" لا بأس .
ماذا تعني بالأشياء الضرورية؟". " آه , سجاد ,مفروشات , جهاز تلفزيون , الخ ........... أعتقد أن سجادة هذه الغرفة لونها أزرق رمادي , يتناسب ولون ورق الجدران". أستدارت جولي , وخرجت من الغرفة , تعبر الرواق الى غرفة أخرى مقابلة , وسألت تستوضحه: " هذه غرفة أستقبال أخرى على ما أعتقد؟". " ذلك يعود اليك تحديده". وتقدّم ليفتح بابا جرارا في وسط الغرفة يفضي الى صالة تبدو مثالية لأقامة الحفلات والمآدب. أنتقات جولي أليها , ولاحظت أذ نظرت الى الخارج , الحديقة الكبيرة التي خلف المنزل , أشجارها مثمرة وأرضها يكسوها العشب مما يشير الى وجود بستاني يرعاها. سمعت وقع أقدام في الطبقة العلوية , فأستنتجت أن أيما تمضي أوقاتا ممتعة في تفقد أرجاء المنزل , فتحت بابا آخر يفضي الى الرواق وألقت نظرة على الأبواب الأخرى. بادر روبرت يوضح وقد لاحظ نظراتها المتسائلة: " هناك غرفة مخصصة لتمضية فترة الصباح , غرفة أفطار أذ صح التعبير , أو سمها ما شئت , مطبخ كبير وملحقات مختلفة , والآن , هل تريدين الصعود الى الطبقة العلوية ؟". بانت بوادر ضحكة مكتومة على شفتي جولي , أذ أن التوتر بينهما كان على أشده , وخيّل اليها أنها أذا لم تضحك فقد تنفجر بالبكاء. عقد روبرت حاجبيه , وسألها: " هل هناك أمر يدعو الى الضحك؟". عادت جولي الى رصانتها , وهزت رأسها نفيا : " كلا , بالطبع". مشى روبرت الى أول السلم , ثم قال بصوت بارد , وقد أدرك ما دفعها الى الأبتسام : " يمكنك الصعود بمفردك , أذا كنت تفضلين ذلك". رفعت نظرها اليه وخانها الكلام أولا , ثم جهرت بصوت جلي: " أنا آسفة , روبرت , أحتاج الى وقت كاف , أنا.... لست أدري , الأمر كله ...... مختلف". حدّق فيها طويلا قبل أن يجيب بصوت أجش: " أوتظنين أنني لست مدركا لهذا الأمر؟". أرتعشت جولي في غمرة الأحاسيس التي لم تستطع السيطرة عليها كليا , ومن دون أن تنبس بكلمة , أستدارت وصعدت الدرجات بحثا عن أيما.... والأمان. في أحدى الغرف العلوية للمنزل , وجدوا الصندوقين الكبيرين اللذين كانت جولي شحنتهما بحرا من مالايا , فبادرت أيما ترجو والدتها فتحهما . أعترضت جولي , قائلة: " لكن , ليس هناك خزائن جاهزة لوضع محتوياتهما ( ثم أستدركت , أذ تذكرت حاجتها الى بعض من ملابسها ( لكن قد يكون من الأفضل أن نأخذ معنا الى الشقة بعضا من هذه الملابس ( ورفعت نظرها نحو روبرت تستوضحه ) الى متى.... سنبقى في الشقة قبل أنتقالنا الى هنا؟". " لقد أعلمني المتعهد بأن المنزل سيكون جاهزا خلال أسبوع تقريبا , لذا تستطيعان الأتقال اليه بعد نحو عشرة أيام". " عشرة أيام ! ( ردّدت جولي , وقد فاجأها طول المدة , فتحت حقيبة يدها تبحث فيها عن مجموعة مفاتيح لصندوقي السفر , وأستطردت ) أذن , علينا أن نستعين ببعض من ملابسنا , فلا يعقل أن نبقى , أيما وأنا , في ثيابنا هذه نفسها طوال هذه المدة". جلس روبرت القرفصاء الى جانب الصندوقين يتفحّص الأقفال , وقال يلفت جولي الى أن هذا الأمر ليس ضروريا : " يمكنكما شراء بعض الملابس الجديدة". " أتظن أن هذا ممكن ؟ بماذا؟". " أن لوالدتي حسابا مفتوحا في كل محلات المدينة , يمكنك شراء ما ترينه ضروريا وتضيفين ثمنه الى حسابها". " كلا , شكرا ( وتابعت تقلب أغراضها في قاع حقيبتها ) اللعنة , أين هي المفاتيح؟". " لم هذه افظاظة ؟ يجب أن تدركي , كونك أرملة مايكل , أن في أستطاعتك طلب أي شيء تحتاجين اليه". رفعت عينين يملؤهما الغضب: " ماذا؟ أتريدني أن أفعل هذا لأفسح لوالدتك بأن تعيّرني بالأعتماد عليك أعتمادا مطلقا؟". تجهم وجه روبرت وغمغم متوعدا : " يوما ما , جولي.....". تنهد وعاد يجلس القرفصاء الى جانب الصندوقين . أخرجت جولي المفاتيح , فتطاول روبرت يتناولها من دون أن يتفوه بكلمة , بعد أن تفحصها جيدا وجد مفتاح الصندوق الأقرب اليه , عالج قفله في حركة عصبية , ثم أرخى الرباطين الجلدين اللذين يحكمان الصندوق , وفتحه. قفزت أيما فرحا وكادت تلج الصندوق لكثرة أنفعاله , لو لم يمسك بها روبرت , أستجمعت جولي نفسها وهزّت رأسها أذ أستعصى عليها الكلام ثم بادرت تقول والأرتباك يعاودها : " أن.... ملابسنا في الصندوق الآخر". أقفل روبرت الصندوق , وبدت الخيبة في وجه أيما , شدّ الرباطين وأحكم القفل , ثم.... وضع المفاتيح في جيبه , حدّقت فيه جولي مستغربة تصرفه , أما هو فبادرهما : " هيا بنا , هذا يكفي , الآن". أشارت جولي معترضة : " لكن , ماذا عن ثيابنا؟ ". ألا أنه مشى الى الباب وهو يجيبها: " في ما بعد". رفعت جولي كتفيها لا تفهم تصرفه , وركلت الصندوق الذي أمامها برأس حذائها , وقالت مصرة على فتح الصندوق: " يجب أن آخذ بعضا من هذه الثياب". نظر اليها وقال يحسم الأمر: " لا أعتقد أنك تريدين فتح هذين الصندوقين , هيا بنا الآن لقد تأخرنا , وأنا جائع". ترددت جولي لحظة قبل أن تذعن لأرادته , لم تكن تريد حقا فتح الصندوق , ليس الآن , ولم تستطع ألا أن تعجب بقوة حدسه ونفاذ بصيرته. قال روبرت فيما هم يصعدون الى السيارة: " سنتناول غداءنا في مطعم ( الثور الأسود ) في القرية , قيل لي أنهم يحسنون المشويات , هل تحبون المشويات؟". أطهرت جولي لا مبالاة للسؤال , وهي تعتدل في مقعدها : " لا مانع لدي أذا كان هذا ما ترغب فيه". تجهم وجه روبرت , ولم يعلق بشيء , أدارك محرك السيارة وأنطلق بها . لم تكن صالة الطعام ممتلئة , وبدا رئيس الخدم منزعجا أذ رآهم يدخلون , فبادر بلهجة جازمة: " أخشى أننا لن نستطيع خدمتكم , فالساعة تعدت الثانية ألا ربعا , وقد أنتهى موعد الخدمة في الصالة". تنهدت جولي , فيما ظل روبرت هادئا , وقال: " لقد سبق وحجزت طاولة , أسمي بمبرتون". فجأة , رفع روبرت نظره نحو جولي وسألها وفي عينيه غموض لم تستطع فهمه: " حسنا , هل أعجبتك وجبة الطعام؟". أنهت جولي شرب كوب الحليب الذي في يدها , أسندت رأسها الى ظهر المقعد , ثم أجابت بصوت جلي: " كان غداء رائعا!". " أترغبين في فنجان قهوة؟". " ألا تعتقد أن علينا العودة الآن ؟ أقصد .... أنهم في أنتظارنا ليقفلوا صالة الطعام". " سأعوض خسارتهم". " تعتقد أن كل شيء يشترى بالمال , أليس كذلك؟". " لقد أشتريتك , أليس كذلك؟". عادت تنظر اليه : " ماذا تعني بهذا؟". " حسنا , لا أعتقد أنك كنت تزوجت مايكل لو أنه كان معدما , أليس كذلك؟". ظهر الرعب جليا في عيني جولي , ورمقت أيما بنظرة خاطفة ألا أن هذه بدت غير آبهة لحديثهما بل مركّزة كل أهتمامها على محتوى كوبها من العصير , عادت تستوضحه ثانية : " لا أفهم ماذا تعني بكلامك؟". فجأة , أنتصب روبرت واقفا: " أوه جولي , كفي عن التظاهر والأدعاء الكاذب , فأنت لم تهتمي قط بمايكل , وقد واتتك فرص عدة , قبل سفري الى فنزويللا , لتتزوجيه بدلا مني , ألا أنك لم تفعلي , كلا! أنما أنا الذي كنت تنصبين شباكك حوله , لذا لا تحاولي أن تنكري هذه الحقيقة!". بدا وجهه ممتقعا , وأبتعد بخطى حثيثة يبحث عن رئيس الخدم , وهو يتناول محفظته من جيبه. في الحظة التي عاد روبرت يلحق به رئيس خدم أنيق , راض , كانت جولي وأيما جاهزتين في أنتظاره , أرتدى معطفه الجلدي , وشكر الرجل بأيماءة من رأسه ثم توجه الى باب المطعم , كان الهواء البارد في الخارجمنعشا , وتنفست جولي عميقا قبل أن تصعد الى داخل السيارة. لحظة أوقف روبرت سيارته في باحة المبنى الخارجية حيث يقطن , بدأ النعاس يثقل عيني أيما , كما لاحظت جولي أن الظلام بدأ يخيم والساعة لم تتجاوز الرابعة بعد. منتديات ليلاس ألا أن النعاس طار من عيني الطفلة وهم داخل المصعد في طريقهم الى الشقة , وما أن وصلوا اليها حتى كانت أستعادت حيويتها كاملة الى درجة سمحت لها بأن تمتع لوسي بمبرتون بأخبار ما جرى معهم وما شاهدوه خلال نهارهم , ولا سيما قصة الصندوق وموضوع الغداء المتأخر في مطعم ( الثور الأسود). ترك روبرت جولي وأبنتها مع والدته ودخل غرفته , وبدت لوسي كلها أصغاء لما كانت أيما تسرده عليها , أما جولي فنزعت عنها معطفها وهي تتجه نحو الباب قاصدة غرفتها , وقد أحست برغبة في قضاء بعض الوقت وحيدة , أذ , بعد أحداث الساعات القليلة الأخيرة , شعرت بحاجة الى بعض التأمل والتفكير. غير أن لوسي , وقد لاحظت كنّتها تهم بالخروج , بادرتها قائلة: " لا تذهبي الآن , جولي , فهالبيرد يستطيع أن يعيد معطفك الى الخزانة , تعالي وأجلسي , أريد أن أعرف رأيك في المنزل". أسقط بيد جولي , فرمت معطفها بأمتعاض على مقعد , ودنت لتجلس على مقعد آخر قريب من الأريكة حيث جلسا حماتها وطفلتها , ثنت ساقا على ذراع المقعد الجلدي الوثير , وقالت معلقة: " أنه منزل جذاب , هل شاهدته؟". " بالطبع , لقد أصطحبتني باميلا الى هناك يوم كنت في زيارة لأهلها". " حسنا". " هل تعلمين أن باميلا هي أول من وقع نظره على المنزل ؟ في الواقع كان ملكا لعائلة تربطها صلة صداقة بأهلها , ألا أن العائلة أضطرت الى السفر , وهكذا ..... عرض المنزل للبيع". تدخلت أيما تسأل جدتها: " من هي باميلا ؟ هل هي عمة لي؟". ألتفتت لوسي الى الطفلة وأجابتها في أبتسامة: " قريبا , ستكون هكذا , عزيزتي , لأنها ستصبح زوجة عمك روبرت". " آه ( علّقت أيما وشفتاها متكورتان ) هل هي لطيفة؟". " أنها لطيفة جدا عزيزتي.. ستتعرفان اليها غدا". عادت أيما تسألها وبدت مهتمة للأمر ويدها تسند ذقنها : " غدا؟". ألقت لوسي نظرة عابرة على كنتها قبل أن تجيب: " أنها قادمة مع والديها لتناول العشاء عندنا مساء غد, في مناسبة التعرف اليكما , جولي". بلعت جولي ريقها تسأل بدورها: " حقا؟". ولم ترقها فكرة لقاء المرأة التي ستصير زوجة روبرت. " نعم , رأينا أنه من الأفضل لك , قبل أن نعرفك الى أصدقائنا , أن تنالي قسطا من الراحة لأيام قليلة , ثم أن مساء السبت هو االوقت الأفضل لذلك ألا توافقينني الرأي؟". " أذا كنت تعتقدين أن هذا مناسب , فهو كما تقولين". وسألت حماتها: " سها عني أن أسألك , هل تشعرين بتحسن هذا الصباح؟". رفعت لوسي كتفيها وقالت: " أنني أحسن حالا , شكرا ( ثم عادت تلتفت الى أيما ) أخبريني , عزيزتي , هل لاحظت الأرجوحة المتدلية من شجرة الكرز في حديقة منزلكما الجديد؟ لقد قالت لي باميلا أنها كانت تتأرجح فيها أيام طفولتها". هزت أيما رأسها بعجب نفيا: " كلا , لم أر أي أرجوحة". قالت لوسي مقطّبة: " هذا غريب". ألا أن أيما أوضحت لجدتها: " لم نخرج الى الحديقة ( ثم توجهت بكلامها الى والدتها ) لماذا لم نفعل هذا, أمي؟". رفعت جولي كتفيها كأنها لم تول الأمر أهمية , وأجابت: " لم يكن لدينا متسع من الوقت". علّقت لوسي بتهكم قائلة: " عذر أقبح من ذنب , كان لديكم وقت كاف". " حسنا , أظن أن الأمر لم يخطر في بالنا". ردت لوسي بحدة: " لقد أمضيتم وقتا طويلا خارجا". دخل هالبيرد , تلك اللحظة , وبادر لوسي: " هل ترغب سيدتي في فنجان شاي؟". أطرقت هذه للحظة قبل أن تجيب: " أوه نعم.... نعم , أعتقد ذلك". أما جولي فأستبقت سؤاله لها وقالت: " لا تزعج نفسك من أجلي .... ( ثم أستدارت فجأة على عقبيها ) فأنا ذاهبة لأستحم". أجاب هالبيرد مبتسما: " كما تشائين , سيدتي". عادت لوسي تسأل الخادم: " أين السيد روبرت؟". " لقد خرج, سيدتي". " خرج! ( رددت لوسي كلمته وقد فاجأها الجواب) لكن لم تمض على عودته لحظات؟". " نعم , سيدتي , أؤكد لك أنه خرج". " هل ذكر لك الى أين هو ذاهب؟". " قال لي أن أخبرك , أذا ما سألتني , أنه ذاهب الى المكتب , ولن يتأخر في العودة". عادت أيما تسأل جدتها , وهي تزرع الغرفة جيئة وذهابا , وتعبث بما نطوله يدها: " هل أستطيع أن أشاهد التلفزيون , جدتي؟". بدت لوسي متضايقة , فأجابتها بأمتعاض : " لم لا ؟ ( وألتفتت الى هالبيرد ) هلا أدرت مفتاح الجهاز هالبيرد ؟". أدار هالبيرد الجهاظ , وما هي ألا لحظات حتى أرتسمت الصورة على الشاشة بالألوان .بدت أيما مبتهجة جدا فهتفت: " آه.... أليس هذا رائعا؟". أومأت جولي للطفلة أيجابا , وسارت نحو الباب فبادرها هالبيرد قبل أن تخرج: " هل ترغبين في فنجان شاي , أحضره الى غرفتك , سيدتي؟". ترددت لحظة ثم تمتمت: " لا أريد أن أزعجك بالأمر". هز هالبيرد رأسه قائلا: " ليس هناك أي أزعاد في الأمر , سيدتي". بدا الضيق واضحا في تنهيدة أطلقتها لوسي وقالت معلقة في حدة : " أذا ما كانت السيدة بمبرتون ترغب في فنجان شاي , فما عليها , هالبيرد , ألا أن تتناوله هنا , معي". " أووه ! بالطبع , سيدتي". تنهدت جولي هي الأخرى قبل أن تجيب: " أنني آسفة , لا أستطيع ذلك الآن". " هل أنت فعلا آسفة؟ ( سألتها لوسي والشك في نبرات صوتها واضح , ثم تناولت منديلا صغيرا عالجت به طرف أنفها وأردفت ) في أي حال , بما أن علينا أن نعيش معا ..... أقله لبضعة أسابيع مقبلة , فأنني أكون ممتنة أذ ما حاولت أن تتصرفي معي بأسلوب أقل عداء". أسندت جولي جبينها الى أطاب الباب البارد , وقالت: " حسنا , سأحاول". أعادت لوسي منديلها الى مكانه وهي تسألها: " هل ستكونين اضرة في موعد العشاء؟". أومأت جولي مؤكدة: " طبعا". " حسنا". كان جواب لوسي أيذانا منها بأنتهاء الحديث مما أزعج جولي , فأغلقت الباب وراءها وسلكت الممر الى غرفتها , وما أن ولجت بابها , حتى أحست بنفسها عاجزة عن كبت مشاعرها , فألقت بنفسها على السرير وأطلقت العنان لدموع حارة. منتديات ليلاس لم تر جولي روبرت ثانية ألا بعد ظهر اليوم التالي , أذ لم يعد لتناول العشاء تلك الليلة , وهذا ما حدا بوالدته على أن تشرح لجولي بأغتباط , وهما على العشاء , أن سبب تخلّف رورت , , أرتباطه وباميلا بحضور سهرة راقصة يقيمها أحد أصدقائهما , ويبدو أنه عاد من مكتبه فيما كانت جولي تستحم , فأستحم هو الآخر وأبدل بذلته ثم خرج ثانية , أما أيما , فذهبت الى فراشها نحو السابعة كما عادتها أن تفعل , لذا لم يبق الى العشاء سوى جولي وحماتها. كان الصمت مخيما , والجو لا يبعث الشهية , ولم تتمتع جولي بطعامها , بعد العشاء عادتا الى غرفة الجلوس لتشاهدا التلفزيون. بادرت لوسي وهي تستريح في مقعد وثير : " مما لا شك فيه أنك ستجدين صعوبة في التكيف مع نمط حياتنا هنا , ثم أنك لم تتعودي قط مستوى العيش الأجتماعي الذي نحياه , أليس كذلك جولي؟". تظاهرت جولي بأنها مشدودة الأنتباه الى الفيلم الذي كان يعرض تلك اللحظة على الشاشة الصغيرة ومن دون أن تلتفت الى محدثتها سألتها: " ماذا قلت؟". ردت لوسي بلهجة تشوبها الحدة: " قلت أنه يصعب عليك التكيف مع نمط حياتنا , فلا أظن أن الحياة في بقعة نائية في مالايا يمكن أن تقارن بمستوى الحياة الأجتماعية , هنا , في لندن؟". " كلا , لا أظن المقارنة ممكنة". أردفت الحماة تسترسل في حديثها. " لم يتسنّ لك أيضا العيش معنا لتتعودي طريقة عيشنا قبل أن يأخذك مايكل معه بعيدا , لم أكن لأتصور أن في أستطاعة مايكل أن يجد الأكتفاء الذاتي في مكان كالذي عشتما فيه , أذ أعتقدت أنه كان يعشق العيش هنا , في لندن". علّقت جولي في أقتضاب: " لقد ألتحق بالبحرية قبل أن يتعرّف الي". " نعم , أعرف هذا , فهو كثيرا ما أحب الأبحار , مذ كان صغيرا , لكن أن يقبل وظيفة في بلد بعيد.... وظيفة دائمة". " تلك كانت أرادته". " أعرف هذا , ألا أن تصرفه كان بعيدا عن قناعاته ( تطاولت لوسي لتتناول فندان الشاي الذي كان على طاولة قريبة منها , وأضافت ) ألا أنني أعتقد أن قراره ذلك جعل الأمور أقل صعوبة بالنسبة اليك". حاولت جولي جهدها أن تبقى هادئة , وأستوضحتها: " أقل صعوبة؟". " طبعا , أقصد....... أنك لم تكوني على صلة بنمط حياتنا , أذ أنك لم تتعودي قبلا الحياة الأجتماعية بمعناها الصحيح .... كأن تقيمي الحفلات والمآدب ! أنا متأكدة مثلا أنك لم تحضّري لائحة طعام قط في حياتك؟". " كلا , ففي المأوى حيث ترعرعت , لم يعلمونا أشيائ كثيرة كهذه". لم يرق لوسي جواب جولي لها , فقالت: " لنكف عن الجدل , كل ما أحاوله هو التفاهم وأياك". قالت جولي: " أنني لا أجادلك ( وتنفست عميقا , ثم أضافت ) قد تفاجئين أذا ما أدركت أنني كنت ومايكل سعيدين!". شخصت عينا لوسي عليها وتساءلت مشككة: " هل كنتما فعلا سعيدين؟". " نعم , ثم أنه لم يكن يحب مجتمع لندن , أبحر كثيرا ؟ نعم , لا أخالفك الرأي في ذلك , كان لنا مركبنا الخاص , مركب صغير , نقضي على متنه معظم أجازاتنا الأسبوعية , نسبح , نستلقي تحت الشمس , وندعو أحيانا أصدقاءنا الى أمسيات حلوة , تلك كانت ...... حياة رائعة ". أرتسم الغضب في أرتعاشة شفتي لوسي: " لو لم تقنعي مايكل بقبول تلك الوظيفة هناك لكان لا يزال حيا يرزق الآن". أمتقع وجه جولي: " هذا ليس صحيحا !". سألتها لوسي بلهجة عداء: " وكيف لك أن تعرفي؟". ترددت جولي لحظة , تضغط كلتا شفتيها , فهي لم تشأ أن تبحث مع لوسي في مواضيع وتفاصيل حميمة , كموضوع صحة مايكل مثلا , على رغم أن هذه والدته , ثم أجابت: " لأن السبب الذي حدا بهقبول وظيفته خارج البلاد , كان نصيحة طبيبه الذي أشار عليه أن يقلل من نشاطاته". " ماذا ؟ أنني لا أصدق كلمة واحدة مما تقولين!". " أنها الحقيقة , لم أعرف بالأمر ألا .... ألا بعد أن أصيب بنوبة قلبية أخرى , فأضطر الطبيب الى أن يشرح لي الحقيقة ( أرتدّت جولي في مقعدها الى الوراء وأردفت )ألا أن مايكل لم يعر حاله الصحية أهتماما كافيا". كانت لوسي تحدق فيها , شفتاها ترتعشان , وأحست جولي , للحظة , بعطف عميق حيال هذه المرأة : " أنك تختلقين ما تدّعينه حقيقة ........ أذ لو أن ما تقولينه صحيح لكان أطلعني عليه , فأنا والدته!". أجابت جولي غير مكترثة لأتهامها: " لم تعرفه جيدا كما عرفته". " بل عرفته لثمانية وعشرين عاما. أي بمقدار أربع أو خمس مرات أكثر مما عرفته". منتديات ليلاس أجابت جولي بهدوء: " صحيح , لكن ليس كما عرفته أنا صدقيني, أنها الحقيقة , ولست أحاول بهذا أيذاء شعورك". أنتصبت لوسي من مقعدها : " هل أخبرت روبرت ما تخبرينني به؟". " كلا , لم أخبر أحدا بهذا". " أذن أتمنى عليك ألا تفعلي ( أخذت جولي تزرع الغرفة بخطواتها التائهة ) أفضل أن يعتقد الجميع أن وفاة مايكل كانت نتيجة حادثة مأساوية غير منتظرة , قد تحصل لأي كان في أي زمان ومكان". " لكن الذي حدث هو ما أخبرتك به". هتفت جولي وفي داخلها حرقة , أذ أدركت أن لوسي لن تقبل في أي حال أن يعرف أصدقاؤها السبب الحقيقي لوفاة مايكل وأنه أخفى عن أهله حقيقة أعتلاله , وبخاصة عن أمه , طوال ستة أعوام". " هل تتجرأين , صراحة , على أن تجهري بهذه الحقيقة؟". " طبعا , أستطيع". لم تعد تفهم شيئا من أحداث الفيلم الذي كان يعرض على الشاشة الصغيرة , ثم بدرت أشارة من لوسي رغبة منها أنهاء هذا الحوار. وقالت: " على كل , موضوع مايكل شيء من الماضي , وما من شيء يستطيع أن يفعله أي منا لأعادته الينا حيا , شكرا لله , أن روبرت بقربي .... وأيما أيضا , بالطبع". أنتصبت جولي ولم تتمالك نفسها من سؤال حماتها: " وماذا بعد أن يتزوج روبرت ؟". " ماذا تقصدين ؟". رفعت جولي كتفيها , قائلة: " لا شيء". لكن لوسي عادت تسألها وهي بادية الأزدراء: " أوتظنين زواج روبرت سيغيّر من حبه لي؟ كلا , فهو ليس كمايكل , ولن يقوم بأي عمل قد يؤذيني , هذا , فضلا عن أن الفتاة التي سيتزوجها تتفهم حقيقة علاقتنا ومقدار حبه لي , أنها فتاة لا تعرف الأنانية , وهي بالتالي صديقة حميمة لي". تنهدت جولي عميقا , كان هناك الكثير تستطيع قوله , وأن ترد بقسوة على كلام حماتها , وأن توضح لها أن العلاقة بين صديقتين هي غيرها تماما بين زوجة وحماتها , ألا أنها كتمت ما كان يخالج فكرها ,تلك اللحظة, وتوجهت نحو طاولة عليها أبريق الشاي تسكب لنفسها فنجانا , ثم سألت لوسي: " أترغبين في فنجان ثان؟". " كلا , شكرا". رشفت قليلا من فنجانها , ثم تفحصت الوقت في ساعة معصمها: " أنها التاسعة والنصف , هل لديك مانع أن أذهب الى سريري؟". " أطلاقا , واضح أن لا قاسم مشتركا في حديثنا , في أي حال". بعد ظهر اليوم التالي , أخذت لوسي أيما في نزهة الى الحديقة العامة , كان يوما رائعا من أيام تشرين , حيث يتحول الصقيع على أغصان الأشجار الى ماس يشع تحت نور الشمس, والهواء نقي منعش. سألت أيما والدتها أن ترافقهما , ألا أن جولي أمتنعت , أذ أدركت أن لوسي كانت ترغب في الأختلاء بالطفلة , فهي جدتها , رغم كل شيء . وكان روبرت قد خرج صباحا هو الآخر , حتى قبل أن تصحو جولي من نومها , وبعد أن أخطر هالبيرد أنه لن يعود ظهرا الى الغداء , وهكذا , بقيت جولي وحيدة في الشقة , عدا الخادم طبعا. كانت تجلس في الصالون , تتمتع بلحظات قليلة من الحرية حين رن جرس االباب , نهضت من مقعدها تلقائيا , وظهر هالبيرد قبل أن تستطيع التوجه لترى من الطارق. " سأستطلع من القادم , سيدتي". قالها هالبيرد بدماثته المعهودة , وععادت جولي الى مقعدها. ما هي ألا لحظات , حتى سمعت صدى أصوات , وهالبيرد يرفع صوته على غير عادته , ثم تناهى اليها صوت الباب يغلق , نظرت في أتجاه باب الصالون فأذا بهالبيرد يدخل , رزم وعلب ملء يديه. هتفت مبتسمة: " بحق السماء! ما هذا؟". تردد هالبيرد بدءا , ثم أوضح قائلا: " أنها مرسلة اليك , سيدة بمبرتون , أين ترغبين أن أضعها؟ في غرفتك؟". " خاصتي , أنا؟ ( رددت جولي غير مصدقة ) لكنني ...... لم أوص بشراء أي شيء؟". أجاب هالبيرد جازما: " هذا ما قاله لي الأجير". " هل أنت متأكد أنها ليست لوالدة السيد روبرت؟". " كلا , سيدتي , أنها للسيدة جولي بمبرتون , هكذا أوضح لي الصبي". تركت جولي مقعدها , وقالت: " من الأفضل , أذن , أن تضعها هنا , وسأرى ما تحويه". سألها هالبيرد وأبتسامة تغلف وجهه: " حسنا , سيدتي , أذا كان هذا ما تريدين... أم أنك تفضلين أن أفتحها لك؟". فوافقت جولي على عرضه وتخصبت وجنتاها. وضع الخادم مجموعة العلب قربها على الكنبة , ولاحظت جولي أسم الماركة التي على العلب فجمدت , أذ هو أسم أحد أشهر محلات الثياب في لندن , وللحال عرفت ما تحويه الرزم هذه. قالت له بصوت متقطع الوتيرة: " شكرا لك , أستطيع أن أفتحها بنفسي ( لكنها لاحظت أن هالبيرد كان لا يزال يرمقها بتساؤل , فأردفت ) هذه العلب لا تخصني". " لكن الصبي الذي أحضرها....". " نعم , أعرف ما قاله , لقد ظن أنها مرسلة الي , ألا أن الحقيقة غير ذلك , دعها هنا , هالبيرد , سأتدبر أمرها". " كما تريدين , سيدتي". منتديات ليلاس تنهدت جولي عميقا , ووقفت تحدق في مجموعة العلب بعينين نفذ الصبر منهما , ترى , من الذي أوصى عليها ؟ روبرت ؟ أم هي باميلا المرأة التي لم تقابلها بعد ؟ في أي حال , يجب أن تعاد هذه العلب اليه , كائنا من كان , فهي ليست في وارد قبول أي شيء من آل بمبرتون! نهضت , بادية التبرم , وسارت في أتجاه العلبة المرمية على السجادة , جثت بقربها تحاول أعادة ما تحويه وأحطام غطائها ثانية , كان ثوبا قماشه ناعم الملمس ينزلق على راحة يدها , تناولت القطعة ,وبدافع غريزي , تفحصتها. تفحصت الثوب , فأذا هو رداء طويل , له كمّان عريضان وياقة عالية تنتهي بفتحة عند الصدر , أمسكت به تقيسه على قامتها , وأدركت أنه من مقاسها تقريبا , ومجرد الأستنتاج هذا ضايقها. وبينما هي في حال تأملها هذه , تسر الى نفسها بتساؤلات شتى , تناهى اليها صوت الباب الرئيسي يفتح , وما هي ألا لحظات قليلة حتى دخل عليها روبرت , كان يرتدي معطفا متوسط الطول ذا قبة من الفرو . فوجىء أذ وجدها وحيدة , جال بنظره في أرجاء الصالون متسائلا , ومتجاهلا في آن وجود العلب الملقاة على الكنبة , ثم سألها: " أبن الجميع؟". أجابته وأنفاسها تتضاءل: " في نزهة في الحديقة العامة". وخلع معطفه بينما ظهر هالبيرد يتناوله منه. قال الخادم يسأل سيده: " أترغب في بعض الشاي , سيدي؟". نظر روبرت الى جولي يستطلع رغبتها هي أيضا , فأومأت نفيا , أذ ذاك ألفت الى هالبيرد : " كلا , شكرا , هالبيرد , ربما في ما بعد , متى عادت السيدة بمبرتون ". " كما تشاء سيدي". وأنسحب هالبيرد , أما جولي فقامت تبتعد عن الكنبة الى وسط الغرفة , وهي تتوقع منه في أي لحظة توضيحا في شأن بادرته. لكن روبرت بدا عازما على ألا يخوض في موضوع العلب , ألقى بنفسه على مقعد , ثم أشعل سيكارا بلا مبالاة مثيرة , أخيرا , لم تعد تستطيع أحتمال الأمر , فبادرته: " حسنا , لماذا فعلت هذا؟". فأجابها مستوضحا , وقد أختار أن يظهر جهله المتعمد للموضوع : " فعلت ماذا ؟ جولي؟". " لماذا أبتعت لي هذه الأشياء؟". " هل أنا الذي أبتاعها؟". " أجبني صراحة , ألست أنت الذي أشتراها؟". " وماذا لو كنت أنا الذي أشتراها؟". " أوه , كف عن تجاهلك الأجابة مباشرة عن سؤالي !( أطبقت راحتيها ) كنت نبّهتك ....... الى أنني لا أريد منك شيئا". " أنا آسف أذا كنت خيّبت ظنك , غير أنني لست مسؤولا عن شراء هذه الأشياء". " أذا لم تكن أنت الذي أشتراها , فمن يكون أذن؟ لا تقل لي هي والدتك التي أبتاعتها!". " وماذا في هذا؟". " لا يعقل أن تكون فعلت أمرا كهذا!". " حسنا , آسف ثانية أن أخيب ظنك , لكن والدتي هي التي أشترت هذه الملابس( وأخذ يراقب ردة فعلها بعين ناقدة , ثم أضاف) أغلبالظن أنها أدركت أن ما لديك من ثياب ليس ملائما لظروف وضعك المستجد". مررت جولي يدا مرتعشة على شعرها , وقالت ثائرة: " كيف تجرؤ على أن تفرض علي ما أرتدي؟ ( وأضافت وعلامات الأزدراء في قسمات وجهها ) أه , بالطبع , كيف لم يخطر هذا في بالي قبل الآن؟ أنها مأدبة العشاء لهذه الليلة , هذا ما دفعها الى شراء هذه الثياب , أليس الأمر كذلك؟ أتراها تخشى أن أحط من قدرها؟ فأظهر مظهر النسيبة المعدمة!". " هدّئي من روعك , يا جولي! وكفي عن التصرف كطفل مدلل ! أن أختياروالدتي شراء بعض الثياب لك يفترض فيك أن تقابلي لفتتها هذه بالأمتنان , هذا أقل ما يمكن أن تفعليه! هل تعلمين أنك تبعثين الأشمئزاز في نفسي؟". ردت عليه وهي مهتاجة: " ليس بمقدار الأشمئزاز الذي تبعثه أنت في نفسي". " أنت مصممة على دفع الأمور نحو الأسوأ , أليس هذا ما تفعلين؟". " أذا كان ما أرتديه لا يليق بكم ..... وبأصدقائكم , فسأبقى في غرفتي هذا المساء". " بل ستفعلين ما أقوله لك". " ومن ذا الذي سيضطرني الى الأمتثال لكلام؟ ( وأرتدت خطوتين , أذ لاحظت الغضب الشديد الذي أخذ يتملكه , ثم أضافت مستطردة ) يظهر أن والدتك كانت تعلم سلفا بشعوري حيال هذا الأمر , فأشترت هذه الملابس لتغيظني". أوغل روبرت أنامله في شعره الكث ثم أراح يده على مؤخر عنقه وقد أعتراه سأم , وبصوت جاف عاد يخاطبها: " لا تنطقي هراء , أنت تدركين جيدا أن ما كنت ترتدينه في مالايا لن يبدو مناسبا عمليا , خصوصا في فصل الشتاء هنا ( ثم أرخى نظره الى حيث مجموعة العلب وسألها ) ألم تنظري ما في داخلها؟". " كلا حتى أنني لم أحل رباطها". منتديات ليلاس تردد روبرت لحظة ثم فك أزرار سترته وأنحنى يحل رباط أقرب علبة طاولتها يده , كانت العلبة تضم تنورة من الجوخ لونها أخضر , أخرجها وتأملها متفحصا , ثم قال بنبرة متّزنة: " يبدو أنها تناسبك". " أنك لا تتردد في أهانتي , أليس كذلك؟". " ولماذا أتردد ؟ فأنت لا تجدين غضاضة في أهانتي". " أنا ..... أهنتك؟ وكيف هذا؟". " كيف تتصورين كان شعوري حين عدت من فنزويلا وأدركت أنك تزوجت مايكل؟". " أفضل ألا نتطرق الى هذا الموضوع". " أنا متأكد أنك لا ترغبين في بحث هذا الموضوع , أذ هو لا يقبل الجدل!( لاحت أبتسامة عند طرفي شفتيه , وأضاف) ألا أنك كنت صريحة معي , صريحة بحق , لقد جعلتني أدرك بوضوح أي غبي كنت فعلا.....". " أنت لا تدرك حقيقة الأمر!". " بل أنني أدركها جيدا , فقسم من الصفقة التي أتممتها كان بدافع المال , أليست هذه في النهاية حقيقة الأمر؟ كنت قد نجوت من مصيدتك , أي رصيد في مصرف هو بقيمة أي رصيد آخر!". مدت جولي يدها وصفعته بقوة , مما أجبره على التوقف عن حديثه , لم تدر ماذا سيكون رد فعله , الرد بالمثل , تصورت , ألا أن روبرت لم يحرك ساكنا , بل ظل يحدّق فيها بنظراته الثاقبة , وآثار الصفعة واضحة على خده , فجأة , أستدار على نفسه وخرج من الصالون. حدقت جولي في الباب الموصد بعينين دامعتين , وهي تسأل نفسها: ( رباه , ما الذي فعلت؟). عادت تنظر الى العلب على الكنبة , وراودها شعور بتمزيقها أربا مع محتوياتها , لكن هذا لن يفيد في شيء , سوى كونه أثباتا لأتهامه أياها بالمراهقة. |
3- دعوة للخروج
أستجمعت كل قواها قبل أن تفتح الباب وتدخل الى القاعة , وما أن خطت أولى خطواتها حتى تلاشت الأصوات تدريجيا وأتجهت أنظار جميع الحاضرين صوبها. بادرت لوسي قائلة , وهي تدنو من كنتها , وأبتسامة متكلفة تواكب نظراتها: " هل أنت أخيرا , جولي! نحن جميعا في أنتظارك , تعالي أقدمك الى الحاضرين". أخذت لوسي كنتها من ذراعها ومشت وأياها الى حيث يقف الآخرون , وعينا جولي شاخصتان الى أمرأة شابة طويلة القامة , كانت تقف الى جانب روبرت , لم تكن باميلا هيلينغتون كما تصورتها جولي , ألا أن هذه لم تستطع أنكار كون المرأة جذابة , شعرها بني , ممتلئة الوجه نضرة الملامح , ثوبها الطويل ذو اللون الأرجواني أبرز قوامها الرشيق. نظرت جولي الى روبرت , بدا هو الآخر ذا ملامح تنطق بالرجولة ,كان يرتدي بذلة السهرة , وأحست جولي بأنكماش في معدتها جعلها تشعر بتوعك خفيف , عيناه الرماديتان تتلطيان خلف رموشه الكثيفة وبدا على وجهه خلوا من أي تعبير. " فرنسيس...... لويز.... أقدم أليكما كنتي جولي , جولي , أقدم اليك والدي باميلا , باميلا , عزيزتي , أقدم اليك جولي". صافحت الجميع بحركة آلية , وبدا لها والدا باميلا أصغر سنا مما تصورت , هما في أواخر الأربعينات من العمر , كانت عينا فرنسيس هيلينغدون الزرقاوان تتفحصانها بأعجاب لا تحفظ فيه , وبدا لجولي رجلا جذابا , لم يكن بطول قامة روبرت , ألا أنه كان قوي البنية , شعره أسود يخالطه الشيب , سالفاه طويلان. أما لويز فكانت كأبنتها طويلة , ويبدو للناظر اليها وزوجها أن أبنتها أزاءهما غير ذات أهمية. بعد أن تعارف الجميع , بادر فرنسيس قائلا: " لقد تعرفنا لتونا الى أبنتك , جولي أنها سيدة صغيرة رائعة". ضحكت أيما قائلة: " لقد ظن السيد هيلنغدون أن بيجامتي ورداء النوم ما هما سوى التقليعة الجديدة للباس السهرة". أبتسمت جولي لها , وقالت: " هل قال هذا فعلا؟ ( ثم أردفت تذكّرها ) أعتقد أنك أوضحت للجميع أن على السيدات الصغيرات الآن أن يأوين الى سرائرهن ". أنعكست ملاحظة جولي تقطيبة ظريفة على وجه أيما , وقالت تسأل : " هل هذا يعني أن علي أن أذهب الى فراشي؟". أجابت جولي بحزم: " نعم". بادر روبرت يسألها بصوت بارد : " ماذا تودين أن تشربي , جولي؟". " كوب من عصير البرتقال , أذا سمحت". ما أن ترك روبرت المرأتين وحدهما , حتى بادرت باميلا بالقول: " هل تجدين صعوبة في التكيف ثانية مع الحياة في لندن؟ لا بد أنك وجدت الطقس باردا , أليس كذلك؟". وتدخلت لويز هيلنغدون للحال: " هل كنت تعيشين في مالايا؟". أومأت جولي برأسها أيجابا: " نعم , هذا صحيح ( ثم أخذت من روبرت كوب العصير ) أوه , شكرا ( وعادت تكمل حديثها مع السيدتين) نعم , الطقس بارد جدا , ألا أن التدفئة المركزية في الشقة تخفف من الأحساس بقسوته". سألها فرنسيس وهو يقدم اليها لفافة تبغ: " ما رأيك في منزلك؟ كان ملكا لأحد أصدقائنا". " نعم , لقد قيل لي هذا , يبدو منزلا جميلا جدا , لقد أخذني روبرت لمشاهدته , البارحة". نظرت باميلا الى خطيبها وعادت خطوة الى الوراء لتفسح له مجال مشاركتهم في حلقتهم , ثم سألته: " متى سيكون في أستطاعة جولي أن تنتقل الى منزلها؟". أجاب روبرت: " في نحو أسبوع أو أكثر قليلا , فأعمال الديكور أوشكت على الأنتهاء". نظرت باميلا الى جولي ثانية , وسألتها: " هل أعجبك الديكور؟". " أعجبني جدا , عرفت أن معظم التصاميم كان لك فيها الرأي الأخير". أبتسمت باميلا معلّقة: " هذا صحيح , كان الأمر مسليا بالفعل , نوعا من التمرس , لي ولروبرت , الى أن نجد منزلنا الخاص". تلك اللحظة , بادرت لوسي هاتفة: " أليس من السخافة أن نظل جميعا قياما , هنا؟ ألا يمكننا أن نجلس في راحة؟". ألتفت روبرت نحو لويز: " هلا تفضلت بالجلوس , لويز؟". أتكأت أيما على ساعد والدتها , والحديث دخل في العموميات , وما هي ألا دقائق قليلة حتى لاحظت جولي أن النعاس بدأ يغالب عيني أبنتها , أذ أخذ جفناها ينسدلان على عينيها تعبا, نهضت من مقعدها قائلة: " هيا بنا , حبيبتي , أضعك في فراشك". نهض روبرت وفرنسيس , أحتراما , وبأبتسامة أعتذار طلبت من أيما أن تلقي التحية على جدتها والآخرين وتتقدمها الى غرفتها. عادت جولي بعد فترة وجيزة , وكان العشاء جاهزا , فتوجه الجميع الى غرفة الطعام. في الصالون , وضع روبرت بضع أسطوانات , فأمتلأ الجو بألحان ( البعد الرابع) للموسيقار بيرت بكارا. جلست باميلا وروبرت على كنبة واحدة , فيما أستغرقت لوسي ولويز في حديث ثنائي طويل , وبأعتبارهما والدتي عروسي المستقبل , فقد كان طبيعيا أن يدور حديثهما حول تفاصيل حفلة الزواج , وهكذا , بقيت جولي وحيدة مع فرنسيس. بعد أن غادرت عائلة هيلينغدون , أحست جولي كما لو أنها كانت تعرف فرنسيس منذ أعوام طويلة , وشعرت بالأمتنان له كونه جعل أمسيتها الصعبة تنقضي ساعاتها بسرعة ومتعة. واكبهم روبرت الى سيارتهم , وبعد خروجهم , تنهدت لوسي تعبيرا عن الرضى. قالت تسأ ل جولي: " أوليسوا عائلة رائعة؟". " بالكاد تسنى لي التحدث مع أي منهم , اللهم سوى أطراف حديث تبادلته مع فرنسيس". " فرنسيس! ( بدت لوسي مذعورة , وأضافت ) لا أظنك ناديته بأسمه مجردا , كما فعلت الآن؟". " ولم لا؟". " أسمعي , عزيزتي , أنت بتصرفك هذا لم تكوني في مستوى لائق , أتدرين من يكون؟". " لست مهتمة للأمر كثيرا". " أذن , ربما من الأجدر بك أن تعلمي أنه رئيس مجلس أدارة شركة هيلنغدون , والده هو السيد أرنولد هيلينغدون , وسيرث والد باميلا اللقب بعد وفاة أبيه". " شيء عظيم!". أمتقع وجه لوسي من الغضب , وقالت: " كان عليّ أن أدرك سلفا أن معلومات كهذه لا وقع لها في نفسك ولا قيمة.......". " فعلا , أعرف هذا , ولن أكون في أي حال عقبة في طريق أحد". شرعت لوسي تفرغ منفضة ملأى بأعقاب السكائر في سلة قمامة صغيرة , ثم سألت جولي: " لم أكن أدري أنك تدخنين؟". " أنني لا أدهن ". " لكنك فعلت هذا المساء!". " أدخن في المناسبات فقط , هذا كل ما في الأمر ( وتنهدت قبل أن تضيف ) هل أستطيع أن آوي الى فراشي؟". أجابت لوسي وهي تستدير مبتعدة: " لم لا؟". " لم أكن متأكدة مما أذا كان يحق لي أن أفعل من دون أستئذان". فجأة , فتح باب الشقة ثن أوصد ثانية , وكان القادم روبرت , دخل الغرفة وهو يفط أزرار سترته , وبدا متضايقا لكثافة دخان السكائر , وظهرت تقطيبة على وجهه , تماما كما تفعل أيما , وحبست جولي أنفاسها . أحسّت بأقترابه منها , ثم وقف قبالتها , بادرها بصوت بارد ميّزت فيه لهجة تحد: " حسنا ؟ أراك غيّرت رأيك؟". لم ترد جولي على ملاحظته , وأذ أدركت أنه كان يشير بكلامه الى ثيابها, أما لوسي فتملّكتها الحيرة والتساؤل: " غيّرت رأيها؟". قال روبرت وأشارة من يده تحسم تساؤل والدته: " لا شيء!". ثم جال بنظره في الغرفة وأردف: " ما هذه الفوضى!". رفعت لوسي كتفيها أستخفافا , وقالت : " هالبيرد سيهتم بأمر تنظيف الغرفة صباحا". سار روبرت الى حيث أبريق العصير , سكب لنفسه كوبا , ثم ألتفت نحو والدته يسألها: " أترغبين في كوب؟". سبقت جولي حماتها في الجواب: " أنا أرغب في واحد". سكب روبرت لها كوبا وحمله اليها , بادرت لوسي تثير ثانية موضوع علاقتها المتوترة بجولي , وشكت لأبنها معاملة كنّتها لها وتصرفاتها الأستفزازية , فتطلّع روبرت ناحية والدته متأملا , ثم قال: " أذا كانت علاقتكما مستعصية فما من أحد يمنعك من العودة الى شقتك". فوجئت جولي بأقتراحه هذا , أذ لم يكن من عادته أن يتكلم مع والدته بهذا الأسلوب الفظ. هتفت لوسي مذعورة : " ماذا؟ وأتركك هنا وحيدا ....... معها؟". " وماذا في الأمر ؟ ( سألها روبرت ساخرا , ثم أضاف ) لا أظنك تعتقدين أن في الأمر مانعا .... من كلا الطرفين ؟". أجابت لوسي وهي تحدّق فيه محاولة أستقراء ما يجول في ذهنه : " بل هناك مانع , هذا فضلا عن أنني لست متأكدة من أن باميلا ستقبل أن أترك الشقة". مرر روبرت راحة كفه على عنقه: " ولم لا؟". أجابت لوسي بأمتعاض: " لا تكن بليد الذهن روبرت". " لست كذلك , أمي , أذا كنت تعتقدين ما أظنه يراود مخيلتك , فلا أعتقد صراحة أن وجودك سيكون عقبة في طريقي أذا ما رغبت في مغازلة جولي!". هتفت جولي وقد أمتقع وجهها: " روبرت!". ألا أن روبرت هتف بدوره اضبا: " أنها الحقيقة , أمي , في الواقع أن وجودك هنا بهدف حمايتي ليس ضروريا , جولي هي أرملة أخي....... لهذا , علي أن أنهض بأعباء معيشتها هذا كل ما في الأمر , هل أنت مقتنعة الآن ؟ ( أستدار مبتعدا , ثم أردف قائلا) الآن , الأفضل لنا جميعا أن ننال قسطا من النوم , فأنا تعب". نهضت جولي من مقعدها وهي ترشف ما تبقى في كوبها , رمقتهما بمرارة , وقالت لروبرت ملاحظة بسخرية: " أحسنت , فتحديدك اللبق لعلاقتك بي , أعجبني هل لي أن أضيف على ما تفضلت , بأن الأمر يعود اليك فقط في توفير قوتي أو عدمه!". ذات يوم , وكان مضى أسبوع على وجودها في لندن , رن جرس الهاتف وكانت وحيدة في الشقة , وفوجئت لدى سماعها صوت فرنسيس هيلينغدون . هتف قائلا: " جولي!". " نعم ...... هل المتكلم... السيد هيلينغدون ؟". " فرنسيس ( أوضح في أقتضاب ) كلمة سيد تبدو كأنك تعتبرينني كهلا". أبتسمت جولي : " لم أقصد هذا أطلاقا". بدا فرنسيس مستمتعا بالحديث: " أنني متأكد أنك لم تفعلي , هل أنت في حال جيدة؟". " بخير والحمد لله ( ألتفتت الى الوراء , وقد شعرت بقدوم هالبيرد الى الغرفة , وأستدركت ) مع من كنت ترغب في التحدث؟ روبرت غير موجود , أنه في مكتبه في الشركة , وحماتي أصطحبت معها أيما في نزهة الى حديقة الحيوانات". أوضح مؤكدا , أذ فوجىء بسؤالها: " أردت التحدث اليك , جولي ".فرفعت كتفيها تسليما للأمر , أمام هالبيرد . قالت مرددة , ليفهم الخادم حقيقة الأمر : " أردت التحدث اليّ؟". فأومأ هذا برأسه تهذيبا ثم غادر الغرفة. : نعم , أردت أن أسألك أذا كنت تقبلين دعوتي الى الغداء , هذا , أذا لم يكن هناك ما يشغلك؟". " الى الغداء ؟ ( رددت جولي وهي تستجمع حواسها , وبدا لها أنها تردد كلماته ببغاويا وهي في حال مرتبكة ) لكن ...... لماذا؟". ضحك فرنسيس: " هل علي أن أقدم سببا لدعوتي أياك؟ ألا تستطيعين تقبل رغبتي في دعوتك الى الغداء , مجرد من أي سبب؟". بدت جولي كمن غلب على أمره , وقالت : " حسنا , لست أدري.....". " لماذا ؟ تقولين أن روبرت في مكتبه , ولوسي وأيما خرجتا الى حديقة الحيوانات , فما الذي يمنعك من قبول دعوتي؟ أما أذا كنت مرتبطة بمواعيد أخرى , في هذه الحال طبعا , أقدم أعتذاري المناسب , وأعدل عن الموضوع". تنهدت جولي. " كل ما في الأمر أن دعوتك لي جاءت مفاجئة". " أذن؟". منتديات ليلاس أنتظر فرنسيس سماع جوابها. خالج جولي مزيج من الماعر المتضاربة , ففكرة الغداء مع فرنسيس تغري , أذ هو شخص مسل وذو شأن في آن , ولم تشك للحظة في أنها ستتمتع برفقته , لكن هناك أمورا أخرى عليها أن تأخذها في الأعتبار : ماذا سيقول روبرت , أولا , وأية قصة خبيثة ستختلق لوسي عن الموضوع برمته , ثانيا. ولأن تقييد حماتها لها بدا نوعا من الأستفزاز يحض على أقتراف أي عمل متمرد لا يغتفر , أتخذت جولي قرارها. أخيرا , أجابت فرنسيس: "حسنا , أنني أتطلع الى أن أتناول الغداء معك , أين نلتقي؟". بدا فرنسيس منشرحا وقال مقترحا: " سآتي الى عندك لأصطحبك , نحو الثانية عشرة؟". بلت جولي شفتيها: " حسنا , سألقاك عند مدخل البناية". " أتفقنا". أقفل فرنسيس الخط , وأعادت جولي هي الأخرى سماعة الهاتف الى مكانها بيد مرتعشة , لقد قضي الأمر وقبلت دعوته , ولم تعد تستطيع , بالتالي , التراجع عن موافقتها , حتى ولو أرادت ذلك , أذ أنها لم تكن تدري وسيلة للأتصال بفرنسيس , ولا هي كانت تعلم مكانه ورقم هاتفه , فضلا عن أنه لم يعد هناك متسع من الوقت لذلك , وما هي ألا ساعة أو أقل حتى يكون في أنتظارها عند أسفل السلم. تأملها فرنسيس بتمعن فترة طويلة قبل أن يعود الى حاله ويدير محرك السيارة , ثم قال معلقا , وقد أنطلق بالسيارة في شارع أيتون غايت : " تبدين جميلة جدا... الحقيقة أنني تساءلت عما أذا كنت ستعدلين عن المجيء؟". حدّجته لوسي بطرف عينيها: " هل كان مفروضا فيّ أن أفعل؟". " ليست هذه وجهة نظري". " الى أين نحن ذاهبان؟". " الى مطعم (( الطائر الأرجواني )) ( أجابها وهو يراقب رد فعلها , ثم أضاف ) أنه مطعم يقع في شارع سلوت , هل سمعت به من قبل؟". هزت جولي رأسها نفيا , قائلة: " كلا , لكن هذا ليس غريبا قياسا على الظروف ( وتنهدت قبل أن تضيف ) لقد أنقضت ستة أعوام مذ دعاني شخص الى الغداء في لندن ". " أذن , أعتبر نفسي محظوظا , سنشرب نخب هذه المناسبة". ضحكت جولي لملاحظته الطريفة , وأحست براح كبرى وهي تتأمله. مطعم ( الطائر الأرجواني ) كان يستحق الشهرة التي له , فالطعام فيه كان شهيا , وأحست جولي على رغم متعتها بالدعوة بأسف وهما في طريق العودة الى شقة روبرت. خلال جلسة الغداء , لم يتعد حديثهما العادي من المواضيع المختلفة, وما أن أقتربت بهما السيارة من البناية , حتى قال فرنسيس: " هل تقبلين دعوتي ثانية ,جولي؟". نظرت اليه جولي , وعيناها شاخصتان بثبات الى الأمام تستطلعان الطريق: " هل تريدني أن أخرج معك ثانية؟". " طبعا". " لست أدري ما أذا كان مناسبا أن تفعل هذا". " ولم لا ؟ ( ورمقها بنظرة قصيرة , ثم أضاف) ألم تمضي وقتا ممتعا في رفقتي؟". " بلى , لكن ليس هذا هو المقصود". " لا أفهم ما ترمين اليه". " بل أنت تفهم تماما ما عنيت , عندما..... دعوتني الى الغداء , سألتك عن السبب وكان جوابك لي.... هل يجب أن يكون هناك سبب لتقبلي دعوتي؟ حسنا , الآن , أرى سببا لذلك ". قطب جبينه: " بالتأكيد , السبب واضح, أنني أرتاح لوجودك". " وزوجتك؟". " لويز؟ وماذا عنها؟". " هل هي على معرفة بدعوتك لي اليوم؟". " لا لزوم لأن تعرف , فالأمر لا يخصها". " بل على العكس ( تنهدت جولي ثم أضافت) ألم تدرك قصدي بعد؟ أنها أذا علمت أننا كنا معا اليوم ولم تخبرها بالأمر سلفا ... ماذا سيكون موقفها؟". " الحقيقوة أنني لا أكترث لهذا كثيرا". حدّقت فيه جولي تستشف مغزى كلامه وسألته: " لماذا؟". " هل عليّ أن أوضح لها الأمر ؟ الحقيقة أن علاقتي بلويز أنتهت منذ سنوات , نعم , ما زلنا متزوجين , ونتصرف كأننا سعيدان , أنما المسألة كلها لا تتعدى مصلحة باميلا , وأهلي , هذا كل ما في الأمر". تنفست جولي بعمق , وقالت: " فهمت الآن". أحنى فرنسيس رأسه يتأمل أزرار سترته , وقال: " أرى أن الحقيقة هذه تجعلني , بالطبع , فاقد الأعتبار والأحترام". " ماذا تقصد؟". رفع فرنسيس نظره نحوها , وقد أرتسمت على وجهه سخرية مرّة , وأجاب: " هل يمكنني أن أفهم أنك نادمة لخروجك معي اليوم . ستفكرين أن عليك بعد الآن أن تكوني أكثر أحترازا في علاقتك معي وستقولين لنفسك : هذا رجل يسعى وراء هدف أبعد من صداقة مجرّدة!". تلوّن وجه جولي , وأعتدل هو في جلسته بحركة عصبية , ثم قال: " أترين؟ أنني على حق في ما قلت , أليس كذلك؟". سألته بلطف : " وهل أنت فعلا؟". " هل أنا ماذا؟". " هل أنت وراء ما يتعدى صداقة مجرّدة؟". تنهد فرنسيس قائلا: " قد أكون غبا وكذابا في آن أذا أنا أنكرت ذلك , لكن , أذا كنت تعتقدين أنني أرغمك على القيام بأي عمل لست مستعدة لقبوله , فأنت مخطئة , أنني أميل اليك , ولا أستطيع أنكار هذا , لكن أذا كان ما تريدين من علاقتنا هو صداقتي فقط , فأنا مستعد لأكون صديقا بكل ما للكلمة من معنى ". قالت جولي , تحدق فيه وقد غلبت على أمرها : " أوه , فرنسيس". " لقد توترت أعصابنا فجأة , وهذا لا ينفع في شيء ( ثم نظر الى ساعته , وقال ) علي أن أعود , لدي موعد ... دعيني أرى , منذ نصف ساعة!". شهقت جولي : " منذ نصف ساعة ؟ لقد تأخرت!". تمتم فرنسيس بكلمات مبهمة وبدا غير منزعج للأمر. دفعت جولي باب السيارة وأنسلت خارجا وهي تقول: " من الأفضل أن أذهب". وفي اللحظة نفسهاخرج فرنسيس هو الآخر ودار حول السيارة قادما ناحيتها. " أشكرك لقبولك دعوتي". "بل أنا شاكرة لك ( وهزت رأسها دلالة الرضى وهي تضيف ) كان غداء رائعا". أومأ فرنسيس : " حسنا". ثن عاد الى الجهة الأخرى من السيارة , ألا أنها أوقفته وهي تضع يدها على كتفه : " ألن تدعوني الى الخروج معك ثانية؟". " وهل تقبلين؟". " بأعتبارك صديقا , نعم". أخذ يدها بين راحتيه , وقال : " حسنا , سأتصل بك خلال أيام قليلة , أذا لم يكن هناك مانع ". أومأت جولي موافقة . " حسنا , الوداع , فرنسيس". " الوداع , جولي ". أخلى يدها وخفّ عائدا الى مقعده في السيارة. حين دخلت الشقة تناهى الى سمع جولي بوضوح صوت أنثوي, وأحست بقلبها يغور في صدرها , ظنت أن لوسي عادت , ولا بد أنها ستتحرى منها تفسيرا لخروجها من دون أن تعلم أحدا بالمكان الذي قصدته. سوّت سترة ثوبها , وألقت حقيبتها على الطاولة في رواق الشقة , ثم دفعت باب الصالون ودخلت , غير أن التي كانت في الداخل تقتعد الكنبة لم تكن حماتها , بل أمرأة شابة لم تكن ألتقتها قبلا , ألتفتت هذه نحوها متسائلة أذ خطت داخل الغرفة , كان روبرت هناك أيضا , يقف متكدر الوجه الى جانب النافذة , ويداه خلف ظهره. أغلقت جولي الباب ثم أسندت ظهرها اليه , وأرتسم على جبينها المعقود سؤال أذ أستعصت عليها هوية المرأة , ثم حدّجت صهرها مستفسرة , فأقترب هذا متثاقلا , ليقف وراء الكنبة. بادرها بصوت بارد: " طاب يومك , جولي , أنني مسرور جدا أن أراك قد قررت العودة أخيرا , الأنسة لوسن وأنا ننتظرك منذ ما يقارب الساعة". أوضح قائلا وعيناه تجبهان عينيها بقوة أحست معها أنها طفلة أعتراها الخوف: " الآنسة لوسن هي المربية التي أخترتها لترعى أيما , لقد أطلعتك قبلا على هذا الموضوع , أن كنت تذكرين". " أنني آسفة لتخلفي عن أستقبالك , آنسة لوسن". وتوجهت نحوها لتصافحها , مدت لها المرأة الشابة يدا متراخية , وجولي تقول: " أنا جولي بمبرتون , والدة أيما". رأت الآنسة لوسن أن الوقت مناسب لتعيد بعض الحماسة الى الجو المتشنج , فأنتصبت على قدميها وقالت: " كيف حالك سيدة بمبرتون ؟ ( كانت أطول قامة من جولي , وبدا أن هذا راقها , ثم أضافت بصوت مهذب ) أنه لسرور عظيم لي أن أتعرف اليك , بالمناسبة , أين هي أيما؟". رفعت جولي نظرها صوب روبرت , وسألته: " ألم تعودا بعد؟ أذ أن والدتك أخذت ايما الى حديقة الحيوانات ". عقد روبرت يديه على صدره , فبدا بهذه الحركة أكبر حجما وأكثر قوة , ما لم يسبق لجولي أن لاحظته فيه قبلا , خصوصا متى قورن مع فرنسيس الأقصر منه قامة , والأصغر بنية , ثم قال: " ضروري أن تتعرف الآنسة لوسن الى أيما اليوم , فغايتي من ترتيب هذا اللقاء هي الأفساح في المجال للآنسة لوسن أن تعطي رأيها في موضوع تدريسها". " لم أكن أدري أننا أتخذنا قرارا نهائيا في هذه المسألة". تجهم وجه روبرت وقال : " أنما العكس هو الصحيح , كل شيء تم ترتيبه , الآنسة لوسن ستقطن معكما في ثورب هيلم لدى أنتقالكما الى المنزل الجديد في نهاية الأسبوع , ولست أرى سببا حقيقيا يعقوق هذا الأمر". شمخت جولي برأسها وقد صممت على ألا تسمح له بأن يهولعليها في حضرة أمرأة غريبة وقالت بلهجة حازمة: " أني متأكدة أن مدرسة القرية مكان مناسب لتبدأ أيما دراستها , وعندما تصبح أكبر سنا...". قاطعها روبرت وبريق بارد يغلف نظراته: " أتركي لي الحكم المناسب في هذه المسألة , جولي". فأجابت تحاول أسترضاءه: " ألا تعتقد أن علينا تداول هذا الموضوع مليا قبل أتخاذ أي قرار؟". " ليس هناك مجال للبحث فيه أكثر ". " لا أوافقك الرأي ( وأبتسمت للآنسة لوسن أبتسامة خفيفة , وأضافت ) لا شك عندي أن الآنسة لوسن مربية ممتازة , ألا أنني أفضل أن تخالط أيما أولادا آخرين خلال النهار". " لست في وارد الخوض معك في جدل عقيم , جولي , لقد أحضرت الآنسة لوسن الى هنا , كما سبق وقلت , لتتعارفا , ليس ألا ". ببدت جولي مهتاجة , ألا أنها , وقد أدركت أن القرار ليس في يدها , ألتفتت الى الفتاة تسألها: " هل ترغبين في فنجان شاء , آنسة لوسن؟". أومأت الفتاة موافقة: " نعم , شكرا". منتديات ليلاس وأسرعت جولي في أتجاه الباب , بعد أن أشارت لها لتجلس ثانية , في الممر الذي يصل الصالون بالمطبخ قطع عليها روبرت طريقها وأعترضها مانعا أياها من التقدم , أمسك بمعصمها ولوى ذراعها , ثم قال لها بنبرة مزمجرة متوحشة: " أين كنت حتى هذه الساعة ؟ أتعلمين أنها تخطت الثالثة والنصف؟ ". رفعت جولي نظرها والغضب يملؤها , كان الممر ضيقا لوجودهما معا , ولم يحدث أن كانا على مثل هذه المسافة القريبة جدا , منذ عودتها من مالايا , كانت أصابعه الممسكة بمعصمها باردة قاسية , أما شرارات السخط التي كانت تنبعث من عينيه فلم تكن من البرودة في شيء , وبدا على وشك أن ينفجر من الغضب , قالت توضح له: " أنت لست قيما على حياتي الخاصة , روبرت". " لم أقل أنني هكذا , فقط سألتك أين كنت؟". " خرجت أتغدى في أحد المطاعم". " اللعنة عليك . أعلم هذا , لكن ما لا أعرفه هو من كان في صحبتك الى الغداء ؟ ( وشدّ على معصمها وهو يسألها ) هل تريدين أن أحطم عظم معصمك؟". " لن تتجرأ!". " أتراهنين!". وبدا من عينيه الملتهبتين أنه جاد في ما يقول. " أحست جولي بأنقباض في حلقها , وقالت: " أنك متوحش! أذا كان لا بد أن تعرف من هو الشخص الذي خرجت معه الى الغداء , فلا بأس في ذلك , أنه فرنسيس!". " فرنسيس؟ ( رجج متسائلا ) فرنسيس من؟". " فرنسيس هيلينغدون ! بدا واضحا أن أن روبرت صعق لوقع الأسم هذا , غير أنه لم يدعها تفلت من قبضته , وأضاف يسألها غير مصدق: " والد باميلا؟". " هو أياه ( وأضافت بلهجة ساخرة) دعني وشأني!". تجاهل روبرت طلبها , وعاد يسألها: " ماذا تظنين أنك تفعلين بخروجك معه الى الغداء ؟ أنت بالكاد تعرفينه". أجابت والنبرة الساخرة تلازم صوتها : " نعم , والآن توطدت معرفتي به". " أيتها اللعينة , كيف أتفق أن خرجت معه؟". " لقد دعاني الى ذلك ( أجابته , وأبتسامة تتوزع على قسمات وجهها , وأضافت) ليس هناك أي سوء فيما فعلت , أتصل بي هذا الصباح ودعاني الى الغداء , هذا كل ما حصل". قال روبرت وعيناه لا تفارقان وجهها: " لم أكن أتصور أن فرنسيس يمكن أن يقدم على أمر كهذا". " أنه ليس ما تظن , ثم , ماذا تعني بقولك : أمرا كهذا , لقد قلت لك أن ليس في الأمر أية غاية أخرى". " أنا متأكد من هذا ( ونظر الى يدها الأسيرة بين أصابعه وأضاف ) يغريني الآن أن أهشم معصمك كما أفعل بعود ثقاب ( بدا وجهه كالحا ) أم ترى من الأفضل أن أحطم عنقك؟". أطلقت جولي ضحكة عالية , غير مدركة ما في عينيه الرماديتين من شر , ثم قالت: " كف عن هذا التصرف الأرعن , روبرت , أننا نضيع الوقت , بينما الآنسة لوسن ....... تنتظر مني أن أحضر اليها فنجان شاي , وقد تتساءل ما الذي أخّرني". أجاب روبرت بصوت أجش: " لا يهمني أبدا أن تنتظر الآنسة لوسن فنجان الشاي". " لكنني أنا أهتم لهذا". كان روبرت لا يزال يحدق فيها بوقاحة غريبة , تخصبت وجنتا جولي ورجته أن يتركها , ألا أنه لم يعر رجاءها أهتماما. فجأة , شدّها اليه , ولوى ذراعها خلف ظهرها , نظر اليها بعينين زائغتين : " حسنا ؟ ( غمغم بصوت أجش ) ماذا في أستطاعتك الآن أن تفعلي ؟". تلوت جولي من الألم تقاومه على غير طائل , وزادته محاولاتها هذه تصميما , فأشتدت قبضته على معصمها , وضغط عليها حتى كادت تنقطع أنفاسها . قالت له ثانية وقد وهن صوتها: " أرجوك , روبرت". " أيتها اللعينة ... أنك لا تتبدلين أبدا , ولا يهمك من تجرحين!". سوت جولي قميصها بأنامل مرتجفة , والغضب حل مكان ضعفها : " لم أطلب منك أن تلمسني ". كان روبرت لا يزال يحدق فيها بنظرات تربكها , ومن دون أن يعلق بكلمة , أبعدها من طريقه ليختفي داخل غرفته , ظلت واقفة لفترة حيث تركها , وكانت ترتعش من قمة رأسها حتى أخمص قدميها , ثم أقتربت من باب المطبخ وأسندت يدها اليه , وقالت وفي صوتها عزم مصطنع: " هالبيرد , هلا أحضرت لنا ثلاثة فناجين شاي؟". راودتها فكرة الذهاب الى غرفة روبرت , ألا أنها فضّلت أن تسلك طريق التعقّل. كانت الآنسة لوسن في مكانها تنتظر , وفي يدها لفافة تبغ , وبدا التأفف عليها لحظة دخلت جولي الغرفة. بادرت جولي تعتذر لتأخرها: " آسفة لتأخري , ثانية , لقد طلبت من الخادم أحضار الشاي , هلا أخبرتني قليلا عنك". نظرت اليها المرأة الشابة وفي عينيها عداء لم تستطع جولي أن تتبين له سببا , ثم سألت مستوضحة: " هل هذا يعني أنك موافقة على وجودي مربية لأيما؟". جلست جولي في مقعد من الجلد قبالة الفتاة , ثم قالت بتحفظ: " لنقل , حاضرا , أنني أقبل الوضع على حاله". رفعت الآنسة لوسن حاجبيها أستغرابا وقالت: " لكن السيد بمبرتون هو مخدومي". تنهدت جولي , وقالت: " هذا صحيح , الى حد ما , أسمعي آنسة لوسن , من المفترض أن تعرف الواحدة منا الأخرى جيدا , هذا أذا قيض لنا أن نعيش معا ( وحاولت أن تبدو أكثر ودا فأردفت قائلة ) ما أسمك الأول ؟ أذ ليس من المعقول أن أناديك آنسة لوسن طوال الوقت". " أسمي ساندرا ( أجابت الفتاة ) ألا أنني أفضل أن ينادى عليبأسمي كاملا في حضور أيما , لأن رفع التكلف مع الأطفال لا يساعد في أنضباطهم كما تعرفين". حاولت جولي جاهدة أن تكتم أبتسامة بانت على شفتيها. " لا أظنك في حاجة الى ممارسة أصول الآداب مع طفلة في الخامسة , آنسة....... ساندرا , ثم , أن أيما ليست من ذلك النوع من الأطفال.......". " أي نوع من الأطفال تقصدين , سيدة بمبرتون؟". " الذي يحتاج الى التأديب , هذا ألى أن أيما طفلة مهذبة جدا , ولا أستطيع أن أتصور أنها قد تكون مصدر أي مشكلة كبيرة". " أنت والدتها , سيدة بمبرتون , وبالتالي ر يمكنك أن تدركي المشكلات الطارئة التي تواجه المدرّي في مهنته". أجابتها جولي وقد أحست بالسخط رغما عنها: " ما أستطيع تصوره هو أن الأمر يعود بغالبيته الى قدرة المدرّس وكفايته". بعد دخول هالبيرد تلك اللحظة , التشنج الذي بدأ يسيطر على حوارهما , وأنهمكتا بسكب الشاي وأنتقاء بعض الفطائر , رشفت جولي من فنجانها من دون أن تأكل شيئا , أذ أنفت نفسها الطعام في هذه الساعة من النهار. منتديات ليلاس أما ساندا فأكلت مليا وبشهية ظاهرة. همّت هذه تسكب لنفسها فنجانا ثالثا من الشاي حين دخل روبرت , ولاحظت جولي أن روبرت أستحم ثم أبدل ثيابه , أذ كانت قطرات الماء لا تزال عالقة تلمع على شعره الأسود , وبدا متكاسلا عل عكس ما كان منذ فترة قصيرة. أنفرجت أسارير ساندرا لرؤيته ثانية , وأبتسمت له بحرارة , بينما تعابير وجهه على حالها لم تتغير , سوى رقة باهتة ظهرت في عينيه وهو ينظر اليها. فجأة تغيّر سلوكه , حين نظر الى جولي , وسألها بصوت فظ : " حسنا ؟ هل تم ترتيب كل شيء؟". رفعت جولي كتفيها بلا مبالاة , وأجابت: " ليس عندي ما أقوله في هذا الشأن". " جولي!". " حسنا , قم أنت بالترتيبات التي تراها مناسبة ( ثم نهضت من مكانها , وأضافت ) يبدو أن لا قيمة أطلاقا لوجودي هنا". بدا روبرت يتلظّى غيظا لموقف جولي هذا , وأذا بصوت الباب الخارجي يفتح , مما جعله ياتفت نحوه فجأة في أنفعال. أطلّت أيما من باب الصالون , صغيرة , سمراء , ينطق وجهها بالحنان وهي ترتدي معطفها الأحمر وسروالا أخضر , توقف نظرها عند ساندرا لوسن , ونظرت الى والدتها مستفسرة. أنحنت جولي تضمها اليها , وقالت: " أهى حبيبتي , هل أمضيت وقتا ممتعا؟". أجابت أيما بأنفعال وحماسة: " كان يوما رائعا , أمي! ( وأفلتت من والدتها تعدو الى حيث كان روبرت واقفا , أخذت يده بين راحتيها تشد عليها بقوة ) لقد شاهدنا كل أنواع الحيوانات , عمي , وقد أشترت لي جدتي بوظة ومرطبات وحلوى". سألها روبرت بلهجة لا تخلو من البرودة: " هل أشترت لك , فعلا , كل هذا؟". ثم أخذت ملامح وجهه تلين أمام سحر وجه الطفلة , لم يكن هناك أدنى شك في أنه كان يكن لها عاطفة كبيرة , وتساءلت جولي عن سبب الألم الذي يتولد فيها كلما لاحظت ذلك. أردفت أيما تسرد له في شوق وفرح: " شاهدنا أيضا قطيعا من الجياد , أتدري ماذا قالت لي جدتي؟.......... لقد قالت أن في أمكاني أن أقتني جوادا حالما ننتقل الى الريف, هل هذا صحيح , هل ستشتري لي جوادا , عمي؟". قالت جولي وقد أحست بضيق مفاجىء: " أيما". كذلك فعلت لوسي في لهجة حادة , وهي تدخل وتنزع قازيها : " ليس في الوقت الحاضر أيما". ثم أنتبهت لوسي الى وجود ساندرا لوسن , فأنفرجت أساريرها , وهتفت: "ساندرا! عزيزتي ساندرا , , لم أكن على علم بقدومك اليوم , وألا لبقيت في المنزل لأستقبالك". قال روبرت , موضحا , وهو يساعد أيما في نزع معطفها: " لم تكن الآنسة لوسن نفسها على علم بموعد قدومها , لقد أتصلت بها هذا الصباح ( وألتفت نحو الطفلة يقدم اليها الفتاة) الآنسة لوسن ستكون مربيتك , هل تعلمين ما معنى كلمة مربية؟". قطبت أيما حاجبيها , تجيبه: " هل تعني أنها مدبرة؟". " كلا , كلمة مدبرة تشبه في معناها الراعية , بينما المربية هي أقرب الى معلمة منها الى مدبرة , أنها تعطي دروسا , كما في المدرسة". عظم الأهتمام في وجه أيما وسألته: " ..... في المدرسة؟". أنحنى روبرت يجلس القرفصاء قرب الطفلة , عيناه في موازاة عينيها , ثم أوضح لها قائلا: " أنا قلت , كما في المدرسة ولم أقل في المدرسة , أن الآنسة ستقطن معكما , أنت ووالدتك , في ثورب هيلم". تحولت نظرات الطفلة صوب والدتها , لتتثبت من حقيقة الأمر , غير مصدقة ما قاله عمها , وأحست جولي بقلبها ينفطر. قالت الطفلة معترضة: " لكن...... لكن أمي قالت لي أنني أستطيع الذهاب الى مدرسة مناسبة متى عدنا الى لندن!". أجابها روبرت وهو ينتصب ثانية: " والدتك كانت مخطئة". أبت أيما أن تقر بالواقع الجديد , وعادت تسأله وهي تشده بطرف سترته: " لكن , لماذا , تعال , أقترب عمي". وأشارت اليه بأصبعها فعاد ينحني ثانية. " ماذا تريدين الآن؟". أرخت أيما يديها على كتفيه , ثم أدخلت أصبعين في أذنية , وقالت : " لماذا لا أستطيع كغيري الذهاب الى المدرسة؟". تنهد روبرت وقد أعيته أسئلتها المباشرة , فتدخلت لوسي وهي تتفحص كمية الشاي في الأبريق: " كفي عن طرح أسئلتك السخيفة , فعمك يعرف جيدا ما هو الأصلح لك". أمسكها روبرت من خصرها الصغير , وأنتصب ثاني , فأذا هي بين ذراعيه , يداها حول عنقه تحكمان الطوق كمن يمتلك كنزا بين يديه , تساءلت جولي وهي تراقبهما عما أذا كانت أيما ترى في روبرت نظيرا لوالدها , أذ بدا أنه يحنو عليها , والطفلة أستجابت لحنانه. أبدت لوسي أنزعاجا لتصرف روبرت المدلل للطفلة , فهتفت فيه قائلة: " أنزل الصبية عن ذراعيك , روبرت , فهي لم تعد طفلة صغيرة!". غير أن روبرت تجاهل كلام والدته , وأخذ يدغدغها , فخبأت هذه رأسها عند عنقه , تقهقه. لم تعد جولي تستطيع تحمل رؤيتهما معا أكثر من ذلك , أذ كان المنظر هذا بالنسبة اليها تجربة مؤلمة جدا , فبادرت قائلة: " أستميحكم عذرا........". ولم تكمل كلامها أذ قاطعتها لوسي تسألها: " هل تم التعارف بينكما , أنت وساندرا؟". تنهدت جولي قبل أن تجيب: " الى حد ما". أوضحت لوسي: " ساندرا صديقة قديمة لباميلا , كانتا معا في مدرسة واحدة , ثم أختارت ساندرا التخصص بتعليم الأطفال مهنة لها بدلا من الزواج ( وأبتسمت بلطف قبل أن تضيف) أنا متأكدة من أنك ستجدينها أهلا لمهنتها". قالت جولي وهي تضغط بأصابعها على راحتيها : " أنا متأكدة من ذلك". منتديات ليلاس كان في أمكانها أن تدرك أن أحساس تلك المرأة الشابة حيالها , من خلال سلوكها ونظراتها اليها , هو أكثر من مجرد أستعداء غريزي , وبالتالي سيكون حضورها الدائم في المنزل بمثابة مهمة مراقبتها أذ ذاك شعرت جولي بحاجة الى البكاء , ماذا يعتقدون أنها تكون؟ وماذا يخشون أن تقوم به؟ أستعادت أنفاسها , وهي تنظر الى أيما بين ذراعي روبرت , وقالت: " هيا بنا حبيبتي , عليك الأغتسال قبل أن يحين موعد العشاء". تشبثت أيما بروبرت , كما يفعل الأطفال حين لا يريدون القيام بعمل لا يرغبون فيه , وكادت جولي أن تفقد صبرها حيال تصرف أبنتها , وقبل أن تفضحها حالها النفسية المتأزمة وتجعلها مدعاة للسخرية , جمعت قفازيها وحقيبة يدها وخرجت من الغرفة , وأغلقت الباب وراءها بأحكام. |
مشكوره كتير فراولايه
|
4- سهرة مع رجل لطيف
صباح الأحد , كان مقررا أن يوصلهما روبرت الى ثورب هيلم , ألا أن برقية عاجلة تلقاها مساء الجمعة , يشعره فيها مكتب الشركة في نيويورك بأجتماع كان يريد أن يحضره , أضطرته الى السفر , وكانت باميلا , ساعة تسلمه البرقية تلك الليلة في الشقة تنتظر موعد ذهابهما الى المسرح , وحضّته على السفر , على أن تتكفل هي بأيصال جولي وأيما الى ثورب هيلم , وقالت: " في أي حال , عزيزي , ليس مهما من منا يوصل جولي والطفلة , أليس كذلك؟". لم يجبها روبرت , ورفع كتفيه غير آبه , ثم قال : " أنت محقة , لا أعتقد أن الأمر مهم , هذا , أذا كانت جولي لا تمانع". لم تتحمس جولي لفكرة باميلا هذه , فأقترحت تقول: " يمكننا أن نستقل سيارة أجرة". فتحت باميلا ذراعيها فارغتين , وقالت: " ليس هذا ضروريا , عزيزتي , فأنا متفرغة.......". ورمقت روبرت بنظرة ذات دلالة مبهمة. أضطرت جولي الى القبول , وهكذا , أوصلتهما باميلا الى المنزل , ثم ساعدتهما في نقل حقائبهما الى الداخل. ظهرت السيدة هادسون من المطبخ , لتستقبلهن , بدت أمرأة قصيرة القامة , كما جولي , أنما ممتلئة الجسم , غلب على شعرها الشيب وعلى وجهها أبتسامة لا تفارقه , خصت أيما بأستقبال مميز , وقالت: " القهوة جاهزة , سيدة بمبرتون , أنها في أنتظارك في الصالون , هل ترغب الصغيرة في المجيء معي الى المطبخ ؟ سأقدم اليها بعض الحلوى , أنتهيت لتوي من تحضيرها". أتسعت حدقتا أيما , وهتفت فرحة: " رائع". لكن جولي نبّهتها قائلة: " أياك أن تتخمي معدتك". " لن أدعها تفعل ذلك". أجابت السيدة هادسون , تعد جولي , ولسبب في داخلها جهلته , لم تصدقها هذه الأخيرة , هذا , وبدت لها السيدة هادسون أمرأة أهلا لأن تكون جدة مثالية لأيما , وأحست بوخز من الذنب لتصورها هذا. رافقت السيدة هادسون أيما الى المطبخ , وأخذت جولي تتأمل حولها في غرفة الأستقبال بعين راضية كانت جدرانها مطلية بالأبيض , بينما أمتدت سجادة حمراء داكنة تغطي أرض الغرفة حتى أعلى درجات السلم التي تؤدي الى الطبقة العلوية. كان الأثاث يبعث الدفء ويوحي بالترحيب , تقدمتها باميلا في أتجاه الصالون , وكانت هذه تتصرف كما لو أنها في بيتها هي , جلست في مقعد قريب من الطاولة حيث صينية القهوة , وبدت بهذا كما لو أنها هي التي تستقبل جولي. غير أن جولي أبت أن تفقد رباطة جأشها , أذ ليس مهما ما تفعله أو تقوله الواحدة منهما للأخرى , فهي وأيما تمتلكان الآن منزلا خاصا بهما , ومن الآن فصاعدا , سينصب أهتمامهما , معظم فترات وقتهما , على التطلع الى شؤونهما الخاصة. بعد أن تناولت جولي فنجان القهوة , وكانت قد جلست في مقعد الى جانب النافذة , بادرتها باميلا بالقول : " أظن أنك ستجدين الراحة التامة هنا , ألا توافقينني الرأي في هذا ؟". تصنعت جولي أبتسامة خفيفة , وقالت : " أعتقد ذلك , أنه منزل قديم وجميل". " نعم , أنه كذلك , طلبت من روبرت أن بشتريه بادىء ذي بدء ليكون منزلنا في المستقبل , ألا أنه أعترض على صغر حجمه". رشفت جولي قليلا من فنجانها , وقالت : " أنني أرى ما تقصدين". " الحق يقال , أن روبرت كان سديد الرأي , ذلك أنه بين فترى وأخرى يقيم بعض الحفلات والمآدب , الشقة في الوقت الحاضر تحاصره ولا تسمح له بهذا , لكن , متى تزوجنا , سيكون في أستطاعتنا أن نستضيف ضيوفنا بحرية أكثر , فالعازب , كما تعلمين , لا يقيم وزنا لهذه الأمور". هزت جولي رأسها تهذيبا أشارة موافقة. وحدّقت باميلا في جولي هنيهة غير قصيرة , فبدا الأرتباك على هذه الأخيرة , ثم قالت الفتاة : " كنت ذات يوم مخطوبة لروبرت , أليس كذلك؟". أعادت جولي فنجان القهوة الى مكانه بيد مرتجفة , فأحدث أحتكاكه بالصحن قرقعة لدى ملامسته الطاولة , وأجابت قائلة: " نعم , هذا صحيح". أطرقت باميلا قليلا قبل أن تقول: " لقد أخبرني روبرت ذلك". بلعت جولي لعابها بصعوب , أذ كانت ترفض مبدئيا أن يبحث روبرت في شؤون حياتها الخاصة مع باميلا , وتساءلت عن سبب طرح باميلا لهذا الموضوع بالذات..... " ألا أنك تزوجت أخاه؟". بدت باميلا كأنها تستجوبها . أومأت جولي برأسها : " نعم , مايكل". " قال لي , كذلك , أنكما فسختما خطبتكما قبيل سفره الى فنزويللا في مهمة عمل؟". " نعم , هذا ما حصل". " هل لديك مانع أن توضحي لي سبب ذلك؟". بدت باميلا متحسبة , مترقبة. " هل هذا الأمر يهمك كثيرا؟". " أود أن أعرف السبب ". " لماذا لا تسألين روبرت؟". بدت باميلا مترددة قبل أن تجيب: " لقد فعلت ....... قال لي أنك أنت التي أردت فسخ الخطوبة". تلونت وجنتا جولي أحمرارا وعلّقت : " هل هذا ما قاله؟". " هل هذه هي الحقيقة ؟". " نعم , أنها ........... الحقيقة ". " لكن , لماذا؟". وبدا الأهتمام في حاجبي باميلا المعقودين . لم تكن جولي تدري جوابا , فتنهدت , ثم قالت: " أن الأمر واضح ..... ألا تعتقدين ذلك؟ لقد وقعت في غرام مايكل! ". عادت الأشراقة الى وجه باميلا , وقالت , أذ أطمأن بالها : " أوه , أنني آسفة لما حصل , ألا أن ما أخبرتني به في شأن مايكل , لم يخطر ببالي , وكان يجب أن أستنتجه سلفا , لأنك تزوجت مايكل قبل أن يكون روبرت عاد من مهمته في الخارج , أليس كذلك؟". بدت جولي عاجزة عن الكلام , فأومأت ثانية برأسها تؤكد فحوى سؤال باميلا , ثم أوضحت في أقتضاب: " لقد تغيّب روبرت آنذاك فترة ستة أشهر". " نعم , هذا ما قاله لي , لكن ألا تعتقدين , على ما أتصور , أنك كنت سافرت معه , لو أن ظروفك حينذاك كانت مختلفة ؟". تمنت جولي لو تستطيع تغيير موضوع حديثهما , وبدا تبرمها واضحا في حركات أصابعها , ثم قالت تسألها: " هل لديك سيكارة؟". تناولت باميلا حقيبة يدها , تبحث عن علبة السكائر , ثم أستطردت تقول بعد أن أشعلت كل منهما واحدة: " هل تمانعين في طرحي هذه الأسئلة عليك ؟ الحقيقة أنني أجد صعوبة في البحث في مواضيع من هذا النوع مع روبرت". نفثت جولي دخان سيكارتها , ثم أجابت: " كلا , لا بأس في أن تسأليني ما تشاءين ( وأنتصبت على قدميها وهي تتلوى ثم أستطردت تقول ) هل تعتقدين أننا سنمضي فصل شتاء قاسيا ....... لقد نسيت كيف يكون شكل الثلج". نهضت باميلا بدورها , وأقتربت تقف الى جانبها عند النافذة , ثم أجابت بصوت مهذب: " لم أذكر لك شيئا من هذا القبيل قبل الآن , ألا أنني , ولو متأخرة , أقدم اليك تعزيتي لوفاة زوجك , من المؤسف أن الفرصة لم تسنح لي لأتعرف اليه". حدقت فيها جولي بعينين زائغتين , وتساءلت عما يمكنها أن تجيب معلّقة على ذلك , ثم تمتمت بصوت خفيض: " شكرا". أومأت باميلا برأسها مؤاسية وهي تضع يدها بلطف على كتف جولي , ثم قالت: " علي الآن أن أذهب , أمي في أنتظاري وقد أقترب موعد الغداء , فضلا عن أنني دعوت أصدقاء الى الغداء عندي ( وترددت قليلا قبل أن تضيف ) أنني أنتظر زيارتك لنا , بعد أن تستقر بك الحال هنا , كما أنني متأكدة أن والدي سيكونان سعيدين برؤيتك". منتديات ليلاس كان روبرت لا يزال في الولايات المتحدة , بعد أن مدّد زيارته ليستطيع الأنتقال الى سان فرانسيسكو , ولم تكن عودته منتظرة قبل أسبوع , وكان طبيعيا ألا يكون هناك أتصال مباشر بينه وبين جولي , ألا أن لوسي كانت تتصل كل يوم تقريبا وتطلع جولي على كل المستجدات. أتصل بها فرنسيس هاتفيا , يوم الخميس , رفعت سماعة الهاتف بتلكؤ , وقد تصورت أن المتكلم سيكون أمرأة عمها , وفوجئت حين تناهى صوته الى مسمعها. " مرحبا جولي ( وتراءت لها أبتسامته الساخرة ) أوتظنين أنني نسيتك كليا؟". رفعت كتفيها لا تدري ما تجيب , ثم قالت مازحة: " لا تقل لي أنك عدلت عن رأيك في دعوتي ثانية". ضحك فرنسيس وأجاب: " من الصعب جدا أن أفعل هذا , أخبريني , كيف تجدين حياتك الجديدة في الريف؟". جلست على ذراع المقعد الذي بقربها , ثم أجابت: " لا بأس بها , أننا نتكيف جيدا وبسرعة مع واقعنا الجديد , فضلا عن أن أيما تعشق الحرية المتوافرة لها هنا". " لا شك في ذلك فعلا , أذ هي على ما أتصور لم تعرف معنى الحرية في مالايا". " لم تعرفها حقا , فقد كانت في رفقة مدبرة ترعاها معظم الوقت , كيف حالك؟". " أجاهد في هذه الحياة , وحيدا ( أجابها مداعبا , وأستطرد يقول ) هناك سبب واحد منعني من الأتصال بك قبل الآن وهو أنني كنت خارج البلاد , في أسكوتلندا وقد عدت ليلة أمس". " روبرت مسافر , كذلك". " أعرف هذا , فأخباره دائما موضوع أي حديث يجري في منزلي". " عفوا , كان علي أن أعرف هذا سلفا , لقد سها عن بالي وجود باميلا". بدأ حديثه يسليها. " فعلا؟ مما لا شك فيه أن هذه مهمة صعبة ". ضحكت جولي ثانية وقالت بطريقة عفوية: " أنا مسرورة لأنك أتصلت". " هل أنت فعلا كذلك ؟ لماذا؟". منتديات ليلاس تنهدت جولي قبل أن تجيب : " آه , لست أدري , ربما لأنني أشعر قليلا بأكتئاب , أعتقد أن أختلاف المناخ بأنتقالنا من مكان الى آخر أثّر علي قليلا.... ثم , أن المربية ستصل يوم الأحد". " المربية؟ تقصدين..... ساندرا لوسن؟". " نعم , هل تعرفها؟". " طبعا أعرفها , كانت زميلة باميلا أيام الدراسة". " هذا صحيح ( وتذكرت أن حماتها كانت أخبرتها بذلك ) لقد نسيت ". " ماذا بك؟ هل يضايقك وجودها في شيء؟". أجابت جولي جازمة: " لن أدعها تفعل ذلك". ضحك فرنسيس وبدا أنه لم يقتنع بجدية جوابها , وقال: " يبدو أن الأمر ينذر بعاصفة بينكما , أسمعي , جولي , لم أتصل بك لأقضي نصف ساعة في الحديث معك على الهاتف , أريد أن أراك , متى يكون ذلك؟". ترددت جولي بادىء الأمر , ثم قالت : " لست أدري , فهناك أيما.......". " أحضري أيما معك ....... ما رأيك في أن أحضر الى الغداء في منزلك , بدعوة منك؟". " لا مانع عندي ". علّق فرنسيس وقد لاحظ ترددها: " يخيل ألي أنك لست متحمسة للفكرة , هل هذا يعني أنك لا تحبذين مجيئي؟". " عفوك فرنسيس , بالطبع يمكنك أن تتغذى معنا , سأحضر لك في المناسبة طبقا خاصا!". " يبدو هذا مشجعا , ما هو نوعه؟". " أنتظر تر ( ورمقت ساعة يدها , وأضافت ) أنها الحادية عشرة , أين أنت الآن ؟". " في المنزل". صعقت لجوابه وهي تردد : " في المنزل!". " لا تجزعي , أنني في مكتبي , وما من أحد يستطيع سماع حديثنا ". " لكنك تبدو من صوتك كمن يسترق الحديث؟". " هل أبدو كذلك حقا ؟ أنني أعتذر عن ذلك , حسنا , أنا ذاهب الآن لأخبر لويز وباميلا , لا شك في أنهما تودان المجيء معي". " فرنسيس!". " هل تريدينهما معي الى الغداء ؟". تنهدت جولي , فهي أرادت أن تلتقي فرنسيس ثانية , أذ هو الوحيد الذي كان يعاملها معاملة جيدة , فضلا عن أنها كانت في حاجة الى من تستطيع التحدث اليه. " أذن؟". " حسبك أن تتفضل وحدك في المجيء". وأقفلت الهاتف. ما أن أنتهت من أرتداء ثوبها وتصفيف شعرها , حتى كانت سيارته تتوقف أمام باب المنزل الرئيسي , أطلت أيما قادمة من المطبخ ,وسألت والدتها: " هل هذا العم فرنسيس؟". كانت جولي أعلمت السيدة هادسون في حضور أيما بقدوم ضيف الى الغداء , وبدت هذه فرحة لهذا النبأ. " نعم , حبيبتي , أنه العم فرنسيس". وذهبت تفتح له الباب . بدا فرنسيس فتيّا , وهو في بنطال بيج وكنزة بنية اللون , ورمقته جولي بنظرة دافئة. بادرهما محييا وهو يدغدغ أيما تحت ذقنها , فضحكت , ثم توجه الى جولي هامسا: " لا تنظري الي هكذا , وألا تمنيت لو لم أكن ذلك الأنسان الطيب الذي تتصورين". أبتسمت جولي لكلماته المداعبة , وقالت: " هيا بنا الى الداخل , لا أعتقد أن المكان غريب عنك". بدا لها فرنسيس أنسانا مختلفا عن أي رجل عرفته من قبل. تقدمتهما أيما الى غرفة الجلوس , وبدأ يتأمل الغرفة , ثم قال : " نعم , أعرف المكان , أنه جميل , أليس كذلك ؟ علما أن أبنتي أختارت ديكوره!". ضحكت جولي قائلة: " أترغب في فنجان قهوة؟". " نعم , شكرا". وجلس على الكنبة وأيما الى جانبه. بادرته الطفلة بسؤال خلو من أي تحفظ : " أين هي العمة باميلا؟". أبتسم فرنسيس راضيا عن سؤالها وأجابها: " أنها في المنزل ". " ألم تشأ أن تأتي معك؟". " أعتقد أنها ترغب في ذلك , غير أنني لم أسألها ( وأضاف مبتسما أذ لمح خيبة في وجهها ) كانت كلما أتت لتراك تتحاشى أن تدعوني للمجيء معها , فلماذا أسألها أنا أذا كانت لا تفعل الشيء نفسه؟". بدت أيما راضية لتبريره , وسألته: " هل قدمت حقا , لتزورني فقط؟". " ولأزور والدتك أيضا , ( أجابها , وتناول فنجانه يرشف منه قليلا ثم أوضح قائلا) الحقيقة أنني حين أجيء لزيارتك أدّعي أنني جئت لأزور والدتك أيضا , فلا أبدو هكذا أنانيا في تصرفي ( وغمز لها ) أعتقد أنك تدركين ما أعني". ضج المكان من ضحكة أيما العالية , ثم أقتربت جولي تجلس بالقرب منهما , وقالت تسأله: " كيف أتفق , فرنسيس , أنك لم تنجب سوى باميلا؟". ثم أدركت بعد فوات الأوان أي سؤال وقح , فضولي هذا الذي طرحته. لكن فرنسيس بدا غير ممانع , فأجابها: " لم يكن ذلك مستطاعا". لم تكن السيدة فرنسيس قابلت فرنسيس من قبل , وأخذت ترمق جولي بنظرة مبهمة , ثم قالت: " يبدو رجلا لطيفا , أليس كذلك ؟ أنه صبور جدا". " نعم , ألا تدركين أنه والد الآنسة هيلينغدون؟". " لقد أستنتجت ذلك". " أظنك أستنتجت أيضا أنه يجب ألا يكون هنا؟". " لماذا؟". " لكن الأمر واضح تماما ........ أنه رجل متزوج". في هذه اللحظة , تناولت السيدة هادسون الأطباق لتجلبها , ثم قالت: " لكن لا علاقة بينكما من أي نوع؟". " كيف تدعين هذا , وأنت لا تعرفين واقع الحال؟". " أعرف ما فيه الكفاية لأدرك أذا كانت هناك علاقة حب بين رجل وأمرأة". شهقت جولي فاغرة فاها , لكن الخادمة تجاهلت رد فعلها وأستطردت تقول: " هل سيبقى السيد هيلينغدون الى حين العشاء؟". " لا أعتقد ذلك". " كان يجب ألا أتفوه بكلمة في ما لا يعنيني". رفعت جولي كتفيها غير مقتنعة بما قالته السيدة هادسون , وأجابتها : " أنا مسرورة أخيرا لأنك فعلت .... فليس هناك أحد سواك أستطيع البوح اليه بما يعتمل في داخلي". " حسنا , لا يداخلنك قلق , فأنا أعرف متى أكتم خبرا". ألتفتت اليها جولي والأستنكار باد عليها: " هذا يبدو رهيبا , أتدركين ذلك؟ ( وضحكت ) أوه , سيدة هادسون , أنت على حق , أنه رجل لطيف". ما أن عاد فرنسيس وأيما الى الداخل , حتى أحضرت السيدة هادسون أبريقا مليئا بالشاي , أرتمى فرنسيس متعبا في أحد المقاعد, وقال لأيما شاكيا: " لقد أرهقتني!". بينما هرعت هي تدير جهاز التلفزيون وتتخذ لنفسها مكانا قريبا قبالة الجهاز . أبتسمت أيما وقالت: " أنه وقت برنامج ( ألعاب المدرسة) , لا أظنك حقا تعبا , عمي فرنسيس , أم أنت كذلك بالفعل؟". " لا أظنك جادة في سؤالك ,وهل تتصورين أنني أقضي فترة اقيلولة كل يوم أركض في الحديقة؟". " هذا نافع لك". علّقت أيما ,وهي أنما كانت تردد ما تسمعه بين حين وآخر عن فائدة العدو ممن هم أكبر منها سنا. " يعجبني أن تفكري بهذا الأسلوب ( قال فرنسيس , ثم ألتفت الى جولي التي أقتربت منه تقدم الشاي , وسألها ) أرى أنني أستحق فنجانا من الشاي". " بالتأكيد ( أبتسمت له وسألته ) هل أنت باق الى العشاء؟". حلت ملامح الجدية على وجهه محل أمارات التفكه , وأجاب: " في الواقع , ليس هناك شيء آخر أفضل عندي من البقاء معك , ألا أنني سبق ودعوت لويز الى تناول العشاء, في أحد النوادي , أذ نحن معتادان في كل خميس أن نلعب البريدج". خاب ظن جولي لجوابه , فأومأت بأشارة من رأسها , وعلقت : " لا بأس". عاد فرنسيس يتأمل أيما التي كانت مستغرقة في تتبّع الحلقة التي يعرضها التلفزيون , ثم تطاول نحو جولي وأخذ يدها بين راحتيه , وقال: " أوه , جولي! أطلبي مني أن أبقى , وسأفعل ذلك راضيا". سحبت يدها بحياء , وغيّرت الموضوع , وقد تسارعت أنفاسها : " أتريد سكرا مع الشاي؟". " حبتين , من فضلك ( تنهد , ثم عاد يسألها) هل تقبلين دعوتي الى العشاء في بحر هذا الأسبوع , وقبل أن يصل التنين ؟ ( وأدركت أنه بنعته هذا أنما قصد ساندرا لوسن , بدت مترددة , فأردف قائلا ) ما رأيك في أن نخرج معا مساء السبت ؟ أنها أمسية تغري أولا ترغبين في أمسية كهذه أن ترتدي أجمل ثيابك لديك وتنزلي الى المدينة؟ أنا متأكد أن السيدة هادسون يمكنها أن تهتم بأيما" " لا شك في أنها أهل لذلك ( وبلت شفتيها ) يبدو الأمر....... رائعا". " أعدك بأن سهرتنا ستكون كذلك بالقعل". " حسنا , سأسأل السيدة هادسون قبل خروجها أذا كانت تقبل أن تهتم بالطفلة". " حسنا ( وتناول فرنسيس فنجانه وأضاف ) صدقيني , أن الأيام المقبلة التي تفصلنا عن موعدنا , ستجرجر نفسها ببطء". بعد أن ذهب فرنسيس , وأتفقت مع السيدة هادسون , أحست جولي بندم كبير , ثم وضعت أيما في سريرها وذهبت الى المطبخ بدل أن تعود الى غرفة الجلوس كما عادتها أن تفعل كل أمسية , كانت السيدة هادسون في هذه هذه الأثناء تجلي الأطباق , وعندما دخلت عليها جولي أستقبلتها الخادمة بأبتسامة عريضة. بادرت تسأل سيدتها: " هل ترغبين في شيء , سيدة بمبرتون؟". " جئت أثرثر معك قليلا". أخذت جولي خرقة تنشف بها الأطباق النظيفة على مسطح المجلى. " لا لزوم لأن تفعلي هذا , ( هتفت الخادمة ) يمكننا أن نتبادل أطراف الحديث , وأنا أتكفل بالأطباق". " بل أرغب في مساعدتك ( ثم أستطردت تقول ) لقد سئمت العيش وحيدة". سألتها الخادمة مستفسرة : " هل أوت أيما الى سريرها ؟". " أوه , نعم , كانت جد مرهقة بعد يوم حافل". ضحكت السيدة هادسون وقالت: " كذلك كانت حال السيد هيلينغدون , لا عجب". أبتسمت جولي قائلة: " أنه يعاملها بمحبة , أليس كذلك؟". " نعم , سيدتي , يبدو أهلا لأن يكون لديه أكثر من ولد في عمرها". " لكن أبنته باميلا أصبحت شابة الآن". " نعم". منتديات ليلاس بدت لهجة الخادمة معبرة , فلم تستطع جولي أن تمنع نفسها من سؤالها , متناسية أنها تبحث في شؤون ضيوفها مع خادمتها: " ألا تحبينها؟". أرتسمت أبتسامة ساخرة على وجه السيدة هادسون , وأجابت بدبلوماسية : " لنقل أنها ليست نجمتي المفضلة". " أرى ما تقصدين". عصرت السيدة هادسون الخرقة وشرعت تمسح مسطح المجلى , ثم أدركت عدم صواب ما قالت في شأن باميلا: " لكن , لا بد أن أكون مخطئة , أذ أن السيد روبرت يحبها كثيرا ". " أنت تعرفين..... روبرت؟". " باركك الله , طبعا أعرفه , كنت أعمل سابقا لوالدته , يوم كان لا يزال هو وأخوه مايكل صبيين صغيرين". ظهر التعجب في عيني جولي , وسألتها: " أحقا ما تقولين ؟ بالله عليك , أكملي , أخبريني المزيد". " عن مايكل , سيدتي؟". " بل عن كليهما ". وتخصّبت خداها. رفعت الخادمة كتفيها تتذكر: " كانا طفلين مكتنزين , لا يفصل بينهما سوى سنة واحدة". " لا شك أنك كنت , يومئذ صغيرة أنت أيضا؟". " كلا , كنت في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة". " عجبا , كم يبدو هذا العالم صغير!". أومأت السيدة هادسون برأسها تؤيد رأيها , وأردفت: " عندما أشترى السيد روبرت المنزل هذا , كان يبحث عن خادمة لتعمل فيه , فأتى توا الي يسألني أن كنت أرغب في ذلك". جلست جولي على كرسي , ثم قالت تسألها: " هل كنت تصادفينهما خلال السنوات الأخيرة؟". " كانا يأتيان لزيارتي , بين حين وآخر , وكنت قد تزوجت ( بدت نظرات الخادمة المتأملة في اللاشيء مفعمة بالذكريات ) كانا ولدين لطيفين". " فعلا.... هل عرفت أنني كنت مخطوبة لروبرت؟". بعد أن أفرغت السيدة هادسون حوض المجلى , أخذت تجفف يديها , وقالت: " نعم , عرفت هذا , بل أكثر , ذلك أنني كنت تلقيت بطاقة دعوة الى حفلة زواجكما". تخصّبت وجنتا جولي ثانية , تنهدت السيدة هادسون قبل أن تضيف : " لم أكن لأتصور أبدا أن زواجكما سيلغى , وأن يسافر السيد روبرت الى فنزويللا .... الى ما هنالك مما حدث يومها". نهضت جولي من كرسيها وعلّقت قائلة: " تلك كانت أرادته". " أن يذهب الى فنزويللا؟". " نعم , وأن يلغي حفلة الزواج أيضا". " لكنه , على ما أخبرت به يومذاك سيدتي , أضطر الى السفر , ذلك أن حادثا وقع هناك أدى الى مقتل أحد الرجال , أليس كذلك؟". " نعم , الحادث الذي تذكرين وقع فعلا في مشروع وادي غوابا ". " بالضبط! وكان على السيد روبرت أن يذهب ليحل محل الرجل الذي ذهب ضحية الحادثة". ردت جولي قائلة: " لم يكن مضطرا الى الذهاب". ظهر الأرتباك في حركات السيدة هادسون لوجهة نظر جولي: " لا أعتقد أنني من هذا الرأي , سيدتي , فأرسال رجل آخر غيره كان يمكن ألا يكون عملا صائبا , ألا تعتقدين ذلك؟ وهذا عدا أن السيد روبرت , كان , عمليا , الشخص الوحيد المؤهل للحلول محل الرجل الذي قضى". رفعت جولي كتفيها لا تبالي لحقيقة كلام الخادمة , وقالت: " في أي حال , كان ذلك كله منذ زمن بعيد". وافقت السيدة هادسون , بأحناءة من رأسها: " نعم , كما لا يمكن أن تكوني قد أحببته , ذلك لأنك تزوجت السيد مايكل أثر رحيله , وسافرتما قبل عودة السيد روبرت الى لندن". في هذه اللحظة توجهت جولي نحو الباب , وقالت بنبرة لا تخلو من أنفعال: " سافر روبرت قبل موعد زواجنا المقرر بأسبوع واحد , هل كان زوجك ليفعل ذلك لو تهيأت له الظروف نفسها؟". " هذا سؤال تصعب الأجابة عنه , سيدتي ... هل أفهم من كلامك أن سبب خلافكما حينذاك , كانت تلك الرحلة؟". كادت جولي أن تفقد رباطة جأشها وترد على مغالاة السيدة هادسون لواقع الأمر , ألا أنها تمالكت نفسها , وقالت: " أنا لم أقل هذا ". " صحيح , في أي حال , أنت أدرى بأمورك الخاصة , وأنا متأكدة من أنك ما كنت لتتزوجي السيد مايكل , كما سبق وذكرت , لو لم يكن لديك بعض الشكوك حيال علاقتك بروبرت". فتحت جولي باب المطبخ , وقالت قبل أن تخرج: " كلا , في أي حال , من الأفضل ألا نذهب بعيدا في بحث هذا الموضوع , يمكنك الأنتهاء من عملك , وأذا ما أحتجت الى شيء في ما بعد , فسأتدبر الأمر بنفسي". " حسنا , سيدتي , شكرا ( نزعت السيدة هادسون مرولتها وطوتها بعناية ثم وضعتها في أحد الأدراج , وقالت ) سأغيب لمدة ساعة في زيارة للسيدة فيلدينغ في القرية". " لا بأس". تركت جولي الباب ينغلق خلفها وعادت الى الصالون , وما أن دقّت الساعة التاسعة , حتى شعرت فجأة بالملل وهي تشاهد التلفزيون , فعادت الى غرفتها لتأوي الى فراشها , لم تكن دامعة , لكن قنوطا ثقيلا كان يكتنف أحاسيسها. منتديات ليلاس صبيحة يوم السبت ,وصلت ساندرا لوسن فجأة , من دون أي أشعار سابق. فتحت لها السيدة هادسون تستقبلها , كذلك أتت جولي الى الرواق تلتقيها , وبادرت ساندرا قائلة , وهي تضع حقيبتيها أرضا: " أرجو ألا يكون لقدومي المفاجىء أي مانع لديك , سيدة بمبرتون , الحقيقة أن مالكة الشقة التي كنت أشغلها أخطرتني بأنها أجّرت الشقة لشخص آخر أعتبارا من اليوم , لذا رأيت نفسي مضطرة أن أجيء الى هنا , بدل أن أبدد دراهمي في قضاء ليلة في فندق , على كل , يوم أكثر أو يوم أقل في التدريس , ليس بذي بال". بدت جولي مرتبكة لحضور ساندرا على حين غرّة , وحاولت أن تقول شيئا: " أنا... حسنا..... سيدة هادسون؟". أجابت الخادمة تطمئن سيدتها: " حجرة الآنسة جاهزة سيدتي , ليس هناك أي أشكال". حدّجت ساندرا السيدة هادسون بنظرة فاحصة , وبادرتها: " لا بد أنك السيدة هادسون , لقد أخبرتني عنك الآنسة هيلنغدون". أحنت السيدة هادسون رأسها: " نعم , أنا هي , آنستي". عقدت جولي أصابعها وقالت: " ليس هناك أي أزعاج في قدومك قبل اليوم المحدد بيوم واحد... هلا قدرت الآنسة لوسن سيدة هادسون , الى غرفتها؟ ثم أحضري لنا بعض القهوة". " حسنا , سيدتي". منتديات ليلاس وتساءلت جولي , كيف يعقل أن تخرج الليلة وتترك ساندرا في أول يوم لوصولها؟ وماذا عن أتفاقها السابق مع السيدة هادسون في شأن أيما؟ قد تقرر ساندرا , مثلا , أن تأخذ المبادرة كونها المسؤولة عن أيما , لتهتم بالطفلة في غياب والدتها , وعلى الرغم أن جولي لم يتبادر الى ذهنها أن أيما يمكن أن تهتم كثيرا بمن سيرعى أمرها في غياب والدتها , ألا أنها كانت تشعر بأن أبنتها لم ترتح لساندرا لوسن. بدا لها الوضع مثبطا ومصدر قلق , وتمنت لو تستطيع أن تفضي الى أحد بما يعتمل في داخلها. دخلت أيما الصالون , تلك اللحظة , قادمة من الحديقة , خدّاها متوردان والعرق يتصبب منها , وهتفت تسأل والدتها مستفسرة : " من الذي جاء منذ لحظات في سيارة الأجرة , أمي؟". تنهدت جولي قبل أن تجيبها: " أنها الآنسة لوسن , حبيبتي". " لكنك قلت أنها لن تحضر قبل يوم غد؟". " نعم , قلت هذا , لكن طارئا أضطرها الى المجيء قبل الموعد المقرر". أرتسمت تقطيبة على وجه أيما: " لماذا ؟ هل يعني هذا أنني سأبدأ دراستي اليوم؟" " لا أعتقد ذلك حبيبتي , قبل مضي بضعة أيام , ..... لكن..... ما هذا الحذاء الوسخ الذي تنتعلينه ! أذهبي وأبلديه بخفّيك أذا أردت البقاء في المنزل". بعدما خرجت أيما , رفعت جولي سماعة الهاتف , وأتصلت بشقة روبرت , رد هالبيرد , فسالته: " هل السيدة بمبرتون موجودة". " أسف سيدتي , أنها غير موجودة , خرجت هذا الصباح , هل تريدين أن أخبرها , لدى عودتها , أنك أردت التكلم اليها؟". تردد جولي لحظة , ثم قالت: " كلا , ليس هذا ضروريا هالبيرد , شكرا". " كما تريدين سيدتي , في كل حال , سررت لسماع صوتك ثانية , هل أستقريتما كما يجب؟". " ألى حد ما ( وختمت مكالمتها ) طلب يومك , هالبيرد". بقيت تحدق في سماعة الهاتف , بدا واضحا أن روبرت لم يعد بعد من الولايات المتحدة , وألا لكان هالبيرد أخبرها بذلك , تناولت دليل الهاتف وأخذت تبحث عن رقم هاتف آل هيلينغدون , وجدت الرقم وحدّقت فيه لحظة وهي تتساءل , هل ستتجرأ على الأتصال بفرنسيس ؟ وماذا أذا ردت باميلا أولا , أو لويز؟ ما هو التبرير الذي ستقدمه سببا لأتصالها؟ ثم فكرت أن تتصل به في مكتبه , قد يكون هناك , وأذا كان الأمر سلبا , فيمكنها أن تستعلم عن مكانه وتتصل به مباشرة. أجابتها عاملة الهاتف في شركة هيلينغدون : " السيد هيلينغدون موجود , هل ترغبين في أن تتركي له أشعارا؟". تنهدت جولي مترددة ثم سألتها: " هل في الأن=مكان أن تبلغيه أنني على الخط وعما أذا كان مناسبا أن أتكلم معه؟". ترددت عاملة الهاتف , وبدا أنها لم تكن متأكدة من هوية جولي , على رغم أن هذه ذكرت لها أسمها , ثم قالت: " دقيقة واحدة , آنسة". وحوّلت الخط. أنتظرت جولي جوابا بنفاد صبر , وبينما هي كذلك , دخلت أيما الغرفة وكانت قد أغتسلت , وأنتعلت خفّيها , أقتربت من والدتها وهمست: " من تخابرين؟". أجابتها جولي بصوت خفيض: " ليس الأمر مهما ". " هل هي جدتي!". " كلا". وتساءلت جولي ألى متى ستظل تنتظر الجواب. مرت ثوان قليلة قبل أن يأتيها الجواب , كان المتكلم هذه المرة , فرنسيس , بصوته الهادىء: " جولي؟". " فرنسيس ! ( هتفت وقد أحست بالأرتياح ) عجبا , أن الذي يحاول الأتصال بك كمن يتصل بالقصر الملكي!". أطلق فرنسيس ضحكة خفيفة عبر الهاتف , وقال بصوت رقيق: " كنت في أجتماع أداري". " أعرف هذا , أنني آسفة لأزعاجك". أجابها مطمئنا: " لا تكوني سخيفة , ماذا في الأمر؟". رمقت جولي أبنتها بنظرة مستسلمة ثم قالت: " حسنا , ليس في أستطاعتي الأفصاح الآن , في المناسبة , وددت أن أخبرك أن الآنسة لوسن هنا , لقد وصلت اليوم". لم يبد في صوت فرنسيس أنه أعار الخبر أهمية , وقال متسائلا: " وما الغرابة في ذلك؟". " أليس هذا واضحا بما فيه الكفاية؟". " تقصدين موضوع سهرتنا الليلة , طبعا". " بالضبط ( وتنهدت قبل أن تضيف ) ما العمل والحال هذه , فرنسيس؟". أجاب وقد أرتسمت نبرته بالحزم: " سنخرج , طبعا , الى العشاء كما أتفقنا". " لكن كيف السبيل الى ذلك , وهي تعرفك؟". " وماذا أن هي عرفتني؟". " أرجوك , فرنسيس!". " أسمعي جولي , لقد أوضحت لك أن.... معرفة الناس بعلاقتنا لا تهمني , وكل ما أهتم له هو أنت فقط ( وتنهد ) أذا كان سبب أتصالك بي , هو رغبتك في ألغاء موعدنا الليلة لوجود تلك المرأة... فهذه مسألة أخرى". شدّت جولي بكلتا يديها على سماعة الهاتف: " أوه فرنسيس!". " أسمعي أذا كان ذلك يجعلك أكثر أطمئنانا , فسأقترح على باميلا أن تزورك بعد ظهر اليوم , وهي ستجد ساندر هناك , فمن المؤكد أنها ستدعوها الى منزلنا , خصوصا أن روبرت لم يعد بعد , كيف يبدو لك هذا المخرج؟". تنفست جولي الصعداء: " هذا رائع ( ثم شعرت بساندرا لوسن تدخل الغرفة فيما هي مسترسلة فقالت تنهي المخابرة) أسمع , يجب..... أن أنهي الآن الحديث". ضحك فرنسيس قائلا : ط" فهمت قصدك , أي ورطة هذه التي أنت فيها ". ضحكت جولي بدورها ضحكة ضمنتها ما لديها من رقة ولطف , وأقفلت الهتف , ثم ألتفتت الى الفتاة تسألها: " هل كل شيء على ما يرام؟". جلست ساندرا على الكنبة من دون أستئذان , وأجابت: " نعم شكرا ( ثم ألتفتت نحو أيما تحييها ) مرحبا , أيما! أود أن أتعرف اليك جيدا". أجابتها أيما والريبة في عينيها : " هل ستقطنين معنا؟". " نعم ( وبدت ساندرا مرتاحة وكأنها في منزلها , وأضافت) عليك أن تريني فيما بعد , المكان المعد لدراستك , هل أعدت لنا والدتك غرفة مستقلة , نستطيع أن نعمل فيها بهدوء؟". تنحنحت جولي قليلا , ثم علّقت قائلة: " في الواقع ليست كل الغرف مفروشة بعد , الصالون وغرفة الطعام مفروشتان , كذلك هناك ثلاث غرف جاهزة في الطبقة العلوية , لذا أرتأي أن نكتفي حاضرا بغرفة الجلوس أو غرفة الطعام". عقدت ساندرا حاجبيها: " أذن , فلتكن غرفة الطعام , ذلك أننا لا نستطيع أن نعمل في مكان حيث لا توجد طاولة , وأيما ستحتاج الى مسطح مقوى حتى تستطيع الكتابة". سارعت جولي قائلة: " في أي حال , آمل أن أنزل الى البلدة في بحر هذا الأسبوع , أو الذي يليه , لأختيار بعض ما نحتاج اليه من فرش وأدوات منزلية , ألا أنني لن أشتري في الوقت الحاضر طاولة خاصة بالدراسة , ذلك أن أيما تحتاج الى بعض الوقت لتتعود فكرة الجلوس عليها , ربما يكون من الأفضل أن تركزي على بعض الأمور الأكثر ملاءمة لطفلة في سنها , حتى يتسنى لي أن أتدبر أختيار الأثاث الملائم كما يجب". علّقت ساندرا بطريقة فظة: " لكن , مضى أسبوع على أنتقالكما الى هنا , أليس كذلك ؟ وهو وقت كاف ليتدبر المرء شراء ما يحتاج اليه". " نعم ( أجابت جولي وهي ترفع نظرها لتستقبل بأرتياح قدوم السيدة هادسون تحمل صينية القهوة ) شكرا جزيلا , سيدة هادسون , ضعيها على الطاولة". " حسنا , سيدتي ( وألتفتت الخادمة الى أيما تقول لها ) هل تودين المجيء معي اى المطبخ وتساعدينني في صنع بعض الحلوى؟". " أووه , نعم , هل أستطيع فعلا مساعدتك؟". قفزت أيما منتصبة تهم بمرافقة الخادمة , فأذا بساندرا توقف أندفاعها , ثم قالت توجه كلامها الى السيدة هادسون وقد بدا عليها الأنفعال: " مهلك سيدة هادسون , نكاد أيما وأنا لا نعرف الواحدة منا الأخرى ". حدّجتها جولي بنظرة حادة وقالت: " أعتقد أن لدى أيما متسعا من الوقت لتتعرف اليك جيدا ( وأستطردت توجه كلامها الى أيما ) يمكنك حبيبتي الذهاب مع السيدة هادسون". منتديات ليلاس أنسلت أيما الى خارج الغرفة , فيما الخادمة وساندرا تحدقان في جولي , ثم قالت المربية بصوت لا يخلو من حدة: " كيف أستطيع أن أضبط سلوك الطفلة بينما أنت تقفين عقبة في وجه تعليماتي لها". هزت جولي رأسها , وهي تحاول أن تتمالك غيظها , وأجابت: " أن سماحي لأيما بمساعدة السيدة هادسون لا يعني نقضا لتوجيهاتك , هذا , أضافة الى أنه لم يمض على وجودك هنا وقت طويل , فلا تعاملي الطفلة بقسوة". على أثر هذا الحوار الذي كان أقرب الى المسادة أستؤنف الحديث بينهما متكلفا , وبدا واضحا أن ساندرا كانت لا تزال تعاني أحساسا بالغبن , وأخذت جولي تتطلع حزينة الى سنين مقبلة مع هذه المرأة , كيف ستتمكن من تحمل هذا الوزر؟ والى متى؟ وفى فرنسيس بتعهده لها كما كان وعدها , ووصلت باميلا بعد ظهر ذلك اليوم , كانت فرحتها عظيمة لرؤية ساندرا , تركتهما جولي ودخلت الى االمطبخ تنشد مؤانسة السيدة هادسون. كانت أيما لا تزال تلعب في الحديقة , أخذت جولي تراقبها بعينين حالمتين , لفترة قصيرة , قطعها صوت السيدة هادسون وهي تقول: " ماذا عن اليلة , سيدتي؟ هل ما زلت تعتزمين الخروج؟". " نعم ( أجابتها جولي وألتفتت نحوها وأضافت ) تحدثت مع فرنسيس هاتفيا هذا الصباح وقد أقترح أرسال باميلا الى هنا , لأنه يعتقد أن أبنته يمكن أن تدعو ساندرا الى العشاء في منزله , ذلك أنهما صديقتان حميمتان منذ زمن , كما تعرفين , هذا فضلا عن أن روبرت غائب". لم تستطع السيدة هادسون أن تكتم ضحكتها , ثم علّقت قائلة: " أنها فكرة جهنمية !". " أنها حقا كذلك , ثم , أنني لم أشأ أن أترك أيما في عهدتها وهي الليلة الأولى لها في منزلنا , هذا طبعا , عدا أعتبارات أخرى". تنهدت السيدة هادسون تقول: " أرى ما ترمين اليه , سيدتي , لكن , أذا كنت لا تركنين اليها , لم قبلت بها مربية لطفلتك؟". " تلك كانت رغبة روبرت , ظاهرا , ولم يكن لي آنذاك أي خيار آخر , فهو المسؤول قانونا عن تربية أيما وتنشئتها". " ليس هناك من هو أفضل منه للأعتناء بها". تخصّبت وجنتا جولي لملاحظة الخادمة , وألتفتت نحوها تسألها: " ماذا تقصدين بذلك؟". " لا شيء سيدتي , سوى أن السيد روبرت أهل لأن يرعى الطفلة ". " لكنني أنا أمها!". تنهدت جولي , وقالت: " أتفهم وجهة نظرك". وعاد الى وجهها أستقرار لونه: " ماذا ظننت أنني قصدت بقولي , سيدتي بمبرتون؟". تظاهرت هذه باللامبالاة: " لست أدري ( وتوجهت نحو الباب, وقالت ) أنا ذاهبة لأستحم , أذا أردتني لشيء , تعرفين أين تجدينني". صح ما كان متوقعا , أذ دعت باميلا ساندرا الى العشاء مع أهلها , وشعرت جولي بالغبطة تغمرها , ألا أن غبطتها سرعان ما تحوّلت قلقا وأرتباكا , حين أقترحت عليها باميلا الذهاب معهما , قالت: " لم لا تأتين معنا , جولي؟ والدي سيخرج الليلة تلبية لدعوة , وهكذا نبقى نحن الأربع فقط , بحيث يمكننا أن نمضي سهرتنا في أحاديث حميمة دافئة". أستبعدت جولي أي حديث بينهن يمكن أن يتّصف بالحميمية ألا أنها فكّرت مليا في الأمر قبل أن تجيب , ثم قالت تعتذر: " في الواقع , لا أستطيع قبول دعوتك , شاكرة لك هذا ذلك أن أحدى صديقاتي أتصلت بي هذا الصباح , وأتفقنا على أن تتصل ثانية هذا المساء , لا أظنني سأستطيع تلبية دعوتك , أذ هي قد تتصل فلا تجدني , ألا تعتقدين ذلك؟". بدت باميلا مصدّقة لما قالته جولي , فأجابت: " فعلا , الأفضل أن تنتظري مكالمتها ( وأضافت وهي تفرك راحتيها ) هل قلت أنها صديقة قديمة؟". سارعت جولي تجيب: " نعم , أحداهن ..... كنت أعمل وأياها". " في شركة بمبرتون ؟". " نعم ". " هل أعرفها؟". " لا أعتقد ذلك ( أحست جولي بكره حيال أستجواب باميلا ) لقد تركت العمل منذ مدة ليست قصيرة , أسمها ....... فاليري سميث". " لا , لا أظن أنني أعرف واحدة بهذا الأسم ( هزت باميلا رأسها وأضافت) حسنا , ساندرا , علينا أذن بالذهاب". نهضت ساندرا من مكانها وهي توميء أيجابا , وسألت جولي: " هل هناك مانع في أن أذهب , سيدة بمبرتون؟". " كلا , أطلاقا". كل ما تمنته جولي تلك اللحظة أن تخرجا , فقد بدأ وجودهما يوتّر أعصابها. حسن سمعت صوت محرك سيارة باميلا وهي تبتعد , شعرت براحة قصوى ,وعادت الى الصالون مرهقة وما أن جلست في أحد المقاعد , حتى هرعت أيما أليها وأعتلت حضنها , فضمّتها بيدين محبتين الى صدرها المفعم حنانا. بادرت الطفلة تقول وقد غلبت عليها مسحة من الكآبة: " أتمنى لو تغادرنا الآنسة لوسن , ألا يساورك أمي , أحساس بهذا أنت أيضا؟". تنهدت جولي , ترد عل أبنتها : " أنها مربية ليس ألا , أيما , لن يبدّل وجودها معنا أي شيء". " بل سيكون علي أن أدرس على يدها". علّقت جولي قائلة: " نعم , ألا أنك , عاجلا أو آجلا , ستفعلين هذا , متى أصبحت في سن تؤهلك للذهاب الى المدرسة , أنني أعدك , بأن شيئا لن يتغير وستمارسين هواياتك اليومية التي تريدين متى أتممت دروسك". قبل أن تتهي جولي من أرتداء ملابسها أستعدادا للعشاء , كانت أيما قد أستسلمت الى نوم هانىء ولم تذكر لها جولي شيئا عن دعوة فرنسيس لها الى العشاء ,لكي تتحاشا أسئلتها , لكنها أوصت السيدة هادسون بوجوب أطلاعها على حقيقة الأمر أن هي أفاقت , وبدأت تشعر بالقلق . لبست جولي ثوبا عاديا لونه بيج , ذا ياقة مستديرة تكشف العنق , بدت فيه رشيقة القامة , رقيقة الخصر , وقد زاد الثوب من جمالها وجاذبيتها. وصل فرنسيس بعد السابعة بقليل , وأذ لاحظ جمالها ومظهرها المميزين بادر يبدي أعجابه في كلمات من الغزل الرقيق ثم أستدرك قائلا: " ألا أنك دائمة الجمال ". وسرّت جولي لأطرائه أياها. ثم خرجا الى مطعم في البلدة , حيث تناولا طعام العشاء , وبدت جولي مرتبكة الى حد ما كلما أقترب أحدهم , وكانوا كثرا , ليتحدث الى فرنسيس , وعيونهم تحدّج جولي بحشرية واضحة. " ما لك تبدين مرتبكة ؟ نظراتهم نحوك تشعرني بأحساس لذيذ, بعدما ظننت أن رجلا في مثل سني فارقته هذه الأحاسيس. أعترضت جولي , وهي تضحك : " لكنك لست كهلا ". أومأ يعترف: " أنني في الثامنة والأربعين ( وأردف يسأل نفسه) أما أنت فكم عمرك؟ خمس وعشرون؟ ست وعشرون ؟ أنني أكبرك بنحو عشرين سنة , في الواقع , أنا في سن والدك". مدّت جولي يدها , ووضعتها على يده , وقالت: " العمر مسألة نسبية , أنت لا تبدو متقدما في السن , كما أنك تتصرف تصرّف واحد منهم , فلماذا توحي الى نفسك غير ذلك؟ ثم أنك لا تختلف في هذا الأحساس عن أي شيخص آخر , أنا مثلا ؟ أنني أتصرف أحيانا وأنا أعيش ظروفا معينة كأنني عجوز بائسة". أرتسمت أبتسامة عريضة على شفتي فرنسيس وقال: " كما سبق وقلت , أنت مناسبة جدا لشخص مثلي". رقصا خلال تلك السهرة على أنغام موسيقى حالمة , وشعرت جولي بأرتياح وهي بين ذراعيه وأدركتها عاطفة قوية حياله , ومجرد أدراكها هذا الأحساس بعث فيها الدفء , لم تكن مغرمة به , غير أن علاقتهما كان لها طابع مميز هي في حاجلة اليه. منتديات ليلاس ما أن ولجت باب الدار حتى أنطلق بسيارته مبتعدا , كانت الأنوار في الصالون مضاءة , وأعتقدت أن السيدة هادسون لا تزال تشاهد فيلما تلفزيونيا , فتحت باب الصالون , وأنسلت بهدوء كي لا تفاجأ الخادمة بدخولها في حال كانت تغط في نومها , فجأة شهقت للمفاجأة غير المتوقعة , كان روبرت ممددا بكسل على الكنبة يغط في نوم عميق , وبدا المكان هادئا مريحا. حدّقت جولي فترة طويلة في وجهه المتعب وقسماته المسترخية في آن , كان واضحا من محجري عينيه أنه لم ينم كفاية خلال سفرته , وبدا مرهقا. ألا أنه وقد أخذ يشعر بوجودها وهي تمعن النظر اليه , فتح عينيه فجأة , يطرفهما بكسل , جمدت جولي في مكانها فيما نظراته تتبيّن حضورها بدءا من أسفل قامتها الى أن أستقرت على وجهها . هتف قائلا وهو لا يزال أعشى العينين: " جولي ! ( لم يكن في يقظة تامة بعد , تحامل على نفسه وأتكأ على مرفقه , عابسا , يحاول أن يعي ما حوله , ثم تأوّه متألما ) يا ألهي , رأسي!". وأرتد ثانية يلقي رأسه على الوسادات خلفه . جلست جولي على حافة الكنبة , وقد داخلها القلق , ووضعت راحتها على جبينه وشعرت بأرتفاع حرارته ألا أنه أمسك بيدها وأنزلها الى خده , ولامس راحتها فأرتعشت تحت قبضته , كانت عيناه شبه مغمضتين , وبدا لا يزال ناعسا , وتأكد لها أنه لم يكن يعي ما يقوم به . " روبرت". قالت معترضة , وحاولت أن تسحب يدها من قبضته , ألا أنه تطاول اليها وشدّها نحوه يحاول ضمها الى صدره , غير أن وهنه كان فرصة لها لتفلت ثم تبتعد , بينما هو بقي ممددا يراقبها ترد خصلات من شعرها أنسدلت على جبينها , بدا لها منظره مخيفا. سألها بصوت أجش: " ماذا بك ؟ هل تأخرت عنك اليلة ؟ هل كان فرنسيس في المستوى الذي يرضيك ؟". |
دايمن بتوقفى عند برت مهم وبتحبى تشوقينا بس ولا يهمك يا قمر لعيونك نستنا طلتك الحلوه
على فكره أنا حسه ان أيما بنت روبرت |
الساعة الآن 06:02 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية