منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t161970.html)

نيو فراولة 26-05-11 09:02 PM

155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
155- أنشودة البحيرة -آبرا تايلور - روايات عبير القديمة

الملخص




في البداية ظنت ديللي ايفريت بكل براءة أنها ستكون سعيدة بدورها الجديد في حياة شاعر مشهور تطارده المعجبات .قبلت أن تكون الملهمة التي يكتب لها قصائد الحب , والخطيبة التي تحميه من المتطفلين وترعاه في نوبات يأسه المتكررة , ولكن كل هذا تغير عندما مات الشاعر رايس مورغان في ظروف غريبة مبهمة ,ووجدت نفسها تقبل دعوة لزيارة أمه العمياء في قصرها العتيق , وأبنها البكر راوول أستقبلها ببرود شديد يقرب من الأتهام كأنه يعرف أسرارها الدفينة . أنها الأن في قلب الهضبة المركزية بفرنسا ,في ضيافة عائلة لاتعرفها , قريبا من بحيرة لها حكاية يتهامس بها القرويون , والحب والقدر لغزاها الأساسيان . ولماذا قبلت بهذه الدعوة ؟ منتديات ليلاس

نيو فراولة 26-05-11 09:03 PM

1- الملهمة



" عليك أن تتزوجي عملك".
هذا ما قاله لها عمها قبل أربع سنوات , عندما عرض على ديللي أيفريت أن تعمل معه في دار النشر التي يملكها , وها هو يعود الآن الى تكرار قوله هذا قبل أن يرسلها الى فرنسا , لتأدية مهمة غريبة الى حد ما.
وبما أنها كانت قد تزوجت عملها فعلا , فقد قلبت أن تعيش كذبة ولمدة سنة كاملة أمام الرأي العام , كذبة جعلتها تربط أسمها بأسم ذلك الشخص المعروف جدا رايس مورغان , كذبة أعتقدت أنها تستطيع أن تنساها بعد موت هذا الشخص.
أنها ترتجف عندما تستعيد ذكرى هذه الأشهر ألصعبة , أو لربما وبكل بساطة كان ذلك بسبب الرياح التي تهب على رصيف المحطة , لأن الهواء ما زال باردا في أواخر الربيع , وهي ترتدي معطفا خفيفا من الصوف الذهبي اللون مما يضفي على شعرها الأشقر أنعكاسا نحاسيا , ولم تستطع أن تحتمل الجو المعبأ بالدخان في صالة الأنتظار , لأن القطار الذي أقلها الى هنا , هذه الزاوية الواقعة الى الشمال الشرقي من الهضبة المركزية , كان قد وصل قبل موعده المحدد ببضع دقائق.
قرية سان جوست كانت معلقة في الجبل الذي يبعد قليلا عن المحطة , لكن البيوت مرصوفة الواحدة تلو الأخرى , معتمة , مما أعطى ديللي أنطباعا بأنها أمتداد طبيعي لأرض بركانية.
منتديات ليلاس
رايس تحدث عن الهضبة المركزية في بعض الأحيان في أعماله , وأمام الهضبة الجبلية شعرت ديللي وكأنها شاهدتها من قبل , مع أنها لم تزرها سابقا على الأطلاق , أنها تعرف هذه البلاد بفضل قصائد رايس مورغان حيث أنها موطن أمه.
وأحست ديللي بأن شبح رايس يراقبها , ويبتسم لها بصمت , كما كان يفعل أحيانا , بوجهه الجميل الذي تغطي جزءا منه خصلة شعر سوداء طويلة.
رايس مورغان الذي كان عليها أن تدّعي بأنها خطيبته , لماذا قبلت أن تلعب هذا الدور؟ عمها كان عائلتها الوحيدة , ولم تنجذب ديللي الى خوض المغامرات التي لا مستقبل لها والتي ترضي أبناء جيلها من الشباب , وبالنتيجة تزوجت عملها لأنهاكانت تعشقه , ومن ناحية أخرى , لترد الجميل لعمها الذي تولى رعايتها بعد موت أهلها وهي طفلة صغيرة.
رايس مورغان أحد الكتاب الرئيسيين في السلسلة التي تديرها ديللي التي سحرت بأعماله ومؤلفاته , أما بالنسبة اليه فقد كان سعيدا لأنه يستطيع الأعتماد على أحكامها , وظلت علاقتهما أفلاطونية , بعد عدة محاولات غزلية بدون أقتناع كبير من طرف رايس.
وفي الحقيقة , رايس لم يكن بحاجة على الأطلاق أن يغازل ديللي , ولا اللواتي يقعن تحت سحر جاذبيته بشكل مؤكد , لأنه كان محاطا دائما بمجموعة من المعجبات اللواتي يتشوقن الى أن يحظين بأعجابه , فشعره الغزلي جعله مشهورا جدا , وعرف عنه بأنه محب لا يقارن , وأنه هو نفسه ثمرة حب أم فرنسية وأب أنكليزي.
عم ديللي واتته الفكرة بأن يعلن خطوبة أبنة أخيه الى رايس مورغان , لكي يحميه من نفسه , ولكي يحارب سمعته كغاو للنساء , وحضور ديللي مجموعة من المحاضرات التي نظمت عبر الولايات المتحدة الأميركية لرايس , جنبه بعض هذه الشائعات , ديللي كانت مترددة أتجاه فكرة عمها , لكن رايس وجد أن هذه المسرحية تتناسب مع مزاجه لأنها سمحت له بأن يبعد النساء اللواتي يضايقنه دون أن تمنعه من الأهتمام باللواتي يكترث لهن.
كل شيء سار كما كان متوقعا , صحبة ديللي أحبطت معظم المعجبات برايس لكن الأشياء بدأت تسوء بأقترابها من نهاية اللعبة التي أنتهت بمأساة.
بالنسبة لديللي , موت الشاعر مورغان وضع نهاية لدورها كخطيبة , أخفت هذه الحقيقة حتى عن أمه , التي كتبت الى ولفريد أيفريت لكي تدعو أبنة أخيه للأقامة في قصرها في الهضبة المركزية , لتطلع على مجموعة القصائد وبعض الوثائق غير المنشورة كان قد أرسلها رايس في بحر السنة الى قصر أمه التي لم تكن راضية بدورها عن أرسال هذه المواد الى أنكلترا , وأنها ستسعد بالتعرف الى خطيبة أبنها.
" أرفض رفضا قاطعا".
هذا ما صرّحت به لعمها قبل أسبوعين.
" ألا تقيم وزنا لما ستفكر بي أمه؟ يبدو أنك نسيت أنني أنا من أهداها مجموعته الشعرية الأخيرة والتي كتبها بجرأة لم يكتب بها من قبل".
" نحن جميعا نعرف أنك لم تكوني ملهمته , ولكنه وجد فيك تجديدا بعد كل النساء الأخريات , ولقد ساعدته كثيرا ليضع الكتاب بالشكل المطلوب , ولهذا السبب أهداك أياه".
" ولكن والدته تجهل هذا , وهي تتصور أسبابا أخرى , وأنا متأكدة من أنها تنظر اليّ كمستهترة".
" أوجيني دوبريان آخر شخص يمكن أن يصدم بمثل هذا , أن مغامراتها مع والد رايس كانت شببا في تغيير يوميات ذلك العصر ! لقد كانت الحدث الأكثر شهره على مدى عقد, رغم أن تلك الفترة شهدت كثيرا من الأحداث المهمة , تصوري الأثر: الممثلة الفرنسية الأكثر شهرة تهجر زوجها وأبنها الفتي ولا سيما مهنتها من أجل علاقة حب مع مؤلف درامي لا يملك قرشا , بالأضافة الى أن أصله ينتمي الى منطقة الغال , لا بالتأكيد , أنها لن تفكر بأنك فتاة طائشة".

نيو فراولة 26-05-11 09:04 PM

" وباقي العائلة؟".
" أنها تعيش وحدها في القصر , ولم تخرج منه منذ سنوات , أقبلي يا ديللي وسيكون ذلك عملا طيبا منك لأنها وحيدة وستسعد بالتعرف الى الفتاة التي أحبها أبنها.
" الفتاة التي تتصور بأنها كانت حبيبة أبنها".
صححت ديللي كلام عمها , وأنتهت بأن تقبل المهمة.
"الآنسة أيفريت؟".
هذا االسؤال أخرج ديللي من تأملها , وألتفتت مبتسمة , على أعتبار أن هذا هو سائق مضيفتها , رجل طويل القامة , نظر اليها بخشونة , متفحصا أياها بعينين سوداوين حادتين بلون صخور البازلت.
" هل أنت في خدمة السيدة دوبريان؟".
لم يجب , بل أكتفى بالنظر الى ثيابها الأنيقة بعين ناقدة , الثياب التي أعتبرتها مشرفة للقاء أوجيني دوبريان , ثم تمعن في حقيبتي السفر الكبيرتين , مما يعني أنها تفكر بأقامة طويلة في القصر لكي تدقق في وثائق رايس.
هذا الأستقبال البارد أقلق ديللي , وبذلت كل ما في وسعها لتتغلب على أرتباكها , متفحصة ذلك الشاب الذي أرسل لأستقبالها , هناك شيء في وجهه يشبه الجبال المنتصبة خلفه , شيء من البدائية , من الخشونة كان مظهره كأرض مليئة بالحصى , عقد ناتئة , خدود غائرة , شعر طويل يتراقص في الهواء , رجل يبدو في الخامسة والثلاثين من العمر , أي يكبرها بعشر سنوات , وبما أنه لم يجب على سؤالها فلا شك أنه لا يعرف الأنكليزية.
كررت السؤال بالفرنسية:
" هل أنت في خدمة السيدة دوبريان؟".
" تعالي معي".
أخذ الحقيبة الأكبر حجما وسار على أمتداد الرصيف دون أن يبدي أهتماما.
ثارت ديللي لأنه ترك لها الأمتعة الثقيلة , أضافة الى حقيبة السفر الأخرى وحقيبة يدها.
تمتمت وهي تتبعه بصعوبة:
" لو كان يعمل لدي لطردته , من المؤكد أنه من الصعب التعاقد مع سائق يلائم هذا المكان المتراجع البعيد في منطقة الأفيرن من الهضبة المركزية , ولكن لماذا تتساهل السيدة دوبريان مع مثل هذه التصرفات اللامبالية؟".
يرتدي سروالا لا شكل له سترة جلدية شبه بالية , وبشكله هذا يبدو أنه شخص مؤهل ليقوم بعدة أعمال! وأملت ديللي أن لا ينطق سلوكه هذا على كل خدم القصر , لأنه أذا كان هو المثال فستقضي بضعة أسابيع متعبة.
كان يمشي بخطوات كبيرة مما أضطر ديللي أن تركض لكي تلحق به , تزحلقت ولوت رجلها , ألتفت اليها أثناء توقفه أمام معرض سيارات الرينو ولم يبد أستعدادا لمساعدتها , تقدمت بهدوء , وحاولت أن تظهر سخطها وأن لا تعرج , منزعجة من كونها لم تنتعل حذاء أسهل للمشي.
وعندما وصلت الى السيارة , كان قد نفّد الحقائب في الصندوق , ولا يزال يمسك بالباب منتظرا أن تأخذ مكانها في المقعد الأمامي.
وهذا ما كانت ستفعله بشكل أعتيادي مكتفية بهز كتفيها أمام هذه الوقاحة , ولكن موقفه هذا أخرجها عن طورها.
" سأجلس في الخلف".
هذا ما قالته ناسية أنه لا يفهم الأنكليزية.
لم يجب , وكان يمكنها أن تكرر ما قالته بالفرنسية , ولكنها كانت منفعلة جدا فألقت بحقيبتها على المقعد الأمامي وفتحت بعصبية الباب الخلفي وصعدت.
أغلق السائق الباب الأمامي دون أن يتحمل عناء أغلاق الباب الخلفي , وجلس الى مقود السيارة وأحست ديللي بالأهانة فأغلقت الباب الخلفي بكل قواها , ووضعت حقيبة يدها على المقعد بعد أن أزاحت غطاء قديما ثم جلست في الزاوية المعاكسة للسائق , ظل الرجل ثابتا في مكانه , يداه متشنجتان على المقود وكان يبذل مجهودا كبيرا ليحافظ على هدوئه , هل سببت له أحراجا بتكلمها بالأنكليزية؟ هل يعتقد بأنها ستعتذر له ؟ وأذا كان الأمر كذلك فلينتظر..
طال الأنتظار , وأصبح الموقف مخزيا , وحاولت ديللي أن تستعيد في ذاكرتها تعبيرا بالفرنسية لتعطيه الأمر بالأنطلاق , ولكنها لم توفق.
" أنا جاهزة ".
هذا ما أنتهت الى قوله.
وبدون أي كلمة أدار المحرك وأنطلق , ولاحظت ديللي يديه الناعمتين اللتين لا علاقة لهما ببقية مظهره , ولكي يكمل المناورة ألتفت اليها وحدجها بنظرة سيئة .
وفكرت ديللي أن تشطوه الى السيدة دوبريان ثم تخلت عن الفكرة لأنها لا تود أن تفتتح أقامتها في القصر بطريقة غير ظريفة , وقررت أن تنتقم لنفسها بطريقة غير مؤذية أرضاء لذاتها.
" أنت شخص فظ , وقح ومبتذل".
هذا ما قالته بالأنكليزية وهي تلفظ كل مقطع بعناية وبنبرة ناعمة.
لقد كان رد فعلها طفوليت , ولكنه خفف عنها بعض الشيء.
أجتازت العربة سان جوست , وبدا المكان وكأنه يخرج مباشرة من العصور الوسطى , وكأن السائق هو الآخر خرج من صفحات كتاب عن تاريخ العصور الوسطى كأحد أسيادها القساة , أو بالأحرى عليها أن تتخيله كقروي يحرس بضع عنزات أو نائما في خيمته مع الحيوانات.
أجتازت العربة الجدران , فالطريق يتسلق الجبل محاطا بخشب السنديان من اليمين وبالمراعي المنحدرة حتى النهر من اليسار , وفجأة تركوا الطريق المعبدة ليسلكوا طريقا ضيقة تتعرج بين الصخور.

نيو فراولة 26-05-11 09:07 PM

بعد قليل , لمحت ديللي عن بعد كتلة معتمة لقصرمعلق على طرف تلة وكان الفضول أقوى من مشاعرها فتوجهت الى السائق مختارة كلماتها بعناية بحيث لا تترك له مجالا في النهاية ليسخر من فريستها.
" هل هذا هو القصر الذي في الأعلى؟".
" يبدو أنه لا يفوتك شيء".
أجابها بالأنكليزية وبلهجة ساخرة , علت الحمرة وجهها , أنه أذن متمكن من الأنكليزية.
" أنا آسفة لأنني نعتّك بالوقاحة , ولكن لماذا لم تقل لي أنك تتكلم الأنكليزية؟".
" ولماذا أقول لك؟".
" يبدو لي أن هذا أمر طبيعي! أو على الأقل لأعفيتني من الأحساس بأنني كنت مضحكة".
أجابها بجلافة:
" أنت تتدبرين أمورك بشكل جيد ولا حاجة لمساعدتي ".
" من أنت تماما؟ لا أعتقد أنك السائق, وألا لما سمحت لنفسك بأن تكلمني بهذه الطريقة".
لم يجب , وبعد لحظة صمت , عادت الى الحديث.
" هل تعمل في القصر أم لا ؟".
" في بعض الأحيان".
" ماذا تفعل؟".
" هل هذا يهمك؟".
هذا الصد أذهل ديللي , كيف يجرؤ هذا الرجل أن يبدي قلة أدب الى هذا الحد؟ ولم أخطىء بأن أصفه بالوقاحة , ومع ذلك قدمت أعتذاري.
ديللي لم تكن طيلة حياتها تلك المرأة التي تتحمل أي أهانة دون أن تردها , وأرغمت نفسها أن تحافظ على هدوئها , ولكنها عاودت الهجوم.
" بالتأكيد , هذا يهمني , لأنني سأقيم بعض الوقت في القصر , وبالتالي سأحتك بكل الأشخاص , هل فهمت , حتى ولو كنت لا تعكل بشكل دائم فيه , أنا لا أهتم بشكل خاص بنشاطاتك , لكنني متمسكة بأن أتجنبك في أي حال من الأحوال , وهذا ما لا أحبه , أن أشكو سلوكك هذا الى السيدة دوبريان".
" وكذلك أنا أيضا".
أحست ديللي بأنها ستختنق من الأنفعال لدى سماعها هذه الجملة الحمقاء , كما لاحظت مجددا أن الرجل كان متوترا , فعقد أصابعه كانت بيضاء من جراء ضغطها على مقود السيارة , وبدا لها أنه هو أيضا يبذل مجهودا كبيرا لكي لا ينفجر من الأنفعال.
منتديات ليلاس
لماذا يكرهها الى هذا الحد؟ من هو هذا الشخص المتعجرف؟ أنها متأكدة الآن من أنه ليس السائق , هل هو مدير أعمال السيدة دوبريان ؟ لا أنه فظ جدا لكي يشغل منصبا كهذا , ويوحي مظهره بأنه يقضي معظم وقته في الهواء الطلق , أذن ماذا يمكن أن يكون مكانه في القصر؟ وقررت ديللي أن تثير وقاحته.
" هل أنت دائما على هذه الدرجة من الوقاحة؟ لا أعتقد أنك تجرؤ أن تسلك هذا السلوك مع سيدتك , فالسيدة دوبريان لن تتساهل بذلك , وبصراحة أن سلوكك هذا غير مقبول وغير مفهوم".
أجابها بنبرة حادة:
" يا آنسة , بما أنك لست سيدتي والأمل ضعيف في أن تصبحي ذلك , فكل ما يمكن أن تفكري به لا يهمني على الأطلاق".
هذا الجواب ذو المعنيين جعلها تحمر حتى جذور شعرها وعضت على شفتيها لتمنع نفسها من الأجابة.
لا تزال ديللي ترتجف سخطا , ولكنها تجاهلت تلك الوقاحة , وركزت أنتباهها على القصر , لقد أصبح واضحا أمامها الآن , أنه قصر معلق على الصخور وكأنه خرج منها , مبني من نوع من الأحجار الغامقة كمعظم القصور في هذا القسم من الهضبة المركزية , قاتم ومتين , محصن بأربعة أبراج مثلثة السطوح , يسيطر عليها الوادي بكتلته الثقيلة.
وأخيرا عندما وصلا الى القصر , كانت ديللي قد أستعادت هدوءها تقريا , فمشطت شعرها , وضعت قليلا من أحمر الشفاه , ولمسة لون على خديها وبضع قطرات من العطر , وها هي الآن جاهزة لمقابلة السيدة دوبريان.
في الباحة توقفت العربة ولحس الحظ قريبا من السلم الكبير , تمتم السائق ثم خرج ولف حول السيارة , وتخيلت أنه سيفتح لها الباب , ولكنه فتح الصندوق وسحب الحقيبة ووضع متاعها أمام باب المسكن وهي لا تزال جالسة في مكانها , وأسفت لكونها قبلت مهمة حساسة كهذه دون أن تستدرك الصعوبات التي ستواجهها.
فتحت بوابة القصر وخرجت منها سيدة بدينة ترتدي السواد مع مريلة بيضاء , وبأبتسامة عريضة هبطت الدرجات ومدت لها ذراعها.
" الآنسة أيفريت , أهلا وسهلا بك , أنا أرنستين المسؤولة عن قصر السيدة دوبريان , أن سيدتي تترصد صوت السيارة , لقد تأخرت , يبدو أنك أنتظرت طويلا في المحطة؟".
" أنتظرت قليلا ولكن لا أهمية لذلك فأنا سعيدة بوصولي ومسرورة جدا بالتعرف اليك يا أرنستين".
" من المؤكد أنك كتعبة بعد هذا السفر الطويل , غرفتك جاهزة , وأعتقد أنك تريدين أن تغتسلي ؟ وبالتالي سأصحبك الى السيدة ".
أستقبلتها المسؤولة بحفاوة أعادت اليها هدوءها , وكان الرجل قد أختفى مع أمتعتها , وأن كانت تفضل أن تنقلها بنفسها بدلا من أن تقابل هذا الشخص الفظ في غرفتها.

نيو فراولة 26-05-11 09:11 PM

كان المدخل واسعا , يسبح في النور على عكس ما أعتقدت ديللي من أنه سيكون معتما , فأمام السلم الحجري الكبير هناك نافذة واسعة مفتوحة في الجدران دون أن تزيل عنه طابع العصور الوسطى , جمال المكان قطع أنفاسها , ولم تستطع أن تكتم حماسها:
" يا لها من عظمة وبهاء".
أبتسمت أرنستين وأنبرت تتلو تاريخ القصر بكبرياء المالكين , وبعد أن أحتازتا الصالة وصعدتا درجات السلم توقفت ديللي لتستعيد أنفاسها , ولمحت من النافذة جزءا من الباحة والحديقة , شجرات الورد ما زالت محمية من الجليد بمساحة من القصب , وأدهشتها الجدران التي تحيط بالباحة , هنا أيضا مساحة كبيرة من الأزهار كانت متفتحة , والسكن أجريت عليه تعديلات أساسية , لكن المهندسين امعماريين كانوا قد أخذوا بعين الأعتبار المحافظة على الشكل الخارجي بطابعه الوسيطي.
" أرى أن السيدة دوبريان أجرت تحسينات عديدة , وبذوق كبير , يبدو أنها تحب أن تحيط نفسها بالأشياء الجميلة ".
أرنستين نظرت اليها نظرة أستجوابية وقالت:
" هل حدثك السيد رايس كثيرا عن أمه؟".
" نعم يا أرنستين بالتأكيد !".
ولم تشأ ديللي أن تعترف بالحقيقة فهو لم يحدثها قط عن أمه .
" هذا صحيح فالسيدة كانت دائما الجمال".
ثم تنهدت وأضافت:
" ولا تزال".
وتابعت المسؤولة صعودها قبل أن تتمكن ديللي من أستجوابها عن معنى هذه الملاحظة , ثم سارت في ممر طويل مزين بالسجاد القديم يصور مشاهد الصيد , وفي نهايته فتحت بابا لتدخل ديللي.
" ها أنت في منزلك".
ديللي لم تصدق عينيها , الغرفة فسيحة والنوافذ مفتوحة على الباحة , وأمام الحائط ينتصب سرير بقوائم على طراز المنطقة , مغطى بالحرير الأصفر , وعلى طاولة وضعت مجموعة من الأزهار بأنسجام جميل , والأرض مفروشة بسجاد سميك من الصوف الذهبي , وهناك باب يفتح على حمام حديث وفاخر.
" هل أنت مسرورة".
" نعم , الغرفة رائعة , يبدو أنها مريحة جدا".
فارقتها الأبتسامة عندما شاهدت أمتعتها بجانب الخزانة , أذن لقد جاء الى هنا ويعرف أن هذه هي غرفتها , ومن جديد عاودها السؤال:
" من يكون هذا الرجل بالتحديد؟".
وفكرت أن تسأل أرنستين , لكن شيئا منعها , ستنتهي بأن تعرف ذلك , أن طرح السؤال على أرنستين سيكون مضايقة لها , وستتساءل لماذا لم يذهب السائق الى المحطة , وهذا يمكن أن يثير فضولها وقد يعرضها لطرح أسئلة مثيلة ليست على أستعدد لأن تجيب عليها , كيف ستشرح لأرنستين التنافر المتبادل وهي نفسها لا تعرف الأسباب؟
تنازلت ديللي عن أندفاعها , وطلبت مفتاح الغرفة من أرنستين:
" ها هو يا آنستي".
قالتها وهي تسحب مفتاح الغرفة من مجموعة تحملها حول رقبتها كعقد طويل.
" ولكن ليس من الضروري الأغلاق بالمفتاح , فأنت في أمان تام هنا , على كل حال , أذا كنت مصؤة على ذلك .... سأمر لأصحبك الى السيدة , هل تكفيك نصف ساعة لتحضري نفسك ؟ لأنه بعد ذلك سيحين موعد تناول العشاء".
" شكرا يا أرنستين , هذا مناسب لي تماما".
أدارت ديللي المفتاح في القفل بعد ذهاب أرنستين , وفوجئت بأنها تغني وهي تبدل ملابسها , ونسيت ألم رجلها , وجربت خطوات راقصة وهي ترمي ثيابها في كل الأتجاهات مع أنها منظمة الى درجة لا متناهية , موقع القصر رائع , والغرفة مريحة , وهي شغوفة بالعمل الذي ينتظرها.
كانت درجة حرارة المياه جيدة , وكل ما في الحمام يتمتع برائحة عطرة لطيفة , وتمددت في المغطس لتمحي آثار تعب السفر , وعندما تذكرت أرنستين أسرعت في الخروج من الحمام .
أي فستان ستختار؟ لفت حولها منشفة صفرا , وبدأت تفتش في حقيبتها , وقرع الباب
لقد جاءت أرنستين , أدارت قفل الباب وفتحته على مصراعيه.
أنه......هو , صوّب نظراته الى عينيها ثم أدارها في أرجاء الغرفة , وأخيرا عاد ليتفحصها من رأسها الى أخمص قدميها بتأن آسر مما جعلها تحمر وتتضايق من كونها غير قادرة على أن تكتم أنفعالها.
" أنت ! ماذا تفعل هنا؟".
أمسكت منشفة الحمام بيد مرتجفة محاولة أن تستعيد أحترامها .
" لقد نسيت الحقيبة في العربة , ولن تتخيلي بأن هناك شيئا آخر يمكن أن يجذبني الى غرفتك؟".
قبت نظره عليها بطريقة وقحة وظلت ديللي غير قادرة على الكلام ولكنها لم تحوّل نظرها رافضة أن تظهر له مقدار الأهانة , وشعرت بأنها قصيرة جدا بالنسبة الى قامته المنتصبة أمامها.
بدا لها مختلفا , أنه الآن أكثر طولا وأكثر تمدنا , وأعتبرت أن هذا التحول كان بسبب الملابس التي يرتديها , قميص بيج من الحرير , ربطة عنق بلون أزرق سماوي معقودة بشكل رائع ,وبدلة من المخمل الكحلي الغامق ذات تفصيل جميل جدا.
وتحت هذا الغلاف المطمئن , أحست بالطبيعة الحقيقية لمحدثها , بدائية بركانية وخطرة..... ولا تزال تجهل من هو .
" شكرا , ضعها هنا".
قالتها بلهجة آمرة وهي تشير بأستخفاف الى مكان قرب الباب.

نيو فراولة 26-05-11 09:12 PM

ولم تشأ أن تأخذ منه الحقيبة خوفا من أن تسقط عنها منشفة الحمام , رفع حاجبيه ليظهر تعابيره المندهشة والساخرة.
" لا تحاولي أن تجعليني أصدق بأن سقوط المنشفة سيضايقك , فأنا لا أنتظر منك هذا الأحتشام بالفعل".
في هذه اللحظة , فهمت ديللي أنه قرأ قصائد رايس والأهداء , لكن هذا لا يفسر كل هذه العدوانية نحوها.
" على كل حال , أن أخلاقياتي لا تهمه , ولن أحني رأسي لأفصح عن براءاي وهو الآخر لا يملك قلب طفل بريء".
" أنا لا أسمح لأحد بأن يحاكم حشمتي , حقيقية كانت أم مفتعلة".
" في هذه الحالة كان عليك ألا تفتحي الباب لأي كان".
كن أكيدا , لو أنني عرفت الذي خلف الباب لما فتحت , لكنني ظننت أنها أرنستين , والآن ضع الحقيبة وأنسحب فورا , أرجوك".
ولكي يجيب تقدم أكثر داخل الغرفة ووضع الحقيبة على السجادة ولم يتعجل الرحيل , على العكس تفحّص الغرفة بعناية وبتباطؤ مقصود , تاركا نظره ينسحب على السرير بأصرار مهين.
وأخيرا عاد بنظره وبكل تمهل الى ديللي.
" تأكدت الآن أن لديك أحساسا مسبقا بأنك هنا في منزلك".
" هذا طبيعي جدا , لقد دعيت الى هنا وأعتقد أنني سأمضي عدة أسابيع".
" قد تغيرين رأيك , فالحياة هنا تجري بأيقاع بطىء , ولا يوجد في القصر ما يرضي فتاة مثلك".
" كيف تعرف أي نوع من الأشخاص أكون ؟ أتيت الى هنا للعمل وليس للمتعة , والآن أرجوك , أتركني وحدي...".
" كما تريدين".
هز كتفيه وأتجه نحو الباب وقبل أن يغادرها ألقى عليها نظرة أخيرة , نظرة أحتقار.
" نحن هنا , نرتدي ثيابنا من أجل العشاء".
أعلن ذلك بصوت ساخر ثم أغلق الباب وأبتعد بهدوء .
جلست ديللي على حافة السرير مرهقة من ضغط اللحظات الأخيرة , أنه يرتدي هذه الملابس للعشاء أذن , أي سيكون على طاولة السيدة دوبريان.
توجهت الى حقيبتها وهي لا تزال ترتجف وسحبت منها الفستان المخملي الأخضر الغامق الذي لم يتحمل عناء السفر كما حصل لديللي.\
أشترت أدوات التجميل هذه قبل أن تغادر لندن.
منتديات ليلاس
وفي لحظة أنفعال جنونية لبست قميصا ضيقا بأكمام طويلة تنتهي بدانتيل وتنورة واسعة , مشطت شعرها لتزيل عنه آثار البلل وتركته يتساقط بحرية على كتفيها , وعندما فكرت بالمرأة التي أشتهرت بجمالها الأخاذ , وضعت بعض مواد التجميل على وجهها وعينيها بعناية لتتلاءم مع ملابسها , وبينما كانت تخطط شفتيها بالأحمر وتفكر بذلك الرجل الذي يدعو للقلق , قرعت أرنستين على الباب , وكانت ديللي قد أعادت تنظيم غرفتها , ولبست الكلسات الأنيقة والحذاء البراق , شع وجه أرنستين بأبتسامة مازحة عندما رأت ديللي جاهزة للعشاء .
هتفت وهي تصفق بيديها:
" يا لجمال الآنسة , السيد راوول سيسقط من الصدمة ".
السيد راوول , هذا أذن أسمه , ولكن من هو؟

نيو فراولة 26-05-11 09:14 PM

2- عشاء في القصر


الصالون الواسع أثار أعجاب ديللي كثيرا , لاحظت بعض القطع المرصعة الرائعة , ودارت مصف دورة حول المدفأة الأثري , الأرائك والمقاعد توحي براحة حقيقية , اللون الأحمر الغامق يسيطر على السجاد الشرقي القديم المفروش على الأرض الخشبية اللامعة, وعلى الجدار الخاص بالمدفأة وضعت أضاءة داخلية , وبالتأكيد فأن الحجارة المجلّوة التي كان لها بياض الكلس , ساهمت في أضفاء جو مشبع بالتهوية على هذا الصالون , كما علق عدد من اللوحات على بقية الجدران , ظنت ديللي أنها تعرف واحدة لجوجان ,ورجل الجمارك لروسو وأخرى لمودلياني , وتملكتها الرغبة بتفحص كل قطعة أثاث عن قرب , كل لوحة وكل كتاب , ولكن أرنستين قطعت عليها تأملها.
" السيدة دوبريان تنتظرك , ألتحقي بها قرب المدفأة يا آنسة".
خرجت أرنستين بعد أنأغلقت الباب بهدوء تاركة ديللي وحدها مع السيدة دوبريان , وتقدمت ديللي بخجل , بخطوات مترددة نحو المدفأة , وتوقفت في منتصف المسافة , لم يكن هناك أحد.
" تقدمي أليّ يا عزيزتي".
قفزت ديللي خائفة , أذن السيدة العجوز كانت هنا , لا شك أنها مسترخية على أريكة كبيرة بحيث لا ترى ألا من أعلى المسند".
" تعالي دليلة , لا تكوني خجولة , وسترين أنني لست مفترسة".
كان الصوت عميقا دافئا , ونادرا ما سمعت أحدا يناديها بأسمها الحقيقي دليلة ,ولم تسمعه بهذا الجمال من قبل.
تقدمت بخطوات كتمتها السجادة السميكة , وتوقفت أمام أوجيني دوبريان , كما تخيلتها كانت جالسة مقابل المدفأة , غارقة في الأريكة التي جعلتها تظهر أكثر رقة وأحساسا مما هي عليه في الحقيقة.
ترددت ديللي , كان الصوت ودودا ولكن قد يكون هذا ضربا من خيالها لأن السيدة دوبريان بقيت تماما بلا حراك , ولم تنهض لأستقبالها , ولم تلتفت حتى بوجهها نحو ضيفتها , رأسها كان ثقيلا منحنيا الى الأمام , ويداها الشفافتان البارزتا العروق موضوعتين على الركبتين.
" دليلة هل أنت هنا؟".
أحست ديللي بصدمة كبيرة , الآن فهمت أن السيدة كانت عمياء.
ولو لم تكن خطوبتها مع رايس مفتعلة ومختلفة من قبل عمها لكانت عرفت وفهمت تماما أنها لم تعرف ألا القليل عن رايس ولا شيء عن أسرته.
" هل أنت دليلة؟".
أسرعت ديللي وركعت قرب رجلي السيدة , معقودة اللسان , غير قادرة على قول كلمة واحدة , وضعت أصابعها المرتجفة بالقرب من أصابع مضيفتها وبعد لحظة تماسكت نفسها وأجابت بنبرة مترددة:
" نعم يا سيدتي , أنا ديللي".
رفعت السيدة يدها ومدتها بأتجاهها وكأنها تريد أن تزيح الستارة التي تمنعها من رؤية ديللي.
أتجهت بعينيها المطفأتين التي لم تتصور أنها قد ترى في حياتها جمالا كهذا , أوجيني دوبريان الآن أمرأة عجوز ولا بد أنها أنجبت أبنها رايس في سن متقدمة.
شعر شديد البياض كالثلج , وجه مخطط ببعض التجاعيد , بشرة بلون الرماد القديم مشدودة على هيكل شديد الدقة , الجسم بكامله في أنسجام لا يقارن , وجنتان عاليتان , ذقن مستقيمة , أنف مرسوم بشكل حسن , وأذنان ناعمتان تعطيان وجهها نوعا من الأرستقراطية , الفم لا يزال شابا بشكل غريب نسبة الى أمرأة بهذه السن مما ذكّر ديللي بفم آخر , دون أن تستطيع تحديده.
" كانت رغبتي قوية في لقائك يا دليلة . ( قالتها بأبتسامة كشفت عن أسنان براقة جمياة) أهلا وسهلا بك في مونبيردو".
" شرفني أن أتلقى دعوتك يا سيدتي , وآمل أن أحظى بأسقبالك لي مدة شهر أو أثنين".
" بالتأكيد , ولكنني آمل أن تبقي أكثر ... وأن كان هذا الطلب سابقا لأوانه".
وشاح من الحزن غطى معالم السيدة , وهذا ما أقلق ديللي , وشعرت بالخجل من الدور الذي جاءت تمثله , ولكي تخفي خجلها أرغمت نفسها أن تتابع الحوار:
" يجب قبل كل شيء أن أحدد كمية الوثائق التي سأعمل عليها".
عادت الأبتسامة الى وجه السيدة وقالت:
" جبال من الأوراق , طيلة هذه السنوات التي كان فيها رايس هنا وهناك وأما في الفنادق أو عند الأصدقاء , ولكن ليس في بيته على الأطلاق , كان يرسل الينا الوثائق لكي نحفظها له , كان يلزمه حقيبتان , واحدة للملابس وأخرى للمخطوطات , يا للمسكين لقد عاش حياة المتشردين".
تنهدت السيدة بعمق .
قاطعتها ديللي:
" أنا حزينة".
" لا تقولي أكثر من ذلك , أنه حزن مشترك , ولكن بدون شك أنك تتألمين أكثر مني , لقد مر وقت طويل لم يأت فيه الى هنا".
" كان يتحدث دائما عن أوفيرن وعن رغبته في زيارتك".
" لقد سعدنا جدا عندما عرفنا بخطوبتكما , وفكرنا بأنه لربما....".
وتوقفت السيدة عن الحديث فقد أنعقد لسانها من الأنفعال.
" أنا متفائلة من سير الأمور".
ديللي تكذب بلهجة تأمل أن تكون مقنعة.
" والآن يجب أن نعرف كل شيء عنك".

زهرة منسية 26-05-11 10:42 PM

مشكوره كتير كتير كتير حبيبتى احلى فراولايا مجهودك رائع فى منتدنا الحبيب يسلموا ايديكى ونشاطك رائع يسعدنا كتير

نيو فراولة 27-05-11 11:37 AM

تنهدت السيدة وأستندت الى الخلف:
" رايس لم يقل لنا أي شيء أطلاقا , أنه نادرا ما يكتب الينا".
" كان دائما يريد أن يكتب اليك شخصيا( هذه كذبة أخرى) لكن الوثائق التي كان يرسلها كانت بدون شك بالنسبة اليه وسيلة للتواصل معك".
" نادرا ما تحدث اليّ عن نفسه . ( وتنهدت بعمق أكثر ) والصحف لم تكن دائما .... مدّاحة , لكنها على الأقل أوضحت لنا شيئا عن حياته وكتبه".
" كان في الحقيقة يحبك كثيرا".
أبتسامة صوفية غامضة أضاءت وجه لسيدة وكأن صورة شيء جميل أخترقت هذا الحاجز من عماها , وبالحساسية الخاصة بالعميان , شعرت بالتوتر الذي أصاب ديللي وأرادت أن تعيد اليها الطمأنينة.
" هيا يا عزيزتي لا تشعري بالأنزعاج معي , نحن نعرف الحياة".
" لكنني لست .....".
وعضت ديللي شفتيها , ولماذا تقول للسيدة بأن رايس أستلهم عشرات النساء المتبدلات مع كل مدينة ومع كل فصل ومع كل مزاج ؟ نساء أثّرن فيه الواحدة تلو الأخرى , حتى الأخيرة التي كانت من ماساشوسيس , فهذا لا يمكن ألا أن يزيد جرحها ألما , وهي تألمت بما فيه الكفاية , رفعت رأسها وقالت بصوت واضح:
" أؤكد لك أنني لست متضايقة".
وبدأت السيدة تداعب بحركة لاشعورية العقد الذي يحيط عنقها وكأنها غرقت في أحلامها.
" أنا أيضا كنت شابة وأتذكر ذلك".
خيم صمت محيّر , وحاولت ديللي أن تجد الكلمات الملائمة للموقف.
" كان رايس يملك موهبة كبيرة".
" نحن عائلة فن , والده كان من بلاد الغال والغالّيون يجري الشعر في دمهم وأجدادي كانوا أهل أدب , هذه وراثة وأنا فخورة بها".
" رايس كان أيضا فخورا بهذا".
وهذا ما عبّرت عنه ديللي بصدق.
" والآن حدثيني عنك , أروي كل شيء بالتفصيل , أود أن أعرف كل شيء عنك".
" ليس هناك الشيء الكثير".
توقفت ديللي عن الكلام , وفرحت عندما فتح الباب , ولكن فرحتها لم تدم طويلا , الرجل الذي دعته آرنستين راوول كان يراقب المشهد وعلى شفتيه أبتسامة ساخرة , وبعد لحظة , أقترب من الموقد.
راوول , ديللي كانت قد قرأت في مكان ما أن هذا الأسم مأخوذ من كلمة ثعلب , وهذا مطابق له تماما لأنه يمتلك شيئا من صفات حيوان جائع قاس , ولكن من هو هذا الرجل؟
ستعرف ذلك حالا لأنه أنحنى أمام السيدة بأحترام وقال لها بلطف:
" أمي , يجب ألا تتركي الآنسة أيفريت تتعبك".
أبنها , أخو رايس , لكن رايس لم يكن له أخ , ثم تذكرت أن أوجيبي دوبريان كانت قد تخلت عن أبن عندما هجرت زوجها الأول لتلتحق بوالد رايس.
" لكنها لا تتعبني , راوول , أنسيت طريقة السلوك الحسن مع الآخرين ؟ ولا يجب أن تنادي خطيبة أخيك بالآنسة أيفريت , ألم تتعارفا أثناء عودتكما من المحطة؟ أود أن تناديها دليلة".
أنتصب راوول بقامته الطويلة وقطب عينيه:
" أذن دليلة".
ولفظها بلهجة سيئة.
" راوول كف عن مداعباتك , وقم جهز لنا كأسا من الشراب , ومن الأفضل أن نناديها نحن أيضا بديللي , عزيزتي هل تأخذين أنت أيضا كأسا من الشراب؟".
" بكل سرور , شكرا سيدتي".
منتديات ليلاس
أرادت ديللي أن تصفح هذا الوقح , ولكن لحسن حظه كانت السيدة دوبريان موجودة , بدأت تحرك السائل الذي في الكأس محاولة أستعادة هدوئها , وعندما رفعت رأسها ألتقت نظراتها بنظرات راوول الذي كان لا يخفي أحتقاره , وكأن السيدة دوبريان أحست بالجو المتوتر , تدخلت بصوت لطيف:
" لدينا الكثير مما نود معرفته , أليس كذلك يا راوول؟ ديللي حدثينا عنك".
أجابت وهي تزداد حيرة:
"ليس هناك الكثير مما يقال...".
" نحن نعرف أنك تعملين في دار النشر مع عمك , وتعملين بشكل ما في تسيير أعمال أهل الأدب كما فهمت من رايس , وهكذا تقابلتما , ولكننا نجهل كل شيء عنك".
تمتم راوول:
" وفي الوقت نفسه نحن نعرف أشياء كثيرة".
ولكنها تجاهلته وكأنها لم تسمعه.
" أعيش مع عمتي وعمي اللذين أحتضناني بعد وفاة أهلي ".
" كم عمرك؟ فأنا لا أستطيع التكهن بهذه الأشياء ".
" أربع وعشون سنة".
" عظيم , فالحياة ما زالت أمامك , يجب أن تقّصّي عليّ كل شيء , من تشبهين , كيف تمشين , ماذا تلبسين.....".
قرع الجرس من جديد .
" العشاء جاهز سيدتي".
مهضت السيدة بحذر ومدت يدها بأتجاه راوول الذي أمسكها وألتفت الى ديللي.
" نحن عادة لا نتعشى في صالة الطعام الكبيرة لأنها واسعة جدا بالنسبة الينا , فعندما نكون شخصين أو ثلاثة نستعمل غرفة صغيرة ولكنها جذابة".
قالت ديللي وهي تنهض بدورها :
" سأموت من الجوع ".
" هذا من حسن حظك , لأن وجبتنا الرئيسية هي وجبة العشاء , وقد أكتسبت هذه العادة من البلاد الأخرى ".

نيو فراولة 27-05-11 11:38 AM

أجتازت السيدة دوبريان الصالة مستندة الى يد أبنها وبخطوات صغيرة.
" أرجو ألا تلوميني لأنني كنت السبب في أن لا يمد لك راوول ذراعه لأنك أنت المدعوة , ولكن للأسف للضروة أحكام".
أكّدت ديللي بأبتسامة :
" لقد أصبحت فتاة شابة".
" حتى الفتيات الشابات بحاجة أحيانا للأعتماد على ذراع قوية , في زماني.....".
وتركت الجملة معلقة , كانوا قد وصلوا الى الغرفة الصغيرة , كيف يمكن أن تكون صالة الطعام الكبيرة ؟ تساءلت ديللي , فعلى الجدران عدة لوحات وسجاد متعدد الألوان من الطراز المعاصر , وهنا أيضا أرادت أن تتفحص كل قطعة على حدة , الطاولة مصنوعة من خشب المنطقة والكراسي التي تحيطها مصنوعة بشكل رائع بالأضافة الى كونها مريحة جدا.
دخلت الخادمة حاملة طبق الحساء الشهي , وعرفت ديللي أن الخادمة من سان جوست وتدعى هيلويس وقد تدربت على يد أرنستين , أستمرت المحادثة طيلة فترة العشاء التي تعاقبت فيها أنواع الطعام , سمك باللوز , فخذ خاروف بالجبن المفروم والصلصة , سلطة العدس الأخضر , عدة أنواع من أجبان المنطقة , وكان هذا أكتشافا بالنسبة الى ديللي التي لا تعرف منها ألا نوعا واحدا , توت بري بالكريما.
ظل راوول صامتا , يبدو أنه قرر ألا يتعرف بديللي وهذا يناسبها , على عكس السيدة دوبريان التي لم تتوقف عن الثرثرة ومن المؤكد أنها كانت سعيدة بوجود شخص جديد , أما ديللي فقد أثنت على أنواع الطعام الطيبة , وفي الوقت نفسه كانت مسرورة بأصغائها الى الطرائف التي تمتلك منها مضيفتها مجموعة لا تنتهي , وتجنبت بحذر شديد أن تنظر الى الطرف الآخر من الطاولة خوفا من أن تقع عيناها على النظرة العابسة الوقحة التي تعودت أن تخافها.
" عزيزتي , تتركينني أتحدث عنا , عن القصر , عن الفن , لكنني أحب أن أسمعك أنت".
ثم مدت السيدة أصابعها لتحدد موضع فنجان قهوتها , ( أنها تتدبر أمورها لوحدها بروعة متناهية حتى أننا ننسى أنها عمياء).
قالت السيدة بصوت حازم:
" والآن لنتحدث عنك , ويجب أن تسامحي فضول سيدة عجوز مثلي".
ووجدت ديللي صعوبة كبيرة في أن تمهلها قليلا.
تساءلت ديللي بضحكة فيها شيء من الخوف , آملة أن لا تأخذ الأسئلة طابعا ذاتيا أكثر من اللازم.
" ماذا تودين أن تعرفي؟".
" أبدئي بوصف نفسك".
" أرتدي فستانا أخضر , طويلة القامة , شعري أحمر".
صرخت السيدة بنفاذ صبر :
" هذا ليس كافيا , كانت لدي في باريس خادمة تتطابق مع هذا الوصف , أنك تقليدية أكثر من اللازم , ولن تصبحي كاتبة جيدة على الأطلاق , أليس كذلك يا راوول؟".
أضافت :
" أنني نحيلة الى حد ما".
" لكن صوتك ليس رفيعا , وليس كصوت الخادمة , أود أن أعرف أكثر , ولكنني ألاحظ أنك لا ترغبين في مساعدتي".
ثم ألتفت الى نهاية الطاولة حيث يجلس راوول.
" راوول , أنا مضطرة أن ألتجىء اليك , ستكون أنت عيني , صفها لي , أنا متأكدة من أنها تستطيع ذلك أذا بذلت شيئا من المجهود".
قالت هذه الملاحظة بنبرة موضوعية , لكن كل تعابيرها كانت تترجم مقدارا من الأستهجان:
" راوول ما هو لون شعرها؟".
حدجها بنظرة متمهلة ثم ركز عينيه عليها بطريقة وقحة بعد أن أستند بأرتياح على مقعده مما جعل ديللي تفقد راحتها أكثر فأكثر.
" الشعر , لنقل أشقر غامق , لوحة أصلية لتيتيان , ومن المؤكد أن هذا لونه الطبيعي , يبلغ طوله الكتفين".
كانت ديللي صلبة وحاولت ألا تبدي أرتباكها.
" البشرة ناعمة جدا , تكاد يكون شفافة , تذكّر بالشامواء".
صعد الدم الى وجهها وأحست بأنها لا يمكن أن تكره أي شخص كما كرهته, أما السيدة فقد رسمت على وجهها أبتسامة رضى وقالت:
" حتى الآن , الوصف ملائم لصوتها".
" العيون رمادية , رمادي شاحب بعض الشيء , كان يجب أن تكون على غير هذا اللون للتلاؤم مع لون الشعر , أما أتساعها فيضفي عليها مظهرا مضللا , شبه بتولي".
" مضللا!". شدّت على قبضتيها وشحب لونها .
" الأنف عادي".
وهنا أرادت أن تخنقه.
" الفم يا راوول , كيف هو ثغرها؟".
" كبير , ولو كنت سأرسمه , لبدأت بمسح حمرة الشفاه عنه , لأن هذا الأحمر يعطيه شيئا من....".
" الأبتذال؟". ( قاطعته ديللي ,غير قادرة على كبح ثورتتها).
" أنت التي قلت ولست أنا".
كان صوته ساخرا بوضوح , وكأن أضطرابها كان سببا في أنتعاشه.
" راوول , يا لك من غبي , النساء بحاجة لهذا التكلف بعض الشيء , تابع الذقن من فضلك , بدأت أراها ...".
" الذقن؟ أنها الآن تميل الى الأمام لأنها في حالة سخط , ولكنها بشكل أجمالي على جانب من الأهمية , الهيكل العام دقيق وأنيق والرقبة طويلة , الأسنان صغيرة ومرصوفة بشكل جيد".

نيو فراولة 27-05-11 11:42 AM

" تابع يا راوول صف لي الباقي , كل الباقي".
الباقي لا حاجة للتوقف عنده".
رجتها ديللي بيأس:
" أرجوك يا سيدة دوبريان".
" سامحيني يا عزيزتي , نتوقف هنا أذا كنت مصرة على ذلك".
قالت ذلك بصوت ناعم لكن خيبة الألم أظهرت تجاعيد وجهها أكثر , ترددت ديللي لحظة قبل أن تعود لترضي والدة رايس.
" لا , لنتابع , لدي أنطباع بأنني فراشة معلقة على الحائط".
" لكن فراشة جميلة حسبما أسمع".
ولاحظت أن السيدة أستعادت مرحها:
" ومن بعد أذنك , راوول سيتابع".
" قامتها طويلة , طويلة جدا حسب ذوقي".
( بالفعل أنها لخسارة) قالت لنفسها وهي تدير وجهها نحوه , والآن فهمت أنه حتى هذه اللحظة كان يتحاشى نظرتها تماما.
" أنها أنحف من أن تكون واحدة من شخصيات لوحاتتيتيان , دون أن نتحدث عن روبنس , وبتعابير وجهها تجعلك بالأحرى تفكرين بلوحات مودلياني , ويمكن أن تحل محلها , لكنها ربما أكثر , كيف أقول .... مغرية , متحدية".
أجبرت ديللي نفسها أن تبتسم , أنه هو الذي يظهر نفسه مغريا ومتحديا , ولكنها قررت ألا تبدي رد فعل , مع أنها تساءلت لماذا يكرهها راوول الى هذا الحد؟
" ولننتقل الآن الى يديها , الأظافر تدل على صحة جيدة وطلية بشكل خفيف , الأصابع نحيفة طويلة , لكنها ليست رشيقة بما فيه الكفاية بالنسبة لطبيعة فنية , وليست مستديرة كما يجب بالنسبة لعقل عملي , تكشف أنفعالاتها , لقد تعلمت أن تتحكم في حركات ذقنها وفمها ولكن ليس بحركات يديها".
وكانت ديللي تلعب بعصبية بقطعة خبز , فتوقفت حالا.
" الفستان , أختارته بمهارة , مخمل أخضر , لطيف جدا , شكل الأكمام من العصور الوسطى مع نهايات من الدانتيل , أنها لبارعة جدا لمسة البراءة هذه....".
قالت في سرها ( ليذهب الى الجحيم بألغازه).
" فتحة الصدر كبيرة وعميقة مفصلة على شكل مربع وهي أقل براءة من الأكمام , العنق شديد البياض لا يحمل عقدا , والتنورة واسعة فيها كثير من الأنوثة مع حذاء بكعب عال".
أبتسمت السيدة العجوز برضى.
" القميص ضيق جدا على الصدر".
علت الحمرة وجه ديللي , وومضت عيناها غضبا.
" يجب أن نضيف بأنها تنرفز بسرعة , يا له من طبع ".
لفظ هذه الجملة الأخيرة بصوت خفيف ولكنه يوحي بأنه كان يغلي غضبا وبحركة مخيفة أطفأ سيكارته في المنفضة.
صرخت السيدة وهي تصفق:
" رائع , فتاة جميلة تماما كما يتمناها قلبي".
" ليست جميلة تماما".
بهذه الملحوظة قاطعها أبنها بلهجة صارمة.
" راوول , أرجوك".
قاطعته السيدة العجوز دون أن تخفي أنفعالاتها , ثم ألتفتت الى ديللي.
" أرجو أن تسامحي راوول يا عزيزتي , فأن له أحيانا بعض السلوك الخشن , لكن بالنسبة الي فأنت كنّتي".
ألتفتت ديللي الى راوول ورمته بنظرة قاتلة:
" شكرا يا سيدتي , وهذا ما يشرفني".
" أترى يا راوول كم هي عاقلة , ديللي أنك من العائلة, تجاهلي أبني , يسره أن يظهر بمظهر الوقح ,ولكنه من المؤكد أنسان مستقيم وشريف ولا يمكن أن يكذب , لقد أحببت الوصف الذس رسمه لي عنك وأرجو منك أن تناديني أوجيني".
وبشكل واضح كانت السيدة مسرورة جدا.

نيو فراولة 27-05-11 11:45 AM

3- حادث مع العدو


شعاع من الشمس أيقظ ديللي , فأستدارت وغرست رأسها في المخدة , ولكنها لم تستطع النوم , فغادرت السرير الناعم متأسفة , وأرتدت روب دوشامبر من المخمل الأحمر ,ثم أقتربت من النافذة , لقد أمطرت في الليل وعادت الى الجو شفافيته , النهار سيكون جميلا , مثاليا لأكتشاف الضواحي , لكن ديللي لم تنس أنها موجودة هنا في مونبيردو لعطلة دراسية .
وما كاد النهار يطلع حتى تساءلت ديللي أذا كان أستيقظ أحد في القصر , الجواب أتاها من الباحة , حيث شاهدت رجلا يمر بثياب العمل , أحدى ذراعيه ملفوفة بقطعة قماش , وتحت الأخرى حمل أدوات متنوعة للحديقة , وباليد السليمة بدأ يزيح القش والقصب الذي يحمي شجيرات الورد , مما يبشر بقدوم الصيف.
نشفت ديللي نفسها بعدما أغتسلت بسرعة ثم فتحت الخزانة التي كانت قد رتبت فيها ثيابها مساء البارحة قبل أن تنام , وأخرجت منها تنورة خضراء من المخمل المضلع وكنزة سميكة من الصوف الأصفر , أرتدت ملابسها وتفحصت نفسها في المرآة الكبيرة الموجودة جانب الخزانة , فالطريقة التي أنتقد بها راوول شكلها أثارتها مجددا وأعجبتها الصورة المنعكسة الآن في المرآة , وبحركة حازمة نضدت الكنزة السميكة في الخزانة وأخرجت أخرى رقيقة جدا ولبستها , ستريه أذا كان شكلها على غير ما يرام , ولكنها في الحقيقة عندما نظرت الى نفسها مجددا في المرآة شعرت بنوع من الخجل , لأن تفاصيل جسمها كانت مكشوفة جدا.
وفي الصالة ألتقت بأرنستين وأقترحت عليها , لكي لا تغيّر عادات القصر , أن تتناول أفطارها فيما بعد بصحبة السيدة دوبريان.
منتديات ليلاس
" بشكل عام السيدة لا تنزل ألا في وقت متأخر , يمكنك أن تتناولي طعامك الآن , كما يفعل السيد راوول أحيانا".
" هل أستطيع أن أتناول طعامي في المطبخ ؟ لأنني أود أن أراه".
سألت أرنستين بدهشة:
" المطبخ؟ بالتأكيد , سأصحبك اليه يا آنستي ولكنك ستتناولين طعامك في الغرفة الصغيرة المخصصة لذلك".
المطبخ كان واسعا يحتوي على مجموعات من الأدوات المطبخية النحاسية البراقة المعلقة على الجدار على شكل خطوط جميلة , وفي آخره مدفأة كبيرة جدا تتسع لشواء بقرة كاملة , وفي الوسط طاولة أثرية , والى اليسار فرن مع مجموعة الأدوات المطبخية الحديثة , والى اليمين مجموعة من الخزائن والأبواب تقود الى القبو.
كانت هناك سيدة بدينة مشغولة بتقطيع الخضار , ترتدي فستانا قديما أسود اللون مع مريلة بيضاء خرجت لتوها من تحت المكواة , ألتفتت نحو ديللي بوجه عابس :
" أقدم لك ماري آنج يا آنسة , أنها متحيزة جدا لطبخها".
وجهت اليها ديللي أبتسامة.
" يمكنك أن تطمئني يا ماري آنج فأنا سيئة من هذه الناحية , ولكنني أتذوق الطبخ الجيد ولم أحضر الى هنا ألا لأهنئك".
أشرق وجه ماري آنج العابس بعد أن خرجت ديللي وآرنستين .
" حتى أنا شخصيا , لا أجرؤ أن أتدخل في وجبات الطعام , فهذه الحقوق محفوظة لها فقط".
سألت ديللي وهي تتناول طعامها:
" من هو هذا الرجل الذي شاهدته في الحديقة؟".
" أنه غاسبار , السائق والبستاني الذي كان على السيد راوول أن يحدثك عنه , لقد وقع في اللحظة التي كان عليه فيها أن يأتي الى المحطة لأستقبالك , ولحسن الحظ لم تكن النتائج خطيرة , ولكن توجب على السيد راوول أن يقود الرينو القديمة التي لا يحب قيادتها , لأن أمتعتك لا تتسع لها سيارته الخاصة".
وبعد أن أنهت طعام الأفطار عادت الى المهمة التي أتت من أجلها.
" السيد رايس أرسل الى القصر في بحر هذه السنة مجموعة من الوثائق والمخطوطات , هل أنت على علم بذلك؟".
أجابت ـأرنستين بأشارة من رأسها وألقت على ديللي نظرة حادة ( أنها هي الأخرى قرأت كتاب رايس الأخير ) قالت لنفسها ( هذا مؤكد , فهي التي تقرأ بصوت مسموع للسيدة دوبريان).
" أود أن أطّلع عليها , هل يمكنك أن تقولي لي أين هي موجودة؟".
" لا يا آنسة , أنا آسفة لا يمكن , فالمفتاح لدى السيد راوول".
" وأين يمكني أن أجد السيد راوول؟".
" لا أعرف متى يعود , لقد ذهب باكرا هذا الصباح بسيارته".
أحست ديللي بالسخط مجددا , راوول يعرف تماما أنها أت الى هنا لتتفحص أوراق رايس , كان بأمكانه على الأقل أن يترك المفتاح تحت تصرفها....
الطقس جميل , ولماذا أنتظر شخصا قد لا يعود ألا في المساء؟ ولماذا لا أنسى قليلا العمل وأستغل هذا اليوم للتنزه؟ صعدت الى غرفتها , أنتعلت حذاء سهلا للمشي ونزلت الى الباحة , الشمس كانت أكثر حرارة من البارحة وكذلك الكتلة المظلمة للقصر بدت أكثر بهجة , شعرت ديللي بأنها أستعادت مرحها ونسيت ألم رجلها , الطريق المليئة بالحصى ما زالت رطبة ومليئة بأعشاش الدجاج , وعلى جانب المنحدر ما زالت تجري السواقي الصغيرة , وفي الجو زقزقة العصافير وتغريد الطيور المستمر , لقد فجروا الصخرو ليفتحوا طريقا ضيقة ترابية عند المنعطف محاطة بجدران من الكلس حيث نمت بعض النباتات والأعشاب , ولكن هذه الطريق سيئة بعد أن حفرتها السيارات ولا تصلح للمشي ألا في الوسط , وفكرت ديللي أن تستغل النفق لتسير فيه لأن الشمس لا يمكن أن تدخل اليه.

نيو فراولة 27-05-11 11:47 AM

وفجأة أخترق الصمت ضجيج محرك سيارة تتقدم مسرعة.
لم تعد ديللي تتذكر أذا كانت الطريق طويلة أم لا , وقررت أن تعود مسرعة علّها , أذا حالفها الحظ , تستطيع أن تصل آخر الممر الخطر قبل وصول السيارة.
وبينما هي تسير مسرعة لم تنتبه الى وجود حجر كبير فوقعت ولوت رجلها من جديد , وسمعت تبديل سرعة السيارة مرتين متتاليتين خلفها وعلى مقربة منها مع صوت أزيز المحرك , الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن تفعله هو أنها تسلقت قاعدة جدار صخري , وتمسكت تحزمة من الأعشاب , محاولة أن ترتفع قدر الأمكان عن الطريق لتفسح مكانا لمرور السيارة, التي مرت بأقصى سرعة , ثم توقفت في حركة متعرجة مع فرملة صاخبة , وفي هذه اللحظة الحرجة تزحلقت وسقطت على الأرض ساحبة معها التراب والحصى , خفق قلبها وبصعوبة أستعادت أنفاسها , كانت مستلقية على ظهرها , التنورة فوق الركبتين , ألقت نظرة على السيارة التي كادت أن تقتلها , متوقعة أن ترى الرينو , ولكنها رأت سيارة سبور , وقبل أن ينزل السائق عرفت أنه سيكون راوول , هرع اليها بوجه يقطر غضبا:
" مجنونة , كنت ستقتلين نفسك".
أنتصب أمامها ولكنه لم يبد أي حركة لمساعدتها.
صرخت:
" أنت الذي تقود كالمجنون".
وحاولت أن تنفض الحصى التي أنزلقت تحت ثيابها الممزقة , وتابعت بالنبرة ذاتها:
" مجنون! أين يمكنني , حسب رأيك , أن أحتمي عندما تظهر كالصاروخ؟".
" كان عليك أن تتعلمي كيف تستخدمين عينيك".
وبأشارة من يده دلّها على صدع في الجدار الصخري على الطرف الآخر من الطريق يختفي وراء حزمة من النباتات .
" هنا يوجد طريق طويل يعرف الأنسان النبيه أن يحتمي به لدى سماعه صوت أقتراب سارة".
نهضت ديللي وهي ما تزال تضطرب من فكرة ما كان سيحدث لها , وتفحصت نفسها , تمزقت تنورتها المليئة بالوحل , أما معطفها الوحيد الذي أحضرته معها من أنكلترا فكان سليما , وفردة حذائها كانت قد سقطت من رجلها أثناء تعلّقها بالجدار وراحت ضحية تحت عجلات السيارة , أخذتها ووضعتها أمامه:
" هل تجد أن هذا كل ما يقال؟ كان يمكن أن أكون أنا مكان الحذاء.......".
" على كل حال الخسارة ليست فادحة ,وأنا سعيد بأن هذا أقصى ما حصل لأن هذا الحادث كان سيسبب لي أزعاجات كثيرة , تعالي , سأوصلك الى القصر , يبدو لي , أنك تسرّين بلوي رجلك...".
وهكذا شهد سقوطها للمرة الثانية , بعد أن رأى سقوطها البارحة ليلا , تقدم وأخذها من ذراعها , أبتعدت كالملسوعة ومشت نحو السيارة وهي تعرج:
( أنه لمن الصعب أن نبدو محترمين بفردة حذاء واحدة ). هذا ما قالته في نفسها.
قهقه راوول ضاحكا , وعاودها أحساس البارحة بأنها أهل لأرتكاب جريمة , أنه المسؤول وهو يسخر من حالتها , أبدا لا يمكن أن تكره شخصا هكذا , تركها وجلس بهدوء خلف مقود السيارة دون أن يهتم بها , وأنتظر أن تلحق به وتفتح باب السيارة لنفسها , وقبل أن تجلس أدار المحرك , ولم تكد تغلق الباب حتى أنطلق بكل قوته وطارت السيارة مما جعل ديللي ترتمي علىالمقعد.
" أنت تلعب لعبة الذكر المتسلط الواثق من نفسه , هل تعتقد أنك دائما على حق؟".
" هذا صحيح جدا , أنا أوافقك ولو لمرة واحدة".
أجابها وهو يتجاوز بمنتهى النظام منعطفا صعبا.
صرّت ديللي على أسنانها لأنها تعرف أن عليها أن تصمت الآن , وتفحصت السيارة:
سيارة سبور ماركة بورش فيها عدة سرعات ومجهز بمقاعد عميقة لتسند الجسم , وكانت مناسبة جدا لطريقته في القيادة.
وفي باحة القصر كان غاسبار يصلّح الرينو القديمة بيده السليمة , والغطاء مرفوع الى الأعلى , توقف راوول وخرج من السيارة دون أن يضيف أي كلمة , ثم أنحنى داخل السيارة وأخذ حزمة كهربائية كانت موجودة وراء مقعده وأبتعد , وفقدت ديللي صوابها من الغضب , ألا يعرف كلمة أعتذار , يا له من شخص وقح , غادرت بدورها البورش وأقتربت من الرجلين وهي تمسك فردة الحذاء.
نهض غاسبار ورفع قبعته أحتراما لها , قبعة قديمة من الجلد تغطي أذنيه , أبتسمت له , بادلها الأبتسامة وألتفت نحو معلمه وكأنه يسأله ماذا عليه أن يفعل , ولكن راوول لم يقل شيئا بل أنكب على العمل فورا متابعا تجاهله الكامل لوجود ديللي.
" يمكنك على الأقل أن تعرفنا ببعض".
" غاسبار هذه دليلة".
كانت الشتيمة مركزة تماما , نهض غاسبار مجددا ورفع قبعته وثناها بعصبية بين يديه ولم يعد يعرف كيف يخفي حيرته.
" الآنسة أيفريت".
هذا ما أنتهى غاسبار الى قوله.
أبتسمت له بمودة قبل أن تتوجه الى راوول.
" أنا بحاجة لأن أرى الوثائق".
كانت لهجتها حازمة , ولكن راوول تابع أنشغاله بتصليح السيارة:
" عفوا؟".
قالها بعد فترة طويلة.

نيو فراولة 27-05-11 11:50 AM

أخرج رأسه من تحت غطاء السيارة ورمقها بنظرة ساخرة:
" منذ قليل لم أشعر أنك بحاجة اليها بهذه السرعة , كانت لديك رغبة بنزهة صباحية".
" وبما أنني عدت بفضلك , فأرجو أن أحصل عليها".
نهض واقفا وهز كتفيه.
" غاسبار , حاول أن تتابع العمل بدوني , سأعود بعد لحظات".
وعندما وصلا الى الصالة أسرعت أرنستين وأخذت المعطف من يدها.
" هل سررت يا آنستي بالجولة؟ عليك أن تبدلي ثيابك".
أرنستين على حق , ندمت ديللي لأنها ألحت بالحصول على المفتاح , كان من الأفضل أن تغتسل وتبدل ثيابها لتعدل شكلها , ولكن راوول كان ينتظر أمام باب المكتب بنفاذ صبر.
خلعت الفردة الثانية من حذائها وألتحقت به حافية القدمين.
أدخلها وأغلق الباب وجلس خلف مكتب كبير من خشب السنديان , الجدران مغطاة بالكتب , وعلى السجادة وتحت السلم كومة من المؤلفات , وفي زاوية من الغرفة كنبة جلدية حول طاولة منخفضة حديثة بلون رمادي.
ظلت دللي واقفة بينما كان راوول يبحث في جارور المكتب , وفي النهاية سحب مغلفا صغيرا وأخرج منه مفتاحين , وضع واحدا في جيبه , وأقترب منها وبيده الثاني.
مدت يدها , لكنه قذف بالمفتاح في الهواء ثم ألتقطه بمهارة.
" ألا تعتقدين أنه من الأفضل أن يكون شكلك أكثر ترتيبا؟".
خجلت ديللي من هذه الملاحظة بالمقدار الذي كانت خجلة فيه من حساسيتها الخاصة.
" سأفعل ذلك عندما أريد , أعطني المفتاح".
" هل يمكنك أن تلفظي جملة لو سمحت؟".
ثم أبتسم ووضع المفتاح في جيبه.
" لنبدأ بالأوامر , أو أنت بحاجة الى حمام , ثم الى تبديل ثيابك , فأنت لست جميلة أبدا على هذا الحال".
" كما وصفت عيوبي البارحة".
كانت ديللي تشتعل غضبا ولكنها تبذل ما في وسعها لكي لا تفجر هذا الغضب بشكل واضح.
" البارحة , أرتكبت أخطاء.... يبدو لي".
وكانت عينا راوول مركزتين على تقاطيعها التي أبرزتها البلوزة الرقيقة.
تلاحقت أنفاس ديللي بماذا فكرت هذا الصباح أثناء أرتداء ملابس ؟ ) قالت في سرها وأرتعشت من جراء هذه النظرات كما لو أنه يمد يده ليلمسها , لم يحرؤ شخص أبدا أن يتفحصها بهذه الطريقة الملحاحة , وفجأة شعرت بمرارة وقررت ألا تقاوم.
" لو تترك لي المفتاح الآن لن أزعجك بعد ذلك".
أمرها بلهجة قاسية:
" عودي بعد نصف ساعة , سأكون أنتهيت من العمل مع غاسبار وسأصحبك بنفسي الى الصالة حيث وثائق رايس".
منتديات ليلاس
وبعد عشرين دقيقة كانت ديللي قد أخذت حماما وبدلت ملابسها , أرتدت سروالا من الجينز وقميصا قطنيا ذا مربعات صغيرة حمراء وبيضاء بأكمام طويلة وأنتعلت حذاء رياضيا ولمّت شعرها المبلل وعقدته على شكل ذيل حصان , ولم تعد تمتلك شيئا من كمال المرأة ,وكما توقعت لم يكن راوول في مكتبه بل ما زال منحنيا على محرك السيارة مع غاسبار , ولكنه كان قد بدّل ثيابه هو الآخر , أرتدى سروالا من المخمل المضلع باللون الأزرق الفاتح وقميصا رقيقا بلون أزرق غامق مما ساعده على أبراز عرض أكتافه.
وعندما تقدمت نهض ومسح يديه بقطعة قماش ثم تفحصها ويداه على خصره:
" هكذا أفضل , يجب أن أقرّ بذلك".
قالت بعصبية:
" يمكنني أن أقول عنك الشيء نفسه".
" ولكن بعض النساء بحاجة الى بعض التحسينات أكثر من غيرهن".
كانت لهجته لاذعة كعينيه , وفكرت ديللي بأنها لن تصل الى شيء أذا ما حاولت أن تكون مثله وتجابه واحدة بواحدة.
تابع تحديقه بنظرة باردة ساخرة ( هذا العدو مشكوك بأمره(, هذا ما فكرت به ديللي.( ولكن لا بد أن لديه نقطة ضعف ), وهكذا قررت أن تغير أسلوب التعامل معه.

نيو فراولة 27-05-11 11:53 AM

4- أنت قتلته


كل الوثائق التي أرسلها رايس خلال السنوات الماضية كانت متراكمة ومجمعة في غرفة من غرف أحد الأبراج , هذا القسم من القصر الذي حافظ على طابع القرون الوسطى ولم تجر عليه أية تحسنات.
الغرفة كانت بسيطة تحتوي على بعض الكراسي الخشبية , طاولة كبيرة عليها لمبة وأكداس من الكرتون ومغلفات كبيرة .
أرتعدت ديللي عندما فكرت بالساعات الطوال التي عليها أن تقضيها في هذا المكان المظلم.
دخل راوول وأنار الضوء الذي لا يضيء ألا جزءا من المكتب , حيث وضعت بعض المغلفات التي تحمل طوابع عشرات البلدان , جلس على زاوية الطاولة وكتف يديه على صدره وتفحص المكان.
" يلزمك المزيد من الأضاءة ".
" نعم لمبة أخرى ستكون مفيدة".
أجابت ديللي وهي تقترب ورسمت أبتسامة على شفتيها وأضافت:
" لو سمحت".
" ستحصلين على ذلك".
" هل لديك آلة كاتبة يمكنني أستخدامها؟".
" سنحصل على واحدة".
كانت ديللي مأخوذة بحركة ساق راوول التي كانت تمر بالتعاقب بين الظل والنور , وهو يهزها على طرف الطاولة , ويبدو أنه لا يستعجل ذهابه , وكالمعتاد كبحت ديللي ثورتها من هذا الوضع اللامبالي وقالت بسخرية:
" هذا لطيف جدا من ناحيتك".
ظل وجهه بدون أنفعال وتابع يتأملها بعينين باردتين.
قال لها بلهجة باردة جدا:
" هل أنت بحاجة الى شيء آخر؟".
" أوراق , كثير من الأوراق , أقلام , ممحاة , مصنفات , وما شابه هذه الأشياء وأيضا أذا سمحت....".
" نعم؟".
" مفتاح الغرفة".
قالتها وأطرقت.
أخرج المفتاح من جيبه , مدت يدها لتأخذه , لكنه أمسكها:
" أذا سمحت".
أبتسم بسخرية:
" أفضلك أيضا بشكل آخر".
فقدت صوتها للحظة ثم أرتبكت من شدة الغضب , كيف يمكن أن يطالها بهذه السهولة؟".
" عندما تنفعلين تتلاءمين مع نفسك , لكن كمخادعة...".
هز كتفيه وألقى المفتاح بأهمال على الطاولة.
" ..... أنت بالتأكيد كارثة".
فقدت ديللي صوابها , وبدأت تضرب الأرض برجلها من شدة الأنفعال.
" أخرج , أخرج حالا قبل.... قبل أن.......".
وأختنقت الكلمات في حلقها:
" هل ترين..... الطبع غلب التطبع".
" آمرك أن تخرج".
" سأخرج بعد أن أنتهي من قول ما لدي , وليس قبل ذلك".
" لم يكن لدينا شيء لنقوله , أتركني وحدي".
" وحدك مع ذكرياتك؟".
وأشار الى الكرتون المغبر لمنضد على طرف الحائط.
" ذكرياتي....كما تسميها لا تعني سواي".
صوته أصبح أكثر ثسوة , شبه مهدد , نهض وأقترب منها :
" هناك أشياء لا تعرفينها , هل تفهمين يا آنسة أيفريت؟".
" الى ماذا تريد أن تتوصل؟".
كان قد تقدم حتى كاد يلامسها , كانت يداها نديتين .
" ما يتعلق بأنتحار رايس".
تلقت الجملة كالصاعقة ,خفق قلبها بشدة .
سألت وعلى أساريرها علامات الدهشة:
" أنتحار؟".
" لا تتظاهري بالبراءة".
" لا أعرف عن أي شيء تتحدث".
شحب لونها , وشعرت وكأن كابوسا يجثم على صدرها , أو أنها تشارك في تمثيا مسرحية سريالية".
أخذ مغلفا من الطاولة , تعرفت ديللي الى خط رايس وطوابع الولايات المتحدة الأميركية.
" رسالته الأخيرة".
قال راوول هذه الجملة مشددا على كل حرف , وسحب من المغلق ورقة رسائل مطوية , عليها في الأعلى طابع الفندق .
" عندما وصلت هذه الرسالة كان رايس قد مات , ولا يفهم منها أنك لا تعرفين".
نشف حلق ديللي , فكل هذا لا صحة له ونظرت الى راوول.
" أن هذا ينقصه البرهان".
" أقرأي بنفسك".
ألقى الرسالة على الطاولة , وأنتابتها الرغبة في الأنقضاض عليها وتمزيقها , وتابعت التحديق به دون حراك.
" لا ؟ لا تريدين , أذا كنت تخافين من الحقيقة , سأذكّرك بها , رايس كتب هذه الرسالة بدون أدتى شك قبل تلك.... تلك السهرة الأخيرة , لقد قصّ علينا كل شيء .. كل شيء هنا".
( يا ألهي ما الذي قصه عليهم رايس؟) تساءلت ديللي وهي تستعيد ذكرى الأيام الأخيرة , كم تعبت من أسلوب حياة رايس , بحثت عنه في الحانات , في الفنادق وفي كل الأماكن التي يمكن أن يرتادها , كانت مفعمة بالقلق لأنها تعرف أن عمها يعتمد عليها لمنع رايس من أرتكاب الحماقات.
قالت بصوت هادىء غير مصدق:
" ماذا قال لك؟".
أستعاد راوول الرسالة وتفحصها سريعا وقرأ مقطعا:
" الله يشهد أنها ستفقدني عقلي".
" أنا؟ هل يذكر أسمي؟".
" ليس من الضروري , ولكن من الواضح أنك المعنية , يحدد ( خطيبتي ) , ويشرح كل التفاصيل الكريهة , ويحكي كيف تعذبينه".
" أعذّبه؟".
" من الواضح , أنك كنت غير وفية له وبشكل حقير".
" ولكن........ بالتأكيد يعني تلك الطالبة ذات الشعر الأسود التي كان مفتونا بها , واحدة تدعى سالي".
صرخ قاطعا عليها حبل أفكارها:
" لا تنكري أنك كنت معه في شيكاغو".
" لا , لكن......".
" لا تنكري أنك كنت خطيبته".
" لا".

نيو فراولة 27-05-11 11:56 AM

وشعرت بالبرودة تنساب في عظامها , ولكنه تابع بوحشية وبلا رحمة:
" وتعتبرين أن كل شيء كان واضحا تماما , وأنت المذنبة ".
رمى بالرسالة على الطاولة بأشمئزاز وتابع:
" أسمعني يا راوول , لا علاقة لي بكل ذلك , فأنا متألمة جدا لكل ما حدث لرايس , لكن........".
" متألمة , أنت متألمة , أنا الذي أتألم من صفاقتك في الحضور الى هنا , أنت التي أحبّها , ووضع ثقته بها وبالتالي دفعته الى تدمير نفسه".
أبتلعت ديللي ريقها بصعوبة , وبذلت مجهودا يفوق طاقتها لتمسك دموعها.
" أذا كان هذا ما تظنه".
" ما أظنه لا يقبل الشك , وما تفكر به والدتي شيء آخر , لأنني لم أقل لها الحقيقة , ولكن هناك أشياء لم أستطع أخفاءها عنها , أرنستين تقرأ لها الصحف كل يوم , والصحف المحلية تحكي أحيانا عن رايس".
ضغط على طرف الطاولة بيديه وكأنه يريد أن يكسرها ونظر اليها:
" خنته".
" راوول , لست أنا , عليك أن تصدقني, العلاقة بيننا كانت صورية".
" في الحقيقة , أنها بالفعل لكذلك".
" ليس هذا ما أريد قوله , لقد توهّمنا أننا بهذه الطريقة نستطيع أن نجنبه المشاكل , لقد كان يجتذب المشاكل ".
" الموت هو المشكلة الحاسمة , ومع الأسف لم تجنبيه أياه".
" أنت لا تريد أن تفهم أليس كذلك؟ أنه شخص غير مستقر , وبحاجة الى حماية من الآخرين ومن نفسه أيضا".
" من شخص مثلك؟ أنا أفضل الحماية من حية.......".
فقدت ديللي توازنها وألتفتت نحوه بعيون تقدح شررا , وشتمته بقسوة , وبعد أن خففت عن نفسها قليلا , أضافت بهدوء:
" أنت لا تعرف الحياة التي عاشها , لم تكن معه , وتجرؤ أن تحمّلني مسؤولية موته".
أقترب منها بوجه مليء بالكراهية:
" نعم أحمّلك مسؤولية موته".
أوشكت أن تصرخ , بأن هذا غلط , ولكنها فهمت أن الأحتجاج لا يجدي , فراوول لن يغير رأيه , أدارت وجهها بيأس وأخفته بين يديها لكي لا تريه دموعها , لقد قلب عالمها في ساعات قليلة , وبعد لحظة تجاوزت ضعفها ولكنها لم تقو على النظر اليه.
" أذهب".
أنحنى نحوها بهدوء , سمعت أنفاسه تتصاعد وأرادت أن تهرب ولكنها كانت مشلولة من الخوف , ومن الخلف , طوق عنقها الرقيق.
تمتم في أذنها :
" أنت قتلته".
وأزداد ضغط أصابعه تدريجيا حتى شعرت بصعوبة ألتقاط أنفاسها ثم أدار رأسها نحوه:
" أنت قتلته , كما لو كنت تقودين السيارة بنفسك".
" لا , لم أكن أبدا........".
أختنقت الكلمات في حلقها من شدة ضغط أصابعه وشعرت بحالة من الأغماء.
تأتأت بيأس:
"أتوسل اليك".
قال وهو يتنهد بعمق:
" آه يا ألهي".
وعندما ترك عنقها , ترنحت وكادت تسقط لولا أنه أمسكها من كتفيها , فسقطت على صدره مرتجفة فاقدة كل قواها.
" أنت قتلته,( كرر ذلك بلهجة قاسية ) , ولن أسامحك على ذلك أبدا".
تمتمت مرة أخرى:
" أتوسل اليك".
تجاهل رجاءها وأسندها الى المكتب .
" أمنعك أن تفضي بأي كلمة تمكّن والدتي من معرفة حقيقة علاقتك برايس".
" لا أفهم ما تعني".
قالتها وهي تنظر اليه بجمود كأنها منومة مغناطيسيا والدماء تسيل كالنار في عروقها , هل كان ذلك بسبب الخوف أم بسبب شيء آخر؟
قال بغضب:
" لا تكذبي , أنت تفهمين تماما ما أعني , لن أخبرك عن ردود أفعالي أذا ما كشفت لوالدتي أن رايس وضع حدا لحياته بنفسه , أنها أمرأة عجوز وقد تحملت بما فيه الكفاية في حياتها".
" لا يمكن أن أدّعي ذلك لأنه ليس حقيقيا , لقد مات في حادث مأساوي".
" ألعبي هذا الدور أمام والدتي , وليس أمامي , أعرف كيف عاملت رايس كما أعرف أي نوع من النساء أنت , فكل البراهين هنا , في سالته الأخيرة وفي قصائده".
أغمضت ديللي عينيها لتهرب من نظراته المتهمة , أمسك بشعرها وأدار وجهها اليه.
قال وهو يصر على أسنانه:
" أفتحي عينيك".
بقيت ديللي جامدة , أما هو فقد أزداد عنفا وصرخ:
" أمرتك أن تفتحي عينيك , أنظري اليّ".
الألم جعلها تفتح أجفانها وشعرت بأنفاسه الحارة:
" الآن أسمعيني جيدا , لن تطّلعي على وثائق رايس ألا في هذه الغرفة , لا شيء يخرج منها.. .... أكرر , لا شيء أطلاقا ألا أذا تفحصته أنا شخصيا".
" لكن في رسالتها , والدتك قالت....".
قاطعها بقسوة :
" أعرف ما قالت , أذهبي الى الجحيم مع رسالتك , أطلب ألا يخرج شيء من هذه الغرفة يمكنه أن يجرح أمي , لا شيء ألا ما تقصه عليها أرنستين".
" ولكنها مع ذلك تعرف أن رايس لم يكن ...... لم يكن ملاكا".
" كتابه الأخير لا يترك مجالا لأي شك في ذلك , صحيح أن رايس لم يكن ملاكا وهي تعرف ذلك منذ سنوات وتسخر منه ولكنها تجهل أن موته كان أنتحارا ".
صرخت بصوت يرتجف من اليأس والعجز عن أقناعه:
" هذا خطأ ".
صرخ بأزدراء :
" صحيح , أذن أقرأي هذه الرسالة ".
تركها فجأة وأبتعد عنها ونظراته لا تفارقها , تمسكت بالطاولة لتضمن توازنها , وشعرت بأنها لا تقوى على المقاومة أكثر من ذلك , وفي كل لحظة يتزايد أحساسها بأن نظرات معذبها تخترقها حتى الروح , كانت تفكر:
( لو تستطيع أن تقرأ ما في قلبي , يا راوول , أيها الظالم , لماذا لا ترى الحقيقة فيه؟).
لم يضف أي كلمة , توجه نحو الباب وخرج دون أن ياتفتت , وقعت ديللي الى الأرض وقد تلاشت طاقتها على الوقوف.

نيو فراولة 27-05-11 11:58 AM

5 - حبيبة رايس


فقدت ديللي أحساسها بالمن , ولم تعد تعرف أذا كان راوول قد خرج منذ ساعة , أو نصف ساعة أو عشر دقائق , فالحالة التي عاشتها جعلتها تعوم في ذهول أبله , رأسها يضرب بشدة , وشعور بالغثيان أنتابها ,ولم تعرف أذا كان ذلك بسبب برودة الأرض التي لا تزال جاثية عليها أم بسبب رائحة العفونة التي تزداد شيئا فشيا.
وأدركت فجأة أنها جائعة , وكأن كل الأنفعالات تجمعت لديها في غريزة الجوع , ( لقد أستعادت الطبيعة تفوّقها ) , قالت لنفسها.
منتديات ليلاس
وبعد أن نهضت أصلحت ملابسها وجلست على أحد الكراسي ومن الغريب أنها شعرت بعد هذا الكابوس , بأنها مختلفة فهي أكثر أكثر نضجا وأصلب معنوية , وأن كانت لا تزال تتألم من رقبتها.
وفكرت بسلسلة الحوادث التي تعرضت لها منذ مجيئها , وبهذا الوجه المتجهم الذي يعكس كراهية لا مثيل لها , عندما أتهمها بمقتل أخيه من أمه . ( أقرأي هذه الرسالة) , هذه هي كلمات راول الأخيرة.
بدا لها أن رايس ربما كتب هذه الرسالة بعد تلك المحاضرة التي تتذكرها جيدا , والتي كانت فيها تلك الطالبة سالي حاضرة , سالي أنسانة جذابة , تعرّف اليها رايس في أحدى المناقشات الأدبية وتوجه اليها بالغزل مستخدما كل جاذبيته , وبالتالي فقد تناول الثلاثة عشاءهم وطلب رايس من سالي الزواج بلهجة لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد , وتلقت سالي ذلك بخفة لأنها لا تملك التجربة الكافية لتعرف مدى جديته , ولم تر في ذلك ألا تمهيدا لمغامرة عابرة.
وفي يوم المحاضرة الشهيرة , رايس كان قد سهر كثيرا مع سالي , وتخاصما , ورغم ذلك فقد لاقت المحاضرة نجاحا , رايس يعرف أن يكون مسليا حتى وهو فاقد لرشده والجمهور كان ينتظر أن يراه على ما هو عليه... ولكن طرأ ما لم يكن في الحسبان مما قلب كل شيء , فبعد أن بدأ رايس بالحديث نهضت سالي الجالسة في الصف الأول , وخرجت بصحبة رجل آخر , وعندما رآها رايس أضاع خط النص , وبدأ يلفظ جملا مفككة , أخيرا كان عليه أن ينسحب من على المنصة , وكان على ديللي أن تتحمل عبء النتائج , تألم من صداع لا يحتمل وتحدث عن الأنتحار عدة أيام وأختفت سالي لعدة أيام ثم ألتقاها في أحد المقاهي , عادت العلاقة بينهما متوترة , وبعد أسبوع توفي , كان يقود سيارته كالمعتاد بسرعة جنونية , وقد أضاع رشده أو أنه غفا على المقود , فأحيانا كان ينام في ظروف غير متوقعة.
على كل حال , ديللي لا تعتقد أنه قتل نفسه برغبة منه.
الرسالة مكتوبة بتأثير الهذيان , كانت مفككة , يشير فيها الى خطيبته دون أن يسميها , ويتحدث عن عدم وفائها , كما يشرح تشاؤمه منها ومن الحياة , وليس من المستغرب أن يعتبرها راوول المسؤولة بعد أن قرأ الرسالة.
وضعت ديللي الرسالة وتنهدت بألم وأخذت االمفتاح على أن تعود فيما بعد لتنظيف الغرفة , وستطلب من أرنستين أن تطيها كرسيا مريحا وسجادة لتدفى المكان حيث ستقضي فيه الأسابيع القادمة , ومهما يكن فهي لا تستطيع أن تعمل بجدية ألا مع الآلة الكاتبة , ولقد وعدها راوول بذلك.
أغلقت الباب وقفلته وفكرت أن تزيّته فيما بعد.
" آه يا آنستي كنا نتساءل أذا كنت قد نسيت أهمية الطعام , وجبتك تنتظرك".
جلست ديللي وبدأت تلتهم طعامها.
" يبدو أن الآنسة ما زالت متأثرة بالحادث , فأنا أراك شاحبة".
" لا لقد تحسنت يا آرنستين , أشكرك".
تفحصتها آرنستين بأنتباه وبنظرة لا تخطىء.
" الآنسة محظوظة كونها خرجت من الحادث ببعض الرضوض فقط".
وأشارت بأصابعها الى عنق ديللي مما زاد في شحوبها وأحساسها بالخزي.
" كان علي أن ألح هذا الصباح لكي ترتاح آنستي , لكن من الغريب أنني لم ألاحظ أنك شاحبة الى هذا الحد , والسيد راوول لن يكون مسرورا أذا لم أهتم بالآنسة بشكل لائق".
" السيد يعرف أنني وقعت هذا الصباح ولم يبد أي قلق".
" مع أنه ركب سيارته مسرعا دون أن يقول كلمة ودون أن يتناول طعام الغداء , وأعتقد أنه ذهب لأحضار الطبيب".
" كلا أنا لست بحاجة لطبيب وهو يعرف ذلك, ولا حاجة للقلق"
" على آنستي أن تعدني بأن ترتاح بعد تناول الغداء".
" حسنا يا آرنستين , سأفعل ذلك لأطمئنك".
هذا الوعد أفرح آرنستين كما أسعد ديللي لأرغامها على الراحة.
وعندما فتحت ديللي أجفانها كان النهار يقترب من نهايته , وبما أنها لم تكن معتادة أن تنام أثناء النهار فقد أستيقظت بحالة كان يلزمها فيها بضع دقائق لكي تتذكر أين هي موجودة.
بقيت فترة طويلة في الحمام , فهذا الصباح كان متعبا جسمانيا ونفسيا , ولكن للشباب قدرة على أستعادة حيويتهم.
وحان موعد العشاء فأختارت ثوبا من الحرير الأسود البسيط.

نيو فراولة 27-05-11 11:59 AM

كان الصالون ما يزال فارغا , فأخذت كأسا من العصير , وبدأت تتفحص اللوحات المعلقة على الحائط , هذه بالتأكيد لبراك , ولوحة الغروب هذه على طريقة تيرنر ,وهذه يمكن أن تكون لبيكاسو في المرحلة الزرقاء , وتمنت لو تمتلك المزيد من المعلومات عن الفن , فالطريقة التي رتبت بها اللوحات كانت ساحرة , المدارس مختلطة كالعصور ولكنها تعطي في مجملها أنطباعا بأنسجام لا مثيل له , وقلت لنفسها أن راوول هو الوحيد الذي يستطيع أن يضعها على هذا الشكل.
وتوقفت مطولا أمام رسم رائعة لوجه ( بورتريه ) , أنه بدون جدال لأوجيبي دوبريان , فتكوين الوجه نفسه , لكن الشعر أسود والعينين براقتان , فالفنان أعاد الحياة على اللوحة , ولكن ألى أي تاريخ يعود هذا الرسم؟ حوالي خمسة عشر عاما بدون شك وكانت ديللي شبه متأكدة من أنها تعرف ضربة فرشاة هذا الرسام , أنحنت لتتأكد لكن التوقيع كان غير مقرؤ.
" أنها أحدى لوحات سان جوست".
كان الصوت غاضبا وساخرا كالعادة مما جعلها ترتعد, كيف أستطاع الأقتراب دون أن تسمعه؟ وذهب يعد لنفسه كأسا من العصير.
" أعتقد أنك كنت السباقة في أخذ كأس من العصير هذه المرة".
" لكنني أود أن آخذ كأسا أخرى".
ولكن لهجتها لم تخف أنفعالها الداخلي , وعندما مدت يدها لتأخذ الكأس كانا يراقبان بعضهما بصمت , والجو كان ثقيلا ذكّرها باللقاء الصباحي.
" أذن كنت تحاولين أستكشاف مجموعة اللوحات الفنية؟".
أجابت بحرارة:
" نعم , بورتريه والدتك.....".
" مرسومة قبل أن تفقد بصرها".
" كانت , ولا تزال , أمرأة جميلة جدا , سمعت عن سان جوست".
قالتها وهي تقترب من اللوحة.
" لقد رسمها بشكل رائع".
أجابها بلهجة مداعبة:
" أنها واحدة من أحسن محاولاته ".
" حسب ما يقال عنه , أنه لا يرسم ألا النساء اللواتي يعتبرهن فعلا جميلات".
" هذا صحيح".
ونظر الى البورتريه , أنهما لمتفقان هذه المرة.
سألت وهي تقترب من المدفأة :
" وكيف فقدت بصرها؟".
" حدث ذلك منذ أحدى عشرة سنة , عندما أصيبت بألتهاب كلوي حاد بالأضافة الى العوامل النفسية والآلآن التي سببها لها رايس".
يعني أن رايس كان في الثامنة عشر من عمره عندما سبّب لها كل هذه المشاكل.
وراوول ؟ كان يكبره بخمس أو ست سنوات؟
" هل كان رايس يسكن هنا في تلك الفترة؟".
طرحت ديللي السؤال بصوت هادىء لأنها تعرف أنها تغامر في موضوع حساس ولأنها كانت تجهل تأثير السيدة دوبريان على الحياة العائلية , نظر اليها راوول بدهشة .
" يبدو أن رايس لم يثق بك كثيرا , أذا أعتبرنا....".
وترك جملته المفاجئة معلقة.
" يمكنك عدم الرد أذا كنت تفضل ذلك".
" نعم رايس كان يعيش هنا".
قالها وهو يهز كتفيه.
" القصر لعائلة أمي منذ أجيال , وعندما أنفصلت أمي عن أبي كنت في السادسة من عمري".
وفعمت ديللي أن راوول في السادسة والثلاثين من عمره .
" كان ابي رجلا قاسيا , ولم آسف أبدا لهذا الأنفصال , كان أثناء الحرب معجبا بالجنوال بيتان الذي تعاون مع الألمان , ولم تسامحه زوجته , ولكنه لم يوافق على الطلاق , وأخذتني والدتي الى أنكلترا ووضعتني في مدرسة ممتازة , وهكذا , فعلى عكس ما يقال , أنها لم تتخلّ عني".
نهض راوول ومشى أمام المدفأة .
" وبعد عدة سنوات عرفت علاقتها مع أملان مورغان , قد تكون قصة الحب هذه الأكثر شهرة في تلك الفترة , لكنها بالنسبة اليّ , كانت بكل بساطة ...... صديقها أملان كان رجلا دافئا , طيبا وحساسا وكان يحبها , منحها الحب الذي رفض والدي أن يعطيها أياه , وهكذا فولادة رايس بدت لي أمرا طبيعيا جدا".
هام راوول في تفكيره وتابع كمن يحدث نفسه:
" بالطبع كنت غيورا بعض الشيء ولكن وجود أخ صغير , سمح لي بأكتشاف عالم مجهول , وبعد موت مورغان عاشت أمي معنا نحن الأثنين , كان رايس في الخامسة من عمره وكنت في الثانية عشرة وعشنا سويا سبع سنوات , أي أن رايس كان حاضرا في كل ذكريات المراهقة , كان غريبا , وفوضويا , يفيض جاذبية".
أبتسمت ديللي لهذا الوصف , أنه رايس كما عرفته تماما .
" كان طفلا مدللا وولّد أحساسا بالذنب لدى أمي المسكينة , كان رايس يعرف تماما ماذا يريد".
وتوجه راوول بنظرته العابسة الى ديللي التي فهمت أنه عاد بتفكيره الى حوادث قريبة والى علاقتها مع رايس.
".......... وبشكل عام كان يحصل على ما يريد".
لفظ الكلمات الأخيرة وسمع صوت فتح الباب فألتفت ليستقبل والدته التي أوصلتها أرنستين الى الكنبة وخرجت .
وقف راوول وراء أمه ووضع يده على كتفها.

نيو فراولة 27-05-11 12:01 PM

" راوول , أرنستين حكت لي عما حدث هذا الصباح , وأن ديللي متأثرة من الحادث".
حاول راوول أن يراقب نظرات ديللي .
" لم يكن شيئا مهما , تزحلقت ولم أصب بأذى".
أضاف راوول :
" ديللي بصحة جيدة ".
" كان عليك أن تستدعي الطبيب , ديللي ضيفتنا وعلينا أن نعتني بها".
" أؤكد لك أنها شابة قوية".
" ظنت أرنستين أنك ذهبت بعد الظهر لأحضار الطبيب , ولكن على ما يبدو أنك ذهبت الى السوق , فهل لديك أشياء مستعجلة؟".
أجاب وهو يهز كتفيه:
" لا , كنت بحاجة لبضعة أشياء صغيرة ضرورية".
" مع أن أرنستين أكدت لي أنك حملت عدة علب كبيرة".
قال ضاحكا:
" أرنستين تبالغ أحيانا".
" أنها عيناي , وعيناي تخبرانني بكل شيء , لقد أخبرتني أن ديللي كانت شاحبة وأنها متأثرة من الحادث ".
وضعت ديللي يدها على رقبتها لكي تتحاشى ذكر ما حصل في البرج , وتبعتها نظرات راوول.
" ربما كنت شاحبة بسبب الجوع , ومن ناحية أخرى كنت متعبة قليلا , ولكنني أشعر الآن بالتحسن بعد أن نمت طيلة بعد الظهيرة".
" لن تعترفي بالحقيقة , وأ‘تقد أنك من النوع الذي لا يشكو , عليك يا راوول أن تساعدني , هل ما زالت شاحبة ؟".
تفحصها راوول بنظرات تحمل الكثير من الألغاز مما حيّر ديللي , ثم أبتسم وأجاب أمه دون أن يكذب:
" كلا , أستطيع أن أطمئنك عنها".
" حسنا , لقد كنت عاقلة يا ديللي وأسترحت قليلا بدلا من أن تعملي , وأذكرك بأنه ليس هناك ما يجعلك متعجلة".
" ولكن عمي متعجل في أن يطبع كتابا آخر لرايس بأقصى سرعة ممكنة , وسأبدأ بالعمل جدّيا صباح الغد".
" يجب أن تعملي بهدوء وتستغلي أقامتك في أستكشاف المنطقة".
" هذا ما أفكر به كذلك".
" هل تحسنين قيادة السيارة؟".
" نعم , ولكنني أفتقر الى الحس بالأتجاهات الصحيحة ".
" أستعملي الرينو عندما ترغبين , وأطلبي الخريطة من غاسبار , ويستطيع راوول أن يخدمك كدليل".
" شكرا لعطائك ...... ولكنني لا أريد.......".
" لا أعرف..........( قالها راوول في نفس الوقت)".
" أسكتا أنتما الأثنين , أرنستين أخبرتني بأن حذاءك لم يعد صالحا ولا يمكن أن تزوري المنطقة بدون حذاء آخر , فعليك يا راوول أن تصحبها الى بوي لتستعيض عن حذائها الأول".
ألتفتت السيدة الى ديللي:
" بودي ليست بعيدة من هنا , وراوول غالبا ما يذهب الى هناك , أنها مدينة رائعة وعليك أن تتعرفي عليها".
فتحت ديللي فمها لتعترض , لكن السيدة دوبريان كانت قد مدت يدها ليقوداها الى غرفة الطعام.
النزهة الى بوي لم تكن أقتراحا وأنما أمرا.

نيو فراولة 28-05-11 07:53 PM

6- الدعوة


سرير ديللي المقلوب رأسا على عقب , يشهد على تلك الليلة القلقة التي قضتها , كيف ستكشف الحقيقة للسيدة دوبريان ؟ حقيقة علاقتها برايس , وأثناء سهادها , قررت أن تزيح النقاب عن هذه الحقيقة وبأقصى سرعة ممكنة مع أنها مدركة تماما للخطورة التي يمكن أن تحيق بها , ومن المحتمل أن يلغي أعترافها هذا الأمل في نشر قصائد رايس مورغان , وسيصاب عمها والقراء محبو رايس بخيبة أمل كبيرة , ولكنها لم تجد مخرجا آخر , ديللي أيفريت متزوجة من عملها بحسناته وسيئاته , وها هي الآن في موقع سبء ولكن عليها أن تضع حدا لهذا الزواج الذي وضعها في موقع حساس كهذا .
عشاء الليلة الماضية كان بالنسبة اليها نوعا من التعذيب , وبذلت جهدا مضنيا لكي تمنع رغبتها من قول الحقيقة , وبدون أي شك لولا حضور راوول لأعترفت بكل شيء للسيدة العجوز.
ماذا . كيف , ومتى تعترف لها؟ كان صعبا , ويبدو أنه من المستحيل أن تتحادث على أنفراد مع السيدة دوبريان , فهي لا تريد أن تتحدث أمام راوول عن حياتها العاطفية لأنها تخافه وتخاف سخريته ولكنها بدأت تحب السيدة العجوز ولا تريد الأستمرار في خداعها.
منتديات ليلاس
وكذلك كان لديها سبب أعمق وأقوى , ألا وهو كشف نفسها لتشعر بالراحة.
ومهما يكن من أمر فلن تتراجع عن قرارها , وشعرت بشيء من الأرتياح وهي تمشط شعرها أمام المرآة ,ولكنها عبست عندما لمحت الآثار الحمراء التي لا تزال على عنقها.
لبست كنزة رمادية فاتحة , وسروالا رماديا غامقا , وربطت حول خصرها شالا أحمر مكان الحزام , وبعد أن ألتهمت أفطارها بسرعة عادت الى البرج , فتحت القفل بسهولة , يبدو أن أحدا قد زيّته.
وعندما فتحت الباب لم تصدق عينيها , عدة لمبات وضعت في الغرفة مما جعلها تسبح بالنور , سجادة كبيرة حمراء غطت الأرض , كنبتان تشبهان اللتين في مكتب راوول مع طاولة منخفضة , وعلى المكتب السندياني الكبير لمبة جميلة الشكل , وعلى طول الجدار نضدت الكرتونات والمغلفات بعد أن أزيل عنها الغبار , وأخيرا وعلى مكتب صغير آلة كاتبة كهربائية جديدة.
هل يمكن أن يكون راوول فعل كل ذلك من أجلها؟
فتحت المغلف الأول , أنه يحتوي على القصائد التي نشرها رايس منذ ثماني سنوات والتي لا توازي ما كتبه مؤخرا, وضعتها على الطاولة , وأحست أنها غير قادرة على التركيز , فأسندت رأسها على يديها ونظرت في الفراغ وسبحت في أحلامها , قررت أن تشكر راوول قبل أن تباشر العمل , وألتقت أرنستين في الصالون ترتب باقة الورد.
" أين السيد راوول؟".
" أنه يعمل في مرسمه ,ولكنه عندما يرسم لا يتوقف ألا لتناول الطعام , ومن الأفضل عدم أزعاجه".
" أنا على أستعداد لتحمل النتائج , أين يقع مرسمه؟".
" كيف ؟ الآنسة لا تعرف؟ أنه في الأسطبل".
في الأسطبل ! يا له من مكان سخيف , أذن لا بد أن يكون باردا , رغم شمس الربيع التي بدأت تدفىء الجبل , صعدت الى غرفتها وأخذت سترة من الصوف الأحمر.
نقرت على الباب ولم تتلق جوابا ولم تجد أية نافذة لتعرف من خلالها أذا كان راوول في الداخل أم لا , نقرت بصوت أعلى , ولكن في الفراغ , دفعت الباب ودخلت , وقفت مدهوشة , المرسم يسبح بالنور , بعد أن أستبدل السقف بقية زجاجية, وعلى الحائط مجموعة من اللوحات وعلى خشبة طويلة مجموعة من الألوان , كمية من الفرش وأوان فخارية , ورسوم تحضيرية .
كان راوول يقف أمام لوحة كبيرة , ألتفت ونظر ال ديللي بدهشة.
" ما الذي جاء بك الى هنا؟".
" أردت أن أشكرك".
نشف حلقها وأسفت للمبادرة الطيبة , وضع لوحة الألوان والريشة على الطاولة متذمرا من الأزعاج.
" ألم يحدث لك أن قرعت الباب قبل الدخول الى مكان ما؟".
قالت بهدوء:
" هذا ما فعلته".
" وعندما لا تلقين جوابا , هل تستغلين الموقف دائما لتنسلّي الى الداخل؟".
" لا , لكن.............".
" لا أحب أن يزعجني أحد أثناء العمل".
" في هذه الحالة , عليك أن تقفل بالمفتاح".
" هذا ما أفعله بشكل عام".
وأسرع الى الباب ليقفله.
" من الأفضل أن تدعني أخرج أولا".
أستند بظهره الى الباب ولف ذراعيه على صدره .
" أشرحي لي لماذا جئت الى هنا".
" قلت لك لكي أشكرك".
" ولماذا تشعرين بأن عليك أن تشكريني؟".
" أشكرك على طريقة ترتيبك غرفة البرج".
" أقبل شكرك وماذا بعد؟".
" لا شيء , أنتهيت".
قالتها بدهشة.
" البارحة مساء كان في قلبك شيء ما تريدين قوله".
كيف أستطاع أن يعرف ذلك؟ وبدا لها كأنه يقرأ ما بداخلها ......".
" لا أعرف ماذا تتصور؟".
" تكذبين بالنسبة لما أعرفه وأحسه , ومن الأفضل أن تقوليه بصراحة".
" أبدا ليس لدي ما أخفيه".
أدارت نظرها عنه خوفا من أن يقرأ الحقيقة.

نيو فراولة 28-05-11 07:56 PM

" كما يروق لك , لكن الباب سيظل مقفلا حتى أعرف".
وعّق المفتاح على مسمار في أعلى الباب.
" تحت هذه الظروف , سأنتظر حتى تقرر أن تفتح لي الباب".
ألتفتت وأقتربت بهدوء من اللوحة التي يرسمها , المرسم مريح والطقس دافىء , خلعت سترتها وألقتها بلامبالاة على طرف الطاولة , دارت حول اللوحة وهي آخذة بعين الأعتبار أنه يتابعها بنظراته , لكنها متمسكة بألا تعيره أهتماما , اللوحة لا تزال تخطيطا , وهي عبارة عن بورتريه لأمرأة في الثلاثين من عمرها , جميلة جدا ذات شعر أسود , وأحست بأنها نفرت منها , لم تعرف الموديل , لكنها عرفت يد الرسام , ألتفتت بعيون جاحظة الى راوول:
" أنت سان جوست؟".
" تماما".
ورسم أبتسامة ساخرة على شفتيه .
" لكن هذا الأسم.......".
تذكرت أسم القرية التي نزلت بها من القطار .... سان جوست.
" ........ بالتأكيد أستعرت أسمك من أسم القرية".
" أنه بالأحرى على العكس ".
" لكن.......".
" أنه أسم عائلة والدتي ملاّك هذا القصر منذ القرن السادس عشر".
" وأنت ؟".
" راوول أتيين دوبريان دو سان جوست".
وعندما أبتسمت أضاف:
" يبدو أن هذا الأسم مضحك بالنسبة لك".
" أنه أسم نبيل........ لدرجة أنني عندما أتذكر كيف أعتبرتك كواحد....".
" كواحد من الخدم؟ أتذكر أحتقارك عندما أستقبلتك في المحطة".
أبتسم بمكر كاشفا عن أسنان ناصعة البياض.
" كان علي أن أفكر بأنك رسام مشهور بحاجة الى موديل في هذا المكان البعيد".
" لدي مرسم آخر في باريس حيث أمضي جزءا من السنة , لكن أوفيرن لا تخلو من النساء الجميلات".
" لم أشأ أن أقول ذلك , لكنني كنت ألمح الى الطلبات".
" لا أرسم حسب الطلب , أنا أختار المواضيع بنفسي".
شرح ذلك بتعال.
" أذن فأنت لا تحتاج الى موديل للرسم".
" أعمل بشكل مختلف , أرسم تخطيطا , وأسجل أنطباعاتي ثم أضيف التفاصيل , وبعد ذلك لا يتبقى ألا أن أباشر , وفي بعض الأحيان يسهل رسم الروح الأنسانية لكتئن ما عندما يكون غائبا".
أقترب من اللوحة وتفحصها بأجفان مقطبة وتابع:
" الموديل يتكوّن من الجلد ومن العظم ويمكن أن يسليني , أتصوره في جوهره ببساطة".
راقبها بتهكم بعد أن ألقى نظرة أخيرة على اللوحة.
" أعتقد أنك ترغب بمتابعة العمل ".
" لست على عجلة , النتيجة لم تعجبني اليوم".
سحب علبة السكائر من جيب قميصه القطني , ذي الأكمام المرفوعة الى الأعلى والتي كشفت عن عضلات ذراعيه ونعومة يديه , أما فتحة الصدر فقد كشفت عن سمرته الجذابة.
" هل تريدين سيكارة؟".
" لا شكرا , لا أدخن".
" لا تمارسين الرذائل الصغيرة , حسبما أرى".
وأكد على كلمة صغيرة وأحست ديللي بأن طبيعته العدوانية بدأت تستيقظ.
" لأنك محافظة على ما يبدو".
" ولماذا أكون كذلك ؟ فلوحاتك لا تخلو من النساء".
وبحتق أشارت الى اللوحة التي يرسمها.
" مثل هذه , على سبيل المثال.....".
" هذه؟ بكل تأكيد".
ولم يخف مزاحه مما جعلها تثور أكثر ولم تعرف أن ترد عليه بالأسلوب نفسه فقررت أن تهاجم لوحته.
" لا أحب هذا التعبير".
" هل شعرت بالغيرة منها؟".
لقد طعنها في العمق , رفعت يدها لتصفعه لكنه كان أسرع منها فأمسك يديها وسمّرها في مكانها.
ترنحت من السخط وركلته بعنف على قصبة رجله .
" أمرأة شرسة".
وبحركة سريعة ثنى ذراعيها خلف ظهرها , وشدها حتى أنهكت قواها وتوقفت عن المقاومة.
" والآن ستعترفين , لماذا جئت الى هنا؟".
كان صوته هادئا ومهددا.
" شرحت لك ذلك , جئت أشكرك".
" أريد الحقيقة , وألح على ذلك".
" ليس هناك سبب آخر".
" مساء البارحة كتمت شيئا ما".
" لا".
فتل ذراعها مرة أخرى وبقوة أكثر.
أعترفي".
" أتساءل كيف أوضحت حقيقة علاقتي برايس أمام والدتك؟".
ترك ذرعيها وتفرّس فيها بأهتمام .
" ماذا يعني هذا؟ حذرتك من أن تعرف والداي شيئا ".
" لا , ليس فيما يتعلق بما تسميه أنتحارا , حاولت أن أشرح أمس أن خطوبتي لرايس لم تكن حقيقية".
" يجب ألا تعرف ذلك مهما كلّف الثمن , لأن هذا يمكن أن يقضي عليها".
" أنت لا تريد أن تفهم".
" أفهم أكثر مما تتصورين , ولكنني لا أريد مناقشة علاقتكما العاطفية , وبالنسبة لأمي , فأنا أمنعك أن تكشفي لها أي شيء على الأطلاق".
" لكن....".
" أنت لم تسببي لها أية أساءة حتى الآن , دعيها لأحلامها".
ولم تستطع ديللي أن تسيطر على رجفة جسمها , حاولت أن تشرح أهمية أعترافها للسيدة العجوز.
أوجزت قولها:
" أنا آسفة فعلا".
عانقها وشعرت بأن الأرض مادت من تحتها , أحست بأن الدم يغلي في عروقها , رفعت يدها الى صدره لتبعده ولكن راحتها لم تطاوعها.
ثم نهض فجأة وتركها تلهث وأبتعد عن الطاولة , وبعد أن لامستها أصابعه أستعادت ديللي وعيها.
" ما الذي أصابك؟".
أجاب بصوت أجش:
" أن ما أصابني واضح".
" توقف فورا".
" أليس هذا ما تريدينه ؟".
صفعها صوته كضربة سوط , أستجمعت طاقتها ووقفت .
صرخت وهي تدفعه بيديها :
" لن تستطيع ذلك".
" ولماذا لا , منذ يومين وأنت تحاولين أخفاء دعوتك".
ديللي لم تصدق أذنيها.
" دعوتي؟ ستكون بدون شك الرجل الأخير على هذه الأرض الذي يمكن أن أفكر به".
" لا ؟ أنت تفضلي بدون شك الرجل الذي لا يكشف ألاعيبك , كالمسكين رايس".
صرخت وهي تشتعل غضبا :
" رايس على الأقل كان لطيفا".
حدجها بنظرة خارقة مما جعلها تخفض الطرف ,ثم ذهب وفتح الباب وأنتظر.
لا تزال ترتعش , عبرت المرسم بعزة نفس , وتوقفت لحظة على العتبة.
تمتمت بتلعثم :
" أنا آسفة".
وتشنجت , ساخطة من الأعتذار مرة أخرى بدون سبب.
" في الوقت الحاضر , دعيني أتابع عملي ".
ختم الموقف بصوت حازم مليء بالحقد.
ورأت في أعماق عينيه بريقا خطرا.
وفي النهاية فصل الباب المغلق ما بينهما.

نيو فراولة 28-05-11 07:57 PM

7- رحلة ممتعة ولكن............


مدينة بوي تقع على سهل منخفض حيث يقوم رأس جبل بركاني هائل تكاد تنافسه الصخور في الزحف على السطوح الحمراء الداكنة , والجدران الرمادية الضائعة في الأخضرار.
ورغم أسفار ديللي الكثيرة , لم تكن قد شاهدت مشهدا خارقا للطبيعة كهذا فوقفت صامتة من شدة الأعجاب.
تمثال فخم لسيدة فرنسا على أكبر صخرة , وهي مخروطية الشكل تدعى صخرة كورنيل.
أخذ راوول دوره كمرشد بشكل جدي وبدأ يشرح لديللي تاريخ المنطقة , حدثها عن الهياكل الرومانية الشهيرة وعن المسلة الصخرية , كان الهواء ما يزال باردا نقيا , والضباب يغطي عمق الوادي وديللي تنحني خارج السيارة لترى بشكل أفضل.
كانا قد خرجا بعد تناول طعام الأفطار مباشرة , كان راوول في بداية الرحلة ثرثارا أكثر من المعتاد وقد بدا جذابا الى درجة كبيرة.
أشار الى الأماكن الجديرة بالأهتمام كما قص عليها حكايات الأماكن ثم أوقف سيارته لتمتع نظرها بجسر يصل بين جبلين وشرح لها بأن هذا مثال للفن الهندسي الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر , عندما غزا الخط الحديدي هذه الأماكن البعيدة مغيّرا العادات والتقاليد في حياة الشعوب السالفة.
وعند وصولهما الى بوي تحدثا عن تنظيم برنامج ليومهما.
منتديات ليلاس
" سنزور الكاتدرائية بعد الظهر , هذا البناء المتأثر بالفن البيزنطي , الذي وسعوه في القرن الثاني عشر فبنوا جزءا منه في الفراغ".
ألقت ديللي نظرة على دليلها , لم يعد مشدودا ولا منغلقا على نفسه كما كان في مناسبات أخرى , أنه يرتدي بدلة من جلد الغزال مع كنزة من الصوف البني مما أظهر رشاقة قوامه , وبذل راوول جهده ليكون لطيفا , لم يتجابها ولا لمرة واحدة منذ أسبوع.
قال بأبتسامة عريضة:
" يجب تعميق مثل هذه الأفكار".
( يا لها من أسنان لامعة وجميلة) قالت لنفسها بشل لا أرادي , وبعد دقيقة صمت أجابت :
" هذا الطراز يجعلنا نعتقد أننا نعيش في عصر آخر".
" اليونان والرومان جاؤوا الى هنا , فالمدينة قديمة جدا ولا يمكن لأي شخص أن يعرف حقيقة أصولها".
أنعطف بالسيارة مبتعدا عن مجموعة أطفال يلعبون:
" أنه يوم السوق".
قالها وهو يحاول أن يحشر سيارته في مكان للوقوف.
" أن عربات الباعة ليست بعيدة من هنا أذا كان هذا يستهويك".
قاطعته بعيون لامعة:
" نعم ........ أذا سمحت".
مال بأتجاهها ليفتح لها الباب فأمسكت أنفاسها عندما أحتكت ذراعه بها , نزلت خارج السيارة ومشت بضع خطوات لتحرك قدميها , وكانت قد أرتدت ملابس مريحة وتركت شعرها يتساقط على كتفيها.
السوق عبارة عن موزاييك من الألوان , فعلى أطراف الساحة ركام من المجموعات الفنية وعربات النقل والفلاحين والمشترين , ثم صفوف البضائع المنشورة بالأحمر والأخضر والأصفر من الخضار , وفي مكان آخر معرض الأسماك , ومجموعة متنوعة من الأجبان والزبدة والعسل.
وفي أحدى زوايا السوق كان باعة الدانتيل , لم تسمح ديللي لنفسها أن تمس هذه التحف من المصنوعات اليدوية من شالات وقبعات ومخدات وأغطية طاولات.
وشرح لها راوول أن بوي كانت مثل بعض المقاطعات وعلى مدى قرون مركزا لصناعة الدانتيل اليدوي بالمخرز أو بالأبرة , فالنساء يقمن بالحياكة في القرى المعزولة بسبب الثلوج طيلة فصل الشتاء , وهذه المهنة في طريقها الى الزوال بعد دخول عصر النهضة.
أخذت ديللي بيدها قميصا من الدانتيل , كان كالتحفة في رقته ونعومته , حبكة الدانتيل ذات شكل عنكبوتي تحتها قماش من القطن الناعم , الرسم تقليدي ولكن التفصيلة حديثة ببساطتها , مع كمين طويلين ضيقين وفتحة صدر واسعة. تنهدت ديللي بحسرة وتساءلت أذا كانت تجرؤ أن ترتدي شيئا مثله في يوم ما.
" حان الوقت للتفكير بالحذاء , أعرف مخزنا لا يبعد كثيرا من هنا".
وقادها في شارع تجاري.
" عليّ أنا أيضا شراء بضعة حاجيات من السوق , لذا سأطلب منك أن نلتقي بعد ساعة ونصف في المقهى الكائن في جادة لويس".
" ألن تبقى معي؟".
وأحست بأنها كانت مضحكة بسؤالها هذا.
" بالتأكيد لا".
أجابها بنعومة ودلها على المقهى وأبتعد.
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة ظهرا عندما وصلت ديللي الى المقهى تحمل شبكة فيها بعض المشتريات بالأضافة الى الأحذية , أشترت شامبوان وعلة شوكولا للسيدة دوبريان وثقّالة ورق لعملها , عثرت عليها في مخزن للأثريات.
كان راوول يتأرجح على كرسيه يقرأ الجريدة الأسبوعية , وبعد أن جلست ديللي طواها ووضعها على الطاولة الرخامية.
" هل أنهيت مهمتك؟".
" نعم , أكتشفت بعض المخازن , لكن الواجهة لا تعرض ما أهتم به وأفضّله".
حدّجها بنظرة سريعة قاسية.
" مع أنني كنت أعتقد أنها نوعا من الهوس بالنسبة للأنثى".
قالت ضاحكة:
" ينقصك الكثير لمعرفة النساء".
تمتم :
" هذا ما بدأت أتعلمه , باشري بمساعدتي وذلك بالأشارة الى ما تفضلينه".
وقادها الى مطعم صغير لا يمكن لسائح أن يكتشفه ,أختارت بعض الأصناف التي أشتهرت بها المنطقة , وأثناء الطعام تبادلا الحديث في مجموعة من المواضيع , وتلقت ديللي بسرور أختفاء عدوانية راوول حيث بدا محدثا جذابا.

نيو فراولة 28-05-11 07:58 PM

قالت وهي تتذوق القهوة:
" أن يكون الأنسان فنانا عليه أن يقدم المزيد , أنت تنظم عملك في الوقت الذي تراه مناسبا , تحصل على أجازة حسب هواك , بعيدا عن الرتابة اليومية في الأعمال المكتبية , لست مرغما أن تعمل تسع ساعات في اليوم".
" أعمل أحيانا أكثر من ذلك بكثير".
" ولماذا قررت أن تتخذ أسم سان جوست كرسام وليس دوبريان؟".
" لأن عائلة أبي كانت معروفة جدا منذ القدم , وكذلك أسم والدتي كممثلة شهيرة , رفضت أن أستغل هذه الشهرة, وكذلك لأسباب عائلية".
" وكيف ذلك؟".
" لقد كان أحد أجداد عائلتي صديقا لروبسبير أيام الثورة الفرنسية وهو أول من طالب برأس لويس السادس عشر , وهو الوحيد الذي حافظ على أنفته عندما أقتيد مع روبسبير وأنصاره الى المقصلة".
تذكرت ديللي ثورة راوول في البرج وتساءلت أذا لم يكن قد ورث الى حد ما طباع أسلافه.
" ولكن قل لي بحق السماء , لماذا أخترت هذا الأسم؟".
" ربما لأبرهن أن هذا الأسم ليس مرادفا دائما للعنف , أو لأنني معجب بعناد سان جوست تحديا لكل شيء".
" يبدو لي أن هذا مخيف , مهما كانت بواعثك".
قال ضاحكا:
" لننس هذا , رجاء , هل لا زلت قادرة على تسلق الكنيسة؟".
" بالتأكيد , أذا قررت أن تصحبني".
" أذن هيا بنا , ولكن لنضع أولا مشترياتك في السيارة".
كان الصعود قاسيا , وكانت ديللي تلهث من التعب مما أضطر راوول أن يجبرها على التوقف مرات عديدة لأستعادة أنفاسها.
" هذه الكنيسة كانت ملجأ للنسّاك الذين أستقروا بها رافضين النزول بعد ذلك الى الوادي".
" أن هذه القصة حزينة , أنا شخصيا أتعب من الوحدة".
" لربما كانت حالة النساك كذلك , ولكنهم وجدوا السلام الذي لم يتوفر لهم على الأرض".
" يا له من وجود قاس".
" بالتأكيد لا يمكن أن أتصورك في دير بل بالأحرى في حاشية أحد أمراء عصر النهض أو حتى في دور بوديكا , الملكة الأنكليزية التي حاربت ضد الرومان , والنتيجة أن حوالي سبعين ألف شخصا ذبحوا".
كان على ديللي أن تغضب أو تضحك , ففضلت أن تسلك الطريق الثاني لكي يمر اليوم بشكل جيد ولا حاجة للعودة الى العدوانية.
" من يعرف , لربما أكون ناسكة جيدة".
" وأن كنت لا أقنع بذلك , ولكنه بدون شك شيء جميل جدا".
" أشكر أطراءك".
وأبتسمت له أبتسامة ساحرة.
" عليك أن تضحكي في معظم الأحيان لأن هذا يلائم ثغرك".
" أنت أدعيت بأن فمي كبير جدا عندما وصفتني لأمك".
" بالفعل ,ولكن علي أن أتراجع تماما عن تقديري السابق".
" لا تفعل , لأن ذلك سيجرح كبرياءك ".
" هل تردين دائما الصاع صاعين؟".
" أؤمن بالعلاقات المتبادلة , يجب ألا تقبل المرأة الخضوع".
" الحرية المطلقة , كالرجال؟".
" عندي قواعدي الخاصة في الحياة".
" لا شك في ذلك".
" أحدى هذه القواعد ألا أناقش في الأخلاق من لا يملكها ".
" ومن أين واتتك مثل هذه الفكرة؟".
" يبدو أنك تنسى بسرعة , لقد واتتني من أمور أود أن أنساها".
وفجأة دوّت العواصف في السماء , وأرتعشت ديللي وأستدارت .
خيم صمت ثقيل الى أن وضع يده على ذراعها قائلا بلطف:
" أطلب أن تسامحيني".
" أنت لا يمكن أن تنسى لحظة واحدة".
" طلبت منك أن تسامحيني".
لفظ هذه الكلمات بصعوبة وكأنه شخص قلما تعوّد الأعتذار , ثم نظر الى الأفق بوجه حاد.
" هل يجب أن أتوسل اليك ساجدا؟".
كان في لهجته نوع من السخرية المشكوك بها , قالت ديللي :
" أسامحك أذا نزلت ساجدا المائتين وسبعين درجة".
" لدي فكرة أخرى , أقترح لدفع غرامة مشرفة دعوتك للعشاء لدى عودتنا , أنني أعرف مكانا مثاليا في فندق ريفي ممتاز على بعد بضعة كيلومترات من سان جوست".
" أتفقنا , ولكن لا يزال الوقت باكرا".
" بالتأكيد , لكن بعد أن نزور الكاتدرائية وكنوزها , ثم نمضي ساعتين في العودة سنكون مستعدين لعشاء ممتاز , أحدى مواهب نويل , أنها تعرف أن تقترح الأشياء المفضلة".
" نويل؟".
" المرأة التي تدير الفندق , نويل روسينيول , أرملة....... تعمل في هذا المكان في فترة الصيف".
تخيلت ديللي نويل كماري آنج أو أرنستين , واحدة من أفضل طباخات الريف , وفرحت في أن تتذوق عشاء حدثوها عنه في لندن .
وبعد أن زارا الكاتدرائية وشرح لها راوول كخبير عن تاريخها وكنوزها , جلست في السيارة منهكة وتثاءبت.
" آمل ألا تعودي لتنامي , أنت في طريقك لأن تكوني من أهل المنطقة , تنامين مبكرة وتنهضين مبكرة".
وبعد مرورهما بسان جوست , سلك راول طريقا ريفيا يتلوى بين العابات والمراعي .
" الفندق ليس بعيدا من هنا , هل تشعرين بشهية للطعام؟".
" أكاد أموت جوعا , وأعتقد أنني أستطيع أن آكل عجلا لوحدي".

نيو فراولة 28-05-11 07:59 PM

كان الفندق عبارة عن مسكن ريفي قديم , رمم حديثا بذوق شديد , شجرات الورد تغطي الجدران وبستان الخضار يمتد الى الناحية الأخرى من المسكن.
ولأول مرة فتح راوول باب السيارة لديللي وأمسكها من ذراعها ليوصلها الى المدخل , وتقبلت ذلك بطيبة خاطر.
دخلا المبنى , كانت أضاءة الصالة خافتة وهي مفروشة بذوق , ظهر شبح أمرأة , أقترب منها راوول وحيّاها بحرارة , كانت ديللي مبهورة من الأضاءة فأغمضت عينيها نصف أغماضة لتمكن من أن ترى بشكل أفضل , وضع راوول دراعه حول كتفي المرأة .
" نويل أقدم لك ديللي , دليلة أيفريت التي حدثتك عنها , ديللي هذه هي نويل روسينيول".
تلقت ديللي صدمة , أنها المرأة نفسها التي يرسمها راوول , جمالها لا يضاهى , أنها أنيقة من أخمص القدمين حتى مفرق الشعر الأسود الفحمي , وشعرت ديللي بأنها قبيحة وثقيلة أمام هذا الجمال الرائع.
" سررت جدا بلقائك يا سيدة".
ومدت يدها....
يبدو أن نويل لم تنتبه الى اليد المدودة وتوجهت الى راوول بأبتسامة كشفت عن صفين من الأسنان الجميلة الصغيرة.
" لكنك يا عزيزي راوول لم تقل لي أن الآنسة أيفريت ذات شعر أحمر".
شعرت ديللي برطوبة يدها فأنزلتها وهي تغلي في الداخل .
" تعالوا الى الصالون , يبدو أنك مرهقة يا آنسة , ماذا فعلت بها يا راوول؟".
قالت ذلك وهي تمد يدها تحت ذراعه.
" قمنا بجولة على آثار بوي".
" وطبعا أظهرت حمااسك كمرشد , أنظر الى دليلة كم هي مرهقة , مع أنك تبدو في كامل نشاطك , لكن لماذا تصرف طاقتك هكذا؟".
سألت وهي تهز كتفيها برقة.
" أنه مجهود لا أقوم به من أجل أحد".
قالت ديللي وهي تشدد على لفظ الحروف:
" لقد سررت بكل لحظة صعود".
ألتفت اليها راوول ونويل وحدقا فيها بدهشة , فالعدائية التي صدرت من السيدة روسينيول أثارتها الى أعلى درجة , وسمعت ضحكتها الرنانة المدروسة بعناية.
" أننا نشعر وكأننا كائن آخر عندما نكون بصحبة راوول , كما نشعر بأننا مدللون أكثر من اللازم".
أجابت ديللي وهي تقلد الضحكة المصطنعة لنويل:
" صحيح".
تدخل راوول :
" أخفين مخالبكن , ديللي أرجوك نحن في ضيافة نويل وهي أحدى صديقاتي القديمات".
وبّخها طفل سيء التربية ونظر اليها بأحتقار مع أنه كان عليه , لو أنصف , أن يوبخ صديقته القديمة .
أجابت ديللي بأبتسامة لطيفة :
" لا شك بذلك".
" عزيزي راوول أنت أيضا أجهدت دليلة حتى أنها لم تعد تستطيع أن تتحكم بنفسها وهي بحاجة الى الراحة , أنت كذلك أمضيت يوما متعبا".
توجه راوول ليحضر كؤوس الشراب ( أنه بالفعل في بيته هنا ) هذا ما فكرت به ديللي وتصاعد غضبها فأخذت كأسها وجلست.
" راوول أنا مسرورة برؤيتك, عليك أن تتصل بي هاتفيا من وقت لآخر".
" بنظري , أن الهاتف وسيلة تعذيب".
" لكنه ضروري , لولاه لما عرفت أنني عدت من باريس ".
جلس راوول الى جانب نويل ودار الحديث بينهما , وكأنه نسي وجود ديللي , أستغلت ديللي بعدها عن المحادثة في مراقبة نويل لعلها تكتشف عيبا فيها , ولكنها للأسف لم تستطع.
" ستكون مجبرا على الذهاب الى باريس من أجل معرضك".
" لا ....... ليس هذا ضروريا , فمعظم اللوحات هناك , أما البقية الموجودة هنا فسأرسلها في الأسبوع القادم , وسأذهب بعد شهر للأفتتاح".
" هل ستغيب فترة طويلة؟".
" أسبوعين على الأكثر , وسأمضي باقي الصيف هنا ".
" نشعر أحيانا بالملل ... في هذا المكان البعيد".
" أنها تلعب لعبة الأرملة التي لا عزاء لها ) قالت ديللي لنفسها , أشعل راوول سيكارتين وقدم واحدة لنويل .
" هل أستطيع أن أحصل على واحدة أنا أيضا؟".
ألتفت بشراسة مستغربا هذا الطلب اللامتوقع من ديللي , ونهض ليعطيها السيكارة الأخرى ثم عاد ليأخذ مكانه بجانب نويل.
قالت ديللي:
" أنا شخصيا أعشق أن أكون وحيدة , لكن بالنسبة للذين لا يملكون غنى داخليا فهذا صعب الأحتمال".
حدّجها راوول بنظرة سوداء.
قال بلهجة باردة:
" والبعض الذين لا يملكون أية تربية".
" أعتقد أننا متفقان على ألا نتحدث عن الأخلاق".
نصحتهما نويل , مسرورة بدورها كوسيط:
" على مهل , لا تثورا , يجب أن تنتقلا الى المائدة قبل أن يبرد الطعام".
أنزعجت ديللي أن تكون المائدة مجهزة لثلاثة أشخاص فنويل أذن كانت مدعوة للمشاركة في وجبتهما.
لم تشارك ديللي في حديث الأثنين , تحدثا عن أصدقاء مشتركين , وآخر ما قيل عن سان جوست وعن بعض الأصدقاء في باريس , وفهمت ديللي أن راوول ونويل يتلاقيان في باريس , حيث يملك مرسما هناك , وحيث تسكن نويل معظم أيام السنة.
وفهمت ديللي لماذا أحست بهذه التعاسة , لقد شعرت بالغيرة وهذا يعني أنها وقعت في حب راوول دوبريان.

نيو فراولة 28-05-11 08:01 PM

8- عندما يفتح الليل أبوابه


" كنت ضيفة لطيفة".
قالها راوول وهو يسرع في قيادة السيارة , مركزا أنتباهه ليتجنب الأفخاخ الليلية والطرق المحفرة.
أجابت ديللي :
" بالكاد تكلمت بضع كلمات".
" صحيح , ولكنها بضع كلمات مختارة بشكل جيد".
تحاشى منعطفا وعكس غضبه على القيادة .
" كم يمكنك أن تكوني عدوانية أحيانا ".
" هذه أحدى مواهبي " قالتها بلا مبالاة مفتعلة.
لا فائدة من تذكيره بنويل , فهي الأخرى يمكنها أن تكون عدوانية , ولكنها على درجة من الذكاء تجعل الآخرين لا يلحظون ذلك .
ديللي تكاد تختنق كيف أنها بلغت الرابعة والعشرين من العمر ولا تزال تحافظ على أستقلاليتها , بدون علاقة عاطفية والآن وبكل غباء وقعت في حب رجل يكرهها تماما , أوقف اوول السيارة في باحة القصر , ( عليّ أن أكلمه بشكل محبب لألغي التوتر الحاصل وأعيد جو الصداقة الذي ساد بيننا قبل السهرة ) هذا ما فكرت به ديللي.
تمتمت في اللحظة التي خرج فيها من السيارة:
" راوول...".
أخذ بعض العلب التي كانت خلف المقعد وأغلق الباب فأما أنه لم يسمعها أو أنه تجاهلها , بقيت فترة في السيارة , وسمعت راوول يتوجه الى مرسمه ويغلق الباب , وسكتت وحيدة في الظلام مع أفكارها , أن هذا اليوم بساعاته الحلوة والمرة سيحفر في ذاكرتها الى الأبد.
أنها المتكبرة التي تعرف دائما أن تتصرف بجدارة , ها هي الآن تشعر بالغيرة وتحترق من حب بدون أمل , لقد فقدت أحترامها , وشعرت بأنها سترتمي على راوول لو خرج ثانية.
لكن الباب ظل مغلقا , وقررت أن تذهب وتنام بصمت , أستقبلتها أرنستين التي لا يخفى عليها شيء.
" مساء الخير يا آنستي , السيدة دوبريان في أنتظارك".
منتديات ليلاس
كانت ديللي في حالة سيئة ولكنها لا تستطيع ألا أن تذهب الى الصالون , كانت السيدة العجوز تجلس على كرسيها المعتاد أمام المدفأة والى جانبها جلست أرنستين على كرسي منخفض تقرأ لها ( وعندما يفتح الليل أبوابه للعاشقين.......".
عرفت ديللي أنها أحدى قصائد كتاب رايس الأخير المهدى اليها , وعندما أنتهت أرنستين , ألتفتت السيدة الى ديللي بعيون مطفأة تلتمع بالدموع ورفعت يديها الشاحبتين لأستقبالها.
قالت السيدة بصوت مخنوق:
" عزيزتي , سامحيني , هذه القصيدة الجميلة أيقظت في الذكرى , حدثيني عن رحلتك الى بوي".
كانت ديللي معقودة اللسان لا تقوى على قول كلمة واحدة.
" ألن تقولي شيئا يا عزيزتي, ما الذي حدث؟".
قالت آرنستين :
" أنها قصيدة السيد رايس التي أحزنت الآنسة".
تحسست السيدة وجه ديللي الذي يفيض دمعا وقالت:
" القصيدة , بدون شك , الذكريات ما تزال ماثلة وموجودة , وأنا غبية لأنني لم أراع ذلك".
أهتز جسم ديللي من شدة الأنتحاب , ( يا لها من سخرية ) قالت لنفسها , أنها تبكي وتعتقد أنني أشاركها ألمها , في الوقت الذي كنت أتمزق فيه أنا من حب آخر مستحيل , أحضرت أرنستين كأسا وقدمته لها السيدة العجوز , شربت منه ديللي لتطفىء غليلها.
" أطلب عفوك لضعفي يا أوجيني , أنا الآن بخير".
" كل الجروح تلتئم مع مرور الزمن حتى جروح الروح يا عززتي , فذكرى الأشياء الجميلة لا تنتهي , وأن قلبك ما زال يفيض حزنا كقلبي , ولكن لن أنسى أبدا أن في حياة رايس ومضات من السعادة بفضلك , ولكنني آسف لأنكما لم تتزوجا قبل وفاته , كان سيسعدني أن يكون لي حفيد".
" لم يفت الأوان , ومن المؤكد أن راوول......".
" على الأطلاق".
وشرحت لها بأن راوول لن يتزوج أبدا لأنه صعب جدا , وتنهدت بحسرة ومرارة.
" مع أنه يبدو متعلقا كثيرا بنويل".
قالتها ديللي وهي تزيد جرحها ألما.
" نويل , أذا تزوجها , ولسوء الحظ , فلن تنجب له في حياتها طفلا لأنها تخاف كثيرا من أن يتشوه جمالها الذي تعتز به , لكن لننس هذا , المهم هو أنت الآن".
" أؤكد لك أنني أشعر بتحسن كامل , كنت متعبة قليلا ".
" لقد غرقت في عملك الأسبوع الماضي تماما , ويجب أن تستغلي أقامتك هنا في نزهات سياحية , هل ذهبت الى شيز ديو؟".
" لا ليس بعد".
" يجب أن تذهبي الى هناك وتشاهدي الرقص الشهير , سأطلب من راوول أن يصحبك الى هناك".
لا تريد ديللي بأي شكل أن تمضي يوما آخر معه , فبقدر ما تقلل من لقائه بقدر ما تشعر بالتحسن.
" أنا بالفعل مشغولة جدا بالتمحيص في أوراق رايس ".
" ليس هناك شيء مستعجل وسيسعدنا وجودك هنا لفترة طويلة".
" لا أعرف كيف أشكرك , لكن عمي متمسك بنشر كتاب رايس بأقصى سرعة ممكنة وأنا متمسكة بأن أكون عند حسن ظنه".
" في هذه الظروف , لا أستطيع أن ألح كثيرا , ولكن على الأقل وافقي على أن يصحبك راوول في زيارة الى بحيرة الرجل الضائع , أنها قريبة جدا من هنا".
" يا له من أسم غريب".

نيو فراولة 28-05-11 08:02 PM

" أنه مكان جذاب جدا , وحسب الأسطورة , أن مدينة كانت موجودة قبل مجيء الرومان مكان البحيرة , حيث أن جنية وقعت في حب صياد جميل لكنه لم يوافق وكان لا يهاب شيئا , حتى القدر , وأحب فتاة أخرى".
" وماذا حصل له؟".
" أقسمت الجنية أنها ستدمر المدينة أذا ما عانق محبوبته في يوم ما , لكنه سخر من التهديد , وفي المساء نفسه ما كاد يمس محبوبته حتى أتفجر البركان وأضطربت الأرض وغابت المدينة بين الأمواج , يزعم البعض أننا نستطيع أن نرى البيوت المختفية في عمق البحيرة".
" ربما أذهب ذات يوم لأستكشافها".
خلال الأسابيع التالية , جاءت نويل مرات عديدة الى القصر , وكانت ديللي تحذر ردود فعلها لأنها تعرف الأسباب ونجحت في ذلك , لكن نويل لم تعرف كيف تخفي غيظها من وجود ديللي في القصر.
أما ديللي فقد تعودت أن تبقى في غرفة البرج كل مرة تأتي فيها نويل, حتى أن عملها على أوراق رايس تقدم كثيرا , ولم تعد ترى راوول ألا قليلا بعد تلك السهرة , ولكنه كان يخرج مع نويل عندما تأتي ونادرا ما يتناول عشاءه مع أمه , كذلك لاحظت ديللي أن أرنستين كانت تحمل له طعامه الى المرسم مرات عديدة , ولربما يريد أن ينهي بورتريه نويل في الوقت المحدد للمعرض , وقد رأته ذات يوم يرسل بعض اللوحات في السيارة , وحاولت أن تطرد راوول من تفكيرها , وأنهمكت في العمل , ولكن ما يزال أي تحريض منه يجعلها تضطرب في أعماقها ويمنعها من التركيز , ذات يوم , عند نهاية الظهيرة سمعت الصوت المميز لسيارة نويل وكانت قد نزلت لتوها الى الصالون بعد أن أخذت حماما , تنتظر السيدة دوبريان , من الصعوبة تحاشيها هذه المرة , قالت في سرها ( لأذهب على الأقل وأحتمي في الباحة الداخلية ).
وتسللت بدون تأخير , كان الهواء باردا , وأحست أن ثوبها القطني كان خفيفا بالنسبة لهذا الفصل , لكن فكرة لقائها مع نويل جعلتها تبقى في الخارج , كانت الورود بدأن تتفتح فأقتربت لتقطف واحدة.
" آي".
سحبت يدها بسرعة وأنبثقت نقطة الدم من أصبعها.
" عزيزتي الآنسة أيفريت , أنت الوحيدة التي وخزها الشوك".
أرتعدت ديللي وكأن شوكة أخرى وخزتها وألتفتت , لقد كانت نويل , مرتدية ثوبا فخما من التافتا , وعبرت الباحة بخطوات واثقة راسمة أبتسامة مفتعلة على شفتيها.
( زهرة جميلة متفتحة ) قالت ديللي لنفسها وهي تدرك تماما أنها بملابسها المتواضعة لا يمكن أن تنافس أناقة كهذه.
بدأت بلطف:
" أذا كنت تفتشين عن راوول.....".
قاطعتها وهي تداعب بأصابعها أزرار الورد:
" راوول يعرف أين يجدني".
" أذا كان لديك بعض الوقت , أستطيع أن أقدم لك كأسا ".
" أذن راوول لم يقل لك شيئا ؟ أنا مدعوة هذا المساء للعشاء فزيارة الأم من وقت لآخر لا بد منها".
ثم تابعت بصوت متوازن :
" لقد ألحّ راوول كثيرا من أجل هذه الدعوة وأسرّ لي بأن ذلك ضروري وأن لديه ما يحدثني به".
أستعجلت ديللي في تغيير مجرى الحديث لأنها غير متحمسة لسماع المزيد:
" هل يتقدم العمل في البورتريه؟".
هزت نويل كتفيها.
" أنه يعمل ليل نهار , أنه ممسوس".
ممسوس؟ من تلك الجنية الجميلة...
" أن حظك كبير , وأنه لشرف كبير أن يرسمك سان جوست".
" أتتحدثون عني؟".
أنعقد لسان ديللي عندما أقترب راوول منها.
" بالتأكيد يا عزيزي , لا يمكن ألا أن نتحدث عنك وبأطراء".
أنحنى نحوها وحياها بحرارة ( لا حاجة لوجودي ) فكرت ديللي وأبتعدت لتدخل الصالون.
" كيف ؟ أتريدين أن تنسحبي فور وصولي؟".
" أشعر بالبرد قليلا".
وكان ذلك صحيحا , لأن جسمها كان مقشعرا.
قالت نويل بضحكة ساحرة ولكن هشة:
" كان عليك أن تضغي سترة على كتفيك".
" صحيح , أن الطقس ليس دافئا".
وضع سترته على كتفيها , وكانت هذه المرة الأولى التي يقترب فيها راوول منها بعد نزهة بوي.
قالت نويل بلهجة متضايقة:
" قد يكون من الأفضل أن ندخل جميعا".
أجاب راوول متوجها نحو الباب:
"فكرة جيدة".
وحال وصولهم الى الصالون , وضعت ديللي السترة على مسند الكرسي آملة أن تتحاشى أي أحتكاك مع راوول , راقبته وهو يعد الشراب , قميص حريري بصدر مزخرف , بدلة ذات تفصيلة رائعة , لكن راوول الذي أحبته كان ذلك الذي عرفته يرتدي قميصا قديما وسروالا مليئا ببقع الألوان.
قالت نويل وهي تحمل له السترة:
" راوول , من المؤكد أن خياطك عبقري , عليك أن تستعين به ليصنع لك ملابس خاصة للعمل".
وخنقت ديللي ضحكة عصبية كادت تفلت منها فنظر اليها راوول متسائلا:
" هل قلت شيئا؟".
" لا".
وضعت يدها على فمها وسعلت.
" ربما تأثرت من البرد في الخارج أو أثناء العمل في البرج".

نيو فراولة 28-05-11 08:04 PM

مد لها كأسا من الشراب وقال مهموما:
" هل تريدين أن تستعيدي سترتي؟".
قالت نويل متضايقة من لطافة راوول :
" راوول , دليلة ليست طفلة يجب لفها ووضعها في السرير لدى أول عطسة".
ثم أخذته من ذراعه وشدته أمام اللوحات ورسمت تعبيرا خجولا على وجهها وهي تنظر اليه قائلة:
"أين ستعلق البورتريه الأخير يا عزيزي؟".
" ليس على هذا الجدار".
تساءلت بغيظ:
" ألست مسرورا من عملك هذا؟".
" على العكس , أعتقد أنها أجمل لوحة أحببت رسمها ".
" أذن ستعرضها في باريس عند سفرك في اليومين القادمين".
" لا , لدي رغبة في أن أحتفظ بها في القصر وفي منزلي".
" مكان الشرف".
لمعت عينا نويل من الفرح ثم غطت وجهها سحابة من الظل.
" أتعتقد أن الموديل ليس أهلا لأن يعرض ..... ويعجب الآخرين؟".
" أفضل أن أحتفظ بها لمتعتي الشخصية".
" لكن رغم كل شيء لوحة مهمة كهذه , لا تكون معروضة....".
ولم تكمل جملتها فقد سمعت صوت ضحكة ناعمة , ديللي أكملت الجملة في داخلها:
( .... النسخة الأصلية , يعني الساحرة الجذابة نويل روسينيول ) ثم ذهبت وجلست على أحدى الأرائك , وكانت تحس بأن راوول يراقبها رغم حديثه مع نويل.
تابعت نويل وهي تجلس بدورها:
" أنا سعيدة أن تكون راضيا عن عملك".
" لا تستبقي الأحداث , أنتظري حتى تريها فقد تصابين بخيبة أمل".
" ستعجبني حتما , متى أستطيع أن أشاهدها ؟ أن رغبتي قوية في رؤيتها".
" الفضول عيب سيء يا عزيزتي , لا يمكن لأحد أن يرى لوحاتي قبل أن تنتهي تماما".
قالت ديللي في سرها : ( هذا ليس صحيحا فقد رأيتها).
" لكن يا عزيزي......".
" ليس هناك شذوذ عن القاعدة عندما أرسم , الشخصية الحقيقية للموديل تنكشف لي شيئا فشيئا , اللوحة تريني أشياء قد تفوتني لدى الرؤية البصرية , الرسم بالنسبة لي طريقة لكشف روح الموضوع".
" آمل أن يكون الأكتشاف حسنا".
" حسنا و...... سيئا , أكتشاف الجمال هو أن نذهب الى ما بعد الظاهر".
سألت نويل بأشمئزاز:
" تريد أن تقول كسلسلة اللوحات التي رسمتها للفلاحة التي من أوفيرن ؟ لا أفهم أبدا كيف تستطيع أن تجد طباختك جميلة ".
" ماري آنج تمتلك جمالا خاصا".
" هذا يعني أنك عبقري يا راوول , وآمل ألا تكون قد بذلت مجهودا كبيرا في أكتشاف الموديل الذي تعمل عليه حاليا".
ورمقته بنظرة مثيرة , ولم تستطع ديللي أن تتماسك فقالت:
"هذا ليس أكيدا بعد أن يكشف ما يفلت من الرؤية البصرية....".
ألتفت نحوها راوول ونويل وكأنهما أكتشفا وجودها توا.
( يا لي من فتاة لا تحسن التصرف) قالت في نفسها وهي ترى وجه نويل الغاضب ووجه راوول المتقلص .
ولكن دخول السيدة دوبريان أنقذ الموقف.

نيو فراولة 28-05-11 08:06 PM

9- هدية غير مقبولة


ورغم كل شيء , مرت السهرة على خير , فنويل لم تتأخر في أن تستعيد ثقتها بنفسها ومع مرور الوقت كان مزاجها يتحسن , حتى أنها أبدت لطفها لديللي , ( بدون شك لأنني أعلنت بأنني أقترب من عملي ) , هذا ما قدّرته ديللي.
وبالمقابل فأن السيدة دوبريان تلقت الخبر بأنزعاج.
" ديللي عزيزتي , أسبوع واحد فقط , هذا قليل جدا , هل أنت متأكدة من أنك لا تستطيعين المكوث هنا لفترة أطول؟".
أما راوول فقد أحتفظ بصمته الى اللحظة التي طرقوا فيها موضوعا آخر.
وفي اليوم التالي كان الطقس باردا , لبست ديللي كنزة سميكة قبل أن تعود الى البرج , تنهدت بعمق وأنقضّت على كتلة الوثائق المرتبة على المكتب.
هل عليها أن ترتب هذه القصائد حسب تاريخها أم أسلوبها أم موضوعها ؟ ولم تتوصل الى قرار , وشعرت بخمول في تفكيرها , ربما لأن الأوراق الأخيرة كانت أقل أهمية , أو لأنها ستغادر هذا المكان عما قريب , ولن تعود اليه أبدا , لقد بدأت تحب المكان والسيدة المتسلطة التي تسكنه , ثم أن هذه هي المرة الأولى في حياتها تعرف طعم الحب ..... ولكن عليها ألا تفكر براوول.
منتديات ليلاس
وأجبرت نفسها أن تركز أهتمامها في العمل.... لكن الصفحة التي أمامها كانت عبارة عن طلاسم حقيقية , أنها واحدة من آخر قصائد رايس , مليئة بالتشطيبات والتعديلات ,ويبدو أنه كتبها تحت تأثير الهذيان , ولكن ربما تستطيع أن تجد أماكن الكلمات بسهولة لدى ضربها على الآلة الكاتبة.
وضعت ورقة بيضاء في آلتها وباشرت بنسخ الأبيات , ولم تشعر بمرور الوقت بعد أن أخذها العمل , سمعت أحدا يقرع الباب وتأكدت من أن أرنستين جاءت تذكّرها بموعد الطعام.
تنهدت ديللي بأرتباك وفتحت الباب , تجمدت ولم تعد تقوى على الحركة , أنه راوول مع أنه لم يعد الى البرج منذ ذلك اليوم البعيد جدا... ماذا يريد اليوم؟
" هل تسمحين لي بالدخول؟".
كان يلبس السروال المليء ببقع الألوان , وقميصا قطنيا أزرق اللون مفتوح الصدر , حاولت ديللي أن تتجنب نظراته لكي لا يكتشف أضطرابها.
" بالتأكيد".
وأبتعدت عن الباب لتفسح له مجالا للدخول , وحاذرت أن تغلق الباب وراءه.
" هل تقتربين من نهاية أتعابك؟".
أجابت ببساطة لكي لا تفتح مجالا للنقاش:
" نعم".
" حسنا".
ومد لها علبة كان قد أخفاها وراء ظهره.
" ما هذا؟".
" أقبليها كهدية عيد".
تمتمت وهي لا تقوى على القيام بأي حركة:
" لم يكن هذا ضروريا ".
" خذيها ( وألحّ ) أنت حملت الى والدتي الكثير من الراحة , وهذه طريقة لشكر بالنسبة لي".
" لا , لا أستطيع ".
" بلى تستطيعين".
بريق من المداعبة لمع في عينيه السوداوين وأضاف وهو يضع العلبة على الطاولة:
" أذا كنت لا تريدين أخذها من يدي , سأضعها على الطاولة هنا ثم أبتعد".
وتراجع بضع خطوات , كان الفضول أقوى من ديللي , أخذت العلبة وفتحتها , لم تصدق عينيها , أنه قميص الدانتيل الذي أعجبها في بوي , وصرخت من المفاجأة والفرح:
" لكن , راوول......".
وألتفتت نحوه بوجه مشع ولم تستطع أن تقاوم نظرته فخفضت عينيها .
" ألبسيه هذا المساء".
كان هذا شبه أمر.
" مستحيل".
" ولماذا؟".
بدا صوته مخمليا ناعما .
" لأنني لا أستطيع أن أقبله , خذه وقدمه .... الى شخص آخر".
ووضعته على االمكتب.
" أذا كنت تفكرين بنويل فهي غير محرومة من الهدايا , وهذا لا يليق بها , أنه مصنوع لشخص أكثر رشاقة".
( شكرا للمديح ) قالت في سرها , ثم دمدمت بصوت مرتجف لا يخلو من العداء:
" لا أريده".
" أذن خذيه لأنني أريده.".
وأخذ يلحّ.
" لا....... لا مجال للنقاش".
وأحست أنها وقعت في الفخ , أنها ترغب القميص , ولكن لماذا يفرضه عليها؟
" يللي ( قالها بصوت دافىء وحنون ) أنه ضروري جدا بالنسبة الي أن تقبليه مني ولا أستطيع أن أبيّن السبب".
" لا..... لا أريده".
تمتم وهو يدير ظهره:
" أرجوك".
" أقبلك , بما أنك تصر على هذه النقطة".
شعر بالراحة وألتفت اليها.
" عديني أن تلبسيه هذا المساء ".
" أعدك , ولكنني لا أفهم لماذا, هل هذا مهم؟".
" ستفهمين غدا".
أبتسم وبدا كأنه شخص أنساني لأول مرة , وخفق قلبها بشدة ولم تعد تعرف كيف تخفي أضطرابها , وكأنه أحس بذلك فجلس على الطاولة وعقد يديه خلف رأسه.
" حسبما أرى , يبدو أن كل شيء مرتب".
وأشار الى مجموعات المغلفات الكبيرة التي على المكتب.
" هذه القصائد يمكن نشرها بكل تأكيد , تعال وأقرأها عندما تريد بما أنك لا تريد أن يخرج شيء من هنا بدون رقابتك".
" لم يعد هذا ضروريا , غيّرت رأيي , وهذه؟".
سأل وهو يريها الأوراق المنتشرة أمامه.

نيو فراولة 28-05-11 08:07 PM

" هذه هي الأوراق التي أستبعدتها , لا أعتقد أنها تستحق النشر , على الأقل الآن".
تفحص بعض الأوراق ثم وضعها مكانها.
" أعتقد أنك على حق".
" لست متأكدة تماما من بعض الأبيات , أنها غير مقروءة تقريبا , وفيها الكثير من التصليحات والتعديت ".
" هذه مثلا؟".
سألها وهو يأخذ القصيدة التي بدأتها لدى وصولها , أنحنى على الألة الكاتبة وأدار الأسطوانة ليخرج الأسطر الأخيرة.
" لا ليس هذا أحسن ما كتبه".
نظر اليها بتساؤل ودهشة وأطال نظرته حتى أحمر وجهها , ثم نهض ومشى بجانبها حتى كاد يلامسها مما جعلها ترتعش.
طلب اليها قبل أن يغلق الباب بهدوء:
" لا تنسي وعدك".
هذه اللحظات التي مرت بصحبة الرجل الذي أحبته سرا غيّرتها تماما , ولم تعد تستطيع العمل فقررت أن تذهب لتناول الطعام على أن تعود بعد الظهر , وقبل أن تخرج رتبت الطاولة ,وعندما سحبت الورقة من الآلة الكاتبة جذب أنتباهها سطر , ( وجها البرونزي يبرز من خلال ستائر سميكة من الشعر الأسود ) لم تنتبه اليه من قبل لأن أنتباها كان منصبا على فك الحروف والكلمات , أنه يعني سالي , وتساءلت أذا كان راوول قد أنتبه الى هذا , وهل هذا ما جعله يغير رأيه الى هذا الحد؟ لقد حكم عليها بأنها لا أخلاقية وأنها مسؤولة عن موت أخيه.
وبأصابع مرتجفة أخذت القميص وخرجت , صعدت الى غرفتهابعد تناول الطعام , تراكم تعبها عليها , فنامت طيلة بعد الظهر , ثم بقيت فترة طويلة في الحمام لتزيل التعب عن جسمها المنهك , غسلت شعرها ومشطته طويلا , وهي تفكر بحياتها المهنية الغنية جدا , وحياتها العاطفية الفقيرة جدا.
أستفاقت من أحلامها وبدأت تعد نفسها للعشاء , القميص كان أجمل لو صنع على مقاسها , لكن فتحة الصدر كانت كبيرة ( وما أهمية ذلك ؟ ) قالت لنفسها ( السيدة دوبريان لا تبصر ,وراوول عنده أمرأة أجمل مني بكثير).
لبست تنورة من المخمل الأخضر القاتم , ولكن لم تكن لديها حلية تليق بالقميص فقررت أ تضع وردة على فتحة الصدر.
تأخرت أكثر من المعتاد عندما نزلت الى الصالون , كانت السيدة دوبريان جالسة على أريكتها المفضلة , وراول مرتكزا بكوعه على المدفأة يرتدي بذلة نيلية , توجه اليها بأبتسامة رضا وأعجاب.
" أنك وردة أنكليزية جميلة هذا المساء , أشكرك لأنك نفذت وعدك".
قالها وهو يغمرها بنظراته.
أحمرت خجلا مع أنها لم تهتم لفتحة الصدر في غرفتها , أما السيدة دوبريان فأنحنت وكأنها تريد أن تخترق الستارة السميكة لعماها.
" عن أي شيء تتحدثان؟ أريد أن تقصوا عليّ".
أجاب وهو يضحك:
" ديللي وعدتني أن تلبس قميص الدانتيل الذي وجدته في بوي , أنه جميل جدا وكأنه صنع خصيصا لها , تبدو جميلة كوردة".
وأضاف بصوت مختلف:
" لكن عندما تحمر خجلا , كالآن , فأن لوحة الألوان تكتمل بشكل رائع".
" راوول , كف عن التنكيد على دليلة , ومن الأفضل أن تقدم لها كأسا بدل أن تتفحصها كأنها أحدى موديلاتك".
وأثناء العشاء , بدأت ديللي تسترخي تدريجيا , فأستندت على مسند كرسيها ولكنها لم تجرؤ أن تنظر الى راوول خوفا من أن تفضحها مشاعرها.
وحاولت السيدة دوبريان أن تثنيها عن الرحيل فور أنتهاء العمل , وأضاف راوول صوته الى صوت أمه لربما تراجعت عن قرارها , لكنه لم يبد أي تأثير وكان على العكس في أحسن حالاته المزاجية , مرحا , نشيطا , فرحا وقد يكون ذلك بسبب أفتتاح معرضه في باريس.
أحست عدة مرات بأنه يحاول أن يلفت نظرها لكنها تحاشت أن تلتقي عيناها بعينيه ,وعلى كل حال فالعشاء كان ممتازا , ومضيفتها كانت فرحة.
قلت السيدة بعد أن عادوا الى الصالون :
" راوول , أخبرتني أرنستين أن نويل كانت اليوم في القصر".
أجاب وهو يساعدها في الجلوس على أريكتها.
" آه , نعم".
" أعتقد أن نويل تركت لك رسالة , وأن أرنستين وضعتها في مرسمك".
" لا , أنها تعرفأنه يجب عدم أزعاجي أثناء العمل".
قرعت السيدة دوبريان الجرس المعلق في السقف فحضرت أرنستين.
" رسالة السيدة روسينيول , لو سمحت , وأحضري لي العلبة التي في غرفتي".
ألتفتت ديللي وقد تغير مزاجها.
" هل ستنزعجون أذا طلبت منكم السماح لي بالأنسحاب؟".
أجابت العجوز :
" أرجوك أن تنتظري قليلا".
ثم وضعت يديها على ركبتيها وتابعت:
" والآن يا راوول , ما الذي لدى هذه السيدة لتقوله ولم تقله البارحة مساء ؟ لقد بقيت هنا طويلا بعد ذهابنا أنا وديللي للنوم , ديللي يا عزيزتي , ألا ترين أن أبني يضحي كثيرا من أجل هذه السيدة؟".
دخول أرنستين أنقذ ديللي من الأرتباك , وأخذ راوول العلبة المخملية الكبيرة من أرنستين مع المغلف البنفسجي , وأعطى العلبة الى أمه قبل أن يفتح الرسالة , قرأ الرسالة ثم أبتسم برضى , أدارت ديللي وجهها وسمعته يضع المغلف في جيبه".

نيو فراولة 28-05-11 08:08 PM

" دليلة , أود أن أعرف أذا كنت تتزينين ببعض الحلى هذه الليلة".
أجابت متوترة لأنها فهمت التالي.
" أضع زهرة".
" أذن خذي يا عزيزتي هذه , أنها هدية من والد رايس موغان".
وسحبت من العلبة عقدا لؤلؤيا ذا صفوف ثلاثة جميلا ورائعا كما رأته ديللي في صورة أوجيني دوبريان.
" من المستحيل أن أقبله".
أن ديللي تتألم من كونها كذبت على السيدة العجوز التي أستقبلتها كأحد أفراد الأسرة , لكنها لن تستمر في الكذبة التي عاشتها , فهذا ما لا يمكن أن تتحمله.
" خذيه , لأنني أريد ذلك".
كلمات راوول نفسها , ولكنها لن تقبل هذه المرة.
" لا أرجوك".
" راوول , يبدو أن ديللي صعبة , خذ العقد وضعه عليها".
" بكل سرور".
أخذ العقد ومن خلف مقعد ديللي مرره حول رقبتها وسمعت صوت القفل , ثم أحست بيدي راوول تنزلقان على شعرها ثم على كتفيها , وأمتدت اليد الحارة وسحبت الوردة التي كانت على صدرها , ثم صعدت بتلكؤ , أغلقت عينيها وأنتابتها رعشة.
" راوول لماذا أنت صامت؟ كيف حال العقد على صدرها؟".
كلام السيدة كان له تأثير المياه الباردة التي أنصبت على رأس ديللي فنهضت وهي ترتجف:
" لا.... لا يمكن أن آخذه , فهو ليس لي".
" أنه لك منذ الآن بما أنني قدمته لك , رايس كان يريد أن يقدمه لك".
" لا , أنه....".
" كان سيكون لك يوم الزفاف".
" لكن....".
" خذيه يا طفلتي , وأعتبريه ذكرى من رايس وليس مني".
" لكن رايس لم يحبني".
وخرجت كلمات ديللي عفوية , صمتت السيدة العجوز وظهرت تجاعيد وجهها من ردّة الفعل , ثم أجابت بصوت هادىء:
"أذن خذيه بأسم حبك له ".
" لم أحب رايس , أنا أيضا , لم أحبه أبدا , ولم نفكر أطلاقا بالزواج , وخطوبتنا كانت شكلية , لقد عقدناها لنحميه من المعجبات".
" لكن الكتاب , القصائد , بالتأكيد....".
" ألم تفهمي أنها لم تكن أنا ؟ رايس لم تكن له أمرأة واحدة في حياته , وقد أستوحى قصائده من مجموعة من النساء".
" ومع ذلك فأنت المفضلة , والأهداء , من أجل دليلة......".
" لا".
حاولت ديللي بيأس أن تزيل الألم الذي قرأته على وجه العجوز , ولكن فات الأوان , وأحست برغبة لا تقاوم في أن تعترف بالحقيقة.
" الأهداء لا يعني شيئا , فأنا لم أكن حبيبته , وكانت علاقتنا مهنية بحتة".
" ديللي , لماذا تقصّين عليّ مثل هذه الأمور المخيفة؟".
أصبح لون العجوز بلون الشمع وتقلصت تجاعيد وجهها تماما.
" لأنني أحاول أن أشرح لك لماذا لا أسمح لنفسي أن أقبل العقد".
وحاولت أن تفك العقد , وخبأت رأسها بين يديها وتمتمت بأنفعال:
" أنه سوء تفاهم شنيع".
" سوء تفاهم , وتركتني أصدق طيلة هذه الفترة ..".
منتديات ليلاس
أختنقتالكلمات في حلق العجوز , وشعرت ديللي بأنها وقعت في الفخ , ألتفتت الى راوول ورأته يستند على الأريكة التي كانت تجلس عليها , ممتدا كالوحش الجاهز للأنقضاض , وجهه متقلص , عيناه مركزتان على أنه , ولم تأمل أن يمدها بأي مساعدة , بلعت ريقها بصعوبة وألتفتت الى السيدة:
" ظننت أنني أسدي لك معروفا".
" معروفا!".
تقدمت السيدة من طرف الكرسي وكأن الحقد منحها قوة.
" كل هذه التمثيلية معروف , معروف من أجلي أنا! لم يبق لي غير أحسانك , لقد خدعتني ولا أقبل".
" أردت فقط.....".
" جعلتني أصدق أنك كنت خطيبة أبني".
" الخطوبة كانت حقيقية ولكن فقط لكي أحميه".
" جعلتني أصدق أنك أحببته".
" لم أقل هذا أطلاقا ".
" ألم تخدعيني ؟".
" لم أفكر في حياتي أن أجرح أحدا".
" أستغللت ثقتي , ليس عندي ما أضيفه".
توجهت ديللي غير ثابتة نحو الباب , وراقب راوول خروجها دون أية كلمة.

نيو فراولة 29-05-11 05:15 PM

10- بحيرة الرجل الضائع


أوقفها راوول في آخر السلم .
صرخ بصوت يشبه التوسل:
" ديللي.....".
ألتفتت اليه وقد أخرجت كل مخالبها كحيوان جريح.
" أنت , كل هذا بسببك".
كانت تعرف أن هذا كذب , ولكنها كالمجنونة من شدة الأنفعال , وبحاجة الى أن تصب جام غضبها على أحد.
" أصحيح , هل أنت متأكدة؟".
" نعم صحيح , لو أنك لم تحرجني لأرتدي هذا القميص.......".
" أنه رائع عليك , ولكن هذا لا علاقة له بما حدث".
" لا؟ ولكن لو لم تلامسني مثل...".
توقفت وقد أحمرت خجلا من أعترافها.
" لكنك مع ذلك رفضت العقد".
راحت ترتقي السلم ولكنه أعترضها بذراعه:
" لا تسيئي الى نفسك".
" أنت الذي أساء الى براءتي , أجبرتني أن أعدك هذا الوعد السخيف بأن أرتدي القميص , وبدون سبب واضح , وأذا.....".
قاطعها بلهجة هادئة:
" ليست لديك أي فكرة عن أسبابي".
نظرت اليه نظرة مليئة بالحقد , ودون أن تضيف كلمة خرجت وأغلقت الباب بعنف.
وفي غرفتها تخلصت من ذلك العقد الملعون وكذلك من القميص.
لماذا ألحّ راوول على أرتدائه ؟ وأحست بأنها لو لم ترتعش في حضوره , لوجدت طريقة أقل مأساوية لرفض العقد , أو لربما تظاهرت بقبوله ولا تأخذه معها لدى مغادرتها القصر.
وبعينين ساهمتين وبدون تفكير سحبت الحقائب من الخزنة , لم يعد لديها أي شيء هنا , والكلام الذي يصعب أصلاحه سبق وأن قالته , وأنقبض صدرها لأنها وبشكل لا أرادي سبت للعجوز التي تحترمها والتي بدأت تحبها الآلآم , وأن وجودها في القصر سيذكر السيدة دوبريان بالأبن الذي عليها أن تنساه.
والأكثر من كل ذلك كانت بحاجة لأن تهرب من راوول , أنها لم تعد تقوى على النظر اليه وجها لوجه , وهي تتذكر أفعاله , لماذا بقيت مشلولة عندما سحب الوردة , وتمهلت يده على صدرها؟
وبالنسبة الى راوول , كان قد حذّرها منذ البداية أنه لن يسامحها أذا ما تسببت في آلام لأمه , رحيلها سيخفف عنه , وأن عبورها في حياته الخصبة لن يشكل ألا حادثا طارئا لا سيما مع فرحة أفتتاح معرضه في باريس.
منتديات ليلاس
وبالنتيجة قلبها مفعما بالحسرة لأنها ستخلّف وراءها ثمار أسابيع كاملة من العمل الدؤوب المضني , وقد يستطيع عمها أن يحصل عليها بعد ذلك , لأنها كانت قد أعدت كل المغلفات الرئيسية بالترتيب , أذا وافق راوول على أرسالها بالبريد مثلا.
عليها الآن أن تنظّم هربها بعناية وسرعة , أعدت فستانا أزرق بسيطا يناسب السفر ثم دسّت باقي الملابس في الحقائب واضعة نصب عينيها ألا تحمل ألا أصغرها , وبعد ذلك ستتحمل أرنستين أرسال الباقي بدون شك.
أستلقت على السرير وتأملت السقف , لا تريد أن تنام خوفا من أن لا تستيقظ في الوقت اللازم , كان عليها أن تنتظر حتى ينام سكان القصر كي تنقل حقيبتها الى السيارة.
وبتأن رتبت مخطط الغد , ستأخذ الرينو , عليها أن تختلق حجة لتستعيرها , تتركها في محطة سان جوست.
في الثالثة صباحا تسللت من غرفتها ونزلت السلم في الظلام بحذر وأمتعتها بيدها , وفي الصالة مشت بسهولة لأنها كانت مضاءة بأشعة القمر.
أمسكت أنفاسها وهي تفتح باب الدخول , وأجتازت الباحة بصمت ووصلت الى المرآب بعد أن مرت أمام مرسم راوول.
لحسن الحظ كان الباب مفتوحا , وفي الداخل أصطدمت بكتلة معدنية باردة فتحسستها بيدها لكي تحدد شكلها وعرفت أنها سيارة راوول , تقدمت بحذر في الآتجاه الآخر حتى لمست سيارة الرينو وفرحت عندما وجدتها غير مقفلة , وضعت أمتعتها على المقعد الخلفي وغطّتها بالغطاء الذي وجدته على المقعد يوم وصولها , ولم يبق أمامها ألا أن تعود الى غرفتها وتنتظر طلوع النهار , لم تجد صعوبة في أيجاد مخرج المرآب , كان مضاء بشعاع من النور , وأثناء خروجها أصطدمت بشيء معدني أحدث صوتا في الصمت الليلي كالجرس , فهرعت الى منطقة مظلمة وقلبها يضرب بشدة من الخوف.
سمعت صوت باب المرسم ينفتح على مصراعيه وظهر خيال راوول ........نظرت اليه , كان يمسك ريشة طويلة ويضع يده الأخرى في جيب بنطلونه , الصورة نفسها التي أحبتها والتي لن تراها بعد الآن , وأكثر ما كانت تخافه أن يكتشف وجودها لأنها بالتأكيد أزعجته في اللحظة التي يضع فيها اللمسات الأخيرة لبورتريه ويل , ولا تعرف العواقب.
عاد راوول الى مرسمه عندما لم يلاحظ شيئا غير طبيعي , وأغلق الباب , كانت بحاجة الى عدة دقائق كي يتأقلم نظرها مع الظلام , ولكي تستجمع شجاعتها لأجتياز الباحة.
أغتسلت ولبست قبل طلوع النهار , وجلست على حافة السرير تفكر بالحجة التي ستتخذها لتستعير السيارة , وفجأة تذكرت حديثها مع السيدة دوبريان , بشأن شيزديو , نزهة تستغرق يوما , ولن يلحظ أحد أختفاءها قبل العشاء , وفي هذه الفترة تكون تقريبا قد وصلت الى باريس.

نيو فراولة 29-05-11 05:16 PM

كان عليها أن تبلغ المحطة بأسرع ما يمكن لأنها لا تعرف في أية ساعة يمر قطار الجنوب من سان جوست.
ستتناول أفطارها وستتحدث عن رحلتها , ثم تأخذ المفاتيح من غاسبار , لترحل وبصورة نهائية.
لا يزال راوول نائما لأنه عمل الى فترة متأخرة من الليل , وكذلك السيدة دوبريان لا تستيقظ ألا في ساعة متأخرة.
ولكن هل كان عليها أن تترك كلمة عن مكان وجود السيارة؟
ليس هذا ضروريا لأن سان جوست قرية صغيرة وسوف يلاحظون وجود الرينو أمام المحطة ويعلمون أصحاب القصر, بالأضافة الى أن هيلويس يمكن أن تكتشف الكلمة أثناء تنظيفها للمنزل , وسيصل راوول أو والدته قبل أن تصعد الى القطار.
نظرت أرنستين بدهشة وبشيء من الشك عندما رأت ديللي تنزل باكرا ..... من المؤكد أنها علم بأحداث البارحة.
" هل نامت الآنسة بشكل جيد؟".
" نعم , أشكرك يا أرنستين لهذا الأهتمام".
وبدأت ديللي تحكي عن مشروع رحلتها الى شيزديو.
" السيد راوول لن يرضى بذلك".
" السيد راوول ليس حارسي , وأقدر أن أجد طريقي بدون مساعدة".
وكررت أرنستين بعناد:
" السيد راوول لن يرضى بذلك".
" سأتدبر الأمر معه لدى عودتي , وسأتناول طعام الأفطار أذا سمحت".
" لكن السيد راوول........".
قاطعتها ديللي بحدة.
" السيدة دوبريان سمحت لي بأستعارة السيارة عند الحاجة.
" لكن بعدما حدث البارحة مساء......".
" ماذا تريدين أن تقولي يا آرنستين ؟".
" السيد راوول سيغضب".
تناولت ديللي أفطارها بحضور أرنستين.
" هل ترغب الآنسة أن أعد لها بعض المأكولات , فالطريق طويلة؟".
" لا, شكرا , سأتناول طعامي في أحد المطاعم ويسرني أن أتذوّق الطعام الخاص بالمنطقة".
" كما تريدين يا آنسة , ولكن ماري آنج جهزت بعض اللحومات الباردة".
" أنه لطف كبير منك , ولكنني لست بحاجة ألا لمفاتيح السيارة , والخريطة , أين يمكنني أن أجد غاسبار؟".
" سأرسله اليك يا آنسة , أنه ما زال يتناول طعامه في المطبخ".
أصغت بأنتباه لشرح غاسبار على الخريطة , وهذا جزء من المؤامرة.
" كوني حذرة أثناء القيادة يا آنسة , فالطقس على وشك أن يكون ماطرا وهذا يعني فيضانات حقيقية , وأرضا قابلة للتزحلق".
" وهو كذلك , لا تخف يا كاسبار".
" السيارة قديمة , وأصلحناها مؤخرا , آمل أن تسير بشكل جيد".
" كن مطمئنا لولا تقلق".
فرحت جدا عندما عرض عليها غاسبار أن يحضر لها السارة من المرآب لأنها بذلك تتجنب المرور أمام مرسم راوول.
نظرت ديللي للمرة الأخيرة الى القصر قبل أن تنطلق , غيوم كثيفة تحجب الشمس وتغطي مونبيردو مظهرا حزينا , والمطر ينذر بالهطول ولكنها ستكون قد أخذت مكانها في القطار , وفي أسوأ الأحتمالات تحتمي في صالة الأنتظار في محطة سان جوست.
الطريق المتعرج أيقظ ذكرياتها , يدا راوول المتقلصتان على المقود , راوول الذي يقود بسرعة جنونية وكاد أن يقتلها , راوول مرتاح ومبتسم في زيارة بوي , راوول المخيف بعد العشاء عند نويل , بذلت مجهودا كبيرا لتطرده من تفكيرها وتركز أهتمامها على القيادة , وبعد قليل رأت بدأت الأرض المرصوفة بالصعود والتعرج وكذلك بدأت السيارة تعاند والمحرك يسخن وبعد عدة قفزات توقف تماما عن الدوران , شدت الفرام بيدها وحاولت أن تعيد تشغيل المحرك.
لم تعد تعرف ماذا تفعل فهي بعيدة عن غايتها , لقد مرت توا من مدخل الطريق الضيقة الموصلة الى نويل , ولكن لا يمكن أن تطلب مساعدة تلك المرأة مهما كلف الثمن , لم يكن أمامها ألا أن تترك السيارة وتتابع سيرا على الأقدام.
ولكن أذا ما رآها أي شخص سيخبر القصر فورا , وقد يمر راوول من هنا , وقررت أن تتركها تنزلق في الطريق الخلفي , محاولة صعبة وخطرة على طريق متعرجة وترابية , شدت أخيرا فرام اليد وتركت المفاتيح في السيارة , ليس هناك خطورة طالما أن السيارة معطلة , فتحت الباب الخلفي ورفعت الغطاء الذي يخفي حقيبتها.
ما العمل ؟ أنها أصغر حقائبها ولكنها ثقيلة مع ذلك , أثقل من أن تحملها حتى سان جوست , وقررت أن تتركها وسيرسلونها مع بقية المتاع , سحبت كنزة سميكة وتذكرت أنها نسيت الحمراء التي تنشف بسرعة في مرسم راوول , ووضعت في حقيبة يدها أدوات الزينة والألبسة الداخلية وجواز السفر والنقود.
صعدت الطريق الترابية وهي تتأسف لأنها أنتعلت الحذاء ذا الكعب العالي , ثم سارت بأتجاه سان جوست , أستراحت قليلا ولكنها فكرت بأنها لن تصل المحطة قبل الظهيرة أذا كانت ستتابع على هذا المنوال.
ثارت عندما أحست بضعفها مع أنها أحكمت خطتها جيدا , ولماذا يقف القدر ضدها الى هذا الحد؟ لمحت ممرا شائكا في العمق ولكنه بالتأكيد يختصر المسافة عدة كيلومترات , خلعت حذاءها دون تردد وسارت بخطوات منتظمة الى أن وصلت الى مكان أستطاعت فيه أن تميز جدران سان جوست , ولكن كان عليها أن تهبط منخفضا آخر يوصل الى هضبة فتابعت طريقها بشجاعة ولكنها فوجئت ببحيرة صغيرة قطعت عليها الطريق , فوقفت تتفحص الأتجاه الذي عليها أن تأخذه.
أنها بالتأكيد بحيرة الرجل الضائع , كان المكان رائعا , بعيدا عن الطريق وغير مشوّه بالمدنية , لا ترى بيتا ولا كوخا , حتى القرية كانت تختفي خلف القمة , أقتربت من الشط لعلها تلمح آثار المدينة الغائرة , لكن سطح المياه الأملس لم يعكس لها ألا صورة الغيوم الملبّدة في السماء, الهواء البارد بدأ يعصف والمطر ينذر بسيولة وعليها أن تسرع لتهرب من كل ذلك ولتلحق بالقطار.
وفجأة غاصت قدميها في شق صخري , وحاولت سحبها بشتى الطرق , لكن دون نتيجة , أستندت على صخرة وشدت رجلها بقوة سمعت بعدها طقطقة وأطلقت صرخة من شدة الألم , لقد أصبحت قدمها حبيسة الصخرة وأقل حركة كانت تثير في ساقها ألما لا يحتمل.
حبست دموع اليأس في مآقيها , ولا أمل لديها الآن ألا أذا حركت الصخرة , حاولت أن تحيطها بيديها وتدفعها بكل قواها لكن دون فائدة , ولا أمل لديها بأي مساعدة لأن الزوار لا يمكن أن يقصدوا البحيرة في مثل هذا الطقس.
أرعدت السماء وأبرقت وهطلت الأمطار كالسيول , تمددت ديللي بنصفها على الأرض وبعد مجهود أستطاعت أن تمسك حقيبة يدها وتخرج منها الكنزة لكي تتقي بها المطر ولو مؤقتا, وحاولت أن تجمع الحاجيات التي سقطت منها وتبعثرت على الأرض , وتذكرت قبعة بلاستيكية في حقيبتها فلبستها وكانت هذه حمايتها الوحيدة من كثافة الأمطار.

نيو فراولة 29-05-11 05:18 PM

11 - آلام دليلة




كان الضباب ينسحب فوق البحيرة متخذا أشكالا خيالية , تساءلت ديللي أذا لم تكن مخيلتها هي التي تلعب عليها هذا الدور , موكب من الكائنات الغريبة سكنت هذا الليل اللامتناهي , وقد لا يكون هذا الضباب المتحرك ألا من صنع خيالها.
كانت تتجمد كلما عصفت الريح وهزت كيانها , لكن آلام جسمها لا تزال تذكّرها بأنها آدمية من لحم ودم , ولتتجنب أن تغرق في حالة جنونية , ركزت أنتباهها على أشياء صغيرة حقيقية , مثل العشب الذي تتلألأ عليه قطرات الندى , حجر غريب الشكل وحشرة في شق صخرة , وبعد قليل أنهكها هذا الجهد فأغمضت عينيها , منذ متى وهي على حافة البحيرة ؟ منذ يومين ؟ ثلاثة؟ دهر ؟ في البداية تراقص البرق وأشتدت العواصف وسقطت الأمطار كالشلالات وكأن الجنية صاحبة الأسطورة عادت لتكسر كل شيء.
وبعد بضع ساعات هدأت العواصف وتبعها سقوط مطر جليدي حتى الغسق , وتذكرت ديللي أنها صحت عدة مرات في الليل الحالك , وفي اليوم الثاني بزغت شمس شاحبة , خلعت ديللي كنزتها لتعرض فستانها المبلل وجسمها لأشعة الشمس , ثم عادت الغيوم لتغطي سطح السماء , وأعقبها مطر أضطرها أن تعيد كنزتها الى أكتافها وهي لا تزال رطبة.
منتديات ليلاس
ولم يتأخر في زيادة تعذيبها , لقد رفضت أن تحضر لها أرنستين بعض الأطعمة , ولحسن الحظ أستطاعت أن تروي ظمأها من المياه المتجمعة في حفرة الصخرة , وفي وقت لاحق أثناء النهار عادت تمطر رذاذا , ولكنه كان يخترق كيانها حتى العظم , سيما بعد أن طارت قبعتها مع الرياح.
وبعد ذلك فقدت أحساسها بالزمن , فأحيانا تدخل في حالة غيبوبة وأحيانا وبشكل لا أرادي تصحو على أثر الألم الذي ينتابها ويصعب التغلب عليه.
وفي اليوم الثاني أو قد يكون الثالث , تشكل لديها هوس جديد ألا وهو هوس سمعي بالأضافة الى الهوس البصري , لقد بدأت تسمع أصواتا يرتد صداها بعد أرتطامها بالصخور المحيطة بالبحيرة , وفي لحظة أرتسم أمامها خيال راوول عن بعد , ثم بدا وكأنه يقترب منها , وبدأ يكبر ويكبر حتى حجب الأفق , ووقعت مغمى عليها , سعيدة من أنها هربت من طيف راوول.
" ديللي".
رنت الكلمة في رأسها وأيقظت رغبتها في التحرر , أن السراب هذه المرة يمتلك صوتا ويدين وأكتافا حملتها وأصابع لامست وجهها , ومن أعماق يأسها تمنت أن يكون هذا الوهم حقيقيا.
ثم سمعت صوتا آخر وشاهدت أجساما أخرى , أحدها أدخل قضيبا حديديا تحت الخرة , وتحركت.
عض قدمها ألم فظيع ثم وصل الى الرسغ وأخيرا صعد الى الساق , بدت أمامها صورة راوول ثانية , أنه غاضب ولكن ليس منها وأنما من شخص آخر , كان يشتمه , ثم سمعت صراخا , وفجأة توقف الألم.
هوسها أخذ منحى آخر , لم تعد سجينة , شخص أخذها بين ذراعيه وهدهدها كالطفل , وأحست بأن قواها تغور وأغمي عليها.
عندما عادت الى وعيها وجدت نفسها في سيارة , لم تكن سيارة راوول وأنما هناك شخص آخر يقودها , ولكنها أحست بأن راوول هو الشخص الذي يجلس الى جانبها.
توقفت السيارة , وعندما أخرجوها , عبر برج القصر مجال رؤيتها ثم مريول أرنستين الأبيض , وسمعت صوتا آخر , ثم السلّم , فتح باب وأخيرا تعرفت على غرفتها.
وفي حالة نصف واعية رأت أرنستين تمد الشراشف على السرير , ثم ذهبت وعادت بطشت , شحص ما حملها يتؤدة الى السرير , أمسكت بيده خائفة من أن تبقى وحدها .
" دليلة".
أنه صوت راوول , قلق وحنون ومنعفل , أرادت أن تصرخ من يأسها , لكنها فقدت مقدرتها على الصراخ.
وأخيرا وجدت نفسها في سرير ناعم وغرق رأسها بين المخدات.
وبدون أن تميز أذا كانت في حالة حلم أم يقظة , لمحت راوول , أنه بقربها , يمسّد شعرها بيد ناعمة , ويقول كلاما لا تسمعه , فاضت دموعها بغزارة وأحست بأن أحدا يمسح دموعها , أرادت أن ترفع رأسها فسقط ثانية ,وتلاشت حواسها ودخلت في حالة غيبوبة.

نيو فراولة 29-05-11 05:20 PM

12- تعرفين سبب عودتي

الجدران تتقارب , تغيّر أشكالها , ثم تتلاشى بعيدا , وأخيرا يعم الظلام , وبعد وقت طويل نقطة ضوء ثم أأثنتان ثم عدد لا يحصى من الأسهم النارية ملأت المساحات وبهرت العيون.
وفي لحظات أخرى أرتسمت وجوه على السقف , وجه أرنستين القلق من شيء كالمعتاد , وجه السيدة دوبريان الشاحب كالموت , وجه رجل قد يكون عمها ولكنه ليس هو , أنه على الأغلب وجه راوول , حاد أو مخيف أو وقح أو مبتسم أو حزين.
وأخيرا لم يعد يسيطر ألا الليل , عميقا , أسمّ , وأزليا .
وعندما أستيقظت ديللي كانت الغرفة تسبح في أشعة الشمس .
قال صوت لطيف جدا:
" آنستي؟".
منتديات ليلاس
أدارت رأسها الذي يقرع كالطبل وتعرفت الى أرنستين , أرادت أن تكلمها , لكن عضلات وجهها كانت شبه متلاشية , فرفعت أرنستين لها رأسها وقربت كأسا من شفتيها الناشفتين , شربت بضع نقاط من الماء وأحست بالتحسن وأستطاعت أن تبتسم , ولكن الجهد كان كبيرا فأغمضت عينيها ونامت مجددا.
حلمت أن راوول يلمس وجهها بنعومة , ورغبت أن تلمسه لكن أعضاءها رفضت الأستجابة.
وأحست بحرارة أنفاسه على وجهها , ثم تلاشى الحلم , وعندما فتحت عينيها شاهدت أرنستين تمسح عرقها بمنشفة رطبة ومعطرة , ثم أعطتها بضع ملاعق من الشراب الساخن.
" الآنسة أفضل اليوم كما أرى".
بما أن أرنستين ترى ذلك فقد يكون صحيحا , مع أنها تشعر بأرهاق شديد.
" أريد أيضا قليلا من الحساء".
" لا يا آنستي , في هذا بعض الخطر , الحرارة لم تهبط ألا البارحة , والآنسة كانت مريضة جدا , وكادت تموت من البرد".
سألت وهي تتلفظ بصعوبة:
" كم من الوقت.....".
" الآنسة تهذي خلال أربعة أيام , والسيدة كانت قلقة جدا , ولكن الطبيب أكد لها البارحة بأن الوضع لم يعد خطرا ".
" وراوول؟".
" السيد راوول هو الذي وجدك بعد بحث يومين , الكل بحث عنك في شيزديو , يجب ألا تتعبي نفسك الآ ولا تفكري بشيء , نامي وعندما تصحين سأعطيك حساء".
كانت ديللي قد نامت قبل أن تنهي أرنستين كلامها , ثم أستفاقت بعد عدة ساعات من نوم عميق لم تزعجه الكوابيس , وكانت أرنستين تجلس بقربها أمام الطاولة.
" أرنستين عليك أن تكوني قرب السيدة دوبريان".
" لا يا آنسة , السيدة أمرتني أن أظل بقربك حتى تتماثلي للشفاء".
" ومن يعتني بها؟".
" لا تقلقي , هيلويس لطيفة جدا وتتدبر الأمر ,وبما أن مرحلة الخطورة قد أنتهت فسأعود الى جانب السيدة هذا المساء , والآن عليك أن تأكلي بشكل جيد لكي تستردي قواك".
وبعد قليل جاءتها ماري آنج بطبق من الحساء وآخر من الفاكهة المطبوخة , ويبدو أنها كانت قلقة بشأن صحتها كأرنستين .
بذلت مجهودا كبيرا لتأكل وقالت في نفسها ( الكل أهتم بي حتى السيدة دوبريان بعد كل ما حصل , ألا الشخص الوحيد الذي كنت بحاجة لرؤيته , أين هو الآن ؟ هل هو هنا؟ أم في باريس؟).
كان يلزمها يومان لكي تستعيد شيئا من الحيوية , ولكي تبقى صاحية لمدة ساعتين متتابعتين , أرنستين تعتني بها بشكل دائم , كذلك هيلويس كما تعرفت الى الطبيب شارل طبيب سان جوست الذي أعتنى بها وعاملها على أنها أنسانة ودودة وقريبة من القلب.
أتت السيدة العجوز لزيارتها , وكانت متعبة وبقيت معها فترة قصيرة , راوول ما زال غائبا , هل أتى لرؤيتها وهي في حالة الهذيان أم أنها تخيلت ذلك؟ ومن المؤكد أنه سافر الى باريس بعد أن وجدها , وبعد الوقت الذي أضاعه في البحث عنها أثناء أفتتاح معرضه.
في اليوم التالي نهضت من السرير ولكن ساقيها لم تقويا على حملها لفترة طويلة , فعادت مسرعة الى السرير , وبعد يومين أحست بالتحسن , ثم عاد الطبيب لزيارتها وأطمأن من نتائج الفحص.
" أنك قوية , وهذا من حسن الحظ , يا حبذا لو كانت السيدة دوبريان كذلك".
قالت وهي تتألم من أن تكون هي المسؤولة :
" يبدو لي أنها مريضة جدا".
تمتم :
" أنه مرض النفس , هذا التشخيص ينطبق عليك كذلك ".
أكدت بصوت مليء بالثقة:
" أشعر بأنني شفيت تماما , نزلت البارحة الى العشاء وأمضيت الصباح وأنا أتنزه في الشمس".
أكد لها الطبيب:
" أنت لم تستعيدي صحتك تماما , أعتقد أن في داخلك شيئا ما".
قالت كاذبة وهي ترغم نفسها على الأبتسام:
" لا , كنت أتمنى فقط أن ألتقي عمي وعمتي , فأنا لم أرهما منذ فترة طويلة".
" ستتحقق أمنيتك قريبا وأعتقد أنك خلال يومين أو ثلاثة يمكنك أن تتحملي أعباء السفر , وسأشرح هذا للسيدة دوبريان , لكن عليك أن تمنعي نفسك من الأنفعال الداخلي فهناك بعض الأمراض يعجز عن معالجتها أمهر الأطباء".

نيو فراولة 29-05-11 05:21 PM

الطبيب محق في ذلك , لقد حاولت أن تطرد الشبح الذي يأكل قلبها , ولكنها لم تستطع أن تطرد منه راوول , أنه يشغل قلبها وعقلها كليا , كانت ديللي متأكدة من أنه في باريس , ولكنها لم تجرؤ على طرح السؤال خوفا من كشف عواطفها.
منع الطبيب السيدة من مغادرة غرفتها فذهبت ديللي لزيارتها , وقد صدمت لرؤيتها على ما كانت عليه من أرهاق, وأنقبض قلبها لما سببته لها من ألآم.
" آمل ألا تتحاملي علي لأنني تسببت في أزعاجك".
أبتسمت السيدة دوبريان , وكانت تجلس على أريكة كبيرة وتغطي رجليها.
" كنت سأحزن لو لم تأت لرؤيتي , أخبرتني أرنستين بأنك أفضل بكثير الآن".
" هذا صحيح".
تبع ذلك صمت محيّر , أستعادت ديللي شجاعتها لتكسر هذا الصمت المطبق.
" لا أعرف كيف أعبّر لك عن أفكاري , لكنني أود أن أقول بأنني لم أقصد أبدا أن أسبب لك أي ألم ولا لأي شخص آخر في هذا العالم , ولقد شعرت في الأيام الأخيرة بأنني أعيش في أسرتي كما أنني كنت فخورة من أن تكوني لي أما أو حماة, ولا يمكن أن أحتمل فكرة تعذيبك".
تنهدت العجوز بحرقة:
" وهل فعلت هذا؟ لا أعتقد , أن ما شرحته لي فيما يتعلق برايس , حاولت أن أنساه قدر الأمكان , ولكنني لن أنسى أبدا أنك كنت ستموتين بسببي".
" هذا ليس صحيحا , هناك شيء آخر دفعني للرحيل".
ثم سكتت خوفا من أن تكشف حبها لراوول.
ظلت العجوز صامتة لفترة طويلة وكأنها تجتر ما قالته ديللي ثم تمتمت وكأنها تكلم نفسها أكثر مما تكلم شخصا آخر :
" شيء آخر.......؟ لكن......".
ثم صمتت .
حاولت ديللي أن تستعيد الحديث:
" الطبيب سمح لي بالسفر خلال يومين , آمل أن توافقي على ذلك".
" لا , لست موافقة , وكذلك أبني لن يكون موافقا , لقد كان قلقا جدا عندما سافر , ولولا أن الطبيب أكد له بأن لا خطر عليك.......".
لم تجرؤ ديللي على الحركة وأمسكت أنفاسها متمنية وخائفة في الوقت نفسه من أن تسمع المزيد.
"........ لكن راوول تأخر عدة أيام , والمسؤول عن صالة العرض لا يعرف السبب , الأفتتاح لا يمكن أن يؤجل , أتفهمين؟".
أجابت بصوت ضعيف:
" لم أنتظر أن يفعل ذلك".
أذن لقد بقي في مونيبردو بعد أنقاذها.
" سيعود خلال أسبوع".
ويبدو أن السيدة كانت تترصد رد فعل ديللي.
" أنا متأكدة من أن المعرض سيكون ناجحا".
هذا كل ما أستطاعت أن تقوله , وأضافت وهي تحاول أن تتحكم في نفسها.
" يسعدني أن أقرأ شيئا من رأي النقاد".
" من الأفضل أن تنتظري قليلا , أن راوول قلق جدا بشأن صحتك , وهو يتصل هاتفيا كل يوم.... مرتين أو ثلاثة , مع أنه يكره الهاتف جدا".
مسحت ديللي دموعها , أنه يتصل كل يوم ليطمئن على صحة والدته , فهو لم يطلب أن يكلمها , وبعد أن تذكرت قلقه قالت لنفسها ): سيكون قلقا أيضا أذا ما حدث أي حادث مشابه لأرنستين أو ماري آنج أو غاسبار.....).
" يمكنك أن تخبريه بأنني شفيت ".
" لماذا لا تؤكدين له ذلك بنفسك؟".
" عندي موعد مع عمتي في باريس , وهكذا لن أكون وحيدة طيلة الرحلة".
فكرت السيدة لحظة ثم شدّت على وجهها.
" مع الأسف , أطلب منك فقط أن تزوريني قبل رحيلك".
غادرت ديللي السيدة دوبريان بعد السهرة بقلب حزين لأنها لن تراها بعد الآن , ولكنها أحست بالأرتياح من تحسن صحتها , لقد كانت هادئة وكأنها في حالة سلام داخلي مع نفسها , ربما لم تعد تعتبر نفسها المسؤولة عن الحادث المأساوي الذي كان سيكلف ديللي حياتها.
ديللي الآن جاهزة للرحيل ولحسن الحظ أن غاسبار وأرنستين أهتما بكل شيء لأنها لم تكن قد أستعادت قوتها تماما , وبذلت جهدا لكي تغادر المقعد الذي أعتادت أن تجلس عليه , وألقت نظرة أخيرة على المكتب والخزانة والحمام , لتطمئن الى أنها لم تنس شيئا , لقد حزمت كل أمتعتها ما عدا قميص الدانتيل , الذي تركته معلقا في الخزانة, والكنزة الحمراء التي نسيتها في مرسم راوول.
ودّعت ديللي أرنستين وماري آنج , وتأثرت عندما رأت أرنستين تمسح دموعها خفية بطرف مريولها.
قررت أن تنتظر غاسبار في الخارج بما أن الطقس جميل , نزلت على مهل وهي تلامس بأصابعها درابزين السلم , ومن واجهة الصالون الزجاجية راحت تتأمل للمرة الأخيرة ورود الباحة الداخلية مما أحيا ذكرياتها وآلامها , ثم فتحت الباب وخرجت الى الشمس , لكن غاسبار تأخر.
لمحت باب مرسم راوول مفتوحا , لا بد أن هيلويس وأرنستين أستغلتا فرصة غياب راوول لتنظيفه , وهذا أعطاها فرصة لأستعادة كنزتها.
دخلت الغرفة ولم تجد أثرا لأحد.

نيو فراولة 29-05-11 05:22 PM

معظم اللوحات التي كانت معلقة على الجدرا , أختفت ولم يبق ألا بعضها , وعلى حاملة اللوحة رأت واحدة كبيرة , ولكن من الخلف , لا بد أنها لوحة نويل , ولمحت على الطاولة الكنزة الحمراء فأقتربت ومدت يدها لتأخذها.
" ديللي".
قفزت وكأن تيارا كهربائيا مسّها , وألتفتت لترى راوول واقفا أمام الباب والأبتسامة تعلو شفتيه , خفق قلب ديللي وتلعثمت , دخل وأغلق الباب ولم يقترب وأنما نظر اليها بعيون تلمع كالذهب.
تمتمت بخجل متحاشية نظراته:
" جئت أستعيد الكنزة".
أقترب منها بهدوء:
" ظننتك في باريس".
" كنت , وعدت منذ بضع دقائق فقط".
تابع تقدمه ثم توقف على بعد خطوات منها , رفع يده وكأنه يريد أن يمسكها ثم أنزلها وتنهد من أعماقه.
" ظننت أنني سأراك في القصر".
" نزلت لأنني سأرحل خلال ساعة".
" هل أنت متأكدة؟ لا أعتقد أنك تستطيعين السفر".
" الطبيب سمح لي بذلك".
" أذن , هكذا سترحلين؟ وبدون وداع؟".
" طلبت السماح من والدتك".
" أخبرتني بذلك البارحة".
" ظننت أن رحيلي لن يؤثر عليك , فأنت لم تكلمني على الهاتف".
" من المستحيل أن أقول لك الى اللقاء بهذه الطريقة".
" أذن سأودعك وأقدم شكري".
" شكرك؟".
" لن أنسى أنك أنقذت حياتي".
" يمكنك أن تشكري نويل لأنها لو لم تكن.......".
لم يكمل الجملة التي قالها بسخرية , وبلعت ديللي ريقها بصعوبة لأنها لا تريد أن يكون لنويل فضل عليها.
" لا بد أنك قمت بالشكر نيابة عني".
" هذا ما فعلته".
" لقد تسببت في تأخير سفرك الى باريس وأرجو أن تقبل أسفي".
" لتذهب باريس الى الجحيم".
حاولت أن تحتفظ بهدوئها وسألته بلهجة حيادية :
" كيف كان رد فعل النقاد؟".
" ليست لدي أي فكرة بهذا الشأن , الأفتتاح هذا المساء".
" أذن ستكون.....".
قال وهو يهز كتفيه:
" نعم سأكون غائبا , لا أحب يوم الأفتتاح".
" هذا ما يفسر عودتك أذن؟".
" ديللي , أنت تعرفين تماما سبب عودتي".
قالها بصوت جاد وحار لم تسمعه من قبل , أحست بقلبها يخفق بجنون , أخذها من ذراعها وجرّها نحو حامل اللوحة , حاولت أن تقاوم لأنها لا تريد أن ترى رسم نويل.
قال بصوت لطيف:
" ربما هذا يساعدك على الفهم".
منتديات ليلاس
فتحت عينيها متوقعة أن ترى نظرة نويل المتعجرفة ولكن اللوحة لم تكن ألا مرآة لها , أنها أمام صورتها الأصلية.
الوجه محاط بشعر أشقر يميل الى الأحمرار , أذنان صغيرتان مرسومتان بشكل جميل , العينان نفسهما التي وصفهما لأمه , رماديتان شاحبتان على مساحة كبيرة , الفم كبير بلون أحمر شاحب يفتر بشكل خفيف عن أبتسامة تخفي أسنانا عاجية جميلة , الذقن دقيقة مرفوعة.
ديللي اللوحة تلبس قميص الدانتيل , بفتحة صدر كبيرة تكشف عن رقبة جميلة تثير الأحاسيس الغافية.
تمتم راوول بصوت مخملي:
" مزيج رائع من البراءة والأثارة".
ألتفتت اليه بعينين مدهوشتين:
" تحبني , وألا لما رسمت هذه؟".
لم يكن سؤالا ولكنه كان أكتشافا.
" أعتقد أن قلبي أحبك منذ البداية , لكن كان علي أن أرسم وجهك لأكتشفك".
" لكن لم تقل لي ذلك أبدا".
كانت ديللي تضغط بيديها على صدرها لكي تخفف من ضربات قلبها المجنون.
" مع أنك كنت ترسم نويل".
" هذا صحيح".
وقف بجانبها ولم يقترب , ونظر اليها بحنان وكأنه يلامسها بعينيه .
" عند رسمها أكتشفت حقيقتها , وتوصلت الى أكتشاف ما كانت تخفيه لفترة طويلة , ولم أكمل اللوحة".
" وبالتأكيد لم تكن مسرورة لذلك؟".
" لتذهب الى الجحيم , أنها لم تكن مسرورة من مجموعة أقوال أسمعتها أياها , هل يمكن لشخص ما أن يصمت طيلة هذه الفترة , أثناء أختفائك , وهو يعرف أن سيارتك تقف بجانب.........".
قاطع نفسه وكأن الكلمات رفضت أن تخرج من حنجرة مليئة بالأنفعال.
" لكنني حسمت كل شيء في الليلة التي تعشت فيها معنا".
" والرسالة التي أرسلتها......".
" كانت المحاولة الأخيرة".
" لكن عندما أصطحبتني للعشاء عندها بدت لي....".
" كانت غيورة من جمالك... وأحست قبلي بأنني أحبك فلعبت هذا الدور لكي توهمك بأنني مغرم بها".
لا تريد ديللي أن تفكر بهذه المرأة التي تغير منها بجنون.
" نويل لم تستحوذ على قلبي أطلاقا , ولا أنكر وجود علاقة ما , وبعد كل شيء فأنا رجل......".
قالت بأبتسامة خبيثة:
" لقد صدق أحساسي".
وأخيرا كانت ديللي هي التي أقتربت من راوول:
" راوول ".
ولكنه لم يدعها تكمل , بل ضمّها بين ذراعيه بحنان وغابا في عناق حار وهو يهمس بأسمها.......





تمت

ليتني اعود طفلة 29-05-11 09:52 PM

الرواية رائعة انا قراتها سلمت هالايادي

زهرة منسية 30-05-11 02:14 AM

يسلموا كتير وفى انتظار جديدك
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55:

ربي اسالك الجنة 30-05-11 07:27 AM

حبيبتي نيو فراولة قرات هذي الرواية قبل كم سنة من جد روووووووووووووووووعه الله يعطيكي العافية حبيبتي ودمتي لنا احلى فراولة :peace::dancingmonkeyff8::peace:

Rehana 30-05-11 07:29 AM

حبيبتي فريال .. يعطيك الف عافية
والله لا يحرمنا من هذا طلة

http://www.whattowriteinathankyoucar...0interview.jpg

نجلاء عبد الوهاب 30-05-11 07:32 PM

رواية جميلة:mo2::band1::7_5_120::7_5_120:

ندى ندى 31-05-11 12:33 AM

رووووووووووووووووووووووووووعه

hoob 31-05-11 03:07 AM

حلوه اوى وجمله

دنيز 08-07-11 01:15 PM

شوكت اتكملوهة

سومه كاتمة الاسرار 08-07-11 08:32 PM

واااااااااااااااااااااااو تحفففففففففففففففففففه سلمتى وسلمت يمناكى
:8_4_134:

فتاة 86 31-07-11 08:36 PM

كثير عجبتني روعة
و هي أحلى بوسة لأحلى فراولة
بس لا تنزعجي من صوت البوسة لإنا كثير طويلة
مووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو ووو
وووووووووووووووووووووووووووة

راية الاحزان 05-10-15 06:57 PM

رد: 155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلمووووووو

حنان محمد ابراهيم 13-11-15 09:48 AM

رد: 155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
الرواية جميلة جدا ااااااا:0041::55:

زهرمال 15-11-15 06:04 PM

[QUOTE=نيو فراولة;2760329]معظم اللوحات التي كانت معلقة على الجدرا , أختفت ولم يبق ألا بعضها , وعلى حاملة اللوحة رأت واحدة كبيرة , ولكن من الخلف , لا بد أنها لوحة نويل , ولمحت على الطاولة الكنزة الحمراء فأقتربت ومدت يدها لتأخذها.
" ديللي".
قفزت وكأن تيارا كهربائيا مسّها , وألتفتت لترى راوول واقفا أمام الباب والأبتسامة تعلو شفتيه , خفق قلب ديللي وتلعثمت , دخل وأغلق الباب ولم يقترب وأنما نظر اليها بعيون تلمع كالذهب.
تمتمت بخجل متحاشية نظراته:
" جئت أستعيد الكنزة".
أقترب منها بهدوء:
" ظننتك في باريس".
" كنت , وعدت منذ بضع دقائق فقط".
تابع تقدمه ثم توقف على بعد خطوات منها , رفع يده وكأنه يريد أن يمسكها ثم أنزلها وتنهد من أعماقه.
" ظننت أنني سأراك في القصر".
" نزلت لأنني سأرحل خلال ساعة".
" هل أنت متأكدة؟ لا أعتقد أنك تستطيعين السفر".
" الطبيب سمح لي بذلك".
" أذن , هكذا سترحلين؟ وبدون وداع؟".
" طلبت السماح من والدتك".
" أخبرتني بذلك البارحة".
" ظننت أن رحيلي لن يؤثر عليك , فأنت لم تكلمني على الهاتف".
" من المستحيل أن أقول لك الى اللقاء بهذه الطريقة".
" أذن سأودعك وأقدم شكري".
" شكرك؟".
" لن أنسى أنك أنقذت حياتي".
" يمكنك أن تشكري نويل لأنها لو لم تكن.......".
لم يكمل الجملة التي قالها بسخرية , وبلعت ديللي ريقها بصعوبة لأنها لا تريد أن يكون لنويل فضل عليها.
" لا بد أنك قمت بالشكر نيابة عني".
" هذا ما فعلته".
" لقد تسببت في تأخير سفرك الى باريس وأرجو أن تقبل أسفي".
" لتذهب باريس الى الجحيم".
حاولت أن تحتفظ بهدوئها وسألته بلهجة حيادية :
" كيف كان رد فعل النقاد؟".
" ليست لدي أي فكرة بهذا الشأن , الأفتتاح هذا المساء".
" أذن ستكون.....".
قال وهو يهز كتفيه:
" نعم سأكون غائبا , لا أحب يوم الأفتتاح".
" هذا ما يفسر عودتك أذن؟".
" ديللي , أنت تعرفين تماما سبب عودتي".
قالها بصوت جاد وحار لم تسمعه من قبل , أحست بقلبها يخفق بجنون , أخذها من ذراعها وجرّها نحو حامل اللوحة , حاولت أن تقاوم لأنها لا تريد أن ترى رسم نويل.
قال بصوت لطيف:
" ربما هذا يساعدك على الفهم".

فتحت عينيها متوقعة أن ترى نظرة نويل المتعجرفة ولكن اللوحة لم تكن ألا مرآة لها , أنها أمام صورتها الأصلية.
الوجه محاط بشعر أشقر يميل الى الأحمرار , أذنان صغيرتان مرسومتان بشكل جميل , العينان نفسهما التي وصفهما لأمه , رماديتان شاحبتان على مساحة كبيرة , الفم كبير بلون أحمر شاحب يفتر بشكل خفيف عن أبتسامة تخفي أسنانا عاجية جميلة , الذقن دقيقة مرفوعة.
ديللي اللوحة تلبس قميص الدانتيل , بفتحة صدر كبيرة تكشف عن رقبة جميلة تثير الأحاسيس الغافية.
تمتم راوول بصوت مخملي:
" مزيج رائع من البراءة والأثارة".
ألتفتت اليه بعينين مدهوشتين:
" تحبني , وألا لما رسمت هذه؟".
لم يكن سؤالا ولكنه كان أكتشافا.
" أعتقد أن قلبي أحبك منذ البداية , لكن كان علي أن أرسم وجهك لأكتشفك".
" لكن لم تقل لي ذلك أبدا".
كانت ديللي تضغط بيديها على صدرها لكي تخفف من ضربات قلبها المجنون.
" مع أنك كنت ترسم نويل".
" هذا صحيح".
وقف بجانبها ولم يقترب , ونظر اليها بحنان وكأنه يلامسها بعينيه .
" عند رسمها أكتشفت حقيقتها , وتوصلت الى أكتشاف ما كانت تخفيه لفترة طويلة , ولم أكمل اللوحة".
" وبالتأكيد لم تكن مسرورة لذلك؟".
" لتذهب الى الجحيم , أنها لم تكن مسرورة من مجموعة أقوال أسمعتها أياها , هل يمكن لشخص ما أن يصمت طيلة هذه الفترة , أثناء أختفائك , وهو يعرف أن سيارتك تقف بجانب.........".
قاطع نفسه وكأن الكلمات رفضت أن تخرج من حنجرة مليئة بالأنفعال.
" لكنني حسمت كل شيء في الليلة التي تعشت فيها معنا".
" والرسالة التي أرسلتها......".
" كانت المحاولة الأخيرة".
" لكن عندما أصطحبتني للعشاء عندها بدت لي....".
" كانت غيورة من جمالك... وأحست قبلي بأنني أحبك فلعبت هذا الدور لكي توهمك بأنني مغرم بها".
لا تريد ديللي أن تفكر بهذه المرأة التي تغير منها بجنون.
" نويل لم تستحوذ على قلبي أطلاقا , ولا أنكر وجود علاقة ما , وبعد كل شيء فأنا رجل......".
قالت بأبتسامة خبيثة:
" لقد صدق أحساسي".
وأخيرا كانت ديللي هي التي أقتربت من راوول:
" راوول ".
ولكنه لم يدعها تكمل , بل ضمّها بين ذراعيه بحنان وغابا في عناق حار وهو يهمس بأسمها.......





‎ ‎الرواية ممتازة مزيدا من التوفيق

نجلاء عبد الوهاب 02-05-17 07:57 PM

رد: 155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
حلوه كتييييييير
:55::55::55::55:
:thrasher::thrasher::thrasher:
:rdd12zp1::rdd12zp1:

layalo 19-05-20 12:58 AM

رد: 155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
السلام عليكم وشكراً لكم

Moubel 18-01-22 11:24 AM

رد: 155 - أنشودة البحيرة - آبرا تايلور - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك على المجهود


الساعة الآن 10:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية