منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t163503.html)

نيو فراولة 25-06-11 09:12 PM

81 - المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
81- المنبوذة - سارا كريفن - روايات عبير القديمة


الملخص


أي أنسان يستطيع الهرب من قدره ؟ موروينا ماتت والدتها وهي في الثامنة من عمرها . وفي الثامنة عشرة قتل والدها و شقيقها في حادث سيارة . فجأة اصبحت وحيده , يتمة و منبوذة من أقاربها الذين أستولوا على جميع الاملاك .
البيت الذي ترعرعت فيه طردت منه لتقف وجهاً لوجه أمام عاصفة الزمان . الى أين تذهب وهي لا تملك سوى عنوان رجل عجوز عرفته أمها في صباها , هل تذهب اليه ؟ و لكنها لا تعرفه ! تحتاج الى ملجأ , الى سقف يقيها أمطار التشرد و رياح الضياع , وفي قصر دومـنـيـك كان نوع آخر من العذاب في أنتظارها . الكره و العداء و اللامبالاة صفات ثلاث أستقبلت موروينا في قصر الأسرار . فهل تدخل أم ترحل هائمة على وجهها ؟

نيو فراولة 25-06-11 09:15 PM

1- رياح الواقع




" أريد أن أوضح أمرا واحدا منذ البداية , لا يمكنها البقاء هنا".
جاء صوت الليدي كيرسلاك قويا واضحا من خلال الباب المغلق لغرفة الجلوس , مسمرا موروينا في مكانها ويدها ممتدة لتدق الباب , تدافعت الأفكار الى رأسها وهي تستعيد كلمات أبنة العم باتريسيا ورأت أن من الأفضل لها أن تستدير وتبتعد متظاهرة بأنها لم تسمع شيئا ومعللة نفسها بأن مسترقي السمع عادة , لا يسمعون شيئا حسنا عن أنفسهم , لكنها عرفت في الوقت نفسه , أنه ليس في مقدور شيء أزاحتها عن مكانها خطوة واحدة , وسيكون مبعث راحة لها أن تكتشف حقيقة مشاعر أبنة عمها نحوها على عكس معاملتها اللطيفة لها حتى الآن , قالت فانيسا بصوت خفيض ولكن نافذ الصبر :
" أوه , أماه , ليس من السهل أن تلقي بها الى الشارع , أنها لا تملك أي تدريب أو مؤهلات , وتعرفين مثلي أنها ضيّعت وقتها في المدرسة , ما الذي ستستطيع فعله على ةجه الآرض؟".
أجابت الليدي كير سلاك ببرود:
" ليس ذلك خطأنا , هي التي أضاعت الفرص التي أتيحت لها , فليس من حقها الشكوى الآن أذا لم يتحملها أحد بعد , كان على أبيها وهو يدرك مدى تعقد قضية الميراث , أن يترك لها أحتياطا من المال وهو ما يزال حيا".
" ربما أنت على حق , لكن كان من المستحيل أن يتنبأ بأنه ومارتين سيقتلان معا في الحادثة نفسها , كان مارتين هو الوريث , لذا كان هو الوريث , لذا كان هو من سيعتني بأمر موروينا".
أحست موروينا وهي تقف في الصالة جامدة , بطعنة ألم من هذه الكلمات , لكن فانيسا كانت على حق , لم يكن بأمكان أحد التنبؤ حتى قبل أسابيع قليلة فقط , بأنها ستبقى وحيدة تماما في هذا العالم قبل أن يحل الظلام في ذلك اليوم الخريفي المشرق , لقد قتل والدها وشقيقها معا في حادث أصطدام مع شاحنة , تعطلت فراملها فجأة على سفح تل شديد الأنحدار خارج القرية.
كانت تعرف بالطبع أنها لا تستحق الأرث , وطالما أسفت هي ومارتين من الأصرار في هذا العصر على أن تكون السيادة للذكور , وأن تنحدر رتبة الوراثة والملكية من خلالهم فقط , لكنها لم تشغل بالها بأمر المستقبل وهي في الثامنة عشرة من عمرها , كانت تجد في ظل أبيها وشقيقها مارتين الطمأنينة دائما , الى أن حل ذلك اليوم , حين أرتها ريح الواقع كم كان هشا ملجأها , كان المحامون عطوفين جدا , شرحوا لها كل شيء بدقة وتفصيل , ومنه , أن ما ورثه أبن العم جيوفري , زوج أبنة العم باتريسيا , لم يكن بالمبلغ الكبير , وعلمت ولأول مرة في حياتها أن والدها كان مضاربا في البورصة , وعانى من خسائر كبيرة , غير أن السيد فرنشارد كان يأمل في تعويض هذه الخسائر لاحقا , أذ كان يثق بفطنته في مجال عمله , لكن القدر لم يمهله طويلا , خلال الأسابيع التي تلت حادثة أبيها وأخيها , شعرت موروينا بأنها تعيش في وسط غريب عنها , وتضاعف أحساسها هذا مع وصول أبن العم جيوفري وزوجته المستبدة باتريسيا.
منتديات ليلاس
عرفت أن باتريسيا توقعت أن تجد نفسها بين عشية وضحاها أمرأة ثرية , ورغم أنها أصبحت ( الليدي كير سلاك) وأحتلت المنزل , ألا أن ذلك كان أقل مما كانت تأمل فيه , لكن موروينا خمّنت بذكاء , أن حصولها على المنزل , وهو بيت ثمين من عهد الملكة آن , سيمنحها بعض السلوى , غمرت الليدي كير سلاك , موروينا بحنانها في الأيام الأولى , لكن مع الوقت أخذ سلوكها يتغير , وهذا لا يعني أنهاما كانتا على مودة في السابق , فموروينا لم تكن على وفاق حتى مع فانيسا , مع أن والدها كان قد أصر على أن تدخلا المدرسة نفسها معا , وأنفق مبلغا كبيرا على دراستهما , ولقد أستغربت منذ ذلك الوقت كون فانيسا قد حقدت عليها لهذا السبب , أولا لأنها كانت متفوقة عليها في الدروس , ومهما يكن السبب فعدوانية فانيسا أضحت واضحة مع الزمن , ولم تبد ألا القليل من اللين نحوها منذ وصولها الى كاريو بريوري , بل على العكس , شعرت أن فانيسا تتأمل بفرح التحول الذي حدث في حياتهم , أما هي فقد أصبحت أكثر حذرا في حديثها وسلوكها , متأكدة دائما من أن السيدة أبرشو , مدبرة المنزل قد ذهبت الى الليدي كير سلاك يتتلقى تعليماتها , ومتذكرة أيضا أن تدق الباب قبل أن تدخل الغرف حيث تكون العائلة مجتمعة , فجأة تحولت الى غريبة في بيتها , كانت الليدي كير سلاك تكرر القول بحدة:
" لا أدري لم أصبحت شديدة الأهتمام يا فانيسا , أنت لم تهتمي بها في يوم من الأيام , بشكل خاص".
" أنا لست مهتمة بها حتى الآن , لكن علينا أن نهتم بما سيقوله الناس , خاصة أن أباها ومارتين كانا محبوبين بين أهالي المنطقة , علينا أن لا نبدأ السير بخطوة خاطئة".

قالت الليدي كير سلاك متنهدة:
" بالطبع لا , يا لها من مشكلة , لم أكن أعرف أن هذه الطفلة الحقيرة ستبقى تتسكع هنا بدون هدف , ألم يكن هناك حديث عن مدرسة للرسم؟".
" هناك دائما حديث عن شيء ما يشغل موروينا , لكن أنت على صواب , أظن أن من المفروض أن تلتحق هذا الشهر بمدرسة لينوكس كريستي في كاركاسون , أذا ما قبلها هذا , خاصة بعد أن أصبحت مسألة الأور صعبة بالنسبة اليها".
أطبقت أصابع موروينا المرتعشة , على الرسالة التي دسّتها في جيب سترتها قبل أقل من نصف ساعة , فقد لمحت من نافذة غرفتها ساعي البريد مقبلا , وأنتابها هاجس بما كان يحمله لها , ونزلت مسرعة اليه , فالرسائل تؤخذ جميعها الى باتريسيا قبل توزيعها على أصحابها , ومورينا عرفت أن الرسالة تحمل طابعا فرنسيا ستثير فضول أبنة عمها بدون شك.
ها قد تحقق هاجسها بالشر , حدّثت نفسها بيأس , يبدو أن لفانيسا القدرة على قراءة الغيب , كانت رسالة لينوكس كريستي قاسية الوقع عليها رغم رقّتها , جاء فيها أن الأعمال التي عرضتها عليه في مقابلتهما في لندن , كانت غير كافية لمنحها مقعدا مجانيا في مدرسته , لكنه في أي حال , سيعود الى لندن الربيع المقبل وبمقدورها أن تتصل به وتطلعه على أي عمل جديد تكون قد أنجزته , وربما سيقرر موقفه منها من جديد.
كانت خيبة أخرى لها , وأدركت أن عرضه هذا ليس سوى مرهم وضع على كبريائها الجريح , ورغم أنها ورثت بعضا من موهبة أمها المتوفاة , وأنها تلميذة مجتهدة في المدرسة , ألا أنها تشك في قدرتها على المواصلة في عالم الفن الذي يعج بالمنافسة الشرسة , واليأس هو الذي دفعها الى مناشدة لينوكس كريستي للحصول على مقعد مجاني في مدرسته , ولم تذكر أسم أمها له , أذ بدا ذلك عديم الفائدة, لقد ماتت لاورا كير سلاك منذ أكثر من عشرة أعوام , وهي لم ترسم ألا القليل بعد أن أنجبت أطفالها , بالأضافة الى أن أعمالها كانت تنتمي الى الطراز القديم.
قالت باتريسيا بما فيه الكفاية عن تلك الأعمال حالما وصلت الى كاريو بريوري , وتكاد موروينا تكون على يقين , من أن رسومات أمها المعلقة في أرجاء البيت , سترمي قريبا في أحد الأقبية لتحل محلها لوحات من غاليري في لندن ترتاده باتريسيا , تمنت موروينا أن تكون قد تركت بريوري قبل أن يحدث ذلك , لم يعد بقاؤها مرغوبا فيه بأي حال , وهذا ما جعل ألمها مضاعفا حين سمعت الآخرين يتناقشون في أمرها وكأنها عالة عليهم , أدركت دائما أن عليها العثور على عمل ما , لهذا كانت في طريقها لتسأل بذل , أبنة العم باتريسيا فيما أذا كانت هناك أية أمكانية للعمل في ذلك الغاليري , لكنها وفرت على نفسها موقف الأستجداء هذا , كانت فانيسا التي تتكلم ثانية:
" وهل أنت متأكدة أنها تتسكع هنا بدون هدف؟ كانت لا تفارق غاي قبل أن يحدث ما حدث , ربما أنها تأمل في أحياء علاقتها به ثانية".
أطلقت أم غاي ضحكة عالية وهي تقول:
" لا أظن أنها ساذجة الى هذا الحد , ربما أهتم بها غاي حين كان روبرت ومارتين أحياء , لكن الظروف تبدلت الآن كثيرا , غاي ليس غبيا , أنها فتاة جميلة , أنا أقر بذلك , أما أذا كانت تأمل منه في شيء أكثر من متعة عابرة فأخشى أن تصاب بخيبة أمل , يستطيع غاي أن يجد لنفسه من هي أفضل من أبنة عم معدمة الحال".
قالت فانيسا بنبرة ساخرة:
" أماه......".
لكن موروينا لم تنتظر لتسمع المزيد , أستدارت وأسرعت الى غرفتها عبر الصالة المفروشة بسجاد ثمين.
منذ الأسابيع القليلة الماضية , أضحت هذه الغرفة مأواها , أنها غرفة الجلوس الصغيرة التي كانت تخص أمها , وهي من الأماكن القليلة في البيت التي لم تمتد يد باتريسيا اليها بالتغيير بعد , أغلقت موروينا الباب وراءها وألقت بنفسها على المقعد الطويل , ثم أطلقت دموعها الغزيرة.
ها هي الآن تعاني الأسى والذل والغيظ معا , وهالها التفكير أنه ما كان هناك ألا القليل حتى تنجرف في حب غاي , لم يكونا مهتمين ببعضهما حين كانا صغيرين , وبعد أعوام ألتقيا في أحدى الحفلات في الصيف الماضي , وتعرفا على بعضهما بصعوبة , لكن سرعان ما أخذتهما العاطفة , أو هذا ما ظنته هي , وعليها الآن أن تعترف بأنها هي التي أفتتنت بغاي , أما هو فكان يأمل في شيء آخر , عضّت أطراف أصابعها , ها هي الأمور أخذت تنكشف , أنها لم تر غاي منذ وفاة أبيها وأخيها ألا مرات قليلة , أنه منهمك في أشغاله ولا يأتي الى بريوري ألا في نهايات الأسبوع , لكنه حتى في هذه المرات لم يبد أهتماما كبيرا بها , كانت تعلل عدم أندفاعه نحوها بأنه أحترام منه لحزنها , لكن الحقيقة ظهرت الآن , وهي أنه لم يعد هناك أي شيء يأمل في كسبه منها.
منتديات ليلاس
كانت تستغرب أحيانا , لماذا كان غاي يسحب نفسه منها وهما في ذروة العاطفة , ألقدرته على كبح جماح نفسه أم لنفوره منها؟ ومهما كان السبب فقد كان كافيا لأن يقيم حاجزا بينهما طيلة الصيف , وغاي موضوع خلافها مع أخيها , فمارتين لا يميل الى غاي ولا يحبذ سلوكه في السخرية من كل ما هو خارج حلقته الجذابة , والآن عليها الأعتراف بأن مارتين لم يكن مجرد أخ صارم , بل كان أكثر ذكاء مما تصورته , أن ما دفعه لأبعادها عن طريق غاي هو قلقه عليها.
أنها على يقين بمدى جمالها وجاذبيتها بدون غرور , وأن هناك قلة ممن يستطيعون مقاومة أغراء شعرها الحريري الأصفر الذي يتوج رأسها في عقدة رخوة , وعيونها الرمادية الواسعة بأهدابها السوداء , وظنت أن هذا ما أوقع غاي في هواها , ولم يخطر في بالها أنه كان لأبن عمها هدف خفي آخر.
( يا لي من غبية) همست بصوت مسموع وهي تضغط بيديها المضمومتين على عينيها الدامعتين , ثم أردفت ( يا لي من حمقاء) .
أخيرا تمددت هادئة , تتنهد بين حين وآخر , شعرت بأنها أنهكت جسديا ونفسيا , وجرحت في أعماقها أيضا.
ستترك بريوري وبسرعة , هذا ما قررته , لكن الى أين؟ حتى مدرسة الرسم التي كانت تبدو ملاذا محتملا , قد سلبت منها , والبقية الباقية من كبريائها تمنعها من سؤال باتريسيا عن أي عون , جلست في مكانها ضجرة , وأبعدت عن وجهها خصلات شعرها المتهدلة, بينما تجولت نظراتها الحزينة في أنحاء الغرفة حتى أستقرت مع وخزة ألم على بعض قطع الأثريات التي أختارتها أمها لهذه الغرفة حين جاءت الى بريوري لأول مرة عروسا , وعلى الموقد المرمري الأبيض علقت محاولة لأرورا كير سلاك الوحيدة في رسم صورة شخصية لنفسها قبل وفاتها بسنوات قليلة , توقفت نظراتها عندها , الوجه الصافي , العينان المرحتان , الفم المدور والمنحرف قليلا بظرف , ثم أنتقلت الى مجموعة المناظر الطبيعية على الجدار الآخر , هنا تبدو روح لاورا كير سلاك حاضرة تماما , كانت تطلق على هذه الرسوم مجموعة تريفينون , وهي مشاهد رسمتها أمها عن المكان الذي قضت فيه صباها , وبالرغم من أنها ولدت وعاشت سنواتها الأولى في لندن , لكن أندلاع الحرب العالمية الثانية دفع والديها الى البحث عن مكان آمن لها , وهكذا سافرت لاورا في أول شبابها الى كورنوول لتمكث عند بعض الأقرباء , وعندما علمت أن والديها قد قتلا في غارة جوية أصابت بيتهم , ظلت هي هناك ولم تعد ال لندن بعد ذلك أبدا.
نهضت موروينا وسارت لكي تتأمل الصور عن قرب , تبدو هذه المجموعة من بين جميع رسومات أمها , مشبعة بعنصر شؤم غامض , كانت موروينا وهي صغيرة , تحدّق في البيت الكبير الداكن اللون , القائم على المنحدر الصخري , بأبراجه ومداخنه الطويلة , وتستحضر في خيالها اليافع شخصية كاميلوت في قصة تريستان وأيزولت من خلال تلك الصخور الكئيبة , وكانت أمها تضحك من خيالاتها تلك وتقول أن تريفينون هي موطن عمال المناجم وليست موطنا للفرسان والسيدات الأسطوريات , عرفت موروينا أن الشاطىء هناك قد تحول الى مرمى لنفايات المناجم , وأن الأبنية والمداخن ما تزال باقية كشواهد على عصر مزدهر غابر , قالت أمها أن تريفينون قامت في مرحلة الأزدهار تلك.
وحين تعود موروينا بذاكرتها الى الوراء , تجد أن أمها لم تقل الشيء الكثير عن حياتها في كورنوول , كانت تبدو سعيدة هناك , أو هذا ما أستنتجته من أحاديثها , الى جانب هذا فأن أسمها كورنولي عريق , أختارته أمها بأصرار بعد أن عارضه الأب تحسبا من أثارة ذكريات حزينة , ووصف زوجته بأنها ( رومانسية ) رغم أنه خضع في النهاية لأرادتها كعادته دائما , وأستعمل العبارة نفسها كما تتذكر موروينا , حين تتأمل مجموعة تريفينون من اللوحات : البيت فوق قمة المنحدر , المنجم المهجور , القرية الصغيرة في مرفأ بورت فينور , والساحل بصخوره الدكناء الشامخة كأنها حراس من الغرانيت تقاوم هجوم الأمواج العنيفة.
أستعادت موروينا وجه أمها , وهي تخاطب زوجها , وكأنها البارحة:
" لماذا تقول هذا؟ لم أكن أرسم مجرد مكان , كنت أرسم شبابي وكل ما عرفته من سلام وطمأنينة وحب".
ثم نهضت وسارت اليه وأحاطته بذراعها وأراحت خدها على ده , وهي تقول له:
" أعرف أنك على حق , لكن دعني لأوهامي".
حين أعادت موروينا تلك الكلمات مع نفسها ثاني , أنتابتها رعشة خفيفة , وفكرت بحزن أن تلك الكلمات ما هي ألا نقوش على ضريح آمالها , ومن ثم جمدت في مكانها حين سمعت وقع خطوات قادمة عبر الممر , أستدارت حين أنفتح الباب ودخلت الليدي كير سلاك بشيء من الحدة:
" أوه أنت هنا يا موروينا , لقد بحثت عنك في كل أرجاء البيت,كنت أتساءل فيما أذا كنت راغبة في الأنضمام الينا للغداء".
منتديات ليلاس
سكتت مترددة للحظة ثم أضافت:
" أتصل غاي بالهاتف قبل قليل وقال أنه سيجلب معه صديقة, وفكرنا.......".
توقفت وأخذت تحدق بوجه موروينا بترقب.
عضت موروينا شفتها , أذن سيجلب غاي معه آخر حبيباته للغداء , وأمه تريد أن تعرف ماذا سيكون رد فعلها , هل ستقبل الأمر بدون أهتمام , أم سنغضب وتثور , أنتابها الغيظ , لكنها قالت متظاهرة باللامبالاة:
" لطيف جدا .... لكن أذا كان وجودي يسبب أي أرباك فأنني سأتناول وجبة خفيفة في الخارج".
أبتسمت الليدي كير سلاك برياء وهي تقول:
" آوه يا عزيزتي , هذا أمر غير متوقع منك أبدا , كم أنت حمقاء أحيانا , بالطبع لا نريد أن نتدخل في شؤونك , فأنت أمرأة ناضجة الآن , وطبيعي جدا أن ترغبي في أن تكوني مستقلة , ولا نريد أن نجعلك تشعرين بأننا نكبح رغباتك بأي شكل من الأشكال".
توقفت عن الكلام ثانية وفي صوتها شيء من أهتمام وقلق أمومي , وكأنها تريد أن تكسب ثقة موروينا , لكن موروينا قررت أن لا تنخدع بها ولا للحظة , وحتى ولو لم تكن قد سمعت ذلك النقاش القصير في غرفة الجلوس , فأنها أدركت أن نبرات باتريسيا ومواقفها كلها تكشف أنهم تحملوها ما فيه الكفاية , وينتظرون رحيلها بفارغ الصبر.
فجأة أحست أن أعترافها بالعجز وموت آمالها في أن تكون فنانة هو أكثر مما تستطيع تحمله.
قفزت الى ذهنها فكرة غريبة , وقبل أن تناقش مدى الحكمة فيما قررته , تكلمت قائلة:
" لا تقلقي بشأني بعد الآن , يا أبنة العم باتريسيا , قررت أن أخبرك بعد الغداء أنني ذاهبة من هنا ".
" الى أين؟".
هتفت الليدي كير سلاك.
" الحقيقة أنني أستلمت رسالة هذا الصباح فيها دعوة للبقاء مع أقرباء أمي في تريفينون حتى يحل موعد ذهابي الى كاركاسون في الربيع ,أنها فرصة جيدة لي , كورنوول مكان رائع للفنانين , سمعت أمي تكرر دائما أنها أنجزت أفضا رسومها هناك".
أنهت كلامها بحنق وهي تفكر أن باتريسيا كانت متلهفة لسماع هذا الخبر , أستقرت نظرات الليدي كير سلاك على مجموعة الصور البادية خلف موروينا , ثم عادت لتحدّق في وجهها بأستغراب قائلة:
" هل لأمك أقرباء في كورنوول ؟ لم أكن أعرف ذلك......".
قاطعتها موروينا قائلة :
" أقرباء بعيدون جدا .... الله وحده يعرف كم عددهم ".
ثم بحثت في ذاكرتها عن أسماء لتسند روايتها:
" أنه الخال دومنيك الذي بعث ارسالة".
كان هذا هو الأسم الذي تكرره أمها دائما : دومنيك من علّم أبنة المدينة تسلّق الصخور حافية القدمين , تجذيف القارب , أصطياد السمك , وهو من قصّ عليها تلك الأساطير التي تذكرتها موروينا , كقصص ما قبل النوم , قصص عن الأشباح الصغيرة التي تقطن منجم القصدير , والتي تتنبأ ضربات معاولها بحدوث الكوارث , قصص عن السفينة التي غرقت في المضيق خلال العواصف التي لاحقت الأسطول الأسباني المنحوس , والذهب الذي غرق فيها.
" أنها مفاجأة ......".
قالت الليدي كيرسلاك , ثم أضافت بعد لحظة :
" أظن أنك تعرفين ما تفعلينه , لكن هل سبق أن ألتقيت بأحد من هؤلاء الأقارب؟".
" كلا , لكنني أحس بأنني أعرفهم جيدا , لقد حدثتني أمي كثيرا عنهم".
دست موروينا يديها في جيوب سترتها وهي تشعر بأثم كبير لهذا الكذب , قالت الليدي كير سلاك بخشونة :
" حسنا , أنه لعطف كبير منهم أن يعرضوا عليك بيتا , آمل ألا تستغلي كرمهم يا موروينا , أنت لا ترضين أن تكوني عالة على الآخرين طوال حياتك , لكن أذا كان الأمر مجرد أسابيع فأظن أنه لن يكون ثقيلا".
توقفت للحظة ثم أضافت متسائلة:
" والآن , ماذا بشأن الغداء؟".
" أرجو ألا تقلقي بشأني , أظن أنني سأذهب لأحزم أمتعتي".
" مثلما تشائين".
قالت الليدي كير سلاك بدون أن تهتم بأخفاء غبطتها من جريان الأمور بهذا الشكل , أستدارت نحو الباب ثم ترددت وكأنها تذكرت شيئا ما, وقالت :
" أذا كنت ترغبين في أخذ أي من هذه الرسوم , فلا تتردي في ذلك يا موروينا , لقد أتفقنا أنا وجيوفري الليلة الماضية أنه من الأنصاف أن تحتفظي ببعض التذكارات من والدتك , رغم أنه ليس هناك من نص قانوني يخوّلك ذلك".
" شكرا لك.....".
" لا أقترح بالطبع أن تأخذي أيا من الصور التي في الطابق الأسفل , أما التي في هذه الغرفة فخذي منها ما تشائين , لا أعتقد أن الغرض من الأحتفاظ بالرسوم هو جودتها بأي شكل من الأشكال , وأنما بالطبع قيمتها العاطفية بالنسبة اليك".
كان وجه موروينا جامد التعابير , وكلمات الشكر التي قالتها كانت مؤدبة , ويبدو أن أمل الليدي كير سلاك في رؤية أية علامة أبتهاج على وجهها , قد خاب.

سومه كاتمة الاسرار 26-06-11 12:24 AM

الملخص جمييييييييييييييييييييييييل بس وين التكمله
:8_4_134:

نيو فراولة 26-06-11 10:02 AM

وحالما تأكدن أن الليدي كيرسلاك قد أبتعدت , ألقت بنفسها على المقعد الطويل وجسدها يرتعش ,وهي تحدق في رسوم البيت الوحيد على الصخور الكئيبة , وقالت لنفسها :
" أوه يا ألهي , ما الذي جرى لي؟".
حاولت جمع شتات أفكارها , قبل كل شيء أنها لم تقرر الذهاب الى كورنوول بعد , وقد ولد هذا الموضوع من وحي اللحظة لتنقذ به ماء وجهها أمام باتريسيا , فليس لديها أي شيء هناك.
أنتابتها موجة حنق , أنها لا تريد العيش بين مجموعة من الغرباء , كما أنها لا تعرف أيضا فيما أذا كان دومينيك الذي طالما حدثتها أمها عنه ما يزال حيا , وأذا كان كذلك , فأنه الآن في ستينات عمره على الأقل , والأعوام التي أنفقتها أمها في تريفينون أمست الآن ذكريات بعيدة .
هزت رأسها ببطء , عليها أن تكف عن التفكير في هذا الأمر , الحقيقة هي أنها الآن بدون مأوى , لكن ذلك ليس بكارثة , الكثير من الأصدقاء والصديقات بعيدون عن بيت الأهل لأسباب مختلفة , ومع هذا أستمروا في العيش , وكان عدد من أسماء هؤلاء في دفتر عناوينها بأمكانها الأتصال وطلب العون منهم في حالة الضرورة الكثيرون يشاركون بعضهم في السكن , وآخرون يتزوجون ويخلون أماكنهم .
لا بد أن هناك في مكان ما من يبحث عن فتاة أخرى ليكتمل عدد الساكنين , وحتما هناك عمل أيضا , قد لا يكون من الأعمال التي تطمح اليها , فتلك تتطلب مؤهلات ومهارات , لكن عليها أن تجد أي عمل تضمن منه عيشها.
أما الدراسة فتستطيع الألتحاق بحصص المساء.
سيطرت على تقلصات ملامحها , لقد أضحى هناك مسافة واسعة بينها وبين ربيع جنوب فرنسا الذي طالما حلمت به , لكن عليها أن تلوم نفسها فقط , كان بمقدورها أن تقدم أعمالا أفضل من تلك التي أرتها للينوكس كريستي , لكنها ظنّت أن المال هو الذي سيضمن لها مقعدا في مدرسته , وبأختصار لم تجهد نفسها بالعمل , ولو حاولت الآن فأن الأمر سيكون مختلفا.
أخذت الرسالة المطوية من جيبها وأعادت قراءتها بتمهل , أنها لا تحوي أملا أكيدا غير أن لينوكس يعرض عليها فرصة ثانية , وهي بدورها تحتاج للعمل بجد في الشهور القليلة القادمة حتى تقنعه بأنها تملك الأخلاص والمثابرة بالأضافة الى الموهبة , وأنها ليست مجرد فتاة همها قضاء بضعة شهور في جو مشمس , نهضت ومشت الى النافذة , وتأملت مجموعة أشجار جرداء في الخارج وسط مرج أخضر , أنها بحاجة لبضعة شهور لتنجز بعض الرسوم الجيدة , غير أن ما هو مهم الآن هو أيجاد سكن وعمل , أجرت بعض الحسابات الذهنية السرسعة لكي النتائج كانت محبطة , ما عندها من مال قليل في البنك لا يكفي حتى تواصل تحقيق هذا الحلم الضعيف.
تنهّدت ثم ألقت نظرة حزينة الى الوراء حيث الصور المعلقة على الحائط تناشدها بقوة , أذا ما قررت أن تأخذ معها أيا من رسومات أمها , فستكون هذه الصور والصورة الشخصية المعلّقة فوق الموقد المرمري , لكن الله وحده يعلم ما الذي ستفعل بها , أنها لا تقدر أن تتخيلها وقد علّقت في شقة أحدى صديقاتها كجزء من الديكور , ستحتفظ بها في مكان أمين حتى تعثر على بيت مستقل متى آن الأوان , توقفت بغتة وهي في طريقها الى الباب, وحدّقت في الصور ثانية , ليس بمقدورها الأدعاء أن لها بيتا في تريفينون , لكن بالتأكيد أنهم سيقبلون الأحتفاظ بالصور عندهم أكراما لذكرى أمها أذا ما شرحت الأمر لهم.
أنه مجرد حل مؤقت , وستكون الصور في مأمن هناك , أنتابتها بعض الراحة حين عثرت على حل لواحدة من مشاكلها على الأقل , غير أن العثور على مثل هذا الحل الجاهز لما تبقى من مشاكلها يبدو مشكوكا فيه , ومع هذا أتّجهت الى غرفتها لحزم أمتعتها وفي داخلها ومضة أمل صغيرة.
الأيام القليلة التي تلت لم تكن مريحة أبدا , ومع أنها أعلنت تركها للمكان , ألا أنها شعرت بأن الجو في البيت لا يمكن أن يطاق .
كانت بشكل عام قاسية في حزم أمتعتها , فمعظم محتويات خزانة ملابسها أودعتها سوق الملابس المستعملة لبيعها بثمن بخس , وأشياء أخرى عزيزة قدمتها الى مخزن للأحسان , ولم تحتفظ لنفسها ألا بما هو أساسي جدا , غير أن هذا لم يحزنها قدر ما أحزنها الرحيل بدون كتب الطفولة والأشياء الأخرى التي ما تزال تشغل غرفة نومها , كانت تأمل أن تنتقل هذه كلها الى أطفالها يوما ما , لكن عليها الآن أن ترحل بأخف ما يمكن حمله , حشرت حاجياتها في حقيبة واحدة كبيرة , بينما وضعت أدواتها للرسم في حقيبة أخرى قديمة , أخرجت مجموعة تريفينون من الرسوم والصور الشخصية لأمها من أطاراتها بعناية ووضعتها في رزمة أنيقة تحت مراقبة الليدي كير سلاك.
تعقّدت الأمور أكثر مع وصول غاي وصديقته , كان شعرها أسود ومصففا بعناية , وقهقهاتها تثير أشمئزاز موروينا , مع أن غاي لم يكن يرى في سلوكها شيئا مشينا , تحملت موروينا أذلالا أخر أيضا , ذلك أن غاي أخبر صديقته جورجينا بكل ما كان بينهما وربما بأضافات من عنده , وكان رد فعل جورجينا هو معاملتها بنوع من الأزدراء الممزوج بالشفقة مع الأحساس بالزهو من أن ما خسرته موروينا قد كسبته هي , عانت موروينا من هذا الوضع عاجزة عن فعل شيء, وأدركت أنه لا جدوى من محاولة أقناع جورجينا بأن ما كان بينها وبين غاي لم يتعدّ بداية علاقة , وهي لا تحاول برزانتها أخفاء الجرح الذي سبّبه لها , كانت تود حقا أن تقول لها أنها تبارك علاقتها بغاي , وهي فقط تشعر بالأسف لأنها لا تملك من الذكاء ما يكفي لتعرف أهداف غاي الخفية منها , لكنها كانت موقنة أن جورجينا لن تصدقها.
ما أثار دهشة موروينا حقا هو موقف أبنة عمها فانيسا , فمع أقتراب موعد رحيلها , أصبحت أكثر مودة معها , حتى عرضت عليها أن تأخذها بسيارتها الى محطة القطار , ومع أن موروينا قد قبلت عرضها ألا أنها لم تخادع نفسها بأنها عثرت على صديقة حميمة جديدة , عرضها ألا أنها لم تخادع نفسها بأنها عثرت على صديقة حميمة جديدة , وفكرت بأن غاية فانيسا من أخذها الى محطة القطار هي التأكد من ذهابها فعلا الى كورنوول , بالأضافة الى أنها كانت تبحث عن رفقتها خلال ساعتها الأخيرة في بريوري حتى تتجنب جورجينا التي شعرت نحوها بكرهية واضحة وملفتة للنظر بشكل مربك.
عرفت موروينا أن الحياة في بريوري ستغدو قريبا أشبه بالجحيم , خاصة أذا ما قرر غاي الزواج من جورجينا وبالتالي الحصول على نقود أبيها التي تتحدث عنها دائما وبصراحة , وهذا ما خفّف من شعورها بالألم لأبتعادها عن بيتها , ومع ذلك لم تستطع أن تحبس دموعها قبل أن تنام كل ليلة , ليس لما فقدته فقط بل من الخوف أيضا , كانت تشعر بأطمئنان حين تقول لنفسها بيقين أن لا أحد يخشى الموت جوعا في بلدها المترف هذا , لكن الحقيقة التي كانت تواجهاا دائما هي أنها والى ما قبل أسابيع قليلة كانت مطمئنة ومحمية , بالرغم من أنها لم تكن بحاجة لأن تذكّر نفسها أن هناك آلافا من الفتيات في عمرها في وضع أسوأ مما هي فيه , لكنها تشعر بوحدة قاسية وبخطورة وضعها غير الحصين , فبعد أن كانت محور حب العائلة ها هي أصبحت فتاة منبوذة تماما.
أنتابت موروينا راحة كبيرة حين حلّ يوم رحيلها , قالت عبارة وداع قصيرة للسيد جيوفري في المكتب الذي كان يخص والدها , وحين مدّ هذا اليها ورقة صك بمبلغ جيد وهو يتمتم ببعض الكلمات , أرتبكت وأحمر وجهها غضبا وهي ترد بكلمة شكر مقتضبة , وحالما أصبحت خارج المكتب مزّقت الصك الى قطع صغيرة وألقتها في مزهرية خزفية كبيرة قائمة في الممر , أما الليدي كير سلاك فقد عادت الى عذوبتها السابقة , مانحة أنطباعا بأن عناد موروينا فقد هو الذي يأخذها بعيدا عن بريوري , وتساءلت موروينا ساخرة وهي تضع خدها على الخد المعطر الآخر الذي أمتد نحوها , ترى ما الذي سيكون رد فعل أبنة العم باتريسيا أذا أعلنت أنها قد عدلت عن رأيها وقررت البقاء في بريوري.
كانت فانيسا تنتظر في الصالة بنفاذ صبر , ولم تحاول مساعدة موروينا في حمل حقائبها , لكنها سارت بحيوية الى سيارتها وأدارت المحرك بينما أبنة عمها تضع حقائبها في الصندوق الخلفي , ثم صعدت موروينا وجلست محدقة الى الأمام , فنظرات الحسرة الى الوراء لا تورث سوى الحزن.
رمقتها فانيسا بنظرة جانبية , وقالت:
" أنت مجنونة تماما , تشتاقين الى كورنوول من بين كل الأماكن , ربما كان ذلك طبيعيا في الصيف ,لكن ما أتعس كورنوول في الشتاء , يا ألهي".
توقفت عن الكلام لبرهة , لكن لم تبدر من موروينا أية أستجابة , ثم أستمرت:
" ظننت أن غاي سينزل لتوديعك , خاصة في مثل هذه الظروف".
أنتظرت للحظة بدون أن تتلقى أي رد , وبدا الغضب في نبرتها قليلا حين تكلمت ثانية:
" ربما فكر أن جورجينا المرعبة ستنزعج أذا ما أقدم على توديعك".
قالت موروينا بهدوء:
" ليس هناك من داع لأي يسبب أي أزعاج".
" أوه , خففي من كبريائك قليلا".
قالت فانيسا وهي تزيد من سرعة السيارة وتجتاز شاحنة أمامها , ثم أستمرت في كلامها:
ط| تعرفين جيدا أنك كنت تحبين غاي , وبالطبع ليس سهلا أن ترينه مع فتاة أخرى أنا لا ألومك أبدا في ذهابك الى مكان آخر لتلعقي جراحك , أظن أننب كنت أفعل الشيء نفسه لو كنت في وضعك , لكن أذا كان هناك من عزاء لك فهو أن أمي لا تحبّذجورجينا , وهي تراقبها دائما وتحاول أن تكون مهذبة معها , وأعتقد أنها بشكل ما كانت تفضلك لو أن غاي أستقر عليك".
" شكرا لك".
قالت موروينا بجفاف.
هزت فانيسا كتفيها قائلة:
" أوه , أنت تفهمين ما أعنيه , ومع هذا فأنت أحببته الى حد ما , لكنه سحب نفسه".
قالت موروينا وهي تسيطر على أنفعالاتها بصعوبة :
" بدون أن يجعل مني زوجته المخلصة , أعتنين هذا ؟ أهذا كل ما تفكرين به؟".
رمقتها فنيسا بنظرات مضطربة , وقالت:
" لا أقصد ذلك , لكن غاي هو الآن مع جورجينا , وهذا تصرّف وقح ولهذا.......".
رسمت موروينا على وجهها أبتسامة وهي تقول:
" ولهذا فأنتم تفترضون جميعا بأنني فعلت معه الشيء نفسه , وبالسهولة نفسها , لا أستطيع أن أتظاهر بأنني مدّعية , أو ربما أن غاي يختار سهلات الأنقياد عادة".
أجابت فانيسا ساخرة:
" حسنا , لنقل أنه لم يكن ينفق الكثير من وقته على الخائفات".
عضّ موروينا شفتها قائلة:
" هكذا أذن".
ثم صمتت برهة وهي تفكر في أيهما أسوأ.
الأدعاء بأنها كانت خليلة غاي المطواعة , أم أنها لم تكن ذات جاذبية كافية حتى يقدم على أغوائها.
لقد فضّلت أن لا تكون لا هذا ولا ذاك , أطلقت ضحكة وقالت وهي تحشر يديها في جيوب سترتها حتى تخفي أرتعاشتهما:
" في الحقيقة كانت علاقتنا قائمة على منفعة متبادلة أكثر من أي شيء آخر".
ثم أستطردت بعد توقف قصير:
" كلانا كان يبحث عن شخص يسنده , وأنا لا ألوم غاي في أختياره النساء الثريات , وها أنا أفعل الشيء نفسه تقريبا".
" أنت؟".
هتفت فانيسا وهي تحدّق فيها , ثم أردفت:
" لا أصدقك".
أتسعت أبتسامة موروينا وهي تقول:
" حسنا , دعيني أقول أنني لست ذاهبة الى كورنوول لمجرد النزهة".
" لا ؟ هل هناك رجل؟".
سألت فانيسا وقد صدّقت كلام موروينا , أطلقت موروينا ضحكة واثقة وأجابت:
" بالطبع هناك رجل , وألا لما تحملت مشاق السفر الى ذلك المكان النائي في مثل هذا الوقت".
" لقد عرفت دائما أنك لست بالساذجة , هل عرفته منذ زمن طويل؟".
أجابت موروينا وهي تهز كتفيها بمرح:
" منذ زمن كاف".
" هل تنوين الزواج منه؟".
" أوه , أن ذلك يتوقف على أمور كثيرة , أفضّل التفكير فيه حين يحين أوانه".
أطلقت ضحكة قصيرة ثم أستمرت قائلة:
" وأذا أستطعت أقناعه بأن يعطيني من النقود ما يكفي نفقات دراستي للرسم , ربما لن أفكر في الزواج أطلاقا".
قالت فانيسا بدهشة:
" لقد فهمت , حسنا كل ما أستطيع قوله هو أنني أتمنى لك حظا سعيدا".
" شكرا لك".
ضحكت موروينا وتابعت:
" أظن أنني لن أحتاج الى ذلك".
للحظة أستسخفت نفسها للّعبة التي لعبتها مع فانيسا , لكن ماذا يهم , فهما لن تلتقيا ثانية , وهي تعرف جيدا أن أبنة عمها سوف تتنفس بأرتياح وتبعدها عن ذاكرتها بمجرد أن تبتعد عنها , فهي تعرفهم جيدا , فما دامت تقيم في بريوري , فلن يشعروا بأن الأرث يؤول اليهم حقا , كانت ضيفة ثقيلة عليهم , والحقيقة أن العلاقة لم تكن حميمة بين العائلتين يوما ما.
حين وضعت حقيبتها والرزمة التي تحوي الصور , فوق رف الأمتعة وأحست بحركة القطار وهو يبدأ رحلته الطويلة نحو الغرب , أنتابها حزن شديد , راقبت الأرصفة وألواح الجدران الخشبية وهي تنساب الى الخلف بقنوط شديد.
أبتلعت ريقها , وبدت لها حجة الطلب الى أهل تريفينون الأحتفاظ برسومات أمها معقولة , لكن ما هو الحق الذي تمتلكه في أن تسأل عن أي أحسانوهي الغريبة بين غرباء ؟ أما كان من الأفضل لو مكثت في لندن وأرغمت نفسها على بيع تلك الرسوم ؟ أما كان ذلك أجدى من ركوب هذه الرحلة الى زاوية في أنكلترا لا تعرفها ألا من خلال قصص ما قبل النوم وبعض المناظر الرومنسية , تنهّدت بألم , هل هي قد بدأت رحلتها سواء كانت أحسنت القرار أم أساءته , وتمنت لو أنها أستطاعت أن تطرد من أفكارها ما قاله أحدهم يوما:
" أن السفر بأمل , خير من الوصول".

نيو فراولة 26-06-11 10:06 AM


2- وأنطلقت الدموع



لم تتحسن حالة موروينا النفسية ,حتى حين وصلت الى بنزاس , وظلت كآبتها كما هي , كانت السماء الرمادية ما تزال تمطر , مما زاد من شعورها بالوحدة والضعف , تمنت لو أن قدرتها المالية تسمح لها لكي تستقل سيارة تاكسي الى تريفينون , لكن ذلك سيكون مجازفة , خاصة وهي لا تعرف كم يبعد المنزل من بنزاس , للحظات راودتها فكرة العثور على مكان في بنزاس لقضاء الليل فيه , ولكن سرعان ما أبعدت تلك الفكرة عن رأسها , وأيقنت أن ما هو مهم الآن هو الوصول الى تريفينون وأيداع الرسوم هناك.
منتديات ليلاس
سارت تحت النطر حاملة حقيبة الظهر على كتفها , بينما الحقيبة الثانية في يدها الأخرى , وكان شعرها مبتلا وقد تهدّل حول وجهها المبتل هو الآخر , من مكتبة صغيرة أقتنت خارطة للمنطقة , ودخلت الى مقهى كان من حسن حظها أنه مت زال مفتوحا , حيث في مقدورها الأحتماء فيه من المطر وتأمل الخريطة براحة , لم تعثر على تريفينون في الخارطة , لكنها عثرت على بورت فينور بينما هي تشرب قهوتها وتتناول سندويشا من الجبن , وعثرت على المضيق الأسباني أيضا , فعرفت الأتجاه الذي يجب أن تسلكه.
حين تركت المقهى واجهتها ريح قوية كادت أن تفلت الباب من يدها وتفقدها توازنها للحظة , سيطرت على نفسها وهي تئن من الألم والضعف , لقد حدثتها أمها كثيرا عن الرياح الجنوبية الغربية العاصفة في هذه المنطقة , لكنها لم تكن تتوقع أن عاصفة كتلك ستصادفها حالما تصل الى هنا , وما يقلقها هذا المصير المجهول الذي ينتظرها , لكنها لم تجد بدا من الأستمرار , فغيّرت وضع حقيبة السفر لتريح كتفها , ثم أحنت رأسها عكس أتجاه الريح الشديدة وواصلت سيرها , فكرت في شيء واحد : ترى هل أحسنت عملا بمجيئها الى هنا , أم أن ذلك مجرد جنون أرتكبته بدون وعي , وكانت في أعماقها تتوسل الى الله أن يكون العجوز دومنيك رج طيبا وشفوقا , وأن لا يستجوبها بالكثير من الأسئلة وهي على عتبة داره.
حين أصبحت في موقف الباص ,أكتشف أنها ليست وحدها , كانت هنالك فتاة أخرى تنتظر وقد أحتمت بمدخل أحد الأبواب من المطر والريح , وهي فتاة قصيرة وممتلئة , ترتدي رداء طويلا أسود . وكان وجهها مدورا ودودا , أبتسمت الفتاة لموروينا , بينما هذه تضع حقيبتها على الأرض وتنزل حقيبة اظهر عن كتفها , قالت الفتاة:
" أنه يوم بائس حقا.......".
" نعم , والظلام يحل بسرعة في مثل هذا الوقت من السنة ".
أجابتها موروينا وهي تنظر فيما حولها:
" هل تقصدين مكانا بعيدا ؟".
" لست متأكدة في الحقيقة , أحاول الوصول الى بيت يدعى تريفينون ".
" تريفينون.....".
قالت الفتاة بدهشة ثم أضافت:
" أنه على مسافة بعيدة , عليك أن تنزلي في مكان يدعى تريفينون كروس.....".
وصمتت للحظة ثم قالت وهي تحدق في وجه موروينا :
" لا أريد أن أكون فضولية , لكن هل أنت متأكدة من أن ذلك هو المكان الذي تقصدينه؟".
لم تكن موروينا في الواقع واثقة من أي شيء , لكنها رفعت وجهها بثقة لم تكن تملكها في الحقيقة , وقالت:
" بالطبع أنا واثقة , أنني أبحث عن السيد تريفينون , دومينيك تريفينون , هل تعرفينه؟".
تلعثمت الفتاة ثم تمتمت:
" لا أعرفه شخصيا , أنه في الحقيقة لا ييستقبل أحدا في مملكته الخاصة ".
همست موروينا لنفسها : ( أذن هذا هو السيد الذي عقدت عليه آمالي ) , وقالت:
" أظن أنك تبالغين في حقه".
" بل أنه أسوأ من هذا , متكبر وفظ الخلق , متمسك بمنزله وأراضيه على الشاطىء وكأنه يدافع عن آخر قلاع كورنوول , أنه يكره السياح ولا يمد يد العون لأحد , ولكن أذا كان يتوقع وصولك فسيكون الأمر على ما يرام".
أشتدت دقات قلب موروينا وفكرت : أذا كان هذا هو ما عليه العجوز الكريم , فكيف سيكون أستقباله لي؟
" يبدو أنك نعرفين الكثير عنه ".
سألتها موروينا .
" ليس كثيرا في الواقع , لكنني أملك صالة لصنع التحف الفخارية مع أخي , وأردنا توسيعه ببناء مجزن ملحق به , لكننا فشلنا في الحصول على أجازة البناء , وكان السيد دومنيك تريفينون وراء حجب الأجازة عنا , أنه يخشى أن يجلب ذلك المخزن , السياح الى منطقته , فهو يتز بوحدته جدا".
( شكرا على هذا التحذير ) قالت موروينا لنفسها , ونظرت الى ساعتها , سيصل الباص في أية لحظة , وما يزال هناك متسع من الوقت لتغير رأيها , أحقا هذا هو الرجل الذي تحدثت عنه أمها بكل ذلك الحنين أم أن الزمن قد غير من طباعه الى هذا الحد؟

" بالمناسبة , أنا بيدي برادشو... كنت أتجول في بعض مخازن الهدايا , أحاول بيع بعض منتجاتنا , يبدو أنه ليست هناك طلبات كثيرة في الوقت الحاضر".
موروينا قدّمت نفسها أيضا وهي توميء برأسها , فقالت بيدي بأهتمام وهي تبتسم:
" لكن موروينا أسم كورنوولي , يبدو أنك من هذه المنطقة".
" لست من هذه المنطقة , لكن أمي قضت معظم صباها هنا , لذا فأختيارها لهذا الأسم لي طبيعي فيما أظن".
" أظن ذلك , أوه لقد وصل الباص أخيرا".
صعدتا الى الباص , قالت بيدي:
" ستنزلين بعدي بمنطقة , ثم تنحرفين يسارا وتستمرين في الشارع نفسه الذي يوصلك الى المنزل مباشرة".
أرادت موروينا أن تستفسر الكثير من بيدي عن تريفينون , لكن الزحام في الباص حال دون ذلك , كانت بيدي رفيقة لطيفة , تمنت موروينا لو تطول رفقتها لها , وتأثرت كثيرا حين قالت بأنها تقترب من منطقة نزولها , ودعت موروينا قائلة:
" أتمنى لك حظا سعيدا ,وأذا ما رغبت في البقاء فترة هنا , فأرجو أن نزورينا في صالة الفخاريات".
" سأحاول.......".
أجابت موروينا مبتسمة.
وحين نزلت بعدها بمنطقة , وأبتعد الباص عنها , أخذت نفسا عميقا ومشت بضع خطوات وجدت نفسها بعدها في ظلام , كانت الرياح تهب عاصفة وتبعثر خصلات شعرها على وجهها , شدّت سترتها على جسدها بأحكام وفكرت بأنها كانت تتوقع نفسها في أي مكان في هذا العالم غير هذا المكان المظلم البارد في هذه المنطقة الريفية , واصلت سيرها بأتجاه ضوء تقاطع الطرق , حيث أنحرفت هناك الى اليسار حسبما أوصتها بيدي , المطر ما يزال يهطل وصوت هدير البحر يأتيها واضحا , وجدت نفسها في درب مظلم ضيق محاط من جانبيه بسياج نباتي عال , ولم يكن هنالك أي ضوء بأستثناء ضوء القمر الخافت الذي كان يطل بين حين وآخر من بين الغيوم .
منتديات ليلاس
وتذكرت أنها وضعت مصباحا يدويا يعمل بالبطاريات في حقيبة الظهر , فأنزلت الحقيبة وبدأت تفتش فيها حتى عثرت عليه , وحين أشعلته كان نوره ضعيفا غير أنه كان كافيا لأضاءة الطريق أمامها.
سارت حوالي عشر دقائق , وتمنت لو أن لوحة الأرشاد التي صادفتها في بداية الدرب , قد أعطتها فكرة عن المسافة التي تفصلها عن المنزل.
فجأة سمعت صوت أرتطام عنيف بالقرب منها , كان الصوت قويا طغى على صوت هبوب الريح رغم شدّتها وعدوها , كانت شجرة قوية أقتلعتها الريح العاصفة وألقتها على الطريق , ولحسن الحظ لم تصب موروينا بأذى , لكنها أرتعبت وتوترت أعصابها غير أنها أستردت هدوءها بعد فترة قصيرة أمسكت غصنا منها وحاولت تحريكها حتى تبعدها عن الطريق , لكنها فشلت , وعرفت أن هذه الشجرة ستسبب كارثة لية سيارة متجهة الى البيت أو عائدة منه , فقررت أن تهرع الى البيت أينما كان وتخبر من فيه بالأمر , غير أنه لم يمر سوى لحظات حتى سمعت محرك سيارة قادمة من بعيد , فألتفتت فيما حولها وراحت تبحث في الظلام حتى لمحت ضوء مصباحين قويين متجهين نحوها , وأدركت أن السيارة قادمة الى تريفينون , وأنها ستصل هنا في أية لحظة وسائقها يجهل الخطر الذي ينتظره في الطريق , ركضت الى منحنى الطريق ووقفت في وسطه وهي تحرك مصباحها علّ ضوءه يسترعي أنتباه السائق , وأقترب صوت المحرك حتى كاد يصم أذنيها , وبغتة سمعت صوت عجلات تتوقف بعنف , وأن جسدها قد ألقي بقوة نحو السياج , ثم أحست بيدين قويتين ترفعانها وتوقفانها على قدميها.
كان رجلا طويلا أسود اللون , وكانت سحنته غاضبة وهو يقول:
" ما الذي تفعلينه هنا , أيتها الحمقاء. كنت على وشك أن تموتي!".
" لا تقل أنني حمقاء , وماذا عن نفسك ؟ أنك تقود سيارتك كالمجنون في هذا الليل المظلم , لو دهستني لكنت أنت المخطىء!".
" هل تحبين أن أحيطك علما بأن هذا طريق خاص , ولا يتوقع أحد أن يصادفه عابر مجنون مثلك".
" لست مجنونة , وأنما كنت أحاول أنقاذ حياتك , أو على الأقل أن أحول دون أصابتك بجروح".
ساد صمت ثيل , قطعه صوته وهو يتساءل بأستغراب:
" ماذا تقصدين؟".
" هناك شجرة واقعة على الطريق خلف هذا المنحنى , كنت ذاهبة لأخبر أحدا في البيت حين سمعت صوت سيارتك , وفكرت أنه من الأفضل أن أبقى وأحذّرك حتى لا تصطدم بها".
" أنتظري هنا.....".
قال بغتة وذهب الى سيارته , أدار محركها وسار بها الى ما بعد المنحنى , ثم أوقفها هناك , وعاد ماشيا." يبدو أنني مدين لك بكلمة أعتذار".
قال بهدوء ثم أضاف متسائلا:
" ولكن ماذا تفعلين هنا ؟ هل أضعت الطريق؟ هذا طريق خاص يؤدي فقط الى......".
لكن موروينا قاطعته قائلة:
" الى تريفينون , أعرف ذلك , أنني لم أضع طريقي , لكنني ذاهبة الى تريفينون , أريد أن أرى السيد دومنيك تريفينون".
" حقا؟ وهل السيد تريفينون يتوقع وصولك؟".
" كلا , وقد حذّرني أحدهم قبل قليل بأنه متعجرف جدا , ويحسب نفسه ملكا غير متوج على منطقة كورنوول , لن هذا لا يغير من الأمر شيئا , فأنا ذاهبة لمقابلته".
" ولماذا تصرين على مقابلته ؟ أليس من الأفضل أن تبتعدي عنه وقد عرفت طباعه؟".
" لا بد أن أراه , أريد أن أسأله معروفا".
" وهل تعتقدين أنه سيلبي طلب عابرة سبيل غريبة مثلك؟".
" يداخلني شعور بأنه سساعدني , بالأضافة الى أنني لست غريبة عنه تماما".
" ماذا تعنين بأنك لست غريبة عنه تماما؟".
موروينا أحست أنها تحدثت أكثر مما ينبغي , لذا أجابته قائلة:
" آسفة , هذا أمر يعود لي".
ثم أضافت بعد توقف قصير:
" أظن أنك صديق مقرّب منه , وأنك في طريقك اليه , وستخبره عما قلته عنه , لا تتردد في ذلك , فلن يغيّر ذلك شيئا".

حاولت أن تتحرك من مكانها , لكن ألما شديدا في أطرافها شلّها عن الحركة.
" هل تأذيت ؟ لقد صدمتك السيارة بعنف".
" أوه , لا تقلق , أظن أنني ما زلت قادرة على المشي".
" قفي منتصبة , دعيني أفحصك , ربما أصبت بكسر".
وقفت موروينا في مكانها وأسنانها تصطك من الغيظ والألم , وهو يفحص أطرافها بدقة وبعناية "
" شكرا لك , يبدو أنك طبيب بيطري".
" ليس يالضبط , من المفيد أن أحذّرك من الكلاب , أنها متعودة على أستقبال الغرباء في البيت ".
" يا ألهي..........!".
هتفت موروينا بخوف , غير أنه كان من العسير عليها أن ترى وجهه بوضوح حتى تعرف فيما أذا كان يمزح أم أنه جاد في قوله , وسألته:
" وهبل هي كلاب شرسة؟".
" ذلك يتوقف عليك , لا تحاولي أثارتها".
" أتظن أن الأمر سيكون أفضل لو عرفت أسماءها ؟".
" أظن ذلك , أحدهما يدعى وسكي والآخر ماكس ".
حملت موروينا حقيبة الظهر على كتفها والحقيبة الأخرى في يدها , وهمت بالسير لكنه قاطعها قائلا:
" سؤال أخير لو سمحت , كم من الوقت تودين البقاء في تريفينون ؟".
أرادت أن تقول له أن جل ما تطلبه الآن هو قضاء هذه الليلة تحت سقف يحميها , بكنها ضبطت لسانها وقالت مازحة:
" لنر كيف تسير الأمور , ربما سيهواني ملك كورنوول ".
" سيهتم بك حتما".
قال بنبرة لطيفة وهادئة.
سارت في طريقها مرفوعة الرأس , متحاملة على نفسها بدون أن تعرج حتى أجتازت منحنى الطريق وأصبحت خارج حدود ضياء مصابيح السيارة , كانت الريح قد خفتت , لذا بدا صوت أرتطام أمواج البحر بالساحل أكثر وضوحا , وكان المطر قد توقف أيضا , وعلى ضوء القمر الذي ظهر من بين الغيوم المتسارعة , بدا هيكل البيت واضحا , المداخن والسقف , وعلى جهة اليسار كان هناك ضوء مصباح في أحدى نوافذه , أحست موروينا بموجة حنين تغمرها وهي تتذكر رسوم والدتها , وأمتلأت عيناها بالدموع , وعلى مقربة منها نبح كلب وتبعه كلب ثان , وفي البيت أضيء ضوء آخر , وكأن أهل البيت يستجيبون لنداء الكلاب , بالطبع قالت مورونا لنفسها , أنهم ينتظرون زائرا , الرجل الذي قابلته في الطريق.
جمعت كل شجاعتها وأتجهت نحو الباب الرئيسي , وقرعت الجرس المثبت على جانب الباب , أخذ الكلبان ينبحان ويدنوان منها , فنادتهما بأسميهما فتوقفا قربها , ثم سمعت وقع أقدام قادمة من الداخل , سرت رعشة برد في أطرافها فدست يدها في جيبها لتخفف من أنفعالها , وأنفتح الباب الثقيل محدثا صرير عميق , طالعها رجل بدين وقصير , عيناه تلمعان تحت حاجبين رماديين كثين , وأخذ يحدق فيها بأرتياب , ثم قال بأمتعاض:
" يبدو أنك أخطأت اللبيت الذي تقصدينه".
أقتربت منه موروينا أكثر وأبتسمت له وهي تفكر : ترى أهذا هو السيد تريفينون؟ يبدو حقا مثلما سمعته عنه من جفاء.
" السيد تريفينون؟".
سألت موروينا بنبرة حاولت أن تكون واثقة.
" غير موجود".
" أهو مسافر أم أنه خارج البيت؟".
" هذا ليس من شأنك , أذهبي الى سبيلك".
أجابها الرجل , بينما في تلك اللحظة رن جرس الهاتف في مكان ما من البيت , وهمّ الرجل أن يغلق الباب وهو يقول:
" عليّ أن أجيب على الهاتف.........".
لكن موروينا هتفت به متوسلة:
" من فضلك , لقد أتيت من مكان بعيد هذا اليوم , أذا كان السيد تريفينون غير موجود الآن فهل بوسعي الدخول وأنتظاره؟".
" كلا........".
أجابها وقد بدا من نبرته أنه فقد صبره , ثم أضاف حانقا:
" لو كان السيد تريفينون راغبا في رؤيتك أخبرنا بمجيئك , أتصلي غدا بالهاتف وخذي موعدا لرؤيته ...... والآن أذهبي.......".
وأنسحب وهو يغلق الباب , لكن صوت أمرأة هتفت به من الداخل:
" أنتظر يا زالك , دعها تدخل".
" ماذا تقولين؟".
" قلت دعها تدخل , ألم تسمع؟".
فتح الرجل الباب , ودخلت موروينا , وضعت حقيبتها على الأرض ثم أنزلت الحقيبة الثانية من على كتفها .
تأملت المرأة موروينا , وقالت لها:
" يمكنك الأنتظار في غرفة المكتب حتى يحضر السيد , هناك نار في المدفأة..... هل تريدين كوبا من مشروب ساخن؟".
قبلت موروينا وهي تشعر بالسعادة لسماحهم لها بالدخول بعد أن كادت تمكث في العراء في هذا الليل البارد , وزادت سعادتها وهي تدخل الى المكتب , طاولة كتابة عتيقة , تتكدّس الأوراق عليها , بالأضافة الى آلة كاتبة قديمة , مقعد طويل مغطى بقماش بال موضوع أمام المدفأة والى جانبه مائدة صغيرة وعلى الأرض فرشت سجادة حمراء.
جلست أمام المدفأة ومدت يدها المرتعشة نحو النار فسرى الدفء فيها , لكن ما رأته لم يعطها شعورا بالتفاؤل , وبدا لها واضحا أن تريفينون يعاني من أفول المجد منذ زارته أمها آخر مرة ,ويبدو أن هذا هو سبب عدم عودة أمها الى هنا مرة أخرى , وربما أن بريفينون نفسه لم يشجعها على المجيء , حتى تبقى تتذكر الأشياء كما كانت , وتتذكر الناس هنا كما كانوا.
فتحت حقيبة الظهر التي كانت الى جانبها , وأخرجت الرزمة التي فيها الرسوم , وبعد تردد قصير قامت ومشت نحو الطاولة ووضعتها فوقها.
كانت هناك مجموعة من الصحف والمجلات ملقاة على طرف المقعد بأهمال , تفحصتها بسرعة وهي تعود الى مكانها , كانت متنوعة تعطي أنطباعا عن ذوق وشخصية مقتنيها , وهناك صحف محلية بينها , أخذت أحداها وبدأت تطالع صفحتها الأولى , لكنها لم تكن قادرة على ألتقاط الكلمات بوضوح , وأدركت مدى تعبها.
دخلت السيدة حاملة صينية , وضعتها على المائدة , وتأملن موروينا بنظراتها طويلا , فقالت موروينا:
" هل..... هل هناك شيء ما , على غير ما يرام؟".
" أنت تذكريني بشخص أعرفه... لا أقدر على تذكره الآن , لكنني سأتذكره.........".
خفق قلب موروينا بشدة , ترى هل هذا الشخص هو أمها؟ لكن , قبل أن تسألها , فتح الباب وجاء صوت زاك وهو ينادي:
" أنيز!".
منتديات ليلاس
أسندت موروينا ظهرها الى المقعد بأسترخاء بعد أن أنتهت من شرب الشاي , وأغمضت عينيها وهي تشعر بالدفء والطمأنينة بالرغم من جهلها بما سيحدث , وبدأت صور عديدة تتراقص في ذهنها وهي تسترخي أكثر فأكثر , ودفء النار يسري في جسدها ويبدد الألم من أطرافها , تراءت لها وهي في غفوتها أشجار تتراقص في مهب الريح , وكلاب تشع عيونها ببريق ذهبي , رأت بيدي أيضا , وكانت الريح تهز قبعتها السوداء.
لم تعرف كم من الوقت أخذها النوم , لكنها أستيقظت فجأة وأستوت في مكانها , كانت الغرفة أكثر أضاءة , فأدركت أن أحدا ما قد أضاء المصباح الرئيسي الذي عل الطاولة , وكان هناك رجل في الغرفة , عرفته , أنه نفسه الذي ألتقته في الطريق , كان أسود اللون , وجهه نحيل وحاد التقاطيع كأنه قد من حجر الغرانيت , له أنف مرتفع وشفتان ممتلئتان وغامقتان , وكان منحنيا على رسوم أمها يحدق فيها بعد أن فتح الرزمة.
ألتفت اليها , وحدق في وجهها بوجه غاضب , فسرت في جسدها قشعريرة , حاولت أن تقنع نفسها بأنها ما زالت غارقة في حلمها , لكنها أدركت أن الأمر حقيقة وليس حلما , حين تكلم بغيظ:
" من أنت بحق الجحيم ؟ وماذا تفعلين هنا؟".
ثم أضاف بعد صمت قليل:
" عندك دقيقتان لتجيبي على سؤالي قبل أن ألقيك الى الخارج".


الساعة الآن 11:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية