منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t162198.html)

نيو فراولة 02-06-11 09:43 AM

4- الهزيمة أحيانا متعة

نادت مالي وهي تقرع الباب :
" آنسة كيري أنه هنا".
وفتحت كيري الباب وهي ملتفة بعباءتها الزرقاء لترى أمامها مالي في غاية الأثارة .
" ومن هو؟".
وأحمرت وجنتا مالي كفتاة صغيرة :
" بول دفرون".
ولم تتمالك كيري وهي ترى هيجان ماي من الصياح :
" وماذا حدث يا مالي ؟ هل أنت أيضا وقعت في غرامه؟".
وردّت مالي بشموخ:
" كلا , بالتأكيد , لست أنا ؟ ( ثم أغلقت الباب وراءها وأضافت) الأفضل أن أساعدك في أرتداء ملابسك ".
وخلعت كيري عباءتها والخطوة التالية كانت ربط شريط الحذاء ولم تكن عملية صعبة , ثم رفعت مالي ثوب الباليه الأبيض , فأنزلق كالنسيم على جسم كيري وأستقر على خصرها فأسرعت وملّسته بأحكام بعد أن زررت فتحة الظهر.
ومرة أخرى حدّقت كيري بذيل الفستان وقالت محتجة بنبرة وهي تشد بيديها على أطرافه:
" أنه قصير".
قالت مالي:
" لا تكوني غبية , أنك تستحمين بثوب السباحة".
وقطبت كيري حاجبيها وردت :
" ولكن الأمر يختلف".
وألتقطت السترة المخرمة ورمتها على كتفيها , وأختفى العبوس من وجهها فقد شعرت أنها محتشمة أكثر من قبل , وقالت:
" هكذا أفضل".
ومررت كيري المشط في شعرها بلا مبالاة ولكن مالي أوقفتها مرة ثانية :
" مشطيه بطريقة لائقة".
فصرخت كيري بأنفعال:
" كيف ؟ أنني دائما أسرحه بهذه الطريقة".
" هذا لا يكفي , أن مهظم الفتيات يحلمن في قضاء سهرة مع رجل جذاب كبول دفرون ويحاولن التجمل قدر الأمكان , أنا أعرف أنك تودين أعتبار نفسك مختلفة عن باقي الفتيات , ( وحاولت كيري فتح فمها لتحتج ولكن مالي لم تترك لها المجال وتابعت دون مبالاة ) لقد قبلت دعوته لذلك يتوجب عليك أن تحملي نفسك بعض العناء".
ونظرت اليها بحنان وقالت معتذرة:
" عفوا يا مالي أبدو مغرورة للغاية , أنني في الحقيقة أتشوق للذهاب معه , والحقيقة هي أنني ... أنني غير معتادة على هذه الأمور".
" بالطبع أنت لست معتادة , ولكنك ستعتادين على هذا الشعور , أنت تستلطفينه أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها , جاء ردها طبيعيا للغاية وأدركت بدهشة حقيقة الكلمات , أنها بالفعل تستلطفه , ولم يكن الأمر قضية رقص , كانت تتشوق لملاقاة بول مرة ثانية , وأنهت مالي عملها في ترتيب شعر كيري فأنتصبت وقالت بلهجة آمرة:
" لا تتحركي من مكانك , لم أضع بعد اللمسات الأخيرة لذلك لا تنظري الى نفسك في المرآة قبل أن أعود".
وعادت مالي لتجد كيري لا تزال قابعة في كرسيها وكل الدلائل تشير الى أنها لم تغادره فهزت رأسها بأستحسان وسألت:
" ألم تنظري في المرآة؟".
وأكدت لها كيري أنها لم تتحرك من مكانها ووضعت مالي صندوقا صغيرا كانت تحمله على الطاولة وأردفت قائلة:
" رباه , لم أنته من زينتك بعد".
ونظرت كيري بفضول الى الصندوق الذي كانت تفتحه مالي وسألت :
" ماذا يوجد في الصندوق؟".
" مستحضرات تجميل أشتراها والدك هذا الصباح من ويلستون".
" كان عليه ألا يفعل ذلك , فهو يعرف أننا غير قادرين على تحمل مصاريف كماليات كهذه".
" أهدأي يا صغيرتي ( قالت مالي بحزم ) وأياك أن تقولي له مثل هذا الكلام فستسلبينه سعادته وسروره ".
وردت كيري راضية:
" أعدك بذلك , في الحقيقة أنها أعجبتني , ولكنني لم أستعملها من قبل , هل علي أن أضع هذه المساحيق على وجهي يا مالي؟".
" أجل , فهي تتناسب مع فستانك".
أكدت لها مالي ثم أخذت تبحث في الصندوق وتخرج محتوياته وتضعها على الطاولة بأهتمام كبير , وقالت:
" أتساءل عما أذا كان قد أحضر المستحضرات المناسبة , أنه على الأرجح أستعان بأحدى البائعات في المحل , فالجميع يعرفك في ريلستون".
وأبتسمت كيري بمرح وهي تندمج في الجو وقالت:
" لا أعتقد أنني سأكون جميلة بهذا الماكياج".
ولكن في اللحظة التي لمحت رأسها وكتفيها في المرآة والطريقة التي عقصت بها مالي شعرها , خرجت من بين شفتيها صرخة تعجب مجفلة:
" مالي , أنه لن يبقى على حاله طويلا".
وردت مالي بحزم:
"بل سيبقى , لا تلمسيه ولا تسحبي الدبابيس منه".
منتدى ليلاس

وأعطتها مالي التعليمات الأخيرة ووقفت تراقبها وهي تخلع سترتها وتضع على وجهها مسحة من المساحيق وطيفا من أحمر الشفاه, كانت مالي تعطي تعليماتها بطريقة مدهشة وكأنها خبيرة في الموضوع.
" كفى ( قالت مالي) والآن ضعي مسحة خفيفة منه".
ونظرت كيري اليها بعينين مندهشتين فيها كل معاني التقدير والأعجاب , وقالت:
" أنك تبدين وكأنك مرجع ثقة في هذا الموضوع".
وردت مالي بخشونة :
" وأنا كنت أيضا في يوم من الأيام , أغلقي عينيك وقفي على رجليك قليلا".
وفعلت كيري بما أمرت به وأحست أن مالي تقودها في أتجاه المرآة الكبيرة :
" والآن أفتحي عينيك".
وفتحت كيري عينيها وشعرت وكأن أنفاسها قد تقطعت , لقد عكست المرآة صورة فتاة غريبة فتاة كانت تنبض بالحياة ويندلع من عينيها لهب الشباب , وبرز من تحت الثوب الأبيض كتفان ناعمان بلون الذهب , وأنسدلت تنورتها البيضاء من خصرها النحيل بشكل أبرز أناقة الحذاء الفضي الذي كانت تلبسه , ولكن وجه الفتاة الغريبة كان أيضا متوجا بشعلة من الشعر الملتهب أحمرارا وقد عقص على جانبي وجهها , وبدا فمها وقد كست شفتيه مسحة من أحمر الشفاه , غضا وجذابا بشكل بريء , وألتفتت كيري بعينيها الخضراوين الى مالي وسألت بصوت ناعم:
" هل هذه الفتاة هي أنا؟".
" أنها أنت ( أكدت مالي ) والآن أسرعي وأستمتعي بسهرتك ولا تخافي منه".
وتسمرت عينا كيري في مكانها وكانت تهب لمغادرة الغرفة :
" أنني غير خائفة منه , وفي أي حال حتى ولو كنت أشعر بالخوف أمامه في الماضي , وهذا شعور لم أعد أحس به الآن , لماذا طلبت مني ألا أخاف منه؟".
وردت مالي بعد تفكير:
"لأنه في أعماق نفسه قد لا يقدم على شيء يثير الخوف في نفس الفتاة ".
وسألت كيري بفضول:
" وكيف تعرفين ذلك؟".
" من المفروض على المرأة أن تعرف هذه الأشياء بغريزتها , وفي أي حال يمكن لمس هذا الشيء في بول دفرون حتى بعد دقيقة واحدة من التحدث اليه ,وحتى على الشاشة فأن المثلين والممثلات غالبا ما يضعون شيئا من شخصيتهم الحقيقية في الأدوار التي يؤدونها , لذلك هناك ممثلون لا يمكن أن تشعري بأي أستلطاف أتجاههم مهما كانوا بارعين في آداء أدوارهم ومهما كانت أدوارهم".
قالت كيري وهي نستغرقة في التفكير:
" أهكذا؟".
" وهناك شيء آخر ( أضافت مالي ) بأمكان الفتاة الجميلة أن تجعل الرجل طوع بنانها في أية لحظة أن هي عرفت كيف تستغل جمالها".
وللحظة أرتسمت على وجه كيري أبتسامة شيطانية :
" وهل أنت تقترحين علي أن أجرب هذه الطريقة على بول دفرون؟".
" أنك لن تتأذي من ذلك ولكن قد تحصلين على أكثر مما كنت تتوقعين ( ثم أضافت وكأنها عادت الى ترفاتها كمدبرة المنزل ) والآن أسرعي لقد قاربت الساعة من السابعة يا آنسة كيري".
" شكرا على مساعدتك يا مالي".
وفتحت الباب وسارت ببطء الى أعلى السلم ونظرت مالي تلاحقها , وفيما كانت تهم بالنزول على أول درجة أذ بوالدها وبول دفرون يخطوان كعا خارج باب المكتب , وكانا يبتسمان وقد بدا عليهما أنهما أصبحا صديقين حميمين خلال تلك الفترة القصيرة التي قضياها معا , وفجأة سمعا حفيفا خافتا جعلهما يرفعان أعينهما في أتجاه السلم , كانت كيري بعيدة لكي تلاحظ وميضا كالبرق في عيني بول ما لبث أن سيطر عليه بسرعة.
" آسفة لأنني تأخرت".
وتعمقت أبتسامة الأعجاب في عينيه وهو يتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها ورد:
" النتيجة كانت تستحق الأنتظار".
وشعرت كيري بالحرارة تأجج في وجنتيها , وشدت أصابع رجليها داخل حذائها الفضي لعلها تتمكن من السيطرة على خجلها كما نصحتهامرة أحدى صديقاتها أن تفعل ولكن دون جدوى , كان من الصعب عليها مجابهة شرارة عينيه , وشعرت بأثارة عارمة تتدفق في أوصالها وشكرت في أعماق نفسها السترة المخرمة التي كانت تحميها من نظراته الثاقبة الملحاحة .
وأمسك بول بيدها ووضعها على ذراعه وقال :
" أعدك بأن أعيدها الى المنزل قبل منتصف الليل ( ونظر الى كيري نظرة فيها الكثير من الأغاظة المحببة ) ومن يدري فقد تتحول الى أميرة بجعة أمام عيني ".
" عليك أذن أن تقص جانحيها ( وضحك ريتشارد دروين ) ولكن بما أنها غير مدججة بقوس وسهام ولا تخبىء زي فرسان القوزاق في مكان ما فأنني أظن بأنك في أمان الليلة".
وتبعهما بنظراته الى الرواق الخارجي ثم أغلق الباب وأبعد مالي عن ستارة النافذة التي كانت تختلس النظر من ورائها , وفتح بول باب السيارة السوداء وساعد كيري على الصعود اليها , ثم دار بسرعة الى الجهة الثانية وأنسل الى جانبها وأغلق الباب , فشعرت كيري بجو حميم يلفها وأشتد ذلك الشعور عندما مال بول نحوها.
وقال:
" أتساءل عما أذا أذا كان مصيبا في قوله".
" من هو؟".
" والدك ( ورفع رأسها وأجبرها على النظر اليه وتابع) لقد قال بأنك لا تشكلين خطرا الليلة , ولكنني لست واثقا من ذلك , وبوسعي أن أؤكد بأنك خطيرة للغاية".
وبلعت كيري لعابها ونظرت اليه نظرة حذرة , فهي لم تدرك تماما ماذا كان يعنيه , وسألت بلهجة بريئة:
" ماذا تعني بقولك ؟ أنني لا أفهم ما ترمي اليه".
ورد بلهجة عابثة:
" ألا تفهمين ؟ أنه أمر غير مهم وسيأتي يوم تفهمين فيه هذه الأمور".
ثم مدّ يده الى المقعد الخلفي وناولها علبة من السوليفان وأحمرت وجنتا كيري وفتحت العلبة وأخرجت منها زهرتي أوركيديا , وأمسكت كيري بالزهرتين بأصابعها الرقيقة وكأنهما زهرتين مقدستين , لقد كانت أول هدية من الزهور تقدم اليها في حياتها.

ولمست بأناملها بتلات الزهرتين الغريبتين برفق ونعومة وتطلعت اليه بحياء وتمتمت:
" أنهما رائعتان , شكرا يا بول".
" أنت الليلة سهلة الأنقياد على غير طبيعتك يا صغيرتي , كنت أتوقع منك مشاكسة لاذعة كالعادة".
وأستقامت كيري في جلستها فهي لم تستسغ مناداة بول لها بيا صغيرتي , وردت بخشونة:
" أنا لست صغيرة فأنا في الثامنة عشرة من عمري".
" أحقا أنك بهذه السن ( وكانت في صوت بول رنة من الأغاظة الودية ) هل فهمت من ملاحظتك أنك لا ترغبين في أن يعاملك أحد كفتاة صغيرة؟ ...... بعد تفكير أظن بأن كلمة صغيرة أنزلقت من لساني , فليس هناك من أثر للفتاة الصغير في طلتك الليلة , وفي الواقع أنت عكس ذلك ".
رمقته بنظرة حذرة وشعرت برغبة في الأبتعاد عن مقعده قليلا ولكنها أحجمت عن ذلك خشية أن تثير في نفسه ردة فعل على تصرفها غير اللائق ,وقال:
" حسنا , ما زلت أنتظر على سؤالي".
وردت بشيء من الريبة :
" وأي سؤال؟".
" هل كانت ملاحظتك ترمي الى عدم معاملتك كصغيرة؟".
حاولت أن تختار كلماتها بدقة لئلا تترك له مجالا لتفسيرها عكس ما تريد:
" عنيت أنني لم أكن راغبة في أن أعامل كطفلة , ولكنني لم أرغب في .....".
ولم تتمكن من متابعة كلامها فقد كان بلا جدوى , وعوضا عن ذلك شعرت بحمرة فاضحة تتدفق الى وجنتيها , وضحك بول وقال:
" أنني أعرف تماما ما تعنيه , يا لك من فتاة خائفة وبريئة يا عزيزتي كيري".
وأحست كيري بشيء كالصدمة الكهربائية تجتاح أوصالها ولكنها عادت وذكّرت نفسها أنه غالبا ما يتفوه بمثل هذه التعابير على الشاشة وخارجها , لقد كان الأمر عفويا وعاديا , وفي الواقع لا ينطوي على أي معنى , وقبل أن تستعيد روعها من الصدمة , مد بول ذراعه اليها بجرأة لم تفصح عن نواياه وأخذ يدها ووضعها تحت يده على مقود السيارة , وشهقت كيري وحاولت أن تسحب يدها بغير جدوى وهي تقول:
" دع يدي".
" كلا".
رد بول ببساطة لا لبس فيها وكان رنين صوته لا يزال ينطوي على دعابة طائشة.
وحاولت كيري سحب يدها مرة ثانية , كانت تشعر بالأرتباك ويدها على المقود وأصابعه تضغط عليها بطريقة لم تألفها من قبل , وحاولت من جديد ولكن قبضته كانت قوية , وقال:
" لا تكوني مشاكسة الى هذا الحد , وألا فأنني سأضطر لتغيير تصرفي".
" لقد وعدت بأن تتصرف تصرفا لائقا".
ورد قائلا:
" هذا وعد قطعته في مناسبة غير هذه المناسبة , وفي أي حال أعتبر بأنني أتصرف الآن بضبط كبير للنفس خصوصا فيما يتعلق بأمور كنت أود فعلها ".
وقفا بعد وقت قصير أمام الفندق , فتأبط ذراعها ودخلا القاعة الكبيرة وشعرت كيري بخيبة في أعماقها من أن فالما كنت وطوم ماريون سيشاركانها السهرة , وبومضة عين أحست كيري بيد فالما تمسك بها وتدفعها الى داخل غرفة السيدات حيث عملت على تمشيط بعض الخصل الثائرة , وعندما أنتهت من عملها كانت أبتسامة عريضة ترتسم على شفتي الممثلة وهي تقول:
" أنك تبدين جميلة وفاتنة للغاية هذا المساء".
وخفضت كيري عينيها بحياء وتمتمت : " شكرا".
وتابعت فالما وهي تضحك:
" أعتقد بأنك فاجأت بول , فهو كان يتوقع أن تعتذري عن المجيء ".
وأعترفت كيري بحركة صبيانية تكاد لا تقاوم:
" كنت على وشك أن أفعل ذلك".
" ولماذا ؟ ألا تستلطفينه؟".
لجأت الى حذرها القديم وردت بطريقة صبيانية:
" أنه يلعب أدوارا سخيفة , كلها من نوع الغراميات".
وسألتها فالما بعد برهة من التفكير وبكل جدية وهدوء:
" وهل هذه الأدوار هي سخيفة حقا ؟ أن بول يملك موهبة رائعة كما تعرفين وهو ليس مغرورا على الرغم من أنه يعرف تماما مدى سطوة تلك الموهبة , أنك تعتقدين أن الحب أمر تافه وسخيف ولك الحق في أن تبدي أراءك الخاصة في هذا الموضوع ولكن معظم النساء لا يعتقدن ذلك , هناك نساء كثيرات تعيسات في العالم وكثيرات غيرهن أختبرن زيجات غير موفقة ووهبن حبهن حيث لم يكن مرغوبا فيه , أو أنهن فقدن الأمل في العثور على شخص يبادلهن الحب , هل تعتقدين أن ما يقوم به بول سخيف أذا أستطاع بموهبته أن يدخل السعادة اليهن لفترة من الزمن؟ أنه لا يؤذي أحدا وكل شخص يتوق الى العيش في عالم من الأحلام ولو لومضة عين , وبالأضافة الى تلك الفئة من النساء التعيسات , هناك الفتيات اليافعات اللواتي يعشن أحلامهن وهناك من يذهب للتسلية وقضاء بعض الوقت , وفي أي حال فأن من حق المرأة أن تفتش عن الحب حتى ولو كان ذلك في عالم من الأحلام ولفترة وجيزة من الوقت".
وحدقت كيري بها وقد أرتسمت الدهشة على وجهها , لم يسبق لها أن فكرت في الموضوع بهذا الشكل ولو أنها فعلت ذلك لما كانت عاملت باربي بتلك الطريقة , وأرفدت فالما:
" وهكذا فالأمر لا يبدو سخيفا كما تتخيلين , وليس كل النساء باردات مثلك". ولم تتفوه كيري بكلمة على الرغم من أنها لم تكن متأكدة من أن ملاحظة فالما الأخيرة كانت صحيحة , ولو أنها كانت باردة كما وصفتها , فلماذا أذن شعرت بتلك الأرتعاشة تدب في أوصالها ندما لامستها يد بول؟
وحاولت أن تبعد أفكارها عن الموضوع فألتقطت الزهرتين ووضعتهما على سترتها وكأنها تشير بذلك الى أنها أصبحت جاهزة للحاق بالآخرين ولكن فالما أوقفتها وأشارت الى الزهرتين:
" من الأفضل أن تخلعي السترة وتعلقي الزهرتين على الفستان وبأمكانك أن تتركي السترة هنا".
وأحمرت وجنتا كيري وبسرعة علّقت الزهرتين على السترة المخرمة وقالت:
" كلا , سأترك السترة على كتفي".
وأدركت فالما على الفور سبب أحمرار وجهها وقالت:
" ليس هناك من سبب للحياء أو الخوف من بول , أنسي أنه بول دفرون , أنه مجرد رجل والفتاة الجميلة تستطيع أن تجعل أي رجل طوع بنانها أن هي عرفت كيف تتصرف".
منتدى ليلاس

وأرتسمت على شفتي كيري أبتسامة فيها الكثير من المعاني وسألت:
" وحتى بول دفرون؟ ولكنني لن أعرف كيف....".
ولمعت عينا فالما وقالت:
" ألا تصدقين ذلك , أن الفتاة تعرف بغريزتها هذه الأمور , والآن هلم ننضم الى الآخرين ومه أنهم يريدون أن يظهروا بمظهر أشخاص بارزين ألا أنهم مجرد رجال عاديين".
وأحست كيري بأنعطاف قوي نحو فالما وهما تخرجان من الغرفة وتتوجهان الى طاولة بول وقد نجذبت جميع الأنظار من رجال ونساء أليهما.
كانت فالما ترتدي فستانا أسود اللون وقد بدا كلؤلؤة من صنع واحد من أشهر صانعي الأزيء وبرزت كيري كغلالة منسابة في ثوب الباليرينا تماما كما يقول المثل والضد يظهر حسنه الضد ,الأولى كانت رمز الجمال والثانية وكأنها جنية خرجت لتوها من أحدى القصص الخيالية , وجمال كل واحدة منهما كان يبرز جمال الأخرى , ونهض ماريوت وبول من مكانهما لدى أقتراب الفتاتين وأرتسمت على وجهيهما علامات الأعتزاز للأنطباع الذي تركتهما في نفوس الحاضرين , وقادهم الخادم الى مائدة كانت قد حجزت لهم من قبل في أفضل زاوية من القاعة بينما وقف آخر لتدوين طلباتهم , وعندما جاء دور كيري لأختيار طعامها نظرت الى لائحة الطعام بأنشداه ما لبث أن وجدت مخرجا له عندما تذكرتما كانت تشاهده في الأفلام فناولت اللائحة الى بول.
" أرجوك أن تختار لي الطعام بنفسك".
ومن غير أن تبدو عليه علامات أستغراب أوصى على أطباق طعامها ثم ألتفت اليها وقال بعد أن أبتعد النادل:
" كيف تعرفين بأنك ستحبين الطعام الذي أخترته لك؟".
" أنا متأكدة من أنني سأحب ما أخترته لي".
ورمقها بنظرة ساخرة:
" كل شيء؟".
" حسنا أعني ضمن الحدود( ولمحت نظرة فالما فأنفجرتا معا بضحكة عالية)".
وحدق الرجلان بهما بشيء من الحذر وسأل ماريوت:
ط أي مؤامرة دبرتماها معا؟".
ونظرت فالما اليه بعينيها الزرقاوين وقالت:
" لا شيء".
وكانت رقة صوتها برئة حتى أنها كانت أكثر براءة من لهجة كيري , ثم تطلعت الى رفيقتها ولم تتمالكا نفسيهما فأنفجرتا بضحكة عالية .
وعلق بول وقد لوى فمه بسخرية:
" لدي شعور أنها كانت تعطي كيري بعض التعليمات منذ لحظات , كن بعوننا يا رب لمواجهة الأثنتين معا".
وردت فالما:
هذا من حقك , ولا تنس أنها وسيلتنا الوحيدة للدفاع عن أنفسنا ( ثم تطلعت الى كير ) لا تنسي ما قلته لك".
ولمح بول وميضا يلمع في عينيهما فنظر الى فالما بشيء من الريبة وقال:
" بريك بماذا كنت تتحدثين مع كيري؟".
وأحست كيري بحرارة تتدفق في عروقها , لقد كانت مالي وفالما على حق , فلأول مرة أحست بشعور من القوة وتخيلت نفسها بأنها تسيطر على الموقف سيطرة كاملة , ومدت يدها وربتت على يده بنعومة وقالت:
" كنا نتحدث عنك بالطبع , ولكن لا تخشى شيئا".
ورد يول على الفور محذرا:
" أنت أيتها السيدة الصغيرة تبحثين عن المتاعب ( ووقف على قدميه وأنتزعها من كرسيها) تعالي لنرقص فقد يساعد ذلك في تخفيف بعض مقاومتك".
وكان على حق , فحالما دخلا حلبة الرقص وأبتعدا عن الآخرين ووضع ذراعيه حولها , شعرت كيري أن شجاعتها الجديدة وجرأتها قد تلاشتا على غير رجعة , وأحست أنها صغيرة ووحيدة معه على الرغم من أزدحام الحلبة بالراقصين , كان يشدها اليه حتى أنها كانت تشعر بوجهه الأسمر يلامس شعرها.
وقال ساخرا وهي تحاول الأبتعاد عنه قليلا:
" أين ذهبت مشاكستك ( وأضاف) أرفعي نظرك أليّ أيتها الجبانة الصغيرة".
ولكن كيري أبقت رأسها منخفضا بعناد , لقد أدركت أنها لم تعد تسيطر على الوضع بل على العكس أستكانت بين ذراعيه القويتين , كان راسه منحنيا نحوها ووجهه يكاد يلامس وجهها أحيانا وشعرها أحيانا أخرى , كانت ملامساته خفيفة كالنسيم ومع ذلك فقد شعرت أنها تتأجج في كيانها .
وتمتمت بصوت متقطع:
" أياك....... أياك أن تتمادى في تصرفاتك".
وسأل بول ببراءة :
" أن أتمادى في أي شيء؟".
" في معانقتي ".
" ولكنني لم أفعل".
" أما أتا فقد شعرت بأنك قد تقدم على ذلك".
" ولكنها لم تكن معانقة أو أي شيء من ذلك القبيل , ولو كانت معانقة حقيقية لكنت شعرت وكأنك في عالم آخر".
وكانت كيري على وشك أن ترد عليه بحدة بألا يحاول أي شيء معها وأحجمت عن ذلك لأنها تعرف أنه قادر على معانقتها أمام أعين الجميع أو أن يبتعد بها خارج القاعة ليبرهن لها أنه قادر على كل شيء , وبعد هذه المناوشة القصيرة تابعا رقصهما بسكوت , وعلى الرغم من أحساسها بثورة في أعماقها فقد أذعنت للواقع وظلت بين ذراعيه القويتين دون أن تبدي أية مقاومة , وعندما توقفت الموسيقى قادها الى الطاولة وهو يهمس في أذنها :
" ألا زلت ترغبين في مشاكستي؟".
وشعرت كيري بصورة عفوية أدهشتها هي نفسها بأنها ما تزال تريد مشاكسته , وحالما جلسا الى المائدة , لاحظت أن طوم ماريوت كان يمعن النظر اليها , ولم تهتم في بادىء الأمر ولكن مع تقدم السهرة كان من الصعب عليها أن تتجاهل نظراته وأخيرا لم تتمالك نفسها ورمقته بنظرة مستفسرة:
" آنسة دروين هل فكرت يوما بالتمثيل؟".
وتفجأت بسؤاله فهزت رأسها بغباء وهي تتساءل عما كان يدور في رأسه , وألقى بول عليها نظرة مازحة:
" أنه على وشك أن يعرض عليك دورا في فيلمه الحالي".
وتطلعت كيري بعينين مندهشتين ونقلت نظرها من واحد الى آخر وقالت:
" أنني لا أفهم , لماذا أنا؟".
وأردف ماريوت:
" سأكون صريحا معك يا آنسة دروين , كانت لدينا ريتا لين ولكننا أستغنينا عنها لأنها لم تعد تطاق بنزواتها المتكررة ولكن في تلك الأثناء بدأنا في تصوير الفيلم وكانت هي تعرف تماما أننا سنتكبد تكاليف باهظة في أيجاد ممثلة أخرى تقوم بدورها وأنا أعتقد أنها تمني النفس في العودة الينا وفقا لشروطها الى حد كبير , وقد بحثنا كثيرا ولكننا لم نوفق بواحدة مناسبة حتى الآن , ومن الضروري أن نجد ممثلة تقوم بذلك الدور في أقرب وقت ممكن".
وكررت كيري سؤالها:
" ولكن لماذا أنا بالذات؟ فأنا لا أصلح للدور وفي أي حال لأنني لا أجيج التمثيل".
ورد بسرعة:
" وكيف تعرفين بأنك لا تصلحين للتمثيل؟ عندي أحساس بأنك ستكونين قادرة على القيام بذلك الدور , وليس فقط ذلك , فقد رأيتك على صهوة جوادك ليلة الكرنفال , وأنا أبحث عن فتاة تجيد ركوب الخيل تماما كما فعلت , لذلك الدور , كانت ريتا تجيد الرقص ولكن كان علينا أن ندربها على ركوب الخيل".
" وكيف تعرف أنني أجيد الرقص؟ فالخطوات القليلة التي قمت بها على حلبة الرقص في هذا الأزدحام لا تعطيك فكرة صحيحة على ذلك".
كانت كيري تبحث عن العراقيل لترفض عرض طوم فمجرد التفكير بأنها ستمثل الى جانب بول دفرون كان يربكها الى حد كبير .
" لقد رقص بول معك وبأمكانه أن يعطي رأيه في الموضوع".
وأعترفت كيري أخيرا أنها تلقت بعض الدروس في الرقص وقالت:
" أن ثوب الباليه الذي أرتديه الآن هو أحد أثواب أمي".
وأردف طوم بسرعة :
" أذن ما الذي تخشينه ؟ هل توافقين على القيام بالدور؟".
ورفعت كيري يدها بأرتباك , فهي لم تكن لتفهم لماذا عرضت عليها تلك الفرصة النادرة وقالت:
" كنت أعتقد ان من أصعب الأمور هو الحصول على دور في فيلم سينمائي وها أنتم الآن تحاولون أقناعي بالموافقة على التمثبل".
وتدخلت فالما في الموضوع وقالت:
" أن حدس طوم لا يخطىء ( ثم مالت نحوها ولمست يدها برفق وتابعت مشجعة ) لا تتركي الفرصة تفوتك يا كيري , بالطبع ستخضعين لبعض التجارب أولا ولكننا بحاجة لمن يمثل دور ميتاني وكما قلت لك أن حدس طوم لا يخطىء".
وسألت كيري:
" ميتاني؟".
ورد بول مبتسما:
" ميتاني , الفتاة الساحرة القبيحة , حوادث الفيلم تجري في حقبة بعيدة من الزمن تعود الى مئتي سنة خلت وتعيش ميتاني في المستنقعات وهي تدعى أن بأستطاعتها أن تتذكر حياتها قبل مئات السنين عندما كانت تركب الحصان الى جانب الملكة بواديشيا في أحدى مناطق بريطانيا وحاربت الجيوش الرومانية".
وبرقت عينا كيري , لقد شعرت بالأنجذاب نحو عنصر الخرافة في الدور , ونسيت , لبرهة من الزمن , أن بول دفرون سيشترك هو أيضا بالتمثيل وهذا يعني أن الفيلم سيزخر بالمشاهد العاطفية ولا بد أن تكون لها حصة في تلك المشاهد , فريتا لين لم تكن ممثلة ثانوية.
كانت كيري مترددة في أفكارها وتذكرت فجأة ناحية أخرى من الموضوع , فعائلة دروين كانت بحاجة الى المال وهي ستحصل على مال وفير أذا هي مثلت الدور , لقد كانت تسعى لأيجاد عمل وها هي الآن أمام فرصة نزلت عليها من السماء , وحتى لوأنها لم تكن راغبة في قبول العرض , وهذا ليس صحيحا , فأنها لن ترفضه للضائقة المالية التي تتخبط بها عائلتها.
والشيء الذي دفعها الى التردد هو خوفها من الفشل في أداء الدور , فالممثلون والممثلات كانوا يبدون للجمهور وكأنهم من جنس آخر وهم يطلون عليه من وراء الشاشة الكبيرة , وها هي على وشك أن تصبح واحدة منهم وتدخل عالما جديدا وأدركت في أعماق نفسها أنها لن ترفض العرض.



قالت أخيرا:
" حسنا أذا كنتم على أستعداد للمجازفة فأنا مستعدة أيضا".
وسارع بول الى القول:
"" أحسنت أيتها الفتاة الطيبة ( وملأ كوبها بعصير مرطب كان في زجاجة على الطاولة وأضاف ) أن المناسبة تستوجب حفلة صغيرة".
ورفع كأسه وقال وهو يبتسم لها:
" نخب ميتاني".
ورفعت فالما كوبها :
" لنشرب نخب نجاح الفيلم".
" والآن وقد أتفقنا على كل شيء , هل تسمحين لي برقصة ؟ ( سأل طوم كيري ) هذا أذا لم يقرر بول خوض معركة ضارية معي".
وأبتسم بول أبتسامة كسولة وقال:
" شرط ألا تحتكرها طوال السهرة".
وفيما كيري ترقص مع طوم ألقت بطرف عينها الى بول وفالما وهما يرقصان أيضا وقد برزت قامة بول الأنيقة الجذابة وكانت غارقة في تأملاتها لدرجة أنها لم تسمع طوم يخاطبها , ولكنها عادت الى الواقع وقالت:
" المعذرة , لم أكن أصغي".
" عن قصد أم عدم أنتباه؟ ( سأل طوم وتابع ) كنت أقول بأنني سمعت بالأشاعات التي تقال عنك في موضوع المعانقة وعن رأيك الرافض له , ولكن يجب أن أقول بأنني لا أنوي حذف المشاهد العاطفية من دورك , لذلك عليك أن تدركي الأمر منذ البداية".
وشعرت بأن الخوف الذي ملأ أعماقها منذ قبلت تمثيل دور ميتاني عاد الى الظهور مرة ثانية وهي تتخيل ما سيحدث , وكانت نفسيتها في تلك اللحظة تميل الى التفهم أكثر من النزعة الى الغضب , فهي بأمكانها أن تتخيّل المشاهد العاطفيةبين ذراعي بول.
قال طوم وهو ينظر اليها:
" أنا ما زلت أنتظر جوابك يا كيري".
" لا... لا أعتقد أن بأمكانك حذف تلك المشاهد".
وقهقه طوم وقال:
" في أي حال أن الأمر ليس سيئا الى الحد الذي تتصورينه , فبول يلعب دوره بمهارة كما تعرفين , ( وأضاف وقد لاحظ أن كيري ما تزال تخفض عينيها ) أنت فتاة غريبة الأطوار يا كيري , فأنا أعرف مئات الفتيات ممن يطمحن لكي يصبحن ممثلات بالأضافة الى عدد آخر من الممثلات الشهيرات , على أستعداد للتضحية بكل شيء ليمثلن في فيلم مع بول دفرون وها أنت على وشك رفض الدور بسبب بعض المشاهد العاطفية ".
ورفعت بصرها وأرتسمت أبتسامة مرتعشة على شفتيها , فقد تلاشت فكرة رفض الدور وهي توبخ نفسها كون أنها جبانة وقالت:
" سأبذل كل جهدي , وسأحاول ألا أصفع بول وأترك له كدمة حول عينيه عندما يعانقني".
وجاءها صوت بول من ورائها وهو يقول:
" ومن قال لك بأنني سأعطيك الفرصة لكي تسددي الي لكمة".
كانت الموسيقى قد توقفت فألتفتت كيري لتجد بول واقفا وراءها والى جانبه فالما , وخرج الجميع من حلبة الرقص وعادوا الى الطاولة , وبدأت كيري تشعر بموجة من الدفء تلفها ومع ذلك فلم تخلع السترة.
وبعد فترة سأل طوم ماريوت فالما مراقصته ونزلا الى حلبة الرقص , وتبعتهما كيري بأنظارها وكانت تود لو أنهما ظلا معها عى الطاولة , فعلى الرغم من أنها تجنبت النظر اى بول , ألا أنها كانت تشعر بأن عينيه كانتا تحدقان بها , ولسوء طالعها كانت السترة تشدعلى عنقها فمدّت يدها اليها وحاولت تخفيف طوقها .
وسألها بول:
" لماذا لا تخلعينها ؟ ( وعندما رأى ترددها أبتسم وقال محاولا أغاظتها ) لا بأس أعتقد أنك خائفة".
فردت على الفور وبحدة:
" ومن أي شيء؟".
" مني أنا؟ ( وكان صوته متحديا وقد عادت الى عينيه ومضات ذلك البريق المتلألىء)".
" هذا ليس صحيحا".
" أذن أخلعي سترتك ( وأتكأ على الكرسي وأخذ يراقبهاوقد أصطبع وجهها بقوس قزح من الألوان وأضاف) عليك أن تعتادي على أكثر من هذا الأمر أيتها الغبية الصغيرة".
وأحست كيري أنها بين نارين , فهي لم تكن راغبة في خلع سترتها من جهة ولكنها أيضا لا ترغب أبقائها كدليل على خوفها من رؤية بريق عينيه ,وبكل بطء أخذت كيري تنزع الدبابيس عن الزهرتين ووضعتهما على الطاولة ثم فكت شريط السترة وخلعتها عن كتفيها , وأومأ بول برأسه وهو يمرر نظره على قد كيري الممشوق.
" جميل جدا".
وكانت عيناه تعنيان أكثر من ذلك , وأحمر وجه كيري وخفضت رأسها وألتقطت الزهرتين لتعلقهما من جديد على ثوبها وقالت:
" أنك لا تسهل الأمور وأنت تحدق بي بهذا الشكل ( وأغتنمت كيري فترة أنهماكها بوضع الزهرتين بتبقي رأسها منخفضا أطول مدة ممكنة ) ".
ورد بول وكأنه لم يفهم سؤالها :
" ولماذا لا أنظر اليك ؟ أنت جميلة للغاية".
" أنني لم أعن ذلك , بل أعني الطريقة التي تحدق فيها أليّ".
وأدركت أنه ما كان عليها أن تقول ذلك الكلام , فقد تركت الباب مفتوحا أمام أسئلة وأجوبة كثيرة كان من الأرجح أنه لن يترك الفرصة تفوته ,فالصمت في هذه الحارت كان أفضل سلاح للدفاع.

" في أية طريقة؟".
كان صوته في غاية النعومة وكأن رقة نظراته قد أنعكست في تلك النبرة , لقد أحست كيري أنه كان يتلاعب بها كما تتلاعب الهرة بالفأر وكانت عاجزة لا عون لها .
" أعني وكأنك.......أي.......".
تمتمت بصوت خافت ثم عادت وأعتصمت بالسكوت وهي تدرك تمام الأدراك أنها فريسة شعور شديد بالخجل صبغ بحمرته القانية كل جزء من أجزاء جسمها بشكل فاضح وظاهر للعيان.
" في أي حال أنت أنت تعرف تماما ما أعنيه".
وتطلع بول اليها بنظرات بريئة مبالغ فيها:
" ولكنني لا أعرف ".
ورمقته كيري بنظرة عابسة وقالت وقد أرتسمت على شفتيها أبتسامة ساخرة:
" بل أنك تعرف تماما , ولا تنظر الي بهذه النظرات البريئة , أنها لا تناسبك ولا تناسب صيتك الذي هو أبعد ما يكون عن البراءة".
" أنت أيتها العفريتة الصغيرة".
وضحكت كيري بينها وبين نفسها , فقد أختفت ريبتها وقالت:
" أريد كوبا آخر من العصير ".
ورد بول بحزم :
" كلا لن تحصلي على كوب آخر فقد شربت ما فيه الكفاية , ومن يدري فقد يؤثر العصير على سلامة تفكيرك وأنا لا أرغب في مواجهة أبيك والآنسة دروين بين ذراعي".
" ألا ترغب في ذلك ؟ فالطريقة التي كنت تحدق فيها بي أوحت لي أنك تريدني أن أقع بين ذراعيك".
ورفع بول أحد حاجبيه بسخرية مازحة:
" ألست خائفة من أن تقعي بين ذراعي خصوصا وأنا أتمتع بذلك الصيت؟".
وهزت كيري كتفيها بلا مبالاة ورفعت رأسها وقالت:
" بأمكاني أن أتدبر أمرك".
وألتوت شفتا بول ببتسامة ساخرة ورد قائلا:
" هل لي أن أذكرك بأن هناك طريق العودة الى المنزل , لذلك أنصحك بألا تكدسي أسباب الثأر والأنتقام؟".
منتدى ليلاس

وعادت كيري فهزت كتفيها بلا مبالاة متعمدة وقالت:
" سأفكر بهذا الأمر في وقت لاحق , أما الآن فأنني أرغب في الرقص".
لقد شعرت بالأمان والطمأنينة وهي في جو القاعة المزدحم ولم تفكر بأي شيء آخر بل على العكس كانت تشعر بشيء من القوة والأسترخاء في آن .
وما كاد يأخذها بين ذراعيه ويبدأ في مراقصتها حتى شعرت بالدفء ينساب في عروقها لدى كل لمسة من لمسات يده ويتحول شيئا فشيئا الى رجفة ساحرة , وكان بوسعها أن تسمع دقات قلبه وهو يضمها اليه بذراعيه القويتين , ولم تكن اللمسات واهنة كالطيف فحاولت أن تبعده عنها قليلا ,وحذرت قائلة:
" بول".
ورد بسخرية:
" لقد أعتقدت أنك قلت بأنك تستطيعين معالجة أمري".
وبلعت كيري ريقها , كانت تعرف أنه عليها ألا تتقارع معه فالأمر يختلف كثيرا عن مشاكساتها مع ريك وكيل , كان هو الصياد وهي الفريسة , وأحست أن مصيدة قد نصبت لها وهو يريدها أن تقع فيها .
وقررت في أعماق نفسها أنها بعد هذه العشية ستعمل على تجنبه , وهو أمر يجب أن يكون سهلا أن هي أزكت شعورها القديم بالأزدراء والكراهية , كما أن تصوير الفيلم سينتهي قريبا وسيغادر الممثلون والعاملون فيه رياستون ولن تراه بعد ذلك , ثم تذكرت ميتاني وشعرت أنها قد لا تتمكن من تمثيل الدور , ولم تكن تعر ما الذي تخشاه ولكنها كانت على يقين وبشكل واضح بأنها على الرغم من كلماتها العابثة وتصرفاتها الساخرة فأنها غير قادرة على تحمل حتى مجرد التفكير بالمشاهد العاطفية مع بول , لقد عادت كيري دروين , كيري ليلة الكرنفال المقاتلة بضراوة والحذرة الى الوجود مرة ثانية , وقالت فجأة بصلابة:
" لا أستطيع المضي في المشروع".
وأبعدها بول عنه قليلا وحدّق في وجهها وقد أختفت أبتسامته الساخرة واليطانية من عينيه كان في غاية الجدية تماما كبول دفرن الذي طلب منها أن يكونا صديقين عندما كانا في ضاحية المستنقعات.
وسأل بسرعة وقد خفف قبضته الشديدة على يدها:
" ما الذي لا تستطيعين المضي فيه يا كيري؟".
وردت لاهثة:
" دور ميتاني ".
وعلى الرغم من أن قبضته أرتخت قليلا غير أنها ما تزال تشعر بأنها سجينة بين يديه , وأضافت:
" أنا لا أستطيع القيام بالدور , لا أستطيع".
ودار بول رفيقته في حركة أنيقة وقادها الى النافذة العريضة التي كانت تطل على شرفة الحدائق.
" لماذا لا تستطيعين يا كيري؟".
كان صوته هادئا ويبعث على الأطمئنان وكأنه كان يوجه كلامه الى طفل , وقرأ جوابها على وجهها حتى قبل أن تنطق به وتصلبت تقاطيعه , وقال أخيرا بكل هدوء:
" لا أدري أذا كنت فتاة حذرة , خجولة أم جبانة أو مجرد فتاة باردة كجبل الجليد , وفي أي حال سنعرف هذا الأمر قريبا".
وقبل أن تدرك ما كان ينوي عمله دفعها الى خارج النافذة المفتوحة وقادها الى الحدائق المظلمة , وأمسك بيدها ونزل بها السلالم الى حيث لا تلاحقهما أعين الحاضرين , وكانت قبضته تشتد كلما حاولت الأفلات منها , وكانت كيري تعرف ما سيحدث ساعة غادرا قاعة الرقص , وتعرف أيضا أنه من العبث مقاومته ومع ذلك ظلت تقاوم قبضته الشديدة , وكانت أصابعه مثل كماشات من الفولاذ مثبتة على معصمها.


وتوقف وأدار وجهها نحوه , وبحركة سريعة كانت وليدة خبرة طويلة ضمها الى صدره بعطف وشدّها اليه وكانت لمساته تتأجج بالتحدي وقد تناثرت أشعة القمر حولهما , وعلى الرغم من بعض المقاومة التي بقيت في نفسها فأن بول لم يحرر قبضته , وهمس في أذنها:
" لا تكوني غبية الى هذا الحد يا كيري".
كان الدفء يتسرب الى أوصالها ولم يكن دفئا مخيفا بل مفعما بالتحدي والأثارة , هل كانت حقا غبية؟ تساءلت كيري في أعماقها , وحاولت جاهدة أن تخفف من تصلّب أعصابها ولكن دون جدوى , وشيئا فشيئا أسترخت كيري للأحاسيس الناعمة التي تموجت في أعماقها ولم تحاول حتى الأبتعاد عنه عندما أرخى قبضته , ورفع بول رأسها من جديد وأبعدها عنه قليلا ثم حدّق بوجهها ولم تكن أبتسامته تنطوي على أي تعبير للسخرية أو الأنتصار وقال:
" برغم كل شيء , لم يكن الأمر سيئا أليس كذلك؟".
أعترفت كيري:
" كلا".
كان بول غائصا في بريق عينيها وأصابعه تعبث بنعومة في خصلات شعرها الملتهب , وأضاف:
" لعل الأمر كان أكثر متعة مما كنت تتصورين؟".
ومرة ثانية أعترفت كيري بصوت خافت أن الأمر كان ممتعا , والآن وقد أنتهى كل شيء أحست بالخجل من خوفها الصبياني السخيف.
" شكرا لصبرك الطويل معي يا بول".
" هل أنت متأكدة الان بأنك تغلبت على خوفك؟".
قال وفي صوته رقة من الأغاظة والمداعبة , وعندما هزت رأسها بالأيجاب أضاف قائلا:
" أذن برهني لي ذلك".
كانت تعرف ماذا كان يعنيه ولكن حياءها جمدها في مكانها الى أن أقترب منها هو وضمّها الى صدره ثانية , وشعرت كيري بقوة ذراعيه ولكنها لم تكن خائفة هذه المرة , كانت تحس بأرتعاشة حالمة تدب في أوصالها وهي سجينة تينك الذراعين القويتين.
" أرى بأن عليّ أن أعطيك بعض الدروس الخصوصية قبل أن نبدأ التمارين أمام أعين الآخرين ( قال بول بصوت ناعم ثم قهقه ضاحكا وهو يشاهد وجهها وقد أصطبغ بحمرة قانية وأضاف ) كم أنت طفلة خجولة , عليك أيضا أن تتغلبي على حيائك , ألا تعرفين أن حمرة الخجل تعكس وجها قبيحا على الشاشة , والحل الوحيد هو أن تتابعي التمرين على المشاهد العاطفي معي الى أن تختفي حمرة الخجل من على وجنتيك.
" لم أكن أعرف , ولكن ما هو السبيل للتغلب على الخجل؟".
قال بصوت يدعو الى الأطمئنان:
" ستعتادين على ذلك وبسرعة لن تتوقعينها , والآن وقد سويت الأمور بيننا فأنني أعترف بأنك جذابة للغاية , ألا تعرفين ذلك؟ ( وهزت كيري رأسها وتابع قائلا:
" والآن أفعلي ما أقوله لك".
وبكل خجل عانقته كيري كما قال لها بول أن تفعل , وبعد ذلك عادا الى القاعة وهو يقول:
" لدى طوم نسخة أضافية من سيناريو الفيلم وسأطلب منه أن يحضرها من غرفته لكي تأخذيها معك الى المنزل هذه الليلة يا صغيرتي ميتاني".
ولم يجلسا الى المائدة بل دخلا على الفور الى حلبة الرقص كأن شيئا لم يحدث وأستعادت كيري أبتهاجها , لقد تغلبت على خوفها وبأستطاعتها الآن أن تجاريه في سخريته وكلماته المداعبة دون أي خوف من رحلة العودة الى البيت , فهي لم تعد تكترث لمن ستكون له الغلبة وحتى أنها وجدت في الهزيمة متعة.

زهرة منسية 03-06-11 07:07 PM

مــــــــــــشـــــــــــــــــكــــــــوره
يعطيكى الف عافيه اختياراتك حلوه كتير وذوقك راقى يسلموا ايديكى

نيو فراولة 03-06-11 09:34 PM

5- الدرس الأول



في أحد الأيام عادت كيري الى المنزل وهي تلوّح بحماس بغلاف كبير كان في يدها وتصرخ بأعلى صوتها:
" لقد أستلمته".
وعند سماع صوتها سارع والدها ومالي , كل من غرفته , لمعرفة السبب الذي أثار حماسها على ذلك النحو وألتقى الجميع في البهو وكيري ما تزال تلوح بالغلاف , وسأل والدها:
" ما الذي أستلمته بهذه الطريقة الدراماتيكية؟".
وتطلعت كيري بشيء من الأستغراب وكأنها كانت تتوقع منهما أن يعرفا الأمر بغريزتهما.
" أنه دور ميتاني , كن الأختبار مرضيا للغاية وعليّ أن أتمرن على دوري أبتداء من يوم الأثنين المقبل".
" أحسنت يا كيري".
قال الأب بحماس يضاهي حماس أبنته , أما مالي فقد عقدت المقاجأة لسانها ,وأعلن ريتشارد :
" أن هذا الحديث يستوجب حفلة صغيرة".
وأنضمت مالي الى الجوقة وقالت:
" سأذهب لوضع الغلاية على النار".
وتابع ريتشارد دروين:
" سنشرب فنجانا من الشاي نخب مستقبلك , ( وداعب شعرها وهما يتوجهان الى المطبخ وقال ) من الصعب عليّ أن أتخيّل أبنتي الصغيرة الثائرة والطائشة قد أصبحت نجمة سينمائية".
" لست نجمة بل نجيمة أو أذا أردت نجمة سينمائية صاعدة , أنه أمر مضحك , ففي البداية لم أهتم للأمر عندما عرض عليّ السيد ماريوت أن أمثل الدور , وفي الواقع لم أكن أفكر بأي شيء من هذا القبيل ولكن الآن فأنني أتوق من كل جوارحي الى أن ألعب دور ميتاني".
ونظر والدها اليها بطرف عينه وهما يدخلان المطبخ وقال:
" كل ما أرغب فيه هو أن أراك في أول مشهد عاطفي لك".
وتوقفت مالي عن قرقعة فناجين الشاي وأصغت الى جواب كيري الذي جاء مفاجئا للجميع وهي تضحك:
" أنني أستحق كل هذه السخرية خصوصا بعدما قلت تلك الأشياء عن الموضوع".
وعادت مسحة الشرود الى وجه والدها وقال وكأنه لا يتبع سياق الحديث:
" كانت لي بطلة مثلك فيما مضى".
" وماذا حل بها؟".
ورفع يديه بحركة مبهمة وقال:
" أعتقد أنها تزوجت في النهاية وأنجبت ما لا يقل عن عشرة أولاد".
" كلا ,وشكرا على روايتك فليس لدي أية نية لأنجاب عشرة أولاد ".
" حسنا ( رد ريتشارد دروين ) سنرى ذلك فيما بعد".
كانت حفلة الشاي مرحة للغاية , ولكن كيري تمنت لو أن ريك كان حاضرا وكذلك كلفن , فريك عاد الى المدرسة وكلفن ذهب لتمضية بعض الأيام عند أقارب له في كورنواي لمزيد من التدريب وكسب الخبرة , وكيري لم تر باربي منذ أسبوعين ولذلك فقد بدأت تشعر وكأن الأشياء القديمة والمألوفة بدأت تتلاشى شيئا فشيئا.
وطوال الأسابيع التي تلت وجدت كيري أن عملها الجديد كان يستحوذ على أفكارها ويملأ كل أوقاتها , لقد أفتقدت ريك وكلفن كثيرا في بادىء الأمر ولكن الأحداث كانت تتعاقب بشكل سريع لدرجة أن أشتياقها اليهما بدأ يخف , وخلال هذه الفترة أنغمست في مراجعة دورها وقلّما كانت ترى بول, وفي فترات قصيرة كانت تراه متعبا ومرهقا من كثرة العمل .
وكان المدرب يقيم في الفندق نفسه الذي يقيم فيه بول كغيره من العاملين في الفيلم.
وبعد ظهر أحد الأيام وكانت قد أنتهت لتوها من درسها وتستعد لمغادرة الفندق سمعت صوتا يناديها : ( كيري) , فألتفتت بلهفة وقد تعرفت على صوت باربي فهي لم ترها منذ أسابيع فوقفت تراقبها وهي تقطع الشارع بقامتها القصيرة ووجهها الممتلىء وقد أرتسمت عليه أبتسامة عريضة.
" مرحبا باربي".
" كيري! ( ردت باربي وهي تلهث وقد أتسعت حدقتا عينيها ) أصحيح أنك ستمثلين مع بول دفرون؟".
" أجل".
أجابت كيري بحذر , فبعد الذي قالته لصديقتها عن بول دفرون كان من الطبيعي أن تتوقع منها ملاحظات مغيظة , ولكن باربي لم تفكر في الموضوع من تلك الزاوية , بل تنهدت وقالت بلهجة يملؤها الحسد:
" ستمثلين مع بول دفرون أنت من بين جميع الفتيات! يا لك من محظوظة , ( وأمسكت بذراع كيري وسألتها بلهفة ) الله عليك قولي لي كيف يبدو ؟ هل أصر على دفع جائزة اليانصيب؟".
وأنفرجت أسارير كيري عن أبتسامة عريضة وهي تسمع باربي تمطرها بوابل من لأسئلة ولكنها في النهاية شعرت وبشكل عفوي أن حمرة من الخجل قد أنتشرت على وجنتيها , وقد أدركت باربي معنى تلك الحمرة .
قالت وقد شعّ من عينيها بريق من الحسد:
" آه يا كيري , كيف كان شعورك؟".
وتململت كيري بضيق , فهذا الموضوع لا ترغب في مناقشته حتى مع باربي , وقالت أخيرا بلا مبالاة مدروسة:
" كان الأمر ممتعا".
منتدى ليلاس

وأرتفع صوت باربي بسخط :
" تعنين ممتعا فقط.. ممتعا فقط , هذا كل ما عندك لتقوليه؟".
وعبست كيري وهي تفكر , الآن وقد عادت لتفكر بالموضوع مليا , لم يكن العناق سوى تجربة عابرة ولم يبد بول تماما كما كانت تراه على شاشة السينما , ثم طردت الفكرة من مخيلتها , كيف تكون المعانقة مختلفة ؟ بالطبع كان بول مختلفا عن فرانك كونورز , وعادت باربي وسألت:
" وما هو موضوع الفيلم ؟ وما هو دورك فيه؟".
وترددت كيري في الأجابة , ومرة ثانية أحست بالهوة الفاصلة بينهما , لقد بدت باربي أمامها كطفل صغير ولكنها لم تكن قادرة على تبيان ذلك لبضعة أسابيع خلت , وأشارت الى مطعم صغير وقالت:
" لندخل المطعم ونشرب فنجانا من الشاي وسأتحدث اليك عن الموضوع هناك".
" والآن أخبريني عن الفيلم؟".
" أسم الفيلم ( مبارزة في المستنقعات)".
وسردت عليها القصة , وهي تسند ذقنها على راحتيها في تأمل حالم , وتعود بذاكرتها الى الليلة التي دعاها فيها بول الى المطعم , وكيف أنها آوت الى فراشها متعبة ومرهقة ولكنها في غاية السعادة , ثم كيف قرأت السيناريو , وكيف وقفت مشدوهة أمام بعض المشاهد التي كان من المفروض على ميتاني أن تمثلها أو تقولها , لقد شعرت ببعض الشك في بادىء الأمر ولكنها فيما بعد أعتادت عليها , وكان تصوير دور ميتاني سيبدأ لاحقا لذلك كان لها متسع من الوقت للتمرين عليه وأذا سار كل شيء على ما يرام فأن مشاهدها مع بول ستكون موفقة للغاية.
قالت باربي وقد نفذ صبرها:
" أكملي بالله عليك".
وعادت كيري تسرد لها الوقائع كما عاشتها حتى الآن".
" القصة تدور حول أمرأة نبيلة , الليدي فرنسيس براندون, وهذا هو دور فالما التي تقع في حب زعيم قبيلة من الأسبان الغجر الذين جيء بهم لأداء بعض الرقصات في أحدى الحفلات , وبالطبع بول هو زعيم القبيلة ".
وأشتد البريق الحالم في عيني باربي:
" أنني أتخيّله تماما وهو يقوم بهذا الدور , في أي حال تابعي بالله عليك ".
ولم تكن كيري تنوي أطلاع باربي على كل شيء , لقد تغيّرت كثيرا عما كانت عليه كيري القديمة الفتاة في غاية الفظاظة مع صديقتها عابدة أبطال الأفلام , وتابعت:
" عندما تبدأ القصة يأتي من يقول لزعيم القبيلة أن هناك ساحرة تدعى ميتاني تعيش في أحدى الجزر السرية في المستنقعات لا يعرفها سواها ".
" ومن يلعب دور ميتاني ؟ ( سألت باربي على أحر من الجمر ثم فغرت فاها عندما أشارت كيري الى نفسها ).
وتابعت كيري سرد القصة:
" وفي أحد الأيام تغادر ميتاني الجزيرة السرية وتقع في أيدي الغجر ويجبرونها على الزواج من زعيمهم الذي وقع في حبها , حوادث القصة وقعت قبل مئات السنين لذلك فهي محاكة في جو من الخرافات , وفي أي حال فأن الساحرة لم تكن في الواقع غير راغبة في الزواج من الغجري , فهي تدّعي بأنها والغجري كانا قد تزوجا بعد غرام عاصف في الماضي عندما كانا يعيشان في غابر الأزمان في أيام الرومان , ولكن حدث بعد الزواج أ وقع نظر الزعيم الغجري على الليدي فرنسيس وهام بها متخليا عن حب ميتاني , وهنا تبدأ المأساة , فيلحق الغجري بالليدي النبيلة التي هي أيضا وقعت في حبه على الرغم من نسبه الوضيع , وتلحق ميتاني بالعاشقين وتحاول أستعادة زوجها مستحلفة أياه بحبهما القديم في الأيام الغابرة , وبالطبع تعود الكاميرا في هذه اللقطات الى الماضي في تسلسل تاريخي , ومع ذلك يصر الغجري على اللحاق بالليدي فرنسيس التي تعترف أخيرل بأنها هي الأخرى واقعة في غرامه , وتعود الساحرة ميتاني الى جزيرتها السرية وتحاول بشعوذاتها أستعادة حبيبها , وأخيرا تنجح الساحرة ويعود الغجري أليها , وهكذا كما ترين القصة بكاملها سخيفة".
وأعترضت باربي :
" ولكنها تبدو مشوقة , تابعي يا كيري , ومن تحصل عليه في النهاية؟".
وتطلعت كيري الى صديقتها بدهشة وقالت:
" الساحرة بالطبع , ظننت أنني قلت لك ذلك قبل برهة , وفي المشهد الأخير من الفيلم يسلط النور على الليدي فرنسيس وهي واقفة أمام بوابة قصرها تتطلع في شرود الى البعيد".
" ’ه ( تنهدت باربي بسعادة ) أنا مسرورة بأنك أنت التي فزت بحبه ".
وألقت كيري عليها نظرة ساخرةولكنها لم تعلق على ملاحظتها , وبعد قليل ودعتها وسارت الى الأصطبلات حيث تركت حصانها سموكي فأمتطته وأقفلت عائدة الى المنزل.
كانت غارقة في أفكارها وهي تقود حصانها وفكرت أن الشق بينها وبين باربي أصبح شاسعا الآن لكي تتجاهله , فهل نضوج الفتاة يعني فقدان أصدقائها , كلا , هذا ليس صحيحا دائما , فهناك أصدقاء يشبون معا , صحيح أن هناك فرق سنتين بينها وبين باربي ولكن ذلك الفرق لم يكن ظاهرا من قبل , أما الآن فأنه يبرز بشكل قاطع وعادت كيري وفكرت من جديد , أنها فقدت صديقة ولكنها من جهة أخرى كسبت أصدقاء آخرين وهم طوم ماريوت وفالما وبول.
وفي اللحظة التي ذكرت أسمه سمعت صوته ولم يكن بعيدا , فألتفتت الى الوراء ورأته يخبو على جواد أسود مطهّم عرفت على الفور أنه خارج من أصطبلات بريفريل , أنه الحصان الذي أمتطاه في الفيلم ولكنه لم يكن يرتدي لباس الغجر بل سروالا كاكي اللون وقميصا من الحرير الأبيض كان مفتوحا عند الرقبة ويبرز سمرة جسمه الشديدة , وكان شعره الأسود يتطاير خصلات مع هبات النسيم على غير عادته , وعلى الرغم من أنه بدا جذابا للغاية ويافعا ألا أن علامات الأرهاق كانت تبدو على وجهه.
" مرحبا كيري ( قال بول وهو يبتسم) ".
" أهلا بول ( ردت كيري وأضافت) تبدو متعبا".
وشعرت بسعادة لهذا اللقاء وبدت الطبيعة حولها أكثر جمالا ونقاوة , ولكنها ملكت نفسها وحاولت أن تجعل لهجتها طبيعية قدر الأمكان.
" أنني مرهق , أنهم يصورون مشاهد بعد ظهر هذا اليوم وليس لي فيها أي دور لذلك فقد أعلنت الأضطراب ".
وتطلعت كيري اليه بشيء من القلق وهو يمرر يده على عينيه , لقد كان يختلف عن بول دفرون الواثق من نفسه وشعرت بعطف غير مألوف نحوه , وسألته:
" الى أين أنت ذاهب الآن؟".
" لا مكان محدد , أنني أقوم بمجرد نزهة على صهوة الجواد , ( ثم رمقها بنظرة فيها الكثير من الألتماس ) هل أنت مضطرة للذهاب توا الى المنزل أم تستطيعين مرافقتي؟".
وشعرت كيري أنه بحاجة اليها وكان من الطبيعي أن تساعده , وردّت على الفور:
" بالطبع سأرافقك فقد تضل طريقك في المستنقعات".
وعاد ونظر اليها ولمع في عينيه على الفور ذلك البريق القديم من الأغاظة الودية :
" وهل تكترثين بالفعل لمصيري؟".
" بالطبع أكترث , ( وخفضت عينيها ثم تابعت وهي تحاول أضفاء جو من المرح على حديثهما ) وعلاوة على ذلك ماذا ستقول جميع المفتونات بك ؟".
" أنهن سيتحولن الى شخص آخر ( رد بول بلهجة فيها مسحة من السخرية التي قلما أظهرها معها ) أن الجمهور حيوان متقلب يا كيري".
" أذن ( قالت كيري بلا مبالاة ) سأرافقك أكراما لمستقبلك , وسأعمل على أبعادك عن المناطق الخطيرة في المستنقعات".
وللحظة تعمقت تعابير الأغاظة القديمة في عينيه وأعتقدت أنه سيواجهها ببعض تحدياته ولكنه أكتفى بالأبتسام ولم يتفوه بكلمة , كان الوقت لا يزال مبكرا بعد الظهيرة ومع أنهما كانا يسيران بجوادهما ببطء غير أن كيري تعرف تاما الى أين هما ذاهبان , الى مكان لا تؤدي اليه أي درب أو سكة , ولم تفكر أن في الأمر غرابة فهي لم تفكر قط في يوم من الأيام أن تصطحب ريك أو كلفن الى ذلك المكان وها هي اليوم تأخذ بول اليه دون تردد , وبعد فترة قصيرة عرجت عن الدرب التي كانت معالمها تختفي ودخلت منطقة شاسعة من البراري المقفرة , وأخيرا توقفت على رأس هضبة منخفضة كان يمتد تحت سفحها واد صغير حالم ينساب في قعره جدول ماء صغير أيضا أرتفعت على أحدى ضفتيه شجرة وحيدة ضخمة.
وألتفتت الى بول وسألته مبتسمة:
" هل أعجبك؟".
وتطلع حوله بأعجاب وتاهت نظراته في الوادي الذي بدا وكأنه خارج من قصص الجن وهز برأسه وقال:
" أنه رائع يا كيري , أن هذه المستنقعات تخفي بعض البقع الخلابة ".
" أن منطقة المستنقعات بكاملها جميلة وخلابة وعندما تنتشر فوقها الغلالات الضبابية في الليل يكاد المنظر الساحر يفوق كل تصور".
وتطلع بول نحوها , كانت بالفعل ساحرة المستنقعات , أنها ستعيد ميتاني الى الحياة , فتاة المستنقعات المتوحشة , وهبطا الى الوادي وترجلا عن جواديهما , كان الجو دافئا يسبح في سكون تام , وأخذ الجوادان يرعيان وسط الأعشاب الطويلة فيما أفترش فارسيهما الأرض , وأنتزعت كيري جديلة من العشب وجلست تتجاذبها بين أصابعها , أما بول فقد أتكأ على جذع الشجرة وأخذ يراقبها بعينين ناعستين كأن جو الوادي قد أنعكس فيهما , وكأن تيارا خفيا لمسها فألتفتت فجأة وتطلعت اليه , كان يومىء اليها بأصبعه بأن تقترب منه.
وبدون تردد تركت كيري مكانها وجلست قربه وأتكأت برأسها على الشجرة , لم يكن هناك متسع من المكان لكليهما لذلك حشرت كيري نفسها بالقرب منه , كان يبدو تعبا ومسرورا في آن وأحست بعاطفة من الأمومة تدفعها لأخذ رأسه بين يديها والتخفيف عن همومه , كان الشعور سخيفا خصوصا أتجاه بول دفرون ولكنه كان قويا وطبيعيا , وكأن بول قرأ أفكارها فمال برأسه نحوها وهو يبتسم قائلا:
" أنت فتاة رائعة وطيبة يا كيري دروين".
" هل أنا كذلك؟".
" أجل أنت وواديك الساحر ( وتوقف قليلا ثم تابع) أتمنى لو أنك تستطيعين رؤية كوخي الصغير في الروكيز , أنه معزول في أحد أطرافه بحيرة زرقاء عميقة وتحيط به جبال مكسوة بالثلج , والطريقة الوحيدة للوصول اليه هي بالطائرة وأنا غالبا ما ألجأ اليه للراحة في فترة ما بين تصوير فيلمين".
" هل بول هو أسمك الحقيقي؟".
وحرك بول رأسه ببطء:
" كلا ليس تماما أسمي الكامل هو بول دوفرنيل , كانت أمي من أصل أنكليزي ووالدي من أصل فرنسي – كندي وقد ولدت في الروكيز".
" أخبرني عن عائلتك ومسقط رأسك".
" كانت مزرعة صغيرة وكانت أمي مقعدة وعندما كنت طفلا مات والدي لذلك فأنني لا أذكرة جيدا ومع ذلك فالحياة كانت سعيدة في المزرعة ولم نكن في بحبوحة من العيش ولكن ما كنا نملكه كان كافيا , ثم ماتت أمي عندما تركت المدرسة فبعت المزرعة وأنتقلت من مكان الى آخر على غير هدى حتى حئت في نهاية المطاف الى هوليوود".
ولم يكن بول بحاجة الى أعطائها المزيد من المعلومات , فقد كانت بفضل باربي تعرف كل شيء عنه وعن صعوده المفاجىء في عالم السينما , لقد أصبح نجما بين ليلة وضحاها بعد عرض أول فيلم له حتى أن الجماهير لقّبته بفالنتينو معبود النساء , وذهب بعض النقاد الى القول أن فيلمه الأول كان ضربا من الحظ جاء برمية من غير رام وسيظهره فيلمه الثاني على حقيقته , ثم جاء الفيلم الثاني وبقي السحر على حاله , وعقبه الفيلم الثالث والرابع وكرّت السبحة وكان كل واحد من أفلامه أكثر شعبية من السابق ليس فقط بين النساء بل والرجال أيضا , فبالأضافة الى سحره الجذاب كان بول ممثلا قديرا وكان من الصعب تصوره آتيا من جبال الروكيز الهادئة ليصبح نجما تحت أضواء هوليوود الساطعة.
وسألت كيري:
" ألم تجد عالمك الجديد غريبا بعد أن كنت معتادا على هدوء جبال الروكيز؟".
وأبتسم بول من جديد ولكنه لم يرفع رأسه وتابع:
" كانت الأجواء غريبة عليّ في بادىء الأمر , كانت مصطنعة وسريعة الزوال بين الكاميرات والضجيج والأماكن الجديدة ولكن لا يمكنني أن أتصور الآن بأنني قادر على التخلي عن كل ذلك , أنها حياة تجري في العروق يا كيري".
ومن جديد عاد الى صمته , وبعد برهة تطلعت كيري اليه فرأت أنه أغمض عينيه وكان تنفسه خافتا وعميقا , لقد كان مستغرقا في النوم , وبكل نعومة سحبته الى الأسفل وجعلته يستلقي على الأعشاب ثم أسندت رأسها الى جذع الشجرة وأخذت تراقبه , كان يبدو من المستحيل على كيري دروين , قبل فترة من الوقت , أن تتصرف كما تصرفت الآن ولربما كان ذلك تحت تأثير الهدوء الذي يخيم على الوادي , وكانت تدرك في قرارة نفسها أن الأمور لن تبقى على حالها فقد كشف لها بول ناحية من حياته لن تنساها مدى الحياة , وتركته مستسلما للنوم لبعض الوقت ولكنها تعرف أن عليها أن توقظه بعد قليل , فمالي ستقلق كثيرا أن هي تأخرت عن العودة الى المنزل , ومالت نحوه قليلا وبدون أنتباه لامست أناملها شعره الأسود الذي كان يتلاعب فيه النسيم , كان ناعما كالحرير ومفعما بالحيوية , ونقلت كيري عينيها من وجهه وأستقرتا على يديه , كانتا نحيفتين تنتهيان بأصابع طويلة قوية كالفولاذ تماما كجسمه الرشيق , وحتى وهو مسترخ في نومه كانت القوة تبدو عليه كالنمر , وأبتسمت قليلا وهي تتذكر النمر الأسود الذي رأته يوما في حديقة الحيوانات , كان ماثلا أمامها الآن برشاقة راقص أسمر وصلابته , لقد سحرها النمر في ذلك الحين , وأنتبهت كري الى أن الوقت أصبح متأخرا وكانت تعرف أن عليها أن توقظه , فمدت يدها وهزت كتفه ولكنها توقفت , وعادت فمدت يدها الى خده ولامسته , وبلمح البصر شعرت بذراعه تطوقها وهو يبتسم , وفتح عينيه وقد فارقهما النعاس والخمول وبرق فيهما ذلك الشعاع الراقص المفعم بالجرأة والوقاحة.
" لقد كانت طريقة ممتعة لأيقاظي , ( تمتم بول وهو يلامس وجهها وأضاف ) شكرا لك يا عزيزتي كيري".
وأبتعدت كيري عنه قليلا واقفة وقالت:
" لقد حان الوقت للعودة الى المنزل".
وقفز واقفا على رجليه بخفة هائلة كرقاص أنفلت فجأة , وأحست كيري بأن أرهاقه أختفى وعاد كالسابق خطيرا لا يركن اليه ولكنه كالنمر الأسود كان لا يزال يسحرها , وأتجها الى حصانيهما وبسرعة البرق كانت كيري قد قفزت على صهوة جوادها قبل أن يمد بول ذراعه لمساعدتها على الركوب , وأبتعدا عن الوادي وبعد بضع دقائق أدركت كيري أنها على وشك أن تتورط في مناوشة جديدة من الأغاظة من شأنها أن تعيد الى وجنتيها أحمرارهما السابق ولكنها عدلت في اللحظة الأخيرة وحولت أفكارها الى موضوع شخصي أكثر وسألت بول عن الراقصين في الفيلم , فهي كانت تحب خوض موضوع الرقص وفي أي حال كان موضوعا آمنا , ورد وهو يغمز بعينه:
" أعتقد أن هذا هو الأمر الوحيد الذي تستسيغينه في فيلمي".
منتدى ليلاس

وهزت كيري كتفيها بشيء من القلق وقالت:
"حسنا...".
ولكن بول قاطعها بضحكة عالية:
" حسنا..... ليس عليك أن تقولي أكثر من ذلك , أعرف رأيك في موضوع المشاهد العاطفية وأعرفة جيدا , ولكنني سعيد أنك موافقة على رقصي".
وبرقت عينا كيري بحماس وقالت:
" أنني أحب الرقص , لقد كانت هناك رقصة يا بول أحببتها كثيرا لدرجة أنني أبتعت الأسطوانة".
ونظر اليها وقال مبتسما:
" أية رقصة , سأدرك عليها أذا أنت رغبت في ذلك".
وبرقت عينا كيري من جديد ببهجة عارمة وقالت بسرعة:
" أنها التانغو الأرجنتينية في فيلم ( قمر بامباس)".
وغرق بول في تفكيره فهو يتذكر تماما تلك الرقصة الساحرة كما تصور أيضا حالة الآنسة دروين وهي بين ذراعيه تميل على نغمات تلك الموسيقى , لقد كانت مولعة بالرقص ومنجذبة اليه لدرجة أنها كانت تنسى كل شيء آخر حولها , وقال وقد شع في عينيه بريق من المداعبة:
" أذن أنت تريدين أن تتعلمي تلك الرقصة يا كيري؟".
وهزت رأسها بألحاح:
" أجل أرجوك يا بول ( وأضافت على الرغم من أنها كانت تشعر بالخطر الذي سيحدق لها وهي بين ذراعيه ) هذا أذا لم يكن لديك أي مانع".
" أي مانع ؟ ( وضحك بول وهو يلقي برأسه الى الوراء ) أنا لا أتجاسر على رفض طلبك يا عزيزتي كيري".
وتطلعت اليه بدهشة:
" ولماذا؟".
" لأنك ستوجهين الي لكمة قوية".
ومن جديد حدقت كيري به بنظرة حائرة وكررت سؤالها:
" ولكن لماذا؟".
وحلت محل النظرة المداعبة نظرات شيطانية أصبحت مألوفة لكيري وقال:
"حسنا .... ولكن بشرط واحد وهو أن تفعلي بالضبط ما أقوله لك ".
وهزت رأسها بالموافقة على الفور:
" أنني أعدك بذلك , شرط أن تعدني بدورك بأنك لن تستحدث خطوات وحركات جديدة".
" لن أحتاج الى ذلك ".
رد بول وهو يقول في نفسه بأن ذلك سيدعها تفكر في الموضوع وتضرب أخماسا بأسداس طوال رحلة العودة الى المنزل.
وعندما وصلا نركا حصانيهما بعهدة جودي ودخلا الى المنزل , وأطلت مالي من المطبخ وقد أشرق وجهها بالسرور ولكنه ما لبث أن أختفى وحل محله أرتباك ظاهر عندما رأت من أحضرت معها , وقالت على عجل:
" سأحضّر الشاي".
وردت كيري :
" سنكون في غرفة الرقص".
وسأل بول بأستغراب:
" في غرفة الرقص؟".
" أنها غرفة كانت تخص أمي وقد أعتدنا على تسميتها بغرفة الرقص , فقسم كبير من فساتين الباليه القديمة التي كانت ترتديها ما زالت في الغرفة , ومن هنا أيضا أنتقيت فستاني للحفلة , وغالبا ما ألجأ اليها كلما شعرت برغبة في الرقص".
وقال بول بلهجة آمرة:
" أذن أذهبي الآن وأرتدي واحدا من تلك الملابس , أنني أرفض أن ألقن رقصة التانغو هذه لفتاة ترتدي زي الفرسان , أنه لا يتلاءم مع الرقصة على الأطلاق".
كانت كيري تعرف أنه كان يمزح معها ولكن الفكرة راقت لها , ردت بالموافقة وسط دهشة بول وأسرعت الى السلم وهي تضيف وقد رأت والدها يخرج من مكتبه:
" لن يستغرق ذلك أكثر من برهة وجيزة".
ولاحق ريتشارد دروين بنظرة طيف أبنته بصمت ثم ألتفت الى بول وقاده الى مكتبه وهما غارقين في حديث بدا لكيري أنها كانت غائبة عنه كليا.
وفي الغرفة العليا حيث كانت صورة والدتها معلقة على الحائط , وجدت كيري بعد تفتيش طويل عن ضالتها وهي كناية عن زي للباليه مصنوع على الطريقة الأسبانية , وبسرعة خلعت ثياب الفروسية وأرتدت زي الباليه ولكنها قبل أن تعود الى مكتب والدها دخلت غرفتها ووضعت فردتي حذاء فضي للرقص.
ولربما سمعاها تهبط السلم , فأطلا من باب المكتب على الفور وكان والدها يبتسم أبتسامة عريضة وتساءلت كيري عما كانا يتحدثان به , وقال :
" لقد قلت لمالي بأن تتمهل في تقديم الشاي الى ما بعد درس الرقص فأنت على الأرجح ستحتاجين اليه بعد كل الجهد الذي ستبذلينه".
ثم عاد الى المكتب دون أن يضيف كلمة أخرى , كانت كيري تقف وجها لوجه أممام بول الذي كان يرمقها بنظرات كلها تقدير وأستحسان وسألها:
" لماذا لا ترتدين الفساتين دائما يا كيري؟".
وهزت كتفيها بلامبالاة وردت:
" أنها سخيفة وغير مريحة , وعلاوة على ذلك فأنا معتادة على أرتداء أزياء الفروسية والسراويل".
ولم يعلق على جوابها بل تبعها الى السلم ومنه الى غرفة الرقص , وعندما فتحت الباب وقف بول ينظر الى الداخل بأعجاب كبير وكانت أشعة الشمس تضيء جوانبها , وجال نظره في زواياها ثم توقف عند صورة المرأة المعلقة على الحائط , وسأل بصوت ناعم:
" هل هي أمك؟ أنها جذابة للغاية".
" أجل أنها أمي , لقد ماتت وأنا صغيرة لذلك فأنا لا أتذكرها قط ".
منتدى ليلاس

" أنها تشبهك بأستثناء الشعر الأحمر".
وقرأت كيري الأطراء المبطن في كلماته وأصطبغ وجهها بصبغة طفيفة من الخجل فأستدارت لتضع الأسطوانة , وعندما نظرت اليه رأت عينيه تشعان بذلك البريق الشيطاني , وتساءلت عن سبب ذلك البريق , لربما كانت الرقصة عبة وسألته هل الرقصة صعبة في الواقع فهز رأسه بالنفي وقال:
" أنها سهلة للغاية يا كيري , كل ما في الأمر أنها خاصة من حيث الموسيقى والآداء ".
وأنسابت الأيقاعات وبلمح البصر أمسك بول بأحدى يديها وجذبها نحوه , وقبل أن تدرك ما حصل وجدت نفسها قد فقدت توازنها كليا وأصبحت تطير كالفراشة بين ذراعيه , وعلى الرغم من اللهيث الذي أصابها وشهقة المباغتة التي خرجت من بين شفتيها فقد تمكن من تثبيت خطواتها والدوران بها في حركات منسابة ولكنها عنيفة وبدائية , ولأول مرة شعرت كيري بسحر الموسيقى الخفي , كان هناك أيقاع نابض يتسرب الى أوصالها ويلف كيانها بأرتعاشات مثيرة , كان الأيقاع يوحي بأشياء كثيرة ولكنها قررت ألا تعرها أهتماما.
وعضت على شفتيها وحاولت أن تتحرر من سحر ذلك الأيقاع فأبتعدت قليلا عن بول , وتعجبت كيف أنه تركها تبتعد ولكن تعجبها تلاشى عندما ألتقط يدها مرة ثانية وبسرعة البرق وبحركة دائرية قوية أعادها ثانية اليه , وكان بول يدور بها في الغرفة برشاقة كبيرة ويتقدم بضع خطوات ثم يتراجع خطوات أخرى , ورفع يدها اليسرى بيده اليمنى بصلابة وقد توقفا بلا حراك على أيقاع الموسيقى ثم تابعا الدوران وقد أمسك بخصرها بقوة وليونة في آن , ونظرت كيري اليه كالمسحورة وفي هذه اللحظة توقفت الموسيقى على خاتمة صاخبة النغمة , وأوقف بول الأسطوانة وقال :
" في هذا كفاية ايوم , وفي أي حال أنها ليست المقطوعة الكاملة لقد حذفوا منها مقاطع كثيرة".
" أهذا صحيح؟".
سألته كيري بصوت متردد وهي تشعر بالسرور في نفسها , كون الأسطوانة مختصرة الى ذلك الحد , وفهمت على الفور ماذا تعنيه أبتسامته الشيطانية عندما قالت له أنها تريد أن تتعلم هذه الرقصة ,وعندما ألتفت بول اليها كان يبتسم:
" لقد نلت نصيبك , أنت قلت أنك تريدين الرقص على أنغام هذا التانغو , وهناك المزيد من هذه المقطوعة".
" أهذا صحيح ؟ ( كررت كيري السؤال) ".
" بالطبع هناك المزيد ( رد بسخرية مماثلة لسخريتها وأضاف) متى تريدين تلقي درسك الثاني؟".
" ليس الأمر مهما ( قالت بشيء من المراوغة ) أنت لا شك منغمس حتى أذنيك في الفيلم ".
" لا , ليس الى هذا الحد".
وعبست كيري , فهو لا يهيّن الأمور عليها , ولم تكن لديها الشجاعة الكافية للأعتراف بأن الرقصة كانت مضنية ولا ترغب في متابعتها.
" أتريدين الحقيقة ؟ ( قال بول بلهجة ساخرة ) أنت خائفة".
ورفعت رأسها بتحد وردّت بغضب :
" طبعا لا ".
" أحقا؟".
ونظرت كيري الى البعيد ورفضت أن تتابع مناقشة الموضوع وقالت :
" أترغب في تناول فنجان الشاي الآن ".
" جبانة ".
رد بول ساخرا ولكنها أمتلكت أعصابها ولم ترد عليه وأتجهت نحو الباب وخرجت وتبعها بول.

نيو فراولة 03-06-11 09:41 PM

6- أغفاءة الموج


بعد حادثة الرقص , لم تلتق كيري بالرجل الذي شغل بالها الى ذلك الحد , الى أن جاء اليوم الذي دعيت فيه أخيرا للحضور الى الأستديو لمعاودة التمارين , وفي نهاية أحد تلك التمارين ألتفتت لترى طوم ماريوت وهو يراقبها من الباب , ودخل الغرفة وهو يبتسم أبتسامة مشجعة وقال :
" أحسنت يا كيري ".
وعلت وجهها حمرة الخجل وشكرته , وقبل أن يغادر الغرفة قال:
" راجعي دورك في المشهد الروماني خلال عطلة الأسبوع , سيمر بول ويصطحبك معه يوم الأثنين المقبل , فنحن جاهزون لبدء التصوير .
بلعت كيري ريقها ولم تجد كلمة تعب فيها عن شعورها , أخيرا جاء دورها .
وأبتسم مجددا وهو يرى أرتباكها وقال مشجعا :
" لا تقلقي كل شيء سيكون على ما يرام".
تذكرت أن الأحداث التي وقعت في الأزمان الرومانية تتضمن مشهدا عاطفيا , لماذا عليهم أن يختاروا مشهدا مثل ذلك المشهد لتبدأ حياتها السينمائية؟
ولكن ذلك لم يثنها عن عزمها , فعادت الى المنزل وأنكبت على مراجعة دورها لتتقنه بحذافيره , ولم تكن لتستقر في مكان واحد بل كانت تنتقل من غرفة الى أخرى بقلق تارة وبخوف تارة أخرى ,وكان والدها ومالي يعملان جاهدين للتخفيف من قلقها وتطمينها خصوصا عندمت تعلن بيأس أنها غير قادرة على حفظ كلمة واحدة أو تمثيل دورها وأنها تشعر بالبرد يدب في أوصالها لمجرد التفكير بالأسبوع المقبل.
وجاء يوم الأثنين بأسرع مما توقعت , كانت كتلة من الأعصاب وسريعة الأضطراب , وجاء بول دفرون بسيارته السوداء المألوفة , فأستقبلته كيري وقد بدا عليها الأضطراب .
" أنني خائفة يا بول , وأشعر بالوهن ".
" هذا هراء ( وأضاف محاولا التخفيف من روعها ) كل شيء سيكون على ما يرام".
وخرج ريتشارد دروين من مكتبه ونزل السلم وسلّم على بول وهو يبتسم , ثم نظر الى أبنته وقال:
" بالطبع سيكون كل شيء على ما يرام , أنت مرهقة وأعصابك متوترة ( ثم تطلع الى بول من جديد وقال ) هل لديك متسع من الوقت لفنجان من الشاي قبل الذهاب ؟ أعتذر فأنا لا أقدم أي نوع آخر من المشروبات".
ورد بول :
" شكرا ولكن من الأفضل أن نذهب وألا فأن هذه الفتاة الصغيرة ستغيب عن الوعي ( وهز معصم كيري بنعومة وأضاف مداعبا ) هيا تشجعي أيتها الجبانة الصغيرة , أنت دائما تقلقين لأمور قبل وقوعها ثم تجدين أنها لم تكن سيئة الى ذلك الحد".
وكانت كيري تعرف أنه كان ينوه الى الأحداث التي جرت في حفلة العشاء فجمعت قواها ولمعت عيناها من جديد بذلك البريق الائر المألوف. فضحك بول وقال مشجعا :
" هذا رائع ".
وبينما كانا يتوجهان نحو الباب صرخت مالي :
" أتمنى لك حظا سعيدا يا آنسة كيري".
أضاف ريتشارد دروين :
" وأنا كذلك".
وطوال الرحلة التي تأخذها الى عالمها الجديد كانت كيري تشغل نفسها في ترتيب سروالها الفضفاض الأزرق الداكن بعصبية وتحاول عبثا وقف أرتجاف يديها وتعيد السؤال عما أذا كانت ترتدي الثياب المناسبة , لقد أستغرق بعض الوقت لكي تقرر أي ثوب ترتديه على الرغم من أن الخيارات لم تكن كثيرة , فهناك الثوبان القصيران والباهتان وزي الفروسية أو البلوزة والسروال , وقد أختارت الأخيرين بدت جذابة وأنيقة ولكنها لم تلاحظ ذلك , وفي أي حال فأن مزاجها الحالي كان يضعها في وضع غير مبال بهكذا أمور.
وهمس بول بنزوة :
ط أبتسمي يا كيري , أنت لا تذهبين الى المقصلة , أنت تعرفين ذلك حتى ولو كنت ستخوضين اليوم معركة مشهد عاطفي".
وطغت على وجهها مسحة من تكشيرتها الصبيانية وردت:
" هذا لم يعد يخيفني".
" ألا تعتقدين أن أمامك أشواطا بعيدة لتتقني هذه الأمور؟".
ولمحت كيري طرفة عينيه فأنفجرت أساريرها عن ضحكة عالية مما دفع بول الى تشجيعها بقوله :
" هذا رائع".
وقبل أن تعود من جديد الى أضطرابها وعصبيتها , أخذ بول يغني أغنية كانت رائجة قبل أشهر خلت وبعد قليل أنضمت كيري اليه , وعندما بدا المخيم أمامهما سكتت من جديد وبدأت تحرك يديها بعصبية , ومدّ بول يده وأمسك بأحدى يديها وهو يوقف السيارة :
" هدئي من روعك يا كيري".
وضغط على يدها مشجعا ثم سحب يده وخرج من السيارة وجاء الى طرفها وفتح الباب .
وأنزلقت من مقعدها ووقفت بثبات على قدميها ورفعت ذقنها بشيء من التحدي , وهو التحدي الذي يعرفه بول جيدا فضحك.
" لا تدخلي وتخاصمي كل شخص في الداخل لا لشيء سوى لأنك تشعرين بالأضطراب وأذا فعلت فسأضطر أما لأصفعك أو لمعانقتك".
" من الأفضل أن تعانقني فأنا بحاجة اليه أكثر ".
" أحقا ؟ أذن سأسألك يوما أيهما تفضلين؟".
وقرأت كيري المعنى المبطن ولكنها قالت في نفسها أن المعانقة قد تكون أفضل من خوض المشاهد العاطفية معه.
وخرج طوم وفالما لملاقاتهما وكانت كيري على وشك سؤال بول عما عناه بملاحظته الأخيرة , وقالت فالما مازحة:
" كفي عن الأرتجاف أيتها الصغيرة , سنقوم اليوم ببعض البروفات فقط".
" أنني........".
ولكنها لم تتمكن من متابعة كلماتها وعادت وغرقت من جديد بأفكارها المشوشة التي طغت عليها وهي في السيارة , وتدخّل طوم في الموضوع مشجعا هو أيضا :
" ستتغلبين على هذا الشعور سريعا , والآن لنذهب الى الأستديو ".
وتوجهوا الى حيث كانت الخيم منصوبة , وبالذات الى أكبر خيمة حيث توقف طوم ماريوت , وقال بعد تفكير :
" سنلتقط المشاهد الداخلية ( ثم قادهم الى الداخل )".
منتدى ليلاس

تبعته كيري بأهتمام وقد نسيت على الفور خجلها , كان أحد جوتنب الخيمة منزوعا وقالت في نفسها أنه لا يد أن يكون المكان المخصص للكاميرات , كانت الخيمة مفروشة بوسائل ترف مذهلة بالنسبة لمقر عسكري , ولكنها تذكرت أن الخيمة تخص شريف روماني , وفي أحد زواياها كانت طاولة مغطاة بالخرائط وهي لا بد أن تكون خرائط المعركة , وشعرت كيري أنها تدخل عالم آخر لا شيء فيه يتصل بالقرن العشرين هذا أذا لم ينظر المرء الى الخارج عبر الجانب المفقود من الخيمة.
وتقدم بول فجلس وراء الطاولة وأحست كيري بشعور غريب يتدفق الى كيانها , فهو لم يكن يرتدي أي زي , فلباسه كان عصريا يتألف من بنطلون وقميص من الحرير الأبيض , ومع ذلك فأنه لم يكن بول دفرون الذي تعرفه, فقد تصلبت تقاطيع وجهه وأزدادت غطرسته , كان ماريوس , أحد شرفاء الرومان , ومجرد النظر اليه جعلها تشعر أنها بالفعل تلك الأسيرة التي وقعت بين يديه على الرغم من ثيابها العصرية , وأعطى ماريوت الأشارة , ووجدت نفسها تنكمش الى الوراء وتقبض بشدة على قماش الخيمة.
وبسط بول يديه على الطاولة ونهض بكل بطء , كانت عيناه تحدقان بها بدون أن يرف له جفن وسمّرهما على وجهها النحيل وقد لمع فيهما بريق وقح جعلت أوصالها ترتجف وأعصابها تتخاذل , لم ينظر اليها من قبل بهذا الشكل , ولكن الشخص الذي أمامها لم يكن ول , هذا ما قالته لنفسها بسرعة , أنه قائد روماني وأيا كن اللباس الذي يرتديه فهذا الرجل كان رومانيا , وهو يريد ميتاني , أو بالأحرى جدة ميتاني , ليلى.
" هكذا أذن ؟ ( قال بصوت ناعم ) أن الأشينيني يرسلون الآن نساء ليحاربونا ؟ هل أصبح الرجال يرتعدون خوفا للخروج من مخابئهم ؟".
وتيبست كيري في مكانها وأستقامت في وقفتها , وفكرت أن الأمر غريب حقا فهي ترى نفسها بشكب طبيعي لغاية في شخصية تلك الفتاة الخارجة من أعماق الزمن.
" أن ألويتك لا تدمرها الأشباح , وأنت تعرف تماما أين هم الرجال , نحن النساء أخترنا أن نتبع ملكتنا لنثأر للأهانة التي لحقت بالعائلة الملكية".
كانت كلماتها تطفح بالعزة والكرامة وتنطلق من حنجرتها بمرارة عميقة , كانت شخصيتها تذوب كليا في شخصية ميتاني , وكان هو الجواب بالذات الذي كانت ستفوه به في مثل تلك الظروف , ودار بول حول الطاولة وأتكأ عليها وهو يرمقها بنظرة.
" أقتربي مني ( أمرها بنبرته الناعمة الخطرة ,وعندما ظلت واقفة في مكانها , أضاف بدون أن يغير نبرته ولكن بشيء من القوة المتسلطة ) سيكون من السهل عليّ أستخدام القوة , أقتربي".
وبكل بطىء تقدمت بضع خطوات , ومع ذلك بقي صوتها ثابتا ومتغطرسا عندما قالت :
" ماذا تنوي أن تفعله بي؟".
" قبل قليل حاولت أغتيالي لذلك فأنا لست مضطرا لأعاملك بلطف .
وتقلصت سفتاها وردت :
" لم تكن غلطتي أن أنا أخطأتك".
" هذا صحيح , وهذه حقيقة أنا مسرور بها كثيرا ,وهي تدل على أنك خطيرة بوصفك محاربة ولكن كأمرأة فقد تكونين أكثر خطورة".
وببطء مقصود ترك الطاولة وتقدم نحوها , وخطوة خطوة تراجعت هي الى الوراء الى أن أوقفها صوته :
" وراؤك يمتد المخيم فهل تريدين أن تقعي في أيدي رجالي عوضا عن الوقوع بين يدي؟".
وشمخت برأسها بعنفوان وتحد :
" أفضل الموت على الوقوع بين يديك".
وقفزت نحو طاولة صغيرة وأستلت خنجرا كان ملقى فوقها وهمت بتسديد طعنة الى قلبها ألا أن يده كانت أسرع فأنتزعه منها , ووقع الخنجر على الأرض وبلمح البصر وجدت نفسها وق رفعتها ذراعان قويتان كان من الصعب تجاهلهما , ,كانت كيري غارقة في العالم الذي أنغمست فيه , فليلي هي التي تتصارع بين يدي القائد الروماني وهو يحملها بين ذراعيه ويختفي وراء ستائر ثقيلة تؤدي الى جزء آخر من الخيمة , كانت غائبة عن كل شيء حتى أنها لم تر طوم ماريوت وبقية طاقم الفيلم يسارعون لتغيير أماكنهم ليتسنى لهم متابعة المشهد في الجزء الآخر من الخيمة. هناك , كانت أريكة كبيرة تكدست عليها الوسائد تحتل القسم الرئيسي من الخيمة , وبكل نعومة لا تخفى على أحد معانيها, وضعت كيري فوقها , وجلس بول الى جانبها ومال نحوها , ولبرهة رأت وجهه الداكن السمرة يكاد يلامس وجهها وعينيه السوداوين وقد شع منهما ذلك البريق الشيطاني , وأمسك بكتفيها ودفعها الى الوسائد وهو يحاول معانقتها.
كانت كيري مستميتة لأبعاده عنها ولكن قبضته كانت شديدة أبقتها مسمرة في مكانها , وشعرت بخطورة الموقف وهي تتخبط بين يديه وقد غمرتها نشوة عارمة تختلف عن كل الأحاسيس التي أختلجت في نفسها من قبل, وعندما رفع رأسه حدقت به , ولبرهة لم تدرك ما حدث ثم رويدا رويدا عادت الى الواقع وأكتسحت وجهها موجة عارمة من الغضب.
" من سمح لك بمعانقتي؟".
صرخت الآنسة دروين بحنق ورفعت يدها لتصفعه ولكنه أمسك بها وأثناها بعنف وكيري لا تزال تتخبط بثورة وغضب.
" ألم أقل لك بأن عليك أن تعلمي الكثير؟".
وهمت كيري أن ترد عليه عندما هرع ماريوت أليهما تتبعه فالما وقال وقد عيل صبره:
" والآن ما هي المشكلة؟".
وأغتنمت كيري الفرصة لتنزلق من بين ذراعي بول وقف على رجليها وهي تتمتم:
" ما كان عليه أن يعانقني بهذا الشكل".
" ولم لا ؟ كنت تعرفين أن هناك مشاهد عاطفية , في دورك".
وهزت كيري برأسها ورمقته بنظرة متجهمة.
كرر ماريوت:
" أذن ما هي المشكلة؟........".
ولكن فالما قاطعته:
" دعوني مع كيري لبرهة وجيزة , أخرجوا جميعكم , وأنت يا بول أيضا ".
وخرج الجميع على مضض فجلست فالما على الأريطة وطلبت من كيري أن تأتي بكرسي وتجلس قربها , ولم تتفوه أي منهما بكلمة ثم تململت كيري في جلستها , وأخيرا سألت فالما بصوت ناعم:
" لقد عانقك بول من قبل , أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها من جديد وأعترفت أنه عانقها من قبل , وتابعت فالما:
" ولكن ليس بهذه الطريقة ؟ ( ومرة أخرى هزت كيري رأسها بالموافقة وأكملت فالما ) دعيني أسألك هذا السؤال وأريد منك أن تجيبيني عليه بصدق وصراحة : هل أنت في الحقيقة تكرهين معانقة بول؟".
وفي لحظة كادت كيري أن تفتح فمها وتقول نعم بشدة ولكن فالما هزت رأسها وقالت مبتسمة:
" تذكري أنا أريد جوابا صادقا مئة بالمئة يا كيري , فكري في الموضوع قليلا ".
وعضت كيري على شفتيها وخفضت عينيها , ثم حركت شفتيها بشيء من العصبية وقالت بصوت خافت:
" كلا".
وأرتسمت على شفتي فالما أبتسامة عريضة وقالت:
" أذن , لماذا كل ذلك الأهتياج؟".
" كنت أشعر وكأنني في حالة بائسة".
" بائسة؟".
ونظرت كيري اليها بطرف عينيها وتمتمت:
" شعور بالضعف والأرتعاش".
وطوقت فالما كتفيها وأدارت رأسها نحوها ونظرت الى ذلك الوجه الفتي طويلا ثم تلاشت الأبتسامة من شفتيها وقالت بصرامة:
" كنت ستتصرفين بطريقة مختلفة لو أن أحدا لا تستلطفينه عانقط بذلك الشكل , فأنا مثلا كم مرة أضطررت أن أمثل أدوارا عاطفية مع ممثلين لا يحركون في نفسي أي شعور وكنت أدّعي بأنني مغرمة بهم , وهناك من كان ثير في نفسي الضجر واللامبالاة ولكن عندما ترتبطين بعقد فأنك تصبحين مسيّرة لا مخيّرة".
" لقد أنتظر بول الى أن وقّعت على العقد حتى عانقني بهذا الشكل ".
" أحقا فعل ذلك؟ أذن أنا أكن له كل تقدير وأعجاب ( ردت فالما بضحكة عالية وتابعت ) لربما أرادك أن تمثلي دور ميتاني وكان يسعى الى التأكد من أنك لن ترفضيه أو تشعري بالخوف من أدائه".
ونهضت فالما وقالت والأبتسامة العريضة تعلو وجهها :
" حسنا , عودي الآن الى التمرينات".
وصاحت بالآخرين , فدخل طوم ماريوت وقد علت وجهه تعابير مترددة من القلق والفضول وسأل:
" هل نجحت في تنقية أفكارها؟".
وهزت رأسها وضحكت قائلة:
" كل ما كنا بحاجة اليه هو بعض التوضيح , والآن ستكون على ما يرام , أليس كذلك يا كيري؟".
" أجل سأكون على ما يرام".
وبحركة تلقائية وجدت نفسها تتطلع الى بول , كان هو أيضا ينظر اليها نظرات فضولية بعض الشيء تماما كنظرات طوم ماريوت , ولكن بدون قلق , وعبست في وجهه فبرقت عيناه وأقترب منها وقال بهمس:
" عندي حدس بأنك ما زلت تفكرين بتسديد لكمة أليّ؟".
" حسنا ( قطعطوم حديثهما وقال لكيري ) أذا كنت مستعدة الآن فسنعيد المشهد من القطة الستارة".
ومرة جديدة أخذ كل واحد مهما مكانه السابق أمام الطاولة الصغيرة وتراجع الآخرون الى الوراء , ومرة ثانية رأت كيري وجه بول يتغير شيئا فشيئا الى أن تقمص شخصية ماريوس وشعرت بنظراته تخترق كيانها وتغمرها بأحساس غريب , ومرة أخرى رفع ماريوس ليلي عن الأرض وأخترق الستارة الى الجزء الآخر من الخيمة.
ولم تكن كيري قد دخلت كليا في شخصية ليلي , كانت تعرف أن بول كان يحملها برفق على الأريكة وكانت ما تزال تشعر بشيء من الخوف الذي بقي مترسبا في نفسها , ومثل المشهد السابق جلس الى جانبها ومال نحوها , ورأت وجهه الأسمر يقترب منها والأبتسامة الشيطانية ترتسم على شفتيه , وعندما عانقها شعرت بالأرتعاشة تدب في أوصالها , ولكنها هذه المرة لم تحاول الأفلات منه كانت تشعر أنها في عالم آخر من الخيال والأحلام تسبح في مياه عميقة دون أن ينتابها أي خوف من الغرق , وتلاشت مقاومتها وأستسلمت دون قتال , فكل أحاسيسها كانت منصبة على دورها في المشهد فيما كان بول يشدها اليه بذراعيه القويتين , وبكل بطء رفع رأسه :
" ما زلت تفضلين الموت أيتها المتوحشة الصغيرة؟".
وترامى اليها صوت ماريوت من بعيد يصرخ:
" رائع , أنتهى المشهد , أستراحة لمدة 15 دقيقة فقط".
منتدى ليلاس

وحوّلت كيري نظرها عن بول وهو يحررها من بين ذراعيه وجلست على الأريكة وأرخت يديها على حرجها وحاولت تهدئة أعصابها الثائرة من تأثير التجربة التي مرت بها قبل قليل , وكان طوم منهمكا في أعطاء التعليمات للمشهد المقبل ,حيث كانت ستجري معظم الأحداث الرئيسية بالأضافة الى مشاهد المعركة الكبيرة , وعندما ألتفت اليهما نقب نظرة غريبة بين كيري والممثل الأسمر الممشوق القامة وقال:
" لم نعد بحجة الى بروفات جديدة , سنصور المشهد غدا , وبعدها سننتقل الى الرقصة الغجرية".
وسأله بول:
" ما هو برنامجك لبعد ظهر هذا اليوم؟".
وتساءلت كيري كيف بأمكانه أن يغير لهجة صوته بهذه السرعة لتصبح ناعمة ومتساوية , كانت لا تزال تشعر بشيء من الخوف.
" سنصور مشاهد الجماهير وهناك لقطات للقصر يجب أن نعيد تصويرها , في أي حال أنا لست بحاجة أليكما وكيري على الأرجح بحاجة الى الراحة بعد هذا اليوم الشاق , لكن عودا غدا في الوقت نفسه".
ثم تحول عنهما وغرق مجددا في حديث مع أحد المصورين.
" سأعيدك الى البيت".
قال بول دفرون وبدون وعي لحقت كيري به الى السيارة وجلست الى جانبه , وأدار المحرك وأبتعد عن المخيم , كانت كيري منكمشة على نفسها تحاول حشر جسمها بالقرب من الباب قدر الأمكان لا لأنها خائفة منه بل لأن شعورا غريبا بالخجل طغى عليها من جديد , وجلست صامتة تحاول تحليل شعورها , كانت التجربة التي مرت بها قبل قليل داخل الخيمة لا تزال حيّة في أعماقها وتشعر بأنفاسها تنقطع لمجرد التفكير بتلك المشاهد , وتساءلت هل صحيح أنها هدرت كل سنواتها على أمور تافهة , لم تكن هي كيري السابقة.
وتوقفت في تفكيرها عند هذا الحد وكان بول قد أوقف هو الآخر السيارة , وألتفت نحوها:
" هل تريدين الذهاب فورا الى المنزل أو ترغبين في شيء آخر؟".
وترددت كيري وكانت على وشك أن تقول له بأنها تريد العودة فورا الى المنزل ولكنها سمعت نفسها تقول بدون وعي.
" أريد أن أذهب للسباحة في البحر".
" أرتيدين السباحة؟!".
" وما هو الغريب في الأمر؟".
ردت بشيء من التحدي وعلى الرغم من أنها أستغربت الفكرة في بادىء الأمر , غير أنها تمسكت بها وكانت على أستعداد للدفاع عنها.
" ألا تجدين غرابة في الأمر؟ تذهبين للسباحة وحدك؟".
كانت هناك نبرة في صوته جعلتها تضطرب فرمقته بنظرة ولكنها غير قادرة على قراءة معاني وجهه.
" ليس بالضرورة".
كان صوتها يعكس بعض الأضطراب وقد تساءلت عن سبب موقفه الغريب.
" أعتقدت أنك ضقت ذرعا بي وأنا الى جانبك طوال هذا اليوم".
كان صوته متساويا في نبرته وخاليا من أي تعبير ولكنها لمست فيه شيئا من الكآبة , وقد أزعجها ذلك الشعور دون أن تدري سببه , تماما كما حصل في المرة السابقة عندما شعرت أنه بحاجة اليها وكان عليها أن تلبي ذلك الحاجة , فقالت بأحتراس:
" ومن أوحى اليك بتلك الفكرة؟".
وفجأة مدت كيري يدها , ووضعتها تحت يده على المقود , كانت مفاجأة حتى لنفسها لأنها لم تعرف سبب ذلك التصرف , ولكن في أي حال كان حياؤها قد أختفى.
" لا أدري ما هو سبب تجهم وجهك ولكن أرجوك أن تنزع عنه هذه التكشيرة المخيفة يا بول ( قالت بنعومة متملقة ) أنا أعرف مكانا رائعا بأمكاننا السباحة فيه".
وأدار المحرك من جديد وقد عادت الى عينيه تلك الأبتسامة الشيطانية وشد على يدها وقال:
" أذن , تريدين السباحة , وأين ذلك المكان يا سيدتي ؟".
وعضت كيري على شفتيها وقالت بتردد:
" أولا علي أن أعود الى المنزل لأحضر المايوه , وأظن بأن عليك الذهاب أولا الى ريلستون ومن ثم الى المنزل فهو في طريقنا".
" من الأرجح أن لدى فالما مايوه في الفندق بأمكانك أستعارته منها ".
" ولكنني لا أستطيع أن أستعيره منها ( أعترضت كيري ) ولكن في أي حال لن تكون في الفندق في هذه الساعة".
" بأمكاننا الأتصال هاتفيا بها في المخيم , فهناك خط دائم للحالات الطارئة".وغرقت في صمت مذعن وهو يدير السيارة في أتجاه ريلستون على الرغم من أنها لم تكن تشعر بالأرتياح لمجرد التفكير بأنها سترتدي أحد مايوهات فالما المصممة على أحدث طراز , سيكون مختلفا جدا عن المايوه الأسود الخاص بفتيات المدارس الذي أعتادت أن ترتديه , خصوصا مع بول الذي عاد الى حالته الطبيعية وكان يضغط من وقت الى آخر على يدها.
ووقف أمام الفندق ودخلا اليه , ولم يجد بول صعوبة في الأتصال بفالما التي أعطت كيري بعض التعليمات عن المكان الذي ستجد فيه المايوه ثم تكلمت مع الموظف المسؤول عند مدخل المدخل وطلبت منه أن يعطي كيري مفتاحا أحتياطيا لغرفتها.
وصعدت كيري الى غرفة فالما وفتحتها وفغرت فاها وهي ترى الأثاث الفخم الذي فرشت به , وعندما فتحت الخزانة التي من المفروض أن تجد فيها المايوه , وقفت مشدوهة من جديد وهي ترى بعض فساتين فالما المعلقة في داخلها , ووجدت ثلاثة مايوهات مكدسة في الجزء الأعلى من الجوارير والى جانبها ملابس للحمام تتناسب معها معلقة على مشجب صغير.
وتطلعت كيري الى المايوهات بشيء من التردد والقلق , لقد كانت مصممة على أحدث طراز وأسوأها كان مايوه أبيض من قطعتين في غاية الأناقة ولكنه كان غير محتشم , وهناك مايوه أحمر أكثر حشمة ولكنها أدركت أنه لا يتلاءم مع شعرها الأحمر لذلك أبعدته عنها , وبقي الثالث وهو كناية عن مايوه أخضر اللون وكان الأقرب الى ذوقها والى المايوهات التي أعتادت أن ترتديها , ولكنها ما كادت تهم بالخروج من الغرفة حتى عادت فجأة الى الخزانة وأستبدلت المايوه الأخضر بالمايوه الأبيض ذي القطعتين , وقبل أن تغيّر رأيها ثانية أسرعت الى الخارج وأقفلت الباب وراءها , كان بول في أنتظارها فسلّمت المفتاح الى الموظف قبل أن تلحق برفيقها الى الخارج وأخذ بول المايوه الأبيض من يدها وقد رفع أحد حاجبيه ورماه على المقعد الخلفي من السيارة الى جانب حقائبه التي تحتوي على مايوهاته بالأضافة الى منشفتين .
" كيري , يا عزيزتي , أنك تدهشينني".
ولوت فمها بتكشيرة شيطنة :
" أنا التي أندهشت من نفسي ( ورمقها بنظرة حملت الى وجهها بعض الأحمرار ) ولكن أياك أن تفكر بأشياء بعيدة المنال".
وزمجر بول:
" لم يحن الوقت بعد , سأنتظر حتى أراك في المايوه".
وفتح لها باب السيارة فصعدت اليها وأنزلقت في المقعد , وجلس بول على مقعد القيادة وألتفت نحوها وأحنى رأسه ولكنه عاد الى جلسته عندما رأى نظرة الخوف ترتسم على وجهها فأبتسم قائلا:
" لا تقلقي فأنا لن أضايقك في الطريق العام ( وأدار المحرك وأضاف دون أن ينظر اليها ) والآن الى أين؟".
وأستقامت في مقعدها ودلته على الطريق التي عليه أن يسلكها داخلريلستون ثم أشارت اى طريق تؤدي الى ضاحية المستنقعات.
" والآن أتبع الطريق فالمكان ليس بعيدا وهو يؤدي مباشرة الى الشاطىء".
وقاد بول سيارته السريعة والقوية التي كانت تنهب الأرض وتقطع الأميال تحت سيطرته المحنكة , وأخيرا رفعت رأسها وأشارت الى كوع وعر.
" والآن , سنعبر هذا الدرب , فالطريق الأخرى تؤدي الى أحدى المدن الساحلية الكبيرة , ولكن قلة من الناس تذهب الى بريل بيتش".
وكانت الدرب الجديدة تكاد تكون بمثل وعورة السكة التي تؤدي الى المنزل وفي أكثر من مرة وجدت كيري نفسها تقذف بنف نحو بول , وكان بول يحاول بكل جهده أبقاء السيارة على الطريق مما جعل كيري تبتسم , وتمتمت بصوت خافت وكأنها تتحدث الى نفسها ولكنها كانت توجه كلامها الى بول:
" هذه فرصة تجعلني متعادلة معك وأنت لا تستطيع الأنتقام".
" ألا تعتقدين ذلك؟ بأمكاني أن أوقف السيارة في أية لحظة , وفي أي حال أعتقد بأننا لسنا بعيدين عن بريل بيتش".
وأخيرا أنتهت الدرب الى سكة رملية عبر أعشاب مبعثرة دون كثافة حيث أمتد أمامهم البحر وهو يتلألأ بزرقته تحت أشعة الشمس , وأشارت كيري الى اليسار.
" أذا كان بأمكانك عبور هذه الدرب فسنصل الى كوخ صغير نستخدمه عادة لخلع ملابسنا".
" عمن تتكلمين بالجمع؟".
ونظرت كيري اليه بدهشة وقالت:
" نعم نحن , ريك وكيل وأنا البا ما نأتي الى هنا ( وتوقفت قليلا ثم تابعت ) ولكننا لم نأت الى هنا منذ زمن بعيد".
" ولماذا؟".
" لقد عاد ريك الى المدرسة لأنهاء سنته الأخيرة وسافر كيل الى كورنوال".
" أنك تفتقدينه , أليس كذلك؟".
" من , كيل ؟ ( وعندما هز رأسه تابعت ) ولما لا ؟ فنحن صديقان منذ الطفولة".
" وهل ستتزوجينه في النهاية؟".
وصمتت لبرهة ونظرت اليه نظرة غابت عنها كل المعاني ثم قهقهت ضاحكة:
" أتزوج من كيل؟ بالطبع لا , أنني لن أتزوج من أحد ,وفي أي حال فأن كيل بعيد كل البعد عن مثل هذه الأفكار السخيفة , لقد عرفني منذ نعومة أظفاري".
" ولماذا لا تنوين الزواج؟".
وكمن أخذت على حين غرّة , خرجت الحقيقة من فمها من غير تفكير :
" لأنني لا أستسيغ فكرة الحياة الزوجية".
ورفع بول أحد حاجبيه وقال:
" هل لا تزالين جبانة وتقلقين لأمور لم تحدث بعد؟".
وردت بغضب :
" بالطبع لا , هذا أمر صممت رأيي عليه ولا عودة عنه".
" وكيف تعرفين ؟ لقد قررت أشياء ثم وجدت أنها ليست بالبشاعة التي كنت تتصورينها".
وأرتعشت ذقنها قليلا:
" لربما كنت قادرا على تغيير رأيي في أمور أخرى ولكنك لن تفلح في تغيير رأيي في موضوع الزواج".
" أنتظري حتى يطلب أحد يدك ".
وأبتسم بول أبتسامة ساخرة وأقف السيارة أمام الكوخ الصغير .
وأنفجرت غاضبة:
" لم أكن أفكر بك , وفي أي حال لا أتصور نفسي وأنا متزوجة منك".
وألتفت اليها وقد عاد الوميض يتلألأ في عينيه :
" ألا تقبلين بي زوجا يا عزيزتي كيري؟ حتى ولو وضعت قلبي وثروتي عند قدميك ( ثم مال نحوها وأخذ يديها وكان صوته رقيقا بخطورة والضحكة الساخرة لا تزال تطفو على وجهه وعينيه ) أقبلي بي زوجا يا كيري , وسأعرفك على الحب".
ونظرت اليه نظرة مفعمة بالشك وسحبت يديها:
" تأدب , بأمكاني أن ألقنك درسا أذا ما أخذت كلامك على محمل الجد, ثم أقمت دعوى بحقك بتهمة النكث بالوعد عندما ستحاول التملص منه".
" وكيف تعلمين بأني سأنكث بوعدي ؟ قد تجدين نفسك وقد دخلت القفص الذهبي".
وفتحت الباب وقالت وهي تسرع في الخروج:
" من الأمور التي سمعتها عنك يا صديقي أنك تحب التغيير".
وخرج بول وحدّق بها وكانت السيارة تقف بينهما :
" أعتقد أن الزواج منك هو بحد ذاته تغيير كاف".
ولبرهة واهية تخيلت أنه كان جادا في قوله ولكن أدراكها تغلب بسرعة على ذلك الشعور العابر فردت بطريقة لبقة:
" أذهب وأستحم في الماء وشتدرك كم أنت محظوظ لحصولك على هذه الوسيلة الفضلى للتهرب".
منتدى ليلاس

وفتحت الباب الخلفي للسيارة وتناولت المايوه ثم أسرعت الى الكوخ , وكان بول يراقبها وهو يبتسم , وعندما بدأت تخلع ثيابها تمنت كيري لو أنها أختارت المايوه الأخضر , فالمايوه الأبيض لم يكن محتشما بالقدر الذي كانت تريده الآنسة دروين , ليس لأنه يبرز مفاتنها بشكل مثير , فهو كان كزي الباليرينا الأبيض يبرز أكثر مما تعودت عليه ومع ذلك فهو يظل في حدود الأداب , ومن حسن حظها لم تكن في الكوخ مرآة وألا لكانت وجدت بعض الأعذار لكي لا تستحم.
وطوت ثيابها بعناية , وشدتها الى صدرها وكأنها تريد أن تحمي نفسها وغادرت الكوخ ووقفت الى جانب السيارة , وتحت أنظار بول الكسولة والجبيرة في آن وضعت رزمة ثيابها على المقعد الخلفي للسيارة بحركات بطيئة ومتعمدة وقالت:
" أن الكوخ خال الآن".
وخرج بول من السيارة وأتجه الى مؤخرتها وتناول حقيبته ,وفيما كان يفتح الباب ألتقت عيناه بعينيها وقال والأبتسامة تعلو شفتيه وهو يراها لا تزال منهمكة في ترتيب ثيابها:
" لن تتمكني من أخفاء نفسك الى الأبد أيتها الجبانة الصغيرة".
وتوجه الى الكوخ وولجه , أنتظرت حتى غاب عن أنظارها فأسرعت الى البحر , وشعرت بالسعادة وهي تغطس في المياه , فالمايوه كان خفيفا وأكثر راحة من مايوهها العادي المصنوع من الصوف والذي كان يتقلص كلما تبلل.
وأستلقت على ظهرها وعامت لبرهة من الزمن , لقد أختفى حياؤها في سعادة حالمة تحت أشعة الشمس الدافئة التي كانت تداعب وجهها , وكانت المياه ناعمة كالوسادة تماما كالأريكة في الخيمة هذا الصباح , ولكن ما أن ومضت تلك المشاهد في مخيلتها حتى تلاشى الهدوء الذي خيم عليها فأنقلبت وبدأت تسبح بسرعة كأنما تريد الهرب من أفكارها , وهذا أمر كان مستحيلا فهي تعرف أنها مهما سبحت بعيدا فأن تلك المشاهد ستبقى محفور في مخيلتها , خصوصا وأنها لن تكون المشاهد الأولى ولا الأخيرة , كان الفيلم في بدايته ولقطات هذا الصباح كانت المقدمة.
ولكن في الحقيقة هل كانت مستاءة لذلك الحد؟ كان الأمر ممتعا كما أقرت لفالما , كانت تشعر بالخشية ولكنها في الوقت نفسه أرتاحت لتلك الأحاسيس لأول مرة في حياتها , ومن الغرابة أيضا أن مقاومتها كانت تتلاشى في تلك الأوقات وتتركها ضعيفة واهنة , وفجأة ظهر رأس بول الداكن الى جانبها , وأمسكها بيديه وشدها الى الأسفل ,ولكنها تحررت من قبضته وعادت الى سطح الماء , ولبرهة هزت رأسها بأرتباك ولكن ما أن برز رأس بول حتى دفعته بدورها الى الأسفل , كانت تعرف أنه سينقم منها , وهذا ما حصل , فبلمح البصر شعرت بيديه تجذبانها الى الأعماق مرة ثانية.
وخرجا معا الى سطح الماء وهما يرفعان الشعر الذي أنسدل على عيونهما ولم تمهله فرصة أخرى فدارت على نفسها وسبحت مسرعة الى الشاطىء , ولكنها ما كادت تصل المياه الضحلة حتى كان قد لحق به ورفعها بين ذراعيه وجاءت موجة عارمة فدفعتهما معا الى رمال الشاطىء.
وجلست كيري وهي تغمغم وتضحك في آن , وكان بول يستجمع أنفاسه فأتكأ على مرفقه بينما مد يده الأخرى اليها وأمسكها لئلا تهرب ثانية , ولكن ما كاد يفعل ذلك حتى جاءت موجة أخرى فجرتهما وأغتنمت كيري الفرصة فأنزلقت من يده وهربت منه.
" هذا قد يعلّمك ألا تكون مشاكسا في البحر".
وأدارت ظهرها بغير أكتراث وأخذت تسير على الشاطىء , وقفز بول على رجليه وبلمح البصر رأت نفسها مرفوعة بين ذراعيه وعاجزة كليا عن مقاومته.
" بول! ( صرخت وهي تضربه على كتفه المبتلة ) أنزلني الى الأرض ".
" بكل تأكيد....".
رد بسرعة ولكن عوضا عن أن يضعها على قدميها وضعها على الرمل الدافىء ووقف يراقبها , ورأت كيري األألتواءة الشيطانية على فمه والضحكة المتلألئة في عينيه , فشعرت بالتوتر ولكنها كانت غير قادرة على الهرب على ااشاطىء المهجور.
" بول أياك وتجرؤ.....".
قالت وهي تحذره ولكنها شعرت بغلطتها على الفور , فقد أستلقى هو الآخر الى جانبها دون أكتراث لمعارضتها , وقال بصوت ناعم وهو يقترب منها:
" يجب أن تعرفي أنني لا أتحمل التحدي".
ولبرهة من الزمن بقيا متمددين جنبا الى جنب وقد غمرتهما سعادة متناهية , وكان حديثهما متقطعا , وأخيرا شعرت بالأسترخاء فغفت وهي مستلقية على كتفه لقد كانت تعبة أثر ليلة لم يغمض لها جفن وهي تفكر بدور ميتاني , كان الوقت متأخرا بعد الظهر عندما فتحت كيري عينيها وهي منزعجة من أن شيئا أقلق راحتها.
سألت وهي تفتح عينين ناعستين :
" هل غفوت طويلا؟".
" أجل , وكعمل ثأري فلربما جاء دوري لأغفو على كتفك".
وجلست كيري ورفعت شعرها الى الوراء وهي تنظر الى البحر بمزاج وكأنها تتساءل عن سبب أحساساتها , وشعرت ببعض القلق , وكأنه قرأ أفكارها فأشار بيده الى جزيرة صغيرة وسألها محاولا تحويل أنتباهها:
" ما أسم تلك الجزيرة؟".
وححدقت بالأتجاه الذي كان يشير اليه بول:
" أنها جزيرة توركبل وهي مهجورة لا تسكنها سوى طيور النورس , أنه مكان صغير ولكنه جميل , فيه كهوف كنت أذهب مع ريك وكيل لنلعب هناك عندما كنا صغارا".
" وماذا أنت الآن؟".
وأحست بتغيّر مزاجه فأبتعدت عنه قليلا ثم وقفت على قدميها بقفزة رشيقة ولبقة :
" لربما سنتمكن من زيارة الجزيرة في يوم آخر , أعتقد أنه حان الوقت لنعود الى المنزل , ألا تعتقد ذلك؟".
وأرتديا ثيابهما بعجلة وقاد بول السيارة بصمت مطبق , وعندما بلغا المنزل ودّعها بأقتضاب , وتساءلت كيري بكآبة عما أذا كان هذا اليوم الذهبي سيعود مرة أخرى , ثم عادت وقالت في نفسها أنه لربما كان من الأفضل لها أن تتجنب مثل هذه النزهات في المستقبل , ولكنها في قرارة نفسها كانت تعرف تماما أن بول هو الذي سيقرر علاقاتهما المستقبلية.

نيو فراولة 05-06-11 11:00 AM

7- خطوبة وسط العاصفة



المرة التالية التي ألتقت فيها باربي كان يوم عاد كلفن تريفريل الى رياستون ,وكعادتها كانت في سرعة من أمرها فأمتطت حصانها وذهبت الى المدينة حيث تركت الحصان في أصطبلات تريفريل , وكانت مالي قد زودتها بلائحة طويلة من المشتريات وفجأة رأت باربي وكانت على وشك أن تنهي مشترياتها , توقفت لتلحق بها صديقتها:
" مرحبا باربي".
كانت باربي تلهث وقد بدت أكثر سمنة ولكن أصغر سنا.
" مرحبا... الى أين أنت ذاهبة؟".
وأطلعتها كيري على لائحة مشترياتها والمحل الأخير الذي ستذهب اليه:
" لم يتبق لي سوى بعض المهمات ومن ثم سأعود الى المنزل , ريك عائد بعد بضعة أيام ومالي عارقة في التحضيرات حتى أذنيها".
وأستمرت باربي في التحديق بصديقتها بأهتمام كبير , فعندما لا تكون تحلم ببول دفرون في عالم من الخيال فأن ريك كان معبودها الثاني.
" من المؤسف أن كيل ليس هنا الآن لكنّا ذهبنا في أحدى نزهاتنا في البرية".
ونظرت باربي اليها بشيء من الأستغراب كما لو أن التغيير الذي طرأ على صديقتها أصبح أكثر بروزا حتى بالنسبة اليها.
" كيل يعود اليوم , ألم تعرفي ذلك؟".
" اليوم؟ ( قالتها وقد أرتسمت الدهشة على وجها ) كلا لم أعرف بذلك , لم يذكر لي أحد هذا الأمر".
" أرى بأنك لم تعودي مهتمة بأخبار ريلستون , ويبدو أنهم يرهقونك بالعمل في المستنقعات".
وعاد الشعور من جديد بالثغرة العميقة التي تفصل بينهما , وقالت بسرعة:
" سنرتب موعد النزهة فيما بعد".
وأشرق وجه باربي بالسعادة.
" هذا رائع , لقد خيّل لي لبرهة أنك لا ترغبين في القيام بأية نزهة من جديد".
ونظرت كيري بعبوس وشعرت بالأرتباك.
" يا لها من فكرة سخيفة ( وأضافت وهي تراجع لائحة مالي) سأنهي ما تبقى لي من المشتريات ثم أستعلم عن موعد وصول كيل ( ونظرت الى باربي ) ألا تودين المجيء معي أم تفضلين أن أتصل بك في البيت عندما أنتهي من مهماتي وأعود الى الأصطبلات؟".
وفكرت باربي قليلا وقالت :
" أفضل أن أذهب الى البيت".
وأسرعت كيري في طريقها لتنجز مشترياتها , لقد بدأت تشعر ولأسباب لا تعرفها أن أرتباكها كان يتزايد , كان بول يحتل جزءا كبيرا من أفكارها .
كان بول قد سألها مرة ماذا كانت تنوي أن تفعل في حياتها وهو سؤال كانت مالي قد وجهته اليها أيضا , ومالي أخبرتها أيضا أن الغلبة ستكون للحب في نهاية المطاف , فهل كان هذا ما يحدث لها؟ هل كان الحب هو الذي يسخر منها الآن كما سخرت هي منه من قبل؟
وأبعدت عنها هذه الأفكار بسرعة , كانت الفكرة بحد ذاتها مستحيلة , وأذا كان هذا الموضوع محظرا عليها فما الذي ستفعله أذن في حياتها ؟ هل ستكون عابرة سبيل وتمر مرور الكرام في هذه الدنيا؟
وفي اللحظة التي بدت لها الأصطبلات مرّت سيارة تاكسي قربها وظهر من أحد شبابيكها رأس كلفن تريفريل , وتوقفت السيارة على خطوات منها ونزل منها , فأسرعت نحوه ونادته وقد نسيت كل همومها:
" كلفن".
كانت عيناها تلمعان فأبتسم وقال:
" يبدو لي أنك مسرورة لرؤيتي".
" بالطبع أنا مسرورة لرؤيتك ".
وأشار الى باب السيارة المفتوح:
" أدخلي لا بأس أن أنهيت مشوارك بهذه الطريقة".
ودخلت السيارة فجلس الى جانبها وأدار السائق المحرك وتابع طريقه من جديد ونظرت كيري الى كلفن بطرف عينها لسبب كانت لا تجهله ثم حوّلت نظرها عنه بسرعة.
" لقد أفتقدتك غولدن راي".
وأبتسم كلفن :
" غولدن راي فقط؟".
كان في صوته نبرة من الأغاظة المداعبة ولكن كان هناك شيئا آخر لم تدرك كنهه.
" بالطبع كلنا أفتقدناك".
" شكرا".
قالها بنبرة جافة وتطلّعت اليه من جديد , لم تكن هي الوحيدة التي تغيّرت , فكما حدث في صباح ذلك اليوم الذي تلا ليلة الكرنفال , عندما ظهرت دلائل التغيير ,فأن تلك الدلائل كانت ظاهرة الآن ولكن بشكل أبرز , تقاطيع وجهه أصبحت أكثر خشونة حتى أنها لاحظت بعض الضراوة فيها , كانت عيناه عينا رجل ناضج , وهناك شيء آخر يجول في خاطر كلفن تريفريل.
" كنت آتية لأستعلم عن موعد عودتك ( قالت كيري وهي تحاول أعادة علاقتهما الى سابق عهدها) ريك عائد هو أيضا , وقد فكرت بأننا قد نتمكن من الذهاب معا في نزهة الى البرية كما تعودنا أن نفعل".
" كما تعودنا أن نفعل..... أجل لقد تغير الماضي , أليس كذلك يا كيري؟".
وتجنبت النظر اليه:
" لا أعرف ماذا تعني؟".
منتدى ليلاس

" أجل أنت تعرفين جيدا ( وأبتسم وتابع بصوت خافت لا يسمعه غيرهما ) قلت لك مرة أن تكوني صريحة معي ولا تخافي من شيء يا كيري, ولا تتهربي مني أيضا".
" لا تكن سخيفا , أنني لا أتهرب منك ( أنكرت كيري وهي تهز كتفيها علامة اللامبالاة ) وكيف أتهرّب منك وأنا جالسة في تاكسي , في أي حال كيف تبدو كورنوال ؟".

وأبتسم مجدد وتغاضى عن محاولتها تغيير الموضوع:
" صارمة ولكنها قريبة جدا الى القلب , ولكنني سعيد بعودتي".
" وماذا فعلت هناك؟ ( كانت تتحدث بسرعة وتسعى ألى أبقاء المحادثة غير شخصية)".
" تعلمت المزيد عن الخيل وأدارة الأصطبلات".
كان يرد عليها بود ولكنها تشعر بأنه يترقبها , وعندما وصلا الى الأصطبلات دفع أجرة التاكسي ونظر اليها وقال:
" هلا أنتظرت قليلا ريثما أبدل ثيابي , فأنا أود مرافقتك بعض الطريق".
وضحكت ضحكة مصطنعة :
" ولكنني لن أضل طريقي".
" لم أقصد أنك ستضلين الطريق , في أي حال سأرافقك قليلا فلدي شيء أريد أن أحدثك عنه".
" حسنا\".
وذهبت الى الأصطبلات وأنتظرت هناك وهي تمسد جلد سموكي الناعم وتحاول عدم التفكير , (أوه يا سموكي ) تمتمت في عرفه الحريري ( لماذا على الحياة أن تتعقد بهذا الشكل )؟".
( لماذا لا تعود الأمور الى ما كانت عليه من قبل؟ أنا لا أريد أن أتغير ولا أريد أصدقائي أن يتغيروا , لماذا لا تبقى الأمور على حالها؟).
" أنها لا تستطيع يا كيري , كل شيء يتبدل مع السنين , وأحيانا يكون التغيير سريعا ( أجفلت كيري لدى سماعها صوت كلفن وعندما أرادت أن تتكلم هز رأسه وأوقفها وتابع ) في بعض الأحيان تتم العملية بسرعة كبيرة, خلال أشهر قليلة ولربما أسابيع أو حتى أيام , ومن يدري فالتغيير يحدث أحيانا في ومضة عين".
" كيل".
ورفعت يدها بأحتجاج وكأنها كانت تريد أن توقفه عن قول ما كانت تتوقع بغريزتها أنه سيتفوه به ولكنه هز رأسه من جديد:
" لا يا كيري ليس بأمكانك منعي من قوله , وأنا لا أشعر بالخجل مما حدث , أنني أحبك ".
والشيء الغريب أن كيري شعرت بأنها تسيطر سيطرة كاملة على الموقف , مع أن المفاجأة أسكتتها , ونظرت اليه , كانت تعرف أن كيري دروين القديمة كانت لا بد تثور بسخط وغضب وشعرت بخجل نحو كيري دروين القديمة , وكل ما شعرت به كيري في تلك اللحظة كانت شفقة وكآبة متزايدة.
" أنا متأسفة يا كيل ( قالت بهدوء ) لا فائدة منه , وأنت تعرف ذلك ".
وأرتسمت على شفتيه طيف أبتسامة .
" أنا أعرف , ولكن هذا لم يمنع حدوثه ( كانت عيناه تبحثان في وجهها عن شيء يطمئن اليه ولكن آخر بصيص للأمل خبا في نفسه عندما قرأ المعاني التي أرتسمت على محياها ) نت تبدلت أيضا , أليس كذلك يا كيري؟".
ومررت بأصابعها في عرف سموكي وردت دون أن تنظر اليه:
" ماذا تعني ؟".
" لن أحاول أن أترجم ما قلته الى كلمات , فأنا واثق من أنك فهمت ما عنيته ( وأمسك بكتفيها وأجبرها على االنظر اليه ولكنها رفضت رفع عينيها ) هل هو دفرون يا كيري؟ هل بثّك غرامه؟ ( ولما تململت رافضة أن تلقينظرة شد قبضته) لقد بثّك غرامه أليس كذلك؟".
عندها رفعت كيري عينيها لبرهة وجيزة ثم خفضتهما.
" أجل ( أعترفت كيري ) لم أتمكن من ألأفلات منه , لقد عرضوا عليّ دورا في الفيلم وأنت تعرف أننا بحاجة الى المال وهكذا قبلت".
وأرتجف صوتها قليلا عندما تفوهت بالكلمات الأخيرة ومع أنها كانت واقعية ألا أنها أثارت الغيرة في نفسه وعمقت الشك في عينيه.
" ولكن ليس فقط في الأستديو؟".
وتحررت من قبضته وأتخذت وضعا دفاعيا وهي تتكىء على سموكي :
" لاأوه , دعني وشأني يا كيل".
وبرقت عيناه وأمتدت يداه وأمسكتا بكتفيها بقسوة:
" لا , لن أتركك وشأنك , ما الذي فعله بك يا كيري؟".
" لم يفعل شيئا ( وحاولت من جديد أن تفلت من قبضته ولكنها هذه المرة كانت أشد وأقسى ) كل ما في الأمر أننا نمثل معا في الفيلم , ولمجرد أنني حاولت التغلب على شعوري الرافض للمشاهد العاطفية فهذا لا يعني أنني مغرمة به".
" ألا يعني ذلك؟ ( رد بخشونة ) أيتها الغبية الصغيرة أنت غارقة في حبه ( ثم عادت النعومة الى صوته وعاد التوسل الى نظراته فأبعدها عنه قليلا ونظر في عينيها) لا تقعي في حبه يا كيري , أنه لا يصلح لك , كل ما تشعرين به هو مجرد سحر عرضي , وهذا ما تشعر ألوف النساء نحوه".
وبرقت عيناها بوميض من الغضب:
" أكرر للمرة الثانية أنا لست مغرمة به".
" أرجوك حاولي أن تفهمي ( قالها بألحاح ) أنا أعترف بأنني أشعر بالغيرة ولكنني لا أريد أن يلحق بك أي أذى , هذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لأتصرف بهذه الطريقة".
وخفضت عينيها من جديد , فقد تلاشى بعض سخطها , وأخذت تنبش الأرض بطرف حذائها ومع أن الغضب قد خبا فأن الأرتباك عاد من جديد.
وتذكرت أنها جاءت الى أصطبلات تريفريل لأعادة أواصر الصداقة الغير معقدة من حياتها القديمة وعوضا عن ذلك وجدت مزيدا من التغيير , فها هو كلفن تريفريل يعود اليها وكأنه أنسان غريب كليا , وهي أيضا تغيرت , لقد كان على حق , لا يمكن وقف عجلة التغيير , أنه سيأتي لا محال وستعقبه تغيرات أخرى على مر السنين ,وكل محاولة للعيش في الماضي الذي لم يعد له وجود لا بد أن تجلب معها الحيرة والفوضى.
وهزّها كلفن بنعومة :
" عودي الى الواقع يا كيري".
ورفع قبضته عنها وأبتسم:
" أعدك بأن أسيطر على نفسي وأتصرف بلباقة".
وحدقت به للمحة ثم عادت الى تفكيرها وهي تشد على شفتيها :
" ما الأمر؟".
كان شيء يراود مخيلتها.
" عانقني يا كيل".
وحدّق بها وهو يكاد لا يصدق ما يسمعه خصوصا أنه صادر عنها , وأجتذبها اليه بلطف وفكرت كيري في تلك اللحظة أن كيل أتهمها بأنها واقعة في غرام بول , والآن فأنه سيتأكد من أنه كان على خطأ , وأكثر من ذلك فأن اللحظة المقبلة ستبرهن لها هي بأنه كان على خطأ .
كانت معانقته لطيفة وخجولة وتركتها بدون أي ردة فعل , وشعرت بشيء من الأرتباك وحاولت أن تشعر بما شعرت به وهي مع بول , وعانقها كيل بحرارة وكأنه لمس لامبالاتها العاطفية نحوه ولكن دون جدوى .
تحوّل الأرتباك في أعماق كيري الى خوف شديد , كان الفرق شاسعا بين عواطف كيل وعواطف بول , فملامسات كيل ناعمة لطيفة وهذا كل شيء , أما بول فهو وحده أستطاع أن يجعلها تشعر بأنها كاملة الأنوثة , وتحررت من ذراعي كيل وأسندت رأسها على سموكي والدموع تتساقط من عينيها , ومد كيل يده وكأنه يريد أن يلمسها ثم أعادها وقال:
" كيري , أرجوك يا كيري لا تبكي , لم أكن أرغب في أخافتك".
وأستدارت نحوه وقد شحب وجهها تماما كما شحب عندما كانت مع بول:
" أخافتي؟ ( ولبرهة لم تفهم معنى الكلمة ثم ضحكت بمرارة وأضافت بنبرة لامبالية ) لم تخفني يا كيل , كان الفرق شاسعا بين أحساساتي معك وأحساساتي مع بول ولكن هو أيضا لم يخفني , با على العكس أستسغت وجوده".
وتيبّس كيل في مكانه ثم جذبها بلطف نحوه:
" لا فائدة من أنكار الحقيقة يا عزيزتي ( كان صوته في غاية النعومة وحزينا وهو يداعب خصلات شعرها , لقد تلاشت من أعماقه حسرة خسارته وهو يرى الكآبة ترتسم في عينيها ) علي أن أعترف بأن لبول تأثيرا عليك وسعادتك معه لا تضاهى سواء أكان شعورك هو حب أو مجرد أفتتان وأنني أتمنى من أعماق قلبي أن لا يكون الأمر أفتنانا, وستتغلبين عليه في النهاية ".
منتدى ليلاس

" لا ( كانت صرخة عارمة من اليأس ) لا , أنه لا يؤثر عليّ ( وأخذت كيري تضرب صدر كيل بقبضتين مشعورتين ) , لا يا كيل , أنه لا يؤثر عليّ, أريد أن أبقى حرة , لا أريد أن أقع في الحب".
" لا يمكنك مقاومة الحب ( كان صوته حزينا ) أنه شيء يحدث دون أنذار , وأنا لا أستطيع أن أقول لك ما أذا كان شعورك نحوه حبا أم أفتنانا , وأذا كان مجرد أفتتنان فأنه سيتلاشى".
ورفعت كيري عينيها المبللتين نحوه:
" ماذا يمكنني أن أفعل؟".
" أن تفعلي؟ ( هز رأسه وتابع) لا شيء يمكنك أن تفعليه , وفيما يتعلق بدفرون ( وتوقف كيل قليلا وقد غطت سحابة من الكآبة عينيه ) لقد ألتقيته مرة فقط , ليلة الكرنفال ولكنني لست مصابا بعمى الغيرة وعلي أن أن أعترف أنه شخص محبب الى القلب , لا أعتقد أنه يسعى الى جعلك لعبة بين يديه , وبما أنني مغرم بك يا كيري فأنني أعتقد أن كل شخص يكن لك الشعور نفسه فأنه سيرغب في الزواج منك في النهاية , كلا يا كيري , فعلى الرغم من أنني أضع سعادتك فوق كل أمنية لي في الحياة فأنني غير قادر على أعطائك أية نصيحة بهذا الخصوص".
وأبتعدت عنه ومسحت دموعها بمنديلها.
" حسنا ( قالت وهي تحاول أن تستعيد رباطة جأشها ) علي أن أنتظر أذا حتى تتّضح الأمور أمامي ( وأضافت بصوت ناعم وهي تضع يدها على ذراعه ) أنا متأسفة يا كيل".
وأبتسم وهز رأسه:
" أنها ليست غلطتك , سأتابع حيتي متمنيا أن يكون شعورك نحوه مجرد أفتتان حتى لا أفقد الأمل في أستعادتك ( ثم غيّر الموضوع فجأة ) من الأفضل أن أوصلك الى البيت قبل أن ترسل مالي فرقة من المطاردين للعثور عليك".
وأندمجت كيري في مزاجه الجديد فطردت على الفور الأفكار السوداء التي تقلق بالها وقامت تساعده في نقل أكياس الحاجيات التي أوصتها عليها مالي ووضعتها على سرج سموكي , ثم أنتظرته حتى أنتهى من تسريج غولدن راي وخرجا معا من الأصطبل وأمتطيا حصانيهما وتوجها الى المنزل.
وبقيا صامتين لبعض الوقت , وعلى الرغم من أن كيري كانت قد أبعدت أفكارها السوداء قبل قليل ألا أنها شعرت أنها تعود اليها بألحاح .
وتساءلت هل كان كلفن مصيبا؟ هل هي مغرمة ببول؟".
وخلال اليومين التاليين لم تشاهد كيري بول أثناء تصوير الفيلم ألا لماما , كانوا يصورون المشاهد وهي ترقي التعويذات في جزيرتها في المستنقعات عندما جاءت الليدي فرنسيس وتوسلت اليها أن تتخلى عن حبيبها الغجري.
كان جو المشاهد خلابا ومرعبا في آن وأندمجت كيري في دورها , والمرة الوحيدة التي شاهدت فيها بول كان في مزاج عصبي للغاية وخامرها شك غريب في أنه كان يتجنبها , والأغرب من ذلك أن ذلك الشك حز في نفسها , لربما كانت في الحقيقة واقعة في غرامه.

وفي أحد الأيام وفيما كانت تستعد للعودة الى المنزل بعد أن أنجزت تمثيل دورها أبكر ما تصورت , أذ ببول يمسك ذراعها :
" تعالي معي أيتها السيدة الصغيرة , لقد وعدتني بأن تأخذيني الى جزيرة توركيل في يوم ما , وهذا هو اليوم".
بدأت كيري تقول وقد عقدت المفاجأة لسانها:
" لا للاآت ( قال بحزم ) لقد أنتهيت من عملك أليس كذلك؟".
" لا , فقط... ( ثم عدلت عن رأيها وقالت ) حسنا لنذهب".
وبكل أستسلام دخلتالسيارة وأخذت تدله على الطريق المؤدية الى الجزيرة , كان كلاهما صامتين وشعرت كيري أن شيئا يشغل باله.
كان البحر مائجا قليلا ولكن بول كان بارعا في أستعمال المجذافين , وكانت كيري تعرف مدى القوة الكامنة في جسمه الرشيق , الصمت لا يزال يخيّم عليهما وكان صمتا غريبا ينطوي على مزيج من السعادة لوجودهما جنبا الى جنب ومن شيء من التوتر الباطني.
وعندما بلغا الجزيرة أشارت الى تجويفة صغيرة تصلح لرسو القوارب نحتتها الطبيعة بين الصخور فجر بول القارب اليها وربطه عند أحداها ثم قفز منه وساعدها على أجتياز الصخور الزلقة , وبعدها ألتقط كيس الطعام الي كان ملق في قعر القارب.
أقترحت كيري بسرعة بصوت لاهث :
" بأمكاننا مشاهدة الجزيرة من أعلى".
" حسنا , سنصعد الى القمة ".
وافق بول وتحوّل فجأة وتحت أنظار كيري المندهشة الى بول دفرون القديم بول الضاحك والساخر.
وبلغا قمة الهضبة وجالا بأنظارهما حولهما , كانت الجزيرة تبدو من مكانهما صغيرة جدا وأمواج البحر تتكسر بصخب على الصخور أشد مما كانت عليه عندما وصلا قبل دقائق , كانت كيري تعرف كيف تهب العواصف في هذه المنطقة دون أنذار وعلى حين غرّة.
سأل بول وهو يلاحظ عبوسها:
" ما الخطب؟".
" أعتقد أن عاصفة على وشك الهبوب , لربما كان من الأفضل ألا نأتي اليوم".
وتطلّع الى السماء , كانت صافية , وهزت كيري رأسها وأشارت الى البحر.
" أنه مائج , وعما قليل ستزحف الغيوم وتغطي السماء , وأحيانا تشتد العاطفة , لذلك علينا مغادرة الجزيرة دون أبطاء وسنعود اليها في وقت آخر لأستكشافها".
وفي هذه اللحظة بالذات سمع هدير عميق في البعيد فهز بول رأسه:
" سنعود الى القارب على الفور".
وبدأت الغيوم تغطي السماء وفيما كانا يهبطان التلة أخذت قطرات المطر تتساقط عليهما , وتوقفت كيري وهزت برأسها , كان هيجان البحر قد بلغ ذروته الآن.
" لا أعتقد أن لنا أي حظ في العودة , فالقارب لن يصمد في خضم العاصفة , في أي حال توجد في الجزيرة كهوف عديدة بأمكاننا أن نلجأ اليها وقلّما تدوم العواصف في هذه الأمكنة على الرغم من عنفها أثناء هبوبها.
وما كادا يصلان الكهوف وكانت كيري ترشد بول على الطريق حتى بدأ المطر يهطل مدرارا ويعمي الأبصار , فأندفعا الى داخلها ووقف بول مدهوشا بما يراه.
" أعتقد أنها كانت للمهربين ( شرحت كيري) وهناك ثلاثة كهوف متّصلة ببعضها , كيل وأنا...".
وتصلّب وجه بول فجأة وأستدار نحوها:
" كيل؟ ( سألها بصوت ناعم وعلى نحو خطير) أنت مغرمة به أليس كذلك يا كيري؟".
وتطلعت كيري اليه وقد فاجأها سؤاله وردت بتأكيد ظهر واضحا على وجهها:
" أجل أنا أحبه".
" ولماذا؟".
سألها بول بخشونة ومرة ثانية ظهرت الدهشة عليها , وتساءلت عما كان يرمي اليه.
" نحن أصدقاء منذ الصغر....بول......( كانت نبرتها عندما لفظت أسمه تنطوي على الألم , فقد أمسك بذراعها بكل قواه , وعندما رفعت نظرها اليه كان وجهه شاحبا ولكن عينيه كانتا تبرقان , وبلعت ريقها وشدت على شفتيها ) ماذا أصابك يا بول؟".
" ماذا أصابني؟".
أنفجر بعنف وحمل صوته الهائج قشعريرة مخيفة الى أوصالها , ثم جذبها اليه وغاب كل شيء من حولها:
" هل تحبينه يا كيري ؟ ( كان صوته جافا ولكنه مفعما بالعاطفة المتّقدة وبدون أن يعطيها أية فرصة للرد تابع قائلا ) أنك لن تجرؤي على ذلك يا كيري , أنك فتاتي أنا وستتزوجين مني وليس من كلفن تريفريل أو من أي رجل آخر".
وأدارت كيري رأسها وهي على وشك الأغماء وأخذت نفسا طويلا وعميقا وأخيرا تمتمت بصوت خافت:
" كلا".
وأشتدت قبضته عليها بقساوة وأندلع اللهيب من عينيه وهو يحدق بها:
" كلا؟ لا بل أجل يا كيري سواء أكان ذلك بمحض أرادتك أو غصبا عنك فأنت ستتزوجينني , أن ما بيننا من شعور وحب لا يمكن أن يدمر , لا لسبب سوى لأنك جبانة".
" ولكن كلفن.....".حاولت كيري أن تشرح الأمر ولكنها عجزت عن أيجاد الكلمات لتقول له أن ليس في نيتها الزواج من كلفن, فقاطعها بعصبية:
" ليذهب كلفن الى الجحيم , أنك لي وستتزوجينني".
وشدّها اليه بضراوة وكأنه كان يحاول أن يظهر لها كم هما بحاجة لبعضهما , كانت كيري تشعر بأنفاسها تنقطع وبدفء عارم يجتاح كيانها , وبرقة كبيرة وضع رأسها على كتفه وظل بلا حراك كأنه ينعم بسعادة تلك اللحظة. " بول , بول".
ولم يجبها بل ظل يشدّها برفق ويمرر أصابعه في خصلات شعرها ويزيحها عن وجهها وهي غارقة في عالمها.
منتدى ليلاس

وبقيا في وضعهما مدة طويلة دون أن يتفوها بكلمة واحدة وأخيرا قال بول:
" ستتزوجين مني أليس كذلك يا كيري؟".
" أجل ( كان صوتها خافتا وقد زاد الخجل من همسه ) ولكنك لم تقل لي بعد أنك تحبني".
وسمعته يضحك بهدوء:
" أيتها الغبية الصغيرة لقد وقعت في حبك ليلة الكرنفال وكم وددت في تلك الساعة أن أضمك الى صدري".
وتطلعت اليه بدهشة:
" أصحيح أن حبك يعود الى تلك السهرة؟".
وهز برأسه:
" أجل أنه يعود الى تلك الليلة البعيدة لقد أسرني حبك منذ اللحظة التي أنتشلت فيها تلك القبعة من بين يدي".
وأرتسمت على وجهها تلك التكشيرة المألوفة:
" لقد نلنا ريك وأنا توبيخا شديد اللهجة بسبب تلك الحركة البهلوانية ".
وكما ظهرت التكشيرة هكذا غابت فجأة عن وجهها وبدا عليها الأرتباك وهي تشد أحد أزرارا معطفه وتلويه.
" أعتقد أنني سأنال توبيخا الآن".
" ألا تستطيعين أنتزاعه؟".
ورفع رأسها اليه فرأت طيف عبوس يرتسم على وجهه.
" من الأفضل أن تنتزعيه لأنك لن تفلتي مني بعد الآن أيتها السيدة الصغيرة".
وسقط الزر في يد كيري فنظرت اليه بأرتباك , ولكن بول أخذه منها ووضعه في جيبه.
" جزاؤك على هذا العمل سيكون بأعادته الى مكانه , ولكنني سأحتفظ به وستخيطينه لي بعد زواجنا".
وأطلقت ضحكة عالية ومرغت رأسها على كتفه كهرة صغيرة.
" أعتقد بأن الفكرة بدأت تروق لي ( أعترفت كيري وتابعت ) أعني فكرة الزواج".
وشد ذراعيه حول خصرها ورد:
" سأعمل كل شيء بمقدوري لأجعل الفكرة تروق لك يا عزيزتي كيري".
ولم يدركا أن المطر كان قد توقف ألا بعد مضي وقت طويل , كان الطقس ما زال غائما فوقفا عند مدخل الكهف ونظرا حولهما , وعبس بول وهو ينقل نظره من السماء الملبدة الى البحر الهائج.
" أتساءل أذا كان علينا أن نخاطر الآن ونحاول العودة ".
قال بشيء من القلق.
" أعتقد أنه بأمكاننا العودة ( وكان صوتها يشوبه بعض الحذر ) قد تكون العاصفة على نهايتها أو على وشك أن تصبح أسوأ من قبل , وأذا ساءت فأنها تدوم عادة ليلة أو يومين".
" من الأفضل أن أهبط التلة وأتحقق من أن القارب لا يزال في مكانه".
وتبعته بنظرها وهو يشق طريقه الى أسفل الهضبة حيث كان القارب مربوطا ثم رفعت عينيها الى السماء من جديد ونقلتهما الى البحر , لم تكن قلقة من فكرة قضاء ساعة أو ساعتين أخريين محجوزة في الجزيرة والمشكلة الوحيدة هو أن مالي ووالدها سيقلقان كثيرا أذا هي تأخرت في العودة ولكن لم يكن في يدها أية حيلة.
ومضى الوقت ولم يعد بول وكان المطر قد توقف عن الهطول وأشرقت الشمس من جديد , وألقت كيري نظرة مريبة الى السماء الصافية كالبسمة وغادرت الكهف وهبطت التلة بحثا عنه.
ووصلت الى الخليج الصغير وتطلعت حولها بسرعة تحاول أن تعثر عليه.
"بول , القارب".
وظهر بول آتيا من بين الصخور وهو يمسح يديه في منديله وكان وجهه عابسا , وأسرعت اليه وسألته بلهفة:
" ماذا حدث؟".
" لقد تحطّم القارب على الصخور ( رد بأيجاز وأضاف ) من الأرجح أن الأمواج جرفته خلال العاصفة , كان علي أن أشد رباطه وأحكمه أكثر على الصخرة".
وهزت رأسها وقالت:
" أنت لا تعرف التيارات هنا , كان علي أن أحذّرك منها خصوصا أثناء العواصف ( ونظرت الى المكان الذي كان القارب مربوطا فيه وتطلعت الى بول) ماذا سنفعل الآن؟".
وتقلّصت حدقتاه وهو يقيس المسافة التي تفصلهما عن الشاطىء .
" أعتقد أن بأمكاني السباحة الى الشاطىء".
وأحست كيري على الفور بتيار بارد يمر في أوصالها , وأذا كانت قد تغافلت عن الأمر من قبل ألا أنها أدركت الآن وبكل جوارحها أنها تحب بول , كان هناك أمل ضئيل للغاية لبلوغ الشاطىء حتى بالنسبة الى سباح ماهر , فالتيارات حول الجزيرة كانت غدّارة كما أن العاصفة ستعود بكل تأكيد , كان بأمكانهما العودة بالقارب في الوقت المناسب لو لم يتحكم والعودة سباحة كانت مغامرة جنونية , فأي شخص تحتجزه العاصفة وفي بحر هائج كهذا لن يتمكن من الوصول الى الشاطىء, ولكنها كانت على يقين من أن بول لن يتراجع عن فكرته ألا أذا لجأت الى المخادعة والحيلة.
" أن تسبح الى الشاطىء ؟ ( ردت كيري كالصدى ) لا يا بول أرجوك لا تتركني وحدي هنا , أنني أرتعد خوفا من العواصف".
وتطلّع اليها بدهشة وأستغراب , فبلعت ريقها وتعلقت بذراعه وهي تشكر في أعماقها دروس ماريوت في التمثيل , وكان عليها أن تمثل دورها جيدا لأقناع ممثل بحنكة وخبرة بول ولكن على الأقل لن يخامره أي شك في أنها تقوم بتمثيلية أمامه.
وشدّ أصابعه على يدها ورد قائلا:
" لا وجوب للخوف يا كيري ستكونين بخير أذا أنت بقيت داخل الكهف ( وربّت على يدها وشدّها ليدخل الأطمئنان الى نفسها وأضاف ضاحكا ) أنها ليست جزيرة تابعة لفيلمنا حيث تقذف قمم جبالها حمم البراكين ثم تنفجر في النهاية الى غير رجعة".
وردت كيري بأبتسامة متعمدة وقالت بشيء من الخجل:
" أعرف بأنها سخافة مني ولكنني أصاب بأهتياج عصبي بالغ لذلك أرجوك يا بول أن تبقى معي".
وكأنما الطبيعة كانت تتآمر معها فدوّت في تلك اللحظة في البعيد قرقعة محذّرة فأغتنمت كيري الفرصة وأرتمت بين ذراعيه وخبّأت رأسها في صدره.
" حسنا ( قالها بأبتسامة مطمئنة ) سأبقى معك ولكنني آمل بأن يفكر الرجل العجوز الذي أستأجرنا منه القارب بأن يرسل الينا النجدة".
والآن وقد ربحت كيري الجولة الأولى مع بول فأنها كانت على أتم الأستعداد للموافقة على كل ما يقوله:
" لا تخشى شيئا أنه سيرسل لنا النجدة , أن الأمر خارج عن أرادتي فأنا لا أتحمل فكرة البقاء وحدي على هذه الجزيرة وسط العاصفة وأنا متأكدة أنها ستنفجر من جديد.
وعاودا تسلق الهضبة الى الكهف على مهل أذ أن العاصفة كانت لا تزال تزمجر في البعيد على الرغم من أن الغيوم كانت قد عادت وغطّت السماء , والأمواج كانت تتكسر بعنف على الصخور , وكان بول من وقت لآخر يتطلع اليها بنظرات مرتابة ما لبثت أن أصبحت مفعمة بالشك الظاهر .
" عندي حدس بأنك تمثلين دورا يا عزيزتي ( قال بول في النهاية وهو يرمقها بطرف عينه , وكان الرعد يمزق حنايا السماء مهددا بالأقتراب , وأخذ كتفيها بين يديه القويتين وأدارها نحوه وأجبرها على النظر في عينيه ) أعتقد أعتقادا راسخا بأنك أبعد الناس عن الخوف من العاصفة".
وبرقت السماء ورعدت وغرقت في ظلمة حالكة وبدأت الريح تصفر بشدة وأصبح من غير الممكن لبول أن يغيّر رأيه ويحاول الوصول الى الشاطىء مهما كان الأمر .
وأبتسمت كيري بخبث وأقرّت :
" في الحقيقة أنا لا أخاف العاصفة على الأطلاق بل على العكس أنا أحبها كثيرا".
" أنت أيتها العفريتة الصغيرة( قالها بلهجة ناعمة ) ولكن ما الذي دفعك الى تمثيل ذلك الدور؟".
" لم أكن أريدك أن تذهب ( وعضّت قليلا على شفتها ) أنا أعرف هذه المياه جيدا , لم يكن بوسعك أن تقطع ربع المسافة وكما ترى فأن العاصفة عائدة أعنف من قبل وستدركنا بعد دقائق معدودة ".
ونظر بول اليها بأمعان وشعرت كيري بأن حمرة دافئة تسرّبت الى وجنتيها فخفضت عينيها , وأبتسم بول وقال وقد برقت عيناه بوميض متلألىء.
" علي أن أعترف بأن أهتمامك بي قد أشبع غروري , فأنت لم تعترفي مرة واحدة بأنك تهتمين بأمري على الرغم من أنك وافقت على الزواج مني ( وأنخفض صوته قليلا وأضاف وهو يمسك بكتفيها ) أنك تهتمين بأمري أليس كذلك يا كيري؟ فأنا لم ألجأ الى الأكراه كي توافقي على الزواج".
ولشد ما كانت تشعر بالخجل أخفت كيري رأسها من جديد في صدر بول وتمتمت شيئا غي مفهوم.
" كيري هذا سؤال يجب أن تجيبي عليه , أعرف بأنني أستعجلت الأمور بعد ظهر هذا اليوم كنت أشعر بالغيرة أتجاه كلفن , أنك تحبينني أليس كذلك؟".
وردت كيري بهمس خافت لا يكاد يسمع ومع ذلك فقد أحس بول بالسعادة تغمره.
وبقيا في جوار الكهف الى أن بدأ المطر بالهطول وفتحت السماء مزاريبها , فوقفا على باب الكهف يراقبان الطبيعة حولهما , وأشتد الرعد وأمتدت أصداؤه فوق رأسيهما وأضاء البرق مدخل الكهف ثم أختفى , كانت الريح تصفر بغضب فوق الجزيرة وتضرب الأمواج وتشق عبابها وأخذ المطر ينصب شلالات غزيرة.
وظلت العاصفة قوية بعض الوقت ولكنها ما لبثت أن خفّت وبان عليها الوهن , وبقيا في داخل الكهف , وكان بول يتجادل مع كيري وهو يحاول وضع سترته على كتفيها ليقيها من البرد وأخيرا ربح المعركة , وبعد قليل ترامى اليهما صوت ينادي في عرض البحر , فعلما أن فريق الأنقاذ قد وصل لأعادتهما الى الشاطىء.


الساعة الآن 07:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية