منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t163953.html)

نيو فراولة 03-07-11 11:19 AM

64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
64- حتى تمو ت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة

الملخص



حين يصادف الأنسان حلمه أمامه متجسدا في شخص طالما بحث عنه وأنتظره , هل يتركه يتجاوزه , أم يلحقه ويتثبث به كطوق النجاة , وهل يكون خائنا إن فعل؟ ميندوزا عاهد نفسه على الأنتقام من رودريغو الذي قتل والده وبقي باحثا عنه , فجأة التقى بسوزان التي كانت تبحث عن شقيقها ... هل يساعدها ميندوزا في بحثها ويتشبث بها , أم يتركها ويتابع وحده... وهل يلتقي بحلمه من جديد إذا تركها؟ لكن ما هو موقف سوزان من شروطه القاسية التي فرضها عليها في سبيل مساعدتها... تقبل أم ترفض ....تنساق لتوقعها اليه أم تطوي سرها وترحل ؟ يبقى السؤال يضج في رأسها , يحبها أم أن شروطه مجرد كونها أمرأة؟

نيو فراولة 03-07-11 11:50 AM

1-المرأة الجليدية



كان الوقت شتاء , وحين دفعت سوزان كريشتون أجرة التاكسي , كانت ندف الثلج تتساقط بكثافة , أسرعت , بعد ذلك , لتقرع جرس البيت في ألحاح , فتحت الباب أمرأة طويلة , نحيفة , ترتدي فستانا أسود وأستقبلتها مبتسمة , وقالت:
" ها قد وصلت أخيرا , كان يسأل عنك في أستمرار بينما كان الطبيب كينغستون يريد نقله الى مصح موردانت , إلا أنه يرفض الذهاب قائلا أنه يريد لقاءك أولا , أنه في حالة سيئة فعلا".
" أعرف ذلك".
أجابت سوزان وهي تضغط في مودة على يد مدبرة المنزل مدركة أن السيدة ثرستون , وهذا أسمها , ورغم مرور عشرين سنة على بدء عملها مع جدها لا تستطيع حتى الآن أن تقبل رفض السير جايلز كريشتون لأي شيء يتعارض مع رغباته.
" جئت حين أستلمت رسالتك , كيف حاله ؟ هذا شيء غير متوقع , أذ بدا أخيرا وكأنه تعافى من النوبة السابقة".
توقفت سوزان عن الكلام حين رأت أن السيدة ثرستون تهز رأسها .
" هذه النوبة أسوأ بكثير من النوبة السابقة , لهذا يريد الطبيب كينغستون نقله الى المصح حيث سيخضع للأشراف المباشر , كنت معه حين أصيب بالنوبة القلبية وظنت أنه هالك لا محالة".
" أوه تريستي! لا بد أنك مررت بوقت عصيب معه , كان يجب علي الحضور فور أنتهائي من العمل في المسرحية , أي منذ أسبوع".
قالت السيدة ثرستون وهي تساعد سوزان على خلع معطفها , وأضافت:
" قضى السيد جايلز الأسبوعين الآخرين في لندن , وحين حاولت أن أذكره بنصائح الطبيب , كاد ينفجر غضبا , منذ ذلك الحين سكت لكنني أتساءل هل في أمكانه تجنب النوبة لو ألححت عليه في اللجوء الى الراحة؟".
" لا أعتقد ذلك يا عزيزتي ثرستي , لا داع للوم نفسك".
وتنهدت سوزان وهي تضيف:
" نعرف أصرار جدي على تنفيذ رغباته , ولكن ماذا فعل في لندن؟ هل ذكر السبب؟".
" كلا , ألا أنه ظهر في شكل مختلف , ربما كان للأمر علاقة ما بالسيد مارك".
" لا أعتقد ذلك".
قالت سوزان في هدوء وأضافت:
" برغم أملي أن يحقق ذلك , والآن من الأفضل الذهاب برؤيته".
منتديات ليلاس
صعدت سوزان درجات السلم المؤدي الى غرف نوم الطابق الأول ثم سارت في أتجاه بابي غرفة النوم , وحين أصبحت على مبعدة خطوات منهما , أنفتح البابان وظهر بينهما رجل أشيب الشعر بدا متعبا وقلقا ألا أن عينيه لمعتا حين رأها , ثم ألتفت الى الغرفة التي غادرها منذ قليل.
" كيف حاله يا عم أندرو؟".
" لا أسوأ ولا أحسن".
قال الطبيب في هدوء وأضاف:
" لا بد أن وصولك سيساعده , أعطيته مهدئا وأرجو ألا تدعيه ينفعل لأي سبب سأذهب الآن لتدبير سيارة الأسعاف".
ثم توجه نحو السلم.
كانت غرفة النوم دافئة , لهيب النار في الموقد القديم يرتفع , نظرت سوزان الى جدها المستلقي في فراشه , كان شاحبا جدا , لكنها حرصت ألا تظهر قلقها وهي تخطو بأتجاه الكرسي قرب السرير , جلست منتظرة أن يفتح هينيه ويراها , غير راغبة في إيقاظه , أخيرا فتح عينيه بدتا وكأنهما فقدتا بعض بريقهما السابق , نظر السيد جايلز اليها للحظة ثم قال:
" وأخيرا أنت هنا".
حاولت سوزان تجاهل لهجته التهكمية وتذكرت ما قالته السيدة ثرستون عن ذهابه يوميا الى لندن بدون أن يحاول الأتصال بها هناك , حاولت أيضا نسيان موقفه منها منذ ولادتها , لأنه أراد أن يكون المولود الأول صبيا , وبقي شعوره هكذا حتى بعد ولادة مارك.
أنحنت وطبعت قبلة على خده وهي تقول:
" أنا الى جانبك يا جدي , هل تحتاج شيئا؟".
" كلا يا طفلتي".
بدا وكأنه يبذل جهدا كبيرا ليتحدث , أغلق عينيه مرة أخرى وبقي صامتا , كان يسترجع قواه , ثم قال :
" هل سمعت شيئا عن مارك؟".
" كلا , لا شيء أبدا".
" ليس هذا مهما , أعرف أين هو".
" هل تعرف ذلك حقا ولم تخبرني من قبل؟".
" ها أنا أخبرك يا طفلتي".
قاطعها , فهدأ غضبها وهي تتذكر نصيحة الطبيب ألا تدعه يغضب , ثم أضاف:
" أكتشفت ذلك صدفة , أذ توجب علي الذهاب الى لندن وبعد تناول الغداء في النادي , جاء لاري فورسايث , هل تذكرينه؟".
" أعتقد ذلك".
أجابت سوزان في آلية وهي ما تزال مشغولة بالخبر الذي سمعته عن مارك , ثم سألت:
" هل كان ديبلوماسيا؟".
" نعم , ولا يزال , أنه يعمل في كولومبيا منذ سنوات , وقد ألتقى مارك هناك منذ ثلاثة أسابيع".
" في كولومبيا؟".
وسألت سوزان ثم قالت:
" أنه أمر لا يصدق , هل كان متأكدا من أنه مارك نفسه؟".
" طبعا كان متأكدا , عرفه فورا , وقد تعرّف عليه مارك أيضا , وهو يتناول العشاء مع مجموعة من الأصدقاء بينهم شخص اسمه أرفاليز , وكما يتذكر لاري فان أرفاليز هو أحد المحامين المشهورين في العاصمة الكولومبية بوغوتا".
" أتذكر أن لمارك صديقا يحمل هذا الأسم , كان معه في الجامعة , لكنني لم أعرف بأنه من كولومبيا كما لم أعرف بأنه صديق مقرب من مارك".
توقفت عن الكلام مدركة أن مارك لم يكن يخبرها كل شيء عن صداقاته وعلاقاته بالآخرين.

نيو فراولة 03-07-11 02:29 PM

قطبت جبينها للحظة ثم سألت جدها .
" هل أخبرك فورسايث ما يفعله مارك هناك؟".
" كلا , لا بد أنه أفترض أنني ملم بالموضوع , هل تعتقدين بأنني مستعد لنقاش قضايانا الخاصة مع الآخرين؟".
ألتمعت عينا السيد جايلز مما دفع سوزان الى الأجابة بسرعة:
" كلا , كلا , كان سؤالا سخيفا , هل تحدّث اليه مارك في أي موضوع؟".
" كلا , لذلك سألتك أذا سمعت شيئا منه , ظننت أنه بعد أدراكه لمعرفتنا بمكانه , قد يكتب اليك".
سكت الجد ليستعيد أنفاسه , سوزان شاركته السكوت مستعيدة في الوقت نفسه بعض أحداث الماضي.
في الماضي أعترض الجد بعنف على أختيارها التمثيل , لم يستطع تقبل فكرة أختيار حفيدته التمثيل كمهنة ولكنه لم يكن جديا في أعتراضه , أذ فكر أن لا ضرر في أمتهانها التمثيل لحين عثورها على زوج ملائم , أما بالنسبة الى مارك , فقد كان الوضع مختلفا حيث خطط الجد لمستقبل مارك بدون الأخذ في الأعتبار شغف مارك بدراسة الجيولوجيا ومن ثم رغبته في مواصلة دراسته الجامعية , أعتقد الجد أن دراسة الجيولوجيا لم تكن غير رغبة صبيانية وأن مارك سيتخلى عن الفكرة , ألا أن مارك أثبت عكس ذلك وتخرج ليبحث عن عمل له كجيولوجي.
وهكذا بدأت المعركة الحقيقية بين الأثنين وشهدت سوزان ذروة الخصام حين جاءت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة ولم تستطع التدخل بين الأثنين وكانا على وشك تمزيق أحدهما للآخر.
حدثت المواجهة بينهما مساء يوم أحد أثناء تناولهم وجبة العشاء , نظرت سوزان اليهما وفكرت أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنهما يتشابهان , حيث أن كلا منهما يعتقد أنه المحق دائما وأن لا وجود لأي وجهة نظر أخرى , جلست سوزان بينهما مقاومة رغبة ملحة في وضع يديها على أذنيها لتصمهما عن سماع الأتهامات المتبادلة , بلا توقف , بين الأثنين.
" ستكون مسؤولا , هل تسمعني ؟ ما الذي تتوقعه غير منصب بائس في جامعة تتسول الصدقات قاضيا عطلاتك كدليل لعجائز في رحلات تجمع فيها الأحجار , هل هذا المستقبل الملائم لشخص ينتمي الى عائلة كريشتون؟".
" أنت تثير فيّ التقزز , أنت وأفقك الضيق وعدم أقرارك لما يفعله الآخرون , هل تعرف ما هو الراتب الذي يتقضاه جيولوجي من الدرجة الأولى يعمل في أحدى شركات النفط؟".
" هل تظن أنك جيولوجي من الدرجة الأولى؟".
ضحك السير جايلز بسخرية وأضاف:
" يتطلب الأمر سنوات لتصبح كذلك وأظن أنك ستعود الى هنا بعد عام لتستجدي مصروفك اليومي , حينئذ ستسمع أي جواب ستتلقى".
شحب مارك لدى سماعه هذه الكلمات ثم حدّق في وجه جده وقال في صوت واضح:
" أذا ما عدت في يوم ما , فسأكون غنيا , سأملك من المال ما يكفي لجعلك تبتلع كل كلمة قلتها الآن . لن أعود ما لم أحقق ذلك".
ترك مارك الغرفة وتبعته سوزان طالبة منه العودة لكنه نظر اليها وكأنه لا يستطيع رؤيتها , قالت له أخيرا:
" مارك , أنه رجل عجوز , يجب عليك معاملته بطريقة أخرى , لا تتركه أرجوك".
" هل يبيح له التقدم في العمر الحق في أن يدوس على رغبات الآخرين؟ منذ وفاة الوالد والوالدة ونحن نعاني من تعسفه , أعتقد أنني نلت الكفاية حتى الآن ولا أرغب في مواصلة ذلك طوال حياتي , يعتقد أن المال غير موجود في أي مدينة عدا لندن , سأحاول جهدي أن أثبت عكس ذلك".
ثم قال لها:
" سأعود ذات يوم يا سوزان , فلا تقلقي".
بعد أسبوع , عانى الجد من نوبته القلبية الأولى , كتبت سوزان الى مارك تخبره بما حدث , ثم حاولت الأتصال به لكنها لم تستطع العثور عليه في أي مكان , فقد أخلى شقته وأختفى , أتصلت بأصدقائه ولم ييجبها أحد بشكل واضح , منذ ذلك الوقت والأسرة في أنتظار سماع أي شيء عن مارك , وها هو جدّها , بعد ستة أشهر من أختفاء مارك , يخبرها أنه موجود في كولومبيا.
نظرت مرة أخرى الى وجه جدها , وذعرت للجفاف الذي كساه , كم يبدو متعبا ومريضا.... هل صحيح أنه في طريقه الى النهاية؟ لم يقترح العم أندرو من قبل , نقله الى المصح , لا بد أن حالته خطيرة في هذه المرة , لجأت الى الصمت وأنتظرت.

نيو فراولة 03-07-11 03:48 PM


قال الجد فجأة :
" كنت على وشك الذهاب لأعادته , أعددت كل شيء للسفر , ستجدين كل شيء في درج مكتبي تذكرة السفر وحجز غرفة خاصة في فندق بوغوتا , خططت للذهاب الأسبوع المقبل الآن عليك الذهاب بدلا مني ".
للحظات ظنت سوزان أنها لم تسمع جيدا ما قاله , لكنه كرر ما قاله وأضاف:
" نعم عليك الذهاب يا سوزان , أنها الطريقة الوحيدة لأعادة مارك اليّ قبل فوات الأوان".
كانت سوزان تخبر الطبيب كينغستون بكل ما جرى لها في لقائها مع جدها المريض.
قال كينغستون بغضب:
" هذا أسخف شيء سمعته في حياتي , أنك لا تعنين ما تقولين فعلا؟".
أجابت سوزان بصوت متعب:
" هل لديّ خيار آخر ؟ أخبرتني كم هو مريض وأنه معرض للأصابة بنوبة أخرى في أي لحظة..... أنه يريد رؤية مارك قبل أن يموت وسأحاول تحقيق رغبته , ثم أن مارك وريثه ومن حقه رؤيته".
هز الطبيب كينغستون رأسه في يأس , كانا في مكتبه الخاص في مصح موردانت حيث نقل الجد منذ نصف ساعة فقط.
رافقت سوزان جدها الى غرفته لتتمنى له ليلة سعيدة , لكنه كان تحت تأثير المهدىء , لم يتعرف عليها , كل ما قاله كان :
" يا طفلتي العزيزة".
ثم صمت.
قالت سوزان:
" كل شيء مهيأ , حتى أنني حصلت على موعد , غدا , لأجراء التلقيحات المطلوبة , جوازي معد أيضا ولا أحتاج الى أية تأشيرة سفر لأنني لا أتوقع البقاء أكثر من ثلاثة أشهر".
قطب الطبيب كينغستون وقال:
" عزيزتي , أنه أسوأ شيء يمكن أن يحدث لفتاة جميلة مثلك , ما الذي كان جايلز يفكر فيه حين قرر أرسالك وحدك الى أميركا الجنوبية؟".
قالت في هدوء:
" كان يفكر في أعادة مارك".
منتديات ليلاس
ساد بينهما الصمت وأنشغل كل منهما بأفكاره الخاصة , تذكر كينغستون المقالة التي كتبها في أحدى صحف الأحد عن سوزان وكيف أن الكاتب وصفها بأنها فتاة المسرح الجليدية , ولعل الكاتب نسي أن ينظر الى عينيها وأن يحدس أية مشاعر يمكن يخفيها هذا الوجه المحاط بشعر أشقر وطويل.
قال كينغستون موجها سؤاله اليها:
" ولكن ماذا عن عملك ؟ المسرحية التي تمثلين فيها والبرنامج التلفزيوني؟".
ابتسمت سوزان وهي تجيب :
" انتهت المسرحية كما أنني أنهيت البرنامج التلفزيوني , قدم الي وكيلي الفني بعض العروض ألا أنها ليست مهمة جدا , أطمئن من الناحية العملية ليس هناك ما يؤخر ذهابي الى كولومبيا , كما أنني أفكر بعطلة أرتاح فيها من الشتاء الأنكليزي".
" أطمئني من هذه الناحية , فالجو هناك مختلف تماما".
" لن أتراجع عن وعدي الذي قطعته لجدي , خاصة أنك حذرتني من مخاطر تعريضه للغضب , أعتقد أنه الوقت الملائم لكليهما لأنهاء هذا الخصام السخيف بينهما , أنا متأكدة بأن مارك سيعود معي حالما يعرف خطورة حالة جدي".
سأل كينغستون :
" ولكن هل يتوجب عليك الذهاب بنفسك؟ أليس في مستطاع فورسايث القيام بذلك؟".
تنهدت سوزان وقالت:
" ألا ترى أن جدي يرفض تدخل أي شخص غريب في شؤوننا العائلية الخاصة , أنك الوحيد المطّلع على ما يجري بين أفراد العائلة , وكل شيء مهيأ لسفري , كل ما عليّ عمله هو معرفة مكان عائلة أرفاليز , ثم أقناع مارك بالعودة , هذا أذا أراد رؤية الجد حيا , أعتقد أن بقائي في العاصمة سيكون قصيرا".
أومأ الطبيب كينغستون برأسه بينما واصل تحريك قلمه في هدوء , ثم قال:
" يا طفلتي العزيزة , ما الذي تحاولين أثباته؟".
رأى تغير لونها وسمعها تقول:
" ليس من العدل أن تقول ذلك".
" أنها الحقيقة يا سوزان , أجيبيني".
منتديات ليلاس
نهضت سوزان عن كرسيها وسارت في أتجاه النافذة لتحدق في الظلام , قالت:
" هل تعرف أن الثلج لم يتوقف عن السقوط".
ثم أضافت بنبرة مختلفة:
" ألا تدرك كم هو مهم بالنسبة اليّ ؟ أنها المرة الأولى التي يطلب فيها مني تنفيذ شيء له , كان هو الشخص الواهب دائما ولم يتوقع , مقابل ذلك , أي شيء مني لأنني ببساطة , فتاة".
" لكنه فخور بك , وها أنت تثبتين أهميتك على المسرح , لا بد أن ذلك أمر يفرحه".
" أعتقد جدي دائما أن للمرأة مكانا واحدا هو البيت وليس المسرح , وأن مهمتنا الأساسية هي الزواج وأنجاب الأطفال , ومن الأفضل أن يكونوا ذكورا".
" سوزان , ما تقولينه مجرد هراء".
" كلا , أنها الحقيقة, وكلانا يعرفها , لقد غفر منذ فترة طويلة لأنني أمرأة , ألا أنه لم ينس ذلك , والفرصة الوحيدة هي المتاحة الآن لأرد له بعض فضله عليّ , أنني في حاجة اليه , والى أمتنانه , وهذا ما لن أحصل عليه أذا لم أساعده في أعادة مارك , وأنا بحاجة الى مساعدتك لأعطائي حقن التلقيح الضرورية بدلا من الطبيب الآخر , تعرف كم أخاف من حقني بالأبر".
لم يبق أمام الطبيب كينغستون غير القبول بالأمر.
" أذا كان هذا قرارك الأخير , لم يبق أمامي سوى تنفيذ ما تطلبين".

نيو فراولة 03-07-11 06:24 PM



أراحت سوزان رأسها المتعب على زجاج نافذة التاكسي وحدقت في المطر المتساقط بغزارة وتمنت لو أنها بقيت فترة أطول في الفندق لتأخذ قسطا أوفر من الراحة , لكن لم تبق غير فترة قصيرة سجلت فيها أسمها , تركت حقائبها في الغرفة ثم طلبت من كاتب الأستقبال عنوان السنيور أرفاليز , ولدهشتها تم تنفيذ كل ذلك في دقائق , حيث أعطى الكاتب العنوان الى أحد السائقين وطلب منه أيصال السيدة , لاحظت سوزان بيوت ضواحي بوغوتا الضخمة وأحست برعشة برد تسري في جسمها برغم أرتدائها بدلة من الصوف الناعم ذات لون يناسب بشرتها , لا بد أن لأختلاف مناخ بوغوتا عن مناخات بقية مدن أميركا اللاتينية علاقة بأرتفاع المدينة ثمانية آلاف قدم عن مستوى سطح البحر , تذكرت كيف مرّ الأسبوع السابق لسفرها في سرعة , قضت معظم الوقت في زيارة جدها وأعداد حقائبها , وهكذا لم تجد فرصة ساعة للقراءة عن بوغوتا وأحوال العيش فيها.
وكما توقعت , فحالما أستعاد جدها وعيه في اليوم التالي وعلم أن صحته أفضل , طلب منها الغاء السفر لأنه يود القيام به بنفسه فيما بعد , ولم يتراجع عن قراره ألا بعد أن أخبره الطبيب كينغستون أن شفاءه يتطلب أشهرا عدة , وحتى بعد سماعه ذلك , بقي متحفظا لفكرة سفر سوزان , وحذّرها قائلا:
" أن المجتمع في كولومبيا محافظ حيث للمرأة مهمة تعرفها وتحافظ عليها".
" ألم أفعل الشيء ذاته دائما".
تساءلت سوزان في لهجة متهكمة:
" أنك فتاة طيبة , إلا أنك جميلة جدا أيضا , وأنت مقدمة على الأختلاط بمجتمع رجال مختلفون , هل فكرت في ذلك جيدا؟".
أجابت سوزان:
" أعتقدت دائما أنهم يهتمون بالذهب أكثر من الأنتصارات العاطفية , ثم أنني قادرة على الأهتمام بنفسي خاصة وأنني أعمل في المسرح , ويطلقون عليّ لقب (افتاة الجيليدية)".
" هراء , أليس لكاتب المقالة علاقة بك ؟ ما الذي حدث , هل تخاصمتما؟".
سكتت سوزان للحظة , لم يكن في مستطاعها أخبار جدها العزيز الحقيقة , حقيقة أن لي , كاتب المقالة , وبعد أن أكتشف فشله في أغوائها , أطلق عليها ذلك اللقب , تذكرت كم كانت فخورة بصداقته وخاصة أنه كان من نقاد المسرح اللامعين , ثم كيف تطورت علاقتهما الى حد أصبحت معه ضرورة يومية وكيف أنه قبل بشروطها بعد أن أدرك أنها لن توافق على كل ما يريده منها ما لم يوهمها بحبه وتعلقه بها , وقد صدّقت اللعبة ودعته لزيارة جدها , صحيح أن جدها تصرف بطريقة مهذبة وأبدى أهتمامه به , غير أنه لم يستطع أخفاء مشاعره الحقيقية وعدم موافقته على علاقتها به, علّلت سوزان نفسها بأنهما في حاجة الى وقت أطول ليفهم كل منهما الآخر خاصة وأنهما ينتميان الى جيلين مختلفين تماما , ثم حدثت الصدمة الكبرى حين دعاها لزيارة عائلته وفرحت هي لذلك , ألا أنه قضى نصف النهار يسوق السيارة في طريق مجهولة وأخيرا وصلا الى كوخ ريفي ناء لا يسكنه أحد , وحين واجهته بأتهاماتها , أعتذر وبرر الخطأ بسوء التوقيت , ألا أنها ومنذ تلك اللحظة فقدت ثقتها به ولم تعد تفكر فيه كأنسان محترم , ظهرت مقالة ( الفتاة الجليدية ) بعد أسبوعين من تلك الحادثة , صحيح أنه حاول جهده بجعل المقالة موضوعية , غير أنه أستخدمها بذكاء في مهاجمتها وأتهامها بالسذاجة والضحالة.
" نعم , لقد تخاصمنا".
" حسنا , لا أعتقد أنه خسارة كبيرة , لسبب ما لم أستطع تقبل وجوده".
أومأت برأسها في صمت وشعور بالعزلة يجتاحها.
تظاهرت في الأسابيع التالية أنها تفضل البقاء وحيدة وأقنعت نفسها بموقفها من لي مفضّلة الأعتزال على أن ترضخ لمطالبه التي لم تستسغها , ولجأت في وحدتها الى الجد ومارك , ولكن ما حدث بعد ذلك بين مارك والجد أدى الى زيادة عزلتها.
حاولت سوزان التخلص من هذا الماضي كله من خلال نظرة متفحصة على مسار السيارة , بدا وكأن الأسلوب المعماري في شوارع المدينة خليط من ناطحات السحاب وأبنية تشير الى الطراز الأسباني القديم , أضافة الى أقواس وأعمدة الكنائس , قررت بأنه مكان مثير للأهتمام ومن المؤسف أنها لن تستطع البقاء فترة أطول وأملت في المكوث فترة ما , بعد العثور على مارك وأقناعه بالعودة الى بريطانيا.
بدأت المشاهد تتغير كلما ابتعدت السيارة عن المناطق التجارية في أتجاه الأحياء السكنية , لم يكن هناك ما يدل على الفقر بل العكس فأن البيوت وحدائقها الجميلة عكست هدوء ورخاء المنطقة , وأيقنت أن عائلة أرفاليز تنتمي الى هذا العالم الغني , حين توقفت السيارة أمام أحد البيوت.
طلبت من السائق أنتظارها وتقدمت لترق الباب , كان البيت جميلا له سقف منخفض تحيط به النباتات المتسلقة وأزدهرت الورود على جانبي الممر المؤدي الى الباب الأمامي , تمنت لو أن مارك موجود هنا كي تستطيع العودة معه حالا ما دام التاكسي في الأنتظار.

أموووله 03-07-11 07:10 PM

رووووووووووووووووووووووووووووووووعه القصه اتمنى تكملينها يعطيك الف عافيه

فتاة 86 03-07-11 07:44 PM

مسا الخير عليكي نيو فراولة
يعطيكي العافية على جميع الرايات المميزة يلي أتحفتينا فيا
بس حابة أعرف ليش رواية المنبوذة كتب علية موضوع مغلق
يا ريت تردي علي لأنو كثير حبيت الرواية
نشالله يكون عطل تقني

:8_4_134:

نائلية 03-07-11 10:12 PM

سلمت ايدك ننتظر تكملة

نيو فراولة 03-07-11 10:46 PM

فتحت الباب أمرأة ضخمة ترتدي فستانا أسود مغطى بصدرية بيضاء , نظرت الى سوزان في أرتيب , تذكرت ما قرأته في كتاب ( تعلم اللغة الأسبانية ) وسألتها عما أذا كان في أمكانها التحدث الى السنيور أرفاليز.
صمتت للحظة حين رأت الأستغراب المرتسم على وجه المرأة لكنها فتحت الباب لها لتدخل , ثم قادتها عبر صالة كبيرة الى غرفة الأستقبال حيث طلبت منها الأنتظار.
كانت الغرفة مؤثثة في شكل فاخر ومريح , ألا أنها شعرت بالقلق ولم ترغب بالجلوس بل بقيت واقفة في أنتظار رؤية السنيور , أضافة الى ذلك فأنها شعرت بصداعها يزداد سوءا.
( أنني حمقاء ) قالت لنفسها , كان علي البقاء فترة أطول في الفندق لأتناول شيئا من الطعام ولأتناول قسطا من الراحة , لكن فكرة تناول أي طعام , برغم جوعها , لم تبد مستساغة لها وشعرت بأمتنان غريب حين أنفتح الباب أخيرا.
دخلت الغرفة أمرأة قصيرة القامة , تبعتها شابة تشبهها الى حد أنهما بدتا لسوزان أما وأبنتها , رغم أختلاف الملابس , حيث أختارت الشابة ملابس ثمينة وبسيطة بينما فضلت الأم أظهار غناها بأرتدائها فستانا أسود زاد من بريق العقد الماسي والخواتم التي أرتدتها , تقدمت الفتاة خطوة الى الأمام لتقول في لغة أنكليزية متعثرة:
" والدي غير موجود في البيت الآن لذلك ترجو والدتي أن تكون قادرة على مساعدتك , أنها لا تعرف اللغة الأنكليزية , والآن كيف نستطيع مستعدتك يا سنيورا؟".
" أسمي سوزان كريشتون , كنت آمل العثور على أخي هنا أو ربما تساعدونني في العثور عليه".
توقفت سوزان لتعطي الفتاة فرصة ترجمة ما ذكرته للسبيورا , ثم تقدمت سنيورا أرفاليز نحوها ورجبت بها , لم تفهم سوزان كلمة واحدة مما قالته السنيورا ألا أنها أدركت ترحيبها بوجودها بينهم , وأبتسمت أستجابة لذلك.
تقدمت الفتاة وقالت:
" أنت أذن أخت ماركوز , أنا أيزابيل , ربما ذكر اسمي أمامك من قبل".
" لم ي1كر مارك أي شيء لأنني لم أسمع عنه منذ أشهر , لذلك جئت للبحث عنه لأن جدنا مريض جدا ويود رؤيته".
بدت أيزابيل في حيرة:
" ولكنه ليس هنا , لقد غادرنا منذ ثلاثة أسابيع ليعود الى بريطانيا , ألم يعد بعد؟".
شعرت سوزان بالحزن ينتابها , أذن سفرتها كانت عبثا , ربما عاد مارك فعلا الى بريطانيا في الوقت الذي جاءت فيه الى هنا , ربما عاد لرؤية الجد وهو معه الآن.
" تبدين شاحبة يا سنيوريتا".
ألحّت أيزابيل , وطلبت منها الجلوس , سرت سوزان للدعوة لأنها أحست بأن ساقيها تخذلانها , سألت سوزان:
" لكنه كان معكم!".
" نعم , جاء مع ميغيل لأنه يحب دعوة أصدقائه الى البيت".
" ربما كان ميغيل على معرفة بمكان مارك , هل أستطيع التحدث اليه؟".
" أنه ليس هنا , ذهب الى كارتاغينا للبقاء مع عائلة خطيبته".
تدخلت الأم في حديثهما طالبة من أيزابيل توضيح الموضوع لها , وأثناء قيام أيزابيل بالترجمة , بقيت سوزان صامتة تفكر بما ستفعله فيما بعد.
أفترضت سوزان أن عليها الأتصال بالمصح لتسأل عن صحة جدها وعن وصول مارك , ربما كانت هناك طريقة تستعلم من خلالها أذا كان مارك قد ترك البلاد فعلا , عليها أن تلتقي بارفاليز لتسأله عن أي أقتراح آخر.
رفعت رأسها فأذا بها تشعر بدوار غريب مما دفع الأم للسؤال عما بها وهرعت أيزابيل الى جانبها.
" ماذا جرى ؟".
" أعتقد أنني سأتقيأ".
كانت الساعات التالية كابوسا متواصلا عاشته سوزان , تذكرت كيف نقلت الى غرفة النوم في الطابق العلوي , ثم ساعدتها فتاة أسمها دولوريس على خلع ملابسها ووضعت أناء كبيرا قربها , واصلت سوزان التقيؤ فيه بينما أعدت دولوريس كمادات باردة وضعتها على جبينها.
أرادت سوزان التعبير عن أمتنانها لدولوريس لكنها أيقنت عبث المحاولة , فكلما حاولت رفع رأسها عن الوسادة أنتابتها الحالة نفسها من جديد , الى أن أستسلمت أخيرا لنوم عميق.
حين فتحت سوزان عينيها أخيرا كان الظلام سائدا , تحركت في فراشها بهدوء خوفا من أن تتقيأ , ألا أنها شعرت بتحسن كبير حالما جلست فتحت أيزابيل الباب:
" أستيقظت؟ هل تشعرين بالتحسن وهل تريدين التحدث الى والدي؟".
أومأت سوزان رأسها بالموافقة وقالت :
" آسفة لأنني سببت لكم كل هذه المتاعب".
" لم تسببي أية متاعب لنا , أنه الأرتفاع عن مستوى سطح البحر , غالبا ما يعاني السواح من الظاهرة نفسها ألا أنهم يعتادون الجو بسرعة".
جلبت أيزابيل شالا واسعا ووضعته في عناية على كتفي سوزان وعادت لتفتح الباب لوالدها.
كان السنيور أرفاليز متوسط القامة , له وجه ذكي ومرح , حيّا سوزان ثم جلس على كرسي مجاور لسريرها , ألا أن ما أثار دهشة سوزان هو بقاء أيزابيل في الغرفة برغم عدم ضرورة ذلك .

زهرة منسية 04-07-11 12:12 AM

[COLOR="rgb(153, 50, 204)"]مرحبا فراولاة الرواية من الملخص باين أنها حلوه كتير بس وين باقى المنبوذة يا ريت بعد ما تكملى حتى تموت الشفاه تكملى المنبوذة ويعطيكى الف عافيه[/COLOR]

نيو فراولة 04-07-11 11:52 AM

بعد تبادل كلمات الترحيب العادية , أنتقل أرفاليز الى الموضوع الأساسي مباشرة:
" آسف لأننا لا نستطيع أخبارك شيئا جديدا عن أخيك , كل ما نعرفه هو أنه توجه عائدا الى بريطانيا".
ثم نظر الى سوزان في عطف وقال:
" صدقيني , أتمنى لو أستطعت مساعدتك , ألا أن مارك بقي هنا فترة قصيرة ثم غادرنا , زيارته كانت أقصر مما توقعنا وتمنينا , لأنه علم بذهاب ميغيل الى كارتاغينا".
" ألم يخبر مارك أحدا عن رغبته البقاء في كولومبيا؟".
" كلا , أثناء بقائه معنا , زار مع ميغيل أماكن عدة , أعتقد أنه شاهد ما يكفي في كولومبيا".
فكرت سوزان بضرورة العودة الى بريطانيا والأعتراف بفشلها ولكن ما الذي سيحدث لجدها؟ لا بد أن تفي بالوعد الذي قطعته على نفسها.
" ما رأيك في البقاء معنا لأيام يا سينيوريتا؟ نحن على أستعداد للترحيب بأخت ماركوز في بيتنا".
" ولكنني لا أستطيع البقاء فترة أطول , يكفي ما سببته من متاعب حتى الآن".
ثم تذكرت التاكسي الذي ينتظرها في الخارج , ضحك أرفاليز وأخبرها أنه دفع الأجرة كما أنه أتصل بالفندق ليطمئنهم.
منتديات ليلاس
حين أبتسمت سوزان لما ذكره عن قلق أصحاب الفنادق , قال أرفاليز :
" ألا تصدقين ذلك ؟ تذكري أنك في كولومبيا وليس في بريطانيا , في تاريخنا أحداث دموية وبعض الأحداث جرت مؤخرا , أعتقد أنه من الأفضل لك البقاء معنا وفي صحبة زوجتي وابنتي الى أن توصل الى معلومات أكثر عن ماركوز".
كانت لهجته حاسمة , فكرت سوزان أنها اللهجة ذاتها التي يستخدمها عادة أذا ما أسدى نصيحة غير مرغوبة الى أحد المتاجرين معه.
" حسم الأمر أذن".
نهض أرفاليز عن كرسيه , ثم قال :
" أستريحي يا سينيوريتا , وسنقوم بالترتيبات اللازمة , أما الآن فأن دولوريس ستجلب لك بعض الحساء".
حيّاها ثم غادر الغرفة تتبعه أيزابيل وقد أرتسم على وجهها يدل على تفكير وأنشغال.
كان الحساء لذيذا , أستغربت سوزان لشهيتها برغم مرور وقت قصير على تخلصها من آلام التقيؤ ,وحين سمعت أحدهم يطرق الباب , ظنت أنها دولوريس قادمة لتأخذ صينية الطعام , لكنها دهشت لرؤية أيزابيل بديلا منها.
أبدت أيزابيل أعجابها للسرعة التي أستعادت فيها سوزان صحتها , ثم جلست على الكرسي المجاور في وضع يدل على توترها وقلقها.
" هل كل شيء على ما يرام".
سألت سوزان مقاطعة تعداد أيزابيل للمتاحف والأماكن الممكنة زيارتها أثناء وجودها ي بوغوتا.
تساقطت دموع أيزابيل فجأة وهي تجيب:
" كلا , لا أدري ماذا أريد أن أقول".
" أخبريني أرجوك , وأعد بأنني لن أخبر أحدا ما ستقولين , هل تعرفين أين ذهب أخي؟".
" ربما , هذا كل ما أستطيع قوله , أنا على وشك أخبارك بشيء مخجل , أنني أحب أخي كثيرا لكنه أناني ولا يرغب في صحبتي , خاصة أذا جاء الى البيت مع أحد أصدقائه فأنه يأخذه مباشرة الى غرفته بعيدا عن الجميع , ولكنني لوجود باب يفصل بين غرفته وغرفتي , أستطيع سماع محادثاتهم وتعليقاتهم".
أحمر وجه أيزابيل بعد هذا الأعتراف ثم أكملت حديثها:
" أنني أشعر بالخجل لذلك الآن , لكنني أعتدت الضحك على ذلك من قبل لأعتقادي بأنني أشارك أخي مع أصدقائه أسرارهم".
" سمعت أذن حديثا خاصا بين بمارك وميغيل , أليس كذلك؟".
" نعم , وأدركت أن والدي سيغضب أذا علم بذلك حيث تحدث ميغيل عن أشياء محرمة".
" أشياء محرمة؟".
" الزمرد! حيث أن مناجم الزمرد في كولومبيا هي من أشهر المناجم في العالم وهي مصدر الثروة الوطنية للبلد , ولكن الأمر يتحول الى خسارة كبيرة أذا تم تهريب الزمرد خارج البلد , هل تفهمين ما أعني؟".
" تهريب؟ هل تعنين أن مارك وميغيل كانا يتحدثان عن تهريب الزمرد الى الخارج؟".
" نعم , وفهمت من حديث ميغيل أنه غالبا يقوم بذلك , أذا عرف والدي بالأمر فأنه سيغضب كثيرا لأن القانون بالنسبة الى والدي هو كل شيء وسيعتقد أن ميغيل بسلوكه هذا أساء الى كرامة العائلة".
" هل تعنين أن ميغيل أقترح على مارك العمل كمهرب؟".
" كلا , بدا وكأنه يحذره حيث أن عددا من الأشخاص مات بسبب الزمرد أنه عمل خطير , وأخبره بأنه يظن أن سلوكه جنوني ولكن ماركوز أجابه قائلا:( لن تظنني مجنونا أذا عدت ومعي لهيب ديابلو)".
سألت سوزان :
" ما هو لهيب ديابلو".
" أنها أسطورة سمعتها حين كنت طفلة , يقال أن في مكان ما في التلال الشمالية يوجد منجم يحوي من الزمرد ما يساوي الملايين , ويقال أيضا أن أي أنسان لم يعثر على هذا المنجم منذ أيام الدواردو , أي منذ عهد الأنسان الذهبي أثناء أعتاد تزيين نفسه بزمرد ديابلو".
" ديابلو , أذن , أسم مكان ما؟".
" نعم , وسمي كذلك لأنه مكان الشيطان , الكثيرون يبحثون عن منجم ديابلو والشعلة الخضراء المحترقة ألا أنهم لا يعودون , يقول والدي أن السبب بسيط فهو مكان خطر حيث الأرض زلقة والأنهار ذات تيارات خطيرة وهناك أسماك صغيرة بالملايين تستطيع ألتهام حصان وراكبه قبل أن يلفظ الراكب كلمة أخيرة , كما أن هناك نمورا قاتلة وثعابين كثيرة , أضافة الى كل هذا , هناك رجال أشرار , قد يكون كل هذا صحيحا ولكن التفسير الآخر للأسطورة هو حراسة المنجم من قبل رموز غامضة".
منتديات ليلاس
ورغم كل ما حاولت سوزان التظاهر به من رباطة جأش , فأن رعشة خوف سرت في جسمها كله , كان من السهل القول أن ما ذكرته أيزابيل مجرد هراء لو أنها سمعت ذلك في بريطانيا , ولكن , في هذه المنطقة النائية وحيث الكل يعتقد بالأساطير لم يكن سهلا عليها تجاهل خطورة ما أقدم عليه شقيقها.
سألت سوزان:
" وأنت تعتقدين أن مارك ذهب الى ذلك المكان المخيف؟".
" في البداية ظننت أنه أهمل الفكرة لأن أخي نصحه كثيرا , أما لدى سماعي ما قلت عن عدم عودته الى بريطانيا , فأظن بأنه نفذ ما تحدث عنه , كما أعتقد بأنه أخبر ميغيل عن عودته الى بريطانيا ليريحه وكي لا يدفعه للشعور بالندم لأنه أخبره بالأسطورة , أعتقد أنه لم يتبادر الى ذهن ميغيل أن مارك سيصدقها".
" مارك جيولوجي ولا بد أنه يعتقد , أذا كان المنجم موجودا , فمن المحتمل أن يعثر عليه".
ثم خاطبت نفسها قائلة:
" هذا أذا لم يمت قبل ذلك , غرقا أو قتلا أو سقوطا من حافة جبل , ألم تقرأي في مكان ما عن وجود عصابات تهاجم المارة في الطريق المهجورة؟".
" ما الذي ستفعلينه سنيوريتا؟".
" لا أدري".
قالت سوزان في عجز ثم أضافت:
" أنه ليس لدينا ما يثبت ذهاب مارك أو الجهة التي توجه اليها برغم أحتمال ذهابه الى المنجم".
صمتت سوزان لحظة لتتذكر كلماته التي وجّهها الى الجد:
" أذا عدت ذات يوم فأنني سأكون غنيا وسيكون لدي من النقود ما يكفي لجعلك تبتلع كل كلمة تلفظت بها , لن أعود ما لم أحصل على ذلك؟".
لا بد أن مارك ومن خلال ميغيل عرف بوجود منجم الزمرد الذي سيحقق أمانيه , ومن خلاله أيضا عرف كيفية تهريب الزمرد أذا عثر عليه , أنها تعرف عناد مارك وتعرف أيضا أن ذلك صفة متوارثة في العائلة.
أبتسمت سوزان لتطمئن أيزابيل , ثم قالت:
" علي أن أعود الآن الى بريطانيا , أذ لا فائدة من بقائي , وفي أي حال , ربما عاد مارك الى هناك وما نتحدث عنه الآن هو مجرد وهم , كما أنني سأبلغ السلطات المحلية عن أختفاء مارك كي تبحث عنه , عدا هذا , لا أعتقد أن في أمكاني القيام بأي شيء آخر".
وافقتها أيزابيل ولكن سوزان كادت أن تضعف وتخبرها بحقيقة نيّتها في التوجه بنفسها , صباح اليوم التالي الى ديابلو , لكنها تحكمت في مشاعرها خاصة وهي تعلم مقدار خوف أيزابيل من والدها , الأمر الذي يدفعها للبوح بما ستقدم عليه.
أقنعت سوزان نفسها أن ما تفعله هو الشيء الصحيح , وذلك لتجنب عائلة أرفاليز القلق عليها وعلى أخيها , لكنها كانت مقتنعة في أعماقها أن هذا ليس الحقيقة كلها وأنها هي الأخرى تحمل عناد العائلة المتوارث بين عواطفها.
أنا ذاهبة الى ديابلو , أسرّت لنفسها , حتى لو تطلّب الأمر مواجهة الشيطان نفسه.

نيو فراولة 04-07-11 01:37 PM

2- يتحرك في الظلام



أستدار الباص بسرعة كادت أن تدفع سوزان عن مقعدها , ألا أنها سيطرت على نفسها , وكبحت رغبتها في الصراخ , لاحظت أن الركاب معتادون على منعطفات الطريق , حيث واصلت أمرأة هندية تغذية طفلها بدون أن تتأثر بما جرى , نظرت سوزان الى تمثال العذراء الصغير والمثبت أمام السائق , كما لاحظت أن الركاب والسائق يرسمون أشارة الصليب على صدورهم كلما أنحرف الباص أو كلما أقتربوا من منحدر خطير وشعرت بالتعاطف معهم , ألا أنها لم تستطع منع نفسها من التمني أن يحاول السائق السيطرة على المقود بيديه الأثنتين.
أدركت الآن لماذا حدّق كاتب الفندق , برعب , في وجهها حين سألته عن الباص , وكيف نصحها بأستئجار سيارة بدلا من ذلك , ألا أنها لم تستمع لنصيحته مفضلة أستخدام وسيلة عامة للنقل وحريصة في الوقت نفسه على عدم تبذير نقودها , أرادت في البداية أستئجار سيارة لتقودها بنفسها ألا أن مشاهدتها لسلوك سائقي السيارات جعلها تدرك صواب أختيارها الأخير.
كانت النافذة المجاورة لمقعدها مغطاة بالغبار ألا أنها لم تتضايق بل شعرت بالأرتياح لأن ذلك منعها من مشاهدة بعض الوديان العميقة والمثيرة للخوف , أضافة الى الأفاعي المنتشرة في الطرق.
أي رحلة هذه؟ أنها جنون مطلق , ما الذي تفعله هنا , في باص يقوده سائق نصف مجنون ,ويحتل مقاعده ركاب يحملون أعدادا من الدجاج والعنزات ؟ تذكرت نظرات الرعب في عيني كاتب أستقبال الفندق حين طلبت منه أن يدلها الى الباص المسافر الى ديابلو , وأكثر الطرق سهولة , حاول جهده أن يثنيها عن عزمها محاولا أقناعها بأن تلك المنطقة لا تصلح لزيارة السيدات , ثم حاول أقناعها بأستئجار سيارة خاصة حيث ستكون على الأقل , تحت حماية سائق السيارة , ألا أن الملاحظة الأخيرة وما فيها من أشارة الى ضعف المرأة جعلها ترفض الأقتراح .
" في أستطاعتي الأهتمام بنفسي , شكرا سنيور".
أجابت سوزان بوضوح وبرود.
كانت لحظة سادها التوتر ألا أنه أقتنع بأنها مجنونة , ورأت ذلك الأقتناع مرتسما على وجهه حين أستدار ليتحدث مع زائر آخر , وها هي الآن توافقه على فكرته حيث أنها لم تجلس من قبل في مقعد غير مريح كهذا وتخيّلت أن الباص تنقصه النوابض والمعدات الأخرى , قررت بأنها أذا ما قدّر لها أتمام الرحلة فأنها ستكون بالتأكيد مقعدة نتيجة الأهتزاز الذي تعرضت له.
أقنعت سوزان عائلة أرفاليز بوجوب عودتها الى بريطانيا للبحث عن مارك هناك , فشعرت أيزابيل بخيبة أمل لأنها لم تبق معهم لأيام أخرى , ألا أن سوزان لمست نبرة الأرتياح في صوتي السيد والسيدة أرفاليز لقرارها بالسفر , لعلها كانت تتخيل ذلك خاصة وأنهم كانوا يرغبون في بقائها معهم فترة قصيرة من الوقت , ألا أنها لا تستطيع نسيان ضيافتهم وكرمهم أتجاهها.
أحاطت سوزان شعرها الطويل الأشقر بمنديل ملون , وضعت نظارات شمسية كبيرة غطت نصف وجهها , ألا أن هذا كله لم يمنع بقية الركاب من مراقبتها وخاصة لأختلاف بشرتها البيضاء عنهم , وأيقنت من نظراتهم أن قلة من السواح يأتون الى هذه الجهة من البلاد وخاصة النساء منهم.
تساءلت عما أذا كان مارك قد سلك الطريق نفسها قبلها , وحاولت ألقاء بعض الأسئلة على السائق قبل بدء الرحلة , ألا أنه نظر اليها بتذمر جعلها تتوقف عن الكلام.
بدا وكأن الباص ينحدر ببطء ,مما دفع سوزان الى النظر خلال النافذة , فرأت مجموعة أبنية مما دفعها الى الأعتقاد بأنهم وصلوا الى أسانكيثين , لم تر سوزان أي أختلاف بينها وبين بقية التجمعات السكنية الصغيرة التي مروا بها من قبل , أستخدم سائق الباص مزماره ليبعد بعض الأطفال والكبار عن وسط الشارع ثم أستدار بأتجاه ساحة كبيرة.
كانت الساحة مختلفة حيث بذل المعنيون بعض الجهد لطلاء الجدران وأنشاء سوق محلي , لا بد أن السوق هو الموقف النهائي لبيع الدجاج والعنزات , حيث ترجل أصحابها هناك.
واصل الباص , بعد ذلك , مساره ليتوقف أمام بناية أدركت سوزان فيما بعد أنها فندق أسانكشن الوحيد , نظرت الى جدرانه القديمة والى طلاّئها المتساقط , فكرت بأنها منحت الخيار لما أختارت هذا المكان للمبيت ولو لليلة واحدة , ولكن أي خيار أمامها الآن ؟ ثم أن هناك أحتمالا بأن مارك قضى بعض الوقت فيه سيمنحها فرصة لمعرفة أخبار أكثر عنه.
كان مكتب الأستقبال خاليا فوضعت حقيبة ملابسها الصغيرة جانبا وأنتظرت قليلا قبل أن تقرع الجرس الموضوع على المكتب , ما أن فعلت ذلك حتى سمعت صوت ضحك عال ينطلق من مكان قريب ما جعلها تشعر بخوف غريب.
( أتمنى لو أشاركهم سماع النكتة).
قالت سوزان لنفسها ببطء , حينئذ فتح الباب الواثع خلف المكتب وتوقف لوهلة وألقى ملاحظة أخيرة باللغة الأسبانية مما دفع الموجودين في الغرفة الى الضحك من جديد , أحس بوجود سوزان خلفه فتغيّر التعبير الضاحك على وجهه الى دهشة وصاح:
" سنيورتا".
كانت لهجته مؤدبة ألا أن سوزان شعرت بالحرج لنظراته المتفحصة والدّالة على عدم الأرتياح لوجودها.

نيو فراولة 04-07-11 04:52 PM

سحبت كتاب تعليم اللغة الأسبانية وحاولت أفهامه رغبتها في قضاء ليلة في الفندق , ألا أن قال:
" أنني أتكلم بعض الأنكليزية , هل أنت أنكليزية؟".
" نعم".
شعرت بالراحة لأنها لم تضطر لأستخدام كتابها المعقد.
" أنني أحاول تعقّب أنكليزي آخر , أنه أخي".
أضافت بسرعة لدافع لم تفهمه تماما.
" هل قدم هذا الأخ , الى أسانكشن؟".
قال الرجل وراقبها بصمت.
" لست متأكدة , أظن ذلك".
تردد الرجل قليلا ثم جذب سجل أسماء نزلاء الفندق ووضعه أمامها.
" أنظري بنفسك يا سنيوريتا ليس هناك أي أنكليزي عداك".
تفحصت سوزان قائمة الأسماء معتقدة بأن مارك ربما لجأ الى تغيير أسمه , ألا أنها ظنت بأنه لن يغير توقيعه , تفحصت ذلك أيضا ولم تجد أي كتابة مماثلة لخط يد أخيها مما دفعها للأحساس بالمرض لشدة يأسها.
" لا يأتي السواح الى هذه المنطقة عادة يا سنيوريتا".
كان على وشك مغادرة المكتب حين سألته:
" هل أستطيع حجز غرفة لليلة واحدة ؟ كما أنني بحاجة الى دليل , أريد أن أستأجر دليلا أذا أمكن".
" سنيوريتا , أنني لا أسمح ببقاء نسوة وحيدات في فندقي".
شعرت سوزان بضعف لم تشعر بمثله من قبل في حياتها , ألا أنها حاولت أستجماع شجاعتها فقالت:
" بما أن هذا هو الفندق الوحيد فأنني أرجو أن تستثنيني من قاعدتك لهذه الليلة ألا أذا أستطعت أن توفر لي دليلا في الحال".
" وأين تريدين أن يأخذك الدليل؟ هذا أذا أفترضنا وجود مثل هذا الشخص".
" أريد الذهاب الى ديابلو".
قالت بسرعة.
وكما لو أنها صفعت الرجل فجأة وبقوة , تراجع الى الوراء بسرعة وبدا كأن فكه السفلي قد تحركت من مكانها.
منتديات ليلاس
" هذا مستحيل يا سنيورتيا , أين عائلتك ومن هم أصدقاؤك الذين وافقوك على هذه المغامرة المجنونة؟".
قطبت سوزان جبينها وغادرها كل حس بالواقع , ولكن قد يكون هذا بسبب التأثير الذي كان دافعه تراكم الأحداث التي جرت لها في الأيام الأخيرة , ألا أنها قررت أن تواصل القيام بدورها الذي بدا أسهل من محاولة أقناع الآخرين بصحة ما تقوم به.
كانت خائفة ومذعورة ألا أنها لم تظهر أي جانب من مشاعرها .
" أنه أمر جيد أن تبدي قلقك يا سنيور , ألا أنه أمر غير ضوري , فأنا قادرة على الأهتمام بنفسي كما أنني لست بحاجة لأحكامك بصدد أفعالي وخياراتي".
لم تقل الكثير ألا أنها أملت أن تكون كلماتها قد أثرت , ففي موقف كهذا فأن عليها أن تزن كلماتها بدقة وحذر.
نظرت الى صاحب الفندق وشعرت بأنه لم يعد واثقا من نفسه بل بدا مترددا كأنه أدرك بأنه يتحدث مع فتاة مختلفة وأحس بشيء جديد في حديثه معها , أرادت سوزان أن تبتسم لتلك الأفكار ألا أنها أدركت خطأ ذلك وعمقت التعبير الهادىء على وجهها .
" لا بد من وجود شخص يعرف هذه المنطقة جيدا , لا يتوجب عليك الشعور بالمسؤولية أتجاه ما أقوم به , عرفني به فقط وسأتكفل أنا بالباقي".
نظر اليها الرجل لفترة ثم هز كتفيه:
" هناك رجل يعرف المنطقة , أنه فاتاس دي ميندوزا , ولكن هل سيأخذك الى ديابلو ؟ أنها مسألة أخرى".
" هذه مشكلتي وسوف أتكفل بها , متى أستطيع الألتقاء به؟".
أستعادت قوتها وثقتها بنفسها بعد نجاحها في أقناع صاحب الفندق , وفكرت أن بأمكانها أقناع العالم كله بما تريد.
" فيما بعد يا سنيوريتا , سأخبره بطلبك أولا , أنه مشغول الآن".
نظر بأتجاه الغرفة حيث سمعت من قبل ضحك لبقية الرجال.
" أفضل رؤيته حالا , أنها مسألة ملحة وأنا لست مجرد سائحة بل قادمة للبحث عن أخي".
" وأنت تعتقدين أن أخيك توجه الى ديابلو؟ أذا كان الأمر صحيحا فأن لدي فكرة جيدة , ستمر من هنا دورية عسكرية غدا , أو بعد غد , فأذا تحدثت الى الكابتن لويز فأنه سيبحث عن أخيك".
صمتت سوزان للحظة وفكرت في ما قاله , ربما كان من الأفضل ترك مهمة البحث عن أخيها للجيش , ولكنها تذكرت ما قالته أيزابيل عن تهريب الزمرد , ماذا سيحدث أذا عثر الكابتن لوبيز على أخيها ومعه الزمرد؟ بلعت ريقها وقررت أن ترفض ذلك الأقتراح خاصة وأنها لم تكن تعرف العقوبة التي سيتعرض لها , ألا أنها خمنت عقوبة كبيرة وثقيلة , تذكرت بعض ما قرأته عن قسوة السجون الكولومبية , كما أن أعتقال مارك سيؤدي الى وفاة جدها.
منتديات ليلاس
عليها أذن , أن تتقبل فكرة البحث عن أخيها والعثور عليه بنفسها وبمساعدة الدليل , أملت أن يكون الدليل رجلا يعرف كيف يحافظ على السر أذا ما وجدا مارك وفي حوزته الزمرد.
" ليس لدي وقت كاف لأنتظار الجيش , ثم أنك غير متأكد من وقت وصولهم وقد يتأخرون , يجب أن ألتقي بهذا الدليل فورا , أذ يجب أجراء بعض الأستعدادات قبل التحرك مباشرة".
تركت حقيبتها الى جوار المكتب ثم خطت خطوات بأتجاه الباب ألا أنه بقي ساكنا في مكانه وخاطرت بالأستدارة الى الوراء وألقاء نظرة على وجهه الساكن بشكل غريب وشعرت بالرغبة في الضحك , كل ما عليها الآن فعله هو أقناع الدليل بأن يأخذها الى ديابلو , فتحت الباب وخطت الى داخل الغرفة.

نيو فراولة 04-07-11 05:24 PM

أتقنت دورها كممثلة الى حد كبير حيث توقفت في اللحظة الملائمة في أنتظار نتائج ما فعلت , كان جو الغرفة مثقلا بالدخان ولم تستطع الرؤية في اللحظات الأولى ثم أكتشفت وجود ستة رجال يجلسون حول مائدة مستديرة موضوعة في وسط الغرفة ومغطاة بشرشف أخضر, شعرت سوزان بمرارة في حلقها , أذن هذه هي الصحبة التي تردد مالك الفندق في مغادرتها.
نظرت الى الرجال متفحصة أياهم , بدا الأستغراب واضحا على وجوه بعضهم والأستحسان على وجوه البعض الآخر , ألا أنها رأت الأستهزاء في وجه واحد تجاهلته أولا ثم تظرت اليه ثانية كما لو أنها لم تصدق ذلك الأنطباع في المرة الأولى.
كان أصغر من أصحابه , في الثلاثين من عمره على الأغلب , بعينين سوداوين وشعر أسود وبشرة داكنة , كالبقية , لوجهه ملامح صقر عنيف , وزاد من تأثير حدة ملامحه الربطة السوداء التي غطت عينه اليسرى.
نهض الرجل القريب من الباب عن كرسيه وتقدم اليها مبتسما:
" أقتربي , تعالي , هل ترغبين في صحبتنا!".
نطق تلك الكلمات بلهجة أميركية , تغامز البقية فيما بينهم وتحدثوا بالأسبانية وبدأوا الضحك من جديد.
ألا أن رجلا أعور لم يشاركهم الضحك , نظرت اليه سوزان مرى أخرى , كان يرتدي ملابس سوداء , قميصه مفتوح وظهر صدره القوي , رن في رأسها صوت أيزابيل وهي تقول :
( قطاع طرق , رجال أشرار).
شعرت أن البقية مسالمون , ربما كانوا مشاكسين , ألا أنهم أساسا أناس مسالمون , أمام الرجل صاحب الربطة الذي بدا مختلفا , أقتنعت بأنه أحد قطاع الطرق وتخيلته , في القرون الماضية , مرتديا ملابس من مخمل أسود , حاملا في يده سيفه الملطّخ بدماء الهنود المسالمين , ولا شيء يمنعه من تحقيق حلمه , في أستطاعتها تخيّله على سطح سفينة قراصنة تجوب البحار بحثا عن الذهب.
" هل تريدين أن تشربي شيئا؟".
سأل الرجل الواقف قرب الباب.
أبتسمت بأدب وهي ترفض أي شيء يقدم اليها , فكرت أنه قد يكون دي ميندوزا الذي تبحث عنه.
أبتسمت مرة أخرى ولكن بشكل مختلف هذه المرة محافظة على المسافة الفاصلة بينها وبينهم , عدا الرجل صاحب الربطة السوداء , الذي تجاهلها منذ البداية.
ترى ما الذي يفعله هنا ؟ أنه يختلف عن البقية , من الواضح أنهم جميعا رجال أعمال محليون أجتمعوا لقضاء بعض الوقت سوية , ما عداه , لعله مقامر محترف؟ ربما , خاصة أذا كانوا يمارسون مثل هذه الأشياء في كولومبيا , أنتبهت الى كمية النقود الموضوعة أمامه على الطاولة , فكرت أنه لا بد يغش في اللعب , ثم أدركت سخافة أفكارها , ها هي واقفة هناك تتأمل رجلا غريبا وتضيّع وقتها الثمين.
" أريد أ ألتقي بفاتاس دي ميندوزا , وأود التحدث معه بشكل شخصي".
قالت في صوت واضح.
أنتظرت بضع لحظات وتوقعت الأجابة من أحد الرجال , ألا أن أيا منهم لم يتحرك من مكانه , شعرت بخوف يسري في أعماقها.
" أنه هنا , أليس كذلك؟".
أهتز صوتها قليلا , وكأنما أدركت صحة مخاوفها , كما أدركت صيغة الجواب الذي ستتلقاه , تمنت لو أنها على مبعدة مليوم ميل من هذا المكان , قال الرجل الواقف الى جوارها:
" ألا أستطيع الأحلال في محله سنيوريتا ؟ فاتاس أنك الفائز دائما".
نظرت عبر المائدة الى الرجل , رأته يلوي شفته السفلى تعبيرا عن الأستهزاء , لم يحاول في الوقت نفسه , تغيير وضعه المريح بل نظر اليها نظرة متطلعة أشعرتها بالحرج.
لا بد أن مالك الفندق رجل مجنون , فكرت سوزان , وألا لما أقترح أتخاذ هذا الرجل كدليل لها , كيف تصوّر أنها ستتبعه في مناطق مجهولة , كيف تتبع رجلا يبدو وكأنه مارس كافة الجرائم المعروفة؟
كان يقرأ أفكارها , أبتسم الرجل , فجأة ,عارضا أسنانه البيضاء , فكرت أنه رجل جميل ولا يمكنه , لذلك , أن يكون عنيفا مع المرأة .
وقف حينئذ , وبدا أطول من بقية الرجال في الغرفة , جسده مرن مرونة النمر , أرتدى حزاما عريضا في وسطه نجمة فضية وقلادة لم تظهر بوضوح لأختفائها في شعر صدره الكثيف.
تذكرت كيف صممت على العثور على أخيها حتى لو كلّفها مواجهة الشيطان , وأدركت أنها في مواجهته الآن وسرت في جسدها قشعريرة الخوف.
أتسعت أبتسامته وأدركت أنه أحس بردة فعلها وأنه يمتع نفسه الآن بمراقبتها , أجبرت نفسها عل الوقوف بسكون في مكانها حين أقترب منها وقال:
" أنا فاتاس دي ميندوزا , ماذا تريدين مني؟".
رغبت أن تجيب بأن المسألة كلها عبارة عن خطأ فادح , ألا أنها أدركت في الوقت نفسه أن هذا سيظهرها بمظهر أمرأة حمقاء أمام مجموعة رجال , وهذا ما لم ترغب فيه.
" أرغب في شراء خدماتك يا سنيور".
أدركت بعد أن نطقت تلك الكلمات , خطأ التعبير الذي أرتكبته ولكن بعد فوات الأوان , أجاب:
أنني أقدر طلبك ولكني لست معروضا للبيع".

نيو فراولة 04-07-11 08:25 PM

ضحك أثنان من الموجودين ألا أنه كان ضحكا عصبيا , لاحظت سوزان ذلك حتى من دون النظر اليهما , وشعرت بحرارة الأرتباك تسري في جسمها لأنها أضطرت أن تقول شيئا لم ترغب في قوله.
" لم أعن ذلك".
ورغم أرتباكها رفعت سوزان ونظرت اليه بأستقامة.
" أنني بحاجة الى دليل أعتمد عليه تماما , لقد أوصاني أحدهم بأستئجارك".
أحست مرة أخرى بالقلق يسود الغرفة.
" أنت دليل , أليس كذلك؟ أخبرني مالك الفندق".
" هل تحدثت مع راميريز ؟ أنه محق , أنني أعرف هذه المنطقة أحسن من أي رجل آخر , نصيحتي لك هي العودة الى بوغوتا والأنضمام الى أحدى الرحلات السياحية الجماعية , ذلك هو المكان الملائم للمرأة".
" كلا , أنتظر".
منتديات ليلاس
صرخت قبل أن تدرك ما الذي ستفعله ثم مست ذراعه قبل أن يتحرك مبتعدا , توقف ونظر اليها , فكرت :
( كيف يجرؤ على النظر اليّ بهذه الطريقة؟ صحيح أن لهجته أفضل من البقية , ألا أنه مجرد دليل , وعليه أن يتقن عمله ليعيش).
" من الأفضل أن نناقش هذا الموضوع بشكل خاص , أنني مستعدة لدفع المبلغ الذي تطلبه أذا كان هذا ما يقلقك".
" ليس هذا ما يقلقني".
أجاب ووجهه خال من أي تعبير , ثم أضاف:
" أنك سيدة عنيدة , من ناحية أخرى لا يتوجب عليك عرضالدفع ما لم تعرفي السعر المطلوب منك أولا".
" سيكون هذا جزءا من النقاش وأرجو أن تحدثني به".
أصغت لنفسها وهي تتحدث بلهجة ضعيفة لم تسمعها من قبل , ولم يكن ذلك جزءا من مخططها.
" وهل تظنين أن قوة أقناعك ستكون فعالة أكثر أذا كنا وحدنا؟".
سألها وضحك من رأى أحمرار وجهها من الخجل:
" حسنا , سنتحدث أذا كنت تعتقدين أن ذلك سيغير الأمور , ولكن فيما بعد".
رفع يده ثم ربت عل كتفها بطريقة دفعتها الى الأنكماش كما لو أنها تلقت صفعة , أستدارت وغادرت الغرفة وصفقت الباب خلفها بأصرار وهي تسمع ضحكات الرجال خلفها.
كان مكتب الأستقبال خاليا ألا أنها سمعت أصواتا خلال باب الغرفة المقابلة , نصف المفتوحة , كانت غرفة كبيرة ذات مجموعة من المناضد ووجدت فيها راميريز وهو يجفف بعض الصحون والأقداح.
ظهر مندهشا لرؤيتها ولم تعرف نوع الأستقبال الذي ستلقاه – ترى هل أصغى الى ما جرى في الغرفة الأخرى من حديث ونقاش؟ سأل راميريز مباشرة:
" هل عقدت صفقتك يا سنيوريتا؟".
" ليس تماما".
أجابت بلطف , ثم أضافت:
" سنناقش الأمر فيما بعد , أعتقد أنني مضطرة للبقاء هنا بعض الوقت".
نظر اليها للحظات , ربما كان يسأل نفسه عن سبب عدم عودتها الى بوغوتا معترفة بفشلها.
" هل قال السنيور ميندوزا أنه سيتحدث معك فيما بعد؟".
" نعم , أن أوضحنا بعض الأمور المعلقة , بدا وكأن لديه فكرة غريبة عن سبب أهتمامي بخدماته ومعلوماته , أنه واثق تماما من قابليته الخاصة".
أضافت بلهجة محايدة , ألا أنها أدركت أن ما قالته خال من الصحة وأن ميندوزا لم يكن رجلا متوهما قدر ما كان واثقا من نفسه.
" أن لميندوزا أسبابه الخاصة , كانت هناك أمرأة أميركية جاءت مع زوجها لمشاهدة هذه البلاد , ثم عادت بعد ذلك لوحدها لتذهب مع فاتاس الى تلال وقد قضيا فترة طويلة معا , كان شعرها أشقر مثل شعرك يا سنيوريتا".
" أؤكد لك أن هذا التشابه هو الوحيد بيننا , هل أستطيع الآن , أن أرى غرفتي , أشعر بالتعب الشديد وأنا بحاجة ماسة الى الراحة".
" نعم يا سنيوريتا".
لم تكن الغرفة كبيرة , بل نظيفة والفراش مغطى ببطانيات هندية ذات ألوان بهيجة وناعمة , تذكرت سوزان أنهم كانوا يبيعون بعض البطانيات الشبيهة في السوق القريب من الفندق وكيف أنها رغبت في شراء واحدة ألا أنها أجّلت الأمر.
منتديات ليلاس
كل ما أرادته هو الأسترخاء في الفراش ونسيان رحلة الباص , توجهت أولا الى الحمام الموجود في نهاية الممر , أخذت حماما وأزالت عن جسدها التراب والتعب , شعرت بالراحة وهي تعود الى الغرفة لترتدي ملابس نظيفة بعد أن أغلقت الباب والشبابيك لتتخلص من الضجة في الخارج , أخيرا تمددت على السرير.
رغم تعبها الشديد , لم تستطع سوزان النوم حيث واصلت صور مشتتة أجتياح ذهنها : أشجار تحيط بنهر وظلمة الجبال خلفه , رجل يرتدي ملابس سوداء ويمتطي صهوة جواد ظهر وكأنه جزء منه , ثم أمرأة شقراء واقفة بين الأشجار تمد ذراعيها الى الأمام حيث أنحنى الرجل ورفعها من ذراعيها وشعرها يحيط به.
تقلبت سوزان في فراشها بقلق محاولة التخلص من تلك الصور , ألا أن الحصان واصل أقترابه منها حتى أستطاعت أخيرا رؤية ملامح الفارس , وراقبت المرأة الشقراء وهي ترفع ذراعيها محاولة جذبه اليها.
مدت سوزان يدها لتحاول منعهما لأنها لم تكن ترغب أن ترى كل ذلك , ألا أن حركتها أستدعت أنتباه الفارس , فنظر بأتجاهها وكذلك المرأة الشقراء , رأت سوزان أن الوجه الذي أستدار نحوها والمغطى بخصلات من الشعر الأشقر كان وجهها هي.

نيو فراولة 05-07-11 02:25 PM

صرخت ثم تلاشت الصور لتجد نفسها جالسة في الفراش , في الغرفة الصغيرة ويدها تضغط بقوة على صدرها , كان في مستطاعها رؤية نفسها في المرآة الموضوعة في الجهة الثانية من الغرفة , قالت لنفسها كنت أحلم أذن.
شعرت بالأرتياح لأن ما حدث كان مجرد كابوس وليس صورا تعمدت أختلاقها , ثم ألتقطت ساعتها الذهبية من على المنضدة المجاورة للسرير , أكتشفت , لدهشتها الشديدة , أنها نامت أكثر من ساعتين.
نهضت من فراشها وأرتدت بنطالها البني مع قميص بني غامق , شعرت أنها بحاجة الى شد شعرها بدلا من تركه منسدلا على كتفيها , ألتقطت مشبكا وجدته في حقيبتها وربطت شعرها بأحكام , أحست أن هذه التسريحة تمنحها شكل أمرأة أعمال أكبر سنا من عمرها.
علقت حقيبتها الجلدية على كتفيها ونزلت الى الطابق الأرضي , كان المكان هادئا جدا فتوجهت الى الغرفة التي كان فيها الرجال , فتحت الباب , لم يكن هناك أحد , الطاولة مرتبة والكراسي موضوعة قرب الجدار.
شعرت سوزان بالغضب وظنت أنه أنتهز فرصة ذهابها الى غرفتها ليذهب في حال سبيله , وبعد أن أدرك أنها أفضل وسيلة للتخلص منها بدون الدخول معها في أي نقاش حول الموضوع.
" حسنا , ليذهب الى الجحيم , قد يكون أفضل دليل في المدينة , ألا أنه وبالتأكيد ليس الوحيد في أسانكشن".
وعدت نفسها ألا تدع هذا الحدث يؤثر على عزيمتها بل أقنعت نفسها بأنه ربما كان من الأفضل التخلص منه , خاصة بعد الحلم الذي رأته , أذا كان هذا تأثيره عليها بعد فترة قصيرة من معرفتها به , فما الذي سيحدث أذا ما قادها في رحلتها؟
أستدارت وغادرت الفندق , كان السوق مزدحما وفي زاوية من الساحة جلس عدد من الموسيقيين يعزفون لبعض المارة , طافت حول العربات وشاهدت الى جانب البطانيات الملونة القبعات المدورة التي أعتاد الهنود أرتداؤها.
فكرت بأنها ستحتاج قبعة أذا ما بدأت رحلتها ولكنها أرادت قبعة أعرض وأقل أرتفاعا من المعروضة للبيع , في عربات أخرى عرض الباعة الخضار والفاكهة مغطاة بمجموعة من حشرات المنطقة , مما دعا سوزان الى الأستدارة والتظاهر بالنظر الى شيء آخر مؤكدة لنفسها بأن الأحوال قد تكون أكثر بدائية في ديابلو.
كانت جائعة وفكرت بأنها قد تحصل على وجبة طعام في الفندق ألا أن صاحبه لم يذكر شيئا عن ذلك ذلك , أستطاعت أن تشم رائحة طعام في مكان ما , وربما كانت تتخيل ذلك , بعد لحظات عرفت الجواب , ففي نهاية السوق عثرت على ما يشبه مطبخا مفتوحا للجميع , لم يكن المظهر صحيا بالتأكيد , ألا أنها لم تكن في حالة تناقش فيها الأوضاع الصحية , خاصة وأن مظهر الدجاج المشوي لم يدع أمامها أي فرصة للتردد , فأشترت فخذ دجاجة وتجولت وهي تأكل , لاحظت أن الجميع يفعلون ذلك , مما دفعها الى الأقتناع بأنهم لم يموتوا جميعا من الأصابة بالجراثيم .
توقفت أمام عربة تباع فيها الأدوية الهندية , ذات الألوان الجذابة والمزينة بالتطريز اليدوي الجميل , حين سمعت صوتا خلفها يقول:
" سنيوريتا".
أستدارت ورأت رجلا قصيرا يرتدي بدلة بيضاء ضيقة , كان وجهه منتفخا ربما بتأثير شاربه الأسود الطويل , وواصل بحركة عصبية مسح جبينه بمنديله الملون.
" هل السنيوريتا بحاجة الى دليل؟ أنا دليل جيد وسآخذك الى أي مكان ترغبين فيه".
حدقت سوزان في وجهه بفرح , خاصة وأنه كان مختلفا عن دي ميندوزا , أنه قصير وسمين وليس في مظهره ما يجذب الأهتمام.
قالت:
" نعم أنا بحاجة الى دليل , ولكن كيف عرفت ذلك؟".
" أخبرني السنيور راميريز بذلك في الفندق".
" حسنا , أذن".
فكرت أن راميريز بذل جهده للتخلص منها في أسرع وقت ممكن.
أضافت قائلة:
" أريد الذهاب الى مكان يدعى ديابلو".
توقفت بعد أن نطقت بأسم المكان وتوقعت أنه سينظر اليها بأستغراب , ألا أن ذلك لم يحدث , بل كل ما قاله كان:
" نعم يا سنيوريتا , سأنفذ كل ما تريدين متى ترغبين ببدء الرحلة؟".
" غدا أذا أمكن".
أجابت ذلك وقد غلبتها الدهشة".
" سأعد كل شيء , هل تستطيع السنيوريتا ركوب الحصان؟".
" نعم , ولكنني فكرت بأستئجار سيارة جيب و...".
" كلا , لا تصلح سيارة الجيب للرحلة , الطريق وعرة , كما أننا قد نصادف أماكن حيث الحصان أفضل فيها من السيارة , أسمي كارلوس أرنالدز".
" حسنا جدا يا كارلوس".
لم تكن سوزان تريد مناقشته , أذ أنه يعرف المكان أحسن منها بكثير , سرت لأنها وجدت بنطلونا من الجينز بين ملابسها وتذكرت أنها رأت زوجا من الجزم الجلدية معروضا للبيع في أحدى العربات فتوجهت لشرائه.
حين عادت الى الفندق كانت مسرورة جدا , قد لا يكون كارلوس وسيما ألا أنه يبدو كفوءا , توجها بعد لقائهما الى أحد المقاهي حيث أتفقا على أجرته والنفقات التي سيصرفها لشراء المعدات الضرورية ولأستئجار الأحصنة اللازمة.
قلقت قليلا حين ناولته النقود لشراء المعدات وفكرت بأنه قد يأخذ النقود ويختفي , ألا أن مظهره وسلوكه أثبتا عكس ذلك , أكد لها بأنه سيشتري ما هو ضروري فقط وسيجلب بها الأيصالات اللازمة.
شربا الشاي معا وتمنيا لبعضهما رحلة سعيدة وناجحة.
لم تخبر سوزان كارلوس عن غرض الرحلة وفضلت أيهامه بأنها سائحة ترغب في أمتاع نفسها بأي طريقة كانت , وأعتقدت أن الوقت لم يحن بعد لأخباره الحقيقة وأنها ستحاول ذلك بعد أن تبدأ رحلتهما , شعرت أن في أمكانها أن تثق به.
مرة أخرى كان مكتب الأستقبال خاليا , ورغم أنها قرعت الجرس , ألا أنها لم تلق أي جواب.
بدلا من الأنتظار , مدّت يدها وتناولت مفتاح غرفتها من مشجب المكتب , وأذ صعدت الى غرفتها دهشت لسرعة حلول الظلام في الخارج فقد أنيرت المصابيح في الأسواق وتلاشى صوت الموسيقى تدريجيا.
بدت السماء مخملية في لونها النقي وألتف بعض الناس حول الفرقة الموسيقية مشكلين حلقة راقصة , توقفت سوزان وراقبتهم لفترة من الوقت ألا أنها شعرت أثناء ذلك , بوحدة غريبة , ساهم في ذلك أختلاف لون بشرتها وشعرها وتذكرت التحذيرات التي تلقتها أثناء وجودها في فندق بوغوتا عن مهاجمة بعض قطاع الطرق للسواح وكيفية وقوعهم طريدة سهلة تحت رحمتهم.
فتحت باب غرفتها ودخلت بعد أن أغلقتها بأحكام , أنتابها حالا الأحساس بأن شيئا ما حدث في غرفتها أثناء غيابها , شعرت بالخوف يشل مفاصلها , عرفت أن هناك شخصا آخر في الغرفة , دلت على ذلك رائحة السيكار وحركة بطيئة في الظلام.
تقلصت عضلات جسدها , أمسكت الجزمة بأحكام , قد لا يكون ذلك سلاحا فعّالا ألا أنه كان كل ما كانت تمتلكه في تلك اللحظة , شعرت أنها حتى لو صرخت فأن أحدا لن يسمعها.
سمعت الحركة مرة ثانية , تلاها أزيز نوابض السرير .
ترى هل تخيلت ذلك , وهل دخلت غرفة أخرى غير غرفتها؟
أذا كان الأمر كذلك , فأن كل ما تمنته هو أن يكون الموجودون في الغرفة نائمين وستحاول مغادرة الغرفة بكل هدوء.
تذكرت ملاحظات راميريز عن النساء الوحيدات , ترى هل أرتكبت خطأ كبيرا بمجيئها لوحدها؟
تلمست طريقها في الظلام لتحاول فتح الباب حين سمعت صوتا ساخرا جمّد الدم في عروقها.
" هل ستقفين هكذا في الظلمة طوال الليل؟".
ثم سمعت صوت ضغط زر المصباح المجاور للسرير , ووجدت سوزان نفسها وهي تحدق في وجه فاتاس دي ميندوزا!

نيو فراولة 05-07-11 03:10 PM

3- الشبح





كان متمددا على سريرها , في وضع مريح , ويدخن سيكارا , سألت سوزان بألحاح:
" ما الذي تفعله هنا؟".
" يا لها من لهجة , ما الذي حدث للسيدة الهادئة التي ألتقيت بها منذ فترة قصيرة ؟".
فتحت الباب بقوة وصرخت:
" أخرج من هنا".
" يقول رجال بلدك أن للمرأة حقا في تغيير رأيها , أليس كذلك ؟ ثم هل يجب أن تتصرفي بطريقة معاكسة تماما , منذ ساعات كنت ترغبين بالحديث معي في خلوة وها أنا مستعد لذلك بينما تحاولين , الآن , التخلص مني , أن سلوكك غير ودي".
" كيف دخلت الغرفة , خاصة وأنني أغلقتها قبل مغادرتها؟".
" راميريز أعطاني المفتاح , بالطبع".
" آه , بالطبع".
أجابت بتهكم , وأضافت:
" لم يستدع الأمر أستغرابه بل أعطاك المفتاح لتستطيع دخول غرفة نوم أحد نزلاء فندقه".
أتسعت أبتسامته هو يجيبها:
" لا شيء يثير الأستغراب في هذه الظروف".
شعرت سوزان بالغضب يجتاحها , في أمكانها أن تغادر الغرفة وتتركه لوحده , كما في أمكانها مواجهة كل التحديات التي يواجهها بها , ألا أنها أحست بأنها مشلولة الأرادة والتفكير أمام هذا الرجل , فقد كانت معجبة به الى حد كبير , أخيرا نجحت في تمالك نفسها وفكرت ربما كان يتصرف بهذه الطريقة لأنه يظن بأنها بحاجة ماسة الى خدماته كدليل الى حد يجعلها ترضخ لكل طلباته.
منتديات ليلاس
حسنا , أنه على وشك مواجهة غلطة , ولكن ليس الآن , فربما تستطيع أرضاء غروره أولا لتهيؤه للمفاجأة الكبرى حين تخبره بأنها ليست مستعدة حتى للذهاب معه حتى الى نهاية الشارع.
" أنا مدينة لك بالأعتذار يا سنيور , ربما كان الأمر عكس ذلك , أنها المفاجأة أن أجدك في غرفتي , أعرف أنك ستتحدث معي فيما بعد , ألا أنني لم أتوقعك في هذا الوقت المتأخر".
ابتسمت وهي تلاحظ الدهشة على وجهه الأسمر , وفكرت سوزان وهي تواصل النظر اليه أنها ليست المفاجأة الوحيدة التي ستتلقاها هذه الليلة.
" هل أقلقك التأخير؟".
سألها وهو يلتقط سيجارة.
" كلا".
أجابت وهي تعرف أنها تكذب , ثم سحبت الكرسي الموضوع قرب طاولة الزينة , جلست على مبعدة من السرير , الأمر الذي دفعه الى الأبتسام من جديد , وقال:
" مع ذلك يا سنيوريتا , ليس هناك ما تخشينه , فكما أخبرتك أنا لست معروضا للبيع , كما أنني لا أرغب في شراء شيء أو الأستحواذ عليه بالقوة".
" كم هو رائع أن تحاول طمأنتي".
قالت سوزان بلطف.
لو كنت محلك لما شعرت بمثل هذا الأطمئنان , فلو قررت بأنني أريدك لا أعتقد بأنك ستعارضينني".
" هل تعتقد هذا فعلا؟".
" نعم يا سنيوريتا".
أجابها بهدوء ثم أضاف:
" أنا أعتذدت ذلك فعلا".
شعرت سوزان بالغضب في داخلها لهدوئه وثقته بنفسه , ألا أنها لم ترغب في أظهار غضبها كما أنها شعرت بالغضب للطريقة التي واصل فيها مراقبتها وخاصة تحديقه فيها , شعرت برغبة ملحة في تغطية نفسها , ألا أنها سيطرت على نفسها: فمثل هذا التصرف قد يكشف عن مخاوفها , الأمر الذي لم ترغب في الأعتراف به حتى لنفسها.
" كنت على وشك النسيان بأن لك رغبة خاصة مع الشقراوات , أليس كذلك ؟ لو كنت في محلك لما قلت....".
أطفأ سيجارته في المنفضة الموضوعة على الطاولة وقاطعها قائلا:
" يبدو أن راميريز لم يضيّع وقته".
شعرت سوزان بضجره من الحديث فأدركت أن الشقراء الأميركية كانت حدثا قديما وأن دي ميندوزا رجل لا يعيش على الذكريات.
تمطى بجسده بكسل جاذبا أنتباهها , أضاء المصباح الصغير قلادته الصغيرة .
" تحدث راميريز عنك أيضا , أخبرني أنك تريدين الذهاب الى ديابلو بحثا عن أخ لك؟".
" نعم".
قطب جبينه متسائلا:
" لم أنت في عجلة من أمرك , خاصة وأنه أخبرك عن دورية الجيش؟".
" أريد أن أعثر على مارك بنفسي ولا أرغب بتدخل أي شخص آخر".
أجابت سوزان وهي تسمع دقات قلبها المتسارعة.
كان يراقبها من جديد , ولم تدر لماذا أنتابها الأحساس بأنه يستطيع الرؤية بعين واحدة أكثر من أي أنسان آخر بعينيه الأثنتين.
" أنني أتساءل لماذا؟ ولا تعنيني الأجوبة الجاهزة, أخبريني يا سوزان هل لمارك علاقة ما بالكوايكرز؟".
" لا أفهم ما تعنيه".
منتديات ليلاس
أجابت وهي تعصر يديها بقوة.
" حقا؟ سأوضح الأمر لك أذن , كوايكرز هم مجموعة من حفاري المناجم اللاشرعيين : رجال ونساء وأطفال يبحثون عن لهيب الثروة الأخضر في قنوات تنهار عليهم , صخور تسحقهم وأنهار تغرقهم , أنهم , جميعا , يحلمون بثروة ستكون لهم وحدهم , ولكن هل تعرفين عدد من أنتهى منهم في شوارع بوغوتا مقتولا ضحية لما يملك؟ لذلك من الأفضل لك أن تخبريني الآن أذا ما كان مارك يبحث عن الزمرد في ديابلو".
" أخي يعمل كجيولوجي وهو في رحلة تنقيب خاصة".
قالت أخيرا.
" لا أعتقد أنه يبحث عن الزمرد , والسبب الوحيد الذي يدفعني للبحث عنه هو رغبة جدي المريض في رؤيته".

نيو فراولة 05-07-11 10:02 PM

فكرت سوزان : ربما كانت هناك مكافأة لمن يلقي القبض على مهربي الزمرد وربما كان دي ميندوزا أحد الباحثين عن هذه المكافآت , أذ من الواضح أنه لا يعتمد في معيشته على عمله كدليل فقط فقد أكتشفت من المبلغ الذي طلبه منها كارلوس , أنه غير كاف حتى لشراء قميص له فكيف يستطيع أذن توفير نفقاته وأختيار ملابسه الغالية , ما لم تكن هدية من زبائنه الذين رضى رغباتهم وطموحاتهم.
خاطبت سوزان نفسها بمرارة.
" جيولوجي؟ أنه أذن خبير في معرفة أماكن الزمرد".
" أعتقد ذلك".
أجابت سوزان وهي تتمنى أنتهاء المحادثة.
" وأختار حقل أبحاثه في ديابلو ؟ أنه أختيار غريب حقا".
" كان له صديق جيولوجي في الجامعة , وربما ذكر له أسم المنطقة وأقترح أجراء التنقيبات فيها".
" ربما كان الأمر كذلك , وهذا بالضبط ما يثير مخاوفي".
أرادت سوزان أن تنهي حديثهما عند هذا الحد , وشعرت بأنهماكهما في مسار لم تخطط له , ثم تذكرت أنه خاطبها بأسمها , فكيف عرف ذلك؟ أنها لم تذكر أسمها لأي شخص في المنطقة.
" كيف عرفت أسمي؟".
سألت فجأة غير مكترثة بأعتقاده أنها ربما تحاول تغيير موضوع حديثهما.
" بينما كنت في أنتظار عودتك , متعت نفسي بقراءة تفاصيل جواز سفرك الموجود هنا بجانب سريرك , حيث وجدت المعلومات مسلية والصورة , صورتك , جميلة , لكنني بحثت عبثا تحت بند ( العلامات الفارقة ) عن أشياء تميّزك".
لم تستطع سوزان الأجابة , أذ أحست بأنها تحولت الى قطعة حجرية.
" أحسست أنك أنزعجت لتأخري مع أنني جئت الى غرفتك في وقت مبكر مستخدما المفتاح الأحتياط للغرفة , كنت نائمة بهدوء , وبشكل جميل الى حد أنني لم أستطع أيقاظك".
لم تكن غرف المسرح والكواليس الخلفية خصوصية بل مشتركة لجميع العاملين في المسرح حيث يغير الممثلون ملابسهم, لم تكن سوزان فتاة تخجل من تغيير ملابسها أمام الآخرين عند الضرورة وتلافيا للتأخي في آداء دورها , ولكن حساسها بأنها كانت معرضة للمراقبة وهي نائمة في سريرها , دفعها للشعور بخجل لم تحس بمثله من قبل.
" شكرا لأنك لم توقظني على الأقل , الآن أرجو أن تصغي لطلبي وتغادر الغرفةحالا".
" يبدو أنك نسيت يا سنيوريتا حاجتك اليّ".
هزت رأسها ببطء وأحست بلذة الأنتصار وهي تجيبه:
" شكرا , كلا لست بحاجة الى خدماتك حيث قمت بأجراء الترتيبات الضرورية بدونك".
نهضت واقفة وقال:
" أنك لست الدليل الوحيد في أسانكشن يا سنيور دي ميندوزا , وفي هذه الظروف أشعر بالأمان أكثر مع شخص آخر , والآن أرجو أن تغادر غرفتي حالا وأن تختفي عن ناظري الى الأبد".
وقف ساكنا فجأة , وأدركت أنها أستطاعت السيطرة على الموقف وشعرت بفرحة كبيرة تجتاحها , ها هو السنيور دي ميندوزا القوي الشخصية , وصاحب الجاذبية الطاغية يجد من يرفضه أخيرا , أنه في وضع لا يحسد عليه.
تقدم نحوها ببطء وأحست بغضبه في كل خطوة خطاها نحوها , طلبت منه مغادرة الغرفة ألا أنها أحست بالحاجة الى الهرب والأبتعاد عنه أذ ظهر من حركاته أنه سيطالبها بالأعتذار لكبريائه المجروحة ولم ترغب هي في معرفة ما يريده , أمسك بذراعها , تماسكت لتخفي صرخة الألم التي أنطلقت من فمها.
" من هو الرجل الذي أستأجرته؟".
سأل بهدوء متعمد , وقال:
" أخبريني".
" أتركني , أنك تؤلم ذراعي".
" وسأفعل أكثر أذا لم تخبريني بما أريد , من هو الذي أستأجرته ليأخذك الى ديابلو؟".
" لن أخبرك بأي شيء؟".
علمت سوزان بأن قبضته ستترك بعض العلامات على ذراعها وشعرت بأنها ستكره تلك العلامات كذكرى في الأيام المقبلة.
" أذا كان ما تفعله , تعبيرا عن قوتك , فالأمر كله لا يهمني لأنني لا أستجيب عادة للعنف".
" ما هو الشيء الذي تستجيبين له أذن؟".
سألها وهو يجذبها نحوه , أرادت التراجع لتحمي نفسها ألا أنها فقدت توازنها , كان لذراعيه قوة قضبان السجن.
وكانت الكلمات الأخيرة له وهو يغادر غرفتها:
" عزيزتي , ذات يوم قد تتعلمين كيف تكونين أمرأة".
لم تكن الخيول التي أستأجرها كارلوس للرحلة جميلة ألا أنها كانت قوية , وهذا هو المهم في أختياره لها لرحلة في منطقة وعرة.
أبتدأت الرحلة عند الفجر وبمرور الوقت أحست بالتعب يسري في أماكن من جسدها , ألا أن تفكيرها في نهاية الرحلة واساها قليلا أضافة ألى أته أنساها الأضطراب العاطفي الذي تعرضت اليه في الليلة الماضية, حيث لم تستطع النوم جيدا ونهضت في الصباح متثاقلة ومتعبة , توقعت أن يسألها راميريز بعض الأسئلة حين توجهت لدفع الحساب , ألا أنه لم يعلق بأي شيء , لا على مغادرتها ولا على أختيارها دليلا لرحلتها , رغبت في تأنيبه لأعطائه مفتاح غرفتها الى ميندوزا , ألا أنها فضّلت الصمت وتجنّب أثارة المتاعب.
حذّرها كارلوس ألا تجلب ألا ما هو ضروري , وهكذا أختارت بنطالها الجينز مع سترة تتناسب معه , ووضعت كل شيء آخر في جيب السرج بينما تركت بقية أمتعتها في الفندق لتأخذها عند عودتها من الرحلة , وحين أخبرت راميريز عن نيتها , أبتسم بصمت وهز كتفيه أشارة لعدم أقتناعه بعودتها من الرحلة أطلاقا , فشعرت بالخوف ينتابها من جديد رغم حرارة الجو.

نيو فراولة 05-07-11 10:28 PM

كان الجو حارا وأزدادت حرارته كلما تقدم النهار , وواصلا سيرهما في منحدرات أسكانشن وأبتعدا تدريجيا عن الطريق المعبّد الى دروب ترابية تتبّعا فيها آثار أقدام من سبقهما , الأمر الذي دعا الى أطمئنانها على الأقل.
هكذا كانت سوزان تفكر في بداية الرحلة.
تمنت أنتهاء الرحلة قريبا ولقاء مارك قبل أن تتحول الرحلة الى كابوس لا تستطيع مقاومته , تساءلت عن المسافة الباقية , ولم تكن ماهرة في حساب ما قطعاه من مسافة حتى الآن , زاد الأمر سوءا تغييرهما الأتجاه في كل ساعة , ألا أن كارلوس بدا واثقا من نفسه ومدركا لكل خطوة أتخذها , ثم أنه وفى بوعده بصدد التموينات وأعطاء الأيصالات بالأشياء والمعدات التي أشتراها للرحلة وهكذا لم يكن أمامها غير الوثوق به في الطريق الذي أختار سلوكه رغم أحساسها بقلق غريب ينتابها كلما نظرت اليه , ومنذ بدء الرحلة , ولم يفارقها تماما مثل الأحساس بألم أسنان بسيط ينكد على الأنسان يومه.
بقيت تنظر خلفها مراقبة كارلوس في كل خطوة , رغم أدراكها لسخافة مت نفعله ثم قررت أن مصدر أحساسها هو ما حدث لها مع دي ميندوزا في الليلة الماضية.
منتديات ليلاس
توقفا في موقع قريب من شلال صغير يصب في بركة تبعد عنه قليلا , أستراحا هناك ورويا عطش الخيول , أوقد كارلوس النار ليعد الغداء المكون من علبة خضار وعلبة حلوى الرز , وأذ ألقت نظرة خاطفة على بقية المعلبات , علمت سوزان أن وجبات الطعام المقبلة ستكون شبيهة بالحالية وأنها ستعاني , بعد ذلك , طوال حياتها من سوء الهضم.
كارلوس أخبرها حين ناقشت الرحلة معه في البداية , أنهما سيلجأت الى تناول ما هو متوفر في الطبيعة , الأمر الذي أراحها قليلا , ونظرتحولها للتأكد من خلة المكان من الأفاعي السامة , أقشعر جسمها خوفا.
كانت القهوة قوية بعض الشيء لسوزان , وحين شربتها كلها أنطرحت جانبا مستخدمة سترتها الزرقاء كمخدة , محدقة في زرقة السماء والجبال المرتفعة , ذات القمم الشامخة والقريبة من الغيوم وبدا المكان جميلا مثل المشاهد الخيالية وحايات الأطفال برغم بروز الألوان الداكنة في بعض الصخور المظللة بصخور أخرى.
واصل أحد النسور دورانه في السماء , أنه أحد جوارح الأنديز المشهورة , فرأت سوزان , ذات مرة , أن لجناحيه قوة يستطيع بها دفع الحصان وراكبه من على حافة طريق , لم تستطع تذكر أي حكاية لطيفة عن البراري ومرتفعات المنطقة , كل ما تعرف عنها يتضمن القتل والموت.
شعرت بالراحة عند عودتها الى ظهر حصانها , خاصة بعد تزايد حرارة الجو ورطوبته , بدأت الصخور بالأختفاء ليظهر عدد من الأشجار على جانبي الطريق أضافة الى النباتت الشوكية المكونة حاجزا طبيعيا , سرّت لأنهما تفاديا أجتيازها.
أزداد عدد الحشرات وزاد الأمر سوءا ضيق الطريق الى حد لم يكن فيه مجال لمرور الخيول , مما أضطرهما الى سحبهما.
قالت سوزان:
" لا بد أن هناك طريقا أفضل للوصول الى ديابلو؟".
شعرت بالخوف من صمت وسكون المكان , وغدا صوت أيقاع حوافر الخيل وأنفاسها الثقيلة ثم الأصوات المفاجئة لبعض الطيور والحيوانات المخيفة بسرعة , لم يكن هناك أحد سواهما طوال الطريق وكان عزاؤها الوحيد في أن كارلوس غدا متعبا مثلها حيث أنحنى بجسده على الحصان , نائما , وواصل جسده التأرجح الى اليمين واليسار عاكسا حركات الحصان , وتمنت لو أنها أصرت على أستخدام طريقة أخرى للنقل حتى لو تطلب الأمر قضاء فترة أطول.
حركت كتفيها فشعرت بالعرق , تتطلعت بشوق للوصول اى المكان الملائم لقضاء ليلتهما فيه , أملت , رغم من سمعت عن الشروط الصحية لهذه الأماكن , توفر حنفية وماء يكفيان لأخذ حمام مناسب , ولم تدرك قبل هذه الرحلة كم هي رائعة تلك الأشياء اليومية الصغيرة التي يستخدمها الأنسان , عادة , حتى يحرم منها ذات يوم.
منتديات ليلاس
رغم مواصلتهما السير لم يلح في الأفق ما يشير الى أقترابهما من أي مكان مأهول , وأحست بالقلق ينتابها , أذ شعرت يوجود من يراقبهما ثم توصلت الى الأقتناع بوجود حيوانات مختفية بين الأحراش وأن لا سبيل لوجود أنسان هناك , كانت متعبة جدا بعد قضاء اليوم بأكمله وهي تمتطي الحصان , بأستثناء توقفهما في فترة الغداء أضافة الى أنها لم تنم الليلة السابقة لبدءرحلتهما , ألا يكفي أنها موجودة في منطقة وحشية لتتذكر أيضا الذكرى المرة الليلة الماضية؟
وجدت نفسها تتذكر دي ميندوزا , لا بد أن المرأة السبقة , العائدة من أميركا لتقضي معه فترة قصيرة , لم تكن الوحيدة التي قامت بذلك , وراقبت نفسها وهي تتمادى في الغيرة ثم هزت رأسها لتبعد الأفكار التي لم تكن في حاجة اليها في تلك الآونة.
لم ترغب بالضحك , بل أرادت نسيان الذكرى ونسيان فاتاس دي ميندوزا وأبعاد صورته عن حياتها كلها خاصة وهي تمر بالمصاعب الحاليّة , وحيث لديها ما يكفي من المتاعب , أنها لا تعرف كيف هي صحة جدها خاصة وأنها لم تسمع أي شيء منذ مغادرتها بوغوتا , ثم أن هناك أحتمال عودة مارك الى بريطانيا بعد سفرها أضافة الى الأحتمال الأسوأ وهو قيامها بالرحلة كلها وتحمل مصاعبها وأكتشافها أن مارك لم يأت الى ديابلو ولم يفكر بالبحث عن الزمرد أو تعقب أيا من الأساطير التي سمعت عنها.

نيو فراولة 07-07-11 11:32 AM

لا بد أن الناس الذين أطلقوا على عالم المسرح لقب الغابة , لم يشاهدوا أبدا الغابة الحقيقية , خاطبت سوزان نفسها.
كان الوقت متأخرا وبدأت درجة الحرارة بالأنخفاض , خاصة بعد مغيب الشمس , ألتفتت سوزان حولها باحثة عما يشير الى وجود أي شكل من أشكال الحياة , وأذ حل الظلام قبل وصولهم الى المكان المنتظر , كان عليهم قضاء ليلتهم في العراء , وهذا ما دفع سوزان الى حالة من الأنهيار العصبي , سمعت عن بعد صوتا مألوفا , صوت المياه الجارية , أنحنت لتصغي بطريقة أفضل وكذلك فعل كارلوس مخاطبا أياها لأول مرة منذ ساعات , ألا أنها لم تسمع ما قاله بل أكتفت بالأيماءة والموافقة على ما قال حتى بدون أن تفهم ذلك.
بدا على وجهه الأرتياح , ربما أخبرها عن أقترابهما من ملجأ يقضيان ليلتهما فيه مكان تغتسل فيه وتشرب الماء وأخيرا لتأكل , قد يوجد بعض السكان هناك حيث يستطيعان تناول بعض الطعام المطبوخ , تماشيا مع أفكارها , نكزت حصانها بقوة لتدفعه للسير بسرعة ومتابعة حصان كارلوس.
أصبحت الأحراش أقل كثافة , أرتفعت معنوياتها وأحس الحصان بذلك , فتحرك بسرعة أكبر , ها هي نهاية اليوم الأول , المتعب , قريبة , كل ذلك جعل خيبتها أعمق حين عثروا على مصدر الصوت , جدول ضحل مجراه يشير الى منبع بعيد , كان ذلك كل ما عثرا عليه , لا شيء آخر لا ملجأ ولا ناس ولا طعام , نظرت سوزان حولها فوجدت كارلوس مترجلا عن حصانه ويريد مساعدتها لتحصل على بعض الراحة, سألت سوزان بألحاح:
" ما هو هذا المكان؟".
" أنه مجرد مكان وسنبقى الليلة هنا , فقد أصبح الظلام شديدا".
حاول جهده أن يطمئن مخاوفها.
" هنا؟".
سألت سوزان وكان رعبها شديدا الى حد لم تستطع معه أخفاءه.
" لكنك قلت أن هناك أماكن تقدم فيها بعض الخدمات , ولا أرى أي شيء يشبه ذلك هنا".
أجاب كارلوس بشكل غير ودي:
" نعم , هناك مثل تلك الأماكن , ولكن يتطلب الوصول اليها أمرا طويلا , ما نحتاجه الآن , هو النار وسنقضي الليلة في خيمة جلبتها معي".
" خيمة؟".
سألت سوزان ولم تتذكر أنهما تحدثا عن خيمة من قبل , لا بد أنها صغيرة ما دام كارلوس قد وضعها طوال الوقت على صهوة حصانه.
أنتابها أحساس بالغثيان حتى تخيلت نفسها تشارك كارلوس خيمة واحدة , مهما كان حجم هذه الخيمة في هذه البرية الموحشة.
قالت:
" رغم متاعب السفر أفضل مواصلة السير على البقاء في بقعة موحشة كهذه".
" لسوء الحظ يا سنيوريتا , لن نستطيع ذلك , ويتطلب الأمر قضاء الليلة كلها سائرين لنصل الى أقرب مكان مأهول".
ولأن معارضتها لم تنفعها , قررت سوزان أن تتظاهر بالهدوء وألا تدع كارلوس يحس بمخاوفها , ثم أن كارلوس لم يحاول حتى الآن أيذاءها , ففكرت أن مخاوفها مجرد أوهام , ومن الأفضل التصرف بشكل طبيعي معه , أن ما يخيفها هو المكان , الظلمة , المياه الضحلة وصوتها البطيء , ولم تتصور أن كارلوس القميء يستطيع أيذاءها , وقررت أن الخطأ وقع حين لم تناقش معه تفاصيل الرحلة وضرورة العثور على مارك بأسرع وقت ممكن , فلا مجال هنا لتلك الأسباب , لكي تلوم كارلوس على أصراره في الحصول على بعض الراحة.
قال كارلوس:
" أنه مكان جيد يا سنيوريتا ومن الأفضل أن نبقى هنا , سأحضّر النار".
ثم أضاف مبتسما:
" في أستطاعتك قضاء الليلة لوحدك في الخيمة".
تصرف كارلوس بدقة كعادته , فخلال فترة قصيرة نصب الخيمة لها ثم هيأ النار ووضع قدرا مملوء بالماء عليها.
شعرت سوزان بالبرد فأعطاها كارلوس بطانية لفتها حول كتفيها وواصلت شرب قهوتها , كان للنار تأثير ساحر كاد أن يدفعها للنوم ألا أنها حاولت جهدها البقاء مستيقظة , وفكرت أن من واجبها على الأقل مساعدته في أعداد العشاء , أرادت أن تسأل كارلوس عن مكانهم بالضبط وأتجاههم وما بقي للوصول الى ديابلو , ألا أن تعبهاالشديد حال دون ذلك كله.
تمنت وجود شخص تشاركه الحديث عما جرى لها خلال الأيام الأخيرة , رحلتها والمصاعب التي تعرضت لها وحتى مخاوفها وشكوكها , ألا أنها لم تكن راغبة في مشاركة كارلوس أي نوع من أنواع الحديث والمجاملة , وتصورت وجهه المثير للسخرية وهي تقص عليه مشاعرها , ففضلت الصمت على ذلك.
كانت سوزان غارقة في أفكارها الى حد أنها لم تشعر بتحركه من مكانه وأقترابه منها , فأفترضت أنه يريد سؤالها عما أذا كانت تريد مزيدا من القهوة , فمدّت يدها لتعطيه الكوب , ألا أنه ركل الكوب فتناثرت القطرات الباقية منها على البطانية , حدقت فيه وأدركت للمرة الأولى سبب أحساسها بالقلق , وجّه اليها نظرات شهوانية.
بعد ذلك قضت بعض الوقت تتقاتل معه وتمنعه من تحقيق نواياه السيئة , وفجأة سمعت صوت ضربات شديدة , فتحت عينيها ورأت كارلوس وقد أنطرح على الأرض رغم مواصلته التنفس بصعوبة.
لم تصدق ما حدث , ففي االظلمة , بدا حصان وفارسه , برزا من عالم منسي , حفر باللون الأسود , رأت بندقية الفارس منخفضة حين ترجل عن حصائه سائرا بأتجاهها.
عرفته سوزان حالا , كان ذلك فاتاس دي ميندوزا.

نيو فراولة 07-07-11 01:46 PM

4-ستكونين أمرأتي !


" كارلوس ! هل عدت الى ألاعيبك القديمة؟".
ركله دي ميندوزا ركلة قوية.
بدأ كارلوس يتكلم بالأسبانية , كلمات سريعة ومتلاحقة , ذات أيقاع رتيب , ورغم أن سوزان لم تفهم ما قاله بالضبط ألا أنها فهمت مجمل حديثه , وتملكتها الرغبة في صم أذنيها عن قباحة تبريراته , لم تستطع التحرك أو التكلم , بل أحست كما لو أنها تحولت الى حجر , كانت ترتجف فقط.
تعثرت الكلمات الأخيرة في فم كارلوس وتوقف ليستعيد أنفاسه.
خاطبها ميندوزا قائلا:
" يقول لي كارلوس أنك جئت معه الى هذا المكان بموافقتك الكاملة , هل هذا صحيح؟".
أنارت ملامح وجهه , بدا كأنه تمثال صب في زمن سابق لقدوم الغزاة الأوائل الى كولومبيا , لم يكن في وجهه ما يشير الى أنسانيته غير رقعة سوداء على أحدى عينيه.
" لم الصمت يا سنيوريتا؟ ألا يقال في بلدك أن الصمت علامة الرضى؟ أما أذا كنت قد قاطعتك بتدخلي , فأنا أرجو المعذرة".
رفع يده الى قبعته ذات الحافات العريضة وظهر كأنه على وشك أن يبتعد.
" كلا , أنتظر ,لا تذهب رجاء , صحيح أنني جئت معه بمحض أختياري ولكن ما قاله غير صحيح , ما حدث أنني أستأجرته كدليل ليأخذني الى ديابلو , وهذا كل شيء".
أرتجف صوتها خوفا , ماذا سيحدث أذا لم يصدقها , وماذا شرح له كارلوس , هل أخبره أنها كانت تعلم بمخططه لمحاولة الأعتداء عليها , وأنها كادت الموافقة على ذلك؟
أستدار ميندوزا بأتجاه كارلوس شاهرا البندقية في وجهه , تعثر كارلوس لمرأى فوهة البندقية وتوسل بصوت مسوع , كان العرق واضحا على وجهه , وكان الخوف باديا عليه.
" ماذا , ما الذي ستفعله؟".
صرخت سوزان.
لم ينظر اليها بل كان ينظر بأتجاه كارلوس.
" أنك لست المرأة الأولى التي تعاني على يد كارلوس , ربما سأسدي جميلا للعالم أذا ما تأكدت أنك ستكونين الأخيرة".
" أنك لا تعني ما تقول؟".
صرخت سوزان برعب وشك.
" أنني أعني ذلك ولدي السلاح اللازم وكذلك الأرادة.
" لكنك لن تفعل هذا , أنها جريمة قتل متعمدة لن تستطيع الهرب من عقوبتها مهما كان البلد الذي تسكن فيه ...... ثم أنه لم يفعل شيئا ...... وأنت تعلم ذلك".
" نعم , أعرف ذلك , ولكن ما الذي كان سيحدث لو أنني تأخرت نصف ساعة؟ أعتقد أن كارلوس أراد أن يأخذك معه الى الحدود الفنزويلية حيث لديه مجموعة من الأصدقاء وحيث لن يسمع عنك أحد بعد ذلك ما لم يكن لك أصدقاء يواصلون البحث بشكل دوريات في بيونيس أيرس أو كاراكاس".
سرت رعشة عميقة في جسدها وتذذكرت كيف أعتادت سماع قصص كهذه بأعتبارها حكايات نسوة عجائز ولم تصدق أن مصيرا كهذا سيكون في أنتظارها ذات يوم.
قالت سوزان:
" رغم ذلك , فأنه لا يستحق القتل".
نظر اليها للحظات مفكرا ثم قال لكارلوس:
" أنك رجل محظوظ حيث منحتك السنيوريتا حياتك , لو كنت في محلها لما كنت كريما الى هذا الحد , الآن أبتعد عنا ولكن قبل أن تذهب أعطني حزامك".
حين لاحظ تردد كارلوس أضاف:
" لا أعتقد أن الخجل جزء من شخصيتك أيها الضئيل , أنزع حزامك ولا تدعني أنتظر فترة أطول".
ثم واصل دي ميندوزا كلامه قائلا:
" كما تعلم , هناك مكان مأهول على مبعدة أميال من هنا , واصل السير في أتجاهه ولا بد أن هواء الليل البارد سيساعدك على تهدئة مشاعرك , ولا تدعني أرى وجهك القبيح في أسانكشن مرة أخرى".
أبتعد كارلوس عن الطريق بسرعة محاولا المحافظة على بنطاله في مكانه , للحظات أصغيا الى صوت خطواته المبتعدة , ثم عاد الى الليل سكونه.
منتديات ليلاس
أسترخت سوزان لفترة من الوقت , وأدركت أنها على وشك أن تتقيأ , أبتعدت عن دي ميندوزا وأختفت في الظلام , أذ يكفي ما أنتابها من أحاسيس حتى ذلك الوقت بدون الحاجة الى أن يراقبها وهي تتقيأ , وعندما تخلصت من نوبات التقلص في معدتها , بدأ جسمها بالأرتجاف من الرأس حتى القدمين كرد فعل مفاجىء وأحست بأنه موجود الى جوارها.
" أرجو أن تتركني لوحدي".
توسلت بصوت مختنق:
" لا تكوني حمقاء , أشربي شيئا من هذا".
ناولها قدحا فضيا.
(هل هو هدية أخرى من أمرأة ثرية؟ ) تساءلت وهو يناولها القدح , شعرت بالحرارة تسري في أعماقها , كان ذلك تأثير ذلك المشروب الغريب, ثم توقفت عن الأرتجاف جلست بأعتدال وأحاطت نفسها بالبطانية وقالت في صوت صاف:
" شكرا جزيلا".
" يا للمسكينة , أي جهد بذلته لتنطقي كلمتين , تعالي وأجلسي قرب النار لتحصلي على بعض الدفء".
راقبته سوزان وهو يضيف بعض الحطب على النار , يعد المزيد نت القهوة , ولم يهتم بطلبها ألا يضيف السكر الى قهوتها بل ناولها الكوب وهو يقول:
" أنك ضحية صدمة قوية"

نيو فراولة 08-07-11 10:21 AM

فكرت بأن ما قاله حقيقة ولعل أكبر صدمة تعرضت لها كان ظهوره المفاجىء , سألته:
" كيف أستطعت العثور علينا؟".
كان يقوم بربط الحصان , ثم فرش بطانية له في الجهة الأخرى من النار , وقال:
" لم يكن الأمر صعبا".
أجاب وهو يستلقي على البطانية , يجذب حافة قبعته ليغطي عينيه ثم أجاب:
" تبعتكما طوال الطريق".
" تبعتنا؟ ولكن لماذا؟".
" ليس من المفروض أن تسألي هذا السؤال , كارلوس معروف بسلوكه السيء , وقد رآكما عدد من السكان في أسكانكشن".
" بدا لي مجرد رجل ضئيل وساذج".
الحية أيضا تبدو أليفة حين تكمن في الأحراش , تقدمي اليها وستدركين خطأك , لو أنك سألت أي شخص لأخبرك بحقيقة كارلوس , مع ذلك , أندفعت الى الغابة مع رجل لم تعرفي عنه أي شيء , هل أنت حمقاء دائما مع الرجال؟".
" كان خطأ طبيعيا".
أجابت ببرود ثم أضافت:
" كنت في حاجة الى دليل وقد تقدم هو عارضا خدماته , أعتقد أن صديقك صاحب الفندق راميريز , كان قد أخبره بحاجتي تلك".
" أن لراميريز أخطاءه , ألا أنه ليس أحمق الى حد تسليم حمل بريء الى نمر هائج , بالعكس فقد فكر خوان راميريز بأنك سالمة تحت رعايتي".
فكرت سوزان قد تكون مجبرة على الأمتنان له بعد أنقاذه لحياتها , إلا أنها لم تكن مستعدة لتقبّل شعوره , كرجل , بالتفوق عليها كأنثى.
ثم أجابته بتهكم:
" الى أحد حد يمكن أن يكون الأنسان مخطئا؟".
أشعل دي ميندوزا سيكارة ثم نظر اليها بالتهكم نفسه مذكّرا إياها , بصمت وبلا جهد كبير باللحظات التي كان لطيفا فيها معها.
تململت سوزان في بطانيتها ثم حاولت الأبتعاد قليلا عن النار الملتهبة , ربما لكي تخفي مشاعرها.
نجحت أخيرا في سؤاله:
" ما الذي ستفعله الآن؟".
أجابها بلا مبالاة:
" سننال قسطا من الراحة هذه الليلة , وفي الصباح سنبدأ رحلة العودة الى بوغوتا".
" أنا لست عائدة الى بوغوتا , بل سأذهب ال ديابلو كما أخبرتك من قبل , أريد العثور على أخي".
أجاب ميندوزا :
" يا له من أخ محظوظ , ألا أن هذا لن يغير شيئا , ديابو ليست مكانا صالحا لأمرأة , وخاصة أذا كانت ساذجة وتتصرف مثل طفل عنيد:.
" أعترف بسلوكي الخاطىء مع كارلوس , ولا أعتقد أنني سأخدع للمرة الثانية".
" كلا! هل تستطيعين أخباري عن مكانك الآن ؟ أشك في ذلك حتى لو أعطيتك الخارطة الموجودة في جيب سترتي , وعدك كارلوس بأن يأخذك الى ديابلو إلا أنه ما كان ليخاطر بحياته ليذهب الى الجحيم , لقد قادك في الأتجاه المعاكس منذ ساعتين على الأقل وأنت لم تلاحظي حتى ذلك".
" ولكنك تعرف ديابلو وفي أستطاعتك أخذي الى تلك المنطقة".
" وما الذي يدفعك الى الأعتقاد بأنني سأخاطر بحياتي للذهاب الى ديابلو؟".
فأجابت :
" لكنك دليل ماهر وعليك أن تقوم بعملك لتحصل على وسيلة مالية لمعيشتك".
قال ميندوزا :
" هل تستطيعين دفع السعر المطلوب لخدماتي؟".
" لا أدري".
قطبت جبينها مهمومة , أنه أمر فكرت فيه كثيرا خاصة وأن كارلوس أخذ منها كل ما تملك تقريبا , في أستطاعتها أن تدفع ما سيطلبه في بوغوتا , ولكن ماذا أذا أصر دي ميندوزا على أخذ أجره مقدما كما فعل كارلوس؟".
قالت سوزان:
" ليس في أمكاني دفع أجرتك بأكملها الآن لكنني سأدفع البقية عند العودة الى بوغوتا".
أندفعت لأتمام حديثها بسرعة حين رأته يهز رأسه علامة للرفض:
" أوه , أرجوك أضغ الى ما سأقوله ... أنني في حاجة ماسة للذهاب الى ديابلو في أسرع وقت ممكن وسأدفع لك ما تطلبه لدى العودة لأنني لا أملك المبلغ اللازم الآن , وعليك أن تثق بما أقوله".
ثم أسرعت تقول:
" ماذا؟ هل تضحك عليّ؟".
" نعم الى حد ما , أخبرتك أنك ساذجة أليس كذلك يا سنيوريتا ؟ وإلا صدقت أنني تبعتك النهار كله لأنقاذك من مصير أسوأ من الموت؟".
" لا أفهم ما تقوله".
" حقا؟ كارلوس فهم أحسن منك , حيث أعتذر مني قبل أن يتركنا لأنه حاول مس أمرأتي".
فأجابت سوزان بصوت متكسر:
" لكنني لست أمرأتك".
" ليس الآن ولكنك ستكونين , لأن هذا هو السعر الذي أطلبه لأخذك الى ديابلو".
ساد الصمت بينهما لفترة وظلّت كلماته تتردد في رأسها كدوامة لا نهاية لها , دوامة بلا معنى.
قالت أخيرا:
" لكنك...... لكنك لست جادا فيما تقول؟".
" لم أكن جادا مثل الآن , طوال حياتي , لم تشكّين فيما أقول ؟ صحيح أنني وصفتك كطفلة ألا أنك في سن تسمح لك بفهم ما أريده منك , وكما أدركت ذلك حين كنا في أسانكشن".
" كلا , لم أدرك ذلك".
أجابته بحدة بينما أطلق ضحكة عالية.
" ظننت أنك ممثلة , أرجو أن تؤدي أدوارك على المسرح بطريقة أكثر أقناعا , تخيّلي أ, أذا أردت , أنني أعرض عليك دورا , وهو أن تكوني زوجتي".

نيو فراولة 08-07-11 04:58 PM

أنتظروا باقي الرواية قريبا

زهرة منسية 08-07-11 05:42 PM

فى أنتظارك يا قمر

سومه كاتمة الاسرار 09-07-11 12:53 AM

لالالالالالالالالالالالالالالالالالا حراااااااااااااااااام وينها التكمله
:52::52::52::52::52::52::52::52::52::52::52::52::Taj52::Taj5 2::Taj52::Taj52::Taj52::Taj52::Taj52:
بليييييييييييييييييييز كمليهااااا:f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63: :f63::dfghd654::dfghd654::dfghd654::dfghd654::dfghd654::dfgh d654::dfghd654::dfghd654::dfghd654:
:8_4_134:

عطني روحي سيدي 09-07-11 06:08 AM

يااربي حمستينااااا حييييل و وقفتي
كمليهاااا بليزززززززز

نيو فراولة 09-07-11 07:40 PM

أجابت بسرعة :
" أنه , بالتأكيد أقصر دور في تاريخ المسرح , كلا شكرا , لكن الدور لا يثير أهتمامي".
" كما ترغبين , سنعود أذن الى بوغوتا في الصباح".
" في أمكانك التوجه الى هناك حينما تريد لكنني سأذهب الى ديابلو , لوحدي أذا أقتضت الضرورة".
" أوه , كلا , لن تكوني لوحدك فترة طويلة , أذ قد تعثرين على كارلوس في طريقك وأنا متأكد بأنه على أستعداد للأتفاق معك من جديد".
" أيها النذل".
أرتجف صوتها بغضب ومرارة في آن واحد.
" رائع يا سوزان , لقد نطقت بمشاعر حقيقية , ولكن أذا ظننت أنك بهذا تستطيعين أقناعي بمرافقتك الى ديابلو بلا دفع , فأنت مخطئة , لقد أوضحت لك شروطي والأختيار متروك لك الآن".
" أنك مجنون , مجنون لأنك لست في حاجة الى أمرأة , فأنت جواب , أنت متجول طوال عمرك".
" شكرا يا سنيوريتا".
أحنى دي ميندوزا رأسه أمامها.
" في أستطاعتك نيل اي أمرأة تريدها , فلم ترغب أن تغير خططك معي ؟ كل ما ستحصل عليه , أذا أجبرتني , هو أن أكرهك الى الأبد".
قال دي ميندوزا:
" أنني لا أجبرك , أين هي القوة التي أستخدمتها حتى الآن معك , أنني حتى لم ألمسك , أنك تتخيلين أشياء غريبة بضمنها الكراهية , ولكن حين يأتي الوقت الملائم , سأعلمك ألا تكرهينني , أعدك بذلك".
" ربما كانت كلمة الكراهية كبيرة , أن ما أحس به أتجاهك هو اللامبالاة ولا أظن أنك ستقضي حياتك مع أمرأة لا تستجيب لك بأي شكل من الأشكال؟".
" هل تتحدينني ؟ أذا كان الأمر كذلك فأنا أقبله , وشنضع الجليد الأنكليزي في مواجه النار الأسبانية , فهل ستخمد النار أم سيذوب الجليد؟".
" لقد أعطيتك الجواب".
ثم سحبت نفسا عميقا قبل أن تواصل حديثها:
" حسنا يا سنيور , أنني أقبل شروطك , خذني أذن الى ديابلو لأجد أخي".
" حسنا أذن , لا تأملي بأنتصار الجانب الطيب في شخصيتي أو بأختفائك قبل أن تسددي الحساب , أنه أمر لن يحدث ولن أدعه يحدث".
منتديات ليلاس
نظرت سوزان الى الجهة الأخرى تحاشيا لنظراته , أصغت الى دقات قلبها البطيئة كأنها على وشك الأختناق , هل قدّر لها الألتقاء برجال يرغبون بجسدها فقط؟ ألن تلتقي بأنسان يحبها لذاتها ويفكر بها كأنسانة أكثر من مجرد جسد؟
رغم الألم االذي سبّبه الناقد ( لي ) وما كتبه عنها وعن برودتها فأنها أملت أن تلتقي ذات يوم برجل يهتم بأكتشاف حقيقتها الخافية خلف المظهر , ولكي تتخلص من أفكارها هذه , تحركت من مكانها قليلا , فكرت سوزان , أي علاقة بين شروط دي ميندوزا والحب المنشود؟
لا بد أن حلمه الوحيد هو أرضاء رغباته ولا وجود لما يدل على أهتمامه بالحب وأذا كان يظن , للحظة واحدة , بأنها سترضخ لمطالبه بعد وصولها الى ديابلو ولقاء أخيها , فأنه لن يكون مغرورا فحسب , بل أحمق وسوف يستحق الصفعة التي تحلم بمنحه إياها.
قال ميندوزا:
" حان وقت الذهاب للنوم حيث سننهض مبكرا في الغد".
نظرت اليه مندهشة , أذ أختفت , من صوته السخرية وعاد يتحدث ببرودة , وفي شكل عملي , أملت أن يتصرف هكذا لحين وصولهم الى ضالتهم المنشودة , قررت أن لا تقلق بعد الآن وحتى ذلك الحين.
فجأة قال دي ميندوزا:
" تبدين مندهشة".
نهض من مكانه بتثاقل ودار حول النار ليقف في مواجهتها , وقال:
" هل توقعت أنني سأطالب بجزء من أجرتي الآن؟".
" كلا , بالطبع كلا".
أجابت سوزان وهي تدير وجهها نحو الجانب الآخر .
ضحك وأمسك بذراعها قائلا:
" أنك تثقين بالآخرين بسرعة , ألم تعلمك تجربتك الأخيرة غير ذلك ؟ ولكن لا تقلقي الآن , فحين يحين الوقت الملائم سأرغب أن تهتمي بي بشكل كامل , بلا خوف".
قالت سوزان:
" لنحسم أمرا واحدا وهو أنني لست مستعدة للأهتمام بك , والأن أذا سمحت وتركتني قليلا فأنني أرغب في جلب شيء من جيب سرجي"." ماذا تحتاجين ؟ مسدس؟ ربما لتدافعي به عن نفسك أو لتقتليني به".
" قد أكون ممثلة يا سنيور , إلا أنني لا أحب الميلودراما , أنا في حاجة الى شيء أكثر ضرورة الآن , بحاجة الى قميص أستبدل به قميصي الممزق".
منتديات ليلاس
قد يشعر بعض الرجال أن ما فعلته أغراء , ألا أنها أدركت أن الأمر مختلف مع دي ميندوزا حيث سيفهم أن ما قامت به هو دليل على عدم مبالاتها به وتمنت أن يجرح سلوكها كبرياءه.
قالت سوزان:
" أخبرني حين تكتفي بما تراه سنيور , أو ربما تفضّل ألا تدعني أغيّر القميص , ربما يكون من الأفضل لك أن تأخذني الى ديابلو وملابسي نصف ممزقة؟".
رفعت سوزان عينيها الى وجهه بتساؤل بريء , ورأت لللحظة واحدة ما جعلها ترتاح تماما , رأت في عينيه غضبا أستطاع أخفاءه بسرعة , رغم أن أصابعه ضغطت بقوة أكبر على ذراعها.
" أنها دعوة مغريى , أعترف بذلك , ولكنك أخطأت في فهم شخصيتي ".
ثم أمعن النظر في وجهها المحمر وتساءل:
" ألا توافقينني الرأي؟".
" لا أعرف ذلك".

نيو فراولة 09-07-11 08:02 PM

أجابت سوزان وهي تبتعد عنه سائرة أتجاه الخيمة حيث وضع كارلوس أمتعتها الشخصية , غضبت لمرأى يديها ترتجفان حين كانت تبحث عن قميص ترتديه , أسدلت ستارة الخيمة وأستبدلت قميصها في الظلمة بعد أن كوّرت القميص الممزق في شكل كروي وفكرت أنها المرة الأولى التي ترتدي فيها ملابسها أستعدادا للنوم , ستنهض في الصباح وترمي ملابسها الممزقة في النهر أو تحرقها , ألا أنها لم تفكر بمغادرة الخيمة في ذلك الوقت المتأخر رغم أنها وثقت بوعد دي ميتدوزا بأنه سيتركها لتنال قسطها من الراحة بعد ما جرى لها في ذلك اليوم من مصاعب ومشاكل.
آه , قالت , سأجعله يدفع ثمن كلماته وأفعاله , أنا أعرف على الأقل ما يجرح كبرياءه , وسأستغل نقطة الضعف تلك الى أقصى حد أبتسمت في الظلام محيطة نفسها بفراشها من البطانيات.
ستتصرف معه بشكل طبيعي أولا ثم ستفرض ما تريده فيما بعد حين تكون تحت حماية مارك.
صمت أذنيها عن صوت في داخلها حذّرها من محاولاتها تحدي دي ميندوزا , تقلبت في الظلمة وحاولت أيقاف نفسها عن التفكير بتلك الطريقة بأغلاق عينيها بقوة محاولة النوم كآخر منقذ لها.
أيقظتها رائحة الطبخ اللذيذة , وقد أختلطت برائحة الحطب المحترق , فجلست وهي تحاول السيطرة على نفسها لئلا تتصرف مثل يتيم جائع واقف أمام مخبز , لم تستطع تحمين نوعية الطعام , لكنها لم تكن رائحة طبخ الخضار المعلبة وحلوى الرز , وضعت البطانيات جانبا ورفعت ستارة الخيمة بحذر.
كان الوقت مبكرا حيث غطى الضباب أعالي الأشجار والهواء كان باردا مما جعلها ترتجف قليلا على مبعدة منها , كان ميندوزا منشغلا بشوي السمك وشعرت سوزان أن العملية أستغرقت أنتباهه تماما , ألا أنه خاطبها بدون أن يرفع رأسه قائلا:
" الأفطار جاهز يا سنيوريتا".
نهضت واقفة وهي تمسد ملابسها , ورغم أحساسها بالراحة حيث نامت أفضل مما توقعت , وأستيقظت مسترخية الأعصاب , وأذ وقفت تحت الشمس شعرت بأن أطمئنانها كان سابقا لأوانه , ها هي تواجهه وشعره مبلل , لا بد أنه نهض قبلها بفترة طويلة ليستحم ويعد نفسه للرحلة.
" أفترض أنك أصطدت السمك بيديك العاريتين".
" آسف لأنني سأخيب أملك , كلا بل أستعملت السنارة مثل بقية البشر".
وسحب سمكة من النار ووضعها في صحن معدني.
" القهوة جاهزة أيضا , حاولي ألا تحرقي يديك".
" أنت تحتاط لكل شيء , أليس كذلك؟".
وشعرت بأنها عدوانية في كلامها , ألا أنها لم تستطع التحكم يذلك حيث فقدت أحساسها بالطمأنينة منذ أن وقعت عيناها عليه.
تناولت اصحن من يده وصبّت لنفسها بعض القهوة , كان الطعام رائعا ومعدا بخبرة ولم يكن لديها أي سبب لأنتقاده.
" هل تمانع أذا طلبت منك أرتداء ملابسك".
ضحك بقوة فنظرت اليه وهي تشعر بأنها تصرفت بطريقة حمقاء.
" نعم , يا سنيوريتا".
وضع صحنه على الأرض ثم أنحنى تحية لها قبل أن يبدأ بأرتداء قميصه .
" لحسن الحظ أنك لم تغادري خيمتك في وقت مبكر , فأنا لا أنام في كامل ملابسي مثلك ولا أستحم مرتديا ملابسي أيضا , في أي حال أرجو أنني لم أفسد شهيتك".
نظرت اليه بشك وهي تشعر بالسخرية في لهجته , ألا أن وجهه بقي كما كان , جامدا وبلا تعابير فقررت الأكتفاء بما قالته حتى ذلك الوقت وفضّلت مواصلة الأكل لأنها لم تأكل شيئا منذ ظهيرة اليوم السابق , كم تغيرت حالتها اليوم مقارنة مع ما كانت عليه البارحة , واصلت مضغ الطعام بآلية رتيبة.
" لا أعتقد أنني شكرتك بما فيه الكفاية لوصولك في الوقت الملائم يوم أمس , أود أخبارك أنني ممتنة لك".
أنهى مضغ آخر لقمة ورمى العظام في النار , ألتوى فمه قليلا وهو ينظر اليها , ثم قال:
" الأمتنان يا سنيوريتا ؟ ليس هذا ما أريده منك".
" ولكن هذا كل ما أشعر به نحوك".
أجابت بسرعة وأسرع مما توقعت.
وضعت صحنها على الأرض وأنحنت محدقة في النار وأنسدل شعرها .
" أعرف هذا , الليلة السابقة مرهقة , أننا أخذنا قسطا جيدا من الراحة , لا أصدق أنك عنيت ما قلته بالأمس".
" من الأفضل لك أن تصدقيه يا سوزان , فأنا عنيت كل كلمة لفظتها".
توقف كأنما توقع أستجابتها بشكل ما , ألا أنها بقيت صامتة , محدقة في النار كأنها تحاول تنويم نفسها مغناطيسيا.
أستمر بلا رحمة:
"أنا لا أوافقك الرأي بصدد العري في الصباح , حيث تبدين جميلة لحظة أستيقاظك بشعرك المنسدل وعينيك الكبيرتين تتألقان".
" كلا".
صرخت سوزان بأختناق:
" نعم , فكرت أنا أيضا في الليلة الماضية , ولكن بأتجاه مختلف".
وضحك قبل أن يواصل كلامه:
" يا كارلوس المسكين , لا بد أنه أعتقد أنك كنت هدية عيد ميلاده حين طلبت منه العمل كدليل".
قالت سوزان:
" لا تذكر كارلوس أمامي مرة أخرى , كذبت حين قلت أنني ممتنة لك , أنك في الحقيقة أسوأ منه".
" أن مقارنتك مبكرة وغير صحيحة".
" أنت تعرف ما أعني وأرجو أن توقف عن ترديد ملاحظاتك الساخرة".
أرادت سوزان أن تكون لكلماتها تأثير اللسعات وأن تؤذيه وتوقفه عن الضحك.
" أنك جميلة حين تغضبين يا سنيوريتا , حيث أستطيع أن أرى جزءا من عاطفتك الكامنة خلف قناعك البارد".
" شكرا , أرجو لا تتوقع مني الزهو بملاحظاتك".
فأجاب ميندوزا:
" يبدو أن توقعاتي أكبر من الواقع , والآن , بعد أن أنهيت أفطارك , لعل من الأفضل أن نتهيأ لمواصلة الرحلة , لكنني تركت جانبا بعض الماء الساخن لتغتسلي , لا أوصيك بأستخدام النهر لأن تياراته عميقة وقوية , والنهر مكتظ بمخلوقات أخرى".
تناولت سوزان الماء الساخن ووقفت بحذر:
" أنني شاكرة لك رعايتك , ولكن لو قررت الخيار بينك وبين الأسماك الضاربة , لأخترت الأخيرة بلا تردد".
أستدارت مبتعدة بخطوات ثابتة.

عطني روحي سيدي 10-07-11 04:55 AM

واااصلي عزيزتي متاابعه لك ..

فداني الكون0 10-07-11 11:56 AM

يعطيج العافيه على الروايه رهيبه

نيو فراولة 10-07-11 01:36 PM

5- أرجوك لا تلمسني........




قررت سوزان , رغم كلماتها الشجاعة , أنه من الأفضل أستخدام الماء الساخن , لم تكن ترغب السباحة في نهر له تيارات قوية لعلمها أنها ليست ماهرة في السباحة , ثم أنها لم ترغب بالسير أمام عدوها ملتفة بمنشفة صغيرة.
أنتعشت قليلا رغم ضيق المكان في الخيمة ثم مشّطت شعرها وشدّته قبل أن تضع القبعة , لم تعرف كيف تبدو وأكّدت لنفسها بأنها لا تهتم بل من الأفضل لها لو أنها بدت مخيفة , وخشيت أن يحاول دي ميندوزا أستيفاء أجره قبل الوصول الى ديابلو , وقبل أن تعتمد على حماية مارك.
في الحقيقة , كلّما فكرت أكثر , كلّما توصلت الى الأقتناع بأن دي ميندوزا سيحاول الحصول على ذلك لأنه , رغم عجرفته , ذكي وسيدرك أن أخيها لن يقف مكتوف اليدين متفرجا بينما هي تسدّد أتعاب الرحلة , عليها أذن , ألتزام الحذر طوال الوقت , في الوقت نفسه زرّرت أعلى زر في قميصها.
منتديات ليلاس
شعرت سوزان بتحسن فيما كانت تلف البطانيات حين خطرت في ذهنها فكرة طارئة بأنها تحتقره حين يكون على مبعدة منها , وأقنعت نفسها بأنه أفضل مثل لكل ما تكره من الرجال من عجرفة ورغبات, لم تكن تتحمل هذا النوع من الرجال , إلا أنها لم تنكر قدرته على أنتزاع أعجابها أكثر من أي رجل آخر قابلته في حياتها.
حاول كارلوس , بالأمس , الأعتداء عليها , الأمر الذي قد يتركها مهانة طوال حياتها , إلا أنها قررت أن محاولة كارلوس لم ترك أي أثر في عقلها , أما الذكرى المخجلة في ذهنها فكانت ما حدث لها في أسكانشن من نقاشات في غرفتها مع دي ميندوزا.
سمعت سوزان صوت ميندوزا وهو يقول:
" سوزان , هل ستبقين اليوم كله داخل الخيمة , حان وقت مغادرتنا".
حملت البطانيات بسرعة وخرجت من الخيمة , بدا ميندوزا أشبه بالقراصنة أكثر من أي وقت آخر , أذ أرخى قبعته على عينيه ليغطيهما , ووضع يديه على خاصرتيه , كل ما أحتاجه لأكمال تلك الصورة , صورة القرصان , في ذهنها , هو سيف أو مسدس قديم.
" أن أحتياطاتك فاشلة".
خاطبها ناظرا اليها.
" لم أحاول أي شء".
أجابته بكبرياء وصدق , وأضافت:
" إلا أنني مقتنعة بأنك لا تصدق إلا ما ترغب فيه".
أنحنى أمامها وأشار الى حصانها المعد للركوب , خطت بأتجاه الحصان وبدأت تحدثه بصوت منخفض , ويبدو أن الحصان كان يتوقع الحصول على بعض قطع السكر إلا أنها لم تكن تملك شيئا من ذلك.
تجاوزها ميندوزا حاملا الخيمة.
" سنستخدم حصان كارلوس لحمل المتاع اليوم , أذ لا فائدة أخرى لوجوده معنا".
" لا فائدة من كليهما , إلا أن حصانك جميل لا بد أن سعره غال".
أرادت , بعد أن لفظت تلك الجملة , أن تعض على شفتيها لكي تمنع نفسها من الكلام , خاصة وأن ما قالته بدا وكأنه تساؤل عن مصدر عيشه وسبل حصوله على المال , إلا أنه لم يتأثر بسؤالها.
" نعم كلّفني شراؤه الكثير , أنه يستحق ما هو أكثر من ذلك لأخلاصه وشجاعته , أنه من أحصنة لاينوس , حيث يمكن مشاهدة الأحصنة ذات السلالة العريقة ".
" لاينوس؟".
تساءلت سوزان :
" في مراعينا , تمتد الخضرة أميالا , يختفي العشب لأشهر ويظهر المكان مثل الصحراء , ثم يبدأ النمو من جديد , يقال بأنه مكان يستطيع الأنسان النسيان والعثور على حقيقته".
" يبدو أنك تعرف الكثير عن المنطقة".
" ذلك طبيعي لأنني ولدت فيها".
سألت سوزان .
" هل كنت راعيا للبقر؟".
" نعم كنت راعيا لفترة قصيرة حين تعلمت ركوب الحصان".
فسألت سوزان :
" أتفضّل الآن عملك كراع للبشر عبر الجبال؟".
كان سؤالا غريبا , إبتسمت لتلك الفكرة , يا له من سؤال سخيف.
ثم أضافت :
" لا بد أنك تفضل ذلك حيث الحياة أسهل والأجور مجزية".
نظر اليها بجفاف وقال:
" نعم يا سنيوريتا , ما تقولينه صحيح".
ثم أمتطى حصانه.
شعرت بخيبة أمل , أذ رغبت بإثارة غيظه وظنت أنه سيناقشها مدافعا عن عمله وأسباب أختياره له , ولكن ربما لم يكن في أمكانه الدفاع عن إختياره ففضّل الصمت.
" هل تفضّل العودة الى هناك؟".
قالت تلك الكلمات متسائلة وهي تمتطي حصانها.
" ربما".
فنظرت اليه وهي تقارن مستواه بمستواها.
سألت سوزان مرة أخرى:
" ألأجل أن تنسى ماضيك؟".
" ربما , أو ربما لأجد مستقبلي , من يدري؟".
منتديات ليلاس
لم يكن ذلك هو الجواب الذي توقعته سوزان , شعرت بالغضب وهي تتبعه طوال ضفة النهر , وحين وصلا مكانا أستطاعت الأقتراب منه , لاحظت سيماء العداء على وجهه , ظنت أن أسئلتها دفعته الى أستعادة بعض ذكرياته المؤلمة وشعرت بالأسف لذلك , خاصة وأنه لم يعد يتكلم معها.
أرادت أن تسأله أكثر إلا أنه بدا منغلقا على نفسه بشكل غريب ولم ترغب في مقاطعة أفكاره.
أحاطهما هواء الغابة الرطب من جديد , وتابعا التسلق ببطء وثبات وكان مسارهما عبارة عن سلسلة من المسارات الملتوية مما أشعرها بالدوار , تخلّل ذلك مرورها بأحراش ذات عطور نفّاذة وفكرت أن في أمكانها جني ثروة طائلة أذا ما أستطاعت تعبئة هذه العطور في زجاجات وباعتها في شارع بوند المشهور في لندن.

نيو فراولة 10-07-11 01:37 PM



مضت ساعة على بدء رحلتهما حين أصبح الجو حيا , آلاف الأجنحة الصغيرة المرفرفة وزقزقة وغناء آلاف الطيور الصغيرة.
سألت سوزان فجأة :
" ما هذا؟".
" أنها الطيور الطنانة , هناك الآلآف منها في هذا المستوى من الأرتفاع , حيث الظروف ملائمة لمعيشتها ".
أحست بالأرتياح لخرقها الصمت على الأقل , رغم جوابه المقتضب وأستغربت لتناقض مشاعرها , أذ ربما الأفضل لها بقاؤه صامتا وعليها ألا تسترعي أنتباهه ولكنها علّلت نفسها بأن ما فعلته ناتج عن فضولها في معرفة تغيره المفاجىء.
حوّله صمته الى لغز رغبت بحلّه.
شعرت أن طنين الطيور حولهما إنما هو صدى لحيرتها وأختلاط أفكارها , ورغم إبتعاد ميندوزا مسافة غير قصيرة عنها , لم تحاول اللحاق به معتمدة ملاحظة الجمال الغريب المحيط بها لوقت أطول , الأشجار طويلة , وجذب نظرها حرش معين إكتظ بالزهور المتألقة مثل الشعلة في مكان خافت الأضواء.
" لا أستطيع القول بأنك دليل جيّد يا سنيور".
قالت سوزان, ثم أضافت حيث لحقت به.
" ألا تزوّد زبائنكعادة , ببعض المعلومات عن الظروف الطبيعية المحيطة بهم؟".
فأجاب ميندوزا:
" ما طلبته مني هو إيصالك الى ديابلو يا سنيوريتا , أما أذا كنت راغبة في نزهة أستكشاف نباتية , فكان من الأفضل تقديم طلبك الى شخص آخر".
" آسفة جدا يا سنيور لأنني لم أفعل ذلك".
" وها أنا أشعر بالأسف لأنني لم أترك لرحمة كارلوس , رغم أن أهتمامه بعلم الحياة لا يتعدى معرفته للأسماء منها فقط".
عضّت شفتها , وأثارت جنونها خسارتها الدائمة معه مهما حاولت أثارة غيظه وحذّرت نفسها بأن الأمر أسوأ , أذ أنه مهين لكرامتها أيضا , صحيح أنها أجادت دور الفتاة الجيلدية في لندن , وأستطاعت التصرف بطريقة أوحت ببرودته , كما وصفها ( لي ) وسلوكها المحيّر وساعدها في ذلك جمالها وقامتها الطويلة , مما نجح في دفع أي رجل للتفكير أكثر من مرة قبل التقرب منها , رغم كل شيء , لا يبدو أن دي ميندوزا قد تأثّر في أي شكل من الأشكال.
خاطبته قائلة بإعتدال:
" ربما من الأفضل عقد الصلح بيننا يا سيد دي ميندوزا".
" ولم يتوجب علينا ذلك يا سنيوريتا كريتشتون؟".
" لأنني فكرت بما أن القدر يجبرنا على البقاء معا لبعض الوقت فربما من الأفضل التصرف كأصدقاء".
أجابت رغم عدم توقعها لرفضه.
" هل تحاولين أخباري بأنك رضخت أخيرا لقدرك؟".
" أنني أتحدث عن الرحلة الى ديابلو , وليس عما سيحدث أو لا يحدث حتى تصل هناك".
" كلامك يعبّر عن الشك في نواياي , أذا كان الأمر كذلك , لا تخدعي نفسك , أنني مدرك تماما لطبيعة أفكارك الأنثوية التي تحتل ذهنك في الساعات الأخيرة ".
" لا أعرف ما تعنيه؟".
" كلا ؟ إليك شيء لتفكري به ما الذي سيحدث أذا وصلنا الى ديابلو ولم نجد أخاك هناك؟".
شحب وجهها , ذلك أحتمال تحاشت التفكير به في الآونة الأخيرة لأنشغالها بالحالات التي مرت بها , وواصل حديثه ببرود:
" أحذّرك يا سوزان , لقد وافقت على أخذك الى ديابلو لتجدي مارك , ولكن أذا حدث وأنه لم يكن هناك, فأنني لا أعتبر شوط أتفاقنا منتهية".
" لكن لا بد أن يكون هناك".
أجابت سوزان , فأنحنى دي ميندوزا متسائلا:
" لم ؟ كي تلجأي اليه وتتخلصي مني؟ هل تظنين بأنني سأسمح بذلك؟".
" لا يهمني الحصول على موافقتك , أخبرتك في أسانكشن سبب قيامي بالرحلة , أريد العثور على مارك لأن جدي مريض ويريد رؤيته , ربما كان يحتضر الآن بينما أضيع وقتي في محاولة أقناعك , ذلك سبب مجيئي الوحيد ولن أعود ما لم أحققه حتى لو أقتضاني الأمر الذهاب الى نهاية العالم".
ساد صمت بينهما ثم قال بغيظ:
" كيف وافق جدك على أرسال فتاة مثلك الى رحلة خطيرة؟".
" في الحقيقة أعتقد أنك وجدّي تتشابهان في كثير من الصفات , أنه أيضا يعتبر المرأة آداة للطبخ والتزيين والمتعة".
" لا تهمني قابليتك في الألقاء المسرحي يا سوزان , أنا أبحث عن شيء أكثر أثارة من ذلك".
" سأخيّب أملك أذن".
" لا أتقد ذلك , أذن , أذا كان لجدك نظرياته تلك عن المرأة فما الذي تفعلينه هنا؟ أنا متأكد أنك لم ترغبي المجيء برضاك".
"لم لا ؟ صحيح أن الأحداث أخذت مسارا غير متوقع , إلا أنك لا تستطيع أن تلومني أو تلوم جدي على ذلك , ثم أنني أردت المجيء لأنه طلب مني ذلك , لا أدري أذا كنت رب عائلة يا سنيور , ولكن أذا كان الجواب أيجابا فلا يخفى عليك ما للعائلة من أحترام وحقوق لا تستطيع أيفاءهما بمجرد التهرب, ثم..........".
وترددت فقال ببرود:
" أرجوك , أتمي كلامك".
شعرت بأن كلماتها ربما أذته , خصوصا ملاحظاتها عن العائلة وحقوقها وقالت:
" أنها المرة الأولى التي يطلب فيها جدي أي شيء مني , المرة الأولى التي يعترف فيها بأنني أنسان بدلا من دمية جميلة".
" هل يهمك هذا؟".

نيو فراولة 10-07-11 09:52 PM


أستدار ميندوزا وحدّق في وجهها , ثم أضاف:
" لذلك كنت مستعدة لنبذ كافة الأعتراضات ؟ ألم يخطر على بالك بأنك تعرضين حياتك للخطر؟".
" كلا".
أجابت سوزان بدهشة , ثم أتمت كلامها:
" أهتمامي الوحيد الى جانب أرضاء جدي , هو مهنتي".
" آه , نعم , هل تهمك مهنتك كثيرا؟".
" أنهاتعني كل شيء في حياتي".
أجابت بأختصار.
" كل شيء ؟ أخبريني , ألم تلتقي برجل دفعك للأحساس بأن هناك حياة أخرى أكثر أقناعا من تمثيل حياة الآخرين على المسرح؟".
مرت في ذهنها ملامح ( لي ) ثم أختفت بسرعة , كم شفي جرح قلبها بسرعة بعدما ظنت أنه غير قابل للشفاء , ربما كان جرح كبريائها أعمق من قلبها.
" كلا لم يكن هناك أحد".
قالت ذلك وهي تتعجب من أعترافها بذلك , ربما كان من الأفضل اخباره عن مجموعة من العشاق الوهميين , ألا أنها أضافت قائلة:
" تكلمنا ما فيه الكفاية عني , ماذا عنك يا سنيور ؟ هل لديك زوجة شابة هادئة مخفية في مكان ما؟".
" لم تسألين عن ذلك يا سنيوريتا؟ هل خشيت معرفتها بك وأثارتها الفضيحة لغيرتها منك؟".
" كلا , أطلاقا".
أحست بدقات قلبها تتزايد , وقالت:
" رغم أنني واثقة بأن أي أمرأة حمقاء توافق على مشاركتك حياتك , لا بد أن تكون معتادة على مثل هذه المشاهد".
" في هذه الحالة , لحسن الحظ لا تزال السيدة دي ميندوزا صورة رسمتها في خيالك , يبدو وكأنك أرتحت للفكرة؟ هل تضايقك فكرة زواجي؟".
" كلا , ولم تضايقني؟".
تساءلت سوزان بلا مبالاة.
" لم حقا؟".
وافقها ميندوزا وهو يدير وجهها بأتجاهه , فأستدارت الى الجهة المعاكسة بدلا من ذلك.
" لا تلمسني أرجوك".
" هل يضايقك ذلك أيضا؟".
" كلا , كل ما في الأمر أنني أكره التحديق في وجهي".
" كل هذه الضجة حول لمسي أياك عرضيا , هل تفضلين الأمر أذا أنزلتك عن حصانك؟".
" كلا".
صرخت سوزان صرخة عنيفة تخللها أحساس بالعار.
" لا تثيرينني أذن بتظاهرك أنك لا تحبينني , كلانا يعلم أنك تكذبين , وأن تظاهرك يجعل الأمر أكثر صعوبة لك".
أحست كأن النار تلتهب في داخلها وأمتلأت عيناها بدموع الغضب , كل هذا جاء نتيجة لفقدانها السيطرة على نفسها , لو أنها حافظت على وعيها وصفعته بدلا من ذلك لما كانت في حالتها الحالية المؤسفة , ألا أن الشيطان غرس في نفسها التخاذل والأستسلام فتحوّلت الى لعبة بين يدي هذا الدليل الغامض , أذ ليس من المعقول أن تكون للحظة ضعف واحدة مثل هذه القوة وأن تقودها الى حافة الكارثة تقريبا , الأكثر من ذلك لم تستطع التفكير بأي من صديقاتها.
لم تراودها هذه الأفكار؟
منتديات ليلاس
لم يكن دي ميندوزا مهتما بأحاسيسها , بل كل ما أراده هو خضوعها له ولفترة قصيرة , وشحت متحققة لأول مرة نت مسار أفكارها ولفكرة واحدة بالأخص وهي أنه أذا أستطاع دي ميندوزا التحكم بها فأنه سيستمر في ذلك مرة واحدة والى الأبد , أذ أنها لن تمر معه بمرحلة وسطية , بل سيلي ذلك الفراق وسوف يقتلها الألم , خاصة وأنها ستقع في شباك حبه ولن يكون الأمر مجرد ممارسة للعواطف , بل ما هو مؤكد هو أن لا مستقبل لها مع ميندوزا .
نتيجة لأفكارها المشوشة أرتخت قبضتها الممسكة بلجام الحصان , وكادت أن تقع لولا أن ميندوزا أمسك بها حتى أستعادت توازنها.
قال ميندوزا :
" أسرع طريقة لكسر عنقك هو أن تحلمي وأنت تمتطين حصانك , ربما كنت تريدين ذلك؟".
كانت لا تزال في حالة الدوخة بسبب أدراكها لما حدث , لعله لاحظ أرتباكها .
" كلا , لأنني لا أعتقد أنك أو أي رجل آخر أسوأ من الموت".
فأجاب ميندوزا:
" تذكري أذن أن تحتاطي أذ أن رقبتك المكسورة لن تعيق كل شيء".
فكرت أن ما سمعته يشكل تحذيرا مخيفا فدفعت حصانها الى الأمام محاولة صعود المنحدر.
توقفت لفترة الغداء في ساحة ظللتها أحراش عالية , ألقى دي ميندوزا نظرة سريعة الى جيب السرج ثم جذب بعض الحساء المجفف , وكانت رائحة الحساء المطبوخ مثيرة للشهية , ألا أنها لم تستطع تناول الأناء المقدم لها.
" لست جائعة".
قالت بصوت شبه معتذر , مغطية عينيها تحاشيا لأشعة الشمس , رفعت رأسها ناظرة اليه.
" أظن أن الحادث الأخير أثّر على شهيتي".
كان عذرا واهيا إلا أنها لم تجد عذرا أفضل منه.
" هل تشعرين بالمرض ؟".
قطب جبينه وبدا لها أطول قامة من العادة.
" كلا , أو ربما قليلا , أعتقد أنه الأرتفاع عن مستوى سطح البحر".
" لا أعتقد بأننا على أرتفاع هائل ولكن لا تقلقي فأننا لن نتسلق أكثر من هذا اليوم".
" أنني مسرورة لذلك , قضينا نهار أمس منحدرين وقضينا اليوم كله متسلقين".
" أنها الطرق الجبلية , لذلك نحتاج أحيانا يومين لقطع مسافة تبدو قصيرة جدا على الخارطة".
" وهل يتطلب الوصول الى ديابلو عدة أيام؟".

عطني روحي سيدي 11-07-11 06:07 AM

الله يعطيك العااافيه

نيو فراولة 11-07-11 01:38 PM


ولم تحاول النظر اليه مباشرة.
" ألم يقل أحد رجال بلدك أن من الأفضل السفر على أمل الوصول بدلا من الوصول نفسه لذلك لن أفسد عليك الأمر بأخبارك , والآن تناولي الحساء فأمامنا طريق طويل نقطعه قبل فترة العشاء ". ثم وضع إناء الحساء جانبا.
منتديات ليلاس
تنهدت أذ لم تشعر طوال حياتها بمثل هذه الحيرة والخوف.
فكرت بأنها سوزان كريشتون الباردة , ذات الرأس الشامخ دائما والعارفة لما تريده من حياتها وعملها وكيف تحصل عليه , كما كانت تعرف ماذا تريد من الرجال , وتعودت أن علاقتها بأي رجل يسودها الأحترام والصداقة أكثر من أي شيء آخر , كما ستسود المساواة بينها وبين الرجل المختار , لأنها أنسانة تختار ما تريده بدلا من أن تعامل كدمية ترتدي ملابس غالية وجميلة.
ذلك ما كانت تريده لنفسها : أحترام النفس أولا وأخيرا ولذلك لم تنخرط في أي علاقة رخيصة مهينة للذات , أو على الأقل هذا ما آمنت به , والآن ها هي تواجه نفسها , لعلها أقتنعت بآرائها من قبل لأنها لم تمر بتجربة حقيقية , وحتى ( لي ) الذي أرادها له لم يستطع أن يثير فيها أية عاطفة في لقائهما الأول.
أثار أعترافها بالحقيقة خجلها , إلا أنها كانت الحقيقة , فمنذ اللحظة الأولى أثارها حضوره كرجل هي ذات الحياة الأجتماعية والمحاطة بالرجال دائما , رجال مستعدون لتلبية طلباتها حالما تطلب , وأدركت أنها لو حاولت بدء علاقة ما , ربما كانت ستتحول الى علاقة دائمة , حيث سمعت عن علاقات كهذه أنتهت الى زواج ناجح.
(كلا , ليس بهذه الطريقة ) خاطبت نفسها أخيرا.
أنهت تناول حسائها ووضعت الأناء جانبا قبل أن تقف لتتمطى بكسل , كانت ساعات الركوب طويلة وربما لم تكن تبالغ بصدد الأرتفاع حيث أحست بالتعب الشديد , دهشت لمرأى قمم الأشجار الكثيفة وبدا كأنهما من أوائل الرحالة الى هذه المنطقة , حيث لم يعثرا على ما يشير وجود أي حياة أنسانية عداهما , ومنحها الأحساس بالوحدة خوفا مضاعفا.
ربما كانت الأمور بينهما أحسن لو أنهما كانا مجرد رفيقي سفر , إلا أن ذلك كان مستحيلا حيث ساد بينهما التوتر منذ البداية.
حدقت في أسفل الوادي متتبعة مسار النهر الزاحف بعيدا , وأيقنت أنها ستحصل على منظر أفضل فيما لو تسلقت أحدى الصخور , كانت على وشك مناداة ميندوزا المشغول بالأهتمام بالأحصنة , وطلب موافقته , إلا أنها غيّرت رأيها حين رأته مديرا ظهره لها , ثم فكرت بأنها لا تحتاج الحصول على موافقته لكل خطوة تخطوها خاصة أذا كانت مجرد تسلّق صخرة.
منتديات ليلاس
أقتربت من الصخرة ورفعت نفسها فلاحظت وجود مكان كاف لجلوسها في القمة , فأطمأنت وبدأت التسلق , كانت قريبة من القمة وأمتدت يدها لتمسك بالحافة البارزة حيث سمعت خلفها صوت ميندوزا محذّرا إياها , جمدت في مكانها وأدارت رأسها فرأته راكضا بأتجاهها حاملا في يده مدية يلتمع نصلها بفعل أشعة الشمس , للحظة واحدة ظنت أنه أصيب بالجنون ألا أنها سمعت صوتا آخر قريبا منها وكان صوت فحيح غريب.
صاح ميندوزا:
" لا تتحركي أيتها الحمقاء , فقد تكون هناك حية لأنها تفضل مثل هذه الأماكن عادة".
" نعم هناك حية , هناك حية".
كررت ما قالته عدة مرات.
رمى المدية بعيدا , ثم قال:
" أقفزي , أقفزي وسأمسكك".
" لا أعتقد أنني أستطيع الحركة".
أجابته ببطء.
" نعم تستطيعين ذلك , أقفزي , ثقي بي".
أرادت سوزان الضحك للفكرة ألا أنها لم تستطع أطلاق أي صوت , ثم وبدون تفكير تركت نفسها لتنحدر الى أسفل الصخرة , وقعت بين ذراعيه , ألا أنه تراجع الى الخلف بسرعة ممسكا بها بقوة ليحول دون سقوطهما سوية , كان أول شيء أدركته هو أنطراحها فوقه على العشب , سألته:
" هل آذيتك؟".
وهي تحاول الأبتعاد بحركة يائسة.
" أفقدتني التوازن قليلا , أنك أثقل مما ظننت".
أحمر وجهها وبذلت محاولة أخرة للأبتعاد عنه مؤكذة أسفها.
سألها:
" ماذا كنت تفعلين في أعلى الصخرة؟".
" أردت أن أرى المشهد من أعلى وبشكل أفضل".
" كنت على وشك رؤية المنظر الأخير , تذكري أنك لا تتجولين الآن في منطقة البحيرات في بريطانيا , ربما كان زحفك سيثير الحية وهذا أخطر شيء يمكن حدوثه".
شعرت لبقائهما في هذا الوضع وجا لوجه , خفضت عينيها عن قرب الميدالية الفضية التي كان يعلقها حول عنقه , ظنت في البداية أنها مجرد ميدالية دينية رخيصة وقد رأت ما يشبهها في عربات السوق , ألا أنها لم تكن كذلك بل كانت ميدالية قديمة تحمل شكل حيوان غريب.
" حسنا , يجب أن أشكرك مرة أخرى على أنقاذك لي".
أجاب ميندوزا:
" يا لها من جملة".
" آه".
تأوهت سوزان وعلّلت أن صعوبة تنفسها يعود الى وضعها غير المريح , كانت سوزان صامتة تحدّق في وجهه القريب وتلاحظ الكآبة على وجهه , كان فمه جميلا , رغبت في الأبتعاد عنه وهمست أسمه بخفوت.
" أحب أسمعك تنطقين أسمي".
" أن ما يقلقني هو أسلوبك يا سنيور , وسيكون في أمكانك أختيار صحتها تماما حين نصل ديابلو".
نهض واقفا , نافضا الغبار وبقايا العشب عن ملابسه , ثم أبتعد بأتجاه الخيل , تاركا إياها مهجورة لتتعثر وهي تتبعه في تلك الجبال.

نيو فراولة 11-07-11 03:18 PM

6- لمسة الفراشة




لم تصدق سوزان عينيها حين رأت دخانا يتصاعد من بعض الأشجار البعيدة , دلالة أقترابهم من مكان مأهول , أرتفعت معنوياتها رغم ما أحاطها طوال اليوم من صمت مطبق , وهكذا فقد تأملت أن يتغير الوضع قريبا.
كان الصمت بينهما ملموسا الى حد أنها تخيلت أمكانية أن تلمسه باليد , أزداد بلا أنقطاع طوال اليوم , حتى أن الشكوك بدأت تراودها في مدى صحة ما فعلت وبدأت تتمنى لو أنها لم تنطق الكلمات الأخيرة , إلا أنها أيقنت بأن كلماتها كانت السلاح الوحيد لمنع دي ميندوزا من تجاوز حدوده , ولأجل ما آمنت به طوال حياتها.
ساعدها ذلك , على الأقل , على الأنتصار بشكل مؤقت , ألا أن دي ميندوزا , كما فكرت لن يترك فكرة الأستحواذ عليها وعلى حريتها , الفكرة مؤذية أكثر من أي شيء آخر أذا نجح في تنفيذها.
كانت خائفة من الطريقة التي عاملها بها , ومشاعرها الناتجة عن ذلك , شعرت أنه كان رقيقا معها رغم كل شيء , كأنه يقودها الى طريق لم يسلكه أحد من قبل , ما الذي توقعته منه أكثر ؟ أن يستخدمها لأرضاء رغباته ويتركها بعد ذلك؟ شعرت بالذعر للفكرة الأخيرة.
منتديات ليلاس
تساءلت عما سيحدث فيما لو خضعت لغرائزه الجامحة في تلك المنطقة الجبلية , ربما سيقرران البقاء فترة أطول , وأذا واصلا رحلتهما فلا بد أن الصمت الحالي سيكون مسألة مختلفة , ربما ما كانا سيخططان للبقاء في المكان المأهول , بل كانا سيفضلان نصب حيمتهما في مكان ناء.
شعرت بألم في صدرها ودموعها تنهمر بغزارة على خديها , قالت لنفسها : لا أريد أن يحدث ذلك , جئت الى هنا لأؤكد شخصيتي وقوة سيطرتي على نفسي وأنني أكثر من مجرد وجه وجسد وكتلة من المشاعر المختلطة , أردت أن أثبت لجدي أنني قادرةعلى أختياز المصاعب , مثل أي رجل , خصوصا أذا كان يمتلك الأرادة لتحقيق ذلك , لا أستطيع حتى التظاهر بأنه لم يحذرني رغم أنه لم يتصور بأنني سأقع ضحية ظروف كهذه.
وتأكد لها أنها تستخدم وضع ( لي ) لها كفتاة جليدية , كسلاح للدفاع عن نفسها وتعزية نفسها , أي ملجأ كان هذا الذي أستخدمته لفترة طويلة , أذا لم يتعرض الأنسان للأغراء , فألى أي حد يعرف نقاط ضعفه ؟ أنها تعرف الآن , على الأقل شيئا لو أن ( لي ) أثتر فيها شعلة واحدة من اللهيب الذي أحست به مع دي ميندوزا لأصبحت له فترة طويلة , وبدون التظاهر بحصانتها , ها هي تدرك ذلك الآن بهذا الوضوح.
أقتربا من طريق بدا وكأنه سلك من قبل , طريق ترابي تتخلله الحصى وآثار عجلات , قفزت عدة دجاجات لأقتراب حوافر خيلهم منها , ثم أختفت مسرعة بين الأشجار القريبة , سمعا نباح كلب لم يبعد عنهما كثيرا , أدركت أن البيت لا يبعد عنهم كثيرا , تنهدت بأرتياح يشير الى عبها وقلقها.
نظرت حولها متفحصة , لم تر مجموعة من الأبنية بل بيتا واحدا , ولم تر مزارع القهوة أو الموز , فظنت أن يكون الذين يملكون البيت فقراء الى حد أنهم يرفضون أستقبالهم أو ربما يجدون ضيافتهم عبئا عليهم.
قطع عليها سلسلة أفكارها ظهور رجل من بين الأحراش , للحظة , وقف يحدق في وجه ميندوزا كأنه لا يصدق عينيه ثم ضحك وصرخ معلنا الترحيب .
منتديات ليلاس
راقبت سوزان ميندوزا وهو يترجّل عن صهوة جواده ليرد التحية , تلت ذلك محادثة طويلة بين الأثنين بالأسبانية , لذلك لم تستطع فهم ما قيل , عدا بعض الكلمات ألا أنها خمّنت أن الرجل سأل ميندوزا عن سبب وجوده في المنطقة , ولم كان يسحب خلفه حصانا محملا بالأمتعة , لا بد أن فاتاس دي ميندوزا أعتاد أستخدام المكان للراحة في تجواله ثم سار الرجلان في المقدمة بينما تبعته وهي تكاد تنفجر غيظا.
بأستثناء نظرات سريعة ألقاها عليها الرجل , لم يهتم بها القادم أطلاقا , كما أن ميندوزا لم يعرّفها به وتجاهل ذكرها في حديثه , ومهما كان حديثهما , حاولا جهدهما التحدث بصوت منخفض قريبين من بعضهما البعض بشكل جدي , فكرت سوزان بأنه حديث رجال , وكتمت أنفاسها حين رأت البيت , كان يشبه كوخا صغيرا , سقفه من الصفيح ويغطيه بشكل كامل , أما الموقد الموجود خارج المنزل , فقد أنحنت عليه أمرأة سمينة , مشغولة بالطبخ , كانت ترتدي فستانا يغطيه رداء كامل , وتذكرت أن أغلبية نساء أميركا الجنوبية يرتدينه , ضمت شعرها في ضفيرة لفتها أعلى رأسها , وأذ طرق سمعها صوت الخطوات , رفعت رأسها وأطلقت صرخة فرح , رمت الملعقة جانبا وتوجهت نحو ميندوزا بسرعة لتضمه بين ذراعيها.
رأت سوزان طفلين راقبا القادمين بهدوء , أبتلعت ريقها دلالة القلق , لا بد أن المنزل لا يتسع العائلة فكيف يقضيان ليلتهما هناك؟ بقيت على صهوة جوادها تراقب البناء , ثم جاء ميندوزا ليتحدث اليها.

نيو فراولة 11-07-11 10:12 PM

قال:
" أنه بيت صديقي رامون , أنهما لا يتحدثان الأنكليزية , لذلك أنقل لك ترحيبه مع زوجته , ماريا ببقائك في بيتهما".
" لكننا لا نستطيع".
أعترضت سوزان بصوت منخفض:
" لا نستطيع ماذا؟".
سأل ميندوزا مقطّبا جبينه وقد بدت على وجهه دلائل الغضب.
قالت سوزان:
" أنهم لا يملكون الكثير , ولا نستطيع التطفل عليهم".
فأجاب ميندوزا منفعلا:
" أنك خبيرة في أهانة الناس يا سنيوريتا , وأرجو أن تظهري مخالبك لي وحدي أذ لن أدعك تجرحين مشاعر ماريا بالقول أن بيتها لا يصلح لبقاء أمرأة أنكليزية ترفة , ترجلي عن حصانك الآن وإلا سحبتك بنفسي".
ترجلت عن ظهر حصانها بسرعة , لا بد أنه أساء تفسير أعتراضها , وفكر بأنها لا ترغب بالقاء مع أصدقائه تكبرا وليس تقديرا لظروفهم , ولكن لم تهتم بتفسيراته؟
ليذهب مع آرائه الى الجحيم.
سارت أمامه شامخة بأنفها متوجهة نحو مضيفيها إلا أنها فشلت في ذلك حين تعثرت بحجر في الطريق وكادت أن تسقط على وجهها , راقبها ميندوزا ببرود بينما أسرع رامون وماريا لمساعدتها على النهوض وأخذها الى كرسي هزاز وضع خارج المنزل , فكرت بأنه كان في إستطاعته مناقشة أي شيء أراد بحضورها لكنها أعترفت بفرحها لجلوسها على كرسي بدلا من صهوة حصان , كما وجدت مروحة لطيفة على المنضدة القريبة فبدأت تحركها أمام وجهها لتحصل على الهواء المنعش.
لم تتعرف على مكانهم خاصة بعد سلسلة التسلق والأنحدار , وقد قاما بعما طوال الرحلة وأغلقت عينيها في إغفاءة قصيرة صحت منها حين أحست بيد تلمس ذراعها , رأت طفلة تقف الى جانبها وفي يدها قدح عصير بارد.
" شكرا".
قالت سوزان.
وتناولت القدح وحاولت أن تتذكر ما قرأته في كتاب تعليم الأسبانية لتسأل الطفلة عن إسمها وعمرها , وحين نجحت أخيرا لم تجبها الطفلة بل ضحكت ووضعت يدها على فمها وإبتعدت.
شربت سوزان عصيرها وتعجبت لبرودته ثم فكّرت أنه لا بد وأنه مليء بالجراثيم.
راقت لها فكرة الإصابة بالإسهال كحل يخلّصها من تنفيذ وعودها إلى ميندوزا.
سمعت صوت خطوات قريبة منها , ثم قال ميندوزا لها:
" ماريا ستطبخ لنا بعض العشاء , لكنها طلبت مني أن أسألك أذا كنت ترغبين أن تأخذي حماما أولا".
وإذ رآها تنظر حولها باحثة عن الحمّام واصل حديثه:
" أنت محقة بالطبع , ليس هناك حمّام ولكن هناك حوض للأستحمام , كما أن ماريا مستعدة لغسل ملابسنا".
" لكننا لا نستطيع تركها تفعل كل هذا لنا".
أعترضت سوزان.
" لم لا؟".
سأل ميندوزا .
" أعتقد أن السبب واضح , قد يكون إستغلال الشخصيات جزءا من شخصيتك لكنه ليس جزءا مني".
" ماريا لا تعتبر مستغلة , أما بالنسبة إليك يا سوزان , فإنني أحذّرك بأنك ستدفعين ثم أهاناتك وسخريتك مني كاملة".
قررت أن تتجاهل ملاحظته الأخيرة وواصلت أعتراضها:
" ترى ماذا تشعر ماريا حيال كل هذا ؟ بالتأكيد لا أستطيع سؤالها لأنها لا تتحدث الأنكليزية , ولكن هل تعتقد فعلا بأنها سعيدة والعمل في منزل وكأنه على وشك التهدم أمام أصغر عاصفة وبلا شروط صحية ملائمة؟".
" هكذا تتحدث طفلة الغرب المدللة , نعم أيتها الفتاة الأنانية البردة , إنها تتمتع بذلك , وهل تعرفين لماذا ؟ لأن رامون رجلها وقلبها ملك له وأينما توجه ستتبعه , وأي حياة سيحيا , فإنها ستختار العيش معه , في بلدك حيث الطلاق يتم بسرعة , يبدو أنك نسيت أن الزواج رابطة مقدسة تربط الزوجين حتى الموت".
" لأنه لأمر غريب أن أسمعك تلقي موعظة عن قدسية الزواج , حيث أنني فهمت , مما سمعته في أسانكشت , إنك متخصص في خداع النساء المتزوجات".
" عليك أذن تصديق كل ما سمعته , إن لك لسانا يقرص كالعقرب , أظن أن الوقت حان للبدء بترويضك".
إنتصبت سوزان واقفة بغضب بدون الأنتباه غلى قدح العصير الذي سال على بنطالها.
قالت:
" لن تستطيع ترويضي أبدا , فاتاس دي ميندوزا , مهما كانت أساليبك".
دهشت لثبات صوتها أمامه , وأضافت:
" لأنني ملك نفسي ولست ملكا لأي شخص آخر وبإستطاعتي إهمال وجودك الى حد بعيد".
فرد ميندوزا :
" إذا كان السلوك الذي رأيته أخيرا جانبا من شخصيتك , فلا أظن أنني أريد الحصول عليك , والآن , هل تريدين مني إخبار ماريا إنك لا تريدين الأستحمام؟".
أحنت رأسها محدّقة في الأرض الترابية وكبتت رغبتها في البكاء وقالت:
" كلا , أريد الأستحمام , هل أستطيع أن أذهب الآن؟".
" كلا , ستدعوك حين يكون الماء معدا".
إستدار ميندوزا ليختفي في داخل المنزل.
عادت سوزان الى كرسيها لتتخلص من إرتعاش يديها , أي جنون دفعها لتقول ما قالته ؟ تساءلت وهي تشعر بعزلتها أكثر من أي وقت مضى.
أرادت أن تجرح مشاعره إلا أنها أنتهت بإيذاء نفسها بدلا منه , صحيح أنها تفادت الأستسلام له إلا أن هذا لا يضمن نجاحها لحين عودتها إلى بريطانيا , تذكرت أنها لا تستطيع نسيانه بسهولة , فخلال أيام قليلة من لقائه , تغيرت حياتها وأفكارها ومشاعرها بشكل كلي وسيتوجب عليها تغيير ذلك كله بعد مغادرتها كولومبيا.

نيو فراولة 11-07-11 10:48 PM

لم تعرف كم بقيت من الوقت تحدّق في الفضاء , إلا أنها أستطاعت القيام أخيرا , نظرت بإشمئزاز الى بنطالها الوسخ , ربما ستقبل بإقتراح ماريا بغسل ملابسها , كما أنها مستعدة للأستحمام حالا , ترى هل أعد كل شيء ؟ ربما نادتها ماريا بينما كانت جالسة تحلم أحلاما مستحيلة.
دخلت غلى البيت ووجدت نفسها في غرفة مربعة كبيرة , ورغم بدائية المكان , بدا كل شيء لامعا , نظيفا , لا أثر للغبار عليه , كما غطيت الجدران بصور ملونة أقتطع بعضها من المجلات والبعض الآخر من كتب دينية.
كانت الغرفة خالية , نادت بصوت منخفض , ففتحت الباب ماريا وجاءت مرحبة بها بإبتسامة كبيرة , سألت سوزان ماريا عن الحمام , ففهمت الأخيرة ما عنته وقادتها فورا الى مكان صغير يقع في الجهة الخلفية من المنزل أعدت فيه النار وعليها قدر نحاسي كبير يغلي فيه الماء.
ذعرت سوزان أذ ظنت أن ماريا تتوقع منها الجلوس في القدر إلا أنها أستعادت طمأنينتها حين ناولتها ماريا سطلا مليئا بالماء البارد وقادتها إلى باب آخر.
كان البيت بشكل حرف اللام , نهاية الحرف تمثل الجانب الخلفي من المنزل , وإبتسمت سوزان لماريا وفتحت الباب حذرة ألا يسيل بعض الماء على الأرض.
منتديات ليلاس
كانت محقة أذن , أنها غرفة نوم ذات سريرين , في وسط الغرفة وضعت ستارة قديمة لتشعر بأنها في مكان خاص للأغتسال إلا أنها لم تكن تعلم أن الحوض سيكون فيه دي ميندوزا.
كان يحلق ذقنه مستخدما سكين حلاقة وممسكا باليد الأخرى مرآة صغيرة , نظر إليها بلا أهتمام ثم قال:
" آه , إنه الماء الموعود , كم هو رائع أن تساعدي ماريا في جلبه بدلا منها".
" كلا , لم أفعل ذلك أو على الأقل ظننت أن الماء لي ولكن لم أعطتني الماء رغم علمها بوجودك هنا؟".
وضع سكين الحلاقة والمرآة على الأرض بجانب الحوض ثم غسل وجهه وقال:
" لماريا روح عاطفية , وبما أنك مسافرة معي فقد تبادر إلى ذهنه بعض الأستنتاجات غير الناضجة عن علاقتنا".
ثم مد يده الى الجانب الآخر من الحوض وجذب سيكارا.
" سيبرد الماء".
ثم أضاف بعد أنتظار قصير :
" الهدف من وجودك هو صب الماء في الحوض , وقبل أن تعترضي إن التعري في أي وقت كان ليلا أو نهارا يزعجك, أنبهك إلى أنني مغطى حتى خصري بالماء ورغوة الصابون".
" سأترك السطل هنا وتستطيع أخذه بعد مغادرتي".
" لن أفعل هذا , بل سأنادي ماريا المشغولة , بلا شك في إعداد الماء الساخن لك وطبخ العشاء لنا ويجب ألا نزعجها , ستظن الأمر غريبا أذا ما عرفت بأنك غير مستعدة لآداء هذه الخدمة الصغيرة لأجلك".
ترددت سوزان , إذ عرفت نوع إجابته أذا إعترضت بأنه ليس رجلها , ولا بد أنه رسم لماريا صورة أخرى عن علاقتهما , وأثار الضجة حول سكب الماء وتقدمت مضطرة , قالت:
" هل تدخن دائما في الحمام؟".
سألت سوزان.
" حين أكون وحدي فقط".
أجاب ميندوزا وهو يكشر بتهكم حين لاحظ حمرة خديها خجلا لما عناه بكلماته , ولكنه أضاف:
" لا تخشي شيئا , إذ لا يتسع الحوض لأكثر من شخص واحد , في إستطاعتك سكب الماء".
أرادت أن تصب على رأسه إلا أنها لم تستطع لثقل السطل.
قالت بسخرية:
" أتمنى أن يحرق الماء جسدك".
" لحسن الحظ لا تريد ماريا رؤيتي محروقا , ولا تشاركك سوء الرأي عني , إحذري من إظهار مشاعرك العدائية ضدي أمامها لأنها كانت مربيتي أثناء فترة طفولتي".
" مربيتك".
نظرت إليه بدهشة ووضعت سطل الماء على الأرض , ثم سألت أيضا:
" هل توفيت والدتك وأنت صغير؟".
" والدتي ما تزال تعيش".
" آه فهمت أذن".
غير أنها في الحقيقة , لم تفهم شيئا, التفسير الوحيد الذي تبادر الى ذهنها هو أنه من عائلة أغنى مما توقعت , وإن صحّ ذلك , فلماذا يعمل كدليل؟ لم يكن لذلك تعليل واضح , ما لم يكن متمردا على عائلته وتقاليدها , فأجبرته على مغادرتها .
" إذا رغبت في البقاء , فأرجو أن يكون لبقائك فائدة على الأقل".
تراجعت سوزان الى الخلف.
فعلّق ميندوزا ساخرا أيضا :
" إنك نتاج عجيب لمجتمع تختلط فيه المفاهيم كما أرى".
إنحنى الى الأمام وهو يراقبها.
قالت سوزان :
" ليس هناك شيء رائع في تنظيف رجل أو غسله , كما لا تهمني مسألة الأهتمام بك أطلاقا".
" آه , هل هذه إضافة إلى قائمة ممنوعات المرأة المتحررة؟".
" لا تكن سخيفا".
" بالعكس يا سنيوريتا , أرجو الآن أ تساعديني , حيث سأفعل الشيء ذاته حين تحتاجين".
أضاف بسخريته المعتادة.
" لن أفعل أي شيء , حسنا سأساعدك بشرط واحد , أن تبقى بعيدا عن هذه الرفة حين أتحمم , موافق؟".
صمت ميندوزا للحظة متأملا إياها ثم هز كتفيه دلالة الأستسلام.
" حسنا يا سوزان , أذا كان الأمر مهما إلى هذا الحد بالنسبة إليك , فإنني موافق".

نيو فراولة 12-07-11 08:39 PM

تنفست بعمق ثم بدأت تساعده , بعد قليل أحست أنها دائخة والجفاف يغمر حلقها , شعر هو الآخر بالتوتر , إستطاعت إدراك ذلك وأرادت تحطيم جدار الصمت بينهما وإلا أدى صمتها إلى حدوث كارثة.
أنقذتها رؤيتها لندبة عميقة في كتفه , فقالت لتنقذ نفسها من صمته:
" آه , متى حدث ذلك؟".
" حين كنت في ألينوي , نربي هناك الثيران للحصول على اللحم وإرسال بعضها إلى حلبات المصارعة , مصارعة الثيران , وقرر أحدها تجربة حدّة قرنيه في كتفي".
" كان في الأمكان قتلك في الحادث".
" كانت ضوبة سريعة , وكنت محظوظا , يقول البعض أن حياتي مصانة".
" أو إن الشيطان يحمي أتباعه".
وقفت مترددة وأيقنت أن العقل يملي عليها الهرب فورا , غير أنها بقيت واقفة , ثم قالت فجأة :
" إن عضلات كتفيك متوترة مثا خيط مشدود , ربما أستطيع مساعدتك إذا سمحت بذلك".
ولم تنتظر جوابه , بل وضعت يديها على كتفيه , وبدأت تفركها , كان ذلك شيئا تعلمته منذ سنوات , إلا أنها لم تلجأ إلى إستخدامه إلا نادرا , حين يسمح لها جدها , أحيانا , لفرك كتفيه ليتخلص من صداع ألمّ به أو أصابه , أو ربما طلب منها أحد زملائها في المسرح مساعدته في التخلص من توتر الظهور فوق خشبة المسرح للمرة الأولى , إلا أنها ولا مرة قامت بتدليك رجل غريب , كان مسترخيا تحت تأثير أصابعها وأحست هي بذلك.
قال ميندوزا:
" لأصابعك خفة الفراشة , لها لمسة شافية , هل تدرّبت في هذا الموضوع؟".
فهزت رأسها وهي تجيب :
" منذ سنوات , حين كنت صغيرة , رغبت أن أكون ممرضة , إلا أنني لم أكن جدّية , ولحسن الحظ لم يتم الأمر وإلا لما وافق جدي أطلاقا".
" ألا تحوز مهنة التمريض رضى جدك؟".
" أنه من النوع القديم , عجوز , ولو أنه عاش في زمن فلورانس تاينجيل , أول ممرضة , بالمعنى الحديث , في التاريخ , من مزاولة المهنة , لكنه , عموما لا يوافق على أية مهنة للمرأة , أعتقد أنه وافق على أتجاهي نحو التمثيل لأنه أدرك أن مجال العثور على عمل صعب جدا".
" كان أفتراضه خاطئا".
" نعم , كنت محظوظة جدا , حيث أديت الأدوار الجيدة في الأوقات الملائمة"
" وهل تعتقدين أنك تؤدين مهمة خاصة من خلال التمثيل؟".
أجابت سوزان:
" نعم , بالتأكيد , أتذكر أنك سألتني ذلك من قبل".
ولكن هل كانت معنية بالتمثيل الى ذلك الحد؟ مثلت لأنها تمتعت بالتمثيل ولكن ماذا لو أخبرها أحدهم عن عدم كفاءتها بالتمثيل , أو أذا طلب منها ذلك , هل ستتأخر ؟ أنها فكرة لم تخطر ببالها من قبل.
ها هو الفخ يضيق من حولها ولا تستطيع الآن لوم أحد غير نفسها , وواصلت تدليك كتفيه بحركات آلية لتريح عضلاته ولكن من يستطيع تهدئة ذاتها الباحثة عن الحب؟ لا أحد غير الرجل القريب منها , ولكنها لم تسمح بذلك خوفا من ألم الوحدة والهجران فيما بعد.
قالت فجأة :
" هل تريد أخباري عما حدث لعينك ؟ هل كان حادثا آخر أصبت به حين كنت راعيا للبقر؟".
أحست سوزان أن ميندوزا أنكمش فورا , فقالت :
" آسفة , ما كان يجب أن أسألك هذه الذكرى المؤلمة أذن؟".
" أنني أحمل في وجهي ما يذكّرني دائما كلما نظرت الى وجهي في المرآة , كلا لم يكن حادثا , جرى ذلك منذ وقت طويل وبشكل متعمد".
وقفت جامدة في مكانها , وسألت:
" متعمد ؟ لا أفهم ما تقول؟".
" سأوضح لك ذلك , أغتيل منذ ثلاثين عاما , أحد قادة البلد في شوارع بوغوتا , أدى قتله الى حرب أهلية أستمرت عشر سنوات , وفرت الحرب الفرصة لبعض الناس فرصة القتل والنهب والأغتصاب , فرصة الأثراء على حساب الآخرين , نموذج هؤلاء كان شخصا أسمه خوان رودريغو".
قالت سوزان ترجوه:
" أذا كانت الذكرى مؤلمة , لا شيء يجبرك على أخباري".
" هل هناك طريقة ناجحة للهرب من الألم ؟ تحدثت عن الندبة في ظهري كما لو كانت مهمة , إلا أنني أشعر بأنها لا شيء بالمقارنة مع الندبة التي تركها خوان رودرغو في روحي , وما العين غير ندبة بسيطة قياسيا الى ندبة القلب , كبرت تحت ظل الخوف , شعرت أن الأمر أنتهى حين كنت في التاسعة من عمري ,لم يكن والدي متأكدا من قناعتي , كان قد هيأ لنا , قبل الحرب بسنوات , ملجأ للأختفااء فيه عند الحاجة , مكانا يتسع لي , ولأختي وأمي , سمعنا أن رودريغو لا يزال يواصل حملات الأعتداء , إلا أننا لم نهتم لذلك كثيرا خاصة بعد سماعنا للأخبار المشجعة من بوغوتا بقدوم الجيش قريبا ومساعدته للناس على التخلص من رجال العصابات, كان ذلك ما أقنعنا أنفسنا به , وفي صبيحة أحد الأيام شاهدنا دخانا يتصاعد من أحد البيوت القريبة فدفعنا والدي للأختفاء في الملجأ , بكت والدتي طالبة منه المجيء معنا فوعدها بالعودة بعد أن ينهي بعض أعماله , وقفنا هناك صامتين بعد أن قبّلنا والدي, أتذكر كيف أن والدتي أمسكت برأسه ونظرت الى وجهه فترة طويلة وكأنها عرفت أنها لن تراه مرة أخرى , ثم تركنا وبدا لي أننا أنتظرنا فترة طويلة خاصة وأن والدتي وأختي نامتا فزحفت خارجا وذهبت الى البيت".

نيو فراولة 12-07-11 09:13 PM

توقف ميندوزا صامتا لوهلة , وشعرت سوزان برعشة غريبة تسري في جسدها , ثم قال:
" كان رودريغو هناك مع والدي , أراد رودريغو الحصول على بعض المعلومات من والدي الذي رفض ذلك , لذلك بدأوا بتعذيبه , سررت لأن والدتي لم تر ما جرى لوالدي أثناء ذلك".
قاطعته سوزان بصوت متردد قائلة:
" سنيور ميندوزا , أعتقد........".
ثم صمتت أستجابة لحركة يده الرافضة.
" أظن أنني صرخت لأن أحد الرجال عثر علي وأخذني الى الغرفة حيث كان والدي على وشك الموت , ونظر الي بشكل مؤلم , علمت أنه لم يهتم بما جرى له لكنه لم يستطع تحمل رؤيتي متألما, إلا أنه نجى من ذلك على الأقل حين مات بعد لحظات , غضب رودريغو وظهر ذلك واضحا في أرتجاف فكيه وسمعت فيما بعد أن ذلك كان علامة سيئة ولم أستطع التوقف عن النظر اليه , كان في الخامسة والعشرين من عمره فقط إلا أن صيته السيء شاع في كل مكان , ثم أستدار أتجاهي قائلا: ( أذن ترك لنا الميت خلفه القذر لم حدّق في وجهي بهذه الطريقة ؟ ماذا ترى )؟ فأجبته : ( أرى الشيطان ) وللحظة ساد الصمت ثم ضحك رودريغو قائلا : ( أتظر جيدا أذن , لأن وجهي آخر شيء ستراه ) وأشار برأسه الى أحد رجاله".
" لكنك لا تعني ... آه , أنه لم يفعل .... كنت طفلا فقط !".
منتديات ليلاس
تمتمت سوزان بكلمات متقطعة.
" ألا أنني كنت طفلا تفرّس في ملامح وجهه , ولم يترك من قبل رودريغو أي شاهد حي لئلا يعطي أوصافه الى السلطات المحلية , ألا أنني , كما أخبرتك سابقا , أحمل في داخلي روحا مصانة , فما أن بدأوا تعذيبي حتى هاجمت المكان دورية شرطة , فوجدوني متكوما على جسد والدي وكان الوقت متأخرا لأنقاذ عيني ".
" يا له من أمر مخيف ! وماذا فعلوا لرودريغو حين ألقوا القبض عليه؟".
" لم يلق القبض عليه حتى الآن , أنه حي وطليق , إلا أنني سألتقي يه ذات يوم , لهذا أواصل وضع الرقعة على عيني ليتذكر حينئذ الطفل الذي أراد قتله".
نظر اليها قائلا:
" هل صدمك حديثي؟".
" كلا".
أعترفت سوزان بأمانة وأضافت:
" لا, أعرف أنني لو كنت في مكانك لقمت بالشيء ذاته".
" أحسنت يا سنيوريتا".
عاود الحديث بلهجته الساخرة.
" إلا أنه من المؤسف أعاقة خططي للأنتقام بالموت نتيجة أصابتي بالسل لبقائي في الماء المثلّج لفترة طويلة , أرجو أذن أن تكوني لطيفة معي وتناوليني المنشفة".
" نعم , بالطبع , أعني لا".
ناولته المنشفة بسرعة وقالت:
" والآن أرجو بقاءك في مكانك حتى أغادر الغرفة ".
" يا لك من متناقضة يا سوزان , فمنذ لحظات ساعدتني للتخلص من التوتر والتعب , وها أنت تعاودين دور الأنكليزية المحافظة".
فأجابا سوزان :
" أن لي مشاعري الخاصة".
وسارت متجهة نحو الباب فسمعته يتحرك , فأستدارت قائلة:
" طلبت منك البقاء في مكانك".
" لا يتوجب علي أطاعتك يا سنيوريتا , صحيح أن رودريغو شوّه نظري ألا أنه لم يمس حواسي الأخرى , لقد أبلغتني أصابعك معان كثيرة".
" أنك تتخيّل الأشياء".
حدّقت في الميدالية المعلقة على صدره , وقالت:
" يجب أن أذهب الآن , لا بد أن العشاء معد وأنني جائعة جدا".
" أنا أيضا جائع , ثم لماذا لا تتوقفين عن خداع نفسك يا سوزان ؟ أنك لا تهربين مني بل من نفسك".
فقالت سوزان مجيبة:
" هل هذا ما يريد غرورك أقناعك به ؟ أرجو أن تتركني الآن".
" لكنني لا أجبرك على أي شيء , كل ما عليك فعله هو أن تتركيني , لم لا تهربين؟".
" لا أدري".
أجابت سوزان .
" لكنني أدري".
حينئذ سمعا طرقا خفيفا على الباب وصوت ماريا يقول:
" سينيور , سينيوريتا ..... العشاء جاهز".
تنهد ميندوزا وقال:
" يجب ألا تدع ماريا تنتظر , أبقي معي حتى نخرج معا".
" كلا , لا أستطيع ذلك".
هزت رأسها محاولة السيطرة على أنفاسها , فقال ميندوزا مخاطبا إياها:
" نعم تستطيعين , ولكن أتركيني أذا كنت لا ترغبين في ذلك".
وهز كتفيه تعبيرا عن لا مبالاة , وقال:
" آسف لأنك ستنتظرين حتى أنتهاء العشاء لتأخذي حماما".
أجابت سوزان فورا وبحدة:
" لا يهم".
ثم سارت بأتجاه الباب , ثم ترددت قائلة:
" لم تنس وعدك , أليس كذلك؟".
" وعدي بأحترام خصوصيتك؟ كلا لن أنس ما دمت لن تدعيني أنتظر فترة طويلة".
واصل بعد لحظة كلامه بعد أن لاحظ التساؤل على وجهها :
" قد أرغب في أستخدام هذه الغرفة".
فأجابت سوزان :
" آه , سأسأل ماريا أذن أن تضع الحوض في غرفتي".
فأطلق ضحكة عالية وقال ساخرا:
" أنك لا تقضين ليلتك في فندق الهيلتون العالمي كما تعلمين , وماريا لا تمنح غير هذه الغرفة للمسافرين , ستشاركيني أياها في الليل ما لم تفكري بمكان آخر تهربين اليه".
ضحك مرة ثانية , شعرت أن صدى ضحكاته يلاحقها الى غرفة الطعام حيث وجدت ماريا وعائلتها في أنتظارها لبدء تناول وجبة العشاء.

عطني روحي سيدي 13-07-11 04:45 AM

رااائع جداااااااا واصلي

نيو فراولة 13-07-11 10:52 AM

7- قولي أنك لي




ظنت سوزان أنها لن تستطيع تناول العشاء , إلا أنها حين رأت الطعام موضوعا على المائدة : فطائر محشوة باللحم المفروم والبيض , بدأت بألتهامه بسرعة .
حتى وصول ميندوزا , بعد دقائق , جذابا أكثر من أي وقت مضى مرتديا بنطالا أسود ضيقا وقميصا أبيض أظهر لون بشرته البرونزي , لم يستطع أفساد شهيتها , ومنذ لحظة قدومه أحست بالأضطراب يعاودها وجلس الى جانبها قريبا جدا , لم يكن هناك شيء يشغلها أثناء تناولها الطعام غير التفكير به وأبعدها حاجزللغة عن متابعة حديثهم , بقيت ضحية أفكاره الخاصة , رغم أن ميندوزا حاول جهده ترجمة بعض ما قيل لها.
" لحسن الحظ أنك لا تفهمين ما يقال".
خاطبها مناولا أياها صحنا مملوءا بالذرة الساخنة , ثم أضاف:
" أن ماريا مصرة على القول بأنني كنت طفلا هادئا كالملاك , أنا متأكد بأنك لا توافقينها الرأي".
إبتسمت سوزان أبتسامة صغيرة , مدركة أن ماريا تراقبهما بحنان أمومي.
تساءلت عن عمر ماريا , لا بد أنها في الأربعينات من عمرها وأطفالها ما زالوا صغارا , فلا بد أنها كانت صبية حين عملت كمربية للسنيور فاتاس دي ميندوزا .
قال ميندوزا مجيبا:
" كانت في سنها الخامس عشر حين أستخدمتها أمي , كانت أكبر أخواتها التسعة , لهذا كانت تعرف كيف تهتم بالأطفال , وتحبهم أيضا , أخبرتني منذ قليا أن أمنيتها في الحياة هي أن يكبر أطفالها لتأتي بعد ذلك لرعاية أطفالي".
وضعت سوزان شوكتها جانبا وتخيّلت ميندوزا كأب تلين ملامحه القاسية حين ينظر الى الطفل الملفوف بغطاء أبيض بين يديه , وتذكرت كيف ركض أبن ماريا بأتجاهه وكيف تلقّاه ميندوزا بين ذراعيه بلا تردد , حتى تلك اللحظة لم يخطر ببالها أن تتصوره رجلا يحب الأطفال أو رجلا عاديا يطمح بالأستقرار لتكوين أسرة يهتم بها , وتذكرت ما أخبرها عن لينوس وكيف أنه قد يجد مستقبله هناك , تساءلت عما سيكون بيته ومستقره في لينوس.
منتديات ليلاس
سوزان ما تزال لا تعرف الكثير عن ظروف ميندوزا العائلية , إلا أن بعض ما ذكره لها أكد خطأ أنطباعها الأول عنه , لم يكن بالتأكيد مجرد راعي بقر في السابق , إضافة الى ذلك كانت ماريا مربية له , هذا يعني أن عائلته ثرية وذات نفوذ , ولكن مجرد عدم محاولته أخبرها عن الموضوع عنى أنه لم يهتم بتعريفها بوضعه , ثم فكرت أن لا فائدة من الفكير بتلك الطريقة خاصة وأنها لن تبقى فترة طويلة لتأسف على ذلك .
حين أنتهت وجبة الطعام , نهضت سوزان حين لاحظت قيام ماريا لتساعدها في أخلاء الطاولة , إلا أن ماريا أومأت طالبة منها العوةدة الى كرسيها , قدّم اليها شراب منعش وبدأت تشرب ببطء.
أخلت ماريا الطاولة وتركت الغرفة مع الأطفال , ربما لتضعهم في الفراش وغابت فترة طويلة لتعود بعدها طالبة من سوزان الذهاب معها , أكتشفت سوزان سرية الطلب , أذ أعدّت لها ماريا الحمام ثم طلبت منها خلع ملابسها كل ذلك تم بالأيماءات وحركات اليد , ترددت سوزان ولكن لم يكن أمامها غير الرضوخ لطلب ماريا لأنها لم تستطع أفهامها أنها ترغب بالتحمم لوحدها , ثم أن أستدعاء ميندوزا للترجمة كان آخر أحتمال تفكر فيه.
نظرت الى الماء حيث طفت عدة أوراق خضراء تبعث رائحة ذكية , نظرت الى ماريا فرأتها واقفة الى جوار أحد الأسرة حاملة بيدها كيس متاعها وباليد الأخرى قميصها الممزق , بدت على وجهها الحيرة , ثم نظرت متساءله بكلمة واحدة : ( سنيور؟).
صفا وجهها حين نفت سوزان التهمة , وبدأت خلع ملابسها , شعرت براحة كبيرة وهي تغطس في الماء نافضة عن نفسها متاعب اليوم وأوساخه , إبتسمت ماريا بعد أن جمعت ملابسها , ثم أشارت بيديها عارضة على سوزان أن تغسل شعرها , فإبتسمت موافقة.
فكت سوزان عقدة شعرها ثم فركت رأسها بالصابون والماء , تراءى لها مجموعة من الأطفال , عيونهم سود ويقفون في صف واحد خارج الحمام في أنتظار أن تغسل لهم ماريا شعورهم , ثم أدركت والألم يعتصر قلبها , أنها تعرف أولئك الأطفال , ستكون زوجة أيضا , ولكن م ضواحي بوغوتا الثرية , واحدة مثل أيزابيل أرفاليز لم تعمل ولم تكن في حاجة للعمل في حياتها كلها , مستعدة لقضاء اليوم بكامله محافظة على جمالها من أجل زوجها.
منتديات ليلاس
حين أنهت حمامها , ساعدتها ماريا على الخروج من الحوض , ولفت حولها منشفة كبيرة , ثم أنحنت سوزان فجففت ماريا شعرها بطريقة ساعدتها على التخلص من قلقها وأوهامها , وتركتها طفلة خالية من الهموم وتمنت لو أستطاعت البقاء الى الأبد ورأسها في حضن ماريا ألا أن ماريا دفعتها للنهوض , فقامت وتوجهت حيث تركت أشياءها قرب السرير , مدت يدها لتلتقط قميص نومها فلم تجده , فوقفت واجمة للحظات وهي تحاول أن تتذكر أنها نست جلب قميص النوم , وقلبت ملابسها عسى أن تجد قميص النوم المختفي , فلم تجده , أقتربت ماريا من سوزان مطالبة إياها أن توضح ما تريد , فنجحت سوزان في الأخير في تذكر ما يطلق على قميص النوم بالأسبانية , ألتفتت ماريا الى بقية الملابس المتناثرة وألقت نظرة سريعة عليها ثم ربتت على كتف سوزان قبل أن تختفي من الغرفة بسرعة.

فتاة 86 13-07-11 04:24 PM

:8_4_134:
يعطيكي العافية يا أحلى فراولة بهدنيا
شكراً و ما فيني ما أشكرك على كل التعب يلي عم تتبعي معنا

:55::peace::55:

نيو فراولة 13-07-11 10:29 PM

حبيبتي مبسوطة كتير أنو الرواية عجبتك

نيو فراولة 13-07-11 10:40 PM

عادت ماريا بعد لحظات حاملة كومة من قماش أبيض ظنت سوزان أنها شراشف إلا أنها سرعان ما أدركت بأنها كانت قميص نوم قديم وثمين , أكمان طويلة وقبة عالية , مزينة بالدانتيل , صنعت يدويا ما أضفى عليه قيمة وجمالا , كان في حالة جيدة بأستثناء بعض الأجزاء الصفراء حيث طوي منذ فترة طويلة .
حاولت سوزان الأعتراض , فقد كان شيئا ثمينا وجميلا ومن الأفضل الأحتفاظ به إلا أن ماريا رفضت الأصغاء اليها , وقبل أن تواصل الأعتراض سحبت ماريا المنشفة من حولها وألبستها قميص النوم , ثم جلبت فرشاة الشعر ومشطت شعرها حتى أصبح ناعما , يلمع مثل حرير عسلي اللون على كتفيها , وأخيرا بدأت ماريا جمع الملابس المتناثرة على السرير والأرض وأطفأت المصابيح بأستثناء الموضوع على الطاولة الصغيرة بين السريرين.

بقيت سوزان لوحدها , جلست على حافة السرير وفكرت بما فعلته , تحممت تعطرت , مشطت شعرها ثم أرتدت قميص نوم أبيض , لا بد أنها تشبه عروسا من العصر الفيكتوري , في ليلة عرسها , أضحكتها الفكرة وقالت لنفسها بأنها من أكثر النكات التي سمعتها في حياتها قوة.
نشرت سوزان الطيات البيضاء حولها , كان القماش ساحرا وله رائحة زكية كما لو أنه حوفظ عليه مع بعض الأعشاب البرية المجففة , لا بد أن الدانتيل من صنع راهبة أسبانية , هدية الى أحدى الفتيات للأحتفال فيما بعد بزواجها.
لا بد أن الراهبة ستصاب بصدمة عنيفة لو عرفت أن من ترتدي الفستان هي فتاة هادئة تسافر مع رجل لا تعرف عنه الكثير.
وقفت وكان قميص النوم يغطي قدميها الحافيتين , رفعت الطيّات قليلا وهي تخطو الى الأمام , لم تسمع الباب ينفتح لكنها أحست فجأة , بحضوره يمتلك كل حواسها , كان واقفا قرب الباب محدقا فيها بصمت , نظرت اليه فبدا جامدا , ناظرا اليها وهو لا يصدق عينيه.
أرادت أن تمزح للتفادى على الأقل , أحراج اللحظات الأولى , ‘لا أنها لم تستطع التحدث , كان ذهنها خاليا من أي فكرة أخرى وكل ما أحست به هو الحاجة الى وجوده الى جانبها , تسارعت دقات قلبها.
تحرك ميندوزا أخيرا بعد أن أغلق الباب بركلة من قدمه , أحست بتوتر يشملها كلها توجه الى السرير الآخر وبدأ بنزع قميصه , ثم قال:
" أقفزي الى الفراش قبل أن تصابي بالبرد , كما لا تنسي أن تديري ظهرك لي".
نامت على جانبها محدقة في ظلمة النافذة ذات الشبك المانع لدخول الحشرات , محاولة عدم الأصغاء لحركاته وهو يخلع ملابسه ثم سمعت صوت السرير حين أضطجع وتلا ذلك أطفاء المصباح.
لفترة طويلة بقيت صامتة غير مصدقة لما جرى ثم شعرت بقبضتها الباردة تضغط على شفتيها المرتجفتين.
كان الوقت متأخرا حين فتحت عينيها في اليوم التالي , وأدركت ذلك من مرأى زاوية أشعة الشمس المنتشرة , جلست ونظرت الى السرير الآخر , إلا أنه كان خاليا والبطانيات مرتبة , وكأنه خلى منذ فترة طويلة.
رفعت الغطاء عنها ووضعت قدميها على الأرض فأحست بالدوخة كما لو أنها قضت الليلة بكاملها صاحية , إلا أن ذلك لم يكن صحيحا حيث نامت بعض الوقت برفقة أحلامها.
ووضع أحدهم , ربما كانت ماريا , أناء من الماء بين السريرين فأغتسلت بسرعة متمتعة بالأحساس البارد على وجهها وجسدها , ثم طوت قميص النوم بعناية ووضعته عند نهاية السرير وفكرت بأنها لن تحتاجه ثانية.
أرتدت ملابسها وذهبت الى باحة المنزل فلاحظت ملابسها نظيفة ومعلقة على حبل وضع هناك تحت أشعة الشمس مع ملابس الأطفال .
وقفت هناك شاعرة بحرارة النهار في رأسها , ظهرت ماريا حاملة بين يديها سلة الغسيل فتألقت عيناها حين رأت سوزان ووضعت السلة جانبا , وسألتها ماريا بالأسبانية أذا ما كانت قضت ليلة سعيدة فأستطاعت الأجابة بالأيجاب وشكرها على ذلك , ثم سألتها عن السنيور ميندوزا , ظهرت على وجه ماريا علامات الدهشة , من الواضح أنها توقعت معرفة سوزان بوجهته , ثم بدأت الأيضاح بحركات البد فظنت سوزان أن ما أرادت قوله أنه ليس هناك , إلا أنه ذهب الى مكان ما برفقة رامون.
قطبت جبينها لأنها توقعت منه إعداد الخيل أستعدادا للمرحلة الأخيرة من رحلتهما فقد أخبرته عن ضرورة الوصول الى ديابلو بأسرع وقت ممكن , فما الذي حدث؟
ولاحظت أن ماريا عرضت عليها الأفطار فإبتسمت موافقة ثم توجهت الى داخل المنزل وجلست خلف الطاولة بينما واصلت ماريا تحركها بسرعة لأعداد البيض المقلي لها , كان الأفطار لذيذا خاصة كرات الذرة المخلوطة بالجبن , بعد ذلك شربت كوبين من القهوة السوداء وأحست بأنها أكثر راحة من السابق , ربما كان من الأفضل لها عدم رؤيته في الصباح خاصة وأنها لم تتنبأ بسلوكه.
وكانت الليلة السابقة أذلالا آخر لها إذ لم يتوقع العثور عليها مغطاة بقميص نوم أبيض , حسنا أنها الأخرى لم تتوقع ذلك , ألا أنها لم تصدق أنها بدت بشعة الى هذا الحد , من اواضح أن المظهر الخارجي لم يكن ساحرا ما فيه الكفاية ليلائم ذوقه الراقي ربما كان سيفضل رؤيتها فستانا أسود شفافا لا يخفي شيئا من جسمها , فكرت سوزان بذلك لكن بمرارة.

عطني روحي سيدي 14-07-11 01:14 AM

تاابعي الروايه جداا رائعه

نيو فراولة 14-07-11 03:54 PM

ورأت ماريا تراقبها وربما معللة قلقها الظاهر لأسباب أخرى , نظرت الى ساعتها وأدركت لرعبها أن الوقت يقارب الظهيرة , أين كان ميندوزا؟ توجب عليهم السير منذ ساعات , ما الذي كان يفعله؟ فرغم ما حدث بينهما , واجبه الأول هو أخذها الى ديابلو كما وعدها.
تجولت قليلا في الباحة ثم ذهبت الى الشرفة ووقفت محدقة في الطريق الترابي إلا أنها لم تر ما يشير الى قدومه , تبعتها ماريا ووقفت تراقب هي الأخرى بقلق فشجعتها سوزان بإبتسامة وأختلست نظرة أخرى الى ساعتها.
قضت سوزان أغلب الساعات التالية متجولة من غرفة الى أخرى , ثم الى الهواء الطلق , وزاد من طول الأنتظار أن ماريا رفضت مساعدتها بأدب , حتى أنها حاولت الأستلقاء على سريرها , إلا أنها بقيت تتقلب من جانب لآخر الى حد قررت فيه النهوض , وما أزعجها أكثر هو أن ماريا لم تظهر قلقه أو مهتمة لغياب الرجلين وأكتفت بالأبتسام كلما سألتها سوزان شيئا .

فمنتديات ليلاسي النهاية , ذهبت لتجلس على الكرسي الهزاز في الشرفة , دافعة نفسها الى الأمام والخلف بسرعة , في الساعة الرابعة عصرا , تبادر الى ذهنها لأول مرة أحتمال عدم عودته فوضعت المروحة اليدوية جانبا وتصلّبت في مكانها , كلا أنها ليست فكرة صحيحة أنه لا يستطيع هجري هنا , هل سيجرؤ على فعل ذلك ؟ كررت هذه الكلمات لنفسها بلا توقف.
صحيح أنها لا تعرفه جيدا ! إلا أن وجوده أصبح ضروريا , ضرورة الهواء بالنسبة اليها , وشابكت يديها سوية لتمنع أرتجافهما , ثم تنفست بعمق.
ربما كانت أفكارها صحيحة , ربما كان هذا المكان نهاية الرحلة , وربما أعتاد أتباع السلوك ذاته مع بقية زبائنه ناركا أياهم في منتصف الطريق , ربما ستأتي ماريا بعد فترة قصيرة لتخبرها بلغة الأشارات عن عودته.
( توقفي عن ذلك يا لها من سخافات).
خاطبت سوزان نفسها , أذ لو قرر ميندوزا تركها لوحدها ما كان سيختار تركها مع أصدقائه , خاصة من كانوا يعتبرونه قدوة حسنة .
إلا أن لا شيء يغير حقيقة تركه أياها من غير توضيح , كما أن أختفاءه سيؤخر وصولهم الى ديابلو يوما على الأقل.
وأحست بإحمرار وجهها للفكرة التالية , ربما قرر أنه لا يريدها وجاء أنسحابه طريقة مهذبة للتخلص منها بدون الحاجة لمواجهتها , نهضت بقلق وعادت الى المنزل , فوجدت ماريا جالسة خلف الطاولة وأمامها صندوق خشبي , إبتسمت بهدوء مما أشعر سوزان بالخجل لقلقها خاصة وأن رامون أختفى مع ميندوزا , وها هي ماريا تتقبل غيابه بإعتباره أحد حوادث اليوم العادية وليس نهاية العالم .
أحنت ماريا رأسها داعية سوزان للجلوس الى جانبها لتنظر هي الأخرى الى ما في الصندوق شعرت سوزان بالذنب لأن وجودها وقلقها يدفعان ماريا الى البحث عن طريقة ما لتسليتها , ألا أنها كانت عاجزة عن أبلاغ ماريا أحاسيسها ففضّلت الموافقة على الجلوس وأبداء أهتمامها بكل ما سيعرض عليها.
وأكتشفت سوزان أنها ليست بحاجة للتظاهر بالأهتمام لأنها أهتمت فعلا بالصور الموجودة في الصندوق وبدأت ماريا تريها الواحدة تلو الأخرى , ميندوزا وهو حديث الولادة , وفي طفولته ثم في سن البلوغ وبعد فقده لعينه , وشعرت بالمرارة للفرق الهائل بين الطفل الوسيم والمراهق الكامل المسؤولية بكل كبرياء.
ثم عرضت عليها ماريا صور العائلة وأرتها والدة ميندوزا الجميلة ذات العينين السوداوين , أما صورة والده فقد أثّرت فيها بعمق حيث أنها تنظر الى ميندوزا نفسه ولكن أكبر بعشرين عاما , كانت هناك صورة لهما سوية , ميندوزا على ظهر حصان بينما وقف والده الى جانبه حاميا أياه من السقوط, رأت سوزان عيني ماريا تمتلأن بالدموع بعد أن ناولتها الصورة وخمّنت بأنها ألتقطت قبل معاناة الأسرة للتجربة المخيفة بفترة قصيرة.
ألا أن أهتمامها الأول كان منصبا على صور ميندوزا ولم تستطع أظهار الأهتمام ذاته نحو صور أخته التي واصلت ماريا مناولتها أياها بكل فخر , صور طفولتها , صور عرسها ثم صور طفلها الأول , إلا أن سوزان أقرّت بجمال الفتاة ذات العينين المبتسمتين والوجه الخالي من السخرية والتهكم المميز لوجه أخيها.
وبدأت ماريا جمع كنوزها التذكارية لأعادتها الى الصندوق وكانت سوزان تساعدها حين لاحظت مظروفا تحتها وإذ رفعت الظرف لاحظت وجود صورة كبيرة في داخله بدا جزء منها ظاهرا فلم تتذكر أنها رأت الصورة , فظنت أن ماريا نست ذلك , فبدأت بسحب الصورة من المظروف.
" كلا سنيوريتا , كلا".
منتديات ليلاس
قالت ماريا وحاولت سحب الصورة من يد سوزان , فأيقنت أن ماريا لا ترغب برؤيتها للصورة ألا أن الوقت كان متأخرا , إذ وجدت الصورة بين يديها , كانت الصورة تكبيرا فاخرا , ألتقطت خارج البيت نفسه , بدايتها ميندوزا مرتديا ملابسه السوداء كالعادة وناظرا الى الكاميرا بتجهم وهدوء , ووقفت الى جانبه أمرأة شقراء ترتدي ملابس أميركية ثمينة , إلا أنها لم تنظر الى الكاميرا نظرة سائحة , بل كانت تنظر الى ميندوزا نظرة متأملة أظهرتها الكاميرا بلا شفقة , سحبت ماريا الصورة من بين يدي سوزان بعجلة وأعادتها الى مكانها في المظروف , حيث بدت قلقة وحزينة كأنها كشفت عن سر لم ترغب بكشفه.

نيو فراولة 14-07-11 06:02 PM

وأحست سوزان بالسعادة لأنها لا تتحدث الأسبانية وإلا لأضطرت للتوضيح والأعتذار , ولفعلت ماريا الشيء ذاته , كما أن ذلك جنّبها مذلة السؤال عن هوية المرأة الأخرى , وتذكرت ما أخبرها راميريز في أسانكشن عن تلك الملحمة القصيرة كما في أستطاعتها تخيل بقية القصة بسهولة خاصة بعد ألقائها تلك النظرة السريعة على الصورة.
اء ميندوزا أذن , مع حبيبته الأميركية الى هنا , نهضت واقفة ثم توجهت نحو الباب محدّقة في بقايا أشعة الشمس بعينين لم تريا شيئا , أحست بألم في حلقها وحرقة في صدرها , وأرادت أن ترمي نفسها على الألواح الخشبية للشرفة وأن تصرخ , لأن مجرد تفكيرها أن ميندوزا أحب أمرأة أخرى , أهتم بها وعانقها أثار فيها غيرة مرّة لم تعرف مثلها من قبل.
( إلا أنني لست الأولى في مشاعري هذه ) وتذكرت الصورة من جديد , لا بد أنها ألتقطت في نهاية علاقتهما وليس في بدايتها , ثم أنها أذا سمحت لنفسها وأطهرت حبها برضوخها لرغباته , ألا يعني هذا نهاية علاقتها به أيضا ؟ وسيقابل آلامها وأشواقها بلا مبالاته.
أرتجفت خوفا من الفكرة إلا أنها قررت مواجهتها , لأنها النهاية الوحيدة لعلاقة عاطفية عابرة.
ربما كان ذلك هدف المرأة الأميركية في البداية , علاقة عابرة تتخلص بواسطتها من ضجر زواجها , إلا أنها سقطت في النهاية ضحية عواطفها وأظهرت الصورة تعلّقها العميق بميندوزا مما يدل على حبها له.
لكنني عرفت , عرفت دائما ما الذي سيحدث عرفت أثناء الرحيل أن له القدرة على تحطيم قلبي , فكرت سوزان , وحتى الآن من المستحيل الهرب منه بدون أن يلحقها الأذى , إلا أنها ستبذل جهدها إلا تسقط في حبائله أكثر , وألا تستسلم له كلية وتساءلت فيما أذا كانت ذكرى حبيبته الشقراء قد خلصتها منه في الليلة السابقة , ربما آلمه ضميره أخيرا , مذكرا أياه بمشاهد ودموع الألم لم يرغب بتكرارها.
بما ستكون المحظوظة الوحيدة التي سيتركها بدون أن يمس أحترامها لنفسها , رغم سيطرته عليها عاطفيا , ألا أن الفكرة لم تمنحها ما رغبت فيه من هدوء النفس أو حتى الراحة.
كانت تركض بسرعة كبيرة في قنال أخضر لا نهاية له , تبعتها أصوات وقع حوافر حصان لم تجرؤ على الأستدارة لترى أذا كان هناك على الحصان راكب وأملت أن تصل الى أقرب مكان تتحرر فيه من الخوف.
ولكن منحنى القنال لم يقدها الى الحرية بل الى مكان مسدود ومنفذ صغير مظلم , وأذ تقدمت نحو المنفذ لاحظت أنها بدأت بالأتساع حتى تحولت الى مدخل كهف وقف فيه مارك.
نادته بألحاح طالبة منه أنقاذها , إلا أنه كان يحدق في شيء حمله في يده , شيء ألتمع ببريق أخضر ملتهب ولم يبد عليه أنه سمعها , صرخت بإسمه ثانية إلا أن حوافر الحصان أقتربت منها ورأت ذراعي شخص تمتدان للأمساك بها , بدأت المقاومة , غير أن الذراعين لم تكونا قاسيتين وسمعت صوتا لطيفا يخاطبها برقة:
" أستيقظي , أنه حلم , مجرد حلم".
فتحت عينيها وبقيت ساكنة للحظات , دائخة وخائفة , غير قادرة على التمييز بين الكابوس والحقيقة , إلا أنها أستطاعت أدراك ما حدث , أنها في غرفتها في بيت ماريا ورامون وميندوزا جالس الى جوارها وقد صمّها بين ذراعيه , ووجهها يضغط على صدره بينما ربتت الأخرى على شعرها وهو يهدئها بلغته.
" آه , يا ربي , كنت أحلم".
قالت سوزان :
" كما قلت لك".
قال بجفاف.
كانت الغرفة مظلمة , فلم تستطع تمييز ملامحه , وواصل حديثه:
" أيقظتك لأنني خشيت أن تخيفي الأطفال أذا ما سمعوك ".
" هل أحدثت ضجة ".
سألت سوزان .
فأجاب ميندوزا:
" كنت تنادين مارك".
" نعم".
وأخفت وجهها بين يديها للحظة , وأضافت:
" أتذكر الحلم الآن , كان في خطر مخيف , يجب أن أذهب الى مكانه , أعرف أنه بحاجة الي".
فعلّق ميندوزا قائلا:
" أي خطر يمكن أن يتعرض له جيولوجي بريء في رحلة تنقيب بسيطة ؟ أو ربما كنت تخفين عني شيئا , ربما يتعلق هذا الشيء بطبيعة النماذج التي يأمل في أن يجمعها؟".
تذكرت سوزان حذرها حين أخبرته قصة مارك وكيف تجنبت أخباره الحقيقة كما تذكرت شيئا آخر وهو أنها ما زالت في الفراش لأن ميندوزا لم يعد أثناء العشاء أو بعده , كما كان من الواضح أن ماريا لم تتوقع عودتهما.
كانت غرفة النوم حارّة حين دخلتها , لذلك خلعت ملابسها ونامت تحت البطانية سحبت الغطاء بسرعة آملة أنه لم يلحظ حالتها في الظلام.
" لا صحة لما تقول , كل ما في الأمر هو أنني أشعر بتوتر أعصابي بعد أن تركتني لوحدي طوال اليوم , بدون أن أعمل أي شيء".
فقال ميندوزا:
" لم يكن في أستطاعتي أخذك معي وتوجب عليّ الذهاب بسرعة لآداء بعض الأعمال الضرورية".
فسألت سوزان:
" عمل رجال؟".
" نعم , كنت نائمة بسلام الى حد أنني لم أرغب بإيقاظك , آمل أنك لم تشعري بالضجر".
" أوه , كلا , كان اليوم مسليا".
ثم أضافت بوحشية:
" آمل أنك ستتفضل الآن بتوضيح الأمور لي , أحب أن أذكّرك بأنني أدفع لك ثمن وقتك في حال نسيانك ذلك".
" أنت محقة تماما , لا أرغب في توضيح ما فعلته اليوم , أما بصدد الدفع , فأحب أن أذكّرك بأنك لم تدفعي شيئا بعد , أنني أرغب في أخذ جزء من أتعابي الآن".
" أتركني أتركني لوحدي".
" لا تكوني حمقاء , ما الذي تحاولين إثباته ؟ أنك تريدينني بقدر ما أريدك , لم لا تعترفين بالحقيقة ؟ أو ربما تخشين أن أؤذيك؟ أقسم لك بأنني لن أؤذيك , حين يرغب المرء بأزدهار وردة في حديقة فإن عليه أولا أن يرعى البرعم , سأرعاك بكل وجودي , كيف أستطيع أن أكون قاسيا معك؟".
ثم أضاف:
" أخبريني أنك ملك لي , قولي ذلك".
" لكنني لست ملكا لك , ولا أستطيع ذلك , لأنني مخطوبة لشخص آخر".
تشنّج جسده فجأة وأبعد يديه عنها وقال:
" من الأفضل لك أن توضحي ما قلت".
" كذبت عليك حين أخبرتك أن مارك أخي , إنه ليس أخي بل حبيبي وخطيبي وسنتزوج قريبا".
وأضافت بعد قليل:
" كنا سنتزوج في وقت أبكر , إلا أنه جاء الى هنا , ثم مرض جدي ورغب أن يرانا متزوجين قبل أن , قبل أن........".
أحست سوزان أن لكلماتها صدى غريبا , كادت أن ترفع يدها لحماي نفسها من أكاذيبها , إبتعد عنها ميندوزا وسمعته يشعل المصباح الموضوع على المنضدة , نظر إليها ولم تكن في وجهه أية رغبة أو عاطفة بل فراغ.
فسأل:
" لم كذبت عليّ".
" ظننت أنني أذا أخبرتك الحقيقة فإنك لن تقبل أستخدامي لك كدليل , عرف أنك أستهويتني وقررت أستخدام ذلك للوصول الى مارك في أسرع وقت".
ساد الصمت بينهما مرة أخرى , ثم قال:
" فهمت".
أرادت أن تقول له : كلا , لم تفهم , أنك لا تفهم أطلاقا , ألا أنها لم تفتح فمها ولم تلفظ الكلمات الأخيرة , ولم تستطع التحرك في فراشها لتحمي نفسها من نظرات احتقاره , ثم قال :
" هناك أسم يطلق على النساء أمثالك سنيوريتا , إلا أنني لا أود أن أنطقه".
خلال دموعها رأته يبتعد عنها , أطفأ المصباح ثم سمعته يقول:
" أتمنى لك مستقبلا سعيدا مع خطيبك".

نيو فراولة 15-07-11 11:14 AM

8- صمت الليلة الأخيرة




وصلا ديابلو مساء اليوم التالي , نظرت سوزان حولها ورافقها أحساس باللاواقعية , فلم يكن المكان شبيها لما توقعته , خاصة وأنها توقعت منطقة مناجم مماثلة لما رأتها في أفلام هوليوود , بفنادقها الصغيرة ومطاعمها , غير أن ديابلو كانت منطقة صخرية يتوسطها طريق ترابي ويسودها الهدوء الى حد دعا سوزان للتساؤل عن سبب تمنع ميندوزا وكارلوس من قبله عن موافقتها.
وتذكرت كيف أمتلأت عينا ماريا بالدموع , صبيحة اليوم حين ودعتها ثم تمنت لها سلامة الوصول , وأشعرت المبادرة سوزان بالمودة والدفء , إلا أن تذكرها الآن بعث في جسدها قشعريرة خوف غريب وكأنها أشارة تحذير.
نظرت بأتجاه ميندوزا فرأته لدهشتها , واقفا الى جانب حصانه , ثم سار وأنحنى عند حافة الطريق ناظرا الى أسفل , بعد وهلة أخرج من جيب سرجه منظارا وأستخدمه لتفحص الموقع أسفلهم فترة أطول .
أرادت سوزان سؤاله عن سبب أتخاذه كل الأحتياطات ما دام المكان منعزلا , إلا أنها أمتنعت عن ذلك شاعرة أن من الأفضل تبادل الهمسات .
منتديات ليلاس
كان المكان هادئا الى حد مثير للشكوك والمخاوف .. هل بدأت الأحساس بالقلق لأن المكان هادىء أكثر من اللازم ؟ في طريقهم الى ديابلو , رافقتهم أصوات الطيور والحشرات المختلفة , ولكن هذا المكان خال من كل صوت ما عدا الصمت , الصمت الضاغط على صدرها.
عضّت شفتيها متهمة نفسها بالتوهم , ثم أخرجت منديلا من جيبها ومسحت حبات العرق المتساقط من جبينها , كان هناك ماء جار في الوادي وأستطاعت رؤية مساره بين الأشجار كما رأت المنبع قرب صخرة كبيرة تظلل أنبعاث الماء الهادىء.
منطقة يسودها الهدوء , هزّت سوزان رأسها لتطرد مخاوفها المتزايدة , وبدت الظلال مغرية وأرادت أن تخلع جزمتها ووضع أصابع قدميها في الماء ولتدع يديها مغمورة فيه فترة ما.
ألقت نظرة جانبية على ميندوزا , ما الذي ينتظرانه , ما الذي ينتظرانه ؟ وأرادت سؤاله إلا أن الكلمات جمدت في حلقها , فمنذ الليلة االسابقة وملاحظته الأخيرة المؤلمة لها , لم ينطق إلا بما هو ضروري , أرادت أقناع نفسها أن ما يجري لصالحها , ثم ألم يكن ذلك هدفها وما حاربت من أجله طوال الرحلة ؟ وكانت إجابتها ذات وقع كاذب على أذنيها.
نهض واقفا وتقدم نحوها, بدا وجهه قاسيا ومتجهما.
" أبقي هنا , سأذهب لأستكشاف المنطقة".
قال ميندوزا.
" ولكن لم لا أرافقك؟ الجو لا يزال حارا هنا بينما الظل..... أفضل ...".

" لا أهتم بما تفضلينه , ستطيعين وتبقين هناوإلا سأجعلك تأسفين".
" ولكن كم سيطول بقاؤك هناك؟".
وسمعت صوتها مرتجفا رغما عنها.
" المدة اللازمة للكشف".
وكان تعبيره عدائيا وبدا على وشك أن يفقد صبره فقرّرت ألا تضغط عليه أكثر , وراقبته مبتعدا على صهوة جواده حتى أختفائه بين الأشجار , وأرادت أن تصرخ منادية أياه مطالبة منه ألا يتركها لوحدها , إلا أنها علمت أن سلوكها ذلك سيجعلها تبدو كالحمقاء.
حين أختفى عن ناظريها تحركت نحو حصانها وجذبته الى الظل , ثم عثرت على مكان مريح تحت شجرة ممتدة الأغصان فجلست ساندة ظهرها على جذع الشجرة ومستخدمة كفها كمروحة للحصول على بعض النسيم.
مهما كانت تعاستها الشخصية , عليها تركها في المكان الثاني بعد المشكلة الأكثر ألحاحا , من الواضح أن مارك لم يكن هناك , بل ربما لم ينجح أبدا في الوصول الى هذه البقعة الموحشة , بقعة ما كانت ستصلها لولا مهارة ميندوزا , وبدا كأنه يعرف كل طريق في البرية كما يعرف خطوط يده.
تنهدت وأتكأت على ركبتها وبدا وكأن الرحلة بأكملها مجرد عبث , أذ لا زالت غير قادرة على أكتشاف مكان أخيها , بل في الحقيقة , كل ما عثرت عليه منذ مجيئها الى كولومبيا كان نفسها.
أغلقت عينيها محاولة تجاهل الفكرة الأخيرة , عليها أن تخطط وتقرر خطوتها التالية للعثور على مارك , أفترضت أن الخطوة المعقولة ستكون العودة الى بوغوتا وسؤال عائلة أرفاليز أذا كانوا سمعوا شيئا عنه , ستتصل بالدكتور كينغستون أيضا في حالة عودة مارك الى بريطانيا.
ذلك ما يتوجب عليها التركيز عليه – العثور على مارك , خاصة بعدما أظهر ميندوزا بوضوح أن عاطفته تحولت الى أحتقار وإشمئزاز.
منتديات ليلاس
حين فتحت عينيها ثانية , كان المكان مظلما تقريبا , وأحست بالآلآم تسري في جسدها لوضعها غير المريح , كانت شبه نائمة , خاطبت نفسها , ولكن كم أستغرق الأمر ؟ وأين ميندوزا ؟ وتنصتت محاولة سماع خطواته العائدة إلا أن الصمت بقي كما كان , أرتجفت قليلا أذ أن حرارة النهار الشديدة تحوّلت الى برودة قارصة , نظرت ال ساعتها ولاحظت لرعبها توقف الساعة , لا بد أنها نسيت تعبئتها في الليلة الماضية.
قد أمرها ميندوزا بأنتظاره , وما هي الفترة المطلوب منها أنتظاره فيها؟ ليس في نيته بالتأكيد تركها تنتظره طوال الليل على حافة الهاوية , وفكرت لا بد أن عمال مناجم ديابلو شيّدوا أماكن ملائمة لبقائهم , وأذا ما بقيت فترة أطول لوحدها بدون حسم أمرها , فقد يصبح المكان مظلما الى حد لا تستطيع فيه التحرك.
تناولت رزمة الطعام وقنينة الماء وبدأت النزول بهدوء وحذر بأتجاه سطح الماء المتألق.

نيو فراولة 15-07-11 04:43 PM


حين وصلت القعر كانت متعبة حيث كان النزول أكثر صعوبة مما توقعت وما كانت لتقوم بذلك أثناء النهار دون مساعدة , توقفت ساكنة للحظة محاولة أستعادة ثبات أنفاسها ثم بدأت سيرها على طول المنحدر , معتبرة أياه كدليل لها.
وفكرت بأنه لو كانت المنطقة مأهولة لسمعها بما أحدثته من ضجة أثناء نزولها وتعثرها , وشعرت بخوف شديد حين لاحظت بأنها ملاحقة من قبل أشخاص لا تراهم إلا أنها طمأنت نفسها بأن ما تفكر به هو مجرد أوهام , وتخيّلت بأنها كانت ستفضل المنطقة لو صح ما تخيلته عنها وفق الأسلوب السينمائي الغربي , وكانت مستغرقة في أفكارها وتحاول الحفاظ على توازنها الى حد لم تلاحظ فيه الجدار الأبيض المواجه لها , توقفت ساكنة وحدقت فيه , ماذا جرى ؟ لم يكن جدارا عاليا وفي جانب منه رأت بوابة أرتفع على جانبيها شكلان هرميان صغيران .برج يعلوه ناقوس , في هذه البرية؟ لأستدعاء من ولماذا؟
كانت البوابة مكسورة ومتحركة من مكانها وخشبها متعفن , دارت حولها فوجدت نفسها فيما كان ذات مرة باحة منسّقة , كانت الأرضية مرصوفة نمت الأعشاب البرية بين الحافات المكسورة لها , مبرهنة على قوة الحياة البرية , وأمتد بناء كبير أبيض حول زوايا الساحات الثلاث , تاركة لحائط البوابة الجانب الرابع , كان هناك شيء مألوف في أسلوب البناء , شكل البرج والقوس المظل للمشى الأمامي وتذكرت سوزان : آه بالطبع أنه دير قديم , متخيلة البناء برغم تهدم جدرانه وسقوط نصف غرفه وأخيرا وحشة ما أحاط به , ورغبت بالتراجع وترك المكان الحزين للأشباح , أشباح الكهنة والرهبان والراهبات , إلا أنها أجبرت نفسها على البقاء لأنها أحتاجت مكانا تقضي فيه الليلة ولم تعتقد أنها ستجد مكانا أفضل.
سارت الى الأمام , وكان لوقع خطواتها صدى مزعجا في الليل , رأت فجأة أمامها مخلوقا ليليا أختفى بسرعة , توقفت وكان في أمكانها سماع دقات قلبها بوضوح.
( شكرا وليلة سعيدة ) قالت بصوت عال , حاولت بذلك رفع معنوياتها وخرق الصمت اللانهائي المحيط بالمكان كله , صحيح أنها كانت تحب الهدوء , إلا أن هدوء المكان كان غريبا , كما لو أن كل شيء توقف عن التنفس بأنتظاره كارثة ما , وصرخت مرة أخرى.
" مرحبا – هل هناك أحد ؟". ومثل صدى تخيلت سوزان سماع أنين شخص قريب منها.
" ميندوزا ؟ هل أنت هنا ؟ ". ترى هل سقط عن جواده وأذى نفسه بينما كانت باقية في أنتظاره , صحيح أنه كان خبيرا بركوب الخيل , ولكن ربما تعرّض لحادث مفاجىء.
وبدأت السير بأتجاه الصوت ومتقدمة نحو ظلال الدير وحدّقت في أعمدة ابناء القديم وتساءلت أذا كان السير تحتها أمينا , لاحظت أثناء سيرها وجود العديد من الغرف الصغيرة ذات الأبواب المحاطة بالقضبان فخمنت بأنها لا بد وأنها كانت غرفا خاصة , وقفت على حافة أصابعها ونظرت خلال نافذة صغيرة , فخفقت أمام وجهها أجنحة طيور صغيرة أو وطاويط أفزعها وجودها , فخطت الى الوراء بسرعة , حينئذ سمعت الأنين مرة أخرى وأيقنت بأنه صادر من الغرفة المجاورة , تحركت بأتجاهها ونظرت خلال الفتحة , بدت الغرفة الصغيرة خالية ألا من سرير قرب الجدار وأستطاعت رؤية شيء يتحرك , أيقنت أنه أنسان مغطى ببطانية , دفعت الباب فأنفتحبسهولة.
" ماذا جرى ؟ هل أستطيع مساعدتك؟".
وأذ تحركت بأتجاه الجسد رافعة الغطاء قليلا فظهر رأس مغطى بشعر أشقر , فأدركت أنه ليس ميندوزا ثم كادت أن تتوقف عن التنفس حين رأت الوجه المتعب المحدّق في أتجاهها وأزداد صوته أرتفاعا رغم وجود الخرقة القذرة المحشوة في فمه.
كان أخوها مارك.
تنهدت وسقطت الى جانب السرير ساحبة الخرقة لتحرره , سأل مارك:
" سوزان ! ماذا تفعلين هنا ؟ كيف عرفت مكاني؟".
" أنها قصة طويلة".
قالت برعب ناظرة الى وجهه النحيف والبقع الحمراء المشيرة إلى أصابته بالحمى.
" لكن ماذا حدث لك؟".
تحرك مارك بقلق .
" لا وقت للحديث , عليك ترك المكان حالا لطلب النجدة".
" لست ذاهبة الى أي مكان بدونك , سأساعدك على النهوض".
رمى مارك البطانية جانبا.
" لا أستطيع النهوض ". قال مارك.
نظرت اليه فرأت أن ساقه اليمنى مقيّدة بالسرير , والقيد بقفل كبير .
" من فعل هذا؟".
" لا أدري , وصلت مجموعة من الرجال منذ أسبوعين , أذ كنت أنقب في منجم قريب , ولم أعثر على أي شيء وكان المخيم خطرا فقررت التخلي عن الفكرة والعودة الى بوغوتا , حين جاءوا وحين عدت ووجدتهم هنا لم أهتم أولا حيث ظننت أن المكان سيتسع للجميع وكنت مخيما خارج المبنى , وحين بدأوا سؤالي عما كنت أفعله هنا , لم أجد داعيا للأجابة , رغم معرفتي أن ما قمت به كان عملا غير قانوني , حيث أن الحكومة الكولومبية لا تحبذ رؤية الناس ينقبون عن الزمرد لأنفسهم , إلا أن الرجال ظنوا أنني أعرف شيئا لا أرغب بالأيضاح عنه , ثم فتشوا متاعي وحين أعترضت ضربني أحدهم ففقدت الوعي وأستيقظت لأرى نفسي هنا وفي هذه الحالة".
" آه يا ألهي".
صرخت سوزان.


نيو فراولة 15-07-11 09:25 PM

" قالوا في البداية أنهم سيمنعون عني الطعام حتى أخبرهم بما يريدون , إلا أنهم تأكدوا بعد عدة أيام , أنني لا أعرف شيئ , أعتقد أنهم نقبوا في المناجم القديمة بأنفسهم ولاحظوا خلوّها من الزمرد , ثم جاء قائدهم لرؤيتي , فأخبرني أنه سيدعني أغادر المكان , فأرتحت الى حد أوشكت فيه على البكاء , إلا أنه قال يجب علي أن أكتب رسالة ما , فظننت أنها تعهد مني بعدم أقامة دعوى ضدهم , أذا ما وصلت سالما الى الأماكن المأهولة , إلا أنها لم تكن كذلك ,بل كانت موجهة الى جدي طالبا فيها فدية لأطلاق سراحي".
" فدية؟".
ونظرت اليه بذعر , وقالت :
" مارك لهذا السبب أنا هنا جدنا مريض جدا وأصيب بنوبة قلبية خطرة , لهذا طلب مني البحث عنك".
" ولكن كيف عرف أنني هنا؟".
ومسح مارك عينيه بيديه القذرتين.
" رآك صديق له تناول العشاء مع عائلة أرفاليز , في بوغوتا".
" آه , نعم".
وأبتسم لأول مرة أبتسامته المعتادة.
" كان ذلك للأحتفال بعيد ميلاد أيزابيل , كم يبدو الحدث قديما الآن يا سوزان, لم أعلم من قبل أن أشياء كهذه تحدث حقيقة.
وأمسك بيدها بأحكام.
وأرتجفت سوزان خوفا متذكرة الصور في صندوق ماريا – الآب الفخور , الصبي المبتسم ذو العينين السوداوين....
" أنك لا تعرف غير نصف الحقيقة , هل كتبت الرسالة؟".
هز رأسه نفيا .
" الحمد لله , كان من الممكن أن تقتل جدنا".
" أذا لم أكتب الرسالة فسنقتل سوية , وكان صوته خاليا من العواطف حيث منحوني فرصة التفكير حتى الغد لأنفذ ما طلبوه مني , لهذا يجب أن تتركي المكان بسرعة لأستدعاء النجدة , حيث أظن أنه حتى في هذه المنطقة النائية لا بد من وجود من يشرف على تطبيق القانون والنظام".
وأرتفع صوته بشكل لا أرادي.
" سنكون على ما يرام , هناك الرجل المرافق لي وسيعرف كيف يتصرف".
" أين هو؟".
ونظر وراءها.
" حسنا , لست متأكدة , لكن.......".
" هل أنت متأكدة أنه ليس واحدا منهم؟".
فدفعها اليأس في صوته الى الأرتجاف , وكان الجواب البسيط هو لأنني أحبه , ولا أظن أنني قادرة على حب شخص يتصرف بطريقة لا أنسانية إلا أنها لم تحاول نطق الكلمات بل أنحنت وقبّلت جبينه المحموم.
" سأذهب الآن , حاول خداعهم , عدهم بأي شيء".
اوقفت لأن وجه مارك ساده الشحوب .
" عصفور آخر في شبكتي , والعصفور جميل هذه المرة".
قال الرجل الواقف خلفها , ونطق الجملة الأخيرة بطريقة دفعتها للأرتعاش خوفا , فواصلت مسك يد مارك والتحديق في القادم الجديد , لم تستطع تخمين عمره خاصة لشعره الطويل وشاربه الكث.
وضع الرجل المصباح على الكرسي المكسور قبل أن يخطو بأتجاه سوزان ثم أمسك بذقنها بين يديه متفحصا ملامحها من جميع الزوايا .
" عصفور جميل جدا , ولكن , كيف جئت هنا ؟ وماذا تريدين ؟".
" جئت لوحدي باحث عن أخي".
" حسنا جدا , أنني معجب بمعنوياتك , ربما كان يجب أن تكوني الرجل بدلا من الشخص المجاور , مع ذلك يجب ألا تكذبي , من جاء معك؟".
وشدّت أصابعه على ذقنها الى حد ظنت فيه أنه سيحطم فكّها , أرادت البكاء لشدة الألم فضغطت بأسنانها على شفتيها مخافة الصراخ , حينئذ سمعت صوتا آخر يقول:
" أعرف كيف جاءت الى هنا يا سنيور , وسأخبرك كل شيء".
كان صوتا تعرفه سوزان جيدا , كما أدركت سبب نيرة الأنتصار فيه.
أطلق معذّبها سراحها وقال بلطف:
" تحدث أذن , أيها الرجل الضئيل".
ولمعت عينا كارلوس بالكراهية قائلا:
" أنها الأنكليزية التي حدثتك عنها , يا سنيور رودريغو , أنها أمرأة فاتاس دي ميندوزا ".
منتديات ليلاس
أحست سوزان بالأرض تهتز تحتها حين ذكر كارلوس أسم رودريغو , ثم سمعته يضحك قائلا:
" أجلسي , يجب أن نبدي أهتماما خاصا بأمرأة ميندوزا , وكيف حال السيد فاتاس الشاب ؟ تحول مؤخرا الى أزعاج دائم لي بسبب عطشه الشديد للأنتقام , يبدو أنه يلومني لحدث سيء أصاب عائلته منذ زمن بعيد , والجيش بدوره يواصل مطاردتي منذ ذلك الحين , أردت التحدث معه بشأن ذلك وها هي الفرصة سانحة الآن , أين هو أيتها الصغيرة؟".
" أنه ليس هنا , أذ تعاركنا وتركني".
نظر اليها رودريغو فترة ثم تنهّد بعمق وهز رأسه :
" أنك لا تقولين الحقيقة سنيوريتا , وأنا لا أحب الكذابين , لو كنت رجلا عصبيا لعاقبتك كما عاقبت حبيبك الوسيم منذ سنوات عدة".
رأى أنكماشها خوفا فأبتسم مواصلا حديثه:
" دعينا لا نتحدث عن هذه الأشياء , على الأقل أنني لم أعاقبه بطريقة تؤثر على علاقته بالنساء".
رأى الدم يرتفع الى خديها بينما تململ مارك في مكانه وأختفى كارلوس من الغرفة , الأمر الذي أسعدها قليلا.
" سنتوجه الى باحة ابناء حيث نعد نارا كبيرة , وسندعو حبيبك لمصاحبتنا".
" أنك تضيّع وقتك إنه لن يأتي ".
مد يده وربّت على خصلة من شعرها الأشقر الطويل.
" أظن أنه سيأتي , لو كنت مكانه لجئت راكضا".

نيو فراولة 15-07-11 10:32 PM

مضى خارجا وأغلق الباب خلفه , فجلست على حافة السرير , فطالبها مارك بتوضيح ما حدث:
" ماذا حدث ؟ من هو فاتاس دي ميندوزا ؟".
" أنه الرجل الذي أخبرتك عنه وافقني الى هنا".
فضحك معلّقا بعصبية :
" ونسيت أن تخبريني أنه عشيقك؟".
" لم أنس , لأنني لست عشيقته , ثم متى بدأت ممارسة مهنتك كحارس أخلاقي ؟".
" آسف".
" لا تأسف , كنت آمل الحصول على حمايتك لفترة ما , ذلك أيضا , يبدو حديثا قديما الآن".
" أعتقد أن كل رجال أميركا اللاتينية متشابهون , حيث لا يسمح لهن بمس شعور فتياتهم قبل الزواج , أخبرني ميغيل أن أحدهم أستلم جائزة من ملكة للجمال فقبّل خدّها فكاد والدها الغاضب أن يقتله فليس من الغرابة أن يظنوا أن السائحات لعبة سهلة".
" لا أعتقد أن لدينا الوقت الكافي لمحادثة كهذه , في ظرفنا الحالي ".
" كلا , هل سيساعدنا دي ميندوزا ؟".
ونظر اليهها بسرعة .
" لا أدري".
وأشارت بيدها عجزا , ثم أضافت:
" أولا أنه لا يعرف مكاني لأنه طلب مني البقاء في مكان معين وأنتظاره".
" من المؤسف أنك لم تصغي لطلبه , أنا آسف يا سوزان , إلا أنك لا تستطيعين أنكار خطورة وضعنا , وكان في الأمكان تفادي جزء منه لو أنك بقيت في مكانك".
" نعم , نعم أدرك ما تقوله".
ثم أحنت رأسها وبدأت البكاء مطلقة تنهيدات عميقة بدت وكأنها أختزلتها منذ فترة طويلة.
" آه سوزان".
وتحرك مارك محيطا إياها بذراعيه...
" آه أنا آسف , لم أعن ما قلته , هل جرحت مشاعرك؟".
" كلا , أتركني لوحدي قليلا".
" لا بد أنه ذلك الرجل , أليس كذلك ؟ هل هو ميندوزا ؟ متى تعرفت عليه؟".
" لا أدري".
ومسحت عينيها بمنديل عثرت عليه قربه.
" إلا أنك تستطيع عد ذلك بالساعات , والأيام فقط".
لم يجبها , بل أحست بعدم رضاه , الأمر الذي كان في أمكانها تقديره , لأن مارك عرفها كفتاة باردة في علاقتها مع الرجال .
" لا بد أنه شخص مختلف , أنني متشوق للقائه".
" أرجو غير ذلك , أرجو أن يمتطيجواده ويبتعد , هل سمعت ما قاله رودريغو ؟ أنه لا يستطيع الأنتظار لألقاء القبض عليه , لأنه قتل والده منذ سنوات وشوّه وجه ميندوزا , وهو يرغب الآن بأتمام ما بدأه".
" ماذا عنا ؟ الدلائل لا تشير الى أننا سنحظى بمعاملة أفضل من روميو الكولومبي , أظن أن رودريغو سيصر على كتابة رسالة الفدية".
" إلا أننا لا نستطيع , لأن جدنا مريض جدا ومثل هذا الطلب سيقتله".
" وأعتقد أن أختفاءنا سوية , عن وجه سطح الأرض سيساعد على تحسين صحته؟".
توقف عن حديثه ناظرا اليها , إلا أنه سرعان ما أدرك خطأ ما تلفّظ به.
" آسف جدا , أنني غير متمالك لقواي في الفترة الأخيرة وخاصة الأسبوعين الأخيرين , أذ بقيت مطروحا على هذا السرير بشكل متواصل لا أستطيع التفكير بشكل صحيح الآن".
" أعرف يا مارك , هل جئت باحثا عن ديابلو؟".
" نعم, هناك العديد من القصص عنها , ففكرت أن لها أساسا في الواقع , هل تتصورين يا سوزان أي ثروة كبيرة تستطيعين القول عليها بمجرد الأستحواذ على حجرة خضراء تستطيعين حملها في راحة يدك؟".
" نعم , أستطيع تخيّل ذلك , كم أتمنى لو أن ميغيل أرفاليز أغلق فمه ! مارك.... ألا تفهم بأنها لو كانت موجودة لعثر عليها منذ سنوات , ولكانت جزئا من آلاف خواتم الخطبة الملبوسة الآن ثم ألم تعلم أن جزءا من القصة يشير الى لعنة ديابلو؟".
" كلا , إنها مجرد خرافة ".
" أذا كان الأمر صحيحا , فلم أنت في هذا الوضع الرهيب الآن؟".
" لا تكوني غبية , أنني لم أعثر على أي زمردة كبيرة أو صغيرة".
" لكنك نقّبت وربما كان كافيا لأغضاب الرموز القديمة ".
نظر بأتجاه الباب .
" أرى أنهم أتموا أعداد النار".
وفرح لتغيير الموضوع.
أستدارت سوزان ونظرت الى لهيب النار , ثم أنفتح الباب ودخل رودريغو .
" حان الوقت يا سنيوريتا".
تراجع ودخل أثنان من رجاله , فتح أحدهم قفل القيد وأزال السلسلة عن ساق مارك بينما ساعده الآخر على النهوض , لم يستطع الوقوف فسحباه خارج الغرفة صارخا من الألم , لم تطلق سوزان أحتجاجها بل حافظت على هدوئها , حين ألتقت عيناهما صدفة بدا وكأنها أستطاعت رؤية رجل قاس لا يؤثر فيه تعذيب الآخرين , فلم ترغب بأهدار كرامتها بالتوسل اليه , ورأت كارلوس واقفا في الخارج وبدا عليه مظهر الغريب عن البقية , ربما كان مجرد كخبر لهم وزاد أحتقارها له , متذكّرة تطوّعه لأخبارهم ما يعرفه عنها.
وقف رودريغو في منتصف الباحة:
" ميندوزا!".
نادى بأعلى صوته فاتاس دي ميندوزا , وتلا صراخه تردد الصدى في صمت الليل.
" فتاتك الجميلة معنا أيها الرفيق , أذا أردت رؤيتها سالمة كما كانت آخر مرة , تعال الى هنا".
لم يسمع أحدهم صوتا وشبكت سوزان يديها الى حد آلمها , واصلت في هدوء , المرة بعد الأخرى طالبة من الله ألا يدعه يلبي النداء".
" فاتاس!".
صرخ رودريغو مرة أخرى ولاحظت في الظلمة توتر عضلات وجهه مما دل على غضبه الشديد وأضاف:
" هذه فرصتك الأخيرة , وفرصة حبيبتك الأخيرة أيضا , سأعد حتى العشرة وسأسلّمها لرجالي ليتسلوا بها".
" لا تصرخ يا رودريغو".
فجأة ظهر ميندوزا قرب حلقة ضوء النار وقبعته تغطي جبينه.
" قد أكون نصف أعمى , شكرا لجهودك الطيبة , إلا أنني لست أصما".
" ميندوزا ! كلا".
همست سوزان بل ربما قالت الكلمات في قلبها أذ لم يلتفت أحد اليها , حتى أنه لم ينظر اليها وهو يتقدم الى الأمام".
" ها نحن نلتقي ثانية".
وتنفس رودريغو بعمق متأملا طول ميندوزا الفارع.
" لقاء طالما أشتقنا اليه".
قال فاتاس بأدب , فبدأ رودريغو الضحك معلقا:
" ولكن ليس في ظروف كهذه , أذا خطر لك غير ذلك , أليس كذلك؟".
" ها قد حصلت علي , وهذا ما أردت منذ زمن بعيد , لكن الرجل والمرأة لا علاقة لهما بالموضوع وأنت لا تريدهما".
" كلا ؟ ربما ما تقوله صحيح , قد أترك لهم حرية الذهاب ولكن مقابل سعر عال كما تعلم".
" كارلوس يهوى الفتاة فهل تستطيع تقديم عرض أفضل؟".
" ربما , ماذا تريد ؟".
أجاب ميندوزا برزانة.
" ماذا أطلب من سيد لينوس الشاب ؟ طائرته الخاصة تنقلني حيثما شئت ؟ أو أحد قطعان الماشية ؟ أو عشرة ملاين بيزو؟".
بقي فاتاس ساكنا.
" كلا , سأطلب شيئا طلبته من قبل ومنذ وقت طويل , ربما ستكون أعقل من الشخص الآخر الذي رفض الأجابة , أعطني الخريطة , خارطة مكان شعلة ديابلو".
سمعت سوزان مارك يبتلع ريقه لأثارة الموقف , وجمدت في مكانها حين أستدار ميندوزا لينظر اليهما , كانت نظرته اليها ساخرة ومريرة ثم أنتقل بناظريه ليتفحص الشاب الواقف الى جوارها , وأدرك أن مارك أصغر منها عمرا وأنه لا بد أن يكون قريبا لها للشبه الشديد بينهما , ثم أستدار بأتجاه رودريغو :
" لا وجود لأي خارطة , تم نقل سر ديابلو من جيل لآخر في عائلتي بدون خط شيء على ورقة وذلك مت جعله سرا مأمونا".
" أي أمان ؟ وكيف أستفاد أفراد عائلتك من الزمرد أذن؟".
" لم يستفد أي فرد من أفراد عائلتي من منجم ديابلو , حيث أدركنا ومنذ قديم الزمان أن المكان خاص بالرموز القديمة , جدي الأعظم لم يرد تصديق الحكاية فمنح النقود لمجموعة مبشرين بنوا هذا الدير وحاولوا طرد الرموز القديمة خارج الوادي , وها أنت ترى بنفسك مدى نجاحهم".
" قصص لتخويف الأطفال".
دمدم رودريغو.
" لكنني لست خائفا وستريني غدا مكان منجم ديابلو , هذا هو السعر المطلوب لأطلاق سراح الأنكليزية".
" الفتاة وأخوها سوية".
وأدركت سوزان مدى توتره حين نطق الكلمات الأخيرة.
" نعم , نعم ولكنني ". وأبتسم مواصلا : " لن أدعك تذهب , كان علي قتلك قبل سنوات , إلا أنني قررت أن أكون رحيما , كان ذلك خطأ لن أكرره لأنك سببت لي الكثير من المتاعب , بعد غد , سأتخلص منك".
بدا ذهن ميندوزا منصرفا كلية الى أشعال واحدة من سكائره.
" كما ترغب".
علّق حين أنتبه الى صمت رودريغو.
" خذوه بعيدا".
أومأ رودريغو برأسه فخطا رجلان الى الأمام .
" ضعوه في الغرفة الأخيرة ولا داعي لتقييده , وأذا هرب أثناء الليل , فهو يعرف جيدا ما الذي سيحدث لفتاته في الصباح".
راقبتهم سوزان وهم يأخذونه بعيدا , ولم يحاول حتى النظر اليهما عند أبتعاده , أبتلعت ريقها متذكّرة خداعها له وعدم أطاعتها لأوامره خلال فترة لا تتعدى الأربعة وعشرين ساعة ومع ذلك ها هو يحاول جهده أن ينقذ حياتها وحياة أخيها , مضحيا بسر عائلته وبحياته أيضا ما لم تحدث معجزة ما.
" ضعوا الطيرين الصغيرين في غرفتين متجاورتين حيث يستطيعان ضرب الجدران بدل الحديث".
سارت سوزان متخطية الرجل القريب منها وخاطبت رودريغو:
" أريد طلب شيء منك".
" أطلبي ما تشائين".
وبدا الشك واضحا في عينيه السوداوين .
" قبت أن سلوكك الرحيم كان خطأ , حسنا , ها أنا أسألك أن ترتكب خطأ آخر , أرجو ألا تتركني في غرفة لوحدي , دعني أقضي ليلتي الأخيرة مع السنيور دي ميندوزا".
للحظة , حدّق رودريغو في وجهها غير مصدقلما سمعه ثم بدأ الضحك .
" أشعر بالمودة نحوك أيتها الأنكليزية , ليلة أخيرة لسيد لينوس , يتذكّرها قبل وفاته , أذهبي اليه وأخبريه أن يشكر رودريغو لذلك".
وتبعها الحارس الى الغرفة الأخيرة , بين همسات البقية وتغامزهم , فتح لها الباب فدخلت الغرفة ثم سمعت صوت عودة القفل الى مكانه , ثم كان هناك الصمت.

نيو فراولة 16-07-11 05:55 PM

9- تسديد الدين



لم تكن الغرفة مظلمة تماما , بل مضاءة بفتيلة صغيرة , وقفت سوزان تنظر اليه وتذكرت دخولها الى غرفتها في فندق أسانكشن , منذ أيام فقط وكيف وجدته مسلتقيا على فراشها , ثم قاومت جاذبيته بكل الأساليب منذ بداية رحلتهما معا , لكنها هذه الليلة بلا سلاح , أدار رأسه ببطء ونظر نحوها ثم سألها:
" ماذا تريدين؟".
بلّلت شفتيها بحافة لسانها فلم تتوقع منه القفز وضمّها بين ذراعيه بعد ما حدث إلا أنها بالتأكيد لم تتوقع مثل هذا السؤال البارد.
" جئت لأبقى معك , أراد مني رودريغو أخبارك أنك مدين له بالشكر".
" لا أهتم بما يقوله رودريغو , وتستطيعين الذهاب معه أذا أردت وأحتفظي بشفقتك لنفسك".
" لست هنا بدافع الشفقة".
أجابت سوزان:
" بعرفانك للجميل أذن , أنك شفافة يا سوزان , هل تعلمين ذلك ؟ لا بد أنك تخيّلت أنني على وشك التضحية بحياتي من أجلك لذلك قررت أن تفعلي الشيء نفسه من أجلي".
" لا تكن سخيفا , أنت تعرف جيدا أنني أختلقت الحكاية وأن مارك أخي".
" أعرف جيدا ما كان سيحدث بيننا حين قررت مفاجأتي بكذبتك الصغيرة , ثم لا أدري لم تحاولين أقناعي , خاصة وأنك بددت وقتك كله في محاربتي , منذ لقائنا الأول , ما الذي دفعك الى تغيير رأيك ؟ هل هو رودريغو ؟ أم لأنه ذكر أنني مليونير ؟ هل تأملين أن أذكرك في وصيتي؟".
" أنك قاس".
دمدمت سوزان بصوت مرتجف .
" لست في حالة تسمح لي بالعطف , يبدو أنك على أستعداد للتنازل بسهولة , وعدتك الليلة الماضية أن أكون رقيقا معك , أما الليلة فلا أضمن شيئا , والآن أقرعي الباب وأخبري الحرس أنك غيرت رأيك".
" لن أفعل ذلك".
وسحبت سوزان صندوقا خشبيا فارغا من زاوية الغرفة وجلست عليه .
" لا تطلب مني الذهاب رجاء , لا أريد أن أقضي الليلة لوحدي".
وأنتظرت جوابه بيأس إلا أنه لم يجبها فواصلت الحديث بصوت منخفض .
" لم لا تريد بقائي".
أجاب بغضب بدا واضحا في وجهه الأسمر .
" إنك حمقاء صغيرة , ألا تفهمين شيئا ؟ أريدك منذ رأيتك لأول مرة في غرفة القمار , ألم أوضح لك مشاعري , بكل كلمة , نظة ولمسة؟".
" أذن لماذا؟".
ولم تستطع أتمام الجملة بل أشارت بيديها.
" هل يجب أن أوضح كل شيء؟".
وجلس على حافة السرير ضاغطا على الفراش الخفيف بكل قوته.
" لأنني لا أريد إعادتك الى بريطانيا وفي رأسك ذكريات مؤسفة ومؤلمة ".
سألت سوزان :
" هل تظن أنني سأستطيع نسيانك بسهولة؟".
" كل شيء ينسى بمرور الوقت , هل فهمت ما أقول؟".
" نعم , ولكن هل تظن أن رغباتك هي كل ما يجب أخذه بالأعتبار ؟ أنك تفترض محافظة رودريغو على وعده بأطلاق سراحي مع مارك يوم غد , ولكن هل تضمن ذلك؟".
" هذا صحيح , ولكنني فكرت بأنك لن تهملي التفكير في ذلك الجانب , والآن ما الذي تقترحينه؟".
" قد لا يكون واقعيا , ولكن ما هو الشيء الواقعي في حكايتنا كلها؟ أنها تبدو مثل كابوس يعرف الحالم بأنه يحلم إلا أنه لا يستطيع التخلص منه".
" مثل كابوس الليلة الماضية ؟".
أجاب ميندوزا .
" نعم وخلّصني منه , أيقظني مرة أخرى رجاء".
" سوزان , إنك تحاولين أغرائي , هل تعلمين الى أي حد ؟".
" ليس بما فيه الكفاية".
ثم وقفت دافعة الصندوق الى الخلف , فقال لها ميندوزا فجأة :
" يكفيني أن أنظر اليك , أشم رائحتك لأرغب بك الى الأبد ".
وخشن صوته وتكسر.....
" نعم إنه الفجر".
قال ميندوزا بهدوء , ولاحظت أنه أضاء المصباح وأستخدم الصندوق كمنضدة كتابة.
" ماذا تكتب؟".
" رسالة لأمي". وأغلق المظروف.
" ولكن كيف حصلت على القلم والورق؟".
" أعتقد أنها جزء من متاع أخيك , جلبها لي أحد رجال رودريغو في الليلة الماضية".
ثم تحرك من مكانه وعاد ليستلقي في السرير.
" لدي شيء أود منحك أياه أيتها الحبيبة".
أرادت الأبتسام إلا أنها أنتهت بتكشيرة مرتسمة على وجهها .
" لا بد أنك تمزح".
" ربما ولنحاول الأستمتاع بالنكتة , لكن دعينا نتحدث أولا , لا أحد يعلم ما الذي سيجلبه النهار لنا , لكن دعينا نفترض أن رودريغو سيفي بوعده ويطلق سراحكما أنت ومارك , ستجدين الخيل مربوطة في المكان الذي تركتك فيه يوم أمس , أبتعدا أكبر مسافة ممكنة وبأسرع وقت وما أن تصلا مركزا للشرطة , توقفا وبلّغا عما حدث , قولي أنني أطلب منهم مرافقتك الى بيتي قرب فيلاسنكو , هل تفهمين؟".
" نعم , لكن لم الى بيتك ميندوزا؟".
" لأنني أرجو منك أخذ رسالتي الى أمي".
منتديات ليلاس
ثم تناول الميدالية من حول عنقه ووضعها حول عنقها.
" هناك شيء آخر أود ذكره , سأحاول أقناع رودريغو أن يدعكما تغادران المكان قبل أن أريه المنجم , أما إذا رفض فستتعرضين للخطر وعليك حينئذ , إطاعة أوامري حرفيا , أذا قلت أركضي فركضي فورا , أذا قلت أنطرحي فأسقطي على الأرض فورا , وكذلك مارك".
" ميندوزا........".
وبدأت البكاء .
" لا داعي للكلام أكثر".
ثم أنحنى وعانقها وأضاف:
" تذكّري ما قله ولا تبكي يا حبيبتي , لأننا لم نخسر بعد , الحياة لا تزال حلوة وستكون أحلى قريبا".

نيو فراولة 17-07-11 05:52 PM

كانت سوزان هادئة وبكامل ملابسها حين فتحت الباب , فيما أخفت رسالة ميندوزا في جزمتها وأحست بملمس الميدالية باردا وغريبا في صدرها حين أحكمت تزرير القميص لأخفائها.
سارت وحدها بكل كبرياء وبرودة فلاحظت بزوغ أشعة الشمس القوية , وكان أول شخص لاحظته هو مارك واقفا لوحده قرب بقايا النار الخامدة حاملا بيده كوبا من القهوة , سارت بأتجاهه وحين أقتربت منه أمسكت بذراعه قائلة :
" هل قيّدوك في الليلة الماضية؟".
" كلا".
وكان صوته غريبا , وكأنه صادر من شخص لا يرغب بالحديث اليها وغطت وجهه ملامح الغضب والخجل , فسألته بتحفظ :
" ما الذي تشربه ؟ هل هي قهوة؟".
" أنها قهوة قذرة".
وأعطاها الكوب لتشرب منه ما تبقى فيه.
" ألم يدعوك المحكوم عليه بمشاركته أفطاره الأخير ؟".
" نعم , قضيت الليلة الماضية في غرفة ميندوزا , هل الأمر مهم؟".
" مهم ؟ ألا يكفي سوء ما أنا فيه لتأتي أنت وتزيدي الطين بلة , بتخلّيك عن كل شيء أخلاقي من أجل رجل ينتمي الى أحدى عصابات ااسكولوجية؟".
وأبيضّ وجهها وشعرت كأنه صفعها بشدة على وجهها.
" كيف تجرؤ على قول ذلك؟".
سألت سوزان.
" كيف تجرأت أنت ؟ أنت تعلمين ما الذي سيحدث لجدنا لو أنه عرف بما حدث".
" الطريقة الوحيدة التي سيعرف من خلالها هي أنت , ثم تذكّر لا يزال علينا العودة الى أنكلترا أولا".
" كلا , لم أنس".
أجاب مارك وهو يحتي رأسه ناظرا الى التربة.
" عزيزي مارك يجب ألا نتعارك , خاصة في وقت عصيب كهذا".
" أعرف ذلك , ولكن لو أنك فقط سمعت ما كانوا يقولونه والنكات البذيئة , خاصة ذلك القميء كارلوس , وباللغة الأنكليزية كي أفهم ما يقولونه ".
" أنه أمر مزعج , ولكن تذكّر أن ميندوزا على وشك البوح بسر عائلته الذي مات من والده من أجله , لينقذنا".
" لم ينقذنا بعد".
أجاب مارك بكآبة وخوف فغفرت له سوزان ما قاله , كان صبيا مدللا منذ البداية لأنه كان الولد المنتظر , وساهمت هي بطريقتها الخاصة في الظهور بمظهر العبد له وأطاعة أوامره , إضافة الى تدليل الجد الآن , ها هو وحيد ومنعزل , بلا حماية يحاول توجيه الضربات لها بدلا من المعتدين عليه.
" لكنه سيفعل".
وأرادت بلفظها تلك الكلمات أن تعيد الطمأنينة الى نفسه إلا أنها أدركت مدى تفاؤلها حين تذكرت أن ميندوزا على وشك أن يفقد حياته فتلألأت الدموع في عينيها.
" آه يا ربي".
قل مارك ورمى بقية القهوة على الأر وسار مبتعدا عنها.
" هناك؟".
تساءل رودريغو بفارغ الصبر , وغطى العرق جسكه بتأثير الحرارة الشديدة , ولاحظت سوزان الواقفة الى جانبه تحرك عضلات وجهه.
" هل تحاول خداعي ؟ فتشنا هذا المكان من قبل , أنه خال إلا من الحيات والوطاويط".
" هل تشك في صدقي".
قال ميندوزا متحديا رودريغو.
" لقد عقدنا صفقة بيننا , وشعلة ديابلو موجودة في الكهف , ومد يدك أيها القمىء وستحصل عليها".
سخر متعمدا فأحست بدقات قلبها تتزايد وأدركت من أرتجاف يد مارك المربوط معها بحبل قصير , خوفه وتردده.
رفعت سوزان يدها لتسمح حبات العرق المتساقطة من جبينها , منذ الصباح لم يسر كل شيء على ما يرام حيث أصر رودريغو على مرافقتهما له ورفض أطلاق سراحهما , حتى حصوله على شعلة ديابلو , كانا رهينة لديه ولن يطلق سراحهما حتى يمسك الزمردة بيده , وتوقعت أعتراض ميندوزا ألا أنه تقبل الوضع بهزة من كتفيه وسار متجها نحوها , حيث وقفت ويدها مربوطة بيد مارك.
" حان وقت الوداع أذن".
قال جملته بصوت لم يدل عليه التأثير ثم بلا تردد أنحنى وعانقها لفترة طويلة تاركا أياها مرتجفة وضعيفة.
" تذكري.....".
ثم أبتعد عنها.
" أيها النذل".
دمدم مارك إ أنها أدركت أن كلمة ميندوزا الأخيرة لم تعن تذكره كمحب بل أن تتذكر أطاعة أوامره وتمنت لو تستطيع توضيح الأمر لمارك إلا أن وجود رجال رودريغو حولهما , حال بدون ذلك , فسارت الى جانب مارك خارج الدير متجهين الى الوادي.
وقبل أن ينفجر رودريغو معترضا بصراخه المعتاد قال لها مارك :
" ها هي لعبته ؟ لا شيء هنا حيث قمت بتمشيط هذه الأنفاق بنفسي شبرا شبرا".
ولأول مرة بدا رودريغو محتارا ولا يملك أي سيطرة على الموقف , وسمعت خلفها أصوات رجاله يتذمرون قلقين.
" ماذا حدث يا رودريغو ؟ هل تخيفك لعنة الزمرد؟".
" لا تحدثني عن الخوف , وحين سأتخلص منك سأعلمك معنى الخوف , وستزحف على ركبتيك طالبا الموت".
أرتعشت سوزان خوفا وتقلصت معدتها لقسوة الفكرة , إلا أن ميندوزا بقي هادئا بل وبدا عليه التمتع بالمحادثة.
" والآن عليك بتنفيذ الجزء الآخر من الصفقة , أطلق سراح الفتاة ومارك , دعهما يذهبان".
وأحست مرة أخرى بتردد رودريغو , ثم نظر إليها والى أخيها نظرة حيوانية تجلّت فيها القسوة بينما وقف ميندوزا جانبا.
" كلا , ليس الآن , لا أستطيع الوثوق بك أيها السيد النبيل , عليهما مرافقتنا داخل النفق كرهينة مقابل سلوكك وأخلاصك , حركة مخادعة منك وسأطلق الرصاص على أمرأتك ".

نيو فراولة 17-07-11 10:04 PM

" فك قيدهما على الأقل , فالنفق ضيق جدا في بعض الأماكن الى حد لا يستطيع المرور فيه أكثر من شخص واحد ولن يستطيعا التحرك فيه مقيدين , ما لم ترغب في أنتظارهما زاحفين على ركبيتهما ".
تردد رودريغو لحظة والشك لا يفارقه إلا أنه أضطر الى توجيه الأمر لأحد رجاله فقام بفك الحبل فشعرت سوزان بالراحة والدم يجري بحرية في يدها , فركت يدها بأصابع يدها الأخرى وأذا كانت تفعل ذلك أحست بميندوزا ينظر اليها إلا أنه أدار رأسه فورا , لكنها رأت في نظراته السريعة تلك غضبا قاتلا لا حد له.
نظرت الى مارك لترى إذا كان لاحظ شيئا إلا أنه كان مشغولا بآلامه الخاصة , وبدا يافعا ووجهه شاحب فلمست يده مدركة بأن ميندوزا ورودريغو وصلا مدخل النفق , ووقف رجال رودريغو جانبا لمراقبة ما سيحدث.
" أفعل ما سيقوله لنا حالا , نفّذ أي شيء يقوله".
" لست دمية بين يديه".
منتديات ليلاس
همس بدوره غاضبا , لم تستطع مجادلته لأنهما بدورهما سارا نحو المدخل وأحنت رأسها لتدخل شاعرة بملمس السقف على رأسها.
كان النفق باردا ورطبا , رائحته خانقة , يشبه مدخل القبر , وأقشعرت سوزان متمنية لو أنها لم تفكر بذلك.
" أن المكان خطر جدا".
قال مارك وكأنه أستطاع قراءة أفكارها.
" حركة واحدة خاطئة أو حتى أطلاق صوت عال سيؤدي الى أنهيار المكان كله على رؤوسنا , آمل أن يكون ذلك المتعجرف مدركا لما يفعله".
ولم يكد يكمل جملته الأخيرة حتى سقط بعض الأحجار الصغيرة عند قدميها , وتعثرت سوزان بشيء صلب , عرفت بأنه فأس رميت على عجل , لماذا ؟ ربما خوفا , أجابت نفسها وأزدادت الظلمة حلكة حولهما كلّما تقدما أكثر داخل النفق , حمل رودريغو مصباحا يدويا قويا وكذلك أحد الرجلين المرافقين لهما , إلا أنهم لم يعثروا على الزمردة المشهورة في أي مكان , وأصبح التنفس عسيرا وتساءلت هل أنه مجرد أحساس بالخوف من ضيق المكان , أم أنه أنعدام الهواء النقي ؟ ثم وضعت يدها على حنجرتها.
" أين الزمرد؟".
كشّر رودريغو ناظرا الى ميندوزا بغضب وضوء مصباحه متسلط عليه.
" الكلب لا يخلّف غير الكلب , هل كذبت علي؟".
أجاب ميندوزا بهدوء :
" أخفض صوتك وإلا ستكون كلمتك الغاضبة التالية هي الأخيرة".
أجاب رودريغو :
" لا وجود للهواء هنا ".
" لماذا نضيّع أذن القليل الموجود , هل أنت على أستعداد لمواصلة السير؟".
" الى أين ؟ أن النفق مسدود وأعرف ذلك لأنني نقبت كل شبر فيه".
" كلا , ليس كل شبر فيه , أنك مخلوق أرضي يا رودريغو , على الأنسان أن يرفع رأسه أذا أراد مخاطبة السماء".
فوجه رودريغو ضوء مصباحه الى سقف الكهف فرأوا فتحة ضيقة بين الصخور , لا تكفي لمرور طفل , فكيف برجل ضخم كرودريغو.
" هناك ؟".
تساءل رودريغو متعجبا.
" نعم هناك".
أجاب ميندوزا ساخرا.
" تقدم أنت أولا ولتتبعك الفتاة".
توقفت سوزان غير مصدقة لما رأته إلا أن ميندوزا رفع نفسه الى أعلى وأختفى في الظلمة , ثم دفعها رودريغو بمسدسه , رفعها مارك الى الأعلى بينما مد ميندوزا يده ليجذبها نحوه.
منتديات ليلاس
لم يكن هناك أي ضوء إلا أن تألقا غريبا أنار الظلام , رمشت بعينيها , ثم أحست بيد ميندوزا تضغط على فمها ليمنعها من الصراخ , كانت الجمجمة الذهبية موضوعة على السطح الترابي منذ عدة قرون , وتألقت الزمردات التي ملأت تجويفي العينين بلهيب أخضر , كانت زمردات العينين مصقولة أما البققية فكانت في حالتها الطبيعية , مكومة في مكان واحد كرمز للتضحية والعطاء , ووضع ميندوزا ذراعيه حولها رافعا أياها مرة أخرى.
" أذهبي الى الأعلى , وبأقصى سرعة".
ووجدت نفسها في نفق آخر داخل الصخور , نفق لا يستطيع الأنسان التحرك فيه إلا زحفا على البطن ورغم ضيق المكان وسرعتها في الزحف أحست أن الهواء مختلف , وأنها قريبة من منقذ ما , وجذبتها نقاوة الهواء فكادت أن تفقد الوعي لشدة فرحها وزحفت أسرع وأسرع , ثم مدّت يدها بشكل لا إرادي الى الأعلى عند نهاية النفق.
أحست بشخص يمسك رسغيها ثم يجذبها الى الخارج ولم تستطع فتح عينيها لقوة أشعة الشمس ولتعودها على النظر في الظلام.
نظرت الى الوجه البرونزي المنحني عليها , وكذلك الى زيّه النظامي , كان وجهه وسيما ذو شارب صغير أسود.
" آسف لخشونتي سنيوريتا".
وساعدها على الوقوف على قدميها .
" أنا الكابتن لوبيز ربما ذكر ميندوزا أسمي أمامك".
" كلا".
كانت يداها تنزفان قليلا وتكسّرت أظافرها , لا بد أن منظرها كان مخيفا , مغطاة بالتراب وجزء من قميصها وبنطالها ممزق , وبدا كأن الكابتن أدرك سر ترددها فأشار الى أحد الجنود بمناولتها سترة الزي النظامي , فأرتدتها على عجل , وقدّم لها جندي آخر سيكارة فشكرته ثم أنتبهت الى أن المكان كله محاط بالجنود.
" ماذا حدث؟".
سألت سوزان كابتن لوبيز إلا أنه أشار طالبا منها الصمت , وساد الصمت حولها وتنصت الجميع لشيء لم تعرف ما هيته.
لم تشك أطلاقا أن ما سمعته كان صوت أطلاق مسدس تبع ذلك ضجة وأصوات مختلطة.
سمعت بعض الشتائم أطلقها كابتن لوبيز ثم تحرك بسرعة مبتعدا عنها , وزاد الأمر سوءا الأنهيار الذي تلا ذلك وأستمر وكأن أطنان الصخور تنهار بلا توقف تحت قدميها فسقطت على الأرض , مناديى بأسمه وكانت مستعدة لحفر الأرض بيديها العاريتين للوصول الى الرجل الذي أحبته , ودفع أزدياد الأنهيار الغبار الى علو مرتفع فلم يدع لها فرصة التوقف عن البكاء لحظة واحدة .
" ميندوزا".
وكررت أسمه عدة مرات برتابة مخيفة ويأس صور لها جسمه مكوّما تحت الصخور في ظلمة النفق.
وضغطت على شفتيها بقبضة يدها , كالأطفال , محاولة أيقاف نفسها عن الصراخ والبكاء , ومحاولة التحكم بمشاعر اليأس المسيطرة عليها.

نيو فراولة 18-07-11 08:41 PM

لمستها يد شخص مجاور لها فأنكمش جسدها ورفضت المساعدة .
" دعني , أتركني لوحدي , أريد الموت".
" لكن الحياة لا تزال جميلة , كما قلت لك االليلة الماضية !".
حملقت سوزان في وجه الرجل غير مصدقة ما سمعته , كان وسخا مثلها وملابسه ممزقة , كان هناك جرح عميق في جبينه وآخر في كتفه.
" ميندوزا".
ورمت نفسها بين ذراعيه.
" ماذا حدث ؟ كيف نجوت؟".
" لفترة قصيرة ظننت أنني لن أنجو إلا أنني سمعت صوتك مناديا إياي أيتها الحبيبة".
" ظننت أنك قتلت , حين سمعت صوت الطلقة ثم الأنهيار , لم أتصور كيف يمكن لأي أنسان النجاة من هناك .....". صمتت فجأة وحدقت في وجهه.
" ....... مارك ..... آه , كيف نسيت؟ أين هو ؟ هل جاء معك؟".
" كان في النفق السفلي حين أثرت غضب رودريغو ودفعته لأستخدام مسدسه , طلبت من مارك الهرب , لو أطاعني هناك أحتمال في بقائه حيا , كنت أود أرساله معك خلال النفق العلوي , لو أنني أقنعت رودريغو , كما تعلمين".
" نعم".
أجابت بحزن , وأستدارت باقية وهي في هذه الحال لفترة قصيرة , هادئة وساكنة محاولة السيطرة على حزنها.
ثم ساعدها على الوقوف وبدأ أنحدارهما المتعب الى قاعدة الجرف , ورأت بقية عصابة رودريغو , وبضمنهم كارلوس مقادين من قبل الشرطة , تحت الحراسة المشددة , إلا أنها لم تستطع التشفي لذلك , بل بقيت تنظر الى مدخل النفق حيث كان بعض الجنود يحفرون , فتذكرت حلمها القديم وأرتعشت.
" صديقي ميندوزا".
تقدم لوبيز نحوه راكضا .
" لم أصدق بقاء أنسان حيا بعد الزالزال العنيف".
ثم أشار بأتجاه المدخل , تحركت سوزان بعصبية فأسترعت أهتمامه.
" أوه , كلا ليس مارك , أنه حي وأصيب بكسر في ساقه وجدناه قرب المدخل وأحد رجالي يقوم الآن بتثبيت ساقه وفي أستطاعتك بعد ذلك رؤيته".
" كابتن لوبيز , سأقبلك لهذا الخبر السار".
" سنيوريتا , ذلك شرف لي".
وأبتسم بفرح رغم نظرته القلقة السريعة الموجهة نحو ميندوزا , ثم أحنى رأسه فقبّلته على خده:
" سأذكر طوال حياتي كيف جذبني من تلك الحفرة , ما حدث كان معجزة وخاصة وجودك هنا في تلك اللحظة , وها أنت تعيد اليّ مارك".
" كلا , ليست معجزة , أذ نحن بأنتظار رودريغو ورجاله منذ زمن طويل , ميندوزا عمل معنا أيضا , مستخدما نفسه كفخ , وحين علمنا بأحتجاز أخيك أدركنا أن فرصة القبض على رودريغو حانت أخيرا , إلا أننا غيّرنا خطتنا حين علمنا بمجيئك للعثور على أخيك".
" خظة؟".
" نعم يا سنيورتا".
ونظر الى ميندوزا بدهشة ثم ضحك محاولا تغطية حرجه.
" حسنا , كل شيء على ما يرام , هل بقيتم مرابطين هنا منذ يومين لمراقبة ما سيحدث؟".
أومأ برأسه أيجابا , رغم أحساسه بأنه أرتكب خطأ ما رغم عدم أدراكه لما هيته .
" نعم سنيوريتا".
أبتسمت بطريقة ساحرة رغم طبقة الغبار الذي غطى وجهها .
" أنك ممتاز في عملك يا سنيور , لم تكن لدي أي فكرة عن وجود الجنود حولنا , لو كنت أعلم , لو أدركت أن الأمر كله خطة مرسومة منذ البداية لألقاء القبض على رودريغو , لأختلفت الأمور كلها".
" يجب ألا تستهيني بخطورة الموقف يا سنيوريتا , كان من الممكن حدوث خطأ في أي لحظة , فرودريغو حيوان يصغي لغرائزه فقط وسلوكه لا منطقي , وكان في أمكانه قتل سنيور دي ميندوزا لحظة ظهوره في باحة الدير يوم أمس".
" لكنك تعلم أن السنيور مقامر يجيد حساب أوراقه الرابحة والخاسرة........".
نظر اليها الكابتن بحيرة .
" أرجو أن تعذريني سنيوريتا , وأنت يا ميندوزا , أذ لدي الكثير من الأعمال ".
" نعم , أنني أقدر ذلك , سأتحدث معك فيما بعد".
وأنتظر الى أن أبتعد عنهما الكابتن ثم قال لسوزان:
" سوزان , أعرف ما الذي تفكرين به".
" بالتأكيد , أنك تعرف ذلك , أنني أفكر بسلوكي الأحمق ليلة أمس , أكاد أموت خجلا حين أفكر بما جرى , كان في أمكانك أخباري عن لوبيز ورجاله , إلا أنك لم تفعل".
" كلا , لم أخبرك لأسباب أعرفها , كان علي أقناع رودريغو بأن أستسلامي له كان حقيقيا , لو أخبرتك الحقيقة , ربما كان مظهرك سيفضح اللعبة , كلمة واحدة كانت كافية للقضاء علينا جميعا".
" أنها أسباب جيدة , وكنت أنا المفضوحة الوحيدة , حيث أقتحمت غرفتك , جادلتك أجبرتك على ..... لأنني فكرت بأنها الليلة الأخيرة , الليلة الوحيدة....".
ودفعت نفسها بعيدا عنه حين حاول الأمساك بكتفيها.
" وهل يختلف الأمر الآن , بعد معرفتك الحقيقة؟ هل هذا التحول جزء من شخصيتك البريطانية المتقلبة ؟ هل تحاولين أخباري أنك تفضلينني كبطل ميت على المحب الحي ؟ لم يكن ذلك رد فعلك حين وجدتك تبكين عند قمة الجرف , أو ربما أردت أظهار براعتك كممثلة؟".
" كنت ضحية صدمة قوية , أما أذا كنا نتحدث عن التمثيل فأعتقد أنه عليك مزاولة المهنة لأنك تجيدها , وقبل أن أنسى".
ثم أنحنت ساحبة من جزمتها رسالة لأمه:
" هاك الرسالة المؤثرة , لتتخلص منها".
ثم مزّقت الرسالة الى قطع صغيرة ونثرتها حوله.
" أنتظري لحظة واحدة , لو أن طلقة رودريغو أصابتني لكنت الآن في طريقك لتسليم الرسالة , هل تدركين ذلك؟".
" أنا آسفة لأن ذلك لم يحدث ".
وأنتابها الخجل من جديد لفكرة قضاء الليلة الماضية معه , وتذكّرت كلماتها له والأشياء التي فعلتها معه ثم قالت:
" إلا أنك كنت مدركا لعدم خطورة الموقف , لأنك تزن كل خطوة تخطوها وكل الأحتمالات , ذلك ما لا أستطيع غفرانه , الطريقة التي واجهتني بها ثم الأسباب عن السبب الحقيقي.... وتركتني أضحي بنفسي...".
وضحك بقسوة:
" تضحين؟ العذراء الشهيدة ! ثم أنا متأكد أن الضحية المقدسة لا تستجيب تمماما لروح المناسبة , كما فعلت".
" كيف تجرؤ على أهانتي بذكرك التفاصيل....".
ثم توقفت لجهلها الأنتقام الملائم.
سرخت ثم رفعت يدها وصفعته , للحظة واحدة لم يصدق ما جرى ثم ظهر الغضب على وجهه بوضوح , ولن تحتاج النظر حولها لتدرك أن رجال لوبيز شهدوا ما فعلته , وعندما أستدارت لتذهب باحثة عن مارك أمسك بها من الخلف ووضعها على ركبتيه ثم ضربها أربع مرات , قبل أن تستطيع تحرير نفسها من قبضته والغضب يكاد يعميها.
" أيها القذر".
" أضربيني مرة أخرى وأنت تعرفين من الذي سيحدث".
" لا تقلق لن أمسك مرة أخرى , أتمنى ألا أراك مرة أخرى".
" أمنية لن تتحقق لسوء الحظ".
" ماذا تعني؟".
" تربط بيننا صفقة أطلب منك تسديد دينك فيها , حيث وافقت على جلبك هنا مقابل شرط معين".
وأبتعد تاركا أياها في الفراغ بسكون غريب.

عطني روحي سيدي 19-07-11 01:43 AM

رااائع ... بااقي كثير متحمسه لنهاايه

نيو فراولة 19-07-11 11:23 AM

10- حيث تكون ......... أكون



لم يكن مقر قيادة الجيش المحاي مكانا فاخرا , إلا أنه أحتوى , على الأقل , حماما خاصا مزودا بالماء الساخن , وكذلك بابا يقفل من الداخل , الأمر الذي أفرح سوزان بشكل خاص , حين أغلقت الباب لتستحم.
كان عليها الأنفراد بنفسها لتفكر وتخطط للخطوة القادمة , ورغبت بالخلوة لتحقيق ذلك , وفكرت بأن ميندوزا لن يمتلك الجرأة اللازمة لكسر باب الحمام وأقتحام خلوتها.
أستخدموا سيارة الجيب لنقلهم من ديابلو وسرت سوزان لوجود لوبيز معهما في السيارة مما منعها من تداول أي حديث شخصي , وأحست بنشوة غريبة تسري في جسدها لحظة أنغمارها بالماء الساخن , وآلمتها الخدوش والكدمات العديدة في جسدها , ذكرى مؤلمة لليلة الماضية وللزحف في النفق الطويل , الحقيقة أن ضربات ميندوزا لم تؤلمها جسديا بقدر ما جرحت كرامتها , ثم كانت الصدمة , حين جعل من الواضح لها أنه لن يسمح بأبتعادها عنه.
منتديات ليلاس
تنهدت سوزان وهي تغتسل ولا زالت فكرة خداعه لها , مسألة لن تغفرها له , رغم توضيحه الدائم لها برغبته في تسديد دينها له في ديابلو , كما أنه لم يوضح الظروف الخاصة المحيطة بأستيفاء وعدها , وكانت هي بدورها مصممة على رفضها لها لأسباب تعرف وجاهتها الآن , هذه حقيقة لا تستطيع أنكارها حتى في أقصى لحظات غضبها.
على الأقل أوضحت لها أحداث الأيام الأخيرة بعض ما خفي عليها طوال الرحلة فعرفت أن ميندوزا تركها في بيت ماريا نهارا كاملا ليلتقي بالكابتن لوبيز وخلال ذلك علم بوجود مارك وأحتجازه من قبل رودريغو ورجاله , وكان لوبيز على وشك مهاجمة رودريغو إلا أن ميندوزا منعه من ذلك حماية لأخيها , لأحتمال أصابته بطلق ناري طائش أثناء القتال بين لوبيز ورجاله من جهة ورودريغو وعصابته من جهة أخرى , حينئذ أتخذ ميندوزا قراره بالتوجه لوحده لأنقاذ حيتة الشاب الأنكليزي , شقيق حبيبته كما قال كارلوس , وأدرك فداحة الثمن المطلوب منه حين قرر أبعاد رجال العصابة عن مارك وأقتيادها الى مكان أختباء رجال الدورية.
أما التغير الحاسم الأخير فجاء نتيجة لعصيانها أوامره وأحتجازها من قبل رودريغو , حينئذ فقط قرر ميندوزا أقتياد رودريغو الى مخبأ الزمرد ودفعه الى تفجير المكان ودفن الكنز جنبا الى جنب مع جثة رودريغو.
توقفت عن فرك جسدها لتفكر جيدا بما حدث خاصة بعد أن زالت موجة الغضب الأولى , وبدأت تعتقد أن سلوكه لم يكن خادعا كليا , ربما كان صحيحا ما ذكره لوبيز عن الأخطاء غير المتوقعة ونتائجها الخطرة , وأقل تلك المخاطر كان سقوط صخرة على رأسه لتحطمه كما حدث لرودريغو.
ثم كان هناك شيء آخر لم تأخذه بالأعتبار , إذ أن فاتاس تقدم لأنقاذهما معتقدا أن مارك حبيبها وكان ذلك لوحده دليلا على عدم أنانيته , رغم أن دافعه الأول كان الأنتقام من رودريغو , أما وجودها ومارك فكان صدفة طارئة.
منتديات ليلاس
وكان مارك مشكلة أخرى , حيث قررت العودة معه فورا الى بريطانيا غير أن طبيب الجيش لم ينصح بذلك , ثم أن سوء معاملته أثناء فترة أعتقاله وصدمة الحادث الأخير , أضافة الى رجله المكسورة , عقد من حالته الصحية مما أستدعى بقاءها فترة أطول لحين شفائه , ولخيبة أملها سمعت ميندوزا يذكر للكابتن لوبيز عن أستدعائه سيارى أسعاف خاصة لنقل مارك الى منزله حيث توجد ممرضة ستتولى رعايته , وفكرت بحتمية أهتمام الجميع بها لأنها حبيبة السيد , ولم تثر الفكرة أشمئزازها كما توقعت , بل أبتسمت مرحبة بها , حسنا , أنها لم تستجب لرغباته , أما الآن فإنها متورطة تماما في علاقاتها به.
وخرجت من الحوض وبدأت تنشيف نفسها ثم لفت المنشفة حول جسدها النحيف قبل أن تفتح باب الحمام , ورأت ملابسها النظيفة موضوعة على سرير الكابتن لوبيز , وتمنت لو أنها سألته أعطاءها روبا , كانت متأكدة بأنه مستعد لأعطائها كل شيء لأنها وكما ظن الجميع حبيبة ميندوزا
سارت الى غرفة النوم بهدوء ثم وقفت فجأة حين أمسكت يد ما بكتفها.
"أريد التحدث اليك".
" أنت ! أخرج من هنا".
" لا تصرخي , ليس في نيتي أحداث فضيحة".
" أنك تدهشني معارضتك فضيحة , والنوم معا في غرفة واحدة يتغاضى عنها الجميع , أنني أحب أن يكون للرجل مبادىء حتى لو كانت مبادىء مزدوجة".
" أرجو أن تتوقفي عن أهانتي وأصغي لما سأقوله , أذ ليس لدي وقت كاف لغير ذلك , أخبرني بابلو أنك طلبت منه إيصالك الى بوغوتا".
" هذا صحيح".
لم تستطع أنكار ذلك رغم رغبتها بكسر عنق بابلو.
" أخبرته بأن ذلك غير ضروري , وأنك قادمة معي الى بيتي".
" كلا , لست ذاهبة معك".
" ستنفذين مت أقول يا سوزان".
كانت لهجته باردة وهادئة وسلوكه سلوك السيد النبيل.
" أنك لا تفهمني , أريد العودة بأسرع وقت الى بريطانيا لرؤية جدي وأخباره أن مارك حي".
" أنتهيت لتوي من وضع الترتيبات اللازمة لذلك ولأخبار جدك بسلامتكما سوية , كما م أبلاغه أنكما نتيجة لخطورة ما تعرضتما لها , في حاجة ماسة لقضاء بعض الوقت في بيتي في لينوس وبضيافة والدتي".
" إنك واثق من نفسك الى حد بعيد , وكيف ستعرّفني بوالدتك ؟ لا أظن أن والدتك معتادة على لقاء عشيقاتك , أو ربما تريد تعريفها بمارك فقط وأخذي الى المنزل خفية؟".
" كلا , لن أفعل ذلك , كما لن أعرّفك بوالدتي كعشيقتي , بل سأقول لها : يا أمي , هذه سوزان روح حياتي , أحبيها كما لو كانت طفلتك".
ضعفت سوزان وعجزت عن الكلام للحظة ثم نظرت اليه بأستغراب :
" لا أفهم ما تقوله".
" كلا ؟ الأمر بسيط ستذهبين الى بيتي بأعتبارك زوجة المستقبل".

نيو فراولة 19-07-11 03:13 PM

لحسن حظها كانت حافة السرير قريبة منها , لأن ساقاها خذلتاها فجلست على السرير.
" لا بد أنك مجنون!".
ودهشت لثبات صوتها.
" هل تستطيع أعطائي سببا يدفعني لقبول عرض الزواج؟".
وتحدث بهدوء وكأنه يتحدث عن المناخ.
" أستطيع أعطاءك عدة أسباب إلا أن المهم منها , هو الأحتمال الذي بحثناه ليلة أمس".
" تعني أنني قد أكون , ولكن أليس من المعقول أكثر الأنتظار ورؤية ما سيحدث؟".
" كلا , سنتزوج وبأسرع وقت , سيولد طفلي بدون أن تمس أسمه شائنة".
" أهو مخطط مرسوم بدقة".
" نعم أذا أردت أعتباره كذلك".
" ولكن , حاول التفكير جديا , ربما لن يحدث ذلك !".
" لا يهم دعانا بابلو لتناول وجبة العشاء معه".
" سأكون مسرورة لتلبية الدعوة , أرجو ألا يتوقع مني أرتداء شيء خاص للمناسبة".
وأبتسم لأول مرة قائلا:
" أنا متأكد أنه سيتوقع رؤيتك مرتدية ما هو أكثر من منشفة , إلا أنه يعلم أن التنورة ليست أساسية لركوب الحصان في رحلة خطرة الى ديابلو".
" كلفتني هذه الرحلة ثروة طائلة , أذ تمزق كل ما أشتريته أضف الى ذلك ما مزّقه كارلوس في البداية".
" أذن , أعتقد أنه من حسن حظك الزواج من رجل سيعيد تجهيز دولاب ملابسك بكل ما تحتاجينه".
وكان صوته جافا.
حدّقت سوزان في وجهه وأرادت الأعتراض قائلة أنها لم تعن ذلك وأن ثرلءه لن يغيّر من حقيقة مشاعرها نحوه , إلا أنها شعرت أن الصمت أفضل في مثل هذه الحالة , بدلا من ذلك قالت:
" يبدو أنك واثق بأنني سأقبل عرضك ".
" هل يراودك الشك في صحة ذلك؟".
" لا أظن ذلك , أذ يبدو لي أنك تحصل دائما على ما تريد , أليس كذلك؟".
" هل ذلك صحيح؟".
وغادر الغرفة محكما أغلاق الباب خلفه , تاركا إياها في حيرتها , لا بد أنه أغرب عرض للزواج تتلقاه فتاة , بل إنه في الحقيقة , لم يعرض عليها الزواج بل شرح لها ما سيحدث لها كأنها لا علاقة لها بالموضوع , وما زاد الطين بلة أنه لم يقل أنه يريد الزواج منها , ولم يهتم بأعترافها كما أنه لم يقبلها مما دفعها للأحساس بغرابة الموقف , مدت يدها لأرتداء ملابسها مؤكدة لنفسها أن سبب أرتعاشها يعود لوقوفها مغطاة بالمنشفة الرطبة لفترة طويلة.
لم تشعر سوزان بالأسف لمغادرة موقع الدورية في اليوم التالي , كان العشاء موقفا محرجا لها إذ تبادل الضباط الحاضرون نظرات الأستغراب والأبتسامات فيما بينهم حال دخولها الغرفة , لا بد أن كارلوس أخبر الجميع بقصتها ألا أن موقفهم تغير الى الأحترام الكامل حين وقف ميندوزا معلنا زواجهما في المستقبل القريب ووقف لوبيز متمنيا لهما السعادة .
تقبل ميندوزا التمنيات بأحترام لكنه حافظ على برودته حيالها مما دفعها للأعتقاد بأنه يعاقبها على ما وصفته به في ديابلو , وأصبح سلوكه أكثر قسوة وأبتعادا حين سمع قرارها بالسفر مع أخيها في سيارة الأسعاف بدلا من السفر في طائرة الهليكوبتر المنتظرة , وللحظة ظنت بأنه سيجادلها أو يحاول أرغامها على الذهاب معه إلا أنه أكتفى بأخبارها أن لها حرية الأختيار وأبتعد متجها نحو الطائرة.
وتحوّلت رحلتها الى كارثة , أذ كان مارك يعاني من بعض الآلآم مما جعل سلوكه حملا لا يطاق وواصل طول الطريق التشكي والجدال معها , يلوم ميندوزا لكسر ساقه متجاهلا أمكانية خسارته لحياته.
وفقدت سوزان صبرها في منتصف الطريق , فأخبرت مارك أن عليه أعتبار نفسه محظوظا.
" لا أدري كيف تقولين هذا , خاصة بعد أن جرّنا كلنا الى النفق الخطر".
" أنه لم يجرك الى أي مكان , أذ كنت هناك قبله , شكرا لخصامك السخيف مع جدي وجشعك".
" كلما فكرت أن الزمرد كان هناك طوال الوقت ولم أستطع العثور عليه".
: أنت وآلاف الرجال من قبلك , أنا مسرورة لما فعله ميندوزا , الزمرد مدفون الآن الى الأبد ولن يستفيد منه أحد".
" حسنا , أعتقد بأنه مجنون تماما ليتخلص من تلك الثروة الطائلة".
" كانت الجواهر ملعونة ولعنتها أبوية , لم يخبرك ميغيل أرفاليز أن....".
" ميغيل يتصرف مثل أمرأة عجوز , ما كنت بقليل من سوء الحظ لو أنني أمسكت المجوهرات بين يدي , لا تقولي لي أن عائلة النبيل ميندوزا لم تستفد من المجوهرات منذ أجيال".
" لن أتحدث معك أكثر من هذا , أذ أنك لن تصدقني , وأظن أنك حصلت على ما يكفيك من سوء الحظ حتى الآن".
قالت ناظرة بشماته الى ساقه المكسورة.
ولجأ مارك بدوره الى الصمت ووجدت سوزان نفسها آسفة لقرارها بالسفر معه , من الواضح أنه ليس بحاجة الى وجودها , ورغم ثقل الهواء والمطبات الترابية , أستطاعت سوزان النوم قليلا ثم أستيقظت عندما أحست بوقوف السيارة , نهضت واقفة وحاولت بلمسات سريعة , تصفيف شعرها ونفض الغبار عن بنطالها , وكان أول شخص رأته عند نزولها من السيارة هو ميندوزا مرتديا بدلة صيفية أنيقة , ثم تقدم منها وقبّلها على خدها:
" أهلا بك في بيتك سوزان , والدتي تنتظرك للترحيب بك ....".

نيو فراولة 20-07-11 12:41 PM

وأمسكت بذراه الممدودة نحوها وأحست بشعور أحمق وهي تسير تحت القوس الخارجي لباب المنزل وحيث الخدم أصطفوا هناك , وتمنت لو أستطاعت الظهور بمظهر أفضل من أرتدائها الجينز والقميص , وظنت أن الزي الملائم لذلك الأحتفال كان قميصا حريريا وتنورة طويلة وربما قبعة عريضة الحواشي.
وأعجبها طراز بناء البيت , بيت من طابقين عكس بوضوح جمالية الفن المعماري القديم , أما باحة المنزل فكانت مزينة بالزهور والنافورات المائي وفي الجانب الخلفي بدا ما يشير الى وجود حوض للسباحة , وكان داخل المنزل تعبيرا عن فخامة الخارج حيث صعدا أعلى سلم مزخرفة جوانبه بشكل فني راع.
" لوالدتي جناحها الخاص في الطابق الأول , وقد أمرت بأخذ مارك الى غرفته مباشرة أذ كانت الرحلة طويلة ومتعبة بالنسبة اليه".
وافقت سوزان على ما قال بصدد التعب وحاولت تجنب مجادلته لئلا يفكّرها بأختيارها الخاطىء لأسلوب المواصلات.
سارا عبر ممر طويل , الى غرفة فتح ميندوزا بابها , وفي الوقت نفسه نظر الى وجهها:
" أسترخي يا سوزان ستسر والدتي بك , خاصة وأنها صلّت كثيرا ليتحقق حلمها بلقاء زوجة المستقبل".
كانت والدته أمرأة متوسطة الطول , إلا أن كبرياءها وشخصيتها القوية تبدو أطول , أرتدت فستانا أسود مزينا بحلية ثمينة لصدر , ووجدت سوزان نفسها بين ذراعي السيدة وهي تقبلها بحنان:
" ليحفظك الله يا طفلتي".
وتلألأت الدموع في عيني السيدة.
" وليحفظك الله يا فاتاس لأنك جلبتها للقائي , أنها جميلة كالملاك , ستكون عروسة فاتنة وسأكون مسرورة جدا لأعداد فستان عرسها فقد مضى وقت طويل على زواج جوانيتا".
" منذ عامين , إذا أردت الحديث مع سوزان عن الملابس فسأترككما لوحدكما وسأذهب لتفقد مارك وما يحتاجه".
منتديات ليلاس
أحست سوزان بالحرج لبقائها وحدها مع السيدة.
" تعالسي وأجلسي هنا يا طفلتي , وأشارت لها بالجلوس على كنبة قريبة من نافذة عريضة , لن أؤخرك فترة طويلة , أذ ستحتاجين الذهاب الى غرفتك ثم الأغتسال والأستعداد للعشاء , أرسل فاتاس بطلب أمتعتك من أسانكشن , إلا أنني أخترت بعض ملابس جوانيتا لتلبسيها حاليا , وأذا ما أخترت أحد الفساتين لتلبسيه الليلة سأرسل لك وصيفتي لأجراء ما يلزم من التغييرات فيه".
ثم أبتسمت مضيفة :
" فيما بعد , أختاري الوصيفة الملائمة لك , ولكن في البداية ستتولى خدمتك مجموعة من الفتيات الى أن تتعرفي عليهن , ويتم لك أختيار من ترغبين فيهن".
ثم رفعت من على الطاولة قطعة قماش مطرز وبدأت التطريز عليها .
" كذلك طلبت من خياطتي المجيء بعد يوم غد وستجلب معها مجموعة من نماذج الأقمشة والأزياء لتختاري من بينها فستان عرسك".
" بهذه السرعة ؟".
سألت سوزان.
" طفلتي العزيزة , فهمت مما أخبرني أياه ميندوزا أن من الأفضل أتمام زواجكما بأسرع وقت , أنه يخبرني دائما بما يحدث له , هل أزعجك الأمر ؟ هل توقعت أن أصدم لما حدث ؟ هل تظنينني أجرؤ على أحتقار فتاة ساعدته على أبعاد الظلمة عنه؟".
أنهمرت دموع سوزان لتفهم السيدة لسلوكها , بعد طعن مارك المتواصل لها.
" لم أعرف ما الذي أتوقعه في المستقبل".
" أنك متعبة , كما أنك عانيت كثيرا على يد الشرير رودريغو ليرحمه الله سأطلب من جوزيتا أن تأخذك الى غرفتك ".
كانت جوزيتا أمرأة عجوز ذات وجه كئيب , إلا أنها ما أن تبتسم حتى تتغير ملامحها , وأبتسمت كثيرا حين رأت سوزان تتفحص غرفتها.
كان السرير جميلا وثمينا , ذو أعمدة أربعة تحيط به وشرشف مطرز ودانتيلا تزين حواشي الغطاء حتى تصل الأرض , أما النوافذ فمغطاة بستائر حريرية خفيفة سمحت لأشعة الشمس بالدخول من كل جانب , ودل أختيار لون السجادة وطلاء الحائط على ذوق وبذخ من أختارهما.
منتديات ليلاس
وتذكرت مساعدة ماريا لها حين بدأت جوزيتا مساعدتها على خلع ملابسها وألباسها روب حريري جميل ثم قادتها الى خزانة الملابس لتلقي نظرة على ملابس جوانيتا , بدا من الواضح أن جوزيتا فضّلت الفستان الأول وكان فستانا كلاسيكيا من الشيفون الأبيض وأكمام مزينة بالكشاكش , إلا أنها لم تكن مستعدة للنزول مرتدية فستانا من هذا النوع , أختارت لنفسها فستانا أزرق غامقا ومزينا بنقاط بيضاء , من الطراز الأسباني , كان الطول ملائما إلا أن خصرها كان أنحف من خصر جوانيتا , فأحذت جوزيتا الفستان لتصلحه لها , أستلقت سوزان على السرير وحاولت الأسترخاء , أشعرها ترحيب السيدة بالدفء , إلا أنها أدركت حاجتها الشديدة الى ميندوزا ليثير فيها الأطمئنان , حيث أخافها بروده وفضّلت سخريته على سلوكه المهذب البارد , و عاطفته المستعرة التي أعتادت الهرب منها في الماضي , هل غيّره رفضها الحاد له بعد هربهم من نفق ديابلو ؟ ودارت الأفكار مختلطة في ذهنها بلا توقف , كانت السيدة محقة , خاطبت نفسها أنني متعبة بل مستنفذة القوى , وسيختلف كل شيء غدا.
إلا أن الأمور بقيت كما هي في اليوم التالي والأسابيع التالية أيضا .

نيو فراولة 20-07-11 06:06 PM

أحست سوزان أنها تعيش في حلم , أذ وقفت مثل دمية بينما قامت أمرأة سمراء قصيرة القامة بتجريب ياردات من قماش حريري حليبي اللون , سارت في الحديقة الى جوار النافورات , زارت مارك في غرفته حيث بقي تحت أشراف الطبيب , تحدثت الى السيدة , سبحت في حوض السباحة مرتدية مايوه سباحة يعود لجوانيتا وتم تغييره ليلائم قياسها , بقيت مسترخية لفترة طويلة , تحت أشعة الشمس , غيّرت ملابسها لتناول العشاء مع العديد من الأقارب ممن دعتهم السيدة لتعريفها بهم , بعد العشاء بدأت أخذ دروس باللغة الأسبانية , محاولة قدر الأمكان تجنب النظر الى الجهة الأخرى حيث يجلس ميندوزا عادة , وفي العاشرة تماما كانت تنهض لتقبل السيدة متمنية لها ليلة سعيدة ثم يرافقها ميندوزا حتى الباب , ليقبل يدها ثم خدها ببرود.
لم تصدق نفسها حين حدث ذلك كله للمرة الأولى حيث توجهت الى غرفتها دائخة ثم ساعدتها الفتاة الواقفة بأنتظارها على تغيير وأرتداء قميص نوم من الدانتيلا الجميلة , ثم أستلقت في الظلام , متوقعة قدومه , مراقبة الباب بأنتظار مجيئه.
لم يتطرق اليها الشك في صحة مجيئه خاصة بعد تحذيره إياها بأن دينه سدد كاملا في ديابلو ثم أنها رغبت في مجيئه اليها وأسترخائه الى جانبها , وحتى بعد منتصف الليل بقيت صاحية في أنتظاره , إلا أن باب غرفتها بقي مغلقا , ليس تلك الليلة فحسب ولكن كل الليالي التالية , لم يحاول الأقتراب منها وحتى أثناء النهار أذا ألتقت به صدفة كان يخلي لها الطريق بعد أن يبتسم لها بأدب وتصرف معها بطريقة أوحت بأنه سيتصرف بالطريقة ذاتها مع أي ضيف في بيته .
لكنه قضى أغلب وقته خارج المنزل ووضّحت والدته الأمر قائلة بأنه مشغول بإنجاز الكثير من أعماله المعلقة.
" إنه يعمل ضعف السابق الآن كي يستطيع التفرغ بعد الزواج , لعروسه الشابة".
وبادلتها العروس الشابة الأبتسامة وسألت نفسها عما إذا كان لها أي موقع في خططه للمستقبل.
إلا أنها لم تستطع إنكار أهتمامه بإنجاز بعض الأمور الهامة , حيث دفع أحد أصدقائه من الدبلوماسيين الموجودين في لندن للأتصال بالسيد جايلز وطمأنته على وجود سوزان ومارك تحت رعايته كما بلغ سوزان عن تحسن صحة جدها , وتم جلب بقية حاجياتها من أسانكشن إضافة الى شرائها من الملابس الجديدة بعد توجهها الى بوغوتا للتسوق مع السيدة مرتين.
وهكذا كانت أيامها مبرمجة إلا أن أحساسها بالفراغ لم يفارقها , وكلما فكّرت بأنها وبعد أسبوع واحد فقط ستتزوج من رجل لا زالت لا تعرف عنه الكثير , ينتابها الخوف.
كما لم يكن هناك من تستطيع اللجوء اليه , وحتى مارك الذي بدأ يشفى من آلامه , أنشغل عنها بصداقته الجديدة مع أبناء عم ميندوزا الشباب , يدعى خيمي , وشاركه هوايته في قيادة السيارات السريعة , وبدا سعيدا جدا مكتفيا بالذهاب معه الى ضواحي فيلافينسكو.
ذهبت معهم سوزان مرة إلا أنها لم تتمتع بالراحة لأنها لم تعجب بأسلوب قيادة خيمي ألا أنها أعجبت بجمال الحقول الخضراء وتمنت لو أن ميندوزا عرض عليها أرتيادها معها , إلا أنه لم يفعل ولم تجرؤ هي على سؤاله , وأكتشفت من خلال أحاديثها مع خيمي والبقية أن ميندوزا لا يربي الماشية فقط بل له أهتماماته الأنشائية والصناعية أيضا , الأمر المجهول لديها تماما , وهكذا أدركت أنها كلما أكتشفت حقيقة جديدة عنه كلّما أزداد جهلها به , رغم أنها ستكون زوجته خلال أيام قليلة.
وقررت أنها لا تستطيع أحتمال دفعها السلبي أكثر من ذلك , كلا لن تقبل التحول الى زوجة كولومبية لا علاقة لها بحياة زوجها وهمّها الوحيد تتبع أخبار أحدث الأزياء والحفاظ على زوجها بعيدا عن بقية الفتيات.
وكانت الفكرة الأخيرة مؤلمة أكثر من السابقات , وتذكرت صورة السيدة الأميركية معه وتخيّلت نفسها تعاني من الوضع نفسه , أرادت أن تبقى لوحدها معه , أرادت التوجه إليه وإخباره بشكوكها , قلقها.
أختارت صباحا عرفت فيه أنه سيكون في مكتبه الواقع في الجهة الخلفية من المنزل , كان باب المكتب مفتوحا ورأته واقفا يحزم مجموعة من الأوراق ليضعها في حقيبة يده , وكان وجهه كئيبا وفكره شاردا , لم يرها في البداية فتعمدت السعال لتنبّهه الى وجودها , رفع رأسه فرأت الدهشة مرتسمة على وجهه.
" شرف غير متوقع , هل تريدين شيئا؟".
وأرادت سوزان القول : نعم , أنت , إلا أنها أحست وكأنها تخاطب غريبا فتقدمت منه وعينيها مثبتة على وجهه.
" أردت التحدث اليك , لأنني ألقاك نادرا في الآونة الأخيرة".
" لسوء الحظ علي المغادرة للقاء مهم فورا , إلا أن أهتمامك يفرحني ويدهشني بحثك عني , خاصة وأنك أخبرتني منذ فترة قصيرة أنك لا ترغبين برؤيتي مرة أخرى".
" حدث ذلك في الماضي , لكننا سنتزوج , أليس كذلك ؟ ومن الصعب جدا تفادي رؤيتك أذا أصبحت زوجي".
ونظر اليها بقسوة :
" صحيح ما تقولينه , هل جئت لهذا السبب يا سوزان ؟ أن تعرفي ما سأطلبه منك بعد الزواج ؟".
" كلا ". أحتجت بسرعة : " ليس ذلك ما أريده , أردت التحدث اليك والتعرف عليك أكثر ".
أضافت بصوت منخفض .
أغلق حقيبة يده قائلا:
" يفرحني ذلك , إلا أن هناك من يقول بأننا نعرف بعضنا البعض أكثر من أي خطيبين".
" ليس هذا ما أعنيه , وأنت تعرف ما أقول".
وراقبته وهو ينظر الى ساعته.
" لا تدعني أؤخرك".
" سنتحدث الليلة , أذا كان هذا ما تريدين , ربما حان الوقت لذلك , ولكن أعذريني الآن".
وتوجه نحو الباب , إلا أنه توقف قربها لينظر الى وجهها وخاصة الى شفتيها , فأحست بالأنجذاب نحوه كأنه نوّمها مغناطيسيا.

نيو فراولة 21-07-11 10:48 AM

وقفت سوزان وسط الغرفة فترة طويلة جامدة , أحست بأنها مهملة , غريبة ووحيدة , دارت بها الأرض فأمسكت بحافة المكتب لتستعيد وعيها , أرادت الأنطراح على الأرض والبكاء إلا أنها أحست بوجوب مغادرة المكتب , أذ لا بد أن السكرتيرتين تتمتعان بفترة الراحة الصباحية وستعودان خلال دقائق , ولم ترغب أن ترياها واقفة في مكتب ميندوزا وعلى وشك فقدان الوعي , وكانت على وشك مغادرة الغرفة حين دق جرس التلفون الموضوع على المكتب فتسمرت في مكانها ولم تعرف أذا كان النداء خارجيا أم من داخل المنزل , ولم تطن أن معرفتها باللغة الأسبانية تؤهلها للأجابة على النداء والتوضيح بأنها ليست السكرتيرة , إلا أنها فكرت بأنه قد يكون النداء والتوضيح بأنها ليست السكرتيرة , إلا أنها فكرت بأنه قد يكون نداء مهما , فقررت الأجابة , كان الصوت صوت أمرأة وذو لهجة أميركية واضحة.
" فاتاس , عزيزي ؟ هناك تغير في الخطة , سيكون من الأفضل لو ألتقينا في الفندق".
وتوقفت في أنتظار جوابه , ثم قالت بحدة:
" فاتاس , هل أنت هناك؟".
بللت سوزانشفتيها بلسانها وقالت:
" آسفة يا سنيورا , غادر السيد دي ميندوزا منذ لحظات وأخشى أن الخطة يجب أن تتم حسب الترتيب الأولي".
ثم أعادت سماعة التلفون الى مكانها.
جلست سوزان في المقعد الخلفي من سيارة خيمي , غير مدركة للحافز الذي دفعها للركض خارج المكتب للبحث عن خيمي , وجدته واقفا مع مارك قرب السيارة على وشك المغادرة الى فيلافينسكو فطلبت مرافقتهما , قال مارك متفحصا وجهها الشاحب:
" تعالي , رغم أنك لا تبدين في وضع يسمح لك بالذهاب الى أي مكان , وماذا عن حقيبة يدك ؟....... ألا تريدين ......".
" لا يهم ذلك , ألا نستطيع التحرك فورا , أرجوك ؟".
تبادل خيمي ومارك نظرة طويلة وسمعت خيمي يتمتم عن عصبية العرائس , فكرت : دعهم يظنون ما يريدون , لا شيء يهم".
منتديات ليلاس
طوال الطريق , بقيت سوزان صامتة غير مهتمة بسرعة السيارة ومحدقة بعينين لم تريا شيئا من روعة الطريق , أخبرها أحدهم , ذات ليلة عند العشاء , أن لاينوس منطقة صيد رائعة تتوفر فيها الغزلان , فأحست بأنها تعرف أحاسيس الضجة حين تجلس بين الأعشاب لفترة طويلة , بإنتظار القتل , ربما كانت ترحب بالقتل أخيرا للتخلص من القلق والأنتظار حيث القسوة الحقيقية.
ربما سيكون موتها محتوما حين ترى ميندوزا مع المرأة الأخرى أذ أنها , عرفت الآن معنى ألم الأنتظار المبرح.
وتساءلت عن عدد المرات التي ألتقى بها عشيقته الأميركية بحجة آداء بعض الأعمال المستعجلة.
ولم تعجب لغرابة سلوكه حين واجهته في المكتب , ربما أنّبه ضميره أخيرا , قال بأنه حان الوقت للكلام سوية , ربما كان على وشك إخبارها بعلاقته وليوضح لها أن الزواج سيتم حسب شروطه , وعليها سلوك الزوجة بدون التدخل بشؤونه الخاصة.
وأحتار خيمي حين بدأت سؤاله عن الفنادق في المدينة , إلا أنه أعطاها المعلومات اللازمة , أخبرها بوجود العديد إلا أن الفندق لدى السواح والأغلى أجرا هو بوبايات , فقال مارك بلهجة متأثرة:
" أنك لست بحاجة الى فندق , ستذهبين معنا لتناول الغداء , هناك مكان رائع نعرفه".
" ربما سألتقي بكما هناك فيما بعد , إلا أنني سأنجز بعض الأعمال أولا".
" أرجو أن يكون من التسويق , أني مسرور لأن فاتاس يدفع قوائم الحساب".
قالت بهدوء :
" هذه المرة , لن يتوجب عليه أن يدفع شيئا".
كان صالون الفندق فخما , مكيفا بالهواء , مكتظا بالسواح المنتشرين حول الطاولات الصغيرة , عثرت سوزان على مكان شاغر مظلل بنباتات أستوائية ضخمة , أشعرتها رائحتهما بالدوخة والأضطراب , ثم أنها لم تكن متأكدة فيما كانت جالسة في الفندق المعني , ربما كانت هناك فنادق أخرى تؤجر الغرف بالساعات للعشاق , ثم أنها لم تستطع سؤال كاتب الأستقبال عن ميندوزا ووجوده في الفندق , ثم رأته , رتهما , كانا ينزلان درجات الفندق وكان فاتاس ممسكا بذراعها بلطف وحماية ,كانت المرأة الواقفة الى جواره في الصورة نفسها , إلا أنها بدت مختلفة , كانت مبتسمة , سعيدة ومرتاحة , وكانت ترتدي فستانا عريضا لم يخف حقيقة كونها حاملا.
منتديات ليلاس
وأنكمشت سوزان في مقعدها , كان الأمر أسوأ مما توقعت أو حلمت , وظنت أنهما سيتقدمان بأتجاهها وأنه سيلاحظ وجودها ومراقبتها لتحركاته.
إلا أن ذلك لم يحدث , بل وقف الأثنان جانبا ليتحدثا بصوت عادي وأستطاعت سوزان سماع ما تبادلاه من جمل قصيرة.
" فاتاس أنني سعيدة جدا , أسعد من أي وقت مضى , ولكن هل ستستمر سعادتي؟".
أجابها بصوت خال من السخرية :
" لا تقلقي سعادتك بين يديك , فأهتمي بذلك".
وراقبتهما سوزان متجهين نحو باب الفندق , حيث توقفا هناك , ولم يعد بأمكانها سماع حديثهما , إلا أن المرأة ضحكت بينما قبّل ميندوزا يدها مودعا , عادت المرأة الى داخل الفندق لوحدها مغنية بصوت منخفض , وأذ مرت قرب سوزان , ألتقت عيناهما للحظة فلاحظت سوزان السعادة متجلية في ملامحها , أستدارت سوزان وصبت قهوة لم ترغب بشربها.

نيو فراولة 21-07-11 09:11 PM

حزمت سوزان حقيبتها وألقت نظرة أخيرة على الغرفة , لم تترك شيئا تملكه ولم تأخذ شيئا لا يعود لها , تركت في خزانة الملابس كل ملابس جوانيتا القادمة في اليوم التالي مع زوجها لحضور العرس , إضافة الى الملابس التي أشترتها لها السيدة دي ميندوزا ببذخ.
كان هناك شيء أخير , خلعت ميدالية فاتاس من عنقها ووضعتها عل المنضدة المجاورة للسرير , وفي مكان يرى بسهولة , لم تترك أي ورقة أو أي تفسير , ربما كانت سترك رسالة إلا أنها لم تعرف كيف تبدأ فقررت أنه من الأفضل لها مغادرة المكان في صمت , أذ لم يعد بإمكانها البقاء ومواجهة آلامها.
أتخذت قرارها بالمغادرة في طريق العودة من المدينة , وأذ أنشغل مارك بالحديث مع خيمي , كانت سوزان تحسم الكثير من الأمور , قررت السفر بالسيارة حيث ستستغرق الرحلة بين فيلافيسنكو وبوغوتا ثلاث ساعات وستأخذ السيارة بدون أن تخبر أحدا لأنها تعلم أن خيمي يترك المفاتيح في السيارة عادة , كل ما عليها أن تفعله هو أنتظار أنصراف الجميع الى النوم ثم التسلل بعد ذلك لأخذ السيارة , حتى بوغوتا حيث تتركها في كاراج هناك وتطلب من أصحاب الكاراج إبلاغ خيمي فيما بعد.
لم تكن فكرة العودة الى أنكلترا ومواجهة أسئلة جدها الحتمية , فكرة مغرية , إلا أنها لم تملك أختيارا أفضل , كما لم يكن بأمكانها مصارحة مارك بما حدث إذ أنه سيشفى لأنها لأنها ورطت نفسها في علاقة حب مع رجل مثل فاتاس دي ميندوزا , وأيقنت سوزان صحة أتهاماته ولكن في وقت متأخر.
واصلت التفكير بتلك الطريقة ومحاولة , قدر الأمكان , المحافظة على غضبها , لأنه كان تحريرا لها من آلام أخرى لم تعرفها سابقا , ولم يعد في أمكانها قبول الزواج به على شرط التغاضي عن علاقته بأمرأة أخرى.
وتأكد لديها , مما رأته وسمعته , أن علاقته بفرجينيا علاقة دائمة لا يستطيع التخلي عنها وخاصة بعد حملها منه , وشعرت سوزان بالراحة لأنها واثقة الآن , تساءلت عما إذا كانت فرجينيا قد تركت زوجها , ربما كانت في أنتظار الحصول على الطلاق , وإذا ما أخلت سوزان الطريق , لا بد أن فاتاس سيعرض عليها الزواج .
مسحت سوزان دموعها وكررت لنفسها أنها حسنة الحظ لأستطاعتها الهرب في الوقت الملائم , فأي أمل لها مع ميندوزا , حتى لو لم تكتشف علاقته بفرجينيا ! إنهما ينتميان الى عالمين مختلفين , إضافة الى بقية العوامل , رآها ثم رغب فيها ولم يربط بينهما شيء آخر يمكن أن يؤدي الى أقامة علاقة دائمة بينهما إلا أنها تغاضت عن تلك الحقائق كلها حين عرض عليها الزواج وخدعت نفسها مفكرة بأنه يود أبقاءها الى جانبه , وأعتقدت أن حبها ورعايتها له سيحولانه من مليونير , يقضي وقته بالتلهي مع النساء , إلى زوج محب.
حسنا , إنها تستحق ما جرى لها , ثم فتحت باب غرفة النوم بحذر ونظرت الى الممر .
لم تسمع أي صوت , لم تنزل لتناول العشاء معهم بحجة إصابتها بالصداع لأنها تذكرت مت قاله فاتاس عن لقائهما بعد العشاء وعرفت بأنها لن تتحمل مواجهته فبقيت في غرفتها طالبة ألا يقلقها أحد وتم أحترام رغبتها من قبل البقية , وتمنت , أثناء مغادرتها , لو أستطاعت وداع السيدة ميندوزا , وأرتجفت وهي تنزل السلم على رؤوس أصابعها ثم عبر الصالة وأخيرا الى الباب الرئيسي , حيث تمكنت من فتح الباب ومغادرة المنزل , خطت خطوتين , ثم سمعت صوت سيارة فجمدت في مكانها , لم تستطع الهرب حاملة حقيبتها , كما لم تستطع وضعها على الأرض والأختفاء لأن القادم سيتمكن من رؤيتها , ورأت السارة تقف على مبعدة عدة ياردات منها , أتسعت عيناها برعب لأنها أدركت فورا هوية الفادم , المتوجه نحوها بهدوء.
" وأين تظنين أنك ذاهبة؟".
قال فاتاس غاضبا:
" أنني عائدة الى أنكلترا".
" هل أستطيع السؤال , لماذا؟".
" أستلمت رسالة في الصباح اباكر من وكيلي المسرحي أخبرني فيها عن عرض لدور رائع في مسرحية جديدة , أنها فرصة لا تعوض , لذلك قررت قبول الدور ".
" وماذا عن ألتزاماتك نحوي؟".
" لا أظن أنك تريد مني الوفاء بها فعلا , أعني لا حاجة لذلك الآن , أعني ى حاجة لقلقك علي".
" لا أقلق عليك ! أعتقد أن ما تقولينه الآن هو أكثر أتهاماتك قسوة ".
" لا تذكر كلمة القسوة أمامي".
" وماذا يعني هذا؟".
" لا يهم , لا شيء مهما , دعني أذهب أرجوك".
أطلق فاتاس شتيمة وهو يتناول حقيبة ملابسها وقاذفا بها بعيدا , بين الأشجار .
" لن تغادري المكان , لن تذهبي الى أي مكان بدوني , هل تسمعين يا سوزان؟".
وحملها بين ذراعيه وأقتادها الى داخل المنزل , الى الصالة حيث رماها على أحدى الأرائك".
" لا يحق لك معاملتي بهذه الطريقة , أنني حرة .... أنني.......".
" ستكونين زوجتي ".
" كلا , لقد سمعت ما قلته لك , لا حاجة لذلك لا أريد قيودا ".
" قيد ؟ هل تصفين الزواج مني بالعبودية؟".
" نعم , ولست مجبرة على القبول به".
" ما الذي تعنيه ؟ من الأفضل أن توضحي لي ما تقولين".

نيو فراولة 21-07-11 09:56 PM


" حسنا , رأيتك معها , بعد أن تركت اغرفة رن جرس الهاتف فأجبت وكانت المتحدثة فرجينيا , المرأة التي كانت معك في الصورة".
" نعم , وماذا في ذلك؟".
" لا تبدو خجلا لذلك ؟".
" لم أسمع بعد ما يستدعي الخجل , تقولين أنك رأيتني , هل تعنين أنك تبعتني الى الفندق بسبب المكالمة الهاتفية ؟".
" نعم , ورأيتكما في الفندق , ورأيت كيف كانت , وسمعت ما قالته لك عن سعادتها , ربما ستكون أسعد حين أخلي الطريق لها , لكنك لا تستطيع توقع زواجي منك والتغاضي عن علاقاتك الأخرى في آن واحد".
فبدأ وجهه وكأنه قدّ من صخر , ناء وبارد مثل أعلى قمة في جبال الأنديز .
" هل تظنين أن هدفي من الزواج بك هو ذلك؟".
" لا أدري ماذا أظن , لكنني أعرف جيدا أنني أرغب بالفرار , بالعودة الى أنكلترا , لا شيء يشدني الى هذا المكان وفي أمكانك الزواج بفرجينيا بعد ذهابي , أذا كان ذلك ما تريد".
" يسرني تفكيرك بتحقيق رغباتي".
وكان لوقع كلماته صدى غريبا في أذنيها.
" إلا أنني لا أرغب الزواج بفرجينيا كما أظن أن لزوجها حق الأعتراض".
" زوجها؟".
" أسمه روبرت , وأنا أعرفه وزوجته منذ سنوات , كان مسؤولا عن إنشاء وحدة كهربائية في أحد معامل مديلن , فأصبحنا أصدقاء منذ ذلك الحين , ونحن نبحث الآن مشروع شركة يمثلها هو , وجاء الى المدينة للقائي قبل التوجه الى مديلن لمناقشة الموضوع مع شركتي , قررنا الألتقاء اليوم عند الغداء إلا أن فرجينيا أتصلت بي في المكتب فلم تنجح , عدت معها الى جناحها في الفندق إلا أن روبرت بدا متعبا , لذلك تركتهما , هل تريدين معرفة المزيد عن كيفية قضائي ليومي؟".
لم تجبه سوزان فواصل حديثه بعد وهلة:
" خدعتك عيناك وأذناك , فرجينيا ليس حامل بطفلي بل بطفل روبرت , طفل أنتظراه منذ زواجهما , نعم , تحدثت عن سعادتها لأنها لم تكن سعيدة في السابق , حيث أكتشفت منذ أكثر من عام علاقة روبرت بأمرأة أخرى ولامت نفسها لذلك , أذ أنها كانت منخرطة في عملها أكثر من اللازم , مهملة روبرت في الوقت نفسه , وتركها أكتشافها لوجود المرأة الأخرى شقية".
" فلجأت اليك!".
قالت سوزان بصوت منخفض.
" نعم , لجأت أليّ ولكن ليس كما تتصورين , أرادت الأبتعاد فترة ما عن روبرت والوضع المؤلم , أرادت رؤية الأمور بوضوح أكثر لتقرر ما أرادته من حياتها , وأخذتها معي الى بيت ماريا لتحصل على الهدوء , كانت بحاجة ماسة الى صديق وكنت أنا صديقا مقربا منها".
نظرت سوزان الى أصابع يديها المتوترة ثم قالت:
" لكنها رغبت بك , رأيت ذلك في الصورة , رأيت كيف كانت تنظر اليك".
" ظنت أنها تريدني , كانت وحيدة وتعيسة وظنت أن روبرت أهملها".
ثم جلس الى جانبها , رافعا ذقنها بيده مجبرا إياها على النظر اليه.
" لا أدري لم تسيئين الظن بي دائما , هل تظنين أنني سأزيد من متاعب فرجينيا؟".
كلا لم تتوقع ذلك , إلا أنها لم تخبره برأيها , فقد يقودها الجواب الى أعترافات لم ترغب فيها , وكان من الأفضل لها تفكيره بإساءتها الظن به على أنه يعرف حقيقة مشاعرها وغيرتها ويأسها , فمنذ أن تخيلت وجود فرجينيا بين ذراعيه , تحولت الصورة الى كابوس دائم.
" آسفة ....... أفترضت......".
" أنك تفترضين الكثير من الأشياء الخاطئة , منها أنني سأتزوجك على أفتراض أنك حامل , ثم ما أن أتزوجك حتى أسرع للأرتماء بين ذراعي أمرأة أخرى , ثم تفترضين أنني سأسمح لك بالأبتعاد عني , حسنا أنك مخطئة في أفتراضاتك الثلاثة كلها , ولا تكذبي بصدد العرض الرائع الذي تلقيته , حيث يمر كل البريد القادم الى المنزل بين يدي أولا , ولم نستلم اليوم أي رسالة لك , لست أحمق الى هذا الحد".
" أنا أيضا لست حمقاء , قد أكون مخطئة حول فرجينيا , إلا أنك عرفت العديد من النساء قبلها".
ونطقت جملتها الأخيرة باكية.
" من أنك ذلك , هل توقعت مني , حقا , العيش كراهب لحين مجيئك؟".
" لا أوقع أي شيء منك , لأنني لا أعرفك , ألا تفهم ذلك ؟ لا أعرف أي شيء عنك , لا شيء".
تغافلت عن ذكر جملة أوشكت على الهمس بها , عن معرفتها به كعاشق , عن حرارته وقوته وعن لطفه معها في البداية.
" أنه لغريب أن تشعري بذلك , خاصة وأنني منذ لحظة لقائي الأول بك أحسست بأنني أعرفك , وكنت أنتظرك دائما , لم تبعتك طوال الطريق ؟ هل لأجعلك عشيقتي؟".
وضحك بخشونة .
" كانت هناك نسوة أخريات , فلم تبعت أمرأة حاربتني دائما ؟ تبعتك لأنني أحببتك , وكنت على وشك قتل كارلوس بيدي العاريتين من أجلك , وإذا ما تركتني , سأتبعك من جديد حتى لو أضطر الأمر أن أتبعك الى بريطانيا".
حدقت في وجهه بعينين واسعتين ورأت لأول مرة ألمه وقلقه لسلوكها , فقالت:
" فاتاس.......".
ورمت نفسها بين ذراعيه فعانقها بعاطفة مسحت كل شكوكها , وعانقها بقوة أكثر قبل أن يوضح موقفه.
" ربما كان ذلك صحيحا في البداية , كل ما عرفته هو رغبتي االجنونية فيك , خاصة حين ذهبت الى غرفتك في الفندق ورأيتك نائمة , جميلة بلا حماية منذ ذلك الحين أعتدت الأستيقاظ معذبا نفسي بتخيّلك , عرفت أيضا , منذ البداية أن الأمر سيكون مختلفا معك , إلا أنني بصراحة , لم أعرف برغبتي في الزواج منك , بل تطورت مشاعري فيما بعد , هل تذكرين ليلتنا في بيت ماريا ؟ حين دخلت غرفتنا فرأيتك واقفة في أنتظاري , مرتدية قميص نوم ماريا الأبيض".
" كان سلوكك غريبا".
منتديات ليلاس
قالت بخجل فأمسك بيدها وقبّلها.
" كنت منذهلا , جلست طوال فترة تناول العشاء مفكرا بأنني سأحصل عليك أخيرا , وكدت أطير نحو الغرفة حين أخبرتني ماريا عن أستعدادك , ولكن حين فتحت باب الغرفة رأيتك واقفة كالعروس , شابة جميلة وخجولة وعذراء , فشعرت بأنني لو لمستك , حتى لو كان الأمر تم برضاك – سيكون الأمر أغتصابا , فقررت الزواج منك , إلا أنه توجّب علي أولا التخلص من رودريغو , فقد طاردته طويلا ولم يكن في نيتي تغيير رأيي لأنني وقعت في الحب , إضافة الى أنه كان سيكون تهديدا لنا , لن أنسى أبدا ما أحسسته حين أكتشفت ذهابك الى الدير فأقنعت نفسي بأن طنع رودريغو بزمرد ديابلو سيتغلب على رغبته بتعذيبي عن طريق قتلك بحضوري".
" هل سببت أنهيار النفق متعمدا".
" نعم , من الأفضل التخلص منها , إذ مات والدي دفاعا عن سرها , ولم أكن مستعدا لتحمل المسؤولية , كما خسر العديدون حياتهم بسببها , طوال القرون ".
" ولكن بعد أنتهاء كل شيء – حين عرضت علي الزواج , كنت باردا نحوي الى حد بعيد".
" كنت غاضبة معي الى حد لم أستطع فيه توضيح ما أردت فعلا توضيحه , كما أنني كنت بدوري مغتاظا".
" لأنك واصلت برودتك نحوي فظننت أنك لم تعد ترغب بي , بعدما حصل بيننا وأنك ستتزوجني لأن واجبك.....".
" لم أرغب بك؟".
وقرّبها منه أكثر , قائلا:
" لم تمر ساعة من الليل والنهار لم أحس بها برغبة متعطشة نحوك مثل رجل عطش في الصحراء ".
" أذن , لماذا.......".
فلم يدعها تتم جملتها , بل قاطعها وقال :
" لأنك خطيبتي الآن , وزوجة المستقبل , غفرت لنا والدتي الزلة الأولى إلا أنها أوضحت لي عدم قبولها لأي مسلك شائن بعد ذلك , فقررت أنه من الأفضل أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض لفترة قصيرة".
" لحسن الحظ لا يوجد من يرانا الآن".
" نعم وسأطلب من والدتي أتمام مراسيم الزواج بعد الغد لأنني أنوي بدء شهر العسل بسرعة سواء كنا متزوجين أو لا ".
" أظن أنها ستغضب من كلينا خاصة وأن فستان العرس ليس جاهزا ".
" لا تهمني ملابسك , رغم أنني أهتم بتوفيرها لك , سنذهب الى ريو في الأيام الأولى وسنشتري ما تحتاجينه هناك , ثم نتوجه بعد ذلك الى بريطانيا للقاء جدك".
" وبعد ذلك؟".
" سنعود الى بيتنا".
وحضنها بين ذراعيه مضيفا:
" بلادي مختلفة عن بلادك , هل ستكونين قادرة على التأقلم هنا؟".
عرض ميندوزا عليها العودة الى بريطانيا للقاء جدها , رغم أن جدها كان يرغب بلقاء مارك في الدرجة الأولى ودهشت لأن الفكرة لم تعد تثير فيها الألم المعتاد .
" حيثما توجد هو بيتي يا حبيبتي".
خاطبته بنعومة وعانقته بكل حبها وحنانها بقوة وأحست بأنتمائها الفعلي له.

منتديات ليلاس


تمت

عطني روحي سيدي 22-07-11 07:14 AM

راااائعه جدااااا

شكرا لذوقك الراقي في إختيااراتك

أمتعتينااااا

Rehana 23-07-11 12:54 PM

يعطيك الف عافية حبيبتي

http://www.forgiftsandcards.co.uk/thank_you_cards.jpg

سماري كول 31-12-11 07:47 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه حبوبه

رهف محمد 20-10-12 02:13 AM

رد: 64- حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
الرواية مرة حلوة .. وين التكملة ؟؟

ندى ندى 11-02-13 02:59 AM

رد: 64- حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
جمييييييييييييييييييييييله جدا جدا

ورااااااااااااااااااااااااااااائعه جدا جدا

وشكرا كتييييييييييير على المجهود

غنجة بيا 16-03-13 04:59 AM

رد: 64- حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
الرواية مرة حماس مشكورة على هدا المجهود :55:

غنجة بيا 16-03-13 07:43 AM

رد: 64- حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
مشكورة وسلمت يداكي حبيبتي

قماري طيبة 27-08-14 03:17 PM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية رائعة سلمت يداك عليها

الحب الملعون 16-05-15 09:22 AM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا لمجهودك كتير بس ما بلاقي رابط تحميل للرواية ؟؟

درة مضيئة 29-05-15 01:20 AM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكووووووووووووووره

جيهان يوسف حسن 29-05-15 08:01 PM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا لكم على كل شيء

رمرومتي 03-06-15 08:00 PM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ابداع ماشاءالله الكاتبه وأكثر شي عجبتني إخلاصها وتفانيها ونقلها للرواية بدون اي تحريف او حذف الله يعطيكي ألقوه والعافيه ومتشوقه اقرأ لك اكثر❤️❤️❤️

doda qr 31-03-17 12:47 PM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رووووعه شكراااا

Moubel 28-11-21 11:36 PM

رد: 64 - حتى تموت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك على المجهود

الزهرة الخجولة 09-12-22 08:55 PM

شكرا يا احلى منتدى 😍😍😍


الساعة الآن 02:08 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية