منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t162198.html)

نيو فراولة 31-05-11 02:16 PM

165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة


الملخص


من يملك تغيير الفصول ومجرى الأنهار ...وأتجاه الرياح؟ كيرى كانت ربيعا دائما...تعيش كوردة برية في بلدة رستلون . الجميع يعرفها صبية ترعرعت طليقة كالنسيم , جميلة كغصن صنوبر . لذلك فوجئ أهالي البلدة بتحول كيرى الى شوكة تحترق بعد مجيء فريق لتصوير فيلم على أرض المستنقعات .
منتدى ليلاس
لم يعد يراها أحد...أو يكلمها أو يقترب منها, خاصة ان نجم الفيلم بول دفرون كان في رأيها أنسانا متعجرفا مغرورا وعدوانيا ...ولم تكن لديها النية لأضافة أسمها على لائحته .ماذا جرى؟ كيرى أصبحت خريفا مجنونا حزينا ووحيدا بعد أن ألتقته . حتى صديق طفولتها كلفن لم يكن قادرا على الصمود امام عاصفتها ...أما بول فله رأي آخر في كيري وصديقها , ويوم العاصفة وضع النقاط على الحروف.

نيو فراولة 31-05-11 02:21 PM

الآتية من بعيد



نظرت كيري الى صديقتها بطرف عينها بشيء من الأزدراء ولم تكن نظرتها تنطوي على المودة في أي حال , وكانت باربي تجلس قربها مأخوذة كالعادة حتى الذهول وقد غمرت وجهها غلالة حالمة وكأنها تعيش في الجنة , ولم تتمالك كيري من أبداء بعض الأستخفاف ولو في أعماق نفسها.
وأشاحت كيري عينيها عن وجه باربي الذي بدت عليه تعابير غريبة كانت تصفها كيري بأنها ملامح الغباوة البلهاء وأستأنفت مشاهدة الفيلم الذي يعرض على الشاشة الكبيرة , كان الممثل , نجم الفيلم , أسمر البشرة , تنبعث منه جاذبية تطفح بالحيوية والرجولة , يعتمر قلنسوة مصرية من العهد القديم ويرتدي قميصا من الكتان الأبيض المزركش بخيوط ذهبية يبرز جمال تقاطيع وجهه الملوكي , وعلى الرغم من أنه كان متكئا على أحد الأعمدة فلم يكن بخفى على المشاهد أنه طويل القامة ممشوقها , وكانت عيناه السوداوان تنظران بأنحراف قليل فبدت نظراته مشعة ببهجة فيها الكثير من التحدي والأغراء.
وأنتزع الممثل نفسه من العمود وأقترب من مقدمة الشاشة وهو يثب بخفة الفهد ,وبدت نظرته عميقة مخيفة مما جعل كيري تشعر بالعطف على الممثلة التي كانت تقف أمامه , ولكنها لم تجد أي سبب على الأطلاق في أن تتخلى الممثلة البلهاء عن نظرة الأزدراء التي كانت تخصه بها وتتحول الى أستسلام تام في اللحظة التي أخذها بين يديه.
وتلاشت اللقطة الأخيرة للعاشقين على الشاشة الكبيرة وهما يختفيان يدا بيد في غشاوة ضبابية في البعيد وأسدل الستار , وعلى الفور أنتصبت كيريعلى قدميها وهي تتنهد بأرتياح مسموع , ولكنها لم تكترث ولم تحاول أخفاء شعورها حتى بعد أن غمرت الأضواء الصالة ونهرت صديقتها باربي منتزعة أياها من عالمها الحالم.
" هيا قفي على رجليك أيتها الحالمة , لقد أنتهى كل شيء والحمد لله".
ونهضت باربرة أترسلي من مقعدها وهي تنظر الى صديقتها بعينين طارفتين وقالت:
" أنك لا تفهمين هذه الأمور".
" هذه هي الحقيقة". قالت كيري وأضافت:
" أتمنى أن أبقى على حالي وألا أكون في الوضع الذي أنت عليه الآن".
ولبرهة ساد الصمت بين الفتاتين , وكان صمتهما وديا على الرغم من تعليقات كيري الجارحة , وشقتا طريقهما وسط الجمهور الغفير وخرجتا من قاعة السينما الى وضح النهار , وكانت كيري تشعر دائما بصدمة خفيفة لا منطقية كلما خرجت الى النور من عتمة قاعات السينما كأنما ساعات الليل هي الأنسب لمشاهدة الأفلام , وقد ساعدت أشعة الشمس في أعادة الفتاتين الى واقع الحياة بعد أن كانتا تعيشان في أجواء الفيلم الخيالية.
وفكرت كيري في نفسها أن شعورها المفاجىء لدى خروجها الى النور لم يكن وليد أجواء الفيلم الحالمة , فالأحلام التي كان يثيرها الممثل بول دفرون في سياق فيلمه لم تكن من النوع الذي يؤثر على مشاعرها , فلا يوجد مكان لمثل تلك السخافات في حياتها هي في الثامنة عشرة من عمرها.
ونظرت بطرف عينيها الى باربي ولاحظت أنها غرقت من جديد في غيبوبة حالمة فأعتراها شعور من السخط أرتسمت معالمه على وجهها , وقالت في نفسها : لا ليس من جديد , وصرخت في صديقتها:
" باربي , أستحلفك بحب مايك أن تعتقي نفسك من هذه الأحلام , كيف بأستطاعتك أن تصلي الى هذا الحد من الغباء وتحلمي برجل بعيد كل البعد حتى عني أنت".
وخرجت باربي من نشوتها بسرعة مذهلة وقالت مدافعة عن بطلها:
" أنه ليس مجرد رجل أنه بول دفرون".
" بكل تأكيد". قالتها بسخرية أرتسمت على شفتيها وتابعت:
" بول دفرون , بطل الشاشة الفضية , العاشق الولهان رمز الحب للملاليين الحالمة و.....".
" كيري!". وتصلبت في وقفتها كانت تستعد للقتال وبدا للحظة أنها ستدافع عن بطلها حتى الموت , ولكنها في آخر لحظة تراجعت بأرتباك لم تشفع فيها سنواتها الستة عشرة وقالت بصوت غشاه القنوط والتعاسة :
" أعتقد أنك على صواب , أنني مغفلة , واحدة من الملاييين".
منتدى ليلاس

وطمأنتها كيري قائلة:
" سترين أنك ستتغلبين على هذا الشعور , في أي حال لا أدري لماذا تهرولين في كل مرة لمشاهدة هذه الأفلام التافهة وأنت تعرفين تمام المعرفة أنني جئت الى المدينة لأساعدك في أنجاز فستانك".
وتطلعت باربي بعينيها البنيتين بشيء من اللوم وقالت:
" كان عليّ أن أشاهد الفيلم حالما يعرض في المدينة ... أنه الشعور الذي يتركه في نفسي , أنه نوع من ......".
" أجل أنا أعرف ذلك".
قاطعتها كيري بسرعة في محاولة لوضع حد لموضوع بدأت تشعر بالكراهية نحوه , لقد كانت تسابيح باربي المتيمة بأستمرار تحول تسامحها نحو صديقتها الى كراهية معلنة لهذا النوع من الموضيع , تنهدت باربي وقالت متجاهلة أشمئزاز كيري وقد عادت اليها نظرتها الحالمة:
" أنني أكاد لا أصدق أنه سيأتي الى هنا ألى ريلستون". وتنهدت من جديد وقالت وهي تشير بيدها:
" يبدو أن هناك غاية ما وراء ذلك".
" أجل هناك مشروع لتصوير فيلم جديد له".
وتجاهلت باربي رد كيري غير المعقد وقالت:
" كان بأمكانهم أختيار مدينة أكبر مثل أكسيتر أو توركيه ولكنهم فضلوا المجيء الى ريلستون , يجب أن يعني ذلك شيئا".
وهزت كيري كتفيها بغير أكتراث وقالت:
" من الواضح أن ريلستون تناسبهم أكثر من أي مكان آخر كمقر لهم , أنها أقرب مدينة من المستنقعات , وبما أن المستنقعات هي التي يركزون تصويرهم عليها فمن الطبيعي ألا يبتعدون عن مسرح الأحداث". ونظرت الى ساعتها وتابعت:
" هيا لنذهب , لقد أنتهت فترة الأحلام لهذا اليوم , وبأمكانك أن تحدّقي بعينيه السوداوين الكبيرتين في الحفلة التي ستقام هذه الليلة , أما الآن فعلي أن أعود الى المنزل على الفور لأتناول فنجان الشاي وألا فأن مالي ستنفجر في وجهي".
وأسرعت كيري في خطاها وأجبرت باربي على اللحاق بها , وعلى الرغم من التباين الكبير بين الفتاتين ألا أنهما كانتا صورتين مألوفتين في ريلستون , لذلك فأن األأبتسامات التي كانت تلاحقهما من معارفهما وهما في طريق العودة لم تكن أبتسامات دهشة بل من النوع الذي ينطوي على الترحيب والأنسجام , ولا عجب في ذلك فكلتاهما كانتا معروفتين في المدينة فباربي كانت أبنة الطبيب المحلي وكيري فرد من عائلة دروين التي تقطن المنزل القديم الكبير الرابض قرب المستنقعات على بعد أميال من المدينة.
وهرولت باربي في خطواتها للحاق بصديقتها وهي لم تكن أقصر بكثير منها ولكنها كانت أكثر سمنة , في الواقع كانت كيري معتدلة القامة ولكن رشاقتها لصبيانية وساقيها الطويلتين غالبا ما يضيفان عليها بعض الطول , وكانت عينا باربي زرقاوين هادئتين بينما كانت عين كيري خضراوين مائلتين الى الزرقة هائجتين كالبحر في قلب العاصفة , وكانتا تشعان أحيانا بمرح تشوبه مسحة من المكر وأحيانا تختلجان يعنف خاطف, أما شعر باربي فكان بنيا عاديا مائلا الى الدكنة بينما كان شعر كيري متهدلا على كتفيها بتمرد وبخصل متحابكة الشديدة الحمرة , كانت خصلاتها تتساقط كشلالات غير منتظمة وكأنها هالات معقوصة تتحدى كل من يقع نظره عليها تماما كلون شعرها.
كانت ريلستون كناي ن بلدة صغيرة لذلك ما لبثت كيري أن وصلت الى نهاية الطريق العمومية وأنعطفت الى الطريق المؤدية الى المستنقعات وما هي ألا دقائق معدودة حتى كانت أمام الأبواب الحديدية الضخمة التي كانت تؤدي الى أسطبلات ريلستون أكبر مركز للتسلية في البلدة.
ودفعت كيري الباب الكبير الذي أقيم بين جدران رمادية وصعدت في الطريق المفروشة بالحصى , كانت تريفريل هول مبنية من حجارة رمادية تتناسب كليا مع البيئة التي احيط بها , وبعد أن قفزت نحو ست درجات وصلت كيري الى الباب الأمامي حيث وقف رجل طويل القامة مستقيمها ذو شعر بني بدأ يخطه الشيب يتحدث الى رجل قصير ونحيل.
وألقت كيري نظرة سريعة وفضولية على الرجل النحيل , كان غريبا بالنسبة اليها ورأت سيارة أميركية كبيرة متوقفة في الممشى المخصص للعربات مع سيارات أخرى كانت تخص بعض سكان ريلستون , وما تبقى منها فلربما كانت لرواد البلدة في أيام الأعياد , ونقلت نظرها من السيارة الأميركية الضخمة الى الرجل الغريب الذي يتحدث بلكنة خاصة عرفتها كيري على الفور.
وألتفت الكولونيل تريفريل اليها وأبتسم وقال بصوت مرتفع:
" كلفن موجود في الأصطبلات".
" شكرا كولونيل".
ردت كيري وهي تلوح بيدها قبل أن تختفي في أحد منعطفات المنزل دون أن تدرك أن عيني الرجل الأميركي كانتا تراقبانها بأهتمام كبير .
ودخلت كيري الأصطبلات الحديثة الشاسعة وتمهلت قليلا أمام أحد المرابط بألفة ظاهرة , كان كلفن تريفريل منهمكا في تنظيف جلد فرس ذهبي اللون أسترعى أنتاه كيري على الفور , كان الشبه كبيرا بين كلفن ووالده ولم يكن مجرد الشعر البني الغامق والعينين الزرقاوين اللامعتين وهما من خصائص عائلة تريفريل التي يتوارثها الأبناء أبا عن جد.
وتطلع كلفن الى ما وراء كتفه وعندما رأى كيري أرتسمت على وجهه أبتسامة عريضة ولوح لها بيده.
" لقد أنتهيت لتوي من وضع السرج على سموكي , كنت أتوقع مجيئك في هذا الوقت".
" شكرا يا كيل".
قالتها كيري بصوت مأخوذ وهي تمعن النظر بالفرس بكثير من الأهتمام , وتابعت قائلة:
" أبلغني جودي أن لديك فرسا جديدة".
وهز كيل رأسه وهو يمرر يده على الكسوة الذهبية البراقة.
" أنها جميلة أليس كذلك؟ سأدخل في سباق معك في أحد الأيام".
وبرقت عينا كيري وردت على الفور:
" أنا موافقة ".
وتابعت بلهجة واثقة:
" لنجعل السباق غدا صباحا ".
" حسنا , غدا الساعة العاشرة في درولين هيل , ولا تنسي أن تحضري معك ريك وبعد السباق سنذهب لتناول الطعام في نزهة في الهواء الطلق".
" وماذا بشأن باربي , أنها تختلج بأحلام بول دفرون وقد يكون من الأفضل أنتزاعها من تلك الأحلام".
" أنني أتشوق لرؤية دفرون هذا , لقد تسربت عنه بعض الأشاعات المثيرة".
" تعني أشاعات شنيعة".
قالت كيري بأزدراء وتابعت:
" ما يحيرني هو كيف أن النساء يجعلن من أنفسهن موضع سخرية".
" كونك أمرأة بأمكانك بالطبع أن تتحدثي عن خبرة واسعة ومتنوعة ".
ورفعت كيري رأسها بتحد ظاهر وقالت:
" عمر الأنسان قصير جدا , أما تلميحك الى ذلك النوع من الخبرة فأنني أتركه لك".
وبرقت عينا كلفن الزرقاوين بوميض من الرغبة في المضايقة الودية وقال وكأنه يستفزها:
" أنتظري حتى تقعي في الحب يا صغيرتي".
ولم تترك كيري له مجال الأنتظار فردت على الفور وقد تطايرت من عينيها الخضراوين شرارات نارية:
" بحق السماء أذا ما ظهرت عليّ دلائل الحب فأنني أمنحك كامل الصلاحية لكي تلقيني في أبرد ماء حيثما تجدها".
ولم يتمالك كلفن نفسه من أن يرد عليها وهو لا يجهل رأيها في أمور كهذه:
" من يدري فقد تقعين في حب دفرون عندما ترينه أمامك".
وأدركت كيري في الوقت المناسب أن كلفن كان يحاول مضايقتها لذلك فأنها لم تثر في وجهه وأكتفت بالقول:
" أنني أستبعد حدوث هذا الأمر , في أي حال فأن ميرل كونورز وشلتها سيلاحقنه كظله".
ثم تطلعت الى ساعة يدها وفجأة تذكرت أنها في عجلة من أمرها وقالت:
" عليّ أن أذهب الآن يجب أن أضع اللمسات الأخيرة على ثوبي".
وأستدارت متجهة الى مرابط آخر حيث كان حصان رمادي أغبر بلون الدخان ينتظرها والسرج على صهوته , ولما أقتربت منه أخذ يصهل وينكزها برفق مرحبا بها , فمررت كيري أصابعها في عرفه وبدأت تكلمه بصوت رقيق خفيض , ولم ينتشلها من نشوتها ألا صوت كلفن وهو يسألها:
" هل ستقضين أنت وريك الليلة هنا؟".
وهزت كيري رأسها بالأيجاب:
" أجل سيقودنا جودي الى ريلستون في عربته ثم نعود ويأخذنا في الصباح , غدا الساعة الثامنة سيلتقي ممثلو فرقة الوزاق الثلاثة وفقا للأتفاق الذي تم بيننا".
ونظر كلفن الى الفتاة الهيفاء الرشيقة التي أمتطت صهوة الحصان الرمادي بثقة تامة وبكل أسترخاء , وقال:
" أنك تبدين كفارس قوزاق".
وضحكت كيري وقالت:
" من رأى في حياته فارسا قوزاقيا بشعر أحمر؟".
" أنهم سيرونه الليلة ".
قالها بأبتسامة دافئة أرتسمت على شفتيه, وضحكت كيري مرة ثانية وأنحنت الى الأمام وتمتمت شيئا في أذن حصانها ثم لكزته برفق بكعبي حذائها وقالت مودعة .
" الى اللقاء هذه الليلة".
لم تكن هناك أي طريق أخرى للباحات تؤدي الى منزل دروين القديم المتعرش , وكان يعرف رسميا بممتلكات غيبلز وهي عائلة كانت تملكه من قبل , ولكن الآن فأن جميع السكان يعرفون أنه ملك عائلة دروين ويطلقون عليه أسم ( المنزل) ,وكانت هناك طرق وعرة تؤدي الى الأتجاه العام لمنزل ولكنها مجرد درب لا تصلح للنقل , وكانت عائلة دروين تملك سيارة متداعية من طراز قديم تسير على هواها فتسرع متى أرادت وتتوقف دون أنذار وقد أطلق عليها الأهلون أسم ( المفرقعة ) نظرا للأصوات التي كانت تصدر عنها وهذا ما دفع الشبان في العائلة الى أختيار الأحصنة كوسيلة للتنقل على الرغم من أن عددها قد تضاءل كثيرا في السنوات الأخيرة , وهكذا فأن سموكي حصان كيري , وبرنس حصان شقيقها ريك , هما الوحيدان اللذان بقيا في الأصطبلات التي كانت تعج في الماضي بأمثالهما , أما باقي أفراد العائلة , ريتشارد دروين الأب والسية مالور مدبرة المنزل العجوز الأيرلندية الأصل , وجودي فأنهم فضلوا أستعمال المفرقعة على الرغم من عدم الأعتماد عليها , وكان لجودي أسم آخر ولكن الجميع نسي ذلك الأسم حتى جودي نفسه لو سمع أحدا يناديه بذلك الأسم لما رد عليه , وكان عمله في المنزل غير محدد على الأطلاق , فمهماته على ما يبدو كانت تشمل كل شيء أبتداء من نزع الأعشاب الضارة في الحديقة وأنتهاء بمساعدة مالي في الغسيل أو القيام بوظيفة سائق عندما يوافق فرد من العائلة على المجازفة بحياته بركوب المفرقعة.
وكان ريك في الوقت الحاضر في أجازة من الكلية حيث كان يدرس فن العمارة أما كيري فقد بدأت في التفكير بمستقبلها ولكن تلك الأفكار كانت لا تزال مبهمة وفي حيّز التحضير , وبالنسبة الى ريتشارد دروين فقد كان فيما مضى عازفا على البيانو لكن حادثا وقع له أعطب أحدى يديه فأنعكف عن العزف وتحول بطيبة خاطر وبشجاعة أدهشت باقي أفراد الأسرة الى كتابة القصص البوليسية التي كانت غالبا ما تنشر , ولم يكن الدخل من تلك القصص كافيا لسد نفقات العائلة لو لم يكن هناك مدخول خاص آخر ولو ضئيلا.
وهناك مرغريت دروين , الأم , فقد توفيت عندما وضعت التوأم ولم يبق لها من فكر في المنزل سوى الصورة التذكارية المعلقة في مكتب زوجها وصورة أخرى معلقة في غرفتها الخاصة , وكان مستقبلها كراقصة باليه يبشر بالنجاح عندما ألتقت ريتشارد دروين ولكنها تخلت عن كل شيء دون تردد وفضلت الزواج منه , وعندما توفيت أسودت الدنيا في عيني ريتشارد دروين ولكنهما لبث أن كرّس نفسه كليت للعمل المنتج , فأستجمع كل أمكاناته وخصصها لتربية ولديه ولم يرض أن يتزوج مرة ثانية وبقيت ذكرى مارغريت مخيمة على المنزل كأنها فرد رابع في الأسرة قابعة في سكون ومضيفة على المنزل القديم شعورا بالدفء , وعلى الرغم من أن العائلة لم تكن في بحبوحة من العيش ولكنهم كانوا سعداء. وأنطلقت كيري بحصانها في أتجاه المنزل وهي تفكر بالثوب الذي أعدته خصيصا لسهرة تلك الليلة , لقد جاءت شركة أميركية للأفلام السينمائية لتزيد من أزدحام البلدة وأستأجرت كل حيز خال وغرفة ظلت شاغرة في الفنادق وبيوت الضيافة , حتى أن بعض أفراد الشركة دعي لقضاء فترة تصوير الفيلم في بيوت خاصة , وفي الواقع أن وجود نجم الفيلم بول دفرون في البلدة أبهج قلوب جميع الفتيات بأستثناء قلب واحد بالطبع , بينما حرك وجود النجمة السينمائية فالما كنت الشقراء الجذابة عواطف الرجال والشبان على حد سواء , وقد أستطاع منظم حفلة الكرنفال أن يقنع النجمين بحضور الحفلة لتقديم الجوائز لأجمل الأزياء وأكثرها غرابة , كما قامت ميرل كونورز أبنة أحدأبرز الشخصيات الأجتماعية في البلدة بترتيب يانصيب يتضمن جوائز قيمة لن يعلن عنها , وقد طلب من الجميع الأحتفاظ ببطاقات دخولهم المرقمة دون الأفصاح عن طبيعة الجائزة التي سيحصل عليهها حامل الرقم المحظوظ , ولم تتعب كيري نفسها في أختيار لباس السهرة , وأتفقت مع شقيقها ريك أن يذهبا بلباس القوزاق , في أي حال أن أحوال العائلة المالية لم تكن لتسمح لهما بشراء أزياء باهظة الثمن لذلك أختارا لباسين من زي القوزاق الذين كان بالأمكان أستعارتهما من الفرقة التمثلية التابعة للبلدة , وشعرت كيري أن الظلام بدأ يخيم على الطبيعة التي تحيط بها بعد أن غرقت الشمس في وهج من الألوان وراء التلال الأرجوانية المنخفضة , أنها فارسة ماهرة ولكنها الآن وفي غلالة المساء بدت وكأنها أنصهرت مع حصانها تسابق الريح كحورية خرجت من الأديم , وكان الممثلون والعاملون في الفيلم السينمائي منهمكين في تلك الساعة في جمع أغراضهم الخاصة للعودة الى ريلستون بأستثناء الرجل القصير النحيل الذي كان يتحدث الى الكولونيل تريفريل , فقد أسرع في سيارته الى مكان تصوير الفيلم حيث كان يتوقع مرور كيري فيه وهي في طريق عودتها الى المنزل , وكان على يقين من أنه سيسبقها الى المخيم بحيث يتسنى له مشاهدتها وهي تعدو على صهوة جوادها قبل أن تغيب عن الأنظار.
وفجأة رآها كالوميض وهو يهم بمغادرة السيارة بدون وعي صرخ مناديا : (بول) , وللحال سمع وقع أقدام خفيفة ورشيقة تقترب منه شبيهة برشاقة الفهد , ووقف رجل الى جانبه طويل القامة أسود الشعر والعينين , ولم يكن بول دفرون بحاجة الى من يوجه أنتباهه , لقد كانت حاسته المرهفة كافية بتوجيه أنظاره الى المشهد الرائع الذي بدا أمامه , كان طيف كيري الذي أندمج كليا مع الحصان يتلاشى رويدا رويدا في ظلال المغيب المتعانقة مع أنحدارات التلال الداكنة القريبة , لقد حدث كل شيء في ومضة عين كأنه طيف خرج من الأساطير القديمة قدم الأرض وترك فراغا كبيرا عندما تلاشى عن الأنظار , لقد أحس كل من بول وصديقه الأميركي النحيل أنهما كانا ينظران من خلال حجاب شفاف الى عالم من السحر والخيال وعندما غابت الفتاة عن أنظارهما شعرا وكأنهما فقدا شيئا لا يمكن التعويض عنه , وتنهد المدير الأميركي القصير وقال بحسرة:
" يا له من مشهد رائع خسرنا تصويره".
منتدى ليلاس

" هذه أمور لا يمكن ترتيبها مسبقا يا طوم , أنها تحدث بشكل عرضي".
وأبتعد طوم ماريوت وهو يهز كتفيه بشيء من اللامبالاة وقال:
" أعتقد ذلك وأتساءل عما أذا كانت هي الفتاة نفسها التي رأيتها في أصطبلات تريفريل؟".
" أية فتاة؟". قال بول مستفهما.
" أنها أجمل فتاة نارية الشعر رأيتها في حياتي ,كانت ترتدي ثوبا أسود اللون وقد بدا شعرها كلهيب بندلع منه".
" أنها دون شك لا تجهل ذلك التأثر ".
قالها بول بنبرته التهكمية المعروفة كلما تطرق الى موضوع النساء.
" لربما".
أجاب طوم وعاد الى سكوته وهو يحك ذقنه في حالة من الشرود , ولكنه عاد وقال:
" ستكون رائعة في دور ميتاني".
" هذا أمر يعود اليك أذا كنت تعتقد حقا أنها تصلح للقيام بذلك الدور".
وهز دفرون كتفيه مرة أخرى:
" ولكن عليك قبل كل شيء أن تجد بديلا لريتا لين وأعتقد أن فتاتك النارية الشعر لن تترك الفرصة تفوتها ".
" لست متأكدا من ذلك , قبل كل شيء علي أن أعرف من هي , وأظن أن الكولونيل تريفريل سيساعدني في ذلك".
" وماذا لو أن االفتاة الحمراء الشعر رفضت عرضك؟".
" في هذه الحال سأسألك يا عزيزي بول أن تقنعها".
وفجأة سمعا صوتا فضي الرنين يعلو من خلفهما , كانت فالما كانت أو فرونيكا جيمس بالنسبة الى الأصدقاء واقفة وراءهما تصغي الى حديثهما بكثير من الأهتمام.
" من بأستطاعته أن يقاوم وسائل أقناع بول دفرون؟".
ورد بول بجفاء:
" أعداد لا تحصى".
ولم يكترث طوم لما كان يدور حوله فأهتمامه كان منصا كليا على الفارسة وعلى الطرق التي يمكن أتباعها لأقناعها , فقال مقاطعا:
" هل رأيت الفتاة على صهوة الجواد؟".
" أجل رأيتها".
ردت فالما بصوت يختلف عن نبرتها السابقة , فقد أختفى منه الرنين الفضي الصارخ وأصبح أكثر نعومة , وتابعت:
" لن تتمكن من أعادة تصوير ذلك المشهد يا طوم , لقد كتنت تقود جوادها وهي سابحة في عالمها دون أن تعلم أن أحدا يراقبها ,في أي حال ما لذي جعلك تعتقد أنها الفتاة النارية الشعر؟".
وهز ماريوت كتفيه وقال:
" أنه مجرد شعور , وأيا كانت هذه الفتاة فأنها تركب الحصان بالطريقة نفسها التي رأيت فتاتي تمتطي حصانها".
" قد تكون قادرة على ركوب الخيل".
رد دفرون بصوته الساخر وأضاف:
" قد تكون فارستك في ظلال المغيب فتاة بدينة غليظة التقاطيع أو على العكس فتاة نحيلة مشدقة".
وضحكت فالما وقالت:
" كفى يا بول , أن طوم يحس بحدس قوي وهو لذلك سيقيم الأرض ويقعدها حتى يحصل على فتاته النارية الشعر وأذا كانت لا تعرف كيف تركب الخيل فأنه سيلقنها ذلك".
وزمجر ماريوت قائلا:
" أنها فارسة بارعة , أنا واثق من ذلك , لقد بدا لي أنها من رواد تلك الأصطبلات".
وخطت فالما نحو بول ونقرت ذقنه بأناملها البيضاء وهي تقول:
" أنك يا عزيزي بول لا تبدو غير مهتم كما تتظاهر".
وهز دفرون كتفيه بأستخفاف ولكن عينيه بقيتا تبحثان بصورة لاشعورية , حنايا التلال علّها تقع على الحورية الشاردة.

نيو فراولة 31-05-11 02:31 PM

2 - الرقص بين السحاب



أسترخت كيري قليلا وهي تقترب من المنزل الرمادي القديم وهو قابع في منخفض بين هضبتين , ومع أن جسرا ضيقا كان يصل بين ضفتي جدول صغير على بعد أمتار من المنزل , ألا أن كيري لم تكلّف يوما يوما مشقّة أجتيازه بل كانت تفضل ممرا ضحلا لأجتيازه دون عناء على صهوة سموكي , وعندما وصلت الى الطرف الآخر أخذ الحصان يخبو خبيا نحو الطريق الخاصة المكسوة بالحصى والأعشاب البرية والتي كانت فيما مضى مسورة بصف من الشجيرات المنسقة , وما كادت كيري تدخل ذلك الحيز حتى خرج جودي من الأصطبلات , كان في بداية الستينات من عمره ومع أن الشيب كان يخط شعره ألا أن قامته كانت مستقيمة , وتقدم جودي من الحصان وأمسكه بلجامه وهو يقول:
" سأهتم بسموكي يا آنسة كيري , لم يبق لديك متسع من وقت كي تستعدي للحفلة".
" شكرا يا جودي هل بدأ ريكي في أرتداء ملابسه للسهرة؟".
" نعم يا آنسة كيري , لقد كان يتخايل في مشيته هنا قبل دقائق وهو يرتدي زيه الغريب , وأعتقد أنه من الأفضل لكما الذهاب على صهوة جواديكما عوضا عن الأستعانة بخدمات المفرقعة".
وتوقفت كيري فجأة قبل أن تبلغ الباب , كان بريق عابث يتألق في عينيها الخضراوين وقالت:
" لقد طرأ لي فكرة جديدة".
ومالت برأسها المكلل بالشعر الناري الى جهة ووضعت سبابتها على فمها وقد غمرها شعور بالمؤامرة البريئة المليئة بالحياة , كانت كيري أشبه ببطل قصص الأطفال بان قادرة على نشر المرح الدائم أينما كانت وبشكل يكاد يكون خارجا عن المألوف , وسكان ريلستون تعلموا توقع حدوث أشياء غير مألوفة كلما غزت عائلة دروين البلدة للأشتراك في أحتفالات الكرنفال السنوية , ولكن مثلما أنبثقت الفكرة من مخيلتها فجأة أختفت الأبتسامة الصبيانية من شفتيها بسرعة البرق وعادت كيري الى واقعها بحسرة ظاهرة وقالت:
" أعتقد أن علينا ركوب المفرقعة فهي تسبغ علينا مظهر الكرامة في هذه المناسبات كما يقول أبي".
" أجل يا آنسة كيري".
وهرولت كيري نحو الباب بخفة ورشاقة وتسلّقت السلم الصغير المؤلف من ثلاث درجات , كان الباب مفتوحا كالعادة على مصراعيه فدخلت الى الردهة الكبيرة , وألقت كيري بسوطها على الطاولة الصغيرة وفتحت الخزانة الى أسفل السلم ومدت يدها الى الداخل وسحبت سيفين في غمدين معدنيين كانت قد أبتاعتهما من مخزن لبيع الأشياء الثديمة , وبكل أعتناء حملتهما الى الطابق الثاني وقرعت باب شقيقها , وللحال فتح الباب وأطل منه شقيقها التوأم , كان الشبه كبيرا بينهما بأستثناء شعره القصير وقامته الأطول ببضع أنشات , وكان ريك يستغل هذه الأنشات لمضايقة أخته والأعتزاز بقامته وهو أبن الثامنة عشرة , وما عدا ذلك وبأستثناء بعض المشاكسات التي كانت تقع بينهما فأن صلات وثيقة وعميقة كانت تربط بينهما أمتدت مع الزمن لتشمل كلفن تريفريل , وفي الواقع ما من أحد من الفتيان كان يعاملها على أنها فتاة وهذا ما ساهم كثيرا في تكوين تلك الصورة عنها , فهو لم يعرف يوما كيف يتعامل مع طفلة صغيرة ولكنه في النهاية وجد الحل المناسب عندما قرر معاملتها بالطريقة نفسها التي كان يعامل فيها شقيقها , ولما وصلت مالي الى المنزل وقعت في شراك الفتاة النارية الشعر ولم تتمكن منذ ذلك الحين من تغيير أي شيء في سلوك كيري الصبياني ولكنها كانت تشعر في أعماقها أن الفتاة لا بد أن تعود الى أنوثتها مع الأيام.
وهكذا ذهبت كيري الى المدرسة وأندمجت مع باقي الفتيات الى حد ما ولكنها كانت تتنفس الصعداء كلما عادت الى أرض المستنقعات , وكانت في أيام العطل المدرسية تهيم على وجهها في أنحاء البراري بحبة شقيقها وكلفن تريفريل الى أن تصطبع وجنتاها بحمرة ذهبية وتعشعش أشعة الشمس في شعرها المتهدل , وكان من الطبيعي أن تتعلم كيري ركوب الخيل منذ نعومة أظفارها وغالبا ما كانت تشاهد وهي تسيطر على هيجان سموكي بحركات ثابتة والأبتسامة تعلو شفتيها وشعرها الأحمر يتطاير فوق كتغيها ,ولم تكن كيري دروين شغوفة بالحرير والعطور ولا حتى بالعلاقات العاطفية كغيرها من الفتيات.
وقلبت كيري نظرها في أخيها وقد أرتدى سروالا أسود اللون وغضنت أرنبة أنفها بسخرية متعمدة وقالت:
" هدية عائلة دروين للنساء , أنهن سيقعن في حبك دون شك".
ونظر ريك الى شقيقته بغضب ورد قائلا:
" أنني على يقين أنك تخشين أرتداء فستانك كباقي الفتيات لئلا يقترب منك فرنك كونورز كما فعل في المرة السابقة".
" لا تخف , بأمكاني أن أوقف فرانك عند حده ".
ناولته السيف وتابعت:
" خذ سيفك يا أيفان الرهيب".
" شكرا , من الأفضل أن تسرعي في أرتداء زيك وألا تأخرنا عن الحفلة".
وهزت كيري رأسها وقد تلاشت أبتسامتها الساخرة وقالت:
" سأكون جاهزة بعد قليل ومن الأفضل أن أتناول شيئا قبل أن أذهب وألا فأن مالي ستغضب ,وبالمناسبة شاهدت اليوم فرس كيل الجديدة , سوف نذهب معا في نزهة غدا و .....".
ولم تكمل عبارتها وأسرعت الى غرفتها وهي تقول:
" سأخبرك المزيد في وقت لاحق".
وعاد ريك الى غرفته فيما هبطت كيري السلم وهي تقفز درجتين معا بتوازن كامل لتجد أمامها مالي في أنتظارها لتؤنبها كالعادة.
" آنسة كيري , متى ستتصرفين كسيدة؟".
وضحكت كيري وأرتمت على مالي تعانقها وتشل كل مقاومة فيها وهي تقول:
" لن يأتي ذلك اليوم".
" أنك لن تتزوجي في حياتك يا طفلتي".
" وهذه هي أمنيتي , لماذا تتمنين لي هذا المصير البائس؟".
وأسرعت كيري الى المطبخ تتبعها مالي وبدأت في ألتهام الطعام الذي كانت مالي أعدته لها بسرعة , وأدركت كيري الألم الذي يحز في قلب مالي فقالت ملطفة:
" المعذرة يا مالي ولكنني في عجلة من أمري".
قالت مالي بقلق عميق:
" ماذا توين فعله أذا أنت لم تتزوجي؟".
كان التفكير بالزواج بالطبع غير وارد على الأطلاق , كما أن العلاقات العاطفية من المواضيع غير المحببة لديها , وبما أنها كانت تشعر برفض عفوي لهذه العلاقات فأن موضوع الزواج لم يطرأ على بالها أبدا خصوصا بعد التجربة المشمئزة التي حصلت لها مع فرانك كونورز والتي جعلت تلك العلاقة تتبلور بشكل نهائي في أطار من القرف والكره.
وكانت كيري لا تزال تذكر جيدا اللقاء المفاجىء الذي برز أمامها وهي في أحدى نزهاتها الخلوية في البرية , ومن الواضح أن كونورز كان يتعقبها منذ البداية وكانت الفرصة نادرة فلم يشأ أن تفلت من بين يديه , ولكن الأمور لم تجر حسب ما كان يشتهيه فرنك , فقد واجهته كيري بلا مبالاة متعمدة ولم ترق لها مغازلته الحميمة حتى أنها لم تستسغ كلماته المعسولة وفي لحظة ثورتها دفعته عنها بكل قواها فوقع السكين في الساقية التي كانت تجلس على ضفافها , ثم أسرعت الى حصانها سموكي وأبتعدت عن مسرح التجربة العاطفية الأولى وبسرعة الريح , كلا , قالت كيري في أعماقها وهي لا تزال تشعر بلمسات فرنك الخشنة أنها لن تعود أبدا الى مثل تلك التجربة الكريهة ولا حتى الى المغازلات الصبيانية البريئة.
" عليّ أن أختار مهنة ما".
ردت كيري بتصميم وأضافت :
" عندما أثرت الموضوع مع أبي في الماضي كان جوابه أنني لا أحتاج الى مهنة ".
ونظرت الى مالي وهزت رأسها بخفة وقالت:
" ولكن عليّ أن أعالج الموضوع معه ثانية في وقت لاحق وبشكل جدي , عليّ أن أحصل على ممارسة ما لأن والدي الحبيب لا يزال يعتقد بأنني سأغيّر رأيي في موضوع االزواج".
" ولكن يجب أن تغيّري رأيك".
ردت مالي بحنان:
" أنك لم تعودي طفلة وبأمكانك أن تغيّري رأيك".
" هذا لن يحدث , في أي حال , الحب هو شيء تافه للغاية".
ولم تيأس مالي فهزت رأسها وقالت بحكمة المسنين:
" لا تهزأي من الحب يا آنسة كيري , أنه الرابح في النهاية".
" ومن تقترحين علي الزواج منه؟".
سألت مالي بأبتسامة خبيثة.
وأستهلت مالي لائحتها فقالت:
" هناك كلفن تريفريل.....".
منتدى ليلاس

وأنفجرت كيري بضحكة عالية وهي تقول:
" بحق السماء! مسكين كيل , يجب أن أخبره بهذا الأمر , وفي أي حال أنه لطيف للغاية لكي يفكر بمثل هذه الأمور السخيفة".
" حسنا , هناك شبان آخرون ".
ردت مالي دون أن تعترف بالأستسلام وأضافت:
" الحب سيأتي في موعده , تذكّري كلامي".
" سأتذكره بعلامة كبيرة ,ولكن هذه الأمور لن تحدث".
عادت مالي وكررت قولها:
" تذكري كلامي , سيأتي رجل في أحد الأيام وهذا الرجل لن يتخاذل , وبعدها سنرى من سيضحك الضحكة الأخيرة".
وهزت كيري رأسها بخفة وهي تقف على رجليها وتتجه نحو الباب:
" شكرا يا مالي لفنجان الشاي".
وعندما دخلت غرفتها أنتزعت على الفور ثيابها بسرعة مدهشة وأستحمت وبعد فترة قصيرة أرتدت زيا قوزاقيا مماثلا لزي أخيها, وكالعادة أضفت نحافتها شيئا من الطول على قامتها وجاء اللون الأسود ليبرز تلك الرشاقة , ثم أنتعلت جزمتها القصيرة السوداء التي أستعارتها مع زيّها من جمعية تمثيلية محلية ومررت المشط في خصلات شعرها ونظرت الى نفسها في المرآة بشيء من عدم الأرتياح , وخرجت من الغرفة كأنها شبح أسود بمعطفها المتدلي على كتفيها ووقفت في أعلى السلم تنادي مالي بأعلى صوتها.
وللحال هرعت المرأة العجوز من مطبخها في الأسفل وهي تسأل:
" ما الخبر يا آنسة كيري؟".
" المعذرة يا مالي لأزعاجك , لقد أردت أستعارة بعض دبابيس الشعر فقط".
" سآتيك بها".
وعادت كيري الى غرفتها وأمتشقت السيف وهو الزينة اوحيدة التي لم تستعرها من الجمعية التمثيلية , وكانت كيري قد تمكنت من أقناع السيدة جونز العجوز وهي صاحبة دكان السلع القديمة من أرتها السيفين المعدنيين عندما شاهدتهما معلقين في واجهة الدكان , ودخلت مالي الغرفة ومعها قبضة من الدبابيس وضعتها على طاولة الزينة ووقفت تراقب كيري وهي تعقص شعرها بخشونة , ولم تكن مخطئة فقد بدت كيري بزيها الأسود وتسريحة شعرها أقرب الى الصبيان منها الى الفتيات ولكن ليس بالدرجة التي بدت عليها عندما كانت خصل شعرها النحاسية تتدلى بأسترخاء على ردائها الأسود.



" شعرك يا آنسة كيري سرحيه بطريقة أفضل".
تمتمت مالي بيأس :
" أنني أفضله هكذا".
ردت كيري بنبرة حازمة وسمع طرق على الباب , كا ريك في أنتظارها في الخارج , فصرخت قائلة:
" سأكون معك في الحال ".
وأندفعت نحو الباب وفتحته.
لم تتمالك مالي من التحديق بالتوأمين كانا يبدوان رغم السواد الذي يكللهما , جذابين للغاية , وفجأة سمعوا زمجرة آتية من طرف الردهة .
" دعوني ألقي نظرة عليكما".
قالها ريتشارد دروين بصوت أجش , وللحال ألتفتا على الفور وواجها والدهما بتكشيرة مماثلة أرتسمت على وجهيهما.
" حسنا , أتمنى لكما سهرة جميلة ".
قال الوالد وهو يغمز أبنته بطرف عينيه وأضاف:
" أرجوك يا كيري لا تظهري براعتك كثيرا في أستعراضات السيف".
وسددت كيري الى أبيها نظرة بريئة وقالت:
" مع الأسف لا أتقن لعبة السيف ولا أحمل قوسا وسهما هذه المرة".
ورد والدها بخشونة:
" لحسن الحظ أو لسوئه , القضية مسألة رأي , والآن تواري عن ناظري".
وأتكأ على الدرابزين وأخذ يسترق النظر الى جودي وهو في الردهة السفلى ثم ناداه بصوته الخالي من أية كياسة والخاص بعائلة دروين.
" هل أخرجت المفرقعة من المرآب؟".
" أنها معطلة يا سيدي".
وتدخلت كيري في الحديث وقالت :
" أنها سيارة خرقاء".
ونظر والدها أليها نظرة مؤنبة وقال:
" السيارة ليست موضوع سخرية , والآن كيف ستذهبان ال الحفلة؟".
وأعطى ريك الجواب بكلمة واحدة وهو يغمز شقيقته بتآمر متبادل:
" الحصان".
ولبرهة من الزمن أرتسمت على وجه الأب علامات التردد ولكن كيري سارعت الى النجدة وأضافت:
" أنها الطريقة الوحيدة أذا أردنا أن نصل في الوقت المحدد , وبما أننا سنقضي الليلة عند كيل فبأمكاننا أن نعود على جوادينا غدا صباحا , في أي حال أليس من الطبيعي أن يصل فارسان قوزاقيان الى الحفلة على صهوة جواديهما؟".
وهز العجوز كتفيه مستسلما وهو يعرف ولديه حق المعرفة وقال:
" حسنا ولكن أطلب منكما وعدا بشيء واحد فقط وهو ألا تصعدا السلالم وتدخلا الفاعة وأنتما على صهوة جواديكما , أن البلدة بكاملها تعرف كم أطوارنا غريبة ولكن لا تجعلا الأمر أسوأ مما هو عليه.
" بكل تأكيد ".
ردت كيري".
عندما وصلا الى منزل تريفريل كان كلفن في أنتظارهما , ولما رآهما على صهوة جواديهما وقف مذهولا دون حراك , ولكن كيري سارعت وشرحت له الموقف , ولبرهة أستمر كلفن في دهشته فاغر الفم ثم أستدار مسرعا الى خلف البيتوعاد بلمح البصر وهو يقود فرسه الذهبية.
كان سكان البلدة يمرحون في ضوضاء الكرنفال داخل القاعة ولكن وقع حوافر خيل آتية من بعيد أخذ يتناهى كالرعد الى زمرة من المدعوين كانوا خرجوا لتوهم من السيارة وحدقوا بأنظارهم الى الطريق الرئيسية.
الكولونيل تريفريل كان أول من حزر ماذا كان يحدث:
" أنهم القوزاق".
صرخ بصوت عال تغمره دهشة عارمة.
" القوزاق؟".
أعاد الصرخة بصوت مستفسر شاب أسمر اللون كان يقف الى جانبه:
" أنهم ثلاثة أبني كيل والتوأم كيري وريك ".
أردف الكولونيل:
" كنت على يقين أنهم يخبئون لنا مفاجأة جديدة هذه السنة".
وأقترب وقع حوافر الأحصنة من المجموعة الصغيرة ولم يقطع ذهولهم ألا صوت رئيس البلدية وهو يقول مبتسما:
" حادثة العام الماضي كانت مؤسفة حقا".
" وما هي تلك الحادثة؟".
سأله الشاب الأسمر نفسه فرد عليه الكولونيل تريفريل على الفور والأبتسامة تعلو شفتيه:
" جاءت كيري دروين بلباس روبن هود وبدون أنتباه أصابت بسهمها قبعة أرملة وقورة , ولدي شعور خفي أن كيري أصابت هدفها جيدا , فهي صيادة ماهرة بالقوس والسهم".
كانت عاصفة الحوافر قد أصبحت الآن على قاب قوسين منهم وظهرت الأحنة الثلاثة في منعطف الطريق وسط الأنظار المشدوهة العالقة بالمنظر الرائع الذي يرز أمامهم , كان الفرسان الثلاثة يقفون على صهوة جيادهم وأيديهم معقودة على خواصرهم بتوازن رائع , ولم تنس كيري وهي تقتحم الزمرة من النظر الى أفرادها قبل أن تبتعد عنهم.
كان الكولونيل تريفريل ورئيس البلدية وجهين مألوفين , ولمحت أيضا الرجل الأميركي القصير النحيل الذي رأته يتحدث الى الكولونيل عند مدخل الأصطبلات , وكان هناك أيضا مع هذه الشلة الممثلة فالما كنت بشعرها الفضي وعينيها الرماديتين الواسعتين ووجهها الرقيق الجذاب وقد أبرز تقاطيعه الفستان الداكن الذي كانت ترتديه , كانت الأبتسامة التي علت شفتيها تنم على الأستحسان والتقدير.
أما الشخص الذي كان يقف الى جانبها في لباس السهرة فلم يكن هو الآخر بحاجة الى تعريف , كان وجهه الداكن يبرز بشكل رائع بياض وجهها الشفاف, كانت سمرته تحاكي سمرة أهالي أميركا اللاتينية الجذابة ولكن عينيه السوداوين وقامته الرشيقة وتقاطيعه المصقولة كانت فريدة في نوعها , وفي الواقع كان بول دفرون من أصل فرنسي كندي , ولم تكد كيري تجتاز الزمرة حتى طارت قبعتها في الهواء وتدفق شعرها كالشلالات الثائرة فوق كتفيه , وبدون تردد شدت كيري لجام سموكي فتسمر الحصان في مكانه ورفع قائمتيه الأماميتين من عزم الصدمة في الهواء وسط غمغمة من الأصوات التي أرتفعت من الحناجر بخوف ورعب ثم أستدارت به نحو المجموعة على عتبة الباب , كانت قبعة الأستراغان المصنوعة من فرو الحملان الصغيرة قد أستقرت عند قدمي بول فأنحنى لألتقاطها وفي اللحظة نفسها سمع صهيل حصان رمادي يهدر في أذنيه ثم وغي لمح البصر أنحنت قامة من عل صهوته وأختطفت القبعة من تحت أصابعه , وفيما كانت كيري تتجه ثانية نحو الباب وهي تسيطر سيطرة كاملة على حصانها الجامح لمحت عينين داكنتين تحدقان بها وقد أختفت المسحة الساخرة منهما وتحولت نظراتها الى نوع من التحدي الذي قابلته بالمثل , وما لبثت أن لحقت برفيقيها اللذين كانا في أنتظارها , وأغمض طوم ماريوت عينيه وسأل بصوت خافت :
" من هي؟".
" أنها كيري دروين".
رد تريفريل على الفور.
وبدأ طوم يصحو من الدوار الذي أصابه وفجأة صرخ بحماس:
" أنها هي الفتاة".
وأكمل بول دفرون بصوت ناعم لم يكن مألوفا لديه:
" فارسة الليل".
" هل أثارت أهتمامك ؟".
همست فالما الى جانبه.
رد بول وهو يهز كتفيه بلا مبالاة وأسرع ليلحق بالآخرين:
" من ؟ تلك الفتاة الحمراء الشعر !؟".
وفي هذه الأثناء كان فرسان القوزاق يدورون حول البلدةويعودون أدراجهم الى أصطبلات تريفريل , فتركوا أحصنتهم في أيدي السائس وعادوا أدراجهم الى قاعة الكرنفال سيرا على الأقدام.
وتمهلت كيري قليلا لتجمع شعرها في بوتقة منتظمة تحت القبعة ولكن المهمة على ما يبدو كانت مستحيلة , فنظر اليها كلفن نظرة أنسان مشغوف وقال:
" أتركي فروتك النارية كما هي , وفي أي حال فأن الأزدحام في الداخل لن يترك شعرك معقوصا داخل القبعة".
وأضاف متعمدا المضايقة الودية:
" أنني متعجب من سلوكك , كيف رمي قبعتك الى أقدام بول دفرون؟".
وجمدت كيري في مكانها والسخط يعلو وجهها وردت بعنف:
" لم أفعل ذلك , لقد طارت القبعة مع الريح".
وغمز ريك رفيقه كلفن بطرف عينه وقال:
" بدأت أظن أنها أصبحت سيئة كواحدة منهم , فقد هرعت اليوم لمشاهدة أحد أفلامه".
وصرخت كيري:
" كلا لم أذهب بمشيئتي".
كان أكره شيء عندها أن تتهم بعواطف رومنطيقية , والأنكى من ذلك أنها تتهم هذه المرة ببول دفرون , وبدأت تشعر بثورة تعصف في أعماقها وكالعادة بدأت تتفوه بكلمات متقطعة غير مفهومة:
"على الأقل أعترف بأنني شاهدت الفيلم ولكنني ذهبت قسرا عن أرادتي....... أعني أن باربي هي التي ألحّت عليّ لمرافقتها , كان على هذه الحمقاء أن تشاهد الفيلم في اليوم الأول من عرضه ولم تكن أمها لتتركها تشاهد الفيلم بمفردها ". وأردفت بأزدراء:
" كانت أمها على الأرجح تعرف أن باربي ستخرج من الصالة وهي في شبه غيبوبة , وكان علي أن أصرخ في وجهها لكي أنتزعها من مقعدها الى الخارج".
وعندما وصلوا القاعة كان الجدال قد خف بينهم وعادوا الى طبيعتهم المرحة , وما أن دخلوا الباب حتى تحلث حولهم الأصدقاء كل في زيه الخاص , فباربي تركت والديها لبعض الوقت وجاءت اليهم تتخايل بزيها الأسباني, وكانت تسترق النظر الى جانب القاعة كأنها تبحث عن شخص ما , وهذا الأمر لم يخف على الفرسان الثلاثة الذين نظروا الى بعضهم بدون تعليق , ولكن الحالة أختلفت بعد برهة عندما زمجرت كيري وهي ترى فتاة طويلة شقراء بزي يوناني تقترب منهم , وأندفعت الى رفيقها قائلة:
" أسرع يا كيل أرقص معي قبل أن أعلق بموعظة لا نهاية لها من قبل ميرل".
قال كلفن بداعبته المعهودة ووضع ذراعه حول خصرها وبدأ الرقص:
" حسنا".
ولما توقفت الموسيقى وسارا الى زاوية القاعة , سمعت كيري صوتا وراءها يقول:
" كيري أود أن أتحدث اليك".
وزمجرت كيري بصوت خافت وألتفتت على مهل:
" أهلا يا ميرل , بأي شيء تريدين التحدث فيه؟".
" يا عزيزتي , بالطبع لا تحتاجين الى من يقول لك أن سلوكك الليلة كان يبعث على الأسى".
" بأية طريقة؟".
ردت كيري بصوت هادىء , وهي تشعر بالأشمئزاز وبأنها ستنفجر بثورة عارمة في حال أكملت ميرل مخاطبتها بتلك اللهجة :
" عندما ألقيت بنفسك بين يدي بول دفرون".
كانت عينا ميرل باردتين وناقمتين ولم تدرك أنها دفعت كيري الى نقطة الأنفجار , وتابعت:
" أنت تعلمين أن لريلستون سمعة يجب المحافظة عليها خصوصا وأنت من عائلة عريقة وهو أمر يبدو أنك غالبا ما تتجاهلينه".
وشعرت كيري بحمى الغضب تصبغ وجنتيها وبوميض خطير ينبعث من عينيه ولكنها في الوقت نفسه شعرت بقبضة كلفن تشد على ذراعها وهو يقول:
" هيا تعالي لنرقص".
وبسرعة دفعها الى حلبة الرقص من جديد , ووقفت ميرل كونورز مذهولة لبرهة وقد أختفت من وجهها مسحة الجاذبية وحلت محلها معالم الضغينة والكراهية , وكانت كيري تفكر غالبا بالكراهية العميقة التي تكنّها لها ميرل على الرغم من أنها لم تسىء معاملتها قط , وفي الواقع أن التنافر بينهما كان يتأجج من جديد كلما ألتقت أعينهما في أية مناسبة كانت.
وأستدارت ميرل بتذمر لتصعد الدرجات القليلة المؤدية الى المنصة التي وضعت عليها الطاولات والكراسي وفي أحد زواياها طاولة صغيرة لتقديم المرطبات وعصير الفواكه , وكانت أمها تترأس الطاولة الكبيرة , وهي أرملة ثرية ومن أكثر النساء تعجرفا في المجتمع.
وجلست ميرل على كرسي مع الزمرة المختارة وأبتسمت في وجه الممثل وقالت:
" علي أن أعتذر عن سلوك كيري دروين يا سيد دفرون , وأخشى أن تكون قد هيأت المشهد لمجرد أسترعاء أنتباهك".
ورد دفرون بأبتسامة صغيرة ولكنها كانت أبتسامة غامضة ولم يتركها ماريوت في حالها با رد هو قائلا:
" بول معتاد على رؤية النساء يرتمين في أحضانه".
وتوقفت الموسيقى ومن سوء الصدف أن كلفن وكيري غادروا فسحة القاعة وتوقفا بالقرب من المنصة حيث كان فريق الفيلم السينمائي جالسا , وكان صوت ميرل يرافقه صوت ماريوت مسموعا بشكل واضح.
وتعمقت ملامح السخرية في نظرات دفرون وهو يقول ببرودة:
" شكرا لتحذيرك , ولكنني في الواقع لا أهتم بالأطفال".


وأحمر وجه ميرل ولبرهة من الزمن ساد سكوت متوتر علىالطاولة , وبسرعة تدخلت فالما في محاولة لتغيير الموضوع وقالت:
" أنه ناد عصري للغاية".
وأنحنت فالما وربتت على ساعد بول :
" ما كان عليك أن تقول ذلك يا بول , فكل شخص هنا يعرف سمعتك في موضوع النساء".
وزم عينيه بفظاظة ورد قائلا:
" وما ذنبي في ذلك؟ هل بأستطاعتي ردع النساء اللواتي يحاولن القيام بأعمال خرقاء؟".
ثم عاد الى نفسه وأضاف معتذرا وقد برقت عيناه السوداوان:
" آسف...... أنني غير قادر على السيطرة على أعصابي عندما يبدأ الناس بتحذيري".
ولف بول نفسه بالسكوت وكست عيناه سحابة من الكآبة , كان يعرف سلطته الفريدة في سحر النساء وهذا أمر يعرفه جيدا ولكن فيما عدا الشاشة الكبيرة حيث كان المفروض أن يقوم بذلك الدور , فأنه لم يستخدم سحره بتعمد ومجون , وكم من مرة رفض العروض المغرية التي كانت تقدمها له بعض النساء ولكنه كأنسان نابض بالحياة كانت له بعض المغامرات , وهذا أمر طبيعي , ولكن حتى في تلك الحالات كان لا يقبل خوض تلك العلاقات ألا مع النساء المحنكات اللواتي يعرفن عواقب اللعبة الخطيرة. أنه لم يستغل في أية لحظة جاذبيته الساحرة التي تنبعث منه نتيجة مزج الدم السكسوني البارد بالدم الفرنسي الحامي.
وأنحنت فالما مرة ثانية ولمست ذراع بول وقالت له مؤاسية:
" أنس الأمر يا بول , لم تقصد أي شيء من وراء تحذيرها".
وزم بول شفتيه بأبتسامة ساخرة ورد قائلا:
" ربما كان الأمر كذلك , ولكنني بالكاد رأيت الفتاة".
وضحكت فالما وقالت بهدوء:
" لا تغضب , فالكل يعرف أنها ليست غلطتك عندما تقع النساء في أحضانك".
ثم غمزت بعينها وأضافت:
" ومع ذلك فأن أحدى العاشقات الهواة تسلقت نافذة غرفتك في أحدى الليالي".
وأصطبغت وجنتا بول بحمرة أنتشرت على وجهه الأسمر الداكن وقال بتوتر:
" لا تعودي الى ذلك الموضوع , أرجوك".
وضحك وهو ينظر الى وجهها الضاحك وقال:
" تعرفين لو لو لم تكوني متزوجة , لتزوجتك على افور".
وردت على الفور:
" هذا من حسن طالعي لأنه كان علي أن ألاحق العاشقات الهائمات وأطردهن من المنزل حتى في شهر العسل".
وكأن شيئا نبّه أحساساتها الداخلية , أدارت فالما رأسها بسرعة الى الوراء لترى عينين خضراوين تلمعان بوميض ينفجر غضبا , فتملكها لبرهة شعور بالخوف , كانت الفتاة ترتدي زي القوزاق وفروة من الشعر الأحمر الملتهب تتدلى على كتفيها , ولم يكن هناك أي شك فيمن تكون.
كان من سوء الحظ أن تكون كيري واقفة على مقربة من المنصة حيث سمعت الحديث الدائر على الطاولة بشكل واضح للغاية , ومما زاد الطين بلة أن كيري كانت ثائرة من ملاحظات بول لذلك فأنها وقفت وراء الممثلين والغضب كمّ شفتيها , ولبرهة بدا أنها غير قادرة على التحرك , فقد شلّ الغضب أطرافها , وكانت الأفكار الهائجة تتدفق في رأسها , تود لو أنها أستطاعت الوقوف أمام بول دفرون وأكدت له بعبارات حازمة أنها لا تتوق حتى الى التحدث اليه , ووجدت صعوبة كبيرة في السيطرة على أصابعها لكي لا تمدها الى وجنتيه الداكنتين وتعمل فيهما ضربا , ولكنها لم تتحرك ولم تكن تعرف أنها غير قادرة على مثل هذا الشعور القوي من الكراهية .
ورأت يد فالما تتحرك ببطء ورأس بول يلتفت بعد أن شاهد التعبير الغريب الذي أرتسم على وجهها وقبل أن يلتفت كليا نحوها أستدارت كيري وهربت وهي تكبح العاصفة الهوجاء التي بدأت تصل الى شفتيها , وحتى عندما أنضمت الى أصدقائها في غرفة المرطبات كان البريق الثائر لا يزال يلمع في عينيها , فنظر كلفن اليها بفضول وسألها:
" ما الخبر يا كيري؟ هل ألتقيت فرنك كونورز مرة ثانية؟".
" كلا".
ردت كيري وهي تكاد تبصق الكلمات من فمها ثم تمتمت ببعض كلمات غير مفهومة في محاولة لشرح ما حصل لها وسط ثورة غضب لم تتمكن حتى تلك اللحظة من السيطرة عليها , ورد ريك مهدئا:
" لا تكترثي لهذه الأشياء".
وقطبت كيري حاجبيها وأخذت تضرب صحن الآيس كريم بقوة , كان من الواضح أنها تود لو أنها تهاجم شيئا آخر غير هذا الصحن وبأداة أكثر فتكا من الملعقة.
كيف تجرأ وتحدث عنها بتلك الطريقة , أنه رجل مغرور , وألتهمت آخر لقمة من الآيس كريم بنهم وقوة لدرجة أن الملعقة أنجرفت مع الصحن الصيني بصوت خادش مزعج مما دفع كلفن الى القول:
" لا تحطمي الصحن أنه ليس دفرون".
ووضعت كيري الصحن على الطاولة وشيئا فشيئا شعرت بالهدوء يعود اليها وتتلاشى في عروقها بقايا غضبها , ولحسن حظها أن ثورات غضبها لا تدوم كثيرا ولكنها كانت تصل الى ذروتها أثناء أحتدامها وعلق ريك بقوله وهم يتوجهون نحو الشرفة:
" لقد هدّأ الآيس كريم أعصابها".

ومن طرف عينها لاحظت كيري أن النجمين السينمائيين قد تركا مكانهما وشعرت بنوع من الراحة والسعادة , فأن رؤية بول دفرون على مقربة منها لا بد أن تثير غضبها من جديد , قالت باربي:
" لقد حان الوقت لأعطاء النتائج بشأن الأزياء".
وهز كلفن رأسه وألقى نظرة عاجلة على الشرفة , كانت الحفلة مستمرة وكان على الحكام أن يعلنوا قراراتهم في وقت مبكر لكي يتيحوا للنجمين السينمائيين الفرصة ليغادرا المكان أذا رغبا في ذلك.
وفجأة دوت في القاعة أصوات الأبواق من الفرقة الموسيقية وتوجه بول دفرون وفالما كنت الى المنصة وسط تصفيق عارم من الحضور , وكان الجميع في غمرة من الهيجان الشديد , وأقتربت باربي من صديقتها كيري وهمست في أذنها:
" أنه رائع تماما كما يظهر على شاشة السينما".
ولم تنبس كيري ببنت شفة .
وتابعت باربي بدون أن تدرك الموقف:
" أنني أتساءل عما خصصته ميرل من جائزة للفائز الأول , لقد سمعتها تقول........".
وقاطعتها كيري بنرفزة:
" أذا توقفت عن الكلام لعلك تعرفين ذلك , أنهم يعلنون عنه الآن".
ورفع رئيس البلدية يده طالبا من الجميع السكوت , كان الأعلان قصيرا ولكنه أثار عاصفة من التصفيق بين الحضور , وغضنت كيري رنبة أنفها بأشمئزاز وقالت:
" هذه هي النتيجة عندما تثقين بميرل كونورز".
وحدّق شقيقها فيها مليا وقد أمال رأسه جانبا وقال:
" ألا ترغبين في ربح معانقة مع بول دفرون؟".
منتدى ليلاس

وتطلعت كيري اليه ولم ترد عليه بل باربي هي التي أعلنت دون حياء:
" أنا أود أن أربح الجائزة".
وضحك الجميع , وأعلنت كيري أنها لن تزعج نفسها بالأقتراب من طاولة الحكام وقالت:
" في أي حال أزياؤنا متشابهة وهي ليست غريبة الى حد أسترعاء النظر ".
وهنا تدخلت باربي أيضا وقالت:
" أما أنا فأنني أرغب في الأقتراب من منصة الحكام".
منتدى ليلاس

ووافق ريك في نهاية الأمر بروحه الطيبة السمحة ونظر الى كلفن وسأله:
" هل ستأتي معنا أم ستبقى مكانك ألى جانب كيري؟".
وهز كلفن رأسه وقال:
" لا بل سأبقى هنا".
ومن الشرفة شاهدا باربي وريك ينضمان الى بقية المتبارين وهم يمرون أمام طاولة الحكام , وكان قد تقرر سحب اليانصيب وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما ربح الجائزة فتى كان معروفا بخجله ومع ذلك أستطاع أن يتغلب على أرتباكه وصعد المنصة للحصول على جائزته ولكن هذه المرة من الممثلة فالما كنت.
ثم أدخل رئيس البلدية يده في الوعاء المخصص لتذكر النساء, وأختار ورقة من بينها وأعلن بصوت عال:
"الرقم 74".
وعلقت كيري على الفور:
" أتساءل من هي الفتاة السيئة الحظ".
وبدا أن هناك بعض التأخير , فالفتاة حاملة الرقم 74 لم اظهر بعد للمطالبة بجائزتها , وبدأ الناس يتطلعون حولهم , وتابعت كيري بنبرة لاذعة:
" من الأرجح أن الحمقاء أغمي عليها من الفرح".
وسأل كلفن:
" ما هو رقمك يا كيري؟".
وهزت كيري كتفيها وأخذت تبحث عن بطاقتها وعندما وقع نظرها عليها كست وجهها مسحة من الغيظ الشديد , كان الأمر لا يصدق , وهمست بصوت ضعيف:
" أنا أحمل الرقم 74".
كان الأمر صعب التصديق , ولكنه الواقع , كان الرقم وتضحا على ورقة اليانصيب , هل من الممكن أن تربح مثل هذه الجائزة البغيضة ؟ جائزة مع بول دفرون؟ لم تكن كيري لتصور أن بأمكانها الصعود الى المنصة كأي فتاة طائشة رعناء , ومجرد التفكير بذلك جعلها تقشعر أشمئزازا وينتصب شعرها الناري من الغضب , وقال كلفن بصوت مأخوذ:
" سيكون الأمر مدهشا".
" مدهشا؟ أنها ليست الكلمة المناسبة".
وصممت على الفور تمزيق البطاقة رقم 74 وللحال وضعت خطتها موضع التنفيذ وقطعت البطاقة أربا صغيرة يستحيل معها معرفة الرقم , وقالت بأرتياح:
" بأمكانهم الآن سحب ورقة أخرى , أنني باقية مكاني , ولن يعرفوا من كانت صاحبة الرقم 74".
ورد كلفن:
" ولكنهم سيعرفون , هناك ملاحظات بقيت مع اللجنة تذكر أسماء المشتركين وأرقام بطاقاتهم , عليك أن تواجهي المصيبة وسأقف على أتم الأستعداد لأسعافك في حال أصابتك بالأغماء".
" كلا لن تفعل , بأمكانك أن تنزل أنت وتقول لهم بأنني عدت الى المنزل أو أي شيء آخر ون عليهم أعادة سحب الجائزة".
ولكن كلفن ظل عنيدا في موقفه وقال:
" أذهبي أنت الى المنصة وقولي لهم بنفسك ما تودين قوله , أو ربما أنت خائفة من أن يمسك بول بتلابيب ثيابك؟".
" بالتأكيد لا ".
" حسنا".
وافق كلفن أخيرا وقال:
" سأذهب الى المنصة".
" شكرا يا كيل ".
وأبتسمت كيري بأرتياح:
" سوف أقفز فوق الحاجز الى الشرفة الثانية ومن هناك سأختفي عن الأنظار وأنتظرك في الخارج".
وعادا الى السلم ولكن عندما أنعطف كلفن في أتجاه المنصة كانت كيري قد أجتازت الحاجزالمنخفض وهرولت مسرعة نحو الشرفة الثانية , وفي لمح البصر كانت قد أختفت عن الأنظار بدون أن يراها أحد ممن كان في الشرفة الأولى.
وكان رئيس البلدية يقلب بين يديه لائحة الأوراق المباعة ,وبلع ريقه بصعوبة عندما قرأ الأسم المدون على الرقم 74 وسلمه الى رئيس اللجنة الذب تقدم من المذياع وأعلن على الفور:
" نرجو من الآنسة كيري دروين أن تتقدم من المنصة".
وفي هذه اللحظة أرتفع صوت فرنك كونورز بين صخب الجماهير يقول بسخرية:
" أنني أراهن عشرة على واحد أن القطة البرية ذات الشعر الأحمر غير موجودة , أنتم تعرفون ما يحدث عادة عندما يحاول أحد معانقتها".
وأرتسمت أبتسامة عفريتية في عيني فالما الجذابتين وقالت بهمس:
" هل تراهن أنها مفقودة".
وأبتسم بول ورد:
" وماذا سيحدث لغروري وسمعتي؟".
وفي غمرة السكون الذي خيم على الحضور منذ أعلان أسم الفائزة , شوهد شخص يشق طريقه نحو المنصة كان يرتدي زيا قوزاقيا ولكن شعره كان بنيا.
" أنه كلفن".
قال رئيس البلدية بصوت خافت.
وتقدم كلفن بخطى غير مبالية نحو المنصة ونظر الى رئيس البلدية وقال:
" أظن أن عليك سحب ورقة أخرى,( وتوقف قليلا ثم أضاف) لقد شعرت بضيق النفس من تأثير الجو العابق في القاعة فخردت تستنشق الهواء.
وأنسابت موجة من الضحك المكبوت في القاعة أذ يعرف الجميع أنه مجرد عذر لا أكثر ولا أقل , فأذا كانت كيري قد شعرت بالدوتر فذلك لأنها أكتشفت أنها صاحبة الرقم المحظوظ , وقبل أن يفتح رئيس البلدية فمه ليتحدث من جديد , تقدم دفرون من طرف المنصة وقال بصوت رزين:
" آسف لما حدث للآنسة دروين , الرجاء أبلاغها أسفي ولكنني سأدفع ديني في وقت آخر".
وللحظة تقلّصت عينا كلفن الزرقاوين ببريق من التحذير وحدّقتا بغضب في العينين السوداوين ولكنه عاد وأكتفى بهز رأسه.
" سأبلغها ذلك ( وأستدار للعودة ولكنه أستطرد) آمل أن تكون مؤمنا على حياتك , فهي لا تستسيغ مثل هذا النوع من الجوائز".
وما كاد ريك يبلغ المكان الذي كانت تقف فيه باربي حتى كان النجمان فالما وبول قد أختفيا عن الأنظار , كانت كيري لا تزال مختفية هي الأخرى.
ولكن كيري لم تكن في الخارج , فقد بقيت في الشرفة وكان الأرتباك الذي شعرت به فد بدأ يتلاشى , فهي لم تعتقد أن بول دفرون رآها وهي تصعد السلم وحتى لو أنه رآها فهو لن بكتشف السلم المعتم الآخر في حال حاول اللحاق بها وهو أمر من غير المحتمل أن يقدم عليه , وشعرت كيري بأنتصار عابث تسجله في مرمى بول دفرون.
وضحكت بنعومة ولكن الضحكة تجمدت فجأة على شفتيها , فبينما كانت تتمتع بأنتصارها كان بول تسلل فجأة الى الطابق الأعلى ووقف الى جانبها ونظر اليها , وكمن لسعه سوط مؤلم , أنتصبت كيري بعفوية وتراجعت الى الوراء بضع خطوات , ومدّت يدها نحوهوكأنها تحذره من عاقبة أية حركة يقوم بها.
" ما كان عليك أن تهربي( قال بول بصوت موسيقي وبلكنة خفيفة أشتهر بها) لن أحاول دفع ديني".
ووقعت كلماته في أذني كيري وكأنها سوط لاذع فردت ثائرة:
" أياك أن تحاول أي شيء معي".
" هل أنت جادة؟( وكانت في صوته رنة من الدعابة) ولم لا؟".
وأنتصب بول في وقفته وللحال أتخذت كيري وضعا دفاعيا وقد شعرت بالريبة أتجاهه , ولكن بول ضحك وهز رأسه قائلا:
" لا تخافي فأنك في أمان".
ومرة أخرى شعرت كيري بجوارحها تدفعها الى الهرب ولكنها ترددت وقد أستولت عليها الدهشة وهي ترى أنه كان يبتسم ويمد يده نحوها.
" لقد سمعت شيئا قلته قبل قليل , أنني لم أعنه على الأطلاق , هل تسامحينني؟".
قالت بسرعة لتخفي أرتباكها:
" لماذا أذن قلت ذلك الكلام؟".
" كنت مغتاظا فقد أسمعني أحدهم كلاما أزعجني ثم ذكر أسمك وأنني آسف لأنك تحملت عاقبة غيظي , ألم يحدث لك أن تفوهت بأشياء أثناء ثورة من الغضب ثم شعرت بالندم فيما بعد ؟".
وأرتسمت أبتسامة مترددة على شفتي كيري وأعترفت قائلة:
" أجل , أحيانا كثيرة ( ثم خفضت عينيها ) لقد طارت قبعتي بالفعل بالصدفة ولم أقصد أن ألفت أنتباهك أطلاقا".
ومد بول يده نحوها ورفع رأسها بطرف سبابته وأجبرها على النظر الى عينيه , لقد كانتا في غاية الجدية تغللهما مسحة من العبوس.
" ومن أعطاك هذا الأنطباع؟".
وخفضت كيري عينيها , لقد كانت هناك قوة جعلتها غير قادرة على التحديق بعيني بول الداكنتين في عمقهما على الرغم من أنها لم تكن تشعر بأي نفور منهما والأغرب من كل ذلك أنها لم تشعر بالغضب عندما لامستها يده.
" حسنا أن مير.....".
لقد كانت على وشك أن تقول له بأن ميرل قد حذرتها من عاقبة حادثة القبعة , ولكنها عدلت عن رأيها , كانت تكره ميرل في الواقع ولكن طبيعتها لم تسمح لها بأن تكرر ما سمعته منها , وتابعت قائلة عوضا عن ذلك:
" لقد سمعت مصادفة بعض الكلام".
ورد بول بصوت حازم:
" أذن أيا كان ذلك الكلام وأيا كان الشخص الذي قاله فأنه شخص أحمق وغبي".
وشعرت كيري بحاجة لكي تضحك ولكنها تمالكت نفسها وأعادت الى وجهها تعابيره الجدية وهي تسمع بول يتابع كلامه:
" على الرغم من أنني لا أقاسم ذلك الأنطباع ولكنني أتساءل هل كنت تنوين تسديد ضربة الى وجهي بتلك القبعة أو سحقي تحت حوافر الحصان".
وتدفقت أبتسامة عريضة صبيانية على وجه كيري وقالت:
" كان سموكي هائجا".
" وهذا يؤكد أنطباعي , أنه كان مجرد أستعراض , ولكن بحق السماء أين تعلمت ركوب الخيل بهذه الطريقة؟".
وهزت كتفيها بلا مبالاة فهي لم تكن تعتقد أن طريقة ركوبها الخيل كانت خارقة , ولكنها أجابت:
" مع الكولونيل".
كان محببا الى القلب هذا ما أقرّت به بالرغم من أرادتها ثم رويدا رويدا أقرت بالواقع بكل طيبة خاطر , بدأت كيري تقول:
" سيد دفرون......".
" بول وليس سيد دفرون , ماذا تريدين؟".
" لا شيء..... كنت أود أن أقول أنك تختلف عما كنت أتصور".
منتدى ليلاس

وضحك ضحكة عالية ووجدت كيري أنها لم تغضب لأنه يهزأ من كلامها , ورد بول قائلا:
" على الرغم من سمعتي فأنا خارج الشاشة لا ألاحق الفتيات العزل , وعليّ من الآن فصاعدا أن أحترس من الفتيات اللواتي يمتطين الجياد الرمادية على طريقة القوزاق .. أتساءل أيتها السيدة الصغيرة ماذا كنت فعلت لو أن سحب اليانصيب جرى في هذه اللحظة؟".
وردت كيري بجرأة لبقة:
" لنضع النقاط على الحروف , ماذا كنت فعلت أنت؟".
" من الصعب الجواب على هذا السؤال , في أي حال لم تكوني أنت في القاعة لسوء الحظ".
" من حسن حظي".
" هذه مسألة رأي ( وأخذ يدها ووضعها على ذراعه) هل تعتقدين أن الآنسة دروين ستتنازل وترقص معي أذا دعوتها بطريقة لبقة؟".
ردت كيري وهي تسرع خطاها الى جانبه نحو السلم:
" الآنسة دورين لا تجد أمامها أي خيار آخر".
" قد أشعر بالأسف لأنني لم أدفع ديني , ليس في هذه اللحظة في أي حال".
وردت كيري مشاكسة :
" أياك أن تحاول ذلك في أي وقت كان".
ونظر اليها بول بشيء من السخرية كمن جرحت كبرياؤه :
" سيدتي الصغيرة لقد قيل لي بأنني أبرع من قام بالأدوار العاطفية ".
وعلى الرغم من طبيعة كلماته المداعبة , فقد وجدت كيري أنها تزداد أستلطافا له وهذا ما ظهر بشكل واضح على وجهها , والأغرب من ذلك أنها بدأت تتساءل عن الشعور الذي قد ينتابها وهي بين ذراعي بول .
وقبل أن يصلا الى أسفل السلم وضع بول ذراعه عليها ليساعدها في الهبوط , كانت المسة كافية لأدخال شعور جديد في نفس كيري , فهي المرة الأولى التي تحس بأن رجلا يسير الى جانبها وأنها فتاة طبيعية غير قادرة على مكافحة ذلك الشعور , ليس الآن في أي حال , كل ما كان في وسعها أن تفعله هو ترك العنان لذلك الشعور والأستمتاع به حتى أنها أقرت بذلك في أعماقها , كان الأحساس في منتهى السعادة , بدت كيري غارقة في أفكارها لدرجة أنها تعثرت على الدرجة الأخيرة ولولا الذراع التي كانت حول خصرها لوقعت على الأرض.
" أنتبهي".
وضحكت كيري في نفسها وتساءلت( أنتبه مما يا ترى السلم أو منه؟).
وشدّ بول ذراعه حول خصرها وهو يقول مؤنبا:
" أيتها العفريتة الصغيرة".
وأدركت كيري في لحظة أنها كانت تلعب بالنار فقد وجدت نفسها فجأة مشدودة الى كتفي بول القويتين دون أن تكون لها أية فرصة للمقاومة , بل على العكس كانت تشعر بالأسترخاء وبأرتعاش يدب في أوصالها , قال بول بصوت عميق:
" أذا لم تتوقفي عن أبداء مثل هذه الملاحظات المستفزة فعليك أن تعلمي كيف تتقبلين النتائج".
وأحست كيري أن دقات قلبها أصبحت قوية كقرع الطبول بشكل لم تألفه من قبل , وأن قواها بدأت تخور وتجعلها تترنح في مشيتها , ولم تكن تفهم كيف أصبحت غير قادرة على المقاومة وهي التي كانت مليئة بالحياة والضراوة , كان بول قريبا منها لدرجة أنها كانت تشعر بأنفاسه تلهب وجنتيها وبشكل عفوي أغمضت عينيها مستسلمة للقدر, وخرجت من نشوتها على صوت بول وهو يقول:
" لندع الأمور عند هذا الحد".
وبلعت كيري ريقها بصعوبة ونظرت اليه ولكنها للحال أبعدت نظرها عنه , كانت القشعريرة لا تزال تدب في أوصالها ويد بول الدافئة مستلقية على كتفها.

تمارااا 02-06-11 02:23 AM

الله يعطيك العافية

نيو فراولة 02-06-11 09:32 AM

3 - لا ....... ليست جبانة



لم يحدث أي شيء يذكر بعد أن نزلا من الشرفة العليا , قد راقصها بول ثم أختفى ليتحدث الى فالما تاركا كيري في حيرة , ثم جاء كلفن وقد خامره أحساس خفي بالخطر وقادها الى حلبة الرقص , ولكنها كانت بسلوكها الأخرق المتعمد أن تتشاجر وأياه بشكل جدي لأول مرة في حياتها.
كان الوقت متأخرا عندما أوت كيري الى فراشها في تلك الليلة ومع ذلك أستيقظت باكرا , أخذت تطوف الغرفة وهي تحدق بصورتها في المرآة , كان هناك شيء غريب في منظرها لا يمت اليها بأي صلة بل بعكس صورة كيري دروين التي خرجت الى الوجود الليلة الماضية , وهي صورة تستحق أحتقارها الحالي لأنها كانت تعكس شخصية فتاة ساذجة يمكن خداعها بسهولة.
وشردت أفكارها نحو بول , أنه رجل يطفح رجولة والغرور هذه هي جاذبيته الداكنة.
وشعرن كيري , وكان شعور غريب عن طبيعتها , أنها تريد الهرب من واقعها فأخفت بسرعة رأسها بين يديها وسدّت منافذ تفكيرها , وفي أضطراب متزايد أبعدت كيري عنها أحساسات الأنوقة التي أخذت تنفجر في أعماقها لتزيد الهوة العميقة التي أنشقت فجأة تحت قدميها.
كان من السهل عليها أن تشعر بالغضب الآن وهي تفكر بحادثة السلالم عوضا عن ذلك الشعور بالسعادة التي أمتلكها في تلك اللحظة , ولم تكن الذراع التي طوقت خصرها هي التي أثارت في نفسها الرعشة بل كان غيظها منصبا على كون مقاومتها خارت وهي بين ذراعيه القويتين , كانت أنفاسه حارة ولم تتابع كيري تخيلاتها بل نهرت نفسها وهي تزمجر كيف تجرأة على معاملتها بتلك الطريقة.
وشعرت كيري بتحسن كلي بعد أن أجتاحتها تلك الثورة الناقمة حتى أنها أبتسمت أبتسامة مرضية , لقد أستطاعت الآنسة دروين وبعد جهد كبير أن تفسر سلوكها ومشاعرها بطريقة مرضية للغاية وقد لا يكون تفسيرها مرضيا بالنسبة الى كيري الليلة الماضية , كيري التي كبحت ثورتها بشدة وسحقت وسخر منها وكادت تمحى من الوجود.
وبعد أن أنجزت هذا العمل الشاق , عادت كيري الى فراشها وأستلقت عليه وذراعيها تحت رأسها وهي تفكر بالنهار الذي يبزغ أمامها وترفض كليا العودة الى الوراء وهو شعور كان من الصعب عليها مقاومته على الرغم من أرادتها القوية , والشيء الذي لم تكن ترغب في الأعتراف به بالطبع هو أن كل ما حدث الليلة السابقة كان خارج عن أرادتها .
وببطء أخذت أضواء الصباح تنتشر في الطبيعة وأرتفع قرص الشمس في السماء , وأنساب تغريد عصفور على شجرة قريبة تبعه تغريد آخر , ولبرهة من الزمن ساد السكون ثم عاد العصفوران بتناوبان على التغريد في أنغام حلوة وكأنها تشكر الربيع والحب والحياة.
ولكن كيري لم تكن تشارك في هذا الشعور , فزمجرت من جديد وضربت وسادتها , لقد باءت جميع محاولاتها للعودة الى النوم لتنسى أفكارها المضطربة , بالفشل.
منتدى ليلاس

وبدت كيري وهي مقوقعة تحت غطائها وكأنها شرنقة غمر رأسها شعر ملتهب , وأستلقت مجددا على ظهرها وقد تخلّت نهائيا عن فكرة العودة الى النوم.
لعنة الله على ذلك الرجل , قالت كيري في نفسها , لماذا لا يبقى خارج أفكارها ؟ هل عليه أن يقتحم أعماقها في كل لحظو وفرصة.
وقفزت من فراشها وهي تزمجر غاضبة وأسرعت الى الحمام فأغتسلت وأرتدت ثيابها على عجل , لقد بدا لها أن العمل السريع هو الترياق لأضطرابها خصوصا وهي في زيها القوزاقي ولكن شيئا ما في أوصالها كان لا يزال ثائرا ومتأججا.
وقبل أن تنزل الى الطابق الأسفل عادت ووقفت أمام النافذة , كان كلفن يتحدث الى أحد الخدم وعندما أنتهى من أعطاء تعليماته ذهب الخادم وبقي كلفن في مكانه , بدا أكبر سنا من قبل , كان سلوكه الليلة الماضية صبياني , أما هذا الصباح فبدا رجلا ناضجا.
وكأن حدسا نبهه الى عينين كانتا تراقبانه , رفع كلفن رأسه الى فوق وألتقت عيناه بعيني كيري , ويا للعجب كانت نظراته مختلفة أيضا هذا الصباح , ولبرهة من الزمن رأت كيري بريقا في عينيه لم يكن موجودا ليلة البارحة , وناداها قائلا:
" صباح الخير , ريك يتناول فطوره الآن".
" لقد أستيقظ باكرا".
وأرتسمت على وجهه طيف أبتسامة مترددة:
" أنت نسيت على ما يبدو أننا قررنا الذهاب في نزهة هذا الصباح ( وأختفت الأبتسامة الحائرة وحل محلها شعور من الشك) هذا أذا كنت ما تزالين راغبة في الذهاب".
وتقلّصت تقاطيع كيري , كانت تدرك تماما ما يعنيه ولكنها أختارت أن تتجاهل تلميحه لشيء ترفض الأعتراف به.
" ماذا تعني؟ بالطبع ما زلت أريد الذهاب معك , ولماذا أغيّر رأيي ؟".
ومع أن تعابير وجهه الغامضة أسترخت قليلا فقد بقيت مسحة مخيمة عليه لم تستطع فك لغزها.
ورد كلفن بسرعة:
" هذا أمر ر يمكننا مناقشته الآن".
عندما دخلت كيري الى غرفة الطعام كان كلفن قد سبقها اليها وجلس الى جانب ريك , ومن حسن الحظ أن الكولونيل نريفريل كان قد تناول فطوره باكرا وغادر المنزل , بادرها ريك:
" تبدين هذا الصباح بحالة أكثر طبيعية من أمس".
وحاول كلفن لفت أنتباه ريك بعد أن رأى الشرر يتطاير من عيني كيري , ولكن ريك كان مصمما على ألا يفلت هذه الفرصة الذهبية من يده لكي يناقش شقيقته في موضوع كان يعرف مسبقا أنه سيثير غضبها .
ونفرت كيري وقالت وذقنها بدأ يرجف من الغضب:
" وماذا تعني بالضبط؟".
ولم تكن لريك أية حساسية أتجاه ذلك الموضوع , لذلك أتكأ بمرفقه على الطاولة ونظر الى شقيقته بعينين مرحتين ساخرتين ورد قائلا:
" ماذا أعني؟ كنت أتحدث عن القطة الهائمة , لقد كنت في ذهول واضح للعيان الليلة الماضية تماما كبقية الفتيات الحالمات به".
وتطاير الشرر من عيني كيري ولكنها أدركت في اللحظة الأخيرة أنه من الأفضل عدم أعطاء أهمية كبيرة للموضوع لئلا تعطي ريك برهانا على تعلقها به , ولم يكن هو في الواقع قد خطر له أي شيء من ذلك القبيل , وحاولت دون جدوى السيطرة قليلا على أنفعالها فردت بنرفزة:
" حالمة بمن؟".
وعاود ريك الكرة وقال بأستهزاء:
" ومن تعتقدين؟".
ولم تتمكن كيري من السيطرة أكثر على أعصابها فأنفجرت قائلة:
" لقد ضقت ذرعا بمضايقاتك الصبيانية السخيفة".
وأندفعت خارجة من قاعة الطعام دون أن تمس فطورها , كانت ردة فعلها غريبة وغير عادية , فهي تتمتع عادة بشهية كبيرة عند الصباح لذلك فغر ريك فمه من الدهشة بطريقة كانت بدت مضحكة في ظروف أخرى ولكن الأمر كان جديا , لحقها كلفن الى الخارج.
وجدها في الطرف الآخر من الباب الرئيسي الذي يؤدي الى الأصطبلات , كانت جالسة على العشب غير آبهة بالضرر الذي قد يلحق بزيها , تضع رأسها بين يديها وهذا أيضا كان غير مألوف بالنسبة اليها , وعندما رأته يقترب منها قفزت من مكانها وقد بدت في عينيها دلائل الحذر الفطري وشعور بالخجل المتردد في قلبها , كانت تدرك أنها تصرفت تصرفا سيئا ومع ذلك فأن الأعتراف بالخطأ لم يجعلها تشعر بحالة أفضل , كانت في غاية الأرتباك على الرغم من القرارات التي أتخذتها عندما وبّخت نفسها بشدة باكرا هذا الصباح.
وبعفوية مد كلفن يده وكأنه يحاول أمساكها من الهرب ثم أبتسم وقال:
" لست بحاجة لتكوني حذرة مني يا كيري , أنت بالطبع تعرفين ذلك".
وتطلع اليها بنظرات رزينة وعميقة ردت عليها كيري بأبتسامة كئيبة وأعترفت قائلة بصوت خافت:
" نعم أنا أعرف ذلك , أعتذر يا كيل لم أقصد الثورة بتلك الطريقة... الواقع أن ريك جرح شعوري بموضوع حساس جدا , عادة أتقبل المضايقات وأنت تعرف ذلك ولكن لا أستطيع أن أتحمل حتى التلميح الى بول دفرون".
وعض كلفن على شفتيه بقوة , فهو أيضا له رأي في الموضوع ولكنه قرر ألا يبوح به , وسأل بهدوء:
" هل عانقك البارحة؟".
وأحمر وجه كيري مجددا وردت بعنف:
"لا بكل تأكيد".
" لا يمكننا القطع في ذلك , فقد هبطت معه من الشرفة الثانية وكان له متسع من الوقت لمغازلتك هناك".
" ولكنه لم يفعل بل ولم يتجاسر".
وأنفرجت أسارير كلفن على الرغم منه وهز رأسه وقال:
" أظن أن بول دفرون هو من النوع الذي لا يقبل تحديا ولا يرفضه , وهو أذا لم يعانقك فذلك يعني أن لديه سببا غير الخوف".
وعبست كيري وهي تعتقد أن كلفن يشك في كلامها وقالت بنبرة مؤكدة وهي تشدد على كل كلمة:
" أنه لم يعانقني وهذه هي الحقيقة".
وتحولت أبتسامة كلفن الى قهقهة عالية وقال:
" حسنا , أنني أصدقك , ولا أعتقد أن هناك رجلا , حتى بول دفرون , يجد في نفسه الشجاعة لمعانقتك".
وأرتسمت على وجه كيري أبتسامة مترددة وقالت:
" لا أدري من منا هو الأحمق الأكبر".
وشعر كيل بالأرتياح , فقد ذاب الجليد بينهما وقال:
" الآن وقد تلاشت العاصفة وتحولت الى دمدمة في البعيد , لربما أستطعت أن تخبريني بكل شيء عن القضية".
" لقد تبعني بالفعل الى الشرفة كما قلت , وأظن أنه كان متضايقا لأنني رفضت جائزة ذلك اليانصيب السخيف , ولكنه بدا لطيفا جدا معي وقد سايرته بدوري بهدف التخلص منه دون أن أترك له أي مجال للأسترسال في حديثه , وفي أي حال أنه كان يعتقد أنني واحدة من المتيمات به فأن تصرفي لا بد أن يكون قد أثناه عن أي عمل ينوي القيام به , وأعتقد أنني نجحت في خطتي , لا أظن أننا سنراه مرة ثانية".
ولمدة أسبوع لم تشاهد كيري بول دفرون ,وقد سمعت من مصادر عدة في البلدة أن فريق الفيلم السينمائي يعمل بكد لا يعرف الكلل حتى أنه لم يشارك في أي نشاط أجتماعي , وكانت كيري تتظاهر بعدم الأكتراث لأخباره ولكنها كانت دائما تصغي اليها.
وقد أستطاعت كيري خلال ذلك الأسبوع أن تغربل أفكارها , فهي غير قادرة على البقاء جبانة الى الأبد , ومع أنها قد ترفض مواجهة الحقيقة في الوقت الحاضر غير أنها أعترفت على الأقل بوجود تلك الأحاسيس الغريبة التي شعرت بها ليلة الكرنفال , وقد تلاشت كليا أو البعض منها , وهذا جزء من الواقع لا تزال تتردد في الأعتراف به , وكانت تحس بالذهول أحيانا عندما تجد نفسها تتساءل ماذا كان سيحدث لها لو أن بول عانقها وهما على السلم أو لو أنها كانت في القاعة ساعة سحبت الورقة الرابحة.
وفي غضون ذلك كانت الحياة تسير على رتيبتها , فكيري كانت تساعد مالي في شؤون المنزل وكذلك في المطبخ , وكان هناك عمل دائم في الصباح لا يترك لها مجالا للأمعان في التفكير ولكن بعد الظهر هناك متسع من أوقات الفراغ , وهناك كان يكمن الخطر , وكانت كيري غالبا ما تتأبط كتابا وتذهب الى الحدائق الوارفة الظلال تسعى جاهدة لتركيز أفكارها على كتابها دون سواه , وفي أحيان أخرى كانت تجلس في الغرفة الكبيرة ذات النوافذ العريضة والأرضية المصقولة حيث كانت أمها تمارس الرقص وحدها حبا بهوايتها , وكيري أيضا أستخدمت الغرفة , كان شعرها الناري يتطاير كاللهب وهي ترتدي لباس الباليرينا وترقص برشاقة وقد طفح وجهها بنضارة يافعة , فهي الى جانب هوايتها ركوب الخيل كانت تهوى الى حد بعيد الرقص أيضا.
ووقفت كيري بلا حراك على رؤوس أصابعها بعد أنتهاء الموسيقى , كانت تنتعل حذاء أمها الذي يناسبها كما تناسبها الأزياء الشفافة التي لا تزال معلقة في الخزانة , وهذه هي واحدة من المرات النادرة التي كانت ترتدي فيها فساتين نسائية , أرخت يديها مشت الى الصوة الملونة الموضوعة داخل أطار والمعلقة على الحائط , كانت مرغريت لامبير أمرأة جميلة وترتدي الثياب نفسها التي ترتديها كيري في تلك اللحظة , حذائين ورديين وتنورة بيضاء شفافة للبالبرين وتاج من الريش الأبيض على رأسها في دور أميرة البجع كانت الصورة بالنسبة الى كيري دروين وكأنها خارجة من أحدى حكايات الجن وكان يبدو من غير المعقول أن تكون هذه الصورة هي صورة أمها , ولكنها كانت دائما تحبها وتمتمت كيري بنعومة:
" أماه ليتني عرفتك".
ثم أبتسمت بشيء من الخجل وقد شعرت أنها تخاطب نفسها وعادت الى الحاكي لتقلب الأسطوانة.
منتدى ليلاس

وفيما هي واقفة أمام الحاكي , دخلت مالي الغرفة , ولم تبد أي دهشة لدى رؤيتها في الثوب الأبيض , وهذا يعني أنها كانت موافقة لأنها كانت تخوض حملة طويلة وشاقة لجعل كيري ترتدي التنانير وحتى الآن لم تنجح , وسألت مالي بعد برهة وعيناها معلقتان على الثوب الأبيض الذي أضفى كلى كيري مسحة من الأنوثة.
" هل ستذهبين اليوم الى ريلستون؟".
" أجل سأذهب( كانت كيري هي التي تقوم بشراء حاجات المنزل من البلدة , وتابعت) أعطني لائحة المشتريات وسأذهب حالما أغير ملابسي ".
" لست مضطرة للذهاب الآن , أنها حاجات غير ملحة".
ونظرت كيري الى ساعتها وهزت كتفيها وقالت:
" ليس لدي أي عمل أقوم به الآن , سأذهب وأسرج سموكي".
ووضعت اللائحة في جيبها وخرجت بعد أن غيّرت ملابسها .
كان جودي يقطع الأعشاب الضارة من الحديقة عندما مرت أمامه في طريقها الى الأصطبل , فتوقفت في نزوة عابرة وقالت:
" على فكرة أشكرك يا جودي على موضوع المفرقعة".
كان وجهها في غاية الجدية بخلاف عينيها , وأنتصب جودي واقفا ونظر اليها نظرة بريئة مبالغ فيها ورد:
" المفرقعة ؟ وماذا بشأنها؟".
وزمت كيري فمها علامة التقدير , فأملها لم يخب بالخادم الأمين , وتابعت:
" أن فرسان القوزاق الثلاثة يشكرونك من صميم قلوبهم".
وأتسعت عينا جودي الزرقاوان ورد بشيء من اللوم:
" تعنين تلك الليلة , كانت شمعات المفرقعة مبللة , أنت لا تظنين بأنني أفتعلت الأمر يا آنسة كيري؟".
وضحكت كيري ضحكة خافتة وحدقت به بنظرات مرحة وردت قائلة بنعومة:
" أيها العفريت يا جودي , أنت تعرف تماما ما أعنيه.... شكرا مرة ثانية.
ولم تحث الحصان في سيره وهي تغادر المنزل , فمالي لم تكن في عجلة من أمرها وكان اليوم جميلا لذلك تريثت كيري في طريقها , وكان الشعور بالراحة والهدوء يخيم دائما وبسهولة عليها وهي تدخل أرض المستنقعات ولكن اليوم لم يدم ذلك الشعور طويلا , فعلى بضعة أميال من ريلستون وقع بصرها على فريق الفيلم من البعيد , وللحظة شعرت بدافع خفي يحثها على التوجه الى حيث كان يعمل الممثلون ولكنها ما لبثت أن ضبطت نفسها , فهم على الأرجح لن يسمحوا بدخول الزوار غير المأذون لهم وفي أي حال لا يوجد أي شخص هناك ترغب في زيارته كصديق.


لا أحد ؟ كان صوت خفي يهمس في مخيلتها وشعرت كيري بشيء من السخط.....
أجل لا أحد شددت كيري على الكلمة , حتى ولا بول دفرون , وعلى الأخص بول دفرون ,ووقفت مشدوهة عندما أدركت أنها كانت تتمنى بشيء من السرور رؤيته من جديد.وقالت لنفسها : أنك تتلهفين لبعض المشاكل يا صغيرتي , وأخذت تبتعد عن المكان وهي تردد : بحق السماء لماذا أنوق لرؤية بول دفرون مرة ثانية ؟ ولكنها ما كادت تسير بعض الأمتار حتى أستدارت قليلا لتلقي نظرة الى الوراء وعندها دركت فجأة الخطر الذي يحدق بفريق الفيلم , وحتى في تلك اللحظة لم تدرك الخطر على الفور , فمن المكان الذي تقف فيه كانت الأرض على بعد قليل تنزلق بحدة وبشكل خطير للغاية , وكانت بعض التلال تحيط بالمكان تغطيها الأعشاب الكثيفة حيث كانت الطريق الضيقة المؤدية الى مكان التصوير تتفرع الى ثلاث سكك صغيرة مخفية المعالم , وكانت فالما كنت تتقدم دون أكتراث على أحداها , وفجأة أدركت كيري مكمن الخطر فأصفر وجهها وبدون تردد حولت سموكي واندفعت به الى جانب التلة , كانت فالما بعيدة في السكة التي تسير عليها وكانت الكاميرات تلحق بها على بعد أمتار قليلة وتلتقط لها صورا عن بعد.
وتمتمت كيري ( يا لهم من أغبياء) وكانت تلهث وهي تتوقع أن ترى الممثلة الشقراء تتعثر فجأة وتهوي في المصيدة الخفية القريبة جدا منها تماما في هوة غورني بوغ القاتلة ألم يروا اللافتة على الطريق؟
وحاولت كيري وهي تنهب الأرض أن تلوح بيديها لتلفت أنتباههم فالسكة التي كانت عليها فالما هي أخطر السكك الثلاث وكان بأمكانها أن تقع في أية لحظة في الحفرة الخفية , وحاولت الصراخ والتلويح في آن واحد وكل ما حصلت عليه في المقابل , تلويحة ودية من طاقم الفيلم الذي كان منهمكا في عمله غير مدرك لما يجري حوله , ثم رآها طوم ماريوت مسرعة نحوهم فلوّح لها بشدة في محاولة لأبعادها عن مكان التصوير , ومهما كان مشهدها رائعا وهي تقود حصانها بتلك الصورة الجنونية فهو لم يكن يستسيغ ذلك لأنه سيفسد اللقطة.
وأخيرا سمع ما كانت تقوله كيري وعلى الفور أنتابته رعشة من الخوف خطفت الألوان من وجهه وجعلته شاحبا كالموت.
" فالما على سكة خطيرة".
وتعالت صيحات عالية فوق ضجة الكاميرات وتوقفت فالما وألتفتت الى الوراء , وبكل بطء وحذر رجعت على أعقابها , وكانت كيري أكثر الحاضرين توترا فهي وحدها تهرف خطورة السكة , فأي أنحراف الى أحدى الجهتين يعني الموت.
وفي تلك اللحظة تقدم رجل طويل القامة أسمر الوجه يرتدي زيا من أزياء الغجر في السكة , فصرخت كيري من جديد.
" أنها ضيقة ولا تتسع لشخصين".
ولكن بول دفرون لم يتوقف , وأحست كيري أن شعور العداء الذي طغى عليها خلال الأسبوع قد تلاشى في تلك اللحظة وحلت محله وخزة من القلق الحاد.
وتعثرت فالما في اللحظة التي وصل اليها بول , ومد يديه نحوها وثبتها في مكانها , وبخطى وئيدة سارت أمامه وقد شحب وجهها ووصلا بعد مشقة الى الأرض الصلبة , كانوا جميعا جابسين أنفاسهم وما أن زال الخطر حتى تنفسوا الصعداء , وجمعت فالما قواها وأبتسمت وهي ترد على طوم ماريوت الذي بدا عليه القلق الشديد.
" أجل أنا بخير , أنا دائما أشعر برعب من المستنقعات".
ورد طوم على الفور:
" ولماذا لم تخبريني بذلك , كنا أستخدمنا بديلة عنك".
وأجابت فالما بعزيمة عنيدة :
" أنا لا أؤمن بالبديلات ليقمن بأدوار أكاد لا أخاف منها , ولو كان الأمر يتعلق بشيء لا أستطيع القيام به فذلك أمر أوافق عليه ولكنني أستطيع السير في أرض المستنقعات شرط أن يكون الدرب الصحيح".
ووقف ماريوت أمامها بقامته المربوعة وقال بعبوس :
" سنستخدم بديلة , أنه القرار النهائي , سنستخدم بديلة عنك لهذه اللقطات".
" كلا لا أريد".
وتحرك سموكي بتململ وفجأة شعرت كيري أنها وحيدة وما من أحد مهتم بوجودها , فكل الأنظار كانت مركزة على فالما وماريوت , كانت كيري الشخص الغريب عن الطاقم تقف بعيدا عنه , فنكزت سموكي وهمّت بمغادرة المكان دون دعوة وبدون مراسيم , تماما كما وصلت ولكن يدا أمسكت بها وأوقفتها , ونظرت الى جانبها فرأت بول دفرون قد أقترب منها بهدوء ووقف وراءها , وفي تلك اللحظة تمنت كيري لو أنها هربت دون أبطاء.
قالت كيري وهي تلوي شفتيها بطريقة تعني فيها أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تحدث للمثلين :
" حسنا.....".
وضاقت حدقتا بول , لقد كان أذن على صواب , لقد وبخت الآنسة دورين نفسها على ما يبدو على هفوتها ليلة الكرنفال , كان عليه أن يستغل الأنتصار الذي حققه ويتصل فورا بها في اليوم التالي عوضا أن يترك لها المجال لتعزيز موقفها , ولكن الأعمال كانت كثيرة وهو لم يترك في أي من الأوقات مشاكله الشخصية تتداخل في مهنته ما لم تكن القضية في غابة الأهمية , كان غنيا بما فيه الكفاية مما يجعله لا يكترث كثيرا للمال في حال توقفه عن تمثيل فيلم آخر , ولكن طوم ماريوت قد وظف أموالا طائلة في مشروعه الحالي , لذلك فهو يدرك مسؤوليته الكبيرة كنجم في الفيلم .
وتطلع بول الى كيري وقال فجأة :
" أنت يا جبل الجليد , ما هي المشكلة الآن ؟".
وتطلعت كيري الى البعيد رافضة أن تنظر الى عينيه , لقد أحست أن نبرة صوته كانت تنم عن شيء من التسامح العاطفي ولكنها رفضت أن تسيطر عليها.
" لا شيء على الأطلاق , لماذا تعتقد أنني أشكو من أمر ما؟".
" هذا ما أتساءله! أنت مخلوقة محيّرة يا كيري , لقد أثرت قضية ضدّي خلال الأسبوع الفائت , هذا ما أشعر به , ما هي المشكلة؟".
وتململت كيري في جلستها , لقد أربكها حدسه العميق وأرعبها في آن واحد , فهي لم تستسغ قدرته على قراءة أفكارها بهذه السهولة كما لو أنها صفحة من كتاب مفتوح أمامه , وردت وهي تحاول أن تبقي رنة اللامبالاة في صوتها دون قناعة من نفسها:
" أنا لا أدري عما تتحدث عنه , في أي حال لماذا تعتقد أنني أود أثارة قضية ضدّك كما تدّعي؟".
" هذا ما أود معرفته , حتى المجرم له الحق في أن يدافع عن نفسه يا كيري".
" لم أسمح لك على ما أعتقد بأن تناديني كيري".
" أذن آن لك أن تسمحي لي بذلك , وحاولي أن تتوقفي عن النظر اليّ بكبرياء ( وقبل أن تتمكن من أيقافه كانت يداه القويتان تمسكان بها وترفعانها عن السرج كالريشة وتنزلانها الى الأرض وهو يقول ) هذا أفضل , كنت تخلقين في نفسي عقدة النقص وأنت جاثمة فوق صهوة الحصان ".
منتدى ليلاس

وبعفوية ظاهرة أرتسم طيف أبتسامة ولكنها أستطاعت أن تقول :
" أكاد لا أتصور أنك تصاب بعقدة النقص أيا كانت الظروف ".
" ها قد عدنا مجددا , أيتها السيدة الصغيرة أذا أستمريت على هذا النمط فسأضطر الى اللجوء لطريقة أخرى تجعلك تفقدين أعصابك عن حق".
وتلاشت رباطة جأش كيري في حمرة الخجل وقد أمسك بول بأحدى يديها وشدها دون أن تجد في نفسها القوة لسحبها وقال بهدوء:
" كيري هلاّ قلت لي ما الذي يثيرك ضدي؟".
وبلعت كيري لعابها بصعوبة , كان بول جادا في قوله الآن ووجدت أنه من الصعب وقف الضعف الذي أخذ يسيطر عليها حتى أن الحجج الساخرة والواهية التي غالبا ما كانت ترددها لم تعد تنفع الآن .
" ألا تنوين أن تقولي لي ما يثيرك ضدي ؟ ألآنني بول دفرون ؟ ( وبرقت عينا كيري وهي تنظر اليه , فأبتسم وأضاف ) لست سيئا كما يروّج البعض وأنت تعرفين ذلك , أنه صيت غزته الدعاية وبعض الحوادث التافهة لم تكن تعني شيئا في البداية قبل أن تضخمها الأشاعات".
وبصورة خارجة عن أرادتها طفح وجهها بأبتسامة عارمة وردت بوقاحة :
" لا دخان من غير نار".
وأعترف بول بأيماءة كئيبة يرثى لها:
" أخشى ذلك أيضا , أنني أنسان من لحم ودم".
أنفجرت أساريرها بأبتسامة عريضة تحولت على الفور الى ضحكة عالية , ورويدا رويدا وبعناية كبيرة أخذت المصيدة تطبق عليها.
" رائع ( قال ول وأضاف) والآن هل تعتقدين بأن بأمكانك أن تقولي لي لماذا تكرهينني؟".
" أنني في الحقيقة لا أكرهك ( كان صوتها خافتا ولم ترفع رأسها عن الأرض ) أنه مجرد... أنك ممثل سينمائي وكنت أجهل.....".
وتقطعت نبرات صوتها فأخذ بول يدها الأخرى وتابعت بسرعة:
" كنت أظن أنك غاضب لأنني لم أشأ أن تعانقني ".
ووضع بول سبابته تحت ذقنها ورفع رأسها وقال:
" سأكون دائما صادقا معك يا كيري , هل تصدقينني؟".
وتمتمت كيري بخجل وهي تبعد نظرها عنه ولكن لسبب آخر:
" أجل أنني أصدقك".
وأغتنم بول الفرصة وقال:
" أما فيما يتعلق بالقضية الأخرى. فأنني دائما أسدد ديوني".
" ذلك دين لن تسدده على الأطلاق".
وخرجت الكلمات من بين شفتيها بقوة متحدية ولو كانت لديها الخبرة الكافية لأدركت الخطر الكبير الذي قد تتعرض له من جراء ذلك التحدي , ولمعت عيناه ورد قائلا:
" وكيف ستمنعينني؟".
وأخذت يداه تداعبان يديها برفق فشعرت كيري أنها بدأت تفقد ما تبقى لها من سيطرة وأنتابها أضطراب شديد فردّدت في نفسها أن ما يحدث لها أمر غير معقول.
وألقت نظرة عصبية حولها , بكل تأكيد أنه لن يعانقها أمام الجميع ؟ ومع أن أفراد الطاقم توجهوا نحو المطعم المتنقل على مسافة قريبة ألا أنهم كانوا على مرمى حجر منهما , وعادت وكررت في نفسها أن وجود الآخرين قد لا يردع بول عن عمله فهو معتاد على المشاهد العاطفية أمام أعين الجماهير.
وفي الوقت الذي أخذ العجز يتحوّل الى شعور يائس , ترك بول يديها ووقف ينظر اليها بشيء من المرح الساخر وهو يقول:
" لا تقلقي , فعندما سأقرر دفع ديني فذلك لن يكون أمام أعين الناس , ( وتعمقت السخرية في عينيه وهو يرى الأرتياح وقد أرتسم على محياها من جديد ) لقد أردت الآن أن أعاملك بالطريقة نفسها أي كجبل من الجليد , فنحن متساويان , هل نعقد الصلح؟".
ومد يده نحوها غير أن كيري أبقت يدها متدلية على جنبها وقالت بأبتسامة :
" حسنا أنني أعدك بذلك".
وبعد هذا الأتفاق مدّت كيري يدها نحوه فأمسك بها بول وضغط عليها ولكنه ما لبث أن حررها قائلا:
" الآن وقد أصبحنا صديقين فهل تقبلين دعوتي لتناول العشاء غدا مساء؟( ورأى التردد على محياها فأضاف مطمئنا ولكن مع أبتسامة مداعبة) الدعوة ستكون في مكان محترم , في الفندقمثلا حيث نستطيع الرقص أيضا , ولكي تشعري بالأمان سأدعو أيضا فالما وطوم كحارسين كما أعدك بأعادتك الى المنزل قبل منتصف اليل , هل أنت موافقة؟".
وأبتسمت كيري بخجل وقالت بأحتشام:
" شكرا , لقد قبلت الدعوة".
وأحست بالدهشة تنتابها وبشيء من الأرتباك , عندما أدركت أن أول موعد لها في حياتها سيكون مع بول دفرون نفسه .
" حسنا , سآتي لأصطحبك غدا الساعة السابعة والنصف مساء , يبدو أنه وقت الطعام , هيا معي وبأمكانك أن تخبرينا عن المستنقعات واللافتات المحذرة المنسية".
وبدون أية مقاومة سارت كيري الى جانب بول في أتجاه المطعم المتنقل.
كانت مالي تعمل في المطبخ تعجن الطحين وهي مشمرة عن ساعديها عندما دخلت كيري ورمت بنفسها في مقعد وحدقت في جزمتها المصقولة بمزاج معكر , ولم تتفوّه مالي بكلمة حتى أنها لم ترفع رأسها عن الوعاء , فهي تعرف جيدا أن كيري سوف تفتح لها قلبها أذا كان هناك من أمر يثقل كاهلها , وأخيرا قالت كيري:
" مالي ماذا كنت سترتدين لو أنك دعيت لفندق غالغرتون لتناول العشاء ثم الرقص؟".
وتوقفت مالي على الفور ولكنها عادت الى الوعاء وكأن السؤال من النوع الذي كانت كيري تطرحه عليها كل يوم مع أن صوتها هذه المرة كان ملحا في اللامبالاة أكثر من أي يوم آخر.
ردت مالي وهي تتساءل عما تقصده سيدتها الصغيرة:
" فستانا خاصا على ما أعتقد".
" حسنا ( قالت كيري وكان دماغها يعمل بسرعة هائلة وتوصلت في النهاية الى قرار مرضي فأضافت بفرح ) أذن أنا لست مضطرة للذهاب , فأنا لا أملك فستانا خاصا".
" لست مضطرة للذهاب الى أين أيتها السيدة الصغيرة؟".
ودارت كيري على نفسها وفجأة رأت والدها الذي جاء من الحديقة على نحو مفاجىء متكئا على باب المطبخ , وشعرت بالتوتر والقلق وهو ينظر اليها بعينين متسامحتين .
" أين قلت أنك ستذهبين ثم عدلت عن رأيك؟".
وكست وجه كيري حمرة الخجل تحت وطأة أنظار والدها الثاقبة , فوثبت واقفة وتمتمت بتلعثم وبشيء من الغموض:
" ليس الى مكان معين".
" دعك من هذه المراوغات , أين كنت تزمعين الذهاب ثم عدلت؟".
" لقد دعاني بول دفرون لتناول العشاء ولكنني لا أملك فستانا لائقا لذلك فأنني لا أستطيع الذهاب".
" تعالي معي يا كيري , سنتحدث قليلا , ( قالها بلهجة آمرة)".
وجرت كيري نفسها الى جانب والدها خارج المطبخ عبر الرواق الذي يؤدي الى مكتبه.
فتح الباب وأومأ اليها بالدخول , وبنظرة تنم عن الخوف , دخلت كيري المكتب كما أمرها والدها , هنا أيضا كانت صورة كبيرة لأمها داخل أطار وقد أرتسمت على وجهها أبتسامة عابثة , معلقة على الحائط , وبصورة تلقائية ردت كيري الأبتسامة ثم تذكرت جدية الموقف فجلست على ذراع كرسي مستقيم الظهر ونظرت الى أبيها , كان يحدق هو الآخر فيها محاولا أخفاء الأبتسامة عن وجهه.
" والآن ....... ( قالها بلهجة صارمة ) لنعد الى موضوع الذهاب وعدم الذهاب".
" أجل ماذا؟".
" لنبدأ من البداية , أعتقد أنه لم يكن هناك أي أكراه , أيا كان , أجبرك على قبول تلك الدعوة , أليس كذلك؟".
" كلا لقد قبلت بأرادتي".
ونظر اليها مليا وقال بلهجته القاسية التي لم تلن:
" والآن فأنك لا تريدين الذهاب؟".
وتململت كيري في جلستها وحدقت في يديها بعبوس وتمتمت:
" لا أدري".
" هذا ليس عذرا ( قال ريتشارد وهو يجلس وراء مكتبه دون أن يحيد بصره عنها وأضاف ) ألست معجبة ببول دفرون؟".
لقد بدأ الحديث ينزلق على دروب خطرة , وتمنت كيري لو أنها أستطاعت عدم الرد على السؤال ولكنها أدركت وهي تعرف والدها جيدا ألاّ مفر من الأجابة , فهو في أنتظار جواب وجواب صحيح وصادق.
" كلا... ( قالت وهي لا تجرؤ على النظر اليه ثم أضافت بتردد) أجل .... أعني أنا لا أعرف , أنني أستلطفه عندما أكون بقربه ولكن عندما أبتعد عنه أحس بتغيير".
" رأيي هو أنك تتخبطين في أمر يا عزيزتي الصغيرة , وهذا الأمر هو مجرد جبن , فأنت تخافين من تقبل بعض الملاحظات اللاذعة حول موعدك الأول خصوصا بعد ملاحظاتك أنت بهذا الخصوص , أليس كذلك؟".
" كلا , هذا ليس صحيحا , يبدو أنك تدفعني لتناول العشاء مع رجل لم تلقاه بعد ويتمتع بصيت مثل صيت بول دفرون".
ولمعت عينا ريشارد دروين بغضب وقال :
" أنت ما زلت في عمر لا أتوانى معه من تلقينك درسا مفيدا أيتها الصغيرة , وفيما يتعلق ببول دفرون فعلى الرغم من أنني لم أعرفه أبدا فقد تحدثت مطولا مع الكولونيل نريفريل في هذا الموضوع , أنا على أتم الأستعداد لأثق برأيه , أنه يستلطف بول دفرون ويثق به , فهل كنت تعتقدين أنني سأشجعك على الخروج مع أي شخص أجهل كل شيء عنه ... خصوصا بعد الذي حصل في حفلة الكرنفال".
وثارت كيري من جديد وردت:
" لم يحدث شيء في الحفلة".
ونظر اليها بطرف عينيه , ورد قائلا:
" يجب أن تشكري بول دفرون على أنه لم يحدث شيء , لقد نظّم اليانصيب بروح التسلية وكان قدم لك خدمة كبيرة لو أنه عانقك أمام الجميع عندما عاد الى القاعة , لقد جعلت الصحف منه موضوع سخرية وتندر".
" هل فعلت ذلك؟".
" بالطبع , ولو أنك قرأتها لعلمت بالأمر".
وعادت كيري وسألت بصوت خافت:
" وماذا قالت الصحف؟".
" كالعادة , ( عاشق هوليوود الذائع الصيت تصده فتاة من ديفون مورس) وعنوان آخر ( بول دفرون يحصل على " لا " قاطعة , ( وهزّ كتفيه وأضاف ) لقد سخرت الصحف كثيرا من موقفه , ولكنه قابل هذه الحملة بشجاعة فائقة , والآن جاء دورك , فقد تواجهين سخرية لاذعة ".
وفكرت كيري في الموضوع مليا , لم يطرأ على بالها أن بول هو الذي سيتحمل أكثر منها نتائج العشاء , هذا أذا قبلت في النهاية الدعوة , ولكن يبدو أنه لا يوجد أي شك في أنها ستقبل الدعوة , فكرامتها تملي عليها واجب الذهاب ليس فقط كرامتها فهناك بالطبع متعة في حد ذاتها , وقررت كيري أن تتوقف عند هذا الحد.
" أنا آسفة يا ألي ( وتمتمت متلعثمة ) أعتقد أنه.... بسبب خجلي , أعني أنه غريب تماما بالنسبة الي".
وضحك دورين وبحنان وضع يده حول كتفيها وقال:
" بالطبع كل فتاة تتلهف لرفقته, أنك تنضجين الآن ومن الطبيعي أن تلمسي في نفسك تغييرات على الرغم أرائك حول موضوع العلاقا العاطفية".
ورفعت كيري رأسها وعادت الأبتسامة المشاكسة ترتسم على شفتيها وردت بشيء من العصبية:
" أنا لم أتغير وكذلك لم يتغير تفكيري".
وبرقت عينا دورين وقال موافقا بسرعة:
" بالطبع , ولكن هذا يجب ألا يمنعك من قضاء سهرة ممتعة , أنت تحبين الرقص أليس كذلك ؟ ومن الأقوال التي سمعتها عن بول دفرون أنه راقص بارع".
وترددت كيري , وشرت أنها كرقاص ساعة , كان هناك التردد القديم في أعماقها الذي يحثها على عدم رفع راية الأستسلام , وفي الوقت نفسه تشعر بخوف غريب من جاذبيته الطاغية, كان القرار صعبا لذلك عاودت الككرة وقالت:
" المشكلة زلّت على حالها , ليس عندي فستان لائق للسهرة".
تساءلت هل ما شعرت به لتوها هو أرتياح داخلي أم خيبة أمل.
منتدى ليلاس

" أليس عندك أي شيء يناسب الدعوة؟".
وهزت كيري رأسها , فالقضية لا تحتاج الى وقت طويل لأيجاد حل لها , لديها ثوبان فقط.
" كلا الفستانين لا يناسبان الحفلة ( وأضافت بعد لحظة ) وكلاهما لا يلائمان مقاييس جسمي".
ومرر ريتشارد دورين أصابعه في شعره بشيء من الحيرة وقال:
" في هذه الحال يجب أذن أن نشتري لك فستانا جديدا".
وهزت كيري رأسها معارضة وقالت بشدة :
" كلا , نحن لا نستطيع تحمل مصاريف جديدة ".
وهز دورين رأسه وهو يفكر:
" يجب أن أعترف بأنك على حق , لقد هبطت أسعار الأسهم من جديد الى الأسوأ , لذلك يجب أن نزيد من التقشف في المستقبل".
ونظرت اليه كيري نظرة بائسة وفكرت ببعض الأمور التي يمكن الأستغناء عنها , ثم قالت:
" لماذا لم تطلعني على الأمر ؟ لقد طلت منك في الماضي أن أجد عملا مناسبا , وسأبحث الآن بجدية عن وظيفة , ( وتابعت بصوت حازم) أن مالي لا تحتاج الى مساعدة في تدبير المنزل".
ووافق دورين على مضض أنه سيفكر بالأمر , وأضاف:
" وفي أي حال ليس في الوقت الحاضر , فالمشكلة الملحة الآن هي أيجاد فستان لائق بك".
وأخذ يذرع الغرفة ذهابا وأيابا وهو غارق في تفكيره , وفجأة توقف وألتفت وصرخ بصوت منتصر كالأطفال أرعبها قليلا:
" لقد وجدته , سترتدين أحد فساتين والدتك الذي كانت ترتديه لرقص الباليه ( وأضاف وقد رأى الدهشة ترتسم على وجهها ) تعالي معي سنذهب ونفتش الخزانة".
ثم أمسكها بيدها وجرها خارج المكتب , وأندفع دورين الى السلم وهو يكاد يرفع كيري عن الأرض من شدة حماسه وفتح باب قاعة الرقص ووقف ينظر الى صف الفساتين المعلقة بعينين باحثتين.
وأنتقل الحماس الى كيري أيضا فسحبت فستانا من المجموعة كان يستحوذ على أعجابها هو عبارة عن تنورة أنيقة فضفاضة وصدارة مصنوعة من الحرير الأبيض مزركشة بنتف ريش بيضاء ومثبتة بشريطين مصنوعين أيضا من الريش الأبيض.
" أذهبي وضعيه عليك".
قال ريتشارد بحماس شبيه بولد صغير طرأت له فكرة مفاجئة بارعة , وفيما كانت كيري تختفي وراء الستارة , أخذ هو يفتش عن حذاء ملائم فوجد حذاء فضيا مشابها لحذاء الباليه الأصلي ولكن بكعبين عاديين ,فناداها بأعلى صوته:
" لقد حلت مشكلة الحذاء أيضا , لقد وجدت حذاء لوالدتك يشبه حذاء الباليه ولكنه أكثر راحة ويناسب الحفلات".
وأطلت كيري من وراء الستارة فألقى عليها نظرة تمت لأول وهلة على موافقة صامتة , وبلع ريقه بصعوبة وهز رأسه قائلا:
" أجل أنك تنضجين يا كيري".
وتطلعت كيري بشيء من الأستغراب الى التعبير الذي أرتسم على وجه أبيها ولكنها قررت ألا تعلّق عليه , وسألت بأضطراب :
" هل تعتقد أنه سيكون ملائما؟".
" أنه يفي بالغرض تماما".
وأمعنت النظر الى الطرف الأعلى من الفستان بعينين نافذتين وقالت :
" ألا تعتقد أنه مكشوف ؟".
ورد على الفور:
" لا تكوني سخيفة , أنه أكثر حشمة من معظم فساتين السهرة , في أي حال لقد أرتديت الفستان من قبل عندما كنت ترقصين في هذه الغرفة".
" هذا وضع مختلف ( أعترضت كيري) لم أذهب أبدا ألى المدينة وأنا مرتدية هذا الزي".
" أنت غير معتادة على أرتداء فساتين السهرة , هذا كل ما في الأمر , هناك سترة مخرمة وصغيرة بأمكانك وضعها على كتفيك , أنها في الأسفل وسأحضرها لك فيما بعد , أعتقد بأنك ستحتاجين اليها عندما تعودين في آخر السهرة على الرغم من أن الطقس يميل الى الدفء غدا".
وأبتسمت كيري وهي تتبع بنظراتها والدها وهو يخرج من الغرفة , وعادت الى وراء الستارة وخلعت فستان الرقص وأرتدت ثيابها العادية , كانت أفكارها قد عادت الى الوراء وتوقفت عند أمور قالها والدها قبل قليل , هل هي جبانة حقا؟ هل كان ترددها في قبول دعوة الغد متصلا برغبة في تجنب تصرفات لاذعة كانت تعرف أنها ستواجهها ؟ ولكن كان هناك أمر واحد تعرفه هي جيدا , وهو أن كيري دورين لم تكن جبانة على الأطلاق , وقررت في نفسها أن تدعهم يتكلمون على هواهم , فهي تحب الرقص وبول دفرون راقص بارع , وليس بوسعها بعد الآن أن تتهمه بالغرور وهو بدوره بأمكانه أن يكون رفيقا مسليا , ومع ذلك فقد ذكرت نفسها أن ملامح السهرة وأن بدت جذّابة ألا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة.

نيو فراولة 02-06-11 09:43 AM

4- الهزيمة أحيانا متعة

نادت مالي وهي تقرع الباب :
" آنسة كيري أنه هنا".
وفتحت كيري الباب وهي ملتفة بعباءتها الزرقاء لترى أمامها مالي في غاية الأثارة .
" ومن هو؟".
وأحمرت وجنتا مالي كفتاة صغيرة :
" بول دفرون".
ولم تتمالك كيري وهي ترى هيجان ماي من الصياح :
" وماذا حدث يا مالي ؟ هل أنت أيضا وقعت في غرامه؟".
وردّت مالي بشموخ:
" كلا , بالتأكيد , لست أنا ؟ ( ثم أغلقت الباب وراءها وأضافت) الأفضل أن أساعدك في أرتداء ملابسك ".
وخلعت كيري عباءتها والخطوة التالية كانت ربط شريط الحذاء ولم تكن عملية صعبة , ثم رفعت مالي ثوب الباليه الأبيض , فأنزلق كالنسيم على جسم كيري وأستقر على خصرها فأسرعت وملّسته بأحكام بعد أن زررت فتحة الظهر.
ومرة أخرى حدّقت كيري بذيل الفستان وقالت محتجة بنبرة وهي تشد بيديها على أطرافه:
" أنه قصير".
قالت مالي:
" لا تكوني غبية , أنك تستحمين بثوب السباحة".
وقطبت كيري حاجبيها وردت :
" ولكن الأمر يختلف".
وألتقطت السترة المخرمة ورمتها على كتفيها , وأختفى العبوس من وجهها فقد شعرت أنها محتشمة أكثر من قبل , وقالت:
" هكذا أفضل".
ومررت كيري المشط في شعرها بلا مبالاة ولكن مالي أوقفتها مرة ثانية :
" مشطيه بطريقة لائقة".
فصرخت كيري بأنفعال:
" كيف ؟ أنني دائما أسرحه بهذه الطريقة".
" هذا لا يكفي , أن مهظم الفتيات يحلمن في قضاء سهرة مع رجل جذاب كبول دفرون ويحاولن التجمل قدر الأمكان , أنا أعرف أنك تودين أعتبار نفسك مختلفة عن باقي الفتيات , ( وحاولت كيري فتح فمها لتحتج ولكن مالي لم تترك لها المجال وتابعت دون مبالاة ) لقد قبلت دعوته لذلك يتوجب عليك أن تحملي نفسك بعض العناء".
ونظرت اليها بحنان وقالت معتذرة:
" عفوا يا مالي أبدو مغرورة للغاية , أنني في الحقيقة أتشوق للذهاب معه , والحقيقة هي أنني ... أنني غير معتادة على هذه الأمور".
" بالطبع أنت لست معتادة , ولكنك ستعتادين على هذا الشعور , أنت تستلطفينه أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها , جاء ردها طبيعيا للغاية وأدركت بدهشة حقيقة الكلمات , أنها بالفعل تستلطفه , ولم يكن الأمر قضية رقص , كانت تتشوق لملاقاة بول مرة ثانية , وأنهت مالي عملها في ترتيب شعر كيري فأنتصبت وقالت بلهجة آمرة:
" لا تتحركي من مكانك , لم أضع بعد اللمسات الأخيرة لذلك لا تنظري الى نفسك في المرآة قبل أن أعود".
وعادت مالي لتجد كيري لا تزال قابعة في كرسيها وكل الدلائل تشير الى أنها لم تغادره فهزت رأسها بأستحسان وسألت:
" ألم تنظري في المرآة؟".
وأكدت لها كيري أنها لم تتحرك من مكانها ووضعت مالي صندوقا صغيرا كانت تحمله على الطاولة وأردفت قائلة:
" رباه , لم أنته من زينتك بعد".
ونظرت كيري بفضول الى الصندوق الذي كانت تفتحه مالي وسألت :
" ماذا يوجد في الصندوق؟".
" مستحضرات تجميل أشتراها والدك هذا الصباح من ويلستون".
" كان عليه ألا يفعل ذلك , فهو يعرف أننا غير قادرين على تحمل مصاريف كماليات كهذه".
" أهدأي يا صغيرتي ( قالت مالي بحزم ) وأياك أن تقولي له مثل هذا الكلام فستسلبينه سعادته وسروره ".
وردت كيري راضية:
" أعدك بذلك , في الحقيقة أنها أعجبتني , ولكنني لم أستعملها من قبل , هل علي أن أضع هذه المساحيق على وجهي يا مالي؟".
" أجل , فهي تتناسب مع فستانك".
أكدت لها مالي ثم أخذت تبحث في الصندوق وتخرج محتوياته وتضعها على الطاولة بأهتمام كبير , وقالت:
" أتساءل عما أذا كان قد أحضر المستحضرات المناسبة , أنه على الأرجح أستعان بأحدى البائعات في المحل , فالجميع يعرفك في ريلستون".
وأبتسمت كيري بمرح وهي تندمج في الجو وقالت:
" لا أعتقد أنني سأكون جميلة بهذا الماكياج".
ولكن في اللحظة التي لمحت رأسها وكتفيها في المرآة والطريقة التي عقصت بها مالي شعرها , خرجت من بين شفتيها صرخة تعجب مجفلة:
" مالي , أنه لن يبقى على حاله طويلا".
وردت مالي بحزم:
"بل سيبقى , لا تلمسيه ولا تسحبي الدبابيس منه".
منتدى ليلاس

وأعطتها مالي التعليمات الأخيرة ووقفت تراقبها وهي تخلع سترتها وتضع على وجهها مسحة من المساحيق وطيفا من أحمر الشفاه, كانت مالي تعطي تعليماتها بطريقة مدهشة وكأنها خبيرة في الموضوع.
" كفى ( قالت مالي) والآن ضعي مسحة خفيفة منه".
ونظرت كيري اليها بعينين مندهشتين فيها كل معاني التقدير والأعجاب , وقالت:
" أنك تبدين وكأنك مرجع ثقة في هذا الموضوع".
وردت مالي بخشونة :
" وأنا كنت أيضا في يوم من الأيام , أغلقي عينيك وقفي على رجليك قليلا".
وفعلت كيري بما أمرت به وأحست أن مالي تقودها في أتجاه المرآة الكبيرة :
" والآن أفتحي عينيك".
وفتحت كيري عينيها وشعرت وكأن أنفاسها قد تقطعت , لقد عكست المرآة صورة فتاة غريبة فتاة كانت تنبض بالحياة ويندلع من عينيها لهب الشباب , وبرز من تحت الثوب الأبيض كتفان ناعمان بلون الذهب , وأنسدلت تنورتها البيضاء من خصرها النحيل بشكل أبرز أناقة الحذاء الفضي الذي كانت تلبسه , ولكن وجه الفتاة الغريبة كان أيضا متوجا بشعلة من الشعر الملتهب أحمرارا وقد عقص على جانبي وجهها , وبدا فمها وقد كست شفتيه مسحة من أحمر الشفاه , غضا وجذابا بشكل بريء , وألتفتت كيري بعينيها الخضراوين الى مالي وسألت بصوت ناعم:
" هل هذه الفتاة هي أنا؟".
" أنها أنت ( أكدت مالي ) والآن أسرعي وأستمتعي بسهرتك ولا تخافي منه".
وتسمرت عينا كيري في مكانها وكانت تهب لمغادرة الغرفة :
" أنني غير خائفة منه , وفي أي حال حتى ولو كنت أشعر بالخوف أمامه في الماضي , وهذا شعور لم أعد أحس به الآن , لماذا طلبت مني ألا أخاف منه؟".
وردت مالي بعد تفكير:
"لأنه في أعماق نفسه قد لا يقدم على شيء يثير الخوف في نفس الفتاة ".
وسألت كيري بفضول:
" وكيف تعرفين ذلك؟".
" من المفروض على المرأة أن تعرف هذه الأشياء بغريزتها , وفي أي حال يمكن لمس هذا الشيء في بول دفرون حتى بعد دقيقة واحدة من التحدث اليه ,وحتى على الشاشة فأن المثلين والممثلات غالبا ما يضعون شيئا من شخصيتهم الحقيقية في الأدوار التي يؤدونها , لذلك هناك ممثلون لا يمكن أن تشعري بأي أستلطاف أتجاههم مهما كانوا بارعين في آداء أدوارهم ومهما كانت أدوارهم".
قالت كيري وهي نستغرقة في التفكير:
" أهكذا؟".
" وهناك شيء آخر ( أضافت مالي ) بأمكان الفتاة الجميلة أن تجعل الرجل طوع بنانها في أية لحظة أن هي عرفت كيف تستغل جمالها".
وللحظة أرتسمت على وجه كيري أبتسامة شيطانية :
" وهل أنت تقترحين علي أن أجرب هذه الطريقة على بول دفرون؟".
" أنك لن تتأذي من ذلك ولكن قد تحصلين على أكثر مما كنت تتوقعين ( ثم أضافت وكأنها عادت الى ترفاتها كمدبرة المنزل ) والآن أسرعي لقد قاربت الساعة من السابعة يا آنسة كيري".
" شكرا على مساعدتك يا مالي".
وفتحت الباب وسارت ببطء الى أعلى السلم ونظرت مالي تلاحقها , وفيما كانت تهم بالنزول على أول درجة أذ بوالدها وبول دفرون يخطوان كعا خارج باب المكتب , وكانا يبتسمان وقد بدا عليهما أنهما أصبحا صديقين حميمين خلال تلك الفترة القصيرة التي قضياها معا , وفجأة سمعا حفيفا خافتا جعلهما يرفعان أعينهما في أتجاه السلم , كانت كيري بعيدة لكي تلاحظ وميضا كالبرق في عيني بول ما لبث أن سيطر عليه بسرعة.
" آسفة لأنني تأخرت".
وتعمقت أبتسامة الأعجاب في عينيه وهو يتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها ورد:
" النتيجة كانت تستحق الأنتظار".
وشعرت كيري بالحرارة تأجج في وجنتيها , وشدت أصابع رجليها داخل حذائها الفضي لعلها تتمكن من السيطرة على خجلها كما نصحتهامرة أحدى صديقاتها أن تفعل ولكن دون جدوى , كان من الصعب عليها مجابهة شرارة عينيه , وشعرت بأثارة عارمة تتدفق في أوصالها وشكرت في أعماق نفسها السترة المخرمة التي كانت تحميها من نظراته الثاقبة الملحاحة .
وأمسك بول بيدها ووضعها على ذراعه وقال :
" أعدك بأن أعيدها الى المنزل قبل منتصف الليل ( ونظر الى كيري نظرة فيها الكثير من الأغاظة المحببة ) ومن يدري فقد تتحول الى أميرة بجعة أمام عيني ".
" عليك أذن أن تقص جانحيها ( وضحك ريتشارد دروين ) ولكن بما أنها غير مدججة بقوس وسهام ولا تخبىء زي فرسان القوزاق في مكان ما فأنني أظن بأنك في أمان الليلة".
وتبعهما بنظراته الى الرواق الخارجي ثم أغلق الباب وأبعد مالي عن ستارة النافذة التي كانت تختلس النظر من ورائها , وفتح بول باب السيارة السوداء وساعد كيري على الصعود اليها , ثم دار بسرعة الى الجهة الثانية وأنسل الى جانبها وأغلق الباب , فشعرت كيري بجو حميم يلفها وأشتد ذلك الشعور عندما مال بول نحوها.
وقال:
" أتساءل عما أذا أذا كان مصيبا في قوله".
" من هو؟".
" والدك ( ورفع رأسها وأجبرها على النظر اليه وتابع) لقد قال بأنك لا تشكلين خطرا الليلة , ولكنني لست واثقا من ذلك , وبوسعي أن أؤكد بأنك خطيرة للغاية".
وبلعت كيري لعابها ونظرت اليه نظرة حذرة , فهي لم تدرك تماما ماذا كان يعنيه , وسألت بلهجة بريئة:
" ماذا تعني بقولك ؟ أنني لا أفهم ما ترمي اليه".
ورد بلهجة عابثة:
" ألا تفهمين ؟ أنه أمر غير مهم وسيأتي يوم تفهمين فيه هذه الأمور".
ثم مدّ يده الى المقعد الخلفي وناولها علبة من السوليفان وأحمرت وجنتا كيري وفتحت العلبة وأخرجت منها زهرتي أوركيديا , وأمسكت كيري بالزهرتين بأصابعها الرقيقة وكأنهما زهرتين مقدستين , لقد كانت أول هدية من الزهور تقدم اليها في حياتها.

ولمست بأناملها بتلات الزهرتين الغريبتين برفق ونعومة وتطلعت اليه بحياء وتمتمت:
" أنهما رائعتان , شكرا يا بول".
" أنت الليلة سهلة الأنقياد على غير طبيعتك يا صغيرتي , كنت أتوقع منك مشاكسة لاذعة كالعادة".
وأستقامت كيري في جلستها فهي لم تستسغ مناداة بول لها بيا صغيرتي , وردت بخشونة:
" أنا لست صغيرة فأنا في الثامنة عشرة من عمري".
" أحقا أنك بهذه السن ( وكانت في صوت بول رنة من الأغاظة الودية ) هل فهمت من ملاحظتك أنك لا ترغبين في أن يعاملك أحد كفتاة صغيرة؟ ...... بعد تفكير أظن بأن كلمة صغيرة أنزلقت من لساني , فليس هناك من أثر للفتاة الصغير في طلتك الليلة , وفي الواقع أنت عكس ذلك ".
رمقته بنظرة حذرة وشعرت برغبة في الأبتعاد عن مقعده قليلا ولكنها أحجمت عن ذلك خشية أن تثير في نفسه ردة فعل على تصرفها غير اللائق ,وقال:
" حسنا , ما زلت أنتظر على سؤالي".
وردت بشيء من الريبة :
" وأي سؤال؟".
" هل كانت ملاحظتك ترمي الى عدم معاملتك كصغيرة؟".
حاولت أن تختار كلماتها بدقة لئلا تترك له مجالا لتفسيرها عكس ما تريد:
" عنيت أنني لم أكن راغبة في أن أعامل كطفلة , ولكنني لم أرغب في .....".
ولم تتمكن من متابعة كلامها فقد كان بلا جدوى , وعوضا عن ذلك شعرت بحمرة فاضحة تتدفق الى وجنتيها , وضحك بول وقال:
" أنني أعرف تماما ما تعنيه , يا لك من فتاة خائفة وبريئة يا عزيزتي كيري".
وأحست كيري بشيء كالصدمة الكهربائية تجتاح أوصالها ولكنها عادت وذكّرت نفسها أنه غالبا ما يتفوه بمثل هذه التعابير على الشاشة وخارجها , لقد كان الأمر عفويا وعاديا , وفي الواقع لا ينطوي على أي معنى , وقبل أن تستعيد روعها من الصدمة , مد بول ذراعه اليها بجرأة لم تفصح عن نواياه وأخذ يدها ووضعها تحت يده على مقود السيارة , وشهقت كيري وحاولت أن تسحب يدها بغير جدوى وهي تقول:
" دع يدي".
" كلا".
رد بول ببساطة لا لبس فيها وكان رنين صوته لا يزال ينطوي على دعابة طائشة.
وحاولت كيري سحب يدها مرة ثانية , كانت تشعر بالأرتباك ويدها على المقود وأصابعه تضغط عليها بطريقة لم تألفها من قبل , وحاولت من جديد ولكن قبضته كانت قوية , وقال:
" لا تكوني مشاكسة الى هذا الحد , وألا فأنني سأضطر لتغيير تصرفي".
" لقد وعدت بأن تتصرف تصرفا لائقا".
ورد قائلا:
" هذا وعد قطعته في مناسبة غير هذه المناسبة , وفي أي حال أعتبر بأنني أتصرف الآن بضبط كبير للنفس خصوصا فيما يتعلق بأمور كنت أود فعلها ".
وقفا بعد وقت قصير أمام الفندق , فتأبط ذراعها ودخلا القاعة الكبيرة وشعرت كيري بخيبة في أعماقها من أن فالما كنت وطوم ماريون سيشاركانها السهرة , وبومضة عين أحست كيري بيد فالما تمسك بها وتدفعها الى داخل غرفة السيدات حيث عملت على تمشيط بعض الخصل الثائرة , وعندما أنتهت من عملها كانت أبتسامة عريضة ترتسم على شفتي الممثلة وهي تقول:
" أنك تبدين جميلة وفاتنة للغاية هذا المساء".
وخفضت كيري عينيها بحياء وتمتمت : " شكرا".
وتابعت فالما وهي تضحك:
" أعتقد بأنك فاجأت بول , فهو كان يتوقع أن تعتذري عن المجيء ".
وأعترفت كيري بحركة صبيانية تكاد لا تقاوم:
" كنت على وشك أن أفعل ذلك".
" ولماذا ؟ ألا تستلطفينه؟".
لجأت الى حذرها القديم وردت بطريقة صبيانية:
" أنه يلعب أدوارا سخيفة , كلها من نوع الغراميات".
وسألتها فالما بعد برهة من التفكير وبكل جدية وهدوء:
" وهل هذه الأدوار هي سخيفة حقا ؟ أن بول يملك موهبة رائعة كما تعرفين وهو ليس مغرورا على الرغم من أنه يعرف تماما مدى سطوة تلك الموهبة , أنك تعتقدين أن الحب أمر تافه وسخيف ولك الحق في أن تبدي أراءك الخاصة في هذا الموضوع ولكن معظم النساء لا يعتقدن ذلك , هناك نساء كثيرات تعيسات في العالم وكثيرات غيرهن أختبرن زيجات غير موفقة ووهبن حبهن حيث لم يكن مرغوبا فيه , أو أنهن فقدن الأمل في العثور على شخص يبادلهن الحب , هل تعتقدين أن ما يقوم به بول سخيف أذا أستطاع بموهبته أن يدخل السعادة اليهن لفترة من الزمن؟ أنه لا يؤذي أحدا وكل شخص يتوق الى العيش في عالم من الأحلام ولو لومضة عين , وبالأضافة الى تلك الفئة من النساء التعيسات , هناك الفتيات اليافعات اللواتي يعشن أحلامهن وهناك من يذهب للتسلية وقضاء بعض الوقت , وفي أي حال فأن من حق المرأة أن تفتش عن الحب حتى ولو كان ذلك في عالم من الأحلام ولفترة وجيزة من الوقت".
وحدقت كيري بها وقد أرتسمت الدهشة على وجهها , لم يسبق لها أن فكرت في الموضوع بهذا الشكل ولو أنها فعلت ذلك لما كانت عاملت باربي بتلك الطريقة , وأرفدت فالما:
" وهكذا فالأمر لا يبدو سخيفا كما تتخيلين , وليس كل النساء باردات مثلك". ولم تتفوه كيري بكلمة على الرغم من أنها لم تكن متأكدة من أن ملاحظة فالما الأخيرة كانت صحيحة , ولو أنها كانت باردة كما وصفتها , فلماذا أذن شعرت بتلك الأرتعاشة تدب في أوصالها ندما لامستها يد بول؟
وحاولت أن تبعد أفكارها عن الموضوع فألتقطت الزهرتين ووضعتهما على سترتها وكأنها تشير بذلك الى أنها أصبحت جاهزة للحاق بالآخرين ولكن فالما أوقفتها وأشارت الى الزهرتين:
" من الأفضل أن تخلعي السترة وتعلقي الزهرتين على الفستان وبأمكانك أن تتركي السترة هنا".
وأحمرت وجنتا كيري وبسرعة علّقت الزهرتين على السترة المخرمة وقالت:
" كلا , سأترك السترة على كتفي".
وأدركت فالما على الفور سبب أحمرار وجهها وقالت:
" ليس هناك من سبب للحياء أو الخوف من بول , أنسي أنه بول دفرون , أنه مجرد رجل والفتاة الجميلة تستطيع أن تجعل أي رجل طوع بنانها أن هي عرفت كيف تتصرف".
منتدى ليلاس

وأرتسمت على شفتي كيري أبتسامة فيها الكثير من المعاني وسألت:
" وحتى بول دفرون؟ ولكنني لن أعرف كيف....".
ولمعت عينا فالما وقالت:
" ألا تصدقين ذلك , أن الفتاة تعرف بغريزتها هذه الأمور , والآن هلم ننضم الى الآخرين ومه أنهم يريدون أن يظهروا بمظهر أشخاص بارزين ألا أنهم مجرد رجال عاديين".
وأحست كيري بأنعطاف قوي نحو فالما وهما تخرجان من الغرفة وتتوجهان الى طاولة بول وقد نجذبت جميع الأنظار من رجال ونساء أليهما.
كانت فالما ترتدي فستانا أسود اللون وقد بدا كلؤلؤة من صنع واحد من أشهر صانعي الأزيء وبرزت كيري كغلالة منسابة في ثوب الباليرينا تماما كما يقول المثل والضد يظهر حسنه الضد ,الأولى كانت رمز الجمال والثانية وكأنها جنية خرجت لتوها من أحدى القصص الخيالية , وجمال كل واحدة منهما كان يبرز جمال الأخرى , ونهض ماريوت وبول من مكانهما لدى أقتراب الفتاتين وأرتسمت على وجهيهما علامات الأعتزاز للأنطباع الذي تركتهما في نفوس الحاضرين , وقادهم الخادم الى مائدة كانت قد حجزت لهم من قبل في أفضل زاوية من القاعة بينما وقف آخر لتدوين طلباتهم , وعندما جاء دور كيري لأختيار طعامها نظرت الى لائحة الطعام بأنشداه ما لبث أن وجدت مخرجا له عندما تذكرتما كانت تشاهده في الأفلام فناولت اللائحة الى بول.
" أرجوك أن تختار لي الطعام بنفسك".
ومن غير أن تبدو عليه علامات أستغراب أوصى على أطباق طعامها ثم ألتفت اليها وقال بعد أن أبتعد النادل:
" كيف تعرفين بأنك ستحبين الطعام الذي أخترته لك؟".
" أنا متأكدة من أنني سأحب ما أخترته لي".
ورمقها بنظرة ساخرة:
" كل شيء؟".
" حسنا أعني ضمن الحدود( ولمحت نظرة فالما فأنفجرتا معا بضحكة عالية)".
وحدق الرجلان بهما بشيء من الحذر وسأل ماريوت:
ط أي مؤامرة دبرتماها معا؟".
ونظرت فالما اليه بعينيها الزرقاوين وقالت:
" لا شيء".
وكانت رقة صوتها برئة حتى أنها كانت أكثر براءة من لهجة كيري , ثم تطلعت الى رفيقتها ولم تتمالكا نفسيهما فأنفجرتا بضحكة عالية .
وعلق بول وقد لوى فمه بسخرية:
" لدي شعور أنها كانت تعطي كيري بعض التعليمات منذ لحظات , كن بعوننا يا رب لمواجهة الأثنتين معا".
وردت فالما:
هذا من حقك , ولا تنس أنها وسيلتنا الوحيدة للدفاع عن أنفسنا ( ثم تطلعت الى كير ) لا تنسي ما قلته لك".
ولمح بول وميضا يلمع في عينيهما فنظر الى فالما بشيء من الريبة وقال:
" بريك بماذا كنت تتحدثين مع كيري؟".
وأحست كيري بحرارة تتدفق في عروقها , لقد كانت مالي وفالما على حق , فلأول مرة أحست بشعور من القوة وتخيلت نفسها بأنها تسيطر على الموقف سيطرة كاملة , ومدت يدها وربتت على يده بنعومة وقالت:
" كنا نتحدث عنك بالطبع , ولكن لا تخشى شيئا".
ورد يول على الفور محذرا:
" أنت أيتها السيدة الصغيرة تبحثين عن المتاعب ( ووقف على قدميه وأنتزعها من كرسيها) تعالي لنرقص فقد يساعد ذلك في تخفيف بعض مقاومتك".
وكان على حق , فحالما دخلا حلبة الرقص وأبتعدا عن الآخرين ووضع ذراعيه حولها , شعرت كيري أن شجاعتها الجديدة وجرأتها قد تلاشتا على غير رجعة , وأحست أنها صغيرة ووحيدة معه على الرغم من أزدحام الحلبة بالراقصين , كان يشدها اليه حتى أنها كانت تشعر بوجهه الأسمر يلامس شعرها.
وقال ساخرا وهي تحاول الأبتعاد عنه قليلا:
" أين ذهبت مشاكستك ( وأضاف) أرفعي نظرك أليّ أيتها الجبانة الصغيرة".
ولكن كيري أبقت رأسها منخفضا بعناد , لقد أدركت أنها لم تعد تسيطر على الوضع بل على العكس أستكانت بين ذراعيه القويتين , كان راسه منحنيا نحوها ووجهه يكاد يلامس وجهها أحيانا وشعرها أحيانا أخرى , كانت ملامساته خفيفة كالنسيم ومع ذلك فقد شعرت أنها تتأجج في كيانها .
وتمتمت بصوت متقطع:
" أياك....... أياك أن تتمادى في تصرفاتك".
وسأل بول ببراءة :
" أن أتمادى في أي شيء؟".
" في معانقتي ".
" ولكنني لم أفعل".
" أما أتا فقد شعرت بأنك قد تقدم على ذلك".
" ولكنها لم تكن معانقة أو أي شيء من ذلك القبيل , ولو كانت معانقة حقيقية لكنت شعرت وكأنك في عالم آخر".
وكانت كيري على وشك أن ترد عليه بحدة بألا يحاول أي شيء معها وأحجمت عن ذلك لأنها تعرف أنه قادر على معانقتها أمام أعين الجميع أو أن يبتعد بها خارج القاعة ليبرهن لها أنه قادر على كل شيء , وبعد هذه المناوشة القصيرة تابعا رقصهما بسكوت , وعلى الرغم من أحساسها بثورة في أعماقها فقد أذعنت للواقع وظلت بين ذراعيه القويتين دون أن تبدي أية مقاومة , وعندما توقفت الموسيقى قادها الى الطاولة وهو يهمس في أذنها :
" ألا زلت ترغبين في مشاكستي؟".
وشعرت كيري بصورة عفوية أدهشتها هي نفسها بأنها ما تزال تريد مشاكسته , وحالما جلسا الى المائدة , لاحظت أن طوم ماريوت كان يمعن النظر اليها , ولم تهتم في بادىء الأمر ولكن مع تقدم السهرة كان من الصعب عليها أن تتجاهل نظراته وأخيرا لم تتمالك نفسها ورمقته بنظرة مستفسرة:
" آنسة دروين هل فكرت يوما بالتمثيل؟".
وتفجأت بسؤاله فهزت رأسها بغباء وهي تتساءل عما كان يدور في رأسه , وألقى بول عليها نظرة مازحة:
" أنه على وشك أن يعرض عليك دورا في فيلمه الحالي".
وتطلعت كيري بعينين مندهشتين ونقلت نظرها من واحد الى آخر وقالت:
" أنني لا أفهم , لماذا أنا؟".
وأردف ماريوت:
" سأكون صريحا معك يا آنسة دروين , كانت لدينا ريتا لين ولكننا أستغنينا عنها لأنها لم تعد تطاق بنزواتها المتكررة ولكن في تلك الأثناء بدأنا في تصوير الفيلم وكانت هي تعرف تماما أننا سنتكبد تكاليف باهظة في أيجاد ممثلة أخرى تقوم بدورها وأنا أعتقد أنها تمني النفس في العودة الينا وفقا لشروطها الى حد كبير , وقد بحثنا كثيرا ولكننا لم نوفق بواحدة مناسبة حتى الآن , ومن الضروري أن نجد ممثلة تقوم بذلك الدور في أقرب وقت ممكن".
وكررت كيري سؤالها:
" ولكن لماذا أنا بالذات؟ فأنا لا أصلح للدور وفي أي حال لأنني لا أجيج التمثيل".
ورد بسرعة:
" وكيف تعرفين بأنك لا تصلحين للتمثيل؟ عندي أحساس بأنك ستكونين قادرة على القيام بذلك الدور , وليس فقط ذلك , فقد رأيتك على صهوة جوادك ليلة الكرنفال , وأنا أبحث عن فتاة تجيد ركوب الخيل تماما كما فعلت , لذلك الدور , كانت ريتا تجيد الرقص ولكن كان علينا أن ندربها على ركوب الخيل".
" وكيف تعرف أنني أجيد الرقص؟ فالخطوات القليلة التي قمت بها على حلبة الرقص في هذا الأزدحام لا تعطيك فكرة صحيحة على ذلك".
كانت كيري تبحث عن العراقيل لترفض عرض طوم فمجرد التفكير بأنها ستمثل الى جانب بول دفرون كان يربكها الى حد كبير .
" لقد رقص بول معك وبأمكانه أن يعطي رأيه في الموضوع".
وأعترفت كيري أخيرا أنها تلقت بعض الدروس في الرقص وقالت:
" أن ثوب الباليه الذي أرتديه الآن هو أحد أثواب أمي".
وأردف طوم بسرعة :
" أذن ما الذي تخشينه ؟ هل توافقين على القيام بالدور؟".
ورفعت كيري يدها بأرتباك , فهي لم تكن لتفهم لماذا عرضت عليها تلك الفرصة النادرة وقالت:
" كنت أعتقد ان من أصعب الأمور هو الحصول على دور في فيلم سينمائي وها أنتم الآن تحاولون أقناعي بالموافقة على التمثبل".
وتدخلت فالما في الموضوع وقالت:
" أن حدس طوم لا يخطىء ( ثم مالت نحوها ولمست يدها برفق وتابعت مشجعة ) لا تتركي الفرصة تفوتك يا كيري , بالطبع ستخضعين لبعض التجارب أولا ولكننا بحاجة لمن يمثل دور ميتاني وكما قلت لك أن حدس طوم لا يخطىء".
وسألت كيري:
" ميتاني؟".
ورد بول مبتسما:
" ميتاني , الفتاة الساحرة القبيحة , حوادث الفيلم تجري في حقبة بعيدة من الزمن تعود الى مئتي سنة خلت وتعيش ميتاني في المستنقعات وهي تدعى أن بأستطاعتها أن تتذكر حياتها قبل مئات السنين عندما كانت تركب الحصان الى جانب الملكة بواديشيا في أحدى مناطق بريطانيا وحاربت الجيوش الرومانية".
وبرقت عينا كيري , لقد شعرت بالأنجذاب نحو عنصر الخرافة في الدور , ونسيت , لبرهة من الزمن , أن بول دفرون سيشترك هو أيضا بالتمثيل وهذا يعني أن الفيلم سيزخر بالمشاهد العاطفية ولا بد أن تكون لها حصة في تلك المشاهد , فريتا لين لم تكن ممثلة ثانوية.
كانت كيري مترددة في أفكارها وتذكرت فجأة ناحية أخرى من الموضوع , فعائلة دروين كانت بحاجة الى المال وهي ستحصل على مال وفير أذا هي مثلت الدور , لقد كانت تسعى لأيجاد عمل وها هي الآن أمام فرصة نزلت عليها من السماء , وحتى لوأنها لم تكن راغبة في قبول العرض , وهذا ليس صحيحا , فأنها لن ترفضه للضائقة المالية التي تتخبط بها عائلتها.
والشيء الذي دفعها الى التردد هو خوفها من الفشل في أداء الدور , فالممثلون والممثلات كانوا يبدون للجمهور وكأنهم من جنس آخر وهم يطلون عليه من وراء الشاشة الكبيرة , وها هي على وشك أن تصبح واحدة منهم وتدخل عالما جديدا وأدركت في أعماق نفسها أنها لن ترفض العرض.



قالت أخيرا:
" حسنا أذا كنتم على أستعداد للمجازفة فأنا مستعدة أيضا".
وسارع بول الى القول:
"" أحسنت أيتها الفتاة الطيبة ( وملأ كوبها بعصير مرطب كان في زجاجة على الطاولة وأضاف ) أن المناسبة تستوجب حفلة صغيرة".
ورفع كأسه وقال وهو يبتسم لها:
" نخب ميتاني".
ورفعت فالما كوبها :
" لنشرب نخب نجاح الفيلم".
" والآن وقد أتفقنا على كل شيء , هل تسمحين لي برقصة ؟ ( سأل طوم كيري ) هذا أذا لم يقرر بول خوض معركة ضارية معي".
وأبتسم بول أبتسامة كسولة وقال:
" شرط ألا تحتكرها طوال السهرة".
وفيما كيري ترقص مع طوم ألقت بطرف عينها الى بول وفالما وهما يرقصان أيضا وقد برزت قامة بول الأنيقة الجذابة وكانت غارقة في تأملاتها لدرجة أنها لم تسمع طوم يخاطبها , ولكنها عادت الى الواقع وقالت:
" المعذرة , لم أكن أصغي".
" عن قصد أم عدم أنتباه؟ ( سأل طوم وتابع ) كنت أقول بأنني سمعت بالأشاعات التي تقال عنك في موضوع المعانقة وعن رأيك الرافض له , ولكن يجب أن أقول بأنني لا أنوي حذف المشاهد العاطفية من دورك , لذلك عليك أن تدركي الأمر منذ البداية".
وشعرت بأن الخوف الذي ملأ أعماقها منذ قبلت تمثيل دور ميتاني عاد الى الظهور مرة ثانية وهي تتخيل ما سيحدث , وكانت نفسيتها في تلك اللحظة تميل الى التفهم أكثر من النزعة الى الغضب , فهي بأمكانها أن تتخيّل المشاهد العاطفيةبين ذراعي بول.
قال طوم وهو ينظر اليها:
" أنا ما زلت أنتظر جوابك يا كيري".
" لا... لا أعتقد أن بأمكانك حذف تلك المشاهد".
وقهقه طوم وقال:
" في أي حال أن الأمر ليس سيئا الى الحد الذي تتصورينه , فبول يلعب دوره بمهارة كما تعرفين , ( وأضاف وقد لاحظ أن كيري ما تزال تخفض عينيها ) أنت فتاة غريبة الأطوار يا كيري , فأنا أعرف مئات الفتيات ممن يطمحن لكي يصبحن ممثلات بالأضافة الى عدد آخر من الممثلات الشهيرات , على أستعداد للتضحية بكل شيء ليمثلن في فيلم مع بول دفرون وها أنت على وشك رفض الدور بسبب بعض المشاهد العاطفية ".
ورفعت بصرها وأرتسمت أبتسامة مرتعشة على شفتيها , فقد تلاشت فكرة رفض الدور وهي توبخ نفسها كون أنها جبانة وقالت:
" سأبذل كل جهدي , وسأحاول ألا أصفع بول وأترك له كدمة حول عينيه عندما يعانقني".
وجاءها صوت بول من ورائها وهو يقول:
" ومن قال لك بأنني سأعطيك الفرصة لكي تسددي الي لكمة".
كانت الموسيقى قد توقفت فألتفتت كيري لتجد بول واقفا وراءها والى جانبه فالما , وخرج الجميع من حلبة الرقص وعادوا الى الطاولة , وبدأت كيري تشعر بموجة من الدفء تلفها ومع ذلك فلم تخلع السترة.
وبعد فترة سأل طوم ماريوت فالما مراقصته ونزلا الى حلبة الرقص , وتبعتهما كيري بأنظارها وكانت تود لو أنهما ظلا معها عى الطاولة , فعلى الرغم من أنها تجنبت النظر اى بول , ألا أنها كانت تشعر بأن عينيه كانتا تحدقان بها , ولسوء طالعها كانت السترة تشدعلى عنقها فمدّت يدها اليها وحاولت تخفيف طوقها .
وسألها بول:
" لماذا لا تخلعينها ؟ ( وعندما رأى ترددها أبتسم وقال محاولا أغاظتها ) لا بأس أعتقد أنك خائفة".
فردت على الفور وبحدة:
" ومن أي شيء؟".
" مني أنا؟ ( وكان صوته متحديا وقد عادت الى عينيه ومضات ذلك البريق المتلألىء)".
" هذا ليس صحيحا".
" أذن أخلعي سترتك ( وأتكأ على الكرسي وأخذ يراقبهاوقد أصطبع وجهها بقوس قزح من الألوان وأضاف) عليك أن تعتادي على أكثر من هذا الأمر أيتها الغبية الصغيرة".
وأحست كيري أنها بين نارين , فهي لم تكن راغبة في خلع سترتها من جهة ولكنها أيضا لا ترغب أبقائها كدليل على خوفها من رؤية بريق عينيه ,وبكل بطء أخذت كيري تنزع الدبابيس عن الزهرتين ووضعتهما على الطاولة ثم فكت شريط السترة وخلعتها عن كتفيها , وأومأ بول برأسه وهو يمرر نظره على قد كيري الممشوق.
" جميل جدا".
وكانت عيناه تعنيان أكثر من ذلك , وأحمر وجه كيري وخفضت رأسها وألتقطت الزهرتين لتعلقهما من جديد على ثوبها وقالت:
" أنك لا تسهل الأمور وأنت تحدق بي بهذا الشكل ( وأغتنمت كيري فترة أنهماكها بوضع الزهرتين بتبقي رأسها منخفضا أطول مدة ممكنة ) ".
ورد بول وكأنه لم يفهم سؤالها :
" ولماذا لا أنظر اليك ؟ أنت جميلة للغاية".
" أنني لم أعن ذلك , بل أعني الطريقة التي تحدق فيها أليّ".
وأدركت أنه ما كان عليها أن تقول ذلك الكلام , فقد تركت الباب مفتوحا أمام أسئلة وأجوبة كثيرة كان من الأرجح أنه لن يترك الفرصة تفوته ,فالصمت في هذه الحارت كان أفضل سلاح للدفاع.

" في أية طريقة؟".
كان صوته في غاية النعومة وكأن رقة نظراته قد أنعكست في تلك النبرة , لقد أحست كيري أنه كان يتلاعب بها كما تتلاعب الهرة بالفأر وكانت عاجزة لا عون لها .
" أعني وكأنك.......أي.......".
تمتمت بصوت خافت ثم عادت وأعتصمت بالسكوت وهي تدرك تمام الأدراك أنها فريسة شعور شديد بالخجل صبغ بحمرته القانية كل جزء من أجزاء جسمها بشكل فاضح وظاهر للعيان.
" في أي حال أنت أنت تعرف تماما ما أعنيه".
وتطلع بول اليها بنظرات بريئة مبالغ فيها:
" ولكنني لا أعرف ".
ورمقته كيري بنظرة عابسة وقالت وقد أرتسمت على شفتيها أبتسامة ساخرة:
" بل أنك تعرف تماما , ولا تنظر الي بهذه النظرات البريئة , أنها لا تناسبك ولا تناسب صيتك الذي هو أبعد ما يكون عن البراءة".
" أنت أيتها العفريتة الصغيرة".
وضحكت كيري بينها وبين نفسها , فقد أختفت ريبتها وقالت:
" أريد كوبا آخر من العصير ".
ورد بول بحزم :
" كلا لن تحصلي على كوب آخر فقد شربت ما فيه الكفاية , ومن يدري فقد يؤثر العصير على سلامة تفكيرك وأنا لا أرغب في مواجهة أبيك والآنسة دروين بين ذراعي".
" ألا ترغب في ذلك ؟ فالطريقة التي كنت تحدق فيها بي أوحت لي أنك تريدني أن أقع بين ذراعيك".
ورفع بول أحد حاجبيه بسخرية مازحة:
" ألست خائفة من أن تقعي بين ذراعي خصوصا وأنا أتمتع بذلك الصيت؟".
وهزت كيري كتفيها بلا مبالاة ورفعت رأسها وقالت:
" بأمكاني أن أتدبر أمرك".
وألتوت شفتا بول ببتسامة ساخرة ورد قائلا:
" هل لي أن أذكرك بأن هناك طريق العودة الى المنزل , لذلك أنصحك بألا تكدسي أسباب الثأر والأنتقام؟".
منتدى ليلاس

وعادت كيري فهزت كتفيها بلا مبالاة متعمدة وقالت:
" سأفكر بهذا الأمر في وقت لاحق , أما الآن فأنني أرغب في الرقص".
لقد شعرت بالأمان والطمأنينة وهي في جو القاعة المزدحم ولم تفكر بأي شيء آخر بل على العكس كانت تشعر بشيء من القوة والأسترخاء في آن .
وما كاد يأخذها بين ذراعيه ويبدأ في مراقصتها حتى شعرت بالدفء ينساب في عروقها لدى كل لمسة من لمسات يده ويتحول شيئا فشيئا الى رجفة ساحرة , وكان بوسعها أن تسمع دقات قلبه وهو يضمها اليه بذراعيه القويتين , ولم تكن اللمسات واهنة كالطيف فحاولت أن تبعده عنها قليلا ,وحذرت قائلة:
" بول".
ورد بسخرية:
" لقد أعتقدت أنك قلت بأنك تستطيعين معالجة أمري".
وبلعت كيري ريقها , كانت تعرف أنه عليها ألا تتقارع معه فالأمر يختلف كثيرا عن مشاكساتها مع ريك وكيل , كان هو الصياد وهي الفريسة , وأحست أن مصيدة قد نصبت لها وهو يريدها أن تقع فيها .
وقررت في أعماق نفسها أنها بعد هذه العشية ستعمل على تجنبه , وهو أمر يجب أن يكون سهلا أن هي أزكت شعورها القديم بالأزدراء والكراهية , كما أن تصوير الفيلم سينتهي قريبا وسيغادر الممثلون والعاملون فيه رياستون ولن تراه بعد ذلك , ثم تذكرت ميتاني وشعرت أنها قد لا تتمكن من تمثيل الدور , ولم تكن تعر ما الذي تخشاه ولكنها كانت على يقين وبشكل واضح بأنها على الرغم من كلماتها العابثة وتصرفاتها الساخرة فأنها غير قادرة على تحمل حتى مجرد التفكير بالمشاهد العاطفية مع بول , لقد عادت كيري دروين , كيري ليلة الكرنفال المقاتلة بضراوة والحذرة الى الوجود مرة ثانية , وقالت فجأة بصلابة:
" لا أستطيع المضي في المشروع".
وأبعدها بول عنه قليلا وحدّق في وجهها وقد أختفت أبتسامته الساخرة واليطانية من عينيه كان في غاية الجدية تماما كبول دفرن الذي طلب منها أن يكونا صديقين عندما كانا في ضاحية المستنقعات.
وسأل بسرعة وقد خفف قبضته الشديدة على يدها:
" ما الذي لا تستطيعين المضي فيه يا كيري؟".
وردت لاهثة:
" دور ميتاني ".
وعلى الرغم من أن قبضته أرتخت قليلا غير أنها ما تزال تشعر بأنها سجينة بين يديه , وأضافت:
" أنا لا أستطيع القيام بالدور , لا أستطيع".
ودار بول رفيقته في حركة أنيقة وقادها الى النافذة العريضة التي كانت تطل على شرفة الحدائق.
" لماذا لا تستطيعين يا كيري؟".
كان صوته هادئا ويبعث على الأطمئنان وكأنه كان يوجه كلامه الى طفل , وقرأ جوابها على وجهها حتى قبل أن تنطق به وتصلبت تقاطيعه , وقال أخيرا بكل هدوء:
" لا أدري أذا كنت فتاة حذرة , خجولة أم جبانة أو مجرد فتاة باردة كجبل الجليد , وفي أي حال سنعرف هذا الأمر قريبا".
وقبل أن تدرك ما كان ينوي عمله دفعها الى خارج النافذة المفتوحة وقادها الى الحدائق المظلمة , وأمسك بيدها ونزل بها السلالم الى حيث لا تلاحقهما أعين الحاضرين , وكانت قبضته تشتد كلما حاولت الأفلات منها , وكانت كيري تعرف ما سيحدث ساعة غادرا قاعة الرقص , وتعرف أيضا أنه من العبث مقاومته ومع ذلك ظلت تقاوم قبضته الشديدة , وكانت أصابعه مثل كماشات من الفولاذ مثبتة على معصمها.


وتوقف وأدار وجهها نحوه , وبحركة سريعة كانت وليدة خبرة طويلة ضمها الى صدره بعطف وشدّها اليه وكانت لمساته تتأجج بالتحدي وقد تناثرت أشعة القمر حولهما , وعلى الرغم من بعض المقاومة التي بقيت في نفسها فأن بول لم يحرر قبضته , وهمس في أذنها:
" لا تكوني غبية الى هذا الحد يا كيري".
كان الدفء يتسرب الى أوصالها ولم يكن دفئا مخيفا بل مفعما بالتحدي والأثارة , هل كانت حقا غبية؟ تساءلت كيري في أعماقها , وحاولت جاهدة أن تخفف من تصلّب أعصابها ولكن دون جدوى , وشيئا فشيئا أسترخت كيري للأحاسيس الناعمة التي تموجت في أعماقها ولم تحاول حتى الأبتعاد عنه عندما أرخى قبضته , ورفع بول رأسها من جديد وأبعدها عنه قليلا ثم حدّق بوجهها ولم تكن أبتسامته تنطوي على أي تعبير للسخرية أو الأنتصار وقال:
" برغم كل شيء , لم يكن الأمر سيئا أليس كذلك؟".
أعترفت كيري:
" كلا".
كان بول غائصا في بريق عينيها وأصابعه تعبث بنعومة في خصلات شعرها الملتهب , وأضاف:
" لعل الأمر كان أكثر متعة مما كنت تتصورين؟".
ومرة ثانية أعترفت كيري بصوت خافت أن الأمر كان ممتعا , والآن وقد أنتهى كل شيء أحست بالخجل من خوفها الصبياني السخيف.
" شكرا لصبرك الطويل معي يا بول".
" هل أنت متأكدة الان بأنك تغلبت على خوفك؟".
قال وفي صوته رقة من الأغاظة والمداعبة , وعندما هزت رأسها بالأيجاب أضاف قائلا:
" أذن برهني لي ذلك".
كانت تعرف ماذا كان يعنيه ولكن حياءها جمدها في مكانها الى أن أقترب منها هو وضمّها الى صدره ثانية , وشعرت كيري بقوة ذراعيه ولكنها لم تكن خائفة هذه المرة , كانت تحس بأرتعاشة حالمة تدب في أوصالها وهي سجينة تينك الذراعين القويتين.
" أرى بأن عليّ أن أعطيك بعض الدروس الخصوصية قبل أن نبدأ التمارين أمام أعين الآخرين ( قال بول بصوت ناعم ثم قهقه ضاحكا وهو يشاهد وجهها وقد أصطبغ بحمرة قانية وأضاف ) كم أنت طفلة خجولة , عليك أيضا أن تتغلبي على حيائك , ألا تعرفين أن حمرة الخجل تعكس وجها قبيحا على الشاشة , والحل الوحيد هو أن تتابعي التمرين على المشاهد العاطفي معي الى أن تختفي حمرة الخجل من على وجنتيك.
" لم أكن أعرف , ولكن ما هو السبيل للتغلب على الخجل؟".
قال بصوت يدعو الى الأطمئنان:
" ستعتادين على ذلك وبسرعة لن تتوقعينها , والآن وقد سويت الأمور بيننا فأنني أعترف بأنك جذابة للغاية , ألا تعرفين ذلك؟ ( وهزت كيري رأسها وتابع قائلا:
" والآن أفعلي ما أقوله لك".
وبكل خجل عانقته كيري كما قال لها بول أن تفعل , وبعد ذلك عادا الى القاعة وهو يقول:
" لدى طوم نسخة أضافية من سيناريو الفيلم وسأطلب منه أن يحضرها من غرفته لكي تأخذيها معك الى المنزل هذه الليلة يا صغيرتي ميتاني".
ولم يجلسا الى المائدة بل دخلا على الفور الى حلبة الرقص كأن شيئا لم يحدث وأستعادت كيري أبتهاجها , لقد تغلبت على خوفها وبأستطاعتها الآن أن تجاريه في سخريته وكلماته المداعبة دون أي خوف من رحلة العودة الى البيت , فهي لم تعد تكترث لمن ستكون له الغلبة وحتى أنها وجدت في الهزيمة متعة.

زهرة منسية 03-06-11 07:07 PM

مــــــــــــشـــــــــــــــــكــــــــوره
يعطيكى الف عافيه اختياراتك حلوه كتير وذوقك راقى يسلموا ايديكى

نيو فراولة 03-06-11 09:34 PM

5- الدرس الأول



في أحد الأيام عادت كيري الى المنزل وهي تلوّح بحماس بغلاف كبير كان في يدها وتصرخ بأعلى صوتها:
" لقد أستلمته".
وعند سماع صوتها سارع والدها ومالي , كل من غرفته , لمعرفة السبب الذي أثار حماسها على ذلك النحو وألتقى الجميع في البهو وكيري ما تزال تلوح بالغلاف , وسأل والدها:
" ما الذي أستلمته بهذه الطريقة الدراماتيكية؟".
وتطلعت كيري بشيء من الأستغراب وكأنها كانت تتوقع منهما أن يعرفا الأمر بغريزتهما.
" أنه دور ميتاني , كن الأختبار مرضيا للغاية وعليّ أن أتمرن على دوري أبتداء من يوم الأثنين المقبل".
" أحسنت يا كيري".
قال الأب بحماس يضاهي حماس أبنته , أما مالي فقد عقدت المقاجأة لسانها ,وأعلن ريتشارد :
" أن هذا الحديث يستوجب حفلة صغيرة".
وأنضمت مالي الى الجوقة وقالت:
" سأذهب لوضع الغلاية على النار".
وتابع ريتشارد دروين:
" سنشرب فنجانا من الشاي نخب مستقبلك , ( وداعب شعرها وهما يتوجهان الى المطبخ وقال ) من الصعب عليّ أن أتخيّل أبنتي الصغيرة الثائرة والطائشة قد أصبحت نجمة سينمائية".
" لست نجمة بل نجيمة أو أذا أردت نجمة سينمائية صاعدة , أنه أمر مضحك , ففي البداية لم أهتم للأمر عندما عرض عليّ السيد ماريوت أن أمثل الدور , وفي الواقع لم أكن أفكر بأي شيء من هذا القبيل ولكن الآن فأنني أتوق من كل جوارحي الى أن ألعب دور ميتاني".
ونظر والدها اليها بطرف عينه وهما يدخلان المطبخ وقال:
" كل ما أرغب فيه هو أن أراك في أول مشهد عاطفي لك".
وتوقفت مالي عن قرقعة فناجين الشاي وأصغت الى جواب كيري الذي جاء مفاجئا للجميع وهي تضحك:
" أنني أستحق كل هذه السخرية خصوصا بعدما قلت تلك الأشياء عن الموضوع".
وعادت مسحة الشرود الى وجه والدها وقال وكأنه لا يتبع سياق الحديث:
" كانت لي بطلة مثلك فيما مضى".
" وماذا حل بها؟".
ورفع يديه بحركة مبهمة وقال:
" أعتقد أنها تزوجت في النهاية وأنجبت ما لا يقل عن عشرة أولاد".
" كلا ,وشكرا على روايتك فليس لدي أية نية لأنجاب عشرة أولاد ".
" حسنا ( رد ريتشارد دروين ) سنرى ذلك فيما بعد".
كانت حفلة الشاي مرحة للغاية , ولكن كيري تمنت لو أن ريك كان حاضرا وكذلك كلفن , فريك عاد الى المدرسة وكلفن ذهب لتمضية بعض الأيام عند أقارب له في كورنواي لمزيد من التدريب وكسب الخبرة , وكيري لم تر باربي منذ أسبوعين ولذلك فقد بدأت تشعر وكأن الأشياء القديمة والمألوفة بدأت تتلاشى شيئا فشيئا.
وطوال الأسابيع التي تلت وجدت كيري أن عملها الجديد كان يستحوذ على أفكارها ويملأ كل أوقاتها , لقد أفتقدت ريك وكلفن كثيرا في بادىء الأمر ولكن الأحداث كانت تتعاقب بشكل سريع لدرجة أن أشتياقها اليهما بدأ يخف , وخلال هذه الفترة أنغمست في مراجعة دورها وقلّما كانت ترى بول, وفي فترات قصيرة كانت تراه متعبا ومرهقا من كثرة العمل .
وكان المدرب يقيم في الفندق نفسه الذي يقيم فيه بول كغيره من العاملين في الفيلم.
وبعد ظهر أحد الأيام وكانت قد أنتهت لتوها من درسها وتستعد لمغادرة الفندق سمعت صوتا يناديها : ( كيري) , فألتفتت بلهفة وقد تعرفت على صوت باربي فهي لم ترها منذ أسابيع فوقفت تراقبها وهي تقطع الشارع بقامتها القصيرة ووجهها الممتلىء وقد أرتسمت عليه أبتسامة عريضة.
" مرحبا باربي".
" كيري! ( ردت باربي وهي تلهث وقد أتسعت حدقتا عينيها ) أصحيح أنك ستمثلين مع بول دفرون؟".
" أجل".
أجابت كيري بحذر , فبعد الذي قالته لصديقتها عن بول دفرون كان من الطبيعي أن تتوقع منها ملاحظات مغيظة , ولكن باربي لم تفكر في الموضوع من تلك الزاوية , بل تنهدت وقالت بلهجة يملؤها الحسد:
" ستمثلين مع بول دفرون أنت من بين جميع الفتيات! يا لك من محظوظة , ( وأمسكت بذراع كيري وسألتها بلهفة ) الله عليك قولي لي كيف يبدو ؟ هل أصر على دفع جائزة اليانصيب؟".
وأنفرجت أسارير كيري عن أبتسامة عريضة وهي تسمع باربي تمطرها بوابل من لأسئلة ولكنها في النهاية شعرت وبشكل عفوي أن حمرة من الخجل قد أنتشرت على وجنتيها , وقد أدركت باربي معنى تلك الحمرة .
قالت وقد شعّ من عينيها بريق من الحسد:
" آه يا كيري , كيف كان شعورك؟".
وتململت كيري بضيق , فهذا الموضوع لا ترغب في مناقشته حتى مع باربي , وقالت أخيرا بلا مبالاة مدروسة:
" كان الأمر ممتعا".
منتدى ليلاس

وأرتفع صوت باربي بسخط :
" تعنين ممتعا فقط.. ممتعا فقط , هذا كل ما عندك لتقوليه؟".
وعبست كيري وهي تفكر , الآن وقد عادت لتفكر بالموضوع مليا , لم يكن العناق سوى تجربة عابرة ولم يبد بول تماما كما كانت تراه على شاشة السينما , ثم طردت الفكرة من مخيلتها , كيف تكون المعانقة مختلفة ؟ بالطبع كان بول مختلفا عن فرانك كونورز , وعادت باربي وسألت:
" وما هو موضوع الفيلم ؟ وما هو دورك فيه؟".
وترددت كيري في الأجابة , ومرة ثانية أحست بالهوة الفاصلة بينهما , لقد بدت باربي أمامها كطفل صغير ولكنها لم تكن قادرة على تبيان ذلك لبضعة أسابيع خلت , وأشارت الى مطعم صغير وقالت:
" لندخل المطعم ونشرب فنجانا من الشاي وسأتحدث اليك عن الموضوع هناك".
" والآن أخبريني عن الفيلم؟".
" أسم الفيلم ( مبارزة في المستنقعات)".
وسردت عليها القصة , وهي تسند ذقنها على راحتيها في تأمل حالم , وتعود بذاكرتها الى الليلة التي دعاها فيها بول الى المطعم , وكيف أنها آوت الى فراشها متعبة ومرهقة ولكنها في غاية السعادة , ثم كيف قرأت السيناريو , وكيف وقفت مشدوهة أمام بعض المشاهد التي كان من المفروض على ميتاني أن تمثلها أو تقولها , لقد شعرت ببعض الشك في بادىء الأمر ولكنها فيما بعد أعتادت عليها , وكان تصوير دور ميتاني سيبدأ لاحقا لذلك كان لها متسع من الوقت للتمرين عليه وأذا سار كل شيء على ما يرام فأن مشاهدها مع بول ستكون موفقة للغاية.
قالت باربي وقد نفذ صبرها:
" أكملي بالله عليك".
وعادت كيري تسرد لها الوقائع كما عاشتها حتى الآن".
" القصة تدور حول أمرأة نبيلة , الليدي فرنسيس براندون, وهذا هو دور فالما التي تقع في حب زعيم قبيلة من الأسبان الغجر الذين جيء بهم لأداء بعض الرقصات في أحدى الحفلات , وبالطبع بول هو زعيم القبيلة ".
وأشتد البريق الحالم في عيني باربي:
" أنني أتخيّله تماما وهو يقوم بهذا الدور , في أي حال تابعي بالله عليك ".
ولم تكن كيري تنوي أطلاع باربي على كل شيء , لقد تغيّرت كثيرا عما كانت عليه كيري القديمة الفتاة في غاية الفظاظة مع صديقتها عابدة أبطال الأفلام , وتابعت:
" عندما تبدأ القصة يأتي من يقول لزعيم القبيلة أن هناك ساحرة تدعى ميتاني تعيش في أحدى الجزر السرية في المستنقعات لا يعرفها سواها ".
" ومن يلعب دور ميتاني ؟ ( سألت باربي على أحر من الجمر ثم فغرت فاها عندما أشارت كيري الى نفسها ).
وتابعت كيري سرد القصة:
" وفي أحد الأيام تغادر ميتاني الجزيرة السرية وتقع في أيدي الغجر ويجبرونها على الزواج من زعيمهم الذي وقع في حبها , حوادث القصة وقعت قبل مئات السنين لذلك فهي محاكة في جو من الخرافات , وفي أي حال فأن الساحرة لم تكن في الواقع غير راغبة في الزواج من الغجري , فهي تدّعي بأنها والغجري كانا قد تزوجا بعد غرام عاصف في الماضي عندما كانا يعيشان في غابر الأزمان في أيام الرومان , ولكن حدث بعد الزواج أ وقع نظر الزعيم الغجري على الليدي فرنسيس وهام بها متخليا عن حب ميتاني , وهنا تبدأ المأساة , فيلحق الغجري بالليدي النبيلة التي هي أيضا وقعت في حبه على الرغم من نسبه الوضيع , وتلحق ميتاني بالعاشقين وتحاول أستعادة زوجها مستحلفة أياه بحبهما القديم في الأيام الغابرة , وبالطبع تعود الكاميرا في هذه اللقطات الى الماضي في تسلسل تاريخي , ومع ذلك يصر الغجري على اللحاق بالليدي فرنسيس التي تعترف أخيرل بأنها هي الأخرى واقعة في غرامه , وتعود الساحرة ميتاني الى جزيرتها السرية وتحاول بشعوذاتها أستعادة حبيبها , وأخيرا تنجح الساحرة ويعود الغجري أليها , وهكذا كما ترين القصة بكاملها سخيفة".
وأعترضت باربي :
" ولكنها تبدو مشوقة , تابعي يا كيري , ومن تحصل عليه في النهاية؟".
وتطلعت كيري الى صديقتها بدهشة وقالت:
" الساحرة بالطبع , ظننت أنني قلت لك ذلك قبل برهة , وفي المشهد الأخير من الفيلم يسلط النور على الليدي فرنسيس وهي واقفة أمام بوابة قصرها تتطلع في شرود الى البعيد".
" ’ه ( تنهدت باربي بسعادة ) أنا مسرورة بأنك أنت التي فزت بحبه ".
وألقت كيري عليها نظرة ساخرةولكنها لم تعلق على ملاحظتها , وبعد قليل ودعتها وسارت الى الأصطبلات حيث تركت حصانها سموكي فأمتطته وأقفلت عائدة الى المنزل.
كانت غارقة في أفكارها وهي تقود حصانها وفكرت أن الشق بينها وبين باربي أصبح شاسعا الآن لكي تتجاهله , فهل نضوج الفتاة يعني فقدان أصدقائها , كلا , هذا ليس صحيحا دائما , فهناك أصدقاء يشبون معا , صحيح أن هناك فرق سنتين بينها وبين باربي ولكن ذلك الفرق لم يكن ظاهرا من قبل , أما الآن فأنه يبرز بشكل قاطع وعادت كيري وفكرت من جديد , أنها فقدت صديقة ولكنها من جهة أخرى كسبت أصدقاء آخرين وهم طوم ماريوت وفالما وبول.
وفي اللحظة التي ذكرت أسمه سمعت صوته ولم يكن بعيدا , فألتفتت الى الوراء ورأته يخبو على جواد أسود مطهّم عرفت على الفور أنه خارج من أصطبلات بريفريل , أنه الحصان الذي أمتطاه في الفيلم ولكنه لم يكن يرتدي لباس الغجر بل سروالا كاكي اللون وقميصا من الحرير الأبيض كان مفتوحا عند الرقبة ويبرز سمرة جسمه الشديدة , وكان شعره الأسود يتطاير خصلات مع هبات النسيم على غير عادته , وعلى الرغم من أنه بدا جذابا للغاية ويافعا ألا أن علامات الأرهاق كانت تبدو على وجهه.
" مرحبا كيري ( قال بول وهو يبتسم) ".
" أهلا بول ( ردت كيري وأضافت) تبدو متعبا".
وشعرت بسعادة لهذا اللقاء وبدت الطبيعة حولها أكثر جمالا ونقاوة , ولكنها ملكت نفسها وحاولت أن تجعل لهجتها طبيعية قدر الأمكان.
" أنني مرهق , أنهم يصورون مشاهد بعد ظهر هذا اليوم وليس لي فيها أي دور لذلك فقد أعلنت الأضطراب ".
وتطلعت كيري اليه بشيء من القلق وهو يمرر يده على عينيه , لقد كان يختلف عن بول دفرون الواثق من نفسه وشعرت بعطف غير مألوف نحوه , وسألته:
" الى أين أنت ذاهب الآن؟".
" لا مكان محدد , أنني أقوم بمجرد نزهة على صهوة الجواد , ( ثم رمقها بنظرة فيها الكثير من الألتماس ) هل أنت مضطرة للذهاب توا الى المنزل أم تستطيعين مرافقتي؟".
وشعرت كيري أنه بحاجة اليها وكان من الطبيعي أن تساعده , وردّت على الفور:
" بالطبع سأرافقك فقد تضل طريقك في المستنقعات".
وعاد ونظر اليها ولمع في عينيه على الفور ذلك البريق القديم من الأغاظة الودية :
" وهل تكترثين بالفعل لمصيري؟".
" بالطبع أكترث , ( وخفضت عينيها ثم تابعت وهي تحاول أضفاء جو من المرح على حديثهما ) وعلاوة على ذلك ماذا ستقول جميع المفتونات بك ؟".
" أنهن سيتحولن الى شخص آخر ( رد بول بلهجة فيها مسحة من السخرية التي قلما أظهرها معها ) أن الجمهور حيوان متقلب يا كيري".
" أذن ( قالت كيري بلا مبالاة ) سأرافقك أكراما لمستقبلك , وسأعمل على أبعادك عن المناطق الخطيرة في المستنقعات".
وللحظة تعمقت تعابير الأغاظة القديمة في عينيه وأعتقدت أنه سيواجهها ببعض تحدياته ولكنه أكتفى بالأبتسام ولم يتفوه بكلمة , كان الوقت لا يزال مبكرا بعد الظهيرة ومع أنهما كانا يسيران بجوادهما ببطء غير أن كيري تعرف تاما الى أين هما ذاهبان , الى مكان لا تؤدي اليه أي درب أو سكة , ولم تفكر أن في الأمر غرابة فهي لم تفكر قط في يوم من الأيام أن تصطحب ريك أو كلفن الى ذلك المكان وها هي اليوم تأخذ بول اليه دون تردد , وبعد فترة قصيرة عرجت عن الدرب التي كانت معالمها تختفي ودخلت منطقة شاسعة من البراري المقفرة , وأخيرا توقفت على رأس هضبة منخفضة كان يمتد تحت سفحها واد صغير حالم ينساب في قعره جدول ماء صغير أيضا أرتفعت على أحدى ضفتيه شجرة وحيدة ضخمة.
وألتفتت الى بول وسألته مبتسمة:
" هل أعجبك؟".
وتطلع حوله بأعجاب وتاهت نظراته في الوادي الذي بدا وكأنه خارج من قصص الجن وهز برأسه وقال:
" أنه رائع يا كيري , أن هذه المستنقعات تخفي بعض البقع الخلابة ".
" أن منطقة المستنقعات بكاملها جميلة وخلابة وعندما تنتشر فوقها الغلالات الضبابية في الليل يكاد المنظر الساحر يفوق كل تصور".
وتطلع بول نحوها , كانت بالفعل ساحرة المستنقعات , أنها ستعيد ميتاني الى الحياة , فتاة المستنقعات المتوحشة , وهبطا الى الوادي وترجلا عن جواديهما , كان الجو دافئا يسبح في سكون تام , وأخذ الجوادان يرعيان وسط الأعشاب الطويلة فيما أفترش فارسيهما الأرض , وأنتزعت كيري جديلة من العشب وجلست تتجاذبها بين أصابعها , أما بول فقد أتكأ على جذع الشجرة وأخذ يراقبها بعينين ناعستين كأن جو الوادي قد أنعكس فيهما , وكأن تيارا خفيا لمسها فألتفتت فجأة وتطلعت اليه , كان يومىء اليها بأصبعه بأن تقترب منه.
وبدون تردد تركت كيري مكانها وجلست قربه وأتكأت برأسها على الشجرة , لم يكن هناك متسع من المكان لكليهما لذلك حشرت كيري نفسها بالقرب منه , كان يبدو تعبا ومسرورا في آن وأحست بعاطفة من الأمومة تدفعها لأخذ رأسه بين يديها والتخفيف عن همومه , كان الشعور سخيفا خصوصا أتجاه بول دفرون ولكنه كان قويا وطبيعيا , وكأن بول قرأ أفكارها فمال برأسه نحوها وهو يبتسم قائلا:
" أنت فتاة رائعة وطيبة يا كيري دروين".
" هل أنا كذلك؟".
" أجل أنت وواديك الساحر ( وتوقف قليلا ثم تابع) أتمنى لو أنك تستطيعين رؤية كوخي الصغير في الروكيز , أنه معزول في أحد أطرافه بحيرة زرقاء عميقة وتحيط به جبال مكسوة بالثلج , والطريقة الوحيدة للوصول اليه هي بالطائرة وأنا غالبا ما ألجأ اليه للراحة في فترة ما بين تصوير فيلمين".
" هل بول هو أسمك الحقيقي؟".
وحرك بول رأسه ببطء:
" كلا ليس تماما أسمي الكامل هو بول دوفرنيل , كانت أمي من أصل أنكليزي ووالدي من أصل فرنسي – كندي وقد ولدت في الروكيز".
" أخبرني عن عائلتك ومسقط رأسك".
" كانت مزرعة صغيرة وكانت أمي مقعدة وعندما كنت طفلا مات والدي لذلك فأنني لا أذكرة جيدا ومع ذلك فالحياة كانت سعيدة في المزرعة ولم نكن في بحبوحة من العيش ولكن ما كنا نملكه كان كافيا , ثم ماتت أمي عندما تركت المدرسة فبعت المزرعة وأنتقلت من مكان الى آخر على غير هدى حتى حئت في نهاية المطاف الى هوليوود".
ولم يكن بول بحاجة الى أعطائها المزيد من المعلومات , فقد كانت بفضل باربي تعرف كل شيء عنه وعن صعوده المفاجىء في عالم السينما , لقد أصبح نجما بين ليلة وضحاها بعد عرض أول فيلم له حتى أن الجماهير لقّبته بفالنتينو معبود النساء , وذهب بعض النقاد الى القول أن فيلمه الأول كان ضربا من الحظ جاء برمية من غير رام وسيظهره فيلمه الثاني على حقيقته , ثم جاء الفيلم الثاني وبقي السحر على حاله , وعقبه الفيلم الثالث والرابع وكرّت السبحة وكان كل واحد من أفلامه أكثر شعبية من السابق ليس فقط بين النساء بل والرجال أيضا , فبالأضافة الى سحره الجذاب كان بول ممثلا قديرا وكان من الصعب تصوره آتيا من جبال الروكيز الهادئة ليصبح نجما تحت أضواء هوليوود الساطعة.
وسألت كيري:
" ألم تجد عالمك الجديد غريبا بعد أن كنت معتادا على هدوء جبال الروكيز؟".
وأبتسم بول من جديد ولكنه لم يرفع رأسه وتابع:
" كانت الأجواء غريبة عليّ في بادىء الأمر , كانت مصطنعة وسريعة الزوال بين الكاميرات والضجيج والأماكن الجديدة ولكن لا يمكنني أن أتصور الآن بأنني قادر على التخلي عن كل ذلك , أنها حياة تجري في العروق يا كيري".
ومن جديد عاد الى صمته , وبعد برهة تطلعت كيري اليه فرأت أنه أغمض عينيه وكان تنفسه خافتا وعميقا , لقد كان مستغرقا في النوم , وبكل نعومة سحبته الى الأسفل وجعلته يستلقي على الأعشاب ثم أسندت رأسها الى جذع الشجرة وأخذت تراقبه , كان يبدو من المستحيل على كيري دروين , قبل فترة من الوقت , أن تتصرف كما تصرفت الآن ولربما كان ذلك تحت تأثير الهدوء الذي يخيم على الوادي , وكانت تدرك في قرارة نفسها أن الأمور لن تبقى على حالها فقد كشف لها بول ناحية من حياته لن تنساها مدى الحياة , وتركته مستسلما للنوم لبعض الوقت ولكنها تعرف أن عليها أن توقظه بعد قليل , فمالي ستقلق كثيرا أن هي تأخرت عن العودة الى المنزل , ومالت نحوه قليلا وبدون أنتباه لامست أناملها شعره الأسود الذي كان يتلاعب فيه النسيم , كان ناعما كالحرير ومفعما بالحيوية , ونقلت كيري عينيها من وجهه وأستقرتا على يديه , كانتا نحيفتين تنتهيان بأصابع طويلة قوية كالفولاذ تماما كجسمه الرشيق , وحتى وهو مسترخ في نومه كانت القوة تبدو عليه كالنمر , وأبتسمت قليلا وهي تتذكر النمر الأسود الذي رأته يوما في حديقة الحيوانات , كان ماثلا أمامها الآن برشاقة راقص أسمر وصلابته , لقد سحرها النمر في ذلك الحين , وأنتبهت كري الى أن الوقت أصبح متأخرا وكانت تعرف أن عليها أن توقظه , فمدت يدها وهزت كتفه ولكنها توقفت , وعادت فمدت يدها الى خده ولامسته , وبلمح البصر شعرت بذراعه تطوقها وهو يبتسم , وفتح عينيه وقد فارقهما النعاس والخمول وبرق فيهما ذلك الشعاع الراقص المفعم بالجرأة والوقاحة.
" لقد كانت طريقة ممتعة لأيقاظي , ( تمتم بول وهو يلامس وجهها وأضاف ) شكرا لك يا عزيزتي كيري".
وأبتعدت كيري عنه قليلا واقفة وقالت:
" لقد حان الوقت للعودة الى المنزل".
وقفز واقفا على رجليه بخفة هائلة كرقاص أنفلت فجأة , وأحست كيري بأن أرهاقه أختفى وعاد كالسابق خطيرا لا يركن اليه ولكنه كالنمر الأسود كان لا يزال يسحرها , وأتجها الى حصانيهما وبسرعة البرق كانت كيري قد قفزت على صهوة جوادها قبل أن يمد بول ذراعه لمساعدتها على الركوب , وأبتعدا عن الوادي وبعد بضع دقائق أدركت كيري أنها على وشك أن تتورط في مناوشة جديدة من الأغاظة من شأنها أن تعيد الى وجنتيها أحمرارهما السابق ولكنها عدلت في اللحظة الأخيرة وحولت أفكارها الى موضوع شخصي أكثر وسألت بول عن الراقصين في الفيلم , فهي كانت تحب خوض موضوع الرقص وفي أي حال كان موضوعا آمنا , ورد وهو يغمز بعينه:
" أعتقد أن هذا هو الأمر الوحيد الذي تستسيغينه في فيلمي".
منتدى ليلاس

وهزت كيري كتفيها بشيء من القلق وقالت:
"حسنا...".
ولكن بول قاطعها بضحكة عالية:
" حسنا..... ليس عليك أن تقولي أكثر من ذلك , أعرف رأيك في موضوع المشاهد العاطفية وأعرفة جيدا , ولكنني سعيد أنك موافقة على رقصي".
وبرقت عينا كيري بحماس وقالت:
" أنني أحب الرقص , لقد كانت هناك رقصة يا بول أحببتها كثيرا لدرجة أنني أبتعت الأسطوانة".
ونظر اليها وقال مبتسما:
" أية رقصة , سأدرك عليها أذا أنت رغبت في ذلك".
وبرقت عينا كيري من جديد ببهجة عارمة وقالت بسرعة:
" أنها التانغو الأرجنتينية في فيلم ( قمر بامباس)".
وغرق بول في تفكيره فهو يتذكر تماما تلك الرقصة الساحرة كما تصور أيضا حالة الآنسة دروين وهي بين ذراعيه تميل على نغمات تلك الموسيقى , لقد كانت مولعة بالرقص ومنجذبة اليه لدرجة أنها كانت تنسى كل شيء آخر حولها , وقال وقد شع في عينيه بريق من المداعبة:
" أذن أنت تريدين أن تتعلمي تلك الرقصة يا كيري؟".
وهزت رأسها بألحاح:
" أجل أرجوك يا بول ( وأضافت على الرغم من أنها كانت تشعر بالخطر الذي سيحدق لها وهي بين ذراعيه ) هذا أذا لم يكن لديك أي مانع".
" أي مانع ؟ ( وضحك بول وهو يلقي برأسه الى الوراء ) أنا لا أتجاسر على رفض طلبك يا عزيزتي كيري".
وتطلعت اليه بدهشة:
" ولماذا؟".
" لأنك ستوجهين الي لكمة قوية".
ومن جديد حدقت كيري به بنظرة حائرة وكررت سؤالها:
" ولكن لماذا؟".
وحلت محل النظرة المداعبة نظرات شيطانية أصبحت مألوفة لكيري وقال:
"حسنا .... ولكن بشرط واحد وهو أن تفعلي بالضبط ما أقوله لك ".
وهزت رأسها بالموافقة على الفور:
" أنني أعدك بذلك , شرط أن تعدني بدورك بأنك لن تستحدث خطوات وحركات جديدة".
" لن أحتاج الى ذلك ".
رد بول وهو يقول في نفسه بأن ذلك سيدعها تفكر في الموضوع وتضرب أخماسا بأسداس طوال رحلة العودة الى المنزل.
وعندما وصلا نركا حصانيهما بعهدة جودي ودخلا الى المنزل , وأطلت مالي من المطبخ وقد أشرق وجهها بالسرور ولكنه ما لبث أن أختفى وحل محله أرتباك ظاهر عندما رأت من أحضرت معها , وقالت على عجل:
" سأحضّر الشاي".
وردت كيري :
" سنكون في غرفة الرقص".
وسأل بول بأستغراب:
" في غرفة الرقص؟".
" أنها غرفة كانت تخص أمي وقد أعتدنا على تسميتها بغرفة الرقص , فقسم كبير من فساتين الباليه القديمة التي كانت ترتديها ما زالت في الغرفة , ومن هنا أيضا أنتقيت فستاني للحفلة , وغالبا ما ألجأ اليها كلما شعرت برغبة في الرقص".
وقال بول بلهجة آمرة:
" أذن أذهبي الآن وأرتدي واحدا من تلك الملابس , أنني أرفض أن ألقن رقصة التانغو هذه لفتاة ترتدي زي الفرسان , أنه لا يتلاءم مع الرقصة على الأطلاق".
كانت كيري تعرف أنه كان يمزح معها ولكن الفكرة راقت لها , ردت بالموافقة وسط دهشة بول وأسرعت الى السلم وهي تضيف وقد رأت والدها يخرج من مكتبه:
" لن يستغرق ذلك أكثر من برهة وجيزة".
ولاحق ريتشارد دروين بنظرة طيف أبنته بصمت ثم ألتفت الى بول وقاده الى مكتبه وهما غارقين في حديث بدا لكيري أنها كانت غائبة عنه كليا.
وفي الغرفة العليا حيث كانت صورة والدتها معلقة على الحائط , وجدت كيري بعد تفتيش طويل عن ضالتها وهي كناية عن زي للباليه مصنوع على الطريقة الأسبانية , وبسرعة خلعت ثياب الفروسية وأرتدت زي الباليه ولكنها قبل أن تعود الى مكتب والدها دخلت غرفتها ووضعت فردتي حذاء فضي للرقص.
ولربما سمعاها تهبط السلم , فأطلا من باب المكتب على الفور وكان والدها يبتسم أبتسامة عريضة وتساءلت كيري عما كانا يتحدثان به , وقال :
" لقد قلت لمالي بأن تتمهل في تقديم الشاي الى ما بعد درس الرقص فأنت على الأرجح ستحتاجين اليه بعد كل الجهد الذي ستبذلينه".
ثم عاد الى المكتب دون أن يضيف كلمة أخرى , كانت كيري تقف وجها لوجه أممام بول الذي كان يرمقها بنظرات كلها تقدير وأستحسان وسألها:
" لماذا لا ترتدين الفساتين دائما يا كيري؟".
وهزت كتفيها بلامبالاة وردت:
" أنها سخيفة وغير مريحة , وعلاوة على ذلك فأنا معتادة على أرتداء أزياء الفروسية والسراويل".
ولم يعلق على جوابها بل تبعها الى السلم ومنه الى غرفة الرقص , وعندما فتحت الباب وقف بول ينظر الى الداخل بأعجاب كبير وكانت أشعة الشمس تضيء جوانبها , وجال نظره في زواياها ثم توقف عند صورة المرأة المعلقة على الحائط , وسأل بصوت ناعم:
" هل هي أمك؟ أنها جذابة للغاية".
" أجل أنها أمي , لقد ماتت وأنا صغيرة لذلك فأنا لا أتذكرها قط ".
منتدى ليلاس

" أنها تشبهك بأستثناء الشعر الأحمر".
وقرأت كيري الأطراء المبطن في كلماته وأصطبغ وجهها بصبغة طفيفة من الخجل فأستدارت لتضع الأسطوانة , وعندما نظرت اليه رأت عينيه تشعان بذلك البريق الشيطاني , وتساءلت عن سبب ذلك البريق , لربما كانت الرقصة عبة وسألته هل الرقصة صعبة في الواقع فهز رأسه بالنفي وقال:
" أنها سهلة للغاية يا كيري , كل ما في الأمر أنها خاصة من حيث الموسيقى والآداء ".
وأنسابت الأيقاعات وبلمح البصر أمسك بول بأحدى يديها وجذبها نحوه , وقبل أن تدرك ما حصل وجدت نفسها قد فقدت توازنها كليا وأصبحت تطير كالفراشة بين ذراعيه , وعلى الرغم من اللهيث الذي أصابها وشهقة المباغتة التي خرجت من بين شفتيها فقد تمكن من تثبيت خطواتها والدوران بها في حركات منسابة ولكنها عنيفة وبدائية , ولأول مرة شعرت كيري بسحر الموسيقى الخفي , كان هناك أيقاع نابض يتسرب الى أوصالها ويلف كيانها بأرتعاشات مثيرة , كان الأيقاع يوحي بأشياء كثيرة ولكنها قررت ألا تعرها أهتماما.
وعضت على شفتيها وحاولت أن تتحرر من سحر ذلك الأيقاع فأبتعدت قليلا عن بول , وتعجبت كيف أنه تركها تبتعد ولكن تعجبها تلاشى عندما ألتقط يدها مرة ثانية وبسرعة البرق وبحركة دائرية قوية أعادها ثانية اليه , وكان بول يدور بها في الغرفة برشاقة كبيرة ويتقدم بضع خطوات ثم يتراجع خطوات أخرى , ورفع يدها اليسرى بيده اليمنى بصلابة وقد توقفا بلا حراك على أيقاع الموسيقى ثم تابعا الدوران وقد أمسك بخصرها بقوة وليونة في آن , ونظرت كيري اليه كالمسحورة وفي هذه اللحظة توقفت الموسيقى على خاتمة صاخبة النغمة , وأوقف بول الأسطوانة وقال :
" في هذا كفاية ايوم , وفي أي حال أنها ليست المقطوعة الكاملة لقد حذفوا منها مقاطع كثيرة".
" أهذا صحيح؟".
سألته كيري بصوت متردد وهي تشعر بالسرور في نفسها , كون الأسطوانة مختصرة الى ذلك الحد , وفهمت على الفور ماذا تعنيه أبتسامته الشيطانية عندما قالت له أنها تريد أن تتعلم هذه الرقصة ,وعندما ألتفت بول اليها كان يبتسم:
" لقد نلت نصيبك , أنت قلت أنك تريدين الرقص على أنغام هذا التانغو , وهناك المزيد من هذه المقطوعة".
" أهذا صحيح ؟ ( كررت كيري السؤال) ".
" بالطبع هناك المزيد ( رد بسخرية مماثلة لسخريتها وأضاف) متى تريدين تلقي درسك الثاني؟".
" ليس الأمر مهما ( قالت بشيء من المراوغة ) أنت لا شك منغمس حتى أذنيك في الفيلم ".
" لا , ليس الى هذا الحد".
وعبست كيري , فهو لا يهيّن الأمور عليها , ولم تكن لديها الشجاعة الكافية للأعتراف بأن الرقصة كانت مضنية ولا ترغب في متابعتها.
" أتريدين الحقيقة ؟ ( قال بول بلهجة ساخرة ) أنت خائفة".
ورفعت رأسها بتحد وردّت بغضب :
" طبعا لا ".
" أحقا؟".
ونظرت كيري الى البعيد ورفضت أن تتابع مناقشة الموضوع وقالت :
" أترغب في تناول فنجان الشاي الآن ".
" جبانة ".
رد بول ساخرا ولكنها أمتلكت أعصابها ولم ترد عليه وأتجهت نحو الباب وخرجت وتبعها بول.

نيو فراولة 03-06-11 09:41 PM

6- أغفاءة الموج


بعد حادثة الرقص , لم تلتق كيري بالرجل الذي شغل بالها الى ذلك الحد , الى أن جاء اليوم الذي دعيت فيه أخيرا للحضور الى الأستديو لمعاودة التمارين , وفي نهاية أحد تلك التمارين ألتفتت لترى طوم ماريوت وهو يراقبها من الباب , ودخل الغرفة وهو يبتسم أبتسامة مشجعة وقال :
" أحسنت يا كيري ".
وعلت وجهها حمرة الخجل وشكرته , وقبل أن يغادر الغرفة قال:
" راجعي دورك في المشهد الروماني خلال عطلة الأسبوع , سيمر بول ويصطحبك معه يوم الأثنين المقبل , فنحن جاهزون لبدء التصوير .
بلعت كيري ريقها ولم تجد كلمة تعب فيها عن شعورها , أخيرا جاء دورها .
وأبتسم مجددا وهو يرى أرتباكها وقال مشجعا :
" لا تقلقي كل شيء سيكون على ما يرام".
تذكرت أن الأحداث التي وقعت في الأزمان الرومانية تتضمن مشهدا عاطفيا , لماذا عليهم أن يختاروا مشهدا مثل ذلك المشهد لتبدأ حياتها السينمائية؟
ولكن ذلك لم يثنها عن عزمها , فعادت الى المنزل وأنكبت على مراجعة دورها لتتقنه بحذافيره , ولم تكن لتستقر في مكان واحد بل كانت تنتقل من غرفة الى أخرى بقلق تارة وبخوف تارة أخرى ,وكان والدها ومالي يعملان جاهدين للتخفيف من قلقها وتطمينها خصوصا عندمت تعلن بيأس أنها غير قادرة على حفظ كلمة واحدة أو تمثيل دورها وأنها تشعر بالبرد يدب في أوصالها لمجرد التفكير بالأسبوع المقبل.
وجاء يوم الأثنين بأسرع مما توقعت , كانت كتلة من الأعصاب وسريعة الأضطراب , وجاء بول دفرون بسيارته السوداء المألوفة , فأستقبلته كيري وقد بدا عليها الأضطراب .
" أنني خائفة يا بول , وأشعر بالوهن ".
" هذا هراء ( وأضاف محاولا التخفيف من روعها ) كل شيء سيكون على ما يرام".
وخرج ريتشارد دروين من مكتبه ونزل السلم وسلّم على بول وهو يبتسم , ثم نظر الى أبنته وقال:
" بالطبع سيكون كل شيء على ما يرام , أنت مرهقة وأعصابك متوترة ( ثم تطلع الى بول من جديد وقال ) هل لديك متسع من الوقت لفنجان من الشاي قبل الذهاب ؟ أعتذر فأنا لا أقدم أي نوع آخر من المشروبات".
ورد بول :
" شكرا ولكن من الأفضل أن نذهب وألا فأن هذه الفتاة الصغيرة ستغيب عن الوعي ( وهز معصم كيري بنعومة وأضاف مداعبا ) هيا تشجعي أيتها الجبانة الصغيرة , أنت دائما تقلقين لأمور قبل وقوعها ثم تجدين أنها لم تكن سيئة الى ذلك الحد".
وكانت كيري تعرف أنه كان ينوه الى الأحداث التي جرت في حفلة العشاء فجمعت قواها ولمعت عيناها من جديد بذلك البريق الائر المألوف. فضحك بول وقال مشجعا :
" هذا رائع ".
وبينما كانا يتوجهان نحو الباب صرخت مالي :
" أتمنى لك حظا سعيدا يا آنسة كيري".
أضاف ريتشارد دروين :
" وأنا كذلك".
وطوال الرحلة التي تأخذها الى عالمها الجديد كانت كيري تشغل نفسها في ترتيب سروالها الفضفاض الأزرق الداكن بعصبية وتحاول عبثا وقف أرتجاف يديها وتعيد السؤال عما أذا كانت ترتدي الثياب المناسبة , لقد أستغرق بعض الوقت لكي تقرر أي ثوب ترتديه على الرغم من أن الخيارات لم تكن كثيرة , فهناك الثوبان القصيران والباهتان وزي الفروسية أو البلوزة والسروال , وقد أختارت الأخيرين بدت جذابة وأنيقة ولكنها لم تلاحظ ذلك , وفي أي حال فأن مزاجها الحالي كان يضعها في وضع غير مبال بهكذا أمور.
وهمس بول بنزوة :
ط أبتسمي يا كيري , أنت لا تذهبين الى المقصلة , أنت تعرفين ذلك حتى ولو كنت ستخوضين اليوم معركة مشهد عاطفي".
وطغت على وجهها مسحة من تكشيرتها الصبيانية وردت:
" هذا لم يعد يخيفني".
" ألا تعتقدين أن أمامك أشواطا بعيدة لتتقني هذه الأمور؟".
ولمحت كيري طرفة عينيه فأنفجرت أساريرها عن ضحكة عالية مما دفع بول الى تشجيعها بقوله :
" هذا رائع".
وقبل أن تعود من جديد الى أضطرابها وعصبيتها , أخذ بول يغني أغنية كانت رائجة قبل أشهر خلت وبعد قليل أنضمت كيري اليه , وعندما بدا المخيم أمامهما سكتت من جديد وبدأت تحرك يديها بعصبية , ومدّ بول يده وأمسك بأحدى يديها وهو يوقف السيارة :
" هدئي من روعك يا كيري".
وضغط على يدها مشجعا ثم سحب يده وخرج من السيارة وجاء الى طرفها وفتح الباب .
وأنزلقت من مقعدها ووقفت بثبات على قدميها ورفعت ذقنها بشيء من التحدي , وهو التحدي الذي يعرفه بول جيدا فضحك.
" لا تدخلي وتخاصمي كل شخص في الداخل لا لشيء سوى لأنك تشعرين بالأضطراب وأذا فعلت فسأضطر أما لأصفعك أو لمعانقتك".
" من الأفضل أن تعانقني فأنا بحاجة اليه أكثر ".
" أحقا ؟ أذن سأسألك يوما أيهما تفضلين؟".
وقرأت كيري المعنى المبطن ولكنها قالت في نفسها أن المعانقة قد تكون أفضل من خوض المشاهد العاطفية معه.
وخرج طوم وفالما لملاقاتهما وكانت كيري على وشك سؤال بول عما عناه بملاحظته الأخيرة , وقالت فالما مازحة:
" كفي عن الأرتجاف أيتها الصغيرة , سنقوم اليوم ببعض البروفات فقط".
" أنني........".
ولكنها لم تتمكن من متابعة كلماتها وعادت وغرقت من جديد بأفكارها المشوشة التي طغت عليها وهي في السيارة , وتدخّل طوم في الموضوع مشجعا هو أيضا :
" ستتغلبين على هذا الشعور سريعا , والآن لنذهب الى الأستديو ".
وتوجهوا الى حيث كانت الخيم منصوبة , وبالذات الى أكبر خيمة حيث توقف طوم ماريوت , وقال بعد تفكير :
" سنلتقط المشاهد الداخلية ( ثم قادهم الى الداخل )".
منتدى ليلاس

تبعته كيري بأهتمام وقد نسيت على الفور خجلها , كان أحد جوتنب الخيمة منزوعا وقالت في نفسها أنه لا يد أن يكون المكان المخصص للكاميرات , كانت الخيمة مفروشة بوسائل ترف مذهلة بالنسبة لمقر عسكري , ولكنها تذكرت أن الخيمة تخص شريف روماني , وفي أحد زواياها كانت طاولة مغطاة بالخرائط وهي لا بد أن تكون خرائط المعركة , وشعرت كيري أنها تدخل عالم آخر لا شيء فيه يتصل بالقرن العشرين هذا أذا لم ينظر المرء الى الخارج عبر الجانب المفقود من الخيمة.
وتقدم بول فجلس وراء الطاولة وأحست كيري بشعور غريب يتدفق الى كيانها , فهو لم يكن يرتدي أي زي , فلباسه كان عصريا يتألف من بنطلون وقميص من الحرير الأبيض , ومع ذلك فأنه لم يكن بول دفرون الذي تعرفه, فقد تصلبت تقاطيع وجهه وأزدادت غطرسته , كان ماريوس , أحد شرفاء الرومان , ومجرد النظر اليه جعلها تشعر أنها بالفعل تلك الأسيرة التي وقعت بين يديه على الرغم من ثيابها العصرية , وأعطى ماريوت الأشارة , ووجدت نفسها تنكمش الى الوراء وتقبض بشدة على قماش الخيمة.
وبسط بول يديه على الطاولة ونهض بكل بطء , كانت عيناه تحدقان بها بدون أن يرف له جفن وسمّرهما على وجهها النحيل وقد لمع فيهما بريق وقح جعلت أوصالها ترتجف وأعصابها تتخاذل , لم ينظر اليها من قبل بهذا الشكل , ولكن الشخص الذي أمامها لم يكن ول , هذا ما قالته لنفسها بسرعة , أنه قائد روماني وأيا كن اللباس الذي يرتديه فهذا الرجل كان رومانيا , وهو يريد ميتاني , أو بالأحرى جدة ميتاني , ليلى.
" هكذا أذن ؟ ( قال بصوت ناعم ) أن الأشينيني يرسلون الآن نساء ليحاربونا ؟ هل أصبح الرجال يرتعدون خوفا للخروج من مخابئهم ؟".
وتيبست كيري في مكانها وأستقامت في وقفتها , وفكرت أن الأمر غريب حقا فهي ترى نفسها بشكب طبيعي لغاية في شخصية تلك الفتاة الخارجة من أعماق الزمن.
" أن ألويتك لا تدمرها الأشباح , وأنت تعرف تماما أين هم الرجال , نحن النساء أخترنا أن نتبع ملكتنا لنثأر للأهانة التي لحقت بالعائلة الملكية".
كانت كلماتها تطفح بالعزة والكرامة وتنطلق من حنجرتها بمرارة عميقة , كانت شخصيتها تذوب كليا في شخصية ميتاني , وكان هو الجواب بالذات الذي كانت ستفوه به في مثل تلك الظروف , ودار بول حول الطاولة وأتكأ عليها وهو يرمقها بنظرة.
" أقتربي مني ( أمرها بنبرته الناعمة الخطرة ,وعندما ظلت واقفة في مكانها , أضاف بدون أن يغير نبرته ولكن بشيء من القوة المتسلطة ) سيكون من السهل عليّ أستخدام القوة , أقتربي".
وبكل بطىء تقدمت بضع خطوات , ومع ذلك بقي صوتها ثابتا ومتغطرسا عندما قالت :
" ماذا تنوي أن تفعله بي؟".
" قبل قليل حاولت أغتيالي لذلك فأنا لست مضطرا لأعاملك بلطف .
وتقلصت سفتاها وردت :
" لم تكن غلطتي أن أنا أخطأتك".
" هذا صحيح , وهذه حقيقة أنا مسرور بها كثيرا ,وهي تدل على أنك خطيرة بوصفك محاربة ولكن كأمرأة فقد تكونين أكثر خطورة".
وببطء مقصود ترك الطاولة وتقدم نحوها , وخطوة خطوة تراجعت هي الى الوراء الى أن أوقفها صوته :
" وراؤك يمتد المخيم فهل تريدين أن تقعي في أيدي رجالي عوضا عن الوقوع بين يدي؟".
وشمخت برأسها بعنفوان وتحد :
" أفضل الموت على الوقوع بين يديك".
وقفزت نحو طاولة صغيرة وأستلت خنجرا كان ملقى فوقها وهمت بتسديد طعنة الى قلبها ألا أن يده كانت أسرع فأنتزعه منها , ووقع الخنجر على الأرض وبلمح البصر وجدت نفسها وق رفعتها ذراعان قويتان كان من الصعب تجاهلهما , ,كانت كيري غارقة في العالم الذي أنغمست فيه , فليلي هي التي تتصارع بين يدي القائد الروماني وهو يحملها بين ذراعيه ويختفي وراء ستائر ثقيلة تؤدي الى جزء آخر من الخيمة , كانت غائبة عن كل شيء حتى أنها لم تر طوم ماريوت وبقية طاقم الفيلم يسارعون لتغيير أماكنهم ليتسنى لهم متابعة المشهد في الجزء الآخر من الخيمة. هناك , كانت أريكة كبيرة تكدست عليها الوسائد تحتل القسم الرئيسي من الخيمة , وبكل نعومة لا تخفى على أحد معانيها, وضعت كيري فوقها , وجلس بول الى جانبها ومال نحوها , ولبرهة رأت وجهه الداكن السمرة يكاد يلامس وجهها وعينيه السوداوين وقد شع منهما ذلك البريق الشيطاني , وأمسك بكتفيها ودفعها الى الوسائد وهو يحاول معانقتها.
كانت كيري مستميتة لأبعاده عنها ولكن قبضته كانت شديدة أبقتها مسمرة في مكانها , وشعرت بخطورة الموقف وهي تتخبط بين يديه وقد غمرتها نشوة عارمة تختلف عن كل الأحاسيس التي أختلجت في نفسها من قبل, وعندما رفع رأسه حدقت به , ولبرهة لم تدرك ما حدث ثم رويدا رويدا عادت الى الواقع وأكتسحت وجهها موجة عارمة من الغضب.
" من سمح لك بمعانقتي؟".
صرخت الآنسة دروين بحنق ورفعت يدها لتصفعه ولكنه أمسك بها وأثناها بعنف وكيري لا تزال تتخبط بثورة وغضب.
" ألم أقل لك بأن عليك أن تعلمي الكثير؟".
وهمت كيري أن ترد عليه عندما هرع ماريوت أليهما تتبعه فالما وقال وقد عيل صبره:
" والآن ما هي المشكلة؟".
وأغتنمت كيري الفرصة لتنزلق من بين ذراعي بول وقف على رجليها وهي تتمتم:
" ما كان عليه أن يعانقني بهذا الشكل".
" ولم لا ؟ كنت تعرفين أن هناك مشاهد عاطفية , في دورك".
وهزت كيري برأسها ورمقته بنظرة متجهمة.
كرر ماريوت:
" أذن ما هي المشكلة؟........".
ولكن فالما قاطعته:
" دعوني مع كيري لبرهة وجيزة , أخرجوا جميعكم , وأنت يا بول أيضا ".
وخرج الجميع على مضض فجلست فالما على الأريطة وطلبت من كيري أن تأتي بكرسي وتجلس قربها , ولم تتفوه أي منهما بكلمة ثم تململت كيري في جلستها , وأخيرا سألت فالما بصوت ناعم:
" لقد عانقك بول من قبل , أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها من جديد وأعترفت أنه عانقها من قبل , وتابعت فالما:
" ولكن ليس بهذه الطريقة ؟ ( ومرة أخرى هزت كيري رأسها بالموافقة وأكملت فالما ) دعيني أسألك هذا السؤال وأريد منك أن تجيبيني عليه بصدق وصراحة : هل أنت في الحقيقة تكرهين معانقة بول؟".
وفي لحظة كادت كيري أن تفتح فمها وتقول نعم بشدة ولكن فالما هزت رأسها وقالت مبتسمة:
" تذكري أنا أريد جوابا صادقا مئة بالمئة يا كيري , فكري في الموضوع قليلا ".
وعضت كيري على شفتيها وخفضت عينيها , ثم حركت شفتيها بشيء من العصبية وقالت بصوت خافت:
" كلا".
وأرتسمت على شفتي فالما أبتسامة عريضة وقالت:
" أذن , لماذا كل ذلك الأهتياج؟".
" كنت أشعر وكأنني في حالة بائسة".
" بائسة؟".
ونظرت كيري اليها بطرف عينيها وتمتمت:
" شعور بالضعف والأرتعاش".
وطوقت فالما كتفيها وأدارت رأسها نحوها ونظرت الى ذلك الوجه الفتي طويلا ثم تلاشت الأبتسامة من شفتيها وقالت بصرامة:
" كنت ستتصرفين بطريقة مختلفة لو أن أحدا لا تستلطفينه عانقط بذلك الشكل , فأنا مثلا كم مرة أضطررت أن أمثل أدوارا عاطفية مع ممثلين لا يحركون في نفسي أي شعور وكنت أدّعي بأنني مغرمة بهم , وهناك من كان ثير في نفسي الضجر واللامبالاة ولكن عندما ترتبطين بعقد فأنك تصبحين مسيّرة لا مخيّرة".
" لقد أنتظر بول الى أن وقّعت على العقد حتى عانقني بهذا الشكل ".
" أحقا فعل ذلك؟ أذن أنا أكن له كل تقدير وأعجاب ( ردت فالما بضحكة عالية وتابعت ) لربما أرادك أن تمثلي دور ميتاني وكان يسعى الى التأكد من أنك لن ترفضيه أو تشعري بالخوف من أدائه".
ونهضت فالما وقالت والأبتسامة العريضة تعلو وجهها :
" حسنا , عودي الآن الى التمرينات".
وصاحت بالآخرين , فدخل طوم ماريوت وقد علت وجهه تعابير مترددة من القلق والفضول وسأل:
" هل نجحت في تنقية أفكارها؟".
وهزت رأسها وضحكت قائلة:
" كل ما كنا بحاجة اليه هو بعض التوضيح , والآن ستكون على ما يرام , أليس كذلك يا كيري؟".
" أجل سأكون على ما يرام".
وبحركة تلقائية وجدت نفسها تتطلع الى بول , كان هو أيضا ينظر اليها نظرات فضولية بعض الشيء تماما كنظرات طوم ماريوت , ولكن بدون قلق , وعبست في وجهه فبرقت عيناه وأقترب منها وقال بهمس:
" عندي حدس بأنك ما زلت تفكرين بتسديد لكمة أليّ؟".
" حسنا ( قطعطوم حديثهما وقال لكيري ) أذا كنت مستعدة الآن فسنعيد المشهد من القطة الستارة".
ومرة جديدة أخذ كل واحد مهما مكانه السابق أمام الطاولة الصغيرة وتراجع الآخرون الى الوراء , ومرة ثانية رأت كيري وجه بول يتغير شيئا فشيئا الى أن تقمص شخصية ماريوس وشعرت بنظراته تخترق كيانها وتغمرها بأحساس غريب , ومرة أخرى رفع ماريوس ليلي عن الأرض وأخترق الستارة الى الجزء الآخر من الخيمة.
ولم تكن كيري قد دخلت كليا في شخصية ليلي , كانت تعرف أن بول كان يحملها برفق على الأريكة وكانت ما تزال تشعر بشيء من الخوف الذي بقي مترسبا في نفسها , ومثل المشهد السابق جلس الى جانبها ومال نحوها , ورأت وجهه الأسمر يقترب منها والأبتسامة الشيطانية ترتسم على شفتيه , وعندما عانقها شعرت بالأرتعاشة تدب في أوصالها , ولكنها هذه المرة لم تحاول الأفلات منه كانت تشعر أنها في عالم آخر من الخيال والأحلام تسبح في مياه عميقة دون أن ينتابها أي خوف من الغرق , وتلاشت مقاومتها وأستسلمت دون قتال , فكل أحاسيسها كانت منصبة على دورها في المشهد فيما كان بول يشدها اليه بذراعيه القويتين , وبكل بطء رفع رأسه :
" ما زلت تفضلين الموت أيتها المتوحشة الصغيرة؟".
وترامى اليها صوت ماريوت من بعيد يصرخ:
" رائع , أنتهى المشهد , أستراحة لمدة 15 دقيقة فقط".
منتدى ليلاس

وحوّلت كيري نظرها عن بول وهو يحررها من بين ذراعيه وجلست على الأريكة وأرخت يديها على حرجها وحاولت تهدئة أعصابها الثائرة من تأثير التجربة التي مرت بها قبل قليل , وكان طوم منهمكا في أعطاء التعليمات للمشهد المقبل ,حيث كانت ستجري معظم الأحداث الرئيسية بالأضافة الى مشاهد المعركة الكبيرة , وعندما ألتفت اليهما نقب نظرة غريبة بين كيري والممثل الأسمر الممشوق القامة وقال:
" لم نعد بحجة الى بروفات جديدة , سنصور المشهد غدا , وبعدها سننتقل الى الرقصة الغجرية".
وسأله بول:
" ما هو برنامجك لبعد ظهر هذا اليوم؟".
وتساءلت كيري كيف بأمكانه أن يغير لهجة صوته بهذه السرعة لتصبح ناعمة ومتساوية , كانت لا تزال تشعر بشيء من الخوف.
" سنصور مشاهد الجماهير وهناك لقطات للقصر يجب أن نعيد تصويرها , في أي حال أنا لست بحاجة أليكما وكيري على الأرجح بحاجة الى الراحة بعد هذا اليوم الشاق , لكن عودا غدا في الوقت نفسه".
ثم تحول عنهما وغرق مجددا في حديث مع أحد المصورين.
" سأعيدك الى البيت".
قال بول دفرون وبدون وعي لحقت كيري به الى السيارة وجلست الى جانبه , وأدار المحرك وأبتعد عن المخيم , كانت كيري منكمشة على نفسها تحاول حشر جسمها بالقرب من الباب قدر الأمكان لا لأنها خائفة منه بل لأن شعورا غريبا بالخجل طغى عليها من جديد , وجلست صامتة تحاول تحليل شعورها , كانت التجربة التي مرت بها قبل قليل داخل الخيمة لا تزال حيّة في أعماقها وتشعر بأنفاسها تنقطع لمجرد التفكير بتلك المشاهد , وتساءلت هل صحيح أنها هدرت كل سنواتها على أمور تافهة , لم تكن هي كيري السابقة.
وتوقفت في تفكيرها عند هذا الحد وكان بول قد أوقف هو الآخر السيارة , وألتفت نحوها:
" هل تريدين الذهاب فورا الى المنزل أو ترغبين في شيء آخر؟".
وترددت كيري وكانت على وشك أن تقول له بأنها تريد العودة فورا الى المنزل ولكنها سمعت نفسها تقول بدون وعي.
" أريد أن أذهب للسباحة في البحر".
" أرتيدين السباحة؟!".
" وما هو الغريب في الأمر؟".
ردت بشيء من التحدي وعلى الرغم من أنها أستغربت الفكرة في بادىء الأمر , غير أنها تمسكت بها وكانت على أستعداد للدفاع عنها.
" ألا تجدين غرابة في الأمر؟ تذهبين للسباحة وحدك؟".
كانت هناك نبرة في صوته جعلتها تضطرب فرمقته بنظرة ولكنها غير قادرة على قراءة معاني وجهه.
" ليس بالضرورة".
كان صوتها يعكس بعض الأضطراب وقد تساءلت عن سبب موقفه الغريب.
" أعتقدت أنك ضقت ذرعا بي وأنا الى جانبك طوال هذا اليوم".
كان صوته متساويا في نبرته وخاليا من أي تعبير ولكنها لمست فيه شيئا من الكآبة , وقد أزعجها ذلك الشعور دون أن تدري سببه , تماما كما حصل في المرة السابقة عندما شعرت أنه بحاجة اليها وكان عليها أن تلبي ذلك الحاجة , فقالت بأحتراس:
" ومن أوحى اليك بتلك الفكرة؟".
وفجأة مدت كيري يدها , ووضعتها تحت يده على المقود , كانت مفاجأة حتى لنفسها لأنها لم تعرف سبب ذلك التصرف , ولكن في أي حال كان حياؤها قد أختفى.
" لا أدري ما هو سبب تجهم وجهك ولكن أرجوك أن تنزع عنه هذه التكشيرة المخيفة يا بول ( قالت بنعومة متملقة ) أنا أعرف مكانا رائعا بأمكاننا السباحة فيه".
وأدار المحرك من جديد وقد عادت الى عينيه تلك الأبتسامة الشيطانية وشد على يدها وقال:
" أذن , تريدين السباحة , وأين ذلك المكان يا سيدتي ؟".
وعضت كيري على شفتيها وقالت بتردد:
" أولا علي أن أعود الى المنزل لأحضر المايوه , وأظن بأن عليك الذهاب أولا الى ريلستون ومن ثم الى المنزل فهو في طريقنا".
" من الأرجح أن لدى فالما مايوه في الفندق بأمكانك أستعارته منها ".
" ولكنني لا أستطيع أن أستعيره منها ( أعترضت كيري ) ولكن في أي حال لن تكون في الفندق في هذه الساعة".
" بأمكاننا الأتصال هاتفيا بها في المخيم , فهناك خط دائم للحالات الطارئة".وغرقت في صمت مذعن وهو يدير السيارة في أتجاه ريلستون على الرغم من أنها لم تكن تشعر بالأرتياح لمجرد التفكير بأنها سترتدي أحد مايوهات فالما المصممة على أحدث طراز , سيكون مختلفا جدا عن المايوه الأسود الخاص بفتيات المدارس الذي أعتادت أن ترتديه , خصوصا مع بول الذي عاد الى حالته الطبيعية وكان يضغط من وقت الى آخر على يدها.
ووقف أمام الفندق ودخلا اليه , ولم يجد بول صعوبة في الأتصال بفالما التي أعطت كيري بعض التعليمات عن المكان الذي ستجد فيه المايوه ثم تكلمت مع الموظف المسؤول عند مدخل المدخل وطلبت منه أن يعطي كيري مفتاحا أحتياطيا لغرفتها.
وصعدت كيري الى غرفة فالما وفتحتها وفغرت فاها وهي ترى الأثاث الفخم الذي فرشت به , وعندما فتحت الخزانة التي من المفروض أن تجد فيها المايوه , وقفت مشدوهة من جديد وهي ترى بعض فساتين فالما المعلقة في داخلها , ووجدت ثلاثة مايوهات مكدسة في الجزء الأعلى من الجوارير والى جانبها ملابس للحمام تتناسب معها معلقة على مشجب صغير.
وتطلعت كيري الى المايوهات بشيء من التردد والقلق , لقد كانت مصممة على أحدث طراز وأسوأها كان مايوه أبيض من قطعتين في غاية الأناقة ولكنه كان غير محتشم , وهناك مايوه أحمر أكثر حشمة ولكنها أدركت أنه لا يتلاءم مع شعرها الأحمر لذلك أبعدته عنها , وبقي الثالث وهو كناية عن مايوه أخضر اللون وكان الأقرب الى ذوقها والى المايوهات التي أعتادت أن ترتديها , ولكنها ما كادت تهم بالخروج من الغرفة حتى عادت فجأة الى الخزانة وأستبدلت المايوه الأخضر بالمايوه الأبيض ذي القطعتين , وقبل أن تغيّر رأيها ثانية أسرعت الى الخارج وأقفلت الباب وراءها , كان بول في أنتظارها فسلّمت المفتاح الى الموظف قبل أن تلحق برفيقها الى الخارج وأخذ بول المايوه الأبيض من يدها وقد رفع أحد حاجبيه ورماه على المقعد الخلفي من السيارة الى جانب حقائبه التي تحتوي على مايوهاته بالأضافة الى منشفتين .
" كيري , يا عزيزتي , أنك تدهشينني".
ولوت فمها بتكشيرة شيطنة :
" أنا التي أندهشت من نفسي ( ورمقها بنظرة حملت الى وجهها بعض الأحمرار ) ولكن أياك أن تفكر بأشياء بعيدة المنال".
وزمجر بول:
" لم يحن الوقت بعد , سأنتظر حتى أراك في المايوه".
وفتح لها باب السيارة فصعدت اليها وأنزلقت في المقعد , وجلس بول على مقعد القيادة وألتفت نحوها وأحنى رأسه ولكنه عاد الى جلسته عندما رأى نظرة الخوف ترتسم على وجهها فأبتسم قائلا:
" لا تقلقي فأنا لن أضايقك في الطريق العام ( وأدار المحرك وأضاف دون أن ينظر اليها ) والآن الى أين؟".
وأستقامت في مقعدها ودلته على الطريق التي عليه أن يسلكها داخلريلستون ثم أشارت اى طريق تؤدي الى ضاحية المستنقعات.
" والآن أتبع الطريق فالمكان ليس بعيدا وهو يؤدي مباشرة الى الشاطىء".
وقاد بول سيارته السريعة والقوية التي كانت تنهب الأرض وتقطع الأميال تحت سيطرته المحنكة , وأخيرا رفعت رأسها وأشارت الى كوع وعر.
" والآن , سنعبر هذا الدرب , فالطريق الأخرى تؤدي الى أحدى المدن الساحلية الكبيرة , ولكن قلة من الناس تذهب الى بريل بيتش".
وكانت الدرب الجديدة تكاد تكون بمثل وعورة السكة التي تؤدي الى المنزل وفي أكثر من مرة وجدت كيري نفسها تقذف بنف نحو بول , وكان بول يحاول بكل جهده أبقاء السيارة على الطريق مما جعل كيري تبتسم , وتمتمت بصوت خافت وكأنها تتحدث الى نفسها ولكنها كانت توجه كلامها الى بول:
" هذه فرصة تجعلني متعادلة معك وأنت لا تستطيع الأنتقام".
" ألا تعتقدين ذلك؟ بأمكاني أن أوقف السيارة في أية لحظة , وفي أي حال أعتقد بأننا لسنا بعيدين عن بريل بيتش".
وأخيرا أنتهت الدرب الى سكة رملية عبر أعشاب مبعثرة دون كثافة حيث أمتد أمامهم البحر وهو يتلألأ بزرقته تحت أشعة الشمس , وأشارت كيري الى اليسار.
" أذا كان بأمكانك عبور هذه الدرب فسنصل الى كوخ صغير نستخدمه عادة لخلع ملابسنا".
" عمن تتكلمين بالجمع؟".
ونظرت كيري اليه بدهشة وقالت:
" نعم نحن , ريك وكيل وأنا البا ما نأتي الى هنا ( وتوقفت قليلا ثم تابعت ) ولكننا لم نأت الى هنا منذ زمن بعيد".
" ولماذا؟".
" لقد عاد ريك الى المدرسة لأنهاء سنته الأخيرة وسافر كيل الى كورنوال".
" أنك تفتقدينه , أليس كذلك؟".
" من , كيل ؟ ( وعندما هز رأسه تابعت ) ولما لا ؟ فنحن صديقان منذ الطفولة".
" وهل ستتزوجينه في النهاية؟".
وصمتت لبرهة ونظرت اليه نظرة غابت عنها كل المعاني ثم قهقهت ضاحكة:
" أتزوج من كيل؟ بالطبع لا , أنني لن أتزوج من أحد ,وفي أي حال فأن كيل بعيد كل البعد عن مثل هذه الأفكار السخيفة , لقد عرفني منذ نعومة أظفاري".
" ولماذا لا تنوين الزواج؟".
وكمن أخذت على حين غرّة , خرجت الحقيقة من فمها من غير تفكير :
" لأنني لا أستسيغ فكرة الحياة الزوجية".
ورفع بول أحد حاجبيه وقال:
" هل لا تزالين جبانة وتقلقين لأمور لم تحدث بعد؟".
وردت بغضب :
" بالطبع لا , هذا أمر صممت رأيي عليه ولا عودة عنه".
" وكيف تعرفين ؟ لقد قررت أشياء ثم وجدت أنها ليست بالبشاعة التي كنت تتصورينها".
وأرتعشت ذقنها قليلا:
" لربما كنت قادرا على تغيير رأيي في أمور أخرى ولكنك لن تفلح في تغيير رأيي في موضوع الزواج".
" أنتظري حتى يطلب أحد يدك ".
وأبتسم بول أبتسامة ساخرة وأقف السيارة أمام الكوخ الصغير .
وأنفجرت غاضبة:
" لم أكن أفكر بك , وفي أي حال لا أتصور نفسي وأنا متزوجة منك".
وألتفت اليها وقد عاد الوميض يتلألأ في عينيه :
" ألا تقبلين بي زوجا يا عزيزتي كيري؟ حتى ولو وضعت قلبي وثروتي عند قدميك ( ثم مال نحوها وأخذ يديها وكان صوته رقيقا بخطورة والضحكة الساخرة لا تزال تطفو على وجهه وعينيه ) أقبلي بي زوجا يا كيري , وسأعرفك على الحب".
ونظرت اليه نظرة مفعمة بالشك وسحبت يديها:
" تأدب , بأمكاني أن ألقنك درسا أذا ما أخذت كلامك على محمل الجد, ثم أقمت دعوى بحقك بتهمة النكث بالوعد عندما ستحاول التملص منه".
" وكيف تعلمين بأني سأنكث بوعدي ؟ قد تجدين نفسك وقد دخلت القفص الذهبي".
وفتحت الباب وقالت وهي تسرع في الخروج:
" من الأمور التي سمعتها عنك يا صديقي أنك تحب التغيير".
وخرج بول وحدّق بها وكانت السيارة تقف بينهما :
" أعتقد أن الزواج منك هو بحد ذاته تغيير كاف".
ولبرهة واهية تخيلت أنه كان جادا في قوله ولكن أدراكها تغلب بسرعة على ذلك الشعور العابر فردت بطريقة لبقة:
" أذهب وأستحم في الماء وشتدرك كم أنت محظوظ لحصولك على هذه الوسيلة الفضلى للتهرب".
منتدى ليلاس

وفتحت الباب الخلفي للسيارة وتناولت المايوه ثم أسرعت الى الكوخ , وكان بول يراقبها وهو يبتسم , وعندما بدأت تخلع ثيابها تمنت كيري لو أنها أختارت المايوه الأخضر , فالمايوه الأبيض لم يكن محتشما بالقدر الذي كانت تريده الآنسة دروين , ليس لأنه يبرز مفاتنها بشكل مثير , فهو كان كزي الباليرينا الأبيض يبرز أكثر مما تعودت عليه ومع ذلك فهو يظل في حدود الأداب , ومن حسن حظها لم تكن في الكوخ مرآة وألا لكانت وجدت بعض الأعذار لكي لا تستحم.
وطوت ثيابها بعناية , وشدتها الى صدرها وكأنها تريد أن تحمي نفسها وغادرت الكوخ ووقفت الى جانب السيارة , وتحت أنظار بول الكسولة والجبيرة في آن وضعت رزمة ثيابها على المقعد الخلفي للسيارة بحركات بطيئة ومتعمدة وقالت:
" أن الكوخ خال الآن".
وخرج بول من السيارة وأتجه الى مؤخرتها وتناول حقيبته ,وفيما كان يفتح الباب ألتقت عيناه بعينيها وقال والأبتسامة تعلو شفتيه وهو يراها لا تزال منهمكة في ترتيب ثيابها:
" لن تتمكني من أخفاء نفسك الى الأبد أيتها الجبانة الصغيرة".
وتوجه الى الكوخ وولجه , أنتظرت حتى غاب عن أنظارها فأسرعت الى البحر , وشعرت بالسعادة وهي تغطس في المياه , فالمايوه كان خفيفا وأكثر راحة من مايوهها العادي المصنوع من الصوف والذي كان يتقلص كلما تبلل.
وأستلقت على ظهرها وعامت لبرهة من الزمن , لقد أختفى حياؤها في سعادة حالمة تحت أشعة الشمس الدافئة التي كانت تداعب وجهها , وكانت المياه ناعمة كالوسادة تماما كالأريكة في الخيمة هذا الصباح , ولكن ما أن ومضت تلك المشاهد في مخيلتها حتى تلاشى الهدوء الذي خيم عليها فأنقلبت وبدأت تسبح بسرعة كأنما تريد الهرب من أفكارها , وهذا أمر كان مستحيلا فهي تعرف أنها مهما سبحت بعيدا فأن تلك المشاهد ستبقى محفور في مخيلتها , خصوصا وأنها لن تكون المشاهد الأولى ولا الأخيرة , كان الفيلم في بدايته ولقطات هذا الصباح كانت المقدمة.
ولكن في الحقيقة هل كانت مستاءة لذلك الحد؟ كان الأمر ممتعا كما أقرت لفالما , كانت تشعر بالخشية ولكنها في الوقت نفسه أرتاحت لتلك الأحاسيس لأول مرة في حياتها , ومن الغرابة أيضا أن مقاومتها كانت تتلاشى في تلك الأوقات وتتركها ضعيفة واهنة , وفجأة ظهر رأس بول الداكن الى جانبها , وأمسكها بيديه وشدها الى الأسفل ,ولكنها تحررت من قبضته وعادت الى سطح الماء , ولبرهة هزت رأسها بأرتباك ولكن ما أن برز رأس بول حتى دفعته بدورها الى الأسفل , كانت تعرف أنه سينقم منها , وهذا ما حصل , فبلمح البصر شعرت بيديه تجذبانها الى الأعماق مرة ثانية.
وخرجا معا الى سطح الماء وهما يرفعان الشعر الذي أنسدل على عيونهما ولم تمهله فرصة أخرى فدارت على نفسها وسبحت مسرعة الى الشاطىء , ولكنها ما كادت تصل المياه الضحلة حتى كان قد لحق به ورفعها بين ذراعيه وجاءت موجة عارمة فدفعتهما معا الى رمال الشاطىء.
وجلست كيري وهي تغمغم وتضحك في آن , وكان بول يستجمع أنفاسه فأتكأ على مرفقه بينما مد يده الأخرى اليها وأمسكها لئلا تهرب ثانية , ولكن ما كاد يفعل ذلك حتى جاءت موجة أخرى فجرتهما وأغتنمت كيري الفرصة فأنزلقت من يده وهربت منه.
" هذا قد يعلّمك ألا تكون مشاكسا في البحر".
وأدارت ظهرها بغير أكتراث وأخذت تسير على الشاطىء , وقفز بول على رجليه وبلمح البصر رأت نفسها مرفوعة بين ذراعيه وعاجزة كليا عن مقاومته.
" بول! ( صرخت وهي تضربه على كتفه المبتلة ) أنزلني الى الأرض ".
" بكل تأكيد....".
رد بسرعة ولكن عوضا عن أن يضعها على قدميها وضعها على الرمل الدافىء ووقف يراقبها , ورأت كيري األألتواءة الشيطانية على فمه والضحكة المتلألئة في عينيه , فشعرت بالتوتر ولكنها كانت غير قادرة على الهرب على ااشاطىء المهجور.
" بول أياك وتجرؤ.....".
قالت وهي تحذره ولكنها شعرت بغلطتها على الفور , فقد أستلقى هو الآخر الى جانبها دون أكتراث لمعارضتها , وقال بصوت ناعم وهو يقترب منها:
" يجب أن تعرفي أنني لا أتحمل التحدي".
ولبرهة من الزمن بقيا متمددين جنبا الى جنب وقد غمرتهما سعادة متناهية , وكان حديثهما متقطعا , وأخيرا شعرت بالأسترخاء فغفت وهي مستلقية على كتفه لقد كانت تعبة أثر ليلة لم يغمض لها جفن وهي تفكر بدور ميتاني , كان الوقت متأخرا بعد الظهر عندما فتحت كيري عينيها وهي منزعجة من أن شيئا أقلق راحتها.
سألت وهي تفتح عينين ناعستين :
" هل غفوت طويلا؟".
" أجل , وكعمل ثأري فلربما جاء دوري لأغفو على كتفك".
وجلست كيري ورفعت شعرها الى الوراء وهي تنظر الى البحر بمزاج وكأنها تتساءل عن سبب أحساساتها , وشعرت ببعض القلق , وكأنه قرأ أفكارها فأشار بيده الى جزيرة صغيرة وسألها محاولا تحويل أنتباهها:
" ما أسم تلك الجزيرة؟".
وححدقت بالأتجاه الذي كان يشير اليه بول:
" أنها جزيرة توركبل وهي مهجورة لا تسكنها سوى طيور النورس , أنه مكان صغير ولكنه جميل , فيه كهوف كنت أذهب مع ريك وكيل لنلعب هناك عندما كنا صغارا".
" وماذا أنت الآن؟".
وأحست بتغيّر مزاجه فأبتعدت عنه قليلا ثم وقفت على قدميها بقفزة رشيقة ولبقة :
" لربما سنتمكن من زيارة الجزيرة في يوم آخر , أعتقد أنه حان الوقت لنعود الى المنزل , ألا تعتقد ذلك؟".
وأرتديا ثيابهما بعجلة وقاد بول السيارة بصمت مطبق , وعندما بلغا المنزل ودّعها بأقتضاب , وتساءلت كيري بكآبة عما أذا كان هذا اليوم الذهبي سيعود مرة أخرى , ثم عادت وقالت في نفسها أنه لربما كان من الأفضل لها أن تتجنب مثل هذه النزهات في المستقبل , ولكنها في قرارة نفسها كانت تعرف تماما أن بول هو الذي سيقرر علاقاتهما المستقبلية.

نيو فراولة 05-06-11 11:00 AM

7- خطوبة وسط العاصفة



المرة التالية التي ألتقت فيها باربي كان يوم عاد كلفن تريفريل الى رياستون ,وكعادتها كانت في سرعة من أمرها فأمتطت حصانها وذهبت الى المدينة حيث تركت الحصان في أصطبلات تريفريل , وكانت مالي قد زودتها بلائحة طويلة من المشتريات وفجأة رأت باربي وكانت على وشك أن تنهي مشترياتها , توقفت لتلحق بها صديقتها:
" مرحبا باربي".
كانت باربي تلهث وقد بدت أكثر سمنة ولكن أصغر سنا.
" مرحبا... الى أين أنت ذاهبة؟".
وأطلعتها كيري على لائحة مشترياتها والمحل الأخير الذي ستذهب اليه:
" لم يتبق لي سوى بعض المهمات ومن ثم سأعود الى المنزل , ريك عائد بعد بضعة أيام ومالي عارقة في التحضيرات حتى أذنيها".
وأستمرت باربي في التحديق بصديقتها بأهتمام كبير , فعندما لا تكون تحلم ببول دفرون في عالم من الخيال فأن ريك كان معبودها الثاني.
" من المؤسف أن كيل ليس هنا الآن لكنّا ذهبنا في أحدى نزهاتنا في البرية".
ونظرت باربي اليها بشيء من الأستغراب كما لو أن التغيير الذي طرأ على صديقتها أصبح أكثر بروزا حتى بالنسبة اليها.
" كيل يعود اليوم , ألم تعرفي ذلك؟".
" اليوم؟ ( قالتها وقد أرتسمت الدهشة على وجها ) كلا لم أعرف بذلك , لم يذكر لي أحد هذا الأمر".
" أرى بأنك لم تعودي مهتمة بأخبار ريلستون , ويبدو أنهم يرهقونك بالعمل في المستنقعات".
وعاد الشعور من جديد بالثغرة العميقة التي تفصل بينهما , وقالت بسرعة:
" سنرتب موعد النزهة فيما بعد".
وأشرق وجه باربي بالسعادة.
" هذا رائع , لقد خيّل لي لبرهة أنك لا ترغبين في القيام بأية نزهة من جديد".
ونظرت كيري بعبوس وشعرت بالأرتباك.
" يا لها من فكرة سخيفة ( وأضافت وهي تراجع لائحة مالي) سأنهي ما تبقى لي من المشتريات ثم أستعلم عن موعد وصول كيل ( ونظرت الى باربي ) ألا تودين المجيء معي أم تفضلين أن أتصل بك في البيت عندما أنتهي من مهماتي وأعود الى الأصطبلات؟".
وفكرت باربي قليلا وقالت :
" أفضل أن أذهب الى البيت".
وأسرعت كيري في طريقها لتنجز مشترياتها , لقد بدأت تشعر ولأسباب لا تعرفها أن أرتباكها كان يتزايد , كان بول يحتل جزءا كبيرا من أفكارها .
كان بول قد سألها مرة ماذا كانت تنوي أن تفعل في حياتها وهو سؤال كانت مالي قد وجهته اليها أيضا , ومالي أخبرتها أيضا أن الغلبة ستكون للحب في نهاية المطاف , فهل كان هذا ما يحدث لها؟ هل كان الحب هو الذي يسخر منها الآن كما سخرت هي منه من قبل؟
وأبعدت عنها هذه الأفكار بسرعة , كانت الفكرة بحد ذاتها مستحيلة , وأذا كان هذا الموضوع محظرا عليها فما الذي ستفعله أذن في حياتها ؟ هل ستكون عابرة سبيل وتمر مرور الكرام في هذه الدنيا؟
وفي اللحظة التي بدت لها الأصطبلات مرّت سيارة تاكسي قربها وظهر من أحد شبابيكها رأس كلفن تريفريل , وتوقفت السيارة على خطوات منها ونزل منها , فأسرعت نحوه ونادته وقد نسيت كل همومها:
" كلفن".
كانت عيناها تلمعان فأبتسم وقال:
" يبدو لي أنك مسرورة لرؤيتي".
" بالطبع أنا مسرورة لرؤيتك ".
وأشار الى باب السيارة المفتوح:
" أدخلي لا بأس أن أنهيت مشوارك بهذه الطريقة".
ودخلت السيارة فجلس الى جانبها وأدار السائق المحرك وتابع طريقه من جديد ونظرت كيري الى كلفن بطرف عينها لسبب كانت لا تجهله ثم حوّلت نظرها عنه بسرعة.
" لقد أفتقدتك غولدن راي".
وأبتسم كلفن :
" غولدن راي فقط؟".
كان في صوته نبرة من الأغاظة المداعبة ولكن كان هناك شيئا آخر لم تدرك كنهه.
" بالطبع كلنا أفتقدناك".
" شكرا".
قالها بنبرة جافة وتطلّعت اليه من جديد , لم تكن هي الوحيدة التي تغيّرت , فكما حدث في صباح ذلك اليوم الذي تلا ليلة الكرنفال , عندما ظهرت دلائل التغيير ,فأن تلك الدلائل كانت ظاهرة الآن ولكن بشكل أبرز , تقاطيع وجهه أصبحت أكثر خشونة حتى أنها لاحظت بعض الضراوة فيها , كانت عيناه عينا رجل ناضج , وهناك شيء آخر يجول في خاطر كلفن تريفريل.
" كنت آتية لأستعلم عن موعد عودتك ( قالت كيري وهي تحاول أعادة علاقتهما الى سابق عهدها) ريك عائد هو أيضا , وقد فكرت بأننا قد نتمكن من الذهاب معا في نزهة الى البرية كما تعودنا أن نفعل".
" كما تعودنا أن نفعل..... أجل لقد تغير الماضي , أليس كذلك يا كيري؟".
وتجنبت النظر اليه:
" لا أعرف ماذا تعني؟".
منتدى ليلاس

" أجل أنت تعرفين جيدا ( وأبتسم وتابع بصوت خافت لا يسمعه غيرهما ) قلت لك مرة أن تكوني صريحة معي ولا تخافي من شيء يا كيري, ولا تتهربي مني أيضا".
" لا تكن سخيفا , أنني لا أتهرب منك ( أنكرت كيري وهي تهز كتفيها علامة اللامبالاة ) وكيف أتهرّب منك وأنا جالسة في تاكسي , في أي حال كيف تبدو كورنوال ؟".

وأبتسم مجدد وتغاضى عن محاولتها تغيير الموضوع:
" صارمة ولكنها قريبة جدا الى القلب , ولكنني سعيد بعودتي".
" وماذا فعلت هناك؟ ( كانت تتحدث بسرعة وتسعى ألى أبقاء المحادثة غير شخصية)".
" تعلمت المزيد عن الخيل وأدارة الأصطبلات".
كان يرد عليها بود ولكنها تشعر بأنه يترقبها , وعندما وصلا الى الأصطبلات دفع أجرة التاكسي ونظر اليها وقال:
" هلا أنتظرت قليلا ريثما أبدل ثيابي , فأنا أود مرافقتك بعض الطريق".
وضحكت ضحكة مصطنعة :
" ولكنني لن أضل طريقي".
" لم أقصد أنك ستضلين الطريق , في أي حال سأرافقك قليلا فلدي شيء أريد أن أحدثك عنه".
" حسنا\".
وذهبت الى الأصطبلات وأنتظرت هناك وهي تمسد جلد سموكي الناعم وتحاول عدم التفكير , (أوه يا سموكي ) تمتمت في عرفه الحريري ( لماذا على الحياة أن تتعقد بهذا الشكل )؟".
( لماذا لا تعود الأمور الى ما كانت عليه من قبل؟ أنا لا أريد أن أتغير ولا أريد أصدقائي أن يتغيروا , لماذا لا تبقى الأمور على حالها؟).
" أنها لا تستطيع يا كيري , كل شيء يتبدل مع السنين , وأحيانا يكون التغيير سريعا ( أجفلت كيري لدى سماعها صوت كلفن وعندما أرادت أن تتكلم هز رأسه وأوقفها وتابع ) في بعض الأحيان تتم العملية بسرعة كبيرة, خلال أشهر قليلة ولربما أسابيع أو حتى أيام , ومن يدري فالتغيير يحدث أحيانا في ومضة عين".
" كيل".
ورفعت يدها بأحتجاج وكأنها كانت تريد أن توقفه عن قول ما كانت تتوقع بغريزتها أنه سيتفوه به ولكنه هز رأسه من جديد:
" لا يا كيري ليس بأمكانك منعي من قوله , وأنا لا أشعر بالخجل مما حدث , أنني أحبك ".
والشيء الغريب أن كيري شعرت بأنها تسيطر سيطرة كاملة على الموقف , مع أن المفاجأة أسكتتها , ونظرت اليه , كانت تعرف أن كيري دروين القديمة كانت لا بد تثور بسخط وغضب وشعرت بخجل نحو كيري دروين القديمة , وكل ما شعرت به كيري في تلك اللحظة كانت شفقة وكآبة متزايدة.
" أنا متأسفة يا كيل ( قالت بهدوء ) لا فائدة منه , وأنت تعرف ذلك ".
وأرتسمت على شفتيه طيف أبتسامة .
" أنا أعرف , ولكن هذا لم يمنع حدوثه ( كانت عيناه تبحثان في وجهها عن شيء يطمئن اليه ولكن آخر بصيص للأمل خبا في نفسه عندما قرأ المعاني التي أرتسمت على محياها ) نت تبدلت أيضا , أليس كذلك يا كيري؟".
ومررت بأصابعها في عرف سموكي وردت دون أن تنظر اليه:
" ماذا تعني ؟".
" لن أحاول أن أترجم ما قلته الى كلمات , فأنا واثق من أنك فهمت ما عنيته ( وأمسك بكتفيها وأجبرها على االنظر اليه ولكنها رفضت رفع عينيها ) هل هو دفرون يا كيري؟ هل بثّك غرامه؟ ( ولما تململت رافضة أن تلقينظرة شد قبضته) لقد بثّك غرامه أليس كذلك؟".
عندها رفعت كيري عينيها لبرهة وجيزة ثم خفضتهما.
" أجل ( أعترفت كيري ) لم أتمكن من ألأفلات منه , لقد عرضوا عليّ دورا في الفيلم وأنت تعرف أننا بحاجة الى المال وهكذا قبلت".
وأرتجف صوتها قليلا عندما تفوهت بالكلمات الأخيرة ومع أنها كانت واقعية ألا أنها أثارت الغيرة في نفسه وعمقت الشك في عينيه.
" ولكن ليس فقط في الأستديو؟".
وتحررت من قبضته وأتخذت وضعا دفاعيا وهي تتكىء على سموكي :
" لاأوه , دعني وشأني يا كيل".
وبرقت عيناه وأمتدت يداه وأمسكتا بكتفيها بقسوة:
" لا , لن أتركك وشأنك , ما الذي فعله بك يا كيري؟".
" لم يفعل شيئا ( وحاولت من جديد أن تفلت من قبضته ولكنها هذه المرة كانت أشد وأقسى ) كل ما في الأمر أننا نمثل معا في الفيلم , ولمجرد أنني حاولت التغلب على شعوري الرافض للمشاهد العاطفية فهذا لا يعني أنني مغرمة به".
" ألا يعني ذلك؟ ( رد بخشونة ) أيتها الغبية الصغيرة أنت غارقة في حبه ( ثم عادت النعومة الى صوته وعاد التوسل الى نظراته فأبعدها عنه قليلا ونظر في عينيها) لا تقعي في حبه يا كيري , أنه لا يصلح لك , كل ما تشعرين به هو مجرد سحر عرضي , وهذا ما تشعر ألوف النساء نحوه".
وبرقت عيناها بوميض من الغضب:
" أكرر للمرة الثانية أنا لست مغرمة به".
" أرجوك حاولي أن تفهمي ( قالها بألحاح ) أنا أعترف بأنني أشعر بالغيرة ولكنني لا أريد أن يلحق بك أي أذى , هذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني لأتصرف بهذه الطريقة".
وخفضت عينيها من جديد , فقد تلاشى بعض سخطها , وأخذت تنبش الأرض بطرف حذائها ومع أن الغضب قد خبا فأن الأرتباك عاد من جديد.
وتذكرت أنها جاءت الى أصطبلات تريفريل لأعادة أواصر الصداقة الغير معقدة من حياتها القديمة وعوضا عن ذلك وجدت مزيدا من التغيير , فها هو كلفن تريفريل يعود اليها وكأنه أنسان غريب كليا , وهي أيضا تغيرت , لقد كان على حق , لا يمكن وقف عجلة التغيير , أنه سيأتي لا محال وستعقبه تغيرات أخرى على مر السنين ,وكل محاولة للعيش في الماضي الذي لم يعد له وجود لا بد أن تجلب معها الحيرة والفوضى.
وهزّها كلفن بنعومة :
" عودي الى الواقع يا كيري".
ورفع قبضته عنها وأبتسم:
" أعدك بأن أسيطر على نفسي وأتصرف بلباقة".
وحدقت به للمحة ثم عادت الى تفكيرها وهي تشد على شفتيها :
" ما الأمر؟".
كان شيء يراود مخيلتها.
" عانقني يا كيل".
وحدّق بها وهو يكاد لا يصدق ما يسمعه خصوصا أنه صادر عنها , وأجتذبها اليه بلطف وفكرت كيري في تلك اللحظة أن كيل أتهمها بأنها واقعة في غرام بول , والآن فأنه سيتأكد من أنه كان على خطأ , وأكثر من ذلك فأن اللحظة المقبلة ستبرهن لها هي بأنه كان على خطأ .
كانت معانقته لطيفة وخجولة وتركتها بدون أي ردة فعل , وشعرت بشيء من الأرتباك وحاولت أن تشعر بما شعرت به وهي مع بول , وعانقها كيل بحرارة وكأنه لمس لامبالاتها العاطفية نحوه ولكن دون جدوى .
تحوّل الأرتباك في أعماق كيري الى خوف شديد , كان الفرق شاسعا بين عواطف كيل وعواطف بول , فملامسات كيل ناعمة لطيفة وهذا كل شيء , أما بول فهو وحده أستطاع أن يجعلها تشعر بأنها كاملة الأنوثة , وتحررت من ذراعي كيل وأسندت رأسها على سموكي والدموع تتساقط من عينيها , ومد كيل يده وكأنه يريد أن يلمسها ثم أعادها وقال:
" كيري , أرجوك يا كيري لا تبكي , لم أكن أرغب في أخافتك".
وأستدارت نحوه وقد شحب وجهها تماما كما شحب عندما كانت مع بول:
" أخافتي؟ ( ولبرهة لم تفهم معنى الكلمة ثم ضحكت بمرارة وأضافت بنبرة لامبالية ) لم تخفني يا كيل , كان الفرق شاسعا بين أحساساتي معك وأحساساتي مع بول ولكن هو أيضا لم يخفني , با على العكس أستسغت وجوده".
وتيبّس كيل في مكانه ثم جذبها بلطف نحوه:
" لا فائدة من أنكار الحقيقة يا عزيزتي ( كان صوته في غاية النعومة وحزينا وهو يداعب خصلات شعرها , لقد تلاشت من أعماقه حسرة خسارته وهو يرى الكآبة ترتسم في عينيها ) علي أن أعترف بأن لبول تأثيرا عليك وسعادتك معه لا تضاهى سواء أكان شعورك هو حب أو مجرد أفتتان وأنني أتمنى من أعماق قلبي أن لا يكون الأمر أفتنانا, وستتغلبين عليه في النهاية ".
منتدى ليلاس

" لا ( كانت صرخة عارمة من اليأس ) لا , أنه لا يؤثر عليّ ( وأخذت كيري تضرب صدر كيل بقبضتين مشعورتين ) , لا يا كيل , أنه لا يؤثر عليّ, أريد أن أبقى حرة , لا أريد أن أقع في الحب".
" لا يمكنك مقاومة الحب ( كان صوته حزينا ) أنه شيء يحدث دون أنذار , وأنا لا أستطيع أن أقول لك ما أذا كان شعورك نحوه حبا أم أفتنانا , وأذا كان مجرد أفتتنان فأنه سيتلاشى".
ورفعت كيري عينيها المبللتين نحوه:
" ماذا يمكنني أن أفعل؟".
" أن تفعلي؟ ( هز رأسه وتابع) لا شيء يمكنك أن تفعليه , وفيما يتعلق بدفرون ( وتوقف كيل قليلا وقد غطت سحابة من الكآبة عينيه ) لقد ألتقيته مرة فقط , ليلة الكرنفال ولكنني لست مصابا بعمى الغيرة وعلي أن أن أعترف أنه شخص محبب الى القلب , لا أعتقد أنه يسعى الى جعلك لعبة بين يديه , وبما أنني مغرم بك يا كيري فأنني أعتقد أن كل شخص يكن لك الشعور نفسه فأنه سيرغب في الزواج منك في النهاية , كلا يا كيري , فعلى الرغم من أنني أضع سعادتك فوق كل أمنية لي في الحياة فأنني غير قادر على أعطائك أية نصيحة بهذا الخصوص".
وأبتعدت عنه ومسحت دموعها بمنديلها.
" حسنا ( قالت وهي تحاول أن تستعيد رباطة جأشها ) علي أن أنتظر أذا حتى تتّضح الأمور أمامي ( وأضافت بصوت ناعم وهي تضع يدها على ذراعه ) أنا متأسفة يا كيل".
وأبتسم وهز رأسه:
" أنها ليست غلطتك , سأتابع حيتي متمنيا أن يكون شعورك نحوه مجرد أفتتان حتى لا أفقد الأمل في أستعادتك ( ثم غيّر الموضوع فجأة ) من الأفضل أن أوصلك الى البيت قبل أن ترسل مالي فرقة من المطاردين للعثور عليك".
وأندمجت كيري في مزاجه الجديد فطردت على الفور الأفكار السوداء التي تقلق بالها وقامت تساعده في نقل أكياس الحاجيات التي أوصتها عليها مالي ووضعتها على سرج سموكي , ثم أنتظرته حتى أنتهى من تسريج غولدن راي وخرجا معا من الأصطبل وأمتطيا حصانيهما وتوجها الى المنزل.
وبقيا صامتين لبعض الوقت , وعلى الرغم من أن كيري كانت قد أبعدت أفكارها السوداء قبل قليل ألا أنها شعرت أنها تعود اليها بألحاح .
وتساءلت هل كان كلفن مصيبا؟ هل هي مغرمة ببول؟".
وخلال اليومين التاليين لم تشاهد كيري بول أثناء تصوير الفيلم ألا لماما , كانوا يصورون المشاهد وهي ترقي التعويذات في جزيرتها في المستنقعات عندما جاءت الليدي فرنسيس وتوسلت اليها أن تتخلى عن حبيبها الغجري.
كان جو المشاهد خلابا ومرعبا في آن وأندمجت كيري في دورها , والمرة الوحيدة التي شاهدت فيها بول كان في مزاج عصبي للغاية وخامرها شك غريب في أنه كان يتجنبها , والأغرب من ذلك أن ذلك الشك حز في نفسها , لربما كانت في الحقيقة واقعة في غرامه.

وفي أحد الأيام وفيما كانت تستعد للعودة الى المنزل بعد أن أنجزت تمثيل دورها أبكر ما تصورت , أذ ببول يمسك ذراعها :
" تعالي معي أيتها السيدة الصغيرة , لقد وعدتني بأن تأخذيني الى جزيرة توركيل في يوم ما , وهذا هو اليوم".
بدأت كيري تقول وقد عقدت المفاجأة لسانها:
" لا للاآت ( قال بحزم ) لقد أنتهيت من عملك أليس كذلك؟".
" لا , فقط... ( ثم عدلت عن رأيها وقالت ) حسنا لنذهب".
وبكل أستسلام دخلتالسيارة وأخذت تدله على الطريق المؤدية الى الجزيرة , كان كلاهما صامتين وشعرت كيري أن شيئا يشغل باله.
كان البحر مائجا قليلا ولكن بول كان بارعا في أستعمال المجذافين , وكانت كيري تعرف مدى القوة الكامنة في جسمه الرشيق , الصمت لا يزال يخيّم عليهما وكان صمتا غريبا ينطوي على مزيج من السعادة لوجودهما جنبا الى جنب ومن شيء من التوتر الباطني.
وعندما بلغا الجزيرة أشارت الى تجويفة صغيرة تصلح لرسو القوارب نحتتها الطبيعة بين الصخور فجر بول القارب اليها وربطه عند أحداها ثم قفز منه وساعدها على أجتياز الصخور الزلقة , وبعدها ألتقط كيس الطعام الي كان ملق في قعر القارب.
أقترحت كيري بسرعة بصوت لاهث :
" بأمكاننا مشاهدة الجزيرة من أعلى".
" حسنا , سنصعد الى القمة ".
وافق بول وتحوّل فجأة وتحت أنظار كيري المندهشة الى بول دفرون القديم بول الضاحك والساخر.
وبلغا قمة الهضبة وجالا بأنظارهما حولهما , كانت الجزيرة تبدو من مكانهما صغيرة جدا وأمواج البحر تتكسر بصخب على الصخور أشد مما كانت عليه عندما وصلا قبل دقائق , كانت كيري تعرف كيف تهب العواصف في هذه المنطقة دون أنذار وعلى حين غرّة.
سأل بول وهو يلاحظ عبوسها:
" ما الخطب؟".
" أعتقد أن عاصفة على وشك الهبوب , لربما كان من الأفضل ألا نأتي اليوم".
وتطلّع الى السماء , كانت صافية , وهزت كيري رأسها وأشارت الى البحر.
" أنه مائج , وعما قليل ستزحف الغيوم وتغطي السماء , وأحيانا تشتد العاطفة , لذلك علينا مغادرة الجزيرة دون أبطاء وسنعود اليها في وقت آخر لأستكشافها".
وفي هذه اللحظة بالذات سمع هدير عميق في البعيد فهز بول رأسه:
" سنعود الى القارب على الفور".
وبدأت الغيوم تغطي السماء وفيما كانا يهبطان التلة أخذت قطرات المطر تتساقط عليهما , وتوقفت كيري وهزت برأسها , كان هيجان البحر قد بلغ ذروته الآن.
" لا أعتقد أن لنا أي حظ في العودة , فالقارب لن يصمد في خضم العاصفة , في أي حال توجد في الجزيرة كهوف عديدة بأمكاننا أن نلجأ اليها وقلّما تدوم العواصف في هذه الأمكنة على الرغم من عنفها أثناء هبوبها.
وما كادا يصلان الكهوف وكانت كيري ترشد بول على الطريق حتى بدأ المطر يهطل مدرارا ويعمي الأبصار , فأندفعا الى داخلها ووقف بول مدهوشا بما يراه.
" أعتقد أنها كانت للمهربين ( شرحت كيري) وهناك ثلاثة كهوف متّصلة ببعضها , كيل وأنا...".
وتصلّب وجه بول فجأة وأستدار نحوها:
" كيل؟ ( سألها بصوت ناعم وعلى نحو خطير) أنت مغرمة به أليس كذلك يا كيري؟".
وتطلعت كيري اليه وقد فاجأها سؤاله وردت بتأكيد ظهر واضحا على وجهها:
" أجل أنا أحبه".
" ولماذا؟".
سألها بول بخشونة ومرة ثانية ظهرت الدهشة عليها , وتساءلت عما كان يرمي اليه.
" نحن أصدقاء منذ الصغر....بول......( كانت نبرتها عندما لفظت أسمه تنطوي على الألم , فقد أمسك بذراعها بكل قواه , وعندما رفعت نظرها اليه كان وجهه شاحبا ولكن عينيه كانتا تبرقان , وبلعت ريقها وشدت على شفتيها ) ماذا أصابك يا بول؟".
" ماذا أصابني؟".
أنفجر بعنف وحمل صوته الهائج قشعريرة مخيفة الى أوصالها , ثم جذبها اليه وغاب كل شيء من حولها:
" هل تحبينه يا كيري ؟ ( كان صوته جافا ولكنه مفعما بالعاطفة المتّقدة وبدون أن يعطيها أية فرصة للرد تابع قائلا ) أنك لن تجرؤي على ذلك يا كيري , أنك فتاتي أنا وستتزوجين مني وليس من كلفن تريفريل أو من أي رجل آخر".
وأدارت كيري رأسها وهي على وشك الأغماء وأخذت نفسا طويلا وعميقا وأخيرا تمتمت بصوت خافت:
" كلا".
وأشتدت قبضته عليها بقساوة وأندلع اللهيب من عينيه وهو يحدق بها:
" كلا؟ لا بل أجل يا كيري سواء أكان ذلك بمحض أرادتك أو غصبا عنك فأنت ستتزوجينني , أن ما بيننا من شعور وحب لا يمكن أن يدمر , لا لسبب سوى لأنك جبانة".
" ولكن كلفن.....".حاولت كيري أن تشرح الأمر ولكنها عجزت عن أيجاد الكلمات لتقول له أن ليس في نيتها الزواج من كلفن, فقاطعها بعصبية:
" ليذهب كلفن الى الجحيم , أنك لي وستتزوجينني".
وشدّها اليه بضراوة وكأنه كان يحاول أن يظهر لها كم هما بحاجة لبعضهما , كانت كيري تشعر بأنفاسها تنقطع وبدفء عارم يجتاح كيانها , وبرقة كبيرة وضع رأسها على كتفه وظل بلا حراك كأنه ينعم بسعادة تلك اللحظة. " بول , بول".
ولم يجبها بل ظل يشدّها برفق ويمرر أصابعه في خصلات شعرها ويزيحها عن وجهها وهي غارقة في عالمها.
منتدى ليلاس

وبقيا في وضعهما مدة طويلة دون أن يتفوها بكلمة واحدة وأخيرا قال بول:
" ستتزوجين مني أليس كذلك يا كيري؟".
" أجل ( كان صوتها خافتا وقد زاد الخجل من همسه ) ولكنك لم تقل لي بعد أنك تحبني".
وسمعته يضحك بهدوء:
" أيتها الغبية الصغيرة لقد وقعت في حبك ليلة الكرنفال وكم وددت في تلك الساعة أن أضمك الى صدري".
وتطلعت اليه بدهشة:
" أصحيح أن حبك يعود الى تلك السهرة؟".
وهز برأسه:
" أجل أنه يعود الى تلك الليلة البعيدة لقد أسرني حبك منذ اللحظة التي أنتشلت فيها تلك القبعة من بين يدي".
وأرتسمت على وجهها تلك التكشيرة المألوفة:
" لقد نلنا ريك وأنا توبيخا شديد اللهجة بسبب تلك الحركة البهلوانية ".
وكما ظهرت التكشيرة هكذا غابت فجأة عن وجهها وبدا عليها الأرتباك وهي تشد أحد أزرارا معطفه وتلويه.
" أعتقد أنني سأنال توبيخا الآن".
" ألا تستطيعين أنتزاعه؟".
ورفع رأسها اليه فرأت طيف عبوس يرتسم على وجهه.
" من الأفضل أن تنتزعيه لأنك لن تفلتي مني بعد الآن أيتها السيدة الصغيرة".
وسقط الزر في يد كيري فنظرت اليه بأرتباك , ولكن بول أخذه منها ووضعه في جيبه.
" جزاؤك على هذا العمل سيكون بأعادته الى مكانه , ولكنني سأحتفظ به وستخيطينه لي بعد زواجنا".
وأطلقت ضحكة عالية ومرغت رأسها على كتفه كهرة صغيرة.
" أعتقد بأن الفكرة بدأت تروق لي ( أعترفت كيري وتابعت ) أعني فكرة الزواج".
وشد ذراعيه حول خصرها ورد:
" سأعمل كل شيء بمقدوري لأجعل الفكرة تروق لك يا عزيزتي كيري".
ولم يدركا أن المطر كان قد توقف ألا بعد مضي وقت طويل , كان الطقس ما زال غائما فوقفا عند مدخل الكهف ونظرا حولهما , وعبس بول وهو ينقل نظره من السماء الملبدة الى البحر الهائج.
" أتساءل أذا كان علينا أن نخاطر الآن ونحاول العودة ".
قال بشيء من القلق.
" أعتقد أنه بأمكاننا العودة ( وكان صوتها يشوبه بعض الحذر ) قد تكون العاصفة على نهايتها أو على وشك أن تصبح أسوأ من قبل , وأذا ساءت فأنها تدوم عادة ليلة أو يومين".
" من الأفضل أن أهبط التلة وأتحقق من أن القارب لا يزال في مكانه".
وتبعته بنظرها وهو يشق طريقه الى أسفل الهضبة حيث كان القارب مربوطا ثم رفعت عينيها الى السماء من جديد ونقلتهما الى البحر , لم تكن قلقة من فكرة قضاء ساعة أو ساعتين أخريين محجوزة في الجزيرة والمشكلة الوحيدة هو أن مالي ووالدها سيقلقان كثيرا أذا هي تأخرت في العودة ولكن لم يكن في يدها أية حيلة.
ومضى الوقت ولم يعد بول وكان المطر قد توقف عن الهطول وأشرقت الشمس من جديد , وألقت كيري نظرة مريبة الى السماء الصافية كالبسمة وغادرت الكهف وهبطت التلة بحثا عنه.
ووصلت الى الخليج الصغير وتطلعت حولها بسرعة تحاول أن تعثر عليه.
"بول , القارب".
وظهر بول آتيا من بين الصخور وهو يمسح يديه في منديله وكان وجهه عابسا , وأسرعت اليه وسألته بلهفة:
" ماذا حدث؟".
" لقد تحطّم القارب على الصخور ( رد بأيجاز وأضاف ) من الأرجح أن الأمواج جرفته خلال العاصفة , كان علي أن أشد رباطه وأحكمه أكثر على الصخرة".
وهزت رأسها وقالت:
" أنت لا تعرف التيارات هنا , كان علي أن أحذّرك منها خصوصا أثناء العواصف ( ونظرت الى المكان الذي كان القارب مربوطا فيه وتطلعت الى بول) ماذا سنفعل الآن؟".
وتقلّصت حدقتاه وهو يقيس المسافة التي تفصلهما عن الشاطىء .
" أعتقد أن بأمكاني السباحة الى الشاطىء".
وأحست كيري على الفور بتيار بارد يمر في أوصالها , وأذا كانت قد تغافلت عن الأمر من قبل ألا أنها أدركت الآن وبكل جوارحها أنها تحب بول , كان هناك أمل ضئيل للغاية لبلوغ الشاطىء حتى بالنسبة الى سباح ماهر , فالتيارات حول الجزيرة كانت غدّارة كما أن العاصفة ستعود بكل تأكيد , كان بأمكانهما العودة بالقارب في الوقت المناسب لو لم يتحكم والعودة سباحة كانت مغامرة جنونية , فأي شخص تحتجزه العاصفة وفي بحر هائج كهذا لن يتمكن من الوصول الى الشاطىء, ولكنها كانت على يقين من أن بول لن يتراجع عن فكرته ألا أذا لجأت الى المخادعة والحيلة.
" أن تسبح الى الشاطىء ؟ ( ردت كيري كالصدى ) لا يا بول أرجوك لا تتركني وحدي هنا , أنني أرتعد خوفا من العواصف".
وتطلّع اليها بدهشة وأستغراب , فبلعت ريقها وتعلقت بذراعه وهي تشكر في أعماقها دروس ماريوت في التمثيل , وكان عليها أن تمثل دورها جيدا لأقناع ممثل بحنكة وخبرة بول ولكن على الأقل لن يخامره أي شك في أنها تقوم بتمثيلية أمامه.
وشدّ أصابعه على يدها ورد قائلا:
" لا وجوب للخوف يا كيري ستكونين بخير أذا أنت بقيت داخل الكهف ( وربّت على يدها وشدّها ليدخل الأطمئنان الى نفسها وأضاف ضاحكا ) أنها ليست جزيرة تابعة لفيلمنا حيث تقذف قمم جبالها حمم البراكين ثم تنفجر في النهاية الى غير رجعة".
وردت كيري بأبتسامة متعمدة وقالت بشيء من الخجل:
" أعرف بأنها سخافة مني ولكنني أصاب بأهتياج عصبي بالغ لذلك أرجوك يا بول أن تبقى معي".
وكأنما الطبيعة كانت تتآمر معها فدوّت في تلك اللحظة في البعيد قرقعة محذّرة فأغتنمت كيري الفرصة وأرتمت بين ذراعيه وخبّأت رأسها في صدره.
" حسنا ( قالها بأبتسامة مطمئنة ) سأبقى معك ولكنني آمل بأن يفكر الرجل العجوز الذي أستأجرنا منه القارب بأن يرسل الينا النجدة".
والآن وقد ربحت كيري الجولة الأولى مع بول فأنها كانت على أتم الأستعداد للموافقة على كل ما يقوله:
" لا تخشى شيئا أنه سيرسل لنا النجدة , أن الأمر خارج عن أرادتي فأنا لا أتحمل فكرة البقاء وحدي على هذه الجزيرة وسط العاصفة وأنا متأكدة أنها ستنفجر من جديد.
وعاودا تسلق الهضبة الى الكهف على مهل أذ أن العاصفة كانت لا تزال تزمجر في البعيد على الرغم من أن الغيوم كانت قد عادت وغطّت السماء , والأمواج كانت تتكسر بعنف على الصخور , وكان بول من وقت لآخر يتطلع اليها بنظرات مرتابة ما لبثت أن أصبحت مفعمة بالشك الظاهر .
" عندي حدس بأنك تمثلين دورا يا عزيزتي ( قال بول في النهاية وهو يرمقها بطرف عينه , وكان الرعد يمزق حنايا السماء مهددا بالأقتراب , وأخذ كتفيها بين يديه القويتين وأدارها نحوه وأجبرها على النظر في عينيه ) أعتقد أعتقادا راسخا بأنك أبعد الناس عن الخوف من العاصفة".
وبرقت السماء ورعدت وغرقت في ظلمة حالكة وبدأت الريح تصفر بشدة وأصبح من غير الممكن لبول أن يغيّر رأيه ويحاول الوصول الى الشاطىء مهما كان الأمر .
وأبتسمت كيري بخبث وأقرّت :
" في الحقيقة أنا لا أخاف العاصفة على الأطلاق بل على العكس أنا أحبها كثيرا".
" أنت أيتها العفريتة الصغيرة( قالها بلهجة ناعمة ) ولكن ما الذي دفعك الى تمثيل ذلك الدور؟".
" لم أكن أريدك أن تذهب ( وعضّت قليلا على شفتها ) أنا أعرف هذه المياه جيدا , لم يكن بوسعك أن تقطع ربع المسافة وكما ترى فأن العاصفة عائدة أعنف من قبل وستدركنا بعد دقائق معدودة ".
ونظر بول اليها بأمعان وشعرت كيري بأن حمرة دافئة تسرّبت الى وجنتيها فخفضت عينيها , وأبتسم بول وقال وقد برقت عيناه بوميض متلألىء.
" علي أن أعترف بأن أهتمامك بي قد أشبع غروري , فأنت لم تعترفي مرة واحدة بأنك تهتمين بأمري على الرغم من أنك وافقت على الزواج مني ( وأنخفض صوته قليلا وأضاف وهو يمسك بكتفيها ) أنك تهتمين بأمري أليس كذلك يا كيري؟ فأنا لم ألجأ الى الأكراه كي توافقي على الزواج".
ولشد ما كانت تشعر بالخجل أخفت كيري رأسها من جديد في صدر بول وتمتمت شيئا غي مفهوم.
" كيري هذا سؤال يجب أن تجيبي عليه , أعرف بأنني أستعجلت الأمور بعد ظهر هذا اليوم كنت أشعر بالغيرة أتجاه كلفن , أنك تحبينني أليس كذلك؟".
وردت كيري بهمس خافت لا يكاد يسمع ومع ذلك فقد أحس بول بالسعادة تغمره.
وبقيا في جوار الكهف الى أن بدأ المطر بالهطول وفتحت السماء مزاريبها , فوقفا على باب الكهف يراقبان الطبيعة حولهما , وأشتد الرعد وأمتدت أصداؤه فوق رأسيهما وأضاء البرق مدخل الكهف ثم أختفى , كانت الريح تصفر بغضب فوق الجزيرة وتضرب الأمواج وتشق عبابها وأخذ المطر ينصب شلالات غزيرة.
وظلت العاصفة قوية بعض الوقت ولكنها ما لبثت أن خفّت وبان عليها الوهن , وبقيا في داخل الكهف , وكان بول يتجادل مع كيري وهو يحاول وضع سترته على كتفيها ليقيها من البرد وأخيرا ربح المعركة , وبعد قليل ترامى اليهما صوت ينادي في عرض البحر , فعلما أن فريق الأنقاذ قد وصل لأعادتهما الى الشاطىء.

نيو فراولة 06-06-11 11:09 AM

8- بعيدا عن العالم



أكثر الأمور التي أثارت دهشة كري كانت دون شك طلب بول يدها للزواج , ففي الوقت الذي تلقت ريلستون النبأ بذهول كما كان متوقعا فأن والدها ومالي تقبّلا الأمر بسهولة وواقعية , حتى أنهما أظهرا سعادة كبيرة ولم يبدر منهما أي تعليق ينطوي على الأغاظة.
وربما كانت كيري أكثر الناس أندهاشا , فبدون أن تدرك كيف حدث الأمر وجدت نفسها مخطوبة وفي أنتظار يوم الزفاف , ولم تنس أنها كانت كيري دروين التي أقسمت في يوم من الأيام على ألا تتزوج , كيري دروين نفسها التي كانت تحتقر معبود الشاشة الفضية , رمز الحب , العاشق الكبير , وملهم ملايين القلوب الحالمة ,وكانت تبتسم بكآبة في أحيان كثيرة وهي تتذكر كلماتها الجارحة لباربي , كلمات قالتها لوقت ليس ببعيد , لقد كان الأمر مثيرا للدهشة حقا ويبدو خياليا وهي تفكر كيف تغيرت الى هذا الحد وهو تغيير لا يقبل الشك , لقد كانت الغلبة للحب في النهاية.
كان تصوير فيلم ( مبارزة في أرض المستنقعات ) يسير سيرا حسنا , وقد أختفت من أجوائه الأنفعالات المثيرة للأعصاب ولم يكدّره , الى حد ما , سوى الدعاية التي رافقت بول عندما أعلن خطوبته من كيري.
وقررا أن يعقدا قرانهما عند أنتهاء التصوير من الفيلم , ولكن كيري كانت تجد أن مشاعرها أصبحت أكثر تعقيدا من قبل كلما قارب دورها من النهاية , فعلى الرغم من أنها متأكدة من حبها لبول فأنها لم تتمكن حتى هذا اليوم من التغلب على مخاوفها القديمة المتعلقة بالزواج , مخاوف كثيرة كانت لا تزال تترصدها في مكان ما في لاوعيها وتنسل الى أفكارها وتكبلها بشعور من القلق والأضطراب.وقد حدث ذلك وةلأول مرة عندما وضع بول خاتم الخطوبة في أصبعها وأحست على الفور بنزعة التملك تبرق في عينيه , ولكن ذلك الأحساس ما لبث أن أختفى وكان يعود من وقت الى آخر , وفي تلك الأوقات كانت كيري تفكر بشيء من التردد بفسخ خطوبتها , ولكن تلك الحالات المشوشة والخطط المحيّرة كانت تقف عند ذلك الحد دون أن تتجاوزه , وتعرف في قرارة نفسها أن بول لن يدعها تفسخ الخطوبة.
ورأت كلفن مرة واحدة فقط , فقد جاء الى المنزل بينما هي في الحديقة تقطف الأزهار البرية المتعددة الألوان التي تنمو بكثرة هناك , ولم تلاحظ أنه كان يراقبها الى أن ألتفتت فجأة لتقطف وردة فرأته واقفا أمامها.
" كيل ( نادته وهي تحاول ألا يعلق ثوبها بشوك الوردة من جراء ألتفاتتها المفاجئة) لم أسمعك تقترب؟".
" لقد جئت لتوي ( قال بهدوء ثم أبتسم ) لا تقلقي فأنا لم أكن أراقبك".
ونظرت كيري الى خاتمها الزمرد وقد تلألأ في أصبعها :
" لقد سمعت دون شك بأنني سأتزوج بول؟".
" أجل سمعت ( وأبتسم من جديد ومد يده اليه ) أهنئك يا كيري , وعلى الرغم من أنني لم أشاهده ألا لماما ولكنني أعرف بأنك ستكونين سعيدة معه".
وشدّت كيري على يده بقوة:
" أعرف بأني سأكون سعيدة , وأنت يا كيل؟".
ومرت سحابة في عينيها ولكنه ضحك بنزوة:
" لا دموع أيتها الفتاة الحمراء الشعر , لن أهين شعورك وأقول بأنني سأتغلب على مصيبتي".
وعلى الرغم منها بدأت شفتاها ترتجفان , فليس من المعقول أن يتألم كيل بهذا الشكل وهو الشخص الذي تكن له صداقة متينة منذ الصغر , قالت بصوت مرتفع:
" كنت أتمنى لو أن الأمور لم تأخذ هذا المنحى".
" أنها ليست غلطتك ي كيري , فهذه الأمور تحدث تلقائيا , وأنا لا أنكر بأنني أتألم كثيرا ولكنني سأتغلب عليه أو على الأقل سأحاول أن أتغلب عليه , فهي حالة طارئة , أنت وبول تشكلان زوجين كاملين وأنا ألمس ذلك , وحتى لو كان بمقدوري أن أفعل شيئا فأنني لن أقدم على أي شيء يغير الواقع".
منتدى ليلاس

" وماذا تنوي أن تفعل؟".
" سأعود الى كورنوال وفي أي حال لقد غادرت المكان قبل أنهاء أعمالي هناك".
" وهل ستعود على الفور؟".
" أجل على الفور , لا تطلبي مني حضور عرسك يا كيري , فأنا لا أملك الشجاعة الكافية لعمل ذلك ( رأى مسحة من الكآبة والغموض تنتشر في عينيها فأبتسم أبتسامة متكلّفة وأخذ وردة من يدها ) قلت لا دموع أيتها الفتاة الحمراء ( وربّت على خدّها ببتيلات الوردة المخملية ) حظا سعيدا يا كيري ( وأدار ظهره وخرج من الحديقة)".
وقفت كيري دون حراك والدموع تنهمر على خديها , ورأته يدور حول شجرتي دردار كبيرتين وكانت الشمس تلمع في ثنايا شعره ثم يجتاز سياجا من الأشجار الباسقة ويختفي وراءها , ولكنها ظلت واقفة نكانها تشد بيدها على باقة الأزهار دون أن تكترث للشوك وهو يغرز في أصابعها , وشعرت بيد تمتد اليها من الوراء وتأخذ من يدها باقة الأزهار:
" أنك تتلفين الأزهار المسكينة يا صغيرتي".
ترامى صوت والدها الناعم أليها , ألتفتت كيري الى الوراء , وللحظة نظرت اليه دون أن تتفوه بكلمة ثم ألقت بنفسها على صدره وأخذت تشهق في البكاء , فضمّها اليه بحنان ونظر هو أيضا الى النقطة التي أختفى وراءها كلفن تريفريل.
وبكت كيري كطفلة صغيرة ثم شيئا فشيئا بدأت العاصفة تهمد فهزها بحنان.
" هذا يكفي يا صغيرتي كيري , أمسحي دموعك الآن , لقد تقبّل كلفن الصدمة بشجاعة أكبر ".
ورفعت اليه وجها غمرته الدموع .
" لماذا كان علي أن أجرح شعوره بهذا الشكل ؟".
" أنه أمر لم يكن لك أو له أية حيلة فيه , وهو على حق عندما قال أنه سيعمل على التغلب عليه , وأنت تعرفين ذلك ( وتسربت الى وجهه مسحة من اغموض ) أن ما سأقوله الآن قد يبدو شاعريا الى حد كبير وغريبا في عصرنا الواقعي الحديث , ولكنني أؤمن بما سأقوله وأذا أستطعت أن تؤمني به أنت أيضا فأن ذلك سيساعدك ليس فقط على التغلب على مشكلتك مع كلفن , بل أيضا على تفهّم مشاعرك أتجاه بول وهي مشاعر أعتقد أنها ما زالت معقدة ومشوشة , أنني أؤمن بالأنجذاب الروحي والعاطفي يا كيري , فلكل رجل وأمرأة أنجذاب حقيقي لشخص واحد فقط , فأذا كانوا سعداء الحظ فأنهم سيلتقون بذلك الشخص وهؤلاء هم من تلك الفئة من النس التي تسمو الى الأعالي وتغوص الى أعماق أعماق الحياة , وحياتهم لن تعود الى ما كانت عليها من قبل , وأنا شخصيا كنت واحدا من تلك الفئة".
وتنفست كيري بتقطع.
" أتعني أن هناك العديد من الناس ممن يكتفون بالخيار الثاني؟".
" أنهم لا يدركون أبدا أنه الخيار الثاني , ولكن هذا لا يعني أنهم غير سعداء , فقد يعيشون في سعادة كاملة طوال حياتهم جسديا ومعنويا ولن يعرفوا حب من الدرجة الثانية الى أن يلتقوا ذلك النوع الآخر من الحب هذا أذا كانوا سعداء الحظ , وأنا أعتقد في قرارة نفسي أنك وبول تنتميان الى تلك الفئة المحظوظة".
قالت كيري وقد أرتسمت في عينيها براءة الطفولة:
" ولكن كيف بمقدور الشخص أن يعرف أن ذلك الحب هو في الحقيقة الحب الكبير؟".
وهز رأسه.
" ليس هناك من طريقة يمكنني أن أطلعك عليها يا كيري وخصوصا في بداية العلاقة حيث يختلط الأمر بين الحب الحقيقي والأنجذاب الجسدي , وعندما ستواجهين المحن للمرة الأولى في زواجك فستعرفين عندئذ من أي نوع هو حبك".
ورأى النظرة التي أرتسمت في عينيها فأبتسم , وفيما كانا يعودان الى المنزل عبر الحديقة المكسوة بالأعشاب شعرت كيري ولأول مرة منذ أسابيع أن الألم الذي يحز في قلبها قد تلاشى الى الأبد , وكان الفيلم قد قارب من النهاية , فمعظم المشاهد الرتيبة كانت قد صورت قبل البدء بمشاهد كيري , كان العمل شاقا للغاية ولكنها جدت متعة فيه , وكانت هناك أوقات مضنية عندما كانت تقود , كليلي , معركة بالعربات ضد العدو الروماني , كان عليها أن تتعلم كيف تقود العربة ولكنها لم تكن بحاجة الى أي درس للقطات الأخرى حيث كانت تمتطي جوادها في قفار المستنقعات وهي ترتدي ثياب الساحرة والريح تعبث بشعرها وتدفعه الى الوراء بأسترخاء مجنون , أما المشهد الذي أحبته أكثر من غيره فكان دون شك الرقصة الغجرية العاصفة التي أدتها مع بول.
وأنتهى تصوير الفيلم وذلك كان يعني , فكرت كيري , أنها ستتزوج خلال ثلاثة أسابيع , الفكرة بحد ذاتها مثيرة للغاية ,ولكن قبل ذلك كانت هناك الحفلة التي تحدث عنها بول يتكشيرته المألوفة.
" هل سنقيم حفلة؟".
كانا يلتهمان سندويشا في المطعم المتنقل التابع للشركة ولربما كانت تلك آخر مرة يجلسان في ذلك المطعم ونظرت كيري اليه نظرة مستفسرة .
" أي نوع من الحفلة ومن سيقيمها؟".
" نحن سنقيمها , لقد جرت العادة أن تقيم الشركة حفلة لدى أنتهاء التصوير من الفيلم , وكل ممثل يرتدي الزي الذي كان يرتديه أثناء التمثيل".
وبرقت عيناها :
" عظيم , وأين ستقام الحفلة؟".
" في مكان ما له شرفة ثانية مهملة حيث ألتجأت اليها في يوم من الأيام فتاة خائفة ذات شعر أحمر".
" في القاعة الكبرى؟ ( ولكنها على الفور تذكرت الشطر الثاني من الجواب فأرتسمت على وجهها تلك النظرة الثائرة وتابعت ) لم أكن خائفة".
" كلا؟ ( رد بسخرية ) أذن , لماذا أسرعت وأختبأت هناك ؟ لقد هربت عندما شعرت بأنني سألحق بك".
" لم أرغب في أعطائك أية فرصة".
" أنا لا ألومها على ذلك ( قالت فالما وهي تقف وراءهما ) وأذا تذكرت جيدا فبأمكاني أن أقول أن عينيك كانتا تشعان بنظرة مخيفة يا بول".
ودارت كيري على نفسها وكرّرت بألحاح مشاكس:
" لم أهرب".
" وأذا لم تكوني خائفة فكان بالأحرى أن ترتعدي خوفا".
وتطلعت كيري اليهما بنظرات حذرة بعد أن سمعت جملة فالما.
" وبالمناسبة ( أضافت فالما ولكن هذه المرة بلهجة جادة ) سأذهب الى المدينة لأتبضع بعد ظهر اليوم , ألا ترغبين في مرافقتي ؟ فلربما كنت بحاجة لشراء بعض الحاجيات".
وهزت كيري رأسها بحماس:
" أجل أرغب في ذلك , فأنا لست خبيرة في مشتريات الأشياء الخاصة بالفتيات".
وحدّق بول بخطيبته ببطء بعينيه الحالكتين المفعمتين بمعان لم تخف عليها فأحمر وجهها وشعرت بقشعريرة تدب في أوصالها , قالت بتأنيب:
" بول قف عند هذا الحد ".
" أقف عند أي حد؟".
" أنت تعرف ما أعنيه , ولا حاجة لي أن أكرر القول".
" ولماذا تريدينني أن أتوقف؟".
وكررت فالما أن الوقت قد حان لأنقاذها.
" هل أنتهيت من الأكل؟ ( ووقفت ثم تابعت ) حسنا سنذهب الآن لشراء حلجياتنا ونتركه هنا".
" تتركاني وحدي ؟! ( قالها بلهجة كئيبة مصطنعة لا يمكن أخذها بجدية)".
كشّرت كيري وردت:
" هذا ما تستحقه".
وخرجت لتحلق بقالما.
كانت سيارة فالما أصغر حجما من سيارة بول , لونها الأزرق يتناسب كليا مع لون عيني الممثلة وقد فرشت في الداخل بمقاعد ذات لون فضي فاتح أنيق للغاية.
وفيما كانت تصعد الى السيارة ألقت فالما عليها نظرة أستحسان , كانت كيري ترتدي فستانا أشترته بأول شيك حصلت عليه , أخضر غامق وأنيق يضفي عليها مسحة غير عادية من الجاذبية , شعرها فقط لم يتغير , كان ينساب بحرية على كتفيها ويغلل تلك الجاذبية بمسحة سحرية شبيهة بمسحة الجنيات.
" هذا فستان جديد , أليس كذلك؟ ( سألت فالما وهي تدير محرك السيارة , وعندما هزت كيري رأسها بالأيجاب ( أضافت ) ذوقك رفيع فأنت لست بحاجة لمن يقول لك ماذا تشترين ".
وأبتسمت كيري بخجل وغيّرت الموضوع , فعبارات الأطراء كانت دائما تحرجها.
"الى أين نحن ذاهبتان ؟ الى ريلستون؟".
" كلا سنذهب الى أكسيتر فبقدر ما أحب مدينتكم الصغيرة فأنها ليست مكانا مناسبا للتبضع".
ولبعض الوقت ظلتا صامتتين ألا من حديث متقطع , وفجأة شعرت كيري بوميض حالم يتلألأ في عيني فالما وهي تقود السيارة بسرعة ولكن بسيطرة تامة على المقود , وراقبتها كيري دون أن تلفت أنتباهها وهي تتساءل عمّا جعلها تغرق في تلك الرؤية الحالمة التي أنسابت الى عينيها الزرقاوين الجميلتين , هل هو رجل؟ ولم تدرك أنها تفوهت بالكلمة بصوت مرتفع الى أن رمقتها فالما بنظرة مفاجئة.
" أجل أنه رجل ( قالتها وقد أرتسمت على شفتيها أبتسامة عابثة ) وهو طويل القامة وشعره حالك كالليل وعيناه حالكتان أيضا وهو في نظري أجمل رجل في العالم".
كان الوصف ينطبق كليا على بول , وشعرت بأحساس لم تختبره من قبل يدب في أوصالها , كان الأحساس مزعجا وبغيضا , وتثبتت يداها في حرجها وتصلب جسمها , قهقهت فالما بضحكة عالية :
" عيناه رماديتان غامقتان وليستا سوداوين أيتها الغبية الصغيرة الغيّورة , أنه زوجي".
وأحمر وجه كيري وشعرت أنها حقا طفلة صغيرة وخفضت عينيها بخجل نحو يديها اللتين أخذتا تسترخيان .
" لم أكن أفكر..... أعني أنني.....".
" لا , بل كنت تفكرين ( ردت فالما بدعابة وأضافت ) وأنا قصدت أن أدفعك الى ذلك".
" هل قصدت ذلك ( رددت كيري كلماتها بدهشة ) ".
" ولكن لماذا؟".
" لكي أذكّرك بأنك مغرمة ببول".
كانت نظراتها حذرة ومتيقظة فتجنبت النظر الى فالما , وتطلعت الى خارج السيارة وقد ترامت أمامها المستنقعات وبانت في البعيد معالم الضواحي التي كانت تحيط بالمدينة .
" أنني لا أفهم ماذا كنت تعنينه".
" ألم تفهمي ؟ ( كانت فالما تنظر الى الطريق وقد أختفت الأبتسامة من وجهها ) لقد شعرت مرة أو مرتين بأنك تحاولين أقناع نفسك بأنك أجبرت على الموافقة على الزواج من بول قسرا عن أرادتك".
وأحست كيري أن حدس فالما الخارق قد أجفلها , فقد مرت في الواقع في أوقات عادت اليها مخاوفها السلبقة من الزواج بزخم كبير لدرجة أنها حاولت بكل ما أوتيت من قوة أيجاد مخرج للهروب منه.
" أنه شعور مؤلم أليس كذلك؟ أن تفكري بأن أمرأة أخرى قد تكون مغرمة ببول تماما كما أنت مغرمة به , مع ذلك فبأمكانك المحاولة من وقت الى آخر من أقناع نفسك بأنك لست مغرمة به , وأنت تعرفين أن المرأة التي تحبه بالطريقة نفسها التي تحبين بها بول لا بد أن تعمل لأقتناصه وأحتكاره , وهذا هو شعور مخيف أليس كذلك؟ أنت لا تريدين أن تخسريه أليس كذلك يا كيري؟".
وتشابكت يدا كيري من جديد في حضنها وكأنهما خارجتان عن أرادتها , وفكرت مليا , على الرغم منها , بما قالته لها فالما , قالت أخيرا بهدوء:
" لا , أنا لا أريد أن أخسره".
" وهذا يقودني الى أمر آخر ( ترددت فالما وأنعطفت قليلا وأوقفت السيارة الى جانب الطريق , وألتفتت الى كيري وحدّقت في عينيها ) قبل أن تصلي الى هوليوود ستسمعين أشاعات كثيرة". قالت كيري وهي تحاول السيطرة على شعور الغيرة الذي أختبرته قبل قليل:
" أرتباط أسمك بأسم بول!؟".
" أجل ( أعترفت فالما بدون تردد ) وأيا كانت الأشاعات فأنها ستكون مغرضة ولا أساس لها من الصحة , فبول وأنا صديقان حميمان , وهذا كل ما في الأمر , قلت لك قبل قليل أنني مغرمة جدا بزوجي , ولو كان بروس معي لشككت بأنني كنت سأرى ول حتى ولو كان في الغرفة نفسها ( ثم عادت الى لهجتها الجادة ) ولربما ستجدين أن أسم بول مربوط بأسم كل نجمة سينمائية مثّلت معه , ولكن هذه هي الأشاعات , ولا تنسي أيضا أنه أذا قررت السير في مهنتك الجديدة فأن الأشاعات ستنالك أنت أيضا ".
وحملقت كيري بصديقتها:
" أتعنين بأن الناس سيشيعون بأن لي علاقات عاطفية مع رجال آخرين؟ يا له من أمر سخيف".
وأبتسمت فالما:
" كونك كيري كروين قررت بأن بول سيكون الرجل الوحيد في حياك , وأنا أرثى لحال طوم أذا حاول تغيير رأيك , في أي حال الأشاعات لا تأخذ هذه الأمور بعين الأعتبار , وهكذا كما ترين الأشاعات تعمل على خطين متوازيين".
وأدارت فالما المحرك من جديد وغرقت كيري أكثر وأكثر في مقعدها , كانت غارقة في أفكارها , ولم تتفوها سوى ببضع كلمات طوال الطريق المؤدية الى ضواحي لأكسيتر ,وأنعطفت فالما الى طريق ثانوية ثم ألتقطت وشاحا عقدته على رأسها بلا مبالاة وأخيرا وضعت نظارتين سوداوين على عينيها .
سألت كيري وهي تضحك ضحكة خافتة :
" أهذا هو زي التنكّر ؟".
وهزت فالما رأسها بحسرة وقالت:
" قد أبدو متعجرفة ولكن التنكر ضروري في بعض الأحيان ( وثبّتت النظارتين على عينيها وفتحت الباب ) سنترك السيارة هنا بعيدا عن الطريق الرئيسية , عندي حدس أن المصورين الصحفيين لا بد أنهم يعرفونها على بعد أمتار".
وغادرتا السيارة الزرقاء الصغيرة ونظرتا حولهما كفتاتين عاديتين ووقع نظرهما على سيارة أوتوبيس كانت متوجهة الى قلب المدينة , وعرفت كيري عندما هبطتا من الأوتوبيس أن فالما كانت قد جاءت الى المدينة من قبل للتبضع , أذ أنها توجهت فورا وبدون تردد الى حيث كنت تريد الذهاب اليه.
ووقفتا أمام محل كبير وأنيق لبيع الألبسة النسائية , وشعرت كيري بأحساس مثير , فهي لم تكن تصدق أنها قادرة على التبضع من محل أنيق كهذا المحل وبصحبة ممثلة عالمية , ولكن الثروة الصغيرة التي تثقل محفظتها كانت أكبر دليل على أنها لم تكن حالمة , ولمجرد التفكير بأنها ستتبضّع أشياء جميلة فأنها شعرت ببريق من الأنوثة يتلألأ في عينيها , وتقدمت نحوهما أمرأة ممشوقة ترتدي فستانا أسود وهي تسير بدلال فوق سجادة سميكة , فضية ورحبت بهما بحرارة.
" أهلا بك آنسة فالما , أنني سعيدة برؤيتك".
قالت فالما وهي تجلس على مقعد جلدي رمادي اللون:
" قبل كل شيء نود رؤية بعض فساتين السهرة".
" بكل تأكيد".
وكانت السيدة أنطوانيت تشعر بأعتزاز كبير كونها الوحيدة في المنطقة التي تملك محلا يستخدم عارضتين للأزياء , وقد قامت في ذلك الحين بحملة دعائية واسعة , وكانت تبيع بضاعتها بأسعار فاحشة للغاية , ومع ذلك لاقت رواجا كبيرا ولربما كان للهجتها المنمّقة بعض الفضل في نجاحها , وعادت السيدة أنطوانيت وهي تشع أعتزازا بما ستقدمه.
" هذا فستان وصلني اليوم بالذات وأنا متأكدة أنه سيروق لك يا سيدتي".
وهزت كيري برأسها وهي تنظر الى الفتاة الشقراء التي كانت تطل من وراء الستارة الزرقاء في طرف القاعة وتتهادى ببطء تماما كما تفعل عارضات الأزياء , كان الثوب رائعا بلونه الأزرق الشاحب والمصنوع من الساتان , ولكنها عندما أمعنت النظر فيه هزت رأسها علامة عدم الأستحسان ,وألتفتت السيدة أنطوانيت نحو كيري ولكنها لم تتلق منها جوابا مشجعا وكأشارة أعطيت بالسر , عادت عارضة الأزياء وأختفت من حيث أتت .
" هذا صحيح أن اللون الأزرق لا يناسب الآنسة , فهي بحاجة الى شيء أغنى بالألوان , ( ورمقت السيدة الفرنسية أو كما تريدها أن تدعي ذلك , فالما وقالت) لربما الآنسة تخطو خطواتها الأولى في عالم السينما ؟".
" أن الآنسة دروين تحضّر جهاز عرسها ( ردت فالما) أنها ستتزوج من بول دفرون".
" ستتزوج من بول دفرون! ( قالتها بدهشة وتطلعت ال كيري بتعبير كله أجلال وأستحسان , وأحست على الفور أنها زبونة جديرة بالأهتمام , فألتفتت نحو الستارة ونادت ) جينيت أحضري فستان الغجر البرونزي ( وللحال أنشقت الستار ة وبانت منها الفتاة الشقراء نفسها وهي ترتدي هذه المرة فستانا أسود في غاية البساطة بأستثناء ذيل طويل فضي كانت تجره وراءها وأضافت ) قد تودّان رؤية الثنائي لبينما تنتهي جينيت من تغيير فستانها".
كانت كيري تضغط على نفسها لئلا تنفجر في ضحكة عالية , كان شيء مضحك في أن تطلق على الفساتين مثل هذه الأسماء الغريبة ومع ذلك فقد تطلعت بكثير من الأهتمام الى الفستان الأسود الفضي , كان يبدو يونانيا في مظهره مفتوحا عند أحد الكتفين وضيّقا الى حد ما ومشدودا على الكتف الأخرى ومثبتا بصف من الأزرار وقد ترامى الذيل على شكل شلالات ملتوية وربط على الخصر بزنار مناسب.
" أنا أحب هذا الفستان ( قالت بلهجة حاسمة )".
ونظرت فالما اليها نظرة مترددة:
" أن فيه بعض التصنع الذي لا يناسبك".
" ولكنه سيبدو رائعا على الآنسة ".
وعادت فالما وتفحصته بأمعان وتخيّلته على جسم كيري , وأخيرا قالت:
" لنجربه أذن".
وتنهدت كيري بفرح فقد أشترت لتوها أول فستان سهرة لها , وقررت أن تحصل عليه بدون تجربة , فهي واثقة من أنه سيناسبها وألا فبالأمكان أصلاحه.
ومرة جديدة أنشقت الستارة وظهرت منها فتاة سوداء الشعر فيما كانت الفتاة الشقراء تختفي وراءها , ولم يكن هناك من شك في أن الفستان الذي ترتديه هو الغجز البرونزي , كان مصنوعا من المخمل البرونزي الثقيل , في غاية البساطة وأحبته كيري على الفور , فأبتاعته مع الفستان الأسود الفضي بالأضافة الى ثوب من الكتان , أما فالما التي كان يبدو أنها جاءت لتساعد كيري على أختيار جهاز عرسها فقد أبتاعت هي أيضا فستانين عاديين للأستعمال اليومي , وعندما خرجتا من المخزن لم تتمكن ألا بصعوبة وهي الممثلة المحنكة , من أخفاء فرحتها الكبيرة , وكذلك حال كيري , وبدون أي أكتراث بالمارة أنفجرت ضاحكة:
" لم أكن أعرف أشخاصا مثلها يمكن أن نجدهم خارج الأفلام والقصص".
" لقد ألتقيت بنموذج مثلها من قبل ( قالت فالما وقد أرتسمت أبتسامة عريضة على شفتيها ) أنها بدون شك تملك أفضل مخزن في المقاطعة , ولا أخفي عنك سرا أذا أخبرتك بأنني كدت أصاب بالهستيريا أثناء زيارتيّ السابقتين".
وأثناء العودة الى المنزل لم تتفوه كيري بكلمة واحدة , كانت غارقة في أفكارها , فأبتياع جهاز العرس , جعلها تحس أن موعد الزفاف قد قرب , وحاولت أن تتخيل نفسها وهي متزوجة من بول , يقضيان أيامهما في عزلة تامة , في كوخه الصغير الذي يملكه في الجبال , لقد وصف لها المشاهد بحيوية لدرجة أنها كانت قادرة الآن على تخيّل المكان , فهناك البحيرة الزرقاء والجبال الشاهقة المجلّلة بالثلج والتي تسوّر الوادي الصغير وتحتجزها مع بول بعيدا عن العالم.

زهرة منسية 06-06-11 05:25 PM

lمشكوره كتير حبيبتى وتسلم اناملك الرقيقه أنا فى أنتظار النكمله

نيو فراولة 07-06-11 03:42 PM

9- الكلام المباح !



وجاء يوم الزفاف , كان يوما جميلا ومبهجا , وبالطبع لم تغمض لكيري عين , فقد سهرت الليل بكامله وهي تراقب النجوم تشحب في قبة السماء وخيوط النهار تنساب مع بزوغ الشمس , وأستلقت قليلا في فراشها ولكنها كانت كقطعة من الخشب اليابس , أعصابها متوترة وجسمها يرتعش من الأرتجاف.
وسمعت نقرات مالي على الباب فأنزلقت تحت الأغطية وتظاهرت بالنوم وكأنها تريد منع أحداث الغد , وبأصرار نقرت مالي الباب من جديد ثم فتحته ودخلت , كانت مرتبكة ومهتاجة ومع ذلك فقد أمسكت صينية الفطور بعناية كبيرة , وأدركت كيري أن لا فائدة من الأستمرار في التظاهر بالنوم , ورفعت وجها شاحبا ما كادت تراه مالي وتشاهد أخاديد الأرهاق عليه حتى قالت بحنان:
" ما الأمر يا عزيزتي كيري؟".
" لا شيء...... أنني عصبية لا أكثر ولا أقل".
وكانت كيري تعرف جيدا أن الأمر ليس مجرد أعصاب , فقد عاد اليها الخوف القديم بقوة وألحاح طوال الليل وكل ما كانت ترغب فيه هو الهرب والأختباء في مكان ما , وودت لو أن هناك جزيرة سرية في متاهات المستنقعات شبيهة بجزيرة السحرة ميتاني , ووضعت مالي الصينية على طاولة صغيرة الى جانب السرير فنظرت كيري اليها:
" لا أستطيع وضع لقمة واحدة في فمي".
" لا تكوني حمقاء فنحن لا نريدك أن يغمى عليك وأنت تسيرين الى جانب بول ساعة عقد القران".
" في أي حال أنا لا أتناول فطوري عادة في السرير".
" جميع العرائس يتناولن الفطور صباح يوم الزفاف ( ردت مالي وه ي تتوجّه نحو الباب وتهز أصبعها محذّرة ) الآن كوني فتاة لطيفة وتناولي الفطور بكامله".
وأبتسمت كيري أبتسامة باهتة بينما مالي تختفي وراء الباب , وشعرت وكأنها عادت الى أيام طفولتها عندما كان عليها أن تكون لطيفة وتأكل كل ما في صحنها من طعام , ومع ذلك فهي لم تعد صغيرة , ففي الطرف الآخر من الغرفة كان فستان الساتان الأبيض معلقا وهو الفستان الذي سترتديه لمدة قصيرة فقط , وأحست بالرعشة تنساب الى جسمها فدفعت صينية الفطور بعيدا عنها.
ولبرهة من الزمن ظلت مستلقية على ظهرها ويديها متشابكتين تحت رأسها , وتساءلت كيف وضعت نفسها في هذا الموقف؟ بكل تأكيد كانت كيري دروين قد أقسمت ألا تتزوج ولكن هذا القرار أتخذته قبل أن تلتقي بول دفرون , ولم تفهم مسار أفكارها ولا مشاعرها المشوشة , وكل ما بقي لها كان ذلك الخوف القديم والأكراه الطاغي الذي يمنعها من التراجع.
ورمت عنها الأغطية بحدة ونزلت من السرير , ووقفت تداعب شعرها ثم أتجهت نحو النافذة , كانت قفار المستنقعات الرمادية تترامى في البعيد , ولكنها لم تكت تمتد الى ما لا نهاية , فالطريق تصل الى رياستون حيث بول ينتظرها , وحاولت أن تهدىء مخاوفها وتدفنها في الماضي بعيدا عن المستقبل وتذكّرت حفلة الوداع التي أقامتها الشركة عند الأنتهاء من تصوير الفيلم , كانت سعيدة في تلك الأمسية , فقد جاء بول بلباسه الغجري الجذاب لأصطحابها من المنزل , وفي تلك الليلة رقصت وبول الرقصة الغجرية عند ألحاح الحاضرين.
وفي تلك الليلة ولفترة من الوقت أنزلق الزمن بسرعة وسط الألحان المثيرة المنبعثة من أوتار آلات الكمان , وكانت ثنايا تنورتها الفضفاضة تدور حولها كالدوامة وهي تقهقه عاليا وترمي برأسها المتوج بشعر ملتهب الى الوراء وتسرع خطاها الى الأنغام الغجرية الصاخبة , وهي تلاحق رشاقة الرجل الذي سيصبح زوجها , وتسارعت أيقاعات الرقص , كان هو الصياد وهي الطريدة والغلبة لمن سيدرك الآخر ويمسك به , وأحست بيدين قويتين تتشبثان بها فتباطأت الموسيقى وأصبحت ناعمة وأكثر حسية , وأدركت المعاني التي أنبعثت من عينيه السوداوين الدافئتين الخاليتين من أي عبث وسخرية , وتباطأت خطواتهما مع تباطؤ الموسيقى وقد غلفهما جو من السحر البعيد عن التمثيل والتصنع , وخفقت الموسيقة في همس ناعم وضعفت الأنوار ثم عادت تشع من جديد وسط قهقهاتهما وأنحناءهما تحية للحاضرين , وتنهدت كيري وقالت في نفسها أنه أذا كان بأمكان بول أن يجعلها تشعر بتلك السعادة فمن أي شيء كانت تخاف أذن؟ وتركت النافذة وعادت الى الطاولة الصغيرة وأخذت تأكل بدون شهية , الفطور الذي أحضرته لها مالي كان قد برد بدون مذاق ولكنها أجبرت نفسها على تناوله , فهي لم تكن تريد أن يغمى عليها وسط كل شيء , كانت فخورة وحتى لو أنها خائفة فلن تجعل ذلك اخوف يبدو عليها , وعادت مالي عبر الرواق وبعد قليل تناهى اليها صوت ماء جارية , ثم أقتربت وقع خطواتها وسمعت نقرا على الباب :
" أنني أعد حمامك يا آنسة كيري".
" شكرا".
وخرجت من غرفتها الى الحمام , وفيما كانت تمر أمام باب غرفة شقيقها ريك فتح فجأة الباب وأطل منه , كان يبدو أكبر سنا مما هو عليه بثيابه السوداء وشعره الداكن المرفوع الى الوراء , وفي عينيه نظرة قلقة وهو يعترض طريقها.
" كيري".
وتوقفت وألتفتت اليه , كانت لا تزال شاحبة اللون ولكن الهدوء الذي أنبعث من صوتها وهي تخاطب مالي قبل قليل أنتشر الآن على وجهها كدرع واق:
" ما الأمر يا ريك".
منتدى ليلاس

" هذا ما كنت أنا سأسألك عنه ( وراقبها قليلا وأزداد عبوسه) كيري هل أجبرك على الزواج منه؟ كنت أنا وكيل نغيظك بمثل هذه المواضيع ولكننا لا نريد , أعني لا نريد...".
ولم يتمكن من متابعة كلامه وقد وضعت كيري يدها على ذراعه .
" شكرا يا ريك, كل شيء على ما يرام , أنني أشعر بتوتر وهذا شيء طبيعي بالنسبة الى عروس في يوم زفافها".
وعندما هبطت السلم بعد قليل شعرت بتخدير يدب في مفاصلها , كان ثوب الساتان الأبيض بثناياه البراقة يصدر حفيفا خافتا وقد أنعكس بياضه على وجهها الرقيق وشعرها الملتهب الذي سرّح بعناية تحت الحجاب الشفاف المخرّم , وكانت تمسك برباطة جأش باقة الزهر الأبيض وتسير بخطى رشيقة ومتزنة , ولكن لم يكن يبدو في عينيها أي بريق من السعادة , كان وجهها متحفظا ونظراتها هادئة بشكل غير طبيعي , وبدت شبيهة بأنسان آلي شرب من مياه النسيان.
كان والدها ومالي يراقبانها وهي تهبط السلم , وبدآ يشعران بالقلق , ولم يتفوه أحدهم ببنت شفة طوال الطريق الى ريلستون حيث سيعقد قرانها هناك , وبعد حفلة الزواج كانت وبول سيقيمان حفلة في الفندق ومن ثم سيطيران الى لندن , وفي الصباح التالي سيسافران الى الولايات المتحدة حيث ترك بول طائرته الخاصة هناك , ومن ثم يأخذ بول عروسه بطائرته ويتوجه معها الى الكوخ الصغير في الجبال النائية.
ولما أقتربوا من المكان الذي سيعقد فيه الزفاف, أستقبلهم جمهور غفير وكان عليهم أن يشقوا طريقهم وسط الحشد الكبير بمساعدة بعض رجال الشرطة الذين يحاولون أبعاد المدعوين وأفساح الطريق أمام العروس وصحبها.
وترجلت كيري من السيارة الى جانب والدها بهدوئها غير العادي , وحتى عندما رأت بول لم تتغيّر ملامحها ألا حين لامس يدها وتوقف عند خاتم البلاتين الذي تلمع فيه حبات الماس والذي أختاره بنفسه بعد أن سمعها مرة تقول بجدية تامة أن أطواق الذهب تذكرها دائما بأرتال العبيد , وأحست كيري برعشة غريبة تسري في أوصالها وهي تسمع العبارة الأخيرة اليوم أعلنكما زوجا وزوجة , ورددت أسمها الجديد كيري دفرون وقد تناهى اليها صداه وكأنه غريب عنها.
وتوجها الى طاولة صغيرة فوقّعت كيري دروين أسمها لآخر مرة , ثم ضمّها بول الى صدره وكانت لمسته ناعمة ولطيفة وهو يضع يدها على ذراعه.
وظل الهدوء المخدّر يلازمها وهي تسير الى جانب بول ويتوجهان الى خارج القاعة ووراءهما الأشبينات الأربع وباربي أحداهن.
ولما خرجا من القاعة أستقلا على الفور السيارة التي نقلتهما الى مكان حفلة الأستقبال , كان الهدوء لا يزال يخيّم عليها , فتفوّهت بالكلمات التقليدية وقطعت قالب الحلوى الرائع وشربت نخب الجميع بأعصاب هادئة لم تكن تتوقعها هي بنفسها , ثم ودّعت الجميع وركبت هي وزوجها السيارة التي أقّلتهما الى المحطة , كانت نقصورتهما في القطار المسافر الى لندن من الدرجة الأولى وذلك من حسن حظها بعد الدقائق الخمس عشرة الماضية من التوتر التي عاشتها منذ مغادرتها حفلة الزفاف , وشعرت بالتوتر بشكل عنيف ولكنها لم تدر عما أذا كان بول يمر بالتجربة نفسها فهو لم يعط أي دليل على ذلك , وكان طوال الوقت يتحدّث اليها بنعومة دون التركيز على موضوع معين وكيري ترد عليه بأقتضاب , وعندما ألتفتت وألتقت عيناها بعينيه أبتسم وقال:
" هل شاهدت نسخة عن الفيلم؟".
" كلا".
" يا للأسف , كان عليك مشاهدتها , فقد أعترفت فالما أنك خنت وجودها".
وحدّقت كيري في وجهه ولبرهة من الزمن حلّت الدهشة محل القلق :
" أنا خنت فالما ( وهزت رأسها ) أعتقد أنها تتخيّل أشياء أو أنها أرادت أن تكون لطيفة معي".
وأبتسم بول من جديد:
" أن فالما لا تتخيّل أشياء مثل هذه ,أنها شديدة الغيرة عندما يتعلق الأمر بمستقبلها المهني".
" أوه ( قالت كيري بقلق ظاهر) أنني لم أقصد أيذاءها , أعني أنني....".
وضحك بول وأخذ يداعب خصلة من شعرها الملتهب:
" بالطبع أنت لم تقصدي ذلك , وفي أي حال أنها لا تكترث للموضوع".
" هل هذا يعني أن طوم سيعرض عليّ تمثيل دور آخر؟".
وبدت في رنة صوتها أثارة طافحة لدرجة أن بول قهقه عاليا وقال:
" أذن لقد أستحوذ النمثيل عليك , لقد قلت لك أنه سيتغلغل الى كيانك وسيجري في عروقك".
وأدركت أنه على حق , لقد تسرّب الى عروقها في هذه المدة القصيرة ,ومع ذلك فأن بريقه كان مصطنعا وسريع الزوال وسحره غريب جدا , وظهر على وجهها طيف تكشيرتها القديمة وقالت:
" أعتقد أنك على حق , ولكن هل تعتقد أن طوم سيعرض علي دورا ثانيا؟"." سوف تجدين أنه من الصعب الأفلات من طوم , فهو يفكر حاليا بأخراج فيلم يحكي أسطورة أغريقية قديمة
, هل تعتقدين أن يمقدورك تمثيل دور ديانا رمز الصيد عند الأغريق؟".
" بأمكاني أستخدام القوس والسهم".
قالت وهي تتذكر مهارتها بهذه الرياضة في أحدى حفلات الكرنفال ثم براعتها البهلوانية في السنة التالية وهي في القوزاق حيث ألتقت عيناها ولأول مرة عيني بول السوداوين وأنجذبتا الى بريقهما المتللألىء , وها هي الآن زوجته.
وفجأة عاد الخوف الذي كان منطويا في أعماقها الى الوجود , فأختفت الأبتسامة ورأى بول في ومضة عين طيفا من القلق يغلل وجهها , وعلى الفور أختفت أبتسامته هو أيضا , كانا جالسين الواحد قبالة الآخر وقبل أن تحزر ما كان ينوي عمله , ترك مقعده وجلس قربها وأمسك يديها وأدار وجهها نحوه , ولم تتمالك كيري نفسها فخفضت عينيها.
" أنظري اليّ يا كيري( قال بول بصوت ناعم , وتطلعت اليه بتردد فتابع) لماذا أنت خائفة مني؟ ألأنني أصبحت زوجك الآن؟".
ولهثت كيري وأختفت الألوان من وجهها , وحاولت أن تحرر يديها ولكن قبضته كانت ثابتة ومطمئنة في آن , فقد وضع بول فيها كل مشاعر حبه ورغبته وكذلك حنانه مما حمل ألى أفكارها المشوشة بعض الراحة والطمأنينة , كانت يداه تداعب يديها وكأنهما يهمسان في أذنيها:
" لماذا تخافين مني , أنني أحبك".
ورفعت عينيها نحوه وكانتا تهمسان بالشيء نفسه , وأرتسمت على شفتيه طيف أبتسامة وشدّها اليه قليلا , كان عليه أن يكون لطيفا مع هذه الأنسانة الصغيرة المتوحشة التي لم تعتاد بعد على قبضة الصياد.
" أنظري اليّ ( قال وصوته لا يزال ناعما ) هل أنا ذلك الغول يا كيري؟".
ونظرت اليه الى تقاطيع وجهه الداكن الجذاب والى عينيه السوداوين الدافئتين التي أرتسمت عليهما تلك الأبتسامة النزوية , والى قامته الرشيقة الصلبة كصلابة الفولاذ وعلى الرغم من خوفها شعرت بحبها يسيطر على حواسها , كان تفهّمه وأحترامه لها عاملين جديرين بالتقدير والمحبة , فأي رجل آخر كان بمقدوره أن يكون صبورا الى هذا الحد بالنسبة الى خوفها السخيف ؟ وأبتسمت بخجل:
" كلا يا بول ( وكان صوتها خافتا ليكاد لا يسمع وكان على بول أن ينحني أكثر لسماعها ) أنني مجرد جبانة صغيرة وحمقاء ".
وضمّها الى صدره بحنان وظل الى جانبها , وخلال الرحلة الطويلة حاولت كيري أن تعيد في ذاكرتها بعض تصرفاتها أثناء حفلة الأستقبال , وحاولت أن تسبر أفكار بول ولكن دون جدوى فكأن قناعا غريبا قد أسدل على وجهه.
وأخيرا وصلا الى لندن وأستقلا سيارة تاكسي الى الفندق , كان الفندق كبيرا وفخما وقد غرقت أقدامهما في ثنايا السجادة السميكة , وكانت شقتهما تطل على خضرة الحديقة العامة ومفروشة بذوق رائع , وبدت الحقيبتان اللتان كانتا معهما في القطار وحيدتين وسط السجادة الزرقاء الناعمة , أما بقية أغراضهما فقد وضعت في المطار.
وعبرت الى غرفة مجاورة وألقت نظرة الى داخلها , كانت غرفة نوم باللونين الأصفر والبني , وخفق قلبها بسرعة وأحمرّت وجنتاها فأغلقت الباب على الفور وهي تأمل ألا يكون بول لاحظ تصرفها , ولكنه لحسن حظها كان يتطلع من النافذة ويسرح بصره في الحديقة الممتدة في الأسفل , وألتفت لدى سماعه صفق الباب وسألها:
" هل أنت جائعة؟".
وتنفست الصعداء وقد ساعدها بول بسؤاله في تحويل أفكارها فهزّت برأسها :
" ليس تماما ولكنني أرغب في تناول بعض الشاي".
" هل تريدين الشاي في الغرفة أم تريدين تناوله في الطابق الأسفل؟".
" في الطابق الأسفل".
منتدى ليلاس

ردت بسرعة , وفكرت أن القاعة لا بد أن تكون مزدحمة بالناس وهذا يناسبها , فهي غير قادرة حتى الآن على مواجهة فكرة البقاء مع بول بمفردهما في الغرفة وبعد قليل هبطا السلم حيث يقدم الشاي وكان حديثهما متقطعا وشكليا كأي حديث يدور بين شخصين غريبين , وبعدها تمشيا عبر الحديقة الصغيرة القريبة من الفندق وأستمعا لبعض الوقت الى فرقة موسيقية كانت تعزف بعض الألحان وتابعا سيرهما حتى وصلا الى الجسر , وقفا قرب الحائط الحجري وسرحا نظرهما في المياه , كان انهر ينساب بهدوء وسكينة تماما كحياتها , هكذا فكرت كيري , وظهر في البعيد زورق صغير عريض الجانبين يتفتفت على الجانب الآخر يجر وراءه مركبا متثاقلا بحمولته , فتطلعا اليه بسكون ثم أبتعدا عن الجسر , وما كادا يقطعان بضعة أمتار حتى برز أمامهما برج يستدق في الفضاء , أنه أبرة كليوبارا , قالت كيري وقد تذكرته عندما زارت المدينة قبل سنوات خلت.
" غير أن كليوباترا لم تشيّدها".
ونظرت اليه بشيء من الدهشة:
" ولماذا أذن يطلقون عليها هذا الأسم ؟".
وهز كتفيه قائلا:
" لا أحد يعرف , لقد نسيت في الواقع من بناها". وعندما وصلا الى الفندق أحست من جديد بأعصابها على شفير الهاوية ولكنها أستطاعت السيطرة عليها ولو لبعض الوقت ,ولما قارب موعد العشاء أرتدت كيري ثوبها الأسود بحواشيه الفضية ووقفت أمام المرآة تنظر الى نفسها , كان الثوب يلف جسمها ويبرز وجهها الرقيق بشكل رائع للغاية ويسدل عليها مسحة من الأناقة الجذابة , ودخل بول من الغرفة المجاورة بقامته الممشوقة الجذابة وهو يرتدي سترة للسهرة في غاية الأناقة , ووقف يتطلع اليها بنظرة أعجاب ثم خطا اليها ومدّ يده الى وجهها فلامسه بنعومة ومرّر أصابعه بخصلات شعرها الناعم الأملس.
" أنك جميلة للغاية يا كيري دفرون".
وشعرت برجفة تسري في عروقها , لقد دعاها بكيري دفرون , وبدا لها صوته وكأن فيه نبرة الملكية الخاصة , وترك يدها وقال وهو يشير بذراعه :
" هل نذهب؟".
وبصمت أسندت يدها على ذراعه , وفي أي حال فهي لا تعرف ماذا سيقدم لهما من عشاء هذا المساء , ورقصا حتى شعرا بالتعب على أنغام أوركسترا رائعة ومع أنها كانت دائما مغرمة بالرقص ألا أنها هذا المساء كانت بعيدة عن أجوائه , كانت متوترة الأعصاب للغاية ومتعبة تشعر بثقل في أوصالها .
وفيما كانا يعودان الى مائدتهما نظر بول اليها وقال :
" هل أنت متعبة؟".
وأرادت أن تنفي ذلك لعلها تطيل الوقت بعد غودتهما الى الغرفة ولكن جفنيها خاناها على الرغم منها.
" أجل أنت متعبة ( رد معارضا ووقف على رجليه وتابع) أصعدي الى الغرفة وسألحق بك فيما بعد بعدما أعطي التعليمات بخصوص مغادرتنا الفندق غدا صباحا".
وبتردد وقفت كيري وأخذ بول ذراعها برفق وأوصلها الى أسفل السلم حيث تركها تصعد على مهل وعاد هو لينهي عمله , وفتحت كيري باب شقتهما بتثاقل وبأصابع مرتجفة , وعندما لمست يدها باب غرفتها البنية والصفراء شعرت بأرتعاش قوي يدب في أناملها لدرجة أنها فقدت السيطرة عليها.
وجلست أمام المزينة وفرشت يديها على المنضدة المصقولة ونظرت اليهما , وشيئا فشيئا وبقوة أرادتها أستطاعت أن تخفف من أرتعاشهما ولكن حالما وقفت على رجليها عاودها أرتجاف خفيف ففكت الزنار الضيق الذي يشد على خصرها , وبعد قليل سمعت بول يدخل الغرفة المجاورة وعندما قرع على بابها وفت في وسط الغرفة وهي تلف جسمها بمبذل أخضر باهت مطرز بحاشية بيضاء , وتيبست في مكانها وحاولت أن ترد عليه ولكن صوتها أبى أن يخرج من بين شفتيها , وشعرت بجفاف يقلّص حلقها وببرودة لاذعة تتسرب الى أوصالها , وقرع من جديد وبعد برهة برم مسكة الباب ودخل. كان يرتدي مبذلا أرجوانيا أبرز جمال أسمرار وجهه ونظر اليها ثم أنحدر نظرة الى قدميها حيث كانت تظهر الحاشية البيضاء , وأقترب منها وقد أرتسمت على شفتيه أبتسامة دافئة.
" أنت جميلة جدا يا كيري".
قالها كما تعوّد ولكن صوته هذه المرة كان ينعم بنغمة جديدة , نغمة جعلتها تغرز أظافرها في راحتي يديها , وظلت واقفة بلا حراك وهو يدنو منها ويمسك بذراعيها , وعندما أنحنى نحوها أرتدّت قليلا:
" لا يا بول أرجوك ( وأخذت تضرب صدره بقبضتيها الصغيرتين المسعورتين ) دعني أرجوك".
" كيري ( صرخ بول وهو يترك يدها ويمد يده نحوها ولكنها أرتدّت أكثر فأكثر الى الوراء) لا تنظري أليّ هكذا أيتها الصغيرة ( كان صوت بول ينم عن ألم كبير ) ليس هناك من سبب للخوف مني , فأنا أحبك بكل جوارحي".
أستيقظت كيري عند الصباح وقد أرتسمت تحت عينيها الظلال القاتمة , لم تكن تعتقد أنها ستعرف طعم النوم في تلك الليلة ولكن التعب الشديد بالأضافة الى كونها لم تنم في الليلة السابقة جعلاها في النهاية تغرق في عالم مظلم من النسيان كان بمثابة نوم عميق , وفتحت عينيها بتثاقل وكأنها تقاوم الرغبة في العودة الى الواقع وأندهشت من نشاطها , فقد تلاشى تعب اليوم السابق ولكن مشاكله بقيت مع الأسف , كانت هناك مشكلة زواجها وتعرف في قرارة نفسها أن الأمور لا يمكن أن تستمر على نحو الليلة السابقة.
وعبرت الى الحمام وأخذت دوشا باردا لعلها تسترد كامل حيويتها وجففت جسمها ثم أرتدت فستانها الرمادي الخاص بالسفر , وعندما ولجت الغرفة البنية الصفراء وأتجهت الى الغرفة الثانية من الشقة رأت مائدة معدة لشخصين وكان بول يقف عند النافذة , فألتفت عندما سمعها تدخل , ورأى ترددها فأشار بيده الى المائدة:
" تناولي طعامك أولا ثم نتحدث".
وتقدمت بتمهل نحو المائدة وهي تحاول قراءة تعابير وجهه كان مغلقا وطبيعيا , كان ممثلا بارعا لكي تحزر أفكاره الباطنية , وجلست الى المائدة وبدأت تأكل بدون شهية وتمنت لو كان في مقدورها مجاراة بول الذي بدا مرتاحا لا يتحدث بكثرة أو بسرعة ويكتفي بملاحظة عابرة بين الحين والآخر ثم يغرق في سكوته من جديد , وجرعت قهوة قوية ومحلاة وتابعت النظر اليه بدون فضول بينما كانت يدها الأخرى ملقاة في حرجها, وعندما أنتهت من جرع فنجان القهوة , تطلع اليها والأبتسامة تعلو وجهه:
" أترغبين في المزيد من القهوة؟".
وكان صوته عاديا ومألوفا كأنه أعتاد أن يتناول الفطور معها منذ سنوات.
وهزت برأسها:
" من فضلك".
قالتها بصوت خافت وهي تراقبه يسكب القهوة الساخنة في فنجانها , وعندما كانت على وشك أن تضع الملعقة الرابعة من السكر في الفنجان مد يده عبر المائدة وأمسك بمعصمها:
" لقد وضعت ثلاث معالق حتى الآن يا كيري".
وأحست بقوة أصابعه على معصمها فجمدت يدها وتساءلت عما أذا كان سيستخدم هذه القوة ضدّها أذا هي جافته ووأبعدته عنها من جديد , وخيم السكون عليهما الى أن فرغا من تناول القهوة , وأخيرا هبّ بول واقفا وتوجه الى المقعد قرب النافذة.
" أقتربي الى هنا يا كيري".
وأطاعت كيري وأقتربت وهي تجر خطواتها وجلست الى جانبه , ورفعت عينيها وقد أتسعت حدقتهما تحت تأثير شعورها بالخوف ولكنها ما لبثت أن خفضتهما الى يديها وكانتا لا تزالان متشابكتين بعصبية في حرجها.
قال بول أخيرا وبكل هدوء:
" أنت تعرفين بأنه من غير المعقول أن نستمر في علاقتنا كما فعلنا الليلة الماضية , أليس كذلك؟".
وهزت برأسها دون أن تتفوه بكلمة , ومن جديد رفعت عيناها اليه ثم خفضتهما بسرعة , وكانت عيناه تطفحان بالرقة والتفهم , وكرهت نفسها في تلك البرهة لجبنها وسألها بنعومة:
" لماذا قبلت الزواج مني؟".
وترددت قليلا , كان عليها أن تقول الصدق:
" لأنني أحبك".
" والليلة الماضية؟".
" كنت خائفة ( قالت دون أن ترفع عينيها اليه)".
" ولكنك لم تكوني خائفة عندما طابت منك أن تتزوجينني ونحن في الكهف( ورأى في عينيها تلك النظرة الخائفة والأرتعاشة تدب فيها فقهقه وأردف قائلا) أجل يا كيري كان بأمكاني أن أستبق الأمور وكنت قبلت بكل شيء , فلماذا أنت خائفة مني الآن ؟ ( وام تجب كيري فتنهد وهب واقفا) أعتقد أنها غلطتي أنا , فمن اللحظة التي أدركت فيها أنني أحبك في حفلة الكرنفال , عملت كل شيء لأجعلك تقاسمينني الحب دون أن أوفر لك فرصة للنضوج ,( وربت برقة على يدها وسحبها من المقعد ) لا تقلقي أيتها الصغيرة , أنا المذنب لأنني أردت أستعجال الأمور , وأخشى أنني ناورتك دون وعي وأدراك في أكثر من مناسبة , والآن عليّ أن أكون صبورا وسيأتي يوم ستنضجين فيه وتتغلبين على جميع هذه المخاوف وهي مخاوف سخيفة ( وأضاف بأبتسامة رقيقة ) ألا تذكرين ذلك اليوم الذي قضيناه في الكهف؟ ( ووقفت كيري أمامه حائرة لا تدري ما عساها أن تقول أو تفعل , وأدارها بلطف في أتجاه الغرفة الأخرى ) عليك الآن أن تنهي توضيب الحقائب قبل أن تفوتنا الطائرة".
منتدى ليلاس

كانت المياه الزرقاء ترتطم بغنج على المنحدرات المكسوة بالعشب والأشجار , ووقفت كيري وهي ترتدي سروالا فضفاضا وبلوزة رقيقة تنظر الى ذلك المشهد بكآبة وقد وضعت يديها في جيبي السروال.
فمنذ ثلاثة أيام وليلتين وصلا الى الكوخ الذي كان فيما مضى منزل بول في كندا , وفي الليلتين تمنى لها بول ليللة سعيدة دون أن يدخل الى غرفتها , والآن فأنها تشعر بخيبة أمل ممزوجة بشيء من الخوف , وكانتالطبيعة تسبح في سحر ضوء القمر وقد أسودت ظلال الجبال الشاهقة التي تحيط بالوادي , وهناك أيضا النداء الموحش الذي لاقى صدى في أعماقها , وحرّك أرتعاشاتها ساخرا من خوفها , كانت تود من أعماقها أن يكون بول الى جانبها ومع ذلك كانت تشعر بالخوف من أن تقف معه في ضوء القمر الهادىء في عزلة تامة عن بقية العالم , كانت تحلم في أن يضمها الى صدره فهو لم يقترب منها منذ أن غادرا لندن , وكأن أفكارها تناغمت معه , فأحست بوجوده الى جانبها وصوته يهمس في أذنها:
"أنها مناظر خلابة أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها:
" أنها رائعة حقا".
وفجأة تركها وأختفى على بعد بضع خطوات بين الأعشاب الطويلة , وحملقت بد بدهشة ولكنها ما لبثت أن رأته يدفع زورقا هنديا صغيرا في الماء ويومىء اليها بالأقتراب , فخطت نحوه بفضول:
" في ليلة كهذه لا بد أن تلقي نظرة على الوادي من وسط البحيرة , أنه مشهد خلاب ستذكرينه طوال حياتك".
وساعدها على القفز الى الزورق وشعرت بالأرتعاشة المألوفة لدى ملامسته وتساءلت لماذا أذن ذلك الخوف؟ ولم يتفوها بكلمة حتى وصلا الى وسط البحيرة , وظلا صامتين وبدون حراك , وشيئا فشيئا أختفت الدوائر الصغيرة التي تركها ضرب المجذافين على سطح الماء وظلا بمفردهما غارقين في عالم من الأحلام , كانت صفحة البحيرة كمرآة سحرية وقد تعكس في أية لحظة أطياف مخلوقات قصص الجن والخرافات , وكانت قمم الجبال المتوجة بالثلج ترتفع عاليا في قبة السماء المرصعة بالنجوم وتتلألأ في ضوء القمر بعيدا عن عالم الأنسان.
وأحست كيري بأن السكون الغارق في التأمل قد بدأ يؤثر على مشاعرها بشكل غريب فأرتعشت أعصابها وخفق قلبها بسرعة , وبدون أن تلتفت عرفت أن بول كان ينظر الى جبل معين. أنه لوكار ( قال بصوت ناعم لم يعكر سكون الليل ) يقول الهنود أن في سفحه ترقد أرواح المقاتلين الشجعان الذين حاولوا أسر أميرة الثلج التي تعيش على قمته , وقد أقلعوا عن محاولتهم منذ زمن أما لأنهم أدركوا ألا فائدة من ذلك أو لأنهم ساروا في ركاب الحضارة".
" وماذا حلّ بالمقاتلين الشجعان؟".
" كلما شاهد أحدهم طيف أميرة الثلج سارع الى مطاردتها فتهرب هي منه بقذفه بالكتل الثلجية التي تنهار عليه , وفيما بعد جاء الرجل الأبيض وتسلق الجبل ولكن الهنود ظلوا يخافونه ولا يجتازون منطقة الثلوج , فهم يخشون مصادفة أميرة الثلج , وأي هندي تقع عيناه على الأميرة يتحتم عليه مطاردتها حتى الموت , والأميرة صفراء كالثلج وشعرها الأسود يتلألأ ببريق البلور الجليدي وعيناها بلون أنهر الجليد الخضراء , وقد عاد بعض الهنود ممن لمحوا الأميرة على المنحدرات المنخفضة ولكن كان عليهم فيما بعد أن يعودوا الى الجبل لمطاردتها , وآخر مرة حدثت مثل تلك المطاردة كانت قبل حوالي خمسين سنة , وقد أستطاع الهندي أن ينجو من كتل الثلج التي كانت الأميرة تقذفه بها وعاد الى القرية كما فعل غيره من قبل ولكنه عاد في اليوم التالي الى الجبل وأختفت آثاره منذ ذلك الحين".
قالت كيري:
" لربما وجدها ".
" من يدري لربما( كانت في صوته مسحة من المرارة) ولكن هذا الأمر بعيد الأحتمال , فلربما يرقد الآن في مكان ما تحت كتل الجليد والثلج التي قذفته بها".
ولم تقل كلمة فقد أحست أن كلامه كان موجها اليها , ولكنها لم تشعر أنها شبيهة بأميرة الثلج , كانت أعصابها ترتعش بشكا غريب وتمنت لو أنها بقيت بعيدة عن البحيرة.
سألت كيري:
" هل بأمكاننا أن نعود الآن؟".
كان صوته طبيعيا من جديد , وكيف لها أن تعرف أن تحت غطاء هذا الهدوء المصطنع كان بول هو أيضا يتلظى بنار العذاب ذاتها وأن شرارة واحدة كانت كافية لتفجير البركان.
وعندما بلغا الشاطىء فز منها وسحب الزورق من الماء ثم ساعدها على الخروج منه , ووقفت بين الأعشاب النامية تتطلع الى البحيرة فيما كان بول يسحب الزورق الى اليابسة ويضعه في مكانه.
" هل أعجبتك البحيرة؟".
كان في صوته بعض الخشونة ولكنها خشونة لم تثر في نفسها أي خوف , كانت غارقة عميقا في مشاعرها , وألتفتت نظر اليه وهو ينتصب واقفا بعد أن أعاد الزورق الى مكانه.
" كانت نزهة رائعة , وقد ذكّرتني بنزهة مماثلة قررت القيام بها مع ريك على جدول في الليل , ولكن ريك أصيبت بتخمة لكثرة ما أكل في ذلك اليوم فذهبت أنا وكيل بمفردنا و..".
وتوقفت فجأة ولم تتابع كلامها , ولكن سبق السيف العذل , لقد أدركت أنه من بين جميع الليالي , كان عليها ألا تذكر أسم كيل في هذه الليلة بالذات , وتنهد بول تنهيدة مخنوقة وبحركة عنيفة أمسك بكتفيها وشدّهما بقوة:
" كيري أنت أنسانة قاسية للغاية , كيف تذكرين أسم كلفن تريفريل في وقت كهذا؟".
كانت قبضته على كتفيها مؤامة فتحركت قليلا لعلها تتحرر قليلا منها ولكن دون جدوى.
" بول أنت تؤلمني".
" أذن انا أؤلمك ( رد بسرعة وهزّها بعنف ) ألا تفكرين بالألم الكبير الذي تسببينه لي؟ هل تعتقدين بأنني أستمتع برؤيتك وأنت تبتعدين عني؟ لقد حان الوقت لكي أتوقف عن معاملتك كطفلة صغيرة فأنت لم ولن تنضجي بمفردك".
وأنحنى اليها وشدّها الى صدره محاولا تخفيف خوفها , وقاومت كيري وهي تتخبط بين ذراعيه , ولكن قبضته كانت قوية , فكلّما تملّصت منه قليلا كان يجذبها بقوة نحوه , ثم حملها بين ذراعيه وصعد بها الى الكوخ.
ومع أنها كانت تتذكر جيدا محتويات الغرفة ألا أنها شعرت بأن هذه الليلة ستبقى محفورة في أعماقعا الى الأبد , لقد غاب كل شيء عن نظرها , الجدران الخشبية المزيّنة برسوم هندية والأرضية الخشبية التي لمعتها وصقلتها أمرأة نصف هندية جاءت من القرية عبر الغابة والأريكة المصنوعة على الطراز اليوناني وقد تكدّست عليها الوسائد ووضعت أمام موقد النار , وكانت هناك قطع أثاث أخرى حجبتها ظلال ألسنة النار في غبشة تلك الليلة , وأحست أن بول وضعها برفق على الأريكة وجلس قربها وسمعت ضحكته المداعبة تماما كما فعل في الفيلم الرومانب , ولكن هذه المرة كانت تعيش في واقع الحياة , كانت النار تتأجج في الموقد وتنساب حرارتها الى أعماقها والريح الثائرة تعصف في كيانها وشعرت أن ما حدث لها في الكهف قد عاد اليها بعنف جارف , وغابت في عالم آخر كله سحر وجمال لم يعد فيه أي أثر للخوف.
عندما قرع الباب , لم تتحرك كيري , كانت لا تزال نائمة وشعرها الملتهب منتشرا علىالوسادة وأبتسامة ناعمة تطفو على شفتيها , وبكل نعومة فتح بول الباب ودخل الغرفة , كان يرتدي ثياب ركوب الخيل ويحمل صينية صغيرة وعليها فنجان من الشاي وضعها بأحتراس على الطاولة الصغيرة , وتحركت كيري بينما كان بول ينحني فوقها وفتحت عينيها لتجد عيني زوجها الحالكتين تنظران اليها بشغف والأبتسامة عليهما , وردت له الأبتسامة وهي نصف غافية ورفعت ذراعها وطوّقت عنقه بكل جوارحها.
منتدى ليلاس

سألها بهمس:
" هل غفرت لي؟".
" مئة في المئة".
ورفعت نفسها قليلا وأتكأت على مرفقها ثم رأت الصينية على الطاولة :
" الشاي؟".
وناولها فنجان الشاي وهو يسرح نظره على زوجته الساحرة :
" ثوب النوم الذي ترتديه ليس محتشما كفاية".
وعبست كيري وقالت:
" هذا بالضبط ما قلته لفالما عندما أعطتني أياه كهدية عرس( ثم نظرت الى ثيابه وسألت ) هل سنركب الخيل؟".
" أذا كنت ترغبين".
" لم أكن أعرف أن عندك أحصنة هنا , أنت تعرف بأنني أعشق ركوب الخيل".
" الأحصنة موجودة في القرية الهندية , فالهنود يعتنون بها في غيابي".
ونهضت من سريرها وسارت حافية القدمين نحو النافذة فوقفت أمامه وهي تتثاءب بكس.
" يا له من يوم جميل , أجل أنني أرغب في ركوب الخيل".
" أذن عليك أن ترتدي ثوبا أكثر ملاءمة من فستان النوم الذي ترتديه الآن ( ووقف وراءها وطوّق خصرها بذراعيه ) وأذا كنت راغبة في حماية نفسك على افور عليك أن تتّخذي بعض الترتيبات الأمنية حالا وألا فأنني لست مسؤولا عن تصرفاتي".
وألتفتت كيري نحوه:
" أنا أحبك أيا كانت تصرفاتك".
وتغيّرت تعابير وجهه فجأة وهو ينظر اليها ورأت طيف عبوس يقطب حاجبيه.
" كيري أنا أعتذر عن ليلة أمس , ربما أنسقت مع عواطفي".
وأبتسمت وأسندت رأسها على كتفه :
" كلا لم تكن منساقا على الأطلاق , أنا التي كنت غبية صغيرة وفي أي حال أنا لا أشعر بأي غضب ولن أشعر في المستقبل".
وأذ عادت بذاكرتها الى ليلة الأمس أدركت كيري أنها عاشت ليلة أحلامها وأن الخوف لم يعد له وجود ورددت في نفسها كم أن تسلط الحبيب هو أمر مثير ومدهش.
وتركها بول وأتجه نحو الباب:
" سأسرج الحصانين ريثما تنتهين من أرتداء ملابسك".
وبعد قليل خرجت من غرفتها ودخلت الغرفة المجاورة وهي ترتدي البنطلون الأسود المألوف والبلوزة السوداء التي يعرفها كل شخص في ريلستون .
وأخذ بول يدها وقادها الى الخارج حيث كان جوادان أرقطان في الأنتظار , قال محذرا:
" سوف تجدينهما مختلفين قليلا عن سموكي .
ووثبت كيري الى السرج وما كاد الحصان يشعر بها حتى أخذ يثب وأرتسمت على شفتيها أبتسامة عريضة وشدّت اللجام بيد محنكة , وما أن أحس الحصان بأن الفارس يسيطر على زمام الأمور على الرغم من خفة وزنه , كف عن المقاومة غير المتوازية.
وسارا جنبا الى جنب الى أسفل الدرب ثم أختفيا في الغابة.


تمت

زهرة منسية 08-06-11 07:15 PM

يسلموا أحلى فراوله فى انتظار لعبه الحظ

katia.q 09-06-11 09:28 PM

قصة جميلة يعطيك ألف عافية
:55::55::55::55:

اماريج 10-06-11 12:22 PM

يعطيك العافية حبيبتي

وتسلم ايديك ياحلوة وناطرين دوما جديدك ياعسولة

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13077012561.jpg

Rehana 10-06-11 09:48 PM

حبيبتي يعطيك الف عافية
والله لا يحرمنا تواجدك المميز
دمتي بوود

نجلاء عبد الوهاب 12-06-11 02:20 AM

الرواية تجنن شكرا كتير:8_4_134::welcomepirate1::welcome5::liilase::110::c8T052 85::mo2::iU804754::7_5_125v::Supercool::13125::ostrich_liam: :Welcome Pills5::361::353:

deemaah 12-06-11 02:50 AM

الروايه منتها الروعه

سومه كاتمة الاسرار 14-06-11 03:29 AM

اجمل فراولايه الاختيار كان موفق جدا يا قمر الروايه
رووووووووووووووعه رووووووووووعه رووووووووووعه
:8_4_134:

ندى ندى 06-12-11 01:19 AM

رووووووووووووووووووعه

cat8cat 12-12-11 09:16 PM

روايه رائعه جدا و رقيقه ‎:-D‎

تسلم ايدك و ذوقك يا أحلى و ألذ فراولة ;-)

لا تحرمينا ذوقك و مجهودك الخطير ‎:-D‎

ملك محمد 23-03-12 03:46 AM

شكراااااااااااااااااااا على الرواية الروووووووووووووعة

الجبل الاخضر 31-03-12 01:40 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

عصافير الجنة 25-04-12 10:36 PM

:55::55::55:

الملآك القاسي 03-09-12 09:26 AM

ثانكيــــــــــوووو نيو فراولة على الرواية الحلوــــــــــــــــــوـــــــــــــوة

قماري طيبة 19-02-14 04:41 PM

رد: 165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
رواية جدا جميلة سلمت يداك عليها


الساعة الآن 07:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية