منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t162198.html)

نيو فراولة 31-05-11 02:16 PM

165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
165- حورية التلال - نيرينا هيليارد - روايات عبير القديمة


الملخص


من يملك تغيير الفصول ومجرى الأنهار ...وأتجاه الرياح؟ كيرى كانت ربيعا دائما...تعيش كوردة برية في بلدة رستلون . الجميع يعرفها صبية ترعرعت طليقة كالنسيم , جميلة كغصن صنوبر . لذلك فوجئ أهالي البلدة بتحول كيرى الى شوكة تحترق بعد مجيء فريق لتصوير فيلم على أرض المستنقعات .
منتدى ليلاس
لم يعد يراها أحد...أو يكلمها أو يقترب منها, خاصة ان نجم الفيلم بول دفرون كان في رأيها أنسانا متعجرفا مغرورا وعدوانيا ...ولم تكن لديها النية لأضافة أسمها على لائحته .ماذا جرى؟ كيرى أصبحت خريفا مجنونا حزينا ووحيدا بعد أن ألتقته . حتى صديق طفولتها كلفن لم يكن قادرا على الصمود امام عاصفتها ...أما بول فله رأي آخر في كيري وصديقها , ويوم العاصفة وضع النقاط على الحروف.

نيو فراولة 31-05-11 02:21 PM

الآتية من بعيد



نظرت كيري الى صديقتها بطرف عينها بشيء من الأزدراء ولم تكن نظرتها تنطوي على المودة في أي حال , وكانت باربي تجلس قربها مأخوذة كالعادة حتى الذهول وقد غمرت وجهها غلالة حالمة وكأنها تعيش في الجنة , ولم تتمالك كيري من أبداء بعض الأستخفاف ولو في أعماق نفسها.
وأشاحت كيري عينيها عن وجه باربي الذي بدت عليه تعابير غريبة كانت تصفها كيري بأنها ملامح الغباوة البلهاء وأستأنفت مشاهدة الفيلم الذي يعرض على الشاشة الكبيرة , كان الممثل , نجم الفيلم , أسمر البشرة , تنبعث منه جاذبية تطفح بالحيوية والرجولة , يعتمر قلنسوة مصرية من العهد القديم ويرتدي قميصا من الكتان الأبيض المزركش بخيوط ذهبية يبرز جمال تقاطيع وجهه الملوكي , وعلى الرغم من أنه كان متكئا على أحد الأعمدة فلم يكن بخفى على المشاهد أنه طويل القامة ممشوقها , وكانت عيناه السوداوان تنظران بأنحراف قليل فبدت نظراته مشعة ببهجة فيها الكثير من التحدي والأغراء.
وأنتزع الممثل نفسه من العمود وأقترب من مقدمة الشاشة وهو يثب بخفة الفهد ,وبدت نظرته عميقة مخيفة مما جعل كيري تشعر بالعطف على الممثلة التي كانت تقف أمامه , ولكنها لم تجد أي سبب على الأطلاق في أن تتخلى الممثلة البلهاء عن نظرة الأزدراء التي كانت تخصه بها وتتحول الى أستسلام تام في اللحظة التي أخذها بين يديه.
وتلاشت اللقطة الأخيرة للعاشقين على الشاشة الكبيرة وهما يختفيان يدا بيد في غشاوة ضبابية في البعيد وأسدل الستار , وعلى الفور أنتصبت كيريعلى قدميها وهي تتنهد بأرتياح مسموع , ولكنها لم تكترث ولم تحاول أخفاء شعورها حتى بعد أن غمرت الأضواء الصالة ونهرت صديقتها باربي منتزعة أياها من عالمها الحالم.
" هيا قفي على رجليك أيتها الحالمة , لقد أنتهى كل شيء والحمد لله".
ونهضت باربرة أترسلي من مقعدها وهي تنظر الى صديقتها بعينين طارفتين وقالت:
" أنك لا تفهمين هذه الأمور".
" هذه هي الحقيقة". قالت كيري وأضافت:
" أتمنى أن أبقى على حالي وألا أكون في الوضع الذي أنت عليه الآن".
ولبرهة ساد الصمت بين الفتاتين , وكان صمتهما وديا على الرغم من تعليقات كيري الجارحة , وشقتا طريقهما وسط الجمهور الغفير وخرجتا من قاعة السينما الى وضح النهار , وكانت كيري تشعر دائما بصدمة خفيفة لا منطقية كلما خرجت الى النور من عتمة قاعات السينما كأنما ساعات الليل هي الأنسب لمشاهدة الأفلام , وقد ساعدت أشعة الشمس في أعادة الفتاتين الى واقع الحياة بعد أن كانتا تعيشان في أجواء الفيلم الخيالية.
وفكرت كيري في نفسها أن شعورها المفاجىء لدى خروجها الى النور لم يكن وليد أجواء الفيلم الحالمة , فالأحلام التي كان يثيرها الممثل بول دفرون في سياق فيلمه لم تكن من النوع الذي يؤثر على مشاعرها , فلا يوجد مكان لمثل تلك السخافات في حياتها هي في الثامنة عشرة من عمرها.
ونظرت بطرف عينيها الى باربي ولاحظت أنها غرقت من جديد في غيبوبة حالمة فأعتراها شعور من السخط أرتسمت معالمه على وجهها , وقالت في نفسها : لا ليس من جديد , وصرخت في صديقتها:
" باربي , أستحلفك بحب مايك أن تعتقي نفسك من هذه الأحلام , كيف بأستطاعتك أن تصلي الى هذا الحد من الغباء وتحلمي برجل بعيد كل البعد حتى عني أنت".
وخرجت باربي من نشوتها بسرعة مذهلة وقالت مدافعة عن بطلها:
" أنه ليس مجرد رجل أنه بول دفرون".
" بكل تأكيد". قالتها بسخرية أرتسمت على شفتيها وتابعت:
" بول دفرون , بطل الشاشة الفضية , العاشق الولهان رمز الحب للملاليين الحالمة و.....".
" كيري!". وتصلبت في وقفتها كانت تستعد للقتال وبدا للحظة أنها ستدافع عن بطلها حتى الموت , ولكنها في آخر لحظة تراجعت بأرتباك لم تشفع فيها سنواتها الستة عشرة وقالت بصوت غشاه القنوط والتعاسة :
" أعتقد أنك على صواب , أنني مغفلة , واحدة من الملاييين".
منتدى ليلاس

وطمأنتها كيري قائلة:
" سترين أنك ستتغلبين على هذا الشعور , في أي حال لا أدري لماذا تهرولين في كل مرة لمشاهدة هذه الأفلام التافهة وأنت تعرفين تمام المعرفة أنني جئت الى المدينة لأساعدك في أنجاز فستانك".
وتطلعت باربي بعينيها البنيتين بشيء من اللوم وقالت:
" كان عليّ أن أشاهد الفيلم حالما يعرض في المدينة ... أنه الشعور الذي يتركه في نفسي , أنه نوع من ......".
" أجل أنا أعرف ذلك".
قاطعتها كيري بسرعة في محاولة لوضع حد لموضوع بدأت تشعر بالكراهية نحوه , لقد كانت تسابيح باربي المتيمة بأستمرار تحول تسامحها نحو صديقتها الى كراهية معلنة لهذا النوع من الموضيع , تنهدت باربي وقالت متجاهلة أشمئزاز كيري وقد عادت اليها نظرتها الحالمة:
" أنني أكاد لا أصدق أنه سيأتي الى هنا ألى ريلستون". وتنهدت من جديد وقالت وهي تشير بيدها:
" يبدو أن هناك غاية ما وراء ذلك".
" أجل هناك مشروع لتصوير فيلم جديد له".
وتجاهلت باربي رد كيري غير المعقد وقالت:
" كان بأمكانهم أختيار مدينة أكبر مثل أكسيتر أو توركيه ولكنهم فضلوا المجيء الى ريلستون , يجب أن يعني ذلك شيئا".
وهزت كيري كتفيها بغير أكتراث وقالت:
" من الواضح أن ريلستون تناسبهم أكثر من أي مكان آخر كمقر لهم , أنها أقرب مدينة من المستنقعات , وبما أن المستنقعات هي التي يركزون تصويرهم عليها فمن الطبيعي ألا يبتعدون عن مسرح الأحداث". ونظرت الى ساعتها وتابعت:
" هيا لنذهب , لقد أنتهت فترة الأحلام لهذا اليوم , وبأمكانك أن تحدّقي بعينيه السوداوين الكبيرتين في الحفلة التي ستقام هذه الليلة , أما الآن فعلي أن أعود الى المنزل على الفور لأتناول فنجان الشاي وألا فأن مالي ستنفجر في وجهي".
وأسرعت كيري في خطاها وأجبرت باربي على اللحاق بها , وعلى الرغم من التباين الكبير بين الفتاتين ألا أنهما كانتا صورتين مألوفتين في ريلستون , لذلك فأن األأبتسامات التي كانت تلاحقهما من معارفهما وهما في طريق العودة لم تكن أبتسامات دهشة بل من النوع الذي ينطوي على الترحيب والأنسجام , ولا عجب في ذلك فكلتاهما كانتا معروفتين في المدينة فباربي كانت أبنة الطبيب المحلي وكيري فرد من عائلة دروين التي تقطن المنزل القديم الكبير الرابض قرب المستنقعات على بعد أميال من المدينة.
وهرولت باربي في خطواتها للحاق بصديقتها وهي لم تكن أقصر بكثير منها ولكنها كانت أكثر سمنة , في الواقع كانت كيري معتدلة القامة ولكن رشاقتها لصبيانية وساقيها الطويلتين غالبا ما يضيفان عليها بعض الطول , وكانت عينا باربي زرقاوين هادئتين بينما كانت عين كيري خضراوين مائلتين الى الزرقة هائجتين كالبحر في قلب العاصفة , وكانتا تشعان أحيانا بمرح تشوبه مسحة من المكر وأحيانا تختلجان يعنف خاطف, أما شعر باربي فكان بنيا عاديا مائلا الى الدكنة بينما كان شعر كيري متهدلا على كتفيها بتمرد وبخصل متحابكة الشديدة الحمرة , كانت خصلاتها تتساقط كشلالات غير منتظمة وكأنها هالات معقوصة تتحدى كل من يقع نظره عليها تماما كلون شعرها.
كانت ريلستون كناي ن بلدة صغيرة لذلك ما لبثت كيري أن وصلت الى نهاية الطريق العمومية وأنعطفت الى الطريق المؤدية الى المستنقعات وما هي ألا دقائق معدودة حتى كانت أمام الأبواب الحديدية الضخمة التي كانت تؤدي الى أسطبلات ريلستون أكبر مركز للتسلية في البلدة.
ودفعت كيري الباب الكبير الذي أقيم بين جدران رمادية وصعدت في الطريق المفروشة بالحصى , كانت تريفريل هول مبنية من حجارة رمادية تتناسب كليا مع البيئة التي احيط بها , وبعد أن قفزت نحو ست درجات وصلت كيري الى الباب الأمامي حيث وقف رجل طويل القامة مستقيمها ذو شعر بني بدأ يخطه الشيب يتحدث الى رجل قصير ونحيل.
وألقت كيري نظرة سريعة وفضولية على الرجل النحيل , كان غريبا بالنسبة اليها ورأت سيارة أميركية كبيرة متوقفة في الممشى المخصص للعربات مع سيارات أخرى كانت تخص بعض سكان ريلستون , وما تبقى منها فلربما كانت لرواد البلدة في أيام الأعياد , ونقلت نظرها من السيارة الأميركية الضخمة الى الرجل الغريب الذي يتحدث بلكنة خاصة عرفتها كيري على الفور.
وألتفت الكولونيل تريفريل اليها وأبتسم وقال بصوت مرتفع:
" كلفن موجود في الأصطبلات".
" شكرا كولونيل".
ردت كيري وهي تلوح بيدها قبل أن تختفي في أحد منعطفات المنزل دون أن تدرك أن عيني الرجل الأميركي كانتا تراقبانها بأهتمام كبير .
ودخلت كيري الأصطبلات الحديثة الشاسعة وتمهلت قليلا أمام أحد المرابط بألفة ظاهرة , كان كلفن تريفريل منهمكا في تنظيف جلد فرس ذهبي اللون أسترعى أنتاه كيري على الفور , كان الشبه كبيرا بين كلفن ووالده ولم يكن مجرد الشعر البني الغامق والعينين الزرقاوين اللامعتين وهما من خصائص عائلة تريفريل التي يتوارثها الأبناء أبا عن جد.
وتطلع كلفن الى ما وراء كتفه وعندما رأى كيري أرتسمت على وجهه أبتسامة عريضة ولوح لها بيده.
" لقد أنتهيت لتوي من وضع السرج على سموكي , كنت أتوقع مجيئك في هذا الوقت".
" شكرا يا كيل".
قالتها كيري بصوت مأخوذ وهي تمعن النظر بالفرس بكثير من الأهتمام , وتابعت قائلة:
" أبلغني جودي أن لديك فرسا جديدة".
وهز كيل رأسه وهو يمرر يده على الكسوة الذهبية البراقة.
" أنها جميلة أليس كذلك؟ سأدخل في سباق معك في أحد الأيام".
وبرقت عينا كيري وردت على الفور:
" أنا موافقة ".
وتابعت بلهجة واثقة:
" لنجعل السباق غدا صباحا ".
" حسنا , غدا الساعة العاشرة في درولين هيل , ولا تنسي أن تحضري معك ريك وبعد السباق سنذهب لتناول الطعام في نزهة في الهواء الطلق".
" وماذا بشأن باربي , أنها تختلج بأحلام بول دفرون وقد يكون من الأفضل أنتزاعها من تلك الأحلام".
" أنني أتشوق لرؤية دفرون هذا , لقد تسربت عنه بعض الأشاعات المثيرة".
" تعني أشاعات شنيعة".
قالت كيري بأزدراء وتابعت:
" ما يحيرني هو كيف أن النساء يجعلن من أنفسهن موضع سخرية".
" كونك أمرأة بأمكانك بالطبع أن تتحدثي عن خبرة واسعة ومتنوعة ".
ورفعت كيري رأسها بتحد ظاهر وقالت:
" عمر الأنسان قصير جدا , أما تلميحك الى ذلك النوع من الخبرة فأنني أتركه لك".
وبرقت عينا كلفن الزرقاوين بوميض من الرغبة في المضايقة الودية وقال وكأنه يستفزها:
" أنتظري حتى تقعي في الحب يا صغيرتي".
ولم تترك كيري له مجال الأنتظار فردت على الفور وقد تطايرت من عينيها الخضراوين شرارات نارية:
" بحق السماء أذا ما ظهرت عليّ دلائل الحب فأنني أمنحك كامل الصلاحية لكي تلقيني في أبرد ماء حيثما تجدها".
ولم يتمالك كلفن نفسه من أن يرد عليها وهو لا يجهل رأيها في أمور كهذه:
" من يدري فقد تقعين في حب دفرون عندما ترينه أمامك".
وأدركت كيري في الوقت المناسب أن كلفن كان يحاول مضايقتها لذلك فأنها لم تثر في وجهه وأكتفت بالقول:
" أنني أستبعد حدوث هذا الأمر , في أي حال فأن ميرل كونورز وشلتها سيلاحقنه كظله".
ثم تطلعت الى ساعة يدها وفجأة تذكرت أنها في عجلة من أمرها وقالت:
" عليّ أن أذهب الآن يجب أن أضع اللمسات الأخيرة على ثوبي".
وأستدارت متجهة الى مرابط آخر حيث كان حصان رمادي أغبر بلون الدخان ينتظرها والسرج على صهوته , ولما أقتربت منه أخذ يصهل وينكزها برفق مرحبا بها , فمررت كيري أصابعها في عرفه وبدأت تكلمه بصوت رقيق خفيض , ولم ينتشلها من نشوتها ألا صوت كلفن وهو يسألها:
" هل ستقضين أنت وريك الليلة هنا؟".
وهزت كيري رأسها بالأيجاب:
" أجل سيقودنا جودي الى ريلستون في عربته ثم نعود ويأخذنا في الصباح , غدا الساعة الثامنة سيلتقي ممثلو فرقة الوزاق الثلاثة وفقا للأتفاق الذي تم بيننا".
ونظر كلفن الى الفتاة الهيفاء الرشيقة التي أمتطت صهوة الحصان الرمادي بثقة تامة وبكل أسترخاء , وقال:
" أنك تبدين كفارس قوزاق".
وضحكت كيري وقالت:
" من رأى في حياته فارسا قوزاقيا بشعر أحمر؟".
" أنهم سيرونه الليلة ".
قالها بأبتسامة دافئة أرتسمت على شفتيه, وضحكت كيري مرة ثانية وأنحنت الى الأمام وتمتمت شيئا في أذن حصانها ثم لكزته برفق بكعبي حذائها وقالت مودعة .
" الى اللقاء هذه الليلة".
لم تكن هناك أي طريق أخرى للباحات تؤدي الى منزل دروين القديم المتعرش , وكان يعرف رسميا بممتلكات غيبلز وهي عائلة كانت تملكه من قبل , ولكن الآن فأن جميع السكان يعرفون أنه ملك عائلة دروين ويطلقون عليه أسم ( المنزل) ,وكانت هناك طرق وعرة تؤدي الى الأتجاه العام لمنزل ولكنها مجرد درب لا تصلح للنقل , وكانت عائلة دروين تملك سيارة متداعية من طراز قديم تسير على هواها فتسرع متى أرادت وتتوقف دون أنذار وقد أطلق عليها الأهلون أسم ( المفرقعة ) نظرا للأصوات التي كانت تصدر عنها وهذا ما دفع الشبان في العائلة الى أختيار الأحصنة كوسيلة للتنقل على الرغم من أن عددها قد تضاءل كثيرا في السنوات الأخيرة , وهكذا فأن سموكي حصان كيري , وبرنس حصان شقيقها ريك , هما الوحيدان اللذان بقيا في الأصطبلات التي كانت تعج في الماضي بأمثالهما , أما باقي أفراد العائلة , ريتشارد دروين الأب والسية مالور مدبرة المنزل العجوز الأيرلندية الأصل , وجودي فأنهم فضلوا أستعمال المفرقعة على الرغم من عدم الأعتماد عليها , وكان لجودي أسم آخر ولكن الجميع نسي ذلك الأسم حتى جودي نفسه لو سمع أحدا يناديه بذلك الأسم لما رد عليه , وكان عمله في المنزل غير محدد على الأطلاق , فمهماته على ما يبدو كانت تشمل كل شيء أبتداء من نزع الأعشاب الضارة في الحديقة وأنتهاء بمساعدة مالي في الغسيل أو القيام بوظيفة سائق عندما يوافق فرد من العائلة على المجازفة بحياته بركوب المفرقعة.
وكان ريك في الوقت الحاضر في أجازة من الكلية حيث كان يدرس فن العمارة أما كيري فقد بدأت في التفكير بمستقبلها ولكن تلك الأفكار كانت لا تزال مبهمة وفي حيّز التحضير , وبالنسبة الى ريتشارد دروين فقد كان فيما مضى عازفا على البيانو لكن حادثا وقع له أعطب أحدى يديه فأنعكف عن العزف وتحول بطيبة خاطر وبشجاعة أدهشت باقي أفراد الأسرة الى كتابة القصص البوليسية التي كانت غالبا ما تنشر , ولم يكن الدخل من تلك القصص كافيا لسد نفقات العائلة لو لم يكن هناك مدخول خاص آخر ولو ضئيلا.
وهناك مرغريت دروين , الأم , فقد توفيت عندما وضعت التوأم ولم يبق لها من فكر في المنزل سوى الصورة التذكارية المعلقة في مكتب زوجها وصورة أخرى معلقة في غرفتها الخاصة , وكان مستقبلها كراقصة باليه يبشر بالنجاح عندما ألتقت ريتشارد دروين ولكنها تخلت عن كل شيء دون تردد وفضلت الزواج منه , وعندما توفيت أسودت الدنيا في عيني ريتشارد دروين ولكنهما لبث أن كرّس نفسه كليت للعمل المنتج , فأستجمع كل أمكاناته وخصصها لتربية ولديه ولم يرض أن يتزوج مرة ثانية وبقيت ذكرى مارغريت مخيمة على المنزل كأنها فرد رابع في الأسرة قابعة في سكون ومضيفة على المنزل القديم شعورا بالدفء , وعلى الرغم من أن العائلة لم تكن في بحبوحة من العيش ولكنهم كانوا سعداء. وأنطلقت كيري بحصانها في أتجاه المنزل وهي تفكر بالثوب الذي أعدته خصيصا لسهرة تلك الليلة , لقد جاءت شركة أميركية للأفلام السينمائية لتزيد من أزدحام البلدة وأستأجرت كل حيز خال وغرفة ظلت شاغرة في الفنادق وبيوت الضيافة , حتى أن بعض أفراد الشركة دعي لقضاء فترة تصوير الفيلم في بيوت خاصة , وفي الواقع أن وجود نجم الفيلم بول دفرون في البلدة أبهج قلوب جميع الفتيات بأستثناء قلب واحد بالطبع , بينما حرك وجود النجمة السينمائية فالما كنت الشقراء الجذابة عواطف الرجال والشبان على حد سواء , وقد أستطاع منظم حفلة الكرنفال أن يقنع النجمين بحضور الحفلة لتقديم الجوائز لأجمل الأزياء وأكثرها غرابة , كما قامت ميرل كونورز أبنة أحدأبرز الشخصيات الأجتماعية في البلدة بترتيب يانصيب يتضمن جوائز قيمة لن يعلن عنها , وقد طلب من الجميع الأحتفاظ ببطاقات دخولهم المرقمة دون الأفصاح عن طبيعة الجائزة التي سيحصل عليهها حامل الرقم المحظوظ , ولم تتعب كيري نفسها في أختيار لباس السهرة , وأتفقت مع شقيقها ريك أن يذهبا بلباس القوزاق , في أي حال أن أحوال العائلة المالية لم تكن لتسمح لهما بشراء أزياء باهظة الثمن لذلك أختارا لباسين من زي القوزاق الذين كان بالأمكان أستعارتهما من الفرقة التمثلية التابعة للبلدة , وشعرت كيري أن الظلام بدأ يخيم على الطبيعة التي تحيط بها بعد أن غرقت الشمس في وهج من الألوان وراء التلال الأرجوانية المنخفضة , أنها فارسة ماهرة ولكنها الآن وفي غلالة المساء بدت وكأنها أنصهرت مع حصانها تسابق الريح كحورية خرجت من الأديم , وكان الممثلون والعاملون في الفيلم السينمائي منهمكين في تلك الساعة في جمع أغراضهم الخاصة للعودة الى ريلستون بأستثناء الرجل القصير النحيل الذي كان يتحدث الى الكولونيل تريفريل , فقد أسرع في سيارته الى مكان تصوير الفيلم حيث كان يتوقع مرور كيري فيه وهي في طريق عودتها الى المنزل , وكان على يقين من أنه سيسبقها الى المخيم بحيث يتسنى له مشاهدتها وهي تعدو على صهوة جوادها قبل أن تغيب عن الأنظار.
وفجأة رآها كالوميض وهو يهم بمغادرة السيارة بدون وعي صرخ مناديا : (بول) , وللحال سمع وقع أقدام خفيفة ورشيقة تقترب منه شبيهة برشاقة الفهد , ووقف رجل الى جانبه طويل القامة أسود الشعر والعينين , ولم يكن بول دفرون بحاجة الى من يوجه أنتباهه , لقد كانت حاسته المرهفة كافية بتوجيه أنظاره الى المشهد الرائع الذي بدا أمامه , كان طيف كيري الذي أندمج كليا مع الحصان يتلاشى رويدا رويدا في ظلال المغيب المتعانقة مع أنحدارات التلال الداكنة القريبة , لقد حدث كل شيء في ومضة عين كأنه طيف خرج من الأساطير القديمة قدم الأرض وترك فراغا كبيرا عندما تلاشى عن الأنظار , لقد أحس كل من بول وصديقه الأميركي النحيل أنهما كانا ينظران من خلال حجاب شفاف الى عالم من السحر والخيال وعندما غابت الفتاة عن أنظارهما شعرا وكأنهما فقدا شيئا لا يمكن التعويض عنه , وتنهد المدير الأميركي القصير وقال بحسرة:
" يا له من مشهد رائع خسرنا تصويره".
منتدى ليلاس

" هذه أمور لا يمكن ترتيبها مسبقا يا طوم , أنها تحدث بشكل عرضي".
وأبتعد طوم ماريوت وهو يهز كتفيه بشيء من اللامبالاة وقال:
" أعتقد ذلك وأتساءل عما أذا كانت هي الفتاة نفسها التي رأيتها في أصطبلات تريفريل؟".
" أية فتاة؟". قال بول مستفهما.
" أنها أجمل فتاة نارية الشعر رأيتها في حياتي ,كانت ترتدي ثوبا أسود اللون وقد بدا شعرها كلهيب بندلع منه".
" أنها دون شك لا تجهل ذلك التأثر ".
قالها بول بنبرته التهكمية المعروفة كلما تطرق الى موضوع النساء.
" لربما".
أجاب طوم وعاد الى سكوته وهو يحك ذقنه في حالة من الشرود , ولكنه عاد وقال:
" ستكون رائعة في دور ميتاني".
" هذا أمر يعود اليك أذا كنت تعتقد حقا أنها تصلح للقيام بذلك الدور".
وهز دفرون كتفيه مرة أخرى:
" ولكن عليك قبل كل شيء أن تجد بديلا لريتا لين وأعتقد أن فتاتك النارية الشعر لن تترك الفرصة تفوتها ".
" لست متأكدا من ذلك , قبل كل شيء علي أن أعرف من هي , وأظن أن الكولونيل تريفريل سيساعدني في ذلك".
" وماذا لو أن االفتاة الحمراء الشعر رفضت عرضك؟".
" في هذه الحال سأسألك يا عزيزي بول أن تقنعها".
وفجأة سمعا صوتا فضي الرنين يعلو من خلفهما , كانت فالما كانت أو فرونيكا جيمس بالنسبة الى الأصدقاء واقفة وراءهما تصغي الى حديثهما بكثير من الأهتمام.
" من بأستطاعته أن يقاوم وسائل أقناع بول دفرون؟".
ورد بول بجفاء:
" أعداد لا تحصى".
ولم يكترث طوم لما كان يدور حوله فأهتمامه كان منصا كليا على الفارسة وعلى الطرق التي يمكن أتباعها لأقناعها , فقال مقاطعا:
" هل رأيت الفتاة على صهوة الجواد؟".
" أجل رأيتها".
ردت فالما بصوت يختلف عن نبرتها السابقة , فقد أختفى منه الرنين الفضي الصارخ وأصبح أكثر نعومة , وتابعت:
" لن تتمكن من أعادة تصوير ذلك المشهد يا طوم , لقد كتنت تقود جوادها وهي سابحة في عالمها دون أن تعلم أن أحدا يراقبها ,في أي حال ما لذي جعلك تعتقد أنها الفتاة النارية الشعر؟".
وهز ماريوت كتفيه وقال:
" أنه مجرد شعور , وأيا كانت هذه الفتاة فأنها تركب الحصان بالطريقة نفسها التي رأيت فتاتي تمتطي حصانها".
" قد تكون قادرة على ركوب الخيل".
رد دفرون بصوته الساخر وأضاف:
" قد تكون فارستك في ظلال المغيب فتاة بدينة غليظة التقاطيع أو على العكس فتاة نحيلة مشدقة".
وضحكت فالما وقالت:
" كفى يا بول , أن طوم يحس بحدس قوي وهو لذلك سيقيم الأرض ويقعدها حتى يحصل على فتاته النارية الشعر وأذا كانت لا تعرف كيف تركب الخيل فأنه سيلقنها ذلك".
وزمجر ماريوت قائلا:
" أنها فارسة بارعة , أنا واثق من ذلك , لقد بدا لي أنها من رواد تلك الأصطبلات".
وخطت فالما نحو بول ونقرت ذقنه بأناملها البيضاء وهي تقول:
" أنك يا عزيزي بول لا تبدو غير مهتم كما تتظاهر".
وهز دفرون كتفيه بأستخفاف ولكن عينيه بقيتا تبحثان بصورة لاشعورية , حنايا التلال علّها تقع على الحورية الشاردة.

نيو فراولة 31-05-11 02:31 PM

2 - الرقص بين السحاب



أسترخت كيري قليلا وهي تقترب من المنزل الرمادي القديم وهو قابع في منخفض بين هضبتين , ومع أن جسرا ضيقا كان يصل بين ضفتي جدول صغير على بعد أمتار من المنزل , ألا أن كيري لم تكلّف يوما يوما مشقّة أجتيازه بل كانت تفضل ممرا ضحلا لأجتيازه دون عناء على صهوة سموكي , وعندما وصلت الى الطرف الآخر أخذ الحصان يخبو خبيا نحو الطريق الخاصة المكسوة بالحصى والأعشاب البرية والتي كانت فيما مضى مسورة بصف من الشجيرات المنسقة , وما كادت كيري تدخل ذلك الحيز حتى خرج جودي من الأصطبلات , كان في بداية الستينات من عمره ومع أن الشيب كان يخط شعره ألا أن قامته كانت مستقيمة , وتقدم جودي من الحصان وأمسكه بلجامه وهو يقول:
" سأهتم بسموكي يا آنسة كيري , لم يبق لديك متسع من وقت كي تستعدي للحفلة".
" شكرا يا جودي هل بدأ ريكي في أرتداء ملابسه للسهرة؟".
" نعم يا آنسة كيري , لقد كان يتخايل في مشيته هنا قبل دقائق وهو يرتدي زيه الغريب , وأعتقد أنه من الأفضل لكما الذهاب على صهوة جواديكما عوضا عن الأستعانة بخدمات المفرقعة".
وتوقفت كيري فجأة قبل أن تبلغ الباب , كان بريق عابث يتألق في عينيها الخضراوين وقالت:
" لقد طرأ لي فكرة جديدة".
ومالت برأسها المكلل بالشعر الناري الى جهة ووضعت سبابتها على فمها وقد غمرها شعور بالمؤامرة البريئة المليئة بالحياة , كانت كيري أشبه ببطل قصص الأطفال بان قادرة على نشر المرح الدائم أينما كانت وبشكل يكاد يكون خارجا عن المألوف , وسكان ريلستون تعلموا توقع حدوث أشياء غير مألوفة كلما غزت عائلة دروين البلدة للأشتراك في أحتفالات الكرنفال السنوية , ولكن مثلما أنبثقت الفكرة من مخيلتها فجأة أختفت الأبتسامة الصبيانية من شفتيها بسرعة البرق وعادت كيري الى واقعها بحسرة ظاهرة وقالت:
" أعتقد أن علينا ركوب المفرقعة فهي تسبغ علينا مظهر الكرامة في هذه المناسبات كما يقول أبي".
" أجل يا آنسة كيري".
وهرولت كيري نحو الباب بخفة ورشاقة وتسلّقت السلم الصغير المؤلف من ثلاث درجات , كان الباب مفتوحا كالعادة على مصراعيه فدخلت الى الردهة الكبيرة , وألقت كيري بسوطها على الطاولة الصغيرة وفتحت الخزانة الى أسفل السلم ومدت يدها الى الداخل وسحبت سيفين في غمدين معدنيين كانت قد أبتاعتهما من مخزن لبيع الأشياء الثديمة , وبكل أعتناء حملتهما الى الطابق الثاني وقرعت باب شقيقها , وللحال فتح الباب وأطل منه شقيقها التوأم , كان الشبه كبيرا بينهما بأستثناء شعره القصير وقامته الأطول ببضع أنشات , وكان ريك يستغل هذه الأنشات لمضايقة أخته والأعتزاز بقامته وهو أبن الثامنة عشرة , وما عدا ذلك وبأستثناء بعض المشاكسات التي كانت تقع بينهما فأن صلات وثيقة وعميقة كانت تربط بينهما أمتدت مع الزمن لتشمل كلفن تريفريل , وفي الواقع ما من أحد من الفتيان كان يعاملها على أنها فتاة وهذا ما ساهم كثيرا في تكوين تلك الصورة عنها , فهو لم يعرف يوما كيف يتعامل مع طفلة صغيرة ولكنه في النهاية وجد الحل المناسب عندما قرر معاملتها بالطريقة نفسها التي كان يعامل فيها شقيقها , ولما وصلت مالي الى المنزل وقعت في شراك الفتاة النارية الشعر ولم تتمكن منذ ذلك الحين من تغيير أي شيء في سلوك كيري الصبياني ولكنها كانت تشعر في أعماقها أن الفتاة لا بد أن تعود الى أنوثتها مع الأيام.
وهكذا ذهبت كيري الى المدرسة وأندمجت مع باقي الفتيات الى حد ما ولكنها كانت تتنفس الصعداء كلما عادت الى أرض المستنقعات , وكانت في أيام العطل المدرسية تهيم على وجهها في أنحاء البراري بحبة شقيقها وكلفن تريفريل الى أن تصطبع وجنتاها بحمرة ذهبية وتعشعش أشعة الشمس في شعرها المتهدل , وكان من الطبيعي أن تتعلم كيري ركوب الخيل منذ نعومة أظفارها وغالبا ما كانت تشاهد وهي تسيطر على هيجان سموكي بحركات ثابتة والأبتسامة تعلو شفتيها وشعرها الأحمر يتطاير فوق كتغيها ,ولم تكن كيري دروين شغوفة بالحرير والعطور ولا حتى بالعلاقات العاطفية كغيرها من الفتيات.
وقلبت كيري نظرها في أخيها وقد أرتدى سروالا أسود اللون وغضنت أرنبة أنفها بسخرية متعمدة وقالت:
" هدية عائلة دروين للنساء , أنهن سيقعن في حبك دون شك".
ونظر ريك الى شقيقته بغضب ورد قائلا:
" أنني على يقين أنك تخشين أرتداء فستانك كباقي الفتيات لئلا يقترب منك فرنك كونورز كما فعل في المرة السابقة".
" لا تخف , بأمكاني أن أوقف فرانك عند حده ".
ناولته السيف وتابعت:
" خذ سيفك يا أيفان الرهيب".
" شكرا , من الأفضل أن تسرعي في أرتداء زيك وألا تأخرنا عن الحفلة".
وهزت كيري رأسها وقد تلاشت أبتسامتها الساخرة وقالت:
" سأكون جاهزة بعد قليل ومن الأفضل أن أتناول شيئا قبل أن أذهب وألا فأن مالي ستغضب ,وبالمناسبة شاهدت اليوم فرس كيل الجديدة , سوف نذهب معا في نزهة غدا و .....".
ولم تكمل عبارتها وأسرعت الى غرفتها وهي تقول:
" سأخبرك المزيد في وقت لاحق".
وعاد ريك الى غرفته فيما هبطت كيري السلم وهي تقفز درجتين معا بتوازن كامل لتجد أمامها مالي في أنتظارها لتؤنبها كالعادة.
" آنسة كيري , متى ستتصرفين كسيدة؟".
وضحكت كيري وأرتمت على مالي تعانقها وتشل كل مقاومة فيها وهي تقول:
" لن يأتي ذلك اليوم".
" أنك لن تتزوجي في حياتك يا طفلتي".
" وهذه هي أمنيتي , لماذا تتمنين لي هذا المصير البائس؟".
وأسرعت كيري الى المطبخ تتبعها مالي وبدأت في ألتهام الطعام الذي كانت مالي أعدته لها بسرعة , وأدركت كيري الألم الذي يحز في قلب مالي فقالت ملطفة:
" المعذرة يا مالي ولكنني في عجلة من أمري".
قالت مالي بقلق عميق:
" ماذا توين فعله أذا أنت لم تتزوجي؟".
كان التفكير بالزواج بالطبع غير وارد على الأطلاق , كما أن العلاقات العاطفية من المواضيع غير المحببة لديها , وبما أنها كانت تشعر برفض عفوي لهذه العلاقات فأن موضوع الزواج لم يطرأ على بالها أبدا خصوصا بعد التجربة المشمئزة التي حصلت لها مع فرانك كونورز والتي جعلت تلك العلاقة تتبلور بشكل نهائي في أطار من القرف والكره.
وكانت كيري لا تزال تذكر جيدا اللقاء المفاجىء الذي برز أمامها وهي في أحدى نزهاتها الخلوية في البرية , ومن الواضح أن كونورز كان يتعقبها منذ البداية وكانت الفرصة نادرة فلم يشأ أن تفلت من بين يديه , ولكن الأمور لم تجر حسب ما كان يشتهيه فرنك , فقد واجهته كيري بلا مبالاة متعمدة ولم ترق لها مغازلته الحميمة حتى أنها لم تستسغ كلماته المعسولة وفي لحظة ثورتها دفعته عنها بكل قواها فوقع السكين في الساقية التي كانت تجلس على ضفافها , ثم أسرعت الى حصانها سموكي وأبتعدت عن مسرح التجربة العاطفية الأولى وبسرعة الريح , كلا , قالت كيري في أعماقها وهي لا تزال تشعر بلمسات فرنك الخشنة أنها لن تعود أبدا الى مثل تلك التجربة الكريهة ولا حتى الى المغازلات الصبيانية البريئة.
" عليّ أن أختار مهنة ما".
ردت كيري بتصميم وأضافت :
" عندما أثرت الموضوع مع أبي في الماضي كان جوابه أنني لا أحتاج الى مهنة ".
ونظرت الى مالي وهزت رأسها بخفة وقالت:
" ولكن عليّ أن أعالج الموضوع معه ثانية في وقت لاحق وبشكل جدي , عليّ أن أحصل على ممارسة ما لأن والدي الحبيب لا يزال يعتقد بأنني سأغيّر رأيي في موضوع االزواج".
" ولكن يجب أن تغيّري رأيك".
ردت مالي بحنان:
" أنك لم تعودي طفلة وبأمكانك أن تغيّري رأيك".
" هذا لن يحدث , في أي حال , الحب هو شيء تافه للغاية".
ولم تيأس مالي فهزت رأسها وقالت بحكمة المسنين:
" لا تهزأي من الحب يا آنسة كيري , أنه الرابح في النهاية".
" ومن تقترحين علي الزواج منه؟".
سألت مالي بأبتسامة خبيثة.
وأستهلت مالي لائحتها فقالت:
" هناك كلفن تريفريل.....".
منتدى ليلاس

وأنفجرت كيري بضحكة عالية وهي تقول:
" بحق السماء! مسكين كيل , يجب أن أخبره بهذا الأمر , وفي أي حال أنه لطيف للغاية لكي يفكر بمثل هذه الأمور السخيفة".
" حسنا , هناك شبان آخرون ".
ردت مالي دون أن تعترف بالأستسلام وأضافت:
" الحب سيأتي في موعده , تذكّري كلامي".
" سأتذكره بعلامة كبيرة ,ولكن هذه الأمور لن تحدث".
عادت مالي وكررت قولها:
" تذكري كلامي , سيأتي رجل في أحد الأيام وهذا الرجل لن يتخاذل , وبعدها سنرى من سيضحك الضحكة الأخيرة".
وهزت كيري رأسها بخفة وهي تقف على رجليها وتتجه نحو الباب:
" شكرا يا مالي لفنجان الشاي".
وعندما دخلت غرفتها أنتزعت على الفور ثيابها بسرعة مدهشة وأستحمت وبعد فترة قصيرة أرتدت زيا قوزاقيا مماثلا لزي أخيها, وكالعادة أضفت نحافتها شيئا من الطول على قامتها وجاء اللون الأسود ليبرز تلك الرشاقة , ثم أنتعلت جزمتها القصيرة السوداء التي أستعارتها مع زيّها من جمعية تمثيلية محلية ومررت المشط في خصلات شعرها ونظرت الى نفسها في المرآة بشيء من عدم الأرتياح , وخرجت من الغرفة كأنها شبح أسود بمعطفها المتدلي على كتفيها ووقفت في أعلى السلم تنادي مالي بأعلى صوتها.
وللحال هرعت المرأة العجوز من مطبخها في الأسفل وهي تسأل:
" ما الخبر يا آنسة كيري؟".
" المعذرة يا مالي لأزعاجك , لقد أردت أستعارة بعض دبابيس الشعر فقط".
" سآتيك بها".
وعادت كيري الى غرفتها وأمتشقت السيف وهو الزينة اوحيدة التي لم تستعرها من الجمعية التمثيلية , وكانت كيري قد تمكنت من أقناع السيدة جونز العجوز وهي صاحبة دكان السلع القديمة من أرتها السيفين المعدنيين عندما شاهدتهما معلقين في واجهة الدكان , ودخلت مالي الغرفة ومعها قبضة من الدبابيس وضعتها على طاولة الزينة ووقفت تراقب كيري وهي تعقص شعرها بخشونة , ولم تكن مخطئة فقد بدت كيري بزيها الأسود وتسريحة شعرها أقرب الى الصبيان منها الى الفتيات ولكن ليس بالدرجة التي بدت عليها عندما كانت خصل شعرها النحاسية تتدلى بأسترخاء على ردائها الأسود.



" شعرك يا آنسة كيري سرحيه بطريقة أفضل".
تمتمت مالي بيأس :
" أنني أفضله هكذا".
ردت كيري بنبرة حازمة وسمع طرق على الباب , كا ريك في أنتظارها في الخارج , فصرخت قائلة:
" سأكون معك في الحال ".
وأندفعت نحو الباب وفتحته.
لم تتمالك مالي من التحديق بالتوأمين كانا يبدوان رغم السواد الذي يكللهما , جذابين للغاية , وفجأة سمعوا زمجرة آتية من طرف الردهة .
" دعوني ألقي نظرة عليكما".
قالها ريتشارد دروين بصوت أجش , وللحال ألتفتا على الفور وواجها والدهما بتكشيرة مماثلة أرتسمت على وجهيهما.
" حسنا , أتمنى لكما سهرة جميلة ".
قال الوالد وهو يغمز أبنته بطرف عينيه وأضاف:
" أرجوك يا كيري لا تظهري براعتك كثيرا في أستعراضات السيف".
وسددت كيري الى أبيها نظرة بريئة وقالت:
" مع الأسف لا أتقن لعبة السيف ولا أحمل قوسا وسهما هذه المرة".
ورد والدها بخشونة:
" لحسن الحظ أو لسوئه , القضية مسألة رأي , والآن تواري عن ناظري".
وأتكأ على الدرابزين وأخذ يسترق النظر الى جودي وهو في الردهة السفلى ثم ناداه بصوته الخالي من أية كياسة والخاص بعائلة دروين.
" هل أخرجت المفرقعة من المرآب؟".
" أنها معطلة يا سيدي".
وتدخلت كيري في الحديث وقالت :
" أنها سيارة خرقاء".
ونظر والدها أليها نظرة مؤنبة وقال:
" السيارة ليست موضوع سخرية , والآن كيف ستذهبان ال الحفلة؟".
وأعطى ريك الجواب بكلمة واحدة وهو يغمز شقيقته بتآمر متبادل:
" الحصان".
ولبرهة من الزمن أرتسمت على وجه الأب علامات التردد ولكن كيري سارعت الى النجدة وأضافت:
" أنها الطريقة الوحيدة أذا أردنا أن نصل في الوقت المحدد , وبما أننا سنقضي الليلة عند كيل فبأمكاننا أن نعود على جوادينا غدا صباحا , في أي حال أليس من الطبيعي أن يصل فارسان قوزاقيان الى الحفلة على صهوة جواديهما؟".
وهز العجوز كتفيه مستسلما وهو يعرف ولديه حق المعرفة وقال:
" حسنا ولكن أطلب منكما وعدا بشيء واحد فقط وهو ألا تصعدا السلالم وتدخلا الفاعة وأنتما على صهوة جواديكما , أن البلدة بكاملها تعرف كم أطوارنا غريبة ولكن لا تجعلا الأمر أسوأ مما هو عليه.
" بكل تأكيد ".
ردت كيري".
عندما وصلا الى منزل تريفريل كان كلفن في أنتظارهما , ولما رآهما على صهوة جواديهما وقف مذهولا دون حراك , ولكن كيري سارعت وشرحت له الموقف , ولبرهة أستمر كلفن في دهشته فاغر الفم ثم أستدار مسرعا الى خلف البيتوعاد بلمح البصر وهو يقود فرسه الذهبية.
كان سكان البلدة يمرحون في ضوضاء الكرنفال داخل القاعة ولكن وقع حوافر خيل آتية من بعيد أخذ يتناهى كالرعد الى زمرة من المدعوين كانوا خرجوا لتوهم من السيارة وحدقوا بأنظارهم الى الطريق الرئيسية.
الكولونيل تريفريل كان أول من حزر ماذا كان يحدث:
" أنهم القوزاق".
صرخ بصوت عال تغمره دهشة عارمة.
" القوزاق؟".
أعاد الصرخة بصوت مستفسر شاب أسمر اللون كان يقف الى جانبه:
" أنهم ثلاثة أبني كيل والتوأم كيري وريك ".
أردف الكولونيل:
" كنت على يقين أنهم يخبئون لنا مفاجأة جديدة هذه السنة".
وأقترب وقع حوافر الأحصنة من المجموعة الصغيرة ولم يقطع ذهولهم ألا صوت رئيس البلدية وهو يقول مبتسما:
" حادثة العام الماضي كانت مؤسفة حقا".
" وما هي تلك الحادثة؟".
سأله الشاب الأسمر نفسه فرد عليه الكولونيل تريفريل على الفور والأبتسامة تعلو شفتيه:
" جاءت كيري دروين بلباس روبن هود وبدون أنتباه أصابت بسهمها قبعة أرملة وقورة , ولدي شعور خفي أن كيري أصابت هدفها جيدا , فهي صيادة ماهرة بالقوس والسهم".
كانت عاصفة الحوافر قد أصبحت الآن على قاب قوسين منهم وظهرت الأحنة الثلاثة في منعطف الطريق وسط الأنظار المشدوهة العالقة بالمنظر الرائع الذي يرز أمامهم , كان الفرسان الثلاثة يقفون على صهوة جيادهم وأيديهم معقودة على خواصرهم بتوازن رائع , ولم تنس كيري وهي تقتحم الزمرة من النظر الى أفرادها قبل أن تبتعد عنهم.
كان الكولونيل تريفريل ورئيس البلدية وجهين مألوفين , ولمحت أيضا الرجل الأميركي القصير النحيل الذي رأته يتحدث الى الكولونيل عند مدخل الأصطبلات , وكان هناك أيضا مع هذه الشلة الممثلة فالما كنت بشعرها الفضي وعينيها الرماديتين الواسعتين ووجهها الرقيق الجذاب وقد أبرز تقاطيعه الفستان الداكن الذي كانت ترتديه , كانت الأبتسامة التي علت شفتيها تنم على الأستحسان والتقدير.
أما الشخص الذي كان يقف الى جانبها في لباس السهرة فلم يكن هو الآخر بحاجة الى تعريف , كان وجهه الداكن يبرز بشكل رائع بياض وجهها الشفاف, كانت سمرته تحاكي سمرة أهالي أميركا اللاتينية الجذابة ولكن عينيه السوداوين وقامته الرشيقة وتقاطيعه المصقولة كانت فريدة في نوعها , وفي الواقع كان بول دفرون من أصل فرنسي كندي , ولم تكد كيري تجتاز الزمرة حتى طارت قبعتها في الهواء وتدفق شعرها كالشلالات الثائرة فوق كتفيه , وبدون تردد شدت كيري لجام سموكي فتسمر الحصان في مكانه ورفع قائمتيه الأماميتين من عزم الصدمة في الهواء وسط غمغمة من الأصوات التي أرتفعت من الحناجر بخوف ورعب ثم أستدارت به نحو المجموعة على عتبة الباب , كانت قبعة الأستراغان المصنوعة من فرو الحملان الصغيرة قد أستقرت عند قدمي بول فأنحنى لألتقاطها وفي اللحظة نفسها سمع صهيل حصان رمادي يهدر في أذنيه ثم وغي لمح البصر أنحنت قامة من عل صهوته وأختطفت القبعة من تحت أصابعه , وفيما كانت كيري تتجه ثانية نحو الباب وهي تسيطر سيطرة كاملة على حصانها الجامح لمحت عينين داكنتين تحدقان بها وقد أختفت المسحة الساخرة منهما وتحولت نظراتها الى نوع من التحدي الذي قابلته بالمثل , وما لبثت أن لحقت برفيقيها اللذين كانا في أنتظارها , وأغمض طوم ماريوت عينيه وسأل بصوت خافت :
" من هي؟".
" أنها كيري دروين".
رد تريفريل على الفور.
وبدأ طوم يصحو من الدوار الذي أصابه وفجأة صرخ بحماس:
" أنها هي الفتاة".
وأكمل بول دفرون بصوت ناعم لم يكن مألوفا لديه:
" فارسة الليل".
" هل أثارت أهتمامك ؟".
همست فالما الى جانبه.
رد بول وهو يهز كتفيه بلا مبالاة وأسرع ليلحق بالآخرين:
" من ؟ تلك الفتاة الحمراء الشعر !؟".
وفي هذه الأثناء كان فرسان القوزاق يدورون حول البلدةويعودون أدراجهم الى أصطبلات تريفريل , فتركوا أحصنتهم في أيدي السائس وعادوا أدراجهم الى قاعة الكرنفال سيرا على الأقدام.
وتمهلت كيري قليلا لتجمع شعرها في بوتقة منتظمة تحت القبعة ولكن المهمة على ما يبدو كانت مستحيلة , فنظر اليها كلفن نظرة أنسان مشغوف وقال:
" أتركي فروتك النارية كما هي , وفي أي حال فأن الأزدحام في الداخل لن يترك شعرك معقوصا داخل القبعة".
وأضاف متعمدا المضايقة الودية:
" أنني متعجب من سلوكك , كيف رمي قبعتك الى أقدام بول دفرون؟".
وجمدت كيري في مكانها والسخط يعلو وجهها وردت بعنف:
" لم أفعل ذلك , لقد طارت القبعة مع الريح".
وغمز ريك رفيقه كلفن بطرف عينه وقال:
" بدأت أظن أنها أصبحت سيئة كواحدة منهم , فقد هرعت اليوم لمشاهدة أحد أفلامه".
وصرخت كيري:
" كلا لم أذهب بمشيئتي".
كان أكره شيء عندها أن تتهم بعواطف رومنطيقية , والأنكى من ذلك أنها تتهم هذه المرة ببول دفرون , وبدأت تشعر بثورة تعصف في أعماقها وكالعادة بدأت تتفوه بكلمات متقطعة غير مفهومة:
"على الأقل أعترف بأنني شاهدت الفيلم ولكنني ذهبت قسرا عن أرادتي....... أعني أن باربي هي التي ألحّت عليّ لمرافقتها , كان على هذه الحمقاء أن تشاهد الفيلم في اليوم الأول من عرضه ولم تكن أمها لتتركها تشاهد الفيلم بمفردها ". وأردفت بأزدراء:
" كانت أمها على الأرجح تعرف أن باربي ستخرج من الصالة وهي في شبه غيبوبة , وكان علي أن أصرخ في وجهها لكي أنتزعها من مقعدها الى الخارج".
وعندما وصلوا القاعة كان الجدال قد خف بينهم وعادوا الى طبيعتهم المرحة , وما أن دخلوا الباب حتى تحلث حولهم الأصدقاء كل في زيه الخاص , فباربي تركت والديها لبعض الوقت وجاءت اليهم تتخايل بزيها الأسباني, وكانت تسترق النظر الى جانب القاعة كأنها تبحث عن شخص ما , وهذا الأمر لم يخف على الفرسان الثلاثة الذين نظروا الى بعضهم بدون تعليق , ولكن الحالة أختلفت بعد برهة عندما زمجرت كيري وهي ترى فتاة طويلة شقراء بزي يوناني تقترب منهم , وأندفعت الى رفيقها قائلة:
" أسرع يا كيل أرقص معي قبل أن أعلق بموعظة لا نهاية لها من قبل ميرل".
قال كلفن بداعبته المعهودة ووضع ذراعه حول خصرها وبدأ الرقص:
" حسنا".
ولما توقفت الموسيقى وسارا الى زاوية القاعة , سمعت كيري صوتا وراءها يقول:
" كيري أود أن أتحدث اليك".
وزمجرت كيري بصوت خافت وألتفتت على مهل:
" أهلا يا ميرل , بأي شيء تريدين التحدث فيه؟".
" يا عزيزتي , بالطبع لا تحتاجين الى من يقول لك أن سلوكك الليلة كان يبعث على الأسى".
" بأية طريقة؟".
ردت كيري بصوت هادىء , وهي تشعر بالأشمئزاز وبأنها ستنفجر بثورة عارمة في حال أكملت ميرل مخاطبتها بتلك اللهجة :
" عندما ألقيت بنفسك بين يدي بول دفرون".
كانت عينا ميرل باردتين وناقمتين ولم تدرك أنها دفعت كيري الى نقطة الأنفجار , وتابعت:
" أنت تعلمين أن لريلستون سمعة يجب المحافظة عليها خصوصا وأنت من عائلة عريقة وهو أمر يبدو أنك غالبا ما تتجاهلينه".
وشعرت كيري بحمى الغضب تصبغ وجنتيها وبوميض خطير ينبعث من عينيه ولكنها في الوقت نفسه شعرت بقبضة كلفن تشد على ذراعها وهو يقول:
" هيا تعالي لنرقص".
وبسرعة دفعها الى حلبة الرقص من جديد , ووقفت ميرل كونورز مذهولة لبرهة وقد أختفت من وجهها مسحة الجاذبية وحلت محلها معالم الضغينة والكراهية , وكانت كيري تفكر غالبا بالكراهية العميقة التي تكنّها لها ميرل على الرغم من أنها لم تسىء معاملتها قط , وفي الواقع أن التنافر بينهما كان يتأجج من جديد كلما ألتقت أعينهما في أية مناسبة كانت.
وأستدارت ميرل بتذمر لتصعد الدرجات القليلة المؤدية الى المنصة التي وضعت عليها الطاولات والكراسي وفي أحد زواياها طاولة صغيرة لتقديم المرطبات وعصير الفواكه , وكانت أمها تترأس الطاولة الكبيرة , وهي أرملة ثرية ومن أكثر النساء تعجرفا في المجتمع.
وجلست ميرل على كرسي مع الزمرة المختارة وأبتسمت في وجه الممثل وقالت:
" علي أن أعتذر عن سلوك كيري دروين يا سيد دفرون , وأخشى أن تكون قد هيأت المشهد لمجرد أسترعاء أنتباهك".
ورد دفرون بأبتسامة صغيرة ولكنها كانت أبتسامة غامضة ولم يتركها ماريوت في حالها با رد هو قائلا:
" بول معتاد على رؤية النساء يرتمين في أحضانه".
وتوقفت الموسيقى ومن سوء الصدف أن كلفن وكيري غادروا فسحة القاعة وتوقفا بالقرب من المنصة حيث كان فريق الفيلم السينمائي جالسا , وكان صوت ميرل يرافقه صوت ماريوت مسموعا بشكل واضح.
وتعمقت ملامح السخرية في نظرات دفرون وهو يقول ببرودة:
" شكرا لتحذيرك , ولكنني في الواقع لا أهتم بالأطفال".


وأحمر وجه ميرل ولبرهة من الزمن ساد سكوت متوتر علىالطاولة , وبسرعة تدخلت فالما في محاولة لتغيير الموضوع وقالت:
" أنه ناد عصري للغاية".
وأنحنت فالما وربتت على ساعد بول :
" ما كان عليك أن تقول ذلك يا بول , فكل شخص هنا يعرف سمعتك في موضوع النساء".
وزم عينيه بفظاظة ورد قائلا:
" وما ذنبي في ذلك؟ هل بأستطاعتي ردع النساء اللواتي يحاولن القيام بأعمال خرقاء؟".
ثم عاد الى نفسه وأضاف معتذرا وقد برقت عيناه السوداوان:
" آسف...... أنني غير قادر على السيطرة على أعصابي عندما يبدأ الناس بتحذيري".
ولف بول نفسه بالسكوت وكست عيناه سحابة من الكآبة , كان يعرف سلطته الفريدة في سحر النساء وهذا أمر يعرفه جيدا ولكن فيما عدا الشاشة الكبيرة حيث كان المفروض أن يقوم بذلك الدور , فأنه لم يستخدم سحره بتعمد ومجون , وكم من مرة رفض العروض المغرية التي كانت تقدمها له بعض النساء ولكنه كأنسان نابض بالحياة كانت له بعض المغامرات , وهذا أمر طبيعي , ولكن حتى في تلك الحالات كان لا يقبل خوض تلك العلاقات ألا مع النساء المحنكات اللواتي يعرفن عواقب اللعبة الخطيرة. أنه لم يستغل في أية لحظة جاذبيته الساحرة التي تنبعث منه نتيجة مزج الدم السكسوني البارد بالدم الفرنسي الحامي.
وأنحنت فالما مرة ثانية ولمست ذراع بول وقالت له مؤاسية:
" أنس الأمر يا بول , لم تقصد أي شيء من وراء تحذيرها".
وزم بول شفتيه بأبتسامة ساخرة ورد قائلا:
" ربما كان الأمر كذلك , ولكنني بالكاد رأيت الفتاة".
وضحكت فالما وقالت بهدوء:
" لا تغضب , فالكل يعرف أنها ليست غلطتك عندما تقع النساء في أحضانك".
ثم غمزت بعينها وأضافت:
" ومع ذلك فأن أحدى العاشقات الهواة تسلقت نافذة غرفتك في أحدى الليالي".
وأصطبغت وجنتا بول بحمرة أنتشرت على وجهه الأسمر الداكن وقال بتوتر:
" لا تعودي الى ذلك الموضوع , أرجوك".
وضحك وهو ينظر الى وجهها الضاحك وقال:
" تعرفين لو لو لم تكوني متزوجة , لتزوجتك على افور".
وردت على الفور:
" هذا من حسن طالعي لأنه كان علي أن ألاحق العاشقات الهائمات وأطردهن من المنزل حتى في شهر العسل".
وكأن شيئا نبّه أحساساتها الداخلية , أدارت فالما رأسها بسرعة الى الوراء لترى عينين خضراوين تلمعان بوميض ينفجر غضبا , فتملكها لبرهة شعور بالخوف , كانت الفتاة ترتدي زي القوزاق وفروة من الشعر الأحمر الملتهب تتدلى على كتفيها , ولم يكن هناك أي شك فيمن تكون.
كان من سوء الحظ أن تكون كيري واقفة على مقربة من المنصة حيث سمعت الحديث الدائر على الطاولة بشكل واضح للغاية , ومما زاد الطين بلة أن كيري كانت ثائرة من ملاحظات بول لذلك فأنها وقفت وراء الممثلين والغضب كمّ شفتيها , ولبرهة بدا أنها غير قادرة على التحرك , فقد شلّ الغضب أطرافها , وكانت الأفكار الهائجة تتدفق في رأسها , تود لو أنها أستطاعت الوقوف أمام بول دفرون وأكدت له بعبارات حازمة أنها لا تتوق حتى الى التحدث اليه , ووجدت صعوبة كبيرة في السيطرة على أصابعها لكي لا تمدها الى وجنتيه الداكنتين وتعمل فيهما ضربا , ولكنها لم تتحرك ولم تكن تعرف أنها غير قادرة على مثل هذا الشعور القوي من الكراهية .
ورأت يد فالما تتحرك ببطء ورأس بول يلتفت بعد أن شاهد التعبير الغريب الذي أرتسم على وجهها وقبل أن يلتفت كليا نحوها أستدارت كيري وهربت وهي تكبح العاصفة الهوجاء التي بدأت تصل الى شفتيها , وحتى عندما أنضمت الى أصدقائها في غرفة المرطبات كان البريق الثائر لا يزال يلمع في عينيها , فنظر كلفن اليها بفضول وسألها:
" ما الخبر يا كيري؟ هل ألتقيت فرنك كونورز مرة ثانية؟".
" كلا".
ردت كيري وهي تكاد تبصق الكلمات من فمها ثم تمتمت ببعض كلمات غير مفهومة في محاولة لشرح ما حصل لها وسط ثورة غضب لم تتمكن حتى تلك اللحظة من السيطرة عليها , ورد ريك مهدئا:
" لا تكترثي لهذه الأشياء".
وقطبت كيري حاجبيها وأخذت تضرب صحن الآيس كريم بقوة , كان من الواضح أنها تود لو أنها تهاجم شيئا آخر غير هذا الصحن وبأداة أكثر فتكا من الملعقة.
كيف تجرأ وتحدث عنها بتلك الطريقة , أنه رجل مغرور , وألتهمت آخر لقمة من الآيس كريم بنهم وقوة لدرجة أن الملعقة أنجرفت مع الصحن الصيني بصوت خادش مزعج مما دفع كلفن الى القول:
" لا تحطمي الصحن أنه ليس دفرون".
ووضعت كيري الصحن على الطاولة وشيئا فشيئا شعرت بالهدوء يعود اليها وتتلاشى في عروقها بقايا غضبها , ولحسن حظها أن ثورات غضبها لا تدوم كثيرا ولكنها كانت تصل الى ذروتها أثناء أحتدامها وعلق ريك بقوله وهم يتوجهون نحو الشرفة:
" لقد هدّأ الآيس كريم أعصابها".

ومن طرف عينها لاحظت كيري أن النجمين السينمائيين قد تركا مكانهما وشعرت بنوع من الراحة والسعادة , فأن رؤية بول دفرون على مقربة منها لا بد أن تثير غضبها من جديد , قالت باربي:
" لقد حان الوقت لأعطاء النتائج بشأن الأزياء".
وهز كلفن رأسه وألقى نظرة عاجلة على الشرفة , كانت الحفلة مستمرة وكان على الحكام أن يعلنوا قراراتهم في وقت مبكر لكي يتيحوا للنجمين السينمائيين الفرصة ليغادرا المكان أذا رغبا في ذلك.
وفجأة دوت في القاعة أصوات الأبواق من الفرقة الموسيقية وتوجه بول دفرون وفالما كنت الى المنصة وسط تصفيق عارم من الحضور , وكان الجميع في غمرة من الهيجان الشديد , وأقتربت باربي من صديقتها كيري وهمست في أذنها:
" أنه رائع تماما كما يظهر على شاشة السينما".
ولم تنبس كيري ببنت شفة .
وتابعت باربي بدون أن تدرك الموقف:
" أنني أتساءل عما خصصته ميرل من جائزة للفائز الأول , لقد سمعتها تقول........".
وقاطعتها كيري بنرفزة:
" أذا توقفت عن الكلام لعلك تعرفين ذلك , أنهم يعلنون عنه الآن".
ورفع رئيس البلدية يده طالبا من الجميع السكوت , كان الأعلان قصيرا ولكنه أثار عاصفة من التصفيق بين الحضور , وغضنت كيري رنبة أنفها بأشمئزاز وقالت:
" هذه هي النتيجة عندما تثقين بميرل كونورز".
وحدّق شقيقها فيها مليا وقد أمال رأسه جانبا وقال:
" ألا ترغبين في ربح معانقة مع بول دفرون؟".
منتدى ليلاس

وتطلعت كيري اليه ولم ترد عليه بل باربي هي التي أعلنت دون حياء:
" أنا أود أن أربح الجائزة".
وضحك الجميع , وأعلنت كيري أنها لن تزعج نفسها بالأقتراب من طاولة الحكام وقالت:
" في أي حال أزياؤنا متشابهة وهي ليست غريبة الى حد أسترعاء النظر ".
وهنا تدخلت باربي أيضا وقالت:
" أما أنا فأنني أرغب في الأقتراب من منصة الحكام".
منتدى ليلاس

ووافق ريك في نهاية الأمر بروحه الطيبة السمحة ونظر الى كلفن وسأله:
" هل ستأتي معنا أم ستبقى مكانك ألى جانب كيري؟".
وهز كلفن رأسه وقال:
" لا بل سأبقى هنا".
ومن الشرفة شاهدا باربي وريك ينضمان الى بقية المتبارين وهم يمرون أمام طاولة الحكام , وكان قد تقرر سحب اليانصيب وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما ربح الجائزة فتى كان معروفا بخجله ومع ذلك أستطاع أن يتغلب على أرتباكه وصعد المنصة للحصول على جائزته ولكن هذه المرة من الممثلة فالما كنت.
ثم أدخل رئيس البلدية يده في الوعاء المخصص لتذكر النساء, وأختار ورقة من بينها وأعلن بصوت عال:
"الرقم 74".
وعلقت كيري على الفور:
" أتساءل من هي الفتاة السيئة الحظ".
وبدا أن هناك بعض التأخير , فالفتاة حاملة الرقم 74 لم اظهر بعد للمطالبة بجائزتها , وبدأ الناس يتطلعون حولهم , وتابعت كيري بنبرة لاذعة:
" من الأرجح أن الحمقاء أغمي عليها من الفرح".
وسأل كلفن:
" ما هو رقمك يا كيري؟".
وهزت كيري كتفيها وأخذت تبحث عن بطاقتها وعندما وقع نظرها عليها كست وجهها مسحة من الغيظ الشديد , كان الأمر لا يصدق , وهمست بصوت ضعيف:
" أنا أحمل الرقم 74".
كان الأمر صعب التصديق , ولكنه الواقع , كان الرقم وتضحا على ورقة اليانصيب , هل من الممكن أن تربح مثل هذه الجائزة البغيضة ؟ جائزة مع بول دفرون؟ لم تكن كيري لتصور أن بأمكانها الصعود الى المنصة كأي فتاة طائشة رعناء , ومجرد التفكير بذلك جعلها تقشعر أشمئزازا وينتصب شعرها الناري من الغضب , وقال كلفن بصوت مأخوذ:
" سيكون الأمر مدهشا".
" مدهشا؟ أنها ليست الكلمة المناسبة".
وصممت على الفور تمزيق البطاقة رقم 74 وللحال وضعت خطتها موضع التنفيذ وقطعت البطاقة أربا صغيرة يستحيل معها معرفة الرقم , وقالت بأرتياح:
" بأمكانهم الآن سحب ورقة أخرى , أنني باقية مكاني , ولن يعرفوا من كانت صاحبة الرقم 74".
ورد كلفن:
" ولكنهم سيعرفون , هناك ملاحظات بقيت مع اللجنة تذكر أسماء المشتركين وأرقام بطاقاتهم , عليك أن تواجهي المصيبة وسأقف على أتم الأستعداد لأسعافك في حال أصابتك بالأغماء".
" كلا لن تفعل , بأمكانك أن تنزل أنت وتقول لهم بأنني عدت الى المنزل أو أي شيء آخر ون عليهم أعادة سحب الجائزة".
ولكن كلفن ظل عنيدا في موقفه وقال:
" أذهبي أنت الى المنصة وقولي لهم بنفسك ما تودين قوله , أو ربما أنت خائفة من أن يمسك بول بتلابيب ثيابك؟".
" بالتأكيد لا ".
" حسنا".
وافق كلفن أخيرا وقال:
" سأذهب الى المنصة".
" شكرا يا كيل ".
وأبتسمت كيري بأرتياح:
" سوف أقفز فوق الحاجز الى الشرفة الثانية ومن هناك سأختفي عن الأنظار وأنتظرك في الخارج".
وعادا الى السلم ولكن عندما أنعطف كلفن في أتجاه المنصة كانت كيري قد أجتازت الحاجزالمنخفض وهرولت مسرعة نحو الشرفة الثانية , وفي لمح البصر كانت قد أختفت عن الأنظار بدون أن يراها أحد ممن كان في الشرفة الأولى.
وكان رئيس البلدية يقلب بين يديه لائحة الأوراق المباعة ,وبلع ريقه بصعوبة عندما قرأ الأسم المدون على الرقم 74 وسلمه الى رئيس اللجنة الذب تقدم من المذياع وأعلن على الفور:
" نرجو من الآنسة كيري دروين أن تتقدم من المنصة".
وفي هذه اللحظة أرتفع صوت فرنك كونورز بين صخب الجماهير يقول بسخرية:
" أنني أراهن عشرة على واحد أن القطة البرية ذات الشعر الأحمر غير موجودة , أنتم تعرفون ما يحدث عادة عندما يحاول أحد معانقتها".
وأرتسمت أبتسامة عفريتية في عيني فالما الجذابتين وقالت بهمس:
" هل تراهن أنها مفقودة".
وأبتسم بول ورد:
" وماذا سيحدث لغروري وسمعتي؟".
وفي غمرة السكون الذي خيم على الحضور منذ أعلان أسم الفائزة , شوهد شخص يشق طريقه نحو المنصة كان يرتدي زيا قوزاقيا ولكن شعره كان بنيا.
" أنه كلفن".
قال رئيس البلدية بصوت خافت.
وتقدم كلفن بخطى غير مبالية نحو المنصة ونظر الى رئيس البلدية وقال:
" أظن أن عليك سحب ورقة أخرى,( وتوقف قليلا ثم أضاف) لقد شعرت بضيق النفس من تأثير الجو العابق في القاعة فخردت تستنشق الهواء.
وأنسابت موجة من الضحك المكبوت في القاعة أذ يعرف الجميع أنه مجرد عذر لا أكثر ولا أقل , فأذا كانت كيري قد شعرت بالدوتر فذلك لأنها أكتشفت أنها صاحبة الرقم المحظوظ , وقبل أن يفتح رئيس البلدية فمه ليتحدث من جديد , تقدم دفرون من طرف المنصة وقال بصوت رزين:
" آسف لما حدث للآنسة دروين , الرجاء أبلاغها أسفي ولكنني سأدفع ديني في وقت آخر".
وللحظة تقلّصت عينا كلفن الزرقاوين ببريق من التحذير وحدّقتا بغضب في العينين السوداوين ولكنه عاد وأكتفى بهز رأسه.
" سأبلغها ذلك ( وأستدار للعودة ولكنه أستطرد) آمل أن تكون مؤمنا على حياتك , فهي لا تستسيغ مثل هذا النوع من الجوائز".
وما كاد ريك يبلغ المكان الذي كانت تقف فيه باربي حتى كان النجمان فالما وبول قد أختفيا عن الأنظار , كانت كيري لا تزال مختفية هي الأخرى.
ولكن كيري لم تكن في الخارج , فقد بقيت في الشرفة وكان الأرتباك الذي شعرت به فد بدأ يتلاشى , فهي لم تعتقد أن بول دفرون رآها وهي تصعد السلم وحتى لو أنه رآها فهو لن بكتشف السلم المعتم الآخر في حال حاول اللحاق بها وهو أمر من غير المحتمل أن يقدم عليه , وشعرت كيري بأنتصار عابث تسجله في مرمى بول دفرون.
وضحكت بنعومة ولكن الضحكة تجمدت فجأة على شفتيها , فبينما كانت تتمتع بأنتصارها كان بول تسلل فجأة الى الطابق الأعلى ووقف الى جانبها ونظر اليها , وكمن لسعه سوط مؤلم , أنتصبت كيري بعفوية وتراجعت الى الوراء بضع خطوات , ومدّت يدها نحوهوكأنها تحذره من عاقبة أية حركة يقوم بها.
" ما كان عليك أن تهربي( قال بول بصوت موسيقي وبلكنة خفيفة أشتهر بها) لن أحاول دفع ديني".
ووقعت كلماته في أذني كيري وكأنها سوط لاذع فردت ثائرة:
" أياك أن تحاول أي شيء معي".
" هل أنت جادة؟( وكانت في صوته رنة من الدعابة) ولم لا؟".
وأنتصب بول في وقفته وللحال أتخذت كيري وضعا دفاعيا وقد شعرت بالريبة أتجاهه , ولكن بول ضحك وهز رأسه قائلا:
" لا تخافي فأنك في أمان".
ومرة أخرى شعرت كيري بجوارحها تدفعها الى الهرب ولكنها ترددت وقد أستولت عليها الدهشة وهي ترى أنه كان يبتسم ويمد يده نحوها.
" لقد سمعت شيئا قلته قبل قليل , أنني لم أعنه على الأطلاق , هل تسامحينني؟".
قالت بسرعة لتخفي أرتباكها:
" لماذا أذن قلت ذلك الكلام؟".
" كنت مغتاظا فقد أسمعني أحدهم كلاما أزعجني ثم ذكر أسمك وأنني آسف لأنك تحملت عاقبة غيظي , ألم يحدث لك أن تفوهت بأشياء أثناء ثورة من الغضب ثم شعرت بالندم فيما بعد ؟".
وأرتسمت أبتسامة مترددة على شفتي كيري وأعترفت قائلة:
" أجل , أحيانا كثيرة ( ثم خفضت عينيها ) لقد طارت قبعتي بالفعل بالصدفة ولم أقصد أن ألفت أنتباهك أطلاقا".
ومد بول يده نحوها ورفع رأسها بطرف سبابته وأجبرها على النظر الى عينيه , لقد كانتا في غاية الجدية تغللهما مسحة من العبوس.
" ومن أعطاك هذا الأنطباع؟".
وخفضت كيري عينيها , لقد كانت هناك قوة جعلتها غير قادرة على التحديق بعيني بول الداكنتين في عمقهما على الرغم من أنها لم تكن تشعر بأي نفور منهما والأغرب من كل ذلك أنها لم تشعر بالغضب عندما لامستها يده.
" حسنا أن مير.....".
لقد كانت على وشك أن تقول له بأن ميرل قد حذرتها من عاقبة حادثة القبعة , ولكنها عدلت عن رأيها , كانت تكره ميرل في الواقع ولكن طبيعتها لم تسمح لها بأن تكرر ما سمعته منها , وتابعت قائلة عوضا عن ذلك:
" لقد سمعت مصادفة بعض الكلام".
ورد بول بصوت حازم:
" أذن أيا كان ذلك الكلام وأيا كان الشخص الذي قاله فأنه شخص أحمق وغبي".
وشعرت كيري بحاجة لكي تضحك ولكنها تمالكت نفسها وأعادت الى وجهها تعابيره الجدية وهي تسمع بول يتابع كلامه:
" على الرغم من أنني لا أقاسم ذلك الأنطباع ولكنني أتساءل هل كنت تنوين تسديد ضربة الى وجهي بتلك القبعة أو سحقي تحت حوافر الحصان".
وتدفقت أبتسامة عريضة صبيانية على وجه كيري وقالت:
" كان سموكي هائجا".
" وهذا يؤكد أنطباعي , أنه كان مجرد أستعراض , ولكن بحق السماء أين تعلمت ركوب الخيل بهذه الطريقة؟".
وهزت كتفيها بلا مبالاة فهي لم تكن تعتقد أن طريقة ركوبها الخيل كانت خارقة , ولكنها أجابت:
" مع الكولونيل".
كان محببا الى القلب هذا ما أقرّت به بالرغم من أرادتها ثم رويدا رويدا أقرت بالواقع بكل طيبة خاطر , بدأت كيري تقول:
" سيد دفرون......".
" بول وليس سيد دفرون , ماذا تريدين؟".
" لا شيء..... كنت أود أن أقول أنك تختلف عما كنت أتصور".
منتدى ليلاس

وضحك ضحكة عالية ووجدت كيري أنها لم تغضب لأنه يهزأ من كلامها , ورد بول قائلا:
" على الرغم من سمعتي فأنا خارج الشاشة لا ألاحق الفتيات العزل , وعليّ من الآن فصاعدا أن أحترس من الفتيات اللواتي يمتطين الجياد الرمادية على طريقة القوزاق .. أتساءل أيتها السيدة الصغيرة ماذا كنت فعلت لو أن سحب اليانصيب جرى في هذه اللحظة؟".
وردت كيري بجرأة لبقة:
" لنضع النقاط على الحروف , ماذا كنت فعلت أنت؟".
" من الصعب الجواب على هذا السؤال , في أي حال لم تكوني أنت في القاعة لسوء الحظ".
" من حسن حظي".
" هذه مسألة رأي ( وأخذ يدها ووضعها على ذراعه) هل تعتقدين أن الآنسة دروين ستتنازل وترقص معي أذا دعوتها بطريقة لبقة؟".
ردت كيري وهي تسرع خطاها الى جانبه نحو السلم:
" الآنسة دورين لا تجد أمامها أي خيار آخر".
" قد أشعر بالأسف لأنني لم أدفع ديني , ليس في هذه اللحظة في أي حال".
وردت كيري مشاكسة :
" أياك أن تحاول ذلك في أي وقت كان".
ونظر اليها بول بشيء من السخرية كمن جرحت كبرياؤه :
" سيدتي الصغيرة لقد قيل لي بأنني أبرع من قام بالأدوار العاطفية ".
وعلى الرغم من طبيعة كلماته المداعبة , فقد وجدت كيري أنها تزداد أستلطافا له وهذا ما ظهر بشكل واضح على وجهها , والأغرب من ذلك أنها بدأت تتساءل عن الشعور الذي قد ينتابها وهي بين ذراعي بول .
وقبل أن يصلا الى أسفل السلم وضع بول ذراعه عليها ليساعدها في الهبوط , كانت المسة كافية لأدخال شعور جديد في نفس كيري , فهي المرة الأولى التي تحس بأن رجلا يسير الى جانبها وأنها فتاة طبيعية غير قادرة على مكافحة ذلك الشعور , ليس الآن في أي حال , كل ما كان في وسعها أن تفعله هو ترك العنان لذلك الشعور والأستمتاع به حتى أنها أقرت بذلك في أعماقها , كان الأحساس في منتهى السعادة , بدت كيري غارقة في أفكارها لدرجة أنها تعثرت على الدرجة الأخيرة ولولا الذراع التي كانت حول خصرها لوقعت على الأرض.
" أنتبهي".
وضحكت كيري في نفسها وتساءلت( أنتبه مما يا ترى السلم أو منه؟).
وشدّ بول ذراعه حول خصرها وهو يقول مؤنبا:
" أيتها العفريتة الصغيرة".
وأدركت كيري في لحظة أنها كانت تلعب بالنار فقد وجدت نفسها فجأة مشدودة الى كتفي بول القويتين دون أن تكون لها أية فرصة للمقاومة , بل على العكس كانت تشعر بالأسترخاء وبأرتعاش يدب في أوصالها , قال بول بصوت عميق:
" أذا لم تتوقفي عن أبداء مثل هذه الملاحظات المستفزة فعليك أن تعلمي كيف تتقبلين النتائج".
وأحست كيري أن دقات قلبها أصبحت قوية كقرع الطبول بشكل لم تألفه من قبل , وأن قواها بدأت تخور وتجعلها تترنح في مشيتها , ولم تكن تفهم كيف أصبحت غير قادرة على المقاومة وهي التي كانت مليئة بالحياة والضراوة , كان بول قريبا منها لدرجة أنها كانت تشعر بأنفاسه تلهب وجنتيها وبشكل عفوي أغمضت عينيها مستسلمة للقدر, وخرجت من نشوتها على صوت بول وهو يقول:
" لندع الأمور عند هذا الحد".
وبلعت كيري ريقها بصعوبة ونظرت اليه ولكنها للحال أبعدت نظرها عنه , كانت القشعريرة لا تزال تدب في أوصالها ويد بول الدافئة مستلقية على كتفها.

تمارااا 02-06-11 02:23 AM

الله يعطيك العافية

نيو فراولة 02-06-11 09:32 AM

3 - لا ....... ليست جبانة



لم يحدث أي شيء يذكر بعد أن نزلا من الشرفة العليا , قد راقصها بول ثم أختفى ليتحدث الى فالما تاركا كيري في حيرة , ثم جاء كلفن وقد خامره أحساس خفي بالخطر وقادها الى حلبة الرقص , ولكنها كانت بسلوكها الأخرق المتعمد أن تتشاجر وأياه بشكل جدي لأول مرة في حياتها.
كان الوقت متأخرا عندما أوت كيري الى فراشها في تلك الليلة ومع ذلك أستيقظت باكرا , أخذت تطوف الغرفة وهي تحدق بصورتها في المرآة , كان هناك شيء غريب في منظرها لا يمت اليها بأي صلة بل بعكس صورة كيري دروين التي خرجت الى الوجود الليلة الماضية , وهي صورة تستحق أحتقارها الحالي لأنها كانت تعكس شخصية فتاة ساذجة يمكن خداعها بسهولة.
وشردت أفكارها نحو بول , أنه رجل يطفح رجولة والغرور هذه هي جاذبيته الداكنة.
وشعرن كيري , وكان شعور غريب عن طبيعتها , أنها تريد الهرب من واقعها فأخفت بسرعة رأسها بين يديها وسدّت منافذ تفكيرها , وفي أضطراب متزايد أبعدت كيري عنها أحساسات الأنوقة التي أخذت تنفجر في أعماقها لتزيد الهوة العميقة التي أنشقت فجأة تحت قدميها.
كان من السهل عليها أن تشعر بالغضب الآن وهي تفكر بحادثة السلالم عوضا عن ذلك الشعور بالسعادة التي أمتلكها في تلك اللحظة , ولم تكن الذراع التي طوقت خصرها هي التي أثارت في نفسها الرعشة بل كان غيظها منصبا على كون مقاومتها خارت وهي بين ذراعيه القويتين , كانت أنفاسه حارة ولم تتابع كيري تخيلاتها بل نهرت نفسها وهي تزمجر كيف تجرأة على معاملتها بتلك الطريقة.
وشعرت كيري بتحسن كلي بعد أن أجتاحتها تلك الثورة الناقمة حتى أنها أبتسمت أبتسامة مرضية , لقد أستطاعت الآنسة دروين وبعد جهد كبير أن تفسر سلوكها ومشاعرها بطريقة مرضية للغاية وقد لا يكون تفسيرها مرضيا بالنسبة الى كيري الليلة الماضية , كيري التي كبحت ثورتها بشدة وسحقت وسخر منها وكادت تمحى من الوجود.
وبعد أن أنجزت هذا العمل الشاق , عادت كيري الى فراشها وأستلقت عليه وذراعيها تحت رأسها وهي تفكر بالنهار الذي يبزغ أمامها وترفض كليا العودة الى الوراء وهو شعور كان من الصعب عليها مقاومته على الرغم من أرادتها القوية , والشيء الذي لم تكن ترغب في الأعتراف به بالطبع هو أن كل ما حدث الليلة السابقة كان خارج عن أرادتها .
وببطء أخذت أضواء الصباح تنتشر في الطبيعة وأرتفع قرص الشمس في السماء , وأنساب تغريد عصفور على شجرة قريبة تبعه تغريد آخر , ولبرهة من الزمن ساد السكون ثم عاد العصفوران بتناوبان على التغريد في أنغام حلوة وكأنها تشكر الربيع والحب والحياة.
ولكن كيري لم تكن تشارك في هذا الشعور , فزمجرت من جديد وضربت وسادتها , لقد باءت جميع محاولاتها للعودة الى النوم لتنسى أفكارها المضطربة , بالفشل.
منتدى ليلاس

وبدت كيري وهي مقوقعة تحت غطائها وكأنها شرنقة غمر رأسها شعر ملتهب , وأستلقت مجددا على ظهرها وقد تخلّت نهائيا عن فكرة العودة الى النوم.
لعنة الله على ذلك الرجل , قالت كيري في نفسها , لماذا لا يبقى خارج أفكارها ؟ هل عليه أن يقتحم أعماقها في كل لحظو وفرصة.
وقفزت من فراشها وهي تزمجر غاضبة وأسرعت الى الحمام فأغتسلت وأرتدت ثيابها على عجل , لقد بدا لها أن العمل السريع هو الترياق لأضطرابها خصوصا وهي في زيها القوزاقي ولكن شيئا ما في أوصالها كان لا يزال ثائرا ومتأججا.
وقبل أن تنزل الى الطابق الأسفل عادت ووقفت أمام النافذة , كان كلفن يتحدث الى أحد الخدم وعندما أنتهى من أعطاء تعليماته ذهب الخادم وبقي كلفن في مكانه , بدا أكبر سنا من قبل , كان سلوكه الليلة الماضية صبياني , أما هذا الصباح فبدا رجلا ناضجا.
وكأن حدسا نبهه الى عينين كانتا تراقبانه , رفع كلفن رأسه الى فوق وألتقت عيناه بعيني كيري , ويا للعجب كانت نظراته مختلفة أيضا هذا الصباح , ولبرهة من الزمن رأت كيري بريقا في عينيه لم يكن موجودا ليلة البارحة , وناداها قائلا:
" صباح الخير , ريك يتناول فطوره الآن".
" لقد أستيقظ باكرا".
وأرتسمت على وجهه طيف أبتسامة مترددة:
" أنت نسيت على ما يبدو أننا قررنا الذهاب في نزهة هذا الصباح ( وأختفت الأبتسامة الحائرة وحل محلها شعور من الشك) هذا أذا كنت ما تزالين راغبة في الذهاب".
وتقلّصت تقاطيع كيري , كانت تدرك تماما ما يعنيه ولكنها أختارت أن تتجاهل تلميحه لشيء ترفض الأعتراف به.
" ماذا تعني؟ بالطبع ما زلت أريد الذهاب معك , ولماذا أغيّر رأيي ؟".
ومع أن تعابير وجهه الغامضة أسترخت قليلا فقد بقيت مسحة مخيمة عليه لم تستطع فك لغزها.
ورد كلفن بسرعة:
" هذا أمر ر يمكننا مناقشته الآن".
عندما دخلت كيري الى غرفة الطعام كان كلفن قد سبقها اليها وجلس الى جانب ريك , ومن حسن الحظ أن الكولونيل نريفريل كان قد تناول فطوره باكرا وغادر المنزل , بادرها ريك:
" تبدين هذا الصباح بحالة أكثر طبيعية من أمس".
وحاول كلفن لفت أنتباه ريك بعد أن رأى الشرر يتطاير من عيني كيري , ولكن ريك كان مصمما على ألا يفلت هذه الفرصة الذهبية من يده لكي يناقش شقيقته في موضوع كان يعرف مسبقا أنه سيثير غضبها .
ونفرت كيري وقالت وذقنها بدأ يرجف من الغضب:
" وماذا تعني بالضبط؟".
ولم تكن لريك أية حساسية أتجاه ذلك الموضوع , لذلك أتكأ بمرفقه على الطاولة ونظر الى شقيقته بعينين مرحتين ساخرتين ورد قائلا:
" ماذا أعني؟ كنت أتحدث عن القطة الهائمة , لقد كنت في ذهول واضح للعيان الليلة الماضية تماما كبقية الفتيات الحالمات به".
وتطاير الشرر من عيني كيري ولكنها أدركت في اللحظة الأخيرة أنه من الأفضل عدم أعطاء أهمية كبيرة للموضوع لئلا تعطي ريك برهانا على تعلقها به , ولم يكن هو في الواقع قد خطر له أي شيء من ذلك القبيل , وحاولت دون جدوى السيطرة قليلا على أنفعالها فردت بنرفزة:
" حالمة بمن؟".
وعاود ريك الكرة وقال بأستهزاء:
" ومن تعتقدين؟".
ولم تتمكن كيري من السيطرة أكثر على أعصابها فأنفجرت قائلة:
" لقد ضقت ذرعا بمضايقاتك الصبيانية السخيفة".
وأندفعت خارجة من قاعة الطعام دون أن تمس فطورها , كانت ردة فعلها غريبة وغير عادية , فهي تتمتع عادة بشهية كبيرة عند الصباح لذلك فغر ريك فمه من الدهشة بطريقة كانت بدت مضحكة في ظروف أخرى ولكن الأمر كان جديا , لحقها كلفن الى الخارج.
وجدها في الطرف الآخر من الباب الرئيسي الذي يؤدي الى الأصطبلات , كانت جالسة على العشب غير آبهة بالضرر الذي قد يلحق بزيها , تضع رأسها بين يديها وهذا أيضا كان غير مألوف بالنسبة اليها , وعندما رأته يقترب منها قفزت من مكانها وقد بدت في عينيها دلائل الحذر الفطري وشعور بالخجل المتردد في قلبها , كانت تدرك أنها تصرفت تصرفا سيئا ومع ذلك فأن الأعتراف بالخطأ لم يجعلها تشعر بحالة أفضل , كانت في غاية الأرتباك على الرغم من القرارات التي أتخذتها عندما وبّخت نفسها بشدة باكرا هذا الصباح.
وبعفوية مد كلفن يده وكأنه يحاول أمساكها من الهرب ثم أبتسم وقال:
" لست بحاجة لتكوني حذرة مني يا كيري , أنت بالطبع تعرفين ذلك".
وتطلع اليها بنظرات رزينة وعميقة ردت عليها كيري بأبتسامة كئيبة وأعترفت قائلة بصوت خافت:
" نعم أنا أعرف ذلك , أعتذر يا كيل لم أقصد الثورة بتلك الطريقة... الواقع أن ريك جرح شعوري بموضوع حساس جدا , عادة أتقبل المضايقات وأنت تعرف ذلك ولكن لا أستطيع أن أتحمل حتى التلميح الى بول دفرون".
وعض كلفن على شفتيه بقوة , فهو أيضا له رأي في الموضوع ولكنه قرر ألا يبوح به , وسأل بهدوء:
" هل عانقك البارحة؟".
وأحمر وجه كيري مجددا وردت بعنف:
"لا بكل تأكيد".
" لا يمكننا القطع في ذلك , فقد هبطت معه من الشرفة الثانية وكان له متسع من الوقت لمغازلتك هناك".
" ولكنه لم يفعل بل ولم يتجاسر".
وأنفرجت أسارير كلفن على الرغم منه وهز رأسه وقال:
" أظن أن بول دفرون هو من النوع الذي لا يقبل تحديا ولا يرفضه , وهو أذا لم يعانقك فذلك يعني أن لديه سببا غير الخوف".
وعبست كيري وهي تعتقد أن كلفن يشك في كلامها وقالت بنبرة مؤكدة وهي تشدد على كل كلمة:
" أنه لم يعانقني وهذه هي الحقيقة".
وتحولت أبتسامة كلفن الى قهقهة عالية وقال:
" حسنا , أنني أصدقك , ولا أعتقد أن هناك رجلا , حتى بول دفرون , يجد في نفسه الشجاعة لمعانقتك".
وأرتسمت على وجه كيري أبتسامة مترددة وقالت:
" لا أدري من منا هو الأحمق الأكبر".
وشعر كيل بالأرتياح , فقد ذاب الجليد بينهما وقال:
" الآن وقد تلاشت العاصفة وتحولت الى دمدمة في البعيد , لربما أستطعت أن تخبريني بكل شيء عن القضية".
" لقد تبعني بالفعل الى الشرفة كما قلت , وأظن أنه كان متضايقا لأنني رفضت جائزة ذلك اليانصيب السخيف , ولكنه بدا لطيفا جدا معي وقد سايرته بدوري بهدف التخلص منه دون أن أترك له أي مجال للأسترسال في حديثه , وفي أي حال أنه كان يعتقد أنني واحدة من المتيمات به فأن تصرفي لا بد أن يكون قد أثناه عن أي عمل ينوي القيام به , وأعتقد أنني نجحت في خطتي , لا أظن أننا سنراه مرة ثانية".
ولمدة أسبوع لم تشاهد كيري بول دفرون ,وقد سمعت من مصادر عدة في البلدة أن فريق الفيلم السينمائي يعمل بكد لا يعرف الكلل حتى أنه لم يشارك في أي نشاط أجتماعي , وكانت كيري تتظاهر بعدم الأكتراث لأخباره ولكنها كانت دائما تصغي اليها.
وقد أستطاعت كيري خلال ذلك الأسبوع أن تغربل أفكارها , فهي غير قادرة على البقاء جبانة الى الأبد , ومع أنها قد ترفض مواجهة الحقيقة في الوقت الحاضر غير أنها أعترفت على الأقل بوجود تلك الأحاسيس الغريبة التي شعرت بها ليلة الكرنفال , وقد تلاشت كليا أو البعض منها , وهذا جزء من الواقع لا تزال تتردد في الأعتراف به , وكانت تحس بالذهول أحيانا عندما تجد نفسها تتساءل ماذا كان سيحدث لها لو أن بول عانقها وهما على السلم أو لو أنها كانت في القاعة ساعة سحبت الورقة الرابحة.
وفي غضون ذلك كانت الحياة تسير على رتيبتها , فكيري كانت تساعد مالي في شؤون المنزل وكذلك في المطبخ , وكان هناك عمل دائم في الصباح لا يترك لها مجالا للأمعان في التفكير ولكن بعد الظهر هناك متسع من أوقات الفراغ , وهناك كان يكمن الخطر , وكانت كيري غالبا ما تتأبط كتابا وتذهب الى الحدائق الوارفة الظلال تسعى جاهدة لتركيز أفكارها على كتابها دون سواه , وفي أحيان أخرى كانت تجلس في الغرفة الكبيرة ذات النوافذ العريضة والأرضية المصقولة حيث كانت أمها تمارس الرقص وحدها حبا بهوايتها , وكيري أيضا أستخدمت الغرفة , كان شعرها الناري يتطاير كاللهب وهي ترتدي لباس الباليرينا وترقص برشاقة وقد طفح وجهها بنضارة يافعة , فهي الى جانب هوايتها ركوب الخيل كانت تهوى الى حد بعيد الرقص أيضا.
ووقفت كيري بلا حراك على رؤوس أصابعها بعد أنتهاء الموسيقى , كانت تنتعل حذاء أمها الذي يناسبها كما تناسبها الأزياء الشفافة التي لا تزال معلقة في الخزانة , وهذه هي واحدة من المرات النادرة التي كانت ترتدي فيها فساتين نسائية , أرخت يديها مشت الى الصوة الملونة الموضوعة داخل أطار والمعلقة على الحائط , كانت مرغريت لامبير أمرأة جميلة وترتدي الثياب نفسها التي ترتديها كيري في تلك اللحظة , حذائين ورديين وتنورة بيضاء شفافة للبالبرين وتاج من الريش الأبيض على رأسها في دور أميرة البجع كانت الصورة بالنسبة الى كيري دروين وكأنها خارجة من أحدى حكايات الجن وكان يبدو من غير المعقول أن تكون هذه الصورة هي صورة أمها , ولكنها كانت دائما تحبها وتمتمت كيري بنعومة:
" أماه ليتني عرفتك".
ثم أبتسمت بشيء من الخجل وقد شعرت أنها تخاطب نفسها وعادت الى الحاكي لتقلب الأسطوانة.
منتدى ليلاس

وفيما هي واقفة أمام الحاكي , دخلت مالي الغرفة , ولم تبد أي دهشة لدى رؤيتها في الثوب الأبيض , وهذا يعني أنها كانت موافقة لأنها كانت تخوض حملة طويلة وشاقة لجعل كيري ترتدي التنانير وحتى الآن لم تنجح , وسألت مالي بعد برهة وعيناها معلقتان على الثوب الأبيض الذي أضفى كلى كيري مسحة من الأنوثة.
" هل ستذهبين اليوم الى ريلستون؟".
" أجل سأذهب( كانت كيري هي التي تقوم بشراء حاجات المنزل من البلدة , وتابعت) أعطني لائحة المشتريات وسأذهب حالما أغير ملابسي ".
" لست مضطرة للذهاب الآن , أنها حاجات غير ملحة".
ونظرت كيري الى ساعتها وهزت كتفيها وقالت:
" ليس لدي أي عمل أقوم به الآن , سأذهب وأسرج سموكي".
ووضعت اللائحة في جيبها وخرجت بعد أن غيّرت ملابسها .
كان جودي يقطع الأعشاب الضارة من الحديقة عندما مرت أمامه في طريقها الى الأصطبل , فتوقفت في نزوة عابرة وقالت:
" على فكرة أشكرك يا جودي على موضوع المفرقعة".
كان وجهها في غاية الجدية بخلاف عينيها , وأنتصب جودي واقفا ونظر اليها نظرة بريئة مبالغ فيها ورد:
" المفرقعة ؟ وماذا بشأنها؟".
وزمت كيري فمها علامة التقدير , فأملها لم يخب بالخادم الأمين , وتابعت:
" أن فرسان القوزاق الثلاثة يشكرونك من صميم قلوبهم".
وأتسعت عينا جودي الزرقاوان ورد بشيء من اللوم:
" تعنين تلك الليلة , كانت شمعات المفرقعة مبللة , أنت لا تظنين بأنني أفتعلت الأمر يا آنسة كيري؟".
وضحكت كيري ضحكة خافتة وحدقت به بنظرات مرحة وردت قائلة بنعومة:
" أيها العفريت يا جودي , أنت تعرف تماما ما أعنيه.... شكرا مرة ثانية.
ولم تحث الحصان في سيره وهي تغادر المنزل , فمالي لم تكن في عجلة من أمرها وكان اليوم جميلا لذلك تريثت كيري في طريقها , وكان الشعور بالراحة والهدوء يخيم دائما وبسهولة عليها وهي تدخل أرض المستنقعات ولكن اليوم لم يدم ذلك الشعور طويلا , فعلى بضعة أميال من ريلستون وقع بصرها على فريق الفيلم من البعيد , وللحظة شعرت بدافع خفي يحثها على التوجه الى حيث كان يعمل الممثلون ولكنها ما لبثت أن ضبطت نفسها , فهم على الأرجح لن يسمحوا بدخول الزوار غير المأذون لهم وفي أي حال لا يوجد أي شخص هناك ترغب في زيارته كصديق.


لا أحد ؟ كان صوت خفي يهمس في مخيلتها وشعرت كيري بشيء من السخط.....
أجل لا أحد شددت كيري على الكلمة , حتى ولا بول دفرون , وعلى الأخص بول دفرون ,ووقفت مشدوهة عندما أدركت أنها كانت تتمنى بشيء من السرور رؤيته من جديد.وقالت لنفسها : أنك تتلهفين لبعض المشاكل يا صغيرتي , وأخذت تبتعد عن المكان وهي تردد : بحق السماء لماذا أنوق لرؤية بول دفرون مرة ثانية ؟ ولكنها ما كادت تسير بعض الأمتار حتى أستدارت قليلا لتلقي نظرة الى الوراء وعندها دركت فجأة الخطر الذي يحدق بفريق الفيلم , وحتى في تلك اللحظة لم تدرك الخطر على الفور , فمن المكان الذي تقف فيه كانت الأرض على بعد قليل تنزلق بحدة وبشكل خطير للغاية , وكانت بعض التلال تحيط بالمكان تغطيها الأعشاب الكثيفة حيث كانت الطريق الضيقة المؤدية الى مكان التصوير تتفرع الى ثلاث سكك صغيرة مخفية المعالم , وكانت فالما كنت تتقدم دون أكتراث على أحداها , وفجأة أدركت كيري مكمن الخطر فأصفر وجهها وبدون تردد حولت سموكي واندفعت به الى جانب التلة , كانت فالما بعيدة في السكة التي تسير عليها وكانت الكاميرات تلحق بها على بعد أمتار قليلة وتلتقط لها صورا عن بعد.
وتمتمت كيري ( يا لهم من أغبياء) وكانت تلهث وهي تتوقع أن ترى الممثلة الشقراء تتعثر فجأة وتهوي في المصيدة الخفية القريبة جدا منها تماما في هوة غورني بوغ القاتلة ألم يروا اللافتة على الطريق؟
وحاولت كيري وهي تنهب الأرض أن تلوح بيديها لتلفت أنتباههم فالسكة التي كانت عليها فالما هي أخطر السكك الثلاث وكان بأمكانها أن تقع في أية لحظة في الحفرة الخفية , وحاولت الصراخ والتلويح في آن واحد وكل ما حصلت عليه في المقابل , تلويحة ودية من طاقم الفيلم الذي كان منهمكا في عمله غير مدرك لما يجري حوله , ثم رآها طوم ماريوت مسرعة نحوهم فلوّح لها بشدة في محاولة لأبعادها عن مكان التصوير , ومهما كان مشهدها رائعا وهي تقود حصانها بتلك الصورة الجنونية فهو لم يكن يستسيغ ذلك لأنه سيفسد اللقطة.
وأخيرا سمع ما كانت تقوله كيري وعلى الفور أنتابته رعشة من الخوف خطفت الألوان من وجهه وجعلته شاحبا كالموت.
" فالما على سكة خطيرة".
وتعالت صيحات عالية فوق ضجة الكاميرات وتوقفت فالما وألتفتت الى الوراء , وبكل بطء وحذر رجعت على أعقابها , وكانت كيري أكثر الحاضرين توترا فهي وحدها تهرف خطورة السكة , فأي أنحراف الى أحدى الجهتين يعني الموت.
وفي تلك اللحظة تقدم رجل طويل القامة أسمر الوجه يرتدي زيا من أزياء الغجر في السكة , فصرخت كيري من جديد.
" أنها ضيقة ولا تتسع لشخصين".
ولكن بول دفرون لم يتوقف , وأحست كيري أن شعور العداء الذي طغى عليها خلال الأسبوع قد تلاشى في تلك اللحظة وحلت محله وخزة من القلق الحاد.
وتعثرت فالما في اللحظة التي وصل اليها بول , ومد يديه نحوها وثبتها في مكانها , وبخطى وئيدة سارت أمامه وقد شحب وجهها ووصلا بعد مشقة الى الأرض الصلبة , كانوا جميعا جابسين أنفاسهم وما أن زال الخطر حتى تنفسوا الصعداء , وجمعت فالما قواها وأبتسمت وهي ترد على طوم ماريوت الذي بدا عليه القلق الشديد.
" أجل أنا بخير , أنا دائما أشعر برعب من المستنقعات".
ورد طوم على الفور:
" ولماذا لم تخبريني بذلك , كنا أستخدمنا بديلة عنك".
وأجابت فالما بعزيمة عنيدة :
" أنا لا أؤمن بالبديلات ليقمن بأدوار أكاد لا أخاف منها , ولو كان الأمر يتعلق بشيء لا أستطيع القيام به فذلك أمر أوافق عليه ولكنني أستطيع السير في أرض المستنقعات شرط أن يكون الدرب الصحيح".
ووقف ماريوت أمامها بقامته المربوعة وقال بعبوس :
" سنستخدم بديلة , أنه القرار النهائي , سنستخدم بديلة عنك لهذه اللقطات".
" كلا لا أريد".
وتحرك سموكي بتململ وفجأة شعرت كيري أنها وحيدة وما من أحد مهتم بوجودها , فكل الأنظار كانت مركزة على فالما وماريوت , كانت كيري الشخص الغريب عن الطاقم تقف بعيدا عنه , فنكزت سموكي وهمّت بمغادرة المكان دون دعوة وبدون مراسيم , تماما كما وصلت ولكن يدا أمسكت بها وأوقفتها , ونظرت الى جانبها فرأت بول دفرون قد أقترب منها بهدوء ووقف وراءها , وفي تلك اللحظة تمنت كيري لو أنها هربت دون أبطاء.
قالت كيري وهي تلوي شفتيها بطريقة تعني فيها أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تحدث للمثلين :
" حسنا.....".
وضاقت حدقتا بول , لقد كان أذن على صواب , لقد وبخت الآنسة دورين نفسها على ما يبدو على هفوتها ليلة الكرنفال , كان عليه أن يستغل الأنتصار الذي حققه ويتصل فورا بها في اليوم التالي عوضا أن يترك لها المجال لتعزيز موقفها , ولكن الأعمال كانت كثيرة وهو لم يترك في أي من الأوقات مشاكله الشخصية تتداخل في مهنته ما لم تكن القضية في غابة الأهمية , كان غنيا بما فيه الكفاية مما يجعله لا يكترث كثيرا للمال في حال توقفه عن تمثيل فيلم آخر , ولكن طوم ماريوت قد وظف أموالا طائلة في مشروعه الحالي , لذلك فهو يدرك مسؤوليته الكبيرة كنجم في الفيلم .
وتطلع بول الى كيري وقال فجأة :
" أنت يا جبل الجليد , ما هي المشكلة الآن ؟".
وتطلعت كيري الى البعيد رافضة أن تنظر الى عينيه , لقد أحست أن نبرة صوته كانت تنم عن شيء من التسامح العاطفي ولكنها رفضت أن تسيطر عليها.
" لا شيء على الأطلاق , لماذا تعتقد أنني أشكو من أمر ما؟".
" هذا ما أتساءله! أنت مخلوقة محيّرة يا كيري , لقد أثرت قضية ضدّي خلال الأسبوع الفائت , هذا ما أشعر به , ما هي المشكلة؟".
وتململت كيري في جلستها , لقد أربكها حدسه العميق وأرعبها في آن واحد , فهي لم تستسغ قدرته على قراءة أفكارها بهذه السهولة كما لو أنها صفحة من كتاب مفتوح أمامه , وردت وهي تحاول أن تبقي رنة اللامبالاة في صوتها دون قناعة من نفسها:
" أنا لا أدري عما تتحدث عنه , في أي حال لماذا تعتقد أنني أود أثارة قضية ضدّك كما تدّعي؟".
" هذا ما أود معرفته , حتى المجرم له الحق في أن يدافع عن نفسه يا كيري".
" لم أسمح لك على ما أعتقد بأن تناديني كيري".
" أذن آن لك أن تسمحي لي بذلك , وحاولي أن تتوقفي عن النظر اليّ بكبرياء ( وقبل أن تتمكن من أيقافه كانت يداه القويتان تمسكان بها وترفعانها عن السرج كالريشة وتنزلانها الى الأرض وهو يقول ) هذا أفضل , كنت تخلقين في نفسي عقدة النقص وأنت جاثمة فوق صهوة الحصان ".
منتدى ليلاس

وبعفوية ظاهرة أرتسم طيف أبتسامة ولكنها أستطاعت أن تقول :
" أكاد لا أتصور أنك تصاب بعقدة النقص أيا كانت الظروف ".
" ها قد عدنا مجددا , أيتها السيدة الصغيرة أذا أستمريت على هذا النمط فسأضطر الى اللجوء لطريقة أخرى تجعلك تفقدين أعصابك عن حق".
وتلاشت رباطة جأش كيري في حمرة الخجل وقد أمسك بول بأحدى يديها وشدها دون أن تجد في نفسها القوة لسحبها وقال بهدوء:
" كيري هلاّ قلت لي ما الذي يثيرك ضدي؟".
وبلعت كيري لعابها بصعوبة , كان بول جادا في قوله الآن ووجدت أنه من الصعب وقف الضعف الذي أخذ يسيطر عليها حتى أن الحجج الساخرة والواهية التي غالبا ما كانت ترددها لم تعد تنفع الآن .
" ألا تنوين أن تقولي لي ما يثيرك ضدي ؟ ألآنني بول دفرون ؟ ( وبرقت عينا كيري وهي تنظر اليه , فأبتسم وأضاف ) لست سيئا كما يروّج البعض وأنت تعرفين ذلك , أنه صيت غزته الدعاية وبعض الحوادث التافهة لم تكن تعني شيئا في البداية قبل أن تضخمها الأشاعات".
وبصورة خارجة عن أرادتها طفح وجهها بأبتسامة عارمة وردت بوقاحة :
" لا دخان من غير نار".
وأعترف بول بأيماءة كئيبة يرثى لها:
" أخشى ذلك أيضا , أنني أنسان من لحم ودم".
أنفجرت أساريرها بأبتسامة عريضة تحولت على الفور الى ضحكة عالية , ورويدا رويدا وبعناية كبيرة أخذت المصيدة تطبق عليها.
" رائع ( قال ول وأضاف) والآن هل تعتقدين بأن بأمكانك أن تقولي لي لماذا تكرهينني؟".
" أنني في الحقيقة لا أكرهك ( كان صوتها خافتا ولم ترفع رأسها عن الأرض ) أنه مجرد... أنك ممثل سينمائي وكنت أجهل.....".
وتقطعت نبرات صوتها فأخذ بول يدها الأخرى وتابعت بسرعة:
" كنت أظن أنك غاضب لأنني لم أشأ أن تعانقني ".
ووضع بول سبابته تحت ذقنها ورفع رأسها وقال:
" سأكون دائما صادقا معك يا كيري , هل تصدقينني؟".
وتمتمت كيري بخجل وهي تبعد نظرها عنه ولكن لسبب آخر:
" أجل أنني أصدقك".
وأغتنم بول الفرصة وقال:
" أما فيما يتعلق بالقضية الأخرى. فأنني دائما أسدد ديوني".
" ذلك دين لن تسدده على الأطلاق".
وخرجت الكلمات من بين شفتيها بقوة متحدية ولو كانت لديها الخبرة الكافية لأدركت الخطر الكبير الذي قد تتعرض له من جراء ذلك التحدي , ولمعت عيناه ورد قائلا:
" وكيف ستمنعينني؟".
وأخذت يداه تداعبان يديها برفق فشعرت كيري أنها بدأت تفقد ما تبقى لها من سيطرة وأنتابها أضطراب شديد فردّدت في نفسها أن ما يحدث لها أمر غير معقول.
وألقت نظرة عصبية حولها , بكل تأكيد أنه لن يعانقها أمام الجميع ؟ ومع أن أفراد الطاقم توجهوا نحو المطعم المتنقل على مسافة قريبة ألا أنهم كانوا على مرمى حجر منهما , وعادت وكررت في نفسها أن وجود الآخرين قد لا يردع بول عن عمله فهو معتاد على المشاهد العاطفية أمام أعين الجماهير.
وفي الوقت الذي أخذ العجز يتحوّل الى شعور يائس , ترك بول يديها ووقف ينظر اليها بشيء من المرح الساخر وهو يقول:
" لا تقلقي , فعندما سأقرر دفع ديني فذلك لن يكون أمام أعين الناس , ( وتعمقت السخرية في عينيه وهو يرى الأرتياح وقد أرتسم على محياها من جديد ) لقد أردت الآن أن أعاملك بالطريقة نفسها أي كجبل من الجليد , فنحن متساويان , هل نعقد الصلح؟".
ومد يده نحوها غير أن كيري أبقت يدها متدلية على جنبها وقالت بأبتسامة :
" حسنا أنني أعدك بذلك".
وبعد هذا الأتفاق مدّت كيري يدها نحوه فأمسك بها بول وضغط عليها ولكنه ما لبث أن حررها قائلا:
" الآن وقد أصبحنا صديقين فهل تقبلين دعوتي لتناول العشاء غدا مساء؟( ورأى التردد على محياها فأضاف مطمئنا ولكن مع أبتسامة مداعبة) الدعوة ستكون في مكان محترم , في الفندقمثلا حيث نستطيع الرقص أيضا , ولكي تشعري بالأمان سأدعو أيضا فالما وطوم كحارسين كما أعدك بأعادتك الى المنزل قبل منتصف اليل , هل أنت موافقة؟".
وأبتسمت كيري بخجل وقالت بأحتشام:
" شكرا , لقد قبلت الدعوة".
وأحست بالدهشة تنتابها وبشيء من الأرتباك , عندما أدركت أن أول موعد لها في حياتها سيكون مع بول دفرون نفسه .
" حسنا , سآتي لأصطحبك غدا الساعة السابعة والنصف مساء , يبدو أنه وقت الطعام , هيا معي وبأمكانك أن تخبرينا عن المستنقعات واللافتات المحذرة المنسية".
وبدون أية مقاومة سارت كيري الى جانب بول في أتجاه المطعم المتنقل.
كانت مالي تعمل في المطبخ تعجن الطحين وهي مشمرة عن ساعديها عندما دخلت كيري ورمت بنفسها في مقعد وحدقت في جزمتها المصقولة بمزاج معكر , ولم تتفوّه مالي بكلمة حتى أنها لم ترفع رأسها عن الوعاء , فهي تعرف جيدا أن كيري سوف تفتح لها قلبها أذا كان هناك من أمر يثقل كاهلها , وأخيرا قالت كيري:
" مالي ماذا كنت سترتدين لو أنك دعيت لفندق غالغرتون لتناول العشاء ثم الرقص؟".
وتوقفت مالي على الفور ولكنها عادت الى الوعاء وكأن السؤال من النوع الذي كانت كيري تطرحه عليها كل يوم مع أن صوتها هذه المرة كان ملحا في اللامبالاة أكثر من أي يوم آخر.
ردت مالي وهي تتساءل عما تقصده سيدتها الصغيرة:
" فستانا خاصا على ما أعتقد".
" حسنا ( قالت كيري وكان دماغها يعمل بسرعة هائلة وتوصلت في النهاية الى قرار مرضي فأضافت بفرح ) أذن أنا لست مضطرة للذهاب , فأنا لا أملك فستانا خاصا".
" لست مضطرة للذهاب الى أين أيتها السيدة الصغيرة؟".
ودارت كيري على نفسها وفجأة رأت والدها الذي جاء من الحديقة على نحو مفاجىء متكئا على باب المطبخ , وشعرت بالتوتر والقلق وهو ينظر اليها بعينين متسامحتين .
" أين قلت أنك ستذهبين ثم عدلت عن رأيك؟".
وكست وجه كيري حمرة الخجل تحت وطأة أنظار والدها الثاقبة , فوثبت واقفة وتمتمت بتلعثم وبشيء من الغموض:
" ليس الى مكان معين".
" دعك من هذه المراوغات , أين كنت تزمعين الذهاب ثم عدلت؟".
" لقد دعاني بول دفرون لتناول العشاء ولكنني لا أملك فستانا لائقا لذلك فأنني لا أستطيع الذهاب".
" تعالي معي يا كيري , سنتحدث قليلا , ( قالها بلهجة آمرة)".
وجرت كيري نفسها الى جانب والدها خارج المطبخ عبر الرواق الذي يؤدي الى مكتبه.
فتح الباب وأومأ اليها بالدخول , وبنظرة تنم عن الخوف , دخلت كيري المكتب كما أمرها والدها , هنا أيضا كانت صورة كبيرة لأمها داخل أطار وقد أرتسمت على وجهها أبتسامة عابثة , معلقة على الحائط , وبصورة تلقائية ردت كيري الأبتسامة ثم تذكرت جدية الموقف فجلست على ذراع كرسي مستقيم الظهر ونظرت الى أبيها , كان يحدق هو الآخر فيها محاولا أخفاء الأبتسامة عن وجهه.
" والآن ....... ( قالها بلهجة صارمة ) لنعد الى موضوع الذهاب وعدم الذهاب".
" أجل ماذا؟".
" لنبدأ من البداية , أعتقد أنه لم يكن هناك أي أكراه , أيا كان , أجبرك على قبول تلك الدعوة , أليس كذلك؟".
" كلا لقد قبلت بأرادتي".
ونظر اليها مليا وقال بلهجته القاسية التي لم تلن:
" والآن فأنك لا تريدين الذهاب؟".
وتململت كيري في جلستها وحدقت في يديها بعبوس وتمتمت:
" لا أدري".
" هذا ليس عذرا ( قال ريتشارد وهو يجلس وراء مكتبه دون أن يحيد بصره عنها وأضاف ) ألست معجبة ببول دفرون؟".
لقد بدأ الحديث ينزلق على دروب خطرة , وتمنت كيري لو أنها أستطاعت عدم الرد على السؤال ولكنها أدركت وهي تعرف والدها جيدا ألاّ مفر من الأجابة , فهو في أنتظار جواب وجواب صحيح وصادق.
" كلا... ( قالت وهي لا تجرؤ على النظر اليه ثم أضافت بتردد) أجل .... أعني أنا لا أعرف , أنني أستلطفه عندما أكون بقربه ولكن عندما أبتعد عنه أحس بتغيير".
" رأيي هو أنك تتخبطين في أمر يا عزيزتي الصغيرة , وهذا الأمر هو مجرد جبن , فأنت تخافين من تقبل بعض الملاحظات اللاذعة حول موعدك الأول خصوصا بعد ملاحظاتك أنت بهذا الخصوص , أليس كذلك؟".
" كلا , هذا ليس صحيحا , يبدو أنك تدفعني لتناول العشاء مع رجل لم تلقاه بعد ويتمتع بصيت مثل صيت بول دفرون".
ولمعت عينا ريشارد دروين بغضب وقال :
" أنت ما زلت في عمر لا أتوانى معه من تلقينك درسا مفيدا أيتها الصغيرة , وفيما يتعلق ببول دفرون فعلى الرغم من أنني لم أعرفه أبدا فقد تحدثت مطولا مع الكولونيل نريفريل في هذا الموضوع , أنا على أتم الأستعداد لأثق برأيه , أنه يستلطف بول دفرون ويثق به , فهل كنت تعتقدين أنني سأشجعك على الخروج مع أي شخص أجهل كل شيء عنه ... خصوصا بعد الذي حصل في حفلة الكرنفال".
وثارت كيري من جديد وردت:
" لم يحدث شيء في الحفلة".
ونظر اليها بطرف عينيه , ورد قائلا:
" يجب أن تشكري بول دفرون على أنه لم يحدث شيء , لقد نظّم اليانصيب بروح التسلية وكان قدم لك خدمة كبيرة لو أنه عانقك أمام الجميع عندما عاد الى القاعة , لقد جعلت الصحف منه موضوع سخرية وتندر".
" هل فعلت ذلك؟".
" بالطبع , ولو أنك قرأتها لعلمت بالأمر".
وعادت كيري وسألت بصوت خافت:
" وماذا قالت الصحف؟".
" كالعادة , ( عاشق هوليوود الذائع الصيت تصده فتاة من ديفون مورس) وعنوان آخر ( بول دفرون يحصل على " لا " قاطعة , ( وهزّ كتفيه وأضاف ) لقد سخرت الصحف كثيرا من موقفه , ولكنه قابل هذه الحملة بشجاعة فائقة , والآن جاء دورك , فقد تواجهين سخرية لاذعة ".
وفكرت كيري في الموضوع مليا , لم يطرأ على بالها أن بول هو الذي سيتحمل أكثر منها نتائج العشاء , هذا أذا قبلت في النهاية الدعوة , ولكن يبدو أنه لا يوجد أي شك في أنها ستقبل الدعوة , فكرامتها تملي عليها واجب الذهاب ليس فقط كرامتها فهناك بالطبع متعة في حد ذاتها , وقررت كيري أن تتوقف عند هذا الحد.
" أنا آسفة يا ألي ( وتمتمت متلعثمة ) أعتقد أنه.... بسبب خجلي , أعني أنه غريب تماما بالنسبة الي".
وضحك دورين وبحنان وضع يده حول كتفيها وقال:
" بالطبع كل فتاة تتلهف لرفقته, أنك تنضجين الآن ومن الطبيعي أن تلمسي في نفسك تغييرات على الرغم أرائك حول موضوع العلاقا العاطفية".
ورفعت كيري رأسها وعادت الأبتسامة المشاكسة ترتسم على شفتيها وردت بشيء من العصبية:
" أنا لم أتغير وكذلك لم يتغير تفكيري".
وبرقت عينا دورين وقال موافقا بسرعة:
" بالطبع , ولكن هذا يجب ألا يمنعك من قضاء سهرة ممتعة , أنت تحبين الرقص أليس كذلك ؟ ومن الأقوال التي سمعتها عن بول دفرون أنه راقص بارع".
وترددت كيري , وشرت أنها كرقاص ساعة , كان هناك التردد القديم في أعماقها الذي يحثها على عدم رفع راية الأستسلام , وفي الوقت نفسه تشعر بخوف غريب من جاذبيته الطاغية, كان القرار صعبا لذلك عاودت الككرة وقالت:
" المشكلة زلّت على حالها , ليس عندي فستان لائق للسهرة".
تساءلت هل ما شعرت به لتوها هو أرتياح داخلي أم خيبة أمل.
منتدى ليلاس

" أليس عندك أي شيء يناسب الدعوة؟".
وهزت كيري رأسها , فالقضية لا تحتاج الى وقت طويل لأيجاد حل لها , لديها ثوبان فقط.
" كلا الفستانين لا يناسبان الحفلة ( وأضافت بعد لحظة ) وكلاهما لا يلائمان مقاييس جسمي".
ومرر ريتشارد دورين أصابعه في شعره بشيء من الحيرة وقال:
" في هذه الحال يجب أذن أن نشتري لك فستانا جديدا".
وهزت كيري رأسها معارضة وقالت بشدة :
" كلا , نحن لا نستطيع تحمل مصاريف جديدة ".
وهز دورين رأسه وهو يفكر:
" يجب أن أعترف بأنك على حق , لقد هبطت أسعار الأسهم من جديد الى الأسوأ , لذلك يجب أن نزيد من التقشف في المستقبل".
ونظرت اليه كيري نظرة بائسة وفكرت ببعض الأمور التي يمكن الأستغناء عنها , ثم قالت:
" لماذا لم تطلعني على الأمر ؟ لقد طلت منك في الماضي أن أجد عملا مناسبا , وسأبحث الآن بجدية عن وظيفة , ( وتابعت بصوت حازم) أن مالي لا تحتاج الى مساعدة في تدبير المنزل".
ووافق دورين على مضض أنه سيفكر بالأمر , وأضاف:
" وفي أي حال ليس في الوقت الحاضر , فالمشكلة الملحة الآن هي أيجاد فستان لائق بك".
وأخذ يذرع الغرفة ذهابا وأيابا وهو غارق في تفكيره , وفجأة توقف وألتفت وصرخ بصوت منتصر كالأطفال أرعبها قليلا:
" لقد وجدته , سترتدين أحد فساتين والدتك الذي كانت ترتديه لرقص الباليه ( وأضاف وقد رأى الدهشة ترتسم على وجهها ) تعالي معي سنذهب ونفتش الخزانة".
ثم أمسكها بيدها وجرها خارج المكتب , وأندفع دورين الى السلم وهو يكاد يرفع كيري عن الأرض من شدة حماسه وفتح باب قاعة الرقص ووقف ينظر الى صف الفساتين المعلقة بعينين باحثتين.
وأنتقل الحماس الى كيري أيضا فسحبت فستانا من المجموعة كان يستحوذ على أعجابها هو عبارة عن تنورة أنيقة فضفاضة وصدارة مصنوعة من الحرير الأبيض مزركشة بنتف ريش بيضاء ومثبتة بشريطين مصنوعين أيضا من الريش الأبيض.
" أذهبي وضعيه عليك".
قال ريتشارد بحماس شبيه بولد صغير طرأت له فكرة مفاجئة بارعة , وفيما كانت كيري تختفي وراء الستارة , أخذ هو يفتش عن حذاء ملائم فوجد حذاء فضيا مشابها لحذاء الباليه الأصلي ولكن بكعبين عاديين ,فناداها بأعلى صوته:
" لقد حلت مشكلة الحذاء أيضا , لقد وجدت حذاء لوالدتك يشبه حذاء الباليه ولكنه أكثر راحة ويناسب الحفلات".
وأطلت كيري من وراء الستارة فألقى عليها نظرة تمت لأول وهلة على موافقة صامتة , وبلع ريقه بصعوبة وهز رأسه قائلا:
" أجل أنك تنضجين يا كيري".
وتطلعت كيري بشيء من الأستغراب الى التعبير الذي أرتسم على وجه أبيها ولكنها قررت ألا تعلّق عليه , وسألت بأضطراب :
" هل تعتقد أنه سيكون ملائما؟".
" أنه يفي بالغرض تماما".
وأمعنت النظر الى الطرف الأعلى من الفستان بعينين نافذتين وقالت :
" ألا تعتقد أنه مكشوف ؟".
ورد على الفور:
" لا تكوني سخيفة , أنه أكثر حشمة من معظم فساتين السهرة , في أي حال لقد أرتديت الفستان من قبل عندما كنت ترقصين في هذه الغرفة".
" هذا وضع مختلف ( أعترضت كيري) لم أذهب أبدا ألى المدينة وأنا مرتدية هذا الزي".
" أنت غير معتادة على أرتداء فساتين السهرة , هذا كل ما في الأمر , هناك سترة مخرمة وصغيرة بأمكانك وضعها على كتفيك , أنها في الأسفل وسأحضرها لك فيما بعد , أعتقد بأنك ستحتاجين اليها عندما تعودين في آخر السهرة على الرغم من أن الطقس يميل الى الدفء غدا".
وأبتسمت كيري وهي تتبع بنظراتها والدها وهو يخرج من الغرفة , وعادت الى وراء الستارة وخلعت فستان الرقص وأرتدت ثيابها العادية , كانت أفكارها قد عادت الى الوراء وتوقفت عند أمور قالها والدها قبل قليل , هل هي جبانة حقا؟ هل كان ترددها في قبول دعوة الغد متصلا برغبة في تجنب تصرفات لاذعة كانت تعرف أنها ستواجهها ؟ ولكن كان هناك أمر واحد تعرفه هي جيدا , وهو أن كيري دورين لم تكن جبانة على الأطلاق , وقررت في نفسها أن تدعهم يتكلمون على هواهم , فهي تحب الرقص وبول دفرون راقص بارع , وليس بوسعها بعد الآن أن تتهمه بالغرور وهو بدوره بأمكانه أن يكون رفيقا مسليا , ومع ذلك فقد ذكرت نفسها أن ملامح السهرة وأن بدت جذّابة ألا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة.


الساعة الآن 08:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية