منتديات ليلاس - نماذج من حياة القلوب

إن الدنيا عند السلف الصالح معبر للآخرة ما رأوا أمراً إلا تمثلت أمامهم الآخرة وما وقفوا موقف إلا تذكروا الموقف الأكبر يوم القيامة .
أنها والله حياة القلوب ،وبالرغم مما كانوا عليه من زهد وعمل وعلم فإنهم كانوا يخافون من الله خوفاً شديداً حتى تساقطت منهم الدموع وتشققت منهم الأقدام من طول القيام ،لقد كانوا والله أهل خشية لله ومراقبة له في كل أحوالهم {يخافون يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار } لقد خافوا هذا اليوم العظيم يوم القيامة يوم الحسرة والندامة.
من تأمل أحوالهم وجدهم في غاية الجد في العمل مع غاية الخوف ،ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن ،فهذا الصديق رضي الله عنه يقول :(ليتني خضرة تأكلني الدواب ) وهذا الفاروق قرأ مرة سورة الطور إلى أن بلغ قوله تعالى {إن عذاب ربك لواقع }فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه وكان يقول (ليتني نسياً منسياً ليت أمي لم تلدني ) وهذا عثمان رضي الله عنه يقول:( لو أنني بين الجنة والنار لا ادري إلى آيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن اعلم إلى آيتهما أصير ) وهذا عبدا لله بن عمر رضي الله عنهما شرب يوماً ماءً بارداً فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له ما يبكيك ؟قال"تذكرت آية في كتاب الله {وحيل بينهم وبين ما يشتهون }فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئاً شهوتهم الماء قال عز وجل عنهم {أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله }،وقال موسى بن مسعود كنا أذا جلسنا إلى سفيان الثوري كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وفزعه ،وقال إبراهيم بن عيسى "ما رأيت أطول حزناً من الحسن، وما رايته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة ،وقال يزيد بن حوشب :ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار ما خلقت إلا لهما وكان الحسن يقول (نضحك ولعل الله اطلع على أعمالنا فقال : لا اقبل منكم شيئاً) الله اكبر هذا يقوله الحسن البصري وهو من هو في العلم والزهد والورع في العبادة ، فماذا نقول نحن عن حالنا ؟ إن الواحد منا ليضحك ملء فيه صباحاً ومساءً وهو مقيم على المعاصي ولا كأنه عمل شيئاً وإن قدر انه من المحافظين على صلاته فكأنما حاز الدين كله وكأنه لم يطلب منه إلا هذه الصلاة .ثم يطلق لنفسه العنان بعد ذلك .
عوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه وقيل له :لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا؟! فقال :وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الإنس والجن .
يقول ابن القيم :يا مغرور بالأماني :لعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر بها ،واخرج ادم من الجنة بلقمة تناولها ،وأمر بقتل الزاني المحصن أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل له .وأمر بإشباع الظهر سياطاً بكلمة قذف أو قطرة مسكر ،وقطع عضواً من أعضائك بثلاث دراهم .فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيك { ولا يخاف عقباها }.
قال الفضيل بن عياض :أذا قيل لك: هل تخاف الله ؟ فاسكت ، فإنك إن قلت :نعم كذبت وإن قلت لا كفرت . والكثير في هذا الزمن لو سئل لأجاب بالجواب الأول وهو مقيم على المعاصي مصر على كبيرة مستغرق في صغيرة !فأين الخوف من الله وأين التفكر في المآل والمعاد والجزاء والحساب .كثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه ، فضيعوا أمره، ونسوا انه شديد العقاب وانه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ،ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند ،
قال أبو سليمان الداراني : قلت لأم هارون العابدة : أتحبين أن تموتي ؟ قالت : لا . قلت: ولم ؟! قالت : والله لو عصيت مخلوقاً لكرهت لقاءه فكيف بالخالق جل وعلا !!.
نسأل الله أن نكون من أهل القلوب المتيقظة العامرة بذكره وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .