلان تموت من الجوع. كانت لشدة ضعفها لا تستطيع الهرب من درب العقبان اذا هاجمتها . كان جون معى انذاك .
- وماذا فعلتما ؟.
- اضطررنا الى قتلها بالرصاص لنريحها نهائيا من عذابها .
اطبقت عينيها لئلا ترى المشهد حتى فى الخيال وهمست :- يا للحيوانات المسكينة ! لماذا لا تطعمونها دائما ؟.
- قلت سابقا ان التكاليف ستكون باهظة كذلك اذا زودناها بالطعام باستمرار تصبح اليفة وبالتالى لا تعود هناك مطاردة وتمسى الغابة مكتظة بها.
- وما ضر لو اصبحت اليفة ؟.
- استعملى خيالك وفكرى بالنتائج ففى هذه الحالة ستهبط من التلال وتأكل غلال المزارعين وسيسارع المزارعون الى قتلها . لذلك لا مناص لنا من قتل بعضها بأنفسنا وبطريقتنا الاقل تعذيبا، وحيث الرصاصة الصغيرة من يد صياد ماهر ارحم لها من الموت جوعا او من الموت البطئ اذا قتلت بحزق .
صوته بدأ يعكس نفاد صبره قليلا لكن عينيه ظلتا عطوفتين مما شجعها على القول بصمت متعب :- ما احسبنى ارغب فى قتل ايل حتى لو كنت صيادة بارعة .
- لك الحق ان تشعرى هكذا ولكن بامكانك ان تستمتعى بالمطاردة من غير ان تستعملى البندقية او تعرفى الكثير عن فنون الصيد .
تنهدت ولاذت بصمت مؤقت وراحت تراقب ارتفاع الشمس عاليا فوق الجبال. فيما كانت اشعتها تزحف نزولا على جوانب التلال الى الوادى . الطقس سيكون جميلا هذا اليوم . عادت تنظر اليه وهى تشعر بقربه داخل السيارة ، وقالت مشيرة الى البرارى حولهما :- أأستطيع حقا ان استمتع بالمطاردة برغم قلة خبرتى ؟.
- لا تحورى كلامى يا سو .لا يجب ان تتجولى بمفردك اذا كان هذا ما تقصدين . يجب ان يرافقك شخص خبير يعرف كيف يتصرف فى الظرف المناسب .
- هل تحذرنى ؟.
ابتسم بالتواء وقال :- قد يكون تحذيرا لانى استشف فيك نزعة عنيدة ومغامرة تحت قناعك . لذا اسمعى جيدا ما اقول! اذا ضبطك هنا تتجولين على هواك سأضربك ضربا مبرحا يجعلك تعجزين عن الجلوس لمدة اسبوع !
لا تستبعد ان ينفذ تهديده! احمر وجهها ليس بدافع الغضب بل لان فكرة عقاب كهذا اشعرتها باثارة غريبة بدلا من الغضب. كان فى علاقتهما شئ غامض لا تستطيع فهمه فهو يميل الى قول اشياء عنها لا تنطبق على طبيعتها الحقيقية .
انها فتاة عاقلة متزنة هذا ما قاله تيم مرارا وقلما تصرفت بلا تفكير . ابتعدت عن ميريك قليلا وقالت بجدية :- لا ادرى ما الذى يحملك على اصدار قرار نهائى وخطير كهذا ولا على اية اسس تقفز الى استنتاجات مستهجنة لشخصيتى !
- قد لا يروقك تحذيرى لكن النصيحة السديدة لا تخيب ابدا بل قد تنقذ حياتك فى لحظة ما .
فأضفت الى صوتها نبرة متعالية لتضعه فى مكانه :- اعتقد انك تبالغ وان زبائن الفندق قد ارهقوا صبرك لكن عليك ان تتحمل لان هذا جزء من مسؤولياتك .
قالت هذا وشمخت بذقنها متحدية فاتقدت عيناه واسود مزاجه فادركت للحال بانها اخطأت فى التكلم بهذه الطريقه.لم تكن المرة الاولى التى تتعمد فيها اثارة غضبه . ولتجعله يدرك بانها الوريثة الشرعية لاملاك يشتهيها لنفسه.انما اليوم كان يبذل اقصى جهده ليؤمن لها الراحة والاستمتاع ولذا يجب ان تلجم لسانها وتكف عن اغاظته لتبادله حسن معاملته لها .
وقبل ان تقول شيئا ملطفا تحركت يده فى سرعة البرق وقبضت على حفنه شعر عند اسفل رأسها ناخعا عنقها بايلام ومشددا قبضته كلما حاولت التملص منه وحين صرخت متوجعة غمغم قائلا :- انظرى حولك يا انسة ... فريزر انظرى الى البرارى الموحشة وحاذرى اثارة غضبى الى حد لا تحمد عقباه واذا كنت لا تصدقينى سلى العمال عم مدى هياجى عندما اثور !.
ثم اطلق شعرها ودفعها عنه بخشونه فتكورت قربه ترتجف وتحدق كالخرساء الى الطريق. تمنت لو تتبخر او تكتسب بطريقة سحرية جسما ضخما كيلا تحس كل هذا القزم والعجز امام ضخامته وقوته.
لم يلتفت اليها وحاولت هى ان تتمالك اعصابها لم تجد جوابا ذكيا لعبارته الخشنة ومرت الدقائق صامته لبينما استطاع ذهنها المعذب ان يستعيد طاقته الفتية .
كانت البرية على الجانبين تزداد توحشا وكانت شجيرات الخلنج تكاد تلتهم الدرب الضيقة امامها بدت لها الطريق طويلة جدا فسألته وهى تغطى ارتباكها بطبقة من الهدوء :- هل ما تزال المسافة طويلة ؟.
فاجابها بصوت املس وكأنه احس ارتباكها واراد برغم ذلك ان يعاقبها قليلا :- ليس كثيرا انما ارجو ان تكونى قد استعدت عافيتك تماما لتتمكنى من السير والتسلق. انا لست مستعدا لحملك حتى لو امرتنى بذلك .
نظرت الى اصابعها كيلا يرى وجهها وقالت :- انى استحق جوابا كهذا .
- وانا ما نويت ان اسامحك بهذه السهولة لكننا سنقضى بقية اليوم معا ولست بارعا فى لغة الاشارات .
مزاحة البسيط كسر حده التوتر وجعلها تضحك من قلبها ثم تقول مازحه :- بما انك تكيل الصاع صاعين فان مناداتك لى بالانسة فريزر احدثت التأثير المقصود من جانبك .
جوابه المتوقع ضاع فى اللحظة التى توقفت فيها السيارة فجأة داخل مراب طبيعى منحوت فى جوف الصخور فهتفت سو متسعة الحدقتين :- يا الهى ! ما اروع هذا المكان !
- هنا ينتهى الدرب وتترك جميع السيارات .\
تطلع فى عينيها يبحث فيهما عن امارات ذعر فوجدهما تتألقان بالاهتمام اومأ باستحسان وقال :- من الان فصاعدا سنستعمل اقدامنا والطريق وعرة

هدية للقلب 18-07-11 05:08 PM

فعلا الطريق وعرة جدا لكن سو فضلت الموت على التذمر بالرغم من شعورها بالاستمتاع سبقها ميريك قليلا حاملا شنطة الطعام على ظهره وكان بين حين واخر يتوقف حتى تلحق به كان الضباب ما يزال يلف جوانب التلال ومع ذلك مضى ميريك قدما لمعرفته الجيدة بالطريق .
عندما صعدا اكثر فاكثر بدا المشهد رائعا جبال ، صخور ، اودية خضراء وجداول مترقرقة فاصغت سو الى الخرير وكأنه موسيقى يبثها الهواء. ثم سرعان ما انقشع الضباب وهب نسيم عليل فيما انتصبت التلال ورسمت على زرقة السماء قمما جريئة محززة .
بعد ساعة من الصعود خرجا من حقول الخليج الى جانب التل العالى كان حارا بلا ظلال مما ازعج سو لكنها انتعشت حين وصلا كتف التل واحست الريح تلفح وجهها . وكم شعرت بالامتنان عندما توقف ميريك وسمح لها بان تشرب ماء عذبا باردا من احد الجداول.
نظر اليها متأملا فلاحظ لطخة سوداء انطبعت على جبينها حين ازاحت عنه خصلة شعر بأصابع ملطخة بشحوار الصخور . مد يده ونفض بعض التراب الرملى وقال باسما:- عطشت كثيرا يا سو؟ ربما انت فى حاجة الى الاغتسال ايضا!
انعشها الماء العذب فبادلته النظر والابتسام وقد انستها بهجة الصعود عداءها السابق تجاهه . كانت فى قمة الحيوية يغمرها افتتان كلى بروعة البرية فقالت :- الهواء رائع انه يجعلنى اتسلق التلال لساعات بدون ان اتعب.
- عظيم لكن امامنا مسافة طويلة وانت لا تملكين المتانة او الخشونة اللازمتين لهذا النوع من التسلق فلا تهنئى نفسك قبل الاوان .
كم يحب تهبيط العزائم ! قالت غاضبة :- هل تفضل رفقة امرأة مسترجلة ؟
اتقدت عيناها وحاولت جاهدة ان تبقى موضوعية انه على الارجح يقصد النساء اجمالا وليس فقط انثى عديمة البخبرة مثلها ومن واجبها ان تثبت له خطأه.
- امراة مسترجلة .
رددت بفروغ صبر وراحت تنتظر جوابه
- انا شخصيا لا افضلها كنت اتكلم عن وعورة الارض وليس عنى .
شقا طريقهما على كتف الجبل صاعدين بين صخور ومتدحرجين بين حجارة . الريح التى تهب على وجهيهما صارت الان تترنح خلفهما فتصفر من خلال الشقوق الضيقة بنواح غريب ارتجفت سو وقالت من خلف ميريك :- صوت الريح مخيف.
- انه مكان موحش لكن الهواء رائع كما قلت .
لم تستطع سو ان ترى شجرة واحدة حولهما او فوقهما فسالت متضايقة:- اين هى الغابة ! اقصد غابة الغزلان ؟.
فضحك ميريك وهو يعدل بندقيته على كتفه وقال :- ما اخبرك احد يا سو ان لا اشجار فى غابة الغزلان ؟.
عضت شفتها وتابعت سيرها خجله يبدو انها لن تفوز عليه فهى تشعر فوق هذه التلال بانها جاهله كليا ولا عجب ان يضحك منها ويهزأ .
اسند كوعها بكفه وقال لما لاحظ وجهها الخائب :- لا عليك كثيرون يقعون فى الغلطة ذاتها لكن لا تسألينى لماذا يسمونها غابة والشجر قلما ينبت فيها .
ازالت كلماته اللطيفة كربها وتابعت السير خلفه. كان الدرب شديد الانحدار وحجريا لكنه سرعان ما انعطف حول منكشف صخرى وانتهى عند حاجز حجرى ضخم وصلت الى حيث توقف ميريك ووجدته يتفحص التلال من خلال منظارة .
- انظرى يا سو الى اعلى هناك ايل . انظرى كذلك الى بن كراون انه يقف على مدخل الوهدة العشبية اذا حالفنا الحظ سنرى الايل من مكان اقرب خذى المنظار لتريه بنفسك .
اربكتها لمسه ذراعه فتناولت النظار بيدين مرتجفتين قليلا وركزته على البرارى بحسب تعليماته ولم تلبث ان لمحت شيئا بنيا يتحرك .
وسألت بلهفة وهى تنعم النظر اكثر :- اهذا ايل ؟
- اجل انه ايل كبير نحن ابعد من ان نرى قرونه لكنه ضخم.
- الا يمكننا الاقتراب قليلا ؟ز
- الاقتراب صعب .
ثم اضاف بصوت خافت :- الريح فى صالحنا لانا عادت تهب صوبنا وفى هذه الحالة لا يتمكن الايل من التقاط رائحتنا . فالغزلان لعلمك لديها حاسة شم حادة والى درجة تشم فيها الانسان من مسافات بعيدة جدا . ولكننا سنحاول الاقتراب .
ازاح ذراعه عنها وابتعد قليلا فأدركت سو بخيبة ان بادرته تلك كانت لا شعورية محضة فقد كان مستغرقا فى مراقبة الايل وغير شاعر بوجودها. سارعت الى كبت رغبة مفاجئة فى البقاء تحت خيمة ذراعه وهى تهبط خلفه باحتراس المنحدر المخيف .
كان الاقتراب صعبا بالفعل فاقل ارتطام بحجر قد تجعل هذا الحجر يتدحرج ويدحرج معه كومه من الحجارة ينبه الايل الى وجودهما ولذا وجدت صعوبة بالغة فى الهبوط الصامت على السطح الوعر .
لكنها اخذت تراقب دعسات ميريك الخبيرة وتقلدها وسرعان ما اتقنت الصنعة فشعرت بالاعتزاز . ميريك بدا معجبا بها ايضا اذ كان يهديها ابتسامة سريعة كلما استدار اليها ليراقب تقدمها . وصلا نهاية المنحدر وقطعا الرقعة المستنقعية ثم اخذا يصعدان جانب الجبل .
اختفى الايل لفترة عن نظريهما لكن ميريك طمأنها بانه حدد البقعة حيث كان يرعى. كان كل شئ ساكنا جدا حتى ولا ورقة عشب تتحرك! صمت جديد بالنسبة الى سو المعتادة على عجقة الشوارع الكبرى . ثم اصبحا يزحفان ببطء على ايديهما وركبهما حتى وصلا حافة ربوة صخرية تطل على واد ضيق كان فى منتصفه جدول ينساب بين الحجارة انما لا اثر لوجود الايل .
همس ميريك فى اذنها :- انا اكيد من انه انتقل الى الجزء الاعلى من الوادى انى اعرف مراعيه جيدا وعشبها لذيذ تسعى اليه الغزلان .
- أأنت متأكد تماما ؟.
تقدمت الى حيث يقف ورمقته بنظرة جانبية متلهفة بدا قويا ومنتظم الانفاس بعد كل ذلك الصعود الشاق فيما كان جبينها حارا متعرقا فشعرت بالحسد .
استمر يحدق الى المنحدر ثم اجابها :- اجل متأكد هناك ممربين الجدول وجانب الجبل ومتى قطعنا الجدول نصل حاجزا صخريا يسد الممر لكن بامكاننا تسلقه لنشاهد الايل من على حافته. لن تكون الزاوية مناسبة لاصطياده. غير انى لا افكر اليوم بذلك.
واصلا هبوطهما الى حيث الجدول وبعد عدة دقائق استطاعت سو ان ترى الممر بين الجدول وسفح الجبل. اجتاحتها اثارة غريبة كانت مزيجا من المشاعر المكبوتة والتلهفة فى ان واحد لا تخلو من علاقة قوية بالرجل الواقف معها هكذا اعترفت لنفسها .
- الان نصعد سفح الجبل :
قال لها ميريك بليونة وهو يشير اليها بأن تتبعه عن كثب.
كانت الشمس تدفئ الصخر والفجوات مغطاة بالعشب وببرك صغيرة من الماء . بعض الاماكن كان لزجا فرحبت سو بيد ميريك التى امتدت تساعدها وتعلقت بها فى قوة وهى تنهض واقفة من كبوتها .
حمدت الله عندما بلغا القمة اذ كانت مقطوعة الانفاس ومتعرقة وشعرها مبعثرا على وجهها ولما نظرت الى تحت رأت قبعتها الصوفية معلقة على غصن شجرة يابسة .
قربها ميريك منه وافسح لها مكانا قربه ومن مكانهما عند منتصف الجبل تمكنا من رؤية قمة الوادى . كانت صغيرة المساحة ومكتظة بصخور سقطت على الارجح من صخور اعلى .
بدا العشب نديا اخضروغريبا بالنسبة الى هذا الوقت من السنة . وسرعان ما انجذب بصرها الى الحيوان الذى كان يقضم العشب وهو غافل تماما عن الغريبين المحدقين اليه. كان ايلا جميلا بنى اللون وذا قرن متشعب .
نهاية الفصل السابع


هدية للقلب 18-07-11 11:43 PM

8 - هل انت بلهاء ؟
فى غمره لهفتها تشبثت بذراع ميريك لكنها تذكرت وجوب الكلام همسا:- ما اجمل هذا الحيوان !
شهقت فى خفوت وعيناها تتسعان اعجابا! لأول مرة فى حياتها تشاهد ايلا خارج الافلام والصور، ولذا راحت تراقبه مسحورة من مكمنهما العالى على الصخرة.
كان يبعد عنهما مسافة مئة ياردة ويرعى متقدما فى بطء صوبهما فاستطاعت ان تحصى عشرة فروع فى قرنه. ولما استفسرت ميريك عن صحة احصائها وافقها عليه واضاف:- انه ليس من الايائل الملكية فهؤلاء تتسعب قرونهم فى اثنى عشر فرعا ولكنه رائع واقدر عمره بتسع سنوات . لن ترى واحدا افضل منه .
ولكنه يتيح لها مشاهدة افضل فرد ساقيه ووضع بندقيته على سطح الصخرة . جلست سو قربه حولها صمت عميق مكنها من سماع حوافر الايل وهو يركل الحجارة . كان يتقدم نحوهما فى بطء شديد وفى غفلة تامة عن وجودهما .
- قد يكون هناك اكثر من واحد.
همس ميريك وهو يعدل جلسته فى الحيز الضيق . كان قريبا منها حتى لتكاد ترى وجهها منعكسا فى عينيه السوداوين. وخشيت لبرهة ان تتحرك او تتكلم او تفعل اى شئ من شأنه ان يعكر احساسها باللا حقيقة فساقه الطويلة القوية العضلات تكاد تلاصق ساقها وانفاسه تلفح خدها بدفء عندما يتكلم . كان قربه لاهبا يصرف ذهنها عن الحيوان الراعى قبالتهما.
تنفست بعمق وقالت بسرعة :- يخيل الى ان الايائل تتشابه كما الخراف .
- لا تقولى هذا الكلام امام المسؤول الاول عن القطيع فهو يعرف معظم الايائل من مجرد النظر اليها . اننا نجمع قرونها احيانا لنحدد تطورها وهى تستبدل قرونها كل سنة بقرون جديدة .
وفى احدى المرات استطعت انا ودونالد ان نجمع ثلاثة قرون على مدى ثلاث سنوات متتالية للايل نفسه. كان فى الثامنة من عمره والقرون تلك اظهرت تحسنا ملحوظا بالرغم من ان عدد الفروع لم يتغير .
سرها ان ميريك يهتم بتطور الحيوانات الحياتى كاهتمامه باصطيادها ومع ذلك سألته بنبرة لوم خفيفة :- كيف تختارون الايائل الواجب قتلها ؟.
- نختار عادة ذوات القرون المشوهه لانها لا تصلح للتناسل الاصيل بصورة عامة . ثم هناك النوع الذى ليس له قرون على الاطلاق بل كتل عظمية قاسية بدل القرون .
- كنت احسب ان الناس يفضلون اصطياد الايل الملكى على سواه.
- ليس دائما لاننا لانصطاد الكثير من هؤلاء ولكن قبل ايام حظى احد الصيادين بواحد رائع من ذوى الاثنى عشر فرعا، يصلح تماما للامتطاء ارسلناه الى محنط حيوانات فى مدينة دندى لكن لاتحسبى ان جميع نزلاء الفندق يرغبون دائما فى الاصطياد فكثيرون منهم يطلبون فقط ان يشاهدو ويتعلموا مثلما تفعلين انت الان.
اشاحت عنه وقالت ناظرة الى الايل :- لم اعرف بأنك ستتيح لى هذه الفرصة الا بعد خروجنا يا سيد فيندلى .
فأجابها فى سخرية ناعمة :- هذا جزء من الخدمة .
اغاظتها نبرة صوته فاستدارت بحدة وسببت فى تدحرج حجر صغير بالكاد تقدر الاذن البشرية ان تسمع صوت سقوطه لكن الايل توقف فجأة ورفع رأسه منصتا ثم امال بدنه البراق جانبا وراح يتنشق الهواء. وقبل ان يتحرك احدهما من مكانه ركض الى الجدول بقفزة واحدة وقطعه بوثبة اخرى ليختفى فى ثوان فى اسفل الوادى . سرعته اللامعقولة اذهلت سو فشهقت ثم خيم صمت ثقيل قطعه ميريك حين نهض برشاقة وقال :-عساك فهمت الان لماذا يبتعد الناس دائما عنهم .
فنهضت بدورها وقالت فى وجوم :- اعتقد انى كنت اوفر حظا من سواى.
- اجل كنت محظوظة ويجب ان تكونى ممتنة لوجودك مع مطارد غزلان قدير .
- ما حسبتك من عشاق الامتنان يا سيد فيندلى .
- اذا خاطبتنى بالسيد فيندلى مرة اخرى فلن تعرفى ما الذى دهاك الا بعد ان تفيقى من الاغماء!.
رقصت على شفتيها ابتسامة لامبالية وقالت :- انك تفيض اليوم بالتهديدات المخيفة! معظمها فارغ على الارجح لكنى لا استسلم للخوف بسهولة .
لم يكلف نفسه عناء الرد اكت
فى بهزه كتف واستدار يتابع هبوطه تاركا اياها تتدبر امرها . القت نظرة حزينة على مكان الايل الخالى ولحقت بميريك متعثرة ، فاذا بها تنزلق على الصخور وتسقط فى كومه مخجلة عند قدميه .
لم يبد اية محاولة لمساعدتها بل قوس حاجبيه وغمغم هازئا :- هذه طريقه جيدة من طرق السقوط .
شخصت اليه فى احتقار وهى تلملم نفسها وتنهض . كانت يداها مخدوشتين حيث حاولت التشبث بصخرة كذلك احست الما فى احدى ساقيها . لكن كل هذا لم يحرك فيه عرقا ! من العبث ان تقذفه باية عبارة لاذعة لانها سترتد كما الكرة من على جدار غرورة القاسى ! حتى الان هى تنفض الغبار عن ثيابها وهو يلتقط معطفه وينظر الى ساعته ...
قال :- لنتناول الطعام وبعد ذلك نتهيأ للعودة . الساعة تقارب الثانية وامامنا مسافة طويلة .
سار على الدرب الحجرى بخطوات عريضة ثم توقف قائلا :- فى اعلى الطريق يوجد مكان جيد زرته من قبل انه اكثر راحة منالجلوس على الصخور .
مشت وراءه بمحاذاة الجدول صعودا ولما توغلا فى الوادى الصغير احست باثارة العزلة وكأنهما رائدان يستكشفان بقعة سحيقة من العالم ويرتحلان على ارض بكر .

هدية للقلب 19-07-11 03:50 AM

انا زعلانه كتيير ما فى ردود على الرواية
معرفتش اذا اعجبتكم ام لا
:asd::97(2):

فتاة 86 19-07-11 07:22 AM

:98yyyy:
لا لا ما تزعليش
حنخلص علي بيزعلك
إنت بس خبريني مين
و أنا بشكل عصابة من بتوع المفيا الإيطالية و حتشوفي الشغل إلي عأصولو
:welcomepirate1::welcomepirate1::welcomepirate1:
:jhghghg666::376::jhghghg666:
:08hg::smilie::08hg:
أنا رح ابدأ بقراءة الرواية حلق و لعيونك
بس خبريني من كام بارت بتتألف الرواية

:hR604426:

هدية للقلب 19-07-11 12:18 PM

شكرا حبيبتى على تشجيعك ليه ورفع معنوياتى
ومفيش داعى لتشكيل عصابة انا مسمحاهم
الرواية 10 فصول وقربت تخلص
:welcome3::shokrn::0041::0041::0041:

فتاة 86 19-07-11 04:49 PM

:98yyyy:
الله يسعدك أكيد الرواية كثير حلوة
و منتظرين التكملة
يعطيكي العافية
:85(1):
بس لا تطولي علينا


:friends:

هدية للقلب 19-07-11 05:12 PM

اطلقت لخيالها العنان فراح يعدو فى كل الاماكن التى تاقت لرؤيتها والتى لن تراها على الارجح. احست الوادى مكانا عتيقا نحتته عناصر الطبيعة بأروع النقوش وتضافرت الشمس والريح والامطار على جعل صخوره قمما وشقوقا وفجوات . اعترتها رجفة باردة حين اطبقت عليها العزلة كحبيب يرفض اخلاء سبيلها ... هنا قد يضيع المرء لسنوات قبل ان يجده عابر طريق .
وسرعات ما وصلا البقعة التى ذكرها ميريك وكانت عبارة عن حلقة من الصخور المظللة ذات ارضية مسطحة مغطاة بعشب محروق يابس لكنه كان سميكا كغطاء مريح للجلوس .
- هل يفى هذا بالغرض ؟.
سألها ميريك باسما وهو يناولها حقيبة الطعام . بدون ان ينتظر موافقتها اسند بندقيته الى صخرة ملساء ثم نزع سترته الجلدية ولفها كوسادة قبل ان يستلقى . وفى الاخير مدد ساقيه وقال :-هيا قدمى الطعام يا امرأة .
تأملت طوله بشئ من الحنق ثم اعتراها خضوع غريب جعلها تنفذ طلبه. حاولت اقناع نفسها بأنه يستحق الخدمة بعد مشقته وليس لان قلبها لم يعد قادرا على مقاومة هذا الرجل المغرور الوسيم .
بدا لها امرا جد طبيعى ان يرتاح هو وتقدم له هى الطعام الذى هيأته السيدة لينوكس . استعاضت عن المائدة بصخرة مسطحة قريبة وضعت عليها ساندويشات اللحم والتفاح .
جلست قرب ميريك ففتح عينيه وارتكز على مرفقه حين ناولته الساندويش فلاحظ اثار التبلل على وجهها وكانت غسلته بماء الجدول تأمل بشرتها الزاهية وقال :- انت خادمة بارعة ولو كنا فى عصر اخر لفكرت فى ابتياعك .
- هذا اطراء على ما اعتقد . لكن هل كنت ستساوم على فى سوق النحاسة ؟.
- ربما بدافع الاغراء .
- حتى لو كان السعر باهظا ؟.
احتواها بنظرة كسولة فعبقت من شئ لاهب تراءى لها فى عينيه وجعل حلقها ينبض. فضحك وقال :- انت التى قلت ذلك وليس انا يا حلوتى سو . قد تجعلين الرجل فى لحظة ضعف لا تفكر فى السعر اطلاقا .
- لكن من الجائز ان تندم على ذلك فى وقت لاحق !.
اى غباء يحدوها على متابعة هذا الحوار الخاوى والذى يشبه السقوط فى هوة بلا قرار ؟ استمر يرمقها بسخرية وقال :-قد يتوقف الندم على عدة امور لان سعر بعض الاشياء يفوق قيمتها الحقيقية يا سو .
اندلعت فيها شرارة غضب فأطفأتها بقضم تفاحة بأسنانها اللؤلؤية . ثم قالت :- انك لا تحب النساء كثيرا اليس كذلك يا ميريك ؟.
- ان لك موهبة عظيمة فى طرح الاسئلة السخيفة يا سو . بالطبع لا اكره النساء . لكن رأيى فيهن ... هو شئ اخر بالمرة ... هل تقصدين النساء بصورة عامة ؟.
ماذا يقصد ؟ لن تطلب اليه ان يشرح قصده لانها تدرك غريزيا ان الحكمة تقضى بتغيير الموضوع . هزت كتفيها النحيلتين وتظاهرت بالتثاؤب مللا ، ثم تشاغلت بسكب القهوة .
- لقد استمتعت اليوم تماما .
اكدت له فى تهذيب جم وهى تضيف السكر الى فنجانه وتابعت :- الايل كان رائعا ... وكذلك هذا المكان .
رفع حاجبيه ليفهمها انه وعى تجاهلها لسؤاله الاخير وغمغم بلا اكتراث :- طالما سمعت هذه الحماسة وهذا الكلام من قبل .
- ليس غريبا ابدا ان يقع المرء فى حب مكان فى خلال وقت قصير.
فأعاد فنجانه فى تكاسل وقال بصوت لطيف:- هذه الاماكن البرية الوعرة لا تناسبك يا سو . انت انسانة طيبة وجميلة ولكن لا توهمى نفسك بعكس ذلك ، فالنباتات التى تنمو فى بيوت زجاجية خاصة يجب ان تبقى فيها وان لا تسعى الى الازهار حيث اقسى النباتات تقدر فقط ان تحيا .
- لقد رافقتك اليوم الى هنا وتغلبت على كل تلك الاراضى الوعرة وبرغم ذلك تجرؤ على هذا الكلام !
تجاهل شهقتها الغاضبة فنهض وحمل فنجانى القهوة الى الجدول حيث شطفهما وعاد ليقول وكأن شيئا لم يكن :- من النادر ان يكون الطقس حارا هكذا وكأننا فى يوليو/ تموز .
راقبته من تحت اهدابها الكثة وقبضت بالرغم على حجر كبير وكأنها تنوى رجمه به . لماذا يستمتع باثارة غضبها وباثارة خليط من العواطف قد لا تستطيع فرزه ابدا عن بعضه البعض؟
وهتفت تتهمه حانقة :- انت لا تشعر نحوى بأى ود اليس كذلك ؟.
وحالما نطقت العبارة احست انها قالتها له من قبل . استدار وجلس قربها فى هدوء واجاب :-قد يكون صحيحا ما تقولين .لكن ليس من الضرورى دائما ان يكون الود عنصرا فى العلاقة بين رجل وامرأة . ام تراك لا توافقين ؟.
عيناه فسرت قصده حين راحتا تتأملانها كلها ، ثم جذبها الى ذراعيه فى قوة وبطء، محيطا خصرها بذراع ومسندا رأسها وكتفها بالاخرى .
بعد ذلك بفترة طويلة تساءلت سو لماذا لم تحاول الهرب ثم وضعت اللوم على شدة الحر التى بلدت حواسها جزئيا، وعلى صمت المكان المغناطيسى. كذلك الشعور بانها وميريك فيندلى كانا منعزلين عن العالم فاعتبرته استمرارا طبيعيا للبهجة التى غمرتها فى الصباح .
تكلملت قليلا اذ احست خطرا خفيا من البقاء حيث هى لكنه منعها من الحركة وقال يأمرها بصوت كسول وذقنه تضغط على رأسها :- لا تتحركى ! تذكرى انك عبرت لى قبلا عن امتنانك !
هل يقصد ؟ حاولت الكلام فالتصقت الكلمات فى حلقها . كان هناك استمرار غريب لشعور سابق يتغلب عليها ويمنعها من الاعتراض. اما ميريك فكان يحضنها بلطف وكأنه يبغى تطمينها بالشكل نفسه تقريبا الذى يطمئن به حيوانا صغيرا وهو يأسره بين ذراعيه . وهنا شعرت نفسها مضطرة الى القول :- هل من عادتك قبض الثمن بهذه الطريقة ؟.
- وهل هناك طريقة اكثر ارضاء من هذه ؟.
صمتت تفكر فى عبارته فلم تعجبها كثيرا. كانت تدرك مدى قسوته لو اراد استعمالها وتدرك خطورة مناورته. وبرغم ذلك لم تكترث. صحيح ان يكونها التام قد يكون مدعاة للمشاكل غير ان انسجامها العاطفى بين ذراعيه بدا صعب المقاومة . انها تعانقه ليس الا وقد آن لها وقد بلغت الحادية والعشرين من عمرها، ان تتخلى قليلا عن روادعها العاطفية السابقة . لكنها تنهدت بيأس وهى تتمنى لو انها تملك بعض الارشادات المناسبة !
ودونما توقع ارتكز ميريك على مرفقه وقال متسائلا :- لماذا تتنهدين يا حلوتى سو ؟ اتراك محتارة فى كيفية التصرف ازائى ؟.
رن صوته هازئا متسليا فاحست بمقاومتها المتلاشية تعود الى التصلب وقالت نافية التهمة باستخفاف :- لم افكر فى ذلك اطلاقا!
ولكى تثبت صدق كلامها نظرة مباشرة الى عينيه لكن ابتسامتها الصغيرة لم تنجح تماما ، اذ قرأت فى نظرته شيئا جعلها ترفع راسها متحدية وفى اللحظة نفسها انحنى بغاية اللطف والرقة وعانقها ...
حاولت الافلات لكنه امسك برأسها من خلف وجمد عنقها ثم راح يداعب شعرها ويبعد خصلاته الحريرية عن جبهتها واذنيها .
عانقته تلقائيا ومررت اصابعها فى شعره الاسود ثم ابعد وجهه فجأة وغمغم :- يا لسو المسكينة التى حسبت انها ستحسن التصرف !
لسعتها كلماته الهازئة بعجزها عن مقاومة ارادتها العاطفية الخائبة فاجابت بشهقة مبهورة :- قد استطيع التصرف اذا اطلقت سراحى فلولا قوتك الوحشية ...
فبرقت عيناه وهو يقول :-لماذا تلجأين دائما الى الاعذار يا سو ؟ قد تتذرعين بعد قليل بانك تحملين كرها اساسيا لهذا النوع من التحبب.
كان ذهنها يتخبط فى ضباب ففضلت الاعتراف بانصاف الحقائق ولذا اجابت :- ليس تماما لان ذلك يتوقف على الذى يكون معى .
- تيم ماسون مثلا ؟ انى لاتساءل هل تكذبين دائما الى هذا الحد ؟

هدية للقلب 19-07-11 06:26 PM

- انك لاتصدقنى اذن؟
- اصدقك كما اصدق الشيطان !
غمغم بخشونة وهو يضمها مجددا الى صدره فنسيت كل آرائه فيها وقد فقدت الشعور بكل شئ الا بحاجتها الى حبه ودفئه.
احسها ترتجف فرفع رأسه قليلا وتمتم :- كيف كانت ايامك الجامعية بالنسبة الى الحب ؟
- لا عليك من ذلك .
سمعت نفسها تجيب من خلال ضربات قلبها المدوية. لقد عادت تكذب. مدفوعة برغبة مجنونة فى البقاء بين ذراعية ولانها اذا اعترفت له ببراءتها فلن يعود راغبا فيها وهى لا تتمنى فى هذه اللحظة الا ان يكون لها .
- سو!
هتف اسمها فى خشونة فحسبته سيحرمها من هذه اللحظة التى انتظرتها طوال حياتها اللحظة التى قد تسمح فيها باغراق العقل فى لجة الاحساس الجارف الا انه شدد عناقه فاختفت ظنونها وارخت العنان لمشاعرها .
- حبيبى .
همست بصوت مكتوم لكنه سمعه على الارجح لكونه رفع رأسه على التو وبدا كأنه يتراجع اذ نهض واقفا بحركة رشيقة واحدة .
انهضها معه بسرعه وانتظر حتى استعادت توازنها وقال بصوت جاف انما فيه مسحة انفعال :- ماذا توقعت هذه المرة يا حلوتى سو ؟
تجمدت عيناها الزرقاوان وهى تشخص اليه فيما انعكس اضطرابها الداخلى فى الاحمرار الذى خضب بشرتها البضة . فهتفت :- انى اكرهك !
كانت تحاول ان تتحداه فى عنف كارهة غرورة ومتمنية العودة الى ذراعيه فى الوقت نفسه . قلص اصابعه على ذراعها ليمنعها عن الحركة
وأجاب :- لا انك لا تكرهيننى لكنك قد تمقتيننى اذا بقينا هنا . بالله عليك يا سو انضجى قليلا !
بدا جسمها النحيل وكأنه يذوى على ذراعه وقالت بصوت خافت يمازجه توتر وحيرة :- هذا الحديث لن يفيدنا .
- لو جاريتك لما كنت غفرت لى ذلك ابدا يا سو بل قد تتهمينى بأننى تعمدت توريطك لاحصل على الاملاك بأننى كنت احاول تقييدك الى بسلاسل لكونك وريثة .
- لا يمكن ان تكون جادا فى ما تقول ؟.
ولبرهة قصيرة استوقفه شئ ما فى وجهها لكنه سرعان ما ابتسم بدماثة وقال مبعثرا امالها الصغيرة اكثر فأكثر :- فى الواقع كلانا يتصرف فى حمق يا سو وكلانا لا يعجبه تصرف الاخر . انا ما تعمدت ايذاءك حتما ولكن لننس ما حدث طالما الصباح لن يأتى بجديد. على كل حال يجب ان نعود الان لنصل غلينرودن قبل حلول الظلام ، ولا اعتقد انك ستستمتعين فعليا بقضاء الليل معى هنا .
احست برودة جليدية وهى تمشى خلفه على ضفاف الجدول ومن ثم على منحدر التل الوعر وحيث اضطرت الى الركض احيانا لتجارى خطواته العريضة السريعة . كانت تحدق الى ظهره العريض بتعاسة وتحس خواء شديدا ما احسته مرة من قبل ... حين كانت واياه على الجبل وذراعاه تحميانها من قسوة الشمس والريح والصخور لم تهمها العودة الى غلينرودن اما الان فلا ترغب الا فى ايجاد مكان تخبئ فيه وجهها والشئ الوحيد الذى يريحها هو ان ميريك لم يدرك مبلغ الالم الذى سببه لها برفضه لعواطفها
كانت السيارة فى انتظارهما حين وصلا الطريق الاقل انخفاضا وبعد ان وضع ميريك اغراضهما على المقعد الخلفى استغربت ان يفتح لها باب السيارة ويتبرع بمساعدتها على الصعود. وفيما همت بذلك استدارت بسرعة ونظرت اليه ... خشونته اضفت عليه وسامة ذات نوع خاص عيناه السريعتا الملاحظة ، فمه المتماسك وحنكه المقدام شعره الكثيف الاسود والملتمع حيوية . ادركت فى تلك اللحظة انها تحبه ، فارخت اهدابها كيلا يقرأ ما تحتهما وشعرت بشئ من التعزية لكون تصرفها على الجبل لم يصل حد الابتذال ،
بل كانت مدفوعة بعاطفة قديمة كما حواء لكن اكتشافها بانها تحبه اذهلها للحظات فهى لا يمكنها ان تخبره ذلك بمطلق طريقه وعليها ان تتحمل النتائج فى حال ظن بها اسوأ الظنون .
كان ينتظر صعودها ليغلق الباب لكنه رفع حاجبيه فى سخرية وقال بنظرة فضول :- اخبرينى بماذا تفكرين ادفع لك فلسا .
- افكارى ليست للبيع .
- لكن وجهك كان يعبر عن اهميتها .
- احسبنى كنت احلم فى اليقظة انها احلام غير مهمة على اى حال .
- قد اطلب منك غدا ان تطلعينى عليها بالتفصيل اما الان فيجب ان نتحرك لئلا يقلق جون وبخاصة انه أأتمننى على حراستك .
لفظ العبارة الاخيرة بمحبة زائدة جعلت قلبها يقفز بين ضلوعها . كانت معنوياته مرتفعة لسبب ما ، ولم يحاول اخفاء سروره . هل تراه يحبها قليلا وهى لا تدرى ؟ كان فى ضحكته رنة وعد لا تجرؤ على التفكير فيه خشية ان تكون واهمة فى ما سمعته . أومأت برأسها ولم تعلق بشئ حين اغلق بابها بلطف وصعد الى جانبها .
كان الظلام يتجمع لدى اقترابهما من البيت لكن اثناء مرورهما بالخليج كانت الشمس الغاربة ما تزال قرصا احمر يتوهج على الماء من بعيد. الخريف فى الريف يثير وحشة الحنين عندما تذوى النباتات وتشحب اوراقها . وفى ضباب الصباح الهامس والغيوم السمراء فوق التلال هناك حزن وتأمل واحساس بالنهاية مع اقتراب رحيل الخريف شعرت بدموع حارة تلسع باطن جفنيها وتقلص حلقها ثم كادت تهتف فرحا وارتياحا عندما وقفت بهما السيارة عند مدخل البيت .
هبطت منها وقالت فى حماسة :- سأدخل فورا لاطمئن على ابى فلا ريب انه استوحش فى غيابنا .
لكنها اخطأت التفكير وتمنت فى ما بعد لو ان رجوعها لم يصطدم بذاك الخبر!
استقبلتهما السيدة لينوكس عند اسفل الدرج الداخلى الفخم وهتفت بشئ من الارتباك :- اوه كم انا مسرورة لعودتكما ! لديك زائر يا سوزان اسمه السيد ماسون واحترت ماذا افعل بشأنه
كان ميريك قد القى يده بخفه على خصرها وهما يدخلان البيت واعتبرتها مجرد بادرة ودية ومع ذلك استمدت منها طمأنينة كبيرة وسعادة لا توصف. غير انها احست يده تتقلص وللحظة عابرة استشعرت غضبه وتحفظه .
اسقط ذراعه بسرعة فتملكها حزن ممزق . هل يعقل ان يكون تيم هنا ؟ واجابتها السيدة لينوكس على هذا التساؤل حين اضافت :- جاء بعد الغداء وبدا متضايقا لانه لم يجدك يا سوزان . لكنه انسجم مع والدك كسريان النار فى الهشيم وامضيا الوقت بطوله يتحدثان ويتسامران . لقد هيأت له غرفة وهو الان فيها . انه سيمكث عندنا بالطبع او على الاقل هذا ما يعتقده السيد فريزر .
فأوما ميريك برأسه وقال بدماثة :- طبعا فنحن نرحب جدا بصديق سوزان ، ارجو ان تكونى رحبت به يا سيدة لينوكس .

هدية للقلب 19-07-11 08:37 PM

كان يتكلم والخيبة تجتاح سوزان فتقلص اعصابها وتسرق اللون من خديها. لا جدوى من القول ان هناك خطأ ما، او ان الزائر قد يكون شخصا اخر فى حين كانت تدرك غريزيا انه هو ولا احد سواه . لكن لماذا قطع كل تلك المسافة ليأتى الى غلينرودن ؟ لماذا ؟ انها لا ترغب فى رؤيته على الاطلاق. ليس الان على الاقل . انتبهت للصمت الثقيل الجاثم حولهم فرطبت شفتيها الجافتين وسألت السيدة لينوكس بقولها :- هل ذكر سبب مجيئة؟ هل يريد شيئا ؟.
اسئلة سخيفة وغير لائقة ما كان يجب ان تنطقها وكانت ستسترسل لولا شئ رأته فى وجه ميريك وهو يرمقها واجما فجعلها تتوقف .
وقبل ان ترد الممرضة غمغم ميريك فى سخرية :-لا تطرحى اسئلة سخيفة يا سو . من الواضح ان الرجل لم يستطع الانتظار فجاء واكرر ترحيبنا به لبضعة ايام اذا شاء وفى الواقع قد نستمتع بوجوده اذا احسن التصرف .
كان نبرته عنجهية لسعتها وحسستها بأنه شخص غريب وليس ميريك الذى احاطها بذراعيه فى البرارى ، واوجد لديها انطباعا فى طريق عودتهما بأن علاقتهما كانت ترتفع بحذق الى مستوى اخر ! لم يسعها اللحظة الا ان تشخص اليه بقلب مثقل وهى تحاول لا شعوريا ان تبرر تصرف تيم :- ارجح انه اخذ اجازه وفكر ان يقضيها هنا ليفاجئنى . لم يخطر له ان زيارته قد تكون فى غير محلها .
فقاطعتها السيدة لينوكس وهى تجيل بصرها بينهما :- ليس فى زيارته اى ازعاج يا سوزان فلا تدعى ذلك يقلقك . اذا كان السيد فيندلى لا يعارض فسأتعاون واياك على عمل البيت الاضافى .
- الامر لا يعود الى السيد فيندلى !
ما قصدت ان تقول هذا لكن الكلمات انزلقت منها فى رعونة .
- سو !.
صفعتها صرخته القصيرة فارتبكت، واستدارت تبتعد عنه ، ثم عادت تنظر اليه لتفاجأ بشحوب وجهه الشديد . لم تكن تدرى انه لولا وجود الممرضة. لكان فقد اعصابه. لكنه اندفع من امامها فى احتقار حتى وصل نهاية البهو وقال بصوت متوتر وظهره اليها :- اذا احببت دعوة ضيوف فى مرة مقبلة فارجوك ان تعلمينا مسبقا بقدومهم من اجل راحة والدك على الاقل .
لكن زيارة تي
م لغلينرودن لم تحدث تأثيرا سيئا بالنسبة الى جون الذى بدا مستمتعا برفقته وحيث كان الاثنان يمضيان فترات طويلة يتحدثان معا ، مما اشعر سو ان صداقتهما كانت تتطور فى سهولة مذهلة بعكس صداقتها مع جون التى كانت تتسم بمحاولات مفتعلة لترسيخها وبجهود مضنية لجعلها علاقة عميقة ثابتة ، وكل هذه المبادرات كانت تضنى سو لدى احتكاكها اليوم مع ابيها.
متعتهما المشتركة الوحيدة انحصرت فى اعداد الكتاب وعدا ذلك لم يطرأ اى تغيير مهم كفيل بتعزيز علاقتهما. كانت تسمعهما يتحدثان ويضحكان فى انسجام ، فيبدو لها ان ذلك يثبت شكوكها بأن هوة السنوات التى فصلتهما عن بعض كانت اوسع من ان يستطيعا تقريبها كما يجب. وبأنه ان لم يحدث تغيير ما فلن تقدر ان تشعر شعور الابنة الحقيقية لهذا البيت ، او تقبل بأخذ اى حصة من غلينرودن فى حال وفاة جون .
تيم من جهته لم تساوره ظنون كهذه... بدا كأبيها دائم الاستغراب لشبهها الشديد بعائلة فريزر ولم يفوت اى فرصة ليجهر باستغرابه هذا . كان يوقفها باستمرار امام لوحات العائلة لوحة اثر لوحة ويتصفح معها الالبومات السميكة المتضمنة صور العائلة الفوتوغرافية ليؤكد شبهها لهم بوجهها وقوامها معا .
فى صباح اليوم الثالث على وصوله كانت واياه فى غرفة الجلوس وقد حال المطر والريح دون خروجهما فهتف تيم ضاربا على الوتر اياه :- ما عاد لدى اى شك يا سوزان فى انك ابنة فريزر. كم كنت حكيما عندما سمحت لك بالمجئ الى غلينرودن . فى اى حال اخبرنى جون ان محاميه درس التفاصيل وتأكد من بنوتك لجون تماما . يكفى ان تنظرى الى لوحة جدتك لتأخذى الجواب الصحيح .
استرسل فى ثرثرته فاستمعت اليه مرغمة وهى تجيب بهزة كتف وايماءة رأس بين حين واخر . لماذا احست بلسعة خيبة لما سارع تيم الى مخاطبة ابيها باسمه الاول بمنتهى السهولة ؟ صحيح ان والدها يكره المجاملات واستعمال الالقاب انما يجدر بتيم ان يتمهل قليلا فى رفع الكلفة . ساءها كذلك ان يكسب ثقة جون بسهولة مماثلة فبعد يومين فقط على وصوله صار يعرف عن غلينرودن اكثر بكثير مما حاولت هى ان تعرفه على مدى اسابيع طويلة ... وايضا صار عند جون شبه انطباع بأنها وتيم سيتزوجان وكلما حاولت افهام جون عكس ذلك كان يعزو اعتراضها الى خجل الفتيات الطبيعى حيال موضوع الزواج .
عيل صبرها من ثرثرة تيم فقالت اخيرا :-اعرف انك على صواب يا تيم لكن ارجوك ان تكف عن هذا الحديث الذى نخرت به اذاننا حتى كاد يرهقنا . انك تصر عليه وكأنك تحاول جاهدا ان تقنع شخصيا معينا بهذه الحقيقة .
تغير وجهه وقال :- اى شخص ؟ ذلك المدير مثلا ؟ انه يحتاج الى من يضعه فى مكانه وقد افعل هذا اذا طالت اقامتى هنا.
- لكنك لن تمكث اكثر من اسبوعين ... اليس هذا ما قلته انت ؟ على كل لست متأكدة تماما من مركز ميريك الصحيح ...\
- اذن قد حان الوقت للتأكد !
كان صوته يحمل تهديدا غريبا فتعثر النفس فى حلقها واحست برعشة خوف لم تفهم لها سببا ، حين رأت فى وجهه تصميما عنيدا .
- ارجوك .
همست وهى تحدق اليه وتحاول تنظيم افكارها تصرفه هذا يغمرها بتخوف متزايد ويحملها على الاقرار بانها ما عرفت الاسترخاء من حين مجيئه فعادت تتمنى للمرة العاشرة ربما لو انه لم يأت اطلاقا. تبا لهذه الاجازة غير المنتظرة والممتعة بالنسبة اليه والتى بدأت تتحول خيبة ذريعة بالنسبة اليها .
جاء بقصد ان يفاجئها كما حزرت من قبل ولم يلاحظ ابدا استقبالها الفاتر له . كان مشغولا باكتساب ود جون والسيدة لينوكس اما ميريك فكان يعامله ببرود وبتهذيب ارتجالى كالذى يبدر من زائر مهم تجاه خادم فى المرتبة السفلى فتشعر احيانا بانكماش عاجز امام نبرة صوته.
- لماذا تترجيننى ؟.
- كنت سأطلب منك الا تحاول التدخل يا تيم لان ميريك فيندلى لا يستغنى عنه فى عدة مجالات انك لم تقض الوقت الكافى للتأكد من ذلك بنفسك، لكن حاول ان تتذكره فى المستقبل . كما ان والدى سيستاء اذا فعلت شيئا من شأنه ان يزعجه .
- هكذا اذن ...
قال تيم وعيناه تتركزان فى ارتياب على محياها العابق فيما لاحظت سو انه بدا غير مكترث بالسبب الذى جعلها تدافع عن ميريك . وتابع بنظرة ثاقبة :- بدأت اتساءل عمن سيكون الاكثر انزعاجا من سواه ! لكن لا تحمرى او تقلقى يا سو فانا لا ابغى الا المحافظة على مصالحك .
فأجابت فى تحد وغضب :- ليست لدى ايه مصالح تحتاج الى رعاية يا تيم لذا ارجوك ان لا ...
- ان لا ماذا ؟ الا ازعج ميريك فيندلى العظيم ؟ هل تخافين منه يا سوزان ؟ يبدو لى انك تتحرقين بكل قواك للوقوف فى صفه ِ!
فاجابت فى اصرار :- ادافع عنه لاننا لا نستطيع ادارة الاملاك بدونه. اما قولك بأنى اخاف منه فهذه فكرة مضحكة لا ادرى من اين اتيت بها يا تيم . انى نادرا ما اراه .
لم تبعد كثيرا عن الحقيقة فميريك بالكاد اقترب صوبها الا فى اوقات الطعام التى صار يواظب على مواعيدها . وعدا ذلك كان يتجاهلها ويقصر كلامه على التحيات العابرة هذا الوضع بينهما كان نتيجة الحادثة على الجبل اكثر مما نتج عن مجئ تيم وحيث تزامنه كان فقط من باب الحفاظ على المعاملة المهذبة التى مازال ميريك يمارسها تجاهها .
وراحت تراقب تيم وهو يروح ويجئ مفكرا فى ارجاء الغرفة متفحصا اللوحات الرائعة والتحف الثمينة فى خزائن الاثريات والمنسقة بشكل تزيينى على رف الموقد الجميل .
وقال فجأة :- هناك رجال آخرون لديهم القدرة على ادارة الاملاك بنجاح . عندما نتزوج يا سوزان سأبحث عن شخص اقدر من ميريك .
فاجابت ثائرة :- انا اكيدة بانك ستفعل !
استدارت على عقبيها لتخرج ثم سمعت حركة عند الباب فخنقت شهقة فزع حين رأت كارلوت كريغ تقف على العتبة وتحدق اليهما .
نهاية الفصل الثامن

هدية للقلب 20-07-11 02:52 AM

9 - رقصة وحيدة
كم من الوقت مر على وقوفها هناك؟ قالت سو لنفسها وهى ترفع يدها الى وجهها فى محاولة فاشلة لاخفاء الارتباك الذى صبغ خديها بحمرة قانية اما مارلوت فكانت تبتسم بمرح ، ولم تعط اى دليل على انها سمعت شيئا ولكن ما اصعب التأكد من تصرفات كارلوت !
- الا تنوين ان تعرفينى الى صديقك ؟.
طرحت السؤال بلهجة استغراب وارسلت بصرها داخل الغرفة ليستقر بفضول على وجه تيم الناظر اليها بفضول مماثل . تمالكت سو نفسها ، وقامت بمهمة التعريف برصانة ، بيد ان افكارها كانت تتلاطم وهى ترقب تيم يصافح كارلوت ووجهه يفيض بالود والبشاشة.
تذكرت ما قاله لها لحظة وصول كارلوت فاجتاحها الغضب . كيف تجرأ على احراجها بهذا الشكل حين افترض بانها تتلهف للزواج منه؟ لماذا اواه... لماذا لم تفهمه رفضها القاطع يوم سألها الزواج فى لندن بدل ان تماطل فى الجواب لعدم اقتناعها انذاك بجدية طلبه ؟ يجب ان تضع النقاط على الحروف فى اسرع وقت لكن من الصعب ان تفعل ذلك فى حضور شخص ثالث .
عادت الى الواقع لتجد كارلوت تجس نبض تيم باصرار على كشف وضعه الحقيقى انما كانت تخفى تصميمها تحت ابتسامة متألقة :- انت صديق سوزان من لندن ، اهذا ما كانت تحاول سوزان ان تقوله ؟
فاجاب تيم على الفور :- يمكنك ان تسمينى صديقا والواقع لدى امل فى ان اكون اكثر من صديق لكن ليس بيننا ارتباط رسمى فى الوقت الحاضر . هل تفهمين ما اعنى ؟
- بالطبع .
ردت كارلوت بنعومة ووسعت ابتسامتها وكأن النبأ لقى صدى طيبا فى نفسها واضافت تقول بتقطيبة ساحرة :- لقد عدت لتوى من لندن واعترف بأنى احس بعض الكآبة لكن هذا الخبر الرومانسى انعشنى كثيرا! هل تعرفان بعضكما منذ مدة طويلة ؟.
فاجاب تيم بحماس :- اجل منذ وقت طويل كنت اهتم بشؤون سوزان وامها بحكم جيرتى لهما. وكانت امها ترحب دائما بآرائى وتوجيهاتى .
حين تستفرد كارلوت بتيم قالت سو لنفسها ستطرح عليه كل الاسئلة التى تريد ولكن كيف يمكنها ان تفعل اى شئ يحول دون هذا اللقاء وليس هناك شئ معين تريد اخفاءه؟ ان تيم انسان متسرع وقد يكون خطأه الوحيد انه اوجد وضعا بعيدا عن الحقيقة نتيجة لهذا التسرع وليس لانه لئيم بطبعه.
بل هو انسان كريم النفس فى اعماقة . انها تشاركه الذنب على الارجح لكونها اخطأت الاعتقاد بأن غيابها عنه سيجعله ينساها تلقائيا . اما الان وقد جاء فعلا فكيف يمكنها ان تطلب اليه الرحيل ؟
ازاحت خصلة شعر عن جبينها والحيرة تعذبها . كانت كارلوت ماتزال تبتسم وتبدو راضية تماما عن نفسها . وبالرغم من تصرفها الودى خامر سو شك غريزى فى صدق تلك الابتسامة وازدادت ارتيابا حين قالت كارلوت فى رقة :- يجب ان نذهب جميعا لنسهر فى الفندق . ميريك يعرف مواعيد سهراته الراقصة ولحين نذهب قد يكون لدينا شئ رسمى نحتفل به والله اعلم !
ماذا تقصد؟ رمشت سو واتسعت عيناها حين احست خيبة تغمر قلبها . هل كانت كارلوت تلمح الى وجود علاقة معينة بينها وبين ميريك، وليس الى علاقتها هى وتيم؟
اجابتها فى حذر:- سأفكر فى الامر لانه يتوقف على صحة جون بالدرجة الاولى !
فأومأت كارلوت موافقة وقالت :-ذكرتنى بجون فانا جئت فى الاساس لاراه . كيف حاله ؟.
انتقال الحديث الى موضوع جون اشعر سو الامان ، فطمأنتها الى صحته واردفت بلا تفكير:- كان يتحدث الى ميريك منذ قليل .
سرها الخبر فتألقت شفتاها الحمروان بابتسامة شامته وقالت وهى تستعد للخروج :- تواعدت وميريك على الذهاب الى بيرث هذا الصباح حيث سيحضر مزادا علنيا للماشية . سأعود معه مساء للعشاء هنا فالى اللقاء .
لوحت بيدها مودعة فنظرا اليها بصمت وهى تخرج وقال تيم فى اعجاب حين سمعاها تفتح باب جون وتغلقه:- انها تفكر بعقلها على الاقل وتعرف من اين تؤكل الكتف ام تراها بدأت بالفعل تأكل كتفا ما؟.
- لا اريدك ان تتكلم هكذا يا تيم انا اكيدة من ان كارلوت لا تخفى دوافع مريية وانها تزورنا من باب المودة فحسب. وفى الصيف هى تساعدنا فى ادارة مخيم العربات ولذا نراها كثيرا .
-مخيم العربات ؟ من يملك هذا المخيم اذا جاز لى السؤال ؟.
- يجوز لك ان تسأل لكن ليس بهذه النبرة ! انه يقع ضمن الاملاك وبالتالى اعتقد انه يخصنا. لكنه قانونى مئة بالمئة وله مكتب متكامل الشروط ويقدم تسهيلات عديدة . لذا لا موجب لان تشك فى شرعيته .
فقاطعها محتدا وبشئ من الدفاع عن الكرامة :- اسكتى يا سو . انا لم المح الى شئ من هذا بل اردت فقط ان الفتك الى قيمة هذا المخيم كعقار وكمورد للربح المادى اذا ادير بطريقة صحيحة ، وات تقولين ان ادارته متقنة ومنظمة .
- فى مكان مثل غلينرودن ، تتوازن المداخيل مع بعضها البعض. فمخيم العربات اضافه الى مشاريع اخرى كمطارة الغزلان مثلا يجب ان يعوض ماديا عن انعدام الربح من اقسام الارض الاخرى .
- يستثمرون الغزلان ايضا؟ اذن بوسعك ان ترثى املاكا قيمة يا سوزان . هل زرت الاملاك كلها؟ الديك فكرة عن مساحتها ؟.
هزت رأسها صامتة وتمنت لو تجد الجرأة على مطالبة تيم بعدم التدخل فى شؤون الاخرين! من الغباء ان تسمح له بأقلاقها حتى العمق انما كيف توقفه عند حده من دون ان تجرح كرامته؟ ربما كان من الحكمة ان تلجأ الى بعض الدبلوماسية ...
قالت :- اتذكر انى كنت مع ميريك فى الخارج يوم وصولك ؟ وقتها شاركت فى مطاردة الغزلان .
- اليس غريبا ان تكون تلك اول زيارة لك للاملاك ، وقد مضى شهران على وجودك هنا؟
- ليس تماما .
- اذا كان ثمة تقصير من جانبى فسببه خوفى على ابى يا تيم . انه معتل الصحة ولم أشأ ان افعل اى شئ يضايقه او يضايق ميريك فيندلى .
فقال بقسوة ونزق :- انى اتفهم جيدا مراعاتك لصحة ابيك الذى احببته كثيرا انما بالنسبة للسيد فيندلى فالمفروض منك ان تثبتى شخصيتك امامه والا داس على مصالحك وطيرها كما الغبار !
شهقت معترضة فتجاهل ذلك واردف :- ألم تقل ابنة عمك كارلوت انها ستذهب اليوم مع العزيز فيندلى الى بيرث؟ اذن ما رأيك ان نستغل فترة غيابهما ونلقى نظرة على المكان؟ احصلى فقط على خريطة، ولابد ان جون لديه واحدة فى مكان ما وانا سأتكفل بالباقى . باستطاعتنا التوصل الى الاعاجيب اذا استعنا بخريطة واضحة وبشئ من الدهاء .
لم تعجبها نبرة صوته فالتفتت اليه قائلة :- لكنى.. لا احب ان افعل كل هذا خفية عن والدى .
- اننا لا نقصد اى ضرر ولا موجب لان يعلم احد بالامر اذا كان الكتمان يريحك اكثر. من ناحية اخرى لماذا لا تستمتعين انت ايضا بالخروج مثلما سيفعلان .
ادركت انه كان يقصد تحريضها على مجاراته لكنها وافقت اخيرا على اقتراحه. فعلت ذلك بدافع الافكار المستحوذة على ذهن تيم احست فى لحظة صدق مع نفسها، بأنها لن تحتمل تخيلاتها الغيورة اذا امضت الوقت هنا فى الانتظار عودتهما. من ناحية اخرى ليس هناك ثمة ضرر من زيادة الاملاك وتيم كان مصيبا على الارجح من الوجهة المنطقية.
لكن حين دخلت غرفة جون وجدت المهمة اصعب مما تصورت وبخاصة اضطرارها للمراوغة بدل استعمال الصراحة . قالت :- اود ان اعرف تيم الى المنطقة . ولكى يسهل علينا التجوال جئت اسألك اذا كانت لديك خريطة لها تبين حدود غلينرودن وتقسيماتها.
فلاح تعبير غريب على وجهه المتعب وبرر مزاجه المعكر بأن كارلوت ارهقته بثرثرتها وبدا رافضا لمزيد من الكلام . راعت سو وضعه فلم تلح فى السؤال وقررت ان تخرج مع تيم لفترة قصيرة ليستريح جون خلالها . لكن كان واضحا انه تضايق من طلبها للخريطة ولما عرضت ان تبقى معه عاكس هذه الفكرة وقال بصوت مشاكس :- كان من الافضل لك لو ذهبت مع كارلوت الى بيرث حيث كنت ستجدين اشياء جديرة باهتمامك اكثر مما ستجدين هنا. اعتقد ان ميريك يحتفظ بمعظم الخرائط فى مكتبه. لكن ابحثى فى الخزانة تلك فلعلك تجدين واحدة صغيرة .

هدية للقلب 20-07-11 07:38 PM

وجدت الخريطة ونظرت اليها بخيبة ، اذ كانت باهتة وشبه مهترئه لن تستفيد منها كثيرا .
قالت :- اعتقد فى امكانى اخذ واحدة من المكتب .
ففاجأها جون برده الحاد :- لا، لا تفعلى ذلك ! اياك ان تذهبى الى هناك يا سوزان. اقصد ليس بدون ان تستأذنى ميريك. لا اريدك ان تبعثرى الاوراق وتعذبيه بترتيبها فيما بعد .
- اعدك بالا اقترب من المكتب . لكن هل لك ان توضح لى الحدود على هذه الخريطة .
- اذهبى حيثما تريدين انما اتركينى الان يا سوزان. ارجوك ! هناك اماكن كثيرة يمكنك ارتيادها من دون ان تضيعى طريقك فيها . ميريك اخذك الى الجبل، لكنى لا انصحك بالذهاب اليه اليوم لانك اذا تهت فيه ستجدين ان تيم ماسون ليس ميريك فيندلى .
احست سو ببعض المهانة وانصرفت على عجل. لماذا يتردد ابوها دائما فى شرح اى شئ عن غلينرودن؟ لا تذكر انها اثقلت عليه مرة بفضولها، واذا كانت الاملاك مرهونة كلها او كان هناك اى شئ خطير من هذا النوع فما عليه الا ان يخبرها وينتهى الامر، فهناك املاك كثيرة تمر فى مصاعب وليس فى ذلك ما يخجل . ليته يخبرها الحقيقة لتتأكد على الاقل من ان كتمانه ليس له علاقة بميريك. اجتاحتها موجة حزن وصعدت لتأتى بمعطفها.
ناولت الخريطة لتيم وقالت بعدما خرجا من البيت :- سنأخذ سيارتى ... مازلت احتفظ بها لانى افكر فى ايجاد عمل وسلأحتاجها اذ ذاك .
لن تخبره انها فى حاجة ماسة الى عمل لتحصل على شئ من المال لانه سيحسبها تمزح ويضحك للنكتة!
لكن تيم كان لحسن الحظ مشغولا بتفحص الخريطة فلم يلق بالا الى ما كانت تقول ، او بالاحرى لم يسمعها بتاتا ، بل كان يبتسم راضيا مسرورا وقد استطاع على ما يبدو ان يتفاهم مع الخريطة برغم اهترائها وعمرها العتيق! وهتف وهو يدق الخطوط الباهتة باصبعه:- يجدر بك ان تهتمى بهذه الاراضى بدل ان تبحثى عن عمل ! فأبوك يملك مساحات شاسعة بموجب هذه الخريطة ولا عجب اذن ان يحجب السيد فيندلى هذه المعلومات عنك .
- تيم ارجوك!.
- حسنا اهدأى .
لم يعتذر ولم يبد عليه اى ندم . بل قال رافعا حاجبيه:- تعلمين ان امك اعتمدت على فى رعاية مصالحك، وانا احاول فقط ان الفتك الى امر او اثنين. ان اباك فى حالة صحية سيئة ، وليس مستحيلا او مستغربا ان يستغل الاخرون وضع رجل فى مثل حالته.
التزمت الصمت المطبق فيكفيها عذابا ان تفكر فى الحقائق ذاتها ودونما حاجة لان تصوغها فى كلمات... كانا يعبران مخاضة النهر فى طريقهما الى الخليج حين اصر تيم على زيارة مخيم العربات .
قال متجاهلا وجهها المتجهم وهو يبتسم بعذوبة :-سألقى عليه نظرة سريعة فحسب من يدرى لعلنى اقصده يوما لاقضى فيه اجازتى.
توقفت وراقبته يهبط من السيارة ويتقدم متجولا بين العربات . ثم شرد بصرها الى الخليج حيث كانت ريح خفيفة تموج سطح الماء وحيث شجر الشربين والصنوبر يحاذى الشاطئ الرملى الزاهى تحت السماء الصافية ... الان وقد توقف المطر سيرسل الفضاء صقيعا كنكهة اولى للشتاء. وتساءلت كيف سيكون الشتاء فى جبال اسكتلندا ؟
فتخيلت الامسيات الطويلة المظلمة والمواقد الحميمة والعزلة التى لابد ان تكون جزءا من هذا الشتاء. قد يظل وضعها غير محدد فى غلينرودن غير ان الصورة التى تخيلتها ستعوضها كل مشاعر النقص تلك . الشتاء هنا يعنى ميريك وجون والسيدة لينوكس تيم سيكون قد رحل اما كارلوت فرفضت التفكير فيها .
عاد تيم بمعنويات عالية من جولته فى المخيم وبقى منشرحا طوال اليوم ولدهشتها اثبت انه قارئ خرائط من الطراز الاول واستطاع القيام بدور الدليل فى اوعر الاماكن، بكفاءة عظيمة. لولا ذلك القلق المبهم فى خلفية ذهنها لاستطاعت ان تستمتع كليا .
فى احد الاماكن اصبحت الطريق مجرد درب وعر، يمر صعودا فى مضيق صخرى وعلى حافة هوة عميقة .
انبهرت سو وحبست انفاسها، فعلق تيم على شرودها فى جفاف :- ركزى بصرك على الطريق امامك. سنصل القمة قريبا انما لا اريد ان اسقط فى القعر .
كان المشهد من على القمة يستحق عناء الرحلة الخطرة . فخلف الخليج والصخور واجهتهما الجبال وكانت رائعة على صدر الافق. تمعنت فيها سو من بعيد وخيل اليها انها استطاعت تمييز الجبل الذى صعدته مع ميريك بحثا عن الايل ! حدثت تيم عن رحلتهما الرائعة تلك وتساءلت لماذا حدجها بنظرة هازئة .
سارا عائدين الى السيارة وقال تيم وهويضع ذراعه على كتفها فى مودة:- سنتقدم قليلا ثم ننزل الى الطريق العام ومنه الى غلينرودن . هل استمتعت بنهارك ؟.
- اذا كنت تقصد الجولة فقد استمتعت بها ولولا وجودك معى لضيعت الطريق .
- هذا ما كنت احاول افهامك اياه اعرف اننا لا نتفق على امور كثيرة ولكن دعينى على الاقل ارشدك الى بعضها فانا لا اريدك ان تصابى بضرر.
- اصاب بضرر؟
صفق باب السيارة وكأن صبره قد عيل من عنادها وعدم تعاونها وقال:-اتساءل احيانا يا سوزان عما اذا كنت تتعمدين الكتمان . لن يفيدك ابدا ان تضعى ثقتك الكاملة فى الشخص غير الجدير بالثقة .
- حسنا هذا ما يقضى به العقل ولدى منه ما يكفى !
كانت تحاول ابقاء الحديث فى مجرى عام لكنها احست بفشلها حين سأل فجأة :- هل اصيب جون بالمرض منذ زمن طويل ؟.
- نعم انه مريض منذ بضع سنوات على ما اعتقد هكذا اخبرنى الدكتور ماكروبرتس... عندما وصلت كان تعرض الى التواء فى كاحله وفى الليلة ذاتها اصيب بنوبة قلبية حادة ومن حينها لم يستعد عافيته كما يجب. وقال الدكتور ان التواء كاحله وظهورى المفاجئ قد يكونان ساهما فى زيادة مرضه.
- الدكتور ماكروبرتس هذا لايعرف اللف والدوران !
- صحيح يا تيم لكنى طرحت عليه السؤال بنفسى فأعطانى جوابا صادقا. فى كل حال لم يكن هناك فائدة من تجاهل الحقيقة واحس بأنى كنت مسؤولة جزئيا عن مرضه. لهذا لا يجب ان اسبب له مزيدا من القلق وهذه النقطة تهمنى جدا .
- فهمت كنت دائما تضعين اللوم على نفسك فى كل شئ! غير انى توقعت فى ضوء الظروف الحاضرة ان تجدى سهولة فى الاستقرار اذا حددت الامور ووضحتها .
- كيف افعل ذلك ؟
- لو كنت مكانك لقمت بمحاولة محددة لتنظيم الوضع بدون ان ازعج جون . فلا بد ان هناك عقد عمل يختص بميريك فيندلى قد تجدينه فى مكتبه واذا استطعت ايجاده فقد تعرفين منه حقيقة الاوضاع. هذه املاك ضخمة ويجدر بك ان تتحسسى بعض المسؤولية ما دام ابوك مريضا الى هذا الحد.
كان ميريك قد خابر البيت فى غيابهما واعلم السيدة لينوكس انه سيبقى مع كارلوت فى بيرث لتناول العشاء مع بعض الاصدقاء وان هؤلاء سيوصلونه الى البيت فى سيارتهم ليوفروا على كارلوت مشقة ايصاله بنفسها.
واضافت السيدة لينوكس الى اخبارها قولها :- لم اكن لحسن الحظ قد باشرت تحضير عشاء كبير لكن السيد فيندلى يراعى دائما مشاعر الاخرين ويخفف عنهم التعب ما امكن .
ليس دائما هو هكذا غمغمت سو وهى تصعد لتنام فبعد عشاء خفيف قررت النوم باكرا وتركت تيم يستمع الى الراديو اذ لا يوجد تلفزيون فى غلينرودن. وعادت تفكر فى ميريك الذى كان يغدق عليها الحب ساعة ثم يتجنب التحدث اليها لايام وايام .
كان يثير مشاعرها الى حد القلق ثم يتوقع منها ان تستمر هكذا وكأن شيئا لم يكن ! ربما بالنسبة اليه لم يحدث شئ على الاطلاق! هكذا الرجال دائما ! هزت كتفيها بلا اكتراث فيما قلبها يتوجع. كم كانت غبية حين تخيلت انها تستطيع قضاء الشتاء هنا ... انها حتما ستموت فى خلاله! يجب ان تسأل كارلوت عن الوظيفة الشاغرة التى ذكرتها لها فقد تجد من الضرورى ان تتغيب عن البيت لترتاح قليلا من عذابها .
بعد بضعة ايام فاجأها ميريك بالقول انه حجز طاولة لاربعة اشخاص لليلة التالية واضاف موضحا :- هناك فندق قرب بلدة بتلوخرى ارجو ان يعجبك فهو يقيم كل سهرة سبت حفلة منوعات بهيجة .
فأشرق وجه تيم ووافق بصوت متواضع هذه المرة :- سيكون ذلك تغييرا للروتين ويسعدنا انا وسوزان ان نذهب.
وبالرغم من ان ميريك وجه الكلام اليها الا ان تيم سلم جدلا بان الدعوة تشمله ايضا. ضايقتها الطريقة التى حشر بها اسمها فى جوابه ومع ذلك ما استطاعت كتم ابتسامتها وهى ترقبه يلتهم البيض المقلى بلذة ، وقد زالت وجومه بهجة السهرة المنتظرة . انه لم يدرك بعد ان مسيرة الحياة فى غلينرودن كانت بطيئة جدا بالنسبة اليه فمع الوقت سيضجره الهدوء الى حد كبير لانه بخلافها لا ينسجم الا مع حياة المدينة الصاخبة .
فى الليلة الموعودة وصلت كارلوت متأخرة فغادروا البيت بعد السادسة . كان الغروب الخريفى بدأ ينتشر ومع ذلك تمتعت سو بالمشاهد الرائعة على الطريق .
استغربت ان يصلوا بسرعة الى بتلوخرى التى يرتادها السياح صيفا والواقعة فى وادى تاميل المزين بالغابات البديعة . الى الشرق كانت الجبال التى بدت كظلال بعيدة فى عتمة الغروب وفى وسط البلدة كان يوجد سد كلونى الشهير الذى يشكل قسما من المشروع الكهربائى المائى المتضمن غرفة مراقبة وقنوات للاسماك .
وقال ميريك مخاطبا سو وهم يتقدمون فى شوارع البلدة:- يجب ان تأتى بتيم للتفرج عل بتلوخرى قبل ان يعود الى لندن ، فهنا ستجدان اشياء مثيرة للاهتمام اكثر من تلك التى اريتماها فى جولتكما فى غلينرودن.
كيف عرف؟ حدقت بخيبة الى شعره الاسود وتساءلت... لا هى ولا تيم ذكرا الامر لاحد كذلك لم يشاهدا احدا خلال جولتهما ليخبره ذلك وحين اعادت الخريطة الى جون لم يكلمها بتاتا ولا يسألها حتى كيف قضيا نهارهما... عبق وجهها وهى تحاول ان تتصور كيفية وصوله الى الخبر .هل هناك اى شئ يجرى فى غلينرودن ولا يعرف بحدوثه فى نهاية المطاف ؟
ضحكت كارلوت كاسرة الصمت الا انها زادت الطين بلة بقولها :- هل ستزورنا ثانية فى عيد الميلاد يا سيد ماسون؟ انك ستتمتع كثيرا بالزيارة وانا اكيدة من ان سوزان ستستوحش جدا فى غيابك.
وقبل ان يجيب تيم انعطف ميريك بالسيارة فجأة وعبر بوابة حديدية عالية ثم توقف امام فندق ضخم وقال وكأنه توقع سؤال سو :- انه يفتح على مدار السنه انما يعتمد فى الشتاء على الزبائن المحليين .
نزلوا من السيارة وتبعوه الى الداخل حيث توجهت سو وكارلوت لتسليم معطفيهما فى غرفة السيدات وعادتا الى حيث كان الرجلان فى قاعة الاستراحة.
كان ميريك رائعا كالعادة فى تنورته، اما طوله وعرض كتفيه فقد جعلا سائر الرجال فى الغرفة يبدون تافهين وتيم من الجملة .

هدية للقلب 20-07-11 09:12 PM

توجهوا الى قاعة الطعام واخذوا اماكنهم وراحت سو تتأمل جمال القاعة وبخاصة سجادة التارتان الكبيرة والنوافذ العريضة التى تطل فى النهارات وفى اشهر الصيف على مشاهد رائعة من الريف الاسكتلندى.
كانت تجلس بين تيم وميريك، وطوال فترة تناول الطعام كانت تحس وجوده بكل جزء من كيانها... ومرارا انجذبت عيناها الى محياه الوسيم واستقرتا لا اراديا . كانت تلبس التنورة السوداء نفسها ، اما هذه المرة مع بلوزة من الحرير الاسود ذات كمين طويلين وياقة مستديرة تظهر عنقها البض وكتفيها . اما شعرها الكثيف فقد سرحته بحيث بدا كغيمة شقراء تموج حول وجهها وكتفيها وتنسكب خصلات منه على وجنتيها .
جاذبيتها لم تغب عن ميريك، وانعكس اعجابه فى تألق عينيه حين استقرتا على قوامها الاهيف، انما لم يعبر عنه بأى كلام وتمنت فى حرقه لو يفعل! تيم من جهته، اطرى جاذبيتها علنا لكن كلماته لم تبلسم قلبها المجروح .
توجهوا بعد العشاء الى قاعة الرقص وتناولوا القهوة الى احدى الموائد الصغيرة المحيطة بحلبة الرقص. بدا العرض بوصلة من موسيقى القرب اداها ارتجالا رجل يرتدى الثياب الفولكلورية وتبعها رقص على ايقاع فرقة موسيقية جبلية . وبعد ذلك وجدت سو نفسها تدور راقصه بين ذراعي ميريك الذى غمغم قائلا :- اشكرك على قبولك الرقص معى يا انسة فريزر واعجب لانك لا تخشين على اصابع قدميك .
فردت مبتسمة وضاربة على الوتر ذاته :- لا داعى للاعتذار يا سيد فيندلى واذا دست على اصابعى سأجد طريقة لارد عليك بالمثل .
- الا تفعلين ذلك دائما ؟ الا يمثل السيد ماسون طريقتك الاخيرة فى ردك على بالمثل ؟.
فتعثرت قدماها وكادت تسقط على صدره وهى تجيب :- تيم ؟ كيف يعقل ذلك ؟.
- لانه لا يرهق نفسه فى سبيل ارضائى .
شدد قبضته على خصرها وهو يطوحها معه وتابع بصوت بارد :- قد اتحمل الوضع حتى نهاية الاسبوع انما لا اضمن ضبط اعصابى الى ابعد من ذلك شعرت بمزيج من الخيبة والكدر فعبق وجهها واجابت فى جمود :- اجازته انتهت ومن المفروض ان يرحل يوم الاثنين او الثلاثاء.
- شرط ان لايمدد زيارته او تطلبى اليه ان يعود ثانية .
- انت لم تجهد نفسك ايضا فى الترحيب به. اين ذهبت ضيافتكم الجبلية المعروفة عنكم ؟.
- انها تميز بين ضيوف وضيوف فلا تستقبل الجميع بالاحضان .
- لكنك لا تقدر ان تقطع اعناق الناس هذه الايام لمجرد انك لا تحبهم !.
- صحيح لم يبق لدينا الا سلاح الكلمات لكن من المعروف عنا حتى فى هذا العصر اننا نستعمل شيئا اقوى منها .
ارتعشت قليلا تحت سيف بصره... هل تراه يلمح الى رحلتهما الجبلية لمطاردة الغزلان؟ ذكريات ذلك اليوم عادت اليها حية، فصبغت جوابها بمسحة يأس غير مقصودة :- لا اخال ان تيم سيرغب فى العودة حتى لو طلبت انت اليه ذلك!
- لا تخافى فلن ادعوه .
ثم قست عيناه فتأكد لها ان اخذ كلامها على محمل اخر . وتابع يقول :- انه لا يناسبك يا سو ويختلف عنك كثيرا بعدم صراحته واخلاصه لذا تقتضى مصلحتك ان تسارعى الى نسيان امره .
- يا لك من ...
استبد بها الغضب فحاولت الافلات من بين ذراعيه ... لاتنكر انها هى نفسها ما اكترثت كثيرا لتيم، فمن حين زار امها لاول مرة وكان وقتها شابا دمثا من مكتب الضرائب ثم صار يتردد عليهما بحكم العمل اصبح ما يشبه العادة فى حياتها. ولكنها برغم كل شئ مدينة له ببعض الولاء ويجب ان تدافع عن صداقاتها ...
قالت بصوت لاهث:- لى ملء الحق فى ان ادعوه هو او ايا من اصدقائى الى غلينرودن ساعة أشاء وليس لك ان تمنعنى !
- ما عليك الا ان تحاولى لترى النتائج !
ابتسم هازئا بعنفوانها ثم شدها اليه واخمد مقاومتها حين خفتت الاضواء مع اقتراب رقصة الفالس على النهاية . احست نفسها تتهدل على صدره وتجردت من كل سلاح لما همس فى اذنها وانفاسه تتسارع :- كم يلذ لى ان اتشاجر معك يا حلوتى سو واعرف من منا سينتصر.
انتهى الفالس وعادت الاضواء فتركته ولجأت كالعمياء الى مقعدها فيما احسته يسير وراءها متمهلا . وجدت تيم مستغرقا فى الحديث مع كارلوت وهى تلقى يدها على ذراعه وتصغى اليه بكل حواسها .
تذكرت سو بقلق انها خشيت مرة من امكانية استفراد كارلوت بتيم ، واستطاعت الان ان تتصور نوع الاسئلة التى تطرحها عليه كارلوت وحيث لا حدود لفضولها وللهفتها الى جمع المعلومات عن سو .
لدى وصولها نهضت كارلوت واقفة وسألت بشئ من السخرية وهى تنقل بصرها بين وجه سو المتورد وحيث توقف ميريك ليتكلم مع رجل اخر:- الم تستمتعى بالرقص؟ يبدو انك تهربين من شئ ما .
فردت باختصار :- ما هربت من اى شئ .
ثم تنفست سو بعمق وتابعت تتحداها بصوت بليد:- انك تحبين اعطاء الانطباعات المغايرة للحقيقة .
فقالت كارلوت :- انت التى اعطيت هذا الانطباع حين عدت راكضة وكأن حيوانا مفترسا يلاحقك !.
ثم غيرت الموضوع وقالت فى هدوء تام :- تبادلت وتيم حديثا ممتعا وقد اخبرنى شيئا عن حياتك الماضية . فى اعتقاده انك جئت الى غلينرودن لغاية معينة . يجب ان اروى لميريك بعض هذا الحديث.
ثم سارت الى حيث ميريك لتشاركه الرقصة التالية . فنظرت اليها سو بحيرة وذهول ... انها عدوة لدودة تحت قناعها . وكان من الغباء ان تنخدع بها وتطلب مساعدتها على ايجاد عمل لها !
استمرت السهرة تتخللها رقصات جبلية حتى حان وقت الانصراف. لم يشارك تيم فى اية رقصة ، بعكس ميريك الذى رقص كثيرا والى حد ادهش سو. لم يدعها ثانية الى الحلبة لكنها انضمت الى مجموعة اخرى كانت ترقص جماعيا ولم تحس اى تصور او ارتباك لانها كانت تلقت دروسا مسائية فى الرقص الاسكتلندى الفولكلورى ، كجزء من منهج التدريب على اللياقة البدنية فى الكلية ، ولذا اتقنت التعلم وساعدها على ذلك خفة حركاتها . انضمت الى المجموعة فى حماسة .ورقصت فى اتقان ورشاقة محاولة اخفاء حنينها الى ذلك الجبلى الوسيم الذى بقى بعيدا عنها طوال الوقت !
لدى عودتهم الى غلينرودن كانت هى وكارلوت متعبتين فصعدتا فورا الى غرفتيهما . كارلوت قررت النوم عندهم بسبب تأخر الوقت وتسألت سو عما اذا كان ميريك قد تعمد ابقائها لغرض عاطفى فى نفسه ، بيد انه صعد الى غرفته بعدهما بقليل وسمعته سو يمر امام بابها المغلق ثم خيم الصمت الا من الريح التى كانت تهب فى الوادى .
ما كانت الريح تؤرقها من قبل بل تهزج لها لتنام اما الليلة فافكارها القلقة تسهدها ومعظمها تركز على ميريك والتصق به كما الحمى. لم يعد هناك اى مجال للشك فى انها تحبه مع انها تدرك جيدا عذاب الحب من طرف واحد . كانت بعض تصرفاته تزرع فيها امالا بسيطة ، لكن هذه الامال هوت الى الارض هذه الليلة حين تجاهل وجودها معظم السهرة . ارتعشت ورفعت رأسها على الوسادة ، معرضة وجهها للهواء البارد الاتى من النافذة . ظلت تتقلب على فراشها حتى تعبت فكفت عن الحركة وحاولت ان تتذكر كل كلمة قالها لها خلال رقصتهما الوحيدة معا ...
لقد وعظها بالنسبة الى تيم وحدد لها صلاحيتها فى دعوة اصدقائها الى غلينرودن . كان يتكلم وكأنه يملك المكان ! وفجأة انعطفت افكارها الى اتجاه اخر فاستوت جالسة فى فراشها .
قطبت وسط الظلام وتذكرت ان تيم اقترح عليها ان تفتش مكتب ميريك بحثا عن اوراق تحدد مركزه الحقيقى . رفضت وقتها الموافقة على عمل كهذا، ولم يأت تيم على ذكره مرة اخرى . انما الان وفى هذه اللحظة بالذات وجدت الفكرة مغرية ليس من وجهة نظر تيم المرتزقة بل بالنسبة الى علاقتها بميريك . فمن الناحية العاطفية لن يكون هناك فرق سواء كان مدير الاملاك ام لم يكن ، انما من المحتمل ان يكون شريك ابيها فعلا ، او اسوأ من ذلك ، ان يكون مالكا لنصف غلينرودن او اكثر من نصفها ! هذه النقطة لم تخطر لها قبلا واحست فجأة بضرورة اطلاعها على الحقيقة .
ازاحت الغطاء وقفزت من الفراش بحركة رشيقة . لم تتوقف لتلبس روبها ، وسارت حافية القدمين وفتحت بابها بلطف. لم تجرؤ على اشعال النور لئلا تصطدم بشئ فتحدث صوتا .
لكن البيت الكبير كان ساكنا . وبرغم ذلك احست العرق ينز من كفيها وهى تنتظر قليلا لتتأكد من ان الجميع نيام . طمأنها استمرار السكون فعبرت الى الممر واغلقت الباب باحتراس ثم هبطت الدرج ركضا الى الردهة .
كانت غرفة المكتبة التى حولها ميريك مكتبا تقع فى الممر الكائن خلف الدرج فانسلت فى اتجاهه، تستدل اليه بالغريزة والذاكرة فيما الظلام يلف طريقها عدا ضوء قمرى باهت يتسلل من زجاج النافذة فى اعلى الجدار ولا صوت غير ضربات قلبها التى كانت ترن فى اذنيها عالية .
توقفت عند باب المكتبة حين احست فى داخلها شيئا يتراجع لكنها استجمعت شجاعتها ودفعت الباب. عبرته وكادت تتعثر فوقفت حائرة وندمت لكونها نسيت الاتيان بمصباح يدوى . كان فى المطبخ واحد. الا انها خشيت البحث عنه فى الظلام لئلا تسقط غرضا من الاغراض فتحدث دويا . اضاءت الزر الكهربائى وانصتت متخوفة ثم تشجعت وقررت المباشرة فى البحث لتنتهى بسرعة .
ارتعشت وهى تحدق فى الغرفة حولها . لقد زارتها مرة او مرتين من قبل ، الاولى عندما جاءت لتأخذ كلب ميريك فى نزهة ، كارلوت كانت معه انذاك ، والثانية حين حملت رسالة الى ميريك من احد الزوار . تذكرت طاولة المكتب اكثر من سواها ، وطفقت تتأمل رفوف الكتب العالية والمقاعد المريحة حول الموقد، ثم ارجعت بصرها الى الطاولة الكبيرة المغطاة بالجلد. وعلى حين غرة راح قلبها يخفق بسرعة وثقل واتسعت عيناها فى حيرة . كان شيئا مخيفا ان تفقد رغبتها فى البحث
بل وتجد نفسها عاجزة عنه! كانت فكرة متسرعة ولدت فى لحظة ضغط، وادركت سو ان المكتب مهما كان فيه من اسرار فيجب ان تتركها حيث هى ,صحيح ان والدها يملك هذا المكتب لكن التفتيش التجسسى ليس من طبيعتها . ليتها تعقلت وادركت هذا من قبل ! وفكرت يائسة اذا قصدت ميريك هنا بعد ان يسافر تيم واستوضحته الحقيقة فى صراحة فلربما اخبرها بنفسه كل ما تود ان تعرفه .
نهاية الفصل التاسع

هدية للقلب 20-07-11 10:32 PM

10 - حبيبى الى الابد
فى تلك اللحظة من التجلى والمفروض فيها ان تزود سو بالراحة والاطمئنان احست نفسها فجأة تتجمد بلا حراك، وادركت غريزيا ان هناك احدا يقف خارج الباب. وحين انفتح فى بطء محدثا صريرا خفيفا لدى ادارة المقبض دوى ذلك الصرير كانفجار فى اذنها.
وللحظة احست نفسها معلقة فى فضاء شفاف فاستدارت واضاء تقاسيمها ذهول صاعق حين وقع بصرها على ميريك ... قلصها اليأس فنظرت اليه كالخرساء وهى تتساءل عما اذا كان ينوى خنقها... شحب وجهها حتى البياض لما سمعته يتمتم بشراسة، وكأن مرآها واقفة قرب الطاولة افلت فيه عقال الغضب .
ولأول مرة منذ عرفته رأته يعجز عن الكلام لشدة غضبه ، ولكونها لم تستطع احتمال الموقف اكثر من ذلك قالت بكلمات غبية متلعثمة وقلبها الخائف يدوى كالطبل :- اسفة ... لم اقصد ازعاج احد... لا ادرى كيف عرفت انى هنا .
- كنت انوى الاطمئنان على جون ولما رأيت شيئا يتحرك تبعته على الدرج فى الظلام لانى لم اشأ ايضا ان اشغل النور ولم اعرف هوية اللص المتسلل كالقطة حتى فتحت هذا الباب . حسبته صديقك السيد ماسون ، يتحرى فى الظلام .
- هل اصاب والدى شئ؟.
فأجابها فى خشونة :- انك تغيرين الموضوع يا سو . والدك ساءت حالته فى الايام الاخيرة وأنت تعرفين ذلك .
- كان يجب ان اطمئن عليه بنفسى فور عودتنا لكننى كنت شبه اكيدة بأنه نائم . ثم انى لم اغير الموضوع .
- حقا؟.
كلمة واحدة قالها الا انها عوضت عن مجلدات . تقدم خطوة واستمر يرقبها. خيم على الغرفة صمت ثقيل فخشيت ان يسمع خفقات قلبها المهووسة .
- لم تخبرينى ماذا تفعلين فى مكتبى ؟.
- لم امس مكتبك .
كان ميريك مايزال يتفحص وجهها وعاد يلح فى قسوة :- تقولين انك لم تأتى هنا لتفتشى مكتبى اذن ماذا تفعلين بالضبط ؟ انى اطالبك بتفسير مقنع والا!.
تذكرت سو انه اتهمها مرة بالكذب . كان وقتها يمزح لكنها لا تريد ان تتيح له الفرصة لان يتهمها جديا هذه المرة . انما ماذا فى وسعها ان تقول؟ تراجعت خطوة الى الوراء وبعيدا عن تلك النظرة الفاتكة بالاعصاب . كيف لها ان تتخلص من هذه الورطة وهى لا تملك الشجاعة على الاعتراف بالحقيقة ؟.
امهلها عشر ثوان ثم فقد صبره. وصلها بخطوة واحدة وطرح يديه على كتفيها ثم شدد قبضته من خلال القماش الرقيق قائلا :- ماسون هوالذى حرضك على هذا اليس كذلك؟ انك تحاولين التستر عليه !.
اوجعها سؤاله مثلما أوجعتها يداه ... تألمت لانه اصاب الحقيقة الى حد ما. لكن كيف تستطيع افهامه بأن تورطها لم يكن له اى علاقة باقتراح تيم؟ كان من المستحيل ان تورط تيم لانها لم تكن تنوى اطلاعه على اى شئ من هذا فلن يصدق اطلاقا بانها قررت فى اللحظة الاخيرة ان تعدل عن التفتيش. الوضع لا منطقى الى حد سيبدو فيه التفسير بعيدا جدا عن الحقيقة .
هزت رأسها فى عجز وقالت وهى تحاول التملص من قبضته :- اقسم لك ان تيم لا يعرف شيئا عن مجيئى الليلة الى مكتبك.
- هذا التبرير لا يجيبنى على سؤالى . انه مراوغة!.
غرز اصابعه فى كتفيها غير ابه لمقاومتها الركيكة فهتفت تقول بارتباك مجنون :- كان من السخف ان آتى هنا ... ربما كنت اسير فى نومى لكنى لم احدث اى ضرر وما لامست مكتبك او سرقت منه شيئا وانت تتهمنى زورا!
- انت تضيعين الوقت بهذه الثرثرة فأنا اكيد من انك لم تكونى تسيرين فى نومك مع ان لباسك يناسب هذه الفكرة !
- انى اكرهك !.
فأمعن فى حرقصتها بقوله :- سو هل ستخبريننى الحقيقة ام ستجبريننى على سحبها منك عنوة ؟
كان وجهه شاحبا كوجهها وعيناه كالجليد لكن مشاعرها المكبوتة واعصابها المتوترة اعمت بصيرتها عن اشارات الخطر ! اطبقت فمها بتحد والتزمت الصمت ناظرة اليه فى تمرد .
فقال بصوت قاس وكأن الغضب يسحق الكلمات بين اسنانه:- يبدو انك تتلذذين بممارسة الوقاحة ! لقد افهمتك قبل ساعات وافهمك الان مرة اخرى ان مصلحتك تقضى بأن تتخلصى من تيم ماسون والا تخلصت منه ، بعون الله ، بالنيابة عنك! وتذكرى فى هذه الحالة انه سيتعرض لاهانة اكبر!
ادركت ابعاد هذا التهديد فشهقت وقالت :- اياك ان تؤذى تيم بكلمة واحدة أتسمعنى ؟ اياك ان تفعل والا رحلت انا قبلة .
- هل انت تهدديننى يا انسة فريزر ؟.
تقلصت اصابعه على كتفيها متوعدة ثم هبطت الى ذراعيها تقبض عليهما بشدة وتغمره بموجة رعب .
كيف تقدر ان تجيبه ؟ كيف تقدر ان تقول :- يجب ان اعرف بالتحديد ما هو مركزك فى غلينرودن لانى سأجن ان لم اعرف ؟ لكن مركز ابيها يجب ان يؤخذ ايضا بعين الاعتبار . وفيما استعدت شفاها للادلاء باعتراف متهور اهتدت فجأة الى المنطلق السليم . ان جون هو الذى يجب ان يوضح لها كل شئ، وليس هذا الرجل الذى اعتقلها بوحشية لانها رفضت اعطاءه التفسير الذى طلبه ... ما الذى اعماها عن رؤية هذا المنطلق قبل اليوم ؟
تلالات على جبينها حبيبات عرق حين قفزت افكارها عائدة الى تيم !يجب ان تنقذه من ثورة ميريك مهما كان الثمن ... فقالت متعثرة :- لا احب الحاق الاذى بالناس وخاصة تيم .
- تبدين مصممة على حماية السيد ماسون فلماذا لا يأتى هذا الفارس ليحميك الان من الوغد الذى يدير املاك غلينرودن ؟ هل تراه جالسا على سريره فى انتظار ان تأتيه بالحقائق المطلوبة ؟.
- انت رهيب ! رهيب للغاية !
الهبت الثورة وجهها .وشعرت بأنها تختنق تحت ضغط الغضب فأرخى يديه عنها بفجائية كادت توقعها ارضا ، وقال فى عنف:- اذن انا رجل بلا اخلاق فى نظرك ؟.
- شئ من هذا القبيل !
ردت بجرأة لتصيبه فى الصميم وهى تتراجع من امامه . ابتلعت ريقها وكأنها تبتلع بحصة، وتراجعت اكثر حين ازدادت عيناه ظلمة . اخذ جسمها يرتجف فادركت انها لن تنسى هذه اللحظة طوال حياتها . كان هناك توتر غريب فى الهواء السارى بينهما ثم انعدام الهواء وحل مكانه احساس متصلب بحلول كارثة حين تقدم ميريك وبسط ذراعيه ليس ليطلب اليها تفسيرا هذه المرة .
حاولت جاهدة ان تقاوم ان تهرب لكنه اخمد محاولاتها باستهزاء وبقوة وحشية . قبض على عنقها ورفع ذقنها عاليا وغاص بصره فى عينيها . احست الدم يدوى فى عروقها ويسرى كما اللهب . لم يكن الموقف مطابقا لتلك المرة فى الكوخ او لتلك الاخرى على الجبل . فالان لم يكن يداعبها ولا كان ايضا يحبها حين عانقها بقسوة لم يخطر لها ابدا انه قارد عليها وحاولت بضعف هذه المرة ان تدفعه عنها وان تتعلق بقشة اخيرة من التعقل الا انه لجم تحركاتها بقوة ذراعيه والصقها به ، حتى استكانت اخيرا على صدره . ثم راحت تمرر اصابعها على وجهه وقد انجرفت كليا فى عنف المشاعر التى اجتاحتها .
تأمل مليا بشرتها الناعمة وازاح الخصلات الحريرية عن عنقها وخديها.

هدية للقلب 21-07-11 12:01 AM

كان يعتقلها كعصفور وكأنه يعاقبها وينتقم بقسوة من تمردها لم تذكر بعد ذلك ، متى خرج بها من المكتب وهو يحيط خصرها بذراعه، ثم يصعدان الدرج فى ضوء القمر وشعرها يسبح كالغيمفى الليل البارد المعطر. ولما فتح باب غرفتها سمعته يغمغم شيئا لم تفهمه وفجأة القاها على السرير متخليا عنها بقسوة فأحست الصدمة تتحطم وتتناثر كاناء يتكسر .
ولما تكلم وقع صوته فى اذنيها باردا ومليئا بالتهكم :-احيانا يأتى وقت يا سو تفرض فيه الحقيقة نفسها علينا وها هى تفرض نفسها على فتاة مثلك ، كانت شديدة العمى والى حد لم تر فيه الا...
لم يكمل وفى اقل من لحظة سمعت سو اغلاق الباب بعد رحيله ، تاركا اياها وحيدة مع افكارها المعذبة وهى تحاول بعجز يائس ان تستوعب مدلول كلامه .
فى اليوم التالى بعد الغداء ، وكان يوم احد خرج ميريك ليوصل كارلوت الى بيرث، ولم يعد حتى ساعة متأخرة من الليل. وصباح الاثنين غادر تيم غلينرودن الى لندن ويوم الثلاثاء بعد الظهر . توفى جون فريزر. اسلم الروح فى هدوء اثناء نومه فى ساعة القيلولة . ومع ان وفاته كانت شبه متوقعة، غير ان سو ذهلت حين سمعت الخبر من السيدة لينوكس.
لم تكن قد رأت ميريك طيلة النهار ، ولا ودت ان تراه الا بعد ان تتمكن من تحليل مشاعرها نحوه. وفى حال فشلت فى ذلك فلا يمكنها البقاء فى غلينرودن كيلا تعرض كرامتها لاذلال كامل. فبعد الذى حصل فى المكتب ما عادت تثق بعواطفها بالنسبة اليه.
اجل كيف يمكنها ان تضع نفسها فى مواقف مشابهة وارادتها الضعيفة قد تخونها فى اية لحظة وتذلها امام هذا الرجل الذى يحمل لها كل هذا النفور ؟
لقد اقتنعت الان بوجوب ابتعادها ومن حسن الحظ انها حصلت على العمل المنشود فحين جاءت كارلوت لترافق تيم الى محطة بيرث لتودعه قالت لسو بدفء ومودة :-اكلمك بخصوص العمل فى المدرسة يا عزيزتى انه لك اذا شئت لكن عليك اولا ان تقابلى المدير لتتفقى معه واذا راق لك ونجحت فيه فقد تحصلين على مركز افضل.
زارت المدرسة واتفقت مع المدير ربما لانه لم يستطع ايجاد معلمة سواها، على ان تبدأ العمل فى الاسبوع التالى . وبالنسبة الى مكان الاقامة فأما ان تستأجر غرفة صغيرة فى البلدة وتعود الى غلينرودن فى نهاية كل اسبوع او تذهب بسيارتها يوميا الى هناك اذا اصر جون على ذلك وفى كلا الحالين ستجد المتنفس الذى هى فى اشد الحاجة اليه.
لكن قبل ان تجد اقل فرصة لتفاتح جون بالموضوع رحل عن الدنيا بدون ان تقول له شيئا. لم تكن لتصدق ان الصدمة ستؤثر عليها الى هذا الحد! ربما ساهمت تراكمات اشياء كثيرة فى تعميق حزنها ، لكنها تبدو الان اسوأ حالا مما كانت عليه يوم فقدت امها . لقد سارع كل من ميريك والسيدة لينوكس الى تأمين راحتها وكأنهما تفهما لوعتها دونما حاجة الى تفسير . اما كارلوت فلم تأت بنفسها واكتفت بارسال برقية تعزية وقد علقت السيدة لينوكس على تصرف كارلوت قائلة بجفاف :- انها لا تهتم بالمجئ فورا للتعزية ولكن ثقى انه ستهتم بحضور الجنازة !
ميريك كان ودودا انما بدا منعزلا تماما وهو يشرف على كل الاجراءات بكفاءة جدية كان يستقبل المعزين ويرد على الهاتف باستمرار مبرهنا صمودا وقوة نادرين كأنهما قلعة جبارة . اما حزنه الخاص على فقد جون فلم يبد الا من خلال التوتر الخفيف حول فمه والسواد الكئيب فة نظرة عينيه المباشرة .
مرت الايام التالية على سو وكأنها فى حلم غائم . تفكيرها فى المستقبل حصرته فى وظيفتها التعليمية القريبة ، اما غلينرودن فلم تفكر فيها اطلاقا كجزء من المستقبل . فالنتيجة الطبيعية للامور تقضى بأن تؤول الاملاك الى ميريك مع انها لا تعرف كيف سيصار الى ذلك. اما بالنسبة اليها فقد استغربت زهدها فى امتلاك اى شئ .
لكنها قررت فى اليوم الذى تلا الدفن ان تذهب الى بيرث لتقابل محامى جون وتستشرية قانونيا . كان ميريك قد رتب موعدا معه ليأتى بنفسه الى غلينرودن يوم الاثنين لكنها ستكون غائبة فى عملها انذاك . شعرت بالذنب لانها لم تطلع ميريك على تسلمها الوظيفة وكانت تنوى اخباره انما لم تجد الفرصة المناسبة .
لذا يجب ان تجد الجرأة لاعلامة فى خلال نهاية الاسبوع ولكن من الضرورى ان ترى المحامى اولا .
اخذت منه موعدا للساعة الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة وبعد وجبة فارق الزمن والظروف ذكرتها رحلتها هذه بذلك اليوم الصيفى الذى قابلت فيه محامى امها لتطلعه على الرسالة التى كانت السبب فى مجيئها الى اسكتلندا وشردت افكارها تتجول هنا وهناك، وهى تقود سيارتها بسرعة فى اتجاه بيرث. كان من واجبها ربما ان تعلم تيم بوفاة ابيها ومن باب اللياقة على الاقل ، لكنها فى الحقيقة نسيته تماما منذ ان عاد الى لندن .
بل انه غاب عن ذاكرتها حالما استقل القطار من المحطة وصار خيالا بعيدا بالنسبة اليها . ميريك وحده كان يحتل افكارها وقلبها انما بعد فقدانها الموجع لجون ما استطاع احد حتى ميريك ان يذيب الجمود الذى يحاصر قلبها .
وحين التقت المحامى لم تجد فى كلامه اية راحة . وقد بدأ حديثه قائلا :- تعرفين بالطبع ان اباك فقد ملكيته لغلينرودن حين باعها منذ عشر سنوات ؟ كان سعيد الحظ بعثوره على شار مثل ميريك فيندلى ... لكن هذا حدث فى الماضى البعيد واصبح اليوم نسيا منسيا .
نظرت اليه فى ذهول وحمدت الله على انه لم يلحظ ارتباكها لانشغاله فى تفحص بعض الاوراق... اذن ميريك هو مالك غلينرودن وليس جون وهذا المحامى سلم جدلا بانها تعرف الحقيقة ! اجتاحها اليأس وهى تتساءل لماذا اخفى جون هذا الامر الخطير عنها ؟ ستذل نفسها اذا اعترفت للمحامى بجهلها فكيف تحصل اذن على المعلومات التفصيلية ؟ لم تستطع حتى ان تستوضحه السبب الاساسى الذى حمل اباها على بيع الاملاك لكونه يتوقع معرفتها به ايضا.
ومضى الرجل يتكلم ولو بتحفظ فاخبرها انه يعرف اباها منذ سنوات بعيدة وكذلك تعرف الى امها بعد زواجها من جون . وقال حين شيعها الى الباب مودعا:- انت تشبهين جدتك كثيرا يا عزيزتى . وقد كانت سيدة بكل معنى الكلمة .

هدية للقلب 21-07-11 01:01 AM

ولما انغلق الباب خلفها بلطف ، ادركت سو انه لم يضيف الى معلوماتها شيئا عدا ذلك الخبر الذى هزها فى الصميم . قال شيئا اخر يتعلق بتركة صغيرة لا تذكر تفاصيله وهكذا خرجت كما جاءت تقريبا !
لم تتذكر بعد ذلك كيف امضت فترة بعد الظهر لقد تجولت لفترة بلا هدف معين ثم دخلت مقهى صغيرا وطلبت شايا وحلوى أنما لم تذكر كيف اكلت ولا كيف غادرت المكان بعدما دفعت الفاتورة . كان الغروب قد اوغل فى انتشاره قبل ان تجد طريقها فى العودة الى غلينرودن وقررت الا تفاتح ميريك بما عرفته عن حقيقة الملكية، وان تنتظر حتى صباح الاثنين ولدى مغادرتها البيت الى مقرها الجديد.
لا موجب لان يكون الحديث طويلا بل مجرد اعتذار موجز كلمة وداع وعبارة شكر ثم مغادرة سريعة . سينتهى كل شئ فى بضع دقائق وبأقل قدر من الاحراج لكليهما .
فالوقت سيكون اضيق من ان يتيح المجال لاى تفسير . ومهما كان الثمن قالت لنفسها فيجب ان تتصرف بمنتهى الاختصار لان وضعها العاطفى الحالى الشديد الانفعال قد يجعلها تقول اشياء تندم عليها فى ما بعد .
لدى عودتها مساء سيكون ميريك خارج البيت ، وفرحت للفكرة الا انها حين فتحت الباب واغلقته خلفها باصابعها المتخدرة من شدة البرد احست بوجود ميريك ، بالرغم من كل احتياطاتها ... كان يعبر البهو صوبها بوجه قاتم وتنورته القديمة الخاصة بالعمل تتأرجح حول ردفيه. وقبل ان تفكر فى وسيلة للهرب وصل اليها ووقف كالمارد فوق رأسها :- سو !
هتافه المختصر اجفلها ثم جمدها حين احتوى ببصره وجهها الشاحب .
- سو! اين كنت بحق السماء ؟.
قبض على كتفيها وهزهما بنفاد صبر ناقلا اليها عنف عواطفه من خلال يديه مما جعل كل قراراتها الجديدة تتهاوى ولم تشعر الا ودموعها تنسكب على خديها .
- سو !.
هتف اسمها للمرة الثالثة لكن صوته هذه المرة عبر عن لهفة اكبر وتابع يسأل فى الحاح:- ما بك ؟ ماذا حدث ؟ ارجوك ان تخبرينى !.
ولما صمتت لعجزها عن الجواب احاط جسمها المرتجف بذراعيه وقال لها :- احبك يا سو .
سمعته وكأنما صوته يأتى من مكان سحيق ، الا انها ما استطاعت استيعاب المضمون الكامل لما كان يقول... كان ذهنها يلتصق فى غباء بما سمعته فى مكتب المحامى وهى تحاول تحرير احدى يديها ثم تمسح دموعها بقبضة متقلصة . وهمست فى انكسار :-لماذا لم تخبرنى؟.
وفى الحال تقلصت عضلات جسمه ، وتوقفت يده عن تمسيد شعرها ثم ابعدها قليلا . التحفت عيناه بالغموض وتقلص فمه واجما حين ادرك ان سؤالها لم تكن له اية علاقة بهمساته التحببية . فاستفسر فى اقتضاب:- اين كنت بالضبط بعد الظهر؟
هذه المرة لا سبيل الى التهرب لكنها ترددت اذ احست بالذنب لكونها حجبت ثقتها عنه ، ثم همست فى قنوط يضيق عليها النفس :- ألم تحزر ؟
- وكيف لى ان احزر يا سو؟ السيدة لينوكس قالت انك ذهبت على الارجح الى بيرث، لكن حين تأخرت فى الرجوع حسبتك لن تعودى. فبدأت اقلق ، بل كدت افقد صوابى من شدة القلق !.
- كان لديك موعد مهم خارج البيت. لم احسب انك هنا .
- لم يكن مهما . انت اهم من كل المواعيد! لقد اوصلت السيدة لينوكس الى القرية وتوقعت ان اجدك هنا لدى عودتى . لكنك لم تجيبى على سؤالى بعد.
لم يعد هناك مهرب فقالت :- ذهبت لاقابل محامى والدى فى بيرث.
- فريغوسون؟.
حاولت التغلب على ضعفها وارتباكها وقالت :-قصدت المحامى لاقف على حقيقة الوضع المتعلق بالاملاك ، اذ كان لدى احساس رهيب بأن الاوضاع ليست طبيعية . احيانا كنت احسب انك مجرد مدير مسيطر ، وفى احيان اخرى كانت تنتابنى قناعة مخيفة بأنى ووالدى كنا نعيش على الاحسان .
- مسكينة يا سو ، كنت تتخبطين فى الحيرة ...
صمت قليلا ثم تابع يقترح بنبرة حازمة :- ما رأيك ان نبدأ من البداية ، انا وانت ؟ هذا ما كان يجب ان نفعله منذ وقت طويل .
- اخبرنى المحامى انك المالك الوحيد لغلينرودن ، ولكنى لم اسأله عن اى شئ اخر لانه بدا واثقا من معرفتى لكل التفاصيل . لم اجرؤ على الاعتراف له بعكس ذلك ، ومن ناحية اخرى ، ما عاد يهمنى ان اعرف .
- لو انى عرفت بأنك ستذهبين اليه لكنت وفرت عليك كل هذا العذاب يا سو! كنت انوى اطلاعك على كل التفاصيل فى عطلة نهاية الاسبوع ، وقد تمهلت لامنحك فترة راحة كنت بحاجة اليها .
- فهمت.
هكذا قالت / بيد انها لم تفهم وانتظرته بصمت ليتابع حديثه. كان مايزال يمسك يدها فأحست قلبها يرفرف فى حلقها ويكاد يخنقها . لم تجرؤ على التحرك خشية ان يتركها ولكى تحتفظ بالتالى بذكرى هذه اللحظة الى الابد .
وتابع يقول :- عندما ابتعت غلينرودن قبل عشرة اعوام ، كنت فى الخامسة والعشرون من عمرى شابا قليل الخبرة ، لا اعرف اى شئ عن اصول الزراعة فى الجبال . كانت غلينرودن معروضة للبيع ، فاشتريتها .
فقالت :- اشتريتها بمنتهى السرعة والبساطة !.
- اجل هكذا فعلت يا حلوتى سو. اما اكتشفت بعد ان من عادتى الحصول على رغباتى ؟.
عاد قلبها يخفق اذ احسته يعاقبها على مقاطعتها لحديثه. وتابع يقول :- لم تكن الاملاك محصورة الارث وكان شقيق جون اى عمك قد باع معظم المزارع لانه كما تناهى الى كان يصرف اضعاف دخله فلم تبق الا غلينرودن ، وحتى هذه كانت ترزح تحت رهن ثقيل . جون حارب الخسارات طويلا يا سو . كان وحيدا بلا عائلة لم يكن يعلم بوجودك وخسارته لغلينرودن اوجعته فى الصميم .
توقف قليلا فسألته :- هل طلبت اليه البقاء بنفسك ؟.
فأجاب فى أسى :- اجل فجون كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن ادارة الاملاك الجبلية فيما كنت انا جاهلا لابسط الاشياء وهكذا وصلنا الى اتفاق.
- اتقصد ... انك سلمته الادارة ؟
فهز رأسه وقال :- كلا يا سو ، فأنا احب دائما ان ادير شؤونى بنفسى . لكنه علمنى كل ما كان يجب ان اعرفه، وعاش معى هنا . الواقع ان قلة من الناس كانت تعلم هذه الحقيقة .
- ولكن صفقة من هذا النوع يصعب اخفاؤها...
- رغبت فى الكتمان لاسباب شخصية يا سو . لقد اخبرتك مرة ان والدى توفى فى جنوب افريقيا ، ولما تزوجت امى ثانية لم انسجم مع زوجها ... وبما انى كنت فى سن شابة لا تهاب المغامرات فقد اخذت حصتى من الارث وجئت الى هنا. لكننى لم ارغب فى ان يلحق اهلى بى وكان من المحتمل ان يفعلوا لو انهم علموا بشرائى لغلينرودن، ولذا حاولت كتمان الامر وخاصة ان امى من مواليد اسكتلندا .
- وما اخبار العائلة الان؟
- ماتزال بألف خير فى جنوب افريقيا . لقد ذهبت الى لندن لاقابل زوج امى فتفاهمنا حول بعض الاسهم التى مازلت امتلكها فى المنجم.
- اذن هذا ما كنت تفعله هناك .
- ماذا حسبتنى فعلت خلاف ذلك؟.
- حسبتك كنت مع كارلوت ...
- وانا ظننتك تجوبين لندن طولا وعرضا برفقة السيد تيم ماسون ! كلانا اخطأ فى تفسير الحقيقة ياحبيبتى .

هدية للقلب 21-07-11 02:08 AM

صمت الاثنان للحظة طويلة ، قضاها ميريك ساكنا يتأمل تقاسيمها فيما حاولت هى ان تستوعب ما رواه لها. كانت هناك عدة نقاط تحيرها ، فسألت اخيرا هامسة :- لماذا لم يخبرنى ابى هذا ، بعد وصولى ؟.
- كان يجب ان نخبرك لكن جون توسلنى ان لا افعل . ربما لانه كان يخاف فى اعماقه ان يفقدك ، كما فقد امك من قبل ، فتصور ، خطأ او صوابا ، ان معرفتك للحقيقة قد تحملك على الرحيل، وبعدما مر وقت على وجودك ، عزم على اخبارك لكن الخداع كما العقدة كلما تشربكت كلما ازدادت صعوبة فكها . وفوق كل هذا ، تدهورت صحته بدل ان تتحسن فصرت اتحاشى الالحاح عليه رأفة بصحته .
وبالرغم من دفء النار احست فجأة بالبرد وسألت فى حزن :- لماذا لم يمنحنى ثقته ؟ انا ابنته ، ولم اكن لاتركه ابدا ... اما...
وغاص الدم فى وجهها حين تذكرت عملها الجديد. وكيف تبرر له سكوتها عنه لغاية الان ؟ لكنها حين اخبرته لم تستصعب الاعتراف وكأن كل شئ مع ميريك صار اسهل ... وختمت حديثها قائلة :- كنت انوى التغيب عن البيت خلال الاسبوع ، او الذهاب يوميا الى العمل تبعا لمشيئته . لقد شعرت بضرورة العمل .لأعيل نفسى .
لا داعى لان تخبر ميريك بانها ما التجأت الى العمل الا لكى تهرب منه .
- لو ان اباك عاش لكان اخبرك مع مرور الوقت . ثم ان الصدمات التى واجهها فى حياته قد تكون خيبت اماله الى حد جعله لا يثق بالناس فى سهولة وبعد مجيئك بدا اكثر سعادة من عدة نواح الا ان مرضه ثم موته لم يمهلاه ليثبت ذلك .
فقالت حزينة شاردة :- كلانا لم يجد الوقت الكافى لتفهم الاخر ، فانا لم ادرك الا بعد موته انى كنت بدأت احبه كثيرا... قد يعزينى بعض الشئ ان مجيئى اسعده وفى اعتقادى انه كان يثق بك تماما .
- اجل فالعشر سنوات وقت طويل يا سو ، وكنا فى خلالها نتشارك العيش والعمل فى انسجام تام . كان يعزنى كما لو كنت ابنا له، زانا بدورى احببته على مر الزمن. كم عانيت هذه السنة وانا ارى صحته تتدهور بهذه السرعة .
ظل يتاملها لبرهة صامتا، ثم تقدم منها لينزع معطفها وحين ارتجفت سحبه عن كتفيها وطفق يتفحص رقة قماشه واجما ، ثم قال :- اعتقد انك كنت فى حاجة الى المال لتبتاعى معطفا اسمك ؟ لقد طلبت من جون ان يتأكد من وضعك المادى والظاهر انه لم يجد الوقت ايضا لذلك .
فهزت رأسها لتتجنب ردا مباشرا وفاجأت نفسها حين اجابت على استفساره بسؤال اندفاعى ارعن :- اما رغبت مرة فى الزواج ؟
فرد فى رقة :- اجل ، عدة مرات.
هو يحب كارلوت اذن ! شخصت اليه بحدقتين متسعتين وراح التورد يخبو من وجنتيها . عاد اليها الدوار وبالكاد احسته ينهض ثم يعود ويضع بين اصابعها المرتجفة فنجانا ، ويأمرها بأن تشربة .
قطب جبينه وقال:- كان يجب ان اسقيك الشاى فور وصولك . لقد جهزته لك خصيصا لكنى نسيت امره تماما لانشغالى بك... هيا ، اجرعيه يا شاطرة لانى اريد ان اريك شيئا طريفا.
احتست الشاى بعصبية فعاد لونها المفقود لكنها استمرت ترمقه خائفة.
اخرج محفظته من جيبه، وسحب منها تمثالا صغيرا جدا ، وطفق يحدق اليه بانسحار كمراهق يحدق الى نجمته السينمائية المفضلة ، ثم وضعه امامها على الطاولة الصغيرة . كان بيضاوى الشكل يمثل فتاة شابة فى فستان مزهر . كان شعرها الاشقر معقودا الى خلف بما يشبه الخواتم، وقد افلتت منه خصلات دقيقة كالريش، على صدغها .
تسمر بصرها عليه بحيرة وذهول ، لأن الفتاة المنحوتة كانت صورة طبق الاصل عنها هى ، ولكن هذا مستحيل! فياقة الثوب العالية وتسريحة الشعر تنتميان الى عصر اخر مع ان الشبه مذهلا ! سألت ميريك بانفاس مبهورة :- من تكون هذه الفتاة ؟ من اين حصلت على التمثال ؟
- وجدته صدفة فى أحد الجوارير السفلية فى هذا المكتب. سألت جون اذا كان لا يمانع فى ان احتفظ به فوافق. ادركت من ذلك الحين انها الفتاة الوحيدة التى سأختارها زوجة لى . كان منطقا مجنونا بالطبع لانه لم يكن لدى اى امل فى لقائها، او هكذا ظننت ، حتى تلك الليلة فى ادنبره...
قصده كان واضحا كالبلور . فخفق قلبها بشدة وهى تزيح بصرها عن الفتاة- التمثال وتلصقة بوجة ميريك ، ثم تسأل :- ظننتنى اياها ؟.
فأطبق بيده الحانية على يدها وقال مؤكدا :- عرفت فورا انها أنت او عرفت ان جدتك تعود الى الحياة من خلالك ... تلك اليلة بدا جليا انك استغربت جدا تصرفى ذاك وكان بالفعل غريبا ، لكن الرجل عندما يرى حلما كبيرا له يتحقق، لا يتوقف عادة ليفكر بل يتصرف تلقائيا وبوحى من مشاعره . وحتى لما اخفتك وكان من الطبيعى ان تخافى ثم هربت تأكدت وقتها بأنى سأجدك فى غلينرودن .
فهمست:- ثم انتظرتنى فى شق الصخرة وكنت ماتزال متضايقا من شئ ما ؟.
- انتظرتك هناك ولما رايتك على الطريق، انتابنى ذعر مفاجئ مما قد يحدثه ظهورك من تأثير سئ على صحة جون ، ولذا بدوت حانقا . كنت متضايقا من نفسى اكثر لكونى تأخرت فى تدارك الموقف. ثم اتضح لى بعد ذلك . انك لا تشبهين البته فتاة احلامى الفكتورية المطيعة ، بل كنت قطة برية شرسة ، ولطالما وددت ان اضربك وبخاصة عندما ظهر صديقك السيد ماسون . لكن بالرغم من كل ما حصل بيننا من سوء تفاهم ، لم اقدر ان افلت اى فرصة كانت تتيح لى معانقتك .
القت راسها على كتفه متنعمة بدفء حبه وقالت :- لا تقلق يا حبيبى بشان تيم فأنا ما احببته ابدا، وما اوحيت اليه ابدا بانى احبه . اعتقد انه كان يتخبط حائرا بين عدة اشياء تتجاذبه، واستبعد ان يعود مرة اخرى الى غلينرودن .
واكملت باستسلام:- منذ وقت طويل وانا احبك .
- انا احببتك قبلا يا سو .
احاطها بحنان وتابع بصوت اقل انفعالا:- اعترف بأنى حين سمعتك تذكرين تيم ماسون لاول مرة ، حسبتك تفكرين فيه كخطيب احيانا .
فأجابت منفعلة :- وانا حسبتك تفكر الشئ نفسه بالنسبة الى كارلوت .
فمرر اصابعه فى شعرها ثم ازاحه فى رفق عن جبينها الناعم ، وقال بصوت مرتج عميق :- ما نكنه لبعضنا يا سو ، هو اقوى من العواطف الدنيوية الجارفة ...
تزوجينى قبل عيد الميلاد لانى ارفض ان انتظر اكثر .
- وسنقضى عيد الميلاد فى غلينرودن ، اليس كذلك ؟
- اجل سنقضى عيد الميلاد فى غلينرودن ، ثم نسافر الى جنوب افريقيا لقضاء شهر العسل ولاعرفك الى عائلتى . هل تحبين ذلك ؟
- اننى احبك يا ميريك فيندلى .
ستذهب سو الى مطلق مكان مادام ميريك معها وبقربها ... ومن ثم يعودان الى هذا البيت الرمادى العتيق وسط الجبال الشامخة . من اليوم فصاعدا ، ستظل غلينرودن وطنها الصغير دائما ، هذه كانت رغبة جون وتحقيقها سيريح روحه، واطلقت من قلبها صلاة شكر دافئة ، حين قربها ميريك اليه ، وكأنه قرأ افكارها ...


تمت بحمد الله
اتمنى للجميع قرأه ممتعة وشكرا

*mero* 22-07-11 05:38 AM

صراحة انتي بطلة وروايتك لا تقل روعة عنك شكرا لك الله يوفقك شوفي دعيت لك صباح الجمعة ايش رأيك دمتي بسعادة مع حبي .

نونه الدلوعة 22-07-11 06:15 AM

يثلموووــآآ ع الروااية الحلوووه..

اختياااااار رآآئع..:c8T05285:

شوووووووووووووكرآآآآ..:bouquet2:

هدية للقلب 22-07-11 01:15 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *mero* (المشاركة 2819039)
صراحة انتي بطلة وروايتك لا تقل روعة عنك شكرا لك الله يوفقك شوفي دعيت لك صباح الجمعة ايش رأيك دمتي بسعادة مع حبي .

شكرا لك كتيير انتى اللى روعة وانا فرحانة كتيير بالدعوة واتمنى ربنا يسعدك
وتكون حياتك مثل ما تتمنى شكرا لك حبيبتى :peace::0041:

هدية للقلب 22-07-11 01:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نونه الدلوعة (المشاركة 2819082)
يثلموووــآآ ع الروااية الحلوووه..

اختياااااار رآآئع..:c8T05285:

شوووووووووووووكرآآآآ..:bouquet2:

شكرا لك نونة على الكلام الحلو ده
دمتى بود:8_4_134::98yyyy:

كن فيكون 22-07-11 01:48 PM

الله يعطيك الف عافيه

هدية للقلب 22-07-11 11:40 PM

شكرا لك وربنا يسعدك:8_4_134::8_4_134::8_4_134:

سومه كاتمة الاسرار 24-07-11 03:24 AM

ياسلاااااااااااااام مفيش ارووووووووووع من كده سلمت يمناكى ياعسل
:8_4_134:

هدية للقلب 24-07-11 11:47 PM

شكرا ياقمر انتى الاروع واسعدنى مرورك
:8_4_134:

katia.q 25-07-11 05:23 AM

يسلموووووووووووا علي الرواية الجميلة
عاشت الأيادي
وشكرا لمجهودك الكبير يا قمر


هدية للقلب 25-07-11 04:49 PM

شكرا حبيبتى واتمنى تعجبك الرواية القادمة

زهرة منسية 25-07-11 10:58 PM


:55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55:
برافو عليكى هوبليس أيه الحلاوة دى بصراحة من حلو لأحلى يارب دايمن متالقة كدة على طول يا قمر

هدية للقلب 26-07-11 12:21 AM

شكرا لك نونا انتى الاحلى حبيبتى واسعدنى كلامك الحلو دة
:peace:
وكل سنة وانتى طبية

شوق المشاعر 31-07-11 05:39 PM

يعطيك العافيه على المجهود

اماريج 01-08-11 12:36 PM

اختيار موفقة فيه ياعمري
هذه الرواية من احب الروايات الى قلبي
تسلم ايديك ويعطيك العافية على مجهودك في كتابتها ياعسولة
ننتظردوما جديدك يالغلا
وشكرا لسؤالك عني ياامورة
وكل عام وانت بالف صحة وخير
رمضان كريم
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13121947461.png


هدية للقلب 02-08-11 11:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شوق المشاعر (المشاركة 2828126)
يعطيك العافيه على المجهود

شكرا لك شوق وكل سنة وانت طيب
:8_4_134:

هدية للقلب 02-08-11 11:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماريج (المشاركة 2828850)
اختيار موفقة فيه ياعمري
هذه الرواية من احب الروايات الى قلبي
تسلم ايديك ويعطيك العافية على مجهودك في كتابتها ياعسولة
ننتظردوما جديدك يالغلا
وشكرا لسؤالك عني ياامورة
وكل عام وانت بالف صحة وخير
رمضان كريم
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13121947461.png


شكرا يا قمر وانا كمان بحب الرواية دى وشكرا لزوقك ورقتك
وحمدالله على السلامة ودمتى بخير وعافية
وانتى كمان بخير وشهر رمضان كريم
:8_4_134:

الجبل الاخضر 09-08-11 09:02 AM

55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2: تسلمين :55:اختيار مرررررررررررررررررررررره جنان :Welcome Pills4:وممتاز:flowers2: وشكراعلى مجهودك:friends: وننتظر جديدك:friends:

هدية للقلب 09-08-11 08:04 PM

شكرا لك واتمنى تعجبك الرواية القادمة
ودمتى بود
:8_4_134:

نجلاء عبد الوهاب 08-11-11 12:46 AM

يعطيكى العافيه الروايه اكثر من رائعه:55::55::55::55::55::55:
:welcome3::welcome3::welcome3::welcome3::welcome3:
:075::075::075::075::075::075::075::075::075::075::075:
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:

بتولا 08-11-11 02:13 AM

الف شكر يعطيك الف عافية

ندى ندى 12-11-11 12:22 AM

روووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه

كن فيكون 14-11-11 06:29 PM

الله يعطيك الف عافيه
شكل الروايه حماس من
بدايتها

هدية للقلب 22-11-11 06:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجلاء عبد الوهاب (المشاركة 2923704)
يعطيكى العافيه الروايه اكثر من رائعه:55::55::55::55::55::55:
:welcome3::welcome3::welcome3::welcome3::welcome3:
:075::075::075::075::075::075::075::075::075::075::075:
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:

شكرا لك اسعدنى رايك وحماسك للرواية:peace:

هدية للقلب 22-11-11 07:01 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بتولا (المشاركة 2923735)
الف شكر يعطيك الف عافية

شكرا لك ودمتى بود

هدية للقلب 22-11-11 07:03 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2926110)
روووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه

شكرا لك ندى تحياتى لك

هدية للقلب 22-11-11 07:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كن فيكون (المشاركة 2928446)
الله يعطيك الف عافيه
شكل الروايه حماس من
بدايتها

شكرا لك ودمتى بود:liilas:

فجر الكون 26-11-11 08:24 PM

رواية رائعة بلتوفيق >>

هدية للقلب 11-01-12 03:05 PM

شكرا لك ودمتى بود:8_4_134:

sun shain 02-03-12 10:19 PM

الرواية روووووووووووووووووووووووووووووووعة:55::55::55::8_4_134:

مشكلتي قمر 03-03-12 01:54 PM

تسلم اناملك ياعسل

ملك محمد 23-03-12 01:29 AM

شكراااااااااااااااااااااااااااااا لمجهودك والرواية رااااااااااااااااااااااااااااااااااائعة

شمعة السماء 24-03-12 08:45 PM

لا كله ولا زعلك يا حلوة اكيد بتجنن يسلمو يا عسل بس ترقب النهاية هو اللي ملهينا ماتزعلي منا

شمعة السماء 24-03-12 08:51 PM

ميرسي عن جد يتجنن كتييييييييييييييييييييييير

منى على سيد 21-07-15 12:29 AM

رد: 103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا لك ملخصها حلوة قوى

Chaima Ais 29-01-19 11:33 PM

رد: 103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة )
 
💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖😍

nona0000 24-01-21 08:25 PM

شكرا يا قمراية

zeze meme 05-06-22 07:57 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة منسية (المشاركة 2804781)
أكيد هتعجبنى طالما أنها من أختيارك وأنا عرفه ذوقك كويس علشان أنا قريت كل رواياتك اللى نزلتيها فى أحلام وأكيد هستمتع بالرواية علشان ملخصها روعة زيك يا قمر‎
‎موفقة حبيبتى:8_4_134:

ماشاءالله موفقه

demis 04-11-22 06:28 AM

رد: 103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا على هذا المجهود الرائع وبانتظار المزيد منالمساهمات الروائية المتميزة

نجلاء عبد الوهاب 05-10-23 11:31 PM

رد: 103 - المفاجأة المذهلة - مارغريت باغيتر- عبير القديمة ( كاملة )
 
:f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63: :f63::f63::f63::f63:


الساعة الآن 08:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية