منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t162128.html)

نيو فراولة 30-05-11 09:54 AM

168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
168- نصف الحقيقة - دافني كلير- روايات عبير القديمة


الملخص



عندما تشاء الظروف أن تصعقنا بما لا نتوقع, ننظر حولنا فجأه فأذا الحياه غيرها , والمفاجأه الكبيره التي أذهلتنا لم تترك وراءها الا هوة واسعه تشطر العالم نصفين ,عندما توفي تيري عقب احدى محاولاته الجريئة في الطيران , كان عهد زوجته رينا وأبنه داني الى صديق طفولته وشريكه المخلص لوجان الذي لم يقصر في واجباته نحو اسرة صديقه بل تفانى في اخلاصه الى حد يتجاوز مجال الصداقة, هذا مآجعل رينا تزداد ريبة في نواياه , وتتصرف نحوه بعدوانية تتفاقم مع مرور الأيام ,وخصوصا عندما أخذت تشعر بأن عواطفها نحوه لم تعد محايدة تماما.
ولكنها في وفائها للماضي تحكم على شبابها بالأعدام , والحرمان لا يحرم فريسة ضعيفة مثلها, من يدري ربما كان مفتاح الخلاص يرقد تحت الحطام بأنتظار يد تمتد الى قلبها المعذب ....

نيو فراولة 30-05-11 09:56 AM

1- زائر الليل


أغلقت رينا باب الغرفة بهدوء على ولدها , وظلت دقائق مستندة على الحائط منهكة القوى , داني أصيب فجأة بأنفلوانزا حادة ألزمته الفراش مما تطلّب من والدته أن تبقى بقربه لتعتني به , دون أن يقيم هو وزنا للتعب العصبي الذي يسببه لها بمتطلباته , ولكن كيف يمكن أن نلومه وهو في مثل هذه السن التي لم تتجاوز الأربع سنوات؟
توجهت رينا الى المطبخ لتحضر لنفسها فنجانا من القهوة ولكنها ما كادت تشعل النار حتى سمعت صوت جرس الباب الخارجي.
" أفي هذه الساعة؟".
هذا ما قالته لنفسها بغيظ وهي تفكر بداني الذي لم يكد ينام ألا منذ خمس دقائق.
ومع أن الوقت لم يكن متأخرا , فالساعة على الجدار تشير الى الثامنة والنصف , ذهبت رينا لتفتح الباب وهي تعرف مسبقا من هو الزائر , رجل طويل شديد السمرة , أستقبلته بجفاء وهي تنظر الى شعره المبلل الذي تنساب منه قطرات الماء على سترته الجلدية , أبتسم أبتسامة خفيفة وهو يرفع حاجبيه متسائلا ثم دخل , وبحركة آلية أنزوت رينا أمام هذا الهيكل الضخم للوجان ثورن , أنه دائما يعطيها أنطباعا بضيق المكان , وكأن المنزل أصغر من أن يسع شخصا بمثل هذه الضخامة.
منتديات ليلاس
سألها:
" كيف حالك؟".
أجابت وهي تشيح عنه بعينيها:
" على أحسن ما يرام".
النور الشديد الذي يضيء المدخل أبرز تجويف عينيها ونتوء خديها , ولم يخف التعب الواضح على وجهها ع نظرات لوجان المتفحصة.
تبعها الى الصالون حيث أنارت مصباحا جانبيا أقل حدة في الأضاءة.
قالت:
" تفضا أجلس يا لوجان".
لكنه تجاهل دعوتها وشدها من ذراعها فأرغمها أن تستدير بأتجاه الضوء , ثم أمسك ذقنها بيده وتفحصها بأنتباه شديد .
سأل مستجوبا:
" ماذا حدث؟".
أجابت وهي تتخلص من قبضته بسخط:
" لا شيء , بكل بساطة متعبة قليلا , وداني كان مريضا".
" يبدو أنك مرهقة بشكل كبير".
قالها وهو ما زال يتفحصها بعناية شديدة".
قالت بمرارة:
" شكرا".
" سامحيني لهذه الصراحة. ولكن هذه هي الحقيقة , ماذا حدث ادان أذن؟".
لوجان لا ينادي الطفل داننيل بداني , وهذا ما يزعج رينا كثيرا , لكنها من ناحية أخرى , تجد أن سلوك لوجان في أغلب الأحيان مثير".
" أصابته أنفلوانزا , وأرتفعت حرارته كثيرا".
" بالتأكيد أنتقلت العدوى اليك؟".
أجابت وهي تجلس على أريكة مخملية ذات لون أزرق جميل:
" قليلا , ولكنني شفيت الآن".
دفع لوجان شعره المبلل الى الخلف ليكشف عن جبهة عريضة برونزية , ثم قال بشيء من السخرية:
" ولكن من ينظر اليك لا يشعر بذلك , هل أستدعيت الطبيب؟".
" نعم".
قالتها بغيظ رغم الجهد الذي تبذله لتخفي الأنزعاج البادي على محياها:
" هل تريد فنجانا من القهوة؟".
" لا , ماذا بك الآن؟".
" لا شيء.......".
" هيا رينا , أفصحي عن نفسك , أنك تواجهين اليّ نظرات كالصاعقة , وهذا ليس بدون سبب , على ما أعتقد؟".
" أنت تعاملني وكأنني أم قاسية , أليس كذلك؟".
قالتها والغضب يلتمع في عينيها الخضراوين :
" لقد أعتنيت بأبني كل العناية , ولا يمكن ألا أن أكون كذلك , وما نظنه........".
" أرجوك يا رينا ".
قاطعها بحدة :
" لا أقصد أن أقول ذلك , هذا مخجل".
" حسنا , كيف يمكن أذن أن تفسر أستجواباتك هذه؟".
بذل جهدا كبيرا ليسيطر على أنفعالاته , ثم أجاب بهدوء:
" لم أقلق من أجل دان , وأنما من أجلك , وأنت تعرفين هذا تماما , لأنك لا تعتنين بنفسك بما فيه الكفاية".
نظرت الى وجهه المتجهم , ذقن مربعة , أنف مستقيم , تقاسيم وجهه توحي بالرجولة , شفاه ممتلئة تضفي لمسة حسية , وتحت الحواجب المقطبة عينان زرقاوان تقدحان غضبا باردا وثاقبا.
تخضبت وجنتا رينا من شدة أنفعالها.
" أعذرني".
قالتها بصوت مضطرب , ثم شحب لونها وأرتجفت , أضافت دون أن تنظر اليه:
" بحق السماء يا لوجان , أجلس".
وعلى عكس ما توقعت رينا , بدل من أن يجلس على أحدى الأرائك , جلس الى جانبها ومال قليلا بأتجاهها مستندا بكوعه عل مسند الأريكة.
هذه الحركة أحرجت رينا , فأنتصبت في جلستها , داعب خدها بأصابعه وتمتم:
" لقد خضعت أعصابك لتجربة قاسية , أليس كذلك؟ أنا آسف ؟لأنني لم أخفف عنك ,وذلك بالوقوف الى جانبك".
وشكل غير ملحوظ , أبعدت رينا رأسها عن ملامسته.
" لقد تدبرت أمري لوحدي بشكل جيد".
أجابت وهي تهز كتفيها:
" وفي الواقع ليس عليك أن تتحمل أتجاهنا مسؤولية كبيرة الى هذا الحد , وتيري لم يكن يريد تماما..........."
. قاطعها لوجان:
" تيري عبّر بوضوح عن رغباته الأخيرة وأنا لا أعتبر أن هذا عبء ثقيل علي , وبالتالي فأنا أنفذ هذه الرغبة بسرور كبير ".
راقبته رينا بحذر شديد محاولة أن تستكشف التغضن شبه الساخر على فمه.

نيو فراولة 30-05-11 09:58 AM

" أنت تضحي بالكثير من وقتك من أجلنا ,ولن أنسى ذلك".
" وبدون شك , لي أسبابي".
أجاب بأبتسامة ذات لغز غريب :
" وفي كل الأحوال كان تيري سيفعل نفس الشيء لو كان مكاني ".
" ولكنك لست متزوجا".
" صحيح , لقد كان تيري أكثر حظا من هذه الناحية".
وفي الحقيقة لقد كان تيري قد عاش بضع سنوات من السعادة مع رينا , كان يعشق زوجته وأبنه الذي حقق غريزته الأبوية , ولكن لسوء الحظ لم تكتمل هذه السعادة , تحطمت طائرته السياحية في العام الماضي , ومات بعد أن قضى بضعة أيام في المستشفى أثر أصابته بجروح بليغة كانت ستجعله معوقا بقية حياته لو عاش.
" ما كان سيحتمل أن يعيش معوقا على كرسي متحرك ".
قال لوجان بهدوء وكأنه يقرأ أفكار رينا.
صحيح, هذا الرجل المغامر , المهووس بالسرعة , الشغوف بالمخاطر والحركة , لن يقبل أبدا أن يعيش كالميت بين الأحياء , لقد قام بحركات بهلوانية عندما أصيب بالحادث , وهبط مندفعا ليمر فوق خطوط الكهرباء ذات التوتر العالي , ومع أنه أستطاع أن ينجح مرات عديدة , فأن الحادث كان حتميا في ذلك اليوم , لم يكن لوجان لطيفا مع صديقه ذلك اليوم , وأنما كان في حالة من الأنفعال الجنوني , ووصف تيري بكل النعوت , يا له من أستهتار أن نلعب مع الموت بهذا الشكل من أجل لذة وحيدة , ألا وهي أدهاش العالم بأقتحام المخاطر التي لا فائدة منها .
وجد نفسه بجانب رينا أثناء هذا الكابوس المرعب , شاهدا الطائرة وهي تسقط على الأرض وهما عاجزتن ثم ساعدا رجال الأسعاف في أنقاذ الجسم المشوّه من بين الحطام , وهكذا بدأ الأنتظار الطويل في المستشفى , وكفّ لوجان عن أن يلعن غباء تيري بعد أن فهم بأن موقفه سيكون غير لائق في عيني رينا.
" يا ألهي , سامحيني يا رينا".
هذا ما صرّح به بصوت مفعم بالحزن , لقد تألم هو أيضا بشكل كبير وكانت ردة فعله أتجاه كل هذا الألم هو الجنون.
" لا تعتذر يا لوجان( صرخت بأندفاع) أشعر تماما بنفس الشيء".
" نعم".
أضاف هذه الكلمة فقط وهو ينظر في أعماق عينيها الحزينتين.
كان هذا الموقف الوحيد الذي رأته فيه وهو على وشك أن يفقد السيطرة على أنفعالاته , وهذه هي المرة الوحيدة التي شعرت بقربها منه بشكل حقيقي , تيري ولوجان أصدقاء طفولة , تيري كان متعلقا كثيرا بذلك الطفل البائس الذي يدرس معه ولكن في القسم الداخلي بسبب طلاق والديه , وعندما أصبحت رينا زوجة تيري كيمبل قبلت بدون نقاش دخول شخصية لوجان في حياتها , كان الصديقان متشاركان في تأسيس شركة متخصصة في تصليح الطائرات السياحية , وبالتالي واضعين نصب أعينهما أن يزوداها بآليات ومعدات تغطي حاجات السوق المحلية والأجنبية.
ولم تتأخر رينا في معرفة حقيقة التكريس الذي يكنّه خطيبها لصديقه لوجان , أنه يعتبره كبطل منذ ذلك اليوم الذي أخذه فيه تحت حمايته ودافع عنه ضد مجموعة حاولت أن تعتدي عليه في باحة المدرسة , وهذه الحركة الأريحية من رفيقه الأكبر حجما والأقوى , كلفته ألا ينسى معروفه الى الأبد.
ولدى خطوبتهما , كان لوجان يقيم في أوستراليا من أجل أعمال تتعلق بالشركة , كان مسؤولا عن أيجاد سوق لتصريف النماذج الأولية التي تعتبر آخر األأبتكارات الحديثة , وأصر تيري ألا يحدد موعد الزواج ألا بعد عودة صديقه.
ولم يكن هناك سبب آخر يمكن أن يجعلهما ينتظران , أنهما متحابان , تيري لم تعد له أية صلة عائلية يتمسك بها , أما رينا فكانت فقدت والدتها وهي لم تزل في الثانية من عمرها , ثم تزوج والدها من أمرأة أخرى وأنجب منها ثلاثة أولاد , كانت تعيش معهم في ساوث آيلاند وشيئا فشيئا بدأ أهتمام أبيها بها يقل , وفي ظل هذا العجز المشترك للعلاقات العائلية أقسم تيري ورينا ألا يخلقا أبدا موقفا مشابها , لا بل سيبنيان زواجا متينا مدى الحياة ويرعيان أولادهما تحت ظلال الدفء والحرارة لعلاقتهما الوطيدة.
قصتهما بدأت بشكل جميل حتى ذلك الحادث المؤلم الذي وضع حدا لهذه السعادة , ومنذ ذلك اليوم ورينا تكافح بصعوبة شديدة ذلك الحقد والغضب الذي يهددها بالقسوة , كان تيري كل شيء بالنسبة اليها ,ومع ذلك وبنقاء طفولي , فأن طيشهوتعطشه للأعمال البطولية والمفاخر أفسد كل شيء.
ضابط المباحث كان قاسيا في أحكامه على لامبالاة القبطان , ولحسن الحظ فهو لم يغامر بحياة أي راكب , ولكن أي جنون أن ينهمك في مثل هذه التجارب والمناورات المحفوفة بالمخاطر ! وفي هذه اللحظة أغلقت رينا عينيها وكأنه كان بودها أن تشارك تيري مصيره , ولكم تأسفت على أنها لم تمت معه.

نيو فراولة 30-05-11 10:00 AM

ضغط لوجان يديه المعقودتين على ركبتيه بأنفعال , وبقي هكذا حتى نهاية الحديث , وبفضله تمكنت رينا من السيطرة على أحزانها , ثم ألا يجب أن تفكر بأبنها داني ؟ أنه في الثانية والنصف من عمره وما يزال بحاجة الى حب كبير ورعاية كبيرة , عملت رينا على أن ترعاه على أحسن وجه لتعوضه فقدان والده , وأقسمت ألا تتخلى عنه , وألا تكون أنانية بأن تستسلم لأحزانها , لا بل أن تبذل ما بوسعها لتكرس نفسها تماما لأسعاد داني , ولا يجب في أي حال من الأحوال أن يتأذى من وفاة والده.
كان لوجان أهلا لعرفان الجميل , ففي الأيام الحالكة التي أعقبتالدفن ورغم حزنه الشخصي والعميق لم يوفر وقته وطاقته لنجدة رينا , وسخّر نفسه بالتمام والكمال الى أقصى الحدود وظل قويا ثابتا كالصخرة , وفي كل مرة تحاول رينا أن تشكره يجيب ببساطة :
" لقد وعدت تيري أن أسهر عليك وعلى دان يا رينا , وهذا طبيعي جدا".
ومع ذلك فبعد مرور الصدمة الأولية , أرادت رينا أن تحقق أستقلاليتها , أنها لم تعتمد من قبل طيلة حياتها على شخص بهذا الشكل , وعن قريب ستولد لديها الرغبة في التحرر من هذا الأهتمام اللطيف ولكن القسري من قبل لوجان , من المؤكد أنه خفف عنها كثيرا , وكانت ترحب بحضوره ومساعدته ولكن آن الأوان بالنسبة اليها كما بالنسبة الى أبنها أن يتوصلا الى تحقيق الأستقلال الذاتي والشخصي.
وعندما قررت أن تعتمد على نفسها في تدبير الأمور , لاحظ لوجان ذلك وقال بأبتسامة باهتة بعض الشيء:
" أنني موافق , أنا أفهمك تماما , ولكن سأتابع السهر عليكما أنتما الأثنين , هذه أرادة تيري , فأذا ما شعرت بالحاجة الي , أرجو ألا تترددي في الأتصال بي في أي وقت وفي أية ساعة".
" شكرا , ولكن في الحقيقة تيري لم يكن يريد أن يحمّلك وزرنا مدى الحياة".
منتديات ليلاس
ضحك لوجان ولأول مرة بعد الأحتفال الجنائزي في المقبرة , بأستثناء تلك الضحكات التي كان يتبادلها مع دان أثناء ملاعبته له , ثم وجه أليها نظرة حادة وتمتم بهدوء شديد:
" أي وزر وأي عيب".
أستدارت رينا بسرعة وبأنزعاج , كان من الصعب عليها أن تتحمل نظراته المركزة عليها , أنها تذكرها بطبيعتها الأنثوية , الخطوط الدقيقة لوجهها , والحواجب المرسومة بعناية على شكل أقواس فوق قزحيتين خضراوين لامعتين , والفم الجميل الممتلىء , والشعر الكستنائي الطويل المنساب على كتفيها,والجسم النحيل ذي الأنحناء الرقيق الغالي جدا على تيري , لا , لا يمكن لأي رجل وخاصة لوجان , أن يكون له الحق في أن يتأملها بهذه الطريقة.
ولقد كان عراب الزواج , وقابلته رينا للمرة الأولى ليلة الأحتفال , أصر الخطيبان أن يحتفلا بالقران ببذخ , فأسرفا في توفير كميات الورد والموسيقى والزينات ..... وسيرويان فيما بعد على أولادهما ذكرياتهما التي ما تزال حية عن ذلك اليوم الحافل.....
وفوجئت رينا بلوجان بشكل كبير عندما قدمه لها تيري , وبقيت مسمرة في مكانها مذهولة , لقد رأته نمرا , ضخما , قويا وخطرا......وبدون أن تعرف السبب وبالغريزة أخذت حذرها من هذا الرجل الذي يتمتع بقوة غريبة , فكرت رينا بأرتياح , لحسن الحظ أن لوجان كان يعيش في أستراليا في تلك الفترة , ولذلك لم يكن هناك وقت لكي يسأله تيري عن رأيه بها , لأنها أذا لم تنل أعجابه لما تردد في فسخ خطوبتهما , لم تتأكد رينا من مشاعرها الأولية ولكنها بالفطرة راودتها بعض الشكوك , وعندما مدت يدها , تأملها لوجان من رأسها الى أخمص قدميها , وكأن هذه النظرة تكفيه ليكوّن فكرة عنها , مد يده بخفة وحيوية ثم أبتسم هازا رأسه :
" لقد سبق وقدمت التهاني لتيري والتمنيات السعيدة".
قالها بلهجة ممطوطة , لقد بدا صادقا ولكن رينا لم تسترح لعيني لوجان المتسائلتين بصمت , أي طبيعة يخفي جمال كهذا؟ ولم يحاول أن يخفي فضوله , ولم يكترث حتى للأنزعاج الواضح على وجهها.
لو كان لوجان أكثر حرارة لأسرعت رينا بأشهار تعاطفها ولأكدت له سعادة صديقه , أنهما متحابان كثيرا , وسينجح زواجهما نجاحا عظيما.
ولكن بدلا من ذلك تضايقت من ملامسة يدها ليده , كدفاع عن الذات , ومن الغريب أنها شعرت فجأة بأنها أسيرة لهذا الرجل وأحكامه , وهو يتفحصها بصفاقة , وأخيرا عندما نظرت اليه بأزدراء وتعال( أنت لا تعجبني) قالت في نفسها ( وبما أنك صديق لتيري لن أظهر أي شيء مما أشعر).
وبطبيعته البريئ , لم يشعر تيري أطلاقا بهذا الخصام , أنه يتفاهم مع الجميع , ولا يمكن أن يفكر بحدوث مثل هذا التنافر بين رينا ولوجان , أب الناس الى قلبه , وبعد عقد الزواج كان للوجان أمتياز تهنئة العروس التي تعلقت بذراع زوجها وتحملت بصمت نظراته المتفحصة , أمسك ذقنها وأنحنى نحوها بتؤدة وجرأة تحمل الكثير من الأصرار.

نيو فراولة 30-05-11 10:01 AM

ظلت رينا بضع لحظات قبل أن تستعيد قوتها وتفتح فمها لتبتسم لتيري , ولكنها قررت ألا تدع هذا الرجل يلمسها بعد الآن.
غالبا ما تمنت ألا تراه , ولكن ذلك مستحيل بسبب تيري , حتى عندما يرفض دعوة شريكه بحجة أن يتركه يتمتع بالأيام الأولى لزواجه , كانت تضطر أن تصل به هاتفيا لكي ترجوه ألا يخيب رغبة زوجها , وهكذا أصبح شخصا أعتيد عليه في المنزل وبالتالي وبكل طبيعية أختاره تيري ليكون عرّاب أول أولاده عند ولادة دانييل , ولم تعترض رينا رغم عدم حماسها وطلبت من شاهدة الزواج أن تكون العرابة.
عبرت كارول عن سرورها لهذا الشرف ومما زاد سعادتها أنها ستلتقي ثانية بلوجان , كانت قد أمضت معه السهرة ليلة الزواج , وترك لديها أنطباعا شديد التأثير.
ولكن وأن كان لوجان يتذكرها ويعاملها بمودة ولطف , لم يجدد الدعوة الآن بمناسبة تعميد الطفل.
" لقد حاولت أن أبدو في أجمل حالاتي اليوم ( قالت كارول بعد رحيل لوجان) ولكنه بالكاد نظر اليّ".
وبينما كانت رينا تهدهد طفلها في سريره لكي ينام , نظرت كارول الى نفسها في المرآة التي أمامها على الحائط.... ربطات جميلة تحيط بشعرها الأشقر ووجهها الجذاب اللطيف حيث تقرأ في نفسها الآن خيبة أمل عميقة.
" ما الذي جعله يبتعد عني ؟( سألت كارول بغمّ) ألا يحب الشقراوات؟".
( أنها ليست من الطراز الذي يحبه من النساء) قالت رينا لنفسها وبتأكيد مطلق. ( بدون شك , لوجان لا تنقصه الصديقات , لكن كارول لن تعجبه أطلاقا , أنها ناعمة ولطيفة وتتمتع بأخلاص يمس القلب أتجاه أصدقائها ولكنها غير لامعة أنها على كل حال طيبة أكثر من اللزوم بالنسبة الى رجل مثل لوجان.....).
" ما الذي يغويك فيه؟ ( سألتها رينا) أنه لا تمع بجمال خاص..".
نظرت اليها كارول بدهشة :
" لا شك أنك تمزحين ؟ أنه يتمتع بجاذبية خارقة , نظرة منه تجعلني أرتعش".
" هل لاحظت عيونه ؟ (تابعت رينا) باردة وقاسية مثله , صحيح أنه ذكي جدا لا بل هو لامع , ولكنه خشن وبعيد عن الفطرية , صدقيني يا كارول أنت تستحقين أفضل منه , ولن تكوني سعيدة بل ستعانين مع رجل مثله".
أغتمت كارول من كلام رينا ولكن هذا لم تعد له أية أهمية طالما أن لوجان لم يهتم بها ,وبعد فترة سافرت في العطلة الصيفية الى الخارج , وهناك ألتقت بشاب أنكيزي وقعت في غرامه وتزوجته ولم تحاول العودة بعد ذلك الى نيوزيلندة ولكنها ظلت تراسل رينا , وأرسلت لها صورا لزوجها , أنه طويل وأسمر وذو عينين جميلتين ووجه طويل يشع بالذكاء , والى جانبه كارول تشرق سعادة.
نادى لوجان بخشونة :
" رينا , في الوقت الحاضر , حاولي ألا تفكري بكل هذا".
وبدون أن تشعر كانت رينا قد أستسلمت للذكريات وحملتها أمواجها الى البعيد , حيث أنها أستعادت كل هذه الذكرى ونسيت تماما وجود لوجان.
سألته باكية بصوت هادىء:
" سامحني يا لوجان , ماذا قلت؟".
" لا شيء , ليس في نيتي أطلاقا أن أزيح تيري من تفكيرك , ولكن دعينا نتحدث عنك أنت الآن , منذ متى لم تتناولي وجبة كاملة؟".
" أكلت بيضة ظهر هذا اليوم , ولكنني لا أشعر بالجوع وأنما على العكس أشعر بحاجة ماسة للنوم".
" بيضة؟( كرر بنبرة ساخرة) , سأحضر لك شيئا من المطبخ".
أحتجت رينا معترضة ونهضت , لكنه دفعها على الأريكة :
" أجلسي".
أمرها بصوت حاد وأنصاعت رينا رغما عنها وهي تراه يحمل أليها طبقا من الحساء مع قطعة لحم وجبن وخبز .
وثرث معها وهو يراقبها تتناول الطعام وعندما سألته أذا كان قد تناول عشاءه أبتسم بصعوبة وقال:
" نعم , في الطائرة منذ ساعتين".
فوجئت رينا عندما نظرت اليه ورأت ملامح التعب بادية على وجهه رغم لفحة الشمس.
" أذن أتيت مباشرة الى هنا؟".
هز رأسه بسرور , وتابعت:
" هل كانت الرحلة موفقة؟".
" تماما , ففرع الشركة في أستراليا آخذ في التوسع , ذلّلنا كل الصعوبات بعد أن ناقشنا موضوع أنشاء النماذج الجديدة".
أصغت رينا الى شروحاته التقنية , وكأن لديه هاجسا بأن يعطيها بأستمرار صورة عن حالة سير العمل في الشركة حيث كانت تود العودة الى العمل , وكانت أقترحت على لوجان مشروع عملها في الشركة لكنه رفض قبل دخول داني المدرسة , ومن البديهي أن تحل رينا مكان زوجها الذي كان يعتبر عبقريا في تركيب الآلآت والمحركات , وهذا ما جعل رينا تتساءل أذا ما كان لوجان قد شارك زوجها من أجل منفعة شخصية وليس من أجل الصداقة التي تربطهما وحسب , وهكذا يكون ألم لوجان لموت تيري له أسباب تبرر شكوكها.
وستشغل رينا بالتأكيد وظيفة في المكتب بعيدا عن الأجواء العملية الأخرى , مع أنها كانت قد تعلمت المهنة بسرعة وأحرزت شهادة في الطيران

نيو فراولة 30-05-11 10:02 AM

وعلى كل حال , قبل بلوغ داني الخامسة ودخوله المدرسة ليس هناك مجال لمواجهة هذه الأمكانية , فقرارات لوجان غير قابلة للأستئناف , حتى في حياة تيري كان هو الآمر الناهي , فهو المسؤول عن النواحي الأدارية والتجارية , وتحت أدارته تطورت الشركة بشكل ملموس , أما نيري فكان هو المخترع والمبتكر مع أن لوجان لم يكن جاهلا في الأمور التقنية , لقد قام بتجارب عديدة ومهمة في حقل الطيران وأثبت مقدرته في تصليح أي محرك لوحده ولكنه يعترف دائما بتفوّق تيري في هذا المجال.
" سأقوم بتحضير االقهوة".
قالها وهو يستعيد الصينية الفارغة.
" شكرا يا لوجان( قالت رينا بعد عودته) أنك لطيف جدا معنا".
" أليس كذلك؟".
قالها بنبرة تهكمية , وتابع:
" ولسوء الحظ تتعاملين معي بقسوة , وهذا مؤسف بالنسبة لي".
" لماذا تقول هذا الكلام ؟".
سألته وهي تشرب فنجان القهوة اللذيذة والمنشطة.
" صحيح".
ما زال يجلس الى جانبها ويضغط بكوعه على المسند ويتفحصها بعينين حادتين , أدارت رينا وجهها.
" آسفة أن أبدو جاحدة الى هذا الحد ,ولكنني مستقلة تماما , وهذا كل ما في الأمر".
" الموضوع ليس هنا ( قال بنفاذ صبر) لا أريد عرفانا بالجميل".
" ماذا تريد أذن؟".
بقي لوجان صامتا لفترة ثم تمتم:
" تطرحين علي سؤالا مهما وحساسا ...".
وعندما رفعت رينا رأسها فوجئت بالتعبير الغريب التأملي المرتسم على وجه لوجان , وأحست بثقل الصمت , وأضطربت من جراء نظرته الحادة , فحاولت أن تكسر هذا الضغط الرهيب:
" ولكنك لن تجرؤ على القيام بمحاولات للتقرب؟".
تابع تحديقه بها دون أن يرف له جفن ,وكأنه يختار كلماته بدقة ووضوح وقال:
" هل قللت يوما من أحترامي لك يا رينا؟".
أجابت بعد لحظة تردد:
" لا".
" وهل تأسفين لأنني لم أفعل...".
لمعت عيناها غضبا وصرخت:
" لا".
أمسك ذقنها بخشونة وكأنه يريد أن يجبرها على رؤية نظرة عينيه المتفرستين الثاقبتين.
" برأيك , الى متى يمكن أن تستمر صداقتنا الجميلة النقية على هذا المنوال يا رينا؟".
" أنت ديق تيري ولست صديقي".
وبحركة دفعته عنها , وشد يدها من جديد:
" تيري مات منذ أكثر من عام ولا نزال نتقابل في معظم الأحيان".
" فقط بسبب زعمك الأحساس بالواجب المفروض أتجاهنا".
شد أصابعه على يدها بعنف فقالت:
" أنت تؤلمني".
تركها فورا وتابع بهدوء وكنه يحلم:
" بجسب رأيك , أليس هناك سبب آخر يجعلني أسهر عليك وعلى دان؟".
" أنت تحب دان كثيرا وأنا أعرف ذلك".
سألها مداعبا:
" وماعري أتجاهك ألا تعرفينها أيضا؟".
" لا".
قالتها بعدم مبالاة وهي تنهض , قطب حاجبيه وصرخ:
" في هذه الحالة , لدي الوقت الكافي لأحصل على أمنياتي".
وفجأة وبحركة غير متوقعة شدّها اليه وحاولت رينا أن تدفعه وتتخلص منه لكنه حاصرها بذراعيه في طوق محكم.
دار رأسها وتوقفت لحظة عن المقاومة , وأحست كأنها مسلوبة الأرادة من هذا التصرف غير المتوقع , ورغم عدم تعاطفها مع هذا الأندفاع المتوقد , أحست بنوع من الحرارة تسيل في عروقها وتخترقها , ونتيجة لألحاح لوجان وقوته أحست برغبة عنيفة ومجنونة في أن تتجاوب مع أنفعالاته , وضعفت الى درجة أنها نسيت كل مقاومة ثم ما لبثت أن أستعادت نفسها بسرعة , وتخلصت منه وهي تصرخ وبصوت مخنوق:
" لا .... لا يا لوجان... أرجوك".
لكن يده القوية أمسكتها مجددا من رقبتها كما في السابق , تصدّت له هذه المرة وعندما تركها صفعته صفعة مدوية تركت بصماتها أثرا واضحا على خده البرونزي , وبعد لحظة لمع الغضب في عينيه ثم تراجع الى الوراء وأنفجر ضاحكا:
" يا لهذه الطباع! ( صرخ) هل تريدين أن تعبري لي عن مشاعرك أتجاهي؟".
" تماما". ( قالتها بصوت متحشرج وهي ترتجف غضبا) وـنذرك بألا تعاود ذلك أطلاقا , أمنعك من أن تلمسني , لقد كنت دائما بالنسبة اليّ شخصا لا يحتمل , هل تسمعني ؟ والآن , أخرج ".
نظر اليها لوجان بسخرية:
" وماذا ستفعلين ؟ ستظلين وفية لذكرى تيري حتى نهاية حياتك؟ لا يمكن أن تدفني نفسك حية وأنت في الرابعة والعشرين من عمرك يا رينا, فكري بالليالي التي قضيتها طيلة العام الماضي , باردة وحيدة , هذا لا يمكن أن يسامر الى الأبد".
" مرة أخرى أقول لك أخرج".
" عليك أن تتخذي قرارا بأن تعيشي حياتك من جديد.........".
قاطعته بعصبية :
" ليس معك على الأطلاق".
أرتجف لوجان وتابع :
" على كل حال , وليس مع أي شخص آخر , تيري مات يا رينا , لا تقاومي أهواء نفسك".
ودون أن يترك لها مجالا لتحسب أبعاد كلامه أستدار مسرعا بأتجاه الباب , وبعد أن خرج أغلقه بعنف ,وبقيت وحيدة تتخبط بأفكارها.

نيو فراولة 30-05-11 10:03 AM

2- شوكة في اليد


" أنه الطقس الخاص بمنطقة وايكاتو".
تمتمت رينا وهي تفتح ستائر غرفة نومها على سماء رمادية وضباب كثيف ورطب يغطي الحديقة , أرتجفت وهي تشد الروب دوشامبر الأصفر على جسمها , لم تكن مغرمة بهذا اللون بشكل خاص ولكنها أشترته تلبية لرغبة داني الذي قال لها ( بهذا اللون ستشبهين الشمس) , مع أن الشمس نادرا ما تشرق في حياتهما منذ وفاة تيري , الصدمة الشنيعة لغيابه بدأت تزول شيئا فشيئا ولكن الشقاء ما يزال مهيمنا.
يا له من طقس كئيب , وهذا النوع من الضباب يستمر عادة حتى فترة الظهيرة , الطقس الجليدي أفضل منه لأن الشمس على الأقل تشرق والسماء تصفو , وكان بأمكان داني أن يجلس على شرفة المنزل....
ولأول مرة منذ بداية مرضه نام بعمق على عكس رينا التي نامت بشكل قلق ومتقلب.
كانت تفكر طيلة الليل بحادث السهرة عندما أخذها لوجان بشكل مفاجىء بين ذراعيه , ونجح في أن يوقط فيها الرغبات المتراكمة الكامنة , كل ما تتمناه ألا تكون قد أرتبكت أي نوع من أنواع الخيانة.... وشكرت الله لأن لحظات الضعف التي مرت بها لم تستمر طويلا , وأستطاعت أن تتحكم بأنفعالاتها , وعلى كل حال يجب أن لا تعلق أهمية كبيرة على هذا التجاوب البحت مع رجل , لأن هذا طبيعي جدا بعد سنة كاملة من الوحدة... أنها تتألم بشدة من كونها لم تعد مع زوجها الذي تحبه , لكن تيري لم يعد له وجود , وأذا كان أحساسها يمكن أن يقبل رجلا أخر فأن قلبها بالتأكيد سيرفضه رفضا قاطعا , توجهت الى المطبخ لتحضر كأسا من الشاي.
منتديات ليلاس
وما كادت تنتهي من تناول أفطارها حتى سمعت صوت داني الناعم يناديها , ورأته جالسا في سريره وشعره الناعم البني ينسدل على عينيه السوداوين الجميلتين , وملامح وجهه الطفولي تعكس التشابه الكبير بأبيه.
قال داني بفرح:
"أنا جائع".
غرقت رينا بالضحك وهي تجلس بجانبه على حافة السرير وتقبله بحنان:
" أنا سعيدة جدا يا عزيزي , ما رأيك أن تتناول أفطارك اليوم خارج السرير؟".
" حاضر".
قالها بلهجة حازمة.
أتجهت الى المطبخ لتحضر له وجبة غذائية عنية من الحبوب وعصير البرتقال , وأخيرا فأن داني يتماثل الى الشفاء.
وحوالي الظهيرة , أنقشع الضباب رغم البرد اقارس وقررت رينا أن تنزل الى الحديقة أثناء قيلولة داني لتعتني بمزروعاتها ولتستنشق الهواء الذي كانت تشعر بحاجة ماسة اليه , بدلت ثيابها وعقدت شعرها الى الخلف وبدأت بتقليم شجيرات الورد الرائعة التي كانت بألوانها الحمراء والصفراء والبيضاء راحة للعين والنفس , أما زهور النرجس فقد شكلت بساطا جميلا في أحدى زوايا الحديقة.
أنها بواكير الربيع , وستتولد الطبيعة من جديد , بعد أن أستمر الشتاء فترة طويلة هذا العام... وهذه المنطقة تعكس الكآبة في الفصول السيئة.
جمعت رينا الأغصان المقطوعة ونقّت النباتات الأخرى من الشوائب وذهبت لتحضر عربة وتنقل بها ما جمعته لترميه خلف المنزل.
وبينما كانت منهمكة في عملها , لم تسمع صوت السيارة التي توقفت أمام المنزل وقفزت من المفاجأة لدى سماعها صوت لوجان وبحركة عصبية غرزت شوكة في يدها بعد أن أخترقت القفاز.
صرخت وألقت ما بيدها في العربة ورفعتها لتتفحصها .
" دعيني أرى ذلك".
قالها لوجان وهو يساعدها على خلع القفاز , وبعد أن رأى الشوكة المغروسة في الجلد الرقيق تابع:
" لا تتحركي".
أمرها وهو يسحب الشوكة بيد ثابتة , عضت رينا شفتها من الألم ولم تتحرك , ولكنها سحبت يدها بسرعة عندما أنحنى لوجان ليلثم المكان الذي تتلألأ فيه نقطة دم.
نظر اليها نظرة غامضة وأضاف:
" هيا لنحاول تضميدها ".
" سأهتم بذلك لوحدي".
أجابته وهي متضايقة من أن تبدو أمامه على هذا الشكل الفوضوي المتسخ بالوحل , تبعها الى الحمام بعد أن خلعت الجزمة المطاطية , وأصرّ أن يطهّر الجرح بنفسه.
" أتتصرفين بهذا الشكل مع كل الناس , أم أن هذا التصرف خاص بي؟".
" ماذا تريد أن تقول؟".
" أقصد أستقلاليتك , هل تتعلق بي شخصيا أم مع كل الآخرين؟".
" لماذا لا تنتظرني في الصالون ؟ أود أن أغتسل وأبدل ثيابي ".
غادرها لوجان بدون أية كلمة , وفتحت رينا الماء الساخن بعد أن أغلقت الباب , وبعد عشر دقائق عادت وهي ترتدي ثوبا من الصوف وشعرها يتموج على كتفيها بحرية وتلتمع لمسة من أحمر الشفاه على فمها , ألتفت نحوها لوجان الذي يقف قرب النافذة.
قال وهو يافحصها:
" لقد أعتنيت بنفسك أكثر من اللازم".
" لأن شكلي لا يطاق , كما قلت لي البارحة".
" لا..... أنت جميلة جدا وتعرفين ذلك".
خفق قلب رينا بين ضلوعها وأسرعت بالسؤال:
" أتريد أن تشرب شيئا؟".
" لا شكرا".
أجابها بعد صمت ,وكأنه يؤكد حيرة رينا وأستعجالها في تغيير الموضوع , وتابع:
" كيف أصبحت حالة داني؟".
" أحسن.... أنه نائم الآن".

نيو فراولة 30-05-11 10:05 AM

"هل يمكنني أن أدعوك هذا المساء لتناول العشاء في مطعم؟".
" لا أود أن أتركه لوحده , بالأضافة الى أنني متعبة".
" ولكن يجب أن تخرجي , السيدة كريمنز ستبقى الى جانبه".
" لا".
وقف أمامها وتأمل عينيها ثم قال بهدوء:
" سترفضين في كل الأحوال , أليس كذلك؟ حاى ولو أستعاد دان صحته , وحتى لو لم تكوني مرهقة".
" أذن أجلس طالما أنك قررت البقاء على ما يبدو".
" تقترحين علي ذلك بمنّية كبيرة".
" أرجو أن تسامحني , ألا تريد فعلا فنجانا من الشاي؟".
" موافق".
أمتعضت رينا من المرارة التي أظهرها لوجان , وأحضرت قطعتين من الحلويات بالجبن , أعدتا لوجبة الغداء الى جانب الشاي , ولدى عودتها الى الصالون صعقها الحزن المخيم على وجه لوجان , كان يستند برأسه الى الخلف يتأمل السقف , وكأنه في عالم آخر , وعندما رآها نهض بخفة وكأنه يريد أن يخفي كآبته.
" يا سيدتي أن هذا لشهي جدا".
وبدأ بتناول قطعة الحلوى.
" ألم تتناول غداءك اليوم؟".
" لا , أردت أن أنهي عملي بسرعة لأخرج مبكرا...".
" لتمر الى هنا وتراني؟".
" تماما".
قالها بسخرية لطيفة , وتابع:
" بالنسبة لمساء البارحة , رينا , أنا....".
" لا تعتذر ( قاطعته فورا) لننس ذلك".
وبعد أن خيّم الصمت عاد لوجان يقول:
"لم أكن أريد أن أقدم أعتذاري".
رفعت رينا رأسها وقرأت في عينيه بريقا غريبا من الغضب.
" أذن , ليست هناك أية ضرورة للحديث لأن هذا لن يجدي".
" أهذا صحيح؟ لكن ليس بالنسبة لي على الأقل".
قالها بلهجة متحدية , تنهدت رينا وحدقت فيه بصمت وحذر:
" بالمقابل , أمنعك من زيارتنا".
قالتها وهي تؤكد على كل كلمة , عضّ لوجان شفته ورمقها بنظرة مخيفة , ونهضت رينا بعصبية , وفي هذه الأثناء أقتحم داني الغرفة وقطع الحوار بعد أن أرتمى على عنق بوجان وضرخ بغضب:
" لماذا لم يعد العم لوجان يأتي لزيارتنا يا ماما؟".
"لن تفهم ذلك يا داني".
لكن صوت لوجان طغى على صوتها:
" لا تقلق يا دان".
قال ذلك وهو يأخذ الطفل على ركبتيه وتابع:
" أمك لا تعرف السبب".
" صحيح يا ماما؟".
وعندما ترددت أجاب لوجان بدلا عنها:
" طبعا , أنها لعبة".
" أية لعبة؟".
سأل داني وهو ينقل عينيه بينهما متعجبا.
أجاب لوجان بهدوء وهو يراقب حيرة رينا :
" أنها لعبة من ألعاب الكبار".
قال داني وكأنه أكتفى بهذا الشرح:
" وأنا ؟ ألن تلعب معي؟".
" طبعا , بعد أن أشرب الشاي".
قال داني وهو يسرع بأتجاه غرفته :
" أذن سأذهب لأحضر لعبة".
وضعت رينا فنجان الشاي بأنزعاج شديد , أن أبنها متعلق جدا بالعم لوجان , ولن تجرؤ أطلاقا على منعه من دخول البيت.... ولوجان كان يعرف ذلك تماما.
قال لوجان وهو يحمل الصينية الى المطبخ:
" دعيها".
تبعته رينا وسألته وهي تملأ المغسلة بالماء:
" هل ستبقى لتناول طعام العشاء معنا؟".
" وهل هذه هدنة بيننا؟".
" هذا سيسعد داني كثيرا ( أجابت ببرود) لأنه ما زال يحس بغياب والده".
" وأنت ؟ هل ما زلت تشتاقين اليه بالمقدار نفسه؟".
أنفجرت رينا كالعاصفة:
" ماذا تظن؟".
" سامحيني على عدم لياقتي".
أعتذر لوجان ببساطة وجفاء , فأستدارت رينا بعصبية شديدة لتغسل الصحون وهي ترتجف , أقترب منها لوجان ووضع يديه على كتفيها , لكن سرعان ما أنزلهما عندما شعر أنها في ذروة الغضب والأنفعال.
" لقد عبرت بشكل سيء عما أردت قوله".
وتابع كلامه بلهجة صارمة بعض الشيء:
" فأنا لا أجهل أنك ما زلت تتألمين بقسوة , مع أنه عليك أن تواجهي الحقيقة ذات يوم, وتضعي حدا نهائيا لماضيك , حياتك لم تنته بعد يا رينا".
" داني يناديك ".
نظرت اليه وهي تسمع صوت أبنها.
" سآتي حالا يا دان ( صرخ لوجان ثم تابع بهدوء أكثر ) رينا , لا يمكنك أن تحبسي نفسك في ذكرياتك الماضية , هاربة من الحقيقة..".
وفي هذه اللحظة دخل داني الى المطبخ حاملا تحت أبطه بعض اللعب.
" نعم يا دان سآتي حالا( كرر لوجان , وعلى العتبة أستدار وأضاف) أقبل دعوتك لي على العشاء".
وبعد العشاء وبينما كانت تحضر داني للنوم , قام لوجان بغسل الأطباق , وعندما عاد تجاهلته رينا وهي تكمل قصة الجنية التي تحكيها لداني الذي طلب أن يحتضن العم لوجان قبل أن ينام.
" تصبح على خير يا دان ( قالها وهو يعبث له بشعره) أنت بحاجة للنوم وكذلك أمك".
سأله داني بأبتسامة:
" ماما؟ لماذا؟".
" لأنها متعبة يا ولدي , حاول ألا تزعجها هذه الليلة ألا في حالة ضرورية جدا".
" حاضر , أتفقنا".
نظر داني الى أمه بدقة وقال لها بصوت حنون:
" أذهبي للنوم يا ماما , يجب أن تستريحي".
" حاضر يا عزيزي".

نيو فراولة 30-05-11 10:06 AM

أطفأت النور وألتحقت بلوجان الى الصالون ,كانت القهوة جاهزة على طاولة صغيرة أمام الأريكة ,أجلسها لوجان وقدم لها القهوة وجلس بجانبها.
"كان من الأفضل ألا تتحدث مع داني بهذا الشكل , فقد يقلق ولا يجرؤ أن يزعجني حتى وأن كان بحاجة حقيقية ألي".
" أنه لمن الضروري والبديهي أن يعرف أحترام الآخرين ".
" ليس لمن في سن الرابعة , أنت تعامله وكأنه في سن الرشد".
" أنه ذكي , ويستطيع أن يفهم بعض الأشياء , رينا , أنه ليس بطفل".
" نعم , هذا صحيح".
" أذن لا يجب أن تعامليه على أنه طفل صغير , ولا تنسي أنه سيذهب الى المدرسة في العام المقبل".
أنعكس على وجه رينا شيء من الهم , وأضاف لوجان:
" أشربي قهوتك".
ثم تابع:
" أما زلت تودين العمل في مؤسستنا عندما يذهب داني الى المدرسة , وتتحررين بعض الشيء من العناية به؟".
" نعم , لا بل أنا متمسكة بالمشاركة في تغشيل المشروع".
" السؤال ليس هنا , لقد كرّس تيري بما فيه الكفاية من الوقت والجهد ليتيح لك الأستفادة من ثمار تفانيه في العمل , لقد عمل بدون مقابل في السنوات الأولى".
" وأنت كذلك".
" ولكنني أحصد بركة هذا العمل الآن , هل يلائمك العمل في مجال الطيران للقيام بالتوزيع مثلا؟".
" لا...".
" هل أنت واثقة من ذلك تماما؟".
" فقد داني والده في حادث طائرة , ولا أريده أن يتحمل أحزانا أخرى".
" لا أطلب منك أن تقومي بأعمال بهلوانية".
" ألا توجد وظيفة أخرى؟".
" بلى , بالتأكيد , ولكنني أردت أن أقدم لك عملا ذا أهمية أكثر من عمل السكرتاريا".
" أحس بالسعادة والأمان خلف المكتب , أن مستقبل داني يكلف بعض التضحيات".
قالت ذلك وقد بدت عليها مظاهر الأنزعاج.
" ومن أجله أنت مستعدة لعمل أي شيء , أليس كذلك؟".
نظرت اليه نظرة تحمل شيئا من النقد.
" بكل تأكيد , أنا أمه , ولم يعد له غيري في هذا العالم ".
" ولكن أنتبهي ألا تتجاوزي الحدود".
" لم أفهم".
" بألا تصبحي أما متعسفة , يجب ألا تبالغي في حماية أبنك لأنك بذلك ستجلبين المتاعب له ولنفسك".
" الطريقة التي أربي بها أبني يا لوجان , لا تعنيك".
قالتها وهي ترفع رأسها متحدية , وبعد فترة صمت تابع لوجان بصوت هادىء :
" سواء كان ذلك يرضيك أم لا , سأقول ما يعتمل في داخلي , تيري وأنا كنا نحب بعضنا كالأخوة وأنا متمسك بأن أكون وفيا وأمينا لوعدي له , وبالتأكيد لن أملي عليك سلوكك , ولكنني سأنبهك الى بعض الأخطاء التي أراها وذلك من قبل الواجب نحو أغلى صديق , وطبعا لا يمكنني أن أرغمك على أن توافقيني ولكنك تمتلكين قدرا من الحس والذكاء الكافيين لتأخذي في أعتبارك رأي شخص ما وتناقشيه , مع تيري كنت ستتناقشين حول تربية داني أليس كذلك؟".
" طبعا , لكنك لست تيري".
" مفهوم ( قالها بألم ) ولكنني على الأقل عرّاب هذا الطفل , ويحق لي أن أقوم بهذا الدور المهم".
" لا أنكر عليك هذه العلاقة مع داني".
" أنه لمؤسف أن تعتبري هذه مشكلة , لا بأس".
وهز كتفيه كأنه يختم الحديث:
" لا تنزعج , أني متفائلة من صدق نواياك....".
" آه........بحق السماء ( صرخ مهتاجا) جنّبيني هذا النوع من الكلام".
ثم نهضت رينا متابعة:
" أنت عملت الكثير من أجلنا.....".
" أعرف ( قاطعها لوجان ) وأنت تلحّين في أزعاجي".
عضت رينا شفتها.
" لو أستطيع أن أشكرك بطريقة أو بأخرى".
" أنك مستعدة بأي ثمن ألا تشعري بعد الآن بأنك مدينة لي , أليس كذلك؟".
سأل بخبث وبصوت يرتعش من الغضب , فأجابت:
" صحيح الى حد ما , نعم".
وفجأة أستعادت رينا في ذاكرتها مشهد الليلة الماضية , عناق لوجان , لمته , وبصورة عفوية تراجعت الى الوراء.
ولكن لوجان كان أسرع منها , أمسكها من رقبتها وشدّها نحوه وعلى وجهه تعبير ساخر مخيف.
تنهدت:
" لن تجرؤ...".
" لا.... وسأندم لذلك".
تركها ولكن قلبها ظل يخفق.
صرخ بها:
" خاب أملك؟".
قالت بأحتقار في عينيها تأهب أجرامي:
" سيسعدك جدا".
أنفجر لوجان ضاحكا :
" تصبحين على خير يا رينا , لقد أستغليت ضيافتك الطيفة أكثر من اللازم.
قالها ساخرا وهو خارج.
وفي اليوم التالي , على الرغم من المطر والبرد كان على رينا أن تخرج الى السوق بعد الظهر لشراء بعض اللوازم المنزلية , طلبت من جارتها السيدة كريمنز أن تبقى بجانب داني فترة غيابها.
السيد كريمنز أرملة في الستينات تقدم هذا النوع من الخدمات لرينا بطيبة خاطر , لكن رينا تحاول أن تحتاجها أقل ما يمكن .
كان الشارع الصغير الذي تسكنه رينايتألف من مجموعة عائلات في الأربعينات من العمر.

نيو فراولة 30-05-11 10:08 AM

ومعظم النساء لا يعملن خارج البيت , تعرفهن رينا بالأسماء , الكل حزن لوفاة تيري ولكنهن لم يكن أصدقاء حقيقيين , وذات يوم وبينما كانت رينا ترافق داني الى مركز الحضانة , تعرفت الى أحد الجارات في مثل سنها , بدأت تدعوها من وقت لآخر لشرب الشاي عندها , ما عدا هذه الزيارات القصيرة كانت لا تخرج ألا نادرا , وتتجنب دعوات العشاء والأستقبال لكي لا تشعر بالضيق من كونها وحيدة , سيما بعد أن تعرضت في بعض الأحيان لبعض المآزق , عندما كان يحاول أحد الأشخاص توصيلها الى المنزل , فقررت ألا تقبل أية دعوة بعد ذلك.
توآهو بسكانها الأليفين حيث تسكن رينا كانت عبارة عن قرية فيها معمل كبير لأنتاج الحليب لترويج منتجات مزارع المنطقة , وبعض الصناعات البدائية , مدينة هاملتون حيث يسكن لوجان تبعد عنهم حوالي الساعة , لكنهم فضلوا السكت في توآهو لقربها من معمل الطيران الخاص بالمؤسسة , بالأضافة الى أنها كانت مثالية من أجل تربية الأولاد من حيث مستوى مدارسها الممتازة , وطبيعة ريفها الجميل الذي بدأت تراه رينا الآن حزينا بعد غياب تيري.
فكرت رينا أن تنتقل الى هاملتون , لكنها تخلت عن هذه الفكرة خوفا من أن تسبب صدمة لداني بعد وفاة والده .
وعندما عادت رينا وجدت داني يأكل الفاكهة مع السيدة كريمنز , وقد أستعاد شهيته للطعام وتوردت وجنتاه .
" أنه بحالة جيدة تماما".
منتديات ليلاس
هذا ما أكدته السيدة كريمنز , كانت رينا تصغي بأنتباه الى نصائح السيد كريمنز التي لم تنجب طفلا في حياتها ولكنها مربية للعديد من الأطفال , دعت رينا السيدة لشرب الشاي وتحدثتا حول أرتفاع الأسعار وعيره , بينما كان داني مشغولا باللعب ببعض السيارات , وفجأة سألت رينا :
" هل تعتقدين أنني أم مسرفة في أمومتها؟".
أجابت الجارة بعد أن تمهل بلطف وصراحة :
" في حالتك هذه , يمكن أن تنتهي هكذا , لكن من لفت أنتباهك الى هذه النقطة؟".
" لوجان".
" آه صحيح , كان هنا مساء البارحة أليس كذلك ؟ لا تخافي , لست من الفضوليين والنمامين ولكنني رأيت السيارة عندما أخرجت زجاجة الحليب".
" وهل توافقينه في هذا القول؟".
" ليس تماما , ولكنك تقلقين كثيرا بشأنه حتى وأن حاولت ألا تظهري ذلك , وهذا سيء بالنسبة اليك , صحيح أنك أم رائعة ,ولكنك لا يمكن أن تحلي محل أبيه في نفس الوقت , وعليك أن تحذري من النتائج , كما عليك أن تتقبلي , أنك متعبة في هذه الفترة".
" كان كل شيء على ما يرام قبل هذا المرض اللعين , ولكن سأحاول أن أستريح الآن".
" ولكنك بحاجة الى .......".
قاطعتها رينا :
" مقويات".
قالت الجارة محتجة بأمتعاض :
" لا , أنت بحاجة الى قليل من المساعدة".
" ليس لدي ما أشكو منه , أعرف نساء في أسوأ من وضعي بكثير".
" مع ذلك ستكونين أسعد لو تتقاسمين العبء مع شخص ..... يلزمك زوج".
أنفجرت رينا ضاحكة بعصبية:
" أتزوج ثانية , لا يمكن , لن أجد تيري آخر أطلاقا".
" أنه لمن الخطأ أن تبحثي عن الشبيه , تركضين وراء سراب مع أن هذا العالم لا يخلو من رجل شهم ومهم , السيد ثورن مثلا".
ذهلت رينا وكادت أن تصرخ:
" لوجان.... ليس من الذبن يتزوجون".
ولكنها قالت بتردد:
" آه..... هذا الأمر مشكوك فيه".
ثم أضافت بهدوء:
" أقترحي على الأقل شخصا آخر , فقد أعيد النظر".
ولم تتوقع رينا أن تأتيها الجارة بعد عدة أيام بصحبة شاب طويل أشقر , أستقبلتهما بلطف , ثم دعاها روبرت لينتون الى العشاء يوم السبت , وبقيت السيدة كريمنز مع داني عندما ذهبت رينا مع روبرت الى هاملتون.
كان روبرت مرافقا لطيفا , ذكيا وغامضا , وبعد أن تناولا العشاء ورقصا على أنغام الموسيقى , حاولا ألا يتأخرا من أجل السيدة كريمنز.
وعلى طريق توآهو أخذ المحرك يحدث صوتا غريبا مما جعل روبرت يتوقف على جانب الطريق تحت أنظار رينا المتسائلة .
قال وقد بدا عليه الأنزعاج والخجل:
" على كل حال ليس هذا بسبب البنزين ..... ملأته اليوم ".
أبتسمت رينا ولم تشك لحظة بأن العطل مدبر , لأن روبرت , ذلك الشاب الشهم , لا يمكن أن ينحدر الى مثل موقف كهذا , أمسكت له مصباح الجيب عندما أنحنى تحت الغطاء ليكشف السبب , ثم صعد الى السيارة وأدار المحرك بعد أن أزال الغبار العالق بالمحرك وأنطلق.
هذا العطل المحرج أخّرهم حوالي الساعة , وأعتذر روبرت كثيرا عندما توقف أمام منزل رينا التي دعته أن يشرب الشاي مع السيدة كريمنز .
" أشكرك كثيرا ولن أبقى طويلا".
سبقته رينا في الدخول .
" لقد أمضيت سهرة رائعة".
همس في أذنها وهو يغازلها , وفي هذه اللحظة فتح باب الصالون , كتمت رينا أستغرابها لدى ظهور لوجان , وبمظهر شبه مذنب أزاحت يد روبرت الموضوعة بصداقة على كتفها.

نيو فراولة 30-05-11 10:09 AM

سألت لوجان بلهجة ساخطة بينما كان روبرت يراقب المشهد بفضول :
" ماذا تفعل هنا؟".
" أنتظرك ( أجاب بجفاف ) لم تكن السيدة كريمنز تظن أنكما ستتأخران الى هذا الوقت".
أجاب روبرت :
" لقد تعطلت السيارة".
" آه , صحيح؟".
قالها لوجان بسخرية وبلهجة تحمل الكثير من الشك , ولكي تغير رينا الجو , أسرعت في تقديم أحدهما للآخر , لم يتصافحا وأنما أكتفيا بأحناء الرأس , وتوجه الثلاثة الى الصالون.
سألت رينا:
" أين السيدة كريمنز ؟".
" صرفتها بما أنني هنا.......".
قاطعته:
" هل لديك ما تريد أن تحدثني به؟".
" نعم , ولكن أستطيع الأنتظار قليلا".
فبادر روبرت بالقول:
" طيب , الى اللقاء يا رينا , لا أريد أحراجك".
رافقته الى الباب وهي ساخطة من تصرف لوجان السيء .
قالت بجفاف وهي عائدة لى الغرفة:
" مسرور؟".
علّق لوجان بلهجة ساخرة وهو مستند بأستهتار على غطاء المدفأة :
" هذا أذن روبرت , لم تكف السيدة كريمنز عن مدحه".
قالت رينا نكاية:
" أنه ظريف وجذاب".
" لقد تضايقت معه حتى الموت ( قال وهو يتحرق) بالتأكيد سحقته بكبريائك وتعاليك".
" لن أسمح أن تطلق عليّ هذه الأحكام , لست بأمرأة متسلطة , على كل حال لم أكن كذلك مع تيري".
" تحبينه؟".
" قد أستطيع , وقد أحب رجلا آخر".
قالت ذلك دون أن تفكر , بقي لوجان صامتا لفترة طويلة ثم قال :
" أتمنى ذلك , ولكن ليس هذا المسكين روبرت , أرجوك".
صرخت رينا بضييق شديد :
" حياتي العاططفية لا تعنيك".
أقترب لوجان ووضع يديه بشراسة على كتفيها :
" تبدين أحيانا لطيفة بعض الشيء ...".
حاولت أن تتخلص منه بعصبية:
" هل قبّلك روبرت؟".
ونظر اليها بلا مبالاة:
" بدون أن يستأذن مني".
" أذن , هناك سوابق".
همس مبتسما وهو ينحني عليها , ضغطت بقبضتيها على صدر لوجان بقوة ....
ولكنها لم تستطع أن تتخلص منه , بدأ يداعب شعرها بنعومة , أنتابتها رعشة في أعماقها وهامت في بحر من العاطفة ولكنها أستعادت وعيها وعادت لتقاومه , ونهضت ثم أدارت اليه ظهرها وصرخت بصوت مخنوق:
" لا...... أخرج يا لوجان".
لم يجب , وعندما أستعادت شجاعتها لتواجهه كان لا يزال جالسا وعيناه تلاحقانها .
همس :
" تعالي بجانبي ".
" لا ( أجابت ثم أصرّت على أسنانها وصرخت ) أخرج".
أبتعدت رينا باكية فوقف وقال بصوت قاس وبوجه عابس :
" أنت لا تخافين مني يا رينا , لكنك تخافين من مشاعرك , وتشعرين بالعار منها , أليس كذلك؟".
تقلص وجهها وصاحت:
" أخرج , لا أريد أن أراك بعد الآن ".
" هذا ليس صحيحا ( قال بثقة ) أنت تودين حضوري ولكنك لا تقبلينه لماذا ؟ لا يمكنك أن تكبتي مشاعرك الى ألأبد".
" أنا سيدة حياتي الخاصة , لست بحاجة اليك لأملأ وحدتي , أنت لست أفضل من باقي الرجال الذين يستغلون الموقف , لقد خاب أملي بك يا لوجان , لم أتوقع هذا التصرف من أعز أصدقاء تيري".
أختنق لوجان بنار الغضب ولكنها تابعت:
" لا يهمني هذا الشكل من العلاقات , هل هذا واضح؟".
تشوهت سحنة لوجان من شدة الغضب وقال بلهجة قاسية :
" لا تعرفين أن تقولي ألا هذا , والآن أبعدي عن طريقي لأن رغبتي شديدة وعنيفة في أن أصفعك , أنك تستحقين عقابا قاسيا وصارما".
أبتعدت رينا عن طريقه بعد أن صدمها عنفه , وخرج لوجان كالمجنون وصفق الباب خلفه بشدة.

نيو فراولة 30-05-11 10:11 AM

3- ليس الى الأبد.....


بقيت رينا أكثر من أسبوعين دون أن ترى لوجان بعد تلك الحادثة , حتى أنها تساءلت أذا لم تكن قد أبعدته نهائيا هذه المرة , وكان هذا التفكير يملؤها خوفا ويأسا , وعليها أن تتقبل ذلك مجبرة , وهو على كل حال لم يكن بالنسبة اليها الكل في الكل .
هكذا كانت ترضي نفسها , وتكرر بأنها أمرأة راشدة وعاقلة , وأهل لأن تتحمل المسؤولية دون الأعتماد عليه .
ومع ذلك فقد فوجئت بنفسها عدة مرات قرب الهاتف , تمنع نفسها من أن لا تطلبه في المطار , وأخيرا وللضرورة أتصلت به عيد ميلاد داني يقترب وأعرب الطفل عن رغبته الملحة في حضور العم لوجان , نظمت له رينا حفلة مع عدد من رفاقه,علها ترضيه وتذرعت بعدة أسباب لأنشغال لوجان , ولكن الطفل أستشرس في سبيل تلبية رغبته وكان على أمه أن تخضع لتنفيذ رغباته.
شرحت الموقف للوجان بصراحة وهي ترجوه ألا يجبر نفسه على الحضور أذا كان لديه أرتباط آخر , وليشرح ذلك لداني .
سأل بخشونة:
" بمعنى آخر , تفضلين عدم حضوري؟".
ردت بسرعة :
" لا ".
" سأكون هناك في الوقت المحدد , وأشكرك على الدعوة".
وأقفل دون أن يضيف أية كلمة , وأرادت رينا ألا تعلق أهمية على ذلك , فيجب ألا تعنيها مشاعر وآراء هذا الرجل .
وأثناء الحفلة , بدت مهذبة ولكن متحفظة , وحاولت أن تتحاشى فتح حوار معه , بقي لوجان حوالي الساعة والنصف , كانت كافية لتفرح داني وعندما ودع رينا أرتسمت على شفتيه أبتسامة ساخرة , نظرت اليه بقلب منقبض وهو يرحل , ولكنها لم تعد تتحمل خطر دعوته.
منتديات ليلاس
بعد عدة أيام عاد من تلقاء نفسه مع باقة كبيرة من النرجس , أبتسم بصعوبة أمام النظرة الحذرة والمصدومة التي لاقته بها , لأن هذه هي المرة الأولى التي يقدم لها أزهارا.
" هذه الزهور تعبر عن شكري لأنك كنت مضيافة في معظم الأحيان".
" ما كان عليك أن تفعل ذلك ( أجابت بخشونة ) نحن ندين لك بكثير.....".
" لا تدينان لي بشيء على الأطلاق".
أبتسمت رينا وهي تهز رأسها , سبقته الى الصالون حيث كان داني يتصفح كتابا مصورا وعندما لمح لوجان شع وجهه فرحا وأرتمى حول عنقه.
" عمي لوجان , أنت جئت لتأخذني بنزهة بالطائرة".
" ليس اليوم يا بني ( أجاب وهو ينحني بجانبه) يجب أولا أن أحدد موعدا مع أمك".
" لكنك وعدت......".
قالها وكأنه يوجه اليه أتهاما.
" لا تقلق , سأفي بوعدي عن قريب ولكن بعد أن آخذ رأي أمك".
تسمرت رينا في مكانها وصعد الدم في رأسها وصرخت كالمجنونة من الغضب:
" أبدا".
نظر اليها داني بأستغراب بينما كان لوجان يتفحصها بنظرات ثاقبة:
" أنا آسفة يا عزيزي , أنت لا تزال صغيرا....".
" أنا لست صغيرا , عمري أربع سنوات ( صرخ داني منزعجا ) العم لوجان أقسم أن يأخذني".
ضمته رينا بين ذراعيها.
" أضع اليّ يا عزيزي.........".
لكن داني دفعها بقسوة وضربها بقبضته وركاها بقدميه وتقلص وجهه , وبدأ يصرخ:
" أنا أكرهك يا ماما , العم لوجان وعدني".
رفعت رينا يديها لتحتمي من ضربات داني العشوائية , رفع لوجان الطفل عن الأرض ووضعه أمامه وأمسكه بعنف من كتفيه وأمره بقسوة:
" يكفي هذا يا دان".
توقفت فورا نزوة داني وبشكل قطعي , وأحس بأن لا حيلة له , وطفرت الدموع من عينيه , ولم يكن لوجان قد تحدث مع داني بهذه اللهجة من قبل.
" لا يهم ( تابع لوجان بهدوء أكثر ) ربما لم يكن من المستحسن أن نعرض الفكرة بهذه الخشونة والمفاجأة على أمك , لنترك لها الوقت لتقبلها , والآن أذا كنت تعتبر نفسك شابا عليك أن تتصرف بتعقل , أن الولد الحسن التربية لا يضرب النساء وخاصة أمه , وأرجو أن تطلب منها العفو.
تمتم داني:
" لا".
" ربما فيما بعد ( قال لوجان بأبتسامة خفيفة) والآن دعني لوحدي مع أمك وأذهب أنت لتلعب في غرفتك".
نظر داني الى أمه نظرة أستياء مليئة بالعدوانية وأطاع الأمر , نظرا الى بعضهما بعد أن سمعا صوت الباب وهو يغلق.
سأل لوجان بسذاجة:
" أين تكمن المشكلة؟".
" يجب ألا تعد داني بأي شيء مهما كان بدون أذني".
" في الحقيقة , أرجو أن تسامحيني , أردت أن أكون عرابه في الطيران لأول مرة يوم عيد ميلاده , وبما أن الفرصة لم تكن سانحة في تلك الفترة أن أسألك رأيك في الموضوع , أردت أن أسعده وأسعد نفسي بأعطاء هذا الوعد , ولكنني لم أفكر ولا للحظة أن أتجاوز رغبتك".
" على كل حال لقد كنت حازمة".
" لماذا؟ ( قطب حاجبيه مدهوشا) ستكون تجربة رائعة بالنسبة اليه , عيدا حقيقيا".
" أنه أبني , ولا أجد سببا أقدمه لك".

نيو فراولة 30-05-11 10:12 AM

نفد صبر لوجان ولكنه تابع:
" مع ذلك لن تحرميه هذه المتعة لتسعدي بأحباطي ,لكنني أعتقد أنك لم تركبي الطائرة منذ وفاة تيري , حتى أنك رفضت العمل.....".
أسرعت بالأعتراض:
" هذا لا علاقة له أبدا".
" ليس هناك من مبرر لكل هذا الخوف , عمري لم أصب بحاجث".
" تيري كان يقول مثل هذا الكلام تماما".
وبعد فترة صمت ثقيل أستأنف لوجان الحديث:
" تيري كان يضع نفسه في مواقف خطرة لا مبرر لها , لدرجة الحماقة".
سألت بأزدراء:
" وأنت , ألم تكن كذلك؟".
" لست بحاجة لأن أؤكد ذاتي لهذه الطريقة".
وعندما وصل الأمر الى نقد سلوك تيري ألقت رأسها الى الوراء بفخر وقالت:
" فسر لي ماذا تريد أن تقول".
" تيري كان يحاول دائما أن يؤكد لنفسه قيمته الذاتية , ولا أعتقد أنك تجهلين الأسباب التي دفعته ليغامر بحياته بعد أن عشت معه خمس سنوات".
نظرت اليه بذهول دون أن تفهم ما يعنيه.
" يا ألهي.....( تمتم ) لم أعتقد..........".
قاطعته رينا:
" تيري كان يعشق المخاطر , لا يخاف شيئا".
قال لوجان يصحح الموقف:
" تيري كان يستبسل الموت بأستمرار ليتأكد من شجاعته , وبالنتيجة كان هذا مرعبا".
بريق من الغضب لمع في عيني رينا:
" أتجرؤ أن تنعته بالجبن؟ مع أنك أعز أصدقائه".
" لا تفسري ما أقوله كما يحلو لك , لقد كان شجاعا بشكل غير معقول , وطالما كافح ليؤكد نفسه وليسيطر على مخاوفه , هكذا عرفته دائما حتى عندما كان طفلا , ولا أزال أذكر المرة الأولى التي رأيتع فيها يتضارب مع ولدين ضخمين وهو يعرف مسبقاأنه سيخسر المعركة , ولكنه مع ذلك جازف بدخولها".
" وأنت أسرعت لنجدته , لقد حدثني عن هذه المرحلة من حياته, وكنت أنت البطل بالنسبة اليه أليس كذلك؟".
" كنت صديقه , تيري كان دائما بحاجة الى شخصية قوية الى جانبه , ولهذا تزوجك".
" كيف؟ ( خرجت رينا عن طورها وصرخت) تيري لم يكن ضعيفا".
" وكذلك لا أزعم ذلك".
" والآن تجرؤ أن تدّعي العكس , أنت كائن رديء منحط , تيري ما كان يغتاب أحدا من أصدقائه ".
" ولماذا نموّه الحقائق ؟ لقد أحببت تيري كما كان بحسناته وسيئاته".
علقت رينا بسخرية:
" وأعجابه اللامحدود بك أرضى تعاليك , لقد كان صعبا بالنسبة اليك أن اخفي أحتقارك".
" أنا لم أحتقر تيري , أحترمه لقوته وأرادته ,وأعجب بمرحه ومزاجه ومختلف مواهبه وكنت فخورا بصداقته ,كانت طفولتي تعيسة وشقية وتيري هو الذي أبعدني عن البدائية وجعلني متمدنا في بعض الأمور".
لم تستطع رينا أن تخفي نظرة شك , وفجأة توقف لوجان عن الكلام وقهقه ضاحكا.
وهكذا زال الجو المشحون بالتوتر.
" صدقيني ( تابع يقول ) أنا لا أريد أن أشوّه ذكرى تيري , كنت متعلقا به كثيرا".
قالت ببساطة:
" أعرف".
فأضاف بهدوء:
" وأحب أبنه كثيرا".
أنتصبت رينا لكن لوجان تابع:
" تيري كان يعشق الطيران , كان يخاف , ولكنه أحب ذلك بشغف وقد ورث دان هذا , فلا تنقلي خوفك الشخصي الى أبنه".
" أنت مخطىء".
" أنت تخافين الطائرات منذ حادث تيري وأن كنت تنكرين ذلك , على كل حال ليس هذا سببا لتمنعيني من أصطحاب دان , من أجل ذكرى تيري".
تمزق قلب رينا من التردد , وأخيرا قررت , كررت وهي على وشك البكاء:
" موافقة , من أجل ذكرى تيري".
" لن تكون الرحلة طويلة , وسأكون حذرا جدا".
هزت رأسها وهي تعض شفتها , قال:
"" الى اللقاء غدا , هل بأمكانك أحضار داني الى المطار؟".
كانت رينا ستعترض وتخلق أي عذر , ولكنها تماسكت أمام نظراته المترقبة:
" حاضر , الى الغد".
ومن المؤكد أن داني قفز فرحا لدى سماع الخبر .
وفي اليوم التالي ظهرت الشمس في يوم رائع من أيام الربيع كما تمنت رينا , وحاولت في الطريق أن تشغل نفسها عن التفكير بتيري الذي طالما رافقته على نفس الطريق بهضباته وأعشابه وأشجاره وأزهاره , بسهوله ووديانه وأرضه البور والمزروعة , وعندما لمح داني الطائرات في الأفق أطلق صرخة حماس وأعجاب
كانت هناك ثلاث طائرات صغيرة من ذات المقعدين بالقرب من المرآب مع حوامة رابضة على العشب , هذه الطائرات الصغيرة كانت مخصصة لتسميد الأراضي التي تحتوي على وديان كثيرة في نيوزيلاندا , مزودة بخزان كبير للسماد أو مبيد الحشرات.
كان على الطيار أن يطير فوق سطح الأرض ليوزع المخزون على الأرض بدقّة وهكذا يصبح عرضة لتجارب محفوفة بالمخاطر ولذلك عليه أن يقوم بردود فعل سريعة وخارقة ليتحاشلا العقبات المفاجئة.
وعندما رأت رينا الطائرات والبنايات أنقبض قلبها وأصابها ألم حاد وقوي كما حدث في بداية الحادث.
شدّها داني من ذراعها بفرح عندما توقفت السيارة , وحبست رينا دموعها وأبتسمت له لكي لا تفسد عليه سعادته .
وفي قاعة الأستقبال أستقبلتهم موظفة جديدة شقراء , ثم ذهبت لتخبر لوجان بمجيئهم.

نيو فراولة 30-05-11 10:13 AM

ألقت رينا نظرة على المكتب , لقد تغير تماما عما كان عليه أيام تيري , الزجاج والمعدن حل محل الخشب القديم والأرض فرشت بموكيت سميك والنباتات الخضراء تركت البصمات الأخيرة على الديكور.
تقدم لوجان لملاقاتهما وأشار لرينا بالجلوسعلى أريكة جلدية مريحة , وبقي واقفا أمامها مكتوف اليدين مستندا على طرف مكتبه.
سأل:
" هل رأيت هذا التغير؟".
" أنه ....... جميل جدا".
" ألا أستحق بعض المديح؟".
قالها ساخرا من نفسه , وبعد أن درس رد فعلها بدقة , سأل:
" هل هذا يضايقك؟".
أحست رينا بالخجل في أعماقها لأنه لم يعد هناك أي أثر من آثار الجو العائلي المريح الذي بدأ به مشروعهما الصغير , ولكن لفتت نظرها صورة معلقة خلف مكتب لوجان للشريكين واقفين بفخر بجانب النماذج الأولية , تقدمت رينا لتنظر اليها عن قرب وبعد لحظة شعرت بيدي لوجان على كتفيها , وقفز داني أمامهما :
" هذا أنت يا عم لوجان..... وأبي".
أجاب لوجان بهدوء:
" تماما لا يمكن أن أنفصل عن هذه الذكرى من أجل أي كان في هذا العالم".
أضاف ذلك وهو ينظر الى رينا , أستدارتلتجلس ورفعت داني على ركبتيها لتبدي ملاحظة بلهجة خالية من الأنفعال :
" كان المكتب بحاجة ماسة ليصبح حديثا".
أجاب:
" أنجيلا أيضا كانت مع هذا الرأي".
" أنجيلا؟".
" السكرتيرة الجديدة , ولم تكن مخطئة , فنحن نستقبل هنا الزبائن أكثر فأكثر ليجربوا معداتنا , وأحيانا نستقبل أعضاء مجالس أدارية".
" أذن , أنجيلا هي التي أهتمت بالديكور شخصيا".
أجاب وبارقة فرح في عينيه:
" نعم ".
قالت ساخرة وبمرارة:
" يا لها من جوهرة , أن هذه الشابة الجذابة بدون شك تمتلك الكثير من المواهب".
وبعد صمت وجيز قال لوجان بهدوء:
" أنت مخطئة في حساباتك عنها يا رينا".
أحمرت قليلا , وصرخ داني مطالبا بالرحلة التي طالما أنتظرها , صعد بسرعة الى الطائرة ذات المقعدين ولمعت الضحكة على ثغره , بقيت رينا واقفة أزاء الساحة تحرك يدها لأن أبنها يترصد أشارتها.
وعندما أرتفعت الطائرة وأنعطفت , أنزلت يدها وجلست على مقعد قديم وهي تكاد تموت من الخوف وأخذت تجفف عرقها.
منتديات ليلاس
بدت لها الحظات وكأنها تمر بلا نهاية قبل أن ترى ظهورالطائرة من جديد , شعرت بوجع في عينيها من كثرة تحديقها بالطائرة وهي تستعد للهبوط حتى أنها لم تنتبه لأنجيلا التي خرجت من المكتب ووقفت بجانبها , وعندما هبط لوجان بهدوء تنفست رينا بأرتياح.
سألت أنجيلا بصوت أنثوي وهي تقف خلفها وتتأملها بفضول:
"هل كل شيء على ما يرام يا سيدة كيمبل؟".
أجابت رينا بلهجة حيادية :
" نعم , أشكرك , فقط بدأت أتضايق من أنتظارهما...".
وبعد لحظة هرع داني نحو والدته مندفعا ليقص عليها الأنطباع الذي لا ينساه لأول تحليق له في الفضاء, وعندما أنتهى سأله لوجان:
" والآن , ما رأيك في أن تتذوق بوظة بالشوكولا ؟ أنها في البراد خصيصا لك".
صرخ داني:
" آه , نعم!".
" أذن , أذهب مع أنجيلا ريثما تعود أمك , فالآن جاء دورها".
أنقطعت أنفاس رينا وقالت معترضة:
" لا.... لا أريد.....".
لكن لوجان شدها من ذراعها , وصرخ داني:
" سأقول لك الوداع من هنا يا ماما كما فعلت أنت معي".
" لا أعتقد......".
" تعالي ( قاطعها لوجان , وبهدوء همس ) لا تخيبي أمل دان ".
أستكشف لوجان خوفها هذا....... ونصب لها هذا الفخ أمام أبنها لكي لا تستطيع التراجع.
أكدت لها أنجيلا بلهجة مطمئنة وهي تداعب شعر الصبي:
" سأهتم بدان يا سيدة كيمبل....".
لا شك أن أنجيلا موضع ثقة... تنهدت رينا بعمق وبذلت جهدا خارقالتتحكم في الرغبة المجنونة التي أنتابتها لتصخ وتولي هاربة.
مشت بجانب لوجان وهي تجر ساقيها المتصلبتين حتى الطائرة , وصورة تحطم الطائرة وزوجها المسكين تتراقص في مخيلتها.
ساعدها لوجان على الصعود , كأنها كانت في عالم آخر , حتى أنها لم تسمع كلامه المشجع , وبحركة آلية ربطت حزام الأمان بينما لوجان يتفحص مختلف المعدات ليساعدها على الراحة.
" أسترخي يا رينا , ثقي بي".
ظلت صامتة ولم يخترق هذا الصمت ألا صوت المحرك , أنتصبت رينا أكثر وهي تحس بالرعشة في أنحاء جسمها , وشدت على أسنانها عندما تحركت الطائرة بأتجاه ساحة الأقلاع .
" دان يشير لك مودعا , ردي عليه".
حاولت رينا بصعوبة أن تلمح طيف أبنها في رؤيتها الضبابية , وحركت يدها ثم أغلقت عينيها عندما أزدادت السرعة , وأخيرا وفي لحظة الأقلاع أحست بالأغماء , وعندما تجرأت وفتحت عينيها , رأت تحتها الحقل الأخضر والشريط الرمادي للطريق المحيط بالتلال أما الأسطح الحمراء والبرتقالية للمزارع فقد أضفت لمسة من الألوان الحية على المنظر.
وشيئا فشيئا أستعادت أسترخاءها , أنها لحظة السلام أو لحظة الأنتصار على الخوف , حقق لوجان هبوطا مشرفا ولكن في اللحظة التي مست فيها الطائرة الأرض عاد حادث تيري الى ذاكرتها بقسوة.

نيو فراولة 30-05-11 10:14 AM

كان وجهها لا يفسر عندما مد لها لوجان يده ليساعدها على أن تقفز الى الأرض.
سأل:
" أنت على ما يرام؟".
" نعم".
وبعد جهد أضافت:
" شكرا يا لوجان".
أرتسمت أبتسامة خفيفة على شفتيه وتبعته رينا الى المكتب تجر ساقيها , كان داني يأكل لبوظة وهو جالس على كرسي وعلى صدره وحول رقبته فوطة ورقية , أما أنجيلا فكانت أمام األة الكاتبة , أبتسمت لهما بحرارة مما ضايق رينا وجعلها تشعر بنوع من التواطؤ بين لوجان والسكرتيرة.
قال لوجان مقترحا:
" ما رأيك أن نشرب شايا يا آنج؟".
آنج؟
ألقت رينا نظرة ساخرة على لوجان الذي رفع حاجبيه ممازحا , وهو يقودها الى مكتبه.
سألها دون أن ينظر اليها وهو واقف قرب النافذة :
" هل آلمك هذا؟ العودة الى هنا".
" نعم".
" مع أنك ستعملين في المؤسسة".
" كان يمكن أن أعمل في مكتب هاملتون؟".
" على كل حال , لا يمكن أن تتجنبي هذا المكان الى الأبد , هل أنت نادمة لأنك جابهت هذه الخطوة قبل الأوان؟".
" لا".
أستدار نحوها وتأملها بنظرات ثاقبة ثم أسرّ أليها:
" في الأسابيع الأولى , كان قاسيا جدا بالنسبة لي أن أتواجد هنا بدون تيري , وهذا بدون شك بسبب......".
تردد في أستكمال كلامه وهو يلقي نظرة دائرية على الغرفة , أدركت رينا ما يدور بخلده.
الديكور الجديد ساعده في أن يتحرر من الذكرى.
" الألم لا يمكن أن يدوم الى الأبد..........".
تابع باللهجة نفسها , وبشكل مفاجىء واجه لوجان رينا مستندا على كرسيها وأضاف:
" هذه الحقيقة تفيدك أيضا يا رينا , أنا متفائل , الحياة........".
قاطعته بسخرية :
" من المؤكد , أذا أستطعنا قول هذا.......".
" لا تتكلمي هكذا".
قاطعها لوجان بقسوة , ولكن رق تعبير وجهه عندما رأى داني يدخل.
" هل أحببت البوظة يا بني؟( سأله وهو يرفع له الفوطة) تعال معي لأغسل لك وجهك".
وأدركت رينا أنه أرتاح لهذا الأنقطاع.... في هذه اللحظة دخلت أنجيلا تحمل صينية الشاي.
قالت رينا بأدب:
" شكرا , هذا لطف منك".
أبتسمت أنجيلا وخرجت , عاد لوجان مع داني , وشرب الشاي بهدوء وهو يراقب لعب الصغير.
" حان الوقت لنعود ( قالت رينا بعد فترة) شكرا يا لوجان".
" بدون شكر , أرجوك ( أجاب بسخرية ) لقد سررت بهذه الزيارة".
ثم رافقهما الى السيارة , وبعد أن أغلق الأبواب أنحنى على الشباك المفتوح وقال:
" ما رأيكم أن نذهب الى البلاج سوية يوم الأحد ؟ يجب أن نستغل حرارة الجو".
بدأ داني يقفز على المقعد فرحا بينما أجابت رينا:
" سأفكر بذلك".
أضاف بصوت منخفض:
" من أجل دان يا رينا".
" لا ترغمني ( قالت بسخط ) ولن أستسلم للمساومة".
" لا تشوهي الأشياء يا رينا , فالدعوة كانت بسيطة".
" وجّه الدعوة لداني أذا كان يسرك ذلك , أنا لن أذهب".
" لقد وجّهتها لكما أنتما الأثنين".
فهم داني عدم الأتفاق , وبدأ بالبكاء وبشد كم والدته , ولم تعرف رينا كيف تتخلص من تصرفاته وتابعت:
" قلها بشكل آهر , ترفض أن تأخذ داني بدوني".
هز كتفيه وتوجه الى داني :
" يكفي هذا يا دان , أهدأ , وألا لن آخذك".
توقف داني على الفور , وهذا ما أثار رينا أكثر لأن سيطرة لوجان أكثر تأثيرا من قمعها الشخصي.
تابع لوجان:
" نعم أم لا؟".
لم تعد تجرؤ أن تبدي أعتراضها فأبنها ينظر اليها مرتعشا , ألتفتت الى لوجان وأشارت له برأسها علامة الموافقة.
" سأمر أذن في الثامنة والنصف , سأحضر كل شيء معي".
ولم يضف كلمة أخرى بل تراجع الى الوراء وأنطلقت رينا , قالت في نفسها أن هذه السعادة البادية على ملامح داني تثمّن بهذا الأستسلام.

زهرة منسية 30-05-11 04:19 PM

يسلموا حبيبتى تواجدك يسعدنى كتير ومجهودك أكتر من رائع وأختياراتك متميزه جدآ يعطيكى الف الف الف عافيه:8_4_134:

نيو فراولة 30-05-11 08:06 PM

4- الأميرة وأبنها.........


في هذا الفصل كان البحر ما يزال باردا , فسبحوا في مسبح يموّنه مياه البحر الدافئة , ثم زاروا حديقة الحيوان وأحواض الأسماك حيث لعب داني مع الدرافيل والبطارق والدببة البحرية بسعادة وفرح.
وأخيرا ذهبوا الى الكورنيش ليتناولوا طعامهم ومن هناك شاهدوا حركة الميناء حيث تبدو المراكب وكأنها مصغرة بالمقارنة مع ناقلات البترول العملاقة الراسية في أحواض الأرصفة.
فتح لوجان صرّة الدجاج المشوية واللحومات الباردة والسلطة ولم ينس أن يحضر زجاجات العصير .
علّقت رينا:
" يا ألهي , أنها لوليمة".
" أكنت تفضلين الشاي التقليدي؟".
قال ساخرا وهو يمد لها كأس الشراب ويرمقها بفضول , فأدارت وجهها متضايقة.
سأل لوجان بخشونة:
" لماذا تأخذين موقف الدفاع ؟ مم تخافين؟".
تمتمت رينا:
" لا أعرف ما أحدثك به".
" بلى , تعرفين".
أجاب والأنفعال واضح في صوته ثم أضاف:
" عليك أن تتخلي عن هذا المظهر المقاتل , سأتوصل ذات يوم لأفحامك".
فوجئت رينا ورفعت رأسها فرأت في وجه لوجان تعبيرا غريبا غير مقرؤ , فأستدارت بسرعة لتتحدث الى داني.
وبعد أن تناولوا طعامهم ذهبوا الى الشاطىء , ومكثوا فترة جالسين في السيارة أمام البحر , يتأملون الأمواج التي تتكسر على الصخور وتنشر رذاذها , كما شاهدوا هواة التزلج وهم يمتطون عرف الأمواج , وعلى الرمل أسرة تلعب بالكرة , أضافة الى بعض المتنزهين.
هذه الحركة المستمرة بهرت رينا وجعلتها تتأمل الرجل الجالس الى جانبها : يداه على المقود , وساقاه ممتدتان تلامسان ساقيها , أستدارت الى الخلف مدهوشة من صمت داني فرأته يغط في نومه على المقعد , ألقى لوجان هو الآخر نظرة الى الخلف مداعبا بأصابعه وجنة رينا التي تراجعت بعفوية فطرية ثم قال:
" ما رأيك أن نتمشى قليلا؟".
" فكرة جيدة".
قالتها وهي تشعر بأنها لم تعد قادرة أن تحتمل أكثر من ذلك أقتراب لوجان منها في هذا المكان المغلق والخانق.
سحبت رينا يدها من يد لوجان الذي كان قد أمسكها بعد أن فتح لها باب السيارة بهدوء لكي لا يستيقظ داني , ثم أنحنت لتخلع صندلها , مشيا بصمت على صوت الأمواج التي تقذف أشكالا متنوعة من الأصداف البحرية أخذت رينا واحدة منها ووضعتها في جيبها.
قال لوجان معلقا:
" يا لها من رشاقة مذهلة , أما زال لديك مكان في جيوبك رغم ضيق سروالك....".
أحمرت رينا وأجابت:
" هل هذا نقد؟ ألا تعجبك ملابسي؟".
" على العكس , تعجبني كثيرا , أتريدين أن تعرفي السبب ؟".
أجابت فورا :
" لا".
أنفجر لوجان ضاحكا:
" جبانة , تخافين من أن تسمعي مديحا".
" لا تفسد جمال هذا اليوم , من الأفضل أن نعود من أجل داني".
تنهد لوجان بيأس وتبعها مقطب الوجه , ولدى أقترابهما أستيقظ داني وأبدى رغبته في أن يبني قصرا من الرمل وفورا أستجاب العم لوجان لتنفيذ طلباته , عندما فتح صندوق السيارة وأحضر له دلوا ومجرفة , وأنهمك الطفل في مشروعه سعيدا غير مكترث بالكبار.
قالت وهي تجلس على منشفة:
" لقد فكرت بكل شيء يا لوجان".
أشار بحركة عصبية وقال بحزم:
" سأسبح".
حاولت رينا أن تركز أنتباهها على طفلها , ولكنها لم تستطع أن تقاوم أختلاس النظرات الى ذلك القد الفارع البرونزي الذي يصارع الأمواج بقوته , وعندما خرج من الماء حاولت ألا تعيره أهتمامها فألقى بنفسه بينها وبين داني ونقاط الماء ما زالت تنساب على جسمه الأسمر.
هذا الجسم الرجولي القوي جعلها ترجع بذاكرتها الى تيري فتحركت بعصبية:
" هل هناك ما يزعجك؟".
هزت رأسها نفيا , وأتجهت لتجثو بجانب طفلها لتشجعه على ما قام به من عمل.
قال داني مفاخرا:
"سأبني الآن جسرا".
منتديات ليلاس
وفي هذا الأثناء توقفت سيدة عجوز مع زوجها أمامهم لتبدي أعجابها بعمل داني , فقالت :
" يا له من طفل رائع , أنه يشبهك , ولكنه لم يرث شيئا من والده".
وبحركة آلية نظرت رينا الى لوجان ولمحت بريقا خبيثا في عينيه وهو يراقب رد فعلها بمرح , وبعد قليل قام الثلاثة بنزهة على الشاطىء , وكان داني يمشي أمامهم فرحا بكل ما يجده من قواقع وأخشاب وظل لوجان يشرح له عن كل ما يثير أهتمامه وأعجابه .
" أنظر الى هذه الزهرة يا دان ( وأشار بأصبعه الى شقائق النعمان البحرية) أنها في الحقيقة حيوان يبتلع الأسماك".
وقرب لوجان أصبعه من الزهرة , فأطلق داني صرخة أعجاب وهو يشاهد التويج ينغلق على الفريسة.
" هل هذا يؤلم يا عم لوجان؟".
" لا ويمكنك أن تجرب".
أعاد داني المحاولة وهو يقهقه فرحا ثم أمسك سمكة وقربها من الزهرة , وعندما رآها تنكمش داخل القوقعة قال:
" يا له من حيوان مضحك".
" هناك بعض الناس يفعل تماما مثل هذا الحيوان ( أكّد لوجان ) يحتمي داخل درع واق من الصعب أخراجه منها".
صرخ داني ضاحكا:
"ولكن الناس ليس لهم قواقع".
" يصنعون لنفسهم قوقعة في بعض الأحيان".

نيو فراولة 30-05-11 08:08 PM

وفي طريقهم الى السيارة سأل لوجان:
" هل تريد أن أحكي لك حكاية هذا الجبل؟".
" نعم أرجوك".
" تقول الكاية أن هذا الجبل كان واقعا في غرام هضبة جميلى فقرر أن يترك السلسلة الجبلية ويأتي الى شاطىء المحيط لكي يغرق فيه يأسا من حبه".
" لكن الجبال لا تمشي يا عم لوجان".
" بلى , ولكن في ذلك العصر وفي الليل فقط وتستعيد ثباتها في الصباح".
ضحكت رينا بطيبة قلب ولكنها أحست فجأة بالخوف من نظرات لوجان ,وعندما جلسوا في السيارة قال داني:
" قصة أخرى لم سمحت يا عم لوجان".
" سأحكي لك الآن قصة حقيقية وستعجب والدتك بالتأكيد".
فكر عدة لحظات ثم قال:
" منذ حوالي مئة وخمسين عاما , كانت هناك أميرة شابة , وذات يوم هاجمت أحدى القبائل الغازية قريتها , وبعد معركة وحشية أحرقوا القرية مع السكان وكان لهذه الأميرة طفل , ربطته على ظهرها وهربت من فتحة مطلة على البحر سابحة بأتجاه المكان الذي نحن فيه الآن , لمحها بعض الأعداء وأطلق عليها النار , ولكنها أستطاعت أن تصل الى الشط رغم جرحها المميت , وتضع أبنها بين الأصدقاء قبل أن تموت , ثم كبر هذا الطفل وأصبح جميلا وقويا , وبعد ذلك ملكا شديد القوة ".
قال الطفل :
" أرجو أن يكون قد أنتقم لأمه وقتل هؤلاء الأشرار؟".
أجاب لوجان:
" أعتقد كان الناس قساة في ذلك الزمان".
علّق الطفل :
" حسنا".
ضحكت رينا معترضة وقالت:
" قد يكون أقام السلام مع أعدائه وسامحهم؟".
" ربما ( أجاب لوجان وهو يتفحصها بشكل غريب ثم ختم كلامه بحزم قائلا) من أجل أبنها , لم تتردد الأميرة أن تضحي بحياتها".
" أن أية والدة تفعل نفس الشيء ( ردت رينا منفعلة من المعاني المستترة وراء القصة) أنها لم تفعل ألا واجبها بكل بساطة".
تابع لوجان:
" لم يكن لديها خيار , لولا شجاعتها وعظمة روحها لقتل أبنها أو أسر , ولكنني لا أؤمن بفضيلة التضحية التي لا معنى لها , وأنا أرى بأن السيدة كريمنز موضوعية جدا في آرائها".
تفحصته رينا بدهشة وتمعن , يبدو أنهما ثرثرا كثيرا في ذلك المساء الذي خرجت فيه مع روبرت.
أحمرت رينا , وتابع لوجان:
" من المؤكد أنها على حق , أنك بحاجة أن تتقاسمي حياتك مع رجل وأن تمنحي داني أبا جديدا".
" بعني أنني لا أعرف كيف أتدبر أموري؟ ( سألت وهي تحس بلسعة قوية) وبالتالي فأنا أم غير صالحة".
" لا تكوني سخيفة ( قالها بصوت منخفض ) ولكن لا يمكن أن تحلي محل الرجل , ولديك ما يكفي من الذكاء لتقيمي وزنا لنفسك أنت بالذات".
قالت :
" بما نك لم تسترح لأختيار روبرت لنتون فقد يكون لديك شخص آخر تقترحه علي".
قال بعبوس :
" نعم , أنا".
أنفجرت ضاحكة مصعوقة من المفاجأة بينما تقلصت أسارير لوجان , وصرخ داني سعيدا يسأل والدته عن سبب سعادتها وضحكها , أما لوجان فقد ركّز أنتباهه على الطريق وترك رينا تحاول أن تجد جوابا لداني.
بعد ذلك حاول لوجان ألا يتحدث كثيرا مع رينا , بل أكتفى بالحديث معظم الفترة مع داني.
نام الطفل قبل وصولهم الى المنزل , أخذه لوجان بحنان بين ذراعيه وحمله الى السرير وتحرك داني وهو نائم فداعبه لوجان قائلا:
" لقد عدنا الى المنزل يا دان".
فتح الطفل عينيه وتمتم:
" بابا لقد عدت".
أمسكت رينا أنفاسها وتجمد لوجان للحظة , ثم تماسك وسحب الغطاء على الطفل , أستدارت رينا وتوجهت كالأنسان الآلي الى الصالون بعيون دامعة , هل كانت مخطئة عندما شرحت لداني موت والده , بأنه صعد الى السماء ولن يراه بعد الآن على الأرض , ولكنهم ذات يوم سيجتمعون مجددا جميعا والى الأبد ؟ أنها غالبا ما تحدثه عن والده لأنها كانت تريد أن تبقى صورته حية في قلبه , فهل جعلته تعيسا بتذكيره في معظم الأحيان بحياتهم العائلية...
توقف لوجان عند العتبة وتفرس فيها بأمعان وسأل:
" هل أنت بخير؟".
أكدت بصوت غريب ووجه شاحب:
" طبعا".
"دان , أخذني كوالده.....".
" كان نصف نائم , أو أنه يحلم".
وخلافا لعادته بدا لوجان مترددا عندما قال:
" أتعرفين بأنني لم أكن أمزح عندما طلبت منك الزواج؟".
جحظت عينا رينا , وخفق قلبها بجنون , وأحست بدوار وبضعف ومن غير وعي قالت:
" من المؤكد أنك لم تكن جديا".
" بلى , وأنت تعرفين ذلك".
تمتمت بصوت مقطوع مع أبتسامة عصبية :
" أنت.......".
سأل بلهجة قلقة ومهذبة:
" هل هذا يضحكك؟".
" لا , سامحني , ولكنني بساطة لا أفكر بالزواج مر أخرى؟".
" صحيح؟ أما أنا فأن رغبتي كبيرة في أن أؤسس بيتا".
وبسخرية بادية على ملامحها ردت:
" أبدا لا يمكنك أن تحل محل تيري سواء بالنسبة اليّ أو الى داني".
أرتجف لوجان :
" لا أفكر أن أكون كذلك".

نيو فراولة 30-05-11 08:10 PM

أبتسمت بمرارة:
" أنت تندفع بواجباتك أتجاهنا أبعد من اللازم".
" أن عرضي لا علاقة له بالوعد الذي قطعته على نفسي أمام تيري , وأنت تعرفين ذلك جيدا".
ثم قطب وجهه وتابع وهو يرمقها بنظراته الحادة:
"أفكر قبل كل شيء بسعادتي يا رينا , حاولي أن تفهمي بشكل جيد , أريدك بكل كياني منذ الحظة الأولى للقائنا , يوم زواجك , وعلى كل حال , لا أعتقد أنك تجهلين ذلك ,وأنا لا أخفيه عنك".
أرتجفت رينا وعضت شفتيها .
تنهدت:
" ماذا لو قبلت من أجل داني فقط؟".
" أن هذه الأعذار لا تكلفك شيئا وتدعو للسخرية , وأنت تعرفين ذلك منذ نظرتنا الأولى يوم زواجك".
قالت بأزدراء :
" الأنجذاب الحسي وحده لا يكفي".
" لكنه ليس غلطا كأنطلاقة أولى على الأقل , هل أحبك تيري روحيا فقط؟".
قالت بعصبية:
" دع تيري خارج كل هذا".
" موافق تماما ,أنه يشكل حاجزا بيننا".
قاطعته رينا بغضب أكثر:
" أنس هذا الموضوع , شكرا لهذا العرض الجميل , ولكنني أرفضه".
قال بعد صمت ثقيل:
" فكري بالموضوع".
" لن يتغير شيء".
" لأنك تعتبرين أنك ما زلت متزوجة من تيري؟".
قالت متذمرة من ألحاحه:
" بالتأكيد".
" ولكن يمكن للأشياء أن تتبدل كما يمكن أن نستفيد منها"." ولكنني أرفض ذلك".
" أعرف , وكل المشكلة تكمن هنا , أنك تفضلين أن تظلي حبيسة ذكرياتك وأحزانك بدلا من أن تعيشي الحياة".
" لقد دخلت في جولة خاسرة يا لوجان".
" أنا لم أخسر بعد , ولكنني لا أتخلى عن الأمور بسهولة".
" وبعد رحيله ألقت بنفسها منهكة على الأريكة ولكن كلماته الأخيرة ما زالت ترن في رأسها كاللازمة , تكررها وهي ترتجف ( لم أخسر بعد..........).
وبعد عدة أيام مرض داني وفي ليلة ساءت حالته وأشتد سعاله , ولم يستطع التنفس , أسرعت والدته تطلب طبيب العائلة الذي لامها لأنها لم تلقحه ضد الدفتريا وعاشت كابوسا حقيقيا.
وعندما نام الطفل في الفجر أنسلت من غرفته منهكة منهزمة نفسيا , أنه لمن القسوة أن تتحمل وحدها هذا القلق المرعب.... آه لو كان ايري بجانبها ليرعاها بحنان لكن مع الأسف.......
ذهبت الى المطبخ لتعد الشاي , شربت كأسين ولم تستطع أن تبتلع لقمة واحدة وهي تترصد أي صوت يمكن أن يصدر عن غرفة داني.
قفزت مسرعة لترفع سماعة الهاتف خوفا من أن يوقظ رنينه داني وقالت بصوت لاهث وغاضب:
" آلو؟".
" يا لهذه السرعة ( صرخ لوجان ) أذن أنت صاحية؟".
" لم أنم تقريبا ( أجابت بصوت منهك ) ماذا هناك؟".
تجاهل سؤالها وسألها بدوره:
" ماذا حدث؟".
بدأت :
" داني............".
ثم توقفت , لم تعد تستطيع أن تكمل جملتها .
" رينا ماذا حصل؟".
حاولت أن تتكلم لكنها لم تستطع , أستندت الى الحائط , وغطت وجهها براحتيها ثم أنفجرت بكية.
وعندما أستعادت توازنها أتصلت بلوجان ولم يجبها أحد , من المؤكد أنه في طريقه اليها.
كان عليها أن تتماسك قبل وصوله , توجهت الى الحمام لترتب شكلها , وعندما رن جرس الباب مسحت وجهها من الدموع , وذهبت لتفتح له , فوجئت بالسيدة كريمنز بقميص النوم وعلى وجهها مظاهر القلق.
" أتصل بي السيد ثورن , هل أنت بحاجة لمساعدة؟".
" لا لزوم لأن تتعبي نفسك يا سيدة كريمنز , لقد أمضيت ليلة تعيسة جدا بسبب داني , ولا بد أن لوجان أحس بحزني وجن جنونه".
جلست السيدتان في المطبخ ورينا تروي لها ما حصل.
" كان عليك أن ترسلي في طلبي".
" خفت أن أزعجك".
" كنت على صواب عندما نصحتك بأن تتخذي لنفسك زوجا جديدا , لا يمكن أن نواجه أعباء الحياة وحيدين".
" ربما.........( تنهدت رينا ) يجب أن أرتدي ثيابي , لا بد أن لوجان في الطريق".
" نعم هذا ما قاله لي".
" أشكرك جدا , كل شيء سيتحسن عندما.......".
" عندما يحضر السيد ثورن , أعرف , ماذا سيحل بك بدونه , لماذا أذن لا تتزوجينه ؟ أنه يحبك كثيرا".
بدا لرينا هذا الكلام منطقيا حتى أنها باتت تتمناه ....... أغتسلت بسرعة ولبست ثيابها , ولكنها خافت عندما رأت شحوب وجهها فوضعت لمسة من الكريم وأحمر الشفاه لتخفي مظاهر الأرهاق , قطعت زينتها وذهبت لتفتح الباب.
" ما كان عليك أن تتعب نفسك يا لوجان".
سأل بقلق:
" ماذا حدث؟".
حكت له بأسهاب عما حصل , وما كادت تنهي كلامها حتى طلبها داني بصوت مجروح .
لقد بدا وجهه أحمر , وأصبح تنفسه أكثر طبيعية رغم الشهيق.
صرخ:
" عم لوجان , أريد أن أرى العم لوجان".
أقترب لوجان وربت على وجهه بلطف وأنحنى نحوه.
" هل فحصك الطبيب ؟ أخبرني".
قال داني بفخر:
ط نعم وحقنني بأبرة".
تركت رينا أبنها لحضور لوجان المريح وأتجهت الى المطبخ , ألتحق بها لوجان بعد قليل.
" لقد نام".
قدمت له القهوة.
" أجلس , هل تريد أن تأكل شيئا؟".
" أفضل أن تأكلي أنت , أن سحنتك.......".
" كالخارجة من القبر ( أكملت عنه ) غالبا ما تقول لي هذا , يا لها من فكرة غريبة أن تتزوج من أمرأة على هذا الشكل".
ألقت عليه نظرة , وسألته بهدوء:
" بالنتيجة , هل غيّرت رأيك بهذا الشأن؟".
أجاب بهدوء أكثر:
" ليس الى هذا الحد , وأنت؟".
وكأنه يستجوب نظراتها , قالت :
" أنا , بلى , أذا كنت ما زلت متمسكا بعرضك , فأنا جاهزة",.

نيو فراولة 30-05-11 08:12 PM

5 - لحظة األألم والراحة



ظل لوجان يحدق دون أن يرمش له جفن , هل يصدق ما سمعه؟ وبعد فترة قال بهدوء:
" لقد أمضيت ليلة مرهقة ومخيفة , وهذا ما جعلك منهارة القوى وتشعرين بحاجة لأن تعتمدي على شخص ما".
ثم توقف لحظة ليتابع:
" أنك تتحدثين الآن تحت تاثير التعب , ولكنني سأستغل ذلك , ولا تعتقدي أنه يمكنك التراجع عندما تستعيدين شجاعتك".
" لا أعتقد , لكن أذا حصل شيء من هذا فلن تجبرني على التمسك بألتزامي".
" أتعتقدين ذلك؟ ( قال بأسلوب تحذيري) أنت مخطئة على ما أرى".
أرتجفت من لهجته هذه وصرخت بأبتسامة طفيفة :
" أنك ترعبني , أشرب قهوتك قبل أن تبرد , وقل لي لماذا أتصلت بي باكرا؟".
" كنت سأقترح أن أصطحب داني معك لو أردت لنقوم بتجربة جديدة في تسميد الأراضي الزراعية لكي يألف الطيران , ولكن دعوتي جاءت في غير موقعها".
" مرة أخرى؟".
أجابت بشكل مبهم , خيم صمت ثقيل , وشعرت رينا بأنها مفرغة تماما من كل مقاومة وأنفعال.
" ماذا هناك هل بدأت تندمين؟".
" لا , متى تريد أن تحدد موعد الزواج؟".
" أسرع ما يمكن , الوقت اللازم لترتيب الضروريات ...... خلال أسبوعين على ما أعتقد؟ هل هذا يلائمك؟".
" أنا.... لا أعرف .......يجب ..... أن نجعل داني يقبل الفكرة".
" ليست هناك أية مشكلة من هذه الناحية".
" كيف ؟ عم وزوج أم لا يشكل بالضرورة نفس الشيء بالنسبة اليه".
" علاقتي به لن تتغير , أنا متأكد".
وبعد تردد تابعت رينا الحديث:
" هل ستسكن معنا هنا؟".
" لا".
قالها بنبرة ضيق.
" مع أنه قد يكون من الأفضل , من أجل داني".
" لا , ( كررها بحزم) لن نتركه في شرنقة طوال حياته , من ناحية أخرى لا يمكن أن أبدأ حياتي الزوجية في البيت الذي ضمك مع تيري مهما كلّف الثمن".
" حتى في بيتك لا يمكننا أن نهرب من الذكريات".
" أعرف ( ثم وضع يده على أصابعها المتقلصة ) ليس في ذهني أن أمحو الماضي يا رينا , تيري كان غاليا جدا بالنسبة الينا نحن الأثنين , وقد تكون هذه هي العاطفة المشتركة الوحيدة التي بيننا في هذه اللحظة بالذات .... ولكنني مقتنع بأننا سنبني معا سعادة مستمرة......".
قالت بأنزعاج :
" أنت واثق كثيرا من نفسك".
قال برقة:
" نعم , وهذا لا يعجبك أليس كذلك؟".
" أذا قبلت الزواج منك فهذا بكل بساطة من أجل داني , أنه يحبك كثيرا , وبحاجة اليك , وآمل أن تتفهم ذلك؟".
تمعن فيها بصمت ثم قال بتعبير مبهم :
" نعم يا رينا ولن أتوهم ..... أي شيء آخر".
قالت بعناد:
" أذن الأمور واضحة".
" أعرف أمكانياتي وقدراتي أكثر مما تعتقدين..".
قالها بسخرية , وبحيرة وأرتباك تحاشت نظراته الثاقبة.
" عليّ أن أتركك الآن , سأعود مساء لأطمئن عن دان وسنتابع الحوار".
رافقته الى الباب , يبدو عليها الضيق والخوف.
" لا تقلقي , ستسير الأمور على ما يرام , أعدك بذلك".
وقبل أن يخرج تأملها طويلا ثم أنحنى وعانقها بأنفعال , هزت رينا شعرها وكأنها تريد أن تمحي الأحساس بالأحتراق وأغلقت الباب .
منتديات ليلاس
عندما عاد لوجان عشية اليوم كان داني ممددا على الأريكة أمام التلفزيون منهمكا في رؤية الفيلم المعروض , همس لوجان:
" هل أخبرته شيئا؟".
" لا , ليس بعد , لدينا الوقت".
هز رأسه وتركها ليجلس بجانب داني , وذهبت الى المطبخ لتعد القهوة.
وعندما عادت كان لوجان قد أقفل التلفزيون في نهاية الفيلم , وكادت أن تقلب الصينية عندما سمعته يقول:
" لدينا ما نقوله لك يا دان...... هل يسعدك أن تتزوج والدتك؟".
فكر دان بالسؤال وهو يقطب حاجبيه.
" بدلا من والدي؟".
أبتسم لوجان بحزن وأجاب:
" بشكل من الأشكال نعم , أنت تعرف أنه ليس هناك من يسهر عليكما بعد وفاة والدك , وأنا متمسك بأن أقوم بهذا الدور , والدتك موافقة , وأنت ما رأيك؟".
أجاب داني لجدية وبعد تفكير:
" أنها فكرة حسنة".
ربت لوجان على ظهره بمحبة وقال:
" رائع , وهل يرضيك أن تعيش في منزلي؟".
" وماما أيضا؟".
" طبعا".
" أوافق أذا كنت تصنع لي أرجوحة".
" أعدك بذلك".
وبعد أن نام داني وقفت على عتبة الصالون ونظرت اليه ببرود وبدأت :
" ما كان يجب ...... لماذا سبقتني ؟ هل لتمنعني من أن أغيّر رأيي؟ لا أود أن اوحي بأنك ترغمني على ذلك يا لوجان".
" كل الطرق ظريفة , في الحرب كما في حالة الحب".
نهض وهو يتفحصها بنظرات ملؤها الرغبة.
قالت رينا:
" لا أريد أن أحاربك يا لوجان , على العكس , أريد.......لكن ...... كنت أحب تيري كثيرا ( وتمتمت ) لا أستطيع......".

نيو فراولة 30-05-11 08:14 PM

أكمل ساخرا :
" أن تحبينني أيضا؟ لا تنزعجي يا رينا , سبق وقدمت لي الكثير , يكفيني هذا حاليا".
" أنت متساهل جدا".
" لا... أنا واقعي".
" لست مغرما بي , أليس كذلك؟".
قال بحدة:
" ولكن هذا لا يكفي ( حدّجها بنظرة متعالية وساخرة) تعالي هنا أيتها الحمقاء".
حاولت أن تهرب لكنه أسرع يمسكها وهزها فبدأت تضحك.
" هذا الأحتشام لا معنى له , أرجوك , نحن مخطوبان , لا تنسي ذلك".
" هذا لا يعطيك الحق........".
لكنه قطع باقي الجملة بعناقه , حاولت أن تبقى سلبية وأن تتنكر لحقيقة أحاسيسها , ولتحمي نفسها , وحاولت أن تدفعه عنها , ثم فجأة توقفت عن المقاومة , وأسترخت كأنها في حلم .
نطق لوجان بكلمات غير مفهومة , وكأن العالم الخارجي بدأ يضمحل دائرا في رأسها كموجة من الدخان.
ومن خلال أجفانها المغمضة شاهدت الغرفة تتراقص في مساحة ضبابية , وفجأة شء ما فرض نفسه على رؤيتها , أنها صورة تيري الموضوعة على زاوية المكتب , وكأنها تراقب المشهد , أطلقت رينا صرخة وأرتجفت أشمئزازا , وفورا رفع لوجان رأسه عندما دفعته رينا وهي تنتحب بشدة.
ألتفت حول نفسها وبدأت تعيد ترتيب ثوبها لتخفي خجلها وألمها.
" ماذا حصل؟ ( سألها مذهولا تماما) بحق السماء أجيبي".
" أنت...... تستعجل الأمور , أنا......... أنا لست مستعدة لكي.....".
" ولكنك لم تكوني كذلك منذ دقيقتين ( تقلّص وجهه وأكّد بهدوء أكثر ) لم أكن أنوي أن أتجاوز الحدود معك , هل تخافين مني؟".
" لا ....... لكنك تريد... أن توصلني الى نقطة اللاتراجع , أليس كذلك؟".
" هذا توصلنا اليه , ووعدتني بالزواج".
" ربما تكون بحاجة الى حجة أقوى ... قد لا تثق بي....".
" السؤال ليس هنا , أجد صعوبة في مقاومة حدة رغباتي , أعترف بذلك , لكن أذا كنت تفضلين أن تضعي الخاتم في يدك...".
" وهل في هذا غرابة؟".
" هذا يتوقف على أسبابك , هل كنت بريئة قبل زواجك من تيري؟".
صرخت وهي محمرّة من الأنفعال:
" هذا لا يعنيك".
لمع بريق ساخر وقاس في زرقة عينيه وقال:
" بدون شك , ولكن هذا يساعدني على الأقل في أن أفهم الموقف الراهن".
" كيف؟".
" لأنني سأعزو هذا الى هواجس أخلاقية , وليس الى الرغبة في دفع ما لا بد منه الى أبعد ما يمكن".
" السببان غير مستبعدين , وغير متناقضين ".
نظرته المتفحصة الرجولية أثارت في أعماقها أستغرابا غامضا وصوفيا.....
أستدارت برأسها خوفا من أن تنقل اليه أفكارها , وعندما نهض سألته بشيء من الأستغراب:
" أذاهب؟".
" ولماذا أبقى؟ يبدو أن وجودي يضايقك".
أمام الباب ودّعها بنظرة خالية من التعبير , وظلت بدون حراك.
" الى اللقاء".
قالها وهو يختفي في الظلام.
وبعد تلك الليلة , أحترم لوجان تحفّظ رينا , ولم يعد يقوم بأية محاولة من هذا النوع رغم لقائهما اليومي.
وفي يوم جمعة تزوجا بين مجموعة من الأصحاب وقررا أن يسافرا في شهر عسل وجيز لا يتجاوز الثلاثة أيام لكي لا يبقى داني طويلا في رعاية السيدة كريمنز.
رتبت كل الأشياء في حقائب كبيرة ليسهل نقلها , منزل كيمبل سيباع مع العفش فور عودتهما من السفر , وستعيش مع أبنها في هاملتون عند لوجان.
ولحفلة الزفاف لبست رينا ثوبا من الحرير المزين بزهور مفضضة بطريقة تبرز قدها الممشوق مع طرحة من الدانتيل تناسب تسريحة شعرها.
أحست بالذنب وبخوف شديد عندما وضعت خاتم تيري في علبة المجوهرات التي كان قد قدمها لها في عيد ميلادها.
وفي الكنيسة ركزت أنتباهها على الكاهن لكي تهرب من نظرات لوجان المركّزة والباردة التي تسبب لها هذه الرعشة وهي ممسكة بذراعه , وعندما وضع الخاتم في أصبعها أزدادت رعشتها , وبيد مرتجفة ,وقعت عقد الزواج مستخدمة للمرة الأخيرة أسم كيمبل.
وظل داني عاقلا طيلة مراسم الزواج , وعندما نزلوا الى الممر الرئيسي همس داني لدى مرورهم:
" أنتما متزوجان الآن؟".
" نعم".
أجاب لوجان ضاحكا , وأمسك الطفل بيده الأخرى ,وخرج الثلاثة معا.
مسحت السيدة كريمنز دموع الفرح وألتقطت بعض الصور للذكرى , وفي المطعم الذي ذهبوا اليه لتناول الطعان مع الأصحاب , لم تأكل رينا ألا القليل , ولكن عصبيتها بدأت تتزايد.
وفي كل مرة كانت تحاول أن تموّه حزنها وتطيّرها , كانت تعود الى الواقع مصدومة من حدة نظرات لوجان وقساوة تعبير وجهه.
تمسكت بذراع لوجان لكي لا تفقد توازنها وهي في طريقها الى الغرفة التي أستأجرها لتبديل ملابسهما قبل السفر.
وقف لوجان يراقب تحركاتها المرتبكة بأبتسامة ساخرة.
سألت بأنزعاج:
" هل هناك ما يضحكك؟".
" أنت , هل زواجك مني سبّب لك كل هذا الخوف؟".
نظرت اليه بأزدراء ودخلت الحمام لتبدل ثيابها , وعندما خرجت رأته واقفا قرب النافذة وكأنه تائه في أفكاره.

نيو فراولة 30-05-11 08:15 PM

وعندما خرج بدوره من الحمام , ورأت جسمه البرونزي ذا العضلات ,حول نظرها الى الناحية الأخرى.
" هل تريدين أن تودعي دان هنا؟".
" نعم , أشكرك".
" سأذهب لأحضاره".
نادته:
" لوجان".
" نعم؟".
أسدلت جفنيها وأسرّت اليه:
" حاول أن تفهمني .....ليست هذه هي المرة الأولى بالنسبة لي , ولا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أتذكر ......سامحني أذا........ أذا لم تمر الأمور حسب رغبتك لأن هذا ليس من السهولة حتى بالنسبة اليك أيضا".
بقي لحظة صامتا ثم أجاب:
" اليوم لم ينته بعد".
لم يكن داني قلقا بسبب سفر والدته مما سبّب لها راحة وألما , هزّ يده مودعا مع السيدة كريمنز , بينما كانت السيارة تبتعد.
قالت رينا:
" يبدو أنه سعيد".
" نعم , بالنسبة اليه كل شيء يجري على ما يرام".
أخذا طريق الجنوب لأن لوجان كان قد أستأجر بيتا ريفيا على ضفة نهر يبعد قليلا عن الطريق , وعندما أطفأ المحرك صعقت رينا من شدة الهدوء.
وضعا الأمتعة في الخزائن وأعدّا وجبة من اللحم والسلطة وأكلا في صمت قبل أن يخرجا للنزهة.
ضباب سحري غطى البحيرة ساعة الغروب , وموجات تضرب بهدوء جوانب النهر , زقزقة العصافير تتردد من شجرة لأخرى , أوراق الأشجار تحدث حفيفا مع نسمات الليل , وغناء لا متناه للزيزان يملأ الفضاء.
لفت أنتباهها صوت في البحيرة , فأشار لوجان الى سمكة تقفز خارج الماء ثم تعاود الهبوط الى الأسفل.
" أتحبين الصيد؟".
وهزت رأسها:
" وأنت؟".
" نعم وعندي مشاريع للأيام التالية".
تابعت المشي بتؤدة على الرمل الأبيض دون أن تطرح أي سؤال , أحست برطوبة الهواء وأقشعر جلدها.
" أتشعرين بالبرد؟".
سألها وهو يحيط متفها بذراعه , وعندما حضنها توقفت وبدت نظراته المتأملة وكأنها تطرح سؤالا أصم , لم تعرف بماذا تجيب فخفضت عينيها.
" رينا.......".
شدّها اليه , رفعت يدها بهدوء وطوقت عنق لوجان , كرر أسمها تمتمة وهو يضغط أصابعها واحدة واحدة.
وعندما بدأ يداعب شعرها برقة أطلقت تنهيدة أنشراح مرتعشة وأحنت رأسها بحركة ودية.
النجوم تتلألأ راقصة خلف أجفانها المغمضة , وهمس النسمات للأوراق يرن في أذنيها.
لم تعد تحس برطوبة الليل وشعرت بالدوار , فتشبثت به وكأنه نقطة الأرتكاز الوحيدة في عالمها المقلوب , وتحت لمساته أستيقظت كل أحلامها المكبوتة .
وعندما أبتعد رغما عنه أرتجفت ولم تعد تتمكن من التحكم في أنفعالاتها.
" هيا لنعد الى المنزل؟".
" نعم".
مشت مترنحة حتى المنزل وعلى العتبة حملها الى غرفة النوم .
وعلى السرير أبتسم أبتسامة المنتصر , خلع حذاءه ثم صندل رينا.
ألقت برأسها , وأغمضت عينيها بصمت بينما كان لوجان يهمس بأذنها:
" يا لك من جميلة , آه ..... رينا , أردتك منذ زمن بعيد .... منذ اليوم الأول وأنت أيضا أليس كذلك؟ أحببتني منذ البداية.....".
فجأة أنطفأت النار التي كان قد أشعلها فيها وصرخت بصوت متحشرج:
" لا ( وأزاحت رأسها لتتخلص منه ) لا , هذا غلط , كنت أحب تيري وحده , ولم أشعر بشيء أتجاهك".
" سامحيني , ما كان عليّ أن أقول هذا , أنسي كلامي , أنسيه أرجوك , الحاضر هو الذي يهمنا".
ظلت الكلمات تطن في رأسها ولم تعد تتأثر وأصبحت جسما بلا حراك , حاول لوجان بيأس أن يعيدها الى كثافة اللحظة السابقة , لكن ذلك كان عبثا , وعلى الأقل تحملت أن يحتضنها وهي ترشح غضبا , وحقدا , لأنه لم يتوصل أن يقاوم نار هيامه , ثم وفي صمت مر سمعته يلعنها وهي ممددة كالمشلولة.
نهض وأرتدى ثيابه وخرج صافقا الباب.
بقي غائبا ساعات طويلة , وفي الفجر عاد بهدوء ولكنه لم يدخل الغرفة , وبعد عودته بقليل غطت رينا في النوم بعد كل هذا الأنهاك.

نيو فراولة 30-05-11 08:17 PM

6- شهر العسل الدامع.......




عندما أستيقظت رينا في التاسعة صباحا كانت الشمس تملأ الغرفة , وكان الصمت يعم المكان بأكمله.
كان لوجان قد نام عدة ساعات على الأريكة في الصالون قبل أن يخرج.....
توجهت رينا الى المطبخ لتعد وجبة الأفطار , وبعد قليل ظهر لوجان على مدخل الباب وقد بدت على وجهه مظاهر الهم .
" صباح الخير ".
" صباح الخير ( أجابها وهو يدخل ) هل أستطيع مساعدتك؟".
" كل شيء جاهز".
جلست الى الطاولة , وجلس لوجان دون أن يعيرها أنتباها , وظل فترة طويلة يأكل بصمت وهدوء ,وكأن هناك ما يشغب تفكيره.
قالت:
" الطقس جميل , هل سبحت؟".
" نعم , الماء رائع".
لم ترد ونهضت لتسخن الماء.
" هل تفضل الشاي أم القهوة؟".
" سيان , رينا بخصوص الباراحة......".
قاطعته وكأنها غير مبالية :
" كم قطعة سكر تريد؟".
" تعرفين عادتي تماما".
قالها بخشونة , وقف وراءها وأمسكها من كتفيها وأجبرها أن تواجهه , تخلصت رينا منه بحركة عصبية وتراجعت الى الوراء وصرخت جزعة:
" لا تلمسني".
أشتعلت في هينيه ثورة , عض شفتيه , وبذل جهدا كبيرا ليتماسك وتابع:
" رينا , الأحباط الذي حصل البارحة , أتحمل مسؤولياه بالكامل ........ أنها غلطتي ..... لقد تصرفت...... كرجل بدائي".
" وهذا رأيي أيضا".
قالتها بعنف وهي مسرورة من رؤيته حائرا ومرتبكا.
" أقدم كل أعتذاري وأسفي".
" هل تعتقد أنك تستطيع ترتيب الأمور بهذه الطريقة؟".
قالتها بتهكم وأزدراء .
" لا , ولكنني الآن اشعر بضرورة ذلك , ولأصلاح الخطأ لا أرى ألا أمكانية.....".
" لا......".
قاطعته بسرعة وهي تدير رأسها وقال:
" أعطيني فرصة , أرجوك , يجب أن ينجح زواجنا".
" أتطالب بحقوقك الزوجية ؟ حسنا , لا أتنكر لهذه الواجبات.... وأنت لا ترحم عندما تقرر شيئا , أليس كذلك ؟ أردت أن تتزوجني مهما كلف الثمن , وهذا ما حصل , مع أنني حذرتك سلفا من أنني وافقت فقط من أجل داني , وأنت تدّعي بأنك لا تعلق أية أهمية على أسبابي , مع 1لك أرجو ألا تنساها يا لوجان , فمن أجل سعادة أبن تيري أنا مستعدة لأتحمل أي شيء".
" رينا لا تلعبس دور الضحية , كوني واضحة وصريحة , أنت لم تضحي من أجل دان , الرغبات نفسها تسكننا نحن الأثنين , لولا كلامي التعيس ليلة البارحة لأستسلمت لي كلية".
منتديات ليلاس
" لا تخادع يا لوجان , من المؤكد أنك تتمتع بشيء من الجاذبية , وكثرة التجارب , ولكن من الممكن لأي رجل آخر أن يوقظ فيّ ردود الفعل نفسها , ليس من الصعب أن تغوي أمرأة حيث يظل الحس ظامئا ...... أنني أتألم كثيرا من وحدتي الروحية , وأعترف بذلك من دون خجل , أردت أن تملأ هذا الفراغ المرعب وهذا يكفيك على ما يبدو , ولكنني حذرتك من أنك لن تخلف تيري في قلبي ولن أحبك بالطريقة نفسها , ولكن داني بحاجة الى أب ومن أجله رضيت أن أخضع لمتطلباتك , هذا هو السبب الوحيد لتصرفي".
أحس لوجان بمرارة لم يعرفها من قبل وأجاب ببرود شديد:
" لا أفكر أن أحل محل تيري , أحتفظي بذكرياتك الجميلة , هبي قلبك لهذه الذكريات أذا كان هذا الشيء يرضيك ولكنني سأكون ذلك الذي ... يتقاسم معك الحياة".
صدمت رينا وتمتمت :
" أنت بالفعل رجل بدائي".
" شكرا , هل تريدين برهانا آخر؟".
قالها بدون رحمة , شحبت رينا وتقلصت ثم أجابت:
" أكرر لك , لن أمنع نفسي عنك".
" ومن خلف جفنيك المغمضين تتابعين التفكير بتيري , وهل ستتابعين تمثيل لعبة البرود وقتا طويلا يا رينا؟".
شدّها بقوة , وأجبرها أن تنظر اليه , ولكن أمام لامبالاتها وعيونها الغارقة في المبهم قال:
" في الوقت الراهن أفضل ألا أجاريك في هذا الفصل , ولكنك لن تستطيعي الى الأبد أن توزعي فكرك بين رجلين".
تركها فجأة ثم خرج وهو في ذروة أنفعاله وسقطت رينا على الكرسي ورأسها بين يديها , لقد أمضيا شهر عسل غريبا , نام لوجان في الصالون في الليلتين التاليتين , وبعد أن يتناول أفطاره يخرج كل يوم ليمضي يومه في التجذيف , طلب مرة من رينا أن ترافقه ولكنها رفضت , نادرا ما يتكلمان ألا لتبادل الكلمات الضرورية بأدب تام كغريبين تماما , قامت رينا بنزهة طويلة على شط البحيرة وحيدة وأخذت حمام شمس على الرمل.
صباح الأثنين أخذا طريق العودة وتوجه لوجان مباشرة الى منزل رينا ليحضر متاعها , دخلت لمنزل الفارغ وفي قلبها غصة , جو غريب من الهجران يخيم على المكان ويعكس أنطباع الحزن والأسف , في غرفة النوم جمع لوجان الحقائب وعاد ليضعها في السيارة , وبحزن كبير توقفت رينا في الغرفة غير قادرة أن ترفع عينيها من على السرير الذي تقاسمته مع تيري... وللمرة الأخيرة تأملت المكان لتثبت الصورة في ذاكرتها , وعندما عاد لوجان وجدها على وشك البكاء , وقف على العتبة وقد أكتسى وجهه بقناع لا يفسر , وبدون أية كلمة تركها لوداعها الصامت.

نيو فراولة 30-05-11 08:18 PM

وبعد عشر دقائق ألتحقت به رينا وتوجها الى السيدة كريمنز لأخذ داني.
وفي الطريق الى هاملتون كسر داني التوتر الحاصل وهو يروي لهما عن العطلة التي قضاها مع الجارة.
كان لوجان يسكن منزلا فخما على شط النهر الذي يجتاز المدينة , تحيط به الحدائق والمراعي الشاسعة.
منذ دخولهم الصالة أسرع داني ليقيم في غرفته الجديدة , وبدأ لوجان بنقل الحقائب وتبعته رينا , وعندما ترددت بالدخول شرح لها زوجها:
" داني يتوقع أن يرانا نتقاسم غرفة واحدة للنوم على ما أعتقد؟".
" لا أعرف .... أكيد , نعم".
" وتريدين أن تعطيه عنا صورة الزوجين السعيدين , أليس كذلك؟".
" نعم يا لوجان , ربما نستطيع أن نبدو أكثر......".
" أكثر أتحادا ؟ هذا يتوقف عليك يا رينا".
قالت بغضب:
" الزواج لا يقوم على العلاقات الحسية فقط".
" أعرف , لكن لا يمكننا أن نتظاهر لا بالصداقة ولا بالحنان ".
في هذه اللحظة قاطعهما صوت داني من الممر مناديا أمه لتساعده في ترتيب أشيائه.
نام الطفل متأخرا من شدة الأنفعال بالأشياء الجديدة , وجلست رينا في الصالون مع لوجان وهي تشعر بالغربة في هذا المنزل , يلزمها الكثير من الوقت لتعتاد على هذا الجو المختلف تماما عن جوها.
" أنني متعبة , سأذهب لأنام".
" وجودنا منفردين يخيفك؟".
أمسكها من يدها وساعدها على النهوض , وعندما أحس بتسارع نبضها قال ساخرا:
" قلبك يخفق بشدة , أخوفا أم أنفعالا؟".
" لا هذا ولا ذاك ( قالت بأحتقار) دعني يا لوجان".
حاولت أن تتخلص من قبضته , ولكنه ظل مشددا عليها بغضب.
" تذكري يا رينا أنك وعدتني بألا تقاومي , أذا رغبت..... أن أقوم بواجباتي الزوجية".
أغلقت كفها لتخفي الرعشة اللارادية.
" لا أفكر بمقاومتك".
همست بعينين هائمتين , حضنها وشدّها اليه أكثر علّه يوقظ لديها تجاوبا , ولكنها بقيت جامدة.
بذلت رينا جهدا لتظل سلبية , وتحافظ على توازنها , وعندما شعرت بحرارة عواطفها أطلقت صرخة أحتجاج عفوية.
" ماذا حصل؟ ( سألها وهو يضع يديه على خصرها , وقال ساخرا) هل أنت مضطربة؟".
لم تعد تستطيع أن تحتمل نظرة عينيه الحادة التي تفتقد الرحمة فعضت شفتها.
وفجأة تركها بعنف حتى كادت تفقد توازنها.
" تصبحين على خير".
غادرت الصالون مترنحة صامتة تتساءل , هل صدّق هذا البرود في تصرفاتها أم أنه يلعب معها لعبة القط والفأر؟
ظلت في السرير الواسع مفتوحة العينين في الظلام غارقة في أفكارها , وعندما دخل لوجان تظاهرت بالنوم وهي تسمعه يأخذ مكانه بصمت , ووجدت رينا صعوبة كبيرة في أن تظل فترة طويلة محافظة على أيقاع أنفاسها المنتظم.
" لقد فهمت الآن تماما يا رينا , لا لزوم لمتابعة هذا التمثيل الأحمق , سأنام في الغرفة الأخرى".
وبعد رحيله بقيت فترة طويلة من الليل تتقلب دون أن تجد الراحة.
تأقلم داني بشكل رائع مع بيته الجديد , لقد صنع له لوجان الأرجوحة التي وعده بها , وعمّر داني كوخا على غصن السنديانة المنحدر على شاطىء النهر , كانا يقضيان معا معظم الوقت , ورينا تشعر بالغيرة بعد أن تشكل لديها أنطباع , وكأن لوجان سرق أبنها , كانت تراقبهما من خلف الستارة وهما في الحديقة , الوالد اجديد يعلم داني دق المسامير ونشر الخشب وغيرها , والطفل يعشق لوجان وينظر اليه كبطل حقيقي من أبطال الأساطير.
وكلما أحست رينا بقربهما زاد أنقباض قلبها وفاضت دموع عينيها.
ظاهريا , يبدو الزواج طبيعيا تماما , لوجان زوج مثالي يساعدها في الأعمال المنزلية بالأضافة الى كونه أبا ممتازا , ولكن الحقيقة أن الصراع الأصم المشترك يهدد دوما بالأنفجار , رينا تصر على تماسكها ولوجان متربص يتحين الفرصة ليعجل بأندلاع الأزمة.
رينا تمضي سهراتها في القراءة أو مشاهدة التلفزيون ولوجان متربص لها يراقب تصرفاتها التي لا تخفى عليه , أو ينزوي في مكتبه للعمل.
تنام كل ليلة لوحدها , وهو في الغرفة الأخرى , يدخل أحيانا الى غرفتها لتبديل ثيابه ولا يفوّت أبتسامة ساخرة أذا ما فاجأته بدخولها.
كانت واعية تماما لهذا الموقف العبثي الذي لا يمكن أن يستمر الى الأبد , ولكن كيف سينتهي ؟ هذا ما لا تجرؤ أن تفكر به....
كانت ترافق داني مرتين في الأسبوع الى أحد نوادي الألعاب , وفي يوم دعاه أحد رفاقه الجدد الى منزله , أوصلته رينا بعد أن وافقت على ذهابه على أن تعود لأخذه في الخامسة مساء .
وبدلا من أن تعود الى ذلك المنزل الواسع الفارغ وتجد نفسها وحيدة مع أفكارها قررت أن تقوم بنزهة الى شاطىء البحيرة , وبينما كانت تتسللى بألقاء قطع الخبز الى البجعات والأسماك رأت زوجين شابين مع طفلهما الذي يركض وراء البط بتشجيع من والديه السعيدين , وهما وراءه يتعانقان بحنان.

نيو فراولة 30-05-11 08:21 PM

وفجأة هرعت الشابة لتلتقط أبنها من جانب الشط وهرع الشاب لرفعه بين يديه , هذا المشهد الثلاثي أثار في مخيلتها صورة من ذكرياتها , لكنها تبقى منزوية بعيدة ووحيدة لدى أجتماع داني ولوجان.
وبأندفاع مفاجىء نهضت الى السيارة بعد أن شعرت بحاجة كبيرة لتتناقش مع لوجان.
ولديها ما يكفيها من الوقت لتذهب الى المطار وتعود قبل الخامسة.
أن الحياة لا تحتمل على هذا المنوال , ويجب أن يعتمد زواجهما على علاقة وجدانية على الأقل لصالح داني , ومن الطبيعي أن تقوم هي بالخطوة الأولى ولوجان سيكون متفهما أذا ما أبدت حسن نواياها.
قطعت المسافة بسرعة ولدى وصولها تفحصت شكاها بقلق , عيناها اللامعتان وشحوب وجهها تعكس توجّسها ,وبيد مرتعشة وضعت لمسة من أحمر الشفاه ورتبت شعرها قبل أن تنزل .
لم تجد السكرتيرة في غرفتها ولكنها سمعت أصواتا من مكتب لوجان , وبينما كانت تتردد في الدخول شاهدت طيفا يمر خلف الزجاج السميك , وعرفت شعر أنجيلا الأشقر , تجمدت يد رينا على مقبض الباب وهي تلتقط أصواتا خافتة وفي هذه اللحظة , أقترب طيف لوجان من أنجيلا وخنقت رينا صرختها وهي ترى الظلين يمتزجان , لوجان يحتضن سكرتيرته بين ذراعيه.
منتديات ليلاس
وبسرعة تراجعت الى الخلف دون أن تستطيع أزاحة عينيها عن المنظر , أنها غير متأكدة مما تراه لعدم وضوحه ولكنه مع ذلك حقيقي , تسللت خارجة على رؤوس أصابعها وهي في حالة ضياع كامل.
ساقت بسرعة جنونية الى أن طاردتها سيارة الشرطة , وأرغمتها على التوقف , لم يصدق الشرطي أعذارها وأصر أن يكتب مخالفة , وينصحها بأحترام السرعة , وضعت رينا الورقة في علبة قفازها , وبقيت متوقفة لفترة دون أن تبدي رد فعل , وأخيرا قررت أن تعود الى المنزل قبل أن تذهب لأحضار داني لأن الوقت ما يزال مبكرا , وهناك عندما أجابت على الهاتف سمعت صوت والدة الطفل الذي يستضيف داني تطلب منها أن يبقى داني عندهم حتى يوم الغد , لأنه مسور جدا بصحبة رفيقه الجديد.
" هذا لطف منك , أشكرك جدا وسأحضر له حاجياته".
لم تتردد رينا أن تترك أبنها مع أناس لا تعرفهم بشكل جيد , لأنها تشعر بأنها غير قادرة أن تبدو طبيعية طيلة الليلة , ولا تريد أن يقلق داني من ذلك...
وهناك أستقبلتها سالي بلطف بينما كان داني مأخوذا باللعب حتى أنه لم ينتبه لها , وأستغربت رينا من أنها تحدثت مع سالي بطبيعية ولم تلتفت الى الزوج عندما عاد ظنا منها بأن له هو الآخر سكرتيرة!
عادت رينا متأخرة وبدأت تعد الطعام , وعندما سمعت صوت سيارة لوجان قفزت بعصبية وجرحت أصبعها.
سأل :
" أين داني؟".
أجابت وهي تضع أصبعها تحت الماء البارد:
" عند أحد رفاقه".
سأل وهو يقترب منها :
" أجرحت نفسك؟".
قالت دون أن تنظر اليه وهي تبحث عن ضماد:
" جرح بسيط".
قال وهو يمسك أصبعها:
" أريني".
وكأن شيئا ما لسعها , وبحركة لاشعورية صرخت وصفعته صفعة مدوية بيدها الأخرى , تراجع الى الوراء مذهولا من عنف تصرفها , وفي عينيه يلتمع غضب أسود , توقعت أن ينتقم بقسوة ولكنها لن تتأثر نظرا للحالة التي هي فيها , ولكنه لم يفعل بل أستدار وخرج بدون أية كلمة ,وشعرت بالراحة وكأن هذا العقاب البدائي كان هو الرد الوحيد الذي أستطاعت أن تستعمله ضده.
حضرت الطعام كيفما كان , وهي تحاول ألا تنهار أمام رنين ضميرها الساخر.
ألم يكن بديهيا بالنسبة اليه أن يواسي نفسه بأمرأة أخرى..... بما أنها تصدّه ؟ رغم كل شيء حاكمت نفسها ... تزوجا منذ حوالي شهر وها هي قد قررت أن تصلح ما بينهما.. ألم يكن بأمكانه أن يصبر قليلا؟ وأن يتفهم الأمور أكثر ؟ وفكرت بمرارة , ماذا يعني الوفاء بالنسبة اليه؟ هو صاحب الحظ الكبير مع النساء , على كل , طالما حدّثها تيري عن كثرة مغامراته بأعجاب , وبالتالي فأن مثله لا يعلق أهمية كبيرة على الروابط الزوجية المقدسة , أنه لمن الحمق والسذاجة أن تصدق العكس.
أجبرت نفسها أن تتناول الطعام في هذا الجو الذي يسيطر عليهما.
شربت رينا القهوة بعصبية محاولة أن تتجاهل نظرات لوجان المتوعدة , وعندما شرب قهوته وجدت مخرجا لها في توضيب الطاولة.
قال آمرا بخشونة:
" دعيها , سأفعل ذلك بنفسي".
" شكرا".
أجابت بشفاه متقلصة , ذهبت الى الصالون وعبثا حاولت أن تركز أنتباهها على التلفزيون , وبعد أن أمضى لوجان فترة طويلة في تنظيف الصحون في المطبخ , عاد وجلس بقربها , لم تتحرك وأرغمت نفسها أن تبدو مأخوذة تماما بالمسرحية , أما لوجان فوضع جريدته على ركبتيه.
حاولت رينا أن تخفي أنزعاجها الشديد , فسألت:
" هل أمضيت يومك بشكل جيد؟".
أجاب بأنزعاج:
" لا , بشكل سيء جدا".
فكرت رينا , قد يكون بسب أنجيلا التي لم تقبل زواجه.

نيو فراولة 30-05-11 08:22 PM

قال بأدب ساخر:
" وأنت؟ ماذا فعلت؟".
تشنجت عفويا من سؤال , لكن من المستحيل أن يشك بشيء مما حصل......
" رافقت داني الى نادي التسلية وبقيت معه الفترة الصباحية , وبعد ذلك أكلت بجانب البحيرة وأمضيت بعد الظهر عند سالي فرنش".
" هل أعرفها؟".
" حتى أنا لا أعرفها قبل اليوم".
" آمل أن تكون هذه العائل من وسط محترم؟ من أجل داني........".
وبسبب هذا النقد اللاذع قاطعته بقسوة:
" داني أبني يا لوجان , وأنا أتحمل المسؤولية كاملة".
نهض بقامته المديدة وقد أنكشف الغضب الذب أخفاه طيلة السهرة.
" لكننا قررنا أن نهتم بتربيته سوية؟".
قالت وهي تنظر الى الأسفل:
" لا , أنت تريد أن تتسلط على كل شيء , ولكنني لن أدعك تحتل مكاني , داني أبني وأبن تيري وليس أبنك".
صرّ لوجان على أسنانه وكأن صاعقة أنقضت عليه.
" وما زلت تعتبرين نفسك بدون شك زوجة لتيري؟".
قالها بصوت متهكم ومثقل بالتهديد , وعندما نظرت اليه بأحتقار وتحد تابع:
" لن أحتمل ولن أغفر هذا التصرف العبثي يا رينا , هذا يكفي , تيري مات وأنا زوجك , وأنصحك بألا تركبي رأسك يا عزيزتي , لأنني لن ألعب دور أيوب لصابر وأنت تتلذذين بتقلباتك الشخصية , أنه امن الغباء أن أتلقى ضربة عندما أحاول أن أضع يدي على زوجتي , وهذا لن يؤدي الى نتيجة , هل فهمت جيدا؟".
رفعت رينا يدها وهي في حالة جنونية من الأنفعال , ولكن لوجان أمسكهافي اللحظة , وظل يلوي يدها حتى صرخت ثم أمسك بها بقسوة.
ضاعت مقاومتها هباء , حملها الى غرفة النوم وخدشت صدره فأطلق صرخة أنتهت بضحكة ساخرة ,وفي عراكها العشوائي فقدت حذاءها وعندما وجدته على السرير حاولت أن تضربه به , ولكنه أحبط محاولتها بغطرسة أمتلاكية , تعرف أنها لن تربح المعركة ولكنها ستقاوم حتى النهاية , وعندما أستنفدت كل قواها ومقاومتها , نظر اليها وقال:
" وأخيرا , ها أنت تتعقلين".
" ضدك حتما معركتي خاسرة لأنك أقوى مني ولا أستطيع....".
" تماما ( قاطعها ) من المؤكد أنك لن تستطيعي".
أطلقت صرخة أحتجاج وتصلبت:
" آه..... لا , لا يا عزيزتي لن تقاومي هذه الليلة".
أستطاعت رينا أن تحافظ على تصلبها , وما تزال ضحكة لوجان ترن وأنفاسه تتسارع عند أذنيها.
ألتهبت عواطفها , وشعر لوجان بأنه سيطر على الموقف تماما.
حركت رأسها بطريقة رفضت معها أن تقبل الحقيقة رغم كل شيء.
" لا.... يا لوجان , لا أرجوك".
ولكن صرخة الرفض تحولت الى همس يائس حتى أنها تساءلت أذا ما كانت أهلا لتتحمل فترة أطول......
أستيقظت في الصباح مع أوائل أشعة الشمس وألتفتت لتنظر الى لوجان الذي فتح عينيهفي نفس اللحظة ووجّه اليها نظرة رائعة.
أستعادت ذاكرتها فأستدارت وشدت الغطاء , وفجأة تساءلت وبطريقة غير منطقية أذا كان قد أستعاد ذكرى ليلة البارحة , أم أنه كان يتوقع أن يرى وجه أنجيلا بدلا من وجه زوجته؟
وعندما وضع يده على كتفها تقلصت , وشعرت بالخجل عندما تذكرت.
ضغطت الأصابع أكثر وأرغمتها أن تلتفت الى زوجها الذي صعق بالتعبير الحاقد المرسوم على وجهها .
" ماذا حصل؟".
سأل وهو يقطب وجهه أيضا , نظرت الى الجهة الأخرى وتمتمت :
" أريد أن أنهض".
" أنتظري قليلا ( قالها وهو يداعب كتفها وتابع) أنك جميلة يا عزيزتي ...... لقد أمضيت ليلة ساحرة".
" شكرا ( قاطعته بجفاف ) وأنا سعيدة لأنني أرضيتك , لكن هناك واجبات زوجية أخرى تنتظرني , عليّ الآن أن أعد الأفطار".
نظر اليها لوجان بلا رحمة وألتوى فمه بأبتسامة قاسية , أمرها بلهجة أكثر أرهابا:
" لا , ستظلين بجانبي......".
وفي النهاية ظلا ممددين ساكنين , رينا تحدق في السقف تائهة , ثم أنسل لوجان من السرير , وبحركة أشمئزاز شدت الغطاء على نفسها , وأغمضت عينيها لتحبس سيل دموعها.

نيو فراولة 30-05-11 08:24 PM

7- أنت في مأمن



يبدو أن داني لم يلاحظ شيئا غير طبيعي بين رينا ولوجان , نتيجة حذرهما الشديد في أن يوحيا اليه بالتفاهم الكامل , وفكرت رينا بهذا التشابه الغريب بين تصرفاتهما الآن أمام داني وبين تصرفاتهما في السابق أمام تيري , عندما أخفيا عنه بنوع من الأتفاق الضمني تنافرهما المتبادل ...... ولكنها حاولت أن تبتعد عن تحليل هذه العلاقات وترغم نفسها أن تعيش اللحظة الآنية.
كان لوجان متمسكا بأعطاء صورة مثالية للعائلة , مخصصا أوقات العطل الأسبوعية للخروج معا في نزهات متنوعة.
لم يعد ينام بعيدا عن زوجته , وأن كانت متمسكة بمقاومته أطول ما يمكن.
داني بدأ شيئا فشيئا يفقد مظاهر الطفولة المدللة , ويشبه أباه أكثر فأكثر , ( كيف يمضي الزمن ) هذا ما فكرت به رينا وهي على شاطىء البحر في يوم صيفي , تراقب التغير الذي طرأ على داني.
سألها لوجان وهو يراها غارقة في أفكارها:
" ماذا بك؟".
" لا شيء".
لكنه تابع نظرها وراقب بدوره داني راكعا على الرمل .
" أنه سعيد".
" أنه يكبر بسرعة".
" هذا في طبيعة الأشياء , أتريدينه أن يبقى تحت جناحك فترة طويلة ؟ لا بد وأن تأتي اللحظة التي يطير فيها بجناحيه".
أجابت بكآبة:
" أعرف , ولكنني أشعر بنزعة مخجلة في أن أحتضنه أطول فترة ممكنة".
" ربما كان الأمر أسهل لو لم يكن وحيدا".
أحنت رأسها بأسف وأجابت:
" نعم من المؤكد كان عليّ........".
قاطعها بخشونة:
"لا أتحدث عن الماضي".
تاهت نظراتها لحظة وهي تتأمل البحر ثم ألتفتت اليه وسألت:
" أتريد أولادا يا لوجان؟".
" ولسوء الحظ , يبدو أنك لا ترغبين أن تنجبي مني".
قالها بحزم , وعندما رأى الحزن الذي بدا على وجهها أضاف:
" يمكننا أحيانا أن نحلم.....".
" أنا آسفة يا لوجان".
ثم نهضت وأبتعدت لتذهب الى جانب داني".
ذات مساء دعتهم أنجيلا لسهرة عندها , فشرح لوجان لزوجته:
" أشترت أنجيلا منزلا جديدا وبهذه المناسبة تقيم مأدبة عشاء".
" يبدو أنك تمنحها مكافأة كبيرة ( قالت بلهجة لاذعة) أين تسكن؟".
بعد لحظة صمت قصيرة أجاب:
" كانت تتقاسم شقة".
" وستعيش لوحدها الآن؟".
" نعم".
( لتستقبل بسهولة أكثر ) تساءلت في سرها.
حاولت أن تختلق عذرا مستساغا من هذه السهرة , ولكنها لم تتوصل الى سبب معقول سيما بعد أن حل لوجان مشكلة داني بأرساله الى رفيقه فرانش الذي سيسعد ه , قررت رينا أن تلتمع بجمالها , أشترت ثوبا جديدا وأمضت وقتا طويلا أمام المرآة تعتني بتسريحة شعرها , والتجميل , وبوضع أدوات الزينة الزمردية .
أستقبلتهم أنجيلا بثوب من الساتان الأسود المتناسب مع لون شعرها الأشقر , كان قد سبقهم عدد من المدعوين , منهم بعض المعارف القدامى الذين لم ترهم رينا منذ وفاة تيري , والذين أخذوا يختلسون النظر اليها.
كان لوجان يراقب أنجيلا بتقطيب غريب , ورأت رينا في عينيه نوعا من الأستجواب الأصم , وأنجيلا غمزت له بعينيها وكأنها تطمئنه.
منتديات ليلاس
كانت رينا تتحدث مع زوجة أحد التقنيين الذين يعملون في المؤسسة عندما لمحت شابا أشقر في رفقة أنجيلا , فجأة , شدها بعصبية وأنقلبت الكأس على ثوبها.
لم يلاحظ أحد الحادث , ولكن لوجان لحق بسكرتيرته وأخذها من يدها الى غرفة صغيرة وأقفل الباب , أما الشاب فقد أحمر أنفعالا وأستدار.
لم تجرؤ رينا أن تتبعهم ولكنها تمنت أن تغوص في أعماق الأرض , وأعتذرت من محدثتها , وتوجهت الى المطبخ , وعندما رأته يغصّ بالناس خرجت الى الهواء الطلق حيث الحديقة الصغيرة المليئة بالأزهار والخضرة , جلست على مقعد وأسندت رأسها على حجارة الحائط الرطبة ,وعندما أغمضت عينيها جاءها صوت لوجان:
" ما سبب دعوة هذا الصعلوك؟".
أجابت أنجيلا بحزن :
ط قلت لك أنه لم يعد يشكل شيئا بالنسبة اليّ يا لوجان".
" ليس من اليسير أن أصدق ذلك , ربما تريدين أن تنتقمي ؟".
" لا , لا أفكر ..... أريد أن أثبت أستقلاليتي , ليست هناك أية أمرأة تسعد بأن تكون لها منافسة في قلب الرجل الذي تحبه , صدّق هذا!".
" أعرف , ولكنك لست تماما غير مهتمة بصديقك القديم هذا , وبالأمكان أن تعودي اليه في وقت ما".
صرخت أنجيلا:
" لا أريده ...... وأود ألا أراه ثانية".
" هل هذا صحيح؟".
" أقسم لك".
أسعده كلامها فأجاب:
" أنظري..... أن البقعة أختفت من على ثوبك".
وبعد فترة تابعت أنجيلا:
" هل أعجبك الديكور؟".
" ساحر.... تمتلكين الكثير من الذوق".
" شكرا , أنا سعيدة لهذا الرأي , على كل حال , أموالك هي المساهمة في كل هذا ".
" لا قيمة لذلك يا أنجيلا , وأنت تستحقين هذا أذا كان يسعدك".
لم تسمع رينا تتمة الحديث , لأنها كانت قد أبتعدت , وقفت في الظل مرعوبة لا تقوى على الحركة ولا على التفكير بشكل منطقي.

نيو فراولة 30-05-11 08:26 PM

وبعد أن عادت رينا الى الصالون , كانت أنجيلا تقدم السلطة واللحومات الباردة , وعندما رأى لوجان زوجته ترك مجموعة الأصدقاء وأتى للقائها.
" أين كنت؟".
" ذهبت لأشرب قليلا من الماء وأستنشق الهواء فالجو خانق هنا".
" لن نتأخر كثيرا ... الجلسة غير مسلية أليس كذلك؟".
" ليس تماما, ولكن يمكنني أن أعود لوحدي أذا كنت تريد أن تتابع السهرة".
" سنذهب بعد الأكل مباشرة".
وفي لحظة الوداع سبقته رينا الى الباب ورأت أنجيلا تهمس في أذن لوجان شيئا.
وفي الطريق لم توجه كلمة واحدة الى زوجها وهي تنظر في الفراغ ساهمة , وأحست بغريزتها عن هذا الرجل..
أذن لوجان يملك بيتين , الأول يسكنه معها , والثاني مع أنجيلا.... وقفت أمام المرآة تسحب أساورها بينما كان لوجان يفك أزرار قميصه , تلاقت نظراتهما في المرآة , فأدارت رينا عينيها لكن لوجان كان قد وضع يده على رقبتها , تشنجت رينا وعندما رفعت رأسها شاهد لوجان الكراهية التي تنضح من تعبيرها.
فتشوّه وجهه هو الآخر بالغضب وشتم وأصر على عناقها بقسوة.
همست بصوت يرتجف:
" أتركني , أكرهك!".
" حتى عندما يظهر عليك غير ذلك؟".
نظرت اليه بحقد ولم تجب.
وحاول أن يزيد فقاطعته:
" يكفي , يكفي".
" الأفعال هي البرهان وليس الكلام".
وفجأة شعرت بعواطف سلبية طاغية وهي تتذكر المحادثة بينه وبين أنجيلا....... وبعد فترة طويلة صرخ:
" حسنا يا رينا , لقد ربحت ولن ألمسك بعد الآن , ولن أتيح لك الفرصة لتجعليني أكون كالأحمق أمام نفسي , من الآن فصاعدا تنامين لوحدك".
نهض وغادرها وأمام الباب ألتفت قائلا:
" أنه لمن المضحك أن تكنّي كل هذا الوفاء لرجل لم يخلص لك في حياته".
تحت تأثير الصدمة سحبت رينا الغطاء على رأسها ولكن كلمات لوجان المخيفة لا تزال ترن في أذنيها , لا .......ليس هذا صحيحا .... تيري لم يخنها , مستحيل....
وفي صباح اليوم التالي طلع نهار رمادي , غيوم سوداء تغطي أديم السماء , ورياح قوية تعصف في الجو مع مطر بارد يضرب زجاج النوافذ , أرغمت رينا نفسها أن تنهض بمزاجها السوداوي الكئيب.
وفي المطبخ كان لوجان ينتظرها وقد بدا بشكل لم تره منذ زمن طويل.
سألته متظاهرة بالأنهماك بالعمل:
" هل تناولت أفطارك؟".
" نعم , رينا.... سامحيني بخصوص البارحة , لم أكن محقا في أتهام تيري".
" لقد كذبت , حسبما أفهم".
تقلّص وجهه وبعد صمت أجاب:
" نعم كنت مجنونا من شدة الغضب , أردت أن أجرحك ولا أطلب أن تسامحيني".
راقبت رينا بأنتباه شديد تعبيره ولكنها لم تتبيّن شيئا , أنه يخفي عنها الحقيقة....
" يجب أن أذهب".
وعندما وصل أمام الباب نادته:
" لوجان؟".
" نعم".
" شكرا".
وبدون أن يغير شيئا من تعبيره الغريب أنحنى صامتا وخرج.
مر الصباح يجر نفسه بطيئا متثاقلا , وكأنه لن ينتهي في هذا المنزل المعتم الفارغ , في الحادية عشرة لم تعد تتماسك , لبست وخرجت تتنزه بلا هدف على شط النهر , حاولت أن تركز أنتباهها على تموجات النهر والمياه الموحلة لكي لا تفكر بشيء آخر..... ولكن لسوء الحظ كان ذلك مستحيلا , فالذكريات لا تلبث أن تزهر في رأسها ولا تستطيع تحاشيها.
تذكرت لقاءها الأول مع تيري , عندما أجتازت أمتحان الطيران بأمتياز وأحتفلت بنجاحها مع مدربها.... الدروس البهلوانية التي يحاول أن يخيفها بها أثناء هبةطه دون أن يحذرها وهي تضحك ..... والى ما هنالك.....
كانت تحب عالم الطيران , رافقته في طائرته .. تحابّا.. عرفا معا لحظات لا تنسى .... ولكن لسوء الحظ , فالنهاية المأساوية لتيري وضعت حدا لسعادتهما... وبعد ولادة داني رفضت أن تتابع الطيران خوفا من أن تحرمه من أمه بينما سخر تيري من حذرها المبالغ فيه.
" لوجان سيسهر عليكما".
كان يكرر هذه الجملة في كل مرة يسافر فيها.
ومن البديهي أن لوجان كان يتصل بهم أو يمر لزيارتهم , ليتأكد من حسن سير الأمور.
قالت ذات يوم للوجان:
" لا حاجة لأن تزعج نفسك , أستطيع أن أتدبر أموري لوحدي".
" سيغضب تيري أذا نقضت عهدي , أنه يعتمد علي أن أحل محله أثناء غيابه في بعض الحالات ..... ومن الطبيعي ألا أذهب بعيدا وأطالب بأمتيازاته الزوجية...".
قال ذلك بشيء من السخرية.
فقالت بغضب:
ط\ بدون أي شك".
" وطبعا تيري لا يشك بذلك , أنه يعرفنا تماما نحن الأثنين".
في ذلك الوقت رينا لم تبحث في أن تفهم المعنى المستتر وراء هذا الكلام.
ذات يوم ذهبت الى المطار لتصحب تيري , وهناك خرج الجميع , تيري في المقدمة يحمل داني , وفجأة تذكرت أنها نسيت رضّاة الطفل على المكتب فعادت لتأخذها بينما تيري يحضر مقعد داني.

نيو فراولة 30-05-11 08:29 PM

أنتظرها لوجان ليقفل الباب وعندما مرت أمامه علق كعب حذائها بالسلم الخشبي , أمسكها لوجان فورا وسمعت ضربات قلبه المتسارعة , وهي تستند بيديها على صدره وهو يغرس ذقنه في شعرها وبقيا لحظة بدت وكأنها لا نهائية , وأخيرا سأل:
" هل أنت متألمة؟".
" لا".
توصلت الى لفظها بضعف وهي ترتجف وقلبها يخفق بشدة.
" أنت في مأمن ولن يحدث لك شيء".
لمّ حذاءها وأضاف بلهجته الساخرة المعتادة:
" أنتعلي حذاءكيا سندريللا ".
أستندت رينا على الدرابزين وهي تنزل السلم نتيجة الألم الذي أصاب كاحلها , لم يساعدها لوجان بل أكتفى بالسعادة التي أحس بها وهو يمشي الى جانبها حتى السيارة.
سألها تيري وهو ينطلق:
" ماذا حصل؟ أنك شاحبة جدا".
" لقد لويت كاحلي وهو يؤلمني".
أراد أن يصحبها الى الطبيب ولكنها أصرت أن تعود الى المنزل وهناك عالجها بشد ضماد على مكان الورم.
في تلك الليلة تفجرت رينا حبا وحنانا محاولة أن تنسى الرعشة والأحساس الغريب لخوفها وشعورها بالذنب لما حصل لحظة سقوطها , أستفاقت رينا من أحلامها بعد أن أرتجفت من المطر الذي بلّلها تماما , عادت الى البيت وبدّلت ثيابها , وشربت قليلا من الحساء , وذهبت لتحضر داني من عند رفيقه وحمدت الله لأنه لا يعاني من المشاكل القائمة , وبالنتيجة فأنه يمثل نوعا من خطوط الأتحاد بينها وبين لوجان وأن كانت هشة وسريعة العطب.
في المطبخ ساعد داني والدته في عمل الحلوى , وحاولت رينا أن تسيطر على أعصابها وتهييء نفسها لأستقبال زوجها بهدوء , وفي اللحظة التي وضعت فيها العشاء لداني هرعت لترد على الهاتف , سمعت صوت أنجيلا يخبرها بتأخر لوجان.
سألت رينا بشكل آلي:
" ألم يقل ما هو السبب؟".
أجابت السكرتيرة بعد سكوت ثقيل:
" لا يا سيدة ثورن , لقد حملني فقط أن أنقل اليك بأنه لا يعرف في أية ساعة يعود".
شكرتها رينا ورغبت بكل جوارحها أن تعرف السبب.
قرأت في سريرها ونامت حوالي منتصف الليل.
وعندما أستيقظت صبيحة اليوم التالي ألقت نظرة على الغرفة الأخرى التي ينام فيها زوجها , فوجدت السرير كما هو على حاله..... لكن لوجان كان في المطبخ منحنيا أمام فنجان القهوة , والأرهاق واضح على وجهه , عينان محاطتان بهالة سوداء وخدود غائرة.
صدمها هذا الحزن الحدادي.
سألته:
" ماذا حصل؟".
" لا شيء .... على الأقل لا شيء له علاقة بك".
قفز مسرعا ورمى كرسيه من العجلة لكي يجيب على رنين الهاتف:
" نعم... مفهوم أنجيلا.... واضح ...... نعم , لم نفقد الأمل بعد... ...شكرا".
سألته عندما أنهى المكالمة:
" لم تنم هذه الليلة أليس كذلك؟".
" لا... ولكنني عدت لأستريح قليلا".
" أخبرني ماذا حصل؟".
" جون تأخر , كان عليه أن يعود البارحة بعد الظهر ".
رينا تعرف هذا القبطان كانت الشركة قد تعاقدت معه منذ حوالي السنتين.
قالت بلهجة اللوم:
" ولكن أنجيلا لم تقل لي شيئا من هذا".
" لم أشأ أن أقلقك ولهذا لم أكلمك بنفسي".
" هل بقيت في المكتب طيلة الفترة؟".
" نعم... فريق النجدة كان يفتش طيلة الليل , وآخر حل محله هذا الصباح , وكان عليّ أن أكون على أتصال مستمر معهم , لأطمئن عما حدث , أنجيلا تلقت خبرا بتوها وأخبرتني بأنهم كشفوا مكان حطام الطائرة".
جلست رينا لدى سماع الخبر مهدودة.
" كم من الوقت.... يلزمهم للوصول الى المكان؟".
" ساعة أو ساعتان ولسوء الحظ , الظروف الجوية سيئة جدا للأقلاع الآن".
" و......جون؟".
" ليس لدينا أي دليل على أنه ما زال على قيد الحياة.
قالها وهو يشد قبضة يدهعلى الطاولة بقسوة وفجأة مدت رينا يدها ووضعتها على يديه , رفع عينيه بأستغراب , ثم فتح راحتيه وشد على أصابعها.
" على أي حال , لم يكن بأمكانك عمل شيء البارحة , فلماذا لم تعد الى المنزل؟".
" أولا كنت لا أزال آملا عودته...... ثانيا لم أرغب أن يخبروني هنا".
أي أنه يريد أن يجنبها ألم الذكريات في حالة وفاة جون... أنها تتذكر الآن كيف كان يمسك يديها كما هو حاصل الآن ,في غرفة ضابط المباحث يوم حادث تيري ليساعدها على أن تتماسك.
" وهل بقيت لوحدك طيلة الوقت؟".
" بقيت معي أنجيلا حتى منتصف الليل ثم طلبت منها أن تنصرف".
سحبتيدها ببطء من بين يدي لوجان وقالت:
" من امؤكد أنك بحاجة لأن تأكل شيئا ,سأعد لك الأفطار".
وبعد الأفطار لم ينم بل أكتفى بأخذ حمام واللعب قليلا مع داني".
" عليك أن تنام قليلا".
" أفضل الأنتظار , وعلى كل حال لا يمكن أن يغمض جفني قبل أن أطمئن".
وبعد أن أجاب على الهاتف بضع لحظات وضع السماعة وأستند على الحائط وألتفت الى رينا التي بدأت ترتجف كورقة في مهب الرياح وصرخ:
" أنه حي ...... أصيب بكسر في الساق ورضوض في الأضلاع , ولكن ليس هناك ما يدعو للقلق".
" نعم...... نعم".
كررت رينا كالببغاء وهي تلف يديها على كتفيها لتخفف من أرتجافها , شدّها لوجان بين ذراعيه محاولا تهدئتها , ولما أستغرب داني المشهد طمأنه لوجان :
" كل شيء على ما يرام يا عزيزي , كل ما في الأمر أن أنك تشعر بالبرد".
" العم لوجان يدفئك؟".
" نعم".
ترك داني وبدأ يقلد لوجان بفرك ظهر أمه ليدفئها .
صاحت رينا وهي تداعبه بدورها:
" أوه يا داني , كم أنت لطيف".
" العم لوجان أيضا لطيف".
رقت سحنة لوجان وأرتسمت على وجهه أبتسامة وقال:
" سأبرهن على ذلك بأن حضر لكم شرابا ساخنا".
جلس الثلاثة في المطبخ وشربوا الشوكولا الساخنة , وبعدها عاد داني الى ألعابه.
قالت رينا:
" لا أعرف ما الذي أصابني".
" أنه رد فعل , ليس فقط لحادث جون لكنه أيضا بسبب الضغط العصبي لهذه الأيام الأخيرة , أنك لم تتهدهوري بهذا الشكل حتى يوم حادث تيري أليس كذلك؟".
وكدفاع عن النفس ردت فورا:
" أنا لست مريضة عصبيا".
أنفجر لوجان ضاحكا:
" لم أقل هذا أبدا , أنك عنيدة وشجاعة ولكنك أحيانا يائسة".
توقف قليلا ثم أخذ يدها وتابع:
" بحق السماء يا رينا كفي عن هذا الصراع مع نفسك , وعن الصراع معي , لقد أخطأت معك , أعرف ذلك , لدي بعض المساوىء . ولكنني أريد أن أؤسس معك زواجا ناجحا , يمكنك أن تنامي لوحدك ما شئت , ولن أطالبك بأي شيء بعد الآن في هذا المجال.... سأكون صبورا , أعرف الأنتظار".
( وهل يجد متعة في مكان آخر في هذا المجال؟) فكرت رينا بمرارة.
لكن لماذا لم يتزوج أنجيلا ؟ وهل تزوجها لأنها لم تقبل بعلاقة سرية معه؟
" لماذا تزوجتني؟".
" لماذا؟ ( كرر لوجان مقطبا , منهكا ) يا ألهي...... أحببتك ..... وتألمت من أجلك طويلا .... ولكنني لم أكن أتصور أن عذابي سيزداد ويتفاقم الى هذه الدرجة يا رينا.....".

نيو فراولة 31-05-11 11:32 AM

8- المواجهة



بقيت رينا مذهولة , صامتة , مذهولة.
نهض لوجان بصعوبة مستندا على طرف الطاولة .
" سأذهب لأنام.......".
قالها بوهن , وأثناء خروجه كاد يصدم داني الذي جاء مهرولا:
" عم لوجان....".
قاطعته والدته فورا:
" تعال يا داني , عم لوجان متعب جدا".
حاولت أن تشغله طوال اليوم باللعب لكي لا يزعج لوجان في نومه , وبعد الظهر توقف المطر مما سمح لهما بالخروج والتنزه تحت أشعة شمس خجولة.
ولدى عودتهما وجدا كلمة من لوجان يخبرهما بأنه سيعود متأخرا." أحببتك....".
قالها بألم عميق , هل ماتت الآن عواطفه أتجاهها؟".
وعادت اليها صورة المشهد ووجه لوجان المعذّب اليائس , فأرتعشت خوفا , حاولت طويلا أن تخفي الحقيقة , ولكن الآن لم يعد ذلك ممكنا , صحيح أن لوجان كان يتحدث تحت تأثير التعب , ولم يحسب حسابا لكلماته لكن صدقه لا يشك فيه , تبقظت الذكريات البعيدة في ذهنها وصعدت الى سطح ذاكرتها ..... الأثنان أخفيا بعناد عن تيري الكراهية المستمرة والتنافر المتبادل , هي تحت ستار من البرود واللامبالاة , وهو خلف قناع من السلوك الهادىء والساخر , لكن في الحقيقة أن نزاعهما المستتر هو الذي يدفعهما الواحد نحو الآخر , وكأنه يخضع لأنجذاب مغناطيسي , حضور لوجان يكفي ليثيرها , وتحاول أن تجد تفسيرات مغلوطة وخاطئة لهذه الظاهرة , ولوجان يتابعها بعيونه ويغرقها بنظراته وتتظاهر بأنها لا تراه لكي لا تطرح على نفسها بعض التساؤلات , كما أنها لا تجرؤ أن تعترف لنفسها بالمتعة والغرور اللذين يثيرهما فيها بأهتماماته هذه.
لوجان ورينا أجبرا أنفسهما على تجاهل هذا الوعي الحسي , ولعبا لعبة السذاجة , وعندما أثارها مرة بدعاباته , التي كانت سلاحه الدفاعي المفضل , رمته بنظرة طويلة ومفهومة , كانت تشعر بالرضى وهي تفحمه على هذا الشكل , كانت متعالية عليه , ولكن هذا التعالي تحطم يوم وقعت على سلم المطار , وأرتمت على صدره ( أنت في مأمن , لن يحدث لك شيء ) , فهمت جيدا مغزى هذه الكلمات ذات المعنيين , لقد عرفت الخطر الذي أصابها.....
منتديات ليلاس
نفت فورا هذه الحادثة من أفكارها لكي لا تعطيها أهمية , لكن علاقتهما تغيرت منذ ذلك اليوم , بدت رينا أكثر بعدا وأكثر عدوانية , وأصبح لوجان أقل سخرية وأكثر نعومة وكآبة.
أكد تيري بعد فترة:
" لم يعد هو نفسه , لقد روضته يا رينا".
" الكل ينتهي بأن يروّض نفسه مع تقدم العمر , حتى لوجان".
" توحين أليّ وكأنني أصبحت عجوزا ( تدخل لوجان قائلا) تيري وأنا لنا نفس العمر يا رينا".
ورغم كل شيء كان يبدو أنه يكبره بعدة سنوات , كان تيري من نوعية الفتى الذي يحتفظ بجانب طفولي, وسيظل كذلك , وهذا يعجب زوجته كثيرا.
أحببتك ) ما زالت الكلمة ترن في أذنيها , هل توقف الآن عن حبها؟ وهل هي دفعته الى أحضان أنجيلا , ببرودها وصدّها العنيد؟
ومن ناحية أخرى فهو متمسك بهذه العلاقة ... لربما يفكر أن يقطع علاقته بأنجيلا؟ أو أنه يتخذ الآن قرارات أكثر أهمية ؟
وعند منتصف الليل نامت مرهقة من الأنتظار والتفكير , وعندما أستيقظت في الصباح كان لوجان في الصباح كان لوجان في الحمام , وكان قد نام في الغرفة الأخرى , دخل المطبخ بينما كانت تحضر الفطور , وقد أستعاد حيويته المعتادة , لكن نظراته ما زالت قاسية وبعيدة.
أنفطر قلب رينا وتمتمت بصوت شبه متوسل:
" صباح الخير يا لوجان ".
لكنه لم يعرها أي أهتمام وظلت عيونه ثابتة على الطاولة.
سأل :
" هل أستطيع مساعدتك؟".
" لا , كل شيء جاهز".
" أنك نشيطة ومنظمة ( قال بحياد) أن تيري أرشدك بشكل جيد".
جرحها , فغرزت يديها المرتعشتين في جيوبها وقالت:
" سأذهب لأبدل ثيابي".
أقفلت الباب بالمفتاح وغسلت دموعها وعندما عادت كان لوجان قد رحل , في الأيام التالية جربت كل المحاولات للتقارب , كان أحيانا مشغولا وأحيانا يلعب مع داني , وفي مرات أخرى عليه أن يخرج , وفي الفترات القليلة التي يلتقيان منفردين يظل محافظا على سلوكه القاسي والساخر.
هذا الموقف وضعها في حالة هياج جنوني , وبدلا من أن تحافظ على هدوئها لترغمه أن يناقشها بتعقل دخلت في اللعبة , مما جعل لوجان يضحك مسرورا لأنه يكاد يجعلها تخرج عن طورها.
وفكرت عدة مرات أن تحشره في زاوية , وتطالبه بتفسير صريح , ولكنها كانت تخاف من هاجس واحد , وهو أن يفضل أنجيلا أذا ما وضعته في موقف الخيار.... أشترى لوجان حوّامة صغيرة لداني , محددة المسافة , تقلع كآلة حقيقية , وتسير مسافات قصيرة على عدة أمتار من الأرتفاع , لكن كل هذا لم يرض داني , وأصر أن يركب في حوامة حقيقية , قبل لوجان شرط أن ترافقهما رينا.

نيو فراولة 31-05-11 11:34 AM

وصباح يوم سبت أخذهما الى المطار حيث كانت بأنتظارهم حوامة صغيرة حمراء.
قال داني وهو يتفحصها :
" أنها صغيرة ".
" معقولة".
أجاب لوجان وهو يرفعه ليصعدا الى داخلها , جلس الثلاثة في الطائرة وأغلق لوجان الباب الزجاجي.
" ما هذا؟".
سأل داني وهو يشير الى لوحة , دلّه لوجان على وعاء الزيت والوقود ومقياس الأرتفاع لكن داني تعب من شروحاته , فقاطعه ليعرف لحظة الأنطلاق.
" حالا يا بني".
أجاب لوجان بأبتسامة , راقب داني بأهتمام شفرات المراوح التي تدور ببطء فوق رؤوسهم ثم تأخذ السرعة اللازمة , وأزدادت الأهتزازات ثم أنحنت الآلة الى الأمام لحظة الأقلاع , وأطلق داني صرخات فرح وهو يشاهد الأرض تبتعد عنهم بسرعة , وحلقوا بهدوء فوق النباتات والبراري الشاسعة.
وبعد عشر دقائق لف لوجان , آخذا طريق العودة , وتنهدت رينا بأرتياح لحظة الهبوط.
" لست عصبية على ما أعتقد؟".
" ليس تماما , ولكنها مختلفة تماما عن الطائرة..."".
قاطعها:
" أما جربتها مع تيري؟".
" لا , لقد أشتريتما الحوامات بعد ولادة داني, ولم أشأ ....".
قاطعها بهدوء:
" أذكر".
وعندما توقفت المراوح تماما قفز لوجان على الأرض وساعد رينا على النزول بينما قفز داني فرحا وركض دون أن ينتظرهما.
تأمل وجه رينا , وعندما سألته بنظرة أجاب ببساطة:
" شكرا".
هزت رينا رأسها , وعادا الى المكتب وداني يركض أمامهما وهو يقلد أهتزاز الطائرة.
علّق وهو يفتح الباب:
"بالتأكيد , أيقظت فيه ولها جديدا".
كان يريد أن يعمل في مكتبه قليلا قبل أن يعودوا .
" سأحضر الشاي , هل تريد؟".
" بكل سرور".
راقبها طيلة الفترة التي كان يشرب فيها الشاي بهدوء , وبعد فترة سأل:
" هل تريدين أن تقودي حوّامة؟".
" لا أعرف..... هذا سيغيرني كثيرا".
" علينا أن نعرف كيف نتقبل الجديد , الحياة تقدم لنا الكثير من التجارب المهمة , ومن الخطأ ألا نجربها حتى وأن كانت أحيانا تشكل نوعا من المغامرة والمراهنة , يجب ألا نتراجع خوفا من التغير.
لقد أثار موضوعا مختلفة تماما.. فوضعت فنجانها بأرتياح وأجابت:
" لست خائفة , ولكنني لا أعرف تماما كل معطيات الموقف".
هز رأسه ساخرا , ثم شرب آخر نقطة من الشاي وعاد ليغرق في أوراقه.
" لم يتبق لي الكثير من العمل".
ألتحقت رينا بأبنها الى الخارج , تنزهت معه ثم عادا , وبأنتظار لوجان شغلا الوقت برسم الطائرات , ونهضت فورا عندما فتح لوجان الباب.
" هل مللت؟ كان عليك أن تأخذي شيئا للقراءة , لدى أنجيلا مجموعة من المجلات خصيصا للزوار".
" أنها جوهرة نادرة هذه الأنجيلا , تفكر بكل شيء".
قالتها بمرارة , ثم أستدارت وخرجت وهو ينظر اليها بأستغراب تام.
في السيارة غاصت مجددا في أفكارها , ولكنها عادت الى عالم الواقع مع صرخة داني الذي رأى بضع نقاط من الدم على قميصه الأصفر , أعطته منديلا ليمسح أنفه عندما عرفت أن الأمر بسيط , ولكنه ظل يبكي مما أضطر لوجان أن يتوقف على جانب الطريق ليسمح لرينا أن تنتقل الى الخلف بجاني داني لتهدئه.
" أعطني مناديل الورق الموجودة في العلبة لو سمحت يا لوجان ".
أعطاها المناديل بعد أن بحث في العلبة الى أن وجدها , وعادت رينا الى الكرسي الأمامي بعد توقف النزف , ووضعت داني في حضنها , رغم التعبير الساخر الأنتقادي على وجه لوجان.
نام داني باكرا , وعندما عادت رينا الى الصالون كان لوجان يحضر كأسا من الشراب.
" هل أقدم لك كأسا؟".
" نعم أشكرك".
أخذت رينا مكانا على أحدى الأرائك المريحة , وبدأت تتفحص الغرفة من حولها بعصبية .
سأل :
" ماذا هناك؟".
" لا شيء , أشعر بأنني أختفي في هذه الأرائك".
" يمكنك أستبدالها أذا رغبت , حتى يمكنك تغيير ديكور المنزل ككل".
صرخت بعصبية:
" تركت هذا الموضوع لأنجيلا".
تجمد فجأة وهو يقف بجانب المدفأة يلهو بكأسه .
" ماذا لديك ضد أنجيلا؟".
" لا شيء على الأطلاق , ولكنها تمتلك ذوقا كبيرا , وعلى كل فأن مكتبك يشهد على ذلك".
سألها:
" أنت جئت منذ فترة الى المطار؟".
" لا".
" أذن ماذا يعني هذا؟".
وأخرج من جيبه ورقة المخالفة .
" اين وجدتها؟".
" في علبة القفاز , وأنا أبحث عن المناديل , في بادىء الأمر لم أعرف لمن كانت , فوضعتها في جيبي على أمل أن أسددها ".
شدّتها رينا من يده.
قالت بسخرية:
" نسيت تماما , على كل حال لن تلعب دور الزوج المتسلط وتعطيني درسا في الأخلاق لأنني أسرعت في القيادة".
" ليست هناك أخطاء تحاسبين عليها , ما يهمني هو شيء واحد , ماذا كنت تفعلين على هذا الطريق في ذلك اليوم؟".
" لماذا؟ أعتقد أنني أستطيع أن أتنزه أينما شئت".
" لن تقنعيني بهذا الكلام , أنت أتيت الى المؤسسة ولم أرك".

نيو فراولة 31-05-11 11:35 AM

" بماذا تتهمني يا لوجان؟ بموعد سرّي مع أحد موظفيك؟".
" أنا لا أدينك بشيء , أريد أن أعرف ببساطة لماذا سرت هذه المسافة بلا معنى؟".
" لم تكن بلا معنى , لدي أسبابي".
" ما هي؟".
صمتت فأضاف:
" أرى سببين ممكنين لزيارتك , أنا..... أو تيري".
" ولكن هذا لا يخص تيري".
" آمل ذلك".
وبعد لحظة صمت أضاف:
" في أي شيء كنت تريدين أن تحدثيني؟".
" لا شيء مهم , حتى أنني لم أعد أتذكره , كنت مشغولا...... ولم أشأ أزعاجك".
" أنك حتى لم تدخلي المؤسسة وألا لأخبرتني أنجيلا".
نهضت رينا بعصبية ونظرت اليه بأزدراء وحقد." يبدو أن أنجيلا كانت أيضا مشغولة".
قالتها بصوت مبحوح وأستدارت لتخرج , أمسكها لوجان وألح:
" أشرحي , ماذا كانت تفعل؟".
أسترجعت رينا بسرعة أحداث ذلك اليوم في ذاكرتها وأجابت :
" كانت تقبلك ( قالتها ثائرة ) والآن دعني".
" أنت مخطئة".
" لا تكذب , رأيتكما".
أرغمها لوجان على الجلوس , وقال بصوت رقيق بعكس تعبيره المهدد :
" أخبريني ماذا رأيت تحديدا وبدقة ؟".
" أنت.......... مع أنجيلا , من الباب الزجاجي".
" الزجاج الخشن يشوه الرؤية على ما أعتقد وأنت موافقة على هذه النقطة".
" كنت تحتضنها بين ذراعيك".
" صحيح ( قال بصوت هادىء ) أذا كان ذلك في اليوم الذي أفكر فيه...... لكني في عمري لم أعانق أنجيلا".
تحركت رينا وكان صبرها قد نفذ ,, وتابع لوجان:
" أبقي هادئة , وأصغي الي , لا شك أن أنجيلا سكرتيرة نشيطة وفعالة , ولكن في ليوم الذي نحن بصدده أرتكبت خطأين مع أحد عملائنا , وللمرة الأولى , مما أثار غضبي ووجهت أليها توبيخا قاسيا , فأجهشت بالبكاء , وبما أنني رغم كل شيء لست بحيوان , أمسكتها لحظة كانت ستغادر مكتبي لأعتذر لها , ربتّ عليها بصداقة لأخفف عنها , وأذا بها تنتحب باكية على كتفي , وأخبرتني بأنها قطعت علاقتها مع صديقها , أتفهمين الآن لماذا أرتمت بين ذراعي؟ كانت تبحث ببساطة عن شيء من الراحة".
" عن الراحة؟".
" نعم ولا أكثر , وبعد عدة لحظات من الحوتر الودي , أسرت اليّ عما يضايقها , وهذه أبسط الأمور".
" وأيجار المنزل , هل كان أيضا لمؤاستها؟".
أرتبك لوجان وسأل:
" من أين حصلت على هذه المعلومات؟".
" سمعت الحوار الذي دار بينكما ليلة الأستقبال".
" هل تنصّت على الباب؟".
" ليس عن قصد ( قاطعته ) خرجت لأستنشق الهواء....".
منتديات ليلاس
" أذن تعرفين قسما من القصة , كانت أنجيلا تعيش مع صديق لعدة سنوات وقد أتفقا على الزواج , تقاسما المصاريف ووضعا أموالهما بصورة مشتركة , ولم تنتبه أنجيلا أن تضع أسمها على أية فاتورة أو عقد , وهذا موقف عبثي من شخص مثلها يعرف أدارة الأعمال , ولكنها لم تكن تعلّق أية أهمية على هذه الأمور في علاقتها , وذات يوم أكتشفت أن صديقها يخونها مع صديقة له , وطلب منها أن تترك المنزل أذا لم تكن راضية , وأمام هذه النذالة تركت كل شسء وخرجت دون أن تطالب بحقوقها , رغم أنها دفعت معه بالتساوي , وفي اليوم الذي نتحدث عنه , كانت يائسة فأشفقت عليها وساعدتها ضمن أمكانياتي , أما بالنسبة لكل ما يتعلق بالمساعدة المادية , فهذا دين ستسدده فيما بعد".
" تاشاب الأشقر الذي كان في السهرة هو صديقها؟".
" نعم , دعته بغباء الى السهرة وبدأ يحاول أستدراجها بكلام معسول , وأنه ما زال يحبها وأنه رفض أن يعطيها شيئا ليرغمها على العودة اليه , قالت أنها دعته ببراءة , ولكنني خفت أن تصدقه , على كل حال سلوكه في تلك الليلة بدّد كل الملابسات , أن أنجيلا تستحق شخصا أفضل منه".
" أنك..... تقدّرها كثيرا".
" نعم , ولكنني لم أقع في غرامها".
وبعد صمت طويل قال لوجان:
" أشكرك".
" سامحني ولكن محادثتكما يمكن أن تفهم بهذا المعنى ".
" حتى حسناتي شوهتها وحكمت علي بلا رحمة , ولم تهتمي بمعرفة الحقيقة".
" أنت تبالغ".
" ربما , ولكن لديّ أسبابي".
" لقد سبق وأعتذرت".
" حسنا , لن نتحدث عن ذلك بعد الآن".
ثم أدار ظهره وذهب الى النافذة , وعندما أستعادت رينا شجاعتها قالت:
" لوجان؟".
نظر اليها وقال:
" نعم".
" هل........ ما زلت تحبني؟".
ظل فترة طويلة ثابتا تماما ونظرته ضائعة في ظلمات داخلية , وأخيرا وعندما ألتفت , أرتسم على وجهه تعبير ساخر:
" أنت تطالبينني بأكثر من اللازم , ألا ترين ذلك؟".
قالها وهو يخرج.
" لم أفهم".
ألتفت اليها وأضاف:
" ماذا تريدين مني الآن يا رينا ؟ أن أعترف لك بحب بائس وأبدي؟ أن أعترف لك بحب بائس وأبدي؟ آسف لخيبة أملك , ولكن هناك حدودا يجب ألا نتجاوزها".

نيو فراولة 31-05-11 11:38 AM

كانت الضربة قاسية , ولم تتخيل رينا أن يجرحها بهذا الشكل المؤلم , بقيت مشلولة في مكانها كالتمثال , وشعرت بأنها على طرف دوّار , بحيث أن أقل خطوة خاطئة تهدد بطرحها أرضا.. ألحّت وهي شاحبة شحوب الموتى:
" الحقد أعماك , ولم تجب على سؤالي بوضوح".
" أنت بلا رحمة".
قالها لوجان بشكل قاس.
أمتلأ غضبا , وأستدار فجأة نحو الباب وهناك ألتفت صارخا:
" ليس لدي مزاج في تطويل هذه المحادثة , كل هذا لم يعد يهمني".
" كل ماذا؟".
" هذا الحب غير المتبادل , لربما كنت أنانيا في أعماقي , لكن صبري نفد , وأنت لا تنتهبهي الى ذلك , أتعذب كالشهيد في كل مرة أنظر اليك , لا شك أنني أستطيع أن أسامح عدم ثقتك وأفتراءاتك , ولكن لم تعد لي رغبة في ذلك , لقد أصبت بالقرحة وأنت مستمرة بتعذيبي بلا رحمة , ماذا يهمك أن تعرفي , طبيعة مشاعري نحوك لترضي غرورك؟ أم أنك خائفة من فقدان الأبوة لأبنك التي من أجلها تزوجتني ؟ لا شيء يقلقك يا رينا , ومع ذلك لا أريد أن أنفصل عنك فأنا أريدك منذ زمن بعيد , أنت كل حياتي , تسكنين أفكاري , تشغلين قلبي وعقلي , أستيقظ صباحا وأنا أنادي أسمك وفي المساء أعاني اليأس في سريري وحيدا , جربت العنف معك في بعض الأحيان لأنتقم لعذابي وأعاقب أهمالك لكنني شككت بنتائج أفعالي , أنت تخاطرين أكثر خلف جدار مظهرك البارد... وأخاف من أن تتركيني! هذه الفكرة لا يمكن أن أحتملها , أفضل العذاب مع وجودك اليومي في منزلي عن ألا أراك , نعم يا رينا أحبك , أذا كان هذا الأعتراف يرضيك بما أنك سألتني , لماذا ترفضينني ؟........ لقد تخليت عن آخر درة من كبريائي أمامك".
وتابع وهو مليء بالمرارة:
" أحبك..... أحبك....... أحبك هل أنت مسرورة الآن لأنك حصلت على هذا الأقرار؟ يا لي من رجل أحمق وبائس , كنت أعمى.... ولكنني اليوم أسخر من نفسي , يكفيني أن تكوني بقربي , تأكلين على الطاولة نفسها , وتتنفسين الهواء نفسه , وتربين الطفل نفسه...... هذا الجحيم أفضله عن أن أخسركالى الأبد".
تأملن رينا بدون أية كلمة تعبير الأسى واليأس الواضح على وجه بوجان , وأحست بثورة في أعماقها ولكنها لم تجرؤ على الحركة.
تنفس لوجان وهو يحني أكتافه منهوكا.
" حسنا...... ( ختم كلامه بهدوء ودعابة ساخرة) تعرفين الآن كل شيء".
رأته رينا يستدير ليخرج حاولن أن تتمسك بالأريكة لكي لا تسقط..... وصرخت بصوت عال:
" أحبك يا لوجان ومنذ البداية".

نيو فراولة 31-05-11 11:40 AM

9 - الخيط الأخير ينقطع


وخلال فترة من الزمن عمّ صمت شامل , وبدون أن ترفع رينا عينيها سمعت خطوات لوجان تقترب منها ببطء.
" كرري هذه الكلمات يا رينا".
" أحبك ( همست بها بنبرة أكيدة ) وأريدك منذ المرة الأولى التي رأيتك".
صمت لوجان مرة أخرى ثم قال بلهجة مترددة:
" أنه أعتراف مهم جدا , أتعرفين؟".
ثم ضمها اليه وأضاف:
" لا تقولي أكثر من ذلك , أرجوك ..... هذا يكفي ...... الآن".
تجاوبت بحرارة وهي تحيطه بذراعيها , وتكاثفت اللحظات بينهما وهمست رينا فجأة :
" أحبني يا لوجان....... أرجوك أحبني".
ونظرت اليه رينا يجثو بجانبها بحنان ويبدو أنه كان يبذل جهدا خارقا لكي يتحكم بأندفاع عواطفه.
" أتحبينني؟ ( همس في أذنها ) قوليها أيضا حتى وأن كان ذلك كذبا".
كررت رينا الكلام بصوت منخفض وبحنان كبير وهي في ذروة التفاني .
....... حتى غاصت في نوم عميق , لقد أحست بحاجته لسماع هذا الكلام الذي أستقر في قلبه بحنان أزلي.
وفي صباح اليوم التالي أستيقظت بأسترخاء وكان لوجان يتأملها.
" لوجان".
قالتها ببساطة وهي مليئة بالسعادة :
" نعم؟".
لهجة صوته الهادىء ونبرته الواثقة ملأتها بالرضى.
أجابت وكأن حضوره يكفي ليملأها بالراحة:
" لا شيء.......".
أخذ يديها وبدأن ينظر اليها بحب عندما سمعت رينا فجأة صوتا في الحمام .
" لقد أستيقظ داني".
قال وهو يضحك:
" يا للعفريت.... مع أن اليوم أحد".
حاول أن يشدها وهو يقلد حركاتها , فأطلقت صرخة دعابة وهي تحاول أن تتخلص منه.
دخل داني الغرفة وعندما رآهما يلعبان ويضحكان قفز على السرير وشارك في المعركة بأن أمسك بالمخدة وهجم على لوجان الذي مثّل دور المهزوم.
مرت الأيام مليئة بلضحك والسعادة , وفي هذا الجو السعيد أزدهر داني وتفتح بشكل جميل , ولكن رينا ما زالت تلاحظ ذلك التعبير الغامض الذي يحمل شيئا من الأستجواب على وجه لوجان.
سألته على أنفراد :
" ماذا بك؟".
" لا شيء... ماذا يمكنني أن أطلب أكثر من ذلك".
وذات يوم عطلة نظم نادي الألعاب يوما خاصا تكريما للآباء ليشاركوا أكثر في نشاطات أولادهم , ولكن داني لم يبد أية مبالاة بهذا المشروع.
" أبي لا يستطيع أن يشارك , لأنه توفي , أليس كذلك؟".
" ولكن العم لوجان سيحل محله وهو مثل والدك تماما".
" ولكن كان بودي أن أرى الأثنين معا , أبي والم لوجان ".
منتديات ليلاس
هذا الكلام جعل رينا ترتجف , ولكن لم تنقله الى لوجان , ولربما عليها أن تشجع داني لينادي لوجان ب(بابا) هل كان يشعر بحاجة حقيقية للأب؟ مع أنه لا يحمل ذكريات محددة عن تيري... وأنه يتذكره فقط؟
شارك لوجان بالعيد براحة مدهشة , رينا كانت متأكدة أنه يعتني الى درجة كبيرة بداني لأنه كان متعلقا به كثيرا ولكنها لم تصدق أنه يهتم أيضا بالصغار الذين لا يعرفهم , فقد تعلق داني ورفاقه بأذياله وأصروا أن يحكي لهم قصة وحرصت رينا أن تصغي اليه أيضا.
وكادت تنفجر ضاحكة وهي تسمعه يختم القصة ( عاشوا سعداء وخلفوا كثيرا من الأولاد).
بعدها لحق لوجان برينا وقرصها بدعابة من ذراعها وهمس لها:
" تسخرين مني , أليس كذلك؟ هيا أعترفي أن هذا يسليك كثيرا".
لكن داني قاطعهما:
" أود أن ألعب على الأرجوحة".
لقد أصبح أبنهما متسلطا.
" أنت تدفعني بقوة , أنك قوي جدا , ستظل دوما عمي لوجان؟".
" أجاب لوجان:
" نعم أذا كنت ترغب في ذلك".
" أنت ....... أبو ماما؟".
" لا أنا زوجها , وأنت حضرت الزواج , أنسيت؟".
" أم سيمون كذلك تزوجت مرة أخرى من رجل هو أب جديد لسيمون لأن الأول ذهب".
وبصعوبة سأل لوجان بأكثر ما يمكن من الطبيعية :
" حسنا ,وهل هو هنا اليوم؟".
" نعم أنه لطيف جدا".
" وهل يمكنني أن أصبح والدك أنا أيضا بما أنني تزوجت أمك؟".
أهتز داني في الأرجوحة , وأجاب ببساطة وكأنه يقدم خدمة للوجان :
" أتفقنا".
ثم نزل وركض يلحق رفيقه شون فرانش.
أوشكت رينا أن تبكي فأمرها لوجان بقسوة:
" لا تبكي , دان لا يتذكر والده , لقد كان صغيرا".
أضافت بعجلة لكي تختم الموضوع:
" أنت على حق, أعذرني.... تعال سأعرفك بزوج سالي فرانش".
وفي هذه الليلة خافت رينا من شدة الأنفعال الذي عبّر به لوجان عن حبه ..... وفجأة نهض وذهب ليقف أمام النافذة:
" لماذا بكيت هذا اليوم يا رينا؟".
" لا , لا أعرف".
" لنحاول أن نكون دائما صريحين واحدنا نحو الآخر ,لا يمكن أن نبني شيئا متينا على الكذب".
" ولكنني لا أكذب , كنت مسرورة جدا... هذا يصعب شرحه".
" حاولي".
" هل هذا مهم؟".
" بالنسبة اليّ نعم".
" حسنا , كنت أولا حزينة من أجل داني لأنه كان يحب تيري , وبالمقابل كنت سعيدة عندما قرر أن يأخذك كأب له".

نيو فراولة 31-05-11 11:41 AM

وبعد فترة صمت طويلة سأل بصوت غريب:
" هل هذه الحقيقة؟".
" لا أستطيع أن أشرح أكثر من ذلك".
" لقد فسرت ذلك بشكل مغاير تماما , ولكنني لم أكن غيورا من تيري عندما كان حيا".
" ليس لديك أي سبب لتكون غيورا الآن".
وفهمت فورا معنى تلميحاته , وبهدوء تام قالت:
" أحبك يا لوجان , أحبك في وضوح النهار وظلمة الليل , في الحنان والغضب , أحبك كل يوم في حياتي".
ثم نهضت وألتحقت به قرب النافذة:
" هل تتذكرين اليوم الذي لويت فيه قدمك ؟ ذلك اليوم فهمت عمق وصدق حبي لك , قبل ذلك , لم أكن متأكدا تماما......".
أخذ نفسا عميقا ثم أضاف:
" كنا نشعر بأنجذاب متبادل .... ولكننا كنا نخفي ذلك عن وعي وأدرك... ولكي ندافع عن أنفسنا أتخذنا موقفا عدائيا متبادلا . حتى أنني تساءلت في لحظة أذا لم تكوني قد وقعت عن قصد لترتمي بين ذراعي".
" أنت تجدني صاحبة حجج , أليس كذلك؟".
" مع أنني كنت أعرف ذلك , ولكنك لم تعطني بارقة تشجيع , ولكنني كنت أفكر كثيرا بحقدنا المتبادل , ندافع عن أنفسنا نحن الأثنين من تضليلنا العاجز ...... أهتمامك وخوفك في ذلك اليوم كان راحة لمشاعري".
" ولكنني رفضت أن أقبله أو أصدقه , أحببت تيري.... كيف يمكن أن أعترف لنفسي بأنني كنت منجذبة الى رجل آخر؟".
" أعرف , بالنتيجة لو كنت قابلتني قبل تيري لما تزوجته".
" نعم , ولكنني سعيدة بأنني لم أهدم سعادة تيري ولا صداقتك .... حتى الناية , ولكن لو عرف تيري...".
قاطعها:
" تيري يعرفه".
" لا , لا , لا يمكن.... ولا شيء يمكن أن.......".
" ليس هناك أي عار في ذلك ( قاطعها لوجان) يا رينا واجهي الحقيقة ولو لمرة واحدة , وألا فأن أحساسك بالذنب سيدمرك ويدمرنا بالتالي , ليس هناك أي شيء يمكن أن ينال منك , أحببت تيري وأخلصت له , ولست مذنبة أذا أحببت رجلا آخر , ولا أكثر من ذلك , وعلى كل حال , أن أخلاصك لتيري جعلك أغلى في نظري.........".
" لكن....... أذا كان تيري يشك؟".
" لقد كان هذا الموضوع يسليه".
وترك لرينا الوقت لتفهم معنى كلامه ثم تابه بهدوء:
" أعرف أن هناك بعض الجوانب لا تزال مجهولة تماما بالنسبة اليك , فالرجل لا يكشف لزوجته ما يكشفه لأعز أصدقائه.... تيري لم يكن خبيثا على الأطلاق ولكنه كان....... حسودا , لم يكن يعتبرني كبطل , كما تصوّرت أنت , لكنه أراد أن يتشبه بي , والله وحده يعرف السبب , لأنه هو أيضا كان شابا لامعا بما فيه الكفاية , غيرته تدفعه بأستمرار أن يؤكد تفوقه ,ولم أكن أعير ذلك أية أهمية لأن هذا كان من طبعه وكان يملك قيما كثيرة غيرها تجعلنا نتغاضى عن بعض النواقص....".
أصغت اليه رينا بأنتباه شديد دون أن تقاطعه , تابع:
" سأروي لك بعض الحوادث التي قد تساعدك على الفهم أكثر , في المدرسة لم يكن لدينا الكثير من اللعب ,وذات يوم تلقّى هدية عبارة عن سيارة أطفائية , أعجبتني كثيرا فعرضت عليه أن أبادله مع الكميون الذي لديّ , ولكنه رفض وكان ذلك من حقه , ولكنه لم يتركني ألعب بسيارته ولو لمرة واحدة بل كان يتباهى بها أمامي ولا يسمح لي بلمسها , وهذا أرضى كبرياءه وأعطاه نوعا من التفوق عليّ...".
سكت قليلا ورينا متعلقة بشفتيه تنتظر الباقي:
" وعندما تنبهت لمشاعري نحوك قررت أن أبتعد , وكنت أميل الى الهجرة الى أستراليا , ولكن تيري رفض ذلك , تيري أراد أن يحتفظ بنا نحن الأثنين الى جانبه , وهو من ناحية أخرى يثق بنا , ولكن النقطة الأساسية هي أنه تزوج من أمرأة كنت محبا لها , وهذا ما أسعده ,لأنه هو الذي تزوجها وحرمني منها".
" وبالتالي كان يشك بمشاعري أيضا؟".
" أنا شبه متأكد من ذلك , ولكنه كان مقتنعا من أنك لن تخونيه".
" مع أنه هو أيضا لم يكن مخلصا لي".
تحرك لوجان بعصبية وقال:
" كانت كذبة , عندما قلتها لك".
" لا بل كنت حقيقة , لقد أعتبرك كنوع من الدون جوان وحاول أن يقلدك أيضا؟".
" ربما .... على كل حال , عدم أخلاصه لم يكن ألا مجرد لقاءات عابرة ..... ولم يحب غيرك".
خيم صمت كئيب لفترة ثم قالت رينا:
" زواجنا كان سيسره على ما أعتقد....".
همست وكأنها تريد أن تطمئن نفسها , وبعد فترة صمت طويلة أجاب بخشونة:
" تيري كان يفضل أن يدمر سيارة الأطفاء على أن يعطيني أياها".
أغمضت رينا عينيها بألم , لكن صراحة لوجان ضرورية , أن حبهما الجديد يتطلب تدمير الأوهام القديمة الكاذبة.
" ولكنه طلب اليك أن تسهر علينا ؟".
" نعم , وعدته بذلك , ولكن هذا لا يعني شيئا , لأنه لم يكن يعتقد أنه سيموت , وحتى لو أدرك ذلك فأنه لن يفكر بالزواج بيننا , لأنه كان يعتقد أننا سنتابع لعب المسرحية كما كنا في حياته أخلاصا لذكراه ... ألم تتصرفي كذلك يا رينا؟".
" يا ألهي".
ظل لوجان صمتا , لم يكن يجهل شيئا من أفكار رينا ولكنه تركها تشكل أحلامها بحرّية , فكرت رينا طويلا وهي فريسة لهذا الألم اللأخلاقي الفظيع ألى أن قطع هذا الصمت:
" تزوجتك من أجلي أنا , لم أفكر لا بتيري ولا بداني".
" تيري كان سيجن من الغضبوالألم أليس كذلك؟".
" نعم".
أجابها بدون أنفعال, فتنهدت رينا وأسترخت.
" لم يعد لذلك أهمية الآن ".
لقد قطعت آخر خيط يربطها بالماضي , وتابعت تقول:
" أحببته , أنت تعرف ذلك ولكن هذا الحب أصبح يخص الماضي , لم أكن محبة لك في ذلك الوقت ولكنني شعرت بأننا سنتحابب يوما ما , حتى واو رفضت أن أعترف بذلك , ولقد آن الأوان يا لوجان".
" يا ألهي ( تنهد بحرقة ) أنتظرت طويلا جدا هذه اللحظة يا رينا".
تعانقا بأنفعال , وأقسمت له مجددا على حبها الكبير , ولم تكن بحاجة الى كلمات لكي تعبر بها .
تلاشت الأوهام والشكوك .
وأخيرا يمكن للوجان أن يصدقها.






تمت

تمارااا 02-06-11 02:21 AM

مشكوووووووووووووووووووورة

ندى ندى 02-06-11 10:52 PM

حلوه كتير ورائعه

Rehana 03-06-11 03:12 PM

يعطيك الف عافية فراولتي..والله لا يحرمنا هالطلة
لك وودي

http://kenzo2009.files.wordpress.com...if?w=300&h=256

hoob 03-06-11 08:24 PM

جميله اووووووووووووووووووووووووووووووووووووى

نجلاء عبد الوهاب 05-06-11 01:11 AM

:110::Thanx::djparty::ostrich_liam::Welcome Pills5::25::1247681139wfox61500رواية حلوة كتيير:8_4_134:

الجبل الاخضر 05-06-11 02:53 AM

:55:برافو:55: برافو :55:برافو :55:برافو :55::peace:تسلمين :toot:وشكرالك اختيار ممتاز :dancingmonkeyff8:وننتظر جديدك:wookie:

شمس المملكة 08-06-11 06:00 PM

شكـــررررررااااااااااااااااااااااا

katia.q 09-06-11 09:26 PM

عاشت الأيادي ألف شكر يا قمر

سومه كاتمة الاسرار 14-06-11 12:25 AM

واااااااااااااااااااااو اخيار موفق تسلمين عليه
:8_4_134:

الملآك القاسي 01-09-12 07:51 PM

رائعــــــة يا غاليـــــــــــــة شكــــراً لج على المجهود

قماري طيبة 23-02-14 12:56 PM

رد: 168- نصف الحقيقة - دافني كلير- روايات عبير القديمة (كاملة)
 
رواية جميلة جدا سلمت يداك عليها

الجبل الاخضر 09-03-14 07:36 PM

رد: 168- نصف الحقيقة - دافني كلير- روايات عبير القديمة (كاملة)
 
تسلمي عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

حبيبي لحن احساسي 23-11-14 09:34 AM

رد: 168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:dancingmonkeyff8: يسلمو الايادى يا قمر

منى على سيد 23-12-14 10:55 PM

رد: 168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ممممممتازززززززززززززززة

Moubel 23-08-20 12:00 AM

رد: 168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ميرسي على الرواية

نجلاء عبد الوهاب 21-02-22 09:49 PM

رد: 168 - نصف الحقيقة - دافني كلير - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63: :f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::welc ome3::welcome3::welcome3::welcome3::welcome3::welcome3::welc ome3::flowers2::flowers2::flowers2:


الساعة الآن 03:46 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية