منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   156 - أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t163162.html)

نيو فراولة 20-06-11 08:46 PM

156 - أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
156- أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة

الملخص




ماذا ينتظر جولي عندما تعود مع طفلتها ايما الى لندن بعد أن فقدت زوجها الذي قضت معه فترة طويلة في بلد استوائي ؟ أنه رجل أقل مايقال فيه انه يتسرب الى لخلايا فيغيرها كما يفعل النور بغابة كثيفة . حياتها الجديدة أشبه بقارب فقد شراعه بعد عاصفة .عبارة عن بحث مستمر عن الأمان لها ولطفلتها .ولكن ما يواجهها هو الماضي بمرارته منتديات ليلاسالمحطمة التي تشوه الملامح .وبدل أن ترى أحلامها تتحقق وحياتها تستقر في مسارها الجديد , تجد جرحا قديما يرفض ان يندمل . وروبرت , شقيق زوجها, يحرك بيديه ارجوحه مصيرها من جديد.

نيو فراولة 20-06-11 08:50 PM

1- على حافة الرحيل



بدا مطار لندن رتيب الحركة , كئيبا , وبعد أضواء كوالالمبور وتلونها والحياة المتدفقة فيها , أبنيته يغشاها رذاذ مطر خفيف , وبدا للمتأمل أنه يفتقد ذلك النمط الأستوائي الذي يطبع الحياة في كوالالمبور , حتى تلك النظرات المشتاقة المعذبة لمسافر عائد , بين زحمة الناس المندفعة للقاء أقارب وأصدقاء هم أنتظار , وبدا المكان باردا , غريبا , بمقدار ما بدت ماليزيا لستة أعوام خلت , هكذا تراءى لجولي وهي في أكتئاب , تضم كتفيها الهزيلتين تحت معطف ناعم ذي لون يحاكي لون رمال الشاطىء , كانت أشترته على نصيحة صديقتها باربرة لترتديه خلال رحلة العودة الى الوطن.
وها هي الآن ثانية في أنكلترا , وكان عليها أن تتقبل , بوسيلة أو بأخرى , حقيقة كون منزلها المتواضع في مدينة راتون لم يعد مأواها الذي كان , وأن تتكيف مع المستجدات والمتغيرات الطارئة كي لا يكون لها وقع أليم في نفس أيما.
منتديات ليلاس
كانت مضيفة الطيران جذابة تستحث المسافرين ليتقدموا نحو مراكز الجمارك وبوابات الخروج وهي تلوم لهم مبتسمة , مودعة , وتخص طفلة صغيرة , تمسكت بيد جولي , بألتفاتة لطيفة.
" وداعا أيما! ( قالت وهي تنحني أمامها لتمسك يدها..........)وشكرا لك , لمساعدتك أيانا في أثناء الرحلة , لست أدري ماذا كان في مقدورنا أن نفعل لو لم تكوني معنا في هذه الرحلة؟".
رفعت أيما عينين متسائلتين ناحية جولي , ونظراها في دوامة , ثم تحولت ثانية نحو المضيفة قائلة:
" أحقا ما تقولين؟ أظنني كنت , بحسب ما قالت لي والدتي , مصدر أزعاج أكثر مني مصدر مساعدة؟".
أتسعت عينا المضيفة:
" بل على العكس , ومن كان سيوزع كل تلك المجلات على المسافرين في الطائرة لو لم تكوني موجودة ؟".
تدخلت جولي , وملام أبتسامة عند طرفي شفتيها.
" كانت بادرة لطيفة منك أن تفسحي لها مجال مساعدتكم , فذلك ما خفف من وطأة مشقة السفر عليها".
أشارت المضيفة بحركة حبية تقلل من قدر أطراء جولي لها :
" لا بأس , سيدة بمبرتون , فقد سرنا وجودها".
" شكرا لك ثانية ( قالت جولي وهي تعض على شفتها , وألتفتت الى أيما ) ودّعي الآنسة حبيبتي , فنحن لن نلتقيها ثانية".
" وداعا , آنسة فوريست".
قالت أيما بنبرة مهذبة , ثم أنطلقتا وأبتسامة جولي , محيية , تنهي اللقاء.
كانت حقيبتاهما قد أخرجتا من دائرة الجمارك , وصودق على تأشيرة الدخول لهما , وبدا الجميع مهذبين ودودين حيال تلك السيدة الفتيّة التي ترافقها طفلتها ذات الخمس سنوات , فجأة أحست جولي بالبرد والقلق , وهي ترقب ذلك الحشد من الناس المنتظر بنفاد صبر , خارج قاعة الوصول , فضمت معطفها الى صدرها وأشاحت بنظرها بعيدا , كأنها تمنت لسبب ما لو تطول تلك اللحظة التي تسبق لقاءها وأهل زوجها مايكل ثانية , ولم تجلّ نظرها في جمهرة الناس ثانية ألا بعد أن أحست بيد أيما تشد على يدها وكلمات الطفلة تنطلق بحماسة :
" أين جدتي , هل يمكنك رؤيتها , أمي؟".
" لم ألمحها بعد , حبيبتي".
سألت أيما بأصرار :
" لكنك ذكرت أن جدتي ستكون في أنتظارنا , أليس كذلك ؟ أعتقد أنها في أنتظارنا بين الحشد الذي هناك , أليس كذلك؟".
أجابت جولي بتنهيدة:
" هذا ما أعتقده , عزيزتي , تعالي نستطلع أمر وصولها".
حملت جولي حقيبة في كل يد , رافضة أن تترك الأمر لحمّال , وأشارت على أيما أن تحمل حقيبة الكتف الصغيرة ثم خرجتا الى قاعة الأستقبال.
كانت لوسي بمبرتون وعدت بالحضور لأستقبالهما غير أنها لم تكن تلتزم مواعيدها دائما , ولم تفاجأ جولي أذ لم تر لها أثرا بعد في القاعة , كذلك , كان يمكن أن يبعث تخلفها بعد مضي ما يقارب ستة أعوام على لقائهما الأول ألما ومرارة في قلب جولي لو لم تكن الأشهر الثلاثة الأخيرة حفلت بأحداث تركتها مجدبة الأحاسيس حيال عدم قدومها لأستقبالهما.
وحدها أيما بوجهها المثقل خيبة أحست بعدم أطمئنان الى الأمر.
" أنها ليست هنا .... لماذا , أمي ؟ لم لم تحضر جدتي كما وعدت ؟".
مالت جولي ناحية الطفلة , مطرقة , ثم وضعت الحقيبتين أرضا .
" لا تحنقي , يا حبيبتي , غالب الأمر أن جدتك الآن في طريقها الى هنا , فزحمة السير على أشدها , ويبدو شبه مؤكد أن هذا ما جعلها تتأخر , أظنك تدركين هذا".
" نعم , أظن الأمر كذلك , ( ثم أستدركت بمنطق الطفل الذي لا يوارب ) .... ولكن لماذا لم تخرج باكرا لتتفادى التأخر؟".
هزت جولي رأسها دلالة تساؤل , وهي تنتصب ثانية .
" لست أدري , عزيزتي , ما رأيك لو ذهبنا ننتظر في المقهى ,هناك أقدم اليك كوبا من الحليب , نبقى ألى أن تأتي , كذلك يمكنني أن أتصل بها هاتفيا لأسأل عن أمرها".


منتديات ليلاس
قالت أيما وفي وجهها عبوس:
" ألن تفوتنا في هذه الحال , رؤيتها ؟ أعني , أنها قد تصل ونحن في المطعم , فلا تجدنا؟".
تنهدت جولي ثانية :
" كلا , أنظري ( وأشارت بيدها الى نوافذ المطعم المطلة على القاعة ) نحن أذا جلسنا قرب الناذة فسيكون في أستطاعتنا رؤية أي شخص , سواء كان داخلا أو خارجا".
لم تقتنع أيما بهذا التبرير , وأحست جولي فجأة بتبرم , لم يكن كثيرا منها أن تطلب من لوسي ألا تتأخر في حضورها , هذه المرة فقط , أما أدركت هذه الأخيرة أن المرء يمكن أن يكون تعبا ,مرهقا وغير أهل لتقبل الخيبة بعد سفر طويل؟
أرتعدت لدى سماعها نبرة خشنة , وكادت تقفز من مكانها , ثم أستدارت مترددة لتواجه صاحب الصوت مع أدراكها سلفا هوية صاحبه , أحست أن أعصابها تكاد تنهار , أذ هي لم تكن أستعدت بعد لتواجه روبرت بمبرتون خصوصا أنها متعبة وقد أنهكها السفر , بعد سنوات طويلة من الفراق.
" مرحبا , ربوبرت , كيف حالك؟".
صافحها بيد لا عزم فيها ونظراته الموجعة المتفحصة سياط تضرب أنحاء جسمها , كانت لديه المقدرة دائما على أن يختصر وجودها بنظرة ثاقبة , ألا أنها , هذه المرة , حاولت أن تخفي أرتباكها وأن تقنع نفسها بأنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي عملت معه في مؤسسته , بل هي الآن أمرأة , تزوجت ثم ترملت , لها طفلة في الخامسة , ويجب عليها , بالتالي , ألا تفكر في كل ما كان قبلا.
ترك بروبرت يدها قائلا بنبرة باردة:
" أنا في خير , شكرا , كيف حالك أنت؟".
" في خير , في خير".
تأملها روبرت فترة غير قصيرة ظنت خلالها أنه على وشك أن يأتي على ذكر مايكل , لكنه لم يفعل , ثم جلس القرفصاء قبالة أيما , وبادرها :
" مرحبا , أيما , هل تتذكرينني؟".
حدقت فيه أيما مليا ثم أجابت بكلّا صريحة , وأردفت :
" ألا أنك تشب والدي الى حد ما , وأفترض أن تكون عمي روبرت ".
" أنا هو ( أجاب روبرت مبتسما , وذابت البرودة التي واجه بها جولي , في كنف سحر أيما ) ومن أخبرك أنني أشبه والدك؟".
" أمّي أخبرتني هذا ( ورفعت الطفلة نظرها نحو والدتها وسألتها) أليس كذلك؟".
أومأت جولي برأسها موافقة , بينما لم تفارق نظرات روبرت وجه الطفلة.
ترددت أيما قليلا ألا أنها أستدركت , وأنفها يختصر تكشيرة:
" لكن ,لماذا تأخرت في الحضور ؟ وأين هي جدتي ؟ لقد قالت لي أمي أنها ستأتي لأستقبالنا , أين هي؟".
أنتصب روبرت ثانية وهو ينظر حوله متوسلا وجود حمال ينقل الأمتعة , ثم عاد ينظر الى الطفلة.
" لم تستطع جدتك المجيء , أذ هي متوعكة".
فجأة بادرته جولي بنظرة سريعة , وقد وبختها نفسها لسوء تقديرها الأمور.
بدا روبرت واثق النفس معتادا أعطاء الأوامر , وأحست جولي بضيق بداخلها كونه سيتولى مسؤولية تدبير أمر وصولها والطفلة متفردا على عادته المتعجرفة من دون أن يستشيرها في شيء أو يقدم اليها أيضاحا , أو حتى أن يخبرها أين هي والدته , وما سبب توعكها.
" هيا بنا , نتوجه الى حيث أوقفت السيارة , وفي طريقنا الى المنزل يمكننا أن نكمل حديثنا".
دست أيما يدها في يد أمها تشد أنتباهها , وهمست:
" ما رأيك . هل ننطلق الآن؟".
كانت نبرة صوتها متفاوتة القوة فلم يستطع روبرت منع نفسه من سماع ما قالته.
أجابت جولي وهي تجهد بأبتسامة :
" أعتقد ذلك , هيا بنا , وفور وصولنا نستحم ونبدل ملابسنا , هذا , الى أنك تبدين تعبة يا سيدتي الصغيرة".
صعد روبرت الى جانبها خلف المقود وأدار محرك السيارة بعصبية ظاهرة , سنتيمترات قليلة كانت تفصل موضع ساقه عنها , فما كان منها ألا أن تنحت قليلا , وللحظة شعرت بدفق من الذكريات , كانت أعتقدت أنها نسيتها , لكن حقيقة الحال لم تكن كذلك , وساءلت نفسها : ( أليس أقرب الى الواقع القول أن الفكر يسدل ستارة من النسيان على الأشياء المراد نسيانها ؟ ومتى مزقت الستارة.....).
كان روبرت يجيد القيادة ,وبدت أنامله تعالج مقود السيارة بسهولة ومهارة , ونظر على الطريق أمامه , وما أن خف الأزدحام في الطريق حتى بادر روبرت قائلا:
" توجد علبة سكائر في الصندوق الصغير أمامك ,أذا ما رغبت في التدخين".
" نا درا ما أدخن ( أجابت جولي وهي تستعين بأيماءة من رأسها ثم أردفت ) أرجو ألا تكون حال والدتك الصحية خطيرة".
حدّجها روبرت بنظرة قبل أن يجيب:
" أصابها زكام لا أكثر".
بادرت أيما:
" الى أين تأخذنا ؟ عمي روبرت؟".
سؤال الطفلة هذا , كان ما يخالج ذهن جولي منذ اللحظة التي تركوا فيها المطار , ألا أن الكلام أستعصى عليها آنذاك.
منتديات ليلاس

" نحن متوجهون صوب امدينة , عزيزتي ( أجاب روبرت ) فأنا أسكن هناك , في شقة , هل ترغبين في رؤيتها؟".
ألتفتت جولي بنظرة سريعة تسأله:
" أين هي والدتك؟".
للحظة , بدا وجه روبرت قاسي التعابير.
" لا تقلقي ,جولي , والدتي في أنتظارنا".
" لست قلقة ! ".
وملكت صوتها حدة لم تفلح في أخفائها , أذ هي كرهت الجو المتوتر الذي كان لا يكف عن أشاعته منذ ألتقاها , حتى أن أيما نفسها شعرت بهذا الجو , وهتفت بأنفعال :
" تقصد أن جدتي ستكون في أنتظارنا في الشقة؟".
" نعم , أنها مشتاقة الى رؤيتك ثانية".
بدت نبرة روبرت مختلفة تماما وهو يتحدث الى أيما , على رغم التصنع الذي شابها , أو هكذا ظنت جولي , في أي حال , وبعد كل ما كان بينهما , لم تكن تنتظر منه أستقبالا حارا , ألا أنها كانت تفضل الغضب عنوانا للقائهما على هذا التصنع الحضاري البارد الذي يبعث القشعريرة.
أستجمعت جولي شجاعتها , أذ كان عليها أن تعرف حقيقة الأمر وبادرته ثانية:
" أذن , والدتك تسكن معك؟".
هز روبرت رأسه نفيا:
" كلا , فهي تركت منزلها في ويتشموند كما تعلمين , وهي الآن تقطن شقة خاصة بها".
لم يكن في تصرف روبرت ما يشجع جولي على تقبل الوقائع في سهولة , هذا , الى أنه لم يأت على ذكر مايكل , وتساءلت جولي عن السبب , هل لأن حضور أيما يمنعه من ذلك ؟ أو أن هناك سببا آخر؟ غير أنه , في ظنها , مدرك أن في أستطاعتها وأبنتها الآن , بعد مضي ثلاثة أشهر على الحادثة , أن تتقبلا الأمر بواقعية , على رغم ما فيه من ألم وأسى , ولم يكن معقولا أن تتطرق جولي الى هذا الموضوع من تلقائها , ففضلت الصمت.
قطعت أيما الصمت المخيم:
" هل سيكون في أمكاني رؤية قصر باكينغهام من نافذة غرفتي؟".
ألتفتت جولي نحو أيما بنظرة لبست أبتسامة مهذبة ولفتتها قائلة :
" لندن ليست مثل راتون , عزيزتي , فالأبنية الشاهقة متراصة متجانبة الى درجة لا تسمح برؤية أشياء كثيرة ".
" وماذا نستطيع أن نرى أذن ؟ البحر , ربما؟".
أطرقت جولي للحظة ثم قالت:
" حتى البحر لن يكون في مدى الرؤية ( وأضافت بلهجة باردة ) أغلب الظن مزيد من الشقق والأبنية".
فجأة , تدخل روبرت قائلا:
" كفي عن دفع الطفلة الى النفور من المكان الذي ستنزل فيه , حتى قبل أن تراه( ثم أدار رأسه ناحية أيما موضحا ) في الواقع , يمكنك رؤية قصر باكينغهام من نافذة غرفتك".
توردت وجنتا جولي لكلامه , أما أيما فقفزت فرحة للخبر :
" هل هذا صحيح ؟ وهل الشقة مرتفعة الى هذا الحد؟".
" أنها شقة في ناطحة سحاب , أنها , في الواقع , في الطبقة الأخيرة من أحدى ناطحات السحاب".
" يا ألهي ( أنفجرت الكلمة من فم أيما لوقع كلامه , وأدفت ) كيف الصعود اليها ؟ هل هناك سلالم كثيرة حيث ندور وندور صعدا؟".
" بل هناك مصاعد".
أوضحت جولي وهي تحاول الحد من سخطها , ثم تبينت أن توضيحها هذا لأيما لم يكن كافيا , ألا أنها كانت تعبة , لكن , ألم يكن في أستطاعة روبرت أن يتولى هذه المهمة؟
وبالفعل , بادر روبرت , موجها كلامه الى ايما , متجاهلا وجود جولي:
" أنها مصاعد كهربائية , تضغطين زرا يحمل رقم الطبقة التي تقصدينها والمصعد يتكفل بالأمر".
ألا أن أيما سارعت تستفسر بمنطقها المجتهد:
" لكن , أذا كان المصعد متوقفا في أحدى الطبقات العليا وأنا في الطبقة الأرضية فكيف السبيل الى أستعماله؟".
منتديات ليلاس
أبتسم روبرت وهو يرمق جولي , غير أن هذه أشاحت بنظرها , أذ لم تستطع أن تستوعب فكرة أن روبرت سيحظى بحب الطفلة ما لم تكن هي متيقظة لهذا الأمر , قد يكون في سلوكها أنانية , غير أنه شيء لا تستطيع التسليم به , أقله ليس حاضرا! خصوصا بعد وفاة مايكل.
آه , لماذا كان عليه أن يموت ؟ ساءلت نفسها للمرة المليون , فعالمها كان يبدو جنة , آمنا , أما الآن فقد أنهار كل شيء , لم ينتبه روبرت لقلقها الطارىء هذا , ولا شعرت أيما به.
" سؤال وجيه ( أشار روبرت برد على تساؤل أيما ( حسنا , تضغطين زرا آخر والمصعد يتحرك أوتوماتيكيا الى الطبقة التي أنت فيها , والحال ذاتها في ما لو كنت في أحدى الطبقات العلوية والمصعد في الأسفل , علما أن في المبنى حيث شقتي ست مصاعد , ذلك أنه مبنى ضخم".
كان لشرحه هذا أنطباع قوي في ذهن أيما , ألا أنها أستدركت :
" ماذا يحدث في ما أذا طرأ عطل على المصعد ؟ أو أذا أنقطع التيار الكهربائي؟".
" هناك سلالم حديدية تستعمل في الحالات الطارئة , أنا , شخصيا , لا أكترث لأستعمال هذه السلالم , هل تفضلينها أنت؟ لا أظنك فاعلة , فهاتان الساقان الصغيرتان ستعجزان قبل أن تصلي".
منتديات ليلاس
ضحكت أيما لملاحظته , أما جولي فجهدت في الألتفات اليها مبدية أهتماما لحديثهما رغما عنها.
كان روبرت قد وصل الى حي هادىء , ثم توجه الى باحة بناء ضخم عبارة عن مجمع شقق مفروزة , أوقف السيارة وعلى رغم المطر المتساقط أستطاعت جولي أن تتبين نوع المبنى الفخم , الباحة المصونة تزنر حدائق تحيط بالبناء ونوافير الماء في غير مكان فيها , والدرجات القليلة في مدخل البناء تقود الى باب زجاج متحرك دوار , ومن خلال زجاج الباب يستطيع حاجب أن يراقب الوافدين الى الداخل ,وما أن لمح سيارة روبرت حتى بادر يحييه بتهذيب فرد روبرت التحية بأشارة من يده فيما هو يترجل.
ما أن فتح روبرت صندوق السيارة ليخرج الحقائب حتى ترك الحاجب مكتبه وهرول في أتجاههم محييا :
" طاب يومك يا سيدي , هل أستطيع أن أساعدك؟".
هز روبرت رأسه نفيا فتساقطت قطرات من ماء المطر كانت علقت بشعره الكث.
" شكرا سأتدبر الأمر بنفسي , أنه يوم بائس , أليس كذلك؟".
" حقا أنه كذلك سيدي".
أجاب الحاجب نوريس وهو ينظر بحشرية الى جولي وأيما اللتين كانتا ترجلتا وقبعتا بجانب السيارة , وفي عيونهما ضياع وغربة.
قطع روبرت على نوريس أسترسال نظراته المتسائلة موضحا:
" أنها زوجة أخي وأبنتها ( ثم وضع الحقائب أرضا ليقفل باب الصندوق وأردف ) ستبقيان في ضيافتي لبضعة أيام , لقد وصلتا لتوهما من مالايا".
أتسعت حدقتا جولي أذ أدركت , على غير ما هو متوقع , أنهما ستمكثان في شقة روبرت ,غير أنها لم تستطع قول أي شيء في حضرة نوريس وأكتفت بالتحديق في عيني روبرت , أما هذا الأخير فبدا غير مبال لرد فعلها وحمل الحقائب وأشار اليهما ليتقدما نحو المدخل.
بدا المصعد ضيقا لوجود ثلاثة أشخاص فيه , أثنان منهم بالغان , أضافة الى حقائب السفر , كما بدا جوه متشنجا , وكان على جولي أن تقول شيئا , أي شيء :
" روبرت , لماذا علينا أن ننزل عندك؟".
في هذه الأثناء كان روبرت مسندا ظهره في أسترخاء الى حائط المصعد , والحقيبتان مثبتتان بين ساقيه المنفرجتين , فرد عليها قائلا:
"الان ؟ الآن جولي؟ ( ثم توجه بكلامه الى الطفلة ) حسنا , أيما , ما رأيك؟".
لم تنتبه أيما الى مغزى حوار الأثنين المتناقض , لصغر سنها , بل أفترت عن أبتسامة قائلة :
" هل يستغرق الوصول الى الطبقة العلوية الأخيرة طويلا؟".
" كلا , سنصل في ثوان قليلة , أنظري ..... أترين الضوء الأحمر المتنقل وراء هذه الأرقام ؟ أنه يشير الى الطبقة التي نحن في موازاتها ...... أترين؟ أما نحن , فألى الطبقة العليا , في القمة".
أزدادت فرجة حدقتي أيما.
" آه , نعم , أنظري أمي , نكاد نصل , يا ألهي , أحس بفراغ في معدتي".
حمل روبرت الحقائب , وأتجهوا نحو الباب الآخر , وما أن كادوا يصلون اليه حتى فتح وأطل منه رجل يرتدي بزة سوداء , في متوسط عمره , ذو شعر زنجبيلي يشوبه بعض من شيب , وشاربين بلون شعره.
بادر الرجل يستقبل روبرت بحرارة ووجهه المستدير يشع:
" أهلا , سيدي , سمعت صوت المصعد يتوقف فقلت للسيدة بمبرتون لا بد أن تكون أنت القادم , وقد صدق حدسي".
أبتسم روبرت أبتسامة خفيفة وقال:
" أنت أنسان كفؤ , خذ هذه الحقائب الى الداخل".
" نعم , سيدي".
تقدم الرجل يتسلم الحقائب فيما روبرت يرمق جولي والتردد في نظراته ثم أوضح قائلا:
" جولي , هذا هالبيرد أنه يلازمني أنّى ذهبت , أنه , أذا صح التعبير , رجل لمختلف الأعمال , وهو قادر على أن يتعاطى كل الأمور".
أفترت جولي عن أبتسامة جندت لها قسمات وجهها وحيّت الرجل :
" طاب يومك , هالبيرد".
" طاب يومك سيدتي , وأنت أيضا , آنستي ( وخص هالبيرد الطفلة بنظرة حنونة ) هل كانت رحلتكما مسلية؟ لا يبدو اليوم مثاليا لمثلها , أليس كذلك ؟ يوم بائس".
" بائس , حقا , ( وافقت جولي , أما أيما فبادرت الرجل بحشريتها المعهودة ) لماذا لم يغز الشيب شاربيك , كما هي حال شعرك؟".
" أيما!".
هتفت جولي مستنكرة سؤال طفلتها , وغرق كلا الرجلين في ضحكة مفرقعة .
حمل هالبيرد الحقيبتين وهو يرد على سؤال أيما:
" لست أدري , آنستي الصغيرة , يبدو أن الصقيع لم يصل بعد الى هذه البقعة".
" ماذا تعني ؟ ( سألته أيما عابسة , فتدخل روبرت ملاحظا):
" يمكنك مناقشة ميزات مظهر هالبير فيما بعد , أيما , تعالي الآن , فجدتك في أنتظارك".
وللحال لاحظت جولي بمرارة أن شوق الجدة الى رؤية حفيدتها لم يدفعها الى أن تأتي الى الباب لأستقبالها , ووبخت نفسها أذ لم يمض على وصولها أكثر من ساعة وها هي تفسح للواقع المستجد أن يؤثر عليها سلبا.

منتديات ليلاس
دعاها روبرت للدخول وقد خفت حدة نبرته:
" تفضلي , جولي . ( ألا أن هذه أرتدّت الى الوراء وقالت بأصرار ):
" أنت دلنا على الطريق , فأنت سيد الدار".
قست نظرات روبرت وهو يحدق في عينيها الخضراوين , ومن دون أن ينبس بكلمة , أخذ بيد أيما وعبر من خلال الباب , تبعتهما جولي متباطئة , وكعبا حذائها يغرقان في وبر السجادة الناعمة التي تغطي أرض المدخل المفضي الى الصالون , محفورات خشبية كان روبرت أتى بها من بلدان مختلفة تثبت على الجدران تعلة جدرانيات رائعة , وفي زاوية طاولة من خشب الأرز عليها أناء من الجاد الصيني لا يثمن.
لم يتوقف روبرت في طريقه الى الصالون , ليفسح لهما المجال لخلع معطفيهما , وفتح الباب تاركا أيما تتقدمه , وتناهى الى جولي صوت حماتها الفرح لرؤية حفيدتها , ثم دخلت هي الأخرى الى الصالون الفسيح , كان شاسعا حقا , يمتد من أول الشقة الى آخرها , جدرانه صفائح من زجاج , وقبل أن تتمكن جولي من رؤية الاخل جيدا , وقع نظرها على المرأة المستلقية على كنبة قرب النافذة , تقبل أيما , وتبدي أعجابها بنموها السريع , ذلك أنها عرفتها طفلة تدب يوم رأتها أول مرة.
أنتبهت لوسي أخيرا الى وجود جولي , فمدت يدا تصافحها وهي تغمر أيما باليد الأخرى , وقالت:
" عفوك جولي , عزيزتي , لكن لقائي بأيما ثانية , أخذ مني البال ....... خصوصا بعد كل ما حدث".
أستجابت جولي للعاطفة الظاهرة في صوت لوسي وأنحنت نحوها تقبل خدها ثم تؤكد صدق عاطفتها:
" يطيب لي , أنا أيضا , أن ألقاك ثانية , لوسي".
ألا أنها لاحظت , متأخرة , أن لوسي لم تعبر عن بهجتها برؤيتها هي , لكنها لم تبد أمتعاضا , ثم جلست بقربها وشرعت تفك أزرار معطفها بعصبية.
بادرت لوسي قائلة :
" أعتذر عن عدم تمكني من الذهاب الى المطار لأستقبالكما , أذ أصر روبرت على أن أبقى في فراشي , بعد الزكام الشديد الذي أصابني ".
أجابت جولي , وكأن الأمر لم يضايقها أطلاقا:
" لا بأس , كيف حال صحتك الآن ؟".
" أفضل بكثير ( ونظرت لوسي الى روبرت الذي كانواقفا يشهد حوارهما وتقطيبة ترتسم على وجهه وسألته) هلا طلبت , عزيزي , من هالبيرد أن يأتينا ببعض الشاي ؟ أنني متأكدة أن جولي ترغب في فنجان دافىء , ما رأيك , عزيزتي؟".
أومأت جولي أيجابا وهي تتحاشى النظر الى روبرت كي لا تواجه نظراته النافذة :
" شكرا , فنجان شاي , نعم , هذا ما أرغب فيه".
" آه , هناك الكثير لنقوله ! ( هتفت لوسي وهي لا تزال تحضن الطفلة ) أما نت , أيما , فعلينا أن نتعارف جيدا , أليس كذلك؟".
كان هالبيرد , في هذه الأثناء , يضع الحقائب في غرفتي الضيفتين , فذهب روبرت في أثره ليطلب منه أحضار الشاي.
" هل تقطنين هنا جدتي؟".
سألت أيما وهي تبدي أعجابا بما حولها , أذ هي لم تكن تعودت ترفا كهذا في راتون , كانت الغرفة , على وسعها , مكتملة الأثاث , يغمرها الدفء ويسكنها الذوق , مما أثر في جولي نفسها رغما عنها , لذا فأن مسكنا كهذا كان أكثر من أن تستطيع طفلة أن تتوقعه , فبدت مأخوذة خصوصا بقمة المدفأة الأصطناعية التي أنتصبت في وسط الدار .
أجابت لوسي حفيدتها :
" كلا , عزيزتي , شقتي ليست بهذه العظمة , أنها تقع في شارع آخر بعيد , وستزورينها في مناسبة ثانية , أما الشقة هذه فهي مخصصة للمناسبات والدعوات والحفلات التي يكثر عمك روبرت من أقامتها , وطبيعي أن تكون بهذه العظمة وهذا المستوى ".
" للحفلات ؟ ( هتفت أيما ) أتقصدين أنه يقدم حفلات أستعراض ؟ ".
قهقهت لوسي عاليا , بينما أظهرت جولي تبرما , ذلك أن أحدا لم يوضح لها بعد حقيقة وجودهما في شقة روبرت بالذات.
أغلقت جولي الباب خلفها ومشت الى قرب النافذة , ونظرت عبر الستارة المسدلة نحو المدينة التي تتلألأ بالنور , وعلى رغم أن الشقة تقع في وسط المدينة فقد كان الهدوء يخيم على المكان الذي بدا صامتا , بعيدا , معزولا كمقصورة قبطان , حيث لا يستطيع المرء أن يتجاهل أحساسا مثيرا كونه يسكن مكانا فخما كهذا , ألا أن جولي أحست بكآبة تغمرها .
فوجئت بباب الصالون يغلق , فأستدارت لتجد روبرت بمبرتون .
تأمل هنيهة , فبدا الأرتباك في تعابيرها ,ثم تقدم نحو خزانة أمتلأت بأنواع المشروبات.
سألها:
" ماذا ترغبين أن تتناولي؟".
وشرع يسكب لنفسه فنجان شاي.
تنفست جولي عميقا محاولة في الوقت ذاته ألا تظهر ما يساورها من قلق.
" كوب من الحليب أذا سمحت".

زهرة منسية 20-06-11 11:27 PM

يسلموا يسلموا يسلموا الروايه دى انا قريت ملخصها بس مش كنت عارفه أسمها لانى الملخص كان فى نهايه روايه قديمه وكان نفسى اقراها وكمان دى روايه لآن ميثر انا بحب روايتها كتير جدددددددددددددددددددددددآ بارك الله فيكى وحقق ليكى كل اللى تتمنيه

نيو فراولة 21-06-11 10:23 AM

ملأ روبرت لها كوبا , وما أن أخذ طريقه اليها حتى ألتقت نظراتهما , فبادرته جولي:
" هل تنوي أطلاعي على سبب أقامتنا هنا؟".
تردد روبرت وهو يفرك راحتي كفيه , ثم سألها بصوت جاف:
" وهل من أهمية لهذا؟ ألا أنني أؤكد لك أن نواياي لا تشوبها الأنانية ".
" ماذا يفترض فيّ أن أفهم من هذا؟".
" ما أقوله لك حرفيا , فوالدتي غير قادرة على أستضافتكما في مسكنهما , وكونك أرملة مايكل , فمن الطبيعي أن تكوني هنا على الرحب والسعة ".
" لا تبدو مرحبا جدا".
ورشفت جولي من كوبها , تخفي أضطرابها .
بدرت من روبرت حركة من يده أوحت بعدم أكتراثه لقولها , وعلق قائلا:
" أذن , أنني أسف لذلك".
أنفجرت جولي صارخة:
" لست آسفا أطلاقا ( لكنها ندمت لقولها هذا , ثم أستطردت ) ما لا أستطيع فهمه لماذا كان على والدتك أن تعرض علينا في رسائلها أستضافتها لنا , والآن وقد أضحت وحيدة لم تعد مستعدة لأستقبالنا؟".
قال روبرت يسألها بصوت بارد:
" هل كنت توافقين على العودة لو علمت سلفا أنكما ستقيمان عندي؟".
زمت جولي شفتيها:
" كلا , طبعا".
" أذن , هذا كل ما في الأمر".
ومشى الى حيث أبريق الشاي ليسكب لنفسه فنجانا آخر , تنهدت جولي قبل أن تستأنف أستجوابه:
" أذن , لقد عدنا بناء على مزاعم خاطئة؟".
" كفي عن كلامك المأساوي هذا جولي , لقد كان من الواجب أن نستدعيك الى هنا , وتلك كانت الوسيلة الوحيدة".
أعترت جولي موجة من السخط , وقالت:
" لكن , لماذا كانت عودتي ضرورية ؟ فوالدتك لم ترغب قط في وجودي .... عندما كان مايكل لا يزال حيا , والآن وقد توفي مايكل , لست أرى سببا لأن تراني هنا ثانية".
رشف روبرت من فنجانه , ثم رفع نظره اليها وقال:
" ليس لدينا متسع من الوقت , فوالدتي تحضر نفسها لعشاء , أريدك أن تخبريني قبل حضورها حقيقة ما حدث".
" هل تعني مسألة وفاة مايكل؟".
" بالطبع".
أحنت جولي رأسها :
" وما الطبيعي في سؤالك ؟ فأنت لم تهتم كثيرا حتى الساعة".
غمغم روبرت بكلمات مبهمة قبل أن يرفع صوته قائلا:
ط لا أريد أن أضيّع وقتي معك بالجدل , أخبريني تفاصيل الحادثة , كان صعبا علي أن أبحث معك أمرا كهذا في حضور أيما , كذلك , فأن والدتي ستكون هي الأخرى شديدة التأثر حيال طرح موضوع كهذا في حضورها".
رفعت جولي نظرها تحدق فيه بغضب:
" أما أنا فلا يمكن أن أتأثر بهذا , في رأيك , كان..... كان مايكل زوجي , هذا كل شيء !".
تناول روبرت سيكارا من علبة موضوعة على طاولة صغيرة , أشعله بعصبية ظاهرة , تبينتها جولي في تقلص عضلات وجهه وفي تقطيبة فمه.
عاد يسألها وقد أعتدل في وقفته:
" ماذا تريدينني أن أقول , جولي؟ أتريدين أن تسمعي تفاهات وأحديث أسى ملفقة؟ لا أظنك تريدين هذا , فكلانا يعرف أن كلامي في الموضوع لن يعبر عن حقيقة مشاعري , غير أنني أحببت أخي , أيا يكن رأيك , وبالتالي أريد معرفة ظروف وفاته , هلا أخبرتني؟".
أدارت له ظهرها , أذ لم تعد تتمالك أن تنظر اليه وهو يتحدث في أمرلا يزال يسبب لها ألما.
ثم قالت بصوت لا حياة فيه:
"لقد ... قرأت تقرير الطبيب , لكنك لم تأت لتعوده".
" كلا , الواقع أنني نادم جدا لأنني لم أفعل".
قال هذا وبدا صوته متهدجا:
" حسنا , لست أدري ما الذي تبغي معرفته , فأنا لم أكن على علم بالنوبة الأولى التي أصابته , أذا كان هذا يهمك , وقد طلب مايكل من الطبيب ألا يفشي حقيقة وضعه الصحي الى أحد , يومها , ظننت أنه أزداد وزنا , فقد كان شرها حيال بعض أنواع المأكولات المشبعة بالتوابل . في أي حال , لم يكن مايكل يهتم لصحته , ألا أنه حين أصابته نوبة قلبية ثانية , ولم يمض وقت طويل على أصابته بالأولى , لم تكن لديه المناعة الكافية ليخرج حيا".
منتديات ليلاس
تهدج صوتها , وهي تجهد في ضبط أضطرابها , ومر في ذهنها شخص مايكل , فهو يوم وفاته كان لا يزال فتيا , أنسانا طبب القلب , ولم يكن يستحق الموت".
قطع روبرت حبل الصمت الذي خيم تلك الللحظة وقال:
" أذن , هذا ما حدث . ( صمت قليلا قبل أن يسألها) هل عانى ألما كبيرا؟ أعني , قبيل وفاته؟".
أومأت جولي برأسها نفيا:
" كلا , فالأدوية التي أعطوه أياها أبقته تقريبا في حال مستمرة من الغيبوبة".
" أنت تدركين , لو علمت بحاله , لكنت ذهبت لرؤيته ...... لو أني تصورت فقط...".
" لم يسمح لي بأن أرسل في طلب أحد , لا أدري سببا لذلك , ألا أنني لم أستطع أن أخالف رغباته".

" لو لم أكن مسافرا خارج أنكلترا حين وصلنا نبأ وفاته , لكنت حضرت مأتمه , ثم أن مراسم الدفن تمت بسرعة أكبر على عكس ما كان سيحصل لو هي أجريت هنا".
" نعم ( قالت جولي وأنهت شرب كوبها ثم أبتعدت عن النافذة , بعيدا عنه , وأردفت ) هل هذا كل ما أردت معرفته؟".
أستدار في مكانه وبدا متجهما لعدم الجدية في سؤالها:
" أتراك غير مبالة بالأمر؟".
" غير مبالية! ( هتفت صارخة وقد وضعت يدا حول عنقها , وأكملت مدافعة ) يا ألهي! أوتظن أيضا أنني غير مبالية؟".
" ألست كذلك ؟ أذ أنني لا أرى دموعا في عينيك الخضراوين!".
كادت تختنق:
" ما تقوله غباء !".
" لماذا؟ هل أنا مخطىء ؟ هل أنك حقا أمرأة مفجوعة؟".
حدقت فيه جولي طويلا والغضب يشد من عزيمتها المتهالكة , ثم سألته:
" كيف تجرؤ على أن توجه الي كلاما كهذا؟ لم أطلب من أحد أن يأتي بي الى هنا , كذلك لم أستجد عائلة بمبرتون النافذة أن تتدبر أمري , لا أريد منكم أي ألتفاتة , خصوصا منك!".
أمتقع وجه روبرت وبدا واجما:
" ما تقولينه صحيح , جولي كما أنه يدلل عن جوهرك , وعن حقيقة كونك أنسانة حقيرة!".
خطت جولي نحوه تريد أن تصفعه لتبعثر شرارات القسوة من وجهه , مرة واحدة والى الأبد , ألا أنها ما كادت تهم بذلك حتى فتح الباب وظهرت عند عتبته لوسي بمبرتون.
بادرت لوسي قائلة , أذ فوجئت برؤيتهما وحيدين :
" مرحبا , أراك لا تزال هنا , روبرت؟ ( وأردفت وقد ألبست صوتها نبرة توبيخ ) ظننت أنك مرتبط بموعد في تمام السابعة والنصف , لقد فاتك الموعد , كما تعلم".
أطفأ روبرت عقب سيكاره وألقاه بلا أكتراث في المنفضة , ثم أجاب والدته بثقته التي لا تفارقه:
" لست في عجلة من أمري , أمي".
عادت نبرة التوبيخ في صوتها:
" لا أظن أن باميلا توافقك رأيك هذا , عزيزي ( ورمقت جولي بأستخفاف قبل أن تستطرد في القول) لا بد أن تتعرفي الى باميلا , جولي , باميلا هيلنغدون , لا بد أنك سمعت بهذه العائلة , باميلا وروبرت سيتزوجان في الربيع".
حاولت جولي ألا تظهر أهتماما للأمر , وسألت تترجم أحساسها:
" أحقا ما تقولين ؟ ألا أنني أشك في فرصة لقائي أياها , أذ كل منا تتحرك في فلك مختلف".
في هذه اللحظة , كان روبرت يهم بالخروج من الغرفة , فأستدار فجأة لسماعه كلام جولي , وحدجها بعينين قاسيتين , ثم بادرها:
" لا أفهم ماذا تقصدين بكلامك , جولي؟".
قاطعته لوسي وقد ذهلت هي الأخرى , فيما رمق روبرت جولي بنظرة قاسية , لم تستطع هذه أن تتبين مغزاها:
" آمل في ألا تكون بيننا علاقة سلبية يا جولي".
ثم أكمل روبرت قائلا:
" ماذا أردت في الحقيقة أن تقولي؟".
تخصبت وجنتا جولي على رغم محاولتها البقاء هادئة , وأجابت بتصميم:
" ما أقوله واضح بالتأكيد.. فأنا لا يمكنني البقاء هنا , وفي أيام قليلة مقبلة , أعتزم البحث عن عمل , ومكان آخر أعيش فيه مع أبنتي".
" ماذا ؟ ( صرخت لوسي وهي تضع يدا مرتعشة على صدرها , ثم تداعت على مقعد قريب منها ) آه , جولي , ليس معقولا أن تكوني جادة في ما تقولين!".
تدخل روبرت يحسم الأمر:
" ليس مهما ما تقول , فهي ليست على أطلاع بعد على ما أستجد من أمور".
" أي مستجدات هذه؟".
سألت جولي وهي تعصر أناملها بقوة.
رفعت لوسينظرها نحو أبنها تستطلعه:
"ألم تخبرها بعد؟".
" لم تسنح لي الفرصة لأفعل".
أجابها وأصابع يده تتوغل في شعره , عندما يكون مضطربا كما هي حاله الآن , يتماثل الى مخيلتها آخر لقاء لهما قبل سفره الى فنزويللا.
وتساءلت الى متى تستطيع ساقاها أن تتحملاها , وعادت تسأله:
" هلا أخبرتني بما علي معرفته؟ هل هناك سبب يمنعني من القيام بعمل ما أرغب فيه؟ ( فجأة , رفعت نظرها نحوه , وعيناها ترقبانه) لأنه أذا كان هناك شيء من هذا القبيل , فسأرفضه بكل ما أوتيت من قوة".
تدخلت لوسي قائلة:
" جولي , أرجوك ألا تعقدي الأمور ! فنحن , فقط , نبغي عمل ما هو في مصلحتك ومصلحة أيما".
أزاح روبرت كم قميصه ليتبين الوقت في الساعة الذهبية في معصمه مما زاد في توتر أعصاب جولي وتشنجها , فهتفت:
" لا أريد أن تتأخر عن موعدك بسببي , قل لي , فقط , ما عليك أن تخبريه به , بعدها أرجو أن ترافقك السلامة!".
بدت عينا روبرت مليئتين بالصقيع , وأدركت جولي لو أنهما كانت وحيدين , لكانت أشياء كثيرة قيلت بينهما يمكن أن يندما لقولها لاحقا.

قطع روبرت لحظة الصمت الذي خيم , قائلا:
" أخي مايكل ترك وصية".
" أعلم ذلك , لقد ترك حصته في الشركة للعائلة , ما همني هذا , فلست في حاجة الى شيء".
" هراء!".
أجابها روبرت وبدا للحظة فاقد الصبر , ثم أبتعد ليسكب لنفسه فنجانا آخر من القهوة , رشف منها بينما والدته تبدي أمتعاضها من هذا الجو المشحون ,وسألت:
" ألا يمكننا أن نتحاور برباطة جأش؟".
" حسنا , سأحاول ألا أطيل , مايكل ترك حصته في الشركة لتحفظ حتى بلوع أيما الواحدة والعشرين , والى أن يحين ذلك سأكون.... حاضنها الشرعي".
" مستحيل!".
" بل هي الحقيقة ( أجابها روبرت غير متأثر , وأردف ) لا لزوم لأن أشير عليك بعدم مقاومة الأمر الواقع!".
أغمضت عينيها , وأحست أنه سيغمة عليها , وسمعت لوسي تصرخ:
" بحق السماء , روبرت , يكاد يغمى عليها!".
وأذا بيدين قويتين , لم تستطع التملص منهما , أجلستاها بثبات في المقعد , أرخت رأسها على ظهر المقعد الطري , وقد تضاءل أحساسها بالأغماء , فتحت عينيها ثانية لتجد روبرت يهم بمناولتها كوبا يحوي سائلا أصفر يميل الى الأحمرار.
" أشربي هذا , سيجعلك تشعرين بتحسن".
" لا شيء يمكن أن يشعرني بتحسن , أبعده عني!".
" لا تكوني حمقاء!".
قالت لوسي وهي منفعلة:
" عليك الآن أن تذهب , روبرت , أستطيع أن أتدبر هذه المسألة بنفسي".
" هل أنت متأكدة؟".
" بالطبع , علينا أن نفهم جولي حقيقة وضعها الآن بأعتبارها أرملة مايكل.....".
قاطعتها جولي ساخطة وهي تنهض من مكانها:
" كفي عن التكلم علي وكأنني لست هنا".
حدق فيها روبرت وقسمات وجهه الباردة على حالها وقال:
" أذن , هل أنت مستعدة لنبحث الأمر منطقيا ؟".
" منطقيا؟ منطقيا؟ وأي منطق هذا , أيما طفلتي.......".
قاطعها روبرت:
" لكن حضانتها مسؤوليتي".
هزت جولي رأسها في أنكسار , متسائلة:
" لماذا فعل مايكل أمر كهذا؟".
بدا التبرم في صوت لوسي , وقالت:
" لا تكوني عاطفية كنساء الشرق , لقد أدرك مايكل أنه في حال حدوث أي شيء له , فليس من شخص آخر كأخيه أهل لتربية الطفلة".
أعترضت جولي موضحة:
" لكنني أمها!".
أردفت لوسي بصوت يشبه الأزدراء:
" نعم , لكن ماذا في أمكانك أن تقدمي أليها من دوننا ؟ هذا , الى أنك لم تملكي شيئ في حياتك! ".
قاطعتها جولي ثانية وقد أمسكت بطرف المقعد:
" ليس المال هو كل شيء!".
"لم أذكر في كلامي كلمة مال".
" لكن , هذا ما عنيت , أليس كذلك؟".
" هناك أشياء أخرى يفترض توافرها.......".
سألتها جولي وهي تحبس أنفاسها:
" ماذا تقصدين؟".
صرخ روبرت وراحته على مؤخرة عنقه يتحسس بها خصلات شعره :
" أوه , بحق السماء , نكف عن هذا النقاش! لا يهم السبب الذي أوجب مايكل أن يفعل ما فعل , فالقرار أتخذ , وعلينا أن نعمل عل تحقيق رغبته بكل ما أوتينا من حسن نية".
كانت رائحة ماء الزهر , في الكوب في يدها , كافية لتستعيد وعيها , فوضعت الكوب بقوة على طاولة قريبة منها وأنتصبت بجهد ثم قالت:
" لن أشارك في تحقيق هذه الرغبة : ( صمتت قليلا قبل أن تقول ) أعتقد أن هذا هو السبب الذي دفهكما الى الطلب مني , في رسائلكما , لأحضر , أليس كذلك؟ ( ثم تجهت بكلامها الى لوسي ) كما أنك أنت كنت تعرفين أنني سأرفض العودة في ما لو عرفت حقيقة الأمر".
تنهد روبرت عميقا.
" قد يكون ما تقولينه صحيحا , ألا أن والدتي رغبت في أن تهوّن الأمر عليك , هذا , الى أن الوصية تبقى قانونية وملزمة لك أيا تكن الظروف وبغض النظر عن قبولك أو رفضك".
بلعت جولي ريقها ثم قالت:
" يحق لي الأعتراض عليها".
" يمكنك ذلك ( أجاب روبرت موضحا أن أخاه شملها في وصيته برعاية مماثلة من قبله هو , وأضاف) لا أظن أن هناك محاميا يقبل أن يتبنى دعواك ( ثم سألها والقسوة في قسمات وجهه ) كيف يمكنك الأعتراض؟".
ألتفتت جولي نحوه ببطء:
" لا بد من وجود وسائل لذلك ( وأضافت في أرتباك ظاهر ) لا يمكنكما أن تجبراني على أن أعيش هنا".
" لا بأس , في أستطاعتك العيش أينما يحلو لك , لكن , لكي تستطيعي البقاء مع أيما , عليك , القبول بما أرتأيه في الموضوع".
سألته بصوت مكسور:
" وما الذي ترتأيه؟".
" أن تبقي هنا الى حين يتم ترميم المنزل الذي أشتريته , حيث يمكنك أن تعيشي مع أيما , أضافة الى مربية ستقوم بتعليم أيما".
سألته جولي بصوت تملأه الدهشة:
" أتريد أن تقول أنك أشتريت منزلا وعهدت الى مربية بتعليم أيما , ظنا منك أنني سأوافق مسبقا على هذا؟".
منتديات ليلاس
--------------------------------------------------------------------------------

" بناء على وصية مايكل".
" ألا أنك ستتزوج قريبا , فكيف..... كيف سيكون في أستطاعتك تولي حضانة أيما؟".
" الى أن يحين ذلك , أنا مصمم على تمضية نهاية كل أسبوع معها , ثم , بعد أن أتزوج , لا بد أن تكون هناك بعض الترتيبات الأخرى , هوني عليك يا جولي فأيما لن تكون ألا طفلتك , كما أنني رجلواقعي".
صرخت جولي غاضبة:
" أنها طفلتي حين تقرر أنت هذا؟ أهذه هي حقيقة الأمر؟ ثم ماذا, أذا لم تحبّذ خطيبتك ........ تلك المدعوة باميلا هذه الفكرة؟".
أوضحت لوسي قائلة وقد ظهرت على وجهها علامات الرضا:
" باميلا على علم بألتزام روبرت ( وأضافت ) في الحقيقة , لا أزن أنك بتصرفك هذا تظهرين أمتنانا أبدا , الى درجة يظن المرء أن روبرت سيخطف أبنتك ويمنعها عنك , الواقع أن روبرت أنسان كريم جدا".
هزت جولي رأسها أستسلاما , وبدت عاجزة عن مواجهة هدوئهما المجرد من كل عاطفة , وغلف قلبها يأس رهيب , كانت مكبلة , يدين وقدمين , ومايكل هو المسؤول عن كل هذا.
لماذا كان عليه أن يتصرف هكذا؟ أذ هو الوحيد بين الناس جميعا الذي كان يعرف ولا بد , أنها لا تستطيع تحمل فكرة رعاية روبرت ومسؤوليته عنها.
فجأة رن جرس الهاتف , صوته الرنان أخذ يدوي في الهدأة التي خّيمت على الغرفة تلك اللحظة , تردد روبرت لحظة , ثم خف الى الهاتف ورفع السماعة .
بادر بصوت أجش:
" نعم؟ ( ثم أنفرجت قسمات وجهه ) آه , مرحبا , باميلا , نعم , نعم , أعرف ذلك .... أنا آسف , شيء أستجد , لقد وصلا , نعم , أعرف.... أدرك ذلك ...سأحضر بعد قليل".
أشاحت جولي بوجهها , وأذا بهالبيرد يدخل الغرفة قادما من جهة المطبخ , يضع أزارا يغطي بنطاله الأسود حتى خصره , أنتبه الى أن روبرت كان يتكلم بالهاتف فتقدم نحو لوسي قائلا:
" العشاء جاهز , سيدتي , هل أبدأ بأحضاره؟".
نهضت لوسي من مقعدها:
" شكرا , هالبيرد , سنحضر الى غرفة الطعام في خمس دقائق".
" حسنا , سيدتي".
وأنسحب هالبيرد , ألتفتت لوسي نحو جولي وبادرتها بصوت هادىء:
" لا بد أنك أستنتجت أن روبرت سيتناول عشاءه خارجا , أرجو أن نستطيع كلتانا تناول العشاء معا في غياب جدل مأساوي".
حدقت فيها جولي وسألتها بحدة:
" هذا هو مرادك , أليس كذلك؟ ( وأضافت ) لم ترغبي قط في أن أتزوج ......مايكل , وها أنت الآن عازمة على التحكم بحياة أيما , أيضا".
أسرعت لوسي ترد عليها وقد أختفت ملامح التسامح من وجهها :
" أنني مصممة بمقدار ما كان تصميمك على الأنتساب الى هذه العائلة , حين لم تتمكني من الحصول على روبرت رميت شباكك على مايكل".
شهقت جولي دلالة أشمئزاز لكلامها ألا أنها لم تنبس بكلمة بل مرت من أمام حماتها وفتحت الباب , وخرجت.
تأملت يديها , كانت راحتاها تنضحا , وجبهتها تتصبب , أمر واحد لا يمكن أن تتصوره الآن , وهو الجلوس مع لوسي بمبرتون الى طاولة واحدة , فكّت سحّاب ثوبها , وأذ هي تهم في خلعه لتأخذ حماما , أذا بباب الغرفة ينشق ويظهر روبرت عند عتبته يحدّق فيها غاضبا.
بادرها بصوت لا يخلو من حدة:
" بحق الجحيم , ماذا تظنين أنك فاعلة؟ أن هالبيرد ينتظر ليقدم طعام العشاء , وأنا مضطر الى الذهاب".
تشبثت جولي بأطراف ثوبها ترفعه وقد أدركت أنه لم يستطع أ يراها , وأجابت:
" أنني لا أعيق أحدا , فلتتناول والدتك عشاءها , أما أنا فلست جائعة البتة".
" بحق الله , جولي , كوني عاقلة! أنني أحاول أن أكون صبورا , أسألك , الآن ..... لكنني لا أطلب منك , أو آمرك , بل أسألك أن تذهبي وتتناولي العشاء مع والدتي , كذلك حاولي أن تتصرفي كأن شيئا لم يكن".
" لا أظنك جادا في ما تقول!".
" لكن ألا ترين أنه لم يكن ليحدث كل هذا , لو أنك كنت مستعدة لقبول...".
" مساعدتك , أليس كذلك, روبرت؟ ( وشمخت برأسها ) كلا , شكرا , لا يمكنني أن أقبل مساعدتك".
" أذن , ماذا في نيتك أن تفعلي؟ ( دلف الى الغرفة وأغلق بابها نصف أغلاق , ثم بدا كأنه فكر ثانية في ما فعل فأعاد فتح الباب ثانية .
ثبتت جولي في وجه محاولته هذه , أذ لن تسمح له بأن يسيطر عليها , يجب ألا تسمح بهذا , وأخيرا , قالت له:
" أنا ........لم أقرر بعد , ربما سأضطر الى التسليم بمخططاتك في ما خص موضوع أيما , ألا أنني لست في وارد الأعتماد عليك مستقبلا".
" ماذا ستفعلين أذن؟".
" سأبحث عن عمل , فوجودي في المنزل معظم النهار أو جزءا منه على الأقل , لن يكون بذي فائدة , أذا ما جئت بخادمة لأيما , ماذا تنتظر مني أن أفعل غير هذا , والحال هذه , روبرت؟ أتنتظر مني أن أبقى معظم الوقت أقلّم أظافري؟".
" أنتظر منك أن تتصرفي كما يجدر بأرملة مايكل أن تتصرف .......بأحترام ولباقة , ( كانت نظرات روبرت اليها تنهكها , وأضاف) , ماذا فعلت طوال هذه السنين في مالاي؟ كيف كنت تملأين أوقات فراغك؟".
" كانت أوضاعي تختلف عما هي الآن , كان لي منزل , زوج وعائلة أهتم بهما".
وأستدارت الى ناحية أخرى , أذ لم تعد تستطيع تحمل نفاذ نظراته الحادة تلك , فكفت بذلك , من دون أن تنتبه , عن مؤخرة عنقها وقسم من ظهرها فبانت بشرتها الشديدة البياض.
تمتم روبرت بصوت أجش قائلا:
" لا تزال لديك عائلة( وأستطرد بصوت واضح) بالله , يا جولي , لم أنت نحيلة الى هذا الحد؟ كم مضى عليك من دون أن تتناولي وجبة كاملة؟".
فأستدارت بعنف تواجهه قائلة:
" أرجوك أن تخرج وتتركني لوحدي , فأنا متعبة , أود أن آوي الى سريري".
" جولي......".
ولم يكمل جملته , أذ شعر بحركة خلفهما , ولمحت جولي حماتها تقف عند الباب خلف روبرت.
هتفت لوسي مستوضحة :
" روبرت! أراك لا تزال هنا؟ كنت أعتقدت أنك خرجت , وقد أتيت لأرى ........ ما الذي يؤخّر جولي , ( وعقد لسانها لحظة رأت جولي , هتفت مستهجنة مشككة ) , بحق السماء , ماذا يجري هنا؟".
" لا شيء! ( أجابت جولي تحسم تساؤلها , ولم تعد تستطيع تحمل هذا الوضع أكثر , فأضافت) هلا ذهبتما ؟ لست جائعة , فضلا عن أنني مرهقة وأريد أن أبقى لوحدي".
أستدار روبرت مرتكزا على كعب حذائه , وخرج وهو يقول:
" أنا ذاهب الآن , طاب مساؤكما".
ردت والدته وهي تواكبه بنظراتها الى مدخل الشقة:
" طاب مساؤك عزيزي ,( وما أن سمعت صوت أغلاق الباب الرئيسي حتى أستدارت نحو جولي تسألها ) هل أفهم من هذا أنك لا تودين مشاركتي في العشاء؟".
" بالضبط . ( أجابت جولي وتبرّم طارىء يعتريها , وأضافت( هل كثير أن ينشد المرء راحة مع نفسه؟".
هزت لوسي كتفيها دلالة عدم أكتراثها للأمر , وقالت:
" كلا , طبعا , لكن لا تعتقدي أنني غبية , جولي!".
حدقت فيها هذه تسألها:
" ماذا تقصدين؟".
أنحدرت نظرات لوسي على جولي بقحّة و ثم قالت بصوت جاف:
" هل هناك لزوم لأوضح أكثر ؟ تعرضين نفسك لروبرت وأنت في هذه الحال؟".
ردت جولي بما يشبه الحشرجة , منكرة أتهام لوسي لها:
" لم أكن أعرض نفسي أمتاعا لنظرات روبرت ! لقد دخل علي من دون أستئذان".
بدت لوسي غير مقتنعة وقالت:
" لا أصدق ما تقولينه , فأبني يعرف كيف يتصرف بطريقة أفضل أذهو لا يدخل غرفة أمرأة من دون أستئذان ".
مدت جولي يدا متعب متوسلة لوسي أن تخرج :
" أذهبي عني ( وأصرت على رجائها لها) أرجوك".
ترددت لوسي لحظة قبل أن تطأطىء رأسها وتبتعد الى خارج الغرفة من دون أن تتفوه بكلمة.
هرولت جولي الى الباب توصده بقوة , ثم أسندت أليه ظهرها , وساقاها ترتجفان , رجت اله في ذهنها متسائلة ( الى متى أستطيع أن أتحمل كل هذا؟).

نيو فراولة 21-06-11 10:27 AM

2 - بحثا عن الأمان




أستيقظت جولي صبيحة اليوم التالي لتجد أيما تتقافز على حافة سريرها , فتحت عينيها بتردد , وفي داخلها أحساس بشر مستطير , وعاودتها أحداث الليلة الفائتة , فخبأت رأسها تحت ملاءة السرير , وتمنت أن تبقى على هذه الحال أطول مدة ممكنة .
جاهدت جولي لتجلس في فراشها , وبادرت تسأل أبنتها وهي تحاول أن تطال ساعة يدها التي على طاولة صغيرة قرب سريرها :
" كم الساعة الآن ؟ ( ولما أدركت الوقت هتفت ) لقد تخطت الساعة العاشرة , لم لم توقظيني قبل الآن؟".
" جدتي قالت أنك كنت مرهقة , كذلك قال عمي أنك ستكونين في حال أفضل أذا ما شبعت نوما".
" أتقصدين أنهما صحوا؟".
" نعم , ألا أن جدتي لا تزال في ثياب النوم , لقد تناولت أفطاري معها , في غرفتها , ثم أتى عمي روبرت وسألني عما أرغب في أرتدائه عادة".
" حسنا ( تناولت جولي الرداء المنزلي ,ثم أستطردت تسأل أبنتها ) هل غسلت وجهك ونظّفت أسنانك؟".
" نعم , عمي روبرت دلّني الى كل ما أحتاج اليه , كذلك ساعدني ذلك الرجل ......هالبيرد".
" السيد هالبيرد , حبيبتي".
رفعت أيما كتفيها غير مبالية:
" حسنا , كائنا من كان , لقد أخرج ثيابي وأشيائي الأخرى من حقيبة السفر ووضعها كلها في أدراج خزانتي ( وأبتسمت قبل أن تضيف ) قال لي أنني أبدو أكبر سنا مما أنا في الحقيقة".
أطرقت جوليقليلا قبل أن تسألها:
" هل قال هذا فعلا؟".
" هالبيرد.... السيد هالبيرد , قال هذا".
" حسنا , ألا أنني كنت أتمنى لو أنك أيقظتني باكرا , أين هما الآن؟".
" جدتي ترتدي ثيابها , وعمي روبرت خرج ليحضر السيارة من المرآب , أذ أننا خارجون".
" من ذا الذي سيخرج؟".
" عمي روبرت وأنا".
أجابت الطفلة متلعثمة بينما بقيت مسحة من الرضا في عينيها , وأضافت :
" نحن ذاهبان لمشاهدة المنزل الجديد".
حدقت فيها جولي بتمعّن قبل أن تقول:
" هل أنت متأكدة أن عمك قال أنه سيأخذك معه؟".
أجابت الطفلة بعد أن قفزت عن السرير بحنق :
" متأكدة تماما كذلك قال أنه سيريني قصر باكينغهام".
دخلت جولي غرفة الحمام وفتحت الدش ,وضعت قبعة عازلة من النايلون تغطي شعرها لتقيه البلل , ثم خلعت رداءها وقميص النوم وخطت الى تحت الدش.
بعد أن أنتهت من حمامها خرجت تلف نفسها بمنشفة , ثم شرعت في أرتداء ملابسها .
سألت أيما تستوضحها بصوت أرادت أن يبدو عادي النبرة:
" متى ستخرجان؟".
" بعد قليل , عندما تصبحين جاهزة على ما أعتقد".
" أنا؟ ( هتفت جولي وهي تستدير على نفسها ) وما الغرض في مرافقتكما؟".
" حسنا , أنت أيضا ذاهبة معنا ,أليس كذلك؟".
وبدت الطفلة في حيرة .
أطرقت جولي قليلا:
" هل قال عمك روبرت أنني ذاهبة معكما؟".
حاولت الطفلة أن تستجمع فكرها للحظة ثم قالت:
" سألني أن آتي لأوقظك وأسألك أن كنت راغبة في فنجان قهوة ".
" هل طلب منك هذا فعلا ؟ ( تأملت جولي أبنتها بنظرة مستسلمة ثم أضافت ) وهل فعلت ما طلبه منك؟".
" ماذا؟".
" أن تسألينني أن كنت راغبة في فنجان قهوة؟".
لوت أيما رأسها أقرارا وأجابت:
" لقد سها عن بالي".
" حسنا , نعم , أرغب في فنجان , أذهبي الآن ولا تعودي ثانية , سأكون في أثرك حالما أرتدي ثيابي".
أرخت أيما شفتيها مستسلمة لمشيئة والدتها.
لم تترك غرفتها ألا بعدما رضيت عن مظهرها ,وسارت بعزم في الممر المفضي الى غرفة الجلوس.
أستجمعت قواها , ودفعت دفتي باب غرفة الجلوس , ودخلت , ثم أغلقت الباب خلفها , وخلافا لليلة الفائتة لم تكن الغرفة خالية , كانت أيما وجدتها جالستين على كنبة خفيضة قرب النافذة , تتأملان صورة كتاب كانت لوسي تقرأ فيه قصة , فيما أنهمك هالبيرد بتنظيف رفوف المكتبة التي غطّاها الغبار , ألتفت نحوها حين دخلت , وبادرها بأبتسامة تعوض تجاهل لوسي المتعمد لدخولها عليهم.
توقف هالبيرد عن عمله , قائلا:
" صباح الخير , سيدة بمبرتون , تفضلي لى غرفة الطعام فقد هيأت لك أفطارا خفيفا".
" أوه......لم يكن ضروري أن تزعج نفسك ".
ورمقت حماتها وأيما , فألتفتتا نحوها لدى سماعهما صوتها.
قالت أيما بصوت ردىء:
"جدتي تقرأ لي حكاية".
وزادت لوسي على كلام حفيدتها:
" صباح الخير جولي , هل نعمت بنوم هانىء؟".
أجابت جولي ونظراتها على هالبيرد الذي كان لا يزال ينتظرها:
" شكرا , نعم , أعذراني , أنا ذاهبة لشرب فنجان قهوة".
عادت لوسي للحظة تصب أنتباهها على الكتاب ثم رمقتها ثانية وقالت بتردد:
" ما رأيك في ما لو ذهبنا للتسوق معا بعد الظهر؟ فالطفلة في حاجة ماسّة الى ثياب تقيها شتاء أنكلترا".
أجابت جولي تستبعد الفكرة:
" معظم ثيابها لا تزال في الصناديق التي كنا شحنّاها بحرا .......".
" أعرف هذا , الصناديق التي تذكرين وصلت ".
منتديات ليلاس
بدت جولي مرتبكة:
" أين هي أذن؟".
أجابت لوسي:
" أنها في المنزل الجديد , بالطبع , لا لزوم لأحضارها , أليس كذلك؟ أذ أنتما لن تبقيا هنا طويلا".
أحست جولي بصبرها ينفذ:
" لكنني لا أستطيع أن أتدبر أمري بما أحضرته معي الى هنا أكثر من أيام معدودة ".
رفعت لوسي كتفيها بلا مبالاة:
" يمكنك في أي حال شراء ثياب أخرى جديدة , لا أعتقد أن الثياب التي كنت ترتدينها في مالايا ستكون ملائمة هنا , ثم , هناك أختلاف الطقس بين البلدين , كما أنني آمل في أن تواكبي , من الآن فصاعدا , الموضة , خصوصا أنك الآن أرملة مايكل".
لحقت بهالبيرد الى خارج الغرفة من باب كان أشار اليه , لتجد نفسها في غرفة طعام فسيحة , مضاءة , الطاولة فيها كبيرة , ذات زخرفة ساحرة الألوان , على الطاولة طبق واحد , فنجان قهوة , رقائق خبز طازج ومربى , فضلا عن مقلاة صغيرة وضعت على سخانة , فجأة , أحست جولي بميل الى ابكاء , للفتة هالبيرد الطيبة حيالها.
هتفت وهي تلتفت نحوه:
" لم يكن كل هذا ضروريا , كما تعلم".
أبتسم الرجل وهو يجيب:
" لم تتناولي طعام العشاء الليلة البارحة , أنا متأكد أنك جائعة , والمرء , متى أمتلأت معدته , رأى كل شيء في حال أفضل".
حدجته جولي بنظرة ثاقبة , ألا أن العذوبة والرقة لم تغادرا قسمات وجهه , وعلى رغم هذا , شعرت أن هالبيرد يشفق عليها , لكنها أحست بسعادة تغمرها أذ أطمأنت الى وجود شخص واحد على الأقل لا يمانع في وجودها في تلك الشقة.
وعلى رغم حالها النفسية البائسة وتوتر أعصابها , شعرت بالجوع , فتناولت أفطارا جيدا , وما أن أنتهت حتى شعرت بنفسها أكثر أستعدادا لمواجهة عالمها عموما , وآل بمبرتون خصوصا.
وبينما هي تتبادل أطراف حديث مع هالبيرد , دخل روبرت غرفةالطعام , كان يرتدي بنطالا من المخمل أخضر غامقا , وقميصا باللون ذاته , وأرخى على كتفيه معطفا قصيرا مناسبا , بدا ضخما , ذا أطلالة تتميز بالقوة والتأثير , حاولت جولي جاهدة ألا تنظر اليه.
" حسنا؟ ( بادرها بصوت أجش , قاطعا عليهما حديثهما ) هل أنت جاهزة؟".
رفعت جولي , نظرها تستوضحه:
" جاهزة ؟ جاهزة لأي غرض؟".
حدّج روبرت هالبيرد بنظرة ذات مغزى , فأنسحب الخادم بتهذيب , عائدا الى غرفة الجلوس ليكمل ما كان بدأه .
عاد يسألها , وهو على مسافة قصيرة منها:
" ألم تنبئك أيما بالترتيبات المتفق عليها؟".
أطرقت جولي قليلا قبل أن تنهض من كرسيها وتسوي كنزتها فوق وركيها , ثم أجابت:
" لقد ذكرت شيئا بهذا الخصوص..... ذهابها معك لمشاهدة المنزل الجديد".
" بالضبط , طبيعي أنك ترغبين أنت أيضا في مشاهدة منزلك الجديد".
أجابت والسخرية ترتسم على وجهها:
" أوه , شكرا لك ألتفاتتك الطيبة هذه".
" بحق السماء , جولي , لا يمكننا أن نستمر على هذا المنوال , أوليس من المنطق أن نتصرف بأسلوب أكثر حضارة , وأيما بيننا؟ بدأت أشعر بالقرف من أستمرار هذا الجدال المتواصل".
" وأنا كذلك أشعر ما تشعر به".
" أذن؟".
" الأمر سهل بالنسبة اليك, أليس كذلك؟ فأنت تسيّر الأشياء بحسب ما تقتضيه مصلحتك , أم تراني مخطئة هنا؟".
" بالله , كفي عن هذا الأسلوب , جولي , ماذا تريدينني أن أقول؟ أنني أفعل ما أستطيع لأكون سمحا".
" سمحا! ( وأعترى جولي غضب عظيم ) وما الذي يدفعك الى أن تكون سمحا؟".
" أنت! ( وبعد أطراقة أردف قائلا) أوتظنين أنني كنت أقبل بهذا الوضع لو كان لي خيار في ذلك؟".
" أنها مشيئة والدتك؟".
" لكن , ليس هذا ما كنت أسعى اليه! ( وبدا صوته متهدجا ) صدقيني , جولي , أبتهلت الى الله كي لا أراك ثانية!".
أحست جولي بغصة حارقة تصعد من حلقها وأشتعل خداها :
" أنني...... أنني متأكدة أنك صليت".
" أوه , جولي! ( وبدا في نبرات صوته الأجش بعض من ألم ) هذا الجدل لن يوصلنا الى نتيجة , ما مضى قد مضى , وعلينا كلانا أن نتقبله بحسناته وسيئاته , لقد قرر مايكل أن تكوني وأيما في عهدتي , فلنحاول ألا ننسى هذا على الأقل".
" وكيف لي أن أنسى؟".
أقترب منها روبرت يؤاسيها واضعا يده على كتفها كما لو أنه أراد أن يؤكد لها أنه يحس بالألم الذي يأكلها , فأنتفضت مبتعدة , كما لو أن برودة يده أحرقت جسمها , ظهر الغضب جليا في قسماته لتصرفها غير المتوقع , فأستدار مبتعدا وخرج عائدا الى الصالون.
فجأة , فتح باب غرفة الجلوس , وظهرت أيما عند عتبته , وأرتسمت على وجهها علامات تساؤل أذ لاحظت تكدّر والدتها:
" ما الأمر , أمي ؟ هل أنت تبكين أبي ثانية؟".
" أنني لا أبكي , حبيبتي ...... لقد ......دخل عيني قذى , هذا كل ما في الأمر".
عقدت أيما حاجبيها لحظة , ثم بدا أنها قنعت بتفسير أمها:
" نحن في أنتظارك , ألا تودين الذهاب؟".
ترددت جولي , كانت تود الذهاب , لكن قضاء فترة ما قبل الظهر في صحبة روبرت قد تكون بمثابة كارثة لحالها النفسية والذهنية , ثم أستدركت , أن قضاء هذه افترة في رفقة لوسي بمبرتون سيكون أكثر ألما ومعاناة.
أجابت وهي تحاول أن تضفي على صوتها أهتماما بموضوع الذهاب , وجهدت في أن تظهر مظهر الممسك بزمام نفسه:
" طبعا , أريد الذهاب , لو أنك أيقظتني باكرا لما أضطررت الى أنتظاري كل هذه المدة".
بدا روبرت مرتاحا لكلامها:
" حسنا , غير أنه عليك أرتداء معطفك , فعلى رغم أن الشمس مشرقة , ألا أن البرد خارجا قارس , صدقيني".
أومأت برأسها موافقة , وبخطوات حثيثة تركت الغرفة.
ما أن رآها روبرت تدخل الغرفة ثانية , حتى أطفأ عقب سيكاره وتوجه نحو الباب , لحقت به أيما بخطوات تحرّكها الأثارة والأنفعال , أما لوسي فبدت غير راضية أطلاقا.
وسألت أبنها:
" متى أنتم عائدون؟ أنها الحادية عشرة تقريبا , الآن! ( وحدّجت جولي بنظرة قاسية , ثم أستطردت تقول ) ظننت أنك راغبة في الذهاب الى السوق , على ما ذكرت".
جمدت جولي في مكانها لدى سماعها كلام حماتها , فهي لم تقترح فكرة النزول الى السوق , بل تلك كانت فكرة لوسي , وأجابتها وعيناها على روبرت تتبيّن رد فعله:
" يمكننا الذهاب في يوم آخر".
" حسنا".
وأحنت لوسي رأسها أستسلاما.
فتح روبرت باب الغرفة وقد عيل صبره.
" هل أنت قادمة أم لا؟".
عضّت جولي على شفتها وبحركة خفيفة من كتفيها سارت في أتجاهه وهي تجيب بصوت جلي:
" بل أنا قادمة".
بعد أن أفسحت المجال لأيما لتجلس في المقعد الخلفي , أخذت جولي مكانها في المقعد الأمامي وجلس روبرت في مقعده خلف المقود , أغلق باب السيارة وأدار محركهها.
لم تكن جولي تعير أنتباها الى ما حولها وهم منطلقون في السيارة , حتى تناهى اليها صوت أيما تسألها عن أسماء الأمكنة التي كانوا يمرون بها , أدركت عندئذ أن روبرت يجول بالسيارة في وسط المدينة ليتمكنا من مشاهدة معالمها , وبينما هي تنظر عبر زجاج النافذة , تتعرف على محلات شارع أوكسفورد أذا بأيما تسألها:
" أليس الأمر مثيرا , أمي؟ عمي روبرت سيعبر بنا السوق الآن , صعدا في أتجاه قصر باكينغهام !".
أرتسمت أبتسامة حنونة على وجه جولي وعلّقت قائلة:
" لا بأس , ما دمت لا تتوقعين مقابلة المكلكة , أذ هي ليست على معرفة بقدومك".
غرقت قسمات وجه أيما في ضحكة رائعة , فيما أحنت جولي رأسها .
بعد أن عبرت السيارة أمام القصر , وعبّرت أيما عن فرحتها الكبيرة لرؤية الجرس خارجا , رغب روبرت في أفساح المجال للطفلة لتشاهد مبنى البرلمن فأنعطفت السيارة في أتجاه بيردكابج ووللك ثم قطعت جسر نهر وستمنستر , بعد أن تخطت السيارة المبنى المذكور , أنطلقت مسرعة , فنظرت جولي الى روبرت بتساؤل :
" هل لي أن أسألك الى أين نحن, الآن , ذاهبون؟".
خفف بعد حين من سرعة أنطلاق السيارة , وكانوا قد وصلوا الى تقاطع طرق , نظر اليها وقال:
" نحن الآن على طريق واتفورد ووجهتنا ثورب هيلم.
قالت أيما وقد عقدت حاجبيها:
" لم أسمع بهذا الأسم قط".
" كيف لك أن تسمعي بها؟ ليست , في الواقع , مكانا شهيرا , أنها قرية , مجرد قرية".
" وفيها..... منزلنا الذي نقصد؟".
" نعم".
تدخّلت جولي تستوضحه:
" سنكسن هنا , أذن؟ ما الذي دفعك الى أختيار هذا المكان؟".
تردد روبرت لحظة , وأصابعه تشد بثبات على المقود , وأجاب:
" في الواقع نأمل , باميلا وأنا , أن نعيش , بعد زواجنا في فارنبورو أذ أن والديها يسكنان في أوبنغتون , وبالتالي , لا تريد أن نسكن بعيدا عنهما , وثورب هيلم على بعد عشرة أميال من فانبورو".
لم يرق جولي ما قاله , ذلك أنه متى تزوج وسكن حيث أشار , سيكون على بعد عشرة أميال منها فقط , وهذا أمر لم تستسغه , وأحست بشوق قوي الى الطمأنينة , وراحة النفس اللتي عرفتهما في منزلها في رانون.
منتديات ليلاس
أدركت , فجأة , أن عليها أن تقول شيئا ما , طوت قفزيها ووضعتهما في حضنها , وسألته:
" كنت أعتقد أن الشقة تلائم وضعك أكثر من منزل في هذه الديار , فهي قريبة من مكتبك , أم تراك لم تعد تدير أعمالك شخصيا هذه الأيام؟".
كان سيل السيارات خفّ ثانية , فتخطى روبرت بضع شاحنات كانت تسير أمامه بطء , قبل أن يجيب:
" طبيعي أنني لا أزال في عملي في الشركة , أذ العيش بقية حياتي مترفا , متعطلا , فكرة لا تروق لي , ألا أنني , حالما أتزوج , سأقلّص من نشاطاتي خارج البلاد , وهذا أيضا أمر طبيعي".
القت جولي ملاحظة بسخرية:
"حقا , لقد تغيّرت فعلا!".
لم يعجبه قولها هذا فحدّجها بنظرة قاسية , ولفتها قائلا:
" أعتقدت أننا أتفقنا على ألا نخوض في جدل من هذا النوع في حضور أيما؟".
أوضحت جولي معترضة:
" لكنني لم أقصد شيئا".
ثم أدركت أن ردها هذا هو الجدل بذاته فأردفت قائلة:
" حسنا , في أي حال , كون كلامي لم يعجبك , لا يعني أن ملاحظتي التي أبديتها قصدت بها نقاشا!".
بدا روبرت غير مقتنع بما قالته , غير أنه لم يعلق على كلامها , فشعرت جولي باللوم لتسببها في شرخ آخر بينهما , وتساءلت لماذا لا يكون في مقدورها أن تقبل الوضع على ما هو , فلا تعذب نفسها بتصورات لما قد يحدث مستقبلا؟
نظرت جولي الى أيما , أقتربت الطفل , وبحركة عفوية عانقت والدتها , قاومت جولي أحساسا بالبكاء كاد يفضح أشفاقها على ذاتها , لقد أختارت طريقها في الحياة , وأصرت يومها على تفادي الذل برفضها مساعدة روبرت لها حين كانت في أمس الحاجة اليها , فكيف يمكنها , الآن , أن تلوم روبرت على عمل لم يكن على علم به؟ ولكن , والحقيقة تقال , كان هو أيضل ملوما...
أنعطفت السيارة عن الطريق الرئيسية وأتجهت في أخرى فرعية لولبية الشكل توصل الى قرية ثورب هيلم , في الريف , بدا المكان جميلا , حتى أن جولي لاحظت ذلك على رغم كآبتها , أشارت أيما الى بحيرة صغيرة وسط الأخضرار حيث سرب من البط يسبح بأطمئنان.
أوقف روبرت السيارة في محاذاة السيارات الأخرى , ثم ألتفت نحو جولي , وقال:
" حسنا ؟ ( وبدا كأنه ينتظر جوابا ليعرف رأيها)".
كانت لا تزال تتأمل المنزل , بدت عاجزة عن جمع شتا أفكارها , أحكمت معطفها غير شاعرة بروبرت يخرج من السيارة هو الآخر ليساعد الطفلة على الترجل من المقعد الخلفي , الى أن أخذت تعدو هذه نحوها هاتفة:
" هل هذا هو المنزل الذي سنسكن فيه , أمي؟ ألا ترين أنه رائع ؟".
ثم هرولت تتقدمهما , من دون أن تنتظر جوابا , أحست جولي بروبرت الى جانبها , رفعت نظرها نحوه وبدرت منها حركة عفوية وهي تقول:
" أنه جميل , كيف حظيت به؟".
دسّ روبرت يديه في جيبي معطفه , وأجاب:
" كان معروضا للبيع في سوق العقارات منذ ثلاثة أشهر , تاريخ وفاة مايكل تقريبا , أشتريته ..... لأنه أعجبني".
" لكنني في ذلك الوقت لم أكن قد دعيت الى العودة بعد؟".
خطا روبرت خطوتين الى الأمام ثم عاد يلتفت اليها ليسألها:
" وهل هذا مهم؟".
وأكمل سيره يلحق بأيما في أتجاه المنزل , دفع بابه ودخلا.
تبعتهما جولي بخطى متمهلة , أرادت أن تشبع نظرها بالمنزل وتستوعب فكرة كون هذا المكان هو حيث ستعيش , ربما بقية حياتها ! لكن , لا , فحالما تصبح أيما في سن تؤهلها لترك , فسوف تستأجر شقة بمجرد أن يتحسن وضعها المالي , وبدا مستغربا كيف أن فكرة الزواج ثانية لم تراودها ...... أقله حتى الآن...........
منتديات ليلاس
كان روبرت وأيما دخلا الى الرواق الكبير للمنزل , بدأ هو يتحدث الى رجلين في أمور مختلفة تتناول موضوع تأهيل المنزل , كان الجو ممتلئا برائحة الطلاء الجديد , وخلافا لما هو متوقع , كان الدفء يغمر أرجاء المنزل , وأدركت جولي أن التدفئة المركزية للمنزل كانت تعمل.
أنتظرت حتى ينتهي روبرت من حديثه مع الرجلين , وكان يستوضحهما في شأن التصليحات المختلفة , ما أن أبتعد الرجلان عائدين الى عملهما حتى أستدار ناحيتها وقال:
" قاربت التصليحات أن تنتهي , الأثاث لم يصل بعد ألا أنه في أمكاننا ألقاء نظرة على المكان أذا رغبت في ذلك".
أومأت جولي أيجابا وهي تقول:
" أنني أتوق الى ذلك ( ثم ترددت هنيهة ( أوه.... أوه..... روبرت؟".
" ما بالك".
" أنني ....... أشكرك".
" تشكرينني؟".
" ظننت أن مسألة الجدل حسمت بيننا؟".
" حسنا , حسنا , أنني أسف , يبدو أننا لسنا أهلا لنتحاور في شكل طبيعي, أم ترانا نستطيع أذا أردنا ذلك؟".
" يبدو هذا مستحيلا".
أبتعدت جولي تسير في أتجاه باب يؤدي الى غرفة تقع على يمين الباب الرئيسي , تبعها روبرت , تاركا أيما تكتشف المكان لوحدها , وقال وقد بدت نبرة صوته جدية:
" هذه غرفة الأستراحة خاصتك , قد لا يعجبك لون الطلاء , ألا أن الوقت دهمنا فلم نستطع أنتظارك لتختاري اللون الذي تريدين , يمكنك أن تغيري اللون أذا شئت فيما بعد".
" هل أخترت الأثاث كذلك؟".
تردد روبرت قليلا , ثم أجاب :
" كلا , في الواقع باميلا هي التي أختارته".
" كان ذلك لفتة كريمة من قبلها , أتعرف ماذا أختارت؟".
" الأشياء الضرورية فقط , أما الديكور , فيمكنك أن تختاريه شخصيا في ما بعد , اللوحات , والى ما هنالك".

نيو فراولة 21-06-11 10:30 AM

" لا بأس .
ماذا تعني بالأشياء الضرورية؟".
" آه , سجاد ,مفروشات , جهاز تلفزيون , الخ ........... أعتقد أن سجادة هذه الغرفة لونها أزرق رمادي , يتناسب ولون ورق الجدران".
أستدارت جولي , وخرجت من الغرفة , تعبر الرواق الى غرفة أخرى مقابلة , وسألت تستوضحه:
" هذه غرفة أستقبال أخرى على ما أعتقد؟".
" ذلك يعود اليك تحديده".
وتقدّم ليفتح بابا جرارا في وسط الغرفة يفضي الى صالة تبدو مثالية لأقامة الحفلات والمآدب.
أنتقات جولي أليها , ولاحظت أذ نظرت الى الخارج , الحديقة الكبيرة التي خلف المنزل , أشجارها مثمرة وأرضها يكسوها العشب مما يشير الى وجود بستاني يرعاها.
سمعت وقع أقدام في الطبقة العلوية , فأستنتجت أن أيما تمضي أوقاتا ممتعة في تفقد أرجاء المنزل , فتحت بابا آخر يفضي الى الرواق وألقت نظرة على الأبواب الأخرى.
بادر روبرت يوضح وقد لاحظ نظراتها المتسائلة:
" هناك غرفة مخصصة لتمضية فترة الصباح , غرفة أفطار أذ صح التعبير , أو سمها ما شئت , مطبخ كبير وملحقات مختلفة , والآن , هل تريدين الصعود الى الطبقة العلوية ؟".
بانت بوادر ضحكة مكتومة على شفتي جولي , أذ أن التوتر بينهما كان على أشده , وخيّل اليها أنها أذا لم تضحك فقد تنفجر بالبكاء.
عقد روبرت حاجبيه , وسألها:
" هل هناك أمر يدعو الى الضحك؟".
عادت جولي الى رصانتها , وهزت رأسها نفيا :
" كلا , بالطبع".
مشى روبرت الى أول السلم , ثم قال بصوت بارد , وقد أدرك ما دفعها الى الأبتسام :
" يمكنك الصعود بمفردك , أذا كنت تفضلين ذلك".
رفعت نظرها اليه وخانها الكلام أولا , ثم جهرت بصوت جلي:
" أنا آسفة , روبرت , أحتاج الى وقت كاف , أنا.... لست أدري , الأمر كله ...... مختلف".
حدّق فيها طويلا قبل أن يجيب بصوت أجش:
" أوتظنين أنني لست مدركا لهذا الأمر؟".
أرتعشت جولي في غمرة الأحاسيس التي لم تستطع السيطرة عليها كليا , ومن دون أن تنبس بكلمة , أستدارت وصعدت الدرجات بحثا عن أيما.... والأمان.
في أحدى الغرف العلوية للمنزل , وجدوا الصندوقين الكبيرين اللذين كانت جولي شحنتهما بحرا من مالايا , فبادرت أيما ترجو والدتها فتحهما .
أعترضت جولي , قائلة:
" لكن , ليس هناك خزائن جاهزة لوضع محتوياتهما ( ثم أستدركت , أذ تذكرت حاجتها الى بعض من ملابسها ( لكن قد يكون من الأفضل أن نأخذ معنا الى الشقة بعضا من هذه الملابس ( ورفعت نظرها نحو روبرت تستوضحه ) الى متى.... سنبقى في الشقة قبل أنتقالنا الى هنا؟".
" لقد أعلمني المتعهد بأن المنزل سيكون جاهزا خلال أسبوع تقريبا , لذا تستطيعان الأتقال اليه بعد نحو عشرة أيام".
" عشرة أيام ! ( ردّدت جولي , وقد فاجأها طول المدة , فتحت حقيبة يدها تبحث فيها عن مجموعة مفاتيح لصندوقي السفر , وأستطردت ) أذن , علينا أن نستعين ببعض من ملابسنا , فلا يعقل أن نبقى , أيما وأنا , في ثيابنا هذه نفسها طوال هذه المدة".
جلس روبرت القرفصاء الى جانب الصندوقين يتفحّص الأقفال , وقال يلفت جولي الى أن هذا الأمر ليس ضروريا :
" يمكنكما شراء بعض الملابس الجديدة".
" أتظن أن هذا ممكن ؟ بماذا؟".
" أن لوالدتي حسابا مفتوحا في كل محلات المدينة , يمكنك شراء ما ترينه ضروريا وتضيفين ثمنه الى حسابها".
" كلا , شكرا ( وتابعت تقلب أغراضها في قاع حقيبتها ) اللعنة , أين هي المفاتيح؟".
" لم هذه افظاظة ؟ يجب أن تدركي , كونك أرملة مايكل , أن في أستطاعتك طلب أي شيء تحتاجين اليه".
رفعت عينين يملؤهما الغضب:
" ماذا؟ أتريدني أن أفعل هذا لأفسح لوالدتك بأن تعيّرني بالأعتماد عليك أعتمادا مطلقا؟".
تجهم وجه روبرت وغمغم متوعدا :
" يوما ما , جولي.....".
تنهد وعاد يجلس القرفصاء الى جانب الصندوقين .
أخرجت جولي المفاتيح , فتطاول روبرت يتناولها من دون أن يتفوه بكلمة , بعد أن تفحصها جيدا وجد مفتاح الصندوق الأقرب اليه , عالج قفله في حركة عصبية , ثم أرخى الرباطين الجلدين اللذين يحكمان الصندوق , وفتحه.
قفزت أيما فرحا وكادت تلج الصندوق لكثرة أنفعاله , لو لم يمسك بها روبرت , أستجمعت جولي نفسها وهزّت رأسها أذ أستعصى عليها الكلام ثم بادرت تقول والأرتباك يعاودها :
" أن.... ملابسنا في الصندوق الآخر".
أقفل روبرت الصندوق , وبدت الخيبة في وجه أيما , شدّ الرباطين وأحكم القفل , ثم.... وضع المفاتيح في جيبه , حدّقت فيه جولي مستغربة تصرفه , أما هو فبادرهما :
" هيا بنا , هذا يكفي , الآن".
أشارت جولي معترضة :
" لكن , ماذا عن ثيابنا؟ ".
ألا أنه مشى الى الباب وهو يجيبها:
" في ما بعد".

رفعت جولي كتفيها لا تفهم تصرفه , وركلت الصندوق الذي أمامها برأس حذائها , وقالت مصرة على فتح الصندوق:
" يجب أن آخذ بعضا من هذه الثياب".
نظر اليها وقال يحسم الأمر:
" لا أعتقد أنك تريدين فتح هذين الصندوقين , هيا بنا الآن لقد تأخرنا , وأنا جائع".
ترددت جولي لحظة قبل أن تذعن لأرادته , لم تكن تريد حقا فتح الصندوق , ليس الآن , ولم تستطع ألا أن تعجب بقوة حدسه ونفاذ بصيرته.
قال روبرت فيما هم يصعدون الى السيارة:
" سنتناول غداءنا في مطعم ( الثور الأسود ) في القرية , قيل لي أنهم يحسنون المشويات , هل تحبون المشويات؟".
أطهرت جولي لا مبالاة للسؤال , وهي تعتدل في مقعدها :
" لا مانع لدي أذا كان هذا ما ترغب فيه".
تجهم وجه روبرت , ولم يعلق بشيء , أدارك محرك السيارة وأنطلق بها .
لم تكن صالة الطعام ممتلئة , وبدا رئيس الخدم منزعجا أذ رآهم يدخلون , فبادر بلهجة جازمة:
" أخشى أننا لن نستطيع خدمتكم , فالساعة تعدت الثانية ألا ربعا , وقد أنتهى موعد الخدمة في الصالة".
تنهدت جولي , فيما ظل روبرت هادئا , وقال:
" لقد سبق وحجزت طاولة , أسمي بمبرتون".
فجأة , رفع روبرت نظره نحو جولي وسألها وفي عينيه غموض لم تستطع فهمه:
" حسنا , هل أعجبتك وجبة الطعام؟".
أنهت جولي شرب كوب الحليب الذي في يدها , أسندت رأسها الى ظهر المقعد , ثم أجابت بصوت جلي:
" كان غداء رائعا!".
" أترغبين في فنجان قهوة؟".
" ألا تعتقد أن علينا العودة الآن ؟ أقصد .... أنهم في أنتظارنا ليقفلوا صالة الطعام".
" سأعوض خسارتهم".
" تعتقد أن كل شيء يشترى بالمال , أليس كذلك؟".
" لقد أشتريتك , أليس كذلك؟".
عادت تنظر اليه :
" ماذا تعني بهذا؟".
" حسنا , لا أعتقد أنك كنت تزوجت مايكل لو أنه كان معدما , أليس كذلك؟".
ظهر الرعب جليا في عيني جولي , ورمقت أيما بنظرة خاطفة ألا أن هذه بدت غير آبهة لحديثهما بل مركّزة كل أهتمامها على محتوى كوبها من العصير , عادت تستوضحه ثانية :
" لا أفهم ماذا تعني بكلامك؟".
فجأة , أنتصب روبرت واقفا:
" أوه جولي , كفي عن التظاهر والأدعاء الكاذب , فأنت لم تهتمي قط بمايكل , وقد واتتك فرص عدة , قبل سفري الى فنزويللا , لتتزوجيه بدلا مني , ألا أنك لم تفعلي , كلا! أنما أنا الذي كنت تنصبين شباكك حوله , لذا لا تحاولي أن تنكري هذه الحقيقة!".
بدا وجهه ممتقعا , وأبتعد بخطى حثيثة يبحث عن رئيس الخدم , وهو يتناول محفظته من جيبه.
في الحظة التي عاد روبرت يلحق به رئيس خدم أنيق , راض , كانت جولي وأيما جاهزتين في أنتظاره , أرتدى معطفه الجلدي , وشكر الرجل بأيماءة من رأسه ثم توجه الى باب المطعم , كان الهواء البارد في الخارجمنعشا , وتنفست جولي عميقا قبل أن تصعد الى داخل السيارة.
لحظة أوقف روبرت سيارته في باحة المبنى الخارجية حيث يقطن , بدأ النعاس يثقل عيني أيما , كما لاحظت جولي أن الظلام بدأ يخيم والساعة لم تتجاوز الرابعة بعد.
منتديات ليلاس
ألا أن النعاس طار من عيني الطفلة وهم داخل المصعد في طريقهم الى الشقة , وما أن وصلوا اليها حتى كانت أستعادت حيويتها كاملة الى درجة سمحت لها بأن تمتع لوسي بمبرتون بأخبار ما جرى معهم وما شاهدوه خلال نهارهم , ولا سيما قصة الصندوق وموضوع الغداء المتأخر في مطعم ( الثور الأسود).
ترك روبرت جولي وأبنتها مع والدته ودخل غرفته , وبدت لوسي كلها أصغاء لما كانت أيما تسرده عليها , أما جولي فنزعت عنها معطفها وهي تتجه نحو الباب قاصدة غرفتها , وقد أحست برغبة في قضاء بعض الوقت وحيدة , أذ , بعد أحداث الساعات القليلة الأخيرة , شعرت بحاجة الى بعض التأمل والتفكير.
غير أن لوسي , وقد لاحظت كنّتها تهم بالخروج , بادرتها قائلة:
" لا تذهبي الآن , جولي , فهالبيرد يستطيع أن يعيد معطفك الى الخزانة , تعالي وأجلسي , أريد أن أعرف رأيك في المنزل".
أسقط بيد جولي , فرمت معطفها بأمتعاض على مقعد , ودنت لتجلس على مقعد آخر قريب من الأريكة حيث جلسا حماتها وطفلتها , ثنت ساقا على ذراع المقعد الجلدي الوثير , وقالت معلقة:
" أنه منزل جذاب , هل شاهدته؟".
" بالطبع , لقد أصطحبتني باميلا الى هناك يوم كنت في زيارة لأهلها".
" حسنا".
" هل تعلمين أن باميلا هي أول من وقع نظره على المنزل ؟ في الواقع كان ملكا لعائلة تربطها صلة صداقة بأهلها , ألا أن العائلة أضطرت الى السفر , وهكذا ..... عرض المنزل للبيع".

تدخلت أيما تسأل جدتها:
" من هي باميلا ؟ هل هي عمة لي؟".
ألتفتت لوسي الى الطفلة وأجابتها في أبتسامة:
" قريبا , ستكون هكذا , عزيزتي , لأنها ستصبح زوجة عمك روبرت".
" آه ( علّقت أيما وشفتاها متكورتان ) هل هي لطيفة؟".
" أنها لطيفة جدا عزيزتي.. ستتعرفان اليها غدا".
عادت أيما تسألها وبدت مهتمة للأمر ويدها تسند ذقنها :
" غدا؟".
ألقت لوسي نظرة عابرة على كنتها قبل أن تجيب:
" أنها قادمة مع والديها لتناول العشاء عندنا مساء غد, في مناسبة التعرف اليكما , جولي".
بلعت جولي ريقها تسأل بدورها:
" حقا؟".
ولم ترقها فكرة لقاء المرأة التي ستصير زوجة روبرت.
" نعم , رأينا أنه من الأفضل لك , قبل أن نعرفك الى أصدقائنا , أن تنالي قسطا من الراحة لأيام قليلة , ثم أن مساء السبت هو االوقت الأفضل لذلك ألا توافقينني الرأي؟".
" أذا كنت تعتقدين أن هذا مناسب , فهو كما تقولين".
وسألت حماتها:
" سها عني أن أسألك , هل تشعرين بتحسن هذا الصباح؟".
رفعت لوسي كتفيها وقالت:
" أنني أحسن حالا , شكرا ( ثم عادت تلتفت الى أيما ) أخبريني , عزيزتي , هل لاحظت الأرجوحة المتدلية من شجرة الكرز في حديقة منزلكما الجديد؟ لقد قالت لي باميلا أنها كانت تتأرجح فيها أيام طفولتها".
هزت أيما رأسها بعجب نفيا:
" كلا , لم أر أي أرجوحة".
قالت لوسي مقطّبة:
" هذا غريب".
ألا أن أيما أوضحت لجدتها:
" لم نخرج الى الحديقة ( ثم توجهت بكلامها الى والدتها ) لماذا لم نفعل هذا, أمي؟".
رفعت جولي كتفيها كأنها لم تول الأمر أهمية , وأجابت:
" لم يكن لدينا متسع من الوقت".
علّقت لوسي بتهكم قائلة:
" عذر أقبح من ذنب , كان لديكم وقت كاف".
" حسنا , أظن أن الأمر لم يخطر في بالنا".
ردت لوسي بحدة:
" لقد أمضيتم وقتا طويلا خارجا".
دخل هالبيرد , تلك اللحظة , وبادر لوسي:
" هل ترغب سيدتي في فنجان شاي؟".
أطرقت هذه للحظة قبل أن تجيب:
" أوه نعم.... نعم , أعتقد ذلك".
أما جولي فأستبقت سؤاله لها وقالت:
" لا تزعج نفسك من أجلي .... ( ثم أستدارت فجأة على عقبيها ) فأنا ذاهبة لأستحم".
أجاب هالبيرد مبتسما:
" كما تشائين , سيدتي".
عادت لوسي تسأل الخادم:
" أين السيد روبرت؟".
" لقد خرج, سيدتي".
" خرج! ( رددت لوسي كلمته وقد فاجأها الجواب) لكن لم تمض على عودته لحظات؟".
" نعم , سيدتي , أؤكد لك أنه خرج".
" هل ذكر لك الى أين هو ذاهب؟".
" قال لي أن أخبرك , أذا ما سألتني , أنه ذاهب الى المكتب , ولن يتأخر في العودة".
عادت أيما تسأل جدتها , وهي تزرع الغرفة جيئة وذهابا , وتعبث بما نطوله يدها:
" هل أستطيع أن أشاهد التلفزيون , جدتي؟".
بدت لوسي متضايقة , فأجابتها بأمتعاض :
" لم لا ؟ ( وألتفتت الى هالبيرد ) هلا أدرت مفتاح الجهاز هالبيرد ؟".
أدار هالبيرد الجهاظ , وما هي ألا لحظات حتى أرتسمت الصورة على الشاشة بالألوان .بدت أيما مبتهجة جدا فهتفت:
" آه.... أليس هذا رائعا؟".
أومأت جولي للطفلة أيجابا , وسارت نحو الباب فبادرها هالبيرد قبل أن تخرج:
" هل ترغبين في فنجان شاي , أحضره الى غرفتك , سيدتي؟".
ترددت لحظة ثم تمتمت:
" لا أريد أن أزعجك بالأمر".
هز هالبيرد رأسه قائلا:
" ليس هناك أي أزعاد في الأمر , سيدتي".
بدا الضيق واضحا في تنهيدة أطلقتها لوسي وقالت معلقة في حدة :
" أذا ما كانت السيدة بمبرتون ترغب في فنجان شاي , فما عليها , هالبيرد , ألا أن تتناوله هنا , معي".
" أووه ! بالطبع , سيدتي".
تنهدت جولي هي الأخرى قبل أن تجيب:
" أنني آسفة , لا أستطيع ذلك الآن".
" هل أنت فعلا آسفة؟ ( سألتها لوسي والشك في نبرات صوتها واضح , ثم تناولت منديلا صغيرا عالجت به طرف أنفها وأردفت ) في أي حال , بما أن علينا أن نعيش معا ..... أقله لبضعة أسابيع مقبلة , فأنني أكون ممتنة أذ ما حاولت أن تتصرفي معي بأسلوب أقل عداء".
أسندت جولي جبينها الى أطاب الباب البارد , وقالت:
" حسنا , سأحاول".
أعادت لوسي منديلها الى مكانه وهي تسألها:
" هل ستكونين اضرة في موعد العشاء؟".
أومأت جولي مؤكدة:
" طبعا".
" حسنا".
كان جواب لوسي أيذانا منها بأنتهاء الحديث مما أزعج جولي , فأغلقت الباب وراءها وسلكت الممر الى غرفتها , وما أن ولجت بابها , حتى أحست بنفسها عاجزة عن كبت مشاعرها , فألقت بنفسها على السرير وأطلقت العنان لدموع حارة.
منتديات ليلاس
لم تر جولي روبرت ثانية ألا بعد ظهر اليوم التالي , أذ لم يعد لتناول العشاء تلك الليلة , وهذا ما حدا بوالدته على أن تشرح لجولي بأغتباط , وهما على العشاء , أن سبب تخلّف رورت , , أرتباطه وباميلا بحضور سهرة راقصة يقيمها أحد أصدقائهما , ويبدو أنه عاد من مكتبه فيما كانت جولي تستحم , فأستحم هو الآخر وأبدل بذلته ثم خرج ثانية , أما أيما , فذهبت الى فراشها نحو السابعة كما عادتها أن تفعل , لذا لم يبق الى العشاء سوى جولي وحماتها.
كان الصمت مخيما , والجو لا يبعث الشهية , ولم تتمتع جولي بطعامها , بعد العشاء عادتا الى غرفة الجلوس لتشاهدا التلفزيون.
بادرت لوسي وهي تستريح في مقعد وثير :
" مما لا شك فيه أنك ستجدين صعوبة في التكيف مع نمط حياتنا هنا , ثم أنك لم تتعودي قط مستوى العيش الأجتماعي الذي نحياه , أليس كذلك جولي؟".
تظاهرت جولي بأنها مشدودة الأنتباه الى الفيلم الذي كان يعرض تلك اللحظة على الشاشة الصغيرة ومن دون أن تلتفت الى محدثتها سألتها:
" ماذا قلت؟".
ردت لوسي بلهجة تشوبها الحدة:
" قلت أنه يصعب عليك التكيف مع نمط حياتنا , فلا أظن أن الحياة في بقعة نائية في مالايا يمكن أن تقارن بمستوى الحياة الأجتماعية , هنا , في لندن؟".
" كلا , لا أظن المقارنة ممكنة".
أردفت الحماة تسترسل في حديثها.
" لم يتسنّ لك أيضا العيش معنا لتتعودي طريقة عيشنا قبل أن يأخذك مايكل معه بعيدا , لم أكن لأتصور أن في أستطاعة مايكل أن يجد الأكتفاء الذاتي في مكان كالذي عشتما فيه , أذ أعتقدت أنه كان يعشق العيش هنا , في لندن".
علّقت جولي في أقتضاب:
" لقد ألتحق بالبحرية قبل أن يتعرّف الي".
" نعم , أعرف هذا , فهو كثيرا ما أحب الأبحار , مذ كان صغيرا , لكن أن يقبل وظيفة في بلد بعيد.... وظيفة دائمة".
" تلك كانت أرادته".
" أعرف هذا , ألا أن تصرفه كان بعيدا عن قناعاته ( تطاولت لوسي لتتناول فندان الشاي الذي كان على طاولة قريبة منها , وأضافت ) ألا أنني أعتقد أن قراره ذلك جعل الأمور أقل صعوبة بالنسبة اليك".
حاولت جولي جهدها أن تبقى هادئة , وأستوضحتها:
" أقل صعوبة؟".
" طبعا , أقصد....... أنك لم تكوني على صلة بنمط حياتنا , أذ أنك لم تتعودي قبلا الحياة الأجتماعية بمعناها الصحيح .... كأن تقيمي الحفلات والمآدب ! أنا متأكدة مثلا أنك لم تحضّري لائحة طعام قط في حياتك؟".
" كلا , ففي المأوى حيث ترعرعت , لم يعلمونا أشيائ كثيرة كهذه".
لم يرق لوسي جواب جولي لها , فقالت:
" لنكف عن الجدل , كل ما أحاوله هو التفاهم وأياك".
قالت جولي:
" أنني لا أجادلك ( وتنفست عميقا , ثم أضافت ) قد تفاجئين أذا ما أدركت أنني كنت ومايكل سعيدين!".
شخصت عينا لوسي عليها وتساءلت مشككة:
" هل كنتما فعلا سعيدين؟".
" نعم , ثم أنه لم يكن يحب مجتمع لندن , أبحر كثيرا ؟ نعم , لا أخالفك الرأي في ذلك , كان لنا مركبنا الخاص , مركب صغير , نقضي على متنه معظم أجازاتنا الأسبوعية , نسبح , نستلقي تحت الشمس , وندعو أحيانا أصدقاءنا الى أمسيات حلوة , تلك كانت ...... حياة رائعة ".
أرتسم الغضب في أرتعاشة شفتي لوسي:
" لو لم تقنعي مايكل بقبول تلك الوظيفة هناك لكان لا يزال حيا يرزق الآن".
أمتقع وجه جولي:
" هذا ليس صحيحا !".
سألتها لوسي بلهجة عداء:
" وكيف لك أن تعرفي؟".
ترددت جولي لحظة , تضغط كلتا شفتيها , فهي لم تشأ أن تبحث مع لوسي في مواضيع وتفاصيل حميمة , كموضوع صحة مايكل مثلا , على رغم أن هذه والدته , ثم أجابت:
" لأن السبب الذي حدا بهقبول وظيفته خارج البلاد , كان نصيحة طبيبه الذي أشار عليه أن يقلل من نشاطاته".
" ماذا ؟ أنني لا أصدق كلمة واحدة مما تقولين!".
" أنها الحقيقة , لم أعرف بالأمر ألا .... ألا بعد أن أصيب بنوبة قلبية أخرى , فأضطر الطبيب الى أن يشرح لي الحقيقة ( أرتدّت جولي في مقعدها الى الوراء وأردفت )ألا أن مايكل لم يعر حاله الصحية أهتماما كافيا".
كانت لوسي تحدق فيها , شفتاها ترتعشان , وأحست جولي , للحظة , بعطف عميق حيال هذه المرأة :
" أنك تختلقين ما تدّعينه حقيقة ........ أذ لو أن ما تقولينه صحيح لكان أطلعني عليه , فأنا والدته!".
أجابت جولي غير مكترثة لأتهامها:
" لم تعرفه جيدا كما عرفته".
" بل عرفته لثمانية وعشرين عاما. أي بمقدار أربع أو خمس مرات أكثر مما عرفته".
منتديات ليلاس
أجابت جولي بهدوء:
" صحيح , لكن ليس كما عرفته أنا صدقيني, أنها الحقيقة , ولست أحاول بهذا أيذاء شعورك".
أنتصبت لوسي من مقعدها :
" هل أخبرت روبرت ما تخبرينني به؟".
" كلا , لم أخبر أحدا بهذا".
" أذن أتمنى عليك ألا تفعلي ( أخذت جولي تزرع الغرفة بخطواتها التائهة ) أفضل أن يعتقد الجميع أن وفاة مايكل كانت نتيجة حادثة مأساوية غير منتظرة , قد تحصل لأي كان في أي زمان ومكان".
" لكن الذي حدث هو ما أخبرتك به".
هتفت جولي وفي داخلها حرقة , أذ أدركت أن لوسي لن تقبل في أي حال أن يعرف أصدقاؤها السبب الحقيقي لوفاة مايكل وأنه أخفى عن أهله حقيقة أعتلاله , وبخاصة عن أمه , طوال ستة أعوام".
" هل تتجرأين , صراحة , على أن تجهري بهذه الحقيقة؟".
" طبعا , أستطيع".
لم تعد تفهم شيئا من أحداث الفيلم الذي كان يعرض على الشاشة الصغيرة , ثم بدرت أشارة من لوسي رغبة منها أنهاء هذا الحوار. وقالت:
" على كل , موضوع مايكل شيء من الماضي , وما من شيء يستطيع أن يفعله أي منا لأعادته الينا حيا , شكرا لله , أن روبرت بقربي .... وأيما أيضا , بالطبع".
أنتصبت جولي ولم تتمالك نفسها من سؤال حماتها:
" وماذا بعد أن يتزوج روبرت ؟".
" ماذا تقصدين ؟".
رفعت جولي كتفيها , قائلة:
" لا شيء".
لكن لوسي عادت تسألها وهي بادية الأزدراء:
" أوتظنين زواج روبرت سيغيّر من حبه لي؟ كلا , فهو ليس كمايكل , ولن يقوم بأي عمل قد يؤذيني , هذا , فضلا عن أن الفتاة التي سيتزوجها تتفهم حقيقة علاقتنا ومقدار حبه لي , أنها فتاة لا تعرف الأنانية , وهي بالتالي صديقة حميمة لي".
تنهدت جولي عميقا , كان هناك الكثير تستطيع قوله , وأن ترد بقسوة على كلام حماتها , وأن توضح لها أن العلاقة بين صديقتين هي غيرها تماما بين زوجة وحماتها , ألا أنها كتمت ما كان يخالج فكرها ,تلك اللحظة, وتوجهت نحو طاولة عليها أبريق الشاي تسكب لنفسها فنجانا , ثم سألت لوسي:
" أترغبين في فنجان ثان؟".
" كلا , شكرا".
رشفت قليلا من فنجانها , ثم تفحصت الوقت في ساعة معصمها:
" أنها التاسعة والنصف , هل لديك مانع أن أذهب الى سريري؟".
" أطلاقا , واضح أن لا قاسم مشتركا في حديثنا , في أي حال".
بعد ظهر اليوم التالي , أخذت لوسي أيما في نزهة الى الحديقة العامة , كان يوما رائعا من أيام تشرين , حيث يتحول الصقيع على أغصان الأشجار الى ماس يشع تحت نور الشمس, والهواء نقي منعش.
سألت أيما والدتها أن ترافقهما , ألا أن جولي أمتنعت , أذ أدركت أن لوسي كانت ترغب في الأختلاء بالطفلة , فهي جدتها , رغم كل شيء .
وكان روبرت قد خرج صباحا هو الآخر , حتى قبل أن تصحو جولي من نومها , وبعد أن أخطر هالبيرد أنه لن يعود ظهرا الى الغداء , وهكذا , بقيت جولي وحيدة في الشقة , عدا الخادم طبعا.
كانت تجلس في الصالون , تتمتع بلحظات قليلة من الحرية حين رن جرس االباب , نهضت من مقعدها تلقائيا , وظهر هالبيرد قبل أن تستطيع التوجه لترى من الطارق.
" سأستطلع من القادم , سيدتي".
قالها هالبيرد بدماثته المعهودة , وععادت جولي الى مقعدها.
ما هي ألا لحظات , حتى سمعت صدى أصوات , وهالبيرد يرفع صوته على غير عادته , ثم تناهى اليها صوت الباب يغلق , نظرت في أتجاه باب الصالون فأذا بهالبيرد يدخل , رزم وعلب ملء يديه.
هتفت مبتسمة:
" بحق السماء! ما هذا؟".
تردد هالبيرد بدءا , ثم أوضح قائلا:
" أنها مرسلة اليك , سيدة بمبرتون , أين ترغبين أن أضعها؟ في غرفتك؟".
" خاصتي , أنا؟ ( رددت جولي غير مصدقة ) لكنني ...... لم أوص بشراء أي شيء؟".
أجاب هالبيرد جازما:
" هذا ما قاله لي الأجير".
" هل أنت متأكد أنها ليست لوالدة السيد روبرت؟".
" كلا , سيدتي , أنها للسيدة جولي بمبرتون , هكذا أوضح لي الصبي".
تركت جولي مقعدها , وقالت:
" من الأفضل , أذن , أن تضعها هنا , وسأرى ما تحويه".
سألها هالبيرد وأبتسامة تغلف وجهه:
" حسنا , سيدتي , أذا كان هذا ما تريدين... أم أنك تفضلين أن أفتحها لك؟".
فوافقت جولي على عرضه وتخصبت وجنتاها.
وضع الخادم مجموعة العلب قربها على الكنبة , ولاحظت جولي أسم الماركة التي على العلب فجمدت , أذ هو أسم أحد أشهر محلات الثياب في لندن , وللحال عرفت ما تحويه الرزم هذه.
قالت له بصوت متقطع الوتيرة:
" شكرا لك , أستطيع أن أفتحها بنفسي ( لكنها لاحظت أن هالبيرد كان لا يزال يرمقها بتساؤل , فأردفت ) هذه العلب لا تخصني".
" لكن الصبي الذي أحضرها....".
" نعم , أعرف ما قاله , لقد ظن أنها مرسلة الي , ألا أن الحقيقة غير ذلك , دعها هنا , هالبيرد , سأتدبر أمرها".
" كما تريدين , سيدتي".
منتديات ليلاس
تنهدت جولي عميقا , ووقفت تحدق في مجموعة العلب بعينين نفذ الصبر منهما , ترى , من الذي أوصى عليها ؟ روبرت ؟ أم هي باميلا المرأة التي لم تقابلها بعد ؟ في أي حال , يجب أن تعاد هذه العلب اليه , كائنا من كان , فهي ليست في وارد قبول أي شيء من آل بمبرتون!
نهضت , بادية التبرم , وسارت في أتجاه العلبة المرمية على السجادة , جثت بقربها تحاول أعادة ما تحويه وأحطام غطائها ثانية , كان ثوبا قماشه ناعم الملمس ينزلق على راحة يدها , تناولت القطعة ,وبدافع غريزي , تفحصتها.
تفحصت الثوب , فأذا هو رداء طويل , له كمّان عريضان وياقة عالية تنتهي بفتحة عند الصدر , أمسكت به تقيسه على قامتها , وأدركت أنه من مقاسها تقريبا , ومجرد الأستنتاج هذا ضايقها.
وبينما هي في حال تأملها هذه , تسر الى نفسها بتساؤلات شتى , تناهى اليها صوت الباب الرئيسي يفتح , وما هي ألا لحظات قليلة حتى دخل عليها روبرت , كان يرتدي معطفا متوسط الطول ذا قبة من الفرو .
فوجىء أذ وجدها وحيدة , جال بنظره في أرجاء الصالون متسائلا , ومتجاهلا في آن وجود العلب الملقاة على الكنبة , ثم سألها:
" أبن الجميع؟".
أجابته وأنفاسها تتضاءل:
" في نزهة في الحديقة العامة".
وخلع معطفه بينما ظهر هالبيرد يتناوله منه.
قال الخادم يسأل سيده:
" أترغب في بعض الشاي , سيدي؟".
نظر روبرت الى جولي يستطلع رغبتها هي أيضا , فأومأت نفيا , أذ ذاك ألفت الى هالبيرد :
" كلا , شكرا , هالبيرد , ربما في ما بعد , متى عادت السيدة بمبرتون ".
" كما تشاء سيدي".
وأنسحب هالبيرد , أما جولي فقامت تبتعد عن الكنبة الى وسط الغرفة , وهي تتوقع منه في أي لحظة توضيحا في شأن بادرته.
لكن روبرت بدا عازما على ألا يخوض في موضوع العلب , ألقى بنفسه على مقعد , ثم أشعل سيكارا بلا مبالاة مثيرة , أخيرا , لم تعد تستطيع أحتمال الأمر , فبادرته:
" حسنا , لماذا فعلت هذا؟".
فأجابها مستوضحا , وقد أختار أن يظهر جهله المتعمد للموضوع :
" فعلت ماذا ؟ جولي؟".
" لماذا أبتعت لي هذه الأشياء؟".
" هل أنا الذي أبتاعها؟".
" أجبني صراحة , ألست أنت الذي أشتراها؟".
" وماذا لو كنت أنا الذي أشتراها؟".
" أوه , كف عن تجاهلك الأجابة مباشرة عن سؤالي !( أطبقت راحتيها ) كنت نبّهتك ....... الى أنني لا أريد منك شيئا".
" أنا آسف أذا كنت خيّبت ظنك , غير أنني لست مسؤولا عن شراء هذه الأشياء".
" أذا لم تكن أنت الذي أشتراها , فمن يكون أذن؟ لا تقل لي هي والدتك التي أبتاعتها!".
" وماذا في هذا؟".
" لا يعقل أن تكون فعلت أمرا كهذا!".
" حسنا , آسف ثانية أن أخيب ظنك , لكن والدتي هي التي أشترت هذه الملابس( وأخذ يراقب ردة فعلها بعين ناقدة , ثم أضاف) أغلبالظن أنها أدركت أن ما لديك من ثياب ليس ملائما لظروف وضعك المستجد".
مررت جولي يدا مرتعشة على شعرها , وقالت ثائرة:
" كيف تجرؤ على أن تفرض علي ما أرتدي؟ ( وأضافت وعلامات الأزدراء في قسمات وجهها ) أه , بالطبع , كيف لم يخطر هذا في بالي قبل الآن؟ أنها مأدبة العشاء لهذه الليلة , هذا ما دفعها الى شراء هذه الثياب , أليس الأمر كذلك؟ أتراها تخشى أن أحط من قدرها؟ فأظهر مظهر النسيبة المعدمة!".
" هدّئي من روعك , يا جولي! وكفي عن التصرف كطفل مدلل ! أن أختياروالدتي شراء بعض الثياب لك يفترض فيك أن تقابلي لفتتها هذه بالأمتنان , هذا أقل ما يمكن أن تفعليه!
هل تعلمين أنك تبعثين الأشمئزاز في نفسي؟".
ردت عليه وهي مهتاجة:
" ليس بمقدار الأشمئزاز الذي تبعثه أنت في نفسي".
" أنت مصممة على دفع الأمور نحو الأسوأ , أليس هذا ما تفعلين؟".
" أذا كان ما أرتديه لا يليق بكم ..... وبأصدقائكم , فسأبقى في غرفتي هذا المساء".
" بل ستفعلين ما أقوله لك".
" ومن ذا الذي سيضطرني الى الأمتثال لكلام؟ ( وأرتدت خطوتين , أذ لاحظت الغضب الشديد الذي أخذ يتملكه , ثم أضافت مستطردة ) يظهر أن والدتك كانت تعلم سلفا بشعوري حيال هذا الأمر , فأشترت هذه الملابس لتغيظني".
أوغل روبرت أنامله في شعره الكث ثم أراح يده على مؤخر عنقه وقد أعتراه سأم , وبصوت جاف عاد يخاطبها:
" لا تنطقي هراء , أنت تدركين جيدا أن ما كنت ترتدينه في مالايا لن يبدو مناسبا عمليا , خصوصا في فصل الشتاء هنا ( ثم أرخى نظره الى حيث مجموعة العلب وسألها ) ألم تنظري ما في داخلها؟".
" كلا حتى أنني لم أحل رباطها".

منتديات ليلاس
تردد روبرت لحظة ثم فك أزرار سترته وأنحنى يحل رباط أقرب علبة طاولتها يده , كانت العلبة تضم تنورة من الجوخ لونها أخضر , أخرجها وتأملها متفحصا , ثم قال بنبرة متّزنة:
" يبدو أنها تناسبك".
" أنك لا تتردد في أهانتي , أليس كذلك؟".
" ولماذا أتردد ؟ فأنت لا تجدين غضاضة في أهانتي".
" أنا ..... أهنتك؟ وكيف هذا؟".
" كيف تتصورين كان شعوري حين عدت من فنزويلا وأدركت أنك تزوجت مايكل؟".
" أفضل ألا نتطرق الى هذا الموضوع".
" أنا متأكد أنك لا ترغبين في بحث هذا الموضوع , أذ هو لا يقبل الجدل!( لاحت أبتسامة عند طرفي شفتيه , وأضاف) ألا أنك كنت صريحة معي , صريحة بحق , لقد جعلتني أدرك بوضوح أي غبي كنت فعلا.....".
" أنت لا تدرك حقيقة الأمر!".
" بل أنني أدركها جيدا , فقسم من الصفقة التي أتممتها كان بدافع المال , أليست هذه في النهاية حقيقة الأمر؟ كنت قد نجوت من مصيدتك , أي رصيد في مصرف هو بقيمة أي رصيد آخر!".
مدت جولي يدها وصفعته بقوة , مما أجبره على التوقف عن حديثه , لم تدر ماذا سيكون رد فعله , الرد بالمثل , تصورت , ألا أن روبرت لم يحرك ساكنا , بل ظل يحدّق فيها بنظراته الثاقبة , وآثار الصفعة واضحة على خده , فجأة , أستدار على نفسه وخرج من الصالون.
حدقت جولي في الباب الموصد بعينين دامعتين , وهي تسأل نفسها: ( رباه , ما الذي فعلت؟).
عادت تنظر الى العلب على الكنبة , وراودها شعور بتمزيقها أربا مع محتوياتها , لكن هذا لن يفيد في شيء , سوى كونه أثباتا لأتهامه أياها بالمراهقة.

نيو فراولة 22-06-11 10:22 AM

3- دعوة للخروج




أستجمعت كل قواها قبل أن تفتح الباب وتدخل الى القاعة , وما أن خطت أولى خطواتها حتى تلاشت الأصوات تدريجيا وأتجهت أنظار جميع الحاضرين صوبها.
بادرت لوسي قائلة , وهي تدنو من كنتها , وأبتسامة متكلفة تواكب نظراتها:
" هل أنت أخيرا , جولي! نحن جميعا في أنتظارك , تعالي أقدمك الى الحاضرين".
أخذت لوسي كنتها من ذراعها ومشت وأياها الى حيث يقف الآخرون , وعينا جولي شاخصتان الى أمرأة شابة طويلة القامة , كانت تقف الى جانب روبرت , لم تكن باميلا هيلينغتون كما تصورتها جولي , ألا أن هذه لم تستطع أنكار كون المرأة جذابة , شعرها بني , ممتلئة الوجه نضرة الملامح , ثوبها الطويل ذو اللون الأرجواني أبرز قوامها الرشيق.
نظرت جولي الى روبرت , بدا هو الآخر ذا ملامح تنطق بالرجولة ,كان يرتدي بذلة السهرة , وأحست جولي بأنكماش في معدتها جعلها تشعر بتوعك خفيف , عيناه الرماديتان تتلطيان خلف رموشه الكثيفة وبدا على وجهه خلوا من أي تعبير.
" فرنسيس...... لويز.... أقدم أليكما كنتي جولي , جولي , أقدم اليك والدي باميلا , باميلا , عزيزتي , أقدم اليك جولي".
صافحت الجميع بحركة آلية , وبدا لها والدا باميلا أصغر سنا مما تصورت , هما في أواخر الأربعينات من العمر , كانت عينا فرنسيس هيلينغدون الزرقاوان تتفحصانها بأعجاب لا تحفظ فيه , وبدا لجولي رجلا جذابا , لم يكن بطول قامة روبرت , ألا أنه كان قوي البنية , شعره أسود يخالطه الشيب , سالفاه طويلان.
أما لويز فكانت كأبنتها طويلة , ويبدو للناظر اليها وزوجها أن أبنتها أزاءهما غير ذات أهمية.
بعد أن تعارف الجميع , بادر فرنسيس قائلا:
" لقد تعرفنا لتونا الى أبنتك , جولي أنها سيدة صغيرة رائعة".
ضحكت أيما قائلة:
" لقد ظن السيد هيلنغدون أن بيجامتي ورداء النوم ما هما سوى التقليعة الجديدة للباس السهرة".
أبتسمت جولي لها , وقالت:
" هل قال هذا فعلا؟ ( ثم أردفت تذكّرها ) أعتقد أنك أوضحت للجميع أن على السيدات الصغيرات الآن أن يأوين الى سرائرهن ".
أنعكست ملاحظة جولي تقطيبة ظريفة على وجه أيما , وقالت تسأل :
" هل هذا يعني أن علي أن أذهب الى فراشي؟".
أجابت جولي بحزم:
" نعم".
بادر روبرت يسألها بصوت بارد :
" ماذا تودين أن تشربي , جولي؟".
" كوب من عصير البرتقال , أذا سمحت".
ما أن ترك روبرت المرأتين وحدهما , حتى بادرت باميلا بالقول:
" هل تجدين صعوبة في التكيف ثانية مع الحياة في لندن؟ لا بد أنك وجدت الطقس باردا , أليس كذلك؟".
وتدخلت لويز هيلنغدون للحال:
" هل كنت تعيشين في مالايا؟".
أومأت جولي برأسها أيجابا:
" نعم , هذا صحيح ( ثم أخذت من روبرت كوب العصير ) أوه , شكرا ( وعادت تكمل حديثها مع السيدتين) نعم , الطقس بارد جدا , ألا أن التدفئة المركزية في الشقة تخفف من الأحساس بقسوته".
سألها فرنسيس وهو يقدم اليها لفافة تبغ:
" ما رأيك في منزلك؟ كان ملكا لأحد أصدقائنا".
" نعم , لقد قيل لي هذا , يبدو منزلا جميلا جدا , لقد أخذني روبرت لمشاهدته , البارحة".
نظرت باميلا الى خطيبها وعادت خطوة الى الوراء لتفسح له مجال مشاركتهم في حلقتهم , ثم سألته:
" متى سيكون في أستطاعة جولي أن تنتقل الى منزلها؟".
أجاب روبرت:
" في نحو أسبوع أو أكثر قليلا , فأعمال الديكور أوشكت على الأنتهاء".
نظرت باميلا الى جولي ثانية , وسألتها:
" هل أعجبك الديكور؟".
" أعجبني جدا , عرفت أن معظم التصاميم كان لك فيها الرأي الأخير".
أبتسمت باميلا معلّقة:
" هذا صحيح , كان الأمر مسليا بالفعل , نوعا من التمرس , لي ولروبرت , الى أن نجد منزلنا الخاص".
تلك اللحظة , بادرت لوسي هاتفة:
" أليس من السخافة أن نظل جميعا قياما , هنا؟ ألا يمكننا أن نجلس في راحة؟".
ألتفت روبرت نحو لويز:
" هلا تفضلت بالجلوس , لويز؟".
أتكأت أيما على ساعد والدتها , والحديث دخل في العموميات , وما هي ألا دقائق قليلة حتى لاحظت جولي أن النعاس بدأ يغالب عيني أبنتها , أذ أخذ جفناها ينسدلان على عينيها تعبا, نهضت من مقعدها قائلة:
" هيا بنا , حبيبتي , أضعك في فراشك".
نهض روبرت وفرنسيس , أحتراما , وبأبتسامة أعتذار طلبت من أيما أن تلقي التحية على جدتها والآخرين وتتقدمها الى غرفتها.
عادت جولي بعد فترة وجيزة , وكان العشاء جاهزا , فتوجه الجميع الى غرفة الطعام.
في الصالون , وضع روبرت بضع أسطوانات , فأمتلأ الجو بألحان ( البعد الرابع) للموسيقار بيرت بكارا.
جلست باميلا وروبرت على كنبة واحدة , فيما أستغرقت لوسي ولويز في حديث ثنائي طويل , وبأعتبارهما والدتي عروسي المستقبل , فقد كان طبيعيا أن يدور حديثهما حول تفاصيل حفلة الزواج , وهكذا , بقيت جولي وحيدة مع فرنسيس.
بعد أن غادرت عائلة هيلينغدون , أحست جولي كما لو أنها كانت تعرف فرنسيس منذ أعوام طويلة , وشعرت بالأمتنان له كونه جعل أمسيتها الصعبة تنقضي ساعاتها بسرعة ومتعة.
واكبهم روبرت الى سيارتهم , وبعد خروجهم , تنهدت لوسي تعبيرا عن الرضى.
قالت تسأ ل جولي:
" أوليسوا عائلة رائعة؟".
" بالكاد تسنى لي التحدث مع أي منهم , اللهم سوى أطراف حديث تبادلته مع فرنسيس".
" فرنسيس! ( بدت لوسي مذعورة , وأضافت ) لا أظنك ناديته بأسمه مجردا , كما فعلت الآن؟".
" ولم لا؟".
" أسمعي , عزيزتي , أنت بتصرفك هذا لم تكوني في مستوى لائق , أتدرين من يكون؟".
" لست مهتمة للأمر كثيرا".
" أذن , ربما من الأجدر بك أن تعلمي أنه رئيس مجلس أدارة شركة هيلنغدون , والده هو السيد أرنولد هيلينغدون , وسيرث والد باميلا اللقب بعد وفاة أبيه".
" شيء عظيم!".
أمتقع وجه لوسي من الغضب , وقالت:
" كان عليّ أن أدرك سلفا أن معلومات كهذه لا وقع لها في نفسك ولا قيمة.......".
" فعلا , أعرف هذا , ولن أكون في أي حال عقبة في طريق أحد".
شرعت لوسي تفرغ منفضة ملأى بأعقاب السكائر في سلة قمامة صغيرة , ثم سألت جولي:
" لم أكن أدري أنك تدخنين؟".
" أنني لا أدهن ".
" لكنك فعلت هذا المساء!".
" أدخن في المناسبات فقط , هذا كل ما في الأمر ( وتنهدت قبل أن تضيف ) هل أستطيع أن آوي الى فراشي؟".
أجابت لوسي وهي تستدير مبتعدة:
" لم لا؟".
" لم أكن متأكدة مما أذا كان يحق لي أن أفعل من دون أستئذان".
فجأة , فتح باب الشقة ثن أوصد ثانية , وكان القادم روبرت , دخل الغرفة وهو يفط أزرار سترته , وبدا متضايقا لكثافة دخان السكائر , وظهرت تقطيبة على وجهه , تماما كما تفعل أيما , وحبست جولي أنفاسها .
أحسّت بأقترابه منها , ثم وقف قبالتها , بادرها بصوت بارد ميّزت فيه لهجة تحد:
" حسنا ؟ أراك غيّرت رأيك؟".
لم ترد جولي على ملاحظته , وأذ أدركت أنه كان يشير بكلامه الى ثيابها, أما لوسي فتملّكتها الحيرة والتساؤل:
" غيّرت رأيها؟".
قال روبرت وأشارة من يده تحسم تساؤل والدته:
" لا شيء!".
ثم جال بنظره في الغرفة وأردف:
" ما هذه الفوضى!".
رفعت لوسي كتفيها أستخفافا , وقالت :
" هالبيرد سيهتم بأمر تنظيف الغرفة صباحا".
سار روبرت الى حيث أبريق العصير , سكب لنفسه كوبا , ثم ألتفت نحو والدته يسألها:
" أترغبين في كوب؟".
سبقت جولي حماتها في الجواب:
" أنا أرغب في واحد".
سكب روبرت لها كوبا وحمله اليها , بادرت لوسي تثير ثانية موضوع علاقتها المتوترة بجولي , وشكت لأبنها معاملة كنّتها لها وتصرفاتها الأستفزازية , فتطلّع روبرت ناحية والدته متأملا , ثم قال:
" أذا كانت علاقتكما مستعصية فما من أحد يمنعك من العودة الى شقتك".
فوجئت جولي بأقتراحه هذا , أذ لم يكن من عادته أن يتكلم مع والدته بهذا الأسلوب الفظ.
هتفت لوسي مذعورة :
" ماذا؟ وأتركك هنا وحيدا ....... معها؟".
" وماذا في الأمر ؟ ( سألها روبرت ساخرا , ثم أضاف ) لا أظنك تعتقدين أن في الأمر مانعا .... من كلا الطرفين ؟".
أجابت لوسي وهي تحدّق فيه محاولة أستقراء ما يجول في ذهنه :
" بل هناك مانع , هذا فضلا عن أنني لست متأكدة من أن باميلا ستقبل أن أترك الشقة".
مرر روبرت راحة كفه على عنقه:
" ولم لا؟".
أجابت لوسي بأمتعاض:
" لا تكن بليد الذهن روبرت".
" لست كذلك , أمي , أذا كنت تعتقدين ما أظنه يراود مخيلتك , فلا أعتقد صراحة أن وجودك سيكون عقبة في طريقي أذا ما رغبت في مغازلة جولي!".
هتفت جولي وقد أمتقع وجهها:
" روبرت!".
ألا أن روبرت هتف بدوره اضبا:
" أنها الحقيقة , أمي , في الواقع أن وجودك هنا بهدف حمايتي ليس ضروريا , جولي هي أرملة أخي....... لهذا , علي أن أنهض بأعباء معيشتها هذا كل ما في الأمر , هل أنت مقتنعة الآن ؟ ( أستدار مبتعدا , ثم أردف قائلا) الآن , الأفضل لنا جميعا أن ننال قسطا من النوم , فأنا تعب".
نهضت جولي من مقعدها وهي ترشف ما تبقى في كوبها , رمقتهما بمرارة , وقالت لروبرت ملاحظة بسخرية:
" أحسنت , فتحديدك اللبق لعلاقتك بي , أعجبني هل لي أن أضيف على ما تفضلت , بأن الأمر يعود اليك فقط في توفير قوتي أو عدمه!".
ذات يوم , وكان مضى أسبوع على وجودها في لندن , رن جرس الهاتف وكانت وحيدة في الشقة , وفوجئت لدى سماعها صوت فرنسيس هيلينغدون .
هتف قائلا:
" جولي!".
" نعم ...... هل المتكلم... السيد هيلينغدون ؟".
" فرنسيس ( أوضح في أقتضاب ) كلمة سيد تبدو كأنك تعتبرينني كهلا".
أبتسمت جولي :
" لم أقصد هذا أطلاقا".

بدا فرنسيس مستمتعا بالحديث:
" أنني متأكد أنك لم تفعلي , هل أنت في حال جيدة؟".
" بخير والحمد لله ( ألتفتت الى الوراء , وقد شعرت بقدوم هالبيرد الى الغرفة , وأستدركت ) مع من كنت ترغب في التحدث؟ روبرت غير موجود , أنه في مكتبه في الشركة , وحماتي أصطحبت معها أيما في نزهة الى حديقة الحيوانات".
أوضح مؤكدا , أذ فوجىء بسؤالها:
" أردت التحدث اليك , جولي ".فرفعت كتفيها تسليما للأمر , أمام هالبيرد .
قالت مرددة , ليفهم الخادم حقيقة الأمر :
" أردت التحدث اليّ؟".
فأومأ هذا برأسه تهذيبا ثم غادر الغرفة.
: نعم , أردت أن أسألك أذا كنت تقبلين دعوتي الى الغداء , هذا , أذا لم يكن هناك ما يشغلك؟".
" الى الغداء ؟ ( رددت جولي وهي تستجمع حواسها , وبدا لها أنها تردد كلماته ببغاويا وهي في حال مرتبكة ) لكن ...... لماذا؟".
ضحك فرنسيس:
" هل علي أن أقدم سببا لدعوتي أياك؟ ألا تستطيعين تقبل رغبتي في دعوتك الى الغداء , مجرد من أي سبب؟".
بدت جولي كمن غلب على أمره , وقالت :
" حسنا , لست أدري.....".
" لماذا ؟ تقولين أن روبرت في مكتبه , ولوسي وأيما خرجتا الى حديقة الحيوانات , فما الذي يمنعك من قبول دعوتي؟ أما أذا كنت مرتبطة بمواعيد أخرى , في هذه الحال طبعا , أقدم أعتذاري المناسب , وأعدل عن الموضوع".
تنهدت جولي.
" كل ما في الأمر أن دعوتك لي جاءت مفاجئة".
" أذن؟".
منتديات ليلاس
أنتظر فرنسيس سماع جوابها.
خالج جولي مزيج من الماعر المتضاربة , ففكرة الغداء مع فرنسيس تغري , أذ هو شخص مسل وذو شأن في آن , ولم تشك للحظة في أنها ستتمتع برفقته , لكن هناك أمورا أخرى عليها أن تأخذها في الأعتبار : ماذا سيقول روبرت , أولا , وأية قصة خبيثة ستختلق لوسي عن الموضوع برمته , ثانيا.
ولأن تقييد حماتها لها بدا نوعا من الأستفزاز يحض على أقتراف أي عمل متمرد لا يغتفر , أتخذت جولي قرارها.
أخيرا , أجابت فرنسيس:
"حسنا , أنني أتطلع الى أن أتناول الغداء معك , أين نلتقي؟".
بدا فرنسيس منشرحا وقال مقترحا:
" سآتي الى عندك لأصطحبك , نحو الثانية عشرة؟".
بلت جولي شفتيها:
" حسنا , سألقاك عند مدخل البناية".
" أتفقنا".
أقفل فرنسيس الخط , وأعادت جولي هي الأخرى سماعة الهاتف الى مكانها بيد مرتعشة , لقد قضي الأمر وقبلت دعوته , ولم تعد تستطيع , بالتالي , التراجع عن موافقتها , حتى ولو أرادت ذلك , أذ أنها لم تكن تدري وسيلة للأتصال بفرنسيس , ولا هي كانت تعلم مكانه ورقم هاتفه , فضلا عن أنه لم يعد هناك متسع من الوقت لذلك , وما هي ألا ساعة أو أقل حتى يكون في أنتظارها عند أسفل السلم.
تأملها فرنسيس بتمعن فترة طويلة قبل أن يعود الى حاله ويدير محرك السيارة , ثم قال معلقا , وقد أنطلق بالسيارة في شارع أيتون غايت :
" تبدين جميلة جدا... الحقيقة أنني تساءلت عما أذا كنت ستعدلين عن المجيء؟".
حدّجته لوسي بطرف عينيها:
" هل كان مفروضا فيّ أن أفعل؟".
" ليست هذه وجهة نظري".
" الى أين نحن ذاهبان؟".
" الى مطعم (( الطائر الأرجواني )) ( أجابها وهو يراقب رد فعلها , ثم أضاف ) أنه مطعم يقع في شارع سلوت , هل سمعت به من قبل؟".
هزت جولي رأسها نفيا , قائلة:
" كلا , لكن هذا ليس غريبا قياسا على الظروف ( وتنهدت قبل أن تضيف ) لقد أنقضت ستة أعوام مذ دعاني شخص الى الغداء في لندن ".
" أذن , أعتبر نفسي محظوظا , سنشرب نخب هذه المناسبة".
ضحكت جولي لملاحظته الطريفة , وأحست براح كبرى وهي تتأمله.
مطعم ( الطائر الأرجواني ) كان يستحق الشهرة التي له , فالطعام فيه كان شهيا , وأحست جولي على رغم متعتها بالدعوة بأسف وهما في طريق العودة الى شقة روبرت.
خلال جلسة الغداء , لم يتعد حديثهما العادي من المواضيع المختلفة, وما أن أقتربت بهما السيارة من البناية , حتى قال فرنسيس:
" هل تقبلين دعوتي ثانية ,جولي؟".
نظرت اليه جولي , وعيناها شاخصتان بثبات الى الأمام تستطلعان الطريق:
" هل تريدني أن أخرج معك ثانية؟".
" طبعا".
" لست أدري ما أذا كان مناسبا أن تفعل هذا".
" ولم لا ؟ ( ورمقها بنظرة قصيرة , ثم أضاف) ألم تمضي وقتا ممتعا في رفقتي؟".
" بلى , لكن ليس هذا هو المقصود".
" لا أفهم ما ترمين اليه".
" بل أنت تفهم تماما ما عنيت , عندما..... دعوتني الى الغداء , سألتك عن السبب وكان جوابك لي.... هل يجب أن يكون هناك سبب لتقبلي دعوتي؟ حسنا , الآن , أرى سببا لذلك ".

قطب جبينه:
" بالتأكيد , السبب واضح, أنني أرتاح لوجودك".
" وزوجتك؟".
" لويز؟ وماذا عنها؟".
" هل هي على معرفة بدعوتك لي اليوم؟".
" لا لزوم لأن تعرف , فالأمر لا يخصها".
" بل على العكس ( تنهدت جولي ثم أضافت) ألم تدرك قصدي بعد؟ أنها أذا علمت أننا كنا معا اليوم ولم تخبرها بالأمر سلفا ... ماذا سيكون موقفها؟".
" الحقيقوة أنني لا أكترث لهذا كثيرا".
حدّقت فيه جولي تستشف مغزى كلامه وسألته:
" لماذا؟".
" هل عليّ أن أوضح لها الأمر ؟ الحقيقة أن علاقتي بلويز أنتهت منذ سنوات , نعم , ما زلنا متزوجين , ونتصرف كأننا سعيدان , أنما المسألة كلها لا تتعدى مصلحة باميلا , وأهلي , هذا كل ما في الأمر".
تنفست جولي بعمق , وقالت:
" فهمت الآن".
أحنى فرنسيس رأسه يتأمل أزرار سترته , وقال:
" أرى أن الحقيقة هذه تجعلني , بالطبع , فاقد الأعتبار والأحترام".
" ماذا تقصد؟".
رفع فرنسيس نظره نحوها , وقد أرتسمت على وجهه سخرية مرّة , وأجاب:
" هل يمكنني أن أفهم أنك نادمة لخروجك معي اليوم . ستفكرين أن عليك بعد الآن أن تكوني أكثر أحترازا في علاقتك معي وستقولين لنفسك : هذا رجل يسعى وراء هدف أبعد من صداقة مجرّدة!".
تلوّن وجه جولي , وأعتدل هو في جلسته بحركة عصبية , ثم قال:
" أترين؟ أنني على حق في ما قلت , أليس كذلك؟".
سألته بلطف :
" وهل أنت فعلا؟".
" هل أنا ماذا؟".
" هل أنت وراء ما يتعدى صداقة مجرّدة؟".
تنهد فرنسيس قائلا:
" قد أكون غبا وكذابا في آن أذا أنا أنكرت ذلك , لكن , أذا كنت تعتقدين أنني أرغمك على القيام بأي عمل لست مستعدة لقبوله , فأنت مخطئة , أنني أميل اليك , ولا أستطيع أنكار هذا , لكن أذا كان ما تريدين من علاقتنا هو صداقتي فقط , فأنا مستعد لأكون صديقا بكل ما للكلمة من معنى ".
قالت جولي , تحدق فيه وقد غلبت على أمرها :
" أوه , فرنسيس".
" لقد توترت أعصابنا فجأة , وهذا لا ينفع في شيء ( ثم نظر الى ساعته , وقال ) علي أن أعود , لدي موعد ... دعيني أرى , منذ نصف ساعة!".
شهقت جولي :
" منذ نصف ساعة ؟ لقد تأخرت!".
تمتم فرنسيس بكلمات مبهمة وبدا غير منزعج للأمر.
دفعت جولي باب السيارة وأنسلت خارجا وهي تقول:
" من الأفضل أن أذهب".
وفي اللحظة نفسهاخرج فرنسيس هو الآخر ودار حول السيارة قادما ناحيتها.
" أشكرك لقبولك دعوتي".
"بل أنا شاكرة لك ( وهزت رأسها دلالة الرضى وهي تضيف ) كان غداء رائعا".
أومأ فرنسيس :
" حسنا".
ثن عاد الى الجهة الأخرى من السيارة , ألا أنها أوقفته وهي تضع يدها على كتفه :
" ألن تدعوني الى الخروج معك ثانية؟".
" وهل تقبلين؟".
" بأعتبارك صديقا , نعم".
أخذ يدها بين راحتيه , وقال :
" حسنا , سأتصل بك خلال أيام قليلة , أذا لم يكن هناك مانع ".
أومأت جولي موافقة .
" حسنا , الوداع , فرنسيس".
" الوداع , جولي ".
أخلى يدها وخفّ عائدا الى مقعده في السيارة.
حين دخلت الشقة تناهى الى سمع جولي بوضوح صوت أنثوي, وأحست بقلبها يغور في صدرها , ظنت أن لوسي عادت , ولا بد أنها ستتحرى منها تفسيرا لخروجها من دون أن تعلم أحدا بالمكان الذي قصدته.
سوّت سترة ثوبها , وألقت حقيبتها على الطاولة في رواق الشقة , ثم دفعت باب الصالون ودخلت , غير أن التي كانت في الداخل تقتعد الكنبة لم تكن حماتها , بل أمرأة شابة لم تكن ألتقتها قبلا , ألتفتت هذه نحوها متسائلة أذ خطت داخل الغرفة , كان روبرت هناك أيضا , يقف متكدر الوجه الى جانب النافذة , ويداه خلف ظهره.
أغلقت جولي الباب ثم أسندت ظهرها اليه , وأرتسم على جبينها المعقود سؤال أذ أستعصت عليها هوية المرأة , ثم حدّجت صهرها مستفسرة , فأقترب هذا متثاقلا , ليقف وراء الكنبة.
بادرها بصوت بارد:
" طاب يومك , جولي , أنني مسرور جدا أن أراك قد قررت العودة أخيرا , الأنسة لوسن وأنا ننتظرك منذ ما يقارب الساعة".
أوضح قائلا وعيناه تجبهان عينيها بقوة أحست معها أنها طفلة أعتراها الخوف:
" الآنسة لوسن هي المربية التي أخترتها لترعى أيما , لقد أطلعتك قبلا على هذا الموضوع , أن كنت تذكرين".
" أنني آسفة لتخلفي عن أستقبالك , آنسة لوسن".
وتوجهت نحوها لتصافحها , مدت لها المرأة الشابة يدا متراخية , وجولي تقول:
" أنا جولي بمبرتون , والدة أيما".
رأت الآنسة لوسن أن الوقت مناسب لتعيد بعض الحماسة الى الجو المتشنج , فأنتصبت على قدميها وقالت:
" كيف حالك سيدة بمبرتون ؟ ( كانت أطول قامة من جولي , وبدا أن هذا راقها , ثم أضافت بصوت مهذب ) أنه لسرور عظيم لي أن أتعرف اليك , بالمناسبة , أين هي أيما؟".
رفعت جولي نظرها صوب روبرت , وسألته:
" ألم تعودا بعد؟ أذ أن والدتك أخذت ايما الى حديقة الحيوانات ".
عقد روبرت يديه على صدره , فبدا بهذه الحركة أكبر حجما وأكثر قوة , ما لم يسبق لجولي أن لاحظته فيه قبلا , خصوصا متى قورن مع فرنسيس الأقصر منه قامة , والأصغر بنية , ثم قال:
" ضروري أن تتعرف الآنسة لوسن الى أيما اليوم , فغايتي من ترتيب هذا اللقاء هي الأفساح في المجال للآنسة لوسن أن تعطي رأيها في موضوع تدريسها".
" لم أكن أدري أننا أتخذنا قرارا نهائيا في هذه المسألة".
تجهم وجه روبرت وقال :
" أنما العكس هو الصحيح , كل شيء تم ترتيبه , الآنسة لوسن ستقطن معكما في ثورب هيلم لدى أنتقالكما الى المنزل الجديد في نهاية الأسبوع , ولست أرى سببا حقيقيا يعقوق هذا الأمر".
شمخت جولي برأسها وقد صممت على ألا تسمح له بأن يهولعليها في حضرة أمرأة غريبة وقالت بلهجة حازمة:
" أني متأكدة أن مدرسة القرية مكان مناسب لتبدأ أيما دراستها , وعندما تصبح أكبر سنا...".
قاطعها روبرت وبريق بارد يغلف نظراته:
" أتركي لي الحكم المناسب في هذه المسألة , جولي".
فأجابت تحاول أسترضاءه:
" ألا تعتقد أن علينا تداول هذا الموضوع مليا قبل أتخاذ أي قرار؟".
" ليس هناك مجال للبحث فيه أكثر ".
" لا أوافقك الرأي ( وأبتسمت للآنسة لوسن أبتسامة خفيفة , وأضافت ) لا شك عندي أن الآنسة لوسن مربية ممتازة , ألا أنني أفضل أن تخالط أيما أولادا آخرين خلال النهار".
" لست في وارد الخوض معك في جدل عقيم , جولي , لقد أحضرت الآنسة لوسن الى هنا , كما سبق وقلت , لتتعارفا , ليس ألا ".
ببدت جولي مهتاجة , ألا أنها , وقد أدركت أن القرار ليس في يدها , ألتفتت الى الفتاة تسألها:
" هل ترغبين في فنجان شاء , آنسة لوسن؟".
أومأت الفتاة موافقة:
" نعم , شكرا".
منتديات ليلاس
وأسرعت جولي في أتجاه الباب , بعد أن أشارت لها لتجلس ثانية , في الممر الذي يصل الصالون بالمطبخ قطع عليها روبرت طريقها وأعترضها مانعا أياها من التقدم , أمسك بمعصمها ولوى ذراعها , ثم قال لها بنبرة مزمجرة متوحشة:
" أين كنت حتى هذه الساعة ؟ أتعلمين أنها تخطت الثالثة والنصف؟ ".
رفعت جولي نظرها والغضب يملؤها , كان الممر ضيقا لوجودهما معا , ولم يحدث أن كانا على مثل هذه المسافة القريبة جدا , منذ عودتها من مالايا , كانت أصابعه الممسكة بمعصمها باردة قاسية , أما شرارات السخط التي كانت تنبعث من عينيه فلم تكن من البرودة في شيء , وبدا على وشك أن ينفجر من الغضب , قالت توضح له:
" أنت لست قيما على حياتي الخاصة , روبرت".
" لم أقل أنني هكذا , فقط سألتك أين كنت؟".
" خرجت أتغدى في أحد المطاعم".
" اللعنة عليك . أعلم هذا , لكن ما لا أعرفه هو من كان في صحبتك الى الغداء ؟ ( وشدّ على معصمها وهو يسألها ) هل تريدين أن أحطم عظم معصمك؟".
" لن تتجرأ!".
" أتراهنين!".
وبدا من عينيه الملتهبتين أنه جاد في ما يقول.
" أحست جولي بأنقباض في حلقها , وقالت:
" أنك متوحش! أذا كان لا بد أن تعرف من هو الشخص الذي خرجت معه الى الغداء , فلا بأس في ذلك , أنه فرنسيس!".
" فرنسيس؟ ( رجج متسائلا ) فرنسيس من؟".
" فرنسيس هيلينغدون !
بدا واضحا أن أن روبرت صعق لوقع الأسم هذا , غير أنه لم يدعها تفلت من قبضته , وأضاف يسألها غير مصدق:
" والد باميلا؟".
" هو أياه ( وأضافت بلهجة ساخرة) دعني وشأني!".
تجاهل روبرت طلبها , وعاد يسألها:
" ماذا تظنين أنك تفعلين بخروجك معه الى الغداء ؟ أنت بالكاد تعرفينه".
أجابت والنبرة الساخرة تلازم صوتها :
" نعم , والآن توطدت معرفتي به".
" أيتها اللعينة , كيف أتفق أن خرجت معه؟".
" لقد دعاني الى ذلك ( أجابته , وأبتسامة تتوزع على قسمات وجهها , وأضافت) ليس هناك أي سوء فيما فعلت , أتصل بي هذا الصباح ودعاني الى الغداء , هذا كل ما حصل".
قال روبرت وعيناه لا تفارقان وجهها:
" لم أكن أتصور أن فرنسيس يمكن أن يقدم على أمر كهذا".
" أنه ليس ما تظن , ثم , ماذا تعني بقولك : أمرا كهذا , لقد قلت لك أن ليس في الأمر أية غاية أخرى".
" أنا متأكد من هذا ( ونظر الى يدها الأسيرة بين أصابعه وأضاف ) يغريني الآن أن أهشم معصمك كما أفعل بعود ثقاب ( بدا وجهه كالحا ) أم ترى من الأفضل أن أحطم عنقك؟".

أطلقت جولي ضحكة عالية , غير مدركة ما في عينيه الرماديتين من شر , ثم قالت:
" كف عن هذا التصرف الأرعن , روبرت , أننا نضيع الوقت , بينما الآنسة لوسن ....... تنتظر مني أن أحضر اليها فنجان شاي , وقد تتساءل ما الذي أخّرني".
أجاب روبرت بصوت أجش:
" لا يهمني أبدا أن تنتظر الآنسة لوسن فنجان الشاي".
" لكنني أنا أهتم لهذا".
كان روبرت لا يزال يحدق فيها بوقاحة غريبة , تخصبت وجنتا جولي ورجته أن يتركها , ألا أنه لم يعر رجاءها أهتماما.
فجأة , شدّها اليه , ولوى ذراعها خلف ظهرها , نظر اليها بعينين زائغتين :
" حسنا ؟ ( غمغم بصوت أجش ) ماذا في أستطاعتك الآن أن تفعلي ؟".
تلوت جولي من الألم تقاومه على غير طائل , وزادته محاولاتها هذه تصميما , فأشتدت قبضته على معصمها , وضغط عليها حتى كادت تنقطع أنفاسها .
قالت له ثانية وقد وهن صوتها:
" أرجوك , روبرت".
" أيتها اللعينة ... أنك لا تتبدلين أبدا , ولا يهمك من تجرحين!".
سوت جولي قميصها بأنامل مرتجفة , والغضب حل مكان ضعفها :
" لم أطلب منك أن تلمسني ".
كان روبرت لا يزال يحدق فيها بنظرات تربكها , ومن دون أن يعلق بكلمة , أبعدها من طريقه ليختفي داخل غرفته , ظلت واقفة لفترة حيث تركها , وكانت ترتعش من قمة رأسها حتى أخمص قدميها , ثم أقتربت من باب المطبخ وأسندت يدها اليه , وقالت وفي صوتها عزم مصطنع:
" هالبيرد , هلا أحضرت لنا ثلاثة فناجين شاي؟".
راودتها فكرة الذهاب الى غرفة روبرت , ألا أنها فضّلت أن تسلك طريق التعقّل.
كانت الآنسة لوسن في مكانها تنتظر , وفي يدها لفافة تبغ , وبدا التأفف عليها لحظة دخلت جولي الغرفة.
بادرت جولي تعتذر لتأخرها:
" آسفة لتأخري , ثانية , لقد طلبت من الخادم أحضار الشاي , هلا أخبرتني قليلا عنك".
نظرت اليها المرأة الشابة وفي عينيها عداء لم تستطع جولي أن تتبين له سببا , ثم سألت مستوضحة:
" هل هذا يعني أنك موافقة على وجودي مربية لأيما؟".
جلست جولي في مقعد من الجلد قبالة الفتاة , ثم قالت بتحفظ:
" لنقل , حاضرا , أنني أقبل الوضع على حاله".
رفعت الآنسة لوسن حاجبيها أستغرابا وقالت:
" لكن السيد بمبرتون هو مخدومي".
تنهدت جولي , وقالت:
" هذا صحيح , الى حد ما , أسمعي آنسة لوسن , من المفترض أن تعرف الواحدة منا الأخرى جيدا , هذا أذا قيض لنا أن نعيش معا ( وحاولت أن تبدو أكثر ودا فأردفت قائلة ) ما أسمك الأول ؟ أذ ليس من المعقول أن أناديك آنسة لوسن طوال الوقت".
" أسمي ساندرا ( أجابت الفتاة ) ألا أنني أفضل أن ينادى عليبأسمي كاملا في حضور أيما , لأن رفع التكلف مع الأطفال لا يساعد في أنضباطهم كما تعرفين".
حاولت جولي جاهدة أن تكتم أبتسامة بانت على شفتيها.
" لا أظنك في حاجة الى ممارسة أصول الآداب مع طفلة في الخامسة , آنسة....... ساندرا , ثم , أن أيما ليست من ذلك النوع من الأطفال.......".
" أي نوع من الأطفال تقصدين , سيدة بمبرتون؟".
" الذي يحتاج الى التأديب , هذا ألى أن أيما طفلة مهذبة جدا , ولا أستطيع أن أتصور أنها قد تكون مصدر أي مشكلة كبيرة".
" أنت والدتها , سيدة بمبرتون , وبالتالي ر يمكنك أن تدركي المشكلات الطارئة التي تواجه المدرّي في مهنته".
أجابتها جولي وقد أحست بالسخط رغما عنها:
" ما أستطيع تصوره هو أن الأمر يعود بغالبيته الى قدرة المدرّس وكفايته".
بعد دخول هالبيرد تلك اللحظة , التشنج الذي بدأ يسيطر على حوارهما , وأنهمكتا بسكب الشاي وأنتقاء بعض الفطائر , رشفت جولي من فنجانها من دون أن تأكل شيئا , أذ أنفت نفسها الطعام في هذه الساعة من النهار.
منتديات ليلاس
أما ساندا فأكلت مليا وبشهية ظاهرة.
همّت هذه تسكب لنفسها فنجانا ثالثا من الشاي حين دخل روبرت , ولاحظت جولي أن روبرت أستحم ثم أبدل ثيابه , أذ كانت قطرات الماء لا تزال عالقة تلمع على شعره الأسود , وبدا متكاسلا عل عكس ما كان منذ فترة قصيرة.
أنفرجت أسارير ساندرا لرؤيته ثانية , وأبتسمت له بحرارة , بينما تعابير وجهه على حالها لم تتغير , سوى رقة باهتة ظهرت في عينيه وهو ينظر اليها.
فجأة تغيّر سلوكه , حين نظر الى جولي , وسألها بصوت فظ :
" حسنا ؟ هل تم ترتيب كل شيء؟".
رفعت جولي كتفيها بلا مبالاة , وأجابت:
" ليس عندي ما أقوله في هذا الشأن".
" جولي!".
" حسنا , قم أنت بالترتيبات التي تراها مناسبة ( ثم نهضت من مكانها , وأضافت ) يبدو أن لا قيمة أطلاقا لوجودي هنا".
بدا روبرت يتلظّى غيظا لموقف جولي هذا , وأذا بصوت الباب الخارجي يفتح , مما جعله ياتفت نحوه فجأة في أنفعال.

أطلّت أيما من باب الصالون , صغيرة , سمراء , ينطق وجهها بالحنان وهي ترتدي معطفها الأحمر وسروالا أخضر , توقف نظرها عند ساندرا لوسن , ونظرت الى والدتها مستفسرة.
أنحنت جولي تضمها اليها , وقالت:
" أهى حبيبتي , هل أمضيت وقتا ممتعا؟".
أجابت أيما بأنفعال وحماسة:
" كان يوما رائعا , أمي! ( وأفلتت من والدتها تعدو الى حيث كان روبرت واقفا , أخذت يده بين راحتيها تشد عليها بقوة ) لقد شاهدنا كل أنواع الحيوانات , عمي , وقد أشترت لي جدتي بوظة ومرطبات وحلوى".
سألها روبرت بلهجة لا تخلو من البرودة:
" هل أشترت لك , فعلا , كل هذا؟".
ثم أخذت ملامح وجهه تلين أمام سحر وجه الطفلة , لم يكن هناك أدنى شك في أنه كان يكن لها عاطفة كبيرة , وتساءلت جولي عن سبب الألم الذي يتولد فيها كلما لاحظت ذلك.
أردفت أيما تسرد له في شوق وفرح:
" شاهدنا أيضا قطيعا من الجياد , أتدري ماذا قالت لي جدتي؟.......... لقد قالت أن في أمكاني أن أقتني جوادا حالما ننتقل الى الريف, هل هذا صحيح , هل ستشتري لي جوادا , عمي؟".
قالت جولي وقد أحست بضيق مفاجىء:
" أيما".
كذلك فعلت لوسي في لهجة حادة , وهي تدخل وتنزع قازيها :
" ليس في الوقت الحاضر أيما".
ثم أنتبهت لوسي الى وجود ساندرا لوسن , فأنفرجت أساريرها , وهتفت:
"ساندرا! عزيزتي ساندرا , , لم أكن على علم بقدومك اليوم , وألا لبقيت في المنزل لأستقبالك".
قال روبرت , موضحا , وهو يساعد أيما في نزع معطفها:
" لم تكن الآنسة لوسن نفسها على علم بموعد قدومها , لقد أتصلت بها هذا الصباح ( وألتفت نحو الطفلة يقدم اليها الفتاة) الآنسة لوسن ستكون مربيتك , هل تعلمين ما معنى كلمة مربية؟".
قطبت أيما حاجبيها , تجيبه:
" هل تعني أنها مدبرة؟".
" كلا , كلمة مدبرة تشبه في معناها الراعية , بينما المربية هي أقرب الى معلمة منها الى مدبرة , أنها تعطي دروسا , كما في المدرسة".
عظم الأهتمام في وجه أيما وسألته:
" ..... في المدرسة؟".
أنحنى روبرت يجلس القرفصاء قرب الطفلة , عيناه في موازاة عينيها , ثم أوضح لها قائلا:
" أنا قلت , كما في المدرسة ولم أقل في المدرسة , أن الآنسة ستقطن معكما , أنت ووالدتك , في ثورب هيلم".
تحولت نظرات الطفلة صوب والدتها , لتتثبت من حقيقة الأمر , غير مصدقة ما قاله عمها , وأحست جولي بقلبها ينفطر.
قالت الطفلة معترضة:
" لكن...... لكن أمي قالت لي أنني أستطيع الذهاب الى مدرسة مناسبة متى عدنا الى لندن!".
أجابها روبرت وهو ينتصب ثانية:
" والدتك كانت مخطئة".
أبت أيما أن تقر بالواقع الجديد , وعادت تسأله وهي تشده بطرف سترته:
" لكن , لماذا , تعال , أقترب عمي".
وأشارت اليه بأصبعها فعاد ينحني ثانية.
" ماذا تريدين الآن؟".
أرخت أيما يديها على كتفيه , ثم أدخلت أصبعين في أذنية , وقالت :
" لماذا لا أستطيع كغيري الذهاب الى المدرسة؟".
تنهد روبرت وقد أعيته أسئلتها المباشرة , فتدخلت لوسي وهي تتفحص كمية الشاي في الأبريق:
" كفي عن طرح أسئلتك السخيفة , فعمك يعرف جيدا ما هو الأصلح لك".
أمسكها روبرت من خصرها الصغير , وأنتصب ثاني , فأذا هي بين ذراعيه , يداها حول عنقه تحكمان الطوق كمن يمتلك كنزا بين يديه , تساءلت جولي وهي تراقبهما عما أذا كانت أيما ترى في روبرت نظيرا لوالدها , أذ بدا أنه يحنو عليها , والطفلة أستجابت لحنانه.
أبدت لوسي أنزعاجا لتصرف روبرت المدلل للطفلة , فهتفت فيه قائلة:
" أنزل الصبية عن ذراعيك , روبرت , فهي لم تعد طفلة صغيرة!".
غير أن روبرت تجاهل كلام والدته , وأخذ يدغدغها , فخبأت هذه رأسها عند عنقه , تقهقه.
لم تعد جولي تستطيع تحمل رؤيتهما معا أكثر من ذلك , أذ كان المنظر هذا بالنسبة اليها تجربة مؤلمة جدا , فبادرت قائلة:
" أستميحكم عذرا........".
ولم تكمل كلامها أذ قاطعتها لوسي تسألها:
" هل تم التعارف بينكما , أنت وساندرا؟".
تنهدت جولي قبل أن تجيب:
" الى حد ما".
أوضحت لوسي:
" ساندرا صديقة قديمة لباميلا , كانتا معا في مدرسة واحدة , ثم أختارت ساندرا التخصص بتعليم الأطفال مهنة لها بدلا من الزواج ( وأبتسمت بلطف قبل أن تضيف) أنا متأكدة من أنك ستجدينها أهلا لمهنتها".
قالت جولي وهي تضغط بأصابعها على راحتيها :
" أنا متأكدة من ذلك".
منتديات ليلاس
كان في أمكانها أن تدرك أن أحساس تلك المرأة الشابة حيالها , من خلال سلوكها ونظراتها اليها , هو أكثر من مجرد أستعداء غريزي , وبالتالي سيكون حضورها الدائم في المنزل بمثابة مهمة مراقبتها أذ ذاك شعرت جولي بحاجة الى البكاء , ماذا يعتقدون أنها تكون؟ وماذا يخشون أن تقوم به؟
أستعادت أنفاسها , وهي تنظر الى أيما بين ذراعي روبرت , وقالت:
" هيا بنا حبيبتي , عليك الأغتسال قبل أن يحين موعد العشاء".
تشبثت أيما بروبرت , كما يفعل الأطفال حين لا يريدون القيام بعمل لا يرغبون فيه , وكادت جولي أن تفقد صبرها حيال تصرف أبنتها , وقبل أن تفضحها حالها النفسية المتأزمة وتجعلها مدعاة للسخرية , جمعت قفازيها وحقيبة يدها وخرجت من الغرفة , وأغلقت الباب وراءها بأحكام.

زهرة منسية 22-06-11 02:35 PM

مشكوره كتير فراولايه

نيو فراولة 22-06-11 09:30 PM

4- سهرة مع رجل لطيف




صباح الأحد , كان مقررا أن يوصلهما روبرت الى ثورب هيلم , ألا أن برقية عاجلة تلقاها مساء الجمعة , يشعره فيها مكتب الشركة في نيويورك بأجتماع كان يريد أن يحضره , أضطرته الى السفر , وكانت باميلا , ساعة تسلمه البرقية تلك الليلة في الشقة تنتظر موعد ذهابهما الى المسرح , وحضّته على السفر , على أن تتكفل هي بأيصال جولي وأيما الى ثورب هيلم , وقالت:
" في أي حال , عزيزي , ليس مهما من منا يوصل جولي والطفلة , أليس كذلك؟".
لم يجبها روبرت , ورفع كتفيه غير آبه , ثم قال :
" أنت محقة , لا أعتقد أن الأمر مهم , هذا , أذا كانت جولي لا تمانع".
لم تتحمس جولي لفكرة باميلا هذه , فأقترحت تقول:
" يمكننا أن نستقل سيارة أجرة".
فتحت باميلا ذراعيها فارغتين , وقالت:
" ليس هذا ضروريا , عزيزتي , فأنا متفرغة.......".
ورمقت روبرت بنظرة ذات دلالة مبهمة.
أضطرت جولي الى القبول , وهكذا , أوصلتهما باميلا الى المنزل , ثم ساعدتهما في نقل حقائبهما الى الداخل.
ظهرت السيدة هادسون من المطبخ , لتستقبلهن , بدت أمرأة قصيرة القامة , كما جولي , أنما ممتلئة الجسم , غلب على شعرها الشيب وعلى وجهها أبتسامة لا تفارقه , خصت أيما بأستقبال مميز , وقالت:
" القهوة جاهزة , سيدة بمبرتون , أنها في أنتظارك في الصالون , هل ترغب الصغيرة في المجيء معي الى المطبخ ؟ سأقدم اليها بعض الحلوى , أنتهيت لتوي من تحضيرها".
أتسعت حدقتا أيما , وهتفت فرحة:
" رائع".
لكن جولي نبّهتها قائلة:
" أياك أن تتخمي معدتك".
" لن أدعها تفعل ذلك".
أجابت السيدة هادسون , تعد جولي , ولسبب في داخلها جهلته , لم تصدقها هذه الأخيرة , هذا , وبدت لها السيدة هادسون أمرأة أهلا لأن تكون جدة مثالية لأيما , وأحست بوخز من الذنب لتصورها هذا.
رافقت السيدة هادسون أيما الى المطبخ , وأخذت جولي تتأمل حولها في غرفة الأستقبال بعين راضية كانت جدرانها مطلية بالأبيض , بينما أمتدت سجادة حمراء داكنة تغطي أرض الغرفة حتى أعلى درجات السلم التي تؤدي الى الطبقة العلوية.
كان الأثاث يبعث الدفء ويوحي بالترحيب , تقدمتها باميلا في أتجاه الصالون , وكانت هذه تتصرف كما لو أنها في بيتها هي , جلست في مقعد قريب من الطاولة حيث صينية القهوة , وبدت بهذا كما لو أنها هي التي تستقبل جولي.
غير أن جولي أبت أن تفقد رباطة جأشها , أذ ليس مهما ما تفعله أو تقوله الواحدة منهما للأخرى , فهي وأيما تمتلكان الآن منزلا خاصا بهما , ومن الآن فصاعدا , سينصب أهتمامهما , معظم فترات وقتهما , على التطلع الى شؤونهما الخاصة.
بعد أن تناولت جولي فنجان القهوة , وكانت قد جلست في مقعد الى جانب النافذة , بادرتها باميلا بالقول :
" أظن أنك ستجدين الراحة التامة هنا , ألا توافقينني الرأي في هذا ؟".
تصنعت جولي أبتسامة خفيفة , وقالت :
" أعتقد ذلك , أنه منزل قديم وجميل".
" نعم , أنه كذلك , طلبت من روبرت أن بشتريه بادىء ذي بدء ليكون منزلنا في المستقبل , ألا أنه أعترض على صغر حجمه".
رشفت جولي قليلا من فنجانها , وقالت :
" أنني أرى ما تقصدين".
" الحق يقال , أن روبرت كان سديد الرأي , ذلك أنه بين فترى وأخرى يقيم بعض الحفلات والمآدب , الشقة في الوقت الحاضر تحاصره ولا تسمح له بهذا , لكن , متى تزوجنا , سيكون في أستطاعتنا أن نستضيف ضيوفنا بحرية أكثر , فالعازب , كما تعلمين , لا يقيم وزنا لهذه الأمور".
هزت جولي رأسها تهذيبا أشارة موافقة.
وحدّقت باميلا في جولي هنيهة غير قصيرة , فبدا الأرتباك على هذه الأخيرة , ثم قالت الفتاة :
" كنت ذات يوم مخطوبة لروبرت , أليس كذلك؟".
أعادت جولي فنجان القهوة الى مكانه بيد مرتجفة , فأحدث أحتكاكه بالصحن قرقعة لدى ملامسته الطاولة , وأجابت قائلة:
" نعم , هذا صحيح".
أطرقت باميلا قليلا قبل أن تقول:
" لقد أخبرني روبرت ذلك".
بلعت جولي لعابها بصعوب , أذ كانت ترفض مبدئيا أن يبحث روبرت في شؤون حياتها الخاصة مع باميلا , وتساءلت عن سبب طرح باميلا لهذا الموضوع بالذات.....
" ألا أنك تزوجت أخاه؟".
بدت باميلا كأنها تستجوبها .
أومأت جولي برأسها :
" نعم , مايكل".
" قال لي , كذلك , أنكما فسختما خطبتكما قبيل سفره الى فنزويللا في مهمة عمل؟".
" نعم , هذا ما حصل".
" هل لديك مانع أن توضحي لي سبب ذلك؟".
بدت باميلا متحسبة , مترقبة.
" هل هذا الأمر يهمك كثيرا؟".
" أود أن أعرف السبب ".
" لماذا لا تسألين روبرت؟".

بدت باميلا مترددة قبل أن تجيب:
" لقد فعلت ....... قال لي أنك أنت التي أردت فسخ الخطوبة".
تلونت وجنتا جولي أحمرارا وعلّقت :
" هل هذا ما قاله؟".
" هل هذه هي الحقيقة ؟".
" نعم , أنها ........... الحقيقة ".
" لكن , لماذا؟".
وبدا الأهتمام في حاجبي باميلا المعقودين .
لم تكن جولي تدري جوابا , فتنهدت , ثم قالت:
" أن الأمر واضح ..... ألا تعتقدين ذلك؟ لقد وقعت في غرام مايكل! ".
عادت الأشراقة الى وجه باميلا , وقالت , أذ أطمأن بالها :
" أوه , أنني آسفة لما حصل , ألا أن ما أخبرتني به في شأن مايكل , لم يخطر ببالي , وكان يجب أن أستنتجه سلفا , لأنك تزوجت مايكل قبل أن يكون روبرت عاد من مهمته في الخارج , أليس كذلك؟".
بدت جولي عاجزة عن الكلام , فأومأت ثانية برأسها تؤكد فحوى سؤال باميلا , ثم أوضحت في أقتضاب:
" لقد تغيّب روبرت آنذاك فترة ستة أشهر".
" نعم , هذا ما قاله لي , لكن ألا تعتقدين , على ما أتصور , أنك كنت سافرت معه , لو أن ظروفك حينذاك كانت مختلفة ؟".
تمنت جولي لو تستطيع تغيير موضوع حديثهما , وبدا تبرمها واضحا في حركات أصابعها , ثم قالت تسألها:
" هل لديك سيكارة؟".
تناولت باميلا حقيبة يدها , تبحث عن علبة السكائر , ثم أستطردت تقول بعد أن أشعلت كل منهما واحدة:
" هل تمانعين في طرحي هذه الأسئلة عليك ؟ الحقيقة أنني أجد صعوبة في البحث في مواضيع من هذا النوع مع روبرت".
نفثت جولي دخان سيكارتها , ثم أجابت:
" كلا , لا بأس في أن تسأليني ما تشاءين ( وأنتصبت على قدميها وهي تتلوى ثم أستطردت تقول ) هل تعتقدين أننا سنمضي فصل شتاء قاسيا ....... لقد نسيت كيف يكون شكل الثلج".
نهضت باميلا بدورها , وأقتربت تقف الى جانبها عند النافذة , ثم أجابت بصوت مهذب:
" لم أذكر لك شيئا من هذا القبيل قبل الآن , ألا أنني , ولو متأخرة , أقدم اليك تعزيتي لوفاة زوجك , من المؤسف أن الفرصة لم تسنح لي لأتعرف اليه".
حدقت فيها جولي بعينين زائغتين , وتساءلت عما يمكنها أن تجيب معلّقة على ذلك , ثم تمتمت بصوت خفيض:
" شكرا".
أومأت باميلا برأسها مؤاسية وهي تضع يدها بلطف على كتف جولي , ثم قالت:
" علي الآن أن أذهب , أمي في أنتظاري وقد أقترب موعد الغداء , فضلا عن أنني دعوت أصدقاء الى الغداء عندي ( وترددت قليلا قبل أن تضيف ) أنني أنتظر زيارتك لنا , بعد أن تستقر بك الحال هنا , كما أنني متأكدة أن والدي سيكونان سعيدين برؤيتك".
منتديات ليلاس
كان روبرت لا يزال في الولايات المتحدة , بعد أن مدّد زيارته ليستطيع الأنتقال الى سان فرانسيسكو , ولم تكن عودته منتظرة قبل أسبوع , وكان طبيعيا ألا يكون هناك أتصال مباشر بينه وبين جولي , ألا أن لوسي كانت تتصل كل يوم تقريبا وتطلع جولي على كل المستجدات.
أتصل بها فرنسيس هاتفيا , يوم الخميس , رفعت سماعة الهاتف بتلكؤ , وقد تصورت أن المتكلم سيكون أمرأة عمها , وفوجئت حين تناهى صوته الى مسمعها.
" مرحبا جولي ( وتراءت لها أبتسامته الساخرة ) أوتظنين أنني نسيتك كليا؟".
رفعت كتفيها لا تدري ما تجيب , ثم قالت مازحة:
" لا تقل لي أنك عدلت عن رأيك في دعوتي ثانية".
ضحك فرنسيس وأجاب:
" من الصعب جدا أن أفعل هذا , أخبريني , كيف تجدين حياتك الجديدة في الريف؟".
جلست على ذراع المقعد الذي بقربها , ثم أجابت:
" لا بأس بها , أننا نتكيف جيدا وبسرعة مع واقعنا الجديد , فضلا عن أن أيما تعشق الحرية المتوافرة لها هنا".
" لا شك في ذلك فعلا , أذ هي على ما أتصور لم تعرف معنى الحرية في مالايا".
" لم تعرفها حقا , فقد كانت في رفقة مدبرة ترعاها معظم الوقت , كيف حالك؟".
" أجاهد في هذه الحياة , وحيدا ( أجابها مداعبا , وأستطرد يقول ) هناك سبب واحد منعني من الأتصال بك قبل الآن وهو أنني كنت خارج البلاد , في أسكوتلندا وقد عدت ليلة أمس".
" روبرت مسافر , كذلك".
" أعرف هذا , فأخباره دائما موضوع أي حديث يجري في منزلي".
" عفوا , كان علي أن أعرف هذا سلفا , لقد سها عن بالي وجود باميلا".
بدأ حديثه يسليها.
" فعلا؟ مما لا شك فيه أن هذه مهمة صعبة ".
ضحكت جولي ثانية وقالت بطريقة عفوية:
" أنا مسرورة لأنك أتصلت".
" هل أنت فعلا كذلك ؟ لماذا؟".
منتديات ليلاس
تنهدت جولي قبل أن تجيب :
" آه , لست أدري , ربما لأنني أشعر قليلا بأكتئاب , أعتقد أن أختلاف المناخ بأنتقالنا من مكان الى آخر أثّر علي قليلا.... ثم , أن المربية ستصل يوم الأحد".
" المربية؟ تقصدين..... ساندرا لوسن؟".
" نعم , هل تعرفها؟".
" طبعا أعرفها , كانت زميلة باميلا أيام الدراسة".
" هذا صحيح ( وتذكرت أن حماتها كانت أخبرتها بذلك ) لقد نسيت ".
" ماذا بك؟ هل يضايقك وجودها في شيء؟".
أجابت جولي جازمة:
" لن أدعها تفعل ذلك".
ضحك فرنسيس وبدا أنه لم يقتنع بجدية جوابها , وقال:
" يبدو أن الأمر ينذر بعاصفة بينكما , أسمعي , جولي , لم أتصل بك لأقضي نصف ساعة في الحديث معك على الهاتف , أريد أن أراك , متى يكون ذلك؟".
ترددت جولي بادىء الأمر , ثم قالت :
" لست أدري , فهناك أيما.......".
" أحضري أيما معك ....... ما رأيك في أن أحضر الى الغداء في منزلك , بدعوة منك؟".
" لا مانع عندي ".
علّق فرنسيس وقد لاحظ ترددها:
" يخيل ألي أنك لست متحمسة للفكرة , هل هذا يعني أنك لا تحبذين مجيئي؟".
" عفوك فرنسيس , بالطبع يمكنك أن تتغذى معنا , سأحضر لك في المناسبة طبقا خاصا!".
" يبدو هذا مشجعا , ما هو نوعه؟".
" أنتظر تر ( ورمقت ساعة يدها , وأضافت ) أنها الحادية عشرة , أين أنت الآن ؟".
" في المنزل".
صعقت لجوابه وهي تردد :
" في المنزل!".
" لا تجزعي , أنني في مكتبي , وما من أحد يستطيع سماع حديثنا ".
" لكنك تبدو من صوتك كمن يسترق الحديث؟".
" هل أبدو كذلك حقا ؟ أنني أعتذر عن ذلك , حسنا , أنا ذاهب الآن لأخبر لويز وباميلا , لا شك في أنهما تودان المجيء معي".
" فرنسيس!".
" هل تريدينهما معي الى الغداء ؟".
تنهدت جولي , فهي أرادت أن تلتقي فرنسيس ثانية , أذ هو الوحيد الذي كان يعاملها معاملة جيدة , فضلا عن أنها كانت في حاجة الى من تستطيع التحدث اليه.
" أذن؟".
" حسبك أن تتفضل وحدك في المجيء".
وأقفلت الهاتف.
ما أن أنتهت من أرتداء ثوبها وتصفيف شعرها , حتى كانت سيارته تتوقف أمام باب المنزل الرئيسي , أطلت أيما قادمة من المطبخ ,وسألت والدتها:
" هل هذا العم فرنسيس؟".
كانت جولي أعلمت السيدة هادسون في حضور أيما بقدوم ضيف الى الغداء , وبدت هذه فرحة لهذا النبأ.
" نعم , حبيبتي , أنه العم فرنسيس".
وذهبت تفتح له الباب .
بدا فرنسيس فتيّا , وهو في بنطال بيج وكنزة بنية اللون , ورمقته جولي بنظرة دافئة.
بادرهما محييا وهو يدغدغ أيما تحت ذقنها , فضحكت , ثم توجه الى جولي هامسا:
" لا تنظري الي هكذا , وألا تمنيت لو لم أكن ذلك الأنسان الطيب الذي تتصورين".
أبتسمت جولي لكلماته المداعبة , وقالت:
" هيا بنا الى الداخل , لا أعتقد أن المكان غريب عنك".
بدا لها فرنسيس أنسانا مختلفا عن أي رجل عرفته من قبل.
تقدمتهما أيما الى غرفة الجلوس , وبدأ يتأمل الغرفة , ثم قال :
" نعم , أعرف المكان , أنه جميل , أليس كذلك ؟ علما أن أبنتي أختارت ديكوره!".
ضحكت جولي قائلة:
" أترغب في فنجان قهوة؟".
" نعم , شكرا".
وجلس على الكنبة وأيما الى جانبه.
بادرته الطفلة بسؤال خلو من أي تحفظ :
" أين هي العمة باميلا؟".
أبتسم فرنسيس راضيا عن سؤالها وأجابها:
" أنها في المنزل ".
" ألم تشأ أن تأتي معك؟".
" أعتقد أنها ترغب في ذلك , غير أنني لم أسألها ( وأضاف مبتسما أذ لمح خيبة في وجهها ) كانت كلما أتت لتراك تتحاشى أن تدعوني للمجيء معها , فلماذا أسألها أنا أذا كانت لا تفعل الشيء نفسه؟".
بدت أيما راضية لتبريره , وسألته:
" هل قدمت حقا , لتزورني فقط؟".
" ولأزور والدتك أيضا , ( أجابها , وتناول فنجانه يرشف منه قليلا ثم أوضح قائلا) الحقيقة أنني حين أجيء لزيارتك أدّعي أنني جئت لأزور والدتك أيضا , فلا أبدو هكذا أنانيا في تصرفي ( وغمز لها ) أعتقد أنك تدركين ما أعني".
ضج المكان من ضحكة أيما العالية , ثم أقتربت جولي تجلس بالقرب منهما , وقالت تسأله:
" كيف أتفق , فرنسيس , أنك لم تنجب سوى باميلا؟".
ثم أدركت بعد فوات الأوان أي سؤال وقح , فضولي هذا الذي طرحته.
لكن فرنسيس بدا غير ممانع , فأجابها:
" لم يكن ذلك مستطاعا".
لم تكن السيدة فرنسيس قابلت فرنسيس من قبل , وأخذت ترمق جولي بنظرة مبهمة , ثم قالت:
" يبدو رجلا لطيفا , أليس كذلك ؟ أنه صبور جدا".
" نعم , ألا تدركين أنه والد الآنسة هيلينغدون؟".
" لقد أستنتجت ذلك".
" أظنك أستنتجت أيضا أنه يجب ألا يكون هنا؟".
" لماذا؟".
" لكن الأمر واضح تماما ........ أنه رجل متزوج".
في هذه اللحظة , تناولت السيدة هادسون الأطباق لتجلبها , ثم قالت:
" لكن لا علاقة بينكما من أي نوع؟".
" كيف تدعين هذا , وأنت لا تعرفين واقع الحال؟".
" أعرف ما فيه الكفاية لأدرك أذا كانت هناك علاقة حب بين رجل وأمرأة".
شهقت جولي فاغرة فاها , لكن الخادمة تجاهلت رد فعلها وأستطردت تقول:
" هل سيبقى السيد هيلينغدون الى حين العشاء؟".
" لا أعتقد ذلك".
" كان يجب ألا أتفوه بكلمة في ما لا يعنيني".
رفعت جولي كتفيها غير مقتنعة بما قالته السيدة هادسون , وأجابتها :
" أنا مسرورة أخيرا لأنك فعلت .... فليس هناك أحد سواك أستطيع البوح اليه بما يعتمل في داخلي".
" حسنا , لا يداخلنك قلق , فأنا أعرف متى أكتم خبرا".
ألتفتت اليها جولي والأستنكار باد عليها:
" هذا يبدو رهيبا , أتدركين ذلك؟ ( وضحكت ) أوه , سيدة هادسون , أنت على حق , أنه رجل لطيف".
ما أن عاد فرنسيس وأيما الى الداخل , حتى أحضرت السيدة هادسون أبريقا مليئا بالشاي , أرتمى فرنسيس متعبا في أحد المقاعد, وقال لأيما شاكيا:
" لقد أرهقتني!".
بينما هرعت هي تدير جهاز التلفزيون وتتخذ لنفسها مكانا قريبا قبالة الجهاز .
أبتسمت أيما وقالت:
" أنه وقت برنامج ( ألعاب المدرسة) , لا أظنك حقا تعبا , عمي فرنسيس , أم أنت كذلك بالفعل؟".
" لا أظنك جادة في سؤالك ,وهل تتصورين أنني أقضي فترة اقيلولة كل يوم أركض في الحديقة؟".
" هذا نافع لك".
علّقت أيما ,وهي أنما كانت تردد ما تسمعه بين حين وآخر عن فائدة العدو ممن هم أكبر منها سنا.
" يعجبني أن تفكري بهذا الأسلوب ( قال فرنسيس , ثم ألتفت الى جولي التي أقتربت منه تقدم الشاي , وسألها ) أرى أنني أستحق فنجانا من الشاي".
" بالتأكيد ( أبتسمت له وسألته ) هل أنت باق الى العشاء؟".
حلت ملامح الجدية على وجهه محل أمارات التفكه , وأجاب:
" في الواقع , ليس هناك شيء آخر أفضل عندي من البقاء معك , ألا أنني سبق ودعوت لويز الى تناول العشاء, في أحد النوادي , أذ نحن معتادان في كل خميس أن نلعب البريدج".
خاب ظن جولي لجوابه , فأومأت بأشارة من رأسها , وعلقت :
" لا بأس".
عاد فرنسيس يتأمل أيما التي كانت مستغرقة في تتبّع الحلقة التي يعرضها التلفزيون , ثم تطاول نحو جولي وأخذ يدها بين راحتيه , وقال:
" أوه , جولي! أطلبي مني أن أبقى , وسأفعل ذلك راضيا".
سحبت يدها بحياء , وغيّرت الموضوع , وقد تسارعت أنفاسها :
" أتريد سكرا مع الشاي؟".
" حبتين , من فضلك ( تنهد , ثم عاد يسألها) هل تقبلين دعوتي الى العشاء في بحر هذا الأسبوع , وقبل أن يصل التنين ؟ ( وأدركت أنه بنعته هذا أنما قصد ساندرا لوسن , بدت مترددة , فأردف قائلا ) ما رأيك في أن نخرج معا مساء السبت ؟ أنها أمسية تغري أولا ترغبين في أمسية كهذه أن ترتدي أجمل ثيابك لديك وتنزلي الى المدينة؟ أنا متأكد أن السيدة هادسون يمكنها أن تهتم بأيما"
" لا شك في أنها أهل لذلك ( وبلت شفتيها ) يبدو الأمر....... رائعا".
" أعدك بأن سهرتنا ستكون كذلك بالقعل".
" حسنا , سأسأل السيدة هادسون قبل خروجها أذا كانت تقبل أن تهتم بالطفلة".
" حسنا ( وتناول فرنسيس فنجانه وأضاف ) صدقيني , أن الأيام المقبلة التي تفصلنا عن موعدنا , ستجرجر نفسها ببطء".
بعد أن ذهب فرنسيس , وأتفقت مع السيدة هادسون , أحست جولي بندم كبير , ثم وضعت أيما في سريرها وذهبت الى المطبخ بدل أن تعود الى غرفة الجلوس كما عادتها أن تفعل كل أمسية , كانت السيدة هادسون في هذه هذه الأثناء تجلي الأطباق , وعندما دخلت عليها جولي أستقبلتها الخادمة بأبتسامة عريضة.
بادرت تسأل سيدتها:
" هل ترغبين في شيء , سيدة بمبرتون؟".
" جئت أثرثر معك قليلا".
أخذت جولي خرقة تنشف بها الأطباق النظيفة على مسطح المجلى.
" لا لزوم لأن تفعلي هذا , ( هتفت الخادمة ) يمكننا أن نتبادل أطراف الحديث , وأنا أتكفل بالأطباق".
" بل أرغب في مساعدتك ( ثم أستطردت تقول ) لقد سئمت العيش وحيدة".
سألتها الخادمة مستفسرة :
" هل أوت أيما الى سريرها ؟".
" أوه , نعم , كانت جد مرهقة بعد يوم حافل".
ضحكت السيدة هادسون وقالت:
" كذلك كانت حال السيد هيلينغدون , لا عجب".
أبتسمت جولي قائلة:
" أنه يعاملها بمحبة , أليس كذلك؟".
" نعم , سيدتي , يبدو أهلا لأن يكون لديه أكثر من ولد في عمرها".
" لكن أبنته باميلا أصبحت شابة الآن".
" نعم".
منتديات ليلاس
بدت لهجة الخادمة معبرة , فلم تستطع جولي أن تمنع نفسها من سؤالها , متناسية أنها تبحث في شؤون ضيوفها مع خادمتها:
" ألا تحبينها؟".
أرتسمت أبتسامة ساخرة على وجه السيدة هادسون , وأجابت بدبلوماسية :
" لنقل أنها ليست نجمتي المفضلة".
" أرى ما تقصدين".
عصرت السيدة هادسون الخرقة وشرعت تمسح مسطح المجلى , ثم أدركت عدم صواب ما قالت في شأن باميلا:
" لكن , لا بد أن أكون مخطئة , أذ أن السيد روبرت يحبها كثيرا ".
" أنت تعرفين..... روبرت؟".
" باركك الله , طبعا أعرفه , كنت أعمل سابقا لوالدته , يوم كان لا يزال هو وأخوه مايكل صبيين صغيرين".
ظهر التعجب في عيني جولي , وسألتها:
" أحقا ما تقولين ؟ بالله عليك , أكملي , أخبريني المزيد".
" عن مايكل , سيدتي؟".
" بل عن كليهما ".
وتخصّبت خداها.
رفعت الخادمة كتفيها تتذكر:
" كانا طفلين مكتنزين , لا يفصل بينهما سوى سنة واحدة".
" لا شك أنك كنت , يومئذ صغيرة أنت أيضا؟".
" كلا , كنت في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة".
" عجبا , كم يبدو هذا العالم صغير!".
أومأت السيدة هادسون برأسها تؤيد رأيها , وأردفت:
" عندما أشترى السيد روبرت المنزل هذا , كان يبحث عن خادمة لتعمل فيه , فأتى توا الي يسألني أن كنت أرغب في ذلك".
جلست جولي على كرسي , ثم قالت تسألها:
" هل كنت تصادفينهما خلال السنوات الأخيرة؟".
" كانا يأتيان لزيارتي , بين حين وآخر , وكنت قد تزوجت ( بدت نظرات الخادمة المتأملة في اللاشيء مفعمة بالذكريات ) كانا ولدين لطيفين".
" فعلا.... هل عرفت أنني كنت مخطوبة لروبرت؟".
بعد أن أفرغت السيدة هادسون حوض المجلى , أخذت تجفف يديها , وقالت:
" نعم , عرفت هذا , بل أكثر , ذلك أنني كنت تلقيت بطاقة دعوة الى حفلة زواجكما".
تخصّبت وجنتا جولي ثانية , تنهدت السيدة هادسون قبل أن تضيف :
" لم أكن لأتصور أبدا أن زواجكما سيلغى , وأن يسافر السيد روبرت الى فنزويللا .... الى ما هنالك مما حدث يومها".
نهضت جولي من كرسيها وعلّقت قائلة:
" تلك كانت أرادته".
" أن يذهب الى فنزويللا؟".
" نعم , وأن يلغي حفلة الزواج أيضا".
" لكنه , على ما أخبرت به يومذاك سيدتي , أضطر الى السفر , ذلك أن حادثا وقع هناك أدى الى مقتل أحد الرجال , أليس كذلك؟".
" نعم , الحادث الذي تذكرين وقع فعلا في مشروع وادي غوابا ".
" بالضبط! وكان على السيد روبرت أن يذهب ليحل محل الرجل الذي ذهب ضحية الحادثة".
ردت جولي قائلة:
" لم يكن مضطرا الى الذهاب".
ظهر الأرتباك في حركات السيدة هادسون لوجهة نظر جولي:
" لا أعتقد أنني من هذا الرأي , سيدتي , فأرسال رجل آخر غيره كان يمكن ألا يكون عملا صائبا , ألا تعتقدين ذلك؟ وهذا عدا أن السيد روبرت , كان , عمليا , الشخص الوحيد المؤهل للحلول محل الرجل الذي قضى".
رفعت جولي كتفيها لا تبالي لحقيقة كلام الخادمة , وقالت:
" في أي حال , كان ذلك كله منذ زمن بعيد".
وافقت السيدة هادسون , بأحناءة من رأسها:
" نعم , كما لا يمكن أن تكوني قد أحببته , ذلك لأنك تزوجت السيد مايكل أثر رحيله , وسافرتما قبل عودة السيد روبرت الى لندن".
في هذه اللحظة توجهت جولي نحو الباب , وقالت بنبرة لا تخلو من أنفعال:
" سافر روبرت قبل موعد زواجنا المقرر بأسبوع واحد , هل كان زوجك ليفعل ذلك لو تهيأت له الظروف نفسها؟".
" هذا سؤال تصعب الأجابة عنه , سيدتي ... هل أفهم من كلامك أن سبب خلافكما حينذاك , كانت تلك الرحلة؟".
كادت جولي أن تفقد رباطة جأشها وترد على مغالاة السيدة هادسون لواقع الأمر , ألا أنها تمالكت نفسها , وقالت:
" أنا لم أقل هذا ".
" صحيح , في أي حال , أنت أدرى بأمورك الخاصة , وأنا متأكدة من أنك ما كنت لتتزوجي السيد مايكل , كما سبق وذكرت , لو لم يكن لديك بعض الشكوك حيال علاقتك بروبرت".
فتحت جولي باب المطبخ , وقالت قبل أن تخرج:
" كلا , في أي حال , من الأفضل ألا نذهب بعيدا في بحث هذا الموضوع , يمكنك الأنتهاء من عملك , وأذا ما أحتجت الى شيء في ما بعد , فسأتدبر الأمر بنفسي".
" حسنا , سيدتي , شكرا ( نزعت السيدة هادسون مرولتها وطوتها بعناية ثم وضعتها في أحد الأدراج , وقالت ) سأغيب لمدة ساعة في زيارة للسيدة فيلدينغ في القرية".
" لا بأس".
تركت جولي الباب ينغلق خلفها وعادت الى الصالون , وما أن دقّت الساعة التاسعة , حتى شعرت فجأة بالملل وهي تشاهد التلفزيون , فعادت الى غرفتها لتأوي الى فراشها , لم تكن دامعة , لكن قنوطا ثقيلا كان يكتنف أحاسيسها.
منتديات ليلاس
صبيحة يوم السبت ,وصلت ساندرا لوسن فجأة , من دون أي أشعار سابق.
فتحت لها السيدة هادسون تستقبلها , كذلك أتت جولي الى الرواق تلتقيها , وبادرت ساندرا قائلة , وهي تضع حقيبتيها أرضا:
" أرجو ألا يكون لقدومي المفاجىء أي مانع لديك , سيدة بمبرتون , الحقيقة أن مالكة الشقة التي كنت أشغلها أخطرتني بأنها أجّرت الشقة لشخص آخر أعتبارا من اليوم , لذا رأيت نفسي مضطرة أن أجيء الى هنا , بدل أن أبدد دراهمي في قضاء ليلة في فندق , على كل , يوم أكثر أو يوم أقل في التدريس , ليس بذي بال".
بدت جولي مرتبكة لحضور ساندرا على حين غرّة , وحاولت أن تقول شيئا:
" أنا... حسنا..... سيدة هادسون؟".
أجابت الخادمة تطمئن سيدتها:
" حجرة الآنسة جاهزة سيدتي , ليس هناك أي أشكال".
حدّجت ساندرا السيدة هادسون بنظرة فاحصة , وبادرتها:
" لا بد أنك السيدة هادسون , لقد أخبرتني عنك الآنسة هيلنغدون".
أحنت السيدة هادسون رأسها:
" نعم , أنا هي , آنستي".
عقدت جولي أصابعها وقالت:
" ليس هناك أي أزعاج في قدومك قبل اليوم المحدد بيوم واحد... هلا قدرت الآنسة لوسن سيدة هادسون , الى غرفتها؟ ثم أحضري لنا بعض القهوة".
" حسنا , سيدتي".
منتديات ليلاس
وتساءلت جولي , كيف يعقل أن تخرج الليلة وتترك ساندرا في أول يوم لوصولها؟ وماذا عن أتفاقها السابق مع السيدة هادسون في شأن أيما؟ قد تقرر ساندرا , مثلا , أن تأخذ المبادرة كونها المسؤولة عن أيما , لتهتم بالطفلة في غياب والدتها , وعلى الرغم أن جولي لم يتبادر الى ذهنها أن أيما يمكن أن تهتم كثيرا بمن سيرعى أمرها في غياب والدتها , ألا أنها كانت تشعر بأن أبنتها لم ترتح لساندرا لوسن.
بدا لها الوضع مثبطا ومصدر قلق , وتمنت لو تستطيع أن تفضي الى أحد بما يعتمل في داخلها.
دخلت أيما الصالون , تلك اللحظة , قادمة من الحديقة , خدّاها متوردان والعرق يتصبب منها , وهتفت تسأل والدتها مستفسرة :
" من الذي جاء منذ لحظات في سيارة الأجرة , أمي؟".
تنهدت جولي قبل أن تجيبها:
" أنها الآنسة لوسن , حبيبتي".
" لكنك قلت أنها لن تحضر قبل يوم غد؟".
" نعم , قلت هذا , لكن طارئا أضطرها الى المجيء قبل الموعد المقرر".
أرتسمت تقطيبة على وجه أيما:
" لماذا ؟ هل يعني هذا أنني سأبدأ دراستي اليوم؟"
" لا أعتقد ذلك حبيبتي , قبل مضي بضعة أيام , ..... لكن..... ما هذا الحذاء الوسخ الذي تنتعلينه ! أذهبي وأبلديه بخفّيك أذا أردت البقاء في المنزل".
بعدما خرجت أيما , رفعت جولي سماعة الهاتف , وأتصلت بشقة روبرت , رد هالبيرد , فسالته:
" هل السيدة بمبرتون موجودة".
" أسف سيدتي , أنها غير موجودة , خرجت هذا الصباح , هل تريدين أن أخبرها , لدى عودتها , أنك أردت التكلم اليها؟".
تردد جولي لحظة , ثم قالت:
" كلا , ليس هذا ضروريا هالبيرد , شكرا".
" كما تريدين سيدتي , في كل حال , سررت لسماع صوتك ثانية , هل أستقريتما كما يجب؟".
" ألى حد ما ( وختمت مكالمتها ) طلب يومك , هالبيرد".
بقيت تحدق في سماعة الهاتف , بدا واضحا أن روبرت لم يعد بعد من الولايات المتحدة , وألا لكان هالبيرد أخبرها بذلك , تناولت دليل الهاتف وأخذت تبحث عن رقم هاتف آل هيلينغدون , وجدت الرقم وحدّقت فيه لحظة وهي تتساءل , هل ستتجرأ على الأتصال بفرنسيس ؟ وماذا أذا ردت باميلا أولا , أو لويز؟ ما هو التبرير الذي ستقدمه سببا لأتصالها؟
ثم فكرت أن تتصل به في مكتبه , قد يكون هناك , وأذا كان الأمر سلبا , فيمكنها أن تستعلم عن مكانه وتتصل به مباشرة.
أجابتها عاملة الهاتف في شركة هيلينغدون :
" السيد هيلينغدون موجود , هل ترغبين في أن تتركي له أشعارا؟".
تنهدت جولي مترددة ثم سألتها:
" هل في الأن=مكان أن تبلغيه أنني على الخط وعما أذا كان مناسبا أن أتكلم معه؟".
ترددت عاملة الهاتف , وبدا أنها لم تكن متأكدة من هوية جولي , على رغم أن هذه ذكرت لها أسمها , ثم قالت:
" دقيقة واحدة , آنسة".
وحوّلت الخط.
أنتظرت جولي جوابا بنفاد صبر , وبينما هي كذلك , دخلت أيما الغرفة وكانت قد أغتسلت , وأنتعلت خفّيها , أقتربت من والدتها وهمست:
" من تخابرين؟".
أجابتها جولي بصوت خفيض:
" ليس الأمر مهما ".
" هل هي جدتي!".
" كلا".
وتساءلت جولي ألى متى ستظل تنتظر الجواب.

مرت ثوان قليلة قبل أن يأتيها الجواب , كان المتكلم هذه المرة , فرنسيس , بصوته الهادىء:
" جولي؟".
" فرنسيس ! ( هتفت وقد أحست بالأرتياح ) عجبا , أن الذي يحاول الأتصال بك كمن يتصل بالقصر الملكي!".
أطلق فرنسيس ضحكة خفيفة عبر الهاتف , وقال بصوت رقيق:
" كنت في أجتماع أداري".
" أعرف هذا , أنني آسفة لأزعاجك".
أجابها مطمئنا:
" لا تكوني سخيفة , ماذا في الأمر؟".
رمقت جولي أبنتها بنظرة مستسلمة ثم قالت:
" حسنا , ليس في أستطاعتي الأفصاح الآن , في المناسبة , وددت أن أخبرك أن الآنسة لوسن هنا , لقد وصلت اليوم".
لم يبد في صوت فرنسيس أنه أعار الخبر أهمية , وقال متسائلا:
" وما الغرابة في ذلك؟".
" أليس هذا واضحا بما فيه الكفاية؟".
" تقصدين موضوع سهرتنا الليلة , طبعا".
" بالضبط ( وتنهدت قبل أن تضيف ) ما العمل والحال هذه , فرنسيس؟".
أجاب وقد أرتسمت نبرته بالحزم:
" سنخرج , طبعا , الى العشاء كما أتفقنا".
" لكن كيف السبيل الى ذلك , وهي تعرفك؟".
" وماذا أن هي عرفتني؟".
" أرجوك , فرنسيس!".
" أسمعي جولي , لقد أوضحت لك أن.... معرفة الناس بعلاقتنا لا تهمني , وكل ما أهتم له هو أنت فقط ( وتنهد ) أذا كان سبب أتصالك بي , هو رغبتك في ألغاء موعدنا الليلة لوجود تلك المرأة... فهذه مسألة أخرى".
شدّت جولي بكلتا يديها على سماعة الهاتف:
" أوه فرنسيس!".
" أسمعي أذا كان ذلك يجعلك أكثر أطمئنانا , فسأقترح على باميلا أن تزورك بعد ظهر اليوم , وهي ستجد ساندر هناك , فمن المؤكد أنها ستدعوها الى منزلنا , خصوصا أن روبرت لم يعد بعد , كيف يبدو لك هذا المخرج؟".
تنفست جولي الصعداء:
" هذا رائع ( ثم شعرت بساندرا لوسن تدخل الغرفة فيما هي مسترسلة فقالت تنهي المخابرة) أسمع , يجب..... أن أنهي الآن الحديث".
ضحك فرنسيس قائلا :
ط" فهمت قصدك , أي ورطة هذه التي أنت فيها ".
ضحكت جولي بدورها ضحكة ضمنتها ما لديها من رقة ولطف , وأقفلت الهتف , ثم ألتفتت الى الفتاة تسألها:
" هل كل شيء على ما يرام؟".
جلست ساندرا على الكنبة من دون أستئذان , وأجابت:
" نعم شكرا ( ثم ألتفتت نحو أيما تحييها ) مرحبا , أيما! أود أن أتعرف اليك جيدا".
أجابتها أيما والريبة في عينيها :
" هل ستقطنين معنا؟".
" نعم ( وبدت ساندرا مرتاحة وكأنها في منزلها , وأضافت) عليك أن تريني فيما بعد , المكان المعد لدراستك , هل أعدت لنا والدتك غرفة مستقلة , نستطيع أن نعمل فيها بهدوء؟".
تنحنحت جولي قليلا , ثم علّقت قائلة:
" في الواقع ليست كل الغرف مفروشة بعد , الصالون وغرفة الطعام مفروشتان , كذلك هناك ثلاث غرف جاهزة في الطبقة العلوية , لذا أرتأي أن نكتفي حاضرا بغرفة الجلوس أو غرفة الطعام".
عقدت ساندرا حاجبيها:
" أذن , فلتكن غرفة الطعام , ذلك أننا لا نستطيع أن نعمل في مكان حيث لا توجد طاولة , وأيما ستحتاج الى مسطح مقوى حتى تستطيع الكتابة".
سارعت جولي قائلة:
" في أي حال , آمل أن أنزل الى البلدة في بحر هذا الأسبوع , أو الذي يليه , لأختيار بعض ما نحتاج اليه من فرش وأدوات منزلية , ألا أنني لن أشتري في الوقت الحاضر طاولة خاصة بالدراسة , ذلك أن أيما تحتاج الى بعض الوقت لتتعود فكرة الجلوس عليها , ربما يكون من الأفضل أن تركزي على بعض الأمور الأكثر ملاءمة لطفلة في سنها , حتى يتسنى لي أن أتدبر أختيار الأثاث الملائم كما يجب".
علّقت ساندرا بطريقة فظة:
" لكن , مضى أسبوع على أنتقالكما الى هنا , أليس كذلك ؟ وهو وقت كاف ليتدبر المرء شراء ما يحتاج اليه".
" نعم ( أجابت جولي وهي ترفع نظرها لتستقبل بأرتياح قدوم السيدة هادسون تحمل صينية القهوة ) شكرا جزيلا , سيدة هادسون , ضعيها على الطاولة".
" حسنا , سيدتي ( وألتفتت الخادمة الى أيما تقول لها ) هل تودين المجيء معي اى المطبخ وتساعدينني في صنع بعض الحلوى؟".
" أووه , نعم , هل أستطيع فعلا مساعدتك؟".
قفزت أيما منتصبة تهم بمرافقة الخادمة , فأذا بساندرا توقف أندفاعها , ثم قالت توجه كلامها الى السيدة هادسون وقد بدا عليها الأنفعال:
" مهلك سيدة هادسون , نكاد أيما وأنا لا نعرف الواحدة منا الأخرى ".
حدّجتها جولي بنظرة حادة وقالت:
" أعتقد أن لدى أيما متسعا من الوقت لتتعرف اليك جيدا ( وأستطردت توجه كلامها الى أيما ) يمكنك حبيبتي الذهاب مع السيدة هادسون".
منتديات ليلاس
أنسلت أيما الى خارج الغرفة , فيما الخادمة وساندرا تحدقان في جولي , ثم قالت المربية بصوت لا يخلو من حدة:
" كيف أستطيع أن أضبط سلوك الطفلة بينما أنت تقفين عقبة في وجه تعليماتي لها".
هزت جولي رأسها , وهي تحاول أن تتمالك غيظها , وأجابت:
" أن سماحي لأيما بمساعدة السيدة هادسون لا يعني نقضا لتوجيهاتك , هذا , أضافة الى أنه لم يمض على وجودك هنا وقت طويل , فلا تعاملي الطفلة بقسوة".
على أثر هذا الحوار الذي كان أقرب الى المسادة أستؤنف الحديث بينهما متكلفا , وبدا واضحا أن ساندرا كانت لا تزال تعاني أحساسا بالغبن , وأخذت جولي تتطلع حزينة الى سنين مقبلة مع هذه المرأة , كيف ستتمكن من تحمل هذا الوزر؟ والى متى؟
وفى فرنسيس بتعهده لها كما كان وعدها , ووصلت باميلا بعد ظهر ذلك اليوم , كانت فرحتها عظيمة لرؤية ساندرا , تركتهما جولي ودخلت الى االمطبخ تنشد مؤانسة السيدة هادسون.
كانت أيما لا تزال تلعب في الحديقة , أخذت جولي تراقبها بعينين حالمتين , لفترة قصيرة , قطعها صوت السيدة هادسون وهي تقول:
" ماذا عن اليلة , سيدتي؟ هل ما زلت تعتزمين الخروج؟".
" نعم ( أجابتها جولي وألتفتت نحوها وأضافت ) تحدثت مع فرنسيس هاتفيا هذا الصباح وقد أقترح أرسال باميلا الى هنا , لأنه يعتقد أن أبنته يمكن أن تدعو ساندرا الى العشاء في منزله , ذلك أنهما صديقتان حميمتان منذ زمن , كما تعرفين , هذا فضلا عن أن روبرت غائب".
لم تستطع السيدة هادسون أن تكتم ضحكتها , ثم علّقت قائلة:
" أنها فكرة جهنمية !".
" أنها حقا كذلك , ثم , أنني لم أشأ أن أترك أيما في عهدتها وهي الليلة الأولى لها في منزلنا , هذا طبعا , عدا أعتبارات أخرى".
تنهدت السيدة هادسون تقول:
" أرى ما ترمين اليه , سيدتي , لكن , أذا كنت لا تركنين اليها , لم قبلت بها مربية لطفلتك؟".
" تلك كانت رغبة روبرت , ظاهرا , ولم يكن لي آنذاك أي خيار آخر , فهو المسؤول قانونا عن تربية أيما وتنشئتها".
" ليس هناك من هو أفضل منه للأعتناء بها".
تخصّبت وجنتا جولي لملاحظة الخادمة , وألتفتت نحوها تسألها:
" ماذا تقصدين بذلك؟".
" لا شيء سيدتي , سوى أن السيد روبرت أهل لأن يرعى الطفلة ".
" لكنني أنا أمها!".
تنهدت جولي , وقالت:
" أتفهم وجهة نظرك".
وعاد الى وجهها أستقرار لونه:
" ماذا ظننت أنني قصدت بقولي , سيدتي بمبرتون؟".
تظاهرت هذه باللامبالاة:
" لست أدري ( وتوجهت نحو الباب, وقالت ) أنا ذاهبة لأستحم , أذا أردتني لشيء , تعرفين أين تجدينني".
صح ما كان متوقعا , أذ دعت باميلا ساندرا الى العشاء مع أهلها , وشعرت جولي بالغبطة تغمرها , ألا أن غبطتها سرعان ما تحوّلت قلقا وأرتباكا , حين أقترحت عليها باميلا الذهاب معهما , قالت:
" لم لا تأتين معنا , جولي؟ والدي سيخرج الليلة تلبية لدعوة , وهكذا نبقى نحن الأربع فقط , بحيث يمكننا أن نمضي سهرتنا في أحاديث حميمة دافئة".
أستبعدت جولي أي حديث بينهن يمكن أن يتّصف بالحميمية ألا أنها فكّرت مليا في الأمر قبل أن تجيب , ثم قالت تعتذر:
" في الواقع , لا أستطيع قبول دعوتك , شاكرة لك هذا ذلك أن أحدى صديقاتي أتصلت بي هذا الصباح , وأتفقنا على أن تتصل ثانية هذا المساء , لا أظنني سأستطيع تلبية دعوتك , أذ هي قد تتصل فلا تجدني , ألا تعتقدين ذلك؟".
بدت باميلا مصدّقة لما قالته جولي , فأجابت:
" فعلا , الأفضل أن تنتظري مكالمتها ( وأضافت وهي تفرك راحتيها ) هل قلت أنها صديقة قديمة؟".
سارعت جولي تجيب:
" نعم , أحداهن ..... كنت أعمل وأياها".
" في شركة بمبرتون ؟".
" نعم ".
" هل أعرفها؟".
" لا أعتقد ذلك ( أحست جولي بكره حيال أستجواب باميلا ) لقد تركت العمل منذ مدة ليست قصيرة , أسمها ....... فاليري سميث".
" لا , لا أظن أنني أعرف واحدة بهذا الأسم ( هزت باميلا رأسها وأضافت) حسنا , ساندرا , علينا أذن بالذهاب".
نهضت ساندرا من مكانها وهي توميء أيجابا , وسألت جولي:
" هل هناك مانع في أن أذهب , سيدة بمبرتون؟".
" كلا , أطلاقا".
كل ما تمنته جولي تلك اللحظة أن تخرجا , فقد بدأ وجودهما يوتّر أعصابها.
حسن سمعت صوت محرك سيارة باميلا وهي تبتعد , شعرت براحة قصوى ,وعادت الى الصالون مرهقة وما أن جلست في أحد المقاعد , حتى هرعت أيما أليها وأعتلت حضنها , فضمّتها بيدين محبتين الى صدرها المفعم حنانا.

بادرت الطفلة تقول وقد غلبت عليها مسحة من الكآبة:
" أتمنى لو تغادرنا الآنسة لوسن , ألا يساورك أمي , أحساس بهذا أنت أيضا؟".
تنهدت جولي , ترد عل أبنتها :
" أنها مربية ليس ألا , أيما , لن يبدّل وجودها معنا أي شيء".
" بل سيكون علي أن أدرس على يدها".
علّقت جولي قائلة:
" نعم , ألا أنك , عاجلا أو آجلا , ستفعلين هذا , متى أصبحت في سن تؤهلك للذهاب الى المدرسة , أنني أعدك , بأن شيئا لن يتغير وستمارسين هواياتك اليومية التي تريدين متى أتممت دروسك".
قبل أن تتهي جولي من أرتداء ملابسها أستعدادا للعشاء , كانت أيما قد أستسلمت الى نوم هانىء ولم تذكر لها جولي شيئا عن دعوة فرنسيس لها الى العشاء ,لكي تتحاشا أسئلتها , لكنها أوصت السيدة هادسون بوجوب أطلاعها على حقيقة الأمر أن هي أفاقت , وبدأت تشعر بالقلق .
لبست جولي ثوبا عاديا لونه بيج , ذا ياقة مستديرة تكشف العنق , بدت فيه رشيقة القامة , رقيقة الخصر , وقد زاد الثوب من جمالها وجاذبيتها.
وصل فرنسيس بعد السابعة بقليل , وأذ لاحظ جمالها ومظهرها المميزين بادر يبدي أعجابه في كلمات من الغزل الرقيق ثم أستدرك قائلا:
" ألا أنك دائمة الجمال ".
وسرّت جولي لأطرائه أياها.
ثم خرجا الى مطعم في البلدة , حيث تناولا طعام العشاء , وبدت جولي مرتبكة الى حد ما كلما أقترب أحدهم , وكانوا كثرا , ليتحدث الى فرنسيس , وعيونهم تحدّج جولي بحشرية واضحة.
" ما لك تبدين مرتبكة ؟ نظراتهم نحوك تشعرني بأحساس لذيذ, بعدما ظننت أن رجلا في مثل سني فارقته هذه الأحاسيس.
أعترضت جولي , وهي تضحك :
" لكنك لست كهلا ".
أومأ يعترف:
" أنني في الثامنة والأربعين ( وأردف يسأل نفسه) أما أنت فكم عمرك؟ خمس وعشرون؟ ست وعشرون ؟ أنني أكبرك بنحو عشرين سنة , في الواقع , أنا في سن والدك".
مدّت جولي يدها , ووضعتها على يده , وقالت:
" العمر مسألة نسبية , أنت لا تبدو متقدما في السن , كما أنك تتصرف تصرّف واحد منهم , فلماذا توحي الى نفسك غير ذلك؟ ثم أنك لا تختلف في هذا الأحساس عن أي شيخص آخر , أنا مثلا ؟ أنني أتصرف أحيانا وأنا أعيش ظروفا معينة كأنني عجوز بائسة".
أرتسمت أبتسامة عريضة على شفتي فرنسيس وقال:
" كما سبق وقلت , أنت مناسبة جدا لشخص مثلي".
رقصا خلال تلك السهرة على أنغام موسيقى حالمة , وشعرت جولي بأرتياح وهي بين ذراعيه وأدركتها عاطفة قوية حياله , ومجرد أدراكها هذا الأحساس بعث فيها الدفء , لم تكن مغرمة به , غير أن علاقتهما كان لها طابع مميز هي في حاجلة اليه.
منتديات ليلاس
ما أن ولجت باب الدار حتى أنطلق بسيارته مبتعدا , كانت الأنوار في الصالون مضاءة , وأعتقدت أن السيدة هادسون لا تزال تشاهد فيلما تلفزيونيا , فتحت باب الصالون , وأنسلت بهدوء كي لا تفاجأ الخادمة بدخولها في حال كانت تغط في نومها , فجأة شهقت للمفاجأة غير المتوقعة , كان روبرت ممددا بكسل على الكنبة يغط في نوم عميق , وبدا المكان هادئا مريحا.
حدّقت جولي فترة طويلة في وجهه المتعب وقسماته المسترخية في آن , كان واضحا من محجري عينيه أنه لم ينم كفاية خلال سفرته , وبدا مرهقا.
ألا أنه وقد أخذ يشعر بوجودها وهي تمعن النظر اليه , فتح عينيه فجأة , يطرفهما بكسل , جمدت جولي في مكانها فيما نظراته تتبيّن حضورها بدءا من أسفل قامتها الى أن أستقرت على وجهها .
هتف قائلا وهو لا يزال أعشى العينين:
" جولي ! ( لم يكن في يقظة تامة بعد , تحامل على نفسه وأتكأ على مرفقه , عابسا , يحاول أن يعي ما حوله , ثم تأوّه متألما ) يا ألهي , رأسي!".
وأرتد ثانية يلقي رأسه على الوسادات خلفه .
جلست جولي على حافة الكنبة , وقد داخلها القلق , ووضعت راحتها على جبينه وشعرت بأرتفاع حرارته ألا أنه أمسك بيدها وأنزلها الى خده , ولامس راحتها فأرتعشت تحت قبضته , كانت عيناه شبه مغمضتين , وبدا لا يزال ناعسا , وتأكد لها أنه لم يكن يعي ما يقوم به .
" روبرت".
قالت معترضة , وحاولت أن تسحب يدها من قبضته , ألا أنه تطاول اليها وشدّها نحوه يحاول ضمها الى صدره , غير أن وهنه كان فرصة لها لتفلت ثم تبتعد , بينما هو بقي ممددا يراقبها ترد خصلات من شعرها أنسدلت على جبينها , بدا لها منظره مخيفا.
سألها بصوت أجش:
" ماذا بك ؟ هل تأخرت عنك اليلة ؟ هل كان فرنسيس في المستوى الذي يرضيك ؟".

زهرة منسية 23-06-11 03:13 PM

دايمن بتوقفى عند برت مهم وبتحبى تشوقينا بس ولا يهمك يا قمر لعيونك نستنا طلتك الحلوه
على فكره أنا حسه ان أيما بنت روبرت

الجبل الاخضر 23-06-11 04:04 PM

تسلمين ونتظر على النار:dancingmonkeyff8:

نيو فراولة 24-06-11 11:41 AM

شهقة من فم جولي , ثم تناولت وسادة , والغضب يهز كيانها , ورمته بها , وأتبعتها بكتاب , وهي تصرخ فيه:
" كيف تجرؤ على التفوه بأشياء كهذه؟".
" وماذا يفترض في أن أفكر والحال هذه ؟ ( رماها بنظرة قاتمة وهو يضيف ) لماذا بحق السماء , لماذا , خرجت معه ثانية ؟ ما الذي تحاولين أن تفعلي بي؟".
تلاحقت أنفاسها بسرعة , وسألته مشدوهة:
" لك أنت".
" نعم , لي أنا , جولي , ألا تدركين أن مجرد وجودك مع رجل آخر .... ( وأختنق صوته ) هل أنت مغرمة به؟".
وضعت راحتيها على خديها , تستغرب سؤاله:
" كلا , طبعا".
" ليس أكثر مما أحببت مايكل ( غمغم بصوت قاس) يا ألهي , جولي , لقد فعلت حسنا بسفرك ومايكل الى مالايا قبل عودتي من فنزويللا , وألا لكنت قتلتكما! ( ضغط على مقدم رأسه متألما ( آه , هل لديك أي شيء يخفف من صداعي هذا ؟ أحس كأنه يكاد ينشطر نصفين!".
عندما عادت ثانية الى الغرفة , وفي يدها علبه الأسبرين وفي الأخرى كوب ماء , وجدت روبرت مستلقيا ثانية على الكنبة , وضعت ما في يديها على طاولة قريبة وجلست قربه تتفحصه بنظراتها , ثم سألته:
" منذ متى لم تنم ملء جفنيك ؟".
" لا أذكر ...... يومين ... ربما ثلاثة أيام".
" لكن , لماذا ؟ ألم يكن في أستطاعتك أن تنظّم أوقاتك في شكل أفضل يسمح لك بالراحة؟".
سألها بصوت أجش ومتهدج في آن :
" ما الفائدة في الذهاب الى السرير والبقاء فيه قلقا , أتقلّب يمنة فيسرى وبالعكس لساعات طوال فلا أستطيع الأغفاء؟".
" لا معنى لكلامك هذا ! فأنت تكاد تنهار".
قال لها بصوت لا يخلو من تهكم:
" آسف أن أكون مصدر لك , هذه الليلة ".
" لست مصدر أزعاج أطلاقا! لكن , ما الذي دفعك أن تأتي الى هنا , روبرت؟".
أغمض عينيه , وأجاب:
" أردت رؤيتك , لقد قال لي هالبيرد أنك أتصلت هذا الصباح بغية التحدث الى والدتي ولم تكن موجودة , قلت لنفسي لا بد أن يكون هناك أمر عاجل دفعك للأتصال بها ".
" آه فهمت الدافع الآن ".
" هل كان أتصالك لأمر مهم؟".
" كلا , أردت التحدث معها في شأن ساندرا لوسن , أفترض أنك على علم بوجودها هنا".
أومأ أيجابا من دون أن يعلق على المسألة أول الأمر , أما هي فوضعت يدا على فمها , وقد تنبّهت لما يمكن أن تشكّله معرفة ساندرا بخروجها , وقالت متسائلة:
" أظن أنها علمت هي الأخرى بخروجي مع فرنسيس".
أشاح روبرت بوجهه وأغمض عينيه ثانية:
" كلا , لم تعلم بالأمر , وصلت نحو التاسعة والنصف وكان هناك متسع من الوقت لأتحدث مع السيدة هادسون قبل أن تعود ساندرا".
سألته جولي , عابسة:
" وباميلا؟".
" وماذا عن باميلا؟".
أستوضحها من دون أكتراث لذكر أسمها.
" كانت ساندرا تتناول طعام العشاء عند باميلا , ألم ترها مع ساندرا لدى عودة هذه".
" كلا".
بدت جولي في حركات يديها كمن غلب على أمره , وقد أستعصى عليها فهم الحقيقة , وسألته:
" لكن , ألا تظن أن ساندرا يمكن أن تفسر وجودك هنا على غير حقيقته؟".
أجابها غير مكترث لملاحظتها:
" غالب الظن , نعم , ألا أنها أذكى من أن تعترض بأي شكل من الأشكال".
تنهدت جولي تسأله ثانية :
" وماذا قالت ساندرا حين رأتك هنا؟".
" مرحبا".
" أنك تتعمد الظهور مظهر الجاهل!".
أرادت أن تبتعد , ألا أنه أمسك بيدها , وشبك أصابع يده بأصابعها , فبقيت حيث هي مترددة.
" كلا , لست أتعمد ذلك , كل ما في الأمر أنني لا أريد التحدث عن باميلا الآن".
" هل قلت لساندرا أين كنت؟".
" كلا , لم أذكر لها شيئا عن هذا , ألا أن السيدة هادسون أوضحت لها أنك خرجت لفترة من الوقت , هذا , الى أن ساندرا فوجئت لرؤيتي هنا , فسها عن بالها كل حضور آخر".
" لا ألومها أن هي كانت مندهشة الى هذه الدرجة ( تنفست ملء رئتيها , ثم أستطردت تقول بلهجة جازمة ) أنك الآن في حال لا تسمح لك بالعودة الى شقتك , فأنت لا تستطيع قيادة السيارة , وما عليك ألا أن تبيت الليلة هنا".
" أين ؟ في غرفتك؟".
" نعم , في غرفتي... هل تقوى على الصعود بمفردك الى الطبقة العلوية؟".
حدّجها بنظرة غريبة مبهمة قائلا:
" لست عاجزا , كما يتبادر الى ذهنك".
" أعرف ذلك".
ومشت في أتجاه الباب , ثم ألتفتت نحوه , ورأته ينهض متثاقلا عن الكنبة , ثم يتمطى قليلا , تركت الغرفة وصعدت درجات السلم من دون أن تلتفت وراءها ثانية.

دخلت غرفتها , نزعت غطاء السرير وطوته , ثم سحبت ثوب النوم من تحت وسادتها , في هذه اللحظة , ظهر روبرت عند عتبة الغرفة أسند ظهره الى الباب , وبدا أصفر الوجه منهكا على رغم مظهر قوته.
سألته , وهي تبتعد عن السرير :
" أتعرف أين غرفة الحمام ؟ هل تحتاج الى شيء آخر؟".
غمغم بصوت أجش:
" أنت فقط , تعالي الى هنا".
" لا وقت لهذا الآن ( وتحاشت جولي يده الممدودة نحوها , وأستطاعت الوصول الى الباب , ألتفتت نحوه قبل أن تخرج ) والآن , أصعد الى السرير ونم هنيئا".
شرع يفك أزرار قميصه بكسل , وخرجت هي بسرعة وأغلقت الباب خلفها , تنفست عميقا وسارت في أتجاه غرفة أيما.
كانت الطفلة تغط في نوم عميق , أنسلت جولي الى الغرفة في هدوء , لبست ثوب النوم وأزاحت طفلتها قليلا ليتسنى لها أن تندس الى جانبها.
" أمي؟".
تمتمت أيما وهي في شبه أغفاءة , ويداها تتلمسان وجه والدتها .
أمسكت جولي بيدي أبنتها وشدت عليهما تطمئنها في هدوء:
" هذه أنا , عودي الى نومك!".
أستغرقت جولي في نومها حتى ساعة متأخرة من صباح اليوم التالي , كذلك فعلت أيما , أذ بدا أن هذه نعمت بوهج من الدفء لوجود جولي الى جانبها , فنامت قريرة.
أفاقت جولي على حركة أبنتها تضجنشاطا وحيوية , أبتسمت لها وهي لا تزال مغمضة العينين , ووجه الطفلة تغمره الدهشة والتساؤل.
" لماذا أنت نائمة معي , أمي؟".
تمطت حولي وهي لا تزال ممددة وسألتها :
" هل من مانع لديك؟".
" كلا , لكن لماذا أنت هنا؟".
نهضت جولي من السرير , تتطلع بعجب الى ساعة يدها , وكانت تخطت العاشرة , وأجابت :
" لأن هناك شخصا آخر ينام في سريري".
" من هو؟".
بدا الأنفعال في سؤال أيما.
أجابت جولي وهي تتثاءب:
" عمك روبرت".
ثم توجهت نحو غرفة الحمام , وعندما خرجت منه كانت أيما قد أختفت.
تنهدت جولي وهي تضع عليها رداء المنزل , لم يكن لديها أدنى شك في المكان الذي يمكن أن تكون أيما ذهبت اليه , وتمنت لو تستطيع اللحاق بها لمنعها من أيقاظ روبرت في ما لو كان لا يزال نائما.
كان منظره , ممددا في هدوء وأرتياح , مبعث ألم في نفسها , وراودتها نفسها في الدخول الى الغرفة , لكنها أذ تذكرت أحداث اليوم الفائت , عادت أدراجها , وأوصدت الباب بهدوء.
كانت أيما في المطبخ مع السيدة هادسون , وبدت هذه متكدرة , تتمتم همسا بكلمات مبهمة وهي تحضر صينية أفطار.
قطبت جولي , وبادرتها:
" ماذا في الأمر؟".
ألتفتت السيدة هادسون نحوها وفي عينيها أستسلام , وأجابت:
" أنها الآنسة لوسن , نزلت فجأة الى هنا , منذ نصف ساعة تطلب أيضاحا عن سبب التأخر في تحضير الترويقة , أجبتها أنك لم تستيقظي بعد , نظرا الى تأخرك الليلة الفائتة .... ( وتنهدت قبل أن تضيف) مختصر القول أنها تريد أفطارا جيدا , وعليّ بالتالي أن آخذ لها طبقا من الرقائق , وبيضا مقليا , خبزا وقهوة!".
" أذن , هذا ما يضايقك ( ورمقت أبنتها بنظرة سائلة , ثم قالت تستوضحها ) هل دخلت غرفة عمك؟".
أطرقت أيما هنيهة , ثم أجابت:
" نعم , لكنه كان لا يزال نائما , فعدت الى الخارج , هل أيقظته بدخولي الغرفة؟".
" كلا , لحسن الحظ".
ثم أنتبهت جولي الى أن السيدة هادسون كانت تحدق فيها بدهشة لا تحفّظ فيها.
وسألتها الخادمة:
" هل بات السيد روبرت ليلته هنا؟".
تلوّن وجه جولي:
" نعم , لقد كان مرهقا , وكان نائما عندما عدت الى المنزل".
هزّت السيدة هادسون برأسها , وقالت:
" نعم , أعرف هذا , لقد عاد الى لندن نحو السابعة والنصف مساء, وبعد أن عرج على شقته حضر الى هنا".
قالت جولي وهي تحكم رباط ردائها الأزرق حول خصرها.
" أظن أنك فوجئت برؤيته".
" نعم , سيدتي , كما أنني سررت لوجوده , أذ كان رفيق سهرتي , أذا صح القول , قال لي , بعد أن أوت الآنسة لوسن الى فراشها , أنه سينتظر عودتك ( وتفحصت وجه جولي ) أرجو ألا تكوني تضايقت كوني ذهبت الى النوم وتركته هنا وحيدا ؟".
" كلا , طبعا".
أبتسمت للخادمة , وأحست هذه بالأطمئنان .
بعد أن أنهت السيدة هادسون وضع طبق الأفطار الذي كانت طلبته منها ساندرا , حملت الصينية , قائلة :
" سآخذها الى غرفتها".
قطبت جولي , معترضة:
" تقصدين أنها عادت ثانية الى سريرها؟".
" لست أدري أن هي هكذا فعلت , سيدتي , لكنها قالت أنها ستكون في غرفتها".
" هات الصينية , سأناولها أياها وأنا في طريقي الى غرفتي لأرتدي ثيابي".
حبذت أيما الفكرة فأومأت برأسها مؤيدة , وأخذت جولي الصينية بعزم من يي الخادمة , فتحت الباب , وعادت الى الطبقة العلوية.

وكما توقعت , كانت ساندرا لوسن في ثيابها , تجلس الى طاولة تكتب رسالة , وفوجئت هذه لدى رؤيتها جولي تدخل الغرفة.
بادرت بالقول , وهي تفسح مكانا على الطاولة لتضع جولي الصينية :
" شكرا جزيلا كان في أمكان السيدة هادسون أن تحضرها".
ردت عليها جولي بنبرة جافة:
" ليس من عادة السيدة هادسون أو من ضمن عملها أن تؤمن الخدمة الى الغرف , وصادف أنني كنت آتية الى هنا....".
" في أي حال , شكرا , سيدة بمبرتون".
بدت أبتسامتها خلوا من أي تعبير صادق.
قبل أن تخطو جولي خارج الغرفة , بادرتها ساندرا بالسؤال:
"في المناسبة , هل كنت تعلمين أن السيد بمبرتون قادم الى هنا الليلة الفائتة؟".
" روبرت؟ ( دست جولي يديها في جيبي ردائها ), كلا , لم أكن على علم بذلك ؟".
" لم أسمع صوت سيارته ساعة غادر , هل كان لا يزال هنا لدى عودتك؟".
أمسكت جولي مقبض الباب , وأجابت:
" نعم ( وأضافت ) في الواقع , بات ليلته هنا!".
ثم خرجت توصد الباب بأحكام , تاركة لسندرا أن تستنتج من جوابها ما تشاء.
عندما خرج روبرت من غرفة جولي , كانت ساندراذهبت تتنزه في البلدة , بينما فضّلت أيما اللعب في الحديقة حيث بصمات الصقيع كانت لا تزال عالقة , أما جولي فكانت في المطبخ تساعد السيدة هادسون في تنقية الخضار تحضيرا لوجبة الغداء , كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ظهرا , فتح الباب ودخل , بدا من قسماته أنه نام جيدا , وأختفت علامات الأرق والتعب التي رسمت وجهه الليلة المنصرمة , بادر جولي بنظرة قاسية لم تكن تتوقعها , ثم ألتفت الى الخادمة يسألها:
" هل فات الأوان لأن أتوسل من أجل فنجان قهوة؟".
جففت السيدة هادسون يديها وهي تجيبه:
" كلا , بالتأكيد.... أراك تبدو أحسن حالا اليوم ".
" نعم , أشعر بذلك ( وعاد ينظر ثانية الى جولي , ثم بادرها محييا ) صباح الخير , جولي".
أجابت متمتمة:
" صباح الخير".
أومأ برأسه شاكرا السيدة هادسون وقفل خارجا من المطبخ , وأحست جولي بأنفاسها تتلاحق بسرعة.
حضّرت السيدة هادسون صينية صغيرة عليها بضعة فناجين , أبريق قهوةحليب وسكر , أضافة الى كعك طازج , وما أن فرغت من أمرها حتى بادرتها جولي:
" هل ستحملينها اليه , أم تفضلين أن أقوم بهذا عنك؟".
" أذهبي أنت , لا لزوم لأن تنكري رغبتك في هذا".
كان روبرت يقف قرب النافذة في الصالون , في بذلته الرمادية , وكانت لحيته غير الحليقة دليلا على أنه لم يبت ليلته في شقته , وعلى رغم هذا بدا لا يدانى في جاذبيته , لدى سماعه وقع أقدامها , ألتفت نحوها قائلا:
" شكرا ( وأضاف) سأغادر حالما أنهي أفطاري".
وضعت جولي الصينية على الطاولة :
" أتريدني أن أسكب لك؟".
لم يبد أعتراضا , وقال:
" أذا أردت".
جلست جولي على حافة الكنب , وبدأت في صب القهوة , ثم ناولته فنجانه , وقربت منه علبة السكر , وضع حبة في فنجانه ورشف قليلا .
" يجدر بي , على ما أعتقد , أن أعتذر لك عن أزعاجي لك".
نهضت جولي من مكانها , وأجابت:
" أي أزعاج هذا ؟ ( ثم أردفت ) أنا التي عرضت عليك أن تبيت هنا ( ورفعت نظرها نحوه تسأله ) هل نمت جيدا؟".
" أنت تعلمين أنني نمت جيدا ".
" هذا جيد".
" أين نمت أنت؟".
" مع أيما".
" علي ألآن أن أذهب , أعتذر ثانية عن الأزعاج الذي سببته لك ".
" لكنك لم تكن مصدر أزعاج!".
في هذه اللحظة دخلت أيما الغرفة عدوا وهي تهتف بأنفعال:
" عمي روبرت! عمي روبرت! ( وقفزت الى ذراعيه ) , ثم سألته عاقدة الحاجبين ) لا أظن أنك مغادرنا؟".
" بلى , علي أن أذهب".
" لكن , لماذا ؟ ( ونظرت الى أمها ) لماذا , أمي ؟ هل عليه أن يذهب , حقا؟".
" نعم , حبيبتي".
وبدا صوت جولي متقطعا.
ضم روبرت الطفلة اليه , وقال لها:
" سأعود قريبا لزيارتك ثانية".
تكوّر فم الطفلة , وقالت بصوت متوسل :
" أوه , عمي , أرجوك أن تبقى , لقد كنت في غرفتك هذا الصباح , ألا أن أمي لم تدعني أوقظك ..... وها أنت الآن ذاهب!".
أجابها بجدّية قائلا:
" أنني متأكد , بوجود الآنسة لوسن هنا , أن.....".
" دعني من الآنسة لوسن , فأنا لا أحبها!".
فجأة , عضّت أيما على شفتها وأنسلت من بين يدي روبرت , وأدركت جولي للحال أن الآنسة لوسن كانت تقف صامتة عند باب الغرفة تراقبهم , وعندما لاحظه روبرت وجودها , تكلّف بالقول:
" عمت صباحا , آنسة لوسن .........".
بدا وجه ساندرا لوسن بارد التعابير , أذ هي سمعت ما كان يدور من حديث , لا سيما ما قالته أيما , ألا أنها , على ما يبدو , صممت على تجاهل الأمر وأجابت:
" صباح الخير , سيد بمبرتون , كنت في نزهة في القرية , وعلى رغم أن الطقس بارد , غير أنه منعش يبعث النشاك".
أبتسم روبرت مجاملا:
" لا شك أنه كذلك".

ردت عليه بأبتسامة وحوّلت نظرها ناحية الطفلة:
" ماذا كنت تفعلين , أيما , في أثناء غيابي؟".
بدت علامات الرفض على وجه أيما وهي تجيب:
" لا شيء".
ولاحظت جولي , لأول مرة , أن أبنتها لم يسبق لها أن كانت في حال ثورة مشابهة, كانت الطفلة تنظر الى روبرت في أستسلام وتوسّل , ولمعت دمعتان عالقتان بين رموشها:
" أرجوك , عمي روبرت , لا تذهب".
تردد روبرت لحظة , وهو يرمق جولي بألم , فبدرت منها حركة عفوية , وسألته:
" أبق , أذا كنت ترغب في ذلك!".
" نعم , لم لا تبقى ؟ ( رددت ساندرا , وأضافت) في الواقع , كنت أتصور بقاءك , لذا أتصلت بباميلا بينما أنا في الخارج , وسألتها أن تأتي ".
بدرت شهقة غيظ من جولي :
" ماذا فعلت !".
" هدّئي من روعك , جولي ! ( علّق روبرت وبدا غير مهتم للخبر , ثم ألتفت الى ساندرا يسألها ) هل أخبرت باميلا أنني هنا؟".
تظاهرت ساندرا بالخجل :
" كلا , ليس هذا ما قصدته , كل ما في الأمر أنني تصورت وجودك هنا سيكون مفاجأة سارة لباميلا".
مسح روبرت دمعة عن وجنة أيما , وأبتسامة غريبة ترتسم على وجهه وقال بنبرة مهذبة:
" أستطيع القول أنك تصورت بعملك هذا يمكن أن تقلقي بالها؟".
أحتقن وجه ساندرا , وقالت تبرر تصرفها:
" باميلا صديقتي , وقد قمت بما أعتقد أنه الأفضل".
" الأفضل لمن ؟ لباميلا؟ أم لك؟".
" ماذا تقصد؟".
حدّق فيها روبرت بعينين ثاقبتين:
" بئس عقل كالذي لك , آنسة لوسن , هل تتصورين فعلا , أن مجيء باميلا , وأنا هنا , سيؤدي الى سوء تفاهم , ولو بسيط , بيني وبينها ؟".
" أنني متأكدة ....".
" كلا , آنسة لوسن , لن يكون خلاف بيننا , فهي ليست كما يتهيأ لك , أنها تبغي الزواج بي لأنني الرجل المناسب تماما لها , أجتماعيا وماديا على حد سواء , علما أنه قد يكون في بعض تصرفاتي , بين حين وآخر , ما يضايقها , ألا أن كل ما حققته بأتصالك بها ودعوتها الى هنا , هو أذلالها , أوتظنين أنها ستكون شاكرة لك صنيعك؟".
هتفت ساندرا بصوت مرتفع تدافع عما أقدمت عليه:
" كيف يمكنك والحال هذه أن تقر بتصرف كهذا؟".
" أنني لا أقر بشيء , أذ لا شيء لدي أعترف به , كذلك الحال بالنسبة الى السيدة بمبرتون".
" ما الأمر , عمي".
سألت أيما , يكاد ينفد صبرها.
" لا شيء , صغيرتي ( نظر اليها بحنان ) أذهبي , وبدّلي ثيابك , سألحق بك بعد خمس دقائق , سنلعب معا لعبة ( الأميرة والمارد)".
" رائع!".
وهرولت الطفلة الى خارج الغرفة وأستدار روبرت ثانية نحو المربية :
" والآن , ما رأيك؟".
بدت ساندرا متضايقة , ورمت جولي بنظرة خبيثة:
" لقد فات الأوان لأن أغيّر مجرى الأمور".
أجابها روبرت بصوت يترجم قساوة تعابير وجهه :
" يجب ألا تعرف باميلا ساعة وصولي الى هنا , فهي لا تنتظر عودتي مبدئيا قبل هذا المساء , وأذا ما تساءلت , أن هي حضرت ورأتني , عن ساعة قدومي فتفسير ذلك ببساطة , أنني عرجت الى هنا منذ فترة وجيزة".
صرخت ساندرا في غضب:
" أانت تدعوني في هذه الحال الى أن أكون شريكة لك في سرك؟".
" بالعكس , المطلوب منك أن تنقذي باميلا من موقف محرج".
" وماذا إن هي لم تعر أهتمامك لكونك بت ليلتك هنا؟".
" لكنك قصدت من وراء أتصالك بها ودعوتها الى هنا أن تجدني في المنزل , وبالتالي أفسحت المحال واسعا لشكوكها , أوتظنين أنها ستغفر لك ما يمكن أن تسببيه لها؟".
" أنك....... حقير فعلا!".
" بل أنا رجل عملي ( وأضاف يسألها ) هل أتفقنا أذن؟".
" حسنا , لن أقول شيئا , لكنني لن أنسى هذا أبدا".
" لن أنساه أنا كذلك".
رد عليها جازما , وخرج يبحث عن أيما".
كانت ساندرا , تلك اللحظة , ترقبها بعينين تتلظيان , ثم بادرتها بالقول:
" أظن أن الذي جرى , جلّه لمصلحتك , أليس كذلك؟".
رفعت جولي عينين متعبتين :
" لماذا؟".
" هذه المسرحية ! هذا الأدعاء بوصوله من الولايات المتحدة , منذ لحظات! أنه ليس مهتما بموقف باميلا من الموضوع أو مكترثا لصداقتي لها!".

نيو فراولة 24-06-11 04:34 PM

5- كوة في جدار الزمن



في الأيام القليلة التي تلت , بدأت أيما دروسها مع ساندرا , وكانت هذه أحضرت معها بضعة كتب للتمارين المدرسية وقرطاسية تكفي أيما لمدة أسبوعين تقريبا , وهي كانت أطلعت جولي على عزمها طلب كمية أخرى من لندن , في حال أظهرت أيما تقدما ملموسا.
ألا أن الطفلة بدت متعثرة في دروسها , ولم يكن هذا مستغربا , هذا , ألى أنها تحولت خلال فترة قصيرة من طفلة هادئة , حسنة الطبع الى أخرى عصبية المزاج دائمة البكاء , الى درجة أضطرت جولي معها أحيانا الى توبيخها.
منتديات ليلاس
بعد ظهر ذات يوم , قالت جولي تستطلع رأي السيدة هادسون في سبب تغير طباع أيما:
" لا أستطيع فهم هذا التغير المفاجىء , علما أنها كانت تبدي رغبة أكيدة في الذهاب الى المدرسة ".
" أن تتعلم على يد مربية ليس نفس الشيء كما لو أنها في مدرسة , فهي , هنا , لا أصدقاء لها , كما لم تسنح لها فرصة الأختلاط بأولاد آخرين , وهي بالتالي تشعر بالوحدة , وهي تدرك أنه ما دامت الآنسة لوسن هنا , فهي لا محالة باقية على هذه الحال".
" لكن روبرت يرفض أن يبحث في خيار آخر".
وبدت جولي ساخطة , فهي الآن قلقة على أبنتها فضلا عن همومها الشخصية.
" وما هو رأي السيدة بمبرتون؟".
" أوه , لا يمكن أن توافقني في أمر ما أبدا! الى أن ساندرا صديقة العائلة".
" ماذا ستفعلين أذن , لتدارك الأمر قبل أن يستفحل؟".
" في الحقيقة , لا أدري".
" ماذا عن السيد هيلنغدون ؟ أليس في أمكانه أن يفاتح روبرت في الموضوع , قد يصغي اليه".
أبتسمت جول:
" أشك في أمكان ذلك , كثيرا".
" لست أدري فعلا ما الذي يمكن أن تفعليه حيال هذا الواقع , ألا أن شيئا ما يجب القيام به , فالطفلة في بكاء شبه مستمر".
" أعلم هذا , الذي يزيد من واقع المأساة أن ساندرا لا تكف عن الشكوى من أن أيما تتصرف بقلة تهذيب في أوان الدرس, أنني متأكدة أنها تود لو تصفعها أحيانا لهذا".
علّقت السيدة هادسون بنبرة تنم عن كره حيال ساندرا:
" كما أنني أعتقد أن الشعور متبادل بينهما".
" أنني أكيدة من ذلك ( ردت جولي خصلة من شعرها الى خلف أذنها وأضافت ) حسنا , سأتصل بفرنسيس , لأبحث معه في الموضوع".
أتصلت به هاتفيا في مكتبه , وبدا فرنسيس مغتبطا , على عادته , لسماعها , وبادرها:
" متى أراك ثانية؟".
" في الواقع , أنني في حاجة الى مساعدتك , فرنسيس".
" مساعدتي ؟ في أي موضوع؟".
" أريد منك أن تبحث مع روبرت في مسألة ..... أن تسأله أذا كان ممكنا أن يعيد تقويم قراره في شأن أرسال أيما الى مدرسة , فهي ترغب في الذهاب ال مدرسة البلدة , أنها , ببساطة , لا تريد أن تدرس على يد مدرسة خاصة , علما أن ساندرا تظهر قدرا كبيرا من الصبر والأناة حيالها".
" هذه هي المشكلة , أذن , أتريدينني أن أحضر شخصيا وأبحث مع أيما في المسألة؟".
" لا أعتقد أن هذا سيغير من الواقع في شيء , طبعا , ستسر برؤيتك , لكن , ما أن تتركها وتغادرنا.....".
أجاب فرنسيس ,وقد أدرك عمق المسألة:
" حق ما تقولين , ألا يجدر بي أن ألفتك الى أنني وبروبرت لسنا على أتم وفاق هذه الأيام , لقد ألمح لي ببعض الملاحظات القاسية , لدى زيارته لنا الأحد الماضي".
" عم كانت ملاحظاته؟".
" عنك, طبعا , لقد طلب مني أن أدعك وشأنك.... وأنه لا يجد علاقتي معك مبررة , وأنه لن يقف مكتوفا حيال هذا , ويتركك تهدمين حياتك, ألخ......".
" أوه , أنني آسفة , إن كنت سببا في ما حصل بينك وبينه".
" لا أخفي عليك , أنني كنت ساخطا بادىء الأمر لملاحظاته هذه , ألا أنني أدركت في ما بعد أنه كان يبغي مصلحتك, وبدا لي أنه يحس بمسؤولية كبرى حيالك ملقاة على عاتقه.... أنتما الأثنتين , لا أدري كيف سيصمد زواجه وباميلا بأزاء هذه الحقيقة".
" ماذا تقصد؟".
" الحقيقة , أنني لو لم أكن أعرفه جيدا , لقلت أن ألتزامه حيالك هو إندفاع إلى أبعد من مجرد واجب أخلاقي , لكن هذا من السخافة بمكان , أليس كذلك؟".
" نعم ( ومع هذا وجدت صعوبة في التركيز على الموضوع الذي من أجله أتصلت به ) لكن ...... قل لي , هل ستبحث معه في موضوع أيما؟".
" تردد فرنسيس لحظة قبل أن يجيب :
" أذا كان هذا ما تريدين........".
" بالطبع , هذا ما أريده".
" حسنا , أنه قادم غدا الى الغداء عندما سأحاول أن أكلمه في الموضوع ".
" شكرا لك فرنسيس , شكرا".
" لا تشكريني الآن , فأنا لم أحقق شيئا بعد".
منتديات ليلاس
بدت السيدة هادسون راضية عندما أخبرتها جولي بما دار بينها وبين فرنسيس , وعلّقت قائلة:
" أذا كنت لا تدرين , فأن للسيد هيلينغدون طرقا في الأقناع".
أبتسمت جولي وهي تقول:
" نعم , لكن يبدو أن روبرت أخذ عليه دعوته أياي الى العشاء خارجا في نهاية الأسبوع الفائت , وهما لهذا ليسا على وفاق تام".
رفعت الخادمة حاجبيها:
" أحقا ما تقولين؟ ( ثم أبتسمت وهي تتمتم ) لا بأس , لا بأس".
هزت الخادمة رأسها وهي تزن كمية من الطحين تحضيرا لصنع قالب من الحلوى , وقالت:
" ليس هذا من شأني , سيدة بمبرتون".
" كيف يمكنك أن تقولي هذا , وقد علّقت منذ لحظة على الموضوع؟ ( أعتلت جولي كرسيا , ثم أردفت ) آه , لو يقبل روبرت , فقط , بأن تذهب أيما الى المدرسة , فتكوّن صداقات مع أطفال آخرين.......".
" والمربية التي أستقدمها ستصير خارج المنزل!".
" هذا بديهي , لا أستطيع أن أفهم سلوك أيما هذا , من عادتها أن تكون حسنة الطبع والسلوك".
أفرغت السيدة هادسون الطحين في وعاء صغير , قبل أن تقول :
" أعتقد أن الأهتمام الزائد بها والدلال من قبل جدتها والسيدين روبرت وهيلينغدون جعلاها تركب رأسها , ثم أنها طفلة في الخامسة من عمرها فقط , تصوري المتغيّرات التي كان عليها أن تتكيّف معها خلال هذه الأشهر القليلة الأخيرة!".
" هل تعتقدين , أذن , أنها مدللة كثيرا؟".
" رعاك الله , ليست الحقيقة شيئا من هذا , من حقها أن تكون مدللة إلى حد ما , هذا إذا ما سئلت في الموضوع , , أنها تحاول أن تجد لنفسها موطىء قدم في عالم يكثر فيه الناس حولها ".
" هل تعتقدين أن هذا هو السبب الذي يجعلها فرحة في كل مرة يأتي روبرت إلى هنا ؟".
" لا أعتقد أن هذا هو كل ما في الأمر , أنها طبعا ترى في روبرت الأمان , لكن المسألة أبعد من هذا , على ما أعتقد , أذ أن الطفلة متعلقة به كثيرا , فهي تتحدث عنه في شكل مستمر , كذلك نتحدث عن السيد هيلينغدون , إلا أن السيد روبرت هو الإنسان المصطفى لديها".\وضعت جولي راحتيها على خديها وقد أحست بدمعتين حارقتين في مقلتيها .
أردفت السيدة هادسون قائلة:
" أنه أهل لأن يكون كذلك ".
كان صوتها خافتا إلى درجة لم تسمعه جولي بوضوح :
" وسألتها:
" ماذا قلت؟".
تخصّب وجه السيدة هادسون :
" قلت.. أنه المفضل لديها , ألا تعتقدين ذلك؟".
" لماذا؟".
" حسنا , كونه أخ السيد مايكل , ويشبهه كثيرا".
" آه , فهمت ما ترمين إليه".
" ماذا ظننت أنني قصدت بقولي غير هذا؟".
رفعت جولي كتفيها تفتش عن جواب :
" لماذا؟ ........ لا شيء".
مسحت السيدة هادسون الطحين عن يديها بطرف مرولتها , وقالت:
" لو أنك كنت تزوجت السيد روبرت , سيدتي , لكان هو والد أيما ".
حدّقت فيها جولي وأجابتها في إقتضاب:
" لم يكن هذا ممكنا".
" صحيح , لأنك رفضت الزواج به قبل سفره إلى فنزويلا , أليس كذلك؟".
" وكيف عرفت هذا؟".
" السيد روبرت نفسه أخبرني , كنت نتحدث , تلك الليلة التي بات فيها هنا , عن تلك الأيام التي كان يكثر فيها من أسفاره".
" وماذا أخبرك أيضا غير ذلك؟".
" لا شيء يذكر , سوى أنك كنت ثائرة يومها على قراره في السفر ".
" كان ذلك أمرا بديهيا ".
" كان في إمكانك أن تسافري معه , بعد زواجكما".
أحست جولي بالصقيع يغلّف قلبها :
" أعرف ذلك , إلا أننا تجادلنا تلك الليلة......".
" والسبب إضطراره إلى السفر قبل أسبوع من موعد زفافكما؟".
" نعم , أوه , أنني أدرك أن الأمر يبدو الآن سخيفا , غير أنه في ذلك الوقت كانت مسألة مبدأ كنت في التاسعة عشرة من عمري".
أضاف السيدة هادسون كمية من السكر غلى الطحين في الوعاء , وسألتها تستزيد:
" وماذا حدث بعد ذلك؟".
" ما نفع أستذكار هذا كله الآن ؟ فليس في الإمكان تبديل ما كان ".
" أخبريني كيف تعرفت إليه؟".
" كنت أعمل في الشركة خاصتهم .... في الواقع , مديري هو الذي عرّفني إليه , كنت قد سمعت عنه قبل ذلك , ذلك أن شهرته كانت في كل مكتب من الشركة".
" أكملي".
" أوه , كان روبرت شخصا ينال أي شيء يسعى وراءه , وبالتالي أخذ يوجه الأعذار ليأتي إلى مكتب السيد هارفي حيث كان عملي , كان يعرض عليّ أن يوصلني بسيارته , أو أن يدعوني إلى غداء , وكانت الفتيات الأخريات يحذرنني منه , غير أن ذلك لم يكن ضروريا بالنسبة لي , أذ كنت أدرك تماما أي نوع من الشباب هو , كان معتادا على أن يصل إلى مبتغاه إل أنه لم يحاول شيئا من هذا معي بعد خروجنا معا للمرة الأولى , ظننت أن علاقتنا لن تتعدى هذا الحد , غير أنني كنت مخطئة , أذ هو سألني ذات يوم إن كنت أقبل الزواج به! ( هزّت رأسها في أسى ) لم أصدق آنئذ عرضه , ظننت أن الأمر لا يعدو كونه مناورة كي يستطيع أن يحصل مني على ما يريد , إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك , لقد كان يحبني فعلا".


" وماذا حدث بعد ذلك؟".
" ما يحصل عادة في مسائل كهذه أصطحبني ليقدمني إلى والدته , وكانت هذه آنذاك تملك منزلا في منطقة ريتشموند ... أوه , طبعا , أنت تعرفين هذا , حسنا , في أي حال , لم تشغف والدته بي , لكنها أدركت يومئذ كم كان روبرت جادا , وكان عليها بالتالي أن تسلم بالأمر بطريقة تحفظ ماء الوجه , ثم وضعت كل الترتيبات تحضيرا لحفلة الزواج , ولم يكن هناك من يساعدني على تحضير نفسي , ذلك أنني , بعد مقتل والدي في حادث سيارة , أرسلت إلى ميتم حيث ترعرعت , فأخذت السيدة بمبرتون على عاتقها أمر مساعدتي في التحضير لحفلة الزواج , ثم طرأت فجأة حادثة فنزويلا التي فجّرت المسألة برمتها".
" وألغيت حفلة الزواج؟".
" نعم".
منتديات ليلاس
أستدارت جولي مبتعدة , لم يعد في إستطاعتها أن تسترسل أكثر في الحديث , وأدركت السيدة هادسون معاناة جولي فغيّرت موضوع الحديث , وبدت جولي مقدّرة لها ما فعلت.
عاودتها ذكرى تلك الليلة التي كان على روبرت أن يخبرها أنه مضطر إلى السفر إلى فنزويلا .
في بدء سهرتهما , لم يخبرها شيئا , وكانا ألتقيا , عل عادتهما , في وسط المدينة , ثم تناولا طعام العشاء في أحد المطاعم كانا يكثران من أرتياده , تلك الأمسية , بدا روبرت قليل الكلام مكتئبا قليلا , إلا أن جولي لم تلاحظ ذلك , كونها كانت تحس بسعادة عارمة لعلمها أن أسبوعا واحدا يفصلها عن زواجهما , تصير بعده السيدة روبرت بمبرتون.
لكنها أضطرت إلى أن تعترف لنفسها , وقد فرغا من عشائهما, أن شيئا ما ليس على أحسن حال , وملكت قلبها رعشة من الخوف , وعندما أقترح روبرت أن يعرجا على منزل والدته في ؤيشتموند , لم تمانع , غير أنها تساءلت , على رغم أن كل شيء أصبح جاهزا في شأن حفلة الزواج , عما أذا كانت هذه هي اللحظة التي سينهار فيها كل شيء بينهما.
عندما توقفت السيارة في الباحة , لاحظت جولي أن المنزل غارق في ظلام دامس , وتطلعت نحو روبرت مستفسرة .بادر هو يوضح لها:
" والدتي تقضي نهاية الأسبوع هذه خارج المنزل".
وخرج من السيارة ليأتي ناحيتها ويفتح لها الباب .
خرجت من السيارة مترددة :
" لماذا أتيت بي إلى هنا , روبرت؟".
أغلق الباب , قبل أن يجيب :
" تعالي إلى الداخل , أنا في حاجة إلى فنجان قهوة".
في الرواق المترف الأثاث , أغلق الباب خلفه , وقادها إلى الصالون , وفيما هما في طريقهما إذا بالسيدة هيوز , خادمة السيدة بمبرتون , تطل من باب المطبخ وفي عينيها إستغراب.
بادرت تسأله :
" ظننتك , سيدي , ستمضي سهرتك في المدينة؟".
أجابها بنبرة لا تخلو من حدة:
" كنت أعتزم هذا , لا تزعجي نفسك , سيدة هيوز , لن نكون في حاجة إلى شيء , يمكنك الذهاب".
" كما يشاء سيدي".
وقفت جولي خلف الكنبة , تراقب روبرت يسكب لنفسه فنجان شاي مثلج , فجأة , إستدار في حركة عصبية , وقال لها:
" إنزعي عنك معطفك وإجلسي , لن أضايقك في شيء فلا تجزعي".
إلا أنها لم تستطع أخفاء قلقها , فسألته:
" لماذا أتيت بي إلى هنا؟".
" لا سبب لقلقك هذا , جولي , أردت أن أحدثك عن أمر في مكان حيث نستطيع ذلك في هدوء , هذا كل ما في الأمر , إجلسي , أرجوك ".
فكّت جولي أزرار معطفها , نزعته ثم ألقته على مقعد قريب منها , أقتربت لتأخذ لنفسها مكانا على كنبة وثيرة .
" ألا ترغبين في فنجان شاي؟".
" كلا , شكرا".
" لدي نبأ غير سار , جولي".
أحست كأن يدا باردة أخذت تعصر قلبها :
" نبأ غير سار ! أي نبأ هذا؟ ليس.... في شأن مايكل؟".
كان مايكل في ذلك الوقت في رحلة على متن سفينته , وظنت أنه قد يكون وقع له حادث.
هز روبرت رأسه نفيا , يحررها من قلق ليأسرها من جديد:
" كلا , ليس مايكل , بل موران الذي قتل في فنزويلا , البارحة ".
وضعت يدا على عنقها , وفي عينيها حيرة وتساؤل , ورددت :
" موران ؟ تقصد دنيس موران؟".
كان دنيس موران مهندسا أستشاريا يعمل لشركة بمبرتون.
" نعم , هو بالذات , كان يعمل في مشروع وادي نهر غوابا ( صمت لحظة , ثم سألها ) هل سمعت بهذا المشروع؟".
" بالكاد ( حاولت جولي أن تتذكر ) أليس هو المشروع الذي بدأته أنت شخصيا؟".
" نعم ".
أجاب روبرت يومىء برأسه .
وأردفت قائلة:
" طبيعي أن أشعر بأسى لفقدان أي إنسان , إلا أنني لا أرى , عدا هذا , ما الذي........".
" لست ترين أي علاقة بين مقتله وبيننا نتيجة هذه الحادثة , أهذا ما أردت قوله؟".
" نعم , أهذا كل ما في الأمر؟".

" أخشى أن يكون غير هذا , كان مفترضا أن نكمل هذا المشروع منذ وقت طويل , لكن حدث تأخر في التنفيذ , وعلينا أن ننتهي من بناء السد قبل موسم الشتاء الذي أخذ يقترب".
حبست جولي أنفاسها:
" وماذا يعني هذا؟".
صرخ فيها روبرت وقد عيل بصره .
" أنت لا تسهلين الأمر علي لأشرح لك الموضوع".
قالت وهي تحدّق فيه:
" ماذا تريدني أن أقول؟ لست أرى كيف أن مقتل هذا الرجل يمكن أن ينعكس علينا".
" ألا ترين العلاقة ؟ أم أنك لا تريدين ذلك؟".
أراح يده على الجدار وأحنى رأسه يسنده إل ذراعه , وأضاف:
" أن الأمر واضح ( صمت قليلا ثم أكمل بصوت ضعيف) علي أن أسافر إلى هناك لأحل محل موران في الإشراف على تنفيذ المشروع".
أنتصبت جولي كمن لدغ , وهتفت بصوت عال وبغضب:
" عليك أن تسافر إلى فنزويلا؟".
" نعم ".
" لماذا أنت؟".
في هذه اللحظة نسيت جولي كل ما يتعلق بحفلة الزفاف التي لا يفصلهما عنها سوى أيام معدودة.
" لأنه..... وكما ذكرت أنت بنفسك للحظات , أنا الذي بدأ هذا المشروع , وقد تسلّم موران إدارته مني".
هزت رأسها بعنف غير مقتنعة:
" وإن يكن هذا , فهناك مهندسون آخرون في الشركة ....... ( وإنهارت فجأة ) ماذا يعني كل هذا؟ ماذا تحاول أن تخبرني ؟ متى ستسافر؟".
إستدار نحوها وبدا وجهه مكفهرا:
" علي أن أغادر في مهلة .... يومين أو ثلاثة".
تملّكها الخوف , وهتفت:
" لكنك لا تستطيع أن تفعل هذا ! هل نسيت , روبرت؟".
غمغم بصوت حمّله كل ما في داخله من مرارة:
" بحق السماء , كيف أستطيع أن أنسى ؟ ولهذا جئت بك إلى هنا لأخبرك الحقيقة من دون مواربة , كل ما أطلبه منك أن تحاولي تفهّم وضعي......".
صرخت به قائلة:
" وضعك أنت! وماذا عني؟ لا يمكنك أن تقدم على عمل كهذا ؟ لم لا يذهب أحد غيرك ؟ لماذا يجب أن تكون أنت بالضرورة البديل؟".
أشار إليها بيده أن تهدىء من ثورتها وإنفعالها , وقال بصوت أجش :
" حاولي أن تنظري إلى المسألة بعين المنطق , هل تظنين أنني راغب في السفر إلى فنزويلا؟".
" لست متأكدة , حقيقة , ما الذي ترغب فيه".
تنهد روبرت , وقال بصوت متهدج:
" بالطبع تعرفين ماذا أريد , أريد أن أبقى هنا , معك , أريد أن أتزوجك! أردت هذا وأنتظرته لفترة طويلة , كيف تتصورين أحساسي , والحال هذه؟".
أجابته , وهي تكاد لا تصدق ما يقوله:
" لست أدري شيئا , لم تعطني بعد عذرا مقبولا يوجب ذهابك".
قاطعها بأنفعال , قائلا:
" أنني لا أقدم أعذارا , إسمعي , سأحاول أن أوضح لك المسألة بالتفصيل , المشروع هذا من تصميمي , أنا الذي رعاه وأشرف عليه في بداياته , وعندما بدا أن كل شيء يسير بحسب ما هو مرسوم , وقع أنفجار في السد , قتل بنتيجته موران , فكيف , بالله , أستطيع أن أرسل شخصا آخر لينجز ما بدأته أنا؟".
كانت جولي في حال عصبية ظاهرة , تشبك أصابعها وتباعدها في حركة مستمرة , وعلّقت قائلة:
" لكن الوقت ليس عاديا , روبرت , أذ أن كل الترتيبات وضعت تحضيرا لزواجنا الأسبوع المقبل , ولا يمكننا أن نلغي كل شيء".
أجابها روبرت غاضبا:
" أنني لا أقترح ألغاء كل شيء , كل ما أطلبه منك أن توافقي على تأجيل الموعد المقرر".
" أن نؤجله ! ترى , في رأيك , كيف سيقبل الناس هذا الأمر؟".
" ماذا تقصدين ؟".
" تماما ما أقوله ( كانت حركات رأسها تواكب حدة كلماتها ) ألا ترى كيف سيفسرون هذه الخطوة ؟ هل فقدت بصيرتك أيضا؟ مجرد ذهابك في هذه المهمة دلالة على أن العلاقة بيننا قد قطعت ..... أنتهت! وأن تأجيل موعد الزواج ما هو إلا إلغاء تدريجي لعلاقتنا برمتها".
" ما تقولين هراء بهراء , ( بدأ صبر روبرت ينفد , وأعصابه تزداد توترا إذ فاجأته كل هذه العقبات غير المنتظرة لخططه ) لن نؤجل موعد زواجنا فترة طويلة.... شهر أو شهران على الأكثر".
" شهران ! ( أشاحت بنظرها بعيدا عنه ) دع شخصا آخر يسافر بدلا منك".
أجابها معاندا وقد عقد الرأي على المضي في ما رآه .
" لا أستطيع ذلك , إسمعي , جولي , لقد حاولت أن أشرح لك المشكلة , وأذا كنت لا تصدقينني , فلست أدري سبيلا آخر لأقناعك ".
أحنت جولي رأسها في إنكسار:
" كيف لي أن أصدقك ؟ هل والدتك على دراية بالأمر؟".
" نعم , أنها تعرف".

" غالب الظن أنها هللت للحدث ( قالت بصوت ضعيف , ثم أضافت وفي نبرتها مرارة اليأس ) على كل , أنها فرصة توفر لها أسبوعا أو أسبوعين تستطيع خلالها أن تقنعك بأنك تقترف بزواجك أعظم خطأ في حياتك , أليس كذلك؟".
بدا روبرت في حال من المعاناة الشديدة , فصرخ فيها :
" جولي! ".
وأقترب منها يضع يديه على كتفيها محاولا أن يجعلها تلتفت إليه ثانية , إلا أنها تخلصت منه وإبتعدت.
وهتفت بصوت عال :
" لا تلمسني ".
تمالك روبرت غضبه .
" أنك سخيفة , تتصرفين كما لو أنني أحاول أن أنكث بعهدي لك ".
" أوليس هذا ما تفعله ؟".
" كلا!".
أبى أن يعترف بكل ما أوتي من قوته , كذلك , فإن جولي بدت في حال يرثى لها , لا تستطيع أن تتبصر بفكر سليم.
قالت بصوت لا حياة فيه:
" أريد أن أعود إلى منزلي".
" جولي! ( هتف فيها والغضب يتملكه ) لا يمكنك أن تذهبي هكذا ببساطة , نحن لم ننه حديثنا بعد , هناك ترتيبات علينا القيام بها في شأن إرسال إشعار بتأجيل موعد الزواج....".
قالت تكرر طلبها:
" أريد أن أعود إلى منزلي ! ( ثم إستدارت نحوه ) قم بالترتيبات التي تراها ملائمة فهذا شأنك , خصوصا أن والدتك هي التي خطّطت لكل هذا ".
" لن أدعك تذهبين وأنت في هذه الحال....... كوني عاقلة , جولي! أنني أحبك , ألا يعني لك هذا شيئا؟".
" لو كنت تحبني , لما سمحت لنفسك أن تفعل بي هذا . بل بنا نحن الأثنين ( حدقت فيه , ونداء رجاء أخير في عينيها ) أرجوك روبرت , دع أحدا آخر يذهب , بيتر مثلا أو ليونل غرانت".
" كلا ( قالها بحزم ) علي أن أذهب بنفسي , أرجوك أن تتقبلي الأمر ".
تلفت روبرت حوله بحركات يائسة , كما لو كان يفتش عن كلمات يثبت بها صدقه في ما قاله :
" جولي , لا يمكنك أن تفعلي بي هذا..... ...أنا في حاجة إليك !".
" أريد العودة إلى بيتي , هلا أوصلتني ؟ أم أن عليّ أن أسير إلى المحطة لأستقل قطارا؟".
نهض روبرت من مقعده وهو يحدّق فيها بكآبة يخالطها الحقد , وقال غاضبا:
" لن تذهبي الآن , وكما قلت لك قبل قليل , هناك ترتيبات علينا أن نقوم بها".
أجابته جولي بحدة , أذ لم تعد تحتمل المكوث:
" ليس في ما يخصني شخصيا".
وتناولت معطفها تبغي الخروج.
عندئذ , تحرك روبرت نحوها بغضب عارم , وقبض على ذراعيها , وأنفاسه تحرق بشرتها الرقيقة , وصرخ بها:
" أحبك ! أريد أن أتزوجك !".
حدقت فيه جولي , والألم يعتصرها , الحقيقة أنها كانت مستعدة أن تنتظره مهما طال غيابه , إلا أنها أبت تلك اللحظة أن تستسلم للواقع , وأجابته:
" لكنني أكرهك ! ولن يكون هناك زواج !".
إكفهر وجهه , وشدّها إليه يحاول , كمجنون , أن يعانقها , أما هي , ومع علمها أن رد فعله هذا طبيعي , فقد قاومته بشراسة .
إلا أن معركتها معه كانت معركة خاسرة.
كان البرد قارسا في الخارج , على عكس الجو الدافىء الذي لفّها وهي قرب الموقد , وتراءت لها الحياة في غياب ساندرا راحة مطلقة , في أي حال , كانت هناك مشاكل أخرى تقلقها بمقدار ما كانت تعذبها , وأحست بحاجة ماسة إلى رفقة أيما فقصدت غرفتها تتفقدها , إلا أنها , ما أن وصلت إلى باب الغرفة , حتى وجدتها خالية , دخلت إلى الحمام , عاقدة الجبين , فلم تجد لها أثرا , وخالجها إحساس رهيب بأن أيما ربما ذهبت إلى غرفة ساندرا بغية تحطيم بعض أغراضها إنتقاما لما فعلته بها وبإرجوحتها , فأسرعت جولي في الرواق المؤدي إلى غرفة المربية , لكنها وجدتها خالية , هزّت رأسها مستغربة أختفاء طفلتها , ونزلت ثانية إلى الطبقة الأرضية , وفكرت أن إبنتها لا بد أن تكون مع السيدة هادسون , كانت السيدة هادسون وحيدة في غرفتها , وقالت لجولي أنها لم تشاهد الطفلة , فبدأ القلق يداخلها شيئا فشيئا , ترى أين هي؟
قالت السيدة هادسون:
" ربما خرجت إلى الحديقة".
" آه , طبعا , كيف لم يخطر هذا ببالي , خصوصا أنها لم تصعد إلى غرفتها بعد الغداء".
" سآتي معك".
الطقس الضبابي ألقى ظلالا على الحديقة , وغشاوة رقيقة حجبت رؤوس الأشجار , وبدأ الغسق يهجم , والبرد قارس إلى درجة جعلت جولي تحبس أنفاسها , وسرت قشعريرة في جسمها , كان السكون يخيّم على المكان , وبدا لهما أنه من غير الممكن أن تكون أيما خرجت إل الحديقة , هذا , إلى أنهما لم تسمعا لها صوتا ولا لاحظتا لها أثرا , نادت جولي بصوت عالي:
" أيما ! أين أنت يا حبيبتي؟".
لم يلق نداؤها جوابا , وإلتفتت الى السيدة هادسون التي لحقت بها , بدت هذه قلقة وهزت رأسها في حيرة:
" أليست في الحديقة؟".
" كلا , هل..... يا ربي , هل هذه أيما هناك؟
".

نيو فراولة 24-06-11 04:36 PM

ولم تنتظر جولي جوابا , بل إطلقت تركض هلعة إلى حيث لمحت جسما يتحرك ببطء بين حطام الأرجوحة , هناك على الأرض , تحت الخيوط المنسلة من حبل الأرجوحة كان جسم الطفلة الصغير مطروحا بلا حراك تقريبا , والدماء تسيل غزيرة من جرح في رأسها.
صرخت جولي وهي تنشج :
" يا إلهي ! أيما ! أيما!".
وجثت على ركبتيها تلقي برأسها على جبين الطفلة , ثم مرّرت يدها على صدر الطفلة تتحسس النبض الخفيض الصادر من قلبها الصغير .
بالكاد أحست بوجود السيدة هادسون إلى جانبها , فرفعت إليها عينين معذبتين وتمتمت:
" هل هي...... هل هي ميتة؟".
هزت السيدة هادسون رأسها نفيا , غير أنها , مثل جولي , بدت ممتقعة , وقالت بعد جهد , بصوت مشدود:
" كلا يا عزيزتي , لم تمت , لكن يبدو أنها نزفت كثيرا , خصوصا بعد مضي وقت عليها هنا في هذه الحال وفي هذه الحال وفي هذا الجو الشديد البرودة , هيا , أسرعي إلى المنزل وأطلبي سيارة إسعاف!".
ترددت جولي أولا , وقد أبت أن تترك أبنتها , إلا أنها أدركت أن بقاءها إلى جانبها لن يفيد الطفلة في شيء , فإنتصبت وخفت برشاقة ألى المنزل , فعبرت الرواق , لتطلب سيارة أسعاف , أخطأت في طلب رقم قسم الطوارىء مرتين , قبل أن تسمع صوت محرك سيارة في باحة المنزل , فأندفعت تهرول إلى النافذة تستطلع الأمر , رأت روبرت يترجل من سيارته وهرولت ثانية عبر الرواق ودفعت الباب قبيل أن يهم بالدخول , نظرة واحدة إلى وجهها كانت كافية ليستنتج أن أمرا رهيبا قد حدث وبكلمات متقطّعة , أستطاعت جولي أن تخبره بما حدث , أبعدها من طريقه وراح يعدو عبر المنزل في أتجاه الحديقة إلى حيث الطفلة ممدّدة , نظر بعبوس إلى الأرجوحة المحطمة , وخيّل إلى جولي أنه سيسألها عنها , لكنه أنحنى يجلس القرفصاء إلى جانب الطفلة المغمى عليها ثم أخذ يتفحص الجرح في رأسها , وسأل بصوت متهدج تخنقه العاطفة:
" بالله , كيف حدث لها هذا؟".
أجابت السيدة هادسون:
" يبدو , سيدي , من ثيابها الممزقة , أنها تسلّقت الشجرة وسقطت ...... ويبدو أن رأسها أصطدم بحافة الممر لدى سقوطها .... أنظر".
أومأ روبرت وهو ينتصب ثانية:
أسرعي إلى المنزل وأحضري بطانية لألفها بها , سأنقلها بنفسي ألى المستشفى ".
نظرت السيدة هادسون إلى جولي بتساؤل , فأومأت لها هذه أن تفعل ما طلبه منها روبرت , وأسرعت الخادمة نحو المنزل , بينما جثت جولي ثانية على ركبتيها إلى جانب أيما وأخذت يد الطفلة بين راحتيها , كانت الصدمة قوية , غير أن دموعها لم تعرف إلى مقلتيها سبيلا , وأحست بجفاف في حلقها , وشعور رهيب بالخوف.
وضع روبرت يده بثبات على كتفيها وشدّها إليه , وقال:
" لا تخافي , ليس هناك شيء نستطيعه حيالها , كل ما تفعلينه بتصرفك هذا أنك تزيدين الأمور تعقيدا , هل تريدين الذهاب معي إلى المستشفى؟".
" طبعا".
خرجت الكلمة من فمها بصعوبة بالغة , أرتعشت , فخلع معطفه وألقاه على كتفيها , وهو يتفقد المكان حوله بقلق , ينتظر عودة السيدة هادسون , حاولت جولي أن تجد وسيلة لمساعدة أيما , فسألت بصوت تفاوتت قوة نبرته:
" أليس من الخطر أن نحركها من مكانها؟".
ألقى روبرت نظرة على الجسم الصغير الجامد , وقال:
" لا أعتقد أن هناك كسورا في جسدها , ويجب أن تنقل من هنا بسرعة فالضباب والرطوبة يؤذيانها ".
" هل تعتقد.......هل تعتقد أنها ستكون بخير؟".
" طبعا , طبعا ستكون بألف خير".
عادت السيدة هادسون ببطانية , تناولها روبرت ولف بها الطفلة بعناية , وحاول ما أستطاع أن يرفع رأسها بكلأ أناة , لحظة بان مصدر النزيف , أشاحت جولي نظرها , وطغى عليها هاجس رهيب أن الطفلة ستموت لا محالة , من دون أن يدري روبرت أنها........ إبنته.
في الطريق ألى المستشفى , كانت جولي , بين الفينة والأخرى , ترفع ضمادة من القطن عن الجرح النازف وتبدلها بأخرى , والأفكار تتقاذف ذهنها وعقد الذنب تكبلها , ولاحظت في الوقت نفسه أن روبرت كان يعاني الأمرين هو الآخر , العاملون في قسم الطوارىء كانوا في إنتظارهم , ذلك أن السيدة هادسون أتصلت بالمستشفى سلفا , وفور وصولهم نقلت أيما على حمالة نقالة على جناح السرعة , كان الطبيب لطيفا جدا , قاد جولي وروبرت إلى غرفة الأنتظار وطلب إليهما البقاء حتى يفحص أيما ويأخذ صورة أشعة لرأسها.
مرّت بضع دقائق , خالتها جولي دهرا , وأذا بممرضة تدخل الغرفة , ونظرت نحو جولي والأضطراب باد على محياها , نهضت هذه من مكانها وكادت أن تخونها قواها , أشارت أليها الممرضة .
" سيدة بمبرتون , هلا تفضّلت بالمجيء معي؟".
منتديات ليلاس
ألتفتت جولي نحو روبرت فأومأ لها بإشارة يشد من عزيمتها , خرجت الممرضة وسارتا في الرواق المؤدي إلى غرفة صغيرة مخصصة بالفحوصات الأولية حيث كانت أيما لا تزال ممدّدة على السرير بلا حراك.
أقترب منها الطبيب لحظة دخولها , وقال:
" هناك شيء عليّ أن أصارحك به , سيدة بمبرتون ".
" ما الأمر؟".
" هدّئي من روعك , سيدة بمبرتون , فليس هناك ما يخص وضع أيما لا نستطيع التغلب عليه , ستكون أنشالله على ما يرام , لكنها تحتاج إلى كمية من الدم أثر النزيف الذي أفقدها الكثير منه , والواقع أن فئة دم أيما , لسوء الحظ , نادرة , أنها الفئة أ-ب سلبي , وهي ليست متوافرة حاليا في المستشفى".
هتفت جولي تلقائيا , تقاطعه :
" دم روبرت من الفئة ذاتها!".
" روبرت ؟ ومن يكون؟".
شدّت بقبضتها على حقيبة يدها , لكثرة أرتباكها , وقالت :
" نعم ...... أنه السيد روبرت بمبرتون ..... صهري".
" أتعتقدين أنه مستعد للتبرع؟".
" أوه , لست أدري ..... أنه .... ربما".
كانت كلماتها الأخيرة تعكس ترددها , أذ هي ندمت على أطلاعهم على هذا الأمر , لكنها أدركت في ما بعد أنها فعلت هذا لأنقاذ أيما , فحياة الطفلة عندها كانت أهم من أي شيء آخر , أومأ الطبيب إلى الممرض التي أحضرت جولي قبلا , وقال لها:
" أذهبي وأسألي السيد روبرت أن يأتي ألى هنا".
أما جولي فدنت من سرير أيما تنظر بحنان ألى وجهها المبيض والدم المتخثر بقعا على جبهتها , مسكينة هذه الصغيرة , كل ما حدث لها سببه تلك الأرجوحة.
دخل روبرت الغرفة , تتقدمه الممرضة , نظر ألى أيما أولا ثم ألى جولي , وتقدم منه الطبيب وهو يراجع بعضا من الملاحظات كان قد دوّنها على ورقة صغيرة , رفع نظره نحو روبرت وبادره بالقول:
" آه , سيد بمبرتون , كنت أخبر جولي أن أيما في حاجة إلى كمية كبيرة من الدم , ولسوء الحظ الفئة التي تحتاج أليها ليست متوافرة عندنا في الوق الحاضر , وعلينا أن نطلبها من مستشفى آخر".
" وهل أرسلتم في طلبها؟".
" كنت على وشك أن أفعل , لحظة أنبأتنا السيدة بمبرتون بأن فئة دمك هي ذاتها التي نحتاج أليها".
بدا روبرت كمن أخذ على حين غرّة , وحدّج جولي بنظرة خاطفة ثم ألتفت ألى الطفلة , تعابيره الحائرة تكشف عما كان يدور في ذهنه , محاولا أستيعاب ما قاله له الطبيب.
" أتعني أنني أستطيع أعطاء ما تحتاج أليه الطفلة من دم؟".
" نعم , سيد بمبرتون , أذا كنت موافقا؟".
" بالطبع أنا موافق".
بدا نافذ الصبر وهو يفك أزرار معطفه ويرخي كم قميصه , ثم أردف قائلا :
" أرني فقط ما الذي يجب فعله".
أحست جولي , تلك اللحظة , أنه يكاد يغمى عليها , أذ لم تعد تستطيع أن تتحمل المزيد , ترنحت قليلا , وحاولت الأمساك بذراع كرسي قربها كي تتفادى السقوط , ولما لاحظ الطبيب حال المرأة أوعز ألى الممرضة أن تخرج السيدة بمبرتون من الغرفة حيث تستطيع أن تستريح لبضع دقائق , تستعيد خلالها أنفاسها.
" لكنني أريد البقاء هنا".
" ليس ما تستطيعين عمله , تعالي معي , لا أظنك تريدين أن تكوني غائبة عن الوعي عندما تفيق أيما من غيبوبتها".
عادت جولي ألى غرفة الأنتظار تجلس وحيدة , وخيل أليها أن ساعات عدة مرت وهي تنتظر , لكن لا يعقل أن يكون مضى عليها وقت طويل وهي في هذه الحال من الترقب , وما أن عادت ألى وعيها كاملا حتى نهضت تذرع الغرفة جيئة وذهابا بخطى لا أتزان فيها , تتوق ألى معرفة ما حدث أثناء غيابها , وتتساءل أذا كان روبرت أنتهى من التبرع بكمية الدم المطلوبة , لا بد أنه فعل ذلك منذ بعض الوق , لكن أين هو ؟ وهل تمت عملية نقل الدم؟
منتديات ليلاس
فتحت الباب وألقت نظرة متفقدة على الرواق , فلم تجد أحدا يمكن أن يطالعها بخبر , عدا بعض الخدم والممرضات الذين كان كل واحد منهم منكبا على عمله , أخيرا , جاءتها الممرض بالخبر اليقين:
" تفضلي معي , سيدة بمبرتون فإبنتك صحت من غيبوبتها , هل ترغبين في رؤيتها؟
خانت الكلمات جولي , فأومأت برأسها إيجابا , وتبعت الممرضة عبر الرواق , كانت الطفلة في غرفة جانبية وقد بدلت ملابسها وغسل رأسها ثم قمط بضمادة بيضاء زادت من أبيضاض بشرتها , لكنها , على رغم كل هذا , بدت أفضل حالا , جثت جولي إلى جانب سريرها , وأخذت يد الطفلة تضغط بها على خدها ثم قرّبته ألى فمها ولثمتها , هتفت , لحظة فتحت الطفلة عينيها الرماديتين وأرتسمت على ثغرها إبتسامة تعبة :
" أوه , أيمل!".
غمغمت الطفلة بصوت ضعيف:
" مرحبا يا أمي.... رأسي يؤلمني".
" نعم يا حبيبتي , لقد سقطت سقطة قوية , لكنك ستتعافين قريبا بأذن الله , أنت الآن في المستشفى , والجميع هنا رهن أشارتك".

أغمضت الطفلة عينيها ثم فتحتهما ثانية:
" أعرف ما حصل لي , عمي روبرت أخبرني كل شيء".
نظرت جولي حولها , كانت مستغرقة في أقناع نفسها أن أيما ستتعافى , فلم تنتبه ألى الآخرين معها في الغرفة , وقع نظرها على الطبيب يراجع ملاحظاته , واقفا عند مقدم السرير , وألى جانبه وقفت الأخت المسؤولة عن القسم , لكنها لم تر أثرا لروبرت.
بادرتالأخت تقول أذ لاحظت تساؤل جولي:
" الممرضة تحضر فنجان شاي للسيد روبرت , لقد خرج ليتسنى لك الأختلاء بأيما على حد قوله".
" حسنا ( وعادت تسأل إبنتها ) في ما خلا جرح في رأسك , كيف تشعرين يا حبيبتي؟".
" أنني بخير , سوى أن ذراعي تؤلمني , فضلا عن جرح في ساقي".
قالت الأخت معقبة وهي تقترب منهما :
" أنها رضوض سطحية , ليس هناك من أصابات بالغة , وأذا ما تم الأعتناء بجرح رأسها كما يجب فأنني لا أرى سببا لبقائها هنا أكثر من أيام قليلة".
هتفت أيما:
" أيام معدودة! كنني لا أريد البقاء وحدي هنا؟".
تدخلت جولي تطمئنها :
" لن تكوني وحدك يا حبيبتي ( ورفعت نظرها نحو الأخت تسألها ) هل يمكني البقاء معها؟".
ترددت الأخت قليلا , وبلهجة مسؤولة قالت :
" ربما لهذه الليلة , نعم , يمكننا أن نتدبر هذه المسألة , هل ترغبين , أيما , في أن تبقى والدتك , الليلة , معك؟".
" أوه , نعم".
" حسنا , سأذهب لأرتب مسألة بقائك".
وأبتعدت الأخت فيما أقترب الطبيب من السرير .
وبادر بالقول موجها كلامه ألى أيما:
" حسنا يا سيدتي الصغيرة , آمل أن يلقنك هذا الحادث درسا بعدم تسلق الأشجار ثانية ".
خرجت جولي ثانية تبحث ن روبرت.
" أين ذهب السيد روبرت؟".
أجابها الطبيب:
" أظن أنه عاد ثانية إلى غرفة الأنتظار".
أسرعت في أتجاه غرفة الأنتظار , دفعت الباب ودخلت , كان روبرت جالسا في أحد المقاعد , وذراعاه تستريحان على ركبتيه , بطالع مجلة وجدها على طاولة قريبة منه , رفع نظره مستطلعا , لحظة دخول جولي , أغلقت الباب وراءها وأسندت ظهرها إليه , وقالت:
" لقد أعطوها منوما , وستنام بعد قليل".
أعاد روبرت المجلة إلى مكانها ونهض من مقعده , وعلّق قائلا:
" حسنا".
ولاحظت جولي أن سلوكه لم يكن مشجعا , فترددت قليلا , ثم خاطبته قائلة :
" يرى الطبيب أن لا مانع في بقائي هنا الليلة , وقد وافقت على ذلك , هل في أمكانك أن تعود إلى الكنزل وترسل ألينا بعض الملابس؟ السيد هادسون ستوضبها لك".
" حسنا".
" أمها أفضل الآن , أليس كذلك؟ ".
" أنها أفضل بكثير".
" والفضل في هذا .......يعود أليك , فبوجودك أستطاعت أن تحصل على ما أحتاجته من دم , أنني .... شاكرة لك صنيعك".
" لا شكر على واجب , ألا أن هناك ما أود معرفته , كيف عرفت أن فئة دمي هي من فئة دم أيما؟".
" مايكل أخبرني".
" بحق السماء يا جولي , كيف صادف أن فئة دم أيما هي ذاتها فئة دمي وليست من فئة دم مايكل ؟ واحد منا فقط دمه من هذه الفئة النادرة ".
" وكيف لي أن أعرف ؟ هذه الأمور تحدث....".
أمسكها من كتفها وأدارها في مواجهته مرغما أياها على النظر إليه:
" جولي , أريد معرفة الحقيقة , هل أيما أبنتي؟".

نيو فراولة 25-06-11 09:08 PM

6- حاولي أن تفهميني





حدّقت فيه جولي طويلا قبل أن تجيبه , كانت تتوقع هذه اللحظة منذ أن أطلعت الطبيب , عن غير قصد , على نوع فئة دم روبرت , ومع هذا لم تكن مستعدة لمواجهته , أخيرا , قالت له:
" لا يحق لك أبدا أن تطرح علي سؤالا كهذا".
" ليس لي حق السؤال ؟ ( بدا ثائرا يتآمله الغيظ ) بالطبع لي الحق , أذا كانت أيما أبنتي , فمن حقي أن أعرف".
" كيف تسمح بأن تدّعي هذا , وأنت الذي غادر إلى فنزويلا من دون أن تلتفت أليّ ؟".
" هذا ليس صحيحا ! ( وأشدت أصابعه على كتفها ) أفكاري وأحاسيس كانت لها معك! لكنك , في المقابل تزوجت مايكل ! لم تنتظري عودتي , بل أرغمتني على أن أحتقرك! وعندما عدت من فنزويلا وأدركت ما فعلته , تمنيت لك الموت , صدقيني!".
أرتعشت جولي لوقع كلماته , ألا أنها حاولت أن تظل هادئة , لكن الأمر لم يكن سهلا عليها وقبضته تبعث الأضطراب والأثارة في أعماق أحساسها وعواطفها , وقالت ترد عنها التهمة:
" لقد بعثت إليك برسالة , سألتك فيها أن تعود , قلت لك أنني أرغب في الأجتماع بك......".
سارع يقاطعها بصوت يكتم فيه غيظه:
" من دون أن تفصحي عن أي سبب , قصاصة ورق صغيرة تطلبين فيها أن أعود ألى أنكلترا , كيف يمكن أن أجيب عن رسالة كهذه ؟ وكيف يكون مطلوبا مني أن أدرك الغاية منها ؟ خصوصا أن موقفك لم يتبدل حيالي , كان علي أن أذهب إلى غوابا , وأن أعرف سبب الأنفجار الذي وقع , فكيق بالله , تريديني أن أترك كل شيء على ما هو وأعود إلى أنكلترا , وأنت في المقابل ترمينني بإتهامات شتى وترسلين أليّ أنذارات قاطعة ؟ ( كان روبرت يتكلم وهو في حال غليان , وجهه كالح وصوته يشوبه التوتر ) , لن تدركي أبدا كيف كان شعوري تلك الليل , يوم تركتني وخرجت من منزل والدتي! ".
لم تستطع جولي , وقد أحست من خلال عينيه المعبرتين بصدق أحساسه , أن تطلق العنان لأحاسيسها , فقالت:
" كان هذا من زمن طويل".
" ليس بالنسبة ألي, أتذكر هذه الأمور وكأنها حدثت البارحة , هل تظنين أنني لم أوجه اللوم إلى نفسي لما أقدمت عليه تلك اليلة؟".
" كيف أستطيع تصديق كلامك؟".
أجابها وصوته أقرب الى الحشرجة :
" يا ألهي.........! أنها الحقيقة يا جولي".
سألته ثاني وصوتها يكاد يختنق:
" كيف لي أن أعرف أن ما تدّعيه ليس سوى وسيلة دهاء لتدفعني ألى الأقرار يحقك في أبوّة أيما , بعدها يمكنك قانونا أن تأخذ إبنتي مني؟".
" جولي! ( أمتدت أصابعه تحكم الطوق حول عنقها ) جولي..... لقد عهد ألي مايكل بمسؤولية رعاي الطفلة وتنشئتها , بهذا وحده أستطيع أن أوجّه حياتها كيفما أشاء , لماذا فعل ذلك , في رأيك؟".
دفعته جولي عنها مشيحة بنظرها , ومن دون أن تلتفت إليه قالت بصوت خافت:
" لست أدري شببا لذلك".
تمتم بكلمات لم تفهمها قبل أن يقول:
" بالطبع تعليمين يا جولي , من تراه أحق مني في رعاية الطفلة ؟ يا ألهي , قوليها أنطقي بالحقيقة !".
أستدارت أليه , وصرخت , والأضطراب يشحن نبرات صوتها:
" حسنا , يا روبرت , أيما هي طفلتك , لكنك لن تستطيع أثبات هذا أبدا!".
تنفس بعمق وقال أذ فوجىء بأعترافها:
" أذن , أنها الحقيقة , يا ألهي لماذا علي أن أثبت حقيقة ساطعة ؟".
رفعت كتفيها أستسلاما وقد أسقط في يدها وقالت:
" لا تحاول أن تجرني الى ألاعيبك , فأنا لست طفلة , وأعرف تماما ما يعنيه الأمر بالنسبة أليك , لقد كرهتني قبلا , ولا يمكن أن يزداد كرهك حيالي أكثر من ذلك , ولا أتصور أنك ترى فيّ الأم الصالحة لتربية طفلتك! لهذا كله ستسعى ألى...".
وأختنق صوتها فأستدارت مبتعدة تخبىء ملامح الذل في قسماتها.
حاول روبرت الأقتراب منها , لكنه عدل فجأة وأستدار على عقبيه خارجا من الغرفة , تاركا أياها وحيدة وسط الغرفة , يبعث منظرها على الأسى والشفقة , مساء ذلك اليوم , أحضر أحد العاملين حقيبة إلى غرفة أيما , وأوضح لجولي أن أحدهم سلّمها ألى حارس المستشفى فأدركت أنها الحقيبة التي كانت أوصت روبرت على طلبها من السيدة هادسون.
منتديات ليلاس
صباح اليوم التالي , حضرت السيدة هادسون لتعود أيما وقد أحضرت معها بعض ألعاب التسلية , وكانت جولي تجلس على السرير قرب أبنتها بعد ليلة نالت فيها قسطا قليلا من النوم , وأضفى حضور الخادمة ولطفها المتميز وقعا طيبا في نفس جولي وأيما على حد سواء , وبدت الطفلة مرحة مفهمة حركاتها بالحيوي , وهي منشغلة في تفحص بعض الدمى , وعلى رغم أنها كانت لا تزال تحس وهنا جسديا , لكن شحوبها خف كثيرا وبدت في حال أفضل , بادرت السيدة هادسون بالقول تسأل جولي:
" ما الذي حدث لك البارحة؟ تبدين في أسوأ حال! عيناك غائرتان , كفي عن خوفك , فليس من سبب الآن في ألا تتعافى الطفلة قريبا!".

تنهدت جولي:
" لم أنم جيدا الليلة الفائتة".
" لكن هذا ليس سببا كافيا؟ وهل تظنين أنني غبية ألى هذه الدرجة فلا أدرك أن أمرا آخر يقلق بالك ؟ وأن حادث أيما ما هو ألا جزء بسيط من المشكلة ؟ ( طوت قفازيها , وأردفت ) أما في ما يتعلق بروبرت , فلا تسألي أي طبع سيء كان لدى عودته الليلة الفائتة , كان غاضبا ألى درجة أحسست معها بالشفقة حيال الآنسة لوسن".
عقدت جولي حاجبيها وسألت تستوضحها:
" الآنسة..... لوسن؟".
" نعم , الآنسة ساندرا لوسن , لقد غادرت المنزل هذا الصباح".
بدت الدهشة على جولي.
" ماذا فعلت؟ .......لماذا؟".
" لأسباب عدة , على ما أعتقد والسبب الأبرز , كون أيما ستذهب ألى مدرسة القرية".
شهقت جولي وقد أخذها النبأ , ورفعت أيما عينيها والدهشة على وجهها , وهتفت بأنفعال:
" هل حقا ما تقولين ؟ هل هذا صحيح يا أمي؟".
هزت جولي رأسها بأستسلام.
" أذا .... أذا قالت السيدة هادسون ذلك فهو صحيح لا لبس فيه ( وألتفتت الى الخادمة تسألها وهي تشع بدوار ) لكن....... لماذا ؟ هل أخبرك الغاية من ذلك ؟".
أجابتها السيد هادسون وقد بدت تتمتع بههذه اللحظات المهمة والسعيد في آن :
" هو بالكاد كلّمني , إلا أنني سمعت جدلهما وهما في الصالون , ثم أخبرتني الآنسة لوسن خلاصة ما دار بينهما من حديث".
تنفست أيما بأنشراح , وقالت معقبة:
" وأنا سأذهب إلى المدرسة؟".
أجابتها جولي:
" يبدو الأمر كذلك ( وأضافت تسأل السيدة هادسون ) هل أتى روبرت على ذكر السيد هيلينغدون؟".
" لم يذكر شيئا من هذا القبيل يا سيدتي وكما سبق وقلت , لم يكن في حال مرضية لدى عودته إلى المنزل , ولم تكن حاله أفضل عندما شاهدته يغادر المنزل وينطلق بسيارته في سرعة جنونية".
تنهدت جولي وعلّقت قائلة:
" حسنا , لقد حققنا أخيرا مكسبا ما".
أومأت الخادمة برأسها أيجابا.
" هذا ما أعتقده , لم أصدق حقيقة أنه إرتاح في يوم من الأيام إلى تلك المرأة , فهي ليست من النوع الذي يصلح لتربية طفلة حساسة كأيما وتعليمها".
أخذت أيما ( تنطنط ) على سريرها لشدة أنفعالها وسرورها مما حدا بجولي أن تمسك بها وتهدىء من حركتها , وقالت الطفلة تسأل والدتها:
" متى أستطيع الذهاب إلى المدرسة ؟".
أعادت جولي ترتي غطاء السرير بعناية وهي ترد على أبنتها :
" أهدأي الآن , وإلا عاودك الصداع فتضطرين عندئذ الى البقاء في المستشفى فترة أخرى , في أي حال , ذهابك إلى المدرسة لن يكون قبل نهاية عطلة الميلاد , حين يعاود جميع التلاميذ دراستهم".
أحكمت أيما يديها حول ركبتيها المرفوعتين أمام صدرها , وهتفت:
" كم هو رائع هذا !".
" صحيح , لكن لا تظني أنك تستطيعين نيل ما تشائين , لمجرد أن عمك روبرت......".
وأختنق صوت جولي , ولو لم تكن يقظة وتتمالك نفسها لكادت تنفجر بالبكاء وبدا أن السيدة هادسون نبهت للأمر , فحوّلت أنتباه أيما بأظهار أهتمامها بما كانت الطفلة تفعله , وأستطاعت جولي في هذه الأثناء أن تسيطر على نفسها ثانية , ثم تركت السيدة هادسون بعد أن وعدتها جولي بالإتصال لاحقا لتخبرها بموعد عودتها إلى المنزل , ولم تبد أيما كثير أهتمام لأنها ستترك وحيدة هذا اليوم , وقررت جولي العودة إلى المنزل مساء حالما تغفو أيما.
بعد ظهر اليوم جاءهما زائر غير منتظر : لوسي بمبرتون التي ولجت إلى غرفة أيما كما لو كانت سليل العائلة المالكة , هتفت حين رأت أيما والضمادة تزنر رأسها:
" أوه , يا مهجتي , ما الذي فعلوه بك؟".
لم تكن أيما معتادة عل مثل هذا النوع من ردات الفعل وكادت تدمع خوفا , في الوقت الذي بادرت جولي قائلة:
" أيما في حال أفضل بكثي مما كانت عليه , والمرضون والممرضات يحبونها ويعاملونها معاملة حسنة , أليس كذلك يا حبيبتي؟".
أومأ أيما موافقة , أما لوسي فتفقدت المكان حولها بعينين غير راضيتين ثم علّقت هاتفة:
" لكنه مكان لا يليق بها ! يجب أن تنقل الطفلة إلى مستشفى خصوصي , أكثر تمدنا وتطورا , حيث للغرفة سجاد وورق جدران! ( ثم حوّل أنتباها نحو الطفلة , وقالت لها ) كيف تشعرين , يا حبيبتي؟".
أجابتها أيما ونظرها نحو والدتها:
" أنني بخير".
وبدا أن الطفلة لم تعد تشعر بميل نحو جدتها منذ تلك الليل عندما تقيأت في شقة روبرت.
قالت الجدة:
" روبرت أطلعني على الأمر هذا الصباح ..... هاتفيا..."".
بدت جولي متفكرة , وبدا لها واضحا من كلام لوسي وتصرفاتها , أن روبرت لم يطلع والدته على حقيقة أبوته للطفلة , لكن آلى متى سيبقى هذا الأمر طي كتمانه ؟ ثم أجابت :
" أعتذر عن ذلك , ألا أنني لم أرد أن أشغل بالك في أمر ليس ضروريا ".
ردت لوسي كتفيها دفاعا ترفض تبرير جولي:
" غير ضروري؟! لكنني جدتها! من حقي أخذ العلم حين تصاب حفيدتي بحادث خطير".
رفعت أيما عينيها عن علبة الهدية وقد هلعت أذ أدركت بلاغة جرحها , حاولت جولي أن تخفف من وطأة كلام حماتها , فهتفت مدافعة:
" أنك تتكلمين وكأ الأمر أخطر بكثير مما هو فعلا , نعم , أصيبت أيما في الحادثة بجرح ورضوض , هذا كل ما في الأمر".
" هذا كل ما في الأمر ؟ عملية نقل دم بكمية كبيرة , ليست شيئا بسيطا يا عزيزتي جولي".
تنفست جولي عميقا تكتم غيظها , وأدركت أن روبرت أطلع والدته على مسألة نقل الدم.
أسترسلت لوسي قائلة:
" كان شيئا حسنا أن وجدت كمية كافية من الدم التي أحتاجت أليها أيما , هل يمكن أن تتصوري ماذا كان يمكن أن يحدث لو لم تكن الكمية متوافرة هنا؟".
" أي دم هذا يا أمي؟".
سألت أيما وفي عينيها قلق ظاهر .
" لا شيء يا حبيبتي".
نزعت جولي ما تبقى من غلاف العلب التي أحضرتها لوسي ,وبانت في داخلها دمية في ثوب ثمين.
" آه, أنظري كم هي جميلة".
حاولت جولي أن تحوّل أهتمام أبنتها , وفي ذهنها تضج أفكار مختلفة كون روبرت لم يطلع والدته على أن الدم الذي أعطي لأيما هو نفسه الذي تبرع به.
في هذه اللحظات كان أنتباه لوسي قد تحوّل إلى الطفلة الفرحة بحصولها على الدمية , إلا أنها , وفيما جولي ترافقها في البهو إلى المدخل الرئيسي للمستشفى , عادت تقول:
" سوف أرتبّ الأمر لتنقل أيما إلى مستشفى خاص , كنت نصحت بالذهاب أليه منذ سنوات , لمستواه الراقي وخدمته الجيدة".
" أرجوك! لا أريد أن تنقل من هنا , فالمكان قريب من ثورب هيلم , وأنني أتوقع عودتي إلى المنزل هذه الليلة".
" إذن , سأبحث الأمر مع روبرت ".
" كما تشائين , أنني لا أستطيع منعك ".
" لا تستطيعين ؟ لقد أخبرني روبرت أيضا أنه صرف الآنسة لوسن؟".
" هذا ما أعتقده ".
" هل تعرفين لماذافعل ذلك؟".
" لأن أيما ستذهب آلى مدرسة القرية".
" مدرسة عامة؟!".
" نعم".
" أوه! لكن الأمور تعدت نطاق المعقول , ما الذي يعتقد روبرت أنه فاعل بعمله هذا ؟ طبعا, تلك هي مشيئتك".
لم تهن عزيمة جولي ازاء كلام حماتها القاسي , وقالت لها بصوت هادىء:
" أيما ف حاجة إلى الإختلاط بأولاد آخرين , أنك تدركين هذا الأمر بالطبع".
" أستطيع أن أرى بوضوح جيدا".
أخرجت منديلا من حقيبتها وعالجت أنفها بحدة , ثم عادت تنظر ثانية إلى كنتها , وظهر في عينيها نداء رجاء , وقالت:
" لا أظنك يا جولي , ستقومين بأي عمل قد يؤذي روبرت , أليس كذلك؟".
أرتسمت الدهشة على وجه جولي ورددت:
" أنا؟ أؤذي روبرت؟".
هزت لوسي رأسها وكأنها تخلّت عن ألتماسها لدى جولي ورجائها إياها , وقالت في أقتضاب:
" أنا عجوز غبية .... والآن علي الذهاب , هالبيرد في أنتظاري , هو الذي أتى بي في السيارة , وداعا يا جولي".
منتديات ليلاس
في وقت لاحق من تلك الأمسية , أستقلت جولي سيارة تاكسي عائدة إلى المنزل.
فور عودتها , رحبت بها لسيدة هادسون بحرارة , وساعدتها في نزع معطفها وواكبتها إلى غرفة الجلوس , كان الطقس في الخارج رطبا شديد البرودة , بعكس الداخل حيث الدفء والنور , ورغم كل هذا أحست جولي بالحزن يكتنفها , سألتها السيدة هادسون , وهي تراوح في الغرفة :
" هل أكلت شيئا ؟".
هزت جولي رأسها نفيا.
" كلا , لكنني لست جائعة.....".
ثم فجأة , أنفجرت قائلة , أذ لاحظت أناء كبيرا من الورد الأبيض موضوعا على طاولة في الطرف القصي من الغرفة:
" من أين أتت هذهالورود؟".
أجابت السيدة هادسون وهي تحل رباط مئزرها عن وسطها:
" وصلت بعد ظهر هذا اليوم , ورود جميلة , أليس كذلك؟".
" من أرسلها؟".
رفعت السيدة هادسون كتفيها لا تدري هي الأخرى:
" لم ترفق بها بطاقة , ظننت أنك تعلمين ممن تكون ".
هزت جولي رأسها نفيا وأجابت بعدما أستعصى عليها معرفة المرسل :
" كلا , كلا , لا أدري , هل ...... أتصل السيد .......روبرت , اليوم؟".
" كلا , قد يكون أتصل بالمستشفى ليطمئن ....... لا أدري".
" ألا تعتقدين يا سيدتي أنه هو مرسل الباقة؟".
هزت جولي رأسها تنفي قطعا :
" كلا , أتساءل فقط أذا كنت سمعت منه أي شيء".
عكست قسمات وجه السيدة هادسون إحساسها الداخلي وهي تراقب جولي , ثم سألتها:
" كيف حال الصغيرة؟".
" أنها نائمة الآن سأعود إليها غدا صباحا".
" تبدين تعبة يا سيدتي , لماذا لا تأوين إلى فراشك؟ سأحضر لك كوبا دافئا من الحليب".
" كلا , ليس الآن , أين..... أين ذهبت الآنسة لوسن؟".
" عادت إلى لندن , على ما أعتقد , ويمكن أن تكون عرجت على منزل الآنسة هيلينغدون قبل ذلك".
أومأت جولي برأسها تراجع الأمر وإستراحت على كنبة قربها:
" أوه , نعم , باميلا".
" هل أحضر لك شيئا منعشا ؟ ( سألتها الخادمة وبدت مصرة على ذلك) أذا إستمريت على هذه الحال في إرهاق نفسك , فستمرضين ".
أراحت جولي رأسها على ظهر الكنبة:
" أنا بخير , شكرا , سيدة هادسون".
فجأة , تناهى إلى جولي , مع صفير الريح , صوت محرك سيارة تقترب ثم ضجيج فراملها وهي تتوقف أمام باب المنزل , وفي رمشة عين كانت منتصبة على قدميها ويد رشيقة تسبل شعرها.
خاطبت الخادمة بصوت لا عزم فيه:
" أنا لست هنا , كائنا من كان القادم , لا أستطيع أن أقابل أحدا الآن".
" حسنا يا سيدتي".
توجهت الخادمة تفتح الباب , فيما أغلقت جولي باب الصالون , وأسندت ظهرها إليه , كأنها صممت على رد أي دخيل بالقوة , في أي حال , لم تدم لحظة هنائها طويلا , أذ سمعت وقع أقدام تعبر الرواق , وما هي إلا لحظات حتى دفع الباب وجولي حادت إلى جانبه , بينما ولج روبرت إلى الدار , ترافقه نسمة باردة مشبعة برائحة عطره وعبير معجون الحلاقة الذي يستعمله , لم يلاحظ وجودها , بادىء الأمر , حيث وقفت , وأخذ يجول بنظره حوله بصبر نافد , إلى أن وقع نظره عليها , أوصد الباب وراءه بحزم , وشرع يفك أزرار معطفه , إبتعدت جولي عن الباب وعبرت لتقف في الوسط قرب الموقدة الكهربائية , وتمنت لو يقول شيئا , ولما لم يفعل , بادرت تقول بتأن:
" أذا كنت أتيت لترى أيما , فهي ليست هنا".
" أعرف هذا ذهبت إلى المستشفى , ظانا أنك لا تزالين هناك , بغية إعادتك إلى المنزل , كيف عدت ؟ هل هو فرنسيس هيلينغدون الذي أقلّك بسيارته؟".
" فرنسيس؟ .........كلا , لماذا؟".
" لأنه ذكر أنه ذاهب ألى المستشفى ليعود أيما .... على كل حال , ليس هذا مهما".
" أذن , عرفت أن أيم هي في حال أفضل بكثير؟".
" نعم , لقد سمحوا لي برؤيتها , كانت نائمة بالطبع , لكن بدا واضحا أنها كانت تتنفس بشكل طبيعي , ولون بشرتها أفضل".
" حسنا , حسنا".
إلا أنها كانت مضطربة وبدأت عصبيتها تتضح شيئا فشيئا.
فجأة سألها:
" ألن تسأليني لماذا حضرت إلى هنا؟".
بدت كمن أسقط في يده :
" حسنا..... لماذا أنت هنا؟".
إبتعد روبرت عن الباب قليلا , وعكست ظلال الضوء على وجهه الأرهاق الذي يعانيه هو الآخر , كان لا يزال مشدود الأعصاب , حوّل نظراته إلى أناء الورد الموضوع على طاولة جانبية , وظنت أنه سيعلق بشيء ما . , إلا أنه بدل ذلك قال:
" لقد أتيت لأراك جولي".
" آه , فعلا؟ لست أرى ما يمكن أن يقال بيننا أكثر مما قيل , اللهم إلا أذا كنت في صدد إبلاغي أن علي ألا أفاجأ متى جاءت والدتك لتواجهني بحقيقة معرفتها أن أيما هب طفلتك".
" جولي! ( صرخ فيها وفي صوته ألم عميق) كفي عن التكلم بهذا المنطق , فلن يعلم أحد أبدا بأنني والد أيما!".
حدّقت فيه جولي:
" وكيف أستطيع تصديق ذلك؟".
هز روبرت رأسه بأسى , وقال:
" لا بد أنك تظنينني رجلا بلا مبدأ لتفكّري أنني قد أكشف للجميع أن أخي فضّل أن يكون أبا لأبنتي ! إلى الآن , وكما يعلم الجميع , أيما هي إبنة مايكل وسيبقى الأمر كذلك , لا أستطيع أن أقدم أقل من هذا إلى رجل أحببته وأعجبت به".
أحست جولي بوهج الدمع في مقلتيها :
" أذن , لماذا كان عليك أن تطلب معرفة الحقيقة؟ لماذا دفعتني إلى أن أخبرك؟".
وقف روبرت أمامها , يحدق فيها بثبات :
" لأنني أناني إلى درجة أردت معها أن أتأكد من أن السبب الحقيقي الذي دفعك إلى الزواج به لم يكن مرده أنك وقعت في حبه آنذاك".
أرتعشت جولي لكلامه هذا , وقالت مدافعة:
" كان مايكل لطيفا جدا معي وقد غمرني بحنانه , ولست أدري ما الذي كنت أستطيع فعله من دونه ".
صرخ فيها روبرت بصوت أجش:
" لكن , كان يجب أن تخبريني ! أنا هو الشخص الذي كان مفترضا فيك اللجوء إليه ..... وليس مايكل !".
" كيف كان لي أن أفعل ذلك ؟ فأنت كنت مسافرا , فضلا عن أنني بالكاد كنت أستطيع الكتابة إليك , بعد الذي حدث وقيل بيننا , لأشرح لك بالتفصيل أن عليك أن تعود إلى أنكلترا وتتزوجني لأنني حامل! كم...... كان هذا ليبدو محببا وساحرا ؟".
أنحدرت نظرات روبرت بإضطراب على قوامها الرشيق , وقال بصوت غليظ :
" يبدو أنك لا تدركين الحقيقة , لو أنك كتبت لي توضحين حقيقة وضعك لكان لكلماتك وقع طيب في قلبي".
تدافعت أنفاس جولي في صدرها , وسألته مستغربة:
" كيف تستطيع أن تقول هذا بعد الطريقة التي أجبتني بها عن رسالتي؟
".

نيو فراولة 25-06-11 09:10 PM

" أعلم هذا , أعلم , لكنني كنت غاضبا آنذاك , أرجوك , حاولي أن تفهميني , كنت قد رفضت الأنصات إلى كل شيء قلته لك وعرضته عليك , رفضت أن تتزوجيني , يوم توسلت إليك أن توافقي , رفضت أن تتفهمي وضعي بالنسبة إلى مشروع غوابا , فكيف كان في أستطاعتي أن أدرك المعنى الحقيقي لرسالتك تلك؟ لقد مزقتها , لم أكن , يومها , أعتزم الرد عليها , إلا أنني عدلت ع رأيي وفعلت".
سألته جولي وأظافرها تنغرز في راحتيها من حدة معاناتها:
" لماذا؟".
هز رأسه لا يدري جوابا:
" في قرارة نفسي أظن أنني فعلت ذلك لأنني لم أكن مقتنعا أن كل شيء أنتهى بيننا , حتى أنني رغبت إلى حد ما في رؤيتك بعد عودتي من فنزويلا , في محاولة لرأب الشرخ الذي في علاقتنا".
سارعت جولي تقول:
" لكن رسالتك آنذاك لم تكن توحي بمثل ما تقول :
" أعرف هذا , أعرف أن جوابي لك دفعك إلى البحث عن وسيلة تؤمن لك عيشك وتربية الطفلة , لكن , هل كان عليك أن تتزوجي أخي مايكل لتؤمني مستقبلك؟".
شمخت جولي برأسها , وقالت:
" لم يكن قرارا سهلا , صدقني , كنت وكان مايكل الأنسان الوحيد الذي أبدى عطفا وتفهما .... وقليلا من الحنان , لقد سألني أن أكتب إليك وأخبرك الحقيقة , كان متأكدا أنك لن تتهرب من مسؤولياتك , لكني.... لم أردك وفق هذه الشروط . ( وأبتعدت مسرعة إلى الطرف الآخر من الغرفة , أذ لم تعد تستطيع إحتمال وجوده قريبا منها من دون أن تفضحها أحاسيسها).
إلا أن روبرت سار في أثرها , وأقترب منها , ثم وضع يده على خصرها محاولا تقريبها منه , إلا أنها لم تمكنه من ذلك , وقالت:
" صحيح أنك والد أيما , لكن لا تنس أنك خطيب باميلا هيلينغدون , وبالتالي لا يحق لك أن تتودد أليّ بهذا الشكل".
" لا يحق لي ! ( كانت أنفاسه تتلاحق , وأخذ يحدّق بثبات في عينيها المغرورقتين بالدموع , وقال بصوت متهدج ضمّنه كل ما يعتمل في قلبه ) بل لي كل الحق في ذلك, لأنني أحبك , جولي , ولم أتوقف يوما عن حبك , حتى حين كرهتك , صدقيني , وعندما علمت بزواجك من مايكل كرهتك وحقدت عليك , أنت أيضا تحبينني , فلا تحاولي أن تنكري ذلك".
أرتعشت جولي لا تدري ماذا تقول , ثم سألته:
" وماذا غير ذلك يمكن أن أفكر فيه؟ وكما سبق لي وقلت , أنت خطيب باميلا.....".
غمغم بوحشية:
" لتذهب باميلا إلى الجحيم , أنني لا أحبها , ولم أحبها قط , لقد أخبرتها هذا صباح اليوم".
طرفت عينا جولي غير مصدقة:
" لقد أخبرتها؟".
| بالطبع أوتعتقدين أنني سأستطيع العيش مع أمرأة أخرى سواك بعد أن عرفت أنك لا تزالين تحبينني ؟ أوه , جولي , لا يمكنك أن تدركي المعاناة التي كنت أعيشها بسببك , وأنا أتذكر الآن..... أتذكّر.......".
حاول أن يعانقها إلا أنها تمكنه من ذلك , وعاودت محاولتها التخلص من قبضته , ألى أن أفلحت أخيرا.
قال لها:
" يجب أن تتزوجينني , جولي ( وتنفس عميقا قبل أن يضيف) قولي لي أنك ستفعلين , وإلا فليكن الله في عوني... لست أدري ما الذي سأفعله في هذه الحال!".
خلعت جولي عن ذاتها كل قناع وتحفظ , ورمت بماضيها وراء النيهات الحالمة , وقالت :
" أوه , روبرت , أنني أقبل الزواج بك متى تشاء , لكن , عليّ أولا أن أعتذر , ذلك أنني كنت مراهقة غبية منذ ستة أعوام , وما حدث أتحمل مسؤوليته بمقدار ما تتحمل أنت ذلك , لا بد أن تعرف هذا , ثم بعد ذلك , يوم كنت حاملا , كانت أيام...... أوه , كيف أستطيع أن أفسر لك ؟ لقد أردت الجنين , هل يمكنك أن تدرك هذا الأمر؟ لقد أردت أن أحمل طفلك ! ".
شدّها روبرت إليه ثانية وعيناه شبه مغمضتين , وهو في حلم يقظة , ثم قال:
" يجب ألا تبوحي لي بأشياء كهذه , الآن , لأنني أرغب فيك إلى درجة أنني لن ألمسك ثانية قبل أن نصير زوجين أمام الله".
إبتسمت جولي بحنان , وقالت بصوت دافىء:
" وهل تعني ما قلته بالفعل في ما خصّ أيما؟".
نظر إليها وأجابها :
" بالطبع , فلن يدري أحد حقيقة موضوع أيما سوانا نحن الأثنين ".
" وأمك؟".
" أذا هي أستنتجت من تلقاء نفسها , هذا , ألى أنني أخبرتها هذا الصباح أن كل شيء أنتهى بيني وبين باميلا , وهي لن تعترض , فهذا ليس من أسلوبها".
" كلا".
أومأت جولي برأسها موافقة , وأدركت تلك اللحظة مغزى سؤال لوسي لها وهي عند باب المستشفى.
فجأة , سألها روبرت:
" قولي الحقيقة , لو..... لو أنني لم أستنتج الحقيقة في موضوع أيما , هل كنت أخبرتني بذلك من تلقاء نفسك في يوم من الأيام".
أحنت جولي رأسها , وقال:
" وهل تعتقد أنني كنت أحاول أن أكون عقبة بينك وبين باميلا؟".
"لكن , كان يجب أن تدركي منذ نهاية الأسبوع المنصرم أن أحساسي حيال باميلا كان شيئا عارضا بالنسبة إلى أحساسي العميق حيالك , شكرا لله أن ساندرا قطعت حبل الأرجوحة , من النافل أن أقول هذا , لكن من دون الحادثة التي وقعت لأيما لكنا أستمرينا في مواجهتنا الحامية للأشهر وأشهر".
رفعت جولي نظرها إليه :
" كنت تزوجت باميلا , والحال هذه في الربيع".
" هل تعتقدين ذلك؟ من اللحظة التي نزلت فيها من الطائرة , بل من اللحظة التي علمت فيها بوفاة مايكل , أدركت أنه عاجلا أو آجلا , كان علي أن أخبرك بحقيقة مشاعري أتجاهك".
لمست جولي خدّه وسألته:
" لكنك غضبت جدا يوم خرجت مع فرنسيس....".
" بل كنت غيورا ! ولو أنك كنت تثقين بي أكثر , لكنت أدركت حقيقة غضبي يومذاك".
" أوه , روبرت ( فجأة بدا عليها التساؤل وأستوضحته قائلة ) لكن , كيف عرفت بقصة الأرجوحة , يومذاك؟".
" أخبرتني بذلك السيدة هادسون".
إبتسمت جولي:
" بالطبع , كان فألا حسنا أنك كنت هناك تلك الساعة , وإلا لكنا وقعنا في مأساة , كيف صدف أن كنت حاضرا؟".
تنهد روبرت قبل أن يجيب :
" كنت في زيارة لآل هيلينغدون وبعد تناولنا الغداء حاول فرنسيس أن يقنعني بأن أيما ستكون أسعد حالا لو ذهبت إلى مدرسة القرية".
أومأت جولي برأسها تقر:
" نعم ...... أنا سألته أن يكلمك في الموضوع".
" أعرف هذا , وكنت في الحقيقة , غاضبا جدا , خصوصا أنني , بعد ما جرى في الأسبوع المنصرم , أخذت أفكر جديا في الموضوع".
" فعلا؟ يا حبيبي كم أنا مسرورة".
" كان واضحا أن أيما لن تستجيب لمعاملة أمرأة كساندرا لوسن , ألى ذلك , لم أكن مرتاحا البتة لمجرد التفكير أنها قد تكون موجودة في هذا المنزل لتراقب تحركاتي هنا ( سوّى شعره بأصراف أصابعه , وأضاف) متى ستتزوجينني ؟ قريبا ؟ يجب أن يتم هذا في القريب العاجل".
فجأة , أتسعت حدقتا جولي وهتفت بعدما أتضحت لها كل الأشياء على حقيقتها:
" الورود البيض! أنت أرسلت الورود البيض !".
" طبعا ( أومأ برأسه ) ومن يكون أرسلها غيري؟".
هزت جولي برأسها:
" لكن , بعد الذي جرى في المستشفى الليلة البارحة , بالكاد تجاسرت على التفكير بك , دعك من تصوري إياك ترسل أليّ وردا!".
داعبتها نظرات روبرت الحالمة , فتوردت وجنتاها , وقال لها:
" لم أرد أن أتركك مساء أمس على حالك تلك , ألا أنه كان علي أن أصارح باميلا بالحقيقة قبل أن أبوح لك بما يعتمل في قلبي , وكما قلت , لم أكن حرا قبلا , وكنت في حاجة إلى أن أكون كذلك , كنت في أمس الحاجة إلى حريتي".
تراجعت جولي قليلا إلى الوراء وهمست قائلة:
" أتعتقد أن السبب الذي حدا بمايكل على أن يعهد إليك بتربية أيما أعتقاده بأن هذا يمكن أن يدث بيننا؟".
" ربما , قد يكون هذا أحتمالا في محله , فهو كان يدرك أنك لن تحاولي الإتصال بي لأسباب كثيرة , وكان عليه أن يتأكد من أحدا سيرعى حياتكما من بعده".
" لكنه لم يكن في أستطاعته أن يعم أنك..... أنني.".
" أتعتقدين ذلك؟ ( وهز روبرت رأسه مشككا ) لا بد أنه أدرك حقيقة أحساسنا واحدنا حيال الآخر , يوم عاد إلى أنكلترا مع أيما وكانت لا تزال طفلة تحبو , يومها أدرك أن أهتمامي بك... أو بحياتكما هناك , لم يكن أمرا عاديا".
تركته جولي يشدها إليه ثانية , وهي تقول:
" كم أنا سعيدة الحظ , روبرت".
خيّمت لحظات من الصمت الدافىء المعبر إلى أن أبعدها روبرت عنه بحزم , وقال:
" علي أن أذهب الآن , وإلا فلن أذهب من هنا أبدا".
دنت منه جولي ثانية , وقالت تقترح عليه:
" يمكنك أن تشغل الآن الغرفة الإضافية وقد رحلت ساندرا لوسن".
إلا أنه هز رأسه نفيا.
" لا أظن أن هذا سيكون ممكنا الآن , جولي , أنني أحبك , لكن علي أن أكون متعقلا , وأستطيع الأنتظار إلى أن نتزوج شرعا".
وزرر سترته ثانية.
سألته جولي وإبتسامة حنونة قابعة على ثغرها:
ط حسنا , متى أراك ثانية؟".
تمتم قائلا:
" سأعود غدا صباحا ثم نذهب معا إلى المستشفى لنخبر أيما , موافقة؟ هل تعتقدين أنها قد تمانع؟".
هزت جولي رأسها نفيا :
" أنها تحبك , وأنت تعرف هذا , ويوما ما , حين تصبح في سن راشدة , سنطلعها على الحقيقة".
مال اليها يعانقها وأضاف بصوت حنون :
" وأعتقد أنها ستكون متفهمة , فهي في أي حال أبنتك".
منتديات ليلاس



تمت

Rehana 26-06-11 12:13 PM

الله لا يحرمنا من تواجدك المميز حبيبتي

http://up.arab-x.com/Dec09/F2414574.gif

سومه كاتمة الاسرار 26-06-11 10:48 PM

الملخص شكله كتير حلو سلمت يمناكى
:8_4_134:

زهرة منسية 26-06-11 10:57 PM

يسلموا حبيبتى يعطيكى الف عافيه مجهودك أكثر من رائع وأختيارتك كتير مميزه

سومه كاتمة الاسرار 27-06-11 02:13 AM

اختيار موفق تسلم الايادى
:8_4_134:

هدىgb 28-06-11 12:16 AM

جميله جدا الروايه تسلم ايدك

نجلاء عبد الوهاب 28-06-11 02:43 AM

والله الرواية تحفه حقيقى تجنن روعة مرسى كتيرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر:band1::110::We lcomeani::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_ liam::8680010521::8680010521::8680010521::8680010521::868001 0521::8680010521::1245456688zobj91845:1245456688zobj91845:12 45456688zobj91845:1245456688zobj91845:wah::wah::wah::kjhjhjh jk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::351::351::359::359::winking_doll:: 350::wavesmile::125::hgfhg5456::25:

الجبل الاخضر 28-06-11 05:43 PM

:55:برافو :55:برافو:55:برافو :55:برافو:55::flowers2::350: تسلمين :bouquet2::331:اختيار ممتاز :tyr456es:وجميل :party:واكثر من رئع يجنن :98yyyy::kjht5::bouquet2::slamtk:شكرالك على ا:361::8680010521::110:لمجهودك وننتظر جديدك:f63::band1::55::8_4_134:

فتاة 86 03-07-11 09:40 AM

دائماً رائعة باختياراتك
مستنيين جديدك
يا أحلى فراولة

:55::8_4_134::55:

hoob 06-07-11 01:48 AM

روععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه جميله بجد تسلم ايديكى

ندى ندى 17-10-11 01:02 AM

رووووووووووووووووووووعه

عرمرمر 03-05-13 09:10 PM

رد: 156- أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية مثيرة وممتعة:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041: :0041::0041::0041::0041::0041:

سهير محمود 22-06-14 10:19 PM

رد: 156- أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
[QUOTE]
اقتباس:

جميلة وتسلم الايادى
[/QUOTE:8_4_134:]

Moubel 19-08-21 06:23 AM

رد: 156 - أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك على المجهود

نجلاء عبد الوهاب 12-04-24 11:27 PM

رد: 156 - أرجوحة المصير - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1: :rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1: :075::075::075:


الساعة الآن 04:35 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية