منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t163503.html)

نيو فراولة 25-06-11 09:12 PM

81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
81- المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة


الملخص


أي أنسان يستطيع الهرب من قدره ؟ موروينا ماتت والدتها وهي في الثامنة من عمرها . وفي الثامنة عشرة قتل والدها و شقيقها في حادث سيارة . فجأة اصبحت وحيده , يتمة و منبوذة من أقاربها الذين أستولوا على جميع الاملاك .
البيت الذي ترعرعت فيه طردت منه لتقف وجهاً لوجه أمام عاصفة الزمان . الى أين تذهب وهي لا تملك سوى عنوان رجل عجوز عرفته أمها في صباها , هل تذهب اليه ؟ و لكنها لا تعرفه ! تحتاج الى ملجأ , الى سقف يقيها أمطار التشرد و رياح الضياع , وفي قصر دومـنـيـك كان نوع آخر من العذاب في أنتظارها . الكره و العداء و اللامبالاة صفات ثلاث أستقبلت موروينا في قصر الأسرار . فهل تدخل أم ترحل هائمة على وجهها ؟

نيو فراولة 25-06-11 09:15 PM

1- رياح الواقع




" أريد أن أوضح أمرا واحدا منذ البداية , لا يمكنها البقاء هنا".
جاء صوت الليدي كيرسلاك قويا واضحا من خلال الباب المغلق لغرفة الجلوس , مسمرا موروينا في مكانها ويدها ممتدة لتدق الباب , تدافعت الأفكار الى رأسها وهي تستعيد كلمات أبنة العم باتريسيا ورأت أن من الأفضل لها أن تستدير وتبتعد متظاهرة بأنها لم تسمع شيئا ومعللة نفسها بأن مسترقي السمع عادة , لا يسمعون شيئا حسنا عن أنفسهم , لكنها عرفت في الوقت نفسه , أنه ليس في مقدور شيء أزاحتها عن مكانها خطوة واحدة , وسيكون مبعث راحة لها أن تكتشف حقيقة مشاعر أبنة عمها نحوها على عكس معاملتها اللطيفة لها حتى الآن , قالت فانيسا بصوت خفيض ولكن نافذ الصبر :
" أوه , أماه , ليس من السهل أن تلقي بها الى الشارع , أنها لا تملك أي تدريب أو مؤهلات , وتعرفين مثلي أنها ضيّعت وقتها في المدرسة , ما الذي ستستطيع فعله على ةجه الآرض؟".
أجابت الليدي كير سلاك ببرود:
" ليس ذلك خطأنا , هي التي أضاعت الفرص التي أتيحت لها , فليس من حقها الشكوى الآن أذا لم يتحملها أحد بعد , كان على أبيها وهو يدرك مدى تعقد قضية الميراث , أن يترك لها أحتياطا من المال وهو ما يزال حيا".
" ربما أنت على حق , لكن كان من المستحيل أن يتنبأ بأنه ومارتين سيقتلان معا في الحادثة نفسها , كان مارتين هو الوريث , لذا كان هو الوريث , لذا كان هو من سيعتني بأمر موروينا".
أحست موروينا وهي تقف في الصالة جامدة , بطعنة ألم من هذه الكلمات , لكن فانيسا كانت على حق , لم يكن بأمكان أحد التنبؤ حتى قبل أسابيع قليلة فقط , بأنها ستبقى وحيدة تماما في هذا العالم قبل أن يحل الظلام في ذلك اليوم الخريفي المشرق , لقد قتل والدها وشقيقها معا في حادث أصطدام مع شاحنة , تعطلت فراملها فجأة على سفح تل شديد الأنحدار خارج القرية.
كانت تعرف بالطبع أنها لا تستحق الأرث , وطالما أسفت هي ومارتين من الأصرار في هذا العصر على أن تكون السيادة للذكور , وأن تنحدر رتبة الوراثة والملكية من خلالهم فقط , لكنها لم تشغل بالها بأمر المستقبل وهي في الثامنة عشرة من عمرها , كانت تجد في ظل أبيها وشقيقها مارتين الطمأنينة دائما , الى أن حل ذلك اليوم , حين أرتها ريح الواقع كم كان هشا ملجأها , كان المحامون عطوفين جدا , شرحوا لها كل شيء بدقة وتفصيل , ومنه , أن ما ورثه أبن العم جيوفري , زوج أبنة العم باتريسيا , لم يكن بالمبلغ الكبير , وعلمت ولأول مرة في حياتها أن والدها كان مضاربا في البورصة , وعانى من خسائر كبيرة , غير أن السيد فرنشارد كان يأمل في تعويض هذه الخسائر لاحقا , أذ كان يثق بفطنته في مجال عمله , لكن القدر لم يمهله طويلا , خلال الأسابيع التي تلت حادثة أبيها وأخيها , شعرت موروينا بأنها تعيش في وسط غريب عنها , وتضاعف أحساسها هذا مع وصول أبن العم جيوفري وزوجته المستبدة باتريسيا.
منتديات ليلاس
عرفت أن باتريسيا توقعت أن تجد نفسها بين عشية وضحاها أمرأة ثرية , ورغم أنها أصبحت ( الليدي كير سلاك) وأحتلت المنزل , ألا أن ذلك كان أقل مما كانت تأمل فيه , لكن موروينا خمّنت بذكاء , أن حصولها على المنزل , وهو بيت ثمين من عهد الملكة آن , سيمنحها بعض السلوى , غمرت الليدي كير سلاك , موروينا بحنانها في الأيام الأولى , لكن مع الوقت أخذ سلوكها يتغير , وهذا لا يعني أنهاما كانتا على مودة في السابق , فموروينا لم تكن على وفاق حتى مع فانيسا , مع أن والدها كان قد أصر على أن تدخلا المدرسة نفسها معا , وأنفق مبلغا كبيرا على دراستهما , ولقد أستغربت منذ ذلك الوقت كون فانيسا قد حقدت عليها لهذا السبب , أولا لأنها كانت متفوقة عليها في الدروس , ومهما يكن السبب فعدوانية فانيسا أضحت واضحة مع الزمن , ولم تبد ألا القليل من اللين نحوها منذ وصولها الى كاريو بريوري , بل على العكس , شعرت أن فانيسا تتأمل بفرح التحول الذي حدث في حياتهم , أما هي فقد أصبحت أكثر حذرا في حديثها وسلوكها , متأكدة دائما من أن السيدة أبرشو , مدبرة المنزل قد ذهبت الى الليدي كير سلاك يتتلقى تعليماتها , ومتذكرة أيضا أن تدق الباب قبل أن تدخل الغرف حيث تكون العائلة مجتمعة , فجأة تحولت الى غريبة في بيتها , كانت الليدي كير سلاك تكرر القول بحدة:
" لا أدري لم أصبحت شديدة الأهتمام يا فانيسا , أنت لم تهتمي بها في يوم من الأيام , بشكل خاص".
" أنا لست مهتمة بها حتى الآن , لكن علينا أن نهتم بما سيقوله الناس , خاصة أن أباها ومارتين كانا محبوبين بين أهالي المنطقة , علينا أن لا نبدأ السير بخطوة خاطئة".

قالت الليدي كير سلاك متنهدة:
" بالطبع لا , يا لها من مشكلة , لم أكن أعرف أن هذه الطفلة الحقيرة ستبقى تتسكع هنا بدون هدف , ألم يكن هناك حديث عن مدرسة للرسم؟".
" هناك دائما حديث عن شيء ما يشغل موروينا , لكن أنت على صواب , أظن أن من المفروض أن تلتحق هذا الشهر بمدرسة لينوكس كريستي في كاركاسون , أذا ما قبلها هذا , خاصة بعد أن أصبحت مسألة الأور صعبة بالنسبة اليها".
أطبقت أصابع موروينا المرتعشة , على الرسالة التي دسّتها في جيب سترتها قبل أقل من نصف ساعة , فقد لمحت من نافذة غرفتها ساعي البريد مقبلا , وأنتابها هاجس بما كان يحمله لها , ونزلت مسرعة اليه , فالرسائل تؤخذ جميعها الى باتريسيا قبل توزيعها على أصحابها , ومورينا عرفت أن الرسالة تحمل طابعا فرنسيا ستثير فضول أبنة عمها بدون شك.
ها قد تحقق هاجسها بالشر , حدّثت نفسها بيأس , يبدو أن لفانيسا القدرة على قراءة الغيب , كانت رسالة لينوكس كريستي قاسية الوقع عليها رغم رقّتها , جاء فيها أن الأعمال التي عرضتها عليه في مقابلتهما في لندن , كانت غير كافية لمنحها مقعدا مجانيا في مدرسته , لكنه في أي حال , سيعود الى لندن الربيع المقبل وبمقدورها أن تتصل به وتطلعه على أي عمل جديد تكون قد أنجزته , وربما سيقرر موقفه منها من جديد.
كانت خيبة أخرى لها , وأدركت أن عرضه هذا ليس سوى مرهم وضع على كبريائها الجريح , ورغم أنها ورثت بعضا من موهبة أمها المتوفاة , وأنها تلميذة مجتهدة في المدرسة , ألا أنها تشك في قدرتها على المواصلة في عالم الفن الذي يعج بالمنافسة الشرسة , واليأس هو الذي دفعها الى مناشدة لينوكس كريستي للحصول على مقعد مجاني في مدرسته , ولم تذكر أسم أمها له , أذ بدا ذلك عديم الفائدة, لقد ماتت لاورا كير سلاك منذ أكثر من عشرة أعوام , وهي لم ترسم ألا القليل بعد أن أنجبت أطفالها , بالأضافة الى أن أعمالها كانت تنتمي الى الطراز القديم.
قالت باتريسيا بما فيه الكفاية عن تلك الأعمال حالما وصلت الى كاريو بريوري , وتكاد موروينا تكون على يقين , من أن رسومات أمها المعلقة في أرجاء البيت , سترمي قريبا في أحد الأقبية لتحل محلها لوحات من غاليري في لندن ترتاده باتريسيا , تمنت موروينا أن تكون قد تركت بريوري قبل أن يحدث ذلك , لم يعد بقاؤها مرغوبا فيه بأي حال , وهذا ما جعل ألمها مضاعفا حين سمعت الآخرين يتناقشون في أمرها وكأنها عالة عليهم , أدركت دائما أن عليها العثور على عمل ما , لهذا كانت في طريقها لتسأل بذل , أبنة العم باتريسيا فيما أذا كانت هناك أية أمكانية للعمل في ذلك الغاليري , لكنها وفرت على نفسها موقف الأستجداء هذا , كانت فانيسا التي تتكلم ثانية:
" وهل أنت متأكدة أنها تتسكع هنا بدون هدف؟ كانت لا تفارق غاي قبل أن يحدث ما حدث , ربما أنها تأمل في أحياء علاقتها به ثانية".
أطلقت أم غاي ضحكة عالية وهي تقول:
" لا أظن أنها ساذجة الى هذا الحد , ربما أهتم بها غاي حين كان روبرت ومارتين أحياء , لكن الظروف تبدلت الآن كثيرا , غاي ليس غبيا , أنها فتاة جميلة , أنا أقر بذلك , أما أذا كانت تأمل منه في شيء أكثر من متعة عابرة فأخشى أن تصاب بخيبة أمل , يستطيع غاي أن يجد لنفسه من هي أفضل من أبنة عم معدمة الحال".
قالت فانيسا بنبرة ساخرة:
" أماه......".
لكن موروينا لم تنتظر لتسمع المزيد , أستدارت وأسرعت الى غرفتها عبر الصالة المفروشة بسجاد ثمين.
منذ الأسابيع القليلة الماضية , أضحت هذه الغرفة مأواها , أنها غرفة الجلوس الصغيرة التي كانت تخص أمها , وهي من الأماكن القليلة في البيت التي لم تمتد يد باتريسيا اليها بالتغيير بعد , أغلقت موروينا الباب وراءها وألقت بنفسها على المقعد الطويل , ثم أطلقت دموعها الغزيرة.
ها هي الآن تعاني الأسى والذل والغيظ معا , وهالها التفكير أنه ما كان هناك ألا القليل حتى تنجرف في حب غاي , لم يكونا مهتمين ببعضهما حين كانا صغيرين , وبعد أعوام ألتقيا في أحدى الحفلات في الصيف الماضي , وتعرفا على بعضهما بصعوبة , لكن سرعان ما أخذتهما العاطفة , أو هذا ما ظنته هي , وعليها الآن أن تعترف بأنها هي التي أفتتنت بغاي , أما هو فكان يأمل في شيء آخر , عضّت أطراف أصابعها , ها هي الأمور أخذت تنكشف , أنها لم تر غاي منذ وفاة أبيها وأخيها ألا مرات قليلة , أنه منهمك في أشغاله ولا يأتي الى بريوري ألا في نهايات الأسبوع , لكنه حتى في هذه المرات لم يبد أهتماما كبيرا بها , كانت تعلل عدم أندفاعه نحوها بأنه أحترام منه لحزنها , لكن الحقيقة ظهرت الآن , وهي أنه لم يعد هناك أي شيء يأمل في كسبه منها.
منتديات ليلاس
كانت تستغرب أحيانا , لماذا كان غاي يسحب نفسه منها وهما في ذروة العاطفة , ألقدرته على كبح جماح نفسه أم لنفوره منها؟ ومهما كان السبب فقد كان كافيا لأن يقيم حاجزا بينهما طيلة الصيف , وغاي موضوع خلافها مع أخيها , فمارتين لا يميل الى غاي ولا يحبذ سلوكه في السخرية من كل ما هو خارج حلقته الجذابة , والآن عليها الأعتراف بأن مارتين لم يكن مجرد أخ صارم , بل كان أكثر ذكاء مما تصورته , أن ما دفعه لأبعادها عن طريق غاي هو قلقه عليها.
أنها على يقين بمدى جمالها وجاذبيتها بدون غرور , وأن هناك قلة ممن يستطيعون مقاومة أغراء شعرها الحريري الأصفر الذي يتوج رأسها في عقدة رخوة , وعيونها الرمادية الواسعة بأهدابها السوداء , وظنت أن هذا ما أوقع غاي في هواها , ولم يخطر في بالها أنه كان لأبن عمها هدف خفي آخر.
( يا لي من غبية) همست بصوت مسموع وهي تضغط بيديها المضمومتين على عينيها الدامعتين , ثم أردفت ( يا لي من حمقاء) .
أخيرا تمددت هادئة , تتنهد بين حين وآخر , شعرت بأنها أنهكت جسديا ونفسيا , وجرحت في أعماقها أيضا.
ستترك بريوري وبسرعة , هذا ما قررته , لكن الى أين؟ حتى مدرسة الرسم التي كانت تبدو ملاذا محتملا , قد سلبت منها , والبقية الباقية من كبريائها تمنعها من سؤال باتريسيا عن أي عون , جلست في مكانها ضجرة , وأبعدت عن وجهها خصلات شعرها المتهدلة, بينما تجولت نظراتها الحزينة في أنحاء الغرفة حتى أستقرت مع وخزة ألم على بعض قطع الأثريات التي أختارتها أمها لهذه الغرفة حين جاءت الى بريوري لأول مرة عروسا , وعلى الموقد المرمري الأبيض علقت محاولة لأرورا كير سلاك الوحيدة في رسم صورة شخصية لنفسها قبل وفاتها بسنوات قليلة , توقفت نظراتها عندها , الوجه الصافي , العينان المرحتان , الفم المدور والمنحرف قليلا بظرف , ثم أنتقلت الى مجموعة المناظر الطبيعية على الجدار الآخر , هنا تبدو روح لاورا كير سلاك حاضرة تماما , كانت تطلق على هذه الرسوم مجموعة تريفينون , وهي مشاهد رسمتها أمها عن المكان الذي قضت فيه صباها , وبالرغم من أنها ولدت وعاشت سنواتها الأولى في لندن , لكن أندلاع الحرب العالمية الثانية دفع والديها الى البحث عن مكان آمن لها , وهكذا سافرت لاورا في أول شبابها الى كورنوول لتمكث عند بعض الأقرباء , وعندما علمت أن والديها قد قتلا في غارة جوية أصابت بيتهم , ظلت هي هناك ولم تعد ال لندن بعد ذلك أبدا.
نهضت موروينا وسارت لكي تتأمل الصور عن قرب , تبدو هذه المجموعة من بين جميع رسومات أمها , مشبعة بعنصر شؤم غامض , كانت موروينا وهي صغيرة , تحدّق في البيت الكبير الداكن اللون , القائم على المنحدر الصخري , بأبراجه ومداخنه الطويلة , وتستحضر في خيالها اليافع شخصية كاميلوت في قصة تريستان وأيزولت من خلال تلك الصخور الكئيبة , وكانت أمها تضحك من خيالاتها تلك وتقول أن تريفينون هي موطن عمال المناجم وليست موطنا للفرسان والسيدات الأسطوريات , عرفت موروينا أن الشاطىء هناك قد تحول الى مرمى لنفايات المناجم , وأن الأبنية والمداخن ما تزال باقية كشواهد على عصر مزدهر غابر , قالت أمها أن تريفينون قامت في مرحلة الأزدهار تلك.
وحين تعود موروينا بذاكرتها الى الوراء , تجد أن أمها لم تقل الشيء الكثير عن حياتها في كورنوول , كانت تبدو سعيدة هناك , أو هذا ما أستنتجته من أحاديثها , الى جانب هذا فأن أسمها كورنولي عريق , أختارته أمها بأصرار بعد أن عارضه الأب تحسبا من أثارة ذكريات حزينة , ووصف زوجته بأنها ( رومانسية ) رغم أنه خضع في النهاية لأرادتها كعادته دائما , وأستعمل العبارة نفسها كما تتذكر موروينا , حين تتأمل مجموعة تريفينون من اللوحات : البيت فوق قمة المنحدر , المنجم المهجور , القرية الصغيرة في مرفأ بورت فينور , والساحل بصخوره الدكناء الشامخة كأنها حراس من الغرانيت تقاوم هجوم الأمواج العنيفة.
أستعادت موروينا وجه أمها , وهي تخاطب زوجها , وكأنها البارحة:
" لماذا تقول هذا؟ لم أكن أرسم مجرد مكان , كنت أرسم شبابي وكل ما عرفته من سلام وطمأنينة وحب".
ثم نهضت وسارت اليه وأحاطته بذراعها وأراحت خدها على ده , وهي تقول له:
" أعرف أنك على حق , لكن دعني لأوهامي".
حين أعادت موروينا تلك الكلمات مع نفسها ثاني , أنتابتها رعشة خفيفة , وفكرت بحزن أن تلك الكلمات ما هي ألا نقوش على ضريح آمالها , ومن ثم جمدت في مكانها حين سمعت وقع خطوات قادمة عبر الممر , أستدارت حين أنفتح الباب ودخلت الليدي كير سلاك بشيء من الحدة:
" أوه أنت هنا يا موروينا , لقد بحثت عنك في كل أرجاء البيت,كنت أتساءل فيما أذا كنت راغبة في الأنضمام الينا للغداء".
منتديات ليلاس
سكتت مترددة للحظة ثم أضافت:
" أتصل غاي بالهاتف قبل قليل وقال أنه سيجلب معه صديقة, وفكرنا.......".
توقفت وأخذت تحدق بوجه موروينا بترقب.
عضت موروينا شفتها , أذن سيجلب غاي معه آخر حبيباته للغداء , وأمه تريد أن تعرف ماذا سيكون رد فعلها , هل ستقبل الأمر بدون أهتمام , أم سنغضب وتثور , أنتابها الغيظ , لكنها قالت متظاهرة باللامبالاة:
" لطيف جدا .... لكن أذا كان وجودي يسبب أي أرباك فأنني سأتناول وجبة خفيفة في الخارج".
أبتسمت الليدي كير سلاك برياء وهي تقول:
" آوه يا عزيزتي , هذا أمر غير متوقع منك أبدا , كم أنت حمقاء أحيانا , بالطبع لا نريد أن نتدخل في شؤونك , فأنت أمرأة ناضجة الآن , وطبيعي جدا أن ترغبي في أن تكوني مستقلة , ولا نريد أن نجعلك تشعرين بأننا نكبح رغباتك بأي شكل من الأشكال".
توقفت عن الكلام ثانية وفي صوتها شيء من أهتمام وقلق أمومي , وكأنها تريد أن تكسب ثقة موروينا , لكن موروينا قررت أن لا تنخدع بها ولا للحظة , وحتى ولو لم تكن قد سمعت ذلك النقاش القصير في غرفة الجلوس , فأنها أدركت أن نبرات باتريسيا ومواقفها كلها تكشف أنهم تحملوها ما فيه الكفاية , وينتظرون رحيلها بفارغ الصبر.
فجأة أحست أن أعترافها بالعجز وموت آمالها في أن تكون فنانة هو أكثر مما تستطيع تحمله.
قفزت الى ذهنها فكرة غريبة , وقبل أن تناقش مدى الحكمة فيما قررته , تكلمت قائلة:
" لا تقلقي بشأني بعد الآن , يا أبنة العم باتريسيا , قررت أن أخبرك بعد الغداء أنني ذاهبة من هنا ".
" الى أين؟".
هتفت الليدي كير سلاك.
" الحقيقة أنني أستلمت رسالة هذا الصباح فيها دعوة للبقاء مع أقرباء أمي في تريفينون حتى يحل موعد ذهابي الى كاركاسون في الربيع ,أنها فرصة جيدة لي , كورنوول مكان رائع للفنانين , سمعت أمي تكرر دائما أنها أنجزت أفضا رسومها هناك".
أنهت كلامها بحنق وهي تفكر أن باتريسيا كانت متلهفة لسماع هذا الخبر , أستقرت نظرات الليدي كير سلاك على مجموعة الصور البادية خلف موروينا , ثم عادت لتحدّق في وجهها بأستغراب قائلة:
" هل لأمك أقرباء في كورنوول ؟ لم أكن أعرف ذلك......".
قاطعتها موروينا قائلة :
" أقرباء بعيدون جدا .... الله وحده يعرف كم عددهم ".
ثم بحثت في ذاكرتها عن أسماء لتسند روايتها:
" أنه الخال دومنيك الذي بعث ارسالة".
كان هذا هو الأسم الذي تكرره أمها دائما : دومنيك من علّم أبنة المدينة تسلّق الصخور حافية القدمين , تجذيف القارب , أصطياد السمك , وهو من قصّ عليها تلك الأساطير التي تذكرتها موروينا , كقصص ما قبل النوم , قصص عن الأشباح الصغيرة التي تقطن منجم القصدير , والتي تتنبأ ضربات معاولها بحدوث الكوارث , قصص عن السفينة التي غرقت في المضيق خلال العواصف التي لاحقت الأسطول الأسباني المنحوس , والذهب الذي غرق فيها.
" أنها مفاجأة ......".
قالت الليدي كيرسلاك , ثم أضافت بعد لحظة :
" أظن أنك تعرفين ما تفعلينه , لكن هل سبق أن ألتقيت بأحد من هؤلاء الأقارب؟".
" كلا , لكنني أحس بأنني أعرفهم جيدا , لقد حدثتني أمي كثيرا عنهم".
دست موروينا يديها في جيوب سترتها وهي تشعر بأثم كبير لهذا الكذب , قالت الليدي كير سلاك بخشونة :
" حسنا , أنه لعطف كبير منهم أن يعرضوا عليك بيتا , آمل ألا تستغلي كرمهم يا موروينا , أنت لا ترضين أن تكوني عالة على الآخرين طوال حياتك , لكن أذا كان الأمر مجرد أسابيع فأظن أنه لن يكون ثقيلا".
توقفت للحظة ثم أضافت متسائلة:
" والآن , ماذا بشأن الغداء؟".
" أرجو ألا تقلقي بشأني , أظن أنني سأذهب لأحزم أمتعتي".
" مثلما تشائين".
قالت الليدي كير سلاك بدون أن تهتم بأخفاء غبطتها من جريان الأمور بهذا الشكل , أستدارت نحو الباب ثم ترددت وكأنها تذكرت شيئا ما, وقالت :
" أذا كنت ترغبين في أخذ أي من هذه الرسوم , فلا تتردي في ذلك يا موروينا , لقد أتفقنا أنا وجيوفري الليلة الماضية أنه من الأنصاف أن تحتفظي ببعض التذكارات من والدتك , رغم أنه ليس هناك من نص قانوني يخوّلك ذلك".
" شكرا لك.....".
" لا أقترح بالطبع أن تأخذي أيا من الصور التي في الطابق الأسفل , أما التي في هذه الغرفة فخذي منها ما تشائين , لا أعتقد أن الغرض من الأحتفاظ بالرسوم هو جودتها بأي شكل من الأشكال , وأنما بالطبع قيمتها العاطفية بالنسبة اليك".
كان وجه موروينا جامد التعابير , وكلمات الشكر التي قالتها كانت مؤدبة , ويبدو أن أمل الليدي كير سلاك في رؤية أية علامة أبتهاج على وجهها , قد خاب.

سومه كاتمة الاسرار 26-06-11 12:24 AM

الملخص جمييييييييييييييييييييييييل بس وين التكمله
:8_4_134:

نيو فراولة 26-06-11 10:02 AM

وحالما تأكدن أن الليدي كيرسلاك قد أبتعدت , ألقت بنفسها على المقعد الطويل وجسدها يرتعش ,وهي تحدق في رسوم البيت الوحيد على الصخور الكئيبة , وقالت لنفسها :
" أوه يا ألهي , ما الذي جرى لي؟".
حاولت جمع شتات أفكارها , قبل كل شيء أنها لم تقرر الذهاب الى كورنوول بعد , وقد ولد هذا الموضوع من وحي اللحظة لتنقذ به ماء وجهها أمام باتريسيا , فليس لديها أي شيء هناك.
أنتابتها موجة حنق , أنها لا تريد العيش بين مجموعة من الغرباء , كما أنها لا تعرف أيضا فيما أذا كان دومينيك الذي طالما حدثتها أمها عنه ما يزال حيا , وأذا كان كذلك , فأنه الآن في ستينات عمره على الأقل , والأعوام التي أنفقتها أمها في تريفينون أمست الآن ذكريات بعيدة .
هزت رأسها ببطء , عليها أن تكف عن التفكير في هذا الأمر , الحقيقة هي أنها الآن بدون مأوى , لكن ذلك ليس بكارثة , الكثير من الأصدقاء والصديقات بعيدون عن بيت الأهل لأسباب مختلفة , ومع هذا أستمروا في العيش , وكان عدد من أسماء هؤلاء في دفتر عناوينها بأمكانها الأتصال وطلب العون منهم في حالة الضرورة الكثيرون يشاركون بعضهم في السكن , وآخرون يتزوجون ويخلون أماكنهم .
لا بد أن هناك في مكان ما من يبحث عن فتاة أخرى ليكتمل عدد الساكنين , وحتما هناك عمل أيضا , قد لا يكون من الأعمال التي تطمح اليها , فتلك تتطلب مؤهلات ومهارات , لكن عليها أن تجد أي عمل تضمن منه عيشها.
أما الدراسة فتستطيع الألتحاق بحصص المساء.
سيطرت على تقلصات ملامحها , لقد أضحى هناك مسافة واسعة بينها وبين ربيع جنوب فرنسا الذي طالما حلمت به , لكن عليها أن تلوم نفسها فقط , كان بمقدورها أن تقدم أعمالا أفضل من تلك التي أرتها للينوكس كريستي , لكنها ظنّت أن المال هو الذي سيضمن لها مقعدا في مدرسته , وبأختصار لم تجهد نفسها بالعمل , ولو حاولت الآن فأن الأمر سيكون مختلفا.
أخذت الرسالة المطوية من جيبها وأعادت قراءتها بتمهل , أنها لا تحوي أملا أكيدا غير أن لينوكس يعرض عليها فرصة ثانية , وهي بدورها تحتاج للعمل بجد في الشهور القليلة القادمة حتى تقنعه بأنها تملك الأخلاص والمثابرة بالأضافة الى الموهبة , وأنها ليست مجرد فتاة همها قضاء بضعة شهور في جو مشمس , نهضت ومشت الى النافذة , وتأملت مجموعة أشجار جرداء في الخارج وسط مرج أخضر , أنها بحاجة لبضعة شهور لتنجز بعض الرسوم الجيدة , غير أن ما هو مهم الآن هو أيجاد سكن وعمل , أجرت بعض الحسابات الذهنية السرسعة لكي النتائج كانت محبطة , ما عندها من مال قليل في البنك لا يكفي حتى تواصل تحقيق هذا الحلم الضعيف.
تنهّدت ثم ألقت نظرة حزينة الى الوراء حيث الصور المعلقة على الحائط تناشدها بقوة , أذا ما قررت أن تأخذ معها أيا من رسومات أمها , فستكون هذه الصور والصورة الشخصية المعلّقة فوق الموقد المرمري , لكن الله وحده يعلم ما الذي ستفعل بها , أنها لا تقدر أن تتخيلها وقد علّقت في شقة أحدى صديقاتها كجزء من الديكور , ستحتفظ بها في مكان أمين حتى تعثر على بيت مستقل متى آن الأوان , توقفت بغتة وهي في طريقها الى الباب, وحدّقت في الصور ثانية , ليس بمقدورها الأدعاء أن لها بيتا في تريفينون , لكن بالتأكيد أنهم سيقبلون الأحتفاظ بالصور عندهم أكراما لذكرى أمها أذا ما شرحت الأمر لهم.
أنه مجرد حل مؤقت , وستكون الصور في مأمن هناك , أنتابتها بعض الراحة حين عثرت على حل لواحدة من مشاكلها على الأقل , غير أن العثور على مثل هذا الحل الجاهز لما تبقى من مشاكلها يبدو مشكوكا فيه , ومع هذا أتّجهت الى غرفتها لحزم أمتعتها وفي داخلها ومضة أمل صغيرة.
الأيام القليلة التي تلت لم تكن مريحة أبدا , ومع أنها أعلنت تركها للمكان , ألا أنها شعرت بأن الجو في البيت لا يمكن أن يطاق .
كانت بشكل عام قاسية في حزم أمتعتها , فمعظم محتويات خزانة ملابسها أودعتها سوق الملابس المستعملة لبيعها بثمن بخس , وأشياء أخرى عزيزة قدمتها الى مخزن للأحسان , ولم تحتفظ لنفسها ألا بما هو أساسي جدا , غير أن هذا لم يحزنها قدر ما أحزنها الرحيل بدون كتب الطفولة والأشياء الأخرى التي ما تزال تشغل غرفة نومها , كانت تأمل أن تنتقل هذه كلها الى أطفالها يوما ما , لكن عليها الآن أن ترحل بأخف ما يمكن حمله , حشرت حاجياتها في حقيبة واحدة كبيرة , بينما وضعت أدواتها للرسم في حقيبة أخرى قديمة , أخرجت مجموعة تريفينون من الرسوم والصور الشخصية لأمها من أطاراتها بعناية ووضعتها في رزمة أنيقة تحت مراقبة الليدي كير سلاك.
تعقّدت الأمور أكثر مع وصول غاي وصديقته , كان شعرها أسود ومصففا بعناية , وقهقهاتها تثير أشمئزاز موروينا , مع أن غاي لم يكن يرى في سلوكها شيئا مشينا , تحملت موروينا أذلالا أخر أيضا , ذلك أن غاي أخبر صديقته جورجينا بكل ما كان بينهما وربما بأضافات من عنده , وكان رد فعل جورجينا هو معاملتها بنوع من الأزدراء الممزوج بالشفقة مع الأحساس بالزهو من أن ما خسرته موروينا قد كسبته هي , عانت موروينا من هذا الوضع عاجزة عن فعل شيء, وأدركت أنه لا جدوى من محاولة أقناع جورجينا بأن ما كان بينها وبين غاي لم يتعدّ بداية علاقة , وهي لا تحاول برزانتها أخفاء الجرح الذي سبّبه لها , كانت تود حقا أن تقول لها أنها تبارك علاقتها بغاي , وهي فقط تشعر بالأسف لأنها لا تملك من الذكاء ما يكفي لتعرف أهداف غاي الخفية منها , لكنها كانت موقنة أن جورجينا لن تصدقها.
ما أثار دهشة موروينا حقا هو موقف أبنة عمها فانيسا , فمع أقتراب موعد رحيلها , أصبحت أكثر مودة معها , حتى عرضت عليها أن تأخذها بسيارتها الى محطة القطار , ومع أن موروينا قد قبلت عرضها ألا أنها لم تخادع نفسها بأنها عثرت على صديقة حميمة جديدة , عرضها ألا أنها لم تخادع نفسها بأنها عثرت على صديقة حميمة جديدة , وفكرت بأن غاية فانيسا من أخذها الى محطة القطار هي التأكد من ذهابها فعلا الى كورنوول , بالأضافة الى أنها كانت تبحث عن رفقتها خلال ساعتها الأخيرة في بريوري حتى تتجنب جورجينا التي شعرت نحوها بكرهية واضحة وملفتة للنظر بشكل مربك.
عرفت موروينا أن الحياة في بريوري ستغدو قريبا أشبه بالجحيم , خاصة أذا ما قرر غاي الزواج من جورجينا وبالتالي الحصول على نقود أبيها التي تتحدث عنها دائما وبصراحة , وهذا ما خفّف من شعورها بالألم لأبتعادها عن بيتها , ومع ذلك لم تستطع أن تحبس دموعها قبل أن تنام كل ليلة , ليس لما فقدته فقط بل من الخوف أيضا , كانت تشعر بأطمئنان حين تقول لنفسها بيقين أن لا أحد يخشى الموت جوعا في بلدها المترف هذا , لكن الحقيقة التي كانت تواجهاا دائما هي أنها والى ما قبل أسابيع قليلة كانت مطمئنة ومحمية , بالرغم من أنها لم تكن بحاجة لأن تذكّر نفسها أن هناك آلافا من الفتيات في عمرها في وضع أسوأ مما هي فيه , لكنها تشعر بوحدة قاسية وبخطورة وضعها غير الحصين , فبعد أن كانت محور حب العائلة ها هي أصبحت فتاة منبوذة تماما.
أنتابت موروينا راحة كبيرة حين حلّ يوم رحيلها , قالت عبارة وداع قصيرة للسيد جيوفري في المكتب الذي كان يخص والدها , وحين مدّ هذا اليها ورقة صك بمبلغ جيد وهو يتمتم ببعض الكلمات , أرتبكت وأحمر وجهها غضبا وهي ترد بكلمة شكر مقتضبة , وحالما أصبحت خارج المكتب مزّقت الصك الى قطع صغيرة وألقتها في مزهرية خزفية كبيرة قائمة في الممر , أما الليدي كير سلاك فقد عادت الى عذوبتها السابقة , مانحة أنطباعا بأن عناد موروينا فقد هو الذي يأخذها بعيدا عن بريوري , وتساءلت موروينا ساخرة وهي تضع خدها على الخد المعطر الآخر الذي أمتد نحوها , ترى ما الذي سيكون رد فعل أبنة العم باتريسيا أذا أعلنت أنها قد عدلت عن رأيها وقررت البقاء في بريوري.
كانت فانيسا تنتظر في الصالة بنفاذ صبر , ولم تحاول مساعدة موروينا في حمل حقائبها , لكنها سارت بحيوية الى سيارتها وأدارت المحرك بينما أبنة عمها تضع حقائبها في الصندوق الخلفي , ثم صعدت موروينا وجلست محدقة الى الأمام , فنظرات الحسرة الى الوراء لا تورث سوى الحزن.
رمقتها فانيسا بنظرة جانبية , وقالت:
" أنت مجنونة تماما , تشتاقين الى كورنوول من بين كل الأماكن , ربما كان ذلك طبيعيا في الصيف ,لكن ما أتعس كورنوول في الشتاء , يا ألهي".
توقفت عن الكلام لبرهة , لكن لم تبدر من موروينا أية أستجابة , ثم أستمرت:
" ظننت أن غاي سينزل لتوديعك , خاصة في مثل هذه الظروف".
أنتظرت للحظة بدون أن تتلقى أي رد , وبدا الغضب في نبرتها قليلا حين تكلمت ثانية:
" ربما فكر أن جورجينا المرعبة ستنزعج أذا ما أقدم على توديعك".
قالت موروينا بهدوء:
" ليس هناك من داع لأي يسبب أي أزعاج".
" أوه , خففي من كبريائك قليلا".
قالت فانيسا وهي تزيد من سرعة السيارة وتجتاز شاحنة أمامها , ثم أستمرت في كلامها:
ط| تعرفين جيدا أنك كنت تحبين غاي , وبالطبع ليس سهلا أن ترينه مع فتاة أخرى أنا لا ألومك أبدا في ذهابك الى مكان آخر لتلعقي جراحك , أظن أننب كنت أفعل الشيء نفسه لو كنت في وضعك , لكن أذا كان هناك من عزاء لك فهو أن أمي لا تحبّذجورجينا , وهي تراقبها دائما وتحاول أن تكون مهذبة معها , وأعتقد أنها بشكل ما كانت تفضلك لو أن غاي أستقر عليك".
" شكرا لك".
قالت موروينا بجفاف.
هزت فانيسا كتفيها قائلة:
" أوه , أنت تفهمين ما أعنيه , ومع هذا فأنت أحببته الى حد ما , لكنه سحب نفسه".
قالت موروينا وهي تسيطر على أنفعالاتها بصعوبة :
" بدون أن يجعل مني زوجته المخلصة , أعتنين هذا ؟ أهذا كل ما تفكرين به؟".
رمقتها فنيسا بنظرات مضطربة , وقالت:
" لا أقصد ذلك , لكن غاي هو الآن مع جورجينا , وهذا تصرّف وقح ولهذا.......".
رسمت موروينا على وجهها أبتسامة وهي تقول:
" ولهذا فأنتم تفترضون جميعا بأنني فعلت معه الشيء نفسه , وبالسهولة نفسها , لا أستطيع أن أتظاهر بأنني مدّعية , أو ربما أن غاي يختار سهلات الأنقياد عادة".
أجابت فانيسا ساخرة:
" حسنا , لنقل أنه لم يكن ينفق الكثير من وقته على الخائفات".
عضّ موروينا شفتها قائلة:
" هكذا أذن".
ثم صمتت برهة وهي تفكر في أيهما أسوأ.
الأدعاء بأنها كانت خليلة غاي المطواعة , أم أنها لم تكن ذات جاذبية كافية حتى يقدم على أغوائها.
لقد فضّلت أن لا تكون لا هذا ولا ذاك , أطلقت ضحكة وقالت وهي تحشر يديها في جيوب سترتها حتى تخفي أرتعاشتهما:
" في الحقيقة كانت علاقتنا قائمة على منفعة متبادلة أكثر من أي شيء آخر".
ثم أستطردت بعد توقف قصير:
" كلانا كان يبحث عن شخص يسنده , وأنا لا ألوم غاي في أختياره النساء الثريات , وها أنا أفعل الشيء نفسه تقريبا".
" أنت؟".
هتفت فانيسا وهي تحدّق فيها , ثم أردفت:
" لا أصدقك".
أتسعت أبتسامة موروينا وهي تقول:
" حسنا , دعيني أقول أنني لست ذاهبة الى كورنوول لمجرد النزهة".
" لا ؟ هل هناك رجل؟".
سألت فانيسا وقد صدّقت كلام موروينا , أطلقت موروينا ضحكة واثقة وأجابت:
" بالطبع هناك رجل , وألا لما تحملت مشاق السفر الى ذلك المكان النائي في مثل هذا الوقت".
" لقد عرفت دائما أنك لست بالساذجة , هل عرفته منذ زمن طويل؟".
أجابت موروينا وهي تهز كتفيها بمرح:
" منذ زمن كاف".
" هل تنوين الزواج منه؟".
" أوه , أن ذلك يتوقف على أمور كثيرة , أفضّل التفكير فيه حين يحين أوانه".
أطلقت ضحكة قصيرة ثم أستمرت قائلة:
" وأذا أستطعت أقناعه بأن يعطيني من النقود ما يكفي نفقات دراستي للرسم , ربما لن أفكر في الزواج أطلاقا".
قالت فانيسا بدهشة:
" لقد فهمت , حسنا كل ما أستطيع قوله هو أنني أتمنى لك حظا سعيدا".
" شكرا لك".
ضحكت موروينا وتابعت:
" أظن أنني لن أحتاج الى ذلك".
للحظة أستسخفت نفسها للّعبة التي لعبتها مع فانيسا , لكن ماذا يهم , فهما لن تلتقيا ثانية , وهي تعرف جيدا أن أبنة عمها سوف تتنفس بأرتياح وتبعدها عن ذاكرتها بمجرد أن تبتعد عنها , فهي تعرفهم جيدا , فما دامت تقيم في بريوري , فلن يشعروا بأن الأرث يؤول اليهم حقا , كانت ضيفة ثقيلة عليهم , والحقيقة أن العلاقة لم تكن حميمة بين العائلتين يوما ما.
حين وضعت حقيبتها والرزمة التي تحوي الصور , فوق رف الأمتعة وأحست بحركة القطار وهو يبدأ رحلته الطويلة نحو الغرب , أنتابها حزن شديد , راقبت الأرصفة وألواح الجدران الخشبية وهي تنساب الى الخلف بقنوط شديد.
أبتلعت ريقها , وبدت لها حجة الطلب الى أهل تريفينون الأحتفاظ برسومات أمها معقولة , لكن ما هو الحق الذي تمتلكه في أن تسأل عن أي أحسانوهي الغريبة بين غرباء ؟ أما كان من الأفضل لو مكثت في لندن وأرغمت نفسها على بيع تلك الرسوم ؟ أما كان ذلك أجدى من ركوب هذه الرحلة الى زاوية في أنكلترا لا تعرفها ألا من خلال قصص ما قبل النوم وبعض المناظر الرومنسية , تنهّدت بألم , هل هي قد بدأت رحلتها سواء كانت أحسنت القرار أم أساءته , وتمنت لو أنها أستطاعت أن تطرد من أفكارها ما قاله أحدهم يوما:
" أن السفر بأمل , خير من الوصول".

نيو فراولة 26-06-11 10:06 AM


2- وأنطلقت الدموع



لم تتحسن حالة موروينا النفسية ,حتى حين وصلت الى بنزاس , وظلت كآبتها كما هي , كانت السماء الرمادية ما تزال تمطر , مما زاد من شعورها بالوحدة والضعف , تمنت لو أن قدرتها المالية تسمح لها لكي تستقل سيارة تاكسي الى تريفينون , لكن ذلك سيكون مجازفة , خاصة وهي لا تعرف كم يبعد المنزل من بنزاس , للحظات راودتها فكرة العثور على مكان في بنزاس لقضاء الليل فيه , ولكن سرعان ما أبعدت تلك الفكرة عن رأسها , وأيقنت أن ما هو مهم الآن هو الوصول الى تريفينون وأيداع الرسوم هناك.
منتديات ليلاس
سارت تحت النطر حاملة حقيبة الظهر على كتفها , بينما الحقيبة الثانية في يدها الأخرى , وكان شعرها مبتلا وقد تهدّل حول وجهها المبتل هو الآخر , من مكتبة صغيرة أقتنت خارطة للمنطقة , ودخلت الى مقهى كان من حسن حظها أنه مت زال مفتوحا , حيث في مقدورها الأحتماء فيه من المطر وتأمل الخريطة براحة , لم تعثر على تريفينون في الخارطة , لكنها عثرت على بورت فينور بينما هي تشرب قهوتها وتتناول سندويشا من الجبن , وعثرت على المضيق الأسباني أيضا , فعرفت الأتجاه الذي يجب أن تسلكه.
حين تركت المقهى واجهتها ريح قوية كادت أن تفلت الباب من يدها وتفقدها توازنها للحظة , سيطرت على نفسها وهي تئن من الألم والضعف , لقد حدثتها أمها كثيرا عن الرياح الجنوبية الغربية العاصفة في هذه المنطقة , لكنها لم تكن تتوقع أن عاصفة كتلك ستصادفها حالما تصل الى هنا , وما يقلقها هذا المصير المجهول الذي ينتظرها , لكنها لم تجد بدا من الأستمرار , فغيّرت وضع حقيبة السفر لتريح كتفها , ثم أحنت رأسها عكس أتجاه الريح الشديدة وواصلت سيرها , فكرت في شيء واحد : ترى هل أحسنت عملا بمجيئها الى هنا , أم أن ذلك مجرد جنون أرتكبته بدون وعي , وكانت في أعماقها تتوسل الى الله أن يكون العجوز دومنيك رج طيبا وشفوقا , وأن لا يستجوبها بالكثير من الأسئلة وهي على عتبة داره.
حين أصبحت في موقف الباص ,أكتشف أنها ليست وحدها , كانت هنالك فتاة أخرى تنتظر وقد أحتمت بمدخل أحد الأبواب من المطر والريح , وهي فتاة قصيرة وممتلئة , ترتدي رداء طويلا أسود . وكان وجهها مدورا ودودا , أبتسمت الفتاة لموروينا , بينما هذه تضع حقيبتها على الأرض وتنزل حقيبة اظهر عن كتفها , قالت الفتاة:
" أنه يوم بائس حقا.......".
" نعم , والظلام يحل بسرعة في مثل هذا الوقت من السنة ".
أجابتها موروينا وهي تنظر فيما حولها:
" هل تقصدين مكانا بعيدا ؟".
" لست متأكدة في الحقيقة , أحاول الوصول الى بيت يدعى تريفينون ".
" تريفينون.....".
قالت الفتاة بدهشة ثم أضافت:
" أنه على مسافة بعيدة , عليك أن تنزلي في مكان يدعى تريفينون كروس.....".
وصمتت للحظة ثم قالت وهي تحدق في وجه موروينا :
" لا أريد أن أكون فضولية , لكن هل أنت متأكدة من أن ذلك هو المكان الذي تقصدينه؟".
لم تكن موروينا في الواقع واثقة من أي شيء , لكنها رفعت وجهها بثقة لم تكن تملكها في الحقيقة , وقالت:
" بالطبع أنا واثقة , أنني أبحث عن السيد تريفينون , دومينيك تريفينون , هل تعرفينه؟".
تلعثمت الفتاة ثم تمتمت:
" لا أعرفه شخصيا , أنه في الحقيقة لا ييستقبل أحدا في مملكته الخاصة ".
همست موروينا لنفسها : ( أذن هذا هو السيد الذي عقدت عليه آمالي ) , وقالت:
" أظن أنك تبالغين في حقه".
" بل أنه أسوأ من هذا , متكبر وفظ الخلق , متمسك بمنزله وأراضيه على الشاطىء وكأنه يدافع عن آخر قلاع كورنوول , أنه يكره السياح ولا يمد يد العون لأحد , ولكن أذا كان يتوقع وصولك فسيكون الأمر على ما يرام".
أشتدت دقات قلب موروينا وفكرت : أذا كان هذا هو ما عليه العجوز الكريم , فكيف سيكون أستقباله لي؟
" يبدو أنك نعرفين الكثير عنه ".
سألتها موروينا .
" ليس كثيرا في الواقع , لكنني أملك صالة لصنع التحف الفخارية مع أخي , وأردنا توسيعه ببناء مجزن ملحق به , لكننا فشلنا في الحصول على أجازة البناء , وكان السيد دومنيك تريفينون وراء حجب الأجازة عنا , أنه يخشى أن يجلب ذلك المخزن , السياح الى منطقته , فهو يتز بوحدته جدا".
( شكرا على هذا التحذير ) قالت موروينا لنفسها , ونظرت الى ساعتها , سيصل الباص في أية لحظة , وما يزال هناك متسع من الوقت لتغير رأيها , أحقا هذا هو الرجل الذي تحدثت عنه أمها بكل ذلك الحنين أم أن الزمن قد غير من طباعه الى هذا الحد؟

" بالمناسبة , أنا بيدي برادشو... كنت أتجول في بعض مخازن الهدايا , أحاول بيع بعض منتجاتنا , يبدو أنه ليست هناك طلبات كثيرة في الوقت الحاضر".
موروينا قدّمت نفسها أيضا وهي توميء برأسها , فقالت بيدي بأهتمام وهي تبتسم:
" لكن موروينا أسم كورنوولي , يبدو أنك من هذه المنطقة".
" لست من هذه المنطقة , لكن أمي قضت معظم صباها هنا , لذا فأختيارها لهذا الأسم لي طبيعي فيما أظن".
" أظن ذلك , أوه لقد وصل الباص أخيرا".
صعدتا الى الباص , قالت بيدي:
" ستنزلين بعدي بمنطقة , ثم تنحرفين يسارا وتستمرين في الشارع نفسه الذي يوصلك الى المنزل مباشرة".
أرادت موروينا أن تستفسر الكثير من بيدي عن تريفينون , لكن الزحام في الباص حال دون ذلك , كانت بيدي رفيقة لطيفة , تمنت موروينا لو تطول رفقتها لها , وتأثرت كثيرا حين قالت بأنها تقترب من منطقة نزولها , ودعت موروينا قائلة:
" أتمنى لك حظا سعيدا ,وأذا ما رغبت في البقاء فترة هنا , فأرجو أن نزورينا في صالة الفخاريات".
" سأحاول.......".
أجابت موروينا مبتسمة.
وحين نزلت بعدها بمنطقة , وأبتعد الباص عنها , أخذت نفسا عميقا ومشت بضع خطوات وجدت نفسها بعدها في ظلام , كانت الرياح تهب عاصفة وتبعثر خصلات شعرها على وجهها , شدّت سترتها على جسدها بأحكام وفكرت بأنها كانت تتوقع نفسها في أي مكان في هذا العالم غير هذا المكان المظلم البارد في هذه المنطقة الريفية , واصلت سيرها بأتجاه ضوء تقاطع الطرق , حيث أنحرفت هناك الى اليسار حسبما أوصتها بيدي , المطر ما يزال يهطل وصوت هدير البحر يأتيها واضحا , وجدت نفسها في درب مظلم ضيق محاط من جانبيه بسياج نباتي عال , ولم يكن هنالك أي ضوء بأستثناء ضوء القمر الخافت الذي كان يطل بين حين وآخر من بين الغيوم .
منتديات ليلاس
وتذكرت أنها وضعت مصباحا يدويا يعمل بالبطاريات في حقيبة الظهر , فأنزلت الحقيبة وبدأت تفتش فيها حتى عثرت عليه , وحين أشعلته كان نوره ضعيفا غير أنه كان كافيا لأضاءة الطريق أمامها.
سارت حوالي عشر دقائق , وتمنت لو أن لوحة الأرشاد التي صادفتها في بداية الدرب , قد أعطتها فكرة عن المسافة التي تفصلها عن المنزل.
فجأة سمعت صوت أرتطام عنيف بالقرب منها , كان الصوت قويا طغى على صوت هبوب الريح رغم شدّتها وعدوها , كانت شجرة قوية أقتلعتها الريح العاصفة وألقتها على الطريق , ولحسن الحظ لم تصب موروينا بأذى , لكنها أرتعبت وتوترت أعصابها غير أنها أستردت هدوءها بعد فترة قصيرة أمسكت غصنا منها وحاولت تحريكها حتى تبعدها عن الطريق , لكنها فشلت , وعرفت أن هذه الشجرة ستسبب كارثة لية سيارة متجهة الى البيت أو عائدة منه , فقررت أن تهرع الى البيت أينما كان وتخبر من فيه بالأمر , غير أنه لم يمر سوى لحظات حتى سمعت محرك سيارة قادمة من بعيد , فألتفتت فيما حولها وراحت تبحث في الظلام حتى لمحت ضوء مصباحين قويين متجهين نحوها , وأدركت أن السيارة قادمة الى تريفينون , وأنها ستصل هنا في أية لحظة وسائقها يجهل الخطر الذي ينتظره في الطريق , ركضت الى منحنى الطريق ووقفت في وسطه وهي تحرك مصباحها علّ ضوءه يسترعي أنتباه السائق , وأقترب صوت المحرك حتى كاد يصم أذنيها , وبغتة سمعت صوت عجلات تتوقف بعنف , وأن جسدها قد ألقي بقوة نحو السياج , ثم أحست بيدين قويتين ترفعانها وتوقفانها على قدميها.
كان رجلا طويلا أسود اللون , وكانت سحنته غاضبة وهو يقول:
" ما الذي تفعلينه هنا , أيتها الحمقاء. كنت على وشك أن تموتي!".
" لا تقل أنني حمقاء , وماذا عن نفسك ؟ أنك تقود سيارتك كالمجنون في هذا الليل المظلم , لو دهستني لكنت أنت المخطىء!".
" هل تحبين أن أحيطك علما بأن هذا طريق خاص , ولا يتوقع أحد أن يصادفه عابر مجنون مثلك".
" لست مجنونة , وأنما كنت أحاول أنقاذ حياتك , أو على الأقل أن أحول دون أصابتك بجروح".
ساد صمت ثيل , قطعه صوته وهو يتساءل بأستغراب:
" ماذا تقصدين؟".
" هناك شجرة واقعة على الطريق خلف هذا المنحنى , كنت ذاهبة لأخبر أحدا في البيت حين سمعت صوت سيارتك , وفكرت أنه من الأفضل أن أبقى وأحذّرك حتى لا تصطدم بها".
" أنتظري هنا.....".
قال بغتة وذهب الى سيارته , أدار محركها وسار بها الى ما بعد المنحنى , ثم أوقفها هناك , وعاد ماشيا." يبدو أنني مدين لك بكلمة أعتذار".
قال بهدوء ثم أضاف متسائلا:
" ولكن ماذا تفعلين هنا ؟ هل أضعت الطريق؟ هذا طريق خاص يؤدي فقط الى......".
لكن موروينا قاطعته قائلة:
" الى تريفينون , أعرف ذلك , أنني لم أضع طريقي , لكنني ذاهبة الى تريفينون , أريد أن أرى السيد دومنيك تريفينون".
" حقا؟ وهل السيد تريفينون يتوقع وصولك؟".
" كلا , وقد حذّرني أحدهم قبل قليل بأنه متعجرف جدا , ويحسب نفسه ملكا غير متوج على منطقة كورنوول , لن هذا لا يغير من الأمر شيئا , فأنا ذاهبة لمقابلته".
" ولماذا تصرين على مقابلته ؟ أليس من الأفضل أن تبتعدي عنه وقد عرفت طباعه؟".
" لا بد أن أراه , أريد أن أسأله معروفا".
" وهل تعتقدين أنه سيلبي طلب عابرة سبيل غريبة مثلك؟".
" يداخلني شعور بأنه سساعدني , بالأضافة الى أنني لست غريبة عنه تماما".
" ماذا تعنين بأنك لست غريبة عنه تماما؟".
موروينا أحست أنها تحدثت أكثر مما ينبغي , لذا أجابته قائلة:
" آسفة , هذا أمر يعود لي".
ثم أضافت بعد توقف قصير:
" أظن أنك صديق مقرّب منه , وأنك في طريقك اليه , وستخبره عما قلته عنه , لا تتردد في ذلك , فلن يغيّر ذلك شيئا".

حاولت أن تتحرك من مكانها , لكن ألما شديدا في أطرافها شلّها عن الحركة.
" هل تأذيت ؟ لقد صدمتك السيارة بعنف".
" أوه , لا تقلق , أظن أنني ما زلت قادرة على المشي".
" قفي منتصبة , دعيني أفحصك , ربما أصبت بكسر".
وقفت موروينا في مكانها وأسنانها تصطك من الغيظ والألم , وهو يفحص أطرافها بدقة وبعناية "
" شكرا لك , يبدو أنك طبيب بيطري".
" ليس يالضبط , من المفيد أن أحذّرك من الكلاب , أنها متعودة على أستقبال الغرباء في البيت ".
" يا ألهي..........!".
هتفت موروينا بخوف , غير أنه كان من العسير عليها أن ترى وجهه بوضوح حتى تعرف فيما أذا كان يمزح أم أنه جاد في قوله , وسألته:
" وهبل هي كلاب شرسة؟".
" ذلك يتوقف عليك , لا تحاولي أثارتها".
" أتظن أن الأمر سيكون أفضل لو عرفت أسماءها ؟".
" أظن ذلك , أحدهما يدعى وسكي والآخر ماكس ".
حملت موروينا حقيبة الظهر على كتفها والحقيبة الأخرى في يدها , وهمت بالسير لكنه قاطعها قائلا:
" سؤال أخير لو سمحت , كم من الوقت تودين البقاء في تريفينون ؟".
أرادت أن تقول له أن جل ما تطلبه الآن هو قضاء هذه الليلة تحت سقف يحميها , بكنها ضبطت لسانها وقالت مازحة:
" لنر كيف تسير الأمور , ربما سيهواني ملك كورنوول ".
" سيهتم بك حتما".
قال بنبرة لطيفة وهادئة.
سارت في طريقها مرفوعة الرأس , متحاملة على نفسها بدون أن تعرج حتى أجتازت منحنى الطريق وأصبحت خارج حدود ضياء مصابيح السيارة , كانت الريح قد خفتت , لذا بدا صوت أرتطام أمواج البحر بالساحل أكثر وضوحا , وكان المطر قد توقف أيضا , وعلى ضوء القمر الذي ظهر من بين الغيوم المتسارعة , بدا هيكل البيت واضحا , المداخن والسقف , وعلى جهة اليسار كان هناك ضوء مصباح في أحدى نوافذه , أحست موروينا بموجة حنين تغمرها وهي تتذكر رسوم والدتها , وأمتلأت عيناها بالدموع , وعلى مقربة منها نبح كلب وتبعه كلب ثان , وفي البيت أضيء ضوء آخر , وكأن أهل البيت يستجيبون لنداء الكلاب , بالطبع قالت مورونا لنفسها , أنهم ينتظرون زائرا , الرجل الذي قابلته في الطريق.
جمعت كل شجاعتها وأتجهت نحو الباب الرئيسي , وقرعت الجرس المثبت على جانب الباب , أخذ الكلبان ينبحان ويدنوان منها , فنادتهما بأسميهما فتوقفا قربها , ثم سمعت وقع أقدام قادمة من الداخل , سرت رعشة برد في أطرافها فدست يدها في جيبها لتخفف من أنفعالها , وأنفتح الباب الثقيل محدثا صرير عميق , طالعها رجل بدين وقصير , عيناه تلمعان تحت حاجبين رماديين كثين , وأخذ يحدق فيها بأرتياب , ثم قال بأمتعاض:
" يبدو أنك أخطأت اللبيت الذي تقصدينه".
أقتربت منه موروينا أكثر وأبتسمت له وهي تفكر : ترى أهذا هو السيد تريفينون؟ يبدو حقا مثلما سمعته عنه من جفاء.
" السيد تريفينون؟".
سألت موروينا بنبرة حاولت أن تكون واثقة.
" غير موجود".
" أهو مسافر أم أنه خارج البيت؟".
" هذا ليس من شأنك , أذهبي الى سبيلك".
أجابها الرجل , بينما في تلك اللحظة رن جرس الهاتف في مكان ما من البيت , وهمّ الرجل أن يغلق الباب وهو يقول:
" عليّ أن أجيب على الهاتف.........".
لكن موروينا هتفت به متوسلة:
" من فضلك , لقد أتيت من مكان بعيد هذا اليوم , أذا كان السيد تريفينون غير موجود الآن فهل بوسعي الدخول وأنتظاره؟".
" كلا........".
أجابها وقد بدا من نبرته أنه فقد صبره , ثم أضاف حانقا:
" لو كان السيد تريفينون راغبا في رؤيتك أخبرنا بمجيئك , أتصلي غدا بالهاتف وخذي موعدا لرؤيته ...... والآن أذهبي.......".
وأنسحب وهو يغلق الباب , لكن صوت أمرأة هتفت به من الداخل:
" أنتظر يا زالك , دعها تدخل".
" ماذا تقولين؟".
" قلت دعها تدخل , ألم تسمع؟".
فتح الرجل الباب , ودخلت موروينا , وضعت حقيبتها على الأرض ثم أنزلت الحقيبة الثانية من على كتفها .
تأملت المرأة موروينا , وقالت لها:
" يمكنك الأنتظار في غرفة المكتب حتى يحضر السيد , هناك نار في المدفأة..... هل تريدين كوبا من مشروب ساخن؟".
قبلت موروينا وهي تشعر بالسعادة لسماحهم لها بالدخول بعد أن كادت تمكث في العراء في هذا الليل البارد , وزادت سعادتها وهي تدخل الى المكتب , طاولة كتابة عتيقة , تتكدّس الأوراق عليها , بالأضافة الى آلة كاتبة قديمة , مقعد طويل مغطى بقماش بال موضوع أمام المدفأة والى جانبه مائدة صغيرة وعلى الأرض فرشت سجادة حمراء.
جلست أمام المدفأة ومدت يدها المرتعشة نحو النار فسرى الدفء فيها , لكن ما رأته لم يعطها شعورا بالتفاؤل , وبدا لها واضحا أن تريفينون يعاني من أفول المجد منذ زارته أمها آخر مرة ,ويبدو أن هذا هو سبب عدم عودة أمها الى هنا مرة أخرى , وربما أن بريفينون نفسه لم يشجعها على المجيء , حتى تبقى تتذكر الأشياء كما كانت , وتتذكر الناس هنا كما كانوا.
فتحت حقيبة الظهر التي كانت الى جانبها , وأخرجت الرزمة التي فيها الرسوم , وبعد تردد قصير قامت ومشت نحو الطاولة ووضعتها فوقها.
كانت هناك مجموعة من الصحف والمجلات ملقاة على طرف المقعد بأهمال , تفحصتها بسرعة وهي تعود الى مكانها , كانت متنوعة تعطي أنطباعا عن ذوق وشخصية مقتنيها , وهناك صحف محلية بينها , أخذت أحداها وبدأت تطالع صفحتها الأولى , لكنها لم تكن قادرة على ألتقاط الكلمات بوضوح , وأدركت مدى تعبها.
دخلت السيدة حاملة صينية , وضعتها على المائدة , وتأملن موروينا بنظراتها طويلا , فقالت موروينا:
" هل..... هل هناك شيء ما , على غير ما يرام؟".
" أنت تذكريني بشخص أعرفه... لا أقدر على تذكره الآن , لكنني سأتذكره.........".
خفق قلب موروينا بشدة , ترى هل هذا الشخص هو أمها؟ لكن , قبل أن تسألها , فتح الباب وجاء صوت زاك وهو ينادي:
" أنيز!".
منتديات ليلاس
أسندت موروينا ظهرها الى المقعد بأسترخاء بعد أن أنتهت من شرب الشاي , وأغمضت عينيها وهي تشعر بالدفء والطمأنينة بالرغم من جهلها بما سيحدث , وبدأت صور عديدة تتراقص في ذهنها وهي تسترخي أكثر فأكثر , ودفء النار يسري في جسدها ويبدد الألم من أطرافها , تراءت لها وهي في غفوتها أشجار تتراقص في مهب الريح , وكلاب تشع عيونها ببريق ذهبي , رأت بيدي أيضا , وكانت الريح تهز قبعتها السوداء.
لم تعرف كم من الوقت أخذها النوم , لكنها أستيقظت فجأة وأستوت في مكانها , كانت الغرفة أكثر أضاءة , فأدركت أن أحدا ما قد أضاء المصباح الرئيسي الذي عل الطاولة , وكان هناك رجل في الغرفة , عرفته , أنه نفسه الذي ألتقته في الطريق , كان أسود اللون , وجهه نحيل وحاد التقاطيع كأنه قد من حجر الغرانيت , له أنف مرتفع وشفتان ممتلئتان وغامقتان , وكان منحنيا على رسوم أمها يحدق فيها بعد أن فتح الرزمة.
ألتفت اليها , وحدق في وجهها بوجه غاضب , فسرت في جسدها قشعريرة , حاولت أن تقنع نفسها بأنها ما زالت غارقة في حلمها , لكنها أدركت أن الأمر حقيقة وليس حلما , حين تكلم بغيظ:
" من أنت بحق الجحيم ؟ وماذا تفعلين هنا؟".
ثم أضاف بعد صمت قليل:
" عندك دقيقتان لتجيبي على سؤالي قبل أن ألقيك الى الخارج".

نيو فراولة 26-06-11 10:10 AM

3- حنين في الليل



غرقت موروينا في الصمت للحظة , ثم قفزت واقفة بأنفعال , غير مبالي لشعرها الذي أنحلّت عقدته وأنساب على كتفيها مثل شلال من ذهب , وصاحت بغضب:
" ولكن من أنت حتى تحدثني هكذا؟ ولماذا فتحت تلك الرزمة ؟ أنها خاصة للسيد دومنيك تريفينون , ثم بأي حق دخلت عليّ هنا؟".
" أنت التي دخلت هنا , وليس أنا , يكاد وقتك أن ينتهي , لذت أنصحك بأن تجيبي على أسئلتي ".
" لا أرغب في قول شيء , أريد التحدث الى السيد تريفينون فقط".
" أظن أنك لا تمارسين لعبة سمجة معي , وأنك حقا لا تعرفين من أنا".
جمدت موروينا في مكانها وعيناها تحدقان في وجهه بدهشة , ثم همست:
" كلا..... لا يمكن ذلك , أنت لست......".
" بل أؤكد لك , أنا دومنيك تريفينون , أنا من أطلق عليه لقب ملك كورنوول غير المتوّج , وهذه هي قلعتي".
" كلا , لا أصدق ذلك , لا يمكن أن تكون أنت دومنيك تريفينون , أنت لست كبيرا في السن".
" أهذه كلمة أطراء؟".
" كلا ....... أنها ليست كذلك , ولكن حسب ما أعتقد أن دومنيك الحقيقي هو الآن في الستينات من عمره على الأقل".
لم يندهش من قولها , بل أحنى رأسه وكأنه يوافق على ذلك, ثم قال بهدوء:
" الآن أخبريني من أنت , وماذا تريدين؟".
سيطرت على أنفعالاتها وقالت بهدوء:
" يبدو أنني قد أسأت التقدير , ليس أمامي الآن سوى الأعتذار والأنصراف , هل تسمح لي بأخذ رسومي؟".
مدت يدها نحو الرسوم لكنه تجاهل حركتها تماما , وقال:
" ليس قبل أن تشرحي الأمر , لقد تحدثنا كثيرا حين ألتقينا في الطريق , فلماذا هذا التحفظ في الكلام الآن؟ ثم تذكّري أنك جئت لتسأليني أحسانا".
" ليس منك , بل من شخص آخر , ربما هو لم يعد حيا , والدك ربما , أو ...".
" عمي , أنه الآن في غرفته في الطابق الثاني".
" أذن , هل أستطيع مقابلته رجاء؟".
" كلا , بأمكانك مناقشة أي موضوع تودينه معي , وأذا كان الأمر يتعلق بهذه الرسوم , كأن ترغبين بيعها مثلا , فأؤكد لك مقدما أنك تضيعين وقتك هباء".
" كلا , لا أنوي ذلك أطلاقا".
قالت وهي تحدق في أماكن معينة في الجدار , بدا واضحا أن رسوما ما كانت معلقة فيها فيما مضى.
وكان هو يراقبها ثم قال:
" أنت على حق , كانت هناك رسوم معلقة هنا يوما ما , وكانت أكثر قيمة من رسوماتك هذه".
" أعترف أن الرسوم هذه ليست أفضل أعمالها , لكن لها قيمتها الخاصة عندي , أو أن هذا على الأقل ما أعتقده , وألا لما حضرت الى هنا".
" لماذا , هل تناسب بيوتامعيّنة ؟ أذا كان الأمر كذلك فكان الأجدر بك أن تبذلي جهدا أكبر في رسمها".
" كلا بالطبع , لأن التي رسمتها , وهي أمي , لاورا كير سلاك , قد عاشت هنا , كان هذا البيت بيتها حين كانت فتاة , وتريفينون عائلتها , العائلة الوحيد ة لها حتى تزوجت من أبي , أوه , أعرف أنها فقدت الصلة بكم جميعا , لكن......".
" هل هي التي بعثتك ؟".
أعترضها ببرود , هزت رأسها وأبتلعت ريقها قائلة بأسى:
"لقد ماتت منذ سنوات".
" أنا آسف".
قال بلا مبالاة وكأنه يؤدي واجبا ثقيلا.
رفعت موروينا رأسها وحدقت في وجهه بغيظ, وقالت بصوت خفيض:
" أنني سعيدة لأنها لا تسمعك الآن , وأنها ليست حاضرة لكي تعرف كم هم غير أوفياء أولئك الذين أحبتهم".
" أنت سريع الحكم على الآخرين , لقد قلت أنها فقدت الصلة بنا , ألم يخطر لك يوما أن تسألي نفسك , لماذا؟ لست أدري الى أي حد حدّثتك عن حياتها نا , ولكنني أقسم أنها لم تخبرك بمدى الخراب الذي تركته هنا حين رحلت".
" أنت تكذب!".
" ولماذا الكذب؟ قد يكون ما قلته مر المذاق لكنه الحقيقة ".
ظلت موروينا تحدق فيه بدون أن تجد ما تقوله , بعد فترة صمت قصيرة , بدأ هو الكلام ثانية وسألها:
" وماذا عن أبيك , السيد روبرت الأنيق , هل هو يعرف بمجيئك الى هنا؟".
" لقد مات هو الآخر , وشقيقي مارتين أيضا , قتلا في حادث سيارة قبل أسابيع قليلة , وجميع ممتلكاتنا أنتقلت الى أبن عمه , وههذه الرسوم هي كل ما بقي لي".
" يا ألهي , أذن هذا هو الموضوع , قصة والدتك نفسها تتكرر ثانية , قبل خمسة وثلاثين عاما وجدت أمك هنا ملاذا لها , واليوم تحاولين أنت الشيء نفسه".
قال بهدوء وهو يهز رأسه , نبرة الأزدراء التي كانت في صوته , جعلت موروينا تفقد صبرها تماما , وهمّت بأن تهجم عليه وتنشب أظافرها في لحم وجهه الأسود , لكنها تمالكت نفسها وقالت:
" أنك سريع الحكم أيضا , أعترف بأنني قصدتك باحثة عن ملجأ , ولكن ليس لي بالذات بل لهذه الرسوم , فكرت بأنك ستحتفظ بها عندك حتى أعثر على مكان لنفسي , وظننت أنك لو لم تفعل هذا من أجلي , فعلى الأقل ستفعله من أجل أمي , وها أنا الآن قد أكتشفت خطأ ظني".
أطلق ضحكة قصيرة وقال:
" أذن هذا هو الأحسان الذي جئت تطلبينه , يؤسفني أن أقول أنني لا أستطيع تلبيته لك , ما يزال في هذا البيت أناس ستسبب لهم أثارة ذكرى أمك بهذه الصراح ألما كبيرا , عمي واحد منهم , وهو مريض منذ سنين , وأفضّل أن لا ينزعج بسبب هذا الموضوع".
لم تصدق ما سمعته بآذانها إلا بصعوبة , ترى ما الذي حدث هنا خلال تلك السنوات ؟ ى يمكن لشيء أن يشوّه ذكريات لاورا كير سلاك عن دومنيك تريفينون.
شعرت فجأة أنها ترتعش , وقالت وهي تخرج صوتها بصعوبة:
" لا أعرف ما الذي جرى ويجري هنا , ولكن كل ما أستطيعه هو أن أغادر حالا , وأن أعتذر عن تطفلي".
حملت حقيب الظهر من جانب المقعد وسارت نحو الباب , لكنه إبتعد عن الطاولة وإعترض طريقها قائلا بنبرة حازمة:
" أنتظري لحظة , ليس الأمر بهذه السهولة التي تتصورينها , ما الذي كنت تبغينه بالضبط من مجيئك الى هنا؟".
" كنت أبغي شيئا قليلا , أن أدع هذه الرسوم هنا , هذا كل ما كنت أبغيه , لكن يبدو أن هذا أكثر مما يمكن لغريب أن يطمع فيه".
" يا له من أستعطاف , ولكن لماذا لم تكتبي أو تخابري مقدما قبل وصولك؟ ثم هل تصورين أنني تأثرت براواياتك هذه؟ أنه لم يعد , لسوء الحظ , إيواء المشردين من إهتمامات عائلتنا , وأمك هي سبب ذلك".
" أن تصدق قصتي أو تكذبها , هذا شأنك ,ولكن ما قلته هو الحقيقة".
" هل تحاولين أقناعي بأنه لم يرد ببالك أبدا , أنه ربما ستجدين مأوى لك هنا؟".
" لا أقدر أن أنكر ذلك".
نظرت موروينا إليه , كانت نظراته غريبة , وكأن أعترافها قد أدهشه , وفكرت أن هذا كان كل ما يود سماعه منها , سارت مرة أخرى نحو الباب , لكنه لم يتحرك من طريقها , ومرت من جانبه , وما أن مدت يدها الى المقبض , حتى أنفتح الباب فجأة بقوة , فتراجعت الى الوراء خطوة وهي تطلق صيحة خوف:
" أنا آسف.........".
قال الشاب الذي دخل وهو يتأملها بنظرة قلق , ثم أضاف :
" هل صدمك الباب ؟ لم أعرف أنك تقفين وراءه , فكرت أن دوم وحده في الغرفة.....".
" الآنسة ستغادر الآن".
قال دومنيك بلهجة باردة .
" حقا؟ هذا مؤسف , هل تعيشين الى جوارنا؟".
سأل الشاب بدون أن يخفي خيبته.
" أعيش في لندن".
قالت موروينا وقد داخلها شعور بالخوف والقلق من ترك البيت في مثل هذه الليلة العاصفة , لو أستطاعت أن تقضي ليلتها هذه تحت هذا السقف , أذن لتدبرت أمرها غدا , لكنها كرهت الفكرة , ورغبت فعلا بترك هذا البيت المظلم الواسع , وهذا الرجل الذي يتمتع بأذلالها , ورغبت أن تعرف ما حدث في هذا البيت حين كانت أمها هنا.
تكلم الشاب ثانية :
" حسنا , أذا كان لا بد من ذهابك , فكوني حذرة في قيادتك , هناك شجرة واقعة على الطريق , شاهدت جاك وهو يزيحها , لكن ربما هناك أشجار أخرى أيضا".
" لا أملك سيارة , أعتقد أنه ما زالت هناك باصات في الشارع الرئيسي".
" نعم , ولكن عددها قليل , ويتأخر وصولها عادة".
تأملها الشاب طويلا , ثم نظر الى وجه دومنيك , بينما كان هذا يستمع اإلى الحوار وعلى شفتيه إبتسامة باردة , سأله الشاب:
" ما الذي يجري هنا يا دوم؟ هل تتركها حقا تسير كل هذه المسافة حتى الشارع العام في مثل هذا الليل , وفي البيت ست غرف نوم فارغة؟".
فقالت موروينا :
" أوه من فضلك , لا بد أن أعود , فعندي أشغالي".
" أذن دعيني آخذك بسيارتي".
قال بإبتسامة حنونة أدخلت الدفء إليها رغم ما يحدث , ثم أضاف:
" أين تسكنين ؟ في القلعة , في بورت فينور ؟".
" كلا , في الحقيقة أسكن مع بعض الأصدقاء , ولا داعي لأن تزعج نفسك في هذا الليل ".
" أبدا..... أبدا , قل لها يا دوم بأنها لا تسبب لنا أي أزعاج , لماذا تقف هكذا ؟ ما الذي حلّ بك ؟ هل ستتركها تخرج من البيت في مثل هذا الليل؟".
منتديات ليلاس
رفع دومنيك تريفينون حاجبيه , وقال ببرود:
" الآنسة كير سلاك قادرة على تدبير أمورها , أنها شابة ناضجة , ولا أظن أن هناك داعيا للقلق بشأنها".
" من .... آنسة كيرسلاك ؟".
" أظن أنك سمعتني جيدا , الآن أعتقد أن الوقت قد حان لأن أعرفكما ببعضكما , آنسة كيرسلاك , هذا أخي الصغير مارك".
" أظن أن عليّ , بعد أن عرفتني , ألا أنتظر منك أن تأخذني بسيارتك".
" أبدا بالعكس, سآخذك أينما تشائين........".
سارت نحو الصالون بدون كلمة أضافية , حاملة حقيبتها , ولحق بها مارك ثم سارا بأتجاه الباب الرئيسي.
قالت موروينا:
" آسفة على كل ما حدث , كنت أجهل ما جرى هنا , حتى هذا المساء حين عرفت أن هناك صدعا بين العائلتين".
قال مبتسما وهو يدير محرك السيارة :
" لا بد أنها كانت صدمة غير متوقعة لك ".
" الحقيقة أنني ما زلت أجهل تماما ما أرتكبته أمي هنا , تحدث شقيقك السيد تريفينون عن البؤس والخراب , أنني أجد صعوبة في تصديق أن كلانا كنا نتحدث عن الشخصية نفسها , كنت مجرد طفلة حين ماتت أمي , لكنني لا أتذكر أبدا أنها كانت أنسانة مدمرة , بالعكس كانت دافئة , مبدعة , محبوبة من الآخرين ".
" ربما كان ذلك أساس البلاء".
" ماذا تعني بذلك؟".
" أوه لننسالموضوع , لا فائدة من نبش الماضي , أنا آسف أذا كان دوم قد عاملك بقسوة , وأظن أنه لا يستحق لوما على ذلك , فالأمر لم يكن سهلا عليه , وأن وصولك نكأ جراحه من جديد , وبالمناسبة لماذا جئت إلى هنا ؟".
" أردت من أخيك أن يحتفظ عنده لي ببعض الرسوم".
تأملها بنظرة جانبية حادة قائلا:
" هل تعنين بعض رسوم والدتك؟".
" نعم........".
أطلق صفيرا حادا من بين شفتيه وقال:
" يا إلهي , أن هذا حقا أستفزاز , أنه أشبه بأثارة عش للنحل !".
" ولكن لماذا ؟".
سألت موروينا وعلى وجهها إبتسامة حزينة , ثم فجأة ألتفتت إليه ورفعت يدها متوسلة:
" أوه يا إلهي .....أنني آسفة , هل تستطيع أن تعود بي إلى البيت ؟".
" لماذا بحق السماء؟".
سألها مارك مستغربا , وأوقف السيارة , ففقالت:
" لقد نسيت الرسوم على مكتب شقيقك".
تأملها مارك للحظات ثم قال :
" في الحقيقة لا أنصحك بالعودة ثانية الى هناك".
" لا أحتاج إلى نصيحتك , أنا أيضا لا أود الأقتراب من ذلك البيت , لكنني أريد رسومي".
" أسمعي يا عزيزتي , سأوصلك الى المكان الذي تقصدينه , أما الرسوم فسأجلبها لك صباحا , ما رأيك؟".
هزت موروينا رأسها غير مقتنعة , وقالت:
" أفضّل أخذها الآن , لكن يبدو أنه لا خيار لي".
" " سأجلبها لك غدا صباحا , هذا أفضل , صدقيني".
قال هذا وحرّك السيارة.
" لم أكن أعرف أنني منبوذة بهذا الشكل".
" كلا , لست كذلك , ليس الذنب ذنبك......".
خيّم الصمت بينهما لفترة , ثم سألها مارك :
" هل تعرفين شيئا عن موضوع الزورق؟".
" كلا..... أي زورق؟".
" حسنا , هل سمعت أمك وهي تردد أسم الليدي لاورا؟".
" لا....... أن أسم أمي هو الليدي كيرساك , وليس.......".
" كلا...... كلا , الليدي لاورا ليس أسم شخص , وإنما هو إسم زورق , صمّمه العم نيكولا , فقد كان في البحرية, وحين عاد منها بعد الحرب أقنع والدي بتأسيس مشروع لصناعة الزوارق , وكان إسم النموذج الذي صممه للأنتاج هو الليدي لاورا , بإسم أمك , في أية حال لا أريد إزعاجك بتفاصيل هذا الموضوع".
" لم تحدثني أمي عن أي شيء من هذا القبيل , كانت تحدثني عن تريفينون وأهله دائما , كانت ذكرياتها جميعا سعيدة".
سألها مارك مستغربا:
" أهذا صحيح ؟ يبدو أنها كانت قادرة على خداع النفس أيضا".
" كيف.....؟ بالله عليك , هلا أخبرتني بما جرى هنا ....... وماذا إرتكبت أمي؟".
" آسف , أذا كانت القصة مؤلمة , لكنك تريدين معرفة الحقيقة , حسنا , حين جاءت أمك لاورا ورندر , التي أصبت فيما بعد لاورا كيرسلاك , الى تريفينون أستطاعت في وقت قصير أن تفتن الناس جميعا وتكسب حبهم ومودتهم , ومن ثم أستعمال هذه العاطفة ضدهم , أنظري مدى معرفتي بطبيعتها مع العلم أنني لم أكن قد ولدت بعد حين جاءت إلى هنا , لقد تركت تأثيرا كبيرا على كل واحد هنا , وما زلنا نعالج من آثار معاملتها تلك , نفسيا وماديا".
وهمست موروينا ..... تحدث نفسها , وهي تحدق فيه بدهشة:
" نعم نتحدث عن الشخص نفسه , لقد نشأت هنا ورافقت خطوات تأسيس مشروع الزوارق وحين هربت , تركت العم نيكولا رجلا محطما , والمشروع خرابا , هل تعرفين بأنها كانت في سبيلها الى الزواج من العم نيكولا؟".
" كلا , ظننت أن أبي هو الرجل الوحيد في حياتها".
منتديات ليلاس
هز مارك كتفيه قائلا:
" ربما كان كذلك , لكنها أرادت العم نيكولا في السلسلة أيضا , لقد أراد أن يكون الزورق ( ليدي لاورا ) هدية زواجها , يعرف الجميع هنا أنهما كانا على أبواب الزواج حين ظهر والدك على مسرح الأحداث . لقد جاء إلى هنا لقضاء عطلته , فإلتقيا , وكان يزور البيت بشكل منتظم ويلقى الترحيب من الجميع , ولم يدرك أحد أن هناك شيئا ما يجري بينهما , حتى فرا معا , وليس هذا كل ما في الأمر , فحينما ذهب العم نيكولا الى المصنع , وجد أن تصميم الزورق ( ليدي لاورا ) قد أختفى من مكتبه".
" وتعتقد أن أمي...... أوه , أنني لا أصدق".
" والعم نيكولا لم يصدق الأمر في البداية أيضا , لكنه أكتشف ذلك بعد فترة قصيرة , حين ذهب الى معرض الزوارق , وهناك شاهد زورقه نفسه ( ليدي لاورا ) , وبالطبع لم يكن يحمل الإسم نفسه إلا أنه كان زورقه , لكنه لم يستطع أن يثبت بأن هذه نسخة مزورة من زورقه , غير أن مدير المبيعات ضحك كثيرا ونصحه أن يكون أكثر حذرا حين يختار صديقاته".
" يا إلهي.... وماذا حدث بعد ذلك؟".
" أفلست الشركة , فإضطر أبي إلى بيع أراضيه ليسدد الديون , لكن ما هز العم نيكولا , هو أن كل ما جرى له إنما كان من إمرأة أحبها جدا , لذلك لا تلقين الترحاب في هذا البيت".
قالت موروينا بعد صمت طويل:
" لا أصدق ذلك ...... إنها لم تكن من هذا النوع , ويستحيل أن تعيش كل هذه السنوات بدون أن يبدر منها شيء يثبت هذا السلوك الذي تتحدث عنه , إلا إذا كنت تعتقد أن والدي كان شريكها , وإنه هو الذي دفعها إلى ما فعلت".
" في الحقيقة لا نعرف الدور الذي لعبه والدك في الأمر , لكن ما زاد الطين بلّة هو أن والدك كان خاطبا لفتاة في المنطقة , وكانت الفتاة صديقة العائلة فتصوري الفضيحة التي وقعت في منطقة صغيرة مثل هذه".
شعرت موروينا كأنها تحت وطأة كابوس ثقيل , غير أنها سيطرت على أعصابها المتوترة , وتشبثت بما تؤمن بأن والديها لا يمكن أن يرتكبا مثل هذا الفعل , وقالت بعد تردد:
" لقد فهمت كل ما حدثتني به يا مارك , وحاولت جهدي لأن أصدقه , لكن بدون جدوى , لا أستطيع أن أصدق أن المرأة التي أتذكّرها , وكذلك والدي , يرتكبان مثل هذه الفعلة , ربما أنهما أحبا بعضهما , والناس عادة ينجرفون مع عواطفهم , لكن لا يمكن أن يقدما على بيع أسرار وتصاميم شركة الزوارق , لا أظن ذلك".
" لكن الشواهد كلها أثبتت أنهما فعلا ذلك , أو على الأقل هي فعلت".
" وكيف حكمتم أن هذه الشواهد ثابتة؟ هل أتصل أحد بأمي وأستوضحها الأمر؟".
" كلا , لا أحد من العائلة رغب في التحدث إليها , أو حتى رؤيتها , ولم يسمح العم نيكولا لأي أحد أن يدخل الغرفة التي كانت تستعملها , لقد أقفلها منذ ذلك الوقت وأحتفظ بمفتاحها , وأظن أنه دخلها مرتين قبل أن يقعده المرض".
" ماذا يعاني؟".
" أصيب بجلطة قلبية , أدت إلى شلل جزئي , لكنه من حسن الحظ تغلّب عليها وما زال يعالج , أن دومنيك لم يسمح لك برؤيته لأننا لا نريد أن نجازف ونعرّضه لصدمة أخرى بعد كل هذا الزمن".
أوقف مارك السيارة إلى جانب الطريق العام وقال لها:
" والآن , قلت أنك تبقين مع بعض الأصدقاء , أكان ذلك صحيحا أو مجرد عذر لأنقاذ ماء الوجه؟".
عضّت موروينا على شفتها وقالت:
" عندي مكان أذهب إليه , سأنزل هنا , وحين أسقر سأتصل بك حتى تبعث لي بالرسوم".
" حسنا , وإنني آسف لكل ما حدث".
" أنا آسفة أيضا".
قالت ذلك ثم أنزلت حقيبتيها , وظلت تراقب السيارة حتى أختفت تماما.
سرت في جسدها قشعريرة برد وخوف , أنها الآن وحدها وعليها أن تعثر على بيت بيدي , الفتاة التي ألتقتها في موقف الباص , علّها تؤويها هذه الليلة.
أنتظرت بعض الوقت , وحين يئست من وصول الباص , وأشتدت برودة الجو , قررت الذهاب ألى بيت صديقتها مشيا , فحملت حقيبتيها وسارت.
سمعت صوت محرك سيارة فظنت أنه الباص , ورفعت يدها مؤشرة بالتوقف , لكنها تجاوزتها ووقفت على بعد قصير منها.
كانت سيارة خاصة فيها شخصان , أغلب الظن أنهما زوجان , أطلت المرأة برأسها من النافذة وصاحت بها:
" إلى أين تريدين الذهاب؟".
" إلى سانت إينا........".
" حسنا , سنأخذك إلى هناك".
نزل الزوج وعاونها في وضع الحقائب في صندوق السيارة .
في هذه اللحظة توقفت سيارة أخرى إلى جانبهم , ونزل منها سائقها وإتجه نحوهم , لكن ما أن رأته موروينا حتى أصابتها الدهشة والخوف , كان ذلك دومنيك تريفينون.
قالت متوسلة إلى السايق الذي كان قد أنتهى من وضع حقائبها في السيارة:
" لنذهب بسرعة من فضلك.....".
" ماذا حدث؟".
" لا شيء...... لا شيء , فقط أسرع".
لكن دومنيك وصل إليهم وصاح بها:
" إلى أين تفرين يا آنسة؟".
حدّقت في وجهه لحظة وقالت:
" وماذا يهمك مني؟".
تجاهلها وأخذ يتحدث إلى الزوجين المندهشين :
" آسف لما حدث , سآخذها إلى البيت".
وقبض على ذراعها بقوة , لكنها أستطاعت أن تفلت من قبضته وقالت:
" وماذا تريد مني , هل أنت مجنون؟".
وألتفتت إلى سائق السيارة , وقالت له متوسلة:
" من فضلك لا تتركني معه , لا أعرف ماذا يريد مني , أنه رجل غريب".
وبّخها دومنيك بعنف قائلا:
" كفى تصرفا مثل الصغار الحمقى , هيا إلى السيارة , ولا داعي لكل هذا المشهد السخيف".
" لن أعود إلى بيتك ثانية بعد أن طردتني".
ثم أتجهت إلى الزوجين قائلة بتوسل :
" لا أريد الذهاب معه , أنه غريب عني ولا يعرف حتى أسمي , أسألوه أذا كان يعرف أسمي".
كان الزوجان يراقبان المشهد بحيرة وأستغراب , ثم تقدّم الزوج من دومنيك قائلا:
" يبدو أن الآنسة على حق , هل تعرف أسمها؟".
" أسمها موروينا....".
قال دومنيك بهدوء وهو يبتسم , حدّقت موروينا بوجهه في دهشة , وشفتاها ترتجفان من الغضب والخوف , وسألته بحنق:
" ولكن من أين عرفت إسمي ؟ لم اخبرك به , ولم أخبر حتى مارك , كيف عرفت؟".
أنزل الرجل الحقائب من السيارة وهو يضحك , وأخذ دومتيك الحقائب وقادها من ذراعها إلى سيارته .
سارت معه شاعرة بغضب وإذلال كبيرين , وقالت له وهما في السيارة:
" لن أغفر لك هذا , أقسم أنني سأنتقم منك , وستأسف كثيرا على ما فعلته بي".
" أنني آسف الآن , آسف لأنني آخذك إلى هناك , لا لأنني أود رؤيتك في بيتنا , لكن يبدو أن لعبتك نجحت , وأن عمي يريد رؤيتك الآن".
" عمك؟ ولكنك قلت.....".
" أعرف جيدا ما قلته.....".
قاطعها وهو يخرج يده من نافذة السيارة محييا الزوجين وهما يبتعدان بسيارتهما , ثم أستمر قائلا:
" لقد أخفيت الأمر عن عمي , لكن يبدو أنك ذكية , تركت تلك الرسوم على مكتبي عن قصد , ورأتها أنيز......".
" معذرة , لقد نسيت الرسوم هناك , ولم أتركها عمدا".
" تعرفت عليك أنيز حين شاهدت الرسوم".
" لم أكن أقصد ذلك , كنت مضطربة , لقد نسيتها هناك , ألم يخبرك مارك؟".
" أوه , لقد أخبرني , يبدو أنه أفتتن بك , ربما وجدته سهل المنال بعض الشيء , لكنك ستجدينني أكثر صعوبة منه".
" أنه أكثر أدبا ولطفا منك....".
" يبدو أنك أحببته أيضا.......".
" من حسن الحظ , لا أرغب في المحاولة , وكما قلت لك لست راغبة في رؤية بيتك مرة أخرى , كم أود لو أنك جلبت تلك الرسوم معك , أذن لركتني هنا أذهب إلى سبيلي".
" هذا ما حاولت فعله , لكن رسومك اللعينة لم تعد معي , أنها الآن مع عمي وهو يريدك".
" أظن أن هذا آخر ما تريده أنت........".
" نعم في الحقيقة , لكن أنيز حين رأت الرسوم أخذتها مباشرة اليه".
" ولماذا فعلت ذلك؟".
" هل تحاولين أقناعي بأنك لم تدفعيها إلى ذلك بشكل غير مباشر؟".
" بالطبع لا , يجب أن تصدقني ....... أتمنى أن لا تسبب تلك الرسوم أي أذى له".
" كلا من حسن الحظ , لكنه يريد أن يراك".
ساد صمت طويل إلى أن قطعته موروينا قائلة:
" لا أريد رؤيته من فضلك".
" ولماذا؟ ألم تأت إل هنا لهذا السبب؟".
" لكن لم أعرف أن الأمور تجري بهذا الشكل".
" هل لأن مارك أخبرك بالقصة , فتغيرت الأمور عندك ؟ أذا كان عمي يريد رؤيتك لبرهة فأظن أن من الإنصاف تلبية طلبه".
قالت له وقد وصلا إلى البيت:
" ولكن من أين عرفت إسمي؟".
أجاب بسخرية:
" مجرد تخمين , موروينا إسم من تريفينون , ويبدو أن لاورا كيرسلاك سرقته ضمن ما سرقت".
نزلت من السيارة وسارت معه بدون كلمة.
كانت أنيز واقفة تنتظر في الصالة بلهفة , وحالما دخلت أحتضنتها قائلة:
ط أوه يا إبنة لاورا ! كيف لم أعرفك يا عزيزتي؟".
صاح دومنيك بها :
" أنيز! دعي العواطف الآن , سأقول لك بعض كلمات فيما بعد".
تركت أنيز موروينا , وقالت له:
" لم يكن من الإنصاف أن تكون إبنة السيدة لاورا هنا , بدون أن يعرف السيد نيكولا بذلك".
" حسنا لقد عرف الآن , والفضل يعود لك , فهيا خذيها إليه".
" سيراها غدا في الصباح أنه نائم الآن".
" نائم! الآنسة كير سلاك لا تستطيع الأنتظار الى الغد, فهي تريد أن تلحق بقطار الصباح الذاهب إلى لندن".
" لا يمكن فعل شيء الآن , كان متعبا وتناول حبة منومة , وهو مستغرق الآن في نومه ".
" فهمت , أذن لا داعي لأن أطلب منك تهيئة غرفة للآنسة كيرسلاك ".
" بالطبع , فغرفها جاهزة , هي الأخرى متعبة بالتأكيد ...... تعالي يا عزيزتي معي.....".
منتديات ليلاس
كانت موروينا تتمنى لو أنها نامت في مكان غير هذا البيت , لكن تعبها كان فوق طاقتها , فمشت وراء أنيز إلى الطابق الثاني , ودخلت إلى غرفة واسعة , كان الفراش مهيئا والنار في المدفأة تشيع الدف في أرجاء الغرفة , وعلى فراشها كان هناك ثوب نوم من الطراز القديم , وحين رفعته إلى وجهها , أجهشت في بكاء عنيف ,لكن أنيز أحتضنتها مرة ثانية وهي تقول:
" ـهدأي يا عزيزتي .... نامي الآن بهدوء , أنت متعبة , سيسير كل شيء على ما يرام غدا".
لكن موروينا , وهي في الفراش , فكرت أن الأمور ربما ستؤول نحو الأسوأ في الغد.

زهرة منسية 26-06-11 11:03 PM

يسلموا حبيبتى بارك الله فيكى ومشكوره كتير

سنكرز 27-06-11 04:30 PM


يسلمووو ع الرواايه الحلوووه

بنتظاار التكمله

عطني روحي سيدي 29-06-11 07:15 AM

مررررره حلووه وين البااقي لاتطولين علينا

فتاة 86 29-06-11 05:13 PM

:toot:
يعطيكي العافية نيو فراولة
كثير حلوة منتظرينك على نار
بليز لا تطولي علينا

:55::8_4_134::55:
:toot::55:

flower122 30-06-11 09:19 AM

قصة كتير حلوووووووووووة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2795118)
:toot:
يعطيكي العافية نيو فراولة
كثير حلوة منتظرينك على نار
بليز لا تطولي علينا

:55::8_4_134::55:
:toot::55:

منتظرين بشوق باقي القصة اتاخرتي علينا تعالي جري شكرا ليكي حبيبتي

زهرة منسية 30-06-11 05:50 PM

على فكرة أقدر أأكد لجميع أن نيوفراولة مش بتأخر علينا أبدا و روايتها ديمن روعة

نيو فراولة 01-07-11 10:15 AM

أنا بعتذر من الجميع على التأخربالرواية , بس عندي مشكلة باللاب توب أنشالله بس حلها بتابع الكتابة.

اسماء88 01-07-11 02:03 PM

ننتظر تكملة الرواية بفارغ الصبر و يعطيك الللللللف عافية

نيو فراولة 04-07-11 10:29 AM

4- الحب بعد صفعة!



حين أستيقظت موروينا من نومها , كان ضوء ضعيف وشاحب يتسرب من خلال ستارة منفرجة جزئيا , ظلت متمددة في فراشها بعض الوقت , مضطربة , مشوشة الفكر , لا تعرف أين هي , حتى عادت إلى نفسها , ورغم أنها نامت جيدا في الليل , إلا أنها ما زالت لا تعرف الهدوء وراحة البال , لأنها ستقابل نيكولا تريفينون.
تركت فراشها وذهبت إل الحمام , ودخلت في حوض الماء الدافىء وهي تفكر لماذا طلب نيكولا تريفينون رؤيتها , وأيقنت من حديث مارك في الليلة الماضية , أنها آخر شخص على وجه الأرض يود السيد تريفينون رؤيته , وتساءلت بقلق:
" ترى ما الذي سيقوله لي حين نتقابل بعد برهة؟).
منتديات ليلاس
لكنها صممت على أن لا تسمح له بأن يطعن بوالديها أمامها , لقد سمعت ما يكفي من الأهانات توجه إليهما , ربما جرحت لاورا وزوجها مشاعرهم , بيد أن هذه ليست جريمة تستحق كل هذا التجريح والطعن.
أرتدت ثيابها ومشطت شعرها وتركته ينساب على كتفيها , كانت الساعة العاشرة حين نزلت إل الطابق الأرضي , وكانت الأبواب كلها مغلقة بأستثناء باب مكتب دومنيك , لكنها لم تشعر بأية رغبة في رؤيته.
وقفت عند نهاية السلم وهي تتلفت فيما حواليها بإرتباك , ولم يطل أنتظارها كثيرا , أذ سرعان ما أنفتح الباب الرئيسي وهجمت موجة هواء بارد ألى الصالة , ثم دخل كلبان كبيران أخذا ينبحان بصوت عال حينما أنتبها إليها , جمدت موروينا في مكانها , لكنها هدأت بعض الشيء حين دخلت فتاة طويلة ورشيقة ذات شعر أسود مسرّح بعناية , وثياب أنيقة منسجمة مع تقاطيعها , وتوقفت في مكانها أذ رأت موروينا وأخذت تحدق فيها بدهشة , ثم سألتها :
" من أنت؟".
همت موروينا أن ترد عليها بأن هذا ليس من شأنها , لكنها تمالكت نفسها وهي تفكر في مخاطر مثل هذا الجواب خاصة وقد بدت الفتاة واثقة من نفسها ومن مكانتها في البيت .
" إسمي موروينا".
أجابتها بأيجاز وهدوء , وحين طال الصمت والفتاة ما تزال تحدق فيها , سألتها موروينا :
" أهي كلاب شرسة؟".
" لا تخافي فهي لن تؤذيك , لكنها أستفزت حين رأتك غربة عن هذا البيت".
" هل تدليني إلى غرفة السيد تريفينون , من فضلك؟".
" السيد تريفينون؟".
سألت الفتاة بإستغراب , وأضافت:
" أنني في الحقيقة.....".
" حسنا كارين , سأهتم أنا بأمرها".
قاطعها دومنيك وقد ظهر من غرفته وأقترب منهما , حدقت فيه موروينا جيدا , كانت هذه هي المرة الأولى التي تشاهده في وضح النهار , كان يرتدي بدلة أنيقة وبدا وجهه هادئا وودودا.
وقال بصوت عطوف:
" صباح الخير , آنسة كيرسلاك , أتمنى أن تكوني نمت جيدا , هل تناولت فطورك؟".
" كلا ...... أظن أنني تأخرت على الفطور".
" بالعكس , هل تظنين أننا تركناك بلا فطور , أنيز في غرفة الطعام وقد أعدت كل شيء".
وفتح أحد الأبواب مؤشرا إلى مورينا بالدخول , تبعته قائلة بدون أن تنظر في وجهه:
" شكرا لك........".
" حين تنتهين من فطورك , ستأخذك أنيز إلى عمي".
" حسنا , وكيف حاله هذا الصباح؟".
" أنه في حالة جيدة , فقد سأل عنك حالما أستيقظ من نومه , يبدو أنه كان قلقا من أنني لن أقدر على أقناعك بالعودة إلى البيت".
" يبدو أنه لا يدرك قدرتك على الأقناع".
" شيء آخر أرجوه منك , حاولي جعل مقابلتك معه قصيرة قدر الأمكان".
" لا تقلق , فرغبتي في ترك هذا المكان بأسرع وقت , لا تقل عن رغبتك".
دخلت موروينا , وسمعت باب الغرفة وهو يغلق , ثم سمعت صوت الفتاة الأخرى وهي تسأل:
" يا حبيبي من هي هذه الفتاة ؟".
أذن هذه الفتاة حبيبته , وربما خطيبته , ترى هل هناك أمرأة على وجه الأرض يمكن أن تعجب به , فكرت موروينا , ثم حاولت أن تتذكر فيما أذا كانت الفتاة تلبس خاتم خطبة , لكنها فشلت .
دخلت أنيز وهي تحمل صينية كبيرة , وهتفت حالما شاهدتها :
" ها أنت أذن يا عزيزتي , تعالي قبل أن يبرد فطورك".
وبينما هي تتناول فطورها , قالت لأنيز :
" أظن أنه كان من الأفضل لو لم تأخذي تلك الرسوم إلى السيد تريفينون".
نظرت أنيز إليها وقالت متسائلة:
" ولماذا لا ؟ هناك أشياء كثيرة خافية في هذا البيت , يجب أن تنكشف".
" هل يحق لي أن أسأل ما هي هذه الأشياء؟".
" أشياء عديد ما تزال بدون إيضاح , السيد نيكولا مثلا قابع في غرفته , حزين على فقدان شيء لم يكن له أبدا".
" يبدو أنك كنت تحبين أمي".
" ولم لا ؟ بالطبع كنت أحبها".
أنتهت من فطورها , فصبت لها أنيز قهوتها , رفعت الكوب وذهبت نحو النافذة , وأخذت تتأمل الحديقة الخضراء والزهور المتناثرة فيها , ثم وضعت الكوب على المائدة وهي تفكر في العثور على جهاز تلفون حتى يمكنها أستدعاء سيارة تاكسي لتأخذها من هنا حالما تنتهي مقابلتها للسيد تريفينون , مشت إلى الخارج , كان البيت غارقا في صمت غريب , وكأن الجميع قد غادروه وتركوها وحدها فيه , وكانت الغرفة مغلقة بأستثناء أحداها فأتجهت إليها ووقفت أمامها , ثم أخذت شهيقا عميقا وهي تسمع دقات قلبها من شدة أضطرابها , وطرقت الباب

نيو فراولة 04-07-11 10:30 AM


" نعم , من ؟ تفضل وأدخل".
كانت غرفة واسعة ومضيئة , ذات نوافذ واسعة تطل على المرتفعات القائمة على البحر , وإلى جانب نافذة يجلس رجل على كرسي ذي عجلات , وقد غطى ساقيه ببطانية , أبتلعت موروينا ريقها ثم مشت إليه , وقالت وهي تحاول جهدها لأخفاء أرتباكها:
" السيد تريفينون؟".
أدار وجهه نحوها وتطلع إليها , تفاجأت موروينا , أذ لم تكن تتوقع أن تجده على هذه الهيئة , ربما كانت تتخيله نسخة أخرى من السيد دومنيك تريفينون , لكن في سن أكبر منه , غير أنها بالتأكيد لم تكن تتوقع هذا الرجل بوجهه المرهق وشعره الرمادي الضارب إلى البياض , وعينيه اللتين تشعان ألما وهما تتأملانها , كانت هنالك طاولة صغيرة إلى جانب كرسيه , عليها رسومها.
قالت بهدوء:
" كنت أجهل حقيقة الأمر حين جئت إلى هنا , لم يخبرني أحد بذلك , أنني آسفة جدا وأرجو أن تعذرني يا سيد تريفينون ".
قال بصوت خشن متجاهلا حديثها:
"أنت تشبهينها جدا....".
" نعم , كان أبي يقول هذا دائما".
" ألا تتذكرينها جيدا؟".
" كنت في الثامنة حين توفيت , أتذكر بعض الأشياء لا أكثر ".
" مثل ماذا؟".
صمتت للحظة , ثم قالت وهي تتحدث ببطء وتؤدة:
" كانت تبدو سعيدة وتحب الآخرين , حتى حين أصابها المرض , وكانت تذكر هذا المكان دائما – تريفينون وأهله – بسعادة وحنين".
سكتت للحظة ثم هزت رأسها قائلة :
" لكن على ضوء ما سمعت , يبدو أن كلامها كان زيفا".
" كلا......".
قال وأغمض عينيه , ثم أسند ظهره إلى كرسيه في حالة أسترخاء وأردف:
" هذا يثبت صحة ظني في لاورا".
توقف عن كلامه , وساد الصمت بينهما , وظلت موروينا في مكانها حائرة ماذا تفعل , هل تأخذ رسومها وتترك المكان , أم تنتظر لترى ماذا ستكون نتيجة الأمر؟".
فتح عينيه أخيرا , وتطله إليها ثانية , وقال وهو يؤشر إلى كرسي خلفها:
" تفضلي بالجلوس , وأعذريني لأنني لم أنهض لأستقبالك , أنني أعان من ألم في ساقي , لا أستطيع أن أمكث هكذا , علي أن أتعود على المشي ثانية".
ثم أدار كرسيه إلى جهة أخرى وأشار بيده إلى طاولة عليها مجموعة من الأوراق قائلا:
" بدأت في كتابة تاريخ عائلة تريفينون , وعلي أن أنهيه , لا بد أن والدتك أخبرتك عن بعض قصص العائلة وأساطيرها".
" ليس كثيرا , لقد حدثتني عن طفولتها وصباها هنا".
" لكنها سمّتك موروينا , كانت تردد دائما أنها لو رزقت بطفلة ستسميها بهذا الأسم , كنت أتخيّل أن هذه الطفلة ستكون طفلتي , آسف , لا أقصد أيذاءك , سمعت بدون شك بما حدث قبل تلك السنوات".
" نعم...... سمعت".
" لقد أحببت والدتك منذ اللحظة التي جاءت إلى هنا , وكانت بعد صبية , لكنها لم تبادلني الحب , كانت تعطف علي , وقلت أن هذا يكفيني".
" سيد تريفينون......".
قالت موروينا , لكنه قاطعها قائلا:
ط| نيكولا... سمني نيكولا , الجميع يدعونني بهذا الأسم , ما عدا لاورا بالطبع , كانت دائما تدعوني دومنيك , كانت تحب هذا الأسم , لكن ما دام إبن أخي يحمل هذا الإسم , فأن إستعمالي له يسبب الأرباك".
" نعم".
قالت موروينا بتوتر.
" لم تحبي إبن أخي بالتأكيد ".
قال مبتسما وأضاف:
" أعرف أن أستقباله لك كان غير ودي , لكن هذا أنتهى الآن يا عزيزتي".
" في الحقيقة , جئت هنا لأسألك أن تحتفظ برسوم والدتي , ثم علمت بما يفترض أن تكون والدتي قد أرتكبته , وعوملت بتلك المعاملة الوقحة , والآن وقد قابلتك , وعرفت طبيعتك وسماحتك , قررت أن أهديك هذه الرسوم".
هز رأسه مبتسما وقال:
" حسبما سمعت , هذه الرسوم هي كل ما بقي لك من بيتك , ألا يكون من الأفضل لو أنك أستمعت ألى ما سأقترحه عليك؟".
" ولكن وقتي قصير , علي أن ألحق بقطار لندن اليوم , وأعود لكي أبدأ البحث عن عمل".
" تستطيعين أن تمنحيني بعض الوقت , يعرف الله أنني أنتظرت طويلا , وقد تمنيت دائما أن تكون لاورا من ستأتي إلى هذه الغرفة , لكن ذلك يبدو أكثر مما كنت أطمح إليه".
" أظن أنها كانت ستقابل بأستنكار في هذا البيت ".
" كلا , ليس الأمر كذلك".
" لقد تأخرت , لا بد أن أذهب".
" كلا , أنتظري".
أعترضها بيده , فتراجعت موروينا إلى مقعدها ثانية , ثم أضاف قائلا:
" آسف يا صغيرتي , أعرف أن الحيرة قد أصابتك , وأنك محقة في ذلك , تستغربين بدون شك لماذا يحقد الجميع في هذا البيت على والدتك , لكنني آسف على ذلك حقا , أنني أذكرها دائما بأحترام , علما أن الخطأ أرتكب بحقي".
" لا أظن أن والدتي أرتكبت خطأ ما في حق أحد , لا بد أن هناك ألتباسا في الأمر".
" ليس هناك أي ألتباس , سرق شخص ما في هذا البيت , تصاميم الزورق ( لاورا ) وباعها إلى شركة أخرى , هل والدتك من فعلت ذلك لا أعتقد".
" ما دمت تعرف أن والدتي بريئة , فلماذا لا توضح هذا الأمر للآخرين؟".
هز نيكولا رأسه بيأس وقال بعد صمت طويل:
" حين وقعت هذه الحادثة , كنت متألما وغاضبا , لقد أحببت والدتك وعرضت عليها الزواج , لكنها ماطلت في جوابها , فأقنعت نفسي بأنني سأفوز بها في النهاية , وتركت الآخرين يعتقدون بأنها ستكون زوجتي , ثم ألتقت بوالدك , وحين أخبرتني بأنهما يحبان بعضهما , أصابني غضب جنوني , وأنذرتها بأنه لا يمكن لحبيبها الجديد أن يدخل تريفينون ثانية , وفرا معا في الليلة التالية , ولم أرها ثانية بعد ذلك".

نيو فراولة 04-07-11 10:31 AM


" ولكن ما الذي حدث بتصاميم الزورق؟".
لقد أختفت فجأة من المصنع , وظننت في بادىء الأمر أن لاورا أخذتها خطأ لكن حين شاهدت النسخة المزورة من الزورق في المعرض , أيقنت أن أحدا ما قد سرق التصاميم وباعها , وكان المعرض , أيقنت أن أحدا ما قد سرق التصاميم وباعها , وكان شقيقي , والد دومنيك ما يزال حيا آنذاك , فوجّه أتهامه أليها".
" ولكن لماذا لا توقفهم عند حدهم , ما دمت واثق من براءة والدتي؟".
" في البداية وافقتهم على أتهام والدتك , لقد حقدت عليها لعلاقتها بوالدك , ورغبت في الأنتقام منها , وحين كتبت ألي رسالتها , لم أخبر أحدا بذلك , أنيز وحدها عرفت بالأمر لأنها هي التي جلبت الرسالة ".
" هل كتبت إليك؟".
" نعم , كتبت تسألني العفو , وتخبرني بسعادتها مع والدك , وآنذاك أدركت أنها بريئة , لأنها لو كانت مذنبة لما تجرأت وكتبت ألي , خاصة وقد عرفت أن أصابع الأتهام موجهة إليها".
" ولكن لماذا لا تحاول كشف هذا الأمر للآخرين؟".
4- الحب بعد صفعة!



حين أستيقظت موروينا من نومها , كان ضوء ضعيف وشاحب يتسرب من خلال ستارة منفرجة جزئيا , ظلت متمددة في فراشها بعض الوقت , مضطربة , مشوشة الفكر , لا تعرف أين هي , حتى عادت إلى نفسها , ورغم أنها نامت جيدا في الليل , إلا أنها ما زالت لا تعرف الهدوء وراحة البال , لأنها ستقابل نيكولا تريفينون.
تركت فراشها وذهبت إل الحمام , ودخلت في حوض الماء الدافىء وهي تفكر لماذا طلب نيكولا تريفينون رؤيتها , وأيقنت من حديث مارك في الليلة الماضية , أنها آخر شخص على وجه الأرض يود السيد تريفينون رؤيته , وتساءلت بقلق:
" ترى ما الذي سيقوله لي حين نتقابل بعد برهة؟).
منتديات ليلاس
لكنها صممت على أن لا تسمح له بأن يطعن بوالديها أمامها , لقد سمعت ما يكفي من الأهانات توجه إليهما , ربما جرحت لاورا وزوجها مشاعرهم , بيد أن هذه ليست جريمة تستحق كل هذا التجريح والطعن.
أرتدت ثيابها ومشطت شعرها وتركته ينساب على كتفيها , كانت الساعة العاشرة حين نزلت إل الطابق الأرضي , وكانت الأبواب كلها مغلقة بأستثناء باب مكتب دومنيك , لكنها لم تشعر بأية رغبة في رؤيته.
وقفت عند نهاية السلم وهي تتلفت فيما حواليها بإرتباك , ولم يطل أنتظارها كثيرا , أذ سرعان ما أنفتح الباب الرئيسي وهجمت موجة هواء بارد ألى الصالة , ثم دخل كلبان كبيران أخذا ينبحان بصوت عال حينما أنتبها إليها , جمدت موروينا في مكانها , لكنها هدأت بعض الشيء حين دخلت فتاة طويلة ورشيقة ذات شعر أسود مسرّح بعناية , وثياب أنيقة منسجمة مع تقاطيعها , وتوقفت في مكانها أذ رأت موروينا وأخذت تحدق فيها بدهشة , ثم سألتها :
" من أنت؟".
همت موروينا أن ترد عليها بأن هذا ليس من شأنها , لكنها تمالكت نفسها وهي تفكر في مخاطر مثل هذا الجواب خاصة وقد بدت الفتاة واثقة من نفسها ومن مكانتها في البيت .
" إسمي موروينا".
أجابتها بأيجاز وهدوء , وحين طال الصمت والفتاة ما تزال تحدق فيها , سألتها موروينا :
" أهي كلاب شرسة؟".
" لا تخافي فهي لن تؤذيك , لكنها أستفزت حين رأتك غربة عن هذا البيت".
" هل تدليني إلى غرفة السيد تريفينون , من فضلك؟".
" السيد تريفينون؟".
سألت الفتاة بإستغراب , وأضافت:
" أنني في الحقيقة.....".
" حسنا كارين , سأهتم أنا بأمرها".
قاطعها دومنيك وقد ظهر من غرفته وأقترب منهما , حدقت فيه موروينا جيدا , كانت هذه هي المرة الأولى التي تشاهده في وضح النهار , كان يرتدي بدلة أنيقة وبدا وجهه هادئا وودودا.
وقال بصوت عطوف:
" صباح الخير , آنسة كيرسلاك , أتمنى أن تكوني نمت جيدا , هل تناولت فطورك؟".
" كلا ...... أظن أنني تأخرت على الفطور".
" بالعكس , هل تظنين أننا تركناك بلا فطور , أنيز في غرفة الطعام وقد أعدت كل شيء".
وفتح أحد الأبواب مؤشرا إلى مورينا بالدخول , تبعته قائلة بدون أن تنظر في وجهه:
" شكرا لك........".
" حين تنتهين من فطورك , ستأخذك أنيز إلى عمي".
" حسنا , وكيف حاله هذا الصباح؟".
" أنه في حالة جيدة , فقد سأل عنك حالما أستيقظ من نومه , يبدو أنه كان قلقا من أنني لن أقدر على أقناعك بالعودة إلى البيت".
" يبدو أنه لا يدرك قدرتك على الأقناع".
" شيء آخر أرجوه منك , حاولي جعل مقابلتك معه قصيرة قدر الأمكان".
" لا تقلق , فرغبتي في ترك هذا المكان بأسرع وقت , لا تقل عن رغبتك".
دخلت موروينا , وسمعت باب الغرفة وهو يغلق , ثم سمعت صوت الفتاة الأخرى وهي تسأل:
" يا حبيبي من هي هذه الفتاة ؟".
أذن هذه الفتاة حبيبته , وربما خطيبته , ترى هل هناك أمرأة على وجه الأرض يمكن أن تعجب به , فكرت موروينا , ثم حاولت أن تتذكر فيما أذا كانت الفتاة تلبس خاتم خطبة , لكنها فشلت .
دخلت أنيز وهي تحمل صينية كبيرة , وهتفت حالما شاهدتها :
" ها أنت أذن يا عزيزتي , تعالي قبل أن يبرد فطورك".
وبينما هي تتناول فطورها , قالت لأنيز :
" أظن أنه كان من الأفضل لو لم تأخذي تلك الرسوم إلى السيد تريفينون".
نظرت أنيز إليها وقالت متسائلة:
" ولماذا لا ؟ هناك أشياء كثيرة خافية في هذا البيت , يجب أن تنكشف".
" هل يحق لي أن أسأل ما هي هذه الأشياء؟".
" أشياء عديد ما تزال بدون إيضاح , السيد نيكولا مثلا قابع في غرفته , حزين على فقدان شيء لم يكن له أبدا".
" يبدو أنك كنت تحبين أمي".
" ولم لا ؟ بالطبع كنت أحبها".
أنتهت من فطورها , فصبت لها أنيز قهوتها , رفعت الكوب وذهبت نحو النافذة , وأخذت تتأمل الحديقة الخضراء والزهور المتناثرة فيها , ثم وضعت الكوب على المائدة وهي تفكر في العثور على جهاز تلفون حتى يمكنها أستدعاء سيارة تاكسي لتأخذها من هنا حالما تنتهي مقابلتها للسيد تريفينون , مشت إلى الخارج , كان البيت غارقا في صمت غريب , وكأن الجميع قد غادروه وتركوها وحدها فيه , وكانت الغرفة مغلقة بأستثناء أحداها فأتجهت إليها ووقفت أمامها , ثم أخذت شهيقا عميقا وهي تسمع دقات قلبها من شدة أضطرابها , وطرقت الباب
منتديات ليلاس
قال بعد صمت قصير:
" لو كشف عن براءة لاورا , لكان ذلك يعني أن شخصا آخر في هذا البيت قد سرق التصاميم وباعها , خاصة أن الذين كانوا يعرفون بأمر المشروع هم قلة هنا , لذا آثرت الصمت , وترك اللوم يقع على عاتق لاورا بدلا من فتح جبهة أخرى من الشكوك والتحقيقات , مع ما يقود إليه هذا الأمر من كوارث , أيقنت أن من كان يحقد على لاورا له يد في هذه الجريمة , وتركت الموضوع ليخمد مع الزمن , لكن أخي ظل يثيره بإستمرار بتحريض من زوجته , وعرفت أن هناك آخرين متورطين في هذا الموضوع , فسكت عن الأمر , وبحثنا عن كبش فداء لكي نحمله جريمة غيره , فكان ذلك الكبش والدتك , غير أنني بعد أن هدأ غضبي أسفت على ذلك جدا , وخففت الأمر على نفسي بأنها لن تعرف بالأمر , وحين لم أجبها على رسالتها , أيقنت بأنها لن تجازف بالكتابة ألي مرة أخرى".
ثم تطلّع إلى وجه موروينا بحب وإستمر في حديثه:
" أذا كنت ترغبين في الأنتقام مني نيابة عن والدتك , فأنك تستطيعين ذلك ببساطة يا عزيزتي , أن تأخذي رسومك وتتركي هذا البيت , وبذا تخرجين من حياتي إلى الأبد , ولكنني آمل ألا تفعلي ذلك".
ظلت موروينا جامدة في مكانها , وقد خيم صمت عميق لفترة , ثم أطلقت تنهيدة قصيرة وقالت:
" كلا لن أفعل ذلك , أظن أن ما حدث يكفي".
" أذن ستبقين؟".
" نعم , لكن لفترة قصيرة , فعلي أن ألحق بالقطار.....".
هز نيكولا رأسه بأنفعال قائلا:
" كلا....... كلا , لقد أسأت فهمي , أريدك أن تبقي معي هنا يا صغيرتي , ليس عندك مكان تذهبين إليه , أريدك أن تعيشي هنا , وأن يكون تريفينون بيتك".
" أوه , كلا , هذا لا يمكن".
" ولماذا لا؟".
" لأسباب عديدة , منها أن إبن أخيك يكرهني , وهو ببساطة لا يريدني هنا".
" أذا ما رغبت أنا في شيء , فليس في مقدور أحد أن يعترض".
" ثم أنني أريد العثور على عمل لأعالة نفسي , لا يمكن أن أعيش على الإحسان طوال عمري".
" من الذي تحدث عن الأحسان ؟ ثم هناك عمل لك , فأنا أريد من يساعدني في أتمام كتابة تاريخ تريفينون ".
" ولكن ليست لدي خبرة في السكرتارية".
" تستطيعين الكتابة بدون شك , أليس كذلك ؟ هذا كل ما أريده , ها أنت تشاهدين أنني شبه مشلول ولا أستطيع أنجازه لوحدي , وحين ننتهي من مسودة الكتاب , سنبعثها ألى سيدة في بورت فينور وهي التي ستطبعها على الآلة الكاتبة , حسنا ماذا تقولين الآن؟".
ظلت موروينا صامتة وعلامات التردد على وجهها , أضاف هو قائلا:
" يا عزيزتي , أنك ستساعديني كثيرا , ليس فقط في موضوع الكتاب , أنما سيكون بإمكاني البدء بالتحري , وكشف براءة لاورا , كوني كريمة وساعديني على العيش بسلام بعد كل هذه السنوات ".
لو أنها فقط تستطيع الكشف عن براءة أمها , وأن ترى أهل تريفينون يعتذرون منها على ما أرتكبوه بحقها , لا بد أن تعمل على أظهار الحقيقة أذا كانت أمينة لذكرى أمها .
قالت بهدوء:
" حسنا يا نيكولا , سأبقى حتى الأنتهاء من الكتاب".
" موافق...........".
قال فرحا ومد يده اليسرى إليها , فوضعت يدها فيها , وقال بعد توقف قصير:
" لا تظني يا صغيرتي أن مشروع الكتابة مجرد عذر لبقائك , فستجدينني مديرا حازما , ولكنني أقول أن هذا اليوم من أسعد أيام حياتي , والآن أذهبي وأبعثي لي أنيز كي أشرح لها ما تم الأتفاق بيننا , وبعد الغداء سنواصل العمل".
كانت في منتصف الطريق على السلالم حين قالت لنفسها : ( يا ألهي ما الذي فعلت ؟ هل حقا سأبقى هنا؟).
لكن دومنيك ظهر فجأة من مكتبه , ووقف في أسفل السلم قائلا:
" حالما تنتهين يا آنسة كيرسلاك , سآخذك بسيارتي إلى بنزاس".
" لا أرغب في الذهاب".
قالت بنبرة صارمة وواثقة , وقد أرتسم على وجهها علامات التحدي.
" عفوا ماذا قلت؟".
" قلت , أنا باقية هنا , طلب مني عمك أن أعينه في مشروع كتاب تاريخ تريفينون , أنه بحاجة ألى من يساعده في الكتابة".
" يا ألهي , لقد نجحت خطتك أذن , أيتها المتآمرة االصغيرة!".
قال هذا وقد أصفر وجهه من الغضب , لكن موروينا أجابته بأعتداد وثقة:
" لا تنس يا سيد تريفينون , أن أمر اللقاء مع عمك كان من تدبيرك أنت ".
" ليس من الطبيعي أن أنسى أي شيء , حسنا , لقد شاهدت البيت يا آنسة كيرسلاك , وبدون شك ستتعرفين خلال الأسابيع المقبلة على كل أملاك تريفينون وما بقي من مشروع الزوارق , ولكن أخشى ألا تجدي ما تأخذينه معك حين تتركين هذا المكان...".
" أؤكد لك أنني قادرة على ذلك يا سيد دومنيك ".
حدق فيها للحظة بشراسة وقد أشتد غيظه , وقال:
" هكذا أذن , أنك حرباء حقا يا آنسة كير سلاك , ها أنت تحولت خلال دقائق من غريبة في هذا البيت إل حبيبة للعجوز تريفينون , أنه أتسان طيب وأنا سعيدة بذلك".
" أنك تستغلين الوحد التي يعانيها هذا العجوز , ألا تشعرين بالعار من بيع جسدك إلى رجل في عمر أبيك؟".
نزلت موروينا بقية الدرجات ووقفت أمامه , وبكل ما تملك من قوة رفعت يدها وصفعته على وجهه.
أحست بأنها أرتكبت فعلا أحمق , وأنها فقدت أعصابها مثل طفلة صغيرة , لكنها لم تشعر بأي ندم حين تذكرت والدتها البريئة وكيف لوّث هؤلاء الناس سمعتها الطاهرة , نظرت إليه ثانية فرأت علامات أصابعها وقد أرتسمت على صفحة وجهه , وقالت بهدوء:
" أنني آسفة ".
" ستندمين على هذا يا موروينا , ستدفعين ثمن هذا غاليا , وهذا وعد مني لك".\كانت كلماته أنذارا حقيقيا , أستدار ومشى خارج الصالة بعد أن أغلق الباب الرئيسي بعنف , سمعت موروينا بعد برهة قصيرة صوت محرك سيارة , ثم أبتعد الصوت تدريجيا .
جلست عل السلم , ووضعت وجهها بين راحتيها , وقالت لنفسها:
( رباه , ماذا فعلت؟).

flower122 04-07-11 12:26 PM

شكرا كتير علي الرواية الرائعة عشتي ودامت لنا ابداعتك ومجهوداتك الرائعة


:55:

:8_4_134:

نيو فراولة 04-07-11 01:12 PM

5 -بلا مقدمات






أنغمست موروينا في عملها بحماس , ولم يكن لديها متسع من الوقت لتفكر في نفسها , وكانت سعيدة بذلك , أما نيكولا تريفينون فلم يكن مبالغا حين وصف نفسه بأنه مدير حازم بالعمل .
أستهلت موروينا عملها بكمية كبيرة من الواثق والكتب والصور الفوتوغرافية التي وضعها نيكولا أمامها , وأخبرها أيضا أن الشطر الأكبر من تاريخ تريفينون وأساطيرها أنما هو محتفظ ومتناقل في العائلة شفاها , والحقيقة أنها وجدت تاريخ تريفينون ثريا وضاربا بالقدم . كما أنها أطلعت على الكثير من القصص والأساطير المتعلقة بهذه العائلة , وأخبرها نيكولا أنه ما يزال هناك الكثير من هذه الأساطير في ذهنه , منها مثلا أسطورة تتعلق بأسم ( موروينا ) , وحين ألحّت عليه كي يسردها عليها , أجابها ضاحكا أنه سيفعل ذلك في الوقت المناسب.
منتديات ليلاس
حاولت موروينا جهدها أن لا تلتقي بدومنيك , ومن حسن حظها أنه وأخاه كانا ينهضان مبكرين , وحين كانت تنزل إلى الطابق الأرضي يكون الأخوان قد أنتهيا من فطورهما وغادرا البيت , أما دومنيك نفسه فقد كفّ عن أعتراضها أو السؤال عنها , وبدا أنه كفّ عن أعتراضها أو السؤال عنها , وبدا أنه قد نسي وجودها في البيت , وفي المساء , حينكانت تنتهي من عملها , وتتأكد من أن نيكولا لم يعد يحتاج إليها , كانت تنزل ألى قاعة الجلوس الكبيرة , حيث تكون أنيز قد أشعلت المدفأة , فتجلس هناك قبالتها تقرأ وتستمع إلى الراديو , وفي أحدى الأمسيات أنضم إليها مارك فرحبت به , كان أكبر منها بسنوات قليلة , وأصغر من أخيه دومنيك كثيرا , تحدثا طويلا عن تريفينون وعن العائلة , لكن دومنيك لم يكن يقترب من قاعة الجلوس في الأمسيات , بل كان يقضي أوقاته في مكتبه , وتساءلت موروينا : أهذه هي عادته دائما , أم أنه بدأ يتجنب قاعة الجلوس منذ جاءت هي إلى البيت , حتى لا يلتقي بها ؟ لكنها حسمت الأمر بأن ليس هذا من شأنها ما دام هو لا يقلق راحتها.
ذهبت في صباح أحد الأيام إلى غرفة نيكولا , بعد الفطور , لتبدأ عملها , لكنه أخبرها أنه لا يحتاجها اليوم , لأن الطبيب قادم بعد قليل لأجراء الفحوص له.
نظر إليها وقال:
" أنت متعبة من العمل , أذهبي اليوم في نزهة قصيرة , خاصة أن الجو صاح , ولا أثر للمطر".
وحين غادرت الغرفة , صاح من وراءها :
" أبقي بعيدة عن البحر , لأن الأمواج قوية وهائجة".
ذهبت إلى غرفتها وأخذت دفترا لرسم وعلبة أقلام , وكانت أنيز هناك ترتب الغرفة , فقالت لها:
" ما دمت تذهبين إلى الخارج , أجلبي معك عددا من البيض , أذا ما مررت قريبا من حقل السيدة هاريك".
غمرت مورينا سعادة كبيرة ومفاجئة حين أصبحت خارج البيت , وكأنها تلميذة صغيرة أطلقوها من المدرسة فجأة , ولم يخامرها هذا الشعور لأنها كانت تكره العمل مع نيكولا , بل العكس , كانت سعيدة معه , لكنها رأت نفسها وحدها لأول مرة منذ أن جاءت إلى تريفينون , وفي هذا سعادة كبرى لها.
أتخذت طريقها إلى ناحية البحر مسترشدة بهدير الأمواج , وكانت الرياح قوية , تنشر شعرها على وجهها , وحين وصلت إلى المرتفعات الصخرية المطلة على البحر , شاهدت الأمواج الهائجة وهي تصطدم بالصخور محدثة هديرا عنيفا , وناشرة كمية من الرذاذ الأبيض.
تأملت البحر طويلا , وبالرغم من سعادتها بذلك , إلا أنها أحست بخيبة أمل حين لم تلمح أثر للفقمات , تلك الحيوانات البحرية الرمادية اللون , لكنها تذكّرت أن هذه الحيوانات ستعود إلى هنا مع مطلع العام القادم , لكن هل هل ستكون هي نفسها هنا في ذلك الوقت؟
منتديات ليلاس
مشت طويلا فوق تلك الصخور العالية , وهي تتأمل فيما حواليها , وبالرغم من أنها عاشت سنوات طويلة في الريف , إلا أنها أحست هنا برهبة وخوف يتسربان إلى قلبها , من الوحدة تحت هذه السماء الشاسعة , والصخور والبحر وهدير الأمواج , وجلست بجانب صخرة كبيرة تستطيع الأحتماء بها من الريح , وهيأت دفترها وأقلامها وبدأت في تخطيط بيوت بورت فينور وبقايا المنجم , لكن الريح الشديدة كانت تعصف بها وتوشك أن تمزق أوراق الدفتر , وهي تفكر إلى أين ستنتهي وألى متى ستبقى في تريفينون.
بعد فترة قصيرة أنتابها الضجر , فمزقت الورقة وألقتها للريح , ونهضت لتذهب إلى حقل السيدة هاريك لتأخذ البيض وتعود إلى البيت , لم تكن تعرف الطريق إلى الحقل , فقررت الوصول إلى الطريق الرئيسي أولا , وبينما هي تسير سمعت صوت محرك سيارة من خلفها فأنسحبت إلى جانب الطريق , لكن صوت المنبه لم يكف بالرغم من وجود مكان كاف لعبور السيارة تماما , كانت سيارة مارك , فهتف لها وهو يلوّح لها بيده:
" أهلا..... هل أستمتعت بوقتك؟ هيا...... سأوصلك ألى حيث تريدين".
بعد تردد قصير أجابته , وهي تفتح باب السيارة وتصعد :
" إنني ذاهبة إلى حقل السيدة هاريك لآخذ كمية من البيض طلبتها أنيز".
" حسنا , سآخذك إلى هناك".
بعد دقائق من الصمت سألها مارك ثانية وهو يضحك:
" كيف يسير العمل في مشروع الكتاب؟".
" ببطء.... ما زال أمامنا الكثير من العمل".
" أوه , هذا مؤسف".
أجابته بعد أن تأملته طويلا , وهي تبتسم:
" لماذا ؟ ألأنه يعني أنني سأبقى في بيتكم مدة أطول؟".
" يا ألهي , كلا , لا أعني هذا".
" ماذا تعني أذن؟".
" أعني أن عمي رجل مريض , ولا نريد أن يرهق نفسه كثيرا حتى لا تنتكس صحته , بالرغم من أنه يشعر بتحسن كبير هذه الأيام , ونحن نشكرك على ذلك ".
" نحن؟".
سألته بدهشة وهي ما تزال تبتسم .
" بالطبع , حتى دومنيك , كان أعتراضه على بقائك في البداية , هو لخشيته من أن تسبب رؤيته لك صدمة أخرى له , لكن النتيجة جاءت عكس ذلك تماما".
" لكن دومنيك لم يغير مني موقفه حتى الآن".
" تعرفين أن أحزان وأحقاد كل تلك السنين لا يمكن أن تلاشى خلال أيام".

نيو فراولة 04-07-11 01:14 PM

لم تجبه مورينا , وظل هو أيضا صامتا حتى وصلا إلى مفترق طريق , فأوقف السيارة وأشار إلى طريق الحقل قائلا:
" ذاك هو حقل السيدة هاريك , وحين تعودين إلى البيت هناك طريق مختصر , أسألي السيد حتى تدلك عليه".
أخذت موروينا البيض , وحين أستفسرت السيدة هاريك عن سبب وجودها المفاجىء في تريفينون , أعتذرت لكونها يجب أن تسرع في العودة لأن أنيز تنتظرها , وقريبا من البيت تسلقت حائطا صغيرا , ودخلت إلى باحة كبيرة كان عليها أن تجتازها قبل الوصول إلى البيت , كانت هذه الباحة جزءا من بناء قديم ملحق بالبيت الكبير , يحوي مخزن الغلال وأدوات الفلاحة التي تعود إلى أنيز , وأصطبلات كانت تستعمل أيام كانت تريفينون مزدهرة , هناك سمعت صوت كلب يقترب منها , فأنتابها الخوف , رغم أنها كانت تحب الكلاب منذ الصغر , وهرعت إلى البناية القديمة , لكن الكلب تبعها إلى هناك .
ووجدت نفسها في غرفة واسعة ومظلمة بعض الشيء , فيها معاول وفؤؤس وكميات كبيرة من الحطب والقش , كما شاهدت سلما خشبيا يقود إلى مخزن علوي , فتسلقت السلم حتى تكون في أمان أكثر هناك , دخل الكلب وراءها وظل عند أسفل السلم ينبح ويقفز محاولا الوصول إليها , كان أحد الكلبين اللذين أعترضاها في الليلة التي جاءت فيها إلى تريفينون , غير أنها منذ ذلك اليوم لم تشاهدهما , وحين سألت أنيز عنهما , أجابتها أنهما غالبا ما يمكثان خارج البيت , في البناية الملحقة.
ظلت موروينا محبوسة في المخزن العلوي فترة طويلة من الزمن , وقد جمدت من الخوف , لا تدري ماذا تفعل ولا كيف تبعد الكلب عنها , وفكرت أنه ربما دومنيك هو الذي علّم الكلب على معاداتها , لكنها سرعان ما سخرت من أوهامها.
هدأ الكلب , حين سمع صوت أقدام قادمة في الباحة , فهتفت موروينا من مكانها متوسلة , قبل أن يبتعد العابر من الغرفة.
" من فضلك , هل تبعد هذا الكلب عني ؟ أنني خائفة".
توقف العابر لحظة , ثم جاء صوت أقدامه وهو يقترب من الغرفة , ظنت أنه زاك يقوم بعمله هنا , لكن سرعان ما ألتقت عيناها بعيني دومنيك حين دخل إلى الغرفة وصاح:
" يا ألهي , ماذا تفعلين هنا؟".
" هربت من كلبك".
" أنت مجنونة ! ألا تعرفين أنه لا يؤذيك".
" أبعده عن السلم , حتى أنزل......".
" هيا... هيا , أنزلي , لا تخافي".
قعد الكلب عند ساقي دومنيك , وراح يتمسح به محركا ذيله , أما موروينا فقد بدأت في النزول , غير أن قدمها أنزلقت في منتصف السلم , فأطلقت صرخة قوية وأفلتت علبة البيض من يدها , لكن يدا قوية أمسكتها من خاصرتها وأنزلتها على الأرض , كانت ترتعش من الخوف والأنفعال , وقد أمتلأت عيناعا بالدموع.
قال دومنيك لها ساخرا:
" ماذا كنت تفعلين ؟ تستكشفين خفايا تريفينون؟".
حدقت موروينا في وجهه بغضب , تمنت لو أن علبة البيض ما تزال في يدها , لتضرب بها وجهه , ثم أجابته بصوت مرتعش:
" كلا.... كنت أجلب البيض لأنيز من حقل السيدة هاريك ".
أنتبهت فجأة أنه ما يزال يمسكها من خاصرتها , فأحست بالحرارة تصعد إلى وجهها , وقالت وهي تبتسم من بين دموعها:
" أن كلبك يكرهني".
" ما زلت غريبة عبيه , سيعتاد عليك بمرور الزمن".
" أنت تكرهني أيضا..... والكلب يحس بذلك".
" أهكذا حقا؟".
قال مبتسما وسحبها نحوه وأقترب بوجهه من وجهها.
فأصابها الذعر وحاولت أن تفلت من بين يديه , لكن بدون جدوى , وقالت وهي ترتجف بعد أن تخلص منها.
" ما كنت أظن أن هناك ذئابا مع الكلاب في هذا البيت".
" ألا تتذكرين أنك تمنيت , أن يقع ملك كورنوول في هواك؟ ها هي أمنيتك قد تحققت".
" لكنني أكرهك , ولا أود رؤيتك".
" أظن أنك تعلمت من تاريخ عائلتنا , أنه أذا ما أحببنا شخصا نظل أوفياء له".
" من الأفضل أن توفر عواطفك لأمرأة أخرى".
خيّم الصمت عليهما , وكانا ما يزالان يقفان في مكانهما بدون حركة , وحين طال الصمت ساءلت نفسها : لماذا أمكث معه في هذه الغرفة المظلمة ؟
" من فضلك لو شرحت لأنيز ما حل بالبيض".
" بل سأذهب إلى الحقل وأجلب غيره".
" شكرا......".
أجابت وتركت الغرفة , كان الجو باردا في الخارج , فرفعت ياقة سترتها حتى تغطي رقبتها أتقاء للريح الباردة , وأحست بحقيقة مرة تستقر في أعماقها شيئا فشيئا , هي أنه ليس هناك شيء يبقيها في تريفينون سوى حب دومنيك!

نيو فراولة 04-07-11 01:17 PM

6 - حجر في الماء




كان الجميع صامتين أثناء الغداء , وبدا نيكولا مشغول البال , أما موروينا فقد أجبرت نفسها على تناول القليل من الطعام , وكانت منشغلة الذهن هي الأخرى , تستعيد ما حدث لها في الصباح مع دومنيك في تلك الغرفة المظلمة , وشعرت أنها بحاجة شديدة لأن تفكر أكثر فيما حدث , وفي الشعور الذي أنتابها نحوه , أختطفت نظرة إلى نيكولا , كان متعبا ومنهك القوى , وبدا أكبر مما كانت تراه دائما , وكأنه شاخ فجأة , ربما أنبأه الطبيب أن نتائج الفحوصات غير مشجعة , لذا فأنها ذهلت حين أعلن بشكل مفاجىء عن نيته االقيام بجولة بعد الظهر , فسألته مندهشة :
" جولة! أين؟".
" بورت فينور".
لكن أنيز تدخلت قائلة :
" لنر ما سيقول دومنيك , أظن أن صحتك لم تتحسن بعد , حتى تبدأ في الركض ".

صرب نيكولا الأرض بعصاه , وصاح بها:
" عليك اللعنة أيتها المرأة , من قال أنني سأركض ؟ هل تعتقدين أنني سأبقى حبيس هذا البيت حتى الموت؟".
ثم سكت وقد بدا عليه الأعياء التام , وأردف قائلا بعد لحظات:
" لم أتخل بعد عن حوض الزوارق , ولم أتنازل عنه.....".
هدّأته أنيز قائلة , وهي تغادر قاعة الطعام حاملة الأطباق إلى المطبخ:
" لا أقصد ذلك , ما أعنيه هو أن تأخذ الأمور على مهل".
قالت له موروينا , وقد أصبحا وحدهما:
" أنها على حق".
" لتذهب إلى الجحيم , لا بد أن أذهب إلى الحوض , هناك شيء أريد جلبه".
" ألا يقدر أحد أبناء أخيك أن يجلبه لك؟".
" يقدرون بالطبع , أذا ما طلبته منهم , لكنني أريد جلبه بنفسي لأسباب عديدة".
ثم تأمل موروينا بعض الوقت , وقال لها:
" تستطيعين أنت جلبه لي , أنه ملف أخضر يحمل رقم ب . و|23في خرانة الملفات في مكتب دةمنيك".
أجابته موروينا بدهشة :
" لا أستطيع , أفرض أن أحدا رآني وأنا أبحث في خزانة الملفات؟".
" تخبرينه بالحقيقة , أنك تأخذين الملف بأمر مني".
أنتظر جوابها بعض الوقت , وحين ظلت صامنة قال:
" أذا لم تذهبي , فلا خيار لي سوى الذهاب بنفسي".
" كلا , لن تتحمل الذهاب إلى هناك , سأذهب أنا".
قالت موروينا وهي تضع يدها على يده , محدقة فيه بحنان , ثم سألته:
" كيف سأصل إلى بورت فينور؟".
" سيأخذك مارك , فهو يذهب إلى هناك , عادة في الساعة الثانية بعد ظهر كل يوم , قولي له أنك ذاهبة لشراء بعض الحاجيات".
تناولت سترتها وحقيبتها من غرفتها , ونزلت الى الصالة , كان مارك واقفا أمام الباب يتحدث مع زاك ويقدم له بعض الأرشادات , وحين لمحها سألها بدهشة:
" مرحبا موروينا , الى أين؟".
" الى بورت فينور , لشراء بعض الحاجيات , عرفت أنك ذاهب الى هناك , هل تأخذني معك؟".
" بالتأكيد سآخذك".
قال لها مارك في السيارة:
" لماذا لم تخبريني منذ الصباح ؟ لو فعلت لكنا تناولنا الغداء معا هناك".
ابتسمت موروينا , وتأملته طويلا , كان وسيما ونشطا وعلى قدر كبير من المرح والحيوية , وقالت لنفسها : ( لو كنت في وضع آخر لعشت معه قصة حب رومانسية ممتعة).
" الآن فقط قررت الذهاب الى هناك".
أستمتعت كثيرا بأحاديثه ومزاحه , حتى وصلا الى حوض الزوارق , فأوقف السيارة وقال لها:
" الكثير من المحلات مقفلة الآن , في هذا الموسم من السنة , لكن هناك محل مفتوح لبيع الصحف والمجلات , وآخر صيدلية , ثم مهى جميل يبيعون فيه أيضا التحف والهدايا , وحين تنتهين من شراء حاجياتك , تعالي الى حوض الزوارق".
منتديات ليلاس
شكرته موروينا , وراقبته وهو يبتعد بسيارته , ثم سارت في خطوات بطيئة وهي تتأمل واجهات المحلات , حتى ينقضي بعض الوقت قبل أن تعود الى حوض الزوارق , وفكرت أنه كان بأمكانها أن تخبر مارك ببساطة حول الملف , وأنها جاءت لتأخذه بناء على طلب نيكولا , لكن نيكولا أراد أن يتم الأمر سرا لسبب ما , وعليها أن تنفذ رغبة الرجل المريض.
عثرت على المقهى الذي تحدث عنه مارك , ودخلت اليه , كان صغيرا , ليس فيه سوى بضع موائد ولم يكن فيه رواد , فجلست الى احدى الموائد تنتظر مجيء الخادم , ومن خلف الستارة التي كانت تحجب غرفة داخلية , خمنت موروينا أنها المطبخ , تناهت اليها أصوات نساء وأطباق تغسل , ولم يطل أنتظارها , وبينما هي تتأمل قائمة الطعام , أنزاحت الستارة , وظهرت فتاة في رداء طويل , عرفتها موروينا حالا:
"مرحبا.......".
قالت بيدي بأبتسامة عريضة , وهي تحمل سلة فيها مجموعة من الخزفيات.
وأردفت:
" جئت بهذه الخزفيات علّني أبيع منها شيئا للمقهى ".
" أوه , أنا سعيدة برؤيتك يا بيدي , أتشربين القهوة معي؟".
" بالطبع أكون سعيدة".
قالت بيدي , ووضعت السلة جانبا , وجلست على المقعد المقابل , ثم أضافت:
" أخبرت أخي عنك , وكنا نتساءل هل ما زلت في تريفينون؟".
" ما زلت , والحقيقة أنني أشتغل هناك".
" تشتغلين ؟ لدومنيك تريفينون؟".
" مع عمه , فهو يكتب تاريخ العائلة , وأنا أساعده".
" رائع , وكيف هو مارك تريفينون؟".
" جيد , أنت تعرفينه؟".
" كنت أعرفه , لكن ذلك أنتهى منذ زمن , لم يرض أخوه الكبير عن علاقتنا , أعتبرني غير ملائمة لعائلة تريفينون".

نيو فراولة 04-07-11 01:20 PM

سكتت بيدي وظلت تحدق في قائمة الطعام ثم أضافت :
" هنالك فتاة أخرى الآن , تبدو ملائمة لهم".
" ماذا تقصدين؟".
" تقولين أنك في تريفينون منذ أسبوع , ألم تشاهديها بعد؟".
" الفتاة الطويلة ذات الشعر الأسود؟".
" بالضبط , أنها كارين أنجلس".
" أجل , لقد شاهدتها , سيتزوجها؟".
" ربما سيتزوجها أحد الأخوين , خاصة أنها ثرية , وعمتها ترغب في ذلك , بعد أن فشلت هي في الزواج من نيكولا؟".
" وكيف عرفت ذلك؟".
" مارك أخبرني".
" هكذا أذن.......".
قالت موروينا , وسادت فترة صمت بينهما , أخذتا خلالها ترتفشان قهوتهما , ثم قالت بيدي:
" سأكون سعيدة لو جئت للغداء معنا يوما ما في سانت أينا".
" سأكون سعيدة أيضا".
" أذن سنكون على أتصال ".
قالت بيدي , وجرعت ما تبقى من قهوتها , ثم نهضت وحملت سلتها , وودّعت موروينا.
" أتريدين أن أبلغ مارك أية رسالة؟".
" كلا , لا أرغب في ذلك في الوقت الحاضر".
أجابتها بيدي مبتسمة , ثم غادرت المقهى.
أنتهت موروينا من قهوتها , نهضت وحملت حقيبتها , وتركت المقهى , أشترت خارطة للمنطقة من المكتبة الصغيرة , ثم ذهبت الى الصيدلية وأشترت علبة صابون وزجاجة عطر.
حين وصلت الى حوض الزوارق , لمحت سهما يشير بأتجاه المكاتب , فسارت في ذلك الأتجاه على ممر ضيق ومرصوف بشكل جيد , كانت هنالك زوارق وقوارب صيد عديدة ومختلفة , وقفت أمام الباب الأول , وكان عليه عبارة ( الأستعلامات ) , ترددت في الدخول للحظات , ثم دفعت الباب , كانت عبارة عن غرفة ضيقة فيها فتاتان تطبعان على الآلة الكاتبة .
" أنني أبحث عن السيد مارك تريفينون".
نهضت أحدى الفتاتين وتقدمت منها قائلة:
" الجميع في أجتماع الآن , أهو ينتظرك ؟ أتودين أن تنتظري ؟".
ترددت موروينا في الجواب بعض الشيء , ثم أومأت بالأيجاب.
" حسنا , أذن تفضلي".
قالت الفتاة , وقادتها الى مكتب مارك.
لاحظت موروينا أن كلتا الفتاتين تتأملانها بفضول , ربما تحسبانها عشيقة جديدة لمارك , ومن جانبها تساءلت: ( هل يا ترى أستطاع مارك الوسيم والمرح أن يقاوم أغراء هاتين السكرتيرتين الفاتنتين ؟).
كان مكتب مارك صغيرا جدا , ليس فيه غير طاولة للكتابة وبضعة مقاعد , جلست على أحد المقاعد وبدأت تستعيد أنافسها , وتتذكر في الوقت نفسه أرشادات نيكولا , وحين تأكدت من أن السكرتيرة عادت الى مكتبها , فكرت أن هذا هو الوقت الأنسب لأخذ الملف , خاصة أن الجميع في الأجتماع الآن , نهضت بهدوء وفتحت الباب , وسارت وهي تتطلع الى أبواب الغرف , حتى لاحظت عبارة ( مكتب دومنيك تريفينون ) , فتحت الباب ودخلت , وثلما أخبرها نيكولا , كانت هنالك خزانة واحدة للملفات , فتحت الدرج الأول , وكانت فيه مجموعة من الملفات الخضراء , غير أن أيا منها لم يكن يحمل العنوان الذي ذكره تيكولا , ثم بحثت في الدرج الثاني , ولم تعثر عليه أيضا , وفتحت الدرج الثالث , وهي جاثية على ركبتيها , حين سمعته يقول من الخلف:
" هل تبحثين شيء ما؟".
لم تصادفها في حياتها لحظة كتلك , تمنت فيها لو أنها تموت حالا , أو أن تنشق الأرض وتبتلعها في اللحظة نفسها , نهضت من مكانها , وألتفتت الى الباب , كان هو هناك , يقف أمام الباب , واضعا يديه في جيبيه , يتطلع اليها بهدوء.
أجابت موروينا بأرتباك بدون أن تتجرأ على النظر في وجهه :
" نعم , لكنني لم أجده".
" ربما أستطيع مساعدتك".
قال دومنيك وهو ما يزال يحدق فيها بوجه عابس.
ثم سار الى الخزانة وأخرج مجموعة مفاتيح من جيبه , وفتح درجا سفليا , وسحب منه ملفا أخضر اللون , قدمه اليها قائلا ونبرة غضب في صوته.
" تفضلي هذا ما تبحثين عنه".
أرادت موروينا أن توضح الأمر له وتبرر سلوكها هذا , فقالت :
" أظن أنك أسأت تفسير سلوكي هذا".
أجابها ساخرا:
" بالعكس , يا ليدي موروينا , الحقيقة أنني كنت منذ مجيئك الى تريفينون".
خطت خطوتين الى الأمام , وأخذت الملف من يده ودسته في حقيبتها بيد مرتجفة.
" حسنا , أظن أن من الأفضل أن تتركي هذا المكان , قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه".

نيو فراولة 04-07-11 01:21 PM

قال دومنيك غاضبا وهو يؤشر لها بالخروج , وبينما هو يتكلم جاء صوت أنفتاح أحد الأبواب مختلطا بوقع أقدام آتية وأناس يتحدثون , فأستدار بأتجاه الممر وسد الباب بجسده وكأنه يحاول أخفاء وجود موروينا عن الآخرين.
سمعت موروينا صوت مارك في الممر وهو يسأل :
" هل شاهدت موروينا يا دوم ؟ أخبرتني السكرتيرة أنها هنا , لكنها أختفت".
" أنها هنا في الغرفة".
دخل مارك الى الغرفة , وهتف حالما شاهدها.
" مرحبا موروينا , هل تأخرت عليك ".
" أبدا , هل نغادر ؟ لا أستطيع أن أتأخر كثيرا".
" بالتأكيد , هيا".
قال مارك , وهو يمد يده اليها , ثم سألها:
كيف وجدت بورت فينور ؟ أنها شبه مهجورة في هذا الوقت من السنة".
قبل أن تجيبه موروينا , دخلت الى المكتب أمرأة أخرى , كانت قصيرة ونحيفة , ترتدي ثوبا ورديا من الصوف , وقد سرحت شعرها الى الخلف بعناية , لم تشاهدها موروينا من قبل , لكنها حدست أنها باربارة أنجلس , وهي الأخرى عرفتها , أذ أنها حالما وقع نظرها عليها , ضيّقت ما بين عينيها الزرقاوين , وتأملتها طويلا وقد أحمرت وجنتيها , ثم قالت:
" صديقة جديدة لمارك؟".
وقبل أن يتكلم مارك أجابها دومنيك :
" كلا , يا باربارة , دعيني أعرفكما ببعضكما , هذه موروينا كيرسلاك , صديقة نيكولا الشابة , والتي ستقضي معنا بعض الوقت , موروينا , هذه باربارة أنجلس , سكرتيرة الشركة , وصديقة مقربة جدا".
كانت يد باربارة باردة وهي تصافح موروينا قائلة:
" أوه يا عزيزتي , يا للسعادة ! أدخل هذه الغرفة فأجد لاورا كيرسلاك واقفة فيها بعد كل هذه السنين , أنها مفاجأة بصراحة , الشعر .... والبنية".
ثم أستدارت الى الرجلين وقالت وهي تبتسم:
" بالله عليكما لا تقفا هكذا مرتبكين , لقد حدث ما حدث قبل سنين , وألتفتت الى موروينا قائلة بحماس:
" أعرف والدتك جيدا , لكننا أنقطعنا عن بعضنا طوال هذه الأعوام , كيف هي الآن؟".
" ماتت وأنا في الثامنة من عمري , أما والدي وشقيقي فقد قتلا في حادث سيارة في بداية هذا العام ".
" وطبيعي جدا , أنك جئت الى تريفينون باحثة عن ملجأ ".
قالت ذلك وكان صوتها دافئا وشفوقا , ثم ضحكت ضحكة خفيفة وهي تقول:
" يا للسماء , كيف يعيد التاريخ نفسه!".
أحست موروينا بحرارة شديدة في الغرفة , وأن ياقة قميصها الضيقة تكاد تخنقها , ألتفتت الى مارك وقالت بنبرة متوسلة:
" مارك , لا بد أن أعود الى البيت".
قالت باربارة بلطف:
" حسنا , سنتحدث طويلا هذا المساء , هل أخبرك نيكولا بأننا سنجري مباراتنا الأسبوعية في الشطرنج؟ لم يخبرك؟ يبدو أنه يريد أن يفاجئك بذلك , وسنرتب قريبا أيضا حفلة صغيرة للترحيب بعودة أبنة لاورا الى البيت".
ردت موروينا :
" سيكون ذلك جميلا , وسأكون شاكرة".
منتديات ليلاس
أستعادت موروينا هدوء أعصابها حين أضحت خارج المكتب , وشعرت بحيويتها وهي تسير الى جانب مارك الذي تأبط ذراعها , وخلفها كانت باربارة أنجلس تتحدث مع دومنيك وتضحك , خمنت موروينا أنها موضوع حديثهما بدون شك , قالت لمارك:
" قابلت اليوم صديقة لك , تدعى بيدي , تملك مخزنا للفخاريات في سانتا أينا".
" أوه , حقا ؟ كيف هي الآن؟".
" كانت تبدو سعيدة".
أجابته موروينا , ثم سكتت للحظا , وقالت ثانية:
" هل سببت لك أرباكا في عملك ؟ أخبروني في الأستعلامات أنك كنت في أجتماع".
" أبدا , كان مجرد أجتماع روتيني".
فتح لها باب السيارة فصعدت , ثم صعد هو الآخر , ألتفتت موروينا الى الوراء , فلمحت دومنيك واقفا أمام المكتب والى جانبه باربارة , لوح لها بيده مودعا , فردت عليه بأشارة مماثلة , ثم أستوت في جلستها.
" أهدأي , يكفي أنفعالا".
قال لها نيكولا في البيت , لكن موروينا أنفجرت فيه صائحة:
" أهدأ ....... كيف؟ لم أر في حياتي أذلالا مثل هذا , لقد ضبطني في مكتبه وأنا أبحث في الملفات , ولم يعطني أية فرصة حتى أوضح له الأمر".
قال نيكولا وهو يحاول تهدئتها:
"صدقيني أن الأمر ليس بهذه الأهمية , سأشرحه له بنفسي , لا تهتمي".
" كيف لا أهتم؟ أما كان من الأفضل لو طلبت من غيري القيام بهذا العمل , أم أنك أردت أ تحشرني في هذا الموقف المحرج فقط؟".
" كلا يا صغيرتي , ليس الأمر كذلك , أنا أحتاج الى هذا الملف , ولم أسأل دومنيك لأنني كنت أشك أنه سينفذ طلبي".
" كان بأمكانك تكليف شخص آخر.....".
" أعذريني يا صغيرتي , دعيني أوضح لك الأمر , لقد كلفتك لأنك ستكونين الحجر الذي سألقيه في بركة ماء راكدة , حتى أحركها".

نيو فراولة 04-07-11 01:23 PM

حدقت موروينا في وجهه طويلا , بدون أن تفهم ما الذي يعنيه:
" ماذا تعني بكلامك هذا؟".
" دومنيك سيخبر باربارة أنجلس بالأمر , وباربارة ستثير هذا الموضوع علنا بدون شك , وآنذاك نستطيع كشف الحقائق".
أتسعت عينا موروينا من الدهشة , وهي تحدق في وجهه بأستغراب , وقالت:
" أتعني أن باربارة هي التي سرقت التصاميم وباعتها؟".
أسند نيكولا ظهره الى الكرسي , وألقى برأسه الى الوراء وأغمض عينيه , وقد بدا متعبا , ثم قال بصوت أشبه بالهمس:
" هذا ما أعتقده".
" ولماذا لم تكاشفها بالأمر طيلة هذه السنين ؟".
" لا برهان لكي أثبت ذلك".
" ولكن لماذا أقدمت باربارة على تلك القلعة ؟ ثم لماذا أتهمت أمي بذلك؟".
" لأنها كانت تغار منها , كانت لاورا محبوبة أكثر منها , بالأضافة الى ذلك كانت باربارة تحب والدك , وتأمل الزواج منه".
أخفت موروينا وجهها بين راحتيها , وهتفت:
" أوه يا ألهي , هكذا أذن.........".
" نعم , هكذا.......".
" وكيف عرفت أن باربارة هي التي فعلت ذلك؟".
" من أشياء كثيرة منها أنها كانت متلهفة بشكل غير طبيعي على التقرب منها ومساعدتنا , وقد مولتنا بالمال لأدامة المشروع حين ساءت أمورنا , بالأضافة الى ما قاله الرجل لي في معرض الزوارق , أن أكون أكثر حذرا في أختيار صديقاتي".
" ولماذا تركت أمي المسكينة تتحمل تبعات جريمة , هي بريئة منها؟".
" لم يكن الأمر بالسهولة التي تتصورينها , تعرفين أنني عطفت حتى على باربارة وفهمت جدا وضعها النفسي آنذاك والذي دفعها الى فعل ما فعلت , هنا نقطة أخرى أريد توضيحها لك , بعد تلك الحادثة أصبحنا أنا وباربارة قريبين جدا من بعضنا , وكنت آمل أنه مع تزايد أقترابنا , ستعترف بما فعلت بفعل عاطفتها نحوي , لكن مع الأسف طال أنتظاري حتى الآن".
" وهل تبادلها العاطفة يا نيكولا؟".
" كيف تنمو العاطفة في جو تنعدم فيه الثقة؟".
تجمعت الدموع مآقي موروينا , وقالت بحسرة:
" يا لها من خسارة حياة بل حياتين!".
أبتسم نيكولا وهو يتأمل وجه موروينا الحزين:
" لكنني لم أمت بعد , ولا باربارة أيضا , ما زلنا مستمرين في لعبتنا , والحقيقة أنها تلعب بذكاء , لكنني واثق أنها ستخسر هذه المرة".
ثم رفع الملف من فوق المكتب وفتحه قائلا وهو يقربه من وجه موروينا:
" أما في الوقت الحاضر , فسأجدد علاقتي بحبي الآخر".
تأملت موروينا الرسوم والأرقام على صفحة الملف , ثم سألت :
" زورق آخر؟".
أومأ نيكولا بالأيجاب قائلا:
" نعم , زورق آخر , لكن هذا سيعبر المحيطات , وسيتحدث الناس عنه كما يتحدثون عن البواخر العظيمة , وسأسميه ( ليدي موروينا)".
" أوه!".
هتفت موروينا وهي تضغط براحتيها على خدبها الملتهبتين , ثم قالت:
" ولكن هكذا دعاني دومنيك حين وجدني في مكتبه , ليدي موروينا!".
أطلق نيكولا ضحكة قصيرة وقال:
" هل دعاك هكذا؟ أن أبن أخي ليس غبيا , أذن لقد عرف أنني سأسترد هذا الملف".
" ولماذا سميته موروينا؟ أعرف أن هذا أسم شائع هنا , ولكن......".
" هكذا أخترت هذا الأسم , ربما لأشجع نفسي على العمل ".
" لا غرابة في ذلك أطلاقا".
قال دومنيك وهو واقف في با الغرفة , تراجعت موروينا فجأة وأسندت ظهرها الى الكرسي , كرد فعل على ظهوره المفاجىء , تقدم دومنيك منهما ورفع حاجبيه مندهشا وهو ينظر الى عمه وقال:
" ما هذا يا نيكولا ؟ قصة أخرى من قصص العائلة؟".
" بل أنها قصة الماضي والحاضر والمستقبل كما آمل".
نظر دومنيك الى الملف وقال ساخرا:
" تكلّف أناسا غرباء لأنجاز مهماتك , لماذا كل هذا الحذر ؟".
أجابه نيكولا وهو يهز كتفيه:
" لدي أسبابي بدون شك".
" حسنا , لا أريد أن أسألك عن هذه الأسباب , ولكنك حشرت الآنسة كيرسلاك في موقف محرج ظهر هذا اليوم".
" أنها سامحتني , وأظن أنها ستسامحك أيضا مع الأيام , ولكن لماذا هذه الشكليات ؟ أن أسمها موروينا , ألا تتذكر ذلك؟".
" من حسن الحظ أنني لا أنسى الأشياء بسهولة".
قال دومنيك بشيء من السخرية , رفعت موروينا وجهها اليه , وقالت بثقة:
" يبدو أن اسمي ينكأ جرحا قديما لديك يا سيد دومنيك".
" كلا يا آنسة كيرسلاك , لا تحاولي تفسير بهذا الشكل".
أستمرا في عملهما بصمت في ما تبقى من عصر ذلك اليوم , لم تستطع موروينا أن تستشف ما يجول في ذهن نيكولا وهو منكب على رسومه وأرقامه , بينما جلست هي الى مكتبها تدوّن بعض الملاحظات التي طلبها منها نيكولا وذهنها منشغل في أمور أخرى , تفكر فيما أذا كان دومنيك يحاول أستغلال وضعها في تريفينون للحصول على متعة عابرة منها, وأحست بالألم يعتصر قلبها حين تذكّرت غاي ومعاملته لها , تعرف أنها جميلة وذات جاذبية , لذا ليس من المستبعد أن ما يطمح اليه دومنيك ه علاقة عابرة سرعان ما تنتهي حين ينتهي هو من نيل ما يريده , وأعترفت بألم لنفسها بأنها تحبه , غير أن هذا يجب أن يبقى سرا في هذا البيت المليء بالأسرار , ثم قالت لنفسها بحسرة: ( أهذا ما كان ينقصني ؟ أن أقع في حب من يعاملني بكل هذه القسوة والأذلال.

نيو فراولة 04-07-11 01:24 PM

أنتهت من أفكارها على صوت نيكولا , يقول بصوت مفاجىءء:
" سأتناول العشاء هذا اليوم في الطابق الأسفل".
أبتسمت وقالت:
" يبدو أنك قررت العودة الى الحياة الطبيعية".
" نعم , يكفي جمودا , علي الآن أن أهتم بتدبير أموري".
" ولكنك بدأت بذلك فعلا حين أرسلتني الى حوض الزوارق".
" أجل , كانت تلك البداية , والآن أذهبي الى أنيز , وبشّريها بالأمر , أظن أنها ذكرت شيئا عن بط مشوي , فلنحتفل اليوم بمناسبة عودتي الى الحياة الطبيعية".
كان صوته طبيعيا وهادئا , غير أنها لم تنخدع به , فسألته:
" ما الذي تخطط له يا نيكولا؟".
" ستعرفين ذلك قريبا".
أجابها ثم أنكب على أوراقه ثانية , غير أنه بعد لحظات من الصمت عد وقال لها:
" والآن , يا عزيزتي , أذهبي وهيئي نفسك للمساء".
أستقبلت أنيز النبأ وفسّرته بأن هناك حفلة ستقام في المساء.
كانت جالسة في المطبخ تقشّر التفاح , وقالت:
" سأطلب من زاك , أن ينظف الأواني الفضية".
" لا حاجة لزاك , أنا سأساعدك في ذلك".
" كلا , أكون شاكرة لو نظفت لي التفاح فقط".
دفعت أنيز بسلة التفاح والسكين اليها , ثم قالت لها:
" لا تنسي أن تغيري هذا البنطال القديم , ألبسي شيئا آخر , ستحضر كارين الى الحفلة حتما , وهي عادة تلبس ثيابا أنيقة".
" عندي فستان طويل سألبسه".
" لماذا تدعين ضيفتنا تتعبنا نفسها بالعمل يا أنيز؟".
كان ذلك دومنيك واقفا في باب المطبخ , ثم تقدّم ووقف أمامهما , وقال لموروينا:
" أريد التحدث معك على أنفراد يا آنسة كيرسلاك".
نهضت موروينا وتبعته الى مكتبه , وهناك سألته:
" تفضل , ماذا تريد؟".
" هل تعرفين لماذا يريد عمي أن يتناول عشاء الليلة في الطابق الأرضي؟".
هزت موروينا رأسها وقالت:
" هل هناك سبب معين لذلك؟".
حدّق في وجهها مقطبا جبينه ومضيّقا ما بين عينيه.
" كل ما يتفوّه به نيكولا , أو يفعله هذه الأيام , أنما لغاية معينة".
" ماذا تقصد؟".
" أنه يهييء نفسه لفتح الجروح القديمة , وأنت السبب في ذلك".
" أظن أنك تغالي في تقدير دوري في الأمور , يا سيد دومنيك".
" كلا , أنك بريئة من كونك عشيقة لرجل عجوز , ولكنك ما زلت تعملين لتحقيق الهدف الذي خططت له".
منتديات ليلاس
أرادت أن تقول له , بأنه مخطىء في ظنونه , وأنها لم تعد تهتم من ناحيتها بأي غاية أو هدف , ولم تعد تهمها سمعة أمها , أن لاورا نفسها لم تعط لهذا الأمر أهمية كبيرة , كانت غايتها سعادة نيكولا وراحته , وربما قدرت أنها أذا ما أبتعدت عن طريقه , فأنه وباربارة سيصلان الى نقطة ألتقاء.
" لا أعتقد أنك فهمت الأمر على وجهه الصحيح".
قالت موروينا , لكنه قاطعها قبل أن تكمل حديثها:
" فهمت جيدا , تريدين أثارة موضوع قديم وطرحه على بساط البحث بشكل علني , بدون أن تهتمي بالذي سيتضرر من عملك هذا ".
( كارين أنجلس؟ ) سألت نفسها , ( أهي من يقلق بشأنها ؟ ) قالت له:
" لا أستطيع فعل شيء".
أجاب بضحكة قصيرة وساخرة:
" تظهرين الوداعة والبراءة , وتخفين قسوة بالغة , يا ليدي موروينا".
" لا تنادني كذلك من فضلك".
" ولم لا , أذا كانت هي الحقيقة؟".
سار ووقف قربها حتى تلامس جسدهما , فشعرت موروينا أن عظامها تذوب وتتحول الى سائل ملتهب , ونظر اليها قائلا بصوت حنون ملؤه التحذير:
" موروينا , دعي هذا الأمر جانبا الآن".
" أنني آسفة ".
" ستأسفين على ذلك حتما".
أستدارت وهي تعض شفتها حتى أحست بطعم الدم على لسانها , سارت بهدوء الى خارج الغرفة وأغلقت الباب , ثم صعدت السلالم راكضة الى غرفتها , ألقت بنفسها على الفراش , وبكت حتى أحست أن الدموع قد جفت في عينيها.

faiza531 04-07-11 05:12 PM

بالجد روايه روعه الله سريييييييييييييييع كملوها عسل

نيو فراولة 04-07-11 05:30 PM

7- الغضب البارد






حين تأملت موروينا نفسها في المرآة , لم يكن هناك أي أثر في وجهها بسبب عاصفة البكاء القوية , صحيح , أنها كانت شاحبة بعض الشيء , وأن عينيها بدتا أكثر أتساعا عن المألوف , غير أن ذلك ربما كان بسبب الماكياج الذي أستعملته, جمعت خصلات شعرها في عقدة كبيرة فوق رأسها , تاركة بعض الخصلات الناعمة تتدلى فوق أذنيها وعلى مؤخرة رقبتها , وأرتدت ثوبا أسود اللون مطرزا بخطوط ذهبية ,ولبست حول رقبتها الناعمة قلادة ذهبية رقيقة , كانت أنيقة وجميلة حقا.
أطلّت من فوق السلالم على الصالة , فرأت أن قاعة الجلوس كانت مفتوحة الباب , وسمعت أصوات الضيوف وضحكاتهم , أذن فقد وصل ضيوف المساء , نزلت السلالم ببطء وهي تفكر بأنها لا تدري أي نوع من الحقد ستواجه به.
كانوا جميعا مجتمعين هنا , وأذ وقفت في الباب أدركت أنها آخر من وصل , دخلت الى القاعة بهدوء وقالت بصوت ناعم :
" مساء الخير".
خيّم الصمت على القاعة التي كانت تضج بالحديث والضحكات , لكن سرعان ما هتف نيكولا سعيدا وهو يبتسم:
" يا صغيرتي العزيزة , تفضلي , كم تبدين فاتنة! هيا , ليقدم لها أحد كأسا من العصير".
كان مارك من جلب العصير لها , وهمس وهو يقدم لها الكأس :
" يا ألهي كم أنت جميلة!".
ضحكت بنعومة وهي تخفي نظراتها عنه , ثم قادها الى المقعد حيث كانت تجلس باربارة أنجلس وكارين , وأمرأة أخرى قدموها لها وتدعى ( ليدي فان تود) , ثم سرعان ما أستؤنف الحديث الذي أنقطع بدخولها.
كانوا يتحدثون عن العطلات , وأخذت كارين تتحدث بحماس عن شواطىء كاليفورنيا حيث مكثت هناك عاما , وتقارنها بالشواطىء الأنكليزية , أحست موروينا بالملل من الحديث , فنظرت الى نيكولا الذي كان جالسا قرب النار , وهو يتأمل الحاضرين بنظرات مبهمة.
لم تكن موروينا وحدها صامتة , كانت باربارة أيضا قد توقفت عن الكلام وبدت ساهمة بعض الشيء , تأملتها موروينا وأحست بنوع من الشفقة نحوها , كانت أمها لاورا كيرسلاك محبوبة ومدللة من الجميع , وكان هذا يعوضها عما خسرت وعما لاقت من أهل تريفينون , أما هذه المرأة المتوترة الجالسة الى جانبها , فهي لم تكسب أي شيء من فعلتها الحقودة تلك , والسعادة التي كانت تتوقعها نتيجة تلك النكاية بلاورا كيرسلاك , تلاشت قبل أن تلمحها.
أرادت أن تقبض على ذراعها فجأة , وأن تهتف بها , أنهم جميعا يعرفون ما فعلت , ويسكتون عنك لمجرد النفاق , وأرادت أن تضع حدا لهذا الموضوع والى الأبد , ولكن ليس لها هذا الحق , فهي طارئة على هذه الأجواء , نيكولا وحده له الحق في أثارة الموضوع.
أرتشفت شيئا من عصيرها , وأحست بألم خفيف بدأ ينبض في صدغها , أرادت أن تضغط بأصبعيها على موضع الألم , لكنها توقفت عن فعل ذلك حين لمحت دومنيك يحدّق فيها.
كان العشاء لذيذا , وقد أضيئت قاعة الطعام بالشموع , مما زاد من لمعان مائدة الطعام , الأواني الفضية ذات الطراز القديم .
منتديات ليلاس
تظاهرت موروينا بالأكل , بينما الحقيقة أنها لم تستطع أن تأكل شيئا , فقد أحست بأن بلعومها قد ضاق فجأة بدون أن تجد تفسيرا لذلك.
أما نيكولا فقد كان يحاول دائما جرّ باربارة الى الحديث , وكسر حاجز الصمت الذي أقامته حول نفسها , كان يحدثها عن الذكريات , ويسألها عن أحداث مضت , وبدت هي شيئا فشيئا تتخلى عن صمتها وجمودها , وتعود اليها أبتسامتها وحيويتها.
عادوا الى قاعة الجلوس بعد أن أنتهوا من العشاء , وجلبت أنيز القهوة , فنهضت كارين وتناولت الصينية منها , وبدأت هي تديرها في الأكواب وتوزعها , وكأنها هي المضيفة, ثم أخذت كوب دومنيك اليه , وهمست له شيئا وهي تناوله الكوب , فضحكا معا , وعادت أخيرا وأخذت كوبها وجلست , بينما ظل كوب موروينا فارغا في الصيتنية , فأدركت موروينا أن ذلك كان تعمدا منها , غير أنها سكتت , والحقيقة أنها كانت غير راغبة في شرب القهوة في أية حال بسبب صداعها , لكنها بذلت جهدها للسيطرة على نفسها من ترك القاعة فورا , أذ كانت واثقة من أن كارين تريد ذلك , وأنها تحاول أشعار موروينا بأنها غريبة وسط أفراد ينتمون لعائلة واحدة.
" كارين , أظن أنك نسيت واحدا , لم تقدمي قهوة لموروينا ".
قال نيكولا بصوت خشن.
ألتفت الجميع اليها , فأحست موروينا بالدم يتصاعد الى وجهها وبالخجل يغمرها , وقالت بصوت مرتعش:
" لا بأس , حقا أنني لا أرغب فيها".
" أوه , أنني آسفة".
هتفت كارين لصوت مسرف في العاطفة , ثم أردفت:
" يا لها من غلطة فظيعة ! شاهدت كوبا زائدا وظننت أن أنيز قد أخطأت في العدد".
ثم أطلقت ضحكة خفيفة وأضافت:
" لقد حسبت أن المجتمعين هنا هم أفراد العائلة فقط".
تكهرب الجو فجأة بعد كلماتها , ولم يبق هنالك شك بأنها قصدت أهانة موروينا , أما موروينا فشعرت بأنها صفعت على وجهها علانية.
منتديات ليلاس
سبق دومنيك الآخرين في النهوض , أتجه نحو الصينية وملأ الكوب بالقهوة وقدمه الى موروينا , شكرته بكلمات غير واضحة, وأختطفت نظرة الى وجهه , كان هادئا لا أثر للغضب فيه , لم يكن راضيا عن سلوك كارين بدون شك , غير أنه لم يبد أي أحتجاج على كلماتها الجارحة , ربما كانت تلك الكلمات تعبّر عن أحساسه هو أتجاهها , أما كلمات نيكولا فقد كانت غاضبة بحيث أربكت موروينا في مكانها , حين قال :
" ما هذا الكلام يا عزيزت كارين , يجب أن تعلمي أن موروينا واحدة من هذه العائلة مثل أي واحد في هذه الغرفة ".
أدركت كارين بأنها أرتكبت خطأ شنيعا , غير أنها لم تعرف كيف تتجاوزه , قالت وهي تبسط يدها أمامها:
" بالطبع , لقد أسأت التعبير , فهمت أن الآنسة كيرسلاك تعمل هنا كسكرتيرة , ولم يخطر ببالي أبدا.......".
" أذن أفهمي جيدا الآن.........".

نيو فراولة 04-07-11 05:32 PM

قال نيكولا وقد غطت وجهه مسحة غضب , ولم يكن أبدا فظا كالآن , ثم أضاف قائلا بالأنفعال نفسه:
" لم أعتبرها في يوم من الأيام كسكرتيرة لي , أنها أعز من أبنتي , أنها عزيزة مثلما كانت أمها هنا من قبل".
" نيكولا!".
هتفت موروينا , وهي تعصر وجهها الملتهب براحتيها , لكنه أستمر قائلا بلهجته القاسية :
" لا أريد أن يبقى في شك , حول مدى تقديري وحبي لهذه الصغيرة".
ثم نهض فجأة مستندا الى عصاه , هرع دومنيك اليه ومسكه من ذراعه قائلا له بلهج محذرة :
" أهدأ ".
لكن نيكولا حرر ذراعه منه بعنف وهو يصيح:
" دعني , أنني بخير , تعالي هنا يا موروينا , أعطني ذراعك , عندي مفاجأة لك , لم أهيئها لهذه اللحظة , لكن الأحداث تباغتني".
وبينما هما يتجهان الى الباب , قالت له بصوت هامس:
" نيكولا , ما هذا الذي تفعله؟".
" لا تقلقي , أنا بخير , سيكون الأمر حسنا , صدقيني".
كان يرتعش من الغضب , أما هي فكانت مرتعبة من أن تصيبه نوبة ثانية نتيجة أنفعاله , وتبعهما الآخرون بذهول , وكان وجه باربارة شاحبا مثل وجوه الموتر.
في نهاية السلم أتجها الى اليمين, وكان نيكولا يلهث من التعب , لكنه واصل سيره بحزم حتى وصلا الى باب في نهاية الممر , وتركها , وأخذ يبحث في جيبه , قال دومنيك بصوت بارد:
" نيكولا , لا داعي لكل هذه المأساة أكراما لي".
لكن عمه لم يجبه , أخرج من جيبه حزمة مفاتيح , وأدخل واحدا منها في قفل الباب وفتحه , لم ترد هي أن تدخل الغرفة , لكنه سحبها معه , كانت غرفة والدتها , التي ظلت مغلقة منذ أن رحلت هي من هنا , لم تعرف ماذا خبأ نيكولا لها من مفاجأة , لكنه ظل ممسكا بذراعها , وهي تحدّق فيما حولها.
كانت غرفة نوم جميلة ونظيفة , ذات ستائر طويلة خضراء على النوافذ , وفراش أنيق , أما الأثاث فكان من الخشب الثمين ومن الطراز القديم , وكان هنالك حطب في المدفأة , ومناشف مرتبة في زاوية , كل شيء ينبىء أن من كان يسكن في هذه الغرفة في سفر , وأنه يتوقع وصوله في أية لحظة , لأنها ظلت مغلقة أكثر من عشرين عاما.
" ستكون هذه غرفتك يا صغيرتي".
قال نيكولا بحدة وكأنه يتحدى أي واحد يعترض , كانت موروينا ترتعش , وحين ألتفتت الى دومنيك لمحت على وجهه غضبا باردا أرتعبت منه , أنتابها شعور بأن ترمي نفسه عليه وتقول له : ( أنني آسفة , آسفة على كل ما حدث) لكنها ضبطت نفسها , وأدركت أنه لن يصدقها , فهو يظن أن كل هذا قد تم التخطيط له مسبقا بينها وبين نيكولا.
كانت تتأمل الفراش الكبي المزدوج , وتفكر أن هذا الفراش لزوجين , ألتفتت الى نيكولا لتسأله , لكنه أدرك ما يجول في ذهنها , فقال:
" نعم , أن والدتك رتبت هذه الغرفة , وكنت آمل أن تكون غرفتنا".
قالت باربارة أنجلس , التي كانت تقف جامدة كالصخرة , شاحبة الوجه , وقد أمتلأت عيناها بالدموع :
" غرفة لاورا , يا ألهي , يجب أن تذكروا الشرف الذي حصلتم عليه , بالسماح لكم بالدخول اليها بعد كل هذه السنين , ضريح لاورا!".
أظلقت ضحكة ساخرة وتركت الغرفة , وتبعتها كارين , ثم خرج مارك هو الآخر بأشارة من دومنيك , بقي ثلاثتهم يواجهون بعضهم . قال دومنيك متوترا:
" أتمنى أن تكون هذه القسوة التي لا مبرر لها قد أراحتك".
هز نيكولا رأسه بضجر وردّ:
" ما كان قصدي أن يحدث هذا , كانت خططي مختلفة عن هذا تماما , لقد فقدت أعصابي , هذا كل ما في الأمر , ولكن الأمر سيكون على ما يرام".
" أنت من يقول هذا ؟ كيف تتحدث عن المستقبل , أذا كنت ما تزال متعلقا بالماضي بهذا الشكل؟".قال دومنيك بصوت مزيج من السخرية والغضب.
" كفى بالله عليكما , لنترك هذا الموضوع".
قالت موروينا وهي على وشك البكاء.
" لماذا ؟ أتفكرين في وقت ومكان مناسبين أكثر من هذا؟".
قال دومنيك وعيناه متوهجتان من الغضب , ثم أستمر موجها كلامه لعمه بنبرة ساخرة:
" يبدو أنك كنت حريصا عل الأعتناء بهذه الغرفة طيلة هذه السنين , أنها تبدة نظيفة جدا".
" ولماذا لا ؟ كانت أنيز تنظفها بأمر مني كل هذه السنين".
وقفت موروينا بينهما , وهي تريد أن تردعهما عن هذا الحديث المحزن , وقالت بتوسل :
" رجاء , يكفي الحديث في هذا الموضوع , أنني أفضل البقاء في غرفتي , لا أريد هذه الغرفة".
ترك دومنيك الغرفة , بعد أن أغلق الباب وراءه بعنف , وتهالك نيكولا على كرسي صغير بجانبه , وهو منهك تماما فسألته موروينا بحزن:
" لماذا فعلت كل هذا؟".
" لقد فقدت أعصابي , كان ذلك خطأ , أنني آسف".

نيو فراولة 04-07-11 05:33 PM

وضعت موروينا يدها على ركبته قائلة وهي تبتسم من خلال دموعها:
" لا تأسف , ستكون الأمور على ما يرام".
ظلا صامتين بعض الوقت , كانت موروينا خلاله تحدّق فيه بحنان , وقد بدا لها أنه كبر عشرات السنين فجأة , ثم نهض من مقعده قائلا:
" من الأفضل أن أعود الى الطابق الأسفل لأرى ما حدث , هل ستأتين معي؟".
" كلا , أظن من الأفضل أن أذهب الى غرفتي".
" هذه هي غرفتك , أنني أعني ما أقوله , ستبقين في هذه الغرفة طيلة وجودك في تريفينون".
" لكنني لا أستطيع النوم هنا هذه الليل , أن جميع حاجياتي في الغرفة الأخرى".
" لا بأس , سينقل زاك حاجياتك غدا , لن تحتاجي لشيء هذه الليلة , فهناك بعض ملابس والدتك في الأدراج , ثياب النوم , وبعض أدوات الزينة , تستطيعين أستعمالها , أنها جميعا لك".
ثم ترك الغرفة , وظلت موروينا وحدها , وهي تشعر بالبرودة تسري في كيانها , تأملت مت في الغرفة من أشياء وأحست بالدموع تتجمع في عينيها ثانية , وفكرت لماذا لا تهرب من هذا البيت وتنقذ نفسها من كل هذه الآلآم والمحن . ثم كيف ستواجه كارين بعد اليوم؟ وتمنت أن لا تكون هنا حين يتزوج دومنيك من كارين , فذلك شيء لا يمكن تحمله أطلاقا.
منتديات ليلاس
ثم تركت الغرفة ومشت على رؤوس أصابعها , حتى وقفت في نهاية السلم , وهي تنصت لما يجري من حديث في الطابق الأسفل , كانت الأصوات جميعها رجالية لذا عرفت أن كارين وعمتها قد غادرتا البيت, وقد دهشت لذلك , ثم سارت الى غرفتها , ورغم أن بقاءها في هذه الغرفة أنما هو وقتي , فقد شعرت أنها في بيتها الحقيقي , دخلت في الفراش وأحست بالدفء , لكن الأفكار بدأت تتزاحم في رأسها , وجاهدت كي تطردها لكن بدون جدوى.
أستيقظت في الصباح متعبة من الأحلام المزعجة التي رأتها في الليلة الماضية , ولمحت من النافذة أن الصباح مشرق والجو صاف , والشمس تغمر المكان , فأحبت أن تستمتع بهذا الصباح الجميل لوحدها , وقبل أن تدب الحركة في البيت وتبدأ المشاكل ثانية , تركت فراشها وأخذت حماما سريعا , ثم أرتدت ملابسها , ونزلت الى الطابق الأسفل , أكتشفت أن الباب الرئيسي مفتوح , وهذا يعني أنها ليست وحدها المستيقظة باكرا , فهناك من سبقها , غادرت البيت وواصلت سيرها بأتجاه البحر , ولم تكن قد أبتعدت طويلا حين سمعت صوت محرك سيارة خلفها , أستدارت فشاهدت سييارة دومنيك واقفة أمام البيت , ثم نزل هو , قررت موروينا أن تتجاهله , وأن لا تتحدث معه , فواصلت سيرها , لكنها سمعته يناديها :
" موروينا , أنتظري لحظة".
لم تشأ أن تلتقي به , فأستمرت بدون أن تلتفت اليه , لكنها سمعته قادما من ورائها , وكانت خطواته سريعة , فأنتابها الذعر , فأسرعت في خطواتها , غير أنها أدركت أنه هو الآخر يسرع في مشيته , وأخيرا وجدت نفسها تركض , ولكن الى أين ؟ ولماذا تهرب؟ أنها ستواجهه حين تعود الى البيت, فلماذا الهرب منه الآن؟
وأبطأت في سيرها الى أن حاذاها , وقال بصوت بارد:
" لا تتظاهري بأنك لم تسمعيني وأنا أناديك , ثم لماذا تهربين مني؟".
" لقد سمعتك , أما لماذا أهرب منك , فأظن أن السبب واضح".
" ما أريده هو أن أتحدث اليك".
" لا أظن أن هناك شيئا تقوله لي , أحب سماعه".
أطلق ضحكة قصيرة , ثم قال :
" أوافقك على ذلك , لكن هناك أشياء يجب أن تقال , وفي مقدمتها أنني مدين لك بكلمة أعتذار , لقد كنت فظا في الليلة الماضية , والحقيقة أنني فقدت أعصابي".
" في أية حال , ليس للأمر أهمية ".
" بل أنه مهم بالنسبة الي".
قال هذا ومدّ يده الى ذقنها محاولا رفع وجهها اليه , لكن موروينا تراجعت خطوة الى الوراء مبتعدة عنه , ثم أضاف قائلا :
" أنك غفرت لنيكولا أنفعاله , فلماذا يا ترى لا تعاملينني مثله؟".
" بالطبع لا أعاملك مثله , فأنا أحبه جدا".
" ولا تحبيني , أليس كذلك يا موروينا؟".
" هل حقا تتوقع مني ذلك , وأنت تعاملني بهذا الأسلوب منذ وصولي في أول يوم؟".
ثم أستدارت وواصلت سيرها أتجاه البحر , ورفعت رأسها أتجاه الريح , فأحست ببرودتها تخفف من حرارة وجهها , وظل السؤال يعاودها بأستمرار : ( ترى ماذا يريد مني ؟ لماذا يلاحقني بأستمرار؟ أذا كان يكرهني فلماذا لا يتركني وشأني؟).
منتديات ليلاس
تجولت طويلا فوق الصخور العالية , وهي تتأمل البحر وتكسّر الأمواج على صخور الساحل , والزبد الأبيض المتطاير منها , والطيور التي تحوم على الشاطىء , والأشجار وأكواخ عمال المناجم المهجورة , وتمنت لو أنها جلبت معها عدة الرسم , أذن لكانت رسمت هذه المناطر البديعة , ولأحتفظت بها كذكريات لهذه الأيام المليئة بالأحزان , ثم عادت أدراجها الى البيت.
" ها أنت أخيرا !".
قالت أنيز حين رأتها , وكانت قلقة بسبب تأخرها, ثم أضافت :
" لقد قلق السيد نيكولا عليك , أين كنت كل هذا الوقت؟".
" ذهبت في نزهة , ويبدو أنني تأخرت".
" هيا الآن , الفطور جاهز , وسيصعد زاك الى غرفتك لنقل حاجياتك الى الغرفة الجديدة , أنني سعيدة لأن السيد نيكولا قد فتحها بعد كل هذه السنين".
" أنها غرفة جميلة , لكنها كبيرة عليّ , أفضل البقاء في غرفتي".
" كلا , أنها أفضل من الغرفة السابقة , ثم ربما لن تبقي وحدك فيها , ربما ستجدين من يشاركك فيها".

نيو فراولة 04-07-11 05:34 PM


قالت أنيز وذهبت الى المطبخ , تاركة موروينا في حيرة , وفكرت ما الذي تقصده من كلامها هذا , هل رأتها حين كانت واقفة مع دومنيك هذا الصباح , وهل تظن أنهما على علاقة؟
دفعت موروينا باب قاعة الطعام بعد تردد , ودخلت , كان مارك وحده جالسا هناك .
" مرحبا موروينا , كيف أنت هذا الصباح؟".
" كالعادة , وأنت ؟".
" أظن أن ما حدث الليلة الماضية ,لم يكن له أي مبرر ".
" من الأفضل أن تسأل نيكولا , هو الذي أثار كل تلك الضجة".
" صحيح , رأيتك متأثرة أكثر من الآخرين , لقد أسفت على باربارة , كانت صدمة كبيرة لها , وأهانة شديدة , كارين أخذتها بالسيارة , لم تكن قادرة على القيادة , ثم أنني لم أشاهدها وهي تبكي مثل البارحة".
" أنني آسفة".
" لا أحد يلومك , ما ذنبك أنت؟".
قال مارك , ثم أضاف وهو يبتسم:
" ما رأيك أن نتعشى معا في الخارج؟".
" معك؟".
" أهو أمر غريب يستوجب كل هذه الدهشة ؟ لقد خابرت بيدي مساء أمس ودعتك للعشاء , ولم أشأ أن أناديك على الهاتف لأنك كنت في غرفتك بعد الذي حدث , فطلبت مني أن أبلغك , ثم دعتني أيضا".
" أعتقد أن هذا ليس السبب الوحيد ".
" ربما , أذا وافقت على المجيء , من الأفضل أن لا تذكري ذلك لأحد".
" وماذا نفعل ؟ هل نسرق أنفسنا من الآخرين , ونتسلل من البيت تحت جنح الظلام؟".
" كلا , سأقول لهم أنني آخذك الى بورت فينور".
" تقصد بالآخرين أخاك , أليس كذلك ؟ حسنا هذا لا يهمني , أذا كنت مهتما بأن لا تجرح مشاعره , فدعني وشأني لأذهب وحدي الى سانتا أينا هذا المساء".
صب مارك المزيد من القهوة لنفسه , وهو لا يرفع عينيه اليها , ثم قال :
" الأمر ليس بهذه البساطة , أنت تعرفين أنني وبيدي كنا على علاقة , سابقا".
" نعم , أعرف ذلك هي التي أخبرتني".
" لا أدري ماذا قالت لك بعد , لا أريد أن أعرف الحقيقة".
" لم يرض أخوك عن تلك العلاقة , وطلب أنهاءها".
" نعم , ربما تستغربين ضعفي , وكيف رضخت لطلبه , الحقيقة أنني فعلت ذلك ظاهريا , وحاولت أن أقنع دومنيك مع الأيام , لكنني حين ذهبت لرؤية بيدي بعد أنقطاع , رفضت الأصغاء وطردتني".
" ولماذا لم تشرح الأمر لها منذ البداية؟".
" حدث كل شيء بشكل مفاجىء , والواقع أن شخصا ما أثار دومنيك ضدنا".
" كارين أنجلس مثلا".
" نعم , لا أدري متاذا قالت له , لكنها نجحت في تسميم مشاعره أتجاه بيدي".
حين أنتهت موروينا من فطورها , صعدت لكي تجمع حاجياتها حتى ينقلها زاك الى غرفتها الجديدة , جمعت كل حاجياتها في حقيبتيها , وذهبت الى الغرفة الأخرى , ومكثت هناك تنتظر , حتى جلب زاك الحقيبتين , مع رزمة كبيرة.
" آسفة لأزعاجك يا سيد زاك , ولكن ما هذه الرزمة؟".
" أنها رسومك التي جلبتها معك , لقد تم وضع أطارات لها في بنزاس , سأثبتها على الجدران هنا".
فكت موروينا خيوط الرزمة بأصابع مرتعشة , ثم فتحتها , كانت رسوم والدتها وقد أحيط كل منها بأطار ثمين من الطراز القديم , لقد كانت تتساءل دائما : ترى ماذا فعل نيكولا بالرسوم ؟ ربما تركها جانبا ولا يود رؤيتها لأنها تسبب بعض الشجن له , لكن ها هو أذن قد بعثها الى بنزاس لتأطيرها , أحست بالدموع تتجمع في مآقيها , وكانت راغبة في البكاء بشدة , علّق زاك الرسوم على جدار مواجه للنوافذ , بأرشاد منها , حتى يقع الضوء عليها وتراها واضحة أول ما تفتح عينيها في الصباح , حدّقت فيها طويلا حين ظلت وحدها في الغرفة , وفكرت , ترى ماذا كانت ستقول والدتها لو عرفت أن رسومها قد أنتهت الى غرفتها في تريفينون ؟ ثم ماذا تريد هي أكثر من هذا ؟ أما كان قصدها من المجيء الى هنا هو هذا ؟ أن يحافظ أهل تريفينون على الشيء الوحيد الذي تملكه؟ ها هي أمنيتها قد تحققت.
أحست بالباب وقد أنفتح بهدوء , بينما ما تزال هي تتأمل الرسوم , وأن شخصا ما دخل الى الغرفة , ظنت أنه نيكولا , جاء ليرى مدى تأثير هديته عليها , فقالت بدون أن تلتفت اليه:
" نيكولا أنك عطوف عليّ جدا , لا أدري كيف أجازيك ".
لكن حين ألتفتت اليه , ماتت الكلمات بين شفتيها وشحب لونها , كان الواقف هو دومنيك , تقدم خطوة أخرى منها , وقال بأنزعاج :
" ما هذا , لماذا تغيّر لونك هكذا , هل أزعجتك بدخولي؟".
" كلا , بالعكس , أنني حزينة لأنني رأيت ثياب أمي وخولتمها , والآن هذه الرسوم وقد علّقت في غرفتها , أحس وكأنها معي الآن , بالطبع لا أتوقع منك أن تفهم مشاعري".
" كلا , لا يهمني ذلك , جئت لأتحدث معك في موضوع ما , لكن يبدو أن الوقت غير مناسب الآن".
" ليس هناك ما نتحدث به , دعني لوحدي بسلام أرجوك".
قالت موروينا متوسلة وقد أغمضت عينيها , ووضعت وجهها بين راحتيها , لم يقل دومنيك أي شيء , بينما ظلت هي في وضعها للحظات , وحين فتحت عينيها وجدت نفسها وحيدة في الغرفة , فهتفت بصوت مخنوق :
" أوه دومنيك , يا حبيبي".
لكن لم يكن هناك أحد ليسمعها.

نيو فراولة 04-07-11 05:36 PM

8 - لن أفكر بك





علّقت موروينا آخر كرة زجاجية ملونة في مكانها , ثم نزلت السلم الصغير , وتأملت شجرة عيد الميلاد طويلا , وكانت قد بذلت جهدا كبيرا حتى أقنعتهم لجلب هذه الشجرة , ووضعها في هذه الزاوية.
" شجر عيد الميلاد ؟ وفي بيت جميع من فيه غير متزوجين؟".
قال مارك مندهشا .
" ولماذا لا ؟ ربما ستجلب الحب والخير الى البيت ".
أجابته موروينا التي أنفقت في خلال الأسابيع القليلة الماضية , الكثير من الوقت مع مارك , حتى أن دومنيك سألها مرة غاضبا فيما أذا كانت متأكدة مما تفعل , فضحكت وأحست بسعادة كبيرة من غيرته عليها , وفي مناسبة أخرى قال لها أيضا:
" يبدو أن مارك مصمم على أن يجرب حظه معك".
فضحكت , وطمأنته بأن لا أحد يقدر أن يفوز بقلبها غيره .
ولم ترغب أن تخبره بأن العلاقة بين مارك وبيدي قد عادت الى مجراها الطبيعي , منذ تلك الأمسية التي ذهبت معه الى سانت أينا لتناول العشاء في بيتها.
ألقت نظرة أخيرة على شجرتها , وتهيأت لترك قاعة الجلوس , بعد أن تضيء أضواء القاعة كلها , ربما ستجلب نجمة الأمل التي علقتها على الشجرة , الحظ لمارك وبيدي على الأقل , أما نيكولا وباربارة فيبدو أنه ليس هناك من أمل كبير في تحقق سعادتهما معا , أذ لم تقترب باربارة من تريفينون منذ تلك الليلة التي أقيمت فيها حفلة العشاء , وأستنتجت موروينا من ملاحظات أبداها نيكولا أن باربارة لم تعد تعمل في حوض الزوارق , متعللة بالمرض.
أما كارين فلم تنقطع عن الظهور , بالرغم مما حدث , وبدا واضحا أنها قررت التغاضي عن حقيقة أنها هي التي كانت السبب في كل ما حدث , وتصرفت بروحية توحي بأنها قد سامحت الجميع على سلوكهم في تلك الليلة , وكأن ما حدث كان بسبب الآخرين لا يسببها , وهذا ما جعل نيكولا ينسحب اى غرفته ويغلقالباب عليه كلّما ظهرت كارين في تريفينون.
حين أمسكت بقبضة الباب حتى تفتحه , خفق قلبها بعنف , لقد سمعت صوت كارين في الصالة الخارجية , ترددت للحظة , هل تخرج أم تمكث حيث هي , أذ ربما ستذهب كارين بدون أن يطول بقاؤها , لكنها في الأخير دفعت الباب وخرجت .
منتديات ليلاس
كانتكارين هناك مع دومنيك , يقفان معا , وندمت موروينا على خروجها من القاعة في هذه اللحظة غير المناسبة.
ألتفت دومنيك اليها , فألتقت نظراتهما في لمحة خاطفة , وقال :
" أهلا موروينا , سأطلب من أنيز أن تحضر لنا شيئا من القهوة , هل تشاركيننا؟".
" كلا , شكرا , أنني أرتب قاعة الجلوس , وحالما أنتهي منها , سأبتعد عن طريقكما".
" لم أكن أعرف أنك تقفين في طريقي".
قال دومنيك وذهب أتجاه المطبخ.
" ماذا كنت تفعلين هناك؟".
سألت كارين وهي تنظر الى علب الكرات الملونة والأشرطة التي في يد موروينا .
" زينات عيد الميلاد , تعرفين , بعد غد هو العيد".
" أعرف ذلك بالطبع".
قالت كارين وهي تبتسم , ثم سارت الى قاعة الجلوس وهتفت :
" أوه , يا ألهي , فكرة من كانت هذه الزينة الجميلة؟".
" فكرتي , ألا تحبين أشجار العيد؟".
" أحب أشجار العيد في أماكنها , في الساحات العامة , في الفنادق مثلا , أما هنا , في هذا البيت , وفي هذه الغرفة , فأظن أنها ليست مناسبة , وأعتقد أن أنيز لن تشكرك على هذا ".
" أنيز سعيدة جدا بهذه الزينة".
" هكذا أذن".
قالت كارين مبتسمة , ثم أضافت :
" لا يغرنك رضا أنيز , فهي ليست أكثر من خادمة في هذا البيت, مجرد عاملة مثلك".
" لو كنت في محلك , لكنت أكثر حذرا , ولما سمحت لأحد أن يسمعني وأنا أتحدث بهذه اللهجة ".
" لا تنسي أن وضعينا مختلفان تماما , فهذا البيت لن يكون بيتك النهائي , ولن تكوني هنا سيدة في يوم من الأيام".
" وهل ستكونين أنت كذلك؟".
" بالطبع".
قالت كارين بنبرة سعيدة وواثقة , ثم أردفت بعد لحظة سكوت :
" ودومنيك أقتنع بأنني سأقوم ببعض التغييرات في البيت , وبالطبع فأن زوجين في بداية زواجهما لا يرغبان في أن يشاركهما عدد كبير من الناس حياتهما , وأنيز بالطبع مخلصة لنيكولا , فلا أظن أنها ستبقى هنا حين يذهب هو".
قالت موروينا وهي تهز رأسها غير مصدقة :
" ستطردين نيكولا من بيته؟ لن تقدري على أرتكاب مثل هذا الفعل , أنه رجل عاجز ومريض".

نيو فراولة 04-07-11 05:37 PM

أجابتها كارين ببرود وهي تلوي شفتيها :
" لقد تحسنت صحته تماما , ربما سيعيش سنوات طويلة بعد , لا أريد أن أبدأ حياتي الزوجية في ظله , أنه يتصرف وكأنه ما يزال هو السيد هنا , وهذا وضع لست مستعدة لقبوله ".
" وهل يوافقك دومنيك على هذا؟".
" دومنيك يحبني , ولا يبخل عليّ بأي شيء أريده".
أجابت وعلى وجهها أبتسامة رضا , ثم أضافت وهي تنظر اليها بكبرياء وغرور:
" أنصحك أن تجدي لنفسك مأوى آخر , يا آنسة كيرسلاك , فأخشى أن تكون أيامك معدودة في هذا البيت , صدقني".
" أعرف ذلك جيدا , وقد رتبت أموري أن أترك هذا البيت في بداية العام الجديد".
" والى أين تذهبين ؟ تبقين تدورين حول نيكولا , حتى يعطف عليك ويأخذك الى بيته الجديد , أليس كذلك؟".
" كلا , سأذهب الى لندن وأجد لي عملا حتى الربيع , وبعده آمل أن أذهب الى كاركاسون لأخذ دروسا خاصة في الرسم".
" دروس خاصة؟".
" نعم , مع لينو كريستي".
" يا ألهي أنك تحلّقين عاليا مع أحلامك , ترى من أين ستجدين النقود التي تكفي مصاريف لهذه الدراسة ؟ من رصيدك في البنك , وأنت مجرد فتاة عاملة ؟ أم أنك تتوقعين أن يمدك نيكولا بالمصاريف ؟ ألا تعرفين أنهوضع كل ما عنده في مشروع حوض الزوارق , ولم يعد يملك قرشا واحدا ؟ أخشى ألا تجدي أحدا في هذه العائلة يشتريك بقرش واحد".
أرادت موروينا أن تضربها على وجهها بالعلب التي في يدها , لكنها ضبطت نفسها وقالت لها بهدوء وبرود أعصاب:
" من فضلك لا تقلقي بشأني يا آنسة كارين , ألم تسمعي بالمثل القائل , لا تفكر لها مدبر ! أعرف كيف سأرتب أموري".
ثم تركتها موروينا واقفة , وعبرت الصالة وصعدت السلالم بدون أن تلتفت الى الوراء , كان قلبها يخفق بشدة , وشعرت بالألم يسري في جسدها , تساءلت ترى هل يعرف دومنيك ما تخططه خطيبته , وزوجة المستقبل ؟ أم أنه مغرم بها لدرجة أنه لا يعير أهتماما لأي شيء سواها ؟ كان باب غرفة نيكولا مفتوحا حين عبرت من أمامه , فرفع رأسه ع مكتبه وناداها قائلا:
" أهي كارين التي جاءت؟".
" نعم , وهي باقية لتشرب القهوة مع دومنيك".
" أذن أنا باق هنا , هيا أغلقي الباب وتعالي , أريد أن أريك شيئا".
ثم أخرج ورقة قائلا برضا وهو يبتسم :
" هذه الرسالة وصلت صباح هذا اليوم , بينما كنت أنت خارج البيت خذيها وأقرأيها".
كانت رسالة من أحدى الشركات تعلن موافقتها على تصاميم الزورق ( ليدي موروينا ) وأن المسؤولين فيها يرحبون بفكرة أنتاج الزورق , ويعلنون أنهم يستدعونه للأجتماع بهم في أول العام الجديد لوضع المشروع موضع التنفيذ , هتفت موروينا فرحة بعد الأنتهاء من قراءتها:
" أوه , هذه أنباء عظيمة حقا".
فأجابها بهدوء:
" نعم , لكن ما يزال الأمر يحتاج الى عمل شاق يا صغيرتي , وهذه هي البداية فقط".
" لو كنت مكانك يا نيكولا لوقّعت العقد منذ الآن".
هزّ نيكولا رأسه , ثم أسند ظهره الى الكرسي مسترخيا , وقال:
" سأترك هذا الأمر لدومنيك , هو الذي سيقوم بالمفاوضات مع الشركة , أما أنا فسأتفرغ للتصاميم وبناء المشروع".
أخذ الرسالة منها ووضعها في درج مكتبه , ثم أضاف قائلا:
" أشعر أنني منحت عمرا جديدا".
كانت موروينا ساهمة تماما , وكان واضحا على وجهها أنها في عالم آخر , وليست مع نيكولا , فحدّق فيها طويلا ثم سألها:
" ما الذي حدث يا موروينا ؟".
" لا شيء , أنني سعيدة لهذا النبأ ".
" " كلا , لا بدّ أن هناك شيئا ما يقلقك , أهو مارك ؟".
" أبدا ..... لا شيء".
" أنني واثق أن هناك ما يقلقك , قولي ما هو".
موروينا أحنت رأسها , وأخذت تحدّق في يديها , وقالت:
" لقد حان الوقت لأذهب من هنا يا نيكولا , مشروعك قد تحقق الآن , وأظن أنك لن تستمر في كتابة تاريخ العائلة بعد , لقد وافقت على البقاء هنا حتى أعاونك , ولم تعد تحتاج الى ذلك بعد الآن , أريد أن أبتعد من هنا وأن أعثر على حياتي الخاصة".
ظل نيكولا صامتا لعدة دقائق , ثم قال:
" ظننت أنك سعيدة هنا يا عزيزتي ".
حمدت موروينا الله , لأن نيكولا كان يظن ذلك , وأنه لم يفطن الى حقيقة العذاب الذي تتحمله في هذا البيت , وقالت :
" أنني سعيدة بدون شك , ولكنني لا أقدر على البقاء هنا ال الأبد".
" كنت أظن أنك ستبقين معي ما دمت أنا في حاجة اليك , أو على الأقل لتري الزورق , ( ليدي موروينا ) وقد أكتمل بناؤه".
" أرجوك يا نيكولا لا أقدر...............".

نيو فراولة 04-07-11 05:38 PM

سادت فترة صمت أخرى , كان كل منهما خلالها غارقا في أفكاره , تكلم بعدها نيكولا.
" لقد هجرتنا باربارة أيضا........".
" أظن أنها ستعود حين أبتعد أنا من هنا , وتأخذ الأمور مجراها الطبيعي".
" كلا , لن تعود الأمور الى مجراها ثاتية , ولا أريدها أن تعود".
أبتسمت موروينا قائلة:
" يبدو أنك تفتقدها يا نيكولا ".
قال بصوت ضعيف وبتردد:
" ليس الأمر هكذا يا صغيرتي , ولكن لنر هل ستحضر الى عشاء العيد".
" عشاء العيد؟".
" لقد أصبح هذا تقليدا لدينا , أنها تحضر معنا العشاء في مساء كل عيد , منذ عشرين عاما , وكارين معها".
" ربما لن تحضر هذه المرة , بسببي".
" لا أعرف في الحقيقة".
كان صوته ضعيفا ومتعبا , وقد خفّت منه الحيوية التي كانت فيه حين تحدث عن مشروع الزوارق , فأدركت موروينا أنه يشعر بثقل الوحدة , فقد كان وحيدا قبل أن تأتي هي الى هنا , وسيبقى كذلك حين تذهب , وفكرت أنه يجب تحذيره مما تخططه كارين بشأنه قبل فوات الأوان.
في طريقها الى غرفتها , ألتقت بمارك , فحياها قائلا:
" " أنا ذاهب الى العشاء مع بيدي , هل ترغبين في مصاحبتي؟".
" أرغب في الواقع , لكن لدي الكثير من الأشغال لأنجزها قبل اعيد , أذهب أنت , لكن كن حذرا حتى لا يعرف دومنيك".
ارتسمت على وجهه أمارات الحزن والضجر , وقال منفعلا:
" أوه , لقد سئمت من مراقبته الدائمة لي , وكأنني صبي صغير , بينما هو غارق في غرامياته".
" وكيف عرفت؟".
" من سلوكه في الفترة الأخيرة , ومن الخاتم بالطبع".
" خاتم؟".
" نعم , خاتم الزواج الذي يعود لوالدتي , أنه واحد من الأشياء العزيزة التي بقيت منها , لقد أخذه الى صائغ في بنزاس لتنظيفه وتصغير حجمه , لذا يبدو أن هناك خبرا سيعلن عنه مساء العيد , وربما سيقنعون باربارة بالمجيء أيضا , ما دام هناك أعلان خطوبة".
" نعم , يبدو أنه سيكون أحتفالا عائليا".
قالت موروينا بصوت أقرب الى الهمس, وبنبرة حزينة :
" ربما لن يكون ذلك هو الشيء الوحيد".
قال مارك مبتسما , ثم غمزها وذهب.
منتديات ليلاس
لم يمر العشاء في ذلك المساء سعيدا , بالرغم من أن كارين تظاهرت بأنها لطيفة وطبيعية , حتى أنها وافقت نيكولا على رأيه حين أبدى اعجابه لترتيب مورينا لشجرة العيد , أما دومنيك فقد تأمل الشجرة بنظرة ساخرة بدون أن يقول شيئا , كما أنه لم يعلّق بشيء حين أعلن مارك في نهاية العشاء , أنه سيأخذ موروينا بسيارته في جولة فقال له نيكولا:
" كن حذرا في قيادتك , فالطرق مغطاة بالجليد".
" بالطبع سأكون كذلك , ولماذا المجازفة , خاصة ولدي الأن ما أعيش من أجله".
خيّم صمت عميق على الجالسين , وأصطبغ وجه موروينا بلون أحمر , وهي تنهض من مكانها , لقد أعتقد الجميع أن مارك يعنيها بكلامه هذا , أما تعابير وجه كارين فكانت مزيجا من الدهشة والعداء , وبالرغم من أن وجه دومنيك لم يفصح عن شيء , ألا أنها لمحت غضبا باردا فيه حين أختطفت منه نظرة سريعة.
وقالت لمارك غاضبة في السيارة:
" ما الذي دفعكأن تتفوه بهذا الكلام أمامهم ؟ سيظنون أنك تقصدني".
" وسيكتشوف خطأ ظنونهم قريبا".
" لكنك تعقد الأمر علي هنا , سيفكر دومنيك أنني......".
" سيفكر ماذا يا عزيزتي ؟ أنتم جميعا تعيرون أهمية كبيرة لرأي دومنيك , لست أدري لماذا ؟ خذي الأمور ببساطة حتى مساء العيد".
" وما الذي سيحدث حينئذ ؟".
قال مارك وعلى وجهه أبتسامة عريضة:
" أنتظري وسترين".
ولم ترغب أن تلح عليه في معرفة الأمر , فغيّرت الموضوع حتى وصلا الى سانت أينا.
قال مارك لبيدي في بيتها , وهو ماسك كفها بين راحتيه:
" حبيبتي بيدي , أريد أن تحضري أنت وشقيقك , حفلة العشاء في تريفينون مساء العيد".
" لا أظن أنها فكرة صائبة...".
" بالعكس , أنه أنسب وقت لأعلن فيه , رغبتنا في الزواج , خاصة من المحتمل أن يعلن دومنيك خطبته في الوقت نفسه".
" لن أذهب الى تريفينون من تلقاء نفسي , أما أذا وافق أخوك على فكرة زواجنا ودعاني بنفسه الى الحضور , فذاك أمر مختلف".
في طريق العودة الى البيت , قال مارك متألما:
" الحقيقة أنني لا أفهمها , ظننت أنها ستفرح بالأمر".
" من حقها الأعتراض , فهي لا تريد أن تكون متطفلة عليهم , ولا تنس أنني أول من جربت معاملة أخيك للضيوف غير المرغوب فيهم , وكانت تجربة غير سعيدة".
" هذا صحيح , لكنه لم يعامل بيدي مثل معاملته لك , لا أتذكر أنه عامل أحدا , كما عاملك يه من عداء وقسوة".
" شكرا".
قالت موروينا , ثم سكتت بعض الوقت , وأضافت ثانية :
" عوملت هكذا لأنني شاذة عن القاعدة؟".
" لا أعني ذلك لكنني أتعجب أحيانا....".
قال ثم سكت بدون أن يكمل حديثه .
" تتعجب من ماذا ".
سألته موروينا , لكنه تهرّب من الجواب , قائلا:
" لا شيء , أنسي هذا الموضوع , أتظنين أنه سيكون ثلج في العيد؟".
" الجو بارد جدا".
تحدثا كثيرا في أمور عادية وهما في طريق العودة , حتى وصلا الى البيت..........

نيو فراولة 04-07-11 05:39 PM

قال مارك لها في الصالة , بعد أن أغلق الباب الخارجي :
" أذا أصرّت بيدي على عدم حضور حفلة العيد , فسأحترم قرارها , سأتحدث الى دومنيك غدا وأخبره بعزمي على الزواج منها , فأذا اعترض بكلمة واحدة , فسأجمع حاجياتي وأترك البيت الى سانت أينا , حتى أجد مكانا لي ولبيدي في بورت فينور , بعد الزواج".
" هذا هو القرار الصائب , لا تؤخر حفلة زواجك كثيرا , لأنني سأترك تريفينون بعد العيد مباشرة , ربما في الأسبوع القادم , أريد أن أكون أحد الحاضرين في حفل زواجك".
" ستكونين حاضرة بدون شك , بل ستكونين أحد الشهود مع شقيقها".
قالت موروينا مبتسمة :
" سأكون سعيدة بذلك".
أنحنى وطبع قبلة على جبينها قائلا:
" أنا وبيدي نشكرك جدا , لقد ساعدتنا كثيرا".
أرادت أن تقول له بأنها لم تفعل شيئا , سوى أنها أزالت سوء التفاهم بينهما , لكنها سمعت حركة من خلفها , فأستدارت لترى ما هي , فلمحت باب دومنيك مفتوحا , وهو واقف هناك يحدث فيهما بوجه عابس.
ترك مارك ذراع موروينا , وقال لدومنيك ضاحكا:
" مرحبا دومنيك , لم أعرف أنك ما زلت مستيقظا ".
" هذا واضح , آسف أذا ما أفسدت عليكما لحظة حب جميلة".
أجابه بصوت بارد وغاضب , ثم أستدار ودخل مكتبه بعد أن صفق الباب وراءه بعنف.
" يا للجحيم !".
قال مارك بسخط , ثم سار خطوة قائلا:
" سأذهب لكي أوضح......".
لكن موروينا أمسكت ذراعه قائلة بنبرة متوسلة:
" كلا , إنه غاضب الآن , دع هذا الأمر للصباح".
" لماذا يتصرف بهذا الشكل ؟ أنني لا أفهمه بالحقيقة , في أية حال , لنترك الأمر للصباح , ربما سيهدأ ونستطيع أن نفهم منه ما يريد".
ظلت موروينا تتقلب في فراشها بدون أن تقدر على النوم , ثم أضاءت المصباح الذي بجانب الفراش , ونظرت الى الساعة , كانت تشير الى الثانية صباحا , وهي لم تغمض عينيها بعد , ودفنت وجهها في الوسادة وهي تتمنى لو أن لديها الآن حبة منومة , رغم أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنها لم تستعمل منها سابقا , ثم فكرت أنه ربما سيساعدها قدح من الحليب الساخن في ترخية أعصابها ويعينها على النوم , فنهضت من فراشها وإرتدت قميصها , ثم فتحت الباب بهدوء وخرجت , كان الجميع مستغرقين في النوم , فنزلت السلالم ببطء , وألقت نظرة على غرفة دومنيك , فوجدتها مغلقة ولا أثر لحركة فيها , أتجهت الى المطبخ ودفعت بابه فأنفتح محدثا صريرا خفيفا , وضعت مقدارا من الحليب في إناء , ثم تركته على النار , وحين أصبح ساخنا , ملأت قدمها منه , وإستدارت لترك المطبخ , حين لمحت دومنيك واقفا في الباب, أرتجفت من المفاجأة , وكادت تفلح قدح الحليب من يدها.
لكنها تماسكت وقالت مبتسمة:
" أوه , أني آسفة أذا كنت أيقظتك من نومك , لم أستطع النوم , أتريد قليلا من الحليب؟".
" كلا , شكرا ".
" الأضواء جميعها مطفأة , فظننت أن الجميع نائمون".
" كنت جالسا في مكتبي , ما زالت هنالك نار في المدفأة , تعالي وأجلسي معي".
أستنتجت موروينا من طريقة حديثه , أنه غاضب , فأجابته وهي تترك المطبخ:
" شكرا , سأعود الى غرفتي ربما سأنام قليلا".
لكنه أمسكها من ذراعها قائلا:
" قلت أنك لا تستطيعين النوم , أذن تعالي وأجلسي معي".
رفعت موروينا وجهها إليه وقالت بحدة:
" ألا يمكن أن تختار لحظة أكثر مناسبة من هذه , لتتحدث أليّ؟".
أطلق ضحكة قصيرة وقال:
" بدون شك أنه ليس بالوقت المناسب للحديث , ولكن يبدو لي أنك ستختفين قريبا فجأة , كما جئت فجأة , لذلك أفضل أن أقول لك كل ما عندي قبل أن تختفي".
ثم قادها من ذراعها الى مكتبه وأجلسها على المقعد المواجه للمدفأة , قائلا بحدة:
" أجلسي".
وجلس هو في مقعد آخر , وظلا صامتين بعض الوقت حتى قالت:
" قلت أنك تريد أن تتحدث معي..".
" نعم , لم أنس ما قلت".
قال ونهض من مكانه , وجلس إلى جانبها على المقعد وأردف بعد لحظات من الصمت :
" أنت ما زلت طفلة يا موروينا , أجل , خاصة الآن بثوب النوم هذا , وشعرك المحلول , طفلة حقيقية , لا تدركين مدى الأذى الذي تسببينه لبعض الناس بتصرفاتك".
" لا أفهم ما تقصده".
" لقد أخبرتنا كارين , إن عمتها لن تحضر حفلة العشاء مساء العيد , وإعتذرت لأن صحتها لا تسمح لها بالمجيء , الحقيقة إنها كانت على علاقة حب مع نيكولا لسنوات , ولكن أنتما الأثنين – أثرتما فجأة كل تلك الذكريات الحزينة في ذلك المساء وسببتما لها كل ذلك الألم , لماذا بحق السماء؟".
" ليس الأمر كما تفهمه أنت , لم يفعل نيكولا غير أنه كشف بعض الحقائق".
" هل أنت واثقة من أنك تعرفين ما هي الحقيقة؟".
" أعتقد ذلك".
" إن هدفك ليس السعي وراء الحقيقة , بقدر ما هو أستغلال الآخرين".
" أذا كنت تحسب بقائي هنا إستغلالا فأنني راحلة قريبا".
" إلى كاركاسون , لدراسة الرسم أليس كذلك؟".
" كارين أخبرتك بالأمر , حسنا أنه كذلك ألديك إعتراض؟".
" بالعكس".
قال دومنيك , ثم تأملها طويلا , وأضاف مبتسما :
" أذا كنت قد فشلت في تحقيق هدفك الأول , فأنني لا أتردد في مساعدتك لتحقيق هدفك الآخر".
نظرت إليه مستغربة وسألته:
" ماذا تعني؟".
" أنك تجيدين التمثيل حقا , رغم صغر سنك , أتعرفين فانيسا ؟".
" أجل , إنها إبنة عمي".
" وصلت منها بطاقة العيد لك , وقد فتحتها خطأ , وأنا أعتذر عن ذلك , لم أتوقع أن يرسل أحد لك خطابا إلى هنا , أنها تسألك في بطاقتها فيما إذا كنت قد نجحت في إقناع ماك تريفينون الوسيم , بالزواج منك , أو لتمويل دراستك على الأقل في كاركاسون , وبما أنك في نصف عمري , وآخر من أفكر بالزواج منها , لذا فأنا على أستعداد لأن أعطيك ما تحتاجينه لدراستك هذه , ولكن على شرط".
أحست موروينا أنها لا يمكن أن تذل أكثر من هذا , وإن الموت أهون بكثير مما تلاقيه هنا من إذلال , إبتعدت قليلا عنه وتطلعت إلى وجهه بيأس شديد , وقالت:
" أوه يا دومنيك , أهذا هو ثمن حبي لك؟".
" حب؟ عماذا تتحدثين؟ لا تنسي أنني في ضعف عمرك".
أدركت موروينا أنه لا فائدة من التحدث معه بعد , وأن الأمور قد وصلت إلى نهايتها , عليها أن تغادر هذا المكان في أقرب وقت ممكن , إن دومنيك يعود لأمرأة أخرى , أنه ملك كارين , وهي التي ستفوز به في النهاية , فلماذا تذل نفسها هذا الأذلال ؟ ماذا تريد منه , وقد كشف عن مشاعره نحوها منذ أول يوم وصلت؟
نهضت من مكانها لتغادر الغرفة , لكنه أمسكها من ذراعها وأجلسها ثانية:
" إجلسي , لم أنته من حديثي بعد".
" دعني وشأني , ماذا تريد مني؟".
" سأعطيك مصاريف دراستك , بشرط أن تبتعدي من هنا فورا , وتتركي نيكولا وشأنه , أريد أن يعيش بسلام بقية حياته , ولا يمكن أن يتحقق ذلك بوجودك معه ,دعيه وشأنه , هل تعدينني بذلك؟".
" لا أقدر أن أعدك, أتمنى لو أستطيع , صدقني........".
" أصدقك؟".
قال ساخرا ثم أضاف:
" في أية حال , لقد أنذرتك , وقد أعذر من أنذر".
هرعت إلى غرفتها وكأن الشيطان يلاحقها , وأغلقت الباب من الداخل خشية أن يتبعها دومنيك .
أخفت وجهها بين راحتيها وهي على فراشها وهمست : ( عليّ أن أنقذ البقية الباقية من كبريائي قبل فوات الأوان.................

فتاة 86 04-07-11 10:17 PM

:peace::toot::peace:
تسلم الأنامل يلي تعبة بكتابة هلرواية
بس لتسعدنا و تعيشنا لحظات من الرومنسيةالساحرة
يعطيكي العافية

:55::8_4_134::55:

زهرة منسية 05-07-11 02:50 AM

الروايه حلوه كتير كتير كتير كتيييير حبيبتى يسلموا أيديكى يا جميل

نيو فراولة 05-07-11 10:30 AM

9 - آثار على الثلج



" هل أنت مجنونة؟".
سألها نيكولا محاولا أقناعها بالعدول عن قرارها , ثم أضاف:
" أتظنين أنك قادرة على العثور على عمل أو مأوى في هذا الوقت من السنة ؟ أن مجرد التفكير في ترك البيت الآن , هو جنون بحد ذاته".
" لا بد أن أذهب".
كررت موروينا بإصرار , وقد أحنت رأسها , تحدق في الأرض:
ط وعدتني بأنك ستقضين العيد معي , كيف ستتركينني خاصة أن باربارة قررت عدم حضور العشاء معنا في العيد؟".
" نعم , سمعت بهذا , وهو أحد الأسباب التي تدفعني للأبتعاد من هنا , وأنا متأكدة أنها ستحضر أذا ما ذهبت أنا , وستعود الأمور بينكما كما كانت , أنها تستاء من وجودي".
" هذا مجرد تخمين , ما الذي يجعلك تظنين أنها ستغير رأيها , تتعلل بالمرض , ولم أرها يوما مريضة في حياتها".
" ربما هي مريضة حقا , ربما أصيبت بصدمة ".
" أسمعي يا صغيرتي , أنك أعز من أن أتركك تتشردين بدون مأوى , إبقي معنا فترة العيد على الأقل , وبعدها لن أقف في طريقك أذا ما رغبت في الذهاب".
إبتسمت موروينا بالرغم من وجهها الشاحب وقالت:
" حسنا يا نيكولا , سأبقى حتى نهاية العيد , ولكن يجب أن تعدني بأنك ستتركني أذهب بعد ذلك".
" أعدك بذلك , أذا كنت تصرين على الذهاب".
قال نيكولا يائسا وقد غطّت وجهه تعابير الحزن والألم , وحين لمحته موروينا كذلك , غيّرت موضوع الحديث قائلة :
" هل تشعر بتحسن في يدك , خاصة أنك مقبل على عمل جديد؟".
" أفضل مما كنت أتوقع , يبدو أن التمارين التي مارستها طوال تلك الأشهر قد أفادتني كثيرا".
عرفت موروينا أنه يرغب في أستئناف عمله , لذا أعتذرت قائلة أن لديها بعض الهدايا لم تغلف وتشد بالأشرطة , فأنسحبت إلى غرفتها , لقد أنفقت كل ما تملك من نقود في شراء الهدايا , أشترت زوجا من الخف المطرز لأنيز , وقفازات قيادة لمارك ... أما لنيكولا فقد أقتنت له ربطة عنق من الحرير الصافي , ولم تنس حتى زالك , فهيأت له كيسا من تبغه المفضل , شخص واحد فقط في البيت كان خارج قائمة هداياها , كانت تود لو تشتري له أثمن هدية يمكن أقتناؤها , أن تهب له الشمس والقمر والنجوم , لكنها أدركت أن أية خطوة من جانبها لكي تهدي له شيئا وفي مثل هذه الظروف , ربما ستسبب الأذى لكليهما , بل ربما تؤدي الى المزيد من العداء بينهما.
منتديات ليلاس
أكتفت فقط بالأبتهال الى الله , أن تمر الأيام القليلة القادمة بسلام حتى تتترك هذا البيت.
كانت غارقة في أفكارها هذه , حين وقعت عيناها على رسالة فوق طاولة الزينة , ألتقطتها , كانت بطاقة فانيسا , وكانت على غلافها عبارة مكتوبة بقلم الرصاص ( فتحت خطأ أعتذر لذلك ) , أعطت بعض الحق لدومنيك على فتحه لها , حين وجدت العنوان غير دقيق عليها , وقرأت العبارة التي نقلها دومنيك إليها , فلامت فانيسا عليها , أذ أنها تعرف جيدا أن بطاقات الأعياد عادة تكون معرضة للقراءة من قبل الآخرين , فلماذا كتبت مثل هذه العبارة؟ أنتبهت من أفكارها حين سمعت طرقا على بابها , فقالت بتردد :
" أدخل".
أنفتح الباب وأطل رأس مارك , وقال مبتسما:
" أنني ذاهب إلى بورت فينور , هل تريدين المجيء , ربما تحتاجين شراء شيء......".
" لا أحتاج شيئا".
" تعالي في أية حال , أريد التحدث معك".
لم تكن موروينا راغبة في الذهاب , غير أنها وافقت تحت ألحاحه , فأرتدت سترتها ولفت حول عنقها ربطة صوفية , وتركت البيت .
كان مارك ينتظرها في السيارة , وحالما جلست على المقعد , أنطلقت السيارة بسرعة غير أعتيادية , فسألته بدهشة :
" ما الذي حدث؟ لماذا هذه السرعة؟".
" لا أدري , أنني لا أصدق حقا".
" ما الذي لا تصدقه؟ ما الذي حدث؟".
" ذهبت إلى مكتب دومنيك هذا الصباح , ووجدته وكأنه كان ينتظرني , كان في حالة نفسية سيئة , لكن حين أخبرته أنني ما زلت أحب بيدي , بالرغم من أعتراضه , وأننا سنتزوج قريبا , وقد دعوتها وشقيقها إلى العشاء في مساء العيد كأفراد العائلة , وافق بدون أية كلمة أعتراض , أن هذا لا يصدق".
" هذا راءع حقا!".
" فعلا , ولكن هذا ليس كل ما في الأمر , فحين أخبرته أن بيدي رفضت الحضور إلى تريفينون بدون دعوة منه بالذات , أخبرني أنه سيذهب بنفسه إليها هذا الصباح لدعوتها , أكاد لا أصدق هذا!".
" أنني سعيدة من أجلكما".
أذن ستأتي بيدي إلى تريفينون مساء غد , سيكون هنالك زوجان من العشاق , مارك وبيدي , دومنيك وكارين , سيتلقون التهاني لخطوبتهم , أما هي ونيكولا فسيجلسان في زاوية مثل غرباء , لن يلتفت إليهما أحد , حبذا لو حضرت باربارة , أذن لوجد نيكولا هو الآخر صديقته , أنه بحاجة إليها رغم أدّعائه غير ذلك , فهو يشعر بثقل الوحدة والشيخوخة , رغم إنشغاله بمشاريعه الكثيرة , أما هي فستتحمل عذاب الأيام القليلة الباقية , ومن ثم ستبتعد من هنا وإلى الأبد.
منتديات ليلاس
كان مارك يتحدث بأستمرار عن أحلامه ومشاريعه , بينما هي سارحة في أفكارها.
" ستغلق الشركة أبوابها بعد ظهر هذا اليوم بمناسبة عطلة العيد , وكتقليد سنوي نقيم حفلة صغيرة اليوم في الشركة , سيرحبون بك أذا رغبت في الأشتراك معنا".
" ومن الذي يحضر؟".
" الجميع طبعا , دومنيك , نيكولا , العمة باربارة , لكن أظن أنها لن تحضر هذه المرة".
" وكارين؟".
" ستحضر بالطبع , وهل تتخلف عن مثل هذه المناسبة ؟".
" لها الحق في أن تحضر".
" هل أخبر دومنيك أنك ستحضرين أيضا؟".
" كلا".
أجابت بصوت قاطع , ثم أضافت بعد قليل :
" سأعود إلى تريفينون بعد أن أنتهي من شراء حاجياتي".
" توفرين حيويتك إلى مساء الغد , أليس كذلك؟".
قال مارك ضاحكا.
ثم سألها بعد صمت قصير:
" والآن , إلى أين تريدين أن أوصلك؟".
أجابته شاكرة ونزلت.
سارت على طول الشارع الرئيسي , وهي تتطلع إلى واجهات المخازن التي زيّنت وأضيئت بشكل باذخ , وحين وصلت إلى نهايته , خفق قلبها بشدة , أذ لمحت بيت باربارة أنجس , الكبير والمصبوغ بالأبيض حديثا , وسط حديقة فسيحة , على مكان مرتفع يطل على بورت فينور , وفكرت موروينا وهي تدفع باب الحديقة وتدخل , إنه لن تتاح لها فرصة أفضل من هذه حتى تواجه باربارة بالحقيقة الخافية, وتضع حدا نهائيا لهذه القصة الحزينة

نيو فراولة 05-07-11 10:32 AM


كانت عائلة أنجلس ميسورة الحال ومحظوظة دائما , لذا فإن باربارة لم تكن تتوقع أن يفضل السيد روبرت كيرسلاك أمرأة أخرى عليها , وهي التي وهبت قلبها له , كانت الصدمة أشد وقعا عليها , مما كانت على نيكولا , حين خطف السيد روبرت لاورا وهرب بها من تريفينون.
سارت موروينا عبر ممر الحديقة , مرفوعة الرأس وعازمة على رمي الحقيقة في وجه باربارة مهما تكن النتائج , حتى وصلت إلى باب الصالة , وضغطت على الجرس , كان يوما غائما وداكن اللون , وكانت الغرفة مضاءة , سمعت وقع أقدام آتية , فإبتهلت إلى الله أن لا تكون كارين , أنفتح الباب وأطلت منه أمرأة طويلة القامة في ثوب أخضر.
" أريد رؤية الآنسة أنجلس من فضلك".
حدّقت المرأة في وجهها بفضول , وقالت:
" أنها متوعكة الصحة هذا اليوم , وهي نائمة في غرفتها , لكن الآنسة كارين موجودة.....".
" كلا , أفضل الحدث الى الآنسة أنجلس مباشرة, أحمل لها رسالة من تريفينون , رسالة شخصية".
قالت المرأة بتردد وإرتباك:
" حسنا , ولكن لا أدري إذا ...... رسالة لها.... حسنا سأخبرها ....".
" لا داعي لأزعاجها , أرني الطريق وسأسلم الرسالة لها بنفسي , أنها رسالة عاجلة".
قادتها المرأة إلى الطابق العلوي , ووقفت أمام باب مغلق قائلة:
" هذه غرفة الآنسة أنجلس".
دفعت موروينا الباب ودلفت بدون إستئذان , كانت الغرفة غارقة في الصمت , وكان الضوء فيها ضعيفا , وظنت أن المرأة ربما قد أخطأت الغرفة , أذ بدت هذه خالية من أحد , لكنها سمعت صوت باربارة فجأة :
" أنت , من سمح لك بالدخول".
كانت متمددة في فراشها تحدث فيها بذهول.
" خادمتك , يا آنسة أنجلس , لكنها لا تستحق اللوم , فقد وافقت حين أخبرتها أنني أحمل لك رسالة".
كانت موروينا هادئة وهي تسير نحو الفراش.
" يا لوقاحتك! كيف تتجرأين على الدخول إلى غرفتي؟".
قالت بحدة وقد إستوت جالسة على فراشها , أتسعت عيناها دهشة وغضبا وتابعت:
" رسالة من نيكولا؟ ألم يجد أحدا غيرك ليكون رسوله أليّ؟".
" أنه يجهل وجودي هنا , ربما سيغضب مني قدر ما أنت غاضبة أذا عرف بالأمر , لكنني تحملت هذه المجازفة , حتى أزيل سوء التفاهم بينكما".
" ليس هناك أي سوء فهم بيني وبينه , كل ما في الأمر أنني لا أرغب في زيارة بيت تعامل فيه أبنة غريمتي كضيف شرف , والآن أتركي بيتي يا آنسة كيرسلاك ,ولا تتدخلي فيما لا يعنيك".
" أعرف أنك تكرهين والدتي , وأنا أفهم ذلك.....".
قالت موروينا وهي تعض على شفتها , ثم سحبت كرسيا إلى جانب الفراش وجلست:
" طلبت منك ترك بيتي حالا".
قالت باربارة بنبرة هستيرية.
" كلا , لم أنته من حديثي بعد , أنت تتحدثين عن أخطاء الآخرين , لكنك تنسين خطأك وهو الأكبر , سرقت تصاميم الزورق ( ليدي لاورا ) وبعتها إلى شركة أخرى بثمن بخس , هل كنت حقا بحاجة إلى المال؟ هل المبلغ الذي حصلت عليه يساوي تلك الجريمة التي أرتكبتها بحق أهل تريفينون؟".
أصيبت باربارة بالذهول , وأنكمشت على نفسها , وبدت وكأنها تحولت إلى كائنة أخرى , ظلت صامتة لفترة طويلة , ثم قالت بصوت ضعيف:
" كيف عرفت بذلك ؟ لاورا أخبرتك , أليس كذلك؟ كنت خائفة من هذا منذ لحظة مجيئك إلى تريفينون, ماذا تريدين؟ نقودا ؟ أخبرتني إبنة أخي , أنك تودين دراسة الرسم , ولا تملكين النفقات , هل تريدين نقودا؟".
" كلا , كلا , أنت حقا إنسانة ساذجة , لم أكن أعرف شيئا ع موضوع التصاميم حتى يوم وصولي إلى تريفينون , ولم تخبرني والدتي بشيء , لأنها هي نفسها لم تكن تعرف شيئا عن هذا الموضوع".
" من الذي أخبرك أذن؟".
كانت نبرات باربارة أشبه بالبكاء , ترددت موروينا في الحديث , لكنها عرفت أنها لن تجد فرصة كهذه ثانية , فقالت بهدوء:
" نيكولا هو الذي أخبرني".
للحظات ظنت موروينا أن باربارة أصيبت بالأغماء , وقعت المرأة على ظهرها شاحبة اللون , وتقلص فمها , لكنها غمغمت أخيرا:
" أذن فهو يعرف".
" أنه يعرف منذ البداية".
قالت موروينا وإنحنت عليها وأخذت يدها الباردة بين راحتيها , ثم أضافت:
" كان ينتظرك طيلة هذه السنوات , أن تذهبي إليه وتعترفي بخطأك , ألا تعتقدين أن الوقت قد حان لأن تذهبي إليه وتعتذري منه؟".
نهضت باربارة وجلست على فراشها , كانت ما تزال شاحبة , وفي شفتها رعشة خفيفة , وقالت:
" أعطني قليلا من الماء من فضلك".
جلبت موروينا الماء لها وقالت:
" ما الذي ستفعلينه؟".
" لا أدري , ربما سأذهب في عطلة طويلة , لا أستطيع مواجهة أحد بعد الآن".
" وماذا بشأن نيكولا؟".

نيو فراولة 05-07-11 10:34 AM

قالت باربارة بنبرة حزينة:
" نيكولا ؟ كيف أستطيع أن أواجهه بعد الآن , ما دام يعرف بالأمر , كيف أتحمل هذا العار؟".
" لكن كلاكما تحملتما الكثير طوال هذه السنين , ألا تظنين أن الوقت قد حان لكي تعودا لبعضكما , في لحظة صدق؟".
" لقد فات الأوان , سأذهب من هنا بعد العيد , هذا كل ما أقدر عليه".
" كلا , أنك مخطئة , لا داعي لذلك , نيكولا يحبك , ويريدك , قولي له الحقيقة , هذا كل ما يريده".
أستلقت باربارة على فراشها ثانية , وأغمضت عينيها وقالت:
"أنني شاكرة لمجيئك إلى هنا , أتركيني الآن لوحدي من فضلك".
نهضت موروينا , وقالت لها:
" لا مبرر لكل هذا اليأس , أحضري غدا حفلة العشاء في تريفينون , وأنا أعدك أن كل شيء سيجري على ما يرام , أنني أعرف ذلك يا آنسة أنجلس".
" أتركيني الآن من فضلك......".
تأملت موروينا وجه باربارة للحظات , ثم سارت إلى خارج الغرفة , كانت في منتصف الطريق وهي تنزل السلالم , حين أنفتح أحد الأبواب في الصالة وخرجت كارين , جمدت موروينا في مكانها , وإبتهلت إلى الله أن لا تلمحها , لكن كارين رأتها , فأصيبت بالذهول , وصاحت عاليا:
" ماذا تفعلين هنا ؟".
ثم عادت مسرعة إلى الغرفة التي خرجت منها وهي تصيح:
" دومنيك!".
خرج دومنيك ووقف يحدّق فيها , بدون أن يصدق عينيه , ثم قال بهدوء شديد:
" ماذا تفعلين هنا بحث السماء؟".
" جئت لأدعو الآنسة أنجلس إلى حفلة العشاء في تريفينون".
قالت كارين:
" أنت جئت لتدعيها إلى العشاء؟ يا رب السموات! أليس هذا إستفزازا لها ".
" أوه , لا تقلقي , أنها رفضت بالطبع ".
قالت موروينا بينما نزلت بقية الدرجات.
" هيا , إخرجي من هنا.... حالا".
سارت كارين إلى الباب وفتحته , مؤشرة لها بالخروج.
" أنتظري موروينا".
صاح دومنيك.
" كلا , ليس عندي حديث معك".
أجابته بدون أن تلتفت إليه , وأستمرت في طريقها.
منتديات ليلاس
حين ألقت نفسها خارج البيت أستنشقت الهواء بعمق , وكان الثلج قد بدأ بالسقوط , لكنها لم تعر ذلك أهتماما , أذ لم تكن تحس ببرودة الجو إطلاقا , كانت قد فقدت الأحساس بما يدور حولها .
في صباح اليوم التالي حملت حقائبها , بعد أن أعدتها , وتركت البيت قاصدة بيدي.
" هل أنت جادة فيما تقولين , تعنين أنك هربت من البيت؟".
سألت بيدي بأستغراب فأجابتها موروينا :
" ليس بالضبط , كنت سأترك البيت في كل حال , ولكنني تركته مبكرا عما كنت قد خططت له".
" وإلى أين ستذهبين ؟ بالطبع تستطيعين البقاء معنا المدة التي تشائين , ولكن هل عرفوا أنك تركت البيت؟".
" تركت ملاحظة لنيكولا , أخبرته فيها أنني قررت العودة ألى بريوري , سيفكرون أنني ذهبت إلى بنزاس لأخذ القطار إلى لندن".
" ولكن مارك سيكتشف الأمر , لا يمكن أن نخفيك في الخزانة كلما طرق الباب".
" أوه , آسفة يا بيدي , على أزعاجي لك".
" بالعكس , أنني قلقة عليك يا عزيزتي".
" لم أستطع البقاء أكثر في تريفينون , لقد أدركت كم هو غاضب علي".
" من؟ نيكولا؟".
" كلا , بل دومنيك".
" أوه , هذا هو الأمر أذن".
" نعم يا بيدي , ولكن لا تقولي شيئا لمارك أرجوك".
هزت بيدي رأسها , قالت:
" لكن مارك ألمح لشيء من هذا القبيل".
" أوه , كلا , ظننت أن أحدا لا يعرف بالأمر".
" تعرفين , أنه ليس من السهل أخفاء مثل هذا الشيء عمن يعيشون في البيت نفسه معك".
" أعرف ذلك ".
" ألا تخبريني بقصتك يا موروينا , أم أنها حزينة لدرجة لا تريدين الأفصاح عنها؟".
" أوه , أنها قصة طويلة يا بيدي".
سردت لها موروينا قصة والدتها في تريفينون , ثم زواجها من أبيها , وموضوع شرقى تصاميم الزورق , ألى آخر ما حدث في بيت باربارة , فسألتها بيدي:
" ألم تخبري نيكولا بما جرى في بيت باربارة؟".
" كلا , ذهبت ألى غرفتي مباشرة , وبقيت فيها طيلة المساء متعللة بالصداع , وحزمت حقائبي , ثم تركت ملاحظة لنيكولا , ودخلت إلى فراشي , لكنني لم أستطع النوم حتى الصباح , وتركت البيت قبل أن يستيقظ أحد".
مر النهار ببطء , وبيدي منشغلة بتهيئة الهدايا لمارك وأخيها , وكانت موروينا تراقبها ساهمة , وهي جالسة قرب المدفأة ,وإنشغلت بعض الوقت برسم الأواني الخزفية التي كانت في الصالة , قالت بيدي:
" لا أريد أن أقلقك , ولكن مارك سيحضر خلال خمس دقائق".

نيو فراولة 05-07-11 10:35 AM

ولم يمر إلا دقائق قليلة , حين سمعت صوت محرك سيارة أمام باب البيت , فقفزت من مكانها , وجمعت أورلقها , وهرعت صاعدة السلالم ألى الطابق العلوي , وظلت تسترق السمع للقادم الجديد , سمعت لغطا في الأسفل , لكن الصوت لم يكن صوت مارك , ثم سمعت بيدي تقول:
" قلت بأنك أتصلت بأهلها في بريوري , يا سيد تريفينون , ولكنهم لا يعرفون شيئا عنها , آمل أن لا يكون عك قد أخذه القلق عليها ".
" بالطبع إنه قلق جدا".
قال دومنيك , ثم أضاف ثانية :
" لقد أخذت حقائبها معها , مارك ذهب إلى المحطة , لكنه لم يعثر عليها , بالطبع أنت لا تعرفين شيئا عنها".
" كلا , في الحقيقة , لكن أظن أنه لا داعي للقلق بشأنها , لا بد أن لفتاة محبوبة مثلها أصدقاء كثيرين تستطيع أن تلجأ إليهم".
لم تنتظر موروينا أن تسمع جواب دومنيك , فأنسحبت إلى الغرفة , وجلست في الفراش واضعة وجهها بين راحتيها , ثم سمعت صوت أنغلاق الباب , ومحرك السيارة وهي تبتعد , لقد ظلت الآن وحدها في البيت , بعد أن أخذ دومنيك بيدي إلى تريفينون , نهضت من مكانها وأعدت القهوة , وإستمعت الى الراديو بعض الوقت , لكن صدى صوت دومنيك لم يفارق ذهنها , ثم أخذت تدور في أرجاء الغرفة , بينما فكرها يحلق في تريفينون , ترى ماذا يفعلون الآن ؟ وإلى أين وصلت حفلة العشاء ؟ هل تبادلوا الهدايا ؟ ماذاتبادل دومنيك وكارين من هدايا؟ وهل يقفان الآن يدا بيد وهما يتلقيان تهاني الآخرين ؟ وماذا عن بيدي ومارك ؟ ونيكولا؟ هل إ‘شترك معهم في الحفلة ؟ ثم هل فتحوا الآن هداياهم ؟ وأحست بالالم حين تذكرت دومنيك , وأنها لم تترك له أي شيء , لا هدية ولا بطاقة ولا حتى كلمة , ولكن ماذا يغيّر هذا من الأمر , أذا كان يكرهها؟ ثم ماذا بإمكانها أن تهديه ؟ كل الهدايا تبدو تافهة بالنسبة إليه.
كانت مفكرتها على الأرض , فأخذتها وبدأت تقلب صفحاتها , حتى وصلت إلى صورة لنفسها , رسمتها وهي واقفة على الساحل , وقالت في نفسها : ( لماذا لا أبعث هذه الصورة له؟ ) , كانت أفضل هدية تبعثها بالبريد من لندن , ولكن آنذاك سيكون العيد قد مر ولن تبقى مناسبة لأرسالها , لماذا لا تذهب ألى تريفينون وتضع الصورة هذه تحت شجرة العيد خلسة , أنهم الآن في قاعة الطعام , وسيبقون هناك طويلا , وبإمكانها أن تدخل قاعة الجلوس وتترك الصورة مع الهدايا بدون أن يلمحها أحد.
أخذت الصورة من المفكرة وكتبت إسمها عليها , ثم وضعتها في مظروف , كتبت عليه إسم دومنيك , ثم طلبت سيارة تاكسي بالهتف , وظلت تنتظر بعد أن إرتدت حذاءها ولفت ربطة صوفية حول رقبتها ورأسها.
طلبت من سائق التاكسي أن يتوقف على بعد من البيت , خشية أن يسمع أحد في الداخل صوت السيارة , ونزلت .
فتحت الباب بهدوء , كان الضوء خفيفا في الصالة , وكان باب قاعة الطعام مغلقا , تنبعث منها أصوات مبهمة , فسارت على أطراف أصابعها حتى قاعة الجلوس, وتركت المظروف مع بقية الهدايا تحت شرة العيد , ثم غادرت البيت كما دخلت بهدوء.
في الطريق إلتفتت إلى الوراء وألقت نظرة أخيرة على البيت , وفكرت أنها ستحن إليه رغم ما قاست فيه من آلام , كما أنها ستفتقد الشاطىء وأمواج البحر , فقررت أن تذهب وتلقي آخر نظرة على الساحل الأسباني , قبل أن تترك هذه المنطقة إلى الأبد.
سارت على ضوء المصباح اليدوي , حتى وصلت إلى الساحل , وكان الثلج ما يزال يسقط رغم أنه خف قليلا , ووقفت قرب الصخور وتطلعت إلى البحر , وإلى الأمواج التي تتكسر على الساحل مخلفة شريطا أبيض من الزبد , وأصغت إلى الهدير الذي يأتي في فترات منتظمة.
وجهت ضوء البطارية إلى الصخور , حتى وجدت مكانا يمكن النزول منه , فأخذت تنقل خطواتها بحذر خشية الأنزلاق والسقوط بسبب الثلج المتجمد, فنزلت عدة خطوات , ثم فجأة زلت قدمها وفقدت توازنها وهوت على الساحل وهي تطلق صرخة قوية.
أحست بألم شديد في ساقها , وحاولت أن تحركها لكنها شعرت بالإغماء فتيقنت أن كاحلها قد أصيب بالإلتواء , ظلت في مكانها فترة وهي ترتجف من الألم والبرد , ثم أخذت تزحف على يديها شيئا فشيئا بإتجاه الصخور , ساحبة رجلها ببطء , وأسندت ظهرها إلى الصخور المتجمدة وأغمضت عينيها , أذن عليها أن تظل هنا حتى الصباح حتى يأتي من ينقذها ويحملها إلى سانت أينا , أما كان جنونا منها أن تأتي إلى هذا المكان الموحش في منتصف الليل؟ أما كان بالإمكان أن تأتي في النهار وأن تمنع عنها كل هذه الألآم ؟
فتحت عينيها , ورأت أن الأمواج تقترب منها أكثر في كل مرة , وأن مساحة اليابسة التي بينها وبين الماء , تتقلص شيئا فشيئا , آنذاك عرفت أنه المد , وأن سيرتفع حتى يغمرها وربما يجرفها معه إلى البحر.
أطلقت صرخة قوية , لكن صوتها لم يخرج إلا ضعيفا أشبه بالمواء , وشعرت بالمياه وقد غمرت قدميها , فأستسلمت يائسة , ليأخذها المد في منتصف الليل , ويسلمها إلى البحر , ولينتهي هذا العذاب إلى الأبد , وداعا يا تريفينون , وداعا أيها الأحباء , وداعا يا دومنيك , فقط لو عرفت كم كنت صادقة في حبك , لو كنت عطوفا معي مرة واحدة , وأسمعتني كلمة حب واحدة , كم أحببتك يا دومنيك....... دومنيك..... دومنيك.
تناهى إلى سمعها صوت , صوت دومنيك وهو يهتف بإسمها ...... موروينا .....موروينا , فأستسلمت للحلم الجميل وللمد الذي غمرها حتى منتصف جسدها , فجأة شعرت بذراع قوية تحيط بها وتحملها وتشدها إلى صدر حبيب , وصوت دومنيك قائلا لها بلهفة:
" يا حبيبتي لقد وجدتك أنت سالمة , أهدأي , أهدأي , ولفي ذراعك حول رقبتي".
وفكرت , أنه حلم لذيذ , ما أكثر الألحلام , فتركت نفسها يحملها شبح أسود ويذهب بها.
حين فتحت عينيها , كان هناك ضوء خفيف في الغرفة , فعرفت أنها لم تكن تحلم , أدارت عينيها فيما حولها , كانت نائمة في فراشها وأنيز تحدق في وجهها بحنان وهي تقول:
" عيد سعيد يا عزيزتي , لقد قلقنا عليك!".
" أنا آسفة".

نيو فراولة 05-07-11 10:36 AM

أجابتها موروينا بإبتسامة خفيفة , ثم سألت بصوت ضعيف:
" ما الذي حدث لي , أعرف أنني سقطت من فوق الصخور , وأن المد كان يغمرني , ثم فقدت وعيي".
" وماذا كنت تفعلين هناك يا عزيزتي , لماذا نركت بيتك بدون أن تخبري أحدا".
" أوه , لا أريد أن أتذكر شيئا".
" أرتاحي الآن , وتناولي شيئا من هذه الشوربة الدافئة , بعد ذلك سأمشط شعرك , لأن السيد دومنيك ينتظر في الصالة".
" لا أريد رؤية أحد إطلاقا".
" أنه ينتظر هناك منذ الليلة الماضية , لم ينم إطلاقا , ظل ساهرا بالقرب منك , ثم عليك أن تشكريه , فهو الذي عثر عليك على الشاطىء وحملك إلى البيت جثة هامدة".
" أذن ذلك لم يكن حلما؟".
" أي حلم يا عزيزتي , هو االذي خرج باحثا عنك في الليل".
" يخيل لي أنني رأيت الآنسة أنجلس في البيت أيضا".
" أنها هنا , نامت في غرفتك القديمة".
قالت أنيز ثم أضافت وهي تبتسم:
" الأمور رجعت إلى مجراها الطبيعي بينها وبين نيكولا , ويبدو أنهما سيحققان حلمهما بعد كل هذه السنين , كذلك مارك وخطيبته الشابة".
حملت أنيز الصينية من أمام موروينا , وجلبت مشطا , وأخذت تمشط شعرها رغم أحتجاجها:
" أهدأي قليلا , لا يمكن أن يراك وأنت بهذه الحالة".
تركت أنيز الغرفة , بعد أن أنتهت من تسريح شعرها , وهي تطلب منها أن تكف عن البكاء , ظلت موروينا جالسة في فراشها , حتى سمعت طرقا خفيفا عل الباب, ورأت الباب ينفتح بهدوء ويدخل دومنيك , شعرت بقلبها يقفز من صدرها.
" لا حاجة لأي كلام يا موروينا , دعيني أجلس...... وأنظر إليك حتى أتأكد من أنك عدت إلى البيت سالمة".
" ولكن هناك أشياء يجب أن تقال , أنني أشكرك , لأنك أنقذت حياتي".
" لا تدرين كم عانيت أمس حين أختفيت فجأة من البيت".
" آسفة , لأنني سببت لك كل ذلك الأزعاج".
أقترب دومنيك منها , وجلس على حافة الفراش , وأخذ يدها بين يديه قائلا:
" سيأتي الجميع هذا المساء لكي يطمئنوا عليك , أما الآن فأنك لي فقط , قولي لماذا هرب من البيت؟".
" لأنني قد أغضبتك , ولم أتحمل ذلك".
" أتتصورين أنني غضبت منك , لأنك كنت في بيت باربارة ؟ كلا يا عزيزتي , أعرفي الآن أنني لم أكن وحدي في بيت باربارة , كان نيكولا معي أيضا".
" نيكولا؟".
" نعم , لقد طلب مني صباح البارحة , أن آخذه إلى باربارة لمصالحتها , وقد شرح لي القصة كلها , فأخذته إلى هناك , فأصرت كارين على معرفة سبب مجيئنا , لكن نيكولا كان فظا معها جدا , وحين رأتك هناك أفرغت كل غضبها عليك , كنت غاضبا من أجلك لا عليك , بالإضافة إلى أنني خشيت أنك أفسدت على نيكولا خطته".
شعرت موروينا بالرعشة في جسدها من هذه المفاجآت غير المتوقعة , وقالت:
" أنا سعيد لأن نيكولا ذهب إليها بنفسه".
" نعم , ووجدها تنتظره بلهفة".
سكت للحظة ثم أضاف:
" لا أدري ماذا قلت لها أنت , لكن يبدو أن حديثك معها كان مهما جدا , لقد قضيا أكثر من ساعة في الغرفة , وحين نزلا , كانت سيدة جدا ومتعلقة بنيكولا".
ساد الصمت بيهما لبرهة , حين قطعته موروينا قائلة:
" وما هو شعورك أتجاهها يا دومنيك؟ هل تغفر لها ما أرتكبته بحقكم؟ وهل تقبلها زوجة لنيكولا؟".
" نيكولا سيد نفسه , أما بالنسبة إليها , فأظن أنها نالت عقابها , أنهما سيتزوجان قريبا , بعد أن أعلنا خطوبتهما الليلة الماضية".
قالت موروينا بتردد:
" أظن أن كارين قد فرحت أيضا بزواج عمتها".
" بدون شك, وهي تهيء نفسها لرحلة أخرى إلى كاليفورنيا ".
شحب لون موروينا , وقالت بصوت أشبه بالهمس:
" ولكن , كان من المقرر أن تعلن أنت وهي خطوبتكما الليلة الماضية أيضا".
" أعلن خطوبتي لكارين؟".
تساءل دومنيك بدهشة , وأضاف ساخرا:
" من الذي قال هذا لك؟".
" هي التي أخبرتني".
" يبدو أنها كانت تتحدث عن أحلامها".
منتديات ليلاس
سحبت موروينا يدها بلطف من يده , وهي تحدق في وجهه , فقال لها بحنان بالغ:
" أنني أحبك يا موروينا , بل أحببتك منذ تلك الليلة التي ألتقيتك فيها على الطريق , وكان غضبي لأنني أكتشفت من أنت , كنا ما نزال نعيش في ذلك الوهم الخاطىء بأن والدتك قد أساءت إلينا , أوه موروينا لو تعرفين كم أحببتك , لقد جننت حين أختفيت من البيت , شكرا لله لأنك وضعت تلك الرسالة تحت شجرة العيد , آنذاك عرفت أنك ما زلت قريبة من البيت , فأخذت مصباحي وخرجت فلمحت آثار قدميك على الثلج , فتبعتها إلى هناك".
مدّ يده إلى جيبه , وأخرج علبة مجوهرات صغيرة , فيها حلقة ذهبية , ووضعها في أصبع موروينا , ثم رفع يدها وطبع عليها قبلة رقيقة , قائلا:
" يا زوجتي الحبيبة!".
مدت موروينا ذراعيها , وأحاطت بهما عنقه , وهي تحدق في عينيه بسعادة , قائلة:
" سنكون معا إلى الأبد............ ".








تمت

Rehana 05-07-11 01:35 PM

يعطيك العافية حبيبتي على جهدك وتعبك
لك وودي

http://idata.over-blog.com/1/81/61/7...merci.rose.gif

فتاة 86 05-07-11 01:37 PM

:lol::toot::lol:
شكراً على المجهود الاستثنائي
عنجد شكراً

:55::8_4_134::55:

faiza531 05-07-11 05:23 PM

شكراً علي الروايه العسل والاختيار الراقي شكرا شكررررررررررررررررررررررررررررررررراً

زهرة منسية 06-07-11 12:31 AM

شكراً كتير حبيبتى على مجهودك ونشاطك الملحوظ

الجبل الاخضر 06-07-11 04:41 AM

:55:برافو :55:برافو:55: برافو :55::f63::flowers2:تسلمين :peace:اختيار رائع واكثر من رائع :331::8680010521::356:شكرالك على مجهودك المبذوال :kjht5:وننتظرجديدك:party::shokrn::110:

نجلاء عبد الوهاب 16-07-11 03:10 AM

الرةاية حلوة كتير:dancingmonkeyff8:

هدية للقلب 17-07-11 02:58 AM

شكرا على الرواية الرائعة وتسلم ايدك وربنا يعطيك العافية :55::55::55:

hoob 17-07-11 10:39 PM

شكرا حبيبتى الروايه رائعه فعلا

فداني الكون0 18-07-11 03:35 AM

يسلمو يعطيج العافيه

المتيمه 01-08-11 05:00 AM

شكرا جزيلآ على الروايه الاكثر من رائعه ،،

المتيمه 08-08-11 09:13 PM

الله يعطيك العافيه :55:

ندى ندى 29-11-11 12:44 AM

جميله جدا جدا جدا

فجر الكون 30-11-11 04:02 PM

شكرا جزيلآ على الروايه الاكثر من رائعه ،،

عميشه 14-12-11 11:43 PM

"]يعطيك العافيه مجهود جميل

غنجة بيا 14-01-14 01:44 AM

رد: 81- المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكورة على المجهود الله يعطيكي الف عافية :liilas:

محبة البنفسج 08-07-14 01:09 AM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
وفقكم الله ورعاكم ملخص جميل شكرا لكم

ليله صيف 17-07-14 03:24 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رهيييييبه رهييييييبه

ندى دنيا 17-07-14 04:17 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روعععععععععععععععععةةةةةةةةة:lol:

ندى دنيا 17-07-14 05:16 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جامدة جدددددددددددددددددددددددددددددددددددىىىىىىى:toot:

ندى دنيا 17-07-14 11:29 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
AMAZING STORY REALLY:liilas:

نيولايف 22-07-14 10:47 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:55: يعطيك العافية

الخنساء الشاعره 22-04-15 08:16 PM

[QUOTE=زهرة منسية;2801914]شكراً كتير حبيبتى على مجهودك ونشاطك الملحوظ [/QUOشكرا على المجهودTE]

سهير سهير 08-06-15 05:24 AM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041:0041:: 0041::shokrn::shokrn::shokrn::361::361::361::361::361::361:: 361::361::: هذا الشكر مع الورود يتم تقديم للجميع تعبير عن الامتنان لو جودها فقلبها مليئ بالحب والخير والعطاء

amal salim 01-08-15 06:24 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:peace:sssssssssssssssssssssss

فرحــــــــــة 10-07-16 06:31 AM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
نيو فراولة
قصة راااااائعة
سلمت يداكى على حسن الاختيار
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

paattee 06-08-16 04:20 AM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلم الانامل ياعسل ننتظر جديدك

Tassadit 11-02-21 12:49 AM

شكرا عل الرواية الحلوة

Moubel 04-03-21 10:03 AM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
فعلا جد مؤثرة هذه الرواية
شكرا لك على المجهود

هتونا 21-09-21 02:59 PM

رد: 81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
حلوة الرواية أحلا تحية وتقدير لكل منتدى ليلاس ودمتم في قلبي سكنة


الساعة الآن 08:48 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية