منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتملة (بدون ردود) (https://www.liilas.com/vb3/f571/)
-   -   بين الامس واليوم (https://www.liilas.com/vb3/t158045.html)

#أنفاس_قطر# 07-03-10 06:20 PM

بين الامس واليوم
 
بين الأمس واليوم





(حصريا على ليلاس.. لا أحلل ولا أبيح نقلها خارج ليلاس بأي صورة)

#أنفاس_قطر# 07-03-10 06:20 PM

حصري بين الامس واليوم (( من غير ردود ))
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبضات القلب.. همسات الروح..صديقاتي ومسامرات أفكاري


اشتقت لكم بلا قياس للاشتياق.. شيء يتجاوز قياسات الشوق المحدودة.. اشتقت لأيام نقاشاتنا وتواصلنا الدافئ الحميم

اشتقت لحمائم أرواحكم تحلق بين سطوري..اشتقت لوقع خطواتكم على دفق شراييني

اشتقت لتواصل قلوبكم مع روحي المولعة باسم كل واحدة منكم

لكل واحدة منكم مكانها الأثير الذي لا يزاحمه عليها أحد..

لكل اسم من أسمائكم حكاية ود ضربت بجذورها إلى أقصى عروق قلبي

لا حرمني الله منكم ومن مودتكم ومحبتكم وتواصلكم

.[/CENTER]

[CENTER].


النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 09-03-10 06:09 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 11-03-10 10:48 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صديقاتي المعشوشبات باخضرار القلوب


الممطرات كزبد البحر


المنهمرات كزخات ندى صباحية أثقلها الوجد


مساءاتكم خير.. ومسراتكم خير.. وأنتم كلكم خير


.


.


سعيدة بهذا الجدل الذي يدور بينكم


نحاول أن نقارب الواقع.. ولكن خيال الرواية لابد أن يضيف بعضا من جنونه إلى رتابة الواقع


وفي ذات الوقت تبقى المنطقية خيطا رفيعا لابد أن يقيد الرواية إلى أرض المصداقية


أي .. قد تخالف مسارات الشخصية الواقعية البحتة


فشخصية كزايد في الواقع الحقيقي يستحيل أن يدع ابنته تدرس طيران


ولكنها في عالم الرواية تحدث والمهم أن يقتنع القارئ ولو جزئيا بدوافع الشخصية.. دون أن أحاول إجباره على الاقتناع قسرا بشيء قد لا يكون مقنعا أبدا


.


.


مرحلة التعريف التي قلت أنها قد تزيد حتى عن الـ15 جزءا


لا تعني مطلقا أن الأحداث لن تبدأ.. فكما ترون هاهي الأحداث تتوالى


ولكن كثير من الشخصيات -التي تبدو لي أنا مثيرة- لم تظهر بعد


ويمكن ألا تكون مثيرة لكم.. لِـمَ لا؟؟؟


.


.


الأجزاء القادمة سيكون موعدنا معها كل أحد وثلاثاء وخميس صباحا


بعد أن أصلي الفجر إن شاء الله وأنتهي من وردي سأضعه إن شاء الله تمام الخامسة والنصف


وأنا أخبركم بهذا لأني أدعو لكم الله وأدعوكم أن يكون هذا هو ما تفعلونه


تصلين الفجر في وقته.. ثم تقضين الوقت في قراءة قرآن وذكر وتسبيح.. حتى يحين موعد نزول الجزء


ديننا الإسلامي لم يحرمنا من الاستمتاع بمتع الحياة ومنها أن نقرأ ونتسلى دون معصية


ولكن لذكر الله ولقراءة القرآن متعة أكبر وأكبر وأكبر فلا تحرمي نفسك منها


جعلكم الله من حفظة كتابه والمقربين منه يوم العرض والحساب


.


.


جزء اليوم


سيظهر الفرد المتبقي من عائلة زايد.. وحتى ظهوره لن يكتمل بعد.. ولكنها شخصية مثيرة جدا


نتعرف أكثر على كاسرة في مقر عملها


ستبدأ شخصية محببة جدا لي بالظهور.. لكنها ستظهر في لمحة سريعة.. انتظروها فيما بعد في ظهورها الخاص


اليوم سيكون هناك مشهد من المشاهد الكتابية القريبة من إلى روحي


"لقاء بين زايد ومزنة في صباهما"


ربما لأني أحب هاتين الشخصيتين جدا.. وهما اول شخصيتين خطرتا ببالي في الرواية


اليوم أيضا سنعرف ماذا حدث لخليفة الذي أثار التساؤلات


إذن إلى جزء اليوم


الجزء الثالث


.


قراءة ممتعة مقدما


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث






بعد عدة أيام


جامعة قطر


إحدى قاعات المحاضرات




تدخل وضحى القاعة .. تجلس .. تخلع نقابها وتطويه جوارها لأن محاضرتها هذه عند دكتورة


تجلس بجوارها فتاة منقبة يظهر بياضها الشديد المشرق من خلال فتحات النقاب


ومن خلال أناملها الكريستالية الشفافة التي كانت تحركها برقة مرحة


وهي تهمس بمرح طبيعي ينبع من طبيعتها: وضحى صدق الدكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟



وضحى بعدم اهتمام وهي تفتح دفتر محاضراتها لتسجل التاريخ: والله يقولون كذا



الفتاة الآخرى بذات المرح: ياثقل الطينة.. ترا التكشير يجيب التجاعيد يالخبلة



وضحى تترك القلم وتلتفت لها لتبتسم باصطناع ضحكة سخيفة: هذا أنا ابتسمت.. قومي فارقي لمحاضرتش يالأذوة.. وش جابش وراي؟؟


أنا أكيد أمي دعت علي عشان كذا تصاحبنا



الفتاة بذات الابتسامة الشاسعة وهي تتجاهل عبارة وضحى: ليش ماقلتي لي إن دكتور عبدالرحمن ولد عمتش؟؟



وضحى بهدوء نافذ مرح: سميروه يالدبة أنتي تعرفين عمتي وعيالها زين مازين.. وتدرين عندي ولد عمة اسمه عبدالرحمن.. وش تبين أقول لش بعد؟؟


هذا وأنتم أصلا كنتم مناسبينهم.. وولد عمش عبدالله الله يرحمه كان رجّال جوزا بنت عمتي



سميرة بابتسامتها المرحة: بس مادريت إنه عبدالرحمن أخ اشعيع هو نفسه الدكتور عبدالرحمن..



وضحى بنفاذ صبر: هذا أنتي دريتي.. قومي فارقي الدكتورة بتجي الحين



سميرة بحالمية مصطنعة: وه فديت قلبه بس.. يهوس يخبل طيّر برج من عقلي وأنا عقلي أصلا كل اللي فيه نص برج


ثم أردفت بمرح: ما تبون عروس له؟؟ تكفين.. إكسبي أجر في وخيتش العانس



وضحى بشبح ابتسامة خبيثة: والله هو يبي كاسرة.. تحبين تنافسينها؟؟



سميرة بضحكة مدوية: كاسرة مرة وحدة.. مهوب هين ذا الدكتور.. لا يأختي.. وين أنافس كاسرة.. زين الواحد يعرف حدوده


ثم أردفت باهتمام وهي تتذكر شيئا: ترا جميلة تعبت زيادة ودخلت المستشفى قبل كم يوم.. أشرايش نروح نزورها؟؟



وضحى بحزن: والله مسكينة جميلة.. وش ذا المرض اللي مص عافيتها.. ياحرام ذاك العود الملفوف والوجه اللي ماينشبع من شوفته..



سميرة بذات الحزن: عين ماذكرت الله.. هاه تروحين معي؟؟.. فيه كم بنت متفقين نروح سوا هنا من الجامعة



وضحى باهتمام: أستأذن أمي أول وأكيد بأروح معكم..


ثم أردفت بخفوت وهي تفتح الدفتر: يالله قومي الدكتورة جات






*************************






إحدى هيئات الدولة


مقر عمل كاسرة التي تُعد أصغر رئيس قسم في الهيئة


وتولت هذا المنصب بطريقة استثنائية تجاوزت فيها عدة ترقيات.. فرئيس القسم ووكيله كلاهما أصيبا في رحلة عمل مشتركة


ليترشح للمنصب عدة موظفين كانت كاسرة أفضلهم.. لتفوز هي بالمنصب..




في أحد مكاتب القسم الذي يتوزع بطريقة خاصة منفصلة ليعطي خصوصية للموظفين من الجنسين..


وخصوصا بعد تولي كاسرة لرئاسة القسم التي اهتمت بهذه الناحية كثيرا



زميلان منكبان على إنهاء بعض المعاملات.. يرفع أحدهما رأسه ويهمس بضيق:


ضيقت علينا ذا الكاسرة الله يضيق عليها.. الواحد مايشم حتى شوي هوا



الآخر بدون أن يرفع رأسه: والله رئيسة القسم ما طلبت منك أكثر من الشغل اللي تاخذ راتبك عليه


إشتغل وأنت ساكت..



الأول بغيظ: صدق حظها يفلق الحجر.. أصغر مني وتصير رئيستي.. كان المفروض إني اللي خذت المنصب



الآخر وهو مازال منخرطا في عمله: والله مؤهلاتها أحسن من مؤهلاتك..وزود على كذا وش قرب وحدة متخرجة بامتياز بخريج مقبول مثلك


السالفة موب صغر وكبر..



الأول بنبرة خبث: بس تدري.. والله الواحد يستغرب وحدة بذا الجمال اللي ما أنخلق مثله.. تكون مفترسة كذا..



الثاني يلقي بالقلم ويهمس باستنكار: استغفر ربك.. استغفر ربك.. وش تبي بالمستورة.. البنت ما يطلع منها حتى ظفر في الاجتماعات..


وعمرها ما خلت حد منا يدخل عليها إلا في وجود سكرتيراتها الثنتين.. فشلون تكلم على شكلها؟؟



الأول يهز كتفيه: والله سمعت.. ماجبت هالكلام من عندي..



الثاني: أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. وهل يكب الناس على وجووههم إلا حصائد ألسنتهم.. ليس كل ما يسمع يُقال..



الأول بذات الخبث: يعني أفهم من كذا إنك أنت بعد سمعت.. بس مسوي نفسك ما سمعت


ثم أردف وهو يخفض صوته: يعني عمرك ما حاولت تتخيل هالغولة المرعبة أشلون الجمال يركب عليها



الثاني يقف ليخرج وهو يهمس بغضب: أنت جمعت الشياطين كلهم فوق روسنا.. أعوذ بالله.. أعوذ بالله منك ومن شرك





ذات الوقت.. في مكتب كاسرة..


تحاول ألا يرتفع صوتها المشحون بالغضب: أشلون يمه تخلينها تروح مع بنات من الجامعة.. سايبة يعني وإلا مالها والي


يعني ماكانت تقدر تنتظر للعصر تروح معي أو معش



مزنة بحزم: كاسرة اقصري الحكي.. مري أختش في مستشفى حمد ورجعيها معش للبيت إذا طلعتي من دوامش وبس بدون كثرة حكي.



كاسرة بذات الغضب: ياسلام.. وهذي صارت القضية.. اشلون تخلينها تروح من غير وحدة منا


بس زين دواها عندي



مزنة بحزم شديد: والله لو أدري إنش قلتي لها كلمة.. أنتي اللي دواش عندش


بنتي وترخصت مني.. ورخصت لها..


وش حارق بصلتش أنتي؟؟



كاسرة بغضب متزايد: زين يمه زين.. إذا رجعت البيت تفاهمنا






*****************************





ذات الوقت..كسّاب في مكتبه.. كان مستغرقا في تقليب أوراق أمامه.. دخل السكرتير وهمس بنبرة احترام تقليدية: العم منصور برا..



كسّاب رفع عينيه بغضب: أنت ماتفهم؟؟!!.. كم مرة قايل لك عمي منصور لا جا ما تخليه ينتظر برا.. تدخله على طول



السكرتير بارتباك: والله قلت له.. بس هو أصر أني أقول لك أول



كسّاب بذات الغضب: دخله لا بارك الله فيك



دخل العم منصور


اســـتــثــنــائــي


اســـــتـــــثــــنـــائـــي


استثنائي تماما.. تـــمــاما هذا العم منصور.. وإطلالة العم منصور .. وحضور العم منصور!!


قائد .. قـــائــد فعلا... كما هو عمله.. وكما يوحي بفخامة مظهره الشديد الفخامة.. وانعكاس تأثير مخبره القيادي


رجل اعتاد على القيادة!!!


بل تشرب بها.. لتشع روح القيادة من جنباته !!



وقف كسّاب ووجهه يتهلل وهو يتجه ناحية عمه


بينما همس منصور بصوته الموغل في العمق والفخامة والرجولة: حرام عليك وش سويت في السكرتير.. طالع المسكين يتنافض



كسّاب يبتسم: ألف مرة قايل له أنك لا جيت تدخل على طول



منصور بابتسامة مشابهة: وأنا ألف مرة قلت لك أحب اللي يمشي على غيري يمشي علي



حينها وصل كسّاب لعمه ليسلم عليه.. وينحني منصور من عليائه بطوله الفارع ليسلم على كسّاب


ابتسم كسّاب بمرح غريب عليه.. مرح لا يحضر حتى يرى شخصين منصور أو علي:


تدري ياعمي لولا فرق الـ14 سنة اللي بيننا وإلا والله ماعاد أقوم في وجهك.. تفشلني وأنت تدنق علي..



منصور بمرح شفيف: إذا أنت تقول كذا وفرق الطول بيني وبينك بسيط..أجل زايد المسكين وش يقول؟؟



كسّاب بمرح: شايل حسرته في قلبه.. شكلك ياعمي مصيت عافية جدتي.. عشان كذا ماعاد جابت حد عقبك



منصور يبتسم: ول عليك ياولد.. تنّظل عمك؟؟



كسّاب بذات الابتسامة الدافئة: والله عمي مفشلني بذا الطول..



منصور بفخامة: أفا عليك ياولد.. عمك يعر الرياجيل مهوب في الطول بس (يعر: يهزم ويغلب)



كسّاب بفخامة مشابهة: كفو يابو كسّاب..



منصور يجلس وهو يقول بمرح: ومن اللي قال لك باسمي كسّاب واثق الأخ من إني باسمي عليه؟!!



كسّاب بابتسامة: زين أبو علي؟؟



منصور بهدوء مرح: ولا علي..



كسّاب بتساءل: أجل؟؟



منصور بثبات حميم: زايد..



كسّاب باستغراب مرح: غريبة مهوب عوايد..



منصور يبتسم: صحيح أنا وزايد نتناقر دايم.. بس أنت أكثر واحد تدري إن زايد غلاه عندي غير..


يمكن ما بيننا إلا سبع سنين.. بس زايد اعتبره أبي مهوب أخي الكبير بس..


ماعاش على أمي وأبي غيري أنا وياه



كسّاب يعود للجلوس خلف مكتبه.. ويضغط الجرس للساعي ليحضر لهما قهوة ليقول بعدها بابتسامة: أنت الحين تزوج يالشيبة وعقب سمي الولد اللي تبيه


ثم أردف بخبث مرح: أصلا يمكن لا تزوجت ماعاد تجيب عيال.. شيبت ياعمي!!



منصور يضحك: شابت عظام عدوينك..ثم أردف بابتسامة: عادي.. استفزني مثل ما تبي


ماني بمتهور وقايل لك بأتزوج بكرة وأوريك



كسّاب باهتمام: جد عمي.. ما مليت من الوحدة في بيتك الكبير اللي مافيه إلا أنت والصبيان..



منصور بابتسامة: تعال اسكن عندي وونسني..



كسّاب يبتسم وهو يخفي خلف ابتسامته حزنه المتجذر: لو عليّ.. أنت عارف إنه ودي أسكن عندك من سنين.. خلها على الله


ثم أردف لتغيير الموضوع: لك أكثر من عشر سنين من يوم طلقت مرتك رقم 3.. جرب رقم أربعة يمكن تضبط معك ذا المرة



ضحك منصور: الله يرحمها أمك.. ذكرتني فيها وهي تحن علي أتزوج.. وعقبها خالتي الله يرحمها ياكثر ماحنت


حنت علي خالتي أخر مرة وهي تقول: "الثالثة ثابتة يأمك.. أخر مرة.. "


وماحد طلع عيني مثل الثالثة..



كسّاب يضحك: بعد ياعمي.. مرتك مهيب جندي عندك في الثكنة..


المرة تبي شوي حنية..



منصور ينزل حاجبا ويرفع الآخر: عشتو... شوفو اللي يتكلم عن الحنية بس..


وعلى العموم ياعمك.. خلاص الدور دورك


أنا راحت علي.. مالي خلق على الحريم خلاص..



كسّاب مازال يضحك.. فحضور عمه بعث في روحه سعادة اختلسها في غفلة من أطنان ضيقه المتراكم:


والله ياعمي مهوب ذنب حريمك إن الله خلقك طويل ومزيون وتلفت الانتباه..


يعني حق لهم يغارون.. وانت حتى الغيرة ماتبيهم يغارون



منصور بغضب: تدري إنك سخيف ياولد أخي.. احشم عمك لا بارك الله في عدوينك..


ولا تسخف مشاكلي مع حريمي.. أنت عارف إن هذا مهوب الموضوع



كسّاب يضحك: خلاص خلاص لا تحمق علينا ياحضرة العقيد



منصور يتوجه لكسّاب بنظرة مباشرة كنظرته لمجندينه في الثكنة:


أنت هاللفة كلها عشان تهرب من سالفة عرسك اللي أنت عارف إني جاي أكلمك فيها



كسّاب يهز كتفيه: أنت عارف زين ياعمي إني ما أهرب من شيء


السالفة كلها إني مالي خاطر في العرس الحين.. وأنا عارف إن أبي هو اللي دازك علي عقب ما تعب مني..


أبي ظنه إن العرس بيصلح حالي.. ما درى إن حالي ما تصلحه مرة


ثم أردف بألم عميق من أعمق نقطه في روحه لم يظهر في نبرة صوته الباردة:


وعلى العموم قل له يريح باله.. مافي داعي نفشل روحنا..


من الرجّال اللي فيه خير اللي بيزوج بنته لواحد أخته كابتن طيران؟!!


وأنا مستحيل أتزوج إلا بنت رجّال فيه خير.. بنت الرخمة مالي حاجة فيها



منصور انتفض بغضب: أخس واقطع ياولد.. وش ذا الحكي؟؟



كسّاب بهمس مهموم مغلف بالسخرية: عمي مافيه داعي نمثل على بعض..


أنت بروحك مستوجع من ذا الموضوع حتى لو أنكرت..


وإلا ناسي إنك كنت بتتذابح أنت وإبي على سبت ذا السالفة..


وعقب تقول لي: اخس واقطع ياولد !!






****************************





مساء ذات اليوم


مستشفى حمد العام


إحدى غرفه




تحيطان بسريرها وهما تنظران بألم لجسدها الذابل الموصل بأنابيب التغذية.. وطاقم التمريض يحقنونها بشكل مستمر بمنوم حتى لا تصحو وتنزع الأسلاك عن جسدها



همست مزون بحنان: خالتي صار لش كم يوم غايبة عن المدرسة


أنا ماعندي شيء.. روحي وأنا باقعد عندها



عفراء تمسح بحنان على ذراع ابنتها الجاف المتخشب وتهمس بألم عميق:


وش مدرسته؟؟ ما أقدر يامزون يأمش أخليها.. قلبي مهوب مرتاح


وعلى العموم أنا قدمت على إجازة


وأنا أدري إنش تنتظرين موعد المقابلة الشخصية



مزون بانقباض يعيدها لمأساتها: تكفين لا تذكريني خالتي... متخوفة.. وقرفانة..


ثم أردفت بكره شديد: لا خالتي وتخيلي مثلا أرجع أقابل امهاب لسان الحية الله يقطعه ويقطع أيامه



خالتها بطمأنة: مهوب لازم كل الطيارين يشوفون بعض.. مواعيد الرحلات متضاربة


وإن شاء الله ما تصدفينه



مزون برجاء عميق: الله يسمع منش ياخالتي.. الله يسمع منش.. أحس إني لو شفته عقب ذا السنين يمكن أسوي فيه شي


وأطلع العذاب اللي شفته السنين اللي فاتت على رأسه


عمري في حياتي ماحد ذلني مثله



عفراء تبتسم بإرهاق: إنسي يا بنتي انسي.. الحقد ما يأكل في شيء كثر ما يأكل من روح صاحبه



مزون تبتسم لتغير الموضوع: يا حليلهم صديقات جميلة اللي جاونا اليوم.. يجننون.. حبيتهم بصراحة



عفراء بألم عميق: ياقلبي ياجميلة ولا درت عندهم.. كانت بتنبسط فيهم..


ما أقول إلا الله كريم



مزون تحتضن كف خالتها: الله أكرم من كل شيء ياخالتي.. ورحمته وسعت كل شيء.. كل شيء



عفراء بأمل عميق: الله كريم



أملها شاسع.. فهذا القلب قلب أم.. الشيء الاكثر رحابة في كل الكون


تقنع نفسها أن طفلتها بخير وأنها تتحسن.. وأنها ستعود لأحضانها


وتحاول أن تتناسى بكل قوة الحقيقة التي تعلمها جيدا


طفلتها تذوي.. تذوي!!


تقترب من الموت بخطى حثيثة


فهذا الجسد اليابس كأرض بور شققها الضمأ ينتظر لحظاته الأخيرة


ماعاد به من ملامح الحياة سوى نفس ضعيف يتردد في صدرها يوشك على المغادرة وترك كل شيء خلفه


صبا لم تعشه..


وأم نذرت حياتها لسواها..


وقلوب أثقلها الهم


وذكريات لم تعطرها رائحة أب أثقلتها الأماني للقائه!!






**********************







الوقت أصبح منتصف الليل ووضحى مستغرقة في طباعة بحث على الحاسوب.. تدخل عليها كاسرة.. لتتنهد وضحى بعمق.. فهي تعلم تماما ما الذي سيحدث الآن


لذا همست برجاء عميق قبل أن تتكلم كاسرة: تكفين كاسرة عندي بحث لازم أخلصه وأسلمه بكرة



كاسرة بنبرة هادئة صارمة: عندش دقيقة وحدة تسيفين شغلش.. قبل أطفي الكمبيوتر..



وضحى برجاء أعمق: تكفين كاسرة



كاسرة وكأنها لم تستمع مطلقا لرجاءتها: قومي صلي قيامش الحين ثم نامي.. وكملي بعد صلاة الفجر


مهوب مسموح لش تسهرين أكثر من كذا..



وضحى برجاء أخير مستجدي: تكفين كاسرة ماراح يجيني نوم وأنا ماكملت شغلي


بترت جملتها وابتلعت ريقها وهي تردف وتنظر لنظرة كاسرة الباردة الصارمة: خلاص إن شاء الله إن شاء الله



لا تعلم لِـمّ تمارس عليها كاسرة هذا التسلط؟!!


خوفا عليها؟!! اهتماما بها؟!!


أو مجرد اثبات لسلطتها المطلقة وأنه ليس هناك من يعارض قراراتها؟!!


وتعلم أنها لابد أن تستجيب وخصوصا أن كاسرة سكتت على مضض على موضوع ذهابها اليوم مع صديقاتها لزيارة جميلة


لأن والدتها أوقفتها عند حدها.. وهذا الشيء أغضب كاسرة لأبعد حد


ولو أتاحت وضحى لكاسرة الفرصة الآن فهي لن تتوانى عن فتح الموضوع وتقليب الدفاتر


وهي تعرف تماما كيف تُعنف بمهارة.. وخصوصا بعد أن أصبحت رئيسة قسم صُقلت هذه المهارة لأبعد حد..


تعرف كيف تجعل من أمامها يشعر بالذنب والضآلة من شدة كلماتها المُعنفة الـمُختارة بعناية!!



لذا أطفئت وضحى حاسوبها وهي تستعد للصلاة ثم للتمدد وهي تعلم أنها لن تستطيع النوم..


ولكنها لابد أن تجبر نفسها وكل ما تستطيع فعله أن تكثر الدعوات أن يقرب الله الفجر


شعور مر بالانهزام والخيبة يجتاح خلاياها..


قد يكون الموضوع بمجمله بسيطا.. ولكن مايبثه فيها من مشاعر معقدة مؤذية ليس بسيطا مطلقا.. مطلقا


انقلبت على جنبها اليمين وهي تولي وجهها للقبلة


لتسيل دمعة شفافة من بلور وألم!!





*************************





قبل واحد وثلاثون عاما





منطقة في غرب قطر... بيوت طين قديمة متلاصقة.. أجري على بعضها بعض التعديلات.. ليدخل إليها الحجر والتسليح وأسقف الألمنيوم


فقدت بعضا من رونقها القديم وبعضا من روحها المثقلة بالأصالة.. ولكن رائحة العمق الإنساني مازالت تعبق بعطر شفيف




صلت للتو صلاة الظهر بعد أن أنهت صنع غداء والدها مبكرا.. وهاهي تكنس (الحوش) تحت شمس لاهبة


طرقات هادئة على الباب.. توجهت لفتح الباب لوالدها..


شرعت الباب على اتساعه لتقف في فرجته بخديها المحمرين في صفحة وجه ذي اسمرار لذيذ


لوحته شمس لم تخجل من ملامسة هذا الحسن المهيب الذي بدأ ينضج للتو!!


خصلات شعرها الفاتحة من أثر الحناء تطايرت في خصلات عنيدة أبت إلا أن تخرج من تحت أطراف (بخنقها) الذي أحاط باستدارة وجهها


ومازال غبار الحوش عالقا بوجهها وببخنقها مختلطا بحبات عرق تساقطت على جبينها الأزهر وعينيها النجلاوين..


فوجئت بالطارق يوليها جنبه ليتأخر إلى طرف الباب ويستند إلى ضلفته الجانبية


احتراما لأهل البيت أولا


وثانيا حتى لا ينهار على الأرض ورؤيتها بهذه الصورة الموجعة الموغلة حسنا وألما حتى أقصى درجات التعذيب.. تغتال كل مشاعره وتهزه كزلزال لا حدود لقوته


فهو كان منهكا من الشوق الذي أذاب مابقي من جَلده وصبره!!



تماسك في ثوان ليهمس بصوت غاضب مبحوح يحاول فيه تهدئة وجيب قلبه الذي يكاد يقفز من بين جنبيه:


كم مرة قايل لش لا تفتحين الباب لين تسألين من


وعقب تفتحينه وأنتي مندسة وراه.. مهوب تشرعينه وتوقفين على طوره ياللي ما تستحين


نعنبو دارش مافي وجهش سحا أنت!!



أجابت في غيظ: وأنا شدراني إنه أنت.. أمك تقول إنك فارقت بتسكن في الدوحة.. وش ردك علينا؟؟!!



زايد في غيظ أكبر: يعني إن غاب القطو العب يافار.. عشانش دارية إني ما انا موجود تخالفيني..



مزنة في غيظ أكبر وأكبر: على شنو أنت شايف حالك أخالفك وإلا ما أخالفك..


أظني اسمي مزنة بنت جابر.. مهوب مزنة بنت زايد



زايد بغضب: سكري بابش عليش.. قدام أدخل وأوريش شغلش الحين


وأنتظري علي كم شهر إذا ماجبتش لبيتي وأدبتش فذا الشنب مهوب على رجّال وأنا ولد إبي



حينها أطلت مزون عبر الباب ووجهها محمر من الغضب: شوفوا من اللي يهدد؟؟


"ولد الراعي شبر القاع"..


ثم أردفت وهي تلمس شعرها من خلف بخنقها: نجوم السما أقرب لك مني يا ولد الراعي



ثم أغلقت عليها الباب رعبا وخوفا بسرعة قبل أن يقتحم زايد البيت عليها.. كما فعل قبل عدة أشهر وفي وجود والدها


ليصفعها وأمام والدها





ـــــــــــــــ





نهار حار كان ذلك النهار.. بعد صلاة العصر.. للتو تعتاد على لبس البرقع الذي لبسته قبل عدة أشهر رضوخا لأوامر والدها..



طرقات حادة على الباب وصوت أنثوي يرتفع خلف الباب.. يهمس لها والدها وهو أمام قهوته: قومي البسي برقعش وافتحي لأم زايد شوفي وش تبي



مزنة برجاء: يبه حر موت.. ماني فاتحة الباب كله.. بافتحه شوي وأوقف وراه وأشوف وش تبي



والدها بحزم: زين إياني وإياش تطلعين رأسش



مزنة قفزت وهي تعدل وضع بخنقها على رأسها.. وتفتح الباب قليلا وتهمس بمودة: ادخلي ياخالة..



أم زايد بمودة مماثلة: لا يامش هاش اخذي ذا العصيدة.. عادني بأروح أودي لأم ناصر قسمها



مزنة بأريحية: خلاص عطيني حق أم ناصر وأنا بأكفيش..



أم زايد بمودة أكبر: لا جعل عيني ما تبكيش.. بأروح أتقهوى معها.. هاش اخذي



وفي الوقت الذي كانت أم زايد تمد يدها للداخل أخرجت مزون رأسها لتتناول الصحن من أم زايد.. لم تتوقع أن يكون أمام بيتهم أي مار في هذا الوقت.. لتصدم بل تفجع أن زايدا ومعه رجل آخر يجلسان في دكة بيت أبي زايد المقابل لبيتهما..


تراجعت مزنة بسرعة لأنها شعرت أن دقات قلبها تصاعدت للحد الأعلى من نظرات الرجلين.. نظرات الغضب العارم في عيني زايد.. ونظرات الإعجاب في عيني الآخر



كانت على وشك إغلاق الباب بسرعة ورعبها يتزايد.. لولا صدمتها المرة الفاجعة بالساعد الأسمر الذي امتد لمنعها من قفل الباب..


لم تحتج أن تعرف ساعد من هذا..ولا ماذا ينوي أن يفعل بها..


لأن نظرته التي تلتها قفزته السريعة ثم ركضه السريع اتجاهها.. أنبأتها أي مصير سيء مرعب ينتظرها


رغم أنها في شخصيتها أبعد ما تكون عن الجبن ولكنها في تلك اللحظة شعرت أن قلبها توقف من الرعب وهي تركض باتجاه والدها


ولكن زايدا وصلها قبل أن تصل إليه وتختبئ وراء ظهره.. ليمسكها من عضدها ويديرها ناحيته


تكاد مزنة أن تقسم أن هذه اللحظة كانت كانت أكثر لحظات حياتها كلها رعبا



شعرت كما لو أن الهواء سكن وتوقف عن المرور بينها وبين زايد..


كما لو كان هرب خوفا من زايد تاركا رئتيها تئنان من الضغط الناتج عن قلة ضخ الهواء


وعينا زايد ترسلان لها شرارات من لهب مرعب شعرت بها تلسع وجهها وتحرق عينيها


ويده التي تمسك بعضدها كما لو كانت وصلت لعمق عظمها لشدة الضغط والألم الذي شعرت به يتفجر في خلايا عضدها



كل هذا الرعب ومازالت يده لم تصل خدها!!!



.. ولكنها وصلت ختاما.. شعرت حينها كما لو أن رأسها يطن من قوة الصفعة.. وصفير مرعب يمزق أذنها اليسرى ألما



قفز والدها بغضب كاسح ولكن زايد عاجله وهو يصرخ بغضب مشتعل:


الحيوانة طالة مع الباب بدون برقع وشافوها الرياجيل اللي في دكتي عيني عينك



رغم الألم الموجع الذي انتشر في روح جابر وهو يرى وحيدته تُصفع أمامه


شعر كما لو كان يريد البكاء معها وهو يرى عينيها الغاليتين تتفجران بدموعها الأغلى


ولكنه عاود الجلوس وهو يصطنع الثبات ويتناول فنجانه ويقول بحزم: حجت يمينك.. لو أنك ما ضربتها أنا كان ضربتها


هذا وأنا ناهيها ألف مرة ما تطل من الباب ماعلى وجهها شيء



حينها شعرت مزنة بقهرها يتزايد يتزايد ووالدها يخذلها بهذه الطريقة.. ليرتفع صوت نحيبها المفاجئ وهو تركض باتجاه غرفتها


كانت المرة الوحيدة في مطلق حياة مزنة التي بكت فيها بهذه الطريقة الهستيرية


المرة الوحيدة!!!





ــــــــــــــ





كما كانت صفعة زايد هي الصفعة الأولى والأخيرة في حياتها


لذالم تسامح زايد مطلقا عليها..


قررت أن تجرحه!! تهينه!! أي شيء يبرد بعضا من نارها فيه!!



وجاءها الانتقام سريعا.. بعدها بأيام.. ويالا جرأته !! جاءها ليخبرها بعشقه لها ورغبته في الزواج منه


يصفعها بوحشية.. ليعود لها عاشقا يريدها أن تبادله العشق!!


لذا كانت حكاية ابن الراعي الطفولية التي اخترعتها


لا يهمها ان تكون قصة كاذبة


المهم أن تؤلمه.. تؤلمه كما آلمها.. كما جرح كبرياءها الثمين



كما تعلم أنه يتألم الآن وهو يقف خلف الباب يعتصر كفيه حتى لا يحطم الباب عليها


وهي تقف وظهرها مسند للباب وتضم كفيها لصدرها الذي تمزقه مطارق دقاتها الصاخبة هلعا.. وتدعو الله أن يحضر والدها بسرعة


فهو وإن كان لم يدافع عنها في المرة الأولى لأنه رآها مخطئة


فهو يستحيل أن يسمح لزايد أن يمد يده عليها للمرة الثانية



وهاهو زايد بالفعل يقف مسندا ظهره لحائط بيتهم


غارقا في ألم عميق عميق عميق


لا يهمه تهجمها الطفولي بقدر ما يؤلمه معرفته أن مشاعره المتجذرة التي تمزق صدره بلا رحمة بلا هوادة..لا صدى لها مطلقا في قلبها الغض





***************************






قبل 38 سنة..



أول أيام عيد الفطر


قصر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في منطقة الريان


مجلس الاستقبال



كان الشيخ خليفة يستقبل أفواج المهنئين بالعيد


وفي ليوان المجلس مجموعة من الأطفال الذين حضروا مع أبائهم وينتظرون دورهم للسلام على الشيخ


(الليوان : بهو مفتوح يقوم على أعمدة)



جلسا متجاورين مصادفة.. ولم يعلما أن هذه الصدفة شاء الله عز وجل أن ترسم تغييرا في مسار حياتهما لتربطهما معا وللأبد


- شاسمك؟؟


- خليفة


- زايد


بعد عدة جمل حوارية


- أنت ليش تحكي كذا؟؟


- وأنته ليش تتحجه جذيه؟؟


ضحكتان صافيتان محلقتان والروحان تتعانقان كالسحر تماما


سحر إنساني خالص آلف بين قلوب تشابهت


مضى وقت لم يكن له حساب ملموس في حساب الزمن.. حتى تلقيا أشارة والديهما للدخول


سلما كما سمعا من والديهما عشرات المرات من نصائح مكررة حتى حفظاها..


فهذه مرتهما الأولى ولابد أن يثبتا أنهما رجلان يستحقان السلام على الشيخ حتى يضمنان حضورهما في عيد الأضحى أيضا



خرجا وكل منهما يده في يد والده وكل منهما يشير للآخر بالتحية


- يبه ماعليه أروح أسير على خليفة/ زايد في بيته؟؟


- ما يخالف.. مايخالف يصير خير






***********************








يجلس في صدر مجلسه الضخم المفتوح على الشارع مباشرة بعد أن صلى المغرب


يمرر يده على شعيرات عارضه.. مشغول بالتفكير والهم


يكاد يموت قلقا على هذه الصبية التي أبلغته ابنته مزون أن وضعها الصحي يتدهور


فهذه الصغيرة لها مكانة أثيرة وشاسعة في قلبه.. فهي تزاحم ابنته مزون على افتراش هذا القلب


" كيف تركتها حتى وصلت لهذا الحد؟!!"


"لكنك لم تراها.. وهم لم يخبروك بحقيقة تدهور صحتها"


" لا تبحث لنفسك عن عذر يازايد.. لا عذر لك.. لا عذر لك"



منذ دخول الصغيرة للمستشفى قبل أيام...ومعرفته عن تفاصيل وضعها الصحي المزري


وهو مشغول بالتجهيز لسفرها.. الذي سيكون بعد يومين


لن يستمع بعد الآن لعفراء..ولا لرفضها


مادام الله قد وهبه الوسائل.. سيحارب حتى تبقى أنفاس جميلة تعطر الكون




"فما فائدة كل أموال العالم إن كانت لن تنقذ ما تبقى من رائحة خليفة؟!!"






***************************






قبل عشرين عاما




"خليفة؟؟"



"إيه خليفة... وش فيه؟"



أم كسّاب بتردد: مافيه شيء والنعم.. بس أختي يتيمة وفي ذمتنا ويجيها خطاطيب واجد ماشاء الله


ليش نزوجها حضري مهوب منا.. يبعدها عنا



زايد بغضب عميق: ذا الحضري أطلق من شارب كل اللي خطبوها



تراجعت أم كسّاب بوجل..بينما تنهد زايد وهو يزفر بعمق:


أنتي عارفة إنه عفرا مثل أختي الصغيرة.. ومن يوم توفوا هلش في الحادث عقب عرسنا بكم شهر.. وهي في بيتنا


ووالله إني مابي إلا مصلحتها


ومستحيل نغصبها على شيء


خليني بس أكلمها.. ومايصير إلا خير



سكتت وسمية على مضض.. لم تكن تريده أن يكلم شقيقتها قبل أن تكلمها


فهي تعلم مدى احترام عفراء الأسطوري له..


ويستحيل أن ترفض شيء هو مقتنع به


كانت تتمنى أن تكلم أختها أولا.. لتسمع رأيها قبل أن تتأثر برأي زايد


ولكن هذا لم يحدث.. لم يحدث..!!



ظلت دائما تشعر بحسرة ما.. حسرة ولّدها التفكير المترسخ الذي عاشت به


"ثنائية البدو والحضر الممقوتة"


وخصوصا حين توفي خليفة بعد ذلك بأشهر قليلة.. تاركا أختها تحمل طفلا في أحشائها..


ذكرى ربطتها به.. وظلت وفية لها.. وشبابها الغض يذوي.. وزهرة سنين حياتها تتسرب على أطلال رجل لم تعرفه حقا


ولكنها احترمته حتى التقديس.. احتراما لذكراه في عقل وقلب زايد..


كرهت أن تخدش أو تجرح هذه الذكرى المقدسة بزواجها مرة أخرى


وكان هذا أيضا سببا ثانويا من ضمن أسباب جوهرية جعلتها ترفض الزواج من زايد نفسه بعد ذلك بعدة سنوات!!!






****************************






قبل أكثر من 19 سنة


مقبرة أبو هامور




رائحة الموت تغمر الأجواء..رائحة ثقيلة خيمت على المكان.. خليط من الوجع الجارح والسكينة الهادرة



الناس متجمهرون وهم يدخلون الجسد الملفوف بالبياض إلى اللحد


صراخ يتعالى.. ورجل يحاول التفلت ليلقي بنفسه داخل القبر



" بس يازايد.. بس.. فضحتنا.." يهمس في أذنه بصوت مكتوم وهو يكتفه بقوة وينحني عليه من أعلى



"فكني يامنصور.. فكني ياخيك.. مابي حياة مافيها خليفة" صراخه المكلوم الموجوع يتعالى


كان ينشج من أعماقه كأنه نشيج مذبوح في لحظاته الأخيرة..


مليء بالأنين.. مليء بالوجيعة.. مليء بالحسرة



منصور مازال يكتفه وزايد يحاول التخلص ونشيجه يتعالى وهم يراهم يهيلون التراب على القبر..


وكأنهم مع كل كومة تراب يهيلونها على القبر.. يهيلون على روحه أطنان من الوحشة المعتمة


يحاول التخلص.. يريد منعهم من طمر روحه تحت التراب.. يشعر أن هذا التراب ينسكب في رئتيه وأنه عاجز حتى عن مجرد التنفس..


يحاول التخلص للمرة الألف وهو يضرب بكوعيه في صدر منصور بكل قوته.. ولكن منصور لم يفلته مطلقا وهو يهمس في أذنه بصرامه: زايد طول عمرك رجّال.. خلك رجّال


حتى يوم ماتوا أمي وأبي ماسويت كذا


أطلب له الرحمة.. أطلب له الرحمة






**************************





مازال زايد جالسا في مجلسه ينتظر آذان العشاء..والمجلس خال على غير العادة


والهموم تتزاحم على كتفيه.. والذكريات المؤلمة تغتال ذاكرته.. لينتزعه من كل هذا رنين هاتفه


نظر للاسم ورد بقلق: هلا أم جميلة



جاءه صوت عفراء المرهق المبحوح: هلا بك أبو كسّاب



زايد بقلق: بشريني من جميلة



عفراء بذات الإرهاق: على حالها..


ثم أردفت بتردد: أبو كسّاب.. طلبتك.. قل تم



زايد بحمية: أفا عليش يابنت محمد.. آمري لا تطلبين..



عفراء بهدوء حذر: أنا أبي أسفر جميلة.. بس تكفى تخليني أحجز.. أنت عارف إنه الخير واجد.. ورثي من هلي ثم ورثنا من خليفة


وأنت أساسا ماتخلينا نصرف شيء.. طلبتك أبي أسفر جميلة أنا..



زايد بثقة بها بعض من غضب: مالش لوا يا بنت محمد.. أول شيء الحجز خلاص حجزت.. حتى جوازاتكم في السفارة الفرنسية عشان الفيزا..


وحجزت المصحة خلاص وبأسافر معكم أنا ومزون وبيستقبلنا علي هناك



عفراء باستنكار خجول: بس يابو كسّاب



زايد يقاطعها بنبرة غضب: بس ..بدون مرادد.. أنا أصلا غلطان من يوم طاوعتش وتأخرنا ذا كله.. لين تدهورت حالة البنت



سكتت عفراء على مضض..وسكت هو على غضب كاسح متزايد خشي أن يفجره في عفراء



فهو بالفعل غاضب من عفراء التي كان يلح عليها أن يسافروا بجميلة


لكنها كانت ترفض بحجة أن وضع جميلة تحت السيطرة


وهاهو الوضع خرج عن السيطرة.. خرج تماما



بعد أن هدأت أعصابه.. قام بإجراء اتصال جديد..حالما أجاب الطرف الآخر بعد السلامات المعتادة


همس زايد بثقة حانية: علي .. رحلتي اللي قلت لك عنها لفرنسا تقدمت شوي


أنا جايك بعد يومين أنا وخالتك وأختك.. جميلة تعبانة شوي



علي بثقة مثقلة بالغموض: أنا اصلا كنت أبي أتصل فيك.. أقول لك أنا جاي الليلة


أبي أعقد على جميلة.. وأنا اللي بأسافر معها


مافيه داعي تروحون كلكم


إلا خالتي لو بغت تروح.. بكيفها






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 14-03-10 04:31 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الرحمات وتقبل الدعوات والقرب من الله
نهاركم رايق وكله توفيق من الله عز وجل
رغم حرارة الجو الأيام اللي طافت بس الجو في هذه اللحظات شيء سماوي بالفعل
البرودة مع أشعة الشمس التي بدأت تداعب الأفق..
شيء يتجاوز الخيال
.
.
اليوم عندي هذرة كثير الله يعينكم
.
.
قبل أن أدخل إلى جدل الرواية.. ندخل في جدل الحصرية
شيء من الجدل هنا بين أسطر الرواية وتم حذفه وأبلغت عنه...وشيء آخر وصلني على الخاص
أحبابي الأعزاء يا نبضات القلب كيف قيدت جناحي ابنتي الثالثة وحرمتها من التحليق؟؟
هل يوجد قارئ واحد أراد أن يقرأ الرواية ولم تكن متاحة للقراءة ووجد منتدى ليلاس مغلق أمامه
ليلاس قلب مفتوح لزواره قبل أعضاءه
والانترنت فضاء مفتوح على مصراعيه.. وليلاس حتى لا يلزم الزوار بالاشتراك ليقرأوا.. فكيف أنها أصبحت مقيدة؟!!
من أراد أن يتواصل مع القصة هاهو أصبح يعرف مكانها
أما أنه يريد القصة أن تذهب هي إليه.. فهذا يكون له هدف آخر غير محبتي ومحبة ما أكتب
لأن من يحبني فعلا ويحب كتاباتي يعرف أين يجدني..
يعز علي فعلا ويؤلمني أن أرد أي أحد منكم.. ولكن أعتقد أنكم تريدون راحتي.. حتى أكتب كما أريد وتريدون
وأنا أشعر بالراحة هنا.. وأتمنى أن أراكم جميعا حولي هنا
ومن هنا انتقل لأحبابي الذين رأيت وجوههم الغالية هنا دون اهتمام منهم بتغيير المكان بعد أن جاءوا من مكان آخر
ألف شكر لكم ولتواصلكم الغالي على قلبي.. لا تعلمون مقدار سعادتي بكم
ومن هنا أود لفت الانتباه لشيء بسيط
التعليقات.. البعض قادم من منتديات أخرى ولا يعلم سياسة ليلاس
هنا التعليق يكون لفائدة القصة ومساراتها.. وتعليقات مثل ننتظرك.. وبارت روعة.. تحذف.. لذا أرجو ألا يغضب أحد من حذف تعليقه
و ما يهم في النهاية هو عبق حضوركم الذي يساند القصة بما يدفعها للأمام..
.
.
نعود لبين الأمس واليوم
سعيدة جدا بهذا الجدل الذي بدا يأخذ مسارات متعاكسة فعلا
بين رفض وقبول بين كراهية وإعجاب ببعض الشخصيات
أنا سعيدة جدا بكم وبجدلكم واختلافكم
قرأت كل الردود بتمعن.. لكن هالمرة والله ما قدرت أرد على كل وحدة رد فردي
أهلا بكل المعلقات..بكل الصديقات.. وبكل حرف خطته كل الأنامل الغالية الثمينة هنا
.
.
منذ بدأت (بين الأمس واليوم) وأنا اعطي إشارات خاطفة ومقصودة جدا حول أحداث وقعت أو عن الشخصيات
ولكن للحق قلة قليلة جدا هم من التقطوا هذه الإشارات
مع أن هذه الإشارات كانت ستفتح لكم مغاليق كثير مما اثار فضولكم
.
.
البارت اللي فات
كان أكثر اثنين حظوا بالجدل منصور وكاسرة اللي انربط بينهم في علاقة زواج توقعها بعض صديقاتي اللي علقوا
كاسرة من الشخصيات اللي اعتز بها كثير..
لكن لحد الحين ما سمعتوها تتكلم عن نفسها
والملاحظ إن اهتمام أسرتها بوضحى أكثر من اهتمامهم بها << ملاحظتين ذكية لصديقة غالية
وكاسرة لحد الحين عنها عطيت ثلاث إشارات واليوم إشارة رابعة
لكن ماتم التقاطه من قلة من صديقاتي كان إشارة وحدة فقط
كل هذا سيتضح في بارت كاسرة الخاص
.
منصور
صحيح طلق 3 مرات لكن تعتقدون السبب بس عشانه وسيم؟؟ تشوفونه سبب جوهري؟؟؟
انتبهوا إنه قال لكساب: لا تسخف مشاكلي مع حريمي... أنت عارف إن هذا مهوب السبب.
.
.
نجي لوسامة منصور.. لها سبب عندي.. بس تعرفونه بعدين
بس ترا وسامته عاد موب مثل فارس ولا حتى قريبة منها : )
تدرون بنات صحيح أنا ما أحبذ المقارنة بين قصصي الثلاث.. لاني أحب كل وحدة تكون مستقلة بروحها وحضورها
بس بما أن المقارنة حضرت
فأكثر واحد قصدت إنه يكون الأكثر وسامة هو فارس لسبب انتهى مع أسى الهجران وكلكم عرفتوه في حينه
لكن في البطلات هي في بين الأمس واليوم
كـــــــــاســــــرة
وترا كاسرة لحد الحين ما وصفتها لكم..
وصفها الكامل والخاص بيجيكم بعدين بعدين بعيون شخص خاص جدا
في موقف خاص جدا جدا جدا وحطوا عشرين جدا بعد <<< قبل ما تتوقعون... لا ليس في ليلة عرسها على فرض إنها بتتزوج لو تزوجت
.
.
.
ومن الوسامة نطلع لقضية الطول
كفاية خليت زايد قصير وهو الشخصية المحورية المحركة للأحداث
أكثر من كذا ما أقدر
أنا متركب في مخي : رجّال = واحد طويل : )
ومن ناحية ثانية جدية هالمرة وأهم أنا أحب إنه شخصيات أبطالي الرجال فيها شيء من القوة والثقة يزيد أو ينقص حسب كل شخصية
ما يصير نخليهم كلهم قصار وهيبة <<< كفاية عمي زايد لأنه مافيه مثله اثنين...
.
.
عجبني جدا بعد التفات بعض الصديقات لدخول سميرة ودلالته.. سميرة شخصية عجيبة بمعنى الكلمة
انتظروا ظهورها الخاص بعد
.
.
بارت اليوم
نتعرف على رأي وضحى في خطبة عبدالرحمن اللي هو بعد لحد الحين ما
تعرفتوا عليه.. وجاي التعريف به بعدين وعلى مراحل
وأيضا سنتعرف أكثر على علي وماذا سيحدث في خطبته لجميلة

اليوم نعرف سبب رفض عفراء لزايد
ونعود للماضي مع وسمية زوجة زايد في مشهد قريب جدا من روحي.. ومؤلم لابعد حد..
.
.
إليكم
الجزء الرابع
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم / الجزء الرابع




الدوحة
وقت ما بين منتصف الليل وقبل صلاة الفجر
أرض المطار..


سخونة لزجة ولدتها رطوبة أثقلت الجو
نزل عن سلم الطائرة ليلفح الهواء الساخن برودة وجهه
استعاذ بالله من الشيطان وهو ينفض رأسه ويفتح أعلى قميصه عن عنقه النحيل بحثا عن بعض الهواء
شعر كما لو أنه عاجز عن التنفس وكأن هذه الرطوبة ألتهمت كل الأوكسجين وامتصت مابقي من هواء رئيتيه
مسح عرقا وهميا شعر به يعبر شعر حاجبيه ليغشى رموش عينيه
واسم واحد يكتسح أفكاره

"جـــــــمـــــيــــلــــــة!!!"


لطالما بدت له جميلة أشبه ماتكون بلعبة
جميلة.. رقيقة.. وهشة.. هشة جدا كلعبة كريستالية قابلة للعطب السريع!!

ولطالما رآها أيضا طفلة!!
في كل سفراته كانت هديتها دائما دمية.. كان يتعب كثيرا في انتقاء دمية مختلفة لها كل مرة
يكاد يقسم أنها لابد ملئت غرفة كاملة من دماه التي أهداها لها هو!!
ولم يتوقف عن إهدائها الدمى حتى بعد أن قالت له مزون وهي تتناول منه هدية جميلة قبل عامين لتعطيها لها:
علي ترا جميلة صارت مره.. جيب لها شيء غير.. عبيت غرفتها ألعاب..
جيب لها شنطة.. عطور

حينها ابتسم وهمس: هي تنبسط على العرايس والدباديب اللي أجيب لها أو لا؟؟

ابتسمت مزون: بصراحة تنبسط..

همس بدفء حنون: خلاص خليها تنبسط بعرايسها وخلي الشنط والعطور لش

وها هي من لطالما أهداها العرائس ستصبح عروسه هو..
لا يعلم أي جنون أصابه حين أخبرته مزون قبل يومين بتدهور وضع جميلة
واشتكت له خيبة أملها في كسّاب حين عرضت عليه أن يتزوج منها ولكنه رفض
حينها صرخ بغضب مجنون: وليش تطلبين من كسّاب ومهوب مني؟؟
ولو كان وافق يتزوجها أنا وش كان بيصير فيني؟؟ مافكرتي فيني؟؟

مزون بدهشة عميقة وهي في استغراب أعمق لثورة علي الذي لطالما كان شديد التحكم في أعصابه: علي عمرك ماقلت أنك تبيها ولا بينت..

علي بذات الغضب: أبيها أو ما أبيها.. من حقي تشوروني.. وإلا حتى ذا الحق بتستكثرونه علي
أنا جاي بكرة أو بعده.. ولا تقولين لأحد شيء لين أتصل في أبي..

لا يعلم ما الذي أصابه.. وأي تيارات مجنونة تتقاذفه؟!!
تخيل نفسه يعود للدوحة وهي خالية من وجود جميلة؟؟
تخيل المكان كالحا خاليا من الحياة
أي مكان سيكون لا تزينه ابتسامة جميلة؟!!
أي سواد يعتصر بياض الطرقات؟!!
وأي نسمات هذه التي ستجرؤ أن تهب وهي لا تحمل دفء عطرها؟!!
بياض قلب طفلته!!
وعبق عطر دميته!!
بدت الحياة له حينها بلا طعم.. بلا نكهة.. بلا حياة!!


ثم تخيل جميلة زوجة لكسّاب فشعر بنار تجتاح عروقه وتسمم دمه وتعتصر خلاياه في وجع غير مفهوم شديد القسوة..
أي مشاعر هذه التي تتقاذفه؟؟ أي مشاعر مجهولة المدارك والهوية؟؟
طوال عمره ومشاعره متذبذبة تربطه بجميلة.. يريد أن ينظر لها كأخت صغيرة
ولكن داخله كان يرفض دائما أن تكون أختا له..
فما يشعر به ناحيتها مختلف تماما عما يشعر به ناحية مزون
حتى وإن بقي يراها طفلة.. فهذه الطفلة هو من طلب أن تتغطى عنه حين بلغت الخامسة عشرة..
وثار غضبه حين علم أنها تتغطى عنه ولا تتغطى عن كسّاب..
نهرها أن الخطأ لا يتجزأ.. ولا يعلم حينها هل كان إدعاء للتعقل أو ببساطة هي الغيرة اشتعلت في داخله
كاد يجن أنه حرم نفسه من رؤيتها بينما كسّاب يحضى بمتعة النظر إلى محياها

بعدها حدثت حكاية مزون.. ليرتحل بوجيعته.. وترتحل جميلة وذكراها المبهمة معه
يراها حين يعود بشكل متقطع.. مجرد تحية من بعيد..
ولكنه يعلم يقينا أنها بقيت رغم البعد.. قريبة.. قريبة جدا!!


تنهد بعمق وهو ينفض أفكاره ليدخل مبنى المطار
أنهى إجراءات دخوله بسرعة وجواز سفره الدبلوماسي يمنحه مزيدا من السرعة

وجد كسّاب ينتظره في صالة الحقائب الداخلية.. لقاء مفعم بالكثير من المودة
وكذا بالكثير من القلق والترقب غير المفهوم
كلاهما يشعران بتوجس مموه غير محدد الملامح
يشعران برائحة شيء مقلق يصطرخ في الأجواء
وكلاهما أيضا يحاول طرد هذه الأفكار من مخيلته!!

لم يكن مع علي سوى حقيبة صغيرة في يده لذا لم ينتظرا مزيدا من الوقت وهما يخرجان متوجهان لسيارة كسّاب المتوقفة في مواقف المطار

استحكم الصمت بينهما للحظات
ليهمس كسّاب بهدوء حذر وعيناه على الطريق: صدق علي أنت جاي تبي تملك على جميلة؟؟

علي يريح رأسه على طرف المقعد ويهمس بهدوءه العميق المعتاد: صحيح

كسّاب بحذر ونبرة مقصودة: ومقتنع؟؟

علي يلتفت له بشكل مباشر ويهمس بثقة: لو مهوب مقتنع ماجيت عاني من جنيف..

كسّاب بنبرة مباشرة: وأسبابك؟؟

علي بهدوء: أحب أحتفظ فيها لنفسي

كسّاب بحدة مباشرة تظهر فيها طبيعته الأصيلة وهو يحاول يوازن بين القيادة والغضب: تدس عليّ ياعليان؟؟

علي بذات هدوءه: كسّاب فيه أشياء أحيانا الواحد يحب يحتفظ فيها لنفسه..
احترم خصوصياتي مثل ما أنا طول عمري محترم خصوصياتكم كلكم

كسّاب باستهزاء غاضب: قصدك سلبيتك اللي تبي تلبسها لبس كشخة اسمه "احترام خصوصيات الآخرين"

علي يتنهد وهو يسند رأسه للزجاج: سمها مثل ما تبي

كسّاب بذات النبرة الغاضبة: أبي أعرف أنت وش طينتك يابارد؟؟

علي بهمس واثق وهو يتنهد: نفس طينتك ياولد أمي وأبي

كسّاب يتنهد وهو يحاول السيطرة على غضبه الذي ثار بدون سبب منطقي.. أو ربما كان له سبب!! :
اسمعني ياعلي.. أقول لك قبل نجي للبيت.. لا تفكر يوم أنك تظلم جميلة أو تضيمها حسابك بيكون معي..

علي بذات الهدوء: كسّاب أنت أخر واحد يحق له يتكلم في هذي الحقوق
وعلى العموم جميلة في عيوني.. وما أحتاج أني أخاف من تهديد حد عشان أحطها فوق رأسي
على الأقل عشان خالتي عفرا اللي كانت أمنا أكثر من أمنا اللي يرحمها

كسّاب يعاود التنهد مرة أخرى وهو يحاول السيطرة على أعصابه المتوترة
يشعر بالندم العميق يتسلل لروحه أنه لم يوافق على اقتراح مزون الذي اقترحته عليه
لعدة أسباب ليست جميلة من ضمنها!!

السبب الأول والأهم هو شقيقه الأصغر.. علي
فكسّاب متأكد أن عليا سيتزوج من جميلة مضطرا لذا رفض اخباره بالسبب لأن عليا لا يعرف الكذب.. وفي ذات الوقت لا يريد اخباره الحقيقة كما يظن كساب.
لذا كسّاب كان يتمنى أن يجنب عليا هذا الزواج الذي قد يجلب له التعاسة


" أنا تعيس تعيس.. وهذا الزواج التعيس لن يغير شيئا بالنسبة لي
ولكن عليا كان يعيش بعيدا عن كل هذا الجو المشحون
تمنيت أن أجنبه كل هذا.. تمنيت!!
تمنيت أن أجنبه التعاسة مهما كانت قاهرة
فأنا عظمي أقوى.. والمشاعر لا تهمني.. لكن هو حساس ورقيق
من المؤكد إنه حلم في حياة رومانسية وقصة حب يعيشها مع من سيتزوجها
والتي من المؤكد لن تكون جميلة "


وإن كان السبب الأول هو خوفه على علي
فالسبب الثاني هو خوفه منه.. يخشى ألا يكون علي على قدر المسئولية الملقاة على عاتقه
أن يفشل في الخروج بجميلة من دائرة المرض بمشيئة الله
لينعكس هذا الأمر بكل حزنه ومأساويته على خالته الغالية عفراء..

ويخشى أكثر من كل شيء أن يجتمع السببين
تصاب جميلة بخطب ما لتصبح التعاسة هي مصير كل من علي وعفراء

السبب الثالث الذي يحاول دفنه في قرارة نفسه.. لو أنه تزوج جميلة كان سيجد له منفذا من إلحاح والده المتكرر عليه أن يتزوج..
زوجة والسلام.. أمام الناس.. وأمام والده!!
وليس في الأمر أنه مهتم لإلحاح والده.. ولكن لأن الإلحاح بدأ يتزايد كثيرا مؤخرا وبشكل مزعج!!
فزايد مقتنع أن صلاح حال هذا الشاب غير المفهوم هو في الزواج.. ليثقل على كساب بالضغط المستمر الذي بدأ يُشعر كسّاب بالملل.


يتنهد كسّاب وهو يهمس لعلي: وصلنا البيت.. توضأ للفجر ماعاد باقي على
الصلاة شيء
صمت لثوان ثم أردف:
وأتمنى إنك تكون على قد قرارك..



*************************



قبل ذلك بساعات
مستشفى حمد
غرفة جميلة


"مزون يا قلبي.. كلمي أبيش وروحي.. أدري أنش تبين تروحين تأكدين من ترتيب غرفة علي وأغراضه قبل يجي"

مزون بحنين عميق: فديت قلبه.. مـــشـــتــــاقة له مووووت..ثلاث شهور ما شفته
ثم قطعت حماسها وهي تردف بحذر: خالتي سألتي جميلة عن رأيها وإلا لأ؟؟

عفراء بإرهاق: الليلة بدوا يخففون لها المنومات.. بكرة الصبح إن شاء الله تكون واعية وبأقول لها إن شاء الله
ثم أردفت بحزن : مع أني والله ماكنت أبيهم يتزوجون بذا الطريقة..
عيالي وأول فرحتي.. كنت أبي أسوي لهم عرس وأنبسط فيهم

مزون بمرح مصطنع تحاول بواسطته تغيير الأجواء الكئيبة: مهوب لو متزوجة إبي.. كان من زمان هو مودي جميلة غصبا عنش.. وكان الحين محتفلين بزواج علي وجميلة مثل الناس

عفراء ضربت خد مزون بخفة حانية: يا ملغش بس.. مملة
كم مرة قلنا ذا الموضوع ممنوع النقاش فيه!!


"لأنك لا تعلمين مزون.. لا تعلمين!!
تمنيت لو أستطعت أن أتزوج زايد من أجلكم أنتم فقط!!
لكن رؤيته أمامي ستعيد لي دائما ذكرى حسرات شقيقتي
لا أستطيع أن أعيش ذات الحسرة التي عاشتها وسمية حتى ماتت وهي مازالت في عز صباها
وسمية كانت جبارة.. لكن أنا لا.. لا.. لا أستطيع
فهل يكتب لي ربي أن لا أعرف حب رجل حتى لو تزوجت مرتين
خليفة رحل وأنا للتو أتعلم التعبير عن مشاعري
رحل لتموت مشاعري في قلبي
وزايد كان قلبه دوما لأخرى..
لم ولن أستطيع مسامحته على مافعله بقلب وسمية الطاهر
حتى وإن كان لم يقصد
حتى وإن كان لم يقصد!!!"



****************************



قبل 18 عاما



"هاتي الغزالة..حبيبة قلب خالتها.. ماحبيتها عدل.. مابعد برد خاطري"

عفراء بود غامر: خالتها شكلها تعبانة.. خليها فديتش منش
ثم أشرق وجهها بفرحة مفاجئة: وسوم لا تكونين حامل؟!!

ابتسمت وسمية بإرهاق: أي حامل الله يهداش!!

عفراء بابتسامة مشرقة: وش فيها؟؟ مزون صار عمرها 4 سنين.. وش تتنين بعد؟؟

وسمية بضيق: ما أدري عفراء حاسة إنه صحتي مهيب ذاك الزود..ما أبي أستعجل في الحمال لين أتأكد إن كل شيء عندي زين

عفراء تحاول أن تحمي شقيقتها من مجرد الفكرة التي أثارت أقسى مخاوفها:
وش ذا الكلام يا وسمية؟؟ مافيش إلا العافية.. توش 28 سنة وموسوسة كذا
أجل لا صرتي 40 وش بتسوين؟؟!!

وسمية بهدوء خائف شفاف: مهوب أنا وبس اللي ملاحظة ذا التعب.. حتى زايد ملاحظ.. وجنني يبي يوديني للمستشفى
بس أنا خايفة ومتوترة وموسوسة على قولتش

عفراء تحاول إدعاء المرح وإبعاد الفكرة المؤذية عن خيالها: يأختي يأختي من قدش أبو كساب خايف عليش..

وسمية بشفافية: فديت أبو كساب.. ليته بس صفا لي.. كان سويت على قولت خالد الفيصل:
إذا صفا لك زمانك، علّ يا ضامي واشرب قبل لا يحوس الطين تاليها

وكان علّيت وعلّيت .. لكن أنا شكلي بأموت ضامية ما ارتويت.. والطين حاس أولها وتاليها..

عفراء بصدمة وألم : وسمية وش ذا الكلام الشين والفال الأشين.. أبو كساب مضايقش بشي؟؟

وسمية تهمس بشفافية سماوية مثقلة يالشجن والوجع: فديت زايد ياعفراء.. جعل كل الرياجيل فدوتن له..
زايد طول عمره حاشمني.. يعزني ويحترمني.. بس.. بسس

عفراء تستحثها للكلام: بس ويش؟؟ وش عندش؟؟

وسمية بذات الوجع الشفاف: بس عمره ما حبني.. من يوم خذته ولين الحين.. وظني لين يموت وهو قلبه لها


حـــيــنــهـــا
لم تستطع وسمية التماسك.. سالت دمعة طال أمد حبسها
دمعة جرحت عفراء حتى النخاع.. قبل أن تنزل سهما من لهيب في روح وسمية المثقلة..

عفراء باستنكار: اللي قال لش ذا الكلام كذاب.. يبي يخرب عليش.. أبو كساب مستحيل يكون يحب وحدة عليش

وسمية مسحت دمعتها الخائنة وهمست بسخرية مرة.. سخرية امرأة مجروحة تريد أن تسخر من نفسها كما سخرت منها وبها الحياة:
ولو كان زايد هو اللي قال لي بنفسه.. يكون كذاب بعد..

حينها شعرت عفراء بفتور في عظامها.. وضعت كفيها فوق رأسها وخبئت وجهها بين ركبتيها وهمست بصوت مبحوح: مستحيل أبو كساب يجرحش كذا.. مستحيل يسويها
لا تقولين إن أبو كساب كان قاسي وقذر لذا الدرجة معش..
تكفين لا تكسرين صورته الكبيرة في عيني..

ابتسمت وسمية بألم وهي تمسح رأس عفراء بحنو: زايد كبير وطول عمره كبير
زايد بنفسه ما يدري إني أدري

عفراء رفعت رأسها لتظهر عينيها المحمرتين وهمست بدهشة: أجل أشلون هو اللي قال لش؟؟

وسمية بوجع مستشر وكلماتها تمزق روحها.. أحرفها سكاكين تنغرز في حنجرتها.. وكأنها تبصق دما وألما مع عبراتها المسكوبة:
يناديها يا عفرا.. كل ليلة يناديها.. ليتش تسمعينه بس أشلون يدعيها
يون ياعفرا يون !!! اسمها كله ونين.. يشرق باسمها وهو راقد
وأنا يا عفرا أكثر الليالي يحرم علي النوم.. أشلون أنام وأنا ادري إني نايمة جنبه لكن هي نايمة في قلبه ومتلحفة بروحه
عشان كذا أطق لغرف عيالي .. إذا صحا من نومه وما لقاني.. جا يدورني
أموت وهو يهمس لي بعتب: (يعني معقول النومة جنبي تضايق لذا الدرجة!! كل ليلة على ذا الموال)
أدور ألف عذر.. إلا السبب الحقيقي.. ماحبيت أصغره في عين نفسه.. وحبيت أخدع نفسي إنه كفاية علي حبه وهو صاحي..

عفراء بصدمة كاسحة وغضب مكتوم: أشلون استحملتي؟؟ أشلون؟؟ أشلون ما انفجرتي فيه وعليه؟؟

وسمية بألم متحذر: وأيش راح أستفيد؟؟ الحين زايد مخبي مشاعره علي.. وعلى الأقل يمثل إنه يحبني.. وأنا مستمتعة بذا التمثيلية!!
لكن لو قلت له إني عرفت.. شي حلو بيني وبينه بينكسر
أنا أحب زايد ياعفراء فوق ما تتخيلين.. مستحيل أجرحه بذا الطريقة!!

عفراء بغيظ: والشيخة ست الحسن وش اسمها.. جعل ربي يمحى اسمها من الدنيا

وسمية بألم: لا تدعين.. واسمها مستحيل أقوله لأحد..

عفراء بذات الغيظ: زين نعرفها؟؟.. من جماعتنا؟؟.. من بعيد؟؟

وسمية بوجع: اسمها منتشر واجد عند جماعتنا.. لكن أني أعرف من هي بالضبط.. لا ما أعرف..
ثم أردفت بوجع أعمق: تدرين عفراء صرت أشوف في كل وحدة شايلة اسمها غريمتي

عفراء باستجداء غاضب: تكفين وسمية قولي اسمها.. ودي أفلع وجه كل وحدة بذا الأسم

وسمية بألم تجذر في روحها منذ سنوات وسنوات: اسمها بيروح معي لقبري.. وبيقعد في قلب زايد حتى بعد ما أروح


"ماذا تريدين أن أقول لكِ يا عفراء؟؟ ماذا أقول؟؟
هل أخبرك أي امراة خانعة أنا؟؟
هل أخبركِ أني امراة بلا كرامة اكتفت بفتات مشاعر زايد التي منحها لي تكرماً؟!!
هل أخبركِ كيف أذلني حب زايد حتى رضيت أن يسمي ابنتي باسم قريب من اسم حبيبته دون أن أعترض أو اشتكي حتى؟؟
هل أخبركِ أي ألم متوحش أشعر به حين يحتضنها ويهمس باسمها مُصغرا
وأنا أعلم أن ذات اسم الدلال هذا قد يكون ناغى به حبيبته آلاف المرات
ستعلمين حينها لماذا أكره أن ينادي أحدا ابنتي باسم تدليل؟؟
أشعر أن أي اسم تدليل سيقود إلى تلك الآخرى اللعينة
سيوقظ الذكرى التي ما أنطفأت يوما من قلب زايد
وأي ذكرى يا عفراء؟؟ وأي ذكرى؟؟
مرت السنوات وأنا أذوي وأذوي.. أزعم أن الأيام ستنسيه إياها
لكن الأيام والأشهر والسنوات مرت وهو لم ينساها
اثني عشر عاما مرت.. مافتر لسانه يوما واحدا عن مناداتها
أي أفعى هذه التي غرست نابيها المسمومين في قلبه ليتنشر سمها في كل خلاياه وشرايينه بهذه الطريقة؟!!
آه يا عفراء آه.. وألف آه"




*****************************



اليوم التالي
صبيحة سبت
وجمر تحت الرماد!!


غرفة وضحى
كانت وضحى تنهي للتو صلاة الضحى وشرعت في ارتداء ملابسها للنزول للأسفل

طرقات حازمة على الباب
همست بهدوء: دقيقة ياللي عند الباب

أنهت ارتداء ثيابها ثم فتحت.. ابتسمت ابتسامة شاسعة وهي ترا الطارق
تعلقت بعنقه وهي تهمس بمرح: أنزل شوي يالزرافة خلني أحبك

انحنى مُهاب قليلا ليقرب خده منها بينما همست وضحى بترحيب دافئ:
الحمدلله على السلامة.. 3 أيام في رحلة وحدة.. طولت علينا

مُهاب يتجاوزها ليجلس على سريرها وهو يهمس بهدوء حنون: عشان الرحلة هذي كانت تدشين لخط جديد قعدنا شوي في مكتبنا الجديد

ثم أردف بنبرة مقصودة: وأخرتني ذا الرحلة شوي عن موضوع مهم

هزت وضحى كفتيها وهي تجلس جواره متسائلة: خير إن شاء الله

مُهاب بابتسامة: خطاطيب لش

قفزت وضحى كالملدوغة وهي تتجه للنافذة وتنظر للخارج بتوتر في محاولة لمداراة خجلها وتوترها

اقترب منها مُهاب ليضع كفه على كتفها بحنان: طالعيني وضحى..

استدارت وضحى دون أن تستطيع رفع نظرها إليه.. شدها مُهاب ليعاودان الجلوس وهمس لها بهدوء: اسمعيني.. أنا تو قلت لأمي.. بس حبيت أكلمش بنفسي وأسمع منش
وترا عبدالرحمن بن فاضل ما ينرد

شهقت وضحى بعنف والاسم يخترق طبلة أذنها والأحرف تخرج مبعثرة مبتورة من بين شفتيها اللتين انخطف لونهما فجأة:
مـ ـن ؟؟ عـ عـ بـ د الرحمن؟؟ ولـ ـد عـ ـمـ ـتـ ـي ؟؟

ثم تنهدت بعمق وآلالاف الأفكار تضرب في رأسها كمطارق مجنونة..
لتقف بعدها وتبتعد وتهمس بنبرة متوترة مضطربة موغلة في حزن غير مفهوم:
ويومن إنه ماينرد.. ليه ردته أختك بدل المرة عشر؟؟

مُهاب وصل لمربط الفرس الذي كان يخشاه.. لكنه تنهد وهو يجيب بثقة: هذاك موضوع وهذا موضوع

حينها انفجرت وضحى بشكل مفاجئ غير مسبوق وغير متوقع: لا.. هم موضوع واحد
ثم أردفت بحزن مرير وغضب عميق: ويا ترى أنت اللي عرضتني عليه تعويض له عن وجهه اللي طاح من كثر ماخطب كاسرة وردته؟؟
أو هو اللي خطبني بعد ما يأس من كاسرة.. وقال يالله ماحصلت لنا الزينة نأخذ أختها الشينة.. عشان يحر كاسرة؟؟

مُهاب تغير لون وجهه وبدا أنه يعاني غضبا يحاول كتمه: عيب عليش ذا الكلام يا وضحى

وضحى تنتفض بعنف وتوشك على البكاء: إلا عيب عليك أنت ياولد أمي.. ترخصني كذا.. وترميني ذا الرمية
آسفة امهاب.. وقول لعبدالرحمن: ماعندنا بنات للعرس..
وأعتقد عادي عنده.. تعود على الرفض.. ما أعتقد أنه بيأثر فيه عقب كفوف كاسرة له

انتفض مُهاب.. أي مصيبة جلبها لنفسه.. لم يخطر له ولا حتى للحظة أن وضحى قد ترفض عبدالرحمن.. كيف يرد عبدالرحمن وهو من عرضها عليه

صرخ مُهاب من بين أسنانه: مهوب على كيفش تصغريني قدام الرجّال.. بتأخذينه يعني بتأخذينه

حينها انهارت وضحى في البكاء وهي تصرخ بين عويلها: إيه أنا اغصبني.. لأني الطوفة الهبيطة في ذا البيت.. الكل يدوس على رقبتي
لكن كاسرة ما تقدر عليها.. سوو روحك الحين رجال علي واغصبني..
وليش ماغصبت كاسرة عليه.. يومن أنك رجال ما تبي شيء يصغرك قدام الرياجيل
رجّال علي أنا بس...

أوقف سيل كلماتها............. صفعة قوية ألقتها على السرير..
انتهت الصفعة والجميع وقفوا في ذهول..
مُهاب يحاول ألا ينظر إليها.. لأول مرة يفعلها ويمد يده على إحدى شقيقاته.. وتكون وضحى بالذات!! وضحى؟!!
كاسرة استحقت الصفع مئات المرات ولم يصفعها... بينما هذه المسكينة لأول مرة تعبر عن رأيها وتصرخ.. فيكون احتوائه لثورتها : صفعة

في ذات وقت الصفعة وصل الجمهور.. مزنة وكاسرة وصلتا ركضا على صراخ وضحى غير المعتاد.. ليفجعا بالمنظر
مزنة بقيت واقفة غير مستوعبة.. بينما كاسرة انفجرت بانفعال وهي تقف أمام مُهاب:
أشلون تتجرأ وتمد يدك عليها.. شايفها بهيمة.. بالطقاق بعبدالرحمن... هو العرس بالغصب

فكان رده عليها كذلك صفعة ألقتها في حضن شقيقتها..
يا لغرابة البشر..؟!!
منذ صفع وضحى وهو يشعر أن تكفيره عن صفعته لها هو صفعة لمن تسببت بكل ذلك.. لكاسرة
وهاهي أتته بقدميها.. ربما كان ليصفعها بدون سبب.. ولكنها قدمت له السبب مهما كان واهيا

مُهاب لم يسمح لهن بالمزيد.. يريد استغلال ذهول والدته قبل أن تنفجر هي الأخرى
فانفجار والدته سيكون شيئا مرعبا هو غير مستعد له الآن مع كل هذا الندم والألم في روحه
خرج.. ليتنفس... فهو يشعر أنه على وشك الانفجار من الغيظ والغضب.. من نفسه.. قبل أي شيء!!




***************************




مجلس زايد آل كسّاب
الصباح الباكر

علي يجلس مع والده والإرهاق باد على محياه لأبعد حد.. لم ينم مطلقا منذ يومين.. جسده يكاد ينهار من التعب.. وعقله من التفكير
يهمس بغموض: يبه متى بنملك؟؟

زايد بنبرة غامضة مقصودة: ملكة كذا على طول؟؟

علي باستغراب: وش نتنى؟؟ خالتي وموافقة.. وسفر جميلة بكرة
ومن البارحة ماعاد عطوها منوم عشان تكون واعية.

زايد ينظر له بنظرة مباشرة: وجميلة مالها أهل نرد لهم الشور؟؟

علي قفز بغضب: عسى تبي تكلم ولد أخ عمي خليفة الله يرحمه؟؟

زايد نظر له بغضب وهمس له بحدة: اقعد ياولد.. واحشم أبيك..
ثم أردف بثقة: وأكيد لازم أشور أحمد.. هذا ولد عمها.. واللي باقي من أهل أبيها

علي بغضب عميق وضيق أعمق: الحين صاروا أهلها.. وينهم ذا السنين كلها؟؟!!

زايد بصرامة: لا تظلم الناس يا أبيك.. أحمد طول عمره واصل.. وعلى طول ينشد عن جميلة.. وقبل توفى مرته كانت دايما تزور عفرا
بس الحين ماعاد إلا هو وعياله الثلاثة.. تبيه يعني يقول خلوني أشوفها وهو مهوب حلال لها؟؟
ثم أردف بحنين عميق مؤلم وبهمس خافت: مافي طرف خليفة قاطع

علي يحاول تجاوز ضيقه المتزايد بصورة غريبة.. فهو منذ وطئت قدماه الدوحة وشعور قلق مستنزف يجتاحه: يبه كذا بنتأخر في الموضوع!!

زايد بهدوء وهو يتناول فنجان قهوته من المقهوي الذي يقف بدلة الرسلان: لا متأخرين ولا شيء..
أنا من البارحة أصلا كلمت أحمد.. وبنروح له في بيته بعد شوي




**************************




في غرفته يجلس
يشعر كما لو أن هموم الأرض كلها تجمعت لتتزاحم فوق كتفيه
مشوش التفكير.. لأول مرة يشعر أنه عاجز عن التصرف المنطقي أو المناسب
وأكثر ما يؤلمه...... وضحى
كيف امتدت يده الضخمة لخدها الرقيق..
هذه النسمة الرقيقة التي اعتادت أن تمر مر السحاب الهادئ..
لا يريد إجبارها على شيء.. ولكن في ذات الوقت يستحيل أن يخبر عبدالرحمن برفضها
أن ترفضه الشقيقتان على التوالي.. أمر لا يمكن احتماله
لا يمكن أن يضع عبدالرحمن في هذا الموقف
بل يستحيل أن يعرضه لهذه الإهانة!!!

وآخر آخر آخر ماكان ينقصه في فوضى التفكير هذا.. هذا الإعصار الذي اقتحم غرفته!!

" أنت أشلون تجرأ وتمد يدك علي؟!!
يعني عشان اسمك أخينا الكبير شايف لنفسك ذا الحق؟!!
وإلا يمكن عشان عارف إنه ماحد يقدر يوقف في وجهك
ماورانا حد يردك لا تفرعنت علينا
جدي وإلا تميم؟!!
بس لا يا امهاب.. لا.. وأظني إنك تعرف كاسرة من هي
أنا ما أبي لي ظهر رجّال أتحامى فيه..
وأقدر أوقف في وجهك.. وأحمي نفسي وأحمي أختي
وضحى مستحيل أخليك تجبرها على شيء هي ما تبيه لو على قص ربي

مُهاب يقف بحدة مرعبة ولون وجهه ينقلب من الغضب
ولكن كاسرة لا تتأخر حتى خطوة وهي تقف أمامه بكل برود
مُهاب يمسك كفيه ورا ظهره حتى لا يتهور للمرة الثانية
ويهمس من بين أسنانه التي تكاد تتكسر لشدة ضغطه عليها: هذي أخرتها ياكاسرة.. تطولين لسانش على أخيش الكبير؟!!
كاسرة انهدي الله يهد عدوينش
ترا شياطين الدنيا كلها تنطط قدامي.. فروحي إذلفي واتقي شري

كاسرة تقترب خطوة بعد وتهمس ببرود مستفز: ماني برايحة.. ورني وش تبي تسوي؟؟

مُهاب يزفر بحرارة محرقة كحرارة غضبه المستعر.. وهو يفتح كفيه ويغلقهما..
كم كان نادما على صفعها.. ولكنه يود الآن لو يصفعها مئة مرة
وحتى يتقي شر نفسه.. تراجع ليتناول غترته الملقاة على السرير.. ويخرج
بينما تعالى صراخ كاسرة ورائه: علمن ياصلك ويتعداك.. ترا وضحى مهيب ماخذة عبدالرحمن.. وماعاش من يغصبها على شيء




**************************



مقهى لاميزون النجار
شارع سلوى


في زواية الطابق السفلي يجلسان يرتشفان قهوتيهما
يهمس أكبرهما: وش عندك كسّاب؟؟ أعرفك ذا الوقت في شركتك؟؟

كسّاب بهدوء متوتر: ما أدري وش فيني ياعمي.. متوتر من موضوع علي..

يبتسم منصور: يعني عشان إخيك الصغير بيعرس قبلك؟!!

كسّاب باستنكار مستاء: وش ذا الكلام ؟؟ أنا متوتر من تأخير الموضوع
أنا وعلي كنا متفقين إنه يتملك اليوم الصبح بدري.. عشان سفرهم بكرة
بس أبي طلع بسالفة إنه لازم يشور أحمد ولد عم جميلة
يعني لا هو وكيل البنت.. ولا له حكم عليها..
وش له هالشكليات اللي مالها داعي.. يأخر علي من غير سبب

منصور بنبرة لا يعرف هل هي غيرة أم حنين: خليفة وهله عند أبيك غير
ثم أردف وهو ينفض رأسه: بعدين أنا أعرف أحمد.. رجّال أجودي وفيه خير
وما أعتقد إنه بيأخرهم
وخصوصا إنه دايم يقول جميلة بنتكم..

كسّاب بذات التوتر الذي لا يزول: الله يجيب الخير




*****************************




بيت فاضل بن عبدالرحمن

صالة البيت السفلية حيث تجلس جوزاء تطعم ابنها فطوره
تنزل شعاع وهي تقفز الدرج قفزا
لتقفز بجوار جوزاء وهي تهمس في أذنها بحماس وبصوت خافت: ماسمعتي أخر الأخبار؟؟؟

جوزاء بغضب لطيف: مفلوجة أنتي؟!! سلمي.. واقعدي مثل الأوادم مهوب القرود

شعاع تدعي الغضب: أجل موتي حرة.. ماني بقايلة لش شيء

جوزاء تهز كتفيها وتعود لإطعام صغيرها: عادي.. أخرتش بتقولين بتقولين
لأنش بتموتين لو ما قلتي

شعاع تشد الصغير وتهمس بحماس: هاتي حسّون أنا بأأكله..

جوزاء تترك حسن الصغير مع خالته وتسند ظهرها للكنب وهي تنظر بشبح ابتسامة لتعابير وجه أختها الصغيرة..كيف تلمع عيناها وتعض شفتيها

بعد مرور دقيقة همست جوزاء بخبث: نضجتي وإلا بعد؟؟

شعاع تضع الطبق والملعقة على الطاولة الصغيرة أمامها وتلف كامل جسدها ناحية أختها: مشكلتش عارفتني.. أنا اشهد أني نضجت ونضجت
خذي القنبلة

ثم صمتت لثانية وهمست بنبرة الأخبار المهمة: عبدالرحمن خطب وضحى

كانت وقتها جوزاء تعاود تناول الصحن وهي تشد ابنها ناحيتها.. فسقط الطبق من يدها وعيناها تتوسعان وهي تهمس بصدمة: من جدش؟؟

شعاع بجدية: ذا المواضيع فيها مزح؟؟

جوزاء تعاود التماسك ثم تهمس بثقة: وضحى أحسن بواجد من أختها المعقدة المغرورة.. الله يوفقهم

شعاع بحماس بريء: بس يعني ما أثار فضولش تغيير عبدالرحمن لرأيه..
لين الأسبوع اللي فات وهو يقول إنه بيرجع يخطب كاسرة لو رفضت الخاطب الجديد

جوزاء تعاود إطعام الصغير الذي بدأ يرفض الطعام بإصرار رغم محاولات جوزاء المتكررة
وتهمس بهدوء لا يخلو من نبرة تشفي: الحمدلله إنه عقل.. لو كان خذ كاسرة كان جننته




***************************




منطقة الدحيل
بيت أحمد بن جاسم.. ابن شقيق خليفة
في مجلسه

حيث يجلس هو و زايد وعلي وأبنائه الثلاثة الذين أصر على تواجدهم جميعا تقديرا لزايد الذي يحترمه كثيرا
علي يجلس بهدوء وثقة ولكن تفكير مر يجتاح أعماقه كاعصار كاسح أبعد مايكون عن هدوءه الظاهري..
قلق متوحش يلتهم خلاياه التهاما.. يشعر أن جميلة تتحول إلى إلى طيف يرتحل ويتركه
لا يعلم لماذا يسيطر على تفكيره هذا الهاجس المؤلم الذي شعر به يذيب داخله ألما!!

جميلة..حلمه الشفاف يرتحل كحمامة حلقت للأفق البعيد.. واختفت!!
أ كثير عليه أن ينظر لمحياها العذب ولو لمرة..؟!!
أ يعقل أنها ستموت قبل أن تكون له؟!!
ترحل قبل أن يطبع على عينيها الذابلتين قبلة حلم كثيرا بها دون أن يعرف سببا لهذا الحلم!!


انتزعه من أحلامه وخيالاته والده وهو يضع يده على فخذه ويقول بنبرة احترام: ها يا أبو جاسم.. وش رأيك؟؟

أحمد باحترام متزايد: ياي تخطب بنتك يأبو كسّاب؟!!.. أنت بس كان عطيتني موعد الملكة وأنا بأيي أشهد على عقد ولدي علي

تنهد علي بعمق وهو يأخذ نفسا طويلا يعوضه عن أنفاسه المكتومة منذ الصباح
اتسعت ابتسامته بارتياح بعد شد الإعصاب المضني الحارق..
ولكن ابتسامته سُرعان ما نُحرت في مهدها وهو يسمع صوت حازم يقف ليهمس معارضا بنبرة مقصودة:
من غير تقليل احترام لك يبه ولا لعمي أبو كسّاب
بس عمي أبوكسّاب ريال بدوي وهذي عاداتهم اللي مايفرطون فيها لو مهما صار
ويعرف عدل إن ولد العم أحق ببنت عمه
وأعتقد إني أنا الأحق ببنت عمي خليفة



#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 16-03-10 04:51 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 18-03-10 04:34 AM

بين الأمس واليوم / الجزء السادس
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 21-03-10 04:41 AM

بين الامس واليوم/ الجزء السابع
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 23-03-10 04:34 AM

بين الأمس واليوم / الجزء الثامن
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباح المودة والترحيب والبخور والعطور


أهلا بكل القادمين من أماكن أخرى ليحملوني شرف اشتراكهم من أجلي


تأكدوا أنكم في بيتكم .. وإن كنت أنا السبب في حضوركم هنا


فصدقوني أن المقام سيطيب لكم هنا..ليس من أجلي


ولكن لانكم ستشعرون بالراحة في أحضان ليلاس


.


.


ألف شكر لكل من أقتطعت من وقتها زمنا لتفكر معي وتعلق وتناقش


وهي تمنح بين الأمس واليوم بعضا من عبق روحها الغالية


تأكدوا من تقديري وامتناني لكل حرف يُخط هنا


.


.


ألف شكر لكل المهنئات بلقب القاص المتميز.. أخجلتموني بفيض مشاعركم الدافئة


ولولا تشجيعكم لم أكن لأصل هنا


.


.


نعود للجزء الماضي..


مع بعض التعليقات.. وبعض الردود


.


أولا التوقف مع قضية زواج كثير من شيباننا أول من جنسيات أخرى


وأنا شخصيا أعرف كثير أمهاتهم ليسوا خليجيات.. فيهم خير أكثر من غيرهم


وعيالهم يكون فيهم بداوة ومرجلة فوق الوصف..


ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى


.


وبنشوف قصة نجلاء وصالح <<< قصة قريبة من قلبي


يمكن لأني أحب القصص اللي يكون العلاقة فيها عمق وتعقيد بين الأزواج


.


.


نجي لتوقع لطيف جدا.. بس أشلون انتو جبتوه وسويتو الربط.. ما أدري صراحة


التوقع هو: إن اللي عبدالرحمن بيعرضها لمهاب هي سميرة أو جوزاء أو شعاع..



انتبهوا يا بنات للحوار:



ابتسم مهاب: إيه خطّابة...

ثم أردف بسخرية: ليه يعني أنت تعرف حد عندهم بنت نفس حالة تميم.. وفي نفس الوقت تناسبه؟!!





صمت عبدالرحمن لدقيقة كأنه يفكر ..ثم همس بعمق: من حيث أني أعرف... فأنا أعرف




يعني الحوار مفسر نفسه... وحدة نفس حالة تميم.. وموب وحدة سليمة


فمن وين جبتوا التوقع ياحليلكم؟؟


على العموم اليوم بتعرفون من هي اللي اقترحها عبدالرحمن


.


.


.


نوقف مع أخونا الفاضل تساهيل اللي استغرب الشتيمة بالكلب والحيوان في هالرواية


اللفظتين جات عند شخص واحد هو كسّاب


وكسّاب بالفعل شخصية أتعبتني في المعالجة.. ولم يسبق أن عالجت شبيها لها


لأني بطبعي أنا كأنسانة مهذبة جدا في الحوار << ماتمدح روحها أبد


ولكن شخصياتي أحاول إلباسها التنوع فهي تعبر عن نفسها


وشخصية فيها خيط رفيع بين سلاطة اللسان والوقاحة وحدة الشخصية مثل كسّاب


هذه الألفاظ هي أقل ما قد يرد على لسانه رغم صعوبتها عليّ..


.


.


.


وعن كساب بالذات


في أحيان كثيرة يؤلمني قلبي وأنا أكتب كيف يكون كسّاب سليطا مع والده


لأن للوالدين مكانة رفيعة ومهما فعلوا لا يحق للابن أن يتجاوز حدوده معهم


ولكن هذا تفكيري أنا.. وليس تفكير كسّاب


ولكن ألا تلاحظون أن كسّاب بقي يحتفظ بخط احترام غريب في طريقته لوالده


خط يتناسب مع شخصيته وشخصية زايد


.


.


وللعلم كل الشخصيات سيظهر لها جوانب متعددة..فالإنسان كائن معقد أبعد ما يكون عن الأحادية


وطبعا هذا التنوع لا يعني التعارض.. ولكنه الغنى الإنساني العسير على الفهم..


ولكن دعونا ننتهي من أجزاء هذا الأسبوع أولا


.


.


ماذا أيضا.. نشكر أختنا سكوت على تنبيهها لي..


في حواراتي أحاول أن أقترب جدا من اللغة الحية المحكية


فأجدني أنزلق دون قصد مني رغم أني أكون أعرف الحكم الشرعي ولكنه في حينها يغيب عن بالي
وقد قمت بالتعديل في النص فورا


اللهم أني أعوذ بك من وسوسات الشياطين



خالص شكري لسكوت ومن قبلها للواثقة


والشكر موصول لكل أخت تتكرم بتنبيهي لأي خطأ أقع فيه


فكل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون


اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك


.


.


اليوم أتوقف عند زوزو وزارا الغاليتين المنثالتين بعبق الحياة الجامح


توقعاتكم وتعليقاتكم أكثر من رائعة


لكن أتعلمان.. فيها من الصحة وفيها الخطأ


ولكن طبعا لن أقول أي التوقعات صحيحة وأيها خاطئة


وأيكما مصيبة وأيكما مخطئة


حتى ترونها على أرض الواقع


كان لكما في تعليقيكما الماضيين توقعات خطيرة


لكن في حينه.. في حينه


.


.


.


اليوم جزء كاسرة الخاص


تذكرون الإشارات اللي قلت قبل


طبعا الإشارة اللي تحولت لتلميح هي علاقتها بجدها


الإشارة الثانية المهمة تذكرون أول مشهد طلعت فيه وضحى وشعاع


لما وضحى قالت لشعاع: ترا أختي ما تنغلب في الحكي وتقدر تخلي جوزاء ما تسوى بيزة بس هي تحشم عمتي..



ما استغربتم وقتها إن شخصية مثل كاسرة تسكت على تنغيز جوزاء لها؟؟


اليوم نتعرف على السبب


ونتعرف على شخصية كاسرة من الداخل


.


.


اليوم سنطوف بكثير من الشخصيات


ونتعرف على العائلة الاخيرة في بين الأمس واليوم


.


وسيحدث شيء يقلب توقعاتكم بخصوص سفر عفراء مع ابنتها


.


.


إليكم


الجزء الثامن


جزء طويل جدا أتمنى يعجبكم


.


.


قراءة ممتعة مقدما


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن






صباح الدوحة


يوم يحمل الكثير


قلوب تُفجع.. وقلوب تتأمل..


وقلوب ليس لديها سوى فتات الأمل!!







ينزل السلالم بخطوات ثابتة..


يبتسم وتشرق روحه المثقلة حين يرى العينين الدافئتين الحنونتين تطلان من خلف برقعها


تحيط بهما تجاعيد رقيقة جعلت هيئتها تبدو أكثر ضعفا وهي تنحني بوهن..


أو ربما وحشة أمام قهوتها الصباحية!!



ابتسمت بشجن ورحبت قبل أن يصلها: حيا الله أبو خالد.. صبحك الله بالخير



يصلها لينحني على رأسها مقبلا.. ثم يهمس باحترام ودود: صباحش أخير جعلني فدا أرجيلش.. كيف أصبحتي يأم صالح؟؟..



ابتسمت بحنو: إذا قدك بخير أنت وأخوانك ما أشكي باس



ابتسم لها بمرح حنون: هذا أنا وأخواني قدامش قرود تنطط



همست بحزن عميق مسرف في العمق.. وكأن هذا الحزن المقيم يأبى الإنزياح أو التراجع أو الإنكماش:


جعل ربي ما يفجعني في حد(ن) منكم..


من عقب ماراح عبدالله والخاطر كلش(ن) يجيبه ويوديه



همس بحنين موجوع وهو يتذكر شقيقه الأصغر الذي رحل قبل أكثر من ثلاثة أعوام:


جعلها برايد عليك يابو حسن..


أنا أشهد إن الموت خذ له وليدة.. (الوليدة= الرجل النادر)



همست أم صالح بحنين: صالح يأمك.. جيب لي حسن اليوم فديتك..


قد لي كم يوم ماشفته.. وأنا بأكلم أمه تجهزه وتلبسه



ثم أردفت بألم شفاف: ما أدري لمتى ربى كاتب علي ماحد من عيال عيالي يقعد عندي!!


ذبحتني الشحنة لهم!!



ابتسم لها صالح: خلاص ولا يهمش خلي أم حسن توافق علي.. ونجيب حسن عندش



حينها نظرت له والدته بعتب: يعني تجيب حسن وأمه.. وأم خالد وعزوز وخويلد ؟؟



حينها أنزل صالح فنجانه وهو يشعر بضيق كتم على صدره أخفاه خلف هدوء صوته:


وش أسوي بنجلاء هي اللي معندة.. ومعية ترجع لي.. هي اللي حدتني أخطب عليها



نظرت أم صالح لابنها نظرة مباشرة وهمست بعتب مقصود:


نجلاء مرة عاقلة.. وماحدها على ذا كله إلا شي(ن) كايد


شوف وش أنت مزعل(ن) بنت عمك فيه؟؟



صالح بعتب: يعني رجعتي على ولدش.. وش بزعلها فيه يعني؟؟


لا عمري مديت يدي عليها ولا قصرت عليها بريال



أم صالح بذات النبرة المقصودة: أنت أخبر يأمك.. السالفة مهيب سالفة ضرب وفلوس



ثم أردفت بمودة: ياحيها نجلاء.. ليت كل النسوان مثلها..


كانت كافيتني غثى عزايمك أنت وأبيك.. وشاله البيت كله مني..


وين من هي مثلها؟؟



ابتسم صالح: إذا السالفة على كذا.. زوجي الجباوة الثنين اللي أخنزوا من الرقاد فوق..



أم صالح باستنكار: هزاع توه صغير.. أنت صاحي؟؟ خله يخلص الثانوية ذا الحين



ثم أردفت بابتسامة حنونة: أما أخيك الفاسخ كل ما قلته أعرس قال لي..........




"هذا حضرت العقيد عزابي.. وأنا مأنا بأحسن منه"




ارتفعت الأعين لمصدر الصوت الواثق المرح وصاحبه ينزل بخطوات سريعة عن الدرج


بلباسه العسكري الأنيق والنجمتين اللامعتين على كتفيه العريضين


ليصلهم خلال ثوان ليقبل رأس والدته وشقيقه الأكبر بينما كان صالح يهتف بابتسامة:


والله ياملازم فهد..ترا منصور آل كسّاب تزوج بدل المرة ثلاث..


يعني جرّب مثله.. ما تضر التجربة.. يمكن يعجبك الحال عقب



فهد يسكب لنفسه فنجانا من القهوة ويرد بابتسامة مشابهة:


هذا أكبر دليل إني لازم ما أتزوج


لأنه إذا حضرة العقيد بنفسه جرب ثلاث مرات وما صلحت له مرة..


معناتها النسوان كلهم مافيهم خير..



ثم استدرك وهو يعاود تقبيل رأس والدته ويقول بمرح حنون:


إلا أم صويلح.. المصنع عقبها سكروه



أم صالح بحنان: إيه إلعب على أم صويلح بدل ما تبرد خاطرها بشوفت عيالك..



صالح يضحك: وأشفيش أنتي وولدش.. شايفيني أصغر بزرانكم.. صويلح وصويلح...



فهد يعاود تقبيل رأس والدته للمرة الثالثة ويهمس باحترام ودود:


لاحقين خير يا الوالدة.. ما يصير إلا اللي يرضيش.. بس خلوني الحين على راحتي



صالح يبتسم: إيه يمه خليه.. وادعي في كل صلاة إن منصور آل كسّاب يتزوج..


صدقيني يا ساعة يأتي إخبره متزوج..


يافهيدان إن قد يجيش يعدي كنه سلقة يبي العرس...



أم صالح بغضب: يكرم ولدي عن السَلق..


ثم أردفت بابتسامة لطيفة: بس ما يضر ندعي لمنصور.. اللي فهيدان يحبه أنا أحبه



فهد يقفز ويقبل رأس والدته للمرة الرابعة ويقول بمرح:


إيه جعلني فدا عويناتش.. ادعي لحضرت العقيد.. يستاهل..


وادعي لي ما أتاخر اليوم على طابور اليوم.. ويعطيني حضرت العقيد جزا



صالح يبتسم وهو يرى شقيقه يغادر: أستغرب حبك لقائدك على كثرة ما يجازيك.. المفروض تكرهه



فهد بابتسامة واثقة: أنا أدري إن حضرة العقيد يعزني ويقدرني.. لكن العسكرية مهي بلعب..


ولو هو ما تعامل معي ومع الفرقة كلها بذا الطريقة ما كان حبيناه


لأنه يعرف يمسك العصا من النص..


يعطينا حقنا.. ويأخذ حق العسكرية منا



ثم أردف فهد (بعيارة) : بعدين يأخي سيادة العقيد كله كاريزما.. يئبر ئلبي شو مهضوم..



صالح يضحك بصوت عالٍ: أمحق عسكرية تعرفها ياهيفا



فهد يشير له بيده مودعا وهو يضحك


بينما دعوات والدته ترتفع خلفه أن يكتب لكل من ابنها وقائده الزوجة الصالحة والذرية البارة..



بينما صالح يتذكر شيئا... ويهتف وراء فهد بصوت عالٍ حازم يختفي خلفه قلق عميق:


فهيدان الله الله في الركادة وأنت تسوق ياولد..






**********************************







مستشفى حمد


الساعة العاشرة صباحا


غرفة جميلة الخالية من جميلة!!!




نحيبها المكتوم الموجوع حينا ينخفض.. وحينا يرتفع


وهمهمات متقطعة تصدر متحشرجة من حنجرتها التي تمزقت من طول النحيب الذي لم يتوقف مطلقا منذ يوم أمس:


راحت.. راحت بدون حتى ما أسمع صوتها.. يا حر جوفي حراه



مزون تحاول كتم عبراتها: شتسوين يا خالتي؟؟


عادها ما وعت من تخديرتها البارحة عقب ما خدروها عشان ما تشيل المغذي من يدها



تغرس أظافرها في معصم مزون التي تجلس جوارها تحتضن كتفيها تهدهدها


وهي تهمس بصوت مبحوح ممزق: بأموت يأمش يامزون بأموت..


حاسة إني ماعادني بشايفة بنتي..ياحي جميلة حياه




"قومي الحين جهزي أغراضش..


والله ما تمسين إلا عندها واللي رفع سبع(ن) بليا عمد"




الاثنتان نظرتا بدهشة للواقف بجوار النافذة الطويلة ينظر للخارج وهو يوليهما ظهره ويكمل بحزم شديد:


أنتي تأشيرتش جاهزة.. وأنا عندي تأشيرة شنغن مجهزها عشان لو جاتني سفرة شغل مفاجئة


قومي يالله..



عفراء وسط عبراتها: لا يأمك ماني برايحة.. هي عبرة وانقضت.. بفضي رأسي من دموعه وعقبه بأهدأ



كسّاب بذات الحزم البالغ: أنتي تحسبيني حلفت وبأفجر؟؟.. لا والله إن قد تروحين..



عفراء بضعف: يأمك ما أبي أروح.. لو أبي أروح كان رحت معها من أول..



كساب يدير وجهه ناحيتهما وعيناه ممتلئتان بتصميم غريب حازم.. ويقول بقسوة:


خالتي لا تضيعين وقتي ووقتش..


يالله قومي أوديكم البيت وتجهزين وأنا بأروح أحجز لنا على طيارة فالليل


لأنش بتروحين يعني بتروحين



مزون بتردد: كسّاب خلها على راحتها



كسّاب ينظر لها نظرة مباشرة شعرت كما لو كانت نظرته ستسلخ جلدها عن عظمها


وهو يقول بقسوة أكبر: أنتي تلايطي ولا تتدخلين في شيء ما يخصش



مزون تراجعت بجزع.. وعبراتها تتضخم في حنجرتها



بينما انتفضت عفراء بغضب لم يمنعها منه استغراقها في الحزن:


ما أسمح لك تكلمها بذا الطريقة وقدامي.. أنا ما لي حشمة عندك



كسّاب يتجه للباب وهو يقول بذات الحزم القاسي:


أقول لش خالتي.. الأحسن اتصلي في سواقتش توديكم


أنا طالع أجيب التذاكر.. الساعة 7 في الليل تكونين جاهزة..



كسّاب خرج.. لتنفجر مزون في بكاء حاد مترع بالشهقات في حضن خالتها..



عفراء تهمس لها بحنان.. وحزن مزون يأخذها من حزنها:


بس يا قلبي لا تزعلين على كسّاب.. أنتي صرتي عارفته..



مزون تهمس بألم ووجهها مختبئ في كتف خالتها:


حتى لو كنت مستوجعة من قسوة كسّاب وتقصاده إنه يوجعني..


مهوب ذا سبت زعلي


أنتي عارفة إني كنت عاملة حسابي إني بسافر معش أنتي وجميلة


لكن الحين أشلون بأقدر أقعد على أعصابي من غيرش ومن غير جميلة..


لا وبعد من غير كسّاب وعلي



عفراء بحنان وهي تحتضنها بحنو: ماني برايحة يأمش.. بأقعد عندش..


أنتي عارفة إني من لما تزوجت جميلة خليفة قررت إني ما أروح



حينها مزون انتفضت بجزع: لا خالتي تكفين.. لا يرجع كسّاب ويلاقيش ما تجهزتي بيعصب..


انا ما أستحمل أشوف عصبيته.. تذوب ركبي من الخوف



ثم أردفت بوجع: يا سبحان الله.. مع إن كساب طول عمره عصبي..


بس فرق السما عن الأرض بين عصبيته مع حنانه وعصبيته مع قسوته!!



ثم مسحت دموعها وأردفت بتشجيع: خلينا نرجع البيت.. أغراضش تقريبا جاهزة


روحي على الأقل تطمني على جميلة.. لو حبيتي تقعدين مرخوصة


ولو بغيتي ترجعين لي.. هذا أحب ما على قلبي






بعد دقائق في سيارة كساب الذي يزفر غضبه في زفرات محرقة


توشك أن تحرق لشدة لهيبها الهواء العابر أمام أنفاسه:




"تريدني أن أراها على هذه الحال وأتركها


تريدني أن أرى روحها تذوي وأتركها


هل تريد أن تتركني كما تركتني وسمية؟!!


هل تريد أن تعذبني بحزنها كما عذبتني أمي بمرضها


أعلم أن للاثنتين قلب سرعان ما يذيبه الحزن كما يذيب الماء الملح


إن لم أستطع أن أبقي أمي جواري..


فلن أسمح لعفراء أن تتركني وحيدا في هذا العالم.. مخلوق مشوه الروح.. مشبع بالأسى والأحقاد


ما زالت هي نافذة الضوء التي تأخذني من عتمة أيامي المظلمة إلى فضاء يبصق بعض الضوء


الذي يبقيني على تواصل مع كينونتي الإنسانية


لن أسمح لروحها أن تغرق في الحزن..


لن أسمح لابتسامتها أن تنطفئ


فكيف تنطفئ ابتسامة أيامي الوحيدة؟!!!"






*****************************






"صبحش الله بالخير يأم امهاب"



ترفع رأسها للقامة المديدة التي تنحني عليها وهو بكامل ألقه في لباس الطيارين الأنيق وتهمس بهدوء: صباحك أخير يامك


ثم أردفت باهتمام: ما قلت لي إنك عندك رحلة اليوم..



مازال واقفا وهو يقول بهدوء: واحد من الزملاء اعتذر عنده ظرف وكلموني.. رحلة قصيرة للبحرين.. قبل المغرب باكون راجع إن شاء الله



أم مهاب بمودة: تروح وترجع بالسلامة يأمك..



تفكير معين يدور في ذهن مُهاب..


يتردد للحظات ثم يهتف بثقة: يمه فيه موضوع أبي أكلمش فيه



مزنة تعتدل بفرحة وهي تشهق: تبي تعرس؟؟



ابتسم مُهاب: يعني مافيه موضوع أكلمش فيه إلا موضوع عرسي



مزنة عاودت الجلوس وهي تقول بخيبة أمل: مهوب القصد.. بس المقدمة حسيت فيها ريحة عرس



مازالت الابتسامة مرتسمة على وجهه: هو من حيث ريحة عرس فيها ريحة عرس.. بس مهوب أنا


صمت لثانية ثم همس بحذر: عرس تميم



مزنة بضيق: شوف يا امهاب تقول لي ياخذ طرماء صمخاء لا..


عندك سالفة غيرها.. وإلا لا تعطل روحك على شغلك



مهاب يتنهد بعمق ثم يقول بثبات: يمه اسمعيني جعلني الاول.. ذا المرة العروس غير والله غير..


بنت دكتور مع عبدالرحمن في الجامعة.. عبدالرحمن يقول شافها مع أبيها..


يقول مزيونة ومخلصة ثانوية.. وإبيها يمدحه عبدالرحمن واجد



تقاطعه مزنة بنفاذ صبر: والزبدة إنها طرماء صمخاء..


توكل يا ولد بطني.. توكل الله يحفظك



مهاب باحترام لم يخلُ من رائحة الاستجداء اللطيف:


يمه ما يصير تسكرينها في وجه تميم.. الولد يبي يتزوج



مزنة بغضب: اسمعني امهاب.. يا ويلك تزين ذا البنت ولا ذا السالفة كلها في عين تميم


والله إنه زعلي عليك دنيا وآخرة..


تميم يبي يعرس.. بأزوجه أحسن بنت اليوم قبل بكرة.. وغير ذا الحكي ما عندي






*************************






مطار الدوحة الدولي


سيارة الإسعاف التي تحمل جميلة تصل وتدخل إلى داخل أرض المطار


فالمرضى لا يعبرون عبر القنوات الاعتيادية


فسيارة الإسعاف تقف تماما تحت الطائرة..


وجاء ضابط الجوازات للتأكد من الجوازات وأخذ بياناتها لإدخالها في الحاسوب..


ومن ثم لأخذ زايد معه الذي أخذ إذنا خاصا ليدخل معهم لأرض المطار



خليفة يكاد يذوب توترا..


مازال حتى الآن لم يرَ المخلوقة المسماة زوجته.. ولا يشعر مطلقا بأي رغبة لرؤيتها


يشعر بالجزع يخنق روحه.. على أي حال هي؟!!


قالو له أنها مريضة جدا.. ما مدى مرضها؟!


كيف هي هيئتها التي يشعر بالرعب من فكرة رؤيتها؟!!


منذ علم بوزنها وهو لا تفارق أفكاره صور موجعة لضحايا المجاعات


ولكن .. فرق شاسع بين من ترك الطعام مجبرا وهو يستميت ليبحث عنه


وبين من تركه مخيرا وهو يُجبر عليه


فكيف هذه التي قررت تجويع نفسها اختيارا ؟!!




الطاقم الطبي رفع جميلة لسطح الطائرة..


بينما بقي خليفة مع زايد الذي أثقل على روحه بكثرة الوصايا:


ترا جميلة أمانتك ياخليفة.. والأمانة ثقيلة وتُسأل عنها يوم القيامة


هذي بنت الغالي.. وتراها أمانتك يأبيك



خليفة بثقة يذوب خلفها توترا: في عيوني ياعمي.. لا تحاتيها



زايد غادر.. وخليفة صعد بخطوات أكثر توترا وثقلا إلى متن الطائرة



قابل الطبيبة في الممر.. فزايد أصر أن تسافر طبيبتها معها..


وتبقى معها حتى يستقر وضعها هناك.. ودفع من أجل ذلك مبلغا مهولا من المال



همس خليفة بتوتر متعاظم: أشلون وضع جميلة الحين؟؟



ثم أردف وهو يحاول ابتلاع ريقه الذي يرفض عبور حنجرته الجافة: صاحية الحين؟؟ ممكن أشوفها؟؟



رغم أنه في داخله كان يهرب من اللقاء.. ويريد أن يؤجل هذا اللقاء المحتوم لأطول وقت..


ربما حتى يعتاد على الفكرة..


أو ربما حتى يكون قادرا على التحكم في تيارات مشاعر قلقه وتوتره المتزايدة بعنف


.. ولكن حتى متى الهروب؟؟



فهذه الشابة أصبحت زوجته.. أمانته.. وهو المسؤول الأول عنها..


فلمن يترك مسؤولياته الإجبارية التي ورّط هو نفسه فيها؟!!



أجابته الطبيبة بمهنية ودودة رتيبة: صاحية لا..


بس أكيد تقدر أشوفها..


أصلا تركنا المقعد اللي جنب سريرها فاضي عشانك



انتفض خليفة في داخله بجزع ( أ سأبقى مقيدا لجوارها طوال الرحلة؟!!)



توجه خليفة بخطوات مترددة ناحيتها..


ليجلس جوارها وهو يشيح لا إراديا بنظره عنها


يحاول الإلتفات لها ليجد نظره يهرب إلى كل مكان إلا مكانها


يعاود الإلتفات ليعاود نظره المتخاذل القلق رحلته في الهروب..


يكثر الدعوات في قلبه أن يلهمه الله الصواب ويمنحه القوة




يسمي بسم الله ويلتفت نحو المخلوقة الممدة بلا حراك جواره..


لتكون هذه الإلتفاتة هي المحاولة الجادة لإكتشاف رفيقة سفره



انتفض بعنف..والمنظر الصادم يبعثر تفكيره كاعصار عاتٍ


وهو يشعر بشيء ما يسد بلعومه ويجعله عاجزا عن التنفس..


شعوران تصاعدا في روحه حتى خنقاه..



الشفقة والرعب..



كان ينظر بشفقة كاسحة لوجهها الخالي من الحياة..


مظهرها البائس وعظامها البارزة.. عنقها شديد النحول.. أناملها اليابسة الموصلة بأجهزة التغذية


كان يفتح عينيه ويغلقهما وهو عاجز عن استيعاب المنظر أمامه


ليقفز له حينها إحساس الرعب الموجع..



"هذه المخلوقة توشك على الموت


توشك على الموت


فما هذا الذي أدخلت نفسي فيه


كيف أستطيع أن أنجو من الإحساس بالذنب ومن عتب والدتها وزايد.. لو حدث لها شيء؟!!


أي مخلوقة جافة هذه كغصن خشب متحطب بُتر من شجرته لتغادره كل معالم الحياة ونضارتها؟!!


أ يعقل أنها من فعلت بنفسها هذا؟!! أي مجنونة هذه؟!


أي مجنونة؟!!


بل أي مسكينة؟!!


أي مسكينة؟!!"




حاول خليفة أن يمد يده ليمسح على خدها ترجمة لشعور الشفقة المتزايد ناحيتها


ولكنه لم يستطع.. لم يستطع


مشاعر كثيفة معقدة متداخلة تمور في جوانحه المثقلة..


نفور ربما..!!


خوفا من أن يؤذيها وهي تبدو هشة لدرجة التكسر السريع ربما!!



أرجع ظهره للمقعد وهو يربط حزامه..


ويشعر في داخله برغبة حقيقية في البكاء


على حاله.. على حالها.. على هذا الوضع غير الإنساني الذي أدخل نفسه فيه



ولكنه نهر هذه الرغبة المضادة لإحساس الرجولة الثمين


الذي لابد أن يتمسك به حتى النهاية!!


وما بعد النهاية..!!






**************************






نهار عمل اعتيادي يقترب من ختامه بخطى حثيثة..


ترفع كاسرة الهاتف وتتصل بنبرة عملية رسمية: فاطمة لو سمحتي باقي أي شغل؟؟



فاطمة السكرتيرة ترد عليها بذات النبرة الرسمية: لا أستاذة كاسرة الحين مافيه شيء..



حينها انقلبت نبرة كاسرة للنقيض تماما..النقيض تماما.. مودة رقيقة شديدة العذوبة :


زين فطوم قولي للساعي يجيب لنا قهوة.. وتعالي تقهوي معي



فاطمة ترد عليها بذات النبرة ولكن مغلفة بالمرح:


زين سوسو.. دقيقة بس.. أقول لسماح تجي تمسك مكاني.. وأجي لش



بعد دقيقتين تدخل فاطمة ومعها الساعي الذي يحمل القهوة..


ويضعها على المكتب ويخرج لتخلع كاسرة نقابها وتعلقه جوارها



همست فاطمة بمرح شفاف وهي تخلع نقابها بدورها لتجلس:


كم صار لنا متصاحبين؟؟.. أكثر من عشر سنين..


تأثير خلعتش للنقاب علي مثل أول يوم شفتش داخلة المدرسة وتشيلين نقابش


يومها قلبي وقف.. شهقت وقلت نعنبو هذي من وين جايه..


لا تكون مضيعة الدرب وتحسب مدرستنا مكان انتخاب ملكات الجمال



ضحكت كاسرة: والله أيام يافطوم..


ثم أردفت بهدوء عذب فيه رنة حزن لا تكاد تُلحظ: ماطلعت من كل دراستي في المدارس ثم الجامعة إلا بش أنتي وبس



فاطمة تضحك: ياحظش.. أنا أكفي عن العالم كله.. مو؟؟



كاسرة تبتسم: إلا مو.. ومو.. ومو..


ثم أردفت بذات نبرة الحزن الـمُخبئة: الحين ماعاد يهمني.. بس زمان وأنا صغيرة تمنيت يكون عندي صديقات كثير..


تمنيت أكون مثل أختي وضحى الحين ماشاء الله وش كثر صديقاتها..



فاطمة تضحك بمرح: زين يا بنت الحلال إني رفيقتش الوحيدة.. عشان ما تتوسطين إلا لي.. وتشغليني


لولاش وإلا كان قاعدة الحين في البيت أشد شعري..



كاسرة تبتسم: أنا من يوم انطردتي من الجامعة عقب الانذار الثالث


وحن أخر فصل.. ومهوب باقي لش إلا 12 ساعة على التخرج وأنا محترة



فاطمة بحزن: لا تذكريني.. ضاع عمري في الجامعة وعقبه يطردوني ماباقي شيء على تخرجي..


تقارير مرض أمي وانشغالي فيها ماشفعت لي عند إدارة الجامعة بشيء..


وعقب ذا كله هذا أنا اضطر اشتغل بالشهادة الثانوية



ثم أردفت وهي تتناسى هذا القهر الذي لا تستطيع تناسيه:


بس أكيد الفصل اللي خليتش فيه بروحش في الجامعة.. كان فصل ممل



كاسرة هزت كتفيها بسخرية موجوعة: ممل؟؟.. كان مأساة..


كانت روحي بتطلع من الحزن على فراقش والقهر عليش..


وأنا أمشي في الجامعة بروحي ماحد داري عني ولا معبرني



ثم أردفت بحزن أعمق: يعني فطوم لهالدرجة أنا ما أتعاشر..


مثل ما أصيد وضحى وتميم وامهاب وحتى أمي دايم يقولون علي كذا..


وأبين إني ما شفت شيء ولا سمعت شيء



فاطمة بتساؤل حنون: زين وليش تكونين كذا قدامهم..؟!!



كاسرة بسخرية مرة: على قولت جدي (إذا سموك كلب، فصر نباح)..


يعني أمي ربتني كذا.. لكنها يوم شافت الحالة زادت عندي.. ماحاولت تعدلني..


كانت مبسوطة فيني.. لأني أذكرها بنفسها


وعقب صار الكل ينتقدني.. يعني أنا صرت الكلب اللي لازم يرعب بنباحه..


وصرت ما أعرف أتصرف إلا كذا..



مثل يوم كنا في المدرسة تذكرين.. والبنات يقولون لش.. أشلون مصاحبة ذا المغرورة..


يعني البنات يوم شافوني حلوة.. على طول قالوا: مغرورة..


فقلت خلاص الغرور حق مكتسب لي.. ومن هي مثلي يحق لها تصير مغرورة



فاطمة بذات الحنان: بس لو سمحتي لهم يعرفونش عدل.. لو حاولتي تنازلين أنتي عن عنادش..


بينتي لهم داخلش.. كان حبوش..


الإنسان لازم يظهر أحسن مافيه للناس..


مهوب وأنتي راسمة نفسش نجمة في السما وتبين الناس يفهمونش بدون ما تقدمين مقابل



كاسرة بعناد: ما أعرف أسوي كذا..


وأنا ماني بمستعدة أتنازل عشان أغير صورة الناس حطوني فيها وعقبه أنا لبستها بجدارة



فاطمة تهز كتفيها بمودة صافية حقيقية: الناس مالهم إلا الظاهر..



كاسرة بحزم لطيف: خلاص خل الظاهر لهم.. أنا عاجبني حالي..



الاثنتان مستغرقتان في حديثهما الودي.. ليرن هاتف كاسرة.. تلتقطه بهدوء: نعم وضحى


..................


نعم


..................


بحزم شديد: لا.. العصر أنا أوديش..


......................


خلاص وضحى قلت لا يعني لا



كاسرة أنهت الاتصال.. وفاطمة ابتسمت بتساؤل: وين تبي تروح وضحى وأنتي ما رضيتي كالعادة؟؟



كاسرة بهدوء لم يخل من بعض غضب: اليوم تدري إنه أمي في مدرسة تحفيظ القرآن..


وماحلا لها تروح إلا وأنا وأمي مهوب موجودين في البيت



ابتسمت فاطمة وهي تتذكر: خالتي أم امهاب كم جزء وصلت لين الحين؟؟



كاسرة بحنان غامر: فديتها.. ختمت 20 جزء.. عقبال العشرة الباقية بإذن الله..


يا الله ياني ناوية أسوي لها شيء كبير إذا ختمت حفظ القرآن إن شاء الله



فاطمة بتحسر: بس حرام إن أمش ما دخلت الجامعة..


تذكرين واحنا في ثالث ثانوي وهي تمتحن معانا منازل..


والله العظيم كنت على طول أسألها قبل الامتحان ماشاء الله إجاباتها على طول جاهزة


وبعدين جابت أحسن مني.. ماشاء الله منازل وجابت 87 %.. وانا ياحظي 76 بس..



كاسرة بحنان عميق: والله حاولت فيها تدخل بس هي مارضت..


قالت بادخل مدرسة تحفيظ أروح يومين في الأسبوع..


الجامعة تبي انتظام ومقابل.. وما أقدر أخلي إبي بروحه..



ثم أردفت بمودة غامرة: فديت إبيها ..جعلني ما أذوق حزنه يوم..



فاطمة بحذر: كاسرة جدش رجال عود واجد.. يعني توقعي ذا الشيء.. وأنتي إنسانة مؤمنة



كاسرة بغضب: فاطمة سكري ذا السالفة..



فاطمة بمرح: زين زين يمه منش..


ثم أردفت لتنسي كاسرة الموضوع الذي تعلم أنه مصدر ضيقها الأول :


زين خلاص قولي لي وين كانت وضحى تبي تروح..



كاسرة تحاول أن تهدأ بعد الخاطر المزعج: المكتبة تبي تطبع بحث..



فاطمة بتساؤل رغم أنها تعرف الإجابة: زين ليه ماخليتيها تروح.. يعني لازم تكسرين بخاطرها كل مرة



كاسرة بهدوء: يعني فطوم كنش ما تعرفين أسبابي..



فاطمة بهدوء مقصود: أنا أعرف بس هي ما تعرف.. وترا مبرراتش ممكن تكون مقنعة لش..


لكن لها أو حتى لي مهوب مقنعة.. وضحى ماعاد هي بزر.. عمرها 22 وكلها أسبوعين وتتخرج من الجامعة إن شاء الله



كاسرة بحنان موجوع: يا فطوم.. طيبة زيادة عن اللزوم.. إلا هبلا..


العام اللي فات راحت تسوي نفس الشغلة بروحها..


تدرين الطباع النصاب.. خذ على طباعته اللي ما تجي خمسين ريال..خذ 400 ريال.. وما عطاها حتى وصل


ولما رجعت أنا له.. يقول إنها كذابة وماعطته إلا سبعين ريال.. تخيلي!!



ومهوب هذي السالفة الوحيدة.. ياختي مكتوب عليها مقصة..


ماتروح مكان إلا يقصون عليها.. وما تتوب ولا تتعظ.. عندها حسن ظن بالناس غير طبيعي


وأنا ما ابي حد يستغفل أختي



ثم أردفت بحزم: يأختي عدا أني أخاف عليها واجد.. أدري بتقولين كبرت وأخلاقها ماعليها كلام..


صدقيني أدري.. بس طيبتها تخوفني.. أخاف حد يلعب عليها بكلمتين.. حد يضايقها في الطريق وما تعرف تتصرف


تدرين إني مستحيل أخليها تسهر مقابلة الكمبيوتر عقب ما أنام أنا..


أخاف تدخل شات.. وإلا حد يلعب بعقلها.. وضحى بريئة بزيادة وتصدق كل شيء



فاطمة تضحك: والله إنش غريبة.. وش ذا التفكير الحجري اللي عندش..


فكي عن البنية شوي..وضحى ما ينخاف عليها ..وتراش منتي بأمها


فليش تخنقنينها بذا الطريقة.. لو أنا منها.. اخنقش وأنتي نايمة..



ابتسمت كاسرة: عاد هذا اللي الله عطاني... خليها لا تزوجت.. بتنفك من غثاي..



ابتسمت فاطمة: وافقت على عبدالرحمن؟؟



كاسرة بهدوء رقيق: مابعد عطت رأيها..


تدرين فطوم في داخلي أتمنى وأدعي ربي إنها توافق على عبدالرحمن


سبحان الله هي وعبدالرحمن فولة وانقصت نصين..



ابتسمت: طيبين ومهبل



ثم أردفت بتوجس: بس أخاف إنه سالفة إنه عبدالرحمن خطبني أكثر من مرة تخرب عليهم حياتهم..


عشان كذا أنا ما شجعتها.. وقلت لها سوي اللي أنت مقتنعة فيه



تدرين فطوم لو كنت أنا الحين متزوجة كان اقنعتها توافق على عبدالرحمن.. بس بما أني لحد الحين عانس على قولتش


أخاف إنها تحس في وجودي خطر عليها وعلى زواجها..



فاطمة بمرح: زين ضحي بعمرش يالعانس وتزوجي عشان أختش واحد من اللي حرقتهم الشمس عند بابكم



ثم أردفت بجدية: ماتعبتي من كثر ما تردين الخطاب..


كاسرة العمر يجري.. أنا الحين عندي ولدين وأفكر إن شاء الله أحمل بالثالث


ما تبين لش ولد تضمينه لصدرش.. والله العظيم الأمومة بروحها تكفي عن أي شيء..



كاسرة بألم: اكيد نفسي أتزوج ويكون عندي عيال..


ثم أردفت بابتسامة: بس أول خليني ألقى الأبو المناسب لعيالي..



فاطمة بسخرية: إيه شايب منتهي مخرف.. يموت عليش ويخليش أنتي وعيالش..



كاسرة تضحك: ول عليش.. على طول موتي رجّالي.. إلا عمره طويل إن شاء الله لي ولعياله


طريتي علي العيال.. فديته حسون اشتقت له..



فاطمة تبتسم: ما أدري وش حببش في ذا الولد اللي أمه ما تطيقش



كاسرة تهز كتفيها: المحبة من الله.. ومهوب أنا بس اللي أحبه.. الكل يحبونه..


ياسبحان الله يمكن عشان أبيه مات وهو في بطن أمه.. يخلينا كلنا حاسين بحنان عليه


وبعد هو ماشاء الله أدب وحلاوة ودش تأكلينه من قلب..



لكن أمه الله يهداها.. يوم تشوفيني أشيله وإلا أحبه تركبها العفاريت.. كني ذابحة لها أحد


بس جوزا بالذات ما أقول لها شيء.. والله العظيم فطوم.. أول مرة أحس بوجيعة حد مثلها..



بنت صغيرة توها عروس ما تتهنى حتى شهرين ويموت رجّالها وهي حامل في شهر


لا ويقطون عليها كلام إنها وجه نحس.. وحدادها 8 شهور كاملة


تغيرت كثير عقب موت زوجها.. كنها وحدة ثانية.. بس نعنبو لايمها.. قلبها احترق


عشان كذا يوم تقط هي علي كلام.. أحط نفسي ما سمعت.. أو ما انتبهت..


أو أرد رد عادي على أني ما فهمت قصدها


ما ألومها مقهورة وتبي تفضي قهرها..وشكلي صرت كبش الفدا



بس اللي جرحني بجد تخيلي فطوم قبل كم اسبوع جايبة لحسن هدية..


تخيلي وأنا طالعة من بيتهم لقيتها مرمية في الزبالة اللي قدام البيت بعلبتها ما انفتحت...


هذا تصرف وحدة عاقلة؟!!



أحيان كثيرة أسأل نفسي أنا وش سويت لها.. والله العظيم فاطمة عمري ما ضايقتها بشيء



ثم أردفت وهي تبتسم لفاطمة وتقول هذه المرة بغرور تمثيلي مرح باسم:


بس واثق الخطوة يمشي ملكا.. خل اللي كاسرة مهيب عاجبته يحترق بحرته



فاطمة تضحك: يالله ياكريم لا تحرمني أشوف كاسرة عند واحد كاسر خشمها


تذوب فيه وتذبحها الغيرة عليه



كاسرة باستنكار: من هو ذا اللي أغار عليه.. مابعد جابته أمه..


ثم أردفت بغرور: ياحبيبتي تغار اللي خايفة رجّالها تزوغ عينه..


لكن أنا الحمدلله واثقة إنه عينه بتكون عايفة خلق الله عقب ما يشوفني



فاطمة تبتسم: اللهم علي الدعاء ومنك الاستجابة..







************************************







"خلاص خالتي.. كل شيء جاهز؟؟"



عفراء بتوتر وهي تلبس عباءتها: جاهز..


ثم أردفت بحرج: يافضيحتي من خليفة.. أقول له ماني برايحة معكم.. مع أن الولد ترجاني..


ثم ما يوصلون إلا يلاقيني ناطة عندهم.. وش يقول ذا الحين؟؟ إني مابغيت خوته؟!!



مزون بابتسامة: وهذي الصراحة.. أنتي ما بغيتي خوته



عفراء بغيظ: عيب مزون!!




يتعالى صوت بوق سيارة قريب.. تقفزان معا بتوتر..


وتهمس مزون بتوتر أكبر : يالله خالتي شكله كسّاب يستعجلش



عفراء بحنان: ماتبين شيء يأمش



تحاول مزون أن تمنع الدموع من التقافز لعينيها وهي تهمس بثبات قدر ما استطاعت:


لا فديتش.. روحي وتطمني على جميلة..


وأنا الحين بأخلي خدامتش تكمل ترتيب البيت وعقب بأسكره..


واخليها تروح تنام هي والسواقة مع خدامات بيتنا



عفراء تتنهد وهي تحتضن مزون ثم تنزل نقابها على وجهها وتسحب خلفها حقيبتها الصغيرة..


فهي مصرة أن تكون زيارتها قصيرة وتعود مع كسّاب



ما أن غادرت وأغلقت الباب.. حتى انهار تماسك مزون الهش


لتتهاوى جالسة بيأس وهي تنخرط في بكاء خافت عميق الشهقات..



"أما تعبتِ يا مزون من كثرة البكاء..؟!


تبدين كما لو كنتِ عقدت معاهدة دائمة مع الدموع..


يكاد طعم الدمع المالح لا يفارق حنجرتي


فقدت الإحساس بطعم كل شيء.. فقط طعم مرٌّ كالعلم يتضخم ويتضخم


حتى بتت أبصق هذه المرارة داخل أوردتي وشراييني


كان يجب أن أكون أقوى من ذلك.. مررت بأقسى الظروف.. وتخصصت أصعب التخصصات


تخصص لا يجرؤ عليه إلا الرجال.. وتفوقت عليهم فيه


كان لابد أن أكون أقوى


ولكن بقيت أنثى بدمعة حائرة لا تجف


كسّاب لماذا كسرت ظهري هكذا؟؟


كيف أستطيع الوقوف وأنا أعلم أنك لست خلفي لتسندي


لماذا علمتني أن أعتمد عليك بينما كانت مساندتكِ لي مشروطة أن أنفذ أنا شروطك؟؟


لماذا عجزت عن تفهمي .. عن مسامحتي.. عن احتوائي؟!!


أ لم تقل لي دائما أنني ابنتك؟؟


فكيف يقسو قلبكِ هكذا على ابنتك؟؟ كيف؟؟"




تحاول الوقوف وهي تتنهد وتمسح دموعها وتنظر حولها بحنين عميق وتهمس بشفافية:



" الله يرجعش يا خالتي على خير


والله المكان والدنيا من غيرش ما تسوى"






بعد دقائق.. في سيارة كسّاب المنطلقة التي يتبعها سيارة أخرى فيها اثنين من سائقي شركته حتى يعيد أحدهما سيارة كسّاب للبيت



عفراء تشعر براحة عميقة وحال مختلفة عن حالها خلال اليومين الآخيرين..


حتى وإن كان كسّاب أجبرها على السفر.. فكم هي شاكرة له أنه أجبرها!!


كم هي ممتنة لإصراره عليه!!


فرفضها الهش سرعان ما تهاوى أمام إصراره


لأنها كانت تتمنى في داخلها أن يجبرها.. وفعل!!



كان هذا التفكير يدور ببالها وهي تلتفت لكسّاب بحنان متعاظم..


لتهمس بعدها بامتعاض: كسّاب يأمك.. ليه مالبست لك لبس غير ذا؟؟



كسّاب يلقي نظرة خاطفة على لباسه الانيق والبسيط في آن


(تيشرت أبيض نصف كم) بخطوط سوداء عشوائية وبنطلون جينز أسود


ويهمس بهدوء وهو يعاود النظر للطريق: وش فيه لبسي خالتي ؟؟



عفراء بذات الامتعاض وهي تلمس عضلات عضده الشديد الصلابة:


يأمك كان لبست لك قميص كمه طويل وواسع..


أخاف عليك من العيون ما تشوف أشلون التيشرت لاصق بصدرك وزنودك..



حينها ضحك كسّاب: خالتي عيب.. والله العظيم عيب.. تراني رجال ماني ببنية..



عفراء بحنان: وشيخ الرياجيل ماقلنا شيء.. بس العين حق..


وأنت بعد يأمك مربي لي ذا العضلات بزود.. اللي ماعنده عيون بتطلع عيونه



ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: وإيه وتذكرت سالفة ثانية حارتني..


لا وهذاك اليوم في عزبة أبيك شايفتك رايح للرياجيل شايل سرندلين كبار كنك شايل قواطي بيبسي..


ياولدي الناس مامن عيونهم خير



ابتسم كساب وهو يقول (بعيارة): الحين أنتي اللي أم عيون.. عاد السرندلات قواطي بيبسي؟!..


ول عليش ياخالتي (سرندل=أنبوبة غاز)



عفراء قرأت بعض آيات القرآن و نفثت عليه ثم همست باستفسار مبهم:


خاطري أعرف السنة اللي أنت قعدتها في أمريكا وش سويت فيها؟!



كسّاب بثبات وثقة: درست الماجستير.. وش سويت بعد..



عفراء بنبرة ذات مغزى: ودراسة الماجستير تخلي الواحد عضلات كذا..


شكلك كنت تشل حديد 24 ساعة في اليوم طول ذا السنة.. ولا ظنتي بعد تكفي



كساب يبتسم ويهمس بنبرة مقصودة: خالتي اخلصي علي.. وش تبين تقولين؟؟



عفراء بجدية: حلفتك بالله ثم حلفتك بالله ثم حلفتك بالله.. أنت كنت تاكل بروتينات وإلا ضارب إبر هناك..؟؟


يأمك أنت عارف ذا الأشياء أشلون خطرة وتضر الصحة وتجيب الأمراض الخبيثة.



حينها انفجر كسّاب ضاحكا: وهذا الموضوع اللي دايم تحومين عليه؟؟


تحلفيني عشانه وثلاث مرات؟؟


ثم أردف ببساطة: ها والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم


إنه عمره ماطب حلقي أي حبوب ولا كلت بروتينات ولا ضربت إبر..


ارتحتي يالغالية؟؟؟



حينها عاودت عفراء لمس عضده وهي تتساءل باستغراب: زين من وين جات ذي.. ؟؟



كسّاب يبتسم: رياضة ياخالتي.. مابعد سمعتي بالرياضة؟؟



عفراء بعدم ارتياح له زمن يرافقها: سمعت بالرياضة.. بس ماسمعت عن رياضة تسوي في الواحد كذا







*********************************






طرقات خافتة على الباب


همست وضحى المستغرقة في استذكارها: ادخل



ولكن الطرقات تكررت.. حينها ابتسمت وضحى بصفاء حقيقي


وهي تقف لتفتح الباب بنفسها ثم تشير بعلامة ترحيب متحمسة وتهمس في ذات الوقت:


هلا والله إني صادقة..



يدخل إلى غرفتها بخطوات هادئة ويشير بإشارات هادئة:


أمي تقول ما تعشيتي .. ليه؟؟



أشارت بابتسامة وهي تهمس ذات العبارة كما اعتادت :


عندي دراسة كثير والله..


إذا خلصت نزلت كلت لي شيء



تميم بهدوء عذب: يعني مهوب شيء ثاني؟؟



ابتسمت وضحى: الشيء الثاني كان أمس.. وأنا خلاص اليوم لاهية في دروسي



أشار تميم وفي عينيه نظرة مقصودة:


وموضوع أمس بيقعد أمس.. وماراح ينحل اليوم يعني؟!!



وضحى مع تميم مخلوق آخر.. محررة من التردد والخوف والتوتر..


علاقتها مع تميم شيء فريد وكأن كل منهما يأخذ من عبق روح الآخر


فروح هذا الشاب الشفافة الصافية تنعكس عليها لتبعث في أوصالها إحساسا حانيا بالإحتواء والمساندة والصفاء



أشارت وهي تستعد للجلوس: أبي لي يومين.. قبل أبلغ امهاب رفضي..


عشان ما يأكل كبدي ويقول لي استعجلتي في التفكير



يجلس تميم جوارها: وأنتي كذا تشوفين إنش ما استعجلتي..


عبدالرحمن ما ينرفض.. حرام تروحينه من يدش



حينها انتفضت وضحى بغضب: حتى أنت يا تميم.. حتى أنت..


شايف إنه من المفروض إني أحب يدي ألف مرة إن واحد مثل عبدالرحمن قرر يفكر فيني


لأني ما أناسب مستواه العالي.. لازم أستغل الفرصة..عشان أدبسه فيني قبل ترجع له الذاكرة


لأنه أكيد واحد مثله ماخطب وحدة مثلي إلا لأن فيه خلل في عقله لازم نستغله قبل يتصلح الخلل... ولأنه......



تميم قاطعها وهو يمسك بيديها ليوقف سيل إشاراتها العصبية وكلماتها المتدافعة بغضب


وهو يشير لها ببساطة: سواء كنتي أحلى وحدة في العالم وإلا أشين وحدة في العالم


في كلا الحالتين عبدالرحمن ما ينرفض..


أما إذا رجعنا لش.. أنا أبي أعرف أنتي من وين جايبة ذا النظرة السلبية عن نفسش..


هذا أنتي قدامي وشايفش حلوة ومافيه أحلى منش



وضحى بأسى: هذا عشانك تحبني.. شايفني في عيونك حلوة



تميم يشير بحنان ومودة: وعبدالرحمن بعد بيحبش وبيشوفش في عيونه حلوة مع أنش حلوة بدون عيون حد


وترا عمر الجمال ماكان هو سبب لنجاح الزواج


الحين كاسرة هل فيه وحدة أحلى منها..


مع كذا ما أتوقع إن الرجّال اللي بيتزوجها بيكون مبسوط معها.. لأن عشرتها صعبة


لكن أنتي ياحظه اللي بتكونين زوجته



ابتسمت وضحى: الله لا يحرمني منك.. دايم رافع معنوياتي..


ثم أردفت بجدية: بس يا تميم والله أنا مأني بمقتنعة بذا السالفة كلها



حينها أشار تميم بجدية: إيه كذا معقول.. منتي بمقتنعة.. حقش..


وعلى العموم وضحى.. ماحد بجابرش على شيء


بغيتي توافقين أو ترفضين هذا شيء راجع لش.. وتأكدي إني واقف معش وفي صفش مهما كان قرارش..







*****************************







"أوف جننوني عيالش.. مابغوا يرقدون..


وش معطية عيالش أنتي؟؟ من وين جايبين ذا الطاقة كلها..


نطينا على السرير.. وتطاردنا ولعبنا..


أنا انهديت وهم يقولون مثل خالي هريدي: كمان"




صرخت سميرة بهذه العبارة وهي تلقي بنفسها على سرير نجلاء التي كانت واقفة تجفف شعرها المبلول..



ضحكت نجلاء: ما دريت إنه عندنا خال اسمه هريدي..



سميرة تضحك: كنت بصراحة أحلم يكون عندي خال اسمه هريدي


وواحد ثاني اسمه محمدين.. وحسنين بعد.. وابو المعاطي.. وعوضين



نجلاء تضحك بهستيرية: من جدش؟؟.. عصابة مطاريد الجبل مهوب خوال ذولا..



حينها اعتدلت سميرة جالسة وهي مازالت تضحك:


وش سوي بأبيش.. اللي يوم حب له مصرية..


خلا كل المصريات اللي أخوانهم أكوام أكوام.. وراح يتزوج وحدة (مئطوعة من سجرة)..



نجلاء بمودة عميقة: فديتها أمي.. ليه هو كان بيلاقي أحلى منها..



سميرة تضحك: إيه وأبيش عاد ما يطيح الا واقف..


وين لقى له مصرية شقراء وبيضاء كذا كنها روسية؟؟ وش ذا الحظ اللي يفلق الصخر عنده؟!!



نجلاء باستنكار باسم: ماعاد باقي الا أمش وأبيش تبطحينهم بعينش.. عقب ما بطحتي هل شارعنا كلهم



سميرة (بعيارة): إيه وش عندش؟؟ مبسوطة في أمش.. ماحد خذ الشقار إلا أنتي..


وأبيش عاد يموت على الشقار.. خليتوني أروح أصبغ شعري عشان ما أصير شاذة في البيت



سميرة تضحك: أمي قسمتها بالعدل بيننا.. أنتي أبيض وحدة فينا.. وأنا خذت الشعر الأشقر.. وغنوم العيون العسلية



حينها وضعت سميرة يدها على قلبها وهي تصرخ باصطناع: أه يا قلبي.. يا قلبي لا تذكريني...


ماحد حارني إلا غنوم.. صحيح (يدي الحلئ للي بلا ودان)


غنوم الخايس يأخذ العيون العسلية.. وأنا عيوني سود تروع في بياضي


لا وبعد مهوب عاجبه لون عيونه... يا حرتي حرتاه


لا وأنتي بعد عادش متمننة علي بالبياض.. هذا أنتي قدش بتنفقعين من البياض اللي بحمار



نجلاء تضحك: ماتعرفين تذكرين ربش أنتي..



سميرة تنزل حاجبا وترفع آخر: عارفته قدام أشوف وجهش يالطماطة..



كانت نجلاء على وشك الرد عليها لولا صوت رنين الرسالة التي وصلت هاتفها



حينها صرخت سميرة وهي تقفز لتلتقطه: والله ما يفتحه إلا أنا..



تراجعت سميرة بحزن وهي تترك جهاز الهاتف لها وتقول بغصة:


إذا قريتيه امسحيه ومافيه داعي تقولين لي وش فيه..



سميرة بمرح: كذبش كذباه.. قال ما تبي تدري وش فيه... عليّ يانجول؟!!


بس تدرين نجول.. صويلح هذا المفروض يعطونه جائزة أكثر رجال العالم مثابرة..


9 شهور كاملة مامل.. يوميا نفس الوقت مسج..



وأنتي بعد يعطونش جائزة أكثر نساء العالم تحجرا.. إذا قلبش مابعد ذاب من ذا المسجات.. و أنا قلبي ذاب منذو مبطي..



ثم تنهدت وهي تفتح الرسالة: يارب ابعث لي من عندك واحد كلامه حلو مثل صويلح



ما أن قرأت الرسالة حتى أغمي عليها أحد إغماءتها التمثيلية التي لا تنتهي:



آه آه ياقلبي.. لا عاد رجالش ذبحني الليلة.. والله ذبحني..


إن ما جهزتي شنطتش ورجعتي لصويلح عقب ذا المسج.. يكون ما عندش قلب


وعليه العوض ومنه العوض في قلب أختي اللي انتقل إلى رحمة الله



حينها لم تستطع نجلاء مقاومة الفضول..


تناولت الهاتف الملقى بجوار سميرة التي مازالت مغمى عليها في تمثيليتها ..


لترفعه إلى مستوى نظرها بتردد






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 25-03-10 04:36 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحات المودة يامن تستحقون كل المودة


مهما وصفت لكم سعادتي بكم وبمشاعركم وبتشجيعكم


يبقى الحكي قاصرا.. قاصرا


ولا يطاول هامات غلاكم الشامخة


.


.


نوقف شوي عند منتدى ليلاس الثقافي التوقعات


على فكرة مو لازم إني اقلب كل التوقعات.. فيه توقعات فعلا بتصير مثل ما توقعتوها تمام


وأيضا فيه أحداث عكس التوقعات تمام.. المهم صياغة الفكرة...


مثلا التوقعات ربطت

منتدى ليلاس الثقافي
منصور بكاسرة...كساب بكاسرة....ومهاب بمزون


ممكن من هالتوقعات يصح وحدة أو ثنتين أو حتى ولا وحدة.. فهل لابد إني أروح أقلب الفكرة عشانكم توقعتوها بكثافة؟؟


لا طبعا.. وهذي هي حلاوة لعبة التوقعات.. والمهم كيف بتصير


او يا ماما لازم أزوج كساب من سميرة عشان تصير قنبلة التوقعات


لأنه توقعك أنتي.. العبي غيرها <<< فيس يرقص حواجبه << موب تسوون كذا بالفيسات


من زمان وأنا أقول التوقعات عندك تبي لها وزنية شوي ياماما..


لكن الملاحظة الذكية بالفعل عندك يازارا هي أنه العوايل انتهت بس الشخصيات لا


باقي شخصيات مثيرة ما طلعت...وبتطلع في الوقت المناسب..


.

منتدى ليلاس الثقافي
.


كساب


العضلات من وين جات.. دام الرجل حلف وثلاث مرات إنه ماكل بروتينات...ليه ما تبون تصدقونه..؟؟


تقولون مدخن.. وما ينفع رياضة وتدخين.. صح نوفة؟؟


أقول لكم.. الرجّال قلنا ممكن يمر عليه أيام كثيرة ما دخن.. ولو دخن وحدة بس في اليوم

منتدى ليلاس الثقافي
يعني عبارة إنه ما يدخن.. بس عناد زايد الله يكفيكم شره..


لا وأزيدكم من الشعر بيت... الفترة اللي قعدها في امريكا.. تقريبا الزقاير ما طبت حلقه..


فيأما إنكم تقتنعون إنها رياضة وبس.. وياما تدورون لنا أسباب غير البروتينات..


وعلى فكرة هو ما هد الرياضة للحين طبعا.. بس الحديث عنها بياتي في وقته..


لكن بارت اليوم بنسمعه يتكلم بنفسه عن زعله من مزون..


.


.


كاسرة سعيدة جدا بهذا الجدل الدائر حولها


لكن موقفها الذي سيتم وصفها فيه بعيون خاصة كما سبق واخبرتكم لم يأتي بعد.. طيب ياجيلو انتظريه بس توقعي توقع غير إيطاليا ذي؟؟


.


.


تميم كثر الجدل حوله...تميم تنتظره أحداثه الخاصة أنتظروه فقط


.


.


نتوقف اليوم عند صديقتي الغالية ripe lady
منتدى ليلاس الثقافي

مناقشة ردود هذه الليدي الذكية يخيفني.. لأني أشعر بالخطر منها


تبدو لي كما لو كانت قرأت الأجزاء قبل أن أنزلها...أو دخلت في عقلي لتعرف أفكاري وأنا أكتب


مثلا تعليقها عن مزون ويا للعجب هو ذات ما ستقرونه في جزء اليوم ذاته تماما


تعليقها عن كاسرة أصاب كبد الحقيقة


بالفعل إحساسها بالألم لأنها ضُربت مع وضحى ولو لاحظتم هي لم تخطئ في حينها على مهاب ومع ذلك ضربها من أجل وضحى


والكل يبحث عن رضى وضحى بينما هي اعتمدوا على أن قوتها تكفيها


بالفعل أيتها الليدي أنتي معجزة..ويعجبني فيكِ كذلك التفاتك لتفاصيلي الدقيقة..


فأنا أهتم كثيرا بالتفاصيل ويحزنني حينما لا أجد أن هناك من انتبه لها


مثلا أنتي الوحيدة اللي لاحظتي أن كساب عنده جوالين..لم تلفت هذه الملاحظة اهتمام أحد سواكِ


وأنا لا أكتب شيئا عبثا.. سأحتاج لهذه الملاحظة فيما بعد


شكرا أيتها الليدي لدقة ملاحظتك التي أسعدتني حتى نخاع النخاع


.


.


هل تعلمون عزيزاتي مازلنا في البداية البداية


أنتم حتى الآن لم تروا مثلا حتى مشهدا جمع مزنة بوضحى.. أو مزنة بتميم لتروا علاقتهما بأمهما


لم تروا وضحى مع صديقاتها وكذلك كاسرة مع ناس من غير أسرتها


حتى الآن مازال هناك كثير من جوانب الشخصيات لم تتضح

منتدى ليلاس الثقافي
لم تروا مثلا منصور مع شقيقه زايد كشقيقين فعلا.. لم تروا منصور مع مزون


ولا سميرة مع والدها.. ولا حتى شعاع وعلاقتها الملتبسة بوالدها أو حتى علاقتهم بأمهم



لذا أنتم تستعجلون في الحكم على الشخصيات ثم تتفاجأون بشيء آخر


مثلا البعض ظن أن العلاقة بين شعاع وجوزاء يشوبها المشاكل لأن جوزاء مدت يدها عليها


هل كل أخت تفقد أعصابها وتمد يدها على أختها.. يكون هناك مصيبة بينها وبين أختها؟؟ ولا بد من وجود كراهية بينهما


الأخوة علاقة أعمق من ذلك بكثير


اليوم سنتعرف على المزيد من العلاقة بينهما


في جزء خاص بجوزاء اليوم <<< وتم تنفيذ المطالب بأسرع وقت يازوزو <<< هل تقرين ترتيبي للبارتات؟؟؟


.


.



اليوم أيضا سنتعرف على ردة فعل علي على والده فيما حدث...في قلب للتوقعات كما أظن


وهذا هو ما أردته...أن اظهر أي شخصية مختلفة هو علي!!>> صح أميرة؟؟


.


.


اليوم ايضا مع المزيد من نجلاء وصالح وعلاقتهم الغريبة


ومشاعر صالح الأغرب والأعمق


وبنعرف المسج وش فيه يأهل الرومانسية<<< زين بوحة؟؟


وعلى صالح وتجلاء ستكون قفلة اليوم أيضا

منتدى ليلاس الثقافي
.


واليوم أيضا مع المزيد من حزن مزون


واليوم بالذات حزن علي ومزون وحوارهما مع نفسيهما ومع والدهما آلمني وأتعبني لحد كبير...أتمنى أن يصلكم إحساسي به بالفعل..


.


بارت اليوم طويل ويدور كله في ليلة واحدة في تناقل بين الشخصيات والأماكن


.


.


إليكم


البارت التاسع


.


قراءة ممتعة مقدما


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع






في غرفته يدور..


حينا يجلس.. وحينا يقف..


لم يجد الليلة شيئا يستطيع دفن نفسه فيه.. حتى يحين موعد إرساله لرسالته اليومية لها..

منتدى ليلاس الثقافي
الرسالة التي بقيت خيطا يعلم أنه يربط قلبه بقلبها حتى وإن لم تتكرم أن ترد عليه لو لمرة..




يقف ليفتح خزانة الملابس.. مازالت ممتلئة بملابسها..


يكاد أن يذكر لكل رداء منها حكاية من وله مصفى


وهي يشعر حينما رآها فيه وكأنه رأى حورية تسربلت بالحسن من أجله وحده



لا ينسى مطلقا شيئا خاصا ارتدته له..


لتصبح ذاكرته مزدحمة بعشرات الصور التي لم يغفل تفصيلا واحدا من تفصيلاتها..


وكيف يغفل وهذه التفاصيل انحفرت في ذاكرته حتى أقصاها؟!!



لماذا تركت كل هذه الأشياء الخاصة بها وراءها؟؟


لماذا؟؟



"هل أردتِ تعذيبي أكثر؟؟


هل أردتِ أن تتأكدي أنني سأظل مقيدا إليك.. وذكرياتك تخنقني وتغرقني وتستنزفني حتى الثمالة


هل أردتِ أن تتأكدي أن عبقك الساحر الذي تخلف عنك وبقي هنا سيبقى حبلا ملفوفا حول عنقي لا انفكاك منه؟!


منتدى ليلاس الثقافي
أي أنانية لا قلب لها أنتِ؟؟


إن كنتِ عزمتي على الرحيل.. فلماذا لم تجمعي كل أغراضكِ الموبؤة المسكونة براحتكِ الدافئة المسكرة


إن كنت أنتِ رحلتِ.. فلماذا تتركين لي البقايا؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟


إن لم تكوني أنتِ لي، فلا أريد هذه القمامة.. لا أريدها !!"




حين وصل تفكيره لهذه المرحلة..


انتزع أشيائها من الخزانة وبدأ يقذف بها بغضب مجنون وروح ثائرة أثقلتها الوحدة والوجع واليأس..


ولكنه سرعان ما توقف وهو يعيد جمعها بلهفة أكثر جنونا...


ليعيد ترتيبها كما كانت تماما


في ذات المكان الذي وضعتها فيه أناملها الساحرة التي يقتله الاشتياق للثم شفافيتها.. لضمها بين أنامله السمراء




" والله باستخف يانجلاء.. قربت استخف..


حرام عليش اللي تسوينه فيني


حتى تهديدي بالزواج ماجاب نتيجة معش


لذا الدرجة رخص صالح عندش؟!!

منتدى ليلاس الثقافي
صالح اللي ما أرخصش يوم!!


أدري لساني يبي له قص أحيان


بس والله أحبش يا بنت الحلال..


خلاص ارحميني.. باستخف والله باستخف


ارحموا عزيز قوم ذل!!"




تنهد بعمق وهو يجلس على الأريكة..


إحساس اختناق يطبق على رئيتيه..


يخلع فانيلته ويلقيها بعيدا..


يشعر أنه عاجز عن التنفس.. مخنوق.. يبحث عن ذرة أكسجين فلا يجدها..


يتمنى لو يستطيع تمزيق جسده حتى.. ليخرج روحه من أسر هذا الاختناق

منتدى ليلاس الثقافي
وهو غارق بهذا الإحساس الشديد المرارة واليأس والثقل.. تناول هاتفه .. ليرسل رسالته اليومية لها:




" تدري ليه أكره غيابك ؟!


لأني في الغيبة .. أموت



ضيقتي .. بعدك تجيني


و (البُكى) من غير صوت !"






*******************************






نجلاء قرأت الرسالة وهي تغمض عينا وتفتح أخرى..


وخائن صغير يتمرد عليها لينبض بجنون في يسار قفصها الصدري..


تُسكت تمرده الذي فضح برودها وهي تعض شفتها السفلى بألم


ثم تعيد الهاتف لمكانه وهي تصرخ في داخلها:


"كذاب.. كذاب.. كذاب"



سميرة نهضت من إغماءتها وهي تنظر لنجلاء في دهشة: أشوفش رجعتي التلفون



نجلاء تهمس بهدوء ظاهري وهي تتجه للتسريحة لتمشط شعرها: ليه وش تبيني أسوي؟؟



سميرة بنبرة غضب: ردي عليه.. خافي ربش في المسكين..


ثم أردفت بمرح غاضب: يأختي رياجيلنا يأهل الخليج عندهم تقشف مشاعر


احمدي ربش.. عندش واحد عنده فايض مشاعر ولا هوب عاجبش..



نجلاء تمسك بطرف التسريحة حتى إبيضت مفاصلها وهي تهمس بغيظ موجوع: قصدش عنده فايض كذب



سميرة تبتسم: زمان قالوا "أعذب الشعر أكذبه" وأختش سميرة تقول: " أعذب الحب أكذبه"



تلتفت لها نجلاء وهي تبتسم رغم إحساس الألم المتزايد في روحها:


يعني أنتي تبين واحد يقول لش أحبش وهو يكذب عليش



سميرة تبتسم وهي ترقص حاجبيها: يازينه زيناه الرجال الكذوب..


وش فيها الغزيلات؟؟ الغزيلات أصلا ملح الرجّال (الغزيلات=الكذبات الصغيرة)


أما الرجّال اللي كل شيء صدق عنده.. فهو خيشة كبيرة



تبتسم نجلاء: يالله لا تحرمني من أني أشوف سميرة عند رجّال مايعرف ريحة الصدق ويقطّع بطنها بكذيباته..




" والله لا يحرمني منش يأم خالد بيضتي وجهي"




الاثنتان تقفزان وهما تنظران للباب المفتوح الذي يقف غانم عنده



سميرة تلوي شفتيها وتمدها وهي تصرخ: من متى وأنت هنا..؟؟



غانم يضحك وهو يتقدم لداخل الغرفة: " من أعذب الحب أكذبه" يا فيلسوفة زمانش..



حينها تقفز سميرة لتجلس عند قدميه وهي تتمسح به باستجداء تمثيلي:


داخلة على الله ثمن عليك ياطويل العمر ما تكوفني.. توبة من دي النوبة.. حرمت أتفلسف..



غانم يبعدها وهو يهمس بمرح: باعديها عشان أم خالد بس..


وإلا أنتي لو ما تكوفنين كل يوم يكون فيه شيء ناقص في روتين حياتش



غانم يقترب من نجلاء ويقبل رأسها ويهمس بمودة ممزوجة بالاحترام:


بيضتي وجهي يأم خالد.. الشباب يقولون وش ذا المطعم العجيب اللي أنت مسوي عشاك عنده..



قلت لهم: شغل البيت.. ماشاء الله تبارك الله كلوا لين قدهم بينفقعون من حلات العشا



ثم أردف وهو يضحك: لا وفهيدان الكلب يشاورني يقول ردوا علينا مرت أخي.. هاد حيلها في عزايمك ثمن تمدّح على قفاها..



أقول له وأنت وشدراك إنها مرت أخيك.. العشا مسويته سميرة.. (قالها وهو يضرب مؤخرة رأس سميرة بخفة)



تدرين وش قال فهيدان: قال يحرم علي مجالس الرجال وشرب الفنجال


كن ذا من زيان أختك العِثبر (العثبر= التي لا تحسن صنع شيء)


هذا زيان أم خالد ما يخفاني..



حينها انفجرت سميرة ضاحكة بغيظ: وولد عمك ذا بيموت وهو لسانه يلوط آذانه..



حينها عاود غانم ضربها على مؤخرة رأسها: مثلش.. ظني يقبرونش ولسانش يلالي..



ابتسمت نجلاء بمودة: جعل فيه العافية لك ولفهد.. بياض وجهك يابو راشد بياض لوجهي..



ثم قاطعتها سميرة بمرح: بس لا عاد تعودها.. تراك مسختها..


شكلك كنت تدعي إن نجول ترجع علينا عشان تكرفها في عزايمك..



ثم أردفت وهي تمصمص شفتيها: ياعيني على بختك يأختي.. ئليل البخت يلئى العظم في الكرشة..


هنا كارفينش وهناك كارفينش..



ثم أردفت وهي تطبطب بحركة تمثيلية على كتف نجلاء: مسيرك هتموتي وهترتاحي يا بنتي عند رب كريم..



غانم يضربها على مؤخرة رأسها للمرة الثالثة: مأ اشين فالش.. جعل يومش قبل يومها..



سميرة تتراجع وهي تضع يدها على فمها وتقلب ملامح وجهها في مشهد تراجيدي خالص ودموعها تبدأ بالتساقط:


اعترفوا.. اعترف أنت وياها



ينقلب وجه غانم ونجلاء من تغير ملامح وجهها بينما أكملت بصوت باكٍ مفعم بالتراجيديا التمثيلية:


أكيد أنا مانيب بنتكم.. أنا بنت بطل الفيلم.. وأنتو عيال الحرامي العود اللي خطفني عشان ينتقم من بابا..


بس بابا لازم بيرجع وينتقم منكم على اللي سويتوه فيني وأنتو تعذبوني طول الفيلم.. قصدي طول ذا السنين اللي فاتت..



ثم أردفت وهي تسقط على الأرض وترفع يديها للسماء وتكمل تمثليتها:


يارب أنت وحدك اللي شايف.. ابعت لي بابا.. أنا تعبت خلاص



غانم يضحك وهو ينفذ عن ذراعيه: هدوني عليها ياناس.. وتقول ليش تكوفني..



سميرة تقفز وتختفي خلف ظهر نجلاء وهي تضحك: تراني في وجه أم خالد.. إلا لو أم خالد مالها حشمة عندك.. هذا شيء ثاني..







*********************************






طرقات حازمة على الباب..كانت حينها قد بدأت بخلع ملابسها..


أعادت حشر كتفيها المرمريين المصقولين في قميصها الحريري ليستر الحرير حريرا أكثر نعومة منه


أغلقت أزرارها على عجل وهي تهمس باحترام: دقيقة يمه



تعرف كل طارق من دقته.. ولم يخب حدسها يوما


والدتها طرقاتها حازمة قصيرة


وضحى طرقاتها ناعمة وكأنها تخشى أن تؤلم الباب


مهاب طرقاته لها صدى ضخم لأنه يطرق الباب بقبضته


تميم نقراته هادئة وطويلة وبين كل طرقة والآخرى زمن ما..



فتحت الباب لوالدتها على اتساعه وهي تهمس باحترام: هلا يمه.. فيه شيء؟؟



مزنة بعتب رقيق: يعني لازم إني ما أجي لغرفتش إلا لسبب..



كاسرة تبتسم: لا والله يمه مهوب القصد.. بس توني كنت معش من خمس دقايق..



مزنة بحزم حنون: بكرة أبيش تودين وضحى وسميرة يشترون لهم طابعة زينة عشان مشروع تخرجهم.. يقولون تعبوا من الطباعين..



كاسرة بعتب: ووضحى تبي لها وسيط.. ما تقدر تجي تطلب مني على طول؟!!



مزنة بهدوء عاتب: يعني كل شيء لازم تفهمينه مقلوب.. وضحى أصلا طلبت مني أنا أوديها هي وسميرة..


بس أنا تدرين ما أحب المجمعات وإزعاجها وهم يبون فيرجن في فيلاجيو


فانا حبيت إنش تكفيني... عندش مشكلة في ذا الشيء..خلاص قولي لي وأوديهم..



كاسرة بعتب مشابه: وأنتي بعد يمه لازم تلاقين شيء تغلطيني فيه ..


ثم أردفت بهدوء عذب: خلاص فديت عينش.. عشانش أودي مندوبهم لو جاني


بكرة عقب المغرب أوديهم.. وقولي لوضحى تقول لسميرة عقب صلاة المغرب على طول تجهز مهوب تنقعنا عند بابهم مثل كل مرة..







******************************






يدخل إلى شقته وهو يسحب نفسه سحبا.. مستنزف من الإرهاق.. مستنزف من الوجيعة..


مستنزف من كل شيء في الحياة التي تبدو باهتة خالية من الألوان بعيدا حتى ألوان ذكراها التي أصبحت محرمة عليه


حتى الذكرى!!


حتى الذكرى لا حق له فيها!!




يلقي بنفسه على الأريكة بعد رحلته الطويلة... فهو لم يجد رحلة مباشرة لجنيف.. وكانت أقرب رحلة لبرلين..


لذا حين وصل برلين أخذ قطار منها لجنيف.. ليتعطل القطار في الطريق.. ويعاني في رحلة التوقف التعيسة فوق إحساسه المر بكل شيء



ما كاد يريح كتفيه.. حتى تعالى رنين هاتف شقته.. لم يكن له أبدا رغبة في الرد.. لكن الرنين استمر واستمر


التقط الهاتف وبصوت مثقل بالإرهاق أجاب: ألو



الطرف الآخر بغضب مستحكم: كذا تسوي فيني عليان..



علي تنهد مطولا وهو يمسح وجهه ويستعيذ بالله من الشيطان: السموحة طال عمرك.. سامحني جعلني الأول



زايد بذات الغضب: أشلون تسافر بدون حتى ما تسلم علي..


ومن البارحة لين اليوم وينك.. حرقت جوالك اتصالات مسكر.. وتلفون شقتك ماترد عليه



علي بإرهاق وهو ينتزع الهاتف اللاسلكي من قاعدته ويبدأ بنزع ملابسه عن جسده المنهكة ليستحم:


جوالي فضا شحنه.. ورحلتي كانت طويلة شوي


وأنا كلمت مزون على البيت وطمنتها عني.. ماقالت لك



زايد بغضب متزايد: والله ياعيال زايد.. الظاهر ماعاد حد عطاني خبر شيء.. كلن يسوي اللي في رأسه وأنا مالي حشمة ولا تقدير


على الأقل خافوا ربكم.. وإلا حتى ربي ماله مخوفة..



علي يجلس على سريره وهو يحتضن الهاتف بين أذنه وكتفه ويخلع حذائه ويهمس بجزع:


تكفى يبه لا تقول كذا



ثم أردف بوجع شفاف في مصارحة مؤلمة: يبه أنا مستوجع.. مستوجع


خلني جعلني فدا خشمك أروق شوي ومالك إلا اللي يرضيك



قفز قلب زايد إلى حنجرته وأحرف كلمات "مستوجع" تتلبس جسده كتيار كهربائي صاعق ينسف خلاياه وجعا صاعقا..


فهذا علي!! علي!!


تمنى أنه جواره الآن ليأخذه في أحضانه.. ليقول له:



" دعني أحمل هذا الوجع عنك


فمازلت صغيرا على هذا الألم


سامحني يا بني.. سامحني


أعلم أني قسوت عليك.. ولكني وأنا أقسو عليك قسوت على نفسي


وكل حزن جرح قلبك.. مزق قلبي تمزيقا


لِـمَ لم تصارحني منذ البداية؟


إن كان لها في قلبك مكان ما.. لِـمَ لم تخبرني؟!!


متى اعتدت أن تخبئ أسرارك علي ياعلي؟!!


ظننت أن الامر لا يعدو شهامة منك تجاه ابنة خالتك


ما ظننت للحظة أن هناك المزيد


فأبوك يا بني خير من يفهم ألم الحرمان من حلم المعشوقة


أعرف أي ألم صارخ هو..


فكيف أكون من يهديك إياه؟!!


كيف أكون أنا؟؟!!"




همس زايد بحنان مجروح: أجيك يأبيك؟!!



انتفض علي بجزع.. يتركه في الدوحة.. ليجده أمامه في جنيف!!


قد تكون رؤية زايد في هذا الوقت مقلبة لمواجعه


ولكنه يا لا الغرابة مشتاق له!!.. فهو لم يكتفِ بعد من رؤية عينيه الصارمتين الحنونتين


لا يستطيع أن يغضب من زايد.. لا يستطيع..


مجروح منه حتى عمق العمق لذا لا يريد أن يراه الآن


ولكنه ليس غاضبا منه.. ولا يستطيع الغضب منه


فهذا زايد..


مهما فعل يبقى زايد..


لو حتى قطع لحمه بمنشار صدئ لن يشتكي


ويبقى زايد...



"فزايد كفاه ماعاناه حتى مني.. لن أكون سببا للمزيد


الكل جرحه قاصدا أو بدون قصد


جرحتني يا أبي ولكن أ تصدق إن قلت لك أنني أفهم مبرراتك..


أ لم أكن رفيقك الدائم.. رفيق سمرك وحكاياتك؟!


منذ توفيت أمي وأنا كظلك الذي لا يفارقك إلا مضطرا


صدقني يا أبي حين هربت في المرة الأولى وحتى الثانية.. لم أهرب منك..


فكيف أهرب من روحي التي تتلبسني؟!


كيف أهرب من جلدي الذي يحتويني؟!


هربت فقط من جو ضاغط لا يتفهم ولا يرحم



أتفهم ما فعلته حتى وإن كان جرحني ومزّق مشاعري


فقد أحببت خليفة كما أحبتته أنت


فأنت أرضعتني هذه المحبة مع حكاياتك التي لا تنتهي عنه


في أحيان كثيرة كنت أشعر أنني رفيقكم الثالث في مغامراتكم وحكاياتكم وصداقتكم الفريدة


لا أعلم يا أبي.. ربما لهذا السبب أردت جميلة


أردت أن أضم بعض رائحة خليفة إلى صدري


عل الصورة حينها تكتمل في عقلي



(لماذا كان لقرب خليفة منك كل هذا التأثير؟!) "



علي انتفض من وطأة أفكاره وهمس بمودة: تبي تأتي حياك الله



زايد بحنان عميق: يمكن تبي لك شوي وقت تقعد بروحك..



تلافى زايد إخباره عن سفر عفراء وكسّاب اللذين سينزلان في جنيف أولا.. لأنه لم يرد أن يقلب عليه مواجع أي ذكرى


وهو يتذكر أنه لا يستطيع السفر وترك مزون لوحدها حتى يعودا..



رد عليه علي بذات الحنان: أشلون أقعد بروحي وأنت روحي طال عمرك..



زايد بتأثر عميق: لا تعتب على أبيك..


والله إني مستوجع أكثر منك


تدري بغلاك يا علي.. فلا تخلي شيء يشكك في غلاك وإلا يبعدك عني..






*******************************






مطار شارل ديغول


طائرة جميلة تصل


مازالت جميلة لم تصحُ من مخدرها..


والمصحة في مدينة أنسي البعيدة جدا عن باريس على حدود سويسرا..


ولكن كان لابد من النزول أولا في باريس.. حتى يستقبلهم المكتب الطبي القطري في باريس.. ويقومون بتسجيل دخولهم وبياناتهم


لينتقلوا بعد ذلك لطائرة طبية خفيفة لم يكن على متنها إلا هم..


وهاهو خليفة يعاود الجلوس في مكانه جوارها.. يعاود النظر لوجهها الخالي من الحياة..


ومشاعر شديد الكثافة تخترم روحه..


يشعر أنه غريب مع امرأة غريبة في أرض غريبة.. ومع ذلك يجدان نفسيهما مرتبطين برباط لا انفكاك له


رباط خانق يكتم على أنفاسه


يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم


وهو يعاود النظر لوجهها..


تخرج خصلة من شعرها من تحت الطاقية التي ترتديها


يحاول مد يده لإدخالها.. فلا يستطيع


لا يستطيع...


فيشير إلى الممرضة أن تفعل ذلك


بينما عاود هو إسناد ظهره للمقعد.. والغرق في دوامات أفكاره العاتية






***********************************







مزون في غرفتها.. في موال بكاء دائم.. ماعادت تعرف لماذا تبكي؟؟


ليس لأنها لا تعلم ما الذي يدعوها للبكاء


ولكن لأن كل شيء يدعوها للبكاء


ولا تعلم أيهم يستحق البكاء أكثر.. أو هي تبكي من أجله



أمن أجل وجعها الشخصي.. ونظرة المجتمع لها.. وقسوة كساب عليها؟؟


أو من أجل كساب الذي فقد الإحساس بالسعادة؟؟


أو من أجل جميلة التي يبدو أنها قد تغادر الحياة دون أن تراها حتى؟؟


أو من أجل خالتها التي ما عرفت الراحة يوما؟؟


بل من أجل علي.. أحدث الجرحى وأقدمهم.. القلب الصافي المطعون؟؟


بل من أجل زايد.. نعم من أجله.. يحمل وجيعة الكل.. ولا أحد يحتمل مشاركته الألم..


الكل يحمله الذنب.. لا يعلمون أي وجع مضاعف يشعر به.. أوجاعهم فوق وجعه..



تنهدت بعمق.. توجهت للحمام لتغسل وجهها بماء بارد.. ارتدت روبها فوق بيجامتها.. وتوجهت لغرفته..


وكم فعلت ذلك!!




"ماذا بقي لي يازايد سواك؟؟


وماذا بقي لك سواي؟؟



الحياة ستمضي يازايد.. ستمضي.. كلهم سيعيش حياته


سيتزوجون وينجبون الأطفال


وينسوننا


سأبقى أنا وأنت نجتر الوحدة..



هل تعتقد يازايد أن كسّاب لو أنجب أطفالا سيسمح لي أن أحملهم؟؟


لن أصبح أما يوما.. فهل سيحرمني أن أشتم رائحة الأمومة في ثنايا أطفاله؟!!



علي لا أظنه سيعود يوما يا أبي.. أصبح طيرا مهاجرا


ماعاد يألف جونا.. اعتاد أن يهرب.. وسيبقى هاربا..


لماذا يعود؟؟ ماذا وجد هنا غير القهر والحزن


مني أولا.. ثم من جميلة..



خالتي عفراء.. كم أتمنى أن تعود.. ما معنى الحياة خالية منها؟!


ولكن روحها معلقة بجميلة


لو رحلت جميلة.. سترتحل روحها خلفها..


قد تبقى جسدا ولكن بدون روح


فكيف أعيش من دون روحها التي إليها أنتمي؟!




أي أفكار مخابيل تلتهمني الليلة..


بل تلتهمني كل ليلة


تعبت يا أبي.. تعبت من هذا الجنون والحزن واليأس


ليت السنوات تعود ليصحح الإنسان أخطائه يا أبي.. ليتها تعود؟!"




مزون كانت غارقة في أفكارها حتى وصلت لباب غرفة والدها


طرقت الباب ودخلت


كان يصلي قيامه حين دخلت..


لذا جلست على طرف سريره تنتظر انتهاءه



حين سلم من صلاته التفتت ناحيتها وابتسم ..فزايد يشعر براحة عميقة بعد مهاتفته مع علي..



ردت عليه مزون بابتسامة مشابهة وهي تقف وتتجه ناحيته لتنحني وتقبل رأسه:


مساك الله بالخير.. ولو أنه عدينا نص الليل



زايد بحنان: اللي تقولينه كله زين..



نهض ليطوي سجادته ويضعها على المقعد..


ثم يخلع طاقيته ويجلس على سريره



تجلس مزون جواره وهي تمسح شعره.. وتهمس بمرح:


ماشاء الله يبه على ذا الشعر كله.. تبي تسوي سبايكي..



ضحك زايد: عيب يا بنت..


ثم أردف بحنين عميق: هذا سر أمي الله يغفر لها.. شعرها كان كثيف وواجد..



ثم عاد ليردف بابتسامة: ولو أنه اللي في عمري المفروض خلاص يصلع.. بس شعري عاده مقاوم عمليات التعرية


ربعي الشيبان محترقين يقولون أنت وش تسوي بشعرك علمنا..



مزون تقبل شعره تم تحتضن ذراعه وهي تسند رأسها لكتفه:


خلهم يموتون حرة ..


وبعدين وش سالفة عمري ويصلع...توك شباب يا زايد.. ووسامة ورزة..



ضحك زايد: أما وسامة .. كثري منها يأبيش..



تضحك مزون: والله العظيم يبه إنك كل ما تكبر تحلى..


ثم أردفت بخبث لطيف: لو أنك بس تخليني أزوجك وحدة مزيونة..



قرص زايد خدها: عقب ما شاب ودوه الكتّاب..



مزون بابتسامة حانية: يبه والله ما أمزح.. توك شباب.. والله ما فيها شيء لو بغيت تتزوج..



ثم أردفت وهي تضحك: بس مهوب تستخف وتتزوج بنية في العشرينات تجننك وتجننا معك..



زايد يحتضنها بحنو: لا يأبيش.. لا عشرينات ولا خمسينات..


ثم همس وهو يشدد احتضانها: خلينا فيش.. مستعدة لبكرة؟؟



تصلب جسدها قليلا ثم همست ووجها مختبئ في صدره: إن شاء الله..


أنا أصلا اللي كلمتهم وقلت لهم بجي للمقابلة بكرة


عقب ماكنت مأجلتها على أساس إنه حنا بنسافر مع جميلة



همس لها زايد بثقة حانية: لا تحاتين شيء يأبيش.. أنا وصيت الجماعة عليش


وأبشرش بتطيرين مع طاقم نسائي كامل..


الكابتن وحدة انجليزية اسمها إيمي ميلر.. والمساعد الأول بنت سورية.. فسافري وإنتي مطمنة



حينها انتفضت مزون بسعادة مفاجئة وهي ترفع رأسها لتنظر إلى عينيه: صدق يبه.. صدق.. مامعنا رجّال..



زايد بحنان: أفا عليش.. وراش زايد.. واللي تبينه يصير..


بيضي وجهي والله الله في الستر والحشمة..







*********************************






طائرة تتهادى بين السحاب.. تفتح عينيها بهدوء لتجده جوارها مستغرقا في قراءة كتاب..


تهمس بابتسامة: شكلي نمت واجد.. لي يومين ما نمت.. شكلي ماصدقت يرتاح بالي شوي أنام



يغلق الكتاب ويضعه أمامه ويهمس بمودة: شكلش منتهية من التعب..


ثم أردف بمرح: لا وتشخرين بعد



ضحكت بمرح: لا عاد في هذي كذبت.. أنا ما أشخر.. وإسأل جميلة ومزون



حينها شعرت بانقباض ما.. وهي تتذكر صغيرتيها التي كل واحدة منهما في بلد


همست بهدوء حذر: يأمك يا كسّاب ما تشوف إنه كفاية اللي تسويه في مزون قطعت قلب البنية..



تصلب جسد كسّاب ولاحظت بوضوح عروق عضده ورقبته التي برزت بعنف ودلت على استثارة الغضب التي يشعر بها:


خالتي سكري ذا الموضوع خلي ذا الرحلة تعدي على خير.. طاري بنت أختش يعصبني



قاطعته خالته بسخرية مرة: يعني أشلون ماعاد هي بأختك؟؟ ما تحبها؟؟



كسّاب ببرود ساخر: أحبها؟؟ لو أقدر مصعت رقبتها مصع.. لكن خايف ربي بس ..وإلا هي مهيب كفو



عفراء بجزع: يأمك وش ذا الكلام.. عمر الدم ما يصير ماي.. وأنا عمري ما شفت أخ يحب أخته مثلك



كساب بذات البرود الساخر: كان يحبها.. ذاك زمان مضى..


هي ماقدّرت ولا حفظت معزتي لها.. 13 سنة كاملة من عقب وفات أمي الله يرحمها وأنا حاطها فوق رأسي


ومبديها على كل شيء في حياتي


لو حتى بغت لبن العصفور والله لأجيبه لها.. والزعل على قد الغلا اللي كان



عفراء بهمس موجوع: يعني خربتها بالدلع وعقبه تجي تحاسبها..



كساب بمقاطعة: لا يا خالتي.. لا تركبيني الغلط.. هذا كلام مأخوذ خيره



ثم أردف بوجع مغلف بالبرود أو ربما برود مغلف بالوجع: مزون ماكانت أختي بس


كانت بنتي.. كانت أغلى مخلوق عندي..


كل الحنان اللي ما لحقت أمي تعطينا إياه.. أنا عطيتها إياه..


وعقبه تجي وتكسرني.. وتصغرني قدام الرياجيل..


لو أنا ما رجيتها بدل المرة ألف كان دورت لها عذر



لكن مزون مالها عذر.. مالها عذر..


والله لو كانت بس تغليني نص ما كنت أغليها ماكان هان عليها تبيعني عشان شي مايستاهل


الجرح يوم يجيك من الغاليين مهوب يجرح بس يا خالتي.. لكن يذبح!!


مزون خلاص ماعاد لها في قلبي مكان...فسكري ذا الموضوع أحسن..



ثم أردف وهو ينظر تحته ليتشاغل عن همومه التي أثارتها خالته بينما يحاول هو تناسيها: شكلنا على البحر المتوسط الحين..







**************************







"جوزا مابعد نمتي.. ممكن أدخل"




همسها الهادئ: تعالي شعاع



فتحت شعاع الباب ودخلت وأغلقته خلفها بخفة..


وجدت جوزاء تجلس على سريرها وهي تقلب ألبوما تريه لحسن الصغير وتسأله: من ذا؟؟



يجيب بابتسامة صافية: بابا



فتسأله بحنان: وبابا وين الحين؟؟



يجيب بذات الأبتسامة : عند لبي. (ربي)



فتسأله بحنان أعمق: واللي عند ربي.. وش نقول له..



حسن بعذوبة: الله يلحمه.. (يرحمه)



شعاع فاضت عيناها بالدمع دون أن تشعر وهمست بصوت مبحوح:


تكفين جوزا خلاص لا عاد تورين حسن صور أبيه.. تعلقينه فيه وهو حتى ما عرفه


ترا اللي تسوينه غلط والله غلط... هو وش عرفه وش معنى عند ربي


الحين يظن إنه رايح شوي ويرجع..



جوزاء بألم شفاف: مهوب هاين علي إن حسن ما يكون عنده على الأقل ذكرى أب..



شعاع تجلس معهما على السرير وتحتضن حسن وتنظر معهما للصور


وتحاول أن تبتسم: بس تدرين مثل زين عبدالله الله يرحمه ماشفت.. إن شاء الله حسون يطلع يشبهه



جوزاء بعتب: أحسن.. عشان ما يطلع مثل أمه الشينة... اللي كل الناس أحلى منها



شعاع همست بحرج وهي تعرف سبب تلميح أختها:


جوزا أنتي والله مافيش قصور وكلش جاذبية..وهذا الشيء أنتي عارفته زين


بس هذاك اليوم يوم عذربتي في وضحى.. طلعتيني من طوري



جوزاء بنبرة عدم اهتمام موجوعة: يا بنت الحلال أدري أني مافيني قصور اللهم لك الحمد والشكر ولا عندي أي شك في شكلي..


بس الحق يقال عبدالله الله يرحمه كان أحلى مني ..


قوية المرة تقول إن رجّالها أحلى منها.. بس هذي الحقيقة



شعاع تقاطعها بحزن: بلاه ذا الموضوع.. وهاتي الألبوم أدسه.. وانسي..


يعني اللي يشوف حرصش على عبدالله بذا الطريقة.. يقول إنش كنتي تموتين عليه..


ترا كل اللي قعدتيه معه ما يجون شهرين حتى.. مالحقتي حتى تعرفينه الله يرحمه



جوزاء تقف لتنظر لنفسها في المرآة الطويلة وتهمس بوجع:


أول ما شفت عبدالله ليلة عرسنا توترت من وسامته اللي زيادة عن الحد


قلت صحيح أنا حلوة وماشي حالي بس هذا المفروض يأخذ ملكة جمال.. ليش أمه اختارتني؟؟


بس عقب قلت.. يمكن عشان ستايلي يعجب العجايز.. بس هو ما ظنتي عجبه شيء فيني



اقتربت من المرأة اكثر وهي تضيق بيجامتها الحريرية عليها لتتضح تضاريس جسدها المثالية لدرجة الخيال المستعصي على كل تصور


والتي لم تتأثر مطلقا بإنجاب طفل



شعاع بمرح: تكفين رخي البيجامة.. أنا أختش ما أستحمل.. أشلون اللوح اللي كنتي ماخذته


ثم أردفت بجزع: يا الله لا تأخذني.. الله يرحمه.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك



جوزاء أكملت وكأنها تحادث نفسها: أحيان كثيرة كنت أشك إنه يدري لو أنا موجودة معاه في الغرفة.. أقول يمكن لو أنا كرسي كان انتبه لي



والمشكلة إنه الناس كلهم يقولون عنه: رجّال مافيه منه اثنين..


وين الرجّال هذا؟؟ أنا عشت مع لوح بكل معنى الكلمة..


الشهرين اللي قعدتهم معه حتى سالفة وحدة على بعضها ماقالها لي..



أحيانا كنت أشك في قواه العقلية.. بس عقب صرت أشك في عقلي أنا


لأني كنت أشوف هله باقي ويحطونه فوق رووسهم من كثر ما يحبونه ويحترمونه..


ومعهم يكون شخص ثاني.. شخصية غير وطلاقة في الكلام.. واحد ثاني مذهل


لكن يتسكر علينا باب.. يرجع لوح مرة ثانية.. يتجاهلني كأني غير موجودة



حاولت بكل الوسائل أثير أنتباهه.. ألفت إعجابه.. أحسسه إنه على الأقل فيه مخلوق بشري معه في الغرفة.. بس بدون فايدة



لا وتخيلي عقب ذا كله.. أحاد عليه 8 شهور كاملة...


يعني الأخ ما تنازل ولمسني إلا مرتين وأخرتها أتورط بحمل يمدد الحداد الدبل



ثم التفتت خلفها وهي تنظر بحنان لحسن الذي نام : بس أحلى ورطة في حياتي الله يخليه لي



شعاع بألم وهي تحتضن عضد جوزاء وتسند خدها لكتفها: جوزا ما تتعبين من ذا السيرة



جوزاء بألم عميق وهي تمسح على خد شعاع: خليني أفضفض.. أنتي الوحيدة اللي تدرين...


أحيان كثيرة والله احتقر نفسي على أفكاري الغبية والمريضة


بس شاسوي يا اشعيع غصبا عني.. غصبا عني.. ما أدري ليه أتصرف كذا


والله إني صرت أكره نفسي من تصرفاتي



مثلا والله أدري كاسرة مالها ذنب عشان أكرهها..


بس والله ما استحملت خالات عبدالله اللي دايم يقطون كلام وظنهم إني ما أسمع



(من جدش تأخذين هذي لعبدالله خيرت عيالنا.. شوفي بنت خالها.. هذي اللي المفروض تأخذ عبدالله ..)



في أحيان كثيرة أسأل نفسي لو عبدالله خذ وحدة جمالها صارخ مثل كاسرة.. وحدة تملأ عينه


يا ترى كان اللي صار صار



ما تتخيلين يا شعاع الشهور الثمانية الحداد اللي قعدتها في بيت هله.. كانت عذاب..عذاب.. حتى العذاب شوي على اللي شفته


لولا نجلاء مرت صالح كانت تخفف علي أو كان استخفيت


الحزن والذنب خنقوني.. كل ما حطيت عيني في عين عمي أو عمتي.. حسيتهم يحملوني ذنب اللي صار عبدالله



ثم انهارت في بكاء مفاجئ بعد تماسكها الظاهري: وجهي كان نحس عليه.. أنا نحس.. نحس


ليتني ماخذته .. ليتني ماخذته وقعد عايش لهله






****************************






مازال يدور في غرفته..


يغتاله السهد الليلة ووطأة الذكريات


لا يعلم لِـمَ كان لديه أمل ما أنها قد ترد عليه بأي شيء الليلة..


فهو وصل منتهاه.. منتهاه!!!


عاجز عن النوم.. مثقل بالتفكير..


يتمنى لو ينام قليلا فقط.. فلديه عمل غدا



أصبح كل شيء مملا بعيدا عن ألقها.. بعد أن كان يصحو على رفرفة قبلاتها كفراشات معطرة حطت على وجهه..


هاهو يصحو وحيدا على صوت منبه مزعج أشبه بصفير الموت



بعد أن كان يرتدي ملابسه وعيناه تطاردان بولع حركتها الدؤوبة في الغرفة وهي ترتب فوضاه


يرتديها وهو يتحاشى النظر لأي شيء قد يثير ذكراها مع هبوب نسمات الصباح التي تذكره بها قسرا..


فهذا النسيم العليل الموجوع يمر على وجهه بحنان مشفق.. مثلها!!


لماذا انقلبت هكذا للنقيض؟؟


لماذا؟؟




يشعر أنه يختنق يختنق.. سينفجر من غرفته.. ومن كل ذكرياتها الموبؤة.. من رائحتها المعطرة الشفافة التي تملأ جنبات الغرفة


لتشعل شوقه الملتهب..


أي ألم هذا؟؟


كل شيء يخصها هنا.. إلا هي.. إلا هي!!




طرقات حازمة على باب غرفته


يهتف بهدوء ظاهري: ادخل ياللي عند الباب..



يدخل فهد العائد لتوه من بيت عمه راشد..


ينظر لصالح الجالس على الأريكة ويقول بهدوء مرح: شكلك كنت تبي تسبح يأبو خالد..



صالح ينتبه أنه يجلس بدون فانيلة..يقف ليتناول له واحدة أخرى من الخزانة


يرتديها وهو يقول بذات الهدوء الظاهري: لا كنت ألبس يوم دخلت حضرتك



فهد يتقدم خطوتين للداخل ويهتف بابتسامة: وينك ماحضرت عشاء غانم


فاتك خوش عشاء


ثم أردف بخبث مرح وهو يغمز بعينه: شغل أم خالد حجت يمينها..



حينها صرخ صالح بثورة مفاجأة مزقت هدوءه الظاهري: فهيدان أذلف تراني ماني بناقص ملاغتك الليلة..



فهد مازال يبتسم: أفا أفا يأبو خلودي تونا اليوم الصبح حبايب.. صلوحي وفهودي..



صالح من بين أسنانه: أقول فهيدان أذلف.. ترا أبليس راكبني الليلة.. فارق قدام أخلي وجهك شوارع



حينها غادر فهد وهو يرسم على وجهه علائم الغضب المصطنع..


أغلق الباب خلفه بخفة.. ولكنه عاود فتحه وهو يطل عبر الباب نصف إطلاله وهو يضحك:


ما ألومها أم خالد هجت..


قالب وجهك ترّوع لك قبيلة..


تيك إت إيزي بيبي..



وقبل أن يرد صالح عليه أغلق الباب خلفه وصوت ضحكاته مازال يتعالى.. بينما تعالى غضب صالح المكتوم:


هذي أخرتها يا نجلاء.. خلتيني مضحكة حتى للبزارين..


زين أخرتش بترجعين وبيطخ اللي في رأسش..




بعد عدة دقائق صامتة.. قفز ليرتدي ملابسه.. ويلتقط مفتاح سيارته.. ويخرج دون غترة حتى..



دار في الشوارع طويلا.. قبل أن يقف في شارع فرعي.. يتناول هاتفه ويرسل لها رسالة:



"أنا الليلة بايعها بايعها


لو ما رديتي علي بأي شيء.. أي شيء


والله لأجيكم لين البيت..


وتراني أصلا في سيارتي.. دقيقتين وأكون عندش"



في وقتها كانت نجلاء.. تستعد للنوم بعد أن عادت من غرفة ولديهما وحصنتهما بالأذكار وأطمئنت على وضعهما


رفعت رأسها عن المخدة وهي تشعر بتوجس.. "يالله مسا خير"



قرأت الرسالة.. تنهدت بعمق.. وكتبت له:



"أبو خالد الله يهداك.. أمسي


إذا أنت فاضي.. انا وراي قومة الصبح مع عيالك"




"وهذا اللي الله قدرش عليه تقولينه


لو قدرت أمسي كان أمسيت.. ما أنتظرت أوامرش"




"لا تنبشني يأبو خالد


خلني ساكتة"




"اشتقت لش


ما تحسين أنتي؟؟


ويش اللي يمشي في عروقش.. ماي؟؟


اشتقت لش.. حسي فيني خلاص


والله ما أقدر أصبر من غيرش ومن غير العيال"




حينها تنهدت نجلاء بعمق وهمست لنفسها بغيظ : زين يالرومانسي.. تبي كلام حلو.. حاضرين



أرسلت له:



" جرحتني جرح(ن) كبير(ن) وباين


جرحتني جرح(ن) يمس الكرامة



هنت الغلا كله وعيني تعاين


بعت الهوى وأقفيت تنعي حطامه



لا تحسبنّي وإن قسى الوقت لاين


لا والذي يحصي بعلمه أنامه



إنسى غرامي ثم فكّر وعاين


شف موقعك وإرسم لحدّك علامه



حدّي رسمته وأصبح اليوم باين


( يموت حب ولا تموت الكرامة ) "




لم يرد عليها.. وشعرت نجلاء بتوتر غير مفهوم.. وحزن أكثر استعصاء على الفهم..


"جرحته.. أدري إني جرحته.. بس هو اللي جابه نفسه"



بعد خمس دقائق.. وصلها رسالته:



"يا بنت عمي.. أنتي والله على قولت المثل:


سكت دهرا ونطق كفرا


.


.


طلي على حوشكم"




نجلاء شعرت بالرعب يتصاعد في قلبها.. خرجت تتسحب من غرفتها للصالة العلوية التي تطل شبابيكها الكبيرة على باحة البيت



شعرت بالرعب وهي تتعرف سيارته التي تقف في منتصف الباحة


اتصلت به فورا وهي تهمس برعب من بين أسنانها:


وش جايبك هنا يالمجنون؟؟



نظر صالح للأعلى رأى خيالها بين الستائر.. نزل من سيارته..


ليقف بجوار السيارة ويسند جنبه اليمين على مقدمة السيارة ويهمس بثقة: انزلي... بأروح لمقلط النسوان.. لازم نتكلم



نجلاء شعرت بألم غير مفهوم وهي تراه يقف بدون غترة..


طوال عشرة السنوات الماضية.. يستحيل أن ينزل من غرفتهما حتى لداخل البيت دون غترة


فأي هم هذا اللي أنساه إياها؟!!


ولكن انفعالها التهم أي مشاعر اخرى: وش كلامه.. أنت عارف إني أبي الطلاق.. الحال بيننا هذا ما يمشي


ولا هذي أول زعلة تصير بيننا على سبت ذا الموضوع.. كل مرة تقول آخر مرة.. بس ما تتوب من تجريحي



صالح كأنه لم يسمع شيئا وهو يرفع عينيه للأعلى ويهمس بنبرة أمر صارمة:


أقول انزلي يأم خالد.. انزلي قدام أطلع لش



شعرت نجلاء برعبها يتصاعد لتنحدر لهجتها للرجاء:


صالح تكفى.. روح.. غانم في غرفته وابي وبعد.. لو حد منهم شافك.. وش بيكون موقفك؟؟



صالح بثقة : أنا ما سويت شيء غلط.. أبي أكلم مرتي.. اقصري الشر وانزلي لي قدام اطلع لش



رعب نجلاء يتزايد.. تعلم أنه قد يفعلها: تكفى صالح لا تفضحني


تعال بكرة الصبح.. خلاص والله بأقعد معك ونتكلم



صالح بغضب: كذابة.. صار لي 4 شهور ما شفتش يالظالمة.. وكل ما طلبت أشوفش تحججتي بألف حجة..



نجلاء بغضب مغموس بخجل عميق: قومي شين فعايلك تيك المرة.. خوفتني أقابلك مرة ثانية.. أنت واحد ما تتحكم في نفسك



رغم غضب صالح.. ولكنه ابتسم لمجرد الذكرى.. ليهمس بخبث مغلف بنبرة خاصة:


يومش خايفة ومستحية كان جبتي أمش معش..


والله ما حد قال لش تجيني بروحش في المقلط.. لا وتردين الباب بعد


أنا بصراحة فهمتها دعوة.. ولو جيتي للحق هي ما تتفسر إلا كذا


وبعدين واحد ميت من الشوق لمرته.. وش تتوقعين يسوي.. يقول لها مساش الله بالخير من بعيد


ليش مكبرة السالفة.. ترا كلها إلا كم بوسة..



نجلاء تغمض عينيها وتضغط جانبي رأسها من شدة الخجل...


مازالت رغم مرور السنوات تحتفظ في داخلها بروح صبية مغلفة بحياء مهذب..


الروح التي لطالما أسرت صالح وأذابت جوانبه بحياءها الرقيق


لتصرخ من بين أسنانها:


قليل أدب.. وما تستحي


توكل على الله و لا تجي بكرة


والله لما تحرك سيارتك الحين إني لأقول غانم يتصرف معك



حينها رأته يميل بجسده أكثر على مقدمة السيارة وهو يستند بثقله عليها.. ويهمس بثقة ساخرة:


تخوفيني بغنوم البزر... خليه ينزل.. أنا أتناه


إذا أنتي بايعة أخيش.. خليه ينزل..





#أنفاس_قطر#


.


.


.
مع نهاية أجزاء هذا الأسبوع ننهي أيضا مرحلة مفصلية

لنبدأ مع الأسبوع القادم مرحلة جديدة نبدأ فيها بالغوص في الحياة اليومية للأبطال

ونحن مع هذه اليوميات أيضا سنبدأ ندخل في صلب الأحداث وبكثافة
في أحداث جديدة تقلب كثير من التوقعات.. وبعضها قد يماشيها

فإلى الملتقى بأذن الله
.
.

#أنفاس_قطر# 28-03-10 04:35 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء العاشر
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 30-03-10 04:39 AM

بين الأمس اليوم/ الجزء الحادي عشر
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 01-04-10 04:43 AM

بين لأمس واليوم/ الجزء الثاني عشر
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 04-04-10 02:27 AM

بين الأم واليوم/ الجزء الثالث عشر
 
صباح الخير المبكر بل ما قبل الصباح


نمت مبكرا.. وصحوت أكثر تبكيرا من المعتاد


جعل الله أيامكم كلها تبكير في الخير


.


أعتذر على محاولتي الفاشلة في الرد على الكل


بالفعل لم أستطع.. فوقت الفراغ الذي أجده أقضيه في كتابة القصة


ولكن والله العظيم أقرأ الردود كلها بتمعن وأحيانا مرتين


عل شيء يكون فاتني في القراءة الأولى


وكل ملاحظة وكل تعليق يبعث سعادة عميقة في أوصالي.. وأشعر به يدفع القصة للأمام وللأفضل


.


الآن مع بعض النقاط عن البارت الماضي



لمن يقولون أن هزاع شخصية لم يسبق ذكرها...


الظاهر لازم أعضكم عشانكم ما تقرون زين....


هذا مقطع من الجزء الثامن الظهور الأول لعائلة أبو صالح:



ابتسم صالح: إذا السالفة على كذا.. زوجي الجباوة الثنين اللي أخنزوا من الرقاد فوق..



أم صالح باستنكار: هزاع توه صغير.. أنت صاحي؟؟ خله يخلص الثانوية ذا الحين




واليوم سنتعرف على هزاع أكثر


.


.


أيضا من تسائلوا عن الكابتن الغامض وأنه قد يكون طالب وليس كابتن محترف بما أنه سيستفيد من مزون وسهى



مزون وسهى المعلومات اللي يفيدونه فيها هي معلومات الرحلة اللي ما لحق يأخذها لأنه مادخل الاستراحة ولا سجل المعلومات


وطبعا مستحيل يخلون طالب محتاج معلومات من المساعدين هو اللي يطير


كان خلوا البنات يطيرون أحسن :)


.


.


اليوم ترون مزون في مكان العمل <<< شيء قصدته تماما


أ لم يثر فضولكم هذه الفتاة التي أصبحت هشة كثيرة البكاء كيف هي في المواقف العملية؟؟


هذه الفتاة نافست الشباب في مجال دراستهم وكما سمعتم منها تفوقت


وللعلم كثير من الناس يكون في حياته العملية مختلف جذريا عن حياته الشخصية


اليوم نرى إلى أي حد ينطبق هذا على مزون أو لا ينطبق


.


.


اليوم خمس نجمات وليس نجمة واحدة لبنت أبوي بن جدي


مذهلة يا بنوتة مذهـــلـــة ماشاء الله تبارك الله


وستعلمون لاحقا لماذا


.


.


جزء اليوم يعبر أغلب الشخصيات في زمن هو أقل من نصف نهار بحساب الزمن الاعتيادي


ولكنه نهار غير اعتيادي في حياة أبطال قصتنا


.


.


إليكم الجزء الثالث عشر


.


قراءة ممتعة مقدما


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث عشر





مزون وصلت لقمرة القيادة وطرقت الباب لتدخل


وتــفــجــع وهي ترى الكتفين العريضين لظهر عريض يستحيل أن يكون ظهر إيمي



شهقت والكلمات تجف على لسانها بينما سهى تبتسم لها وتشرح بمهنية:


الكابتن إيمي اعتذرت عن الرحلة


والكابتن استلم مكانها.. إجا دايركت لهون ماكان عندو وئت يشوفنا بالاستراحة


وما تخافي من شيء هو حافظ خط الدوحة- أبوظبي


واحنا بنزوده ببائي المعلومات



حزن عميق غمر قلب مزون لفساد مخططاتها.. ولكن على الأقل هاهي معها فتاة أخرى وليست لوحدها معه


كانت تدلف خطوة للداخل


في الوقت الذي كان الكابتن يدير وجهه ناحيتها بحزم وغموض



مزون تأخرت بحرج وهي تتطلع لوجهه الوسيم الذي بدأ لها مألوفا


رغم أنه ليس من المعتاد رؤية هاتين العينين بلونهما الأشبه ببحر عميق من عسل صاف



سهى أكملت حديثها بابتسامة ودودة: اسمحي لي عرفك بكاتبن غانم


من أشطر كباتن القطرية... رجل المهمات الصعبة مزبوط.. مستعد يطير ئبل اللحزة الأخيرة



مزون تنهدت بعمق وهي تدفع بصوتها النبرة المهنية المطلوبة وتجلس عن يساره حيث يفترض أن تجلس وهي تحاول أن تبعد جسدها قدر المستطاع:


تشرفنا كابتن..فيه توقع لمطبات جوية في المنطقة بين تقاطع 345 شرق على 765 غرب


وتقاطع 564 شرق على 323 غرب فترة قد تصل من عشر دقائق لربع ساعة..بس الرؤية إن شاء الله صافية



انهمرت بالمعلومات المطلوبة بدقة عالية وسرعة ودون أدنى تلعثم .. ويداها تعملان بسرعة ودقة على الاجهزة أمامها



مازالت لم تستمع لصوته.. فقط كانت يداه تعملان بذات سرعة يديها


ليهمس بعد دقائق وعيناه مثبتان أمامه ودون أن ينظر ناحيتها وبصوت رجولي عميق:


صباحش خير يا كابتن.. (صمت لثانيتين) بنت زايد آل كساب؟؟.. والا أنا غلطان؟؟



ابتلعت مزون ريقها ولكن ريقها جف وتبخر على أول حنجرتها لشدة جفافها دون أن يرطب جفاف امتداد باقي حنجرتها المتيبسة



فهذه اللهجة الحادة بتركيزها على مخارج الحروف


يستحيل أن تكون لهجة أحد لا ينتمي إلى قبيلتها ..


همست في داخلها : (ومن قبيلتي بعد.. وش ذا البلوة؟؟ ذا الرحلة باينة سودا من أولها


ذا البدوي أبو عيون عسلية من وين الله جابه؟؟)



ردت مزون بذات المهنية ودون أن تنظر ناحينه: كابتن مزون زايد.. مساعد ثاني


ونعم بنت زايد بن علي آل كساب...



خيل لها أن طرف عينها إلتقط شبح ابتسامة على طرف شفتيه وهو يهمس بهدوء:


وأنا غانم بن راشد آل ليث..



حينها شعرت مزون كما لو كان سُكب على رأسها ماء مغليا أذاب خلايا دماغها..


وهي تسأله بذات النبرة المهنية المحترفة التي تبدو غير مهتمة وفي ذات الوقت غاية في اللباقة: آل ليث جماعتنا وإلا غيرهم؟؟



لا تعلم لما بدت لها نبرته متلاعبة باسمة وهو يجيب بهدوء ودون أن ينظر ناحيتها: جماعتكم نفسهم



حينها كانت مزون على وشك أن تقفز من الطائرة...أو أن تلطم وجهها


(خلصوا طيارين الخطوط القطرية


مالقوا على أول رحلة لي إلا واحد عيال جماعتنا)



مزون لم ترد عليه وهي تتشاغل بما بين يديها بطريقة تبدو للناظر واثقة ومسيطرة


بينما هي في داخلها تهدئ روعها وروع حرجها المتزايد



(احمدي ربش زين ما طلع امهاب الله يقطع أيامه


الرحلة ذي وكسة من أولها


كان ناقصها ولد آل ليث عشان تكمل)







*****************************






خليفة يجلس جوار جميلة المخدرة والغارقة في نوم عميق..


مازال قميصه الملطخ بالدم عليه...لم يكن يريد تركها


فهي أصيبت بحالة هستيرية بعد مغادرة والدتها


وكأنه تلبس جسدها المتهاوي مئات العفاريت


وجهت لكماتها الهزيلة لصدره وهي تعتقد أنها تؤلمه بينما هو لم يشعر حتى بوقع يديها


وكل ما كان يشغله الدم المنبثق من معصمها والذي أغرق صدره تماما وتناثر في أرجاء الغرفة وعلى سريرها وملابسها


وهو مذهول من كمية الدم المتناثرة...



"كيف توافرت كل هذه الكمية داخل جسدها المتخشب؟"




الممرضات حضرن وكذلك داليا ليتعاونن على تخديرها بينما صرخاتها تتعالى:


أبي أمي .. أبي أمي



حتى بدأت صرخاتها تخفت شيئا فشيئا من تأثير المخدر لتتحول لهمس موجع أشبه بالأنين المكسور المتحشرج..


حينها لم يحتمل خليفة كل هذا ...خرج ليقف عند الباب



الممرضات حينها أبدلن ملابسها وشراشف السرير وقمن بتنظيف المكان



ليعود بعدها ويجلس جوارها..


داليا تعود بعد دقائق وتهمس له بخفوت واحترام: أستاذ خليفة روح غير ملابسك..


الطاقم الطبي كله متضايق من شكلك.. وأنت طولت ما رحت تغير ملابسك



خليفة كأنه يحادث نفسه: أخاف تصحا ما تلقاني



داليا بمهنية: الأفضل أساسا إنها تصحا ما تلقاك.. ترجع تثور.. أنت روح بدل ملابسك.. ونام لو تريد


وأنا قاعدة جنبها.. لما تصحا.. وأشرح لها الوضع تمام.. واهديها..وبعدها أنا بأتصل فيك ترجع



خليفة وقف دون أن يرد بكلمة.. وسحب نفسه خارجا..


بينما داليا تناولت مقعدا وقربته من سرير جميلة وجلست..






**************************






" أصب لك قهوة يبه؟؟"



زايد بحزم هادئ: شكّرت.. تسلم يمينك..


ثم أردف وهو يتلفت حوله بتساؤل: الرجّال اللي كان يشتغل عندك وينه؟؟



علي وهو يعيد الفناجين ويضعها في آنية الماء المخصصة لذلك يهمس بهدوء:


عم حمزة اليوم مستأذن.. فيه واحد تركي بيتزوج اليوم


فهم يبون يكونون معه من أول النهار..



ابتسم زايد: ما علمونا نعينهم..



فابتسم علي ابتسامة مشابهة: خلاص كفيناك.. جاتهم عانيتهم وكله من خيرك.. عم حمزة غالي عليّ..



زايد بحنو حازم: الله يغليك عند ربك.. الله الله فيه...



علي بهدوء: يبه أخواني شاخبارهم؟؟ وخالتي وعمي؟؟



زايد بذات هدوءه: عمك مودع عليك بالسلام.. ويقول لك بيجيك يصيف عندك كم يوم



علي بابتسامة ودودة: حياه الله.. أربه صادق.. عمي منصور أصلا ما ينوخذ منه حق ولا باطل.. من يوم تعينت في جنيف ما مرني



زايد بمودة: توك في جنيف مالك إلا سنة... ثم أردف بهدوء: ومزون اليوم أول رحلة لها



حينها انتفض علي بعنف: أول رحلة وخليتها بروحها؟؟



زايد بابتسامة: عمك عندها.. وبعدين طاقم الطيارين اللي معها كلهم نسوان.. رحلة قصيرة لأبوظبي


وأنا كلمت عمك قبل شوي.. هو بنفسه وصلها لين داخل المطار...



علي متضايق لأبعد حد من كل هذا حتى وإن لم يظهر ضيقه وهو يهتف بذات هدوءه الأزلي العميق:


زين وكساب وخالتي؟؟ كسّاب أدق على جواله البارحة يعطيني رنة خارجية ولا رجع يكلمني..



تنهد زايد: خالتك وكساب عند جميلة.. واكيد بيمرونك عقب



تصلبت يدا علي بعنف رغم أنه كان يهتف بذات هدوءه: حياهم الله



حينها ماعاد بزايد صبرا..يريد أن يطمئن على روح ولده الشفافة


فهتف بنبرة شفافة كثيفة: ليش يوم جيتني في الدوحة ما قلت لي عن اللي في خاطرك؟؟


عمرك ما دسيت علي شيء.. فأشلون تدس علي شيء مثل هذا؟؟



علي تراجع بحرج ما ولكنه عاد ليهمس بشفافية والده: وش تبيني أقول يبه؟؟


إني فيه شيء بقلبي لبنت خالتي مثلا..


خطبتها.. وما توقعت أصلا إنه فيه سبب أقول مشاعري لأحد.. لأني ما توقعت إنه فيه حد ممكن يوقف لي في الخطبة


مع إنه يبه قلبي ناغزني من يوم وصلت الدوحة.. بس كذبت إحساسي..


وعلى العموم يبه لا يروح بالك بعيد وتظني أتعذب.. وهيمان وما أنام الليل



ما أكذب عليك في قلبي مشاعر لجميلة.. يمكن لأنها بنت خالتي اللي ربتنا.. يمكن لأنها بنت خليفة اللي كنت أحسه إبي الثاني


يمكن عشانها هي.. ماعاد يهم..


وصدقني.. خلاص يالغالي.. وعزت من خلاك أغلى خلقه إنه قلبي جاته الصدة منها من يوم صارت حلال غيري..



زايد بعمق: وكاد ذا الكلام.. وإلا تبي تبرد قلبي بس.. عشان ما تحسسني بذنب اللي سويته..



علي بعمق مشابه: أكيد يالغالي أكيد..



حينها استرخى زايد في مقعده أكثر وهمس بعمق متجذر لأبعد حد: إن كان وكاد يابيك اللي تقوله..


فأنت ما حبيتها.. دور لمشاعرك اسم ثاني غير الحب



حينها ابتسم علي بمودة وهو ينحي كل ألامه لنقطة مخفية في روحه: شكل أبو كسّاب خبير..



التفت له زايد وابتسم وهو يعتدل في جلسته ويهتف بمرح شفاف: خبير عود بعد.. ولو تبي عطيتك دروس



فور انتهاء زايد من جملته.. تعالى جرس الباب


هتف زايد بتساؤل: تتنى حد؟؟



علي يقف وهو يتجه للباب: الشباب في القنصلية يوم كلمتهم أعتذر إني ماني بجاي اليوم عشانك


كلهم قالوا بيمرونا عقب الدوام.. بس تو الناس مابعد خلص الدوام..



فتح علي الباب..


ورغم أنه كان يتوقع مجيئهما.. إلا أن سعادة المفاجأة أشرقت على وجهه لأبعد حد وهو يرى خالته وشقيقه..



كساب كان أول من تحدث وهو يسلم على شقيقه بحرارة ويهتف بمرح دافئ :


زين إنك هنا.. توقعنا في الدوام وإنه بنقعد نحرس باب الشقة لين تجينا



علي بترحيب حقيقي مليء بالدفء والحماس والمودة: ياهلا ومرحبا والله إني صادق.. هلا والله بالغاليين



عفراء كان سلامها لعلي مختلفا.. فهي لم تره منذ أشهر.. تشعر بألم عميق لكل ماحدث.. عدا عن وجيعتها التي تنزف بتركها ابنتها خلفها


وكان ناتج هذا أن ارتمت في صدر علي وهي تنتحب ببكاء مكتوم..


علي احتضنتها بقوة حانية وهو يهمس بقلق متأثر: خالتي تعوذي من الشيطان.. وش فيش؟؟ هذا أنا بخير



بينما كان كساب بدوره كان يربت على كتفها رغم اختفائها في أحضان علي


وهو يهمس بقلق مشابه: خالتي الله يهداش.. وش فيش صايرة حساسة بزيادة



زايد لم يتحرك من مكانه لأنه لم يرد أن يثر إحراج عفراء



عفراء حين أفرغت طاقة بكاءها الأولى.. أفلتت علي وهي تهمس بصوت مبحوح: مشتاقة لك يأمك بس..



علي يقبل رأسها ويهتف بحنان: وأنا اشتقت لش..


ثم أشار بعينيه لكل من عفراء وكسّاب وهمس بخفوت: ترا أبي داخل



عفراء شعرت بحرج عظيم انها كانت تبكي بهذه الطريقة وزايد يسمعها


لذا استاذنت ودخلت إلى غرفة علي دون أن تتجه للصالة


بينما كساب يهمس لعلي باستغراب خافت: غريبة وش عنده؟؟



علي يبتسم ويهمس بخفوت مشابه وهما يتجهان لوالدهما: مشتاق لي وجاي يشوفني.. وإلا عندك مانع؟؟



كسّاب يبتسم: وش مانعه يا دلوع البابا؟؟ منت بهين اللي قادر تجيب رأس زايد



علي يبتسم: يسلم لي رأس زايد..



كسّاب يصل والده.. ورغم كل شيء.. ابتسامة عفوية تتسلل للاثنين.. صريحة عند زايد.. وخفية خفيفة عند كسّاب


فكسّاب يشعر بالسعادة من أجل علي وأن والده جاء للاطمئنان عليه ولم يهمله في حزنه..


سعادته كانت من أجل علي.. وهاهو يشعر بالرضا على زايد لأول مرة منذ فترة طويلة..






*****************************






"وين رايحة نجلاء هانم؟؟ أشوفش لابسة عباتش؟؟"



نجلاء تبتسم: تكونين أنتي رجالي وما عندي خبر.. ولازم أعطيش خط سيري



سميرة بابتسامة مشابهة: آه يا بت يا نقلاء عاوزة تهيتي على حل شعرك من ورا الواد صويلح ابن ام صويلح..



نجلاء تضحك: أما عاد أهيت وعلى حل شعري.. لابقة يا بنت ..



سميرة تضحك: خشي في عبي يا بت.. أنتي رايحة فين كده من (مغباش) ربنا..



نجلاء تعدل وضع نقابها أمام مرآة المدخل وتنادي الخادمة: وش مغباشه؟؟ الساعة صارت عشر..



سميرة تمسك بنجلاء وهي تهتف بمرحها الدائم: نجول اخلصي علي.. علميني وين بتروحين؟؟


عمي الشيخ صالح موصيني أسوي عليش كنترول.. خبرش يغار عليش.. وأنا لازم أحمي أملاك ولد عمي من العيون الطامعة



نجلاء تنحدر لهجتها من المرح للهدوء الساكن: أنتي يعني ما ترتاحين لين تجيبين طاري صالح عندي.. فكيه من شرش..



سميرة تضحك: لا تكونين تغارين على صويلح مني... بصراحة صالح جنتل ورزة وكلامه حلو وينخاف عليه..


وأنتي ما تبينه... وانا باموت أبي واحد يقول لي كلام حلو... خلاص حوليه لي...



نجلاء خلعت حذاءها وقذفت به سميرة الهاربة وهي تهتف بغيظ مرح: هذي أخرتها يا مسودة الوجه.. تبين رجّالي؟!



سميرة تضحك وهي تخفي وجهها خلف إحدى كوشيات الصالة وتجلس على الكنبة:


عدال نجول عدال.. الأخت تغار وحركات ورجالي ..وهي تقول إنها تبي الطلاق...


يأختي (جحا أولى بلحم ثوره) على قولت المثل... أنا أولى بجوز أختي..



حينها وضعت نجلاء حقيبتها جانبا وخلعت عباءتها ونقابها وشيلتها ووضعتها على المقعد..


بينما سميرة تضحك بهستيرية: الخبلة شكلها بتسويني شاورما



نجلاء تضحك وهي ترفع كميها: شاورما بأكون حنينه عليش بعد...أنا بأسويش شوربة خضرة مهروسة..



سميرة تقفز بعيدا وهي تقول بمرح: علميني وين بتروحين... وخلاص ما أبي صويلح..



نجلاء تقذفها بكل كوشيات الصالة وهي تهتف بمرح: أنا الحين محترة منش.. خليني أصيدش وعقب أقول لش


وبالفعل أصابتها إصابة مباشرة لتهتف سميرة بألم مصطنع: حشا ماردونا شايت له كورة.. خبصتي مخي..



نجلاء حينها تجلس منهارة على المقعد: ول عليش.. أطلقتي عينش علي..



حينها قفزت سميرة لها وهي تمسكها بقلق: نجول وش فيش؟؟ من جدش ؟؟ والله إني أمزح..



حينها أمسكت بها نجلاء من قرب وقرصتها وهي تضحك: ها تبين صالح؟؟



سميرة تقبل رأسها وهي تضحك: حرمت خلاص.. وبعدين يأختي حتى لو أنا أبيه.. هو ما يبي إلا أنتي..


علميني سر الطبخة؟؟ وش مسويه فيه عشان أسويه لردي الحظ اللي بيأخذني؟؟



حينها انتهت وصلة المرح التي نعمت بها نجلاء كما لو كانت في مشهد تلفزيوني بتر فجأة وهي تهمس بنبرة جدية مغايرة تماما:


أنا باروح أجيب عيالي... اليوم يخلصون بدري..



سميرة استغربت انقلاب مزاج نجلاء المفاجئ.. ومع ذلك ابتسمت وهي تهز كتفيها وتتجة للأعلى:


وأنا باطلع أذاكر جيبي لي معش أيس كريم فراولة..



نجلاء عاودت لبس عباءتها لتخرج للسائق والخادمة المنتظرين في الخارج



بعد دقائق رن هاتفها.. كان هو المتصل..توترت ولم ترد


عاود الاتصال.. ردت بهدوء متوتر: هلا بو خالد



صوته الغاضب: مهوب أحسن لو نقعتيني بعد شوي؟؟



صوتها العذب الهادئ: أنت متصل عشان تلاغي يعني؟



حينها رد عليها بعمق اختلط فيه غضبه بشوقه: متصل عشان مشتاق أسمع صوتش.. وإلا حتى الصوت بتحرميني منه..



نجلاء توترت وقلبها العصي على الفهم وعلى السيطرة تتعالى دقاته وهي تحاول أن تهمس بهدوء:


بالعادة ما تتصل علي إلا عشان شيء يخص العيال..



ابتسم صالح: وأم العيال موضوع ما يخصهم يعني؟!



صمتت نجلاء.. فمكالماته الدائمة التي ظاهرها مناقشة شؤون الأولاد


ورسائله الليلية الملتهبة التي هي باطنها ومضمونها


كلاهما: صوته ونبض مشاعره.. باتا يحدثان عليها ضغطا نفسيا هائلا..


تشعر كما لو كان يحاصرها.. وأنه كلما رفعت حواجزها عاد ليخلخلها


هي مصممة على الطلاق وتشعر باستحالة الحياة بينهما.. فلماذا اصراره على تقييدها إليه؟!



حينها همس صالح بخفوت رجولي موجع: تدرين حتى لو ما حكيتي.. صوت نفسش على التلفون يذوبني..



نجلاء شعرت أن الإحمرار قفز حتى أطراف أذنيها وهي تتنحنح: أبو خالد عندك شيء تبي أقوله أو أبي أسكر


أنا الحين رايحة أجيب عيالي من المدرسة..



تنهد صالح بعمق (يبدو أن لا شيء يفيد مع هذه العنيدة!!) ليهتف بعدها بحزم أعاد فيه سيطرته على الأمور:


متصل عشان موضوع يخص العيال والمدرسة


طبعا مثل منتي عارفة عزوز تمهيدي وخلاص تقريبا خلص .. وخالد صف أول باقي عليهم يومين ويخلصون


ومثل منتي عارفة بعد.. يوم طفشتي من بيتش السنة اللي فاتت كنا حاجزين بنسافر بنوديهم ديزني لاند


والثنين كل ما شافوني يسألوني متى بنروح.. خاطرهم في الروحة اللي أنتي حرمتيهم منها



نجلاء تتصاعد دقات قلبها جزعا وتهمس بصوت مبحوح:


أول شيء مافيه داعي لنبرة العتاب المخفية ذي.. لأني ماغلطت يوم طفشت على قولتك


الشيء الثاني وش مقصدك من ذا الكلام؟؟ لا تكون تبي توديهم؟؟



صالح بهدوء حازم: إيه طبعا بأوديهم خلال ذا الأسبوعين الجاية.. وإلا بتمنعيني بعد..



نجلاء شهقت: وكم يوم مقرر تسافر فيهم؟؟



صالح ببرود: أسبوعين..



حينها انتفضت نجلاء جزعا وغضبا: على جثتي تطلع بعيالي



حينها وصلها صوت صالح غاضبا يمور بالانفعال المخيف: قصري حسش.. ماعاد باقي الا تطولين صوتش عليّ.. هذا اللي قاصر يا بنت عمي


وأظني إنهم عيالي مثل ماهم عيالش!!



نجلاء ابتلعت ريقها وهي تهمس بتراجع: صالح ما أقدر استحمل عيالي يبعدون عني أسبوعين..



صالح بعتب عميق: هذا أنتي مبعدتهم عني صار لش أكثر من تسع شهور



نجلاء بألم مصدوم: يعني أشلون؟؟ تلوي ذراعي يعني؟؟.. ما هقيتها منك يأبو خالد



صالح بعمق صريح شفاف: والله العظيم ما خطر ذا التفكير الحقير في ببالي..


لكن إذا أنتي تبين تشوفينه لوي ذراع.. بكيفش


حاولت معش بكل الطرق الودية وما فاد.. يمكن لوي الذراع يفيد






******************************






منذ البارحة وتفكيرها مشوش.. عاجزة حتى عن التفكير المنطقي


تحاول ترتيب أولويات.. وصنع تراتبيات منطقية.. لتجد كل شيء ينهار.. وتعود في تفكيرها لنقطة الصفر




هي.. شابة صغيرة.. بتجربة زواج عقيمة خرجت منها بجراح عميقة وطفل..


وهو.. رجل مكتمل ناضج.. تعرفه جيدا في نطاقهم الأسري.. تعرف مقدار حنانه وقوته...


ولكن لم يسبق له الزواج وستكون هي تجربته الأولى في عالم النساء




هو بالنسبة لها فرصة لن تتكرر


وهي بالنسبة له .. عجزت عن إيجاد مسمى لا يجرح أنوثتها



في كل الأحوال هي الرابحة الأكبر في كل المعادلات




" فهل من حقي أن أكون أنانية..


أبحث عن فرصة ما لسعادة لم أعرفها في كنف زوج يكون لي سكنا ولابني والدا


أنجب مزيدا من الأطفال يكونون لحسن عزوة وسندا


لا أعلم لما أشعر بكل هذا التردد؟


المنطق يفرض علي أن أوافق فورا


ولكن شيء بداخلي يقول لي لا تفعلي لا تفعلي!!


ربما من أجل شعاع!!


لم تقل لي يوما أنها تحمل مشاعرا ما لمهاب


ولكن لطالما شعرت أنا بذلك


فهل من حقي أن أخذ الرجل الذي تفكر به شقيقتي؟؟


لا لا ليس من حقي..


.


لا تكوني غبية... شعاع صغيرة وجميلة وغاية الرقة


فرصتها كبيرة في الحصول على زوج بالمواصفات التي تريدها


ولكن أنا لا.. لن أحصل مطلقا مرة أخرى على فرصة كمهاب


فهل سأعيش حياتي الباقية هنا في بيت والدي؟؟


وأرى عبدالرحمن وشعاع يتزوجون ويعيشون حياتهم


بينما أنا أبقى أحتضن ابني وأجتر حزني حتى يكبر ابني ويبتعد عني في عوالمه الخاصة "




جوزاء حين شعرت بالارهاق من أفكارها قررت أن تتجه لشعاع التي تعلم أنها تذاكر الآن



حين دخلت عليها وجدتها تبرد أظافرها.. فهتفت جوزاء بغضب: يا سلام على اللي تدرس



ابتسمت شعاع برقة: بس تايم آوت شوي



جوزاء تجلس على السرير وهي توجه لها الخطاب بعتب رقيق: يا قلبي يا شعاع ليش تطولين أظافرش.. يعني ما تدرين إنه حرام



شعاع برجاء: شوفيهم والله قصرتهم واجد.. ما خليت منهم إلا نتفة بسيطة.. أحسهم يعطوني منظر أنثوي شوي



ابتسمت جوزاء: وأنتي ماشاء الله محتاجة أنوثة يعني..



شعاع تضحك:إيه والله محتاجة.. ليه قالوا لش مثلش أوزع أنوثة على ذا الجسم اللي تنافسين فيه "بيونسيه" ماشاء الله...


يأختي أي حد يشوفني يفكرني عمري 15 .. أقول 21 ما حد يصدقني



تضحك جوزاء: أما إنش غريبة.. حد يعيف يبين إنه أصغر من سنه.. هذا حلم كل مره في العالم..



تضحك شعاع: إيه حلم كل مره.. مهوب كل بزر.. إذا أنا أساسا شكلي بيبي.. فمافيه سبب أصغر نفسي.. حتى الكذب على خلق الله محرومين منه



حينها تنهدت جوزاء وهي تشعر بضرورة مصارحة شقيقتها.. لن ترتاح إن وافقت على رجل وهي تظن شقيقتها تفكر به..



همست بهدوء: اشعيع ممكن أسألش عن شيء وتجاوبيني بصراحة



شعاع ابتسمت: وش لو المقدمات يأم حسون.. خش في المفيد على قولت سميرة



جوزاء بتردد: أنتي تفكرين في امهاب؟؟



شعاع هتفت باستنكار: افكر فيه أشلون يعني؟؟



جوزاء بنبرة مرهقة: تكفين شعاع أنتي فاهمة جاوبيني..



شعاع بحرج: أنتي بصراحة غريبة.. وش دخلني في امهاب أفكر فيه وإلا ما أفكر فيه



جوزاء برجاء: تكفين اشعيع جاوبيني وبصراحة...



ابتسمت شعاع بشفافية: مع إني والله ما ادري وش القصد من سؤالش


لكن الجواب هو لا.. ما افكر في امهاب بالطريقة اللي في بالش


صحيح امهاب كستايل يعجب البنات.. كابتن طيار له هيبة وشخصيته قوية


وما أنكر إني قبل كم سنة كنت أفكر فيه تفكير مراهقات شوي


بس الحين لا.. بيني وبينه فرق تسع سنين موب شوي..وبعدين جدي حبتين..


سبحان الله صرت أحسه مثل عبدالرحمن...يمكن من قد ماهم أصحاب وربع



جوزاء بحذر: يعني نهائي ماله في بالش تفكير خاص؟؟



شعاع باستغراب: جوزا اشفيش.؟؟. وانا وش أقول قبل شوي..



جوزاء بحزم: احلفي لي عشان أصدق ويرتاح بالي..



شعاع ضحكت: والله العظيم إني ما أفكر في امهاب ولد أم امهاب التفكير اللي في رأس جوزا بنت أم عبدالرحمن



حينها هتفت جوزاء بصوت مبحوح متقطع وكأنها تريد أن تلقي مالديها وتنتهي:


يعني لو امهاب خطبني.. ذا الموضوع ما يضايقش؟؟



حينها قفزت شعاع بحماسة وهي تصرخ بحماس عذب: من جدش.. من جدش.. قولي والله..



جوزاء بجزع: قصري حسش لا حد يسمعش..



شعاع تبتسم: خليني أعبر عن وناستي.. ليه مسوين جريمة وإلا حرام ندسه؟؟



جوزاء بتردد : انا مابعد وافقت.. وامي وابي أصلا ما يدرون..



شعاع تجلس جوارها وهي تهتف بحماس: وشو له ما توافقين.. وافقي يالخبلة.. وين بتلاقين أحسن من امهاب؟؟



جوزاء بذات التردد المؤلم: ماهو عشاني ماراح ألاقي أحسن منه مترددة.. أخاف أكون أظلمه



شعاع باستغراب: تظلمينه؟!


والله أنتي ما ضربتيه على يده وقلتي تعال اخطبني..


امهاب رجال عمره 30.. وشوره في رأسه.. وهو جاي يخطب من نفسه..


والله منتي بمسؤولة تفكرين عنه.. انتي فكري في مصلحتش ومصلحة ولدش وبس..






*********************************






" جاي من المعسكر وإلا جاي من مدرسة السواقة؟؟"


نبرة رجولية شابة لم تخلُ من سخرية عميقة



فهد التفت لمحدثه الذي يضع رأسه على فخذ والدته بينما فهد ألقى السلام وقبّل رأس والدتها...وكان متجها للأعلى


همس فهد بسخرية مشابهة: ودلوع أمه مهوب في غرفته يدرس ليه؟؟



هزاع يتناول يد أمه من فوق رأسه ويقبلها ويهتف بمرح: والله دلوع أمه.. جعله ما يبكي أمه ..مشتاق لأمه.. وجاي يمتع عيونه بطلتها البهية..



فهد الواقف قريبا منهما هتف بابتسامة: والله اللي أشوفه أنك 24 ساعة لاصق في أمك.. والدراسة مابه دراسة


والله لما تنجح ياهزيع ذا السنة إن قد أدخلك الجيش بشهادة الإعدادي.. وخلك جندي حالك حال ربعك الفاشلين



هزاع يعتدل جالسا وهو يقول (بعيارة): عدال ياحضرت النجمتين.. وش فيه العريف أبو شريطتين.. يا زينه .. مهوب تارس عينك يعني



فهد بجدية : إيه هذا أقصى طموحك.. عريف بشريطتين..


ما تستحي على وجهك انت.. سناينك قدهم بيتخرجون من الكلية وأنت عفنت في ثالث ثانوي



هزاع مازال يبتسم: عدال فهيدان لا ينقطع لك عرق... يمكن أجيب في الثانوية ذا السنة نسبة أحسن من اللي بتجيبها أنت في مدرسة السواقة يا دريول سكند كلاس



أم صالح الغارقة في أفكارها تكلمت أخيرا: هزيع عيب عليك.. احشم أخيك الكبير



فهد يبتسم مثله: عادي يمه خليه .. الأخ عنده إني بأعصب إذا قال لي يا دريول سكند كلاس..


خلينا الدرولة لك.. وذا شنبي بأحلقه كنك فلحت ذا السنة



هزاع يضحك كأنه فاز بجائزة ثمينة: وترا ماحد موديك للحلاق غيري.. أبي أشرف بنفسي على حلاقة الشنب الغالي على الزيرو..


وخلش شاهدة يمه...


ولا تخاف أنا اللي بأسوق.. خبرك دريول رقم واحد..







************************************






الرحلة تسير على مايرام.. مضت نصف ساعة على الإقلاع.. وتبقى حوالي نصف ساعة أخرى



الصمت محتكم بين جميع الأطراف.. رغم أن مهمة الطيران يقوم بها الآن الطيار الآلي



سهى كانت لا تسمع شيئا لأنها كانت تضع سماعاتها على أذنها.. بينما مزون وغانم لا يضعونها لانهما اكتفيا بوضع سهى لها



مزون كانت تحلق في عالم آخر.. رحلتها الأولى.. حلمها الأزلي..


هاهي تنظر للسحاب تحتها.. ويغتال كل شريان ووريد فيها إحساس مذهل بالانتشاء وهي تتحسس الأجهزة أمامها بنشوة


وتشعر أنها في هذه اللحظة يتلبسها شيطان الشعر وقد تكتب قصيدة طويلة بل مفرطة في الطول.. علها تعبر عن بعضا من إحساسها الخيالي..




غانم كان أول من بدد الصمت وهو يخرجها من فقاعة انتشائها


وهو يسترخي على مقعده ويوجه السؤال لها دون أن ينظر ناحيتها: أشلون الوالد؟؟ بشرينا عنه.. لي زمان ما شفته



مزون انتفضت وهي يفاجئها باقتحامه قوقعتها الخاصة.. تنهدت في داخلها (اللهم طولك يا روح) وهتفت بذات النبرة البارعة الباردة واللبقة:


الوالد طيب وبخير.. ومجلسه مفتوح لخلق الله.. اللي يبيه يدل مجلسه..



ابتسم وهتف بهدوء: وأنا جيته أنا الوالد في مجلسه كم مرة.. وهو بعد دايم يجينا.. أبو كساب واصل وما يقطع جماعته..



(يا ملغك يأخي.. الله يعدي ذا الرحلة على خير) هتفت ببرود: ماعليكم زود..



حينها عاود غانم السؤال: وكساب وعلي.. أشلونهم بعد؟؟ علي عاده في جنيف؟؟



حينها هتفت مزون ببرود احترافي: اسمعني كابتن غانم.. من جماعتي؟ على رأسي وعيني..


بس هنا حن زملاء.. تلتزم حدود الزمالة وبس.. تسالني عن الرحلة وبس


أي شيء ثاني تحتفظ به لنفسه



بدا لها لم يهتم بما قالته.. وهو يهمس بصوت منخفض فيه نبرة سخرية:


يعني لو كنت واحد مهوب من جماعتش.. كان سمحتي لنفسش تأخذين وتعطين معي؟!



حينها التفتت له مزون بحدة وهمست من بين أسنانها بذات البرود:


تدري... من سخافة السؤال.. أستسخف نفسي لو رديت عليه..


ولو وجهت لي كلمة وحدة بعد من ذا النوع.. أقسم باللي ما ينحلف فيه زور إني أقدم فيك شكوى أصعدها لأعلى مستوى..


وقتها لا يهمني أنت ولد آل ليث.. وإلا واحد من أقصى الشارع..



هتف غانم بثقة شديدة: اللي ينتهدد يا بنت زايد غيري مهوب أنا.. أنا مادريت إن أسئلتي بتضايقش


لو طلبتي بلباقة إني ما سأل.. بأقول لش تم.. والسموحة.. بس الظاهر الغرور راكب رأسش الله يكفي شره







************************************






كانت على وشك الجلوس على سفرة الغداء لكنها تذكرت شيئا وقفزت


"بأروح أشوف إبي جابر تغدى وإلا لا؟؟"



مزنة بمودة: اقعدي يامش.. جدش تغدى ومنسدح ذا الحين



عاودت كاسرة الجلوس بجوار والدتها ..


يوم اعتيادي وكلهم اليوم مجتمعون...في أحيان كثيرة يكون أحدهم ناقصا


رحلة عند مهاب.. محاضرات للعصر عند وضحى.. ضغط عمل عند تميم..


الاثنتان المتواجدتان على الدوام: كاسرة ومزنة..



تميم يشير لمهاب: عندك رحلة قريب لأوربا؟؟



مهاب يشير له بكتابة في الهواء: بكرة يا باريس يا لندن.. ماني بمتأكد..



تميم يشير له.. ولكن مهاب لم يستطع فهم الإشارة جيدا..


فتسارع وضحى بالقول دون أن تشير حتى لا ينتبه تميم وكأنها توجه حديثها لأمها: يقول لك يبي جهاز وبرامج مهيب موجودة هنا



دائما حريصة على الحفاظ على مشاعره.. وحتى لا يشعر بانفصاله عن أسرته أو عجزهم عن فهم أي شيء قد يقوله



مهاب يبتسم وهو يشير له أن يكتب كل مايريد في ورقة وسيحضره له..


ثم يلتفت مهاب لكاسرة ويهتف بهدوء: ومزيونتنا أشفيها ساكتة..؟؟



تبتسم كاسرة: يأخي حكيي دايما ما يعجبك.. خلني أريحك اليوم



مهاب يبتسم: أفا أفا.. حكيش يعجب الباشا.. واليوم عاد نبي رأيش معنا..



تتنهد كاسرة: آمر..



امهاب وقف ليغسل يديه: إذا خلصنا الغدا تكلمنا..



بعد انتهاء الغداء.. تجمع أسري لطيف وضحى ومزنة يعرفون سببه..


رغم أن مهابا مطلقا لا يحتاج رأي أحد منهم.. فما يهمه هو رأي أمه وهي موافقة


ولكنه حفاظا على مشاعر أخوته.. يريدهم أن يسمعوا الخبر منه



هتف مهاب بحزم: وضحى لو شفتي تميم ما فهمني علميه


وعلى العموم هو ماصار شيء أساسا بس أنا حبيت أنكم تسمعون مني.. عشان مايجي في خاطر حد منكم إذا دريتم عقب


أنا خطبت جوزا بنت فاضل.. وأنتظر ردها عشان أخطب رسمي..


ولو افقوا بأتزوج على طول بدون تأخير.. يعني خلال شهر شهرين بالكثير



كانت كاسرة أول من تحدث وهي تهمس بثقة هادئة: أنت مقتنع فيها؟؟



مهاب بحزم: ومتى كنت أسوي شيء أنا ماني بمقتنع فيه



كاسرة بذات الثقة دون تذبذب: إذن توكل على الله.. وعقبال مانقول لك مبروك على الملكة والعرس



وضحى صمتت بعد أن أنهت إشارتها لتميم.. فرأيها قالته لوالدتها.. وهي غير مستعدة لإعادته أمام مهاب..



لكن تميم كانت علائم وجهه تغيم بغموض..ثم أشار لوضحى: وضحى لوسمحتي ترجمي لأني ماني بمستعد أعيد الإشارة


أبي أقول لمهاب الله يوفقك مع اللي اخترتها.. تدري بغلاك عندي وفرحتي للشيء اللي بيفرحك


وأبي أسال أمي: أنتي موافقة على اختيار مهاب..؟؟



مزنة بهدوء حازم: طبعا موافقة.. هو مقتنع فيها.. وهي مافيها قصور..



شبح ابتسامة موجوعة يرتسم على وجه تميم: يعني أنتي موافقة على اللي اختارها امهاب مع إنها ما تناسب تصوراتش المثالية للمره التي تبينها لعيالش


لكن أنا تحرميني من نفس الحق في اختيار اللي أنا مقتنع فيها



حينها أشارت مزنة لوضحى بحزم: لا تأشرين عني.. بيني وبين ولدي ما أبي وسيط..


الحين أنا أبي اسالك يمه.. هل عندك لو حتى ذرة شك إني مثلا أحب امهاب أكثر منك.. أو مصلحته تهمني أكثر من مصلحتك



حينها انتفض تميم وهو يشير: لا طبعا.. ولا خطر ببالي..



مزنة تشير وهي تتحدث بحزم: خلاص إذن انتهينا.. أنا أشوف إن اللي اختارها امهاب تناسبه..


وأنت أبي أختار لك اللي تناسبك..



حينها أشار تميم بحزم: زين يمه... أنا واحد أبي أتزوج


خلاص اختاري لي ذا الوحدة اللي أنت شايفتها تناسبني


لكن بأقول لش شيء يمه.. لو ما ارتحت معها حتى لو كان شوي


ترا ذنبها في رقبتش.. لاني بأطلقها.. أنا ماني بمستعد أربط حياتي كلها بوحدة أعيش معها تعيس


وعقبها خلاص أنا اللي اختار لنفسي...





#أنفاس_قطر#


.


.


.



عرفنا ليش بنوتة استحقت النجمات الخمس


كانت الوحيدة التي نصت إن الكابتن سيكون غانم إن كان يعمل في مجال الطيران
مع انها ردت في وقت مبكر جدا بعد نزول البارت


وقبل ذلك في تعليق قديم ربطت جوزاء بمهاب حتى وإن كان الزواج لم يتم بعد


ولكن قدرتها على الربط رائعة


ماشاء الله تبارك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله


يالله بنوتة خبي دكانك عن عيون البنات المشفوحين


.


.


.

#أنفاس_قطر# 07-04-10 06:53 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع عشر
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخجلتموني يا أهل ليلاس.. أصبحت كل الكلمات عاجزة عن التعبير عن الامتنان
لكل هذا الفخر والاحتواء الذي تغمرونني به
أشكركم على تثبيت الرواية للأسبوع الثاني
وأتمنى أن اكون على قدر المسئولية
ويهمني أن أبقى دائما متميزة في قلوبكم
.
.
جزء اليوم طويل جدا جدا جدا
في صناعة الاجزاء تكون دائما هناك فكرة مسيطرة علي وانا أصيغ الجزء
اليوم يوم ظهور شيبان القصة الخاص
خالد آل ليث أبو صالح
راشد آل ليث ابو غانم
فاضل بن عبدالرحمن
وحتى زايد الذي أصبح معروفا لكم
اليوم ايضا هو يوم الحوارات
الكل سيتحاور والكل سيظهر
.
.
أعذروني لان هذا الجزء سيكون الأخير حتى حين
انا مسافرة لمدة تصل من أسبوعين لثلاثة كاقصى حد
فور عودتي سأعاود النشر في ذات المواعيد إن شاء الله
فرصة لكم لترتاحوا مني
وفرصة لي لأكتب وألتقط الأنفاس وأراجع ما أكتبه
فإلى الملتقى بإذن الله
.
.
.
وهدية لكم الأجزاء كلها على ملف ورد
وأعاود التنبيه أن هذا الملف لقراءتكم الشخصية
وليس مطلقا للنشر في أي منتدى
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع عشر






عل كل الجبهات


رماد معارك انجلت.. ومعارك مازال غبارها يثور ينتظر لحظة الإنجلاء





***************************






رحلة العودة


تبقى القليل من الوقت للهبوط في مطار الدوحة



الصمت مطبق.. وحزن مجهول خانق يطبق على قلب اعتاد الحزن..


فلماذا يبدو لها هذا الحزن عصيا على الاحتمال؟!


ما الجديد في هذا الحزن حتى تشعر أنها غير قادرة على التنفس


وهي من اعتادت على تنفس الأحزان شهيقا وزفيرا لسنوات


حتى باتت لا تعرف أنفاسا ليس لها لون الحزن ونكهته



تتذكر الآن سعادتها الطفولية المبتورة وهي تركب الطائرة قبل ساعات قلائل


حينها لا تعلم هل خدعت نفسها؟! أو كانت ترسم لنفسها فرحة في خيالها لم تنطبق أبدا على الواقع؟!



قبل أربع سنوات تحدت الكل لتكون هنا.. أرادت التراجع ولم تستطع..


وظلت طوال السنوات الماضية تقنع نفسها أنها حينما تركب الطائرة لأول مرة ككابتن فعلي


حينما تتحسس الأزرار بإحساس الكابتن.. وترى الأرض تبتعد لتنفصل عنها وتحلق في سموات لا يحدها حدود


حينها سينتهي الحزن كما لو كانت في حلقة أخيرة من مسلسل طويل طال انتظار حلقته الأخيرة..


أقنعت نفسها بذلك.. حتى تصمد!!



" حلمي سيضمد جراحي!!


حلمي سيضمد جراحي!!


حلمي حين يتحقق سيضمد جراحي!!"




هاهو الحلم تحقق.. تحقق


فلماذا تشعر أن الجروح لم تتضمد.. لم تنغلق.. ولكن تنفتح باتساع..ليذر عليها الملح


لماذا لم تقنع بسعادتها المسروقة من بين الأحزان؟!!


لماذا هي عاجزة عن إقناع نفسها إنها سعيدة؟!


لماذا هي عاجزة عن الإحساس بسعادتها المفترضة؟!



لماذا تشعر أن كل هذا لا يوازي حتى ساعة واحدة من أيام جلوسها بجوار كسّاب حتى وإن كان غارقا في القراءة بصمت؟!!




بعد انتهاء حوارها السابق مع غانم.. بدأت تغرق في إحساس سوداوي بالحزن والاختناق



"أنا من سمحت لنفسي أن أكون في هذا الموقف


أنا من سمحت له بالتطاول عليّ بوجودي في هذا الموقع


كما سمحت قبله لمهاب ان يتجرأ على إهانتي


فمن يصنع بنفسه شيئا يستحق ما يلاقيه


ولكن ماعاد بي صبر!!


ما عاد بي صبر !!"




حينما وصلوا لمطار أبوظبي


قضت ساعتي الانتظار في استراحة الطيارين لا تلتفتت يمينا ولا يسارا ونظرها الغائم مثبت على جهاز الحاسوب أمامها


تكاد تقسم أنها حفظت كل درجات الحرارة وكل إحداثيات الطريق


وهي تشعر أن عرقها يتصبب غزيرا


وإحساسها بالحزن والاختناق والغربة يتزايد ويتزايد ويتزايد


حتى أنها كادت أن تتوجه لعيادة المطار لترى مشكلتها.. ولكنها تراجعت


فما بها لن يعالجه كل أطباء العالم!!




في الاستراحة كان غانم كان يجلس قريبا منها


لا تعلم لِـمَ توارد لذهنها الذي كان مثقلا بالأسى إحساسا أنه في اختياره لهذا المكان بالتحديد كأنه يهدف لحمايتها.. أو مراقبتها!!


لكنها نفضت أفكارها الغريبة عن رأسها وهي تعاود التركيز في حاسوبها والإنشغال بحزنها الخاص


وغانم وكل ما يرتبط به يتقزم في ذاكرتها!!




وهاهي تنتظر انتهاء الرحلة بعد عدة دقائق


وهي تتمنى أن يحدث شيئا ما يقنعها أن هذا الأمر معجزة


هاهي تطير ومحلقة ومشبعة بالسعادة


ولكنها لا تشعر بشيء من ذلك.. كل ما تشعر به الاختناق


الاختناق.. الاختناق..


الاخـــتـــنــــــاق!!!!





"سهى الأكسجين بسرعة.. بسرعة"


كانت هذه صرخات غانم الجزعة وهو يسمع صوت الحشرجة الصادر عن مزون


والذي بدأ لأذنه الخبيرة عجزا عن التنفس



سهى قفزت وهي تنزل قناع الأكسجين


وهي تقترب من مزون التي بدت فعلا تعاني من ضيق من التنفس


بينما غانم ثبت وضعية الطيار الآلي ثم وقف وتأخر وهو يوليهما ظهره



سهى نزعت النقاب عن وجه مزون.. ووضعت القناع عليها.. وهي تصرخ في أذنها: اسحبي نفس.. اسحبي نفس


ياربي البنت بتموت.. ياكابتن.. وجهها صار أزرق



كان غانم يعاني في قهر نفسه حتى لا يلتفت أو يساعد..


يعلم أنها يستحيل أن تتقبل رؤيته لوجهها... لذا صرخ بسهى وهو مازال يوليهما ظهره: زيدي دفع الأكسجين..



بعد ثانيتين.. شعر غانم براحة عميقة تجتاح أعصابة المشدودة وهو يسمع صوت كحتها..


مزون أخذت نفسا عميقا ثم صرخت بجزع: وين نقابي؟؟



سهى ناولتها النقاب ومزون تنظر بجزع وحرج لغانم.. لتتنفس بعض أنفاسها الذاهبة.. وهي تراه يقف موليا ظهره لهما..


عاودت وضع نقابها بسرعة والسماعات على أذنها وهي تشعر بحرجها يتزايد.. لتصرخ بعدها: كابتن برج المطار يتصلون



غانم عاود الجلوس بسرعة وهو يضع سماعاته بسرعة.. وبرج الاتصالات يطالب بتوضيح لعدم ردهم عليهم مع أن الهبوط اقترب


ومازال نظام الطيار الآلي هو من يقود الطائرة..



هتف غانم بثقة: مافيه شيء.. الحين نضبط الوضع..


وهو يحول القيادة للملاحة للعادية



غانم هتف بحزم لمساعداته الاثنتين: مافيه داعي حد يعرف اللي صار قبل شوي..


كابتن مزون هذي رحلتها الأولى.. واللي صار بيكون مهوب في مصلحتها



لتهتف مزون بحزم أكثر شدة: وأنا ما أبي حد يتستر علي.. أنا بنفسي بارفع تقرير عن اللي صار لي..



غانم هز كتفيه : مثل ما تبين يا كابتن.. ولا تعتقدين إنه أنا أتستر عليش لكن هذا من باب الموأزرة بين أهل الكار الواحد


لأنه غالبا في الرحلة الأولى للكابتن تصير مشاكل.. كلنا صار لنا


وصار عُرف إنه الكابتن يمشيها لحد الرحلة الثانية.. لو تكررت حينها يرفع تقرير


صح كابتن سهى أو أنا غلطان؟؟



سهي بثقة وهي مشغولة بما أمامها: صحيح كابتن..



مزون لم ترد عليهما فهي في عالم آخر من ألم عاود اجتياحها حتى نخر النخاع عالم أعادها له المنظر الذي بدأ تحتها.. وكأنها غادرت الألم الساكن في حناياها أصلا!!


كانت مشغولة بالنظر إلى معالم الدوحة التي بدأت تتضح..


البحر.. الشطآن..المباني..


والــوجـــع.. الكثير من الوجع




كان هبوطه رائعا ثابتا ومحترفا.. ولكنها لم تنتبه حتى شعرت باحتكاك العجلات بأرض المطار



لم يوجه لها مطلقا أي حديث وهو يتناول جاكيته وقبعته ويعاود ارتداءها وينزل لأرض المطار



تنهدت مزون بعمق.. تشعر بصداع متزايد


ووجع متزايد


وحزن متزايد


لا تشعر حتى بأدنى رغبة أن تعود لهذا المكان مرة أخرى


كم بدا لها هذا المكان باهتا...باهتا جدا


لا يستحق حتى ألق عيني كسّاب اللتين تشعان بحنان حينما يراها بعد غياب


لتفتقد لهذا الألق.. وذاك الحنان..


بل لتفقد كسّاب نفسه!!




أنهت مزون اجراءتها لتتفاجأ أن عمها ينتظرها في الداخل


وكان غانم خلفها مباشرة



منصور حين رأى غانم أشار لمزون أن تذهب لمواقف السيارت... بينما بقي هو للسلام عليه



وهاهي مزون تقف بجوار السيارة وهي تدعي الله بعمق ألا يكون غانم قد أخبر عمها أنه من كان معها على متن الطائرة


أو يخبره بما حدث لها


تشعر بذنب يخنق روحها أنها مضطرة أن تكذب على عمها


ولكنها ليست مستعدة لغضبه.. فما بها من الحزن اليوم يكفيها عن كل شيء




منصور وصلها بعد دقيقة.. وهو يفتح السيارة ويهتف بالثقة: تأخرت عليش يا أبيش؟؟


شفت واحد من عيال الجماعة... الله يعينه جاي من الرباط.. رحلة طويلة والله



مزون ركبت بصمت دون أن ترد بكلمة


هتف لها منصور بحنان حازم: أفا .. مافيه أشلونك ياعمي.. وحشتني.. أي شيء؟؟



مزون بسكون: تعبانة شوي فديت قلبك..



منصور بقلق: وش فيش يالغالية؟؟



حينها انفجرت مزون في بكاء مفاجئ مكتوم.. منصور حينها أعاد إيقاف سيارته في موقفها قبل أن يتحرك بها


فهو لن يستطيع أن يقود مطلقا وقلقه يتفجر عليها: وش فيش يأبيش؟؟ حد قال لش شيء؟؟



مزون بين شهقاتها: مافيه شيء يستاهل.. مافيه شيء يستاهل..



منصور بقلق: وشو اللي ما يستاهل؟؟



مزون الباكية: ذا السالفة كلها.. ماكانت تستاهل زعل كساب ولا زعلك.. ولا هروب علي.. ما تستاهل.. ما تستاهل



منصور بحنان يربت على كفها: خلاص يأبيش.. وش لش بذا السالفة كلها.. خليها..



مزون تحاول تهدئة نفسها: بأخليها.. بس كسّاب اللي يطلب مني.. تكفى ياعمي.. قل له.. أبيه يدري إني خليتها عشانه..



منصور يحرك سيارته ويهتف لها بحنان: أبشري.. ما يصير خاطرش إلا طيب...






******************************






"متى تبي ترجع؟؟"



كساب يجيب والده بهدوء : بكرة على الطيارة اللي بتنزل باريس شوي..وعقب الدوحة إن شاء الله



زايد بهدوء حازم: أنا طالع الليلة لباريس عندي شغل هناك.. وبكرة بأكون معكم


فأكد حجزي معك..



كساب هز كتفيه وهو يهمس بنبرة اعتيادية: تامر



بينما علي انتفض بخفة وهو يهتف بخيبة أمل: يعني كلكم بتخلوني



زايد بحزم: ما يخليك ربك.. لو أنك تبي قربنا.. كان دليته..



علي ينهض ليقبل رأس والده.. ويهتف بحزم ودود: يبه ذا السالفة انتهت من زمان


أنا خلاص صرت تبع مكاتب التمثيل الدبلوماسي الخارجي..



زايد بحزم يخفي خلفه رجاء لا يكل ولا يمل: خل الموضوع علي ولا لك شغل



علي يعاود تقبيل رأسه ويهتف باحترام: أنا واعد خالتي أطلعها إذا راحو الرياجيل اللي كانوا عندنا


وهذا هم راحوا.. ما يحتاج أقول البيت بيتكم



ثم أردف وهو يوجه الحديث لكسّاب: كسّاب تكفى لا تطلع مكان


باقي ماجد ماجاء.. وأكيد إنه على وصول.. مهيب زينة يأتي ما يلاقي حد عند إبي



كسّاب استرخى في جلسته وهو يهتف بحزم: وين بأروح؟؟ حياه الله



وهو يتبادل نظرات حذرة مع والده.. فغالبا ما ينتهي لقاءهما منفردين بتحفز جاهز من كسّاب


وكان ينقذه من والده ادعاءه بالانشغال.. ولكن هنا في جنيف


وفي شقة مغلقة... بماذا سيتحجج هذه المرة؟؟






*****************************






"نجول قلبي.. وش فيش فديت عينش.. من يوم جبتي الشواذي من المدرسة وانتي سكتم بكتم.. طلعي لسانس أشوفه


لا تكون القطاوة كلته والا شيء"



نجلاء بضيق عميق: تكفين سميرة انا ماني بناقصتش... اللي فيني مكفيني



سميرة تبتسم وهي تجلس جوارها ثم تحتضن عضدها: أفا ام خلودي.. قولي لي من اللي مزعل الغالية عشانه أحطه في الخلاط



نجلاء بذات الضيق العميق: صالح



جينها وقفت سميرة وهتفت بمرح: حسبت عندش سالفة.. ليه فيه سبب أصلا للضيقة غير صويلح


ولو أنه صويلح فلة.. ودهينه على الكبود.. بس وش نسوي بالناس اللي ما يقدرون



نجلاء وكأنها لم تسمع شيئا مما تقوله: يبي يأخذ عيالي يا سميرة..



سميرة حينها قفزت وانتفضت بغضب: ليه هي فوضى والا على كيفه ياخذهم


خله يسويها عشان أقول لأبي وغانم وحتى عمي خالد على سواياه الشينة


يعني شافش دسيتي سواد وجهه يبي يحرمش عيالش



نجلاء تشير بيدها : وين راح مخش.. يبي يأخذهم يوديهم ديزني لاند أسبوعين



حينها انقلبت سميرة لتنفجر بالضحك: حسبت عندش سالفة.. صبيتي قلبي


وخليتيني أقلب الموجة على الموجة القشرا


حرام خويلد وعزوز من السنة اللي فاتت ميتين على الروحة.. خلهم يروحون يستانسون


وبعدين ماشاء الله لا حد منهم يلبس حفاظة ولا يشرب مرضاعة عشان تقلبين وجهش تراجيديا كذا



حينها انتفضت نجلاء بغضب مليء بالضيق: وأشلون أصبر من غيرهم..أنا حتى يوم واحد ما أقدر أبعد عنهم.. تبينه يأخذهم أسبوعين



حينها همست سميرة بخبث: روحي مع عيالش.. وأدبي صويلح.. وطلعي اللي هو سواه من عينه



حينها همست نجلاء بحرج: تدرين إنش خبلة.. والشرهة على اللي يشتكي لش



حينها جلست سميرة وهي تبتسم وتحاول بطريقة فاشلة أن تتكلم بجدية:


نجول خلينا من خبالش وأنتي صار لش معسكرة عندنا 9 شهور وأنتي محلش سر


لا أنتوا اللي حليتوا المشكلة


ولا أنتي اللي خليتي حد يتدخل في السالفة


ولا أنتي اللي حتى رضيتي تقولين لأحد شيء


كل ما حد سألش (مشكلة بيني وبين رجالي.. مضايقتكم قعدتي عندكم يعني؟؟)


يعني تحدين إبي وغانم على أقصاهم عشان يتنافضون وهم مسوين فيها حاتم الطائي وولده


(إذا ماشالتش الأرض تشيلش عيوننا.. والعين أوسع لش من الخاطر)


ويخلونش فترة ويرجعون يفتحون الموضوع ونفس الموال ينعاد



نجلاء بخجل وحرج وضيق: وش تبين أقول لهم (ولد أخيك وولد عمك يعاير أم عياله بأمها)


أنتي عارفة أشلون العلاقة قوية بينهم وبين عمي خالد وعياله..أموت ولا أكون أنا السبب في خرابها..



حينها غمزت سميرة بخبث: تحبينه وإلا لا؟؟



نجلاء بخجلها الشفاف: عيب يابنت..



سميرة تضحك: علي يا بنت.. أدري إنش تموتين عليه..



نجلاء حينها هزت كتفيها وهمست بيأس: زين وأموت عليه..بس ما أقدر أعيش معه على ذا الوضع.. نفسي شانت من ذا الحالة


الإنسان يقدر يعيش من غير حب.. بس ما يقدر يعيش من غير احترام



سميرة بنبرة من يلقي سرا: نجول عمرش ما قلتي لي يوم تزعلين عليه وأنتي في بيته.. أشلون تتعاملين معه..



نجلاء باستغراب: وش تقصدين؟؟



سميرة تبتسم: عن الخبال.. وحدة عمرها 29 وقد هي داخلة الثلاثين.. تبي وحدة مثلي بيبي تعلمها



نجلاء تبتسم: أنتي اللي عن الخبال يالعجوز..وش تقصدين؟؟



سميرة تهمس بخفوت خبيث: أقص يدي أنش يوم تزعلين عليه.. أقصى ما تسوينه تكشرين في وجهه..


وهو يقول لش: أسف حبيبتي سامحيني آخر مرة


وعقب تقولين مثل الرسوم المتحركة: سامحتك حبيبي.. ورأسش تدور حوالينه قلوب تولع


لأنش خبلة وعند صويلح عظامش ما تشلش... عشان كذا قاعدة معسكرة عندنا وطاقة منه.. وحتى الشوفة ما تبين تشوفينه


أنتي كان ممكن تخلصين السالفة كلها وتحلينها في بيتش لو أنش قويتي قلبش على صالح..



نجلاء صمتت وهي تشعر بحرج متزايد.. لأن سميرة تقريبا وصفت ببراعة ما يحدث بينها وبين زوجها في كل مرة تغضب منه


تغضب منه.. تعتزله في غرفة أبنائها.. فيأتي معتذرا.. فتكره أن تراه بهذه الصورة التي تؤلم قلبها.. فتدعي أنها رضيت رغم جراح القلب المتزايدة


وجرح تلاه جرح فجرح..


حتى شعرت أنها ماعادت قادرة على الصبر .. وروحها مثقلة بالجروح..


وماعاد بها قدرة على احتمال المزيد وخصوصا أن أبنائها كبروا..


حينها قررت أن تهرب منه.. وهي مصممة على ألا تعود له




سميرة أكملت كلامها بابتسامتها المرسومة على الدوام: الحين يالخبلة أنتي من جدش تبين صالح يطلقش ويتزوج وحدة غيرش؟!!


زمان سألوا جحا: قالوا له وين ديرتك يا جحا.. قال ديرتي اللي فيها مرتي


والله إنه حكيم ذا الرجّال.. شكلي بأخليه مثلي الأعلى



يعني يا بنت أمي وأبي.. بكرة صالح لا تزوج بيتفل في عينش .. والغلا كله بيصير لمرته وعياله اللي في حضنه


نجول ركزي معي يالمفهية.. صالح رجّال فيه مميزات واجد.. كريم وحنون وفيه خير وبعدين عنده استعداد يقول لش أحبش طول اليوم


وين تلاقين واحد مثله..


أكيد إنه لسانه يبي قص.. وعيب عليه اللي سواه.. لكنه مالقى من يسنعه


وأنتي أصلا ما وريتيه العين الحمراء..


وعلى قولت جدي جابر قصدي جد وضوح (اللي ما يخلا خوف ما يخلى حشمة)


وريه إنش حتى لو رجعتي له مهوب معناه إنش سامحتيه.. وريه وش ممكن تسوين فيه وأنتي عنده..


عشان يحرم.. ويفكر مليون مرة قبل لسانه يجيب طاري شيخته أم غانم..



نجلاء صامتة وسميرة مازالت مسترسلة في كلامها بذات النبرة الضاحكة والمنطقية: دامش على كذا...والله ما يمشي حالش...


اصطلبي يا مرة... صويلح يعشق الأرض اللي تمشين عليها..


أنتي في موقع القوة.. اشلون لحد الحين ما سيطرتي على الوضع



حينها لمست سميرة رأس نجلاء ثم لمست قلبها وهي تهمس بهدوء باسم:


نظفي هذا.. ثم قوي هذا


وإذا ما مشيتي صويلح على العجين ما يلخبطه..


قولي سميرة قالت..






********************************






نـــــام ..


صــحــى مــن نــومــه..



دار في نواحي أنسي


سلم على كل طفل رآه.. وتحدث مع كل عجوز..


جميلة هذه المدينة لأبعد حد...ولكنه عاجز عن تذوق جمالها


يريد التوجه للمصحة.. ليس لأنه يريد ذلك....ولكن لأنه لا شيء يفعله عدا ذلك..


هاهو متغرب.. بل مثقل بالغربة .. ومن أجلها


أينما هرب.. ستبقى هي المكان الأخير العودة!!



انتظر اتصال داليا.. ولكن الوقت تمدد وتمدد والاتصال لم يصله


أ يعقل أنها مازالت مخدرة حتى الآن؟!


أو ربما ببساطة لا تريد رؤيته.. كما هو لا يريد رؤيتها


هو لا يستطيع التهرب من واجبه


ولكن ربما هي طلبت من داليا أن تعفيها من رؤية وجهه اليوم



وكم كان محقا في توقعه!!


حينما عاد طرق الباب بخفة ودخل.. ليجد داليا تجلس جوارها


وجميلة تخبئ رأسها في كتفها


ودموع صامتة تسيل بكثافة على عظمتي خديها البارزتين



أشارت له داليا ان يخرج قبل أن تنتبه جميلة لوجوده


أنزلت جميلة بخفة ولكن جميلة تمسكت بها وهي تهمس بجزع حقيقي:


وين بتروحين؟؟



داليا همست لها بحنان: دقيقتين للحمام وراجعة



خرجت لتقابل خليفة خارجا... همس خليفة بسكون أشبه بسكون صحراء هامدة: شاخبارها؟؟



داليا بحذر: وضعها سيء كثير.. بكت كثير.. وما تبي تشوفك


كنت أعرف تعلقها بأمها.. بس ما تخيلت لذا الدرجة


وخصوصا إنها وافقت إنها تسافر بدونها


أم جميلة الله يهديها أخطئت كثير بهذي الزيارة.. لأنها حاسة الحين إنها ممكن تضغط علينا نجيب أمها


بما أن أمها ما كان عندها مانع تجي من الأساس



خليفة بذات السكون: طيب والحل؟؟



داليا بحذر أكبر: أنت أشلون أعصابك؟؟ مستعد تتحملها لحد أخر الخط



هز خليفة كتفيه وهو يهمس بنبرة من يسخر نفسه: لا تخافين على اعصابي.. لين عقب آخر الخط بعد..


ثم أردف باهتمام: أشلونها الحين.. وكيف معصمها؟؟ من وين جاء هالدم كله.. أنا مستغرب أشلون باقي في جسمها دم أساسا



داليا بمهنية وهي تبتسم: عادي.. كمية الدم في جسمها مش قليلة بالشكل اللي أنت متصوره..


بس الدم اللي في جسمها بدون فايدة يعني بكلام الناس العاديين.. كأنه ماي وبس.. مافيه كريات حمراء مافيه حديد..


وعلى العموم ترا اللي نزل مو كثير.. ما يجي حتى 100 ملي..


بس إن شاء الله هي بتتحسن قريب... بس همتك معنا.. لأنه أنا بعد قريب بأنزل الدوحة



خليفة بجزع: أنتي بعد يا دكتورة تبين تخلينا..



داليا بذات النبرة المهنية: جميلة دايما محتاجة حد يسوي لها حماية.. يعني لما كنا في الدوحة ما كانت متعلقة فيني بهالطريقة


لكن بما أن أمها غير موجودة.. فهي خلتني مكانها


فأنا حابة إنها تحس إنك أنت حمايتها الوحيدة وفي نفس الوقت أريدك تشد عليها في قضية الأكل..



خليفة تنهد: طيب ممكن أشوفها..



داليا بحذر: أكيد.. بس حط في بالك إنها ممكن تثور عليك..



خليفة هز كتفيه: عادي يا بنت الحلال..



وبالفعل فتح خليفة الباب بخفة ودخل.. التقت عيناه بعينيها.. لم تقل شيء ولكنها اشاحت نظرها عنه


استغرب أنها لم تصرخ حين رأته...لم تثر.. اقترب وجلس قريبا منها


همس بهدوء حان: أشلونج الحين؟؟



جميلة بهدوء عميق ساكن: تدري أني أكرهك.. ومستحيل أحبك في يوم


وبأموت وأنا أكرهك..



انتفض خليفة بعنف.. لا يعلم لِـمَ بدت له كلمة "أكرهك" مؤلمة وموجعة وهي تقولها بهذه الطريقة


رغم أنها سبق وقالتها له.. ولكنها قالتها وهي في حالة غضب


ولكن أن تقولها بهذا الهدوء والتصميم


كان أمرا جارحا لأبعد حد


رغم أنه فعلا لا يبحث عن أي نوع مشاعر مع هذه المخلوقة


ولكن قسوة الكراهية جارحة.. جارحة!!



ومع ذلك أجابها بكل هدوء: عادي بتكرهيني اليوم وبتحبيني بكرة.. ماني مستعيل.. حبيني على راحتج وعلى أقل من مهلج..



حينها سالت دموعها وبدأت تشهق شهقات خافتة متقطعة.. وبين كل شهقة وأخرى تهتف بخفوت " أكرهك"



خليفة لم يرد عليها بقي معتصما بالصمت جالسا على مقعده


وهي تصفعه بكراهيتها المتكررة!!





***************************







"مساكم الله بالخير"



غانم العائد من المطار.. ينحني على رأس والده ورأس عمه الذي يتقهوى قهوة العصر مع والده في مجلسهم



شبه رائع بين الشقيقين.. ولكن أبو غانم كان أطول وقامته أكثر اشتدادا ويبدو عليه بالفعل أنه أصغر من أبي صالح كما هو فعلا


ولكن الفرق بينهما يبدو كما لو كان يتسع مع أثر السنوات الذي بدأ يبرز على أبي صالح بوضوح


وكأنه مع كل سنة تمر يكتسب سنوات.. ولحيته الطويلة البيضاء تمنحه هيبة وألما وعمرا !!


في الوقت الذي راشد مازال محتفظا بألق خاص يشع من روحه المشبعة بالحنان




أبو صالح هتف بحزم: مساك الله بالنور والسرور


اقعد يأبيك احضر سالفتنا..



غانم جلس تنفيذا لأمر عمه.. رغم أنه لا يحب أن يجلس في المجلس بلبس الطيارين دون ثوبه وغترته


وهتف باحترام ودود: آمرني يبه



أبو صالح بحزم: عاجبك حال صالح ومرته.. وابيك يقول ماني بجابر بنتي على شيء



غانم بحزم هادئ: اللي إبي يقوله تم.. مالي رأي عقب رأيه..



ابو صالح بغضب: وش ذا الخبال اللي عندك أنت وإبيك.. ما يسوى علي كل يوم أكلمكم في ذا السالفة


ولا لي حشمة ولا تقدير عندكم..



راشد انتفض جزعا: ماعاش من لا يحشمك


قدرك وحشمتك على رأسي ورأس ولدي... بس يا خالد جعلني فدا لحيتك


نجلاء كل ما قلت لها ارجعي لبيتش.. قالت أنتوا ضايقين مني؟؟


وأنا وأنت عارفين نجلاء زين.. نجلاء مرة عاقلة.. وقد لها حول عشر سنين عند صالح ما عمرها زعلت منه


ما حدها على الطلعة من بيتها إلا شيء(ن) كايد.. فأنت شوف صالح وشو مزعلها فيه؟؟


وأنا ماني بغاصب بنتي بكري وأول فرحتي على شيء هي ما تبيه.. ولاني بقاهرها..


لأني أعرف نجلاء ماحدها على ذا إلا وجيعة كايدة...ولاني بموجعها فوق وجيعتها


إذا بغت ترجع رجعت من كيفها وإلا والله ما أغصبها على شيء



غانم اعتصم بالصمت احتراما لوالده ولعمه بينما كان أبو صالح يتنهد:


والله أني قلته لصالح.. قلت له نجلاء عاقلة وماحدها تطلع من بيتها إلا شيء(ن) كايد.. بس هو بعد يقول مثلها (شي(ن) بيني وبين مرتي)


دام ماحد (ن) منهم راضي يعلمنا... نخليهم على كيفهم وعلى خبالهم؟!!


لازم نشوف سالفتهم عشان عيالهم.. ما يصير ذا الحال..



حينها وقف غانم ليتجه للداخل وهتف لعمه باحترام: يبه أنت وصالح على رأسي


وانا بنفسي واجد حكيت نجلاء وهي ملزمة على اللي في رأسها


وأم خالد ماحد بغاصبها على شيء هي ما تبيه


أم خالد شيختنا.. وتمون على رقبتي







*************************






" خالتي عندش إنش لو قعدتي منزلة طرف الشيلة على نقابش..


إني ماني بعارف إنش تبكين من قبل حتى ما نطلع من الشقة حتى"



عفراء بصوت مبحوح تحاول بعث التماسك فيه: لا تلومني يأمك.. اللي فيني يهد جبال



علي بحنان وهو يمسك بذراعها ويدخلها في ذراعه وهما يمشيان في ساحة بورغ دي فور قلب مدينة جنيف القديمة:


نعنبو لا يمش.. ومن أقول ألومش.. أنا ودي لو أقدر بس أشيل منش شوي



عفراء حنان موجوع: فيك ما يكفيك يأمك..



ابتسم علي وهو يحتضن ذراعها أكثر ويهتف بعمق متجذر: أقدر اشل عني وعنش



حينها همست عفراء برجاء عميق: علي تكفى يامك خلاص ارجع الدوحة


والله إن حن محتاجينك هناك.. الجو بين أبيك وأخوانك تحس إنه على طول فيه توتر


أنت كنت نسمة الهوا اللي بينهم..



تنهد علي بعمق: خالتي بيني وبينش.. أنا مقرر أرجع.. بس مهوب الحين.. شوي..



عفراء شهقت بفرحة مبتورة: صحيح يأمك وإلا تسكتني..



علي بذات نبرة الحنان العميقة: إلا صحيح.. يعني ظنش باكذب عليش في موضوع مثل ذا



عفراء بتساؤل محموم: زين متى؟؟



أيعقل أنه سيعود إلى احضانها أخيرا بعد كل هذا الغياب..؟!


أ يعقل أنه سيرتاح بالها ولو قليلا من بعض الهم؟!


ماعاد بها قدرة على احتمال هذا القدر من الغياب والغائبين


تعبت من الهموم.. ولا يوجد من يسندها.. ولا حتى يخفف عنها!!



علي بهدوء عميق: عطيني كم شهر بس.. ومثل ما قلت لش.. خلي الموضوع بيننا لين يصير..







****************************







"هلا والله بفاطمة..


وين عيالش يا بنتي؟؟ ليه ما جبتيهم معش؟؟"



فاطمة بمودة صافية: مع أبيهم ياخالتي.. نزلني هنا ووداهم الألعاب



مزنة تقف وهي تهمس بمودة: بأخليش أنتي وخويتش تقعدون براحتكم وأنا بأروح أشوف أشغالي..



فاطمة برجاء: اقعدي خالتي ماشبعنا من قعدتش



مزنة بعذوبة حازمة: باروح وخلكم براحتكم



كاسرة بذات عذوبة أمها الحازمة: يمه الله يهداش اقعدي.. وش بنقول يعني



ابتسمت مزنة وهي تجيب كاسرة: يمكن تقنعش فاطمة بالخطيب الجديد..



حينها ابتسمت فاطمة: قريب خالتي..قريب.. أنا متحلمة لكاسرة بحلم والله ماله من التفسير إلا إنه معرس


تحلمت ياخالتي بكاسرة واقفة في حوشكم.. ويأتي ذاك الصقر الكبير ويلقطها من كتوفها ويطير بها.. جيت بالحقها.. ضربني جدي جابر بالعصا


يمكن إن شاء الله بتوافق على ذا العريس الصقر العود



ثم انخرطت فاطمة في الضحك


حينها ضحكت كاسرة: حشا فيلم أكشن مهوب حلم.. وبعدين وش صقره يا الله خلايفك


بزر عمره 27 سنة.. أول خل هله يفطمونه من المرضاعة.. وعقب يزوجونه..



مزنة وقفت استعدادا للخروج وهي تهمس بحزم: أما يافاطمة خويتش ذي مافيها فود ولا تسمع شور...


ثم أردفت بحزم لطيف: ترا عشاش عندنا يأمش



فاطمة باستنكار مهذب: لا خالتي تكفين.. تو حن العصّير.. وين حن ووين العشا..



مزنة خرجت وهي تهتف بذات الحزم: خلصنا يأمش عشاش عندنا أنتي وعيالش وأبو عيالش


مهاب الليلة موجود ماعنده رحلات



حين أغلقت مزنة الباب التفتت فاطمة لكاسرة وهي تهتف بحماس: تدرين سوسو خاطري أشوف شكل أمش من غير ذا الجلال اللي هي متلفلفة فيه 24 ساعة


بصراحة أمش تجنن.. خاطري أشوف الصورة كاملة



حينها ابتسمت كاسرة: لو تشوفينها في الليل ببيجامة الحرير بس وشعرها على كتوفها تنسطلين..



فاطمة باستغراب: أمش تلبس بيجامات.. ما أتخيلها!!



حينها ضحكت كاسرة برقة: ليه إن شاء الله.. أمي توها.. توش تقولين تجنن.. يعني جينا عند البيجامات صارت غريبة



حينها أردفت كاسرة بعمق باسم: تدرين فطوم.. حرام أمي ما تهنت بشبابها


أحس عمي فيصل أبو امهاب وأبي الله يرحمهم جميع.. ماحد منهم استحمل إن ذا الجمال كله بين يديه


كنه كثير عليهم..



حينها ضحكت فاطمة: إذا أنتي تقولين كذا على أمش.. أجل من هي في زينش رجالها بيودع من أول يوم.. لأنه بتجيه سكتة قلبية أول ما يشوفش



ابتسمت كاسرة: ياذا الرجّال اللي منتي بمرتاحة لين تذبحينه..



فاطمة تضحك: خليه يأتي ومهمة الذبح عليش.. أدري منتي بمقصرة فيه...


ثم أردفت بابتسامة: وين وضوح؟؟ أبي أسلم عليها



كاسرة بهدوء: الحين تدرس.. بناديها حل العشاء



فاطمة باستنكار: من جدش أنتي وأمش عشا.. بتمسكوني عندكم خمس ساعات بأروح لبيتي ياناس



كاسرة تبتسم: والله أوامر أم امهاب.. تنفذين وأنتي ساكتة



فاطمة تضحك: يا سلام يعني أنا اللي أنفذ الاوامر وأنتي لا... يالله وافقي على صقر حوران اللي جايش



كاسرة بعذوبة باسمة: أخييييه.. وش صقره أنتي الثانية.. صدقت خرابيطها وحلمها..


أقول لش بزر عمره 27 سنة.. اللي خطبني قبله عمره 30 وما وافقت.. أوافق على ذا



فاطمة باستغراب باسم: تدرين كاسرة على أن تفكيرش دايما منطقي.. إلا في ذا السالفة.. ما أدري ليش إصرارش على العمر بذا الطريقة


هذا أنا رجّالي أكبر مني بشهور بس.. وامشيني على الصراط المستقيم.. ولا عمري قدرت أفرض عليه شيء



كاسرة بابتسامة عذبة: هذا عشانش أنتي يا قلبي اللي سويتيه كذا.. مهوب من شخصيته اللي تهز الجبال..


بزر يوم خذتيته عمره 23 سنة والله أنش كنتي تقدرين تحطينه تحت باطش.. بس أنتي اللي خليتيه ينفش ريشه عليه..



فاطمة تهز كتفيها بمرح: حلاله خله ينفش ريشه.. عقبال ما أشوف ريشش مقصوص.. قاصه طيري اللي أنا تحلمت فيه



كاسرة بغرور لطيف: قلنا لش ألف مرة.. لا عاش ولا كان.. ولا بعد جابته أمه..



فاطمة تضحك: على قولت خالتي الحكي معش ضايع... قولي لي وضحى وافقت على الدكتور الدحمي



كاسرة هزت كتفيها وهمست بحزم: كل ما سألتها تهربت مني


تدرين فطوم إن أمي قالت لي اليوم إنه خطبها أول مرة قبل حتى ما يخطبني وأمي علمتها بعد.. وش له مترددة ما أدري



فاطمة باستغراب: غريبة ذا السالفة...


بس على العموم من حقها تفكر..



كاسرة بحزم: إلا قولي تبي لها من يهزها شوي.. البنت ذي غبية وبتقعد غبية.. شكلها تبي تضيع عبدالرحمن من يدها



فاطمة تضحك: وليه تأخذ واحد أنتي عايفته..



كاسرة بجدية: فاطمة لا تدخليني في السالفة.. أنا كنت مقررة ما أحاول أقنعها.. لكن بما أن أمي تقول إنها هي أول وحدة خطبها


وهي كانت رغبته الأولى... فيكون غباء منها تدخلني في السالفة..


ويكون غباء أكبر ترفضه عشان تفكير عاطفي ماله معنى..


زين وخطبني كم مرة.. بس هي كانت في الاول والأخير.. خلها تشوفني محطة انتظار.. وفي الأخير وصل لها


والله وهذا أنا حلفت لش.. لو كان عبدالرحمن أكبر بكم سنة.. أني أوافق عليه بدون تردد


لكن عبدالرحمن وحتى شخصيته أنسب لها بواجد مني.. الرجّال كله مميزات.. فليش تضيعه من يدها..


وأنا مستحيل أخليها على كيفها الخبلة.. وراها وراها لين توافق..






*************************






"مهوب كأن علي وخالتي تاخروا؟!"



زايد يسترخي ويهمس بمباشرة: تمللت من قعدتي؟؟



كساب بهدوء مباشر كهدوءه: محشوم جعلني فداك.. أنا أسأل بس..



زايد بعمق: خلهم يوسعون خاطرهم..



حينها هتف كسّاب بنبرة سخرية ذات مغزى: محتاجين يبه وساعة الخاطر.. اثنينهم جرحهم واحد..



نظر له زايد نظرة مباشرة وهتف بعمق حازم: يعني دامك ما وصلتني في الحكي منت بمرتاح..


خلنا يأبيك من الحكي المغطى.. أنا وأنت فاهمين بعض زين..


لمتى وأنت زعلان علي.. متى بترتاح وتريحني



كساب بهدوء أقرب لليأس: ومن قال زعلان.. ما يحق لي أزعل عليك حتى لو كان ودي



زايد بنبرة عميقة حازمة: ذا الحكي ما يوكل خبز يأبيك..


خلنا نتصارح كود ترتاح وتريحني..



كسّاب بعمق شفاف: يبه مهوب زعل ومايحق لي أزعل عليك جعلني فداك


لكنه كسر يبه.. يبه أنت كسرتني.. يوم أشوفك وإلا حتى اسمع اسمك.. ما يطري علي إلا أشلون كسرتني..


يبه كسر الروح ما ينجبر.. وأنت كسرت روحي..



حينها انتفض زايد بجزع: المكسور غيرك يأبيك..


ثم هتف زايد بعمق متجذر أشبه باليقين: لو أنك انكسرت مثل ما تقول.. كان نخيت.. خذت الأمور ببساطة.. كذا المكسور يسوي..


لكن أنت يأبيك حر.. والحر ما ينكسر.. أنا ذا الحين ما أفاخر في المجالس إلا بك..



حينها هتف كسّاب بسخرية مرة: وحضرت الكابتن الطيار ما تفاخر فيها بعد؟!!



زايد بحزم: لا تدخل أختك في السالفة.. الموضوع بيني وبينك..



كسّاب هز كتفيه: يبه مزون هي كل السالفة.. ذا اللي تقوله كله ماصار إلا عقب ما وافقتها أنت على خبالها



زايد بذات الحزم: سالفة وانتهت.. وحكي في الفايت نقصان في العقل


خلنا فيك.. حالك مهوب عاجبني.. وأنا سكتت لك واجد



حينها هتف كساب باحترام مبطن بسخرية مهذبة: وأشلون ممكن تصلح حالي اللي مهوب عاجبك؟!



زايد بحزم شديد: بأزوجك..



حينها هز كسّاب كتفيه: والحين المره صارت هي السلاح السحري اللي بيحل مشاكل الكون..


كان انتهت المشاكل من زمان لو أن هذا هو الحل..



زايد بحزم أشد: أنا ماعلي من مشاكل الكون ذا الحين.. أنا عليّ منك أنت


واحنا نتكلم عنك.. فلا تلف ولا تدور..


تعبت وأنا أترجى فيك كنك بزر.. يا ولدي خاطري على الأقل بحفيد مثل ذا العالم..



حينها هتف كسّاب بذات احترامه الملغوم: هذا علي كان بيعرس وما خليته.. وش معنى عرسي هو اللي بيونسك جعلني فدا خشمك



حينها بدأ زايد يعاني غضبا يحاول كبته.. يعلم أن هذا هو ما يهدف له كسّاب


فهما لا يفتحان هذا الموضوع حتى يجعله كسّاب يحتد.. ويضيع الموضوع بين الهجوم والهجوم المضاد



لذا هتف زايد بهدوء احترافي: حتى لو خليت علي يتزوج جميلة.. عبارت إنه ما تزوج لأنها مريضة


لكن أنت ولدي الكبير..وأنا أبي أشوف عيالك.



حينها ابتسم كسّاب: يبه من جد.. على إلحاحك علي كذا.. عندك وحدة معينة في بالك



حينها صمت زايد.. وهو يدرس المعطيات في ذهنه.. يعرف ابنه جيدا.. قد يكون اقتناعه هو بواحدة هو السبب الوحيد ليرفضها كسّاب


لمجرد أن يعانده


فكيف يقنعه؟! كيف يحضر ابنتها لبيته؟! كيف يرى بعضا من أطيافها أمام عينيه؟!!


إن كانت هي أصبحت حلما مستحيلا؟!!


فليحقق ابنه ما عجز هو أن تحقيقه!!


يحضر تلك المهرة المستحيلة التي لطالما رأها بجوار جدها وهي صغيرة


ومازال كلما جاء جدها يهذي بها وكأنه ليس في الحياة سواها.. وكأنه يسمع في أوصافها طيف أوصاف مزنة


وهي ترفض الخُطاب واحدا تلو الآخر دون أن تقتنع بأحد



يعلم إن كان هناك من يستطيع إخضاع مهرة مثلها فليس سوى ابنه..


هذا المتفاخر المتكبر.. الذي حتى وإن كان يظن نفسه مكسورا فهو لا يعرف نفسه كما يعرفه والده.. قد يحطم هو العالم بينما هو عصي على الانقياد أو حتى الخدش..


لأنه كالشجرة التي لا تعرف الانحناء.. رفض أن ينحني للريح.. أو أن ينزل رأسه حتى تمر العاصفة..



انتزع زايد من أفكاره صوت كساب العميق: ها يبه.. من هي سعيدة الحظ اللي حضرتك تبيها لولدك الكبير على قولتك؟؟



حينها هتف زايد بنبرة مدروسة تماما تخبئ خلفها خبثا كبيرا: والله يأبيك كان فيه بنت في بالي


بس عقب غيرت رأيي لأنها مستحيل توافق عليك..



حينها احمر وجه كساب وهو يغالب ثورة قادمة: أكيد إنه أهلها مستحيل يوافقون عشان سواد وجه بنتك..



حينها هتف زايد بحزم: سواد الوجه مهوب لبنتي.. بنتي تكرم عن الدنايس..


الرفض لك أنت ولشخصك.. وإلا أهلها أنا متاكد أنهم مستحيل يردوني وأنا جاي أخطب لولدي..



حينها ثار كسّاب بالفعل.. وابتسامة مخفية ترتسم في روح زايد..


يعرف هذا الفتى كما يعرف نفسه.. ولكن الحوار دائما كان يقف قبل أن يصلا لهذه المرحلة



كساب الثائر كان يهتف بغضب: زين وليش إن شاء الله بترفضني لشخصي الشيخة؟؟ وش فيني ما يعجب حضرتها؟!



حينها هتف زايد بهدوء يخفي خلفه ابتسامته: هذا أنت قلتها (شيخة) ما خلق مثل زينها ولا شخصيتها..


تعرف (جابر بن فهد الـ) و ( حمد بن فلاح الـ) ترد في حد منهم شيء؟؟



كساب باستغراب وهو لا يفهم العلاقة بين السؤالين: رياجيل والنعم.. يكرمون



زايد بهدوء: هذولا أخر اثنين هي ردتهم.. وشوفت عينك الثنين منصب وقدر ومكانة وخير..



كان كسّاب على وشك أن يثور وأن يصرخ أنه أفضل منهما.. وأنه مستعد أن يريه أنها يستحيل أن ترفضه..


ولكن كما الإضاءة الخاطفة.. قفز لذهنه تفكير معين وهو ينتبه لمقصد والده (خبيث وذكي يا أبي.. ولكنني تربيتك


مثلك: خبيث وذكي)



حينها هتف كسّاب بهدوء خبيث وابتسامة شاسعة متلاعبة: تدري يبه إيه والله الاثنين ما فيهم قصور


أكيد لو خطبت بتعيي مني بعد .. ما فيني زود عليهم



حينها ابتسم زايد ابتسامة شاسعة وهو يصمت ويهتف في داخله (ولد أبيك.. بس اللعبة ما بعد خلصت!!)






*********************************









منذ البارحة وهي عاجزة عن النوم...تريد أن توافق وتخشى من عقبات الموافقة


لا تريد أن تقدم على الخطوة قبل أن تتأكد من شيء معين


لا تريد أن تسبب الحرج لمهاب ولا لعبدالرحمن


لذا فلابد أن تقدم على هذه الخطوة


لابد أن تخبرها بنفسها!!



جوزاء تناولت هاتفها وهي تتصل بأنامل مرتجفة


جاءها صوتها كالعادة خافت ضعيف مثقل بأسى عميق: هلا والله بام حسن


أشلونش يأمش.. واشلون حسون؟؟



ابتلعت جوزاء ريقها: طيبين يمه جعلني الاولة..



بعد عدة عبارات من السلامات المعتادة همست جوزاء بتردد عميق: يمه فيه موضوع أبي أكلمش فيه



حينها انتفضت أم صالح: فيه شيء قاصرش يمه.. وإلا قاصر حسن؟؟



جوزاء ابتلعت ريقها الجاف: لا يمه خيركم سابق.. بس.. بس..



أم صالح تستحثها للحديث: وش بسه يأمش..



جوزاء ألقت الخبر لتتخلص منه وقبل أن تذهب كل شجاعتها: يمه امهاب بن فيصل آل يحيا خطبني.. ونا مارديت لين أخذ شورش


إذا أنتي توعديني إنه ما تأخذون ولدي بأوافق.. لكن شيء يلحق ولدي.. لا أبيه ولا أبي غيره



حينها تنهدت أم صالح بحزم غريب عليها: انتظري علي يامش لين بكرة وأرد عليش




أم صالح أغلقت من جوزاء واتصلت فورا بهزاع الذي وضع لها رقمه على قائمة الاتصال السريع.. لتهتف له بسرعة ونفس مقطوع:


هزيع يامك.. اتصل في فهد وصالح خلهم يجوني الحين



هزاع الذي كان يدرس في غرفته هتف باستغراب: وش فيش يمه.. فهد وصالح أصلا كلهم هنا


فهد توه راجع من الزام.. وصالح يلبس يبي يروح يمشي..



أم صالح بحزم: خلهم يجوني ذا الحين أبيهم



بعد قائق كان الثلاثة يجلسون أمامها وهزاع يهتف بمرح قلق:


صحيح ما طلبتيني معهم بس أنا بصراحة متروع وابي اعرف سبب اجتماع القمة ذا



أم صالح بغضب: أم حسن خطبها امهاب ال يحيا.. وشكلها تبي توافق عليه..



حينها قفز صالح بغضب: يعني تعيي مني وتوافق على ولد آل يحيا.. والله ما يكون إن ولدنا يربيه غريب



حينها التفتت أم صالح لفهد بتصميم: أنا ما أدرج لك.. أدرج لذا الساكت.. فهيدان وش عندك؟؟



فهد بهدوء حازم: عندي إني أقول الله يوفقها.. بكيفها.. ولدنا ما إحنا بعاجزين منه.. وهي خلها تشوف نصيبها


حرام أم حسن عادها صغيرة.. تبين نقطع نصيبها؟؟



أم صالح بغضب: قد ذا اللي عندك يا مسود الوجه.. بدل ما تقول أنا اللي باخذها وأضم ولد أخي..



حينها ابتسم فهد وهي يضرب مؤخرة رأس هزاع: زوجيها ذا الدبش العود


تراه شيبه قده في 21 سنة.. خله على الأقل يفيد بشيء



حينها انتفض هزاع وهو يلطم يد فهد: لا عاد تعودها تراني ما انا بأصغر بزرانك


هذا أولا..


ثاني شيء نسوان أخواني طول عمري عادهم خواتي الكبار.. ولا أنا براد نفسي لهم.. المفروض ما يكون ذا حكيك يا شيبتنا



أم صالح غضبها تزايد: أنت وأخيك حاطين السالفة لعبة وأنا محترقة



صالح باحترام وتصميم: لا تحترق أعصابش ولا شي.. أم حسن أنا اللي بأخذها وانتهت السالفة




"إيه بدل ما ترضي مرتك.. وتشوف وش أنت مزعل(ن) مرتك فيه


بتنط تأخذ مرت أخيك"




الجميع اتجهت انظارهم للصوت الحازم القادم من خلفهم..


ليقفزوا أربعتهم احتراما للهيبة القادمة..



حينها هتف صالح باحترام: يبه أم حسن خاطبها امهاب آل يحيا.. يرضيك نخلي ولدنا يريبه غريب..



حينها صمت أبو صالح لثانية ليهتف بعدها بحزم: كفو أبو فيصل.. ونعم النسب..



حينها اتسعت عيني أم صالح دهشة: وش ذا الحكي يأبو صالح.. كنه جايز لك؟!



ألتفت لها أبو صالح بغصب: بتراديني في الحكا بعد..



حينها انتفض فهد الذي يكره أن يرتفع صوت أحد على والدته حتى وإن كان والده: يبه أمي ما قالت شيء جعلني فداك



أبو صالح بغضب متزايد: إذا مت خيطوا وميطوا أنتو وأمكم على كيفكم



صالح يسارع بالقول باحترام: عمرك طويل في الطاعة..


يبه وش فيك زعلان؟؟ ماقلنا إلا حق.. خلاص جوزا أنا اللي باخذها وأضم ولد أخي وانتهينا



أبو صالح بغضب: أنت بالذات تلايط.. الله العالم وش أنت مزعل(ن) شيخة النسوان فيه..


وجوزا ماحد منكم بقاهرها.. كفاية عليها اللي شافته من ولدكم.. خلها توفق في طريقها..



أم صالح بصدمة: وولدنا..



أبو صالح بذات الغضب: ليه تبوننا نقهرها ونأخذ ولدها.. عشان نحرق قلبها


لا والله ما يصير ولا يكون.. ولدنا تحت عيننا.. وإذا كبر شوي خيرناه..


لكن ذا الحين ما يبغي إلا حضن أمه..


ما يقهر الشوفة إلا رخيص .. وأنا أكرم لحاكم من الرخص..



كان صالح يريد أن يتكلم ولكن اتصالا ما وصله.. كان على وشك تحويل الاتصال للصامت لولا رؤيته للاسم الذي قلب كيانه


ليقفز وهو يهتف باستعجال: دقيقة ..اتصال مهم..


ويخرج من فوره


غريب هو ما تفعله المرأة برجل عاشق..


تأخذه من خضم انشغاله إلى عالم لا يجرؤ على اقتحامه إلا ذكراها!!




وخلف صالح كان صوت أبي صالح يتعالى بحزم: ذا الكلام أخر مرة أعيده.. أم حسن ماحد بقاهرها على ولدها..


غدا ودها توافق توافق من كيفها وهي دارية إن ولدها على كل حال في حضنها وماحد بماخذه منها


ثم أردف بمرارة: البنية جاها ماكفاها..جاها ما كفاها..



ليتك تعلمين ياجوزاء أن نظرات هذا الشيخ الجليل الصامتة لكِ طوال فترة حدادك لم تكن عتابا مطلقا


لم تكن سوى شفقة عميقة .. وحزن أكثر عمقا بكثير!!!


تمنى لو يستطيع أن يعيد الأيام


أن يصحح الخطأ


ولكن ماحدث بالأمس امتدت وجيعته لليوم..


إن لم يكن قادرا على إصلاح خطأ الأمس.. فليسمح لهذه الصبية على الاقل ببعض فرح اليوم!!






في مجلس النساء حيث خرج صالح ليختلي بهاتفه وانفعال عميق يهزه


لأول مرة تفعلها منذ تسعة أشهر.. لأول مرة تكون هي البادئة باتصال


فأي خبر أتته به اليوم؟!!


أ فرح تهديه لروحه بعد طول هجر؟!


أم هو مزيد من الهجر كما اعتادت أن تفعل به؟!!



بعث في صوته أكبر قدر من الحزم لم يكن صعبا عليه اصطناعه ليبدو فيه غاية في البراعة: حيا الله أم خالد



نجلاء بهدوء عذب: حياك الله



صالح بلهجة مدروسة: وش ذا النهار المبارك اللي عبرتينا فيه باتصال؟!



نجلاء بحزم لطيف وهي تلقي عليه الخبر الصادم: إذا انت ملزم تروح بالعيال..أبي أروح مع عيالي..



صالح يعتقد أنه سمع خطأ: نعم.. عيدي.. ما فهمت..



نجلاء تتنهد وتهتف بذات النبرة الحازمة غير المعتادة: أنت مهوب تقول تبي تودي العيال لديزني لاند.. أنا ما أقدر أخلي عيالي يروحون بروحهم


باروح معهم.. وش الشيء الغير مفهوم في كلامي؟؟



صالح مازال عاجزا عن الاستيعاب تماما.. هتف بدهشة تمتزج بالأمل: يعني بترجعين لي



نجلاء بذات الحزم: لا تخلط المواضيع.. قلت بأروح مع عيالي.. ما قلت بأرجع لك



حينها هتف صالح بغضب: أنتي شايفتني بزر عندش.. أشلون تبين تسافرين معي وأنتي ما رجعتي لي.. وش ذا الخبال؟؟



نجلاء ببرود مدروس: والله افهمها مثل ما تبي.. تبي تسافر بعيالي أنا معهم.. لكن إنك تفسرها إني رضيت عليك..


لا والله ما أنا بكاذبة عليك.. لا رضيت عليك ولا هو بحولي.. وقلبي مليان زعل عليك..



صالح غضبه يتصاعد: نجلاء عيب عليش ذا الكلام.. زعلانة علي وتبين تسافرين معي.. تبين تجننيني أنتي؟!


أشلون يعني نسافر مع بعض.. ربع ورفقة سفر.. وش الخبال ذا ولعب البزارين؟؟


وهلي وهلش وش أقول لهم؟؟



نجلاء بذات البرود الذي كانت تغذيه سميرة الجالسة جوارها وهي تكتم ضحكاتها: والله قل لهم اللي تبي.. ما شاء الله لسانك ما يبي من يسنعه لك



حينها تنهد صالح وهتف ببرود أكثر احترافا من برودها: يا حليلش يا بنت عمي


شكلش ما عرفتي صالح من هو.. تبين تلاعبيني.. زين نلعب.. ولا يهمش


تدرين؟؟ تجديد حلو للروتين.. ليش لأ؟!






********************************





" يالله يأبيك أنا طالع للمطار.. توصلني؟!"



علي بحزن أخفاه خلف ابتسامته الصافية: أكيد بأوصلك.. ولو إنه ما شبعت من شوفتك.. توك واصل اليوم صلاة الفجر



زايد بحنان حازم يشبهه تماما: يأبيك وراي أشغال واجد.. وعندي بكرة الصبح اجتماع في باريس.. وماسك منصور عند مزون..


أبي أخلص شغلي وأرجع الدوحة



ثم أردف بحزم وهو ينظر لكسّاب: كسّاب يأبيك لا تنسى تاكيد حجزي من باريس للدوحة


تراني معتمد عليك ماقلت لسكرتيري شيء..



كساب كان يقوم بحركات الضغط اليومية والتي يستحيل أن يفوتها ولكن الغريب أنه لا يستند على يديه الاثنتين كالعادة


بل يستند في كل مرة على يد واحدة واليد الأخرى خلف ظهره ثم يناوب بين اليدين بحركة محترفة لا تخاذل فيها


حركة تحتاج مع تكرارها كما يفعل هو لقوة هائلة في عضلات الذراعين..



حين سمع والده يحادثه توقف وهو ينهض ليقبل رأس والده ويهتف باحترام: إن شاء الله تم.. لا توصي حريص..



ابتسم زايد وهمس بخبث: ما خلصنا حكي يأبيك .. إذا رجعنا الدوحة كملناه



بادله كساب الابتسامة وهو يقبل رأسه: خلنا من ذا السالفة جعلني فدا خشمك


والله مالي فيها.. ولا عمرها بتكون حل لشيء







******************************






"وش تكتبين يأبيش؟!"



مزون التفتت لعمها الذي جلس جوارها على الكنبة وهي تضم ركبتيها وتضع عليهما ملفا تكتب فيه



همست بمودة واحترام: تقرير عن رحلتي اليوم.. عشان أستفيد منه في رحلة بكرة



حينها عقد منصور حاجبيه بحزم: ما قلنا إن حن خلصنا من ذا السالفة..



مزون برجاء: فديت قلبك يا عمي كسّاب وأبي وخالتي جايين بكرة..


وأنا قلت لك أبي كسّاب يدري إني طرت.. لكني مستعدة أخلي كل شيء عشانه


وبعدين يا عمي.. هي نفس رحلة اليوم ونفس الوقت.. رحلة قصيرة لابوظبي



منصور بحزم بالغ: أنا واحد ما أحب ألف ولا أدور.. وذا الحال مهوب عاجبني..


بكرة تكون أخر رحلة.. خلاص يأبيش ما طال مسخ


بكرة بأكلم كسّاب.. رضى وإلا عنه ما رضى بالطقاق..


أنتي خلي ذا الشغلة ذا الحين ...وهو بيرضى غصبا عن خشمه..






******************************






"ادخل ياللي عند الباب"


همسها الهادى ردا على طرقات هادئة على الباب



فُتح الباب ودخلت كاسرة يسبقها ألقها الخاص والدائم الأشبه بسحر عصي على التفسير



هتفت بحزم: ممكن خمس دقايق من وقتش؟؟



وضحى تنهدت: تكفين كاسرة إذا عشان موضوع عبدالرحمن.. قلت لش عادني أفكر.. مافيه داعي تسوين علي ذا الحصار



كاسرة بذات الحزم: وليش تسمينه حصار.. ليش ما تسمينه خوف على مصلحتش؟!



وضحى بتردد: لا حصار.. تبين تشوشين أفكاري.. عشان أوافق على كل شيء تقولينه



كاسرة باستغراب مغلف بالثقة: خليتيها خطة عسكرية.. أشوش أفكارش.. وأسوي حصار.. ليش ذا كله؟!



وضحى بذات التردد: لأنه أنتي تدرين إني ماني بمقتنعة بعبدالرحمن.. وأنتي غصب تبين تقنعيني


من حقي أفكر.. وإلا حتى حق التفكير مستكثرته علي؟!!



حينها اقتربت كاسرة منها.. لتنكمش وضحى قليلا كعادتها.. بينما شدت كاسرة قامتها وهتفت بثقة:


اسمعيني ياوضحى.. أنتي عارفة عدل إنه ما همني من ذا الموضوع كله إلا مصلحتش..


عبدالرحمن رجّال نادر.. وأنتي كنتي أول وآخر حد خطبه.. يعني أنتي الأساس.. ما يكفيش ذا الشيء؟!


لا تصيرين غبية.. وترفضينه.. لا فات الفوت ما ينفع الصوت..



حينها همست وضحى بسخرية: ولد عمتش هذا ما عنده كرامة يمكن أرفضه اليوم يرجع بعد شهر يخطبش أو يخطبني ماعنده مشكلة



كاسرة بغضب: وضحى عيب عليش..



حينها همست وضحى بضيق: لي أنا عيب.. لكن أنتي من حقش ترفضينه وتسبينه


لي أنا رجّال ما ينرفض.. لكن لش أنتي ما يناسب تصوارتش العالية


تكفين كاسرة.. فكي عني مرة وحدة.. خليني أقرر مصيري بروحي






******************************






" وين بناتش العلل لا بارك الله فيهم من بنات؟ "


ربما وصل صراخه مجرة أخرى تبعد ملايين السنوات الضوئية



أم عبدالرحمن همست بخفوت متردد: يأبو عبدالرحمن الله يهداك.. صياحك سمعوه قصرانا..


البنات في غرفهم.. آمرني.. وش تبي؟؟



مازال يصرخ: ليش ما منهم فود؟؟ كله منش.. خلي اشعيع الكلبة تجي.. دواها عندي



أم عبدالرحمن ابتلعت ريقها (يارب أرسل عبدالرحمن .. يارب أرسل عبدالرحمن قدام يسوي في البنية شيء)


همست أم عبدالرحمن بضعف: شعاع في غرفتها تدرس.. آمرني أنا بأسوي اللي تبي...



أبو عبدالرحمن يصرخ بغضب مرعب لا مبرر له: وش عقبه؟؟ بنتش شينة الحلايا


اتصلت فيها وقلت لها تعشي طيوري


الصبي اللي عندها اليوم ماخذ أجازة اليوم.. جيت عينتها ما عشتها..


لا وقال تدرس في غرفتها.. خلني أوريها الدراسة أشلون



أم عبدالرحمن برجاء عميق: تكفى يافاضل.. شعاع وش عرفها بعشا الطيور.. كان قلت لي أنا..


خلاص سامحها ذا المرة..



أبو عبدالرحمن مازال صراخه يتعالى: وليه هي ما قالت لش......اشعيع..يا اشعيع.. تعالي



شعاع اللي كانت ترتجف في الأعلى في حضن جوزاء وهي تسمع صوت والدها يناديها


كانت تشهق في حضن جوزاء: ياويلي بيذبحني عشان طيوره


والله إني حاولت أعشيها.. بس خفت منها.. يمه شكلها يروع..



جوزاء تحتضنها وتهتف بخوف مشابه: كان قلتي لي الله يهداش وانا عشيتها.. الحين لا يسوي في أمي شيء.. من زمان ما شفته معصب كذا



حينها قفزت شعاع وهي تهتف بجزع: يا ويلي على أمي.. خلاص أنا بأنزل له


يضربني ولا يضرب أمي..


ثم أردفت بالم استسلام موجع وهي تشجع نفسها: كف والا كفين ما تذبح حد..



جوزاء حاولت التمسك بها: اقعدي يا بنت الحلال.. أمي تعرف له.. وبتهديه الحين



لكن شعاع لم تستجب وهي تخرج لتنزل له رغم ارتجافها كورقة جافة: لا اليوم معصب بزود.. كل شي ولا يمد يده علي أمي..



كانت أم عبدالرحمن تحاول تهدئته.. بينما صراخه يتعالى: اشعيع.. اشعيع



شعاع كانت تنزل الدرج بخطوات مترددة.. وهي تهتف بصوت مبحوح: لبيه يبه أنا جايه..



حينما رآها بدأ بالصراخ: كذا تعصيني لا بارك الله فيش من بنت.. وتخلين طيوري من غير عشا..



شعاع وصلت له وهي مستسلمة لمصيرها وصراخه عليها يتعالى لأنها نسيت طيوره الغالية


كانت تهتف في داخلها (ماعليه أقلها إبي ما يسرف في الضرب.. كف وإلا كفين ويهدأ)


وبالفعل كان أبو عبدالرحمن على وشك رفع يده ليصفعها لولا اليد الحانية التي أمسك يده ليقبلها وهو يهتف باحترام حنون:


يبه الله يهداك روعت البزر.. مابه ما يستاهل.. بدل الصبي بأجيب لك اثنين لطيورك.. إن راح واحد الثاني موجود



جوزاء كانت تطل عليهم من الأعلى وهي تحمد ربها أنها حين اتصلت بعبدالرحمن وأخبرته.. وجدته قريب من المنزل ليحضر فورا



شعاع حين رأته انخرطت في بكاء حاد هستيري وهي ترتمي في حضنه.. وأعصابها المشدودة ومشاعرها الثائرة تستكين في حضنه


لم تتوقع أن هناك ماقد ينقذها اليوم من والدها



عبدالرحمن احتضنها بحنو وهو يهمس في أذنها بحنان مصفى: ماصار شيء يالدلوعة.. لحقنا عليش



أبو عبدالرحمن هدأ تماما.. كالسحر غير المعقول.. من قمة الغضب لقمة الهدوء وهو يهتف بهدوء ودود:


عاجبك سواتها يأبيك.. خلت الطيور إلى ذا الحزة بدون عشا.. كان قالت لأمها وإلا لجوزا..



عبدالرحمن عاود تناول كفه وتقبيلها وهو يهتف باحترام: امسحها في وجهي جعلني فداك.. بزر وماعرفت تصرف


ثم أردف برجاء عميق: يبه تكفى طالبك.. ماعاد تضرب حد منهم


يهون عليك تقهرني.. أنا إذا دريت إنك ضربتهم وأنا ما أنا بهنا.. أحس إني باموت من القهر..


يهون عليك تقهرني كذا



حينها انتفض أبو عبدالرحمن بجزع: ماعاش من يقهرك.. ماعاش من يقهرك..






********************************





صباح جديد..



منصور أوصل مزون لداخل المطار.. لتتوجه بخطوات سريعة لاستراحة الطيارين


كانت خالية الذهن تماما بعد أن اتصلت بسهى وأطمئنت أنها هي وكابتن إيمي متواجدتان في الاستراحة


ماعادت تشعر بأدنى رغبة للطيران.. ولكنها تجد نفسها مجبرة أن تمضي في الطريق حتى تحصل على رضا كسّاب


رضاه الذي أصبح أمنيتها الوحيدة في الحياة


الشيء الذي هي مستعدة أن تفعل أي شيء لتحصل عليه!!




حين دخلت الاستراحة..


شهقت في داخلها بعنف.. كانت على وشك التراجع والهرب


ولكنها دخلت بخطوات تمثيلية مسيطرة وواثقة وهي تحاول منع نفسها من توجيه نظرات كراهيتها العميقة لأحد الوجهين اللذين كانا آخر وجهين تتمنى رؤيتهما في حياتها كلها




غـــــــانـــم ......... و مـــهــــاب




كان كل غضبها الوقتي على غانم ينزاح أمام حقد تجمع لسنوات وسنوات لمهاب


فغانم وإن كان جريئا معها.. فجرأته لم تتعدى رغبته أن يكون لطيفا



ولكن هذا الكريه استخدم ضدها أبشع ألوان الإهانة والتحقير والتجريح.. مازالت كل كلماته الحقيرة تسكن ذاكرتها وتغذي كراهيتها المتزايدة له



لا تعلم لماذا أحست فور دخولها.. أن شرارة توتر اشتعلت بين الرجلين


وهما يتبادلان نظرات مجهولة.. شعرت كما لو كانت نظرات تحدي من مهاب.. ونظرات تهديد من غانم



مزون تنهدت بعمق وهي تقرر أن تتجاهل الأثنين وتتوجه لتجلس بجوار سهى وإيمي بعد أن سلمت عليهما



بعد مرور دقائق وقف مهاب.. ليتحفز غانم ويقفز بدوره وهو يتوجه ناحيته ويهمس قريبا من أذنه بحزم:


امهاب لا تضحك العالم علينا.. ترا حن ماعدنا طلاب في الكلية.. غير كباتن وعيال جماعة.. وعيب في حقك وحقي نسوي فضيحة



حينها ابتسم امهاب وهو يهتف بسخرية خافتة: ليه الواحد إذا جا بيروح الحمام يكون يسوي فضيحة يا كابتن غانم



مهاب كان على وشك المغادرة ولكنه التفت لغانم وهو يهمس بذات السخرية الخافتة: شأخبار طقم سنونك؟؟



حينها رد عليه غانم بذات السخرية الخافتة: وأنت شأخبار كتفك المخلوع.. أظني إنه لحد الحين وهو يراجعك وجعه







*********************************






وضحى تستعد للذهاب للجامعة فلديها امتحان اليوم


كانت تعد أوراقها وتجهز نفسها حين دخل عليها تميم وبدون استئذان لأول مرة



وضحى التفتت له باستغراب كان يحمل جهاز حاسوب بين يديه.. عرفت فور رؤيتها له جهاز من.. ويرتسم على وجهه علائم غضب عميق على غير عادته



وضحى أشارت له باستغراب: تميم أشفيك؟؟



تميم وضع جهاز الحاسوب على طاولتها وهو يشير بغضب: هاش اخذي لابتوب رفيقتش لابارك الله في العدوين



وضحى بذات الاستغراب: زين اشفيك معصب..



تميم كان يشير بعصبية بالغة: الحين رفيقتش ذي في أي كوكب عايشة.. حد يودي كمبيوتر للتصليح وهو مليان صورها


وأساسا ليش تحط صورها على الكمبيوتر.. يعني ما تسمع عن البلاوي اللي تصير


لو أنا مأنا باللي صلحت كمبيوترها واللي صلحه حد من اللي عندي في المحل


وش كان مصير صورها؟؟



وضحى مازالت عاجزة عن الاستيعاب لتشير بعدها بصدمة: الصور أنت شفتها؟؟



تميم باستنكار: ليه أنتي شايفتني رخيص لذا الدرجة؟!


لا طبعا ما شفت صورها..بس شفت إنه فيه ملف صور وأول مافتحته سكرته... وكنت ناوي أمسح ملف الصور كامل


بس عقب قفلت الملف برقم سري... وهذا هو الرقم.. وقولي لها خلها تمسح صورها بنفسها الغبية..




وضحى تناولت حاسوب سميرة وهي تضعه في حقيبته المخصصة وغضبها يتزايد على سميرة على هذا التصرف غير المسؤول..


وهي تحمد ربها أن صور سميرة لم تتسرب



بعد ساعتين.. وبعد انتهاء الاختبار..


وضحى ناولت سميرة جهازها وهي تهتف بخبث: تفضلي جهازش وتميم يقول لش صورش تلوع الكبد.. كان حطيتي صور أحسن من ذي



حينها اتسعت عيني سميرة وجف ريقها: أي صور؟!



وضحى ترقص حاجبيها: ملف صورش اللي اأنتي خابره.. واللي كنت أقول لش امسحيه.. وغلط تخلين لش أي صور على الكمبيوتر



حينها شهقت سميرة بعنف وغامت عيناها: والله إني ساحبتهم على فلاش وعقب مسحتهم قبل أعطيش اللابتوب



وضحى تبتسم: لو أنش مسحتيهم ماكان لقاهم.. الحين عقدتي أخي من جنس الحريم



سميرة وبشكل مفاجئ بدأت تشهق بصوت خافت: يا فضيحتي.. يافضيحتي..



وضحى بجزع وضعت كفها فوق كفها: أمزح معش يالخبلة.. من جدش.. كنش ما تعرفين تميم.. يستحي من خياله.. أشلون يقلب في صورش يا شينه الحلايا



حينها رفعت سميرة عيناها لها وهي تهمس بصوت مبحوح: أنتي يالخبلة صبيتي قلبي.. أخيش لقى صور في اللاب والا لا؟؟



وضحى تبتسم: لقى.. بس ماقلب فيهم.. وقفلهم برقم سري.. وهذا هو الرقم


وتراه معصب عليش ويقول لش امسحي الصور..



قالتها وهي تناولها الرقم.. حينها ابتسمت سميرة: لا يكون هذا مهوب رقم سري


وأخيش يرقمني..



ضحكت وضحى: الله يخلف على أمش.. وأشلون بيغازلش؟؟



سميرة تستعيد مرحها: مسجات يا قلبي.. أحلى شيء..


ولكن خاطرها عاد للتكدر فورا: وضحى أنتي متاكدة إنه ماشاف صوري



وضحى بهدوء: اكيد متاكدة.. انا اضمن تميم أكثر ما أضمن نفسي..


ثم أردفت بابتسامة: ولو أنه عادي نخليه يشوفها .. خبرش يبي يتزوج.. يمكن تعجبينه



سميرة تضحك: دنا أعجب الباشا البغاشة.. لو إن أخيش مهوب يبي وحدة سايلنت وإلا والله ما افكه من يدي.. موت ذا التميم موت..



وضحى تضحك: خبرش عتيق.. تميم غير الموجة.. يقول يبي وحدة أعلى فوليوم


أوامر أم امهاب...



حينها عقدت سميرة حاجبيها: من جدش؟؟



وضحى تبتسم: إيه والله.. والحين أمي شغالة تدور له عروس..



حينها همست سميرة بمرح: صدق خوية مامنها فايدة... طول عمري أقول (جحا أولى بلحم ثوره) .. يأختي خويتش أولى من غيرها يامال العافية


تدورن بعيد وأنا قدام عينش جعلها البط..



وضحى بغضب: سميرة أنتي أكثر وحدة عارفة إني ما أحب حد يحط تميم موضوع مسخرة.. سكري الموضوع لا أزعل عليش..



سميرة مازالت تبتسم: ومن قال أتمسخر.. أنا أتكلم من جد جدي بعد...



وضحى بغضب متزايد: سميرة لو سمحتي..



سميرة مازالت تتكلم بذات النبرة الباسمة المرحة ولا أحد يعلم ما الذي يدور خلف هذا المرح من أفكار مصيرية:


أنتي يالخبلة لا تعصبين علي...أنا أتكلم من جدي.. رشحيني لأمش...


ويا ويلش وياسواد ليلش أشم ريحة خبر إنش معلمة إني اللي قايلة رشحيني


حافظي على برستيجي... وقولي إن الاقتراح من عندش






******************************






"يا قلبي ياعلي.. والله إنه حزين يوم خليناه"



كساب يفك حزامه بعد نزولهم مطار شارل ديغول في باريس ويهتف بحزم: خلاص خالتي تعود على كذا


ثم أردف بذات الحزم: خالتي الطيارة بتنتظر بس 40 دقيقة.. أنا بانزل أشوف أبي وبارجع أنا وياه



عفراء بمودة: براحتك يامك..



كسّاب نزل بينما عفراء فتحت مصحفها واستغرقت في التلاوة بصوت شديد الانخفاض.. بعد حوالي عشر دقائق بدأ الركاب بصعود الطائرة


عفراء وضعت مصحفها في الجيب امامها لأنها لا تريد أن يشغلها شيء عن القراءة.. والطائرة بدأت تصبح مزعجة مع ركوب الركاب



بعد دقائق صعدت فتاة منقبة بجوارها شاب لطيف المحيا.. فورا شعرت عفراء نحوهم بحنان أمومي شفاف.. ظنت أنهما عريسان جديدان


وتمنت أن ترى أبنائها كلهم مثلهما


وأسعدها احتشام الفتاة بهذا الشكل وهي تصعد من باريس..


يبدو وكأن هذه العفراء لا تعرف من المشاعر في العالم سوى مشاعر الأمومة


منذ شبابها المبكر وهي أم فقط.. ثم مدرسة


لم تعرف كيف هي مشاعر الأنثى الأخرى


لم تختبر مشاعر الأنثى.. لا غيرتها.. لا لهفتها.. لا رغبتها في أن تسيطر على قلب شريكها في الحياة


أم فقط مستعدة للعطاء حتى اللحظة الأخيرة...!!




الشابان جلسا... بينما الفتاة تهمس بمرح: وش عندك مدلعني ذا المرة.. فيرست كلاس مرة واحدة عقب ماكسرت جنوبي بالإيكونومي



حينها ابتسم الشاب بشفافية: ومن قال أدلعش.. وجه دلع أنتي... أنا كنت حاجز على الايكونومي وواجد على خشتش


بس أبيش مايهون عليه يالدلوعة.. فشلني.. حجز وأرسل لي الحجز... الاميرة والبودي جارد حقها



الشابة همست بمودة عميقة: فديت قلب خلودي .. جعلني ما أذوق حزنه


ثم أردفت بابتسامة: وترا واجد عليك بودي جارد حقي... احمد ربك



الشاب يضحك: يا ملا الماحي.. أكبر منش وخالش جعل أمحق خال...



الفتاة تضحك بصوت منخفض: وخير يا طير خالي.. وترا الفرق بيننا سنة وحدة بس



الشاب يبتسم وهو في ابتسامته يستعيد مأساة حياته: ذليتونا بذا الصغر أنتي وأمش وخالاتش.. ما يسوى علينا..


تدرين خلاص فكة من وجهش..


بأخذفش في بيت هلش وثلاث شهور حتى تلفون ما ابي أسمع صوتش



الشابة بضيق: نايف من جدك ما تبي تجي عندنا.. والله البيت فاضي.. حتى نجلاء مرت صالح زعلانة في بيت أهلها


تعال مع هزاع وإلا فهد... حتى لو تبي غرفتي عطيتك إياها



نايف بضيق مشابه ولكن أكثر عمقا: خلاص يالغالية ماطال مسخ...


تعبت وأنا أتنقل بين بيوت خواتي... أبي أفتح بيت أبي...رجّال صار عمري 25


ولحد الحين خواتي يتناتفوني بينهم ويتهادون علي كني بزر... يعني هو ذنبي إن إبي وأمي جابوني على كبر عقب سبع بنات.. وعقبه ماتوا


تربيت في بيت كل وحدة شوي.. وكل وحدة منهم تقول ابي ريحة أمي وأبي عندي..


ماصدقت أخلص ثانوية عشان أطفش منهم وأعتمد على نفسي شوي


ثم أردف بابتسامة: بس ماصدقت أرتاح سنة إلا أنتي لاحقتني مثل القضا المستعجل



الشابة تبتسم: إيه أنا قضا مستعجل.. ماصدقت تشوفني عشان تقط علي الغسيل والطبخ... زين أنت واحد صار لك على قولتك سنة معتمد على روحك


وشو له تقط روحك علي...



نايف بضيق جديد: هذا أنتي باقي لش فصل واحد وتخليني..



الشابة بلطف: وأنت الفصل اللي عقبه بتخلص.. وبعدين ماشاء الله أنت بترجع بماجستير وإلا أنا بس بكالوريوس



نايف بهدوء: أنتي اللي اخترتي ذا التخصص الصعب.. ست سنين صار لش فيه



الشابة تبتسم بهدوء: هندسة جينية مهوب لعب ياخالو...



كان الحوار مستمر بينهم كعادتهما... لا يمكن أن يتوقف الحوار بينهما مطلقا


دخل كساب ووالده للطائرة.. نايف عرفهما ووقف وتوجه لهما حتى لا يسلم قريبا من ابنة أخته..



ثم عاد وجلس جوارها بينما هي توسعت عينيها وهي تهتف بتساؤل: من ذولا ياخالي..



نايف بهدوء: زايد آل كساب.. وولده كسّاب..



حينها أمسكت الشابة معصمه وهي تهتف برجاء مرح: تكفى ياخالي.. أنا عاوزة من ده على قولت سميرة بنت عمي..



نايف باستغراب: وش ده يالخبلة.. والله ماحد مخبل فيش إلا بنت عمش الخبلة اللي طول اليوم قاعدة أنتي وياها تهذرون


أستغرب وحدة عبقرية دراسة مثلش وخبلة كذا..



ابتسمت لمجرد الطاري وهمست (بعيارة) : فديتها سميرة.. لولا أني خايفة إن اختك ورجالها يزعلون وإلا كان أصلا رحت أسلم على سميرة أول شيء



نايف يبتسم: أمحق بنت.. جعل ما تغدين بنتي.. أبو صالح قلبه تقطع عليش.. وأنتي تبين تسلمين على شينة الحلايا قدامه..



تبتسم وهي تردف بنبرة من سيخبر سرا: أنت داري بغلات خلودي عندي.. مانبيك وسيط.. وخلنا ذا الحين في ده..


أكيد إنه كسّاب مهوب أبيه.. يالله قم قل له الشيخة عالية بنت خالد آل ليث.. تسبغ عليك الشرف الرفيع ومستعدة تضحي بروحها وتأخذك



حينها قرص نايف ذراعها وهو يهتف بغيظ مرح: خذوا روحش قولي آمين


أنتي مافي وجهش سحا.. وجهش مغسول بمرق



عالية تمسح مكان القرصة وتهمس بمرح: حرام عليك خالي قطعت لحمي.. عيب القبص للنسوان..


وبعدين بنت أختك صار عمرها 24 ..عنست ياخالي أبي أضمن مستقبلي


بتقوم تقول له.. وإلا ترا بأقوم الحين وبأمر جنب كرسيه.. وأسوي مثل الأفلام وأطيح في حضنه..


وعقب أقول تراني ماني بقايمة من حضنك إلا على سنة الله ورسوله...


وعاد شوف فشيلتك ذاك الوقت..



نايف بذات الغيظ المرح فهو اعتاد على مزاحها الثقيل: سويها عشان أرجعش لأختي أم صالح نصين.. رأسش في كرتون وباقيش في كرتون..



عالية تضحك: سوفاج يانويف سوفاج..



نايف يبتسم: لو أنه قد جاتش علوم السوفاج ماكان مديتي لسانش ذا الطول عند خالش..



عالية تبتسم: بس جد خالي مهوب يهوس.. من أي كوكب جاي.. مستحيل تكون أنت وياه من نفس الكوكب حتى



نايف بسخرية: والله ما شفت فيه زود على باقي مخاليق ربي..



عالية (بعيارة): علي يا نايف.. أنا حافظتك.. أنتو يا الشباب إذا شفتوا الرجّال الهيبة المعضل.. مثلنا يالبنات إذا شفنا البنت الحلوة


الغيرة تعمل حيرة الله يكفي شرها...



حينها ابتسم نايف: يكشف حالش.. كاشفتني ما أقدر أدس عليش


ثم التفت لكساب وهو يكمل (بعيارة): بصراحة مابعد شفت تركيب مثالي كذا..


تدرين إني مرة قد دزيت عليه أخيش فهيدان يسأله وشو مسوي.. بأموت خاطري أعضل..


على أساس معرفة فهيدان له أحسن ودايم يقابله في مجلس عمه منصور


فهيدان قال لي إنه كساب ذا مهوب من اللي يحبون يأخذون ويعطون في الكلام واجد


لكنه متأكد إنها رياضة لأنه مرة راح معه هو ومنصور للنادي.. يقول هم عقب ساعة تمارين عنيفة تعبوا.. وهو كمل ساعة عقبهم بعد..


ول عليه وش ذا الطاقة اللي عنده.. ما ألوم ذا العضلات طلعت.. هد حيلها لين نفصت...



عالية تبتسم وهو تهتف بجزع مصطنع: إلا انت اللي ول عليك تبي تبطح رجّالي عين..



حينها عاود نايف قرصها وبشكل أقوى.. شعرت حينها أن لحمها خرج بين أصابعه.. والألم يتفجر في عضدها مكان قرصته


وهو يهتف لها بغضب كاسح مكتوم: الظاهر عطيتش وجه أكثر من اللازم..


وحتى لو حن ربع وأنتي أعز علي من روحي.. مهوب كل سالفة بايخة من سوالف البنات تقولينها عندي


احشمي إني خالش ياقليلة الحيا..






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 02-05-10 04:39 AM

1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 04-05-10 04:40 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس عشر
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 06-05-10 06:59 AM

1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 08-05-10 09:03 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن عشر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تحية المساء وهجعة الليل وسكونه


ألف مرحب بكل حرف وكل معلقة وكل مشتركة جديدة


بكل نبض جديد وكل نبض قديم يتعمق


.


مرحلة أخرى في بين الأمس واليوم نعبرها


وتبدأ الأحداث بالتوالي


.


بنات اللي حابة تنسخ البارتات لاستخدامها الشخصي فقط وليس للنشر


مرخوصة.. وحياها الله


.


.


وبنات بالنسبة للردود المحذوفة.. ليس أبدا عشان ضغط الصفحات


لكن الردود اللي تكون مخالفة لقوانين القسم


وللاطلاع على شروط المشاركات الإطلاع على رقم 7 من القوانين على الرابط


http://www.liilas.com/vb3/t134089.html


والمشرفات فقط يهدفن للمصلحة العامة


عشان كذا أرجوكم لا أحد يتضايق من حذف رده.. لأنه موب مقصود فيه بشكل شخصي


لكن هو قانون عام


.


.


اختلاف بلدان صديقاتي المتابعات يمكن أحدث شوي لبس في قضية التفكير


فبعض القارئات العزيزات ظنوا إني لما جبت صورة عبدالله وهو يسلخ له خروف


إني كنت أقصد شيء سلبي


لا والله :)


الحكاية ما فيها إن البنات كانوا يقولون عبدالله شاذ أو جنس ثالث عشانه وسيم


ومثل ما تعرفون هالفئة -الله يحمي أولادنا وأولادكم- يكون فيهم ميوعه وليونة


لكن اللي حبيت أبينه إن عبدالله رجّال طبيعي بل قلبه قوي ومرجلته حاضره


وعشان كذا جبت الصورة


وقصدت ابينها من باب طريف ليس إلا...


.


.



نظام البيوت عندنا.. عشان الناس اللي استغربوا دخول حد لبيت عفراء


مثل ما قلت لكم قبل أنا أتكلم عن مجتمعي


وبصراحة ولله الحمد ألف حمد قطر بلد آمان إن شاء الله... مع أني أشوف إن الحرص واجب


بس اللي يصير بكل صراحة وخصوصا في بيوت العوايل الكبيرة


إنه باب الحوش الخارجي ابدا ما يتسكر لا ليل ولا نهار


وأحيان كثيرة أيضا الباب الرئيسي اللي يدخل على البيت


أدري بتقولون موب معقول... بس هذا فعلا اللي يصير


ليش؟؟


لأنه غالبا المجلس العود برا أو يفتح على الشارع ويكون له باب على البيت..


وشباب البيت ماشاء الله طالعين داخلين وسياراتهم طالعة داخلة..


خصوصا لو كان فيهم عسكريين.. كل يوم دوامه شكل.. مرة الفجر.. مرة آخر الليل


فصعب البيبان تتسكر..


وصعب أكثر حد يتجرأ على دخول البيت


وأنا أتكلم هنا عن البيوت الكبيرة اللي فيها ناس كثيرة


.


نجي لنظام بيت زايد.. بيت زايد بيت ضخم في سور أضخم


مجلسه مفتوح على الشارع


وبيت عفراء ورا بيته ومعه في نفس السور


أكيد بما أن عفراء ساكنة بروحها إنها تقفل البيان أكيد.. بس لا تنسون مزون توها طلعت من عندها.. وخلت الباب مفتوح..


عدا أنه الباب اللي يفتح المطبخ على برا ممكن يكون مفتوح


يعني في طريقين ممكن يكون دخل معهم..


واليوم نشوف من وش اللي صار.


.


.


اليوم أيضا سيكون رد وضحى على خطبة عبدالرحمن


ويحدث أمر خطير في موضوع خطبة تميم وسميرة


ونختم بقفلة ظريفة.. وبعدها قفلة أظرف


ونتعرف الجزء القادم على ما سيحدث في موضوع القفلتين


.


يالله طولت عليكم الهذرة


.


إليكم الجزء الثامن عشر


.


قراءة ممتعة مقدما


.


وموعدنا الجاي يوم الثلاثاء في الوقت المعتاد


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن عشر







في مجلس زايد.. مازالت السهرة ممتدة بين كسّاب ومنصور احتفالا بعقد قران كسّاب..


هو احتفال من وجهة نظر منصور ربما!!




منصور يهتف بابتسامة: كان خاطري تشوف وجهك يوم قال لك الشيخ إنها شرطت شغلها


حسيت إنك تبي تقوم تعطي الشيخ كفين..



ابتسم كسّاب بتهكم: والشيخ ليه يعطيها أساسا مجال تتشّرط هي وجهها..


ليه ما قال لها المره مالها إلا بيتها وتلايطي.. يا حرتي ليتني كنت موجود


أنا تتشرط علي الشيخة... زين دواها عندي..



كانا مستغرقين في الحديث حينما رن هاتف كسّاب.. كانت خالته..


تناوله بذهن خالي: لحقتي تشتاقين لي... توش مسكرة من خمس دقايق..



كسّاب قفز على قدميه وبدأ يركض وهو يصرخ ويزمجر بصوت مرعب:


سكري على روحش في أقرب غرفة.. أقل من دقيقة وأنا عندش



منصور حينما رأى حالة كسّاب وسمع صراخه ..شعر أن ورائه مصيبة ما.. لذا ركض خلفه دون أدنى تردد






قبل ذلك بدقيقة في بيت عفراء




عفراء تنظر لساعة الهاتف الذي مازال في يدها.. كانت الساعة تقترب من الواحدة والنصف بعد منتصف الليل

كانت على وشك النهوض لتصلي قيامها ثم تنام.. فلديها غدا دوام في المدرسة

ولكنها قبل أن تتحرك سمعت حركةغريبة..
ابتلعت ريقها جزعا وأرهفت السمع ودقات قلبها تتصاعد بعنف







"هل هذا صوت خطوات؟؟أم يخيل لي"



صوت خطوات أقدام ثقيلة تتسحب قريبا منها

عفراء شعرت أن قلبها سيتوقف من الرعب وهي عاجزة عن التنفس حتى.. وركبتاها بدأتا تتصاكان


ولكنها تناولت هاتفها بخفة وهي تضعه على أذنها بخفاء بعد أن أعادت الاتصال بكسّاب وهمست بخفوت بالغ مختنق وكلماتها تتناثر:
كسّاب الحقني فيه حرامي عندي في البيت..







وصلها صراخ كسّاب المزمجر المرعب الذي بدا لها أنه يكلمها وهو يركض:

سكري على روحش في أقرب غرفة.. أقل من دقيقة وأنا عندش





عفراء وقفت بهدوء جزع وريقها يجف تماما.. وهي تشعر أن شعر جسدها قد وقف كله والدم توقف عن عبور شرايينها ..

وتيارات رعب لاحدود لها تمر عبر مسامات جسدها كلسعات الكهرباء

لأنها شعرت أن الحركة أصبحت قريبة جدا منها







لذا قررت أن تركض بأسرع ما تستطيع.. وبالفعل بدأت بالتنفيذ وهي تركض ناحية الدرج

لولا اليد القوية التي منعتها من الصعود وأمسكت بها بقوة وألقتها بكل عنف على الدرجات الرخامية...






لتشعر كما لو أن ألف شظية انفجرت في ظهرها


وألم لا يحتمل يتخلل خلاياها لدرجة جعلتها عاجزة عن رؤية الوجه الغريب الذي لم تتعرفه أبدا ولم يسبق لها رؤيته


كان غرضه الأساسي للدخول هو السرقة ولكن الغرض تغير حينما رأها..




وحينما بدأت تتبين غرضه وهو يدفعها على الدرج ويحاول تمزيق ملابسها


انتفضت حينها كنمرة مفترسة... وكأن طاقة غير محدودة صبت في جسدها وهي تقاومه بعنف



لم تطل مقاومتها له ولا حتى لدقيقة واحدة لأن دويا هائلا اقتحم المكان..


وقفل الباب الضخم ينخلع تماما من مكانه جراء ركلة مشتركة من كسّاب ومنصور



كسّاب هو من دخل أولا.. حينما رأى الموقف الذي لم يحتج تفسيرا أمامه..


أعلى جيب خالته المفتوح.. وأثر الصفعات على وجهها..


حتى جن تماما.. وثارت براكين غضبه العاتي.. وهو يركض ناحيتها ويتناول الرجل بوحشية.. ويرفعه عاليا ليلقي به خلفه بكل عنف



ثم يحمل خالته راكضا بها للأعلى وهو يضمها لصدره.. لأنه يعلم أن منصور سيتولى من ألقاه خلفه


وكل همه الآن انصب في خالته فقط..



عفراء حين رأته.. شعرت أن قوتها كلها انهارت.. وهي تنتحب كطفلة مغبونة على صدره..


كسّاب كان يشتعل غضبا حارقا وهو يهدئها ويضعها على سريرها ثم صرخ بغضب هادر مجنون لا حدود لوحشيته:


الــكــلــــب


والله لأشرب دمه الليلة..خالتي خليني ألحق على عمي منصور قدام يذبحه.. ماحد بذابحه غيري.. والله ما يرويني كل دمه الحيوان



وبالفعل نزل كسّاب بسرعة.. يسيره غضب أسود على من اجتاز أسوارهم وتجرأ على محارمهم


ليجد أن عمه قد أنجز المهمة.. وروح الرجل أسلمت إلى بارئها



كسّاب صرخ بغضب هستيري كاسح: ماأسرع مات ذا الكلب.. ما خليتني أبرد خاطري فيه



منصور كانت أنفاسه تعلو وتنخفض من شدة الغضب والتأثر: كلب ما يسوى..حتى كفين ما استحمل



كسّاب تفحصه ليتعرف عليه ثم هتف بغضب أشد وأشد: الخسيس النذل واحد من صبيان المجلس...


داري إن حن لاهين في المجلس وهي بروحها..



كسّاب يحاول أن يفكر بسرعة رغم شدة غضبه المستحكم.. ليهتف بعدها بحزم: عمي خلنا نتفق من الحين


تراني اللي ذبحت الرجال..


أنا رجّال مدني.. لكن أنت عسكري.. حتى لو حالة دفاع عن النفس.. لازم بيسجنونك حق العسكرية



منصور انفجر بغضب هادر وعيناه تشتعلان غضبا مرعبا: تخسى وتهبى أنت ووجهك.. أنا أندس وراك.. خلهم يسوون اللي يبون



كسّاب أجابه بغيظ ووجهه مازال محمرا من أثر غضبه الكاسح:


ياعمي الله يهداك.. فكر معي زين.. أنا ما أبي اسم خالتي يجي في السالفة أبد..


خلنا نشل الرجّال ونطلعه برا.. وأقول إني لقيته ينط درايش البيت العود


وعقب هو تهجم علي أول.. فأنا ذبحته دفاع عن النفس..


وأنت تشهد معي وانتهت السالفة..


كذا أنا حتى أسبوع ماني بماخذ في السجن.. لكن أنت لو دخلت في السالفة بتتعقد...


المحاكمة بتصير عسكرية ..وبيصير فيه حق العسكرية عليك


سالفة عويصة والله مالها سنع




وبالفعل حمل كسّاب الرجل.. وألقاه بعيدا عن منزل خالته بالقرب من حائط البيت الرئيسي..


واصطنع له ساحة قتال على الأرض والحشائش بسرعة وبراعة وحرفنة لا مثيل لها تحت عيني منصور المدهوش مما يفعله


لينتهي بعدها بضرب رأسه في زاوية الحائط الحادة.. ودمه يسيل على وجهه وعلى الحائط



منصور صرخ بجزع: وش تسوي يالخبل؟؟..



كسّاب بحزم أشار له أن يتمهل وهو يقرب رأسه من كتف الرجل لتسيل بعض دمائه وتختلط بدماء الرجل


ثم يلتقط هاتفه ليتصل بمزون التي كانت وقتها نائمة... لتتفاجأ من الاتصال


وتتفاجأ أكثر من صاحب الاتصال الذي همس لها بحزم شديد ..دون أدنى اهتمام بسيل الدم الذي بدأ بالتدفق على وجهه:


روحي الحين لبيت خالتي.. واقعدي عندها.. وأبيش تنظفين المكان من الدم عدل..



مزون بجزع ورعب: دم؟؟



كسّاب بذات الحزم: خلصيني.. ما أبي الخدامة تلاقي أي أثر إذا نزلت بكرة..


ما ظنتي إنها سمعت شيء لأنها غرفتها فوق والتكييف يصم الأذاني



ثم التفت لعمه وهو يهمس بحزم أشد: شوف يا عمي أنا ما همني من الموضوع ذا كله إلا خالتي..


أنا سويت ذا كله عشان ما فيه أي حد يشك إن الهدة ماكانت هنا في ذا المكان فعلا..


واسمعني عمي..خالتي اسمها ما يأتي في التحقيق ولا بأي صورة.. ولا أي أحد يدري بأي شيء؟؟


فاهمني يا عمي...


والحين اتصل أنت في الشرطة... وقل لهم إني قاعد أتهاد مع واحد يبي يسرق البيت..







*********************************






"صباح الخير ياعروسة"



كاسرة بابتسامة غريبة: أي عروسته اللي يهداش؟؟


رجّالي المبجل صباح ملكتنا مقضيه في التوقيف ذابح له واحد...



فاطمة بجزع: من جدش؟؟ ياويل حالي.. وتقولينها وأنتي مبتسمة..



كاسرة تهز كتفيها: وليش ما أبتسم.. شر البلية ما يضحك..


واحد بزر.. وش تتوقعين منه؟؟... ما عنده كنترول على أعصابه.. وإيديه تسبق تفكيره



فاطمة بجزع حقيقي: كاسرة أنتي من جدش.. وإلا تعييرين علي..؟؟



كاسرة بهدوء غريب: والله من جدي.. وافتحي البلاك بيري حقش صدقيني بتلاقين الخبر حد دازه لش..


اليوم عقب صلاة الفجر وامهاب طالع من المسجد جاه الخبر على البلاك بيري..


"كسّاب آل كسّاب ذابح واحد من صبيان مجلسهم كان يبي يسرق البيت


وصارت هدة بينهم..


وكسّاب الحين في التوقيف وفيه ضربة كايدة في رأسه"



امهاب فعلا راح لهم مركز العاصمة.. يقول أمة لا إلة إلا الله هناك.. محشر ناس كبارية..


وامهاب معتقد السالفة هامتني...يبي يطمني.. يقول لي لا تحاتينه.. الجرح في رأسه بسيط.. وأسبوع بالكثير وطالع .. هذي حالة دفاع عن النفس..




(ومالا تعلمه كاسرة أن كسّاب كان يخرج في هذه اللحظة من مركز أمن العاصمة برفقة والده وعمه


بعد أن تدخلت الواسطات لتسريع الإجراءات.. ليخرج بكفالة حتى انتهاء التحقيقات ومن ثم موعد المحاكمة)




أكملت كاسرة حديثها وهي تهمس بذات الهدوء الغامض: ما درى امهاب إني يمكن أكون مهتمة بالعامل اللي مات أكثر..


الحين المسكين حدته الحاجة يسرق..


امسكه.. سلمه الشرطة.. مهوب تذبحه... نعنبو ما للدم حرمة عندك..



فاطمة باستغراب: أما أنش غريبة.. هذا دفاع عن نفسه وعن بيته.. والرجّال متهجم عليه..


احمدي ربش عندش رجال دمه حامي..



كاسرة تشعر بغيظ عميق لم يصدر مع نبرة صوتها الهادئة المتحكمة: أحمد ربي؟؟.. أنا حاسة إني ورطت نفسي أكبر ورطة



ثم أردفت بهدوء صارم تخفي خلفه خوفا ما: يا خوفي تنحسب علي ذي زواجة وأنا ما ظنتي إنه حن بنعمر معا


بزر ودمه حامي!!!







***********************************







" ها حبيبتي عادها زعلانة علي؟!"



عالية تهز كتفيها: ياكثر اللي زعلتهم وزعلت عليهم ياخالي..



نايف بمودة صافية: ماعلي من حد.. علي من روحي...


ثم أردف (بعيارة) :أعرفش لو ما تطلعين روح نص سكان الدوحة قدام نرجع فرنسا ما أنتي بمستانسة



عالية بضيق شديد: تكفى نايف لا تزودها علي..


والله العظيم محتاجة لي كنترول من قلب.. بس والله إني ما أهقى إن المقلب ثقيل لين يصير.. قصدي المزح والله



نايف بمودة: أدري يالغالية... تشرحين لنويف.. نويف فاهمش بدون شرح


ثم أردف بحماس: يالله قومي نتريق برا.. وعقبه نمر على كم خالة من خالاتش



حينها ابتسمت عالية : عادهم مجننينك.؟؟.



نايف يبتسم: أوف.. مهوب شيء والله... لو ما أمرهم كلهم كل يوم يسوون لي فيلم هندي


قلت لهم خلاص كل يوم بأمر ثنتين منكم... وش أسوي يوم كثروا هلي البنات..



تدرين وش قالوا؟؟ ....


قالوا مهوب حولنا.. معنى كذا كل وحدة ما يرجع لها الدور إلا عقب أربع أيام


وحن ما صدقنا نشوفك عقب ذا الغيبة كلها.. مستكثر علينا ذا الكم شهر..



وش أسوي ؟؟ ما اقدر أحزنهم... بس جد عالية تعبت... تخيلي غير عن أمش.. كل يوم ألف ست بيوت.. وكل وحدة منهم تبيني أقعد عندها ساعة لا وتزغطني بعد لين أنفقع..


أحس إني من البارحة لليوم زايد كيلوين..



حينها ابتسمت عالية وهتفت بمرح: زين يالدب ما كفاك أكلهم وهذا أنت تبينا نطلع نتريق برا..



نايف بمرح مشابه: لا هذا غير.. هذا أنا بأكل بدون ماحد يجبرني.. ومع أحلى أم مقالب في العالم...







***********************************







"بس خالتي هدي.. من البارحة لين اليوم وأنتي ترجفين"



عفراء مازالت تحت صدمة ماحدث البارحة رغم أن المهاجم لم يلمس شيئا منها


وكل ما تمكن منه مع مقاومتها المتوحشة أنه صفعها صفعتين وفتح أعلى جيبها قبل أن يصل كسّاب ومنصور..



ولكن الموقف كله كان مرعبا وجارحا ومؤذيا لأبعد حد..


إحساسها بفقدان الامان وهي في وسط بيتها.. واقتراب رجل غريب من حدود جسدها المحضورة


الحرج المميت الذي تعرضت له أمام ابن شقيقتها وعمه..


وماحدث بعد ذلك لكساب ومعرفتها أنه في السجن من أجلها..



كل هذا بعث ألما وحرجا لا حدود لهما في روحها المثقلة بكل أشكال الألم قبل أن يحدث كلها..


فهل مازال هناك مساحة لمزيد؟!!




مزون تحتضن خالتها وهي تجلس جوارها على السرير وتهمس بقلق:


خاطري أعرف وش اللي صار.. يوم الهدة صارت عند بيتنا ..الدم اللي هنا من وين جا



(الدم هذا مالش شغل فيه... ويا ويلش تجيبين لأحد طاريه)


كان صوت كسّاب الحازم الذي اقتحم عليهما الغرفة



عفراء حين رأت كسّاب وقفت على ركبتيها وهي مازالت على السرير وهي تمد يديها له.. ليحتضنها كسّاب بكل قوته


بينما انخرطت هي في بكاء حاد موجوع مترع بالشهقات المتألمة



مزون تأخرت وحزن عميق يخترم روحها..


كم هي مشتاقة.. بل مستنزفة من الشوق لحضن هذا الأخ المتجبر الذي لا يعرف الغفران


أتعبها البعد واليأس والهجر وإحساسها بالفراغ بعيدا عنه!!


أن تكون منتميا لأبعد حدود الانتماء إلى شخص ما.. ثم يلفظك بقسوة ودون رحمة.. فكيف سيكون إحساسك حينها؟!




كسّاب جلس على السرير وهو يهدهد خالته كطفلة وهو يهمس لها بحنان مصفى: بس يا خالتي خلاص..



عفراء بين شهقاتها: كنت أحاتيك.. خفت تطول في السجن..



كسّاب بمودة: وليش أطول.. هذي حالة دفاع عن النفس.. وهذا أنا قدامش مافيني إلا العافية.. وباشل شلايلي وبجي أقعد عندش بعد..



عفراء مدت يدها لرأسه لتنزع غترته وهي تقول بحنان بصوتها المبحوح: خلني أشوف رأسك



كسّاب يلمس الضماد على قمة رأسه ويبتسم: بسيطة خالتي والله العظيم بسيطة..



تمنت مزون لو استطاعت أن تنظر من قرب وقلبها يقفز في بلعومها جزعا عليه..


تمنت لو تستطيع تقبيل رأسه.. أن تهمس له من قرب: سلامتك ألف سلامة.. ليته فيني ولا فيك



ولكن كل ما استطاعت فعله أنها بقيت واقفة في الزاوية.. زاوية المكان.. زاوية التجاهل..


تحترق وتذوي وتتأكل.. تـــتـأكــل..


تتأكل بكل معنى الكلمة!!







*********************************************







"وش أخبار الترتيبات للرحلة؟؟"



نجلاء بضيق: قصدش وش آخر الترتيبات للوكسة؟؟


أنا ما أدري أشلون وافقتش على خبالش.. أشلون أسافر معه وأنا زعلانة عليه


أشلون تركب ذي؟؟ وش ذا الخبال؟؟



سميرة تضحك: يا بنت الحلال صدقيني إنه هذي أكبر خدمة قدمتها لش


أنا بصراحة متعجبة من تفكيري العبقري ما أدري أشلون جاتني ذا الفكرة الألمعية



على قولت خالي هريدي: (اللي تغلب بو إلعب بو)..وأنتي عندش اللي تغلبين به.. العبي به...


مشكلتش ما تعرفين تستخدمين أسلحتش اللي عندش


واللي أهمها إنش عاقدة حبلش في رقبة صويلح المتيم.. شدي الحبل شوي يالخبلة.. بس شوي.. ويجيش يخب ويعثر بعد..



نجلاء تبتسم: زين خلك ورا الكذاب لين باب الدار... نشوف آخرتها


ثم أردفت بابتسامة: بكرة بأروح أشتري لعيالي شوي أشياء ناقصتهم.. كلمي علوي تروح معنا


لا تظن إني عادني زعلانة عليها.. بس قولي لها.. تكفى بلاها مقالبها.. خلنا نرجع سالمين



ثم أردفت وهي تتذكر شيئا: تدرين سميرة.. أخاف إن حسابي مافيه فلوس تكفي..


عندش فلوس؟؟



سميرة رسمت علائم البؤس على وجهها: منين.. دنا ولية غلبانة على باب الله


ثم صرخت بحماس مفاجئ: خلينا نطلب من البنك المركزي... جيب السبع مايخلاش..



نجلاء بغضب: والله ما تطلبين من غانم ريال.. مهوب كفاية إنش ما تشبعين طلبات منه.. أنا بأطلب من أبي خلاص..



سميرة ترقص حاجبيها: وليش ما تطلبين من صالح... مهوب تبين تشترين أغراض لشواذيه؟!!


قولي له إنش خلصتي مصروفهم الشهري اللي هو يعطيكم لأنه الشهر هذا فيه حدث سبيشل.. وسوق سبيشل



نجلاء بغضب: قومي فارقي من وجهي.. تراش صايرة ما تنطاقين..



سميرة تضحك وهي تقف لتخرج: اللي يقول كلمة الحق يصير مجرم عندش وما ينطاق



كانت سميرة مازالت تخرج حين وصل لنجلاء رسالة


"ترا حطيت في حسابش فلوس


يمكن تبين تشترين للعيال أشياء عشان السفر"



تعجبت نجلاء وتأثرت بعمق.. لولا أن سميرة كانت تخرج أمامها أو ربما لكانت اتهمتها أنها من أخبرته


وهاهي الآن حرجها يتصاعد منه.. فهو من الناحية المادية لا يقصر مطلقا


ومع بداية كل شهر يضع في حسابها مصروفاتهم وبسخاء..


عدا عن أنه يتكفل بأي مصاريف يعلم أن أبنائه يحتاجونها حتى لو كانت لم تطلبها


تنهدت وهي تتخيل.. لو أن صالحا طلقها.. وتزوج أخرى


فهل سيظل بذات هذا الكرم الزائد معها ومع ابنائها


وخصوصا أن اعتمادها الأساسي عليه.. فهي لم تكمل دراستها الجامعية بعد زواجها..


شعرت أن رأسها يؤلمها وكأنها تدور في دوامات عاتية.. تريد أن تتمدد.. عل الجسد حين يرتاح يريح العقل قليلا..



ولكنها قبل ذلك شعرت بضرورة أن ترسل شكرا ما لصالح حتى لا تبدو معدومة الذوق



ليصلها الرد بعد دقيقة وهي تتمدد لترتاح قليلا :


" تشكريني على ويش؟؟


اطلبي عيني


اطلبي روحي


اطلبي قلبي


اطلبي أنفاسي اللي أتنفسها


اطلبي اللي تبين.. ومهما طلبتي مافيه شيء يوازي قدرش عندي


عشان كذا لا تشكريني على شيء ما يسوى حتى طرف ظفرش اللي تقصينه"




تنهدت بوجع.. ودمعة يائسة تنحدر على مخدتها


حتى متى هذا الحصار؟؟


حتى متى؟؟


بدأت روحها تضيق من هذا الحصار وهو بعيد عنها... فكيف عندما ينقل ساحة المعركة للقرب القريب؟!!







**********************************







تدرس في غرفتها.. سمعت طرقات حازمة على الباب


وقفت لتفتح لأنها تعرفت على صاحب الطرقات من طرقاته



قالت بمودة عميقة: هلا والله بعريسنا



مهاب دخل بخطوات هادئة حازمة: وأنتي متى بتريحين عبدالرحمن ونشوفه عريس؟؟



وضحى صمتت بخجل.. بينما مهاب استحدثها للرد: أتوقع يا وضحى إنش ماطلتي أكثر من اللازم


عيب عليش خلاص .. الحين تعطيني رد نهائي.. عبدالرحمن مهوب لعبة عندش أنتي وأختش..


وأتمنى إنش تكونين عاقلة وما تضيعينه من يدش مثل ماسوت هي...



وضحى بصوت مبحوح: كاسرة جاها نصيبها خلاص.. الله يهنيها..



مهاب بنبرة غضب: وحن خلصنا من كاسرة.. أنتظر ردش أنتي.. وين نصيبش أنتي؟؟ وش ردش؟؟



وضحى بتردد بصوت خافت: ردي .. إني.. إني.. ماني بموافقة..



مهاب بغضب: نعم؟؟؟



وضحى تراجعت وهمست باختناق: امهاب هذا زواج... وأنا فكرت كثير وما أبيه.. تكفى ما تغصبني



حينها تنهد مهاب بعمق: وضحى فكري أكثر... عبدالرحمن ماحد يفرط فيه..



وضحى بذات الصوت المختنق: خلاص تعبت من التفكير.. خلصوني من ذا السالفة.. ما تنجبر روح على روح



مهاب شد قامته وهتف بحزم: صدقيني إنش بتعضين إيديش ندم.. لكن خلاص لا فات الفوت ما ينفع الصوت


كيفش يا بنت امي.. ماحد بجابرش على شيء...


بس تذكري إني كنت أبي لش الأحسن.. لكن أنتي اللي ماعرفتي مصلحتش..







*************************************







"تدرين إن ولد خالتج ملج البارحة.. بس نسيت أقول لج البارح!!"



لا يعلم ما الذي قصده من إلقاء الخبر عليها بهذه الصورة المفاجئة


ولكنه ألقاه وهو مستعد تماما لاقتناص كل ردة فعل... لذا لم يفته مطلقا اختلاجة عينيها وارتعاش الكأس بين كفيها


بعد أن أصرت أن تشرب لوحدها منه.. ثم وهي تهمس بصوت مبحوح: أي واحد فيهم؟؟



خليفة حاول ان يجيب بطبيعية: كسّاب..



ولكن ما استغربه خليفة فعلا بعد ذلك.. هو سؤالها: ومن اللي بلغك الخبر؟؟



فأجاب بتلقائية: خالتي عفرا



لتنفجر حينها في اتجاه آخر غير متوقع : يعني ذا كله تكلم أمي من وراي وماهان عليك تطمني عليها وإلا تخليني أكلمها


وأنت شايفني محترقة عليها وبأموت من الشوق لها... وش القلب اللي عندك يأخي.. حجر.. ما يحس.. ارحمني الله يرحم والديك


ذا الوقت كله وأنا باموت أظن إن أمي ما تكلم ولا تسأل عني.. واثرها تكلمك أنت يا المتوحش وماهان عليك تقول لي..


تبي تذبحني بالقهر.. مهوب كفاية إني بأموت.. تبيني أموت مقهورة.. ما تخاف ربك أنت.. .............




صرخت مطولا ونعتته بمختلف النعوت المتوحشة والسادية..


طالت ثورتها كثيرا.. بينما خليفة خلال ثورتها بقي صامتا.. فهو يكاد يعتاد على ثوراتها التي ستنتهي بالبكاء ثم صراخها بكلماتها الخالدة


(أكرهك.. أكرهك!!)








*********************************







قهوة العصر في مجلس خالد آل ليث


هو وشقيقه راشد وابناه هزاع وفهد




الأحاديث تدور بينهم.. راشد يقول لخالد بابتسامة: تدري يابو صالح إن تميم آل سيف جاي يخطب سميرة.. تصور



أبو صالح عقد حاجبيه: من جدك يأبو غانم.. نعنبو ذا صاحي وإلا خبل؟!!



حينها هتف فهد (بعيارة) : صدق قدر وعيّن غطاه...تدري ياعمي أصلا ما يستحمل هذرة سميرة إلا واحد ما يسمع..



وحينها أكمل هزاع بذات (عيارة) أخيه: لا وما يتكلم عشان ما تجيه الحسرة..


لأنه لو كان يتكلم عمره ماراح يفتح ثمه


لأنها بتتكلم نيابة عنه 24 ساعة في اليوم



حينها وقف أبو غانم بشكل حاد مفاجئ وهو يقول بغضب كاسح:


اقطع وإخس أنت وياه.. قد ذي هرجتكم على بنت عمكم يالنسوان


والله لولا حشمة خالد ومجلسه.. وإلا جزا كل واحد منكم كف يهل سنونه..



أنهى عبارته وهو يرتعش من الغضب ليخرج من فوره... بينما أبو صالح الذي كان غضبه تصاعد أصلا مع سخرية أبناءه البريئة


فور خروج راشد تناول عصاه ليلكز كل واحد منهما على عضده بطرف العصا..


وهو يرتعش من الغضب: هذا حكي تقولونه لعمكم ياللي ما تستحون



فهد بحزم: يبه السالفة كلها مزوح.. وماذي باول مرة نعلق على سميرة عند عمي.. وش فيه عصب ذا المرة



أبو صالح بغضب: فيه إن ذا مهوب وقت مزح أنت وياه ولا ذا بكلام



هزاع بابتسامة: بس السالفة فعلا مزح.. وإلا من جدك تميم يخطب سميرة.. وش ذا المسخرة؟؟ أكيد أنه استخف


وعمي قالها هو يضحك.. فإحنا ردينا عليه بمزح.. فليه تزعل أنت وأخيك



فهد أكمل باحترام: يبه والله ما قصدنا شيء وأنت داري.. فصدق ليه زعلك أنت وعمي؟؟..



أبو صالح مازال مستمرا في الغضب: لأنه المفروض إنه واحد منكم يا الرخوم..


قال والله ما يكون إن بنت عمنا تخطب وحن موجودين.. ليه حن وين رحنا؟؟



فهد بعدم اهتمام: ليه وأنت صدقت إن خطبة تميم خطبة... هذا لعب بزران... ولا تخاف أنت وأخيك.. ماحن بمرخصين أم لسانين...







********************************************







" البنات والله كانوا يبون يجون معي.. بس خبركم وضحى عندها امتحانات..


وكاسرة توه ملكتها البارحة "



حينها هتفت جوزاء بسخرية مغطاة: لا تكون كاسرة صدق مستحية مثل باقي البنات..........



جوزاء بترت عبارتها وهي تتحسر وتندم فعلا وبحرقة حقيقية على قولها.. بينما والدتها نظرت لها بحدة مؤنبة


بينما مزنة ردت بشكل مباشر وحازم ودون تردد: ومن قال إن كاسرة مثل باقي البنات عشان تسوي مثلهم


كاسرة شيخة البنات.. وشيختهم لازم تكون غير عنهم



جوزاء ابتلعت ريقها بحرج.. وهي تسب نفسها على تفلت لسانها الذي لم تكن تقصده فعلا..


ولكنها شخصيتها المركبة التي باتت تشعر أنها تحتاج فعلا لإعادة تأهيل جذري



أم عبدالرحمن سارعت بالقول: وأنا أشهد إن كاسرة شيخة البنات.. وجاها شيخ الرياجيل.. الله يهنيها يارب



مزنة ترد عليها بهدوء: اللهم آمين.. اسمعيني يأم عبدالرحمن.. ترا امهاب حط مهر جوزا في حسابها


والعرس إن شاء الله عقب شهرين ونص مثل منتي عارفة



جوزاء انسحبت بهدوء من الجلسة وهي تجر أذيال حرجها وندمها..


بينما مزنة أكملت بابتسامة: الله يعيني عرس كاسرة عقب شهر وامهاب عقبها بشهر ونص


وحتى تميم الحين أدور له عروس أبي أزوجه...



أم عبدالرحمن بتساؤل: إلا يأم امهاب ليش ذا العجلة في عرس كاسرة... البنية مهيب لاحقة حتى تتجهز..



مزنة بهدوء: العرب مستعجلين وامهاب عطاهم كلمة... وماقدرنا نقول غير كذا


والحين كل شيء جاهز في السوق.. حتى أسبوع يكفيها تتجهز







**********************************************








"يبه صحيح الكلام اللي وصلني.. كسّاب ذبح واحد من صبيان المجلس"


صوته الجزع المثقل بالقلق وصل زايد عبر أثير هاتفه



رد عليه زايد بانفعال: لا بارك الله فيمن وصل لك الخبر.. محراك الشر ذا



ثم أردف وهو يتماسك بهدوء: يأبيك الدعوى بسيطة.. وأخيك ترا حتى ماقعد في التوقيف ليلة


وصلنا قبل الفجر وطلع الصبح... والقضية دفاع عن النفس



علي بقلق: علمني وش اللي صار؟؟



زايد بهدوء: كسّاب صاد واحد من الصبيان يبي يدخل البيت يسرق.. فتهاد هو ياه.. وضربه الصبي على رأسه


وأنت عارف أخيك.. فتن على الرجّال ماهده إلا ميت...



علي بقلق أكبر: وكسّاب أشلونه؟؟ والضربة في رأسه عسى مهيب كايدة بس؟؟



زايد بطمأنة: والله إنه طيب..



علي بذات القلق: قلبي مهوب مرتاح.. أنا بجيكم أشوفه بنفسي..



زايد بحزم: والله ما تاتي وتعطل شغلك وأنت أساسا جاي عقب شهر في عرس كسّاب..


كلمه برأسه واخذ علومه منه... والله العظيم إنه طيب ومافيه إلا العافية...


بس نبيك لا جيتنا عقب شهر تطول عندنا..







*********************************








"وش أخبار علي يوم كلمك؟؟"



كسّاب بهدوء عميق: طيب.. الخبل كان بيأتي.. بس أنا حلفت عليه مايتعنى ويأتي



منصور بحزم ومودة: زين الحين قل لي وش اللي شاغل تفكيرك كذا.. من يوم طلعت من التوقيف وأنت مهموم


ترا السالفة بسيطة وأنت داري..



كسّاب يتنهد: القضية والله ماهمتني.. بس أنا بالي مشغول على خالتي



منصور يسترخي في جلسته: خالتك طيبة وبخير ومافيها إلا العافية..



كسّاب بهم: وضعها كذا مهوب مقبول.. أنا الحين قاعد عندها بس أنا عرسي عقب شهر.. وإبي شارط أسكن عنده


وأنا مستحيل أخلي خالتي ترجع تقعد بروحها عقب اللي صار.. مستحيل



منصور بعدم اهتمام: وش الحل عندك؟؟



تنهد كسّاب ليهتف بعدها بحزم وكأنه يلقي قنبلة: الحل أنها تزوج إبي.. إن شاء الله غصبا عنها.. وتجي عندنا في البيت



منصور اعتدل في جلسته بحدة مفاجئة وهو يصر على أسنانه: نعم.. عيد..



كسّاب بحزم: تزوج إبي.. وابي أظني ما عنده مانع ولا هو برادني إذا طلبته


المرة اللي فاتت مع أنها كانت فكرتي بس أنا كنت صغير.. ومالي حكم


لكن الحين بأغصبها..



حينها توسعت عينا منصور بدهشة وغضب: ليه هو كان فيه مرة من قبل؟؟



كسّاب بطبيعية: إيه قبل حوالي 14 سنة.. بس خالتي ما رضت



حينها تفجر غضب منصور بشكل عات وكاسح: وأنا وين كنت أيام تيك الخطبة؟؟ ليش ما دريت بها


زايد عمره مادس علي شيء.. أشلون يدس علي موضوع مثل هذا



كسّاب يسترخي في جلسته: والله إنشد إخيك لا تنشدني... وعلى العموم ما صار شيء عشان تدري به..


خالتي رفضت بدون نقاش حتى..


بس ذا المرة خلاص.. ماني بسامح لها.. بتأخذ إبي بتأخذه



حينها قال منصور بحزم مثقل بالغموض وبعبارة قاطعة مفاجئة: وليش إبيك ومهوب أنا؟؟



قفز كسّاب معتدلا: نعم؟؟ أنت من جدك؟؟



منصور هز كتفيه وهتف بثقة: طبعا من جدي... ومثل ما تصفط لإبيك اصفط لعمك


يعني مثل منت شايف خالتك محتاجة رجّال.. منت بشايف إن بيت عمك محتاج مرة..



حينها هتف كسّاب بنبرة فيها غضب: عمي المواضيع ذي مافيها لعب.. وأنا عارف إنك ما تبي تتزوج


وأنا ما أسمح لك تخلي خالتي مطنزة لك..



أشار له منصور بيده بصرامة: اقعد ياولد لا تنشق بلاعيمك بس.. ليه أنت شايفني ألعب عشان أمزح في موضوع مثل هذا


ثم أردف بحزم: أنا أخطب منك خالتك.. وياويلك تردني..


وأبغيك الحين تقول لها اللي أنا بأقوله لك بالحرف.. عشان إذا وافقت علي توافق على بينة


وعلى العموم أكثر الكلام اللي أنا بأقوله لك أنت عارفه..


بس فيه شغلة بسيطة أبيك تضيفها.. أو بمعنى أدق تقدر تقول شرط..







*****************************************







كانت أم غانم تضع مها الصغيرة في سريرها.. لتتفاجأ بملمس شفتين على كتفها من الخلف..


انتفضت وهي تسمي بسم الله وتهمس بغضب من بين أسنانها: أنتي يا بنت منتي بمرتاحة لين تجيبين لي الخفة...



سميرة بابتسامة وهي تهمس بصوت خافت حتى لا توقظ أخويها النائمين: يا ماما يائلبي أنتي.. أحب أدخل بهدوء وأكون كذا مثل النسمة



أم غانم تبتسم: قال نسمة.. قصدش عجة طايرة..



سميرة تلوي شفتيها: أخييييه على الألفاظ.. الحين وحدة مثلش رقيقة واسمها جيهان وتقول عجة.. وش خليتي حق عطيات وفتكات ونبوية؟!!



أم غانم تبتسم: خليتش أنتي كفاية وزود..


ثم زادت ابتسامتها: تدرين يا بنت إني قربت أنسى إن اسمي جيهان.. حسبت إني مولودة واسمي أم غانم



سميرة برجاء لطيف: زين يا جيجي يام غنومي.. تكفين طالبتش ما ترديني..



أم غانم تسمح على شعرها بحنان: آمري ياقلبي..



سميرة بتردد: إذا جات أم امهاب تبي رد.. تكفين ما تقولين لها إن إبي رافض..


قولي إن أنتي مالقيتي فرصة تقولين ليه.. تكفين



أم غانم بحزم: أسفة.. هذي آخرتها.. عاوزاني أعصى أبو غانم عقب ذا السنين..



سميرة برجاء عميق: يمه تكفين.. تكفين



أم غانم تشير بيدها بحزم: خلاص انتهى النقاش.. وروحي لغرفتش عندش امتحان بكرة وبالش مشغول بذا السوالف الفاضية


يا الله فوق يا بنت..




سميرة صعدت وهي تشعر باختناق عميق.. لِـم هم عاجزين عن احترام رغبتها في الاختيار؟!!


تشعر أن تميم هو الرجل المناسب لها للعديد من الأسباب..


بل لم يعد الأمر مجرد شعور بل إحساس أشبه باليقين


إذا لم تكن لتميم.. فهي لن تجد السعادة مع غيره!!!!





كانت أم غانم تنتهي من إعداد زجاجات الحليب وترتيبها.. حين دخل أبوغانم ووجهه غائم.. وناظره معقود


سلم بحزم.. وهو يلقي غترته على السرير.. أم غانم التقطتها وهي تنظر له باستغراب.. علقتها ثم عادت وجلست جواره


همست بقلق: اشفيك يأبو غانم..عسى ماشر؟؟؟



هتف أبو غانم بحزم غامض: سميرة مقتنعة بتميم وتبيه صدق؟؟ وإلاّ لعب بزران؟؟



أم غانم تخبره بتلقائية وهي تقوم لتقف: بصراحة مقتنعة فيه كثير.. وتوها كانت عندي قبل تجي.. وتعيد نفس الموال..



وقف أبو غانم وهو ينفذ عن كميه حتى يتوضأ ويهتف بحزم شديد:


خلاص إذا بغت أم امهاب ردنا.. قولي لها تقول للرياجيل يتوكلون على الله ويكلموني...



أم غانم انتفضت بجزع: من جدك يا راشد.. بتوافقها على خبالها؟؟



أبو غانم توجه للحمام وهو يهتف بحزم: دامها تبيه.. خلاص هي اللي بتعيش معه..







*******************************************








صباح اليوم التالي



كسّاب متوجه لعمله.. نهار عمل اعتيادي.. كأي يوم آخر!!




وهو يقود سيارته لمحت عيناه اسم هيئة حكومية.. لا يعلم لِـمَ شعر أن الأمر شد انتباهه


رغم أنه يعبر هذا الطريق بشكل شبه يومي في طريقه لعمله منذ أكثر من 3 سنوات.. ويعبر يوميا من أمام هذه الهيئة.. وهيئات أخرى غيرها


فلماذا هذه الهيئة بالذات لفتت انتباهه اليوم..؟؟



حينها عرف السبب وهو يبتسم ويستدير ليتوقف في مواقف زوار الهيئة ومراجعيها..


دون أن يتراجع فيما قرره لأفكار عديدة وعميقة ازدحمت في رأسه!!




" أمممممممم مكان عمل المدام..


خلنا نشوف المكان اللي هي متمسكة فيه


ونشوفها بالمرة !! "




لا يعلم ما الذي دفعه لهذا الجنون؟؟ ولهذا التصرف غير المعقول؟؟


فليس مقبولا مطلقا في عرفهم ولا عاداتهم أن يرى زوجته أو حتى يحادثها قبل الزواج فعلا



ولكنه شعر أنه يريد أن يراها.. يحادثها.. وخصوصا أن المكان هنا مكان محايد عام..


لذا قرر أن يترجم هذه الرغبة إلى قرار يتم تنفيذه فورا



فهل كانت هي مجرد الرغبة أن يرى المخلوقة التي أصبحت تنتمي له؟!


أم فعلا أراد أن يراها في مكان عملها الذي أصرت عليه؟؟


أو ربما أراد أن يشعر بأدنى اهتمام بهذه المرأة التي يشعر بعدم الاهتمام بها رغم ارتباطهما بالرباط الأكثر قدسية


أو ربما أراد أن يرى المخلوقة التي قدم والده كل هذه التنازلات من أجل أن يوافق على الزواج منها؟؟


أو ربما يرى ابنة الانثى الجبارة التي من مازالت تحتل تفكير والده؟؟


لا يعلم أيها هو الأهم... أو كلها مهمة...





كسّاب صعد بالفعل بعد أن سأل الاستقبال عن مكان عملها بالتحديد..


توجه للطابق الثاني حيث مكان مكتبها



وصل إلى مكتبها ليدخل بثقة مسيطرة


ثم توجه لمكتب سيدة منقبة كانت مشغولة بفرز بعض الأوراق


ليهتف بذات الثقة المسيطرة: ممكن أقابل الأستاذة كاسرة؟؟



فاطمة توترت نوعا ما..وهو ترفع رأسها لصاحب الصوت الحازم المتحكم


لتتوتر أكثر..


هذا الحضور القوي المغلف بغموض مثير ورجولة طاغية.. وهذه الأناقة الفخمة المتجبرة .. مع نبرته الواثقة في الحديث..


كل هذا جعلها تشعر أنه رجل يُشعر بالخطر فعلا في حضرته المتأنقة الغامضة والمتسلطة



ومع ذلك هتفت بمهنية واحترام: ممكن أعرف من حضرتك؟؟ عندك موعد.. و ممكن أعرف سبب الزيارة؟؟



كسّاب بثقة كاسحة: أنا صاحب شركة K K ..و موعد لا ماعندي.. سبب الزيارة إنه إحنا نبي نسوي رعاية لبعض أنشطة قسمكم..


وتفضلي هذا كرتي..



فاطمة قرأت الاسم وهي مرتبكة ..لم تنتبه حتى له.. ووقفت وهي تتجه لمكتب كاسرة..أحبت أن تخبرها بنفسها وليس عبر الهاتف



دخلت لكاسرة ووضعت الكرت أمامها وهي تهمس بنبرة خافتة :


فيه واحد صاحب شركة يبي يسوي رعاية لبعض أنشطة القسم..يبي يقابلش


وبصراحة شكله يخوف..



كاسرة باستغراب : شكله يخوف أشلون؟؟ بشع يعني؟؟



فاطمة بشبح ابتسامة: لا والله أما صفة بشع ذي.. فهي أبعد صفة عنه.. بس بعد شكله يخوف.. ويخوف من قلب



كاسرة بهدوء عملي: عندي أي مواعيد الحين؟؟



فاطمة بطبيعية : لا الحين مافيه..



كاسرة حينها هتفت بمهنية وهي ترتدي نقابها: خلاص خله يتفضل.. وأنتي وسماح تدخلون قبله



فاطمة خرجت ثم أشارت لسماح أن تأتي.. ثم هتفت لكسّاب باحترام: تفضل يا أستاذ من هنا




كسّاب توجه للباب ..والاثنتان كانتا تسبقانه وعلى وشك الدخول قبله لولا صوته الحازم: وين داخلين أنتي وياها؟؟؟



فاطمة ارتبكت من نبرة التحكم البالغة في صوته: بندخل مع حضرتك.. أستاذة كاسرة ما تقابل أي رجال إلا بوجودنا كلنا



حينها هتف كسّاب بنبرة سخرية غامضة: الأستاذة كاسرة متزوجة.. صح؟؟



فاطمة ابتلعت ريقها وهي لا تعرف سبب السؤال: إيه نعم؟؟



كسّاب بذات النبرة الساخرة المتحكمة: وتعرفين اسم زوجها أكيد؟؟



فاطمة بدأت تغضب من هذا البارد الوقح: أكيد أعرفه..



كسّاب بسخرية أشد أقرب للتهكم: يبقى أكيد أنتي ماقريتي الاسم اللي على الكرت



فاطمة عاد لها الارتباك: ما ركزت صراحة..



حينها عاود كسّاب استخراج بطاقة أخرى وهو يهتف بسخرية واثقة: تفضلي..


وارجعي أنتي وزميلتش كل وحدة لمكتبها واقري الاسم عدل


إلا لو تبون تقعدون معي أنا ومرتي هذا شيء ثاني



فاطمة تراجعت بحرج وصدمة كاسحين وهي تقرأ الاسم...


بينما كسّاب فتح الباب ودخل وأغلق الباب خلفه...






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 11-05-10 04:48 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباح الألق والحماس والروعة اللي تشبهككم


.


ألف مرحب بكل المنظمات الجدد


نورتوا مكانكم وحياكم الله وعلى الرأس والعين


.


أما عاد صديقاتي القديمات.. جد تعبتوني مع البارت اللي فات


شكلي أخفف شوي من حدة القفلات أفضل


لأنه بالفعل أحس البعض من قد ما أعصابهم انشدت ماقدروا يقرون البارت عدل


على العموم فيه كم بارت جاي إن شاء الله قفلاتها خفيفة


لأني أظل أرتب في البارت لين اللحظة الأخيرة


بس بعد كم بارت فيه قفلة ثقيلة شويتين إن شاء ربي


والمهم دائما أن تستمتعوا وتتعمقوا


.


.


الحين العسل اللي قالوا إن كساب قال إن شركته KK


يقصد حرفه وحرف كاسرة .. هم من جدهم كانوا يتكلمون عن كسّاب أو واحد ثاني


الحين وش هالرومانسية اللي حلت عليه على طول يسمي الشركة باسمه واسم كاسرة


أكيد كساب استخف لو سواها..


انتبهوا معي


كساب آل كساب


KK


اسم شركته باحرف اسمه هو.. وشركته شركة معروفة لها اسمها اللي أكيد مكتوب في الكرت اللي عطاه فاطمة


ماراح يألف له اسم شركة من كيفه :) يعني هذا فعلا اسم شركته من سنين..


وعلى فكرة ترا رعاية بعض الشركات لأنشطة الحكومة شيء معروف في كل العالم


وموجود عندنا في قطر


.


.


ومن كساب وكاسرة ننتقل لقضية عمل كاسرة وفرقه عن عمل مزون..


البعض الحين يقولون أشلون كسّاب يتقبل عمل كاسرة وما يتقبل عمل مزون


لاحظوا إن امهاب تقبل عمل كاسرة وما تقبل عمل مزون


عمل المرأة في مجال الطيران الذي هو مجال رجالي بحت بل سيضطرها للسفر دون محرم


هو شيء مختلف عن عملها في هيئة حكومية.. في مكاتب منفصلة


حتى لو كانت تقابل رجال لكن بدون خلوة وفي أضيق الحدود


.


.


ونجي للعسولة الثانية التي تبيهم يذبحون كسّاب عشان اتهامه بجريمة قتل..من باب إن القاتل يقتل


يا قلبي أنتي.. مع أن حكم الدفاع عن النفس شيء معروف بس ما يضر نجيبه


أنا أحب دائما ألقى لي سبب أحط شوية أحاديث وآيات ونفيد بعض عل الملائكة تحفنا يارب


الحين يا قلبي إذا حد تهجم عليك.. ما تدافعين عن نفسك عشان ما يذبحونك؟؟


الإسلام دين العدالة.. واللي يتعدى على حرمات غيره يستاهل القتل


" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"


وهذا هو الحق.. لأنه تجاوز الحق


فقد جاء في صحيح الإماممسلم: أن رجلاً قال: يارسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟قال: هو في النار.


قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلاً أو كثيراً لعموم الحديث. وهذا قول لجماهير العلماء.. وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف.


(والمعنى أنه لو أتاكِ أحد يريد مالك حتى لو كان ما سيأخذه قليل.. من حقك أن تقتليه..


فكيف لو كان يريد ما هو أعظم من المال وأثمن)


أي نخلص من كل هذا أن القتل دفاعا عن النفس أو المال أو الحريم لا يقاصص من يفعلها بالقتل.


وانتبهوا أني ما قلت إنه طلع براءة... لكن قلت طلع بكفالة انتظارا للمحاكمة


.


أما ما استغربته فهو تعليق الغالية أم أحمد التي ترى أن الدم رخيص عند منصور وكساب


أقول للغالية جدا : إسألي أي رجل نفسه حرة.. لو أنه رأى عرضه على وشك الانتهاك


فأي عقل سيبقى فيه ليفكر هل الدم غالي أو رخيص


بل أي رجل رخيص هو إن بقي يفكر في حرمة دم هذا الحقير


الذي كان على وشك انتهاك كل حرمة ولم يراعي أبسط حقوق إنسان مثله وهو حق الحفاظ على جسده من الانتهاك


الله يستر على أعراض كل المسلمات


العقل يطيش فعلا عند العرض.. وأنا هنا أتكلم في أمر واقعي.. ليس فقط كساب ومنصور كشخصيات قصصية متخيلة


بل في الحياة والواقع هذا فعلا ما سيحدث وما سيفعله أي رجل عنده غيرة على محارمه


.


أما لو قلتوا ليش الموت ليش مجرد مو مجرد ضرب مبرح <<< هذا لغاية قصصية


وليس لأني متوحشة وأبي أقتل في خلق الله


لانه الرجل لو ظل عايش أكيد بيقول في التحقيق اللي هو سواه


وهذا بيفتح باب ثاني ويسوي مشكلة لعفراء ما تفيدني في تراتبية الحدث


و على العموم أنا أؤمن إن التعدي على أعراض الناس صاحبه تجرد من كل إنسانية ويستحق اقسى ألوان العقوبة حتى يكون درس لغيره


.


.


ألف شكر للفراولة على تكرمها بالتوضيح


.


.


أما من استغربوا كيف تجرأ على الدخول مع معرفته بأهل البيت وشدتهم


فالقضية بسيطة جدا


نحن نحلل وندرس أبعد الفرضيات.. لكن غالبا يوجد بشر قد نتعجب من غباءهم


يعلم أنها لوحدها في البيت وتعمل صباحا في وقت مبكر.. توقع أن تكون نائمة


الطريق سهل للدخول.. ليسرق بعض الأشياء


ولكن رؤيتها أيقظت فيه رغبة أخرى اوقفت كل تفكير منطقي لديه


.


.


.


ومن هنا ننتقل لقضية طريفة وربما أنا أكررها دائما في كل قصة


قد أكون أحاول الاقتراب من حدود الواقع في طرحي للقضايا


ولكن أبقى حريصة جدا على إدخال عنصر الخيال والمفاجأة والأكشن والصراع


لأنه هذه تبقى قصة لها هدف يتراوح بين العظة والمتعة..


وليست مجرد رصد واقعي يوقعنا في دوامة قسوة الحياة والبحث عن منطقها


.


.


اليوم بارت ظريف خفيف ينتهي بقفلتين خفاف إن شاء الله على قلوبكم الغالية


طبعا فيه لقاء الجبابرة <<< جد تعبت فيه إن شاء الله يرقى لتوقعاتكم


وتعرفون سر منصور اللي قلت لكم من البداية لو كنت قلت ما أدري


إنه بيكون أبسط مما توقعتم


طبعا فيه كثير جدا مما توقعتوا.. لكن مو بالصورة نفسها


وعلى العموم هذا السر لن ينكشف بحذافيره تماما إنما سنسمعه من وجهة نظر كساب وعمه


لذا لنا دائما عودة إليه


.


نجمتنا اليوم لزوزو الحلوة جابت تسع أعشار التوقع صح <<< ماشاء الله


.


عمر عفراء 37 يعني هي اللي أصغر من منصور بـ6 سنين<<< إجابة عن تساؤل


.


تتعب معاي.. طهور ألف لابأس عليك.. فعلا الجو صار تعيس


وكذلك أم الجمايل.. ألف الحمدلله على السلامة والسموحة على التأخير والتقصير


.


.


إليكم


الجزء التاسع عشر


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع عشر







لا يعلم ما الذي دفعه لهذا الجنون؟؟ ولهذا التصرف غير المعقول؟؟


فليس مقبولا مطلقا في عرفهم ولا عاداتهم أن يرى زوجته أو حتى يحادثها قبل الزواج فعلا



ولكنه شعر أنه يريد أن يراها.. يحادثها.. وخصوصا أن المكان هنا مكان محايد عام..


لذا قرر أن يترجم هذه الرغبة إلى قرار يتم تنفيذه فورا



فهل كانت هي مجرد الرغبة أن يرى المخلوقة التي أصبحت تنتمي له؟!


أم فعلا أراد أن يراها في مكان عملها الذي أصرت عليه؟؟


أو ربما أراد أن يشعر بأدنى اهتمام بهذه المرأة التي يشعر بعدم الاهتمام بها رغم ارتباطهما بالرباط الأكثر قدسية


أو ربما أراد أن يرى المخلوقة التي قدم والده كل هذه التنازلات من أجل أن يوافق على الزواج منها؟؟


أو ربما يرى ابنة الانثى الجبارة التي من مازالت تحتل تفكير والده؟؟


لا يعلم أيها هو الأهم... أو كلها مهمة...





دخــــــــــل ..


دخل بخطواته الواثقة وحضوره المتحكم الصارم.. وكأنه بخطواته التملكية هذه يترجم إحساسه بأنه يملك المكان وصاحبته




كانت منكبة على أوراق تقلبها بين يديها.. ولم تنتبه مطلقا لدخوله.. تنحنح بفخامة معلنا عن وصوله العاصف..



لتقفز حينها بغضب هادر وهي ترى رجلا غريبا يقترب منها بخطوات مفرطة في ثقتها بدأت تُضيّق المسافة الفاصلة بينهما


والباب مغلق... ولا وجود لأي شخص ثالث معهما...



شعرت كاسرة فعلا بالخطر.. الخطر بمعناه المعنوي وليس المادي..


الخطر النفسي المتزايد وهي تنظر للرجل المتقدم ناحيتها وحضوره الرجولي العاتي المتدفق كأعاصير أستوائية صاخبة بدا كما لو كان يعبث بها..


ويوقف عقلها -الذي يكون عادة حاضرا في كل موقف- عن التفكير في هذا الموقف


وهي تشعر فورا بمشاعر أنثوية غريبة ثقيلة الوطأة..


مشاعر بدت لضميرها الحي غير سوية أبدا (يا ترى شكلي مرتب.. لا يكون نقابي معفوس)



حضوره الغامض الفخم المتأنق لأبعد حد.. لنخاع النخاع.. أوحي لها بالرغبة في الظهور أمامه بأفضل صورة لسبب لم تتيقنه أبدا



كاسرة انتفضت في داخلها بجزع كاسح: أعوذ بالله منك يا أبليس.. عمري ما فكرت ذا الأفكار المريضة


أفكرها الحين عقب ما صرت مرة في ذمة رجّال..


صحيح إن أبليس يجري من الإنسان مجرى الدم.. وما أجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما




دارت كل هذه الأفكار في رأسها خلال ثانيتين...استعاذت بالله من الشيطان الرجيم.. وضيق عميق يطبق على نفسها لتصرخ بعدها بحزم:


لو سمحت يأستاذ أنت اطلع برا.. لحد ما يجون سكرتيراتي..



بدا له صوتها ساحرا عذبا عميقا دافئا.. ومؤثرا لأبعد حد وبصورة غريبة.. كأنه صوت طيفي ينقلك لمستوى آخر من الإحساس..



ومع ذلك استمر في التقدم بذات الثقة المتسلطة بينما كاسرة التقطت الهاتف وهتفت بحزم شديد: لو سمحتي فاطمة تعالي انتي وسماح بسرعة



فاطمة تكتم ضحكاتها: اقري الكرت اللي قدام عيونش أول



كاسرة رفعت الكرت لمستوى عينيها بينما كسّاب جلس وهو يهتف ببرود ساخر:


وانا أقول من وين الغباء جاء لسكرتيرش.. أثره عدوى من الرئيسة



رفعت كاسرة عينيها له والإعجاب العميق به كرجل قبل دقائق.. يتحول لمشاعر متبلدة ملتبسة أشبه بالنفور..


مشاعر أشعرتها بالراحة أنها لم ترتكب ذنبا قبل ثوان بإعجابها المؤقت به..


ومن ناحية أخرى أشعرتها بالتحفز.. وهي ترد عليه بذات البرود الساخر:


كفارة.. السجن للجدعان..


ما توقعت إنك تطلع بذا السرعة.. لا وتطلع علي مباشرة..



حينها مال كسّاب على المكتب لينظر لها بشكل مباشر..


ولتخترق رائحة عطره المركز الثمين كل حويصلاتها الهوائية رغم كثافة قماش النقاب الذي ترتديه


وعيناه تتعلقان بالشيء الوحيد الظاهر منها بغير وضوح لشدة ضيق فتحات النقاب.... عيناها !!!



(نعنبو وش ذا العين وإلا ذا الرموش طبيعي ذي والا تركيب!!!)


ولكنه رد عليها بذات برودهما المشترك.. الساخر المحترف وغير المصطنع إطلاقا:


أول شيء أنا مادخلت السجن حتى.. وبعدين وش ذا الثقة اللي عندش إني جاي على طول على حضرتش.. أنا طالع من أمس



ردت عليه باحتراف جاهز: بس توك لقيت فرصة اليوم.. وما فوتتها أبد



حينها هتف بسخرية حادة: صحيح كنت بأموت لو فوتت شوفتش يا قلبي..



كاسرة ببرود محترف: قلبي على طول.. ماعندك وقت.. يظهر قلبك معلقه في مخباك..



كساب ببرود أشد احترافا: القلب اللي معلق في المخبا لناس يعرفون قدرهم


والقلب الثاني يعجزون ما وصلوه..



كاسرة تضايقت من وقاحته الجريئة وهو يوجه لها حوار حميم مثل هذا.. وفي مكان عملها..


حتى وإن كانت متأكدة إن أخر ما يقصده هذا الكساب من حواره هو "الحميمية"..


لذا هتفت بحزم: يا أستاذ كسّاب..


أنت جايني في مكان شغلي.. ومكان الشغل للشغل مهوب للقاءات الأسرية



حينها رد عليها كسّاب بسخرية واثقة مباشرة: ليه احنا صرنا أسرة خلاص..؟؟



فردت عليه بذات مباشرته الساخرة: تصدق المأساة ذي؟؟ يا حرام..



استشعر فورا ذكائها الخطر.. فهو ابن سوق بالفطرة .. اعتاد على سبر أغوار محدثيه قبل اتخاذ القرارات..همس بنبرة متلاعبة :


إيه والله حرام.. خلاص عندش شهر تعودين على فكرة المأساة ذي


وإلا تكونين ما تدرين إن زواجنا تحدد بعد شهر..؟؟



كاسرة ردت عليه بذات نبرته المتلاعبة كما لو كانا في مبارة كرة قدم يتقاذفان الكرة بينما على ذات المستوى من القوة والندية:


وش ظنك؟؟ إنه ممكن يتحدد موعد عرس وانا ما دريت فيه..


بس بصراحة..


ما تخيلتك مأساة بذي الطريقة.. يعني شهر ما أدري تكفيني أتاقلم معها وإلا لا



رد عليها بنبرة أكثر تلاعبا فيها رائحة خبث شاسع: ترى كلمة مأساة أحيانا تحتمل الإيجابية فوق مضمون الإيجابية نفسه


عشان كذا ترا مضمون الغزل وصلني خلاص وفهمته..



حينها ردت عليه بخبث كخبثه: تدري وش هي مشكلة أصحاب الذكاء المحدود؟؟


يفهمون اللي يبون على كيفهم عشان يريحون عقولهم الصغيرة اللي فهمها على قدها




حينها ابتسم كسّاب ولا تعلم لما شعرت في داخلها باستغراب ما.. بدا لها منذ رأته للوهلة الأولى.. أنه مخلوق لا يعرف الابتسام


فإذا به يبتسم.. وابتسامته رائعة أيضا.. كسّاب هتف بتهكم مع ابتسامته:


تدرين إنش عجبتيني .. ردش جاهز على طول.. وش ذا اللسان اللي عندش..



ردت عليه كاسرة بالبرود الساخر ذاته: ما عليك زود..


إلا قل لي..أيش تتوقع يوم تقول أني عجبتك..؟؟؟ انتحر من الوناسة مثلا لأني نلت الرضا السامي



كسّاب بسخرية واثقة مغلفة بالغرور: ليش لأ.. شرف ما كنتي تحلمين به..


أنا واحد لازم أجلس مع الواحد أكثر من مرة قبل أحكم عليه


السوق علمني كذا.. وكون أنش تعجبيني ومن أول مرة.. لازم رأسش يكون بين السحاب الحين



كاسرة بثقة مغلفة بغرور أكثر استحكاما: ترا رأسي بين السحاب من زمان.. عشان أنا هي أنا..



كسّاب يرفع حاجبا ويهتف بسخرية: يه يه يه.. على مهلش لا ينقطع عرق في رقبتش بس!!



كاسرة بسخرية مماثلة: لو كان انقطع في رقبتك عرق قبل شوي.. يكون انقطع في رقبتي مثله



كسّاب ينظر لها بشكل مباشر: ليه أنتي تبين تقارنين نفسش فيني.. ترا بتتعبين..



كاسرة تضع عينيها في عينيه وتهتف بثقة: أكيد بأتعب ما دمت بأحاول أوصلك أنت مستوى مستحيل أنت توصل له ولا في أحلامك..



كسّاب نظر لها باستهزاء أقرب للاحتقار: ما تشوفين إنش مغرورة زيادة عن اللزوم...



كاسرة استرخت في مقعدها: بعض ما عندكم...



كسّاب يتلفت حوله ثم يهتف بثقة ساخرة: طيب يامغرورة هانم..


أنا طالع من البيت حتى قهوة ما شربت.. وانتي معدومة ذوق حتى فنجان قهوة ما عزمتي فيه علي



كاسرة بهدوء حازم: والله هذا مكان شغل.. تبي تتقهوى روح أي كوفي وعليك بالعافية



كسّاب رسم ما يشبه ابتسامة: صدق إنش معدومة ذوق.. وأنا جاي في شغل.. وإلا سكرتيرتش الغبية ما قالت لش



كاسرة بنبرة غضب حازمة محترفة: ما أسمح لك تسبها ولا تتطاول على أي حد قدامي


وشغل من وراك الله الغني عنه.. تفضل تراك عطلتني عن شغلي



حينها رد عليها كسّاب بنبرة غضب حاد يتخللها تحكم كاسح: صوتش ما ترفعينه علي مرة ثانية


وإلا والله ثم والله لا تشوفين شيء ما يسرش..



حينها وقفت وهي تهمس من بين أسنانها بغيظ غلفته ببرود بارع: أنا أساسا ما رفعت صوتي لأني احترم نفسي قبل أي شيء ثاني


عشان حضرتك تجي تتهمني بكذا.. لا وتهددني و الحبر اللي وقعنا به عقد زواجنا مابعد نشف..



حينها هتف لها ببرود مستفز: ومهوب لازم ينشف.. ولو تبين ألغيناه وحطينا جنبه عقد ثاني ويجفون عقب سوا...



حينها ابتسمت وهي ترد عليه بسخرية مقصودة: والله إني دارية إن هذي أخرتها..


وإلا وش أتوقع من بزر.. عقله أخر شيء يفكر يستخدمه



كساب توسعت عيناه بدهشة وغضب: من البزر؟؟



كاسرة ببرود: حضرتك طبعا..بزر وستين بزر بعد..


وأثتبت إنك بزر بتفكيرك اليوم..


جايني لمكتبي بكل وقاحة وبدون تفكير... ونافش ريشك.. ثم تهدد بالطلاق..


فيه مبزرة أكثر من كذا..



كسّاب وقف وهو يهتف بثقة كاسحة مقصودة: تدرين إني دريت إنه ما ينشره عليش عقب ذا الهرجة.. هرجة خبلان فعلا


سحبنا الإعجاب بلسانش خلاص..



عندي اجتماع عقب نص ساعة وإلا كان قعدنا نكمل كلامنا مع إنه أنتي بصراحة تقرفين الواحد يكمل حواره معش..


بس شركتي بالفعل بتسوي رعاية لأنشطة قسمكم


وطبعا هذا نوع من الدعاية لشركتي و في نفس الوقت دعم لأنشطة الحكومة



كاسرة بحزم: أولا.. أنت وإعجابك ما تهموني.. سحبته أو خليته.. لأني ماني بمحتاجته ولا محتاجة شهادتك فيني


ثانيا شكرا.. ماني بمحتاجة إن حد يقول إن الرعاية هذي جات مجاملة لي



كسّاب بثقة: قلت لش إنش غبية.. لأنه أولا لازم أنا عندش في المقام الاول وغصبا عنش.. ورأيي لازم يكون الأهم عندش


وثانيا ياحرمنا المصون وش فيها لو كانت مجاملة لش.. ذا الشيء بيثبت أرجيلش في المكان



كاسرة بثقة متمكنة: أرجيلي ثابتة بجهدي ويميني.. وما أسمح لك أبد تعيد غبية هذي..


أو تدري حتى لو تبي تعيدها.. عيدها مثل ما تبي..عادي.. ما يهمني ظنك فيني..



كسّاب ابتسم بسخرية: وعندش إني صدقتش الحين؟! داري إنش بتموتين تبين تنالين الرضا السامي على قولتش



كان يستعد للخروج بينما كاسرة تلجأ لقوة سيطرتها على تصرفاتها حتى لا تلتقط شيئا وتقذف به رأسه الفارغ.. الفارغ كما هي تراه..



ولكن كسّاب التفت لها وهو يهتف لها بتجبر متعاظم:


اليوم ترا عديت لش واجد بمزاجي..بس اعرفي إنه ترا مهوب كل يوم مزاجي رايق مثل اليوم واستحمل وأعديها


ترا بالعادة نفسي في طرف خشمي..



لم يسمح لها أن ترد الرد الذي أصبح يعلم يقينا أنه جاهز على طرف لسانها لأنه كان قد وصل الباب...


وهو يفتحه سمع فاطمة تترجى في أحدهم:


يأستاذ سعود.. أستاذة كاسرة الحين مشغولة.. قلت لك عندها ضيف.. والقرار نهائي ولازم التنفيذ



سعود كان صراخه يتعالى بغضب: إيه علينا مسوية شريفة مكة وهي قاعدة مع رجال بروحهم والباب مسكر


بنت اللذينا أنا أنا تنقلني من قسمني اللي أنا فيه من قبل هي ماتشتغل هنا حتى..




كان سعود مازال سيتكلم لولا أنه فوجئ بيد قوية متجبرة بالغة القوة والتجبر تمسك بجيبه وترفعه لأعلى وقدماه ترتفعان عن الأرض


ويأتيه فحيح كسّاب المرعب من بين أسنانه: شريفة مكة غصبا عن طوايفك يا ابن الــ


تشهد على روحك.. اللي يدوس على طرف ثوب محارمي أدهسه هو بكبره..



كاسرة كانت خرجت خلف كسّاب فورا حين سمعت صوت سعود..


وهاهي تمسك بمعصم كسّاب الحر.. لأنه كان يرفع سعود الذي بدا وجهه يحمر بيد واحدة


وهي تهتف برجاء عميق: كسّاب تكفى هده.. واللي يرحم والديك هده


تكفى كسّاب بس كفاية.. الرجال بيموت في يدك..



حينها ألقى به على الأرض بقوة..


بينما سعود زحف للزاوية وهو يمرر يده على عنقه مكان ضغط جيب الثوب ويلتقط غترته وعقاله اللذين سقطا أرضا



حينها انحنى كسّاب عليه وهو يصر على أسنانه بتهديد حقيقي مرعب:


والله ثم والله لو شميت ريحة إنك وطوطت عند مكتب مرتي وإلا ضايقتها بكلمة


إنه يكون آخر يوم في عمرك..سامعني!



الغريب أن كاسرة خلال كل هذا وحتى بعد أن ألقى بسعود وهي ممسكة بمعصمه.. وأناملها الزبدية تحيط بعروق معصمه النافرة


لم تشعر بنفسها أبدا.. كانها تنفصل لعالم آخر


وإحساسها بقوته من هذا القرب يسكرها بإحساس غير مسبوق.. غير مفهوم.. غير مفسر



بينما كسّاب لم يشعر بشيء إطلاقا ولم يتحرك بداخله شيء سوى رغبته في التنفيس عن غضبه الدائم


حتى في دفاعه عن كاسرة هو يدافع عن نفسه ومكانته وصورته


وكاسرة ليس لها وجود سوى لأنها شيء ينتمي له كشيء وليس كأنسان حتى



لذا همس ببرود دون أن ينتبه حتى لملمس الحرير الاستثنائي الذي كان يمسك بمعصمه:


لو سمحتي فكي يدي.. الرجّال طلع خلاص ليش ماسكتها..



كاسرة انتفضت وهي تفلت يده.. وتتراجع دون أن تتكلم بكلمة.. وتعود لمكتبها


بينما كسّاب غادر متوجها لشركته



فاطمة توجهت لكاسرة وهي تجلس مقابلا لها تضع يدها على قلبها وتهمس بنبرة انبهار:


سوسو.. ماشاء الله ماشاء الله رجالش يجنن يهوس.. الله يهنيش يا قلبي



حينها قالت كاسرة بضيق حقيقي: من جدش؟؟ والا تطيبين خاطري بس؟؟



فاطمة باستغراب: ليه أنتي ماعندش عيون؟!!



كاسرة بضيقها الفعلي الذي بدأ يتأزم فعلا والذي أخفته خلف حزم صوتها المعتاد:


عندي عيون قالت لي إني مقبلة على حياة وكسة.. اللهم أني أسألك اللطف والثبات


اللهم لا اعتراض على حكمك ..بس أنا وش سويت في حياتي تبلاني بواحد مافيه عقل مثل هذا..


قبل يومين ذبح له واحد.. واليوم كان بيذبح الثاني..


حلفتش بالله فطوم رجّال مثل ذا أشلون ينعاش معه.. أنتظر لين يصير عندنا عيال ويذبح له حد ويعدمونه




فاطمة بغضب: ما أشين فالش.... والرجال ظروفه جات كذا وورا بعض


يعني قبل يومين واحد يسرق بيته وتهجم عليه.. يخليه ويقول روح الله يسامحك


واليوم واحد طول لسانه على مرته.. سعود باقي يتهمش في شرفش.. مافيه رجال فيه خير يسمع ذا الكلام ويسكت


ولو هو سكت يكون مهوب رجال أساسا



كاسرة بثبات: بس مهوب كل شيء ينحل بالعنف..



فاطمة بثبات مماثل: بس مواقف مثل ذي ما تنحل الا بالعنف...







************************************







"يا فشلتي والله أني منحرجة من أم امهاب من البارحة..


تخيلي المرة جايتني بشبكتي.. أقوم أعقر في بنتها وهي تسمع!! "



شعاع تمسح على كتف جوزاء المتضايقة من البارحة والتي كانت تزفر بحرارة إحراجها وضيقها المتزايد:


ياجوزا.. ترا الاعتراف بالغلط أول خطوة..


دامش شايفة إنش غلطانة حاولي تصلحين الخطا


يعني كاسرة بتكون اخت رجالش وعمة عيالش عقب.. ما يصير حاطة دوبش من دوبها وهي ما سوت لش شيء أساسا


وأنتي مافيش قصور.. عشان تتعقدين منها بذا الطريقة



حينها هتفت جوزاء بغضب: وش قصدش؟؟ قصدش عشانها أحلى مني أنا غيرانة منها؟!



شعاع تنهدت بعمق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. تعوذي با الله من الشيطان الرجيم


وافتحي صفحة جديدة في حياتش كلها.. أدري شيء صعب بس مهوب مستحيل



جوزاء تحمل حسن على ساقيها وتحتضنه برقة وهي تطبع قبلاتها على رأسه.. ثم تهمس بألم عميق:


والله ما كنت كذا.. ما كنت كذا!!!


حسبي الله ونعم الوكيل... عقدني من نفسي ومن حياتي


الله يرحمه.. هو راح وارتاح.. مادرى باللي خلاه وراه


اللهم أني أسألك الثبات من عندك.. اللهم اشرح لي صدري ووفقني لما تحب وترضى..



حينها ابتسمت شعاع: يا الله خلينا نبدأ الحين نغير شوي شوي.. خلينا نبدأ باللي برا ثم نغوص للي داخل. نبدأ بالسهل..


خاطري نبدأ با اللوك.. تبين قصة جديدة وصبغة جديدة.. خلنا نجرب قبل موعد عرسش.. عشان لو ما ناسبت نغيرها


صدقيني تغيير الشكل يغيير في النفسية شوي..



جوزاء بتردد: ما أدري يمكن امهاب يحب الشعر الطويل..



حينها وضعت شعاع يدها على قلبها: ياويل قلبي على اللي تفكر من الحين في اللي يعجب سي امهاب!!







************************************







حوار محتدم بالإشارات يدور بين وضحى وتميم حول قضايا اليوم والساعة حول العالم... وهم في انتظار البقية للتجمع للغداء



يقاطعهما دخول مزنة من الخارج وهي تخلع عباءتها وتجلس.. ليشير لها تميم وعلى وجهه تعابير غامضة:


ها يمه أشوف عقب ما كنتي تلحين علي تخطبين لي وحدة سليمة.. إنش سكتي عن الموضوع بالمرة


الظاهر ما لقيتي بنت تناسب تصوارتش العالية وفي نفس الوقت توافق علي..


يعني يا الغالية.. السليمة اللي بتوافق علي لازم فيها عيب خلى السليمين اللي مثلها يخلونها



مزنة أشارت له وهي ترسم ابتسامة النصر: ومن قال لك سكتت عن الموضوع


أنا خطبت.. وأهل البنت وافقوا.. والحين ابيها ينتظركم تخطبون رسمي...



تميم بدهشة أقرب للصدمة الموجوعة: مسرع.. ومن ذولا؟؟



مزنة بسعادة: سميرة بنت راشد



تميم لم يستوعب إشارتها للاسم ولم يستطع حتى قراءة شفتيها ليستنتج الاسم


وأفكاره تتشتت من المفاجأة..


لذا سارعت وضحى التي قفزت بفرحة وهي غير مصدقة إلى ترجمة الاسم بالإشارات له



لتتعاظم دهشة تميم أو صدمته أو ربما يأسه.. وهو يشير: سميرة ما غيرها رفيقة وضحى..؟؟



وضحى تشير له بسعادة حقيقية : هي نفسها .. ياحظك يا تميم.. والله سميرة ما فيه منها اثنين..



تميم لم يشر بشيء مطلقا.. وهو يقف وعلائم غموض حزين ترتسم على وجهه.. ليتجه للأعلى




" وهل أستطيع أنا التساؤل هل هي محظوظة


أم أقول ما أتعس حظها!!


ما الذي يدفع فتاة مثلها للموافقة على الارتباط بمثلي؟؟


لماذا يا أمي أردتِ أن تجبريني على الإحساس بالنقص الذي أرفض الاعتراف به؟!!


هذه الفتاة النابضة بالصوت والحياة حتى أقصى حدود التفجر ما الذي يدفعها للموافقة علي؟؟


سامحكِ الله يا أمي.. أدخلتِ الوساوس اللعينة لقلبي قبل أن أرتبط بها حتى


فأي سر تخفيه دفعها للموافقة على الأصم الأبكم؟؟


ما الذي يدفع فتاة ممتلئة بصخب الحياة على الارتباط بشخص لن يرد على صخبها يوما بحرف واحد؟؟


لن يهمس لها يوما في أذنها بتدفق مشاعره.. لن يغرقها في كلمات الغزل التي قد تكون حلمت بها


لن تسمع اسمها بلسانه يوما وهو يناديها دلالا وولعا..


لن يسامرها في لياليها الطويل سوى بصمت أشبه بالموت..


هل سيصبح الزواج الذي حلمت به سكنا لروحي وتقصيرا لليالي وحشتي الطويلة هو بذاته الوحشة الأشد؟؟


هل تتحول العلاقة الأسمى التي تمنيتها بين روحين محض علاقة بين جسدين؟!


وإلا أي علاقة ستكون بيننا غير ذلك؟؟


أ يكتب علي أن أعيش ما تبقى من حياتي عاجزا عن السكنى إلى روح تحتويني وروحي هائمة في غربة صمتها الأبدي؟؟


ولماذا هي وافقت علي؟؟ لماذا فعلت هذا الجنون؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟


.


.


لا أستطيع إلا أن أقول سامحكِ الله يا أمي.. سامحكِ الله!!


واللهم ألهمني الصواب.."




بعد أن صعد.. همست وضحى بضيق: شفتيه يمه.. شكله تضايق..



مزنة بهدوء عميق: الموقف صعب عليه يأمش... عطيه وقت يتأقلم


تميم كان حاط في رأسه إنه مهوب متزوج الا بنت مثل حالته


ولو تزوج وحدة سليمة بيكون فيها عيب معين يخليها توافق عليه


كأن تكون كبيرة أو بشعة.. شيء يخليها توافق عليه وهي مبسوطة


لكن وحدة مثل سميرة يتمناها أحسن واحد.. سوت له صدمة شوي


شوي ويتأقلم...



ثم أردفت بحنان عميق: ليته بس يشوف نفسه مثل ما أنا أشوفه..


كان شاف إنه حتى أحسنها بنت صحيحة ما تسوى مواطي أرجيله الله يخليه لي




وهما مستمرتان في حوارهما دخلت عليهما كاسرة قادمة من عملها


مزنة عقدت حاجبيها: توش تجين..؟؟


أنا أحسبش في البيت.. لأني كنت عند أم غانم.. صليت عندها الظهر وعقبه رحت أجيب أغراض البيت



كاسرة بهدوء وهي تخلع عباءتها: شوفي كم اتصال داقة عليش.. عشان أقول لش بأتاخر..


رحت أوصل فاطمة... رجّالها مسافر..



مزنة تستخرج هاتفها وتجده على الصامت.. تعدل وضعه للعام وتضعه على الطاولة أمامها.. بينما كاسرة تسألها باهتمام:


وش ردت عليش أم غانم؟؟



مزنة بابتسامة: أبشرش وافقوا..


بأقول لامهاب يستعجل في خطبتها لأخيه..


والحين بأقوم أخليهم يغرفون لكم الغدا.. امهاب رايح المطار عنده شغلة سريعة وعقب بيتغدا مع عبدالرحمن برا



كاسرة بهدوء باسم: مبروك.. وعله خير إن شاء الله.. تميم يستاهل كل خير..


وسميرة تجنن ماشاء الله.. أطيب من قلبها ماشفت



ثم أردفت وابتسامتها العذبة تتسع: لو أنه تميم كان يسمع كان صدعته سميرة بالهذرة.. الله باغي له الخير..



مزنة تقف وهي تردف بحزم: ترا خالة رجّالش وأخته متصلين يقولون بيجون قبل صلاة العشاء.. تجهزي تقابلينهم..



كاسرة بحزم: مسرع صار رجّالي.. مابعد تعودت على الكلمة.. أظني اسمه واجد عليه.. قولي خالة كساب وأخته..



مزنة بحزم أشد وهي تغادر المكان: الاحسن تعودين عليها.. عندش في كل شيء رأي خلف خلاف..



وضحى همست بهدوء متردد: مهوب من الأحسن تبدين تجهزين.. لأني ظني الليلة إن هم جايبين مهرش.. مافيه وقت...



كاسرة تسترخي وتغمض عينيها: هذا الشره في الشراء أعتقد إنه مرض.. السوق مليان.. والتجهيز والتسوق ما ياخذون يومين..


مهيب قضية الشرق الأوسط يعني!!



وضحى بذات التردد: ما تبين على الأقل تشوفين لش فستان من بدري..



كاسرة بحزم واثق: خير.. خير..



وضحى بخجل: تمنيت أكون معش وأنتي تختارين و....


ثم بترت عبارتها بتردد حزين: أو يمكن تبين فاطمة بس؟؟؟



حينها فتحت كاسرة عينيها وابتسمت برقة: وليش ما تنفعين أنتي وفاطمة... رأيين أحسن من رأي واحد..



حينها أشرق وجه وضحى بابتسامة طفولية: أي شيء تلبسينه بيكون حلو عليش.. لأنه أنتي اللي بتحلين الفستان..



حينها همست كاسرة بغموض خافت: ليت شين الحلايا يستاهل بس..!!








***********************************







"مبروك.. يقولون ناسبتوا آل كسّاب؟؟"



مهاب ينظر لصاحب الصوت المتهكم وعيناه العسليتان تلمعان ببريق إبتسامة


ليرد عليه بهدوء: الله يبارك فيك



غانم بنبرة ذات مغزى: وش إحساسك وأنت تزوج أختك لأخ اللي أنت نشبت في حلقها من كثر ماكنت تهينها..؟؟



مهاب انقلب هدوء صوته لصرير غاضب يصدر من بين أسنانه: غانم توك قبل كم يوم.. تقول ماعادنا طلاب في الكلية


وإلا أنت مشتاق لطقم أسنان جديد؟؟



غانم يرفع حاجبا وينزل آخر: وإلا أنت يمكن تبي كتفك الثاني ينخلع؟؟



مهاب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم: غانم اقصر الشر..



غانم يهز كتفيه بهدوء: أنا قاصر الشر من زمان.. بس متعجب من تدابير ربي.. البنت اللي حرقت أعصابها بإهاناتك قبل 4 سنين


ربي ينصرها عليك ويصير إخيها نسيبك..



حينها مال مهاب على غانم ونظر له بنظرة مباشرة: وأنا متعجب من 4 سنين لين الحين وأنت حارق دمك بالدفاع عنها.. ما تعبت..



غانم بحزم: أنا ممكن أتقبل أي شيء إلا إهانة مرة.. لأن المرة ما يهنيها إلا الرخيص..



حينها تصلبت يدا مهاب بغضب وهو يوشك على الإطباق على جيب غانم بدون تفكير...


لأنه شعر أن غانما يوجه له إهانة مباشرة وبشكل مقصود..


لولا فوج كبير من (سكاي تراكس) دخل للتو لاستراحة الطيراين.. جعل مهاب يبتلع غضبته قسرا..


فزيارة السكاي تراكس التفقدية حدث كبير يتم انتظاره بحماس لأنه على ضوءه يتم تقييم درجة خطوط الطيران على سلم من خمس نجوم..


ولن يكون هو من يفسد هذه الزيارة.. لذا استرخى في مقعده وذكرى العراك السابق قبل أربع سنوات تعود لذاكرته...







*********************************







"تبي تشرب شيء ياقلبي؟؟"



كسّاب بهدوء: لا خالتي.. تدرين إني ما أشرب شيء عقب الغدا.. الحين تعالي أبيش في سالفة



عفراء جلست وهي تقول بحرج ودود: سامحني يأمك.. أدري المفروض رحت أجيب شبكة مرتك.. بس الظروف عاكست شوي


اليوم فديتك حول لي الفلوس.. وأروح أشتريها..


أنا أساسا كلمتهم وقلت لهم بجيهم الليلة عقب العشا



كسّاب عقد ناظريه: ياااااااه خالتي... بالش راح بعيد.. وش همني أنا من ذا الموضوع..


بعطيهم فلوسهم وهم يشترون شبكتهم بروحهم وإلا بالطقاق



عفراء بعتب: وش ذا الكلام يامك..عروسك تستاهل أحلى شبكة.. إيه ولا تنسى تحول لي المهر بعد أعطيهم إياه بالمرة


أربكتوا العرب بذا العرس المستعجل... قاعد ذا السنين كلها وعقبه تبي تعرس في شهر..



كسّاب هز كتفيه: والله أوامر أبو كساب.. وإلا أنا وش مستعجل عليه ؟؟


على الغثا وطولة لسانها اللي متبري منها..



عفراء عقدت حاجبيها: وانت وش عرفك إن لسانها متبري منها تتهمها.. صحيح أنا ما شفتها إلا في مناسبات شوي


وما تكلمت معها إلا مجرد سلامات.. بس أنا أشهد إنها ذربة ومنطوقها زين وعليها صوت.. صوت ماشاء الله ماشاء الله



حينها ابتسم كسّاب دون أن يشعر وهو يتذكر بالفعل رنين صوتها الكرستالي الحريري ولكنه هتف بسخرية:


وقولي بعد إنها مهيب مغرورة؟!!



عفراء عقدت حاجبيها مرة اخرى: شكل حد صاب العلوم في أذنك.. أنا بصراحة ما أعرفها عدل.. بس هيئتها تعطي على الغرور


ثم أردفت وهي تبتسم: ولا جيت للحق يلبق لها الغرور... إذا وحدة مثلها ما تغتر.. فالغرور ماخلق إلا لها


الله يهنيك يامك مابعد شافت عيني أزين منها..



كسّاب ضغط صدغيه بأطراف أصابعه ثم هتف بسخرية: الزين من زانت أفعاله ياخالتي..


وش أسوي بزينها لو كانت ما تنتعاشر


وعلى العموم هذا كلام سابق لأوانه.. خلينا الحين فيش



خالته باستغراب: ليه أنا وش فيني؟؟



كسّاب بحزم: جايش معرس..



عفراء بضيق: يأمك قلت لك قبل ذا الموضوع أنا شالته من بالي



كسّاب بحزم: مهوب على كيفش يا خالتي..



حينها انتفضت عفراء بغضب: نعم يا ولد.. وشو اللي مهوب على كيفي.. لا تكون بتزوجني غصبا عني



كسّاب بحزم أشد: لو حديتيني أسويها بأسويها



حينها وقفت عفراء وهي تهتف بحزم: الكلام انتهى.. قوم قيل شوي قبل الصلاة



حينها شدها كسّاب بلطف وهو يهتف بحنان مدروس : اقعدي جعل يومي قبل يومش (يعرف أن خالته لا يمكن أن تقاومه حين يخاطبها بهذه الطريقة)



تنهدت عفراء وهي تجلس: إلا يومي قبل يومك أنت وأخوانك.. يأمك اللي فيني مكفيني.. جاي تقول لي معرس



كسّاب بهدوء عميق مسيطر: خالتي وضعش عايشة بروحه ماعاد ينسكت عليه..



عفراء تنهدت: يأمك اللي صار ممكن يصير لأي وحدة حتى لو كانت متزوجة وزوجها مسافر وإلا طالع..


يعني مهوب الزوج هو اللي بيحمي.. الله هو الحامي...



كسّاب بهدوء: ونعم بالله.. بس توقعين لو كنتي متزوجة وفي بيت رجالش.. كان كلب مثل ذا تجرأ يسوي اللي هو سواه



صمتت عفراء والذكرى الطرية المؤلمة تقتحمها بكل القسوة..


تحاول أن تلغي هذه الذكرى من حياتها.. ولكنها مازالت طرية وجرحها ينزف في تفكيرها


فهل تحتاج وقتا لتنسى؟؟ وهل هو مجرد الوقت ما تحتاج له؟؟


البارحة رغم أن كسّاب كان ينام في غرفة مجاورة لها إلا أنها لم تستطع النوم


وكل حركة تسمعها تبعث في داخلها ألما وتوترا لا تستطيع تفسيرهما




كانت عفراء غارقة في تفكيرها بينما كسّاب يكمل حديثه بهدوء حازم:


خالتي ذا المرة العريس غير.. وإن شاء الله إنش بتوافقين..



صمتت ولم ترد عليه.. ليكمل هو: عمي منصور متقدم لش.. وملزم عليش بعد



حينها انتفضت عفراء بدهشة: من؟؟ منصور؟؟


ثم أردفت بغضب: لا يكون طاري على باله يستر على اللي شافه قبل يومين



كسّاب بغضب: خالتي الله يهداش هو صار أي شيء أساسا عشان يستر عليش.. محشومة خالتي من ذا التفكير



عفراء بذات الغضب: أجل وش نطط عمك يبيني.. وأنت بروحك كنت تقول إنه حرّم العرس خلاص..



كسّاب يحاول التحدث بمنطقية: غير رأيه وعرف مصلحته.. وقرر ذا المرة يقوم بخيار مناسب وسليم


ثم أردف بمرح: واسمعيني عدل خالتي عمي ملزم عليش ويبيش..


وهددني يكفخني لو ما رضيتي.. يهون عليش كسّاب حبيبش يتكفخ



عفراء بغضب: بكيفك أنت وعمك.. خله يكفخك



حينها تغيرت ابتسامة كسّاب لحزم شديد: خالتي تخيري.. ما تبين عمي تأخذين ابي..


لكن إنش بتقعدين بدون رجّال.. انسي.. انسي



حينها تنهدت عفراء بعمق أفكار عديدة تمور في ذهنها المتعب الموجوع المستنزف من كل شيء..


ومع ذلك همست بهدوء: زايد مستحيل وذا السالفة خلصنا منها..


أما عمك فهو رجّال ما عمروا عنده النسوان.. ثلاث طلاقات ما بين كل طلاق وزواج إلا حول السنة.. وأكثر وحدة قعدت عنده قعدت عشر شهور


مهوب معقول إن العيب في النسوان.. وأنا يأمك ماني بحمل طلاق عقب ذا العمر.... ترضاها لي يأمك؟؟..



كسّاب بهدوء: أنتي عاقلة يا خالتي وكبيرة وفاهمة.. وأعتقد إنش ممكن تحاولين تقبلين عيوب عمي اللي طفشت نسوانه



عفراء بنبرة مقصودة: يعني المشكلة سببها عمك..؟!!



كسّاب بحذر: مهوب بالشكل اللي أنت متصورته



عفراء تنظر له بشكل مباشر: أجل بأي شكل ياولد أختي؟؟



كسّاب بهدوء: عمي رجال حار .. بس هذي مهيب مشكلة لأنه يوم يكون مروق مافيه أطيب منه


المشكلة في إن نسوانه وقتها كلهم يعتبرون صغار في السن.. وعمي كل ليلة وقبل حتى ما يترقى.. مجلسه مليان ضباط ما يفضى لها..


وفي الليل ممكن يجيه استدعاء أو حتى أي حد من ربعه يصير له شيء ويتصلون فيه لأنهم يدرون انه بيزعل لو ما كلموه


المشكلة المسكينة تسأله وين رايح؟؟ يقول لها: مهوب شغلش.. أو رايح في شغل خاص


فالمسكينة تولع غيرة.. وتفكيرها يروح فورا لشيء ثاني..


وهو مستحيل يريحها ويعطيها خبر عن شيء



عفراء بعدم اقتناع: بصراحة ما أشوفه سبب يخلي المرة تخرب حياتها وتطلب الطلاق.. كان صبروا عليه وتفاهموا معه بالعقل



حينها ابتسم كسّاب: شفتي خالتي هذا الفرق بينش وبينهم... وصدقيني هذا السبب مع اختلاف التفاصيل..


يعني أحيانا تصير هوشة كبيرة على سبت الموضوع.. والمرة تشيل قشها تبي عمي يراضيها.. فهو يعند ويقول خلها تقعد مكان ماراحت


ولو جيتي للصدق.. عمي ماحب ولا وحدة منهم ولا حتى ارتاح معهم.. لو كان حب المرة كان ريح بالها ومشى الموضوع


لكن عمي بالفعل ما أرتاح للزواج قيوده.. وكل مرة كان يتزوج عنده إن مرته ربي بيهديها ذا المرة


ويمكن لولا إلحاح خالته عليه الله يرحمها.. ماكان كرر التجربة..



وشوفي الموضوع على بساطته.. عمي يشوفه موضوع كبير واجد..


لأنه يشوفه يتقصد نظام حياته كله


يعني هو في ظنه إن المرة يوم جات.. جات تبي تعفس حياته وتمشيه على كيفها.. فالقضية عنده صارت قضية مبدأ.. أكون أو لا أكون



عفراء بحذر: بصراحة أنا توقعت السبب ممكن يكون له علاقة بالانجاب.. لأنه 3 حريم ولا وحدة منهم تحمل..



كسّاب بحذر أكبر: وأنتي قربتي.. لكنه مهوب سبب لأنه مافيه وحدة منهم درت بشيء



عفراء رفعت حاجبا: أشلون؟؟



كسّاب يتنهد: الأولى قعدت عنده أربع شهور.. يعني ما شكو بشي أساسا ولا فحصوا


لكن الثانية قعدت عنده عشر شهور.. وعمي فعلا كان يبي يكمل معها


وفعلا سوو فحوص عشان يشوفون ليش الحمل تأخر لكن قبل مشكلة الطلاق على طول.. والنتيجة طلعت عقب ما طلقها


أما الثالثة (حينها ضحك كسّاب) تذكرينها خالتي.. كانت مرجوجة.. جننت عمي.. وحتى شهر ما قعدت..


فعمي ماقال لها شيء أساسا لأنهم في مشاكل من أول يوم



عفراء بحذر: وذا الشيء هو؟؟



كسّاب بنبرة حاول تحميلها بأكبر قدر من الطبيعية: إنه عمي فعلا عنده مشاكل في الإنجاب.. لكن هي مشكلة بسيطة جدا


والدكتور قال له إن العلاج بسيط جدا ومتوفر.. لكنه لو ما استخدمه مستحيل يصير حمل وكله بيد الله



عفراء صمتت .. بينما كسّاب أكمل بحذر وهو يسب نفسه على موافقته على قول ما سيقوله:


والحين نوصل للنقطة الثانية.. عمي يقول لش إنه ماراح يتعالج وهذا قرار نهائي


لأنه ما يبي عيال.. يقول ماعاد من العمر مثل ماراح... وماعاد له حتى مزاج على تربية بزران وغثاهم وإزعاجهم



حينها همست عفراء بغيظ من بين أسنانها: تدري إنك قليل أدب أنت وعمك


أنا الحين وافقت عليه هو ووجهه عشان يتشرط أبي عيال وإلا ما أبي..



كسّاب يحاول كتم ابتسامته: والله ماعلى الرسول الا البلاغ المبين..



حينها رفعت عفراء حاجبا وأنزلت الآخر وهمست بغضب: مادام أنت مجرد رسول


أشرايك تقول لعمك.. دامه رجال قصده الشريف أنه يحميني.. وما يبي عيال.. أشرايه لو أنا وافقت عليه نعيش أنا وياه مثل الأخوان... مهوب اقتراح أحسن؟؟


ويا الله قوم.. ما أبي أشوفك الحين..


استح على وجهك وأنت جايب لخالتك معرس عقب ذا السنين وفي ذا الظروف


قوم لا بارك الله في عدوينك..




كسّاب كان يمنع نفسه أن يقهقه بصوت مسموع وهو يصعد الدرج ليتمدد في غرفة الضيوف التي أصبحت مخصصة له


وهو يلتقط هاتفه ويتصل وهو يكتم ضحكاته: عمي..ترا خالتي عندها اقتراح أحسن من اقتراحك بواجد



منصور باستفسار فخم: اللي هو؟؟



كسّاب يحاول التكلم بطبيعية وهو يكتم رغبته في الضحك: تقول دامك رجال شهم.. وقصدك الحماية وما تبي بزران...


وأشرايك تعيشون خوش أخوان في بيت..أخ وأخته وش حليلاتكم..



حينها قال منصور من بين أسنانه التي تكاد تتحطم لشدة ضغطه عليها: كسّاب احمد ربك إنك ماوصلت لي ذا الاقتراح وجه لوجه


وإلا كان ذا الحين تجمع سنونك من القاع يالرخمة


فارق.. فارق لا بارك الله فيك من ولد!!!



حينها انفجر كسّاب بالضحك: شوف ياعمي.. ترا عيب عليك أنت وخالتي


هي تقول لي قوم ما أبي أشوفك


وأنت تقول لي فارق..


خلاص حرمت أصير وسيط..


أنت وإياها منتو بزارين.. هاك خذ رقمها.. وتفاهم أنت وياها


وأنا طلعوني من بينكم... وتراها ما تبيك ياسيادة العقيد..ولو أنت ما اقنعتها فيك تراني بازوجها ابي خلال ذا الأسبوع



حينها هتف منصور بغضب حازم: طلع زايد من السالفة..


وهات الرقم.. ومالك شغل.. وخالتك ذا الاسبوع اللي تشقق حلقك وأنت تقولها


بتكون في بيتي أنا.. ومرتي..








#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 13-05-10 04:33 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء العشرون
 
1 مرفق
[CENTER].
ضروري تقرون المقدمة حتى لو تبون تقرون البارت أول وترجعون لها
.




النص بالمرفقات





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 14-05-10 10:28 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والعشرون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



النص بالمرفقات


.

#أنفاس_قطر# 16-05-10 04:41 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والعشرون
 
ملاحظة: بنات ترا البارت 21 نزل الجمعة في الليل


واليوم البارت22...


.


.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياهلا والله بكل المشتركات الجدد


والله العظيم من شدة امتناني وتاثري ما أدري وش أقول


ما أقول إلا الله يعز شانكم ويكبر قدركم ويجمعنا في الجنة قادر على كل شيء


وياهلا مليون بكل من عطرت صفحاتنا ببصمتها متحدثة أو حتى صامتة


متألقة حديثا أو هدوءا


.


.


تدرون بنات الكتابة مثل البضاعة <<< أدري تشبيه عبيط بس هي كذا


يعني لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع


عشان كذا احنا نحب نقرأ لكاتب معين وما نحب نقرأ لكاتب ثاني مع إنه يكون كاتب عظيم


لكن لأن طريقته في الكتابة ما تناسب ذوقنا في القراءة


مثلا كاتب مثل (أرثر ميلر) الناس يؤلفون فيه مقطوعات مدح لكن أنا ما قدرت أكمل له رواية


المغزى من كل هذا.. أنا أعرف أكيد إنه فيه جوانب في كتابتي ما تعجب البعض


ومن حقه ما تعجبه...واحترم جدا عدم اعجابه


لكن ماجعل الله لأمرئ من قلبين في جوفه.. وأنا ما أقدر ألبس ثوب موب ثوبي


أحب أكتب بطريقتي اللي أنا متعودة عليكم... قد تبدو لكم بعض الأحيان غامضة في نواحي


بطيئة في نواحي..


لكن أنا جد أتعب فوق ما تتصورون في صنع تراتبية معينة للاحداث


وأنا أقرأ البارت قبل أنزله بروح قارئة مجردة واللي ما يعجبني أغيره


أرجع حتى للحوارات القديمة وأراجعها عشان ما يكون في اللي أكتبه تعارض


أحيانا آآخر الأحداث أو أقدمها لغرض في رأسي


المهم إنه في الختام إنه إن شاء الله القارئات اللي أساسا أسلوبي يعجبهم لكن هم شايفين فيه حاليا شيء قد ما يكون مرضيهم


أقول لهم اصبروا.. للصبر نكهته.. لو استعجلتي في الحدث مستحيل تقدرين ترجعين عجلة الزمن وتصلحين الخطأ


لكن لو كتبتي برواقة ومخمختي كل حدث يأخذ حقه بالكامل


وأنا دايم أقول... الحدث ليس بأهمية الغوص في الشخصيات


وقد أؤجل الحدث حتى أشعر أن ما أريد إيصاله عن الشخصية قد اتضح


ومهما بدا لكم الحدث بسيط أو متواتر.. تراه يكون مدروس بدقة


فكرة الرواية بالكامل في مخي.. ممكن في كل جزء أحط حدث كبير ونخلص الرواية وأرتاح


لكن وين المتعة وقتها؟؟


ومهما يكن تبقى الكتابة عمل إنساني نقصه أكثر من كماله


وأنا أحاول جهدي.. فإن أحسنت فمن توفيق الله.. وإن قصرت فمن نفسي


.


بنات تراني ما نسيت البنات اللي يبون موعد الجزء في الليل


بس عطوني فرصة نضبط المواعيد شوي


.


العسل اللي سالت عن البرقع اللي تلبسه مزنة


لا ياقلبي.. موب نفس الصورة <<< هذا نسميه بطوله ويلبسونه عندنا في قطر العجايز الحضريات الكبار كثير في السن


أم صديقتي تلبسه وياربي وش كثر أحبها واحب أشوفه عليها الله يطول بعمرها


لكن اللي أنا أقصده ويلبسونه حريمنا.. هو مثل النقاب تقريبا مع اختلافات طفيفة


.


.


بنات كان فيه خطأ مطبعي صغنون وهو فرصة نعيد التذكير


كتبت عن ختم القرآن كل 23 وهو كل 33 يوما تقريبا على نظام وِردي


جعل الله وِردكم في زود.. وأنتو للخير ومن الخير في زود


قولوا آمين


.


.


الجزء اللي فات


حبيت جدا مشاعر أبطاله.. فيها ثورة وعنفوان وعمق


صديقتنا الذكية العذبة بعثرة روح كان لها التقاطتها الذكية <<< نجمة على طول


حين ربطت بين حوار زايد ومزنة مع كساب وكاسرة


كلاهما طلبا من ابنائهم أن يتوقفا عن التصرف كأنهم في حرب


فهل هم فعلا مقبلين على حرب؟؟


وهل كذا تكون الحياة الزوجية التي يفترض أن تكون سكن للروح والوجدان؟؟


.


أعجبني جدا التفافة زارا الذكية إنه في البارت كان فيه نسف للتوقعات <<< نجمة يازارا وبجدارة


يعني الكل كان يتوقع اللي بيصير بين نجلا وصالح لما يسافرون


لكن ماحد توقع إنها بترجع له قبل السفر حتى


حتى اللي بيصير في فكرة السفر ماراح يخطر ببالكم <<< كما أظن << انتظر تبهروني


.


.


جزء اليوم


بارت الحذر والوقوف على أبواب الأحداث


ومن أجل أني أريد أن نلج للحدث وبالفعل ينتظركم أحداث كثيرة


غدا الإثنين سيكون لنا موعد استثنائي آخر في الساعة السابعة صباحا مع الجزء 23


وموعدنا المعتاد يوم الثلاثاء مع البارت 24


<<< انبسطت أنكم انبسطتوا على بارت الجمعة فحبيت أدلعكم


لكن بعد لازم تدلعوني أنتوا.. بعد كم بارت.. 6 أو 7 بارتات


أبي أرتاح وأوقف أسبوع وأمخمخ لي شوي


لأنه وقتها بندخل مرحلة حاسمة جدا من بين الأمس واليوم


.


إليكم


الجزء الثاني والعشرون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والعشرون








صحى منذ دقائق ولكنه لم يفتح عينيه بعد.. رائحة عطرها تغمر الاجواء


كم يبدو هذا الصباح مختلفا..اختلافا جذريا عن نهاراته السابقة!!


نهار معطر كعطرها!!



البارحة حين أنهت وصلة بكائها.. قامت وأتمت جنون تنظيفها.. بينما تمدد هو على سريره بعد أن صلى قيامه


لينخرط في مراقبتها بنهم.. ظلت عيناه تتابعان حركتها الدؤبة.. ارتعاش شفتيها.. توتر أناملها..


يحفظها.. يحفظ كل ردات أفعالها


يجيد قراءة حتى لغة جسدها.. نظرات عينيها.. ارتعاش يديها.. ومعنى كل حركة..



غفا بهدوء على صورتها تكحل أهدابه.. لم ينم نوما هادئا كما البارحة رغم ضجيج التنظيف فوق رأسه..


ورغم صراخها السخيف (اعتبرني غير موجودة)



وحين صحا لصلاة الفجر وجدها أنهت التنظيف وتستحم .. توضأ في حمام المجلس.. وذهب للصلاة..


وحين عاد كانت قد صلت وغفت على الاريكة


بعد أن تركت له نورا خافتا بالقرب من السرير.. وأغلقت بقية الأضواء


تمنى لو يحملها من مكانها ليضعها على السرير..



"أ بعد أن قضت ليلتها في أعمال شاقة تنام هذه النومة غير المريحة ؟!


لولا أنني أخشى أن تثور وإلا لكنت حملتها لتنام هي السرير


وأخذت أنا مكانها


ولماذا أغلقت الأنوار؟؟ أتريد أن تحرمني من رؤية حسنها الغافي؟!"



اقترب منها قليلا.. يتمعن فيها بولهه الشاسع المصفى.. وفق ماسمح له الضوء الخافت البخيل


ملامحها الرقيقة المسترخية بهدوء


سلاسل الذهب المبلولة تغفو على مخدتها




"المجنونة تبي تمرض.. ماحتى قفلت التكييف"



توجه ليطفئ التكييف.. وهو يشعر برعب أن تكون التقطت بردا من بقاءها في جو التكييف بعد خروجها من الحمام


يخشى عليها تماما مثلما يخشى على طفلته الصغيرة


كان دائما ينهرها ألا تستحم وتخرج في التكييف..


وخصوصا أنها سبق أن أصيبت بنزلة شعبية ألزمتها المستشفى عدة أيام بعد زواجهما بعامين..


وما زالت ذكرى مرضها ترعبه


فلطالما كان حنونا معها لأبعد حد.. بل لحدود قد تتجاوز المخيلة



"فلماذا يانجلا لم يبق لي في ذاكرتكِ سوى ذكرياتي السيئة


لماذا لم تعودي ترين سوى صالح المثقل بالعيوب


أ لم يشفع لي أي شيء عندك؟؟؟"



كل هذا يعبر ذاكرته وهو مازال مغلق العينين يشتم رائحة عطرها أو ربما خياله من صور له ذلك


لأن ذكرى عطرها سكنت كل خلاياه بتمكن انغرز في كل خلية


فكلما ماكان يحتاجه هو معرفته بوجودها.. لتنثر مخيلته رائحة عطرها في الاجواء



فتح عينيه.. وهو يتوقع أنها مازالت نائمة..ولكنه فوجئ أنها غير موجودة..


شعر بالرعب يجتاحه.. أين ذهبت؟؟ أ يعقل أنها غادرت وعادت لبيت والدها


تنهد وهو يسترخي قليلا.. فهو يعرف أن نجلاء عاقلة.. ويستحيل أن تفعلها..


لذا استحم وأرتدى ثيابه ليتوجه لعمله.. وجدها في الاسفل تتولى مسئولية صب القهوة لعمها وعمتها..



تسللت الإبتسامة لروحه قبل شفتيه.. أ لم يقل أن هذا الصباح مختلف؟!!


يكفي وجودها في المكان لتضفي ألقها عليه..



انحنى يقبل رأس والده ووالدته وهو يلقي عليهم السلام...



أبو صالح وجه الكلام له بحزم: انا ماني بناشد وش سبة زعلكم اللي فات.. سالفة وانتهت الله لا يعودها


بس قوم حب رأس أم خالد قدامي ذا الحين.. وأحلف لي ماعاد تزعلها في شيء



صالح بابتسامة عريضة: حاضرين نحب رأس أم خالد.. وأحلف قدامك ماعاد أزعلها بشيء



نجلاء انتفضت وهي تقف بحرج رقيق: لا ياعمي طالبتك.. والله ما تخلي أبو خالد يدنق على رأسي.. محشوم..


والله لا يجيب الزعل.. سالفة وانتهت على قولتك.. وإن شاء الله إن أبو خالد ماعاد يعيدها



قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر لصالح بشكل مباشر نظرة مقصودة


بينما صالح المبتسم أجاب بنبرة ذات مغزى: حرمنا... بس عطينا فرصة






*************************************








مستغرقة في نومها.. صحت على أنامله الحانية تمسح خصلات شعرها وتشدها بخفة:


سمور قومي.. ماقدرت أنام وأنا ما تكلمت معش... وميت من التعب لي يومين مواصل.. قومي كلميني



سميرة تقفز من نومها جالسة وهي تمسح وجهها وتهمس بخجل: دقيقة بس.. أبدل وأغسل وأجيك



غانم يجلس على طرف السرير ويهتف بتعب: من متى تستحين يعني؟؟ مهوب أول مرة أشوفش متشنقطة ببيجامة


اقعدي ما أقدر أنام وأنا ما تكلمت معش



سميرة جلست وهي تعتدل جالسة وتشد طرف اللحاف على ساقيها حتى لا يظهر بنطلون البيجامة القصير قليلا وتهمس بتردد خجول:


أنت بعد زعلان علي عشان وافقت على تميم..؟؟



غانم يتنهد بحزم: ماني بزعلان.. خايف أنه أنتي تكونين منتي بمقتنعة..



سميرة ردت بحزن عميق وأثر بكاء الليلة الماضية واضح على أجفانها المنتفخة: المشكلة إني مقتنعة .. والله العظيم مقتنعة


بس الكل يحاول يقنعني إني ماني بمقتنعة وأني قررت بدون تفكير... والله العظيم ياغانم أني مقتنعة فيه


لذا الدرجة شايفين تميم مليان عيوب الواحد مايقدر يعيش معها.. والله ماشفت فيه عيب


حتى إنه ما يسمع ويتكلم شايفتها أنا ميزة مهوب عيب..


أردفت وهي تحاول أن تبتسم بفشل: كفاية أنا أتكلم نيابة عني وعنه..



غانم مسح على شعرها وهتف بحزن مشابه يخفي خلفه عدم اقتناعه: أنا ما أبي لش إلا الزين..


وحن مجتمعات عقولنا قاصرة.. عاجزين نستوعب نقص البشر


مع إن فيه ناس تكون عيوبهم أكثر بكثير من عيب تميم لكن حن نغض البصر عنها..


أنا ماأبي إلا سعادتش.. ودامش مقتنعة.. خلاص يأخيش.. ألف مبروك



قالها وهو يدني رأس سميرة منه ليقبل جبينها.. حينها تعلقت سميرة بجيبه وهي تنخرط في بكاء حاد وتدفن وجهها في عنقه


غانم هتف بقلق: ها وأشفيش بعد.. توش تقولين مقتنعة فيه



سميرة تشهق: نجلا زعلانة علي.. تكفى غانم كلمها.. لو هي سافرت وأنا ما شفتها والله لا يصير لي شيء.. والله لأموت..


تكفى كلمها.. تكفى







*************************************







تكاد تنهي يومها الدراسي.. مرهقة تماما.. مستنزفة لأقصى حد..


تحاول تعويض طالباتها عن أيام غيابها وخصوصا مع موعد الامتحانات الذي اقترب كثيرا


تسترخي على مقعدها في مكتبها بالمدرسة الخالي من زميلاتها في هذا الوقت


وهي تتناول هاتفها لتتصل بخليفة


رغم أن المسكين صحا من نومه على اتصالها.. تشعر أن طاقتها في المقاومة توشك على النفاذ


تريد أن تسمع صوتها فقط..يأكلها الشوق واللهفة لهمسات صغيرتها


ولكن لأنها تتصل بداليا.. فداليا حذرتها من ذلك.. لأن جميلة تتحسن.. وبدأ أكلها بالتحسن وهي تتقبل وضعها بصعوبة


وهي دائمة السؤال عن أمها.. لذا يجب إبعاد جميع المؤثرات التي أدت بها إلى هذه الحالة... وعفراء على رأس هذه المؤثرات..


تنهدت وهي تنهي اتصالها مع خليفة.. الذي أخبرها كالعادة بكل مافعلته جميلة منذ صحت من نومها حتى الآن..



وهي تتصل كان هناك خط آخر على الانتظار ولكنها لم تهتم للنظر له..


حين أنهت اتصالها.. نظرت للمكالمات التي لميردعليها.. كان المتصل هو منصور ولثلاث مرات..



تنهدت بعمق وهي تقول في داخلها: (يامن شرى له من حلاله علة..) هذا وش الفكة منه



حينما أعاد الاتصال ردت عليه وهي تهمس باحترامها الطبيعي: هلا حيا الله أبو علي..



منصور باحترام بارد: حيا الله بنت محمد



عفراء بذات أدبها الرفيع: أشلونك طال عمرك في الطاعة..؟؟



منصور رد عليها ببرود فيه نبرة غضب: على ذا الذرابة والأدب اللي عندش..


مفروض شفتيني اتصلت مرة والثانية.. تسكرين الخط الزفت اللي معش وتردين علي..



عفراء تنهدت بعمق وهي تحاول تغذية عروقها بالصبر: أول شيء أنا كنت أكلم رجّال بنتي..


الشيء الثاني السموحة لأني مادريت إنك أنت اللي على الانتظار


الشيء الثالث أعتقد أنه في الاتصال اللي فات قلت لك مافيه داعي تتصل مرة ثانية..



منصور بحزم: خلصينا من سالفة التلفونات.. حتى أنا كارهها.. كني صبي مراهق.. عيب يا بنت محمد ذا التنقيعة اللي أنتي منقعتني..



عفراء بدهشة: أنا منقعتك؟؟



منصور بحزم: إيه وانا أنتظر ردش..



عفراء باستغراب: أعتقد إني قلت لك ردي من المرة اللي فاتت..



منصور بحزم أشد: وأنا ما اقتنعت فيه وعطيتش فرصة تفكرين..



عفراء بهدوء: على كذا يأبو علي أنت اللي منقع روحك بروحك.. لأنك أقنعت نفسك بشيء ماصار



منصور بثقة متمكنة: اول شيء أنا أحب ينقال لي أبو زايد..


وثاني شيء أنا أعرفكم يا النسوان.. عودكم مهوب على أول مركازه.. كل يوم برأي..



عفراء بسخرية مبطنة: ما تفرق أبو علي أو أبو زايد دامك ما تبي حد منهم يأتي أصلا


وثاني شيء أنا عودي على أول مركازه ورأيي واحد..



(العود على أول مركازه= مثل يعني الاصرار على الرأي)



تنهد منصور بحزم شديد وهو يسألها: تردين شيء في ديني وإلا أخلاقي؟؟



عفراء بجزع عفوي: حاشاك.. تكرم



حينها ابتسم منصور لنبرتها العفوية: أجل خلاص مالش حق ترديني..


يا بنت الحلال جربيني.. يعني مهوب لذا الدرجة سيء.. ممكن أني أتعاشر وأخذ وأعطي.. ماني بوحش يعني



عفراء بهدوء أخفت خلفه إحساسها بالغيظ منه:


شنو أجرب ذي يأبو زايد..الظاهر عادي عندك الطلاق.. جربته قبل واجد..


لكن وحدة في عمري إذا الزواج صعب عليها...فالطلاق أصعب بواجد



منصور بحزم: ما اشين فالش.. والله المرة اللي هي تسبب بالطلاق عى روحها..



عفراء بحزم مشابه: والمفروض إن الرجال يكون عاقل وما يماشي المرة في خبالها إذا هي استخفت..



منصور بأمر حقيقي: وافقي علي وجربيني.. وإذا كان طيش الشباب غرني أول.. فانا الحين ماعدت مثل أول.. أوعدش ما تشوفين مني إلا خير


عدا أمرين.. كثرة عزايمي ما تناقشيني فيها.. ولا سالفة العيال..



عفراء تكاد تجن منه: الحين أنا وافقت عشان تقدم شروطك بذا الطريقة..؟؟


إذا على العزايم المرة اللي ترد رجالها من الكرم مافيها خير


لكن أنت مقصدك أنك بتكون مشغول بعزايمك ومجلسك حتى عن التزامك بمرتك



منصور بثقة حازمة: أنا واحد سيده وما اعرف ألف وأدور.. وش تقولين؟؟



عفراء تنهدت بعمق..


لو فكرت بموضوعية.. فمنصور ليس مطلقا بالفكرة السيئة.. فهو بالفعل مطمع للكثيرات..


بدت لها الفكرة مغرية بل شديدة الأغراء..أن تحصل هي على هذا الرجل الاستثنائي رغم كل عيوبه..


أن تجرب أن تحيا حياة جديدة.. أن تعيش تجربة الزواج التي لم تعشها فعلا..


أن تجرب أن تعيش من أجل نفسها مع رجل تعلم أنه سيكون سندا قويا لها في مقبل حياتها..


فحياتها أضحت خالية تماما بعد غياب جميلة عنها.. جميلة التي كانت تستهلك منذ مرضها الأخير وقتها بالكامل


لِـمَ لا تفكر في الموضوع؟؟ لتفسح لنفسها مجالا أن تفكر بعيدا عن إصرارها السابق على الرفض؟؟


فهي فعلا لم تفكر..إنما قررت أن ترفض كما كانت ترفض طوال عمرها الفكرة دون نقاش..


ولكنها لم تنتبه أن ظروفها ماعادت كالسابق.. تغيرت بالكامل.. ابنتها تزوجت.. وبالتاكيد أبناء شقيقتها سيتزوجون..


عدا أنها بالفعل أصبحت تشعر برعب عميق ووحشة أكثر عمقا من بقاءها لوحدها..


كساب وسيتزوج قريبا جدا.. فهل تعود للبقاء في بيتها وحدها مع ذكريات الرعب والوحدة؟؟


نفضت رأسها بانفعال وهي تحاول أن ترد عليه بهدوء: خلاص عطني فرصة أفكر وأعطي ردي لكساب..



منصور بأمر حازم غاية في الصرامة: الليلة تردين علي أنا... وكسّاب ماله دعوى.. الرد يوصلني أنا ما أبي وسيط بيننا..






********************************







"شعاع بطلي الباب... قسما بالله بأذبحش"


صراخ جوزاء الغاضب يتعالى.. بينما بكاء حسن يتعالى وهو يشد ثوبها باكيا: أبي صورة بابا



شعاع تهتف بثبات خلف الباب: والله ما افتح لش.. هدي حسن بأي شيء ثاني.. طلعيه.. لاعبيه.. عطيه حلويات


الألبوم والله ما أعطيكم إياه..



جوزاء تنتفض غضبا مع بكاء حسن الذي يذيب قلبها:


الولد مات من البكا.. عطيه صور أبيه..


أنتي وش دخلش..والله لأوريش شغلش بس افتحي الباب



شعاع بذات الثبات: جوزا قلت لهيه بشيء ثاني.. صور مافيه..



انحدر صوت جوزاء للرجاء العميق : تكفين شعاع تكفين.. حسون يبكي.. يهون عليش حسون



شعاع تهمس بألم رقيق: تدرين إنه مايهون علي.. ولا أنتي تهونين علي.. عشان كذا مستحيل أفتح..


روحو أي مكان لين ينسى.. هذا بزر مسرع ما ينسى..


والمهم الكبيرة يكون عندها رغبة بالنسيان..







***********************************







"حيا الله اللي ماصدقت إني أروح عشان تنط عند صالح"



نجلاء تحتضن هاتفها بحرج شديد وهي ترد بذات الحرج: حياك الله.. الحمدلله على السلامة



غانم بمودة واحترام: مبروك ردتش لبيتش يالغالية



نجلاء بذات الحرج: الله يبارك فيك..



غانم بنبرة مقصودة: زين وعشان رضيتي على صالح تزعلين علينا..



نجلاء صمتت وضيقها العميق يعاودها..والعبرات تخنق روحها



بينما غانم أردف بذات النبرة: ها يام خالد.. وش مزعلش علينا..؟؟


سميرة بتموت من الحزن بسبتش.. يهون عليش تسوين فيها كذا



نجلاء بهمها المجروح: إلا يرضيك يأبو راشد اللي هم سووه فيني...؟؟


ماعندهم حد في البيت غيري.. تصير الخطبة وعقبها بيومين الملكة..وانا مادريت بأي شيء...


عدوني غريبة وأنا عندهم في البيت.. إذا كان ذا يرضيك، قل لي؟؟



غانم تنهد: أكيد ما يرضيني.. بس خلاص الموضوع صار.. والمهم توفيق أختش.. تدرين قلبها كنه قلب طير.. الحين كنها تقلى على ضو



نجلاء بحزن: وزواجها من تميم.. تشوفه توفيق؟؟ سميرة كانت تستحق واحد أحسن بواجد



غانم بحزم أخفى خلفه حزنه: حكي في الفايت نقصان في العقل... خلاص سميرة صارت مرته ومقتنعة فيه.. وانتهى الحكي


والحين أبي اشوف خاطري عندش.. أبي أشوفش جايتنا مسيرة علينا وراضية علينا كلنا.. حن من غيرش يام خالد مانسوى



نجلاء تشعر بألم عميق لطلبه اللطيف منها.. لكنها موجوعة ولا تستطيع خداع نفسها أو خداعه لذات همست برقة:


عطني يومين بس فديتك لين أروق.. وعقبه أنا بأجيكم بنفسي جعلني فدا روحك





كانت نجلاء تنهي الاتصال حين تعالت طرقات صاخبة على الباب ثم اقتحمت عالية الغرفة كالأعصار : سلامو عليكو


يعني عشان رضيتي على صويلح قاعدة تحرسين الغرفة لين يرجع


قومي أنا زهقانة.. طلعيني.. خلينا نروح أي مكان..



نجلاء تبتسم: أول شيء كم مرة قد قلت لش لا عاد تدخلين علي بذا الطريقة.. عيب.. يمكن أنا الحين متفسخة ونسيت الباب مفتوح..


ثاني شيء وين نايف عنش اليوم.. أعرف كل مازهقتي سحبتي المسكين يطلعش



عالية تلقي بنفسها على السرير وهي تسحب شهيقا طويلا: يازين الريحة الخنينه.. خنقتي أخي بذا العطور.. بيجيه التنك..



وبعدين أول شيء إذا أنتي متفسخة.. سكري بابش عليش مالي ذنب إذا أنتي تعرضين مشاهدة مجانية


وبعدين التنبيهات هذي قديمة قلت يمكن قعدتش عند بيت هلش غيرت القوانين شوي



وثاني شيء فديت قلبه نويف اليوم خالاتي متهادين عليه.. فيه ثلاث كلهم مسوين له غدا.. تخيلي!!


والمسكين بيتغدا ثلاث مرات.. عزتي لكرشه اللي بتنبط.. الولد آخرته بيموت من كثرة الأكل..



نجلاء باستغراب: من جدش أنتي؟؟



عالية تضحك: والله العظيم.. وبعدين أنتي أساسا عارفة وش كثر يتهادون عليه..


أخيهم الصغير والوحيد على قولتهم.. الولد تعقد والله العظيم.. عزتي للي بتأخذه بيكون عندها سبع عمات..


وأنتي عارفة فيه ثنتين من خالاتي قشرات.. طبعا عارفتهم طيبات الذكر


تذكرين أشلون كانوا يقطون كلام على مرت عبدالله الله يرحمه لين طلعوا روح المسكينة..


أما عاد مرت نويف لو ماهج وسكن وياها في كوكب ثاني والله لا يزهقونها في حياتها لين تطفش.. وتشق ثيابها







******************************








"وافقي خالتي لا تضيعين على نفسش فرصة مثل عمي"



عفراء بابتسامة: الحين عمش فرصة وأنا اللي كخة..



مزون بجزع: حاشاش خالتي.. والله مهوب المقصد


ثم أردفت بحماس: بس أنا أبي الزين للزين


والله يا خالتي عمي يجنن.. شوفي على قد ما طلعت مع ابي ومع علي.. وحتى مع كساب أول


إلا أن الطلعة مع عمي غير.. جد يحسسش إنش أميرة.. برنسيسة من قلب



عفراء بذات الابتسامة وبنبرة مقصودة: معنى كذا عمش مافيه عيوب؟؟



مزون بحذر: مافيه إنسان مافيه عيوب.. هذا طبع البشر.. بس فيه عيوب الواحد ممكن يتعايش معها.. وعيوب ما ينسكت عليها


وما أعتقد إن عيوب عمي من النوع الثاني أبد


صحيح عصبي شوي ودمه حامي وعنيد ورأسه يابس بس والله العظيم قلبه طيب..


وأحلى ميزة فيه إنه مايلف ولا يدور..



عفراء تقلد طريقة مزون في الكلام: (عصبي شوي ودمه حامي وعنيد ورأسه يابس)


وهذي كلها ما تشوفينها عيوب؟؟



مزون تبتسم : ونسيتي إنه قلنا قلبه طيب وما يلف ولا يدور



عفراء تتنهد: يصير خير.. ما يصير ذا الحصار اللي كلكم مسوينه علي أنتي وأخيش وعمش


عطوني فرصة أفكر برواقة... هذا قرار مهوب هين






*******************************************







"أشرايج في جو الحديقة برا.. خيال صح؟؟"



يساعدها على النزول من كرسيها المتحرك.. بعد أن باتت تتقبل مساعدته بعفوية..


ليحملها بعد ذلك ويمددها على سريرها وهي تجيبه بوهن: تعبت من ذا الطلعة..



خليفة بابتسامة: زين تعبتي يعني ما عجبتج كلش؟؟



جميلة بدون اهتمام: حلوة..



خليفة لم يتوقع منها ردة فعل أكثر من ذلك أساسا.. لذا جلس بهدوء وهو يقول: يضايقج أشوف مباراة عندج.. اليوم فيه مباراة للريال..



همست ببساطة واهنة: براحتك..



خليفة يغير بين القنوات يبحث عن قناة تتحدث بالانجليزية وتنقل المباراة حتى وجدها.. وجلس انتظارا لبدء المباراة



بعد لحظات صمت همست جميلة بعفوية طبيعية: علي يشجع ريال مدريد.. بس كساب يشجع برشلونة..



حينها التفت لها خليفة.. لا يمكن أن يحتمل أكثر من ذلك.. طاقته استنفذت.. أي رجل هذا الذي يقبل أن يكون دائما مثار مقارنة عند زوجته


وهي تعقد مقارنة دائمة بينه وبين رجال آخرين


لذا هتف بهدوء كان تأثره يمور تحته: جميلة ما تشوفين إنه عيب في حقي.. إنه في كل سالفة لازم تدخلين عيال خالتج



جميلة ببساطة بريئة: ما أشوف فيها شيء.. ليه؟؟



خليفة مازال يحاول الاعتصام بهدوءه: احترمي إني ريلج.. مافيه ريل يرضى بجذيه..



حينها هتفت جميلة ببرود: والله الرجّال هذا يوم خذني.. يعرف إني متربية مع عيال خالتي وما أعرف حد غيرهم


فليش يستنكر الحين أني أسولف عنهم..


مهوب عاجبه.. الباب يفوت جمل..



خليفة يحاول جاهدا ألا يتسلل غضبه لصوته حتى لا يثيرها: والله أعتقد إن الريل هذا أنتي اخترتيه برغبتج على عيال خالتج


الحين صار الباب يفوت يمل



حينها نظرت له جميلة بشكل مباشر وهتفت بحدة: عقلي صغير وماعرفت أختار.. وما ينشره علي


تكفيك هذي إجابة؟؟



خليفة تقلصت قبضتيه بشدة.. وغضب عات يمور في روحه.. من بين كل المرات التي أطالت لسانها عليه


كانت هذه المرة هي الأقوى.. والأكثر قسوة وتجريحا..


لذا وقف حتى يخرج للخارج..


وهو يحاول قهر روحه وتذكيرها أنه مهما حدث.. فهي مريضة.. وكلامها لا يمكن أن يحاسبها عليه


مهما كان جارحا له ولرجولته!!








*******************************








" ها نروح مكان ثاني بعد؟؟"


صوت فاطمة المتسائل..



كاسرة بحزم: لا كفاية كذا.. أبي ألحق على جدي قبل ينام.. يتعشى عقب صلاة العشا وينام على طول..


وأنا لو ماشفته قبل ينام وخذت علومه.. ما أرتاح تيك الليلة..



وضحى برجاء: مايصير كذا كاسرة.. كذا والله ما تلحقين تخلصين شيء.. تونا الحين قبل صلاة العشاء بشوي



كاسرة بذات الحزم: تعرفين زحمة الدوحة.. على مانرجع للبيت بيكونون العرب صلوا العشا.. وجدي أبدى علي



فاطمة بمودة: خلاص الله لا يخليش من جدش.. نرجع البيت.. حتى أنا ما ابي أتأخر على عيالي..



كاسرة بهدوء: أنا أبي أعرف أنتو ليه شايفين سالفة سوق العروس أزمة.. الوحدة ماراح تهاجر.. والسوق قريب..


عدا عن إن الوحدة أساسا قبل ما تتزوج عندها ملابس..وذا الاسراف والله ماله معنى..



وضحى بهدوء: بس الناس عينهم على العروس.. على الأقل لازم تكون لابسة حلو ومتألقة..



كاسرة بثقة: الدولايب مليانة ملابس.. وأعتقد أني متألقة ومتأنقة عشان نفسي مهوب عشان حد..



فاطمة بهدوء: خلينا على الأقل نلاقي لش فستان.. واللي غير كذا لاحقين خير..



كاسرة بحزم: نطلع السبت الضحى ونأخذ اليوم كامل.. طلعة وحدة بتكفي كل شي.. لأني زهقت من ذا السالفة








********************************







وضعت طفليها في السرير وحصنتهما بالأذكار ثم عادت لغرفتها..


تشعر بتوتر عميق.. لم تر صالحا منذ خرج صباحا.. حتى الظهيرة لم يعد


شعرت أن غيابه مقصود..وكأنه يريد أن يمنحها فرصة للتفكير..


والمشكلة أن التفكير لديها معطل.. فهي غاضبة عليه.. وعلى أهلها.. وعلى كل شيء..


غاضبة من هذا الموقف السخيف الذي وضعت فيه.. من اضطرارها للتعامل مع موقف هي غير مستعدة له


من تسرعها في قرار العودة لتعاقب نفسها قبل ان تعاقب أهلها.. فالقلوب مازالت لم تصفُ..


ولكن بما أنها كانت ستسافر معه قريبا.. فهل يختلف الأمر الآن عن سفرهما..



فتحت دولابها..


ماذا يفترض أن تلبس حتى تبدو طبيعية غير متكلفة.. ومتباعدة.. متباعدة جدا!!


سحبت لها بيجامة قطنية واسعة وارتدتها.. ومشاعرها تنتقل من التوتر للتبلد.. تريد أن تشرنق نفسها بهذا التبلد حتى يصفو عقلها


فهي غير مستعدة لصالح ولتاثيره عليها الذي تعلم أنه تاثير خطير حين يريد ذلك..



وهي في أفكارها.. وصل صالح.. هادئا غامضا.. ألقى السلام بهدوء.. لترد عليه بهدوء مشابه


انحنى ليقبل جبينها.. لم تسمح له وهي تبتعد عن مدى شفتيه.. لم يعلق وهو يتجاوزها ليخلع ملابسه..


ثم يدخل ليستحم.. صلى قيامه.. حينما أنهى صلاته وورده.. توجه ليجلس جوارها على الأريكة


ولكنها نهضت لتجلس على كرسي منفرد.. لم يعلق أيضا.. وعلائم الغموض المتلاعب ترتسم على وجهه بوضوح



حينها نهض من الأريكة ليتوجه للسرير.. ويتمدد وينام دون ان يوجه لها حتى كلمة واحدة..



نجلاء استغربت بالفعل ردة فعله.. فصالح ليس هكذا مطلقا.. بل تعبيره عن مشاعره تجاهها مبالغ فيه في كثير من الأحيان


فهو لا يعترف بالرفض ومثابر لأبعد حد على اقتحام حصونها مهما حاولت رفعها وتعليتها..


فما به اليوم يبدو مهادنا ومتفهما بهذه الصورة؟!!



ولكنها ختاما حمدت ربها أنه تفهم رغبتها في الابتعاد عن تأثيره..


وبما أنه تفهم رغبتها هذه.. فلا معنى لنومها على الأريكة


لذا توجهت لتنام جواره وهي تدير ظهرها له!!







*********************************







"وش فيك طال عمرك؟؟ شكلك تهوجس في شيء؟؟"



منصور يلتفت لفهد الجالس جواره في مجلسه الغاص بالضباط ويهتف بحزم:


مافيه شيء.. مشاغل بسيطة



فهد بابتسامة مغلفة بالاحترام: أفا وش ذا الشيء اللي يشغل بال أبو علي؟؟"



منصور بابتسامة: تجيك العلوم قريب


إلا قل لي.. وش علوم مدرسة السواقة؟؟



فهد يبتسم رغم إحساسه بالضيق: باقي لي أسبوع على التراي.. الشرطي اللي أنت مسكته موضوعي متحلف لي..


ويقول إن ذي وصاتك له..



منصور يبتسم بفخامة: أنا ماأبي إلا مصلحتك.. وأنت داري..



حينها هتف فهد بضيق لم يستطع منعه من التسلل لصوته: ومصلحتي إنك خليتني مسخرة الشباب على سبة ذا الموضوع..


حتى هزيّع يطوّل لسانه علي وهو يشوف سواق البيت يوصلني مشاويري..


والله لولا حشمتك وغلاك وأني ما أبي أفجر حلفك علي.. وإلا كان شقيت ثيابي من زمان



منصور بحزم: اللي يقول كلمة.. قل له عشر.. واللي عنده ريال خله يقطعه..


ترا الروح يأبيك مهيب رخيصة.. (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)


وغير ذا وذا.. مابه حكي..




كان فهد يعلق على ماقاله له منصور.. ولكن منصور لم يسمع حرفا مما قاله وانسحب فكره من ضجيج مجلسه بالكامل وهو يتلقى رسالة على هاتفه



رسالة رأى رقم عفراء يتصدرها





#أنفاس_قطر#


.


بنات ترى بكرة فيه جزء استثنائي هدية صغنونة بينزل الساعة 7 الصبح <<< اعلان عشان اللي أعرف أنهم ما يقرون المقدمة أبد..


.


.

#أنفاس_قطر# 17-05-10 06:18 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحكم خير وبركة


اعذروني على الـتأخير <<< أبو الشباب عليه اليوم فطور ربعه وتوه وداه.. وانهديت من قلب


.


بارت اليوم بارت ردات الفعل


.


أما عن بارت الغد سيكون في وقت مختلف هو الساعة 2.30 الظهر


ليش؟؟ لأن البارت اللي بعده بارت الخميس بيكون يوم الأربعاء الساعة 10


وهذا استعداد لنقل البارتات بالليل


سبت وثنين واربعاء الساعة 10 مساء


وعلى العموم سنجرب هذا الوقت خلال الأسبوعين القادمين


وبعدها أنا أغيب لأسبوع.. كل من ترد على القصة خلال هذا الأسبوع تقول هل ناسبها هذا الوقت


أم تريد العودة للنشر الصباحي؟؟


أعلم أن رضاكم في هذا الموضوع صعب لكن على الأقل بنشوف الأكثرية وش يبون


والله لا يحرمني منكم يا الغوالي


.


.


إليكم


الجزء 23


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله.


.


.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والعشرون






حينما أخبره كساب أو بمعنى أصح "صدمه" برغبته في تزويج خالته من زايد


لا يعلم أي مشاعر مجهولة غزته بكل الحدة والعنفوان وحركت رتابة حياته التي اعتادها حتى تغلغلت فيه برتابتها



لم يكن مطلقا لأي من مشاعر الصبا أي حضور في عقله الظاهر.. فمشاعر الصبا دفنت مع الصبا


ولكن مشاعر الخذلان لم تدفن أبدا!!



لذا رفض أن تكون عفراء لزايد الذي حرمه منها.. الذي خذله..


الذي جرحه الجرح الأعمق وهو يفضل رجل غريب عليه.. على شقيقه الوحيد الذي لو طلب منه أن ينحر نفسه فداء له لم يكن ليتهاون


وربما كان هناك شيء غامض في داخله ينبئه أنها لن تتزوج وهو يعلم تماما أنها أغلقت حياتها بعد وفاة زوجها


ورفضت فكرة الزواج مرة أخرى.. شعر أنها محمية.. لن تعود لتصبح زوجة رجل آخر.. ستبقى مثله!!


لذا شعر بغبن شديد حين علم أن زايدا قد خطبها مسبقا.. كما لو كنت تترك أمانة عند شخص ما.. فلا يكون حريصا عليها


بل يسمح لنفسه أن يمتد تفكيره لها..


أ لم يكفه ما فعله مسبقا؟!!


تخيلَ لو أن هذه الخطبة التي لم يعلم بها قد تمت.. كان مجرد التخيل قاسيا على روحه الحرة.. وهو يبعث فيها غضبا لا حدود له..



ربما لو كان زايد حينما كان يعرضها عليه قد قال له (إذا لم تتزوجها سأتزوجها أنا..)


لربما كان قد تزوجها قبل زواجه الأول حتى..


لم يستطع مطلقا استساغة أن تكون عفراء لزايد.. أن تكون زوجة لزايد


أن تكون حلالا لزايد


مستعد أن يضحي بحريته ورغبته في العزوبية من أجل ألا يتحقق هذا الأمر...


.


بعد ذلك..


حينما أقدم على الفكرة راقت له.. راقت له بالفعل ولأبعد درجة..


شعر أن هناك روحا جديدة اقتحمت حياته المختنقة بالرتابة والملل


ورفض عفراء أثار عناده ورغبته فيها أكثر وأكثر


وجودها المختلف.. صوتها الرقيق الحنون.. حواره معها.. أشياء تمنى ألا تختفي من حياته..



ثم في الختام سيجد له روحا إنسانية تتحاور معه في لياليه الطويلة الباردة التي يقضيها وحيدا دون أنيس


وبعيدا عن التسرع الذي قاده لخطبتها في البداية وبعد التفكير العميق.. وجد أن عفراء تعد خيارا مثاليا..


سيدة رزينة.. لن تصيبه بالجنون الذي أصبنه به زوجاته السابقات.. لن تحاول تقصيص أجنحته أو حد حريته


الأمر المرفوض تماما عنده.. وهو من يشعر أنه نسر محلق ويريد أن يظل هكذا على الدوام..


والشيء الاخير أنه بالفعل ليس لديه رغبة في انجاب أطفال بعد هذا العمر.. وأي زوجة بظروف عادية سترغب حتما أن تنجب


بينما عفراء لديها ابنة.. ولا يعتقد أن فكرة الإنجاب ستبدو مغرية لها..


لذا أصبحت عفراء تمثل له خيارا مثاليا عقلانيا لإيجاد شريكة تكمل معه مابقي من سنين حياته


.


وهاهو يمسك هاتفه بين يديه.. وينفصل عن كل ضجيج المجلس وهو يفتح رسالتها التي شعر فورا أنها تحتوي شيئا مهما


فلا يعقل أن عفراء برزانتها المعروفة سترسل له شيئا غير مهم:



" أنا موافقة عليك وعلى شروطك


عزايمك فوق رأسي


والعيال عندي الحمدلله بنت


و أنا أساسا مالي خلق حمل وولادة عقب ذا السنين


بس أنا بعد عندي شرط"



منصور كان بوده أن يتصل بها فورا.. ولكنه لم يستطع ترك ضيوفه أو الانشغال عنهم.. لذا بقي يتقلب على جمر حتى غادر آخر ضيف


كانت الساعة قاربت منتصف الليل.. وعفراء بالفعل خلدت للنوم حين تعالى رنين هاتفها


التقطته بجزع وجميلة هي من تخطر ببالها: نعم من؟؟



منصور بثقة: من؟؟ أنا منصور



عفراء انحدر صوتها لحرج شديد به رنة قلق: عسى ما شر يا أبو زايد.. حد فيه شيء؟؟



منصور بذات الثقة: أعتقد بيننا كلام معلق..



عفراء بضيق: أبو زايد مافيك تصبر للصبح.. صحيتني من نومي..والوقت أبد مهوب وقت اتصال حتى لو كنت أنا مانمت



منصور بابتسامة: وأنا أقول البحة الحلوة هذي من وين جايه.. أثرها من أثر النوم..



عفراء شرقت واتسعت عيناها دهشة وحرجا وهي تكح بصوت مسموع


بينما منصور أكمل حديثه بثقة وكأنه لم يكد أن يتسبب بأزمة قلبية لمن يحاورها بجرأته:


دام أنتي وافقتي علي.. مسألة الوقت صارت مسألة شكلية


واعتبر أني أقدر أتصل في أي وقت


والحين أبي أسمع شرطش.. لأني أبي الملكة بعد بكرة وتجين بيتي على طول.. وبكرة الصبح مهرش بيكون في حسابش..



عفراء بدأ رأسها يؤلمها من الحرج من هذا الجريء الذي اقتحم أمسيتها الهادئة ولكنها حاولت دفع الثقة في صوتها وهي تقول:


أنت عارف إن يمكن يكون سبب ترددي في الموافقة عليك هو طلاقاتك الثلاث.. حسيتك واجد تتسرع في الطلاق


وكأنه هو الحل الأول عندك مع أنه مفترض يكون الحل الأخير بعد استنفاذ كل الحلول..


لكن بصراحة هذا بيكون شرطي الوحيد..



منصور بتساؤل فخم: مافهمت قصدش بصراحة



عفراء بثقة: بنتي الحين ما اراح أبلغها بزواجي عشان ماشيء يأثر على علاجها.. لكن هي مسيرها تعرف


فلو موضوع الزواج ضايقها وطلبت مني أني أتطلق.. تطلقني..



منصور بغضب مكتوم وهو يصر على أسنانه: لذا الدرجة مرخصتني من أولها.. تبين أطلقش لو بنتش بغت.. وش ذا الخبال..



عفراء بذات الثقة الهادئة: يا أبو زايد.. بنتي وحدة مريضة.. وما أدري وش ظروفها بترسى عليه.. ما أدري حتى لو هي بتستمر مع زوجها أو لا


أنا أبي أتحسب للظروف بس.. وتأكد إن بنتي لو طلبت إني أتطلق بيكون عشان ظروفها ما تحتمل وجود زوج أم


يعني يمكن تكون هذي احتمالية واحد في الميه.. وأنا أبي أحطك في الصورة


ومثل ما أنا وافقت على شروطك اللي ما أعتقد إنه فيه حد بيوافق عليها


تقدر توافق على شرطي أو ترفضه.. هذا احنا على البر



منصور يريد أن يهشم الهاتف بين أصابعه من شدة ضغطه عليه ومع ذلك أجاب بحزم:


ما أعتقد إن جميلة ممكن تجبرش على قضية الطلاق ذي...ما أدري ليه حاس إنش تلككين.. وتبين لش حجة..



عفراء بهدوء: يأبو زايد وحدة في عمري تأكد إن الطلاق صعب عليها وهي تتزوج عقب ذا السنين كلها


لكن أنا ما أبي أخلي شيء للظروف..



منصور بثقة: زين يا عفرا.. انا موافق على شرطش.. مع أنه إن شاء الله ماراح يصير..



عفراء بغموض: ما تدري يمكن أنت اللي تصير تبي تطلق.. متعود على السالفة



منصور بحزم: بلاها ذا الحكي المغطي.. وطاري الطلاق ذا ما أبي أسمعه..


وخلاص أتناش تنورين بيتش بعد بكرة إن شاء الله



حينها هتفت عفراء بحزم مغلف بخجل وأدب رفيع: بس تخطبني من أبو كساب.. ويكون هو وليي في عقد الزواج..


أنا مارباني غير زايد.. وما ينكر الفضل إلا البوار.. وأنا ما أنا ببوارة







***********************************




اليوم التالي


صباح جديد





صحا من نومه للتو على رأسها مستندا لكتفه..بعد أن كان حينما صحا لصلاة الفجر لم يجدها لأنها سبقته للقيام للصلاة


وحين عاد كانت صلت ونامت معتصمة بطرفها البعيد وكأنها بذلك ترسل له رسالة ما..


لذا ابتسم وهو يتنفس من قرب خصلات الذهب وأمواج العسل


يشعر كما لو كان يتنفس رائحة الحياة التي افتقدها طوال الأشهر الماضية


مال بعفوية حانية ليقبلها..


لكنها ما أن شعرت بأنفاسه القريبة الثقيلة على بشرتها مع نومها الخفيف حتى قفزت مبتعدة لطرف السرير


تبدلت نظرة الوله في عينيه لنظرة أخرى مجهولة.. وهو يقف دون أن يقول شيئا..


يغتسل ويرتدي ملابسه ويغادر دون أن يقول كلمة


بينما استغراب نجلاء منه يتزايد ويتزايد


وإحساس أقرب للوجل يتسرب لروحها


فهذا الرجل بردات فعله غير المسبوقة يبدو عصيا على التفسير..مجهولا بالنسبة لها


فهل تحاول اكتشافه من جديد؟؟


أو ما هذا الذي يحدث؟؟







*******************************







" منصور أنت من جدك؟؟


جاي تخطب عفرا؟؟ عقب ذا السنين كلها؟؟"



منصور يرد على اندهاش زايد بحزم: عفرا شارطة إنك وليها في العقد.. وأنا واحد مستعجل أبي أتملك بكرة وتجي هي لبيتي



حينها رد زايد بحزم غاضب: ودامكم متفقين وش شوري فيه؟؟



حينها هتف منصور باحترام فهو لا يرغب مطلقا في التقليل من قدر أخيه الكبير عنده: وش حن من غير شورك يأبو كساب


جعلني فداك أنا قلت لكساب يأخذ شورها قبل أخطب رسمي.. ويوم وافقت هذا أنا جيتك..



نظر زايد لمنصور نظرة مباشرة وكأنه يريد أن يسبر ماخلف الملامح المشدودة بحزم غامض (ماذا تخفي يامنصور؟؟)


هتف زايد بنبرة مقصودة: وممكن أعرف أسبابك اللي خلتك تبي عفرا عقب ذا السنين مع أني عرضت عليك واجد تاخذها


وأنت كنت تعيي.. وش اللي تغير؟



كان منصور على وشك أن يقول (اللي تغير إن كسّاب كان يبي يزوجها لك) لكنه أمسك عبارته التي بدت له وقحة جارحة وخالية من أي تهذيب


وقال بهدوء عميق فيه كم صراحة شاسع.. ففي نهاية هذه هي الحقيقة فعلا:


اللي تغير إني حسيت عمري راح وأنا عايش بروحي


تعبت يأخيك من الوحدة.. وما أبي لي بنت صغيرة تجنني


أبي مرة عاقلة تونس وحدتي وأكون أنا وإياها على نفس المستوى من التفكير


ومالقيت أنسب من عفرا.. وإلا انا غلطان في الاختيار؟؟



ابتسم زايد: إلا أشهد أنك اخترت وأحسنت الاختيار.. بنت محمد نادرة.. وانا أشهد إنه مافيه مثلها في النسوان


الله يوفقكم..


وبكرة عشا ملكتك علي أنا وأنا اللي بأعزم عليه هنا في مجلسي..



منصور نهض ليقبل رأس زايد ويهتف بمودة شاسعة: اللي تقوله تم ولو أني كنت أبي العشا في مجلسي


بس مجلسي ومجلسك واحد.. جعل المجلس مايخلا من راعيه..







***********************************







"من البارحة مندسة مني يالخايسة"


همس جوزاء الودود وهي تقرص خد شعاع بمودة..



شعاع تبتسم وتهمس بعذوبة: أبي الحالة لين تستقر تمام ست جوزا.. وبعدين لقيت لي وقت أخلص المادتين اللي باقيات علي في الامتحانات


خوش حبسة جات بنتيجة...



جوزاء تبتسم: بس جد يا بنت أنش خطيرة... إذا انا صدعت روحي.. أشلون استحملتيني أنت



شعاع بمودة: لأجل عين تكرم مدينة.. تدرين إني ابي مصلحتش ومصلحة حسن..



جوزاء تتنهد: والله العظيم اشعيع.. ما أدري أشلون أشكرش إنش ما طاوعتيني وعطيتيني الصور


والله إني كنت أصارخ وكان ممكن أضربش لو فتحتي لي.. بس شيء في داخلي يقول يارب ما تفتح يارب ماتفتح


حسن البارحة جنني.. ونام وهو يبكي يبي صور أبيه..



شعاع برقة: بس صحا اليوم وهو ناسي.. وهذا هو المطلوب ياجوزا.. صدقيني بكرة بعد يمكن يطلبهم ويبكي


وبعد بكرة بعد.. ثم عقبها شوي شوي ويسج.. ولا تحاتين.. وراكم رجالة!!







*********************************







"ماشاء الله زايدة 2 كيلو"


هتاف داليا السعيد.. وهي تساعد جميلة لتنزل عن الميزان



لترد عليها جميلة بدون اهتمام: يعني رجعت دبة مثل أول..



داليا بمودة: إذا وصلتي لـ80 هذاك الوقت قولي دبة..



جميلة تمسك خصرها المتخشب وهي تهمس بوهن: من الحين دبة.. بس خلاص ما يهم.. اللي تبوني أكله بأكله


لو تجيبون لي خروف كامل كليته.. مايهم



داليا تبتسم: الرجال يحبون الوحدة المليانة.. شو يعني ما تبين تعجبين أستاذ خليفة..



جميلة بذات النبرة الواهنة غير المهتمة: أنا ما أبي أعجب حد.. وأولهم خليفة هذا



داليا بحذر: إلا أستاذ خليفة على غير العادة ساكت.. وما رضى يدخل معنا للميزان



جميلة ترد بألم .. غيظ.. عدم اهتمام: الأخ زعلان من البارحة.. خله يزعل لين السنة الجايه بعد..







**********************************







" في ويش سرحان؟؟ تدري إن فنجالك برد..


ياولد تعال خذ ذا الفنجال وصب غيره"



صوت مهاب يرتفع وهو يوجه حديثه لعبدالرحمن ثم لمقهوي مجلسه الذي تناول الفنجان من أمام عبدالرحمن


الفنجان الذي برد بعد انشغل عنه عبدالرحمن بأفكاره الخاصة وهمومه التي أخذته للبعيد



عبدالرحمن يقول بعمق وكأنه يحادث روحه: جايني منحة بحث في جامعة أمريكية ورفضتها.. مع إنها كانت بتكون في مصلحتي فوق ما تتخيل



مهاب بغضب: وليش ترفضها زين..؟؟



يتنهد عبدالرحمن: عشان أمي وخواتي... ابي صاير عصبي عليهم بشكل... كفاية اللي جاهم وأنا في بريطانيا


ماعندي استعداد ولا حتى واحد في المية إني أخليهم يعانون من جديد معه..



صمت مهاب.. فليس لديه ما يخفف به عنه..


رغم أنه كان يتمنى لو يحمل كل الهم عن توأم روحه.. ويدفنه في أعمق نقطة في روحه بعيدا عن حنايا عبدالرحمن الغالية



ثم أردف عبدالرحمن بذات العمق المتجذر: امهاب.. طالبك شيء



حينها انتفض مهاب حميةً.. وهو يهتف بحزم: تطلبني؟؟ آمرني وبس.. لو تبي رقبتي ماتغلى عليك



عبدالرحمن يبتسم: الرقبة وراعيها سالمين لي..


أنا أبي أوصيك وصية..



مهاب بدهشة: توصيني؟!!



عبدالرحمن بإيمان عميق: تدري يا سنايدي.. الدنيا موت وحياة.. وماحد يدري متى ساعته


وأمي وخواتي مالهم غيري.. الحين تطمنت على جوزا إنها عندك.. بس باقي شعاع وحتى أمي


امهاب وصيتي لك أمي وخواتي لو صار لي شي..



مهاب قفز بجزع وهو يهتف: فال الله ولا فالك



لتصدم يده بالدلة الحارة التي كان المقهوي يحملها وتنسكب القهوة المغلية على يده



عبدالرحمن قفز معه وهو يمسك بجزع مرتعب يد مهاب التي انسلخت فورا لشدة حرارة القهوة التي اُنزلت للتو من النار ويصرخ بغضب عارم:


قسما بالله منت بصاحي.. ماتشوف ذا الرجال ودلته..



مهاب يصرخ بغضب مشابه وهو ينفض يده بألم: إلا أنت اللي منت بصاحي.. أنت وذا الفال الشين



عبدالرحمن يشده خارجا وهو مازال يعنفه بغضب: أمش أوديك المستشفى يا الخبل.. والله ماعليك شرهة







**********************************







" هلا والله بالغالية.. أشلونش وش أخبارش طمنيني عنش"



مزون بابتسامة غلفت بها عمق شاسع به رنة حزن متجذرة: أخباري إني علقت سالفة الطيران كلها لأجل غير مسمى..


وسجلت ماجستير إدارة هنا في جامعة قطر وبأبدأ من فصل الخريف الجاي


فخلاص هروبك من الدوحة ماله داعي.. ارجع يأختك.. والله إني محتاجتك جنبي



علي بغموض: يصير خير يامزون.. يصير خير



تنهدت مزون لأنه لم يرح قلبها ثم أردفت بابتسامة: وعندي خبر أهم متصلة أقوله لك.. وأتمنى ماحد سبقني..



علي بتساؤل: اللي هو؟؟



مزون بابتسامة شاسعة: عمي منصور بيتزوج بكرة



علي بدهشة سعيدة: لا لا.. مستحيل أكيد هذي تأليفة من عندش..



مزون تضحك: والله العظيم بكرة ملكته والعروس بتجي لبيته على طول


ثم صمتت لثانية وأردفت بنبرة مقصودة: وخالتي عفرا بعد بتتزوج بكرة



حينها شهق علي من الصدمة: لا هذي أكيد من عندش.. مستحيل خالتي تتزوج



صوت ضحكات مزون يتعالى: بسم الله عليك.. والله العظيم من جدي..



علي مازال مصدوما: عمي وخالتي في يوم واحد وش ذا الصدفة..


ثم أردف كالمضروب على رأسه وهو يشهق: إلا لو.. معقول...؟؟



مزون مازالت تضحك: أول مرة أدري إنك متنح كذا ياعلي... إيه معقول.. عمي بيتزوج خالتي بكرة...



حينها بدأ علي يضحك بسعادة حقيقية: والله العظيم مايردني من الجية للدوحة شيء إن شاء ربي..


أنا بأرتب وضعي اليوم وخلاص جايكم الدوحة إن شاء الله


مستحيل أفوت مناسبة مثل ذي..


عمي وخالتي مع بعض.. معقولة؟؟ والله لحد الحين ماني بمصدق..


كني في حلم!!






****************************






"وين وضحى؟؟ ماشفتها اليوم.."


همس كاسرة الهادئ



مزنة تصب فنجان قهوة لوالدها.. وتقربه من يده حتى تضعه في باطن كفه وتحكم إغلاق قبضته عليه وتهمس بطبيعية:


خبرش بكرة آخر امتحان عندها وتدرس


حتى أبي أودي شبكة سميرة ومهرها.. وهي مترجيتني تقول تبي تروح معي.. فبنروح بكرة قبل المغرب


لولا إن عرسش عقب 3 أسابيع وإلا كان قلت لش تروحين معنا..



كاسرة تميل على كتف جدها لتقبله ثم تهمس لأمها وهي تتجاهل حديثها عن موعد زواجها: قومي يمه أنا بأقهويكم



مزنة بمودة: خلش جنب جدش.. أنا مشتهية أتقهوي وأقهويه..



كاسرة تلمس طرف لحيته الطويلة وتهتف بحنان: شعره ولحيته تبي ترتيب بأقول لامهاب يجيب له الحلاق بكرة..



الجد حينها هتف بوهن: تو الحلاق كان عندي ماله حتى أسبوعين..



كاسرة تحتضن عضده بقوة وهي تلصق خدها بكتفه وتهتف بمودة شاسعة: أنا أبي شكلك مرتب.. عشان نذوب قلوب العذارى الذايبة فيك



الجد يبتسم: أشهد أنهم على العازة اللي مالقوا لهم حد يذوبهم غيري



كاسرة تبتسم له بعذوبة خلابة: إلا كلهم نظر.. إذا أنت ما تذوب القلوب من اللي كفو يذوبها..



الجد حينها هتف بعمق: يالله حسن الخاتمة يأبيش.. أنا أشهد أني خذت حقي من الدنيا..



وحينها قفز ضيقها للذورة فورا.. ولكنها لم ترد عليه.. تعبت من تكرار الحكي والاعتراض..


صمتت.. ولم تجد شيئا سوى الصمت



عم الصمت لدقيقة لتقول مزنة بعفوية: بلغتي شغلش بموعد عرسش على أساس تأخذين إجازة؟؟



كاسرة حاولت تنحية ضيقها من حديث جدها جانبا: مابعد.. تو الناس..



مزنة بهدوء: وش تو الناس.. عرسش عقب ثلاث أسابيع... بلغيهم من الحين عشان يوافقون على الإجازة..


وخذي لش فوقهم أسبوعين والا ثلاثة من رصيد إجازتش


ذا السنة ماخذتي أي شيء منها



كاسرة بحزم: مافيه داعي أخذ من إجازتي السنوية شيء.. كفاية الأسبوعين إجازة الزواج



مزنة بحزم أشد: أنتي عارفة إنه نظام بيع الاجازات ألغوه.. ولو ماخذتي الإجازة بتروح عليش..



كاسرة بثقة: خلها تروح.. كفاية أقابل وجهه أسبوعين.. تبين أقابله شهر..



حينها هتفت مزنة بحزم بالغ الشدة: كذا يعني.. ها والله ثم والله إن قد تأخذين رصيد إجازتش كامل فوق إجازة الزواج



حينها وقفت كاسرة وهي تنتفض غضبا: يعني عشان دارية إني ما أقدر أفجرش يوم حلفتي تسوين فيني كذا


يعني أنتي تعاقبيني على صراحتي.. أنا كان أقدر أقول لش زين.. وعقب أسوي اللي في رأسي


يعني هذي جزات صدقي معش..



حينها وقفت مزنة وهي تهتف بغضب مشابه: كم مرة قايلة لش إذا قدش تحاكيني يا بنت بطني قصري حسش...




"وش فيكم صوتكم طالع؟؟"


قاطع نقاشهم الحامي الوطيس صوت مهاب العائد من المستشفى بضماد شاش خفيف جدا فيه مادة دوائيه على يده


ولابد أن ينزعه بعد قليل لأن الحريق لابد أن يكون مكشوف


وهو يحمل كيس مراهم الحريق في يده



الاثنتان شغلتا عن كل شيء به وهما تنظران بجزع ليده.. وإن كانت كاسرة عجزت عن التعبير عن اهتمامها وجزعها بانتاج الكلمات


فإن مزنة صرخت بقلق جازع: وش فيك يأمك؟؟



مهاب بهدوء: حرق بسيط من قهوة..



مزنة بقلق: وحرق بسيط يخليك تلف يدك وشكلك جاي من المستشفى بالكيس اللي في يدك



مهاب يصلهم ليقبل رأس والدته وجده الذي كان في عالم آخر حينها كما صار يحدث له مؤخرا


ويبعثر شعر كاسرة بيده السليمة ويبتسم: والله العظيم بسيطة.. وأقلها حصلنا لنا إجازة طبية أسبوع



حينها همست كاسرة بهدوء فيه رنة قلق: خلني أشوف يدك.. أشلون تقول بسيطة.. ويعطونك إجازة طبية.. لا وأسبوع كامل


أنت عارف حتى يوم واحد ما يعطون إلا بطلوع الروح



مهاب جلس وهو يهتف لجده باحترام ودود: أشلونك يبه اليوم؟؟


ثم يلتفت لكاسرة ويبتسم: يا شين تدقيقاتكم يارؤساء الأقسام أنتو.. توقفون المراكب السايرة


الله رزقني بإجازة.. حاسدتني أنتي..



كاسرة بذات هدوءها المحمل برنة قلق وهي تحاول كبح جماح قلقها الاكبر خلف هدوءها الواثق:


زين وش يضرك لا وريتني.. أصلا الحرق مهوب زين يتغطى



مزنة ساندتها وهي تهتف بحزم: إيه يأمك خل نشوف حرق يدك زين وإلا مهوب زين



ليرد الجد أخيرا وهو ينتبه لما حوله: سلامتك يأبيك ماتشوف شر.. أش قومك ما تريح أمك وأخيتك وتوريهم يديك


كود يتريحون إذا شافوك طيب



مهاب وقف وهو يبتسم وهو يخفي خلف ابتسامته إحساسه بألم مريع في يده التي تآكل جلدها الخارجي وهتف بذات الابتسامة:


قلت لكم طيب .. تبون السالفة كايدة غصب


ثم هتف وهو يستعد للمغادرة: بانسدح شوي لا حد ينسى يقومني لصلاة المغرب



مهاب صعد.. بينما كاسرة التفتت لامها وهي تهمس بقلق: والله يمه إن حرقه مهوب زين وإنه مستوجع منه


وإلا متى كان امهاب يرقد ذا الحزة إلا كنه جاي من رحلة






**************************






"خالتي يا الله نروح السوق بسرعة"



عفراء ترفع شعرها وتربطه وهي تنزل درجات السلم بهدوء وتقول بذات هدوء خطواتها: الناس يقولون السلام عليكم أول



مزون باستعجال: السلام عليكم ويالله نروح صار لي ساعة أنتظرش تصحين من النوم



عفراء ترد بصوت مازال أثر النوم فيه: اليوم أصلا ما طلعت من المدرسة إلا وأذان العصر يأذن.. جيت البيت صليت العصر نمت على طول


حتى كساب ما أدري شيء عنه.. ما أدري لو تغدى وإلا لا



مزون تنهدت.. لا تستطيع التغلب على هذا الحزن مهما مرت السنوات دونه.. بعد أن كانت من تعرف كل تفاصيل يوم كسّاب بدقة..


أصبح يومه وما يفعله فيه مجهولا لها.. وحتى بعد أن كان قلبها يطمئن برؤيته صاعدا أو نازلا من غرفته


حُرمت من هذا الشيء وهو ينتقل للإقامة مع خالته من بعد خروجه من التوقيف..



هتفت حينها مزون بهدوء ساكن: كسّاب يصرف نفسه.. قومي نروح للسوق



همست عفراء بهدوء: تبين شيء من السوق يعني؟؟



توسعت عينا مزون دهشة: أنا أبي شي من السوق؟؟ و اللي بتروح لبيت رجالها بكرة ماتبي شي من السوق؟؟



حينها وقفت عفراء وهي تتجه للمطبخ: أنا ما أبي شيء أبد.. بأقوم أسوي قهوة وشاي..أتقهوى أنا وياش



مزون حينها وقفت وهي تهتف بحزم: بأقول للخدامة تسوي.. وانتي اطلعي البسي عباتش..



عفراء بهدوء: يأمش إذا أنتي تبين شيء وديتش.. شيء ثاني أنا آسفة



حينها قالت مزون بخبث: إيه والله ناقصني أشياء واجد.. وديني خالتي تكفين..



حينها عادت عفراء وهي تتجه للدرج: خلاص خلي الخدامة تسوي لنا كأسين كرك... بس نعدل المزاج على السريع


وأنا طالعة ألبس عباتي.. وكلمي جينا تشغل السيارة...







*************************







" يمه... نجلا كلمتش اليوم؟؟"



أم غانم المشغولة بالتبديل لصالح الصغير ترد بهدوء منهمك: إيه كلمتني..



سميرة بتردد موجوع: ما سألت عني؟؟



أم غانم بعفوية: والله مش فاكرة.. أكيد سألت..



حينها ردت سميرة بحزن لا يشبه أبدا روحها المطرزة بابتسامتها الدائمة: إيه صح.. أكيد سألت عني



أم غانم بذات العفوية وهي تزيح صالح جانبا ثم تنتقل لمها الصغيرة لتبدل لها ملابسها: وأنتي زاكرتي زين؟؟ بكرة آخر امتحان صح؟؟



سميرة بعدم اهتمام: ذاكرت يمه.. هو أصلا امتحان سهل..


ثم أردفت بتردد: يمه ممكن بكرة أروح لنجلا..



"إذا كانت هي هربت مني


فلن اسمح لها بمزيد الهروب


إن كانت ترفض أن تكلمني ..ستجدني أمامها


لن تفلتي نجلا.. لن أسمح لكِ ان تبتعدي وتبعديني


أي قسوة هذه تقترفينها ضدي؟؟


تبتعدين عني وأنتِ تعلمين أن الحياة لا نكهة لها بدون رضاكِ وابتسامتكِ وحنانكِ ؟؟"



أم غانم ترد وهي منهمكة: ماعليه يأمش مايخالف.. أوديش بكرة عقب المغرب إن شاء الله


لأنه أم امهاب كلمتني تبي تجي العصر قبل المغرب يعني... إذا راحت أم امهاب رحنا لنجلا ولا يهمك






******************************







طرقات هادئة على بابه..


يخفي يده في زاوية غير مرئية جواره ويهتف بصوت عال: ادخل يا اللي عند الباب..



تدخل كاسرة بخطوات هادئة وهي تحمل بين يديها صحنا فيه مجموعة من الشطائر الصغيرة المتنوعة وكأسا من العصير


وهي تبتسم: أخينا الكبير مسوي نفسه تعبان ويتدلع وحتى العشا ما تعشى..



مهاب يبادلها الابتسام: من وين الشمس طالعة الشيخة كاسرة بنفسها جايبة لي عشا..



كاسرة بهدوء واثق : يعني من بيجيب لك؟؟.. وضحى ماعلمناها عشان ماتسوي فيلم هندي وهي عندها بكرة أخر امتحان



لم ولن تخبره أنها أصلا من أعدت عشاءه له حين أخبرتها والدتها أنه رفض أن ينزل للعشاء


وتحجج أنه شرب كثيرا من القهوة والشاي في المجلس حينما عاد من صلاة العشاء


ولكن كاسرة فهمت فورا أنه لا يريد أن يمد يده أمامهم حتى لا يعرفوا مدى سوء إصابته



كاسرة سحبت طاولة صغيرة ووضعتها بقرب سريره ووضعت العشاء عليه ثم جلست جواره وقالت بحزم:


يا الله ورني يدك اللي أنت داسها وراك..



مهاب مد يده لها ببساطة.. ولو كانت وضحى أو حتى أمه القوية من طلبت ذلك لتردد أن يصدمهما بمنظر يده المتسلخة


ولكن كاسرة لا يخشى عليها الصدمة.. فهي مضادة للصدمات في نظره..



كاسرة تمنت أن تشيح بنظرها وقلبها يقفز في حنجرتها وهي تتأكد الآن من مقدار الالم الذي يعانيه


ولكنها لم تستطع الإشاحة بنظرها حتى لو أرادت.. فهذا لا يتناسب مطلقا مع شخصيتها المرسومة للجميع وأمام الجميع



سحبت لها نفسا عميقا قبل أن تجيب بحزم: يعني مستوجع؟؟



مهاب يجيب ببساطة وهو يرجع كتفيه للخلف: شوي.



حينها وقفت كاسرة.. كانت تتمنى بداخلها لو استطاعت البكاء.. ولكنها لا تعرف كيف يبكون


وكما هي على الدوام :لم تخلق يوما لتبكي


لذا هتفت وهي تصر على أسنانها بغضب: لا مهوب شوي.. واجد وواجد بعد


وش فيها لو خليتنا نشاركك شوي في إحساسك..؟؟


دامك مستوجع كذا.. أقلها قول إيه أنا مستوجع..


خلنا نقول لك كلام مؤازرة سخيف.. ونقول سلامتك وما تشوف شر وفي العدوين ولا فيك..



حينها ابتسم مهاب وهو يكاد يضحك: دامه كلام مؤازرة سخيف أنا وش عازتي فيه؟؟



كاسرة بذات الغضب: كذا.. عشان هذا هو طبع البشر.. يحبون حد يخفف عنهم بالهذرة..



حينها هتف مهاب بنبرة مقصودة: يعني أنتي لو كنتي مستوجعة من أي شيء.. تبين لش كلام مؤازرة سخيف بعد؟؟



كاسرة صمتت ولم ترد عليه.. حينها أكمل مهاب حديثه بحزم: يا بنت أمي .. أنتي لو تكونين بتموتين من الوجع جسدي وإلا نفسي


ماقلتي لأحد أنا مستوجعة.. مستكثرة علي أنا الرجّال أحتفظ بوجعي لروحي







**********************************







تجلس أمام المرآة.. تنظر لنفسها.. مشتتة.. وتغتالها الحيرة.. تشعر أنها تقف على أرض رخوة تميد بها



" ما الذي يحدث بيني وبين صالح؟؟


تغيير صالح يصيبيني بالحيرة


صالح الصامت المتجاهل.. مخلوق غريب بالنسبة لي


سابقا كان من الممكن أن اتوقع ردات فعل صالح


فهو لا يكل ولا يمل من التعبير عن مشاعره بكل الصور


كنت أتوقع أن هذا هو ما سيفعله.. وأنا سأتقوقع داخل برودي


حتى يصفى ذهني للتفكير في مشكلتنا


فإذا به يفاجئني ببروده غير المعتاد..


منذ أن عدت للبيت.. ماعدت أراه حتى.. لا يهاتفني إلا لحظات ومن أجل الصغيرين فقط


لا أنكر محاولاته للتقرب.. ولكنها محاولات لا تشبه صالح حتى


فهذه المحاولات الخجولة المترددة التي تتوقف فورا مع صدي الأول له


لا تشبه أبدا صالح الجريء الذي لا يقبل الرفض مطلقا


وأنا من كنت أخشى أن تنهار مقاومتي له مع قدرته الغريبة للتسلل لطيات قلبي


وهو يذيب هذا القلب مع غزله المنتقى بعناية


ولكنه حتى الآن لم يلجأ إلى هذه القدرة.. أو ربما كان فقدها


وأنا أقف أمام صالح جديد يشعرني بالحيرة لعدم قدرتي على توقع ردة فعله القادمة"



وهي غارقة في أفكارها.. دخل بخطوات هادئة واثقة.. سلم بهدوء وردت السلام بتوتر


اقترب منها ثم مال عليها ليقبل كتفها.. حين رأته يهوي عليها كان بودها أن تبقى ساكنة.. حتى ترى ماذا ستكون خطوته التالية


ولكنها لا تضمن ردات فعل صالح ولا حتى رداتها المشوشة وهي لا تريد أن تفاقم المشكلة قبل أن تحلها


عدا أنها فعلا غير متقبلة لأي لمسة من صالح مع غضبها منه.. لذا مالت بجسدها جانبا ونهضت قبل أن تصل شفتيه لكتفها



صالح هز كتفيه بعدم اهتمام ثم اتجه للسرير وجلس على طرفه وهو يهتف ببرود حازم:


نجلا ..اليوم ثالث يوم لش من يوم رجعتي لبيتش.. وأنتي حتى اللمسة العفوية اللي والله ما اقصد منها شيء منتي بمتقبلتها مني..


خلاص الرسالة وصلت يا بنت عمي..



أكمل عبارته ثم نهض بحزم وهو يخلع ملابسه ويتجه للحمام.. بينما نجلاء تتساءل في داخلها


( أي رسالة اللي وصلت؟)






********************************







" بصراحة أنتي استخفيتي على السوق اللي خليتيني أشتريه اليوم"



عفراء المنهكة تلقي بالأكياس وترتمي على الأريكة



مزون تلقي بأكياسها وترتمي بجوارها وهي تبتسم بتعب: صدق زطية ياخالتي.. الحين عمي حاط في حسابش فلوس وش كثر


مهوب هاين عليش تشترين كم شغلة تلبسينهم قدامه.. تحسسينه إنه فعلا رجّال متزوج..



حينها اعتدلت عفراء بحرج: ليه عمش حط في حسابي شيء؟؟ ما انتبهت.. بعدين الملكة عادها بكرة.. ليه يحط اليوم..



مزون تبتسم: يعني ما انتبهتي للتضخم في رصيدش وأنتي تسحبين اليوم..


وثاني شيء إيه لازم منصور يدفع دم قلبه.. تبينه يتزوج بلوشي..



عفراء ترد عليها بثقة باسمة: الحمدلله ترا خيري واجد من قدام عمي.. عشان كذا ما انتبهت للبهانس اللي عمش حطها في حسابي



حينها انفجرت مزون ضاحكة: إخس ياخالتو والله منتي بهينة


ثم أردفت مزون بحماس: يا الله ياخالتي يانا متحمسة لبكرة.. أحس بكرة يوم أكشن من أوله


من بكرة الصبح بأروح لبيت عمي أنا وشغالات بيتنا.. أشوف شنو قاصره وش يبي ترتيب.. خبرش ترتيب صبيان


ما يعرفون في الترتيب شيء.. وهم في صوب والنظافة في صوب..



عفراء نهضت وهي تهتف بهدوء: خلش في تخطيطاتش وأنا خلني أقوم أجهز حق المدرسة بكرة..



مزون تمسك بخالتها وهي تقول بدهشة: من جدش خالتي بتروحين بكرة المدرسة..



عفراء تهز كتفيها باسمة: أكيد بأروح.. وليه ما أروح يعني؟؟





#أنفاس_قطر#


.


.


يا بنات كلكم مدعوين لزواج عفراء ومنصور بكرة الثلاثاء الساعة 2.30 الظهر


.


.

#أنفاس_قطر# 18-05-10 12:46 PM

بين الامس واليوم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أعرف أني بكرت قليلا في إنزال البارت


لكن بالفعل هذه الأيام لدي بعض الظروف الضاغطة


ولأني لا أحب أن أتأخر عليكم في بارت.. أفضل أن أضعه مقدما


لذا اليوم سيكون موعدنا مع بارتين لا بارت واحد


بارت اليوم.. وبارت غدا لأني لا أعلم كيف ستكون ظروفي غدا


ومعنى ذلك أنه موعدنا سيكون يوم السبت العاشرة مساء


سنجرب التنزيل المسائي لفترة


ثم نرى على ماذا يستقر الوضع


.


اليوم بارتين استثنائية بالفعل


أولا بداية حياة منصور وعفراء


ثم سنقفل بقفلة قوية جدا


والبارت الجاي بيكون أكثر استثنائية ليس بسبب موضوع القفلة


لكن لسبب آخر أكثر أهمية


.


ما أقدر أهذر اكثر لازم أنزل البارت وأطلع


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والعشرون






"وش فيش شكلش تعبانة موت وطافية؟؟"



كاسرة بإرهاق: لأني فعلا طافية.. وما نمت أساسا وتقريبا جايه مواصلة



فاطمة بقلق: ليش عسى ماشر؟؟



كاسرة بتعب: امهاب محترق حرق شين.. أنا من لما شفته البارحة كنت متأكدة إنه لازم بتجيه حمى عليه في الليل لأنه شكله ملتهب


عشان كذا ماقدرت أنام وأنا كل شوي أطل عليه..



ثم ابتسمت بحنان: وأمي وتميم كان عندهم نفس التفكير.. كم مرة تقابلنا ثلاثتنا عند باب غرفته


أخرتها تميم جاب فراشه ونام عنده.. وفعلا قبل صلاة الفجر ارتفعت حرارته فوق الأربعين ووداه تميم للمستشفى ولحد الحين مارجعوا



فاطمة بتأثر عميق : زين والآنسة رقيقة وينها عنكم..



كاسرة بابتسامة مرهقة: وضحى ماقلنا لها شيء.. لأنه اليوم آخر امتحان عندها.. ولو كانت عرفت والله ماتدرس شي


وكان عسكرت عنده في غرفته.. والحين إذا درت بتزعل علينا..



ثم أردفت وهي تنهض: أنا بأخذ أذن باتطمن على امهاب وبأرجع البيت أنام خلاص ما أقدر.. تعبانة



وهي تنهض رن هاتفها.. التقطته بعفوية.. صوت أنثوي رقيق..


بعد السلامات المتحفظة لأنها لم تعرف من المتصلة همست كاسرة بلباقة حازمة: عفوا من أنتي؟؟



الصوت الأنثوب بذوق رفيع: أنا آسفة سامحيني.. حسبت أنش عرفتي صوتي


بس طبعا مهوب كل الأصوات مثل صوتش ما تنسى


أنا مزون بنت زايد أخت كسّاب..



حينها رحبت بها كاسرة بلباقة رغم استغرابها اتصالها.. لتهتف لها مزون بعذوبة: الليلة بيكون زواج عمي منصور من خالتي عفرا


طبعا ماراح يكون فيه حد.. أنا بأعزمكم أنتو بس.. تفضلوا أنتي والوالدة وأختش



حينها اعتذرت كاسرة منها بذات اللباقة: سامحيني والله كان بودنا.. بس والله عندنا ظرف يمنعنا



حينما انتهى الاتصال سألت فاطمة عن الاتصال الذي بدا غريبا لها وأخبرتها كاسرة


لتبتسم فاطمة وتسأل بخبث: وليش ما تبين تروحين؟؟



كاسرة تقف وترتدي نقابها وتهتف بحزم: يا شينش لا سويتي روحش غبية.. ماعليش مردود..



فاطمة تضحك: يعني عشان عرسش قرب بتحبسين روحش ما تقابلين الناس


ذا الشيء كلش ما يركب عليش..


لا تكونين مستحية بس؟؟



كاسرة تستعد للخروج وتهتف بثقة: حتى لو ماكنت مستحية.. أنا وحدة أعرف الأصول..


يا زيني رايحة لبيته وأنا عرسي عقب 3 أسابيع!!!








****************************







" هلا والله أبو علي؟"



منصور بابتسامة: وهلا والله بأبوخالد عقبال ما نشوف خالد قريب..



فهد باحترام شاسع: في حياتك إن شاء الله.. وتراني بأسمي الأول منصور



منصور بفخامة: يبشر منصور الصغير بسماوة ماجات لمولود في الدوحة..



فهد بابتسامة: كفو يأبوعلي كفو..



حينها هتف منصور بمودة وبلهجة حازمة أقرب للأمر فيها رنة غموض:


زين أنا أبيك تجيني عقب صلاة العشا في مجلس أبو كساب..



فهد باستغراب: حاضرين.. ليه فيه شيء؟؟



منصور بابتسامة: أبيك تشهد على ملكتي... وعقبه العشا عند أبو كساب


وأنت والوالد وأخوانك كلكم معزومين



فهد بصدمة كاسحة: من جدك حضرت العقيد؟؟ أنت بتزوج؟؟



منصور انقلب صوته من الابتسامة للحزم: ليه مواضيع مثل ذي فيها شيء غير الجد



فهد بحرج: السموحة مهوب القصد


ثم بتر عبارته وهو يردف بحزم: خلاص تم.. أبركها من ساعة أنك تختارني أنا أشهد على عقد زواجك


وتبديني على القادة والضباط الكبار..



ابتسم منصور: أبي عيالي هم اللي يشهدون.. أنت وكساب..



انتهى الاتصال وألقى فهد بهاتفه جواره بقوة وانفعال..


الصوت الذي لفت انتباه صالح الذي كان يجلس جواره غارقا في تفكيره الخاص..ولم ينتبه لشيء من مكالمة فهد..


والاثنان كانا ينتظران والدهما وهزاع حتى يتغدوا سويا...



ابتسم صالح: وشفيك معصب يأخينا.. فكها الله يفكها عليك.. بغيت تكسر التلفون المسكين..


تراه ماله ذنب المسيكين..



فهد بضيق عمق كتم على نفسه: اسكت مني يا صالح.. ماني برايق لك..



صالح بذات الابتسامة: اخس ياوجه البومة وتنافخ بعد أنت ووجهك..


اعرف اشلون تكلم اخيك الكبير قدام أسنعك



فهد كأنه يكلم نفسه: العقيد بيتزوج الليلة وعازمكم كلكم في مجلس أخيه



صالح ضحك: عشان كذا زعلان.. المفروض تنبسط.. يالله عقدة العقيد انفكت.. باقي عقدتك..



فهد بضيق حقيقي: تدري إنك متفرغ..



حينها التفت له صالح بشكل مباشر وهو يقول له بجدية: الحين أبي أدري وش مضايقك


أدري أنك تحب منصور وتحترمه وتغليه.. المفروض تفرح له



فهد بذات الضيق العميق: منت بفاهمني ياصالح.. والله ما تفهمني..



صالح بذات الجدية الحازمة: جربني..



فهد كأنه يحادث نفسه: حضرة العقيد لي ولربعي مهوب مجرد قائد.. تقدر تقول اب.. رمز.. ملجأ لنا..


عمرنا ما تضايقنا وإلا صادفتنا مشكلة.. إلا يكون هو أول واحد نفكر نلجأ له


مجلسه أول مكان الواحد منا يفكر يروح له.. وحنا كنا نأخذ راحتنا في انه ممكن نتصل فيه أو نجيه أي وقت


لأنه حن ندري إنه ماوراه شيء يشغله.. لكن الحين مرة وعقب عيال..


تدري صالح.. حاس بإحساس اليتيم والله العظيم



حينها هتف صالح بحزم: إلا إحساس الأناني وأنت صادق..



فهد انتفض بغضب: أنا.. أناني؟؟



صالح بثقة: إيه أناني..


ثم أردف وكأنه يحادث نفسه: وأنتو ياعيال آل ليث.. أنانيتكم غير شكل.. مايهمكم إلا نفسكم ومشاعركم.. واللي غيركم بالطقاق


المهم يكون هو مسخر لكم وبس..



فهد بغضب متزايد: أنا ياصالح؟؟ أنا؟؟



رغم أن صالح في جزء الحديث الأخير كان يقصد فردا آخر من آل ليث غير فهد.. ولكنه عاد بذهنه إلى فهد وهو يهتف بثقة:


الحين يا الشيخ.. منصور آل كساب اللي عايش طول عمره لكم.. وعمره راح وهو لا ونيس ولا ولد


يوم جا بيتزوج.. تضايقت..


مسيره يشيب ويتقاعد.. وأنتو بتلهون في دنيتكم ولا حد منكم بطال في وجهه


تبونه أنت وربعك يقعد بس ستاند باي لكم.. حقكم بروحكم.. ومستكثرين عليه حقه في السعادة


وعقب ذا تقول أنك منت بأناني.. إلا أيش الأنانية غير هذي؟؟


يا الله قل لي..



فهد وقف وخرج وهو ينتفض غضبا من كلام صالح


والذي ضايقه أكثر أنه بالفعل كان كلامه على جانب كبير من الصحة







**************************







" ها وضحى منتي برايحة معي لسميرة؟؟"




وضحى بعتب رقيق: لا ما أبي أروح.. باقعد عند امهاب.. مهوب كفاية البارحة كلكم تدرون وما علمتوني



مزنة بهدوء حان: يأمش امهاب طيب.. وهذا هو في المجلس.. تبين تروحين يالله البسي..


ماتبين رحت للعرب عشان أرجع قبل آذان المغرب



وضحى تجلس وهي تهمس بهدوء: لا يمه باقعد.. أخاف امهاب يجي وما يلقى حد..




صوت كاسرة التي كانت تنزل الدرج يصلهم واضحا حازما: وليش ما يلقى حد.. هذا أنا موجودة..


تبين تروحين مع أمي لصديقتش روحي



وضحى بهدوء ساكن: مابي أروح.. أنا أساسا كلمتها وقلت لها..



مزنة ترتدي عباءتها وتستعد للخروج وهي تحمل أكياسا فخمة بيدها وتهتف بحزم:


أحسن بعد.. خلني أروح وأرجع بسرعة من غير مريس البنات وتمرطاسهم



كاسرة تجلس وهي تهمس بهدوء: وش سويتي في امتحانش..؟؟



وضحى من بين أسنانها لأنها كانت تعاني غضبا تحاول كتمانه: زين.. زين..


الامتحان التافه اللي ماعلمتوني بحرق امهاب عشان ما أنشغل عنه؟؟



كاسرة تنظر لها بنصف عين: إيه الامتحان التافه نفسه؟؟



حينها انفجرت وضحى بغضب: أنا أبي أعرف أنتو أشلون تسمحون لنفسكم تدسون علي موضوع مثل حرق امهاب


ويتعب ويروح للمستشفى وأنا ما أدري عن شيء.. ماكني بأخته وأختكم



كاسرة بهدوء حازم ودون أن تتغير جلستها المسترخية: قصري حسش.. تراني اسمع عدل..


مافيه داعي للاسراف في استخدام الحبال الصوتية عندش



وضحى تحاول السيطرة على نفسها وتفشل: زين ومتى استخدم حبالي الصوتية وأنتي كاتمة علي كل وقت..



كاسرة بذات الهدوء المثير: والله الطبقة العالية من الصوت ذي لها مواقف تقدرين تستخدمينها فيها


وأكيد مهوب منها أنش تبين تعاتبين أختش اللي ما بينش وبينها إلا شبرين..



ماقلنا لش عشان مصلحتش.. وإصابة مهاب شيء بسيط لاهو بمرقد في المستشفى ولا شيء



وضحى ينحدر صوتها بألم لأنها تحاول منع نفسها من البكاء.. فآخر ما تريده هو أن تبكي أمام كاسرة لتجده سببا فعليا لتعنيفها:


من حقي أدري.. وأنا اللي أقرر كايدة وإلا بسيطة..


حسسوني إني معكم في البيت.. إني ماني بطوفة في ذا البيت..


واشمعنى انتي تدرين وأنا لا ؟؟.. عشان أنا ما حد يهتم أدري وإلا عني مادريت بشيء.. بالطقاق



كاسرة بذات هدوءها الحازم: أنا دريت لأني كنت موجودة يوم دخل امهاب علينا


وأما على سالفة طوفة وماحد يهتم.. فعمري ماشفت وحدة تحور الحقايق مثلش..


لا تكبرين السالفة وهي صغيرة.. امهاب طيب ومافيه إلا العافية.







********************************







سميرة وأم غانم وصلتا بعد صلاة المغرب مباشرة..


وهاهي سميرة تجلس مع والدتها وأم صالح وهي تشعر كما لو كانت تجلس على نار متوقدة..


تود أن تصعد لنجلاء ولكنها تخجل أن تجد أحدا في طريقها..


وخصوصا ان عالية ليست هنا.. لترى لها الطريق..فهي مع خالها نايف من بعد صلاة العصر..


عدا أن عالية بنفسها حكاية آخرى تحتاج الحل.. بعد الكلام القاسي الذي جرحتها به في زيارتها الأخيرة لهم



سميرة تنحنحت: خالتي أم صالح.. أبو خالد هنا وإلا أطلع لنجلا؟؟



أم صالح بحنان: لا يامش صالح أصلا ما رجع هنا من يوم طلع من صبح


روحي يأمش استعجليها.. أنا أرسلت عليها الخدامة تعلمها.. قالت بتلبس وتنزل الحين



سميرة صعدت بخطوات مترددة.. حتى وصلت لباب غرفة نجلاء.. تنهدت بعمق.. وطرقت الباب بخفة


وصلها صوتها العذب الغالي على قلبها: دقيقة بس.. ألبس



انتظرت قليلا ليفتح الباب وتظهر على عتبته نجلاء التي تغلق أزرار قميصها الأخيرة وهي تفتح باستعجال..


لتجف يدها على زرار عنقها الأخير وهي ترى العينان الدامعتان الظاهرتان من فتحتي النقاب



سميرة خلعت نقابها وكأنها تريد من نجلاء أن ترى تأثير مافعلته به على ملامح وجهها المرهق..


نجلاء تأخرت خطوتين للداخل وهي تهمس بنبرة مموهة غير واضحة الملامح وهي تتحاشى النظر لسميرة:


ادخلي.. دقيقة بس أسوي شعري وأنزل..



سميرة دخلت واغلقت الباب .. بينما نجلاء توجهت للتسريحة حتى تمشط شعرها..


ولكن سميرة لم تسمح لها بتنفيذ ماخططت له لأنها شدتها لتجلسها على السرير.. ونجلاء طاوعتها وهي مازالت تتحاشى النظر لها


ثم ركعت سميرة جوار نجلاء وهي تنحني لتخفي وجهها في حجر نجلاء


ثم تنفجر في بكاء هستيري عال الشهقات


مثقل بالوجع لأبعد حد..



قلب نجلاء قفز لبلعومها وهي تشد سميرة عن الأرض وتجلسها جوارها وتحتضنها بحنو شاسع وتهتف بجزع قلق حنون:


وش فيش يالخبلة؟؟ هذا سنع وحدة جايبين لها شبكتها اليوم.. أمي يوم كلمتني قالت لي تو أم امهاب طالعة منكم



سميرة تدفن وجهها في ثنايا رائحة نجلاء وهي تشهق: والله ماحسيت بطعم شي وأنا دارية إنش زعلانة علي..


والله العظيم يانجلا إني ماقصدت أدس عليش شي.. الموضوع جا كذا بدون قصد..


والله العظيم إنش عارفة غلاش عندي.. أنتي أمي الثانية.. يهون عليش اللي سويتيه فيني.. من يوم طلعتي من بيتنا دمعتي ماجفت


أنا اللي كنت ما أبكي إلا في المناسبات الرسمية كل عشر سنين.. أصير صياحة كذا


تدرين يانجلا عادي عندي الدنيا كلها تزعل بالطقاق.. بس أنتي لا.. أنتي لا.. والله العظيم ضاقت علي الوسيعة من عقبش



نجلاء ازدحمت العبرات في حنجرتها.. لم يخطر ببالها مطلقا أنها تسببت بكل هذا الحزن لصغيرتها التي ماعرفت الحزن يوما


أن كانت سببا لاختفاء ابتسامة ماعرفت الانطفاء يوما


أنها كانت السبب أن تذرف العينان الغاليتان كل هذا الكم من الدموع



أنزلت شيلة سميرة على كتفيها وهي تدخل أناملها بحنان في خصلات شعرها وتهمس بحنان تخفي خلفه اختناق صوتها:


تعرفين حن العجايز نحب نتدلع.. ونجرب غلانا..



سميرة تمسح دموعها وتدعك أنفها المتفجر احمرارا الذي بدا احمراره واحمرار خديها شديد الوضوح في شدة بياضها وتبتسم أخيرا بعد كل هذه الأيام:


أنا قلت لش تدلعي على صالح.. شكلش فهمتي نصيحتي غلط



حينها ابتسمت نجلاء: نصايحش كلها تودي في داهية.. ماقدرت أتدلع على صالح قلت أتدلع عليش..



سميرة تضحك بصوتها المبحوح ضحكة طفولية مغردة: والله أني اشتقت لش.. تكفين ما تزعلين علي مرة ثانية


تدرين حتى شبكتي وكل هداياهم مارضيت أفتحها لين أنتي تجين وتفتحينها معي







********************************






انتهى عقد قران منصور وعفراء


.


أصبحا زوجين..


.


قرار متسرع .. ولكن العجيب أنهما فكرا فيه بحكمة


العمر يمضي.. والسنوات تمضي.. وسنوات غيرها قادمة لتحمل مزيدا من الوحدة والوحشة لكليهما


كل واحد منهما محتاج لروح يأنس إليها.. يشكو إليها همه.. تشاركه أفكاره.. تحاوره.. تحتويه وتشعره بكينونته البشرية


لم يعد أيأ منهما يبحث عن الحب ولا الولع ولا كل مسميات الغرام المتهاوية في نظرهما


كلاهما يبحث عن شريك حياة.. رفيق درب..


روح يشعر بالانتماء إليها حين يعود في نهاية اليوم من عمله يريد أن يجد من يسأله (ماذا فعلت؟؟ كيف كان يومك؟؟)


وليس مجرد بيت بارد تصفر رياح الوحدة في جنباته..




"مبروك ياعريس.. وأخيرا"



منصور ينظر لكساب ويبتسم بثقة: الله يبارك فيك..



كساب يبتسم: إن شاء الله الرابعة ثابتة.. وخصوصا أني شاهد العقد.. توقيعي بيجيب لكم البركة..



منصور بثقة رائقة: بركاتك ياعم كساب..



مشاعر مجهولة تغزوه.. ليست المرة الأولى التي يجرب هذا الإحساس.. ثلاث مرات سابقة..


فلماذا يشعر هذه المرة بالاختلاف..؟؟


لماذا يشعر بلهفة حادة لرؤية عفراء لم يشعر بها مطلقا مع زوجاته السابقات؟؟



يتمنى أن ينتهي العشاء بسرعة.. هذه الرسميات التي كان طوال عمره حريصا عليها.. يتمنى لو ينسفها الآن


يريد أن تمضي الساعات القليلة التي تفصل بينهما بسرعة..


حتى يستطيع أخذها لبيته.. يصبح له حق رؤيتها


معرفة سبب إحساسه العميق بالاختلاف هذه المرة..



"في كل زواجاتي السابقة.. كنت أشعر بضرورة الزواج وليس ضرورة الزوجة نفسها


علاقة اجتماعية رسمية لمظهري أمام الناس وأنجب أطفالا يحملون اسمي


ولكن هذه المرة الأمر مختلف.. مختلف


اهتمامي هنا هو بالمرأة نفسها


فلم يعد الزواج كمظهر اجتماعي يهمني.. ولم أعد أريد أطفالا


أريدها هي..


أريد روحها أن تنتمي لي أنا فقط


أريدها أن تحتوي روحي التي أتعبتها الوحدة والترحال"




كان منصور غارقا في أفكاره حينما سمع السلام الجهوري الذي أحدث موجه ترحيب هائلة سعيدة في كل أطراف المجلس الضخم


ابتسامة شاسعة ترتسم على وجه منصور.. بينما قلب زايد غرد رغم أنه بالكاد مضى ما يقارب عشرة أيام على رؤيته له



علي وصلهما ليسلم على الجميع.. ثم يهتف لعمه بمودة واحترام:


مبروك ياعريسنا.. كان مستحيل أخلي مناسبة مثل ذي تفوتني



منصور بمودة شاسعة وسعادة حقيقية: بصراحة مافيه أحلى من ذا المفاجأة..


كفاية تشوف التعبير اللي على وجه أبيك.. كنه واحد لقى شي مضيعه



زايد يبتسم ويهتف بعمق شفاف: ليته بس يرد علي ضايعتي على طول.. مهوب يشفقني فيها ثم يأخذها..



علي مال على رأسه ليقبله للمرة الثانية: مايصير إلا اللي يرضيك إن شاء الله



علي لا يريد إخباره أنه بدأ بالفعل في إجراءات عودته وطلب نقله لقسم آخر عدا التمثيل الخارجي


يريد أن يتأكد من انجاز الإجراءات ثم يفاجئه بالخبر..



علي يلتفت لكساب ويهتف بمودة صافية: ها نروح نشوف العروس؟؟



كساب يبتسم بسعادة حقيقية: يا الله..



زايد يهتف للاثنين بحزم: لا تاخرون.. عشان تقلطون الرياجيل على العشا..



علي يرد عليه بمودة واحترام شاسعين: خمس دقايق بس ونعوّد.. وحن اللي بنقلطهم..


.


.



في الداخل..



عفراء متوترة.. بل غارقة في توتر عميق قلق حاد


جوانحها تذوب قلقا


وأكثر ما تخشاه هو ردة فعل جميلة


ماذا ستقول لو علمت؟؟


لا تستبعد انها قد تقول (إنكِ تركتني هناك حتى تعودي وتتزوجي)


والكلام مهما كان موجعا لا يهمها.. ولكنها تخشى أن يكون لذلك تأثير على صحتها وتحسنها


لولا أنها صلت استخارة عدة مرات.. وكانت ترى نفسها شديدة الطمأنينة لهذا الزواج لم تكن لتقدم عليه


شعرت أن الله سبحانه يهديها لخير ما ..كرهت أن ترفضه..



مزون كانت متأنقة لأبعد حد.. رغم أنه لا يوجد أحد سواها وخالتها.. ولكنها شعرت بالرغبة في التأنق لهذا الحدث الاستثنائي


همست لخالتها بابتسامة صافية: عروستنا الحلوة وش فيها من يوم وقعت العقد وهي ساكتة..؟؟



عفراء تحاول ن تبتسم فتفشل وبجدارة فتهمس بهدوء: متوترة بس.. ليس إلا



مزون بمرح: مافيه داعي للتوتر.. هذا منصور آل كساب على سن ورمح..


ثم أردفت وهي تنظر للساعة: تدرين خالتي فيه مفاجأة لش كان المفروض إنها وصلت.. ما أدري ليه تاخرت



عفراء باستغراب متسائل: أي مفاجأة..؟؟



فور انهاءها جملتها.. تعالت طرقات على الباب.. لتقفز مزون بحماس: شكل المفاجأة وصلت ياخالتي..



فتحت الباب.. ليدخل علي يتبعه كساب.. ويشرق وجه عفراء بابتسامة حقيقية وهي تهتف بسعادة: علي؟؟



علي يتوجه ناحيتها ليحتضنها بحنو ويقبل رأسها ويهتف بمرح حنون:


بحب بشويش بس..ما أبي اخرب شكلش.. ماشاء الله تبارك الله


صدق أحلى عروس


ألف مبروك ياخالتي... سبحان الله.. والله انكم متناسبين.. ما أدري ليه ماعمره خطر ببالي..



علي يفلت خالته ويتوجه لمزون ويحتضنها بحنو دافئ وهو يلصق خده بخدها ويهمس:


عفية على اللي كتمت سر جيتي.. صدق كانت مفاجأة حلوة لهم..



بينما كساب يبتسم ويهتف بمرح مزاجه الرائق هذه الليلة:


ترا ماخطر ببالك لأنهم مهوب متناسبين... لا تألف من عندك..


عمك جلف وثقيل طينة.. وخالتي رقيقة وعسل



يلتف له علي ويهتف بمرح مشابه: إذا عمي جلف وثقيل طينة.. تراك مطوف عليه دبل الدبل.. الله يعينها بنت ناصر عليك



كساب بذات الابتسامة الدافئة: إلا الله يعين بنت ناصر عليكم.. من الحين حطيتوها علكة في ثمكم..



مزون كان وجهها يشرق بابتسامة دافئة كذلك.. ابتسامة حقيقية تَشَارَكها الأشقاء الثلاثة الليلة


حتى وإن كانت لا تشترك في الحوار.. فهي سعيدة جدا هذه الليلة


ولن تفسد سعادتها بالتفكير في أي شيء يكدرها


منذ زمن طويل لم تشعر بهذه السعادة.. شقيقاها أمامها مبتسمان سعيدان


خالتها الغالية تجد لها سكنا حانيا قويا تلجأ إليه


تكفيها كل هذه السعادة الليلة.. لن تطالب بالزيد!!


.


.




بعد حوالي الساعة



كساب يعود لبيت خالته.. لا يقول أي شيء.. فقط كان ينظر إليها بنظرة غامضة.. خليط من ود وعمق وغرابة وحنين


عفراء تهمس له بحنو: وش فيك يأمك تطالعني كذا؟؟



حينها انحنى كساب عليها وأمسك عضديها بخفة ليوقفها.. قبل جبينها ثم همس في أذنها بعمق حنون: عمي ينتظرش برا..


ثم أردف بابتسامة: كنت أبي أوصلكم.. بس هو مارضى.. يقول مايبي دريول..



حينها ارتعشت عفراء.. وشعر كساب بارتعاشها بين كفيه عاود الهمس في أذنها بحزم:


حتى لو كان عمي وغالي علي.. والله ثم والله لا أدري إنه قهرش وإلا ضامش وإلا حتى زعلش بأقل شيء


وأنتي ماقلتي لي.. إن قد يصير شيء مايرضي حد منكم..



عفراء تنهدت وهي تهمس بصوت مبحوح عانى ليخرج من حنجرتها الجافة توترا: جعلني ماخلا منك يأمك.. قول آمين



عفراء ارتدت عباءتها بذات التوتر الذي لا يفارقها


وخرجت فقط بحقيبة يدها.. فيها أوراقها الثبوتية.. محفظتها وهاتفها.. بعد أن أخذت مزون اليوم عصرا كل أغراضها ورتبتها في بيت منصور


تشعر كما لو كانت مسافرة فعلا.. تشعر بإحساس مسافر مهاجر.. يهاجر ليبدأ حياة جديدة مختلفة جذريا


مهاجر يترك كل ما عرفه وأطمأن له في وطنه ليتوجه إلى وطن آخر مجهول


ومهما وعده الوطن الجديد بالراحة والطمأنينة.. فالحنين للوطن القديم لا يمكن أن يخبو أبدا


.


.


في الخارج


كان منصور وزايد وعلي يقفون جميعا في انتظارها.. ومزون خرجت معها أيضا


كانت عفراء تتحاشى بصورة عفوية النظر لمنصور.. وخجل عميق يجتاحها


لم تعد صغيرة لتشعر بكل هذا الخجل..


ولكن هل للاحساس بالحياء عمر؟؟


ولم يكن ما تشعر به مجرد إحساس بالحياء..


بل تكاد تنكفئ على وجهها لشدة احتكام خجلها الذي زاده قلقها العميق من الحياة المجهولة التي هي مقبلة عليها


حتى الأمس فقط كانت رافضة تماما لفكرة الزواج كما رفضتها طوال العشرين عاما الماضية.


فإذا بها اليوم زوجة..فــــجـــأة!!


هكذا بدون مقدمات أو تمهيد..


فهل استعجلت في الموافقة؟!!



زايد كان أول من تحدث وهو يهتف بحزم صارم وفي ذات الوقت مثقل بالمودة:


يا بنت محمد.. ترا بيتش مفتوح لش أي وقت.. وأنا على طول أخيش الكبير..


أنتي وصات الغالية الله يرحمها.. وأنتي أم عيالي اللي ربيتهم.. وجميلش فوق رأسي


وإذا منصور في يوم ضايقش بأدنى شيء تراني بأقطع أذانيه..


وتراش المبداة عندي على خلق الله



منصور يبتسم: وش ذا؟؟ من أولها تبون تعصون مرتي علي .. وتقوون رأسها علي..



زايد يلتفت له ويهتف بمودة: بنت محمد عاقل.. وحظ بيتك اللي بيضويها.. الله الله فيها



علي يهتف بابتسامة: تراك خذت أمنا.. الله الله فيها..


أنا أعترف مافيني حيل أناطحك لو زعلتها.. بس بأغري عليك كساب يخبزك..



منصور يتجه ليشغل سيارته ويبتسم: الله يكفي شركم.. بنت محمد فوق راسي.. أزهلوها كلكم.. بس اطلعوا من بيننا..



عفراء بلغ تأثرها الذروة مع حديث زايد وابني شقيقتها.. ثم انقلب التأثر إلى الانفعال إلى توتر عارم..


وكساب يفتح لها الباب المجاور لعمه ويشير لها لتركب..


عفراء تقدمت بخطوات متوترة حاولت تغليفها بالثقة وهي تركب


ثم شعرت حين استوت جالسة.. وتحركت السيارة أن الأكسجين بدأ يتناقص بسرعة حتى كادت تختنق ومنصور يهمس لها بصوت منخفض:


حيا الله بنت محمد



حاولت عفراء الرد ولكن الكلمات اختنقت في حنجرتها..


لم ترد مطلقا أن تبدو بهذا المظهر أمام منصور.. فهي ليست طفلة


ولكن رغما عنها كانت تشعر بهذا الإحساس الخانق الذي تزايد مع خروجها من بيت زايد..


لتشعر كما لو كانت تدخل مرحلة عدم توازن وهي تغادر البيت الذي احتواها طوال سنين..


فهي لم تعرف لها بيتا غير بيت زايد منذ وفاة والديها وهي طفلة في الثامنة..


حتى حينما تزوجت خليفة غادرت البيت لثلاثة أشهر فقط عادت بها لتقضي حدادها في عند أختها


وزايد حينها حلف ألا يدخل المنزل أبدا حتى تنهي حدادها.. وهو يقيم في المجلس الخارجي..


تشعر بامتنان عميق لزايد لكل مافعله من أجلها.. لم تشعر يوما في وجوده أنها دون سند.. أو تخاف من ظروف الحياة



قطع حبل أفكارها صوت منصور الفخم ذاته: قلنا حيا الله بنت محمد.. وبنت محمد ماعبرتنا



عفراء اغتصبت الكلمات بصعوبة وحاولت إخراجها رزينة هادئة: الله يحييك يا أبو زايد



منصور يبتسم بتلاعب: وش أبو زايد ذي بعد؟؟



عفراء بحرج خجول: أنت قلت لي إنك تحب ينقال لك أبو زايد..



منصور بذات الابتسامة الغامضة: هذاك أول.. الحين قولي منصور



صمتت عفراء والكلمات تجف على لسانها ثم تتبخر..


منصور تركها لصمتها بقية الطريق حتى بيته القريب الذي لا يبعد عن بيت زايد سوى شارع واحد..







**********************************






سيارة منصور تتوقف في باحة بيته.. تغتاله لهفة غريبة عميقة لرؤية وجهها


يريد أن يرى ماذا بقي من الطفلة التي كان يشد ظفائرها الطويلة مشاكسا .. ليسكتها بعدها بقطعة من الحلوى وهو يسخر منها:


"أنتو يا البنات كل شيء يبكيكم وكل شيء يسكتكم"



يريد أن يرى ماذا بقي من الصبية التي كانت تسهره ليال طويلة خلف النوافذ يتصيد أي لمحة لها ..؟؟


يريد أن يرى ماذا بقي من حلم قديم أضناه التفكير به ثم أضناه نسيانه؟!!


يريد أن يرى ماذا بقي من ملامح حلم أسكنه زايد قلبه رغما عنه ثم انتزعه رغما عنه كذلك؟!!


.


.


دخل أمامها وهو يشرع الباب الخشبي الضخم ويهتف بترحيب فخم دافئ: نورتي بيتش يا بنت محمد



عفراء دخلت بخطوات مترددة.. ثم همست بمجاملة: ماشاء الله بيتك حلو



رغم أنها لم تكد تبصر شيئا لشدة ارتباكها...منصور اقترب منها خطوة وهتف بغموض:


البيت بيتش مهوب بيتي.. وترا مافيه حد داخل البيت.. أنا نبهت على الصبيان كلهم يشيلون قشهم للغرف في المجلس الخارجي


يعني اخذي راحتش



عفراء صمتت وهي تشعر بتوترها يتزايد ويتزايد حتى كادت تختنق.. حينها أكمل منصور بنبرة مقصودة: ماتبين تحطين عباتش؟؟



عفراء بحرج شديد بصوتها المختنق: بلى .. بس وين؟؟



منصور تنهد وهو يردد في داخله (شكله عمري ماراح أفهم النسوان أشلون يفكرون)


ثم قال لها بهدوء: تفضلي معي..



عفراء صعدت خلفه وتوترها وارتباكها في تزايد.. حتى وصلوا لغرفته الشاسعة وهو يهتف لها بتلقائية:


سامحيني.. غرفة عزابي.. ما لحقت أغير شي.. واللي تبين تغيرينه.. غيريه بكيفش..


وعلى العموم أنا توني مغير الديكور كله قبل كم شهر


الفاضي يعمل قاضي..



عفراء حتى لم تستوعب كلامه لأن توترها بلغ ذروته..


حين تزوجت لأول مرة شابة صغيرة في السابعة عشرة..


سعيدة بلعبة الزواج.. وأختها هيئتها مطولا.. وقضت وقتا طويلا في التجهيز.. لذا في ليلة زواجها شعرت أنها مستعدة لتقوم بدور العروس


ولكن الليلة وبعد مرور عشرين عاما.. امرأة ناضجة تعي مفهوم الزواج ومتطلباته ولكنها سقطت في فخ الزواج بسرعة هائلة لم تتح لها حتى فرصة التهيؤ النفسي له



سألت بتوتر: وين غرفة التبديل؟؟



أشار لها منصور لناحية غرفة التبديل.. وهو يخلع غترته ويلقيها على طرف الأريكة ثم يجلس مترقبا وعيناه تتبعان حركتها بلهفة غريبة



عفراء توجهت لغرفة التبديل وأغلقت الباب عليها..


ثم جلست وهي تنزع نقابها عن وجهها وتسحب لها نفسا عميقا..وهي تحرك يديها أمام وجهها وكأن حرارة وجهها المشتعل ستبرد..


وتحاول تهدئة وجيب قلبها المتصاعد هلعا وتوترا.. مضت عدة دقائق وهي على ذات الوضع


رأت أن موقفها بات محرجا.. وهناك رجل اسمه زوجها يجلس خارجا في انتظارها وهي أطالت في الإغلاق على نفسها


خلعت عباءتها.. ورتبت شكلها.. وهي تكثر الدعوات وقراءة آيات الذكر الحكيم


ثم خرجت.. رغم أنها كانت تتمنى لو تبقى لوقت أطول حتى تهدئ توترها الذي تجاوز كل حد


ولكنها في الختام كانت تعرف أنها حتى لو بقيت حتى الصباح فإن هذا التوتر لن ينطفئ بتأخيرها للمواجهة..



كان منصور جالسا على الأريكة حين خرجت..


وقف.. لا يعلم لِـمَ شعر حينما سمع صوت الباب يُفتح أنه سيراها مازالت بعباءتها ونقابها


لذا تسللت الابتسامة لشفتيه وهو يرى بهائها الكامل


فستانها الحريري البنفسجي الذي احتوى تفاصيل جسدها باتقان..


شعرها المنسدل على كتفيها في تدرجات كثيفة تصل حتى منتصف ظهرها


عذوبتها التي زادها خجلها وارتباكها عذوبة لا تقاوم



عجزت عن إكمال طريقها لأي اتجاه والتوتر يشل حركة قدميها وهي عاجزة عن إكمال النظر لمنصور بعد أن رفعت عينها وأنزلتها بذات السرعة


كانت تعرف شدة وسامته الطاغية.. ولكن رؤيتها في هذا الظرف وبهذا القرب.. بعثر أفكارها تماما


وعلى كل حال يكفيها وجود رجل معها لتشعر أنها عاجزة عن التفكير..



وعلى كل حال أيضا هو لم يسمح لها بإكمال الطريق وهو يتجه ناحيتها متمعنا في تفاصيل وجهها..


تسللت ابتسامة دافئة لشفتيه...بدت له لم تتغير مطلقا عن المرة الأخيرة التي رآها فيها


ملامحها مازال بها كم كبير من الطفولة.. يستحيل لمن يراها أن يصدق أنها سيدة متزوجة.. فكيف وهي لديها ابنة على أعتاب العشرين..



وصلها.. مد يده لها.. توترت أكثر ولم تحرك أصبعا وهي تنزل نظراتها للأرض


ليمسك هو بيدها ويشدها.. إحساسه بنعومة أناملها بين صلابة أصابعه.. بدا له خياليا لحد الألم الموغل في شفافيته


وبدا لها خانقا لحد الاختناق الحقيقي وأناملها تتصلب وأكسجين رئتيها المتناقص أصلا بدأ يتناقص أكثر..



منصور شدها ليجلسها على الأريكة ويجلس هو جوارها.. كانت عيناه تطوفان بها وهو يمسح كل تفاصيلها بدقة..


بينما عيناها مثبتتان على يديها التي تدعكها بتوتر.. مد أصبعه تحت ذقنها ورفع وجهها..


انتفضت بحدة شعر بها.. هتف لها بعمق دافئ: ليش متوترة كذا؟؟



لم ترد عليه مطلقا.. والكلمات التي أبت الانصياع تتبعثر وتهرب شاردة..


نقل يده من ذقنها ليدخلها في طوفان شعرها ويهتف بابتسامة متلاعبة:


وين الجدايل الطويلة اللي كانت أول؟؟



عفراء بحرج دون أن ترفع بصرها مطلقا إليه: تذكرهم..؟؟



منصور يدخل يده الثانية في الناحية الآخرى من شعرها بينما عفراء كانت تحاول أن تتأخر فلا تفلح


وهو يكمل بذات الابتسامة المتلاعبة: أكيد أذكرهم.. كم مرة شديتها؟؟ واجد..



عفراء تريد أن تقف ولكنها لا تستطيع وهو يمسك شعرها بهذه الطريقة ويوترها بنظراته التي كانت تتفحصها بعمق.. لذا همست باختناق:


أبي أقوم أتوضأ.. ممكن تهدني لو سمحت..



منصور حينها همس بصوت خافت عميق النبرات: كلنا بنقوم نتوضأ ونصلي مع بعض ركعتين الحين


بس أول شيء أنا كنت وعدت نفسي بشي صغير من زمان..


ولحد الحين ماصار..







#أنفاس_قطر#


.


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والعشرون






كفاه يسكنان طوفان شعرها وهو يهمس بصوت خافت عميق النبرات: كلنا بنقوم نتوضأ ونصلي مع بعض ركعتين الحين


بس أول شيء أنا كنت وعدت نفسي بشي صغير من زمان..


ولحد الحين ماصار



عفراء جفت الكلمات في حنجرتها مع تلميحاته الغامضة التي لم تفهمها



منصور أكمل بعمق: تدرين وش وعدت نفسي..؟؟


أشوف عيونش



عفراء بحرج: تشوف عيوني؟؟



منصور يبتسم: من أول ماخذ زايد أختش وأنتي عمرش 7 سنين وعقبها بسنة ماتوا هلش الله يرحمهم..وجيتي بيت زايد


وأنا خاطري أشوف عيونش..



عفراء عاجزة عن رفع عينيها وهي تهمس باختناق خجول: وأنت شفتهم.. وواجد مهوب شوي



منصور بابتسامة ذات مغزى: مثل ما أنا شايفهم الحين يعني..



عفراء صمتت بحرج.. بينما منصور مد يده ليرفع وجهها له وهو يهمس بثقل فخم:


تدرين إنش من يوم أنتي بزر.. عمرش ما حطيتي عينش في عيني.. كان خاطري أشوف عيونش عدل



حينها نظرت عفراء له ثم عادت لتنزل عينيها وهي تهمس بخجل عميق:


أمي الله يرحمها كانت دايما تقول لي البنت ما تكاسر الرجّال حتى لو هو إبيها وإلا أخيها


وذا الشي عمره ما راح من بالي..



(تكاسر= تنظر إلى العين بشكل مباشر)



منصور همس لها بتلاعب: زين أنا أبيش تكاسريني..ارفعي عيونش خلني أشوفها يا بنت الحلال



عفراء لم ترد عليه.. وارتباكها يتزايد


ولكنها أدخلت يديها في شعرها وهي تمسك بيدي منصور الاثنتين وتبعدها عن شعرها..


بدت لها ضخامة كفيه لصغر كفيها مرعبة.. ومع ذلك أبعدتها وهي تقف مبتعدة


وتهمس بخجل: أبو زايد.. خلنا نصلي



منصور وقف وهو يردد في داخله (زين يا عفرا.. وين بتروحين مني)


رد عليها وهو بتسم: نصلي أول..


أنا على وضي العشا.. توضي أنتي..



عفراء همست بحرج: أبي لي ربع ساعة.. عادي؟؟



منصور جلس: خذي راحتش..



عفراء متوترة بالفعل.. هذا القرب الرجولي الباذخ يشعرها بالارتباك.. لا تعرف حتى كيف تتعامل معه..


اعتادت التعامل مع كساب وعلي كابناء.. ولا تعرف كيف يكون التصرف مع رجل من هذا القرب خارج إطار دورها كأم..



مسحت مكياجها.. وخلعت ملابسها.. توضأت ثم بقيت محتارة ماذا ترتدي.. لتستقر لها جلابية حرير مغربية بما أنها تريد أن تصلي أولا


تناولت سجادتها وجلال الصلاة من دولاب الملابس ثم خرجت..



منصور وقف حين رآها وهتف بحزم :نصلي..



اجابته بخفوت: نصلي..



وقفت خلفه وصليا.. وحينما أنهى الصلاة التفت لها ووضع يده فوق راسها ودعا بالدعاء المأثور


"اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه.. وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه"



ثم ردد في داخله بعمق شفاف( صليت ودعيت الدعاء مع كل وحدة تزوجتها.. وما الله كتب لي التوفيق


يا الله أنك تكتبه لي ذا المرة)



حينما أنهى الدعاء رفع وجهها ثم ابتسم: تدرين لا عاد تحطين مكياج أبد.. ما تحتاجينه.. وانا أحب أشوف شكلش طبيعي قدامي



عفراء وقفت بخجل همست وهي تخلع جلالها: إن شاء الله..



كانت توشك على الاتجاه لأي مكان بعيدا عنه ولكنه شدها ناحيته: وين بتروحين؟؟



عفراء بخجل عميق: ولا مكان.. بقعد



وكانت بالفعل بحاجة إلى أن تجلس.. فطوله جوارها أشعرها بالضآلة


وإحساسها بقربه يوترها ويجعلها عاجزة عن التفكير



شدها وأجلسها وجلس جوارها.. ثم هتف بثقة وهو يسند كتفيه للخلف:


حاسة إني استعجلت عليش في موضوع العرس؟؟



عفراء ابتلعت ريقها الجاف ولم ترد.. منصور أكمل بذات الثقة: من يوم دخلنا هنا حتى كلمتين على بعض ما قلتيها


أدري إني استعجلت عليش .. وانش أكيد متوترة ومستحية..


بس تدرين عفرا.. ماعاد حد منا بصغير وإلا يمكن يأخذ قرار مهوب عقلاني..


يعني ما اعتقد إنش وافقتي علي وأنتي مترددة لو واحد في المية..


صح وإلا أنا غلطان؟؟



عفراء تهمس بصوت مبحوح: أكيد إني ما وافقت إلا وانا مقتنعة


أنا يا ابو زايد محتاجة بالفعل لشريك حياة



منصور قاطعها بفخامة: قلنا منصور..



ولكن عفراء لم تستطع أن تنطق اسمه مجردا لذا أكملت حديثها بذات صوتها المبحوح الجاف:


بس أنا طول عمري ويمكن من طفولتي وأنا أم.. ربيت مع وسمية الله يرحمها عيالها كلهم.. من أول واحد كساب وأنا عمري 8 سنين


وأنا حاسة إني أمه مهوب خالته لين علي ومزون ثم بنتي.. عمري ما كنت أنثى بمعنى أنثى


فسامحني لو ماعرفت أتصرف معك في البداية بالطريقة اللي ترضيك



حينها مد منصور اصبعه ومسح على طرف خدها نزولا لعنقها وهو يهمس بثقل خافت: هذا كله ومنتي بأنثى.. أجل الأنثى من تكون؟؟






****************************






قبل ذلك بساعتين



" عالية حبيبتي.. فيه عجوز تحت تقول لش عمتي أم صالح تقهوينها لين تجيش"



عالية تلتفت لباب غرفتها حيث تقف نجلاء وهي تخلع عباءتها بعد عودتها للتو مع نايف:


الحين أنتو منتظريني أرجع عشان تنطون في حلقي.. أقهوي عجوز النار.. قهويها يا بنت الحلال.. لين أخذ شاور.. وعقب يصير خير..



نجلاء تغمز وتبتسم : عجوز النار ذي جايه تخطب.. تعدلي بسرعة وانزلي سلمي وخلش ذوق معها..


أمش مادرت أنها بتجي ذا الحزة...وهي رايحة مع أمي يسلمون على جارتنا الوالدة..


فقالت لي خل عالية تقويها لين أجي



حينها قفزت عالية بمرح: والله فلة.. وأخيرا حد تذكر يخطبني..


خلني أروح أشوف أم المعرس لا بارك الله فيه ولا في أمه..وش فيه أبطأ الخايس..


ومهوب لازم أتعدل.. واجد عليها شوف خشتي..



عالية تقفز الدرج وهي ترى الموضوع كله من زاوية مرحة.. بينما نجلاء تهتف وراءها: لا تفضحينا في المرة تراها غريبة شوي



عالية تكاد تصل أسفل الدرج: أشلون غريبة لها قرون يعني... القرون أنا الحين بأطلعها لها هي وولدها..



عالية دخلت مجلس الحريم.. وهي ترحب بالطريقة المعتادة: ياهلا والله ومرحبا..حياش الله.. أمي على وصول مهيب مبطية



اقتربت من الطاولة التي وضعت دلال القهوة عليها وهي تتمعن في العجوز التي لا يكاد يظهر منها شيء


وهي ترتدي قفازات سوداء.. وتلبس نظارات عريضة وسميكة جدا فوق برقعها



عالية همست لنفسها بصوت خافت: شكلها عميا مرة وحدة.. الله يستر لا يكون ولدها مثلها


ثم أردفت بصوت عال: أشلونش يمه؟؟ أشلون صحتش؟؟



ولكن العجوز لم ترد عليها مطلقا....عالية صبت لها فنجان قهوة ومدته لها وهي تستغرب أن العجوز لم تتحدث مطلقا..


العجوز وضعت الفنجان على الطاولة الصغيرة أمامها..


ثم شدت عالية لتجلسها جوارها.. عالية اُحرجت من تصرف العجوز ومع ذلك بقيت جالسة جوارها


ولكن ما لم تحتمله مطلقا أن العجوز بدئت في تحسس جسدها بطريقة محرجة..


حينها تفجر غضبها وقفزت وهي تصرخ بغضب:


أنتي شتسوين؟؟ لا تكونين قاعدة تستكشفيني لولدش..


برا.. يا الله اطلعي برا.. لا بارك الله فيش من عجوز



العجوز مدت عصاها وضربت عالية بخفة على فخذها.. عالية حينها صرخت بغضب:


لولا إنش عجوز كبر جدتي وفي بيتنا و إلا والله لا تشوفين شي عمرش ماشفتيه..



أنهت جملتها واتجهت للباب.. لتفجع أن الباب انغلق عليهما..


التفتت ناحية العجوز.. لتجد العجوز تتقدم ناحيتها بظهرها المنحني تلوح بعصاها


عالية صرخت: قسما بالله منتي بصاحية.. ياعجوز روحي وراش.. تراش منتي بمستحملة كفين.. خايفة من الله تموتين في يدي..



ولكن العجوز استمرت في التقدم لتهرب عالية منها ورعبها بدأ يتصاعد لأنها ايقنت العجوز يستحيل أن تكون طبيعية


بدأت سلسلة من المطاردات عالية تركض والعجوز خلفها وهي تضربها بالعصا كلما تمكنت منها..


وعالية تصرخ برعب حقيقي: يمه.. نجلا.. افزعوا لي..



كانت عالية على وشك أن تصعد فوق طرف الأريكة حتى تصعب على العجوز الوصول لها


لكن حينها لمحت ساقي العجوز التي رفعت عباءتها لتصعد خلف عالية


كانتا ساقين ناعمتين مصقولتين ناصعتي البياض..


حينها نزلت وهي تغافل العجوز لتشد البرقع عن وجهها..


لتنفجر سميرة ضاحكة وهي تهتف بين ضحكاتها الهستيرية: عادي يا بنت الحلال تكفير عن مقالبش فيني أنا واختي طول ذا السنين


وعلى إنش طولتي لسانش علي أنا ورجالي..



عالية بدأت تضربها وهي تضحك بصوت عال: صبيتي قلبي.. جعل رجالش يطلقش..



وحينها فُتح الباب لتظهر نجلاء التي كانت تسمع عبر الباب وهي تضحك أيضا بشكل هستيري: ها أكيد انبسطتوا.. خوش مقلب ياهل المقالب



عالية تضحك ووجهها احمر من كثرة الضحك: أنا التالية ما تقعد فيني.. إذا مارديتها دبل فأنا ما أنا بنت خالد آل ليث..



سميرة مازالت تضحك : لا تكفين.. مافيه دبل لذي إلا لو أنتي ناوية تذبحيننا



حينها التفتت عالية لسميرة وهمست برجاء لطيف شفاف: منتي بزعلانة علي.. صح؟؟



سميرة ابتسمت: لا.. خلاص.. تعرفينني أنسى بسرعة



عالية حينها همست بضيق عميق: بس أنا زودتها..زودتها واجد بعد.. بس والله من غلاش عندي.. آجعني الموقف كله



نجلاء تهمس بمودة: خلاص من غير عتب.. يالله اطلعوا لغرفة عالية.. وأنا بأروح أسوي لكم خوش عشا


المهم لاعبوا عيالي وونسوهم معكم








*******************************







"ماشاء الله طولتوا في السهرة؟؟"



انتفضت وهي تسمع صوته الساخر وتراه جالسا على الأريكة ممدا ساقيه الطويلتين على طول الأريكة



قالت بهدوء وهي تشيح بنظرها عنه وتتجه لدولابها: غانم توه جا وخذ سميرة..



تناولت بيجامتها واستحمت لتصلي قيامها.. وهو مازال جالسا على نفس الوضعية



صالح أصبح مخلوقا غريبا بالنسبة لها.. أصبحت تشعر بعدم الأمان الفعلي


فهي تجهل هذا الرجل الصامت المثقل بالغموض


لا يشبه أبدا الرجل الذي عاشت معه ما يقارب عشر سنوات


باتت عاجزة عن التفكير.. لأنها لا تعلم كيف ستكون نتائج التفكير


سابقا كانت حينما تتصرف تصرفا ما.. كانت تتوقع تماما ردة فعل صالح..


ولكن الآن ردات فعله غير متوقعة مطلقا..



سابقا حينما كانت تغضب منه.. وتنام وهي توليه ظهرها.. كان يشدها ناحيته وهو يهمس لها بعمق عاشق:


حتى لو زعلانة علي.. نامي على ذراعي.. تبين تعذبيني بزعلش وبعدش.. كفاية علي عذاب واحد..



ولكن هذه الأيام هاهي تنام جواره.. ويبدو كما لو كان لا يشعر بوجودها مطلقا..


يظل معتصما بطرف السرير.. حتى ينهض لصلاة الفجر ثم يعود ليتمدد قليلا حتى يحين موعد ذهابه لعمله


ثم لا يعود بعد ذلك إلا ليلا..



حينما رسمت مخططها الفاشل مع سميرة.. كانت ستعذب صالح بالصد والبرود بينما هو سيظل يرتجي ويتودد


ولكنها لن تلين حتى يشعر بفداحة الذنب الذي ارتكبه في حقها


ويجعله هذا الأمر يفكر كثيرا قبل أن يكرر ذات التصرف


ولكن لا شيء من هذا حدث.. فالمخطط انهار من أساسه لأنه رُسم من أجل صالح القديم.. ولكن هذا الصالح المريب مجهول التصرفات تماما



مثلما فعل الآن وهو يتجه للنوم دون أن يقول لها حتى (تصبحين على خير)


نجلاء تنهدت بحيرة وهي تتجه لتتمدد جواره وتغرق في أفكارها الخاصة..







****************************







" يا أبو زايد قوم.. ماعاد باقي على صلاة الظهر إلا ساعة "



وصلها صوته الناعس العميق: قلنا منصور..



عفراء بحرج: قوم الله يهداك.. يا الله تلحق تتريق وتتوضأ وتروح للصلاة



منصور يفتح عينيه بتثاقل وهو يبتسم: الذنب ذنبش انتي اللي سهرتيني لين صلينا الفجر



عفراء تراجعت بحرج: أنا؟؟



منصور بذات الابتسامة: إيه أنتي.. وش ذا الهذرة اللي عندش كلها؟؟


تقولين صار لش سنين محرومة من الكلام



حينها ابتسمت عفراء: والله أنت اللي تسأل وأنا كنت أجاوب بس..



ابتسم منصور وهمس بغزل رائق: أحلى ابتسامة في أحلى صبح مر علي بحياتي كلها..



عفراء تقوم من جواره وهي تهمس بعذوبة: يكونون يعلمونكم النصب في العسكرية..



شدها ليعيدها جواره وهو يعتدل جالسا: علمونا أشياء واجد.. بس النصب مهوب من ضمنها..


ثم أردف وهو يحتضن كفها: تبين نسافر مكان؟؟



عفراء ردت بحرج رقيق: لا طال عمرك.. الحين ماباقي شيء على نهاية الفصل


أبي أخلص مع طالباتي..


ثم عقب لو ماعندك مانع.. أبي اسافر لبنتي إذا دكتورتها قالت إن حالتها تسمح



تصلبت يد منصور التي تحتضن كفها..وهو يستعيد شرطها الوحيد للموافقة عليه..


البارحة تحدثا كثيرا وحدثته عن ابنتها مطولا.. بدت له ابنتها مدللة وعنيدة وبها كم كبير من الأنانية


رغم أن عفراء كانت تتكلم عنها بحنان شاسع وهي تحاول إظهارها الابنة الأفضل في الكون


ولكن لم يفت ذكاءه التقاط الإشارات بين السطور


لا يعلم لِـمَ تصاعد قلق مر في روحه.. أ يعقل أن ابنتها قد تطلب مثل هذا الطلب؟؟


والمأساة أنه وافق طلبها ووعدها به..


ولكنه لأول مرة يشعر بالراحة مع مخلوق ما كما يشعر به معها


بها كم حنان مهول.. وقدرة هائلة على الاحتواء


ورغم أنه لم يعتد عليها بعد.. ولكن بدت له فكرة خسارتها.. غير مقبولة أبدا



طوال حديثهما الطويل البارحة كان رأسه يتوسد فخذيها.. بدت له محرجة من جرأته وتحاول التفلت..


ولكنه لم يسمح لها بالافلات أو الابتعاد وهو يحاصرها بلمساته وبأسئلته


كان يستحثها أن تتحدث بأسئلته التي لا تتوقف عن كل شيء في حياتها.. ابنتها أبناء شقيقتها.. عملها..


كان يشعر كما لو كان يعاني العطش طوال عمره.. ثم وجد نبعا متدفقا من الماء الأصفى والأعذب في الكون


طريقتها في الكلام تصب في عمق الروح بحنانها واحتواءها..


شعر أنه مستعد أن يعيش حياته كلها رأسه في حجرها.. مكتفيا بالاستماع لأحاديثها وتنفس عبق أنفاسها من قرب



عفراء همست له باستغرابخجول : منصور أشفيك؟؟



منصور شدها ليدفنها بين أضلاعه ثم همس في أذنها بعمق فيه نبرة حزن لا يعلم لها سببا: أول مرة أدري إن اسمي حلو كذا







***********************************






"صباح الخير ياحلوة"



مزون تنظر لعلي وتبتسم: الله يحلي أيامك



علي يجلس وهو يضع غترته بحرص على الأريكة حتى لا تتجعد ثم يهتف بتساؤل: وين أبي وكساب؟؟



مزون أجابت وهي تسكب له فنجانا من القهوة: إبي طلع من بدري.. وكساب توه طلع من شوي..


ثم أردفت بألم: ماشرب إلا فنجان قهوة هو اللي صبه لنفسه


وزين إنه سلّم على الكرسي اللي كانت قاعدة هنا..



علي يربت على كتفها ويهتف بحنان: مسيره يرضي.. تعرفين يباس رأسه..



مزون بألم: تعبت ياعلي من ذا الوضع.. الطيران وخليته.. وسجلت في شيء جديد.. أبي أعرف وش عاد اللي مزعله مني


والله العظيم تعبت أدور رضاه وهو يتمنن به علي..


شكلي بأموت وهو ما رضى..



علي يحتضن كتفيها ويهتف بذات حنانه الخالص: بسم الله عليش.. صدقيني بيرضى.. ولو ما رضى هو الخسران


حد يلقى له أخت مثلش ويزعلها.. والله ماعنده سالفة..



مزون تسند رأسها لكتفه وهي تحتضن خصره وتهمس برجاء عميق:


تكفى علي وأنت بعد كفاية هربان منا... هذا أنا خليت اللي كان مزعلك مني أنتي بعد


تكفى علي أنا محتاجتك جنبي.. كفاية علي اللي كساب يسويه فيني



علي يشدد احتضانه لكتفيها ويهمس بعمق: يصير خير ياخيش.. يصير خير... ادعي بس الله يسهل






*********************************







" أنا باروح أتوضأ ماعاد باقي على صلاة الظهر إلا شوي


جهزي محضر اجتماع بكرة لين أجي"



فاطمة تستوقف كاسرة وهي تقلب اوراق في يدها: لا تروحين الحمام.. الحمام بابه خربان


قبل شوي تسكر علي.. ماحد فتحه إلا البوي الفراش مستخدم سكين..



كاسرة تقف لترتدي نقابها وتهتف بثقة: عادي لو تقفل علي.. ناديه يفتح لي..


وكلمي حد من تحت يجي يصلحه..



فاطمة تهز رأسها وهي مشغولة بالورق أمامها.. مرت عدة دقائق قبل أن تبدأ بشم رائحة دخان.. استغربت ولكنها لم تهتم


ثم دقيقتين أخريين قبل أن تسمع جرس الأنذار وسماح تقتحم عليها الباب وهي تصرخ بجزع: المبنى يحترق.. يا الله بسرعة..



فاطمة قفزت وكل ما يشغل بالها كاسرة.. ارتدت هي أبضا نقابها على عجل وهي تركض لباب الحمام الخاص الموجود بجانب مكتبهم


كانت ترى الجميع ينزلون ركضا والطابق يكاد يخلو


صرخت برعب وهي تطرق الباب بهستيرية: كاسرة.. كاسرة.. كـــاســـــرة



كاسرة همست بهدوء مستغرب: وش ذا الإزعاج اللي برا.. وش فيش روعتيني.. توني خلصت وضي الحين


خلني لين ألبس عباتي



فاطمة بدأت تبكي وهي تحاول فتح الباب وتصرخ: كاسرة المبنى يحترق.. بأروح أدور حد يفتح الباب



حينها صرخت بها كاسرة بحزم: لا تدورين حد.. انزلي بسرعة.. أكيد المطافي على وصول..



فاطمة ركضت تدور بين المكاتب ولم تجد بالفعل أحد..


توجهت للمطبخ وأحضرت لها سكينا وبدأت تحاول معالجة قفل الباب وهي تصرخ وتكح: كاسرة أنا هنا


الحين بافتح الباب..



كاسرة تصرخ بها بانفعال: أقول لش روحي.. أنا صرت أشم الدخان قريب.. أنا مسكر علي في حمام مهوب جايني شيء إن شاء ربي


بس انتي في الممر.. والله إن قد تروحين.. حلفت.. يالله روحي



فاطمة تعالى نشيجها وهي تحاول فتح الباب وتكح من رائحة الدخان بعد أن انتقل الحريق من الطابق الثالث للثاني حيث مكتبهم



كاسرة تصرخ بها بانفعال أشد: فاطمة والله العظيم لو مارحتي الحين إنه عمري في حياتي كلها لساني ما يخاطب لسانش


يا الخبلة عندش ولدين.. تبين ترجعين لهم ميتة وإلا محترقة..



كاسرة سكبت على نفسها الكثير من الماء وجلست في الزاوية على الارض


وهي تحاول الاعتصام بالجَلد ومنع الرعب من التسلل لقلبها الذي تعالت دقاته بشكل هستيري خوفا وجزعا..


وهي تهتف في داخلها بلوعة حقيقية :


" أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله


يا ربي لو كان ذا آخر يوم عمري


موتني مختنقة.. لا تموتني محترقة


لا تفجع أمي فيني بذا الفجيعة!!"



بينما فاطمة بدأت تنشج بهستيرية وهي ترمي بالسكين وتنزل راكضة للاسفل لتجد أن الحرق انتقل للسلم وتلسع يدها من النار وهي تركض للخارج



حين رأت رجال الأطفاء بدأت تصرخ فيهم بهستيرية: فيه وحدة متسكر عليها في الطابق الثاني



الإطفائي يصرخ بحزم: الطابق الثاني الحين انتقل له الحريق.. احنا الحين بنطفي الحريق.. وخبير اقتحام الحرايق الحين على وصول



فاطمة لم تشعر بنفسها إلا وهي تهزه بعنف وتصرخ: يعني تبونها تتفحم لين يأتي خبيركم ذا



الرجل يزيحها جانبا: مايصير إلا خير.. هذا هو على وصول






****************************






قبل ذلك بدقائق


كساب في سيارته متوجها لشركته.. رأى الدخان المتصاعد من المبنى الذي عرفه فورا.. مكان عمل زوجته


وفي وقت الدوام الرسمي أيضا..




أوقف سيارته بعيدا لأنه رأى ازدحام الشارع بالسيارات المتوقفة.. وركض متجها للمبنى دون تفكير..


إحساس فطري بالشهامة والمسؤولية



حاولوا منعه من الاقتراب لكنهم لم يفلحوا وهو يتعرف على السيدة التي كانت تبكي بهستيرية..


يتوجه لها بحزم ويسألها بنبرة أقرب للأمر العالي النبرة: شاللي صار؟؟ وفيه حد باقي فوق؟؟؟



فاطمة حينما تعرفت على صاحب الصوت تعالى صراخها: كاسرة فوق تقفل عليها الحمام.. وهم يقولون ينتظرون خبير يطلعها


والحريق وصل للطابق اللي هي فيه... بتموت.. بتموت



حينها صرخ فيها كسّاب بحدة: وين الحمام؟؟



فاطمة وهي تشهق: جنب مكتبنا على طول..



كساب توجه للمبنى وهو يركض.. حاول رجال الإطفاء منعه ولكنهم لم يستطيعوا أبدا إيقافه.. أوتثبيته في مكانه


لم يكن لكون كاسرة زوجته أي اهتمام عنده.. ربما لو قالوا له أن هناك قطة في الأعلى لصعد لإنقاذها


هناك روح تحتاج للإنقاذ ولن يتوانى هو عن تقديم المساعدة


وخصوصا ان الموضوع كان هينا بل غاية في السهولة بالنسبة له وهو يدرس احداثيات المبنى ومعطيات المهمة في عقله بسرعة فائقة..



مبنى من ثلاثة طوابق.. بدأ الحريق في الطابق الثالث وانتقل للثاني ولجزء من الاول.. وهناك ضحية محتجزة في حمام في الطابق الثاني


( مهمة غاية في البساطة..)



صعد متحركا بدقة وهو يدرس هندسة المبنى مع حركته البارعة..


فهناك أماكن تتأثر بالحريق أكثر من غيرها.. لذا كانت حركته مدروسة..لا تردد فيها


وهو يتجاوز الأماكن التي يعلم أنها قد تنهار..


لسعت النار أطراف ثوبه وغترته ولكنه لم يصب مطلقا


وهو يقفز ببراعة مذهلة من مكان لآخر ليصل في دقيقة واحدة لباب الحمام


ويخلع قفله بركلة واحدة..





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 22-05-10 09:03 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والعشرين
 
1 مرفق
يا بنات يا حبيبات قلبي مافيه داعي للردود المخالفة اللي تسأل عن نزول البارت وما إلى ذلك


أنا دائما أقول عن وقت نزول البارت... وإن شاء الله إني ما أخلف



النص بالمرفقات


#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 24-05-10 09:09 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والعشرون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مساكم خير يا أهل الخير وجعل الخير في دربكم وممشاكم


.


النص بالمرفقات


#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 27-05-10 04:31 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والعشرون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباح النور والسرور والرضا من رب العالمين


صباح المودة والعذوبة والرقة


صباح لكم وبكم ومعكم


.


دعواتنا لوالدة ميمو الشرقية بالشفاء وتمام العافية


اللهم رب الناس.. مذهب البأس.. اشف أنت الشافي.. لا شافي إلا أنت.. شفاء لا يغادر سقماً.


.



النص بالمرفقات




#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 06-06-10 04:53 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والعشرون
 
1 مرفق
النص بالمرفقات

#أنفاس_قطر# 13-06-10 09:12 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثلاثون
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحكم خير ياهل الخير كله وملفاه


تدرون أني مواصلة ما نمت.. مع أني والله ما أحب هذي الطريقة أبد ولا أشجعها


بس كنت أبي الجزء ينزل بأحسن صورة


وأنا بصراحة من النوع اللي يحاتي جدا اللي بينزله.. أحترم جدا عقول الناس اللي تقرأ


كل ما أشوف الردود.. صديقاتي الدائمات اللي ما يخذلوني.. وتزايد عدد المشتركات عشان الرواية


أقول هالقلوب تستحق الأفضل.. والافضل من الأفضل بعد


أول شيء أنا عوضتكم وزود مثل ما وعدتكم.. يعني بارت اليوم طوله عن خمس بارتات.. يعني عوضتكم عن الأسبوعين اللي فاتت


لكن رجائي الحار أنكم تقرونه على مهلكم.. على أقل من مهلكم


لأني تعبت فيه فوق ما تتخيلون


.


نجي لشوية فتاوي على السريع.. ودي أحط نص الفتوى بس ما أبي أطول


إذا بغيتوا حطيتها لكم المرة الجاية


أولا: طلاق الحامل يقع.. بل هو طلاق شرعي وسني تام وسليم..


ثانيا: طلاق عبدالله لجوزا طلاق بائن بينونة صغرى.. يعني على فرض امهاب طلقها حتى لو مادخل بها


عبدالله يقدر يرجعها بمهر جديد وعقد جديد.. حتى لو كانت ما تزوجت امهاب اساسا.. يقدر عبدالله يرجعها.. هذا لو كان بيرجعها!!


ثالثا: أب الزوج محرم.. حتى لو كان الابن طلقها وهو مادخل بها.. فالأب يظل محرم لها..


.


أخر شيء على قد ما تعبت في هذا البارت وعلى قد ماهو طويل


على الظروف اللي الله وحده يعلم بها


أبي لي على الأقل يومين أرتاح وعقبه أرجع أكتب..


على كذا موعدنا إن شاء الله الأسبوع الجاي يوم الثلاثاء لأني فعلا منتهية من التعب.. أرجوكم سامحوني..والسموحة من الوجيه السمحة


هالبارت استنزفني فوق ما تتخيلون


وأنا بعد أبيكم تقرونه كم مرة لأنه كأنه رواية داخل الرواية...


يعني تسلوا فيه لين أرجع لكم بالبارت الجديد


ومثل ما وعدتكم.. ما أغيب إلا وأعوضكم إن شاء الله باللي يرضيكم ويسمح خاطركم الغالي الله لا يخليني من قلوبكم الطاهرة


وقبل أنسى: قلت قبل اللي تبي تطبع البارت لاستخدامها الشخصي وموب للنشر في المنتديات مرخوصة .


إليكم البارت الثلاثون


رقم مميز لبارت استثنائي انكتب بطريقة خاصة


أتمنى أنها تعجبكم لانه انكتب خليط من الذكريات اللي كانت تشوف الحدث الواحد من رؤيتين مختلفة


اليوم بيتضح لكم ليه أخرت الكشف عن عبدالله


ليه كنت مخلية شخصية جوزاء فيها غموض والتباس


بارت أتمنى تستمتعون فيه فعلا


.


قراءة ممتعة مقدما يا نبضات القلب


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.







بين الأمس واليوم/ الجزء الثلاثون






مضت أكثر من نصف ساعة وهو يجلس على مقعد أمام غرفة عبدالله


المندوب احترم رغبة صالح في البقاء وحيدا وتركه على أن يعود له فيما بعد


وصالح بقدر لهفته لرؤية شقيقه بقدر توجسه الجارح من رؤيته


فما سمعه عن حالته كان مؤلما.. مؤلما لأقصى حد


يريد له وقتا للاستعداد للمواجهة!!



مازال جالسا رأسه مدفون بين كفيه


غارق في الهم والتفكير .... والذكريات!!


.


.


.


قبل حوالي 5 سنوات و ثلاثة أشهر





" أنت ياعبدالله.. أنت.. ؟؟


هذي آخرتها.. ماهقيتها منك..


لو فهيدان أقبلها منه.. بس أنت يالعاقل تسويها!! وقد لك ثلاث شهور بعد حتى أنا داس علي"



عبدالله يتنهد بعمق في مقابل ثورة صالح المتزايدة ويهتف بعمق وهو يشد صالحا ليجلسه جواره:


اقعد يابو خالد الله يهداك.. اقعد جعلني فداك.. خلني أشرح لك


أنا أبيك تصير لي عوين مهوب فرعون



صالح يلطم يد عبدالله بحدة ويقف وهو مستمر في غضبه: وأنت خليت فيها عقل وإلا تفاهم..


يوم لك خاطر في العرس.. وإلا تبي لك مرة تحصنك في الغربة


كان قلت لنا وزوجناك شيخة النسوان تروح معك


مهوب تأخذ كافرة مالها أصل ولا دين..



عبدالله بضيق عميق: أنا داري إني غلطان إني تزوجت بذا الطريقة


وأدري إني ضعفت قدامها


بس صدقني أنا مقتنع فيها


راكيل فيها بذرة خير ما تتخيل أشلون.. وخاطرها تسلم...



صالح مستمر في غضبه: كنك يعني ما تسمع البلاوي اللي تسير مع المساكين اللي خبالهم حدهم على أجنبيات مثلك...


وبعدين ابيك مستحيل يوافق.. مستحيل.. وأنت أكثر واحد عارف ابيك


حرام عليك ياعبدالله... أنت عارف غلاك عند ابي.. تسوي فيه كذا..



عبدالله بضيقه المتزايد: تكفى صالح أبيك تساعدني عليه... أنا بعد ست شهور تقريبا راجع


وأبي أرجع فيها معي..



صالح غاضب فعلا ولكن ما باليد حيلة.. فالمرأة أصبحت زوجته لذا سأل عبدالله بذات نبرة الغضب: عبدالله صارحني... مرتك ذي أنت مقتنع فيها؟؟


وعندك إنها تقدر تعيش في مجتمعنا وتتبع عوايدنا..



حينها أشرق وجه عبدالله بشبح ابتسامة: مقتنع فيها وواثق منها... راكيل تموت في طبايع العرب.. وأمنية حياتها تعيش في مجتمع عربي



صالح حينها هتف بعزم: تدري.. لا تقول لأبي شيء.. والمرة الجاية إذا جيت جيبها معك.. ونحطه أمام الأمر الواقع


وقتها مايقدر يطردها عقب ماجبتها..


ثم أردف بنبرة ذات مغزى: ولو أني باقعد أدعي في كل صلاة إن ربي يفكك من شرها..



عبدالله بابتسامة: راكيل شر!! راكيل ملاك نازل من السما !!








***********************************







قبل حوالي 4 سنوات وثمانية أشهر






يجلسان في زوية المجلس الكبير بعد انتهاء عشاء عبدالله وعودته بشهادة الماجستير


صالح يهمس في أذن عبدالله باهتمام: أنا قاعد على أعصابي من يوم دريت إنك بتجي


خايف من صدمة هلي بمرتك..


ويوم شفتك جاي بروحك يأنا أنبسطت.. بس قلت عقبها ليتك جبتها معك


دامك فيها وش أنت تتنيها


ليه ما جبتها معك.. وخلصتنا من ذا السالفة الغثيثة... وخصوصا إن ابيك وأمك يخططون يزوجونك وملزمين بعد؟؟



حينها عبدالله همس بغموض: أنا وراكيل انفصلنا خلاص



صالح بصدمة مغلفة بفرحته العارمة: صدق؟؟ الله يبشرك بالخير



ثم أردف باستغراب: بس غريبة لين آخر مرة كلمتك وأنت تمدح فيها مدح العباير..



عبدالله بتهكم موجوع بل بما يتجاوز كل معاني التهكم لألم صاف مجروح:


ممثلة درجة أولى.. خلاص ياصالح تكفى ماعاد تجيب سيرتها عندي


المرة ذي لطخة سودا في حياتي.. وأبي أمسحها من حياتي وذاكرتي


الله يقدرني بس..



صالح بحذر: ليه ما تقدر؟؟ تحبها لذا الدرجة؟؟



عبدالله ببغض شديد: أحبها؟؟ أنا عمري ماكرهت حد في حياتي كثر ماكرهت ذا المخلوقة


لكن اللي هي سوته فيني.. شيء صعب أنساه وياخوفي يظل مرافقني في حياتي..



صالح بحذر اكبر: ليه هي وش سوت؟؟



عبدالله يريد اغلاق الموضوع تماما: تكفى صالح انسى السالفة خلاص



حينها لمعت عينا صالح: تبي أنسى وتنسى.. خلنا نزوجك شيخة من بنات العرب الأجواد تطيب كبدك من الحرشاء الغبراء



عبدالله بجزع: لا تكفى وش عرسه.. ماني بمستعد أرتبط بوحدة وأنا مجروح بذا الطريقة من علاقتي بمرتي الأولية



حينها غمز صالح بعينه: ما يفل الحديد الا الحديد وانا اخيك..






*********************************








بعد ذلك بأربع أشهر






"ريقي نشف معك ..


من متى وأنت تعصاني كذا"



انتفض بجزع: أعصاك؟! جعله يومي كني عصيتك


آمر على رقبتي يأبو صالح


بس أنا رجّال.. تبي تغصبني على العرس؟؟



أبو صالح بحزم: ماحد يغصب على العرس يأبيك


غير أنا أبغيك تعقل وتعرف صلاحك


وش عاد مقعدك دون عرس.. وضعك وشغلك كلها زينة


وسنانينك قد عندهم عيال


ثم أردف برجاء شفاف أخفاه خلف حزم صوته العميق: يأبيك خاطري أشوف عيالك..


مهوب كفاية صالح أبطى لين جاله صيب..


ريح بالي يأبيك..


لو علي كان مزوجك من زمان.. مهوب كفاية روحتك للدراسة ذي


أول شيء اقنعتني أخلي عالية تروح مع خالها وعقبها أنت تروح على طول


كنك مرتبها


لأنك داري إني مستحيل أرخص لعالية وأنت بعد رايح


وتراني بلعتها بمزاجي.. وما بغيت أخرب عليك ولا على أختك


حقي عليك الحين تريح بالي وتستقر مثل باقي رياجيل خلق الله


وأنا ما أحدك إلا على خير يأبيك.. بنت عربن أجواد ترادك الصوت وتجيب لك الولد..



عبدالله يشعر بصداع فعلي من هذا الموال اليومي الضاغط.. تعب بالفعل.. كيف يتزوج وهو مازال لم يحل مشاكله العالقة مع زوجته الأمريكية


التي ترفض توقيع أوراق الطلاق.. وإن كان عبدالله قد قال لها على طريقة المسلمين (أنتي طالق) وهو ينويها فعلا


لكنها في الأوراق الرسمية هناك مازالت زوجته


وخصوصا أنها تطارده بالاتصالات بشكل لحوح.. وبات يخشى أن تصاب بحالة جنون ويراها أمامه هنا في قطر


وهي تهدد بشكل صريح أنها لن تتركه أبدا



ومع كل ذلك يكره أن يجعل والده يترجاه كل يوم بهذه الطريقة.. يؤلمه قلبه من رجاءاته وهو الذي اعتاد أن والده لا يكرر الأمر له مرتين لأنه ينفذ من المرة الأولى


لذا هتف بحزم: خلاص يبه تم.. قوم نخطب اللي تبون







*******************************







الــيــوم







"من أنت؟؟"



صالح يرفع رأسه استجابة ليد صاحب السؤال تربت على كتفه وتعيده من دوامة أفكاره



صالح ينظر للطبيب أمامه ويجيب بهدوء: أنا شقيق عبدالله..



الطبيب بمهنية: جيد أنك حضرت...عبدالله بالفعل محتاج لأسرته..



صالح يشعر بألم عميق: وأنا أريد أن أعود به معي لبلدنا وأهلنا..


ثم أردف بألم أعمق أعمق: كيف حاله الآن يادكتور؟؟



الطبيب بهدوء مهني: نحقنه بالمهدئات على الدوام


أنا شخصيا لو كنت مررت بما مر به.. كنت فقدت عقلي تماما


ولكن هو محتفظ بشكل كامل بعقله وذكرياته.. لذا ألمه لا حدود له..


فالتجربة التي مر بها قاسية جدا..


في البداية عانى انهيارا عصبيا حادا.. ثم بعد ذلك تحول الانهيار لثورة حادة..



صالح وقف وهو يقول بتردد: أقدر أشوفه ؟؟



الطبيب بهدوءه المهني: بالتأكيد تستطيع


هو الآن مخدر.. لكن مفعول المخدر سيزول بعد ساعتين أو ثلاث


وأنا أفضل ألا نحقنه مرة أخرى.. فهو لابد أن يواجه الواقع


فلو كنت تستطيع تهدئته إذا صحا.. ستكون ذا منفعة هائلة لنا


فهو ما أن يصحو حتى يبدأ بالثورة والصراخ .. ولا نستطيع السيطرة عليه إلا بمساعدة اثنين من رجال الأمن حتى نعود لحقنه



صالح بثقة: إن شاء الله أقدر..




صالح توجه لباب الغرفة وهو يفتحه بتردد.. خطوات مترددة نقلته حتى السرير الأبيض


شعر أنه سينهار... لذا جذب مقعدا وجلس قبل أن ينظر لوجه عبدالله..


تنهد بعمق.. فتح عينيه وأغلقهما.. سمى بسم الله.. ثم رفع عينيه لمحيا عبدالله


ألم عميق اجتاح روحه.. ألم لا حدود له..


كان أول ما صافح عينيه شعيرات بيضاء غزت سواد عارضي عبدالله


يبدو كما لو كان كبر كثيرا في العمر


سابقا كان من يرى عبدالله مع فهد يظن ان فهدا هو الأكبر في السن.. رغم أن عبدالله أكبر من فهد بأربع سنوات


ولكن من يراه الآن سيشك أنه أكبر من صالح حتى!!


صالح يمسح ملامح عبدالله وتفاصيل وجهه بحنين عميق


من كان يظن أنه سيراه مرة أخرى وأنه سيعود من خلف غياهب الموت


صالح نهض ليطبع على جبين عبدالله قبلة عميقة


ودون أن يشعر خرت من عينه دمعة لم يشعر بها إلا حينما رأى التماعتها على خد عبدالله


مسح خد عبدالله قبل أن يمسح عينيه


ثم همس في أذن عبدالله بخفوت مختنق: الله يواجرك يأخيك.. أدري مصابك كبير.. بس تدري إن الله مع الصابرين..



عاد ليجلس جوار عبدالله وهو يضع يده على عضده ويدعو..


دعا الله كثيرا أن يفرج هم أخيه ويشرح صدره ويمنحه الصبر والسلوان من عنده



ولشدة استغراقه في الدعاء لم يشعر بالخطوات الهادئة التي دخلت الغرفة


حتى شعر بالظل الواقف جواره


وقـــف


كان شابا بدت ملامحه المرهقة الحزينة عربية


فور وقوف صالح سلّم عليه الشاب ورحب به حرارة دافئة بقدر ماسمح له حزنه وإرهاقه


ثم هتف له بصوته المبحوح:


أنا فيصل صديق عبدالله.. وأكيد إنك صالح أخ عبدالله.. السفارة بلغوني بوصولك


بس أنا توني واصل من بورتلاند.. رجعت هناك عشان .. عشان.. عشان



اختنقت الكلمات في حنجرته حزنا... بصقه حشرجات موجعة: عشان أدفن خالد الصغير


سامحني ياخوك أني تصرفت من نفسي


بس أنا كنت أبي أدفنه أول ماخلصوا تشريح وتحقيقات.. ماكنت أبي عبدالله يشوفه


أو يلزم إنه ياخذه يندفن في الدوحة.. مابغيت جروحه تقعد مفتوحة


أدري إن عبدالله ماراح يسامحني على اللي سويته.. بس أنا سويته عشان مصلحته



صالح شعر باختناق عميق وهو يتذكر ابنيه خالد وعبدالعزيز..


لو حدث لأحدهما ما حدث لابن عبدالله.. نفض رأسه جزعا مرعبا من الفكرة ومن مجرد تخيل ما رآه أخوه وهو يهتف باختناق:


جزاك الله خير يافيصل.. ونعم ما سويت.. نعم ما سويت




أردف صالح باختناق عظيم: قالوا لي أنك أنت اللي بلغت عن الحادث... وأنت اللي طلبت من السفارة تطلب حد من أهله..



فيصل بحزن عميق: اللي شفته شيء عمري ما تخيلت أنه ممكن يصير لبشر


خالد كان ولدي.. أنا ربيته مع عبدالله


كان عمره شهور أول ما عرفت عبدالله.. أول ماشفته ماهضمته قلت هذا مافيه دمنا.. أشقر وعيونه زرق.. بس سبحان الله اللي زرع حبه في قلبي


كنت استحقر إن عبدالله يرضعه ويبدل له.. تعرف أفكارنا المتغلغلة فينا


عقبها صرت أنا أبدل له وأرضعه إذا صار عبدالله مشغول..



شهق فيصل غصبا عنه: حسبي الله ونعم الوكيل


أقول لك ولدي.. يمكن لو أنا جبت ولد ما يكون غلاه مثله..



ابتلع عبرته التي سدت حلقه ثم أكمل: بالعادة كان عبدالله يوديه للنيرسري وهو رايح شغله.. وأنا أجيبه..


كنت أقعد عندهم في بيتهم أكثر من قعدتي في السكن..ولولا أني أبي قرب الجامعة أو كان سكنت معهم..


هذاك اليوم.. رحت النيرسري قالوا لي ماجا.. استغربت..


لأن عبدالله حتى لو كان خالد مريض يوديه ويقول لهم انه مريض ويعطيهم أدويته.. شيسوي لازم يروح شغله


اتصلت في عبدالله مارد علي


رحت لبيته أنا معي مفتاح.. فتحت.. وليتني مافتحت.. ليتني ماشفت ذا الشوفة



حينها لم يحتمل انهار جالسا وهو ينتحب بخفوت..: حسبي الله ونعم الوكيل


حسبي الله ونعم الوكيل.. جعلها تشوفه في نفسها وفي أهلها



ذبحته قدامه.. ذبحته قدامه.. وعبدالله يشوف.. تخيل..


تخيل فيه إجرام كذا


دخلت لقيت عبدالله مربوط ومكمم.. والولد الولد......



عجز عن الإكمال وصوت نحيبه يرتفع شيئا فشيئا.. صالح اختنق حلقه بالعبرات وغامت عيناه تماما ربت على كتف فيصل: خلاص لا تكمل لا تكمل..



ولكن فيصل أكمل حديثه بين موجات نحيبه الخافت: كانت سكرانة وجايبة معها اثنين بودي جاردز


عبدالله من يوم هي دلت طريقه وهو متوتر منها.. طول السنين اللي فاتت وهو مرتاح منها.. ما أدري أشلون دلته..


أنا كنت موجود أول مرة جات... سألت خالد وش الأشياء اللي هو حافظها؟؟


خالد بكل براءة سمّع لها السور القصار ... عبدالله كان محفظه كل السور القصيرة


ليتك شفتها.. صارت كنها ثور هايج.. وهي تهدد عبدالله إنها تأخذ الولد لانه خربه بأفكار دينه المتخلف


لكنها بدل ما تأخذه خذت روحه... تخيل خنقته قدام عبدالله اللي ربطوه البودي جاردز في العمود وكمموه..


الولد كانت أرجيله ترجف وترجف لين همدت وقعدت عينه شاغرة


يوم شافت الولد مات في يدها قطته قدامه وهربت..


تخيل طول الليل ولين ثاني يوم وهو مرمي قدام أبوه وعينه مفتوحة في عينه


تخيل ذا المنظر.. تخيل


زين إن عبدالله ما أستخف..



قاطع صالح عبرات فيصل المسفوحة وهو يصرخ بغضب: الحيوانة اللي مالها ذمة ولا دين.. والله يادم ولدنا ما يروح هدر..



حينها تماسك فيصل من انهياره وهتف لصالح بهدوء منطقي بصوته المبحوح تماما:


اسمعني ياصالح


طليقة عبدالله أهلها ناس واصلين فوق ما تتخيل


هي الحين اعترفت بجريمتها.. والمحاكمة بتتم على أساس إنها بين أطراف أمريكين


لكن لو أنت يا للي جاي من برا ومسلم وعربي صعّدت السالفة.. بيقلبون السالفة ومهوب بعيد تطلع هي براءة


ويطلع إن عبدالله كان يعذبها وهو اللي جاب لها عقدة نفسية خلتها تذبح ولدها


ما تعرف أنت أشلون الامور هنا تصير.. والإعلام أشلون يضغط..


وهم لحد الحين ما دققوا في سالفة إن عبدالله عربي.. انتظر عليهم لين ينتبهون.. بينقلب الوضع 180 درجة.. والإعلام اللي ضدها الحين بيصير معها


أنت اطلع بعبدالله من ذا الديرة في أسرع وقت.. عبدالله محتاجكم


أنا ما أدري وش سبب القطيعة اللي كانت بينكم .. بس هذا لحمكم ودمكم









****************************








" ياكثر ما تسبحين!!


كم مرة تسبحين في اليوم أنتي؟؟ خمس مرات؟؟ "




جوزاء تنظر لناحية الصوت المرح حيث تتمدد شعاع على سرير جوزا بجوار حسن النائم..


تبتسم جوزا وهي تشد روبها على جسدها: وإذا سبحت خمس مرات.. شيء من حلالش..


وبعدين تراني ماسبحت إلا مرتين مرة الصبح والحين.. ياختي حر حر..



شعاع تعتدل جالسة وهي تنزع يدها برفق من تحت رأس حسن وتبتسم: يأختي خايفة عليش تسيحين..


وبعدين وش عليش.. أنتي طقيتي للحمام ونقعتي فيه.. وخلتيني أبتلش في ولدش


أكل أبو مخي بحنته...



جوزاء تقف أمام المرآة وتجفف شعرها بالمنشفة وتهمس وهي تبتسم: أنتي صاحبة اقتراح حرمانه من صور أبيه..


أول كان يقلب في الصور لين ينام بروحه.. الحين ما ينام إلا عقب محايل وحنة..



شعاع تضحك: بس حنه على مستوى.. ما يسكر حلقه..



شعاع تعقد حاجبيها: الله أكبر.. قولي ماشاء الله..



شعاع تبتسم: وش بأنظل ياحسرة.. حنت ولدش.. خليني أنظله يسكر حلقه شوي..



جوزاء تتجه للسرير وتميل على ولدها وهي تقبل كفيه وقدميه بحنان مصفى: الله يخليه لي ويحن على كيفه



شعاع بعفوية: تدرين جوزا يوم رحت مع أمي لعالية عشان تودي هداياهم


أنا وعالية رحنا لغرفتها.. فرجتني صورهم القديمة


ياربي ما صدقت.. عبدالله وهو صغير نسخة من حسون.. شيء غير طبيعي..



جوزاء بشبح ابتسامة باهتة: وش قلنا ؟؟ مهوب قلنا بلاها سيرة عبدالله..



شعاع تنهدت وهي تمسح على شعر جوزا المبلول: تدرين جوزا


أحيانا أقول لازم تنسين سيرة عبدالله


وأحيان أقول دامش تحسسين من سيرته.. باقي في خاطرش شيء


خلي عبدالله موضوع طبيعي.. حتى لو سمعتي سيرته.. المفروض ما يهز فيش إلا مشاعر الترحم عليه


لأنه مهما كان عمر سيرته ماراح تنتهي.. هذا ابو ولدش.. وبيظل اسم ولدش دايم يذكرش فيه..



جوزا هزت رأسها بألم: الله يرحمه.. أنا بايحة منه على شين اللي هو سوا فيني.. الله يبيح منه ويغفر له..



شعاع بتردد: ما أدري جوزا ليه أحس دايم فيه حلقة مفقودة في حياتش مع عبدالله أنتي تعمدتي ما تقولينها لي..


يعني كون إن عبدالله كان يتجاهلش أو ما يكلمش.. ما يستدعي العقدة الكبيرة اللي عندش


جوزا أنتي عقب حياتش القصيرة مع عبدالله تغيرتي كثير... حتى هذا الهوس بالنظافة ماطلع إلا عقب مارجعتي علينا من بيت أبو صالح



جوزا تغتصب ابتسامة: يا شينش لا شغلتي مخش المصدي... خليه مطفى أحسن


وش باخبي عليش يعني؟؟



شعاع بنبرة مقصودة: أنتي أدرى...



جوزاء تدفع شعاع برفق لتنهي هذا الحوار : يالله خلاص روحي خليني أنام... بكرة الصبح عندي بروفة فستاني..



شعاع تبتسم: ياي حتى أنا متشوقة أشوف البروفة.. البروفة اللي فاتت كانت خيال عليش..


ولو أني مثل العجايز كان ودي أقول لها توسعها شوي.. خايفة عليش من عيون المشفح... وأنتي بعد طالبة الفستان ضيق لين تحت..


فيه عروس ما تلبس شوي جيبون تحت ينفخ الفستان.. ويخبي شوي من تفاصيل جسمها



جوزا بألم: خلاص لبست الجيبون تيك المرة.. هالمرة أبي أكون غير في كل شيء..


تدرين لولا إن امهاب من حقه يشوف عروسه في فستان عرس.. وإلا يمكن كان مالبست فستان


تعقدت من الثوب الأبيض...



شعاع تبتسم: وأنتي ماسويتيه أبيض.. سويتيه ذهبي..



جوزاء تتنهد.. تعبت من كل هذا الحديث الذي يلامس أطراف الروح ولا يجرؤ على اختراقها: خلاص يا الله روحي أبي أنام..



شعاع خرجت وأغلقت الباب خلفها.. بينما شعاع تمددت جوار حسن


قبلت وجنتيه وجبينه وكفيه وهي تحصنه بالأذكار..


ثم سالت دموعها بصمت وهي تتذكر رغما عنها.. مهما حاولت التناسي


ليلة زواجها القاتمة قبل حوالي أربع سنوات... وما تلاها من أيام سوداء..








*******************************







قبل أربع سنوات وشهرين







مضت ثلاث ساعات منذ دخولهما لجناحهما


والصمت هو المسيطر بينهما


هو حينما دخلا ألقى بغترته وببشته الأسود على طرف الأريكة ثم اعتصم بمقعده


بينما هي تشعر أنها أصبحت عاجزة عن التنفس من جلستها الطويلة بالفستان والألم ينتشر على طول ظهرها


ستموت تريد الدخول للحمام.. ولكنها تكاد تذوب خجلا وهذا الحائط الجالس أمامها لا يبذل أي جهد لمساعدتها


توقعت أنه سيحاول أن يحادثها.. يهدئ روعها.. كما يتوقع من أي عريس ليلة عرسه..


توقعت أي شيء إلا هذا الصمت غير الطبيعي إطلاقا


أ يعقل أنه يشعر بالحرج أو ربما الخجل مثلها؟!!



كانت تسترق النظرات له بينما هو ينظر لا تعلم أين


لا تنكر أنها شعرت بارتباك ما من وسامته الطاغية


كان هذا الارتباك ليتحول لشعور دافئ شفاف لو أنه أشعرها باهتمام ما


لكن تجاهله غير الطبيعي لها جعل إحساسا بالضآلة يتسرب إلى روحها





"أ يعقل أنني لم أحرك فيه أي شيء


ولا حتى مجرد الرغبة بالحديث كبشر


حُكم عليهما ان يكونا وحيدين في مكان مغلق


قد يكون وسيما جدا


لكن أنا أيضا جميلة


أ لستُ جميلة ؟! "



" وما يدريني قد يكون لا يراني جميلة إطلاقا"



عادت لاستراق النظر لبهائها المكتمل في تلك الليلة الاستثنائية في إحدى المرايا الكثيرة المنتشرة على امتداد الجناح..



"لستُ سيئة


لستُ قبيحة


أ لستُ كذلك؟! "



شعور بالتوتر والحرج والمرارة يتصاعد في روحها بغزارة مهينة



بعد مرور ساعة أخرى شعرت أنها ستبكي من حاجتها للذهاب للحمام


شعرت أن كل أحاسيسها تتأخر أمام نداء الطبيعة الغير قابل للتأجيل


وشعرت حينها بالفعل أنها ستبكي وهي تضطر أن تكون أول من تتكلم


همست بصوت مبحوح مختنق من الخجل: لو سمحت..



بدا لها أنه لم يسمعها


رفعت صوتها باختناق أكبر: لو سمحت..



حينها ألتفت إليها هتف بهدوء عميق: نعم..



جوزاء باختناق عظيم: أبي أروح للحمام لو سمحت..



حينها انتفض وهو يهتف بأدب يشبه أدب موظف مع زميلته في العمل:


سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء


تفضلي الحمام من هنا


تبين مساعدة؟؟



جوزاء لاحظت بألم أنه يخاطبها دون أن ينظر إليها بشكل مباشر.. همست له بصوت بدأت العبرات تخنقه: لا شكرا ما أبي مساعدة



توجهت للحمام وهي تكاد تنكفئ على وجهها من انعدام الرؤية أمامها لامتلاء عينيها بالدموع


خلعت فستانها بعد معاناة.. واستحمت بدموعها قبل أن تستحم بالماء


كانت تدعك وجهها بحدة وهي تزيل بقايا تزينها


جرح أنوثتها بشدة تجاهله لها في الليلة الأهم في حياتها


بكت مطولا في الحمام.. ولم يفتقدها مطلقا.. ولم يسأل عن سبب تأخرها في الحمام



"ربما لو متت في الحمام


لن يفتقدني!!"



قررت ختاما أن تخرج فهي تريد أن تصلي


كانت والدتها من رتبت أغراضها في الجناح.. تركت لها قميص نوم في الحمام


كان قميصا ملكيا يليق فعلا بعروس ليلة زفافها..


ولكنها لم تشعر بأدنى رغبة لارتدائه


ولكن لأنها لم تجد سواه.. ارتدته بعد أن جففت شعرها


نظرت بتوتر لنفسها في المرأة


إن كانت لم تلفت انتباهه وهي بكامل زينتها.. فكيف الآن بوجهها الخالي تماما من المساحيق


تنهدت في داخلها بوجع: هي ليلة وكسة من أولها.. وش بيضر تاليها يعني!!



حين خرجت وجدته يصلي قيامه..


تناولت سجادتها وصلت هي أيضا قيامها..


أنهت صلاتها وهو مازال يصلي.. بقيت جالسة على سجادتها تنتظر انتهاءه


حينما أنهى صلاته عاد ليجلس على مقعده..


حينها همست له جوزاء باختناق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟



مهما بدت لها بداية حياتها معه ملتبسة وغير سعيدة.. فهي لا يمكن أن تنسى هذه السنة إن كان هو قد نساها أو تناساها..


تمنت بالفعل أن تكون الصلاة فاتحة خير في حياة لا توحي بالخير



غام وجهه لدقيقة ثم هتف بهدوء دون أن ينظر ناحيتها: قومي نصلي



صلت خلفه.. وكل منهما دعا لوحده.. بشيء خاص به..


دعت هي بعمق أن تكون هذه الليلة مجرد كابوس لليلة واحدة.. وألا تكون حياتها معه على هذا الموال


ولكن لله حكمة فيما يفعل ويريد!!




انهى صلاته وعاد لمكانه...


بينما هي خلعت جلال الصلاة.. رتبت شكلها بارتباك.. وعادت لتجلس أمامه


شعرت أن تجاهله لها ازداد.. كما لو كان يقصد فعلا إشعارها بهذا التجاهل


بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر..


حينها قررت جوزاء ألا تنتظر أي بادرة منه


بدا لها غاية في الألم أن تتجاهل خجلها وكل تخيلاتها البريئة لهذه الليلة.. وتبادر للتصرف كما يخطر ببالها


فهذه الليلة لم تكن أكثر من مذبحة لثقتها بنفسها وأنوثتها وحتى فرحتها البريئة..


تركته معتصما بصمته وأريكته..


توجهت للسرير تمددت غطت جسدها كاملا حتى رأسها


ثم انخرطت في بكاء صامت أغرقت بدموعه الغزيرة مخدتها











************************************








بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر






" حاولتُ جاهدة تجاوز مرارة ليلة زفافي رغم أن طعم مراراتها بقي كالعلقم في حلقي


أن تكوني محملة بعشرات الأمنيات الوردية لحياتك الزوجية


ثم تجدين كل هذه الأماني تُنسف بلا رحمة.. بلا سبب.. بلا تفسير


تمنيت فقط أن أفهم لماذا يعاملني بهذه الطريقة!!



خلال الشهر الماضي كنت أتجاوز خيباتي المتكررة وأحاول من جديد


كنت كل يوم أبالغ في التأنق والتجمل والتعطر وأحاول أن افتح معه أي حوار


ولكني لا أجابه سوى بردود مبتورة وهو يتجاهل حتى النظر إلى


أنا متيقنة أنه يعاني من ضعف جنسي..


ولكن هذا الأمر لا يهمني.. أعلم أنني لن أكون الزوجة الأولى أو الأخيرة التي تجابه مشكلة من هذا النوع..


ولكن هل الحياة الزوجية تتوقف على هذا الجانب فقط؟!


أريده فقط أن يحادثني.. يشعرني أنني بالفعل زوجته.. شريكة حياته


لا أطلب المزيد...



عالية سافرت قبل يومين.. عادت لدراستها


كان وجودها يخفف عني كثيرا


بمرحها ومقالبها.. كانت تأخذني من عالمي الصامت وكآبتي..


لكن الآن البيت يغرق في الصمت فعلا.. أشعر بالوحشة بعد ذهابها..


نجلا زوجة صالح لا تقصر مطلقا.. لم أرَ مطلقا من هي في طيبة قلبها أو رقتها


ولكن لديها طفلان صغيران ليس بينهما سوى عام.. وهي مشغولة على الدوام بهما


والدة عبدالله حنونة جدا.. أم فعلا..


لكن .. لكن..


خالاته أشبه بأفاعي فعلا.. بالأحرى اثنتين منهما : نورة وسلطانة


كانت عالية من تسكتهما حين يبدأن بتلميحاتهما القميئة..


لكن الآن من سيدافع عني... يبدو أنني يجب أن أتجنبهما قدر المستطاع


فخجلي وترددي يمنعاني من الرد على سيدات أكبر مني.. ومهما يكن يبقين خالات زوجي



ربما لو كنت أحيا حياة زوجية طبيعية .. لم أكن مطلقا لأهتم لما يقلن


فالحياة مليئة بهواة الكلام والتجريح!!


ولكن كلامهن كالملح الذي يذر على جروحي..


لقد جعلن علاقتي تتوتر بابنة خالي بعد أن كانت علاقتي رائعة بها..


كلما رأينها .. أخذن يعقدن مقارنة مبطنة بيني وبينها!!


أن مثلها هي من يجب أن تتزوج من هو مثل عبدالله


أ حقا لأني لست بجمال يرقى إلى وسامة عبدالله.. هو عاجز حتى عن النظر إلى أو حتى التواصل بالكلام معي؟!!


.


.


طوال الشهر الماضي كنت أسهر دائما في انتظاره مهما أطال السهر


مثل الليلة التي أعلم أنها ستكون تماما مثل الليالي الماضية واللاحقة "




كانت جوزاء تتأكد للمرة الألف من شكلها في المرآة


كانت تبالغ في التأنق للحد الأقصى


وباتت تتجنب أن ترتدي قمصانا للنوم.. حتى لا تضايقه أو تبدو كما لو كانت ترسل له رسالة هو عاجز عن الاستجابة لها


فهي الآن متأكدة أنه لابد يعاني ضعفا جنسيا من نوع ما..


ولكن كل ما كانت تريده هو تواصله الروحي والإنساني لا الجسدي..



عدلت خصلات شعرها.. زينتها.. فستانها


كانت ترتدي فستانا حريريا أسود ضيقا تصل أطرافه السفلية لتحت ركبتيها


(هاي نك) بدون أكمام..


خال من أي تفاصيل عدا حزام فضي مشدود على خصرها ليكشف عن تفاصيل بالغة المثالية في انحناءاتها



دخل..سلَم دون أن ينظر ناحيتها كما يحدث كل ليلة..



وككل ليلة أجابته بخفوت: وعليكم السلام


ثم أردفت: تبي عشا؟؟



وككل ليلة أيضا أجابها بهدوء: متعشي في المجلس



ثم دخل للحمام توضأ وصلى قيامه وقرأ ورده.. ثم تمدد على الأريكة ... ونام


دون أن يوجه لها كلمة واحدة



وككل ليلة أيضا زالت بعض زينتها من دموعها التي سالت على خديها قبل أن تزيلها فعليا


ورغم كثرة ما كانت تبكي إلا أنها لم تسمح له أن يرى دموعها ولا لمرة واحدة


استحمت وارتدت لها بيجامة حريرية بأكمام طويلة


أنهت صلاتها ووردها.. ثم توجهت للسرير وهي تندس فيه.. ترويه بعض دموعها الليلية المعتادة!!







***********************************







بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف






الليلة تنتظره كعادتها


وحدث كما يحدث كل ليلة تماما.. ذات السيناريو دون تغيير


لكن هي قررت أن تبادر بتصرف


إذا كان هو مطلقا لن يبادر بشيء.. فلتحاول هي



كان قد تمدد على أريكته لينام.. لولا صوتها المختنق الذي أوقفه: عبدالله



جلس معتدلا وهتف لها باحترام: نعم..



جوزاء همست باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟



عبدالله أغتصب ابتسامة : ومن قال لش أني متضايق منش..



جوزاء تحاول منع عبراتها من القفز لبلعومها وكلماتها تنهمر بوجيعتها : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود..


عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك


ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني


أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا


ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان


مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة..




عبدالله هتف لها بهدوء حان: شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع



جوزاء بصدمة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا


عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك..


أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص..



عبدالله تنهد: يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير..



وبالفعل عبدالله ذهب بها لأهلها اليوم التالي..


ورغم أنها كانت تزور أهلها بشكل متكرر..لكن رؤيتها بحقيبتها أثار مخاوف والدتها: فيه شيء بينش وبين عبدالله؟؟



جوزاء بإدعاء للهدوء: لا يمة مافيه شيء.. عبدالله بنفسه اللي جايبني.. بس اشتقت أقعد عندكم شوي..



حينها أشرق وجه أم عبدالرحمن: لا تكونين توحمين.. ومقروفة من بيتش..



جوزاء كحت بحرج: لا يمة الله يهداش .. وش وحامه؟؟



جوزا قضت تلك الليلة ليلة هادئة بعيدا عن الضغط النفسي والتوتر والدموع الليلية التي لا تنتهي


وهي تدعوا الله أن ينسى عبدالله مدة الأسبوع.. وتطول لأسبوعين أو ثلاثة


فهو على كل الأحوال ينساها وهي معه في ذات الغرفة.. فكيف وهي بعيدة عنه؟!



ولكن ما صدمها فعلا اليوم التالي أنها وهي تستعد للنوم رن هاتفها


كان عبدالله هو المتصل.. توترت.. ماذا يريد؟؟


ردت بتوتر: هلا عبدالله



رد عليها بهدوء: هلا بش زود



جوزاء بذات التوتر: فيه شيء عبدالله؟؟



عبدالله بذات الهدوء: أنزلي أنا أتناش تحت في السيارة



جوزاء بجزع: بس احنا متفقين أقعد أسبوع.. توني ما قعدت حتى ليلة..



عبدالله بحزم: جوزا خلاص .. قلت أنزلي.. انزلي.. لا تناقشيني..



جوزاء كانت بالفعل تريد أن ترفض.. لكنه رأته تصرفا لا يليق بتربيتها ولا بالاحترام المفترض لزوجها..


أبدلت ملابسها.. ولم تحمل معها حقيبة.. فلديها هناك من الملابس التي لا أهمية لها ما يكفي وزيادة..


كادت تنكفئ حرجا وهي ترى والدها ووالدتها في الأسفل..


أبو عبدالرحمن قفز حين رآها: وين بتروحين؟؟



جوزاء بخجل عميق: عبدالله ينتظرني برا



أبو عبدالرحمن يتناول هاتفه غاضبا: باكلمه.. هذا وقت ياتي ياخذش فيه..


خله يرجع بكرة



جوزاء بجزع: لا يبه فديتك خلاص.. ما يصير هذا هو في الحوش..



أبو عبدالرحمن بغضب: إلا اللي ما يصير طلعتش ذا الحزة..



تناول هاتفه وأتصل بعبدالله..


عبدالله حينما رأى اسم عمه على الشاشة.. رد باحترام جزيل وهو يسبقه بالكلام:


حيا الله أبو عبدالرحمن.. ما دريت إنك عادك ذاهن وإلا كان حولت أسلم عليك جعلني فداك



أبو عبدالرحمن بنبرة محايدة: جعلك سالم.. يا أبيك ماذي بحزة تاخذ مرتك.. روح وتعال بكرة..



عبدالله بذات الاحترام: والله إني داري جعلني فداك.. بس أنا عاد البيت بيتي


وأنا كان عندي شغل توني خلصته وماهقيت إن دخلتي لبيتي ذا الحزة بتضايقك


السموحة يبه..


خلاص تبيني أروح بأروح... وجوزا بأخذها بكرة



أبو عبدالرحمن شعر بالحرج من عبدالله.. فلو قال له أن يذهب.. معناها أنه يأكد له أن البيت ليس ببيته.. لذا هتف بهدوء:


لا خلاص أخذ مرتك...والبيت بيتك يا أبيك.. بس دايما السنع سنع..



عبدالله بنبرة انتصار: جعلك ذخر دوم.. وتعلمنا السنع..



أبو عبدالرحمن أشار لجوزاء أن تذهب.. جوزاء شعرت باختناق حقيقي وهي تقبل جبينه وجبين والدتها وتسحب نفسها للخارج


فهي تمنت بالفعل أن يقتنع عبدالله بالذهاب وتركها هنا



ركبت جواره صامتة.. دون سلام حتى.. لأنها شعرت أنها إن سلمت فستنخرط في البكاء..


هو أيضا لم يكلمها.. بقيا صامتين حتى وصلا لغرفتهما.. وأكملا رحلة الصمت المعتادة



جوزاء كانت في حالة صدمة حقيقية.. فهو حينما أعادها الليلة.. رغم كل الألم الذي شعرت به إلا أنها شعرت بأمل ما.. أن يكون أعادها اليوم لأنه قرر أن يغير طريقة تعامله معها


ولكن لا شيء تغير.. لا شيء تغير


لا تلك الليلة ولا الليالي التي تلتها حتى...







***********************************







بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفره بثلاثة أيام







الليلة قررت ألا تنتظره.. الأمر بات جارحا لها أكثر من المحتمل.. أن تقضي ساعات تتأنق له.. ثم لا تجد ردا ولو حتى مجرد ابتسامة


قررت أن تنام قبل أن يأتي.. لا تريد أن تراه حتى


تعبت من كل هذا.. باتت كل أمنيتها أن يطلقها ويتركها تعود لأهلها.. ولكنها تخجل أن تطلب منه طلبا كهذا


فهي استنفذت كل طاقتها.. ولا سبيل مطلقا لصلاح الحال بينهما..


فلماذا الاستمرار في حياة فاشلة كهذه؟!!


شابة صغيرة مازالت في الحادية والعشرين.. كانت تنظر للحياة بمنظار وردي.. أصبحت نظرتها للحياة سوداوية.. وكأنه تضاف سنوات وسنوات فوق عمرها




كان ذهنها مرهقا بأفكارها المؤلمة وهي تتمدد على وسادتها.. حتى نامت..


في وقت ما من الليل صحت على حركة غريبة قريبا من عنقها


شعرت أنها تتخيل ربما.. لكن الحركة تكررت وكأن أحدهم يحرك شعرها ويزيحه عن عنقها ووجهها


فتحت عينيها كانت الإضاءة خافتة.. استدارت لتصدم بجزع بوجه عبدالله قريبا جدا منها


كانت تريد أن تجلس ولكنه لم يسمح لها وهو يشدها قريبا منه


همست جوزاء بصوت مختنق: فيه شيء عبدالله؟؟


ولكنه لم يجبها وهو يتمعن النظر في تفاصيل وجهها وفي عينيه نظرة غريبة عجزت عن فهمها


بدأ الخوف يتسرب إلى قلبها وهي تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها من قرب


حاولت أن تبتعد عنه.. ولكنه منعها للمرة الثانية وهو يمرر أنامله على وجهها ويهمس لها بحنان عميق: لا تخافين .. ماني بجابرش على شيء




كان الأمر بمجمله صدمة حقيقية لها.. إذا لم يكن يعاني من ضعف.. فما الذي كان يحدث طوال الشهرين الماضين؟؟


لتتكشف لها حقيقة مزقتها تماما وهو يصرخ فيها بغضب هادر: قومي اسبحي الحين..



جوزاء بجزع ضمت أطراف روبها عليها وهمست بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول



ولكنه استمر بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين..



جوزاء بحركة لا شعورية أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء


توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة


حرام عليك تقول لي كذا...



ثم انخرطت في بكاء حاد.. وهي تقفز للحمام.. ربما قضت ساعات وهي تستحم وتبكي..


والحقيقة في ذهنها تبدو واضحة تماما.. لم يكن يقترب منها ليس لأنه يعاني من ضعف ما.. بل لأنه يشعر بالقرف منها..


قادته غريزته إليها.. ولكن حينما نال مراده.. وعاد له عقله.. عاد له قرفه منها..


كانت كلما فكرت هذا التفكير زاد بكائها عنفا..


شعرت أنها لا يمكن أن تتمزق أو تُجرح أكثر من هذا.. لا يمكن أن يكون هناك ألما أكثر من كذلك..


وصل الألم والجرح والتمزق عندها لحدوده القصوى.. ماعاد هناك مجال لأي مزيد



حين خرجت من الحمام .. كانت عيناها مشتعلتين احمرارا ككرتين من الدم.. لطول مابكت واستحمت..



تمنت ألا تراه حينما تخرج.. ولكنه كان جالسا.. شعرت أنه يريد أن يقول شيئا..


ولكنها لم تسمح له وهي تتناول سجادتها وتخرج لغرفة عالية الخالية وتقضي ليلتها هناك


سمعت طرقات على الباب بعد صلاة الفجر.. ثم همسه المكتوم الحازم: جوزا بلا فضايح.. تعالي خلينا نتفاهم..



ولكنها لم ترد عليه.. لا تريد أن تسمع شيئا منه.. أبدا.. أبدا..





اليوم التالي


حاولت أن تتحاشاه قدر الإمكان.. بقدر ماكان يبدو أنه هو يريد أن يحادثها


في ذلك اليوم على غير العادة لم يخرج مطلقا من البيت إلا للصلاة ويعود


وكأنه يتصيد فرصة لمحادثتها


ولكن جوزاء ليست مستعدة لمزيد من التجريح.. وأي محاولة للتبرير منه ستزيد الوضع سوءا


لذا بقيت معتصمة بغرفة أولاد نجلا مع نجلا.. لأنه المكان الوحيد الذي تعلم أنه لا يستطيع اقتحامه.. وأغلقت هاتفها حتى لا يتصل بها


مضى اليوم كله على هذا الموال.. حتى جاء الليل.. كانت مرهقة تماما جسديا ونفسيا..


انتظرت حتى توجه الجميع لغرفهم ثم توجهت هي لغرفة عالية


أغلقت الباب عليها..


لتتفاجأ بالصوت الحازم البارد: هذا السنع يا بنت الأصول.. طول اليوم وأنتي طاقة من رجالش



كان يجلس على الأريكة شابكا يديه أمامه.. جوزا ما عادت تريد أن تكون مهذبة أو رقيقة لذا ردت عليه بحدة:


رجالي له شهرين طاق مني.. حليت في عينه الحين



عبدالله وقف وهو يقول لها بحزم: امشي لغرفتنا نتفاهم هناك..



جوزاء بتصميم: آسفة الغرفة تيك ما عاد أدخلها وأنت فيها..



حينها هتف لها عبدالله بحزم بالغ: تروحين معي وإلا أشلش غصب..



جوزا بعناد وألم: قلت لك آسفة.. وما بيننا كلام.. الحياة بيننا مستحيلة.. طلقني خلني أروح لهلي..



عبدالله حينها انفجر بغضب: أطلقش هذا في أحلامش..


وإذا قلت كلمة.. لا تراديني..



قالها وهو يقترب منها ويحملها فعلا.. جوزا حاولت التخلص منه وهي تفرغ كل طاقة غضبها بلكم صدره بعنف..


بدا أنه لم يهتم لا من صراخها المكتوم ولا من لكماتها وهو يتجه بها ناحية الباب بثبات..


حين رأت جوزا أنه فتح الباب فعلا.. همست بحرج وغضب: خلاص نزلني بأروح معك بروحي.. لا تفضحني.. حد يشوفنا وأنت شايلني كذا




حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم: عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء


أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا



عبدالله شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف


شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي


أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني



حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟


أنت ذبحتني يا عبدالله


عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا



مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها وهو يهمس في أذنها بشجن عميق:


جوزا والله العظيم أني أبيش..



جوزاء بعدم تصديق: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين


خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني..



عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. شعرت أن دقات قلبه تحت أذنها أشبه بمطارق تمزق رأسها ألما


بديا كلاهما كمخبولين في لوحة غير مفسرة


هي تريد أن تبتعد عنه وهو لا يسمح لها


وهو يشعر بالقرف منها ومع ذلك لا يريد إفلاتها


مضت دقائق وهما على هذا الحال.. ولم تبدو على عبدالله أي بادرة أنه سيفلتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره


انتفض بجزع وهو يفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها..


ولكنه منعها وهو يمسك وجهها بين كفيه ويهمس بألم عميق: تبكين..؟؟



جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟


تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي


كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني..



عبدالله همس لها بعمق: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر..



جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة..



عبدالله بألم: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد..



حينها انتفضت بغضب وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء


قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد



توجهت للحمام لتتوضأ وتفرغ مزيدا من دموعها.. حينما أنهت صلاتها


دعت الله مطولا أن يفرجها عليها. . كل يوم تقول ماعاد بها طاقة لاحتمال المزيد


فيأتي المزيد والمزيد والمزيد



كان هو أيضا يصلي.. انتهت قبله.. ثم توجهت للسرير لتندس فيه.. بعد لحظات شعرت بحركته على الطرف الآخر من السرير


جلست بشكل حاد وهي تصرخ بألم: لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك..



عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا



حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك..



ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. حينها همست جوزاء بضعف متألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني


تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني..



عبدالله أسند رأسها لعضده وهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني..



كان رأسها مختبئ في صدره.. وهو يشد عليها بكل قوته.. وكأنه يخشى أن تهرب


كانت جوزاء تتنفس رائحة عطره الفاخر الذي يبدو كما لو كان تغلغل في جسده


وفي الوقت نفسه أيضا كانت تشعر بألم عظيم أن تكون رائحتها هي غير مستحبة بعد الذي قاله لها البارحة.. رغم أنها بالغت في الاستحمام والتعطر والبخور


ولكنها بالفعل بدا لها أن رائحتها غير مستحبة.. بعد أن تسربت هذه الفكرة لعقلها الباطن..


كانت تحاول أن تبتعد عنه قبل أن يبعدها هو قرفا منها ومن رائحتها.. ولكنه لم يفلتها أبدا


بعد ذلك همس لها بهدوء ناعس: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت..



بدا الأمر لها أشبه بتعذيب نفسي.. لأنها شعرت أنها بدأت تعرق من الحرج والحرارة.. خشيت أن رائحتها تزداد سوءا


والمشكلة أنه يبدو نام فعلا وصوت تنفسه ينتظم..


بعد أن يئست جوزاء أنه قد يفلتها بدأت تذهب في دوامات تفكير بما أن النوم بدا حلما بعيد المنال



" يا ترى ليش يعاملني كذا؟؟


حاسة إنه هذا هو المرحلة الثانية من التعذيب


أكيد هذا واحد متعقد من النسوان


أو يمكن العقدة فيني أنا ؟؟


أولها يتجاهلني لين ظنيت إنه ناسي وجودي


وعقبها يخنقني بذا الطريقة بقربه وأنا عارفة إنه مهوب طايق ريحتي


يا الله يا كريم فرّجها من عندك


ماعاد فيني صبر.. قربت انهار من ذا الحال


ليتني قعدت عند هلي ولا وافقت على ذا العرس


الحين ماعاد باقي لي إلا مادتين.. فصل واحد من دراستي


يا ترى أشلون بأكمل ذا الفصل وأنا نفسيتي زفت كذا


ليتني على الأقل أجلت الموافقة على موعد العرس لين أخلص دراستي


لا حول ولا قوة إلا بالله... قدر الله وماشاء فعل"



بقيت الأفكار كأمواج تتلاطم جوزا بين تيارات غضبها وهي تشعر أن عظامها بدأت تؤلمها من وضعية النوم غير المريحة الخانقة التي حكم بها عليها هذا المجنون


تستغرب كيف استطاع هو أن ينام على هذا الحال


هزته برفق وهي تهمس بصوت مبحوح : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت..


أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكنها فوجئت به يمسك بكفها


ثم يطبع في باطنها قبلة عميقة جدا


ثم يضعها تحت خده ويهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة..



جوزاء شعرت بدقات قلبها تتصاعد بعنف.. بدت له حركته العفوية هذه مؤلمة إلى أقصى حدود التعذيب والعذوبة..



حينها سمح لها وضعها أن تراقب تفاصيل وجهه الوسيم المسترخي وهو يتوسد كفها


تعبت من محاولة إيجاد التفسيرات والتبريرات


تعبت من جفاءه ثم تعبت أكثر من قربه


أي رجل محير هو هذا الرجل؟؟


أو ربما هو ببساطة رجل معقد؟؟


أو ربما كانت هي المعقدة الفاشلة في فهم عوالم الرجال؟؟


أي هذه الأسباب هو السبب..




بقيت ساهرة لم تنم حتى أذان الفجر.. حينها همست بإرهاق عميق وهي تهز كتفه بيدها الحرة : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر..



فتح عينيه.. وكان أول ما فعله أن عاود تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس:


تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش



جوزاء همست بألم عميق: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟



عبدالله يجلس وهو يهمس بعمق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!!



جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين..



عبدالله بعمق: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق



جوزاء بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة..



عبدالله بنبرة إقناع: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة


أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي


الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا..


ثم أردف بنبرة ولع غريبة : جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا


سبحان الله شيء مثل السحر


حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت..


شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟!



صمتت جوزاء.. بداخلها تتمنى أن تصدقه.. هذا القلب البريء الذي لا يعرف الزيف أو التدليس بوده أن يصدقه


فهذا الرجل هو شريك حياتها الذي ربطها الله به لحكمة


رغما عنها وجدت نفسها تهز رأسها بخجل.. وليتها ما فعلت!! ليتها مافعلت!!


فهي لم تكن سوى حمقاء كبيرة لتصدقه..



"أ بعد كل ما فعله بكِ تصدقينه أيتها الحمقاء؟؟


أتنتظرين أن يقطع لحمك لقطع صغيرة بعد أن طعنك في عمق قلبك وإنسانيتك وكينونتك؟؟"



" أصمت.. أصمت.. لا أريد أن أسمعك


أنا أريد أن أمنحه فرصة..


فكما جرح قلبي.. لن يداوي جرح قلبي سواه


أنظر إليه كم يبدو صادقا"



" هذا لأنك طفلة بلهاء لا تفهمين


حينما يرميك كقمامة المرة القادمة لا تأتي إلى طالبة المعونة"



" وإذا لم أستعن بك يا عقلي بمن سأستعين؟؟"



"بقلبك الأبلة الذي فضلته علي


والذي سيقودك هو للهاوية


حينها لا أريد أن أرى لكِ دمعة واحدة


لأن كل ما سيحدث لكِ هو قرارك أنتِ


أمامك ألف دليل مادي على أن هذا الرجل لم يفعل سوى طعنك المرة تلو الأخرى


ولكنك تتركين كل هذه الأدلة وتركضين خلف وعده الكاذب"



جوزاء هزت رأسها بإصرار وهي ترفض تصديق هواجسها


عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي



صلت الفجر وهي تشعر بانشراح عميق.. دعت الله ألا يخيبها.. فقلبها الطري بالكاد قرر أن يشعر بالسعادة


كثير كل هذا الحزن على قلب غض كقلبها


فهل هذا الوعد بالسعادة كثير عليها؟!



حينما عاد عبدالله من صلاة الفجر .. كانت تشعر بارتباك كبير وخجل عميق شفاف .. كانت تجلس على طرف السرير..


جلس جوارها ليطيل النظر إليها بنظراته الآسرة المجهولة .. ثم يشدها إليه..


خليط من سعادة مبتورة وخجل رقيق.. لأول مرة تشعر بإحساس عروس فعلا


إحساس لم يستمر حتى لساعات


لينتزع منها بأبشع طريقة.. أبشع حتى من طريقة الليلة قبل الماضية


إن كان تلك الليلة صرخ بها.. فهو الآن يهمس لها ووجهها مدفون بين كفيه:


جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين



حينها شهقت جوزا.. عاجزة عن التنفس فعلا.. قد يكون طعنها في عمق قلبها كثيرا..


ولكنه هذه المرة تأكد من تمزيقه تماما.. ماعاد هناك شيء ليطعنه..


ماعاد هناك قلب يستطيع استقبال طعنته القادمة.. مجرد أشلاء قلب متناثر



همست بحقد وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك..


حسبي الله ونعم الوكيل


أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك..



دخلت للحمام وانهارت تماما في داخل المسبح


لم يهمها إن كان يسمع صوت نحيبها العالي


ماعاد يهمها أي شيء.. تتمنى فقط لو تستطيع أن تشعره ببعض الألم الذي تشعر به


فقط بعضه.. هذا البعض تعلم أنه كفيل ببعث ألم لا حدود له في روحه


ولكن بدا لها مخلوق مجرد من الإحساس.. شيطان ربما!!


أي قلب يحتويه هذا الرجل؟!!


يستحيل أن يكون لديه قلب حتى!!


هل كان سيضره أن يطلق سراحها قبل أن يتسبب بكل هذا الأذى النفسي لها؟!!


هل كان سيضره ان يطلق سراحها وهي لديها بقية من قلب وروح؟؟


لماذا حرص على أن يدمر كل شيء فيها؟؟


أي ذنب أذنبته استحقت من أجله كل هذا التعذيب؟؟


هل كونها غير جميلة أو رائحتها لا تعجبه سبب يستحق أن يدمرها بهذه الصورة؟!!



بكت مطولا في الحمام والماء ينسكب على جسدها الذي بالغت في فركه وتنظيفه


وكأنها تريد أن تزيل بقايا لمساته المريضة التي أشعرتها بالقرف من نفسها تماما كما يشعر هو بالقرف منها



خرجت من الحمام وقد قررت تماما أن ألا تبقى ولو يوما واحدا مع هذا المريض المخبول..


يستحيل أن تبقى في هذا المكان الذي بات يذكرها بالكثير من الآلام والمرارة




حين خرجت سمعته يتكلم في الهاتف


كان يتحدث بالانجليزية وفي صوته غضب هادر مرعب


لم تلتقط مما يقول سوى قوله : أنا قادم على الفور



حينما أنهى اتصاله كانت تقف تنظر إليه بكراهية شديدة


بينما كان هو ينظر لها بنظرة عجزت عن تفسيرها



استمرا يتبادلان النظرات لثوان.. انحنى بعدها تحت السرير ليستخرج حقيبته


ويضع ملابسه على عجالة فيها



همست له بنبرة ميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا



همس بنبرة ميتة مشابهة: أنا مسافر..



بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟



لم يرد عليها.. نظر إليها فقط.. لسبب لا تعرفه بعثت نظرته في أوصالها رعشة عميقة لم تعرف لها تفسيرا...


أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع..


يارب تروح ما ترجع..



أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه هو نحيبها ودعواتها عليه..





بعدها جوزاء بالفعل عادت لبيت أهلها.. علمت من أهله أنه سافر في رحلة عمل لأمريكا ستستغرق أسبوعا واحدا ..


قررت أن تنتظر حتى يعود لتطلب الطلاق منه.. يستحيل أن تكمل حياتها معه.. ولا حتى مع سواه.. فهي تشك إن كانت ستتجاوز ما فعله بها..



حينما مر الأسبوع وهو لم يعد ولم يتصل.. بدأ قلق رقيق يتسرب إلى روحها


هل من المعقول أن الله استجاب دعائها عليه؟؟


هي بالفعل لا تريده... ولكن لا تريده أن يموت.. له أهل يحبونه وهي أحبتهم.. لا تريد مطلقا أن يُفجعوا فيه



بعد أسبوع آخر نضجت فيه من القلق..


فاجأها اتصاله الليلي بها.. كانت نائمة حين أيقضها رنين الهاتف


وحين رأت الرقم الطويل شعرت بريقها يجف ودقات قلبها تتصاعد..


شعور ملتبس خليط من الكراهية والقلق والرغبة في الانعتاق..



ردت بصوت مبحوح متوتر: ألو..



ولكن لا إجابة.. عاودت الهمس: ألو..



وأيضا لا إجابة... حينها همست بتساؤل مرهق: عبدالله؟؟



شعرت بصدمة كاسحة في عمق قلبها حين أجابها بلهفة موجوعة : لـبـيـه..



أصابها الخرس..لم تعرف ماذا تقول.. أفكارها تبعثرت تماما.. من كلمة واحدة فقط!!


كلمة كانت أشبه بطعنة لا حدود لعذوبتها الخالصة حتى وإن كان لا يعنيها!!



استمر الصمت بين الطرفين لدقيقة وكل منهما يستمع لصوت أنفاس الآخر المرتفعة بوضوح.. في إيحاء شفاف بعمق انفعال كل منهما



بعد ذلك همس عبدالله بنبرة مموهة: أشلون أمي؟؟



أجابت جوزاء بصوت مختنق: أمك في بيتها وطيبة وبخير.. أنا في بيت هلي..



صمت لدقيقة أخرى ثم همس بصوت مرهق تماما: خلاص سلمي لي عليها..



جوزاء تشعر باستغراب عميق لهذا الاتصال الغريب: الله يسلمك.. يوصل..



ثم انتهى الاتصال.. وسط استغراب متعمق من جوزاء


ومازالت حتى الآن كلما تذكرت طريقته وهو يقول لها (لــبـــيـــه)


رغما عنها تشعر بذات الألم العذب الشفاف في عمق قلبها







**************************************







بعد سفر عبدالله بشهر





رغم تأخر موعد دورتها الشهرية لأكثر من أسبوعين إلا أنها كانت تحاول إلغاء فكرة الحمل المرعبة من بالها


تدعو الله بعمق ألا يعاقبها بحمل ناتج عن كل هذه الكراهية والتعقيد..


تريد أن تتخلص من عبدالله فكيف ترتبط بولد منه سيبقى يذكرها دائما بما فعله والده بها؟!!




كانت صلت العصر للتو حين جاءتها أمها لتخبرها أن عمها يريدها في الأسفل


شهقت جوزاء: عمي أبو صالح؟؟



أم عبدالرحمن بطبيعية: إيه يأمش.. تحت في مجلس الحريم وابيش معه..



جوزاء التفت بجلال واسع ونزلت.. فور أن دخلت شعرت أن هناك شيء غير طبيعي حدث


فأبو صالح ووالدها كلاهما وجهه مسود .. اقتربت وقبلت أنف عمها وسلمت عليه السلامات المعتادة


وبعد ذلك هتف لها: يأبيش أبغيش تروحين معي لبيتش..



جوزاء حينها همست باختناق: بس عبدالله مابعد رجع..



أجابها أبو صالح بحزم: البيت بيتش مهوب بيت عبدالله.. امشي معي يأبيش أنا ملزم..



بدا لها أن والدها غير راض.. وأن ذهابها مع أبي صالح لا يرضيه.. ولكن مادام لم يتكلم وجدت نفسها مجبرة على التنفيذ


لم تستطع رد عمها وهو من أتى لها بنفسه.. احترامها له منعها..



ارتدت عباءاتها وحملت معها بعض أغراضها على عجالة.. وركبت معه.. كانت تشعر بحرج عميق أن تركب جواره ويكون هو من يسوق السيارة


ولكنها بلعت حرجها طوال الطريق حتى وصلا لبيته..



حينها همس لها عمها بحنان موجوع: انزلي يأبيش..



همست جوزاء باختناق: عمي تكفى أنا ما أبي عبدالله.. تكفى طلقني منه..


عدني مثل عالية بنتك.. أنا وعبدالله العشرة بيننا مستحيلة..



بدا كما لو أنه يغالب عبرات سدت حلقه ومع ذلك أجابها بحزم: ربي خلصش منه يأبيش


عبدالله يطلبش البيحة.. وأنا أبيش تحادين هنا في بيتش..



حينها شهقت جوزاء بعنف.. شعرت كما لو كان مبنى هائلا انهار فوق رأسها


شعرت كما لو كانت هي من قتلته.. وأن عمها يعلم ذلك


وإلا لماذا يقول أن ربها خلصها منه.. إلا إن كان يعلم أنها دعت عليه


وخصوصا أنها أخبرته الآن أنها لا تريد ابنه


أي مسلسل للعذاب لا ينتهي هذا.. أما لعذابها من نهاية!!




مرت أيام العزاء عذاب لا يوصف على جوزاء


كان يكفيها أن ترى حال أم صالح حتى تنهمر دموعها سيلا لا يتوقف..


شعرت أنها هي من حرمتها منه


أنها وجه النحس عليه كما يطعنها خالاته باتهاماتهن المبطنة..


كانت حالة أم صالح مزرية تماما.. لا تجهد حتى على الوقوف.. وكانت هي ونجلا من يتبادلن المبيت والبقاء ملاصقتين لها


وخصوصا أن الجميع اتفقوا على عدم إخبار عالية بشيء..


بعد ذلك جوزاء باتت ترفض أن تبقى نجلا مع أم صالح لأن نجلاء مشغولة بطفلين وليست حملا للمزيد


لذا تولت جوزاء مسؤولية أم صالح بالكامل..


ولم تخبر أحدا بحملها الذي تأكدت منه...


ولكن حتى رعايتها المتفانية لأم صالح رغم كل جروح قلبها النازف لم تسلم من تعليقات خالات عبدالله


ورغم كل ذلك فإن أكثر ماكان يؤلمها هو نظرات أبي صالح حينما يدخل عليها ويجدها بجوار أم صالح ..


أ كانت نظرات عتب أم لوم أم اتهام ؟!!



حينما تحسنت صحة أم صالح.. رجت جوزاء عمها طويلا أن يسمح لها بالعودة لبيت أهلها.. ولكنه رفض


أ كان يريد أن يتأكد من تعذيبها وتقييدها في هذا البيت الذي يذكرها بأبشع ذكرياتها؟!!



لم تعلم مطلقا أن هذا الشيخ كان يظن أنه ببقائها أمام عينيه يريد أن يعوضها عما فعله ابنه بها


أراد أن يتأكد أنه لن يلحقها ضيم أو ضيق حتى تنتهي من عدتها التي طالت طويلا مع الحمل..



خبر حملها بعث في قلب أم صالح سعادة عميقة.. وغمغمة غامضة من أبي صالح..


جوزاء ظنت أنه لا يريدها أن تنجب ابنا من ابنه بينما هي وجه النحس عليه..


شعور جارح جديد اُضيف إلى عشرات المشاعر التي امتلئت بها روحها صديدا مرا



تمنت جوزاء بعمق ألا تنجب ولدا.. لم تكن تريد ولدا حتى لا يُسمى باسم عبدالله كما هي العادة



مرت أشهر الحمل ثقيلة طويلة متطاولة مثقلة بالمرارة.. كل شيء في بيت أبي صالح كان يجرحها ويؤلمها ويثير أسوأ ذكرياتها..



كانت تخشى بشدة ألا تحب مولودها لأنه ابن عبدالله.. ولكن هذا الظن انهار تماما حين حملته للمرة الأولى بعد الولادة مباشرة


حينما نظرت ليديه الصغيرتين لبشرته المزرقة المتغضنة..بكت بشفافية حزينة.. شعرت أنها خُلقت لتكون أما لهذا المخلوق الضئيل


بكت لأنها ظنت مجرد ظن أنها قد تكرهه.. كيف تكره هذه الروح العذبة.. كيف تكره عصارة روحها ونبض أيامها وكل مستقبلها؟!!


سعدت كثيرا حين سماه عمها باسم حسن.. رغم أنها بعد أنجبته لم تكن لترفض أن يسمى بأي اسم حتى لو كان عبدالله.. يكفيها أن يبقى في حضنها




أما كان من أكثر ما جرحها بالفعل خلال الفترة الماضية أنها اضطرت أن تعتذر عن دراستها..


وكما هو القانون في جامعة قطر يحق لها الاعتذار عن ثلاثة فصول دراسية


وخلال حدادها الطويل اعتذرت إجباريا عن فصلين...


ومن أجل ابنها الذي انجبته للتو اعتذرت عن الفصل الثالث..بعدها لم تستطع العودة..


صديقاتها تخرجن.. وهي أصبحت مثقلة بالمرارة عدا عن اهتمامها الشديد بولدها وكونها لا تريد تركه ولا لدقيقة واحدة


لتضيع كل فرصها في إكمال دراستها..



احتسبت كل ذلك عند ربها.. وهي تعود لبيت أهلها..


ولكن الفتاة البريئة الشفافة التي خرجت من البيت قبل حوالي عام


غير الأنثى المعقدة المليئة بالأفكار الملتبسة وانعدام الثقة التي تعود اليوم..



أصبحت حادة.. ولسانها حاد ومتحفز.. حتى خالات عبدالله نورة وسلطانة حينما كن يأتين لزيارتها أيام نفاسها


كانت تعرف دائما كيف تجرحهن أو تحرجهن في انتقام متأخر ما عاد له نكهة..


ولكنها أصبحت ممن يؤمنون (أن الانتقام وجبة يُفضل تناولها باردة)..


بعدها توقفن عن زيارتها واكتفين برؤية حسن الصغير حينما يأتي في زيارات لجدته..



مضى منذ ذلك الحين ثلاث سنوات وثلاثة أشهر هي عمر حسن..


حسن الذي بات هو رقم واحد في كل شيء في حياتها







**************************************







هناك على الجبهة الآخرى.. جبهة عبدالله






فيصل غادر صالحا لينجز بعض الإجراءات..


وصالح بقي جالسا ينتظر استيقاظ عبدالله الذي اقترب موعده..


حينما بدأت الأجهزة الحيوية تعطي إشارات عن انتهاء مفعول المخدر وعودته لوعيه


أعطى الطبيب إشارة لصالح.. ثم تأخر للزاوية وجلس وجهاز استدعاء الأمن في يده..



عبدالله فتح عينيه ببطء..


ثم كانت ردته التالية المفاجئة غير المتوقعة مع تأثيرات المخدر أنه قفز واقفا وهو يصرخ بالانجليزية: أين القذرة؟؟ أين هي؟؟



ثم توجه ركضا للباب لولا اليد القوية التي شدته بقوة وثبتته على الحائط..


كان عبدالله على وشك توجيه لكماته لمن ثبته لولا الصوت الذي لم يتوقع سماعه ولا حتى في أعذب أحلامه


صوت صالح يصرخ به في حزم: اذكر الله يارجال.. اذكر الله


قول لا إله إلا الله..



كانت يدا صالح الاثنتين تثبتان كتفي عبدالله للحائط وحينها وقعت العين في ألم العين


الشوق بارتدادات الشوق ..


الوجيعة بنداءات الوجيعة..



عاصفة من الخدر اجتاجت عظام عبدالله الذي كان ثائرا لأبعد حد.. شهق رغما عنه وهو يرى صالح هنا


لم يخطر في باله ولو لثانية واحدة أنه قد يرى أحدا من أهله بعد مرور هذه السنين


حينها ارتمى في حضن صالح وانتحب.. انتحب . وانتحب رغم أنه منذ الفاجعة التي مر بها لم تهطل من عينه دمعة واحدة


انهار جالسا وهو يشد صالح معه.. الطبيب كان يشير لصالح بعلامة النصر


لأن تعبير المريض في عرفه عن ألمه هو أول الطريق لتقبل الحقيقة


ولكن صالح لم ينتبه مطلقا لإشارات الطبيب فعقله وقلبه مع هذا المنتحب بين ذراعيه الذي بدأ يئن كأنين المذبوح: ذبحته قدامي يا صالح..


قدامي يا صالح.. شفت الروح تُسحب منه شوي شوي...


قدامي مر شريط حياته في لحظة.. أول سن طلع له وأول خطوة خطاها وأول كلمة قالها..


كل شيء خذته مني في لحظة... ما كفاها أني عشت حياتي السنين اللي فاتت أتعذب بعيد عن هلي من سبتها


كرست حياتي كلها لذا الولد.. وعقبه أشوفه يذبح قدامي ولا أقدر أسوي شيء..


وطول الليل هو قدامي.. عينه فيني.. أبي أسكر عينه بس.. ماقدرت ماقدرت..


ربطوني الكلاب مثل كلب ما منه فايدة..



وبالفعل انتبه صالح حينها لأثار الحبال الغائرة في جسد عبدالله ..التي تكشفت من عدة نواحي من روب المستشفى


ولأنه كان يحاول باستماتة تخليص نفسه أخذت الحبال تحز في جسده أكثر مع كل محاولة..


ومع ذلك استمر في المحاولة حتى بدأ جسده ينزف من كل ناحية من شدة إحكام ربط الحبال ومن قوة محاولته تمزيقها أو إرخائها دون فائدة..



صالح همس لعبدالله والعبرات تخنقه: اذكر الله.. قل إنا لله راجعون.. اللي تسويه في روحك مهوب راده..



حينها انتفض عبدالله بغضب: أدري مافيه شيء بيرده... بس أبي أخذ روح اللي خذت روحه..



صالح شده وأعاده للسرير وهو يهتف له بمنطقية: الكلبة مسجونة.. وأنت عارف إنك منت بقادر توصل لها..


خلنا نرجع لديرتنا ونطلع من ذا الديرة سالمين... كفاية اللي صار لك..



حينها انتفض عبدالله كما لو كان ينهض من غيبوبة..كأنه يكلم نفسه: أرجع الدوحة.. الدوحة.. أرجع لهلي؟؟



ثم أردف بألم ممزق من قلبه المثقل بالحزن والفجيعة: أنا ما أدري من اللي منك استلم رسالتي.. وعارف أن اللي استلمها منكم ماراح يقول للباقيين عن أني مت منتحر


لكن لو كان ابي.. أنت عارف إنه مستحيل يسامحني.. مستحيل



صالح تنهد: وهو ابي.. وابي قال لنا كلنا أنك مت في حادث سيارة..


بس الحين ماحد يدري إنك حي إلا أنا... امش معي للدوحة


بأخلي فهد يفرش مجلسي وغرفتين في البيت على السريع


وباقعد أنا وأنت هناك.. لين نمهد لابي الموضوع..






*******************************






بعد يومين






صالح أنجز إجراءات العودة.. واتصل فعلا بفهد وطلب منه أن يحاول بأقصى سرعة انهاء تشطيبات البيت على الأقل مجلس الرجال الخارجي وغرفتين من البيت


حتى لو واصل الليل بالنهار لانجاز المهمة


ثم يقوم بفرشه دون اهتمام بالمبلغ.. المهم أن يكون المكان جاهزا قبل وصوله..



وها هو الآن مع عبدالله في شقتهما المستأجرة.. بعد أن استقر وضع عبدالله.. وكان لوجود صالح معه تأثير أشبه بتأثير السحر على اطمئنان روحه..


لم يصدق أن رائحة أهله معه وتحتويه بعد جوع كل هذه السنوات وغربتها وبرودتها القاسية..




عبدالله كان ينظر عبر النافذة الكبيرة التي تطل على ميدان واشنطن سكوير.. يخطر بباله سؤال يحاول قمع نفسه عنه فلا يستطيع


فصالح طوال اليومين الماضيين أخبره أخبار أسرته بالتفصيل الممل حتى عقد قران عبدالرحمن من عالية..


ولكنه لم يخبره بوجود ابن له.. أراد أن يتمهل قليلا في اخباره


ولكن منذ معرفته أن عبدالرحمن شقيقها تزوج شقيقته والسؤال يلح عليه بإصرار.. إنها النفس البشرية العصية على التفسير!!



تنحنح عبدالله وهتف لصالح الذي أنهى لتوه اتصالا مع فهد يتأكد من سير ترتيب البيت بنبرة اجتهد لتخرج طبيعية:


صالح.. مرتي اللي كنت متزوجها.. وش صار عليها؟؟



صالح بطبيعية: أم حـ....


لكنه بتر عبارته وهو يهتف بنبرة حاول أن تكون طبيعية أيضا: تزوجت..



لم يستطع منع نفسه من الإحساس بالألم..بل بما يتجاوز الألم.. فذكراها لأسباب عميقة جدا لم تفارقه مطلقا طيلة السنوات الماضية


ومع ذلك ذلك هتف باصطناع بارع: الله يوفقها



حينه هتف له صالح: تعال اقعد جنبي وعلمني الحين بالتفصيل كل اللي صار عليك.. ووش اللي حدك على ذا كله


أظني خليتك ترتاح واجد..صار لي يومين أنا أتكلم وأنت تسمع... الحين حقي عليك أعرف كل شيء..




عبدالله جلس جواره تنهد ثم بدأ يحكي:


تذكر أكيد زواجي براكيل الله يقطع سيرتها... كنت توني مالي شهرين في أمريكا


وهي عرفت فعلا أشلون تصيدني.. كانت أكبر مني في السن.. هي كانت في الدكتوراه وأنا في الماجستير..


اقنعتني بطريقة الحيايا أنها مهتمة بالإسلام وتبي تسلم وما لقت اللي يمسك بيدها..


وفعلا تزوجتها.. كانت من شدة تمثيلها تلبس طويل وواسع وتغطي شعرها لما تكون معي


كنت كل ليلة أدرسها الإسلام.. واحاول اقنعها تعلن إسلامها.. لكنها كانت تقول تمهل علي.. أبي أسلم عن اقتناع كامل..


بعدها بالفعل حسيت إني ماني بمرتاح معها.. فيها شيء بدأ ينغز قلبي منها.. وفعلا قلب المسلم دليله..


اتفقت معها إنه مانبي عيال الحين.. لين نستقر في الدوحة..


عقبها بدأت ألاحظ عليها كلام مايعجبني عن الحوار بين الأديان والحضارات


وأن اليهود أكثر ناس انظلموا في التاريخ.. تعرضوا للظلم والمذابح ومالقوا حد يدافع عنهم.. والعالم كله مهوب قادرين يفهمونهم


كانت تحاول تجذبني لذا الأفكار بالتدريج.. مخطط طويل المدى.. لكن أنا كان يزداد نفوري منها شوي شوي.. وكل يوم كان النقاش يصير حاد بيننا على سبت ذا الموضوع


وأقول لها لو هي تبينا نستمر سوا لازم تشيل الكلام السخيف هذا من رأسها..



لحد اليوم اللي خلصت دراستي خلاص وأنا لحد الحين مهوب مستقر معها.. وندمان على تهوري في الزواج منها.. وبديت أفكر جديا في الانفصال عنها


رجعت البيت ما لقيتها.. بعدين لقيت على الطاولة أوراق لشغلها.. كنت أعرف إنها تشتغل أعمال تطوعية


لكني اكتشفت أن الاعمال التطوعية وين...


كانت في المجلس الصهيوني الإعلامي


المدام كانت من كبار المسؤولين هناك وتلعب علي..


شوي اتصالات سريعة اكتشفت إنها من أكبر أسرة يهودية لها نفوذ في أمريكا..


واسمها اليهودي طبعا راحيل..



صالح بصدمة كاسحة كان يهز رأسها رفضا: مرتك كانت يهودية..؟؟



عبدالله بألم: تخيل يا صالح ومهوب يهودية بس.. لكن صهيونية.. وتشتغل في دعم صورة الصهاينة..


حسيت صالح أني أقذر مخلوق على وجه الأرض.. حسيت أن قذارة جسمها لصقت فيني..


طلعت من البيت.. اتصلت بها وقلت لها أنتي طالق.. ووقعت أوراق الطلاق وتركتها عند المحامي ورجعت للدوحة


لكنها رفضت توقع.. وظلت تطاردني بالمكالمات.. وتقول إنها تحبني ومستحيل تخليني..


غيرت تلفوني مرتين ومع كذا كل مرة تجيبه..


المرة الثالثة تذكر.. طلعت رقم باسمك أنت... تخيل اتصلت في فهد وخذت الرقم منه.. قالت له إنها تبيني في شغل..


يعني قدرت تطلع رقم فهد.. ماكان فيه شيء يردها من اللي هي تبيه..



تذكر إلحاح إبي علي أني أتزوج وكنت رافض.. كنت خايف أتزوج ألاقيها ناطة عندي في الدوحة..


بس عقبها قلت إن شاء الله ربي ما يخيبني.. وافقت وتزوجت.. انقطعت اتصالاتها عني فترة.. وحمدت ربي


لكن عقب عرسي بشهرين اتصلت بي.. قالت لي إنها ولدت.. جابت ولد مني.. انصدمت لأنها ماقالت لي إنها أبدا أنها حامل


قالت لي لو ماجيت الحين: أنا بجي لك..



طبعا سافرت لها بسرعة.. تخيلها جاية الدوحة وتقول عبدالله آل ليث عنده ولد من يهودية..



تبي الصراحة يوم شفت خالد يجعله من عصافير الجنة... شكيت يكون ولدي.. مافيه أي شيء مني.. يشبهها بالكامل..


خليت وحدة من الممرضات تسحب لي عينة من دمه ووزعتها على ثلاث مستشفيات عشان فحص الحمض النووي


وفعلا أكدوا لي أنه ولدي...



وقتها صارت الصدمة عندي.. مثل منت عارف في الدين اليهودي مايصير يهودي إلا اللي أمه يهودية..


خفت على ولدي وقررت أهرب به منها.. واعتبرت إن هذا هو جهادي في الدنيا.. لكل إنسان في الدنيا جهاد..


أول شي قلت بأرجع به للدوحة... بس لأني عارف عنادها وخبثها.. كنت متأكد إنها بترفع قضية علي هناك... تخيل الفضيحة اللي بتلحقكم كلكم


يوم يقولون الناس ولد آل ليث مرته يهودية



قلت الحل الوحيد أني أختفي أنا وولدي.. لكن صارت المشكلة عندي أشلون اختفي.. حاولت أألف عشرات السيناريوات لحكاية موتي أنا وولدي



كان كل سيناريو فيه ثغرة إلا سيناريو الانتحار.. أدري إنه كان أمر صعب بس مالقيت غيره.. والوقت عندي ضيق


درست حالات الانتحار فوق جسر بروكلين بالذات.. كثير من الجثث مايلقونها


لأن بروكلين على إيست ريفر.. وذا النهر يصب في المحيط الأطلسي


وين الواحد بيلقى جثة سحبها المحيط وكلتها أسماك القرش




وفعلا خطفت الولد من المستشفى وخليت مع ثيابي رسالة لكم وجوزاي القطري


وخليت مع ثيابه رسالة لها: أني أفضل ولدي يموت معي ولا إنها تربيه على دينها..


والله العظيم فكرت وقتها أقول لها هي اني انتحرت.. وانتوا أبلغكم موتي بطريقة ثانية.. بس الطريقة هذي كان فيها ثغرة كبيرة بتكشفني


لأنها أكيد أول شيء بتسويه بتسأل في السفارة..


فما لقيت لي حل غير الانتحار... يظنوني الناس مت منتحر أهون علي من إن ولدي تربيه يهودية.. وإلا تفضحني بين ربعي وجماعتي




كانت الخطوة الثانية اللي حست فعلا أنها من رحمة ربي بي إن ماحد انتبه لها.. كانت جنسيتي الأمريكية


راكيل كانت قدمت لي على القرين كارد اللي يأهل للجنسية الأمريكية.. بس أنا ما اهتميت بالموضوع.. ولما كنت في الدوحة بعثوا لي إيميل إن إجراءات الجنسية انتهت



جيت واستلمتها.. ثم رتبت لي سكن في بورتلاند بعيد جدا عن مكان راكيل


وأضفت الولد لي


وبديت حياتي هناك... حياتي كلها كانت خالد ماعندي شيء غيره


كنت أقول أبي أربيه مثل ما ربانا أبي...


بس جات هي مثل حيه ما أدري أشلون دلت طريقي..


ما كفاها أني من سبتها عشت أتعذب بعيد عن ديرتي وهلي..


صالح أنت ما تخيل السنين اللي طافت أشلون عذاب بالنسبة لي..


ماشربت فنجال قهوة إلا وأتذكر أمي وأحس مرارة الفنجال وقفت في حلقي..


ما أشوف شايب يتعكز على عصاه إلا أقهر نفسي لأقوم أحب كتفه وإيديه


ما أشوف بزران صغار إلا ويطرون علي عيالك..وأموت أبي أضمهم أقول يمكن أشم ريحتك فيهم..


ما أشوف حد مسرع في سيارته إلا ويطري علي فهد.. وما أشوف شاب صغير إلا ويطري علي هزاع..


لا شفت حد يضحك.. طرت علي عالية ومقالبها.. كل شيء مهما كان تافه وبسيط يذكرني بكل واحد منكم..


وأنا أشرب حسرتي كل يوم ألف مرة


تدري يا صالح إني في كل عيد كنت أتصل في البيت.. أبي أسمع صوت أي حد منكم..


احترق من أقصاي لين أقصاي يوم أسمع صوت أمي ترد ولا أقدر أرد عليها



وعقب ذا كله تدل الحية طريقي.. ذا اللي سويته كله في النهاية ما جاب نتيجة


استغربت إنها ما بلغت الشرطة علي.. كل يوم كانت تنط عندي.. وقالت للولد أنها أمه.. ويوم درت أنه حافظ قرآن عصبت وهددتني تأخذه مني


كنت خايف تنفذ تهديدها.. والقانون معها وأنا بانسجن وهي بتأخذ خالد مني..


كل يوم كنت عايش في رعب من ذا السالفة


لين.. لين................



صمت عبدالله.. ماعاد قادرا على الاكمال..سدت العبرات حلقه.. شد صالح على كفه : بس يأخيك بس


خلاص يكفي يكفي...


قوم معي نروح للسفارة عندي كم شغلة هناك..



عبدالله شعر أنه مستنزف من الحديث تمدد على الأريكة وهمس لصالح روح أنت.. أنا تعبان.. أبي أنام شوي



تمدد عبدالله وعقله يطوف به إلى ذكريات أشعرته بكثير من الألم.. والشجن.. والندم...







*****************************************








قبل أربع سنوات وشهرين.. ليلة زفاف عبدالله وجوزاء





" لماذا أبدو أبلها و(غشيما) رغم أني لست واحدا منهما


فلست بالأبله ولا الغشيم


وليست هذه بالتأكيد هي تجربتي الأولى في الزواج


ولكن لم أتوقع مطلقا أنها قد تبدو طاهرة ونقية إلى هذه الدرجة الموجعة


أشعر بطهارتها تحيط بها كهالة..


أ مثل هذا الجسد الطاهر يقذر ببقايا نجاسة راكيل التي لم أكن حتى الرجل الأول في حياتها؟!


ألا أخاف الله في مثل هذه الروح النقية أن أطبعها بسواد روحي


يا الله ألهمني الصواب


ألهمني الصواب "




يحاول ألا ينظر إليها.. يشعر أن حتى مجرد النظر لها ليس حقا له..


ولكن نظراته رغما عنه كانت تتجه ناحيتها وتترصدها كبوصلة لا تستطيع تغيير اتجاهها عن الشمال


كان ينظر بشغف غريب لارتباكها.. توترها.. خجلها الرقيق.. ارتعاش فكها.. فركها لأناملها


لكن ما أن يشعر أنها تكاد ترفع بصرها حتى يوجه بصره إلى أي مكان عداها


وحين تعود للنظر ليديها المشبوكتين في حضنها يعود لترصدها


يشعر كما لو كان يعود مراهقا ..وهذه الطفلة تعبث به بطريقة غير معقولة ولا مفسرة


لم يظن ولا حتى للحظات أن هذه المشاعر الغريبة ستغزوه..


كان يظن أنه وافق والده وسيتزوج كما يتزوجون الآلاف.. بينهما الاحترام.. ينشئان أسرة.. ويربيان الأولاد..


لم يخطر له ولو لثانية أن هذه الأفكار الغريبة في مشاعرها.. في مثاليتها.. ستغزوه بهذا العنفوان... ومن مجرد النظرة الأولى..


بينه وبينها سبع سنوات.. يشعر بها كطفلة.. فليس بينها وبين صغيرته عالية سوى عام واحد..


يشعر أن بين جوانحها قلب طفلة طاهر لم يمس..


كره أن يؤذيها أو يجرحها.. أو ينجس طهارتها بأي صورة


شعر أنه مقارنة بها مخلوق مدنس.. قذر.. لا يستحق شرف ملامسة جسدها ولا حتى مشاعرها


قرر أن الطريقة الأسلم هي في التمترس خلف بروده.. ألا يتواصل معها بأي صورة


حتى تصفو الرؤية أمامه ويرى ماهو فاعل..



وهو غارق في أفكاره.. سمع همسها الرقيق: لو سمحت..



لم يستوعب حتى سمع ذات الهمس يتكرر بارتجاف مختنق: لو سمحت



انتفض دون أن تظهر انتفاضته للسطح.. (أ تتكلم هذه أم تغرد؟!!)


رد عليها بهدوء ظاهري عميق يختلف عما يمور داخله: نعم؟؟



ردت عليه باختناق عظيم آلمه لأبعد حد: أبي أروح للحمام لو سمحت..



تأثر بشدة إلى أنه أضطرها إلى إحراج نفسها بهذه الصورة.. هتف لها بأقصى نبرة احترام استطاعه عله يعوضها عن إحساس الحرج:


سامحيني.. المفروض سألتش من أول مادخلنا تبين شيء


تفضلي الحمام من هنا


تبين مساعدة؟؟



همست له باختناق شعر أنه يذيب قلبه بصورة غير معقولة: لا شكرا ما أبي مساعدة..



كان فعلا يحاول ألا ينظر لها.. لا يعلم متى أصبح بارعا بالتمثيل هكذا.. في الوقت الذي كان يبدو لا ينظر لناحيتها كان يقتنص غضها لبصرها بعيدا ليلتهمها هو بنظراته..


كأنه يكتشف عالم النساء لأول مرة.. فأي سحر تحتويه هذه الصغيرة؟؟ أي سحر غير متصور وعصي على كل تفكير؟!!



تابعها بنظراته وهي تتعثر في خطواتها لناحية الحمام...


حالما دخلت سمح لنفسه بإطلاق تنهيدة طويلة.. وهو يقفز ناحية شرفة الجناح ويخرج للهواء الطلق


رغم أن الجو كان حارا حينها ومثقلا بالرطوبة.. إلا أنه كان بالفعل بحاجة لهواء طبيعي..


شعر مهما كانت الحرارة لاهبة.. فهي لا تقارن بالحرارة التي شوت جسده ومشاعره في الداخل..



استند على حاجز الشرفة وهو ينظر للبحر..



" ما هذا الذي يحدث لك يا عبدالله؟؟


ماذا يسمون ما يحدث لك؟؟


تبدو كما لو كنت مراهقا يرى امرأة للمرة الأولى في حياته


أي سحر في هذه الجوزاء؟؟


سوى كونها الجوزاء نفسها؟؟


لها من أسمها كل النصيب... نجمة عالية في السماء


ارتفعت عن أدناس الأرض وقذارتها.. ولأنها شيء سماوي رفيع


فما شعرتُ به هو على مقدار سماويتها وارتفاعها


أ مثل هذه تقارن براكيل أو سواها؟؟


أ مثل هذه تكون الزوجة الثانية في حياة رجل بينما يجب أن تكون الأولى والوحيدة"




عبدالله بعد أن شعر أن عرقه تصبب غزيرا من كل أنواع الحرارات التي اغتالت جسده في هذه الليلة


قرر أن يستحم.. توجه للحمام الآخر.. استحم.. وقرر أن يصلي قيامه..رغم قلقه من تأخرها.. ولكنه كان محرجا من اقتحام خصوصيتها


لذا قرر تركها كيفما تشاء..




سمع صوت الباب يُفتح وهو مازال يصلي.. استمر في صلاته..


وحينما انتهى كانت تجلس على سجادتها.. شعر بحنان عميق يغمر قلبه ناحيتها


كانت تبدو مرهقة محرجة.. وعذبة لأقصى أقصى درجات العذوبة..


تنهد في داخله تنهيدة بحجم الكون ربما.. وهو يتجه ليجلس على الأريكة



حينها سمع همسها الرقيق: ماحنا بمصلين سوا ركعتين؟؟



آلمه قلبه بشدة أنها لم تنسَ.. أنها تحلم بالفعل بحياة طبيعية مع مخلوق ماعاد طبيعيا.. غام وجهه حزنا وهو يهتف لها بنبرة محايدة: قومي نصلي



حينما انتهيا من الصلاة.. دعا عبدالله بعمق أن يلهمه الله الصواب.. ألا يؤذيها أو يجرحها بأي صورها..



حينما نهضا عن سجادتيهما.. كان عبدالله يراقب حركاتها المتوترة الخجولة.. وهي تخلع جلال الصلاة وتطويه بدقة.. كأنها تفرغ ارتباكها فيه


تعدل شعرها بارتباك..ثم تعود لتجلس أمامه..



عبدالله زفر بداخله (أوف وش ذا التعذيب؟؟)



كان شكلها الحالم تعذيبا حقيقيا له ولرجولته.. بدت في عينيه أكثر من موجعة في رداءها الملكي الأبيض الذي كان يكشف بدقة راقية عن تفاصيل جسد بالغ المثالية..



هذه المرة لم ترفع عينيها مطلقا.. طوال جلوسها أمامه وهي تدعك كفيها بارتباك وعقلها يطوف بها لا يعلم إلى أين..


بينما كانت عيناه تترصدها بدقة.. بدءا من صندلها الحريري الأبيض في قدميها الناعمتين وصولا لعناق شعرها مع نحرها في صورة بدت له غاية في الإبهار


وهي تحرص بين الفينة والأخرى على شد جيب روبها لتتأكد من سترها لصدرها وحركتها الخجولة تصيبه بما يشبه الحمى..



بقيا على هذه الحال حتى صليا الفجر... حينها توجهت هي لتنام على السرير..


بينما بقي هو على أريكته عاجز عن النوم.. عاجز عن الفهم.. عاجز عن السيطرة على دقات قلبه التي أعلنت العصيان عليه


وكأنها تتنتقم منه على خطيئته في زواجه من راكيل..







*******************************************







بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر








أنا متيم بها... هكذا ببساطة..


ومنذ اللحظة الأولى التي عانقت عيناي محياها الخجول


لا أعلم كيف حدث هذا ولا بأي صورة


في أحيان كثيرة أشعر أن هذه هي عقوبة من الله عز وجل أنني خالفت عقلي وفطرتي اللذين كانا ينهياني عن راكيل


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس..)


كان يجب أن أعلم أن زواجي من راكيل هو أثم.. لأني خشيت أن يعرفه الناس


لو أنه كان صوابا لم أكن لأخشى أحدا


وأعلم الآن أن الله عز وجل غاضب علي لأنه لم يبتليني بحب جوزا فقط ولكن منعني أن أمد يدي إليها


وجعل منعي لنفسي ينبع من نفسي ليزداد عذابي أكثر..


أكاد أجن من رغبتي فقط في وضع عيني في عينيها .. أريد فقط أن أضمها لصدري


أشعر بأنفاسها في حناياي.. أتلمس خصلات شعرها.. حرير خديها..


ولكن كل هذا يبدو بعيد المنال...


يستحيل أن أرتكب هذه الجريمة في حقها.. كل يوم يمر يثبت لي مقدار طهارتها وبراءاتها التي لم أتوقع لها نظيرا على سطح الأرض


منذ زواجنا وهي تستميت في لفت انتباهي..


أريد أن أصرخ فيها.. لا تحاولي لفت انتباهي.. لأنكِ أشعلته اشتعالا


بت ألاحظ تغييرها لنوعية لباسها.. ولست جاهلا لأعرف سبب هذا التغيير


فهذه الطفلة العذبة تشك في رجولتي.. وحرصا على مشاعري لا تريد أن تضايقني بلباس قد يبدو كدعوة ما..


ألم أقل أن عذوبتها وبراءتها لا حدود لها؟!!


بعد هذا الشهر الذي كان عذابا متواصلا وأنا أمثل التجاهل والبرود بينما أنا أشتعل بكل معنى الكلمة


قررت أن هذه الطريقة في تجاهلي لها هي الأسلم حتى تمل وتعود إلى أهلها دون أن أدنس جسدها أو روحها


أن ننفصل بطريقة ودية تحفظ احترامها لنفسها واحترامي لها


فكرت أن أكون قاسيا حتى أضايقها تعجيلا بذهابها لأهلها


ولكني لم استطع لم أستطع..


لا أستطيع أن أقسو عليها بأي صورة..


من يستطيع أن يقسو على ملاك مثلها..؟؟


أصبحت الآن كل أمنيتي هي أن تذهب لأهلها قبل أن أفقد ما تبقى من عقلي


أعلم أن ذهابها سيكون صعبا علي.. ولكن مهما كان صعبا سيكون أهون كثيرا من وجودها أمامي (شوف وحر جوف)


مثل هذه الليلة تماما التي تمثل حالنا طيلة الليالي الماضية


.


.




وقفت أمام باب الغرفة لعدة دقائق وأنا أدعو الله أن يلهمني الصبر


وأحاول أن أتلبس وجه الجدية واللا مبالاة الذي أرسمه بمهارة كل ليلة


سلّمت


فردت.. ثم همست لي بسؤالها الليلي الذي لا أعرف ماذا تقصد به حقا.. فربما كان يجب أخر ما تهتم به هو هل تعشيت؟؟



وأجبتها إجابتي الليلية المعتادة: متعشي في المجلس



واهتمامها بي تجاوز مجرد سؤالي عن هل تعشيت أو تغديت.. كالشيء الوحيد الذي تستطيع أن تسألني عنه بغير حرج



فهي تهتم اهتماما بالغا بكل ما يخصني.. ملابسي.. متعلقاتي الشخصية.. وحتى أحذيتي..


تتفانى في كل ذلك لأبعد حد.. وأجدني عاجزا حتى عن قول كلمة شكرا لها


أو حتى أرجوك توقفي عن ذلك.. فأنا لا أستحق اهتمامكِ



الليلة كانت مبهرة تماما.. أنثى حقيقية تتدثر بالغموض الأسود المثير المسبب للهلوسات


فهل هناك من هي مثلها جمعت الطفولة والأنوثة من أقصى طرفيها؟!


أجبرت نفسي على غض البصر


وهل هناك مصيبة أعظم أن يغض الرجل عينيه عن حلاله؟!


صليت قيامي وأنهيت وردي.. وهي جالسة في مكانها.. صامتة.. شاردة.. ساحرة.. موجعة..



ابتلعت تنهداتي.. حتى تصبحين على خير لم أستطع قولها وأنا أندس في أريكتي التعيسة وأوليها ظهري وأنا أعلم أن النوم هو حلم صعب المنال...






*****************************************







بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهر ونصف







الليلة يحدث شيء غير طبيعي


فلأول مرة منذ زواجنا تقاطع جوزا تمثيلية النوم التي أمثلها كل يوم


كنت قد تمددت حين سمعت اسمي الذي يذيب عظامي حين أسمعه منغما بين شفتيها: عبدالله



جلست معتدلا وأنا أهتف لها باحترام أجدني مجبرا عليه تجاهها: نعم..



شعرت أنها طعنتني في عمق قلبي وهي تهمس باختناق: عبدالله فيه شيء مضايقك مني؟؟



حينها حاولت أن أبتسم رغم أني شعرت أن قلبي يُعصر : ومن قال لش أني متضايق منش..؟؟



هل حقا تحاول منع نفسها من البكاء أم يخيل لي ذلك : ما يحتاج حد يقول.. تصرفاتك تقول وزود..


عبدالله أنا والله ما أبي منك شيء.. أبي منك بس تحسسني إني إنسانة عايشة معك


ترا تجاهلك لي بذا الطريقة يعذبني


أنا ماني بحجر ما يحس.. وخلاص ماعاد فيني طاقة أستحمل أكثر من كذا


ما تبيني يا ابن الناس.. فالله عز وجل قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان


مافيه شيء يحدنا على ذا الحياة..




كلماتها كانت كحراب مسنونة رشقت في أعماق روحي.. لم أتخيل أنها تحمل في داخلها كل هذا الألم


ولكن أ ليس هذا ما أردته .. أن أضايقها حتى تعود لأهلها.. لذا وجدتها فرصة أن أقترح عليها ذلك.. لأريحها وأرتاح:


شكلش أعصابش تعبانة.. تبين تروحين عند أهلش أسبوع وعقب أرجعش.. ماعندي مانع



آلمتني صدمتها البريئة: وهذا هو الحل عندك؟؟ زين ورحت أسبوع ورجعت.. نرجع لنفس موال حياتنا هذا


عبدالله احنا ما بيننا أي تواصل.. حتى الكلام ما تكلمني.. ليش أقعد عندك..


أنا لو رحت لهلي.. ما ابي أرجع هنا خلاص..



تنهدت وجعي.. (ليس لدي حلا سواه يا أميرتي) : يا بنت الحلال روحي أسبوع لهلش ريحي أعصابش.. وما يصير إلا خير..




بدا لي أن كل شيء انتهى... وحياتي القصيرة معها التي كانت كحلم عذب مرير أوشكت على النهاية


شعرت بألم لا حدود له وأنا أخذها إلى بيت أهلها وأقرر أنني لن أعود لأخذها مرة أخرى


سأنتظر شهر أو شهران قبل أن أطلقها..


كنت أرى وهي تدلف لبيت أهلها وكأنها تنتزع روحي معها وتذهب بها معها..


طوال ذلك اليوم كنت في غير وعيي.. أشعر كما لو كنت مخدرا.. يسير متخبطا


أشعر بصداع مؤلم.. وأشعر كما لو أن هوة لا قرار لها سكنت يسار قفصي الصدري..


حتى صالح وفهد كلاهما لاحظا شرودي وحالتي غير الطبيعية


يسألاني مابي.. فأجيبهما: لا شيء.. مرهق قليلا في العمل



ماذا أقول لهما.. هل أقول لهما أخوكما عاشق أبله.. حُكم عليه بالهوى ليتعذب عذابا مُستحقا؟!!



تلك الليلة كرهت أن أعود لغرفتي.. قضيت الليل ساهرا.. في المجلس.. ثم بعد ذلك خرجت مع فهد ودرنا قليلا في الشوارع..


ولكن حرارة الجو.. أجبرتنا على العودة.. صليت الفجر.. ثم وجدت نفسي مجبرا على العودة..


فجسدي وعقلي كلاهما كانا يئنان من الإرهاق..


حين دخلت الغرفة.. كنت أحاول أن أغض بصري عن كل شيء يثير ذكراها


وإذا بغض البصر نفسه يذكرني بها وبحالي معها


أغراضها مازالت منثورة في المكان.. كل شيء هنا بات يحمل رائحتها وبصمتها


كل شيء هنا يحز في عروقي لتنثر دمي اشتياقا لها



قلت لا بأس.. سأعاني لعدة أيام وبعد ذلك سأعتاد غيابها..


فإذا بي أتفاجأ بنفسي في الليلة التالية أقف في باحة بيت أهلها أنتظرها وأطلب منها أن تنزل لي


أي جنون أرتكبه في حق نفسي وحقها؟؟


أ بعد أن خطوت الخطوة الأولى في سبيل تحريرها مني.. أعاود تقييدها لأسري مرة أخرى؟؟


كانت المسألة ستتعقد وبدا أن والدها يرفض مغادرتها في هذا الوقت المتأخر


بينما أنا شعرت أنني سأموت فعليا إن لم أراها الليلة


آلمني حزنها الشفاف الذي شعرت به يتسرب من حناياها وهي تركب جواري صامتة لأعيدها إلى سجنها بقربي أنا الكاذب الصامت المحترق



عدنا إلى غرفتنا صامتين


اكتفيت فقط بوجودها معي في نفس المكان.. لا أريد المزيد أبدا


كوني معي فقط .. أرجوكِ







*********************************************







بعد زواج عبدالله وجوزاء بشهرين وقبل سفر عبدالله بثلاثة أيام






كعادته كل ليلة وقف أمام الباب يدعو الله أن يقوي عزمه


ولكنه حينما دخل فوجئ أنه لا حاجة لتقوية العزم


لأن مشتتات العزم المعتادة كانت نائمة


استغراب عبدالله قفز للذروة.. وحزن شفاف خالج روحه وأنفاسه


(خلاص مليتي ياجوزا..؟؟ خلاص رفعتي الراية البيضاء؟؟


خلاص شفتي مافيني رجا؟؟!!)



شعر بألم أقرب للاختناق الذي جعل أضلعه تطبق على رئتيه..


دخل للغرفة


كانت الأضواء مطفئة عدا ضوء خافت بقرب الأريكة..مكانه المعتاد.. وكأنه تريده أن يتعرف على مكانه وسط الظلام



تقدم للداخل.. نظر ناحيتها.. كانت تغطي جسدها كاملا.. عدا عن الظلمة التي تحيط بالسرير



توضأ.. صلى.. وقرأ ورده المعتاد.. حاول أن يتمدد على أريكته.. ولكنه لم يستطع.. كيف ينام وهو لم يراها حتى؟؟


قرر أن يجلس في المجلس حتى صلاة الفجر..


نزل.. ولكنه ما أن وصل إلى أسفل الدرج حتى عاد مرة أخرى


وكأن قوة قاهرة تجبره على العودة


قوة تفوق قوته على الاحتمال والصبر..


عاد لغرفته..


(أريد أن أراها فقط.. فقط أراها!!)



توجه إلى السرير ليندس جوارها بهدوء.. وهو يشعل الضوء الخافت بجوار السرير


كانت توليه ظهرها.. وشعرها ينسدل على وجهها..


مد يده.. ثم عاد ليكفها..


يشعر أن هذه اليد النجسة لا يحق لها ملامسة هذا المحيا الطاهر..


ومضت له عدة دقائق وهو على هذا الحال. يمد يده.. ليعاني ألما مبرحا وهو يقهر نفسه ليكفها..


حينها تمدد جوارها وهو يستند على كفه..


تنفس عطرها الرقيق العذب من قريب.. كان كلما شدَّ له نفسا كلما شعر بألم فعلي يتصاعد بين طيات قلبه


نغزات قوية كانت تخترق قلبه معلنة احتلالا من نوع جديد.. ماعاد له طاقة على دفعه..


يشعر بما يشبه الدوار..وقربها يسكره بطوفان مشاعر لا يعلم أ رحمة هي أم عذاب..



قرب أنفه من عنقها وهو يرتجف كالمحموم.. ثم عاد للتأخر حين رأى انها تحركت بخفة..


عاد ليمد يده ليزيل شعرها عن وجهها وعنقها لكي يراها بوضوح


حينها شعر بارتجافها وهي تفتح عينيها برعب ثم تلتفت ناحيته وتهمس باختناق:


فيه شيء عبدالله؟؟




"بماذا أجيبها؟؟ ماذا أقول لها؟؟


هل أقول لها أنكِ أصبتني بالجنون؟؟


هل أقول لها أنني معكِ ومن أجلكِ تعلمت الحب كيف يكون؟؟


هل أقول لها أنني لم أؤمن بوجود أسطورة الحب حتى رأيتكِ؟؟


هل أقول لها أن ما يحدث بيننا ليس عادلا ولا منصفا؟؟


ولكن متى كان الحب يعرف العدل أو الإنصاف؟؟


هو هكذا ينتزع الإنسان بلا هوادة بلا رحمة بلا تفسير


.


وفي الختام لم أقل لها شيئا


أكتفيت بالنظر لعينيها اللتين أرهقني الاشتياق للثم رموشهما


اكتفيت أن أشدها لصدري المحترق ألما


اكتفيت أن أشعر بارتعاش جسدها الغض بين ضلوعي


وأنا أذوب لها حنانا هامسا : لا تخافين.. ماني بجابرش على شيء


.


ولكن أ حقا لم أجبرها


قد يبدو ظاهرا أني لم أجبرها.. وكل شيء تم برضاها


ولكنها لم تكن سوى قلب طاهر لا يعرف التلون استجاب لنداء عواطفي


أنا ضغطت عليها بدون أن تشعر


كان يجب أن أمنع نفسي.. فمثلي لا يستحق مثلها


لذا حينما ذهبت السكرة وحلت الفكرة وجدتني أصرخ بها غاضبا من نفسي ومن حقارتي: قومي اسبحي الحين..



كم آلمني رؤية جزعها الطفولي وهي تضم أطراف رداءها وتهمس بحرج عميق: أكيد بأسبح الحين بدون ما تقول



ولكني كنت لا أرى من الغضب.. شعرت أنها يجب أن تسرع بتنظيف جسدها من قذارتي..


يجب أن تسرع قبل أن ينطبع سواد روحي على بياض روحها


لذا استمريت بالصراخ الغاضب: مهوب بس تسبحين.. تفركي عدل.. قطعي جلدش تفريك.. طلعي جلد جديد لو تقدرين..



حينها شعرت أنها نحرتني حين رأيتها كقطة مبللة أخذت تتشمم جسدها وشعرها وهي تهمس باختناق تكاد تموت فيه حرجا: عبدالله والله ريحتي مافيها شيء


توني تسبحت قبل أنام وتعطرت وتبخرت.. والله ريحتي مافيها شيء.. مافيها شيء.. عشان تنقرف مني بذا الطريقة


حرام عليك تقول لي كذا...



صمتت مفجوعا.. بينما قفزت هي تبكي للحمام.. كيف خطرت ببالها هذه الفكرة المريعة..


سأظل حتى أموت اقول أنها كتلة مجردة من البراءة


وإلا من يخطر بباله فكرة مريعة كهذه..


أ تنسب كل شيء لنفسها.. حتى قذارة الآخرين؟!!


أ يكون أول ما يخطر ببالها أن تعيب نفسها بينما هي مبرأة من العيوب والعيب كله عيب سواها "





عبدالله انتظرها مطولا حتى تخرج.. ربما قضت ساعات في الحمام


وحين خرجت صدمه منظرها.. احمرار وجهها وعينيها


شعر فعلا أنه يتمزق من الألم من أجلها..


حاول أن يكلمها رغم أن كل الكلمات تموت على شفتيه


ولكنها لم تمنحه الفرصة حتى للكلمات الميتة


تناولت سجادتها وخرجت لغرفة عالية


وتركته خلفها مثقلا بالجراح..



قرر تركها تهدأ قليلا.. ولكن يستحيل أن يتركها مجروحة أو متألمة هكذا


بعد صلاة الفجر.. توجه لغرفة عالية


ولكنها رفضت أن تفتح له



قرر أن يتركها ترتاح مزيدا من الوقت على أن يكلمها في الصباح


ولكنها طوال ذلك اليوم ظلت تتحاشاه


رغم أنه لم يغادر البيت محاولا اقتناصها


كل ساعة تمر وهو يعلم أنها مجروحة منه.. كانت تزيد في ألمه..


لم يكن مطلقا هشا هكذا.. بل كان دائما أقرب لصلابة الشخصية الشديدة المغلفة بالدبلوماسية


لكن هذه الصبية قلبت كيانه تماما.. جعلت قلبه يذوب كذوب الماء من أجلها


اتصل لها عدة مرات ولكن هاتفها كان مغلقا


ولأنها بريئة وتفكير الأبرياء دائما يسير في طريق مستقيم


فهو عرف تماما ماذا ستفعل.. علم أنها ستنتظر نوم الجميع لتذهب لغرفة عالية


لذا قرر أن ينتظرها هناك..


ليباغتها هناك يقلب أوراقها ويجبرها أن يذهبا لغرفتهما ليتناقشا..




حين وصلا لغرفتهما.. همست له جوزاء بألم مزق حناياه الذائبة لأجلها : عبدالله تكفى أنا ما أبي أسمع منك شيء


أي شيء بتقوله بيزود علي.. ماراح يحل شيء بيننا



عبدالله حينها شدها وأجلسها ثم جلس جواره.. تناول يدها ليحتضنها بين كفيه.. ولكنها شدتها منه بعنف


يعلم أن الحق معها.. وهو يعلم أن الوضع معقد بينهما.. والتفسيرات قد تجرح أكثر مما تداوي


شبك يديه وهو يهمس لها بهدوء عميق: وانا ماني بقايل لش شيء.. بس أبي أطلب منش تصبرين علي شوي.. بس شوي


أدري إني غريب وتصرفاتي غريبة.. وادري إني جرحتش واجد.. بس صدقيني كل شيء غصبا عني



حينها شهقت جوزاء بألم: جرحتني؟؟ تسمي اللي سويته فيني جرح بس؟؟


أنت ذبحتني يا عبدالله


عبدالله تكفى.. اعتقني الله يرحم والديك.. والله ما فيني أصبر أكثر من كذا



شعر أنه مخنوق.. مخنوق.. أتقول أنه ذبحها.. بينما هو مستعد لنحر روحه.. ولا تسيل من أطراف أصابعها قطرة دم


أ تقول أنه ذبحها.. بينما هو من ذبح نفسه ببعدها ثم قربها ألف مرة


يريدها.. يريدها .. يعلم ذلك.. والآن هو متيقن من ذلك تماما


جنون عودتها لمنزل أهلها ماعاد واردا إطلاقا


كل ما يريده الآن قليل من الصبر منها.. قليل من الصبر حتى يتجاوز أثار علاقته براكيل التي أثرت فيه بعمق


فهو مازال يشعر أن علاقته براكيل لوثت روحه وجسده..


يحتاج وقتا حتى يتجاوز هذا الإحساس..


تمنى لو استطاع مصارحتها بكل هذا


ولكنه يخشى ما أن يصارحها حتى تجد ذلك سببا وجيها للهرب منه..



مد ذراعه واحتضن كتفيها.. حاولت أن تنهض ولكنه منعها.. يريدها قربه.. وأقرب من ذلك لو أستطاع.. همس في أذنها بشجن عميق:


جوزا والله العظيم أني أبيش..



يعلم أنها لا تصدقه.. بدا ذلك واضحا في نبرة صوتها: واللي يبي حد يسوي فيه كذا.. عبدالله إذا أنت خايف من كلام الناس إنك تطلقني واحنا مالنا شهرين متزوجين


خلني أرجع لأهلي.. وعقب شهرين ثلاثة طلقني..



عبدالله شدها ليسند رأسها لصدره ويحتضنها بكل قوته.. تمنى لو أستطاع أن يدخلها بين ضلوعه..


أن يهرب بها من هذا العالم الذي ظلمه وظلمها..


كان يشعر برغبتها للتفلت من أحضانه ولكنه لم يسمح لها وهو يلصق أذنها بدقات قلبه


وكأنه يقول لها اسمعي هذا الخافق الذي يناديكِ وأصابه الجنون ولعا بك!!


ولم يكن يريد مطلقا إفلاتها حتى شعر ببلل ما بدأ يغرق صدره


انتفض بجزع وهو يشعر كما لو أن هذا البلل نار أحرقت جسده.. أفلتها لينظر لوجهها .. حاولت أن تشيح بوجهها..


ولكنه منعها وهو يمسك وجهها الأثير بين كفيه ويهمس بألم عميق وتأثر أعمق: تبكين..؟؟



جوزاء همست بتهكم باك من بين دموعها: لا وش أبكي هذي.. وأنت سويت شيء يخليني أبكي؟؟


تدري عبدالله قد ما جرحتني الشهرين اللي فاتو بتجاهلك لي


كان ودي تكمل تجاهلك لي.. ولا تعبرني.. دام أخرتها كذا.. وجيعتك يوم تذكرتني ألف مرة وجيعتك يومك متجاهلني..



عبدالله همس لها بعمق مجروح مثقل بالصدق والأسى: سامحيني.. ما أقدر أفسر لش شيء.. بس والله أني حاولت أمنع نفسي.. بس خلاص ماعاد فيني صبر..



جوزاء حينها بدأت تشهق بصوت عال: مافيك صبر عن جسد أنت قرفان منه.. تأخذ منه حاجتك ثم ترميه في الزبالة..



عبدالله أنتفض جزعا... (ليتكِ تعلمين.. أرجوكِ لا تبكي.. لا تمزقيني ببكائكِ) هتف لها بألم حقيقي.. أسمى صور الألم وأقساه: جوزا تكفين لا تعذبيني بكلامش ذا.. ليتش بس تدرين.... والله أني شايفش فوق ما أستاهل بواجد..



فاجأها انتفاضتها الغاضبة غير المتوقعة وهي تقف وتصرخ ببكاء غاضب: حرام عليك تمسخر علي بذا الطريقة... خلاص ما أبي أسمع شيء


قلت لك أي محاولة للتفسير بتضر وماراح تفيد



تركته لتركض للحمام.. بينما بقي هو خلفها يتنهد بعمق ووجيعة على هذا الحال غير الإنساني في ألمه بينهما



قرر أن يتوجه لمولاه يدعوه بالتفريج من عنده.. أن يشرح صدره.. وأن يصلح بينهما..


خرجت من الحمام وهو مازال يصلي.. لتصلي وتنتهي وقبله


ثم تندس في السرير حتى لا تسمع منه كلمة



حينما انتهى.. نظر لها بغضب.. يبدو أنه يجب أن يتصرف معها بطريقة أخرى.. لابد أن يجبرها على تقبل وجوده..


حتى وإن كان أخطأ.. فهو اعتذر.. ومن حقه أن تمنحه فرصة أخرى..


هل فرصة أخرى أمر صعب عليها؟؟



توجه إلى طرف السرير الآخر وتمدد عليه فهو قرر ألا يتركها تبتعد عنه بعد اليوم.. ليتفاجأ بها تقفز لتجلس بشكل حاد وهي تصرخ بألم:


لا تنام جنبي.. سريرك اللي كان شالك الشهرين اللي فاتوا مهوب عاجز منك..



عبدالله تمدد وهو يهتف بهدوء: خلاص أنا كل ليلة بأنام هنا.. تعودي على كذا



حينها همست وهي تستعد للوقوف: خلاص اشبع بالسرير بروحك..



ولكنه أمسكها بحركة سريعة قبل أن تقف فعلا وشدها إلى أحضانه.. ليدفنها فيها بكل شوقه الذي لا ينطفئ لها


حينها هزه بعنف همسها المتألم: تكفى ياعبدالله لا تقهرني


تدرني أني ما أقدر أمنعك.. فلا تقهرني..



(أتشك أنني قد أقهرها.. أقهر نفسي ولا أقهرها


أريد قربكِ فقط يا صغيرتي


أشعر بلين جسدك بين ذراعي..


رائحة أنفاسكِ في صدري


سكينتك تهدئ روحي الملتاعة


هل ما أطلبه كثير؟؟


لا تكوني قاسية هكذا)



أسند رأسها لعضده وهو يشدها ليدفنها بكل قوته بين أضلاعه ويهمس لها من قرب بعمق دافئ: والله ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضني..



حينها شعر بطمأنينة عميقة تحل على روحه.. ورغم أنه كان يشعر بضيقها ورغبتها للتفلت ولكنه كان يستحيل أن يتخلى عن هذا الإحساس السماوي براحة نفسية لم يشعر بمثيل لها


لذا همس لها بصوت ناعس فعلا: جوزا اهدي.. أبي أنام.. اهدي.. ولا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماني بفاكش حتى لو نمت..



وبالفعل نام ورائحتها العذبة تدفئ حواسه وتريح أعصابه بصورة غير معقولة..


ليصحو بعد ذلك على يدها الرقيقة تهز كتفه وهي تهمس : عبدالله تكفى فكني شوي انخنقت..


أفلتها دون أن يفتح عينيه.. تأخرت بعيدا عنه.. ولكن أمسك بكفها


ثم طبع في باطنها قبلة عميقة جدا وكأنه يبث في قبلته شكره وامتنانه لها


ثم وضع كفها تحت خده وهمس دون أن يفتح عينيه: ما أعتقد اني خانقش بذا الطريقة..


وعاد لينام.. نومة مازال يتذكرها حتى الآن كالحلم.. مازال حتى الآن يحلم برائحتها تلك الليلة تخدر حواسه ومشاعره بصورة بالغة الشفافية



لم يصحو إلا على صوت تغريدها العذب المرهق وهي تهزه برفق : عبدالله .. عبدالله.. خلاص قوم صل الفجر..



فتح عينيه.. شعر أنه يحلم الحلم الأجمل في كل الكون وهو يصحو على محياها القريب منه.. يصحو على نغمات صوتها العذب


تناول كفها من تحت خده وقبلها هو يهمس بنعاس: تدرين إني غبي اللي فوتت على نفسي ذا الأيام كلها أني أصحى على نغمات صوتش



لا يعلم لماذا أشعرها هذا الكلام بالألم: بس عبدالله تكفى.. حرام عليك.. ليش تسوي فيني كذا؟؟



حينها جلس وهو يهمس بعمق غريب صادق: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو يضايقها؟!!



جوزا اعتدلت أيضا جالسة وهي ترد عليه بألم: إذا كان ما يقصده.. لكن يقصد شيء عكسه.. يكون الجرح مرتين..



عبدالله مثقل بالأمل .. يريدها بكل مافيه.. ماعاد في القلب احتمال على بعدها أو بقائها بعيدا عنه


همس لها بكل عمق الكون وأمله: زين عطيني فرصة.. خليني أثبت لش إني صادق



للمرة الألف ربما يشعر بالألم من ردة فعلها وهي ترد بخوف مترسب: ما تشجع أبد على أن الواحد يعطيك فرصة..



يحاول أن يقنعها.. أن يحشد كل قدراته في الإقناع.. فهو بين حدي الحياة والموت: زين أنتي ماراح تخسرين شيء لو عطتيني فرصة


أدري أني تصرفت بشكل غير مفهوم ولا معقول.. بس والله العظيم عندي أسبابي


الأسباب هذي بعدها موجودة.. لكن اللي تغير أنا..




ثم أردف بنبرة ولع مفرطة علها توصل ولو جزءا بسيطا من ولعه المتزايد فيها :


جوزا أنا مفتون فيش من قلب.. ومن ليلة عرسنا


سبحان الله شيء مثل السحر


حاولت أقاوم واجد لأسباب تخصني.. بس ما قدرت.. والله ما قدرت..


شهرين وأنا أتعذب لين انهارت مقاومتي.. والحين مهوب هاين عليش تعطيني فرصة وحدة؟!



جوزاء هزت رأسها بخجل.. لتتفجر السعادة أسرابا أسرابا في روح عبدالله المرهقة


عبدالله قفز جوارها وهو يضمها لصدره بقوة ثم يغمر وجهها بقبلاته ويهمس لها بعمق صادق: والله ما أخليش تندميش إن شاء ربي



هكذا كان يظن.. تمنى ألا يجعلها تندم.. تمنى أن يكون هو السكن لروحها.. كما بات يتيقن أنها هي السكن لروحه


دعا الله في صلاة الفجر أن يعينه على ذلك.. ألا يخيبه أو يخيبها


ولكن لله دائما حكمة فيما يفعل أو يريد



عاد من صلاة الفجر.. كأنه يطير من الشوق لها.. قلبه كان يحلق.. ومشاعره مثقلة بالدفء لها ومن أجلها


شعر أنه يتنفس أنفاسا جديدة عامرة براحة نفسية مختلفة.. لا يريد أن يضغط عليها بشيء.. يريدها جواره فقط


يشعر أن الشهرين الماضين كانت فوق احتمال كل بشر.. كان يعاقب نفسه ويعاقبها على ذنب لم يرتكباه..


صعد الدرج ربما ثلاث درجات معا حتى يصلها..


حين وقعت عيناه في عينيها.. ابتسم لا شعوريا.. لأنها ما أن رأته حتى أنزلت وجهها واشتعل خديها احمرارا


كانت تجلس على طرف السرير حين دخل.. جلس جوارها وهو يريد أن يشيع نظرا لها فلا يشبع


كان يشعر أن كفيه يرتعشان.. لمس طرف خدها بأنامله المرتعشة


كانت أنامله ترتعش لفرط انفعاله الذي يحاول السيطرة عليه فلا يستطيع


شدها بحنو ليدفنها بين أضلاعه.. عل هذا الوجيب المتزايد في قلبه يرتاح حين يراها ملتصقة به..


كان يحلق بها ومعها.. ساعات مسروقة من عمر زمن ضن عليهما بالسعادة


ثم لا يعلم أي جنون أصابه.. وراكيل تقفز أمامه بكل بشاعتها وقذارتها وهو يشعر أن قذاراتها تلتصق بجسد جوزاء الطاهر


وهو كان الوسيط الذي نقل هذه القذارة .. كان يتمزق وهو يهمس لها ووجهه مدفون بين كفيه:


جوزا نظفي جسمش.. تكفين.. تكفين



حطم كل ما بينهما بكلمة.. ماعاد هناك مجال للتراجع وهو يسمعها تصر بين أسنانها بحقد أرعبه وهي تقف: حسبي الله ونعم الوكيل فيك..


حسبي الله ونعم الوكيل


أكرهك.. أنا أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك..



تركته جالسا على السرير.. مازال يخفي وجهه بين كفيه.. قفز برعب حين سمع صوت نحيبها العالي يصدر من الحمام


كان على وشك تحطيم باب الحمام عليها.. ولكنه توقف في اللحظة الأخيرة بأسى



( حس ياخي حس على دمك


حتى حقها في البكا من فعايلك تبي تحرمها منه


وش عاد باقي لها إلا البكا


وأنت وش باقي لك إلا الحسرة على بكاها)



شعر أنه مشوش تماما.. عاجز عن التصرف.. لم يعرف أبدا كيف هي الخطوة التالية.. وكيف تكون حتى


لا يتخيل حياته خالية منها... ولكنه أيضا لا يتخيل نفسه يطلب منه فرصة مرة أخرى..


أ يطلب منها الفرصة ليخذلها؟؟ ليجرحها؟؟


هو مطلقا لا يستحقها حتى يستحق الفرصة الثانية..



هذا هو الكلام الذي كان يهذي به لنفسه


ولكنه بدا له أمرا عصيا على التنفيذ



" إذن ماذا أفعل..


سأحاول مرة ومرتين وألف..


لن أسمح لها أن تتركني أو أن تنبذبني..


أ بعد أن وجدتها تحصل كل هذه التعقيدات ؟؟


لماذا يارب .. لماذا؟؟؟ "




وماكان ينقصه فعلا هو اتصال راكيل به في هذا الوقت تماما..


زفر بضيق وهو يكتم الاتصال..


ليصله رسالة " لو لم تجبني ستجدني غدا في بلدك ومع ابنك"



اتسعت عينا عبدالله صدمة.. وهو يعاود الاتصال بها بجزع (أي جنون تهذي به هذه المخبولة)



مفجوع تماما... آخر ما كان ينقصه مع كل مشاكله.. هو طفل من راكيل..


ولكن لابد أن يذهب للتأكد بنفسه


فمثل هذا الأمر لا يُترك معلقا...



حينما أنهى اتصاله فوجئ بجوزاء تقف خلفه.. شعر أنه وصل منتهاه من الوجع وهو يرى نظرة الكراهية في عينيها


العينان التي تمنى بكل الألم والأمل أن يرى الحب فيهما..


ولكن كم بات هذا الحلم مستحيلا..


نظر لها بولعه الذي اُغتيل في مهده.. نظر لها بحب عميق لم يستطع أن يغرقها فيه كما تمنى..


أكتفى من نظرة كراهيتها حتى شرق بها..


أشاح بوجعه.. وهو ينحني تحت السرير ليستخرج حقيبته...ويضع ملابسه على عجالة فيها


حتى الوجع الشفاف وهو ينظر لمحياها ماعاد هناك وقت له



ماعاد للتمزق معنى وهو يسمع نبرته الميتة: لا تروح مكان.. أنا اللي بأرجع لهلي.. مستحيل أقعد هنا



رد عليها بنبرة ميتة مشابهة.. فكلاهما ميت.. ميت: أنا مسافر..



بنبرة أقرب للتهكم وهي تقترب منه حتى أصبحت قريبة منه: وين وعساها رحلة طويلة؟؟



لم يرد عليها.. نظر إليها فقط بعمق شفاف عل نظرة عينيه توصل لها ماجُبن عن قوله.. عل نظرة عينيه تتسلل لروحها التي عجز عن الوصول لها


أغلق حقيبته.. واستعد للمغادرة.. بينما جوزاء تصرخ خلفه: يارب تروح ما ترجع..


يارب تروح ما ترجع..



أغلق الباب خلفه.. وآخر ماسمعه وعلق بذاكرته هو نحيبها ودعواتها عليه..



وكأن دعواتها تُستجاب.. هاهو لم يعد.. لم يعد


حينما وصل لأمريكا صُدم بما حدث...


حينها وجد نفسه مضطرا أن يطلقها.. فهو لا يستطيع تركها تحاد عليه بينما هو حي..



مازال حتى اليوم يذكر ذلك اليوم في السفارة بحذافيره


بقيت يده متخشبة على القلم.. عاجز عن التوقيع


حتى شعر بحرج موقفه.. والشهود ينتظرون توقيعه ليوقعوا..


حينها أستأذنهم لدقيقة


أراد أن يسمع صوتها لمرة واحدة قبل أن تصبح محرمة عليه


كان يعرف أن الوقت متاخر في الدوحة ولكنها فرصته الأخيرة


حين سمع همسها الناعم المرهق.. شعر أنه اختنق.. عجز أن يرد عليها


فقط كانت أنفاسه تتصاعد بألم ماهو مقدم عليه


وحين سمعها تهمس باسمه .. تناديه (عبدالله)


تفجرت مشاعره وهو يرد عليها لا شعوريا (لـــبــــيـــه)


تبادلا الصمت والأنفاس الثائرة.. كل ما بقي له هو ثوان يستمتع فيه بصوت أنفاسها قبل أن ينسحب من حياتها


لم يعرف ماذا يقول لها.. أنهى الاتصال بسرعة.. وهو يشعر أن هذا الاتصال بدلا من أن يبرد بعض ناره


أشعل كل نيرانه حتى الترمد



عاد ليوقع على الطلاق وهو يشعر كما لو كان يوقع على ورقة إعدامه


كأنه يوقع على ورقة يقول فيها انتزعوا قلبي من مكانه واتركوه ينزف حتى تجف عروقه



طوال السنوات الماضية لم تغب جوزاء مطلقا عن باله.. كان يقول لنفسه في أحلامه


" لو كُتب الله لي يوما أن أعود في حلم مستحيل


سأقول لها لقد تطهرت يا ملاكي.. يا طفلتي البريئة


لقد مر على روحي من الآلام ما طهرها


ها أنا أعود روح أنهكها الوجع


أنهكها الاشتياق للثم روحك


أقسم أني تطهرت..


فهل أستحقكِ الآن؟؟ "



طوال السنوات الماضية كانت جوزاء حمامة بيضاء تحلق في أحلامه.. حلم عذب يقصر لياليه الطويلة


كل ذكرى لها انغرزت في روحه


طُبعت كوشم ماكن



كان يشعر بشعور غامض أنها مثله .. لم تتزوج.. لا يعلم أي شعور غبي هذا ولكنه كان مؤمنا به إيمان اليقين


يستحيل أن تكون لرجل آخر بعده..



لذا كان آلمه عميقا حين علم من صالح أنها تزوجت... رغما عنه شعر أنها خانته


" أ هكذا يفعل الطاهرون ياجوزائي؟!!


أ هكذا تفعلين بي


ألا يكفي كل الألم الذي أشعر به لفقد ابني


حتى أفقدكِ أنتِ


أفقد حقي في مجرد التفكير بكِ


فأنتِ أصبحتِ لسواي


ماعاد يحق لي مجرد التفكير في حلال غيري"



شعر أن كلمة "حلال غيري" تخنقه.. كان يحرر جيب عنقه وهو غارق في أفكاره التي انتزعه منها صوت صالح القلق:


عبدالله وشك فيك؟؟



عبدالله فتح عينيه بإرهاق وهمس بمودة: مافيني شيء جعلني فداك



صالح يجلس جواره وهو يضع يده على فخذه ويهتف بحزم: تجهز إن شاء الله بعد بكرة راجعين للدوحة



عبدالله هتف بحزم مشابه: لا جعلني فدا خشمك.. عطني يومين ثلاثة لين أرجع بورتلاند وأخذ لولدي تصريح يندفن في الدوحة وناخذه معنا



صالح تنهد بعمق ثم هتف بأشد حزم استطاعه: أنت اللي مالك لوا.. خالد الصغير اندفن من ثلاث أيام


والأرض كلها أرض ربك.. وكرامة الميت دفنه..



حينها صرخ عبدالله بصوت مرعب وهو يقفز واقفا: وأشلون تسوون كذا من وراي.. أشلون تجرأون تسوون كذا.. أنا إبيه.. وأنا اللي أقرر


أنا مستحيل أطلع من هنا بدون ولدي.. أشلون أقعد في ديرة هو مهوب مدفون فيها تقر عيني بشوفت قبره..



حينها هتف له صالح بغضب حازم: يعني وش تبي تسوي؟؟ تنبش قبره؟؟


وبعدين هذا أنت فجعت أبيك فيه.. حتى جثة تقر عينه فيها مالقاها لك


مثل مافكرت في ولدك.. ليش ما فكرت في إبيك؟!!



عبدالله مستمر في غضبه: لا لا تقارن.. إبي أنتو كلكم عنده تردون قلبه


لكن أنا ماعندي غير ذا الولد


وخلاص ما أظن عمري بأقدر أبدأ حياة جديدة ولا أتزوج.. ولا أجيب عيال


ماعندي غيره.. افهمني..



حينها نظر له صالح نظرة مباشرة وهو يهتف له بنبرة مقصودة:


ومن قال ماعندك غيره؟؟ ربك يأخذ ويعوض.. ولكلن غلاه


وأنت عندك ولد يأخذ معاليق القلب يابو حسن..








#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 22-06-10 09:12 AM

1 مرفق
[SIZE="5"]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباح الاشتياق لكل روح عذبة من أرواحكم الطاهرة


النص بالمرفقات


#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 24-06-10 09:18 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني الثلاثون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحات الفرحة بالانتهاء من الامتحانات وعقبال الفرحة بالنجاح


وألف مبروك بعد لمشرفاتنا الجدد زوزو وبوح نجاحهم في اثبات استحقاقهم للاشراف الجديد المستحق بجدارة


.


.




النص بالمرفقات


#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 27-06-10 08:49 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثلاثون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح الورد يا عطر الورد وريحته


ياحيا الله كل الوجيه الجديدة.. ويا الله أبقها الوجيه اللي دايم على الوعد ودفاها غطا كل درجات الحرارة في عواصم الخليج هالأيام


.


.

النص بالمرفقات




#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 01-07-10 09:10 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والثلاثون
 
1 مرفق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يا صباح الإشراق والجمال والسعادة


ياصباح التفاعل الراقي برقيكم


دائما تغمرون قلبي بسعادة تفاعلكم ومودتكم المصفاة الله لا يحرمني منكم


.


ألف ألف مبروك للناجحين وعقبال الباقين وفرحتهم بالنجاح


وألف مبروك لكل العرايس اللي عرسهم هالصيفية


ودعواتنا لأخت جافيني النوم أن ييسر لها أمورها في الخير وبالخير


.


.


النص بالمرفقات

في حفظ الكريم


وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه


.


.


.

#أنفاس_قطر# 22-07-10 08:20 AM

بين الأميس واليوم/ الجزء الخامس والثلاثون
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يا صباح البركة والخير على كل القلوب الطاهرة


اشتقت لكم كثير كثير بلا قياس


بشروني منكم عسى مبسوطين في العطلة؟؟


.


.


ما تخيلون والله العظيم سعادتي فيكم


وسعادتي بكل رد انكتب وكل شعور وكل تعليق


بس عاد مهوب تصيرون وجه الضيف.. نشوفكم مرة وحدة وعقبه تختفون


الله لا يحرمني من دفء أنامل كل من كتب وتعب نفسه


.


.


عدنا والعود أحمد.. وادري بنات كثير يقولون أني تأخرت وعاتبوا عتب جامد لدرجة الاتهام بالتقصير وإخلاف المواعيد وتقطيع الرواية.. واتهامات أقرب للتشفي بعد


وعلى فكرة تراني والله مازعلت من أي عتب.. وعتبكم كله على رأسي


لكن اللي صار يا نبضات القلب أني عمري ما أخلفت موعد


قلت بأرجع خلال أسبوعين ثلاثة واليوم تميت ثلاث أسابيع


(حنين الذكرى لها نجمة توقعت البارت يوم الخميس واليوم الخميس)



وخلكم حقانيين لأنه فعلا يا نبضات القلب ترا عدا هذي الثلاثة أسابيع ومرة وحدة غبت أسبوعين


عمري ماغبت أكثر من أسبوع واحد.. حتى مرت قلت بأغيب أسبوعين وماغبت إلا أسبوع


وحتى لو مرة أخلفت وتأخرت مايشفع لي يا نبضات القلب أني صار لي معكم سنتين وروايتين وعمري ما أخلفت موعد


ماراح تدرون لأختكم عذر يعني؟!!


تدرون بنات قلتها قبل والله العظيم لو كنت أدري بالظروف اللي صارت في هذه الرواية إنها بتصير.. ماكنت نزلتها أبد.. أعوذ بالله من (لو)


قدر الله وماشاء فعل..


تدرون بنات إنه مع ذا كله مرة انضرب الجهاز عندي وفيه ثلاث بارتات جديدة.. وعقبها ضاع فلاش عليه أربع بارتات..


تأزمت لأني أتعب جد في الكتابة.. وتضايقت ووسوست لأني قلت يمكن ربي مايبني أكمل.. وصليت استخارة كم مرة..


ويمكن هذا سبب من الأسباب الكثيرة اللي خلتني أبطأ في هذه الرواية


عدا أنه الرواية هذي طويلة وأعمق مثل ماقلت لكم قبل.. لكن لنا إن شاء أيضا فيها طريق طويل من متعة واختلاف


وأنا لحد الحين ولله الحمد والمنة عمري ما أخلفت موعد..


يبي لي مرة أخلف وأشوف بتدورون لي عذر وإلا لا :)


.


.



حمل عفراء


أنا بغيته كذا وبذا الصورة وبدون تبرير


لأن فيه حقيقة وحدة تقول "قدرة رب العالمين فوق كل شيء" بدون تفسيرات علمية أو طبية مالها معنى أمام قدرته عز وجل


وفي الحياة آلاف القصص الحقيقية اللي تدل على معجزاته اللي عجز عنها الأطباء


أما أن منصور يشك إن الولد منه.. فهذي فكرة ماخطرت ببالي


لأني لو سويتها معناها أني أهدم حياتهم من أساسها مهوب أسوي أكشن بس :)


وبعدين شخصية منصور ما توحي بكذا أبد



على فكرة بنات (قلتها قبل بس في أسى الهجران وأدري أنها معلومة معروفة جدا بس ماعليه اسمحوا لي نعيدها)


صحيح عفراء اكتشفت الحمل بعد 3 أسابيع بس تراها تكون في الشهر الثاني


أشلون؟؟


لأنه الحمل ينحسب من أول يوم لآخر دورة قبل الحمل.. معناتها الحين إنها الحين تخلص الأسبوع الخامس وتدخل في السادس بما أن آخر دورة كانت قبل زواجها بأسبوعين


.


.


الحين مع الجزء الخامس والثلاثين


ونكمل بالضبط من أخر ما وقفنا عنده البارت اللي فات


كنا في ثاني يوم بعد رجعة عبدالله من أمريكا ورجعة منصور من عند جميلة


ومزون اتصلت لمنصور وباركت له في حمل خالتها


صالح كان مودي عياله للألعاب بعد ماصار شد بينه وبين نجلا


وأم صالح كانت مسوية ريوق لوحدة والده ورجعت وتمددت


وعالية عرفت عن عبدالله بس مابعد شافته


وجوزا انهارت لما عرفت برجعة عبدالله وبعدها طلبت من عبدالرحمن يطلب من امهاب يطلقها


ويالله نكمل


وموعدنا الجاي يوم الأحد الساعة 9 ونص الصبح


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.





بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثلاثون








لم يشعر في حياته كلها بصداع كما يشعر اليوم.. وفي هذه اللحظة بالذات.. رأسه سينفجر من قوة نبض العروق..


يوقف سيارته جانبا.. ليضغط على جانبي رأسه.. ويحرر عنقه من جيبه المغلق وهو يفتح أزرته العلوية



منذ أنهى اتصاله مع مزون.. وهو في حالة انعدام وزن.. كما لو كان انفصل عن الكون كله ويحلق في العدم... وقدماه لا تلمسان الأرض حتى


ومشاعره غاية في التبلد.. عاجز عن التصديق أو حتى مجرد التصور..




" حامل..


حـــامـــــل


مستحيل.. مـــســتــحــيــل..


أكيد مزون فاهمة الموضوع غلط..


أكيد فهمت السالفة كلها غلط


أنا إنسان مؤمن ..مافيه شيء بعيد على ربي..


ومزون تقول إنها راحت معها بنفسها للفحص..


معقولة.. معقولة.. رأسي بينفجر


بس.. بس


بس ليش لو كانت حامل أعرف الخبر من مزون؟؟


ليش مهوب منها..؟؟


ليش تخلي خبر خاص فينا مثل هذا يوصلني من غيرها؟؟


ليه؟؟..


.


بس.. البارحة كانت تبي تقول شيء.. بس أنا ماخليتها


كانت تبي تتكلم بس أنا خنقت كلامها في حلقها"



حينها نظر منصور ليده اليمنى التي وضعتها على بطنها كالملسوع..


وهو يتذكر كمن ضُرب على رأسه كل تلميحاتها البريئة العذبة البارحة..


ويهز رأسه بقوة ويقطب جبينه وهو يشعر بضغط هائل على كل مفاصله.. كما لو أن عظامه ستتفجر من قوة الضغط



" ياقلبي ياعفرا.. وأنا خربت عليها فرحتها كلها


يعني وش كان بيضر لو شاركتها الفرحة بدون ما أكدر عليها


يعني أنت يامنصور ما تعرف إلا المغثة


.


بس صدق حامل..؟؟ معقولة؟؟


معقولة؟؟


سبحان الله ياربي.. ما أعظم قدرتك ورحمتك


معقولة أنا أب وعقب ذا السنين كلها!!


وعقب ما يأست أني ممكن أسمع كلمه يبه.. لين كرهت حتى اني أكون اب


معقولة؟؟"



حينها بدأت ابتسامته تتسع وتتسع دون أن يشعر.. وألم الجسد والصداع يتحوران تدريجيا لإحساس خيالي بخفة في الروح والجسد لم يشعر بمثلهما سابقا أبدا


يشعر كما لو أنه يحلق تحليقا يختلف عن تحليقه قبل دقائق


قبل دقائق كان يحلق إحساسا بالصدمة غير المعقولة


ولكنه الآن يحلق إحساسا بسعادة مختلفة لم يتذوق مثلها أبدا


سعادة لها نكهة مختلفة لم يظن أنها موجودة على وجه الأرض بهذه الصورة الشفافة الموغلة في العذوبة والدفء



كانت هذه هي مشاعره التي انتفضت من تحت الرماد وهو يشغل سيارته ثم يغير اتجاهها لاتجاه آخر غير البيت..


وسعادة عميقة جدا ومختلفة جدا تتسلل إلى روحه بتمكن غامر..



"طـــفــــل ؟!!ومن عفراء؟!!.."



أي سعادة كان يخبئها له هذا الصباح المختلف؟؟


.


.


.


بعد ساعة


يفتح باب غرفته بهدوء وهو يحمل كيسا غاية في الفخامة في يده


فمناسبة كهذه لا يمكن أن تمر دون هدية لآسرة قلبه..


رغم أن كل هدايا الكون لا يمكن أن تعبر عن إحساسه بالسعادة والاختلاف الذي يزداد عمقا بتمكن في كل دقيقة تمر




تفاجأ منصور أن الغرفة مازالت تغرق في ظلام خافت من جراء الستائر الداكنة المسدلة


شعر بانقباض في قلبه وعيناه تبحثان عنها..


كانت هناك.. ارتعاشها واضح تحت الغطاء..


زاد انقباض قلبه..


"تــبــكــي؟! "



فتح الستائر قليلا وتوجه ناحيتها.. رفع الغطاء عنها بخفة..


ليتفاجأ من منظرها ..


كانت تحتضن نفسها ..تبكي وترتعش.. ويبدو أنها على هذه الحال من مدة طويلة


لأنه حين رفع الغطاء عنها جلست بحرج.. وهي تبعد شعرها المشعث التي التصق بعرق وجهها بعيدا عنها..


وبدت أثار أناملها غائرة في عضديها العاريين من شدة احتضانها لنفسها..


شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. أن تحتضن هي نفسها بينما من كان يجب أن يكون جوارها ويحتضنها


حتى لو رفضت.. لم يكن ليسمح لها بالرفض..


لم يقل لها شيئا.. أجلسها ليمسح وجهها بكفيه.. ثم انتقل ليدعك احمرار عضديها بخفة وألم قلبه يتزايد رغما عنه..



همس لها بحنان عميق: عفرا ليه ذا كله ياقلبي؟؟



همست بصوت مبحوح دون أن تنظر ناحيته: البارحة كلمت جميلة.. عقب ما أنت طلعت..


ما قدرت ما اتطمن عليها..



حينها هتف منصور بحزم رغم إحساسه بالحزن من أجلها: وأكيد أجعتش بالحكي؟؟



حينها دفنت وجهها بين كفيها وبكت بحرقة عميقة.. منصور حينها أبعد كفيها عن وجهها واحتضنها بحنان وقوة وهمس في أذنها:


أدري أنش زعلانة علي.. وأدري أني أستاهل..


بس لا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماراح أسمح لش..



آلمه كثيرا تصلب جسدها بين ذراعيه.. وكأنها ترفض قربه منها..


حينها أبعدها عنه قليلا وهو يلمس بطنها بخفة حانية.. انتفضت عفرا بشدة بينما هتف هو بحزم حنون:


إذا مهوب عشاني ولا عشانش.. عشان ذا الروح اللي هنا.. خافي ربش فيه تسوين في نفسش كذا



حينها بالفعل ارتمت في حضنه وهي تشدد احتضانه وتبكي بنحيب عال


بينما شعر هو براحة ما تتسلل إلى روحه أنها تعود إلى أحضانه وبرغبتها.. رغم تيقنه أن موضوع جميلة لن يمر أبدا بسهولة عليهما


ولكنه من أجلها والآن من أجل طفلهما أيضا هو مستعد للقتال حتى الرمق الأخير.. فهو لم يخلق سوى للمعارك!!



كان يهدهدها بحنان خالص ويهمس لها بثقة غامرة:


هدي حبيبتي.. هدي.. واللي ركب رأسي ورأسش إنه مايصير الا اللي يرضيش


أمنتش بالله لا تزعلين نفسش ياقلبي


وإلا زايد الصغير ماله خاطر عند أمه؟!!...







*************************************







" السلام عليكم


هلا والله بالشيبان المتجمعين


وش ذا الصباح المبارك اللي الواحد يتصبح بوجيهكم"



كان غانم ينحني مسلما على رأس عمه في الوقت الذي كان والده يجيبه مبتسما:


ماعاد هو بصبح يأبيك.. قدنا قريب الظهر


عساك بس منت بتعبان.. البارحة رقدت عقب العشا على طول


ورجعت ورقدت عقب صلاة الفجر إلى ذا الحين



غانم ينحني على والده ويجيبه: لا جعلني فداك..بس مرهق شوي.. رحلة أمريكا طويلة شوي



أبو صالح يهتف بمودة: جعلك على القوة يأبيك..



غانم يلتفت لعمه ويهتف له باحترام ومودة: ويقويك ويطول عمرك في الطاعة


ثم أردف وهو يشير للمقهوي أن يتقدم: أقهويكم؟؟



أبو صالح أشار للمقهوي ألا يحضر وهو يهتف بحزم: شكّرنا يأبيك.. القهوة بعد مهيب زينة لي ترفع الضغظ عندي


بس وش نسوي بروسنا لا أجعتنا عند حِلها



أبوغانم يتوجه بالسؤال لغانم: إلا وش سالفة رحلة أمريكا.. ماخبرت إن أمريكا على خطك ذا السنة..



غانم بهدوء: رحلة جات فجأة كذا


ثم أردف بنبرة مقصودة: وإلا شفت لكم شوفة في ذا السفرة.. طيرت عقلي



أبو غانم يبتسم: عساها شمحوطة بس.. ؟؟



غانم يضحك: زين يأبو غانم.. إن ماعلمت أم غانم عليك



أبو غانم يضحك: أنت اللي تقول.. بتقط بلاك علي ياولد..



أبو صالح بعتب: احشموني تراني قاعد..



غانم باحترام جزيل: محشوم ياعمي.. بس صدق والله العظيم شفت لي واحد طار قلبي يوم شفته.. وش أقول لكم نسخة عبدالله الله يرحمه..



أبو غانم بشجن: الله يرحمه أبو حسن ويبيح منه..



بينما أبو صالح صمت ولم يعلق.. وأبو غانم أكمل: وهو ويش هو امريكاني وإلا عُربي؟؟



غانم بنفس النبرة المقصودة: ما أدري بس والله العالم دمه عربي.. أقول لك عبدالله بشحمه لحمه كني شايفة قدامي..


كنت أبي ألحقه بس فات علي.. هو داخل وأنا طالع



حتى الآن كانت الحكاية لا بأس لها.. ومحتملة.. ومعقولة إلى حد ما.. حتى أكمل غانم حديثه قائلا:


والله من شكي إنه هو.. بأطلب لي رحلة على خط واشنطن عشان أروح السفارة القطرية هناك أتأكد..


قلبي نط من مكانه يوم شفته.. ماني بمرتاح لين أشوف قبر عبدالله بعيني..


أقول لكم شايف عبدالله قدام عيني هو هو...



حينها انتفض أبو صالح انتفاضة لم تظهر للسطح وهو يهتف بحزم: وش لك يأبيك بذا الشغلة كلها..


عشان واحد يشبه عبدالله الله يرحمه تبغي تعنّى للسفارة وتسأل.. عبدالله اطلبوا له الرحمة.. وحكي الخبلان ذا مامنه فود..



وفي الوقت الذي كره أبو صالح أن يعرف غانم حقيقة انتحار عبدالله التي أخفاها عن الجميع حين يذهب هناك ..


فإن أبا غانم كان على عكسه انتعشت روحه بأمل بريء هش: خالد الله يهدك.. خل الصبي يروح.. كود إن به شيء خافينا.. طالبك يأخيك..



أبو صالح بحزم أشد: مابه شيء خافينا.. عبدالله مات.. وانتهينا من ذا الحكي..



غانم قرر أن يقف حتى لا يتهور عمه ويحلف عليه.. ولأنه تأكد أن عمه يعلم شيئا عن وفاة عبدالله المزعومة لا يريده أن يعلمه...


وهو يريد الآن أن يجعل عمه يظن أنه سيفعلها وسيذهب حتى يتحرك لمنعه بطريقة تمهد له معرفة عودة عبدالله.. وهو يقرر أن يبلغ صالحا حتى يتولى هو الخطوة التالية..



غانم هتف بحزم وهو يستعد للمغادرة: الرجّال اللي شفته.. مستحيل مايكون عبدالله.. وأنا ماني بخبل عشان أجهل ولد عمي


وش بيضر لا رحت وتاكدت.. يمكن عبدالله هناك فيه شيء لاده من المجي.. أنا لازم أتاكد..



أبو غانم ارتعش بخفة (معقولة عبدالله؟؟ لا لا أكيد غانم تشابه عليه الشوف


لو كان حي وينه ذا السنين كلها..


لا لا مهوب صحيح)



بينما قلق أعمق وتوجس أعمق وأعمق تصاعد في قلب الشيخ الذي أثقلته الهموم


( لا حول ولا قوة إلا بالله


الحين لا راح غانم ودرى إن عبدالله مات......... اللهم أني استغفرك وأتوب إليك


خوفي لا يوصل العلم أم صالح والله إن قد تروح فيها


وش السواة؟؟ وش السواة؟؟


صافية ما تمسي الليل تدعي له.. أشلون لا درت إنه مات منتحر وكافر


مابقى لها منه إلا ذكراه الطيبة عندها.. حتى الذكرى يأخذونها منها!! )







**************************************







" صفوي.. وش ذا النوم اللي عندش اليوم؟؟


ماباقي على صلاة الظهر إلا شوي


وإلا الصبا نوام على قولتهم "



أم صالح تعتدل جالسة وهي تهمس بصوت ناعس: أي صبا الله يخلف علي بشوفت عيالش


إلا قولي ماعاد به حيل.. عشاني مارقدت عقب صلاة الفجر أسوي ريوق البنية الوالدة.. حسيت جسمي متهدد



عالية تجلس بجوار والدتها تحتضن عضدها وتقبله وهي تهمس بحنان: يمه واللي مثلش عادها تطبخ.. عندش الخدامات.. وش هم جايين من بلادهم له؟؟



أم صالح تبتسم وهي تمسح على شعر عالية: بدل ما تقولين أنا بأكفيش..



عالية تضحك وهي تتناول كف والدتها من فوق رأسها وتقبلها:


لا يمه هذا تهور أنا ماني بقده.. مع أني أم التهور.. بس عاد هذي فيها تسمم لمخاليق ربي



عالية بعد ذلك وضعت رأسها على فخذ والدتها وتمددت على السرير وهي تعبث بيد والدتها التي كانت تمسكها..


بينما أم صالح تداعب شعر عالية بيدها الحرة.. عالية تمسح أنامل والدتها وتهمس بتقصد:


إلا يمه لو مثلا في يوم من الأيام.. قالوا لش إن الله سبحانه بيرجع لش واحد ميت للحياة .. من تختارين؟؟



أم صالح ابتسمت: وش سوالف الخبلان ذي؟؟



عالية برجاء: يمه لعبة هذي.. علميني..



أم صالح بعفوية: باختار أمي جعل ترابها الجنة..



عالية مدت شفتيها: يمه جدتي أم نايف الله يرحمها.. جابت نويف عمرها 54 سنة.. يعني لو رجعت لش الحين عمرها 79..


وش يعني تقعد معش سنة وإلا سنتين وتودع؟؟



أم صالح ضربت عالية بخفة على رأسها وهي تبتسم: مهوب تقولين لعبة... كيفي أنا أبي أمي.. أحس أني ما شبعت منها..



حينها همست عالية بنبرة مقصودة: وهي بس أمش اللي ماشبعتي منها.. مافيه غيرها؟؟



حينها ارتعشت أم صالح ارتعاشة لا يكاد يُشعر بها.. ولكن عالية شعرت بها ووالدتها تربت على كتفها وتهمس بحنان:


قومي الله يصلحش.. أبي أروح الحمام أتوضأ







*************************************







" أنا بصراحة لين الحين مصدوم فيج.. معقولة الكلام اللي قلتيه لأمج البارح"



جميلة نظرت بغيظ لخليفة: مالك شغل بيني وبين أمي..



خليفة تفجّر غضبه: إلا لي شغل ونص.. ترا ربج وصاج فيها.. ماوصاها فيج.. لكن اللي أشوفه العكس..


الحين أنتي يوم اخترتيني.. وخلج من خرابيط اخطأت الاختيار لأنها ما تهمني


خلنا في انج اخترتيني وفرضتيني عليها مع انها ما كانت راضية.. وهي اللي أمج..


ومع كذا عاملتني مثل ولدها وماضايقتني بكلمة.. ولا حتى ضايقتج


لكن انتي شوفي نفسج وش سويتي.. أنتي ما تخافين ربج في الكلام اللي جرحتيها فيه


اتقي الله جميلة في أمج.. اللي شافته منج موب شويه..



حينها انخرطت جميلة في البكاء.. بينما خليفة أكمل بذات الغضب: تمثيلية البجي هذي خلاص ما تمشي علي.. دوري غيرها


يعني البارح كله تبجين ويوم عمتي اتصلت صرتي ترعدين وتبرقين ولسانج شبرين..



حينها شهقت جميلة: ما أبيها تعرس وتخليني.. ولو أعرست ما أبي منصور هذا.. ليش ماخذت عمي زايد؟؟



خليفة بحزم: تأخذ اللي هي تبي.. مثلج.. مالج حق تفرضين عليها شريج حياتها


وخصوصا واحد مثل منصور ما أعتقد فيه عيب عشان ما يعجب جنابج


وبعدين ما أعتقد إن منصور غريب عليج دامج متربية في بيت أخوه


أنا سامعة بأذوني يقول لج (أنتي قبل مثل بنتي.. والحين بنتي صدق)


يعني علاقته قبل فيج زينة؟؟ صح والا انا غلطان؟؟ شنو اللي تغير الحين؟؟ قولي لي..



جميلة بغضب وهي تمسح أنفها المحمر: صحيح إني تربيت في بيت عمي زايد.. بس مهوب معناها إن منصور رباني..


ثم أردفت بغضب أشد: أما على قولته مثل بنتي.. فهذا شيء في رأسه هو.. يعني عشاني بنت المدام صرت بنته؟؟


ما أنكر إن منصور كان يعاملني مثل مزون لأني كنت على طول عند مزون.. وما تغطيت منه إلا قبل كم سنة بس.. بس هذي كانت مجاملة منه..


طول عمري حاسته إنسان بعيد.. هيبته تخوف.. عمري ماحسيته أب مثل عمي زايد..


يا أخي المحبة من الله.. غصب أحبه وأرضى فيه أب.. ما أبيه.. ما أبيه



حينها هتف خليفة بغضب عنيف: الله الغني من حبج.. والناس اللي أنتي حبيتهم وش لقوا من محبتج يعني..


الأحسن الواحد يدعي ربه إنج تكرهينه وما تذوقينه محبتج اللي مايلاقي منها إلا نكرانج له وقسوتج عليه..


أنتي وش هالقلب اللي عندج؟؟ ماحد يهمج غير نفسج.. أمنتج الله قولي لي موقف واحد بس فضلتي غيرج على نفسج..


مع أني ماعرفتج إلا من كم أسبوع.. لكن أقدر أحلف إنه يمكن مافيه في حياتج كلها يوم واحد فكرتي أنج تقدمين إنسان على رغباتج أنتي..


أولها هالسخافة اللي سويتيها في نفسج وأنتي تجوعين نفسج لين صار شكلج جذيه..


ماهمج حد.. لا أمج ولا بنت خالتج ولا عمج زايد.. الناس اللي تقولين أنج تحبينهم وهم يحبونج.. ما اهتميتي إلا بتفاهات في رأسج أنتي وسويتها


وعقبها حتى موافقتج علي.. اتضح إنها بسبب أنانيتج بس.. فكرتي بشيء في رأسج الله أعلم شنهو..


وما اهتميتي بأحد حتى الإنسان اللي ترك كل شيء وراه ويا وياج ما اهتميتي بمشاعره وأنتي تقولين عنه اختيار غلط


أنتي تبين كل الناس يسخرون حياتهم لج أنتي وبس.. وأنا منهم..


وترا ماعندنا مانع نضحي ونخليج أول أولوياتنا.. بس أقل شيء تسوينه تظهرين شوي أدب.. شوي امتنان.. شوي إحساس بالناس موب بنفسج وبس



خليفة فقد سيطرته على نفسه وهو ينهال عليها بقسوة وعباراته الحادة تنثال وتنثال بلا توقف


فموقفها الأخير مع والدتها وهو يسمع بنفسه عتبها القاسي لها جعله يخرج من عندها ولم يستطع حتى أن يبات عندها ولم يعد لها إلا صباح اليوم التالي قبل دقائق


فخليفة فقد والدته قبل سنوات وكان يتمنى لو أطال الله في عمرها ليبر بها.. فكيف بهذه التي أمها تستميت من أجلها بينما هي تصفعها بقسوتها دون تفكير؟؟




بينما جميلة كانت قضت ليلة قاسية بالفعل تتجرع الوحدة والألم.. فكما آلمت والدتها كل كلمة آلمتها أكثر..


تشعر بضياع وتشتت وماكان ينقصها هو زواج والدتها لتشعر أنها ضائعة تماما


ووجدت كل جزعها يُترجم في عبارات قاسية حادة تفرغ فيها غضبها وجزعها وخوفها وإحساسها بالاختناق والضياع



وموقف خليفة هو ماكان ينقصها تماما لتكتمل مأساتها.. الشخص الوحيد الذي معها ينفجر فيها دون رحمة... فإلى أين تولي وجهها؟؟ إلى أين؟؟







*************************************







" هزاع تكفى ساعدني.. سالفة خويك الخبلة يمشي حالها


أبيك تقولها عند أمي"



هزاع الذي كان ينفذ عن ذراعيه متوجها للحمام ليتوضأ هتف بغيظ: ما تعرفين تسلمين الأول..


وبعدين مهوب أنتي اللي قلتي لي لا تقول ذا السالفة عند أمي..



عالية برجاء: ماحبيتك تعطيها أمل ماله أساس.. بس مادام له أساس.. السالفة أشوفها مناسبة.. وأنا بصراحة أبيك تساعدني..


لأني عقلي موقف..



هزاع يرقص حاجبيه: مساعدة ببلاش مافيه..



عالية بنفاذ صبر: باعطيك اللي تبيه يا المادي خلصني..



هزاع يهز كتفيه: لا الماديات خليها بعدين ما نعيفها.. بس أبيش تعتذرين واعتذار محترم على تغريقي بالماء باللي ما تستحين..



عالية تشده لتقبل رأسه: آسفة واحب راسك بعد... خلصني بس... أنا ماعاد فيني صبر.. والله مافيني.. وصلت حدي.. بس أبي اشوفه أنا وأمي سوا..


ثم أردفت بوجع عميق: هزاع أنت شفته بعينك؟؟ تغير؟؟ متن؟؟ ضعف؟؟ صدق يعني هو حي؟؟ صدق هزاع؟؟



هزاع لم يجبها.. شعر أن الجواب سيكون ثقيلا عليها.. لذا هتف لها باستعجال: روحي الحين أنا باروح أصلي وعقب بأرجع عليكم أسولف على أمي بخرابيطي







**********************************







صالح كان عائدا بأولاده للبيت حينما تلقى اتصال من والده يطلبه أن يحضر له في المجلس حالا..



صالح أوقف سيارته داخل مظلات البيت طلب من ولديه أن يتوجها للداخل.. بينما توجه هو للمجلس



دخل ليجد وجه والده متغيرا.. مال على رأسه يقبله ثم جلس جواره.. وهتف باحترام: آمرني جعلني فداك..



أبو صالح هتف بحزم: هم شغلتين مهيب شغلة وحدة..


أول شغلة وينك أمسيت البارحة؟؟.. قمت لصلاة الفجر ماعينت سيارتك.. وعقبها طلعت من البيت حول الساعة تسع وأنت مابعد جيت..



صالح بهدوء: كنت ممسي في بيتي.. عندي ضيف..



أبو صالح انتفض بغضب عارم: وليه بيتي ما يستقبل ضيوفك يوم توديهم لبيت حتى مابعد خلص؟؟



صالح بهدوء متمكن: بيتي خلصت منه المجلس وكم حجرة عشاني داري إن ضيفي ذا أنت ماتبي تستقبله في بيتك..



حينها وقف أبو صالح وهو ينتفض بغضب حاد: أنا ما أطرد حد من بيتي يا مسود الوجه ولو هو ذابح أمي وأبي


إلا كن ضيفك سواد وجهه كنه سواد وجهك يا قليل الحيا؟؟



صالح بنفس الهدوء: وجهك أبيض يا أبو صالح.. ومهوب أنا اللي أسود وجهي ووجهك..


خلنا من ضيفي ذا الحين.. وقل لي وش الشغلة الثانية اللي أنت طالبني عليها..



أبو صالح بغضب متزايد وهو يلوح بعصاه: أنا ولد أبي أنا.. منت بصاحي اليوم.. والله يا كسار وجهك بذا العصا إنه يجيب المطر


قم روح جيب ضيفك ذا الساعة ولا توريني وجهك إلا وهو معك..


ماعاد إلا ذا.. داس ضيفك في بيتك يا الرخمة..



حينها أجاب عليه صالح بنبرة مقصودة: يبه الشغلة الثانية ما تخص غانم وروحته لأمريكا؟؟ يمكنك تبيني أمنعه مثلا؟؟



حينها هتف أبو صالح بصدمة: وأنت وشدراك؟؟



حينها شد صالح نفسا عميقا: يبه.. اربط اللي شافه غانم.. بالضيف اللي في بيتي.. ونخلص من الشغلتين كلها..



حينها انهار أبو صالح جالسا وعيناه تتسعان ذهولا..


صالح يعلم أنه استعجل في إخباره بالخبر.. ولكن بعد معرفة عبدالرحمن وأهله بالخبر خاف أن يصله الخبر من سواه


وهو يعلم يقينا قوة والده.. فالذي احتمل خبر وفاة ولده منتحرا وتعايش معه طيلة هذه السنوات هو على احتمال خبر عودته الحياة أقدر وأكثر تحملا..



أبو صالح أغمض عينيه وفتحهما .. هز رأسه.. وضغط صدمات وأفكار ومشاعر مدمر كسيل جارف يجتاحه بعنف


شعر بثقل مرير في أطرافه وأنفاسه وكل عرق ينبض في جسده والصدمة تبعثره تماما لأشلاء متطايرة


لكنه تجاهل كل ذلك ليقف ويغادر وهو يهتف بحزم يذوب قسوة أو ربما حزم يذوب وجعا..


ولكن من المؤكد أن شيئا ما في روحه كان ينصهر حتى الانتهاء.. حتى الانتهاء:


قل لضيفك بيتي يتعذره..ووجهه ما أبغي أشوفه..



.


.



في الداخل..


كان هزاع ينتهي من إخبار والدته بحكايته الطريفة عن عودة ابن عم صديقه..


ويخلطها بتلميحات حذرة جدا عن أن من الممكن أن يكون هناك أيضا من هو في حال هذا الرجل.. دون أن يصرح بأي اسم..



كانت أم صالح تبتسم بصفاء.. فكل شيء يقوله آخر العنقود هزاع يبدو عندها مسليا ورائعا مثلما تراه هي


ولكن ابتسامتها بدأت تنطفئ رويدا وأنفاسها تضيق شيئا فشيئا.. ومجرد الأمل الباهت يجتاح خلاياها المستنزفة فقدا.. كطوفان عارم يغرقها بين أمواجه


همست باختناق : وولد عم خويك كم سنة كان غايب؟؟



هزاع بدأ يشعر بالألم وهو يسب عالية على إدخاله في الموضوع.. حاول أن يهتف بطبيعية فاشلة وصوته يخرج مرتعشا: حول ست سنين



همست بألم في اتجاه آخر وهي تبعد الأمل عنها وتكتفي بالحزن: أمه عادها حية؟؟



هزاع رغم استغرابه للسؤال وأين اتجه تفكير والدته أجابها: ما أدري..



همست حينها بألم عميق: كن عادها حية أبي أروح أهنيها سلامته..



هزاع نزل عن السرير جلس تحت قدميها وأمسك بكفها وقبلها ثم أسند رأسه لركبتها وهتف بألم عميق: وأنتي تعرفينها عشان تهنينها سلامتها..



ربتت على رأس هزاع بحنان وهو تهمس بوجيعة: أعرف وجيعتها يأمك.. أعرف وجيعتها..



هزاع كان ينظر لعالية شزرا وكأنه يقول لها (يا الله تصرفي) وحينها همست عالية باختناق:


زين يمه ما تمنيتي يوم تكونين مثلها.. يعني كنتي مثلها في وجيعتها.. ما تبين تكونين مثلها في فرحتها؟؟



أم صالح تنهدت بعمق: ماعاد لي يأمش قلب يتحمل رجا مثل ذا.. أدري إنه ما راح يصير


يا الله أني تصبرت على فرقاه وأنا دارية إنه تحت التراب.. أشلون أصبر على فرقاه وأنا أقول يمكن وكان..



هزاع يبتسم بفشل: يمه.. ما تدرين رحمة الله فوق كل شيء.. ليه تصكين باب الأمل


الحين عبدالله ما شفنا له جثة ولا قبر.. وش فيها لا تأملنا إنه حي.. حرام؟؟



أم صالح ترفض أملا إن فتحت له الباب سيسكن روحها.. وإن لم يحدث سينزع روحها معه: يأمك هو عندك رجا.. لكن عندي أنا حد السكين


يعني أنت كيفك تأمل وترجى.. صار كان من الله وخير وبركة.. ماصار بتحزن يومين وترجع تنسى.. وش المشكلة هو ميت عندك ميت


لكن أنا لو سمحت لنفسي أهوجس مثلك.. كني أحط السكين على رقبتي.. إن صار وعينته حي.. رفعت السكين من رقبتي


لكن إن دورت له وطلع ميت عقب مارجيت أنا شوفه.. كنك تنحرني بالسكين اللي ماباعدت من رقبتي..


يأمك ماعاد لي قلب يستحمل شيء.. يا الله حسن الخاتمة..



هزاع وعالية تبادلا النظرات اليائسة.. وهما يشعران أنهما عاجزان عن فجعها بهذه الصورة وهي حتى مجرد الأمل تراه كثيرا عليها..


صمتا كلاهما وهما يشعران بتعاظم يأسهما وقلة حيلتهما في مواجهة هذا الموقف مع أمهما ..




عالية شدت هزاع خارجا ثم همست له بخفوت: خلاص هزاع ودني أنا بروحي


مافيني صبر.. وأمي شكلها تبي لها كم يوم لين تستوعب



هزاع يشير بيده وهو يذهب: إذا صليت العصر وديتش..



عالية تمسك به بإصرار: وش عقب صلاة العصر.. أقول لك مافيني صبر.. أبي أروح الحين.. ياخوفي لا تكونون تكذبون علي..



هزاع يتركها متجها للمجلس: تبين سويكي؟؟ ترا السبير فوق في الدرج اللي عند رأسي.. توكلي الله يحفظش



عالية تصرخ دون أن يهتم لصراخها: هزيع.. هزيع تعال ودني يالزفت..


هزيع..


زين دواك عندي..



هزاع حين وصل للباب التفت لها وهتف ببرود: عمش هزاع لو سمحتي..



هزاع لم يكن يريد أن يتجاهل طلبها.. لكنه يخشى ألا تحتمل رؤية عبدالله


فمازالت عظامه تؤلمه منذ ليلة البارحة..


يريد لها وقتا أطول تتاقلم مع الفكرة التي مهما كانت مفرحة إلا أن فرحتها قاسية..موجعة لأبعد حد يخشى عليها لأبعد من تأثيرها..







*******************************







يدخل إلى غرفته بخطوات هادئة تخفي خلفها حذرا ما..


كانت تقرأ في مصحفها حينما دخل..


لم يقاطعها وهو يخلع ملابسه.. ويسترق النظرات إلى هدوءها العميق وهي تتلو


جلس على سريره وهو مازال يراقبها.. أنهت وردها.. وخلعت جلالها ثم التفتت لتهمس له بهدوء: عسى العيال ما تعبوك؟؟



همس لها بهدوء مشابه: لا أبد..


كانت تتجه للتسريحة وهي تفك شعرها لتمشطه.. يستغرب منها.. شعرها يبدو مسرحا وغاية في الترتيب.. فلماذا تسرحه مرة أخرى


تنهد (الخبيثة.. تعلم أن أمواج العسل هذه تفقدني صوابي)



همست وهي تمشط شعرها وتسترق النظرات له وكأنها تحاول أن تستشف ما الذي يحدث لهذا الرجل:


بتبات الليلة هنا وإلا في بيتك؟؟



صالح بنبرة قاطعة: حسب التياسير.. بأشوف..


ثم أردف بنبرة مقصودة: ليش ما قلتي لي إن فكرة الروحة لجنغل زون فكرة عالية؟؟



هزت نجلاء كتفيها وهي تهمس بنفس نبرته: أولا ما عطيتني فرصة.. شايل في قلبك علي واجد ياولد عمي.. ولقيتها سبب


ثانيا مهيب حلوة في حقي ولا حق عالية.. كني بزر أقول ترا مهيب فكرتي أنا تراها عالية..



صالح لم يجبها وهو يتمدد على سريره ويضع ذراعه على وجهه..


كثير كل هذا عليه..


يكفيه ضغط عودة عبدالله وما يحدثه من صدمات..


كم يحتاجها إلى جواره في هذا الوقت بالذات.. أنهكه اشتياقه لها!!


وأنهكه فيض مشاعر أهله الذي يشعر أنه يشارك عبدالله في تلقي صدماته..


منهك من كل شيء.. من كل شيء!!



بدأ يشعر بالنعاس أو ربما يهلوس..


حركتها جواره..رائحة عطرها قريبة جدا..تلتها همساتها الدافئة في عمق أذنه: ما تبي تقول لي وش اللي مضايقك؟؟



همس بخفوت عميق شفاف دون أن يزيل يده عن وجهه:


متضايق من اشياء واجد.. وأكثر شيء مضايقني أني في ضيقتي هذي مالقيتش جنبي



همست بخفوت مشابه في عمق أذنه وهي تضع رأسها على نفس مخدته:


أنت اللي مبعدني عنك.. وإلا لو علي أبي أكون أقرب لك من أنفاسك..



همس بذات نبرته العميقة الخافتة: لو بغيتي تكونين قريب..بتكونين..


يا كثر ما كنتي تبعديني عنش لكني ماكنت أسمح لمحاولاتش تبعدش عني


لكن أنتي ما صدقتي تبعدين وتباعدين



حينها اقتربت منه أكثر.. احتضنت خصره وهمست بألم: زين أنا باحاول


بس أنت تكفى لا تقسى علي.. كفاني اللي شفته في الأيام اللي فاتت!!



صالح أزال يده عن وجهه ليحتضنها بها بخفة ويهمس بعمق: الحين كم يوم شفتيهم واجد عليش.. واللي له شهور يتعذب وش حيلته



نجلاء حينها همست بعمق مشابه: حيلته يوعدني مايجرحني.. وأنا أوعده أرضيه باللي يبي



إحساس أشبه بإحساس العائد من غربته إلى أحضان وطنه يجتاح خلايا كل منهما..


بينهما عشرة طويلة غلف مداد أيامها تغلغل كل منهما في روح الآخر..


وافتقاد كل منهما كان يخل بتوازن كل منهما ووجوده الذي يحسه وجودا ناقصا دون نصفه الآخر..



صالح يحتضنها بقوة وهو يقبل أمواج العسل ويهمس بعمق دافئ: وأنا أوعدش ما أجعش بكلمة.. واللي يوجعش يوجعني..








**************************************







" جوزا من جدش تبين تطلقين من امهاب؟؟"



جوزاء تضغط جانب رأسها بإرهاق بيد وتضم حسن لصدرها باليد الأخرى وتهمس بسكون:


الله كاتب له نصيب أحسن مني.. ربي رحمه



شعاع بألم: زين انتظري شوي.. يمكن عبدالله مايبي يأخذ حسن..



جوزا بتهكم مشبع بالألم: مايبي؟؟ أنا متاكدة إنه يبي له فرصة بس.. شوفي الحين عادنا عقب صلاة العصر


صار متصل بعبدالرحمن فوق خمس مرات يقول يبي يشوف حسن..


فرضا صدقت إن الشيطان صار ملاك وخلا حسن معي عقب ما أتزوج..


وش ذنب امهاب ينط عبدالله له كل يوم بحجة يبي يشوف ولده مع أني متاكدة إنه قصده التنكيد..


أنا ليش أخلي حياتي معلقة برغبات عبدالله وكرمه.. الله الغني


السالفة هذي كلها لازم أخلص منها بأسرع وقت.. كل ما قرب وقت العرس.. كل ماصارت السالفة أصعب..


مستحيل أخلي لعبدالله طريقة يأخذ ولدي مني..



حينها شد حسن جيبها بخفة: ماما أبي عدالله.. بابا وينه؟؟



جوزاء مسحت على شعره وهي تهمس من بين أسنانه: بابا في اللي ما يحفظه يأمك



حينها بدأ بالإلحاح: أبي بابا.. أنتي دلتي بعدين.. الحين بعدين..



جوزاء كانت تحاول محايلته والتحايل عليه.. ولكنه كان يلح بإصرار ثم بدأ بالبكاء..


لتصرخ فيه بصوت عال: قلت لك بس خلاص.. ماتفهم.. مافيه بابا اليوم



حسن فتح عينيه ذهولا ثم انفجر في البكاء.. فجوزاء لم يسبق حتى أن صرخت فيه..


جوزاء نظرت لنفسها بذهول.. حاولت أن تحتضنه.. ولكنه قفز لحضن لشعاع وهو يتعلق بعنقها..


شعاع احتضنته بحنان وهي تنظر لجوزاء بعتب وتهمس بصوت عاتب منخفض:


جوزا عمرش حتى الصياح ماصحتي عليه.. وش الخطوة الجاية تضربينه إذا طلب أبيه



جوزاء بجزع: لا إن شاء الله.. تنقص يدي لو مديتها عليه..



شعاع بهدوء: جوزا.. عبدالله صار حقيقة ما تقدرين تلغينها.. ماراح أقول الذنب ذنبش إنش علقتي حسن فيه


لكن بأقول الحين إنها رغبة رب العالمين.. الله سبحانه راد أن عبدالله يرجع ويلاقي حسن متعلق فيه كذا لحكمة


الحين هل كل ما طلب حسن أبيه بتصارخين عليه.. جوزا لا تعقدين البزر تكفين.. عبدالله أبيه من حقه يشوفه



حينها انفجرت جوزاء في البكاء: متى صار إبيه؟؟ هذا ولدي بروحي.. ولدي أنا..


شوفي أشلون حسون يطلبه ويبكي عليه.. يعني جاته محبته على الجاهز ماتعب فيها


لكن أنا اللي سهرت وتعبت وربيت خلاص مالي حق..



شعاع بألم: ياجوزا عمرها ماكانت كذا.. الحب ربي قسمه بين الأم والأب.. وماحد يأخذ غلا الثاني..


وحسن لو حب أبيه.. محبتش هي نفسها ما ينقص منها شيء



جوزاء بألم: عمره قلبي ماراح يصفى لعبدالله الزفت مغماز أبليس ذا.. لكن لأجل عين تكرم مدينة


تعال حسون حبيبي لا تبكي.. بأخلي خالي عبدالرحمن الحين يوديك لبابا..



حسن قفز من حضن شعاع ليتعلق بحضن أمه التي احتضنته ودموعها تسيل بصمت مثقل بوجعها الذي مزّق روحها المرهقة كل شيء..






*******************************************







" هو ماقال لك إنه بيجيبها عقب صلاة العصر؟؟"



عبدالله ينظر لساعته وهو يخاطب فهد.. فهد يجلس على أريكة في غرفة عبدالله المؤقتة في بيت صالح ويهتف بهدوء:


إلا قال.. بس عاد من دقة هزيع في المواعيد قالوا لك ساعة بيغ بين..



عبدالله يعاود النظر للمرة الألف من النافذة: صار لنا أكثر من ساعة راجعين من الصلاة.. ومهوب من بعد بيتنا ............



بتر عبارته.. ماعاد حتى يستطيع أن يقول أن البيت (بيتنا) وصاحبه ينبذه..


هذا وهو مازال لا يعلم أن والده علم بعودته ورفضها..



همس لفهد وهو يعود للجلوس: إلا عالية موافقة برضاها على عبدالرحمن؟؟..



فهد ينظر ليديه ويهتف بهدوء: ليه عالية حد يقدر يجبرها على شيء ماتبيه؟؟.. وبعدين عبدالرحمن مافيه عيب عشان ما توافق عليه



عبدالله يهز كتفيه: حبيت بس أتاكد..ومتى حددوا العرس؟؟



فهد بذات الهدوء: مابعد حددوه.. عالية باقي عليها فصل واحد.. يعني بترجع من فرنسا في عطلة الربيع..


إذا رجعت حددوه..



عبدالله بعدم رضا: بس كذا الملكة بتبطي.. يمكن يكملون سنة ماعرسوا.. وهذا مهوب سنع..



فهد بنبرة مقصودة: زين إنك عادك تعرف السنع ماسجيت منه..



عبدالله نظر له بشكل مباشر وهتف بذات النبرة المقصودة: والله أشوف ناس واجد مضيعين السنع.. اللي أهمها احترام الكبير


ترا الفرق بيني وبينك مهوب سنة وإلا سنتين.. أربع سنين..


وأشوفك من يوم جيت وأنت حاد علي سكاكينك..


فأنت اللي اعرف السنع واحترمني..



فهد تنهد وهو يقف ليميل على رأس عبدالله ويقبله ويهتف بحزم موجوع:


السموحة يأخيك..استحملني شوي.. أنا مستوجع منك واجد.. غصبا عني..


والله يوم أضايقك كني أضايق روحي.. بس وش أسوي بطبعي الأقشر..



عبدالله يشير بيده بضيق: خلاص ماصار الا الخير.. كلّم هزاع شوف وينه..



بعد انتهاء عبدالله من عبارته كان صوت هزاع قادما من الصالة عبر باب الغرفة المفتوح: وين أنتو يا جماعة الخير؟؟



فهد هتف بصوت عال: تعالوا يمينكم



بينما عبدالله وقف وهو يشد له نفسا عميقا ويريد أن يتوجه بنفسه للخارج لولا أنهما دخلا فورا


.


.


.



عالية منذ خروجها من البيت وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها..


هزاع هتف لها مازحا وهو يحاول تخفيف توترها: لا تكونين رايحة لاختبارات الثانوية العامة بدون ماتذاكرين؟؟



عالية باختناق: هو وينه قاعد؟؟



هزاع حينها تحول للسكون: في بيت صالح..


ثم أردف بتحذير لطيف: يا ويلش تبكين..



عالية باختناق أكبر: كيفي أبكي ما أبكي.. مهوب شغلك..



هزاع (بعيارة) : مهوب شغلي.. رجعنا للبيت..



عالية بجزع: لا فديتك.. شغلك ونص..


ثم صمتت وذكريات أثيرة دافئة تأخذها للبعيد..


يومها الأول في المدرسة..


كان هو في حينها الرابعة عشرة.. أصرَّ أن يذهب معها رغم أن أمها كانت معها.. أوصلها حتى باب المدرسة ثم همس في أذنها بخفوت:


إذا ما بكيتي اليوم في المدرسة.. العصر بأخلي صالح يودينا أي مكان تبينه بسيارته الجديدة.. وخذت من أبي فلوس وخليتش تشترين كل اللي تبين


بس لا تبكين..



هزت رأسها بعينيها الدامعتين..وهي تمسح أنفها المبلل بطرف كمها ثم انفجرت في البكاء..


ورغم أنها لم تفي بوعدها له أخذها في جولة مع صالح واشترت كيسا ضخما من الحلويات..



مع عبدالله بالذات في ذكرياتها حديث وشجن.. الكثير من الشجن..


حينما كانت صغيرة مدللة وعنيدة كان يعرف كيف يقنعها بما يعجز عنه الجميع..


كان يهمس في أذنها كأنه يخبرها بسر خاص بهما..وهمساته الحانية كانت دائما تصب في قلبها كالسحر...



حينما سافرت لفرنسا للدراسة لأول مرة.. كان هو من رافقها أيضا.. همس لها همساته التي ما فارقت أحلامها:


كنت معش أول يوم مدرسة.. لازم أكون معش أول يوم جامعة..



حينما أراد أن يعود.. تعلقت به وبكت مطولا..همس لها وهو يحتضنها: لا تفشليني وأنا حاط ثقلي كله في دراستش..


أبيش ترفعين رأسي... ويوم أسمع طاريش واسمش أنفخ ريشي وأقول هذي أختي..



غرزت أضافره في عضده وبكت أكثر وهي تدفن وجهها في صدره: زين اقعد عندي شوي بعد..



مازالت تذكر حينها ابتسامته التي ابتسمها لها وهو يبعدها عنه بحنو ويمسح وجهها.. ابتسامته هو التي لا مثيل لحنوها واختلافها:


هذا نايف عندش.. حطي بالش عليه.. والله الله فيه..



ثم عاد ليميل على أذنها ويهمس بحزم عميق: وتذكري زين إن الدين والحشمة مهوب لديرة دون ديرة.. ربش فوقش هنا وإلا في الدوحة..


ما نبي حد يقول بنت آل ليث طلعت فرنسا وغيرت جلدها..


ولا تبكين خلاص.. ما أبي أشوف دموع وأنا رايح



هزت رأسها أيضا.. وانفجرت باكية.. وهي تعود ركضا لغرفتها حتى لا تراه وهو يغادر الشقة...


.


.



هزاع بقلق: عالية بسم الله عليش ليش تبكين كذا كنش مقروصة..



عالية انتبهت أن هزاعا أوقف السيارة على جانب الطريق وأنها انفجرت تبكي دون أن تشعر


أدخلت يدها تحت نقابها لتمسح وجهها وهمست بصوت مختنق: انتظر بس خمس دقايق خلني لين أهدأ..



ولكن الخمس دقايق طالت أكثر من ذلك بكثير.. لأنها لم تتوقف عن النشيج الموجع الذي مزق قلب هزاع عليها: تبين نرجع البيت؟؟



عالية بجزع عميق: لا تكفى وش نرجع.. خلاص خلنا نروح.. أنا ما كنت أبكي قدامه.. بس شكل البكية حاصلة حاصلة..



.


.



وهاهي تدخل الآن بخطوات متوترة.. ولكنها تود لو تطير.. كانت تتعلق بذراع هزاع الذي دخل بها إحدى الغرف حين سمع صوت فهد فيها..



دخلت الغرفة..


كان يقف في منتصفها تماما


توقفا كلاهما.. كلٌّ في مكانه..


هو ينظر لوجهها المحمر وأجفانها التي بدأت بالانتفاخ


وهي تنظر إلى كل تفاصيله.. تريد أن تتأكد أنه هو ذاته أمامها.. ليس حلما ولا هلوسة ولا خيالا


يجتاحه الحنان..


ويجتاحها الحنين..


عاصفة عاتية من الشعورين يدور رحاها بينهما


كانت تريد أن تركض ناحيته ولكن قدميها ثبتتا في مكانهما وعيناها تتجمع فيهما فيضانات من الدموع تنذر بالانهمار بلا توقف


هاهو أمامهما كما هو قبل أربع سنوات وهي تودعه عريسا بعد زواجه بشهر


لتفجع بعد عودتها بأنه اختفى من الوجود.. وأنه أصبح طيفا راحلا تتجرع ألم ذكراه وحرقة غيابه..


أنه ماعاد بقي لها من عبدالله سوى ذكريات باردة لا تحمل دفء راحة يديه ولا حرارة مشاعره


تتذكر المرة الأولى التي حملت حسنا بين يديها.. كيف انفجرت باكية بهستيرية وفيض حزنها وضغط مشاعرها وذكرياتها يجرفانها نحو البعيد البعيد



وهاهو والد حسن الآن أمامها.. هو من سيربي حسنا بنفسه إن شاء الله.. لن يكون حسن اليتيم بعد اليوم..



وإن كانت هي جمدت مكانها فهو كان من تقدم ناحيتها.. وهو يهمس لها بابتسامة حانية مثقلة بالحنين العميق: هي السنين تخلي البنات حلوين كذا!!



حينها كان قد وصلها.. تعلقت بجيبه بقوة وهي ترتمي في حضنه وتنفجر في بكاء غير مسبوق.. فجع أشقائها الثلاثة


فهد يهمس لهزاع بتأثر: وش فيها أختك.. لا تكون قررت تصير أنثى عقب ذا السنين ..؟؟



عبدالله كان يشد على عالية المنهارة بكاء في حضنه وتأثره يتعاظم وإحساسه بالذنب يخنقه..


لينتزعه من تأثره لكمات رقيقة على صدره وكلمات مبعثرة من بين نشجيها: وين كنت؟؟ وين كنت؟؟



عبدالله يمسك كفيها بحنو بيديه الاثنتين: أنتي كنتي تدرسين هندسة جينية وإلا مصارعة؟؟



عالية تمسح وجهها الغارق بالدموع بعضدها لأن يديها بين يديه وهي تهمس باختناق: وأنت كنت ميت وإلا تلعب علينا؟؟



عبدالله يبتسم وهو يفلت يديها ليمسح وجهها بأطراف أنامله ثم يحتضن وجهها بين كفيه: فديت الوجه.. والله كبرتي يا بنت وصرتي عروس



تناولت كفيه من وجهها لتنثر فيهما قبلاتها وهي تشهق: الحين يحق لي أكون عروس



عاود شدها ليحتضنها بقوة وهو يهدئ روعها مع تزايد شهقاتها.. ثم جلس هو إياها على الأريكة دون أن تفلته


مضت عدة دقائق من صمت وهي تبكي على صدره وتحتضن خصره بذراعيها


حتى هتف فهد بمرح: قولو لا إله إلا الله ياجماعة الخير..


الرجّال ترا راجع للدنيا مهوب طالع منها على ذا البكا كله..


حشا علوي خزان دموع مهوب آدمية..



عالية ترفع رأسها وتمسح أنفها المحمر وتهمس بابتسامة شفافة: يأخي مبسوطة ودموعي كيفي فيها.. شيء من حلالك أنت



فهد يبتسم: نخاف عبدالرحمن يقاضينا عقب يقول مرتي نشفت دموعها..



عالية تمسح وجهها بيديها الاثنتين: لا تخاف عليه هو أصلا مجهزة له خزان دموع له بروحه.. بلفيت أني أنثى يعني..



عبدالله يبتسم بحنو: مبروك يا الغالية .. الله يوفقش.. عبدالرحمن رجّال فيه خير



عالية حينها ردت بخجل: الله يبارك فيك



هزاع يضحك: شوف الأخت قبل شيء مادة لسانها عند فهد ومجهزة للدحمي خزان دموع


ويوم بارك الله لها عبدالله سوت روحها مستحية...



عالية تميل لتقبل صدر عبدالله ثم تقبل خده وتهمس بمرح باكٍ: ما أبيه يتروع من أولها... عطه شوي وقت لين نعطيه مثلكم..






*******************************************







" بارك لي يأبيك"



كساب تتحفز مشاعره وهو يلتفت لعمه الذي كان يرتكي على مقعده بفخامة ويرتشف فنجانا من القهوة: مبروك بس على ويش؟؟



منصور بحميمية فخمة: بأصير أب..



كساب قطب جبينه: من جدك وإلا نكتة ذي؟؟



منصور يناول المقهوي فنجانه وهو يهزه ويلتفت لكساب بغضب: استح على وشك قدام أسبحك بدلة الصبي الواقف..



كسّاب ينظر لعمه بنصف عين وهو يهتف ببرود: تدري ياعمي نكتة مثل ذي ترا ما تلبق لواحد مثلك..



حينها عاود منصور الارتخاء على مقعده وهو يشير للمقهوي أن يصب له فنجانا آخر ويهتف بحزم متمكن:


تدري الشرهة علي اللي بغيتك أول واحد أبشره.. ولو أني ماني بمبسوط وما أبي أعكر مزاجي بوجهك العكر.. وإلا كان وريتك شغلك


بس ما أبي أخذ ذنب بنت آل سيف تدخل عليها ووجهك مشرح..



حينها مال كسّاب على عمه بتساؤل: عمي من جدك؟؟



منصور حينها هتف ببرود: ماعليك مردود



كسّاب قفز ليقبل أنف عمه: أفا.. ما أسرع يحضر زعلك يأبو زايد.. إذا أنت صدق صادق.. فأنا في وجه زايد الصغير



حينها ابتسم منصور: دام دخلت في وجه زايد الصغير فأنت وصلت.. اللي في وجه ولدي.. في وجهي..



حينها اتسعت ابتسامة كسّاب وهو يهمس بسعادة حقيقية: كفو كفو زايد وأبيه..


ثم أردف وهو يقبل رأس عمه مرة أخرى: مبروك ياعمي ألف مبروك



ثم أكمل وهو يغمز بعينه: بس وش سالفة عندي عيب وما أبي أعالج وعقبه حتى شهر ما كملت إلا خالتي حامل؟؟



منصور ينظر له بنصف عين: هذا اسمه تنظال؟؟ وإلا اعتراض على قسمة رب العالمين ؟!!







*********************************







" أشلون يعني ياعبدالرحمن؟؟


خلاص؟؟ خلاص؟؟ "



عبدالرحمن بألم يحاول إخفائه خلف هدوء صوته: النصيب كذا يا سنايدي..


جوزا تعبانة.. وخايفة عبدالله يأخذ ولدها منها.. ونفسيتها تعبانة..


والطلاق كل ما تاجل كل ماصار الموقف أصعب..



مهاب بحزم وتصميم: أنا شاريها يا عبدالرحمن..



عبدالرحمن تزايد ألمه: وحن والله شارينك أكثر.. بس السواة سوات الله... صحيح إنها أختي بس صدقني إنها الخسرانة


وأنت الله بيكتب لك نصيب أحسن منها..



مهاب شد له نفسا عميقا وهتف بحزم: ومتى تبون الطلاق؟؟



عبدالرحمن تنهد: خلنا نروح بكرة الضحى للمحكمة...



مهاب يوقف سيارته أمام بيت عبدالرحمن لينزل عبدالرحمن ويهتف بخيبة أمل عميقة لم يستطع إخفائها:


خلاص عبدالرحمن تم.. نتقابل بكرة الساعة 10 في المحكمة..




مُهاب حرك سيارته على غير هدى..


طوال حياته كان تفكيره في نفسه في ذيل أولوياته..


حتى في زواجه من جوزاء لم يكن يفكر في نفسه أكثر من تفكيره في حسن وقرب عبدالرحمن


ولكنها الآن أصبحت تنتمي له.. زوجته وارتبطت باسمه.. فلماذا حتى هذا الحلم أصبح كثيرا عليه؟؟


لماذا بعد أن استعد ليكون زوجا وأبا ورتب حياته على أساس ذلك ينهار كل ذلك من أجل من عاد من الموت..


لماذا بعد أن أصبحت شريكة لأحلامه تنتزع منه حتى الأحلام بهذه القسوة؟؟


لماذا ؟؟ لماذا؟؟


لــمـــــــاذا؟؟؟؟







********************************







" صافية وش فيش؟؟


قد حن بين الصلاتين وأنتي عادش منسدحة.. واليوم كله تقومين وترجعين تنسدحين


عسى منتي بتعبانة؟؟"



أم صالح تعتدل جالسة بحرج وهي تعدل وضع برقعها ولفتها عليها وتهمس باحترام بصوتها المرهق:


لا فديتك ماني بتعبانة.. بس سويت اليوم ريوق لوحدة والدة.. وتعبت شوي



أبو صالح يجلس جوارها ويهتف بهدوء يخفي خلفه ألما نفسيا عظيما متجسدا بوحشية تصاعد منذ لقاءه مع صالح حتى غشى أطراف الروح :


الاسبوع اللي طاف سويتي لي ريوق رياجيل وأنتي مع الخدامات من قدام الفجر.. وماجاش نفس اللي جاش اليوم


قومي خلني أوديش الطبيب.. سدحتش ذي مهيب جايزة لي..



أم صالح بذات الإرهاق العميق: والله العظيم مافيني شيء..


بس يا خالد.......



ثم صمتت.. بينما أبو صالح استحثها: بس ويش؟؟



أم صالح بعمق مجهول: من أمس وأنا قلبي كنه يعصر.. ما أدري وش أقول لك.. تطري على طواري.. وكني أتنى لي خبر.. مستوجعة وعظامي ما تشلني..


أتعوذ من الشيطان.. والشيطان ماخلاني..


كنت متروعة على صالح.. ويوم شفته طيب تريحت.. بس ذا الوجع اللي في قلبي عيا يفارقني.. يا الله الستر من عندك..



أبو صالح تنهد بعمق.. مصدوم.. مذهول.. متألم..



" أ لهذا الحد شعرت بأنفاس عبدالله قريبة منها؟؟


أ لهذا الحد اغتالتها رائحته القريبة؟؟


ألهذا الحد تواصلها مع روحه أشعرها بقربه منها؟؟


سبحان الله كيف أنبأها قلبها أنه هنا.. وكيف بدأ يؤلمها اشتياقا لرؤيته!!


أ هذا الألم هو دقات قلبها تناديه؟؟


أ هذا الألم هو وطأة اشتياقها له؟؟


أ هذا الألم هو وجع الأيام التي مضت من دونه؟؟ "



همس أبو صالح بخفوت: حسيتي فيه هنا؟؟ حسيتي إنه صار قريب؟؟



أم صالح باستغراب: من هو؟؟



أبو صالح كأنه يحادث نفسه: عبدالله



أم صالح تراجعت بعنف جازع حاد وهي تهمس باختناق: أي عبدالله؟؟ خالد بسم الله عليك أنت وش تهوجس فيه؟؟



همس لها بذات الطريقة التي كأنه يحادث نفسه فيها: ما أردش تشوفينه.. هذا ولدش.. لكن أنا ما أبي أشوفه.. ما أبي أشوفه...



أم صالح بدأت ترتعش وهي تحاول الإمساك بكتفها الأيسر حيث شعرت بألم بشع يتصاعد وكلماتها تتبعثر: من ولدي هذا؟؟ أي ولد؟؟



أبو صالح لم يكن ينظر ناحينها.. كان ينظر أمامه ويحادث نفسه.. يحادث نفسه فقط : عبدالله ياصافية


عبدالله اللي رجع من الموت.. أربع سنين يلعب علي..


أربع سنين وأنا أموت في كل يوم ألف مرة.. أتحسر عليه ألف مرة..


أسبه ألف مرة.. وأبكي عليه ألف مرة..


وعقب ذا كله يطلع حي.. حي..


أربع سنين وأنا أشرب الحسرة.. حسرة ورا حسرة وأنا أدعي له بالمغفرة


حجيت له مرة.. واعتمرت له مرتين.. وبنيت له مسجد وحفرت له بيرين.. وكفلت خمس أيتام باسمه


وأنا ما أمسي الليل.. وأنا يتخايل لي ربي يعذبه.. فأقوم متروع من نومي أصلي وأدعي له وأدعي له


أسمعش تدعين ويكون ودي أقول كثري له الدعا..


وعقب ذا كله يا صافية يطلع حي ويلعب علي.. أربع سنين ناسينا والحين رجع..



أم صالح حينها أمسكت بذراع أبي صالح بقوة ليلتفت لها بصدمة وهو يستوعب صدمتها الكاسحة وهو يسمع صوتها يتحشرج..


لم يعلم حتى أنه كان يتكلم بصوت مسموع.. كان يحادث نفسه من خلالها



كانت أم صالح تنتفض بعنف..أطرافها ترتعش.. وعيناها تتقلبان..


حاول أن يسندها..وهو يصرخ بجزع: صافية وش فيش؟؟ وش فيش؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله أنا وش سويت؟؟



فإذا بها تسقط بين ذراعيه وارتعاشها يتزايد.. ويتزايد.. وصوتها يتحشرج بشدة..








*****************************************







" يا الله يأبيك تجهز.. الليلة متأخر طيارتنا.. وبكرة الصبح حن في الدوحة إن شاء الله"



تميم يهز رأسه موافقا ثم يشير بهدوء: خلنا نروح نسلم على عبدالجبار أنا شريت له شال صوف كشميري.. مالقيت عندهم شيء ينفع له غيره


المرة الجاية بأجيب له بشت صوف زين من الدوحة..



أبو عبدالرحمن لم يفهم جيدا ما أشار له به تميم فأعاد تميم الإشارة بطريقة أكثر تبسيطا.. حينها ابتسم أبو عبدالرحمن:


تدري إني قد جبت له فوق ست بشوت..



يبتسم تميم ويشير: ماعليه بشت زيادة مايضر.. مشتهي أجيب له شيء غالي


قلبي موجعني عليه الله يجبر كسره







****************************************







" عبدالرحمن ليش ماوديت حسون.. أنا وعدته أنك بتوديه


وقد حن الحين عقب صلاة العشا وأنت ما وديته


لو علي ودي إنه مايروح.. بس جنني.. وأنت كل ماقلت لك تهربت مني"



عبدالرحمن يجيبها بتأثر: وش أقول لش يا جوزا...ما أقدر أوديه.. أم صالح جاتها جلطة اليوم العصر.. وفي المستشفى.. والعرب حالتهم حالة..



جوزاء تفجر جزعها صاخبا وحقيقيا: وتوك تعلمني.. ولو ما سألتك كان ما قلت لي بعد..



عبدالرحمن بسكون متأثر: يعني تبين أبشرش بالخبر..



جوزاء بغضب: إلا المفروض أول مادريت بالخبر أنك جيت وقلت لي


أم صالح أعتبرها عدت أمي.. وكان لازم أطل عليها على الأقل.. وأشوف لو عالية تبي شيء



عبدالرحمن بحنان: خلاص يالغالية.. بكرة أوديش...



جوزاء بتصميم: وش بكرته؟؟ ودني الحين.. لازم أتطمن عليها بنفسي.. والحين







*****************************************







" عبدالله ما أقدر أخليك تطلع فوق"



عبدالله بغضب كاسح: وليش أنا ما أقدر أشوفها.. كلكم شوفتوها.. وانا لا..


مهوب كفاية إن اللي جاها جاها من سبتي.. وحتى شوفتها بتحرموني منها


خافوا ربكم فيني..


قلتو لي انتظر شوي.. انتظرت.. أكثر من كذا ما أقدر.. حس فيني يا صالح


حاس أني بأموت.. مخنوق ياناس...



صالح بحزم: ابي موجود عندها فوق.. وهو يقول ما يبي يشوفك.. ومحذرني أخليك تجي وهو موجود


انتظر شوي بعد.. لين يروح من عندها..



عبدالله يفتح باب السيارة ويستعد للنزول ويهتف بحزم بالغ: ما يبي يشوفني؟؟ خله يسكر عيونه..


مهوب رادني من شوفة أمي إلا الموت...





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 25-07-10 08:33 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



صباحكم ورد وياحياكم الله


سعيدة جدا فيكم وفي كل حرف تخطه أناملكم الغالية الله لا يحرمني منكم جميع


.


.



بنات سامحوني بس سبق وقلت الرواية حصرية على ليلاس وما أحلل أبد نقلها للنشر في المنتديات


لكن اللي تبي تنسخها لنفسها ما أمانع حياها الله


ومن هنا أقول كان فيه وحدة غالية بعثت لي خاص من زمان تبي نقلها لمنتدى ثان


لكن هالغالية معطلة خاصية الرسائل عندها فما قدرت أرد عليها


ولها بعد أقول سامحيني يالغالية.. ما يهون علي أردك ولا يهون علي أرد أي وحدة منكم


بس هذا شيء قررته من البداية وذكرت أسبابي


.


.


عبدالله وأخطائه المتكررة رغم شخصيته المتميزة


هذا شيء أنا قصدته تماما


أردت أن أؤكد أن الأخطاء لا يرتكبها فقط أصحاب الشخصيات السيئة أو الطيش


فالأخطاء قد يرتكبها المتدين والعقلاني والحساس لأبعد الحدود


فكلمة واحدة تقصد بها شيئا قد تُفهم شيئا آخر وتُشنق على مشانقها


تصرف واحد غير مدروس سيؤدي بك لسلسلة من الأخطاء الجسيمة


لذا لابد أن نكون حذرين قبل أن نتكلم.. قبل أن نتصرف


وحينما يحدث القول أو التصرف يجب أن تكون مستعدا لكل العواقب


هنا المغزى.. !!


وهذا هو بالفعل مدار بين الأمس واليوم كما سبق وذكرت في بداية الجزء الأول من الرواية..


.


.


فيه ناس توقعوا إن ردة فعل أبو صالح تكون أقوى شوي


بينما أنا قصدتها كذا.. شخصية مثله ما تظهر انفعالاتها بسهولة


لو أنا خليته ينفعل ويصارخ ويصيح ما يكون أبو صالح اللي من البداية رسمت له سمة الجلال والرزانة والمهابة


أنا حريصة جدا على رسم مسارات الشخصيات بحيث إن كل شخصية تعبر عن نفسها


لكن لأن من يقرأون متعددو المشارب والأذواق فلازم يصير خلاف في وجهات النظر


وكل الاختلافات على رأسي


وعلى العموم تونا في ردة فعل أبو صالح ماخلصناها بعد ومطولين معها


.


.


يالله مع الجزء السادس والثلاثون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والثلاثون






" عبدالله.. عبدالله.. عبدالله "



منذ بدأت تستعيد وعيها وهي لا تهمس بشيء عدا اسمه.. أنين..زفرات.. حسرات.. نزيف..


لم يكن مجرد اسم يُنادى.. كان شيئا فوق النداء وكل تصوارته..


لم تكن مجرد "أحرف" كونت "اسما" .. كانت أحرف "ألم" كونت "فجيعة"..


كانت روحها تذوب مع همسات الاسم الذي تنزفه روحها اشتياقا وفقدا.. الاسم الذي لا يرد عليها صاحبه..




" أين هو؟؟


ألم يقولوا أنه عاد من بعد الموت؟؟


ما باله لا يجبيني؟؟.. هل أصابكِ الجنون يا صافية؟؟


هل أصابكِ الخرف؟؟


هل تخيلتِ كل هذه الحكاية؟؟


الأموات لا يعودون.. لا يعودون"



ومع ذلك.. حتى وهي تظن أنها تخيلت ذلك.. لم تتوقف عن مناداته.. فالأمل أُطلق في قلبها.. اُطلق في قلب أم




" أنا رايح البيت.. خلوه يجيها"


هتف أبو صالح بحزم بذلك وهو يقف موجها الحديث للأربعة المتواجدين قريبا منه.. فهد وهزاع وعالية ونايف...


بينما كانت نجلاء تجلس في الزاوية ملتفة بعباءتها.. وغارقة في حزن شفاف لحال أم صالح.. وصدمة غامرة لعودة عبدالله..



عالية أمسكت بذراع والدها وهي تمسح وجهها الذي احمر لكثرة ماذرفت من دموع اليوم:


يبه وش ذا القسوة اللي عندك؟؟


ما تبي تشوف عبدالله؟؟ لو مهما كان اللي سواه مزعلك.. المسامح كريم


تكفى يبه.. عبدالله جاه ما كفاه.. تكفى تسامحه..



أبو صالح نفض يدها من يده بحدة.. بينما عالية تراجعت مذهولة من تصرف والدها الذي تعرفه مولعا بها لأبعد حد..


وهتف بحزم بالغ: ماحد منكم يتدخل في اللي ماله فيه شغل.. أخيكم بصركم فيه.. مارديتكم منه..


بس أنا ما حد منكم يهقى أنه بيمشي شوره علي



كان أبو صالح على وشك الخروج حينما تفاجئوا جميعا بالإعصار الذي اقتحم عليهم الغرفة وصالح يحاول اللحاق به..



عبدالله حينما اقتحم الغرفة لم يكن يبصر أي شيء فيها سوى المرأة المسجاة بالدثار الأبيض.. وقف للحظة وأنفاسه تعلو وتهبط بصوت مسموع..


وقف للحظة يملأ عينيه من محياها.. وكأنه يريد أن يعوض آلاف اللحظات التي مرت وهو يحلم بلثم هذا المحيا فلا يجد إلا سرابا


آلاف اللحظات التي مد يديه ليحتضنها فاحتضن خيالا شاردا مرا


آلاف اللحظات التي حلم فيها بعبق رائحتها ودفء أحضانها واختلاف حنانها.. فلم يجدا إلا صقيعا ومرارة وقسوة..



انتفض من أفكار الخيال ليغترف من الحقيقة.. لينكب على قدميها يقبلهما..


فتسقط غترته عند قدميها وهو يغمرها بقبلاته المشتاقة الموجوعة


وهي حينما شعرت بحرارة أنفاسه المختلفة على قدميها مدت يدها اليمين وهي تهمس بصوت مبحوح متقطع: عبدالله جيت؟؟



التقط يدها مقبلا مختنقا.. لينتقل لجبينها ووجهها وكتفيها وهو يهمس في أذنها باختناق:


جيت يالغالية.. جيت جعل يومي قبل يومش..


كذا تروعيني عليش.. توني ما كحلت عيني بشوفتش..



مدت يدها لتمسح خده وهي تهمس بصوت أثقلته العبرات.. صوت أرواه الحزن: صدق أنك عبدالله؟؟



عاود تناول كفها من خده لينثر في باطنها وظاهرها مزيدا من قبلاته المغرقة في الاشتياق والوجع


ثم نقل أنامله ليمسح قطرات انهمرت من عينيها: طالبش ما تبكين.. والله أني عبدالله.. جعل عبدالله فدا لخطاوي أرجيلش..



لم تستطع منع نفسها من البكاء: البكا يأمك قد بكيته وبكيته لين مل مني..



مدت يدها السليمة لتحتضن رأسه بارتعاش .. وتقربه هي منها لتطبع على خده قبلة واحدة مبللة بدموعها مثقلة بالنشيج والأنين..


تشعر أن كل هذا كثير عليها.. ابن يعود من خلف الموت بعد أن تجرعت طيلة سنوات ألم فقده


يعود بعد أن أشبعت الأيام بصدى بكائها الذي تردد في روحها ونخر عظامها كسوس لا يرحم..


يعود بعد أن ذوت الروح لفقده وهو عريس جديد ترك خلفه يتيما كلما رأته تجدد جرح قلبها الذي لا يندمل..




فترة مضت والاثنان على هذا الحال بين نشيج وأنين واحتضانات لم يشعرا فيهما بأحد..


رغم العيون العديدة التي احتضنت المشهد.. ورغم تعالي نشيج عالية بوضوح



وهناك شخص كان يقف.. كان سيغادر.. وأراد أن يغادر..


ولكنه رغما عنه.. وبقوة تفوق صلابته التي لطالما عُرف بأنها لا حد لها.. لم يستطع أن يغادر!!


قدماه مغروستان في الأرض.. وعيناه تنهشان بجوع مرير كل تفصيل صغير من تفاصيل العائد من خلف الغياب..


تفاصيل ربما لم يلحظها سواه.. جرح صغير غائر بقرب صدغه اليمين..


سمات مهابة متزايدة جللت وجهه الذي أُشبع من تفاصيل الحزن..


وما لاحظه سواه -وآلمه هو رغم الإنكار- شعيرات شيب تزايدت في عارضين كانا كسواد ليل بهيم..



" أكانت روحه تشيب كروحي؟!!


أ كان يشاركني حزنا لم نستطع إظهاره سوى ببياض شعيرات عكست سواد أيامنا؟!!


أ كان هذا البياض هو بياض أعين ذرفت الدموع حتى شاخت؟!!


أم هو وجع شق الروح وما استطاع الظهور سوى بشق طريقه بشعيرات بيضاء؟؟


لا.. لا.. هو ارتحل.. وهان عليه كل شيء..


ألقى بكل شيء خلفه.. وطنه وأهله.. وحتى سمعته


لم يهمه أي شيء..


وأنا كذلك لن يهمني أي شيء"



هكذا كان يفكر وهو ينظر لعبدالله وأمه ويذهب به التفكير فلا ينتبه أن عبدالله وقف واتجه ناحيته..


وقبل أن يتصرف كان عبدالله ينكب على يده مقبلا وهو يهتف برجاء عميق موجوع مستميت..


رجاء الهالك عطشا لقطرة الماء الأخيرة.. رجاء المختنق لنسمات الهواء المتبقية:


طالبك تسامحني.. أنا حاضر للي تبيه يبه.. بس سامحني جعلني فداك..طالبك




ارتعشت أعماقه حتى آخر خلية وهو يشعر بأنفاسه على يده.. ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز الروح لبنية الطود العظيم وهو ينتزع يده بحدة..


ويترك الغرفة مغادرا دون أن يتفوه بكلمة..




عبدالله وقف يغتاله حزن عميق أفسد فرحة كانت بذاتها مبتورة من كل ناحية..



" أنت شغال أفلام هندية أول شيء مع أختي ثم مع نسيبي..


والخال المسكين ماله من الحب جانب.. وإلا عشاني صبي يتيم نسيتوني؟!!"



عبدالله يلتفت لنايف وابتسامة شفافة تتسلسل لروحه وهو يحتضنه بعمق دافئ شاسع: المنسي غيرك ياخال.. ماكثروا جداني الخوال عشان ننساك..



نايف بتأثر عميق: يوم قالوا لي أنك حي.. ماصدقت لين شفت بعيني.. الحمدلله على سلامتك..


وترا عشاك أول ما تشالى أم صالح عندي.. بأعزم هل الدوحة كلهم..



صالح مقاطعا: مالك لوا ياخال... حن نبي نسوي لعبدالله عشا كبير أول.. بس خل نضبط الأوضاع... وانت عقب بصرك أنت وإياه..



أم صالح قاطعت سيل الحلف الذي بدأ بين الأنهمار.. وهي تشير بيدها وتهمس بضعف: عبدالله تعال اقعد جنبي يأمك..



عبدالله سحب مقعدا وجلس جوارها وهو يحتضن يدها بين كفيه..


حينها همست نجلاء التي كانت تجلس في الزاوية البعيدة بصوت مبحوح بدا أثر البكاء فيه واضحا: الحمدلله على سلامتك يأبو حسن..



عبدالله دون يلتفت رد عليها بنبرة احترام أخوية عميقة: الله يسلمش يأم خالد.. بشريني منش..



بعد انتهاء السلامات المتأثرة فعلا بين الطرفين.. عاود عبدالله الانتباه بكل مشاعره مع أمه يحادثها حينا ويقبلها حينا.. وهي تستمع ودموعها تأبى التوقف..


بينما صالح أشار لنجلاء أن تخرج حتى يوصلها للبيت....



بعد حوالي ساعة..


فهد الذي أنهى اتصالا التفت للمتواجدين جميعا: يا الله يا شباب... خلونا نطلع عبدالرحمن جايب أم حسن تشوف أمي..



الشباب الثلاثة فهد وهزاع ونايف نهضوا بتلقائية ليغادروا وهم يسألون عالية إن كانت تحتاج أي شيء لها أو لوالدتها بما أنها هي من ستنام مع والدتها..


ولكن الشاب الرابع كانت مشاعره أبعد ما تكون عن التلقائية والعفوية..


كانت غاية في التعقيد والالتباس وهو يريد أن يخرج قبلهم.. لا يريد حتى أن يكون معها في نفس الطابق.. لن يحتمل إحساسه بقربها أبدا..


وأكثر ما يؤذيه في الصميم ويجرحه أنها أصبحت لرجل آخر وحتى تفكيره بها لا يحل له ولا يجوز..


ولكن والدته لم تسمح له بالمغادرة وهي تتشبث به بقوة.. عبدالله همس لها بحنان: يمه فكيني بأروح شوي وبأرجع عليش.. بتجيكم مرة..



أم صالح همست له برجاء عميق بصوتها المبحوح: يأمك مابه حد غريب.هذي أم ولدك..أحذفها بالسلام.. واكيد مهيب مبطية.. بتسلم وتروح..


طالبتك ماتروح...



عبدالله أشار لعالية بعينيه (أنقذيني).. عالية همست لأمها بحنان: يمه خلي عبدالله يروح لين تروح جوزا.. مهوب رايح مكان.. قريب منا.. وبيرجع علينا



عاجزين عن فهمها وهي عاجزة عن إطلاق إساره.. لم تطمئن روحها بعد أنه عاد إليها..فكيف يريدونها أن تتركه؟؟..


حتى يختفي مرة أخرى.. حتى لا يعود لها؟؟



همست حينها أم صالح بتصميم رغم إرهاق صوتها المنهك:


خلاص ما يبي يواجه جوزا.. كلميها تعذري منها وقولي لها ترجع يوم ثاني دامه يبي يفشلني..


عبدالله الليلة مهوب مفارقني شبر..



عالية بجزع: يمه وش أكلم جوزا وأقول لها لا تجي.. المرة صارت تحت.. وجايه متعنية ذا الحزة



عبدالله حينها هتف بحزم وهو يقبل يد أمه: ما يصير إلا اللي يرضيش.. أنا الليلة عندش ما أنا مفارقش مكان..



أم صالح شدت على يد عبدالله وهمست بألم عميق: تكفيني السنين اللي أنت فارقتني فيها.. مستكثر علي ذا الليلة؟؟



بعد دقائق كان باب الغرفة يُطرق بخفة..


جوزاء كانت متأكدة أن من مع أم صالح عالية وربما بعض شقيقاتها أو نجلاء.. لذا فتحت الباب ودخلت بهدوء لا يحركها سوى رغبتها الصادقة بالاطمئنان على أم صالح..



جوزاء رفعت طرف الشيلة عن عينيها حتى تنظر.. لتفجع بكل وحشية بالجالس جوار أمه..


تأخرت خطوة وكانت تتمنى لو تهرب ملايين الخطوات!!


تأخرت خطوة وهي تتمنى لو كان بينهما كل قارات العالم ومساحاته الشاسعة!!


تأخرت خطوة وهي تشعر أن جدران الغرفة تتقارب لتطبق على صدرها.. وتسحقه..



هو لم يرفع بصره مطلقا إليها.. رغم أنه روحه كانت تذوي وهي تطالبه بمجرد نظرة.. نظرة واحدة..


ولكنه لم يستجب وعيناه مثبتتان على يد والدته التي تمسك بيده..



وهي شعرت باختناق محرق وكأنها القيت وسط نار مستعرة عاجزة عن التنفس وأطرافها تذوب من حرارة النار والكراهية التي لا حدود لها..


إن كان هو لم ينظر.. فهي نظرت ونظرت ونظرت وهي تشعر بكراهيتها له تتجسد وتتجسد وتتجسد لتتحول إلى غول ضخم يوشك على الانقضاض والتدمير..



"مازال كما هو.. وسيما متفاخرا.. شعيرات بيضاء زادته وسامة وتفاخرا


بينما أنا ازددت بشاعة وقبحا


هو لم يتغير .. بينما أنا تحولت بفضله إلى مخلوق بشع شكلا ومضمونا"



ضمت قبضتها بقوة.. وأظافرها تنغرس في باطن كفها..كانت تود أن تصفعه وتصفعه وتصفعه حتى تطفئ بعضا من نيرانها المتأججة..


أو على الأقل أضعف الإيمان تمنت لو تهرب من هذا المكان الضيق الذي جمعهما..


ولكن بما أنها لا تستطيع فعل أحد الأمرين


فأقل ما تستطيعه أن تشعره أنه غير ذا أهمية بالنسبة لها.. وانه لم يحرك في داخلها أي ذرة إحساس.. لأنه مخلوق لا وجود له بالنسبة لها


مجرد هباء... هو لا شيء.. لا شيء أبدا..


كل هذا التفكير كان في مجرد ثوان.. وهي تشد لها نفسا عميقا بعده.. وتهمس بثقة غامرة وإن كانت مصطنعة : السلام عليكم..



عالية تقف لتسلم عليها وهي ترحب بها.. بينما جوزاء دارت من ناحية السرير الأخرى.. وقبلت كتف أم صالح..


لم تقترب من رأسها حتى تبتعد عنه قدر الإمكان..


وهمست لها من قرب: الحمد لله على سلامتش يمه.. خطاش الشر..جعلها سلامة طويلة يارب.. وأجر وعافية..



همست لها بصوت خافت.. همسات مزقت هذا الصامت المنحني بنظراته على يد والدته..


همساتها كانت قريبة.. دافئة.. حانية..


رغما عنه.. صبت في النقطة الأعمق في روحه لترتعش هذه الروح المرهقة..


سيجن شوقا لها ولهمساتها.. سيجن!!



"يا الله أي عاشق متيم مجنون أنا؟!


أ هكذا هو العشق بكل حالاته.. أم هذه حالة خاصة بي تلبستني شياطينها؟؟


حالة خاصة بي هي عقوبة رب العالمين لي على كل مافعلته!!"



همست لها أم صالح بضعف: الشر ما يجيش.. ما كان تعنيتي يامش ذا الحزة وخليتي حسن.. أنا مافيني إلا العافية



جوزاء همست بحياد وهي تبتعد لتقف بجوار عالية: حسن عند جدته وخالته.. وما أقدر أدري أنش تعبانة وما أجيش.. أنتي مع كل شيء صار أمي..



شددت النبر على عبارة (كل شيء صار) تشديدا لم يفهم مقصدها منه سواه..



همست أم صالح لعبدالله: سلّم على أم حسن يأبو حسن..



عبدالله هتف بهدوء يختلف عن أعاصير جوفه ودون أن يرفع بصره: أبيها تخلص سلام عليش أول..


مساش الله بالخير يأم حسن..



جوزاء تمنت ألا ترد عليه.. أن تخرج خارج المستشفى بكامله في هذه اللحظة.. ولكنها لم ترد أن تشعره بتأثيره المرعب عليها.. وإحساس مر بالكراهية والبعض والحقد يتصاعد في روحها حتى خنقها


(يسلم كنه ما سوى فيني شيء


يمسيني بالخير.. والخير ودعته مع شوفة وجهه)



ورغم كل مرارة مشاعرها المعقدة النارية..همست بهدوء يشابه هدوءه الملغوم: الله يمسيك بالنور.. والحمدلله على السلامة..


ما هقيت أن أمريكا تقوم حتى الميتين من قبورهم يأبو خالد ..



رغما أنها فلتت العبارة الأخيرة.. لم تستطع منعها..خصوصا وهي تشدد النبر على ختام العبارة.. وعلى (أبو خالد) وكأنه توصل له رسالة ما وهي تناديه بكنيته القديمة باسم والده.. وكأنها تريد إبعاده عن ابنها.. فهو لا يستحق أن يكنى بأبي حسن.. لأن حسن ابنها هي!!


وماهمها في الموضوع هما أم صالح وعالية فقط.. وخصوصا أن الاستياء ظهر في وجيهما واضحا



عبدالله أجابها ببرود: الله سبحانه إذا بغى رد الميتين.. ورد حقوقهم عليهم بعد..يأم حسن



هذه المرة هو من قصد أن يوصل لها رسالة واضحة.. وصلت لها بكامل الوضوح لترتعش رغما عنها


(الحيوان النذل.. يهددني بولدي... الحين صار له حقوق عندي..


لو أدري إنه عند أمه.. والله ما أجي)



جوزاء مالت على أذن أم صالح وهمست لها بخفوت شديد فلم يسمع صوتها سواها.. همست لها ببضع عبارات.. ثم سلمت على عالية وغادرت..



حينما غادرت همست عالية بضيق: ما تخلي طبعها الشين.. هي وقط الكلام على غير سنع..



همست لها أم صالح بحزم رغم ضعفها: أنتي آخر من يتكلم عن قط الكلام على غير سنع.. وجوزا ما تجيبين طاريها إلا بالزينة..


يوم بغيت أموت عقب خبر عبدالله.. ماحد قام بي غيرها... والله لو أنتي اللي عندي ما تسوين سواتها.. وجميلها فوق رأسي لين أموت..



عالية تقف لتقبل جبين والدتها وتهمس بعمق: وأنتي تدرين زين أني عمري ما عتبت على كلمة تقولها..


بالعكس أشوف أحيانا إن كلمتها اللي تقطها كلمة حق.. وأنا عمري ما كرهت الحق


لكن هي شايفتنا فرحانين برجعة عبدالله.. مالها سنع ذا الكلمة.. كان كتمتها في نفسها..




" يمه هي وش قالت لش يوم جات تطلع؟؟" عبدالله الغارق في أفكاره قاطع الجدل الدائر بتساؤله..



همست أم صالح بحزم بصوتها المنهك: كلام مالك فيه لزوم..



عبدالله برجاء: هي أمنتش ما تقولينه؟؟..



أم صالح باستغراب من سؤاله: لا..



عبدالله برجاء حازم: زين أنا أمنتش بالله تقولينه لي..



حينها أشارت له أن يقترب منها وهمست في أذنه بتأثر وهي تشد على يده: قالت لي يمه لا تزعلين مني طالبتش.. ما قصدت أحزنش.. بس أنا مجروحة منه.. مجروحة منه واجد..






***********************************







" يبه.. أبي أشورك في سالفة؟؟"



أبو غانم يلتفت لغانم: قول.. وش عندك؟؟



غانم يهتف بهدوء مدروس: عشان الرجّال اللي قلت لك عنه أنت وعمي


اللي يشبه عبدالله



أبو غانم بتوجس: وش فيه؟؟



غانم بذات الهدوء المدروس: أنا قلت عند عمي يشبه عبدالله.. بس لك أقول أني متأكد إنه عبدالله..



أبو غانم صمت لثانية ثم همس بنفس مبحوح والعبارة تتقطع: متأكد يأبيك؟؟



غانم بثقة: متأكد مية في المية..



أبو غانم شعر بألم عميق في قلبه والصدمة تثقل عليه بشفافية مذهلة.. ليهتف بعدها بسعادة حازمة:


أجل رحلتك اللي بتروح فيها احجز لي معك...أبي أشوفه بعيني..



حينها ابتسم غانم وهو يرتاح لتقبل والده للأمر ويربت على يد والده ويهتف بمودة دافئة: أجل قم أنا وإياك نتحمد لام صالح السلامة ونشوفه عندها..






************************************








" يبه أقدر أدخل؟؟"



صوت صالح يرتفع من خلال الباب الموارب.. ليرد عليه والده بصوته الحازم الذي يتبدى في ثناياه إرهاق عميق: تعال يأبو خالد..



صالح دخل بهدوء ليجلس بجوار والده الذي كان يجلس على طرف سريره.. هتف أبو صالح بحزم قبل أن يتكلم صالح: شوف عندك حكي غير أخيك قوله.. ماعندك توكل على الله..



صالح برجاء عميق: يبه ما يصير كذا.. موضوع مثل مثل ذا ما ينوخذ بالعصبية.. لازم تأخذ وتعطي فيه..



أبو صالح بنفس الحزم: صالح اقصر الحكي.. وتوكل على الله



صالح بنبرة رجاء أعمق: يبه شوف أمي وش صار لها.. هذي الحمدلله عدت على خير.. بس الدكتور يقول إنها ماراح تحمل جلطة ثانية



حينها شعر رغم عنه بالألم.. فهذه شريكة العمر كله: وأمك ما رديتها منه.. تشوفه مثل ما تبي.. بس أنا ماني بمجبور..



صالح يعلم أن والدته ستشكل نقطة ضغط قوية: زين يبه.. ويوم تشوفك طارد ولدها ومانعه من البيت ظنك إن ذا الشيء مهوب مأثر على صحتها..



أبو صالح بنبرة قاطعة.. لا يريد أن يتحدث.. متعب أكثر منهم جميعا: صالح قم عاد النفس عليك طيبة... فارقني في السعة..



صالح تنهد وهو يقف ويخرج ليغلق الباب خلفه ويترك خلفه هما كالجبال يُطبق على روح الشيخ المغموسة في حتى نهاياتها في هم مصفى


لا يستطيع انتزاع صورته اليوم من باله.. وهو مثقل بوجع الغربة ويبدو كما لو كان كبر سنوات كثيرة


كان الهم يتجلى واضحا من كل تقاطيعه.. لا يستطيع انتزاع هذه الصورة من خياله.. لا يستطيع!!


.


.


حين دخل صالح غرفته وجد نجلاء تصلي..ألقى غترته وجلس على الأريكة وهو يغمض عينيه ويسند رأسه للخلف..


بعد دقائق شعر بأناملها الحانية الناعمة تدلك جانبي رأسه.. وهمسها الرقيق : هونها تهون يأبو خالد..



رد عليها بصوت مرهق: تعبان يا نجلا.. تعبان.. كل شيء حاسه يضغط علي.. ابي وامي وعبدالله ومشاكل كل واحد منهم.. تعب امي وزعل ابي ومشاكل عبدالله الكثيرة


حاس اني بين نارين.. وخايف من كل خطوة لا يكون تأثيرها عكس اللي أبيه..


غلطت يوم علمت إبي برجعة عبدالله لأنه راح وصدم أمي..


حاس أن الذنب ذنبي...



نجلاء تحاول تطمين روحه بصوتها الهادئ العميق: لا تحمل نفسك كل شيء يا قلبي


صدقني عمتي لو درت بالخبر بأي طريقة كانت بتتعب... الموضوع مهوب بسيط


هذي رجعة واحد ميت... أنا كان بيجني سكتة يوم دريت... أشلون أمه وهي مرة كبيرة مثلها ومريضة..



صالح بضيق عميق: بس بعد أنا المسؤول.. كان المفروض انتظرت كم يوم وأنا أمهد لها قبل أقول لأبي..


لو أمي صار لها شيء بعيد الشر عنها.. كان عمري كله ماسامحت نفسي






**************************************







" الحين أبي أدري وش فيش... من يوم جيتي من المستشفى وأنتي في بكية وحدة"



جوزاء لم تجبها وهي مستمرة في بكاء عميق خافت مثقل بالأنين والوجع



شعاع همست باصرار: والله ان قد تقولين لي وإلا والله لأزعل عليش



جوزاء من بين أناتها الممزقة: شفته .. شفته عند أمه... حسيت شريط حياتي الأسود كله يمر علي في لحظة..


لا ويهددني بعد يأخذ ولدي...



شعاع شهقت: شفتي عبدالله؟؟



جوزاء بنبرة كراهية خالصة: شفته الله يأخذه.. الله يأخذه.. الله ينتقم منه.. مستحيل يرتاح وأنا باقي فيني روح ماذبحها..



ثم أردفت بألم عميق عميق: اللهم لا اعتراض بس ليه الدنيا عاكست معي كذا.. بكرة بأتطلق.. واليوم شفت الزفت وهددني يأخذ ولدي مني


أنا قاعدة احترق الحين ياشعاع.. احترق.. حاسة إن روحي تحترق وجسمي يحترق..


حاسة بوجع في كل مكان فيني... حاسة عروقي مولعة وراسي بينفجر..



شعاع مدت يدها بخفة ولمست جبين جوزاء المحمر.. أرجعت يدها بجزع: جوزا أنتي مولعة صدق..


قومي البسي عباتش.. بأخلي عبدالرحمن يودينا المستشفى..



جوزاء بغضب: وعبدالرحمن لين متى مبتلش فيني.. ما أبي مستشفى.. اللي فيني ما يعالجه دكتور.. ما يعالجه إلا عبدالله يموت وإلا أنا أموت وأرتاح



شعاع بجزع: بسم الله عليش .. وش ذا الطاري..



جوزاء سحبت نفسها ودفنت وجهها في حجر شعاع وهي تحتضن نفسها بذراعيها وتئن:


اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. بس والله أني في ذا اللحظة أتمنى أموت.. خايفة من اللي بيجي كله..


وخايفة من عبدالله يأخذ ولدي.. حتى لو ماخذه جسم.. خايفة يأخذه روح.. خايفة حسن يحبه أكثر مني..


أنا من غير حسن ومحبته مالي في الدنيا حاجة.. مالي فيها حاجة...



شعاع بدأت دموعها تسيل على حال أختها وهي تمرر أناملها بحنو في خصلات شعرها وهي تقرأ عليها آيات من القرآن الكريم حتى هدأت وغفت..


حينها انسحبت بهدوء وهي تعدل وضعها ووضع حسن وتغطيهما ثم تخرج متوجهة لغرفة عبدالرحمن..الذي كان في لحظتها عائدا من المجلس..



عبدالرحمن هتف لشعاع باهتمام: ها وش علومها الحين؟؟



شعاع بألم : تعبانة ياعبدالرحمن.. تعبانة واجد.. أنا خايفة عليها.. تكفى عبدالرحمن إبي خلاص بيوصل بكرة الصبح من سفرته...


احجز لك أنت وجوزا عمرة.. ودها بكرة لا تتأخر.. أكيد إنها بتتضايق عقب مايطلقها امهاب..


تكفى عبدالرحمن إن شاء الله روحتها بيت الله الحرام تهدي نفسها وروحها شوي..



عبدالرحمن جلس وهو يمسح وجهه: وانتي وامي ما تبون تروحون معنا..؟؟



شعاع بهدوء: نروح في رمضان إن شاء الله مثل العام اللي فات.. الحين اهتم في جوزا بس..واحنا بنقعد مع حسن..







***************************************






" ما تخيلين وش كثر انبسطت بشوفة عمي.. ماشاء الله عليه ما تغير أبد"



عبدالله كان يهمس لعالية بخفوت حتى لا يزعج والدته النائمة.. والاثنان يقضيان الليلة عندها ساهران..



عالية تبتسم: صدق ماشاء الله عليه عاده جنتل ومزيون.. لولا غلا أم غانم وإلا كان خطبت له بنية مزيونة



عبدالله صمت لدقيقة ثم أردف باستغراب: تدرين عالية... ماهقيت إن جوزا تعرف تقط كلام بذا الطريقة



عالية بسخرية: ما تعرف تقط كلام؟؟ جوزا اللي كنت تعرفها مابقى منها شيء.. جوزا مهوب بس تقط كلام.. ممكن تجرح بشكل مباشر وما تهتم..



عبدالله بصدمة: معقولة؟؟ جوزا؟؟ كانت مثل النسمة..



عالية بنبرة مقصودة: النسمة الله أعلم أنت وش سويت فيها.. وعقبك خالاتك والدنيا كلها ماقصرت..


الظروف كلها عاكست معها.. حمل وحداد وضياع مستقبل وتجريح من الناس..


تدري عبدالله.. جوزا عمري ما عتبت عليها.. لأني بشوف عيني شفت كل شيء هي مرت فيه.. وحسيت بكل وجيعة آجعتها..


ما ألومها .. والله العظيم ما ألومها..



عبدالله بتساؤل حازم: أنا من أكثر من جهة أسمع إن خالاتي ضايقوها.. خالاتي وش دخلهم فيها يضايقونها؟؟.. ووش اللي كانوا يقولون لها...؟؟



عالية تتنهد: عشان الحق.. أكثر من كان يضايقها خالاتي نورة وسلطانة.. الكبيرة والصغيرة..


تدري خالتي نورة كانت تبيك أنت وصالح لبناتها الثنتين.. بس صالح خذ بنت عمه.. مالها لسان تتكلم..


لكن أنت خذت وحدة مهيب بنت عمك.. وما ترقى في نظرها لمستواك.. فويش اللي حدكم عليها..؟؟


ومع إن بناتها تزوجوا ومتوفقين في حياتهم.. بس أبو طبيع مايجوز من طبعه..


وطبعا خالتي سلطانة مع خالتي نورة في كل شيء...


أول شيء قبل ما أنت تختفي.. يقطون عليها كلام ويسمعونها إنها ما تستاهلك.. وأنك تستاهل ملكة جمال مهوب وحدة مثلها...



عبدالله بصدمة: من جدش؟؟ وهي ليه ماقالت لي وقتها؟؟



عالية هزت كتفيها: ما أدري عن علاقتك أنت وإياها.. أنا سافرت عقب عرسك بشهر... وكنت أدافع عنها قد ما أقدر..


بس خالاتك ماشاء الله كل وحدة منهم لسانها شبرين..


وعقب ماجانا خبرك.. المرة حامل وتعبانة وقايمة بأمي ومع كذا ماخلوا التنغيز إنها قايمة بأمي لأنها حاسة بالذنب لأنها وجه نحس عليك وأنك مت بسببها


لأن بعض النسوان وجهها خير.. وبعضهم وجهها شر.. وهي وجه شر


حينها انحدر صوت عالية بألم: تخيل عبدالله.. كانوا يسمونها البومة..


أنا لاغيتهم وأمي لاغتهم.. بس عقب ويش.. عقب ما وصلها الكلام.. وش عاد يفيد لغو مارد الحكي منها..


الحين طبعا مستحيل وحدة منهم تفتح ثمها عندها بكلمة.. تأكلهم بقشورهم.. بس خلاص تدري إن هذا قده رد وحدة موجوعة ومجروحة..



" وش عاد يفيد لغو مارد الحكي منها؟؟"


ترددت العبارة في خياله الموجوع المنهك


(يرده لو أنا كنت موجود عندها


لو أنا دافعت عنها ووقفتهم عند حدهم


لو أنا خففت عنها.. لو أنا عرفتها بس بمكانتها قي قلبي


لو بس عرفت هي أنا وش كثر أحبها!!


لا حول ولا قوة إلا بالله.. قدر الله وماشاء فعل)







*****************************************







" أشلون النفسية الحين؟؟"



عفراء تناولت غترة منصور منه..وهمست بهدوء عذب:


الحمدلله.. كل شيء تمام



مد يده ليرفع وجهها وهو ينظر لإرهاق وجهها وللهالات السوداء تحت عينيها: مبين كل شيء تمام!!



عفراء همست بذات الهدوء: عطني كم يوم بس..



منصور يجلس وهو يشير للمكان الخالي جواره.. تتقدم لتجلس حيث أشار ليشد على كفها بين كفيه بقوة ويهتف بحزم:


يمكن توقيتي في الروحة لجميلة وأنتي حامل كان غلط..بس صدقيني الروحة كانت ضرورية..



عفراء تنظر لكفيه الضخمتين اللتين تحتويان نعومة كفها وتهمس بهدوء عميق كأنها تحادث نفسها:


خلنا الحين من الروحة لجميلة.. لأني لحد الحين صعب علي أتجاوز اللي صار


خلنا في حملي.. أنت أشلون تقبلك لحملي؟؟



حينها نفض منصور يديه بغضب ووقف وهو يهتف بغضب مشابه: أشلون تقبلي لحملش؟؟


اعتقد اني بينت لش عدل فرحتي فيه...فأشلون تسألين الحين أنا متقبل حملش وإلا لا؟؟


حد يعترض على عطا رب العالمين؟!!



عفراء بذات الهدوء وهي مازالت تنظر لكفيها التي ابتعدت عن مدى كفيه:


هذا أنت قلتها.. رضا بعطا رب العالمين اللي جا غصبا عنك


وقلت خلاص هو صار شيء واقع.. خلني أجاملها وخصوصا عقب ماجرحتها بروحتي لبنتها..



منصور شد نفسا عميقا حتى لا ينفجر فيها لغرابة أفكارها التي أثارت غيظه.. ثم هتف بنبرة غضب واضح:


أول شيء قلتها لش قبل .. تكلميني؟؟ .. تفكّري فيني وعيني في عينش


وثاني شيء عمري ما سمعت أسخف من ذا الكلام.. لأني لا أعرف أجامل ولا أزيف مشاعري.. لو أنا ما أني بفرحان بحملش كان عرفتي ذا الشيء


لكن قولي أنش أنتي اللي منتي بفرحانة فيه.. لأنش زعلانة علي وما تبين شيء يربطش فيني.. وتبين تلبسيني الغلط..



عفراء حينها انتفضت بجزع وغضب لتقف وهي تواجهه: أنا اللي عمري ما سمعت أسخف من ذا الكلام..



منصور بغضب كاسح: ما اسمح لش تسخفين كلامي..



عفراء تحاول أن تكتم غضبها وأن تهدئ نبرة صوتها: وليش أنت سمحت لنفسك تسخف كلامي.. حق لك أنت تجرحني وبس؟؟..



منصور ينهمر بغضب عارم: أنا الحين اللي أجرحش.. وأنتي اللي من يوم جيت وأنتي تبكين وحالتش حالة.. ماحتى خفتي الله في النفس اللي في بطنش


عشان أيش؟؟ عشان الدلوعة درت أن أمها تزوجت...


وخير إنها درت.. هذا اللي المفروض اللي يصير.. خلي الحب اللي ما انطحن في رأسها ينطحن


البنت ذي ماحد خربها غيرش.. دلعتيها وماعرفتي تربينها.. وردات فعلش أنتي وإياها زيادة عن اللزوم..


هي تزوجت وتسهلت في طريقها مع رجّالها.. وعقب أنتي تزوجتي..


وش اللي صار؟؟ الكون انهار.. أخر الدنيا.. بتقوم القيامة؟؟


عيب عليش اللي تسوينه في نفسش وفيني... وقبلي أنا وإياش.. ذا النفس اللي مالها ذنب.. اتقي اللي فيها



عفراء كانت تستمع لانهماره بصمت وهي تقف مواجهة له وتنظر له بشكل مباشر بعينيها الذابلتين


حينما انتهى.. انسحبت بهدوء.. لكن منصور أمسكها وهو يصر على أسنانه: يعني أنتي متعمدة تطلعيني من طوري.. تدرين زين أني ما أرضى تروحين واحنا ماخلصنا حكي..



عفراء بسكون: ماعندي شيء أقوله.. أنا تعبانة منصور.. وأنت ماعندك رحمة.. تبي كل شيء ينحل على كيفك وفورا..


بس النفس مهيب على كيفي ولا على كيفك.. ارحمني.. عطني فرصة أعبر عن ضيقي.. عن زعلي ..عن حزني..


أنا ما أنا بجندي عندك لازم يكتم مشاعره عندك ويقدم فروض الطاعة وبس






*************************************






"جوزا أنا حجزت لي أنا وإياش عمرة.. يالله طلعت الحجز.. تجهزي نطلع المطار بعد شوي"



همست جوزاء بسكون: امهاب طلقني خلاص؟؟..



عبدالرحمن يحاول تنحية تأثره فلا يستطيع: ماتدرين يمكن الله كاتب لكل واحد منكم نصيب أحسن



جوزاء بذات السكون: له يمكن.. لكن لي مستحيل..



عبدالرحمن يقترب ليجلس جوارها ويحيطها بذراعه ويسند رأسها لكتفه ويهمس لها بحنان: وسعي خاطرش.. ولا تنسين إن هذا قرارش أنتي



جوزاء تخفي وجهها في كتفه وتهمس باختناق: أنا ماني بندمانة على قراري.. عشان حسن ممكن أسوي أكثر من كذا


بس أنا حزينة ياعبدالرحمن.. الطلاق صعب على أي وحدة.. وامهاب كان فرصة نادرة لوحدة مثلي



عبدالرحمن يربت على كتفها بحنو: قومي يا بنت الحلال تجهزي خلنا نسافر.. وإن شاء الله ما ترجعين إلا قلبش مغسول من الحزن



جوزاء تمسح وجهها: حجزت لحسن معنا؟؟



عبدالرحمن يهز رأسه: حسن عند جدته وخالته والسالفة كلها يوم واحد بنسافر اليوم ونرجع بكرة.. خلنا نتفرغ للعبادة ومانحاتي البزر اللي معنا..







********************************







" هلا والله الحمدلله على السلامة"



تميم يشير ردا على إشارة كاسرة وعلى وجهه ترتسم علائم خبث لطيف: الله يسلمش.. ووينش مختفية ؟؟.. صار لي ساعتين راجع..



كاسرة تبتسم: من غير تلميحات مالها معنى.. أنا أصلا توني راجعة من برا.. واول شيء سويته رحت لغرفتك ما لقيتك


كيف كانت رحلتك ؟؟عساها موفقة؟؟..


عريس عرسه عقب شهر ونص وناط يشتري طيور !!..



أجابها تميم ووجهه يغيم فجأة وهو يتذكر من كان يجب أن يكون معه يوم عرسه عريسا كذلك: الرحلة كانت تمام.. بس امتغثت يوم رجعت بخبر طلاق امهاب..



غام وجه كاسرة كذلك وهي تشير بهدوء متمكن: النصيب كذا.. خلاص أنت بتكون عريسنا بروحك



تميم يحاول تنحية ضيقه من أشياء كثيرة.. وهو يشير لها بمودة: أشلون استعدادات العروس؟؟



كاسرة هزت كتفيها بعدم اهتمام: كله ماشي حسب التخطيط..






**********************************






شعور ضيق خانق يكتم على روحه منذ وقع ورقة الطلاق..


وهاهو يتجه للمطار مطالبا برحلة يسافر فيها فورا عله يتناسى بها الهم الذي ركبه



"لم أتخيل أن توقيع ورقة الطلاق سيكون صعبا علي لهذه الدرجة


كنت على وشك التراجع والرفض في اللحظة الأخيرة


بأي حق يفرضون علي أن أتخلى عن زوجتي؟!!


هي كانت حقي الذي منحه لي الله عز وجل وربطنا برباط مقدس


كيف يُحل الرباط بهذه البساطة؟؟


فكرت للحظات أن أكون أنانيا لمرة واحدة.. أن أرفض التخلي عنها


أن أستميت في الدفاع عن حقي المشروع


ولكن كعادتي .. لم أستطع.. لم أستطع تفضيل نفسي على من سواي


لا أستطيع أن أجبرها على العيش معي وهي تعيش رعبا من فقدان ولدها


لا أستطيع أن أكون أنانيا وأجازف بفقدانها لحسن..


هكذا كتب له الله عز وجل.. ومهما كنت أشعر بالضيق والظلم فهو لابد أن أتجاوز كل هذا.. لابد"







************************************








"ياهلا ومرحبا.. نورت مكتبنا"



غانم يعتدل في جلسته وهو يرتشف رشفة من فنجانه ثم يعاود وضعه أمامه ويهتف بهدوء: النور نورك.. ماودنا نعطلك من شغلك..


بس لنا حاجة عندكم.. لا أنتو اللي عطيتونا إياها.. ولا أنتو اللي قطعتوا رجانا منها..



كسّاب يشد له نفسا عميقا ثم يهتف بحزم:


صدقني ياغانم إن نسبك يشترى بالذهب.. بس الدنيا ماعطتني على الكيف



غانم يشير بكفه وهو يهتف بحزم: خلاص يأبو زايد.. وصل الرد..



كساب يهتف بذات النبرة الحازمة: والله لو هو بكيفي مابغيتها لغيرك.. بس أختي توها مسجلة ماجستير وبتنشغل في دراستها


وإلا أنت مافيك عيب تنرد..



غانم يعاود تناول قهوته التي بردت.. ويهتف بسكون كسون روحه التي انطفأ فيها أمل عذب:


لا تعذر يأبو زايد.. بغينا قربك ولا حصل.. تكفينا صحبتك.



.


.



في ذات الوقت



" مبروك رجعة عبدالله.. يا سبحان الله من كان يظن"



فهد يرد بسعادة: الله يبارك فيك.. والله ماكان حد يظن.. يا سبحان الله..


ثم أردف بمرح: هذا عبدالله طيب وبخير


إن شاء الله دورة المظليين الجاية ما تحجب عني..



منصور يبتسم بفخامة: لا تستعجل على رزقك..



حينها شد فهد له نفسا عميقا وهتف بحذر: وعلى طاري استعجال الرزق


أقدر استعجل الرد على طلبي.. وخص أنه ابطأ واجد



منصور حينها أجابه بحزم: لك رزق(ن) يا ولدي مابعد نواه ربك..



فهد اطرق لثانيتين ليرد بنفس طريقته الحازمة: مابغيت إلا قربك يابو علي


الله يرسل لنا خير من عنده







*******************************************






" حسن تأخر عند ابيه"



أم عبدالرحمن تنظر لساعة يدها.. بينما شعاع تهمس لها بضيق: أنتي أصلا غلطانة تخلينه يروح


جوزا مهيب هنا... والصبي أمانة عندنا.. لو جوزا هنا.. عادي.. بس هي مهيب هنا.. وإبي من يوم درا برجعة عبدالله وانه كان مطلق جوزا


وهو مفول عليه ومعصب.. وهو أكيد بيرجع بعد شوي.. لو درى إن حسن مهوب هنا أو شاف عبدالله وهو مرجعه.. الله يستر بس



أم عبدالرحمن بضيق متزايد: الرجال كلمني بكل أدب ويقول يبي يودي حسن لجدته في المستشفى أقول لا يعني.. ماقدرت



وهما مازالتا تتحادثان ارتفع رنين هاتف البيت... شعاع تنظر للكاشف..وتعطي أمها السماعة



كان عبدالله يهتف باحترام عميق: يمه أنا برا صار لي نص ساعة وحسن مهوب راضي ينزل.. ويقول أمه سافرت ويبي ينام عندي



أم عبدالرحمن بجزع: لا تكفى يامك..ما أقدر أخليه ينام بعيد مني.. أمه موصيتني عليه..



عبدالله رغم شعوره بخيبة الامل إلا أنه أجاب بنفس الاحترام العميق: خلاص يمه اطلعي لي الحوش أسلم عليش واعطيش حسن..




بعد ثلث ساعة أم عبدالرحمن تعود للداخل لوحدها.. شعاع بصدمة: يمه وين حسن؟؟



أم عبدالرحمن بضيق: فضحني.. متعلق في رقبة أبيه تقولين ماكني بجدته اللي مربيته.. وخفت إبيش يجي حن واقفين في الحوش


والله إن قد يسود عيشتي وعيشة عبدالله... قلت لعبدالله خلاص يأخذه يمسي عنده.. وش اسوي..



شعاع تكاد تشد شعرها: زين ولو ابي سأل من حسن.. وإلا جوزا سألت عنه..



أم عبدالرحمن بقلة حيلة: أنا وش تبيني أسوي.. أسحبه بالغصب وإلا أضربه عشانه يبي إبيه..


اطلعي لغرفتش وسكري على روحش.. وأنا الله يسامحني لو حد سألني بأقول إنه راقد عندش.. لين بكرة يحلها الحلال...






******************************






ينظر بانبهار وحنان للمعجزة الربانية التي تنام بحضنه بسكون وطمأنينة


أتعبه كثيرا قبل أن ينام.. وهو يبكي بحرقة مطالبا بوالدته


لدرجة أن هزاعا الذي كان قرر أن ينام عندهم هرب ليعود للبيت لينام في غرفته هو


فهزاع لم يحتمل صراخ حسن وإلحاحه.. بينما عبدالله كان يحتويه ويهدئه بكل حنان وهو يستمتع بكل لحظة يقضيها معه


كان بداية يريد أن ينام به عند والدته في المستشفى ولكنها رفضت.. وقالت أن الصغير لن يحتمل النوم غير المريح في المستشفى


وخيرا فعلت والدته.. فهو لم يعلم أنه سيُحدث هذه المناحة الطويلة طلبا لوالدته..


رغم أن حسنا كان من أصر أن ينام عنده اليوم لأن والدته (ثافرت مع دحمان)



هاهو يمسح شعره وجفونه الغافية.. وهو يتذكر بكائه حتى غفا وهو ينادي أمه



" يا الله ياحسن.. حتى أنا أبي أمك.. والله العظيم أبيها


بكل قطرة في دمي أبيها


أمك صارت حرة ياحسن.. تدري ليش؟؟


لأنها حلالي أنا بروحي.. والله سبحانه ما يرضى بالظلم..


ما يرضى أنه عقب اللي أنا شفته كله يأخذون روحي مني وحلالي يصير حلال غيري


تدري ياحسن.. أربع سنين مرت أمك ماغابت عن بالي دقيقة.. كنت حاس إنها مستحيل تكون مع رجّال غيري


مع أني وقتها كنت عارف إنه مستحيل أرجع للدوحة


أدري أنانية مني.. بس الحب كذا يأبيك.. أناني..


كل شيء هنا ما غاب عن بالي أمي وابي وأخواني وديرتي


بس إحساسي في أمك كان شيء خاص فيني.. أحيانا كنت أقول رحمة لكن أكثر الأحيان أقول عذاب..


تعذبت واجد يأبيك.. واجد.. ومن أشياء كثيرة..


بس يا ترى عذابي قرب ينتهي؟؟ وإلا الله كاتب لي شيء جديد؟؟ "



يميل ليقبله بحنو وهو يهمس في أذنه بحزن عميق شفاف:


الله يرحم أخيك ويصبرني على فرقاه.. ويجعلك لي العوض والسلوى..







**********************************







"يبه أقدر أدخل"



زايد كان أنهى قيامه للتو.. التفت للباب حيث تقف مزون وهتف بحنان: تعالي يابيش



مزون اقتربت وقبلت رأسه ثم جلست جواره على الأرض وهمست برقة: يبه أنت عادك متذكر أنك وعدتني أروح لجميلة عقب عرس كساب



زايد يبتسم: أكيد متذكر وأنا متى أخلفت لش وعد



مزون بضيق: لا والله فديتك مهوب المقصد.. بس جميلة متضايقة من عقب مادرت بعرس خالتي.. وصار لي مرتين أكلمها وكل مرة ألاقيها تبكي


قلبي متقطع عشانها.. أبي أروح لها أشوف وش اللي في خاطرها.. وأرضيها من صوب خالتي وعمي..



زايد يقبل رأسها ويهتف لها بحنان: لا تحاتين يأبيش.. عقب عرس كسّاب إن شاء الله على طول حن مسافرين







************************************







" الحمدلله على سلامة أبيش .. تو مانورت الدوحة بطلته الحلوة وابتسامته الأحلى"



شعاع تضحك برقة وهي تسند ظهرها لسريرها وتمسك هاتفها على أذنها: هذا إبي؟؟



سميرة (بعيارة) : إيه عمي فاضل.. ياحلات عمي فاضل.. ويافديت باكستان اللي شافتها عيونه..


أنا من يوم راح وأنا حاطة على قناة باكستان معسكرة عليها...أقول يمكن ألمح عيونه العذاب..



شعاع بدأ تضحك بهستيرية: هذا إبي؟؟



سميرة تتنهد تنهيدة تمثيلية: وه.. وأنا وش ذابحني إلا أبيش.. والله لولا شوي الحيا.. كان شفتيني صلعاء من تقطيع شعري



شعاع تعالى صوت ضحكها:لا والله باقي عندش حيا عقب ذا كله


و هذا كله ابي؟؟ وين أمي عنش..



سميرة بنبرة حالمة: ياحظ عيونكم اللي تشوف إبيش.. وأنا محرومة من شوفته.. ماشفته إلا يوم جاء يخطب .. لا وكان محزن بعد..


ترا قصدي إبيش يوم كان يخطب أمش في القرن التاسع عشر..



كان صوت ضحكات شعاع يرتفع.. لتفجع بصوت طرقات حاد على الباب وصوت والدها المتفجر غضبا: اشعيع يا قليلة الحيا افتحي الباب..



صوت شعاع انحدر من الضحك للرعب وهي تهمس لسميرة: سميرة مع السلامة.. ابي شكله بيذبحني..



شعاع قفزت لتفتح الباب بجزع.. ورعب متزايد يتجمع في قلبها..


عبدالرحمن ليس هنا ليدافع عنها.. وحسن كذلك ليس هنا وهذا سبب ليتزايد غضب والدها


فتحت الباب وتأخرت لأقصى حد بينما والدها دخل كبركان ثائر وهو يزمجر: من اللي كنت تكلمينه وتضحكين بمياعة ياقليلة الحيا؟؟



شعاع تتأخر وهي تخبئ وجهها خلف ذراعيها وترد بصوت مختنق: والله العظيم انها سميرة بنت راشد آل ليث.. وهي اللي متصلة علي



أبو عبدالرحمن مازال يزمجر: عطيني تلفونش..



شعاع اعطته له وهي ترتعش وتكف يدها بسرعة خوفا أن يمسكها منها


أبو عبدالرحمن عاود الاتصال بالرقم المخزن باسم سميرة والذي كان الرقم الأخير في قائمة الاتصالات المستلمة وكان الاتصال من خمس دقائق فقط


جاءه صوت سميرة المرح: هاه اشعيع.. عمي فاضل ذبحش وهذي روحش تكلمني من العالم الآخر..



ابو عبدالرحمن أغلق الاتصال وأعاد الهاتف لها دون أن يتكلم بكلمة..


لتنفجر شعاع بالبكاء رغما عنها.. وهي تتراجع لتجلس على سريرها وتدفن وجهها بين كفيها..


مد يده ليربت على كتفها ثم ردها وهو يقهر نفسه..كان بوده أن يطيب خاطرها أو حتى يحتضنها..


ولكنه تركها غارقة في عويلها المنفعل.. وخرج دون أن ينتبه حتى أن حسنا ليس معها..






*****************************************







" ماشاء الله حسن عاده معك؟؟"



عبدالله يعدل وضع حسن على ساقيه وهو يحتضنه ويبتسم: أمسى عندي البارحة بس بأروح أرجعه لبيت جده..


لأن أمه بترجع اليوم من العمرة..



عالية بتساؤل: صحيح إنها تطلقت؟؟



عبدالله لم يستطع منع ابتسامته من الاتساع: صحيح



عالية تغمز: ودعاية معجون الأسنان هذي ليش؟؟



عبدالله يبتسم: يجيش العلم بعدين..



أم صالح تهمس بحنان: أنتو خلو المساسرة ذي وعطوني حسون أحبه..



عبدالله يقرب حسن من جدته ليقبلها ثم يهمس لأمه بحنان: يمه الدكتور يقول حالتش زينة.. يمكن بكرة وإلا بعد بكرة إن شاء الله تطلعين..



حينها شدت أم صالح يده برجاء: وأنت بتجي تقعد عندي؟؟



عبدالله يحاول أن يبتسم رغم انطفاء وجهه: يصير خير يمه.. يصير خير



.


.


بعد ساعة



عبدالله يقف أمام بيت أبي عبدالرحمن ليعيد حسن.. وهذه المرة حسن لم يرفض أبدا لأنه كان مفتقدا لوالدته بشدة


كان عبدالله على وشك الاتصال بالبيت حين رأى أبا عبدالرحمن يخرج من مجلسه متوجها نحوه..


عبدالله نزل من سيارته متوجها نحوه ومسلما عليه..


كان الغضب باديا بالفعل على وجه أبي عبدالرحمن الذي فور انتهاءه من السلام والتبريك لعبدالله بسلامته..


هتف بحزم غاضب: عسى ماشر يا بوحسن.. ماعاد تدل طريق المجالس..؟؟



رغم قسوة التجريح المقصود إلا أن عبدالله شد له نفسا عميقا وهو يهتف باحترام:


السموحة ياعمي.. مادريت أصلا أنك رجعت من السفر.. وانا عارف إن عبدالرحمن مسافر



أبو عبدالرحمن بذات النبرة الغاضبة المقصودة: ومتى سافرنا كلنا وخلينا محارمنا ماعندهم حد؟؟...


وترا اللي يلحق محارمنا يلحقنا قدامهم.. والرجّال اللي فيه خير يحشم الرياجيل اللي عزّوه وناسبوه..



عبدالله رغم أنه بدأ يفهم مقصد أبي عبدالرحمن إلا أنه حاول ادعاء عدم الفهم حتى لا يثير غضب أبي عبدالرحمن المعروف بالحدة حينما يغضب:


أكيد مافيه شك كلامك.. والحين طال عمرك خذ حسن.. وخلني أتوكل لأمي في المستشفى



ولكن أبا عبدالرحمن لم يتركه وهو يكمل بذات النبرة الغاضبة: تراني يوم زوجتك.. تخيرتك على رياجيل واجد.. وأنا أهقى أني أزوج خيرة الرياجيل


وتراك يوم خذت بنتي خذتها من بيت رجّال.. والسنع أنك يوم تبي تطلقها ترجعها لبيت الرجّال اللي خذتها منه


أو على أقل شيء كان تتصل لي وتعلمني حتى لو أنت مطلقها في ديرة ثانية


هو حق إن بنتي تحاد في بيتك وأنت مطلقها..؟؟ ضاعت دراستها وجامعتها.. وقهرتوها.. وكسرتوا نفسها..


يومك رجّال(ن) بايع(ن) من أولها.. كان طلقت بنتي قدام تسافر..



حينها قاطعه عبدالله بحزم: مهلك علي ياعمي.. جعل ربي يقصف عمري كني بعت أول وألا تالي..


وماحدني على الشين إلا اللي أشين منه.. وأم حسن أم ولدي ولها القدر والحشيمة ..


ورضاك ورضاها على رقبتي.. وأنا حاضر للي تبونه إن كانك شرفتني بنسبك مرة ثانية






#أنفاس_قطر#


.


.


.



قبل ما يصير لبس عند بعض البنات


المطلقة قبل الدخول بها والتي لم يحدث بينها وبين زوجها أي خلوة لا عدة لها شرعا


يعني جوزا مالها عدة :)


.


.


.


#أنفاس_قطر# 27-07-10 08:47 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحات المودة للقلوب الطاهرة


.


صار فيه كم تساءل المرة اللي فاتت ومع أني جاوبتهم.. بس أعرف أنه فيه بنات مايقرون كل الردود


عشان كذا اسمحوا لي أعيدها هنا


.



قولة جوزاء لعبدالله يأبو خالد مو لأنها تعرف بولده خالد من وين بتعرف؟؟


لكن لأنها تبي تبعده عن ولدها.. لأنها طبعا مهوب حلوة تناديه باسمه مجرد


وما تبي تناديه بأبو حسن.. فتناديه ببو خالد مثل ما صالح وهزاع وفهد ينقال لهم كلهم أبو خالد


يعني تناديه بكنيته قبل مايجي عليه حسن.. المقصد إنه حسن موب ولدك عشان ينقال لك أبو حسن


آسفة لو صار لبس.. بس أنا حسبت مقصدها واضح


وعشان كذا أنا رجعت وضحته في نص القصة نفسه


.


.


طلاق عبدالله لجوزاء كان طلاق بائن بينونة صغرى.. يعني هي ما حرمت عليه عشان تتزوج غيره ويدخل بها قبل ماترجع له


لكن ترجع له بعقد جديد وبمهر جديد وهذا هو الطلاق البائن بينونة صغرى أو الطلاق الرجعي


ياحليلكم يا بنات عادكم على ذا السالفة من أيام طلاق عبدالله وجواهر في بعد الغياب


وإنه لازم يدخل عليها زوج آخر قبل ترجع له


تدرون يا نبضات القلب أنكم شككتوني في روحي خليتوني وقتها سألت وش كثر


بس الحين متأكدة


يا قلبي أنتو.. طلاق عبدالله وجوزا طلاق بائن بينونة صغرى أي طلاق رجعي..


يعني تقدر ترجع له بعقد جديد ومهر جديد


لكن بعد الطلاق الثالث تحرم عليه إلا تتزوج واحد يدخل بها


وهذا من حكمة رب العالمين


لأن الزوج ممكن يغلط ويتهور ويطلق.. هل ينهدم بيته وحياة أولاده بسبب التسرع؟؟


الله سبحانه يمنحه فرصتين من رأفته بعباده


لكن بعد الطلاق الثالث معناها فيه خلل في حياتهم ولازم يتأدبون


أما الطلاق البائن بينونة كبرى فلا يقع من مرة واحدة أو طلقة واحدة إلا إذا أكد الزوج رغبته بذلك لاستحالة المعيشة (مثل طلاق موضي وحمد في أسى الهجران)


لكن هنا أنا نهائي ماجبت طاري أن عبدالله طلق جوزا بالثلاث


لذا جوزا ممكن ترجع له بعقد جديد ومهر جديد <=== كلام أنا متأكدة منه ميه بالمية ارجعوا لمواقع المشايخ الكبار وتجدون عدة فتاوى حول الموضوع


هذا على فرض إن جوزا بترجع لعبدالله.. لو يعني كانت بترجع.. حطو كم خط تحت لو :)


.


.


.


.


وطلاق امهاب لها كان قبل الدخول بها ولم يحدث بينهما اي خلوة شرعية


لذا فهي لا عدة لها


.


.


أيها السيدات والسادة .. إعلا ن هام.. قربوا الميكرفون.. <== لا تأكلينه بس


احم احم


أجزاء هالأسبوع بدءا من بارت اليوم الثلاثاء مرورا ببارت الخميس وانتهاء ببارت الأحد


بتكون كلها داخلة في مسابقة أفضل رد لهذا الأسبوع وهذي المسابقة ضمن فعاليات صيف ليلاس أحلى ناس


يعني الأجزاء الثلاثة كلها داخلة.. والرد المميز هو الرد اللي يعبر عن شخصية صاحبه وتفننه في التحليل وفي إحاطاتها بكل شخصيات الجزء وأحداثه


ويكون طبعا الكلام كله في الصميم وليس لمجرد تطويل الرد


ومن الحين أقول لكم.. كل وحد يتعب نفسه ويكتب لنا رد هو عندي فايز


لكن القانون يقول إن الفائز شخص واحد بس <== حسافة !!


.


.


جزء اليوم جزء اللقاءات العاصفة


بداية بلقاء أبو عبدالرحمن وعبدالله


وانتهاء بلقائين مثيرين


لكن شتان بين ظرف اللقاء الأول ومأساوية اللقاء الثاني


.


الجزء السابع والثلاثون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والثلاثون






كان عبدالله على وشك الاتصال بالبيت حين رأى أبا عبدالرحمن يخرج من مجلسه متوجها نحوه..


عبدالله نزل من سيارته متوجها نحوه ومسلما عليه..


كان الغضب باديا بالفعل على وجه أبي عبدالرحمن الذي فور انتهاءه من السلام والتبريك لعبدالله بسلامته..


هتف بحزم غاضب: عسى ماشر يا بوحسن.. ماعاد تدل طريق المجالس..؟؟



رغم قسوة التجريح المقصود إلا أن عبدالله شد له نفسا عميقا وهو يهتف باحترام:


السموحة ياعمي.. مادريت أصلا أنك رجعت من السفر.. وانا عارف إن عبدالرحمن مسافر



أبو عبدالرحمن بذات النبرة الغاضبة المقصودة: ومتى سافرنا كلنا وخلينا محارمنا ماعندهم حد؟؟...


وترا اللي يلحق محارمنا يلحقنا قدامهم.. والرجّال اللي فيه خير يحشم الرياجيل اللي عزّوه وناسبوه..



عبدالله رغم أنه بدأ يفهم مقصد أبي عبدالرحمن إلا أنه حاول ادعاء عدم الفهم حتى لا يثير غضب أبي عبدالرحمن المعروف بالحدة حينما يغضب:


أكيد مافيه شك كلامك.. والحين طال عمرك خذ حسن.. وخلني أتوكل لأمي في المستشفى



ولكن أبا عبدالرحمن لم يتركه وهو يكمل بذات النبرة الغاضبة: تراني يوم زوجتك.. تخيرتك على رياجيل واجد.. وأنا أهقى أني أزوج خيرة الرياجيل


وتراك يوم خذت بنتي خذتها من بيت رجّال.. والسنع أنك يوم تبي تطلقها ترجعها لبيت الرجّال اللي خذتها منه


أو على أقل شيء كان تتصل لي وتعلمني حتى لو أنت مطلقها في ديرة ثانية


هو حق إن بنتي تحاد في بيتك وأنت مطلقها..؟؟ ضاعت دراستها وجامعتها.. وقهرتوها.. وكسرتوا نفسها..


يومك رجّال(ن) بايع(ن) من أولها.. كان طلقت بنتي قدام تسافر..



حينها قاطعه عبدالله بحزم: مهلك علي ياعمي.. جعل ربي يقصف عمري كني بعت أول وألا تالي..


وماحدني على الشين إلا اللي أشين منه.. وأم حسن أم ولدي ولها القدر والحشيمة ..


ورضاك ورضاها على رقبتي.. وأنا حاضر للي تبونه إن كانك شرفتني بنسبك مرة ثانية..



أبو عبدالرحمن بصدمة بالغة: تبي ترجع جوزا؟؟



عبدالله بتصميم: يشرفني.. واللي تبونه أنا حاضر له..



حينها همس أبو عبد الرحمن بنبرة مقصودة: اللي نبيه!!!


ثم انفجر بغضب هائل وهو يشد حسن ليحمله: اللي أبغيه ماعاد توريني وجهك


وأنت ماعادك بعارفها ولا عاد هو بجامعكم بيت لا وأنا حي ولا وأنا ميت..


ليه شايف بنتي سبية لك.. تحذفها ثم ترجع تبيها؟؟..


بنتي توه مطلقها رجّال أطلق من شاربك يا المرة.. إذا بغت جوزا تعرس خذت من مناعير الرجال رجّال يسواك ويسوى طوايفك


وإن مابغت بيت إبيها مهوب عاجز يضفها لين تموت..



أبو عبدالرحمن حمل حسن ودخل للمجلس.. بينما كان عبدالله ينتفض من شدة كتمانه لغضبه الذي تفجر أمواجا متتالية في روحه


ووجهه وعيناه يشتعلان احمرارا.. فهو كتم غضبا بثقل جبال.. حاول التخفيف منه بلكم السيارة بقبضتيه حتى تفجر فيهما ألما مرا كما لو أن عظام قبضته تهشمت


ولكن كل هذا الألم الجسدي لم يخفف من ألم روحه المسحوقة المهانة شيئا



كيف يقطع كل أمل في حياته بقرار ظالم مجحف كهذا؟؟


كيف تكون حياته كلها بيده يعبث فيها كيف يشاء؟؟


ثم كيف يهينه ويهين رجولته بهذه الطريقة؟؟


كيف يسمح لنفسه ان يتطاول عليه بهذه الطريقة رغم أنه كان يخاطبه بكل احترام؟؟


لولا احترامه لفارق العمر بينهما لكان هناك رد آخر منه.. رد مختلف.. مختلف جدا


رد رجل مقهور محترق مدمر.. رأى كل أمل في حياته يُسلب أمام عينيه بلا رحمة!!







**************************************







كانت ترتب حقيبة تميم وتستخرج مافيها لكي ترى ما الذي يحتاج إلى الغسيل حين دخلت عليها وضحى وهي تهمس لها برقة:


يمه خليها أنا بأرتبها..



مزنة همست بهدوء: يأمش أنا دارية أنش تعبانة من الدورة.. روحي تريحي


أصلا كان المفروض أني رتبتها من أمس.. بس أمس امتغثت من طلاق امهاب..



وضحى همست حينها بحزن: وامهاب وينه الحين؟؟



مزنة أجابتها وهي تلتهي بما بين يديها عن حزن بكرها الذي خالج الروح.. الذي سُلبت منه فرحته قبل أن تكتمل حتى: عنده رحلة


أمس رحلة واليوم رحلة.. الله يزينها بس.. والله يشرح صدره



وضحى همست بتردد: ماتدرين يمه يمكن الله باغي له خير



مزنة بحزم: عيب عليش وضحى ذا الكلام.. لا تعيبين في بنت عمتش..



وضحى بذات التردد: يمه ما أقصد شيء شين.. جوزا مافيها قصور.. بس امهاب يستحق وحدة يكون هو أول واحد في حياتها


وبعدين شوفي رجالها الأولي رجع من الموت.. لو كان امهاب تزوجها.. ما يندرى وش ظروف حياتهم لو هو لزم يأخذ حسن..


يعني الله باغي له الخير من كل صوب..



مزنة تنهي إخراج أخر مافي الحقيبة وتضعها تحت السرير وتهمس بحزم: يأمش ماحد يدري وين الخيرة


أنا طالعة الحين مع كاسرة اليوم جلستها الأخيرة في الصالون


وأنتي تمددي شوي بأروح أجيب لش قرفة تشربينها قدام أروح


وكأننا تأخرنا.. تغدي أنتي وتميم.. تميم في شغله الحين وأكيد بيرجع عقب صلاة الظهر..







**************************************






" ها ياماما الجديدة.. كيف إحساسش بالحمل؟؟ حلو ؟؟ صح؟؟ "



عفراء تمد يدها لتمسح جفنيها الناعسين وتهمس بحنان وهي تشد هاتفها بيدها الأخرى:


من حيث حلو.. حلو.. خصوصا أن الوحم توه خفيف مابعد بدأ يثقل



مزون بحماس: ياربي مافيني أصبر.. أبي أشوفه.. اسمعيني ترا ماعلي منش أنتي وعمي..


أول موعد تلفزيون أنا بأروح معش.. حتى لو عمي موجود.. بأغسل وجهي بمرقة



عفراء بحنان: طيب ولا يهمش.. وبلاها منصور.. انتي وبس..



مزون برفض لطيف: لا والله تبين عمي يذبحني.. ياربي ما تخيلته بيكون مبسوط كذا لدرجة إنه زعل إني سبقته وبشرت إبي قدامه



تحفزت مشاعر عفراء وتصلبت أناملها وهي تتذكر ما تحاول تناسيه.. وضعها غير الطبيعي مع منصور.. همست حينها لمزون برقة:


زين حبيبتي أنتي أزعجتيني من صبح عشان ترتيبات عرس كساب واحنا مخلصين كل شيء


الحين خليني أنام شوي قبل يجي عمش.. وأنا بأكلمش إذا قمت



أغلقت الهاتف وهي تعاود التنهد وتتمدد على سريرها ومنصور يقفز ليستولي على كل أفكارها..


لا تعلم كيف حدثت كل هذه التعقيدات وخلال الفترة البسيطة التي تزوجا فيها


والغريب أنها تشعر أن منصور ليس زوجها من شهر واحد فقط.. كأنهما متزوجان منذ قرون لشدة تعقيد المشاعر بينهما..



الآن تجزم يقينا أنها تحبه وليس فقط تستلطفه أو مابينهما هو محض مودة..


لأنها لو لم تكن تحبه لم تكن مطلقا لتبقى عنده بعد معرفتها بسفره لجميلة.. لكنها وبكل جبن تعترف أنها عاجزة عن تركه رغم أن عقلها حثها على ذلك كثيرا..


عاجزة عن تخيل حياتها خالية من وجوده بل حتى من تسلطه وحدته!!


فنحن حين نحب إنسان ما.. نحبه كما هو بعيوبه كما مزاياه..



اليومان الماضيان كان منصور يضغط عليها كثيرا وهو يرفض أن يترك لها مساحة للتنفس بعيدا به..


لم يسمح لها أن تنم بعيدا عنه.. بل حتى لم يسمح لها بالنوم بعيدا عن حضنه!!


لم يسمح لها أن تشيح بنظراتها أو حتى أن تعبر عن رفضها لمناجاة عينيه..


لم يسمح لها أن تعتصم بالصمت في حضوره


كان يقتحمها ويستولي عليها حتى آخر نفس.. وهو يجسد حضوره في كل خلية من خلاياها..


بل مازاد الأمر تعقيدا أن اليومين الماضيين كانا يوما إجازته لذا الوقت الذي كان لعمله أصبح بكامله لها.. بعيدا عن مواعيد مجلسه المقدسة..


لذا شعرت باختناق حقيقي وهو يبقى أمامها بالساعتين والثلاث ساعات متواصلة.. وهو يجري عليها تحطيما مدروسا للمقاومة..



تعلم أنها ليست ندا له.. بل تعترف بذلك.. ولكنها تتمنى بالفعل أن تخلو بنفسها.. وفي ذات الوقت نفسه باتت تخشى أن تختلي بنفسها


فهي مع وجوده المتواصل أمامها تشعر أنها عاجزة عن المسامحة أو تجاوز ماحدث.. فكيف لو ابتعد عن عينيها؟؟


تخشى أن تقسى أو يقوى البعد عزمها عليه..


يا الله كم هي المرأة مخلوق معقد عصي على كل التفسيرات المنطقية!!






***********************************






" يالله كيف هي استعدادات العروس؟؟"




كاسرة هزت كتفيها وهمست بثقة وهي تثبت هاتفها على أذنها: عادي..



فاطمة تضحك: سوسو علي... أنا فاطمة ترا..



كاسرة تبتسم: زين ويافاطمة ترا.. وش تبين أقول لش.. أكذب عليش وأقول أني متوترة وما أنام الليل من الهم..


عادي لأنه فعلا عادي..



فاطمة بابتسامة: عرسش بعد بكرة.. جد منتي بمتوترة؟؟


أنا قبل عرسي باقي أسويها في ثيابي من كثر ماأنا خايفة ومتوترة..



كاسرة تضحك: باقي تسوينها؟؟... إلا شكلش سويتها.. أنا أصلا متذكرة بنفسي وأنتي سنونش تصك في بعضها تقولين داخلة فيلم رعب



فاطمة تضحك: هذا لأني بنت طبيعية وما أدري عن الحياة اللي قدامي لازم أخاف..



كاسرة تهز كتفيها: وأنا وحدة الخوف ملغي من قاموسي.. يعني وش اللي في الزواج بيرعبني؟!..


والله عجبني خير وبركة.. ماعجبني مافيه شيء يحدني أصبر


أنا خذت بخاطر جدي وخذت الرجال اللي هو يبي.. لكنه ماقال لي اصبري عليه حتى لو هو مايستاهل..



فاطمة بخبث: سوسو.. كسّاب ينقال عليه ذا الكلام؟؟ أنا شايفته بعيني..



كاسرة ببرود: أبي أدري وش عاجبكم كلكم في ذا الكسّاب؟؟ أنتي وأمي ووضحى..



فاطمة تضحك: وحطي فوقنا كل موظفات الهيئة اللي شافوه طالع شايلش يوم الحريقة..



كاسرة تبتسم: عليكم بالعافية.. ليش أنكم شفتوه منظر بس.. ماعرفتو شين اطباعه..



فاطمة تغمز: ماكلمش عقب آخر مرة؟؟



كاسرة بعدم اهتمام: لا.. هجد ورحمنا من صوته.. الله يديمها نعمة ويحفظها من الزوال...



فاطمة بخبث: وأنتي جد ما تبين تسمعين صوته؟؟... صدق نسوان ما ينعرف لنا!!



كاسرة بابتسامة: تدرين أنش مزعجة.. أمي قايلة لي أتجهز عشان موعد الصالون.. هي أحرص مني على المواعيد


حتى لو بغيت أتهرب ما تخليني.. والحين بتعصب علي من سبتش..



فاطمة تضحك: دواش خالتي أم امهاب.. خلها تسنعش..



كاسرة تهتف باهتمام: خليني ألبس ألحق أنزل لجدي أول.. جيته قبل شوي لقيته نايم فديت قلبه..







************************************







" عبدالله أنت وش فيك متضايق كذا؟؟


من يوم وديت ولدك ورجعت وأنت مكتم"



عبدالله يلتفت لعالية ويهمس بهدوء: مافيني شيء يا الغالية.. إلا أخوانش وينهم ماهنا حد منهم..؟؟



عالية بطبيعية: فهد وصالح عندهم دوام ومرونا كلهم الصبح مبكر..


وهزيع كان هنا قبل ما تجي.. وراح يشوف نتيجته بتطلع اليوم وراح معه نايف



ثم أردف عبدالله بحذر: وإبي؟؟



عالية بحذر مشابه: مرنا هو بعد الصبح قدام تجينا بحسن.. وراح يقول عنده شغلة وبيرجع..



عبدالله بخيبة أمل: يعني أقوم أفارق؟؟



عالية بتصميم: لا لا تروح مكان.. أمي رقدت وهي تسأل عنك.. إبي لازم يتقبل وجودك..ولو أن إبي ماحده على ذا اللي شيء كايد


خاطري أدري وش انت مسوي!!



عبدالله صمت ولم يجبها.. فما به اليوم يكفيه عن كل شيء!!




بعد دقائق .. وعت أم صالح من نومها.. وكانت كلمتها الأولى أنها سألت عن عبدالله..



عبدالله تناول كفها مقبلا: أنا هنا جعلني فداش..



أم صالح بصوت ناعس: وديت ولدك؟؟



انقبض قلب عبدالله وهو يتذكر ماحدث وهو يعيد حسن .. هتف بسكون: وديته يمه..



عاد ليميل على كتفها مقبلا.. وكأنه يريد أن تسكن رائحتها وحنانها وجع قلبه المتزايد (كل ما قلت هانت..جد علم(ن) جديد)


ثم ارتكى على طرف سريرها وهو يسند رأسه لكفه



همست حينها أم صالح بانقباض: وش فيك يأمك.. شيء يوجعك؟؟



عبدالله باستغراب: لا فديتش مافيني شيء



أم صالح بألم: تدس علي؟!.. أشلون مافيك شيء وأنت تون!!..



عبدالله بصدمة: أنا ونيت..!!



أم صالح بذات نبرة الانقباض المتألمة: إيه ونيت ونين موجوع..



عبدالله يشير لعالية بصوت منخفض: أنا ونيت؟؟



عالية هزت كتفيها علامة (لا أدري) بينما دهشة عبدالله تتزايد..


في داخله هو متيقن أنه أنّ أنينا يكاد يمزق صدره خارجا..


لكنه متيقن كذلك أن هذا الأنين لم يتجاوز شفتيه للخارج..


فهل اشتمت رائحة وجعه وسمعت بروحها صوت أنينه المسكوب في روحه قطرات من فجيعة ؟؟



" أماه .. موجوع أنا حد الثمالة


موجوع حد السماء.. موجوع حتى أقصى درجات الوجع


سلبوني حتى حق الحلم بها


ما أن انتعشت روحي بحلم القرب منها حتى اُنتزع مني الحلم بذات السرعة


روحي مرهقة يأمي.. لا أعلم حتى متى ستصمد


لا أعلم حتى متى سأصمد من كل شيء.. كل شيء!!"





طرقات حازمة ارتفعت على الباب انتزعت الجميع من أفكارهم.. تلاها صوت أبي صالح الحازم: حد عندكم؟؟



عالية وقفت وهي تهتف بحذر: تفضل يبه.. تعال



دخل ليتفاجئ بوجود عبدالله.. اليومين الماضيين حاول قدر الإمكان تجنب مواجهته أو رؤيته.. ولكنه هنا وأم صالح متعبة وإلا كان طرده فورا من المكان..


أبو صالح ألقى السلام.. وعبدالله وقف ليسلم عليه.. ولكنه أشار بيده ألا يتقدم ناحيته


لكن عبدالله لم يستجب للإشارة وهو يستغل وجود والدته كغطاء له ويتقدم ليقبل جبين والده ثم كتفه..


الاثنان تفوح منهما نفس الرائحة تماما.. دهن عود فاخر يبدو من نفس النوع



تنهد أبو صالح في داخله بعمق (مازال كما هو.. يحاول جاهدا التسلل لتحت جلدي


ولكن لا.. لا..


ابني ذاك مات.. مات وانتهى !!)



أبو صالح جلس على نفس المقعد الذي كان عبدالله يجلس عليه جوار أمه وهو يهمس بفخامة: أشلونش الحين يأم صالح؟؟



أم صالح أجابته باحترام عميق: من الله في خير.. اللهم لك الحمد والشكر



عبدالله شد له مقعدا وألصقه بمقعد والده وجلس.. بينما هتف أبوصالح بحزم: ضاقت عليك الحجرة؟؟



بينما عبدالله أجابه بشبح ابتسامة: القلب يتبع هواه يأبو صالح..



بينما همست أم صالح بعتب: وش فيك على الصبي ياخالد؟؟



أبوصالح يميل على أم صالح ويهتف بهدوء: ماسويت به شيء.. المكان وسيع.. أبيه يتوسع..



أم صالح بألم: يبي قربك.. ياقلب أمه ذبحته الوحشة بروحه ذا السنين كلها..



حينها همس أبو صالح بنبرة مقصودة: والله الوحشة هو اللي جابها لروحه.. هو اللي بغاها..



عبدالله بعمق: والله يبه ماحد يبي الوحشة والبعد من هله.. ومايحد على ذا إلا شيء أعبر منه



أبوصالح بنفس النبرة الملغومة: والله يابوحسن.. الشان مهوب في الغيبة.. الناس تغيب سنين وترجع..


الشان على اللي قبل الغيبة أشلون قلبك طاوعك عليها؟؟



عبدالله صمت.. ليس هناك مايجيبه به.. كيف يبرر له حكاية الانتحار المزعومة ولكن والدته أنقذته وهي تهتف بضيق عميق:


خالد الله يهداك أنت وش فيك تبّحّث ورا عبدالله.. كفاية فرحتنا برجعته..


وألا لا تكون أنت منت بفرحان..؟؟



أبو صالح رغما عنه هتف باصطناع مغلف بالحقيقة أو ربما حقيقة مغلفة بالاصطناع: إلا وكاد مبسوط..



حينها فجرت أم صالح قنبلتها وهي تهمس بحزم لطيف مخلوط بنبرة رجاء ألطف:


زين ترا عبدالله إذا طلعت من المستشفى بيرجع معي.. ماله عازة يقعد في بيت صالح بروحه..







***************************************







كانت نائمة حين شعرت برائحة عطره تخترقها قبل أن تشعر بدفء ذراعيه يطوقانها وصلابة صدره تحتوي ظهرها.. همست بنعاس: جيت منصور؟؟



منصور همس بخفوت: صار لي أكثر من ساعتين راجع يالكسلانة.. وش ذا النوم كله؟؟



همست وهي تفتح عينيها: أنا منبهة الساعة عشان أصحى قبل ما تجي.. أشلون مارنت..



منصور بثقة: أنا جيت بدري شوي وطفيتها قبل ترن.. قلت خلش تنامين شوي.. ونمت أنا بعد معش شوي



عفراء كانت تريد أن تنهض لكنه لم يتركها وهو يشدد احتضانه لها.. همست عفراء بألم ماعادت تعرف له سببا: فكني منصور.. خلني أقوم أسوي لك ريوق



منصور هتف بعمق وهو يديرها لناحيته : ما أبي ريوق.. أبي أشوف ابتسامتش بس



حينها لا تعلم لماذا انخرطت في بكاء رقيق وهي تشد جيبه بيديها الاثنتين وتدفن وجهها في صدره..


أصبحت شديدة الهشاشة كما لو أنها قابلة للكسر مع أقل هزة


منصور احتضنها بقوة وحنان وهو يتركها حتى أفرغت طاقة بكاءها كله وهدأت حينها همس بخفوت دافئ:


أبي أدري بس وش اللي يرضيش ياعفرا والله لأسويه لو على قطع رقبتي


حالش مهوب عاجبني كلش



عفراء همست بصوتها المبحوح ووجهها مازال مختبئا في صدره: والله العظيم ماأبي شيء.. هذا دلع الحوامل بس



منصور كان يمسح خصلات شعرها ويهمس بذات الخفوت الدافئ: تدلعي على كيف كيفش.. بس لا تحرقين قلبي بذا الحزن اللي ماعرفت له حل..








**************************************








" خليفة.. مامليت من قعدتك ساكت.. أنا مليت


لين متى وأنت مقاطعني من الكلام كذا؟؟ "



خليفة يرفع رأسه عن كتاب كان يقرأ فيه ويهمس بحزم: إذا كلمتي عمتي عفرا وخذتي بخاطرها هذاك الوقت بأكلمج



رغم إحساس جميلة بندم عميق وتأثر أعمق منذ مكالمتها لوالدتها


وبعدها انفجار خليفة الناري فيها المرة الماضية ..إلا أنها لم تسمح له أن يشعر بذلك وهي تهتف بغضب:


وأنت وش دخلك بيني وبين أمي.. عنك ما كملتني.. أريح أصلا.. من زينك وإلا من زين كلامك.. خلك ساكت أحسن



رغم تصاعد غضب عميق في روحه إلا أنه هتف بتمكن: أصلا أنا عارف أنه أنا ما أهمج في شيء


بس على الأقل حطي بالج على أمج.. توني كلمت عمي منصور البارح يقول إنها حامل وتعبانة كلش ونفسيتها في النازل والسبب أنتي



جميلة فتحت عينيها بذهول وكحت وهي تشهق بصدمة موجعة بعثرتها تماما: تقول حامل؟؟


أمي أنا حامل؟؟


حامل.. أكيد أنت غلطان.. أمي حامل؟؟



خليفة ببرود مدروس: إيه حامل.. ووش فيها؟؟ أمج بعدها صغيرة



جميلة بكلمات مشتتة مهزومة: فيها أنها أمي أنا.. وأنا كنت أنتظر زيارتها على نار..


أشلون الحين بتزورني وهي توها حامل في اللي بيأخذ مكاني عندها؟؟



خليفة يرفع حاجبا وينزل آخر ويهتف بتهكم: الحين تنتظرين زيارتها على نار وأنتي توج معورتها بالحجي كل كلمة أكبر من الثانية



ثم لم يستطع بعدها إلا أن يهتف لها بنبرة حنان: وبعدين مافيه ولد يأخذ مكان ولد ثاني..


لو أمج عندها عشرة يهال لكل واحد منكم غلاه مايشاركه فيه الباقيين..



حينها بدأت عيناها تدمعان وهي تهمس باختناق: لا هذا صغير.. وبيأخذ كل وقتها واهتمامها وحبها.. وأنا خلاص ماراح يبقى لي شيء



خليفة بهدوء عميق: وش هالأفكار الغريبة؟؟.. أمج من حقها يكون عندها حياة وأطفال..


مثل ما أنتي صار لج حياة خاصة فيج.. وبكرة بيصير عندج أطفال.. وتلهين فيهم عن كل شيء



جميلة شهقت بصدمة خجولة: أنا.. أطفال؟؟ ومِن مَن؟؟



خليفة بنبرة سخرية غاضبة: مِن مَن؟؟ الطوفة اللي جدامج موب مالي عينج!!



جميلة تفجر وجهها احمرارا غشى حتى أخر أطراف شعرها..


حين وافقت على خليفة.. كانت تظن أنها تموت..


لم تفكر في خطوة أبعد من الزواج نفسه ومن معناه.. من الزواج من رجل يحمل اسم والدها ورائحته ودمه.. ترتحل للعالم الآخر وهي على ذمته


لكن حياة كاملة ومسؤولية وأطفال؟؟ لم تخطر ذلك أبدا ببالها..


بل ماهو أقرب من ذلك وأعمق.. حقوق هذا الرجل الشرعية عليها!!


قد تكون هذه الحقوق غير واردة الآن وهي في وضعها الصحي الحالي.. ولكن حينما تتحسن صحتها............!!!!


( أشلون أنا غبية كذا.. أكيد فكر بذا الشيء دامه يتكلم عن أطفال!!)


حينما وصل تفكيرها لهذه النقطة لم تعد حتى تستطع رفع عينيها إليه وهي تبتلع لسانها السليط في جوف حلقها..


عاجزة عن أي رد وهي تشعر أن عروقها ترتجف لشدة الخجل!!



خليفة يعلم أنها صدمها بشدة.. ولكنه أراد أن يصدمها فعلا.. لكي تعلم أنها تقف على أرض صلبة... وأن وجوده معها ليس وجودا مؤقتا.. بل سيكون ارتباطا أبديا..


فهي ليست بحاجة أحد سواه.. ولا داعي لئن تقلق من زواج والدتها أو انجابها عشرات الأطفال حتى..


يريدها أن تشعر فعلا بالأمان والاحتواء وأنه باق إلى جوارها حتى النهاية!!







*************************************






" أشلون كانت العمرة؟؟ عسى ارتحتي وتريحتي؟؟"



جوزاء تشد حسن لصدرها وتهمس بهدوء عميق: ماحد يروح هناك وما يتريح قلبه.. الله لا يحرمنا زيارتها



ثم همست بهدوء حذر: شعاع أنتو خليتو حسون ينام عند ابيه البارحة؟؟



شعاع بصدمة: من اللي قال لش؟؟



جوزاء تحاول ألا تغضب: حسن.. بس ما صدقته..



شعاع شدت لها نفسا عميقا ثم همست مع ابتسامة لطيفة: لا تعصبين تخربين جيتش من بيت الله..


ولدش صدعنا ناشب فيه كنه قرد.. وبعدين وش فيها؟؟ هذي ليلة وحدة بس..


وبعدين كان يبي يوديه لجدته في المستشفى..



جوزاء رغم ضيقها العميق همست بهدوء: خلاص ماصار إلا الخير..


وجدته أنا بأوديه بنفسي.. ماني في حاجة حد يوديه..



شعاع بتساؤل حذر: يعني لو حد من عمانه اللي موديه بتتضايقين كذا؟؟



جوزاء تمسك برأسها وتهمس بقهر: لا تستعبطين شعاع.. أنا ماني بناقصة والله العظيم...








.


.



في الأسفل



أم عبدالرحمن تهمس لعبدالرحمن بحنو: هانيك مازرت يأمك



عبدالرحمن يميل ليقبل كتفها للمرة الرابعة ربما: هانيش خير وعافية يمه.. وإن شاء الله في رمضان أنا وإياش فيها



أم عبدالرحمن بمودة عميقة: الله لا يحرمني خوتك لمكة كل سنة لين تدفني..



عبدالرحمن بمودة أعمق: عمرش طويل في الطاعة.. أبشري بسعدش



ثم تساءلت أم عبدالرحمن بحزم لطيف: عبدالرحمن أنت زرت عمتك؟؟



عبدالرحمن باستغراب: أي عمة؟؟



والدته بغضب: أي عمة؟؟ أم مرتك.. أفا عليك يعني أنا اللي باعلمك السنع!!



عبدالرحمن ابتسم: يمه توني ما تعودت على ذا السالفة.. بس تدرين يمه.. حلوة مرتي ذي اللي حتى إصبعها مابعد شفته







***********************************







"قوم نروح للحلاق"



فهد يفتح عينا ويغلق الأخرى وهو ينظر لهزاع الواقف فوق رأسه: هزيع فارقني ترا ماني بمتفرغ لك.. أبي ارقد شوي عشان أروح لأمي



هزاع بابتسامة: قوم نروح للحلاق وعقبه أروح أنا وإياك لأمي..



فهد بنبرة غضب: هزيع قوم فارق قدام أخلي وجهك شوارع.. ماتعرف تروح للحلاق بروحك؟!..



هزاع تتسع ابتسامته: إلا.. أعرف.. وأعرف أوديك بعد عشان نحلق شنبك..



فهد قفز واقفا وعيناه تتسعان ذهولا وهو يكح: نجحت؟؟



هزاع يرقص حاجبيه: نجحت وجبت 80% بعد



عينا فهد اتسعت أكثر وهو يكح بشكل متواصل من الشهقة: مستحيل..



هزاع يضحك: وش ذا الروعة؟؟ بدل ما تقول لي مبروك..



عينا فهد بدأت تدمع لكثرة ماكح وهو يهتف : مبروك ألف مبروك.. أبشر بالهدية اللي تبيها..



هزاع يرقص حاجبيه مرة أخرى: أبي شنبك بس.. حواجبك متنازل عنها مع أنك اللي عرضتها علي..



فهد برجاء باسم: هزيع يأخيك تبي تضحك الرياجيل علي؟؟



هزاع يبتسم: مالي شغل .. ماحد قال لك تمد لسانك وتقلل من قدراتي وتبي تكسر بنفسي قدام الامتحانات



فهد يبتسم: بالعكس أنا كنت أسوي لك حافز نفسي.. لو أني ماقلت لك كذا..ماكان تحديت نفسك وجبت ذا النسبة


يعني شنبي كان أهم عندك من النسبة



هزاع مازال يبتسم: ودامه عندي أهم وانت قلتها بنفسك.. يالله قم للحلاق..



فهد تغيرت ابتسامته: هزيع من جدك تبي تحلق شنبي؟؟



هزاع بتصميم باسم: أكيد من جدي..


أنت قايل لي كم مرة لا وعندي شهود.. عيب عليك ما تكون قد كلمتك..



حينها ابتسم فهد: زين وأنا باشتري شنبي باللي أنت تبغي..



هزاع بتصميم مرح: وأنا ما أبيع.. أبي شنبك وبس



فهد بغضب: هزيع بلا سخافة.. قلت لك بأعطيك اللي تبي



هزاع حينها ابتسم: خلاص أبي سيارتك الجديدة..



فهد قطب حاجبيه: مهوب كنك زودتها..



هزاع يضحك: والله أنت اللي مديت لسانك شبرين يأبو شنب.. أنا أصلا ما أبي شيء.. بس دام شنبك غالي عندك.. لازم أخذ شيء بغلاه..


وبعدين يأخي توك بايع السيارة اللي عطاك إياها منصور آل كساب وحاط فلوسها في جيبك


عطني سيارتك واشتر سيارة غيرها..



فهد بغضب: بس أنت داري زين إن السيارة ذي طلبتها من الوكالة وقعدت أنتظرها أكثر من شهرين..


وين بلاقي لي سيارة مثلها الحين؟؟



هزاع يهز كتفيه: خلاص عطني الشنب.. ما أبيها.. غطها على كبدك وأنت بدون شنب



فهد يفتح الجارور المجاور لرأسه ويتناول المفتاح ويلقيه على هزاع وهو يبتسم:


خلاص دامك ماخذها ماخذها على الأقل تاخذها وأنا سامح


ماتقول إنك خذتها غصبا عني... مبروكة عليك تستاهلها..


ولو أنك خليتها والله لأشتري لك سيارة أغلى منها.. تستاهل على ذا النسبة أنت ووجهك..



هزاع يأخذ المفتاح ويقبل جبين فهد وهو يبتسم: حتى لو قلت أنك سامح.. أدري أنك محترق.. لازم أحرّك شوي هذي حلاتها..






***************************************






"عبدالله قال لي اليوم إن أمي لزمت أنه يرجع معها للبيت


ها وش رأيش نكمل تشطيب بيتنا وننزله.؟؟. ترا مايبي له حتى شهر وإلا حن مخلصين كل شيء"



نجلاء ابتسمت برقة: أكيد ماعندي مانع


مابغيت تنطق بذا الدرة..



صالح يضحك: يعني كني السبب.. مهوب أنتي اللي طقيتي وهملتني أنا والبيت



نجلاء تجلس جواره لتحتضن عضده ثم تسند خدها له وتهمس بألم: خلاص صالح تكفى.. نبي نفتح صفحة جديدة..



صالح يمد يده ليحتضنها بقوة ثم يهمس بابتسامة: زين والصفحة الجديدة مافيها غرفة نصبغها بالوردي..؟؟



نجلاء تبتسم: تبي غرفتين ثلاث بعد ماعندي مانع الله يعطينا من عنده خير.. المهم خويلد وعزوز هم اللي ينقون غرفهم أول..



صالح بشفافية مرحة: حاضرين لخالد وعزوز وأمهم.. المهم أنتي وعيالش ما تزعجوني أنا وبناتي وتغثونا..






****************************************






" نعم وش تقول؟؟ عبدالرحمن عند الباب يبي يسلم على أمي


من جدك أنت؟؟


قل له يروح ويرجع بعدين.. ماعندي حد من أخواني"



صالح بحزم: يا بنت الحلال روحي أنتي وادخلي الحمام.. وانا باقول له ادخل.. أمي ماعندها حد..


أنا عادني في البيت وأخوانش هزاع وفهد عندي.. وعبدالله في المحكمة يصدق أوراقه.. ماحد منا بلاحق يجيش.. والرجّال يقول عند الباب..



عالية بضيق عميق وحرج أعمق: خلاص.. قل له يدخل عقب دقيقتين ألحق أضبط برقع أمي وجلالها وأسكر على روحي في الحمام..


وياويلك تجيب طاري أني عند أمي..



صالح يضحك: كم مرة قايل لش لا عاد تهددين أنتي وجهش.. تراني أخيش الكبير.. بيني وبينش فرق 11 سنة..



عالية تشعر أنها ستبكي من الحرج وهي تعلم أنه ليس بينها وبينه إلا هذا الباب: تدري إنك متفرغ.. بس دواك عندي يأبو خالد على ذا المقلب اللي سويته فيني..



عالية أنهت الاتصال ثم شرعت تعدل وضع برقع أمها على وجهها وجلالها وهي تهمس بهدوء تحاول أن تزرع فيه كل ثقتها بنفسها:


يمه عبدالرحمن بيجيش يسلم عليش.. أنا بأدخل الحمام لين يروح..



أم صالح باستغراب: تدخلين الحمام وتخليني ماحتى عندي حد يقهويه..



عالية شدت لها نفسا عميقا: يمه مهوب جاي يتقهوى.. جاي يسلم ويروح..



أم صالح بحزم: انطقي.. اقعدي على حيلش.. والله ماتروحين مكان.. الرجال أول مرة يجيني ..تبينه حتى فنجان القهوة مايذوقه عندي..



عالية بغيظ: يمه أنتي وذا الكرم.. استغفري.. تراش في المستشفى منتي بفي بيتش طال عمرش..


وعبدالرحمن لو انطبقت السما على الأرض ماني بقاعدة عنده أقهويه.. عنه ما تقهوى..



أم صالح بغضب: أنا بنت أبي.. بتفجرني اللي ما تستحي.. كن فيش خير فروحي وأنا حالفة عليش..



عالية بالفعل تكاد تبكي وهي تنظر لنفسها (حتى حالتي حالة من قعدة المستشفى.. خوش شوفة بيشوفها)


عالية حين سمعت الطرقات على الباب شهقت وهي تضفي عباءتها عليها وتتأكد من وضع نقابها على وجهه..


وهي تتمنى لو تنشق الأرض وتبلعها ( عادي علوي خلش جامدة..


الحين مهندسة جينية وكل يوم تقابلين الناس أشكال ألوان خايفة من الدحمي.. تراه مايأكل أوادم)



عبدالرحمن طرق الباب عدة مرات ثم فتحة بشكل موارب وهو يهتف بصوت عال: أم صالح.. أم صالح



أم صالح هتفت له : تفضل يأمك تعال..



عبدالرحمن قبل أن يدخل بشكل كامل شد الستارة قليلا ليمنع من يقف خارجا من رؤية داخل الغرفة وهو يهتف بذات الثقة:


يمه معي بوي جايب ورد.. وين يحطه؟؟..



أم صالح بحرج: يأمك ماكان كلفت على نفسك.. خله يحطه أي مكان..



عبدالرحمن يتقدم لمكانها وهو يهتف بمودة: مابه كلافة أنا اصلا قدني متفشل منش أدري أني تاخرت..



عبدالرحمن وصلها ليتفاجأ أن هناك مخلوقة تلتف بالسواد تقف في الزاوية.. عبدالرحن تجاهل وجودها ليصل أم صالح التي كانت تجلس على سريرها ويقبل رأسها وهو يهتف بمودة واحترام: سلامات يمه.. ما تشوفين شر.. أجر وعافية



هتفت له أم صالح بمودة: الشر ما يجيك.. اقعد يأمك تقهوى..



عبدالرحمن يشير بيده رافضا: لا يمه جعلني ما أبكيش.. أنا جاي أسلم عليش وبأروح.. بشريني منش الحين.. عساش أحسن؟؟



أم صالح بمودة: والله إن قد تقعد تقهوى.. وأنا الحمدلله من يوم شفت عبدالله وأنا بأحسن حال



ثم أشارت للواقفة في الزاوية التي لم ترفع عينيها مطلقا والتي تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها منذ سمعت صوت عبدالرحمن الرجولي الرخيم


(يمه.. يمه.. صوته يجنن وكله رجولة.. لا أحكي أنا نافسته في رجولة الصوت.. عز الله طفش الرجّال) :


عالية تعالي قهوي أبو فاضل..



عبدالرحمن حين سمع اسم عالية شعر بارتباك ما سرعان ما تجاوزه.. فهو ليس طفلا ولا مراهقا.. وهو رغم استبعاده أنه قد يلتقيها إلا أن الأمر لم يصدمه


لذا هتف بحزم واثق: الحمدلله على سلامة الوالدة يابنت خالد..



عالية في داخلها تمنت ألا ترد عليه.. ولكنها لم ترد أن تشعره بتوترها وخصوصا أنها كتعليم وشخصية هي أبعد ما تكون عن التوتر والارتباك


ردت عليه بهدوء متمكن قدر استطاعتها: الله يسلمك..



كتم في داخله ضحكة كانت ستفلت منه.. فصوتها كان مخنوقا لأبعد حد (لا يكون هذا بس صوتها من جد؟!!) : أشلون الوالدة الحين بشرينا منها؟؟



عالية اختناقها يتزايد( يتميلح هو ويا وجهه!!) ردت عليه بهدؤها ذاته.. أقصى هدوء استطاعته: الحمدلله



حينها كانت تصب له فنجانا من القهوة.. ولكنها لم تناوله له بل صبته ووضعته على الأرض قريبا منه..


حينها رفعت نظرها له بغير قصد لتتفاجأ أنه كان ينظر لها بتمعن ويبتسم .. أعادت حجز نظرها للأرض وهي تسب نفسها (الأخ كاشخ ومتأنتك .. أكيد يضحك على حالتي اللي ما يستحي أبو عين قوية البصباص)



أم صالح قطعت الجو الغريب بينهما وهي تهمس بأريحية: يأمك اشرب فنجالك..



عبدالرحمن حينها أجاب بخبث: وينه فنجالي؟؟



أم صالح زجرت عالية: عالية صبي لعبدالرحمن فنجال قهوة يامال الزين..



عالية حينها بدأت تشعر بغيظ ممزوج بالحرج ممزوج بالغضب.. همست من بين أسنانها حتى لا تسمع أمها: يعني منت بشايف الفنجال قدامك؟؟



حينها كاد بالفعل أن ينفجر ضحكا من طريقتها الطفولية في الغضب وهو يتأكد أن صوتها ليس مخنوقا كما كان يظن


رد عليها بخفوت مشابه: لا تكونين عقب عرسنا ناوية تحذفيني بالفنجال كذا!!



حينها اشتعل وجه عالية احمرارا وهي تتمنى لو كانت تستطيع سكب دلة القهوة فوق رأسه...


بينما أم صالح همست باستفسار: وش تقول يأمك؟؟



عبدالرحمن ينظر لعالية وهو يقف ويبتسم: أقول كثر الله خيركم.. وما تشوفين شر.. واسمحي لي أترخص طال عمرش..








***********************************






" وضوح أنتي أكيد استخفيتي.. ما أقدر أطلع لش.. والله لا تدري أمي وإلا نجلا أني نزلت في بيتكم إن قد يذبحوني


تبين الناس يقولون أن سمور الحياوية نازلة في بيت رجالها وهي ماباقي على عرسها إلا كم أسبوع


تبين الناس يأكلون وجهي أنتي ووجهش..لا وعشان ويش؟؟ عشان وجهش الشين


خلي الخدامة تعطيني أوراقش والسي في بسرعة عشان أقدم لش معي بكرة"



وضحي برجاء: سمور يا الدبة.. والله العظيم تعبانة من الدورة ومافيني حيل أنزل الدرج لين تحت وأروح للمطبخ الخارجي عشان أعطيه الخدامات


والله العظيم البيت فاضي.. أمي والعروس رايحين الصالون أخر جلسة لكاسرة اليوم عشان الحناية بتجيها في الليل


وتميم في شغله.. وامهاب في رحلة.. تكفين تعالي لي أنتي أنا في غرفتي..


والله ماحد يدري..



سميرة تستعد للنزول: ياويلش حد يدري والله لأسود عيشتش.. وإن شاء الله الخدامة والسواق ما يفتنون علي..


أنا قايلة لأمي بأروح للمكتبة القريب أصور أوراق وإلا ماكان خلتني أطلع.. وماهقيت أنش بتنشبين في حلقي تبين أصور لش وأقدم لش بعد



وضحى تضحك: حماتش جعل الزمان يتبارك.. إذا ما نفعتيني تنفعين من؟!!



سميرة نزلت بسرعة وأخذت الأوراق بسرعة لتعود ركضا للدرج.. ما كادت تصل الدرج حتى اصطدمت بعنف بشيء قوي


رفعت رأسها لتنظر.. لتفجع وعيناها تمتلأن بالدموع فورا



بينما هو حينما وصل لأعلى الدرج ومازال على العتبة الأخيرة حتى رأى المرأة التي تتجه نحوه ركضا ودون أن تنظر أمامها حتى


كان يريد أن يتنحى عن طريقها ولكنها لم تمنحه الفرصة وهي تصطدم فيه بقوة


الاصطدام رغم قوته لم يكن ليؤثر في بنية قوية كبنيته


وكان على وشك استعادة توازنه حتى رآها ترفع عينيها ويتعرف على شخصيتها من البياض الناصع المتبدي من فتحتي نقابها


ليفقد حينها توازنه فعلا وارتباكه يخل بأي توازن حاول التجلد به.. ليهوي متدحرجا من أعلى السلم إلى آخره..





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 29-07-10 08:39 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الورد ياريحة الورد

ماشاء الله عليكم عيني عليكم باردة
وش هالردود الحلوة... تدرون أنا بأطلب منهم قصتي مشاركة على طول<== أبي أنبسط <== وجهها قوي بعد!!
جد الله لا يهينكم كلكم على الردود الرائعة كروعة قلوبكم
وكلكم في عيني وقلبي فايزين
والاختيار إن شاء الله لين تكتمل الردود على بارت الأحد إن شاء الله
الله لا يهينكم ويكبر قدركم ويحرم ايديكم على النار..
.
.
بنات لاحظوا تذكرون من فترة لما قلت لك الأحداث بتصير في خط متوقع وبعد كذا المتوقع يصير غير متوقع
الحين حادث تميم وليه صار.. كان لكم توقعات كثيرة لكن ولا واحد منها صاب الحقيقة إذا ماخالفني الظن
الحادث هذا بيؤدي لشيء غير متوقع.. وأعترف لكم (مؤلم ) جدا!!
اليوم بنتعرف على هالشيء
.
حتى البنات اللي توقعوا إن عبدالله يستخدم حسن سلاح عشان يرجع جوزا
اليوم بتشوفون إن حسن ماراح يكون أبدا هو وسيلة الضغط
.
ما أطول عليكم
البارت الثامن والثلاثون
.
قراءة ممتعة مقدما
وترا بارت الأحد هو البارت المنتظر من أجزاء كثيرة
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والثلاثون


سميرة حين رأت تميما يهوي متدحرجا بعنف وعتبات الدرج الرخامية ترتطم به بقوة شعرت بقلبها يسقط بين قدميها وصراخها يتعالى..
وماكاد يصل إلى أسفل الدرج إلا وهي تصل معه..
كان يشعر بألم بشع يتصاعد في كل جسده.. وكأن عظامه تحولت لفتيت من ألف قطعة..
حاول أن يقف لكنه لم يستطع وهو يشعر بدوار حاد وألم لا يحتمل في ذراعيه بالذات..

سميرة اقتربت منه بجزع وهي تحاول أن تسنده دون تفكير بأي شيء عداه.. بينما هو كان يحاول أن يشير لها ألا تقترب منه أو تلمسه..
ولكنها كانت في دوامة عاصفة من الرعب وهي تدخل كفيها تحت ذراعيه وتحاول أن توقفه في محاولات فاشلة مرتاعة زادت من إحساسه بالألم..
تميم حرك كتفيه بضعف دلالة أنه يريدها أن تتركه..

بينما كان صراخ سميرة الباكي يرتفع بهستيرية : انتبه انتبه.. لا تتحرك العظم طالع..

وهي تتناسى مطلقا أنه لا يسمع حرفا من عويلها الذي سمعته وضحى ونزلت ركضا لتفجع بالنظر أمامها..
جسد تميم الممتليء بالرضوض والسجحات والدم.. والأقسى من ذلك العظم الذي شق جلده خارجا من ذراعه اليمين..

كان تميم يريد أن يشير لها أنه يبدو أن يديه الاثنتين قد كُسرتا ولكنه لم يستطع أن يشير بأي شيء..
وقهر عظيم شديد القسوة والمرارة بدأ يتصاعد في روحه...
وضحى بدأ بكائها يتعالى وهي تشير له ألا يتحرك أبدا .. و تصرخ بسميرة بين شهقاتها وهي تجثو بجوار تميم دون أن تلمسه خوفا أن تؤذيه :
اتصلي في الإسعاف بسرعة وارجعي لبيتش الحين بسرعة..

بينما اتصلت وضحى بأبي عبدالرحمن لكي يحضر لهم فورا.. فهو الشخص الوحيد الذي تستطيع طلب مساعدته في غياب مهاب..
عدا عبدالرحمن الذي شعرت طبعا بالخجل أن تتصل به...






********************************





" أنا أبي أعرف وش ردى العقل اللي عندش أنتي وأختش
هي تبكي كنه ميت لها ميت.. وانتي ماعاد تبين تحنين
ليه أنتو تفاولون على ولدي... ؟؟
تميم مافيه إلا العافية.."

كاسرة كانت تنظر لتميم النائم بجبس في يده اليمين ورباط ضاغط بجبس خفيف على يده اليسرى ولاصقات طبية على نواحي مختلفة من وجهه
وتنظر كذلك لوضحى المنتحبة جواره ثم همست بحزم: ليه يمه تشوفين إن كسر إيديه الثنتين بسيط؟؟

مزنة بحزم: إيه بسيط... ولدي رجّال.. ومهوب اللي يهزه كسر..
الدكتور أصلا كان يبي يطلعه .. بس أبو عبدالرحمن لزّم أنه يمسي الليلة تحت المراقبة..

كاسرة بحزم: يمه أنا وش قلت؟؟ أنا قلت أني بأجل العرس يعني؟؟ كل اللي قلته أني ما أبي أتحنا خلاص.. مالي خاطر فيه وتميم كذا..

مزنة بحزم: بترجعين الحين وبتحنين غصبا عنش بعد.. أنتي لين آخر لحظة لازم تعصيني..أنتي تبين تفضحيني في الناس..
على العموم امهاب اتصل فيني جاي من المطار ويقول كلكم ارجعوا البيت لأنه بيجيهم زوار رياجيل الحين..

مزنة أنهت عبارتها.. ثم توجهت لجوار تميم وهي تقبل رأسه.. ثم تجلس جواره وهي تربت بوجع عميق على يده المغمورة في الجبس..
دون أن يظهر هذا الوجع المصفى على علائم وجهها المشدود بحزم..
كانت روحها تذوب وجعا صافيا.. ربما لو كان ابنها بغير هذه الحالة الصامتة كانت لتحاول تجاوز الوجع..
لكنها الآن تعلم يقينا أي قهر وأذى نفسي يعانيه..وهو يفقد وسيلته الوحيدة للتواصل مع الآخرين..
الآن سيشعر بإحساس العجز الحقيقي الذي حرصت كثيرا على ألا تشعره به..
سيكون عاجزا عن التعبير عن حاجاته ومشاعره..
سيكون عاجزا حتى استبدال ملابسه أو تناول طعامه لوحده..
سيكون عاجزا عن أداء عمله الذي يجد روحه فيه والحواسيب تفتقد لمسته الحانية!!
تعلم أن هذا الأمر مؤقت.. ولكن القهر والعجز الذي سيشعر بهما إلى أي مدى سيجرحان روحه الحرة الوثابة ؟؟!!




**************************************





" أنا أبي أعرف ليه ذا البكا كله..
احمدي ربش أن ماحد درا أنش نازلة في بيته"

سميرة بين شهقاتها: وهذا يعني اللي هامش.. ماحد يدري أني نزلت في بيته
كان ودي العالم كله يدرون ولا يصير له شيء من اللي صار..

نجلاء تربت على ظهر سميرة المنكبة على سريرها باكية.. موجوعة .. حزينة وتهمس بحنان: يا قلبي يا سميرة أنا بنفسي كلمت أم امهاب.. تقول أنه طيب ومافيه إلا العافية
كانوا خايفين من الارتجاج في المخ.. بس الحمدلله مافيه شيء
وكل اللي فيه كسر في يده اليمين.. وشعر في يده الثانية.. وحتى الدكتور يقول لو يبي يطلع يقدر يطلع..

سميرة تشهق بوجع: منتي بفاهمتني يانجلا ليه؟؟ أنا ماني بمعترضة على اللي الله كتبه
أنا اللي محطمني أني أنا السبب يا نجلا.. أنا السبب!!
عرسي عقب شهر ونص.. أدخل عليه والجبس في يده.. لا وأنا السبب.. أشلون أحط عيني في عينه؟؟
وبعدين نجلا تخيلي القهر !!.. لو اللي انكسر رجله.. وإلا يده اليسار بس.. كان بسيطة.. بس الحين المسكين حتى ما يقدر يأشر..
انقطع تواصله مع العالم كله بسبتي.. يعني تخيلي ما يسمع ولا يتكلم ولا حتى يقدر يستخدم إيديه..
أشلون حتى الحين يقدر يعبر وإلا يطلب وألا يأكل وإلا يبدل ملابسه؟؟..
على ما يوصل وقت يوم العرس أساسا بيكون أستوى من الزعل علي والقهر مني..

حينها هزت نجلاء كتفيها وهمست بحزم: القرار من البداية قرارش يا سميرة.. لازم تحملين أي شيء بيصير..






****************************************





" تميم مايصير ياخيك.. ماكلت شيء"

تميم يهز رأسه رفضا.. الإشارة الوحيدة التي مازالت لم تسلب منه..
القهر العظيم الذي شعر به منذ تيقن بكسر يديه وهو يتصاعد في روحه حتى كاد يخنقه..
يفضل أن يموت جوعا على أن يطعمه مهاب كطفل يُدفع باللقمات في فمه.. وخصوصا في وجود عبدالرحمن والده..
قد تكون علاقته بهما قوية وخصوصا بأبي عبدالرحمن ولكن يكفيه مشاهد واحد لضعفه وقلة حيلته.. لا يحتمل مزيدا من الأعين المشفقة !!

وهاهو الآن أيضا يشعر بألم مريع شديد يتصاعد في كل جسده.. يريد أن يعبر عن ذلك حتى يحضروا له أي مسكن.. لكنه عاجز عن إيجاد وسيلة ما للتعبير..
حتى يده اليسار التي أخبروه أن مافيها هو محض شعر بسيط هو عاجز عن تحريكها تماما..
هاهو يشير لمهاب بعينيه.. ولكن مهاب لم يفهم مطلقا ماذا يقصد..
فهم بالكاد كانوا يستطيعون أن يستوعبوا إشارات يديه.. فكيف وهو محروم حتى من إشارات يديه؟!

وآخر ما ينقصه أن يجلس وهو بهذه الحال في زواج شقيقته.. أي عذاب هو هذا العذاب؟؟

غارق في عالم خاص من صمت هادر ووجع هادر غرق فيه لقمة رأسه
كانوا يتحاورون وهو بعيد جدا عنهم.. مغلق عليه في عالمه الصامت كقبر موحش خال حتى من همس الهواء!!
والآن خال حتى من الإشارات.. قبر حقيقي جدرانه أطبقت على نفسه الغارقة في سكونها!!


مهاب يلتفت لأبي عبدالرحمن ويهتف بامتنان واحترام: والله ياعمي ماني بداري وأشلون أرد جميلك.. وأنت مقابل تميم كنه ولدك

أبو عبدالرحمن بمودة عميقة وهو يلتفت لتميم: وتميم صدق ولدي..

عبدالرحمن يبتسم: لا لا.. أنا أعترض.. أنا بروحي ولدك..

مهاب يبتسم: شين السرج على البقرة.. لا تكون تتدلع بس..

عبدالرحمن يبتسم: حلالي أنا الولد الوحيد.. وش حاشرك؟؟

أبو عبدالرحمن بشجن عميق: جعلني اشوف عليك عشر عيال.. قول آمين..

مهاب يعاود الالتفات لتميم ليلحظ أن علائم ألم قوي ترتسم على وجهه
يقفز بجزع ويشير له: شيء يوجعك؟؟

تميم في داخله يهتف ( وأخيرا حسوا فيني.. قاعد أتقطع وهم يسولفون)
هز رأسه بقوة علامة الإيجاب.. مهاب يشير له باهتمام وهو يقترب منه: وش اللي يوجعك؟؟

حينها أدار تميم رأسه دائرة كاملة.. مهاب فهم الإشارة الغريبة.. حينها أشار بجزع حقيقي: كل شيء؟؟

تميم بألم هز رأسه إيجابا..ومهاب قفز ليستدعي طاقم التمريض بنفسه دون أن يرن الجرس

بينما تميم كان يقطب جبينه بقوة وهو يغمض عينيه.. وعبدالرحمن ووالده يحيطان به..
الألم يمزق خلاياه بشراسة ولا يستطيع التعبير عن شيء .. عن أدنى شيء!!
وكل هذا بفضلها هي.. بفضلها هي!!

" سبحان الله.. في داخلي كنت أرفض الزواج منها..
فهل يرسل الله عز وجل لي رسالة ما؟؟
اليوم كسرت يديك.. الله أعلم ماذا ستكسر فيك غدا؟؟
اليوم كسرت شيئا يمكن تجبيره..
ولكن ما أدراك غدا أن لن تكسرك كسرا لن يُجبر!! "






************************************





" فيه عروس خلاص عرسها بعد بكرة ومادة البوز كذا"

كاسرة بغيظ: عاجبش سوات خالتش أم امهاب.. تحلف علي أتحنى غصب وتميم مرقد في لمستشفى

فاطمة تنظر لساقي وذراعي كاسرة المطرزتين بنقوش حنا لم يجف بعد وتهمس بابتسامة: إذا ذا السيقان والذرعان ما تحنا.. ما للحنا خانة ولا عازة
يا الخبلة تميم طيب مافيه شيء.. وانتي عروس من حقش تحنين.. ومن حق كسّاب يشوفش متحنية..

كاسرة بتجبر: ترا آخر واحد يهمني رأيه كساب ذا..

صوت هاتف يرتفع فاطمة تقفز: يمكن رجّالي جا.. تأخرت الليلة واجد..

كاسرة تبتسم: يالخبلة هذا تلفوني.. شوفي وينه وردي..

فاطمة تبحث عن هاتف كاسرة بين الفوضى التي تركنها الحنايات خلفهن قبل دقائق.. تجده لتهمس لكاسرة: رقم مميز حده.. سبيشل موت ..بس بدون اسم

رغما عنها شيء ما تصاعد في روحها وهي تهمس بحياد: هذا أكيد كساب.. حطيه على الصامت

فاطمة تضغط زر الاتصال وتضعه على أذن كاسرة: آسفة.. أنتي بتردين وأنا باسمع.. وإلا تدرين أحطه على السبيكر أحسن..

كاسرة بتحذير: يا ويلش تحطينه سبيكر..

فاطمة تعيد وضعه على أذن كاسرة وتلصق أذنها معها .. بينما كاسرة هتفت بهدوء: هلا..

صوته الذي يثير فيها أغرب المشاعر: هلا بش.. هذا كله عشان تردين..

كاسرة ببرود: آسفة مادريت أنك بتتصل أو كان علقته في رقبتي..

فاطمة تشير لكاسرة أنها ستخنقها.. بينما كان صوت كساب ينساب بثقة: مافيها شيء تعلقينه في رقبتش لأني ما أحب حد ينقعني على التلفون..
على العموم أنا متصل أقول لش الحمدلله على سلامة تميم.. توني دريت.. وكنت عندهم في المستشفى..
الحمدلله مافيه إلا العافية.. خطاه الشر..

كاسرة بنبرة محايدة: الله يسلمك وماقصرت.. وش ذا الذوق كله؟؟

كسّاب ببرود: ما أقدر أسميه ذوق.. لأني أنا ماعندي ذوق.. لكن تقدرين تسمينه واجب لأني واحد أقدس الواجب..

كاسرة بتهكم: زين معلومة جديدة ولو أنها تبي لها دراسة..

حينها همس كسّاب بخفوت: عندش حد؟؟ صح؟؟ وحاط أذنه مع أذنش على التلفون؟؟

كاسرة بصدمة: وش دراك؟؟

بينما فاطمة ابتعدت برعب قدر استطاعتها وهي تمسك بالهاتف على أذن كاسرة..
بينما كساب همس بتلاعب: والحين اللي عندش بعد أذنه عن التلفون

كاسرة باستغراب: أقول وش دراك؟؟

كسّاب ببساطة: كان فيه صوت نفسين على التلفون مهوب نفس واحد..

كاسرة حينها لم تستطع إلا أن تبتسم: يمه منك.. جني.. هذي فاطمة وأعتقد أنك تعرفها

كسّاب شعر باستغراب أنها أشركته بهذه البساطة باسم من هو معها.. مع أنه توقع أن تعاند..
حينها همس بخفوت متلاعب خبيث: زين وبما أن فاطمة بعدت أذنها عن التلفون
وأنا الحين بس سامع صوت نفسش اللي مذوبني.. أشرايش تقولين تصبح على خير حبيبي؟؟ أو الأحسن عطيني بوسة..

كاسرة تهمس بخفوت من بين أسنانها: قسما بالله أنك مريض نفسي بالوقاحة..
ثم أردفت بصوت أعلى: فاطمة سكري التلفون لو سمحتي..


فاطمة أرادت أن تنهي الاتصال.. لتجده فعلا قد أنهاه.. همست باستغراب: أصلا هو سكر

كاسرة بغيظ: الوقح النذل.. مايخلي حركاته اللي كنها وجهه..
تنهدت كاسرة بغيظ فعلي (هذا أشلون باستحمل العيشة معه؟؟ أشلون؟؟ ما ينطاق يا ناس.. ما ينطاق والله العظيم)





****************************************



اليوم التالي..


" الحمدلله على سلامتش يمه نورتي بيتش.."

صالح يسند والدته وهو يدخلها للبيت ثم يجلسها.. بينما عالية تدخل خلفه تحمل حاجيات والدتها
تهمس أم صالح بإرهاق: وينه عبدالله؟؟

صالح يجلس جوارها وهو يشد على يدها ويهتف بابتسامة: راح يفصل له ثياب يمه.. خاشرني في ثيابي.. الغنات زينة..

أم صالح بألم: سبحان الله من كان يهقى.. تصدقت بثيابه كلها..

صالح يبتسم ويهمس بمرح: يالغالية الموضة تغيرت.. خله يفصل ثياب جديدة.. خليت فهيدان يروح معه عشان يعلمه التفصيل الزين..وش عرفه أبو الشناقيط؟!!


التفتت أم صالح لعالية التي جلست جوارها: يأمش افتحي قسم عبدالله ونظفيه أنتي والخدامات.. وشوفي وش اللي قاصره

عالية تبتسم بمرح: من الحين بدأ الشقا.. يمه خلني أشم نفسي أول..

حينها هتف صالح لأمه بحذر لطيف: ودام عبدالله رجع وخذ مكاننا.. أنا يمه خلاص بأكمل بيتي وبأطلع له..

حينها هتفت أم صالح بانقباض: وش فيك مستعجل يأمك؟؟

صالح هتف بمودة عميقة: مستعجل؟؟ إلا قدني متوخر..

أم صالح همست بضيق: جعلك تهنا بالمنزل يأمك..

حينها مال على كتفها مقبلا: ترا مابه بعد يالغالية.. حذفة عصا.. وانا عندش.. طالبش ما تضايقين نفسش





************************************





" الحمدلله على السلامة نورت بيتك"

أشارت وضحى بحماس لتميم الذي كان يستلقي على سريره دون أدنى حماس وهو عاجز عن مجرد الرد على إشارتها..
والألم مازال يتصاعد في نواح مختلفة من جسده..

أشارت له بخبث لطيف: شايف باقة الورد هذي.. ترا جات لك من ناس خاصين..

تميم انتبه للتو لباقة أزهار رقيقة ومنسقة بذوق رفيع بجوار سريره.. قطب جبينه متسائلا.. لتفتح وضحى الجارور أسفل الباقة وتستخرج منه بطاقة..
ثم تديرها أمام عينيه.. كان خطها يرتسم بعذوبة على الفضاء الزهري للبطاقة:
" الحمدلله على سلامتك
خطاك الشر..
سامحني لأني ماني بقادرة أسامح نفسي

سميرة"

تميم أشاح بنظره جانبا دلالة على عدم الرغبة في البطاقة.. أو حتى مجرد قراءتها!!

بينما وضحى وضعتها في جيبها وأشارت له بحنان:
تميم فديتك.. ترا هذي قسمة رب العالمين
وأعرفك رجال مؤمن.. يعني سميرة صدمت فيك وأنت طحت
كان ممكن أكون أنا أو أمي.. أو حتى أنت تطيح بدون سبب

لا يستطيع حتى أن يرد عليها أو يعبر عن تعقيد مشاعره.. وأن الأمر عنده يتجاوز ذلك بكثير..
لا يستطيع حتى أن يشير لها ويخبرها كم أصبحت سميرة قضية معقدة وملتبسة بل مرعبة عنده..
بعد أن أصبحت تتكون في مخيلته صورة سلبية بل شديدة السلبية عنها..
بداية من توجسه الذي بدأ يتصاعد من سبب موافقته عليها..
فما الذي يدفع شابة صغيرة وجميلة ومتفجرة بالحياة للاقتران بشاب أصم أبكم وليس حتى جامعيا مثلها إلا إن كانت تخفي سرا ما؟؟

ثم كيف تواتيها الجرأة وهي تخالف العادات المعروفة في دخولها لبيته؟؟.. تصرف مثل هذا لا تقدم عليه إلا شابة خلعت الحياء!!

ثم كيف تجرأت أن تلمسه وهي تحاول إيقافه عندما سقط؟!..
هو أحس أن شعر جسده قد وقف حينما أحس بيديها على جسده رغم كل الألم المنتشر في جسده..بينما هي لم تبالِ..

بل حتى باقة الورد والبطاقة تدل على جرأة أصابته بالتوتر وبمزيد من التوجس!!

يحاول أن يمنع هذه الأفكار المريضة من التسلل لرأسه والسيطرة عليه وإيذائه بمرارته ووحشيتها...
يهمس لنفسه ويكرر: حتى لو كنت ما أعرفها ..آل ليث معروفين بطيب الأصل والأخلاق..

ولكن الوساسات كذلك تعود لتطرق رأسه بقسوة: أ ليس لكل قاعدة شواذ.. لكل قاعدة شواذ!! لكل قاعدة شواذ !!




**************************************





"يبه أبي أقول لك شيء"

أبو صالح يلتفت لصالح الجالس جواره ويهتف بحزم: عسى ماشر..

صالح بمودة واحترام: خير إن شاء الله
أنت عارف إن بكرة عرس ولد زايد آل كساب.. وبنروح كلنا..

أبو صالح بهدوء: أكيد مافيه شك..

صالح شد له نفسا عميقا: زين حن نبي عبدالله يروح معنا.. لازم الناس يدرون إنه رجع..
وعشان نعزم الموجودين كلهم على عشا عندنا بعد بكرة لعبدالله دامهم متجمعين

أبو صالح صمت لدقيقة.. لو كان الأمر برغبته هو لرفض.. ولكن هذا هو مايجب أن يحدث.. وهكذا هو المفترض والأصول.. وليس هو من يقصر في (مواجيبه)!!
لذا هتف بحزم: بصركم.. الله تبون سووه..

صالح بحذر: زين أنت داري إن عبدالله الليلة خلاص بيمسي هنا..

أبو صالح بنبرة غضب: ليه أنت ظنك إنه بيدخل بيتي وأنا مادريت.. لكن والله لولا خاطر أم صالح وإلا والله ماعاد تشوف عينه ذا البيت أسود الوجه..




*********************************




" نام أخيرا؟؟ "

جوزاء بإرهاق: نام الله يصلحه.. والله العظيم هذي مهيب حالة.. بأقعد كل ليلة على ذا الحالة.. يبكي ويصدعني يبي أبيه..
شايف السالفة لعبة يبكي عليها لين تجيه.. أنا الغلطانة اللي دلعته كذا!!

شعاع تبتسم: لمعلوماتش ترا الليلة اللي نام عند أبيه صدعه يبيش.. يعني انبسطي..

تسللت ابتسامة شفافة لشفتي جوزاء: من اللي قال لش؟؟

شعاع تجلس وهي تهمس: عالية قالت لي..

جوزاء بتشفي: جعله الزين فيه..
ثم أردفت بحنان: وفديت قلب حسوني.. أنا أصلا تيك الليلة ماقدرت أنام وهو مهوب في حضني..

شعاع تغمز بعينها: زين وش رأيش.. يصير زيتنا في طحيننا.. ريحو حسن وجمعوا الشامي على المغربي...

جوزاء انتفضت بغضب: تدرين.. أسخف من ذا الكلام ماسمعت..

شعاع تهز كتفيها: والله الكلام السخيف هذا مهوب من عندي.. من عند أب ولدش اللي ماصدق أنش تتطلقين عشان يخطبش ثاني يوم..

جوزاء بصدمة: من اللي قال لش ذا الكلام..؟؟

شعاع بخفوت: سمعت باباتي فاضل بيه يقوله لأمي.. بس طبعا هم مادروا أني سمعت..

جوزاء شعرت بضيق عميق كتم على روحها وهي تسأل شعاع: وأبي وش قال له؟؟..

شعاع تبتسم: شرشحه وسبه وطرده وخلاه مايسوى بيزة.. على قولته

حينها اتسعت ابتسامة جوزاء: الله يبشرش بالخير.. ليتني بس شفت بعيني..
ثم همست بدفء حنون: وجعل عمر أبو عبدالرحمن طويل في الطاعة.. وجعل عيني ماتبكي زوله..





***************************************






" وش إحساسك بأول ليلة في بيتك؟؟"

عبدالله يجلس على السرير ويلتفت لفهد وهو عاجز عن التعبير عن وطأة مشاعره وقوتها بل وقسوتها.. خليط قاس من حنين وألم وذكريات
هنا قريب من رائحة أهله.. حنان أمه وقوة أبيه وعزوة أشقائه..
هنا كان المكان الأخير الذي جمعه بها.. مازال المكان كما هو لم يتغير.. السرير والدولايب والجلسات..
عدا أنها خالية تماما من أي متعلقات شخصية أو ملابس!!

عبدالله تنهد وأجاب فهد: مبسوط وحزين في نفس الوقت.. مبسوط أني رجعت لمكاني..
وحزين لأن قعدتي هنا مهيب من خاطر أبي ولولا مرض أمي ماكان وافق!!

فهد وقف وهو يهتف بحزم: عط أبي كم يوم.. إبي مستوجع منك.. الله أعلم وش أنت مسوي فيه..
الحين رخص لي.. دوامي بكرة عقب صلاة الفجر..

فهد غادر عبدالله الذي وقف يدور في الغرفة الخالية تماما.. يتذكر الليلة الأخيرة له هنا.. وجوزاء تدعو أن يذهب ولا يعود..
مستعد أن يبيع عمره كاملا حتى لا يلمح نظرة الكراهية نفسها في عينيها مرة أخرى!!

في زاوية قسم الجلوس لمح الخزنة مازالت في نفس مكانها (أيعقل أنها مازالت لم تفتح؟؟
الوحيدة التي كانت تعرف رقمها هي جوزا
أعطيته لها حتى تضع مجوهراتها فيها)

عبدالله توقع أن يجد الخزنة فارغة ومع ذلك أدخل الرقم السري.. ليفتحها ثم يصدم صدمة بالغة القسوة بما وجده فيها
وجد جميع أوراقه الخاصة وساعاته ومتعلقاته الثمينة مازالت كيوم وضعها بيده
ولكن لم يكن هذا هو مصدر صدمته.. بل مصدر صدمته أنه وجد شبكة جوزاء ودبلتها و هدية صباحتيها منه!!

شعر بألم عميق وغضب أعمق.. ألهذه الدرجة كرهت أن تحمل معها شيئا من رائحته؟؟.. لماذا لم تبعها فقط إن كانت لا تريد الاحتفاظ بها
فهذه الأشياء هي حقها الذي شرعه لها الله عز وجل..

وجد أن تفكيره يُترجم في صورة تصرف لم يتردد فيه وهو يتناول هاتفه ويتصل برقمها القديم..
لا يعلم إن كانت قد غيرته.. ولكنه تمنى أن يكون هو نفسه..

وقتها كانت جوزا تستعد أن تنام بعد ان صلت قيامها مبكرا لأنها كانت مرهقة فعلا..
رن هاتفها برقم غريب.. لم ترد عليه.. عاود الرنين لثلاث مرات
حينها تناولته بحذر وردت بذات الحذر: نعم؟؟

صوته الغاضب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

كادت تلقي الهاتف من يدها وهي تتعرف على صاحب الصوت.. لكنه في ختام الأمر هو من أتصل بها لذا ليحتمل ماسيسمعه.. لذا هتفت بغضب عارم:
صدق قلة حيا ومرجلة.. بأي حق أنت تتصل ؟؟

عبدالله مصدوم من طريقتها في الرد ومع ذلك رد عليها بحزم متمكن: والله قليلة الحيا اللي تاخذ الرياجيل بشراع ومجداف كنها شريطية في سوق..

جوزاء تصاعد غضبها: هذا اللي مع شينه قوات عينه.. نعم وش تبي؟؟..
وياليت الرقم هذا تنساه وتمسحه من ذاكرتك مثل ماكنت ماسحه طول السنين اللي فاتت..

عبدالله حينها همس بخبث: وهذا اللي مزعلش؟؟ أني كنت ناسي الرقم السنين اللي فاتت؟؟!! انتظرتي مني تلفون يعني؟!!

جوزاء ليس لها بال لتشعر بالحرج أو حتى لتسمح له أن يشعرها به.. لذا همست بذات الغضب المشتعل:
لا والله ما انتظرت تلفون.. إلا تمنيت إن راعي التلفون مارجع من قبره.. ليته قعد فيه وكف شره عنا..

ألم عميق تصاعد في روح عبدالله.. أن يكون يحبها بهذه الطريقة الجنونية بينما هي تصفعه بكراهيتها ويغضها بهذه الطريقة غير الإنسانية الخالية من أي رحمة
ألم يكفها مافعله والدها به.. لتأتي وتكمل هي عليه!!

عبدالله حينها همس ببرود يختلف عن الحرارة المرة التي اجتاحت كل خلاياه:
أنا ما أبي أطولها وهي قصيرة.. أنا بس كنت أدري ليه خليتي أغراضش في الخزنة
الأغراض هذي حقش وبكرة بأعطيها عبدالرحمن يعطيش إياها

إن كان هو يتحدث ببرود لا يعبر عن حرارة حزنه.. فإنها كانت تتحدث بغضب ملتهب عله يعبر عن بعض التهاب جوفها
وخصوصا أن دموعها بدأت تتساقط من عينيها ملتهبة ساخنة تكاد تحرق خديها:
اسمعني عدل لو تبي تعطيها عبدالرحمن احذفها في أقرب زبالة أحسن.. لأن هذا هو اللي أنا بأسويه..
لأن الزبالة مايجي منه إلا الزبالة اللي مثله.. عشان كذا أنا من البداية خليت الزبالة في مكانها.. حد يشيل زبالة معه؟!!

حينها ماعاد عبدالله قادرا على الاحتمال.. قد يكون أخطأ في حقها كثيرا.. كما أخطا في حقوق الكثيرين.. لكنه لن يسمح لها أبدا أن تهينه بهذه الطريقة
سمع من عالية كثيرا عن سلاطة لسانها لكنه لم يتخيل أنها قد تصل إلى هذا المستوى المتدني والمنحط..

حينها صرخ فيها بغضب عارم: تدرين عمري ما تخيلت إنش ممكن تصيرين مخلوق بشع ومريض كذا
عشان كذا أنا مستحيل أخلي ولدي معش.. أي تربية بتربينه أنتي؟؟
أنا متأكد أني لاطلب عرضش على طبيب نفسي أن الولد بيصير في حضانتي من أول جلسة!!

حينها انهارت جوزاء بالفعل وبدأت تنتحب.. لم يكن عبدالله يقصد ماقاله أبدا..
لكنه أراد أن يؤلمها كما آلمته..
فإن كانت وصفته بـ"الزبالة" فهو وصفها بالمريضة النفسية وهو يظن أنه كان رحيما بها بينما هو ضربها على الوتر الحساس تماما
وهي تنهمر بوجيعتها وشهقاتها دون أن تشعر:
الحين تعايرني أني معقدة وهذا كله من بركاتك.. الحين تهددني تأخذ الولد اللي سنين مادريت عنه؟؟
خذتني وأنا روح صافية شفافة لوثتها بسوادك.. وعقبه أنا المعقدة التي تبي تعرضها على دكتور نفسي عشان تأخذ روحها منها؟!!
لا تنسى تقول للدكتور أنك اللي ذبحتني.. لا تنسى تقول له أنك اللي عقدتني.. لا تنسى تقول له أنك اللي حطمتني وحطمت مستقبلي وأنوثتي وإنسانيتي...
لا تنسى تقول له أن المخلوقة البشعة هذي أنا اللي صنعتها بيديني وتفننت في صنعها..
الحين تبي تأخذ حسن مني عشان هو الشيء الوحيد اللي باقي لي في الدنيا ماخذتها؟؟
خذت مني كل شيء.. عمري ودراستي وحتى شخصيتي ومستقبلي.. كل شيء خذته مني.. باقي لي حسن بس.. مهوب هاين عليك تخليه عندي
أنت لازم تأخذ مني كل شيء عشان ترتاح.. قبل ما تشوفتي ميتة منت بمرتاح.. ليت الله يأخذ روحي الحين وأرتاح من كل شيء وأريحك..

حينها قاطعها عبدالله بجزع بعد أن مزقت مشاعره المرفهة كل كلمة موجوعة انسكبت من روحها بكل صدق مجروح: بسم الله عليش.. روحي قبل روحش..

حينها شعرت جوزاء أن كل شعرة في جسدها وقفت وهي تُصاب بإحساس موجع يشبه تماما يوم سمعت كلمة "لبيه" اليتيمة منه..
ولكن شتان بين إحساسها المموه ذلك اليوم.. وإحساسها الناضح بالكراهية المرة اليوم!!
شعرت بصدمة موجعة وهي تستعيد سيطرتها على نفسها وتندم على كل كلمة ألقتها على مسامعه وهي تكشف أوراقها كلها أمامه
لملمت جراحها وهي تهمس باختناق: خلاص أبو حسن.. تبي شيء؟؟

عبدالله شد له نفسا عميقا.. واختناقها يصب في روحه الموجوعة وهتف بحزم:
أم حسن.. ترا خطبتي لش مفتوحة لين آخر يوم في عمري..
ماراح أقول عشان حسن.. لأني أوعدش إن حسن بيقعد معش لو مهما صار
لكن بأقول عشان تعطيني فرصة أصلح غلطتي معش
وإذا أنا ما أستحق ذا الفرصة.. أنتي تستحقينها!!







************************************





" ما تبينا الليلة نروح نبات في الأوتيل يالعريس"

كساب يلتفت لعلي ويهتف بحزم: لا .. أبي أنام في غرفتي..

علي يبتسم: والأجنحة اللي أنا حجزتها الليلة كذا على الفاضي..

كساب يبتسم: روح نام أنت هناك بروحك..إلا كم جناح أنت حاجز؟؟

علي ببساطة: ثلاثة.. واحد للعروس.. واحد لك وطبعا أنا معك.. وواحد لخالتي ومزون عشان يحطون أغراضهم فيه ويتعدلون فيه
بس طبعا الرئيسي حق العروس لأنهم يقولون إنها مختلفة مع أمها هي ما تبي تنزل للقاعة.. تبي تقعد بغرفتها..
وأمها ملزمة عليها تنزل وتقعد في الغرفة الملحقة بالقاعة عشان الحريم اللي يسلمون عليها أكيد ماراح يطلعون لفوق
وما ادري وش استقروا عليه.. فقلت على كل حال هي تأخذ الجناح الكبير وتأخذ راحتها..

كساب شعر بغضب ما أن معلومة جديدة مثل هذه يتلقاها من علي ومع ذلك هتف ببرود: ومن اللي قال لك ذا الكلام؟؟

علي بتلقائية وهو يسترخي على الأريكة: من مزون.. العروس بنفسها قايلة لها..

تزايد غضب كساب.. قد يكون الموضوع بمجمله غير مهم.. بل سخيفا جدا في نظره.. فأخر ما يهمه أن يعرف أن ستجلس..
ولكنه يكره أن يشعر أنه الحلقة الأضعف في أي قضية..
كان من المفترض أن يكون هو من يعرف بالخبر قبل أي أحد




*********************************





وضحى تغلق الحقيبة ثم تلتفت لكاسرة وتهمس برقة: شوفي هذي شنتطتش حقت الأوتيل..
والشنطتين هذي حق السفرة.. لا تفتحينهم.. شيليهم بس بكرة عالجاهز..

كاسرة جلست على طرف السرير وهمست بهدوء فيه شجن غريب: مشكورة أخدمش يوم عرسش إن شاء الله

وضحى جلست جوارها وهمست بمرح: ريحي روحش.. شكلش مطولة..

كاسرة غمزت لها بعينها: خليني بس أضبط موقعي هناك ونضبط لش ولد زايد الثاني..
لا ونزوج امهاب أختهم بعد.. ونستولي على العايلة كلها

وضحى ضحكت: أنتي ضبطي كساب لروحش وبس.. وبعدي عني أنا وأخي.. عاجبنا حالنا..
أنتي شكلش تبين تجلطين امهاب تزوجينه الكابتن طيار

كاسرة هزت كتفيه: خله.. يمكنها دواه..

وضحى تبتسم وتقف: بأروح أشوف تميم وبأرجع لش..
ثم أردفت بتردد: أبي أنام عندش الليلة .. ممكن؟؟

كاسرة شعرت بألم عميق أخفته خلف هدوء صوتها الحازم: أكيد ممكن.. ولو ماجيتني تنامين عندي.. أنا بأجي أنام عندش..


فور خروج وضحى رن هاتف كاسرة.. التقطته بعفوية .. كان كسّاب هو المتصل..
تنهدت بعمق (حتى أخر ليلة أنا فيها حرة منه إلا ينكد علي..)
ومع كل هذه الأفكار الرافضة لاتصاله إلا أنها ردت بهدوء: نعم؟؟

صوته الحازم: الله ينعم عليش

صوتها الهادئ بعمق: يعني أنت مافيك صبر لين بكرة عشان تنكد علي؟؟

أجابها بتهكم: ليه متوقعة أتصل لش عشان أنكد عليش؟؟

أجابته بذات الهدوء الساكن: كالعادة .. كل مرة تكلم عشان تنكد علي..

حينها أجابها بسخرية: زين دامش متوقعة النكد.. ماني بمخيب ظنش..
ممكن أعرف ليش ترتيباتش للعرس ما بلغتيني فيها؟؟
ليه أنا أتبلغ فيها من أخي اللي أختي بلغته..؟؟

كاسرة هزت كتفيها: والله أنا سويت الأصول.. وكذا الأصول
وعلى فكرة ترا حتى سفرنا أنت بلغت امي فيه قبلي..

كساب بسخرية حازمة: يعني تردينها لي؟؟

كاسرة بثقة: والله مافكرت فيها بذا الطريقة.. لكن والله إذا تفكيرك المحدود يبيها بذا الطريقة.. أنت حر

كساب بابتسامة متلاعبة: زين يا بنت ناصر..
بس حطي في بالش عدل دام حياتنا سوى بتبدأ بكرة
إنش ما تفكرين يوم تحطين راسش برأسي
أدري أنش مسكينة شايفة نفسش شخصيتش قوية.. بكيفش
بس العبي على قدش..





*********************************




صحا على قبلة على جبينه.. فتح عينيه مستغربا ليجد مزون أمامه.. ابتسم بتلقائية.. وهو يمد يده ليمسح خدها..
ولكن سرعان ما كف يده وتجهم وجهه وهو يجلس معتدلا ويهتف بحزم: وش ذا الإزعاج؟؟

مزون ابتسمت بسعادة حقيقية.. يكفيها انه ابتسم لها.. تفجرت تحت ردائها سعادة لا حدود لها
حين جاءت تتسحب إلى غرفته وهي تقرر أن تكون من توقظه في هذا النهار الاستثنائي.. كانت مستعدة لانفجاره الناري فيها
كانت مستعدة لكل شيء سيقوله.. ولكل تأنيب.. بل لكل قسوة..
لذا تفاجأت بشدة وتصاعدت دقات قلبها للذروة وهو يبتسم لها.. ثم كاد قلبها يتوقف وهو يمسح خدها بحنو حقيقي..
لذا لم تهتم بعد ذلك لتجهمه ولا لحزم صوته وهي تجيب بسعادة: اليوم يوم غير..قلت لازم أنا اللي أقومك..

كان يريد أن يصرخ فيها ولكنه لم يستطع أن يسلب الابتسامة التي طال اشتياقه لها ..
لذا هتف وهو يقف ببرود محترف: وليش ماحولتي إزعاجش على علي..

مزون بابتسامتها الصافية: علي ياقلبي أصلا ما رجع عقب صلاة الفجر.. راح مكان الحفل يشيك على كل شيء بنفسه
أقول له تو الناس.. مارح تلقى حد الحين..
يقول لي مهوب مرتاح لين يتاكد بنفسه

حزن شفاف لا معنى له غمر روحه.. أن يكون شقيقاه بهذه السعادة من أجل زواجه الذي هو بنفسه غير مهتم به..

كساب حينها كان سيتجه الحمام وهو يهتف بحزم :خلاص روحي هذا أنا قمت

كانت ستخرج.. ولكنها عادت بحذر لتقف أمامه ثم تمد ذراعيها لتحيط بهما خصره وهي تقبل صدره وتهمس بنبرة حزن عميقة:
ألف مبروك.. ما تتخيل أشلون أنا مبسوطة اليوم.. الله يجعل وجهها خير عليك

بينما هو وقف كتمثال وذراعاه مسدلتان جواره.. لم يتحرك لاحتضانها ولا للرد عليها وهو مشغول فقط بإحساسه الدافئ باستكانتها على صدره..
تمنى أن يشدها ليدفنها في صدره... ولكنه لم يبدر منه تصرف ونبرة الحزن في صوتها تغتال روحه بإحساس غير مفهوم..
(إن كانت سعيدة.. فلماذا كل هذا الحزن في صوتها؟؟)





*************************************



ينزل الدرج بخطوات هادئة شديدة الهدوء.. وكأنه يريد أن يتذوق وقع خطاه على الدرجات..
يستمتع بنغماتها المهدئة للروح كأمواج بحر ساكن عذب تضرب الشاطئ بسلاسة
لتنبئ العالم أن هناك حياة تستحق دائما أن تُعاش مهما كانت الحياة مُثقلة بالمصاعب..

وقبل أن يصل للأسفل يقف للحظات ليملأ عينيه من المكان.. النوافذ الضخمة المرفوعة الستائر تتيح لأشعة الشمس الدافئة أن تنير المكان بشكل صارخ
بعيدا عن برودة بورتلاند وغيومها التي غاص فيها حتى أذنيه..

المكان المتسع الذي مهما تغلف بالحضارة يبقى نابضا بروحه البدوية بعيدا عن شقته الضيقة الكئيبة التي خنقت روحه وأطبقت بجدرانها على صدره..

وقبل كل شيء.. وأهم من كل شيء...
من تصدرت المشهد.. منحنية على قهوتها الصباحية.. الحلم الذي مافارق خياله المؤرق بأحلام العودة المستحيلة!!
أراد أن يبكي.. فقد يكون البكاء هو التعبير الوحيد الذي قد يُعبر عن مدى وطأة المشاعر المفرطة في القوة والعنفوان..
ولكن تبقى روح الرجل ترفض البكاء تعبيرا عن مشاعر غالية ترخصها وتمتهنها الدموع..

وصلها وهي غارقة في أفكارها.. همس لها وهو ينحني على رأسها: صبحش الله بالخير..

انتفضت بخفة.. ثم أشرقت عيناها بابتسامة حانية: الله يصبحك بالنور والسرور
اقعد.. اقعد يأمك خلني أقهويك..

جلس مجاورا لها وهو يشد القهوة ناحيته ويهمس بشجن عميق:
أنا بأتقهوى بروحي وأقهويش.. والله ما تصبين علي الفنجال..

أم صالح ردت عليه بشجن مشابه: جعل عيالك يقهونك..

عبدالله يبتسم: ياه يمه.. عيالي!! هم حسن وبس..

أم صالح بنبرة عتب: ليه أنت بتقعد على حسن وبس.. لازم أنك بتعرس وبيجي عليك عيال(ن) غيره

عبدالله يتنهد: يمه يصير خير.. ادعي لي أنتي بس بالتوفيق وبرضا الوالدين ما أبي شيء غيره..




*********************************





"يالله يأمش شناطش صارت في السيارة
يا الله عشان نروح الفندق"

كاسرة تلف شيلتها على رأسها وتحمل نقابها بيدها وتهمس بنبرة حزن لم تستطع منعها لأنه الوحيد الذي يذيب هذا القلب:
زين يمه عطيني وقت شوي أسلم على جدي

مزنة بحزن مشابه: يأمش من عقب صلاة الفجر وانتي قاعدة عنده ماحتى رقدتي ولا تريحتي.. والحين يمكن إنه راقد يتريح قبل صلاة الظهر..

كاسرة بشجن عميق: ماعليه يمه.. خمس دقايق بس.. أسلم عليه..

طرقت الباب ثم فتحت بالمفتاح.. وطلبت من سليم أن يخرج من عنده لتدخل هي..
كان متمددا وعيناه مغلقتان كانت على وشك الانحناء لتقبيل جبينه حين سمعت همسه الساكن العميق: بتروحين الحين يأبيش؟؟

حينها لم تستطع أبدا أن تمنع دمعة يتيمة فرت من عينها رغما عنها.. رغما عن جبروتها وقوتها..
دمعة انسكبت على وجهه وهي تقبل جبينه وتهمس بشفافية مختنقة:
بأروح يبه.. وماني بمبطية.. عد كم يوم وأنا عندك

فتح عينيه الصغيرتين وهمس بحنان: أفا المهرة تبكي؟؟

عاودت تقبيل جبينه وانتقلت لكتفه وهي تهمس بوجع: المهرة ما يقدر عليها غيرك.. ودموعها مهيب لغيرك..

مد يده ليضعها على خدها وهمس بذات الحنان: وأنا ما أبي دموعها لي ولا لغيري..

حينها ابتسمت: خلاص لا تفتن علي أني بكيت.. وأبشر بسعدك..

مد يده حتى تجلسه.. شدته من يده برفق حتى يجلس ثم همس لها حين استوى جالسا: يأبيش ما أوصيش في نفسش ورجالش..
ترا يأبيش الرجّال مهو يدمح الزلة.. فلا تخلينه يعين الزلة عليش..

ابتسمت له وهي تشد على كفه الضخمة المعروقة: يبه أنا مايجي مني الزلة.. بس أنا مثله ماني بدامحة الزلة..

شد على كفها التي تمسك بيده وهتف بحزم: يأبيش المرة هي اللي لازم تحاضي وتسامح.. لا تخليني أحاتيش.. ولا تفرطين في ولد زايد ولا تقصرين في حقه..

وقفت لتقبل رأسه وهي تهمس بمودة: ولا يهمك يبه.. مايصير إلا اللي يرضيك
المهم الله الله في الكشخة الليلة وأنت قاعد في عرسي.. أبيك تغطي على المعرس..






************************************





كساب يفتح باب جناحه الخاص لمهاب الذي دخل مستعجلا وألقى بغترته على أقرب مقعد: زين أني لقيتك يوم كلمتك
الوالدة ملزمة علي أقعد قريب من كاسرة لين ترجع..
وأنا مابعد صليت الظهر..

كساب بتساؤل لم يخل من خبث: ليه كاسرة بروحها؟؟..

مهاب بتلقائية: إيه بروحها.. أمي نست بعض الأغراض ورجعت مع السواق والخدامة وبترجع بعد شوي..
واختي الثانية قاعدة عند تميم في البيت وبأرجع أجيبها العصر
ثم أردف متسائلا: وين الحمام؟؟

كساب شيء ما يدور في رأسه: في الغرفة الثانية.. وترا بتلاقي علي نايم.. رجعنا قبل شوي من صلاة الظهر ودخل ينام..
مسكين من صلاة الفجر وهو يشيك بنفسه على كل الترتيبات منهد..

مهاب يضع هاتفه ومحفظته وأزرته فوق غترته ويتوجه للداخل..

بينما كساب تناول هاتف مهاب دون تردد وأرسل منه رسالة
.
.
ذات الوقت
كاسرة في جناحها المجاور.. وكما هو معروف غالبا يكون بين الأجنحة بابان مزدوجان.. لا يفتحان طريقا بين الجناحين إلا إن فُتحا من الناحيتين
كانت قد انتهت من صلاة الظهر وكانت تريد أن تستحم قبل تصل خبيرة الشعر وخبيرة التجميل حين وصل هاتفها رسالة من مهاب:

"تعالي لي أنا في الجناح اللي جنبش
بطلي الباب من عندش وأنا بأبطل الباب اللي عندي
أبيش ضروري"

كاسرة حين وصلتها الرسالة كانت خالية الذهن تماما ولم تشك بشيء مطلقا
فهي تعلم أن كسّاب حجز عدة أجنحة..
ولم تشك مطلقا أن أخاها هو في الجناح المجاور.. فهو اتصل بها منذ دقيقتين فقط وقال لها أنه جوارها إذا أرادت أي شيء..

كاسرة وضعت جلال الصلاة على رأسها ولفته بإحكام..
وفتحت الباب ببساطة...


#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 01-08-10 09:00 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح الورد والخير ودفا القلوب الطاهرة


.


رد على بعض التساؤلات:



الشعر: الكسر البسيط جدا.. ومعناه أنه حدث كسر لكن العظمان لم يتباعدا بل مازالا ملتصقين وهذا النوع يلتئم بسرعة.. يعني نستطيع نقول شرخ بسيط..


يدمح الزلة: يتناساها ويغفرها


الشناقيط: البنطلونات..


.


ترا أنا والله أقرأ كل الردود بتمعن ويكون فيه أشياء أقول أبي أرد عليها وأنسى عقب غصبا عني <<< مخ مافيه


فلو وحدة سألتني سؤال وأنا ماجاوبته يا ليت تعيده لأني والله مهوب قصدي ذا التناسي سامحوني يالغوالي


.


.


.


شاعرتنا (أبي قليلك ولا حصلت) خجلتني وابهرتني بقصيدة أتمنى أني أستحق ربعها


طوق ياسمين لبراعتها المذهلة ولروحها الطاهرة




[مابين الامس ويومنآ] كان عنوان


... ... ... ... للرائعه والمذهله من قطرنا !



حطت لها في ساحه البوح ميزان


... ... ... ... ثقله كبير ونجحده لو جهرنا



ياجعل ربي مايصغر لهآ شان ..


... ... ... ... ويكتب لهآ عتقٍ ليا جاء شهرنا



في عيني اليمنى تقل طير حوران


... ... ... ... ماهي برجلٍ لكن الله وآمرنا !



إن حن نقول الصدق في كل الأركان !


... ... ... ... وهي عن ميه رجل باللي حضرنا



وفي عيني اليسراء تقل هي بستان !


... ... ... ... من الورود الغالية.. لا نظرنا



ياتي لها جوري ومشموم ريحان !


... ... ... ... والآخره نبته لمآضي اسرنآ !



والله يالولا الجاذبية .. ولا كان !


... ... ... ... امقابلين الشاشة إن كان طرنا



من الفرح لو ضوها لحظةٍ بان


... ... ... ... الله يطول عمرها مع عمرنا ،،



وختامها صلوا على شيخ عدنان !


... ... ... ... محمد ـ وعذراً ليا من قصرنا



فعلا موهوبة يا شاعرتنا.. مبهورة جدا فيك <<< عشان براعة حبك القصيدة موب عشاني :)



ويالله جات الفرصة نشكر بعد فيتامين سي على شلتها.. <<< والله أبي أشكرك من زمان بس أنسى..



وبعد نشكر شاعرنا علي آل عذبة في قصيدته لحزبه..


.


.


أنا أتأثر كثير من الشعر.. لأنه معنى إن الشاعر اقتطع من وقته عشان يمنحنا نبع روحه اللي هو أصعب أنواع الإبداع وهو الشعر


هذا يتوجب علينا نقول لهم كلهم ألف ألف شكر ولا نوفي بعد..


.


.


تتشرف كل من


عائلة السيد زايد آل كساب.........وعائلة المرحوم ناصر آل سيف


بدعوتكم لحضور حفل زفاف


نجل الأولى كساب...... على كريمة الثانية كاسرة


وذلك في ثنايا أحداث الجزء التاسع والثلاثون من بين الأمس واليوم


وبقراءتكم تكتمل لنا الأفراح والمسرات


ملاحظة: يرجى سدح تعليق يثبت حضوركم للزفاف :)


.


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والثلاثون







كاسرة حين وصلتها الرسالة كانت خالية الذهن تماما ولم تشك بشيء مطلقا


فهي تعلم أن كسّاب حجز عدة أجنحة..


ولم تشك مطلقا أن أخاها هو في الجناح المجاور.. فهو اتصل بها منذ دقيقتين فقط وقال لها أنه جوارها إذا أرادت أي شيء..



كاسرة وضعت جلال الصلاة على رأسها ولفته بإحكام.. وفتحت الباب ببساطة.. لتتفاجأ بيد تشدها بقوة..


وهو يثبتها على الحائط الملاصق للباب..


كاسرة حينما رأته أمامه.. شعرت كما لو أنه سُكب على رأسها ماء مثلجا وهي تشعر بتجمد خلايا مخها..


في الوقت الذي تصاعدت دقات قلبها حتى كادت تختنق بها..


ثوان من صمت مرت وكل منهما يستشف ملامح الآخر..


كانت المرة الأخيرة التي رأته فيها هي يوم الحريق.. بدا لها اليوم أكثر وسامة وقربا وغموضا بشكل غير معقول..


وهو يقف أمامها دون غترة أو حتى طاقية وخصلات قصيرة تلتف حول أذنه دلالة على تشعث شعره من أثر تمدد..


لا تعلم حينها لـمَ اتجهت عينها مباشرة لخده.. حيث أخبرها جدها بمكان عضتها القديمة..


ربما لأن قربه هكذا وملامح وجهه تبدو شديدة القرب والوضوح دفعها لاكتشاف تفاصيله المخبئة..


وربما لأنه هذه المرة هي الأولى التي تراه بعد أن أخبرها جدها بالحكاية..


وبالفعل كانت عضتها ماتزال واضحة إلى حد ما ولكن شعر عارضيه أخفاها ولا يراها إلا من يدقق فيها..


كانت أنامله القوية تنغرز في كتفيها بتملك واستحواذ وعيناه تطوف بتمعن في إطلالتها الكريستالية وغطاء الصلاة يمنح وجهها سماوية غير مفسرة


ثم حرر أحد كتفيها وهو ينقل يده لكفها ويمسك بها ويرفع لخده.. مكان عضتها تماما..


ثم يمسك بأناملها التي كانت ترتعش ليمسح بها عارضه المحدد بأناقة..


وهو يهمس بغموض: عينش هنا؟؟ ما أعتقد أنش تذكرينها!! من قال لش عنها؟؟



شعرت أن قلبها سيتوقف فعلا من لمساته.. من حديثه.. بل حتى من نبرة صوته وفي هذا الوقت بالذات..


وخصوصا وهي ترى أغراض مهاب على مقعد خلف كساب.. تشعر أنه سيتسبب لها بمصيبة بتهوره المجنون..


ولكنها لم تسمح له بإشعارها بالتوتر وهي تتجاهل سؤاله الملتبس الذي كان يشغلها فعلا.. وتصحو من غيبوبة الموقف


وتهمس بثقة طاغية بها نبرة غضب واضحة: ممكن أعرف سبب الحركة السخيفة ذي؟؟


يعني زواجنا خلاص الليلة وش بتسفيد من شوفتي الحين؟؟



كساب همس لها ببرود وهو يعاود تثبيت كتفيها: كذا.. حبيت أشوفش



كاسرة همست بغضب متزايد من بين أسنانها: عشان كذا خدعتني بحركة رخيصة عشان تجيبني هنا..



كساب ضحك ضحكة مصطنعة بسخرية: خدعتش.. ضحكتيني


قالها وهو يدفعها ليعيدها لجناحها ويغلق الباب..



كاسرة تفاجأت جدا من تصرفه.. ومع ذلك تأكدت من إغلاق الباب وألقت جلالها على المقعد المجاور للباب


وهي تضع يدها المرتعشة على صدرها وتحاول تهدئة دقات قلبها التي كانت تصرخ كدقات المطارق من تصرفه المتهور الذي كاد يفضحها في شقيقها


وهي تحاول بفشل أن تهدئ ارتعاش جسدها الذي مازالت تحس بحرارة أنامله عليه


وكل ذلك يغذي غضبها المتزايد منه وهي تهتف لنفسها بكلمات أقرب للتبعثر:


صدق إنه غبي.. وش فايدته من ذا الحركة كون إنه ياكد لي إنه ماعنده عقل.. الشيء اللي أنا متأكدة منه.. وهو يأكده لي دوم



ماكادت تنهي عبارتها وهي تريد أن تجلس لأنها تشعر أن طاقتها كلها استنزفت من الصدمة غير المتوقعة


حتى فوجئت بالباب الذي أغلقته منذ ثوان يُفتح وكساب يدخل منه ثم يغلقه..


هذه المرة وقفت مصدومة بالفعل.. وعيناها تتعلقان به بذهول.. (أشلون دخل ذا؟؟ متأكدة أني قفلت الباب!!)


بينما كساب تقدم لها بخطوات واثقة.. حتى وقف أمامها وأمسك بها من عضديها وهتف بثقة متجبرة:


عشان تعرفين أني لو بغيت شي ما تردني منه حتى البيبان المسكرة..


وعشان للمرة الألف ماتحطين رأسش برأسي..


ثم ابتسم بخبث: وعشان شوفتش وأنتي مبققة عيونش كذا تستاهل..



كاسرة كانت على وشك الرد لولا أنها فوجئت به يُسند جبينه لجبينها بدون مقدمات..


ثم نقل كفيه من عضديها ليدخلهما في موج شعرها وهو يمسك برأسها من جانبيه من الخلف..


كاسرة شعرت بصاعقة ضربتها في منتصف رأسها ..وصواعق كهرباء لا حدود لقوتها تضرب خصلات شعرها بقوة مكان يديه..


همست من بين أسنانها: أنت وش تسوي يا المجنون؟؟



كساب همس لها بخفوت بنبرة أمر واضحة متسلطة: أششششش... خليني أسمع..



كاسرة تشعر أنها ستموت فعلا وهو يقتحم خجلها الطبيعي بهذه الطريقة البالغة الجرأة ومع ذلك همست بثقة: تسمع ويش؟؟.. فكني..



همس لها بعمق وجبينه مازال ملتصقا بجبينها: أسمع همس ريحتش العذاب.. تدرين أول مرة أدري إن الريحة تهمس ولها صوت..



كاسرة رغم صدمتها البالغة مما يقول ودقات قلبها تعاود الصراخ بصوت أعلى حتى خشيت أن يسمعها.. إلا أنها همست بذات الثقة:


كسّاب أنا ماني بمتعطرة.. فكني لو سمحت بدون خبال..



كساب همس بدفء خافت موجع لأبعد حد: وأنا ماقلت ريحة عطرش.. قلت ريحتش أنت...



كاسرة رغم عنها ولا إراديا بدأت تتنفس هي أيضا رائحة عطره الفخم والغامض الذي كان يعكس شخصيته تماما


ولكنه لم تسمح لهذا الجو المتهور الغريب أن يسيطر عليها


حركت كتفيها للتخلص منه وهي تهتف بحزم: كساب هدني.. لو حد دخل علينا الحين وش موقفنا؟؟



كساب أبعد جبينه عن جبينه وهتف بثقة: ما يهمني حد..


قالها وهو يشدها قليلا ناحيته ويقربها منه..



كاسرة بدأت تقلق من الموقف كله.. همست حينها برجاء حازم مدروس:


كساب.. هدني.. يعني أنت تبي تخرب إحساسي أني عروس تنتظر ليلة عرسها؟؟



حينها أفلتها كساب وابتعد خطوة وهو يهتف ببرود: وأنتي تبين أصدق أنش حاسة مثل عروس..



رغم تضايقها من كلامه إلا أنها ردت عليه ببرود مشابه: مثل ما أنت حاس إنك عريس بالضبط..



هز كتفيه وهتف بتهكم: بصراحة ماني بحاس بشيء..



ردت عليه بتهكم مشابه: ودامك منت بحاس بشيء.. وش جابك عندي؟؟



كساب هتف بحزم: تقدرين تقولين طبت في بالي.. وانا ضايق من الحبسة... وجية امهاب عطتني الفرصة نشوف أم لسانين..



كاسرة بإزدراء: صدق إنك بزر..



كسّاب لم يرد عليها وهو ينظر لها بنظرة استخفاف شعرت أنها توشك أن تحرقها وهو ينظر لها من أعلاها لأسفلها..


ثم يغادر الجناح ولكن هذه المرة من بابه الرئيسي..


لتجلس كاسرة على أقرب مقعد وهي تشعر بغضب عميق يتجمع في روحها عليه..


(غبي.. غبي.. وسخيف


وماعنده عقل!!)







*************************************






" ياي خالتي تجنين.. تحفة ماشاء الله.. عاد عمي الليلة بينجلط"



عفراء تبتسم وهي تغلق سحاب فستان مزون عليها وتهمس بحنان: أنتي اللي ماشاء الله عليش منورة من قلب..


وإلا أنا خلاص راحت علي..



مزون سعيدة جدا هذه الليلة : خالتي اللي بيشوفني أنا وإياش يمكن يقول أنتي أختي الصغيرة..



عفراء تلبس أسوارتها وتهمس بابتسامة: حلوة النكتة ذي يا بنت..



حينها همست مزون بحذر: خالتي عادي نروح لجناح كاسرة نشوفها قبل ننزل للقاعة؟؟



عفراء بثقة: عادي ياقلبي.. مع أني ما أظن إنها خلصت..



مزون تبتسم: أبي أشوفها وأبارك لها.. أخاف بعدين أخوانها موجودين في الزفة.. ما أقدر أخذ راحتي..مع أني بأموت عشان أشوف كساب جنبها



.


.



في الجناح الآخر..



" أنتو من فيكم العروس؟؟"



وضحى بين شهقاتها: هي العروس ..



خبيرة التجميل تبتسم: أدري إنها العروس.. بس أشوفج أنتي تبجين وهي ماشاء الله عليها مأخذها الموضوع ببساطة مابعد شفت مثلها..



وضحى تبتسم بفشل: أبكي نيابة عنها..



الخبيرة بابتسامة: أنا دايم أحاتي دموع العروس وأنا أسوي الميك آب.. لكن هي ماشاء الله عليها ما تعبتني


ماظنيت إن الدموع وراي وراي... يا الله هدي شوي.. على الأقل لين ينشف الكحل وعقب ابجي على كيفج هو ضد الماي...



كاسرة كانت انتهت من وضع زينة وجهها وتنتظر خبيرة الشعر بينما والدتها تجلس جوارها وتكثر من قراءة الأدعية والأذكار عليها..



كاسرة شدت يد والدتها ثم همست بهدوء خافت وهي تنظر لوضحى التي كانت تمسح دموعها: يمه حطي بالش على وضحى زين


اللي صار معها ذا الأيام واجد عليها.. طلاق امهاب وعقبه حادث تميم.. وعقبه عرسي..


هي بروحها حساسة بدون أي شيء.. أشلون مع ذا كله؟؟



مزنة بذاتها تشعر بألم عميق لكل هذه الأحداث ومع ذلك شدت على يد كاسرة وهي تهمس بثقة: لا تحاتين وضحى.. ما ينخاف عليها..



ما أن أنهت مزنة عبارتها حتى تصاعدت الدقات على باب الجناح.. وقفت لنفتح.. ثم تعالى صوت ترحيبها بعفراء ومزون


بينما عفراء تهمس برقة: حبينا نمر نسلم عليكم قبل ننزل القاعة..



مزنة تبتسم: تو الناس على القاعة.. اقعدوا معنا شوي..



عفراء بمودة: لا فديتش نبي نشيك على كل شيء قبل يجون المعازيم..



مزون وعفراء تقدمتا للداخل.. سلمتا على كاسرة ووضحى وباركتا لكاسرة بمودة حقيقية ..ثم غادرتا..



مزون في الخارج تهمس لخالتها بابتسامتها الشفافة: تدرين خالتي والله العظيم خايفة على أخي..



عفراء تضحك: تخافين على كساب.. خافي على المسكينة من كساب..



مزون بحماس شفاف: خالتي جمالها شيء غير طبيعي.. ماشفتي بنفسش.. مالها حل..


يأما أنش تقعدين تطالعين لين توجعش عيونش لأنش حتى ما تقدرين ترمشين لا يفوتش شيء منها


ويأما أنش ترحمين حالش من أول شيء وتغمضين عيونش..



عفراء تضحك: زين منتي بولد.. عندش غزل خطير مابعد مر علي في كل القواميس..



مزون بشجن: الله يجعلها بس سكن لروح كساب اللي تعبت الكل..







*************************************






" يا الله وش إحساسك يالعريس الحين؟؟"



علي يهمس في أذن كسّاب الذي كان يجلس للتو بعد أن أنهى السلام على فوج من المهنئين..



كساب بعدم اهتمام: أحلى شيء لبسة البشت.. كنك شيخ!!



علي يبتسم وهو يهمس بمودة صافية: على شكلك في البشت شهويتني أعرس وألبس بشت.. بس عاد أنا من وين لي كتوف مثلك تشل البشت


أخاف ألبسه يزلق !!



كساب يقف ليسلم على فوج جديد وهو يهمس لعلي: سلمني نفسك بس ست شهور.. وأنا اخلي البشت ما يزلق



علي يستعد للمغادرة ليرحب بالمعزومين وهو يهمس باسما: لا يأخي ماني بحملك..


وديتني التدريب معك مرة قعدت عقبها يومين مريض.. ماعندك رحمة..



حينما غادر المهنئون ليجلسوا في مقاعدهم مال زايد الذي كان يجلس يمين كساب على أذن كساب وهو يهمس بحزم: وش ذا المساسر بينك وبين أخيك؟؟


لا عاد يتكرر..



زايد استغرب أن كساب ابتسم له وهو يشير برأسه: أبشر.. والسموحة.. كان ينشدني عن شيء..



كساب نفسه استغرب أنه هذه الليلة ليس متحفزا ضد أبيه.. بل يهدف إلى إرضاءه..


فهو إن كان أقدم على الزواج من أجله جزئيا.. فربما أقل ما يقدمه له الليلة أن لا يكدر عليه فرحته بالعناد..


وبالفعل كان زايد هذه الليلة سعيدا.. سعيدا جدا لدرجة أن منصور الذي كان هو بذاته غاية في السعادة..كان يقول له باسما:


تدري يأخيك أكيد بكرة شدوقك بتوجعك من كثر ما استخدمتها..



ابتسم زايد: تدري يأبو زايد.. خاطري أغمض عين وأفتح عين أشوف عياله.. ياني متشفق على شوفتهم..



رد عليه منصور بفخامة: وعليان المسكين؟؟



زايد بشجن: أنت عارف غلا علي.. بس أبي كساب يستقر ويرتاح باله.. وأبيه يوم يصير عنده عيال.. يفهم كل شيء سويته وكان يضايقه مني


ويحس اللي كان يسويه فيني أشلون يضايقني!!


ويدري بغلاه اللي داخل العظم واللحم وهو عاده شاك فيه!!






***********************************







" الحين أنتي من جدش على هالمناحة.. عيب عليش والله


هذا وانتي وإياها كنتو قطو وفار..


ترا كاسرة هي القطو وأنتي الفار"



وضحى تحاول منع سيل دموعها وهي تنظر لتألق كاسرة التي كانت تجلس في كوشتها الصغيرة والبالغة الرقي


والتي أقيمت لها في غرفة مجاورة للقاعة بناء على تصميم أم مهاب


وتهمس باختناق: غصبا عني شعاع.. والله العظيم غصبا عني..


يعني صدقيني على كثر ما كانت كاسرة كاتمة علي ومتحكمة فيني لكن عمري ماشكيت في غلاي عندها ولا هي شكت في غلاها عندي


ما أدري أشلون باستحمل البيت من عقبها..



شعاع تنظر لكاسرة وتبتسم وتهمس بشفافية: ماشاء الله تبارك الله.. عمري ماشفت عروس بذا الجمال ولا ظنتي بأشوف..



كانت تنظر لكاسرة التي كان تألقها أشبه بالخيال في فستانها الأبيض.. صورة مبهرة في الحسن والمثالية إلى درجة الألم..


تسريحتها الراقية وبعضا من خصلاتها تنحدر على نحرها الناصع وعلى العقد الماسي الذي كان يستمد جماله من جمال النحر الذي حضي بشرف ملامسته..


سواد أهدابها وزهوة شفتيها.. ونقشات الحناء على ذراعيها المصقولين..كل شيء كان بالغا حده في الإبهار والخيال...



أعادت الهمس وكأنها تكلم نفسها: ماشاء الله تبارك الله.. الله يحفظها من كل شر!!



وضحى تحاول أن تتناسى وجعها وهي تهمس لشعاع: جوزا وينها؟؟ مهيب جايه تسلم على كاسرة؟؟..



حينها انتقل ألم الشقيقات لشعاع: جوزا ماكانت تبي تجي.. واجد متفشلة منكم... ومستحية تواجهكم.. بس أمي حلفت عليها تجي


فهي تأخرت تتزين وبتجي بعد شوي..



وضحى بشفافية: شعاع يا قلبي هذا نصيب.. وجوزا مهما صار بنت عمتنا..



سميرة التي أنهت سلامها على كاسرة تدخل رأسها بين الاثنتين: مالي بذا السوالف.. وش فيكم تساسرون؟؟



شعاع تبتسم: لا تخافين ماجبنا طاري تميم..



سميرة تضع يدها على قلبها وتهتف بنبرة تمثيلية: الحمدلله وأنا قلبي كان ناغزني منكم..



شعاع تغمز لها: أما لو تميم شافش بذا الفستان الأسود مهوب بعيد ينجلط..


زين أنش تسهلتي عشان ما تقطعين نصيبي إذا شافوش النسوان بعد شوي في القاعة


تدرين المشفح يموتون على البياض.. وأنتي الليلة لمبة متحركة.. ماحد بمتفكر في خشتي..



سميرة تنفض يديها وهي تهمس بجزع تمثيلي: بسم الله علي.. ول عليش.. أنا اللي تخصص نظل حتى تخصصي بتنافسيني فيه..


بس ارتاحي.. أصلا أمي حالفة علي ما أطلع للقاعة .. بأسلم على كاسرة وأقوم أفارق.. خبرش عرسي قريب وعيب النسوان المشفح يشوفوني..


يبون يعقدوني.. مع أني بأموت أبي أشوف الترتيب.. وأنتو بعد يالدبات شفقتوني من كثر ما تمدحون العرس.. بأموت أبي أشوف..




كانت سميرة بالفعل غاية في التألق في فستان أسود من الدانتيل المختلط ببعض التركواز..


بدا في تضاده مع لون بشرتها الناصع أشبه بحكاية خرافية نسجتها عرافة سحرية لحسن شفاف..



أما وضحى التي نهضت الآن لتتوجه لشقيقتها فكانت ترتدي فستانا سكريا


قماشه هو ذاته قماش فستان العروس بشك وتطريزات شبيهة بفستان كاسرة مع اختلاف شاسع..


ولكن من يراه سيلاحظ التشابه المقصود فورا..وكانت هذه هي فكرة كاسرة


ولكن فستان كاسرة كان أبيض اللون ومتسع من الأسفل على الطريقة الفيكتورية


بينما فستان وضحى كان ضيقا على جسدها..


ورغم أن وضحى رفضت هذه الفكرة.. فهي ليست في حاجة أن يلاحظ أحد التشابه ..فيقارن مقارنة لن تكون لصالحها..


رفضت مطولا ولكن كاسرة فرضت رأيها الذي لم تبرر أسبابه..


فهي لم ترد أن تكشف أسبابها التي كانت بالغة العاطفية..


أحبت أن تمنح لوضحى إحساسا بالقرب منها.. لم يسبق أن فعلته عروس التي غالبا تحب أن تتميز لوحدها بلباس لا يشابها فيه أحد..



أما شعاع ففستانها السماوي من قماش الشيفون عكس بشكل رائع رقتها وسماويتها..



أما التي كانت مفاجأة الحاضرات القليلات جدا عند كاسرة في الوقت ذلك


فهي التي دخلت الآن بفستان حريري أخضر أبرز تفاصيل جسدها المثالية..


سميرة حينها وضعت يدها على جبينها وهي تهمس بنبرتها التمثيلية المحببة:


ياقلبي اللي وقف.. شعيع طالبتش.. قولي لأختش تسلفني جسمها يوم عرسي بس


طالبتش.. أبوس إيديكي ورجليكي.. ول على أختش على ذا الجسم.. أنا ارتفعت حرارتي الحين..



شعاع بجزع حقيقي: سمور يا النظول.. اذكري الله على أختي..



سميرة تضحك: ماشاء الله ياختي.. دنا عيني مش مدورة..


بس قولي لي أختش وش تاكل أكله قبل عرسي..



شعاع تضحك: لو أدري كان كلته أنا.. وأنا شكلي كذا كني بزر أم 15 سنة..



جوزاء كانت تحاول أن تتقدم بثقة رغم أنها في داخلها كانت ستموت حرجا من الموقف كله.. لم يمض على طلاقها من ابنهم إلا أيام فقط


عدا أن نفسيتها مرهقة تماما بل محطمة وماكان ينقصها هو أن تُجبر على التأنق حتى تبارك لكاسرة زواجها..


بينما هي أشبه بحطام إنسان ذاوٍ مقارنة بهذه الشمس التي احرق نورها كل من يجاورها..


ليذكرها كل ذلك بعقدها المتراكمة في ذاتها.. وهي تشعر أنها هذه الليلة تكره نفسها وتحتقرها أكثر من أي شيء في هذا العالم..



تقدمت خلف والدتها التي كانت تحتضن كاسرة وهي تبارك لها بتأثر عميق وهي تتذكر أخيها المتوفي..


لتتأخر حتى تتيح المجال لجوزاء التي همست بخفوت واستعجال: ألف مبروك كاسرة..



أنهت عبارتها وكانت تريد الانسحاب.. ولكن كاسرة شدتها من يدها وهمست لها بحزم: جوزا اقعدي جنبي أبي أكلمش في موضوع



جوزاء جلست وهي تشعر بحرج عميق.. آخر ما تريده أن تجلس بجوار كاسرة وتكون هي في بؤرة الضوء ومرمى نظر كل من سيأتي للسلام عليها


بينما كل ماتريده أن تنزوي في زاوية ينساها فيها العالم أجمع..



همست كاسرة لها بخفوت حازم: ادري إنه الحين مهوب وقته أبد وعيب حتى أتكلم في ذا الموضوع وفي ذا الوقت


لكن أنا ما أدري متى أقدر أشوفش.. وانا ما أقدر أخلي الكلام ذا في خاطري


وعلى العموم أنا ماني بمطولة عليش..


اسمعيني جوزا.. أنا مهوب خافيني إن معاملتش لي تغيرت 180 درجة من عقب موت أبو حسن اللي ماصار..


وأنا أدري إن التغيير ذا أكيد بسبب شيء سواه.. وأكيد هو سبب كل شيء صار لش..


وأنا سمعت من وضحى إنه رجع وخطبش على طول عقب ما طلقش امهاب..



وجه جوزاء اشتعل حرجا مريرا.. بينما كاسرة أكملت بذات الحزم الخافت: اسمعيني عدل.. نصيحة لله.. أنا أدري زين من معرفتي لمحبتش لحسن إنه مستحيل تزوجين وتضحين بحضانة حسن..


لكن ولد آل ليث توه شباب.. ومستحيل يقعد بدون مرة..


تبينه هو يتزوج وينبسط؟!!.. وفي النهاية ترا حسن إذا كبر راجع له راجع له..


يا بنت عمتي حطي عقلش في رأسش وارجعي لأبو حسن..


خليه يندم على كل شيء سواه.. خليه يندم على الشهور اللي قضيتيها في حداد وهو مطلقش


خليه يندم على ضياع عمرش ودراستش..


وقبل ما يفكر يطفش وإلا يهرب.. اربطيه بولد ثاني ..



جوزاء لم ترد عليها.. وهي تقف لتجلس بجوار شقيقتها شعاع بعد أن مرت على أم امهاب وسلمت عليها..



بينما فاطمة قفزت بجوار كاسرة وهي تهمس في أذنها بخفوت: هذي كلها سوالف مع أم جسم صاروخي.. حشا وش قلتي لها؟؟..



كاسرة تبتسم وتهمس: مستحية أقول لش.. مهوب أنا عروس..



ذات سؤال فاطمة سألته شعاع لشقيقتها..وهي تستغرب جدا ما الذي قد تقوله لها كاسرة وفي ليلتها الاستثنائية..


ردت عليها جوزاء بتبلد: بأقول لش في البيت..



بعد دقائق.. هتفت أم مهاب للشابات المتواجدات بعد أن أنهت اتصالا.. أن مهابا وتميما سيدخلون للسلام على شقيقتهما


وفي الوقت الذي استعجلت جوزاء الخروج وكأنها تريد الهروب..


فإن سميرة التي خرجت مجبرة كانت تتمنى لو استطاعت أن ترى تميما كي تطمئن على وضعه.. وإحساسها بالذنب من ناحيته يخنقها لأبعد حد..



بينما وضحى كانت تميل على أذن والدتها: غريبة يمه جية تميم وامهاب ..مهوب المفروض يجون مع كسّاب.. ليه جايين قبله..؟؟



بعد دقائق كان مهاب وتميم يدخلان..


رغما عنها ورغم ادعاء القوة الدائم.. انتابها إحساس عميق بالتأثر وهي ترى شقيقيها.. وخصوصا تميم بيديها الاثنتين المعلقتين بعنقه..



اقتربا كلاهما منها.. مهاب قبل جبينها وهو يهمس لها بمودة عميقة وتأثر أعمق: بنشتاق لقشارتش.. وين نلاقي لنا أخت قشرا كذا؟!!



كاسرة ابتسمت وهي تهمس بشفافية: زين اضحك علي قل بنشتاق لرقتش.. اسمي عروس ترا..



مهاب يعاود تقبيل جبينها وهو يهمس بمودة صافية: وأحلى عروس بعد.. ومافيه عروس عقبش بعد..



كاسرة تهمس له بمودة صادقة وتأثرها يتعاظم: وعقبالك قريب إن شاء الله..



مهاب تأخر ليتقدم تميم منها.. الذي قبل هو أيضا جبينها ثم ابتسم وهز كتفيه دلالة أنه لا يستطيع أن يشير بشيء..


ابتسمت له كاسرة وأشارت بمودة عميقة: وصلني اللي تقصد حتى لو ما أشرت.. جعلني ما أذوق حزنك وماتشوف شر..



حينها همس مهاب لكاسرة باستعجال: يالله ياعروس.. اطلعي لغرفتش وبدلي بسرعة عشان كساب ينتظر برا.. أنا بأوديكم المطار..



حينها تغير وجه كاسرة وهي تهمس بحزم: وكسّاب ليه ما يبي يدخل؟؟



مهاب بطبيعية : يقول مستعجل..



كاسرة بحزم خافت: يعني لو كان دخل معكم الحين بدل ماهو قاعد في السيارة مهوب متاخر؟؟


أنا آسفة ماراح أطلع إلا هو يجيني بنفسه.. يعني جد امهاب منت بحاس إن موقفه سخيف وقصده يهيني.. وإلا عادي عندك؟؟


يعني أنا ليش لابسة ومتكشخة.. مهوب عشان يجي ويشوفني.. وحضرته مهوب متنازل يعني!!



مهاب لم يفكر مطلقا بهذه الطريقة.. ولكن بما أن أخته متضايقة من هذه النقطة


فهو يستحيل أن يسمح أن تشعر أن كساب يقصد إهانتها وفي هذه الليلة بالذات.. حتى لو كان لا يقصد ذلك..



لذا تناول هاتفه وهو يتصل ويهمس بحزم: كساب لو سمحت تجهز عشان أنت تدخل وتأخذ أختي بنفسك..



كساب الذي كان يجلس في السيارة مع شقيقه علي الذي كان يقود السيارة الأخرى حتى يعيد تميم بعد ذلك..


هتف بحزم مشابه: امهاب ماعندي وقت.. نبي نطلع المطار.. وحتى أغراضي كلها صارت في السيارة..



مهاب بحزم أشد: بدل منت قاعد في السيارة.. ماراح يضرك تسمح خاطرها وتجي تاخذها وتطلع معها..



حينها صر كسّاب على أسنانه بقوة (يعني هذي أوامر الشيخة) ..


ولكنه لم يسمح لها أن تفقده السيطرة.. ولم يرد أن يظهر بمظهر غير لائق أمام نسيبه.. لذا هتف بحزم: خلاص ولا يهمك..تعال لي عشان أدخل..



بينما ابتسامة علي اتسعت وهو يرى كساب يُجبر على تغيير مخططاته..


فعلي أساسا كان يشعر باستغراب أن كسابا لا يريد الدخول (فهل هناك عريس لا يريد رؤية عروسه بالفستان الأبيض؟؟)


لذا كاد يقهقه وهو يعود مع تميم لموقع حفل الرجال الضخم


بينما كساب عاد للداخل مع مهاب وهو يعاود لبس بشته الأسود بعد أن خلعه لظنه أنه متوجه للمطار..



وقتها لم يعد مع كاسرة سوى والدتها.. بينما وضحى خرجت لبقية البنات في القاعة..


في الوقت الذي دخل كساب ومهاب عبر باب لا يمر على قاعة النساء..



ورغم أن كسابا كان يشعر ببعض غضب من كاسرة التي أجبرته على تنفيذ رغباتها..


ولكن من ناحية أخرى كان يشعر بارتياح أنه أوصل لها الرسالة التي يريد إرسالها لها


(أنه غير حريص على رؤيتها.. وأن الجمال الذي هي مغرورة به هو غير ذي أهمية عنده)



ولكن كلام يهذي به قبل دخول المعركة أوشك على التبخر وهو يسمع صليل السيوف وقعقعة الرماح وهسيس السهام فوق رأسه..


هذه الحرب الفعلية شعر أن رحاها تدور فعلا أمامه وهو يراها ماثلة أمامه في عينيها نظرة غضب أو ربما عتب


ولكن المؤكد أنها نظرة سحر لا وجود لمثيل لها في هذا الكون..


كانت حسنها ينير المكان كشمس فعلية غشت المكان بأنوارها التي لا قبل للعين باحتمالها!!


وعيناه تطوفان بتفاصيل حسنها الآسر تفصيلا تفصيلا.. وكل تفصيل يبدو كما لو كان يقول أنا منتهى الحسن وغايته!!



ولكن إن كانت عنيدة فهو أكثر عنادا منها بكثير.. وإن كانت أصرت على أن يدخل.. فهو سيجعلها تندم على ذلك وتتمنى لو أنه لم يدخل..


تقدم منها بخطوات ثابتة وهو يرى النظرة في عينيها تتغير لنظرة تحدي وانتصار لم يفهمها سواه..


بينما كانت مزنة ومهاب يقفان قريبا منهما.. ودعوات مزنة تتزايد مع تزايد تأثرها..



كساب حين وصلها وقفت كما يستلزم الذوق.. همس لها بثقة وفي عينيه نظرة مغرقة في العمق: ألف مبروك ياعروس..



فهمست له بثقة مشابهة: الله يبارك فيك ياعريس..



أنهى عبارته ليميل حينها جانبا ويقبل خدها بتروي.. كاسرة انتفضت لم تتوقع منه هذه الخطوة أبدا وأمام شقيقها..


افترضت على أسوأ الأحوال أنه سيقبل جبينها كالمعتاد.. ولكن أن يقبل خدها وبهذه الطريقة الحميمة المتأنية..


شعرت حينها أن خدها تشتعل وهي تهمس له بخفوت شديد من بين أسنانها: كساب بس.. عيب عليك..



كساب رفع شفتيه ثم همس بثقة وهو يجلسها بذوق كبير قبل أن يجلس جوارها: والله ما أشوف فيها شيء عيب.. بعدين هذا اللي انتي تبينه...


وإلا ليش لزمتي أدخل؟؟..



كاسرة صمتت خجلا من مهاب وليس منه..


بينما كساب عاود الوقوف ليسلم على أم مهاب وهو يقبل رأسها ويهتف بمودة عميقة: أشلونش يمه؟؟



مزنة بتأثر: طيبة يأمك.. وألف مبروك.. والله الله في كاسرة..



كساب التفت لكاسرة وهو يهتف بنبرة مقصودة: ازهليها يمه في عيوني


ثم همس لها برجاء فخم: يمه لو سمحتي نادي خالتي وأختي.. أبي اسلم عليهم


ثم التفت لمهاب: أبو فيصل لو سمحت.. خلاص انتظرنا في السيارة


أنا باطلع مع كاسرة تبدل ثم بنجيك في السيارة



مهاب خرج فعلا بعد أن قبل جبين كاسرة مرة أخرى.. بينما مزنة استدعت فعلا مزون وعفراء بناء على رغبة كساب



بينما كان غيظ كاسرة يزداد عليه.. (يعني الأخ ماكان عنده وقت ينزل..


الحين صار عنده وقت ينزل ويتحبب ويتميلح..


ياثقل طينتك وياشين وقاحتك)



مزون منذ استدعتها أم امهاب ودقات قلبها تتصاعد (معقولة إنه ناداني.. أكيد مجاملة قدام الناس)


دخلت هي وخالتها وكل منهما تغتالها مشاعر فرحة مختلفة..


عفراء ترى بكرها عريسا.. فرح مغموس بحزن شفاف أنها ما استطاعت أن تفرح بابنتها كما فرحت به..


وأمنية صادقة أن يستقر هذا العنيد الذي أتعب الجميع بصعوبة طباعه..



مزون دخلت وعيناها تتملئ من إطلالته وهو يقف بفخامة ملتفا ببشته الأسود.. في عينيها لم تر عريسا أكثر وسامة ولا أعظم حضورا..


كان هو وعروسه يشكلان لوحة نادرة جمعت قمة الأنوثة بقمة الرجولة..


وقف ليتلقى خالته ومزون.. آلمه كثيرا لمعة الدموع بعينيهما.. وصلته خالته أولا ليقبل هو جبينها ويهمس لها بحنان:


خالتي الله يهداش ماعندش تعبير عن المشاعر غير الدموع.. تحزنين تبكين.. تفرحين تبكين



كاسرة أرهفت السمع.. بدا لها أن حاسة السمع تخونها.. لم تتخيل أن هذا الكساب قد تصدر عنه هذه النبرة التي تذوب حنانا صافيا..


بدا لها أن من يتكلم هو شخص آخر تماما!!



بينما عفراء همست له بحنان عميق: مبروك يأمك ألف مبروك.. عقبال ما أشوف عيالك.. من فرحتي فيك مالقيت إلا الدموع


ثم أردفت وهي تلتفت لكاسرة وتهمس لها بمودة: كاسرة يأمش ما أوصيش في ولدي..


ثم ابتسمت: صحيح له طبايع قشرا بس قلبه ذهب..



كاسرة هزت رأسها وهي تهمس بذوق ورقة: لا تحاتينه خالتي..


بينما كانت تهمس في داخلها بتهكم (قال قلبه ذهب.. صفيح يمكن!!)



عفراء تأخرت لتسمح لمزون أن تصعد له.. مزون وقفت أمامه للحظات تملأ عينيها منه.. وهو بالمثل..


منذ زمن بعيد لم يلمح هذه السعادة في عينيها حتى وإن كانت سعادة مبللة بالدموع..


هي لم تستطع أن تكتفي بمجرد قبلة باردة.. تريد أن تطفئ عظامها التي سكنتها الوحشة والبرد..


لذا ألقت بنفسها على صدره وهي تتمنى ألا يحرجها وفي هذه الليلة بالذات


وهو لم يستطع فعلا أن يكون بخيلا معه أو حتى يحرجها بينما هي تندفع بمشاعرها هكذا ..


لم يرد أن يصغر شقيقته أمام زوجته حتى وإن كان عاجزا عن مسامحتها.. رد على ارتمائها على صدره بأن أحتضنها بخفة..


حينها فعلا انهارت ببكاء خافت.. أربع سنوات مرت لم يحتضنها فيه.. أربع سنوات مرت افتقدت فيها حضنه الدافئ..


أربع سنوات كانت فيها كالضائعة التي شعرت أنها تعود للميناء الآن..


كساب شعر بالألم يمزق روحه المنهكة من بكائها.. وهو يشدد احتضانه لها..


فإن كانت اشتاقت لأحضانه فهو أضناه الاشتياق لاحتضانها..


لتكن هذه لحظة مسروقة من غضبه الأسود . ولديه مبرر جاهز.. فليس من اللائق ألا يحتضنها في هذا الموقف وأمام زوجته وأمها..



كاسرة كانت مذهولة من شفافية العلاقة بينهما (لهالدرجة يحب أخته؟!!)


مزون ابتعدت قليلا وهي تهمس باختناق: مبروك كساب.. ألف مبروك



رد عليها بحياد: الله يبارك فيش..



ثم أردفت بجزع وهي تلحظ انطباع بعض أحمر شفاهها على بياض ثوبه على طرف البشت وتحاول مسحه: آسفة كساب والله ماكان قصدي



همس لها بخبث باسم وهو يلتفت لكاسرة: عادي لا تهتمين.. باقول لامهاب إن هذا من أخته..



حينها اشتعل وجه الاثنتان خجلا.. مزون وكاسرة.. بينما كانت كاسرة كانت تنظر لكساب نظرة تهديد لم يفهمها سواه..


عاد ليجلس جوارها بينما همست هي في أذنه: لا تكون من جدك تبي تكذب علي قدام أخي..



كساب بسخرية: إلا وأشرايش أقول له هذا روج أختي؟!!



عفراء تهمس لمزون والاثنتان تقفان جانبا مع مزنة: يأمش بس ليش ذا البكا كله؟؟



مزون باختناق: غصبا عني خالتي.. شوفي شكله جنبها.. شوفي اشلون لايقين على بعض... بس يا ليت صدق تقدر تريحه..



عفرء تبتسم لها: إن شاء الله يأمش..



كساب حينها وقف وهو يهتف لعمته: يمه لو سمحتي عباة كاسرة.. بنطلع عشان تبدل ونروح المطار..



مزنة سارعت لإلباس ابنتها عباءتها همست لكساب بحزم: تبيني يأمك أطلع معكم



كساب بثقة: براحتش.. لو أنتي تبين..



مزنة مالت على أذن كاسرة وهمست لها ببعض كلمات ليغادر الاثنان وحيدان..


حينها شعرت مزنة أنها بحاجة للجلوس جلست على طرف الكوشة وهي تشعر كما لو أن روحها تغادرها بشكل مجهول..


مزون سارعت لها وهمست لها بقلق: أجيب لش ماي خالتي..



مزنة رغم إحساسها بالإجهاد إلا أنها همست بثقة: مافيه داعي يأمش.. بأقوم الحين وبأروح القاعة بنفسي..



قالتها وهي ترفع برقعها وتهف على وجهها قليلا.. ثم تعاود إسداله لتقف وتتوجه لداخل القاعة بينما مزون تتبعها وهي تهمس لخالتها باسمة:


الحين عرفت من وين كاسرة جايبة ذا الزين كله !!..







***********************************






فور أن دخلت للجناح ألقت عباءتها بغضب وهي تهمس بغضب لمن كان يغلق الباب خلفها:


أنت شكلك كنت تبيني أتكسر عشان ترتاح..



كساب ألقى بشته على طرف المقعد وهتف ببرود: ليش إن شاء الله؟؟



كاسرة جلست على المقعد وهي تهمس بذات الغضب:


بصراحة ماعندك ذوق.. الحين العباة على وجهي وما أشوف شيء.. على الأقل امسك يدي لين أوصل فوق بدل منت مخليني أركض وراك



كساب بسخرية: قلت لش قبل ماعندي ذوق.. من وين أجيبه؟؟


ثم أردف وهو يجلس جوارها ثم يمسك بكفها ويهمس بخفوت خبيث: ولا يهمش .. الحين بأمسكها.. مادريت أنش متشفقة على مسكتي ليدش..



قالها وهو يرفع يدها إلى شفتيه مقبلا بعمق دافئ..



كاسرة شدت يدها التي رغما عنها بدأت ترتجف وقبل أن يلاحظ ارتعاشها وهي تهمس بثقة: تدري أنك سخيف..



حينها أمسك بوجهها بين كفيه وهمس بتلاعب: جد شايفتني سخيف؟؟



كاسرة بدأت تشعر بالتوتر الناتج عن خجلها الطبيعي.. فهي مهما كانت قوية مجرد شابة في ليلة زفافها..


وهذا الرجل الذي يتلاعب بها هو الأول الذي يقترب من حدودها المحظورة..


ومايثير توترها.. إحساسها أنه يخفي شيئا ما.. تعلم أن جمالها يدير عقول أعتى الرجال.. فثقتها بجمالها طاغية..


ولكنها في داخلها تشعر أن إظهار كسّاب للهفته لها أو تغزله الصريح بها ليسا أبدا مقصودين لذاتهما


لأن شخصية كشخصيته لا تظهر ولعها بهذه الصورة حتى لو كان سيكون يحترق ولعا.. فهو لابد سيحاول إخفاء ولعه..


فإلى ماذا يهدف من هذا التلاعب؟؟



كاسرة تأخرت قليلا وهي تهمس بنبرتها الحازمة الطبيعية: أنت ماكنت مستعجل على روحتنا للمطار؟؟.. اشفيك غيرت رأيك؟؟



أفلت وجهها وهو يتأخر ويسند ظهره للخلف ويهتف بتحكم: أنتي خربتي المخطط كامل..


والحين قومي توضي وبدلي عشان نصلي ركعتين..



وقفت وهي تهمس بحزم: زين وأنت بعد كنت ناوي تأجل صلاتنا مع بعض؟؟



هز كتفيه بثقة: كنا بنصلي إذا وصلنا.. مهوب أنا اللي أنسى..



كانت على وشك المغادرة حين همست بتساؤل حازم: خاطري أدري وش اللي كان في رأسك ؟؟ووش اللي في رأسك الحين؟؟



لم يرد عليها بينما كانت تتناول هي تنورة وتيشرت خفيفين كانت وضحى وضعتها لها على المقعد ..


حينها همس لها بخبث: تبين مساعدة في التبديل؟؟



أشارت بيدها لا ..وغيظها من وقاحته يتصاعد.. وارتدت ملابسها في الغرفة المجاورة بعد أن فككت تسريحة شعرها بسرعة..


وعادت له وهي تحمل سجادتها وجلالها وتهمس له بهدوء: أنا على وضي.. تبي تتوضأ أنت..



وقف وهو يهتف بثقة: وانأ بعد على وضي.. يا الله نصلي..



وقف ووقفت خلفه ليصليا ركعتين سويا.. ثم يدعو كل منهما بدعاء خاص به.. حينما انتهى وضع يده على رأسها وهو يدعو بالدعاء المأثور..



حينما انتهى همست له بسكون غريب: دعيت من قلبك يا كسّاب؟؟



هز كتفيه بتهكم: وليه تظنين إني مادعيت من قلبي؟؟



كانت تخلع جلالها وهي تهمس بثقة: لأني حاسة أنك ماخذ سالفة الزواج لعبة...



حينها أداراها ناحيته بقوة ليغرز أنامله بقوة في عضديها وهو يهتف لها بسخرية بها رنة غضب:


خوش كلام تقوله عروس لعريسها ليلة عرسهم!!



حينها أجابته بتهكم: ليه أنت حاسس بإحساس عريس صدق؟؟ (ترد عليه ذات عبارته التي قالها لها اليوم!!)



همس لها بخفوت وأنامله ترتخي عن عضديها لترتفع لكتفيها ثم لأسفل عنقها: من حيث أني حاسس.. فانا أكيد حاسس..



عاد لها إحساسها بالتوتر الذي طمرته خلف ثقة صوتها: ماكان هذا كلامك اليوم الظهر..



ابتسم لها بتلاعب: على قولت المثل ..كلام الليل مدهون بزبدة يطلع عليه النهار يسيح..



كاسرة بضيق: كساب لو سمحت تاخرنا على امهاب..



ابتسم كساب: تحاتين أخيش.. البشي عباتش على ما أنادي حد من تحت يشيل شناطش



كاسرة ارتدت عباءتها وهو يتصل.. وضعت نقابها على المقعد وفتحت حقيبة يدها لتستخرج منديلا لمسح الزينة وهي تقترب من كساب..


وتهمس له بهدوء: كساب لو سمحت لقني وجهك..



كساب استدار لها وفي عينيه تساؤل.. كان ردها على تساؤله أنها بدأت تدعك مكان أحمر شفاه مزون عن صدره..


حتى أزالت معظمه ولم يبق سوى أثر خفيف منها وهي تهمس بتهكم ومازالت تمسح: أنت من جدك كنت ناوي تطلع للمطار كذا؟؟..



هتف لها بابتسامة: شناطي صارت في السيارة.. سأشوي فيش وأنتي اللي اصريتي أنزل.. من وين أجيب لبس..



هتفت له ببرود وهي مازالت تمسح صدره: الحين أنا المذنبة في كل شيء؟!!



تناول كفها عن صدره ليقبلها وهو يهمس لها بدفء مقصود: كل شيء.. كل شيء!!



عاودها التوتر الذي ترفض الإفصاح عنه وهو يتناول كل أصبع من أصابعها ويقبله بنعومة متأنية تثير فيها مشاعر عميقة غريبة مختلطة باستغراب..


(إلى ماذا يهدف هذا الرجل من هذا الاندفاع في مشاعره؟!)


شدت يدها من يده وهي تهمس بثقة: ننزل؟؟



كان رده عليها أن مد يده ليعبث بطرف شيلتها الملاصق لخدها وهو يقترب منها كثيرا حتى باتت تتنفس أنفاسه من قرب مخيف


جعل آلاما غير مفهومة تتصاعد في معدتها.. وكأن بطنها يُعصر!!


تأخرت وهي تبتعد كليا عنه لتتناول نقابها وتهمس بنبرة مقصودة: الحين أنت ماكنت تبي تطلع معي أساسا.. على أساس إنه بنتأخر على الطيارة


وش اللي تغير؟؟ أجلوا الطيارة مثلا!! ماراح نتأخر الحين؟؟



همس لها بهدوء متمكن وهو يستدير ليعدل غترته في المرآة: احنا درجة أولى.. لو جينا قبل الإقلاع بنص ساعة بنسافر


والطيارة باقي عليها أكثر من ساعة ونص



حينها حملت حقيبة يدها وهي تهمس بذات النبرة المقصودة: وذا المعلومات ماكنت عارفها قبل شوي؟؟..



كساب رد عليها بذات نبرتها المقصودة: أكيد عارفها.. بس حبيت أوصل لش رسالة.. أعتقد إنها وصلت



كاسرة بذات النبرة المقصودة: والرسالة تقول؟؟



كساب دون أن يلتفت لها هتف بعدم اهتمام: أحب اللي يلقطونها وهي طايرة..



كاسرة بثقة: وأنا أحب اللي يشرح لي مقصده



كساب بذات عدم اهتمام: وانا مالي مزاج أشرح لأغبياء..



كاسرة ببرود: أنا غبية؟؟



كساب بحزم: يالله خلينا ننزل بدون كثرة هذرة.. ما تستحين تنقعين أخيش في السيارة كنه دريول؟!



كاسرة بصدمة: أنا؟؟



لم يرد عليها وهو يخرج وهي تخرج خلفه.. همس لها وهما في الممر بتلاعب: أمسك يدش الحين؟؟



كاسرة بحزم: لا مشكور.. الحين أشوف عدل..



ولكنه لم يستجب لرفضها وهو يمسك يدها بطريقة تملكية..


حاولت أن تشد يدها من يدها ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل.. فيده كانت ككماشة أطبقت على يدها..


حين أصبحا في المصعد همس لها بخبث: لا تحاولين تفكين يدش.. إلا إذا أنا سمحت لش



كاسرة بنبرة غضب: كساب بلاحركات بزران.. لا تفشلني في أخي.. وش يقول علي؟؟.. مالها نص ساعة من شافته وكلبشت في يده؟؟



هتف لها بسخرية: عادي.. بيقول أنش ماقاومتي جاذبيتي..وماصدقتي تشوفيني وخايفة أهرب منش..



كاسرة شدت نفسا عميقا: كساب لو سمحت فك يدي..



كساب يدعي عدم السماع: نعم ماسمعت.. عيدي



رصت على كل كلمة: قلت.. فك.. يدي..



كساب بتلاعب: لا باقي كلمة ماسمعتها.. "لو سمحت"..



كاسرة بدأت تغضب: كساب عيب عليك.. المصعد وقف..



عاود كساب إغلاق أبواب المصعد وهو يهتف بذات التلاعب:نسكره..


شكلش تبين تتعبيني.. خلاص غيرت رأيي ما أبي "لو سمحت"


عطيني بوسة.. بس تكون من الخاطر وأفك يدش



كاسرة بصدمة: من جدك؟؟ هنا في المصعد؟؟..



كساب يضحك بخبث: ليش مستعجلة كذا؟؟.. مالنا مكان بيلمنا عقب؟؟..


أنا بأفكش الحين بس حطي في بالش أني ما أتنازل عن وعدش اللي أنتي مستعجلة عليه



شدت يدها وهي تتنفس الصعداء وهما خارجين من المصعد متجهين للخارج


هذه المرة نجح فعلا في إشعارها بالخجل رغما عنها..


وقاحته سببت لها صداعا..وهي تجبرها على الصمت طوال الطريق.. عدا إجابات مختصرة حين يوجه مهاب لها الحديث


كساب كان يجلس جوار مهاب بينما كانت هي تجلس في الخلف ممسكة بكفها التي كانت تؤلمها قليلا لأنه كانت تشد يدها بقوة لم يشعر هو بها..



حين وصلا للمطار.. نزل مهاب ناحيتها ليفتحه لها الباب.. حينها قبل رأسها وهمس لها من قرب بحنان وثقة:


ما أوصيش على نفسش وعلى رجالش..


ثم أردف بحزم: وأنا ما أعصيش على رجالش.. بس والله لأزعل عليش لأدري إن كساب زعلش وأنتي ماعلمتيني..


ثم ابتسم وأردف: ولو أنه ما ينخاف عليش.. المفروض أخاف على كساب..



أردفت بشفافية وهي تشد على يده: الله لا يخليني منك.. وجعل عمرك طويل.. لا تحاتيني ولا تحاتي كساب..



كساب اقترب منهما وهمس باسما: شكلي بأغار من امهاب.. وش ذا كله؟؟


لا وماسكة في يده.. وأنا ماخليتيني أمسك أصبع



كاسرة وجهها اشتعل احمرارا تحت نقابها وهي تتوعد كساب أن ترد كل ذلك


بينما مهاب ابتسم وهو يرأف لحال كاسرة التي أحرجها كساب رغم سيطرتها الدائمة


هتف لكساب بابتسامة: خف على أختي لا تفشلها..


ثم أردف بحزم: وما أوصيك فيها ياكساب.. هذي شيختنا..


ثم أردف وهو يشد كساب جانبا ويهتف بحزم أشد: ترا كاسرة شخصيتها قوية وما تعودت حد يكسرها


أوعدني أنك حتى لو تضايقت منها إنك لا تهينها ولا تكسرها.. ترا كسر القوي شين..



كساب هتف له بحزم متمكن: لا تحاتيها.. بس بعد ماني بكاذب عليك وقايل لك إني بأخلي أختك تمشي شورها علي..


بأعطيها حقها وبأخذ حقي..



مهاب بحزم: ماتقصر يأبو زايد.. حن مانبي إلا الحق..



كساب وكاسرة دخلا لداخل المطار همست له كاسرة بحزم : أنت الحين قاعد تحرجني ومستغل ذا الشيء ضدي..


بس عقب كم يوم إذا تعودت عليك ماعاد تنفع حركاتك البايخة ذي!!



كساب بشبح ابتسامة: بندور لنا شيء ثاني!!



وحين انتهت الإجراءات وانتقلا للانتظار في صالة الدرجة الأولى


هتف لها كساب بحزم وهو يحمل حقيبة صغيرة في يده: أنا بأروح أبدل ثيابي وبجي.. ماني بمتأخر..



همست له كاسرة بهدوء ساخر لا يعبر عن غيظها منه: ولو تاخرت ترا ماني بباكية.. لا تخاف..



حينها نظر لها نظرة ذات مغزى.. وغادرها.. ليتأخر فعلا.. بدأ نداء الصعود للطائرة يرتفع وهو لم يحضر بعد..


كاسرة تعلم أنه تأخر قاصدا ردا على تهكمها.. ولكن غيظها بالفعل تصاعد منه أكثر وأكثر من تصرفاته اللا مسئولة..


لم تعلم أن هناك خطة بعيدة المدى يرسمها هذا الرجل.. فكل خطوة يقوم بها يدرسها..


علم منذ اليوم الأول الذي رآها فيه أن التعامل معها سيكون صعبا..


وأنه لو تعامل معها بطبيعية.. فإن مركبهما لن يمشي.. لأن أنثى استثنائية مثلها.. لابد أن تُعامل بطريقة استثنائية تفاجئها وتقلب توقعاتها..


وهو لن يسمح لها أن تكون تغيره.. لذا هو من سيغيرها!!



فإن كان لا يهمها أن يتأخر.. رغم أنه يعلم أنها قالتها كنوع من العناد.. فليتأخر قليلا.. لتعرف كيف تنتقي عباراتها..



عاد لها مع النداء الأخير.. كان قد أبدل ملابسه ووضع ثوبه وغترته في الحقيبة الصغيرة التي كانت معه..


احتاجت ثوان لتتعرف عليه بعيدا عن الثوب.. كرهت كثيرا ماكان يرتديه وزاد غيظها منه ولا تعلم لماذا..


فبعيدا عن فخامة الثوب وانسداله الذي كان بالكاد قادرا على كبح تفاصيل عضلاته..


كيف (بالبنطلون والتيشرت) وهو يبالغ في الأناقة وإبراز نفسه بفخامة لدرجة أثارت غيظها أكثر ومازالت لا تعلم لماذا؟!



همست له ببرود متحكم: عادي كان تاخرت أكثر.. ولو حبيت تلغي الرحلة ترا ماعندي مانع..



ابتسم وهو يشدها ليوقفها.. وهمس بخبث: ياكثر هذرتش بس.. خلصيني.. أخرتينا على الطيارة..





#أنفاس_قطر#


.


.


.


.


خلاص بنات نودعكم على خير اليوم آخر جزء قبل رمضان ونتقابل بعد عيد الفطر إن شاء الله
ومثل ماكان الجزء الثلاثين بداية لمرحلة جديدة في الرواية
بيكون الجزء الأربعين بداية لمرحلة أخرى جديدة فيها ثقل جديد في الاحداث
.
بالنسبة لمسابقة أفضل رد
بس تنتهي الردود على هذا الجزء وفق ما يشوفون المشرفات
سيتم الإعلان عن الفائزة
.
.
بارك الله لكم في شهركم وأعانكم على صيامه وقيامه وحسن عبادته
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
.
.

#أنفاس_قطر# 19-09-10 06:41 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الأربعون
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كل عام وكل القلوب الطاهرة بخير


كل عام وأنتم من الله أقرب


أعاد الله عليكم رمضان العام المقبل وأنتم ترفلون بلباس الصحة والعافية والطاعة والقرب من الله


.


سامحوني لو أبطيت


أنا صار لي عشرين يوم برا الدوحة وتوني راجعة أمس


السموحة من الوجيه الطيبة اللي اشتقنا لمصافحتها وجه وجه


والقلوب النقية اللي اشتقنا لدفاها قلب قلب


أشتقت لكم بلا قياس جعلني ما أخلا من قربكم ولا تواصلكم ولا محبتكم


.


ما أبي أطول عليكم.. أدري مشتاقين لربعنا موب لهذرتي


اليوم بنكمل من مكان ما وقفنا بالضبط


عادنا في ليلة عرس كسّاب وكاسرة


أدري فيه أشياء كثيرة بدت تثير حيرتكم.. وعندكم أسئلة


بعض الأسئلة جاوبت عليها قبل وصار عليها جدل بين البنات


والأشياء اللي تثير حيرتكم أنا قاصدتها.. أحب أترك بعض أشياء لذكائكم


وكل شيء مسيره ينفهم


خلنا الحين مع الجزء الجديد واوعدكم أجاوب على أسئلتكم


وقبل الجزء الجديد أحب أهني الغوالي اللي فازوا في مسابقة أحسن رد على الأجزاء الأخيرة قبل رمضان


أفراح الكويت


نور سوريا


إرادة


هامتي فوق


ألف ألف مبروك فوز مستحق بإطلاتكم ولمستكم الفريدة


وأقول للباقين.. لو علي أنا كان الكل فايز.. حتى من تكرم وتذكرني بكلمة


جعلني ما أخلا من دفا كلماتكم وذكاء تعليقاتكم


.


ويالله قدامي على الجزء الأربعين


جزء طويل وهو بداية لمرحلة جديدة بتتضح مع الجزء الجاي


وموعدنا الجاي بعد بكرة الثلاثاء إن شاء الله الساعة 8 الصبح


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


.





بين الأمس واليوم/ الجزء الأربعون






تـــحــلــق الــطــائـرة..


وتنفصل عن الأرض..


تحمل قلبين / روحين اشتبكتا للتو في رحلة أبدية..


قلبان لم يعرفا الخضوع يوما!!


روحان جُبلتا على العناد والسيطرة وقوة الشخصية!!



منذ حلقت الطائرة قبل أكثر من ساعة واستغرابها منه يتزايد..


فبعد اللهفة المبالغ فيها التي فاجئها فيها وهو يغمرها بلمسات غريبة مختلفة يتلاعب فيها بين الحدود..


بين القرب والبعد..


بين التماس واللا تماس..


كاد يحرقها بكلماته ولمساته..


ثم عاد ليغرق في صمت غريب تجاهلها فيه تماما.. وكأنها غير موجودة أبدا..



لم يوجه لها كلمة واحدة منذ ركبا الطائرة.. وكأنها مخلوق غير مرئي.. غير موجود..


لم ينظر حتى ناحيتها.. أو يسألها هل هي مرتاحة؟؟ أو تريد شيئا كما يُفترض منه؟؟


كان يقرأ في كتاب منذ صعدا الطائرة..



" أنا يلتهي عني بكتاب؟!! أنا؟!!"



و هاهو الآن يغلق عينيه باسترخاء وكأنها ليست جواره.. هي .. كاسرة!!..


هي.. من توقف العالم على قدم واحدة احتراما لحسنها..


هي.. من تسكر الأرواح والعيون بمجرد رؤيتها..


هي.. من يفرض لها حسنها وشخصيتها السيطرة على من حولها..


هي.. من تلوي الأعناق لترتشف نظرات.. مجرد نظرات من حسن خيالي..


فكيف من أصبح هذا الحسن بين يديه وقربه.. ثم يتجاهل وجوده؟؟..



تلتفت له لتراقب ملامحه المسترخية الساكنة بتفاصيله المثقلة بالرجولة والغموض..


تحاول استشفاف ماوراء الاسترخاء المريب لملامحه.. ماوراء تعامله غير المفهوم معها..


تحاول تقييم رغباتها في زوج بشروط معينة.. وبين ماحصلت عليه فعلا في زوجها!!



"ليس في السن التي كنت أريدها !!


ولكنه على الأقل رجل ناضج على أعتاب الثلاثين...


أو هكذا يُفترض !!.. لأني أشك في مدى نضوجه!!"



تملئها الهواجس والأفكار التي يستولي عليها كسّاب وحضوره وشخصيته وهي تحاول تقييمه ..أو حتى تفهمه!!



" أمممممممم ليس سيئا..


لا أستطيع أن أظلمه وأقول أنه خال من المزايا..


لكنه.. لكنه متهور!!


وغير مفهوم.. ويتصرف تصرفات غير منطقية!!"



وهي مشغولة بالنظر له وغارقة في أفكارها حوله


فوجئت بالمضيفات يجتمعن وهن يحضرن كعكة صغيرة على شكل قلب أحمر..



حينها لكزت كساب بخفة وهي تخرج بارتعاش من أسر اندماجها في مراقبته


وكأنها كانت تحلق في عالم آخر..لتعود منه لعالم الواقع..



كساب فتح عينيه بتثاقل فخم أو ربما مغرور!!.. بينما كانت إحدى المضيفات تبتسم وهي تهمس بمودة: مبروك يا عرسان..


معاكن كامرا تا خد صورة إلكن..



كساب وقف حينها وهو ينفض استرخائه..


ليحضر كاميرا من حقيبته وهو يشعر بغيظ فعلي من علي الذي من المؤكد إنه حينما حجز أبلغهم أنه عرسان جدد..


ولكن هذا الغيظ لم يظهر في ابتسامته المتمكنة وهو يناول المضيفة الكاميرا..



همست المضيفة لكاسرة بذات النبرة الودودة: شو ياعروس.. ارفعي عن وشك مافيه حدا جنبكن أساسا


فيه بس اتنين ستات وجالسين وراكن



كاسرة أزالت النقاب عن وجهها وعدلت وضع شيلتها.. بينما ابتسمت المضيفة: الله يحميكن ماشفت بحياتي عروس حلوة هيك..


يالله ئربوا لبعض شوي تا أخذ لكن صورة حلوة مع الجاتو



حينها شدها كساب من كتفها ليلصق كتفها به وهو يحتضن كتفيها بذراعه..


ارتعشت رغما عنها وهي تشعر بصلابة جنبه ودفء كفه الساكنة على عضدها بطريقة تملكية!!


لا تعلم ماذا يفعل بها هذا الرجل؟؟


أي سحر في لمساته؟!..


بل حتى في كلماته التي لا يجيد اختيارها في معظم الأحيان وهو يلقيها كقنابل بلا بوصلة؟!!



حالما انتهت الصورة همست له كاسرة بخفوت حازم: الصورة خلصت


ممكن تخف عن كتفي شوي



كساب أفلت كتفها بطريقة بدت لها غير مبالية بينما كانت تردف بنبرة أقرب للتهكم:


تدري.. ما تخيلت حركة الكيك ذي ممكن تجي منك..



حينها هتف كساب بعدم اهتمام: وقبل ما تشوفين أشياء واجد راح تستغربينها مني..


ترا رحلة شهر العسل ذي ترتيب أخي علي..


ومارضى يقول لي عن ترتيبه فيها يبيها مفاجئة لنا..



حينها رفعت كاسرة حاجبا وأنزلت الآخر: وانا متزوجتك أنت وإلا أخيك؟..



هتف لها كساب ببرود قارص: ما أدري.. أنتي قولي لي..


وترا كيفي أنا وأخي.. حب يهديني هدية لعرسي.. مادرى عن طبايع مرتي اللي تلوع الكبد..



كاسرة ببرود مشابه: إذا أنا طبايعي تلوع الكبد.. أجل طبايعك وش ينقال عنها؟؟



كساب بحزمه الطبيعي: طبايعي تتقبلينها غصبا عنش.. شينة زينة.. تقبلينها وبس..



كاسرة بحزم أشد: وأنا قلت لك أني ما أتغاضى عن اللي ما يعجبني.. ولو ماعجبني شيء بأنكد عليك..



حينها هتف كساب بتهكم: ماشاء الله بادية النكد من بدري!!



ردت عليه بتهكم مشابه: نكد متبادل طال عمرك!!



رد عليها حينها ببرود: لا تستفزيني.. لأني ما أتحاكى لو كنت معصب..



ردت عليه ببرود مشابه: أشلون ما تتحاكى.. تستخدم إيديك مثلا؟!!


وإلا تذبحني مثل النفس اللي ذبحتها بدون تفكير..



هتف لها حينها بغضب عارم وهو يستعيد الذكرى المقيتة لمحاولة الاعتداء على خالته


الذكرى التي مازالت تشعل غضبه كلما تذكرها وهو يتذكر جيب خالته المفتوح وأثر الصفعات على وجهها:


أنا اللي يدوس على طرف حرمة بيتي يستاهل أكثر من الذبح..



كاسرة بنبرة جدية: عشان حدته الحاجة يسرق تأخذ روحه..



كساب بغضب عارم وهو يصر على أسنانه محاولا إخفاض صوته:


كاسرة سكري ذا الموضوع أحسن لش..


الرجال راح في اللي ما يحفظه.. وابي عوض هله بأكثر من الدية بكثير..


والقضية تسكرت وانحفظت...



كاسرة بذات النبرة الجدية: أشلون تتسكر وتنحفظ؟؟.. أنت كان المفروض على الأقل تنسجن عشان الحق العام للدولة..


وإلا عشانك ولد زايد آل كساب اللي يمشي على غيرك مايمشي عليك..



حينها هتف لها كسّاب بغموض وهو يسترخي في جلسته: والدولة أعفتني من الحق العام..


وكوني ولد زايد آل كساب ماله أي علاقة في الإعفاء!!


عندش مانع؟؟ وإلا بتحاسبين الدولة بعد؟؟!!




شدت كاسرة لها نفسا عميقا وصمتت ولم ترد عليه..


مرهقة تماما.. لها يومان لم تنم..


رغم أنها كانت تُرجع سهرها إلى أنها لا رغبة لها في النوم.


ولكنها في داخلها تعلم أنها متوجسة من الحياة مع هذا الرجل الغريب الذي تشعر أن حياتها معه كما لو كانت على كف عفريت..



"فهل هما الآن يمثلان بتصرفاتهما المتحفزة وحوارهما الحاد عريسان ليلة زفافهما؟؟


هما في حوارهما الآن كمن سكت دهرا ونطق كفرا!!"




المضيفة عادت مرة أخرى: مائطتوا الجاتوه؟؟ أنا راح أئطع لكن..



قطعت قطعة واحدة في صحن واحد وأعطتهما شوكتين: يالله كل واحد يدوء التاني



هتف لها حينها كساب بحزم به نبرة غضب: خلاص مشكورة ياآنسة..بنأكل بنفسنا..



المضيفة غادرت بينما كاسرة همست له بنبرة مقصودة:


ترا شوي لباقة مع الناس ماراح تنقص من مكانتك شيء


يعني المسكينة كانت تحاول تكون ذوق.. ماكان فيه داعي تحرجها كذا..



كساب ببرود: أشلون يعني تبيني أتعامل معها.. أقول لها تعالي أكلينا أحسن.. حطت الكيكة خلاص تفارق..


وبعدين قلت لش قبل ماعندي ذوق من وين أجيبه؟؟



كاسرة همست بهدوء متحكم: سالفة ماعندي ذوق ذي مادخلت مزاجي..


أنت صاحب شركة.. وأسمع أن شركتك ناجحة.. وثلاث أرباع البيزنس علاقات..


يعني لو كان ماعندك ذوق على قولتك كان شركتك الحين في الحضيض


عشان كذا أكيد إنك عندك ذوق.. وذوق محترفين بعد


لكن قل أنك ماعندك ذوق معي أنا شخصيا..



كساب ببرود أشد: يمكن أنتي تحفزين الواحد يكون معدوم الذوق معش..



كاسرة بذات الهدوء الساكن المتمكن: ما أعتقد أني سويت شيء يزعل حضرة جنابك..


أنا أتعامل معك بطبيعتي لكن أنت حاسة أنك حاط حاجز يخفي شخصيتك عني كأنك تسكر روحك عني!!



حينها التفت كساب لها ليمد يده ويمسك بذقنها ويهتف بنبرة مقصودة: وهذا كله اكتشفتيه من ساعتين..


والحين أنا اللي حاط حاجز بيننا؟؟



كاسرة ارتعش داخلها قبل أن تمسك كفه وتبعدها عن ذقنها وتنزلها بهدوء وتهمس بذات الهدوء:


أعتقد أن معرفتي فيك قبل ذا الساعتين..


وبعدين ترا فيه فرق بين الواحد يفتح روحه للثاني.. وبين لمسات ما تتجاوز الجسد للروح..



كساب بعدم اهتمام: وترا أحيانا تكون اللمسة رسول للروح..



كاسرة أسندت رأسها للخلف وهتفت بثقة مغلفة بالعمق:


ما أعتقد إن حن وصلنا لذا المرحلة..


تدري يا كساب أنت مثل اللي واقف قدام باب.. الباب مفتاحه معلق فيه..


لكن أنت ماتبي تستخدم المفتاح وتبي تكسر الباب..








*************************************







"وش اللي شاغلك كذا؟؟"



عبدالله يلتفت لصالح الجالس جواره في مكان حفل زواج كساب وهو يهتف بتأثر:


حاس أني ضغطت على إبي واجد وهو قاعد يتلقى تهاني الناس برجعتي..


لدرجة أنه ماقعد.. رجع بعد العشا على طول..



صالح بطبيعية: عبدالله.. إبي ماعاد يحتمل صلبة القعدة في الأعراس..


ترا بالعادة يسلم ويروح ما يقعد للعشا.. ولولا إن زايد حلف عليه يقعد للعشاء وإلا ماكان قعد أصلا..



عبدالله يمسح جبينه ويهمس لصالح بتعب: الحين يا صالح إبي زعلان علي وما يكلمني.. وأنا ما أقدر أقعد على ذا الحال


لازم يرضى علي.. بس عشان يرضى لازم بيسألني ليه سويت ذا كله


خايف لو قلت له عمره ما يسامحني.. وفي نفس الوقت مستحيل أكذب عليه مرة ثانية..



صالح ربت على فخذ عبدالله وهمس بحميمية: توكل على الله وقل له.. مهما كان هو أب.. بيحس بوجيعتك على ولدك..


أكيد هو بيعاتبك واجد.. بس إن شاء الله إنه بيرضى..





.


.



في زاوية أخرى من الحفل نفسه





" ماشاء الله ياحضرة العقيد.. صراحة حفل ما شفت مثله.. اشتهيت أعرس"



منصور يبتسم بفخامة: خلاص بأزوجك بنتي..



فهد يبتسم: إذا بتزوجني.. مستعد أنتظرها.. بس خاف أتناها وعقبه بنتك تقول إني شيبة وما تبيني..



منصور يبتسم: قل قولها.. ماعندنا بنات يعصون الشور..


وبعدين وش شيبته ؟؟ بازوجك إياها عمرها 20 وأنت توك 48 شباب....



فهد يضحك: أما توي 48 كثر منها...وهي 20 ..يعني كبر بنتي..



حينها هتف منصور بنبرة مقصودة: زين قبل العرس.. منت مشتهي تعلق النجمة الثالثة؟؟..



فهد يرد عليه بنبرة مقصودة مشابهة: زين خلنا ناخذ دورة المظليين وعقبه نعلقها..



ابتسم منصور وهتف بذات النبرة المقصودة: زين جهز مظلتك قريب...





.


.




"صدق أنت مسافر بكرة؟؟"



زايد يلتفت لعلي ويهتف بهدوء: إيه بأروح لجميلة.. طيارتنا بكرة في الليل..


بس أبغيك يأبيك تمر على مشروع البرج الجديد.. فيه تنبيهات كنت معطيها المهندس وأبيك تشوفه لو نفذها..



علي يتنفس الصعداء.. مستعد أن يقوم بكل أعماله هنا.. ولا يرسله إلى هناك..


هتف بمودة ممزوجة بالاحترام: أبشر يبه.. بس عطني التفاصيل ومايصير خاطرك إلا طيب..



حينها هتف زايد بأمر لطيف لكن بنبرته الحازمة التلقائية:


زين يأبيك قم شوف الرياجيل اللي في الزواية تيك


دارت عليهم القهوة مرة ثانية وإلا لا عقب العشا


إسأل المقهويين ونبه عليهم إن القهوة ماتوقف أبد..



.


.




"عبدالرحمن يأبيك.. أنا باروح أرجع تميم لبيته


المسكين تملل من القعدة وتعب.. وهو حالته حالة مع جبس إيديه"



عبدالرحمن بمودة: زين يبه أنا بأكفيك وارجعه..



أبو عبدالرحمن برفض: لا جعلني الأول.. أنت روح جيب أمك وخواتك من العرس..



عبدالرحمن بإصرار: خلاص بأرجع تميم للبيت وعقب باروح أجيب أمي والبنات



أبو عبدالرحمن بإصرار أكبر: يكفيك مشوار واحد..






****************************************







"يمه.. خلاص نبي نمشي"



شعاع برجاء: جوزا تو الناس.. وهذا حسون معش.. ليه مستعجلة؟؟..



جوزاء بذبول: تعبانة شعاع أبي أروح..



أم عبدالرحمن بمودة: اقعدي يأمش بس شوي.. ونروح كلنا..



جوزاء هزت رأسها رغم عدم اقتناعها وهي تلتفت لتسقي حسن الجالس جوارها بعض العصير.. بينما شعاع تهمس بحماس:


خاطري أعرف أخت المعرس وين مسوية فستانها.. خرافي...


عشان أنا بعد يوم عرس عبدالرحمن أبي أسوي لي شيء ما انعمل مثله


هيييه جوزا.. أنا أكلمش!!



جوزاء بعدم انتباه: هاه وش تقولين.. ما انتبهت..



شعاع تبتسم: لا منتي بمعنا..


ثم أردفت بخفوت باسم : يالله قولي لي كاسرة وش قالت لش؟؟..



جوزاء بذات النبرة الذابلة: شعاع لا تصيرين لحوحة... قلت لش في البيت..




.


.


.



" "خالتي بس اقعدي.. ذبحتي نفسش وانتي تلفين"



عفراء تبتسم رغم إرهاقها: لازم أدور على الطاولات وأرحب بالنسوان وأشوف إذا تقههوا..



مزون تبتسم وهي تشدها لتجلس: خالتي كفاية وقفتش ساعتين ونص تستقبلين عند الباب..


لا تنسين زايد الصغير.. تبين عمي منصور يرفع علينا قضية..



عفراء تبتسم: زايد الصغير ماعليه إلا العافية.. لا نطيت ولا رقصت..



حينها هتفت مزون بحذر: خالتي لو ماقدرت أمرش بكرة قبل أروح المطار.. تبين شيء؟؟



تغير وجه عفراء وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: لا سلامتش..


ثم لم تستطع منع صوتها من الإنحدار وهي تردف بتأثر:


بس.. بس طالبتش.. قولي لأبو كساب يوصي خليفة عليها..


ويوصيه يوسع خاطره عليها..




.


.


.




" يمه فديتش خلاص خلينا نمشي"



مزنة تلتفت لوضحى التي بدأ أثر الدموع يفسد زينتها وتهمس لها بحنان مخلوط بالحزم:


يامش ما يصير.. يقولون بنتهم راحت.. قاموا وخلو العرس


انتظري شوي



وضحى بصوت مختنق: يمه تميم أكيد ماراح يتأخر..الحين يبي حد يعشيه.. خبرش أكيد ما تعشى.. وأنا اللي أأكله بنفسي


غير أني يمه خلاص خاطري ضايق وابي أروح البيت..



مزنة تدفن تأثرها المتعاظم في ذاتها وتهمس بحزم: ساعة يامش ونمشي..



" لا تثقلي علي ياصغيرتي!!


أعلم أنك حزينة لفراق شقيقتك


فكيف بي؟!!


ستة وعشرون عاما.. لم تمر ليلة واحدة لم أروِ عيني من رؤيتها


لم تمر ليلة واحدة لم اسمي باسم الله عليها


لم تمر ليلة واحدة لم أنادي فيها اسمها عشرات المرات


ومؤخرا لم تمر ليلة لم نتجادل فيها ونتحادث ونتخاصم ونتصالح


لا أطمئن حتى أرى صفاء ضحكتها ولمعة عينيها


مثلها مثلكم جميعا ياصغيرتي!!"







*********************************







عاد العريسان المحلقان للغرق في الصمت..


بعد أن جاءت المضيفة لتحمل الكعكة التي لم يتناولا منها شيئا ومن بعده العشاء الذي رفضاه أساسا


وهي تستغرب (أي عريسين غريبي الأطوار هذين.!!)



كلاهما غارق في عالمه الخاص.. كساب في كتابه.. وكاسرة في أفكارها..



وقفت كاسرة.. ليهمس لها كساب ودون أن يرفع نظره عن سطور الكتاب متسائلا بنبرة حازمة: وين؟؟



كاسرة بنبرة لا تخلو من تهكم: يعني وين بأروح هنا في الطيارة؟؟ بأروح الحمام..



كساب لم يرد عليها.. بينما كاسرة توجهت للحمام لكي تمسح زينتها التي لم تجد وقتا لمسحها..


وهي تستغرب من تصرفات هذا الرجل الذي غرق في البرود بينما كان قبل ساعات يشتعل..


لم يُسمعها كلمة حلوة واحدة.. لم يتبادل معها الحديث ليتعرف عليها أكثر كما يحدث مع كل المتزوجين الجدد..



"هل هو فقط ينتظر اختلائه بها وهذا هو كل ما يهمه؟!"



آلمها هذا التفكير كثيرا..


لا تستنكره من كساب..


ولكنها كعروس.. ومهما يكن.. ورغم تفكيرها الواقعي.. حلمت بشيء آخر أكثر عاطفية ومثالية..



كاسرة تنهدت وهي تمسح وجهها الندي وتنظر في المرآة:


على قولت الشوام يذوب الثلج ويبان المرج ونشوف اللي ورا ذا الكساب



حينما عادت وجلست..


همس كساب ببرود حازم ودون أن ينظر ناحيتها: إذا سألتش عن شيء تجاوبين من غير استخفاف للدم..



كاسرة بثقة: المهم الجواب وصلك..



كساب بحزم : أحيانا أسلوب وصول الرد أهم من الرد نفسه..



كاسرة بنبرة مقصودة: وهذا الشيء ممكن ينطبق على كل شيء؟؟



حينها التفت لها كساب لينظر لها ببرود: كل شيء



كاسرة بذات النبرة المقصودة: زين أحتفظ بذا المعلومة يمكن تفيدني بعدين..



حينها سألها كساب بنبرة حازمة لا تخلو من الخبث: أنتي دايما كذا تحبين ترسمين لنفسش صورة الذكية..؟؟



حينها أجابته كاسرة بهدوء وهي تشبك أصابعها أمامها:


مثل منت تحب ترسم لنفسك صورة الغامض اللي ماحد يعرف وش اللي وراه..



حينها أجابها بنبرة لا تخلو من التهكم: يمكن لأني قريت مرة في كتاب غبي إن المرأة تحب الرجل الغامض..



ردت عليه بنبرة تهكم: على قولتك.. كتاب غبي..وعطاك معلومة غبية ماراح تفيدك بشيء..



نظر لها وأردف بنبرة عميقة مقصودة لا تخلو من غرور واثق: أنتي متأكدة إنها مافادتني؟!!



لم ينتظر ردها وهو يعود لتجاهلها وليقرأ الكتاب الذي كان يقرأ فيه..


أو يدعي قراءته!!!


بينما كان تفكيره اليوم يأخذه للأمس.. الأمس القريب جدا .. والبعيد جدا!!



.


.



قبل أسبوعين






"عمي أبي أسألك عن شيء وتجاوبني بصراحة"




منصور ينظر لكساب من تحت أهدابه وهو يهتف ببرود حازم:


وليه خايف منك ياولد عشان أدس عليك؟!


من متى وأنا ألف وأدور في أي سالفة.. خلصني وش تبي؟؟



كساب بتساؤل حازم: أبي أعرف يوم إبي كان يبي أم مرتي.. ليه ما تزوجها قبل مايتزوج أمي؟؟..



منصور ابتسم ثم هتف بهدوء واثق: خطبها بدل المرة مرتين.. بس هي مارضت..


أبيك ماتزوج إلا عقب ماعيت منه للمرة الثانية..



كساب بذات التساؤل الحازم: وليه مارضت فيه؟؟..


يعني اللي خذتهم ما اشوف فيهم حد أحسن من ابي.. الله يرحمهم جميع ويبيح منهم..



منصور هز كتفيه بثقة: يمكن لأن إبيك كان ميت عليها..


أم امهاب أنا أذكرها وحن صغار.. بيني وبينها سنة وحدة بس وكنا نلعب سوا..


كانت شخصيتها قوية ولسانها طويل.. وياويل اللي يدوس لها طرف.. بتخليه مايسوى بيزة..



كساب بثقة: بس مهما كانت شخصيتها قوية.. ماظنتي إن شخصيتها أقوى من شخصية ابي..



منصور ابتسم: لا تنسى ابيك وقتها كان صغير وكان يموت عليها من اقصاه..


يعني هي اللي كانت في موقع قوة..



حينها صرَّ كساب عينيه وهتف بحزم بالغ: الحين نجي للمهم..


أمي درت بشيء عقب؟؟


كيفه هو يحب اللي يبي قبل ما يأخذ أمي.. بس عقب ماخذها خلاص.. مفروض يدفن حبه في قلبه..ويحترم المرة اللي صارت أم عياله..



منصور بحزم مشابه: عاد في هذي لا تبهت ابيك.. عمري ماشفت رجّال يحترم مرته ويعزها مثل ماكان زايد يعز وسمية الله يرحمها..


وأنت بنفسك تذكر وش اللي صار له يوم ماتت أمك.. كان بيموت من الحزن عليها..



كساب شدَّ له نفسا عميقا ثم هتف بتصميم مرعب:


والله ثم والله لأدري إن أمي درت بشيء أو تضايقت في حياتها من ذا السالفة


إني لأقلب الدنيا عاليها سالفها..


وإن يصير شيء مستحيل حد منكم يتوقعه..





.


.



قبل خمسة عشر عاما






" هيييييه ياجماعة الخير.. يبه جابر.. أنا كساب بن زايد"



كان صوت كساب الصغير يتعالى أمام باب المجلس الخارجي بعد ان خطا نصف خطوة للداخل..


هتف الجد جابر بصوت مرتفع قدر ما استطاع: كسّاب تعال يأبيك..



كساب برفض: يبه خل هلك يفضون الدرب أول..



الجد جابر ابتسم وهو ينظر لكاسرة الصغيرة التي كانت تسكب له القهوة وحجابها مشدود حول وجهها:


كاسرة يأبيش روحي داخل..



كاسرة تنظر لكسّاب الواقف وعيناه في الأرض وتهتف بتلقائية:


وليه أروح؟؟.. إذا جاووك رياجيل رحت..



حينها هتف كساب بغضب ودون أن يرفع بصره: وليه وش أنتي شايفة قدامش يابنت؟؟



كاسرة بنبرة عدم اهتمام وهي تنظر له بشكل مباشر: بــزر !!..



الجد هتف بغضب: كاسرة أقول روحي داخل..



كاسرة خرجت واتجهت لداخل البيت..


بينما كسّاب توجه للداخل وهو يشعر بغضب عميق يتصاعد في روحه الصغيرة على طويلة اللسان التي قللت من رجولته التي لا يرضى أن تمس..



مال ليقبل رأس الجد.. وهو يهتف بنبرة ضيق: يبه.. ابي يسلم عليك ومرسل لك ذا العود ..


كان بيجيبه بنفسه بس جاه شغل.. فأرسلني..



الجد ابتسم: ياحيا الله الراسل والمرسول.. ياحيا الله الشيخ كساب..


وينك يأبيك ماعاد شفتك..؟؟


ماعاد شفت إلا علي هو اللي ياتي مع ابيه


وأنت مانشوفك إلا من العيد للعيد.. حتى العيد اللي فات ماشفتك



كساب بذات نبرة الضيق: السموحة يبه.. لاهي في دراستي وأدرس أختي بعد..



الجد جابر بمودة: الله لا يفرقكم... وجعل بطن(ن) جابتكم الجنة


والحين قل لي وش فيك يأبيك كنك ضايق؟؟..



كساب بذات نبرة ضيق: يبه.. يرضيك إن بنتكم تقول علي أنا بزر..



الجد ابتسم وهو يلمس خد كساب حيث أثر عضة كاسرة التي بدت واضحة لنظره الضعيف من هذا القرب:


علومها شينة ذا البنت من صغرها.. بأزوجك إياها وأخليك تأدبها على كل اللي هي سوت أول وتالي..



حينها هتف كساب بغيظ: أنا لو خذت بنتك ذي.. أول شيء بأسويه بأغير اسمها ثم أكسر رأسها..



الجد ضحك: لا يأبيك لا.. بنتي ذي مهرة.. تعسف بس ماتكسر..



.


.



ينظر للكتاب أمامه..


يتشاغل به.. بينما هو مشغول حتى النخاع بمن تجلس كملكة متوجة جواره..



" تعسف بس ماتكسر..


تعسف بس ماتكسر..


تعسف بس ماتكسر.. "




وكم هو ضئيل الفرق بينهما !!..


كم هو ضئيل!!!







************************************








" شأخبارك الليلة؟؟ عسى منت بتعبان؟؟"



أشارت بعد أن وضعت صينية العشاء جانبا..



هز رأسه بإشارة لا.. بينما وضحى اقتربت لتطعمه.. بعد لحظات رفض تميم أن يأكل..


أشارت له : اشفيك؟؟ ما كلت شيء



أخذ يغمض عينيه ويفتحهما.. بدايةً لم تفهمه..


ثم بعد ذلك استوعبت أنه يقصدها.. فدموعها كانت تنهمر بغزارة ودون أن تشعر..


فذهنها كان شاردا وهي تطعم تميم .. كانت تشعر بضيق عميق يطبق على روحها وهي تشعر أن البيت خال من رائحة شقيقتها..



أشارت له بألم: عطني بس يومين لين أتعود على فكرة أنه خلتنا خلاص..



لم يستطع أن يشر لها بشيء وإن كان في داخله متأثر أشد التأثر من حالة وضحى.. عدا عن تأثره الخاص به ..


قد يكون هو شخصيا أكثر ارتباطا بوضحى..


ولكن كاسرة شقيقته وتربطه بكل أخوته علاقة خاصة حرصت والدته على تغذيتها وتقويتها..


ومن ناحية أخرى حالته التي يعانيها جعلته أكثر حساسية..


يداه كلتاهما في الجبس.. وهو يفقد تواصله مع العالم


وموعد زواجه يقترب مع تحسسه المتزايد من زوجته المستقبلية..


مثقلة روحه الشفافة بكثير من الهموم التي لا يستطيع التعبير عنها بأي طريقة..


يجد نفسه غارقا في الهم وملجما في ذات الوقت عن التعبير عن همومه وأوجاعه سوى بالتفكير فيها..


التفكير الذي يزيده هما فوق همه..


لو أنه كان قادرا على العمل فقط ..كان دفن وجع أفكاره في العمل..


وتشاغل بعمله عن كل ما يؤلمه ويجرح مشاعره ورجولته وحتى إنسانيته!!


ولكن الآن ليس له إلا الصبر والدعاء........ والاحتراق بأفكاره وشكوكه حتى نخاع النخاع!!..







**********************************






" مابغيتوا تخلصون؟؟"



همست عفراء بإرهاق وهي تغلق بابها: خبرك لازم حن آخر حد يطلع من العرس..



منصور يحرك سيارته ويهتف بمودة: عسى ما تعبتي حبيبتي؟؟



عفراء بذات الصوت المرهق: شوي بس


ثم أردفت بابتسامة: بس يستاهل التعب ياقلب خالته.. جعلني أفرح بعياله فديته..



منصور يبتسم: شكلي بأغار من كساب الخايس.. الحين هو راح مع عروسه وقاعدة تفدين به.. وانا ماحد عبرني



عفراء تبتسم: الغلا لك يأبو زايد..



منصور بابتسامة فخمة: لي الغلا؟؟ خافه كلام بس؟؟..



عفراء بمودة: أفا عليك يأبو زايد الكلام لغيرك..



منصور مد يده ليحتضن كفها بقوة وهو يهمس بحنان: جد حبيبتي ماتعبتي؟؟



عفراء برقة: والله العظيم أني زينة.. وانت انتبه للطريق الله يخليك..وتمهل وأنت تسوق..



منصور يكف يده ويثبت يداه على المقود وهو ينظر للامام ويهتف بابتسامة:


حاضر.. مع أني أبي أطير.. عشان أشوف كشخة أم زايد..


أكيد كنتي أحلى وحدة في العرس



عفراء ابتسمت بعذوبة: يهمني أصير أحلى وحدة في عينك وبس..



منصور بفخامة: هذا شيء مافيه شك!! أحلى وحدة في عيني وقلبي وروحي


الله لا يحرمني منش بس!!







*****************************







حطت الطائرة بعد انتهاء رحلة العريسين الغريبة المثقلة بالصمت والتجاهل..


عدا الحوارين الحادين اليتيمين اللذين دارا بينهما!!



بعد إنهاء الإجراءات في مطار جنيف وخروجهما للسيارة التي كانت تنتظرهما


كاد كساب يمزق ملابسه أو يعود للدوحة مشيا حتى يصفع عليا.. وغضب شديد عارم يتفجر في روحه..



كانت تنتظرهما سيارة ليموزين سوداء طويلة جدا مزينة بالورد..


وكان العدد القليل من المارة الذاهبين لعملهم في ذلك الوقت المبكر يقفون لتحية العريسين..


بينما كانت كاسرة بالفعل تستغرب أن هناك شابا قد تخطر له هذه الأفكار البالغة الرومانسية


(يالله خلنا ننبسط باللي علي يسويه.. الله لا يحرمنا منك..


لولاك يمكن كساب وداني الأوتيل مشي وأنا شايلة شناطي!!)



ولكن هذه الأماني المرحة انهارت وكساب يتصل بعلي لأنه لا يمكن أن يحتمل المزيد..


فور أن رد علي بصوته الناعس انفجر فيه كساب بغضب:


شوف علي يأما أنك تعطيني برنامج السخافات اللي أنت مسويها


وإلا والله لأروح أحجز في فندق ثاني.. وخل برنامجك كله لك..


أنا مستحيل أخليك تمشيني على كيفك عقب خبالك اللي أنا شفته



علي حينها طار النوم من عينيه وهو يهتف بابتسامة ودودة:


أفا العريس زعلان.. ياخي ريح أعصابك.. ليه ذا العصبية؟؟



كساب بغضب عارم: عاجبك سواتك فيني.. وش ذا السخافة؟؟


كفاية سيارة المهرجين اللي أنت مرسلها تستقبلنا..


والله لا يصير شيء ثاني مثلها أني .. أني...........


يأخي من الحرة عليك ماني ملاقي كلام أقوله...بس دواك إذا رجعت الدوحة..



علي ابتسم: خلاص يالحبيب البرنامج كامل بتلاقيه عند الريسبيشن بعد شوي


بس اسمعني ياويلك تكنسل شيء من كيفك


لأنه كل شيء مدفوع ثمنه.. اللي مايعجبك قل لي عليه وأنا أغيره لك..


ويالله خلاص روح لمرتك..



كساب بتحكم واثق: مرتي قاعدة جنبي في حديقة الورد اللي أنت ورطتنا فيها.. وين أروح لها؟؟



علي بصدمة: صدق ماعندك ذوق.. قاعد تكلمني بذا العصبية قدامها.. اللي طفشت المسكينة..



كساب حينها ابتسم: أقول لا يكثر حكيك.. البرنامج أبيه في الريسبيشن خلال ساعة..



حينما أنهى الاتصال صمتت كاسرة لأنها رأت أنه من قلة الأدب أن تتدخل بينه وبين شقيقه بهذه السرعة.. لذا التزمت بالصمت..



سألها كساب بنبرة مقصودة: وش فيش ساكتة؟؟ وش رأيش في اللي سمعتيه؟؟



كاسرة بهدوء: أنا مالي دخل بينك وبين أخيك..


لكن من باب ثاني أكيد أفضل أنك تكون عارف البرنامج عشان مانقضي الأيام هذي في عصبية كل ماشفت شيء ما يعجبك..


كفاية الكيك والسيارة واحنا تونا مابدينا..



كساب تنهد ليهتف بحزم غاضب: أنا من البداية كنت رافض فكرة أنه يرتب الرحلة لأني أحب أكون عارف كل شيء بأسويه..


بس ماحبيت أحزنه وهو متجهد في التجهيز..ما تخيلت الحركات البايخة اللي هو بيسويها..



حينها ابتسمت كاسرة بخبث رقيق : على كذا أتوقع أنه بنلاقي الغرفة كلها ورود وبالونات حمرا..



كساب صرَّ عينيه: لا عاد؟؟



كاسرة هزت كتفيها: بس عاد مهوب تعصب على أخيك..


هذي تكون من الفندق أساسا إذا نزل عندهم عرسان في شهر العسل



كساب هز كتفيه بعدم اهتمام: تصدقين تراني أعرف ذا المعلومة..



كاسرة بنبرة عدم اهتمام مشابهة: في الإعادة إفادة.. والتكرار يعلم الـ.. يعلم الشطار..




بالفعل حينما وصلا لجناحهما كانت الورود منثورة على السرير والأرضية والشموع مشعلة في كل مكان..


وكانت تنتظرهم مضيفة بكعكة أخرى..


ولكنها هذه المرة انسحبت لوحدها قبل أن يعطيها كساب نصيبها من غضبه


وخصوصا انه كان ممتلئا غيظا لإحساسه أنه فاقد السيطرة في موضوع هذه الترتيبات التي لم ترق له إطلاقا..



كساب التفت لكاسرة وهمس بحزم: خلاص صلي الفجر أنتي..


الشباب اللي قابلتهم قبل شوي تحت في الريسبشن أتفقنا نصلي جماعة..



كاسرة أنهت صلاتها وكانت على وشك أن تستحم لولا أن قاطع مخططاتها عودة كساب..


حينها لا تعلم لماذا عاودها الشعور الملتبس بالتوتر..


لو عاود اندفاعه ناحيتها بعد أن تجاهلها طيلة الرحلة.. فربما تتناول حذائها وتضربه به على رأسه..


لا تستطيع أن تمنعه من حقوقه عليها.. فهذا أمر فرضه الله عليها..


ولكنها توقعت منه تعاملا أكثر رقيا.. وأن يكون في رأسه مشاعر أكثر نقاء



لذا كانت صدمتها البالغة منه لدرجة أنه كادت أن تنعته بـ " الحيوان"


أنه فور دخوله للجناح خلع قميصه فورا..


ولكن قبل أن تصدر عنها الكلمة رأته يتمدد على الارض ليقوم بتمارين الضغط.. وعلى يد واحدة بالتناوب!!



وقفت عدة لحظات حتى تستوعب ماذا يفعل؟؟ لتشيح بوجهها جانبا وهي تستوعب أنه عاري الظهر أمامها


سألته وهي مازالت تشيح بوجهها: شتسوي؟؟



أجاب بحزم وهو مستغرق في تمريناته: توني أقول لش أنش تحبين تظهرين نفسش ذكية..


عاد هذا سؤال ما يسأله أغبى غبي إلا لو واحد أعمى مايشوف..


شوفة عينش.. أتمرن..



كاسرة رغم استغرابها لكنها قررت ألا تسأله.. فليتدرب كما يشاء.. همست وهي تتجه لحقيبتها لتفتحها:


خلاص أنا بأتسبح..



كاسرة استغرقت وقت طويل للاستحمام.. فالبودرة التي التصقت بصدرها وظهرها وكتفيها.. استغرقت طويلا في دعكها..


عدا أنها استغرقت وقتا قبل في ذلك في فك بقايا تسريحتها بشكل أفضل


ثم في تنظيف شعرها والاعتناء به من أثر هجوم أدوات الشعر الساخنة ومثبتات الشعر..



حين انتهت.. التفت بروبها وخرجت بحذر ..


لم تجد كسابا.. ولكنها وجدت فوطة مبلولة ملقاة بجوار حقيبته.. يبدو أنه استحم في الحمام الآخر..



ربما في ظرف آخر.. ومع زوج غير كساب..ربما كانت لتتناول المنشفة وتعلقها في الحمام.. فهي بطبيعتها مرتبة وتكره الفوضى..


ولكنها شعرت أن كسابا يرسل لها رسالة وكأنه يجب أن تنظف قذارته المقصودة التي يتركها خلفه..


أما ماجعلها تتأكد من ذلك فعلا فهي أنها حينما فتحت حقيبته.. صُدمت بترتيبها غير المعقول..


تبدو الحقيبة كما لو كانت رُتبت باستخدام المسطرة..


وكل لباس معد للخروج ووضعت كل قطعه في كيس شفاف معا.. البنطلون والقميص والحزام والملابس الداخلية وحتى الجوارب..


وفي ناحية أخرى رُتبت الأحذية في كيس شفاف آخر.. عدا عن عدة فوط مرتبة بدقة..


شعرت بالحرج أن تقلب فيها أكثر..لذا أغلقتها وتركت الفوطة الملقاة جوارها



(معقول هو اللي رتب شنطته؟؟


يمكن حد رتبها له؟؟


على كل حال.. إذا كان هو اللي رتبها.. معناها إن حركة الفوطة مقصودة لأنه شكله متعود الترتيب


وإذا كان واحد متعود حد يرتب له.. ويقط ويبي حد يلقط وراه.. يكون مايعرفني)



ثم انتقلت لحقيبتها..


احتارت ماذا ترتدي.. فهذا الرجل يثير حيرتها


والأكثر ..يثير توجسا غريبا في روحها حول هدفه من تعامله الغريب معها..


ولكنها ختاما قررت ألا تفسد أي شيء رتبته حسب تفكير هذا المتخلف..


فهي من حقها أن تلبس ماتشاء وفق ترتيبها دون اهتمام به..


فبما أنها عروس فهي ستستمع بهذا الشيء دون اهتمام برأيه..



ارتدت رداءها الحريري الأبيض الفخم المثقل بالتطريزات الراقية..


وأحكمت شد روبها الحريري على جسدها حتى لا يظهر أي جزء من نحرها..


انتظرته من باب الذوق لنصف ساعة.. ثم قررت أن تنام..


وفعلا تمددت على السرير ونامت من التعب وهي تشعر بتوجس ما..


أن يعود فيقلق نومها بتقربه المريب منها..


لذا كانت مفاجأتها أنها حينما صحت قبل آذان الظهر بقليل..


أنها تلفتت جوارها لتجده نائما معتصما بناحيته البعيدة من السرير..


شهقت بخفة وهي تجد أن روبها قد انفتح قليلا أثناء نومها.. شدته وهي تقف لتنهض من جواره..


وهي تشعر باستغراب كبير أنه تركها تنام كل هذا دون أن يكدر عليها نومها..



جلست على المقعد قريبا من التسريحة لتمشط شعرها ..


ليفاجئها همسه الناعس المخلوط بالحزم: ممكن أعرف سبب الشهقة اللي صحتني من النوم؟؟



كاسرة استغربت أن شهقتها الخافتة المسموعة بالكاد قد أيقظته من نومه..


أجابته بحزم مشابه: ماشهقت.. شكلك تتحلم..



حينها رأت انعكاسه في المرآة وهو يجلس على طرف السرير ويهتف بتلاعب:


إلا شهقتي.. هذا كله متروعة عشان اللي كان باين من جسمش


ترا أنتي كلش حلالي..



كاسرة ردت عليه ببرود وهي تركز نظرها على انعكاس صورته على المرآة أمامها:


ترا فيه أسلوب حضاري أكثر للحديث..



رد عليها ببرود وهو يقف لينزع قميص بيجامته: ماعليه بكرة أخذ منش كورسات



أنهى عبارته ليتمدد أرضا ويقوم بتمارين الضغط اليومية.. حينها هتفت له كاسرة بتساؤل: توك سويت تمارين أول ما وصلنا..



كساب يجيبها دون أن يتوقف: تمارين الضغط لازم مرتين في اليوم..


وعلى العموم هي ربع ساعة بس وأغسل وأتسبح وأفضى لش..



كاسرة ببرود: شكرا.. خلك في تمريناتك.. أنا بأغسل وأتوضى وأصلي..



كساب وهو منهمك بتمريناته: كلنا بنصلي.. ثم بنطلب شي نأكله..


ثم أردف بنبرة مقصودة: إلا ليش ماشلتي فوطتي من الأرض يامدام؟؟



ردت عليه كاسرة بذات النبرة المقصودة: لنفس السبب اللي أنت خليتها مرمية على الأرض عشانه يازوج المدام؟؟



كساب بذات النبرة: وقلت لش قبل لا تحطين رأسش براسي..



كاسرة بحزم: ليه رأسي فيه شيء أقل من رأسك؟؟..


شوف كساب تبي حياتنا تستمر تحترمني في كلامك وتعاملك.. وإلا..



قبل أن تكمل عبارتها كان يقفز بحركة محترفة مفاجئة ليقف أمامها مباشرة


وهو يهتف بحزم بالغ وعيناه تبرقان ببريق آسر.. مخيف: وإلا ويش؟؟ سمعيني..



كاسرة صُدمت وهو يقف أمامها من هذا القرب ونصفه العلوي عاريا هكذا..


لم ترد أن تُشح بوجهها في هذا الموقف فيحسب أنها خافت منه


لذا ركزت نظرها في عينيه وهي تهتف بذات الحزم البالغ:


وإلا مافيه داعي نكمل في حياة مفقود فيها أهم عنصر في الحياة الزوجية .. الاحترام..



حينها أمسك كساب بمعصمها بقوة وهو يرفعه لأعلى..


ويشدها ناحيته ويهتف بنبرة مرعبة وهو يركز نظره في عينيها كذلك:


إذا أنتي منتي بحريصة على حياتش معي.. مافيه أي سبب يخليني انا أكون حريص..


لأن هذي مسؤوليتش أنتي.. وإذا أنتي تخليتي عنها فتأكدي أني باكون قبلش..



كاسرة دون أن يتذبذب صوتها أو يتغير أو ينحدر وهي تهمس بذات النبرة الحازمة الواثقة:


كساب ممكن تقول اللي أنت تبيه بدون ما تستخدم إيديك..


شل يدك لأنك آجعتني.. تراني أسمع بأذني مهوب بيدي..



تبادلا النظرات لثوان وكل واحد منهما يرتشف نظرات الآخر بلهفة غريبة مشبعة بتحدي غامض ومشاعر أكثر غموضا..



ثم أفلت كساب ذراعها ليظهر احمرار معصمها واضحا مكان يده في بياض جلدها بين نقوش الحناء الغامقة..


حينها وبشكل صدمها تماما وبعثر مشاعرها.. رفع ذراعها ليقبل مكان الإحمرار بدفء حان.. قبلة قصيرة مبتورة سريعة..


ثم أنزل ذراعها بجوارها وعاد ليتمدد على الأرض ليكمل تمريناته..


بينما توجهت هي الحمام لتغتسل وتتوضأ ودقات قلبها تطرق جنباتها بدوي هائل



(هذا مستحيل يكون طبيعي


أكيد عنده انفصام في الشخصية!!


مهوب طبيعي!!


مهوب طبيعي!!


مريض نفسي أكيد!!)








*********************************







" يالله وش قالت لش كاسرة؟؟


البارحة قلتي لي تعبانة


والحين خلاص لازم تقولين لي"



جوزاء لا رغبة لها في الحديث.. تهربت منها البارحة.. ولكنها تعلم أن شعاع ستلح حتى تعرف..


لذا أخبرتها باختصار وهي تشعر بالصداع من مجرد الفكرة..



شعاع هزت كتفيها: عندها حق..



جوزاء بغضب: أي حق؟؟ أنا أرجع للزفت مرة ثانية عقب ماخلصني ربي منه..



شعاع بهدوء منطقي: زين قولي لي... هل بتتزوجين غيره يوم؟؟



جوزاء أنزلت راسها بين كفيها وهي تضغطه وتهمس بإرهاق:


ما أبيه ولا أبي غيره.. أبي أربي ولدي وبس..



شعاع بذات الهدوء المنطقي: جوزا أنتي عادش عمرش 25 سنة.. عادش صغيرة


من حقش تعيشين حياتش وتجيبين عيال غير حسن..


حسن بكرة بيكبر وبيكون له حياته الخاصة فيه..


إذا أنتي ماتبين تزوجين عشان حسن.. ارجعي لإبيه.. أدبيه عشان يعرف غلطته..


بس عبدالله بنفسه رجال فيه خير.. عطي نفسش وعطيه فرصة ثانية..



حينها انتفضت جوزاء بغضب عارم: نعم؟؟ فيه خير؟؟ واعطيه فرصة؟؟


أنتي أكيد مجنونة.. أنا وعبدالله مع بعض مرة ثانية؟؟..


مستحيل !! مستحيل!!







*********************************






" هلا والله بهل العرس البارحة..


متى جيتي البارحة يالصايعة؟؟ أنا رقدت عيالش ثم نمت وأنتي عادش ماجيتي"



نجلاء تبتسم وهي تجلس بجوار عالية: يأختي ردي السلام أول


ثاني شيء حتى عرس الرياجيل تأخر.. صالح أساسا هو اللي تأخر علي


بس شنو عرس ياعلوي.. خرافي والله العظيم..



عالية بتساؤل حماسي: والعروس كانت حلوة؟؟..



نجلاء بابتسامة عذبة: عاد كاسرة أخر وحدة ينسأل عنها ذا السؤال


هي حلوة على كل حال.. أشلون ليلة عرسها..


كانت خيال ماشاء الله وفوق الخيال بعد..


حياتي كلها ماشفت ولا ظنتي أشوف عروس كذا..



عالية تشد ياقة قميصها بحركة تأنق وهي تتساءل بغرور تمثيلي: ولا حتى أنا؟؟



نجلاء تضحك: لا عاد أنتي شيء ثاني.. أحلى وحدة في كوكب غير الأرض..



عالية تضحك: مالت على عدوش.. المهم أصير حلوة في عيون الدحمي بو نظارات..


عساه بس نظره ضعيف والشوف عنده ردي؟!..



نجلاء بمرح: لا طال عمرش.. جوزاء تقول لي نظره 6 على 6 بس النظارة للحماية وهو تعود عليها..



عالية بتحسر تمثيلي: أخ اللي طفش الرجّال..


ثم أردفت بابتسامة: خلينا مني.. تو الناس...


علميني عن العرس.. البنات وش كانوا لابسين؟؟..



نجلاء بمودة: ماشاء الله الكل حلو ومتكشخ..



عالية بتذكر: تدرين نجول أني شفت العريس وأنا جايه من فرنسا كان معنا على نفس الطيارة


بس شنو يانجول.. يسطل.. يسطل.. أنا انسطلت من قلب.. طاحت كبدي عنده..


لولا ان خالي نايف عصب علي.. وإلا كان رحت وقعدت في حضنه..



نجلاء تضحك: وين الدحمي يسمعش..



عالية بمرح: يا بنت الحلال إن الله جميل يحب الجمال...


والله يهني كسّاب بكاسرة..


ويهني الدحمي بعالية اللي بتطلع عيونه وقبلها نظاراته..







******************************************






" ماكلتي شيء!!"



كاسرة تهمس بهدوء: الحمدلله .. شبعت..



هتف بنبرة أقرب للتهكم: شوفتي تسد النفس يعني؟!!



كاسرة بثقة: ماقلت كذا.. لكن لو أنت تظن كذا أكيد عندك أسباب وجيهة..



كساب حينها أردف بنبرة لا تخلو من الغضب: أنتي على طول لسانش طويل كذا؟!!



كاسرة وقفت وهي تهمس بنبرة ساخرة: ما أشوف لساني طويل.. لكن اللي على رأسه بطحا يحسس عليها..



حينها شدها كساب بقوة ليجلسها جواره وهو يهتف بغضب:


زين ما أعتقد إنه يجهلش يأم الذوق والأدب أنه عيب تروحين ورجالش يحاكيش..



كاسرة همست ببرود مختلف عن غضبه: والله حسبت الكلام خلص..



كساب حينها كان من وقف وهو يهتف بحزم دون أن يلتفت ناحيتها:


قومي البسي عباتش.. اليوم بناخذ جولة مشي حوالين الفندق ثم بنطلع المدينة القديمة..وساحة بورغ دي فور..


وبكرة بيبدأ البرنامج بعد التعديل..


ثم أردف بصرامة وبنبرة أمر متسلطة : واعرفي أشلون تثمنين الكلمة قبل تقطينها.. تراني خاطري مهوب وسيع دايما!!


وترا أمش داعية عليش لو صدفتي قفلة خاطري وأنتي بملاغتش ذي!!







**********************************






" يبه فديتك.. قم توضأ للصلاة.. ماعاد دون الصلاة شيء"



هتف بتثاقل ودون أن يفتح عينيه: كاسرة كلمت؟؟



ابتسمت مزنة بشجن: لا فديتك.. بس أرسلت لي رسالة الفجر


إنها وصلت وقالت لي إنها بتكلم عقب صلاة الظهر..



مد يده لتساعده ابنته على الجلوس وهو يهتف بشجن عميق:


جعلني ما أخلى منش.. بس البيت من غير كاسرة ماكن فيه حد..



مزنة تناولت كفه لتقبل ظاهرها وهي تهمس بمودة عميقة:


دارية بغلاها عندك.. جعل ربي مايخليني منك..


ثم أردفت بابتسامة: وبعدين أنت اللي بغيتها تعرس...



الجد يخلع غترته الملفوفة حول رأسه ويضعه جواره على السرير وهو يتحسس بحثا عن عصاه ويهتف بعمق:


كاسرة أنا عارفها أكثر من روحي.. لو أني ما لزمت إنها تأخذ كسّاب ماكان عرست أبد..


كان قعدت تعيي من الخطاطيب لين يروح عمرها وشبابها..


بغيت لها الزين وأنا داري إن فرقاها علي صعيبة.. كن روحي مهيب بين جنوبي يأبيش..


كن روحي مهيب بين جنوبي!!






**************************************






كانت قد انتهت لتوها من صلاة الظهر حين سمعت رنين هاتفها..


تناولته بإرهاق ودون أن تنظر للرقم لترد بصوت مثقل بالإرهاق والذبول: نعم.. من؟؟



رغما عنه.. صوتها الذابل نفض أوتار قلبه الذائبة من أجلها وترا وترا ..


آلمه كم الإرهاق المتبدي من صوتها ومع ذلك هتف بنبرة رسمية متحكمة:


السلام عليكم يأم حسن..



حينها ارتفع ضخ الأدرينالين عندها وهي تهتف بغضب: أنا مهوب قلت لك تنسى ذا الرقم..



عبدالله ببرود: وأنا ما نسيته... بترفعين علي قضية تطالبيني أنساه..؟؟


وبعدين توش صوتش يالله طالع..


ماشاء الله من وين طلع ذا الصوت كله؟؟



جوزاء بغضب: مهوب شغلك.. صدق شين وقوات عين....



عبدالله قاطعها بصرامة: جوزا ..حدش.. ماراح أسمح لش تطولين لسانش علي..


أنا وأنتي بيننا ولد.. فهل كل مابغيت حسن أو بغيت أسأل عن شيء يخصه بأحط وسيط بيننا..؟؟



جوزاء بذات الغضب: وأنا ماني بحلال لك تدق معي سوالف..



عبدالله بذات البرود: والله أنا ما كلمت أتغزل فيش.. هي كلمة ورد غطاها


العصر جهزي حسن بأوديه أفصل له ثياب


مهوب عاجبني أنه يلبس بناطيل...



جوزاء بسخرية: وأنت وش كنت تلبس الأربع سنين اللي فاتت؟؟



عبدالله بحزم: والله لبستها مضطر.. وما أبي ولدي يتعود عليها.. أبيه يتعود على لبس الثياب..



جوزاء ببرود: و من وين صار ولدك وأنت قبل أسبوعين ماتدري عنه شيء؟؟



عبدالله ببرود: تبين أقول لش من وين.. قلت لش بالتفصيل



جوزاء تفجر غضبها عارما متدفقا: صدق أنك وقح وقليل أدب..



عبدالله بذات البرود: من طق الباب سمع الجواب يأم حسن..


تحدين الواحد على أقصاه.. وإنه يقول شيء مايبغي يقوله..



جوزاء بنفاذ صبر: خلاص العصر بتلاقيه جاهز.. شيء ثاني؟؟..



عبدالله بثقة: إيه أبي أدري أي روضة سجلتيه؟؟



جوزاء تكاد تمزق شعرها غيظا: وأنت وش دخلك؟؟..ياشين اللقافة!!


وعلى العموم حسن توه صغير ما سجلته في شيء



عبدالله بحزم: أشلون ماسجلتيه فتح المدارس بعد شهر ونص وبيكون عمره تقريبا 3 سنين ونص.. لازم يدخل روضة


وأنا كنت أقرأ في جرايد قطر أنه في أزمة تسجيل ولازم الواحد يسجل قبل نهاية السنة الدراسية..



جوزاء بغضب: وانت وش دخلك.. عني ما سجلته... إن شاء الله أقعده جنبي وعمره مادخل مدرسة...مالك شغل..مالك شغل


يأخي روح دور لك حد تحرق أعصابه بثقل دمك غيري..



عبدالله بحزم: قصري حسش.. وبعدين سالفة مالي شغل هذي تنسينها..


لأني لي شغل ونص.. وتأكدي إنه كل شيء يخص حسن أنا بأتدخل فيه..



جوزاء بذات الغضب: لا تحط لنفسك حقوق مهيب لك.. أنت تفهم وإلا ما تفهم.. حسن هذا ولدي أنا بروحي..



عبدالله بنفاذ صبر: حسن ولدي مثل ماهو ولدش.. افهمي ذا الشيء زين.. وتاكدي أني ماراح أتنازل عن حقي في تربيته هو وأخوانه..



جوزاء بتساؤل مصدوم: أخوانه؟؟



عبدالله بثقة وهو يشدد النبر على كل حرف: إيه أخوانه اللي أنتي بتجيبنهم لي..



بعثرت جوزاء كل مشاعره بعنف وهي تجيب بتسرع ودون تفكير: بأفكر..






أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 21-09-10 07:13 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح الورد ياقلوب الورد


خجلتوني باستقبالكم لي ياعلني ما أخلى منكم ومن دفا قلوبكم


.


.


أسئلة كثيرة تدور.. ليش لما كساب يعرف اسم كاسرة كان يسأل عنه؟؟


ليش سميرة حبت تميم؟؟


أشلون كساب عرف بحب والده لمزنة؟؟



عاد السؤال الأول أجلوه شوي.. أو سمعونا رأيكم حوله


الثاني والثالث ورد في القصة بس شكلكم نسيتم ياحلوين :)


.


.


نبضات القلب كل شخصية بتأخذ حقها


يمكن الحين فيه شخصيات بارزة أكثر لكن لأن قضاياها ملحة أكثر


والكل بيكون له قصة مختلفة وبتعجبكم إن شاء الله


علي اللي البنات مهتمين فيه ينتظره قصة خاصة جدا بس بدري عليها


.


ألف مبروك لعروستنا الغنج الله يكتب لك سعادة العمر وسكن الروح


.


.


والآن إلى الجزء الحادي والأربعون


وموعدنا يوم الخميس إن شاء الله الساعة الثامنة صباحا


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


.







بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والأربعون






جوزاء بذات الغضب: لا تحط لنفسك حقوق مهيب لك.. أنت تفهم وإلا ما تفهم.. حسن هذا ولدي أنا بروحي..



عبدالله بنفاذ صبر: حسن ولدي مثل ماهو ولدش.. افهمي ذا الشيء زين.. وتاكدي أني ماراح أتنازل عن حقي في تربيته هو وأخوانه..



جوزاء بتساؤل مصدوم: أخوانه؟؟



عبدالله بثقة وهو يشدد النبر على كل حرف: إيه أخوانه اللي أنتي بتجيبنهم لي..



بعثرت جوزاء كل مشاعره بعنف وهي تجيب بتسرع ودون تفكير: بأفكر..



عبدالله بصدمة مشاعره المبعثرة (هل قالت سأفكر؟!) همس بتساؤل عميق:


نعم؟؟ وش قلتي؟؟



جوزاء همست العبارة كأنها تبصقها.. كأنها مشارط تمزق لسانها: قلت لك بأفكر



عبدالله شد نفسا عميقا: صحيح أنا ملزم عليش بس أبو عبدالرحمن رافضني..


وكنت أبي وقت لين أرجع أكلمه..



جوزاء تشعر بمرارة عميقة من اتمام هذا الحوار..


وكأنها تتحاور مع سجانها حول سجنها وترتيبه.. همست باختناق: إبي حلف؟؟



عبدالله بنفي: لا .. ما حلف..



جوزاء بضيق عميق: خلاص أنا قلت لك بأفكر.. ولو افقت كلّم عبدالرحمن.. عبدالرحمن لو اقتنع .. بيقنع إبي..



عبدالله عاجز عن تصديق كل هذه الفرحة.. هتف بلهفة عميقة: ومتى تردين علي؟؟



جوزاء بكراهية أعمق: أبي لي وقت.. لأني بكل صراحة أكرهك كره العمى..



عبدالله مصدوم من صفعها له بكراهيتها بهذه الطريقة.. هتف بحزم موجوع: زين ليه توافقين علي؟؟



جوزاء بصراحة غريبة ممزوجة بالمرارة والكراهية والبغض: أنا لو وافقت عليك بيكون عشان أسود عيشتك بس..


عشان أخليك تعيف حياتك مثل ما خليتني اعيف حياتي



عبدالله باستغراب: فيه وحدة تقول ذا الكلام لواحد يخطبها!!



جوزاء في داخلها.. في عقلها الباطن.. تتمنى أن يتراجع عبدالله عن التفكير بعودتها له..


أن يكون هو من يرحمها من مرارة التفكير بالحياة معه.. أن يهرب بجلده منها!!



بداخلها رغبتان متصارعتان..


رغبة العودة له للانتقام منه..


ورغبة الهروب منه لأبعد كوكب..


وفي ذات الوقت رغبة العودة له باتت أقوى.. لأنها تغذي شيئا مختلفا في روحها


ولكن رغبة البعد عنه هي الأقرب لروحها المنهكة المعذبة..


لذا تريد منه هو أن يساعد رغبتها في البعد عنه.. أن ينقذها هو من جنون التفكير بالعودة له..


التفكير الذي بات يمزق تفكيرها ويغذيه كراهيتها له..


ولكنها تعبت من الكراهية.. تعبت!!.. تريد أن تعيش لابنها فقط..


و في ذات الوقت لو عادت له ستتفجر الكراهية أمواجا أمواجا تحت ردائها..


تخشى من تحول أشد في شخصيتها.. أن تتحول لمخلوق أكثر بشاعة ومرارة وهي بقربه..



همست بكل هذا الجزع والتعقيد والمرارة: عبدالله أنا أبري ذمتي الحين..


ترى لو تزوجنا.. ودّع راحة البال.. بأخليك تكره الدنيا


أنا قلبي مليان سواد وكراهية وحقد وكل ذا بأطلعه فيك..


أنا أحذرك من حياتك معي.. صدقني بتكون تعاسة مابعدها تعاسة..



شد عبدالله نفسا عميقا: المهم هلي ما يدرون بشيء من اللي يصير بيننا.. عدا كذا أنا كلي حلالش..


تدرين ليه؟؟


لاني واثق إن حبي لش أقوى من كراهيتش لي..



جوزاء بكراهية عميقة: لا تكون واثق كذا!! أنت ماعادك تعرفني!!



عبدالله بثقة عميقة: وأنا واثق في نفسي.. واثق في قلبش اللي ما تعرفينه..


المهم تردين علي بسرعة.. خلاص مافيني صبر عقب ماعطيتيني أمل!!







*****************************************







"انبسطتي بالجولة؟! "



كاسرة تلتفت لكسّاب وهي تخلع نقابها وتعلقه وتهمس بهدوء عذب: الحمدلله..



كساب جلس وهو يخلع حذائه ويهتف بثقة: تعليق محايد.. أفهم منه أن الجولة ماعجبتش ..



كاسرة جلست على مقعد منفرد قريبا منه بعد أن خلعت عباءتها وهمست بثقة:


من حيث إنها عجبتني فهي عجبتني بكل صراحة..


وخصوصا أنه كان معي دليل خبير وذكي كان يعرف كل شيء.. وعطاني معلومات حول كل شي


والمدينة القديمة عجبتني فعلا كأن الواحد رجع للزمن القديم..


لكن الدليل كان مستعجل عشان شيء ما أدري وش هو..



كساب يفكك أزرار قميصه ويهمس بحزم: قلت لش أنش ذكية من قبل يا بنت


فعلا أنا مستعجل عندي موعد للشغل.. باتسبح وأطلع..



كاسرة تشعر بصدمة لم تظهر في صوتها الواثق المتحكم: بتطلع وتخليني؟؟



كساب بتساؤل لئيم: خايفة؟؟



كاسرة بحزم: طبعا لا.. وليه أخاف؟؟ انا في فندق مليان سكيورتي.. وبشكل عام أنا وحدة ما أخاف


بس فيه شيء اسمه ذوق.. أعتقد أن هذا شهر عسلنا..


والمفروض أنه احنا نقضيه مع بعض.. مهوب يكون عندك شغل فيه..



كساب بعدم اهتمام: تعبت وأنا أقول لش ماعندي ذوق..


أنا عبيت تلفونش الجديد رصيد.. كلمي هلش وهل الدوحة كلهم


لاني ماني براجع قبل الفجر..



حينها هتفت كاسرة بصدمة عميقة: تونا الحين متعشين وتعشينا بدري بعد.. وش اجتماع الشغل اللي بيقعد ثمان ساعات؟؟



كساب بشبح ابتسامة: ما ادري ليه شام ريحة غيرة وإلا شك؟؟



كاسرة تقف لتهمس بحزم: لا غيرة ولا شك.. مرخوص..


المهم لا تزعجني لو لقيتني نايمة..







***********************************






" شأخبارش اليوم؟؟"



وضحى تجيب بهدوء ساكن: تحسين البيت صاخ مافيه حياة


حتى جدي مايرد علينا إلا بالقطارة..تحسينه ذابحته الشحنة لها ومايبي يبين..


نبي لنا كلنا وقت لين نتأقلم..



حينها سألت سميرة بحذر: وتميم أشلونه؟؟



حينها انحدر صوت وضحى للحزن: تميم الله يعينه.. هو بروحه سالفة.. الحين مايطلع إلا للمسجد ويرجع


لا عاد راح شغل ولا حتى يطلع من غرفته إلا في أضيق الحدود..



سميرة بتأثر: طيب وش يسوي ذا كله بروحه؟؟



وضحى بتأثر شفاف: أنا أحط له على الفيديو برامج دينية وثقافية بلغة الإشارة.. وكل شوي أرجع أغيرها لها..


غير أني أصلا لو كان ماعندي شغل قاعدة عنده.. وين بروح يعني؟؟



سميرة بحذر شديد: زعلان مني ياوضحى؟؟



وضحى تخفي عنها الحقيقة وهي تجيب بطبيعية مصطنعة: لا طبعا.. وليش يزعل منش؟؟..



سميرة بقلق: ما أدري ليه قلبي ناغزني إنه ممكن يكون شايل مني في قلبه..


يعني أنا كنت السبب في اللي صار له.. وهو بنفسه حساس..


ما أدري وضحى.. ما أدري.. قلبي مهوب مرتاح..



وضحى بتشجيع: لا تصيرين معقدة.. وريحي قلبش.. وفكري في تجهيزات عرسش وبس..



همست سميرة بحياد تختلف عن القلق الرقيق الغامض الذي بدأ يتسرب لقلبها:


يصير خير وضوّح.. يصير خير..








***********************************







" هاه يأبيش تبين شيء من السوق الحرة؟؟"



مزون تلتفت لوالدها وهي تعدل وضع حقيبتها على كتفها وتهمس بمودة: إيه فديتك أبي أشتري شوي هدايا لجميلة..


الأيام اللي طافت في رأسي ألف شغلة عشان عرس كساب ومالحقت أشتري لها شي..



زايد بمودة: خلاص يابيش وتعالي نقي معي بعد هدية لخليفة.. مايصير نجيه يدنا فاضية..



مزون بتساؤل: إلا يبه خليفة ذا وش طينته؟؟



زايد يبتسم: رجّال أجودي وفيه خير.. الله يعينه على دلع جميلة بس..


أنا بنفسي سألت دكتورتها يوم رجعت قبل فترة..


قالت لي إنها مجننته بعصبيتها ودلعها..



مزون تنتهد: والله العظيم جميلة قلبها أبيض وأطيب منها مافيه..


بس المشكلة ما يعرفون يتعاملون معها.. حتى خالتي بنفسها ماكانت تعرف تتعامل معها..







***********************************






لم تستطع مطلقا أن تنام رغم إرهاقها.. بداخلها تغلي غضبا عليه..


تتمنى لو كانت تستطيع أن تعود للدوحة وتتركه هنا ليستمتع هو وحده بشهر العسل هذا الكسّاب المعدوم الذوق!!


هل سبق أن حصلت في التاريخ أن عريسا يترك عروسه في الليلة الثانية من زواجهما ويذهب في عمل؟؟..


وأي شركة هذه التي تبقي أبوابها مفتوحة حتى صلاة الفجر؟؟


بقي هذا الغضب في روحها حتى بعد أن صلت الفجر وهو لم يعد بعد..



كانت تنظر في نفسها في المرآة.. وتتذكر أحاديث النساء اللاتي كن دائما يقلن لها ذات المضمون بعبارات مختلفة:


" أعانك الله على التصاق زوجك بك.. فهو منذ يراك سيعجز عن مفارقتك أو حتى مجرد إغماض عينيه عن حسنك..


زوجك سيلتصق بك التصاق المغناطيس بالحديد.."




كانت تنظر لحسنها الخيالي المنعكس على صفحة المرآة..


شعرها المنسدل على كتفيها أمواج من ليل أسود.. وهو يتناثر على بيجامتها الزهرية ..


وجهها الخالي تماما من المساحيق وفيه من الحسن والجمال ماتعجز عن صنعه كل مساحيق العالم لأنه صنع الله عز وجل.. تباركت قدرته



هاهي تقضي ليلتها الثانية وحيدة بدون وجوده..


كم تمنت في داخلها أن تراه يركع أمام حسنها.. أن تذله قليلا بهذا الحسن..


هذا المتغطرس المغرور الذي لا يعترف بالحدود.. ثم حين يريد يضع كل الحدود..


تريده أن يتمنى نظرة رضى منها فلا تمنحها له.. أن تراه محترقا بالشوق لها واللهفة لرضاها..



بينما على مستوى آخر.. هي غير متعجلة أبدا على قرب هذا الرجل وكسر الحواجز بينها وبينه..


في داخلها خشية طبيعية من هذا القرب.. ومن قرب كسّاب بالذات..


ولكنها تريده أن يتمنى هو هذا القرب ويعاني حتى يصل له..تريده أن يرضي غرورها!!


فكيف تكون هي بكل هذا الجمال الذي كان يُسكر كل من يراه..


بينما زوجها يتجاهلها وفي ليلة زفافها.. بل ويتجاهلها بطريقة غير مفهومة


فلا هو من يصرح بتجاهله.. ولا هو من يقترب.. ولا هو من يبتعد..



وهي غارقة في تفكيرها هذا سمعت صوت الباب يُفتح..


دخل وهو يترنح في مشيته.. انتفضت بعنف وقلبها يقفز خارج ضلوعها!!



"مشيته غير طبيعية.. هل هو مخمور؟؟ "



( آخرتها أنا أتزوج واحد يجيني عقب صلاة الفجر سكران؟؟


هذا شغلك اللي أنت مشغول يا كسّاب؟؟


خلني أتاكد بس إنك سكران والله ما أقعد عندك دقيقة!!)



كاسرة اقتربت منه بخفة.. همس لها بصوت مرهق: السلام عليكم



همست له بحذر وهي تكاد تصفعه: وعليكم السلام..



اقتربت منه أكثر وهي تحاول أن تشتم رائحته.. لا تعرف أبدا ماهي رائحة الخمر.. ولكنها سمعت أنها رائحة كريهة..



لذا انتفضت بجزع وهو يمسك بها من مؤخرة رأسها ثم يدفن أنفها في عنقه


ويهتف لها بنبرة متفجرة بالغضب رغم إرهاقه:


تبين تشمين.. تعالي شمي من قريب..



كاسرة دفعته بيده وهي تهتف بغضب: فكني يالمجنون!!



أفلتها لينهار جالسا على الأريكة وهو يهمس بتهكم مغلف بالإرهاق: وش شميتي؟؟



كاسرة كانت تمسح وجهها بقرف وتهمس بذات القرف: شممتني عرقك يالمقرف..



كساب بذات التهكم: يعني ماشميتي ريحة خمر ولا عطر نسوان؟؟



كاسرة همست بحزم دون أن تنظر ناحيته: ماخطرت ذا الأفكار برأسي..



كساب بغضب: إلا طرت على بالش وأنتي قاعدة تشممين كنش قطوة..


يا بنت الناس أنا لاني براعي خمر ولاني براعي نسوان ولا عمري عرفت شيء منهم..



ثم انحدر صوته بخبث وهو يقف بذات الطريقة المترنحة ليمسح على خدها بنعومة:


ولو أني مشتهي أعرف النوع الثاني..



كاسرة أزالت يده وهمست بغضب: هذا مهوب أسلوب تكلمني فيه..



عاد ليجلس هامسا بحزم مخلوط بالإرهاق: أنا أكلمش مثل ما أبي.. مهوب أنتي اللي تعلميني الأسلوب



حينها سألت كاسرة بنبرة قاطعة حازمة: كساب وين كنت؟؟



كساب يقف ليتوجه للحمام ويهتف بحزم: مهوب شغلش.. وترا بكرة بعد بأطلع وأتوقع ذا السؤال ما يتكرر..



كاسرة حينها هتفت ببرود: دامك كل ليلة تبي تطلع وتخليني.. رجعني للدوحة أحسن..



كساب ببرود: اسمعيني يا بنت الحلال.. برنامجنا من الساعة 10 الصبح للساعة 10 المسا.. طول هالوقت أنا بأكون معش..


بعد كذا مالش شغل فيني..



كاسرة ببرود مشابه: والسالفة بيننا مجرد سالفة برنامج نقضية مع بعض كن حن مسجونين مربوطين ببعض؟؟..



حينها اقترب منها كساب وهمس بتلاعب: طيب وش هي السالفة؟؟



كاسرة تراجعت للخلف وهي تهمس بحزم: أنت شكلك تبي تروح للحمام وأنا عطلتك..



كساب اتجه للحمام وهو مازال يمشي بذات الطريقة المترنحة..


كاسرة غيظها عليه يتصاعد.. قررت أن تنهي الصراع اليوم وتتجه لتنام..



كساب حينما خرج .. وجدها تمددت..


تناول مصحفه ليقرأ ورده الذي لم يستطع قراءته بعد صلاة الفجر..


لأنه صلى في مكان لم يكن به مصحف..


ثم تمدد جوارها بصعوبة آلمه المنتشر على امتداد كل جسده..


كان يشعر أن جسده يشتعل بالألم الفعلي الذي يحاول إلغاءه حتى لا يفكر به..


وبالفعل كان على وشك أن ينام حينما صرخت به كاسرة بجزع: كساب قوم..



كساب بإرهاق: كاسرة نامي.. تعبان أبي أنام..



كاسرة اقتربت منه وهي تهمس بذات الجزع: أقول لك قوم..



كساب جلس وهو يهتف بغضب: نعم.. وش تبين؟؟



كاسرة بقلق: بيجامتك فيها نقط دم.. من وين؟؟



كساب شد الغطاء عليه قليلا وهو يهمس بحزم: كاسرة خلي ذا اليوم يعدي.. ونامي الله يهد عدوش..



كاسرة بغضب مكتوم: خلاص كيفك.. ولو تبي تموت وانت نايم.. تريحنا بعد..



كساب لم يرد عليها وهو يوليها ظهره ويغرق في النوم فعلا


بينما هي كانت تراقب بقع الدم التي بدأت تتسع على ظهر بيجامته ومن أماكن مختلفة..


وهي تشعر بحرقة عميقة غير مفهومة.. (ماذا فعل هذا المجنون بنفسه؟؟)


لم تستطع أن تنم معه على ذا السرير.. وهي مشغولة بالنظر إلى بقع الدم التي اتسعت أكثر وأكثر!!


نهضت ونامت على أريكة في غرفة الجلوس..


قضت وقتا طويلا قبل أن تنام..


تفكر.. مليئة بالهواجس والكثير من الحرقة..


تمنع نفسها أن تنهض لتعود لترى هل غرق في دمائه أو كيف هو حاله..


(ماذا فعل بنفسه هذا المجنون؟؟


من أين أتت كل هذه الدماء؟؟ من أين؟؟)



وأخيرا نامت نوما سيئا مليئا بالأحلام الغريبة!!



وكانت مستغرقة في النوم حين نهض كساب قبلها


وخرج ليتوجه للطبيب ليضع له لاصقات طبية على عشرات الجروح التي غطت نواحي مختلفة من جسده!!


وليعطيه مسكنا ما.. يهدئ الألم قليلا..



حينما عاد توجه للأميرة النائمة..


رغما عنه وبعيدا انتباهها له قضى عدة دقائق يراقبها بصمت وهي مستغرقة في نوم عميق..


كان بوده أن يمد يده ليمسح خدها.. أجفانها الغافية .. شفتيها النديتين..


ولكنه منع نفسه وهو يقهر رغبته العارمة في تحسس بشرتها فقط.. لينتزع نفسه من مراقبتها..


مـا الـجــديــد؟؟


فهو في السنوات الأخيرة كان هذا ديدنه مع نفسه..


سلسلة متواصلة من القهر حتى اعتاده!!..




تنهد وهو يجلس معها على نفس الكنبة..


كاسرة حين شعرت بالثقل الذي التصق بها ..فتحت عينيها بخفة..


لتنهض جالسة وهي تشعر بخجل طبيعي وتتراجع للخلف قليلا..



هتف لها بهدوء: ممكن أعرف ليش قمتي من جنبي؟؟



كاسرة همست بهدوء وهي تعيد شعرها خلف أذنيها: يعني تبيني أقعد لين تغرقني بالدم اللي ما أدري من وين جاي



حينها وقف كساب وهو يهتف لها بسكون: أنا طلبت لنا فطور بيجي الحين.. بأبدل ملابسي.. وبنطلع بعد الفطور


اليوم بنروح بحيرة جنيف.. بنتغدى هناك ونتعشى بعد.. الجولة حولها طويلة وتستاهل يوم كامل..



كاسرة توجهت للحمام.. حين اغتسلت تذكرت أنها نسيت أن تأخذ معها ملابسها..


وحين توجهت لغرفة النوم فوجئت بمنظر كساب الذي كان يبدل ملابسه


وجسده المغطى باللصقات الصغيرة..


لم تعلق مطلقا.. وهي تفتح الخزانة لتتناول من ملابسها التي رتبتها البارحة هناك لتقضي على الملل..


كساب كان مستغربا بالفعل أنها لم تعلق.. بل وكأنها لم تبصره.. وهي تمر من جواره..



حينها اعترض كساب طريقها وهو يشدها ناحيته..


حاولت تحاشي النظر لجسده وهي تنظر لوجهه مباشرة..


أمسك بيدها ووضعها على اللاصقات على صدره.. حاولت شد يدها التي كانت ترتعش رغما عنها.. ولكنه لم يسمح لها


وهو يهتف بتلاعب: يمكن أحيانا ما أحبش تعلقين أو تسألين..


لكن لو ما سألتي بطولة لسانش المعتادة احس فيه شيء مهوب طبيعي..



كاسرة بحزم: سألت البارحة وماجاوبتني.. فمافيه داعي أسأل اليوم..



حينها صدمها أنه أجابها ببساطة: البارحة كنت أتسلق جبل.. الغبي اللي كان رابطني ماثبت الحبل زين..


فلت الحبل شوي.. فصدم جسمي في الجبل من عدة نواحي.. بس الحمدلله ماصار لي إلا شوي ذا الخدوش..



كاسرة من صدمتها مما سمعته لم تستطع قول شيء (أيتركها في أول أيام زواجهما ليتسلق الجبال؟؟)


تشعر أن غضبها الذي لا يتوقف يتزايد أكثر وأكثر منه..



حاولت دفعه عنه ولكنه لم يتركها وهو يمسك بها من عضديها ويهمس بهدوء مقصود:


ليه زعلتي؟؟



كاسرة ببرود محترف: مافيه شيء يزعل..


تتركني أول أيام زواجنا.. وتروح تطامر في روس الجبال.. وفي الليل..


وترجع لي مرضرض وجسمك مقطع.. وكان يمكن تموت بعد لولا ستر ربي..


وتصدق!! تصدق؟!! مافيه شيء من ذا كله يزعل..



حينها نقل كفيه من عضديها لجانبي وجهها وهو يقربها منه أكثر ويهمس بدفء عميق:


خاطري أدري هو زعل.. وإلا عتب؟؟ وإلا خوف علي؟؟



أمسكت بكفيه لتزيلهما عن وجهها لتهمس بحزم يختلف عن ذوبان داخلها:


ولا شيء منها..






*************************************







" ياقلبي..


البارحة كله ما نمتي.. بأروح للدوام وأنتي مابعد نمتي!!"



همست عفراء بإرهاق وهي تسكب له فنجان من القهوة: ليه أنا أزعجتك؟؟



منصور يضع فنجانه جانبا ويمد يده ليمسح خدها بحنو: كنتي يا الله تتحركين ماتبين تزعجيني.. بس أنا كنت حاس فيش..


أنا خلاص ما أقدر أنام إلا على أنفاسش الهادية لا نمتي ورحتي في النوم بين ضلوعي..



عفراء بقلق: متوترة منصور.. أنتظر وصول مزون لجميلة.. عشان تطمني عليها


من عقب اللي صار وأنا أقلى على فرن..



منصور بنبرة عتب: عقب اللي صار.. تقصدين فيه روحتي لجميلة؟؟



عفراء تمد يدها لتحضن كفه وتهمس بحزن: منصور تكفى لا تفتح ذا الموضوع الحين.. اللي فيني من التوتر يكفيني..







********************************







" الحين أنا أبي أدري ليه ذا البكا كله؟؟


ما تبينه خلاص وشو له تبكين؟؟


من البارحة لين اليوم وأنتي تبكين"




جوزاء بين شهقاتها: مجرد التفكير بالرجعة له يذبحني.. أشلون أرجع له؟؟



شعاع باستغراب: لا ترجعين له.. حد غاصبش.. وش ذا الهبال؟؟



جوزاء همست بغضب بين شهقاتها: شعاع اطلعي برا.. خليني بروحي.. لو اشرح لش من اليوم لين السنة الجاية مارح تفهميني..


واللي يعافيش روحي عني بس.. وإذا رجع حسن سبحيه وعشيه..


أحس مافيني حيل أسوي شيء الليلة من كثرة التفكير.. انهديت


هد حيلي الله يهد حيله عبدالله الزفت..



شعاع تنهدت وهي تتناول ملابس لحسن وفوطته من الخزانة ثم تخرج وتغلق الباب وراءها..


لتترك جوزاء جالسة على سريرها ووجهها مدفون بين ركبتيها تنثر دموعها بغزارة..


تشعر بتمزق عميق.. كلما تعمقت في التفكير كلما وجدت أنها تقترب من استحالة العودة لعبدالله.. فهذا هو ماتريده!!


مجرد تفكيرها أنها قد تعود زوجة له يجعل روحها تنزفا حزنا ودموعا لا يتوقفان..



رنين هاتفها انتزعها من دموعها ..كان هو المتصل.. ردت عليه وقرار مرعب يتكون في داخلها..


حين ردت أجابها باستعجال: أم حسن أنا برا.. خلي وحدة من الخدامات تطلع تأخذ حسن..



همست بنبرة ميتة: عبدالله أنا موافقة عليك..



عبدالله شعر بسعادة محلقة تتفجر بروحه ولكنه حاول ألا يضغط عليها


رغم أنه كره ما سيقوله.. فآخر مايريده هو أن تفكر أكثر:


مهوب كنش مستعجلة.. فكري شوي



جوزاء بذات النبرة الميتة: عبدالله أنا لو فكرت لين بكرة بس.. مستحيل أتزوجك



عبدالله أكثر حرصا منها على ألا تغير رأيها .. و همس بحزم وهو ينهي الاتصال: خلاص أنا بأنزل أكلم عبدالرحمن الحين..



جوزاء ألقت هاتفها جوارها وانخرطت في بكاء هستيري مر وهي تصرخ: أكرهك.. أكرهك



.


.



بعد دقيقة


عبدالله يدخل للمجلس... ويسعده الحظ أنه لم يكن في المجلس سوى عبدالرحمن الذي كان مستغرقا في مشاهدة الأخبار..



حين دخل عليه عبدالله كتم صوت التلفاز وهو يقف مرحبا بعبدالله..


حينما جلسا .. وبعد التحية والسلامات.. شد عبدالله نفسا عميقا ثم هتف لعبدالرحمن بحزم:


اسمعني يأبو فاضل.. ما يجهلك أني طلبت من عمي أبو عبدالرحمن أرجع أم حسن وهو ردني..


والله العظيم يأخيك أني ما أرخصتها.. وان غلاها عندي داخل بين اللحم والعظم..


وإني ماحدني على طلاقها إلا أني حنيتها من اللي بيصير عقب


مالي ذنب إن خبر الطلاق ما وصلكم وأنها حادت.. هذا شيء ربي كتبه


وأنا والله ثم والله يالسنين اللي قعدتها في أمريكا أني شفت فيها الشين كله


لكن والله ياخيك ثم والله أني ماسويت شيء لحق الدين والشرف


لكن هو شيء ربك كتبه وكان يختبرني فيه.. وأنا أشهد أني تعذبت عذاب ماشافه بشر..


مايحق لي عقب ذا السنين أجتمع أنا ومرتي وولدي؟؟..


أدري أنكم كلكم شايلين في خطركم علي.. أنا أبي أعوض على جوزا كل شيء هي شافته..



عبدالرحمن بنبرة مقصودة يتخللها بعض غضب: يمكنها ماتبي العوض.. واللي أنت سويته فيها ماله عوض..



عبدالله بذات النبرة الحازمة: أم حسن الحين ماتبي تعرس عشان ولدها..


هل هو حق أن شبابها كله يضيع؟؟..


أنا والله ما أقهرها على ولدها ولا أخذه منه..


بس أنت رجّال فاهم ومثقف.. وأنا وهي بيننا طفل..


بكرة بيكبر ويسأل ليه مهوب مع أمه وأبيه مثل باقي بزارين خلق الله..



حينها بدأ قلب عبدالرحمن يؤلمه.. فهو هنا ما يهمه حسن كطفل ليس مسؤولا عن أخطاء والديه ولكنه يستحق الافضل..


عبدالرحمن بحزم: زين أنت وش اللي أنت تبيه الحين؟؟



عبدالله بنبرة قاطعة: أبي أرجع أم حسن ونربي ولدنا بيننا..


وأبيك أنت تكون وسيطي عند أبو عبدالرحمن.. لأني مستحيل أكلمه عقب الكلام اللي هو قاله لي


واسأل أنت أم حسن وخذ رأيها!!








*************************************







طوال جولتهما حول بحيرة جنيف.. وكساب يشبك ذراعها في ذراعه


بينما هي كانت تتحاشى بفشل ذريع أن يلتصق جنبها بجنبه ولا تعلم السبب


هل لأنها تخشى قربه؟؟


أم لأنه تخشى إيلامه وهي تعلم أن تحت قميصه عشرات الجروح؟؟



كساب وكأن الأمر لا يهمه: أبي أدري أنتي ليه متضايقة أني دخلت ذراعش في ذراعي؟؟



كاسرة بهدوء: مهوب متضايقة.. بس خايفة أكون آجعتك وانت فيك إصابات ولا أصابات الحروب..


عدا أني بصراحة ماني بمرتاحة لطلعتنا وأنت تعبان أصلا.. وقلت قبل نطلع بلاها اليوم بس أنت لزمت..


خلاص خلنا نرجع..



كساب بسخرية: أنتي من جدش.. قال إصابات حروب.. بلاش ماشفتي إصابات الحروب أشلون؟؟


يا بنت الحلال والله العظيم أني ماني بحاس بشيء.. كنت مستوجع شوي الصبح بس الحين خلاص تمام..


تعالي خلينا نقعد نشرب لنا قهوة..



بعد أن جلسا..


همست كاسرة بهدوء: كساب لو سمحت ممكن أكلم أمي شوي في تلفونك


تلفوني فضا شحنه..



كساب ناولها هاتفه بعفوية.. لكنها لاحظت أيضا أنه شد على هاتفه الآخر ثم أخفاه في جيب جاكيته الداخلي..



همست كاسرة بتحكم به نبرة ساخرة: ترا ماني بخاطفة تلفونك من يدك.. ليه خايف عليه كذا؟؟


والغريب إنه اليومين اللذي قضيتهم معك ما أشوفك تكلم إلا في التلفون هذا


ومع كذا أنت حريص على التلفون اللي ما تكلم فيه أكثر من التلفون اللي تستخدمه..


لدرجة إنك تدخله معك الحمام!!



حينها رفع كساب حاجيا وأرخى الآخر وهتف بتهكم واثق:


ماشاء الله مراقبة تحركاتي بدقة...



كاسرة بثقة: شيء حتى الأعمى يلاحظه.. وأنا ماني بعمياء..



كساب بثقة مشابهة: أدري منتي بعمياء بس غيورة..



كاسرة باستنكار: نعم؟؟ غيورة؟؟ شكلك تتحلم..



كساب استرخى في جلسته وسألها بحزم: قولي لي.. أخوانش امهاب وحتى تميم كم جوال عند كل واحد منهم؟؟



كاسرة أجابته بثقة: عند كل واحد منهم تلفونين.. واحد لهله وربعه والثاني لشغله..


لكن أنت حتى لو كلمك مدير مكتبك يكلمك على تلفونك هذا (قالتها وهي تشير للهاتف في يدها)


والتلفون الثاني ساكت ماتستخدمه.. إلا لو كنت تكلم فيه وأنا ما أشوفك..


(همست العبارة الأخيرة بنبرة مقصودة وهي ترص عليها)



كساب بدون اهتمام: وش اللي يريحيش غيورة هانم.. أقول أني أغازل فيه عشان ترتاحين؟!!



كاسرة بغضب: كسّاب احترمني لو سمحت.. هذا مهوب كلام يقوله رجّال لمرته..



كساب حينها مال عبر الطاولة ليهتف لها بحزم بالغ:


يا بنت الناس أنا ماني براعي خرابيط ولا عندي وقت لها أساسا..


وغير كذا ماعندي.. والشيء اللي مالش خص فيه لا تسألين عنه..


وكلمي أمش وخلصينا لأني أبي أكلم خالتي..







**************************************








" أم حسن أقدر أدخل؟؟"



جوزاء تعتدل عن سريرها وهي تمسح وجهها وتهمس بذبول: تعال عبدالرحمن فديتك..



عبدالرحمن جلس جوارها بينما كانت هي تتحاشى النظر له حتى لا يلاحظ احمرار وجهها وذبول أجفانها


هتف لها عبدالرحمن بهدوء حازم: جوزا عبدالله رجع وخطبش..


أنتي تدرين إن إبي رفضه .. بس لو أنتي موافقة عليه.. خلي إبي علي..



جوزاء صمتت.. لم تستطع أن تقول شيئا ..


هل تقول له أنا موافقة أن تذبحني؟؟ أنا موافقة أن أعود إلى سجاني؟؟


أنا موافقة أن أعيش أسيرة لأكثر مخلوق أكرهه في العالم؟؟



عبدالرحمن استحثها للرد عليه رغم أنه في داخله يتمزق بين رغبته أن توافق من أجل حسن وأن ترفض من أجل نفسها:


هاه يأم حسن؟؟ ماتبينه ترا مافيه شيء يجبرش.. هو لزم أني إسألش.. وحقش إسألش..


وتراش طول عمرش المبداة على خلق الله.. وبتقعدين طول عمرش معززة أنتي وولدش في بيتنا..



جوزاء همست بمرارة وعبارتها تتقطع كتقطع روحها:


موافقة عليه.. مهما كان هذا إب ولدي.. وحسن يستحق يتربى بين أمه وأبيه..



عبدالرحمن احتضن كتفيها بخفة وهو يقبل رأسها ويهتف بحزم:


يمكن أني في داخلي أبي أكفخ عبدالله لين أقول بس..


بس اللي سويتيه عين العقل..حسن ماله ذنب يتقطع بين أم وأب مطلقين..



عبدالرحمن غادرها لتنهار باكية على سريرها فور أن أغلق الباب.. بينما توجه هو للمرحلة الثانية.. إلى والده!!





توجه لغرفة والده الذي كان عائدا للتو.. طرق الباب ليدخل عليه..


بينما كانت والدته في غرفة شعاع تحاول تنويم حسن الذي أتعب شعاع..



هتف والده بمودة عميقة: تعال يأبيك؟؟



عبدالرحمن دخل ليقبل رأس والده ثم يجلس جواره وهو يهتف بحذر:


يبه أبي أكلمك في موضوع.. بس أوعدني ماتعصب لين أخلص كلامي..



أبو عبدالرحمن بمودة: أفا عليك يأبيك.. أعصب عليك.. قول اللي تبي!!



عبدالرحمن بهدوء: الحين يبه أكيد أنت أكثر شيء يهمك مصلحة جوزا وولدها..



أبو عبدالرحمن بتلقائية: أكيد مافيه شك!!



عبدالرحمن بحذر: ومصلحة الولد إن إبيه يربيه..



حينها وقف أبو عبدالرحمن وهتف بغضب: ليه أنا قصرت في حقها وإلا حق ولدها.. عشان ترجع للكلب اللي أرخصها..



عبدالرحمن شد والده برفق وهتف بهدوء عميق: يبه فديتك وش ذا الحكي.. الرجّال ذا اللي أنت تسبه بيصير خال عيالي..



أبو عبدالرحمن يفرك يديه ويهتف بغضب مكتوم: أصلا والله لو أني داري بذا كله.. إن الله ما يكتب إنك تأخذ بنتكم..


محشوم أبو صالح رجال من خيرة الرجال.. بس عبدالله مهوب كفو يكون خال عيالك..



عبدالرحمن يبتسم وهو يمسك كف والده: يبه الله يهداك لا تخلي زعلك يخليك تغلط بالحكي.. آل ليث نسبهم يشرف..


وعبدالله ترا ماحده على ذا الا شيء كايد.. وأنت عارفه رجال فيه خير..



أبو عبدالرحمن بذات الغضب: إلا كنت مغشوش فيه..



عبدالرحمن بهدوء عميق وهو يميل على كتف والده ليقبله: يبه أنت وش يهمك الا مصلحة جوزا وولدها..


وجوزا عادها صغيرة.. ولو مارجعت لعبدالله صدقني ماراح تأخذ غيره عشان ولدها..



أبو عبدالرحمن بغضبه المكتوم: أحسن.. جعلها ماتأخذ غيره.. أجل يسوي في بنتي كذا وعقبه يرجعها..



عبدالرحمن برجاء: يبه جوزا موافقة عليه.. خله يرجع مرته ويضم ولده..



أبو عبدالرحمن حينها انفجر بغضب: تخسى وتهبى.. ليه أنا مانا بضام بنتي وولدها..يدورون حد يضمهم..



عبدالرحمن وقف وهو يقبل رأس ولده وكتفه ويده ويهتف باحترام ودود:


يبه الله يهداك أنت ليه تبي تعسر السالفة وهي بسيطة..



حينها هتف أبو عبدالرحمن كأنه يكلم نفسه : أعسر السالفة!!


ثم أردف بنبرة قاطعة حازمة: خلاص يبي يرجعها يجيب لي جاهة يخطبونها من مجلسي..



عبدالرحمن بارتياح: زين هذي بسيطة..



أبو عبدالرحمن بنبرة مقصودة: مابعد قلت لك من الجاهة..


أبي رووس القبايل الكبيرة اللي قطر كلهم يجون في الجاهة..



عبدالرحمن بصدمة: يبه الله يهداك كذا عسرتها واجد.. بيجيب لك رووس قبيلتنا كفاية..



أبو عبدالرحمن بحزم: لا.. كل رووس القبايل الكبيرة..



عبدالرحمن برجاء: يبه وين يجمعهم لك.. حن الحين في إجازة الصيف وفيهم اللي مسافر.. وفيهم اللي مشغول..



أبو عبدالرحمن بحزم بالغ: مابه عجلة.. يجمعهم على راحته..


وعلى قد سواته الشينة في بنتي.. لازم يكبر قدرها.. وتكون جاهتها..


وأنا أبد.. وعد علي.. إنه اليوم اللي بيجيبهم.. عشاهم عندي..


وذاك الليلة دخلته.. وهم شهود ملكته.. كلها في ليلة وحدة..







*************************************







" خليفة شكلي حلو؟؟"



خليفة ينظر لها ويبتسم: تيننين.. قمر..



جميلة همست بتوتر وهي تعيد لف حجابها على رأسها وتحكم تقريبه من وجهها:


صار لي شهر ونص ماشفتهم.. أبيهم يشوفون أني تحسنت..



خليفة بحنان: وأنتي تحسنتي وايد..



جميلة تنظر لعروق يديها البارزتين وتهمس بألم: وين تحسنت؟



خليفة يهمس بها بنبرة مساندة: أنتي الحين عارفة أنج على أول الطريج..


لأنج قبل كله تقولين أنا دبة.. الحين صرتي عارفة إنج أي شيء إلا دبة..


وصرتي عارفة إن النحافة هذي تضرج..


وبعدين وين أنتي عن أول.. أول ماكنتي تقدرين تقومين.. الحين صرتي تمشين بروحج..



جميلة تنظر لساعتها وتهمس بتوتر: كنهم تأخروا..



خليفة يقف لينظر مع النافذة ويهتف بهدوء: توه كلمني عمي زايد.. كاهم على وصول



بعد دقائق يرتفع صوت دقات هادئة على الباب..


جميلة تشد على يد خليفة بصورة تلقائية آلمت قلب خليفة وهو يربت على كفها


ويهتف بحنان: شكلهم وصلوا.. خليني أطلع تاخذين راحتج مع بنت خالتج.. وأنا أسلم على عمي زايد



خليفة فتح الباب ليجد زايدا وابنته يقفان جانبا.. خليفة خرج.. بينما مزون دخلت وأغلقت الباب خلفها..


ظلت واقفة قريبا من الباب لعدة ثوان وهي تنظر لجميلة بلهفة وسعادة وهي ترى تحسنها الواضح..


بينما كانت عينا جميلة قد امتلئتا بالدموع وهي ترى مزون تنتزع نقابها وتقترب منها..


كانت تنظر له بتمعن مترع بالشجن والحنين والشوق وكأنها تشتم عبق رائحة والدتها يعطر الأجواء..


مزون اقتربت أكثر وهي تقول بصوت حنون مختنق: والله وأحلوينا وتختنا ماشاء الله..



جميلة وقفت على قدميها وارتمت في حضن مزون وهي تنتحب بعمق..


مزون احتضنتها بحنان وهي تهمس بقلق حنون: جميلة وش فيش؟؟ ليه ذا البكا كله؟؟ متضايقة من شيء؟؟



جميلة ترفع رأسها عن كتف مزون وتهمس باختناق: لا والله بس اشتقت لكم..


اشتقت لـ..



ثم بترت عبارتها بيأس ..بينما كانت مزون تشدها لتجلسان كلاهما على الأريكة


وهي تهمس بذات النبرة الحنونة:واحنا اشتقنا لش أكثر..


ثم أردفت بابتسامة مرحة حنونة: وكل محلات المكياج في الدوحة مشتاقة لش..


يقولون وين زبونتنا اللي كانت ممشية ميزانية المحلات؟!!



جميلة همست بحزن: الله يرحم أيام المكياج.. وش المكياج اللي بينحط على وجه مثل وجهي..



مزون تمسح خد جميلة بحنو: إذا ذا الوجه الحلو ما يتزين.. ما للزينة عازة..


وعلى العموم أنا أصلا ماخليت في السوق الحرة روج ولا غلوس ولا بودرة


كلها جبتها لش..



جميلة تشد على كف مزون وتهمس بشجن: بشريني منكم أنتم..


أشلونكم كلكم.. أشلون هل الدوحة.. أشلون أخوانش؟؟


أشلون البنات اللي هناك كلهم؟؟ أشلون؟؟ أشلون؟؟ أشلونكم كلكم؟؟



مزون كانت على وشك أن تقول (وليه ما تسألين عن اللي تبي تسألين عنها فعلا بدون لف ودوران) ولكنها ردت عليها برقة:


هل الدوحة كلهم طيبين ويسلمون عليش... وصديقاتش يوم دروا أني بجي أرسلوا معي أغراض لش..



جميلة بحزن: كثر الله خيرهم.. وش أغراضه.. ما أبي إلا أنهم يتصلون فيني ويسمعوني أصواتهم..


ثم أردفت بلهفة: وين عمي زايد؟؟ أبي اشوفه..



مزون تهمس بحنان: أكيد مع خليفة وبيجي الحين..



.


.



في صالة الانتظار في الخارج



زايد يجلس مع خليفة يسأله عن أخباره: عسى بس منت بضايق يأبيك من القعدة هنا؟؟



خليفة باحترام: لا طال عمرك.. ماشي الحال..


أبوي وأخواني يكلموني دايم...



زايد بمودة: توني شفت أبيك وأخوانك في عرس كسّاب.. طيبين وبخير ويسلمون عليك..


واسمعيني يأبيك زين.. أنا أدري إن علاج جميلة مطول.. ترا متى ماحبيت ترجع للدوحة تشوف هلك


كلمني بس وأجي أنا وبنتي هنا ونقعد عندها لين ترجع..



خليفة برفض: يا علك سالم..


أنا باقعد مع جميلة لين أرد أنها وياها الدوحة سوا مثل ماطلعنا منها سوا..


ماراح أتركها لو حتى يوم واحد...


وأبوي وأخواني هم اللي بيوون يزوروني..



زايد بمودة عميقة: جعل جميلة ما تبكيك..


أنا بأقوم أسلم عليها ثم بأطلع أنا وإياك للفندق...


بنتي هي اللي بتنام عندها الليلة وأنت الليلة خويي...







*******************************






" عبدالله وش فيك؟؟"



عبدالله يلتفت لصالح ويهتف بسكون: رجعت وخطبت أم حسن



صالح بابتسامة: خير وبركة..



عبدالله بذات النبرة الساكنة: بس ماتدري وش طلب أبو عبدالرحمن


يقول يبي جاهة من كل رووس القبايل الكبيرة اللي في قطر..


وين أقدر أجيبهم ذولا كلهم..



صالح بمودة: لا تشيل هم.. هي صحيح صعبة بس مهيب مستحيلة..


بأكلم لك إبي.. إبي يعرف أكثرهم ويعزونه ويحترمونه..


يعني إن شاء الله ماراح يقصرون.. واللي يعرفهم بيكلمون اللي مايعرفهم..



عبدالله بقلق: لين يتجمعون كلهم.. أخاف تطول السالفة..



صالح يغمز بعينه: خلها تطول.. وش أنت مستعجل عليه؟؟



عبدالله بغضب: تدري إنك متفرغ يأبو خالد.. وأحر ماعندي أبرد ماعندك..







************************************






حينما أنهيا جولتهما


عادا لجناحهما.. صليا العشاء.. ثم غير كساب ملابسه بسرعة استعدادا للخروج


كاسرة همست بهدوء: كساب من جدك تبي تطلع وانت كذا؟..



كساب يشد رباط حذائه الرياضي ويهتف بحزم: قلت لش مافيني شيء..



كاسرة بحزم مشابه: كساب أنا ما أحاول أني أتدخل في هوايتك الغريبة اللي نطت في رأسك وفي شهر العسل


بس أنت اليوم تعبان.. اقعد اليوم وروح بكرة..



كساب وقف وهو يهتف بثقة: أصلا الدورة كلها 3 أيام.. وبكرة آخر يوم..واحنا بعد يومين طالعين لوزان..


وعقبها خلاص مافيه شيء يشغلني غيرش..



كاسرة بثقة: وليه أنا أشغلتك الحين عشان أشغلك عقب؟؟.. عليك بالعافية تسلق الجبال..



كساب يستعد للخروج وهو يبتسم ويهمس بتلاعب ساخر:


أموت في الثقيل ياناس..






************************************







" مزون... أمـ ... أمــ... أمي أشلونها؟؟


عسى الحمل مهوب متعبها؟؟"



مزون تنظر لجميلة التي كانت تنظر لكفيها المتشابكين في حضنها وتهمس بحنان:


وأخيرا نطقتي بالدرة اللي من يوم شفتيني وأنتي تحومين حواليها..


أمش الحمل متعبها... بس أنتي متعبتها أكثر شيء..


تدرين جميلة.. أمي ماتت وعمري خمس سنين.. أذكرها.. وأذكر حنانها.. واذكر أيام مرضها الأخيرة...


بس لاجيت أبي أتذكر وجهها ماأشوف وجه غير وجه خالتي عفرا..



حينها انفجرت جميلة بالبكاء العميق الخافت والمكتوم وكأنها تنزف شهقاته من عمق روحها.. مزون قفزت لتجلس جوارها ولتحتضنها بكل حنان..


جميلة ألقت بنفسها في حضن مزون وهي تشهق: اشتقت لها.. والله العظيم اشتقت لها..



مزون تربت على ظهر جميلة وتهمس بحنان: ويوم نشتاق لأحد حتى تلفوناته ماعاد نرد عليها..



جميلة تنتحب بوجيعة: مالي وجه أرد عليها عقب اللي قلته لها آخر مكالمة.. مالي وجه.


آجعتها واجد بالحكي يامزون.. وخبصت.. ماأدري أشلون قلت لها كذا..


بس والله من غلاها عندي اللي ماحد يشاركها فيه.. مابغيت حد يشاركني غلاي..



مزون تربت على ظهرها بحنان أكبر: وانتي غلاش مايشاركش فيه حد



جميلة مازالت تنتحب وهي تشدد احتضان مزون: اشتقت لها.. باموت أبي أسمع صوتها بس..



مزون بحذر رقيق: خلاص خلينا نكلمها الحين...






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 23-09-10 07:00 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني و الأربعون
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح الخير وكل الخير يا أهل الخير


جعل الخير دوم في دربكم وممشاكم


.


فيه ناس أنا فاقدة وقع خطواتهم الدافية حولنا..


إن شاء الله أنهم بخير وهذا أهم شيء ..الله يحفظهم وين ماكانوا


والله لا يحرمني منكم جميع ولا من تواصل مشاعركم الأدفأ


.


البارت اللي فات



اللي قالوا أشلون عبدالله بيطلب من أبوه طلب جاهة جوزا


أقول لهم أنا حليتها من البارت اللي فات


صالح قال هو اللي بيكلمه لأنه عارف إن الحوار بين أبوه وعبدالله مقطوع


.


مصدر الجدل الأكبر البارت اللي فات


إنه كساب أخذ الدورة عشان يهرب من تأثير فتنة كاسرة عليه؟؟


مثل ماصار مع عبدالله وجواهر في بعد الغياب..


لهالغوالي أقولا لا... لسبب بسيط بعض الغوالي قالوه


أني ما أحب أعيد نفس فكرة جبتها بحذايرها


يعني قد يحدث تشابه غير مقصود بين رواياتي لأنها تصدر عن قلم واحد


عدا أنه حتى في الحياة تتشابه المواقف بين ناس وناس..


لكن تشابه مقصود وفي موقف مهم.. لا لن يحدث إن شاء الله..


السبب الثاني وهو الرئيسي إنه ذهابه للدورة كان له سبب ضروري بس بتعرفونه بعدين


وعلى العموم خلكم مع الأحداث لأنه جزء اليوم بيكشف لكم من تصرفات كساب إنه مايهرب منها


لكن له مخططات أخرى!!


.


الغوالي اللي طالبين تقديم البارت شوي وعودته بعد الفجر


لهالغوالي أقول كان بودي لأنه الوقت مافيه مشكلة عندي


لكن اللي صار أني صرت أسمع شكاوي من الأمهات إنه البنات بدل مايتجهزون


ويلبسون ويتريقون عشان يروحون المدارس..


يكونون قاعدين على الكمبيوترات وأمهاتهم يسحبونهم..


يعني البارت موجود من الصبح إن شاء الله.. اللي هالوقت فاضي يقراه


واللي عنده شغل يقراه لا صار عنده وقت فراغ يقراه


وسامحوني.. على عيني أني أردكم.. مثلكم ماينرد..


.


.


إليكم الجزء الثاني والأربعون


وموعدنا الجاي الأحد نفس الوقت الساعة 8 صباحا..


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والأربعون






" عفرا حبيتي تعالي الله يهداش.. وش تسوين تالي ذا الليل؟؟ "



عفراء برقة: بس أجهز لبسك حق الدوام بكرة.. دقيقة واخلص..



منصور بمودة: الله لا يخليني منش يالغالية.. تعالي أبي أشوفش قدامي وبس..


ملابسي بأخذها بنفسي.. سنين وأنا أطلعها بروحي.. والحين خربتيني بالدلع..



عفراء تتجه ناحيته وهي تبتسم: هذا أنا خلصت.. أنت فاجأتني بتغيير زامك.. وإلا كان رتبتها قبل تجي..


وبعدين اللي قبل وأنت عزابي مالي شغل فيه.. والله ماتمد يدك في شيء وانا موجودة..


ولو أني المفروض أزعل.. يعني بكرة كان إجازتك.. ويطلع لك دوام..



كانت قد وصلت منصور وجلست جواره مع إنهاءها لعبارتها..


منصور احتضن كتفيها بحنان وهو يقبل رأسها ويهمس بهدوء:


واحد من الربع جا له ولد الليلة عقب ست بنات.. ما تتخيلين أشلون مبسوط


تخيلي قده جد.. بنته الكبيرة توها جايبة ولد..


وهو كان عنده زام بكرة..فقلت له بأخذ زامه.. وهو بيأخذ زامي عقب..



وهما مستغرقان في الحديث.. رن هاتف عفراء.. عفراء همست باستغراب وهي تتناول هاتفها: من اللي بيدق ذا الحزة..


ثم أردفت بشهقة موجوعة: منصور.. رقم جميلة..



ابتسم منصور بفخامة وهو يشد على كفها: ردي حبيبتي..



عفراء شدت لها نفسا عميقا وردت بحذر: هلا..



جاءها صوت مزون الحنون: هلا والله بالغالية..



عفراء لا تنكر أنها شعرت بخيبة أمل أن جميلة لم تتصل بها ومع ذلك ردت بمودة حقيقية: هلا والله باللي الدوحة مافيها نور عقبها..



مزون برقة: دامش فيها.. فنورها فيه..


خالتي فيه عندي ناس مشتاقين لش ويبون يكلمونش..بس مستحين منش..



حينها شعرت عفراء بثقل كبير في قلبها وهي تهمس باختناق: صدق تبي تكلمني..؟؟



مزون اختنق صوتها وهي تشتم في صوت خالتها أنها توشك على البكاء:


والله العظيم إنها مشتاقة لش وتبي تكلمش..



حينها ناولت مزون جميلة الهاتف.. جميلة تناولته بيد مرتعشة وهي تهمس فيه باختناق: ألو..



عفراء همست بحنان عميق: هلا والله أني صادقة.. كذا تسوين في أمش يا جميلة؟!



حينها انفجرت جميلة باكية وهي تشهق: يمه سامحيني .. سامحيني..



عفراء ردت عليها بصوت مختنق ودموعها بدأت تنسكب بغزارة وهي تمنع نفسها أن تنفجر باكية حتى لا تزيدها على جميلة:


يأمش مازعلت عليش عشان أسامحش..



جميلة بين شهقاتها: إلا غلطت عليش واجد.. واكيد أنش زعلتي علي..



عفراء بحنان عميق وتأثر أعمق: والله العظيم ماني بزعلانة..


بشريني أنتي منش.. أشلون صحتش الحين؟؟



جميلة تحاول تهدئة نفسها: الحمدلله أحسن بواجد.. وزني صار 34 الحين ويزيد شوي شوي..



عفراء بسعادة حقيقية: الحمدلله يأمش.. الله يتم عليش عافيته



جميلة بخجل: وأنتي يمه.. عسى منتي بتعبانة من الحمل؟؟



عفراء بحنان: أنا يأمش زينة الحمدلله.. ويوم سمعت صوتش همي كله راح..



منصور يهمس لعفراء بحزم: عفرا عطيني إياها أكلمها..



عفراء بجزع تشير له لا.. فهي مازالت لم تفرح برضاها عليها..


فلماذا يستكثر عليها هذا الفرح؟؟..لماذا يريد انتزاعه منها بسرعة؟؟..



منصور همس لها بذات الحزم: طيب إسأليها قبل.. قولي عمش منصور يبي يكلمش..



عفراء همست باختناق وهي لا تريد أن تقول لها ذلك ولكنها تقوله مجبرة:


يأمش.. عمش منصور يبي يكلمش.. تكلمينه؟؟



كانت صدمة عفراء بالغة أنها أجابتها بهدوء: إيه بأكلمه..



عفراء أعطت منصور الهاتف بتردد.. منصور هتف بحزم ودود: أشلونش يأبيش؟؟



جميلة همست بخجل: طيبة ياعمي.. أشلونك أنت؟؟



منصور بفخامة: أنا طيب.. ما ننشد إلا منش..



جميلة بذات النبرة الخجولة: سامحيي ماواجهتك زين يوم جيتني المرة اللي فاتت


الله يكبر قدرك.. ومشكور على الجية..



منصور بثقة: العفو يأبيش.. واوعدش بس أول ماتقدر أمش تركب الطيارة أجيبها لش..



حينها همست جميلة بحزن لأنها تعلم أن ذلك يعني شهرين على الاقل: الله لا يهينك..


ثم أردفت برجاء: طالبتك عمي.. تحط بالك على أمي.. تراها حتى لو تعبت والله ماتبين لك..



منصور يمد يده ليحتضن عفراء بيد وهو يمسك الهاتف بيده الحرة ويهتف بابتسامة:


كنش دارية.. بس لا تحاتينها تراها في عيوني..


المهم أنش تشالين بسرعة وترجعين لنا..


ويالله يأبيش ..هاش أمش هذي هي قاعدة تحرقص.. تبيش..



منصور أعاد الهاتف لعفراء التي استغرقت في حوار طويل سعيد مع جميلة


بينما كان منصور مكتفيا ومستمتعا بمراقبة تعبيرات وجهها السعيدة..






***********************************







" وش فيك يأبيك مارقدت؟؟


شيء مضايقك؟؟"



خليفة يضع الكتاب الذي كان يقرأه جانبا وهو ينظر الذي لزايد الذي مازال وجهه مبلولا من أثر الوضوء..



خليفة رد بأريحية: إلا أنت ياعمي ليش مانمت.. لا يكون المكان ماريحك؟؟



زايد بمودة فخمة: لا يابيك.. أنا عشانك جيت أرقد هنا في شقتك..


وكنت راقد أصلا بس قمت الحين أصلي التهجد


شفت ليت الصالة والع جيت بأشوف من.. ولقيتك..


عسى ماشر..؟؟



خليفة يبتسم: مافيه شيء.. أخاف أقول لك تضحك علي..



زايد يبتسم بأبوية: قول وش عندك؟؟



خليفة بشفافية: تعودت ما انام لين أشوف جميلة.. والليلة ماشفتها..



زايد بابتسامة شاسعة: الله لا يخليها منك... خلاص بكرة أخذ بنتي ونرجع..



خليفة بحرج جازع: لا عمي والله ماقصدت... تبي جميلة تزعل.. ماصدقت تشوفكم..



.


.



في المصحة..




" ماشاء الله وجهش منوّر من عقب المكالمة مع إنها خلصت من زمان


بس أثرها موجود !!"



جميلة تحتضن ذراع مزون وتسند رأسها لعضدها وهي تهمس بفرحة طفولية:


ما تتخيلين أشلون كنت ضايقة الأيام اللي فاتت.. الحين هم وانزاح..



مزون بمودة: يعني الخاطر مافيه شيء خلاص...



حينها أفلتت جميلة ذراع مزون وهي تبتعد قليلا وتمسح وجهها وتهمس بنبرة حزن:


ما أقدر أكذب عليش وأقول أني داخلي ماني بمتأثرة..


بس على قولت خليفة إذا هي قبلت زواجي اللي أنا فرضته عليها وماعارضته مع إنها هي اللي أمي


فأشلون أعارض أنا زواجها.. مهما كان تفكيري أنا.. هذا حقها هي.. ومالي حق أمنعها منه..


أمي عادها صغيرة من حقها يكون لها زوج وأطفال حتى لو كان ذا الشيء يجرحني من الداخل..



مزون تمسح شعر جميلة وتهمس بحنان: ماشاء الله صرنا نقول درر.. شكلها بركات العم خليفة..



جميلة ابتسمت بحزن: خليفة مافيه مثله أبد.. بس أنا اللي مخي يبي له سمكرة..


ثم أردفت وهي تحاول ابعاد هذه الفكرة عن بالها:


إلا قولي لي.. عمش حاط أمي في عيونه وإلا لا؟؟



مزون بمودة صافية: الله لا يغير عليهم... عمي يموت عليها من قلب ماشاء الله..



جميلة بابتسامة: فديت أمي.. ليه هو يلقى حد مثل أمي وحلاوة أمي وطيبة أمي وسنع أمي في كل شيء...



مزون تضحك: يه يه يه... معلقة المدح هذي كلها في أمش..



حينها ضحكت جميلة بعذوبة: وعمش بعد يستحق معلقة مدح..


تذكرين مزون وأنا صغيرة أني كنت أخق من قلب على شكله في البدلة العسكرية..


لا وكان إذا ناداني أسلم عليه... خاطري أقول له ممكن أحبك مرة ثانية من كثر ماكانت ريحته حلوة...



مزون تضحك: هذا هو صار ابيش... حبيه على كيفش..



حينها انطفئت ابتسامة جميلة وهي تهمس بنبرة أقرب للذبول:


ياكثر ما تمنيت يكون عندي أب.. بس الحين خلاص كبرت على ذا الحلم..



مزون تحتضن كتفي جميلة بحنان وهي تهمس بحنان مشابه:


عمر الإنسان مايكبر على إنه يكون عنده أب..






************************************






الليلة الثالثة التي تقضيها وحيدة.. تعبت من التفكير..


كانت تريد أن تنام ولا تشغل بالها بالتفكير في أي شيء ولكنها لم تستطع..


هاهي بعد صلاة الفجر ومازالت جالسة في انتظاره وتفكر..



هل يُحكم عليها أن تكون حياتها معه هكذا؟؟


أن يقدم هواياته وجنونه عليها؟؟ أن تكون هي في مرحلة تالية أقل أهمية؟؟


كانت تسمع أن الزوج يكون في قمة اهتمامه بزوجته في الأيام الأولى لزواجهما..


فإذا كان هو هكذا في هذه الأيام.. فكيف سيكون حينما تمر الأشهر أو حتى السنوات.. قد يتناسى وجودها مطلقا!!


وهي ليست أي امرأة حتى يتم تناسيها.. هي كاسرة.. كاسرة!!




" نصاب.. نــــصــــاب..


كلها حركات نصب بس على مستوى!!


يبي يبين إنه مهوب مهتم فيني.. مع أني عارفة أنه بيموت علي


يعني هو كان يحصل وحدة مثلي هو ووجهه


تلاقينه في قلبه يحمد ربه في اليوم ألف مرة!! "



ككل مرة يأخذها تفكيرها إليه.. تنظر لنفسها في المرآة..


تتأكد من سحر فتنتها..الذي كان بالغا مداه في رداء نوم أسود.. لا تعلم هل اختارته بعفوية أو عن تقصد!!



وهي تنظر لنفسها.. دخل عليها وهي مازالت جالسة أمام المرآة..


هتف بابتسامة مقصودة:


ماتملين من القعدة قدام المراية..


هذا كله حب لروحش.. وإلا غرور بنفسش؟؟



أجابته بهدوء ودون أن تتحرك وبنبرة مقصودة: لا وأنت الصادق أكلم روحي.. ماعندي حد أكلمه..



جلس وهو يشير للمكان الخالي جواره ويهتف بتلاعب:


وهذا أنا جيت.. تعالي كلميني.. وإلا اهربي مثل ماتسوين كل مرة..



كاسرة نهضت لتجلس جواره وهي تهتف بثقة: وليش اهرب.. شكلك تتخيل أشياء من عندك



كسّاب طوق كتفيها بذراعه وهو يشعر بنعومة كتفيها البالغة التي زادها رداء الشيفون نعومة وفتنة


وهو يهتف بخبث: إيه والله شكلي أتخيل أشياء من عندي..



كاسرة وكحالتها التي لا تستطيع السيطرة عليها.. بدأت ترتعش.. ولا تريده أن يلاحظ ذلك فيعلم أنها متوترة..


لذا قفزت من جواره وهي تهتف بثقة:


خليت الماي مفتوح في الحمام.. باروح أسكره..



كساب يضحك: روحي سكريه.. وأنا بأروح أتسبح.. يا الجبانة..



كاسرة حين رأته غادر عادت لتجلس وهي تهدئ دقات قلبها وارتعاش جسدها


(أبي أعرف هو وش يسوي فيني؟؟


عمري ماكنت خوافة.. وأنا فعلا ماني بخايفة منه


لكن ليش قربه يوترني كذا.. ليش أرتعش كذا وغصبا عني؟!!


والمشكلة أنه لاحظ..


وأنا ما أبيه يأخذ عني فكرة إني خايفة منه أو حتى مهزوزة قدامه!!)



(والله ياكاسرة أنش ماينعرف لش


الحين أنتي متضايقة وتقولين يتجاهلش


ولو جا وقرب منش نطيتي من المكان بكبره!!)



(لا هو أسلوبه كله غلط.. وما يعرف يتعامل


وكلامه دايما يغث..)



كاسرة قررت أن تترك التفكير كله وأن تتمدد.. حتى لا تواجهه حينما يخرج من الحمام..


سمعت صوته يخرج من الحمام.. ثم صوته وهو يقرأ ورده بسكينة عميقة..


ثم بعد ذلك حركته جوارها وهو يتمدد قريبا منها..


تلاه همسه الدافئ: أدري أنش منتي براقدة يالنصابة.. على الأقل لفي عطيني وجهش بدل منتي معطيتني ظهرش..



كاسرة استدارات بخفة وهي تدير وجهها ناحيته وتهمس بهدوء عذب:


خبطت في الجبل اليوم؟؟



كساب ابتسم: لا اليوم براءة..


ثم مد يده ليمسح خدها بحنو وهو يهتف بعمق موجع:


سبحان رب(ن) خلقش..شوفتش من كثر ماتشرح القلب.. توجعه..



ابتلعت كلماتها.. رغم أنها بداخلها شعرت بانتصار ما.. أنها انتزعت منه اعترافا بتأثير جمالها عليه..


ولكنها بداخلها غير سعيدة بهذا الانتصار ولا تعلم لماذا!!



شدها قليلا ناحيته وأنامله تتبع تفاصيل وجهها بدفء أشعرتها أن وجهها يشتعل


همس لها من قرب بخفوت: ليه خايفة؟؟



همست بهدوء واثق يختلف عما يمور داخلها من توتر:


من قال لك خايفة؟؟ قلت لك شكلك تتخيل أشياء من كيفك



حينها مد يده ليمسك بيدها التي كانت ترتعش بشدة..


ثم نقل يده إلى قلبها الذي كان يدق كطبول الحرب.. وهو يهتف بتلاعب مثير:


هذا كله ومنتي بخايفة.. أجل لو خايفة وش بتسوين؟؟ تبكين؟؟



كاسرة هتفت بحزم: أبكي؟؟ بتبطي ماشفت دموعي



كساب اعتدل جالسا وهو يهمس بحنان مدروس: اقعدي بس خلينا نسولف..



كاسرة اعتدلت جالسة مثله.. بينما كساب فتح ذراعه لها وهتف بثقة:


تعالي دامش منتي بخايفة..



كاسرة اقتربت بثقة رغم أنها تمنت أن تهرب من المكان كاملا.. وهي تضع رأسها على كتفه..


احتضنها بخفة حانية وهو يهتف بابتسامة متلاعبة: مابغيتي يالجفول..



كاسرة أجابته بهدوء واثق تخفي خلفه اختلاج أنفاسها: ناديتني وأنا رديتك؟؟



حينها طبع قبلاته العميقة على شعرها وهو يتنفس عطر شعرها ويهتف بذات الابتسامة: إن اللبيب من الإشارة يفهم..


لو حتى مسكت يدش جفلتي..


بس كل شيء بالصبر حلو.. مثل المهرة الشرود.. كم يوم وعسّافها يعودها على شوفته بس..



حينها ابتعدت عنه كاسرة وهي تهتف بغضب: قلت لك قبل لو هذا هو التفكير اللي في رأسك.. ماراح يمشي حالنا..



كساب شدها ليعيدها لحضنه ويهتف بابتسامة مثيرة: وين بتروحين عقب ماجيتي والله جابش..



كاسرة كان جسدها متصلبا تماما وهي ترفض الاستكانة لحضنه وتهتف بضيق:


أسلوبك كساب بصراحة ينرفز.. قلت قبل أنا ماأنا بحيوان تعسفه.. وش ذا الكلام المتخلف؟!!



حينها أفلتها كساب بشكل مفاجئ وهو يهتف بصرامة:


وأنا بعد ماني بهمجي ولا متخلف..


وأعرف أشلون أتعامل مع مرتي بطريقتي أنا.. وما أنتظر حد يعلمني الأسلوب كاسرة هانم..



كاسرة لم تتوقع مطلقا أنه سيفلتها بهذه البساطة بعد أن أصبحت في حضنه


ولأنها كانت متصلبة بشدة.. فهي كادت تسقط جانبا حين أفلتها


لأنها كانت تشد نفسها جانبا..ولولا أنها استندت على كفها وإلا كانت وقعت..



كساب تمدد وهو يوليها ظهره بكل برود.. لتنتظم أنفاسه بعد دقائق فقط دلالة استغراقه في نوم عميق..



كاسرة عاودت التمدد.. وضيق عميق لا تعرف له سببا يتصاعد في روحها..


ولكنها في ختام الأمر تنهدت وهي تهمس لنفسها بحزم:


أنا ماغلطت في حقه.. ودامني ماغلطت.. ماعلي من حد..



قضت لها وقت طويل قبل تنام هي أيضا وهي تراقب ظهره


(هذا من جده رقد؟!!


رقاده في مخباه الظاهر!!)



بقيت مع هواجسها لوقت طويل حتى نامت.. لتصحو على صوت فتحه للخزائن بصوت مسموع..


همست بنعاس وذراعها على وجهها: كساب ترا اللي في الجناح اللي جنبنا صحو من إزعاجك



يأتيها صوته الساخر على الدوام: زين اللي جنبنا صحو وأنتي ما صحيتي..



كاسرة بصوت مرهق: تعبانة كساب.. أنت منت بتعبان؟؟ حتى ساعتين مالحقت تنام..



صوته أصبح قريبا.. ساخرا.. ساحرا: كاسرة تقومين وإلا أشلش؟؟..



كاسرة دون أن تتحرك من مكانها وهي مازالت مغلقة العينين همست برقة تلقائية:


كساب بس نص ساعة وأقوم.. من يوم جيت ذا الديرة ماعاد عرفت النوم مثل باقي مخاليق ربي..



مع إنهاءها لعبارتها كانت ترتفع عن السرير بشكل مفاجئ..


حينها طار النوم كله من عينيها وهي تجد نفسها محمولة بين ذراعيه..


حاولت التفلت أو حتى مجرد ستر أجزاء جسمها التي ظهرت مع رفعه المفاجئ له وهي تهتف بغضب: كساب نزلني بلا سخافة..



كساب بتلاعب: مشكلتش كاسرة أنش تحسبيني أمزح.. مع أني من جدي..


قلت لش بتقومين وإلا أشلش.. وأنتي ما تبين تقومين..



حينها همست برجاء مدروس: زين نزلني خلاص.. النوم كله طار من عيني..



هتف لها بخفوت: أنزلش ببلاش.. أكون رجل أعمال فاشل..


أول قاعدة في البيزنس.. إذا كنت أنت في موقع القوة افرض شروطك..



كاسرة بدأت تشعر بالرعب من مجرد تخيلها لما قد يطلبه كساب لذا همست بحزم رقيق:


تصدق مكاني هنا حلو.. ما ابي أنزل.. خلك شايلني لين في الليل..



حينها هتف بخبث: وأنتي ظنش بأقعد شايلش كذا وبس..


أول شيء بأسويه الحين بأطيرش في السما مثل البزران.. وعقب أمسكش..



كاسرة تتخيل شكلها المخجل في ملابسها هذه وهي طائرة في الجو..


حينها وبشكل لم يتوقعه مطلقا منه.. أمسكت بطرف وجهه وهي تقبل خده برقة ثم تهمس بأمر رقيق: يالله نزلني..



أنزلها وهو يضحك ويقول بخبث: صحيح مهيب اللي في الخاطر بس تمشي الحال...



بينما كاسرة حاولت ألا تُنزل نظرها ولكنها لم تستطع وهي تحاول الانسحاب بثقة متجهة للحمام..


وتحاول أن تكون خطواتها ثابتة حتى لا تفضح توترها..



حينها جلس كساب ووجهه يتغير للنقيض..


والابتسامة المرسومة تنقلب لغموض غريب وهو يمدد ساقيه على الطاولة أمامه...



بينما هي في داخل الحمام تستند على طرف المغسلة وهي تكاد تنهار من فرط ارتعاشها وهي تتحسس شفتيها التي لامست خده..


وتشعر بشعور غير مفسر من السعادة المبتورة والخيبة والألم..


وكثير من الحرقة لأنها تشعر أنها تفقد زمام الأمور من بين يديها وهي من اعتادت على إحكام سيطرتها على نفسها وعلى من حولها..


ربما لو كانت تعلم أنه يشعر مثلها.. لم تكن لتشعر بهذا الضيق.. ولكنها تعلم يقينا أنه يتلاعب بها لغرض لا تعلمه..


تشعر بإحساس بالغبن والظلم.. لأنه في الوقت الذي كان يُفترض أن تكون هي من تفقده صوابه..


هو من بدأ يفقدها صوابها..دون أن تعلم ماخلف أبوابه المغلقة..



قرار ما يتشكل في ذاتها..


أقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم..


ولكن هل ينفع هذا الأسلوب المستقيم مع كسّاب الملتوي؟!!



حين أنهت اغتسالها.. خرجت لتجده يجلس أمام الفطور ويهتف لها بابتسامة:


تعالي تريقي..



كاسرة توجهت له بثقة.. جلست لتسأله بذات الثقة:


أنا وحدة ما أحب اللف والدوران وأنت قاعد تلف وتدور معي


كسّاب أنت ليش تتعامل معي كذا؟؟



كساب يرتشف فنجانه بهدوء ويهمس بهدوء أعمق: ضايقتش بشيء؟؟



كاسرة بثقة: هذي مشكلة تعاملك معي.. يعني ما أقدر أقول أنك ضايقتني..


وفي نفس الوقت ما أقدر أقول أنك ماضايقتني



كساب يهتف بذات الهدوء وهو مشغول بفنجانه فقط:


والله هذي مشكلتش أنتي مهيب مشكلتي..


لاني اتعامل معش بطبيعتي.. فأنتي يا تتضايقين ياأما ما تتضايقين..


يعني أنا ماني بمسؤول عن ردة فعلش..



كاسرة بحزم: طيب والحل؟؟



كساب حينها هتف بحزم شديد وهو يرفع عينيه عن فنجانه ليركز نظره عليها:


والله الحل عندش مهوب عندي


أنتي متصلبة واجد.. ومنتي بمتقبلتني.. وأنا ما أقدر أفرض نفسي عليش أكثر من كذا..



كاسرة لم تتوقع منه هو هذه المصارحة المستقيمة بينما كانت هي من تريد أن تهاجمه باستقامة..


فإذا به يحاربها بسلاحها ويقلب الطاولة عليها..


وبما أنه صارحها فلن تكون أقل مصارحة لذا همست بحزم:


السبب أنت.. أسلوبك يوترني.. لأني حاسة أنك تخبي شيء..


يعني مرة تندفع بمشاعرك.. ومرة تتجاهلني..


فانا ما أدري أتجاوب مع اندفاعك وإلا أكون حذرة مع تجاهلك..



حينها هتف كسّاب بغموض: أتجاهلش؟!!


ثم أردف بمباشرة وبنبرة مقصودة: ومن اللي يشوفش قدامه ويتجاهلش؟؟



كاسرة بذات نبرته: أنا أدري إنه ماحد يقدر يتجاهلني..


فيوم حد يتجاهلني أدري إنه فيه شيء مهوب طبيعي!!



حينها ابتسم كساب: بصراحة غرور ماله حل..


تريقي الحين وعقب قومي البسي.. بنطلع اليوم طلعة سبيشل


بنروح جبل ساليف على الحدود الفرنسية..



ثم أردف وهو يسند ظهره للخلف وينظر لها بعمق ويهتف بغموض حازم:


ترا أنا إذا بغيت شيء.. بالي يصير طويل لين أجيب رأسه يا بنت ناصر..


خلنا نشوف آخرة خوفش مني..



كاسرة شعرت باستنكار شديد للجزء الثاني من عبارته جعلها تنسى التباس الجزء الاول:


أنا خايفة؟؟.. قلت قبل أنا ما أعرف الخوف..



حينها مال كساب قليلا للأمام وهتف بنبرة مقصودة: ماتعرفين الخوف؟؟


زين عطيني يدش..



كاسرة أعطته يدها وهي تهمس بعزم: هذي يدي.. وش تبي فيها؟؟



كساب تناول يدها ليرفعها إلى شفتيه ناثرا قبلاته الناعمة الدافئة في باطن كفها


حينها بدأت يدها ترتعش رغما عنها.. ورغم كل محاولاتها لمنع هذا الإرتعاش إلا أنها باءت بالفشل..


لا تعلم بالفعل أي فوضى يحدثها لكل مشاعرها..


كساب حينها أمسك كفها بين كفيه ودعكها بخفة حنونة كأنه يريد تهدئة ارتعاشها وهو يهتف بنبرة مقصودة:


لا تقولين مرة ثانية أنش منتي بخايفة مني..


أنتي بس لسان وش طوله.. وحزة الصدق مانلاقيش..







***************************************





" ها عبدالله خير.. ليه أصريت نتقابل في كوفي.. مهوب في مجلسكم ولا مجلسنا؟؟"



عبدالله يتنهد ويهتف بهدوء وهو يضع فنجانه وينظر لعبدالرحمن: أبي أكلمك في موضوع خاص.. ونأخذ راحتنا..



عبدالرحمن بهدوء: آمر.. خير إن شاء الله..



عبدالله بجدية: خير إن شاء الله.. الوالد بدأ يكلم الرياجيل اللي بيجون في الجاهة


وأتمنى إن الموضوع مايطول..


بس أنا ابي أسألك عن شيء..


لا تزعل مني عبدالرحمن.. بس أنا سمعت عن التغيير الكبير اللي في صار في شخصية أم حسن..


أم حسن عاجبتني على كل حال .. وراضي بها على كل حال..


بس أنا وأنت ناس مخنا منفتح.. ومافيها شيء لو سألت لو كنت عرضتها على طبيب نفسي..


لأني أتوقع أنك لازم تسوي ذا الشيء..



حينها تراجع عبدالرحمن في جلسته وهو يسند ظهره بثقة للخلف وهو يهتف بنبرة مقصودة:


تدري ياعبدالله كأني أسمع المرض يسأل المريض أنت عالجت مني!!


وعلى العموم إيه نعم أنا عرضت جوزاء على طبيب نفسي.. لأنها بعد الولادة جاتها حالة كآبة حادة..


الدكتور عطاها مضادات اكتئاب وقتها..


لكنه قال أكثر من كذا قال ما أقدر أسوي لأنه أختك مهيب مريضة مرض نفسي بالمعنى المعروف....


لكن تعاني عارض نفسي.. لو زال العارض زالت الظواهر المصاحبة له..


مثل بالضبط اللي شاهد فيلم رعب أو مشهد مؤثر..


ممكن يظل له يومين يحلم بكوابيس أو يعاني من التأثر لحد ما يتجاوز السبب فيخف العارض..


لكن أختك مهيب قادرة تنسى السبب عشان كذا العوارض مازالت مستمرة معها..


وأعتقد ياعبدالله أنك عارف السبب زين... لمعلوماتك جوزا عمرها ما قالت شيء عنك.. ولا اشتكت من حياتها معك..


لكن الكتاب مبين من عنوانه.. ماكان يحتاج إنها تشتكي عشان نعرف إن الفترة اللي عاشتها معك أثرت فيها كثير..



عبدالله حينها هتف بثقة يخفي خلفها ألما شاسعا وتأثرا متجذرا:


يصير خير يأخيك.. مايصير إلا خير..



" يالله كيف أصبحت أنا الجلاد والضحية في ذات الوقت؟!


كيف أكون أنا السبب في جرح أغلى الناس؟!


كيف أكون السبب في أذية من تمنيت أن أحمل أنا عنه الأذى طوال عمري؟!


أثقلت علي هذه الحياة بالكثير


فمتى ينصلح الحال؟؟


متى يكتب الله لي أن أعيش حياة طبيعية ككل البشر؟؟


متى؟؟ متى؟؟ "






****************************************





" هلا والله حيا الله العريس..


هاه عساك مبسوط بالجدول الجديد عقب ماخليته ممل كنه وجهك"



كساب يسترخي في جلسته وهو في انتظار كاسرة التي كانت مازالت تلبس ويهتف بحزم: المهم أنا أكون مبسوط.. لأني اللي بأروح في الرحلة ذي مهوب أنت..


الترتيبات الخبلة ذي خلها لك أنت ومرتك المقرودة عقب...



علي يضحك: مافيه حد مقرود غير بنت ناصر اللي قطها الزمان عليك..


أما مرتي بتحمد ربها علي.. واحد على الكيف أنا !!



حينها ابتسم كسّاب بمودة عميقة: أما على الكيف فأنا أشهد جعلني ما أخلى منك..


ثم أردف بابتسامة: تدري علي والله أني حاس أخرتك مثل قيس بن الملوح عاشق ولهان مستخف..


لأن أشكالك انقرضوا ذاك الزمان.. ماعاد فيه منكم...



علي بابتسامة: وش فيه ولد عمي قيس بن الملوح.. والله إنه شقردي.. الله يبعث لي بس وحدة أحبها مثل ماكان يحب ليلى..


بس عاد بدون خبال الله يرضى عليك...



كساب يبتسم: إيه دوّر ليلى لين تشيب وتطيح سنونك... لأنه ليلى انقرضت مع قيس..



علي بتساءل: خلك من ذا لهذرة الفاضية... طالع بكرة لوزان صح..؟؟


وإلا لا يكون تخطيطي للمدن بعد مهوب عاجبك.؟..



كسّاب بمودة: إلا بنروح لوزان.. وتخطيطك على الرأس والعين بس إذا كان تخطيط ناس عقّال...







*********************************






"نويف وش أخبارك؟؟"



نايف يتناول فنجان القهوة من أمامه ويهتف بابتسامة: أخباري أني ودي أرجع لباريس اليوم قبل بكرة



عالية باستغراب: من جدك.. باقي لنا شهر ونص عطلة..



نايف بتهكم أقرب لليأس: خواتي دخلوا في مخي.. جننوني عالية.. أحس أني باستخف..



عالية تبتسم: كل عطلة تقول كذا وتقعد لين نخلص العطلة..



نايف بضيق: لا ذا المرة قلت لهم أبي أجدد بيت الوالد.. كل وحدة منهم تبي هي اللي تخطط كل شيء..



حينها همست له عالية بحزم: تسمع نصيحتي ياخال؟؟



نايف يبتسم: وأنا عندي حد أسمع نصايحه اللي تودي في داهية غيرش..



عالية بذات الحزم:أول شيء لازم تعرف توقف خالاتي عند حدهم.. مهوب كل شي تسمح لهم يتدخلون فيه..


أدري بتقول مايهونون علي.. وأنا أخيهم الوحيد وانك تعزهم واجد..


ذا الحكي حفظته.. لا تخلي محبتهم لك سيف على رقبتك..


ثاني شيء.. لا تجدد بيت جدي.. بيت جدي أساسا قديم.. غير إن خالاتي كلهم داخلين معك في ورث البيت..


عشان كذا يمكنهم حاسين إن لهم حق يتدخلون..يعني أنت اللي بتتخسر في البيت وعقب كل وحدة منهم شايفة لها حق فيه..


وعقب بيتدخلون فيه وفي خصوصيتك أنت ومرتك فيه..


بيع البيت وعط كل وحدة منهم نصيبها.. وأرض البيت أساسا كبيرة واجد يعني بيجيب مبلغ ممتاز..


ونصيبك بيجيب لك أحسن بيت..


اشتر لك بيت على قدك وأنت مرتك وعيالك عقب.. واخلص من حنتهم..


وأثث بيتك على ذوقك ولا تستشير ولا وحدة فيهم..



نايف بضيق: أبيع بيت أبي!!



عالية تهز كتفيها وتهمس بثقة: الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح..


هذي أول خطوة عشان تستقل بروحك..


والله لو ماسويت كذا لا يقعدون طول عمرهم ماسكين في رقبتك..


ثم أردفت وهي تغمز بعينها بمرح: وبما أن أمي أساسا متنازلة عن نصيبها لك.. فلازم ينولني من الحب جانب.. على الأقل عطني عمولة على الاستشارة..








************************************







" حبيبي طالعة شوي مع سميرة وبأرجع"



صالح بابتسامة ملولة: ترا سميرة هذي طلعت روحي.. صارت كنها طبيتني.. ماصدقت يصفى الجو بيننا ونبدأ نأثث بيتنا إلا هي طالعة لنا في البخت..



نجلاء تميل عليه لتحتضن عنقه من الخلف وتهمس برقة:


حبيبي والله ما أتأخر.. بنروح نشوف بروفة فستانها..



حينها همس صالح بنبرة حزن: والله العظيم إن سميرة غلاها مثل غلا عالية


الحين المسكينة مشتطة.. زين ولو كان الفستان أحلى فستان ..


هل تميم بيقول لها (الله فستانش يجنن وأنتي اللي محلية الفستان) ؟؟


أشلون أبيش وغانم وافقوها على خبالها؟؟.. حد يقط بنته كذا!!



نجلاء دارت لتجلس جواره وهي تهمس بحزن أعمق: صالح لا تشكي لي أبكي لك..


هي مقتنعة فيه.. وراسها مليان أفكار مثالية.. بس هي بزر.. ويا مسرع ما بتنصدم بالواقع.. خايفة عليها كثير من اللي بيصير لها


صحيح أقول لها دايما هذا قرارش ولازم تتحملينه.. عشاني أحاول أشجعها.. لأني حاسة باللي يصير..


تمنيت إنها استشارتني قبل..والله ما أخليها تأخذه لو حتى انطبقت السما على الأرض.. بس قدر الله وماشاء فعل..


سميرة وحدة لو ما لاقت حد يسولف معها تستخف.. أشلون بتقضي حياتها مع واحد مستحيل يرد عليها في يوم من الأيام..



صالح يحتضن كتفيها بحنان ويهمس برجاء: ادعي لها بالتوفيق.. وبالصبر..







************************************







هذه المرة قررت أن تبين له أنها لا تخاف قربه كما يظن..


من يكون ليظن أنها قد تخاف منه؟!!


ومع ذلك الإحساس المزعوم بالشجاعة كان صعبا عليها أن تكون هي من تعقد ذراعها في ذراعه طوال جولتهما في قمة جبل ساليف..


ورغم استغرابه منها.. إلا أنه شد على ذراعها..


خصوصا وأن الجو كان باردا في الأعلى.. وهو نسي أن يشتري لها (بالطو) أسود ترتديه فوق العباءة..



حينما أصبحا في التلفريك.. احتضن كتفيها بذراعه وهو يضمها له ويهمس بهدوء: بردانة؟؟



كانت تدعك يديها المتجمدين وتهمس بهدوء ساكن: شوي بس..


ثم أردفت بتساؤل: تتسلق هنا؟؟



كساب بغموض: تقريبا..



حينها سألته بنبرة مقصودة: وياترى هذي هوايتك الغريبة الوحيدة وإلا عندك غيرها؟؟



ابتسم وهو يجيبها بذات الغموض: عندي هوايات أغرب بواجد.. بس مافيه داعي تسألين عنها..



كاسرة بذات النبرة المقصودة: تراها مجرد هوايات مهيب سر الذرة.. وعلى العموم شي مايخصني ما أسأل عنه..



حينها سألها بتلاعب: وأنا شيء ما يخصش؟!!



حينها ابتعدت كاسرة قليلا عنه وهي تتخلص من ذراعه وتهمس بحزم:


شفت.. أسلوبك هذا اللي من تحت لتحت ما يعجبني..



كساب هتف لها بذات النبرة المتلاعبة: زين حن الحين بروحنا في التلفريك..


ارفعي نقابش خلني أشوف وجهش ونتناقش وجه لوجه



كاسرة رفعت غطاء وجهها بينما كساب أردف بثقة:


الحين أنا سألت سؤال..


وش الشيء الغلط اللي في سؤالي؟؟..



كاسرة بحزم: الغلط هو في طريقتك وأنت تسأل..



كساب هز كتفيه: وأنتي مثل اللي مسك في القشرة وخلا اللب..


وعقب تقولين أنا وحدة ما أحب ألف وأدور.. وأنا ما شفت حد يلف ويدور مثلش..



كاسرة بثقة: إذا سألتني بشكل مباشر.. جاوبتك بشكل مباشر..


لكن نبرتك هذي اللي تسأل وأنت تمسخر فيها.. ماراح أجاوبك فيها..



حينها أمسك كساب بذقنها بين سبابته وإبهامه وسألها بنبرة مباشرة وهو ينظر في عينيها:


هل أنا أهمش؟؟ والأشياء اللي ترتبط فيني تخصش أو لا؟؟



للمرة الثانية يقلب عليها الطاولة.. توقعت أنه سيتجاهلها ويعتصم ببروده..


وكان توقعها لردة فعله خاطئا.. وهاهي مجبرة أن تجيبه وبكل صراحة..


كانت تتمنى أن تبعد عينيها عن مدى عينيه وهي تجيبه.. لكنها لم ترد أن تظهر بمظهر الجبانة أمامه..


لذا أجابته بثقة وهي تركز نظرها على عينيه التي تمور بغموض يشعرها بالتوجس:


مبدئيا أكيد تهمني.. مهما كان أنت رجّالي..



حينها ابتسم بغموض وهو يمد سبابته ليمسح شفتيها: بأكتفي بمبدئيا ذي.. وخصوصا أنها عادنا (مبدئيا) وقلتيها وشفايفش ترتعش..


أبي أشوف لا صرت أهمش بشكل كامل أشلون بتقولينها..











****************************************






" كلمتكم كاسرة اليوم؟؟"



مزنة تلتفت لمهاب ونهمس له بمودة: كلمتني فديتها..



مهاب بهدوء بحذر: كلمتني البارحة.. أسألها عن أخبارها تقول كل شي تمام..


قالت لش شيء ثاني؟؟



مزنة حينها همست بقلق: وليه تقول لي شيء ثاني.. مبين عليها مبسوطة.. وكساب كلمني معها اليوم..


تعرف شيء ما أعرفه؟؟



مهاب بنبرة طمأنة: لا والله .. بس طبايع كساب جامدة شوي.. وهي بعد طبايعها مثله..


خايف ما يتوالمون بسرعة..



حينها ابتسمت مزنة وهمست: ما تدري يأمك.. مايفل الحديد إلا الحديد


عقبال مانلاقي اللي تفل حديدك..



مهاب بهدوء: لا يمه.. أنا تو الناس.. الفكرة مؤجلة عندي إلى أجل غير مسمى..



مزنة بعتب: أشلون يعني.. بتقعد عمرك عزابي؟؟



مهاب ابتسم: يمه يمكن ربي كاتب لي الحرية والراحة من حنت النسوان..


خلني أشتري رأسي..







*******************************************






طرقات خافتة ترتفع على بابه.. هتف بصوت عال: ادخل ياللي عند الباب



دخلت بخطوات ذابلة كوجهها الذابل تماما.. هتف بترحيب عميق: حيا الله أم حسن.. وينش غايبة ماعاد شفناش؟



همست بنبرة ميتة دون مقدمات وهي تقف أمام وجهه:


عبدالرحمن ما أبيه.. ما أبيه.. خلاص كلمه وقل له أنه حن غيرنا رأينا..



عبدالرحمن شدها ليجلسها جواره ثم أمسك بكفها بين كفيه وهتف بحنان:


يأخيش خلاص السالفة مهيب لعبة وخصوصا أن السالفة كبرت واجد


وأنا عرفت أن أبو صالح خلاص قد كلم له كم رجّال من اللي بيجون في الجاهة


أشلون نكلمهم ونقول خلاص..



حينها دفنت وجهها في عضده وهي تنتحب بصوت ممزق تماما:


عبدالرحمن ما أبيه.. تكفى ما أبيه..


بأموت لو خذته!!



عبدالرحمن احتضنها بحنان وهو يهمس بألم:


والله العظيم ماعاد هو بيدي يأخيش..


وبعدين أنتي عارفة من البداية أنش وافقتي ترجعين لعبدالله عشان حسن..


لا تكبرين السالفة.. وش تموتين ذي ؟؟


عمرش طويل لحسون وأخوانه.. ماتدرين وين الخيرة يأخيش!!









****************************************







" أنا طالع الحين.. وبكرة تجهزي بنطلع لوزان


وعلى فكرة أخذي معش بس لبستين وأغراضش الغالية


لأنه الجناح هذا محجوز لنا لين نخلص رحلتنا"



كاسرة بتساؤل: زين وليه مانسوي شيك آوت.. ونأخذ أغراضنا معنا..؟؟



كساب يغلق أزرار قميصه ويهتف بحزم: هذي فكرة علي..


يقول عشان نكون خفيفين.. ومانشيل شناط ثقيلة كل ماجينا ننتقل من مكان لمكان..



كاسرة بسكون: خلاص.. إن شاء الله..



حينها شدها كساب ليوقفها وهتف لها بحزم: ليه شكلش زعلانة كذا؟؟



كاسرة بحزم مشابه: ماتشوف إن طلعتك كل ليلة وتخليني بروحي لين عقب الفجر شيء يزعل؟؟..



كساب بصرامة: قلت لش قبل.. اليوم آخر يوم.. مافيه داعي تسوينها سالفة..



كاسرة تعاود الجلوس وتهمس بثقة: ما سويتها سالفة.. بس أنت بعد لا تطالبني أبين نفسي راضية غصبا عني..



حينها عاود كساب شدها بقوة لتقف وهو يهتف بغضب ويعتصر عضدها بقوة بالغة لم يشعر هو بمداها:


وأنا ماقلت لش اقعدي عشان تقعدين وأنا واقف ياللي ماتستحين..



أجابته بحزم رغم شعورها بألم متفجر في عضدها الذي شعرت كما لوكان تمزق من شدة قبضته حين شدها لتقف:


وقلت قبل لا تستخدم إيديك.. أنا أسمع عدل..


وأعرف أشلون احترم اللي قدامي ومهوب أنت اللي تعلمني ..



أجابها بغضب وهو ينقل يده من عضدها ليعتصر بها وجهها: لو تسمعين عدل


كان فهمتي من اول مرة لما وقفتش عشاني واقف..


وبعدين أنا ما أستخدمت يدي.. وما أرد عقلي لمرة عشان أستخدم يدي معها..



كاسرة حينها تفجر غضبها وهي تلطم يده لتزيلها عن وجهها:


ليه وش فيها المره؟؟ مخلوق أقل من حضرة جنابك؟؟



حينها هتف لها بغضب هادر: ياويلش تطولين صوتش عندي مرة ثانية.. وإلا والله لا تعيفين حياتش..



أجابته بذات الغضب: وش بتسوي يعني؟؟ تستقوي علي عشان أنا ما أقدر أدافع عن نفسي لو أنت قررت تستخدم إيديك؟؟


مثل ما تكلمني بأرد عليك.. احترمني واحترمك.. غير كذا ماعندي..



حينها ابتعد عنها وهو يدعك كفيه ويهتف ببرود مختلف عن غضبه المرعب قبل دقائق:


ليه بتمشيني على شروطش يا مدام..؟؟


تدرين.. ذا الرحلة السخيفة كلها ماعاد لها لازمة..


أنا طالع لشغلي وأنتي جهزي شناطش نرجع الدوحة بكرة..






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 26-09-10 07:53 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والأربعون
 
السلام عليكم
آسفة جدا جدا جدا على التأخير
والله العظيم توني داخلة البيت
كان عندي ظرف طارئ
بس الحمدلله مافيه إلا الخير
آسفة مرة ثانية وسامحوني
وتفضلوا البارت
وقراءة ممتعة
.
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والاربعون





" أنا طالع الحين.. وبكرة تجهزي بنطلع لوزان


وعلى فكرة أخذي معش بس لبستين وأغراضش الغالية


لأنه الجناح هذا محجوز لنا لين نخلص رحلتنا"



كاسرة بتساؤل: زين وليه مانسوي شيك آوت.. ونأخذ أغراضنا معنا..؟؟



كساب يغلق أزرار قميصه ويهتف بحزم: هذي فكرة علي..


يقول عشان نكون خفيفين.. ومانشيل شناط ثقيلة كل ماجينا ننتقل من مكان لمكان..



كاسرة بسكون: خلاص.. إن شاء الله..



حينها شدها كساب ليوقفها وهتف لها بحزم: ليه شكلش زعلانة كذا؟؟



كاسرة بحزم مشابه: ماتشوف إن طلعتك كل ليلة وتخليني بروحي لين عقب الفجر شيء يزعل؟؟..



كساب بصرامة: قلت لش قبل.. اليوم آخر يوم.. مافيه داعي تسوينها سالفة..



كاسرة تعاود الجلوس وتهمس بثقة: ما سويتها سالفة.. بس أنت بعد لا تطالبني أبين نفسي راضية غصبا عني..



حينها عاود كساب شدها بقوة لتقف وهو يهتف بغضب ويعتصر عضدها بقوة بالغة لم يشعر هو بمداها:


وأنا ماقلت لش اقعدي عشان تقعدين وأنا واقف ياللي ماتستحين..



أجابته بحزم رغم شعورها بألم متفجر في عضدها الذي شعرت كما لوكان تمزق من شدة قبضته حين شدها لتقف:


وقلت قبل لا تستخدم إيديك.. أنا أسمع عدل..


وأعرف أشلون احترم اللي قدامي ومهوب أنت اللي تعلمني ..



أجابها بغضب وهو ينقل يده من عضدها ليعتصر بها وجهها: لو تسمعين عدل


كان فهمتي من اول مرة لما وقفتش عشاني واقف..


وبعدين أنا ما أستخدمت يدي.. وما أرد عقلي لمرة عشان أستخدم يدي معها..



كاسرة حينها تفجر غضبها وهي تلطم يده لتزيلها عن وجهها:


ليه وش فيها المره؟؟ مخلوق أقل من حضرة جنابك؟؟



حينها هتف لها بغضب هادر: ياويلش تطولين صوتش عندي مرة ثانية.. وإلا والله لا تعيفين حياتش..



أجابته بذات الغضب: وش بتسوي يعني؟؟ تستقوي علي عشان أنا ما أقدر أدافع عن نفسي لو أنت قررت تستخدم إيديك؟؟


مثل ما تكلمني بأرد عليك.. احترمني واحترمك.. غير كذا ماعندي..



حينها ابتعد عنها وهو يدعك كفيه ويهتف ببرود مختلف عن غضبه المرعب قبل دقائق:


ليه بتمشيني على شروطش يا مدام..؟؟


تدرين.. ذا الرحلة السخيفة كلها ماعاد لها لازمة..


أنا طالع لشغلي وأنتي جهزي شناطش نرجع الدوحة بكرة..



كاسرة تشعر بصدمة لم تظهر في صوتها الواثق: من جدك؟؟



كساب بصرامة: لا تخدعيني وتخدعين نفسش وتقولين أنش مبسوطة بذا الرحلة..


كل واحد منا زهقان من الثاني.. فليش نطول رحلة مملة مثل هذي؟؟


وهذي آخرتها.. وصلت أنش تطولين لسانش علي.. وذا الشيء أنا مستحيل أوافق عليه..



كاسرة مصدومة من كل هذا.. لم تتخيل أن الأمر قد يصل إلى أنه يصفعها بصراحة أنه يشعر بالملل منها وبعد زواجهما بثلاثة أيام فقط..


وما يهمها الآن ليس كساب ولا حتى نفسها.. إنما كيف ستبرر للمتواجدين في الدوحة عودتها المبكرة..


لا تريد أن يتشمت بها أحد.. لا تريد أن تمنح لأحد الفرصة أن يجد كلاما يقوله عنها..


لا تريد قبل ذلك أن تثير قلق والدتها وأسرتها..


لابد أن تستعيد هي زمام الأمور.. فهذا الكساب ليس سوى طفل متهور غبي..


وهي من يجب الآن أن تكبر عقلها عليه.. حتى يعودا للدوحة فقط!!



حينها أمسكت كاسرة بطرف كمه وهي تتحاشى الإمساك بكفه وتتناسى ألم عضدها المتزايد..


وشدته بلطف لتجلسه وتجلس جواره وهي تهمس بلطف مدروس لكن بنبرتها الحازمة:


ماراح أعطلك.. خمس دقايق وروح لشغلك..


أنا أبي أعرف ليه الحوار بيننا انتهى كذا؟؟..


أي اثنين متزوجين جديد لازم يصير بينهم شد لين كل واحد يتعود على طبايع الثاني..


أنا ما أبي أمشيك على كيفي.. ومهوب رجّال اللي مرته تمشيه على كيفها..


بس في نفس الوقت أتوقع منك ما تتصرف وكنك تبي تلغي شخصيتي لأنه ذا الشيء مستحيل يصير


أنت تزوجتني وأنت عارف أن شخصيتي كذا.. فليش الحين ماني بعاجبتك..



كساب حينها استدار ناحيته وهتف بحزم: لا تعتقدين أني أبي أكسرش


بس أنا بعد مستحيل أقبل أنش تحطين رأسش برأسي..


(الرجال قوامون على النساء) وإلا عندش كلام غير كلام رب العالمين؟؟



كاسرة حينها أجابته بحزم: وأنا معترفة أنك أنت لك القوامة..


حقك استأذنك لو جيت بأطلع أو أسوي أي شيء


حقك أطيعك وأمشي على شورك في الحق..


بس مهوب حقك أنك تمنعني أعبر عن رأيي لو شفت شيء ما يعجبني..


مهوب حقك أنك تبي تلغي شخصيتي وتبيني امعة..



كساب حينها وقف وهو يهتف بحزم: الخمس دقايق خلصت


أنا اليلة بأرجع أبكر من كل مرة..إذا رجعت.. كملنا كلام..وقررت وش بنسوي..


ولا تظنين إن قصدي أضايقش أو أعاقبش..


لكن ياليت نوصل على الأقل لطريقة حوار ترضينا اثنينا..


وحطي في بالش أني مستحيل أرضى أنش تطولين صوتش عندي!!



كساب خرج بينما كاسرة جلست وغيظها منه يتصاعد..


( والله كان عندي حق يوم كنت أبي اتزوج رجّال كبير


هذا الحين أشلون أتفاهم معه وهو وعقله الصغير)



تشعر أنها مرهقة تماما.. وهذه الرحلة استنزفتنها نفسيا وجسديا..


حتى لو قال أنه سيعود مبكرا فهي لن تنتظره..


سـتـنـام..


تريد أن تريح جسدها مادامت عاجزة عن إراحة ذهنها..


صلت قيامها مبكرا ونامت..



قبل صلاة الفجر بساعتين كانت مستغرقة تماما في نوم عميق


حين شعرت بأنامل حانية على عضدها تلاها همس حنون غريب بدا مغلفا بألم غير مفهوم:


كاسرة الأثر هذا من مسكتي لعضدش البارحة؟؟



همست بنعاس وكأنها مازالت تحلم وهي تئن بخفة من ألم لمسته للأثر المزرق في عضدها:


بكرة بيروح..بس تكفى لا تلمسه ولا تجي جنبه..



أدخل يديه تحت كتفيها ليضمها لصدره بقوة وهو يهمس بذات النبرة الحانية:


أنتي مصنوعة من لحم وعظام مثل باقي البشر وإلا انصنعتي من طينة ثانية؟!


ماهقيت أن مسكة بسيطة مثل ذي بتقعد معلمة لين الحين!!



فوجئت بنفسها بين أحضانه ..


ليس لها مجال لتهرب.. أو ربما تعبت من الهرب!!


همست حينها بارتعاش وهي تدفن وجهها في عنقه وجسدها كله يرتعش:


عندك بسيطة.. بس أنت آجعتني واجد..



حينها شدد احتضانه لها وكأنه يريد إخفائها بين ضلوعه.. كي يُسكن ارتعاشها العميق الذي شعر به بين حناياه


وهو يهتف لها بعمق لا يشبه أحدا سواه: والله العظيم ماهقيت حتى واحد في الميه أني أجعتش حتى..


صدقيني لو أعرف اعتذر كان اعتذرت..



همست بذات النبرة المرتعشة: ما أبيك تعتذر.. بس أبيك ماتعيدها..


ذا المرة عديتها لأني عارفة إنك ماكنت تقصد.. لكن مرة ثانية ماراح أعديها..



خفف من احتضانه لها ليفلتها قليلا حتى ينظر لوجهها ..


كانت نظراته عميقة..دافئة.. غامضة..


خليط من وله وعمق وشجن وغرابة.. حينها همست وهي تمد يدها لشعره المبلول:


كساب الله يهداك ليه مانشفت شعرك ؟؟تبي تاخذ برد من التكييف؟؟..


بأقوم أجيب لك فوطة..



همس بعمق أقرب للوجع وهو يمسك بذقنها: إلا قولي تبين تلاقين لش سبب تهربين مني..



حينها مدت يدها لتمسح خده بظهر أناملها وهمست بنبرة تذوب رقة:


وما سألت نفسك وش السبب اللي يخليني أهرب؟؟



حينها غمر وجهها بقبلات عميقة حانية دافئة.. مختلفة .. وهو يهمس بعمق خافت دافئ:


دامش ماهربتي ذا المرة.. مايهمني المرات اللي فاتت..







*******************************






" عبدالله الله يهداك وش فيك مأخذ الشغل حامي حامي كذا


توك مداوم أمس.. وشكلك أول واحد توصل وآخر واحد يطلع"



عبدالله ينظر لهزاع ويبتسم: الناس مسكوني على طول منصب تبيني أبين ماني بقدها


وعلى طاري حامي حامي... أشوف ناس خذوا الشهادة ورقدوا عليها..



هزاع بتأفف مازح: يا ابن الحلال مالحقنا نرقد.. مالي كم يوم.. وكلكم دخلتوا في أبو مخي..



عبدالله باهتمام: صدق هزاع لازم تقرر لك شيء من الحين..



هزاع هز كتفيه: تدري عبدالله.. دراسة مالي خلق دراسة..


عمري الحين 22 أرجع أدرس مع البزران في الجامعة.. وعقبه ما أفلح بعد!!


وفي نفس الوقت ما أبي عقب ذا السنين أني ما أدخل كلية حالي حال العالم


عشان كذا أفكر أمشي على خطا أخيك الجلف فهيدان وندخل الكلية العسكرية


أبي أكلم منصور آل كساب يتوسط لي هناك.. بس مستحي!!



عبدالله يبتسم: حلوة مستحي ذي.. وليه ماتكلم فهد يكلمه؟؟..



هزاع بهدوء: ما أبيه يحس أني أستغل غلا فهيدان عنده..



عبدالله بمودة وهو يربت على كتف هزاع: هزاع أنت نسبتك زينة يأخيك..


وترا ما تحتاج واسطة.. وعلى العموم مايضر نوصي منصور عليك


خلاص أنا بأكلمه بنفسي..



والاثنان مستغرقان في حوارهما وينتظران اكتمال عقدهم ليتغدوا سويا.. دخل أبو صالح..


الاثنان قفزا ليقبلا رأسه..


أبو صالح سأل هزاعا بصرامة وهو يتجاهل وجود عبدالله:هزاع وين صالح؟؟



هزاع باحترام: مابعد جا.. طلع من دوامه على بيته.. ويقول نص ساعة وجاي..



حينها هتف وكأنه لا يوجه الحديث لأحد معين: كنت أبي أقول له أنه موضوع الجاهة خلص..


والرياجيل ماقصروا بيض الله وجيههم.. قدموا كلهم الغانمة.. واتفقوا كلهم يجتمعون ليلة الخميس..



عبدالله بصدمة: عقب 3 أيام بس.. وأشلون قدرت تجمعهم بذا السرعة؟؟



حينها التفت له والده بشكل حاد وهو يهتف بغضب:


ليه وأنا متى ماكنت أشل الحمول الثقيلة؟؟


وإلا ماتشوفني كفو يوجبوني الرياجيل؟؟



حينها قفز عبدالله ليقبل رأسه وسعادة عميقة تتفجر في روحه


لم يتخيل مطلقا ولا في أكثر أحلامه أملا.. أن حلمه سيتحقق بهذه السرعة



هتف لوالده باحترام جزيل وهو يلثم ظهر كفه :


إلا كفو وكفو.. لا صار أبو صالح مهوب كفو.. من اللي كفو


جعلني ماخلا من نفعتك.. وجعل يومي قبل يومك اللي ماخليت الرياجيل يصغروني..



كاد أبو صالح أن يهتف بجزع (إلا يومي قبل يومك.. ماهقيت أني عادي بأشوفك قدامي.. وين عاد أتحمل أذوق حزنك مرتين؟؟)



ولكنه بدلا من ذلك شد يده بصرامة وهو يهتف بذات الصرامة:


ماسويت ذا علشانك.. لكن علشان أم حسن اللي تستاهل إن قدرها يكّبر عقب اللي أنت سويته فيها..



" ليتك تعلم يابني كم بذلت من الجهد لكي أستطيع جمعهم بهذه السرعة


ثلاثة منهم اتصلت بهم خارج الدوحة


ورجوتهم مطولا أن يعودوا ولو يوما واحدا من أجلي!!


أردت أن اريحك حين بلغني لهفتك لانهاء الموضوع"



عبدالله عاود تقبيل كف والده وهو يهتف بذات الاحترام الودود:


ماتروح إلا في القدا يأبو صالح.. (القدا= الطريق الصائب)



حينها هتف أبو صالح لهزاع بحزم: هزاع يأبيك روح لأمك جيب دفتر شيكاتي من عندها..


أبي أكتب لعبدالله شيك عشان مهر مرته!!



انتفض عبدالله برفض قاطع: جعلك سالم يأبو صالح عندي فلوس..


أصلا مهرها عندي في الخزنة من البارحة..



أبو صالح يخاطبه دون أن ينظر له بصرامة غاضبة:


من وين لك الفلوس وأنت أربع سنين غاطس في اللي ما يعلمه إلا ربك..؟؟


وإلا تبي تفضحنا في أبو عبدالرحمن وبنته؟؟.. قدك متعلم(ن) على الفضايح..



عبدالله بذات نبرة الاحترام الودودة دون تغيير.. رغم الحزن الشفاف الذي غزا روحه مع تعريض والده به:


وجهك أبيض يأبو صالح.. السنين الأربع ذي أنا كنت أشتغل وشغل زين بعد وراتبي عود..


عدا أني أصلا كان عندي وديعة هنا ما تحركت لأن أوراقها كانت في الخزنة..


خيرك سابق يأبو صالح...







******************************






" ماشاء الله ماتخيلت المناظر هنا حلوة كذا!!"



مزون باستغراب: ليه أنتي ماطلعتي من المصحة كلش قبل؟؟



جميلة بخجل: لا.. خليفة عرض علي واجد نطلع خصوصا بعد ماتحسنت صحتي


بس أنا كنت أعيي وما أترك حتى مجال للنقاش..



مزون بذات الاستغراب المتزايد: وليه يعني؟؟



جميلة تنظر لخليفة الذي كان يوليهما ظهره وهو يجلس على طاولة بعيدة مع زايد على ضفاف بحيرة أنسي..


ثم تهمس بمصارحة شفافة: بصراحة أخاف واجد أطلع معه برا المصحة!!



مزون يتزايد استغرابها: وليه بعد؟؟ دوختيني!!



جميلة بحرج رقيق: ما أدري مزون.. أحس المصحة تشكل حماية لي..



مزون ابتسمت: لا تصيرين خبلة.. يعني ما أظني خليفة همجي بيجبرش على شيء


وخصوصا وأنتي حالتش كذا!!



جميلة بنبرة لا تخلو من حزن شفاف: مزون.. أنا أدري إنه أنا وخليفة زوجين مع وقف التنفيذ..


وأدري إنه خليفة مايبي مني شيء.. من أصلا اللي بيفكر فيني كامرأة وأنا في شكلي الحالي..


بس لما نكون في المصحة إحساسي هو إحساس المريضة..


يعني ممكن أتقبل يمسك يدي..يسندني.. يحضنني حتى.. لأنه هذي مجرد مؤازرة من مرافق مريض لمريضه..


يعني إحساسي بلمسته طبيعي كأنها لمسة أخوية.. مايحرك أي مشاعر مختلفة فيني لكنه يحسسني بالأمان الكبير..


لو طلعنا خارج المصحة.. أخاف أفسر لمسته بمجرد لمسة رجل.. أخاف أفقد إحساسي بالأمان..


وأنا في ذا الفترة ماني بمحتاجة رجل بمعناه المجرد لكن محتاجة سند.. أخ..


لو فقدت إحساسي بالسند.. أحس أني وقتها ما أقدر أكمل علاجي..



مزون تبتسم: بصراحة كلام غريب.. بس في حالتش أشوفه مقنع..


المهم إنه أنتي كل ما تتحسنين.. خفي لنا من إحساس الأخوية الله يرضى عليش..


ثم أردفت بحذر: جميلة تبين شيء من الدوحة؟؟



حينها همست جميلة بحزن عميق: تراني مانسيت أنكم بتروحون الليلة عشان تذكريني..


والله العظيم مالحقت أشبع منكم.. حرام عليكم اقعدوا عندي شوي.. بس شوي..



مزون بحزن رقيق: غصبا عني جميلة... لو علي أنا فاضية ماعندي شيء


الطيران وخليته.. ودراستي في الجامعة باقي عليها أكثر من شهر..


لكن تدرين إن إبي مشغول كثير ومايقدر يعطل شغله أكثر من كذا..






***********************************






" ماشاء الله ماتخيلت أنش بتقدرين تروحين معنا!!


خفت عمي فاضل يعيي كالعادة"



شعاع بابتسامة متوترة: إبي ذا الأيام مشغول باله بسالفة جوزاء..


عدا أني بصراحة استأذنت أمي وعبدالرحمن بس.. وإن شاء الله أبي مايفقدني


ثم أردفت بمودة عميقة: عدا أني ماقدرت أضيع على نفسي فرصة أني أختار مسكتش معش..


لا وعقب نمر نشوف فستانش.. هذي عاد ما أقدر أفوتها كلش..



سميرة بمودة عميقة: جعلني ماخلا منش قولي آمين!!



شعاع حينها عاودها التوتر: إلا قولي لي سميرة عسى الأماكن اللي بنروح لها مافيها أصنصير؟؟.. يازينه الدرج زيناه..



وضحى حينها ابتسمت: أنتي يالخبلة لمتى وأنتي تخافين من الأصنصيرات..



شعاع ابتسمت برقة: بأخاف منها لين أموت... يا أختي حد يدخل نفسه في قبر مسكر عشانه عاجز يطلع درجتين..


صعود السلالم رياضة حلوة ومفيدة..



سميرة تضحك: رياضة حلوة ومفيدة للجبناء مثلش.. وعلى العموم مافيه أصنصير


ولو كان فيه أصلا ماكان وديتش معي.. احنا ناقصين مناحة..


كفاية المرة الوحيدة اللي غصبناش تطلعين معنا الأصنصير في الجامعة.. سويتي لنا فضيحة في كل الجامعة..



شعاع تضحك: يا أختي أنا وحدة عندي عقدة من الأصنصيرات.. كيفي.. حرية شخصية...



حينها اردفت وضحى باهتمام: سميرة عسى بس إنه احنا ماحنا بمطولين..


ما أبي أتأخر على تميم..



حينها تغير وجه سميرة.. التغير الذي لم يلحظه أحد لاختفاءه تحت نقابها.. ولكن شعاع همست بمرح:


أشوف بنت أخت هريدي نزل عليها سهم الله عند طاري البعل المبجل..



وضحى ردت عليها بمرح مشابه: تبي تدرب عندنا على تمثيلية السحا..


تدرين السحا ديكور ضروري لكل عروس..



كان بود سميرة حينها أن ترد عليهما ردا مرحا أقوى من تعليقاتهما عليها


وهي ليست عاجزة عن الرد.. ولكن قلقا غافيا في روحها بات يضيق عليها أنفاسها


لا تعلم هل هو قلق العروس الطبيعي؟؟


أم هو قلق خاص بها وبزوجها وبحالته التي ازدادت تأزما.. وبسببها؟؟


هاهو موعد زفافها يقترب.. وتوترها يتصاعد كلما اقترب!!


ورغم كل ذلك.. هناك أمل رقيق في روحها.. أن تميما لن يخذلها!!



"هذا الإنسان الطاهر النقي الذي يبدو لشدة طهره ونقائه كما لو كان يوشك أن يصبح شفافا مرئيا..


أستطيع رؤية ماخلفه دون تعقيد.. دون التباس..


أستطيع أن أصل لروحه الشفافة دون قيود


أعلم أنه سيسامحني..


لا أعتقد أنه مازال يلوموني على أني أسقطته


فهذا شيء لا ذنب لي به"



لم تعلم هذه الطفلة البريئة كم بات خلف رداء هذا الرجل من التعقيد والالتباس..


وأنها ستعجز بالفعل عن رؤية مايخفيه خلف شكوكه المتراكمة وروحه التي أثقلها الألم واليأس!!


وأن ما بات يحمله ضدها يتجاوز مجرد السقطة بكثير..


كان يتمنى أن يحمل ألم كسور جسده كاملا..وأكثر!!


ولا يحمل هذا الشك المدمر الذي بات ينمو كنبات شيطاني بلا توقف ولا رحمة!!






***********************************






" كساب أنت من جدك البارحة يوم تقول أنك تمللت مني؟؟"



كان يحتضن كفها وهما يجلسان متجاورين في القطار المتجه للوزان..


رفع كفها إلى شفتيه ليقبل باطن كفها بعمق متروي وهو يهتف بهدوء متحكم:


بصراحة أحيانا تمللين الواحد.. وتطلعينه من ثيابه بعد!!



همست بهدوء كهدوئه: ترا ينقال عليك نفس الكلام تمام..



ابتسم وهتف بثقة: وأنا قلتها لش أمس بعد.. قلت كل واحد متملل من الثاني..


بس الملل معش له طعم ثاني..



ابتسمت برقة: صدق نصاب!!ترا بأبلعها بمزاجي!!



حينها هتف بغموض: فيه أشياء واجد بتضطرين تبلعينها.. فالأحسن يكون دايما بمزاجش..



لم يرق لها تلميحه لذا شدت يدها من بين يديه برقة..



بينما هو عاود تناول كفها وهو يهتف بحزم ويمسح أناملها بأنامله:


ترا بنت خالتي في مصحة قريب من جنيف


نبي نروح نزورها قبل نرجع الدوحة..



همست بهدوء ساكن: نزورها ليش لأ.. زيارة المريض واجب..



ثم التفتت لتنظر عبر نافذة القطار للمناظر الطبيعية المذهلة في خضرتها بينما مازالت كفها ترتعش في كفه..


وهو يصر على الاحتفاظ بها بين قوة أنامله بطريقة تملكية غريبة..



هذا الصباح حين نهضت من نومها يغتالها إحساسها الغريب بقربه الدافئ الحنون المختلف وهي تخلص نفسها بصعوبة من بين ذراعيه..


بعد أن أصر أنها لن تنام إلا على ذراعه لتكون هي مخدتها غير المريحة بصلابتها..



قررت أن تجهز حقائبها للعودة للدوحة.. فهي يستحيل أن تطلب منه تغيير رأيه.. وهو لم يقل لها أنه غيّر رأيه..


رغم أنها استغربت وجود حقيبة صغيرة جديدة مسندة إلى دولابها يبدو أنه أحضرها معه حين عاد قبل الفجر..


ولكنها لا يمكن أن تفسر وجود الحقيبة بأي شيء مادام لم يصرح لها بشيء..


واستمرت في وضع ملابسها في حقيبتها الكبيرة..



لذا ارتعشت بعنف وهي تشعر بدفء كفيه على عضديها من الخلف


ثم دفء أنفاسه قرب أذنها وهو يهمس فيها بصوته الرجولي الناعس:


وش ذا الأغراض كلها؟؟..


قلت لش لبستين بس تكفيش في لوزان!!







*******************************







" سلام ياعريس"



عبدالله ينظر لعالية التي تطل برأسها عبر الباب ويهتف بابتسامة: بدري على عريس ذي



عالية قفزت جواره وهي تهمس بمرح: إلا عريس ونص وثلاث أرباع.. كلها 3 أيام بس..


تدري.. خاطري أسوي فيك مقلب ذاك اليوم يطلع من رأسك..


الحين أنا بين عدة خيارات.. أما أني أعطيك منوم.. ثم أدسك في غرفتي عشان ما يلاقونك..


وتروح الجاهة مايلاقون حد.. العريس طافش والباقين يدرون له..


ويأما أني عقب الملكة على طول.. أخذ حسون وأدسه وأخليكم تمتغثون شوي..


ويأما أني أول ما تسكرون غرفتكم عليكم أنت وجوزا.. أجي وأدق الباب وأقول لكم ألحقوني الزايدة انفجرت معي


وش رأيك أنت عبود اختار واحد من الخيارات؟؟



عبدالله يضحك: أول شيء عبود في عينش ياقليلة الحيا!!


ثاني شيء.. ول عليش متخرجة من مدرسة إجرام.. هذا مقلب وإلا جريمة؟؟


ثالث شيء.. خلش تكانة ومرة ثقيلة لأني أبيش أنتي تودين مهر جوزا لها..



حينها قفزت عالية وهي تهمس بحرج: تبيني أروح لبيت عبدالرحمن؟؟



عبدالله ببساطة: وش فيها؟؟ لا تحدد عرسكم ولا يحزنون..


وبعدين أمي ماتقدر تروح.. عادها تعبانة



عالية قفزت لتقبل رأس عبدالله وهي تهمس برجاء: تكفى اعفيني


باعطيه نجلا توديه.. مافيها شيء.. بنت عمي الكبيرة ومرت أخيك الكبير



عبدالله يبتسم: والله مهوب هين الدحمي اللي مخليش مستحية كذا!!


وقولي لي وش فرقت؟؟ أنتي أساسا رايحة رايحة يوم الخميس..



عالية بحرج: إلا فرقت .. يوم الخميس أمي موجودة والناس كلهم هناك


مهوب أنا مرتزة عندهم بروحي!!



عبدالله يبتسم بمودة: خلاص عطيه نجلا.. على رأسنا أم خالد..







*************************************







"قومي يا بنت وكلميني"



جوزاء تعتدل جالسة وهي تحاول ألا تبين لوالدتها احمرار وجهها


وتهمس بصوت خافت عله يخفي اختناق صوتها: لبيه يمه!!



أم عبدالرحمن بغضب: ارفعي وجهش وحطي عينش في عيني..


أنتي وش آخر خبالش ذا؟؟


لين متى وأنتي خبلة كذا؟؟



جوزاء بضيق: يمه الله يهداش وش فيش جايه هادة علي.. والله العظيم اللي فيني مكفيني..



أم عبدالرحمن تعتصر عضد جوزاء وتهمس بذات الغضب:


الي فيش كله من فعل يمينش..


أول شيء طلبتي الطلاق من امهاب.. قلت ماعليه خايفة على ولدها وبلعتها..


عقبه وافقتي على اب ولدش برضاش..وماحد غصبش


لكن إن أم صالح بنفسها تجي هنا وهي تعبانة ومرت ولدها تعكز لها عشان تجيب لش مهرش


وأنتي ماحتى ترضين تنزلين تسلمين عليها.. هذي مستحيل أعديها لش..



جوزاء حينها انتفضت بغضب: لا وأشرايش أنزل لهم وأنا كذا.. وجهي متنفخ وعيوني حمر..



أم عبدالرحمن بغضب أشد: ولين متى وأنتي وجهش منفخ وعيونش حمر..


تبين تشمتين العرب فيش؟؟



حينها انهارت جوزاء بيأس: وأنتي يمه متى اهتميتي إن العرب ما يتشمتون فيني..


كنتي تسمعينهم يقطون علي الحكي ولا عمرش دافعتي عني..



أم عبدالرحمن شدت جوزاء لتحتضنها وهمست بألم: الله خلقني كذا.. أحشم حتى اللي ما يستاهل الحشيمة..


يأمش ملكتش عقب 3 أيام..


تبين الناس يشوفونش حالتش حالة ؟؟وإلا يقولون مغصوبة عليه؟؟..


يأمش طالبتش.. أبي اللي قهروش وحكوا فيش لا شافوش ذاك الليل..


يقولون شوفوها تضوي.. مهوب يقولون ذابلة.. ومسكين من هي ضوت عليه الليلة..



جوزاء انهارت باكية في حضن أمها: يمه صعب علي والله العظيم صعب علي!!



أم عبدالرحمن ربتت على ظهرها وهي تهمس بعمق:


يأمش من أدخل رأسه يعرف أشلون يظهره..


وإذا ذا السنين كلها ماعلمتش شيء.. عمرش ماراح تعلمين أبد..







************************************






"يمه الله يهداش أنتي رايحة بنفسش بيت أبو عبدالرحمن


ماصدقت صالح يوم قال لي أنش معه في سيارته"



أم صالح تنظر لعبدالله الذي كان ينحني على رأسها مقبلا وتهمس بمودة:


أنا أصلا زعلانة عليك أنك قلت لنجلا ولا قلت لي..



عبدالله جلس جوارها وهو يقبل كتفها ويهتف بمودة عميقة :


حنيتش جعلني فداش..



ربتت على فخذه وهمست بشجن: لا تحنّي إلا من الردا يأمك..


يأمك أنا من فرحتي كان رحت ولو هم يشلوني..


فكيف وأنا لله الحمد طيبة وبخير وأمشي على أرجيلي..



عبدالله بذات المودة: جعلش دوم طيبة وتاج على رووسنا.. والبيت ما يخلى من نورش..



أم صالح بحنان: يأمك ماعاد فيه وقت.. روح أنت وعالية بكرة


واشتر لك غرفة جديدة.. وغير أثاث قسمك.. مايصير البنية ترجع على نفس أثاثها القديم..



عبدالله يبتسم: والله أنه طاري علي.. بس كل شيء جاء مع كل شيء..


أبشري يالغالية.. من بكرة بأغير كل شيء حتى الصبغ بأغيره..






***********************************







" وش فيك يأبو عبدالرحمن متضايق؟؟"



أبو عبدالرحمن بضيق: ما أدري يام عبدالرحمن.. اللي صار الليلة ماريحني..



أم عبدالرحمن بنبرة طمأنة: ليه يأبو عبدالرحمن؟؟


هذا أبو صالح جايك بعياله كلهم عشان يبلغك بجية الجاهة اللي مابعد جا لبنت مثلها..


وجايبين لها مهر أكثر حتى من مهرها أول مرة..


يعني الناس ماقصروا.. وكبروا قدر البنت وقدرنا..



أبو عبدالرحمن بهدوء حذر: أبوصالح مايلحقه قصور.. رجّال(ن) نادر.. ومثايله قليلين..


أنا بلاي من عبدالله.. قلبي مهوب مرتاح(ن) عقب اللي هو سواه في بنتي..ولا في السنين اللي هو غايب فيها..


الليلة نشدته وين كان السنين اللي فاتت.. وكان بيرد علي..


لكن أخيه صالح نط وغير السالفة.. قلبي نغزني..


قام عبدالله قدام يطلعون مسكني على صوب وقال لي:


" والله العظيم ياذا السنين اللي فاتت أني لا كنت في سجن ولا في شيء يرد في ديني.."


بس بعد قلبي عاده ناغزني..



أم عبدالرحمن بنبرة استسلام: يأبو عبدالرحمن هي راجعة له عشان ولدها.. والرجّال مايعيبه شيء.. رجّال كداد ومصلي وغير كذا مالنا طريقة عليه..



حينها هتف أبو عبدالرحمن بغضب: وش مايعيبه شيء؟؟


والله ثم والله كلام(ن) أقوله عندش وعند غيرش وقدام عبدالله إنه لازيد يزعل بنتي وإلا يحزنها..


إنه ماعاد يرضيني إلا دمه.. وخلني أيتم حسن صدق..







***************************************






" مابغيت يأمك تجيني


من يوم راحوا هلك وأنا أترجاك كل يوم تتغدى عندي وإلا تتعشى"



علي بابتسامة ودودة: والله العظيم مشغول.. مابين شغلي وأنتي عارفة أنه شغلي ماله مواعيد


وبين شغل الوالد اللي ماني بفاهم فيه شيء بس أروح أرتز عشان يشوفوني



عفراء تربت على فخذه وتهمس بحنان: زين تاكل عدل؟؟ تتريق ؟؟ تغدى؟؟ تعشى؟؟


مهوب باين عليك أنك تاكل زين



علي يبتسم: والله العظيم أكل.. وكل شيء تمام.. وتوني الحين متعشي وجايش..


ثم أردف بمودة: ها عسى مزون طمنتش على جميلة؟؟



حينها أشرق وجه عفراء بسعادة شفافة: الحمدلله جميلة ومزون كل شوي يكلموني


وجميلة تحسنت حالها كثير..



غصة غريبة تصاعدت في روحه مع ذكرى مازالت طرية في ذاكرته الفتية يحاول تناسيها ليمضي..


مطلقا ليست ذكرى عشق ولا حبيب لم يُنل.. ولكن ذكرى خذلان مرة من أقرب الناس..


ممن أختارت عليه ما لا تعرفه.. وغصة أكبر ممن سمح لها بالاختيار..


ليفتح في روحه أبوابا مزدهرة لمرارة اعشوشبت حتى أقصاها..



ابتسم ابتسامته الصافية التي لا يعرف سواها: مبسوط عشانش ياخالتي..


ما أبيش تحاتين وأنتي حامل وتعبانة..


ثم أردف بمودة: عسى عمي بس ما يزعلش في شيء؟؟




"ياذا العم اللي حاطين دوبكم دوبه!!


أنت وأخيك لو تطلعون من بيني وبين مرتي كان الدنيا عامرة!!"



علي يقف ليقبل أنف عمه الذي دخل عليهم للتو وهو يهمس بعبارته المرحة


ويرد عليه بمرح: مهوب كفاية أنك خذت أمنا.. عادك مستكثر نسأل عن فعايلك فيها؟؟



منصور بفخامة: خالتك فوق رأسي ازهلها..



علي ينظر لخالته ويبتسم: هاه العم صادق؟؟.. وإلا أأجر عليه عصابة يضربونه؟؟


خبرش كساب مهوب هنا وأنا مافيني حيل أناطح رجّالش..



عفراء برقة: الله لا يخليني من أبو زايد ما يقصر.. جعلكم أنتو وإياه ذخر لي.. وعمركم طويل في الطاعة..



علي بذوق: أجل اسمحوا لي أنا أنسحب.. وأخليكم بدون عزول..



منصور برفض: اقعد تعشى معي ياولد..



علي بمودة: قدام تحلف.. والله أني توني متعشي.. خلوني أترخص..


طيارة ابي ومزون بكرة الصبح بدري..


بأروح أرقد عشان أجيبهم من المطار وأنا شبعان نوم..



علي غادر بينما منصور جلس بجوار عفراء ليطوق كتفيها بذراعه ويقبل رأسها وهو يهمس بمودة:


أشلونش اليوم حبيبتي؟؟



عفراء بابتسامة: الحمدلله فديتك.. من الله في خير..


ثم أردفت بعذوبة: قوم بدل على ما أجهز لك العشا..



منصور يمسك بكفها لينهضها معه ويهتف بهدوء: ماني بمشتهي.. شربت قهوة واجدة وكلنا قدوع وفاكهة..


أبي أشوف وجهش قدامي وبس..






**************************************







"الحين أبي أعرف وش مزعلش يا مدام؟؟


مهوب أنتي اللي تقولين خلك ذوق مع الناس.. ؟!!"



كانت كاسرة تنظر لكساب الذي كان يتحدث بكل برود وهو يسترخي في جلسته بطريقة لا مبالية..



كاسرة همست ببرود أشد من بروده: ومن قال لك زعلانة؟؟



حينها مال كساب للأمام قليلا وهتف بخبث: أجل غيرانة..؟؟



كاسرة بتهكم: نعم؟؟ غيرانة؟؟ في أحلامك أغار!!


يا أستاذ تغار اللي خايفة إن رجّالها يشوف أحلى منها وتزوغ عينه!!



كساب بنبرة مقصودة: عادي.. يمكن أنا أشوفها أحلى منش..


خفي غرورش شوي لأنه لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع..ويمكن ذوقي جاي على الفرنسيات..



كاسرة تتجاهل ماقاله وتهمس بنبرة مدروسة: كسّاب أنا أدري أنك بيزنس مان..


وعقلي مهوب صغير عشان أزعل إذا قابلت حريم لك بيزنس معهم


لكن أنت أسلوبك كان ينرفز..


يعني المرة سلمت.. ويوم عرفت أنك في شهر العسل انحرجت وتبي تمشي


لكن أنت تمسك فيها إلا تتقهوى معنا


ما أدري هل أنت ترسل لي رسالة أنك ما تحترمني أو أشلون؟؟



كساب وقف وهو يهتف بعدم اهتمام وهو يخلع قميصه استعدادا للقيام بالتمارين:


أنا ما أبرر تصرفاتي لا لش ولا لغيرش..


وأنتي افهميها مثل ماتبين!!



كاسرة تنظر لكساب بشكل مباشر وتهمس بنبرة حازمة:


لا كساب.. لازم تبرر تصرفاتك.. لأني ماني بأي أحد.. أنا مرتك.. ولازم تحترمني في كل تصرفاتك..


ثم أردفت بنبرة مقصودة: وعلى العموم ماعليه.. طلعنا من ذا المقابلة بتاكيد للكلام اللي أنا قلته لك قبل


أنك لو بغيت.. عندك ذوق ولباقة محترفين..إلا كنت بتموت من اللباقة والذوق!!



كساب يلتفت لها ويبتسم ويهمس بذات نبرتها المقصودة وهو يتمدد أرضا للقيام بتمريناته الأثيرة:


إذا ماصرت ذوق مع رئيسة أكبر شركة عقارية في فرنسا.. مع من أكون؟؟






***********************************







"صالح ليه ماخليتني أعلم أبو عبدالرحمن يوم سأل؟؟"



صالح يلتفت لعبدالله بنصف عين: زينك وأنت هال شريطك ومخرب السالفة كلها


أول شيء قول لأبي.. لو هو تقبل السالفة.. قولها لغيره..



عبدالله يتنهد: أنا ماكنت بأقول له كل شيء.. بأقول له الحقيقة بس مهوب كلها


بس كذا خليت شكلي قدامه بايخ وكني داس جريمة..



حينها نظر صالح لعبدالله نظرة مقصودة: وليه اللي أنت سويته ماتسميه جريمة!!



عبدالله بانثيال عصبي غاضب: لا مهوب جريمة.. أنا غلطت وانغشيت..


وتعذبت بذا الغلطة عذاب ماشافه حد منكم..


فلا عاد حد منكم يمد لسانه علي.. يعني ما أسلم من الصغير ولا من الكبير


يعني لا الصغير يحترمني ولا الكبير يرحمني.. خافوا ربكم فيكم..


أخيكم أنا ماني بعدوكم ترا..



صالح بنبرة تهدئة: عبدالله الله يهداك وش فيك شبيت كذا.. ترا الكلام أخذ وعطا


وأنت عارف غلاك عندي.. والعتب على قد المحبة..



عبدالله يقف ليغادر المجلس.. ويهتف بغضب مكتوم وحزن أعمق: وانت عاتبتني وعاتبتني وعاتبتني.. تشوفوني بالع غصتي وساكت..


ماخلاكم ذا تقولون خلاص شاف ماكفاه.. إلا قلتوا مهوب حاس بغلطته خلنا نحسسه فيه..


والله العظيم أني داري إني غلطان.. وغلطان وغلطان..


صالح أنت بالذات ماعاد أقبل منك عتب لأنك شفت بعينك اللي ماحد يدري به..




"وش اللي صالح يدري به وغيره مادرى؟؟"


صوته الحازم العميق قاطع عبدالله وهو يتعكز على عصاه داخلا للمجلس..





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 28-09-10 07:16 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباحكم خير ياوجيه الخير


ياهلا والله وألف هلا بكل تعليق وبكل وجه جديد


ويا ألف هلا بكل الصديقات اللي اللي معي دايم مايخذلوني


الله لا يخليني منكم جميع..


أنا رحمتكم المرة اللي فاتت من هذرتي.. اليوم جمعت لكم كل الهذرة


واللي رأسه يوجعه.. يعديها وينط للبارت


.


.


اليوم عاد يوم الانتقادات العالمي


فيه مجموعة من الانتقادات قديمة وجديدة بس أنا مالحقت أرد عليها


فيه صديقات غاليين هنا.. كانوا يقولون لي لا تردين


لأنه هذي الانتقادات فردية..يعني رد واحد من ضمن ألف رد


لكن أنا حبيت أرد عشان ماحد يقول إنه أنا بس أبي أتلقى المدح والنقد لا


وأنا أرحب جدا بالنقد.. والنقد الموضوعي لمسارات القصة يدفع القصة دائما للأفضل


لكن انتقادات اليوم نقدر نسميها الانتقادات غير الموضوعية لو صح التعبير وسامحوني..


وعلى العموم كل الانتقادات والأراء على رأسي..


وأنا والله العظيم مازعلت من أي انتقاد..


لكن ما أقدر أنكر أني أتضايق لما أشوف إنه البعض ينتقد لمجرد أن يجد له شيئا ينتقده!!


تعودت مني أكون شفافة معكم.. الله لا يخليني من شفافية قلوبكم ودفاها..


.


يالله نبدأ


.



البنات اللي يقولون لا تخلين القصة ترتكز على الرومانسية وخرابيطها


لهم أقول يابنات الله يهداكم ويصلح بالكم.. خلكم موضوعين شوي


لأن اللي يقول إن القصة ترتكز على الرومانسية يكون أحادي النظرة


يعني شاف شيء واحد وترك كل الأشياء اللي عالجتها القصة.. مثل:


العلاقات بين الأب وأولاده من عدة أشكال


العلاقات بين الأخوة ومن عدة أشكال


العلاقات بين الأصدقاء ..و العلاقات مع المجتمع


الإعاقة.. والتعامل مع المعاق..


تحدي المجتمع ونتيجته..


الهروب من مواجهة المشاكل ونتيجته..


حدوث شرخ في العلاقات بين البشر لأسباب كثيرة


العقد النفسية ومعالجتها


الشك.. والغربة.. والأوجاع النفسية


مايحدث لأولادنا في الخارج


تربية الأولاد وأهميتها..


الحمية والدفاع عن الأضعف وبصور مختلفة


الشخصية المتسلطة وكيف تتعامل


وحتى العلاقات بين الأزواج تم معالجتها من زوايا مختلفة


.


ونرجع على الرومانسية.. وأتكلم عنها من ناحيتين:


أولا: أنا عمري ماجبت موقف رومانسي إلا مع زوجين ولسياق القصة وليس لمجرد الحشو


وأنا في هذا أحاول أن أقف في وجه قصص يقرونها البنات تجيب مواقف بين شباب وبنات بدون رابط شرعي..


يعني البنت بتقرأ بتقرأ ..ولو مالقت الشيء الجيد المصاغ في إطار شرعي.. ستقرأ ماعداها..


وبعدين ما أظن أني أبدا سبق لي جبت خرابيط..


يعني لا خليتهم يركضون على البحر مثل الأفلام الهندية.. ولاجبتهم يرقصون فالس مثل بعض روايات مرت علي..


.


الشيء الثاني: فن كتابة القصة كفن معروف..


علاقة الحب هي عقدة في القصة تبنى عليها أحداث..


يعني مستحيل تقولون أني جبت قصة الحب عشان أخليهم يحبون بعض والسلام..


وين المغزى؟؟ وين الهدف؟؟ كل قصة حب في الرواية وراها هدف أكبر..


ولا توجد رواية واحدة عالمية ناجحة لم تكن علاقة الحب أحد مرتكزاتها


رواية (شفرة دافنشي) التي اجتاحت العالم تتحدث عن ألغاز وفك شفرات وأسرار مع ذلك تجدين فيها قصة حب..


أروع واعظم وأرقى روايات العالم قامت على قصص حب.. جين إير.. مرتفعات وذرنج.. ذهب مع الريح..


بتقولون ماذكرتي روايات عربية.. هذولا أجانب.. دينهم غير.. بأقول خلوا الطابق مستور


لأن الروايات العربية الشهيرة الناجحة قامت على ماهو أكثر من الحب إحراجا!!


ولكن لأقل لكم الروايات التي عرّبها كتاب ملتزمون مثل المنفلوطي..


قامت على أساس حب عميق عاصف جدا.. مثل مجدولين.. والشاعر..


.


.


البعض الآخر من الانتقادات خلوني سبب لكثير من المشاكل


باقي يحملوني مشكلة الاقتصاد العالمي وأني السبب في انهيار البورصة


يعني هناك من تقول أني أخذ ذنب من يقرأ وأضيع وقتهم


هل بارت لا تتجاوز مدة قراءته نصف ساعة كل يومين أو حتى كل يوم هو ما اضاع الوقت؟؟


إن كان هناك من يضيع وقته فهو أنا.. ومع ذلك لا أقول أني أضيع وقتي


لأني أعرف كيف أقسم وقتي تماما.. لم أقصر ولله الحمد لا في حق ربي ولا في حق بيتي ولا أسرتي


ولكن يبقى هناك وقت خاص بك.. تحتاجين إلى تقضيته في شيء أنتي تحبينه


أنا أحب أكتب.. وهناك من يحب أن يقرأ


وأنا ولله الحمد لا أكتب ما أخجل به ولا ما اشعر أنه قد يضر سواي


لأن الإنسان مسؤول من ربه فيما أضاع فيه وقته


وكل واحدة منكم كذلك هي مسؤولة عن الوقت التي تقضيه في أي شيء



يعني بنات بعيد عن قضية هذا الانتقاد لو تكلمنا في قضية عامة


إنه أحيانا يكون من الأسهل علينا نلوم غيرنا على أخطائنا نحن


بدل مانواجه الخطأ ونحله.. فالخطأ عندها يجر لخطأ..


يعني شابة تُغرق نفسها في قراءة الروايات لدرجة أنها تهمل دراستها أو مسؤولياتها


هل من المنطق أن تتهم من يكتبون أنهم السبب؟!!


الإنسان لابد أن يعرف كيف يفصل بين هواياته وواجباته.. الهوايات عُرفت أنها لوقت الفراغ فقط!!


والقراءة فعلا غذاء للروح ولكن في وقتها المناسب!!


وأنا أحمدالله أن ماكتبته وصل لأرواحكم وكانت نتيجته هذا الحب العميق الذي تغمرونني فيه


والذي اعتبر أنه أكبر نعمة أعادها الله علي من الكتابة..


.


.


ومن هنا أنتقل لمن حتى انتقدت أني صورت الزواج بصورة جميلة..


وأني أخدع البنات بذلك لأن الزواج كثير من المسؤوليات..


تـخـيـلـوا!!


هنا أقول اتقوا الله فعلا... هل مثل هذا الكلام يُقال؟؟


هذا الزواج قال عنه الله عز وجل أنه سكن لروح الإنسان..


(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها)


أم أنكِ ستتعدين على الذات الآلهية وتقولين إنه كلام غير صحيح؟؟


تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..


ولا أعتقد أنه حتى الطفلة التي عمرها 10 سنوات تجهل أن الزواج هو كثير من المسؤوليات..


فالبنات لا يتلقون معلوماتهم مني.. ولست مصدر المعلومات الوحيد في العالم!!


فالبنات اليوم يعلمون أكثر مما تتخيلون بكثير..


فهل كان من الأفضل أن أكتب لهم عن علاقات غير مشروعة؟؟


لأن الزواج كله مسؤوليات وانا أخدعهم حين أصوره بصورة جميلة!!!!!!!!!!


يا نبضات القلب.. هكذا الزواج يجب أن يكون في صورته الطبيعية.. تآلف أرواح تسكن لبعضها


لكن ماتسمعونه من المشاكل الكثيرة هو خارج عن الفطرة


لأن الناس هم من خرجوا عن الفطرة السوية!!


اللهم أحينا على فطرتك وأمتنا عليهم..


.


يابنات الله لا يحرمني منكم.. انتقاداتكم كلها على رأسي وفوق رأسي بعد..


بس خلكم موضوعين.. لأن انتقاد بدون موضوعية معناه بهتان وتجريح..


.


.


تدرون يا نبضات القلب


الرواية عمل فني معقد مهوب بسيط أبد..


وأنا سعيدة جدا إن اللي كتبته يقرونه قراء من مختلف الأطياف


أنا أعرف إنه حتى الجدات يقرون لي<= الله لا يحرمنا من جداتنا..


وأنه الشباب والبنات يقرون لي..


وأعرف بعد ومن زمان.. تحديدا من قبل أكثر من سنة.. إنه قصصي حضيت بإشادة أكاديمية في دراسات جامعية..


وأعرف بعد إنه فيه اللي مايقرأ لي أبد.. أو حتى مايعجبه كتاباتي وهذي حرية شخصية


ورأيكم على الرأس والعين


أنا ماصادرت أرائكم.. أحترم حريتكم الشخصية..


فياليت على الأقل تحترمون عقليتي..لأنه البعض يحاول تسطيح أفكاري أو إظهارها كأنها غير منطقية!!


يابنات هذي قصة لازم تختلف عن الواقع شوي عشان تكون جذابة


لأنها لو طابقت الواقع تماما سقطت في سجن الملل والجمود


لكن في نفس الوقت لازم إنه نظل نرتبط بخيط الواقع


وهذه معادلة صعبة يصعب المحافظة عليها.. كما لو أنك تمشي على حافة سكين


ومع ذلك أحاول الموازنة قدر جهدي والمحافظة عليها..


وأنا أحاول جهدي بأقصى طاقته.. واتعب فوق ما تتخيلون في صياغة القصة


إن أحسنت فمن الله وتوفيقه.. وإن أخطأت فمن نفسي


وهذا عمل إنساني نقصه أكثر من كماله كأي عمل إنساني


.


.


نرجع للقصة بعد ماصدعتكم بالهذرة <== ماصدقت تهذر.. فتحت حلقها ماسكته


غموض كساب <== مقصود ولن ينجلي قريبا.. خلكم تفكرون شوي!!


حتى البعض لاحظ إن كاسرة أجيب هي بشنو تفكر لكن كساب لا


بعد أقول مقصود.. وأنتظروا شوي.. الله لا يخليني منكم ومن دقة ملاحظتكم..


يمكن تكون البارتات الجاية حضور جوزا وعبدالله أكثر


لأن قصتهم معقدة أكثر ليس إلا.. وتحتاج معالجة أعمق وإلا فأنها ستكون تعاني من نقص في المعالجة


وبعدين أنا ما أحب أشعللها على كل الجبهات.. لأنه كذا بتضيع خيوط القصة وبيصير فيه نقص في المعالجة


كل الشخصيات بتأخذ حقها وبالكامل


بس مهلكم علي..


يعني أنا لا أركز حضور شخصية لمجرد أني أحبها.. لأنه لو على الشخصيات المقربة لي..


فهي مازالت بعيدة عن الظهور المنتظر!!


.


وإن شاء الله إن قدرت .. فيه بارت إضافي صغنون هدية لكم خلال هذا الأسبوع أو في نهايته..


حسب التساهيل إذا الله قدرني وخلصته..


وبنخلي وقته مفاجأة لكم..


.


بالنسبة للبارتات كلها حتى آخر بارت موجود في الصفحة الأولى


أحيانا أنا أضعه وأكثر الأحيان يتكرمون علي مشرفاتنا الغوالي بوضعه


ولكن مايحدث أنه تكون هناك أحيانا ردود مخالفة قبل البارت مثل ننتظر وما إلى ذلك


وأنا أعلم أنها سُتحذف..فإن وجدت مثل هذه الردود


أنتظر حتى يحذفها المشرفات لأنه بعد أن تحذف يتغير مكان البارت


ثم بعد ذلك أضع الرابط إن لم يكن مشرفاتنا العزيزات وضعوه


وغالبا أجدهم تكرموا علي بذلك <== الله لا يخليني منهم ولا من نفعتهم وخالص شكري لهم..


لجهدهم الواضح الدائم في الارتقاء بالقسم للأفضل..


.


فيه من سألت عن معنى عفسها بمعنى حاسها.. عفسة=حوسة..


.


أما الحلوة اللس سألت لو تحولت الرواية مسلسل


أقول لها عاد سامحيني لو ماقدرت أجاوب


لأني أساسا ما أشوف التلفزيزن من أكثر من سنة ونصف


أشوف الاخبار وبس


عقبالكم...


.


وقبل البارت أبي أشكر روح التفائل على إهدائها الجميل المبدع لبين الأمس واليوم


ألف شكر يا عذبة..


.


.


ويالله وأخيرا مع البارت الجديد


الرابع والأربعون


وطبعا ظهور خالاتنا نورة وسلطانة على الساحة أخيرا!!


.


قراءة ممتعة مقدما


وموعدنا الجاي الخميس..الساعة 8 صباحا


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.






بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والأربعون






عبدالله وصالح كلاهما التفتا مذهولين لناحية الباب..


بينما أبو صالح تقدم بخطوات ثابتة وهو يوجه نظرات مباشرة لعبدالله


ويهتف بنبرة صريحة مباشرة شديدة الحزم: ها ياعبدالله.. وش عندك؟؟..



عبدالله حينها تبادل النظرات المبهوتة مع صالح ..


فالإيمان بضرورة عمل الشيء مختلف تماما عن عمله على أرض الحقيقة!!


فرغم إيمان عبدالله بضرورة إخبار والده بالحقيقة..


ولكن حينما حانت اللحظة هاهو يجد الأمر غاية في الصعوبة..


كيف يخبره؟؟ كيف؟؟


ليس لديه أي توقعات حول ردة فعل والده.. ولكن أكثر مايخشاه أن يبعده والده عن حضن عائلته..


لن يحتمل مطلقا العودة للوحدة والألم واللوعة والقهر/المسميات والمشاعر التي عايشها طيلة السنوات الماضية حتى تشرّب بها!!



أبو صالح بنبرة غضب عالية صاخبة: عبدالله !!



عبدالله انتفض بعنف: لبيه يبه..


ثم أردف باختناق وهو عاجز عن ابتلاع ريقه.. ليس جزعا ولا خوفا..


ولكن هيبة واحتراما لمقام هذا الشيخ الذي أرهقته السنون..


خوفا عليه وليس خوفا منه: اقعد يبه جعلني فداك وأقول لك..



أبو صالح جلس على أقرب مقعد وهتف بحزم: وهذا أنا قعدت..


وش العلوم اللي في بطنك.. واللي لين الحين ماعلمتني فيها؟؟


مع أنه كان لازم(ن) عليك إنك تجيني أول ماطبيت الدوحة وتعلمني بكل شيء


لكن أنت ضيعت السنع أول وتالي..



عبدالله شد له نفسا عميقا.. ليبدأ حكايته مترددا مشوشا خجلا..


كان في بداية الحكاية يسترق النظر لوجه والده.. ليراقب تعابير وجهه..


ولكنه بعد ذلك بدأ يغرق رويدا رويدا في وجعه وهو ينزف الحكاية التي يستعيدها جمرات تحرق جوفه وتكوي مشاعره..


حكى له كل شيء من البداية.. لم يزد ولم ينقص.. حكى الحكاية كاملة..


استعاد وجيعته كلها.. غرق في وجع الحكاية حتى أذنيه..


امتلئت روحه حتى أقصاها بقيح الوجع حتى ماعاد قادرا على مجرد بصقه!!


ومع وصوله للنهاية وهو يستعيد مشهد فقدان صغيره..


كان صوته يرتعش وهو يمسح دمعات خائنة تسربت من روحه عبر عينيه..


فهو طيلة الأيام التي مضت كان يحاول السلوى والانشغال بأهله عن كل شيء


فإذا الفجيعة تعود لتتجسد بألمها حادا مرا غائرا ..غاص في روحه حتى أطراف نهاياتها المكلومة..


هاهو يقف أمام والده ليخبره كيف فقد كلاهما ابنه !!



حينما انتهى.. صمت..


لم ينظر حتى لوالده.. لم ينتظر ردة فعله.. فهو الآن في عالم خاص من وجيعة لا حدود لها..


مهما كان ماسيقوله له والده.. فهو لن يؤثر فيه في هذه اللحظات.. كما لو أنك تحاول ملء دلو ممتلئ أساسا..


كل ما سيحدث.. أن ما تسكبه فيه.. سيفيض خارجه!!..



أبو صالح وقف وهو يحاول جاهدا ألا تخذله قدميه...


لم يعلق هو أيضا..لم يقل كلمة واحدة!!


وإنما انسحب من المجلس تاركا ولديه فيه


وصالح يربت على كتف عبدالله الذي كان وجهه محتقنا بشدة!!


وكأنه يوشك على الانفجار بالبكاء !!..


أو البدء بالتقيء!!







***************************************







" الله يهداج جميلة ليه هالدموع كلها؟


مايصير تصيحين جذيه.. مو زين لج !! "



لم تجبه وهي مستمرة في ذات وتيرة البكاء المستمرة من أكثر من ساعتين


منذ غادرتها مزون ووالدها..



جلس جوارها على الأريكة وهو يربت على رأسها بحنان:


جميلة بس.. تبين نطلع مكان؟؟


نطلع نتعشى برا!!



جميلة انفجرت باكية بصوت أعلى: خليفة واللي يخليك.. خلني بحالي


أنا حاسة كني باموت.. وأنت تقول نطلع نتعشى برا !!



خليفة بنبرة مساندة: جميلة هذا أنا عندج.. وإن شاء الله مو مطولين..


كلها كم شهر بتمر هوا .. ونرد الدوحة..



جميلة دفنت وجهها بين ركبتيها وهي تشهق: أنا متى عرفتك خليفة؟؟


ما لي حتى شهرين..


لكن مزون وعمي زايد فتحت عيني على الدنيا لقيتهم قدامي..



حينها وقف خليفة ليمشي متجها للنافذة ويهتف بحزم أخفى خلفه ألمه الشفاف وهو ينظر عبرها للخارج:


جميلة وأنا ماطلبت منج تعتبريني مثلهم..


لكن تقدرين تعتبريني تصبيرة.. لو عجبتج التسمية..


لأنه مافيه حد معج هني غيري..


ملزومة تتقبليني.. أو ابجي مثل ماتبين..





.


.


.




في الطائرة التي حلقت قبل دقائق..



زايد يلتفت لمزون ويربت على كفها بحنو: يأبيش وش فيش مكتمة من يوم طلعنا من عند جميلة؟؟



مزون بحزن: جميلة كاسرة خاطري يبه... بكت لين الله شاف لها.. ماتت من البكا..


حاسة فيها والله العظيم...



زايد بابوية حانية: ولا يهمش يأبيش.. ولا تتضايقين..


وعد علي كل كم أسبوع أخذش يومين تزورينها


ولا يصير في خاطرش شيء يالغالية..



مزون بلهفة: صدق يبه!! صدق؟؟



زايد يحتضن كفها بكل حنان: ومتى أبيش قال ولا فعل؟!!







****************************************






"أبو عبدالرحمن!! "



التفت لها أبو عبدالرحمن وهتف بهدوء ساكن يختلف عن مشاعره الثائرة هذا المساء:


نعم.. وش تبين؟؟



أم عبدالرحمن بخفوت: أم صالح تقول تبي تسوي عشاء للنسوان ليلة الخميس أما في بيتنا أو في بيتهم


وأنا أبيه في بيتنا.. أبي أسوي لجوزا عشاء كبير.. واعزم النسوان.. مايصير تروح لبيت رجّالها كذا ماحد درا بها..



أبو عبدالرحمن بسكون: لا تخلين أم صالح تجيب شيء.. أنتو اللي سووا لعشا والترتيب ولا يهمش من المصاريف..


ثم أردف بنبرة أعلى: وياويلش تخلينهم يدفعون ريال..عشا بنتي ماني بعاجز(ن) منه..



أم صالح بذات الخفوت: إن شاء الله تم.. تم..



ثم شد له نفسا عميقا وهتف بحزم: وعشا الرياجيل ذاك الليل لا تهتمين منه..بأخلي المطعم يسوي الذبايح..


والخفايف اللي معه بأجيبها من مطعم ثاني..


اهتمي ببنتش وبس..





*******************************






" وش استعداداتش لليلة الخميس؟؟"



جوزاء تنظر لشعاع ولا ترد عليها وهي تتمدد بجوار ابنها النائم وتمسح شعره وتتنهد..



شعاع بلهجة جدية: ولو تنهدتي عشرين تنهيدة.. الحين أنا الصغيرة بأعلمش..


زواجش ليلة الخميس وأمي تبي تسوي حفلة كبيرة..


وأنتي لا حجزتي شعر ولا مكياج.. ولا حتى جهزتي وش بتلبسين؟؟



جوزاء بنبرة ضيق: شعاع اعتقيني.. ترا ذا الموضوع آخر شيء أبي أتكلم فيه..


ضايقة منه ومن طاريه..



شعاع برجاء: زين يعني بتطلعين للناس مبهدلة؟؟



جوزاء بتصميم غاضب: آخر شيء بأسويه أني بأطلع للناس مبهدلة


لا تخافين بأكشخ أكثر من كل مرة كشخت في حياتي..


ثم أردفت بألم: هذا كن الكشخة تصلح ما أفسده الدهر..



شعاع بغضب: رجعنا لطير يا اللي..


تدرين جوزا لو أنتي آمنتي في داخلش بجمالش.. الناس بيشوفون ذا الجمال..


بس دامش أنتي تقللين من قدر نفسش.. وش بتكون ردة فعل الناس..



جوزاء بإرهاق: شعاع اعتقيني الليلة بس.. مقروفة منه ومن طاري زواجنا الله يأخذه..



شعاع وكأنها لم تسمع شيئا مماقالته: اشرايش تلبسين فستانش اللي خلص عند المصمم ومارحتى تجيبينه..



جوزاء بجزع: تبين ألبس فستاني اللي كان لعرسي مع امهاب؟!!..


مستحيل ألبس فستان عروس..



شعاع باهتمام: زين وش بتلبسين؟؟



جوزاء تريد أن تنتهي من الحاحها: بألبس الفستان الأحمر اللي كنت مجهزته لوصار مناسبة عقب..


خلاص شعاع فارقيني الله يرحم والديش..



شعاع بذات الإلحاح: زين نروح بكرة السوق تكملين تجهيز..


تكفين جوزا لا تعصبين.. أدري أنش متضايقة..


بس عاد لا تفشلين روحش في الناس.. وتخلين روحش مطنزة لهم..



جوزاء قفزت وهي تصرخ بغضب وترتعش: كيفي.. كيفي ..أنا المطنـزة وإلا أنتي؟!..


طول عمري وأنا مطنـزة.. وش فرقت الحين؟!!


اطلعي برا.. ارحميني خلاص.. برا..



شعاع جرجت أذيال حرجها خارجة.. بينما جوزاء عادت لموالها الذي بدأ منذ عودة عبدالله ومازال..


موال دموع لا ينتهي..


"خلني أخلص دموعي الحين.. لأني مستحيل أشمته فيني وأخليه يشوف دموعي


زين يا عبدالله زين!!


تبي ترجعني؟!!


بأرجع لك بس ذنبك على جنبك!!


وذنبي أنا بعد على جنبك"







***************************************






" خالد وش فيك متعومس؟؟"



يهتف لها بهدوء عميق: مافيني شيء.. ارقدي ياصافية.. أنا مافيني نوم..


وأنتي عادش تعبانة والسهر مهوب زين لش..



أم صالح بقلق: تبيني أرقد وأنت ذاهن!! ياكبرها عند ربي !!


قل لي وش فيك؟؟.. مهوب عوايدك السهر..



أبو صالح بعمق: مافيني شيء.. بس مافيني رقاد..


شوي وبأقوم أصلي وأقرأ قرآن لين يجيني نوم وإلا لين أصلي الفجر..


ارقدي يالغالية.. جعله نوم العافية!!



" نامي.. أريحي أعصابك التي أرهقها طول الهم!!


فماذا تريدين أن أخبرك ياصافية؟؟ بماذا أخبرك؟؟


هل أخبرك حكاية الجلاد والضحية اللذان أصبحا شخصا واحدا؟؟


هل أخبرك كيف نحر ابنك نفسه وبيده؟؟


هل أخبرك أنه طعن نفسه بسكين طعنني بها؟؟


هل أخبرك أن وجيعتي أكبر من وجيعته وفجيعته أكبر من فجيعتي؟؟


هل أخبرك أن شعر جسدي قد وقف من مجرد الوصف فكيف بمن رأى مالايوصف بالكلمات؟؟


هل أخبرك أني حزين وغاضب ومغبون؟؟


هل أخبرك أن بودي أن أصفعه ألف مرة وأن أخذه تحت جناحي وفي حضني ألف ألف مرة؟؟


هل أخبرك أن بودي أن أمزقه بالعتب والتوبيخ حتى أجعله أشلاء؟؟


وأن بودي لو أستطعت أن أحمل عنه كل حزنه ويأسه وألمه حتى يعود قلبا خاليا من الهم كما كان؟؟


فأنا شيخ أثقله الهم ولن يضيرني حمل المزيد..


فكم بقي لي من العمر المكتوب في غيب رب العالمين؟؟


لكن هو شاب صغير أثقلته الهموم وهو لم يبدأ حياته بعد!!


وأي هموم يأم صالح؟!! أي هموم؟؟ هموم لو حملها الجبل لانهار


وهو مازال صامدا أو يدعي الصمود!! "



أم صالح تمددت بعد أن وقف أبو صالح على سجادته وأطال في صلاته


قضت وقتا طويلا تراقبه وهو يصلي..


حينا يقف وحينا يصلي جالسا على مقعد حين تتخاذل قدماه..


عيناها ترقبانه حتى غفت من التعب رغم قلقها من حاله..


بينما هو حينما أنهى صلاته.. وأكثر من الدعاء بعده


وجد قدماه تقودانه إلى مكان أتعب قدميه الهرمتين الصعود له


وقضى وقتا طويلا هو يتسند على حاجز الدرج حتى وصل لغرفته بصعوبة!!



فتح الباب بخفة..


تجاوز غرفة الجلوس لغرفة النوم.. وجده يصلي


عاد ليجلس في غرفة الجلوس..


عبدالله شعر بدخول أحد.. لذا حين سلّم.. توجه ليرى من الداخل


انصدم بوجود والده صدمة كبيرة .. فهو يعلم أن والده لا يصعد الدرج مطلقا ومنذ سنوات.. منذ أجرى جراحة في ركبته..


هتف بعتب ممزوج بالاحترام والقلق العميق: يبه طالع هنا بروحك


كان كلمتني ونزلت لك..



أبو صالح أشار للمكان الخالي جواره وهو يهتف بعمق يخفي خلفه حنينا شاسعا:


تعال يأبيك.. تعال اقعد جنبي..



عبدالله شعر بالطعنة العذبة التي اخترقت قلبه مع نبرة والده الحانية وهو يقول له "يأبيك" وهو يربطه به.. ويقربه منه


شعر أن كل هذا كثير عليه.. كثير جدا!!


عبدالله انحنى على يد والده مقبلا وهو يجلس على الأرض عند قدميه..


ثم يدفن وجهه في حضن والده وهو ينتحب كطفل صغير..


ينتحب كما لم يفعل في حياته كلها.. ينتحب في حضنه كما كان ينتحب وهو طفل لا يتجاوز عمره بضع سنوات..


لم يخجل أو يتردد من سكب وجيعته ودموعه في حضن والده..


لآنه يعلم أنه الآن يستطيع أن يقول أنه عاد إلى حضن وطنه بشكل كامل!!


فعلاقته بوالده لطالما كانت فريدة ومختلفة وعميقة!!


وكم افتقد حضنه!! كم افتقده!!



أبو صالح ربت على ظهر عبدالله وهو يهتف بوجع عميق متجذر حتى أقصى روحه:


الله يواجرك يأبيك على قد صبرك..


على كثر ما أنا زعلان(ن) منك ذا الحين.. على كثر ما أنا زعلان(ن) عليك..


وبين زعلي عليك وزعلي منك.. مابقى في رأسي كون ذا الروح الطاهرة اللي راحت بدون ذنب..


كل شيء ماعاد له قيمة.. وش عاد يفيد لو تشرهت عليك.. أو زعلت عليك.. أو قلت أني ما أصدق انك تسوي ذا كله!!


شفت في حياتك اللي أكبر من شرهتي وزعلي بواجد..


الله يواجرك يابيك.. الله يواجرك!!







**********************************







" الحمدلله على سلامتكم


مابغيتوا تجون.. وأنتو مهمليني بروحي"



زايد يلتفت لعلي الجالس جواره في السيارة ويهتف بمودة: ما يخليك ربك..



بينما مزون الجالسة في الخلف هتفت باهتمام: أنت وشأخبارك.. كنت تأكل زين وإلا كالعادة ناسي الأكل؟؟..



علي يضحك: أنتي وخالتش ما تشوفوني إلا همكم على بطني..


الحمدلله زين..



زايد بحزم: زين دامك ماتبي تحكي عن الأكل.. وشأخبار الشغل..



علي يبتسم وعيناه على الطريق: الله يهداك يبه.. اللي يشوفك يقول ماتدري وش أخبار الشغل


مدير مكتبك كل خمس دقايق يتصل فيك.. العلوم عندك أكثر من عندي..



زايد يبتسم: أحب أسمع منك..



علي حينها هتف بجدية: كل اللي طلبته مني سويته مثل ما طلبت..



حينها هتف زايد بنبرة مقصودة: وعسى جازت لك شغلتنا.. ترا ما يتعارض إن الواحد يكون دبلوماسي وعنده بيزنس..



علي بضيق: يبه مالها داعي ذا السالفة.. أنا مخي مهوب مخ تجارة وعقارات..


وبعدين بين الدبلوماسية والتجارة خط رفيع من النـزاهة.. أفضل ما أقرب منه لا ينقطع..



زايد بحزم: أنا ما أغصبك على شي ماتبيه.. بس أبي يكون عندك خلفية عن كل شيء..


بكرة لا خذ ربك أمانته.. ذا الشركات وش بتسوون فيها؟؟..


تبيعونها وتخسرون مصدر خيركم..



علي بجزع: ما أشين ذا الطاري.. إلا عمرك طويل في الطاعة إن شاء الله وأنت اللي تحاضي حلالك..



زايد بنبرة مقصودة: وحلالي وحلالكم ويش؟؟



مزون تتدخل لتهدئة الجو: يا شين سوالف الشغل لا حضرت.. أنا تعبانة من السفرة وجوعانة ما كلت شيء في الطيارة


خلونا نروح البيت نتريق ونعين من الله خير..






****************************************






يجلسان على ضفاف بحيرة جنيف أو كما تُعرف أيضا ببحيرة ليمان من ناحيتها الأخرى.. ناحية مدينة لوزان..


فهذه البحيرة هي الأكبر في أوربا الغربية.. ويقع على ضفافها عدة مدن سويسرية وفرنسية..


وشكلها يشبه هلال يمتد بين الدولتين ولكن مساحتها الأكبر في سويسرا..




يرن هاتف كاسرة.. ترفع الهاتف ثم تهمس بابتسامة: كسّاب أختك مزون..



في داخله ومهما كان غضبه من شقيقته فهو يستحيل أن يقلل من قدرها أمام زوجته..


أجاب بتلقائية محترفة: تلاقينها استحت تتصل فيني.. ردي عليها وعقب عطيني أكلمها


توهم جايين اليوم الصبح من عند بنت خالتي..



كاسرة تناولت هاتفها وردت بلباقة: هلا والله..



مزون بخجل رقيق: هلا بش.. آسفة لو أزعجتكم.. بس قلت لازم أكلم أشوف أخباركم..



كاسرة بذات النبرة اللبقة: لا أزعجتينا ولا شيء.. حياش الله


والحمدلله على سلامتش


أشلون جميلة يوم جيتي منها؟؟



مزون تبتسم: الله يسلمش.. وجميلة طيبة وتحسنت واجد..



كاسرة بابتسامة رقيقة: الله يتم عليها عافيتها.. هذا كسّاب عندي بيكلمش..



حينها لم يفت ذكاء كاسرة ارتعاش صوتها وصدمتها التي حاولت إخفائها وهي تهمس: يبي يكلمني؟؟!!



كاسرة وهي تنظر لعيني كسّاب وتهمس بهدوء: إيه.. هذا هو أخذيه..



كسّاب تناول الهاتف ليضعه على أذنه ويهتف بحزم: هلا مزون.. أشلونش؟؟



مزون أجابت بارتعاش: أنا طيبة..


أنت أشلونك.. عساك مرتاح؟؟



كسّاب بذات نبرته الحازمة: الحمدلله.. تبين شيء من هنا؟؟ توصين على شيء؟؟



مزون ارتعش صوتها أكثر: لا فديتك.. أبي سلامتك بس..


ثم اردفت رغما عنها بألم شاسع: ورضاك..



كسّاب بذات النبرة الحازمة التي لا تتغير رغم أنه يشعر فعلا أن قلبه كما لو كان يُعتصر بقسوة..


فمهما يكن هذه صغيرته ومهما أنكر عليها.. فهو لا ينكر ألمه على نفسه:


سلمي لي على إبي وعلي.. وإذا تبين شيء كلمينا..



حينما انهى المكالمة أعاد لكاسرة هاتفها.. وغرق في صمت غريب.. ارتعاش صوتها لم يفارق أذنه..


لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا؟؟


لماذا لا يستطيع أن يقول لها أني راض عنك؟؟..


لماذا لا يستطيع على الأقل أن يقول لها:


" غلاش تراه يزيد ماينقص


ولا تظنين إني ارخصتش يوم


بس وجيعتي على قد غلاش


ومثل ماغلاش ماله حد.. وجيعتي مالها حد!!


ومهما حاولت أنسى.. غلاش يذكرني!!"



كاسرة همست بنبرة هادئة عفوية: صحيح أختك حبوبة.. وفعلا القلب ينفتح لها


بس تدري من اللي نفسي فعلا أشوفه من هلك؟؟



كساب بهدوء مشابه: من؟؟



كاسرة هزت كتفيها وابتسمت: ابيك !!



حينها ابتسم كسّاب: وش معنى؟؟!!



كاسرة بابتسامة عذبة حماسية: باموت نفسي أشوفه وأتكلم معه..


ما تتخيل وش كثر أنا معجبة فيه!!



حينها تناول كساب أناملها بين أناملها لترتعش ارتعاشها الدائم الذي لا تعرف له سببا..


بينما كان كسّاب يهتف بنبرة مقصودة: زين ولده ماله نصيب من الإعجاب؟؟



ردت عليه كاسرة بذات نبرته المقصودة: ولده له نصيب من كل شيء..


بس لو أعرف وش اللي في رأسه؟!!






*******************************************






صباح اليوم التالي




" قوم نروح للمستشفى.. عشان يشيلون جبس يدك اليسار"



كانت هذه إشارة مهاب لتميم الجالس في غرفته..


تميم أشار بعينيه لغترته على المقعد جواره... مهاب تناولها وألبسها له..



ابتسم وأشار له بمودة: خلاص هانت.. الحين تقدر تستخدم يد.. وقريب إن شاء الله تستخدم الثانية..


ثم أردف بإشارة أخرى: بأسال الدكتور اليوم لو يقدر يخفف لك جبس يدك اليمين قبل عرسك..


ويحط لك جبيرة خفيفة..



تصلب جسد تميم بعنف.. ورغما عنه مع ذكر موعد زفافه الذي بات يثير قشعريرة قرف ورفض عميقين في روحه


مع مرور الأيام أصبح يرفضها بكل مشاعرها.. ورفضه لها يتعمق ويتعمق..


حتى أصبح حاجزا صلبا يحيط بمشاعره..


والحاجز الجديد الذي أحاط بتواصله مع الآخرين مع كسر يديه جعل مشاعره تصبح أكثر تعقيدا وقوة..



هز رأسه بإشارة مموهة.. لا يُعلم أي تعبير يقصد منه... وهو يقف ليتبع مهاب إلى سيارته!!






*************************************







" تعبانة أبي أنام شوي"



كساب وهو يضع له ملابسا في حقيبته ويهتف بحزم: وين تنامين.. بنطلع الحين


السيارة تنتظرنا تحت..


جهزي ملابسش



كاسرة بإرهاق وين بنروح تونا رجعنا جنيف..



كساب يشدها بحزم: إذا وصلنا ارتاحي.. المكان أصلا قريب واجد..


بنروح مدينة فرنيه الفرنسية لاصقة في جنيف


وعقبها ديفون في فرنسا بعد.. بنأخذ في ذا الجولة تقريبا 3 أيام وعقب بنرجع لجنيف..



حينها هتفت كاسرة ببرود غاضب: زين صار لنا في لوزان يومين.. ولا حتى جبت لي طاري وين بنروح عقب


الحين تقول لي..



كساب ببرود مشابه: هذا انتي عرفتي... خلصيني..



كاسرة كان بودها أن ترفض.. كثير من تصرفاته تثير غيظها.. لا يستشيرها ولا يخبرها بأي شيء..


كان بودها أن ترفض فعلا.. ولكنها لا تضمن ردة فعله.. وهي تريد أن تنهي هذه الرحلة على خير.. وفي موعدها المحدد..


من ناحية أخرى لا تستطيع أن تنكر أنها أصبحت تستمتع كثيرا بصحبته... فهو خبير سفر من الطراز الأول..


وحين يكون مزاجه رائقا.. فهو يتدفق بحديث ممتع عميق حول كل شيء يراه..



"زين ياكسّاب.. زين.. خلنا لين نرجع الدوحة بس!!"


توجهت لتفتح حقائبها وهي تهتف ببرود: زين وعقب مانرجع لجنيف وين بنروح؟؟



كساب بنبرة عدم اهتمام: تدرين وقتها !!






*******************************************






بعد يومين آخرين




" تعال ياعريس خلني أدخنك"



هذه الليلة سعيد إلى أقصى درجات التوجس..


أحقا أصبح حلمه قريبا منه ؟!!


أحقا ستدفئ أنفاسها صدره البارد؟!!


يقرب غترته من المبخر الذي ترتفع منه رائحة العود الفاخرة والذي تحمله عالية وهي تبتسم: إلا ليش منت بلابس بشت؟؟



عبدالله بابتسامة: أي بشت الله يهداش.. خلاص راحت علي


إلا تعالي.. وش ذا الزين؟؟ لا يكونون قايلين لش بتشوفين عبدالرحمن


وإلا بتقابلينه من ورانا؟؟



عالية تبتسم: يا ليت.. أحسن من مقابل وجيهكم..


خسارة الكشخة اللي مهوب شايفها..



عبدالله يضحك وهو يشد أذنها: عيب يا بنت استحي..



عالية تدعي الألم: فك أذني.. أنت اللي قلت وعقبه تبي تعاقبني..



عبدالله صمت لدقيقة ثم هتف لعالية بعمق: عالية.. تغير شكلها؟؟



عالية بتساؤل: من؟؟


ثم أردفت بنبرة أعلى: إيه جدتي!!


بتشوفها الليلة وتعرف تغيرت وإلا لا؟



عبدالله بذات العمق: جد عالية أنا أسألش..



عالية تبتسم: شكلا ماتغيرت.. بس


ثم أردفت بسكون: بس اللي داخل الشكل تغير واجد..


ثم حاولت أن تعود للابتسام: بس يمكن أنت تلاحظ تغيير في الشكل


لأنه تدري احنا نشوفها دايم فما نلحظ التغيير


لكن أنت لك 4 سنين ماشفتها.. وأتمنى التغييرات لو شفت تغيرات تعجبك..



عبدالله يهمس في داخله بألم اشتياقه (عاجبتني على كل حال!!)






********************************************







"تدرين ترا ابتسامة صغيرة ماراح تضر


تدربي عليها قبل تنزلين للنسوان!!"



جوزاء بضيق: تدرين أنش متفرغة!!



شعاع بابتسامة: وليه ما أتفرغ.. عندنا عرس وعروس كنها قمر..



جوزاء بذات الضيق: حسن وين راح؟؟ قبل شوي كان هنا..



شعاع بتلقائية: عبدالرحمن اتصل فيني يبيه.. وخذه معه المجلس.. ريحي بالش بس..


ويالله ابتسمي..



جوزاء باختناق: أحاول والله العظيم.. بس ماني بقادرة..



شعاع هزت كتفيها وهمست بنبرة عدم اهتمام مصطنعة وهي تنظر للمرآة وتعدل تسريحة شعرها:


عادي خلش مكشرة.. شمتي خالاتي الحلوين نورة وسلطانة فيش


الثنتين مرتزين تحت.. أول حد وصل.. مجهزين عيونهم تقولين كشافات


وأكيد عقبها مجهزين ألسنتهم..


ثم أردفت وهي تغير صوتها بطرافة: شفتوا جوزا كنها في عزاء.. مادة البوز..


ياعزتي لولد أختي المزيون..



حينها تغيّر وجه جوزاء وهي تهمس بغضب: قاعدين تحت؟؟



شعاع تبتسم وهي تهز رأسها.. حينها أردفت جوزاء بحزن: وأنا بأعيش عمري وهم وراي وراي..



شعاع جلست جوارها وهي تربت على كفها وتهمس بحنان:


جوزا كلام الناس عمره مايخلص إن كان خالات رجّالش ولا غيرهم..


اعرفي أشلون توقفينهم بلباقة... وبعدين أساسا ليش تخلين لهم لسان..


أنتي خليهم يبلعون ألسنتهم في حلوقهم..



جوزا وقفت وهي تنظر لنفسها في المرآة وتهمس بمزيج من التصميم والكراهية:


وأنا ماني بعاجزة أخليهم يبلعون ألسنتهم هم وغيرهم


هذاك أول.. يوم أني أبلع غصتي وأسكت..







*****************************************






" امهاب.. منت بجاي؟؟"



مهاب يشد على هاتفه في يده ويهتف بحزم: اعذرني عبدالرحمن.. ما أقدر


أنا وصلت تميم لكم.. هذي بنت عمته.. لكن أنا أعذرني..



عبدالرحمن بتصميم: امهاب لازم الموضوع يكون عادي عندك..



مهاب بذات الحزم: بس أنا ماني بكاذب عليك وأقول لك إنه عادي


مهما كان هذي كانت زوجتي قبل أسبوعين بس..


يعني حتى شكلي بين الرياجيل مهوب زين.. مالي حاجة في الجية


جعله مبروك.. بس بعيد عني..



عبدالرحمن يتنهد: خلاص امهاب.. خلاص.. أنا عقب العشا بأجيك في مجلسك



انتهى الاتصال.. ولكن المرارة المتأصلة التي يشعر بها في روحه لم تنتهِ..


لا يلومها.. فهي تريد أن تربي ابنها بينها وبين والده...


ولكن ألم تستطع الانتظار لأشهر فقط.. وكأنها لم تصدق تخلصها منه حتى تُزف إلى غيره..


إحساس مثقل بالمرارة والمهانة يغرق روحه..


مسح وجهه وهو يهتف بعمق متألم: أعوذ بالله منك يا أبليس..


يا الله ياكريم اشرح صدري..







**********************************






" مبروك ياعريسنا"



عبدالله يلتفت لصالح ويهمس له بهدوء: الله يبارك فيك..



صالح يبتسم ويهمس له بخفوت: وش إحساسك بعد مارجعت أم حسن؟؟



عبدالله يبتسم ويهمس له بصدق: مستانس أكثر بكثير من زواجنا أول مرة..



ولكنه لم يخبره عن كم التوجس الموجود خلف السعادة البريئة


عن إحساس القلق الذي يخنق روحه..


مستعد لكل شيء من أجلها.. مستعد لأقصى الاحتمالات..


ولكنه يبقى عاشقا يريد أن يرى لمعة الحب في عيني حبيبته!!


فحتى متى ستضن عليه بهذه النظرة؟!!








***************************************






" ياويل حالي.. كل ما أشوفها أحس أني باسخن"



نجلاء تبتسم وهي تهمس في أذن شقيقتها: ماعليش قصور يالبرصاء..



سميرة تبتسم وهي تنظر لجوزاء المتألقة في فستانها الأحمر وشعرها الذي يتناثر على كتفيها في تموجات لولبية راقية..


وهي ترسم على شفتيها ابتسامة محترفة غاية في اللباقة.. ليس مبالغا بها.. ولا يبدو مطلقا أنها مصطنعة ..


بل كأنها عفوية وهي مغلفة بخجل رقيق تلقائي أو تم تمثيل التلقائية ببراعة..



سميرة تهمس بخفوت في أذن شقيقتها: يأختي وغير ذا البرص..


بأموت أبي لي جسم مثل جسمها.. شوفي رقبتها وخصرها وبس.. أخخخ..


آه ياقلبي.. مسخنة أنا من ذا الحين.. عِسّي رأسي أكيد حرارتي ألف الحين..


ثم أردفت بـ(بعيارة) : زين إنها ماوافقت على رجّالش.. والله لو رجالش شاف ذا الجسم


إن قد يتفل في عينش أنتي وتدلعاش الماسخ عليه..



نجلاء تقرص سميرة في مكان مخفي من جنبها: زين ياقليلة الحيا.. دواش عندي..



سميرة تدعك مكان القرصة وتهمس باستياء مرح: أفا يأم خويلد أنتي عارفتني برصا تبين تشوهيني قبل عرسي..



نجلاء بغيظ باسم: قومي شين علومش يالبرصا.. هذي سالفة تقولينها؟!!



سميرة تضحك بخفوت: أنا وحدة أقدر الجمال الخاص وأعرف أقيمه..


صحيح أنتي أحلى.. بس عند جسمها يروح زينش وطي..



نجلاء بذات الغيظ الباسم: سكري ذا السالفة اللي كنها وجهش..


المرة مرت حماي يالخايسة..


وبعدين أنا كنت عارفة إنها عمرها ماراح توافق على صالح..


وبعدين هو أصلا كان يخطب عشان يغيظني وبس... صالح مستحيل يتزوج علي..



سميرة ترقص حاجبيها: خلش في ذا الثقة بس.. يمكن صويلح الحين تزوج في السر من وحدة تجيب له البنت اللي هو يبي..


وأنتي منتي بفالحة تجيبينها له...



نجلاء تقرص سميرة للمرة الثانية: ياكرهي لش اليوم.. كل السوالف اللي تمغث جبتيها..



سميرة تضحك وهي تنظر لجوزاء: سامحيني ياوخيتي.. من يوم شفت ذا الشوفة وأنا مخي خبطت مكينته.. الله يهني أبو حسون بأمه..



نجلاء تغمز لسميرة: إلا أشلون خلتش أمي تجين اليوم.. لين اليوم وهي معيّة..



سميرة تبتسم: شعاع كلمتها وترجتها.. قالت لها هي مجرد حفلة والمعازيم مهوب كثيرين..



نجلاء تبتسم وتهمس بحنين: ماني مصدقة أنه ماعاد باقي على عرسش إلا 3 أسابيع..


.


.



زاوية أخرى من مجلس الحريم الواسع في بيت أبي عبدالرحمن




"هذا والله الحظ اللي يفلق الصخر..


تطلقت من طيار هي أول بخته.. عشان ترجع للمهندس اللي يطيح الطير من السما


والمشكلة مابها زود.. وش عليه ذا الهدة عليها؟؟ "



نورة تلتفت لشقيقتها الصغرى سلطانة وهي تهمس بغيظ:


كنت أبيه لمنيرة.. بس حظ الجويزي أم لسانين رده عليها أول وتالي..



سلطانة تبتسم: هذي منور متوفقة مع رجالها.. وعندها أربع عيال.. ومستانسة ومرتاحة..



نورة بتأفف: قطيعة تقطعه.. ماينزل لي من زور رجّالها ولد غرسة..



كانت نورة في أواخر الخمسينات وبينها وبين سلطانة مايقارب عشرين عاما


فسلطانة كانت في التاسعة والثلاثين وهي أصغر البنات وبينها وبين نايف 14 عاما..



قاطع أحاديثهما اقتحام عالية للحديث وهي تهمس بتقصد:


خالاتي حبيباتي.. وش ذا المساسر عليه؟؟



نورة بنبرة تحسر: وش حن بنقول... نقول مسيكين ولد أوخيتي اللي ماتوفق أول ولا تالي...


هم خلصوا النسوان.. يوم ربي أنقذه من ذا النسرة.. يعّوّد عليها..؟؟



عالية بنبرة مقصودة: جازت له أول وتالي.. ماقدر يصبر على فرقاها..



سلطانة بتأفف ساخر: وش عليه ياحظي؟؟ على زينها؟؟ وإلا على ذرابة لسانها؟؟



عالية تبتسم وهي تهمس بثقة: في عينه شيخة النسوان.. والمهم رأيه مهوب رأي غيره..



نورة بغضب: إنها عوايدش يابنت صافية طولت ذا اللسان..


الحمدلله أنش ماوافقتي على ولدي..



عالية بخفوت ساخر: والله ولدش ماله من الذنب إلا أنه ولدش..



نورة بتساؤل غاضب: وش تقولين يام لسان؟؟



عالية تبتسم: أقول سلامتش ياخالتي وحياش الله.. نورتينا..



حينها همست سلطانة بتقصد: زين دامش ماتبين نحكي عن مرت عبدالله


خل نحكي عن نايف.. أكيد أنتي اللي مطلعة في رأسه سالفة بيع البيت


أعرفش تحنين في أذنه مثل السوسة..



عالية تهز كتفيها: والله نايف رجّال وشوره في رأسه.. بس الظاهر غيري هو اللي يحن في أذنه مثل السوسة..



نورة حينها همست بنبرة مقصودة: ترا مثل منتي ماتبين حد يتدخل في أخيش


ترا حن بعد مانحب حد يتدخل في أخينا..



عالية تبتسم باصطناع: خالتي أنا ما أحب حد يتدخل في أخي ولا حتى أنا..


والمفروض نايف نفس الشيء.. ماحد يتدخل فيه ولا حتى أنتم..


نايف رجّال مستقل.. ومهوب عشانه حاشمكم لأنكم خواته العجايز تصدعونه..



نورة بغضب: عجزت عظام العدوين... روحي يا بنت فارقي


شوفي النسوان تقهوا أخير لش.. قدام أعلم أمش بطول لسانش.. تسنعش..



عالية مالت على رأس نورة تقبله قبل أن تغادر وهي تهمس بمودة:


لا تزعلين علي خالتي فديتش.. بس والله أحيان تطلعيني من طوري..



نورة بغيظ مكتوم: خلاص روحي الله يستر عليش..


ثم أردفت بعد أن غادرت عالية وهي توجه الحديث لسلطانة:


حشا وش ذا البنت.. من وين جايبة ذا اللسان كله..


هذا وأمها صافية من صغرها وهي أهدانا..




.


.



ناحية العروس..



شعاع تجلس بجوار شقيقتها وتهمس بابتسامة وهي تنظر للأمام:


ها ياعروس شاخبارش؟؟



جوزاء ترسم ابتسامة مدروسة تماما وتهمس بسكون: شوفة عينش


فرجة لخلق الله.. واللي يبي يتطنز يتطنز على كيفه!!


ومبين خالات شين الحلايا شغالين حش فيني..



شعاع تبتسم : من حرتهم.. خلهم يطبخون.. الكل أصلا يسمي عليش.. لو تسمعين تعليقات سميرة بس


كان معنوياتش ارتفعت للتوب..



جوزاء تشعر أنها لا تنتمي لهذا المكان أبدا ولا لهذه الأحاديث ومع ذلك همست بذات السكون:


ياحليلها سميرة دايما هي ونجلا رافعين معنوياتي.. الله يوفقهم وين مالقوا وجوههم..



شعاع حينها همست بتردد: ترا أمي حالفة أنش ماتروحين بحسن الليلة..



حينها تغير وجه جوزاء وهي تهمس بغضب خفيض: وش حن متفقين عليه اليوم؟؟


قلت أني باخذ ولدي معي!!



شعاع ترسم ابتسامة أوسع باصطناع: فكيها الناس انتبهوا أنش كشرتي..


يابنت الحلال بس الليلة وبكرة الصبح أمي بتجيبه لش هناك



جوزاء بتصميم: مستحيل.. مستحيل.. لا جا وقت روحتي مع الزفت تفاهمنا..






.


.



" يامش عيب.. فكي وجهش شوي"



وضحى بسكون: يمه أكثر من كذا ما أقدر والله العظيم


صحيح يمكن أنا ماكنت أبيها لامهاب..


بس خلاص صارت مرته.. ولين قبل أسبوعين كانت مرته..


ما أقدر أنسى ضيقته حتى لو دسها عنا..



مزنة بهدوء: يأمش هذي بنت عمتش ولحم ودم.. بيني أنش مبسوطة


المهم توفيقها..



وضحى بذات السكون: وأنا أقول الله يوفقها من قلبي


بس عاد أكثر من كذا ما أقدر فديت قلبش..



قاطعهما ترحيب أم عبدالرحمن بهما للمرة الثانية وهي تهمس بمودة بعد ذلك:


بشروني من كاسرة.. وش علومها..؟؟



مزنة ابتسمت بتلقائية: طيبة وبخير وبتجي عقب كم يوم إن شاء الله..



أم عبدالرحمن بذات المودة: سلموا لي عليها إذا كلمتكم..



مزنة بمودة مشابهة: إلا بأخليها تكلمش بنفسها.. هي يمكنها مستحية تكلمش بس أنا بأقول لها..







**************************************







" عبدالرحمن قول لهلي يطلعون علي!! "



عبدالرحمن يبتسم: هلك كلهم كلهم..؟؟



عبدالله يبتسم: أنت عارف قصدي.. خل أم حسن تطلع لي.. أظني العرب كلهم سروا..



عبدالله أدخل سيارته لباحة البيت.. بينما عبدالرحمن توجه للداخل ليخبر شقيقته أن تتجهز للذهاب مع عبدالله..



في أثناء وقوف عبدالله خارجا أتى إليه أبو عبدالرحمن عاقدا ناظريه..


عبدالله نزل ليوجه له أبو عبدالرحمن الحديث قائلا بحزم شديد ودون مقدمات:


اسمعني ياعبدالله.. والله ثم والله لا عاد تزعل بنتي بأدنى شيء.. ماني بسأل من الغلطان


وماعاد يرضيني شيء إلا دمك..



عبدالله يبتسم وهو يقبل رأس أبي عبدالرحمن ويهتف باحترام:


ودمي حلالك.. وإن شاء الله أنه مايصير بيننا زعل..



أبو عبدالرحمن بذات الحزم: العلم وصلك.. ولا تحسبني أقول شيء ما أقصده


اللي أنت سويته في بنتي كبير.. وأي غلطة تغلطها على بنتي بأطلع الأولي والتالي..



عبدالله بذات نبرة الاحترام الودودة: مايصير إلا اللي يرضيك..




جوزاء في الداخل..


تشعر كما لو كانت تُقاد لقبرها.. كانت تريد أن تذهب بحسن معها..


ولكن أمها حلفت ألا يذهب وخصوصا أنه نام أساسا من التعب


على أن تحضره لها في اليوم التالي..



جوزاء ارتدت عباءتها.. وخرجت مع عبدالرحمن وهي تشعر كما لو كانت تمشي على شفرات مسنونة..


قابلها والدها عند الباب .. وقفت ووقف..


نظر لها بنظرة غير مفهومة.. هل هي حنين.. أم ألم.. أم غضب؟؟


همس لها بحزم: اسمعيني زين ياجوزا.. والله لا يزعلش ولد آل ليث ولا تعلميني


إنه زعلي عليش دنيا وآخرة..



جوزاء انتفضت بجزع وهي تقبل جبينه وتهمس بذات الجزع: الله لا يجيب زعلك طال عمرك في الطاعة


ثم أردفت بسكون: وإن شاء الله مايصير زعل بيني وبين إب ولدي.. لا تحاتيني..



ثم غادرته للخارج لتقطع المسافة بين الباب الخارجي وسيارة عبدالله القريبة الواقفة في الباحة..


كما لو كانت تقطع شرايينها وعروقها بوقع خطواتها على الأرض..





#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 30-09-10 07:04 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح الرحمات والرضا من رب العالمين


الله لا يحرمني من مشاعركم وتفاعلكم ومحبتكم


وجمعني الله بكم تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله


.


.


البنات ياحليلهم يستعجلون مزون


ويقولون أني لحد الحين ماركزت عليها


ما أعتقد فيه بارت أو بالكثير بارتين مايمر الحديث عنها وعن مشاعرها ومواقفها في الحياة


أو أن الظهور مايكون إلا لما أربطها بمهاب أوغانم ؟؟؟


فرضا إنه مزون ما انكتب لها تتزوج ولا واحد منهم


الدنيا مليانة بنات ماتزوجوا.. يعني يأما تتزوج أو يكون معناه إن مالها قصة؟؟


قصة مزون وبعيد عن وجود أي شريك لها من أعمق القصص في الرواية..


وعلى العموم العجلة شينة... :)


يا نبضات القلب هنا شوية شخصيات متشربكة تبي تفكيك.. خلونا نفكهم أول.. :)


ولكل واحد أولويته!!.. وكل واحد بياخذ دوره!!


.


ومن هنا أنط لطلب أو تعليق من أيام بعد الغياب ثم أسى الهجران والحين هنا


استعجال البعض للأحداث..يعني يقولون نبي احداث..وليه فلان ماحضر للحين؟؟


ونفس الرد كنت أرده بس هالمرة بأضرب مثال


يانبضات القلب الأحداث كلها في رأسي يعني أسهل شيء أقول وصار كذا وكذا وكذا


حتى جزء واحد ما أخذ.. وأريح رأسي


وأحيانا بعض الكاتبات لما يقعون تحت ضغط القراء والمطالبة أو التعجيل بالاحداث.. اوتعجيل شخصية معينة


يقعون في هذا الخطأ عشان يرضون القراء.. واللي يصير إن القصة تبدأ قوية وتنتهي ضعيفة


لكن أنا حقكم علي أنهي لكم الرواية مثل مابديتها..


لأنه الحدث ذاته أراه غير مهم بقدر أهمية وصول الإحساس لكم


والأحاسيس لا يمكن سلقها أبدا..


يعني مثلا أنتي تحبين المكرونة..


لكن تخيلي مكرونة مسلوقة في ماي وملح.. ومكرونة متسبكة ببهاراتها مطبوخة على مهل..


أيها ألذ.. وايها تشتهين تأكلينها مرة ثانية؟؟


.


ما أبي أطول هذرة أكثر من كذا.. لأني ياالغوالي تعبت كثير في بارت اليوم


جوزا وعبدالله استنزفوني واستنزفوا مشاعري وطاقتي!!


وأنا يوم أتعب أحب أسكت وأخليكم أنتم تستمعون بالقراءة


.


البارت الخامس والاربعون


.


قراءة ممتعة مقدمة مقدما


.


وفيه بارت صغنون بينزل بين بارت اليوم وبارت الأحد إن شاء الله


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.





بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والأربعون





في سيارته في الخارج..


تغتاله مشاعر أشبه بأعصار.. يؤمن أنه لم يُخلق عاشق مثله


قد يكون هذا العشق عقوبة له على كل مافعله..


ولكنه ختاما عاشق متيم..


هل هناك من هو مثله؟؟..



شهران قضاها معها.. أصبحت ذكراها فيها حلما أدفئ سنوات الصقيع بعدها..


وخلال كل هذه الأيام لم تغب مطلقا عن باله..


كل شيء يذكره بها رغم أنه لم ينساها حتى يحتاج لما يذكره!!..


رائحة الورد.. وملمس الحرير.. ومرور النسيم..


كل شيء عذب حمل له بعضا من طيفها ليشعر أن قلبه يُعتصر شوقا لها..


كان يحلم أنه سيعود يوما.. مجرد حلم باهت ولكنه كان يميته شيئا فشيئا..


حلم أنه سيعود ليحتضنها بين جوانحه..


أنه سيحتويها بين أضلاعه الذائبة ولعا واشتياقا..


أنه سيعود ليتنفس أنفاسها من قرب لتسكن روحه التي أثقلها الارتحال..


كان ينهر أحلامه.. ولكن الأحلام أبت أن تنتهر..


فهل كانت الأحلام تعلم أنها ستعود لتصبح حقيقة؟؟


هل كانت الأحلام تنبئه أن قلبه سيعود بين جنبيه بعد أن اُنتزع منه بكل قسوة؟؟


ماعاد حتى يحتمل الدقائق التي تفصله عنها..


ماعاد يحتمل بعدها عنه!!




هــي.. تخطو خطوات أشبه بالموت.. لم تصدق أنه اتنتهى من حياتها وأنه ستبدأ حياة جديدة ..


حتى يعود كشبح مرعب قفز من عالم الأموات ليفسد حياة الأحياء..


تتمنى لو تستطيع أن تتراجع الآن وهي تراه ينزل من سيارته ليفتح لها الباب


وهي تراه بهذا القرب منها بينما هي تتمنى أن يكون المخلوق الأبعد عنها..


يستحضر خيالها كل ذكرياتها المريرة معه وبسببه.. وكراهيتها له تتجسد وتتجسد..


تنظر له وهو يقف باسما بينما هي تتمنى لو تمزق ابتسامته الكريهة..


هل هو سعيد لهذه الدرجة أنه سيعود لأسرها؟!!



" لا تكن سعيدا لهذه الدرجة ياهذا.. لأنك أيضا ستكون أسيري


بقدر ما أنا تعيسة سأجعلك تعيسا


بقدر ماعانيت السنوات الماضية سأجعلك تعاني في سنواتك القادمة


ابتسم.. ابتسم الآن


فأنت لا تعلم ما الذي ينتظرك


تمتع بابتسامتك الجميلة البغيضة..فقد تكون هذه من مراتك الأخيرة التي تبتسم فيها"



عبدالله فتح الباب ووقف قريبا منه.. وهو يشعر أن قلبه سيقفز من بين جنبيه


يشعر أنه يؤلمه فعلا لفرط مايشعر من ضغط مشاعره العميقة..



جوزاء وصلت له فعلا لتتحاشى النظر له بشكل مباشر بينما عبدالرحمن يقبل رأسها ثم يهتف لعبدالله بمودة حازمة:


الله الله في أم حسن يأبو حسن..



عبدالله هتف بعمق وهو ينظر ناحيتها..فعيناه عاجزة عن مفارقتها:


ازهلها.. في عيوني!!



جوزاء ركبت وهي تشعر كما لو أن قدميها تخونانها وتتهاويان..


عبدالله ركب مكان السائق ثم التفت لها بتساؤل: وين حسن؟؟



جوزاء أجابته بسكون: نايم.. وأمي حلفت ما أخذه..



حينها ابتسم: لو عارف إن حسون مهوب رايح معنا كنت حجزت لنا في أوتيل..



جوزاء بنبرة ميتة: وش تفرق؟؟ كله واحد..



هتف بذات النبرة المبتسمة وهو يحرك سيارته: تغيير ليس إلا..



كان ينظر ليديها المعقودين في حجرها ويتمنى لو يمد يده ليحضنها بين أنامله ويلثم أطرافها..


يشعر أنه يحترق حد الترمد من رغبته في ضم أناملها قريبا من صدره..


ولكنه كتم رغبته في ذاته.. فهو لا يضمن ردة فعلها وهما في الشارع..



بقيت ساكنة تماما طوال الطريق لبيته غير البعيد.. بينما هو كان يحلق من إحساسه بقربها منه.. يحلق..


حين وصلا.. نزل ليفتح لها الباب..


كانت أغراضها كلها قد أصبحت في الأعلى بعد أن أرسلتها شعاع ورتبتها عالية..



قد تكون لم تقاطع هذا البيت.. فهي كانت تزور أم صالح من وقت لآخر


وفي كل مرة تدخل هذا البيت تشعر بضيق عميق يُطبق على أنفاسها..


ولكن لا شيء يشبه إحساس الاختناق القاهر الذي تشعر به الآن وهي تخطو خطوات مترنحة للداخل..


تشعر أن قدميها تأبيان التحرك.. وكأنهما يخبرانها أن تهرب..


وقفت وهي تتسند على الباب..


همس لها عبدالله بقلق: جوزا أشفيش؟؟



همست بنبرة كراهية صافية: مافيني شيء..



كانت تشعر بخجل عميق أن تقابل أي أحد في الداخل.. ولكن المكان كان خاليا تماما


كما لو أنهما تقصدا إخلاء الطريق لهما حتى لا يحرجاهما..


خطت خطوتين ثم عادت للترنح..


هتف لها بقلق أعمق: أشلش؟؟



فهتفت بجزع: نعم؟؟ لا لا.. بأطلع بروحي..



كان يبدو تماما أنها عاجزة عن الصعود.. وقدماها ترفضان التحرك لذات المكان الذي نُحرت فيه روحها المرة الأولى..



حينها هتف لها بحزم: خلاص بأسندش بس..


قالها دون أن ينتظر ردا منها وهو يحيط خصرها بذراعه ويمسك بها بقوة..


وشتان بين إحساسه وإحساسها..


في الوقت الذي ارتعشت بعنف وهي تحاول دفع يده و تشعر أن ذراعه سلسلة من نار أحرقت خصرها..


كان هو يشعر بتأثر عميق وهو يشعر بنعومة جسدها المرتعش ملاصقا لذراعه


هتف لها بحزم لطيف: جوزا الله يهداش بأسندش بس..



همست له بحزم ممزوج بالكراهية: لا تلمسني.. بأطلع بروحي..


قالتها وهي تتسند على أول حاجز الدرج وتبدأ الصعود..


بدا شكلها مثيرا للشفقة فعلا وهي تحاول الصعود بينما قدماها كأنهما صخرتان تأبيان التحرك..



حينها تفاجأت بنفسها محمولة بين ذراعيه..


كادت تبكي وذكرى مريرة لحمله لها قبل سفره بليلة تعود لذكراها..


همست بمرارة: نزلني عبدالله.. عيب عليك.. لا تفشلني في هلك..



هتف بحزم وهو يصعد الدرجات بسرعة: لو بأقعد أنتظرش لين تطلعين بروحش بنقعد لين بكرة الصبح..


وأنا متأكد إنه مافيه حد من هلي على طريقنا..



هتفت بذات المرارة ولكن بعمق أكبر: أكرهك أكرهك..



شعر حينها بما يشبه طعنة سكين تخترق قلبه بوحشية.. يعلم أنها تكرهه وأخبرته بذلك سابقا..


لكن أن تخبره وهما في ذات الوضع..


يحملها قريبا من قلبه وبين ذراعيه.. وهي تصفعه بكراهيته هكذا !!..



وصل غرفته ليهمس لها بحزم: عادي.. اكرهيني اليوم وبتحبيني بكرة..



همست بذات المرارة: مستحيل أحبك يوم..



فتح الباب.. لينزلها على الأريكة ويهتف بذات الحزم: بتحبيني غصباً عنش..



جوزاء اعتدلت جالسة على الأريكة وهي تغرق في صمت غريب.. بينما عبدالله هتف لها ببرود:


ترا نقابش عاده عليش.. تبين ترقدين فيه؟؟



أزالت نقابها وشيلتها بحركة واحدة.. لتصيب قلب المتيم في مقتل..


اشتاق لكل تفصيل صغير من تفاصيلها..


أهداب عينيها.. انحناء أنفها.. استدارة شفتيها.. كل شيء فيها!!



بينما استمرت هي في الصمت وهي تنظر لكفيها.. كان هو يسبر بولع كل ملامحها التي أضناه الاشتياق لها..


جلس جوارها لتنتفض وهي تحاول الوقوف لتبتعد عنه..


ولكنه لم يسمح لها وهو يشدها لجواره..


ثم وهو يديرها لناحيته ممسكا بعضديها وينظر لوجهها من قرب.. همست بنبرة كراهية مصفاة:


فكني.. خلني أقوم..



همس لها بعمق خافت: أفكش؟؟ ماصدقت أشوفش قدامي وتبين أفكش؟؟


أفك روحي تبعد عني؟؟


أفك قلبي وأخليه يروح بعيد مني؟؟



همست بسخرية مرة: وكذاب بعد؟!!



همس بمرارة عميقة: كذاب؟؟ أنا لو كذبت في أي شيء ما أقدر أكذب في حبش اللي خالط لحمي..



حينها انتفضت بغضب من أكاذيبه التي أثارت قرفها.. والتي لو كانت صدقا فهي أثارت قرفها أكثر وأكثر!!


حاولت القيام وهي تهمس بقرف: فكني.. أقرفتني بكلامك.. وكلك على بعضك تقرفني!!



همس بعمق خافت وهو مازال يمسك بها من عضديها بقوة: قلت لش ماني بفاكش..


أبي أشبع من شوفة وجهش قدامي.. أنا لحد الحين أحسب أني أحلم


خليني أتأكد إنش قدامي حقيقة..



قالها وهو يمد يده لوجهها بينما مازال يمسك عضدها بيده الأخرى..


مد يده وهو يتحسس تفاصيل وجهها ويده ترتعش لفرط انفعاله..


يشعر أن أنامله ستزهر من مجرد ملامسة ربيع وجهها..


تأخرت هي بعنف وهي تهمس بذات كراهيتها المصفاة: لا تقرب مني..



وهمس لها بذات عمقه الخافت الموجوع: ما أقرب؟؟ لو أقدر دخلتش بين ضلوعي..



قالها وهو يشدها فعلا بين أحضانه ويحتضنها بكل قوته..


انتفضت بجزع وهي تشعر برائحة عطره المركز الثمين تخترق صدرها..


عادت لها ذكرياتها المريرة معه حينما تشتم نفسها ويخيل لها أن رائحتها تزداد عفونة..


بدأت تلكم صدره بقوة بينما هو لم يشعر بالألم المتصاعد في صدره..


كل ماكان يشعر به هو نعومة جسدها بين ذراعيه..


رائحتها العذبة تعطر أنفاسه الداخلة إلى صدره..


روحها التي أسكنت روحه المهاجرة القلقة وكأنه يؤوب من منفاه..


وكأن العالم كله يسكن بين أحضانه ولا يريد مزيدا..


إذا كان العالم كله بين يديك.. فأي مزيد تريد؟؟



تبعد نفسها عنه بقوة ولكن دون جدوى.. فذراعيه احاطتا بها ككماشة حديدية..


عاجزة عن التنفس وهي تختنق في أحضانه.. آخر مكان تتمنى أن تكون فيه..


مستعدة أن تكون في ساحة معركة حقيقية والحرب دائرة حولها..


مستعدة أن تكون مسجونة في قبو تحت الأرض لا ترى الشمس ولا النور..


مستعدة أن تكون في صحراء خالية بدون زاد ولا ماء وفي منتصف ظهيرة عز الصيف..


مستعدة أن تكون في كل هذه الأمكنة ولا تكون هنا.. بين ذراعيه..



همست من بين أسنانها: عبدالله فكني.. فكني.. فكني..



ولكنه لم يكن يسمعها فهو كان يحلق في عالم آخر مختلف عن عالم كراهيتها


عالم حبه اللا محدود لها..


بدأت تصرخ بصوت مكتوم أن يفلتها.. لكنه لا يستجيب..


حين يأست أنه قد يفلتها.. غرزت أسنانها في كتفه..


وعضته بكل قوتها..



حينها أفلتها فجأة وهو يمسك بكتفه ويبتسم: يمه.. قطوة منتي بآدمية..



كانت أنفاسها تعلو وتهبط..وجهها محمر.. كانت توشك على البكاء


ولكنها وعدت نفسها أنها لن تبكي ابدا أمامه..


قفزت بعيدا عنه وهي تعدل شعرها الذي تشعث وتهمس بغضب عميق:


ماتفهم أنت.. قلت لك لا تقرب مني..



عبدالله يهز كتفيه ويهتف ببرود: وأنا قلت لش بأقرب وأقرب وأقرب..


أشلون يعني بتحرميني من حقوقي عليش..



جوزاء بذات الغضب: عشت معك شهرين وأنت متنازل عنها..


وش اللي تغير؟؟..



عبدالله بذات البرود: والله هذاك زمن وهذا زمن..


أنا ماني بجابرش على شيء.. بس إذا تبين تباتين والملايكة تلعنش.. هذا شيء راجع لش..



جوزاء انتفضت بجزع خوفا من غضب الله عليها.. شدت لها نفسا عميقا وهي تخلع عباءتها وتهمس بغيظ من بين أسنانها:


عطني بس فرصة أبلعك.. أنا ماني بطايقك.. ماني بطايقك..


اتق الله فيني..ماتنجبر روح على روح..



كانت تنتفض غضبا وغيظا.. بينما كان هو في عالمه الخاص لا يغادره وهو ينظر لصورتها المكتملة..


تشتعل مشاعره وهو يراها كشعلة نار متألقة في رداءها الأحمر..


حسن لا مثيل له في ناظريه هو!!


يتسائل تساؤله الأبدي : (هل هناك عاشق مثله في هذا العالم؟!


تصفعه بكراهيتها بينما هو غارق في هواها حتى مافوق أذنيه بالآف الكيلومترات!!)



مع ذلك هتف لها بذات البرود: أمممممم.. ماتنجبر روح على روح!!


زين.. أنتي كنتي عارفة ذا الشيء قبل ماتوافقين علي!!



حينها همست بتقصد وهي تبتعد وتستند وهي واقفة على طرف المقعد:


ليه أنت ظنك إن حن زوجين طبيعين بيعيشون حياة طبيعية؟!!



حينها هتف بنبرة سخرية: لا متزوجين عشان حضرتش تطلعين كل عقدش فيني


حفظتها هذي.. عندش غيرها؟!!



ردت عليه بسخرية مشابهة: لا ماعندي.. لين أطلع عقدي عليك.. لأنك مابعد شفت منها شيء!!



أسند ظهره للخلف وهو يهتف بذات نبرة السخرية:


زين لين ذاك الوقت تعالي اقعدي جنبي.. ماشبعت من شوفتش..



همست ببرود: اسمح لي أبي أسبح عشان أصلي قيامي..



حينها صرخ فيها بنبرة حازمة: أقول لش تعالي.. الليل عاده طويل.. كلنا بنسبح ونصلي..



ولكنها لم تستجب له وهي تتجه لغرفة النوم المفتوحة على صالة الجلوس


وتتجه للدولاب ولكنها قبل أن تفتحه فوجئت باليد القوية التي تديرها ناحيته وتثبت ظهرها للخزانة


وجهه قريب.. ويمور بالانفعالات.. بينما وجهها عامر بالبرود.. وعيناها تنضح بالكراهية..



همس من قرب بعمق خافت: تعصيني؟!!



ردت عليه ببرود: ماعصيتك.. قلت لك بأسبح..



همس لها بذات الخفوت العميق: وأنا قلت لش لأ.. يعني أنتي كذا عصيتني..



حينها همست بنفاذ صبر: خلاص فكني وأجي أقعد معك..


لين تقول لي أنت خلاص فارقيني.. والله يعينك على الكلام اللي بتسمعه مني


بتمنى أنك ماقلت لي اقعدي..



همس بولع عميق متجذر: مشتاق لكل حرف بتقولينه... وكل اللي تقولينه عسل على قلبي..



همست بغضب: زين فكني.. خلني أسمعك من العسل الأسود شوي..



أفلتها ليمسك بوجهها بين كفيه.. همست بقرف: أقول لك فكني..ماتفهم أنت..



كان ينظر لوجهها بحنين سرمدي.. يريد أن يشبع نظرا لمحياها فلا يستطيع..


كيف وهو ينظر لها من هذا القرب ؟!..


قربها يُسكره!! رائحتها تسكره!! روحها تسكره!! ذكريات قربها تسكره!!


اقترب أكثر ليصدمها بقبلته الدافئة الملتاعة الأشبه بأنين الموجوعين!!


موجوع هو حتى روح الروح.. موجوع بالشوق.. موجوع باللهفة.. موجوع باللوعة..


دفعته عنها بحدة.. وهي تصرخ بغضب عارم وتمسح شفتيها بقسوة:


ياحقير.. ياقذر.. أكرهك.. أكرهك.. ماتفهم.. ماتفهم..



ركضت باتجاه الحمام وتركته ممزقا بين مشاعره المتصارعة..


إحساسه الرائع القاتل بقربها.. وإحساسه المريع القاتل بقسوتها..


كلا الشعورين يغتالان روحه بذات الحدة والقسوة..



انهارت هي تبكي في الحمام ببكاء مكتوم.. لا تريده أن يسمعه..


تبكي كل مامر بها هذه الليلة.. كثير كل هذا عليها.. كثير..


لم تحتمله حتى لساعة.. فكيف ستحتمله مابقي من عمرها..


ومن قال أنها ستعيش معه لسنوات؟؟ يستحيل.. يستحيل..


تعلم أنه لن يحتملها ولن تحتمله حتى لأشهر.. أي جنون ألقت نفسها فيه؟؟


كيف وافقت عليه وعلى العودة له؟؟



تشعر أنه ينتهك روحها وجسدها ومشاعرها..


تتمنى لو كان صغيرها حسن معها الآن ليهدئ روحها الجزعة القلقة..


تشعر بالضغط عليها من كل ناحية ومنذ البداية.. فكيف ستحتمل المزيد؟؟ كيف؟؟




هــو كان في الخارج يقف قريبا من الحمام.. يرهف السمع..


تعود له هو أيضا الذكريات المريرة.. يخشى أن يسمع صوت بكائها كما سمعه في تلك الليلة المشئومة..


يا الله كم من الذكريات المرة المعقدة بينهما؟!



يسند رأسه لباب الحمام بإرهاق ومرارة.. يبدو أن الأمر سيكون أصعب مما يتوقع..


لماذا هي عاجزة عن رؤية مقدار حبه لها؟!


ألا يكفي كل هذا الحب ليفتحا صفحة جديدة معا؟!


ألا يكفي كل هذا الحب لتغفر له كل ذنوبه..


بدأ قلق روحها يتسرب لروحه.. قرر أن يصلي قيامه ليريح روحه المنهكة من مرارة كراهيتها..



كان مستغرقا في صلاته حين خرجت من الحمام.. بعد أن التفت بروبها الذي وجدته بداخل الحمام..


ثم لبست رداء الصلاة فوقه.. لتصلي هي أيضا..


حينما انتهى توجه لغرفة الجلوس.. وبدأ يقرأ ورده .. حينما انتهى كانت هي تقرأ وردها في داخل الغرفة..


لم يحادثها.. ولم يقترب منها.. دخل الحمام ليستحم.. ثم اندس في سريره دون أن ينظر ناحيتها..


أراد أن يترك لها مساحة للتحرك والتنفس بعيدا عنه.. رغم أن كل مايريده هو أن يحاصرها حتى آخر نفس..



حينما انتهت.. فتحت دولابها.. لا تشتهي أن ترتدي شيئا..أحاسيسها مرهقة حتى الثمالة


ختاما ارتدت لها بيجامة قطنية واسعة يصل قميصها للركبة..


ثم توجهت لغرفة الجلوس وجلست على طرف الأريكة وهي تنزوي على نفسها وتطوي ركبتيها تحتها..


أسندت رأسها لطرف الأريكة وأسبلت عينيها.. لتسيل دموعها بصمت رغما عنها..



كان هو في الداخل يحترق.. لا يطيق صبرا ألا ينظر لها على الأقل.. أربع سنوات وهو يحلم بها ليلا ونهارا..


وعندما أصبحت عنده وأمامه.. يتركها؟!



نهض من فراشه ليمزق قلبه المتخم بحبها منظرها البائس..


همس بحنان عميق: جوزا..



انتفضت بجزع وهي تمسح وجهها وتحاول أن تتكلم بطبيعية أقرب للجزع: نعم.. وش تبي؟؟



همس بذات الحنان المصفى: قومي حبيبتي نامي داخل.. لا تنامين كذا..



قفزت وهتفت بغضب عارم: لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي..



همس بهدوء عميق: أنتي حبيبتي.. وبأقولها في اليوم ألف مرة.. ماتقدرين تحجرين على كلامي بعد..



همست حينها بمرارة وهي تصر على أسنانها: الله يأخذك أخذ عزيز مقتدر..



ابتسم رغم آلمه الداخلي العميق من دعاءها عليه وهمس بذات الابتسامة الظاهرية:


الله بيأخذني متى مابغى.. ولين ذاك الوقت أنتي بتكونين مرتي


لأنه ماعاده بمفرقنا شيء إلا الموت..



مرهقة حتى من الكلام.. هذه الليلة استنزفها الألم والصدمات ووطأة قربه البغيض..


منذ أن علمت بموعد عقد القران لم تنم مطلقا.. لذا تشعر أن جسدها مفتت من الإرهاق..


صمتت وهي تتجاوزه.. وتتجه لغرفة النوم.. لتندس في الفراش.. تعلم أنها رغم تعبها العميق لن تنام..


لكنها تريد أن تُقصر الوقت حتى الصباح.. حتى ترى ابنها.. ويفارقها هذا الكريه إلى أي داهية..



لذا كادت تبكي وهي تحس بحركته يندس جوارها..


لا طاقة فيها حتى تقوم أو تصرخ به أو تسبه.. أو تبرد بعضا من نارها فيه..


صمتت وهي توليه ظهرها.. أما مالم تحتمله أبدا هو التصاقه بها ليديرها ناحيته ثم يشدها إلى أحضانه..


همست بإرهاق مرير: اعتقني الله يعتقك من نار جهنم..



همس لها بعمق موجوع: ما أقدر والله العظيم ما أقدر..



حينها همست بمرارة الذكرى التي لاحد لمرارتها: نفس الكلمة اللي قلتها لي قبل أربع سنين.. وعقبه وش سويت فيني؟؟


أكيد ماتذكر.. ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم..



شدها بقوة بين أضلاعه وهو يهمس بذات مراراتها:


والله العظيم أذكر أكثر ما تذكرين.. تحسبين أني جرحتش وأنا كنت أجرح نفسي..


أنا ياجوزا كنت أشوفش أطهر مخلوق في الكون.. خفت أنجسش..


لكن الحين أنا شفت في حياتي من العذاب اللي طهرني..


والله العظيم أني الحين طاهر وأستاهلش..



همست بنبرة ميتة ووجهها مختبئ في صدره وكأنها لا تسمع شيئا مما يقول:


قبل أربع سنين.. عقب ماقلت لي ذا الكلمة..


رحت واختفيت..


ياترى ممكن أحلم أني أقوم الصبح وألقى أنك مجرد كابوس واختفى..



عبدالله شد له نفسا ثم هتف بحزم: أنا حقيقة.. وبأقعد حقيقة..لين يكتب الله اللي يبي..



همست بكراهية عميقة: أكثر حقيقة كرهتها في حياتي..



شدها أكثر بين أضلاعه.. حتى شعرت ان أضلاعها بدأت تؤلمها وهو يهتف بتصميم:


اكرهيني مثل ماتبين.. مصيرش تحبيني غصبا عنش..







********************************






لم تتوقع أنها قد تنم أبدا.. نامت بعد صلاة الفجر..


وهي تتمنى حين خرج عبدالله للمسجد لصلاة الفجر ألا يعود أبدا.. ولكنه عاد..



" لماذا عاد؟؟ لماذا؟؟


ولماذا يبدو سعيدا هكذا؟؟


ووسيما هكذا؟؟


ووجهه يشع بالسعادة والارتياح والنور هكذا؟؟


أريده أن يكون مثلي.. حزينا وقبيحا ومثقلا بالمرارة"



بينما كان هو ينظر لها وهي تجلس على سجادتها.. وجهها مثقل بالحزن


ومع ذلك يبعث في روحه سكينة عميقة..



" أ مجرد وجودها في حياتي كفيل بنشر كل هذه السعادة والسكينة في روحي؟!


مجرد روية محياها أمامي كفيل بفتح أقطار قلبي على الحياة


أ يعقل أن أحبها كل هذا الحب بينما هي عاجزة عن مجرد الإحساس بي؟؟


أعلم أنها ستحس بي يوما.. ولن أمل الصبر!!


فحبي لها أعلم أنه أكبر من كل كراهية العالم مهما تجسدت في روحها


حبي لها سيذيب كراهيتها شيئا فشيئا!!"



وهاهي تصحو من نومها.. لتتفاجأ أنه قد صحا قبلها وانه كان يتأملها بتعمق.. وهو يجلس على مقعد قريبا منها..



همست بتوتر غاضب وهي تشد غطائها عليها: فيني شيء غلط يومك تمقل كذا؟؟



ابتسم بولع: فيش شيء غلط؟؟ والله الواحد يتعب لو يبي يطلع فيش شيء غلط..



همست بغضب: وتمسخر علي بعد؟!! وكم صار لك صاحي وتمقل..



ابتسم بذات الولع: صار لي ساعة.. ولو أقعد بس عمري كله أشوف وجهش ما مليت..



وقفت وهي تهمس بنبرة كراهية أصبحت خاصة له: أنا باتسبح وعقب بأشوف حسن جابته أمي أو باجيبه..



عبدالله هتف بهدوء: ترا عالية جايبة ريوق من بدري.. خليته في الجلسة


هذا يعني لو حبيتي تريقين..



عبدالله نزل للأسفل.. ليجد والدته أمام قهوتها وفي حضنها حسن الصغير..



أشرقت روحه..


"هل هناك سعادة كسعادة اليوم؟؟


رضا والديه.. وقرب حبيبته


وابتسامة ابنه "



ألقى السلام.. منحنيا على رأس والدته.. ليقفز حسن متعلقا بعنقه وهو يهتف بنبرة محببة:


وين ماما.. ددة قالت لي ماما ئندك..



احتضنه بحنو وهو يغمر وجهه ويديه بالقبلات ويهتف له بحنان:


ماما فوق.. وبتجي الحين؟؟



ابتسمت أم صالح وهي تهمس بحنان: بشرني منك يامك؟؟ عساك مستانس؟؟



ابتسم بمودة: مستانس يالغالية.. الله يونسش بالعافية..



همست أم صالح بحنان وهي تنظر لحسن الجالس في حضن والده:


تراه ما تريق..وجدته يوم جابته تقول إنه يعيا يتريق..


وهذا أنا خليت الخدامات يسوون له ريوق.. وهذا هو ماعسه..



عبدالله يخاطب حسن بحماس حنون: من اللي بيأكل ريوقه كله.. وعقب كنه قعد شاطر ومؤدب بأوديه مكان حلو..



حسن بحماس طفولي: وماما تروه مئنا؟؟



عبدالله يقبله ويبتسم له: وماما بتروح معنا..



بعد بعض الوقت.. جوزاء نزلت وهي تغطي وجهها بطرف جلالها..


لم تكن مطلقا تريد مواجهة أحد.. ولكنها كانت مجبرة..


فهي لابد أن تلقي التحية على أم صالح وأبي صالح.. لتذهب لإحضار ابنها..



حين وصلت لم ترَ من خلف الغطاء الثقيل سوى عبدالله وأمه.. رفعت غطاءها وهي تسلم ثم تنحني على رأس أم صالح..


لتتفاجأ بالصوت الغالي يهتف بسعادة: ماما.. أنا هنا..



أشرق وجهها بابتسامة سعيدة وهي تتلقاه وتحمله لتغمر وجهه بقبلاتها..


ليشرق وجه من كان يراقبهما.. كم كان مشتاقا لرؤية ابتسامتها.. كان يظنها قد نست الابتسام..


وكم بدت له ابتسامتها رائعة ومبهجة للروح!!



جوزاء جلست وحسن في حضنها لتهمس لأم صالح بمودة واحترام: أصب لش قهوة يمه؟؟



أم صالح بمودة: يأمش تقهويت من زمان



جوزاء حينها التفتت لحسن وهمست بحنان مصفى: حسوني كلت ريوق؟؟



حسن هز رأسه.. بينما همست أم صالح بحنان: مارضى يتريق إلا من يد أبيه..


وإلا حن يالجدات ماعبرنا..



جوزاء نظرت لعبدالله نظرة الكراهية إياها..


ثم نظرت لأم صالح وهي تهمس باحترام: أنتو الخير والبركة يمه..



عبدالله حينها هتف بحزم: عقب صلاة الظهر بنطلع نتغدى برا ونلاعب حسن.. أنا وعدته



جوزاء همست باحترام مصطنع: إن شاء الله..





********************************






" ها كساب بنطلع جنيف اليوم؟؟"



كساب يبتسم ساخرا: اللي يشوفش تقولين بنطلع جنيف يقول يا بعدها.. ترا كلها 16 كيلو بين جنيف وديفون..



كاسرة تنظر عبر النافذة للمنظر الطبيعي المذهل أمامها والذي تطل عليه شرفة الفندق.. وتهمس بسكون:


حلوة ذا المنطقة عجبتني أكثر من ازعاج جنيف..




كساب يقف خلفها ينظر معها عبر النافذة ويهتف بهدوء:


تدرين إنه فيه مقاطعة انجليزية اسمها ديفون بعد.. في جنوب غرب بريطانيا..



كاسرة تبتسم وهي مازالت تنظر للنافذة: لا تتذاكى علي.. أعرفها وجيتها بعد مع امهاب قبل كم سنة..



كساب وضع كفيه على كتفيها لترتعش هي بشدة وفورا


بينما كان يهتف بنبرة عميقة مدروسة: خليت شغلات التذاكي لش.. هذا تخصصش أنتي..



ثم أردف بتسائل وهو يديرها ناحيته: أبي أعرف ليش لين الحين كل مالمستش ترتعشين؟؟..



ابتسمت وهي تنظر لعينيه تتمنى أن تكتشف المجهول الذي لا ينجلي خلف نظرتهما الآسرة:


أنا ما أدري.. أكيد إنك أنت تسوي لي شيء تخليني أرتعش..


مثل ماخليتني يغمى علي يوم الحريق..



ابتسم وهو يمد يده ليمسح خدها: لا تيك شغلة ثانية.. تبين تعرفينها؟؟



ابتسمت وهي تشعر بالإثارة: إيه أبي أعرف..



حينها نقل يده من خدها إلى مكان ما في المنطقة الخلفية من رأسها .. تحت أذنها قليلا من الخلف وهو يهمس لها بهدوء مثير:


في المنطقة هذي بالضبط عرق يوصل الأكسجين للرأس..


لو ضغطت عليه لثانيتين مهوب أكثر توقف الأكسجين فيصير أغماء..


لكن لو ضغطته أكثر من كذا.. تصير مضاعفات أخطر بكثير.. ممكن غيبوبة دائمة.. ممكن تلف في الدماغ..



ابتسمت كاسرة: زين ماخفت تذبحني بذا الحركة..



ابتسم وهتف ببرود: لو ذبحتش أريح..



كانت على وشك أن ترد عليه ردا غاضبا.. لولا أنه أعاد نفس الحركة بسرعة لتسقط مغمى عليها


حين صحت من اغماءتها القصيرة وجدت نفسها تتمدد على على الأريكة ورأسها ممدد على فخذه..


همست بغضب وهي تعتدل جالسة: تدري أنك مجنون وعقلك يبي له صواميل جديدة..



ابتسم بتلاعب: عشان تعرفين لو أنا أبي أذبحش كان ذبحتش..


يالله تجهزي نمشي.. اليوم كله بنقضيه في جنيف.. وبكرة بنطلع أنترلاكن..







************************************






" يبه فديتك ماكلت شيء.. شوي بعد.. بس شوي!!"



الجد بنبرة مودة: يأبيش والله أني شبعت.. ظنش بخليه وأنا لي فيه..



وضحى بابتسامة صافية: لو كاسرة اللي ترجاك تكمل غداك.. كان مارديتها..


بس لقمة بعد فديتك..



حينها هتف الجد بنبرة غضب: لو كاسرة اللي تبي تغصبني أكل..


كان ضربتها بالصحن على وجهها.. لأنها تعرف أني إذا قلت خلاص يعني خلاص


كانش تبين الصحن في وجهش.. علميني!!



وضحى تضحك: أفا يبه جابر.. أفا.. هذي أخرتها.. وش فيك معصب كذا؟؟



الجد ينتهد: يأبيش ما أداني حد يغصبني على العيشة كني بزر!!



وضحى تميل لتقبل كتفه ثم تقرب منه غسول يديه ليغسل يديه وهي تهمس بمودة:


خلاص السموحة.. لا تزعل..



الجد وهو يغسل يديه يبتسم لتظهر فجوة فمه الخالية من الأسنان:


يأبيش لا تظنين إن كاسرة أغلى منش.. كلكم غلاكم واحد..


كاسرة قرّبها مني إنها تعرف وش اللي في خاطري..


وإلا الغلا مقسوم بينش وبينها..



وضحى تقبل رأسه وتهمس بمودة باسمة: أدري يبه فديتك..


ما أشك في غلاي عندك..



تقول ذلك كي ترضيه.. رغم أنها في قرارة نفسها لطالما كانت تشعر أن كاسرة أكثر قربا لجدها منها..


ربما اعتادت على هذا الإحساس حتى آلفته!!



استمرت تتحاور معه لفترة حتى بدا يغفو قيلولته المعتادة بعد الغداء..


كانت تخرج حين صدفت مهابا يريد الدخول.. همست بصوت منخفض:


جدي راقد..



هتف مهاب بخيبة أمل: كنت أبي أواجهه لأني طالع المطار الحين عندي رحلة



وضحى بمودة عميقة: تروح وترجع بالسلامة..



مهاب شدها خارج غرفة جده متجهين للصالة وهو يهتف لها بنبرة مقصودة باسمة:


وين تلفونش؟؟



وضحى بتلقائية: فوق في غرفتي..



مهاب بابتسامة: زين ترا عندش مقابلة عمل بكرة..


الظاهر اتصلوا لش مارديتي.. وعقب قالوا أنش معطيتهم رقمي..



وضحى بابتسامة سعيدة: المدرسة السمعية؟؟ صح؟؟



مهاب بابتسامة: صح.. ليه أنتي قدمتي على حد غيرهم؟؟



وضحى تتسع ابتسامتها: لا ماقدمت على حد غيرهم.. ولا أبي أشتغل في مكان غيره



حينها شدها مهاب ليجلسها على الأريكة ويهتف بنبرة جدية:


وضحى أنتي مقتنعة بذا المكان؟؟.. هذي مسؤولية كبيرة وشغلة مهيب بسيطة أبد..



وضحى بذات الابتسامة السعيدة: مقتنعة جدا.. يعني امهاب كم وحدة قطرية تعرف لغة الإشارة وهي طبيعية تسمع وتتكلم..


يمكن تكون هذي رسالتي في الحياة.. لأنه اللي دربتني قالت لي عقب إني حتى تفوقت عليها..


وبعدين أنا حابة ذا المجال وأتابع كل شيء جديد فيه.. وصار عندي خبرة فيه..


بالفعل حاسة فيه رسالتي...


ومثل ماكنت نافذة لتميم ..


يمكن الله كاتب أكون نافذة لأطفال كثيرين أربطهم بالعالم الخارجي...






****************************************






" هاحبيبتي شأخبارش الحين؟؟"



عفراء تمسح وجهها وتهمس بإرهاق: تعبانة شوي..



منصور يمد يده ليمسح جبينها ويهتف بقلق: دام اعترفتي وقلتي تعبانة شوي.. فأكيد تعبانة واجد..



عفراء تبتسم رغم إرهاقها: بكرة عندي موعد عند الدكتورة وباقول لها تعطيني شيء يخفف الوحم شوي..


وعلى العموم كلها شوي ويخلص الوحم..


مايجي دوامي إلا وأنا على آخر الوحم..



حينها قفز منصور وهو يهتف بغضب: نعم؟؟ عيدي.. ماسمعت عدل ذا النكتة


وش دوامه اللي تبين ترجعين له؟؟



عفراء وقفت وهي تهمس باستغراب: منصور الله يهداك.. دوامي في المدرسة.. نسيت..



منصور بحزم: ماني بغبي.. أعرف إن داومش كان في مدرسة..



عفراء باستغراب أكبر: كان؟؟..



منصور بحزم أكبر: إيه كان.. خلاص سالفة المدرسة هذي تخلصين منها..



عفراء شدت لها نفسا عميقا وهتفت بأكبر قدر من الهدوء:


منصور ياقلبي.. الموضوعات هذي ماينوخذ فيها القرارات بهذي الصورة


وخصوصا إن هذا شغلي أنا.. يعني انا اللي أتخذ القرار..


وبعدين أنت تزوجتني وأنت عارف أني أشتغل.. وعمرك ماجبت طاري إنك تبيني أترك المدرسة.. وش اللي تغير؟؟



منصور بذات النبرة الحازمة الواثقة: حن ماتكلمنا في ذا الموضوع عقب حملش


وأنا كنت أظن إنش أنتي من نفسش بتخلين المدرسة..



عفراء بهدوء: وليش أخليها؟؟ أنا أحب التدريس..


أنا لو كنت وافقت على الترفيعات اللي جاتني كان أنا الحين مديرة مدرسة


بس أنا أحب التدريس.. وأحس فيه رسالتي في الحياة..



منصور بذات الحزم: صار لش بالضبط 15 سنة وأنتي قايمة بالرسالة على أكمل وجه.. قدمي على التقاعد..


الحين عندش رسالة ثانية.. عندش طفل تربينه..



عفراء تشعر بتصاعد الغضب في روحها ومع ذلك همست بذات الهدوء المتحكم:


ربيت أربعة مهوب واحد بس وأنا أشتغل.. ولا عمري قصرت في حقهم..


وبعدين منصور توني على التقاعد..



منصور بنبرة غاضبة: عفرا لا تطولينها وهي قصيرة.. فيه ناس يتقاعدون وهم في العشرينات.. كلن وظروفه


وأنتي كفيتي ووفيتي.. الحين تفرغين لي ولولدش.. والراتب اللي تاخذينه بأعطيش أنا دبله..



حينها هتفت عفراء بغضب رقيق: منصور السالفة مهيب فلوس وأنت عارف ذا الشيء زين..


إبي كان رجال خيره واجد وماعنده إلا أنا ووسمية..


ومخلي لي الله يوسع عليه في قبره.. فلوس تخليني أفتح مدارس مهوب مدرسة وحدة..


بس التدريس رغبتي أنا.. ومايحق لك تفرض شروطك بذا الطريقة..



منصور بحزم غاضب مرعب: عفرا لا تخليني أعصب عليش وأنا ما أبي..


قلت لش انتهى النقاش... مدرسة مافيه خلاص انتهينا..


وذا المرة أنا اللي باطلع.. وغصباً عني عشانش حامل وما أبي أثقلها عليش..



ولكنه قبل أن يخرج عاد ليمسح خدها بحنو وهو يقبل رأسها ثم يهتف بحنان:


حبيبتي.. والله العظيم من غلاش عندي..


أبيش بس قدام عيوني.. ما أبي شيء يضايقش ولا يتعبش ولا يأخذش مني..


أدري أني أناني.. بس والله من حبي لش..


وعلى كثر ما أحبش وأموت فيش.. على كثر ما أبيش لي بروحي.. مايشغلش شيء عني..



منصور أنهى عبارته خرج بالفعل بينما كانت عفراء تنتفض غضبا..


" ويتغزل الأخ بعد..


له مزاج يقول يحبني ويموت علي وهو توه يحكم على حياتي كأني بدون رأي..


بس لا منصور.. لا.. لين هنا وبس.. مهوب كل شيء تتحكم فيه


ما ألومهم نسوانه يطفشون


من اللي بيستحمل ذا التحكم والتسلط؟؟..


نسوانـــه؟؟


نسوانــــــه؟؟


نـــســــوانــــــــه؟؟ "




(منصور.. أ كنت هكذا مع زوجاتك الأخريات


زوجاته الأخريات؟؟


زوجاته الأخريات؟؟)



حينها قفز لذهن عفراء المنهك فكرة مغايرة تماما.. وكأنها لم تكتفِ من الغضب والغيظ


لتشتعل من شعور جديد.. قفز إلى مخيلتها فجأة.. ولا تعلم كيف أو لماذا؟!


وليس حتى وقته وهي غاضبة من منصور!!


شعور حارق.. ملتهب.. مؤذي!!


اسـمـه..


الـــــغــــيــــرة !!



(منصور أيها النذل التعيس


هل كنت تتغزل بزوجاتك كما تتغزل بي؟؟


هل قلت لهن كلهن أنك عاشق متيم أناني لا تقوى على البعاد؟!


هل كنت تحتضنهن كما تحتضني لتهمس في أذني همساتك التي تذيبني؟؟


هل كنت تغرقهن بفيض مشاعرهن كما تغرقني؟؟


أيها النذل !!


هل قلبك هذا سوق مفتوح على مصراعيه لا يغلق أبوابه أمام أي داخل؟؟


نذل!! ونــــذل!!


ونــــــــذل!! )






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 01-10-10 08:22 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم خير ومودة ورحمات
لقاء مسائي اختلف عن لقاءاتنا الصباحية..
والقلوب الدافية حاضرة كل وقت.. صباح ومسا
الله لا يخلينا منها
والله العظيم أقف مبهورة أمام ذائقتكم المصفاة
وأنتم تغدقون على بين الأمس واليوم تعليقات تجعلني أشعر بالخجل من عطائكم
وأتمنى أن أقدم المزيد من أجلكم.. لأنكم تستحقون ماهو أكثر من المزيد
.
.
أولا : اسمحوا لي أوقف مع شوي تساؤلات للقراء
.
عمر أبو صالح أواسط الستينات.. عشان كذا تلاحظون إنهم عياله كانوا يقولون لعبدالله:
إبي كأنه كبر 20 سنة.. يعني شكله يعطي على رجّال في الـ80..
وأم صالح أواسط الخمسينات..
حلو هالاهتمام بأعمار الشيبان :)
.

في لهجة الرواية لما يقولون: إبي، إخي.. هي لهجة عامية
تنطق بكسر خفيف للألف <== ثقيلة شوي صح ؟؟ :)
وشكرا أيضا جدا لمن ساهم في الرد..
هذا يدل على كرم أخلاقكم وتفاعلكم مع بعض..
.
.
فيه غالية جدا على قلبي علقت ليه ماجات الضربات في وجه كسّاب يوم صدم الجبل..
وأقول لها: تعليق ذكي والإجابة بديهية..
لابس خوذة..
ومثل ماتعرفون.. الخوذة تكون عريضة واجد..وفيها مسافة طويلة تبعد الوجه عن الارتطام بأي شيء
ولو عندكم أخوان مثل أخواني الله يحفظهم يركبون دراجات نارية
إذا جاوكم طايحين منها.. شفتي الجسم كله مرضرض إلا الوجه.. لان الخوذة حمته
الله يحفظ عيالنا وعيالكم جميع..
.
البارت قبل اللي فات فيه قارئة اللي يجزاها خير ويجعلها في موازيين حسناتها
نبهتني إن كلمة (بالعون) لا تجوز لأن العون اسم صنم..
وأنا فعلا غيرتها على طول..
ولكن اللهم أني استغفرك وأتوب إليك.. احنا دايم نسمعها بعون الله أو اختصارا بالعون.. يعني نية الشركية ماحضرت
وعلى العموم أنا بحثت عنها عند الشيخ ابن باز رحمة الله عليه فهو أجاب:
أنه لا يعرف لها أصلا ولا يعرف حتى صنما بهذا الاسم ولكن من الاولى تركها
لأنه إن قُصد بها حلف.. فالحلف بالله لا يجوز..
ترحموا معي يا بنات على الشيخ عبدالعزيز بن باز.. رحمه الله رحمة واسعة
وجعله من أصحاب الدرجة العليا في الجنة
الشيخ ابن باز له أيادي بيضاء على الفتوى وتوضيح الدين في وسطيته السمحة دون غلو ولا تهاون.. جعل الله ذلك كله في موزايين حسناته..
.
.
عدد البارتات اللي باقية
والله العظيم ما أدري.. شوفوا كم شخصية باقي مادخلنا في دهاليزها
وأنتوا قدروا عدد البارتات..
.
.
نعود للبارت اللي فات
منصور وعفرا
يمكن البعض يقولون المساكين كانوا مبسوطين ليش قلبتي عليهم
بأقول لهم هم أصلا قضية مابعد انتهت
والمغزى منهم مازال مستمر
يعني مضى لهم شهرين متزوجين.. ومع مرور الوقت تبدأ المشاكل تطفو على السطح بشكل عام في أي زواج
والحل يعتمد على مدى قدرة الزوجين على التواصل والتفاهم
طبعا من البداية عفرا هي الطرف المحتوي وتحاول احتواء أي خلاف واحتواء شخصية منصور الصعبة
لكن حتى الآن لم يحدث خلاف جوهري.. فحينما يحدث كيف سيتم التعامل معه؟؟
مع شخصية منصور .. المتسلطة التي لا تقبل التنازلات.. حتى بعد أن اطمأنت روحه بوجود نصفه الآخر؟؟
.
.
ويالله جزء اليوم جزء صغنون
عشان ماحد يقول لي قصير.. أنا قلت لكم من أولها :)
مع إنه والله العظيم موب قصير بالشكل اللي ممكن تتخيلونه..
.
الجزء السادس والأربعون
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والأربعون




" جوزا بس خلي الولد ياكل له لقمتين مثل الناس
ما ياكل لقمة وحدة إلا أنتي تنظفين وجهه
الولد بينقرف من الأكل كذا!!"

جوزاء تنظر لوجه عبدالله المعقود بحزم وهما يجلسان على طاولة في مطعم
وحسن جوارها تطعمه ولا تفارق يدها المناديل المعقمة وسائل الديتول المعقم
تهتف ببرود: قلت لك كيفي أنا وولدي.. لا تتدخل في طريقتي معه..

عبدالله أجابها بحزم وهو يخفض صوته: وأنا قلت لش قبل أني كل شيء يخص ولدي وأخوانه بأتدخل فيه
بأربيهم مثلي مثلش..

حينها شدت جوزاء نفسا عميقا وهمست بذات البرود:
زين دام جبت طاري أخوانه.. أنا أبي أكل حبوب منع حمل..

عبدالله أنزل الملعقة من يده ونظر لها بشكل مباشر: نعم؟؟

جوزاء بذات البرود وهي مستمرة في إطعام حسن ودون أن تنظر ناحية عبدالله:
سمعتني عدل.. أبي أستخدم مانع.. ما ابي أجيب عيال منك..

عبدالله حينها رد عليها ببرود: أنا أعرف الناس يوم يتزوجون.. يكون أحد أهداف الزواج.. أنهم يجيبون أطفال..
هذي رغبة في مغروسة في داخل كل إنسان..

حينها نظرت له جوزاء بكراهية عميقة.. لو كانت النظرات تحرق.. كان لابد أن يهوي عن مقعده محترقا بلهيب كراهيتها:
هذولا الناس الطبيعين
لكن أنا أكــرهــك.. أكــرهـــك..
كفاية حسن بيننا.. ما ابي أظلم أطفال ثانين..

عبدالله عاود تناول ملعقته وهو يشعر أن الطعام يمزق حنجرته وهو يبتلعه بصعوبة ومع ذلك هتف بحزم:
اسمعيني عدل.. أنا ماني بجابرش على سالفة الحمل الحين.. استخدمي المانع اللي تبينه
بس لمدة ست شهور وعقب تقطينه..

جوزاء ببرود: وليش 6 شهور بالذات؟؟ أنت ظنك أنك ممكن تصبر على الحياة معي 6 شهور؟!!
صراحة آمالك شاسعة !! زين إن صبرت عليّ شهر..

عبدالله ببرود مشابه: صدقيني قبل الست شهور أنتي اللي بتقطين المانع بنفسش..
بس أنا أعطيش أقصى مهلة لين تقبلين الفكرة بروحش..





***************************************





" عفرا.. اشفيش ساكتة؟؟ "

عفراء بسكون: صدق أنك غريب منصور.. الحين تسأل كنك ماسويت شيء

منصور بنبرة لا تخلو من غضب: وأنا وش سويت؟؟

عفراء تشد لها نفسا عميقا: سالفة شغلي..

منصور بحزم بالغ: قلت لش الكلام في ذا الموضوع منتهي..

عفراء حينها همست بحزم: آسفة.. اسمح لي يا منصور.. ما انتهى..
هذا شغلي أنا.. وما يحق لك تمنعني..

منصور وقف وهو يهتف بنبرة مرعبة: أنتي تعارضيني؟؟..

عفراء لم تتحرك من مكانها وهي تهمس بهدوء عميق تحاول امتصاص غضبه به:
منصور الأمور ما تحل بذا الطريقة..
أقنعني.. ليش تبيني أترك الشغل؟؟ ولو أنا اقتنعت .. أنا حاضرة أخليه
لكن مجرد فرض رأي.. أنا آسفة..

منصور يعتصر قبضته ويهتف بحزم مرعب: إيه فرض رأي.. عندش مانع..

حينها فورا انتقلت للموضوع الآخر الذي بات يؤرقها بشكل جارح لمشاعرها وأنوثتها وكيانها..
همست بنبرة مقصودة: منصور أنت كنت تتعامل كذا مع نسوانك الثلاث اللي قبل؟؟

حينها انفجر منصور بغضب: مالش شغل عفرا أشلون كنت أتعامل معهم..
لش شغل أشلون أتعامل معش أنتي وبس..

حينها انفجرت عفراء بغضب مشابه: زين تعاملك معي مهوب عاجبني
متسلط زيادة عند اللزوم.. أنا ماني ببزر تجي تبي تمشيني على كيفك على آخر عمري..
تبي تحل وتربط وأنا بس أقول حاضر
هذا مهوب منطق.. الحياة الزوجية أخذ وعطا وتشارك.. مهوب موجب وسالب وبس..

منصور حينها شدها من مقعدها ليوقفها وهو يهتف بنبرة مرعبة تجمد الدم في العروق:
عفرا هذي آخر مرة أسمح لش تطولين صوتش عندي..

عفراء غاضبة بالفعل: منصور هذا مهوب أسلوب تعامل..
أنت تبي تكتمني على طول.. تبيني بس أكون هادية ورايقة ومتفرغة لك..
لكن ماعندك استعداد تتحمل زعلي ولا ضيقتي ولا انشغالي..
وش معنى أنا ملزومة أتحملك وأتحمل عصبيتك وتطويلك لصوتك علي..
يعني أنت من طينة وأنا من طينة أقل منك؟؟..

منصور بغضب: لا عفرا.. لا تحورين على كيفش..
أنتي مرتي وأم عيالي إن شاء الله.. وفوق رأسي..
بس فيه أشياء أنا ما أتقبلها.. وحقي عليش أنش ماتسوينها
الحين صار الغلط راكبني؟؟

عفراء تشد لها نفسا عميقا وهي تحاول التحدث بهدوء:
لا منصور الحين أنت اللي تحور..
أنت تبي تبسط موضوع مهوب بسيط أبد..
وتبي تأخذ حقي وتخليه حقك ثم تركبني أنا الغلط..

منصور بحزم بالغ نهائي بنبرة غير قابلة للنقاش: قلت لش انتهينا عفرا.. انتهينا.. خلاص..

عفراء قررت الاحتكام لعقلها وهي ترجئ النقاش في الموضوع.. وتصمت لأنها تقرر أن تكون الطرف الأكثر مرونة
مازالت تفكر كيف من الممكن أن تحل هذا الأشكال..
يخطر ببالها أن تُدخل زايد في الموضوع.. ولكنها ألغت هذه الفكرة
لأنها من معرفتها لشخصية منصور تعرف أن هذا التصرف سيفجر غضبه عارما لأنها أدخلت أحدا في مشاكلهما
تنهدت وهي تقرر أن تتجه للصالة وتبقى هناك حتى أجل غير مسمى!!




*******************************




" أم حسن أنا طالع أصلي العصر
وعقب عندي شغل ماني براجع قبل الليل"

عفراء تخلع عباءتها وهي تنظر لعبدالله الذي كان يعدل غترته وتهمس بكراهية:
ترا لو ماتبي ترجع أحسن..

عبدالله يبتسم ابتسامته الجذابة وكأنها تهمس له بكلمات الحب والغرام:
مشكورة حبيبتي لا تحاتيني.. قبل الساعة عشر راجع..ياقلبي..

حسن يتعلق بذراعه: بابا بألوح معك..

عبدالله يميل ليقبله بحنان كبير ثم يمسك يده وهو يهتف لجوزاء بهدوء:
بأخذ حسن معي للصلاة.. وعقب بأخلي هزاع يرجعه..

جوزاء بغضب: لا.. أنت ترجعه.. أو لا تأخذه..

عبدالله يخرج وفي يده حسن وكأنه لا يسمع ماتقول وهو يهتف بحزم:
هزاع بيرجعه.. وحسش قصريه.. ترا ماحنا بساكنين بروحنا يا بنت الأصول..

جوزاء تنظر لظهره بغيظ وهي تدعو الله أن يحفظ ابنها ولا يعيد أبيه.. ولكنها تعود للتراجع وهو تستغفر الله بعمق..
ليس من أجله.. ولكن من أجل أم صالح.. التي تعلم أنها لن تحتمل فقدان عبدالله مرة أخرى..

تفتح جوزاء الخزائن وهي تقرر إعادة ترتيب ملابسها وملابس ابنها وفقا لنظامها الدقيق في الترتيب
وهي تفتح الخزائن فتحت خزانة ملابس عبدالله المعلقة..
همست بابتسامة خبيثة كأنها وقعت على كنز:
ياقلبي ياعبود ثيابك كلها جديدة.. أكيد تبي تتبخر من ريحة الخياطين..




*****************************************





يحضر لها بوظة وهي تجلس على مقعد تراقب نافورة جنيف التي تتصاعد عاليا وتختلط الإضاءة بها بشكل خلاب..
تتناول البوظة منه وتهمس بسكون: شكرا..

جلس جوارها وهو يهتف بنبرة حازمة: وش فيش؟؟ من عقب ماكلمتي أختش وأنتي ساكتة..
عسى ما حد فيهم تعبان..

تضع البوظة جوارها وتهمس بذات السكون: كل يوم أسألهم عن تميم يقولون زين..
ما أدري ليه ناغزني قلبي من ناحيته.. اليوم أختي قالت لي إن نفسيته تعبانة كلش..
عرسه عقب أسبوعين ونص.. أشلون يدخل على بنت الناس وهو هكذا..

كساب ببرود حازم حاد: والحين من اللي هامش؟؟
أخيش وحالته ؟؟
وإلا مظهركم قدام بنت الناس؟؟

كاسرة حينها نظرت له وهمست له ببرود مشابه:
تدري كساب.. الشرهة علي اللي أشركتك في أفكاري

كساب ببرود صارم: وأنتي يوم أشركتيني قلت لش رأيي..وأعتقد إنه وصلش
إذا مهوب عاجبش..خلاص احتفظي بأفكارش لنفسش..

حزن مجهول يغتال مشاعرها.. لا تعلم لماذا يتصرف على هذا النحو المستفز..
مع أنها كانت تتكلم معه بعفوية وهي تشاركه ضيقها كما يُفترض بين الأزواج..
ورغم إحساسها بهذا الحزن الشفاف فإنها لن تسمح له أن يشعر بتأثيره السلبي عليها.. همست بحزم:
تدري.. كل مابغيت أهذر.. باهذر وانت بتسمعني.. لأنك زوجي وغصبا عنك لازم تسمعني..
أما نصايحك وتعليقاتك لو ماعجبتني خلها على الرف أحسن..





**********************************




" وين راحت هذي؟؟"
خليفة ينظر حوله للغرفة الخالية من وجود جميلة.. بعد أن طرق باب الحمام ووجده فارغا أيضا..

قرر أن يسأل عنها الممرضات ليتفاجأ بأنها كانت تجلس بينهن ترتب معهن الملفات..
حين رأته ابتسمت وهي تهمس برقة: هلا خليفة..

خليفة استند على الحاجز وابتسم: شتسوين هني؟؟

جميلة بتلقائية لطيفة: زهقت من القعدة فاضية.. قررت أساعدهم شوي..
ثم استرسلت بعذوبة: كنت أسمعهم يقولون ترتيب الملفات ممل.. لا والله مسلي..
الحين قاعدين نرتب الملفات حسب الترتيب الأبجدي..

خليفة سعيد جدا لانطلاقها.. هتف بتساؤل: زين وأنتي عارفة الأبجدية الفرنسية؟؟..

جميلة وهي منهمكة في الترتيب: هي نفس الأبجدية الإنجليزية في الترتيب بس النطق هو اللي يختلف..
ثم رفعت نظرها إليه وهي تبتسم بشفافية: يقولون بعد الممرضات أنهم بيعلموني فرنسي.. يعني كورسات ببلاش..

خليفة ابتسم لها بمودة: مطولة أنتي؟؟

جميلة أشارت بيدها "قليلا" حينها هتف لها خليفة بمودة تلقائية:
خلاص أنا بأروح للغرفة أقرأ شوي لين تيين..





************************************





" من صلاة العصر وأنا رايح وأنتي على قعدتش ذي
ومادة البوز كذا"

عفراء تنظر لمنصور الذي يلقي غترته على المقعد وتهمس بهدوء:
وش تبي منصور؟؟ تبيني ابتسم وأنا زعلانة وتعبانة؟؟
تبيني أمثل عليك عشان حضرتك ما تتضايق

منصور يجلس ليحتضن كتفيها ويهتف بحنان فخم:
ياقلبي ياعفرا أنتي كبرتي السالفة وهي صغيرة..
أنا ياقلبي أبي اللي يريحش ويريحيني
تدرين بغلاش وأنه مايهون علي زعلش..

عفراء شدت لها نفسا عميقا ثم همست بسكون:
منصور لا تزعل علي.. بس أنت أناني بشكل ما ينوصف..

عفراء قالت جملتها ثم انكمشت قليلا لأنها توقعت ثورة عارمة من منصور
لذا تفاجأت بشدة أنه شدد احتضان كتفيها وهو يميل ليقبل رأسها ويهمس بعمق:
وأنا قلتها لش قبل مافيه حد يحب ومايكون أناني.. وعلى قد حبي لش على قد أنانيتي..

عفراء حينها أسندت رأسها لكتفه وهمست بهدوء رقيق: زين والحل منصور؟؟
أنا ما أبي أخلي شغلي.. أرجوك منصور

منصور هتف بهدوءه الفخم وهو يحتضن كتفيها: ياقلبي ياعفرا..
أنتي ليه منتي براضية تفهمين إن هذا موضوع غير قابل للنقاش خلاص..

عفراء حينها تفلتت من حضنه لتقف وهي تهمس بنبرة حزن عميق:
مافيه شيء غير قابل للنقاش غيرك يامنصور
ثم أردفت بذات الحزن وهي تغادر: اسمح لي منصور أنا بأنام في الغرفة الثانية..




************************************




" هاحبيبتي وش سويتي اليوم في غيابي؟؟"

جوزاء تبتسم بتلاعب وهي تنظر لعبدالله الذي كان يخرج محفظته وأزرته من ثوبه ثم خلعه ليلقيه في سلة الغسيل
همست بذات الابتسامة: أبد رتبت الغرفة والملابس..
ثم قعدت مع عالية ونجلا وعمتي أم صالح .. وتعشيت معهم..
وتوني طلعت قبل شوي عشان أرقد حسن..

عبدالله ينظر لحسن النائم جوار أمه ويهتف بخيبة أمل: خسارة كنت أبي ألاعبه قبل ينام..
ثم نظر حوله وهو يهتف بإعجاب: بس صدق لمساتش مبينة في المكان.. كل شيء يلمع ماشاء الله..

لم ترد عليه لأنها خشيت أن تنفجر ضاحكة.. منذ مدة طويلة لم تشعر بهكذا سعادة طفولية..
عبدالله توجه للحمام وهو مستغرب منها أشد الاستغراب.. بل هو مستغرب منذ دخل الغرفة أنها كانت مبتسمة الإبتسامة التي تذيب قلبه..
وأنها كانت غير متحفزة ضده ولا تصفعه بالكراهية المتكررة..
هل من المعقول أنها بدأت بالاستسلام ومن يوم واحد فقط؟؟!!

حين أنهى عبدالله استحمامه خرج ملتفا بفوطته.. ليأخذ له ملابسا لأنه يعلم أنه ليس لديه أمل أنها ستخرج لها ملابسه..
كانت تنظر له وهي متمددة نصف تمدد على السرير.. وابتسامتها تتسع وهي تراه تتجه للخزانة
فتح ناحية ملابسه الداخلية.. رف له ورفين لها.. وبقدر ماكانت رفوفها مرتبة ودقيقة.. بقدر ماكان رفه مبعثرا وملابسه مختلطة..
بعد أن فسد كويها وتجعدت لأنها كانت مجموعة في كومة..
عبدالله شد له نفسا عميقا ثم هتف بصرير من بين أسنانه وهو يستدير ليقابلها:
أنا ماطلبت منش ترتبين أغراضي.. بس أنتي جايه وهي مرتبة.. ليه تسوين فيها كذا؟؟ أنتي صاحية؟؟

جوزاء بابتسامة متلاعبة: شفت إن شكلهم كذا أحلى.. حرام عليك كنت أبي أسوي لك خدمة بس..

حينها تذكر عبدالله شيئا.. هتف بتهديد: ياويلش لألقى ثيابي نفس الشيء..

حينها كادت تنفجر من الضحك وهو يفتح خزانة ثيابه المعلقة.. اطمئن قلبه وهو يراها معلقة ومكوية كما كانت..
لكن لفت نظره شيء غريب في أحد الثياب.. فشده قليلا ليرى مابه
لينصدم أن الثوب كان محروقا من عدة نواحي.. ألقى به على الأرض..
ليتنزع ثوبا ثانيا وثالثا ورابعا وعاشرا.. لم تترك له ولا حتى ثوبا واحدا سليما
كانت كلها محروقة بنار مباشرة.. والنار أحدثت ثقوبا دائرية بها..
النار التي كانت ناتجة عن ولاعة الجمر بنارها المستقيمة القوية..

حينها توجه ناحيتها ليشدها من عضدها ويسحبها سحبا لغرفة الجلوس حتى لا يسمعهما حسن النائم..
حين وصلا هناك أفلتها.. بينما هي كانت تدعك عضدها المحمر ثم تجلس بهدوء وهي ترتخي في جلستها وكأنها لم تفعل شيئا..

انفجر عبدالله بغضب مكتوم: أنتي صاحية؟؟ فيه حد عاقل يسوي سواتش؟؟
زين أنتي زعلانة علي وتبين تعاقبيني.. تحرقين ثيابي كلها؟؟..
وش ألبس أنا عقب؟؟.. وإلا أطلع للناس عريان..؟؟

جوزاء بسكون وهي تنظر لأظافرها: والله أنا حذرتك من عيشتك معي بس أنت ماصدقتني..

عبدالله بنبرة خافتة كأنه يكلم نفسه: حذرتيني؟؟
ثم أردف بتصميم: زين أنا طالع الحين وبأدعي أمي وعالية وأوريهم اللي سويتيه
وخلهم هم يحكمون بيننا..

قالها وهو يتجه فعلا للباب.. رغم أنه لا ينوي أبدا أن يفعلها..
لكنه يريد أن يتأكد أن هناك من تحرص على مشاعره فعلا..
لأنها إن لم تهتم أن يعرف الناس مافعلته فمعنى ذلك أن حالتها غير قابلة للحل..

لذا كاد يبتسم رغم غضبه العارم وهو يراها تقفز لتقف بينه وبين الباب وهي تهمس برجاء:
عبدالله الله يهداك تبي تطلع وأنت بفوطتك كذا؟؟ تبي تفشل روحك في هلك..

عبدالله بنبرة غاضبة: ليه أنا عندي شيء ألبسه؟؟

جوزاء تشده من يده وتجلسه: اقعد.. الحين بأكوي لك فنيلة وسروال...

عبدالله بتحكم: لا.. تكوين كل ثيابي اللي عفستيهم.. وترتبينهم عدل الحين..

جوزاء بغضب: ماتشوف أنك مسختها؟؟

عبدالله بغضب أشد: أنا اللي مسختها؟؟ وإلا اللي السالفة كلها من تحت رأسها من الأول؟؟
تدرين أنا بأنادي عالية تأخذهم وتكويهم وعقب ترجع هي ترتبهم لي..

جوزاء حينها همست برجاء عميق: لا خلاص عبدالله تكفى.. لا تفشلني في عالية و أم صالح..
أنا بأكويهم الحين..

عبدالله بنبرة تحكم: واغسلي ثوبي اللي حطيته الحين واكويه عشان ألقى لي شيء ألبسه في صلاة الفجر وأروح فيه للدوام..

جوزاء بغيظ: حاضر ياعبدالله حاضر.. بس مردودة لك..

جوزاء تناولت الثوب من السلة واتجهت به للحمام لتغسله بينما كانت تتمنى لو تمزقه..
بينما كان عبدالله يتصل بأحدهم: هلا رشيد.. أنا عبدالله آل ليث تو كنت سوي تفصيل عشرة ثوب عندك
أنا سايز عندك.. بليز رشيد يبي اثنين ثوب بكرة في الليل.. مستعجل..
.......................................
بليز رشيد.. ضروري..
شوف أنا يعطي أنت فلوس زيادة.. وبعدين يبي عشرة ثوب بعد

عبدالله تنهد وهو يجلس.. رغم غضبه العارم مما فعلته.. لكنه لا يستطيع أن يلومها.. بقدر حبه لها.. عاجز عن لومها..
فهذه أنثى احترق قلبها.. فهل يلومها على حرق بعض الثياب؟!!

"تفداها كل ثياب العالم.. وفوقها روحي..
بس ..ليتها ترضى وتسامحني بس!!"

.
.

بعد أكثر من ساعتين


خلال الساعتين الماضيتين التي قضتهما في الكوي.. كان هو يجلس أمامها.. يعبث في حاسوبه المحمول..
تعلم أنه يشعر بالانتصار في داخله.. بعد أن حرمها من متعة نصرها الصغير عليه

وهاهي تضع آخر قطعة ملابس في خزانة عبدالله وهي ترتب ملابسه تماما كما رتبت ملابسها..
بينما كانت تسبه وتشمته بكل قواميس العالم في داخلها..

فوجئت بيده تمتد من جوار خصرها ليمسك بكفها ويديرها ناحيته.. ليقبل كفها بعمق وهو يهمس بمودة دافئة:
تسلم اليد اللي كوت وغسلت مهوب اللي حرقت وعسفت
مشكورة ياقلبي..

شدت يدها من يده بقوة وهي تهمس ببرود قارص: مشكورة على ويش..
الكوي كذا أنا سويته عشان هلك مهوب عشانك..
وإلا أنت مالك قيمة عندي..

عبدالله يهتف بنبرة مقصودة: لو مالي قيمة عندش ماكان سويتي ذا كله..
ترا حتى يوم نبي نضايق الناس يكون مضايقتنا لهم على قد اهتمامنا فيهم
لأنه لو مايهمونا ما أشغلنا نفسنا فيهم..
وأنتي لو ما أنتي بشايفتني شيء كبير ومهم عندش.. ماكان سويتي ذا كله عشان تضايقني!!

جوزاء تجلس وتهمس بعدم اهتمام: فلسفة فاضية..

عبدالله جلس جوارها.. قفزت واقفة.. ولكنه شدها وأعادها جواره وهو يطوق كتفيها بذراعه
ويهتف بحزم: اسمعيني عدل.. الليلة عديت لش الحركة البايخة اللي سويتيها
لكن والله لا يتكرر شيء ثاني مثلها لا يكون الرد شيء ما تتوقعينه..
أغراضي الشخصية وأوراقي وتلفوناتي وكمبيوتري وشغلي.. مالش شغل فيهم ولا تلمسينهم..
تبين تضايقني.. ضايقيني أنا شخصيا.. القلب ملعبش..
أشياء مادية ملموسة مالش شغل فيها..
والأهم من هذا وذاك.. حسن ماله علاقة بأي زعل يصير بيننا..
ولدي ما تستخدمينه سلاح ضدي..





*************************************





" أبي أجيب هدية لأختك وخالتك.. وش ظنك أنهم يفضلون؟؟"

كساب يغلق الكتاب الذي كان يقرأ فيه ويضعه جواره ويهتف بتلقائية للأميرة التي تمددت جواره للتو بعد أن أنهت صلاتها ووردها:
مزون شنطة وخالتي عفرا ساعة.. بنشتريهم عقب سوا..
ولا تنسين أنتي تشترين لأمش ولأختش ولعروس تميم.. ولا يهمش من الفلوس..

كاسرة بتلقائية: عندي فلوس..

حينها استدار كسّاب ناحيتها وهو يهتف بنبرة غضب وتهكم: نعم؟؟ عندش فلوس؟؟
وأنا ويش؟؟ كيس شعير..

كاسرة بهدوء متحكم: العفو..

حينها هتف كساب ببرود: لا وليش العفو.. هذا اللي باين من كلامش.. تبين تدفعين وأنا معش.. هذا اللي ناقص..

كاسرة ابتسمت بعذوبة ابتسامتها الساحرة: وأنت ليش سويتها سالفة؟؟
قلت لك العفو.. وخلاص ولا يهمك.. بأكسر ظهرك.. بأخليك تندم على العرض..وبأشتري أغلى شيء بالاقيه في السوق..

حينها هتف لها بغموض: ليش ابتسمتي؟؟

أجابته باستغراب: وليش ما ابتسم؟؟ فيه قانون يمنع الابتسام؟؟

هتف لها بذات الغموض: ابتسامة مثل ابتسامتش هذي كنها سلاح دمار شامل..
مايستخدم إلا لغرض كايد..

حينها اتسعت ابتسامتها أكثر وهمست برقة: أغرب غزل سمعته في حياتي..

حينها هتف بذات نبرة الغموض التي تخللها الغضب:
ليه أنتي سمعتي غزل من حد غيري؟؟

ردت عليه بغضب: كساب أنت أشفيك.. تبي تسوي سالفة وبس..
أنا أساسا سمعت غزل منك عشان أسمع من غيرك
والتلميح السخيف هذي ماأبي أسمعه مرة ثانية..

أنهت عبارتها لتستدير وتوليه ظهرها وهي تشد الغطاء عليها..
لتشعر بعد ثوان بأنامله تعبث بخصلات شعرها وهو يلفها على أصابعه بشكل دائري..
استدارت ناحيته لتنظر لوجهه القريب منها وهو يرتكي على مرفقه همست بسكون عذب:
أعرف أنك ماتعرف تعتذر.. بس مافيه داعي كساب أنك تدور اللي يضايقني عشان تقوله..

مال ليقبل جبينها دون أن يرد عليها.. حينها مدت يدها لتلمس خده وهي تهمس برقة:
غصبا عني كل ما أشوف وجهك قريب تروح عيني هنا..

قالتها وهي تتحسس الجرح في خده بحنو.. تناول كفها من خده ليقبلها بتروي ثم يهتف لها بابتسامة:
أتذكر أني انا بعد عضيتش.. بس شكلش أنتي سنونش أقوى..

حينها ابتسمت كاسرة وهي تمد له باطن ذراعها لتريه أثر عضته..وهي تهمس بعمق متجذر:
ليه كساب أنت تخلي الواحد وإلا ترحمه قبل ماتوصل لحمه؟؟




****************************************




كانت تجلس في قاعة الانتظار في عيادة طبيبة النساء.. مشغولة بالتفكير.. مهمومة..
البارحة كانت ليلة سيئة..
لا تحب أن تُغضب منصور منها.. ولكنه من يدفعها لذلك بتسلطه الذي أثار غضبها..واستيائها وحزنها..

البارحة قضتها في غرفة أخرى.. وأغلقت الباب عليها لأنها تعلم أن منصور سيجبرها للعودة لغرفتها..
وبالفعل حاول فتح الباب مرة واحدة.. ولم يعد لتكرارها ..
وهي تعلم أنه لابد غضب لأنها أغلقت الباب..ونامت بعيدا عنه..

واليوم هاهي تأتي لموعدها مع سائقتها دون أن توقظه..رغم أنها تعلم أنه يكره أن تذهب مع سواه إذا كان موجودا..
وتعلم أنه سيجد في هذا سببا آخر ليغضب منها..
ولكنها مرهقة تماما من الوحم.. ومن تسلطه..
ثم إحساس الغيرة المرعب الذي قفز لها ليقضي على مابقي من الجَلد والاحتمال عندها..
لا تحتمل المزيد.. لا تحتمل المزيد أبدا!!

وهي غارقة في أفكارها سمعت همسا مهذبا: عفرا.. عفرا.. أم جميلة..

عفراء رفعت عينيها لتنظر لمن يخاطبها لتتفاجأ بالسيدة ذات البطن المنفوخ التي تبدو في شهورها الأخيرة من الحمل
وبجوارها خادمة تحمل طفلا لا يتجاوز عمره العامين..
عفراء ابتسمت وهي تقف للسلام عليها وتهمس في داخلها (خلاص.. كملت!!) ومع ذلك هتفت بترحيب حقيقي:
هلا والله بشيخة.. ياحيا الله أم محمد..



#أنفاس_قطر#
.
.
.
وقبل ماتستغربون أو تسألون.. شيخة هذي وحدة من حريم منصور الأوليات..
بمعنى أدق.. رقم 2..
.

#أنفاس_قطر# 03-10-10 07:06 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياحياكم ربي وياهلا والله بكل العابرين بين الصفحات وعلى طيات قلبي


أهلا بعودة كل الغائبين اللي أزهرت الصفحات بأريجهم


وننتظر عودة بقية الغائبين اللي عسى غيبتهم للخير وفي الخير وهم بخير..


.


.


شكر خاص لفيتامين سي وذهبية على كرمهم في شعرهم بين صفحاتنا


والله العظيم خجلتموني.. الشعر دايما يخجلني لأني أشعر أنه فن صعب يستنزف طاقة الفكر تماما


وأحس يوم أحد يهديني أبيات شعر كأنه أهداني أثمن شيء في الكون


.


.


الجدل البارت اللي فات حول عفرا


أولا البعض سأل لو كانت بتعرف شيخة


شيخة من جماعتهم.. أكيد تعرفها وتعرف أخبارها وشيخة بالمثل


حتى لو كانوا ماشافوا بعض من زمان


يعني أنتي شخصيا تسمعين أخبار بنات جماعتك هذي تزوجت هذي جابت ولد


حتى لو لك شهور أو حتى سنة ماشفتيها


.


سالفة الغيرة ليش تذكرت تغار الحين..


هرمونات الحمل تعفس الدنيا :)


عدا أنه كل ما يمر الوقت تحس إن منصور لها هي بس وتحبه أكثر


شرارة وحدة تطلق كل شيء الله يكفينا شر الشيطان!!


.


كنت أبي أجاوب عن شيء المرة اللي فاتت ونسيت


اللي سألوا عن حركة الإغماء وهل هي ممكنة


أقول لهم صحيحة وممكنة.. بس ارتاحوا مستحيل تعرفون الطريقة


تبي خبرة ومعرفة وين مكان العرق بالضبط <== المسكينة محترة.. حاولت قبل واجد بس مافلحت..


مع إني شفت الحركة صارت قدامي في عرض حقيقي..


عدا أني زمان أيام التلفزيون.. شفتها في أكثر من فيلم..


.


.


الجزء السابع والأربعون


.


قراءة ممتعة مقدمة


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والأربعون





مرهقة تماما من الوحم.. ومن تسلطه..


ثم إحساس الغيرة المرعب الذي قفز لها ليقضي على مابقي من الجَلد والاحتمال عندها..


لا تحتمل المزيد.. لا تحتمل المزيد أبدا!!



وهي غارقة في أفكارها سمعت همسا مهذبا: عفرا.. عفرا.. أم جميلة..



عفراء رفعت عينيها لتنظر لمن يخاطبها.. لتتفاجأ بالسيدة ذات البطن المنفوخ التي تبدو في شهورها الأخيرة من الحمل..


وبجوارها خادمة تحمل طفلا لا يتجاوز عمره العامين..



عفراء ابتسمت وهي تقف للسلام عليها وتهمس في داخلها (خلاص.. كملت!!) ومع ذلك هتفت بترحيب حقيقي:


هلا والله بشيخة.. ياحيا الله أم محمد..



شيخة همست بمودة بعد أن جلست بتثاقل بطنها الممتد بجوار عفراء: الله يحيش ويبيقيش


ها عفرا بشريني من بنتش؟؟.. سمعت إنها تعالج برا..



عفراء بمودة مشابهة: بنتي طيبة والحمدلله..



شيخة بذات المودة: كنت بأنسى.. ومبروك زواجش.. عين العقل.. أنتي عادش صغيرة وحرام تدفنين عمرش..



عفراء بلباقة: الله يبارك فيش.. ويهون عليش..



شيخة تبتسم: آمين.. تعبانة واجد في حملي هذا.. ما كأني جبت أربعة قدامه..


معي سكر ذا الحمل ولاعب في حسبتي..


ثم أردفت شيخة بتلقائية: وأشلون منصور معش؟؟.. عساه حاطش في عيونه بس..؟؟



عفراء شعرت فورا بضيق طبيعي قاهر تصاعد في روحها..


أن تسأل زوجته السابقة عنه بهذه التلقائية وهي تهمس اسمه مجردا هكذا!!



عفراء همست بابتسامة مصطنعة: أبو زايد مايقصر.. باقي يحطني فوق رأسه..



شيخة ابتسمت بدماثة أخلاق طبيعية: زين عسى زايد في السكة بس؟؟..



عفراء بهدوء: الحمدلله قربت أخلص الشهر الثاني ..



شيخة بعفوية: إن شاء الله ذا البزر يخلي أبو زايد يقر ويرتاح..



تصاعد ضيق أعمق في روح عفرا.. وغيرتها رغما عنها تزداد..


(وش دخلها يرتاح أو عنه ما أرتاح!!!)



غيرتها وصلت لذروتها لأنها تعلم أن شيخة هي أكثر من بقيت مع منصور..


بل إن منصورا حين قام بالفحص كان من أجلها هي..


فشيخة كانت بكل موضوعية أفضل زوجاته الثلاث وأكثرهن رحابة صدر..


تعلم أن هذا أمر مضى منذ سنوات عديدة لكنها لا تستطيع منع نفسها من القهر والاحتراق..


وهي تشعر بالاختناق من أفكارها.. ومن تفكيرها كيف كان تعامل منصور مع شيخة..كنموذج لتعامله مع زوجاته السابقات..


بل ربما نموذج التعامل الأفضل!!


هل كان يتعامل معها كما يتعامل معها هي الآن؟؟



لا تريد أن تسألها عن حياتها مع منصور لأنها ستموت إن عرفت إنه كان يعاملها مثلها..


وكان سبب الطلاق هو مجرد تسلطه الذي هو قد يكون مبررا منطقيا للطلاق عند البعض!!



كما أنها ستموت بل ستجن من الغيرة إن لم ترح نفسها وتسأل.. فهي تشعر أنها تترمد من احتراقها بالغيرة!!



لذا لم تستطع إلا أن تندفع وهي تسأل شيخة بحذر:


شيخة احنا خوت واللي راح راح.. وأنتي الحين ماشاء الله عند رجال وعندش عيال وبنات..


أبي أدري ليه تطلقتي من منصور لو مايضايقش تجاوبيني؟؟



شيخة ابتسمت بعفوية: وليه ذا المقدمات.. إسأليني وأجاوبش عادي


منصور.. الله يديم المودة بينكم.. كان حار بزيادة وتعامله حاد ومتسلط.. وعلى طول مشغول بمجلسه..


صدقيني أنا كان عادي عندي ذا كله..لو أن منصور على الأقل كان يسمعني كلمة زينة..


لكن أنا قعدت عنده عشر شهور..حتى كلمة حلوة وحدة منه ماسمعته..


أنا أشهد إنه كان كريم يد ومايقصر علي بشيء.. لكن في المشاعر ماشفت أبخل منه..


طول فترة زواجنا وأنا حاسة أصلا إنه مهوب متقبلني وإنه فيه حاجز بيننا..


كنت حاسة كني كرسي أو طوفة في البيت..


سبحان الله لكل واحد نصيب يتناه..


عشان كذا شوفي ولا وحدة من نسوانه حملت.. وأنتي ماشاء الله حملتي على طول لأنه نصيبه كان عندش..



عفراء شعرت بفتور في عظامها وكأنه سُكب على رأسها ماء مثلج وهي على وشك الارتعاش من برودته التي اجتاحت عظامها..


شعرت بالفعل أنها عاجزة عن الوقوف.. وقدماها لن تحملاها..


قلبها يكاد يتمزق من شدة تدفق الدم إليه وارتفاع دقات قلبها بعنف..



"لم يُسمعها طيلة عشرة أشهر كلمة واحدة حلوة..


بينما هو يغرقني بفيض حلاوة كلماته منذ يومي الأول معه!!


كان بخيلا معها في مشاعره..


لم تكن مشاعره إلا لي.. لي أنا فقط!!


أ يعقل هذا؟؟


أنا بالذات؟؟ "






**********************************






كانت تنظر إلى شلال جيسبخ البديع وهي تضم جاكيتها الأسود الذي ترتديه على عباءتها ..


تهمس لكساب الجالس جوارها بابتسامة: الديرة ذي ماتعرف الصيف مثل باقي مخاليق ربي


اشتقت لحر الدوحة والله العظيم..



يرد عليها بشبح ابتسامة: عجبتش انترلاكن؟؟



تضم الجاكيت عليها أكثر وتهمس بسكون: جنة من صنع ربي سبحانه.. بس زحمة سياح ..



كساب ينظر أمامه ويهتف برجولة تلقائية: حن في الصيف وش تتوقعين..


بس أوعدش الرحلة الجاية أوديش في غير إجازة المدارس


وفي رحلة من تخطيطي أنا من أولها لأخرها..



ابتسمت بعذوبة: ياخوفي من تخطيطك..



احتضن كفها الباردة بين كفيه الدافئتين.. ارتعشت أناملها بخفة.. ماعاد يسألها عن سبب ارتعاشها


بل ربما قد يستغرب إن لم ترتعش.. همس لها بحزم:


وليش تخطيطي يخوفش؟؟



همست بتلقائية دافئة: أحبك إذا كنت عفوي..على سجيتك.. مافي رأسك تخطيطات..



هتف لها بنبرة مقصودة وهو يشدد احتضانه لكفها: تحبيني إذا كنت ويش؟؟



ابتسمت باحتراف: لا تدقق على المصطلح.. المقصود أني ارتاح لعفويتك..



حينها سألها بذات النبرة المقصودة: وأنتي متى بتكونين عفوية؟؟..



ردت عليه بذات نبرته المقصودة: وأنا عفوية..



ابتسم بتلاعب: هذي عاد كثري منها.. ماشفت حد راسم نفسه مثلش..



ابتسمت بتلاعب شبيه: يحق لي أرسم حالي!!



وقف ليشدها لتقف وهو يهتف بخبث: يحق لش.. أنتي أصلا اللي يحق لش وبس!!






************************************






" جوزا أنتي مبسوطة؟؟"



جوزاء تلتفت لعالية وتبتسم باصطناع: وليش ما أكون مبسوطة؟؟



عالية هزت كتفيها: ما أدري.. ما أبي أتدخل في خصوصياتش


بس عبدالله ماشاء الله باين عليه مبسوط.. وأنتي في عيونش حزن..



جوزاء همست بسكون: لا تحاتيني أنا مبسوطة


بس يمكن من كثر ماحزنت أبي لي وقت لين أتأقلم مع السعادة..



عالية بتساؤل عميق: أكيد جوزا؟؟



جوزاء باصطناع بارع: أكيد أنتي عارفتني.. لو ماأستأنست سودت عيشة اللي حولي..



بينما كانت الاثنتان مستغرقتان في الحديث دخلت عليهما نجلاء وهي تلقي حقيبتها وتجلس متهالكة:


يمه.. يمه باموت من الحر.. يعني مالقينا ننزل بيتنا إلا في حر ذا الصيف..



عالية تضحك: أنتي أصلا المفروض نازلة بيتش من قبل سنة.. بس الله يكفينا دلع النسوان


يعني إلا تطفرين صويلح وإلا ماتستانسين..



نجلاء تهف على نفسها: عقبال ما أشوفش مطفرة عبدالرحمن ومادة لسانش بعد..


ثم تردف بحرج وهي تنظر لجوزاء: جوزا لا تزعلين عشان أخيش والله ما أقصد شيء


بس وش أسوي بأم لسان ذي..



جوزاء بمودة: أنا ما أحاتي عبدالرحمن.. عبدالرحمن أصلا ماحد يقدر يطفره


باله وسيع فديت قلبه...


إلا أنتي ماتبين مساعدة في البيت؟؟.. تراني والله حاضرة..



نجلاء ابتسمت: مانعيف المساعدة.. بس الحين قاعدين نفرش.. لا بديت أرتب أكيد بأحتاج مساعدتكم كلكم..


وذا الحين رخصوا لي أبي أقوم أتسبح ..



غادرت نجلاء بينما عالية التفتت لجوزاء متسائلة: وين حسون؟؟



جوزاء بهدوء: مع عيال عمه في غرفتهم يلعب معهم..



عالية تبتسم: زين فكيتي عن الولد شوي.. مايصير ماسكته على طول..



جوزاء تتنهد: أخاف عليه عالية من كل شيء.. أخاف يطيح.. يزلق.. يفتح الدريشة..


أصلا الحين مخلية الخدامة قاعدة عندهم..



عالية بذات الابتسامة: ماعليه المهم تفكين عنه شوي..



وهما مستغرقتان في الحديث سمعتا طرقا على الباب.. جوزاء غطت وجهها بطرف جلالها السميك والواسع.. وأضفته على يديها..


بينما هتفت عالية: من؟؟



صوت عبدالله يأتيها من وراء الباب: أنا .. من اللي عندكم؟؟



عالية تبتسم: تعال.. مابه إلا حلالك..



عبدالله دخل.. بينما كانت جوزاء ترفع الغطاء عن وجهها وهي تتمنى لو تغادر المكان كاملا..


لا تحب أن تكون معه في وجود أحد آخر.. لأنها حينها ستضطر أن تمثل المودة له


وهذا هو الأمر الأكثر كراهية وبغضا لها في كل العالم..


كما لو أنها تبتلع مسامير ملتهبة تمزق حنجرتها ومعدتها ومع ذلك لابد أن تبتسم وهي تبتلعها!!



بينما هو حينما دخل أشرق وجهه حين رآها.. حالة لذيذة من الشجن تنتابه كلما رآها


كأنه يراها للمرة الأولى !!..



عالية (بعيارة) : صك حلقك.. سعابيلك سالت علينا..



عبدالله يبتسم وهو يتجه ليجلس جوار جوزاء: يا أختي وش أسوي؟؟


كل ماشفت أم حسن كن في قلبي ألف فرس يتسابقون..



عالية تضع يدها على قلبها: آه ياقلبي.. الله يعطيني يارب..


جوزا عسى عبدالرحمن يعرف يقول كلام حلو مثل عبود..



عبدالله يمد يده ليضرب مؤخرة رأسها بخفة: عيب يا بنت.. أخيش الكبير قاعد



عالية بمرح: وأنا وش أسوي بأخي الكبير اللي هيض مواجعي..



عبدالله جلس جوار جوزاء ثم اقترب من أذنها ليهمس بدفء: أشلونش حبيبتي؟؟..



رغما عنها ارتعشت وهي تشعر بدفء أنفاسه على أذنها.. ولكنها كانت ارتعاشة قرف لا تأثر !!..


همست بسكون: الحمدلله زينة..



عالية وقفت وهي تهمس بذات المرح: لا أنا شكلي غلط هنا... أترخص..



عبدالله وقف وهو يهتف بحزم: اقعدي يا بنت أنا أصلا جاي أبي لي شغلة


وبأرجع للمجلس..



عبدالله صعد.. وجوزاء وجدت أنه من اللباقة أمام عالية أن تصعد خلفه..


صعدت ولكنها لم تتجه لغرفتها بل اتجهت لغرفة أولاد صالح لترى ابنها حتى يغادر عبدالله..


لتتفاجأ أن ابنها ليس معهم.. وأخبرتها الخادمة أنه سمع صوت والده يناديه فركض له..


حينها وجدت نفسها مضطرة أن تتجه لغرفتها..



حين دخلت وجدت عبدالله يجلس على الأريكة وحسن على قدميه وهو يلاعبه..


هتف حين رآها: بأخذ حسن معي للمجلس يتغدى معي..



ردت عليه ببرود وهي تلقي بجلالها على المقعد: منت بعارف تأكله أصلا.. خله عندي..



حسن برفض: لا بألوح مع بابا مدلس..



جوزا صمتت.. حينما يقف حسن مع والده تشعر بالضيم يتصاعد في روحها.. لا تريده مطلقا أن يفضل والده ولا بأي صورة


ولكن الذنب في الختام ذنبها هي.. فهي من علقت حسن بوالده وصوره وحكاياته وبصورة مبالغ فيها..


تعيش حياتها من أجل هذا الولد.. فكيف يفضل أحدا آخر عليها.. وخصوصا هذا الأب الذي ألقى به ونساه طوال السنوات الماضية..


ثم عاد ليطالب بحقه فيه..


كانت مازالت واقفة وغارقة في أفكارها حين شعرت باللمسة الحانية على خدها:


حبيبتي هذا كله سرحان؟!!



انتفضت بخفة وهي ترى عبدالله واقفا أمامها بينما حسن غير موجود: وين حسن؟؟



عبدالله بهدوء: راح يجيب نعاله من غرفة عيال عمه..



كانت تريد أن تلحق به وهي تهمس بجزع عفوي: مايعرف يلبس نعاله بروحه


بأروح ألبسه..



عبدالله شدها من يدها: خليه بيعرف يلبس.. كل السالفة نعال مهيب جوتي حتى..



شدت يدها بعنف من يده وهي تهمس بكراهية: تقدر تقول لي وقفي بدون ما تمسك يدي..



حينها أمسك وجهها من الأسفل بقوة بيده وهتف بحزم: أنا أمسك يدش ..أمسك وجهش.. حلالي..



ثم ختم عبارته بأن قرب وجهها منه ليقبلها بدفء حنون..


صدمها تصرفه.. لم تسمح له بالمزيد وهي تدفعه عنها وهي تهمس ببغض شديد:


أنت ماتفهم.. أقول لك لا تقرب مني.. تسوي كذا..



ابتسم عبدالله وهو يعدل غترته: من اللي يقدر يشوف وجهش الحلو قدامه كذا وبين يديه ويقدر يقاوم..


ثم أردف وهو يغادر: تدرين.. اللون الأزرق بينطق من حلاوته عليش..


انسطلت أنا.. لا تلوميني!!



جلست وهي تهمس بغيظ وقهر ..وتضرب المقعد بقبضتها:


ويتمسخر علي بعد.. وجهش الحلو.. وما أقدر أقاوم.. واللون الأزرق..


الحقير يتمسخر علي.. يتمسخر علي..!!


زين ياعبدالله دواك عندي.. دواك عندي..






****************************************






تشعر بتوتر عميق منذ عادت للبيت...


لم تجد منصورا في البيت.. والأغرب أنه لم يتصل بها إطلاقا ولم يسألها عن موعدها..


تعلم أنه اتصل بالسائقة.. فهي أخبرتها أنه اتصل وسألها عن مكانهما..


ومعنى ذلك أنه غاضب وغاضب بشدة لأنها خرجت دون اخباره..


يا الله.. متعبة من التفكير ومشتتة..



لا تنكر أن مقابلتها لشيخة ألمتها وأسعدتها وأشجتها بل وقلبت كيانها..


ولكن كون تعامل منصور معها مختلف.. وأنه وهبها المشاعر التي لم يهبها لأحد


لا يعني أنها يجب أن تتنازل عن كل شيء من أجله..


لا تنكر أن قلبها يؤلمها وأن بودها أن تحتضنه وتقبل جبينه وتهمس في أذنه ألف مرة أنها تحبه!!


فهي لم يسبق أبدا أن صرحت له بكلمة (أحبك) بشكل مباشر..



تشعر فعلا بالتشتت ..مقابلتها لشيخة قد تكون جاءت في وقت غير مناسب.. وفي ذات الوقت جاءت في الوقت المناسب!!



هي في الوقت المناسب لأنها أراحتها من نار الغيرة التي لم تحتملها حتى ليوم واحد فقط..


وفي وقت غير مناسب.. لأنها قوّت جانب منصور بينما هي تحتاج أن تقوي عزمها حتى تستطيع مواجهته والاصرار على عملها..


تشعر أنها لو رأته الآن فأنها ستنهار وقد تتنازل عن كل شيء من أجله..



تدعو الله في داخلها أن يقوي عزيمتها فالعمل حاجة إنسانية ضرورية لحياتها


ولو طاوعت منصور وتركته الآن فهي تعلم يقينا أنها ستندم مستقبلا..



تتمدد على سريرها لتريح جسدها المنهك


" يا الله كل ماقلت هانت جد علم(ن) جديد"






************************************






" يا الله سميرة اليوم يخلص فستانش.. "



سميرة تلتفت لوالدتها: يمه أنتي اللي بتوديني؟؟



أم غانم باستعجال: خلصيني بابت.. نجلا اليوم ماتقدرش.. عندها شغل في بيتها..



سميرة بتساؤل: ومها وصلوح وش بنسوي فيهم؟؟



أم غانم بنبرة قاطعة: هناخذهم معانا طبعا..



سميرة تضحك: من جدش يمه.. خلاص يمه.. خليها بكرة لين تتفرغ نجلا وتوديني..



غانم قاطع الحديث الدائر: وأنا ما أنفع أوديش؟؟



سميرة بخجل وهي تلتفت لغانم الذي دخل مع الباب بلباس الطيارين:


ينفع ونص.. بس أنت توك راجع من رحلة.. أخذك مشوار بعد



غانم يبتسم: يا بنت الحلال كلها أسبوعين ونخلص منش أساسا.. خلنا نتجمل فيش أنتي ووجهش..



حينها تجمعت العبرات في حلق سميرة..وسالت دموعها رغما عنها.. غانم اقترب ليحتضنها بحنو:


أفا حضر عرق خالها هريدي العاطفي.. هلت الدموع..



سميرة تمسح دموعها وتهمس بابتسامة طفولية باكية: صدق بتستانسون لا رحت وخليتكم؟؟



غانم (بعيارة) : وبنكسر الئلة كمان على قولت خالش هريدي


ونقول الله يعين تميم على مابلاه...



حينها فعلا انفجرت في بكاء طفولي وهي تدفن وجهها بين كفيها..


فمشاعرها كما لو كانت على طرف السكين مسنون.. غاية في الرهافة والحساسية..


فهي قلقة من حياتها مع تميم بعد أن كانت السبب في كسر يديه وسماعها أطراف حديث عن أنه بات أكثر انطواء وحساسية..


وما أقلقها أكثر أن وضحى حن رأت قلقها أصبحت تقول لها أنه بخير


بينما سمعت مزنة تخبر والدتها أنه ماعاد يخرج من غرفته إلا في أضيق الحدود حتى بعد نزع جبس يده اليسار..


فإخفاء وضحى لوضعه عنها يعني أن الأمر مرتبط بها هي..


وبشكل عام الفتاة قبل زوجها تصبح شديدة الحساسية فكيف بمن هي في حالها..



غانم شدها وأجلسها وجلس جوارها وهو يحتضن كتفيها ويهتف بحنان:


أفا سمور.. ليش ذا البكاء كله؟؟



أم غانم كانت من ردت بتأثر: يأمك البنات يصيرون حساسات شوية قبل العرس..



غانم يمسح شعرها متسائلا بقلق: صحيح سميرة؟؟



سميرة هزت رأسها وهي تمسح وجهها.. حينها وقف غانم وشدها وهو يهتف بحزم:


يالله ياحلوة.. قومي البسي.. وأنا خمس دقايق بس أخذ شاور سريع وأبدل ملابسي وأنزل..






*********************************************






"تميم ياقلبي منت بطالع اليوم مكان؟؟"



تميم هز رأسه وهو يشير بيد واحدة : بأروح للشغل بعد شوي..



ابتسمت وضحى: زين.. صار لك يومين مارحت لشغلك



رغم صعوبة الإشارة بيد واحدة وهو يشير اشارات مبتورة وغريبة ولكن وضحى كانت تفهمه..


أشار لها بسكون: الشباب في الشغل مرسلين لي مسج يقولون محتاجيني ضروري


بأروح أشوف السالفة..


ثم أردف بألم: مع أني بدون يدي اليمين مالي فايدة..



وضحى ابتسمت بحنان: أنت وأنت بيد وحدة أحسن من كل مهندسين الكمبيوتر اللي في الدوحة..


ثم أردفت وهي تبتسم له ابتسامتها الدافئة الحانية:


وبعدين هانت الدكتور يقول ماشاء الله عظمك قوي وجبر بسرعة..


وقبل عرسك إن شاء الله بيفك الجبس وبيحط بس رباط خفيف..



تميم وهو يستعد للخروج يشير لها بغموض: آخر شي يهمني هو سالفة عرسي ذي!!






************************************






أصبحت الساعة الثامنة مساء.. ومنصور لم يظهر ولم يتصل حتى..


رغم أنه لا عمل لديه اليوم..


تشعر بقلق عميق وتفكيرها يزداد تشتتا..


لا تعلم كيف يشعرها منصور بهذه الأحاسيس المتضادة!!



رغم أنه المخطئ إلا أنها تشعر بالذنب...


نجح في إشعارها بذنب لم تقم هي به!!


فهو من يريدها أن تترك عملها وهو يفرض رأيه بكل تسلط..


وبدلا من أن يجلس حتى يتفاهما.. هاهو يختفي ليتركها نهبة للقلق والتوتر..


لتشعر كما لو أنها من أذنبت في حقه!!



تشعر أن أكثر شيء تريده في العالم أن تراه الآن لترتمي في حضنه كما لم تفعل سابقا!!


وفي ذات الوقت أكثر شيء تريده في العالم ألا يظهر الآن لكي لا تنهار دفاعاتها الضعيفة أمامه..



.


.


.



ذات الوقت



" أبو زايد.. عسى ماشر؟؟


وش فيك سارح؟؟"



منصور يبتسم وهو يلتفت لشقيقه: مافيني شيء جعلني الأول.. مشاغل بس!!



زايد بفخامة رجولية: ترانا نعين ونعاون يأخيك!!



منصور بعبق الرجولة الفخمة ذاته: جعلك سالم.. وما أخلى من عونك


لو أني أبي شيء أنت أول من بأطلب منه..



زايد بهدوء: زين وش رأيك بشور؟؟



منصور بأريحية: حاضرين للشور وراعيه!!



زايد بحزم: نروح أنا وإياك عمرة.. مشتهي أروح يومين قبل يرجع كسّاب..



منصور بحزم أشد: قم نروح ذا الحين..



زايد بصدمة: ذا الحين؟؟



منصور بذات الحزم البالغ: إيه ذا الحين.. قم.. جوازي في سيارتي..


وعندي غيارات في السيارة جاهزة دايم لو بغيت أغير وأنا في الدوام..



زايد بتساؤل: نروح على سيارة؟؟



منصور بتصميم: إيه على السيارة.. أنا أحب السواقة على الطريق الطويل..


وبعدين نمر الحسا وحن راجعين نشتري تمر وقهوة وقناد..



زايد صرَّ عينيه بحزم: ماتبي تمر عفرا قبل؟؟..



منصور بنبرة مقصودة: بأتصل لها وأعلمها.. وأقول لعلي يروح يجيبها عندكم في البيت..


تقعد مع مزون لين نرجع..



زايد وقف وهو يبتسم: يا سبحان الله ماهقيت ربي يسهلها بذا العجلة..


خلاص أنا داخل أعلم مزون وأكلم علي.. واجيب لي ثياب وأجيك..



زايد دخل للداخل..


بينما منصور تناول هاتفه وأرسل رسالة..



.


.



ذات الوقت


عفراء تدور في البيت.. تلتهي بالترتيب عن التفكير بمنصور الذي لا يشغلها عنه شيء..



رنة رسالة تصل هاتفها.. التقطته بلهفة لتشعر أن طبول مجنونة تمزق قلبها وهي ترى اسم منصور يتصدر الرسالة قبل أن تفتحها..


فتحت الرسالة بأنامل ترتعش (أخيرا تذكرني الشيخ منصور!!)



" أنا رايح العمرة الحين مع زايد


جهزي أغراضش بيجيش علي يوديش عندهم للبيت"



(وفقط!! لا شيء آخر!!)



ماذا يقصد من هذا التصرف؟؟.. منصور المتبجح دوما أنه لا يترك مشاكله معلقة!!


بعثرتها الصدمة وعيناها تتسعان ذهولا وهي تعتصر هاتفها بيدها!!



هل هو يخرجها من حياته؟!!


أم هذه مجرد مهلة للتفكير؟؟


ماهو هدفه من جرحها بهذه الطريقة القاسية؟؟


يفرحها أن يذهب لبيت الله.. وذهابه للعمرة مع شقيقه..



"ولكن أ لم يجد خمس دقائق ليخبرني بذلك وجها لوجه؟!..


لماذا بخل بمنحي فرصة لثوان فقط حتى ترتوي عيناي من رؤيته وأضلاعي من حضنه ورائحته؟؟


لماذا كنت بخيلا وقاسيا هكذا؟؟


لماذا تصر على إيلامي؟؟!


لماذا يامنصور؟؟ لماذا؟؟"






***************************************







تعبر السيارة طريق المنطقة الصحراوية بعد أن تجاوزا الحدود..



يهتف زايد بهدوء: زمان مارحت رحلة طويلة على سيارة..



ابتسم منصور: ماحد مربح شركات الطيران غيرك أنت وولدك كساب..



ابتسم زايد وهتف بشجن: تدري إني اشتحنت له..



منصور بابتسامة: قد سافر في رحلات أطول من ذي.. وش معنى ذا المرة مشتحن له؟؟



زايد بعمق: الحين صار رجّال متزوج.. أبي أشوف لو المرة بتغيره..



منصور بعمق مشابه وهو يهمس بخفوت: كساب كنه عمه.. مايغيرونهم النسوان حتى لو داخلوا الروح..



زايد بتساؤل: وش تقول يامنصور؟؟



منصور بنبرة أعلى: أقول وأنت ماتبي تجرب؟؟



زايد ضحك ضحكة فخمة قصيرة: من جدك؟؟ عقب ماشاب ودوه الكتّاب..



منصور بجدية: أتكلم من جدي يازايد.. تدري يازايد أني ندمت أني قعدت ذا السنين كلها عزابي وعفرا قدامي..


وبعدين زايد أنت عادك شباب وبصحتك.. وبكرة علي ومزون كلهم بيتزوجون..وكلن بيلهى في حياته..


تزوج من وحدة ترادك الصوت.. أو حتى تجيب لك ولد يملأ أيامك..



زايد يبتسم: والله نبرة جديدة يأبو زايد.. جعلني أشوف عليك عشر عيال..


بس أنا خلاص.. وش بزارينه وأنا في ذا العمر؟؟


الحين أبي أربي أحفادي وأستانس بهم.. وبعدين أنا واحد مشغول على طول..


ماعندي أصلا وقت فاضي عشان أحتاج مرة تملاه..


وماتزوجت ذا السنين كلها.. أتزوج الحين.. يا الله حسن الخاتمة يأخيك..


جعلك تهنى أنت وعفرا وعيالكم..



صمت منصور وتفكيره هو أيضا يأخذه لما يحاول الالتهاء عنه.. عفراء



" الله يلعنك يا أبليس..


وش استفدت من يباس الرأس؟؟


من الحين ذابحني الشوق لها..


يعني كان مريت على أساس أني أبي لي ثياب وشفتها حتى لو ماكلمتها


عشان تتأدب على حركتها اليوم وهي تخليني نايم وتطلع لموعدها بدون ماتقول لي..


كان شوفتها بس ردت لي قلبي شوي اللي حاس كنه قعد في الدوحة وماسافر معي!!


بس خلها.. تستاهل.. الموقف اللي سوته المفروض مايتكرر


خلها تعرف غلطها..


مهيب هي اللي دايم تقول أبي لي مساحة أتنفس وأفكر


خلها تاخذ كل المساحة اللي هي تبي


بس أنا أشلون أتنفس بعيد عنها؟؟ أشلون؟؟ "



لم يكن منصور يهدف مطلقا للهروب.. فهذا شيء من المستحيل أن يفكر به..


فلو أن زايدا طلب منه العمرة وهو على وفاق مع عفراء..


كان سيتصرف ذات التصرف تماما ودون تردد..ويذهب معه من فوره ..


ولكن المختلف أنه كان سيمر في بيته أولا..


يروي عينيه من رؤيتها.. يطمئن على وضعها..


ويذهب بها بنفسه لبيت زايد..


ليذهب بعد ذلك وهو مطمئن البال..



ولكن سفره هكذا وهو لم يراها منذ البارحة وبينهما خلاف يبدو أنه ليس بسيطا


فهذا الأمر عقّد كل شيء بينهما لأبعد حد..


في داخله غير مطمئن أبدا.. فلأول مرة تعانده عفراء بهذه الطريقة!!


يكره أن يغضبها أو يقهرها أو حتى يتسبب باستيائها..



"ولكني هكذا خُلقت.. عنيد ومتسلط.. ولا أتنازل عن أرائي..


أ يصعب عليها أن تتقبلني كما أنا؟!!


أ يصعب عليها احتوائي؟!!


فكل ما أريده في الحياة.. هي.. ولا شيء سواها !! "







*****************************






" عالية ممكن أسألش سؤال؟؟"



عالية بابتسامة: الله على الأدب والذرابة اللي ما أحبها..


اسألي بدون مقدمات..



حينها سألت جوزاء بشكل صادم ومباشر: عبدالله وش كان يسوى السنين الأربع اللي كان غايب فيها؟؟



عالية بذات الابتسامة المرحة: المفروض أنا اللي أسألش..


أنتي مرته.. والرجّال يعلم مرته بأشياء حتى هله مايعرفونها..



جوزاء باصطناع بارع: ما سألته... استحيت..



عالية هزت كتفيها وأجابت بصراحة: والله العظيم ما أدري..


وماحد يدري إلا صالح وإبي بس..



جوزاء تنهدت في داخلها.. لا يهمها أن تعرف في أي مصيبة كان يختفي..


وفي ذات الوقت شيء في داخلها يُلح عليها أن تعرف..


فهذا الرجل كان زوجها.. وعاد زوجها.. ولا تعلم حتى متى ستبقى متورطة معه في سجن الزواج هذا...



أخرجها من أفكارها يد حسن الصغيرة تشدها: ماما بألوح حمام..


جوزاء نهضت مع صغيرها وتركت هاتفها خلفها على الأريكة بجوار عالية..


ليرن الهاتف بعد ثوان..تلمح عالية الاسم دون تركيز..


اسم من مقطعين أولهما (عبد).. تناولته عالية وهي ترد دون تردد وبنبرتها الصاخبة المرحة:


لنا الله ياعبود.. لنا الله.. الحين المكالمات كلها للمدام


وأختك نسيتها.. الله يخلي لي الدحمي.. يكلمني عقب.. بدل ماتلفوني ميت..


ماحد منكم يفرحني بمكالمة..



كادت عالية تُصاب بسكتة قلبية وهي تسمع الصوت الرجولي الدافئ العميق:


والله يخليش للدحمي.. مادرى المسكين إنه على بالش كذا!!!


عطيه رقمش.. ووعد تلفونش مايسكت أبد!!



عالية أغلقت الهاتف في وجهه وهي تلقي بالهاتف جوارها وعيناها تمتلأن بدموع الصدمة التي أبت كرامتها أن تُنزلها..


بينما جسدها كله يرتعش كأنما صابها ماس كهربائي هز أوصالها كله..


" لا حول ولا قوة إلا بالله..


وش فيه كل شيء صار يرجع لي؟..


الحين عبدالرحمن أكيد بيقول علي:


قليلة أدب وماصدقت تتزوج حتى أخوانها تتكلم معهم عني!!


إيه.. يحق له يتجرأ لي كذا ويقلل من احترامي.. دامه شايفني قاطه روحي عليه"



عالية تكاد تجن من فرط الحرج والأكثر من إحساسها بجرح كرامتها الثمينة


لابد أن ترد وإلا فأنها لن تستطيع أن تنام..


تناولت هاتف جوزاء وأرسلت للرقم الوارد الأخير:



"تصدق إنك قليل أدب!!


أي نموذج مشرف لدكاترة الجامعة أنت؟؟"



حينما وصلت الرسالة لعبدالرحمن انفجر ضاحكا..


علم أنها محرجة.. وهذه وسيلتها لتبديد حرجها..


كان يستطيع أن يرد عليها ردا يتناسب مع سلاطة لسانها.. ولكنه قرر ألا يرد عليها حتى لا يزيدها عليها!!


ولكنه ختاما لم يقاوم إحساس التسلية الذي شعر به..


تناول هاتفه وأرسل لهاتف جوزاء:



" اسألي عني بنات الجامعة ويقولون لش


أي نموذج مشرف لدكاترة الجامعة أنا؟؟"



عالية حين تلقت الرسالة صرّت عينيها وهي تمسح الرسالتين الصادرة والواردة:


صدق إنه قليل أدب..


إلا هو وش قصده؟؟


زين يا الدحمي.. خلني لين أدبك أنت وبنات الجامعة!!








**********************************************






" عادش بردانة؟!!"



كاسرة تلتف بشال وتمسح أنفسها المحمر وتهمس بصوت متعب:


من عقب قعدتنا اليوم عند الشلال وأنا حاسة إن البرد دخل عظامي..



يجلس جوارها ليحتضن كتفيها.. لتخفي في عرض صدره كأنها قطة صغيرة


لتبدأ بالارتعاش .. لا يُعلم هل هو من البرد أم من قربه؟!



هتف لها بهدوء : زين اشربي الشاهي يدفيش شوي..



مدت يدها لتتناول كوبها ولأن يدها كانت ترتعش تناثرت قطرات على قميصه..


اعتدلت جالسة وهي تهمس برقة: آسفة.. بأقوم أجيب لك تيشرت غيره..



وبالفعل نهضت لتحضر له قميصا.. في الوقت الذي خلع كساب قميصه ووضعه أمامه..


حين عادت كانت تنظر دون تركيز لظهره العاري.. ولأنها كانت دائما تشعر بالخجل من النظر.. لم تكن تدقق النظر له المرات الماضية..


ولكن هذه المرة لفت نظرها شيئا غريبا في كتفه من الخلف ناحية اليسار..وأقرب لمنتصف الظهر.. في منطقة تختفي تماما تحت ملابسه الداخلية


وربما من أجل ألا تظهر كان حينما يستحم في بركة الفندق يرتدي لباس سباحة كامل يغطي الظهر ويصل لمنتصف الفخذ!!..



كاسرة اقتربت ولمست مالفت انتباهها.. همست بتساؤل لا يخلو من غضب:


كساب وش ذا؟؟



حينها قفز واقفا بشكل مفاجئ وهو يشدها بقسوة من ذراعها ويصرخ فيها بنبرة مرعبة:


مالش شغل؟؟



كاسرة أعادت السؤال بحزم غاضب دون اهتمام بمعصمها الذي يعتصره في كفه


فما رأته في ظهره أثار غضبها عارما عاتيا متفجرا:


كسّاب أنا أقول لك وش ذا؟؟






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 05-10-10 07:13 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


صباحكم خير يا أدفا قلوب


أدري أنكم متشوقين للبارت.. تبون تعرفون وش اللي في ظهر كساب..


ماراح أطول عليكم اليوم


لأنه بارت اليوم طويل طويل .. استعدادا لبارت عاصف يوم الخميس إن شاء الله


.


.


أدري بنات إنه فيه بنات استغربوا العلاقة بين كساب وكاسرة


وكانوا متوقعين شيء ثاني..


لكن أنا أحب كسر الشيء المتوقع أن أصنع شخصيات بردات فعل لا تخطر ببالكم..


أين المتعة لو تصرفوا كما كنتم تتوقعون!!


وأنا فعلا أردت العلاقة بينهما بهذه الصورة.. كما سترونها بشكل أوضح في هذا الجزء..


تدرون بنات أنا أهتم ردات الفعل بشكل كبير لأني أبني عليها أحداث لاحقة


.


.


خالص الشكر لسكوت على قصيدتها بعد العودة



وعودة لشكر فيتامين سي على قصيدتها الجديدة


خجلتوني يابنات بفيض ابداعكم..


.


.


فيه بنت خذت عشرين نجمة على توقع مبهر هي جابته


بس بأقول لكم من هي في وقته


والحين أخليكم مع البارت تستمعون بنفسكم


.


الجزء الثامن والأربعون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والأربعون






وبالفعل نهضت لتحضر له قميصا.. في الوقت الذي خلع كساب قميصه ووضعه أمامه..


حين عادت كانت تنظر دون تركيز لظهره العاري.. ولأنها كانت دائما تشعر بالخجل من النظر.. لم تكن تدقق النظر له المرات الماضية..


ولكن هذه المرة لفت نظرها شيئا غريبا في كتفه من الخلف ناحية اليسار..وأقرب لمنتصف الظهر.. في منطقة تختفي تماما تحت ملابسه الداخلية


وربما من أجل ألا تظهر كان حينما يستحم في بركة الفندق يرتدي لباس سباحة كامل يغطي الظهر ويصل لمنتصف الفخذ!!..



كاسرة اقتربت ولمست مالفت انتباهها.. همست بتساؤل لا يخلو من غضب:


كساب وش ذا؟؟



حينها قفز واقفا بشكل مفاجئ وهو يشدها بقسوة من ذراعها ويصرخ فيها بنبرة مرعبة:


مالش شغل؟؟



كاسرة أعادت السؤال بحزم غاضب دون اهتمام بمعصمها الذي يعتصره في كفه


فما رأته في ظهره أثار غضبها عارما عاتيا متفجرا:


كسّاب أنا أقول لك وش ذا؟؟



حينها أفلتها كساب ليجلس وهو ينقلب لحالة معاكسة من البرود المدروس تماما..


فهو كان يتوقع هذه المواجهة منذ الليلة الأولى لزواجه.. بل استغرب إنها تأخرت حتى الآن!!


وللحظات فكر أنها لابد رأته ولكنها قررت التغاضي عنه.. مع أنه استعبد أن كاسرة قد تتغاضى!!


ولكن صمتها أوحى له بذلك !!



وربما كان مافي ظهره من الأسباب التي جعلته يرفض الزواج حتى لا يضطر للتفسير..


وبعد ذلك خشيته أن تتحدث زوجته عما رأته..


ولكن مع كاسرة لم يكن ليخشى أي شيء من ذلك..!!


فهو لن يفسر لها!!..


وهي لن تتكلم عن أسرار زوجها.. يؤمن بذلك كما يؤمن بنفسه!!



بل إن سبب خلعه لملابسه فور وصولهم لجنيف للقيام بالتمرينات.. كان من أجل أن تراه!!


أرادها أن تراه قبل أن يحدث بينهما أي شيء.. أرادها إن تراه حتى ينتهي من غضبها في بداية حياتها معه..


لن يحرمها من الغضب.. لكنه بالتأكيد سيحرمها من السؤال والتفسير..


وهذا هو ما كان ينتظره.. أن تراه!! وأن تسأل!! وأن تغضب!!


فلماذا غضبت الآن ياكساب؟؟


هل تخشى أن تتجاوز ردة فعلها الغضب؟؟


ما الذي تخشاه ياكسّاب.. ما الذي تخشاه؟!



دارت هذه الأفكار كلها في رأسه وهو يرتخي في جلسته بفخامة ويهتف ببرود محترف:


قلت لش مهوب شغلش..



كاسرة تقف أمامه وهي تهتف بغضب كاسح:


كسّاب أنت واشم ظهرك؟؟


أنت ماتخاف ربك؟؟


هذا وأنا أشوفك مصلي والفرض مايفوتك؟؟


كسّاب أنت يأما تشيل الوشم هذا.. يا تطلقني..



كساب بذات البرود المحترف: ماشاء الله ماكملنا أسبوعين حتى وطلبتي الطلاق


براحتش.. حاضر أطلقش.. لأن اللي في ظهري مستحيل ينشال..



كاسرة تصرخ بغضب عميق وهي مصدومة منه تماما لم تتوقع مطلقا أن كساب قد يتصرف هذا التصرف:


أشلون مستحيل ينشال.. مافيه وشم ماينشال..


أو يمكن تشوف إنه الوشم أغلى مني.. عشان كذا ماتبي تشيله وتطلقني أحسن..



كسّاب ببساطة حازمة: قلت لش مستحيل ينشال..


لأنه مهوب وشم.. هذا وسـم..


ثم أردف بسخرية مريرة: شفتي الأبل يوم يوسمونها؟!


هذا مثله.. حرق بالنار غاير في جسمي..ومستحيل ينشال


وماحطيته أنا بكيفي عشاني مشتهيه!!



كاسرة انهارت جالسة وهي مصدومة أكثر..ثم همست بهدوء متمكن رغم أن شيئا في داخلها يذوي ولا تعلم لماذا:


كساب ممكن أشوفه من قريب..



كساب كان يريد أن يرفض تدقيقها فيه..في داخله لم يكن يريد أن يصدمها بغرابة ما ستراه!!


ولكنه رأى أن رفضه سيكون غير منطقيا لأنها زوجته وسترى هذا الأثر كثيرا


فرؤيتها له الآن لن تغير من الحقيقة شيئا..



هتف كساب بحزم: تعالي شوفيه..وقبل ماتشوفين شيء ثاني وتسألين عنه


ترا عندي نفس الوسم بالضبط في فخذي اليمين من را..


والاثنين لا تسألين عن معناهم ولا عن سببهم.. ولا أي سؤال تسألينه..



كاسرة اقتربت بثقة رغم أن داخلها يرتعش..


ليس خوفا مما ستراه.. ولكن إحساس وجع متراكم زادته الريبة عمقا وألما!!



نظرت بدقة لظهره ..


كان بالفعل وسما غائرا عبارة عن رقم متسلسل من 7 خانات بحجم صغير جدا..


يبدو للرائي دون تدقيق كما لو كان وشما فعلا!!


مررت اصبعها عليها بإرتعاش موجوع وذات الإحساس المؤلم أن هناك شيئا يذوي في ذاتها يتراكم ويتراكم..



بدا لها الأمر مريبا وموجعا إلى حد السماء..يُضاف إلى عشرات الأمور التي تثير ريبتها فيه..


ومع ذلك صمتت ولم تسأل عنها.. لأنها تعلم أنها لن تلقى الإجابة!!



شعرت برغبة عميقة مثقلة بالألم أن تغمر الأثر بقبلاتها الموجوعة..


وفي ذات الوقت شعرت برغبة مشابهة أن تلكمه وتلكمه حتى تؤلمها يديها!!



ولكنها لم تتصرف أيا من التصرفين.. بل وقفت بحزم دون أن تتكلم..


تناولت قميصه وأعطته له وهي تمنحه نظرة حازمة حادة مثقلة بالعتب.. والكثير من الحزن!!..


ثم غادرت المكان..



" أي جنون وأسرار يحتويها عقلك المجنون


أي عاقل يسم نفسه بالنار؟؟


هذا إذا كان عاقلا!!


أيها المجنون!! أيها المجنون!!


ما الذي يجبرني على الحياة مع مجنون مثله


حتى حق السؤال يريد انتزاعه مني؟؟


ولكن ما فائدة أسئلة لن تلقى إجابة؟! "




توجهت كاسرة للسرير وتمددت وغطت جسدها كاملا.. بعد دقائق شعرت به يتمدد جوارها نصف تمدد..


وهمسه الساخر يصلها من قرب: بتنامين بثيابش كلها كذا؟؟ وقبل ماتعشين؟؟..



همست بحزم وهي توليه ظهرها: أنا أساسا ماأبي عشا.. تعبانة من برد الصبح وأنت عارف..



حينها وصلها هتافه الحازم: لا ماني بعارف.. قومي ننزل نتعشى.. السواق على وصول..



حينها استدارت له وهي تهمس بتصميم: كسّاب ما أبي.. ولو سمحت خلني بروحي..



شدها برفق ناحيته وهو يهمس لها بعمق خافت: أنتي زعلانة عشان الأثر صح؟؟



أجابته بصراحة مغرقة بالألم: ماتشوف إنه شيء يزعل.. دايما حاسه أنه في شيء غامض في حياتك وعندك أسرار غريبة..


من أول يوم شفتك فيه عقب ملكتنا.. وأنت مليان أسرار وغرابة وتسوي أشياء ماتدخل في المخ


ولا أحد يقدر عليها..


الحين هذا اللي في ظهرك لو أشوفه في فيلم ماصدقته!!


ومع كذا حتى محاولة التفسير وحتى السؤال حارمني منهم..وحتى لو سألت ما ألقى إجابة!!


وذا الأشياء بصراحة تحسس الواحد بعدم الأمان معك..



همس بذات العمق وبنبرة مقصودة أكثر دفئا: تحسس الواحد بعدم الأمان؟؟


لكن هل أنتي هذا الواحد؟؟ صدق أنتي ماتحسين بأمان معي؟؟



حـيـنـهـا.. ويـا لا الـغـرابـة!! ..


اقتربت لتدفن وجهها في منتصف صدره ويطوقها هو بذراعيه بقوة وحنان.. وكأنه يريد أن يخفيها بين أضلاعه..


عله يبعدها عن عالمه الغامض الذي بات يؤرقها..


بينما كانت هي تهمس بانثيال عميق:


هذي المشكلة.. كل شيء فيك المفروض يحسسني بعدم الأمان..


قدراتك الغامضة اللي تخوف..تلفونك الغامض وغموضك أنت وأخيرا الوسم الغريب هذا..


وفوقها وقبل أي شيء..


إحساسي أنك ممكن تتخلى عني بسهولة متى ماطرا على بالك..


ومع كل هذا ..الغريب.. يوم تحضنني أحس بأمان الدنيا كلها..


كأني في حضن إبي اللي ماشبعت منه.. كأني في حضن جدي اللي ضعفت يديه وماعاد يقدر يلمني مثل الأول..



احتضنها بعمق أكبر على أمل أن يُسكن ارتعاشها الذي لم يسكن..


ثم أفلتها بخفة ليغمر جبينها الدافئ بقبلاته وهو يهمس لها بعمق:


زين هذا أنتي على أقل سبب هان عليش تقولين طلقني..


يعني أنتي بعد ممكن تتخلين عني بسهولة!!



مدت يدها لتمسح خده وهي تهمس بابتسامة موجوعة:


يمكن لأننا نتشابه..


ويوم نعند.. نخسر كل شيء ولا نخسر اعتدادنا بنفسنا..



تناول كفها ليقبل باطنه وهو يهمس بحنان متدفق غريب بدا لها غريبا وحميميا وصادقا بشكل موجع:


تدرين إن جسمش كله دافئ..خلني أروح أدور لش دكتورة..



دفنت وجهها في عنقه وهي تهمس بسكون عذب : ماله داعي الدكتورة.. حبتين بنادول وأكون زينة..خلك جنبي بس..



تمدد جوارها بشكل كامل وهو يعود لاحتضانها بحنان: هوننا من الطلعة.. وخلاص ماله داعي الدكتورة..


بس لو قعدتي لبكرة تعبانة بتروحين للدكتورة ورجلش فوق رقبتش



همست حينها بحزم رقيق ووجهها مازال مختبئا في عنقه: بلاها رجلش فوق رقبتش..


لأنه ماحد يقدر يجبرني على شيء..


ثم أردفت بحزم موجوع: وعشان يكون عندك خبر..


تراني عادني زعلانة عليك


وبأطول وأنا زعلانة بعد.. لأنه موضوع مايعدي بالساهل!!



مسح على شعرها وهو يهتف بنبرة لا يعلم أ هي تلاعب أم يقين: لكل حادث حديث يا بنت الحلال..



أي علاقة غريبة هذه التي بدأت تربط أصرها بينهما..؟!


يتجادلان بغضب وحدة.. ليعودا بعد لحظات إلى تآلف عميق يصل إلى عمق الروح!!



أ عدوان؟؟ أم عاشقان؟؟


جفوة؟؟ أم قرب؟؟


تمازج إلى حد التماهي؟ أم انفصال إلى حد اللا تماس؟


والغريب أنهما يعلمان أن المشاعر التي باتت تربط بينهما هي من أغرب ما يكون!!


ولكن كل منهما لا يعلم أن احساس كل منهما بهذا الشعور مختلف.. هدفه مختلف.. غايته مختلفة!!!






*********************************






" ياسلام على روحة إبي وعمي للعمرة الحين


كنهم دارين إني مشتاقة للنومة في حضنش"



عفراء تحتضن كتفي مزون وتهمس بحنان: البيت بيت عمش.. ليه زايد مايرضى تنامين عندي ما أدري؟؟



مزون بابتسامة: خايف علي يذبحني عمي لا جيت عندكم كني عزول..



ألمها قلبها من هذا العم الذي سافر دون أن يُسمعه صوته حتى..


هذا العم المتجبر الذي جمع أطراف المتناقضات..


من يصدق أن من يذوب لها حنانا من الممكن أن يقسو عليها هكذا؟!!



قاطع تفكيرها دخول علي عليهما وهو يهتف بمرح: يا الله قوموا أنا عازمكم على العشا في أحلى مطعم..


عاد أخذوا حريتكم الشيبان مهوب هنا بسلامتهم..



عفراء ابتسمت: بلاها ياقلبي.. ما استاذنت منصور.. وما أقدر أطلع بدون أذنه..



علي بدون تردد تناول هاتفه واتصل بعمه وهو يناولها الهاتف: يا الله استاذنيه


مع أني عارف إنه ماعنده مانع دامش معي



عفراء كانت تشير بيدها لا.. ولكنها وجدت أنها أصبحت متورطة في الاتصال وأمام ابناء أختها وعلي يضع الهاتف على أذنها..



أمسكت بالهاتف وهي تشعر أن حرارتها ترتفع شيئا فشيئا لتصل إلى ذورتها وهي تسمع صوت منصور الفخم:


حيا الله أبو زايد نمبر 3.. توك مكلمني مالك نص ساعة.. وش اللي استجد؟؟



تنحنحت عفراء برقة: مساك الله بالخير يأبو زايد..



في ذلك الوقت كان منصور يوقف سيارته في محطة للبترول قبل الأحساء ليصليا العشاء


وكان هو قد انتهى وينتظر زايد الذي ذهب للحمام ليجدد وضوءه..



"سبحان الله !!


منذ لحظات أقول أدفع نصف عمري وأسمع همسة واحدة لها الآن"



ومع ذلك رد بأسلوبه الحازم المعتاد ولكن بنبرة أكثر تحكما وبها بعد غاضب: مساش خير يأم زايد..



عفراء ابتلعت ريقها: أبي استاذنك أطلع مع علي..



حينها رد بنبرة تهكم غاضب: زين والله تعرفين تستأذنين وأنتي طالعة اليوم بدون حتى ماتعطيني خبر؟؟



عفراء همست بهدوء متمكن: الله يسلمك أنا بخير..


أشلونك وأشلون خويك اللي معك..؟؟



منصور حينها هتف بصرامة: روحي مع علي مرخوصة..


ومع السلامة..



عفراء بذات الهدوء: مشكور والله يسلمك..



حينما انتهت انفجر كلا من علي ومزون بالضحك.. مزون تهتف بمرح:


أمانه عليك شفت وجهها كنها مجند يستأذن القائد..



علي يرد عليها بمرح مشابه: وإلا صوتها وهي تكلمه.. ضبطت النبرة مضبوط


المفروض تعلق النجمة الحين..



عفراء اغتصبت ابتسامة بصعوبة.. قد يكونان لا يقصدان سوى المزاح


ولكن مزاحهما جرحها بالفعل..


فهل منصور يعاملها بالفعل كأنها أحد مجنديه؟؟.. وبدا يفرض عليها التعامل معه بهذا الأسلوب؟؟


وهو يفرض عليها رغباته بكل تسلط ولا يسمح لها أن تبدي اعتراضا؟؟



عفراء اجابت بذات الابتسامة المصطنعة: ومن متى وأنا لساني يلعلع؟؟


طول عمري أتكلم باحترام.. أشلون لا كنت أكلم رجّالي..



علي بأريحية: زين لبسوا عبييكم.. أنا أتناكم في السيارة..


ثم أردف بمرح: خمس دقايق لو تأخرتوا علي رحت أتعشى بروحي








*****************************************







يدخل إلى غرفته بخطواته الهادئة .. وجدها تصلي حينما دخل وحسن الصغير نائما على السرير..



علق ثوبيه الجديدين في الخزانة مكان الثياب التي ألقاها كلها اليوم صباحا..


بعد أن دفع للخياط مبلغا أكبر حتى ينجز له الثوبين في يوم واحد


ومن ثم يخيط له غيرها..


استحم.. ثم صلى قيامه..


وهي انتهت قبل أن ينتهي.. قرأت وردها بجوار ابنها.. ثم نفثت على صغيرها وحصنته..


حينها كان عبدالله ينظر لها.. شعر بسكينة عميقة تجتاح روحه وهو ينظر لهما والسكينة ترفرف حولهما..



هتف لها بابتسامة: زين البارحة نمت على الكنبة.. اليوم بعد بتنوميني على الكنبة؟؟



جوزاء أجابته ببرود: بكيفك.. نام مكان ماتبي..


وإلا تبيني أرقد ولدي على الكنبة؟؟...



عبدالله يرفع حاجبا وينزل آخرا: ترقدينه على الكنبة؟؟


والسرير اللي أنا حاطه له جنب سريرنا على طول..


وعلى العموم أول مايطلع صالح لبيته بأخذ وحدة من غرفهم وأحطها لحسن وأفتحها على قسمنا..



جوزاء تقف لتخلع جلالها وتهتف ببرود: ولدي بيكون معي بنفس الحجرة.. ومستحيل يفارقني..



عبدالله ببرود مشابه: كلامش مهوب منطقي.. الولد بيكبر ومايصير يظل قاعد معنا في نفس الغرفة



جوزاء همست بنبرة مقصودة: لين يكبر ماظنتي إن عادنا متورطين مع بعض!!



عبدالله هتف بذات نبرتها المقصودة: حن متورطين مع بعض لين الله يأخذ أمانته..



جوزاء بغيظ: تدري إنه عمري ماشفت مخلوق بغيض وماعنده كرامة مثلك..



عبدالله يقترب منها ويهمس بدفء لها من قرب مقصود: وأنا عمري ماشفت مخلوق حلو ويجنن ويدوخ مثلك..



أنهى عبارته ليتركها تقف متصلبة في مكانها غيظا..


ويميل على السرير ليحمل حسن الصغير ويضعه في فراشه وهو يقبله بحنو كبير


دون أن تنتبه جوزاء لأنها كانت غارقة في غيظها وأنفاسها تعلو وتهبط..



لم تشعر بنفسها إلا وعبدالله يشدها من يدها ليجلسها جواره .. انتفضت حينها بعنف وهي تصرخ بهستيرية: ما أبي أنام جنبك.. ما أبي..


أكرهك وقرفانة منك.. لا تقرب مني..كفاية عليك قبل أمس..


اللي كل ما تذكرته أحس أني بأرجع كل اللي في بطني!!



عبدالله وقف ليكتفها من الخلف وهو يضع يده اليمين على فمها ليسكت سيل صراخها..


ويطوق خصرها باليد الأخرى بقوة وهو يهمس في أذنها مباشرة بكل حزم:


بس قصري صوتش.. تبين تسمعين البيت كله؟؟


أنتي بتنامين جنبي.. ومالش مكان غير جنبي..


ولا تحاولين تنامين في مكان ثاني.. لأني مستحيل أسمح لش..



ثم انحدر صوته لعمق حنون: أربع سنين وأنا بس أحلم بأنفاسش جنبي..


لا تكونين بخيلة.. نامي بس على ذراعي.. والله العظيم ما أجبرش على شيء..






**********************************






"خالتي أنتي ما نمتي كلش؟؟"



كانت مزون تصحو على يد خالتها الحانية وهي توقظها لصلاة الفجر..وهي تهمس بهذه العبارة.. و يبدو عليها أنها لم تنم نهائيا..



عفراء همست برقة: من قال لش مانمت؟؟



مزون تعتدل جالسة: خالتي مبين عليش النوم ماطب عينش


عدا إن مكانش جنبي عاده على حاله.. مبين إنش حتى ماتمددتي عليه..


وش شاغل بالش..



عفراء بحنان: أنا اليوم شربت قهوة كثيرة يمكن عشان كذا..



مزون بحنان مشابه: زين كان تمددتي شوي وريحتي جسمش.. مايصير تصلبين نفسش وانتي حامل..



تنهدت عفراء بعمق


(ماذا أقول لكِ ياصغيرتي..؟؟


هل أقول لك عن الهم والتفكير اللذين جعلاني عاجزة عن مجرد وضع جنبي على فراشي


الذي أشعر به كمسامير حامية بعيدا عن عمك المتسلط


الذي سافر كهارب جبان مني ليترك كل شيء معلقا مقلقا


ولكن أكثر ما يؤرقني الآن أنه لم يكلمني ليطمئنني عليه!!


قلقة عليه ياصغيرتي.. قلقة.. هل قضى ليله كله في السواقة؟؟


أين وصل الآن؟؟


ينهشني القلق كذئب مسعور!!"



عفراء حينها سألت مزون باهتمام: مزون كلمتي أبيش البارحة؟؟


لأني أكلم منصور تلفونه كان مسكر..



مزون بعفوية: كلمته فديته.. يقول لي أنهم وصلوا الرياض بيباتون هناك.. ويمشون الصبح بدري!!



عفراء تنهدت بارتياح ثم همست بنبرتها الأمومية المغلفة بالارتياح بعد اطمئنانها على منصور: بأروح أقوم علي للصلاة..



مزون ابتسمت وهي تقف لتتجه للحمام: لا خالتي شكلش منتي بمركزة مرة وحدة


علي قال لنا عقب مارجعنا من العشا البارحة.. إنه بيطلع قبل الفجر.. عشان يصلي في الطريق للمطار..


لأنه فيه وفد بيوصلون الساعة 6 الصبح وهو اللي بيستقبلهم..


نسيتي؟!!



عفراء ابتسمت: ماعليه يامش.. حكم السن!!



مزون تبتسم: إلا قصدش حكم غياب حضرة العقيد..



عفراء بذات الابتسامة العذبة: اللي تبينه..


ثم أردفت بتحسر أمومي: ياقلب أمه عشان كذا نحيف وأكله شين.. ذا الشغل اللي ماله وقت.. مايخليه يأكل مثل العالم..



مزون لمعت عيناها: خالتي خلنا نزوجه.. وش رأيش في روضة بنت راشد؟؟..



عفراء تبتسم: صدق متفرغة.. روحي توضي وصلي.. وعقب زوجي أخيش على كيفش!!







********************************







مد يده ليقفل جرس المنبه الموضوع على الطاولة الصغيرة يساره.. ثم التفت لسالبة قلبه التي تنام عن يمينه..


مال ليقبلها بعمق وهو يتنفس عبق رائحتها من قرب..


حينها فتحت عيناها وهي تتأمله وعلى شفتيها ابتسامة سلبت لبه تماما..


أما ما استغربه تماما هي أنها مدت سبابتها لتمسح على أعلى شفتيه ثم على خده..


ارتعش داخله بخفة وقلبه يذوي مع ابتسامتها ولمساتها ..همس لها بابتسامة:


بسم الله عليش جوزا مسخنة وإلا شيء..



ابتسمت بخبث: تدري أنك اليوم تجنن.. وتطير العقل..



مال ليقبلها على جبينها وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه ويهمس بذات الابتسامة:


خلني أتأكد من حرارتش.. شكلش عندش حرارة ضربت الفيوز كلها


عساها ضاربة كل يوم يالله ياكريم..



عبدالله وقف واستغرابه منها يتزايد.. فهما حتى استغرقا في النوم وهي تسبه وتصفعه بكراهيتها بمختلف الأشكال


فمالذي حدث لها الآن؟؟ وماهذا التغيير؟؟


أ يعقل أنها سلمت الراية بهذه السرعة؟؟


يستحيل.. يستحيل.. قلبه غير مطمئن أبدا لتغيرها غير الطبيعي ولا المنطقي!!



دخل الحمام ليتوضأ لصلاة الفجر.. وحينما نظر لوجهه في المرأة عرف سبب تغيرها..


كان سيخرج ليقتلها فورا لشدة غضبه التي ملأ كل عروقه..


ولكنه أكمل وضوءه بناء على نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوضوء يطفئ الغضب)..


بينما جوزاء كانت مستغربة أنه لم يخرج حتى الآن صارخا متوعدا.. أو حتى ليلقي عليها يمين الطلاق..



حينما خرج لم يكلمها مطلقا.. كان يعلم أن هذا هو ما تريده..


تريده أن يثور عليها.. حتى تطلق لغضبها الأسود العنان..



توجه ليستخرج حقيبته من تحت السرير.. حينما رأته يضع غياراته وثوبه اليتيم في الحقيبة بينما ارتدى ثوبه الأخرى..


شعرت أنها تتمزق وذكرياتها المرة قبل 4 سنوات تعود لتحل الذاكرة المطرزة بالوجع..


لماذا لم يكتفِ بالثورة والصراخ؟؟ لماذا يريد أن يجرحها بهذه الطريقة المتوحشة؟؟


لماذا يريد ان يعيد كل مرارتها لروحها؟؟



اقتربت لتمسك بعضده وهي تهمس بصوت مبحوح: وين بتروح؟؟



انتزع عضده من يدها وهو يهتف بحزم: بأسافر..



صرخت به بألم: نذل وطول عمرك نذل.. روح إن شاء الله ما ترجع..



حينها اعتصر وجهها بقسوة وهو يصر على أسنانه بحزم قاسٍ:


تدرين أنا ماتخيلتش مريضة لذا الدرجة.. تحلقين نص شنبي ولحيتي..


هذي سوات حد عاقل..



دفعت بيده بعيدا عن وجهها وهي تهتف بعضب مكتوم:


وأنا ما كذبت عليك.. قلت لك إني مريضة ببركاتك.. وبركات فعايلك..


ثم همست بتهكم مرير: بعدين مهوب أنت اللي قلت سوي فيني اللي تبينه


بس لا تلمسين أغراضي ولا أوراق شغلي..


أنا سويت مثل ما قلت لي.. خلاص يا ابن الحلال.. فكني وافتك من شري وخبالي..


بدل منت تمسخر علي في الطالعة والنازلة!!



عاد ليغلق حقيبته وهو يهتف لها بحزم: ما تطلعين من البيت مكان لين أرجع.. سامعتني..



جوزاء بغيظ: زين وين بتروح؟؟



ارتدى غترته ولفها حول وجهه لتخفي وجهه الذي بدا كخريطة وأجزاء مختلفة من عارضه وشنبه اليمين محلوقين بغير استواء


وحمل حقيبته وهو يهتف بحزم بالغ: مهوب شغلش..



غادر غرفته.. لتنهار هي باكية على السرير.. ومخططها كاملا ينهار..


كان غرضها أن تجعله سخرية للجميع حين يضطر لحلق شنبه وعارضيه كاملين


ولكن أن يتركها ويسافر بهذه الطريقة وبعد 3 أيام من زواجهما


ليجعلها هي عرضة للسخرية والأقاويل فهذا مالم تحتمله مطلقا.. ومرارة الذكريات تدهس مشاعرها بلا رحمة..


بلا رحمة!!


.


.



في الأسفل قابل والده الذي كان يغلق باب غرفته ووجهه مازال يتقاطر مائه من أثر الوضوء..


مسح وجهه بطرف غترته وهو يرى عبدالله نازلا بحقيبته..


هتف له بحزم أخفى خلفه قلقا شاسعا ومرارة ذكرى جارحة:


عبدالله وين بتروح؟؟



عبدالله يتأكد من لف غترته على وجهه ويهتف باحترام: عندي شغل في الدمام.. ولازم أكون هناك الساعة 10 الصبح..


أسبوع جعلني فداك وأرجع..



أبو صالح بنبرة غضب: وليه ماقلت لي البارحة؟؟



عبدالله بنبرة احترام أكثر ودا: نسيت.. توها جوزا ذكرتني.. وإلا كان نسيت الموعد..



أبو صالح بنبرة حازمة: زين وش فيك متلطم؟؟



عبدالله كح ثم حاول أن يهمس بنبرة طبيعية: متسبح وما أبي مكيف السيارة يلفحني..


أنا رايح بأصلي على الطريق.. وبأكلمك إن شاء الله أول ما أوصل



قالها وهو يتناول حقيبته ويخرج بينما أبو صالح يهتف بذات نبرته الحازمة:


تمهل وأنت تسوق.. وحط بالك على الطريق






**************************************




اليوم التالي





" تقبل الله طاعتكم"



زايد يلتفت لمنصور الذي مازال الحلاق يحلق الجزء الأخير من شعره ويهتف بحميمية فخمة: وتقبل الله طاعتكم بعد كم ثانية..



منصور انتهى بالفعل من حلاقة شعره ووقف وهو يهتف لزايد بابتسامة:


وهذا حن خلصنا وتقبل الله طاعتنا جميع..


يالله يأبو كساب نروح الفندق نسبح ونتغدى..



الاثنان غادرا متجهان للفندق القريب جدا بينما كان زايد يستخرج هاتفه من حزامه المعقود حول إزار الإحرام ويتصل بمزون..



حينها وجد منصور أنه من الذوق أن يتصل بعفراء حتى لا يستغرب زايد عدم اتصاله بها..


أو ربما أقنع نفسه أن اتصاله بها هو من الذوق.. بينما هو من الشوق ولا شيء سواه!!



حين أخرج هو أيضا هاتفه من حزامه تفاجأ بوجود اتصال ورسالة منها..


لم يسمع رناتها لأنه وضع هاتفه على الصامت..


حتى لا يشغله شيء عن عبادته وخطوات عمرته..



فتح رسالتها :


" منصور عيب عليك


على الأقل عشان شكلنا قدام زايد وعياله


وأنت حتى تلفون مادقيت عليّ


.


هانيك مازرت"



منصور تنهد بعمق.. هو أكثر اشتياقا لها مما تتصور.. وأكثر لهفة على سماع صوتها..


لكن منصور يريد أن ينتهي من هذه المشكلة تماما..


يحبها ويريدها له فقط.. أين المشكلة في هذا؟؟


ماهي الجريمة التي ارتكبها؟؟



لذا وحتى ينتهي من هذا القضية بشكل نهائي.. فإن عفراء لابد أن تشعر بخطأها


حتى لو كان في طريقه لإشعارها بالخطأ سيعتصر قلبه ويخنق مشاعره حتى حين..


أ ليس هذا ما يفعلونه في العسكرية؟؟


ينحون كل مشاعرهم حتى يصلوا للهدف؟!!


فلماذا يبدو الأمر بهذه الصعوبة الآن؟؟


لماذا يراه عسيرا إلى درجة المستحيل؟!!


ولكن مهما كان صعبا .. فلابد من التنفيذ..


فهو لم يعتد التقاعس ولا التهاون!!



تناول هاتفه ليتصل ليصب صوتها الدافئ الرقيق المثقل باللهفة في حنايا روحه:


هلا والله أني صادقة !!


وينك هذا ذا كله ماكلمتني!! صبيت قلبي!!



يشعر أن رأسه يؤلمه.. وقلبه يؤلمه.. وروحه تؤلمه وهو يجد نفسه مضطرا أن يرد عليها برسمية:


توني خلصت العمرة.. وتلفوني على الصامت



تسأله بلهفة: ومتى بتجي إن شاء الله؟؟



أجابها بذات النبرة الرسمية: بكرة في الليل بنمشي من هنا .. وبعد بكرة الليل إن شاء الله عندكم


ويالله مع السلامة.. وصلنا الفندق..



وانتهى الاتصال..


لتلقي عفراء هاتفها جوارها بأسى.. لم يسألها حتى عن صحتها..


رغم أنه غادر وهو يعلم أنها تعاني من اشتداد الوحم عليها.. وبالكاد يبقى أي طعام في معدتها..


رغم تسلطه في الأوامر ولكنها لم تعتد منه حين يحاورها إلا الحنان المصفى الخالص..


يا الله كم اشتاقت له!! كم اشتاقت له!!


فمتى ينتهي كل ما يبعد بينهما بلا معنى؟!!


متى ينتهي؟!




لم تعلم أن الطرف الآخر الذي أنهى الاتصال كان أكثر أسىً منها


مؤلم هذا التظاهر بعدم الاهتمام بمن تذوب اهتماما به!!


وخصوصا أنه لم يعتد على التظاهر أبدا.. فكيف يتظاهر أمامها هي؟؟


ولكنه بالفعل يريد أن ينتهي من هذه المشكلة نهائيا حتى لا تعود مطلقا للظهور وإفساد حياتهم!!


فعفراء لابد أن تترك عملها.. ولابد أن تعلم أنه موضوع غير قابل للنقاش أبدا!!







****************************************







تجلسن حول قهوة العصر.. جوزاء كانت تتولى مهمة سكب القهوة..


في الوقت الذي كانت عالية تلتهم صحنا من الكعك..



أم صالح هتفت بغضب: أنتي يا بنت ما تستحين.. يومش قاعدة كنش بقرة ومخلية أم حسن تصب القهوة..


قومي لا بارك الله في عدوينش قهوينا !!



عالية وهي مستمرة في حشو فمها بالكعك: ياكبرها عن الله.. أم حسن مرة وحدة..


تراها كلها إلا الجويزي.. والفرق بيني وبينها سنة يتيمة..


لولا إن أخيها الأحول كان مضيع الدرب.. والمفروض خطبني من سنين


وإلا كان ذا الحين عندي عيال كبر حسون..


وبعدين خليها تصب لش القهوة.. هي اللي مرت ولدش مهوب أنا..


أنا خلي الطاقة اللي عندي أصب لعمتي حبيتي أم الدحمي!!



جوزاء تحاول أن تكتم ضحكتها لانها تعلم أن غضب أم صالح سيحل في التو واللحظة..


وبالفعل رشت أم صالح مابقي في فنجانها من القهوة على عالية وهي تهتف بغضب شديد:


ألا ياقليلة الحيا يا مضيعة السنع.. الظاهر أني ماعرفت أربيش..


قومش الدلع والزلاب ما عرفتي مس العصا لين تعلم في جنوبش..


لو أنش قد اضربتي لين تعرفين إن الله حق.. ماكان ذي بعلومش يا مسودة الوجه..


أنتي وش أنتي يا مضيعة المذهب؟؟ البنت قاعدة وأنتي تحكين على أخيها كن قدش في بيته..


وش بتسوين لا قدش عنده.. وذا حكاش من ذا الحين...


اللي بيقول إن آل ليث ماعرفوا يربون بنتهم!!



عالية تقفز وهي تنفض ملابسها من بقايا القهوة وتقبل رأس والدتها وهي تهمس بمرح:


أفا صفوي.. أفا.. قد ذا أخرتها.. أنا علوي حبيبتش.. ترشيني بالقهوة الحارة..


زين إنها ماجات إلا على ثيابي..


لو إن وجهي احترق.. كان طحت في كبدش أكثر ما أنا طايحة..


وبعدين يمه تجين تشرهين علي ذا الحين.. لو أن في رأسي عقل.. كان قد طلع..


ماكان انتظر 24 سنة لين يطلع!!



أم صالح تقف وهي تتعكز على عصاها وتهتف لعالية بغضب لطيف:


اندبلت كبدي من مقابل وجهش اللي مغسول بمرقة.. بأروح أتقهوى عند قصيرتي أخير لي .. (قصيرتي=جارتي)



عالية قفزت مع والدتها.. لتحضر لها عباءتها وهي توصي الخادمة أن تسندها جيدا حتى توصلها وتبقى معها حتى تعيدها..



ثم عادت لتجلس مرة أخرى.. جوزاء همست بابتسامة أقرب للجدية وهي تطعم حسن بعض الكعك:


عالية لا تثقلينها على أمي صافية.. شكلها زعلت صدق..



عالية تبتسم: يا بنت الحلال أمي أصلا لو ماملغت عليها تحسب أني مريضة..


خلها تطمن أني في كامل اللياقة الصحية..



حينها همست جوزاء بجدية تامة واهتمام كبير: بس أمش ماعادت مثل أول.. أقل شيء يأثر عليها..



عالية تنهدت: يا بنت الحلال.. إذا على ملاغتي وقلة حياي على قولتها فهي متعودة عليها..



حينها هتفت جوزاء بشبح ابتسامة: وأنتي ناوية تقعدين كذا عقب الزواج بعد..


منتي بناوية تركدين يعني!!



حينها اتسعت ابتسامة عالية: يا بنت الحلال كان جبتيها على بلاطة وقلتي اللفة ذي عشان أخيش تحاتينه..


أنتي شوفي.. أكيد أخيش مسوي ذنب كبير في حياته.. عشان كذا ربي بلاه فيني..


ومن أعمالك سُلط عليكم..



جوزاء بابتسامة عذبة: والله الواحد يستغرب وحدة بمخش وذكائش وتخصصش الصعب.. وماخذة الدنيا نكتة كذا!!



عالية تهز كتفيها: يأختي شيل ده من ده يرتاح ده عن ده..


يعني ضغط من كل ناحية.. دا يبئى موت وخراب ديار ..


طبعا كلها أمثال هريدي خال سميرة.. الله لا يحرمنا فلسفته الأزلية في الحياة!!



ثم أردفت بخبث: خليش مني أنا اللي على الرف..


أشلون تخلين عبود يروح ويخليش وأنتي حتى أسبوع ماكملتوا


لو الدحمي يسويها.. تدرين وش أسوي فيه؟؟


أعلقه من أذانيه في المروحة.. وأشغلها على أعلى سرعة..


يا اختي ما لحقتوا تشوفون بعض حتى!! عرسان توكم



حينها همست جوزاء باصطناع: عنده شغل.. وشغله ألزم عليه من أي شيء


وبعدين وش عرسانه الله يهديش.. عدينا متزوجين من أكثر من أربع سنين وداخلين على الخامسة..



عالية هزت كتفيها: بس غريبة يرسلونه في شغل وهو ماله أسبوع مستلم وظيفته!!



هزت جوزاء كتفيها بحركة مشابهة وهي تشعر أن درجة حرارتها ترتفع خوفا من اكتشاف عالية لشيء: أكيد فيه شيء ضروري احتاجوه فيه..



عالية بحماس: زين دام أخي اللي ماعنده ذوق راح في شغل


اشرايش أطلع أنا وأنتي وحسون نتمشى شوية في حياة بلازا وعقب نلاعب حسون في جنغل زون..



جوزاء هزت رأسها رفضا: لا فديتش.. ماعليه.. ما أقدر..



عالية بالحاح: ليه ماتقدرين؟؟



جوزاء لا تريد أن تخبرها أن هذه أوامر عبدالله الذي طلب منها عدم الخروج من البيت..


فرغم كراهيتها العميقة له.. ولكنه يبقى زوجها.. وعصيان أمره بهذا الشكل المباشر


ذنب لا تجرؤ على ارتكابه خوفا من ربها لا منه..


أجابت بابتسامة مُدعاة: ما أبي أروح معش يأختي.. ما أبي إلا خوة أبو حسن..وش ذا اللزقة؟!!



عالية لوت شفتيها بقرف تمثيلي: عشتو.. عبود والجويزي.. شين السرج على البقرة!!


إلا تعالي بعلش المبجل وين شغله اللي هو راح له؟؟



هنا شعرت جوزاء كما لو كانت حُشرت في أضيق زاوية.. لا تعلم بماذا تجيبها..


تعلم أنه أخبر والده أنه ذاهب في عمل.. لكن والده لم يحدد لهم المكان..


بينما من المفترض أنها أول من يعلم..


لذا حاولت التخلص بذكاء وهي تقفز وتهتف بتذكر مصطنع:


الله يذكرش الشهادة.. ذكرتيني أكلمه.. لأنه قال لي أتصل له أقومه لصلاة العصر


وأنا نسيت.. الحين أكيد بيعصب إن الصلاة في المسجد فاتته!!



غادرت وهي تهتف في داخلها بغضب: النذل يبي يصغرني قدام هله!!


يبي يبيني طوفة عنده ما يعلمني بشيء!!


زين ياعبدالله.. اطفش مثل ماتبي.. مصيرك راجع وين بتروح!!






*************************************






اليوم التالي




" الحلو عاده زعلان علي؟؟"



قال كسّاب عبارته هذه وهو يشير بسبابته لخده.. والغريب أنها قبلته بكل رقة حيث أشار تماما بينما كانت تهمس بحزم:


بصراحة عادني زعلانة..



ابتسم كسّاب بتلاعب: لك حق تزعل.. ثم لك حق نرضيك..



حينها ابتسمت بتلاعب أكبر: هذا الشطر الأول.. والبيت له شطر ثاني..



حينها ربت كسّاب على خدها وهو يهتف بنبرة مقصودة:


لا ياشاطرة.. الشطر الثاني بدري عليش..



أزالت كفه عن خدها وهي تهمس بذات نبرته المقصودة:


متأكد إنه بدري؟؟..



ارتدى حينها جاكيته وهو يهتف بحزم: يالله خلينا ننزل نشتري باقي اللي تبينه..


بكرة رحلتنا في الليل


ونبي نروح بكرة الصبح نزور بنت خالتي قبل نسافر..



كانت كاسرة ترتدي عباءتها حين رن هاتفه والتقطه لتعرف أنه يكلمه مدير مكتبه الذي يهاتفه كل يوم..


ولكنه هذه المرة كان صوته أكثر علوا وتحكما وغضبا وقسوة:


زين .. دواكم عندي.. أنا راجع الدوحة بكرة طيارتي في الليل متأخر


وبعد بكرة الصبح بدري بأكون عندكم في الشركة..


والله لو مالقيتوا حل للي سويتوه.. أني لأفنشكم كلكم..


أنا قايل لك ألف مرة وموصيك أنت بالذات.. إنه مشروع الوالد تحط عينك عليه لين أرجع..


قايل لك مشروع الوالد لازم يكون فوق المتوقع.. مهوب تقول لي خطأ بسيط في المخططات ويتصلح..


إذا احنا تونا في المخططات وغلطتوا فيها وش بتسوون لا بدينا الأساسات..


............................................


بنبرة أكثر غضبا: أقول لك؟؟..


خلاص.. لا تصرف في شيء لين أرجع..وقفوا كل شيء.. أنا بأحل السالفة بنفسي


خلاص ماعندي ثقة فيكم..


جايكم وبأسود عيشتكم على اللي سويتوه..



كسّاب أنهى الاتصال وألقى الهاتف على السرير بغضب..


بينما كانت كاسرة تهتف بكل هدوء وهي تغلق حقيبة يدها:


ترا هذا مهوب أسلوب تكلم فيه موظفينك..



كساب بغضب متفجر: كاسرة شغلي مالش دخل فيه.. وما أسمح لش تعطيني نصايح فيه


وشيء ثاني إذا شفتيني معصب الأحسن ما تناقشيني.. لأني ما أضمن اللي بأقوله..



كاسرة ببرود متحكم مغاير لغضبه: عصبيتك على نفسك.. واللي بتقوله ما يهمني ولا راح يأثر فيني..


إذا شفت شيء غلط بأقول إنه غلط


وأنت بكيفك لا تقبل النصيحة..


لكن هذا حقك علي.. وأنا لازم أسويه..



كساب ينتفض غضبا: كاسرة أنا واصل حدي من العصبية.. اتقي شري واسكتي من غير فلسفة فاضية..



كاسرة قررت أن تصمت ليس لأنها خائفة من تهديده.. مطلقا..


ولكن لأنها لم تكن تريد استفزازه وهي ترى كيف تغير لون وجهه من الغضب


دلالة على غضب عارم..


يبدو أنه غاضب فعلا من موظفينه ولم ترد أن تزدها عليه وهي تحتكم لمنطقيتها..



بينما قرر هو أن يخرج ليركض قليلا لكي يخفف من ضغط غضبه المتزايد


فآخر مايريده حدوث أي خطأ في مشروع والده بعد ان وعده أنه سينفذ له المشروع على أعلى مستوى..


في داخله ورغم كل اختلافه مع والده لكنه لا يريد أن يخسر ثقته التي منحها له..



خرج دون يتوجه بكلمة واحدة لكاسرة التي كانت تقف بعباءتها..


حينما خرج نزعت كاسرة عباءتها ببساطة وعلقتها لتعود وتجلس ببساطة أكبر..


فهذا الزوج المتقلب العاصف لا يُعرف أبدا ماهي خطوته التالية.. فلترح ذهنها من التفكير إذن!!






*****************************************







"جوزاء منتي بنازلة خالاتي تحت يسألون عنش"



جوزاء تمسح وجهها وتهمس بسكون: بلاها عالية..


أنتي عارفة اللي بيصير.. هم بيقطون حكي.. وانا بأرد بحكي أكبر منه


وأنتي عارفة إن أمي صافية ماعاد تستحمل.. بلا مانقرفها بقرفنا..



عالية تغلق الباب وهي تهمس بطبيعية: براحتش



بينما جوزاء كانت تلكم السرير بقوة..


(النذل.. النذل.. النذل !!)



يومان مرا منذ سافر...


تعلم أنه أتصل بوالدته ووالده وكل أشقائه.. ولكن هي لا..


آخر ما تريد أن تسمعه.. هو صوته البغيض.. لكنها لا تريد أن تبدو كالمنبوذة حين تُسأل (هل اتصل بك زوجك اللئيم؟؟)


فلا تجد جوابا ترد به.. وخصوصا في وجود خالاته البغيضات..


كانت تريد أن تجعله مسخرة للجميع.. فإذا به من يجعلها المسخرة..



" أكرهك.. أكرهك


حقير.. طول عمرك حقير.. وبتموت حقير"



وهي غارقة في أفكارها رنة رسالة تصل هاتفها..


كانت تهمس بغيظ وكراهية( تذكرني الأخ أخيرا) وهي تفتح الرسالة:



" اشتقت لش


مهوب مشتاق بس إلا ميت من شوقي


وحشتيني يا روح الروح..


أشلون قلبي اللي خليته بين إيديش؟؟"



كتبت له:



"قلبك هرب معك يالجبان


عساك مبسوط بس بهريبتك؟؟"



يصلها رده:



" أنا لو قعدت.. لو حد سألني ليش حالق لحيتك وشنبك


بأقول لهم اللي صار


وش رأيش؟؟


.


أدري اشتقتي لي!!


ماني مطول.. خلي لحيتي وشنبي يطلعون لو خفيف وبأرجع


وعقب نتحاسب على ذا الموضوع


لأنه مابعد تحاسبنا"



اعتصرت الهاتف بغضب في يدها وهي تكاد تحطم الأزرار وهي تضغط عليها بكل قوة:



" أشتاق أشوف ملك الموت ولا أشتاق لك


وحسابك مايهمني


أعلى مافي خيلك اركبه"



توقعت أنه سيرسل لها رسالة تهديد أو تحقير لذا كانت صدمتها البالغة مما أرسله:



" إيه وش عليش؟؟ أكيد ما تهتمين


لأنش تدرين إن الغلا خلاش شيخة على قلبي


تحكمين وتأمرين وتطاعين"



ألقت الهاتف بغيظ جوارها وهي تقرر ألا ترد عليه


تستطيع تقبل أي شيء إلا الكذب


تكره الكذب أكثر من كل شيء في العالم..


وتكرهه هو أكثر إن كان صادقا فيما يقول!!






*********************************






" عمي راجع الليلة خلاص


على كثر ماني مشتاقة لأبي


على كثر ما تمنيت أنهم يطولون وهم سالمين


عشان نكسبش عندنا شوي"



تهمس عفراء في داخلها:


"خلاص يأمش ماعاد فيني اشتقت لعمش المتسلط


اليومين اللي فاتوا ما سمعت صوته إلا بالقطارة


يكلمني: أشلونش تبين شيء وبس؟؟


ولو كلمته يرد علي برسمية


ما أدري عاده زعلان.. وإلا أكذب على نفسي وأقول يكلمني كذا عشان زايد معه؟؟"



أجابت عفراء بمودة:خلاص هذا كساب ومرته جايين.. ماعاد تبين حد!!



ابتسمت مزون: يا الله ما تتخيلين وش كثر مشتاقة أشوفه وهو رجّال متزوج


ومشتاقة أكثر لصراخ بيبي عندنا في البيت.. الله يرزقهم عاجلا غير آجل..



عفراء بمودة: آمين..


ثم أردفت بتساؤل: إلا تعالي كلية الطيران ليش مكلمينش اليوم؟؟


كنتي بتقولين لي.. والخدامة قطعت السالفة..



مزون بعفوية: هذي سكرتيرة رئيس الكلية تقول إنه رئيس الكلية موجه لي دعوة شخصية..


عشان أحضر لقاء مفتوح مع البنات الجدد اللي يبون يدخلون الكلية


يقول يبيني ألقي كلمة...



عفراء بتحذير أمومي: بلاها ذا السالفة كلها.. دامش خليتي الطيران..



مزون بحذر: أنا قلت لها ما أقدر.. بس هي قالت لي إنه بيكلمني على جوالي بنفسه..


ما أدري خالتي.. رئيس الكلية أعزه واجد كان يعاملني مثل بنته.. حتى هو حذرني من الشغلة قبل أربع سنين.. بس أنا ماطعته..


وبعدين السالفة كلها لقاء مع بنات والصبح الساعة 9.. وكلمتين ونمشي.. عشان خاطره!!



عفراء حينها سألت بنبرة مقصودة: واللقاء وين بيكون؟؟



مزون هزت كتفيها: قالت لي في أوتيل بس مابعد حددوه غالبا الشيراتون أو الريتز.. وعلى العموم أنا بأطلب من علي يروح معي..



حينها هتفت عفراء بحزم: قلت لش الشغلة ذي مالها داعي..


الحين ظنش إنهم بيسوون حفل في الشيراتون عشان البنات بس؟؟..وش عشانه يتخسرون عشانهم؟؟


أكيد اللقاء بيكون مشترك طلبة وطالبات.. هذا لو ماكانوا مسوين حفل كبير وعازمين ناس واجد..


انسي السالفة ذي واعتذري لهم.. ماصدقنا خلصنا من ذا السالفة!!







************************************








" يالله قومي نلحق نجيب الأغرض اللي تبينها"



صحت من غفوتها على يده تهز كتفها.. اعتدلت جالسة وهي تمسح وجهها


وتهمس بنبرة محايدة: كساب مافيه شيء ضروري


أنا كنت أبي شوي هدايا وممكن ناخذها من السوق الحرة بكرة



كسّاب يهتف بحزم: وأيش اللي يخلينا نغير مخططاتنا..؟؟


يعني عشان كنت معصب شوي..


خلاص لفتين ركض حوالين الفندق وفرغنا ثورة الغضب..


تعودت أفضي زعلي مهما كان كبير أني أحرق جسمي بالحركة..



كاسرة تقف وتهمس بنبرة مقصودة: زعلك مهما كان كبير؟؟!!


عطني مثال بعد!!



لا تستطيع أن تمنع نفسها من السؤال حول أي شيء قد يفتح لها بعض أبوابه المغلقة!!


تعبت من هذا الغموض الذي يحيط به دون بارقة أمل في تبديده!!



بينما كساب كان يخلع قميصه ليغيره وهو يهتف لها بحزم بالغ أقرب للغضب:


تدرين كاسرة ترا مهوب وقت التذاكي حقش..


تبين تجيبين لش أغراض؟؟ أو أنا بأطلع؟؟



كاسرة بحزم مشابه: كسّاب لا تخيرني بذا الطريقة..


كنك تتفضل علي يوم تطلعني..


أنت تبي تطلع معي.. طلعنا.. ؟؟


تبي تطلع بروحك.. براحتك..؟؟



كساب يتجه للباب وهو يهتف بتصميم غاضب:


دام رجعنا لفلسفتش الفاضية.. أطلع بروحي أحسن..







************************************






ربما تكون هذه المرة الرابعة التي تُعيد فيها ترتيب غرفتها..


والمرة العاشرة التي تعيد فيها تعديل الزينة على وجهها.. ووتتأكد اكتمال فتنتها وانسياب فستانها..


تريد أن يكون كل مايراه أمامه على أحسن هيئة..


وتريد أن تجد لها شيئا تلتهي فيه قليلا..


فهي عادت لبيتها من بعد صلاة العصر ..رغم أنها تعلم أنه لن يعود قبل العاشرة ليلا..


بدا لها هذا اليوم غاية في الطول ولا يريد أن ينقضي أبدا..


رتبت ثم أعدت العشاء ثم تأنقت.. وبخرت البيت كله لعشرين مرة..


ومازال لم يصل حتى الآن!!



رغم أنها أرهقت نفسها بالتفكير اليومين الماضيين..


ولكنها حتى الآن لم تصل لقرار.. وكأن كل شيء معلق حتى يعود منصور..


فكل التفكير متعلق به!!


وكل الحياة متعلقة به!!


وكل شيء يبدو باهتا ولا قيمة له أمامه ومقارنة به!!


كلما حاولت أن تقسي تفكيرها قليلا حفاظا على حياتها العملية وقراراتها الشخصية..


يعود ليتحكم بها قلبها الرقيق ليذكرها أن هذا الرجل أعطاها من المشاعر التي لم تكن لأحد قبلها..


أعطاها المشاعر التي لم تعرفها هي إلا معه هو فقط!!


ذكرها أنها أنثى.. وأشعرها بأنوثتها وهو يحتويها بحنانه ورجولته!!


قد لا يكون هو الاحتواء الذي أرادته.. بالطريقة التي أرادتها..


ولكن الحياة لا تعطينا كل شيء..


والآن يكفيها من الحياة منصور.. فالحياة كلها لا قيمة لها بدونه!!



كانت هذه أفكارها التي أخرجها منها سماعها لصوت سيارته يدخل الباحة..


قفزت بلهفة لتنظر عبر النافذة..


وعيناها تراقبانه بلهفة عميقة.. وهو يوقف سيارته.. ثم ينزل منها متجها للبيت بخطواته الواسعة الواثقة..



" يا الله.. اشتقت لك..


اشتقت لك فوق ما تتخيل!!"







#أنفاس_قطر#


.


.


.


يالله أكيد عرفتوا العشرين نجمة لمن؟؟


لــ زارا..


جدعة يا بنت.. جبيتيها بالملي..لدرجة أني شكيت أنش تكونين هكرتي على جهازي و قريتي البارت


أنا مبهورة فيش يا بنت.. جد مبهورة.. يعني توقع دقيق بالفعل للي في ظهر كساب..


حتى محاولة التفسير لما فسرتي لأبلة إرادة.. وردت في حوار القصة


يا الله زوير افتحي الدكان على مصراعيه وعلقي فوقه العشرين نجمة!!


.


.


.

#أنفاس_قطر# 07-10-10 07:10 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والأربعون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياصباح المودة يا أهل المودة


نهار موفق ومغمور برحمات الرحمن ورضاه


.


ما أبي أطول عليكم لأن بارت اليوم طويل وتعبني


بس فيه شوي تساؤلات أو ملاحظات


.


حلاقة جوزا لشنب ولحية عبدالله


تدرون بنات أنا أتحسب للملاحظات الذكية


عشان كذا توقعت البعض يقولون أشلون عبدالله ما حس بها..


لاحظوا أني قلت إنها حلقت بس أجزاء من الناحية اليمين


الناحية اللي هي كانت نايمة عليها.. يعني ماتعمقت في الحلاقة ولا حلقت كل شيء..


الشيء الثاني اللي خطر ببالي عقب إنه البنات أكيد ظنوا إنها حلقت له بموس عادي


عاد أقول يمكن هذا غلطي إني ما وضحت..


لكن بنات تذكروا أن جوزا كم مرة تحلفت له وقالت له أوريك..


يعني تخطيطها للحلاقة ليس تخطيط مرتجل.. خذت أقرب موس وحلقت له


لكن أكيد إنها جابت موس بروفنشال عشان مايحس فيها


هذي كانت الفكرة اللي برأسي.. ظنيتها وصلت لكم.. بس الغلط غلطي إني ماوضحت أكثر


تدرون بنات أنا توقعت ملاحظة ثانية


إنه زين إنه الموس مانزل شوي وقص رقبته.. لأنه الموس البروفنشال حاد جدا جدا ..


يعني مسحة صغيرة على خده بتشيل الشعر بدون مايحس بأي شيء أبد


تدرون بنات وأنا أكتب هالموقف قلبي عورني..


لأني ما أتخيل مرة تسوي كذا لرجالها مهما كان زعلها عليه..


هذا شنب الرجال ولحيته تطير فيها رقاب..


لكن أنا حبيت أجيب هالموقف بالذات عشان أجيب لكم وين وصلت كراهية جوزا


ووين وصل حلم عبدالله ومحبته لها


.


.


الشيء الثاني


فيه بنات تسائلوا هل ممكن إن كاسرة وكساب قاعدين يمثلون على بعض لين يرجعون الدوحة


أقول لكم كاسرة لا.. كاسرة واضحة جدا أمامكم وأنا قاعدة أبين لكم أشلون تتدرج مشاعرها بالتفصيل


لكن كساب ما يمثل لكن يخطط.. غموضه مقصود.. وانتظروا عليه شوي..


.


اليوم بارت عاصف مثل ماقلت لكم


على الأقل من وجهة نظري.. يمكن مايكون كذا من وجهة نظركم


لأنه هذا البارت بيحوي تحول كبير في العلاقة بين عفراء ومنصور


ثم بيكشف لكم بعد ذلك عن إحساس مخبأ عند كاسرة


ثم ينتهي بقفلة خاصة شوي ويمكن مُنتظرة من زمان


.


إليكم


البارت التاسع والأربعون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.






بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والأربعون






ربما تكون هذه المرة الرابعة التي تُعيد فيها ترتيب غرفتها..


والمرة العاشرة التي تعيد فيها تعديل الزينة على وجهها.. ووتتأكد اكتمال فتنتها وانسياب فستانها..


تريد أن يكون كل مايراه أمامه على أحسن هيئة..


وتريد أن تجد لها شيئا تلتهي فيه قليلا..


فهي عادت لبيتها من بعد صلاة العصر ..رغم أنها تعلم أنه لن يعود قبل العاشرة ليلا..


بدا لها هذا اليوم غاية في الطول ولا يريد أن ينقضي أبدا..


رتبت ثم أعدت العشاء ثم تأنقت.. وبخرت البيت كله لعشرين مرة..


ومازال لم يصل حتى الآن!!



رغم أنها أرهقت نفسها بالتفكير اليومين الماضيين..


ولكنها حتى الآن لم تصل لقرار.. وكأن كل شيء معلق حتى يعود منصور..


فكل التفكير متعلق به!!


وكل الحياة متعلقة به!!


وكل شيء يبدو باهتا ولا قيمة له أمامه ومقارنة به!!


كلما حاولت أن تقسي تفكيرها قليلا حفاظا على حياتها العملية وقراراتها الشخصية..


يعود ليتحكم بها قلبها الرقيق ليذكرها أن هذا الرجل أعطاها من المشاعر التي لم تكن لأحد قبلها..


أعطاها المشاعر التي لم تعرفها هي إلا معه هو فقط!!


ذكرها أنها أنثى.. وأشعرها بأنوثتها وهو يحتويها بحنانه ورجولته!!


قد لا يكون هو الاحتواء الذي أرادته.. بالطريقة التي أرادتها..


ولكن الحياة لا تعطينا كل شيء..


والآن يكفيها من الحياة منصور.. فالحياة كلها لا قيمة لها بدونه!!



كانت هذه أفكارها التي أخرجها منها سماعها لصوت سيارته يدخل الباحة..


قفزت بلهفة لتنظر عبر النافذة..


وعيناها تراقبانه بلهفة عميقة.. وهو يوقف سيارته.. ثم ينزل منها متجها للبيت بخطواته الواسعة الواثقة..



" يا الله.. اشتقت لك..


اشتقت لك فوق ما تتخيل!!"




شعرت أن الثوان التي.. تمر كأنها ساعات متطاولة


حتى رأته يدخل بهدوء خطواته الواثقة الصارمة..


وقــفــت..


كانت تنظر له بتعمق كأنها تريد أن تروي ناظريها منها..


تأثرها يتعاظم وهي تتذكر أنه تزوج لثلاث مرات.. ومع ذلك لم تكن مشاعره لأحد سواها!!


هذا الرجل العظيم المعتد بذاته إلى أبعد الحدود.. لم يسكب مشاعره إلا بين يديها!!



ألقى السلام بنبرة جافة..


فردت عليه بنبرة مثقلة دفئا: وعليكم السلام وهانيك مازرت..



رد عليها بذات النبرة الخشنة الجافة التي يخاطب فيها مجنديه حينما يريد إشعارهم بالذنب:


هانيش خير وعافية..



اقتربت لتتناول منه غترته.. ولكنه تناولها بنفسه وهو يلقيها على المقعد ثم يجلس في مكان بعيد عنها!!


بينما كل ماكان يريده أن يدفنها بين ضلوعه التي أضناها الشوق..


أن يُشبع رئتيه الملهفوتين من دفء رائحتها/ أكسجينه للحياة..



اعتصم بصمته الفخم.. بينما كان يحترق من رغبته أن يسألها..


كيف هي؟؟ وهل اشتاقت له كما اشتاق لها؟؟


هل عجزت عن النوم كما عجز هو عن النوم الأيام الماضية؟؟


وهل مازال زايد الصغير يتعبها كما يفعل والده؟؟




همست له برقة مصفاة وهي تقترب لتجلس جواره: أجيب لك عشا؟؟..



فأجابها بخشونة: تعشيت مع زايد في الطريق..



تنهدت.. مازال حتى الآن لا يعرف أنه باللين سيحصل على كل مايريد


همست بمصارحة عذبة: عادك زعلان؟؟



أجابها بحزم: أنا ماسك روحي بالغصب...


فمافيه داعي تفتحين الموضوع عشان ما أضايقش..



أجابته بحزم رقيق: لو مافتحناه اليوم فتحناه بكرة..



حينها تفجر غضبه المكتوم: كل اللي سويتيه غلط في غلط.. أول شيء تعانديني في سالفة الشغل..


ثم تسكرين على روحش في غرفة كنش خايفة مني..


ثم عقبه تطلعين من البيت وأنا راقد بدون ماتعطيني خبر..



الغريب أنه وهو يتدفق بحمم غضبه كانت هي تبتسم بشفافية بالغة الحميمية..


رغما عنها.. ليس في ذهنها سوى أنها تريد أن تخبره كم تحبه!!


حتى وهو يبدو كطفل غاضب منهمر بصراخه !!



استمر في غضبه الحازم المشتعل: ليش تبتسمين ؟؟ لذا الدرجة كلامي يضحك؟؟



تفجر استغرابه وهي تمد أناملها لتمسح على عارضه وهي تهمس بذات الابتسامة الشفافة وهي تنـزف مشاعرها الصافية بين يديه


لا يمكن أن تصبر أكثر عن همس كلماتها بين يديه..


فهي بحاجة بالفعل لإخباره بمدى حبها له.. تعبت من هذا الغضب العقيم وتريد انهائه:


تدري إني أحبك..


حتى وأنت زعلان أحبك..


حتى وأنت معصب أحبك.. حتى وأنت عاقد حاججك أحبك..



الغريب.. المؤلم.. الجارح لأبعد حد أن الذي حدث أن منصورا عقد ناظريه بعتب غاضب:


قربنا نكمل شهرين متزوجين.. عمرش ماقلتي لي ذا الكلمة


كنت منتظرها من شفايش فوق ما تتخيلين..


لكن إنش ترخصينها عشان تسوين اللي في رأسش.. هذا اللي ماهقيته منش ياعفرا..


ظنش يوم بتقولينها لي.. بأسلم لش.. واقول أنا عصاش اللي ماعصاش..


لا يابنت محمد.. لا.. أنا منصور آل كساب.. ماني من اللي يفرون رأسهم بكلمتين تلعبين فيها علي!!



حينها تغيرت ملامح وجه عفراء وانطفئت ابتسامتها الرائعة كقنديل ذوى فتيله وهي تهمس بكلماتها المبعثرة كأنها تبصقها ألما:


تدري منصور.. حتى الرد خسارة فيك..


لكن خلني أقول الكلمتين اللي في خاطري!!


ما أدري يا حضرة العقيد متى بتعرف أني مرتك.. ماني بجندي عندك..


ما ادري متى بتعرف إنه حياتنا مهيب معركة أنت اللي لازم تفوز فيها..


تدري منصور.. أنا خلاص رفعت الراية البيضاء.. أنت معركة خاسرة بالنسبة لي..


خلاص نمشّي اللعبة حسب قواعدك..


أنت الذكي الحويط اللي ماحد يقدر يخدعك ولا يفرض شروطه عليك!!


أنت المنتصر.. وأنا الخسرانة..


والخسران لازم ينسحب من من أرض المعركة..






**********************************







" خليفة كنك تأخرت الليلة؟؟


قوم روح لشقتك نام.. بعد أنت عندك بكرة موعد بدري مع دكتور الأسنان


عساه يلقى حل لأسنانك اللي كل يوم ضاربة عليك!!"



خليفة يبتسم: بأروح الحين..


ودكتور الأسنان اتصلت عليه وأجلت الموعد..



جميلة بتساؤل: ليه يعني؟؟ أنت قاعد الحين على المسكنات..



خليفة بهدوء: ماأجلته مرة وحدة.. أجلته للعصر..


عشان ولد خالتج اتصل لي ويقول إنه ياي يزورج بكرة الصبح هو ومرته قبل يردون الدوحة..



جميلة نظرت ليديها بسكون: كسّاب!! ما توقعت أبد هذه الزيارة منه..


أكيد عمي زايد هو ملزم عليه يزورني..



خليفة بتلقائية: حياه الله.. متولهين نشوف أي حد من الدوحة..



جميلة بتساؤل به نبرة الهم: يعني منت بزعلان منه عشان تصرفاته السخيفة معك


يوم جا المرة اللي فاتت مع أمي؟؟



خليفة ابتسم: لا طبعا.. وليش ازعل.. أنا أصلا كنت عاذره..


لو حد يدوس على طرف أخواني أنهشه..


هو كان متضايق عشان أخوه.. وهذي سالفة راحت خلاص..



جميلة بهمس يزداد هما كأنها تحادث نفسها: الله يستر من ذا الزيارة..


تدري خليفة.. أنا أشوف كساب بالضبط مثل أخي الكبير مثلي مثل مزون


و من كثر مامزون تحب كساب وتهتم في رأيه وزعله..انتقلت لي نفس العدوى..


كسّاب شين إذا عصب.. ويوجع يوجع واجد..


وجرحه لا جرح ما يبرى!!



خليفة لم يرتح مطلقا لما قالته.. ولكن بما أنه ورد في كلماتها الكلمة السحرية التي أراحت باله (مثل أخي)... فهو لن يشغله باله بالبقية المقلقة..


وقف خليفة ليربت على كفها وهو يهتف بحنان: لا تهتمين من كسّاب ولا غيره دام أنا يمج..







****************************************







تأخر في العودة.. ومازالت تنتظر.. اتصلت به ولم يرد على اتصالها..


حينما عاد.. لم تتحرك من مكانها وهي جالسة..


دخل وسلم ثم جلس قريبا منها..



حينها همست كاسرة بهدوء تخفي خلفه عتبها العميق منه:


كسّاب عاجبك اللي سويته؟؟


كسّاب مفترض إنه حن شخصين ناضجين ونعرف نحل مشاكلنا..


يعني تطلع وتخليني.. واتصل لك ماترد علي.. ليه هذا كله؟؟



كساب أسند ظهره للخلف وأغمض عينيه وهتف بهدوء عميق:


المشكلة كاسرة أنش منتي بعارفة وش كثر أنا زعلان ومتضايق من غلطهم في مشروع الوالد..


أنا كنت أبغي فورة عصبيتي تنتهي.. خفت عليش منها..


أنا إذا عصبت أحاول أهرب بعصبيتي لأني أصير مخلوق مرعب..


أنا طلعت وخليتش عشانش مهوب عشاني..



كاسرة حينها وقفت وجلست جواره لتربت على كفه الساكنة على فخذه وهي تهمس بعمق:


وأنا ما أبيك تهرب مني ..


حقك علي أني أخفف عنك واشاركك..



لم يكتفِ بكفها فقط!!


شدها بخفة ليضع رأسها على صدره ويحتضنها بكل حنان وهو يهمس لها من قرب:


لا تطلبين ذا الشيء مني ..عشانش بعد.. مهوب عشاني


لأني إذا عصبت ما أعرف المشاركة ولا التفاهم..


فعلا كاسرة إذا شفتيني معصب لا تحاولين أبدا تناقشيني ولا توقفيني..


لأنه أنتي اللي بتكونين المتضررة الوحيدة..


أنا أعرف أشلون أفرغ عصبيتي بطريقتي وأرجع أروق...



كاسرة طوقت خصره بذراعيها وهي تهمس بنبرة عميقة أقرب للحزن:


معنى كذا إنه عصبيتك بتكون دايما حاجز بيننا..



شدد احتضانه لها كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وخصوصا أنه بدأ يشعر بارتعاشها


الذي رغما عنها يذيب شيئا غافيا دافئا في روحه:


مافيه حد خالي من العيوب.. ماتقدرين تتعايشين مع عيوبي يعني؟!!



كاسرة بذات النبرة العميقة: تدري كساب.. لو العصبية هي الحاجز الوحيد اللي بيننا.. كان مقدور عليها


لكن أنت ماتقصر في الحواجز .. كل يوم تحط واحد جديد..






******************************






" عفرا عيب عليش


رجعي أغراضش.. تبين تفضحينا تالي ذا الليل.."



عفراء تمسح دموعها المنهمرة رغما عنها..


لم تكن تريد أن تبكي أمامه.. لم ترد أن تبدو بهذا الضعف والانهيار..


ولكنها وصلت منتهاها منه.. قد لا يكون سبب غضبها منه الآن بالسبب المقنع لمغادرتها بيتها..


ولكنها بالفعل ماعادت تحتمل المزيد.. مرهقة تماما من الوحم.. وهو لا يرحمها مطلقا..


تفكر كيف ستكون حياتها معه مستقبلا..مع تسلطه حتى في أبسط الأمور.. كيف سيكونان غدا أمام أولادهما!!


بقدر ماهي تحبه.. بفدر ماهي تحتاج للاحساس بالاحتواء الندي.. وهو يعاملها ككفء له..


وليس كمجند تحت أمرته يجب عليه تقديم فروض الطاعة والولاء


ثم يختمها بالتشكيك في محبتها الخالصة له.. وكانها على استعداد لبيع مشاعرها مقابل أهدافها..


هل هناك امتهان للمشاعر أكثر من ذلك؟؟



تريد أن تبتعد عنه وعن بيته قليلا..


ربما هي في داخلها ماعادت تستطيع تقبل حياة لا يكون منصور فيها..


ولكنها لا تستطيع النظر لوجهه الآن ولا حتى البقاء معه تحت سقف واحد..



لم ترد على تأنيباته الحازمة وهي مستمرة في وضع ملابسها في حقيبتها..


ليصل منصور إلى منتهاه منها ويتفجر غضبه حين اتصلت بعلي وهي تقول بصوت مختنق:


علي تعال يأمك.. أبيك تأخذني الحين..



لينتزع هاتفها من يدها وهو يصرخ فيه بصوت مرعب يجمد الدماء في العروق:


ياويلك ياعليان.. إن شفتك جاي بيتي.. والله لأقص أرجيلك..



ثم ألقى بهاتفها أرضا بكل قوته ليتهشم إلى قطع متناثرة..



عفراء انهارت على الأرض وهي تنتحب : حرام عليك اللي تسويه فيني.. أنا مرتك ماني بسجينتك..



كان ينظر لها وقلبه يتمزق بمعنى الكلمة.. يتمنى لو جلس جوارها على الأرض


وأخذها بين أحضانه.. وطمئنها أن كل ماتريده سيحدث..


ولكن لتبقَ فقط إلى جواره.. فأي حياة باردة كريهة ليست هي فيها !!


ولكن كبرياءه المقيت منعه.. وهو يقف كتمثال حجري وأنفاسه تعلو وتهبط..



لم تمر حتى عشر دقائق حتى تفجرت أمواج غضبه فعلا


وهو يسمع صراخ شقيقه زايد بصوته الجهوري الحازم المثقل بالغضب وهو يطرق بقوة على باب غرفته مباشرة:


عفرا.. البسي عباتش وتعالي.. أنا أبيش هنا..



منصور فتح الباب ووجهه المحمر المحتقن يتفجر غضبا:


مالحد منكم حق يدخل بيتي ويطلع مرتي بدون رضاي..



زايد يتفجر غضبا أشد: أص ولا كلمة.. وش حادك على الفضايح تالي ذات الليل..


وش فيها لو كنك خليت الولد يجيب خالته من سكات.. لين تحلون مشاكلكم الصبح إذا راحت حزة الزعل..


بس أنت في رأسك حب(ن) ماطحن..



ثم أردف زايد بذات النبرة المتفجرة غضبا وهو يشير خلفه: علي ادخل جيب خالتك..



علي تقدم وهو يشعر بحرج فعلي مما يحدث أمامه بين شخصين اعتبرهما دائما نموذجين عظيمين للبشر..


شخصان يكن لهما كل الحب والتقدير..


ولكن خالته تبقى شيئا مختلفا .. وإحساسا أكثر اختلافا.. لذا رغم شعوره بالحرج إلا أنه تقدم دون تردد..



ولكن منصور وقف بطوله الفارع أمام فتحة الباب


علي همس باحترام: عمي لو سمحت وخر.. بأجيب خالتي



منصور هتف بحزم مرعب: تبي تدخل.. اذبحني أول..مرتي مهيب طالعة من هنا..



ليتفاجأ بصوت عفراء الجزع من خلف الباب: أبو كسّاب تكفى اخذ علي وروح لبيتك


أنا ورجَالي نحل مشاكلنا.. هي ساعة شيطان وراحت لحالها.. وانا الغلطانة..



زايد بنبرة تزداد غضبا: عفرا اطلعي قدامي ذا الحين.. لا تطولينها وهي قصيرة


يبي يراضيش.. يأتي يراضيش في بيتي.. عقب مايعرف السنع..


ما حدش على أنش تتصلين بعلي تالي ذا الليل إلا شيء(ن) كايد..


اطلعي ذا الحين قدامي.. ماني بطالع من البيت من غيرش!!


رجلي على رجلش!! خلصوني..



عفراء بصوت مرتعش بدا يظهر فيه أثر البكاء الواضح: تكفى يأبو كساب مالي خاطر عندك..


طالبتك تأخذ علي وتروح.. أنا أصلا غلطانة أني اتصلت في علي..


طالبتك جعلني الاولة ماتردني.. أنا ومنصور بنتفاهم بروحنا..


وأبو زايد أصلا مستحيل يضيمني..



زايد بصوت يحاول مغالبة غضبه فيه: أنا ما أنا برايح بانزل وأقعد تحت..


وأنتظركم اثنينكم تنزلون لي ذا الحين.. ونتفاهم..



زايد بالفعل انسحب وعلي خلفه ووجهه محمر من شدة الحرج والغضب لكل ماحدث أمامه..



منصور بقي متصلبا في مكانه وهو يسمع نشجيها القادم من خلف الباب المختلط بكلماتها المبتورة:


فضحتني في أبو كساب.. حياتي كلها وأنا عايشة في بيته عمره ماسمع صوتي مرتفع ولا سمع صوت بكاي.


فضحتني فيه.. فضحتني..



ثم اختفى صوتها ونشيجها.. بينما هو بقي واقفا في مكانه وهو يشد أنفاسه بعمق..


عاجز عن التفكير والتصرف المنطقي.. يخشى أن يغلق الباب الآن وينفجر غضبه فيها بينما كل مايريده أن يُشعرها كم هي ثمينة عنده!!



ولكنه ختاما أغلق الباب فهو مجبر أن ينزل هو وإياها الآن لزايد حتى ينتهي من هذه المشكلة السخيفة!!


لينصدم بل يُفجع أنها تجلس على الأرض رأسها مسند لحافة الباب..


وفاقدة للوعي..



منصور بسرعة ودون تردد.. تناول عباءتها.. ولفها بها.. ونزل ركضا بها يحملها بين يديه وهو يضمها بكل قوته لصدره..


ليُصدم زايد وابنه بالمنظر.. وهو يركضان خلفه وزايد يتوعد بغضب مدمر:


والله ماعاد ترجع عفرا لبيتك ولا عاد تعرفها..



منصور لم يستمع لأي شيء فهو في عالم فجيعته الخاص


(ماذا فعلت بها؟


ماذا فعلت بها؟)


مددها على المقعد الخلفي وانطلق بسيارته بسرعة هائلة دون تفكير..


وخلفه زايد وابنه في سيارة علي..







***************************************






"زين لقينا ذا المحل عاده مفتوح واشترينا منه..


بس هو بروحه يكفي.. ماشاء الله كبير وفخم وكل شيء فيه"



كساب يضع الأكياس جانبا ويهتف بنبرة فخمة واثقة:


المحل هذا قعد مفتوح لاني اتصلت في صاحبه وطلبت منه ينتظروننا شوي


وإلا هم المفروض سكروا قبل ساعة من وصولنا..



كاسرة ترفع حاجبا وتنزل آخر وتهمس بنبرة تهكم:


طبعا وأنت تموت لو ماطلعت في صورة اللي يمشي العالم على كيفه..



كساب يهز كتفيه وهو يهتف بحزم: لا مشيت العالم على كيفي ولا شيء


هذا بيزنس إز بيزنس.. علاقات شغل ومجاملة..



كاسرة حينها تنهدت وهي تخلع عباءتها: طيب بنت خالتك ماجبنا لها شيء..


عادي نروح لها كذا بدون هدية لها..



كساب بنبرته الحازمة الطبيعية: بنت خالتي مريضة.. بكرة ناخذ لها ورد وشكولاته..


وعلى العموم هي تحب الاكسسوارات والعطور والمكياج.. وما أعتقد إنها بتستخدم شيء منها الحين..



حينها تصاعد الضيق في روح كاسرة رغما عنها وهي تهمس باستغراب:


ماشاء الله عارف ذوق بنت خالتك بكل تفاصيله!!



كساب بذات النبرة الحازمة التلقائية: جميلة لين قبل سنتين وأنا أحيانا أوديها السوق مع خالتي..


أكيد أعرف ذوقها لأني بعيني أشوف اللي تشتريه..



ثم أردف بخبث وهو ينتبه لاستغرابها : تدرين..أموت عليش وأنتي غيرانة!!



حينها هتفت بنبرة باردة: قلت لك الغيرة هذي في أحلامك.. بس أنا استغربت..


أنا أشك يكونون أخواني عارفين اللي أحبه بذا الدقة!! بينما أنت عارف بنت خالتك وش تحب..



حينها هتف كساب بتلاعب خبيث: وجميلة بعد تحب من الألوان.. الوردي ليش إنها دلوعة..


وتحب من العطور أي عطر في غرشة ملونة .. أقول لش.. ذوق دلوعات..



حينها وقفت كاسرة وهي تهتف بغضب: لا عاد هذا تقليل مقصود لاحترامي ماراح أسمح لك فيه..



أنهت عبارتها وهي تستعد للمغادرة لأنها شعرت أنها ستنفجر.. وهي لا تريد مطلقا أن تظهر بمظهر من لا تستطيع السيطرة على انفعالاتها..



ولكنها فوجئت بكساب يمسك بها وهو يشدها ناحيته ويمسك بخصرها وهو يهتف بنعومة مقصودة:


وأنتي تحبين من الألوان الأخضر الغامق..


وتحبين من العطور اللي داخل فيها ريحة الصندل.. أشك حتى أنش تعرفين ذا الشيء..


أنا عرفت عنش ذا الأشياء من عشرة أسبوعين.. ماتبين أعرف عن جميلة اللي عاشت عمرها كله معنا..



حينها رفعت كاسرة عينيها لتنظر إلى عينيه وهي تهمس بعمق:


كسّاب أنت ليش تحب تضايقني كذا !!



مد يده ليمسك بذقنها وهو يهتف بذات النبرة الناعمة المقصودة:


وأنتي ليش ماتبين تعترفين أنش غيرانة؟؟..



كاسرة أفلتت من بين يديه وهي تهمس بغضب : لأني ماني بغيرانة.. ومافيه سبب يخليني أغار..


وإذا أنت مفكر إن هذا سلاح تستخدمه ضدي.. فانا ممكن أستخدم نفس السلاح..


وأذوقك طعم الغيرة.. واعتقد أني عندي من المؤهلات اللي يخدمني!!



قالت هذه العبارة لمجرد إغاضته.. فيستحيل مطلقا أن تفكر مثل هذا التفكير المريض..


ولكن هذا الكساب بات يثير جنونها إلى أقصى حد..تريد أن تثير جنونه قليلا !!


تريد أن ترد له الصاع !!



عاود كساب شدها ناحيته بقسوة وهو يهتف بذات قسوة لمسته:


والله لو سويتي ذا الشيء.. او حتى خطر ببالك..


أو حتى فكرتي فيه مجرد تفكير.. تدرين وش بأسوي فيش؟؟



كاسرة تحاول التفلت من قبضته دون فائدة وهي تهمس ببرود حازم: وش بتسوي يعني..؟؟



كساب بحزم بالغ وعيناه تطلقان شررا مرعبا: بـأذبـحـش..!!






***************************************







كانت مستغرقة في النوم حين رن هاتفها.. أزاحت حسن الصغير عن ذراعها حتى تستطيع النهوض وتناول هاتفها..


كان هو المتصل.. عبدالله.. كان بودها ألا ترد..


ولكنها لا يمكن أن تترك فرصة لإشباع غضبها المتزايد عليه فيه..



أجابت بعصبية: نعم؟؟ هذا وقت حد يكلم فيه يا الأجلد؟؟ (الأجلد= الذي لا لحية له ولا شنب)



انفجر عبدالله ضاحكا: حلوة الأجلد ذي!ّ اجلد ببركاتش ياهانم..


ثم أردف بعمق وخفوت: لا تلوميني لو أزعجتش.. ميت أبي أسمع صوتش بس..


لا وهو فيه بحة النوم كذا.. ذبحتيني!! والله العظيم ذبحتيني!!


اشتقت لش حبيبتي!!



جوزاء بذات العصبية: سبق لي وقلت لك أني ما أداني الكذب..


وحضرتك متصل علي ذا الحزة عشان تصدعني بكذبك..



عبدالله بابتسامة: أول مرة أشوف وحدة كذابة ما تداني الكذب!!



جوزاء همست باستنكار شديد وهي تخفض صوتها حتى لا توقظ ابنها: أنا كذابة!!



عبدالله بتلاعب: إيه كذابة ونص..


ثم أردف بنبرة خافتة عميقة مقصودة ينغم نبراتها: تقولين ما اشتقتي لي.. مع أني سامع أنفاسش تقول إنها اشتاقت لي..


وسامع دقات قلبش تقول إنها اشتاقت لي..



جوزاء باستنكار أشد وهي تخفض صوتها أكثر: أنت شيء من اثنين


يا استخفيت...يأما ما تسمع عدل..


والاحتمال الأول والله العالم هو الأقرب للصحيح..


لأنك لو تسمع عدل.. متأكدة بتسمع كلام عكس اللي تقوله..



عبدالله بنبرة أعمق: ماعلي من كلام لسانش.. علي من كلام قلبش..



جوزاء ببغض: أنت بتطولها وهي قصيرة.. خلصني..تبي شيء.. أو خلني أنام..



عبدالله يعدل المخدة وراء ظهره ويهتف بيقين بنبرة مدروسة: إيه بطولها لأنها طويلة..


وانتي بتقعدين تسولفين معي لين الصبح!!



جوزاء بصدمة: نعم؟؟ ومن قال لك عندي استعداد أستحمل مغثتك للصبح؟؟..



عبدالله بنبرة غريبة خليط من حزم شديد وحنان عميق:


اليومين اللي فاتوا كنت زعلان عليش.. وماكلمت مع أني الشوق ذابحني من يوم طلعت من الدوحة..


لكن شأسوي غلاش أكبر من كل شيء..


والحين كل ليلة بكلم وبتقعدين معي لين الصبح.. وإلا أشلون باستحمل ثقل ذا الأيام.. وأنا بروحي هنا.. ما أعرف حد ولا حد يعرفني..



جوزاء بتصميم: آسفة ماعندي استعداد أضيع ليلي عليك حتى لو مافيني نوم



عبدالله بتصميم أشد: هذا أمر مني لش وغصبا عنش تسولفين معي مهوب رضاش.. وإلا نامي وأنا غضبان عليش..


مهوب ذا كله أساسا من تحت رأسش.. أبعدتيني من هلي ومنش ومن حسن


وأنا مابعد شبعت منكم..



جوزاء بغضب: أنت ليش تسوي فيني كذا؟؟.. ليش ترجع وتمسكني من يدي اللي توجعني..؟؟



عبدالله بنبرة مقصودة: زين إنه فيه لحد الحين شيء ممكن يجبرش تسوين شيء ماتبينه..



حينها همست جوزاء بنبرة مقصودة: زين دام تبينا نقعد نسولف للصبح.. خلنا نجيب سالفة تأخذ ذا الوقت كله..


قل لي وش كنت تسوي السنين الأربع اللي غبتها وأنت تقول للناس أنك ميت..


يعني ما أعتقد أنك كنت فاقد الذاكرة وكنت تشتغل نجار وإلا زبال..



عبدالله بنبرة مشابهة: بأقول لش كل شيء بس مهوب الحين.. في الوقت المناسب..



جوزاء بغضب: مكتوم: ومتى الوقت المناسب؟؟



عبدالله ببساطة حازمة: أنا اللي أحدده مهوب أنتي!!



عبدالله يخشى أنه إن أخبرها الحقيقة أن تتخذها عذرا للهرب منه أو طلب الطلاق..


فهي تكرهه.. ونحن حينما نكره شخصا نسيء الظن في كل تصرفاته..


ومهما شرح لنا دوافعه وأسبابه فنحن لن نرى إلا الجانب السلبي..


وعلى العكس حينما نحب شخصا ما.. فأننا من نبحث له عن المبررات ونجد نفسنا مجبرين على مسامحته!!


من أجلنا قبل أن يكون من أجله..


وهذا هو ما ينتظره!!


أن تحبه أولا!!


لتجد هي له العذر قبل أن يسوق هو لها الأعذار!!







****************************************







" مافيش حاجة خطيرة خالص..


هو شوية إرهاق.. وهي ئالت لي إنها ليها يومين بترجع كل حاجة بتأكلها


وجسمها مافيهوش سوائل..


أدي الحكاية كلها.. مافيش داعي للئلئ


أنا هسيبها يومين عندنا عشان نتطمن عليها"



كانت الطبيبة توجه الخطاب العملي الودود للرجال الثلاثة الذي كانوا يقفون أمامها بملامح مرهقة متحفزة..


حينما أنهت خطابها غادرت وتركتهم في مكانهم أمام باب غرفة عفرا..



ليهتف زايد بحزم وهو يوجه الخطاب لعلي: علي روح جيب أختك تقعد عند خالتها.. ولا تروعها عليها..



ثم أردف بحزم أشد وهو يوجه الحوار لمنصور:


وأنت شد الستارة على مرتك


وخلنا ندخل داخل.. مانبي نتفاهم في السيب قدام العالم.. (السيب=الممر)



منصور دخل وشد الستارة.. قلبه متخم تماما بالأسى!!


يشعر أن جسده مفتت من قلقه عليها..


كان يريد أن يلتف ليراها..يريد أن يشبع عينيه منها.. يريد أن يضم كفيها لصدره.. يريد أن يطمئن برؤية محياها..


ولكنه قبل أن يفعل ذلك.. فوجئ بصوت زايد الحازم:


خلاص أدخل؟؟



منصور بضيق: ادخل..


لأول مرة ورغم محبته الكبيرة لزايد.. لأول مرة لا يريد أن يراه.. يريده أن يغادر ويتركه معها لوحدهما..


لا يريد أن يتدخل احد بينهما.. بأي حق يتدخلون بينهما؟؟


هي حبيبته هو؟؟ روحه هو؟؟ زوجته هو؟؟


فأي حق لهم هم ليتدخلوا بينهما؟؟



زايد دخل ليقف هو ومنصور بين الستارة والباب وهو يهتف بحزم:


اسمعني يامنصور.. عفرا بتروح لبيتي عقب ما تطلع من المستشفى..



منصور برفض قاطع: أرجوك زايد ما تتدخل بيني وبين مرتي..


أنت أخي الكبير وعلى عيني ورأسي.. بس مرتي بترجع بيتي.. وما لاحد دخل بيننا..



زايد بغضب مكتوم حتى لا يزعج عفراء النائمة: اخص واقطع.. إلا شكلك يامنصور نسيت إني أخيك الكبير وتحسبني أصغر صبيانك


اسمعني عدل حكي ياصلك ويتعداك.. صحيح أني حلفت إنها ماعاد ترجع لك بس هذي حزة شيطان..


عفرا مرتك وأم ولدك.. بس أنت والله العالم مزعلها زعل(ن) كايد


وأنت يوم خذتها.. خذتها من بيتي..


فعفرا بترجع لبيتي.. وأنت بتجي تعّذر لها وتأخذ بخاطرها وتشوف اللي يرضيها في بيتي وقدامي..


عقب ذاك لو هي بغت ترجع.. ترجع بكيفها.. وأنا الله يسامحني على الاستعجال في الحلوفة بأدفع كفارة واصوم بعد..



منصور بحزم بالغ: آسف يازايد.. قلت لك ما لحد دخل بيني وبين مرتي..


وأنا ماني بمعتذر وأنا ماسويت شيء خطأ..


وعفرا بترجع لبيتي أنا..



لم يعلما كلاهما أن هناك طرف ثالث لم يكن نائما.. وكان يستمع بكل وجع العالم ودموعه تنهمر بغزارة



(لذا الدرجة أنا رخيصة عندك يا منصور؟!


مستكثر علي تكبر قدري قدام زايد عقب ما فشلتني فيه؟!


يا الله يا منصور.. وش ذا القسوة؟!! وش ذا القسوة؟!)




قاطع جدلهما الدائر صوتها الضعيف القادم من خلف الستارة: أبو كساب..



انتفض الاثنان في وقت واحد.. وشتان بين شعورهما.. شعور زايد بالحمية..


وشعور منصور باللهفة..



هتف زايد بحزم: هلا والله.. آمريني!!



عفراء بحزم رغم ضعف صوتها البالغ: قول لأخيك يتوكل لبيته.. وأنا إذا طلعت من المستشفى رجعت للبيت اللي كان ضامني ذا السنين كلها..


الظاهر مالي بيتي غيره..



منصور يكاد يجن وهو يهتف بصدمة: وش ذا الكلام يأم زايد؟؟


وبيتش؟؟ تخلين بيتش؟؟



دموعها بدأت تسيل رغما عنها وهي تهمس بذات النبرة الحازمة الموجوعة:


البيت بيتك جعلك تهنا به.. أنا أبي أرجع لعيال أختي.. وكل واحد يدور راحته..



منصور بعتب عميق: أفا عليش يأم زايد.. أفا عليش..


الحين وش بيتي ووش بيتش..


وأبد ولا يهمش.. البيت بكرة أسجله باسمش.. وعديني ضيف عندش..



عفراء بنبرة قاطعة رغم أنها شعرت أن ماستقوله سيمزقها: منصور.. أرجوك روح لبيتك.. قلت لك أنا بأرجع لبيت بو كساب..



حينها شد له منصور نفسا عميقا وهتف بحزم: وكم تبين تقعدين هناك؟؟



عفراء بذات نبرتها الحازمة: على الأقل لين أولد وعقبه نتفاهم!!!



منصور باستنكار غاضب: نعم؟؟ نعم؟؟يا ســلام!!


معنى كذا أكثر من ست شهور.. هذي عمرها ماصارت في التاريخ


مرة تأخذ راحة من بيتها ست شهور؟؟


أنتي صاحية وإلا مجنونة؟؟


ثم تغير صوته لقسوة موجوعة: وإلا عـايـفـة؟؟



عفرء لم تجب عليه وهي تضع ذراعها الحرة الخالية من أسلاك التغذية على وجهها


وتسيل دموعها بصمت..



بينما زايد يهتف بحزم: خلاص سمعنا مافيه الكفاية..


أمش معاي بلا فضايح.. مزون الحين بتجي مع أخيها!!



منصور غادر معه ودون يراها.. شعر أنه أحرج نفسه أكثر كثيرا في سبيلها دون أن تهتم هي به..


موجوع منها ومجروح لأبعد حد.. وهي تحرجه بهذه الطريقة أمام شقيقه وابنائه..


وتدخلهم في مشاكلهما الخاصة..



" تبين سنة ياعفرا؟؟


اخذي سنة.. سنتين..


براحتش!! "





*************************************






" يعني ما أشوفش ملهوفة على شوفة عروس ولد خالتج؟؟"



جميلة هزت كتفيها بلا مبالاة: أنا ما أعرفها عشان أتلهف على شوفتها..


هذي مجرد زيارة مجاملة ثقيلة عليهم اثنينهم..


يعني عرسان في شهر العسل.. معذورين.. ماحد راح يتشره عليهم لو ماجاو وزاروني..



حينها ابتسم خليفة: ترا بعد ولد خالتج هذي مع احترامي له.. دمه ثجيل مرة وحدة.. وشايف نفسه..



هزت جميلة كتفيها بابتسامة طفولية: حرام عليك.. دمه ثقيل يمكن.. بس شايف نفسه لا.. مع إن شكله يعطي كذا..



خليفة بهدوء: بس وايد كلف على نفسه شوفي الورد والشكولت اللي وصلنا اليوم الصبح..


وايد ستايل ومبين عليه غالي..



جميلة قطبت حاجبيها وهي تهمس بحزن شفاف غزا قلبها: تكفى لا تذكرني بسلال الشكولاته الله لايردها..



وهما في حوارهما.. رن هاتف خليفة.. همس بعد أن أنهى الاتصال: كاهم برا.. غطي ويهج.. بس بيسلم عليج من عند الباب..



جميلة غطت وجهها بشيلتها.. بينما خليفة خرج ليقف مع كساب خارجا


ودخلت كاسرة لتقف في الزاوية..



كساب هتف بنبرته الحازمة الطبيعي: مساش الله بالخير جميلة.. بشريني منش؟؟


أشلونش الحين!!



جميلة همست بطبيعية: الحمدلله.. أحسن بواجد..


أنت أشلونك؟؟ وألف مبروك زواجك..



كساب بهدوء حازم: االه يبارك فيش.. تبين شيء؟؟.. قاصرش شيء؟؟



جميلة بنبرة عفوية وربما حملت رائحة التقصد: مشكور.. الله لا يخليني من خليفة


ما يخلي شيء يقصرني..



اتسعت ابتسامة خليفة وسعادة بريئة غمرت روحه وهو يسمع جميلة ثم يغلق الباب وينسحب مع كساب للجلوس في الاستراحة..



بينما كاسرة حين أُغلق الباب تقدمت وهي تخلع نقابها.. لتقف جميلة للسلام عليها..




جميلة لا تنكر تصاعد ضيق عميق في روحها وهي ترى حُسن كاسرة وتألقها..


عروس بالفعل.. متألقة..متأنقة كما يُفترض من عروس..


ضيق ذكرها بحالها.. هي أيضا مازالت تعتبر عروس.. ولكن شتان بين العروسين!!


تتذكر حالها قبل مرضها.. كان يُضرب المثل بتأنقها البالغ واهتمامها المبالغ فيه بزينتها..


كن صديقاتها يقلن لها: (خاطرنا نشوف كشختش وأنتي عروس إذا هذي كشختش الحين..)



وهاهي عروس.. خالية من أي مظاهر توحي بذلك..


إحساس مر بالنقص والحزن غزا روحها المثقلة..


وهي تتذكر كيف كانت.. وكيف أصبحت!!


تمنت في داخلها لو أن كاسرة لم تزرها.. فهي ليست في حاجة للاحساس بمزيد من المرارة والنقص!!



كانت هذه الأفكار تدور في رأس جميلة في الثوان القليلة التي تلت خلع كاسرة لنقابها..



بينما كانت كاسرة تهمس برقة وذوق احترافيين: أشلونش جميلة؟؟



جميلة بسكون حاولت أن تدفع فيه بعض الحماسة: ياحيا الله عروستنا..ألف مبروك


أنا طيبة.. أنتي أشلونش؟؟



كاسرة بذات النبرة اللبقة: الله يبارك فيش.. وأناالحمد لله تمام.. إن شاء الله أنش الحين أحسن؟؟



جميلة بذات النبرة الساكنة: أحسن.. ألف مبروك زواجش..


بشريني من هلش؟؟ أختش وضحى وش أخبارها.. تخرجت ذا الفصل.. صح؟؟؟



كاسرة ابتسمت بشفافية عند ذكر أختها: إيه فديتها تخرجت.. وطلبوها للتوظيف بعد..


وعقبالش إن شاء الله..



جميلة بحزن: الله يعين.. الفصل اللي فات اعتذرت.. والفصل اللي بيجي بعد طلبت من البنات يقدمون لي اعتذار..


هذي سنة راحت من عمري..



كاسرة بنبرة مؤازرة: هانت كلها كم شهر وترجعين..



جميلة حينها هتفت بذوق: والله كلفتوا على نفسكم واجد في الورد والشكولاته..



كاسرة بابتسامة: أنا أصلا متفشلة منش.. كان ودي إني جبت لش شيء.. هذا مهوب قدرش..



حينها ابتسمت جميلة وهمست بعفوية: يا بنت الحلال وش تجيبين..


هذي هدية كساب عادها في يدي..وأنتي وهو واحد



قالتها وهي تشير للساعة الثمينة التي في يدها.. حينها بالفعل اشتعلت كاسرة بضيق فعلي وهي تنظر للساعة الثمينة التي كانت يسار جميلة..


كانت أغلى بكثير من الساعة التي جاءتها مع شبكتها.. مع أن الساعة التي جاءتها كانت ثمينة جدا..


ولكن ساعة جميلة بدت أكثر من مسمى ثمينة بكثير.. بعلامة التاج التي تدل على ماركتها الفارهة ..


والتماعة أحجار الألماس الكثيفة المتراصة التي كانت تخطف الأبصار ..


إحساس كاسرة تجاوز الضيق لشعور أعمق وأكثر مرارة..


ليست محدودة التفكير لتغضب من هدية أهداها لابنة خالته وقبل أن يتزوجها أيضا..


ولكن ساعة بهذه القيمة المهولة حتى وإن كان كساب مقتدرا.. تدل على المكانة المهولة لمن اُهديت الساعة له..



جميلة بذات الابتسامة العفوية: مع أني كان من المفروض أكره ذا الساعة


لأن كساب جابها لي رضوة لأنه زعلني زعل كايد


بس من الغبي اللي ممكن يكره ساعة مثل هذي؟؟



حينها تصاعد ضيق كاسرة للذروة..


(الهدية رضوة لها بعد..


لو راضاني عن كل مرة زعلني فيها خلال ذا الأسبوعين بس بهدية مثل ذي


كان أنا الحين مليونيرة)



ورغم إحساسها الذي خنقها ولكنها هتفت بابتسامة محترفة غاية في الود:


عليش بالعافية.. تجنن في يدش..



جميلة حين أنهت عبارتها السابقة شعرت أنها قد تكون تجاوزت حدودها.. ولكنها عادت لتطمئن مع رد كاسرة المريح اللبق


لم تشعر أبدا بالجنون المسعور الذي أثارته بعبارتها..


كانت كاسرة تريد أن تمد يديها لتضغط على جانبي رأسها الذي شعرت به يتفجر من الصداع..


ليست غبية لتعلم أنها تغار.. وأن هذا الشعور المؤلم اسمه (الغيرة)


والتي بلغت أقصى درجاتها عندها..بل هي تعلم يقينا مهما أنكرت ظاهريا


أنها تغار عليه منذ يومها الاول معه..


بل أنها خلال الأسبوعين الماضيين كادت تجن من الغيرة وهي تراه يبالغ في التأنق كلما خرجا.. وأعين النساء تلاحقه..


بينما هي تدعي أنها لا تلاحظ أو لا تهتم.. بينما هي كانت تحترق في داخلها حتى الترمد..


وهاهي اكتملت عليها اليوم بلقاء جميلة..



فهل هذه هي نتائج دعوة صديقتها فاطمة عليها التي دعت عليها أن يبتليها الله بالغيرة على زوجها ردا على غرورها الدائم؟؟


حينما كانت كاسرة تتفاخر أن من تغار هي من تخشى على زوجها أن يرى أجمل منها..


ولكن هي واثقة أنه لن يرى أجمل منها حتى تغار!!..



وهاهي الآن تغار.. وتغار.. وتغار.. وتغار.. حتى أبعد مدى تغار عليه..


شعور مؤلم وجارح لمن هي مثلها.. في ثقتها بنفسها.. في قوة شخصيتها.. في جمالها الذي لا يتكرر


فهل يعاقبها الله على غرورها حين يجعلها تعاني من هذا الإحساس المر الجارح لأنوثتها وجمالها..؟؟



ولكنها على كل حال يستحيل أن تُشعر كساب بأي شيء..


فهو حريص على إثارة غيرتها بينما هي تخبره أنها لا تغار.. فكيف حينما يعلم أنها لا تغار فقط.. ولكنها تكاد تُجن من الغيرة عليه!!


ومن ناحية أخرى.. يستحيل أن تضع نفسها في موقع ضعف!!



ولكن رغما عنها...تزداد مرارة السؤال في روحها:


"هل الغيرة دليل حب؟؟... أم محض تملك!!"






************************************






" خالتي بس اشربي شوي شوربة.."



عفراء تشير بيدها بضعف وتهمس بخفوت: بس يأمش خلاص..



مزون باهتمام بالغ: بس شوي فديت قلبش..



عفراء تهز رأسها رفضا وتهمس بضعف: يأمش قومي جهزي أغراضي.. واتصلي على سواقتي خلها تجي.. نطلع من المستشفى..



مزون باستنكار: وش تطلعين... الدكتورة تقول بكرة تطلعين..



عفراء بنبرة نفاذ صبر مرهقة: يأمش لا تراديني.. وش فرق اليوم من بكرة؟؟


ثم أردفت بألم: والشيء الثاني كساب واصل بكرة الصبح ماأبيه يجي وانا في المستشفى ويعرف السالفة يتمشكل مع عمه..


تعرفين الاثنين كبريت وما يتفاهمون..


وبعدين مايصير يجي البيت هو ومرته ماحد منا فيه.. وأنا والله العظيم أحسن..



مزون بنبرة حذرة وهي تقف لتبدأ في جمع الأغراض: عمي اتصل فيني كم مرة اليوم.. يسأل عنش بشكل غير مباشر..


ثم انحدر صوتها بألم: كسر خاطري حاسته مثل اللي مضيع له شيء ويدور له..


تخيلي عمي منصور كسر خاطري!!



عفراء بألم أعمق: مزون يأمش.. لا تهقين أني أرخصت عمش.. عمش غلاه ما ينحكى به..


بس كذا يأمش أحسن.. قرب عمش يستنزف الواحد لين آخره..


وأنا أساسا تعبانة ومافيني أستحمل...






****************************************






" طول الرحلة وأنتي متضايقة من شيء


ممكن أعرف وإلا سر؟؟"



كاسرة بهدوء متمكن وهي تستوي جالسة في السيارة التي تنقلهم من أرض المطار لمبناه: مافيني شيء مرهقة بس..



كساب بنبرة حازمة: أنا مارضيت حد يستقبلنا.. قلت مافيه داعي نزعج أحد الصبح بدري كذا..


وشناطنا بأعطي أوراقها واحد من موظفيني هو بيجيبها لأنه احنا بنصلي الحين ثم بنطلع الحين فورا.. ما ابي أتاخر


سيارتي بيجيبها لي واحد من سواقين الشركة لأني بأروح الشركة.. وأنتي بترجعين مع سواقة خالتي..



كاسرة بصدمة: نعم؟؟


ما تبي ترجع معي؟؟.. أشلون تبيني أدخل بيتكم بروحي..؟؟


حتى من باب الذوق عيب عليك!!


تو الناس على الشركة الساعة الحين خمس ونص الصبح!!



كساب بحزم عملي: لا تسوينها سالفة.. مكان شركتي هنا قريب من شارع حمد الكبير.. يعني 5 دقايق من المطار..


لكن لو بأوديش للبيت أبي لي ساعة.. ثم ساعة ثانية لين أرجع..


وأنا طالبهم كلهم لاجتماع الساعة 6 الصبح..


لازم أنكد عليهم شوي!!



كاسرة بحزم بالغ: وتنكد علي بعد !!..


كساب عيب عليك اللي تسويه..


أنت لو مارجعتني بنفسك.. اسمح لي.. ماراح أروح لبيتك.. بأروح لبيتنا..


ماراح أهين نفسي وأنا داخلة بيتك بروحي عقب ماحذفتني واحنا عادنا في المطار..



كساب بحزم: سوي اللي تبينه.. إذا خلصت شغلي تفاهمنا






*************************************






" كاسرة؟؟ أنتي جيتي؟؟ والا انا أتحلم"



تنحني لتقبل جبينه للمرة الثانية وتهمس بمودة مصفاة قريبا من أذنه:


جيت فديت قلبك..



فتح عينيه بتثاقل وهو يمد يده.. أمسكت يده بلهفة وهي تشده بحنو لتجلسه ثم تقبل ظاهر كفه الضخمة التي احتفظت بها بين يديها..



هتف بشجن عميق: الحمدلله على السلامة يأبيش.. ماكن في الدوحة حد عقبش..


حتى النفس ثقيل من عقبش.. أنا أشهد أني فقدتش.. وأني اشتحنت.. (فقدتش= افتقدتكِ)



مالت لتقبل كتفه وهي تهمس بنبرة تذوب حنانا: أصلا لو ما فقدتني بأزعل..



مزنة تقف وهي تستند للباب وعلى شفتيها ابتسامة مثقلة بالشجن:


ها أجيب لكم قهوة تقهوون؟؟..



الجد يشير بيده: إيه جيبيها خلي بنتي تقهويني.. القهوة مالها طعم عقبها..



مزنة غادرت بينما الجد يسأل كاسرة باهتمام: وين رجالش يأبيش؟؟



كاسرة بهدوء متمكن: يبه الوقت مبكر ذا الحين.. راح وعاده بيرجع يسلم عليك..



الجد بذات النبرة المهتمة: أربش مستانسة يابيش ومرتاحة مع كساب؟؟



كاسرة بذات الهدوء المتمكن: الحمدلله فديتك.. من الله في خير..



تدخل الخادمة بالقهوة تتبعها مزنة.. التي جلست على الأرض بجوار القهوة..


كاسرة برفض: والله ما تصبينها.. أنا باصب


قالتها وهي تنزل من جوار جدها.. لتجلس جوار والدتها.. وتشد القهوة ناحيتها..



حينها همست مزنة بصوت منخفض حازم: وش السالفة يا بنت بطني؟؟



كاسرة تحاول ادعاء عدم الفهم: أي سالفة يمه؟؟



مزنة بذات النبرة الحازمة المنخفضة: جيتش ذا الحزة.. وأنتي كنتي قلتي لي قبل أنش بتروحين لبيتش وعقبه بتجينا..


ولا تكذبين علي يا بنت..



كاسرة بهدوء وهي تجيبها بصراحة مُعدلة ودون أن تضخم الأمور


فهي لا تريد مطلقا أن تبدو بمظهر المظلومة أو مكسورة الجناح.. فهذا الدور لا يليق بها:


كسّاب عنده شغل ضروري ماقدر يأجله.. وأنا استحيت أروح لبيته بروحي


فقلت له أني بأجي هنا وهو بيأتي يأخذني عقب..



مزنة نظرت لها وكأنها تريد أن تسبر داخلها لتكتشف ماداخلها ليقاطع نظراتها هتاف الجد: أنتي سجيتوا مني.. وين قهوتي؟؟






**************************************






" يالله .. وأخيرا أنتي هنا.. ماني مصدقة


ما تتخيلين وش كثر اشتقت لش"



كانت هذه عبارة وضحة التي قالتها وهي تجلس جوار كاسرة وتحتضن ذراعها


رغم أنها لها أكثر من ساعة منذ نزلت لتتفاجأ بوجود كاسرة جالسة مع والدتها في الصالة..


ليطير النعاس كله من عينيها ويحل مكانة سيول من الدموع وهي تنزل ركضا لتلقي بنفسها بين ذراعي كاسرة وهي تبكي بحرقة..



كاسرة تربت على ذراعها التي تحتضن ذراعها وتهمس بمودة صافية: وأنا اشتقت لش بعد ما تتخيلين وش كثر..


وجبت لش بعد هدايا وش كثر.. ياالله عشان تكشخين في الدوام..



كاسرة التفتت على أمها وهي تتسائل: يمه امهاب متى بيجي؟؟



مزنة بمودة: الليلة إن شاء الله..



حينها ابتسمت كاسرة: زين أني قابلت تميم.. قبل يروح لشغله.. ويعني ربعه في الشغل إلا يحرقونه مسجات يجيهم..


ماخلوه يقعد معنا شوي!!


ثم أردفت باهتمام: يمه وش أخبار تجهيزات عرس تميم؟؟..



مزنة بتلقائية: خلاص يأمش كل شيء جاهز الله يتمه على خير..



.


.



بعد صلاة الظهر.. وهو لم يتصل بها حتى!!


أي زوج هو هذا الزوج؟!!


هل هو ابتلاء من رب العالمين لاختبار مدى تحملها وصبرها..؟؟



كانت تريد أن تتمدد قليلا حين رن هاتفها..


رقم بالغ الفخامة والتميز بتسلسله الفاخر!!


اعتدلت جالسة والرقم يضيء على الشاشة للمرة الثانية..


مثل هذه الأرقام لا تتصل خطأ..



ردت بحذر حازم وهي تتخذ نبرتها العملية الواثقة: نعم؟؟



أتاها الصوت الرجولي الفخم الفاخر كرقمه تماما: مساش الله بالخير يأبيش..


أنا عمش زايد..



كاسرة شعرت بصدمة حقيقية لم تتخيل ولو لحظة أنه قد يتصل بها.. توقعت أنها ستراه حينما تذهب للبيت


ردت باحترام جزيل: هلا والله يبه.. وش ذا الساعة المباركة اللي سمعت صوتك!!



أجابها بنبرته الواثقة الفاخرة: أدري أني مقصر يأبيش.. كان لازم أني كلمتش يومكم في جنيف.. بس أنا قلت خلكم تأخذون راحتكم..



أجابته بذات نبرة الاحترام العميقة: ما يلحقك قصور يبه!!



ليفاجأها فعلا بقوله الحازم: زين يأبيش انزلي لي.. أنا انتظرش تحت في الحوش..


أنا دريت بالحركة السخيفة اللي سواها كساب.. وجاي أخذش بنفسي.. وكساب دواه عندي..


مزون وخالتها ينتظرونش من الصبح.. ومسوين لش غدا.. وهم حتى استحوا يكلمونش من سحاهم من سوات كساب..



حينها تمنت كاسرة أن تنشق الأرض وتبتلعها.. لم تكن تريد مطلقا أن يلاحظ أحد أن هناك شيئا غير طبيعي بينها وبين كساب..


ولكن تصرفات كساب تجعل الأعمى يلاحظ.. فكيف بمن هم ليسوا عميان؟!!


قد يكون في حضور عمها بنفسه لأخذها رد اعتبار حقيقي لها..


ولكن كيف ستركب معه لوحدها.. وهي من كانت تعد العدة لهذا اللقاء..


لو أن كسابا موجود.. أو حتى أحدا من أهله وهي ترى زايدا للمرة الأولى..


كانت رهبة اللقاء قد خفت قليلا.. ولكن أن تراه لوحدها؟!!



ليست خائفة مطلقا.. ولا يوجد سبب لتخاف.. ولكنها هيبة زايد..


الرجل الذي رسمت له في خيالها الآف الصور.. والذي تشعر بهيبة لقائه حتى نخاع النخاع..



نزلت ركضا لوالدتها وهي تلبس عباءتها على عجالة وتهتف بنفس مقطوع:


يمه عمي برا جاي يأخذني..



مزنة أجابتها ببساطة: اطلعي لعمش.. لا تعطلين الرجال..



كاسرة برجاء حقيقي قلما سمعته مزنة منها: يمه تكفين البسي عباتش واطلعي معي.. بس لين أسلم عليه..



مزنة باستنكار: نعم!! وليش إن شاء الله؟؟


لا تقولين لي خايفة منه.. عاد ما يلبق عليش كلش..


خلصيني يا بنت بلا دلع.. وروحي لعمش.. عيب تنقعينه على الباب..



كاسرة برجاء أشد.. استغربته مزنة أشد الاستغراب: يمه تكفين.. تكفين..


ماتوقعت أني أول مرة بأشوفه.. بأشوفه بروحي.. ما تتخيلين وأشلون هايبة شوفته..


لو تميم هنا كان خليته يطلع معي..


يمه البسي عباتش ووقفي عند الباب بس.. تكفين يمه.. ما طلبت منش شيء..


تكفين..








#أنفاس_قطر#


.


.


.


.

#أنفاس_قطر# 10-10-10 07:28 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخمسون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(آسفة على شوية التأخير.. الاتصال كان رأسه يوجعه شوي :) )


صباحكم خير ومودة ورحمة


يا هلا بالكل.. والله العظيم أنكم كلكم غالين..


لا يشكون الغوالي الجدد.. إن الغوالي القديمين أغلى منهم.. لكل اسم من أسمائكم وقلب من قلوبكم مكانه اللي مايشاركع فيه حد


كل من هو عنى لي هنا.. وأشترك عشاني.. الله يكبر قدره مثل ما كبر قدري


وكل حرف ينكتب هنا.. أقراه بحرص ومحبة وسعادة فوق ما تتخيلون


.


.


بعض الغوالي يقارنون بين فارس ومنصور


ما أدري يمكن لأن الاثنين شايفين حالهم صارت المقارنة


لكن أنا أشوف أن الموقفين مختلفين


لا موقف الزعل ولا موقف الحل


فارس نهائي ما انحرج قدام أحد.. ومارضى يعتذر أو يراضيها لحد ماهي جاته


لكن منصور انكسر كسرة شينة قدام أخيه وولده


وفيه شيء ولا وحدة منكم انتبهت له


إنه قال لها وهم بعدهم في المستشفى قدام زايد ( بأكتب لش البيت واعتبريني ضيف عندش)


مالاحظتوا أشلون هالرضوة كبيرة؟!! :)


.


.


تساؤل تكرر أكثر من مرة.. وأنا مارديت عليه.. يمكن لأني حسيت الجواب واضح


بس بما أنه تكرر لازم أجاوب..


هل يعيش كساب وكاسرة حياة زوجية كاملة؟؟


نعم.. عدا الأيام الثلاثة الأولى التي انشغل بدورة التسلق


من بعدها وهما يقضيان معظم وقتهما معا


فما الذي يمنعهما من اتمام سنة الله في الحياة <== حسيت أني غبية وأنا أجاوب على السؤال :)
.
.
" ملاحظة زيادة تم إضافتها عقب مانزل البنات

فيه بنات الظاهر زعلوا مني
حسبوا أني أقول عن سؤالهم إنه غبي!!

حاشاكم والله العظيم
والله العظيم ماخطر ذا الشيء ببالي
ولو شفته غبي ماجاوبته
لكن أنا حسيت نفسي فاشلة وأنا أجاوب عنه
فأنا حسيت نفسي غبية

والسموحة من كل وحدة تحسست من الكلام
وأنا آسفة
وألف مرة السموحة.. وأمسحوها بوجهي يالغوالي
والله العظيم ماقصدت غير نفسي "
.

.
.


ملاحظة ذكية من متابعة أذكى وأغلى


ملاحظتها مادامت جميلة تشعر أنها ستموت حين خرجت من الدوحة فلماذا أخذت معها مجوهرات؟ :)


.


يمكن لأن الساعة عندي ليست محض قطعة مجوهرات للزينة ولكنها ضرورية جدا


ويمكن لأني أنا نفسي لو باموت مستحيل أخلي ساعتي


أنا دخلت غرفة الولادة وساعتي في يدي.. والممرضات يحاولون يأخذونها عشان التعقيم وأنا رافضة


لحد ماشالتها أمي من يدي.. :)


.


وجميلة حتى قررت مغادرة الدوحة كانت واعية.. فأين المشكلة أن يكون بيدها ساعة لتعرف الوقت؟؟


وحين تموت ستؤول للورثة :)


يعني هي لم تلبس لا عقد ولا خاتم.. أي المجوهرات بمعنى مجوهرات.. الساعة شيء مختلف وضروري!!


أم أنها يجب أن تأخذ معها محض ساعة رخيصة لأنها ستموت؟؟ :)


تدرين ياقلبي أحس الفكرة هذي فيها قسوة.. يعني لأني بأموت خسارة أروح معي بساعة غالية!!!


مين أغلى أنا وإلا والساعة ؟!!..


.


حكاية الساعة كان لابد أن تحضر


لسببين الأول التعرف على غيرة كاسرة


والثاني أنه كساب حين أساء لجميلة.. قال لخالته سأحضر لجميلة هدية لم تحصل بنت في الدوحة على مثلها..


وبعض البنات فعلا تسائلوا: وش هي الهدية؟؟ قلت لهم بتعرفون في الوقت المناسب.


.


.


يالله لقاء الشيبان... إن كانوا بيلتقون *ـــ^


.


الجزء الخمسون


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الخمسون






كاسرة نزلت ركضا لوالدتها وهي تلبس عباءتها على عجالة وتهتف بنفس مقطوع:


يمه عمي برا جاي يأخذني..



مزنة أجابتها ببساطة: اطلعي لعمش.. لا تعطلين الرجّال..



كاسرة برجاء حقيقي قلما سمعته مزنة منها: يمه تكفين البسي عباتش واطلعي معي.. بس لين أسلم عليه..



مزنة باستنكار: نعم!! وليش إن شاء الله؟؟


لا تقولين لي خايفة منه.. عاد ما يلبق عليش كلش..


خلصيني يا بنت بلا دلع.. وروحي لعمش.. عيب تنقعينه على الباب..



كاسرة برجاء أشد.. استغربته مزنة أشد الاستغراب: يمه تكفين.. تكفين..


ماتوقعت أني أول مرة بأشوفه.. بأشوفه بروحي.. ما تتخيلين وأشلون هايبة شوفته..


لو تميم هنا كان خليته يطلع معي..


يمه البسي عباتش ووقفي عند الباب بس.. تكفين يمه.. ما طلبت منش شيء..


تكفين..



مزنة برفض: يأمش عيب عليش تطلعيني قدام الرجال..



كاسرة تتنهد: يمه ما أقدر أطلع جدي أوقفه في الشمس.. وإلا كان خذته..


عدا أنه لين أروح لجدي وألبسه وأطلعه أبي لي على الأقل عشر دقايق


تكفين تأخرت على عمي ومتفشلة منه..


بس وقفي عند الباب..لين أنا أسلم عليه واركب معه عقب ارجعي داخل..



مزنة كان بودها رفض هذا الموقف المحرج.. لكنها لم تسمع مطلقا كاسرة تترجاها بهذه الحرارة..


لم ترد كسر خاطرها وهي ترجوها بهذه الطريقة غير المسبوقة..


عدا أنه رأت أن الموقف ليس ذا أهمية حتى تحمله أكثر مما يحتمل!!


( وش فيها؟؟


بألبس عباتي.. إن سلم رديت السلام.. وانتهينا)



مزنة هتفت بحزم: خلاص بأدخل أجيب عباتي دقيقة وحدة بس..



مع دخول مزنة للداخل..رن هاتف كاسرة.. كاسرة ردت بحرج: هلا يبه



زايد بحزم حنون: وش فيش يأبيش.. لا تكونين زعلانة على كساب وماتبين تروحين معي؟؟



كاسرة باستنكار: لا والله.. أنا أصلا ماني بزعلانة من كساب


وحتى لو كنت زعلانة.. وأنت جايني بروحك رضيت..


بس أنا فديتك أنتظر أمي تلبس عباتها.. لأنها تبي تطلع تودعني عند الباب..



حينها بدا لزايد كما لو كان سمع شيئا غير طبيعي.. خارق للعادة..


سهم اخترق سمعه.. ليرشق في مكان قصي من روحه!!


مكان ظل لها وحدها طيلة أكثر من ثلاثين عاما!!


مكان لم يقترب منه أحد.. لأن ذكراها كانت تحرسه بوحشية وتمنع أيا كان من مجرد الاقتراب من حدوده!!



"هل قالت أن مزنة ستخرج معها؟؟


هل قالت ذلك؟؟


أم أنا كنت أهلوس وأتخيل؟"



شعر أن ذلك السهم الذي رشق في روحه.. أحدث عطبا وفتقا غير قابلين للرتق!!


فهو طيلة السنوات الماضية لم يراها مطلقا.. وحرص ألا يراها..


كان يخشى من دمار كهذا!!


هاهو الآن يرى نزيف روحه يتجسد أمامه.. بحيرات بحيرات..


يكاد يقسم أنه يرى احمرار الدم أغرق سيارته حيث يجلس!!


يحاول إيقاف النزف.. فلا يستطيع..


وكيف يستطيع ومجرد سماعه أنه سيراها دفع مئات الذكريات المطرزة برائحتها وابتسامتها وعنفوانها.. وحتى سلاطة لسانها!!


وكل ذكرى لا تتوانى عن طعن روحه بلا رحمة!!


وكل طعنة تحدث مزيدا من النزيف!!



"الظاهر يازايد أنك كبرت وخرفت..


احترم نفسك.. وسنك..


السنين مرت..


والحين بتصير جد.. والقلب علته مابرت؟!! "



( وبقدر السنوات التي مرت عظمت ذكراها


فكل سنة تمر.. تجسد الذكرى.. حتى باتت أسطورة!!


والأساطير لا تتحقق يازايد.. لا تتحقق!!


.


لا أريد أن أراها..


لا أريد.. لن أنظر لناحيتها حتى!!


فهل يستطيع أحد أن ينظر للأساطير بعينيه


إلا إن كان مجنونا؟؟


أو يريد أن يُجن ؟!!)




كان إحساسه كإحساس من كان يتنفس طوال عمره عبر فتحة أشبه بفتحة ابرة.. حتى اعتادت رئتيه على قلة الهواء..


ثم قالوا له أنك تستطيع أن تتنفس كل هواء العالم دفعة واحدة..


حينها كيف ستكون ردة فعله؟؟


سيرفض..


لأنه يخشى على رئتيه التفجر..



هكذا هو حاله تماما.. يخشى على قلبه أن ينفجر..


قلبه الذي توقف عن النبض منذ واحد وثلاثين عاما..منذ المرة الأخيرة التي رآها فيها


يقولون له الآن استعد لتشغيل قلبك بكل طاقته..


كيف سيحتمل القلب الساكن طوال ثلاثة عقود أن يعود للنبض.. وليس أي نبض.. ليس أي نبض!!


إنها مزنة.. مزنة!!


هل يعلمون من هي مزنة؟!!



طوال هذه السنوات التي مضت كانت حينما تمر ذكراها بخياله.. حتى الخيال يقف احتراما لذكراها!!



شد له نفسا عميقا..شعر بألم مروره عبر قصبته الهوائية المختنقة


وهو يضع كفه اليمين على الناحية اليسرى من قفصه الصدري ويضغط بشدة


لأنه يشعر بألم حقيقي يمزق عضلات قلبه..


يتمنى لو يستطيع أن يشق قفصه الصدري لإخراجه من مكانه..


يتمنى لو أنه لم يحضر لإحضار كاسرة..


يتمنى ألا تخرج مزنة مع ابنتها..!!



ولكن امنياته ذهبت أدراج الرياح وهو يرى كاسرة تخرج..


وخلفها خيال آخر ملتف بالسواد تماما اعتصم بمكانه قريبا من الباب!!


بينما كاسرة تقدمت نحو سيارته..


وجد نفسه حينها يقع في حيرة ما اعتادها أبدا.. وهو من يقرر قراراته دون تردد..


هل يبقى في سيارته حتى تركب معه.. ويسلم عليها في بيته؟؟..


أم ينزل ليسلم عليها أولا..؟؟



وجد أنه مجبر على النزول.. فحضوره هنا أساسا كان لرد بعض اعتبار الفتاة بعد إحراج ابنه لها..


وهو في جلوسه في سيارته سيحرجها أكثر..



نزل من سيارته وهو يركز نظره على كاسرة فقط.. ويحاول ألا ينظر ناحية شيء عداها..


( لا تنظر ناحيتها..


لا تنظر ناحيتها


لا تنظر ناحيتها!!!)



كاسرة رفعت نقابها فوق رأسها فسيارته كانت تقف حاجزا بين بوابة البيت وبينها..


تلقته لتقبل أنفه.. وهي تشعر أنها غير قادرة على السيطرة على انفعالها..


بينما كان زايد رغم تركيزه فيها عاجز عن رؤية ملامح وجهها حتى..


تلقاها بتحية فخمة برمجها عقله العملي الحاضر: هلا والله ببنتي.. ياحياش الله نورتي الدوحة



أجابته بتهذيب: الله يحيك.. نورها فيها دامك فيها..



"أقصر مني قليلا.. لكنه مهيب فعلا.. تشعر بهيبته تحيطك رغما عنك!!"



(شكله في الجرايد غير..


حتى الوسامة والله إنه وسيم جذاب..


مع أنه مافيه مواصفات الوسامة السخيفة المتوارثة


والله إنه أحلى من ولده البايخ)



"هو كذا.. فيه شيء يشدك لا تعلم ماهو؟؟"



هكذا كانت أفكار كاسرة وهي تتبادل السلامات والتحيات مع عمها..


بينما مزنة مازالت تقف في مكانها..


توقعت أنه سيلقي عليها السلام.. ولكنه لم يفعل..


ولا يبدو أنه سيفعل..


لم تهتم.. فربما لم ينتبه أصلا لوجودها.. فهي لا تتوقع أنه تجاهلها عمدا!!



لا تعلم أنه تجاهلها عمدا.. لأنه عاجز عن احتمال نتائج عدم تجاهلها..


يعلم أنه كان من الذوق أن يلقي عليها السلام من بعيد..


ولكنه رأى الأسلم أن يدعي أنه لم يراها..


إذا كان شعر بمجرد رؤية الخيال الذي تحاشى بعدها مجرد الالتفات له..


أنه قد يتداعى وينهار.. يتداعى بكل ما تحمله الكلمة من معنى..


فكيف لو ألقى عليها السلام وردته؟؟



" لا أريد أن أسمع صوتها حتى!! أريد أن أحتفظ به في ذاكرتي كما كان..دون أن أنبشه وأنبش مواجعي أكثر من هذا..


لن أحتمل المزيد ولا بأي صورة.. يكفي أن احساسي بوجودها معي في ذات المكان


يكاد ينسفني نسفا!!!


لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها هو ذاته لم يتغير.. فتتجدد جروحي..


لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها أكثر نضجا وأنوثة.. فتزداد جروحي..


لا أريد أن أسمعها.. وأجد أن صوتها ماعاد يحمل شيئا من رائحة صوتها القديم.. فتُنسف جروحي.."



(يا الله.. يا الله.. خل الدقايق ذي تخلص على خير!!)



انتهت الدقائق فعلا


شد له نفسا مبتورا وهو يعود لسيارته ويهتف لكاسرة بحزم أبوي: اركبي يأبيش..



كاسرة عادت لوالدتها وهي تهمس لها بخفوت: يمه أركب قدام وإلا ورا؟؟..



أمها تبتسم وهي تضع كفها على طرف كتفها:


اركبي قدام يأمش.. مهوب سواق عشان تركبين ورا..



كاسرة بتوتر: أدري يمه.. بس ما أدري ليه معه حاسة كل شيء مقلوب..



حينما رآها تعود لأمها.. شعر أن ألم عضلات قلبه يعود بقوة حتى حدود التمزيق المتوحش:


يالله هونها وعدها على خير.. ماعادني بحمل ذا كله..



ثبت نظره على مقود السيارة حتى سمع صوت فتح كاسرة للباب..


حينها وبشكل حاد مفاجئ التفت للمكان الذي كانت تقف فيه مزنة..


رأى طرف أناملها فقط على الباب وهي تدخل.. ثم تغلق الباب خلفها..


رأى طرف أناملها فقط..كأنها تودعه للمرة الأخيرة..!!


أنامل مزنة!!



لم تكن محض أنامل.. كانت علامة من تاريخه الإنساني الذي لا يتكرر..


ثلاثون عاما مرت بين رؤيته لها آخر مرة واليوم..


فمتى يراها مرة أخرى؟



شعر كما لو أن الأكسجين الذي كان يُعمر العالم قبل لحظات قد نفذ كله..


(وش فيها لو أني سلمت بس


سمعت صوتها بس!!


يا الله.. يا صوتها..!!)



مد يده ليفتح أعلى جيب ثوبه.. بحثا عن أكسجين يعلم أنه لن يحصل عليه..


لم يخرجه من حالته إلا صوت كاسرة القلق: يبه فيك شيء؟؟



حينها تذكر المخلوقة التي تجلس جواره..


والتي جاء أساسا هنا من أجلها.. فإذا بالزيارة تتحول لكارثة فعلا..


ويتناسى السبب الذي جاء من أجله..


هتف بصوت مرهق فعلا ورغما عنه.. لأنه حاول جاهدا إخفاء إرهاقه فلم يفلح:


مافيني شيء يأبيش..


أنتي قولي لي.. وش أخبار كساب معش؟؟



همست بعذوبة: تمام.. كساب ما يقصر..



صوتها لا يشبه صوت أمها.. صوتها عذب أنثوي واثق..


ولكن صوت مزنة كان متفجرا بالحياة إلى أبعد مدى..


هكذا كانت أفكاره تغتاله..بل تقتله..


أفكاره تعود وتذهب وتعود لترجع إلى مزنة!!


لم يعلم أن مجرد الأفكار التي ستثيرها رؤيتها ستكون مؤلمة بل قاتلة هكذا!!



هتف زايد بذات النبرة المرهقة: لا تغطين على سواد وجهه..


الحركة اللي سواها ماني بمطوفها له.. وكنه الليلة ماجا وحب رأسك وتعذر


فأنا ما أنا بولد علي آل كساب.. وذا الشنب على مرة!!



كاسرة انتفضت بخفة.. يجبر كساب على الاعتذار؟؟؟..


تتخيل ما الذي قد يُجبر كساب على الاعتذار.. فلا تجد.. لا تتخيل شيئا قد يلوي ذراع كساب..


بدت لها فكرة اعتذار كساب مثيرة.. وفي ذات الوقت مقلقة!!



همست كاسرة بهدوء: أنا اقدر ظروف شغل كساب.. وعارفة إنه تارك شغله ذا الأيام كلها.. فلازم إنه يرجع له..



ابتسم زايد: كذا المرة الأصيلة تدمح خطأ رجّالها.. لكن خطأ كساب كبير


وأنا بأعرف أحاسبه عليه



زايد نفسه مازال لا يعرف الطريقة التي سيجبر فيها كسّاب على الاعتذار..


فهو مثلها يعرف أنه لا يمكن أن يلوي ذراع كساب..


لكنه حتى ذلك الحين سيرتجل..




.


.



يدخلان إلى البيت..



يهتف زايد بمودة: اخذي راحتش يأبيش.. علي خذ له جناح تحت وبابه على برا..


وحتى أنا خذت لي غرفة تحت..


لأن عفرا ذا الأيام عندنا..



كاسرة لا تنكر إحساسها بالحرج.. وهي تخلع نقابها وتدخل..


حينها رأى وجهها بوضوح..


فتح عينيه وأغلقهما.. وهو يشعر أن الألم الفعلي الذي لا يريد مبارحة قلبه اليوم يتزايد..ويتزايد!!



" يا الله بها شبه كبير من والدتها..


وخصوصا التماعة العينين المتمردة.. التي كانت تأسرني وت وتذبحني وتنهيني في لحظات!!


وقد تكون أجمل من مزنة بكثير..


ولكن حسن مزنة كان شيئا مختلفا في عيني.. مختلفا لأبعد حد!!"



(يا الله.. يبدو أنها لن تبرح تفكبري اليوم)



مزون وعفراء ووقفتا بمودة وهما ترحبان بكاسرة ترحيبا دافئا حماسيا بكل المودة!!



بينما زايد هتف بإرهاق وهو يغادر: مزون يأبيش أنا بأروح أنسدح


قوميني لصلاة العصر.. ما أبي غدا


والله الله في كاسرة..



زايد غادر بينما مزون همست بقلق: خالتي فديتش.. قهوي كاسرة ثم طلعيها لغرفتها ترتاح لين الغدا..


أنا بأروح أشوف أبي وش فيه؟؟ مهيب عوايده!!



.


.



حين دخلت عليه كان يخلع ثوبه..


حين رآها.. ابتسم: وش فيش يأبيش؟؟ ليه خليتي مرت أخيش ماقهويتيها؟؟



مزون بقلق: يبه وش فيك؟؟ مهيب عوايدك تنسدح ذا الحزة.. وقبل ما تتغدى..



زايد بأبوية حانية: مرهق شوي يأبيش.. شيبنا ماعاد فيه لياقة مثل أول!!



مزون تبتسم: وش شيبت؟؟ أنت أساسا شيخ الشباب..



يتمدد على سريره ويهمس بإرهاق: وش شبابه؟؟ يا الله حسن الخاتمة..



مزون تجلس جواره على سريره وتهتف بضيق: تدري إني ما أحبك تقول كذا..


يبه أنت ترد العين عنك.. تراني ما أنا بنظول..



ابتسم وهو يربت على كفها ويغلق عينيه: يأبيش بس أبي أتمدد شوي.. حاس مافيني حيل..



مزون انتظرت عنده لدقائق.. حتى ظنت أنه غرق في النوم.. أغلقت الإضاءة والباب خلفها بخفة وهي تغادر..


لم تعلم أنه لم ينم.. ولن يستطيع النوم.. ولكن جسمه خال تماما من أي طاقة!!


كما لو أن رؤيتها سحبت كل المؤشرات الحيوية من جسده..


كما لو أن كل ما يعتصم به من جلد طوال حياته تبخر في لحظة واحدة!!


هذا وهو لم يراها فعلا بمعنى الرؤية.. فكيف لو رآها!!



(الظاهر يازايد أنك كبرت وخرفت..


عمر اللي راح مايرجع


عمر اللي راح مايرجع )





.


.




" تعالي يأمش.. ادخلي برجلش اليمين وسمي باسم الله


وادعي إن الله يعطيش من خير المكان ويكفيش شره"



كاسرة خطت للداخل مع عفراء وهي تفعل كما تقول وتبتسم: هذا أنا سميت ودعيت



وهي تهمس في داخلها (أكيد محتاجة الدعوات.. من ربي بلاها بولد أختش.. محتاجة الدعوات والصبر)



عفراء بمودة: شوفي شناطش كلها حطيناها هنا.. ماقلتي لنا إنش تبين نرتبها كنا رتبناها.. خليناها لين تجين..


حتى شناطش اللي قبل..



كاسرة بمودة: الله يعطيش العافية خالتي.. أنا بارتبها بنفسي..



عفراء بحنانها الطبيعي: إن بغيتي مساعدة منا وإلا من الخدامات.. تكفين لا تستحين..



ثم أردفت عفراء بحرج: يأمش أنا مالي وجه من سوات كساب..


بس تكفين لا تزعلين منه.. أنتو في أول حياتكم..


ولو كبرتي الشيء بيكبر.. ولو صغرتيه بيصغر...



كاسرة بمودة: ماني بزعلانة.. وأنا مقدرة ظروف شغل كساب..



عفراء غادرت وهي تهمس بمودة: خلاص الغدا عقب ساعة تكونين ارتحتي شوي..


وترا عقب كم يوم نبي نسوي لش عشا.. اعزمي كل ربعش..



كاسرة كانت تتقدم لداخل الغرفة إن كان يصح تسميتها محض غرفة..


كانت أشبه ما تكون بشقة ضخمة.. تبدأ بغرفة جلوس وتنتهي بغرفة النوم مرورا بقسمين آخرين.. أحدهما فيه مكتب ومكتبة ضخمة.. والآخر فيه أجهزة رياضية


المساحات شاسعة جدا.. ويوجد حمامان.. أحدهما في غرفة الجلوس والآخر في غرفة النوم..


في داخلها لم تشعر بالارتياح للمكان.. فاره جدا.. فخم جدا.. قاس جدا.. بارد جدا..


تمنت مكانا أصغر.. أدفأ.. أكثر حميمية!!


كانت تقول إنها حين تعود للدوحة تستطيع محاصرة كساب.. اكتشاف خباياه..


بينما هما خلال شهر العسل كانا شبه متلاصقين طوال الوقت عدا الأيام الثلاثة الأولى التي أخذ فيها دورة التسلق..ولم تستطع اكتشاف شيئا..


فكيف هنا في ظل انشغاله بعمله.. ثم حين يعود يستطيع الابتعاد عنها حتى وهما في مكان واحد.. في مثل هذه الغرفة المملوءة بأماكن التباعد..



تشعر بحياة مقبلة ملأى بالتعقيدات بينهما.. وهاهي التعقيدات بدأت في ظل شعور أهله أنه أخطأ بحقها وهم يكيلون لها الاعتذارات..


لا تريد أن يشعر أحد بما بينها وبين زوجها.. فهي تستطيع حل مشكلاتها لوحدها..


لا تريد أن تبدو مثارا لشفقتهم.. وزوجها يتعمد تجاهلها..


فهي تستطيع حل مشاكلها!!!


أو... إنهائها من أساسها!!






***************************************








" تدرين أني اشتقت لعبود الخايس..


ما لحقت أشبع منه.. إلا هو ناط مسافر


وما أدري متى بألحق أشبع منه وأنا بأرجع باريس عقب شهر!!"



جوزاء تنظر بحرج لعالية التي كانت تهمس هذه العبارة بتأفف حقيقي..


وتكمل بذات التأفف: اليوم كلمته.. أسأله متى بيرجع.. يقول لي يمكن أسبوع بعد.. نعنبو وش ذا الشغل!!


حتى أمي متضايقة واجد.. تقول المسكين مالحق يتهنى ولا يرتاح إلا هم منتدبينه شغل..


وأبي مثلها.. بس طبعا ابي مستحيل يبين.. ابي كان عامل حسابه إن عبدالله بيوديه العمرة عقب أسبوعين..


خاطره في خوته على طريق طويل.. ماشبع منه ولا من سوالفه..


الحين خلاص مايقدر يقول له يوديه وهو توه راجع من السفر..



كانت عالية تنهمر بتأففاتها المتذمرة المغلفة بحزن بالغ الشفافية..


بينما جوزاء تستمتع بحرج.. وهي تحاول ألا تظهر حرجها.. وهي تحاول الإنشغال بحسن الجالس في حضنها..


تحاول ألا تشعر بالذنب.. ولكنها تشعر بذنب عميق.. ليس من أجل عبدالله..


فهو يستحق مافعلته وأكثر منه أيضا..


ولكنها تشعر بالذنب من أجل أهله الذين أبعدته عنهم وهم مازالوا ملهوفين له وعليه..



رن هاتف عالية وهي مازالت مستمرة في موال الشكوى من غياب عبدالله..


كان المتصل هو نايف يطلبها أن تأتيه في مجلس النساء..



عالية ذهبت لنايف.. لتتناول جوزاء هاتفها وترسل بأنامل مرتعشة:



"عبدالله تكفى


لا تتاخر..


تكفى ارجع في أقرب وقت"



حين وصلت رسالتها لعبدالله.. شعر كما لو أن أحرف الرسالة مسامير لاهبة انغرزت في شغاف قلبه حتى أقصاها..


ومع ذلك شعر في داخله بتوجس ما..


(وش عندها جوزا؟؟


أكيد مهيب خالية وراها شيء)



ولكن رغما عنه أثرت به رجاءاتها لأبعد حد.. أرسل لها:



"اشتقتي لي؟؟ صح؟؟


قولي أنش اشتقتي لي.. وأفكر عقبها أرجع"



حين وصلها رده.. اشتعلت غضبا:



"قلت لك قبل اشتاق أشوف الموت ولا أشوفك


بس هلك فاقدينك واجد


أنا حبيت أبري ذمتي وأبلغك!!"



حينما وصله رسالتها شعر بتصاعد السخرية المرة في روحه:



" خوش تبرية للذمة!!


ليش ما تقولين أنش حاسة بالذنب عشان اللي سويتيه؟؟


وعلى العموم متى ماقدرت أرجع


رجعت.. عشان هلي اللي فاقديني


مهوب عشانش!!"



ألقت بهاتفها جوارها وهي تشعر بالغيظ:


إيه اطلع على حقيقتك يا الكذاب!!


خلك كذا.. لا تكذب علي..







********************************************








"هاه يامش.. أشلون مكانش؟؟"



كاسرة تنظر حولها وهي تزم شفتيها بعدم رضى ومع ذلك أجابت والدتها بثقة:


الحمدلله يمه.. زين...



مزنة بمودة وهي تثبت الهاتف على أذنها: زين الليلة أنا وأختش وعمتش وشعاع بنجيش ونجيب لش قهوة..


جوزا كان جات معنا.. بس رجّالها الحين مسافر.. تقول لا رجع.. جاتش إن شاء الله..



كاسرة تبتسم: من جدش يمه!! وش قهوته؟؟



مزنة تبتسم: لازم نجي ونكبر قدرش قدام جماعتش.. بعد وضحى طالبة لش فوالة غير شكل!!



كاسرة بمودة: الله لا يخليني منكم.. ما ابي إلا شوفتكم..



مزنة بتساؤل عفوي باسم: إلا عمش وش أخباره معش.. ها طلع يأكل بشر يومش خايفة منه؟!!



كاسرة بابتسامة عذبة: ماني بخايفة منه.. بس هايبته.. فيه فرق.. وفعلا يمه لازم الواحد يهابه..


اتسعت ابتسامتها: تدرين يمه عمي يجنن.. لو هو اللي كان خطبني بدال ولده كان واقفت عليه بدون تردد..


بس يا الله الحين أكتفي فيه اب.. وأتصبر بولده!!



مزنة تضحك: صدق ماعندش وقت...


إلا تعالي ليش عمش ماعنده ذوق كذا


حتى السلام ما سلم علي.. وأنا واقفة كني طوفة..



كاسرة بلباقة: ما أدري يمه.. يمكن ما أنتبه أنش واقفة.. ما اعتقد إنه بينتبه ومايسلم.. أصلا هو جنتل وكله ذوق







******************************************







" هلا والله بالعريس.. ياحياك الله"



كساب يلتفت لعمه ويهتف بنبرة مقصودة: الله يحيك..



كساب توجه لعمه وهو عائد من عمله دون أن يعود لبيته حتى..


فعلي أبلغ كسابا بوجود خلاف بسيط بين عمه وخالته..وأن خالته عندهم الآن حتى يمتص غضب كساب قبل أن يعود للبيت..


لم يعلم أنه لن يعود وأنه سيتوجه لعمه مباشرة.. رغم أنه على كل الأحوال.. كان من المستحيل أن يأخر السلام على عمه..


وخصوصا أنه توجه لشركة والده في الصباح وسلم عليه!!



كساب سأل عمه بذات النبرة المقصودة: عمي.. أبي أسلم على خالتي قم نروح داخل لها..



حينها نظر له منصور بنصف عين: تدري يا ولد أخي ترا دور البريء مايلبق عليك


ما سمعت المثل اللي يقول: مبروم على مبروم مايلف..


وأنا وأنت كل واحد منا مبروم..


أنت داري إن خالتك في بيتكم.. فليش محاولة التغابي البايخة ذي!!



حينها سأله كساب بنبرة يحاول أن يتحكم بالغضب فيها:


وخالتي وش اللي وداها لبيتنا ياعمي.. وش اللي طلعها من بيتها؟؟



منصور بحزم: أسأل خالتك.. أنا ماطلعتها من بيتها.. هي اللي باعت البيت وراعيه..



حينها هتف كساب بغضب: خالتي طول عمرها تستحمل وما تشتكي.. وماحدها على ذا إلا شيء كايد..وش سويت فيها؟؟



منصور بحزم أشد: أص ولا كلمة..



كساب انقلبت عيناه من الغضب: لي أنا تقول أص..



منصور هز كتفيه بسخرية مريرة: زايد قالها لي وأنا بيني وبينه ست سنين


فليش ما أقولها لك وبيني وبينك 15 سنة..


تدري كساب أنت آخر واحد يحق له يفتح ثمه..



كساب يحاول أن يكتم غضبه حين بدت له حرقة عمه: وليش مايحق لي أفتح ثمي..



منصور حينها كان من هتف بغضب: لأنك منت برجّال.. ولا حركتك اللي سويتها في مرتك اليوم حركة رجّال


أنا لو أني راجع مع مرتي من سفر.. واتصلت فيني قيادة الجيش شخصيا..


كان قلت لهم بأوصل مرتي للبيت وعقب بأجيكم..


مهوب أحذفها في المطار وأخليها ترجع بروحها..



كسّاب استرخي في جلسته وهو يهتف ببرود: ماشاء الله ما أسرع وصلتك العلوم..



منصور رد عليه ببرود مشابه: مثل ما وصلتك العلوم...



كساب ببرود حازم: لا تقارن خالتي بمرتي.. كل مرة لها طريقة تعامل..


وأنا بعد لو كنت راجع من السفر وخالتي هي اللي معي كان لازم أوصلها للبيت أول..


لو حتى كان شغلي كله بينهار..



منصور بحزم: المرة هي المرة... عشان كذا أنت مايحق لك تتكلم..


يعني لو زايد يعاتبني.. أقول له عتابك على رأسي..


لأنه بعيني شفت أشلون كان زايد يعامل وسمية.. كان باقي يحطها على رأسه من كثر ما يحترمها ويعزها.. مهوب مثلك..



حينها سأله كساب بحزم: زين يحترمها ويعزها.. كان يحبها؟!!



منصور بحزم: فيه زواجات واجد تستمر وتنجح وهي مافيها حب.. لكن مافيه زواج يستمر بدون احترام..



حينها نظر كساب لعمه بشكل مباشر وهتف بمباشرة حازمة:


زين دامك ماشاء الله قاعد تعطي نصايح.. وعارف مشكلتي مع مرتي


وش مشكلتك أنت مع خالتي؟؟.. ما كنت تحبها؟؟.. أو ماكنت تحترمها؟؟



منصور بنبرة حازمة: أنا عارف عدل وش مشكلتي مع خالتك.. لا هي قلة احترام ولا قلة حب..


لأنه ماظني فيه رجال يحب مرته ويحترمها مثل ما أنا أحب خالتك واحترمها


مشكلتي اللي أنا عارفها عدل.. أني رجال عسكري..


أنا في العسكرية من يوم عمري17 سنة.. العسكرية ربتني أكثر من هلي


وطبعي العسكري حاضر حتى في بيتي


وأعرف نفسي عنيد ورأسي يابس وما أتراجع في قراراتي


ماحسنت صورتي ولا دورت أعذار لروحي..



ثم انهمر بعتب عميق عاصف: وخالتك عارفة عيوبي ذي كلها.. وعارفة قبل ذا كله أني ما أحبها تدخل حد في حياتنا


لو أنها ماصغرتني قدام زايد وعلي..لو أنها مادخلت حد بيننا..


ولو أنها عقب مادخلتهم بيننا.. احترمتني وماكبرت السالفة ورجعت معي لبيتها.. كان شلت جميلها فوق رأسي


أنا حتى البيت قلت لها باكتبه لها..


ولو أنها رجعت للبيت كان أنا قعدت في المجلس لين تولد لو بغت.. وكان سويت لها كل اللي هي تبغيه..


لكن خالتك باعتني وصغرتني..


فلا تجي ذا الحين يا ولد أخي تنفخ صدرك علي.. وتبي تحسسني أني غلطت على خالتك..


إيه أنا غلطت.. بس غلطها هي أكبر.. لأن مشكلة أي زوجين دامها بينهم فهي صغيرة.. وتنحل


لكن يوم تطلع برا بيتهم.. تكبر.. وحلها يصير صعب واجد...






**************************************







" بكرة ابي بيصوم أول الأيام البيض وناوي أصوم معه


تصومين معي؟؟"



نجلاء بابتسامة عذبة وهي تتناول غترة صالح وعقاله منه: كان ودي حبيبي..


بس ما أقدر أصوم.. الشهر الجاي أصومهم معك!!



حينها تغير وجه صالح وهو يجلس على طرف السرير ويهتف بضيق:


ما أدري ليه توقعت ذا الشهر بشارة حلوة منش..



نجلاء بذات الابتسامة العذبة: الله يجيب خير من عنده.. لا تتضايق..



صالح بذات نبرة الضيق: ما أقدر أكذب عليش وأقول أني ماني بمتضايق..


ميت أبي بيبي جديد.. أكثر حتى من أيام خويلد..


نجلا قربنا ندخل السنة العاشرة من زواجنا وماعندنا غير ذا الولدين..


وأصغرهم عمره 5سنين..



حينها هتفت نجلاء بضيق: فيه ناس يقعدون عشرين سنة وحتى طفل واحد ربي ما يرزقهم.. قل الحمدلله على عطاه..



صالح بنبرة تسليم: الحمدلله على عطاه.. والله يخلي لنا خالد وعزوز ويرزقنا برهم..


بس لا تنسين إن المال والبنون زينة الحياة الدنيا..



حينها جلست نجلاء جواره وهي تدفن وجهها بين كفيها وتنخرط في بكاء مفاجئ بلا مقدمات


صدم صالحا ليلف جسده كاملا ناحيتها وهو يربت على كتفها ويهتف بقلق حنون:


نجلا اشفيش؟؟



نجلاء بين شهقاتها الخافتة: أنا دارية أنك تبي تلومني وساكت.. أول شيء كان العيب مني وأنت اللي صبرت علي..


وعقبها أنا طولت في الحبوب وأنت منت براضي..


والحين أكيد تلومني على كل شيء!!..


أنا بروحي حاسة بالذنب.. وحاسة بالضغط من كل ناحية!!


أنت.. وفرش البيت.. وعرس سميرة.. تكفى لا تزودها علي!!



صالح شدها وهو يزيل يديها عن وجهها ثم يدفن وجهها المحمر في عرض صدره ويهدهدها كأنه يهدهد طفلة:


خلاص ياقلبي.. ما ابي بزران.. والله ما أبي.. دام ذا السالفة تضايقش بلاها..


أنا ماصدقت ترضين وترجعين..


خلاص ياقلبي لا تنكدين على نفسش.. لا شفتش متضايقة ضاقت علي الوسيعة!!







************************************






"هلا يبه.. قلت تبيني أمرك أول ما أرجع البيت


هذا أنا جيت"



زايد يلتفت لكساب ويهتف بحزم اقعد بيننا كلام..



كساب جلس وهو يهتف بحزم مشابه: آمرني!!



زايد بأمر صريح ومباشر: تروح الحين لمرتك وتعتذر لها على موقفك السخيف معها.. وتحب رأسها..



كساب بنبرة تهكم: وأحب رأسها بعد؟؟


ثم مال على والده من قرب وهو يهتف بتساؤل بنبرة مقصودة:


دامك تأمرني بذا الطريقة.. فأشلون بتجبرني لو أنا مارضيت.. حاس أنك مجهز لي شيء!!



زايد حينها هتف له بنبرة حزم مخلوطة بالتهديد: دام أمر أبيك لك ماله قيمة عندك.. وتبي تنجبر..


خلاص يا تنفذ.. يا أسحب المشروع منك..



حينها وقف كساب وهو يهز كتفيه بعدم اهتمام: اسحبه.. ولا تنسى تدفع لي الشرط الجزائي لأنك أنت اللي تبي تلغي الاتفاق..


ما نعيف السيولة.. وخصوصا لا كانت بذا الحجم..



حينها شد زايد يد كساب بحدة: اقعد يا ولد.. انت ماتعرف تحشم حد!!



كساب مال على رأس والده يقبله وهو يهتف باحترام: محشوم يابو كساب..


بس ما يجهلك أنه مهوب أنا اللي يلوى ذراعي.. أنا ولدك..



ابتسم زايد بفخامة وحميمية : وأنا اشهد أنك ولدي..


ودامك ولدي.. تبي تفشلني في البنية الي وعدتها أنك بتعتذر لها وتحب رأسها ؟؟


تبي تصغرني عندها.. وتدري أني مالي كلمة عندك..؟؟


ترا والله يأبيك سواتك فيها منقود وفشيلة.. والرجّال إذا خذ بنت الأجواد


لازم يكرمها لأن ذا من طيب أصله..



ابتسم كساب بتلاعب: حاضرين يابو كساب.. نحب رأسها ونتعذر..


ما يعيف حبة ذاك الرأس كون الخبل.. وأنا ما أنا بخبل..



حينها ابتسم والده بتلاعب شبيه: وكاد يأبيك.. وكاد..



حينها تجاوز كساب الخطوط الحمراء وهو يسأل والده بنبرة مقصودة:


زين يبه دامك تقول وكاد.. من الأزين يبه.. مرتي وإلا أمها يومك خابرها وهي صغيرة؟؟



حينها رد عليه والده بنبرة مقصودة مشابهة وهو ينظر لها بنظرة مباشرة:


والله ذا السؤال اسأله لروحك وجاوب أنت عليه..


لأن الثنتين حلالك.. أنت تشوف وتحكم..



"اتركني يا بني في حالي..


لا تنبش مزنة ولا ذكراها..


فاليوم كل الجراح مكشوفة..


لا تذر الملح على جراحي..


ودعني أضع الرماد فوق الجمر الذي لن ينطفئ لهيبه


ولكن يتوارى حتى أكمل المسير كما سرت طوال حياتي!!"







********************************







" هلا والله بالعريس الطفشان!!"



كساب يبتسم وهو يتلقى خالته بحضن دافئ: طلعتوا علي سمعة خايسة..


الحين الواحد لا صار عنده شغل ضروري واضطر يروح له


تسوون له ذا السالفة كلها..



خالته تبتعد عن حضنه قليلا وتبتسم: ايه لا صار جاي من شهر العسل دايركت.. نسوي له أكبر من ذا السالفة..



كساب ينظر لمن وقفت بتردد وهي تتقدم بتوتر: الحمدلله على السلامة كساب..



كساب يلتفت لها وهو يميل بصفحة خده إليها ويهتف بهدوء حازم:


الله يسلمش مزون.. أشلونش أنتي؟؟



حينها قبلت خده باشتياق وهي تهمس بمودة: الحمد لله..



شيء في داخله يدعوه لتخفيف التحفز ضد مزون.. إن كان هناك أخرى دخلت على الخط.. باتت على قرب قريب منه.. ومن أنفاسه!!


أفلا تستحق شقيقته من باب أولى بعضا من هذا القرب؟!!


تمنى وهي تقبل خده لو شدها إلى حضنه.. ولكنه لم يستطع.. فمازال درب سواد قلبه طويل.. طويل!!



هتفت خالته بنبرة مقصودة: ترا مرتك فوق.. كانوا أهلها عندنا وتوهم راحوا من شوي..



التفت لها وهو يهتف بتقصد: أدري إنها فوق..



حينها ردت عليه خالته بتقصد أكبر: وأنت وش عرفك إنها فوق.. والبنت معنا من ظهر ماشفتك دقيت عليها..


أمها دقت.. أخوانها دقوا.. أهلها.. صديقتها.. بس حضرتك لا..


أعرف العروس ذا الأيام مايسكت تلفونها اتصالات ومسجات من رجّالها..



استدار ليواجه خالته بحزم: اشتكت لش كاسرة من مني؟؟



عفراء باستنكار: حاشاها بنت الأجواد.. إلا تدور لك المعاذير..



حينها مال كسّاب على خالته وهو ينظر لعينيها: وكذا المرة الأصيلة


مهما صار بينها وبين رجالها تدور له المعاذير..



حينها فهمت خالته تعريضه هتفت بحزم: بس المعاذير بيجيها يوم وتخلص يأمك..



وحينها هتف كساب بمصارحة حميمة حانية:


تدرين خالتي أنتي بالذات أنا معش ظالمة وإلا مظلومة.. ولو أدري عمي ضايقش بأدنى شيء وما علمتيني.. بأزعل..


بس ما أقدر أنكر إن زعل عمي وحسرته ضايقوني واجد.. عمري ماشفت عمي مقهور كذا!!



كساب غادر بينما عفراء جلست..


" إلا تنبشني يأمك..


أنت بالذات من بدهم كلهم..


ماهقيتك بتوقف مع عمك ضدي


بروحي متضايقة وراكبني الهم


أسأل روحي..


أكل ؟؟.. حد قومه للصلاة؟؟


حد قومه للدوام؟؟.. من بيريقه..؟؟


من بيخفف عنه لا جا متضايق وتعبان من شغله ؟؟


من؟؟ ومن؟؟ ومن؟؟ "






**************************************






كانت مستغرقة في الترتيب حين شعرت بشفتيه وقبلته الدافئة على كتفها العاري..


ارتعشت بخفة وهي تلتفتت إليه بنظرة حادة عميقة وتشد روبها الحريري من جوارها لترتديه..


أخذ الروب من يدها وألقاه أرضا وهتف بتلاعب: دام تبين تتسترين عني.. أكيد زعلانة ؟؟..



كاسرة تناولت روبها لترتديه وهي تشده على جسدها وتهتف بحزم:


زعلانة؟؟ لا من قال؟؟ وليش أزعل أساسا..


أنت الظاهر خذتني من الشارع ..


عشان كذا عادي عندك ترميني في الشارع..



هتف بذات نبرة التلاعب: أفا.. أفا.. وش ذا الكلام كبير؟!!



حينها انفجرت كاسرة بغضب: وتمسخر بعد ؟!!


شوف كسّاب أنا تحملت منك واجد في سفرنا.. كنت أقول لنفسي


تحملي يا بنت.. كبري عقلش.. لا تفضحين نفسش ورجالش وأنتي بلاد غربة..


خلكم لين ترجعون ديرتكم وعقب تفاهمون مثل الأوادم..


أول ما رجعنا ديرتنا.. سويت فيني اللي مافيه رجال يسويه في مرته!!


وخليت هلي وهلك يحسون إن فيه شيء مهوب طبيعي بيننا وحن مالنا أسبوعين متزوجين..


شوف ياولد الناس أنت يأما تعاملني بما يرضي الله وتحترمني.. يأما كل واحد يروح طريقه!!



حينها رفع حاجبا وأنزل آخر: وأنتي كذا عادي عندش تروحين لبيت هلش مالش أسبوعين من عرستي..



أجابته بثقة: الحياة ماتوقف عشان كلام الناس


لأنه كلام الناس عمره مايخلص


أنا كان يهمني مانقطع سفرتنا.. عشان ما أجيب لنفسي شبهة..


لكن الحين.. كفاية يعرفون الناس إنك خليتني في المطار ورحت لشغلك عشان يشوفونه مبرر منطقي أخليك..



أجابها بشبح ابتسامة: ومايهمش الناس يقولون شوفوا كاسرة الي مافيه أحلى منها


رجالها ما استحملها ..طفش منها وهم عادهم في المطار.. وتحجج بشغله..؟؟



أجابته بحزم بالغ: مايهمني حد.. أنا إذا ماسويت خطأ.. مايهمني حد.. خلهم يتكلمون لين يشبعون..



حينها شدها ناحيته برفق ليقبل جبينها وهو يهتف بعمق: أنا آسف.. ماهقيت أنش بتزعلين..



كاسرة ارتعشت بخفة.. لم تتخيل أنه قد يعتذر وهو من يقول أنه لا يعرف الاعتذار..


لا تنكر أبدا أن اعتذاره أثر بها..تأثيرا شفافا غائرا في الروح..



هتف بنعومة وهو يمسك بذقنها: زين أنا حبيت رأسش أراضيش.. راضيني أنتي..


وأنا اليوم أي حد يشوفني يهب فيني عشانش.. محتاج رضوة كبيرة..



حينها سألته بعمق به نبرة حزن وهي تنظر لعينيه: عمي زايد جبرك تعتذر؟؟..



أجابها بذات العمق: أظني ما يجهلش.. أنه ماحد يجبرني.. ما أنكر إنه حاول يجبرني.. وهددني يسحب المشروع


لكن أنا بعد هددته بالشرط الجزائي..


أنا اعتذرت لأني ذا المرة زودتها عليش واجد.. ومع كذا ما اشتكيتي مني وحشمتيني..



تسائلت بثقة موجوعة: لو انا علمت عمي زايد أنكم غلطتوا في مخططات مشروعه..


وعقبه يفسخ العقد وأنت اللي تدفع الشرط الجزائي.. مهوب أحسن..؟؟



هتف كساب بابتسامة: تسوينها؟؟؟



أجابته وهي تبتعد عنه وتهتف بذات الثقة الموجوعة: ما أسويها.. مع أنك تستاهل..



كساب أوقفها وهو يشدها ناحيته ويهتف لها بعمق: عادش زعلانة.. يعني اعتذاري ما كفاش..



همست له بحزن: ويعني اعتذرت الحين بيني وبينك..


هل اعتذارك بيلغي الحرج اللي أنا حاسة فيه طول اليوم وأنا أبرر أنك مشغول وأنا أقدر شغلك


كساب احنا ماحن بعايشين بروحنا.. معنا هلك.. وأنا ممكن أستحمل أي شيء إلا أنك تقلل احترامي قدام الناس..


كساب لاحظ أنه من بداية زواجنا وأنا اللي أحاول أخلي مركبنا يمشي..


وإلا لو عليك أنت كان غرقته من أول يوم!!


وما أدري ليه أحس أحيانا إن هذا قصدك.. إنك تغرق مركبنا..


ما تبيني كساب.. لا تطول السالفة.. كل ماطالت كل ماصعبت..



حينها سألها بعمق: وأنتي ليش يهوون عليش كل موقف والثاني تلمحين أو تصرحين إنه الحل إنه نخلي بعض؟؟


يعني لذا الدرجة بايعتني؟!!



أجابته كاسرة بحزن حازم: يعني أنت اللي شاري؟؟.. أو تصرفاتك تصرفات شاري؟؟



أجابها بثقة طاغية وهو يشدها ليحتضنها بقوة حانية: إيه شاري.. مهما بدت تصرفاتي غريبة وسخيفة وتضايق..


دامش ما تبيعيني ولا ترخصيني.. فأنا شاري وشاري وشاري


لا تشكين أبد في ذا الشيء !!






*****************************************








اليوم التالي




" غريبة كساب المصدوع مانزل لشغله لين الحين!!"



مزون تبتسم: خليه خالتي.. يقعد عند مرته شوي.. وإلا سواته البارحة سوات عاقل..



وهما تتحاوران سمعا صوت علي: خالتي مزون عندكم حد؟؟



عفراء بحنان: تعال يامك مافيه حد..



علي دخل باستعجال وهو يقول: صبوا لي فنجال قهوة بس.. عندي شغل ما ابي أتأخر عليه..



عفراء بذات الحنان: يأمك اقعد وسم بسم الله..



علي بذات الاستعجال وهو يمسك بنفجانه: بسم الله.. وترا عمي كلمني..


يسأل يقول وين حطيتي النياشين حقته.. عندهم استعراض اليوم!!



عفراء بضيق: ومايقدر يتصل يسأل بنفسه؟؟ وإلا صار يبي وسيط؟؟



علي ابتسم: بصراحة خالتي أنتو النسوان مخلوقات غريبة..


الحين قبل يومين ثايرة بينكم.. وطالعة من بيته.. وتبينه يكلمش اليوم ماكأنه صار شيء!!



عفراء بذات الضيق: يأمك ماراح تفهمني.. صحيح أنا زعلانة من منصور.. وأبي لي وقت أرتاح من ضغطه علي..


بس موب معنى كذا إنه حتى الكلام ماراح أكلمه.. منصور رجّالي وابو ولدي..



علي يقف ويهتف بذات الابتسامة: والله مخي على قدي وصعب علي أفهم تعقيدات مثل هذي..


خلاص اتصلي في رجالش وبلغيه وين مكان أغراضه.. لأنه مستعجل وشاب نار..



علي غادر بينما عفراء تهتف خلفه بغيظ: علي لا تصير سخيف تعال أقول لك وين أغراض عمك تكلمه..



علي يشير بيده وهو يغادر: كلمي رجالش بنفسش..



مزون تضحك: خلاص قولي لي وأنا أتصل له..



عفراء أخبرت مزون.. ومزون اتصلت وهي تضع الهاتف على (السبيكر)


عفراء تشير بيدها (سكريه بلا سخافة)


لكم مزون تركته مفتوحا وهي تتصل لتهتف بكل احترام مودة:


هلا عمي صباح الورد



جاءها صوته مرهقا مستعجلا: هلا يابيش..



ألمها قلبها حين سمعت ارهاق صوته.. كان بودها لو انتزعت الهاتف من يد مزون لتساله لماذا يبدو صوته مرهقا هكذا؟؟


ولكنها لم تتحرك أبدا من مكانها وهي تستمع.. فهي تعلم لِـمَ هو مرهق..


لأنها هي ذاتها مرهقة.. ولكنها هذه الأيام كانت مرهقة أكثر في قربه


وكلاهما يحتاج إلى فترة راحة ودراسة قرارات..


مهما بدت فترة البعاد صعبة!!




مزون بذات المودة: عمي فديتك أغراضك تراها في صندوق في الدرج الثالث من التسريحة..



حينها أجابها بحنان: مشكورة يأبيش..



مزون بعفوية: عمي تبيني أجي أرتب لك شيء.؟؟ أسوي لك شيء؟؟



حينها أجابها بحزم أقرب للغضب :مشكورة .. ليه شايفتني مكسح؟!


أنا بس أبي لي كم يوم وأتعود على مكان كل شيء..


حياتي كلها وأنا متعود أسنع أغراضي بنفسي.. وأسهل مابه أرجع أتعود مرة ثانية..


وإذا كني تعودت الكم أسبوع الي فاتوا إنه حد يسنع لي.. ممكن أجيب لي بدل الصبي اثنين يسنعون مكاني وأغراضي..


وليش أجيب.. أصلا المجلس مليان صبيان.. أخلي واحد من اليوم يرتب أغراضي!!



انتهى الاتصال لتهمس عفرا بضيق عميق وحزن أعمق: عاجبش كلام عمش.. يبي يدخل الصبيان بيتي وغرفتي ويخليهم يتعبثون في أغراضنا..


لا وزيدي على ذا كلامه المبطن.. أني أنا وجودي كان عشان أسنع له مكانه..


والخدم يكفون عني!!



مزون بمؤازرة: خالتي الله يهداش.. لا تضايقين نفسش.. كلام عمي كلام واحد محتر..



عفراء بألم عميق: لا مهوب كلام واحد محتر.. إلا كلام واحد شايل في قلبه!!







*****************************************






بعد عدة أيام





" صالح يأبيك.. عبدالله ماقال لك متى بيأتي؟؟"



صالح بمودة واحترام: لا جعلني فداك.. حتى بيتي تقريبا خلص.. بس كان فيه كم شغلة أبي أخذ رأيه فيها قدام أنزل..


وما أبي أنزل بعد وهو مابعد جا.. عشان يحضر عشا المنزل..



أبو صالح بتساؤل حازم: وفهد عاده مطول في دورته بعد..؟؟



صالح ابتسم: وش فيه أبو صالح يبي يجمع عياله كلهم.. فهد توه بادي الدورة


يبي له أسبوعين بعد..



أبو صالح صر عينيه: يعني مهوب حاضر عرس بنت عمه..؟؟



صالح هز رأسه نفيا: لا طال عمرك في الطاعة.. فهد ماصدق ذا الدورة تجيه..


قده متشفق عليها ..يبي يعلق نجمته الثالثة..



وهما في حوارهما تفاجاؤا جميعا بدخول عبدالله الذي حضر بدون إعلام مسبق


عبدالله بإطلالة جديدة.. عارضان خفيفان جدا بدا فيهما أصغر سنا بكثير..



هزاع الذي كان مشدودا لمباراة عبر التلفاز كان أول من قفز وانتبه لسلام عبدالله وهو يقبل أنفه ويهتف بمرح:


وش عنده أخينا الكبير يبي ينافسني.. من شافك قال أنك أصغر مني..


وخصوصا إن العوارض الخفيفة مهيب مبينة شيباتك..



عبدالله بابتسامة: رحت اليوم للحلاق أبيه يضبط عوارضي.. حاسها فوق حدر..



صالح يتلقاه بمرح مشابه: إلا قول إنك غرت مني.. لأنه كان شكلي أنا أصغر منك.. وتبي ترجع أمجادك!!



عبدالله يقبل أنف صالح ويهتف بذات الابتسامة: وش فيها؟؟ حاسدني يعني!!



ثم حينما انتهى من صالح مال على رأس والده ثم كفه وهو يقبلهما باحترام



أبو صالح ينظر له بتعمق كأنه يريد أن يخترق أفكار عبدالله وهو يهتف بأمر :


عبدالله اقعد جنبي..



عبدالله جلس جواره... صالح وهزاع تأخرا للزواية القريبة من التلفاز ليتابعا المباراة..


لأنهما علما أن والدهما يريد أن يحادث عبدالله حديثا خاصاً..



عبدالله كذلك شعر بذلك وهو يجلس بجوار والده ويمسك كفه ويهتف بمودة:


آمرني جعلني فداك..




**************************************






مجلس آخر.. والد.. وولدين..





زايد يتحاور مع علي.. بينهما شيء غير مفهوم..


عفوي أو متقصد؟؟!!



كساب يسألهما بحزم: وش فيكم تساسرون؟؟ بينكم شيء ما تبون أعرفه قمت من المجلس..



زايد هتف بنبرة مقصودة بها رائحة خبث شاسع: وش اللي ممكن نتكلم فيه وما نبيك تعرفه؟؟


كل شيء يخصنا.. يخصك..


كنت أقول لعلي عن أن رئيس كلية الطيران طالب مزون تلقي كلمة في حفل للطلبة الجدد..


وأسأله إذا يقدر يروح معها..


إلا لو أنت تقدر تروح؟؟.. جزاك الله خير!!






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 12-10-10 08:41 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والخمسون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اليوم اسمحو لي أقول ياصباح الحزن


.


البارتات اللي فاتت اذبحتني واستنزفتني


وكملها البارت هذا علي


تعبت وأنا أكتبه بشكل مرعب


لحد ماوقفت عند نقطة وماقدرت أكتب خلاص


.


البارت الحادي والخمسون


.


أخشى ألا تكون القراءة ممتعة ولكن مؤلمة


احتملوني فنحن نعبر عنق الزجاجة


وبعض الجروح لا بعد أن تُفتح لتتطهر


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


.



بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والخمسون







" آمرني جعلني فداك!!"



أبو صالح نظر إلى عبدالله نظرة غامضة خليط من غضب عارم وعتب عميق ومرارة قاسية وهو يهتف له بنبرة مقصودة:


بأقول لك سالفة.. اسمعها لين آخرها وعقبه نتفاهم!!


اليوم اللي قبل سفرك بيوم.. كنت بأدخل البيت.. فشفت السواق يعطي خدامة أم حسن كيس ملفوف..


أنا نغزني قلبي منهم.. دعيت السوق ولاغيته.. قلت له وش ذا اللي أنت معطيه الخدامة؟؟


فهو قال لي ( إن ام حسن موصيته يجيب له موس حلاقة حاد مثل اللي يستخدمونه الحلاقين.. وماتبي حد يدري)


أولها قلت وش هي تبي بموس الحلاقة.. وعقبه نقدت على روحي.. قلت بصرها..


تبي به اللي هي تبي به ودامها ماتبي حد يدري.. فأكيد إنها تبيه في شي يخصها بروحها!!


عقبه يوم شفتك ثاني يوم نازل متلطم.. ماطرا علي شيء.. ولا كذبتك.. مادريت إنك قدك متعود على الكذب على أبيك..


لكن يوم شفتك ذا الحين.. بذا الحلاقة اللي حتى ماسويتها وأنت صغير.. فهمت السالفة كلها..



أبو صالح صمت وعبدالله صمت كذلك.. وهو يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه حرجا من والده..


لم يتخيل أنه قد يقف يوما هذا الموقف المخزي أمام والده!!



أبو صالح هتف بغضب مكتوم: ها.. وش فيك متلايط؟؟ ليش ما تحكي؟!!



عبدالله بنبرة حزن عميقة: وش كنت تبيني أقول لك يبه.. أقول لك إن مرتي حلقت شنبي ولحيتي..


جوزا مقهورة واللي أنا سويته فيها واجد..


كنت تبيني أضربها.. وإلا أسحبها من شعرها ؟؟..



أبو صالح تفجر غضبه وهو مازال يكتم صوته والغضب يبدو واضحا في ارتعاش يديه:


وتدور لها عذر يا المرة!!


والله ثم والله لو عالية اللي أغلى علي من نسمتي.. سوت كذا في رجّالها..


إن كان أقول له اجلدها قدامي.. وإن عيا.. جلدتها بروحي لين يتمخلس جلدها..


أنت كنك منت برجال وبتسنع مرتك ولا أنت بكفو.. رديناها على أهلها يسنعونها..


طاق من ديرتك.. تتنى لحيتك تنبت بدل ما توريها السنع!!


نعنبو دارك.. هو قد حد سوى سواتها.. المرة إذا زعلت من رجالها..


زعلت بحشمتها وطلبت رضاها يجيها..


مهيب تمد يدها على لحى الرياجيل يا المرة!!



عبدالله شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: ما يصير إلا اللي يرضيك يبه!!


بس تكفى ما تدخل حد بيني وبين مرتي!!



أبو صالح بحزم بالغ: ماني بمدخل حد بينكم..


بس عقب مابردت خاطري فيك.. بأقول لها الكلام اللي كان قلته لبنتي لو أنها سوت سواتها..






************************************







زايد يتحاور مع علي.. بينهما شيء غير مفهوم..


عفوي أو متقصد؟؟!!



كساب يسألهما بحزم: وش فيكم تساسرون؟؟ بينكم شيء ما تبون أعرفه قمت من المجلس..



زايد هتف بنبرة مقصودة بها رائحة خبث شاسع: وش اللي ممكن نتكلم فيه وما نبيك تعرفه؟؟


كل شيء يخصنا.. يخصك..


كنت أقول لعلي عن أن رئيس كلية الطيران طالب مزون تلقي كلمة في حفل للطلبة الجدد..


وأسأله إذا يقدر يروح معها..


إلا لو أنت تقدر تروح؟؟.. جزاك الله خير!!



ثم أردف بخبث أشد: تدري يأبيك حفل كبير بيكون في الشيراتون.. وفيه ناس واجد.. وأبي واحد منكم يروح مع أختكم..



لم يفت زايد ارتعاش الفنجان في يد كساب وهو ينزله أرضا ويهتف بحزم بالغ وحاجباه ينعقدان بغضب :


أنا من زمان شايل يدي من ذا الموضوع..


وأنت بروحك قايل لي.. مالحد عليها كلمة غيرك..


كيفك في بنتك.. توديها.. تخليها..تحرقها.. أنا مالي شغل...



أنهى عبارته ليخرج كالملسوع.. بينما علي وزايد يتبادلان بينهما نظرات انتصار!!



بينما هو توجه لسيارته..وهو مازال يرتعش من الغضب!!


بحث في أدراجها عن شيء لم يره منذ أكثر من شهرين..


وجد العلبة الموبؤة.. شد له منها سيجارة..


حينما يقفز إلى ذاكرته موضوع مزون يجد أنه يريد أن يعاقب نفسه مادام عاجزا عن معاقبتها كما يريد!!


أو ربما يعاقب نفسه لأنه يعلم أنه عاقبها أكثر مما يجب..



" تستاهل.. تستاهل!!


هذي هي ما تبي تتوب!!


يعني يأما أموت بالسكتة من سبتها وإلا ما ترتاح..


ماكفاها إنها موتتني وأنا حي!!"




شد له نفسين.. ليشرق ويكح وويطلق التأففات اللاهبة وهو يلقيها خارجا بعد النفس الثاني فقط..


يكره نفسه وهو يطفيء النار بالنار هكذا!!


يكره نفسه حين يشعر بنفسه ضعيفا هكذا!!



تناول العلبة كاملة وألقاها خارجا بامتداد يده وكل قوته!!


ثم عاد ليلكم المقود بقبضتيه كلاهما حتى تصاعد الألم في مفاصله!!


مرارة جارحة تتصاعد في روحه..


يستطيع أن يقول لوالده أنها لا تهمه.. فلتفعل ما تريد..


لكنه لا يستطيع أن ينكر على نفسه كم تهمه!!


وكم كانت سعادته المخفية حين تركت الطيران!!


وهي ترسل له رسالة مع عمها.. أنها تركتها من أجله وأنها تريد رضاه!!



" كذابة.. كذابة.. عمرها ماهمها إلا نفسها!!


ماصبرت حتى شهرين من يوم خلت الطيران..


وهذي هي ناطة تبي ترجعنا للفضايح


تقول تبي رضاي؟!!


داستني أول وتالي.. وتقول تبي رضاي!!"



كلما استغرق في أفكاره .. كلما زادت لكماته للمقود وبيديه الإثنتين..


حتى انحرفت يده اليسار من قوة لكماته لتضرب حامل جهازه المحمول الذي كان له طرف حاد..


ربما لو كانت اللكمة غير لكمة كساب لم يكن ليحدث سوى كدمة بسيطة..


ولكن لأن لكمته كانت مفرطة القوة..


جرح نفسه جرحا غائرا نوعا ما بين مفاصل كفه!!



انتزع غترته وهو يتأفف غضبا وقرفا لا ألما.. ولفها حول قبضته.. وهو ينزل للبيت..



دخل كالإعصار وهو يتجه لغرفته.. كانت كاسرة تجلس مع مزون وعفراء في الصالة العلوية..


مر بهن كالسهم ودون أن يسلم حتى..


وغترته في يده وليست على رأسه!!



كاسرة وقفت وهي تهمس لهما بذوق: بأروح أشوف كساب وش فيه؟؟



همست لها عفراء بأمومة: الله يعينش.. شكلها قلبة من قلبات مزاجه!!



كاسرة دخلت خلفه وهي تناديه.. دون أن يجيبها..


بحثت عنه حتى وجدته في حمام غرفة النوم


يغسل يده وحوض المغسلة ممتلئ بالدم..


والغترة الغارقة بالدم ملقاة في القمامة...



مدت يديها مع يديه تغسلهما وهي تهتف بجزع: كساب من ويش ذا؟؟



هتف لها بنبرة نفاذ صبر غاضبة: مافيني شيء.. جرح بسيط.. وخري خلني أضمده!!



هتفت بحزم وهي تتناول الضمادات من صيدلية الحمام: أنا بأضمده لك..



شدته خارج الحمام وهي تجفف يده بفوطة نظيفة وبيدها أدوات الضماد..


لم يناقشها لأنه يشعر أنه سينفجر من الغيظ.. مع أول عبارة قد يقولها..



جلست على السرير وجلس جوارها.. حين كشفت الفوطة.. كان الدم مازال يتدفق..


هتفت له بحزم حان قلق وهي تشعر أن قلبها يؤلمها من عمق الجرح:


كساب يدك تبي خياطة.. لازم تروح للمستشفى..



رد عليها بغضب: زين خلاص عطيني إبرة فيها خيط.. وأنا بأخيطه.. مايحتاج مستشفى.. كل السالفة رتبتين..



كاسرة بصدمة: أنت صاحي !!.. في أي قرن عايش؟!! تبي تخيط الجرح بروحك..



أجابها بذات النبرة الغاضبة: وتبيني أروح المستشفى عشان جرح سخيف مثل ذا؟!!



كاسرة حينها انفجرت بغضب: أنت وش ذا العقل اللي عندك؟!!


يدك تنزف وتقول جرح سخيف وبتخيطه بروحك!!



كساب بغضب مرعب: قصري حسش لأنها مهيب ناقصتش!!..



وقف وهو يشد له من إحدى الأدراج علبة بها إبر وخيوط من تلك التي توزع في هدايا الطائرات..


والأبرة تكون أساسا فيها خيط.. تناول الكحول المعقم من أدوات الصيدلية التي أحضرتها كاسرة..


سكبه على الخيط والأبرة.. ثم عقّم الجرح..


كاسرة كانت تنظر مذهولة له.. لا تصدق ماتراه.. وغضبها يتزايد عليها..


ثم لم تستطع أن تنظر وهي تراه يغرز الإبرة في جلد يده..أشاحت بنظرها وبمرارة..


لم يستغرق دقيقة حتى انتهى.. بخياطتين صغيرتين دقيقتين.. كما حدد!!


ثم وضع عليه لاصق طبي.. وانتهى!!



كل هذا وكاسرة مازالت تجلس جواره..


حينها هتفت بنبرة عاتبة: ترا الطريق للمستشفى ما يأخذ ربع ساعة حتى..


بدل الطريقة الهمجية المتوحشة اللي سويتها في روحك..


لكن أنت إذا ما وجعت قلبي ما ترتاح!!



حينها هتف لها بمرارة متأصلة: والله ماحد قلبه موجوع غيري..


إذا هي وأبيها ماذبحوني ماهم بمرتاحين!!



كاسرة هتفت بغضب: من هي ذي اللي بتذبحك؟؟..



أجابها بغضب مشابه: مهوب شغلش!!



كاسرة انفجرت: إلا شغلي ونص.. من هذي اللي تأثيرها عليك يوصل إنها تذبحك!!..



حينها أجابها ببرود كان يحترق تحته: اعتبريها زلة لسان غير مقصودة!!



كاسرة صمتت وهي تحترق.. لن تسأله أكثر حتى لا يشتم رائحة احتراقها تتصاعد مع احتراق جوفها من الغيرة..


فهي باتت تشك أنه اخترع هذه العبارة لمجرد إغاضتها!!



همست بحزم وهي تسأله لتغير الموضوع: أنت قاعد مع حد يدخن يوم جرحت يدك؟؟.. فيك ريحة زقاير..


وأشلون جرحت يدك أساسا..؟؟



حينها أجابها ببساطة حازمة كأنه يريد أن يجرحها: أنا اللي جرحت نفسي بنفسي!!


وأنا اللي كنت أدخن!!



كاسرة قفزت كالمدلوغة: نعم؟؟ أنت اللي ويش؟؟


ومن متى وأنت تدخن.. وأنا معك قربنا نخلص 3 أسابيع عمري ماشمتيها فيك ولا شفتها معك!!



أجابها وكأنه يريد أن يجرحها أكثر لشدة جروحه التي تغلغت في روحه:


أدخن حسب المزاج.. متى ماطرا علي!!


عندش مانع؟!!







******************************************






مازالت عاجزة على السيطرة على دموعها وارتعاشها..


وجهها تورم لكثرة البكاء.. ولا يهمها أن يدخل عبدالله الآن ويراها


حتى وإن كانت وعدت نفسها الآف المرات أنه لن يرى دموعها!!



كلما تذكرت ماحدث لها الليلة.. تزايدت دموعها انسكابا.. وأناتها ارتفاعا..


تشعر بالحرقة والمهانة والعار والخجل وانعدام الأمن..


كل هذه المشاعر القاسية القارصة تجمعت الليلة عليها.. ليتزايد بكاءها مرارة وحرقة!!



كانت تجلس مع أم صالح ونجلا حين ناداها عمها أبو صالح لتلحق به إلى غرفته..


وقفت بجزع لتتبعه.. وتوجس مرعب يتصاعد في روحها


لطالما كانت تخاف أبا صالح وتهابه.. أكثر حتى من والدها..



تقدمت بخجل وهي تدخل غرفته بخطوات متيبسة.. هتف لها بحزم: تعالي وسكري الباب




تقدمت وهي تغلق الباب... ليحكى لها الحكاية التي حكاها لعبدالله..والا ستنتاج الذي استنتجه!!



شعرت أنها تتمنى لو أنها تذوب في تلك اللحظة.. تختفي!!.. تتبخر!!..


لم تستطع حتى رفع عينيها إليه..



وليته اكتفى باحراجها بالحكاية التي كانت لوحدها كافية لتشعر بكل عار العالم..


ولكنه انفجر فيها بحزم غاضب:


هذي فعايل بنت الأصل يا بنت الأصل.. والله ثم والله لو عالية مسوية كذا في أخيش إن دمها حلال عليه


وش ظنش أبيش يقول لو درى بسواتش..؟؟


زين رجالش غلط عليش.. وماراضاش.. كان جيتيني.. والله ثم والله لأعلقه من أرجيله عشانش..


لكن ذا الحين مالش وجه عندي.. وعذرش انقطع.. لأن سواتش ماتسويها حتى مضيعة المذهب..


ورجالش كنه إياش اللي ماعرف يسنعش!!



قال لها كلاما كثيرا مؤلما جارحا.. تحاول أن تتناساه فلا تستطيع!!


وأكثر ما يؤلم أنها لم تستطع أن تدافع عن نفسها حتى بكلمة..


لأن ما سيرونه جميعهم أنه مهما اخطأ عبدالله في حقها لا يمكن أن تعاقبه بهذه الطريقة..


حق له أن يمزق روحها وحياتها ويضيع مستقبلها.. ثم تكون بضع شعرات في وجهه أثمن من كل ذلك!!



نادمة بشدة على تصرفها.. وليس من أجل عبدالله.. ولكن لأنها بهذا التصرف جعلت نفسها في موقع المخطئة الخطأ الذي لا يغتفر..



تتخيل لو علم والدها الذي هدد بقتل عبدالله لو ضايقها.. لو علم بما فعلته.. لربما قتلها هي!!



لا يوجد حتى من تلجأ إليه!! لأن الكل سيرفع حاجبيه استنكارا من فعل هذه المجنونة..


شعور بعدم الأمان وأنها لن تجد ظهرا يسندها بات يخنقها... فهي بفعلتها هذه أعطت لعبدالله سلاحا مسلطا دائما على رقبتها..


ومع وجود أبي صالح كشاهد.. ضاقت عليها الدائرة حتى اختنقت!!



تتخيل مظهرها أمام الناس لو انتشر الخبر..


"جوزا الخبلة حلقت شنب رجالها ولحيته"



يزداد بكاءها عنفا.. لا تريد أن تكون منبوذة أكثر من ذلك!!


لا تريد أن تكون منبوذة!!



تتخيل ما الذي قد يفعله عبدالله في ظل معرفته أنها لا تستطيع العودة لأهلها خوفا من معرفة والدها لما فعلته!!


تعلم أن والده أعطاه نصيبه من الكلام الجارح.. وأنه الآن معبأ تماما عليها!!


رغم كراهيتها له ولكنها تعلم تماما أي موقف محرج مذل وضعته فيه أمام والده!!


ولأنه لا يستطيع تفريغ غضبه في والده.. فبالتأكيد سيبحث عمن يفرغ غضبه فيه!!


ومن أنسب ممن كان سببا لإحراجه وذله؟!!



تبكي أكثر واكثر.. وهي تكتم شهقاتها حتى لا تزعج ابنها النائم..


تشعر كما لو أن شهقاتها مناجل مزقت روحها دون أن تجد طريقا للخروج..


لذا مازالت تعيث خرابا وتمزيقا كخبط عشواء بحثا عن الطريق!!



ألا يكفي ماحدث لها طيلة السنوات الماضية؟!


ألا يكفي!!



" والله العظيم تعبت.. تعبت!!


ماعاد فيني استحمل!!


أنا ما أنا بطوفة الكل يضرب فيها ويبونها ما تنهد!!


تعبت ياربي... تعبت!!


يا الله فرجها من عندك.. وإلا خذ أمانتك عندك!!"



كان بكائها يزداد عنفا مكتوما..وأفكارها تزداد قتامة ومرارة... وجسدها يزداد ارتعاشا كمصابة بالحمى..


حين سمعت صوت الباب يُفتح..!!






*********************************







يقف أمام باب غرفتها وهو يشد له نفسا عميقا


هل يفعلها ؟؟


أربع سنوات مرت لم يدخل غرفتها مطلقا!!


ولكنه سيموت من القهر أن فعلتها وذهبت!!


سيموت فعلا!!


فهو كان قد بدأ يبني له أملا أنها ستعود يوما إلى حضنه..


ولكن إن ذهبت.. فإن كل هذه الآمال ستنهار لا محالة..


ألا تعلم مكانتها عنده!!


لماذا تريد المتاجرة بهذه المكانة؟!


ولماذا تريد الاستمرار في إشعاره برخص مكانته عندها؟؟


كم هو مؤلم إحساسه أن الإنسان الأثمن لديك في كل العالم.. يُشعرك أنك الإنسان الأرخص لديه!!



قضى الساعات الماضية يركض على الكورنيش..


ثم مر بمسجد وصلى قيامه..


هدأت سورة الغضب.. ولكن القهر والمرارة تعمقا حتى أقصى خلية من خلاياه


تشبعت خلاياه بهما حتى تفجرت بقيحهما!!



شد له نفسا عميقا آخر.. ثم طرق الباب..



همست برقة: ادخلي خالتي.. مابعد تمنت..



دخــــــل..


كم اختلفت الغرفة من بعده!!


في المرة الأخيرة التي دخلها ليرجوها للمرة الأخيرة بكل حرارة أن تتراجع عن قراراها لدراسة الطيران.. وصفعته برفضها القاطع


كانت الغرفة أشبه بغرفة طفلة.. ألوان الزهر والبنفسج تغمر المكان..



ولكنها الآن غرفة تنضح بمرارة النضج وألوان المارون والذهب وستائرها الكلاسيكية القاتمة..



مزون حين رأته قفزت حتى كادت تتعثر..


لم يخطر لها مطلقا ولا حتى في أعذب احلامها أنه قد يزورها يوما!!


توجس قاتل اخترم روحها.. وسعادة محلقة شعرت بها ترفرف في جوانحها..


لا يهمها إن كان جاء ليسمعها بعضا من قسوته!!


يكفيها أنه هنا..


لم تتخيل أنها قد تراه في غرفتها مرة أخرى.. قريب هكذا!!


وكم حلمت بهذا القرب!!



تذكرت أنها ترتدي بيجامتها.. قد يكون سابقا اعتاد رؤيتها بالبيجامة وهما يسهران كل ليلة سويا..


ولكنها الآن تشعر بخجل عميق.. وتود أن تتناول روبها المعلق لتلبسه..


ولكن قدميها المتيبستين لم تتحركا من مكانهما..


همست باختناق: هلا كساب.. هلا والله..


تفضل حياك..


تعال نقعد في الجلسة!!



أجابها بقسوة: ما أنا بجاي أقعد.. كلمة ورد غطاها..



أجابته بذات الصوت المختنق: آمرني فديتك..



حينها انفجر فيها بغضب عارم: الحين تقولين آمرني فديتك.. وأنتي مايهمش إلا روحش ولا عليش من حد..


سويتي اللي في رأسش ودخلتي طيران.. ويوم طاب خاطرش منها خليتيها بكيفش..


الحين أبي أدري يا اللي ما تستحين.. تروحين تلقين خطاب عندهم ليه؟؟


وفي حفل مفتوح بعد.. أنتي وش وجهش؟؟ مغسول بمرق؟؟ مافيه حيا؟؟


أنتي وش جنسش؟؟ وش مخلوقة منه؟؟


خافي ربش فيني؟؟ وحتى في أبيش وأخيش وعمش؟؟



ماعاد يستطيع الاحتمال ومرارة الأربع سنوات تتفجر حممها لاهبة متدفقة:


أنتي ماكفاش اللي سويتيه فيني السنين اللي فاتت..


خليتني أوطي رأسي بين العرب.. وأنا اللي كنت رافعه فيش..


بسبتش عشت قهر ماظنتي شافه بشر في ذا العالم كله!!


أدري إنه خلاص قد ذا موضوع تافه عندش


وش قيمة كلمة تلقينها في حفل مختلط.. عقب مادرستي أنتي أربع سنين اختلاط؟؟


موضوع عادي بالنسبة لش!!


لكن أنا كنت رجيت فيش خير.. قلت حست خلاص.. يمكنها عقلت!!


كان ودي أني أصدق إنه ذا الكابوس خلص.. وأختي وبنتي بترجع لي!!


لكن مادريت إن باع أول.. بيبيع على كل حزة!!


وأني أنا كنت رخيص أول وتالي!!



حينها انفجرت باكية وهي ترتعش بعنف: والله العظيم... ماوافقت..


والله العظيم... ما وافقت..



كانت تنتحب وتشهق بعنف وكلماتها تتقطع كأنها تشرق بالكلمات وتكاد تغص بها:


الرئيس.. كلمني.. وقال لي.. حفل مفتوح.. قلت له.. ما أقدر.. ما أقدر.. ما أقدر


ورجع ..وكلم .. ابي.. وابي.. قال له.. نفس.. الكلام.. وقال له..هذا.. موضوع.. انتهى..


والله العظيم ما وافقت.. ماوافقت..


والله العظيم.. ماوافقت..



لا يعلم لـمَ شعر لحظتها.. أن الدنيا غامت في عينيه..وأنه لا يبصر شيئا!!


كانت ترتعش بعنف أمامه.. ووجهها محتقن.. دموعها تسيل بغزارة..


وهي تشهق بشكل متقطع وتكرر بلا انقطاع: والله العظيم.. ماوافقت..


والله العظيم .. ماوافقت..



فهي أيضا تعبت من كل هذا وحان لحظة انفجار كبت كل هذه السنوات وقهرها ومراراتها..


فهو لأول مرة يواجهها بهذه الحدة بعد صمت السنوات الأربع الأشبه بالموت!!


لأول مرة يمزق الحواجز الهشة/المتينة التي فصلت بينهما!!




تمنى كساب لحظتها لو يستطيع التوجه للصراخ في أبيه وفي علي..


كيف يتخذان من مشاعره لهوا.. يعلمان كلاهما كم هذا الموضوع حساس بالنسبة له..


لا يجد لهما عذرا!! لا يجد لهما عذرا!!



شعر أن قلبه يتمزق بمعاول مسنونة وهو يرى حالتها الهستيرية..


لأول مرة يشعر برغبة بالبكاء بعد وفاة والدته!!


كما لو كان فقدها للمرة الثانية!!



حاول الاقتراب لاحتضانها.. وتمنى أن يحتضنها..


ربما حتى لو عاندت وقالت له أنه ستذهب.. فهو كان سيتحضنها على كل حال..


ليسكن هذا اليأس والذعر الذي شعر بهما يتفجران في جوانحها..


وليسكن القلق الأشد الذي تفجر في جوانحه هو!!


لم يسبق مطلقا أن رآها هكذا.. لا في أقصى حالات الحزن.. ولا في أقصى حالات الغضب..!!


طوال الوقت متزنة.. هادئة.. حتى عندما تبكي.. تبكي بصمت!!


فما الذي حدث لها الآن!!



اقترب وهو يمد يديه لها ويهتف لها بحزن جازع: هدي.. هدي..



ولكنها دفعته وهي تصرخ بهستيرية: ما أبيك.. ما أبيك.. خلني.. خلني..



مد يديه أمامه وهو يشير لها أن تهدأ: خلاص بأروح الحين.. وأرجع بعد شوي..



خرج رغما عنه.. وهو لا يريد الخروج..


ماعاد حتى يريد الصراخ بعلي أو والده..


الحزن غلب الغضب.. يشعر كما لو كان جسده تفتت من الألم!!


يريد أن يجد له حضنا يرتمي فيه.. يسكب بعض مرارته فيه.. مادامت رفضت حضنه..!!



يريد أن يسكن قليلا.. ويدعها تسكن قبل أن يعود لها.. فهناك حديث طويل.. طويل بينهما


حديث بطول ومرارة قرون!!



توجه لغرفته..


نادى بإرهاق: كاسرة!!



لم تجبه.. توجه لسريره ليتمدد عليه.. وهو يشعر أن جسده كله يتمزق كما لو كان ينام على فراش من مسامير مسنونة..



نادى للمرة الثانية بإرهاق أعمق: كاسرة وينش؟؟



جاءها صوتها حازما محملا بحزن غريب عميق: نعم..



هتف بعينين مغلقتين ونبرة ذابلة: تعالي جنبي.. تعبان حدي.. حاس أني بأموت..



أجابته بنفس النبرة الحازمة الحزينة: آسفة.. روح أخذ لك شفطتين تريح أعصابك.. مالك عازة فيني!!



فتح عينيه وهتف بنبرة ذابلة تماما: والله العظيم مهيب ناقصتش..



أجابته بألم: دام مهيب ناقصتي.. مهوب أنا اللي أنقصها ولا أزيدها.


خيرك فيك..



أجابها حينها بحزم وهو يعتدل جالسا: تدرين كاسرة يمكن حياتي كلها ما أحتاج لش كثر الليلة..


وأنتي شاحة علي أنش تقعدين جنبي!!



رغما عنها آلمها قلبها.. أن يعبر بهذه الصراحة عن حاجته لها.. لم تتوقع أنه قد يفعلها يوما ...فكيف وهو يفعلها بهذه السرعة؟!!



ولكنها لا تريد الاستسلام والتراجع.. عن موضوع خطير مثل هذا!!


حينها سيعتاد أن يمرر كل شيء عليها..


كسّاب يحتاج لوقفة حازمة إن كانت تريد الحياة أن تستمر بينهما..



ولكن هل كساب في هذا الوقت.. سيحتمل أو يتقبل الوقفات الحازمة وهي تهتف له؟؟:


اسمعني عدل يا كساب..


لا راح أجي جنبك.. ولا تجي جنبي.. لين تحلف لي إنك ماترجع تدخن..


ولا تقول تعصيني.. لأنك أنت عصيت ربك.. وماظني إنه يجهلك إن التدخين حرام!!



حينها وقف كسّاب وهو ينتزع غترته من جواره ليحملها معه ويهتف بغضب مثقل بالمرارة:


الشرهة علي اللي جيت أبي حنان وحدة ما تشوف أبعد من خشمها المرفوع!!


السموحة يا بنت ناصر.. ضيعت الدرب!! غلطت!!


وأوعدش الغلطة هذي ماتكرر مرة ثانية!!




.


.




دار في البيت قليلا.. وهو يشعر أن جدران البيت الواسع تتقارب لتطبق عليه


لدرجة أنه عجز عن التنفس..


ماعاد يحتمل ألا يراها.. يكاد يجن كلما تذكر كيف حالتها.. ودموعها وارتعاشها!!



قد يكونان خلال السنوات الماضية تبادلا الجرح حتى غاصت جراح كل منهما في روح وجسد الآخر..


ولكن هذه المرة لا ذنب لها.. لا ذنب لها..


اختار الوقت غير المناسب ليفجر فيها كل غضب السنوات الماضية ومراراتها!!



كل يوم خرجا فيه صباحا وكل منهما يتجه لسيارة..


وهو يتجاهلها كأنه لا يراها.. بينما كان في أكثر الأيام يتبعها..


لم تكتشفه أبدا.. بسبب مهارته في السواقة والاختباء خلف السيارت وهو يجعل فاصلا بينهما..


لا يعلم ماذا كان يريد من اللحاق بها!!


تعذيب نفسه أكثر.. إحراق نفسه أكثر.. وهو يتمنى كل يوم لو دخل إلى الداخل وأخرجها عنوة!!


أو ربما كان كل ما أراده مجرد الاطمئنان لوصولها وهي تذهب إلى مكان بعيد مع الخادمة والسائق..


كثيرا ماشعر بالحنق على والده.. إذا كان قد وافق على دراستها هناك.. فلماذا لا يوصلها بنفسه!!




يتذكر كل يوم جلسا فيها على مائدة الأفطار وحيدين


في ظل غياب علي وسفر زايد في بعض الأحيان..


يتجاهلها ويرفض حتى تناول فنجان القهوة من يدها لتعود مدحورة إلى مقعدها..


لا ينظر حتى ناحيتها..


وهي لا تعلم أنه يبقى جالسا حتى يراها تناولت شيئا.. لأنها منذ صغرها حين يتغيب والدها عن البيت.. تقل شهيتها للطعام لأقل حد..


ولا تأكل إلا بالمحايلة!!


ومادام لا يستطيع محايلتها.. فليبقَ جالسا حتى تأكل..


لأنه يعلم أنها لن تقوم عن المائدة مادام جالسا..


وحتى لا يبدو مظهرها سخيفا وهي جالسة هكذا.. فهي كانت تضطر لتناول شيء أمامه!!


ولا يعلم هو أيضا مدى صعوبة ابتلاعها للطعام مع ضخامة العبرات التي تسد حلقها كلما رآته يتجاهلها هكذا كأنها غير موجودة!!


وهي تتخذ الطعام ستارا حتى تبقى معه في مكان واحد لأطول مدة ممكنة!!


وهي تشعر بالألم أنها مهما بقيت جالسة.. فهو لن يكلمها..


ومع ذلك رغما عنها تشعر بالأمل أنه قد يكلمها اليوم !!



"ربما اليوم يحدثني..


يسألني محض سؤال سخيف..


اسألني كساب كما كنت تسألني وأنا صغيرة


هل فرشتي أسنانك اليوم؟؟


وحين أجيب بلا!!


تشد أذني رغم أنك بالكاد تلمسها.. وتعيدني للحمام


لتفرش أنت أسناني بنفسك!!


.


اسألني هل أشرقت الشمس اليوم؟؟


لأخبرك أن الأيام بعدك باتت متشابهة!!


.


اسألني كيف هو يومك الدراسي؟؟


لأخبرك أنني أكره الكلية والكتب والتدريبات وكل شيء أغضبك مني!!


.


اسألني كساب.. اسألني عن أي شي!!


أما تعبت من هذا الجمود والصمت والغضب!!"



لتنتهي جلستهما معها دون أن يسألها عن شيء... ودون أن تخبره عن شيء!!


مرارة جارحة وألم متبادل تشاركاه طيلة السنوات الماضية


هو بتجاهله لها.. وهي باحتمال هذا التجاهل!!


هو بغضبه الأسود رغم أنه تمنى كل يوم أن يسامحها.. ودعا ربه كل يوم أن يقويه ليسامحها!!


وهي بحزنها المتزايد وهي تذبل كل يوم أكثر في انتظار هطول أمطار رضاه التي شح بها عليها حتى أجدبت روحها!!




ماعاد قادرا على احتمال وطأة القلق والأفكار ونهشهما لروحه..


صعد لغرفتها ولم يجدها..


بحث عنها كالمسعور وهو يتخبط في أنحاء الغرفة..


توجه ركضا لغرفة خالته.. فلم يجدها أيضا!!



تفجر قلقه ورعبه وهو ينزل ركضا لغرفة علي.. فلا يجده أيضا..



حينها انهار جالسا على سرير علي وهو يتصل به ويسأله بقلق ورعب:


علي وينكم كلكم؟؟



أجابه علي بصوت ممزق ارهاقا وقلقا:


مزون تعبانة شوي.. جبتها أنا وخالتي المستشفى..







#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 14-10-10 07:18 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني و الخمسون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياهلا والله فيكم عقب بارتات الحزن


جعل الحزن مايزوركم ولا يخليني ربي من طهر قلوبكم


.


فيه أسئلة كثيرة معلقة تنتظر إجابة.. فأنا بأجاوب بسرعة


.


معنى الفوالة؟؟.. الضيافة اللي تنحط مع القهوة والشاي.. حلويات فطاير كذا يعني


.


هل التوقعات تؤثر بي؟؟


بصراحة لا.. يعني أنا ماراح أغير حدث قررته عشان أرضي التوقعات


لسبب بسيط أنه القصة بيصير فيها تعارض وتضعف لأنه مسارها مقرر من البداية


لكن أنا أستفيد جدا جدا جدا من التعليقات في عدة أمور لما أشعر إنه فيه قضية غير واضحة


مشاعر تحتاج تفسير.. أعترف أني أحيانا أصيغ موقف عشان أبين هالشعور أو سبب الحكاية


.


كساب أكبر من كاسرة بثلاث سنين


.


عمري أنا .. قلته قبل.. بس مايضر نقوله.. أنا في نص العشرينات الحين *ــ^


.


استغراب رجاء كاسرة الشديد لأمها عشان تطلع معها لزايد


يعني يمكن أمها تعودت عليها تطلب.. بس ما تطلب لدرجة إنها ظلت تعيد تكفين كم مرة :)


.


استغراب حب زايد الزايد لمزنة؟؟


أقول كلمة وحدة: الشيء إذا ماحصلنا عليه يقعد حسرة في قلوبنا!!


.


لهجة خليفة من لهجات هل قطر..


.


سلامات لأم حمودي الله يشفيها


.


الله يسهل ولادة كويتية26


.


عدد البارتات الباقية والله العظيم ما أدري


.


.


حامل هاتف كساب الجوال هو اللي كان له طرف حاد وليس الهاتف نفسه..


.


خياطة كساب ليده.. ترا ماتحتاج السالفة هذاك المعرفة.. بس تحتاج قوة قلب..


كان لي زميلة في الجامعة..


أمها كانت تشتغل في المستشفى هنا في قطر أيام السبعينات..


تقول أمها ما تقرأ ولا تكتب.. بس لأنهم محتاجين تمرجية..


فهم دربوا اللي عنده استعداد.. يطهر ينظف ويخيط حتى..


وتقول إن أمها مع أنها كبرت بس لحد الحين يدها خفيفة بشكل في خياطة الجروح :)


وعلى فكرة ترا الخياطة أول بخيط وإبرة عاديين..


.


اللي استغربوا ردة فعل مزون.. بما أنها كانت متوقعة أنه أساسا جاي يسمعها كلام قاسي


ومادامت طول عمرها مشتاقة لحضنه ليش صدته!!


.


خلوني أقول لكم شيء


أتذكر مرة خذت مادة علم نفس كمادة اختيارية وأنا في الجامعة


قال لنا الدكتور.. إنه كل مايزيد الضغط على الإنسان تصير ردات فعله قوية معاكسة وغير متوقعة


.


والحين خلونا في مزون


هي توقعت منه كلام قاسي مثل التنغيزات اللي كان يقطها عليها قبل


لكن هو ما أكتفى بكلام قاسي لكن فتح كل الجروح واتهمها بشيء هي ماسوته


وعقبه يجي يبي يحضنها..


أنا شخصيا كان سويت مثلها.. لأسباب أنا أشوفها جوهرية


أنا ما أبي أفسر أكثر عشان ما أخرب متعة القراءة عليكم


لكن خلوني أضرب لكم مثل أقرب


أنتي مثلا عندك بنت عم أو خالة متربين سوا وهي أعز صديقاتك وتغلينها مثل ماتغلين نفسك ويمكن أكثر


صار بينك وبينها خلاف.. استمر كم شهر وهي تتجاهلك وأنتي ميتة تبين تصالحينها لأن الذنب كان ذنبك


في يوم جاتك.. انبسطتي يوم شفتيها.. قلتي حتى لو تجاهلتني أو نغزتني بالكلام.. ماعليه.. أنا مشتاقة لشوفتها..


لكنها بدت تهاجمك وتتهمك بشيء ما سويتيه..


وعقبه جات على طول في نفس اللحظة تبي تحضنك..


شنو بتكون ردة فعلك؟؟


وكيف لما يكون القرب أكبر ومدة الزعل أطول؟!!


الجواب لكم.. والمغزى مفهوم!!


.


.


ويالله


البارت 52


.


قراءة ممتعة مقدما


.


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والخمسون







" أنت يا الخبل كم كانت سرعتك


مالك حتى عشر دقايق من يوم سكرت مني"



وجهه مسود تماما ..أنفاسه تعلو وتهبط.. غترته ملقاة فوق رأسه كيفما اتفق.. أزراره العلوية مفتوحة..


والكتفان العاليان الشامخان كانا متهدلين.. منظر لم يُرَ فيه أبدا كساب المتفاخر.. الأنيق.. المعتد.. المتكبر!!


ولم يتوقع أنه قد يراه هكذا يوما..!!



أجابه بجزع كالموت: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟



رغم استغراب علي من حالته ولكنه أجابه بتأثر عميق: خالتي ماجاها نوم


وراحت لها تبي تسهر معها.. لقتها تبكي ومنهارة وهي تصيح بكلمة وحدة (ما أبيك)..


نادتني وجبناها هنا... وخالتي معها داخل.. وأنا طلعوني



كساب تجاوز علي ليدخل.. علي هتف بحزم: انتظر شوي..القسم قسم حريم..



لكن كساب أزاحه جانبا وهو يدخل دون تفكير.. ويصيح بألم: خالتي وينكم؟؟


وهو يتخبط بين الستائر ولا يريد فتحها حتى لا يكشف ستر من يختفين خلفها!!



خالته أطلت من خلف أحد الستائر وهي تشير له بيدها تعال..



حين دخل كانت مزون تكاد تسبل عينيها.. والطبيب يمسك بمعصمها ليقيس الضغط مع بدء مفعول المهدىء


انتزع يدها من يد الطبيب وهو ينحني ليضم كفها لصدره!!


ويرى دمعة تخر من عينها قبل أن تغلقها.. دمعة نحرت روحه التي لم يبقَ فيها شيء لم ينحر مئات المرات!!



التفت للطبيب وهو يهمس بغضب مكتوم بصوته الممزق ألما وإرهاقا: مافيه دكتورات هنا؟؟!!



ابتسم الطبيب وهو يربت على كتف كساب: يا ابني دي زي بنتي.. ودلوئتي أنا المناوب هنا..



حينها سأله كساب باهتمام موجوع: وش فيها؟؟



الطبيب بنبرة مهنية: انهيار عصبي.. أنا دلوئتي اديتها مهدئ وهنطلعها لاوضة فوء



لينهار كساب جالسا على المقعد المجاور لسريرها وهو يدفن وجهه بين كفيه..


لو استطاع أن يبكي لبكى.. ولكن إن كانت عيناه شحت بدموع لم تعتد ذرفها


فإن روحه كانت تنزف كل دموع الأرض التي اعتاد نزفها حتى أغرق جوانحه بها!!



كانت خالته تنظر له باستغراب.. لم تتوقع أبدا ردة الفعل هذه من كساب


لذا سألته بحذر: كساب أنت صاير شيء بينك وبين مزون؟؟



كساب حكى لها كل ماحدث دون زيادة أو نقصان وختمها بقوله بكل ألم:


ما أدري ألوم ابي وعلي وإلا ألوم روحي..!!



أجابته خالته بألم مشابه: يأمك ماتدري وين الخيرة.. يمكن الله يبي الخير لكم من ورا اللي صار..



كساب يصرخ بألم شاسع موجوع وهو يقفز ليشير لمزون: أي خير وهي حالتها كذا..؟؟


أي خير وأنا سبة اللي صار لها..؟؟



حينها أجابته خالته بحزن: يعني مهتم الحين يأمك إنها انهارت.. وما اهتميت من وجيعتها ذا السنين اللي فاتت كلها!!


كان لازم تدري إنه بيجيها يوم وتنهد!!







**************************************






حين سمعت صوت الباب يفتح.. رفعت قدميها عن الأرض وضمت ركبتيها لصدرها في حركة دفاعية عفوية..


أكثر ما تخشاه أن يضربها ويصحو حسن على هذا المنظر!!



" لا .. لا ماراح يضربني..


ماسواها وهو محتر يسويها الحين..


بس هو الحين محتر أكثر من يوم راح


إذا أنا الحين عقب كلام أبو صالح متحسفة أكثر وخايفة أكثر!!


فهو أكيد محتر أكثر عقب مادرا أبيه باللي صار!!


يارب مايضربني قدام حسن..


يارب مايضربني قدام حسن!!"



دخل عبدالله بهدوء وعلى وجهه ترتسم علائم غموض..


حين رأته رغما عنها بدأت دموعها تنهمر بغزارة أكبر وشهقاتها المكتومة تتعالى


حينها اتجه ناحيتها.. حين رأته اقترب همست بين شهقاتها:


تكفى لا تضربني هنا عند حسن


خلنا نروح للجلسة..



جلس جوارها وهو يمد يده ناحيتها.. انكمشت بعنف.. ولكنه مسح على شعرها وهو يهتف بحنان عميق مغلف بحزن أعمق:


أنا آسف إذا كان كلام ابي جرحش.. امسحيها في وجهي!!




حين دخل.. كان قراره أنه سيتجاهلها فقط.. لن يكلمها.. حتى لا ينفجر فيها..


فهو يشعر بمرارة الحرج من والده تحرق روحه حتى أقصاها..



ولكن حين دخل ورأى حالتها.. عينيها الزائغتين.. وجهها المحمر الغارق بالدموع..


شعر أن قلبه يذوب.. يذوب بكل معنى الكلمة.. لا يستطيع احتمال ألمها أو دموعها..


هو يحتمل الألم عنها.. لكن هي لا لا..


يستطيع أن يتحمل عنها كل ألم العالم.. ويدفنه بين أضلاعه ليبعده عنها.. حتى لا يقترب من ملامسة حدودها حتى!!




وهي حين مد يده ناحيتها كانت تظن أنه يريد أن يشدها من شعرها للجلسة.. انكمشت بعنف..ثم صعقت بتصرفه الحاني..


شعرت أن مشاعرها المرهفة المرهقة انهارت..


بدون تفكير ألقت بنفسها على صدره..


عبدلله تيبس لثوان وهو يراها في عرض صدره.. ليشدها بحنو.. وهو يضمها لصدره.. ويطبع قبلاته على شعرها..


بينما كانت هي تشهق بعنف وصدره يغرق من غزارة دموعها..


لم يتخيل عبدالله أنها قد تفعلها بنفسها.. كانت سعادة شفافة تتسرب إلى روحه وهو يهمس لها بولع وحنان:


بس حبيبتي خلاص.. خلاص..



كان يشعر كما لو أن صدره يُشق وهو يسمع أنينها الموجوع..


اختلطت مشاعره بعنف.. بين فرحة بوجودها بين أحضانه..


وبين حزن مزق روحه لدموعها الغالية!!


ليتفاجأ أكثر بها تخلص نفسها بحدة من حضنه وتصرخ فيه بكراهية عميقة:


لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي..



علم حينها أن هذه لم تكن سوى لحظة مسروقة من زمن كراهيتها المر.. احتاجت حضنا.. فوجدته.. وحين علمت أنه حضنه هو.. ابتعدت عنه!!



عبدالله ابتعد عنها.. ووقف دون يكلمها..


"يا الله أي قسوة وكراهية في قلب هذه المخلوقة!!


ألا تلين؟!!


ربما لو شعر الحجر بمشاعري تجاهها لذاب تماما..


وهي لا تريد أن تلين حتى!!


كم أنا متعب منها.. ومن هذه الحياة!!


أ يحكم علي أن أحبها كل هذا الحب.. وتكرهني هي كل هذه الكراهية؟؟


حتى متى؟!!


حتى متى؟!!"







*****************************************







" أختكم وش اللي صار فيها؟؟


وأشلون ماقلتوا لي ؟؟ تخلوني لين فقدتكم بروحي وأنا أدور في البيت كني خبل"



علي بنبرة تهدئة: يبه فديتك مافيها إلا العافية.. تبي ترتاح بس يوم وإلا يومين !!



كساب بغضب مكتوم متحسر: إلا فيها وفيها.. وكله منك أنت وولدك!!


خليتوني أهب فيها.. وأنتو عارفين زين إنها عيت تروح للحفل!!


البنية ارتاعت مني.. حرام عليكم اللي سويتوه فيها وفيني!!


لو صار فيها شيء ماراح أسامح نفسي ولا أسامحكم!!



حينها التفت له زايد وهو يهتف بحزم غاضب مثقل بالوجع:


لا تحملنا أغلاطك وأنك ماتعرف تتصرف لا أول ولا تالي..


زين وقلت لك إنها عيت تروح الحفل.. وش الفايدة؟؟


بتقول عيت منه مثل ماخلت الطيران.. عشانها تبي كذا !!


حرقتوا قلبي أنت وإياها على ذا الحال والجفا!!


تعبت منكم وعشانكم... بغيتك تروح تكلمها.. تستفسر منها.. تفتح باب حوار..


مهوب تهب فيها لين صارت كذا!!


لولا إنك ولدي.. وإلا كان قلت حسبي الله ونعم الوكيل فيك!!


ذبحتها أول وتالي!!



زايد أنهى عبارته الموجوعة الغاضبة ثم عاد إلى مقعده بجوار مزون الذي له يجلس فيه أكثر من ساعة وهو يلتزم الصمت ويحتضن كفها بين كفيه..


قبل أن ينفجر بالسؤال في ابنيه!!



كان ينظر بحزنه العميق إلى ذبولها الظاهر.. الهالات تحت عينيها.. مظاهر لم تتكون من يوم أو يومين..


بل كانت تذوي أمامه منذ سنوات.. ويشعر أن روحه تذوي معها وهو عاجز عن رد روحها إليها..


كان يعلم أنها تحب كساب أكثر منه.. من صغرها وهي تحبه أكثر منه!!


لم يعتب عليها.. بل كان سعيدا بهما وعلاقتهما..


وما المشكلة أن يكون لديها أبوان لا اب واحد..؟؟


ولكن هذا الأب الثاني كان قاسيا فعلا!!


ولو كان فعلا أبا ماكان ليقسو كل هذا !!


ولكنه لا يستطيع أن يحاسبه على هذه القسوة..


فمهما كان روح الشباب جرفته بعيدا.. ولا يستطيع أن يمنحه تجربة وثقل مشاعر سنوات مازال لم يمر بها..


حاول طوال هذه السنوات الإصلاح بينهما ولكن مع عناد كساب بدا الإصلاح متعذرا..


ولم يتخيل أنه حتى يحدث الصلح هذا ما سيحدث لصغيرته..


يمد يده ليمسح على شعرها.. وروحه تنزف وجعا مصفى:



"سامحيني يا أبيش..


سامحيني.. ماهقيت إن ذا كله بيصير


ليته فيني ولا فيش يا الغالية!!


ليته فيني ولا فيش!!


يا أبيش لا تخليني!!


الحياة كلها متعلقة بأنفاسش فيها!!


وش حياة مافيها ضحكتش وصوتش؟؟


القبر أحسن منها!!"






**********************************







ثلاثة أيام مرت..


وحالها لا تحسن فيها!!


نائمة طوال الوقت.. كما لو كانت تهرب بالنوم!!


مع إن الطبيب توقف عن إعطائها المهدئات منذ اليوم الأول لأنها لم تعد للثورة ولا للصراخ..


وبدأ بإعطائها مضادات الاكتئاب.. لأنه يتبع الإنهيار غالبا إكتئاب حاد..



ومع ذلك طوال الوقت نائمة..


وأنا أبقى فقط أراقب ملامحها.. أنتظر أي ملامح لاستيقاظها..


وحين يحدث.. وتفتح عينيها..وتراني.. تفر من عينيها دمعة واحدة..


دمعة أشعر بها كمشرط مسموم يمزق مابقي فيني..


وكأنه بقي فيني شيء لم يتمزق من أجلها!!


ثم تعود لإغلاق عينيها والغرق في النوم..


وأنا أعود لمحاولات المراقبة!!



ألازمها طوال الوقت.. لا أغادر المكان إلا حينما يأتيها زوار نساء..



حينها أغادر مضطرا ولكني لا أبتعد حتى.. أبقى في الاستراحة وأطلب من خالتي أن تتصل بي فور مغادرتهن..


وإن أطلن البقاء أحرق خالتي بكثرة اتصالاتي!!


أخشى أن تفتح عينيها أو تصحو أو تتكلم وأنا غير موجود..


أريد أن أكون أول من يسمعها حين تتكلم!!



يا الله هل كان يجب أن يحدث كل هذا حتى أعلم أنني لا أستطيع أن أحيا في العالم بدون وجودها..


ما الجديد كنت أعلم ذلك حتى وأنا غاضب منها!!


ولكن هل كان يجب أن أشعر أن هذا الوجود مهدد حتى أصحو من غيبوبة الغضب ؟؟





*********************************







أربعة أيام مرت..


في الليلة الأولى حين خرج من عندي


لم أستطع النوم مطلقا.. ومازلت في نوم متقطع مليء بالكوابيس والقلق..


حين خرج.. أعترف أنني تمنيت في داخلي..


لو ركضت خلفه وأعدته..


شعرت أن مرارته كانت تخنق روحي..


ولكني منعت نفسي.. قلت لنفسي لابد أن أصلح مابيننا .. وأصلحه هو!!



لم أعلم أنه غير قابل للاصلاح وأنه مملوء بالأعطاب..


ماكان يدريني بما حدث بينه وبين شقيقته.. كيف أعلم أنه كان بحاجتي فعلا؟!!


كيف أعلم بشيء وهو من كان يتباعد ويقسو ويجرح!!



أربعة أيام مرت


لا أراه فيها إلا عند شقيقته حين أذهب لزيارتها.. أو حينما يأتي لللاستحمام وتبديل ملابسه فقط!!


وفي كلا الحالتين يتجاهلني وكأنني غير موجودة!!


ويبدو أنه اعتاد لعبة التجاهل حتى اتقنها!!


أولا مع أخته.. ثم معي!!



عمي زايد أخبرني بكل شيء!!


كان الوحيد الذي شعر بي وأنا أدور في المنزل وحيدة.. ولا أعلم شيئا مما يدور حولي وكأنني لا أسكن معهم في نفس المنزل..


شاركني همه المتجذر الذي عاناه حتى غاص في أقصى روحه..


وشاركته همي الجديد الذي بدأ يغوص في روحي..


وكأنني أعرف هذا الرجل طوال عمري.. وكأن بيننا خيط مخفي من تفاهم يتجاوز حدود الكلام!!


ولكن كل منا كان يشبه الآخر أن هناك أشياء يخفيها لأنه يريد الحفاظ على خصوصية حياته التي يجب ألا تمس!!


فلا يمكن مثلا أن أعري زوجي وسلبياته ولا حتى أمام والده!!



وهأنا أطرق باب مكتبه حين علمت أنه عاد أخيرا..


هتف لي (تعالي يأبيش) يعلم أنه ليس هناك سواي في صقيع هذا البيت..!!



دخلت وأنا أحاول أن أرسم ابتسامة فاشلة لا حاجة لأحد منا فيها:


أشلونها مزون الليلة.. أنا جيت منها عقب المغرب.. كانت على حالها..



هتف بحزن عميق: وأنا توني جيت منها.. وعادها على حالها..


حاولت في كساب يروح معي بس مارضى!!



فهتفت له بسكون: جاء عقب العشاء بدل ملابسه ورجع المستشفى..




لأعود وأتذكر عودته الليلة..


كان يبدو مرهقا تماما..ذابلا.. عارضاه يحتاجان الترتيب..على غير أناقته البالغة أقصاها دائما!!


تمنيت حينها لو أستطعت أن أضمه لصدري..


لم أتخيل أنني قد أراه يوما هكذا.. قد تكون ثلاثة أسابيع مدة قصيرة جدا لتكوين فكرة عن أحدهم..


ولكن اعتداده بنفسه فكرة تكونت منذ اليوم الاول!!



لا أستطيع مطالبته بقرب أذوي إليه من أجله هو.. مادمت قد رفضت أن اكون جواره حين احتاجني..


مادامت الظروف عاكست وكل التوقيتات كانت خاطئة فهل أستطيع إصلاح ما أراد الله عز وجل أن يحدث؟؟



الليلة نهضت لأحضر له غياراته.. ولكنه نهرني بقسوة: أعرف أخذ ملابسي بروحي..



عدت وجلست مكاني.. لا أنكر هذا الألم العميق المتسلط على روحي ومع ذلك هتفت له بحزم:


تراني ما أعرف الغيب.. ودامك تعاملني بذا الغموض وانعدام الشفافية بيننا..


فاشلون تبيني أعرف خفاياك..


تصرخ علي وتجيني وأنت مدخن.. وعقبه تقول تعالي جنبي..



فرد علي بحزم مرعب وهو يرتدي ملابسه: مافيه داعي نحكي في موضوع تافه ماله قيمة..


أما التدخين فنذر لله علي ماعاد يطب حلقي لين أموت إذا ربي شافى مزون..


عشانها هي بس.. مهوب عشانش !!



كم صفعة وجهها لي خلال عبارته القصيرة هذه؟؟


تحقير.. ومهانة.. وقسوة.. وإذلال..



في أحيان كثيرة أجدني أفكر بالهروب من كساب وبيته قبل أن يصل امتهانه لعمق روحي التي ماعتادت أبدا قبول مثل هذا التعامل..


ولكن أجدني أعود لأقول إن هذا تصرف لا يليق لا بتربيتي ولا بشخصيتي ولا بكوني ابنة أصول..


فبنت الأصل لا تتخلى عن زوجها في ظرف مثل هذا..!!


أنا حتى أهلي حين سألوني عن مرض مزون قلت لهم مجرد حمى.. فلست من تخرج أسرار بيتها..



وهأنا الآن أتلهى بالإعداد لزواج تميم الذي لم يبق عليه سوى يومين وأنشغل فيه حتى أقصى طاقتي!!



أخرجني من أفكاري صوت عمي زايد العميق: الله ماخذ عقلش يأبيش..يتهنى به


هاش اخذي!!



انتفضت بخفة وأنا أراه يمدني بورقة مطوية: وش ذا يبه؟؟



أجبني بمودة: هدية صغيرة عشان عرس تميم.. أكيد أنش تبين تجيبين هدية لمرت أخيش.. وعندش مصاريف


أنا داري إن كساب ماكان نسى مثل ذا الشيء.. بس دام موضوع مزون شاغله ماظنتني إنه تذكر..



قفزت وأنا أهتف باستنكار: والله العظيم ما أخذ منك شيء.. كساب مايخلي علي قاصر.. وأنا أساسا عندي فلوس.. جعل خيرك واجد!!



لا أعلم لماذا ابتسم حينها بحزن وهو يقول: جعل كساب يعرف قيمتش قبل يفوت الوقت..


مشكلة كساب مايعرف غلاة الشيء لين يفقده!!







******************************






" حبيبي تكفى ترخص لي!!


سميرة تعبانة وتعبت أمي "



صالح برفض: أمسي عندها الليلة اللي قبل العرس.. بس من الحين لا..


مهوب كافي إني أني رخصت لش تنامين عندهم ليلة العرس بعد


عشان ما تخلين أمش


بس من الحين معناها أربع ليالي وأنا بروحي ..



نجلاء برجاء: وأنت بتحسب الليلة بعد.. خلاص الحين صرنا الساعة وحدة في الليل.. ماعاد تنحسب..



صالح بحزم: دامها ما تنحسب ليش تبين تروحين ذا الحزة.. روحي لهم بكرة.. واقعدي عندهم طول اليوم..



نجلاء برجاء أشد بدأت تستخدم فيه سلاح غرغرة الصوت بالدموع:


تكفى حبيبي أمي اتصلت لي تقول تعالي.. وغانم هو اللي بيجيني!!



صالح هز رأسه بتأفف: صدق دموع تماسيح.. بس تعرفيني على طريف وما استحمل دموعش..


شِين المرة لا عرفت غلاها..


يا الله قدامي أنا اللي بأوديش.. جعل يسقى إذا خلصنا من موال سميرة وعرسها


وفضيتي لي بروحي!!




.


.


.




" يالله قولي لي وش آخر خبالش


خليتي منظري سخيف قدام صالح وأنا هالة الدموع عنده مثل البزران عشان يخليني أجي"



حينها رفعت سميرة وجهها المحمر الغارق في دموعها عن المخدة لتدفنه في حضن نجلاء الجالسة جوارها..


لتشعر نجلاء أن حرارة دموعها اخترقت ملابسها وأغرقت فخذيها.. حينها همست لها بحزن فعلي:


ياقلبي لا تقطعين قلبي.. قومي كلميني..


أدري كل البنات يبكون قبل عرسهم.. بس أنتي حالتش بزيادة..


قولي لي وش اللي مضايقش؟؟



همست سميرة بصوت متقطع مختنق ووجهها مختبيء في حضن نجلاء وكأنها تحادث نفسها:


أقول لنفسي هو حلو وعيونه حلوة وابتسامته تذبح..وأحلى مني..


لكن غير عن المظاهر اللي ماتهم.. فيه شيء في روحه كان يشدني..


شيء كان ودي أوصل له وأسكنه..


لكن الحين أحسه بيسكر كل شيء في وجهي..وماراح يتقبلني!!



نجلاء تربت على ظهرها بحنان: سمور ياقلبي.. ما ظنتي تميم عقله صغير وزعلان من سبت الحادث هذا قضاء وقدر..



سميرة بحزن: وأنا وش يدريني إنه مهوب زعلان.. أشلون أعرف.. أشلون بنتفاهم.. حتى الكتابة يمكن مايقدر يكتب لي!!



حينها همست لها نجلاء بحزن أعمق: المفروض هذا أول شيء فكرتي فيه قبل توافقين عليه.


مهوب تفكرين فيه قبل عرسش بيومين!!







**************************************







" العريس وش يفكر فيه؟؟"



تميم يشير لوضحى بسكون : ولا شيء!!



حينها أشارت وضحى بابتسامة: زين إن هم خففوا جبس يدك اليمين قبل عرسك..


الجبيرة هذي خفيفة واجد.. ماراح تبين حتى من تحت الثوب..


وصرت حتى تقدر تحرك يدك وأصابعك مع الجبيرة.. يعني هانت..



لم يجبها بشيء وهو يتشاغل بأوراق على مكتبه..


حينها أشارت له وضحى بحنان: أنت وش شاغل نفسك فيه.. خلاص نام..



أشار لها بهدوء: شوي.. عندي كم شغلة أبي أسويها عشان الشغل بكرة..



وضحى أشارت بذات الحنان: خلاص ياقلبي بسك شغل.. صار لك أسبوع هالك نفسك شغل..



تميم أشار بحزم: ووش اللي تبني أسويه.. أخلي شغلي عشان عرسي قرب..



وضحى بابتسامة: أبيك ترتاح شوي بس!!


ثم أردفت بخبث لطيف: تدري تميم أنا مستغربة أنك ما سألتني عن شكل سميرة أشلون صارت عقب ماكبرت..


ماعندك فضول!!



حينها أشار وعلى وجهه ترتسم ملامح مرارة غريبة: وليش أسال وأنا شفت بعيني!!



وضحى عقدت حاجبيها: متى شفتها؟؟ وأشلون؟؟



تميم بذات المرارة: حرمنا المصون ماكانت حاطة صورها على اللاب لما جبتيه لي أصلحه؟؟؟



حينها انعقد حاجبي وضحى أكثر: بس أنت قلت لي أنك ماقلبت في الصور!!



أجابها بغضب: وأنا ما أكذب.. وفعلا ماقلبت فيها.. بس الشيخة سميرة كانت مخلية خاصية الصور بحجم كبير..


أول مافتحت نطت لي الصور وبحجم واضح.. سكرتها على طول..


ثم أردف بمرارة شديدة العمق أشبه بالغصة: مادققت أبدا في الملامح..


بس طبعا سكرت عقب ماصقعني بياضها غير الطبيعي ونحرها كله مكشوف..



حينها شعرت وضحى بشيء غير طبيعي في مرارة إشاراته.. لذا أشارت بدفاع مستميت:


هذي كانت صورها في عرس.. وسميرة من كثر ماهي حريصة ماتخلي المصورات يصورنها.. أنا اللي كنت مصورتها..


وكان مفروض إنها بس بتنزل الصور على الجهاز عشان تطبعها.. مهوب ذنبها إنها نستها..



أشار لها حينها بعدم اهتمام يخفي خلفه وجعا شاسعا: إيه صح.. كلامش كله صح!!







****************************************






أربعة أيام مرت


وهو يتجاهلني تماما.. يبدو أنه تعب من تمثيل دور العاشق الكاذب..


وكم بات يريحيني هذا التجاهل..!!


مادام يتجاهلني فأنا لا أوذيه وهو لا يؤذيني.. ونحن نعيش فترة من السلم..


كلا منا لاه في حياته وكأننا محض زميلي سكن..


هو في عمله ومع أهله وابنه.. وانا أيضا مع أهله وأهلي وابني



يأتي لغرفتنا ليرتاح.. يستحم.. يستبدل ملابسه وينام في الليل..دون أن نتبادل أي حديث إلا في أضيق الحدود ومن أجل حسن فقط!!



حتى أني هذه الأيام لا مانع لدي من الاهتمام بملابسه وأغراضه مادام يريحني من كلامه ومن فرض نفسه علي جسديا وروحيا..


وكأنني بهذه الطريقة أوجه له شكري على تجاهله لي..


بقدر ماكرهت تجاهله لي في زواجنا الأول... بقدر ماأحببته في زواجنا الثاني!!


.


.


.




تعبت من تمثيل دور التجاهل بينما أنا أحترق


ما أشبه اليوم بالبارحة!!


هأنا أعود لتمثيل التجاهل كما كنت أفعل في زواجنا الأول..


ولكن الفرق أنني هناك كنت أتجاهلها لأمنع نفسي من الاقتراب منها..


ولكن الآن كيف أتجاهلها وأنا أريد أن أكون أقرب لها من أنفاسها..



مرهق ومتعب لأبعد حد..


ماعدت حتى قادرا على النوم..


وأنا أتقلب على أريكتي وأحترق شوقا لضمها لصدري!!


في الوقت الذي تبدو هي مرتاحة لهذا التجاهل.. لدرجة أنها ماعادت تصفعني بكراهيتها..


بل وترتب كل مايخصني بدقة..


وكأنها تقول لي.. مادامت بعيدا عني فأنا بخير!!



ولكن أنا لست بخير.. لست بخير!!


لا أعلم كيف استعبدني حبها بهذه الطريقة..!!


أعترف أني أشعر بالضعف أمامها..


كان لدي آمال شاسعة أن وهج حبي سيطفئ نار كراهيتها..


ولكن لم أعلم أن الكراهية تعمقت في روحها حتى طبعتها بطابعها..



مازلت حتى الآن آمل في ذلك.. فحبي لها أكبر من كل شيء


ولكن كيف أحقق ذلك إن كان التواصل مفقود بيننا


أكره أن أفرض نفسي عليها..


ولكني ماعاد بي صبرا ولا طاقة لاحتمال بعدها عني!!





.


.


.



ربما أن فترة التجاهل هذه جعلتني أصفي الذهن حينما أرى عبدالله وتصرفاته


سابقا بسبب اندفاعه نحوي في تعبيره عن مشاعره المزيفة


كنت في موقع دفاع دائم..


لكن أجدني الآن أراقب تصرفاته باستغراب..


وأكثر ما بات يثير استغرابي هو تعامله مع حسن!!


يعامله بخبرة واحتواء حتى أكثر مني!!


وبقدر مابات الأمر يؤلمني لأني لأ أريد أن يتولى مسؤوليات ابني أحد غيري


بقدر ما يثير استغرابي لأبعد حد..



قد اتجاوز صبره على مرافقته الطويلة.. وحتى اطعامه له دون يوسخ ملابسه


رغم أن كلا التصرفين ليست من ملامح صبر الرجال هنا ولا تعاملهم


ولكن ما استغربت له بالفعل..


أنه قبل عدة أيام حين ذهبت للسلام على كاسرة..


رفض أن أخذ حسن معي وقال أنه لا يحب أن أخذه لزيارات نساء فقط مادام لايوجد عندهم أطفال من سنه ليلعب معهم..


لأنه معنى ذلك أنه سيبقى طوال الوقت يستمع لأحاديث النساء..


اهتمامه بهذه التفاصيل غريب..


ولكن الأغرب ماحدث تاليا..


كاسرة أصرت أن أبقى للعشاء رغم محاولاتي للتفلت من أجل موعد نوم حسن..


ولكني لم أستطع التفلت منها.. شعرت بالحرج فجلست


كنت قلقة أنني سأعود وأجد حسن قد التهم الكثير من الحلويات..


والطاقة وصلت حدها الأقصى عنده.. وسأعاني حتى أجعله ينام لأنه تأخر عن وقت نومه!!


وحتى إن نام فهو سينام بملابسه ودون أن يستحم أو يغسل أسنانه..



ولكن الغريب أنني حين عدت..


وجدته نائما.. وبجواره عبدالله يعمل على جهازه المحمول وبعض الأوراق!!


حين انحنيت لأقبله كان شعره تفوح منه رائحة الشامبو.. مسرح.. وهو يرتدي بيجامته..


لم أسأل عبدالله عن شيء.. ولكني بداخلي تصاعد الضيق لأنه كان كل ظني أن الخادمة هي من حممت ابني.. وأنا لم أكن أرضى بذلك..


عدا إن ادخال عبدالله للخادمة غرفتي وفي غيابي.. بدا لي قلة تهذيب منه وتقليل مقصود لاحترامي..


ولكن حين دخلت الحمام.. كان الحمام غير نظيف.. والملابس مازالت في السلة..


استغربت كيف تحممه.. ثم لا تأخذ الملابس للغسيل وتنظف الحمام..


وحينها لم أستطع الصبر للصباح توجهت لها وسألتها..


قالت لي أنها لم تدخل غرفتي مطلقا ولا تعلم من حمم ابني..


حينها سألت عالية بشكل غير مباشر.. قالت أنها وصلت للتو فهي كانت تتعشى مع نايف..



حينها سألت عبدالله وانا أحاول أن أتشاغل بترتيب بعض الأشياء وبنبرة عدم اهتمام..



قهرني حين أجابني ببرود: بدل اللفة الطويلة اللي سويتيها وأنتي ماخليتي حد في البيت ماسألتيه.. كان سألتيني على طول!!


أنا اللي سبحته .. وإلا عندش مانع بعد؟؟!!



وتكرر الأمر مرة ثانية حين ذهبت أنا وعالية قبل يومين لسميرة للسلام عليها وإعطائها هديتها!!



من أين أتي بخبرة هكذا؟؟ صالح الذي هو أب من قبله وابنائه بين يديه منذ ولادتهم.. لا يتصرف هكذا!!



أصبح شاغلي هذه الأيام مراقبة تصرفاته مع حسن.. أكاد أجزم أن خبرته أحسن مني حتى..


في ملابسه وأنواعها.. في أعراض الأمراض والأدوية.. في طرق التعامل والتربية!!


بل أنه البارحة كان يهتف بعفوية وهو يلمس بيجامة حسن:


بيجامات البرزان هنا خايسة.. صديقي فيصل جاي قريب..


بأوصيه يجيب لحسن بيجامات من ماركة ممتازة.. ناعمة ومهما انغسلت ماتخرب..


ويجيب له بعد أدوية حرارة.. وخليها في الثلاجة..


أدوية الحرارة حقت البزران هناك ممتازة..




ألا يصيب هذا بالجنون؟!!


يحممه.. يطعمه.. لا بأس..


ولكن من أين يعرف لأنواع البيجامات.. بل ولتحولاتها بعد الغسيل!!


أفكار عديدة بدأت تغزو رأسي..


ولكني أحاول إبعادها..


أ .. أ... أيعقل أن ....؟؟؟


هو لا يهمني.. ولكني لن أسامحه.. أن ترك حسن بعد تعلق فيه هكذا!!








**********************************






رأيته عدة مرات الأيام الماضية..


وهو يزور ابنة شقيقه..



يلقي تحيته الجافة التي بات يعتز بها كثيرا في الفترة الأخيرة..


وأتسائل أين هي نبرته الدافئة التي كانت تذيبني!!



كم يجمع هذا الرجل من المتناقضات!!


وكم هو متعب حتى استنزاف الروح..!!



قد يكون كلا منا الآن مشغول بوضع مزون أكثر من اهتمامنا بأنفسنا!!


ولكن ما الذي يمنعه أن يتعامل معي بصورة طبيعية؟!!


لا أعلم لِـمَ هذا التجاهل وهو بالكاد يلقي التحية ثم يسألني كأنه يتكرم علي:


كيف حالك؟؟ .... وفقط



وإن كان بيننا خلاف.. فنحن زوجان.. وناضجان.. ونمر بظرف أسري طارئ!!


ما الذي يمنع أن يحادثتني كما يحادث أي أحد.. وليس بكوني زوجته!!



حين يجلس بجوار مزون.. وأنا أعلم انه اختار المكان الأبعد عني..


أحاول أن أتشاغل بأي شيء عن النظر له..


ولكني لا أستطيع.. كما لو كان هو بؤرة الضوء في المكان..


لم يغلق زراره العلوي.. يعلم أنني أكره ذلك لأن عضلات أسفل رقبته تبدو واضحة..


ومع ذلك يتعمده.. ربما نسي!! بل تعمد إغاظتي!!



أنظر لساعته.. لقلمه البارز من جيب صدره..


قلت له مرارا.. أن هذا القلم لا يتناسب مع هذه الساعة..


وفي كل مرة كنت أعيده وأحضر له قلما آخر.. وهاهو يحضرهما معا!!



قد يبدو كل ذلك سخيفا.. ولكن لمن هي مثلي!!.. كل إشارة سخيفة ستزدحم بالتأويلات حتى تتفجر!!


كما لو أنه يرسل لي رسالة.. أنه مستغن عن وجودي في حياته..


كما استغنى عن كل ماكنت أحرص عليه في مظهره!!



.


.


.



أسأل نفسي: هل أبدو كشاب مراهق غبي!!


وهل من حولي يلاحظون؟!!



قد أكون مشغولا تماما ومهموما بموضوع مزون..


ولكن لا أستطيع أن أخدع نفسي وأنكر أن جزءا من أسباب زياراتي الكثيرة لمزون.. حتى أراها هي!!



أراها ذابلة مرهقة.. يبدو أننا كلنا نضغط عليها.. الكل يريد حقه منها..


سواءا أنا أو ابناء أخي..


تبدو مثقلة بالهموم بنظرات عينيها الشاردتين!!



أسألها بجمودي الكريه: كيف حالكِ؟؟ ثم أصمت..


بينما أنا أحترق رغبة أن أسألها بالتفصيل عن كل شيء!!


عن كل مافعلته وتفعله في غيابي!!



أدعي أنني لا أنظر لها.. بينما أنا أتصيد النظر لها..


وأكثر ما أنظر له بطنها.. حين أراها وقفت.. هل كبر؟؟ هل مازال زايد الصغير متعبا؟؟



لأشعر حينها أن يدي ترتجف رغما عني.. فقد اعتدت دائما أن أتحسس بطنها وأنا أعقد حوارا طويلا مع ابني أخبره فيه بعشرات الحكايات..وأنا أستمتع برنين ضحكاتها العذبة!!



كم حلمت أن أكون معها حين يتحرك للمرة الأولى!!


ولكن يبدو أن حتى حق الحلم سُلب مني!!






#أنفاس_قطر#


.


.


.



وهذا أنا قررت اليوم أعفيكم من القفلات..


والبارت الجاي خلاص عرس تميم وسميرة


ونشوف تطور حالة مزون


.


.

#أنفاس_قطر# 17-10-10 07:37 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث و الخمسون
 
(على ماينزل البارت تراني صار لي أحاول من شوي ينزل سامحوني لو تاخرت شوي)




بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياهلا والله بالكل وحياكم الله والله لا يخليني من إطلالتكم وعطر خطواتكم جميع


.


.



الغوالي اللي قالوا أنني أحدثت تغيير مفاجئ في أسلوبي حين جعلت الشخصيات تتحدث عن مشاعرها بلسانها


لا أعلم من أين أتت كلمة مفاجئ هذه؟؟


رغم أن هذا هو الأسلوب اتبعته في الجزء الثلاثين مع جوزاء مرة ومع عبدالله عدة مرات..


وفي أجزاء قبلها وبعدها كنت أستخدمه حين تدعو الحاجة


مثل صالح لما كان يتكلم عن فترة عودة نجلا له


يعني لما تدعو الحاجة أستخدمه .. فليش استغربتوه هالجزء يا نبضات قلبي؟؟ :)


يعني في هذا الجزء.. حسيت إنه لو كل شخصية تكلمت عن نفسها


المشاعر بتوصل لكم بدقة أكبر..عشان تعرفون وش كثر أفكارهم متعاكسة!!


ولما أحس إنه بيفيدني في توصيل الفكرة باستخدمه.. مثل ما بتشوفونه في أحد مواقف بارت اليوم إن شاء الله


.


.


تفسير ثورة مزون ونومها


يمكن كنت طرحت تلميح لتفسير


لكن لنقل إن التفسير شيء آخر أردتكم أن تتفاجأوا به


شيء يشبه شخصية مزون لا شخصيتي ولا شخصياتكم


أتمني يعجبكم


.


اللي استغربوا إنه كاسرة تتعود على زايد..


يمكن ماجبت مشاهد بينهم


بس هي الحين صار لها أسبوعين في بيتهم أسبوع قبل حالة مزون وأسبوع بعدها


والأسبوع الثاني كانت بس هي وهو


فأكيد لازم يتوالمون.. وخصوصا إنها بررت إنها كأنها تعرفه طوال عمره


وأنا قصدت كذا بالفعل


.


أما عن قسوة الرجل العسكري


فأنا من قرايبي القراب واجد من السلك العسكري ومافيه أحن من قلوبهم في العالم كله


ومنهم اللي مافيه أخف من دمه ولا أطيب من قلبه


لكن خل حدة الشخصية ضرورة قصصية وليس القسوة لأني ماجبتهم متحجرين قلوب ولا متوحشين..


.


.


غــســق


عظم الله أجرك في جدتك.. ويجعلها آخر الأحزان يارب


.


يا بنات ادعوا لولد أم عزوز بالشفاء


الله يشفيه ويمن عليه بالعافية ويفرح قلب أمه بسلامته قادر كريم


.


يالله الجزء 53


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والخمسون







" كساب الله يهداك.. روح لشغلك.. أنا بقعد عندها..


ولا صار أي تطور في حالتها.. أو عدك أتصل فيك فورا"



كساب ينظر لعلي ويهتف برفض قاطع: لا.. ماني برايح مكان..


وشغلي ماعليه شر.. هذا الشباب يكلموني إذا احتاجو شيء..



حينها همست عفراء بنبرة مثقلة بالتعب: زين منت برايح لعرس نسبيك الليلة..


مايصير ما تروح يأمك..



أجابها كساب بحزم: إلا بأروح.. بأبارك له وأرجع..


ثم أردف بحنان: أنتي اللي روحي للبيت.. مايصير تصلبين نفسش كذا خالتي..



عفراء برفض مغمور بالحزن: لا فديتك.. دخلت هنا أنا ومزون سوا.. وبنطلع سوا..


كاسرة أصلا عجزت ترجاني أروح وهي بنقعد مارضيت..


ثم أردفت عفراء بابتسامة مرهقة: وإلا لا يكون هذا قصدك.. تبيني أروح عشان المدام تجي تقعد عندك وأنت لك أسبوع مخليها..



كساب لم يرد عليها حتى..


بينما كان علي من علق وهو يهتف بتلقائية:


تدرون أني استغربت إنه مرت كساب في البيت.. حسبتها في بيت أهلها..


توني دريت إنها موجودة اليوم رحت أبي الخدامة تعطيني الريوق أجيبه لكم..


لقيتها في المطبخ تشوف ترتيبهم للريوق..



حينها هتف كساب بغضب مفاجئ: وأنت دخلت عليها المطبخ؟؟



ابتسم علي: عدال لا ينقطع لك عرق.. مادخلت عليها سمعت صوتها ورجعت.. وناديت الخدامة


ثم أردف بنبرة خبث لطيفة: ودامك رجال تغار..وماتبي حد يشوفها..


ماخفت على مرتك وهي بنية في بيت كبير بروحها.. وأنت حتى ما تنام عندها..


مافيها شيء لو أنت قلت لها نامي في بيت هلش دامك لاهي عنها.. وكل اللي في البيت لاهين..



كساب بغضب: قلتها قبل وأعيدها.. مالحد دخل في تصرفاتي مع مرتي..



علي بذات الابتسامة التي تحولت للجدية: والله كلمة الحق بأقولها.. لو مرتي مكانها مستحيل أخليها بروحها والبيت فاضي عليها..


خاف ربك في مرتك ياكساب.. ترا حتى اللي مايشوف.. بيشوف أنك ماتعاملها بما يرضي الله..



حينها هتف كساب بحزم مرعب: علي اقصر السالفة.. ومرتي مالك شغل فيها..



عفراء تهمس بنبرة تهدئة لكساب: يأمك وش فيك شبيت.. أخيك ترا ماقال إلا الصدق.. ويبي لك الخير..



كان كساب على وشك الرد.. حين اقتحم أجواءهم الصوت الضعيف:


يبه.. يبه..




كساب انتفض بعنف وهو يلتفت بحدة لمصدر الصوت.. كانت مازالت مسبلة العينين وعلى ذات وضعيتها النائمة..


كساب هتف بخفوت مبحوح وكأن صوته كله ذهب من شدة الترقب واللهفة:


علي اتصل في ابي خله يجي الحين.. أساسا هو تو رايح.. مابعد بعّد!!



اقترب بخفة وهو يجلس جوارها ويهمس لها بكل حنان العالم ولهفته المجروحة


ترقب أيام وليال متطاولة امتدت لقرون:


مزون ياقلبي.. أنتي صحيتي؟!!



حينها شعر بهمساتها كما لو كانت سهاما من سعادة اخترقت روحه المثقلة باليأس: يبه.. يبه!!



كانت تنادي بضعف ودون أن تفتح عينيها كساب التفت لعلي وهو يكاد يجن من سعادته: علي تكفى خل ابي يأتي بسرعة



يد علي ترتعش على الهاتف وهو يضيع مكان الأزرار ويهتف بتأثر: هذا أنا اتصل لا تربشني..



بينما عفراء جلست وهي تضع يدها على بطنها لأنها شعرت بثقل كبير في جسدها كله..


كانت الايام الماضية مرهقة تماما لها جسديا وروحيا!!



مزون لم تعد مطلقا للنداء أو الهمس.. بينما الجميع يشعرون أن الدقائق تمر متثاقلة بطيئة.. وهم في انتظار زايد..


كساب مازال يجلس جوارها وهو يكتف نفسه وكل مايخشاه أن تكون هذه الهمسات همسات عابرة وتعود لحالتها التي أضنت روحه..



" يالله يا كريم أنك تمن عليها بالعافية من عندك..


لو قعدت على ذا الحال..


ما أعرف أنا أشلون بأعيش وأتعايش مع الوضع!!"




زايد دخل وأنفاسه تعلو وتهبط وهو يهتف برعب جازع: وش فيها مزون؟؟ وش فيها؟؟



علي بقلق: كانت تدعيك يبه!!



كساب وقف ليجلس والده مكانه ودون أن يتكلم.. يشعر أنه لا طاقة فيه للكلام والترقب يستنفذ كل طاقته..



زايد جلس جوارها وهو يمسك بيدها ويهمس لها بحنان متألم وهو يشعر بقلق عميق ألا ترد عليه.. لأنه اُستنزف وهو يناديها الأيام التي مضت دون مجيب:


مزون يأبيش.. أنا هنا..



حينها فقط فتحت عينيها.. وكأنها كانت تنتظر وصوله.. ولا تريد أن تفتح عينيها إلا على وجهه.. همست بضعف:


هلا فديتك.. كنت أتناك من زمان.. ليه ماجيت؟؟..



قبل جبينها وهو يشعر برغبة عميقة للبكاء لفرط سعادته: وهذا أنا جيت يأبيش..



همست بتثاقل: رأسي يوجعني.. كم صار لي راقدة؟؟



هتف بكل حنان العالم: رقدتي واجد.. واجد يابيش..



همست بذات التثاقل ولكن بنبرة مغرقة في الوجع: تدري يبه كني سمعت كساب وشفته هنا..


بس عقب قلت أكيد أتحلم.. كساب وش بيجيبه عندي!!



حينها تقدم من كان يقف خلف والده وقلبه يكاد يتوقف من شدة سعادته التي غمرت كل جوانحه حتى أقصاها..


ليهمس بحنان عميق: وكساب صدق هنا!!



حينها ارتعشت بعنف وهي تغلق عينيها بقوة.. حينها اقترب كساب حتى وقف جوارها مباشرة..


شد على يدها بقوة حانية وهتف بحنان تغلفه نبرة الحزم:


زعلانة علي.. افتحي عينش وحطيها في عيني.. وقولي إنش زعلانة وخلينا نتكلم.. لا تهربين..



همست بصوت مختنق وهي مازالت تغلق عينيها: تبي تعاتبني أني أهرب..


واحنا اصلا عايلة هذا أول شيء تسويه.. أنت هربت وعلي هرب.. كلكم كنتم متفشلين مني وهربتوا مني..


ابي هو الوحيد اللي ماخلاني ولا هرب مني.. ما أبي أشوف حد غيره..



هتف كساب بذات النبرة الحازمة الحانية: حن يوم قررنا نهرب على قولتش


كان قرار والتزمنا فيه.. وماغمضنا عيوننا وحن نسويه..


افتحي عيونش وقولي إنش ماتبين تشوفيني!!



حينها فتحت عينيها بتردد.. وعادت لإغلاقها بسرعة وهي تراه يقف أمامها بإرهاقه المتبدي في كل تفاصيله.. نظرة العينين الحانيتين اللتين افتقدهما حد الوجع


جبينه المعقود بحزم كالعادة..


هتف لها بأمر مباشر: مزون افتحي عيونش..



لتفتح عينيها دون تردد.. ويصبح الاثنان هما بؤرة المشهد والبقية يراقبون بأنفاس محبوسة..


فهم كانوا يشاهدون مجبرين طيلة السنوات الماضية هذا الفيلم المؤلم الذي لايريد الانتهاء..


وهاهي النهاية توشك على طرق الأبواب مع كل توجس العالم كيف ستكون هذه النهاية؟؟



فتحت عينيها بينما اقترب منها لينحني عليها ويدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها


ويجلس جوارها على طرف السرير وهو يسندها


لأنه يعلم أنه إن أجلسها وتركها فقد تهوي لطيلة فترة نومها الماضية وتخدر جسدها..


والسبب الأهم أنه لا يريد أن يتركها بل يريد أن يحتضنها قريبا من قلبه..


وكم اشتاق لاحتضانها!!



وهي حين شعرت بدفء ذراعه التي أسندتها.. وهي كانت تظن نفسها تحلم.. حلم خشيت أن تفتح عينيها وتجده تبخر.. دفنت وجهها بين كفيها وبكت


كانت تتمنى لو دفنت راسها في كتفه.. ولكنها خشيت ألا يستقبلها حضنه..



"فقد تعبتُ من آمال لا تحقق!!


تعبت من أيام وليال تطاولت وأنا أرهف السمع كل ليلة في انتظاره عله الليلة يطل علي!!


لتنتهي الليلة دون أن يتحقق حلمي سوي من دموع أذرفها على مخدتي.. التي اعتدت أن أبدلها كل أسبوعين..


لأنني أوقن أنها ما عادت تحتمل المزيد من الدموع.. وأنها ستنفجر تحت راسي لو حملتها أكثر... بينما أنا أحتمل!!


ومع ذلك بقيت أحلم.. ولم أتوقف عن الحلم!!


.


لكن حين انفجر بي.. شعرت أنه مهما انتظرت بعد ذلك فلن يتحقق حلمي


رفضت أن يقترب مني.. لأني لا أريد حضنا سأفقده للابد..


لن أحتمل أن أتذوق حضنه وأنا أعلم أنها المرة الأخيرة..


كانت كلمة المرة الأخيرة هي ماتطرق رأسي.. لا أريده.. إن كان سيحضنني لمرة وسيرحل..


كنت أشعر أن هذه اللحظة قادمة لا محالة..


كنت أشعر أنه ينتظر الفرصة ليترك البيت وينخرط في حياة مستقلة بعيدا عنا.. ويتناسانا..


وأحاول أن أنكر هذا الشعور وأبعده عن قلبي لشدة ماكان يرعبني..


أحتمل حتى بعده وتجافيه ولكن وهو معي في ذات البيت..


حتى لو سافر ..رائحته هنا.. ملابسه.. كتبه.. أشياء أتصبر بها على بعده..


ولكني من ناحية أخرى كنت أقول لو أراد أن يفعلها لفعلها من منذ زمن.. ودون اهتمام..


ولكن كنت أصبر قلبي وأقول أن كساب يهتم كثيرا لمظهره أمام الناس..


وخروجه ليسكن وحده سيثير الكثير من الأقاويل


ولكنه الآن وجد الغطاء المناسب


هاهو تزوج.. ثم اتخذ حفلا رفضت حضوره ذريعة ليهرب مني نهائيا..


وحتى يجد المبرر كله.. أعاد كل الذكريات المرة وفتح كل الجروح بيننا


ثم أتى يريد احتضاني لمرة.. لا أريد هذا الحضن الأخير إن كنت حُرمت حضنه للأبد..


لا أعلم ما الذي حدث بعدها.. نمت ربما.. ونمت طويلا...


لم أكن أريد أن أصحو من النوم.. لأني كنت متيقنة أنني حين أصحو سأجده رحل للأبد..


والغريب أنني كلما فتحت عيني.. رأيته هو.. لتفر دموعي رغما عني.. يبدو أنه لا يريد مغادرة أحلامي..


ما أجمل الأحلام إن كان هو فيها.. لأبقى إذن نائمة مع ذكراه..


.


ولكن رغما عني.. وجدتني أصحو لأنه مازال في الحياة من يستحق أن أقاتل من أجله..


من أجل زايد.. من أجله فقط استفقت..


زايد الذي لم ينبذني ولم يقسُ علي..


زايد الذي مهما ارتحل الجميع وتركوني فهو سيبقى معي


زايد الذي أعلم أنه من أجلي احتمل المرارة وقسوة الحرج وكل من حوله يعاتبونه..


زايد أبي وأمي وشقيقي..


ليرحلو كلهم.. فأنا وهو باقيان !!"



كساب شد كفيها ليبعدها عن وجهها وهو يهمس قريبا من أذنها بعمق أزلي:


إذا قلت سامحيني .. بتسامحيني؟؟..



ارتعشت بعنف وهي تشهق وتهمس باختناق: وش قلت؟؟



هتف بصوت أعلى قليلا: أقول أنا آسف.. تسامحيني؟؟


وإلا قلبش صار قاسي مثل قلب أخيش؟؟



عفراء رغما عنها بدأت دموعها تنهمر.. فالموقف كان أكبر من احتمالها..


بينما زايد وعلي وقفا في موقف المراقبة وتأثر عميق يهزهما هزا



حينها.. حينها..


حـــيــــــنـــــها..


أدرات مزون وجهها لتدفنه في كتف كساب.. وهي تنفجر في بكاء جنائزي..


الغريب عاد لوطنه..


والعصفور عاد لعشه..


والطفل عاد لأحضان أمه!!


يا الله كم هذا الشعور جميل ومؤلم وسامٍ!!



كساب احتضنها بقوة كما لو أنه يريد أن يعوض عما مضت من أيام باردة قاسية.. تحجرت مشاعره فيه لدرجة اليأس..


وهو يهتف لها بحنان موجوع: بس.. بس.. طالبش ماتبكين..



علي هتف بتأثر: والمسكين هنا أنا.. طلعت هربان.. ولا حد عبرني ولا حد حضني!!



مزون أفلتت كساب بخفة وهي تمد يديها لعلي.. علي اقترب ليحتضنها بحنو وهو يقبل راسها ويهتف بحنان شاسع:


الحمدلله على سلامتش يالغالية..


والله العظيم الدنيا من غيرش ما تسوى






**************************************







مضى لها حوالي أسبوع وهي تتهرب مني


وقبل هذا الأسبوع كانت تتشاغل عني..


تتشاغل بعشرات الأشياء..


حينا ترتب مع الممرضات الملفات


أو يعلمنها الفرنسية.. أو يعلمنها التطريز أو التريكو أو تنسيق الازهار..


وتقضي ماتبقى من الأوقات بين هذا كله..إن كان تبقى وقت.. في قسم الأطفال الذين يعانون ذات مرضها..


وخصوصا مع وجود طفلين عربيين في القسم كانت تقضي كثير من الوقت مع والدتيهما..



أنا سعيد جدا أنها خرجت من قوقعتها وتتفاعل مع من حولها.. وتبدو هي سعيدة بذلك إلى درجة الإشراق..


ولكن أنا أشعر بالوحدة فعلا.. فأنا حياتي الفترة الماضية تمحورت حولها.. وكنت مشغولا بها تماما..


أشعر كما لو كانت تستغني عني.. وهذا الإحساس يؤلمني لأبعد حد!!




ليتحول بعد ذلك كله تشاغلها الذي كان عفويا إلى هروب متقصد..


قد يكون الذنب ذنبي.. وإن كنت أرى نفسي غير مذنبا..



قبل أسبوع وجدتها تصنع لها شيئا بالتريكو.. سألتها ماهذا؟؟


فقالت أنها ستجرب فيني مواهبها الجديدة.. وتصنع لي شالا سيكون جاهزا مع اقتراب الشتاء..



حينها تناولت كفها بعفوية وقبلتها.. أو لأعترف وأقول أني لم أكن عفويا..ربما أطلت أو تعمقت..


ولكن ما السوء الذي فعلته؟؟ هذه زوجتي..


وتقبيلي كفها تعبير عن امتناني لما ستصنعه من أجلي.. شعرت أن في هذا نوع من التقدير لها..


والقبلة كانت لمجرد كفها لم أقبل خدها ولا شفتيها..


لذا صدمتني ردة فعلها الحادة.. وهي تبكي وترتعش وتطلب مني الخروج من المكان!!



ومن بعد ذلك لم نعد مطلقا للتناقش في الموضوع.. لا هي عاتبت.. ولا أنا اعتذرت.. لأني لم أرد فتح الموضوع مرة أخرى..



ولكنها من يومها بدأت تتهرب مني.. أو ربما هذا إحساسي.. لأن ماكانت تتشاغل به قبلا هو مايشغلها الآن..


كل شيء له من وقتها نصيب إلا أنا !!!





.


.


.




أريد أن أفرج عنه وأمنحه حريته..


فهو شاب يريد أن يكون مع شباب من سنه.. يلعب كرة القدم التي أعلم أنه مفتون بها..


يذهب للفرجة أو التسوق..


وبما أني أصبحت أحسن.. فلماذا لا أطلق سراحه؟؟


أعلم أنه تعرف على مجموعة من الشباب في جنيف.. يستطيع الذهاب وقضاء اليوم هناك..


لا أريده أن يشعر أنه مقيد بي وكأنه سجين عندي.. وخصوصا أنني وجدت عشرات الأمور التي تسليني وتشغلني..



مادمت سعيدة وأتسلى فلماذا لايكون مثلي!!


ولأعترف أنني بعد تحسني.. بدأت نظراته لي تقلقني!!


لم تعد نظرات خليفة المشفقة الحانية التي أدمنتها


ولكنها تتحول لشيء أعمق واخطر.. شيء يقلقني كثيرا..


وما أكد لي ذلك هو قبلته غير البريئة إطلاقا لكفي قبل حوالي أسبوع..


أعترف أني أصبت بحالة بكاء غير طبيعية.. وكأن خليفة الذي أعرفه غادر وتركني مع خليفة آخر لا أعرفه..


فخليفة الذي أعرفه واعتدت عليه لم يكن مطلقا ليتصرف هذا التصرف..


بدا قلق ما يتسرب لروحي.. قلق أقرب للخوف!!



وأعترف أني بدأت أشغل نفسي أكثر وأكثر.. والغريب والمضحك أن شهيتي مع العمل انفتحت أكثر وأكثر..


هذا الأسبوع ازددت كيلوين دفعة واحدة..


الاطباء استغربوا وبدأو يعيدون جدولة برنامج طعامي.. فهم لا يريدون أن تتحول حالة فقدان الشهية لفرط شهية..


وإنما يريدون إعادة التوازن لحياتي بشكل نهائي وطبيعي!!


لا أعلم كيف وأنا أشعر أن حياتي غير متوازنة!!






**************************************







"سميرة قومي يا بنت وش ذا النوم كله؟!!


لش أسبوع كنش قردة ماترقدين..


واليوم ما تبين تقومين"



سميرة تفتح عين وتغلق الأخرى وهي تهتف بنبرة ثقيلة غارقة في النوم:


نجلا تكفين بأنام ساعة وحدة بس


أنا أصلا كلت حبتين منوم.. لو سحبتيني بأنام عليش في الطريق..



نجلاء بغضب: لا بارك الله فيش من بنت..


وأنتي أشلون تأكلين منوم بدون ماتقولين لي..



سميرة لم ترد عليها لأنها عادت لتغرق في النوم.. نجلا كانت تدور في الغرفة بغضب وهي تكمل تجهيز بقية أغراض سميرة


وتهتف بغيظ: زين يا الخبلة.. زين.. اخمدي شوي لين أخلص باقي شغلي..


عقبه بأسحبش من شعرش للحمام.. وأفك الماي عليش..



ولكنها توقفت عن حركتها السريعة وعادت لتقف جوار سميرة النائمة وتنتحني لتمسح على شعرها بحنان وتهمس بشجن عميق موجوع:


ياقلبي ياسميرة.. ميتة من التعب وماعادت تعرف أشلون تريح جمسمها دام عقلها تعبان مايرتاح..


نامي ياقلبي.. نامي.. ريحي شوي..


الله يكتب لش الراحة والسعادة وين مالقيتي وجهش!!







**********************************






" كساب قوم روح لشغلك..


هذا أنا زينة.. وسمعت الدكتور بنفسك.. يقول اليوم بيسون لي فحوص شاملة


وبكرة بيطلعوني إن شاء الله


وابي وعلي راحو وأنت عادك قاعد"



حينها علقت عفراء بابتسامة أمومية دافئة: أصلا صار له على ذا القعدة أسبوع


لا راح للشغل ولا حتى للبيت..



حينها همست مزون بجزع: وكاسرة وينها؟؟



رد عليها كساب بحزم: كاسرة ماعليها شر.. في بيتها ولا عليها خلاف..



همست مزون بحرج: البنية عروس ما كملت شهر.. وأنت تخليها وتقعد عندي!!



أجابها كساب بحنو عميق وهو يميل ليقبل جبينها: الحمدلله اللي رجعش لي بالسلامة..


وأصلا لو قعدت عندش عمري كله ماكفرت عن اللي سويته!!



حينها همست مزون بحزن: لا تحمل نفسك ذنب.. هو ذنبي أنا..



كساب قاطعها بحزم: خلاص مانبي كلام في ذا الموضوع..



أجابته مزون برجاء شديد: زين إذا لي خاطر عندك.. طالبتك..


قوم روح لشغلك.. وعقبه لمرتك.. لا عاد ترجع هنا الليلة..



كساب باعتراض: بس..



مزون برجاء أشد: قلت طالبتك.. تعال بكرة الصبح عشان ترجعني البيت..







************************************







" من اللي بتروح معي الحين؟؟


أنتي وإلا وضحى؟؟"



كاسرة مشغولة بالتأكد من الأغراض الموجودة في الأكياس وتهتف بثقة:


الحين وضحى بتروح معش.. لأنها تبي ترجع تتسبح عشان ترجع تتزين مع سميرة في القاعة..


وهي بتشرف على الترتيبات الأخيرة..


وأنا اللي بأروح معش المرة الثانية عشان أشوف ترتيبات القاعة قبل تكمل


ثم بأرجع و بتجيني اللي بتزيني هنا.. وبأخلص قبل المغرب وأجي لش القاعة



مزنة بحزم: زين بتقعدين لين تلمين معنا أغراضنا آخر الليل؟؟ وإلا بتروحين لبيتش؟؟



كاسرة بثقة: لا بأقعد وبأرجع معكم هنا.. وبأمسي هنا الليلة..



حينها صرت مزنة عينيها بحزم: استأذنتي كساب زين؟؟



" حتى لو لم أستأذن..


لن يعلم أنني لم أنم في البيت حتى!!"


ولكنها هتفت بحزم: أكيد بأستأذنه وماظنتني إنه بيعيي..



كاسرة بالفعل شدت هاتفها لتتصل به.. رغم أنها كرهت أن تتصل به..


فالحوار بينهما الأيام الأخيرة كان شبه مقطوع..


تعلم تماما ماذا سيقول (سوي اللي تبينه!!) المهم ألا تزعجه!!


لذ تفاجأت برفضه القاطع: لا.. ترجعين وتنامين في بيتش..



كاسرة تشعر بغيظ لم يظهر في صوتها الواثق: أنت صار لك أسبوع ماتدري عني شيء..


يعني لو نمت عند هلي يمكن ماتدري.. فليش تبي ترفض بدون سبب!!



كساب بحزم بالغ: وأنتي لازم تنشفين الريق وتطولين السالفة وهي قصيرة..


قلت لش ترجعين بيتش ترجعين بدون نقاش..


أيش الشيء اللي مافهمتيه في كلامي؟؟..



كاسرة شدت لها نفسا عميقا حتى لا تنفجر وهي ترص على الأحرف والكلمات:


إذا على الكلام مفهوم.. ومهوب أنا اللي يجهلني الحكي.. لكن صاحب الحكي هو اللي ماينفهم..


كساب أنا لازم أقعد مع أمي نلم باقي أغراضنا عقب مايروحون المعازيم.. عشان كذا بأرجع معها..



أجابها بحزم أكبر: اقعدي براحتش.. وساعدي أمش مثل ماتبين.. وإذا خلصتي أنا اللي بأجيبش!!







***********************************






" الحين أنتي ليش ترجفين كذا؟؟


ترا أخي مايعض والله العظيم"



حينها أجابت سميرة (بعيارة) باكية وهي تمنع دموعها من الانهمار:


زين يمكن إنه يشخر أو يرفس وهو نايم..



وضحى أيضا تحاول منع دموعها من الانحدار تأثرا مع حال سميرة وهي تهمس باختناق:


لا مافيه أهدأ منه وهو نايم كنه بيبي متكتف..



سميرة شدت يد وضحى وهي تهمس باختناق: وضحى تكفين لا تخليني!!



وضحى ترسم ابتسامة فاشلة: تكونين رايحة تحاربين وتبين مساندة عسكرية..


أصلا أنتي يا الغبية حتى الاوتيل مارضيتي تروحين..


خلاص هذا أنتي الليلة في بيتنا ووطوفتي وطوفتش وحدة.. دقي الطوفة وأنط لش بالمساندة..


والحين افرديها.. المرة عصبت.. تبي تخلص شعرش تحط الطرحة..



حينها قفزت لهم نجلاء التي انتهى شعرها والتي كانت تراقب من بعد اختناق سميرة بالدموع..


وتوقف خبيرة الشعر لأن سميرة شدت وضحى لتقف جوارها!!



نجلاء تحاول أن تهمس بمرح تخفي خلفه اختناقها الحقيقي الذي بدأ بالتزايد منذ بدأت سميرة في التزين واقتراب موعد الختام:


اسمعيني سمور.. ياويلش تخليني أبكي وتخربين مكياجي.. تراني أبي أرجع لصالح يشوفه.. مهوب يشوف خريطة ألوان..


وأكيد بعد تميم مايبي يشوف خريطة ألوان!!



سميرة حينها بدأت تشهق حين تذكرت أن تميما سيراها رغم أنها لا تنسى..


وانحنت وهي تدفن وجهها بين كفيها..


خبيرة الشعر هتفت بتأفف: هيك ماراح نخلص ولا الصبح!!



نجلاء أزالت يديها عن وجهها وهي تهتف لها بحزم: اصطلبي يا بنت.. اللي سوت لش المكياج راحت.. من بيعدله لش لو خربتيه..


وإلا تبين تضحكين الناس اللي بيدخلون يسلمون عليش..


أنتي بتعقلين وإلا أدعي أمي تشوف لش صرفة؟؟



حينها همست سميرة وهي تهتف كطفلة تجبر نفسها على الصمت:


أمي لا.. لا.. أمي بروحها متضايقة..وجننتها الأيام اللي طافت.. لا تضايقينها أكثر.. تكفين نجلا.. خلاص بأسكت!!



نجلاء تأخرت للزواية وهي تتظاهر بالانشغال في ترتيب أغراض سميرة المتناثرة وجمعها..


بينما كانت أنفاسها تعلو وتهبط.. وتقهر نفسها بشدة حتى لا تنفجر بالبكاء..








***************************************







كانت تتأكد من شكلها في المرأة ومن ثبات اكسسوار الشعر قبل أن تتناول عباءتها المفرودة على السرير لتلبسها..



حينها دخل..


لم تهتم لدخوله.. فهما الأيام الماضية اعتاد كل منهما تجاهل الآخر..


وهي أدت ماعليها واستأذنته للذهاب لحفل زفاف ابن خالها وأذن لها..


لذا لم تهتم وهي تتناول العباءة.. ثم تتذكر شيئا فتنزلها... لتتاول حقيبتها.. وتضع فيها البودرة والعطر وأحمر الشفاه..



ولكنها لا تعلم أن هذا الآخر الذي كان يراقبها بدقة.. قد نضج تماما.. ويشتعل شوقا لها!!


يريد أن يعاقبها فإذا به يعاقب نفسه..


فبعدها عنه يسعدها ولكنه يتعسه.. وماعاد به أي طاقة للاحتمال!!


هي على كل حال تفتنه.. فكيف وهي بفتنتها التي بلغت أقصاها الليلة في فستان حرير سماوي؟!!



كانت على وشك ارتداء عباءتها حين فوجئت به يشد عباءتها من يدها..


ويمسك بها من خصرها.. انتفضت بعنف وهي تبعد كفيه عنها..


وتهمس بقرف: عبدالله لو سمحت أنا بأروح العرس.. أمي صافية وعالية ينتظروني تحت..



أجابها ببرود مدروس: اتصلي فيهم وقولي عبدالله بيوديني.. خلهم يروحون..



أجابته بعصبية: الظاهر أنك استخفيت..



حينها هتف بحزم بالغ: والله ماحد مستخف غيرش.. أنتي بتعرفين أشلون تكلمين معي.. وإلا حلفت ما تحضرين العرس الليلة..



حينها أجابت بجزع: لا عبدالله تكفى.. هذا عرس ولد خالي.. وعرس بنت عمك..



حينها أجابها بحزم أكبر: زين دامش ميته تبين تروحين.. تسنعي..


الحين تقعدين عندي وعقب أنا بأوديش.. وأنا رايح العرس..



أجابته بتأفف: أنت وش طرى عليك.. صار لك أسبوع راحمني من ثقل طينتك


وإلا مايهون عليك تشوفني مستانسة تبي تنكد علي..



أجابها بتقصد وهو يتناول كفها ويفتح باطنها ناثرا قبلاته فيها: نكد متبادل ياقلبي


ميت من شوقي. وأنتي لو أموت صدق ماحسيتي فيني!!



حينها شدت يدها بعنف: عبدالله خلني أروح..



أجابها بحزم بالغ: قلت لا..



حينها علمت أنه جاد فيما يقول ( وش ذا الشوق اللي طلع عنده فجأة


وهو أسبوع كامل كني والطوفة واحد


حتى المطالع مايطالعني!!)


حينها قررت اللجوء للخبث النسائي المعهود.. لأنه علمت يقينا أنها أن عاندت فهو سيعاند..


لذا همست بمداهنة مدروسة كاذبة: زين عبدالله خلني أروح الحين..عيب أتأخر.. ووعد علي أني لا رجعت أرضيك وأسمح خاطرك..



حينها ضحك عبدالله: تدرين أنش ماتعرفين تكذبين..


ولا كذبتي قعدتي تشبكين إيديش لأنش مرتبكة..



جوزاء التفتت ليديها لتجد أنها بالفعل كانت تشبك أناملها وهي تفركها بشكل دائري..


جوزاء شعرت بالغيظ الممزوج بالحرج.. قد تكون بالفعل لا تكذب عادة وتكره الكذب..


ولكنها لا تنكر أنها هذه الأيام تكذب على أهلها وأهل عبدالله في شأن علاقتها بعبدالله وأنهما مرتاحان..


ولا يبدو أن هناك من اكتشف كذبها.. فكيف اكتشف هو أنها تكذب؟؟



أجابته بغيظ: خلاص ماراح أكذب عليك.. بأقول لك لا رجعت تفاهمنا.. وما أعتقد أني أقدر أمنعك من حقك إذا بغيته!!



حينها أشار لها عبدالله بيده أن تغادر وهو يفتح دولابه ليتناول له ثوبا


ويهتف بنبرة عميقة بها رنة حزن واضحة بينما كانت هي ترتدي عباءتها:


تدرين جوزا.. يمكن أكون محتاج لش جنبي مثل ما أي رجال محتاج مرته..


لكن عمر ماحاجتي لش كانت مجرد حاجة جسدية رخيصة..


أنا قعدت الاربع سنين اللي فاتت بدون مرة.. وكنت مقرر أني بأقعد عمري كله كذا..


لأنه كان مستحيل أضم مرة لصدري عقبش..


جوزا لازم تشوفين لش حل في طريقة تعاملش معي.. لأنه الصبر له حدود..


وأنا أبي منش الاحترام قبل أي شيء..


لا تحبيني.. بس احترميني..



جوزاء غادرت وكل ماقاله له يتقزم ويتراجع أمام عبارة واحدة


(أنه بقيت السنوات الأربع الماضية بدون امراة)



"إن كان كذلك..


فمن أين أتت معرفته بالأطفال؟؟


يا الله رأسي سينفجر من كثرة التفكير!!"






******************************************






نجلاء مازالت تحاول منع دموعها التي تريد الانهمار منذ بداية هذا اليوم


وهي تنظر لشقيقتها التي كانت تجلس بين صديقاتها الكثيرات اللاتي حضرن كلهن اليوم..


كانت غاية في البهاء والبراءة والحسن.. تبدو كما لو كانت إحدى شخصيات القصص الكرتونية لشدة رقة ملامحها وصفائها غير المعقول..


تبتسم نجلاء بشجن وهي تنظر لفستان سميرة الشديد الرقي بأكمام الدانتيل الطويلة حتى منتصف كفها.. وتذكر خلافهما حوله..


كانت نجلاء تريده بدون أكمام حتى يظهر لون الحناء ونقوشه الغامقة في شدة بياض بشرة سميرة المصقولة!!


ولكن سميرة رفضت وبشدة كانت تقول ببراءتها العذبة: "تبين تميم لاشافني يقول هذي مافي وجهها حيا..


استحي أول مرة يشوفني.. يشوفني متفسخة كذا!!"



نجلاء لم تقترب منها منذ صعدت لتجلس على مقعدها.. تركت المهمة لوضحى..


لأنها تشعر أنها لو اقتربت فأنها ستثير فضيحة بمناحة تشعر بها باتت قريبة..



كانت شعاع تهمس لسميرة بخفوت: أنتي وين ركبتش داستها.. خلني أقرصها..



فتهمس وضحى بابتسامة مرحة: وخري يالبزر.. وصفي في الدور.. أنا أول.. أنا أكبر وتخرجت وأشتغل..


وأنتي أصغر وعاد باقي عليش سنة..



حينها ابتسمت شعاع وهمست (بعيارة) وهي تنظر لسميرة وبجوارها عالية:


إذا هذي وبنت عمها اللي عقولهم لش عليها تحفظ.. اعرسوا..


يعني حن اللي ركادة وثقل مانعرس..



عالية (بعيارة) أشد: لا حد يحارشني.. أنتو قلتوها عقلي عليه تحفظ..


لا ينوبكم من التحفظ شوي..


تعرفوني خبلة وماينداس لي على طرف!!



شعاع تضحك: احترميني تراني حماتش.. واللي خليت أخي يتورط ويستخف ويأخذش.. بركاتي يعني


وإلا كان الحين الحال من بعضه وأنتي عانس حالش حالنا!!



عالية تضحك: يبقى ذنبش على جنبش في اللي بأسويه فيش وفي أخيش..


مافيه حد صاحي يحط الحية في خُرجه.. (الخرج= كيس منسوج يستخدم لحفظ الأغراض قديما)



وضحى بابتسامة : المثل ذا ماله شبيه عند خالش هريدي ياسميرة "اللي يحط الحية في خُرجه"..؟؟



سميرة لم تكن تستمع حتى .. عيناها زائغتان وذقنها كان يرتعش بشدة دلالة على شدة ارتعاشها!!..



عالية همست بخفوت وهي تشد على كف سميرة: سميرة الناس شوي وينتبهون لش..



شعاع وقفت فورا في وجه سميرة حتى لا يراها أحد.. بينما وضحى جلست من الناحية الأخرى.. وهي تقرأ آيات من القرآن الكريم عليها..


ولكن الارتعاش لم يتوقف.. شعاع همست بقلق: أقول لنجلا تجي؟؟



عالية برفض قاطع: لا تنادون لا نجلا ولا خالتي أم غانم.. الثنتين أصلا على طريف.. وماسكين نفسهم بالغصب!!



عالية شدت ذراع سميرة بقوة وهي تهمس في أذنها بحزم: سميرة ركزي معي..


لا تفضحين نفسش وتفضحينا.. أدري أنش مستحية يالخبلة..


بس الناس اللي بيدخلون هنا يسلمون.. لا شافوش كذا ماقالوا مستحية.. قالوا مغصوبة..


امسكي اعصابش لين تروحين.. عقبها فكي دموعش كلها تميم.. وسودي عيشته



وضحى تحاول أن تبتسم بفشل لتأثرها من حال سميرة: خوش نصيحة لبنت عمش.. واللي بيروح فيها أخي المسيكين..



حينها حاولت سميرة أن تبتسم..


صفقت شعاع بخفة وهمست بخفوت: جدعة يا بنت أخت هريدي.. امسكي الابتسامة ذي لين آخر العرس طالبتش!!







***************************************







" يمه ترا تميم يقول مهوب داخل!!


غانم بيدخل يجيب أخته.. وأنا بأروح لأن غانم هو اللي بيوصلهم البيت"



مزنة حينها هتفت بغضب: أشلون مايبي يدخل.. حن ما اتفقنا على كذا


قل له مافيه حد غيري أنا واخواته وعمته.. وبيدخل مع باب خاص وبيطلع معه


خله يدخل يصور مع مرته يشوفها.. المسكينة وش له متعدلة ومرتزة؟؟



مهاب بحرج: يمه لا تفشليني أكثر ماني متفشل.. توني تلاغيت أنا وإياه..


وغانم واقف وسطنا مهوب داري وش السالفة!!


وأنا ذا الحين في نص هدومي من غانم عقب ماقلت له ادخل جيب أختك لأن تميم مستحي..


والله يمه ماعاد باقي إلا أضرب ولدش وإلا اسحبه عندكم..


معند ورأسه ألف سيف مايدخل..



مزنة بغضب: زين ياتميم.. دواك عندي..


خل غانم يدخل .. لا بارك الله في عدوين ذا الولد قهرني وبيقهر البنية!!



مزنة أشارت لبناتها أن يخرجن معها.. وهتفت بحرج بالغ لأم غانم ونجلا اللتين كانت تقفان في الزواية ملتفتان بعبايتيهما:


أم غانم.. تميم حياوي بزيادة واستحى يدخل.. ولدش غانم هو اللي بياتي يأخذ أخته..



لا تنكر كل من نجلا ووالدتها تصاعد الضيق العميق في نفسيهما.. فحتى هما تمنيتا أن تريا سميرة حين يدخل عليها زوجها


يلمحان الفرحة التي تمنيا رؤيتها.. مادامت قد أصرت على هذا الرجل بالذات


أرادا أن يطمئنا عليها..



سميرة لشدة خجلها وارتباكها لم تلحظ شيئا مما يدور حولها..


فسميرة رغم مرحها الدائم وتعلقاتها الدائمة إلا أنها حينما تعاني من الخجل


الذي يتحول أحيانا لخجل غير طبيعي يجعلها تتوتر وعقلها يتوقف عن التفكير..



لذا لم تنتبه لأي شيء حتى رأت طرف الثوب الأبيض جوارها..


حينها كادت تتقيأ جزعا لولا أنها سمعت الصوت الدافئ الحاني الذي تعرفه جيدا:


إذا بتلاقون لي عروس حلوة كذا.. زوجوني من الليلة..



حينها انفجرت في البكاء وهي تحتضن خصر غانم الواقف.. ليتلطخ ثوب غانم من زينة وجهها المختلطة بدموعها المتفجرة..


ولينفجر معها الاثنتان اللتان كانتا تنتظران مجرد شكة دبوس لينهمرا..


غانم شعر باختناق حقيقي وهو يرى نساء حياته الثلاث كلهن في حالة بكاء هستيري..


سبق له أن مر ببكاء والدته في زواج نجلاء وهو ابن السابعة عشرة وسميرة تنتحب معها وهي تتعلق بثوب أمها..


ولكن لا شيء يشبه مرارة هذا البكاء!!



هتف بهذا الاختناق المر: أنتو متأكدين إن حالتكم هذي حالة بشرية طبيعية؟!!



أمه هزت رأسها وهي تهتف بأنين: مش هاين عليا البيت من بعد سميرة.. حاسة بيه هيبئ زي الئبر..



هتف غانم بابتسامة موجوعة: الظاهر يمه وقت التراجيديا تقلبين على الموجة على المصري الخالص..



همست أم غانم باختناق وهي تربت على كتفه: خذ أختك لجوزها.. وأنتي يا نجلا امسحى وش سميرة..


ولو أني حاسة أنه مكياجها ماعادش نافع!!



.


.



في الخارج يجلس في سيارة غانم..


أنفاسه تعلو وتهبط.. واختناقه يتزايد.. يشعر أن البشت يخنقه.. وأزرار ثوبه تخنقه.. وسيارة غانم تخنقه!!


بل وجسده يخنقه..!!


يتمنى لو أنه هرب من كل هذا..


لماذا يتزوج ليرضي الجميع بينما هو أبعد الناس عن الرضا بهذا الزواج؟؟


لماذا وافق على إدخال نفسه في هذه المهزلة؟؟


لماذا لم ينهِ هذا الزواج قبل أن يكتمل بعد أن بات يشعر بشكوكه تخنقه بعد حادثة تكّسر يديه؟؟



كان غارقا في أفكاره السوداوية.. ولأنه لا يسمع فهو لم يسمع صوت فتح الباب..


ولكنه شعر باهتزاز السيارة الطفيف والباب الخلفي يفتح.. حينها شعر أنه عاجز عن التنفس.. لم ينظر مطلقا للخلف..


بقي متيبسا في مكانه.. يتمنى لو أنهم لم يحضروا.. وجيد أنه لا يسمع حتى لا يسمع نحيب من ركبت السيارة وهي مازالت تنتحب..



غانم كان يُركبها في الخلف.. وقف لجوارها لحظات ثم شد على كفها..


وهتف لها بخفوت حازم: اسمعيني عدل..


أكيد أنا أتمنى لش التوفيق في حياتش..


لكن لو هذا التوفيق ماصار لأي سبب.. لا ترددين ولا لحظة وحدة أنش ترجعين لنا..


أدري عيب أقول ذا الكلام وكأني أعصيش على رجّالش..


لكن اللي أنا خايف منه.. لأنه أنتي اللي أصريتي عليه.. إنه لو ماكنتي سعيدة أو ما ارتحتي


تصبرين على الوجع لأنش خايفة حد يقول أن هذا اللي سويتيه في روحش.. وهذا كان اختيارش..


لا تخافين من شيء.. بيت أبيش وبيتي مفتوحين لش.. وعمر الحياة ماتستمر على اختيار غلط عشان حن خايفين من شماتة الناس..


أهم شيء تكونين أنتي مبسوطة وسعيدة..



سميرة شدت على كف غانم دون أن تتكلم..


غانم التف ليركب سيارته.. وحسرة عميقة تتصاعد في روحه.. لا يستطيع حتى أن يوصي الجالس الصامت جواره بشقيقته..


والمشكلة أنه لا يبدو راضيا.. لا يعلم هل هو خجل كما يقول مهاب.. أم أن هذه شخصيته؟!!



تميم غارق في أفكاره بينما الجالسة غارقة في دموعها وخجلها يخنقها لأبعد حد..


حين وصلا للبيت..


ونزلا الراكبان الأماميان.. غانم يشير لتميم أن يمسك بيد سميرة حتى يدخلها لأنها لا ترى من خلف العباءة الموضوعة فوق رأسها..


ولكن تميم ادعى عدم الانتباه... وهل على الاصم حرج؟؟


حينها أنزلها غانم وهو يقربها حتى أوصلها قرب الباب..


قبل جبينها وهتف لها بحنان: لو بغيتي أي شيء ترا ما بيننا إلا دقة تلفون!!



حين غادر غانم والاثنان واقفان عند الباب.. انفتح الباب لتظهر وضحى خلفه


التي سبقتهما للبيت


لتتأكد من ترتيب العشاء الخاص بالعريسين.. وتخرج المباخر من غرفتهما..



ابتسمت بشفافية : سربرايز أنا هنا عشان أنكد عليكم..


هلا والله بالعرسان..


كانت وضحى تهتف بالعبارة وهي تشير بها في نفس الوقت..



وضحى همست لسميرة : عطيني عباتش مافيه حد في البيت..



سميرة باختناق همست لوضحى: أنا بكيت واجد.. أكيد شكلي الحين يروع..



وضحى أشارت لتميم: تميم فديتك ممكن تطلع فوق.. خمس دقايق بس وأجيب لك العروس..



تميم لم يشر بشيء وهو يصعد بينما كان في داخله يهتف بإرهاق نفسي عميق (خليها عندش أحسن وأنسوني)..



وضحى شدت سميرة بسرعة لغرفتها.. حين خلعت عباءتها عن وجهها هتفت وضحى بصدمة بالغة: ياخسارة المكياج اللي بفلوس واجد على الفاضي


لا وهذا وهو ضد الماي.. شكلش كبيتي على وجهش سطل ماي يالخبل..



سميرة عادت لتنتحب: أنا متفشلة منه بدون شيء.. الحين يشوفني كذا بعد..



وضحى بعزم: ومن قال بيشوفش كذا.. يالله بسرعة خلنا نمسح المكياج كله بسرعة..


أصلا أنتي وحدة ببشرتش ما تحتاجين مكياج..


بنمسحه كله وبنحط لش ماسكرا وغلوس بس..



سميرة بألم: يعني أول مرة يشوفني يشوفني بماسكرا وغلوس.. أشلون عقب؟؟



وضحى تدعك وجه سميرة بمزيل ماكياج قوي..بعد أن ضعت فوطة صغيرة حول جيب الفستان حتى لا يتطلخ.. وتهتف بمودة:


العمر كله قدامكم بيشوفش لين يعجز.. الحين أنتي مستحية وهو مستحي وش بيشوف يعني..؟؟


وبعدين أخي يحب يده مقلوبة اللي الله أرسل له وحدة مثلش.. بيتبطر على النعمة يعني!!



وضحى أنهت مهمتها في أقل من خمس دقايق وأنهتها برشات عطر أحاطت بها سميرة من كل ناحية..


وضحى ابتسمت: يالله قومي هذا أنتي تهبلين وتجننين..


لو أقول لأحد أني مسحت مكياج عروس قبل يشوفه رجالها بيقولون لي استخفيتي


بس والله أنش أحلى كذا.. أصلا أنا دايم أقول لش المكياج مايلبق لش!!



سميرة بدأت ترتعش بعنف ووضحى تقودها لغرفتها الجديدة وتهمس باختناق: وضوّح باقعد عندش شوي.. تكفين



وضحى تضحك: الحين تميم أكيد يدعي علي أني خذتش منه..


يالله بلا بياخة روحوا تعشوا.. أنتي وإياه صار لكم يومين ماكلتوا شيء..



وضحى دفعتها للداخل وأغلقت الباب.. كانت ترتعش كمصابة ببرد شديد وهي تقف عند الباب دون أن تتقدم..


لم ترفع رأسها حتى وقدماها مغروستان في الأرض..


هو كان خلع غترته وبشته وألقاهما بقرف على السرير ويجلس على مقعد مستغرقا في أفكاره التي كلما غرق فيها كلما ازداد ضيقا ووجعا..


لم ينتبه مطلقا لمن دخلت..


وهي بقيت على وقفتها ربما لربع ساعة دون أن يتقدم منها أحد كما توقعت..


حينها رفعت رأسها بخفة لتراه جالسا شاردا.. فشعرت أن قلبها يكاد يتوقف


وعادت لتنكيس رأسها وارتعاشها يتزايد كما لو أنه مازال هناك للتزايد..


وهي ترتجف كريشة جافة معلقة في مهب ريح عاصفة..



بعد فترة من الزمن.. قرر أن يقف ليتوجه للحمام حتى يتوضأ ليصلي قيامه.. فتفاجأ بالمخلوقة الواقفة عند الباب..


رغما عنه صد بقرف.. لم يكن يريد النظر حتى ناحيتها..


ليس لديه اتهام محدد ضدها.. وفي ذات الوقت لديه قائمة ضخمة من الاتهامات!!



ولكنه شعر أنه قليل التهذيب والفتاة تقف لا يعلم منذ متى.. رغم أنه تمنى أن يجعلها تقف حتى تمل.. ربما تقرر أن ترحل حينها..



اقترب منها بهدوء.. وهي حين سمعت صوت الخطوات تقترب..


شعرت أنه يكاد يغمى عليها من الجزع والخجل..


نكست رأسها أكثر وارتعاش جسدها بدا واضحا جدا..



تميم حين اقترب لاحظ ارتعاشها غير الطبيعي (وش فيها ذي؟؟ تمثل وإلا مريضة؟؟)



لمس حينها طرف كمها وهو لايريد أن يلمسها حتى.. ليشير لها أن تجلس..


حينها انفجرت مرة أخرى في البكاء..


نظر لها باستغراب أقرب للغضب..


(وش فيها ذي تبكي؟؟


هذا وأنا ماقربت جنبها


وإلا يكون هذا هو اللي هي خايفة منه أني أقرب جنبها


أكتشف شيء ماتبيني أكتشفه؟!!)



حينها شدها بحدة وأجلسها على المقعد بقوة.. ثم تركها متجها للحمام


وهو يشعر بالقرف من كل شيء..



بينما سميرة حين رأت قوته في شدها كادت تصرخ طالبة النجدة.. لولا أنه أجلسها وتركها..


حينها بدأت تكثر من قراءة آيات القراءن الكريم وهي تحتضن نفسها وتحاول تهدئة روعها...







*******************************************






" يمه كساب ينتظرني برا


تبين شيء بعد؟؟"



مزنة وهي ترتدي عباءتها أيضا: لا يأمش خلاص.. هذا احنا خلصنا وامهاب ينتظرني برا بعد..



خرجت كاسرة لم يكن في الخارج سوى سيارة كساب ومهاب والمكان خال تماما..


كاسرة توجهت لسيارة كساب و..........







************************************







قضت ساعتين ربما وهي جالسة في مكانها حتى استطاعت أن تهدأ وتجعل أعصابها تتمالك..


بينما هو أيضا جالس في مكانه بعد أن أنهى صلاته..



ظنت سميرة أنه اعتصم بمكانه ليترك لها المجال لتهدأ بدون ضغوط منه وفعلا هدأت قليلا وبدأت حالتها تستقر..



ورغم شعورها بخجل عميق منه ولكنها قررت أن تنهض لتستحم وتصلي.. حتى يصليا بعد ذلك معا..


وقفت وغادرت وهي تخشى أن تتعثر في خطواتها لشدة ارتباكها..


بينما هو كان ينظر لها وهي تغادر


(الظاهر تعبت من تمثيل السحا الساعتين اللي فاتت


ماقصرت ساعتين كاملة وهي مستحية يعتبر انجاز)



حين انتهت من الاستحمام..


وجدت أن وضحى قد أعدت لها كل شيء في غرفة التبديل..


ارتدت قميص نومها ولكنها لم ترتدِ روبه لأنها شعرت أنه خفيف.. وارتدت روبا آخر لونه أبيض من حرير ثقيل..


وخرجت وهي تحمل سجادة الصلاة التي أخبرتها وضحى بمكانها..


صلت قيامها بعيدا عنه.. ودعت الله مطولا أن يلهمها السكينة ويكتب لها التوفيق



وكانت تشعر بذه السكينة تحيط بها وتقويها حين اقتربت حتى وقفت أمامه.. وأشارت له بخجل بإشارة التكبير..


لم يكن يريد حتى أن ينظر ناحيتها.. بل هو مازال لم ينظر ولا يعرف حتى تفاصيل ملامحها..


ولكنه وقف وهو يشير لها أن تقف خلفه..


سيصليان.. ولكن هل الصلاة ستصلح أخطائها التي بات يشعر بها حاجز يحول دون رؤيته لها..



فور انتهائهما..


عاد للجلوس وهي جلست والصمت محتكم بينهما..


كيف سيتحاوران وبأي طريقة؟؟


كل منهما يدعك كفيه وهو غارق في أفكاره الخاصة!!


وشتان بين أفكارهما..


بين أفكار سوداء في حياة يبدو لا أمل فيها!!


وأفكار بريئة بحياة وردية يتحديان فيها كل الصعاب!!



طال الصمت واحتكم حتى أغرق المكان..



ليقف تميم فجأة ويغادر لأنه شعر أنه ماعاد يحتمل وجودها قريبا منه هكذا..


توجه للحمام ليستحم..


بعد دقائق.. بحثت سميرة عن هاتفها الذي أخبرتها وضحى أنها وضعته لها على التسريحة..


تناولت الهاتف وأرسلت لوضحى:


" تكفين وضوح تعالي دقيقة عند باب الغرفة"



وضحى وقفت عند الباب لتخرج لها سميرة..


وضحى بحرج: وش تبين يالخبلة؟؟



سميرة بخجل: يا أختي باختنق وأنا قاعدة معه بروحنا... مستحية..


هو ساكت وأنا ساكتة.. والحين دخل يتسبح.. مايصير أجي عندش شوي.. حاسة أني بأموت من السحا ..


باقعد عندش لين يجون هلش بس.. عشان ماحد يدري..



وضحى تنظر للباس سميرة وتضحك: أما على السحا... وش ذا اللي أنتي لابسته..


حطي ذا الروب يالخبلة!!



سميرة باستنكار: لا والله.. من جدش..



وضحى بخفوت: تدرين ألبسي جلابية وجلال يالعجوز أحسن!!


ثم أردفت بخبث: تعالي تبين تجين عندي استأذني تميم أول..



سميرة بيأس: أشلون أستأذنه.. أكتب له؟؟



وضحى بذات الخبث: لا ليش الكتابة المفروض تبدين تعلمين إشارة..


هذي الإشارة.. سويها..



وضحى اعادت الإشارة عدة مرات لسميرة.. سميرة باستغراب:


والاستئذان وش دخله في الشفايف؟؟



وضحى تكاد تنفجر ضحكا: يأختي أنا اللي أعرف وإلا أنتي..


نفذي وأنتي ساكتة.. وأشوف أنتي بتجيني عقبها أو لا..



سميرة هزت كتفيها: زين.. بس ظنش تميم مهوب زعلان لا قلت له بأجي عند وضحى شوي..



وضحى ترقص حاجبيها: لا مهوب زعلان!! اخلصي بس..



سميرة عادت للداخل.. حين عادت كان قد خرج من الحمام.. كان ينظر لها باستغراب غاضب.. أين كانت ولماذا الهاتف في يدها؟؟



سميرة وضعت الهاتف جانبا الذي نسته في يدها حين خرجت لمكالمة وضحى..


تقدمت منه بخجل وهي تشير له بالإشارة التي علمتها وضحى..


حينها اتسعت عينا تميم..


وتوقعت منه سميرة أي ردة فعل إلا هذا الفعل..


إلا هذا الفعل !!






#أنفاس_قطر#


.


.


.

#أنفاس_قطر# 19-10-10 07:50 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والخمسون
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ياهلا والله بكل العابرات هنا وفي شغاف القلب


.


البارت اللي فات


قفلتين وخلنا نقول خدعتين صغنونة


قفلة كاسرة بتكون أبسط مما توقعتم وليس فيها شيء من الجرائم التي توقعتموها :)


بس لأني عارفة أنكم ناطرين لقاءكم قفلت عليهم لأنه بيكون بينهم شوي كلام..


.


قفلة تميم وسميرة


استمتعت فيها بقدر ما آلمتني..


المتعة أني علمت أن البعض سيذهب للبحث عن معنى الإشارات


وهل هي مثلا قالت (قبلني) لكن إشارة القبلة بشبك مقدمات الأنامل وليست بالشفاه..


حينها سيحتارون.. ماذا قالت إذن؟؟ لماذا غضب لو كان غضب؟؟


لكن ما أخبركم به أن ما رأيتموه كان جزء مقطوع من المشهد


والمشهد كاملا سيكون في بارت اليوم


.


بارت اليوم طويل طويل قد بارتين


وفيه سبب خاص لذا الشيء بتعرفونه لما تخلصون..


.


.


رجاء خاص اقرأوا بمتعة ولا تفسدوا متعتكم بالبحث عن شيء قد لا يكون ذو فائدة


لأنه شدة التدقيق أحيانا تجعلنا أحيانا ننسى المتعة


.


.


الله يشفي أم مزنة ويوفقها


.


يالله الجزء 54


.


قراءة ممتعة مقدما


.


لا حول ولا قوة إلا بالله..


.


.




بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والخمسون







كانت تقترب منه بخجل..


بينما كان ينظر لها باستغراب وغضب وهو يراها تدخل من الخارج وهاتفها بيدها!!


ولكن مع اقترابها وتركيز النظر إليها..


هاهو يتمعن في تفاصيلها بتركيز..



"بها شيء ليس هو الجمال بمعناه المعروف..


شيء مختلف.. أعمق وأخطر


فاتنة !!


مثيرة!!


فماذا فعلت بهذه الفتنة والإثارة؟؟


ومن لها هذه الفتنة لِـمَ توافق على أصم أبكم مثلي؟؟


إلا إن كانت أساءت استخدام النعمة التي منحها الله عز وجل؟؟


.


يا الله لماذا هذه الأفكار المرة؟؟


لماذا؟؟


انظر لها تميم.. انظر!!


كم تبدو مرتبكة وخائفة!!


تبدو كطفلة مذعورة مجنحة بأجنحة البراءة!!


لا أعتقد أن تبدو بهذا الوجل والطهر قد لوثتها الذنوب!!"




سميرة اقتربت بخجل أكبر وهي تشير له بالإشارة التي علمتها وضحى!!


بداية كاد يضحك رغما عنه وهي تشير لشفتيها..


ولكن عيناه اتسعت ذهولا..مع الإشارة الثانية التي تبعت مع الأولى


لم يصدق ما رآه.. أ حقا ما أشارت به؟؟ ربما كانت مخطئة!!



لكنها أعادت الإشارتين اللتين كانت تظنهما إشارة واحدة بتصميم مغلف بخجلها..


حينها لم يحتمل.. لم يحتمل.. والذهول يتحول لغضب عارم متفجر مدمر..



كان يصرخ في داخله:


" قذرة ومنحلة..


لم تستطع الصبر لليلة وحدة وهي تمثل البراءة والحياء


ولكن ماذا أقول.. سوى منحلة.. منحلة!!"



تميم ترجم قرفه وجزعه وغضبه وصدمته فيها أسوأ تعبير وأقساه


وهو يصفعها بكل قوته بيده اليسار.. بما أن يده اليمين مازالت في الجبس..


ومع أنه ليس بأيسر بل أيمن.. ويده اليسار مازالت غير قوية بل وتؤلمه أحيانا من أثر الشعر السابق..


إلا أن حدة الغضب والقهر جعلتا صفعته غاية في القوة لتلقيها بكل قوة بقرب قدمي السرير..



تميم وقف ينظر لها بذهول.. ولشدة ذهوله لم يشعر بالألم المنتشر على طول يده اليسرى!!


وهي كانت ملقاة على الأرض.. وتنظر له بجزع مرتعب.. وعيناها متسعتان من الصدمة وممتلئتان بالدمع لأقصى حد..


كما لو أنهما توشكان على التفجر بفيض دموع لا حد له..



هو لم يتخيل أنه قد يفعلها يوما..


أنه قد يضرب امرأة..


" إلى أي مخلوق بشع تحولت؟؟


ماذا فعلت؟؟ ماذا فعلت؟؟


.


يا الله ماكل هذا القهر والألم والوجع"



تميم لم يعد يستطيع النظر إليها حتى..


يشعر بالذنب والقهر والخديعة.. يشعر أن كل المشاعر المتضادة اخترقت روحه كمدافع مزقته بقوتها..



ارتدى ملابسه ونزل ركضا..


حينها كانت وضحى تجلس في الصالة العلوية قريبا من الدرج.. تنتظر عودة والدتها..



حين رأت تميم ينزل ركضا.. فُجعت وهي تحاول اللحاق به دون أن تفلح..


حينها عادت لغرفته وهي تفتح الباب بحرج مختلط بالجزع..


لتشعر بالفجيعة وهي ترى سميرة تسند رأسها بين ركبتيها ووهي تجلس على الأرض وظهرها ملتصق بقدمي السرير


وصوت نحيبها يتعالى بوضوح مكسور..


حينها قفزت برعب وهي تجلس جوارها وترفع وجهها.. لتشعر وضحى أن كل غصات العالم اخترقت حنجرتها


وهي ترى أثر كف تميم الواضح على خد سميرة الثلجي!!



ولتبدأ سميرة بالصراخ الهستيري كطفلة مرعوبة: تكفين وضحى أبي أروح لبيتنا.. تكفين..


خلاص ما أبيه ما أبيه.. بأروح لبيتنا تكفين..



وضحى تقفز لتغلق الباب قبل وصول والدتها.. وتعود لسميرة... وهي تهمس بحزم ممزوج باختناقها: وش اللي صار؟؟



سميرة بين شهقاتها: والله ماسويت شوي.. ماسويت شيء..


استاذنته مثل ماعلمتيني.. ضربني.. ضربني..



حينها هتفت وضحى بصدمة كاسحة: حسبي الله ونعم الوكيل.. كله مني.. كله مني..


والله العظيم ماقصدت إلا خير..


كنت متأكدة إنه بيعرف إني اللي علمتش الإشارة وانش ماتعرفين معناها..


لأني سمعته يفتح الدولايب وأنا واقفة برا فعرفت إنه طلع من الحمام.. قلت إنه بيشوفش جايه من عندي..


و بيلقى له شيء خليه يفك من جموده شوي..


ولأني أعرفه ذكي فهو أكيد بيستغل الفرصة اللي هو عارف إن أخته أرسلتها له..


والله العظيم ماقصدت شيء شين..


بغيتكم تفكون شوي وتتعشون وتنبسطون.. والله العظيم ماقصدت شيء شين!!



حينها رفعت سميرة وجهها المحمر وهي تهمس بصدمة بين شهقاتها المتقطعة: ليه الحركة وش معناها؟؟



وضحى تضع يديها فوق رأسها وهي تهمس بضيق: خلنا نأكل وعقب عطني بوسة!!


ثم أردفت بانهيال موجوع حرج: سامحيني سميرة.. والحين أنا باصلح غلطتي.. الحين


والله العظيم ماهقيت تميم ممكن يمد يده عليش حتى لو زعل..



حينها هتفت سميرة بوجع منثال: صحيح أنا ماهقيت منش تسوين فيني ذا المقلب


بس هذا أنتي قلتيها.. يعني حتى لو أنا أشرت له بذا الإشارة وهو زعل منها..


كان ممكن يتصرف معي أي تصرف إلا ذا التصرف..


أنا عمري في حياتي ماحد مد يده علي..


عشان انضرب ليلة عرسي..


أنا مستحيل أقعد عند أخيش دقيقة.. هذا مهوب صاحي.. والله العظيم مريض..


وين تلفوني؟؟ باتصل في غانم يجيني..


ثم بدأت تصرخ بكل الوجع والحسرة: أخيش مفكرني بهيمة.. وإلا ماوراي حد يرد الضيم عني؟؟



وضحى قفزت قبل سميرة لتأخذ هاتف سميرة وتخبئه في جيب بيجامتها.. وهي تهتف بحزم:


بس يا الخبلة.. افضحي روحش الفضيحة اللي مالها دوا


عروس تروح لبيت أهلها ليلة عرسها مضروبة!!


تخيلي بشاعة الكلام اللي بيطلع عليش..


الحين أخي الغلطان.. لكن أنتي اللي بتصيرين الغلطانة والمجرمة..


قلت لش هذي غلطتي وغلطة أخي وأنا بأحل السالفة بدون ماحد يدري..



سميرة انهارت تبكي مرة ثانية بأنين مثقل بالحسرات: مستحيل قلبي يصفا له..


وضحى هذا ضربني وليلة عرسي... أنتي حاسة فيني..


عروس تنضرب ليلة عرسها.. أنتي شايفة وجهي أشلون.. ضربني ضرب واحد مليان غل..


هذا أكيد مريض نفسي..


أنا مستحيل أعيش معه خلاص..


هذا ممكن كل شوي يضربني وبدون سبب..



وضحى بألم: والله أني حاسة فيش.. زين اصبري عليه شوي.. عشان نفسش مهوب عشانه..


خلاص هو مايستاهل عقب اللي سواه..


والله العظيم عشانش..




وضحى شدت سميرة وأجلستها على الأريكة.. واحضرت ثلجا من ثلاجة جناحهما ووضعته على وجه سميرة وهي تهتف بألم:


حتى لو حطيت عليه ثلج هذا بكرة احتمال يصير بنفسجي.. أشلون الناس يشوفونش كذا..


تدرين.. بأقول لتميم أنكم تروحون لشاليه لين تخف اللي وجهش!!



سميرة بجزع كأنها طفلة خائفة وهي تشد كف وضحى: لا وضحى تكفين.. مستحيل أروح معه مكان بروحنا..



وضحى بذات الألم الذي اتسع في روحها: والله العظيم ماعاد يسوي شيء..


ولو سوا.. اتصلي في أخيش وخليه يجيش..



سميرة برعب حقيقي: لا لا.. شيدريني يمكن يذبحني.. مستحيل أروح معه..


أخيش مهوب صاحي وما ينتأمن..



وضحى تشعر أنها تريد تبكي لمافعلته.. أرادت خيرا فإذا به يتحول لكل الشر:


خلاص سميرة أنا بأروح معش..







*********************************







" يمه كساب ينتظرني برا


تبين شيء بعد؟؟"



مزنة وهي ترتدي عباءتها أيضا: لا يأمش خلاص.. هذا احنا خلصنا وامهاب ينتظرني برا بعد..



خرجت كاسرة لم يكن في الخارج سوى سيارة كساب ومهاب والمكان خال تماما..


كاسرة توجهت لسيارة كساب وفتحت الباب الخلفي وركبت.. وهي تلقي السلام.



هتف كساب بغضب: تعالي قدام يامدام.. أكون سواقش وأنا مادريت..



أجابته كاسرة بهدوء مقصود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


محشوم يا أبو زايد.. بس أنا ماعلي نقاب.. مغطية وجهي بشيلتي عشان كذا ما أبي أرتز قدام..



حينها التفت كساب للخلف بحدة ليهتف بغضب أشد: والعباية مفتوحة بعد!!!



أجابته حينها كاسرة ببرود: أنا جيت هنا مع سواقة خالتك.. وكنت راكبة ورا والسيارة مظللة ..


وما أقدر ألبس نقاب ولا عباية مسكرة عشان مايخرب مكياجي وشعري..



حينها حرك كساب سيارته وهو يهتف بحزم غاضب فعلا:


كنت أسمع بالعذر اللي أقبح من ذنب والحين شفته وسمعته..


يعني ماكنتي تقدرين تأخذين معش عباية ثانية ونقاب!!


بس لا صارت الوحدة مافي وجهها حيا من وين تجيبه؟؟



أجابته كاسرة بغضب: الحيا أعرفه من قبلك.. ومهوب أنت اللي تعلمني إياه..


ثم أردفت بنبرة مقصودة: وكنت مثلك أسمع باللي يهاد ذبان وجهه وماشفته لين عرفتك..


أنت أصلا لو مالقيت شيء تعصب عليه بتخترع لك..



هتف ببرود: ماعليش مردود..



أجابته ببرود: أكيد ماعلي مردود دامني عندك أنا والكرسي واحد..


حد يرد على الكرسي.. يعني حتى سلامة مزون مابشرتني فيها..


تخيل إن عمي زايد هو اللي بشرني..



أجابها ببرود: المهم الخبر وصلش.. لا ومهوب من أي حد.. من الرأس الكبيرة مباشرة!!



أجابته بنبرة مقصودة: كان فيه واحد يتفلسف علي قبل حوالي شهر..


وقال لي طريقة وصول الرد أهم من الرد نفسه..


وأنا أقول لذا الواحد.. فرحتي بالخبر وحدة.. سواء عرفته منك أو من عمي زايد..


لأني فعلا مبسوطة بسلامة مزون..


لكن الاختلاف كان في احساسي فيك.. لو أنك أنت اللي بلغتني..


ليش تبي تحسسني دايم أني شيء غير مهم في حياتك!!



هتف لها ببرود أشد: أنتي ما تتعبين من كثر ما تتفلسفين؟!!


ثم أردف بنبرة مقصودة: وإذا على تحسيس الثاني بعدم أهميته..


فأنتي راعية الأولة.. وراعي الأولة ماينلحق..



أجابته كاسرة بذات نبرته المقصودة ولكن غزاها شيء من حزن شفاف:


أنت تبي تحاسبني على شيء ماقصدته..


أو يمكن تبي لك حاجز جديد بيننا لأنك شايف أن الحواجز هذي كلها ماتكفيك..



أجابها ببرود: والله الحاجز هذا ببركاتش ياهانم..



كاسرة صمتت.. أرهقها هذا الحوار العقيم وهي مرهقة أساسا..


لماذا تتجادل معه وهي تعلم أنها ستعود دائما لنقطة الصفر ودون أي فائدة!!



حين وصلا للبيت.. صعدت فورا لغرفتها..


كانت تخلع عباءتها حين دخل هو..


لم تتوقع مطلقا أنه سيأتي توقعت أنه سيوصلها ويعود للمستشفى..


توقعت بعدها أنه ربما سيدخل الحمام.. يستحم.. يستبدل ملابسه.. شيء من هذا القبيل..


ولكنه جلس على السرير يراقبها بصمت..


لا تنكر أنها ارتبكت من مراقبته.. بل خجلت وهي تجلس جواره


ولكنها تصنع مساحة بينهما لتخلع كعبها العالي.. ثم تنحني قليلا لتضعه تحت السرير


لأنها خجلت أن تحمله أمامه لخزانة الأحذية..



كانت قد وقفت واتجهت للتسريحة حين سمعت صوته يقول بهدوء غريب:


استغرب وحدة بطولش وتلبس ذا الكعب كله..



ظنت أنه يخاطب أحد غيرها.. لو كان هناك معهما أحد ثالث!!


للتو كان بينهما زوبعة.. وهاهو يوجه لها الحوار العفوي وكأنه لم يحدث شيء


(أنا من زمان أقول عنده انفصام في الشخصية!!)


لم ترد عليه وهي تتجه للتسريحة وتجلس على مقعدها وتبدأ بتفكيك تسريحتها


حينها صدمت أنه يقف ويتجه ناحيتها


ثم يمد يده إلى طيات شعرها وينزع معها مشابك الشعر..



ارتعشت بعنف وهي تمسك بكفه وتجذبها ناحيتها وتحتضنها بكلتا كفيها وتهمس بحزن عميق:


تكفى كساب بس.. خلني..


يعني مابين وجودنا في السيارة لين وجودنا في غرفتنا.. انقلبت 180 درجة!!


تدري وش أحس فيه الحين؟؟


أنك شايفني مجرد جسد رخيص..


تكفى كله إلا ذا الإحساس!!


كله إلا ذا الإحساس!!



حينها جذب كفه من بين كفيها وهتف بعمق وهو يبتعد عنها:


الظاهر إن كل واحد منا يتكلم بلغة مختلفة.. عشان كذا ماحد منا فاهم الثاني.. ولا فاهم وش هو يبي!!






***********************************






عاد بعد صلاة الفجر


وهو يتسلل حتى لا يراه أحد بناء على رسالة وضحى الغاضبة ..


وهي تطلب منه الحضور فورا لغرفتها..


كان مثقلا بالوجع إلى الحد الذي لا حد له.. ماعاد لوجعه حدود..


مثقل بالألم والقهر واليأس..


أي حياة هذه الذي تبدأ بكل هذه الشكوك ثم بصفع العروس..؟!



فتح باب وضحى بخفة.. ليجدها تجلس على سريرها ووجهها متورم لكثرة مابكت..


حينها أشار بجزع: وضحى أشفيش؟؟ حد فيه شيء؟؟



وضحى أشارت بغضب ودموعها تنهمر: ولك وجه تسأل بعد سواد وجهك؟؟



حينها أشار لها تميم بألم غاضب: إلا سواد وجه صديقتش مهوب سواد وجهي..



وضحى بغضب أشد: صديقتي وجهها أبيض وطول عمره أبيض..


البلا من اللي مخه ما أدري أشلون يفكر..



تميم بوجع: يعني أمانة عليش حركتها حركة عروس المفروض إنها مستحية وتنتظر إنه عريسها هو اللي يبادر..


هذي وجهها مافيه حيا..



وضحى بوجع أشد: سميرة ماتعرف وش معنى الحركة.. والله العظيم ماتعرف.... كلمتني يوم أنت دخلت الحمام تتسبح..


تقول إنها خايفة ومستحية وتبي تجي عندي..


قلت لها استاذني تميم بذا الحركة... حسبتك بتدري إنها جاية من عندي


و بتفهم إن الحركة هذي مني.. وأني أبيك تتلحلح.. مهوب أنت مستحي والبنت مستحية..



لا ينكر تميم صدمته البالغة وشعوره بألم عميق ممزوج بندم شفاف


ومع ذلك أجاب وضحى بألم مثال وهو يفجر كل غضبه وشكوكه:


أنا ماني بمستحي..وليش أستحي.. شايفتني ماني برجال..


الحيا للنسوان.. اللي رفيقتش ماتعرفه..


أنا قرفان منها.. فاهمة أشمعنى قرفان..


من يوم شفت صورها في اللاب.. وعقبه تجي لبيتي وحن متملكين بدون حيا


وتحاول توقفني بدون خجل من مسكها لرجال..


وعقبه ترسل لي ورد بدون حيا.. أمانة عليش قولي لي أي تصرف من هذولا تصرف وحدة تستحي..


وأصلا وحدة مثلها.. شابة صغيرة وفي جمالها.. ليش توافق على واحد مثلي


إلا لو كان عندها شيء ماتبي حد يعرفه!!



انقلب وجه وضحى بقرف: أخييييييه منك ومن أفكارك.. ماهقيت أنك ممكن تفكر كذا..


صدق أنك مريض!!


الحين لو سألتك.. تشك فيني أنني ممكن أروح في طريق خَمَل.. (خمل=شبهة)



نميم باستنكار حاد: لا طبعا..



وضحى بغضب: خلاص باقول لك أنك تقدر تشك فيني مليون مرة.. وسميرة ماحتى تشك فيها واحد من ذا المليون..



تميم عقد حاجبيه بحزم: أنا مايهمني دفاعش عن صديقتش.. كم ناس نظن فيهم خير


وهم يخفون البلاوي..


أنا علي من اللي حسيته وشفته بعيني.. رفيقتش ذي ماتستحي وفيها شيء غير مريح..



وضحى يزداد غضبها: أنا أبي أدري وش عندك ضدها؟؟؟


مجرد أفكار مريضة في رأسك..


أنا ماني بمتخيلة وين راح مخك وش سوت..


تشك مثلا إنها تكلم.. تسوي شاتنغ.. خلت شباب يشوفون صورها.. أو...



تميم بإشارة غاضبة: بس.. بس.. لا تكملين..



لا يريدها أن تفتح جروحه التي تنزف بغزارة.. لا يريدها أن تمنحه صور لشيء يؤلمه ولا يعلم ماهو ؟!!



وضحى بذات الغضب المتزايد: لا فسر لي.. وإلا ليش تفسر؟؟


دامك ماتبي بنت الناس وشاك فيها ومافي أذنك ماي.. ليش أساسا تتزوجها..


فيه ناس يتطلقون وهم في الملكة.. لا أنتو أول حد ولا آخر حد..



تميم بغضب: خذتها عشانكم.. وأنتي أكثر وحدة عارفة أني كنت أبي أتزوج وحدة بحالتي..



وضحى بدأت تنتفض من الغضب: واللي مثل حالتك.. بتكون ملاك نازل من السما.. منزهة من العيوب لأنها ما تتكلم ولا تسمع..


سميرة أطهر من الطهر.. ومهوب أنت اللي تعرفها.. أنا اللي أعرفها وأحلف على ذا الشيء وأنذر بعد


تدري تميم ماهقيت أني بأقول كذا.. بس والله أن سميرة خسارة فيك.. وأنت منت بكفو تأخذ مثلها....



حينها قاطعها بغضب موجوع: عشاني واحد أصم أبكم رفيقتش أحسن مني.. وخسارة فيني.. هذي آخرتها ياوضحى!!



وضحى بدأت تبكي لشدة الانفعال: والله العظيم أنت استخفيت.. مستحيل تكون تميم..


وين راحت أفكارك.. طهارة سميرة هي اللي خسارة في وسخ أفكارك..


وأنك تتكلم أو تسمع مالها علاقة!!


لا حول ولا قوة إلا بالله وش ذا المصيبة؟؟







***************************************






قبل ذلك





حين عدت من حفل الزفاف وجدته نائما..


ليس سوى كاذب كبير كالعادة


لا أنكر أنني سعدت أنه نام وتركني أنعم بالسلام بعيدا عنه!!


ولكن لِـمَ يكذب علي بقصة الشوق المزعومة؟؟


لماذا يستمر في لعبة السخرية مني؟؟


أكرهك عبدالله.. وحتى أخر نفس سبقى يتردد في صدري سأبقى أكرهك


أيها الحقير!!!




.


.




تمثيلية النوم قد أخذ عليها جائزة الأوسكار يوما!!


هربت من مجابتها..


تعبت من تمثيل التجاهل وأنا أحترق!!


وتعبت أكثر وأنا أنظر لها بكل اللهفة وتنظر هي لي بكل الكراهية والإزدراء!!



ولكن لا أنكر أنني شعرت بالتسلية وأنها أسمع صوت فتحها للخزائن.. لأنها تريد ازعاجي!!


ثم صوتها العالي وهي تحكي لحسن حكاية حتى ينام


غريبة هي هذه المرأة!!


كيف تريدني أن أتركها وأتناساها.. وحين تجدني نفذت ماتريده.. ونمت


تريد إزعاجي لأقوم من النوم..



.


.



" هذا أنا قمت وش تبين؟؟"



جوزاء كانت تغلق أزرار بيجامتها لتلفت له بجزع: خوفتني!!



أجابها بابتسامة: تخوفين بلد.. وتصحين جيش من النايمين عقب..


يالله هذا أنا قمت وش تبين؟؟



جوزاء تتشاغل بإعادة بيجامة تحركت من مكانها قليلا لتعيدها للصف الشديد الانضباط


وتهتف بعدم اهتمام: بصراحة ما أدري وش تقصد من كلامك السخيف؟؟


لا قومتك ولا شيء.. بالعكس تمنيتك تقعد نايم وتريحني!!



حينها ضحك عبدالله: قلت لش أنش ماتعرفين تكذبين.. أو إن كذبش مكشوف عندي..


تعالي قولي لي وش اللي في مخ الحلو مشغله وخلاه يصحيني من النوم؟؟



لا تعلم جوزاء ماذا كانت تريد بالتحديد عشرات الأفكار تزدحم في مخيلتها


ولكنها هتفت بدون تردد: عبدالله أنت عيال غير حسن؟!



لا ينكر عبدالله أنه شعر بالارتباك.. لا يعلم كيف خطر هذا السؤال ببالها


لكنه أجابها بتحكم واثق: لا ماعندي عيال غير حسن



ففي النهاية هذه هي الحقيقة.. فلم يعد له ابن غير حسن..


لكنها عاودت الإصرار: احلف زين!!



أجابها حينها بخبث: زين انتي وحدة تقولين ما تبيني.. وماتبيني حتى أتدخل في حسن..


وش عليش لو طلع علي عيال أو حتى عندي مرة!!


أظني المفروض تنبسطين.. وتقولين فكة مني!!



حينها انقلب وجهها بغضب: يعني تكذب علي عبدالله... تكذب علي!!



لم يستطع إلا أن يضحك وهو يقول: يا بنت الحلال ماعندي مرة غيرش ولا ولد غير حسن..



رغما عنها تنفست الصعداء وهي تصر للمرة الثانية: زين احلف دامك صادق!!



حينها أجابها بحزم: مع أني أكره أسلوب إن حد يكذبني.. لكن دام ذا الشيء بيريحش


والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم أني الحين ماعندي ولد غير حسن..



ربما أن تشديده في الحلف وتثليثه جعلها لا تنتبه للكلمة الملبسة (الحين)..


ومع ذلك عاودت السؤال: زين من وين جاتك معرفتك للبزارين وطول بالك عليهم؟؟



حينها أجابها ببرود: تقدرين تقولين هذي موهبة من الله عز وجل.. وإلا تبين تعترضين على عطا رب العالمين..


احمدي ربش على زوج متعاون مثلي.. غيري قاط عياله على أمهم ومايدري شيء عنهم..



أجابته بسخرية: عياله.. كلهم ولد واحد الله يحفظه..



حينها أجابها بنبرة تلاعب مقصودة: والله بيننا موعد لين خمس شهور قدام ويشرفون الباقيين إن شاء الله..



أجابته بغضب: تدري أنك واحد وقح!!



أجابها ببرود: وأنتي وحدة جعجاعة وماعندش غير الحكي..


ثم أردف بتقصد وهو يقف ليتجه ناحيتها: من هذرتش الواجدة أنش وعدتيني بشيء إذا رجعتي..


وبما أنش صحيتيني من النوم.. فأنتي أكيد مانسيتي الوعد!!







************************************







" لا أعلم أي ذنب أذنبته..


هل هذا عقاب لي لأني خالفت رغبة أهلي وأصررت عليه وأنا أعلم أنهم رافضون!!


أ هكذا يعاقبني أنني فضلته على الجميع؟!


أعلم أنني بالغت في أفكاري المثالية..


ولكن ماهو سوء المثالية؟؟


شعرت بالفعل أن تميم هو من سيحتويني.. سيحتوي جنوني وصراخي..


كنت أشعر أن عمقه الذي كالبحر هو ماسيحتويني


ويبدو أن هذه الأفكار ليست سوى محض جنون.. لأن تميم لم يكن بحرا بل كان وحشا..


يا الله كلما استعدت بشاعة مظهره كيف انقلبت عيناه لينقض علي ويضربني


أشعر أنني لا أريد التوقف عن البكاء


أ يحكم علي أن يكون هذا زوجي؟!


لا لا يستحيل..


لا يمكن .. لا يمكن "



وهي غارقة في أفكارها ودموعها.. دخل عليها تميم..


حينها انكمشت بعنف والدموع تزداد انهمارا..


ألمه منظرها حتى عمق الروح.. مرهق هو من كل هذا..


مرهق.. مرهق !!



أشار لها أنهم سيغادرون الآن..


ولكن يبدو أنها لم تفهم.. وكيف تفهم وهي تبدو مرعوبة وجزعة هكذا!!



فتح جهاز حاسوبه.. وطبع لها بسرعة..



" قومي البسي عشان نطلع الشاليهات


ووضحى بتروح معنا!!"



وضع الجهاز أمامها على الطاولة.. ثم غادرها ليضع له غيارات في حقيبته...


لم تكن تريد الذهاب معه لأي مكان..


تشعر كما لو كانت تُقاد لقبرها..


ولكنها وجدت نفسها مجبرة.. فهي لا تريد أن تجلب لنفسها الكلام..


وقبل الكلام.. يكفي كل ماتشعر به من ألم..


لن تحتمل مزيدا من الألم حين يعلم الجميع بما حدث لها!!







*************************************







كاسرة صحت من نومها وهي تشعر بألم خفيف في حنجرتها وخياشيمها ناتج عن تنشقها لعطره الثقيل الفخم من قرب..


" الحين وين جاني عطره


وحن من عقب ماصلينا الفجر..


كل واحد نايم في ناحيته وبيننا مساحة مثل مساحة المحيط الأطلسي


وبيننا زعل مثل مساحة المحيط الهادي!!"



( لا أنكر أني البارحة تضايقت كثيرا من تفكيره.. أو ماظننت أنه يفكر به!!


ولكني تضايقت أكثر من أجله..


لا أعلم أي فوضى للمشاعر بات يخضعني لها!


ولكن كان من الأمور التي فتتنتي في كساب وفي ذات الوقت أغضبتني منه


إحساسي أنه غير خاضع لجمالي


وأنه يتجاهل فتنتي حين يريد!!


.


ولكن في ذات الوقت أكره أن يهمش عقلي لينظر لجسدي


فأنا عقل قبل أن أكون جسد..


وهذا الأمر لابد أن يكون واضحا تماما بيننا)



كانت هذه أفكارها المموهة قبل أن تصحو بالفعل!!


حين صحت فعلا.. علمت أنه كان أقرب لها من عطره بكثير.. فهي كانت تنام في حضنه.. وذراعاه تحيطان بها..


لم تتحرك من مكانها.. فهي لا تستطيع أن تنكر كم اشتاقت للنوم في حضنه..


رغم قصر المدة التي عرفت فيها هذا الحضن..



وهو حين أحس بدفء أنفاسها على صدره التي أنبئته أنها صحت من نومها..


شدها أكثر لصدره وهو يقبل أذنها و يهتف فيها بنعاس:


فيه وحدة هربت من حضني البارحة.. أشلون أصحى وألقاها في حضني الحين..


ممكن تفسرين لي؟؟



همست له بعذوبة ناعسة: اسأل روحك.. لأني البارحة نمت وأنا في مكاني..



أجابها بتلاعب: أسألش أنتي.. لأنه أحيانا في أحلامنا نسوي اللي نبيه..



أجابته بتلاعب شبيه: ونفس الكلام ينطبق عليك..



أنهت عباراتها وهي تبتعد عنه وتعتدل جالسة.. ليعاود شدها قريبا منه وهو يحتضن ظهرها ويهمس بذات النعاس: وين بتروحين؟؟..



أجابته برقة وهي تحتضن بكفيها ذراعه التي تحيط بخصرها: بأقوم أكلم أمي أشوف أخبار المعاريس..



هتف بسكون: وأنا بعد بأقوم الحين عشان أجيب مزون للبيت.. اقعدي معي شوي..



حينها شددت احتضانها لذراعيه وهي تهمس بحزم يخفي خلفه ألما عميقا:


صحيح كساب لو صار يوم وتضايقت واحتجت حد يخفف عنك.. ماراح تجيني..؟؟



أجابها ببساطة حازمة: أكيد.. باب تسكر في وجهي مرة مستحيل أطقه مرة ثانية..



سألته بذات الألم الشفاف المغلف بالحزم: ليه أنت ماتعذر أبد؟؟



أجابها بذات البساطة الحازمة: مشكلتي قلبي أسود.. وإذا شلت على أحد.. أبطي وأنا شايل عليه..



حينها سألته بعمق: طيب ولو أنا جيت مرة متضايقة ومحتاجتك.. وش ردة فعلك علي!!



أجابها بأريحية وهو يشدها ليحتضنها أكثر: بأقول العين أوسع لش من الخاطر!!


أبركها ن ساعة..


بس لا تهقين أني ممكن أنا أسويها يوم!!



" لا بأس كساب


لتلعب لعبة التباعد التي لا أعرف كيف قواعدك فيها..


كيف برجل يتباعد ثم أجده بيني وبين عظامي.. يتنفس أنفاسي؟؟


كيف هو تفسيرك للتباعد؟؟


وحتى متى سنبقى نلعب بين حواجزك المتكاثرة؟؟"







******************************************






" مزون.. مزون!!"



أجابت مزون بابتسامة مشرقة: هلا عمي تعال فديتك..



دخل منصور بخطواته الثقيلة الصارمة وهو يرتدي لباسه العسكري..


حين رأى مزون تجلس على المقاعد وليس على سريرها اتسعت ابتسامته..


فهو زارها بالأمس فور معرفته بسلامتها.. ولكنها كانت مازالت مرهقة وتجلس على سريرها..



وقفت لتسلم عليه بينما كان يهتف لها بمودة: أشلونش اليوم يأبيش؟؟



ابتسمت بشفافية: مابعد صرت طيبة مثل اليوم.. اقعد خلني أقهويك.. شكلك مابعد تقهويت..


ماشاء الله أنت أول واحد جيتني اليوم..



ابتسم وهو يجلس: أنا أساسا رايح الدوام.. بس قلت أمرش قبل تطلعين!!



مزون كانت تسكب له القهوة بينما هو كان شاردا نوعا ما وهو يتلفت حوله..


حاولت مزون كتم ابتسامتها وهي تهتف بخبث لطيف: عمي تدور حد؟؟



رد عليها بحزم: لا.. ليش تسألين؟؟



مزون بذات الخبث اللطيف: لأنه الفنجال برد في يدي وأنا مادته.. ولا حد صوبي!!



حينها سألها بمباشرة: وينها؟؟



أجابته بابتسامتها المتسعة وهي تشير للحمام بخفوت: تتسبح داخل!!


ثم أردفت بشجن: عمي حالكم مهوب عاجبني.. لا حالك ولا حالها..



أجابها بحزم: هي اللي طلعت من بيتها وكبرت السالفة..



أجابته مزون بحزن: زين خالتي حامل وتعبانة.. ونفسيتها تعبانة..


ما تستاهل شوي تنازلات منك..



شد منصور له نفسا عميقا: أنتي بنفسش شايفة أشلون هي تتهرب مني


أشلون نتفاهم زين؟؟



ابتسمت مزون: وهي تقول أنك أنت اللي تصد عنها وماتبي تكلمها..



منصور باستنكار: أنا ؟!!



وقبل أن تجيبه مزون سمعا صوت باب الحمام يُفتح.. وصوت عفراء من الباب الموارب: مزون عندش حد؟؟ كني سمعت صوت!!



مزون بخبث رقيق: لا ماعندي حد تعالي!!



عفراء خرجت وهي تجفف أطراف شعرها بالمنشفة التي تمسكها بين يديها ولأن وجهها كان مائلا للجانب وهي كانت خالية الذهن تماما


لوم تنتبه لمن لم يستطع حتى البقاء جالسا حين خرجت.. بل وقف.. لا يعلم لماذا؟؟



كانت عفراء تهمس بعفوية: الله يجيرنا من نار جهنم.. الساعة 7 الصبح والماي حار مولع.. حسيت جلدي بينسلخ..



أنهت عبارتها لتنتبه حينها للواقف أمامها.. سقطت المنشفة من يدها..


وهي تشعر بفتور في عظامها.. تمنت أن تعود للحمام حرجا من شكلها..


ولكنها رأت أن هذا الموقف سيبدو سخيفا.. فهذا زوجها وليست المرة الأولى التي رآها هكذا..



مزون استغلت حالة الذهول اللذيذ الذي غرق فيه الاثنان وهما يتادلان النظرات..


لتتجه للحمام وهي تهمس بثقة: أنا باتسبح.. خذو راحتكم..



عفراء حين سمعت صوت باب الحمام أغلق.. ارتبكت وهي تطرق الباب بخفة.. وتقول بصوت تنخفض: مزون يالخبلة تعالي!!



حينها تقدم منها منصور.. أمسك بكفها وهو يشدها بعيدا عن باب الحمام..


شعرت حينها كما لو أن الهواء سكن حولها.. ووجهها الذي كان محمرا من حرارة الماء تفجر احمرارا لعشرات الأسباب..



مد ظهر أنامله ليمسح على خدها الدافئ وهتف بنبرة ثقيلة خادرة:


يوم أنتي قلتي له مرة بعد زواجنا بفترة بسيطة إن الماي ينزل من الحنفيات حار..


أنا وش سويت.. وفي نفس اليوم؟؟



ارتعشت بيأس وهي تجيب بخفوت ودون أن ترفع نظرها إليه:


ركبت تبريد مركزي على خزان البيت الرئيسي..



حينها هتف بنبرة عميقة فيها رنة حزن.. رجولة.. شيء عميق خاص به:


ولو تبين ركبت لخزانات مستشفى حمد تبريد مركزي!!



أجابته حينها بحزن شفاف موغل في الشفافية: مابغيتك تركب برادات ولا خزانات..


بغيتك تحس فيني..!!



حينها أمسك بوجهها بين كفيه ورفعه بخفة لينظر إلى عينيها ويهتف بتأثر:


إذا أنا ماحسيت فيش.. من اللي في العالم يستحق أحس فيه..



أجابته بذات النبرة الحزينة الشفافة: اسأل نفسك..


أنا بغيتك تحسسني إني شريكة حياتك صدق.. رأيي مهم عندك.. واستقلال شخصيتي مهم عندك..



أجابها حينها بصدق نادر موجع: عفرا أنا ماعاد فيني صبر على بعدش.. الليل ما أرقده..


أدور في البيت كني خبل.. باقي أضرب رأسي في الطوف من القهر..



هتفت بجزع شفاف حقيقي: سلامتك من القهر يأبو زايد..


صمتت لثانية ثم أردفت بحزن: وأنت ظنك إن حالك أحسن من حالي..


طول اليوم وأنا بالي مشغول عليك.. وش سويت؟؟ وش كلت؟؟ جيت وإلا مابعد جيت؟؟


بس يا منصور أنا طلعت من البيت لأنه فيه وضع أنا ماقدرت استحمله..



حينها هتف منصور بحزم يخفي خلفه أمله الشاسع: خلاص أنا مستعد أجي وأراضيش قدام زايد وعياله..


مع أنه الموت أهون علي أني أصغر نفسي قدام أحد.. بس مستعد أسويها بدون تردد.. المهم ترجعين لي!!



أجابته عفراء بلهفة: طيب وشغلي؟؟



ليصدمها بقسوة وهو يقول بحزم: لا الشغل لا.. أنا قبل حملش يمكن ماكان عندي مانع في الشغل..


بس أنش تخلين ولدش عشان تروحين للشغل مرفوض..


لازم عفراء تقدمين تنازل شيء مقابل شيء.. هذا أنا قلت بأراضيش.. راضيني أنتي بذا الموضوع..



حينها شدت عفراء لها نفسا عميقا وهمست بحزم: وأنا ما أبيك تراضيني قدام حد..ولا تصغر نفسك قدام حد..


أنا مستعدة الحين الحين.. إذا جاء كساب وخذ مزون.. أني أرجع معك للبيت الحين.. وبدون تدخل أي حد بيننا..


بس شغلي ما أخليه.. لأني ماني بمقتنعة بأسبابك.. وأنت ماقدمت لي شيء يقنعني..


وإذا على ولدنا ..مزون دراستها العصر..بأخليه عندها الصبح..



حينها غزت الخيالات الحالمة أفكاره..


أ حقا ستكون في حضنه الليلة؟؟


بعد أن اُنهك من بُعدها وصقيع البيت بَعدها!!


ولكنه على الجانب الآخر.. رافض تماما لعملها.. لا يمكن أن يخدعها ويقول أنه موافق..


لذا هتف بحزم: سامحيني عفرا.. قلت لش الشغل مرفوض!!



حينها ابتعدت عنه وهي تدير له ظهرها وتتشاغل بوضع أشياء مزون وأشياءها في الحقيبة ..


حتى لا يرى لمعة الدموع في عينيها وهي تهتف بحزن عميق:


خلاص يأبو زايد.. أنت اللي أنهيت الحوار مهوب أنا..


توكل على الله.. الله يحفظك.. روح لشغلك..









*****************************************







" يمه من جدش؟؟ وأشلون وضحى تروح معهم؟؟


هذي أكيد استخفت!!"



مزنة بغضب: يأمش مادريت حتى أنهم راحوا.. تخيلي أنا أساسا مانمت.. وعقب ماصليت الفجر.. رحت للمطبخ اللي برا


أجهز ريوقهم.. خلصت على الساعة 7.. وطلعته أنا والخدامات.. لقينا باب الغرفة مفتوح.. وماحد فيها..


والسرير ماحد نام عليه...عاد الورد اللي نثرناه فوقه.. فوقه ماتحرك من مكانه..


أدور وضحى مالقيتها.. بغيت استخف.. رحت أدور تلفوني باتصل..


لقيتها مرسلة لي مسج أنها راحت معهم الشاليهات لأن سميرة مستحية وأحرجتها بتمسكها فيها..


أتصل فيهم تلفوناتهم مسكرة!!



كاسرة شدت نفسا عميقا وهي تثبت هاتفها على أذنها: يمه السالفة كلها مهيب طبيعية..


انتظري لين أتصل في وضحى وأشوف السالفة وأخلي امهاب يروح يجيبها


ولين ذاك الوقت خلي السالفة عادي.. أي حد يسألش عنهم.. المعاريس رايحين الشاليهات..


ووضحى في غرفتها.. لا حد يدري إنها معهم حتى صديقاتها..


وأنا الحين بأرسل مسج لها أقول لها كذا.. وأطلب منها تكلمني على طول..






************************************







" يا الله ياقلبي الليلة بنمسي في بيتنا إن شاء الله


كنا نتنى عرس سميرة.. وهذا احنا خلصنا الحمدلله.."



نجلا بتأثر: زين خل أمي صافية تروح معنا الليلة تمسي عندنا..


واجد متاثرة من روحتنا..



صالح بألم: يا بنت الحلال تبي لها يومين وتتعود..


هذي عالية عندها.. وعبدالله ومرته..


يعني وجودهم بيخفف عنها..


أنا أصلا عرضت عليها تروح معنا.. بس هي مارضت..



نجلاء وقفت وهي تهمس بهدوء: الله يجعل دخلتنا للبيت دخلة خير


ويعطينا من خير ذا البيت ويكفينا شره..







****************************************







" هزاع تبي فلوس؟؟"



هزاع يلتفت لوالده مبتسما: غريبة تعرض علي من نفسك.. بالعادة لازم أذل نفسي شوي وأنا أطلب..



أبو صالح يبتسم: يا الكذوب.. وأنا متى حديتك تذل نفسك والفلوس تجيك بدون ماتطلب..



هزاع يبتسم: جعلني ما أخلا منك.. بس الشباب ماقصروا.. كل واحد من أخواني عطاني.. فرحانين أني خلاص بأدخل الكلية


وبيصير عندي راتب وماعادني بغاثهم بالطلبات..



أبو صالح بأريحية: ادري أن الكلية أول ماتدخلون فيه أشياء واجد يطلبونها


خافك محتاج فلوس..



هزاع يقف ليقبل رأس والده: الله لا يخليني منك.. لو احتجت لا تظن أني أصلا باستحي.. السحا ممسوح من قاموسي









************************************







" سميرة ياقلبي ماكلتي شيء!!"



سميرة تلمس خدها المزرق وتهمس بسكون كسكون الموت:


والله العظيم ماني بمشتهية شيء.. أنا لو أقدر أزوع كبدي.. زعتها.. وأنتي تبيني أأكل..



وضحى بحزن عميق: لو أقدر أرجع الزمن ورا.. رجعته.. احساسي بالذنب يخنقني..



سميرة تهمس بذات النبرة الساكنة الميتة: الذنب ذنب أخيش بروحه.. صحيح أنتي غلطتي..


بس ردة فعله كانت جريمة في حقي..


مافيه حد يرد على غلطة تافهة بجريمة..


فرضا استخفيت وعقلي ناقص وقلت له عطني بوسة.. يعطيني كف؟؟



والغريب أنها ضحكت ضحة مرة قصيرة أشبه بالبكاء:


تدرين وضحى أيام الملكة تعرفين الأفكار الغبية اللي تدور في رأس الغبيات مثلي..


كنت أسأل نفسي ببراءة قصدي بغباء.. أشلون أول مرة بيوبسني أبو ضحكة حلوة..


الحين يوم أتخيل مجرد تخيل إنه ممكن يسويها أحس أني بأرجع كل اللي في بطني..


وصدقيني لو كان في بطني شيء الحين كان رجعته قدامش..



وضحى تستمتع بألم وهي تشعر كما لو كانت أمعائها تتمزق..


فمن تتكلم عنه سميرة هو شقيقها الأغلى من عينيها ومع ذلك تجد نفسها مضطرة لبلع حسرتها والسكوت..


لأن حسرة من تشاركها هذه الطويلة الصغيرة هي حسرة تجاوزت كل مدى..


تجلسان منذ ساعات على هذه الطاولة لم تتحركا.. بينهما نزيف مر من الكلمات والوجع..



وهو يجلس في الخارج..


الجو حار جدا.. ومع ذلك مازال يجلس تحت المظلة رغم تصبب عرقه الغزير..



وسميرة تكمل نزفها المر: تدرين وضحى لولا خاطرش.. وإلا كان دعيت في قلبي


إن أخيش مايقوم من قعدته هذي..



حينها قفزت وضحى وهي تصرخ بألم: بس سميرة.. بس.. من الصبح لين الحين وأنتي تذبحيني بس حرام عليش..وأخرتها تبين تدعين عليه!!


تميم هذا اللي من الصبح تقطعين فيه.. أغلى علي من أنفاسي اللي أتنفسها..


تميم هذا مافيه أطيب من قلبه ولا أحن..أنتي ماتعرفينه.. بس هو موجوع موجوع..


رجّال رأسه مليان شكوك.. والشك يذبح الرجّال.. لا تلومينه على شكوك أنتي زرعتيها في رأسه!!



سميرة قفزت هي أيضا لتصرخ باستنكار: أنا؟؟



وضحى بدأت تبكي: إيه أنتي.. هو غلطان والغلط راكبه من رأسه لساسه.. بس أنتي كان لش من الغلط نصيب..


وأنا اللي طحت في النار بينكم..



حينها بدأت سميرة تصرخ بجزع موجوع متحسر: ليه وأخيش وش عنده ضدي..؟؟


أنا اللي يصلون على طرف ثوبي.. يأتي أخيش يشك فيني!!



وسرعان ماانهارت كل الحقائق.. ووضحى تنثال بكل شكوك تميم..


وليتها لم تفعل.. ليتها لم تفعل وهي تكمل على خطئها السابق خطأ أشد فداحة!! وكلاهما كان بحسن نية!!





.


.


.




مازال على مقعده..


غارقا في أفكاره وآلمه الذي يغوص في روحه إلى نخاع النخاع..


ربما لو بصق الآن لبصق دما من روحه المدمرة!!



" لماذا يحدث كل هذا؟؟


لماذا؟؟


لماذا لم أنهِ الموضوع بأكمله قبل أن نصل إلى هذه المرحلة؟؟


قبل أن أنحرها وأنحر روحي قبلها!!"



يتذكر وصولهم هنا.. كان يريد أن يهرب قبل أن يراها..


لكن كأنها تريد عقابه.. خلعت نقابها قبل أن يهرب..


تحول اللون الأحمر الداكن في خدها إلى لون مزرق..


كلما تذكر ترتعش يده التي صفعتها..



" أ حقا أنا فعلت ذلك؟؟


أ حقا امتدت يدي لها؟؟


(امساك بمعروف أو تسريح بإحسان)


لم أستطع أن أفعل أي شيء منها!!


ولكني مثقل بالوجع والألم والخديعة..


عشرات الخيالات المؤذية تغزو خيالي وتجرح كل مافيني


رجولتي وحميتي وإنسانيتي!!"



وهو غارق في أفكاره.. شعر بمن يلكزه في كتفه بعنف..


كانت هي.. وجهها محمر وعيناها متفجرتان بالدموع.. واللون الأزرق في خدها ازداد لونه ازرقاقا وفي قلبه ألما..



كانت تصرخ تصرخ وتصرخ.. قالت كلاما كثيرا.. لم يفهم منه شيئا..


يستطيع أن يقرا حركة الشفاة بصورة جيدة..


ولكن شفتيها كانتا تتحركان بسرعة هائلة عدا أنه لم يستطع التركيز


وهو يرى حالتها الهستيرية


وهي تمسح سيول أنفها وعينيها بذراعها في حركة يائسة مرارا وتكرارا



وضحى وصلت فورا خلفها وهي مقطوعة الانفاس ووجهها محمر كذلك ودموعها تنهمر بغزارة.. سألها تميم بإرهاق موجوع:


هذي وش فيها؟؟



وضحى أشارت له بخجل: أنا قلت لها عن شكوكك فيها..



حينها تفجر غضب تميم: أأتمنش على سر وتروحين تقولينه لها..


أنتي ماكفاش اللي سويته فيها البارحة؟؟



وضحى تبكي: بغيتها تعرف السبب اللي خلاك تسوي كذا!!



تميم يشير بغضب أشد: وانتي وش دخلش؟؟ وش دخلش؟؟



كانا يتبادلان الإشارات بينهما وسميرة خارج المشهد تصرخ وتصرخ وتصرخ..



التفت تميم لها وهو يشير لوضحى بعصبية: زين هي الحين وش تقول ولا تدسين علي شيء..


أساسا أنتي خلاص ماعاد تعرفين تدسين شيء؟؟



وضحى بألم شاسع: كلام واجد.. مقهورة ومضيومة.. تسبك شوي.. وتتحسر شوي!!



تميم بغضب: ترجمي لي وبسرعة..



حينها كانت سميرة تشهق وهي تنهمر بكل ألمها:


أنا وش ذنبي اللي سويته؟؟


عشان أنا سليمة ووافقت عليك تشوف هذا مبرر أنك تشك فيني!!


أو حتى لأني نسيت صوري على جهازي..


أو تهورت وحاولت أقومك ثم استخفيت وأرسلت لك ورد..


أنا أساسا غبية.. غبية.. اللي حسبتك ممكن تكون لي القلب الكبير..


أنا مابغيت صوتك ولا كلامك.. بغيت قلبك بس..


مادريت أنك أساسا ماعندك قلب.. وأنك واحد مريض..


طلقني الحين.. طلقني.. أنا مستحيل أعيش معك دقيقة..


أنا سميرة بنت راشد تشك فيني وفي أخلاقي..


تخسى أنت ووجهك.. كفو لك وحدة تناسب أفكارك الوسخة مهوب أنا..



وضحى كانت تترجم بالحرف وبذات سرعة انثيال سميرة التي كانت شهقاتها تتزايد وارتعاشها تتزايد؟؟


بينما غضب تميم يتزايد ويتزايد.. ولكن قبل أن يبدر من أي منهم تصرف ما..


سميرة انهارت على الأرض وجسدها كله يرتعش بعنف كأنها حالة صرع..



وضحى وتميم جثيا كلاهما جوارها.. كانت وضحى تريد أن ترفعها عن الارض


ولكن تميم أشار لها أن تسرع وتحضر ماء


وهو يشد سميرة ناحيته ويضع رأسها في حضنه..


وضحى دخلت ركضا..



بينما تميم أسند رأسها بخفة لحضنه وهو ينظر لحالتها غير الطبيعية من الارتعاش كما لو كانت لسعها تيار كهربائي..


عيناها تتقلبان.. والزبد يخرج من بين شفتيها..


شعر أن هذا الألم الذي مزق روحه لايريد التوقف عن تمزيق روحه..


ما ذنب هذه الصبية فيما فعله فيها؟؟


حتى لو كان يشك فيها أو مازال؟؟


كان يجب أن يطلق سراحها قبل أن يحدث كل هذا!!


لماذا يعاقبها على شكوك لا اثبات لها.. لماذا؟؟


كان يجب أن يكتفي بعيش ألمه هو لوحده..



" يا الله خلاص مافيني.. مافيني!!


حاس أني باموت..


ماعادني بمستحمل أكثر من كذا!!


خلاص"







*****************************************







" هلا كاسرة.. أنتي وين؟؟


فيه ناس بيجون يهنوني السلامة..


تنزلين لنا في مجلس الحريم العود تتقهوين معنا؟؟"



كاسرة تجيب بمودة: ماعلية بأجي بس بعد شوي.. لأني في بيت هلي..


خليت كساب يوديني وهو رايح صلاة العصر


لأنه جدي فديته عنده موعد اليوم.. وأنا تعودت إذا كان عنده مشوار برا البيت


إني أنا اللي ألبسه.. وما أقدر أغير عليه ولا على نفسي عادتنا..


أول مايروح موعده بأجيكم أنا وامي.. لأنها هي يعد تبي تهنيش السلامة..



مزون بمودة رقيقة: حياكم الله!!



حين أنهت كاسرة الاتصال هتفت مزنة باهتمام: ها كلمتي وضحى.. تعبت أتصل والتلفون مسكر..



كاسرة تزفر: لا يمه.. بس هي أرسلت لي مسج.. تقول مافيه شيء.. وكل شيء زين..


وإنه مافيه داعي نحرجها.. لأنها بروحها منحرجة من روحتها معهم..


بس سميرة مستحية واجد..وأصرت علي وعقبه تميم أصر عشانها..



مزنة تتنهد: خير خير إن شاء الله.. يا الله قومي لبسي جدش..


امهاب جاي الحين يأخذه..








****************************************






" ترا بنسافر قريب؟؟"



جوزاء تلتفت لعبدالله بحدة: حن؟؟ وين؟؟



عبدالله بحزم: مصر!!



جوزاء بعصبية: ما أبي أسافر معك..



عبدالله بذات الحزم: بتسافرين غصبا عنش.. لأنه حن ماحنا برايحين نتفرج


بنروح عشان تدرسين..



جوزاء بصدمة: أنا وش أدرس؟؟



عبدالله بحزم أكبر: تكملين دراستش.. أنا راسلتهم خلاص وعبدالرحمن عطاني أوراقش.. احتسبوا أكثر ساعاتش..


يعني فصل واحد وتتخرجين..



جوزاء بعصبية: ما أبي أروح.. عبدالرحمن قد عرض علي..


عقب ماحاول في الجامعة هنا يرجعوني ومارضوا لأني تجاوزت الحد المسموح للاعتذار..


قلت له برا ما أبي أروح!!



عبدالله بحزم بالغ: والله هذاك أخيش وكيفش تعين..


بس أنا أقول لش إنش بتروحين رضيتي وإلا مارضيتي..






***************************************







" يمكن قريب أسافر وأودي مزون


أبيها تغير جو شوي


تسافر معنا؟؟ "



علي يلتفت لوالده ويهتف بمودة: لو ماعندي شغل ضروري سافرت معكم..



زايد بحزم: على ذا الشغل.. لا مرة ترادك الصوت ولا حد يدري عنك لا رحنا أنا وأختك..



علي يبتسم: ياشينك يأبو كساب لا حطيت شيء في راسك..


سنين وانت تحن على كساب لين طاعك..


بس أنا عاد باسي مهوب قوي مثل كساب...


يعني كساب خذ منك سنين.. بس أنا عاد ماخذ في يدك كم شهر


ارحمني يبه طال عمرك..



زايد بمباشرة صريحة: أبي أدري وش فيك نقص ماتعرس.. ناقصك يد ولا رجل؟؟



علي يضحك: ناقصني أني أكون أنا أبي أعرس.. مالي مزاج يا أبو كساب..


لا اشتهيت العرس.. جيتك بروحي وقلت زوجني.. وعد علي


وأنت ريح بالك مني.. أنا مرتاح كذا..







************************************







" هاجهزتي لنا القهوة والقناد والبزار اللي بنروح به معنا!!" (بزار=بهار مشكل)



عالية بتأفف: يعني إلا تذكرني بالمغثة.. تو الناس باقي 3 أسابيع على روحتنا..



نايف يبتسم: يا بنت أختي العزيزة.. خلني أنبهش من بدري.. لا تورطينا مثل السنة اللي فاتت..


جبتي لنا بزار اللي يعز النعمة.. سويت ريجيم بسبته..



عالية تضحك: وش أسوي.. كل سنة كانت نجلا هي اللي تولى المسئولية


والسنة اللي فاتت يوم رحنا.. كانت توها زعلانة من صالح وطافشة بيت أهلها


استحيت أقول لها.. تخيل أنا استحيت!!


إلا المسكينة طلعت مجهزة كل شيء مثل عادتها.. ويوم سافرت اتصلت فيني في زعلانة..


قالت لي يعني عشاني زعلانة مع صالح بأغير عادتي معش كل سنة..



نايف بابتسامة: واللي طاح فيها أنا المسكين..



عالية تبتسم: لا تسوي فيها شهيد بزاري.. لأنك كان باقي تلحس الصحون


ثم أردفت بتحذير وهي تتذكر شيئا: شوف قبل ما تحجز.. تأكد إن فهد بيكون رجع من دورته..


لأني مستحيل أروح ماشفته.. حتى لو أجلنا السفر شوي!!



نايف بمودة: فهد راجع بعد أسبوعين وسفرنا بعد ثلاث أسابيع..



عالية تسأله: زين بتكون خلصت موضوع البيت..؟؟



حينها هتف نايف بضيق: الموضوع تقريبا خلص.. باقي بس استلم الفلوس وأسلمها للمحكمة تقسمها..


يا الله عالية ما تخيلت أني باتضايق كذا لا بعت البيت عشان خواتي زعلانين..



عالية ترفع يديها للسماء: يارب يقعدون زعلانين ويفكونك من شرهم!!



نايف ينهرها: عيب عليش.. خالاتش ذولا.. وخواتي.. وما أحب حد يقول عليهم شر.. يعني عشان يحبوني..



عالية تهز كتفيها: هذي مهيب محبة طال عمرك.. هذا تملك..


يا أخي هم مهوب قادرين علي عيالهم ورياجيلهم..


متشطرين عليك.. عشانهم يشوفونك طيب وما تحب تحزنهم..


ثم أردفت بحماسة: خلاص لما ترجع المرة الجاية.. بتدور بيت!!



ابتسم نايف: لا من الحين بأعطي أبو صالح وكالة.. وطلبت من صالح يدور لي بيت زين على راحته..


ما أبي أشغل نفسي بذا السالفة..



عالية تبتسم: الله يانايف ماني بمصدقة إنه ماعاد باقي علي إلا فصل واحد وأخلص.. حاسة أني أدرس عمري كله..



نايف (بعيارة): هذا كله استعجال على الدكتور عبدالرحمن؟؟



نظرت له عالية بنصف عين: عندك مانع يا أفندي؟!



نايف يقف وهو يبتسم: لا ماعندي مانع.. ولو عندي مانع بتأكليني بقشوري أصلا...



عالية تقف معه وهي تهتف بابتسامة: وأنت فصل عقبي وتعرس بعد..


لا تبكي لا تبكي من الحرة...



نايف يهز رأسه رفضا: لا طال عمرش.. أنا توني.. وعاد وراي دكتوارة..


تبين يعني بعلش أحسن مني؟!!







*****************************************







" شوفي يام عبدالرحمن.. ترا من بكرة بأجيب المهندس


عشان يشيك على المكان


أبي أسوي الطابق اللي فوق كله لعبدالرحمن


وغرف البنات انقليها تحت"



أم عبدالرحمن تبتسم: تو الناس يا ابن الحلال..



أبو عبدالرحمن بحزم: لا تو الناس ولا شيء.. أول ما ترجع مرته من السفر بنحدد موعد العرس..



حينها همست أم عبدالرحمن بخجل: زين دامك تبي ننقل غرف البنات تحت..


شعاع من زمان وهي تقول إنها تبي تغير غرفتها..



أم عبدالرحمن انكمشت قليلا حين رأت انعقاد حاجبيه.. وظنت أنه سينفجر فيها


ولكن الغريب أنه أجابها بذات الحزم وبقوله: خليها تغيرها على كيفها..


بس أنا اللي بأوديها تتنقى.. ولو تبي تغير الديكور والحمام بعد ماعندي مانع..


وحتى جوزا لو بغت تسوي شوي في غرفتها مايهمها من المصاريف..


عشان لاجات عندنا أو تنفست عندنا عقب الولادة إن شاء الله.. تعين المكان اللي يريحها..






****************************************








" الحين يا اللزقة.. أقول لك بانزلك بيتك.. تقول لا..


ما يكفيك أنك رحت معي لموعد جدي.. وصدعت رأسي بهذرتك وجدي يسوي العلاج الطبيعي..


وهذا احنا راجعين.. وعادك ماتبي تتخلص..


تراني مافيني ريحة آل ليث عشان تلزق كذا؟؟"



عبدالرحمن بمرح: ياحي الطاري بس.. وش أسوي ماعندي غيرك أتسلى به..


خل بنت آل ليث لين تخلص دراستها وربي يفرج علي وأعرس


وعقبه بأتفل في وجهك!!



مهاب يبتسم: خوش دكتور.. مايعرف من الثقل إلا اسمه..



عبدالرحمن بابتسامة: أنا ما أدري وش تفسيركم للدكتور... نظارة وتكشيرة..


ماعليه النظارة ومشينا الحال.. بس عاد التكشيرة وثقل الطينة خليتهم لك..



مهاب بذات الابتسامة التي تكون حاضرة دائما مادام يتحاور مع عبدالرحمن:


تدري يا الدب.. لو خالد آل ليث عنده بنت ثانية.. كان نشبت في حلقهم يزوجوني عشان أصير عديلك وأغثك..



عبدالرحمن يضحك: غاثني بدون شيء.. ومصنع مرتي سكر عقبها لأنها نادرة..


وإلا وش رأيك يبه؟؟



قالها وهو يتقدم قليلا ليستند على مقعد الراكب الأمامي حيث يجلس الجد جابر


الذي أجابه بتأفف: رأيي.. إنه رأسي آجعني من هذرتكم.. عاد حن مبطين؟؟..


أبي الحق على صلاة المغرب في المسجد..



مهاب بمودة واحترام: خلاص يبه عشر دقايق وحن في البيت طال عمرك.. وقبل المغرب إن شاء الله..



لم يكد مهاب ينتهي من عبارته.. حتى تعالى صراخ عبدالرحمن بالتحذير الجزع:


امــــهــاب..


انـــتـــــــبــــه !!


انـــــــتــــــــبـــــــه!!!






#أنفاس_قطر#


.


.


.


.


أدري ودكم تذبحوني


وأدري عشرات التوقعات بتدور


بتعرفون اللي صار وبيصير قريب


اليوم حطيت لكم بارت اليوم وبارت الخميس


وبأخذ فترة استراحة قصيرة أسبوع


وارجع لكم يوم الاحد الجاي.. يعني اللي بعد أسبوع ونص


.


ولا رجعت وقريتوا البارت الجديد عرفتوا ليش خذت استراحة..


أدري إنه البعض كان متضايق ويقول فيه بطء فيه الأحداث


بس أنا كنت قاصدة لين أوصل تميم وسميرة لحزب المتزوجين


عشان نبدأ معهم المرحلة الجديدة والأخطر من بين الأمس واليوم


واللي بتبدأ من البارت 55


.


.


.

#أنفاس_قطر# 31-10-10 06:07 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس و الخمسون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياهلا والله بكم ياكل الغلا.. لو فقدتوني شوي أنا فقدتكم واجد
الله لا يخليني منكم
ما تتخيلون أشلون أثرت فيني ردودوكم ومشاعركم لو مهما وصفت ما أوفي
لأني عارفة أنكم متشوقين للبارت نزلته بدري.. ولو كنت دخلت قبل كذا كنت نزلته أبكر
.
.
الحين شوية استفسارات ونجاوب على السريع
.
.
ليش ماتعلمت سميرة الإشارة؟؟ استفسار تكرر..

والإجابة إني قصدت هالشيء وتبريره بتعرفونه على لسان سميرة نفسها في جزء اليوم
.
هل نزلت كتاباتي في كتاب؟؟
لا.. يكفيني إنها نزلت في قلوبكم.. تكفيني عن مليون كتاب!!
.
موب لازم لأن سميرة أغمي عليها كذا تكون مريضة بس القهر شين جعلكم ماتشوفونه..
.
من طلب رأيي في التوقيعات الخاصة بالرواية اللي يتكرمون نبضات قلبي يوم يشرفوني ويحطونها في توقيعاتهم الخاصة؟؟
أقول كلها تبهرني بإبداع أصحابها.. وكلها تزرع في روحي امتنان ما تتخيلون أشلون يؤثر فيني!!
لكن لو أنا قلت إنه فعلا اللي في التوقيع يشبه تصوري عن شخصية معينة
معناته أني أذبح باقي التخيلات والتصورات
أنا عندي تصور معين عن الشخصية وأحب يكون لكل المتابعين كل واحد بروحه تخيله الخاص
اللي يعطيه من أفكاره وروحه وخياله.. أحب يكون في بالكم تصوركم الخاص فيكم اللي أنتو تزرعونه وتبتكرونه!!
.
ومن هنا يمكن نطلع لقضية كانت أثارت جدل بما إنه تكلمنا عن تصور البعض للشخصيات..
جمال كاسرة كشخصية.. أو حتى جمال المرأة المبهر بشكل عام..
أقول لكم.. أنا وحدة سافرت كثير.. ونسمع أشلون جمال البرزايليات مثير..
وأشلون بشرة الفلبينات مذهلة..
وأشلون طول الألمانيات ورزتهم لافتة..
بس شوف العين شيء ثاني غير السماع..مبهر أكثر :)
شفت في حياتي آلاف الأشكال.. شفت اللي قالوا عنها جمالها يزوجها حاكم أو أمير..
وشفت اللي قالوا جمالها يخلي الناس تقوم وماتقعد..
بس سبحان الله الجمال اللي مثل جمال كاسرة شفته في بنات مستورات مثلكم وشرواكم..
ومايعني أنه البعض يمكن ماصدف هالجمال في حياته إنه غير موجود..
وفعلا يوم يقولون الأذواق تختلف... بس سبحان الله شفت في حياتي جمال مستحيل حد يختلف عليه..
تلاقين العين ماتقدر تصد عنها... صحيح البرستيج يفرض عليك ما تبحلقين..
وتحاولين ما تبحلقين بس غصبا عنك البحلقة حاصلة حاصلة :)
.
.
.
عودة لجزء اليوم... وأخيرا.....
أعلم أنكم تتوقعون حزن ما في هذا الجزء
ولكن اختلفت توقعاتكم عنه.. ولنقل أمنياتكم
لأني أكتب هذه المقدمة بعد أكثر من أسبوع لكتابتي للجزء.. استطعت كتابتها
ولو كنت نزلت الجزء فور كتابته لم أكن لأستطيع كتابة شيء
فالحزن كان يملأني لدرجة الاختناق.. وكنت أكتب قليلا وأتوقف قليلا لأني لا أرى الشاشة..
ليس المقصد مطلقا أنني أريد جلب الكآبة والحزن والمآسي
فكما في الحياة كثير من الحزن.. فيها كثير من السعادة.. وكلاهما قادم في الرواية
كنت قلت لكم قبل فترة أننا نعبر عنق الزجاجة. ولم نقل أننا تجاوزنا العنق بعد
فنحن نمر الآن عبر اختناق العنق تماما..
تعلمون نبضات القلب أنا أقرر مسار الرواية بالكامل منذ البداية وأبني الأحداث على هذا الأساس..
وإذا كنتم ستحزنون لفراق إحدى الشخصيات.. فكيف بي وأنا أشعر كما لو كنت أبتر جزءا من روحي!!
بل كأني أبتر جزءا من جسدي وألقيه!!
ولكن لو سمحت لمشاعري ولتوقعاتكم أن تغلبني ستسقط الرواية وتتضارب الأحداث..
.
أعلم أن الأغلب توقع وفاة الجد.. أو لنقل تمناه..
فهو شيخ في التسعين والموت متوقع له..
ولكن على من سيأثر موت الجد؟؟ كاسرة.. مزنة!! وفقط.. وماذا إذن؟!

لكن أنا في هذه المرحلة كنت قد قررت من البداية حدوث زلزال ما..
سيقلب أحداث الرواية ويؤثر في أغلب الشخصيات لتبدأ الأحداث في التصاعد
وشخصيات كانت متوارية ستقفز لبؤرة الأحداث..
فالرواية لا ترتبط بشخص واحد.. بل هناك العديد من الشخصيات التي تنتظر دورها للظهور!!
وقوة دور هذه الشخصية هو في تأثيرها بعد اختفاءها عن الساحة!!
.
سترون كيف ستنقلب الأدوار؟؟
سترون كيف ستبرز علاقات جديدة ومختلفة؟؟
سترون كيف ستتغير الأحداث؟؟
.
ولكن كل ذلك كان الطريق له حزن عميق هو عنوان هذا الجزء..
الحزن يطهر الروح تماما.. ويظهر أفضل مافي البشر وأسوأ مافيهم أيضا!!
وتذكري وأنتي تقرأين أنكِ مهما شعرتي بحزن لن يكون حتى واحد من الالف من الحزن الذي شعرت به أنا..
لذا فلا تجرحوا قلبي المجروح أساسا..
.
هذا الجزء كان متعب جدا جدا جدا لي
تقمصت فيه شخصيات الرواية.. حزنها.. ألمها.. انفعالاتها.. مشاعرها..
وكنت مع كل شخصية من شخصيات بداية الجزء.. أغرق الكيبورد بدموعي..
لكن مع مرور شخصيات الجزء تبدأ الشخصيات بالانفراج
وبقدر ما سيبدأ الجزء خانقا محزنا.. سينتهي بسلاسة وبهدوء..
.
الجزء 55 جزء طويل جدا استعدوا
.
لن أقول قراءة ممتعة.. بل قراءة مطهرة للروح
جزء اليوم لا يقرأ مرة واحدة..
بل أريد أن اسمع أرائكم بعد القراءة الثانية
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والخمسون



ست أشهر مضت.. منذ ارتحل..
تمر الأيام علي بطيئة متثاقلة..غاية في الثقل!!
هي كانت من قبله تمر بطيئة!!
وأنا أدعو الله أن يأخذ أمانته بعد وصلت أرذل العمر.. واشتقت إلى لقاء ربي!!
فكيف من بعده؟!! كيف من بعدك يا بني؟؟
أصبحت أشعر بشروق الشمس وغيابها سكاكين تنغرز في روحي..
لأني أعلم أن هذا يوم جديد يمر علي من بعده!!


عمري ضعف عمره مرتين..
والحياة كلها كانت أمامه.. بينما أنا حياتي أصبحت خلفي!!
ومع أن ذاكرتي كانت بدأت تضعف ومنذ سنين.. لكن منذ غادرني..
وذكرياتي معه.. حتى تلك التي كنت نسيتها.. تمزقني وأنا أستعيدها مرارا وتكرارا..

حفيدي الأول.. وفرحتي الأولى.. الولد الذي لم يرزقني الله به
أذكر أول مرة حملته وأنا أكبر في أذنه وادعو له بالصلاح..
وكم كان صالحا وبارا..!!

كلماته الأولى ومناغاته ترن في أذني ولا تفارقني..
حين قال (أبي) قالها لي... فلم يكن له أب غيري.. فقد وُلد يتيما..
وحتى بعدها كنت أنا فقط والده!!

حين خطا خطوته الأولى كان متجها لي..
ومنذ ضعفت وضعف بصري وهو من يقودني دون يتذمر أو يشكو.. مجرد طفل صغير حينها!!
لم يقل لي يوما أريد أن أذهب لألعب.. لم يتركني وهو جواري ملتصق بي.. فخذه الصغيرة ملتصقة بجنبي..

يا الله ماكل هذا الوجع!!
ارحم شيبي وضعفي.. ماعاد القلب يحتمل المزيد..ارحمني برحمتك..
وإن كان مازال في العمر بقية.. فمنَّ علي بنعمة النسيان التي باتت حلما بعيدا المنال..

يا الله ياكريم
إذا كنت قد أذقتني حسرة فقد ولدي..
فلا تذق أبا عبدالرحمن مثلها!!

يكفيه رؤية عبدالرحمن حي ميت طوال الأشهر الماضية..
يا الله لا تذقه الحسرة التي ذقتها!!
فإن كنت أنا أستطعت الاحتمال.. فهو لن يحتمل فراقه.. لن يحتمل!!





************************************





ست أشهر مضت منذ تركني..
حاولت الاعتصام والصبر والتجلد وأنا أقول هذا قدر الله وحكمته
وإن كان قد أخذ ابني.. فلحكمة منه سبحانه!!
وأنا مؤمنة ومصلية..
وأعلم أنه إن شاء الله في خير حال في عالم خير من عالمنا..

هكذا كنت أصبر نفسي..
ولكن كيف للقلب المكلوم أن يستوعب كل هذا الوجع؟؟
كيف له أن يستوعب خلاء المكان بعده؟؟
أيام العزاء كدت أموت لشدة ماتجلدت..
وخصوصا وأنا أرى انهيار وضحى وعيناها تتبعاني أينما ذهبت..
وكأنني مصدر القوة لها.. تنتظر انهياري لتنفجر تماما..
تجلدت وتجلدت وتجلدت.. حتى ماعاد جلدي يحتمل التجلد.. وشعرت به يتفطر كما انفطر قلبي..

أصبحت هاربة على الدوام من البيت..
غالب وقتي أقضيه في بيت أم عبدالرحمن..
نتشاطر وجع ماعاد في الاحتمال.. في خفية عن الأعين التي تراقبنا..
كلانا نبكي ابننا الذي رحل.. ونبكي جزعا أن يرحل الآخر!!

كنت أكره أن أعود للبيت...
وكيف أعود وكل شيء هناك يذكرني به..
هذه الستائر هو اختار لونها.. وهذه الأرائك هو اشتراها..
بل حتى أواني المنزل كان معي عندما اشتريتها..
هنا جلست وهو يمر علي في الصباح.. مقبلا رأسي وأنا أدعو له بالتوفيق وبحفظ رب العالمين!!
وهنا جلست أنتظره عائدا من رحلته والقلق يعتصرني إن تأخر ساعة واحدة..
وهاهو الآن لن يعود مهما انتظرته..
بدأت الحسرة تأكل روحي شيئا فشيئا..
كرهت حالة القلق الذي أثرتها في أبنائي وأنا أظنهم لا يلاحظون..

لأتفاجأ يوما بهم ثلاثتهم.. بل أربعتهم وسميرة معهم.. يأتون لأخذي من بيت عمتهم بعد رحيل مهاب بثلاث أسابيع..
ويذهبون بي إلى بيت آخر..
إنه بيت كساب الذي عرضه على تميم حين علم أنه يبحث عن بيت ليأجره..
لم يسمحوا لي أن أعود للبيت حتى.. ولم يحضروا حتى قشة واحدة من بيتنا القديم..
حتى ملابسي لم يحضروها.. وكأننا نبدأ كلنا حياة جديدة..
خيرا فعلوا.. حتى وإن كانت ذكراه أبدا ثابتة كالوسم في الروح ولا أحتاج شيئا يذكرني..
ولكني كنت فعلا على وشك الإصابة بالجنون والذكريات تخنقني من كل ناحية في ذلك البيت..
هأنا أشغل نفسي بالكثير.. ختمت حفظ القرآن الكريم..
وهأنا أقرأ كل ليلة آيات كثيرة أدعو أن يكون أجرها لمهاب..
صبرني يا الله بعده.. وأدخله فسيح جناتك..
واللهم أرضه.. كما أرضاني..
اللهم أرضه.. كما أرضاني..
اللهم أرضه.. كما أرضاني..






************************************




يا الله يا امهاب ما أقساك!!
أ لم تقل لي دوما وأنا صغيرة.. إذا ضربكِ أحد ما.. فاخبريني حتى أضربه!!
وعدتني أنك ستدافع عني دوما..
فأين أنت الآن؟؟
هاهي الحياة تضربني وتصفعني وتركلني وجعا من بعدك..
وأنت لست هنا لتدافع عني!!

ما أشد مرارة الأيام بعدك.. مرارتها كمرارة العلقم الذي سكن روحي ورفض أن يغادر..

ظننت أني في لحظة من اللحظات سأموت لا محالة..
فما كنت أشعر به وجع ظننت أنه لن يسكنه إلا الموت..
ولكن سبحان الله!!
الحياة تستمر.. والمؤمن مبتلى!!
ومهما بدت الحياة صعبة بعد أحبابنا فهي تستمر!!

هانا أعمل.. وأدفن نفسي في العمل!!
أصبحت أشعر أن حياتي تتمحور حول هؤلاء الأطفال الصم..
سعادتي رهن بابتسامتهم..
وحزني الحاضر دائما رهن بدموعهم..
أقنعت سميرة أن تعمل معي..
وهاهو وجودها معي يخفف علي كثيرا من وجع الحياة!!





***************************************
***************************************




ست أشهر مضت وهو ذات الحال.. غيبوبة أشبه بالموت..
وإن كان هناك من يموت فهو أنا..والده..
أشعر أن أجزاء روحي تتساقط شيئا فشيئا مع كل يوم جديد يمر علي وهو لا تحسن في حاله..
بل أشعر أن مابات يحول بيني وبين لفظ أنفاسي الأخيرة.. وهو وجود أنفاسه في الحياة..
حالما تختفي هذه الأنفاس سأختفي معها..

لا أفارقه أبدا.... عدا ثلاث ساعات فقط بين منتصف الليل وقبل آذان الفجر..
أترك عنده أحد الصبيان وأطلب منه أن يتصل بي فورا لو حدث أقل شيء..
أعود لأبيت في مجلسي.. حتى يرى الجميع سيارتي أمام البيت..
خوفا على أهل بيتي... ولكني لا أستطيع حتى دخول البيت من بعده!!
الكل يحاولون في أن أغادر قليلا على أن يتنابوا معي..
ولكن لا أستطيع.. لا أستطيع مفارقته..
أعلم أني أهملت بيتي وبناتي.. ولكن أوصي تميما وعبدالله دائما في أهل بيتي..
والاثنان لا يقصران..
وخصوصا عبدالله الذي أعلم أنه من يتولى مسئولية البيت التي تركتها له..


لا أفارق عبدالرحمن لأني أخشى أن أتركه فيحدث أحد أمرين..
أما أن يتحرك أو حتى ترمش عيناه وأنا غير موجود..
أما ما أخشاه أكثر.. أن تحين ساعته وأنا لست موجودا حتى أوجهه للقبلة وأتشهد على رأسه مادام لا يستطيع التشهد..

كنت أحلم بأولاده.. فإذا الحلم يتحول فقط أنني أريده جواري على أي حال كان!!
حتى وإن لم يصح من غيبوبته.. ليبق جواري..
فأي حياة لا يكون هو فيها؟!!





************************************




ست أشهر مضت وابني في غيبوبته..
والغريب أنه خال تماما من أي كسور أو أي إصابات..
كان مصابا برضوض شديدة.. ولكنها كلها تعافت..
ومع ذلك مازال لم يصحُ..

وأنا لا أمل الانتظار.. ولن أمله!!
مادامت أنفاسه وأنفاسي في الحياة.. سأبقى أنتظر!!

عبدالرحمن يا بني.. أمك تحتاجك.. حتى متى كل هذا النوم؟؟
كل يوم تشرق شمسه.. أركض للمستشفى.. أقول اليوم لعل وعسى..
أبقى أرأقبه حينا.. أتحسس جسده حينا.. وادعو له في كل الأحيان
حتى يقترب آذان الظهر ويجبرني فاضل على المغادرة..
وأنا أشعر أن روحي تركتها خلفي..
حتى تفكيري طوال اليوم شارد.. ليس معي.. حتى أعود إليه!!

ماعدت أشعر بطعم أي شيء في الحياة..
فأي طعم للحياة هو لا يتذوقه..؟؟
حتى حسن الصغير الذي كنت أرى الحياة في ابتسامته..
يجلس في حضني.. يتمسح بي.. يشد برقعي.. يريدني أن ألتفت له..
سامحني ياصغيري.. ليس نقصا في غلاك.. والله يعلم..
ولكن ماعدت أشعر بشيء..
وكأن كل شيء رهن بعودة هذا النائم!!







************************************




ست أشهر مضت وعبدالرحمن على حاله..
لا أعلم هل هذه رحمة به حتى لا يعلم برحيل امهاب ..
فأنا مازلت لا أتخيل كيف ستكون ردة فعله حين يصحو ويعلم..

أصبحت الحياة باهتة باردة..
والغريب أنها ليست كذلك بسبب غياب عبدالرحمن فقط..
بل ربما كان السبب الأكبر هو غياب والدي..الذي حتى في تواجده تشعر أن روحه غائبة هذه الأيام!!

البيت ماعاد به حياة بعدك يافاضل!!
عبدالرحمن كان كالنسمة الهادئة.. في كثير من الأحيان لا أشعر حتى بوجوده في البيت..
ولكن والدي كان اعصارا يشعل البيت بالحياة..
أتخيل ارتعاشي حين أسمع صوته الغاضب أو حتى صوت صفق الأبواب تعبيرا عن غضبه..
يا الله كم اشتقت لتلك الأيام!!

ربما من الأشياء التي كنت أجهلها عن نفسي..
أنني لم أكن أنام حتى أسمع صوت خطواته يطل علي ليلا ويتأكد أنني نائمة قبل أن يغلق الباب..
رغم أني في تلك الأيام كنت أرتعب حين أشعر بدخوله.. وكأنه إعلان عن حضر تجول..
وكنت أجهل سبب الأرق الذي يصيبني حين يكون غائبا في رحلات القنص.. ولا أعرف لذلك سببا..
الآن أصبحت أعرف السبب!!


حين أزور عبدالرحمن لا تتوقف دموعي عن الانهمار..
بداية كان من أجل عبدالرحمن.. ولكن عبدالرحمن حالته استقرت تماما..
ودموعي الآن هي لحالة والدي..

لا يجلس حتى.. وعيناه تتبعان كل سنتيمتر مربع من جسد عبدالرحمن.. يبحث عن بادرة حياة..
أو يحرك أصابعه أو مفاصل قدميه ويديه.. لأنه يخشى حين يصحو أن يعاني من تصلبهما.. لذا يريد أن يحافظ على مرونتها..

بقدر مابكيت وارتعبت حين أصاب عبدالرحمن ما أصابه.. وأنا أخشى أن يتركنا وحيدين مع والدي..
بقدر ما أبكي الآن.. لأني أريده يصحو من أجل والدي..

تبقى شهرين على تخرجي..
لا أعلم حتى كيف استطعت الحضور والدراسة والنجاح.. ولكن لأقل أنني فعلتها من أجل والدي فقط.. حتى لا أخيب ظنه بي!!

فقد كنت أريد الاعتذار عن الفصل بعد حادث عبدالرحمن.. ولكن والدي كان من رفض وبشدة..
استغربت حتى اهتمامه بالموضوع في خضم انشغاله بعبدالرحمن..
ظننت أنه لن يهتم أبدا.. ولكني قلت لابد من إستئذانه..
لذا فوجئت برفضه وهو يبرره أنه من الأفضل أن تكون شهادتي بيدي لأني لا أعلم مايكتبه الله في الغيب!!





************************************




ست أشهر مضت..
أصبح عمر حسن الآن أربع سنوات.. وهو يمضي للخامسة..
يا الله ياعبدالرحمن أ لم تشبع من كل هذا النوم؟؟
حسن يسأل عنك دائما.. ويسأل متى ستصحو؟؟

موجوعة ياعبدالرحمن من بعدك.. وإحساس اليتم يخنقني..
لن تتخيل كم أثر فيني غيابك!!
ستكون سعيدا عندما تصحو و ترى كم أصبحت قذرة..
قذرة بمفهومي!! ومتوازنة بمفهومك!!
فلكثرة الساعات التي تمضي وأنا أرأقبك بسكون.. أنسى أن أغسل يدي كل ساعة..
ولا أستحم ولا أستبدل ملابسي سوى مرتين.. مرة حين أعود من عندك ظهرا والأخرى ليلا ..

وستكون أسعد حين تعلم أني قصصت كثيرا من طولة لساني من أجلك..
فلساني ماعاد فيه إلا الدعاء لك..
وأخشى أن أضايق به أحدا فيغضب مني الله ولا يستجيب دعائي..

أما التغيير الأكبر ياعبدالرحمن فهو تغيري من ناحية عبدالله..
التغير الذي أنا أشعر به.. ولكن لم أسمح لنفسي أن أشعره هو به..

أنا لست ناكرة جميل ياعبدالرحمن..
وأعترف أنه لولا وجود عبدالله ماذا كنت سأفعل أنا ووالدتي وشعاع من بعدك أنت وانشغال والدي معك..
أتخيل لو أن هذا الحادث حدث وعبدالله لم يظهر..
كنت سأترمل مرتين وأتيتم مرتين!!
كيف كان حالنا سيكون؟؟

عبدالله الآن من يتولى مسؤولية بيت والدي كاملة.. تميم أيضا لا يقصر أبدا..
ولكن تميم لديه من المشاغل والحزن مايكفيه...

الحياة بيني وبين عبدالله ساكنة تماما..
ماعدت أعارضه.. أو أضايقه.. أو اشتمه.. ولكني أيضا أعلم أني لا أريحه..
فبقدر ما يغمرني بعاطفته وحبه وحنانه بقدر ما أعاني من الجمود والتبلد..
لا أنكر أنني حاولت الخروج من شرنقة جمودي.. ولكن لم أستطع لم أستطع.. فهذا أرث ليال متطوالة من الألم..

أصبح أكثر ما أخشاه أنه سيأتي يوم ويمل مني.. أنا مللت من نفسي.. لا أعلم كيف مازال يحتملني..
وما أخشاه أكثر أن يكون قد ملَّ مني فعلا.. ولكنه صابر علي لإحساسه بالمسئولية تجاهي وتجاه أسرتي!!
فأنالم أعد أتخيل للحياة معنى ولا نكهة بدون عبدالله ووجوده..
ولو تركني.. لا أعلم ما الذي سيحدث لي.. قد أموت!!

وهذا القلق بدأ يتصاعد في روحي من عدة أشهر.. أخشى بالفعل أن يتركني..
أريده أن يبقى بجواري.. وأريد أطفالا آخرين منه..
يشبهونه كما يشبهه حسن.. لا أريدهم أن يشبهوني أنا..

ولكن الحمل تأخر.. والغريب أنني أساسا لم أتناول حبوب منع الحمل..
فقد كنت أنتظر دورتي الشهرية الأولى بعد زواجي والتي لم تأتِ إلا خلال أيام حادثة عبدالرحمن وعزاء مهاب..

نسيت الموضوع تماما في خضم انشغالي بك.. لأكتشف أنه ثلاثة أشهر مرت بعد حادثك وأنا لا أتناول مانعا ولم أحمل..
حينها أصبت بما يشبه الجنون.. أريد أن أحمل.. أريد طفلا آخر يربطه بي.. ويمنعه من تركي!!..

ولم يخيب الله رجائي ودعائي..
أنا حامل ياعبدالرحمن.. حامل.. أنا الآن في الشهر الثاني..
ومازلت لم أخبر أحدا.. بودي أن أخبر عبدالله..
ولكن لا أعلم هل الوقت مناسب أو لا؟؟
أو ربما كان الحاجز الذي بنيته حول نفسي هو مايمنعني!!





*****************************************





ست أشهر مضت على تحولها..
لا أعلم هل أحمد الله على الهدوء الذي نعيش فيه..
أم أشتاق لأيام جنونها وتناثر حممها!!
مطلقا لم تعد لصفعي بموال كراهيتها بعد ماحدث لشقيقها وانشغالها الدائم به!!

ويكون بودي أن أسألها كل يوم:
إن كنتِ لا تكرهينني فلماذا لا تقولين أنكِ تحبينني مادمت أصدح بمشاعري لكِ ليلا ونهارا؟؟..

وهاهي ساكنة.. رقيقة.. غاية في العذوبة.. وغاية في البرود والجمود!!
الغريب أنه كلما زدت أنا ولعا بها.. كلما شعرت أنها تزداد جمودا!!
ما أخشاه أن جمودها ماهو إلا كراهيتها بدأت تتحول لكراهية أعمق تكتمها في داخلها..

حبي لها يتزايد بصورة غريبة مضاعفة.. ماعدت أعترض.. فهذا ماكتبه لي رب العالمين!!
ولكن جمودها يقتلني!! شيء في روحي يذوي كلما رأيتها تصفع لهفتي بالجمود..

مشروع إكمالها لدراستها تأجل عن غير رغبتي!!
أتمنى أن تكمل دراستها لأني حينها سأشعر أنني أصلحت كل أخطائي..
وربما ينهار حينها كل مايبعدها عني!!
ومازلت مصرا أن تكمل.. ولكن مع حالة عبدالرحمن الفكرة بأكملها مؤجلة حتى يمن الله عليه بالشفاء..
حتى الحمل.. لم أطلب منها أن تترك المانع.. لأني لا أريد اجبارها على الحمل في ظروفها الحالية..
وبقدر ما أتمنى طفل آخر منها.. أكون معها في حمله يوم بيوم..
بقدر ما أنا قلق ألا نكون مع حالتنا غير الطبيعية أهل لهذا الأمر..!!






**********************************
**********************************





ستة أشهر مضت..
خلال هذه الأشهر الستة اختلطت السعادة بالحزن في أقصى معاني كل منهما..

سعيد أنا بل في غاية السعادة لانصلاح الوضع بيني مزون.. وعلاقتنا الفريدة تعود لسابق عهدها..
بل أقوى مما كانت..
لأن التجربة القاسية التي مررنا بها.. صقلت هذه العلاقة وعمقتها!!

أما أيام الحزن فهي ماكانت قبل ستة أشهر تماما وماتلتها من أيام..
كأن ماحدث حدث بالأمس فقط..

حين تلقيت اتصالا من ثرثار ما..
"سيارة نسيبك توها سوت حادث قدامي
الحق على الرجّال.. الحادث شين والدعمة من صوب بابه.. يمكن إنه يودع الحين"

ربما هو قدر الله عز وجل لي أن أكون من يواجه المصائب في لحظتها الأولى..
فقد كنت قريبا من موقع الحادث أعاين أحد مشروعاتي..
حين وصلت كانوا يخرجونهم من السيارة..
حين رأيت السيارة.. أصبت بما يشبه الجنون وأنا أحاول الوصول لامهاب..
علمت أن من كان يقود يستحيل أن يعيش.. فالاصطدام كان بالكامل من ناحيته..

أردت فقط أن ألقنه الشهادة.. ولكن المسعفين صدموني أن من كاد يقود كان أسلم روحه فور الاصطدام..

لأتفاجأ بالصوت الجزع الخائف المكسور الذي أعرفه جيدا يصرخ بجزع مؤلم:
العيال وينهم.. يا امهاب.. ياعبدالرحمن.. وينكم؟؟
امهاب طيب؟؟ يا امهاب؟؟ وينك يأبيك؟؟

كان يقف بين رجلي شرطة يريدون أن يقودوه لسيارة الأسعاف الثانية.. حتى يتأكدوا فقط من عدم وجود ارتجاج مخ فقط..
لأنه لم يصب حتى بخدش واحد..
اتصلت بعلي ليلحق بي.. وحتى يبق هناك حتى أوصّل الجد وأعود له..
وتبعتهم للمستشفى وبقيت معه حتى أعدته معي لبيتي.. ليس على لسانه سوى سؤال واحد..
"امهاب طيب؟؟ امهاب وينه؟؟"

لم أستطع أن أجيبه بشيء..وسؤاله يخنقني..أن ترى انكسار سنوات عمره الجليلة وهو يسأل كطفل مذعور!!
أحضرته لوالدي في المجلس.. ليتولى هو مسئوليته..

وتبقت أمامي المهمة الصعبة..
إبلاغ "كاسرة " ... لم أتخيل أن المهمة ستكون صعبة ومؤلمة حتى رأيتها تقف أمامي..!!
كانت تذهب وتعود وهاتفها بيدها.. تنتظر اتصالا من والدتها يبلغها عن سبب تأخر جدها وشقيقها..

حين رأتني وقفت وسكنت.. لدرجة أنني شككت أنها توقفت عن تنفس الهواء..
كنت أنظر لها وأهمس ماذا ستفعل هذه القوة في خضم الحزن؟؟
وكيف تعرف هاتان العينان الدموع؟؟

همست بصوت مبحوح وكأنها تسبر خفاياي: جدي لا.. جدي لا.. جدي لا..

همست لها بسكون: جدش طيب..

حينها جلست وهي تضع يدها على رأسها.. وتهمس وهي تتنتفس بعد الاختناق:
الحمدلله يارب..

ولكنها عادت لتقفز وتختنق من جديد: وجهك فيه حكي من يوم دخلت..
تميم فيه شيء؟؟

لا أعلم لِـمَ استبعدته هو بالذات؟؟ هل كانت تحميه حتى من مجرد الخيالات؟؟

لم أكن أريد إيذاءها ولكنها يجب تكون مع أسرتها الآن وهم يتلقون الخبر
همست بذات السكون: امهاب يطلبش البيحة..

لا أعلم ما الذي حدث لها.. كما لو أن أحدهم سحب لون وجهها وإشراقته فجأة..
و وجهها يتحول لشحوب أشبه بشحوب الموتى..
لم تبكِ.. لم تصرخ.. لم تندب..
كل ماقالته بنبرة ميتة: ودني لأمي الحين....

كانت مزون تخبرني حينها.. أنها تخشى على كاسرة.. لأنها لم تر دمعة واحدة لها طوال أيام العزاء..
بينما كانت شقيقتها تبكي بهستيرية.. وأمها تبكي بسكون..

ولكن مالا تعلمه مزون.. أن كاسرة بكت طويلا وكثيرا..
ليال كثيرة ماعدت أعرف عددها.. كانت تبكي على صدري حتى أشعر أن صدري غرق من غزارة دموعها..
وأنه احترق من لهيبها!!

في الليلة الأولى حاولت أن تهرب عني بدموعها.. كانت تبكي في خفية عني..
ولكني اقتحمت خلوتها..
بكاءها مؤلم خافت أشبه بالأنين.. بل كانت تئن فعلا.. كما لو أنها تنزف دمها مع دموعها..
لم أسمح لها بالهروب.. ربما أكون حاصرتها..
وأنا أشدها رغما عنها لاحتضنها وأسكن نشيجها...
كما فعلتُ في كل ليلة بعدها..




**************************************




ستة أشهر مضت..
وماعاد شيء كما كان..
حياتنا كلها تغيرت من بعدك..

يا الله ما أقسى مرارة بعدك.. والأقسى كان كتماني لمقدار وجعي..
طوال أيام العزاء كنت أتماسك..
أحاول أن أكون صمام الأمان..
كنت أعلم أن والدتي تنتظر انفجاري لتنفجر.. كما كانت وضحى تنتظر انفجار والدتي لتنفجر هي بدورها..
بينما أن كان صمام أماني هو جدي..
لو أني رأيت دمعة واحدة تخر من عينيه.. لا أعلم ما الذي كان من الممكن أن يحدث لي..
ورغم محاولات التماسك في العزاء وأمام والدتي..
إلا أنني بعيد عنها.. بكيت.. بكيت كثيرا.. بكيت كأن هذا الوجع مخزن في روحي منذ دهور!!

كساب رفض قطعيا أن أبات في الأيام التي تلت رحيل امهاب بعيد عنه..
لا أعلم هل كان يخشى من انهياري بعيدا عنه..
أم كان يريد أن يكون شاهدا على هذا الانهيار؟؟

حاولت كثيرا اقناعه أنني لابد أن أبات عند والدتي.. ولكنه رفض قائلا سأخذك الساعة الواحدة ليلا وأعيدك الساعة السادسة..
وفعلا كنت لا أغادر حتى أتأكد أن أمي ووضحى في فراشهما الذي بات فراش مشترك للألم...
وأعود لهم في وقت مبكر.. وأحيانا بعد صلاة الفجر مباشرة..

في أول ليلة حين تأكدت أنه كسابا نام.. اعتزلت في غرفة الجلوس..
كرهت أن يرى دموعي.. وربما خجلت أن أطلب مؤازرة لم أقدم له مثلها..
أطلقت العنان لدموعي التي كنت أشعر بها طوال اليوم كسكاكين على أعتاب عيني تمزقها لأنها تريد طريقا للنزول..

لأتفاجأ به يوقفني ويشدني إلى حضنه.. حينها انهرت.. تماما كما أراد أن يراني!!
بكيت وبكيت وبكيت وانتحبت وأفرغت كل طاقة الدموع عندي..
كما كنت أفعل كل ليلة وأنا أبكي على صدره حتى أنام وهو يهدهدني كطفلة!!
والغريب أنني كنت أصحو من النوم جزعة.. تخنقني الكوابيس..
لأجده مازال على نفس الوضعية الصعبة من الجلوس ومتيقظا.. كما لو كان يحرس حزني!!


يا الله يا مهاب.. أ كان يجب أن ترحل حتى تعلم مقدار غلاك!!
ليتك تعلم كم يأكلني الندم كل كل لحظة مرت عارضتك فيها..
على كل مرة وقفت في وجهك..!!
على كل مرة ضايقتك بعنادي..!!
لو كنت أعلم فقط أن بقائك معنا قصير هكذا..أقسم أنني لم أكن أضايقك بشيء..!

والإحساس الغريب الذي أشعر به.. أن مادام مهاب رحل دون أريحه بمهادتني!!
فليس هناك من يستحق بعده!!!
إن كان مهاب لم يحضَ بهذه المهادنة.. فلن يحضى بها غيره..
وخصوصا أن غيره لم يسع مطلقا لهذه المهادنة..
مازال غريبا غامضا كأول يوم عرفته فيه!!
مازالت العلاقة بيني وبين كساب كما هي.. مد وجزر!!
بينما كل شيء آخر في حياتي تغير..

أسرتي بكاملها انتقلت جواري.. وطلبت من كساب أن يفتح بابا بيني وبينهم يكون مفتاحه معي.. ففعل ذلك..
من الأمور التي أنا عاجزة عن شكر كساب عنها هو أنه حينما رأى ضيقي من حال أمي المتردي.. وعلم ببحث تميم عن بيت للايجار..
لأنه يريد بيع بيتنا.. وبناء بيت جديد على أرض اشتراها مؤخرا..
فعرض كساب على تميم بيته.. ولكن تميم رفض إلا أن يأخذ كساب الإيجار..
كساب وافق.. وقال له أعطني الإيجار الذي كنت ستعطيه لأي بيت آخر..
ولكن مالا يعلمه تميم.. أن المبلغ الذي يدخل لحساب كساب يتم تحويله لحسابي
لأن كسابا أساسا كان قد حلف ألا يأخذ شيئا..
وها أنا أعيد تحويل المبلغ ولكن بزيادة عليه إلى والدتي.. حتى لا تعلم أنه هو ذاته مبلغ الإيجار فيغضبون جميعا..
تسألني أمي دائما.. ماذا سأفعل بكل هذا المال؟؟..
فأقول لها أنا أعمل.. وكساب لا يقصر علي مطلقا..
وهذه حقيقة فعلا..
كساب من الناحية المادية لم أرَ أكرم منه!!
ولكن من الناحية العاطفية أعجز عن التحديد وتتساقط المسميات..
حينا غاية في الكرم..
وحينا آخر غاية في البخل!!

لا تمر ليلة واحدة لا نتعارك أو نختلف في الرأي أو نحتد..
ولكن يستحيل أن أنام أو يتركني هو أنام بعيدا عن حضنه..

من أطراف الحديث التي أسمعها من خالته عفراء.. شبه كبير بينه وبين عمه..
ولكن كما علمت من مزون وليس من عفرا فعمه.. كان عاشق متيم لا يتوانى عن التصريح بحبه لها..
لا أتخيل أن كساب قد يقول لي في يوم من الأيام أنه يحبني..
ربما أصاب بسكتة قلبية حينها من الصدمة!!

من أسوأ ماعانيته خلال الأشهر الماضية.. سفرات كساب المتعددة..
يسافر على الأقل مرة كل شهر.. وتمتد السفرة بين يومين لعشرة أيام..
حينها أشعر كما لو أنني مصابة بعدم التوازن.. الإحساس الذي لا يظهر لأحد ولا حتى له هو..

فربما نسيت.. أو تناسيت أني متيمة بهذا الكساب الغبي!!
لم أستغرق وقتا طويلا بعد زواجنا لأعرف كم أصبحت أحبه!!
يبدو كما لو كان طبخني على نار هادئة.. واستمتع هو كثيرا بهذا..
وفي الوقت الذي كان فيه هو طباخ ماهر.. وجعل مشاعري تنضج له كما أراد..
كنت أنا طباخة فاشلة.. لأني مازلت حتى الآن عاجزة عن مجرد إشعال النار تحت القدر.. فكيف بإنضاجها؟؟

مر على زواجي سبعة أشهر..
وأقصى ما أتمنى الآن هو طفل!!
لأني أعلم أن حياتي مع كساب سيأتي لها لحظة ما وتتوقف عند نقطة معينة..
لا أريد طفلا لأجبر كساب على يرتبط بي..
فأنا يستحيل أن أفكر هكذا..
وحتى لو فكرت فأنا أعلم أن كسابا لو أراد تركي.. فلن يربطه بي ولا حتى عشرة أطفال!!
أريد جزءا من روح كساب تبقى معي حين يتركني.. لذلك أريد طفلا منه..
كل شهر يمر تزداد لهفتي لهذا الطفل.. وكل شهر يمر يخيب ظني..

ومالم أخبر به أحد أني أجريت الفحوص لأتأكد من حالتي..
وقلت لكساب أني ذاهبة مع فاطمة لأنها هي من تريد إجراء فحوص..
وهأنا أنتظر النتائج بقلق !!




**********************************
**********************************





ستة أشهر مرت على ليلة زفافي..
ستة أشهر مرت على صفعته لي..
يا الله كم يبدو ذلك الزمن بعيدا..!!
وكأن تلك الليلة كانت بوابة ولوجي لحياة جديدة..

عدنا في الليلة التالية مباشرة حين علمنا بالخبر..
ويا الله ما كان أقسى تلك الأيام..!!
ومرارة الفقد تحول كل شيء عداها إلى شيء تافه حقير..
صفعة تميم لي وحتى شكوكه ماعاد لهم قيمة أمام كم الحزن الذي اخترقني وأنا أرى وضحى في انهيارها..
وأمي مزنة في تماسكها الهش.. وحتى كاسرة في صمودها الموجع..
والجد في حزنه الصامت العميق!!
وحتى تميم في انهياره الضائع..
حين أتذكر الحالة الهستيرية والقهر المرعب بل حالة الجنون التي أصابتني حين أخبرتني وضحى بشكوك تميم..
أجدها تبخرت أمام حزن تلك الأيام!!

ماعدت أستطيع أن أفكر دقيقة بنفسي وأنا أركض من مكان لآخر ونقابي على وجهي لأخفي آثار مابوجهي..
والجميع يظنه خجل عروس ماعاد يوجد مثله!!
كنت أقول سأبقى معهم حتى تمضي بهم سفينة الحياة قليلا..
فلا يمكن أن أكون قليلة الأصل وأتركهم وهم على هذه الحال..
ولكن الأشهر مرت ومازلت هنا.. وأنا أتولى مسئولية البيت كما هو مفترض من زوجة صاحب البيت..

والغريب أنني أبقى من أجل أمي مزنة فقط..
أصبحت أسعد لحظاتي حين أرسم ابتسامة على وجهها.. أو حين تنهرني بحنان "بس يا الخبلة!!"
من أجلها مستعدة أن أرتكب كل الحماقات.. وأروي كل النكت السخيفة حتى أرى واحدة من ابتساماتها المتباعدة!!
كنت أحبها منذ أيام صداقتي مع وضحى.. ولكن كانت محبتي لها كمحبة أم صديقتي اللطيفة بدون تمييز..
لكن حين سكنت معها وعرفتها... شيء عميق ربط بيننا..

باالتأكيد أحب أمي بجنون.. ولا أحد يشارك أمي مكانتها..
ولكن أمي هي الأم كما نعرفها جميعا.. حنونة.. متفانية.. بذلت كل جهدها لتربيتنا أفضل تربية !!

ولكن مزنة شيء مختلف.. مختلف.. شيء تريد التعلم منه والتماهي به
مزنة مقاتلة حقيقية..
واكتشفت أنها أورثت أبنائها كلهم ذات الروح المقاتلة..
حتى وضحى التي كنت أظنها لينة مهادنة.. هأنا أكتشفها من جديد في الحياة العملية..
لا يستطيع أحد أن يدوس لها على طرف.. أو أن يقلل من قدرها.. أو حتى يسيء إلى أحد من طلابها..
حينها من فعل ذلك سيندم على أنه تجرأ على مجرد التفكير بذلك..

العمل هناك متعة حقيقية.. وأنا أكتشف عالما جديدا كان مجهولا بالنسبة لي..
فرغم اهتمامي الغبي بتميم لكني لم أفكر مطلقا بتعلم إشارة واحدة..
لأني كان لدي حلم أكثر غباء أنه هو من سيعلمني لغته.. إشارة إشارة..
رسمت أحلاما ساذجة لليالي طويلة نقضيها سويا.. وهو يعلمني الإشارة ويكتب لي معناها..

ولكن الآن رغم أني أصبحت أعرف الكثير من لغة الإشارة وتعلمتها بصورة سريعة أثارت العجب..
إلا أنني يستحيل أن أشير بإشارة واحدة لتميم.. فذكرى إشارتي الاولى له لا أستطيع إزالتها من عقلي..
حتى وإن كنت ماعدت أحقد عليه بسببها.. ولكن ألم كهذا يصعب نسيانه!! يصعب نسيانه بالفعل!!

بيني وبين تميم لا يوجد شيء إطلاقا.. لا تواصل حميم بيننا كزوجين ولا بأي طريقة..
و الغضب... ماعدت غاضبة منه..
فمرارة الحزن طهرتني تماما.. فتميم كاد يموت من شدة الحزن لفراق أخيه..
وما رأيته فيه من الحزن والقهر جعلني أشفق عليه..
ولكن ليس إلى درجة إحياء مشاعري البريئة التي كانت له..
فهذه المشاعر ماتت واندثرت..

هانحن.. أنا وهو نتشاطر جناحا.. وأنا أهتم بكل مايخصه وترتيبه كزوج يفترض علي القيام بواجباته.. لكن عدا ذلك لا شيء بيننا..
أعلم أن أسرته تلاحظ ذلك.. فوضحى تعرف الحقيقة.. وأمي مزنة ليست غبية لتعلم أن هناك أمرا ليس طبيعيا..

والغريب أنه لا مانع لدي من المضي في هذه الحياة..
ماذا أفعل؟؟
أطلب الطلاق لأعود لأسرتي.. ثم ماذا؟؟
يجبر عمي خالد فهدا أو حتى هزاعا على الزواج بي ؟!!
أعلم تماما أن هذا ماسيحدث..

حالي هكذا أفضل بكثير... أعيش حياة استقلالية مع أسرة أحبها كثيرا.. أعني وضحى وأمي مزنة..
بل حتى تميم لو أراد أن نبني حياة زوجية كاملة معا فلن أمانع.. ولن أمنعه شيئا هو من حقه..
فلسنا أول زوجين ينشئان أسرة ولا وجود لأي حب بينهما..
وأنا أعلم أنه سيكون والدا جيدا.. فهو حنون ومتحمل للمسئولية من الطراز الأول..
وهذه صفات الوالد المفترض!!

ولكن تميما متنازل عن هذا الحق.. فربما يخشى أن يُصدم أنه ليس الرجل الأول كما يظن بي فتنهار مشاعره الهشة الرقيقة..
حتى أفكاره المريضة ماعادت تهمني..
ليفكر كيف مايشاء..
فأنا أصبحت أؤمن بالمقولة التي تقول "واثق الخطوة يمشي ملكا" مثل أمي مزنة تماما!!




*********************************




ستة أشهر مضت..
ستة أشهر مضت وأنا أشعر كما لو أن روحي شُطرت.. وجسدي شُطر
وكيف لا أكون من بعد "عضيدي" ؟!!

أصبحت أعرف الآن ألم من لا أخ له.. وإحساسه بالوحدة دون سند أو عضيد..
أصبحت أفهم جيدا المثل الموجع القائل : يد واحدة لا تصفق..

سابقا لأني أعلم أنه في البيت لم أكن أقلق على أمي وشقيقاتي إلا حين يسافر..
لكن أنا الآن في حالة قلق دائم..
رجل وحيد في بيت من النساء.. وأنا أوزع جهدي بين بيتي وبيت عمتي التي لها من قلقي نصيب وافر..
مرهق على الدوام.. ومشغول بعشرات الأشياء.. بين عملي وأسرتي وبناء بيتي!!

ولكن مايرهقني أكثر من كل الأشياء.... هــــي..
ســــمـــيــــرة..

حين أدخل للبيت أعلم اني سأجدها تضحك.. أو ربما تقفز على المقاعد..
أو تثرثر على أمي حتى تطردها أمي..
ولكني أعلم أيضا أنها فور رؤيتها لي ستنطفئ ابتسامتها المشرقة..
وتنزل عن المقاعد.. وتتوقف عن الثرثرة..
كما لو أنني جالب للكآبة من الطراز الأول!!

لا ألومها..فأنا حين أتذكر مافعلته بها.. أجدني عاجزا عن مسامحة نفسي..
فكيف تسامحني هي وأنا حتى لم أطلب السماح..
وكيف أجرؤ على طلب السماح؟؟
كما لو أنك تقتل إنسانا ثم تقول له أنا آسف.. سامحني..

كنت أتوقع أنها بعد مرور شهر أو شهرين على الأكثر ستطلب الطلاق
وكنت مستعدا لذلك..
ولكن الأشهر مرت.. وارتباطها بالبيت يتزايد.. وارتباط من في البيت بها..
وأنا على رأسهم..!!
لم أعد أستطيع تخيل بيتنا من غيرها..
فهي من تجعل أمي تبتسم..
وهي من تشعرني أن كل همومي تتضاءل حين أراها
وأنا أعلم عمق الجرح الذي تحمله في روحها ومع ذلك تبتسم!! وإن لم تكن الإبتسامة لي..
لو حدث وابتسمت لي يوما.. سأسجل ذلك التاريخ ضمن أهم التواريخ في حياتي..
مع تاريخ ميلادي ربما!!
فابتسامتها ستكون ميلادي الجديد الذي انتظره بشغف وقلق..
قلق لأني أعيش في رعب أنها سيأتي يوم تقرر فيه تركي.. وقبل أن تبتسم لي!!

أريدها أن تبقى في حياتي بأي صورة هي تريدها..
أنا حتى لم أجرؤ على تكدير طهرها بقبلة خوفا أن تتخذها عذرا لتهرب مني..
طهرها الذي ماعدت أشك فيه مطلقا.. بل أراهن عليه بحياتي!!
لو أن وضحى فقط لم تتدخل بيننا.. لا بإشارتها السخيفة.. ولا بإفشاء شكوكي بعد ذلك..
كنت لأعلم بعد العشرة أي مخلوقة طاهرة هي.. فمن يعرفها ويعيش معها يستحيل أن يتطرق إلى ظنه أي شك بها!!

ولكن مابت أشك فيه.. أنها أصبحت خبيثة بل مجرمة خبيثة!!
وإلا فما معنى تباسطها في اللباس أمامي في الأونة الأخيرة..؟؟
بعد أن كانت طول الأشهر الأولى بالكاد أرى اطراف أصابعها وهي في بيجامات طويلة واسعة..
لا أعلم هل تتصرف بعفوية لأنها اعتادت عليّ وعلى وجودي.. أم أنها تتصرف بخبث مقصود أو غير مقصود؟؟

الآن أصبحت العودة المسائية للبيت بمثابة الاستعداد لليلة جديدة من التعذيب
رغم أن كل ماترتديه هو محض بيجامات تشبهها فعلا بشقاوتها وحيوية ألوانها وقصاتها..
بعيدا عن تلك البيجامات الكئيبة التي انا أشتاق لأيامها الهادئة..
مع أنني حتى في كنت في تلك الأيام أحترق وأتصبر..
ولكني الآن أترمد... أترمد وأخشى أنه ماعاد للصبر عندي مدى طويل!!

أما أغرب مايحدث بيننا.. أنها ترفض أن تستجيب لإشاراتي مع أني أعلم أنها أصبحت تفهم لغة الإشارة بشكل ممتاز وتشير بشكل جيد..
بل تصر أن نتواصل عن طريق الكتابة !!
وهذا التواصل اساسا هو في حدوده الدنيا..
" أين ساعتي الفلانية؟؟
أين وضعتِ أوراق عملي التي أحضرتها بالأمس؟؟"
وهكذا...
لا أعلم ماذا تقصد من ذلك..
ربما هي رسالة أنها لن تتواصل معي بطريقتي.. لأنها لا تريد صاحب الطريقة بل تنتظر الفرصة للتخلص منه!!






*******************************
********************************





هأنا أكاد أدخل شهري التاسع..
وأخيرا.. يا الله هونها علي!!
مضت علي أشهر الحمل الماضية ثقيلة طويلة..
فحملي كان غير مستقر.. والأطباء منعوني من الحركة..
لذا حتى عملي الذي تخاصمت مع منصور من أجله لم أستطع أن أذهب إليه وأنا أقدم على إجازة طبية مشفوعة بالتقارير..

وكأن منصور يهتم؟!!..
أشك في أحيان كثيرة أن منصورا نَسيني!! رغم أنه عن بالي لا يغيب مطلقا!!
لم يحاول مطلقا مصالحتي حتى بعد انتهاء أيام وحمي المريعة.. وحاجتي له مع حالتي الصحية المتدهورة..

لم يكلمني ولو لمرة واحدة ليسأل عن حالي..
أعلم أنه يكلم الجميع حتى جميلة ولكن أنا لا..
بل أنه ذهب لزيارة جميلة ست مرات خلال الأشهر الماضية.. مرة كل شهر.. وكأنه يريد أن يغيظني لأني عاجزة عن السفر..
والغريب أن جميلة باتت مفتونة به تماما.. ولا يغيب عمها منصور عن لسانها لدقيقة واحدة طوال مكالمتي لها..
هذا ماكان ينقصني.. أن تقف ابنتي في صفه!!
بل هي الآن أصابتني بالجنون لكثرة ما تتهمني أنني من أخطأت في حق عمها العزيز منصور وأني من يجب أن أعود له..
لأنها تريد ان ترانا سوية حين تعود للدوحة...
ماذا أقول لها؟؟
أ أقول أنه لم يبذل أي محاولة لنكون سويا؟؟
رغم أني تعبت وأنا أنتظر تذكره لي!!
يبدو أنها حين تعود للدوحة ستضطر لرؤيتنا كلا على حدة..

يا الله لا أتخيل أنني سأراها أخيرا.. أكاد أموت شوقا لها..
مضت ثمانية أشهر منذ آخر مرة رأيتها..
أشعر أن الأيام القليلة المتبقية على عودتها لا تريد أن تمضي أبدا..
أريد أن أراها.. أخبرتني أنها استعادت وزنها بالكامل..
كنت أريد أن أراها عبر كاميرا الحاسوب ولكنها رفضت..
قالت أنها تريد مفاجئتنا...
وكم طال اشتياقي لهذه المفاجأة!!




*******************************





هذه الليلة أنا غاضب..
غاضب من الجميع.. من زايد ومن علي ومن مزون ومن جميلة..
كلهم كانوا يعلمون بحال عفرا الصحي السيء ومع ذلك لم يخبرني أحد..
كلما سألتهم عنها أجابوني باللباقة المقيتة "على خير حال!!"

وأما من كنت أتحاشى سؤاله.. فهو من أخبرني بالحقيقة..
طوال الأشهر الماضية لم أسأل كساب عن حال خالته.. كنت أسال الجميع إلا هو..
لأنني أعلم إن سألته.. سيجدها فرصة ليسمني بكلامه الملغوم وفي النهاية لن أخرج بفائدة.. فلماذا أسأله أساسا...

لكن الليلة لم أجد سواه في المجلس..
ولم أطق صبرا ألا أسال..
لينظر لي بطريقته التي أكرهها لأنه تشبه طريقتي الباردة المتكبرة:
مهتم يعني ياعمي؟؟ بصراحة ماقصرت!!

أجبته بغضب: أنت بتحكي مثل الأوادم وإلا ليتتك كف على وجهك أعلمك السنع..

أجابني ببرود ساخر: لا كف ولا شيء.. وليش الخساير.. كلها كلمة ورد غطاها..
خالتي تعبانة واجد مثل ماكانت طول الشهور الماضية.. وأنت زايدها عليها باهتمامك الواضح فيها!!

حينها قفزت وأنا أصرخ بغضب أشد: أشلون تعبانة واجد على قولتك وأنا كل يوم مافيه حد ماسألته..
وكلهم يقولون إنها طيبة..

نظر لي بنصف عين : مافيه حد ماسألته عنها ؟!!
وأنا يا ترا كنت من ضمنهم؟؟ أو أنت سألتني أنا عنها؟؟
أنا ماني بمسؤول عن اللي هم قالوه لك..

حينها لكزته في كتفه بغضب: أنت أكيد تكذب علي.. مستحيل كلهم يكذبون وأنت الصادق..

حينها اعتدل وهو يهتف بغضب مشابه لغضبي:
أنا ماقلت إلا الصدق.. وأنت صدق اللي تبي..
خالتي حملها كان غير مستقر.. وممنوعة من الحركة بعد..
يعني لو خالتي طيبة على قولتك.. وش لدّها تروح لبنتها وهي كبدها تقطع عليها؟؟
وش لدّها ماتروح لشغلها؟؟

حينها صمتت.. كانت هذه الأسئلة تدور برأسي..
وجرحني لأبعد معرفتي أنها لم تذهب لمدرستها.. وأنا أقول:
كانت المدرسة مجرد عذر اخترعته للهرب مني!!
سعيدة بتركي بينما أنا أموت في اليوم ألف مرة بعيدا عنها..!!

أما عدم سفرها لجميلة.. فجميلة قالت لي أنها حلفت عليها ألا تحضر من أجل حملها..
ولم أتخيل أن هناك تفسيرا آخر..عدا مصاعب الحمل العادية!!

انتفضت بغضب عارم وانا أصرخ في كساب:
قوم ادع لي خالتك تجيني في مجلس الحريم الحين...





*********************************




مضت ثمانية أشهر بالتمام والكمال..
وسنعود للدوحة قريبا جدا..
يا الله اشتقت لكل شيء.. والدي.. أشقائي..مع أنهم زاروني قبل فترة.. ولكن لم تُشبع الزيارة القصيرة شوقي لهم..
مشتاق للتدريس.. وطلابي..
وابن شقيقي .. فقد أصبح عندي ابن شقيق مازلت لم أراه..
فزوجة جاسم أنجبت ولدا قبل عدة أشهر..
لا أتخيل أنني قد أصبحت عما.. تقتلني اللهفة لآراه..
سيكون مولودي الأول بنت إن شاء الله حتى أزوجها له..
فيبدو أنني تأثرت بطبائع البدو!!

ولكن ما أنا مشتاق له إلى درجة تتجاوز كل حدود الشوق ومسمياته..
المخلوقة التي كانت معي طوال الأشهر الثمانية..
جميلة ذاتها !!

فلأني خرجت معها مرافقا من الدوحة.. فيبدو أنها لم تستطع تجاوز هذه الفكرة..
وهأنا أحترق للعودة للدوحة حتى نبدأ بفكرة أخرى.. وتقتنع أني لست مرافق فقط ولكن زوج أيضا..
قررت أن أقيم لها حفل زفاف كبير.. فهي تستحق أن تشعر بإحساس العروس الذي سُلب منها..
ولكني أترك هذه الفكرة كمفاجأة لها حتى نعود الدوحة..

مع بدء تحسنها.. وتغير نظرتي لها.. وشعوري بقلقها من ذلك إلى درجة التهرب مني.. أقنعت نفسي كما لو أننا في فترة خطوبة..
أليس هذا ماكان سيحدث لو أني خطبت؟؟
كنت سأخرج مع خطيبتي وأراها وأجلس معها ونتكلم.. ودون أن يحدث شيئا بيننا حتى يحين موعد الزفاف..
أقنعت نفسي بذلك حتى أستطيع الصبر..
ولكن الصبر في حالة جميلة كان جارحا وقاسيا لأبعد حد..

علمت أنها جميلة كما هو اسمها منذ بدأت تتحسن وتبرز تفاصيل وجهها الجاف..
ولكن اكتمال الصورة كان شيئا يفوق الخيال..
لم أتخيلها مطلقا بكل هذا الجمال.. والأجمل هو روحها الشفافة كروح طفلة..
شيء عذب يأسرك دون أن تشعر..
أستغرب أن من كان لها كل هذا الجمال.. والعود الريان النابض بالحياة.. تضحي بهما لأنها تريد أن تكون رشيقة..

وأما ماعذبني أكثر وأكثر.. أن هذه الصورة الموجعة الموغلة في الحسن والبهاء
كانت تكتمل رويدا رويدا أمام ناظري.. وأنا أنضج كذلك رويدا رويدا..
كما لو أنك زرعت لك بذرة جافة لا معالم للحياة فيها..
ثم أخذت تراقب كيف بدأت الحياة تدب فيها شيئا فشيئا..
حتى أصبحت برعما صغيرا ينمو قليلا قليلا.. ثم أصبحت وردة بالغة الجمال والنضارة..
أو فاكهة شديدة الحلاوة ناضجة ممتلئة بالحياة..
وأنت محظور عليك حتى مجرد الاقتراب للمسها أو شمها أو حتى تذوق القليل منها..
مع أنك من قضيت الليالي الطويلة تعتني بها ولا شيء يشغلك سواها..
فكيف يكون حالك؟؟؟

لذلك أنا مستعجل بكل لهفة للعودة للدوحة..
وهذه الأيام نجهز للعودة.. ومازالت هي ترفض بإصرار أن تذهب معي لشقتي..
تقول أنها ستغادر من المصحة للمطار مباشرة..
وسنسافر هذه المرة من جنيف قريبا منا..

وربما خيرا فعلت حين رفضت الذهاب معي.. فأنا أعلم أنني مع حالتي المأساوية هذه لا يمكن أن أؤتمن..
وأنا أريد أن نعود للدوحة لأقيم لها حفل زفاف أولا...





*****************************************




مضت ثمانية أشهر منذ خرجت من الدوحة وأنا أظن أني أخرج منها ولن أعود لها إلا جثة ربما..
هأنا أعود ممتلئة بالحياة والحماس وبشيء من الضيق أيضا..لأني اعتذرت للفصل الثالث..
كنت أريد أن أعود لأدرس هذا الفصل وخصوصا أنني كنت تقريبا استعدت وزني كاملا..
ولكن الأطباء رفضوا وقالوا أنني لابد أن أخضع لما يشبه جلسات العلاج النفسي مع مراحل العلاج الأخيرة حتى لا تعود لي الحالة مرة أخرى
حاولت إقناعهم أنني شفيت من هذا الجنون.. ولكنهم رفضوا ومعهم خليفة وعمي زايد وعمي منصور..
طلبو أن أتمهل حتى أنهي علاجي بالكامل..
قلت المهم أن أعود قبل ولادة أمي..

يا الله كم أنا مشتاقة لهذا الصغير..!!
لم يبق شيء في أسواق جنيف لم أشتريه له.. رغم أني لا أعلم ما جنسه!!
كما اشتريت كذلك كثيرا لابن شقيق خليفة..
فهو متلهف جدا لرؤيته..

وحين أتذكر خليفة وحالته هذه الأيام.. أشعر بحزن شفاف ينغرز في روحي..
يبدو كما لو كان متلهفا للعودة والتخلص مني..
أشعر بقلق عميق.. لا أعلم كيف ستكون حياتنا معا حين نعود للدوحة..
فهو لم يقل لي شيئا أبدا..
لم أسمعه مثلا يقول أنه طلب إعداد غرفة لنا في بيت أهله.. أو سكن مستقل..
لم أسمعه مطلقا يتحدث عن أي مخططات مشتركة لنا حين نعود..
كل ما يتحدث عنه هو التجهيزات للعودة..
وكأن كل ما بيننا سينتهي على أعتاب الطائرة التي ستنزلنا في الدوحة..

لا أريد أن أجبر خليفة على الحياة معي إن كان لا يريد..
فجميله علي سيبقى في عنقي حتى أموت.. فما قام به من أجلي لم تقم به حتى أمي!!

تمنيت أن أستطيع رد بعض هذا الجميل.. ولكن يبدو أنه لايريد ذلك..
وربما كان الخطأ خطئي.. فأنا لا أشجعه مطلقا بخجلي وهروبي الدائم..
شيء مجهول في داخلي يمنعني من ذلك..
ولا أعلم سببا لذلك!!

هل أنا أنتظر عودتنا للدوحة وتحرر مشاعري بعيدا عن جو المصحة وذكرياتي كمريضة؟؟
ربما...





****************************************
****************************************





مر شهران على عودتي من باريس..
وخمسة أسابيع على استلامي لعملي في مختبرات مستشفى حمد كمهندسة جينية..
لأنني أساسا كنت وقعت عقدا معهم قبل تخرجي..
لذا استلمت عملي فورا..

بعد حادث عبدالرحمن رفض والدي أن أسافر..
وماهي فكرته القاسية المتوحشة؟؟
أنني قد أترمل وأنا في الغربة..لذا من الأفضل أن أبقى أنتظر الخبر هنا..

للمرة الثانية يقف معي عبدالله..
وهذه المرة قاتل بضراوة.. فأبي ماعاد يلين لكلامه كما كان سابقا..
أو ربما يدعي أنه ماعاد يلين..!!
مع أن الظاهر أنه لان.. لأن عبدالله انتصر!!
وهو يعد والدي إن حدث أي شيء أن يسافر بنفسه لإعادتي!!

وربما كنت كوالدي أعيش في رعب أنني سأصحو من النوم في يوم لأجد نفسي أرملة وأنا لم أصبح زوجة!!
قلقي هو لمجرد الفكرة وليس من أجل عبدالرحمن بذاته كشخص..
فأنا رغم مرحي بل جنوني أحيانا .. إنسانة حين أفكر.. أفكر بعقلانية!!
لذا لم أخدع نفسي بأفكار المراهقات وأقول أنني تحطمت لوضع عبدالرحمن..
فأنا كنت لا أعرف عبدالرحمن.. وكل ما بيننا هو حبر على الورق..وتعليقاتي المرحة على حالي قبل حادثه..

لا أنكر أنني تأثرت من منطلق كونه زوجي..
وتأثرت أكثر من حال جوزاء وشعاع ووالدتهما..
ولكن عدا ذلك كنت خالية من أي إحساس خاص تجاهه..
حتى قبل شهر.. قبل شهر واحد فقط!!..

هل من الممكن أن ترتبط بهذه القوة والسرعة والمتانة بشخص هو للموت أقرب منه للحياة؟؟
بشخص لا يشعر بك.. ويستحيل أن يشعر بك وهو على هذه الحال!!
هذا الجنون البعيد عن أي عقلانية مُدعاة هو ما يحدث معي منذ قرابة الشهر!!

بعد بدء عملي بأسبوع..
شعرت برغبة عارمة أن أرى عبدالرحمن.. لا أعلم هل هو من باب الفضول أو المؤازرة..
قلت لنفسي :أنا وهو في ذات المبنى.. لن يعلم أحد بزيارتي له..
وكان المانع أمامي هو والده.. فأنا أعلم أنه لا يفارقه أطلاقا..
ولكن لابد أنه يذهب للصلاة في المسجد في الطابق الأرضي..
لذا انتظرت قريبا من باب غرفته.. حتى رأيت والده يغادر بعد الأذان مباشرة..
أعطيت لنفسي وقتا يصل لربع ساعة لأغادر قبل عودته والده..
وكنت أظن أنني سأغادر بعد دقيقتين فقط.. أراه واغادر..
ولكني لم أعلم أن الوقت مضى مضى.. وأنا أقف متخشبة أنظر له وعيناي تفيض بالدمع الذي أغرق نقابي دون أن أشعر..
حتى فوجئت بوالده يفتح الباب ويسألني من أنا؟؟
كنت أرتدي البالطو الأبيض فوق عباءتي..
ولأني لغتي الانجليزية متوسطة.. انهمرت عليه بالفرنسية.. حتى شعرت أن العجوز شعر بالملل مني!!
حينها غادرت.. وأنا أشعر كما لو أنني نجوت من جريمة تلبست بها!!

ولكني لم أستطع إكمال المشوار للأسفل..
فقد وقفت في الرواق.. أسند ظهري للحائط.. وأنا أستعيد الحالة غير الطبيعية التي حدثت لي قبل دقائق..

" يا الله.. أكيد أني استخفيت!!"

بالفعل كان ما أصابني حالة غير طبيعية.. بقيت أتمعن فيه وكأنني أرى رجلا للمرة الأولى في حياتي..
مع أنني سبق أن رأيت عبدالرحمن شخصيا ومباشرة.. ولكن رؤيته تلك المرة السابقة أثارت فيّ مجرد مشاعر الخجل الطبيعية..
التي قد تحدث لأي فتاة ترى زوجها المستقبلي!!

لكن رؤيته هذه المرة أثارت فيني مشاعر سماوية سامية شعرت بها اخترقت شيئا مجهولا في روحي وانغرزت هناك حتى النصل!!
كنت أنظر لسكونه وملامحه المسترخية.. بدا نائما على وشك الاستيقاظ..
والغريب أن وجهه مملوء بالنضارة والحياة.. كيف؟؟.. لا أعلم !
عارضاه مرتبان بدقة.. كما لو أن الحلاق خرج من عنده للتو..
وهذا مايحدث.. فأنا علمت بعد ذلك أن والده يحضر له الحلاق مرتين في الأسبوع..
بل ويصر على أن تعقم أدوات حلاقته هنا في المستشفى..
والممرضات يعقمنها له عن طيب خاطر لشدة تأثرهن من حاله ولطفه.. وكرمه!!

ومنذ ذلك اليوم.. قبل شهر..
أدمنت زيارة هذا الأمير النائم..
بدأت أقنع نفسي أنني ربما لو قبلته كالقصة الأسطورية حين قبّل الأمير الأميرة وصحت من نومها الطويل... أنه قد يصحو من نومه..
وربما كانت هذه رغبتي أنا.. أتمنى بالفعل لو استنشق رائحته من قرب..
أريد أن أعرف كيف هو عبق رائحة من يبدو بهذه النظافة والبراءة..
ولولا بقية من حياء ليست بيدي ولكنها رادع من الله لي... لكنت فعلتها !!..

أزوره إن استطعت وسمحت لي الظروف مرتين في اليوم..
مرة حين يذهب والده لصلاة الظهر... والأخرى حين يذهب لصلاة العصر..
رغم أن دوامي ينتهي مع أذان صلاة العصر.. ولكني أبقى حتى أراه أولا ثم أخرج للسيارة..
مازلت حتى الآن لم اُكتشف.. صدفني والده مرتين.. وكل مرة أنجو بحيلة الفرنسية..
ولكن يجب أن أكون أكثر حذرا.. لأني أظن أن الثالثة لن تمر عليه..
وقابلت مرة الخادم الذي يعمل عندهم..
أما المصيبة أنني رأيت مرة جوزاء وشعاع.. لكن حينها أنقذني الله أنني رأيتهم قبل أن يروني..
كنت أعلم أنهن غالبا يزرنه في الفترة الصباحية فقط..
لأن والده يرفض أن يبقين أكثر من ذلك لأن بعد ذلك يزوره الرجال بعد خروجهم من دواماتهم..
وحتى تأخذ جوزا حسن من الروضة!!
فلماذا بقين حتى الظهر؟!!

أحيانا لا أراه إلا مرة في اليوم.. ومرات معدودة لم أستطع أن أراه لأني أعلم أن أهله عنده..
أقسم أنني حينها شعرت كمن هو مصاب بالصداع الشديد ولابد أن يأكل حبتين بنادول وإلا فأن ألم رأسه لن يتركه!!
ألم أقل أنني أدمنت رؤيته.. ولم أكن أبالغ!!





*****************************
******************************




مضت سبعة أشهر على زواج كساب..
ومازلت أنتظر حفيدي الذي لا يبدو حتى أنه يلوح في الأفق قريبا..
لا أريد أن أبدو بصورة العجوز الممل كثير الأسئلة..الذي يتدخل فيما لا يعنيه!!
فربما كانت رغبتهما هذه في التأجيل..

مع أنني أستطيع سؤال كاسرة وليس ابني!!
وأعلم أنها ستجيبني ودون مواربة..
فهذه الصبية أصبح يربطني بها علاقة فريدة خليط من الأبوة والصداقة المتينة..
ربما أني الآن أعرفها أكثر مما يعرفها كسّاب!!
فهذا الفتى الغبي مازال لا يعرف قيمة الجوهرة التي بين يديه..
كنت أظن أن الزواج سيعقله.. ولكنه مازال كما كان..
في حياته قلق لا تعلم ماهو..
أقول ربما لو أصبح أبا فأنه سيستقر ويرتاح..
وبقدر سعادتي بعودة المياه لمجاريها بين كساب ومزون..
بقدر رغبتي لو أنه يولي كاسرة بعضا من اهتمامه بمزون..
فمزون لديها أنا وهو وعلي.. بينما كاسرة ليس لها سواه!!

أما رغبتي أنا.. حــفــيــد..
هل أطلب الكثير.. أريد حفيدا.. ليس بالعسير على رب العالمين لو أن البشر يعلمون هذه النعمة..
ومنذ رأيت تأخر حمل كاسرة.. بدأت أشدد ضغطي على علي..
وبالفعل علي ليس ككساب.. فهو يكاد يرضخ تحت ضغطي
أعلم أني أستغل طيبته ..
ولكن ما السوء في استقراره ومن ثم حصولي على حفيد؟؟




***********************************




ست أشهر مضت منذ عادت المياه لمجاريها بيني وبين كساب..
يا الله كم كانت الأشهر الماضية سعادة بالغة لم أشعر بمثلها في حياتي كلها..
ولكن لأعترف أني مع سعادتي أشعر بالغيرة من كاسرة..
وفي ذات الوقت لا ألومها لو شعرت بالغيرة مني..

أغار منها لأنها باتت تجلس مع والدي وتتحدث معه أكثر مني بكثير..
تقريبا طوال بقائه داخل البيت.. بينهما حديث لا يتوقف حول كل شيء
الاقتصاد والسياسة والمجتمع وحتى الذكريات التي تجمعه بجدها..

بالطبع علاقتي بوالدي فريدة جدا..
ومع كثرة ما أتكلم معه لم يكن بيني وبينه هذا الحديث الذي يكاد لا ينقطع وهو ينثال بحماس.. كما يحدث بينه وبين كاسرة..

وفي ذات الوقت.. لا ألومها مطلقا لو شعرت بالغيرة مني..
فأنا أشعر كما لو كنت أستولي في كساب على اهتمام هو من حقها..
فكساب يوليني اهتمام مبالغ فيه.. كما لو أنه يريد تعويضي عن جفاء وجفاف كل السنوات الماضية..
في كثير من الأحيان.. هو من يأتي لأخذي من الجامعة..
ولأن موعد خروجي مسائي وأحيانا ليلي..
فهو كثيرا مايصر أن نتوجه للقهوة وأحيانا للعشاء في مكان ما!!

أعترف اني كنت أحيانا أرفض بإصرار.. وأقول الليلة ليكن الخروج معك لكاسرة..
فيرد علي: أنتي الآن معي وهي في البيت!!

في الليل لابد أن يمر بي قبل أن يتوجه لغرفته.. ويجلس لنتحدث قرابة الساعة..
الغريب أنه يحدثني عن كل شيء.. كل شيء..
إلا.. عــنــهــا.. كاسرة !!

بقدر ما أعرف كاسرة من نفسها مباشرة.. بقدر ما أجهلها بعينيه..
فكاسرة شخصية صريحة مستقيمة لا تعرف التلوي..
والإنسان الذي لا يعاني من عقدة نقص يسهل عليه جدا التعامل والتآلف معها..
ولكن من يعاني من إحساس النقص يستحيل أن يتقبلها..
لأن جمالها وذكائها يشعران من حولها بالخطر والضآلة..

وهنا أقول لو أن العلاقة لم تعد بيني وبين كساب بعد زواجه بفترة قصيرة..
لا أعلم كيف ستكون علاقتنا أنا وكاسرة...
لا أفترض سوءا بنفسي ولكني كنت أضع احتمالات فقط..
الآن علاقتي بها رائعة.. عدا ربما إحساس الغيرة غير المؤذي..
ولكن ما أتمناه بالفعل أن يمنحها كساب ماتستحقه من محبة..
وهي أيضا تمنحه ما يستحقه من المحبة.. وما يستحقه كساب كثير.. كثير جدا!!

وأتمنى أكثر من أي شيء أن أصبح عمة..
أحلم بذلك قبل خلافي مع كساب..
وحلمت به أكثر خلال فترة خلافنا..
وأحلم به الآن أكثر وأكثر...

دراستي رائعة جدا.. واستمتع بها جدا.. فيبدو أنني أتمتع بعقلية اقتصادية متميزة وابن الوز عوام !!
خُطبت خلال الفترة الماضية مرتين..
لم أصدق أن هذا سيحدث!!
شككت لفترات أن أبناء آل ليث هم أول وأخر من يخطبني..
وهذه المرة جاء ابن لتاجر كبير من أصدقاء والدي..
وبعده بفترة دبلوماسي من أصدقاء علي..
الخياران كل واحد على حدة كانا يبدوان مغريين..
صليت الاستخارة.. وصرفني الله عنهما..
مع أنني في تفكيري المبدئي لم أكن رافضة لأي واحد منهما..
ولكن كان للخطبتين تأثير رائع على نفسيتي..
فمهما كان إحساس الأنثى أنها مرغوبة يدفع بثقة جميلة في روحها..
رغم أنني وللحق لست بحاجة لهذه فأنا ولله الحمد متوزانة الآن نفسيا تماما بدراستي وعلاقتي مع أسرتي..
وقبل كل شيء إحساسي برضا الله عليّ...






************************************




الأشهر الماضية كانت فترة سعادة غامرة لي...
لم اشعر بهذه الراحة منذ سنوات.. والحال يستقر بين مزون وكساب لتستقر حال الأسرة كلها..

ترقيت قبل عدة أشهر لمرتبة أخرى في السلم الدبلوماسي..
وأصبح عملي أيضا أكثر استقرارا..
وربما كان هذا سلاح جديد يستخدمه والدي ضدي..
وكأنه كان يحتاج أصلا لسلاح !!

فهو يعلم كم أنا أحترمه وأحبه ويؤلمني قلبي حين أجعله يلح علي وأنا أشعر أني مصدر قلق له..
لا أريد الزواج الآن.. أين المشكلة؟؟
المشكلة هي أنني أكاد أوافق من أجله حتى أريحه..
فليس لي طاقة أكثر بالتهرب منه..!!




************************************




علقت نجمتي الثالثة منذ حوالي أربعة اشهر..
وأصبحت نقيبا..
ارتاح بالي من هذه الناحية..
والحال مستقر بأسرتي كلها والحمدلله..
والدتي تحسنت صحتها كثيرا..
والدي لم أراه بهذه السعادة منذ سنوات..
عالية أكملت دراستها واستقر بها المقام..
حتى هزاع الذي كان يشكل قلقا لنا.. هاهو يستقر في دراسته..
عبدالله وصالح كلاهما لاه وسعيد في حياته العملية والأسرية..

إذن ماذا تبقى بعد هذا السرد الإذاعي الأشبه برسالة تُرسل لمغترب؟؟
تبقى أنا؟؟ وكثير هو ما تبقى لـ "أنا"
في داخلي أشعر أن شيئا مهما ينقصني..
أقول ربما هي الحاجة لإنشاء الأسرة وأنا أدخل أعتاب التاسعة والعشرين..
ولكني أعود لأقول أنني لا أنفع لأكون رب أسرة..
ليس لأني كثير الخروج أو قليل الالتزام.. فأنا أبعد مايكون عن هاتين الصفتين..
ولكن لأني أعلم أنني جلف إلى حد كبير!!
أخشى ألا أكون قادرا على تقديم الحنان لزوجتي وأولادي..
لا أنكر أنني أشعر بحاجتي لشريكة الحياة كأي رجل طبيعي..
ولكني أحاول أن أؤجل هذا التفكير..
لا أعلم حتى متى..فهل ستصبح لي شخصية جديدة أكثر حنانا مثلا؟؟
لا أعلم ماذا أنتظر وخصوصا مع إلحاح والدي ووالدتي كما يفعل كل الاباء..
وكأن كل المواضيع في الحياة انتهت وماعاد يوجد إلا موضوع الزواج!!
وخصوصا مع اقترابي من الثلاثين..

وماذا إن أصبحت في الثلاثين أو تجاوزتها؟؟
هل أنا فتاة يُخشى عليها العنوسة؟؟!!






**********************************
**********************************





ستة أشهر مضت منذ سكنت بيتي..
الحياة مستقرة رائعة كما تبدو..
زوج محب.. وطفلان رائعان.. وبيت جميل أثتته كما أريد تماما..
ولكن أبدو كمن يبحث لنفسه عن الهموم والمشاكل... لذا يكبر صغائر الأمور..

غريبٌ أن أعترف بذلك!!
فمن لديه هذه المشكلة يكون غالبا لا يعرف ذلك.. بل يرى أن هذه المشاكل هي فعلا مشاكل..
لكن أنا أعترف أني افتعلها.. ولا أعلم لماذا؟

هل عدم حملي هو السبب؟؟
هل إحساسي هو بالفراغ؟؟
أم أن لشكوكي أساس فعلي؟؟
طفلاي ماعادا يأخذان من وقتي إلا القليل...
فالله رزقني طفلان ذكيان هادئان.. وولله الحمد على عكس ما أراه في كثير من أطفال معارفي!!
في الدراسة لا يتعبونني.. وبعد ذلك مع والدهما أو يلعبان بهدوء ودون شجار بينهما..
يأكلان لوحدهما.. ويلبسان لوحدهما!!
إذن ماذا أفعل أنا؟؟

أبدأ بالهواجس والتفكير..
أحاول إبعادها فأفشل.. فيكون النكد من نصيب صالح!!
أصبحت أصيبه بالجنون لكثرة ما أتصل فيه هاتفيا كلما خرج.. حتى لو كنت في بيت أهلي أو أهله !!
"مع من أنت؟؟
أين أنت؟؟
ماذا تفعل؟؟"

مؤخرا عرض علي أن يجد لي عملا بالشهادة الثانوية.. أمر أشغل نفسي فيه!!
ولكني رفضت..

"لماذا يريديني أعمل؟؟
لماذا يريديني أن أنشغل؟؟
وماهو الذي يخطط له؟؟"







**************************************





ست أشهر مضت منذ بدأت تظهر حالة جنون نجلاء الجديدة..
في البداية كنت سعيدا..
فمن لا يسعد بغيرة زوجته واهتمامها به.. وبنفسها من أجله!!

ولكن مازاد عن حده انقلب ضده..
فغيرتها بل شكوكها باتت غير طبيعية..
مطلقا لم أعد أذكر رغبتي بطفل جديد.. بل أغلق الموضوع لو فتحته هي..
لأني أخشى أن يكون هذا الأمر هو السبب..

أحيان كثيرة لم أعد أرد على اتصالاتها لأنها تحرجني وأنا في المجلس..
رغم أني سابقا كان يستحيل أن أتجاهل أي اتصال لها..
ولكن الآن ما أن أرى اسمها حتى أزفر بملل..
لأني أعلم أنها ذات الأسئلة التي لا تمل من تلقي ذات الاجابات عنها..

"أين أنت؟؟ وماذا تفعل؟؟"

نجلاء لم تكن هكذا مطلقا.. كنت أظن أن دخولنا لبيتنا.. سيكون هو نهاية لكل مشاكلنا..
لم أعلم أنه سيكون بداية لها..

حتى حينما عرضت عليها أن تعمل لأني قلت ربما إحساسها بالفراغ مايدفعها لذلك..
ثارت علي بشدة.. واتهمتني أنني أريد ألهيها لأغراض دنيئة..
أي أغراض هذه؟؟ لا أعلم !!





*********************************************
*********************************************





تمر الحياة وأنا من رحلة إلى رحلة..
يوما في أوسلو.. وآخر في بومباي!!
بقدر متعة هذا العمل.. بقدر ماهو منهك ويسرق الحياة..

أشتاق كثيرا لأخوتي الصغار مها وصالح حين أسافر..
ولكن من أنا مشتاق لها أكثر هي سميرة...
بيتنا فقد روحه من بعدها.. لتنتقل هذه الروح إلى بيت تميم..
وسبحان الله ربما كانوا في حاجة روحها الشفافة مع المصيبة التي ألمت بهم!!

ولكن ماذا أفعل أنا حين أعود للبيت..؟؟
أمي مشغولة على الدوام بالصغيرين..
ووالدي عنده اهتماماته ووارتباطاته..
وسبحان الله أيضا الذي رزقنا بهذين الصغيرين على كبر والدتي..
فلولا وجودهم الله أعلم كيف كان والداي ليحتملان غياب سميرة وسكون البيت!!

أفكر أن أعمل شيئا يغير من روتين حياتي..
أقول أدرس شيئا معينا.. أحضر دروسا في التفسير أو الحاسوب..
لأجد أن هذه فكرة فاشلة..
فجدول رحلاتي متغير وأحيانا تبرز رحلة فجائية من هنا أو هناك!!
وهذا لا ينفع لجدول دراسي..

أقابل كسابا من وقت آخر.. وخصوصا بعدما أصبح بيننا نسيب مشترك..
شقيق زوجته.. وزوج شقيقتي..
وكثيرا ما تعاودني الرغبة أن أعاود خطبة شقيقته..
وأقول أن سبب رفضهم لي كان دراستها.. والآن مرت أشهر طويلة..
كم تبقى لها؟؟
فصل ونصف؟؟

ولكني أعود لأقمع هذه الرغبة بقسوة..
فربما لم تكن هذه الدراسة سوى عذر لرفضي!!





********************************
*********************************




أنا في باريس الآن..
وتبقى على تخرجي وعودتي للدوحة حوالي 3 أشهر..
بقدر ما أشتاق للعودة بقدر ما باتت العودة تتحول لكابوس مرهق..
وصل إلى حده في المرة الأخيرة حين عدت في عطلة منتصف العام لأرجع عالية بعد تخرجها..

يا الله.. حالة هستيرية أصابت شقيقاتي.. كل واحدة منهم تريد أن تكون من تأثث البيت الذي اشتراه لي صالح..
وحين أخبرتهن أنني سأكلف مهندس ديكور بذلك.. حتى لا أغضب أي واحدة منهن..
كلهن غضبن!!
وقضيت طوال الإجازة أحاول إرضائهن..
لأعود إلى باريس محملا بدموعهن على شقيقهن الجائر..

لا أعلم لماذا لم يكنّ مثل صافية؟؟ هل أرضعتها أمي حليبا مختلفا؟؟
رغم أن صافية تخنقني أحيانا باهتمامها.. ولكنه اهتمام أمومي بقدر ما يضايقني في بعض الأحيان بقدر ما يسعدني!!

تعبت من الغربة.. ومع ذلك أريد أن أدرس الدكتوراة فورا..
والسبب.. هـــنَّ !!

ربما أن عالية تعبت لكثرة ماتقول لي لابد أن تلزمهن حدودهن حتى ترتاح..
وذلك الحين حتى هن سيرتحن.. لأنهن لن يشغلن بالهن بي!!
لكن أنا أعترف أنني ضعيف جدا امامهن..
ليس لضعف في شخصيتي.. ولكن لمحبتي لهن..
كل واحدة منهن لها في تربيتي نصيب..
كل إنسان له أم واحدة..
وأنا لي سبع أمهات لا أشك في محبة واحدة منهن لي..
يصعب علي أن أضايق واحدة منهن وأنا شقيقهن الوحيد الذي من المفترض أن يكون هو السند والعون لهن!!
و لا أعلم أي سند وعون أنا.. وأنا هارب على الدوام !!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
موعدنا يوم الثلاثاء إن شاء الله مع بارت جديد نتعرف فيه كيف أصبح أبطالنا بعد ستة أشهر
ولا تنسوا هذه مدة طويلة حدث فيها أشياء كثيرة.. وسيكون لها ردات فعل مختلفة!!
نتعرف على نتيجة طلب منصور للتحدث مع عفراء
ونتعرف على نتيجة فحوص كاسرة!!
ثم مع قفلة غير متوقعة أبد بما أنه هالجزء ريحناكم من القفلات
فإلى الملتقى بحفظ الرحمن ورعايته
..
.
.

#أنفاس_قطر# 02-11-10 07:20 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباحكم ورد ومسرات عقب الأحزان
والله لا يحرمني منكم.. الراضين علي والزعلانين مني :)
.
.


الله يشفي أختنا كلي تواضع ويديم عليها رضا الرحمن
.
فيه بعض بنات يحسب إن الرواية لأنها تحتوي على عامية وفصحى هذا أسلوب غلط..
يا نبضات قلبي هذا أسلوب كتابة معروف جدا ومهوب أنا اللي جايبته.. وكثير من كتاب العالم العربي المشهورين استخدموه..
السرد بالفصحى والحوار بالعامية.. لكي يخلق الكاتب أجواء أكثر ثراء من ناحية وأكثر مصداقية من ناحية أخرى..
.
.
فيه وحدة من نبضات القلب تسأل عن الطلاق البائن بينونة صغرى وكبرى
ناقشنا هالموضوع كثير في بداية الأجزاء يالغالية
والطلاق في كل حالات أبطالي الذين عائدوا لبعضهم هو بائن بينونة صغرى
تفصيلات كثيرة أنا متاكدة منها مليون في المية وسألت عنها أكثر من شيخ
.
.
نرجع للبارت الماضي
أدري كثير زعلوا مني على وفاة امهاب لدرجة إن بعضهم قال كلام جارح شوي
وأنا ما ألومهم والله العظيم.. أدري من حزنهم..
وأنا مقدرة لأني حزني كان أكبر.. بس فعلا وفاته كان مخطط لها من البداية
كان تعلقي به كشخصية كان يحاول الانتصار على الكاتبة لإبقاءه
ولكن ما الذي كان سيحدث؟؟
ستنحدر القصة... لأن الأحداث بنيتها على هذا الأساس..
لن يكون عسيرا علي أن أبقيه وأغير في الأحداث
لكنها كانت ستفقد جزءا كبيرا من روعتها التي قررتها منذ زمن..
أردت أن أتحدى نفسي بمشاعر الحزن والفقد لأني كنت أتحاشى دائما فقدان أحد الأبطال
.
.
أدري البعض كان متحمس لامهاب لسبب وحيد عشان يتزوج مزون وتنتقم منه على سواته فيها أيام الكلية
هذا ممكن يكون خط.. بس أنا محتاجة خطوط أكثر واعمق طريقها هو اختفاء امهاب
وبعدين هل تظنون إن زايد اللي تحدى العالم وعياله واخوه عشان مزون تدرس تخصص ممنوع في العرف والتقاليد
ظنكم بيغصبها تتزوج واحد ماتبيه وماعرفت منه إلا الإهانة..؟؟
.
زين مهوب صعب نلاقي سبب ونزوجهم لو بغيت..
ظنكم امهاب –الله يرحمه- اللي كان مايقصر فيها بالإهانة وهي بنت غريبة عنه ويعرف زين من هي وبنت من
وش ظنكم لا صارت مرته وفي بيته؟؟
مزون جاها ماكفاها.. والضرب في الميت حرام!!
قصة امهاب ومزون لو اكتملت بالطريقة اللي تبونها ماراح تضيف للقصة نفس الثراء اللي بيصير بعد وفاته الله يرحم جميع شباب المسلمين
.
وفاة امهاب كانت مقررة من أول مشهد طلع فيه هو ومزون في الجزء الأول من الرواية..
ويمكن لاحظتوا إنه في الفترة الأخيرة ظهوره قل جدا لأني كنت أهيئكم لفكرة اختفائه...
وما أقول غير الله يصبر قلب كل أم فعلية في الحياة فقدت ضناها
.
.


في البارت الماضي سمعتوا كل شخصية تتكلم عن نفسها ومن وجهة نظرها
لكن شوفوهم على حقيقتهم في الأحداث..
شوفوا كساب وتغييراته الواضحة التي كان في جزء كبير منها يعود لشخصيته القديمة
ولكن تبقى أمور حدثت غير قابلة للإصلاح!!
.
شوفو جوزا الجديدة والرقيقة عقب ما كانت أم لسانين
.
شوفوا العريسين الجديدين تميم وسميرة أشلون صاروا في حياتهم اليومية
.
ثم احبسوا انفاسكم شوي مع القفلة!!
.
وبخصوص المطالبات المبكرة ببارت.. هالمرة باتعذر بعذر ثاني.. :) مافيه حد أشطر من حد :)
البارت اللي بعده بعدني أكتب فيه.. وما أعتقد إني بأقدر أخلصه
والله االعظيم لو خلصته بشكل يرضيني نزلته..
بس هو جزء بيكون صعب شوي لعدة أسباب.. وأحب أعطيه وقته من الكتابة
.
.
يالله مع البارت 56 وهو أساسا جزء طويل نوعا ما :) نوعا ما عشان ماحد يعصب علي :)
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والخمسون




" خالتي تعالي معي..
عمي يبيش تحت في مجلس النسوان"

عفراء وقتها كانت تعتدل بإرهاق من تمددها على سريرها لترد على سلام كسّاب الذي دخل للتو..
لتصعق بما قاله وكلماتها تتناثر بصدمة: نعم وش تقول؟؟

كساب ابتسم: خالتي سمعتيني عدل..

عفراء مازالت كلماتها تتبعثر: وعمك وش يبي فيني؟؟

كساب مازال يبتسم: وش يبي فيش؟؟
هو يبيش كلش..
العم العزيز معصب وطالعة شياطينه.. يقول إنه ماكان يدري إنه أنش كنتي تعبانة ذا الشهور اللي فاتت كلها..

عفراء بارتباك ووجل وحلقها يتشقق جفافا: وحدة حامل.. أكيد بأكون تعبانة.. أشلون مايدري..

كساب بذات الابتسامة: حضرة العقيد ماباقي حد ماكان يسأله عنش..
بس تعرفين الذوق.. لازم يقولون طيبة وبخير..
بس عاد أنا بطيتها عنده.. قلت له إنش ممنوعة من الحركة.. وإن الحمل ماكان مستقر..
خليته شوي ويبكي..
يا الله خالتي تلقينه حرق مجلسنا الحين.. خلينا نلحق على الباقي من الكراسي!!

حينها همست عفراء بارتباك: زين وين زايد؟؟

حينها تغيرت معالم كساب من المرح للجدية: ليه خالتي أنا ما أكفي؟!!
كل السالفة يبي يكلمش بس..

عفراء يتزايد ارتباكها.. لم تتخيل مطلقا أنها ستراه: لا بس أخاف زايد يزعل.. وأنا الحين في بيته!!

كساب هتف بغضب حقيقي هذه المرة: وبيتي يا خالتي..
خالتي لا تكونين خايفة من عمي وأنتي معي.. وخايفة أني ما أقدر أرد عنش عشانه عمي.. عشان كذا تبين إبي..

حينها كانت عفراء من هتفت بغضب: عاد في هذي تخسي.. منصور عمره مامد يده علي ولا بأي طريقة..

حينها عاد كسب للابتسام وبخبث أكبر:
دام أنا ولد أختش حبيبش ينقال لي تخسى عشانه وأنتي تدافعين عنه دفاع المستميت... ترانا وصلنا خير..
خلينا ننزل... ولو بغيتيني أطير وما أصير عزول عطيني نظرة.. وأنا بألقطها وأطلع!!


.
.
.


يجلس في الأسفل..
غاضب أو يدعي الغضب !! لا يعلم هو أيهما!!
فهو منذ علم أنها دخلت شهرها التاسع وهو مصاب بحالة جنون..
اسمها "لابد أن تعود لي قبل ولادتها!!"

فربما ما لا تعلمه هي.. أنه كان يحسب شهور حملها بدقة..
وكان كل يوم تدخل فيه شهر جديد.. هو بمثابة فتح لجروحه التي لا تغلق أصلاً..
مطلقا لم يعد لفتح باب عودتها إليه.. كان يقول "سأنتظر حتى تلد كما تريد!! وبعدها نتفاهم!!"
فهو كان مجروح منها لأبعد حد..
مجروح لأنها كانت تعلم اهتمامه البالغ فيها.. اهتمامه بكل موعد لها..
اهتمامه بصحتها.. ولعه بهذا الطفل وهو مازال عمره أسابيع فقط في بطن أمه!!
فكيف هان عليها كل هذا؟؟ وهان هو عليها قبل كل ذلك؟؟

كان يعلم أنها للتو دخلت شهرها التاسع ..
ماعاد حتى يستطيع النوم.. وهو يخشى أن يأتيها الطلق وهو نائم..
ورغم أنه أمنَّ عليا أن يخبره إن حدث ذلك..
ولكن الأمر مختلف لو كانت تنام إلى جواره هو..
ألا يكفي أن أشهر الحمل كلها مرت.. وهو لم يرها حتى..
لم ير حتى شكلها ببطنها المتضخم...
أ يراها بعد ذلك وابنها جوارها؟!!
يستحيل.. يستحيل..

حينها بدأ عقله يعمل.. كيف يعيدها..
والليلة جاءه السبب على طبق من ذهب!!
ولو لم يجد سببا لاخترع..

وربما من أجل ذلك سأل كساب مع أنه تحاشى سؤاله طوال الأشهر الماضية!!
ثم فــجــأة يجد له حجة ليسأله الليلة.. وهو أنه لم يجد سواه..
يعلم أن الحوار سيكون غير تقليدي مع كساب.. أما أن يحتد.. أو يتخابث..
وحينها ربما يكون هذا سببا لتحريك الركود!!
يكره هذا الأسلوب الملتوي الذي لا يشبهه.. ولكنه مضطر له..
تعب من الطرق المستقيمة التي جعلته يبعثر كرامته من أجلها ودون فائدة أيضا..
وهاهو ينتظر قدومها..

يا الله ما أقساها.. !! ستة أشهر لم يرها حتى..
مازال لا يعلم حتى كيف استطاع الصبر!!
شهران فقط هي الأيام التي عاشتها معه..
ويبدو كما أنه لم يعش في حياته كلها سوى هذين الشهرين..!!
لا يعلم كيف مضت الأشهر الماضية من دونها.. وهو يتجلد على بعدها!!
بدا له احتمال كل قسوة العسكرية وتمريناتها القاسية والمستحيلة أحيانا.. بدا أهون بكثير من عذاب فراقها!!

فتح كساب الباب أولا.. وشرعه لخالته.. وهو يسندها..
وقف منصور وهو يفتح عينيه على اتساعهما وكأنه يريد أن يلتقط المشهد بحذافيره.. لا يريد أن يفوت على نفسه لمحة واحدة من لمحاتها..

وهي دخلت بخطوات مترددة وهي تضع جلالها على رأسها وتسدله على وجهها..
وحين دخلت أزالته لتضعه على كتفيها..
وهي عاجزة عن توجيه نظرها إليه لشدة خجلها..

يا الله كم اشتاق لها..
كم اشتاق لكل تفاصيل وجهها العذب!! شعرها المرفوع بفوضوية وخصلاته تتناثر على صفحة وجهها المرهق..

وكم آلمه قلبه وهو يرى كيف تضخمت بطنها بعيدا عنه.. وكيف فاته مراقبة ابنه وهو يكبر في أحشائها الغالية!!

وكم آلمه قلبه لرؤيتها بهذا الإرهاق والهالات السوداء تحيط بعينيها وهي تستند بكل ثقلها على كساب..
تقريبا كان كساب هو من يحملها حتى أجلسها..
كان بود منصور منذ رآه يسندها أن يدفعه بعيد عنها.. فمن المفترض أن تكون هذه مهمته هو!!

كساب هتف بنبرة مقصودة: عشان تدري أنك غالي ياعمي... خالتي ماتنزل كلش من فوق إلا لو كان عندها موعد..
وأنا اللي أنزلها.. لأن البنات مافيهم حيل لها.. وهي مافيها حيل كلش ولا حتى مع المساعدة..

منصور يهتف في داخله " آلمني أكثر أيها الخبيث..
فيبدو أن كل ما أشعر به من ألم مازال لا يكفيك !!"

ولكن منصور هتف بأمر حازم: كساب اطلع برا..

عفراء شدت على يد كساب بعفوية.. وكساب شد على كفها بحنو وهو يجلس جوارها ويهتف بذات نبرته المقصودة:
اعتبرني غير موجود.. ولو تبيني أسكر عيوني سكرتها..

منصور بنبرة أمر أشد حزما: أقول لك كساب اطلع برا عاد النفس عليك طيبة..
رجّال ومرته وبينهم حوار خاص.. وش دخلك أنت؟؟

كساب نظر لخالته متسائلا.. عفراء هزت رأسها بقلق.. وهمست بخفوت: خلاص روح..

تعرف أن منصورا عنيد.. وكساب أكثر عندا.. لم ترد إحداث معركة قبل أن تعرف ماذا يريد..

كساب مال على أذنها وهمس بخبث ظريف: أنا طالع لغرفتي.. إن بغيتيني أرجعش فوق.. اتصلي علي..
أما لو طرا عليش مشوار ثاني.. اتصلي في مزون تجيب عباتش !!


كساب خرج..
ومنصور مازال واقفا.. الصمت لف المكان لدقيقة.. وهي صامتة تدعك كفيها..
بينما كان هو يملأ عينيها من رؤيتها..
التغييرات التي أصابتها بعده.. ابنه الذي كبر كثيرا في بطنها.. الحزن والإرهاق المتبدي في كل تفاصيلها

استمر الصمت لدقيقة أخرى حتى هتف منصور بسكون غريب كما لو أنه مقطوع الأنفاس ويحاول إخفاء ذلك:
مساش الله بالخير يأم زايد..

لم تستطع الرد.. فريقها جاف.. جاف جدا..
أما حين تقدم وجلس جوارها.. شعرت أن حلقها تشقق من الجفاف.. لدرجة أنه كحت كحة جافة..
هتف بعمق دافئ: سلامات..

لم ترد أيضا.. حينها هتف بعمق أكبر: تروحين معي لبيتش؟؟ البيت وراعيه فاقدينش..
وماقصرتي في الغيبة..

لم تستطع الرد أيضا.. حينها هتف بنبرة مقصودة: يقولون السكوت دليل الرضا.. ترا بأشيلش الحين معي للسيارة..

حينها همست بيأس موجوع ودون أن ترفع عينيها: والسبب اللي عشانه صار ذا كله..

هتف منصور بعمق: زمان قالوا " يغلبن الكريم.. ويغلبهن اللئيم"
وأنا ماني بلئيم.. اللي تبينه يصير.. ماراح نختلف..
وماتدرين يمكن أنتي لا ولدتي تقولين ما أبي شغل خلاص..

عفرء حينها أجابت بحزم رقيق وهي تدعك كفيها الساكنتين في حضنها ونظرها مثبت عليها:
ماعليه.. أنا اللي أقرر ذا الشيء باقتناعي..

حينها مد يده لذقنه ليرفعه بخفة وهو يهتف بنبرته الثقيلة الدافئة:
زين كلميني وعينش في عيني.. تدرين أني ما أحب تلدين بعيونش عني!!
يا الله وش تقولين؟؟
أنا مستحيل أطلع من ذا البيت الليلة من غيرش.. ولو عييتي فرشت لي فراش هنا ونمت..
لأني مستحيل أسمح لحد غيري يوديش لا جاش الطلق..

عفراء همست بخجل عميق: كلم أبو كساب وقل له أني بأروح معك!!
ما أقدر أطلع من بيته وهو ما درا ورخص لي بعد..


لم تتوقع مطلقا أنه بعد كل هذا الغياب.. ستُحل القضية بهذه البساطة والسلاسة..
ولكن كلاهما ماعاد به احتمال لفراق الآخر.. كلاهما كان يحتاج لمجرد نقرة بسيطة ليهوي من عناده..
إن كان لايريد أن يكون غيره من يذهب بها للمستشفى..
فهي كانت تعيش في رعب أنها قد تلد وهو ليس جوارها..
أنها لن تشعر ولو لمرة بكفه القوية الحانية تشد على كفها وتؤازرها حين تهاجمها آلام الطلق..
وفي داخلها تمنت أن أن يكون جوارها حين تصل جميلة..
فكل هذا الانفعال هي غير قادرة على مواجهته وحيدة!!
تريده إلى جوارها.. وكم افتقدت قوة مساندته!!




*************************




" عبدالله لو سمحت.. جوالك شوي.. أبي أكلم أم خالد
جوالي فضا شحنه"

عبدالله يمد صالحا بهاتفه وهو يهتف بمرح: وأم خالد لو اتصلت ولقت جوالك مسكر بتسود عيشتك..

صالح تناول الهاتف من عبدالله وهو يشعر بضيق عميق أن حالته وهو نجلاء باتت ملاحظة لهذه الدرجة..
رغم أنه كان يحاول جاهدا ألا يبدو ذلك واضحا للعيان حتى لا يحرج نفسه ويحرج أم أولاده..

ولكن عبدالله لم يرحمه وهو يردف بمرح: أبي أعرف على ويش تغار.. من زين فرة صويلح تغار عليه..
غبّرت وأنت عندها..كن حد بيتفكر وجهك يعني.. شكلها تبي ترفع معنوياتك بس..

حينها هتف صالح بحزم: عبدالله سكر الموضوع خلاص.. وهاك تلفونك ما أبي أكلم.. الله الغني من منتك..

عبدالله تغير وجهه وصوته للجدية: عيب عليك ياصالح.. خذ كلم أم عيالك..
ومن متى وأنا وأنت بيننا حساسيات كذا..
لا تكون صدق متضايق من ذا الموضوع..

حينها انفجر صالح بخفوت مقهور: إيه متضايق.. وليش ما أتضايق.. أم خالد عمرها ماكانت كذا..
طول عمرها رايقة وعاقلة.. وش للي غيرها عليّ ما أدري؟؟

حينها أجابه عبدالله بنبرة مقصودة: المرة ماتتغير إلا لو كان رجالها تغيّر عليها..
شوف أنت وش أنت مغير في معاملتك مع بنت عمك وتعرف..

صالح صمت وهو يشد الهاتف ويتصل بها.. ليجدها بالفعل غاضبة لأنها تتصل وهاتفه مغلق..

حينها هتف صالح بغضب مكتوم: دامش منتي بمصدقة أني في مجلس هلي..
هاش عبدالله كلميه.. دام أبو عيالش ما لكلامه كرت عندش..

نجلاء هتفت بجزع: لا خلاص خلاص مصدقتك..

لكن صالح أعطى الهاتف لعبدالله وهو يُسمع نجلا مايقوله بنبرة مملوءة بالغيظ والقهر:
هاك كلّم بنت عمك اللي ما أدري وين ودتها ظنونها برجالها عقب عشرت عشر سنين..
قل لها أنا وين..

عبدالله شعر بالحرج وهو يتناول الهاتف رغم أنه كان يشير بيديه لا.. حتى لا يحرج نجلاء...
ولكنه ختاما وجد الهاتف في يده فهتف باحترام: مساش الله بالخير يأم خالد..

نجلاء ردت عليه باختناق: مع السلامة يأبو حسن..
ثم أنهت الاتصال..

عبدالله بغضب: ليش تحرجني كذا.. المسكينة شكلها كانت تبكي من الفشيلة..

لا ينكر صالح تضايقه الشديد حين علم أنه أحرجها لدرجة البكاء ومع ذلك هتف لعبدالله بضيق:
دامك لاحظت.. أكيد أبيك وأخوانك لاحظوا بعد.. انتظر كم يوم ويهزئني ابي كني بزر لاني ماني بقادر أسنع مرتي..

عبدالله بغضب: لا مالاحظو.. ولا حد لاحظ.. بس أنت عارف زين إن علاقتي أنا وإياك غير..
يا أخي بينك وبين مرتك مشكلة لا تدخلني بينكم..
أسوأ شيء ممكن يسويه الرجّال إنه يكشف عيوب مرته قدام طرف ثالث وهي تسمع أو تشوف..
جرحتها واجد يا صالح.. هذي بنت عمنا قبل ما تكون مرتك وأنا ما أرضى عليها لو أنت رضيت!!

صالح هتف بضيق عميق وهو يعبث بهاتف عبدالله بين يديه ليفرغ فيه بعض طاقة ضيقه:
عبدالله قل لي وش كنت تبيني أسوي..كلمتها من تلفونك.. وهي تعرف رقمك زين..
ومع كذا مهيب مصدقتني أنا وين؟؟
تخيل !!
حرقت أعصابي على شيء ما يستاهل.. عمري أصلا ماكنت موقع شبهة ولا سويت شيء يخليني كذا..

عبدالله هتف بنبرة جدية: صالح أنا ما أدري أنت وش مسوي بأم عيالك
بس ما أعتقد إنها تتغير كذا بدون سبب..
يمكن صالح لأنكم صرتو في بيت بروحكم هي محتاجة اهتمامك زيادة..
يا أخي اهتم فيها.. تستاهل أم خالد..

كان صالح على وشك الرد لولا أنه وقع في هاتف عبدالله على شيء جعل عيناه تتسعان ذهولا.. هتف بصدمة:
عبدالله من وين جبت ذا الصورة؟؟

عبدالله نظر للصورة المقصودة ثم هتف ببرود موجوع:
يعني ظنك يوم تمسح صور خالد الله يرحمه من تلفوني وكمبيوتري
وتطلب من فيصل يتخلص من كل صوره اللي في البيت..
إني ما راح أقدر أجيب له صورة أحتفظ فيها..أصلا صوره كلها مخزنة على إيميلي..
يعني مستكثرين علي صورة مافيها روح عقب ماراح هو كله!!

صالح حينها همس بحزن: لا عبدالله مهوب القصد وأنت عارف.. بس أنا ماكنت أبي شيء يفتح مواجعك..

عبدالله بحزن عميق: مواجعي أصلا مفتوحة.. ما أحتاج شيء يفتحها..




*******************************




" كاسرة.. كاسرة!! "

كاسرة تجيبه من داخل مكتبه : تعال أنا هنا..

أطل عليها بشبح ابتسامة: غريبة ماتوقعتش هنا..

أجابت بابتسامة عذبة: وأنا ما توقعت أنك بترجع بدري كذا.. قلت بأدور لي كتاب أقراه..

أجابها بثقة: إذا حضر الماء بطل التيمم.. أنا بكبري هنا.. تعالي سولفي معي وبلاها القراية..

حينها أجابته بنبرة مقصودة: زين أنك جيت بدري ونفسك مفتوحة للسوالف..
لأنه فيه سالفة مهمة أبي أقول لك عنها..

كساب جلس على الأريكة في زواية المكتب وهتف بحزم: تعالي جنبي.. وقولي لي.. وش عندش..؟؟

كاسرة تقدمت بثقة وجلست جواره.. ليمد كفيه ويحتضن بها كفها وكأنه يحثها على الكلام..
كاسرة هتفت بثقة هادئة: كساب حن صار لنا سبع شهور متزوجين.........

حينها قاطعها بابتسامة غامضة: تدرين المقدمة هذي تأخرت شوي.. كنت متوقعها قبل فترة...

كاسرة لم تهتم لمقاطعته وهي تكمل بذات ثقتها الهادئة: ولحد الحين الله مارزقني بالحمل..
عشان كذا أنا قررت أسوي فحوص..

قاطعها للمرة الثانية بذات الابتسامة الغامضة: اللي أنتي رحتي تسوينها مع فاطمة
وقلتي لها إن فاطمة اللي بتسويها..
وكنت عارف من أول ماقلتي لي إنه أنتي اللي تبين تسوينها..
ليش ماقلتي لي أنا.. وأنا اللي بأروح معش!!

أجابته كاسرة بثقة: يمكن حسيت إنه وجودك أو حتى معرفتك بيكون فيها ضغط نفسي علي..
حبيت أسويها بدون ماحد يعرف..

حينها أجابها باهتمام غامض : والنتيجة؟؟

كاسرة بثقة: مافيني شيء نهائي..

حينها ابتسم كساب: وأكيد الحين الخطوة الثانية إنش تبيني أسوي أنا الفحوص..

كاسرة بثقة حازمة: حقي أطلب منك ذا الشيء..

كساب بابتسامة واثقة: حقش ليش لا..

أنهى عبارته ووقف ليتجه لمكتبه ويفتح أحد أدراجه.. ويستخرج منه ملفا..
ثم يعود ليجلس جوارها.. ويضع الملف فوق فخذيها.. ويهتف بثقة:
هذا الملف فيه.. أكثر من سبع فحوص شاملة مسويها خلال الثلاث السنين الأخيرة.. وأخرها من أسبوعين..
بتلاقين من ضمنها فحص للخصوبة وللجهاز التناسلي..
أنا بعد مافيني شيء.. ولو تحبين أسوي فحص عشانش سويت.. عشان ماتقولين أني متحجر ولا متزمت..

حينها لا تعلم لِـم شعرت ببرودة لاسعة وفتور في عظامها.. شبكت كفيها فوق الملف وهتفت بسكون:
يعني أنت عارف من قبل ما تتزوجني حتى أنك مافيك شيء.. ومع كذا ماطلبت مني أني أسوي الفحص..

كساب وقف وهو يهتف ببساطة: تو الناس .. ليش العجلة؟؟

ثم أردف بنبرة مقصودة وهو يستند على المكتب:
وما تدرين يمكن هذي رغبة رب العالمين لأنه شايفنا ما نصلح إنه نكون أباء..
ماحد يعترض على المكتوب!!

حينها قفزت كاسرة لتهتف بغضب: تكلم عن نفسك لو أنت شايف أنك ما تصلح أب..
لكن أنا عارفة أني بأكون أم فعلا وبكل معنى الكلمة..

كساب بحزم: هذي وجهة نظرش أنتي.. لكن أنا أشوف شيء ثاني..
كل واحد منا أعند من الثاني.. وما أعتقد إنه هذي صفات أباء لازم يقدمون تنازلات عشان عيالهم..

كاسرة لا تريد أن تتكلم معه.. تشعر بحزن غريب وألم أغرب..
ربما لو علمت أن في أحدهما مشكلة ما.. كانت ستقول إن شاء الله تنحل مع العلاج..
ولكن الآن تشعر بحزن عميق أن الله عز وجل قد يكون غير راضيا عليها لذا لم يستجب لدعواتها أن يرزقها بطفل..

وتشعر بحزن أعمق وأعمق مغمور بالألم أن كسابا يراها لا تصلح أما..
فكيف تستمر الحياة بينهما إن كان لا يرى هذه الحياة مكتملة.. مكللة بوجود الأطفال؟!!
تشعر أن إحساسها الدائم أن الحياة ستنتهي بينها وبين كساب.. يتحول لإحساس بالغ القوة..
هذا الإحساس الذي يعذبها.. بينما هو لا يهتم !!

كاسرة لم تقل شيئا.. وهي تضع الملف على المكتب قريبا منه حيث يستند..
وتستعد للمغادرة.. ليوقفها وهو يشدها.. ويجلسها معه على الأريكة..
هتف بحنو دائما تستغرب نبرته المغمورة فيه حتى الثمالة.. لشدة مايليق به وفي ذات الوقت تذيب قلبها لا تعلم كيف:
لا تروحين وأنتي زعلانة!!

همست بألم تخفيه خلف حزم صوتها: لا تقول إنك مهتم.. لأنه آخر شيء يهمك.. زعلي أو رضاي!!

أجابها بذات النبرة الحانية وهو يسند رأسها لصدره ويشد عليها ليحتضنها بيد واحدة:
تدرين زين إن ذا الكلام مهوب صحيح.. وإني ما أحب أزعلش..
شا اللي يرضيش؟؟ تبين أسوي فحص ثاني.. سويت..

كاسرة بسكون حازم: وليش تسوي.. وعنك ملف مليان فحوص..

حينها ابتسم: أجل زعلانة عشان أنا قلت إنه مانصلح نكون أباء..
خلاص أنا اللي ما أصلح.. وأنتي بتكونين أحلى ماما..

حينها ابتعدت كاسرة عنه وهي تهمس بغضب رقيق: كساب أنا ما ببزر..
ويوم تقول لي كلام يوجع مثل هذا..لا تخلي السالفة كنها مسخرة!!

كساب باستغراب مقصود: يوجع؟؟ ومتى كانت الحقيقة توجع؟؟..

كاسرة وقفت وهي تهمس بغضب حقيقي مكتوم: دام شايفها حقيقة..
وش يلزمنا في ذا الحياة؟؟
دامك تشوف إنه مانصلح نكون أباء على قولتك.. ليش عايشين مع بعض..؟؟

حينها وقف وهو يهتف بغضب: أظني إني ألف مرة قايل لش إذا اختلفنا في النقاش.. لا تجيبين طاري الانفصال..
ومع كذا لازم كل مرة تطربيني فيه!!

كاسرة بذات الغضب: لأنه هذا مهوب اختلاف في النقاش.. هذا اختلاف في الحياة كلها.. أنا يمين وأنت يسار..

كساب شد له نفس عميق وهتف بحزم: تدرين بأروح أشوف خالتي وش سوت أخير لي..
لأنه أنتي أحيانا تستخفين والواحد مايقدر يتفاهم معش..

كساب غادر بينما كاسرة عادت لتجلس على الأريكة وهي تشعر بإرهاق في كل جسدها..
موجوعة تماما.. تماما..
لماذا يُكتب عليها كل هذا الألم..؟؟
ولماذا تحبه كل هذا الحب بينما هو عاجز عن مبادلتها إياه؟؟
ولماذا تكون هي من ستموت رغبة في طفل منه بينما هو يرى أنهما لا يصلحان ليكونا أبوين حتى؟؟
ولماذا؟؟ ولماذا؟؟ ولماذا؟؟
عشرات الأسئلة الموجعة التي تمزق روحها ولا تجد لها جوابا يريحها!!




*************************************





" أنتي مارحتي لعبدالرحمن اليوم؟؟"

جوزاء تلتفت لعبدالله وهي تشير له بعلامة السكوت حتى لا يوقظ حسن الذي نام للتو..
وتشير له أن يذهب لغرفتهما وهي ستحضر له..

عبدالله عاد لغرفته وكان يخلع ثوبه حين دخلت قادمة من غرفة حسن المفتوحة بباب على جناحهما..
همست بإرهاق: تبي شيء عبدالله؟؟

هتف لها بحنو: لا حبيبتي.. بس كنت أسأل أنتي مارحتي لعبدالرحمن اليوم؟؟

جوزاء بذات النبرة المرهقة: اليوم ماقدرت.. كنت تعبانة شوي..

اليوم كانت متعبة حقا.. ولم يتبق أي شيء في معدتها منذ الصباح!!

اقترب منها وهو يضع يده على جبينها ويهتف بقلق: ليه وش فيش ياقلبي؟؟

صمتت لثانية (أتخبره أو لا تخبره؟؟) ثم همست بتعب: شوي إرهاق بس..

هتف بحنان وهو يتجه للحمام: لو قعدتي تعبانة لبكرة بأوديش للمستشفى بدون نقاش..
أنتي واجد ترهقين نفسش.. في البيت ومع حسن وعند عبدالرحمن.. وفي بيت هلش..

صمتت لم تستطع الرد وهي تراقبه بوجع حتى أغلق على نفسه باب الحمام
وهي تشعر بعبرة ضخمة تقف في منتصف حنجرتها وهي تشعر بها تتضخم وتتضخم حتى كادت تمزق أوتار حنجرتها!!

" لماذا أنت شديد العذوبة هكذا؟؟
لماذا تكون طيبا ورقيقا هكذا كنسمة؟؟
بينما أنا لا أستحق.. لا أستحق!!"




*****************************************





" سميرة.. لو سمحتي.. جهزي لي الملفات اللي كنت عطيتش قبل يومين..
اللي فيهم مواصفات الكمبيوترات الجديدة!!
أدري بكرة سبت ماعندش دوام.. فجهزيهم لي قبل تنامين.. "

سميرة أزاحت أوراق العمل التي كانت تصححها جانبا.. وطبعت على الحاسوب المقابل لها..
والذي لا يفارق الطاولة الصغيرة في الجلسة..
أدراته ناحيته : " اطبع لي وش تبي؟؟"

حينها قفز بغضب وهو يشير بذات الغضب: أنا ماطلبت منش تأشرين لي.. بس أنتي عارفة وش أبي..
ماتبين تطيعيني.. مهوب مشكلة!!

سميرة عادت وشدت الحاسوب ناحيتها وطبعت: حاضر أجهزهم لك بكرة..
وحتى لو ماعندي دوام.. أنا متى رقدت وأنت رايح الدوام؟؟
شيء ثاني بعد؟؟

أشار لها بنفاذ صبر: لا..

وعاد للجلوس حيث كان يجلس منذ أكثر من ساعة. وهو يراقبها حينا ويتشاغل بأوراق بين يديه حينا..
وبينهما جهاز الحاسوب المحمول الصغير المفتوح على برنامج الطباعة..
الجهاز الذي يتمنى لو يحمله ليلقيه مع النافذة..
يراقب بدقة ونهم وألم حتى أناملها التي تصحح.. انحناءات بيجامتها المشبعة بألوان زاهية..
نحرها وزنديها اللذين يكادان يضياءان لشدة تألق بشرتها وصفائها..

حتى تعب وأرهق من المراقبة.. وإن كان لم يمل من مراقبتها.. فهو مستعد لمراقبتها عمره كله دون أن يمل..
لكن مراقبتها متعبة له.. متعبة لأبعد حد.. وكأنها تختبر صبره وتضغط على رجولته لأقصى الحدود..

حين شعر أنه لن يحتمل هذه المراقبة أكثر.. طرق لها بخفة على الطاولة..
حين رفعت رأسها أشار لها بأول شيء خطر بباله وهو سؤاله عن الملفات..
حينها قفزت بباله هذه الفكرة.. لن يعاود هو الطباعة لها..
سيشير لها.. لن يجبرها أن تشير له.. ولكنها تفهم إشاراته..
حاول إرضاءها طوال الأشهر الماضية بهذه الطباعة الرتيبة الممللة التي تقف حاجزا بغيظا بينهما..
في البداية كان لا بأس بذلك.. فهي مازالت لا تعرف لغة الإشارة.. ولكنها الآن تعرف..
على الأقل يريد أن يشعر أنه على سجيته معها..

هي على الطرف الآخر..
مستغربة منه.. لأول مرة يصر هكذا على أن يشير لها..
ما الذي يهدف له من هذا؟؟

وهي غارقة في أفكارها بين تصحيح أوراقها بعد أن أجابته.. سمعت طرقته الثانية على الطاولة..
رفعت رأسها مستفهمة..
أشار لها بهدوء: طيب أنا أبي أنام ممكن تقومين عن سريري..

حينها قفزت سميرة بخجل.. ودون أن تقول له اطبع لي ماتريد.. فهي كانت تجلس على الأريكة التي تنفتح لتتحول لسرير..
والتي كانت سريره الذي اختاره بنفسه منذ انتقالهما لبيتهما الجديد..وقبلها كان ينام على أريكة أيضا..

فتحت الأريكة بنفسها.. وهي تحضر له مخدته وغطاءه وترتبهما على السرير..
تجاوزها ليجلس على طرف سريره.. وكانت هي ستغادر.. لولا أنه شدها ليمسك بكفها بطريقة تملكية مقصودة..
حينها التفتت بحدة له ولا تنكر أن رعشة حادة اجتاحت جسدها.. فهذه هي المرة الأولى التي يفعلها..

طبعت له وهي مازالت تقف وتنحني على الحاسوب بشكل جانبي بيدها الحرة:
تميم تبي شيء؟؟

حينها طبع لها بيده الحرة لأنه لم يكن يريد افلاتها وهو يذوب من مجرد إحساسه بنعومة يدها المرتعشة في كفه:
تروحين بدون ماتقولين لي تصبح على خير..

طبعت له وتوترها يتزايد: تصبح على خير..

حينها أفلت كفها وهو يشير بتقصد: لا قولي لي تصبح على خير كذا..

لم ترد عليه وهي تتجاوزه وتغادر المكان متجهة لسريرها.. كأنها تريد أن تهرب من الإشارة ومن مرارة ذكراها!!





*************************************




" ياحيا الله أم زايد.. نورتي بيتش"

خطت عفرا للداخل بخطوات مترددة.. وهي تنظر للمكان حولها.. مازال كما هو لم يتغير به شيء.. عدا لمساتها..
بشكل عفوي لمست طاولة الزينة الضخمة بقرب باب المدخل.. كان مغبرا قليلا..

ابتسم منصور ابتسامته الفخمة المعتادة التي طال افتقادها لها:
أدري البيت حالته حالة.. بس عشان تدرين إنه مايهون علي حتى في غيابش أسوي شيء يضايقش..
كنت ما أخلي الصبيان يدخلون البيت إلا مرة في الأسبوع إذا كنت أنا موجود عندهم عشان ينظفون تنظيفهم اللي كنه وجيههم..

جلست بإرهاق على أقرب مقعد وهي تهمس بتأثر:
ما أدري تقدر تسامحني على تقصيري في حقك وإلا لا..؟؟
بس تدري.. كله منك!!

ابتسم منصور: مني انا؟؟

عفراء بذات التأثر: إيه منك.. مر شهر وشهرين وثلاثة يعني ماكنت تقدر تسوي نفس اللي سويته الليلة..
منصور أنا وش أبي منك إلا أنك تحسسني أني شريكة حياتك صدق..
رأيي محترم ومقدر عندك .. بكرة بيننا عيال ولازم تحترمني قدامهم..

شدها منصور ليحتضنها بخفة لأنها يخشى أن يؤلمها وهو يهتف بشجن عميق:
وأنتي شريكة حياتي وحبيبتي وأم عيالي..
ثم ضحك ضحكة قصيرة: وكرشتش مسوية زحمة.. إحساس غريب وأنا حاضنش بروحش وكرشتش بروحها..

دفعته بخفة في صدره وهي تمسح دمعة فرت من عينها وتبتسم:
وتعلق على كرشتي بعد.. هذا ولدك مهوب كرشتي!!

مد يده ليمسح وجهها وهو يهتف بحنان عميق: تكفين لا تبكين.. أجليها لبكرة..

عفراء باستغراب: وش معنى بكرة؟؟

منصور بفخامة حميمة: فيه ناس غالين واصلين من السفر بكرة..

عفراء شعرت أنها ستفقد توازنها وهي تعود للجلوس وتهتف بذهول: جميلة!!
هي قالت لي بعد يومين..

منصور بابتسامة: تبي تسوي لش مفاجأة بس أنا خفت عليش من الصدمة..
قلت أقول لش قبل..

شدت على كف منصور وهي تضع يدها الأخرى على بطنها حيث شعرت بثقل مفاجئ وهتفت بلهفة موجوعة:
صدق يامنصور؟؟ صدق؟؟ بكرة بكرة؟؟

أجابها وهو يشد على يدها بقوة حانية: صدق بكرة بكرة ياقلب منصور...





************************************





" جميلة الله يهداج
ليش تبكين جذيه؟؟
حد راد ديرته وهله ويبكي!! "

جميلة تمسح دموعها وتهتف بتأثر: كان ودي إنه فواز وسوسن خلصوا علاجهم ورجعوا قبل ما أرجع..
حرام ماشفت أشلون أمهاتهم كانوا يبكون يوم قلت لهم إن سفرنا صار بكرة..
حتى الممرضات تعودت عليهم.. وش كثر علموني أشياء.. صار بيننا عشرة..
وماينكر العشرة إلا قليل الأصل !!

خليفة مد يده ليمسح خدها .. انتفضت بخجل وهي تبتعد بعفوية..
بينما هو ابتسم رغم أنه كان يزفر في داخله ضيقا من هروبها الدائم حتى من لمساته العفوية
هتف لها بحنان: ادري أنج منتي بجليلة أصل وتكرمين.. بس أخاف الدموع عاللي عندج تخلص..
كفاية بكرة لاشفتي خالتي عفرا..

حينها ابتسمت ابتسامة مبللة بالدموع: ياقلبي يمه.. وش كثر اشتقت لها!!
حاسة من كثر شوقي لها بيغمى علي لا شفتها!!





*************************************





" كاسرة قومي كلميني.. أدري أنش مابعد نمتي"

كاسرة نهضت واعتدلت جالسة.. وهي تسند ظهرها لظهر السرير..وتهمس بسكون: نعم كساب؟؟

كساب كان يجلس على طرف السرير بقربها وهتف بحزم: ما أدري ليه تسوين كذا؟؟
تدرين ماعادنا عشرت كم يوم..
صار لنا عشرت أسابيع وشهور.. وتدرين زين أنه مهما اختلفنا ما أحبش تنامين على زعل..
يعني مفروض تنتظريني لين أجي ونتفاهم..

كاسرة بذات السكون: وش فرقت يعني؟؟

كساب بذات الحزم: فرقت أني حسيتش تضايقتي واجد ذا المرة!!

كاسرة حينها هتفت بحزم: زين فرضا أني تضايقت.. هل بيغير من الكلام اللي قلته شيء؟؟

كساب هز كتفيه: صراحة أول ماقلته.. ماظنيتش بتزعلين.. لأني كنت أظنها وجهة نظرش بعد..

حينها كتفت كاسرة ذراعيها أمامها وهمست بحزم رقيق:
كساب الناس ليش يتزوجون.. يبون سكن الروح وينشئون أسرة..
إذا كنت تشوف إنه حن مانصلح نشكل أسرة.. كأنه تقول إنه زواجنا ماله داعي يستمر!!

حينها استغربت كاسرة أنه صمت وهو يزيل غترته عن رأسه ثم يميل ليضع رأسه في حضنها..
حيمها لا تعلم لِـمَ آلمها قلبها بشدة " أ مرهق هو؟؟"

همست باهتمام عذب وهي تمد أناملها لتعبث بخصلات شعره: تعبان كساب؟؟

هتف بسكون: لا..

مالت لتقبل صدغه ثم همست قريبا من أذنه: زين هذا هروب من الحوار؟؟

أجابها بسكون أكثر: تدرين أني آخر واحد يهرب من حوار!!
قالها ثم اعتدل جالسا وهو يتناول كفها التي كانت فوق رأسه ويقبلها بتروي
ثم وقف وهو يهتف لها بتلقائية: بأروح أطل على مزون شوي وبأرجع لش!!

همست حينها بسكون غريب: على راحتك.. بس لو طولت علي بأنام..

هز رأسه وهو يغادر.. ويهتف لها بذات التلقائية: نوم العافية..

تعلم أنه قال (شوي) لكنها تعلم أن هذه (الشوي) لن تقل عن ساعة..
مطلقا لا تتضايق من علاقته بأخته.. بالتأكيد تتمنى لو كان بعضا من هذا الوقت لها..
لكن مايحزنها فعلا.. أنها تمنت لو كانت هي ومهاب هكذا..
كم هو مؤلم ومحزن أننا لا نعلم كم هو ثمين ونادر مابين أيدينا حتى نفقده!!
حينها لا يبقى لنا سوى عض أصابع الندم حتى تدمي!!
ربما لو لم تجرب حرقة فراق شقيقها.. كانت ستغار وبشدة مزون..
فهي غيورة على كساب لأبعد حد.. ولكنها لا تغار عليه من مزون..
لأنها تمنت من قلبها أن تكون مثلها الآن..
وتعلم كم عانت مزون من مرارة جفاء كساب..!!

ومايهمها فعلا أن كساب يغادرها.. ويترك حوارا آخر معلقا كعادته الغريبة مؤخرا..

وعلى العموم هي لن تهتم له.. ستسأل الدكتورة إن كان هناك شيئا قد يساعدها على الحمل..
إن كان لايريد هذا الطفل.. هي تريده !!




******************************************





" هلا.. وش اجتماع القمة المغلق اللي مابغيتوني فيه!!"

علي ومزون الجالسان في الصالة السفلية ينظران لكساب الذي نزل عليهما للتو بعد أن بحث عن مزون ولم يجدها في غرفته..

ابتسم علي: لا اجتماع قمة ولا شيء.. بس فاقدين خالتي.. مع أني ماكنت أشوفها إلا لين أتاكد إن مرتك مهيب فوق..
بس البيت فاقد حلاه الليلة.. حاس كني بزر وأمي خلتني..

ابتسم كساب: ماصدقت أصلا حضرت العقيد يأشر لها إلا هي ناطة لبيتها.. صدق نسوان!!

مزون تضحك: يوم قالت لي جيبي عباتي بأروح لبيتي.. حسبتها تمزح...
نزلت بالعباية لقيت عمي منصور واقف فيها عند الباب..
ماعنده صبر وإلا خايف إنها تغير رأيها..

كساب بحنان: الله لا يحرمنا منها.. ويهون عليها.. والله لولا أني خفت على عمكم ينجلط.. وإلا كان قلت خلها عندنا لين تولد..

علي بمودة جزيلة: أنا والله كنت حاس فيه.. لأنه ماكان يتردد يقول لي وش اللي في خاطره..
واجد واجد كان مهتم فيها..

مزون بنبرة مقصودة: وعقبال ماتلاقي اللي تهتم فيها!!

ضحك علي: ليه عندش حد معين؟؟

مزون بحماس: أنت بس قول مجهزة لك لستة وش طولها..

كساب يضحك: وأنا يعني ليش ماجهزتي لي لستة.. وإلا أنا المحروم..؟؟

مزون تبتسم برقة: عندك اللي تكفيك عن اللستة كلها.. خلنا في علي!!

علي يضحك: خلوكم مني الحين.. لا قررت قلت لش نقي لي!!






**************************************




صحت قبله..
لم ترد إزعاجه.. وهي تُلبس حسن وتنزله لجدته في الأسفل ثم تعود لعبدالله
اليوم سبت.. لذا ستتركه ينام حتى يصحو وحده..
يؤلمها قلبها كثيرا من أجله ... فهو يرهق نفسه كثيرا في العمل.. مهموم بمشاكل أخوته..

وهــي... لا تخفف عنه مطلقا.. تشعر بالألم أنها تزيدها عليه بدلا من ان تكون بلسما لتخفيف جروحه..

ورغم هذا وذاك اعتادت ثم حرصت خلال الأشهر الأخيرة أن تكون هي أول ما يفتح عينيه على رؤيته..
لكي تنعم في بداية الصباح بابتسامته الآسرة التي كان يمنحها له حالما يفتح عينيه
ويقول لها ذات العبارة ( رؤية عينيك حالما أفتح عيني تنبئني أن هذا العالم بخير!!)

وما يؤلمها أكثر أنها لن ترد عليه الابتسامة مثلها.. ولن ترد على عبارته التي تذيب قلبها.. برد يوازي تأثيرها فيها..
فهي أما تقفز لتتشاغل بترتيب ملابسه.. أو تقول له سأنزل لاعد فطورك.. أو سألبس حسن للروضة..
أي شيء حتى لا يلمح الدموع التي تتقافز إلى عينيها رغما عنها..
ودون أن تنتبه كيف انطفأت ابتسامته وهو يزفر (يوم جديد مازالت عاجزة عن مسامحتي فيه!!)

اليوم هي متعبة بالفعل.. جسديا ونفسيا.. تريد إخباره بحملها.. لتسعده إن كان هذا الخير سيسعده..
أو لتحضى بمؤازرته التي تحتاجها فعلا على الأقل!!

حين اقتربت الساعة من العاشرة وهو لم يصحُ بعد.. اقتربت لتجلس جواره..
لا تعلم كيف بادرت بنفسها وهي تميل لتقبل جبينه ثم تهمس من قرب:
عبدالله قوم.. طولت وأنت نايم..

فتح عينيه باستغراب: حد حب رأسي وإلا أنا أتخيل؟؟..

حينها مالت لتقبل جبينه مرة أخرى وهي تهمس بعذوبة قريبا من أذنه: لا شكلك تتخيل..

اعتدل جالسا وابتسامة سعادة حقيقية تضيء عينيه قبل شفتيه:
زين دامش كريمة اليوم.. عطينا بوسة من الخاطر بدل حبة الرأس ذي!!

حينها اقتربت أكثر لتقبل عينيه كل واحدة على حدة وهي تهمس بشجن موجوع:
الله لا يحرمني من عيونك..

حينها لا يعلم لِـم شعر بألم قارص يعتصر قلبه..لكثرة ما اعتاد جفاها.. أقلقه هذا اللطف المتدفق.. شد كفها وهتف بقلق:
جوزا فيش شيء؟؟

همست بذات الشجن الموجوع: مافيني شيء..

لكن الغريب أنها اقتربت لتدفن وجهها في صدره وهي تبكي بصوت خافت..
عبدالله شدها لصدره بقوة وهو يهتف بقلق أشد:
جوزا منتي بطبيعية.. والله العظيم أن قد تقولين لي وش فيش؟؟

حينها ابتعدت عنه قليلا وهي تمسح وجهها وتهمس باختناق:
يعني إذا ماكنت شريرة وقاسية أكون ماني بطبيعية..

ابتسم وهو يعاود شدها ليحتضنها بقوة أكبر ويهمس في أذنها برجولة حانية:
ماقصدت ياقلبي.. تدرين أنا وش كثر متشفق أنش تسامحيني..
لأنه عقبها بيننا كلام طويل.. كلام محتاج أقوله لش فوق ماتتخيلين.. عشان فعلا أحس إنه خلاص مافيه حواجز بيننا..

همست ووجهها مختبئ في صدره: زين قل لي..

زفر بألم: ما أدري لو الوقت صار مناسب أو بعد.. أنتي لحد الحين ماطمنتيني على مكانتي في قلبش عشان أنا أجمد قلبي..

كانت تريد أن تقول شيئا ولكن لسانها ارتبط.. استحثها على الكلام: ها جوزا؟؟

همست باختناق وهي تبتعد عنه قليلا: الحين أبيك توديني للدكتورة أنا تعبانة شوي.. ولا رجعنا تكلمنا..

حينها همس بقلق: يعني عادش تعبانة.. أنا قلبي كان حاسس أنش فيش شيء مهوب طبيعي اليوم..
دقيقة ألبس وأوديش..

همست بابتسامة مرهقة: عبدالله مافيني شيء هو شوية ارهاق..
أنا بأخذ عباتي وأنزل تحت.. وأنت أسبح.. وخذ راحتك..

أجابها باستعجال: هي خمس دقايق.. شاور سريع ونازل..

جوزاء تناولت عباءتها وحقيبتها ونزلت للأسفل..
حين نزلت كانت أم صالح هي من تجلس مقابلا لها..
وهناك شخص آخر يجلس مقابلا لأم صالح ولكنه غير واضح لارتفاع ظهر الكرسي..

كانت جوزا ستتراجع خوفا أن يكون فهد أو هزاع..
لولا أن أم صالح هتفت بصوت عال متضايق:
تعالي ياجوزا يأمش.. شوفي ذا الشهباء اللي ترطن علي..
أرسلت على عالية تجي تشوفها.. ومابعد جات..
الصبيان جابوها من المجلس يقولون إنها تسأل عن عبدالله..
يا الله جرنا من كشف الستر!!

جوزاء حين سمعت اسم عبدالله تكهربت.. وهي تستدير لترى المقصودة بالكلام
كانت..
كانت..
كانت.. قنبلة شقراء فاتنة.. تبدو غير صغيرة في السن.. لأن حسنها بلغ تمام النضوج..
متأنقة في طقم رسمي ثمين من شانيل بتنورة قصيرة تصل أسفل ركبتها بقليل..
وعيناها بلون أزرق مشع لم يسبق أن رأته على الطبيعة..
امرأة تشعر بالخطر أن تمر بجوار أحدهم في الطريق.. وخصوصا لمن لم يعتادوا هذا اللون من الجمال المختلف..
فكيف وهي في بيتها وتسأل عن زوجها؟؟

جوزاء سألتها بعصبية باللغة الانجليزية التي لا تتقنها تمام الاتقان ولكنها تستطيع التفاهم بها:
ماذا تريدين بعبدالله؟؟

همست الشقراء بثقة بالغة متحكمة وهي تلوي شفتيها
وتضع قدما على الأخرى لينكشف جزءا كبيرا من فخذها حين ارتفعت تنورتها قليلا:
أنا راشيل زوجة عبدالله.. وأريد أن أراه حالا..



#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 04-11-10 06:46 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع و الخمسون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياهلا والله بكل الوجيه الجديدة اللي شرفت مكانها
وياهلا والله بكل الوجيه الدايمة معنا بكل وفاء الله لا يخلي مكانهم منهم
.
بنات سامحوني لو يكون فيه استفسارات ماقدرت أرد عليها
مع اني أقرأ كل حرف والله العظيم
بس يابنات فيه استفسارات وتعليقات مرت أكثر من مرة
وجاوبتها أكثر من مرة.. ولو ظليت أعيد وأجاوب
بتصير المقدمة معلقة مو مقدمة..
عشان كذا لا حد يظن إني أقصد أهمل سؤاله.. وياليت تتكرمون علي وتقرون المقدمات السابقة بس..
كفاية معلقة اليوم الطويلة أنا وهذرتي اللي ماتخلص..
.
.
فيه بنات بعد عندهم أمل إنه امهاب ممكن يرجع بما أني ماجبت تفاصيل دفنه..
يا بنات الله يرحم كل أبناء المسلمين وامهاب معهم
أنا بنفسي من كثر ماني مجروحة ما حبيت أجيب على تفاصيل موته في وقتها
بس مات أكيد مات.. حبيت أجيبها بعد ست شهور عشان أخليها على أخف وطأة..
أما ليش جبت طاري حادثه قبل 7 سنين ومو أربع..
السبب عشان عبدالرحمن اللي ترك دراسته في بريطانيا وعسكر عنده..
عمق العلاقة بين امهاب وعبدالرحمن هو المقصود!!
.
.
تدرون بنات ذكرني سؤال البنات هل من الممكن إن امهاب يرجع بسالفة مسلية قديمة شوي
خلوني أصدع رأسكم بالثرثرة شوي.. زمان لما كنت في أمريكا وأنا صغيرة..
كنت أتابع مسلسل أميركي هو أساسا قديم.. الحمدلله الحين ربي تاب علي.. بس خلوني أقول لكم السالفة..
المسلسل هذا كان فيه أشهر ممثلي أمريكا
بس واحد منهم كان بالفعل أكثر شخصية جذابة في المسلسل..
وقتها يعني وقت ماكان المسلسل يصور.. كان المسلسل ناجح جدا وله جمهور..
واللي حكت لي قصته جارتنا .. وبعدها قريت عنه عالنت..
المهم هذا الممثل طالب بزيادة أجره كممثل بما أنه محبوب من الجمهور..
الانتاج مارضى فطلبوا من كاتب المسلسل يلغي دوره..
يعني ماكان الاختفاء مقرر من البداية لكن حصل فجأة لأنهم مايبون يلبون مطالبه..
المهم قالوا إنه مات بدون حتى مايجيبونه.. لكن جابوا دوبلير يقوم بدوره من بعيد..
طبعا الجمهور ثار وزعلوا.. وهددوا يقاطعون المسلسل لو مارجع..
فرجعوه الانتاج تحت ضغط الجمهور... وعطوه الأجر اللي يبي..
شا اللي صار؟؟؟ صار المسلسل بايخ وفشل فشلا ذريعا لأنه الأحداث كانت بدت تمشي وتحلو من دونه..
والجمهور مافادوهم وهم أول من تخلى عن نجمهم المحبوب بعد رجوعه..
لذلك صدقوني إن أهل مكة أدرى بشعابها.. وشخصية مهاب لو استمرت بعد مابنيت الأحداث على اختفائها
ستصبح شخصيته عبء على الأحداث..
.
.

كما أثرثر كثيرا أنا أؤمن أن الجرح لا يمكن أن يلتئم دون تطهير
وراشيل لو لم تظهر لكي يتجاوز عبدالله قضيته معها ستبقى دائما قهرا في قلبه
ونقطة سوداء يخشى من معرفة أهله لها.. وهي ليست قضية بسيطة
بل نُشرت في الصحف وعرف عنها موظفي السفارة والخارجية
فربما يصل خبرها لأهله.. لذا كان من غير المنطقي أن أبقيها سرا
أما دخوها قطر طبيعي.. جوازها أمريكي وجنسيتها تدخلها أي مكان في العالم..
.
الأمر الآخر الذي أغضب بعض القارئات أنني جعلت جوزا تخرج فور مصافاتها لعبدالله
يقولون هذا ليس أسلوبي.. بل هذا أسلوبي.. (الوقوف أمام القرارات الحاسمة)
أنا أرى الرواية حياة فعلية وفيها فعلا من الحياة.. في الحياة يموتون وتظهر المشاكل الكبيرة والمصائب غير المتوقعة!!
لماذا عبدالله هو من يكون دائما مستعد للمؤازرة وتقديم كل شيء حتى آخر قطرة في دمه؟؟
ألا يستحق الآن أن ترد له جوزا شيئا بالمقابل؟؟
هل جوزا تحبه أم لا؟؟ أ لم يكفها وقوفه جوارها وجوار أهلها طوال الشهور الماضية؟؟
إذن لتثبت له ذلك.. أو لتبتعد عنه.. بدلا من استنزافها مشاعرها دون مقابل!!
.
مطلقا لم أرده أن يعترف لها قبلا.. لأن معنى ذلك أنه ليس أمامها إلا مسامحته..
لكن هو يحتاج لاثبات منها.. إثبات هو يستحقه تحت ظرف صعب كهذا...
وليس مجرد مسامحة هي تحصيل حاصل..
هي بنفسها تقول أنها لا تستحق مايقدمه لها..
فكيف سيكون ردها حين تنصدم بوجود راشيل
يعني هو تقبلها على كل عيوبها.. وهي لن تقبله إلا بعد أن يكون خاليا من العيوب
إن كانت تستحقه فهي يجب أن تدافع عنه بكل عيوبه وأخطاءه <== على فكرة هذي وجهة نظري أنا لماذا قررت هذا الحدث في هذا الوقت
ولكن ليس معنى هذا أن هذه قد تكون وجهة نظر الأبطال
.
للعلم: راشيل وراكيل وراحيل هم ذات الاسم.. لكن بتلوينات ثقافية ولغوية مختلفة لها شرح طريف ولكن يطول..
وباختصار..أنا قصدت أنها تقول أنا راشيل.. هكذا اسمها العبري.. وحين تقول راحيل تكون تنطقه بالعبرية القديمة..
أما راكيل فهو ذات الاسم ولكن جاء من أسبانيا والبرتغال..
.
مشاكل أزواج الرواية
نجلا وصالح.. أنا أحب بالفعل أن أطرح نماذج مختلفة لمشاكل تحدث في الحياة
المرأة أحيانا هي من تفتح عيني زوجها على شيء لم يكن يخطر بباله
وهي من تجلب لنفسها مشاكل هي في غنى عنها
.
أما عفرا ومنصور.. البعض يقول يتصرفان كمراهقين
وأنا أتوقع أن من تقول ذلك مازالت أميرة صغيرة لم تتزوج..
المشاكل بين الزوجين هي ذات المشاكل في أي عمر في ضوء عدم الاحتواء والتفهم!!
.
.
يا الله اليوم مع مزيد من فتح الأبواب
بتعرفون ليش كساب يطلع مع مزون ومو مع كاسرة
بتفهمون السالفة من وجهة نظرها الحقيقية بعد ماظلمتم كساب إنه مهما كاسرة :)
.
بتشوفون فهم جوزا للسالفة
بنات ليش ماحد توقع أقرب توقع.. اللي هو؟؟
بتقرونه في البارت!!
.
.
يالله الجزء 57
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والخمسون





عبدالله كان ينزل الدرج باستعجال وغترته مازالت في يده..
سلم وهو يرى والدته تجلس أمامه لم ينتبه كيف كانت ترتعش من الغضب وهو يتلفت حوله ويسأل باستغراب:
يمه وين جوزا؟؟

حينها انفجرت والدته بغضب: جوزا طاحت مغوم عليها وشلتها عالية والخدامات للمستشفى الحين..

عبدالله لشدة جزعه وهو يركض ناحية الباب لم ينتبه لمن وقفت حين سمعت صوته.. ولم يوقفه سوى أمر والدته الغاضب:
عبدالله..

استدار عائدا وهو ينتفض بحمية الطاعة "لـبـيـه"
بينما أمه تكمل بذات الغضب: تعال شل بلوتك معك..
ولا أشوف وجهك أنت وياها..

حينها رأى من تقصد بـ (بلوته)!!
كانت تقف بكامل ثقتها وأناقتها المقيتة وكأنها ذاهبة للترافع في أحد جلساتها أو لإلقاء أحد ندواتها
شعر بسعير من نار يعبر أطرافه ليشعل كل خلية في جسده..
شعر أنه يشتم رائحة احتراق خلاياه تتصاعد في الجو..

هاهي أمامه وفي بيته.. لم يسأل حتى كيف هي هنا..
كان كل مايراه أمامه دم ابنه يسيل على يديها ومن بين أنيابها فعلا..
وجهها وكفيها غارقين في دمه البريء...
كل ما أراده أن يطبق في عنقها ويزهق روحها.. وذكرى انتفاض جسد خالد الصغير بين يديها تعطل كل تفكير لديه..
وكان على وشك فعلها.. لولا أن وجه صغير آخر أطل عليه.. وجه حسن
ليقف بينه وبين مايريد أن يفعله..

حينها هتف بكراهية محرقة وهو يكاد يبكي قهرا لشدة ماقهر نفسه:
أمامي..

لم يقترب منها حتى.. لم يرد أن ينجس يديه بها.. أو يتهور فيجد يديه أطبقتا في عنقها فعلا ليقتلها كما قتلت ولده!!
ولم يرد أن يتحاور معها أمام والدته التي يعلم أن حالتها الصحية لا تحتمل..

خرجت معه بكل ثقة وهو يقودها للمجلس.. ويسألها بكراهية:
كيف استطعتِ الوصول لهنا.. وكيف خرجتي من أمريكا اساسا مع الحكم عليكِ؟؟

أجابته بثقة: ألم تكن تتابع القضية وتعلم بالحكم؟؟

أجابها بمرارة: أعلم أنكِ أجدتِ التمثيل ببراعة وأن المحامين أثبتوا أنك تعانين من اضطراب نفسي..
وحكموا عليك بإعادة التأهيل في مصح فدرالي!!
وأعلم أن إعادة التاهيل تستغرق سنوات.. فكيف خرجتِ أنت؟؟
وحتى لو خرجتِ من المفترض أن تبقي تحت المراقبة وتمنعي من السفر!!

أجابته بذات الثقة وهي تدخل المجلس: هؤلاء هم محدودو التفكير من يحتاجون لسنوات..
لكن من هي مثلي تشفى في غضون أشهر.. وليس عسيرا علي إسقاط قرار منع السفر..
واللحاق بك لهنا.. وأعلم أن عنوانك موجود لدى السفارة الأمريكية..
لذا كان الوصول لك من أسهل ما يكون!!
وهذا هو المفترض أن تكون المرأة مع زوجها.. وأنت تعلم كم أنا أحبك.. ومستعدة للعيش معك في أي مكان..

أجابها باحتقار ممزوج بأقصى درجات البغض والكراهية:
أي زوجة وأنا طلقتكِ منذ سنوات قبل حتى عودتي الدوحة المرة الأولى..

أجابته بذات الثقة المقيتة وهي تجلس: وأنت تعلم أيضا أنني رفضت توقيع أوراق الطلاق..
ثم حين صنعت أنت حيلة وفاتك وأصبحت أنا أرملة.. كان لدي قناعة أنك لم تمت
لذا أعدت توثيق الزواج بعد اكتشافي أنك على قيد الحياة..
لذا من الأفضل أن نتفاهم.. لأنني أستطيع الآن أن أعود هناك وأنجب أطفالا أنسبهم إليك..

أجابها بذات نبرة الاحتقار: أنا طلقتك كما يطلق أي مسلم زوجته وماعادت تربطني بكِ علاقة..
أعلم أنكِ مازلتي زوجتي هناك في الأوراق لرسمية..
لكن مالا تعلمينه أن محاميّ هناك على وشك استصدار قرار بإبطال الزواج بناءً على قتلكِ لابني ودخولك للمصحة..
وبينما أنتي هنا تطاردينني قد يصدر الحكم بين لحظة أخرى..
أنا أيضا تعلمت الدرس.. ومدى أهمية المحامي الذكي!!
المحامي أخذ مني مبلغا مهولا.. لكنه يستحق!!

أجابته وهي تهز كتفيها بثقة وتنظر لأناملها: لنرى من ينتصر.. محاميك أو محاميّ؟؟

عبدالله ابتعد عنها وكل مايريده لو استطاع تفجير دماغها بأي شيء يجده أمامه
كانت يديه ترتعش بشدة وهو يشعر أنه يكاد يموت من القهر
وهو يرى قاتلة ابنه هنا في وسط مجلسه وبين أهله بكل وقاحة ولا يستطيع أن يذيقها بعضا مما أذاقته..

قهر نفسه أكثر وأكثر وهو يتصل بوالده وصالح وفهد..
ويتصل كذلك بالشرطة وبالسفارة الأمريكية ويطلب منها إرسال ممثل عنها..

هذه المرة لن يرتكب خطأ.. ولن يسمح لها أن تغضبه فيرتكب الأخطاء..
سيتصرف وفقا للقانون وبدقة.. حتى يتخلص منها وللأبد..

لأنه الآن مايشغل باله شيء واحد..
يريد أن يتخلص منها ليطير إلى من لازال لا يعلم ما حل بها.. وقلبه يغلي قلقا عليها..

لا ينكر صدمته البالغة من رؤيتها هنا حين استعاد رباطة جأشه..
لم يتوقع رؤيتها ولا في أشد كوابيسه سوداوية!!
ولكن ربما كان هذا ماكتبه الله له.. لكي يغلق هذا الباب بشكل نهائي..
ودون أن يخشى أن يبقى كشبح يهدد بإفساد حياته..





***************************************




قبل ذلك بقليل..


"صالح أنت الحين مسوي روحك زعلان من البارحة
مع أنه المفروض أنا اللي أزعل عقب مافشلتني في أبو حسن؟؟"

صالح باستغراب: مسوي روحي زعلان !!
ثم أردف بجدية: إلا زعلان يامدام..
أنا سكتت واجد على خبالك.. والظاهر أنش غرش الغلا..

نجلا باستنكار: أنا؟؟

صالح بغضب: نجلا أنا تراني طفشت وطلعت روحي منش..
أنتي بتسنعين وإلا سنعتش.. ملاحقني بالتلفونات من مكان لمكان كني راعي خمل..
ولا رجعت البيت طفشتيني بكثر الأسئلة..
صرت لا شفت اسمش في التلفون وإلا رجعت البيت أحس هم طابق على نفسي..

نجلاء اتسعت عيناها ذهولا وهما تترقرقان بالدموع.. يستحيل أن يكون هذا صالح الذي لم تعتد منه إلا على كلمات الغزل..
أ يعقل أن صالح الذي يذوب في الأرض التي تمشي عليها يقول لها هذا الكلام..
كانت تريد أن تتكلم ولكن الكلمات وقفت في حنجرتها كأشواك حادة..
عدا أن صالحا لم يترك لها الخيار أصلا وهو يرد على اتصال وصله ويهتف في الهاتف بصدمة كاسحة:
لا تسوي أي شيء.. ولا تتحرك من مكانك لين أجيك..
خمس دقايق بس وأنا عندك..





****************************************




" كساب يدري إنش رايحة معي للدكتورة؟!!"

كاسرة تنظر لفاطمة التي تجلس جوارها في المقعد الخلفي من سيارة كاسرة
وفي الأمام الخادمة والسائق وتهتف بهدوء:
أكيد يعرف.. يعني بأروح من وراه...

فاطمة بتساؤل حذر: ماقال إنه هو بيوديش؟؟

كاسرة بتلقائية حازمة: إلا قال.. وكان مصمم هو اللي يوديني..
بس عقب الكلام السخيف اللي قاله البارحة.. قلت له ما أبيك توديني
وتلاغينا قبل أجي.. وقال لي روحي مع اللي تبين..

فاطمة تبتسم: يأختي صحيح رجالس يهوس.. بس عقله متركب شمال..

كاسرة بضيق: والله ماحد مخه متركب شمال غيري اللي صابرة عليه..
والله العظيم لا هذي أنا ولا طبايعي..
بس الله يأخذ غلاه اللي صبرني عليه.. ويريحيني..

فاطمة تتسع ابتسامتها: لا تصيرين عاد من مكفرات العشير..
كساب يحبش ومدلعش وحاشمش وحاشم هلش عشانش..

كاسرة بضيق أعمق: أما عاد يحبني كثري منها!!

فاطمة بابتسامة: والله هذا اللي أنا شايفته.. والحب له ترا أشكال كثيرة تظهر في غير الكلام..

كاسرة بحزم : سكري ذا الموضوع المالغ.. وصلنا للدكتورة..

نزلت الاثنتان.. بقيتا لأكثر من أربعين دقيقة قبل أن تنادي الممرضة باسم كاسرة..
نهضت الاثنتان لتصدمان بوجود كساب يقف أمام باب الدكتورة قادما من غرفة انتظار الرجال..

فاطمة تراجعت بوجل لغرفة انتظار النساء بينما همست كاسرة باستغراب:
كساب وش اللي جابك هنا؟؟

كساب بثقة: قلتي لي ماتبيني أوديش.. بس ماقلتي أنش ماتبيني معش..
كاسرة كون إنه اختلفنا في رأي مهوب معناته إني أبي أحرمش من شيء حقش..
وانا متأكد إن الدكتورة بتقول لش كلام لازم توصلينه لي.. وأنتي بتستحين وماراح توصلينه..
فحقش أني أكون معش وأسمع بنفسي.. ترا في النهاية الطفل هذا ماراح تجيبينه بروحش..

كاسرة لم تعرف هل تتأثر لوجوده وحرصه أن يكون معها؟؟.. أم تصفعه لوقاحته؟؟
لم ترد والممرضة تفتح الباب وتهمس بمهنية: تفضلوا لو سمحتوا..


.
.


يجلسان في السيارة بعد أن عادت كاسرة معه..
وكساب يبتسم ويهمس بفخامة مرحة: زين إن فاطمة كانت ذوق ورجعت قبلنا على السيارة وإلا يمكن كان رجعتي معها وخليتيني

صمتت كاسرة ولم ترد عليه وهي تشعر بصداع حقيقي ناتج عن إرهاقها فهي بالكاد نامت البارحة لكثرة التفكير..
ثم ازداد صداعها وحرجها مع توصيات الدكتورة السخيفة وجدولها الأسخف..
وتمنت لو أنها لم تدخل نفسها في كل هذا وكساب يسمع..

كساب مد كفه ليحتضن كفها القريبة منه وهو يهتف بتساؤل فخم:
كاسرة وش فيش؟؟ ليش زعلانة؟؟
هذا أنا سويت كل اللي في خاطرش وأنا ماني بمقتنع..
مع أني مستحيل أسوي شيء ماني بمقتنع فيه..

حينها شدت يدها بعيدا عنه وهي تهتف بعمق: تدري كساب أنت مثل اللي يبي يكحلها عماها..
ثم أردفت بحزم موجوع: يعني تتمنن إنك رحت معي وأنت منت بمقتنع.. مشكور طال عمرك..
فيه شيء ثاني عندك تبي تجرحني فيه؟؟

حينها كان هو من صمت وهو يعيد تثبيت كفيه على المقود ونظره على الطريق..
حينها ورغما عنها هي من شعرت بالألم..
لا تعلم كيف يستطيع قلب مشاعرها بهذه الطريقة!!
اعتادت عليه حادا دائما في حواراته.. في الفترة الأخيرة حين بات يصمت وهما في خضم حوار حاد.. تشعر بألم عميق..
تشعر كما لو أنه مرهق.. لذا يفضل الصمت..
تتمنى لو استطاعت أن تحمل عنه بعضا من هذا الإرهاق..
ولكن كيف وهو لا يخبرها ماسبب إرهاقه حتى!!

تمنت حينها لو مدت يدها لتمسح على عروق كفه البارزة بقوة يديه وهي تحيط بمقود السيارة..
ولكنها لم تفعل.. فهي مجروحة منه لأبعد حد.. مجروحة حد السماء..

قطع الصمت بينهما وهو يهتف بسكون كأنه يحادث نفسه:
أشرايش نروح المزرعة الحين..

همست باستغراب: الحين الحين!!

أجابها بجدية واثقة: إيه الحين..
بأتصل في الصبيان هناك يرتبون المكان ويقولون للطباخ يسوي لنا غدا..
بنروح نتغدى هناك ونتعشى ونرجع في الليل بعد العشاء..
زمان مارحنا هناك.. والجو أساسا حلو..
وإلا عندش مانع؟؟

هزت كاسرة كتفيها: لا مانع ولا شيء.. نروح..




*******************************************






"جوزا بسش بكا.. حرام عليش اللي في بطنش!!"

شعاع تهمس لها بذلك ولكنها..مازالت عاجزة عن التوقف عن البكاء
رغم أن وجهها تورم لكثرة مابكت.. ورغم محاولات شعاع وعالية لتهدئتها!!
كانت تشعر أن هناك مصيبة قادمة.. لكن أن يكون عبدالله متزوجا عليها..
لم تخطر لها هذه المصيبة على بال؟؟
متى تزوجها؟؟
طبعا قبل فترة قصيرة.. مع شعورها أن عبدالله قد مل منها!!
"طبعا ولماذا لا يمل مني إن كان قد تزوج هذه؟!!"

عالية تهمس بابتسامة فاشلة: حشا الجويزي فاتحة حنفية.. بسش..
سمعتي الدكتورة بنفسش تقول مهوب زين تبكين كذا
والبيبي توه صغير كذا!!

لم ترد.. لا تريد أن تتكلم حتى!!
تشعر أن ما بداخلها من ألم لن تعبر عنه كل الكلمات!!
ويبدو أن عبدالله سيبقى دائما مصدرا لكل آلام حياتها وأبشعها!!
لماذا يفعل بها هكذا وفي هذا الوقت بالذات؟؟
كانت على استعداد أن تتنازل عن كل شيء من أجله..
فلماذا يخذلها ويجرحها بهذه الطريقة؟!!
لماذا يشعرها بالضآلة والامتهان وزوجته تأتي هكذا بكل وقاحة لوسط بيتها؟؟
كلما حاولت السكوت خوفا على جنينها..
عاد لها تفكير بشع مؤلم جارح.. كيف كانت تنام في حضن عبدالله كل ليلة وجسده مطلخ ببقايا زوجته الأخرى؟؟
كيف؟؟ كيف؟؟
"المجرم !! الحقير !!"
لتزداد دموعها انهمارا وشهقاتها ارتفاعا ووجعا!!





*******************************************






ينظر لها كيف تشبك يديها بقلق وتزفر بتوتر منذ ركبا الطائرة..
تبدو كطفلة قلقة في يومها الدراسي الأول..

هتف لها بحنان: جميلة اش فيج متوترة جذيه؟؟

همست باختناق: ما أدري خليفة.. مرعوبة.. ومتوترة.. ومشتاقة لأمي.. ما أدري .. ما أدري!!

ثم صمتت وهي تخشى ان تقول (ومرعوبة من إحساسي إنك بتخليني!!)
منذ ركبت الطائرة وهي تتحاشى أن تنظر له لأنها تخشى أن تنفجر في البكاء..
أحاسيسها مشوشة وتفكيرها مرتبك وتشعر بخوف عميق يبتلع روحها في سودوايته..
وهو لا يطمئن قلبها على مكانتها عنده..
أ حقا كل مايريده هو التخلص منها؟؟

وليتها تعلم أن كل مايريده الآن أن يضم كفيها الصغيرين المرتعشين بين كفيه وقريبا من صدره..
لكنه يقهر نفسه وهو يقول (هانت كلها ساعات ونصير في الدوحة
يمكن الغشاوة اللي على بصرها تروح)





**************************************





" يا حبيبتي ريحي أعصابش شوي..
يعني لو حرقتي نفسش بتوصل أسرع..
خلاص لا تحاتين الليلة ممساها في حضنش!! "

عفراء تشد كف منصور التي تحتضن كفها وتهمس بإرهاق مختلط بالتوتر والشوق:
يا الله يامنصور ماعاد فيني صبر خلاص.. بأموت أبي أشوفها..

منصور يخلص كفه من كفها بخفة ليمد ذراعه ويحتضن كتفيها ويهتف بتقصد:
ماكان فيه حد بيموت غير منصور ولا حد درا عن هوا داره..
لو متت هنا في حجرتي.. ماكان حد درا عني..

عفراء بجزع: بسم الله عليك.. ولا تفاول على نفسك..

ابتسم بفخامة وهو يشدد احتضانه لكتفيها: زين عادش مصممة تروحين معي المطار..؟؟
والله العظيم تعب عليش ياقلبي.. أنا بأروح بروحي وبأجيبها لش..

عفراء بإصرار عذب: تكفى يامنصور.. مايصير توصل وماتلاقيني في وجهها..
وبعدين أنا لو قعدت انتظرك لين تجيبها الله أعلم وش ممكن يجيني!!






*********************************






" يمه أشرايش أنا وأنتي نروح الصالون؟؟"

مزنة تلتفت لسميرة وتبتسم لها بأمومة: تبين أروح معش رحت؟؟

سميرة بمرح: لا يمه ما أبي بودي جارد.. أبي أروح أنا وأنتي نسوي بديكير ومنيكير..

مزنة بعفوية: مافيه مناسبة.. وأنا ماأسوي إلا لو فيه مناسبة..
آخر مرة سويت قبل عرسش..
قبل.. قبل...
ثم بترت عبارتها حتى لا تكملها..

لتقفز سميرة وتتناول كف مزنة لتقبله وهي تهمس بمرح عذب:
طالبتش بلاها قلبة المود ذي.. تدرين قلبي الرهيف مايستحمل..
وإلا تبيني على قولت خالي هريدي.. جات الحزينة تفرح مالئتش ليها مترح..

مزنة ربتت على رأس سميرة وهي تبتسم بحزن: بسم الله عليش من الحزن..
ذا الوجه الحلو ما انخلق إلا يبتسم..

سميرة برجاء: زين خلاص امشي معي نسوي بديكير ومنيكير.. مع أنش منتي بمحتاجة
بس عاوزة أشوف رجليكي الحلوة لما تبئى بمبي بعد البديكير

حينها غمزت لها مزنة بخبث لطيف: إذا البديكير والمنيكير حق وليدي ماعليه نروح..

سميرة تضحك: لا لا.. أنتي ماتعلمتني في قانون المصارعة إن الضرب تحت الحزام ممنوع..
وبعدين أنتي بنية عزابية وش تبين بسوالف المتزوجات..

كانتا في حوارهما حين دخل تميم.. وكالعادة انطفئت ابتسامة سميرة بشكل عفوي..
ولكنه لم ينتبه.. لأنه بالكاد لوح بيده مسلما وهو صاعد للأعلى بسرعة..

مزنة ربتت على فخذ سميرة وهمست بحزم أمومي: قومي يأمش شوفي رجالش وش فيه؟؟

سميرة هزت رأسها وصعدت خلفه.. أ ليست هذه مهمتها كزوجة؟؟

حين دخلت كان يبحث بين أوراقه بعصبية.. طبعت له على الحاسوب:
تميم تدور شيء؟؟ قل لي وأنا بأعطيك إياه؟؟

وحملت الحاسوب ووضعته أمامه..
لكنه لم ينظر له حتى وهو يزيحه جانبا ويستمر بالبحث..
أعادت وضع الجهاز أمامه.. وأعاد إزاحته دون النظر له..
حينها حملت الجهاز وأعادته مكانه.. وجلست وهي تنظر له..

لأول مرة بعد ليلة زواجهما تراه ثائرا هكذا..
رأته حزينا متضايقا.. لكن ثائرا لا..

يقتلها فضولها الطبيعي أن تعرف عن ماذا يبحث وهو بهذه العصبية
ولكنها يستحيل أن تشير له لذا بقيت صامتة..
وهو يبعثر كل الأوراق ويظهر على وجهه علائم التأفف والضيق..
ثم يغادر وهي مازالت لا تعلم لماذا حضر؟؟ ولماذا غادر؟؟
وفضولها يزداد حول ماكان يبحث عنه.. لأنها تعرف تماما مكان كل شيء!!
ولا تنكر أنها تعبث في أوراقه في غيابه.. لذا هي تعلم كل تفاصيل عمله أيضا..
فعن ماذا كان يبحث؟؟ عن ماذا؟؟





**********************************





" عبدالله وش فيك تأخرت كذا؟؟
المسكينة من صبح ماسكتت والحين صرنا عقب العصر
والبكا خطر عليها..
الدكتورة عطتها مهدئ وعطتها إبرة مثبتة.. بس تقول لازم تهدونها"

همس بضيق موجوع وهو يقف مع عالية في الخارج: صدق هي حامل؟؟

عالية بجدية: ليه هذي مواضيع فيها مزح؟؟

عبدالله بضيق أشد: وذا الكلبة يعني مالقت تنط لي إلا اليوم؟؟

عالية بتساؤل: صحيح عبدالله إنك متزوجها من أيام سفرتك الأولى لأمريكا..
اتصلت أسأل صالح بس ماعطاني تفاصيل..

عبدالله بذات الضيق:صحيح وطلقتها قبل ما أتزوج جوزا المرة الأولى حتى
بس ذا المصيبة بتقعد نقطة سوداء ي حياتي ماني بمتخلص منها..

عايو بتساؤل: وش سويت الحين معها؟؟

عبدالله بإرهاق: قدمت ضدها بلاغ في الشرطة.. واضطرت توقع تعهد بعدم الاقتراب مني بعد ماضغطوا عليها في السفارة..
بس السالفة عادها تبي لها شوي لين أخلص منها مرة وحدة...

عالية بهمس تحذيري: ترا اللي ذابح جوزا إنها تحسبك توك متزوجها عليها..

عبدالله باستغراب مصدوم: من جدش؟؟ وأنتي قلتي لها شيء؟؟

عالية هزت كتفيها: لا طبعا.. موضوع مثل هذا بينك وبينها بس..
أنا بأدخل أخذ شعاع وبنروح مصلى الحريم لين تخلصون كلام
لأنه شكلكم بينكم كلام واجد..
وعقب أنا بأرجع معك البيت.. بأروح أشوف ولدك ..أكيد جنن أمي الحين!!


عالية خرجت مع شعاع وعبدالله دخل..
حين دخل توقع أنها ستصرخ به.. ستطرده..
ولكنها لم تتحرك من مكانها حتى وهي تتمدد بشكل جانبي.. ودموعها تسيل بغزارة..

شعر أن قلبه يتمزق وهو يرى انهيارها الواضح..
شد له مقعدا وجلس جوارها
مد يده ليزيل خصل شعرها التي التصقت بوجهها المبلل

ولكنها أبعدت وجهها عن مدى يده.. همس لها بخفوت بنبرة تذوب حنانا:
جوزا ياقلببي مافيه حد خالي من العيوب..
وذا المره اللي شفتيها اليوم يمكن تكون ذنبي الوحيد في الدنيا
اللي لين اليوم وربي يعذبني به..
بس صدقيني ياقلبي إن أي علاقة تربطني بها انتهت من قبل ما أعرفش حتى..
من قبل مانتزوج زواجنا الأول حتى..

قاطعته بنبرة ميتة : عبدالله اطلع برا.. ما أبي أشوفك.. طلقني!!

عبدالله بصدمة: أطلقش؟؟.. كذا؟؟.. واحنا بيننا طفل.. والثاني جاي في الطريق..؟؟
وحتى من غير أطفال.. جوزا أنا أحبش ومستحيل أبعد عنش..
أنا مهوب بس أحبش.. أنا أذوب حتى في النفس اللي تنفسينه..
والله العظيم ماعاد يربطني فيها شيء.. طلقتها من خمس سنين..

لم تكن حتى تسمع.. موجوعة حتى أقصى روحها.. مشتتة.. ومضطربة..
ازداد انهمار دموعها وهي تهمس بذات النبرة الميتة: ما أبي أسمع شيء.. أبيك تطلقني وبس..

حينها ابتعد عبدالله بكرسيه قليلا وهو يكتف ذراعيه أمامه ويهتف بحزم:
جاتش من الله.. أول يوم عقب زواجنا ذا المرة.. قلتي لي ماينجبر قلب على قلب..
وهذا الظاهر اللي صار.. أنتي أساسا منتي بمتقبلتني.. وظهور راشيل في الصورة ماكان راح يغير شيء..
بالعكس المرة الحريصة على رجالها بتلقى هذا سبب تتمسك فيه.. المرة اللي تبي رجالها مستحيل تخليه لوحدة ثانية..
وخصوصا لو كانت عارفة وش كثر يحبها مثل مانتي عارفة أنا وش كثر أحبش
لكن أنتي ماصدقتي.. خليتيني الجاني وأنا الضحية..
راشيل هذي ذبحت ولدي قدام عيني.. خالد الله يرحمه كان أكبر من حسن..
عشان ماتقولين بعد أني كذبت عليش يوم قلت أني ماعرفت مره عقبش..

وقف وهو يهتف بحزم أشد: تبين الطلاق حاضر..
بس انتظري شوي.. ليش تبين تطولين عدتش.. لا صرتي في شهورش الأخيرة طلقتش..
وعلى فكرة أنا ماني بخايف من تهديد أبيش.. بس حرام تحرقين قلبه أكثر ماهو محروق
إذا رحتي لبيت هلش قولي أنش توحمين ومقروفة مني..
وعلى العموم ماكذبتي.. أنتي من أول يوم لين اليوم وأنتي مقروفة مني!!

أنهى عبارته وخرج.. وهو يشعر كما لو كان نحر روحه قبل أن يخرج..
كما لو كان طعن قلبه ألف طعنة وتركه ممزقا أشلاء خلفه..
تعب.. تعب.. تعب من احتقارها لمشاعره..
تعب من سكب مشاعره هدرا..
سيبقى يحبها لاشك في هذا.. ولكن قد يكون من الأفضل أن ينجو بنفسه التي باتت تذوي من أجلها وهي لا تهتم..
حتى بعد أن علمت بكل شيء لا تريد مسامحته.. لم يبق شيء يستحق التأسي عليه..
حتى متى سيبقى راضيا بالفتات منها..؟؟
حتى متى سيبقى راضيا بما تتصدق به عليه من قربها..؟؟
يشعر أنها امتهنت روحه حتى أقصى درجات الامتهان..
وحتى حينما احتاجها في أسوأ ظروفه.. شحت عليه بأدنى مساندة وهي تقرر الهرب منه كأنه وباء معدٍ..
تعب.. تعب بالفعل.. وماعاد يحتمل المزيد..
تعب من كل شيء... وهـــي قبل أي شيء..

خـــرج
لتنهار هي خلفه في حالة هستيرية أخرى من البكاء.. لتجدها شعاع أغمي عليها مرة أخرى حين عادت لها..






*****************************************






" مع إنه احنا صرنا شهر 3 بس والله الجو هنا بارد
زين أني خليت لي هنا شوية شالات وملابس"

كانت كاسرة تهمس بذلك وهي تشد الشال على كتفيها
بعد أن وضعت صينية الشاي جانبا على الطاولة في الشرفة الأرضية المفتوحة على المزرعة من الخلف
وهي تنظر لكساب الذي يقوم بتمرينات الضغط المعتادة..

ابتسمت وهي تردف: احنا التمارين ورانا ورانا في كل مكان..

هتف لها وهو منهمك في التمارين: نص دقيقة وخلص..

جلست وهي تراقبه كعادتها كلما رأته يتمرن..
لا تستطيع أن تنكر أبدا أن هذا التكوين الجسدي الاستثنائي وهذه القوة المفرطة المتبدية تستجلب الإعجاب الطبيعي رغما عنها..

ولكن غرورها الطبيعي بنفسها أيضا حاضر دائما : إن كان لديه ما يأسر الإعجاب فانا لدي ماهو يأسر أكثر من الإعجاب من بكثير..

ولكنها تعود لتزفر بشيء أعمق من الحزن.. فهي لا تريد إعجابه.. فهي تعبت من نظرات الإعجاب..
تريد منه شيئا أعمق وأثمن..

فأجأها بوقوفه أمامه وهو يهتف بشبح ابتسامة وهو يلمس طرف خدها:
أنتي ماتملين من كثر ماتبحلقين فيني!!

أجابته باستنكار باسم: وليش أبلحق؟؟ من حلاتك يعني؟؟

ابتسم بخبث وهو يجلس ويجفف وجهه بالمنشفة:
ما أدري اسألي روحش وخصوصا لا ولعتي واحنا في مكان عام..
وعشان كذا صرتي كل ماقلت لش خلينا نطلع مكان.. تتهربين..

" الخبيث.. كنت أظنه لا يلاحظ..
كنت أكره أن ابدو بمظهر الغيورة أمامه
لذا أصبحت أتحاشى الخروج معه
حتى لا أضطر لتمثيل البرود وأنا أحترق..
فعلى مثل جداتنا (عين ماتشوف ماتحزن)
فقلت مادمت لن أرى عيون النساء تطارده.. فعلى الأقل لن تحترق أعصابي علانية"

أجابته كاسرة بثقة غامرة: مشكلتك واثق بنفسك على غير سنع..
وقلتها لك قبل إذا أنت تستانس لا حسستني بالغيرة عليك..
أنا بعد بأستانس لا خليتك تحس بنفس الشيء..

حينها فوجئت به يمد يده عبر الطاولة وهو يشد معصمها بقوة ويهتف بقسوة:
وأنا بعد قلتها لش قبل.. لو سويتيها ذبحتش..
حتى لو كنت عارف إنش سويتي ذا الشيء لمجرد أنش تغيظيني..
إذا أنتي غرورش وكبريائش مايسمح لش تعترفين أنش تغارين علي..
فانا اعترف أني واحد غيور لأبعد حد..
لو حد بس شاف طرف شعرش ذبحتش وذبحته..

كاسرة كانت في البداية مذهولة من هجومه غير المتوقع.. ولكن ذهولها تبدد لجزع
وهي ترى ذراعه العارية ملتصقة بالأبريق الساخن الذي أنزلته عن الغاز للتو
و الذي يقبع على الطاولة الصغيرة بينهما..
حينها انتفضت وهي تسحب الأبريق بيدها الأخرى ودون أن تتناول القماش الحامي.. لتلسع هي أناملها..

انتفض هو أيضا واقفا بجزع.. وهو يشد اناملها وينفخ عليها..
بينما كانت هي تمسك بذراعه وتنظر لاحمرارها وهي تهمس بغيظ:
خلني أروح أجيب لك كريم حروق من الصيدلية..
أنت أعمى ماتشوف الأبريق لصقت يدك فيه..

أجابها بغضب: والله مافيه حد أعمى وغبي غيرش..
عني احترقت بالطقاق.. تحرقين يدش..؟؟

كاسرة بغضب: وأنت مالك شغل في يدي .. فكني.. خلني أروح أجيب لك مرهم الحرايق..

كساب شدها للداخل وهو يهتف بحزم غاضب: إلا أنتي إلا تعالي أحط لش المرهم..

كساب شدها خلفه حتى وصلا الصيدلية الموضوعة في المطبخ الداخلي..
همست كاسرة بحزم: حط لنفسك أول.. أنا لسعة بسيطة..
بس أنت لصقت يدك في الأبريق..

كساب لم يرد عليها وهو يمد الكريم على أناملها المحمرة أولا..
ثم يناولها الكريم وهو يهتف بحزم: يالله حطي لي أنتي.. عشانش وإلا ترا حرقي مايستاهل..

كساب أخذت الكريم منه وهي تمد بعضا منه على ذراعه وتهتف بغيظ فعلي:
يعني حرقك اللي مايستاهل.. وحرقي يستاهل؟؟
تدري أنك أحيانا تخلي الواحد يكرهك من من قلب!!

حينها أمسك بمعصمها وهو يمنعها من اتمام مهمتها ويهتف بعمق وهو ينظر لعينيها:
وأنتي صدق تكرهينني الحين من قلب؟!!

لم تجبه وهي تضع الكريم على الرف القريب منها..
وتستعد للمغادرة ولكنها تقف عند باب المطبخ وتهتف بشجن:
يمكن القلب فيه أشياء واجد.. بس أكيد الكراهية مهيب من ضمنها!!





*********************************





" سميرة أصب لش شاهي بعد؟؟
وإلا تدرين عندي فطاير مجهزتها لو جاني حد.. بأروح أحطها في الفرن"

سميرة تشد نجلا وتجلسها وتهمس بنبرة مقصودة: اقعدي ماني بجاية أتقهوى
وأعرف أنش مرة سنعة وضيفش مهوب في الخلا..
بس يوم كلمتش ماعجبني صوتش عشان كذا نطيت عندش..
وش السالفة يأم خويلد؟؟

نجلاء بضيق: مافيه شيء!!

سميرة بمودة وهي تستحثتها: نجول ..علي أنا؟؟

نجلاء باستسلام موجوع : شوي مشاكل بيني وبين صالح..

حينها هتفت سميرة بغضب: رجعنا على طير ياللي.. لا يكون صالح رجع لطولة لسانه اللي قبل..

نجلاء باستنكار حزين: لا والله.. حاشاه.. بس.. بس..

سميرة بقلق: نجلا وش فيش؟؟

نجلاء بذات الضيق المتزايد: صالح ماعاد مثل أول.. أحس فيه شيء مغيره علي..
خايفة يكون في باله موال..
وأعترف أني صرت أضيق عليه بغيرتي.. بس والله العظيم حاسته هو متغير..

سميرة بجدية: نجلا.. لا تبهتين الرجال وأنتي كل كلامش حاسة وحاسة..
ألف مرة قلت لش.. عمري ماشفت رجال يحب مرته مثل ماصالح يحبش..
حرام عليش تضايقينه..

نجلاء بحزن: غصبا عني سميرة.. من غلاه والله العظيم..
وأنا ماتعودت منه إلا على الحنية والكلام الحلو.. عشان كذا قسوته غريبة علي..

سميرة هزت كتفيها وهي تنظر لنجلا بشكل مباشر:
تدرين نجلا وش مشكلتش أنتي وصالح؟؟
إنه صالح طول ذا السنين كان يحبش أكثر مما تحبينه..
وأنتي تعودتي تاخذين أكثر ماتعطين...

نجلاء قاطعتها باستنكار: حرام عليش سمور وهذا اللي طلع معش!!

سميرة نهرتها بابتسامة: يمة منش خلني أكمل كلامي..
الحين بعد ما استقر فيكم الحال.. وصالح ماعاد ضايقش بشيء..
صار دورش تعبرين لصالح عن غلاه اللي أنتي تقولين إنه حدش تسوين ذا كله!!
المشكلة شكلش ماتعرفين تعبرين إلا بالنكد..
كل مرة تحب رجالها أكيد تغار عليه.. هذا تحصيل حاصل.. بس طبعا ما تخنقه بغيرتها..
لكن تعبر عن حبها بطرق كثيرة.. ومشكلتش مالقيتي إلا أسوأ طريقة
وعشان تبررين لنفسش تصرفاتش الخايبة.. اقنعتي نفسش إن صالح متغير معش..

نجلاء بضيق: أنتي أصلا مخش مفوت.. ومافيه حد يقول ذا الفلسفة إلا وحدة خبلة مثلش..

سميرة تضحك: والله مافيه حد خبل غير وحدة لها عشر سنين متزوجة واللي تعطيها النصايح مالها نص سنة..

حينها قرصتها نجلاء وهي تحاول أن تجاريها في المرح:
روحي بس لمحل تميم..
وشوفي الغزلان اللي جايين للمحل أفواج وأفواج..
ولا رجع أخر الليل ماشاف إلا وجهش المغبر اللي من بياضش كنه وجه مومياء طالعة من قبرها..

سميرة تبتسم بمرح: يا أختي أنا وحدة أؤمن بأحقية الناس في شوفة الجمال..
يا أختي رجّالي حلو.. خل البنات يمتعون عيونهم.. قالوا لش خبلة مثلهم..
لهم شوف وحر جوف.. وهو آخرته لي.. وأنا عاجبته وتارسة عينه مغبرة وإلا مومياء!!

سميرة رغم علاقتها المتينة بنجلاء.. إلا أن نجلاء لا تعرف أبدا حقيقة علاقتها بتميم..
بل هي أقنعت الجميع أنها تعيش معه حياة سعيدة وخصوصا بعد تعلمها لغة الإشارة..
كرهت أن تترك لأي حد المجال أن يقول لها العبارة المقيتة (قلنا لش!! حذرناش!! بس أنتي ماطعتي!!)

وهي في حوارها مع نجلاء وصلها رسالة من تميم.. بالعادة الرسائل بينهما في غاية الرسمية..
توقعت أنه يقول أنه سيتأخر أو ماشابه..لذا تفاجأت بالرسالة:
" بعد ساعة بأجي لش في بيت أختش..
عازمش على العشا"

توترت نوعا ما.. فهي نادرا ماتخرج معه لمكان عام..
عدا مشوار المدرسة ووضحى معهما..
لم تعلم كيف ستتفاهم معه... بورقة وقلم؟؟
وكيف سيطلب هو العشاء في المطعم؟؟ أم ستضطر هي أن تطلب؟؟
بدا الأمر لها محرجا وغير مريحا.. وقررت أنه حين يحضر لأخذها سترفض الذهاب معه..
لا تعلم مابه اليوم.. أولا أثار فضولها ببحثه عن شيء مازالت لا تعلم ماهو..
ثم هذه الدعوة غير المتوقعة!!





*************************************




" يا الله يمه.. وأخيرا ماني بمصدقة"

عفراء تحتضن جميلة ودموع الاثنتين تنهمر بغزارة والاثنتان تجلسان في المقعد الخلفي لسيارة منصور المتوقفة في مواقف المطار..
لأن عفراء لم تستطع النزول أساسا..

عفرا تهمس باختناق عميق: شيلي نقابش شوي.. خلني أشوف وجهش ياقلبي..
السيارة مغيمة.. وانا مافيني صبر لين البيت..

جميلة رفعت نقابها بخفة.. لتنفجر عفرا في البكاء بتأثر عميق وهي ترى كيف استعادت جميلة كامل عافيتها..
وهي تمتع نظرها المشتاق لكل تفاصيل صغيرتها التي استعادت كل رونقها وحياتها الطبيعية معها..

عاودت احتضانها بقوة بشكل جانبي وجميلة تهمس باختناق باسم:
أخينا العزيز خذ المكان كله ماخلا لي من حضنش شيء..

عفراء بحنان عميق: وش أسوي ماجيتي إلا كرشتي على أخرها..
بروحي ماعاد أقدر أتنفس من الثقل..

جميلة تتناول كفي والدتها وتقبلهما وهي تغرقها بدموعها:
المهم أني جيت قبل تولدين شان أكون معش.

وهما غارقتان في طوفان مشاعرهما وتأثرهما
أطل عليهما منصور الذي كان قد توجه مع خليفة ليسلم على والده وشقيقيه الذين حضروا لاستقباله..

هتف بابتسامة حانية: ها يا جميلة يا أبيش..
خليفة يقول ماخلصتي سلامات على أمش..

حينها رفعت جميلة رأسها من حضن أمها وهي تهمس باختناق موجوع: وينه خليفة؟؟

منصور بنبرة أبوية باتت تليق به تماما: جاي وراي..

أنهى عبارته وتوجه لمكان السائق ليركب....
حينها أطل عليهم خليفة بالفعل ليفتح الباب من ناحية عفراء ليقبل رأسها وهو يهتف بابتسامة ودودة:
قرت عينج بشوفت جميلة.. وقرت عينها بشوفتج.. كانت بتموت وتشوفج بس..

لم يكن يعلم بالشهقات المكتومة غير الطبيعية التي بدأت تصدر ممن تجلس جوار عفراء..
وهي تشد الشيلة لتضعها على فتحات عينيها منذ سمعت صوته وكأنها المرة الأخيرة التي ستسمعه فيها..

حين انتهى خليفة من السلامات المعتادة مع عفراء هتف بنبرة حانية:
يا الله جميلة.. هذا أنتي سلمتي على أمج..
امشي معاي.. خالاتي ومرت جاسم ناطرينج في البيت..
تعشي عندهم بس.. وعقب بأردج لأمج تنامين عندها..

صُعق بل تمزق بل تناثر أشلاء بالرد المختنق: لا..

سأل بذات احساسه بالصدمة المريعة: أشلون لا؟؟
ماتبين تروحين معاي الحين..؟؟
خلاص روحي مع أمج وبيي عقب ساعة وأخذج..

ذات الصوت الذي يتزايد اختناقا: لا..

بدأ صوته برتجف بغضب وبكثير من الخوف..
أحقا هذه الجريمة التي سترتكبها في حقه؟؟.. أستتركه؟؟ أم هذه محض هواجس؟؟ :
جميلة أشلون لا..
انزلي قدامي.. لا تصرفين مثل اليهال.. كلها ساعة زمن وأردج لأمج..

عفراء شدت على يد جميلة بتحذير غاضب وهي تهتف بحزم:
خليفة يأمك.. أنا بعد بأروح معك الحين..
نسلم على خالاتك ومرت أخيك ونتعشى عندهم بعد....

جميلة قاطعتها بصوتها المرتعش اختناقا: لا يمه لا..

لم يعلم خليفة أي جنون يخطر ببال هذه الصغيرة..
وهي تظن أنها برفضها.. تترك له مجال الاختيار دون ضغط..
ستذهب مع أمها وهي تحله من أي مسؤولية تجاهها..
وإن كان يريدها بعد ذلك سيكون قد اختارها باختياره هو ودون أي ضغط..

همست بصوت ماعاد ظاهرا لشدة اختناقها بالعبرات:
لا خليفة ما أبي أروح معك.. أبي أقعد عند أمي..

حينها شعر أنه عاجز عن التنفس فعلا..
أ يعقل كل هذه القسوة والجحود والنكران والوحشية؟؟ هتف بغضب موجوع:
تقعدين عند أمج كم يوم يعني؟؟

جميلة عجزت عن أن تقول ماخططت لقوله..
ولكنها ختاما قالته وهي تشعر كما لو أن الأحرف تمزق لسانها:
أبي أقعد عندها على طول..

تظن أنه يجاملها وهو يطلب منها الذهاب معه..
و لكن لو علم أنها لن تعود له مطلقا...
سيصفو تفكيره بعيدا عن علاقتهما كمريضة ومرافقها.. حينها سيعود لها بشكل جديد كما تتمنى..

منصور هتف بحزم بالغ: جميلة عيب عليش.. روحي مع رجالش.. أو أنا بروحي بأوديش..

همست بألم روحها الممزقة: تكفى عمي لا.. لا ..

عفراء بغضب حقيقي: روحي يا بنت مع رجالش وإلا والله لأزعل عليش.. وتشوفين مني شيء عمرش ماشفتيه..

قاطع خليفة محاولات عفرء ومنصور لاقناعها وهو يشعر كما لو أن روحه تنزف بكل غزارة..
مهما كان توقعه لجحودها لم يتخيل أنه سيصل لهذه المرحلة!!
وهي تبعثر كرامته أمام أهلها.. وحتى أمام أهله الذين ينتظرون غير بعيدين
وهم يحضرون على سيارتين حتى يعود هو بزوجته على إحداها..
لن يسمح لمشاعره أن تمتهن كرامته.. لن يسمح لحبها أن يذله ويحتقره هكذا!!
بأي صورة يعود لوالده وهو يخبره أن زوجته لن تعود معه..

قاطعهم بحزم أخفى خلفه ألم روحه الذي لا حدود له:
بس لا تحايلونها على واحد ماتبيه.. خلاص مهمته انتهت في نظرها.. ولازم ترميه مثل الزبالة..
كاهي بنتكم رجعت لكم.. وسلمتها لكم بكل صحتها..
ومهمتي انتهت خلاص.. واحتسبت أجري عند رب العالمين..
وبنتكم ورقتها بتوصلها باجر..

ثم أردف وهو يبصق روحه:
جميلة أنتي طالق..






****************************************





" غريبة أنش قاعدة هنا..
منتي برايحة لخالتي وبنتها!!"

مزون تنظر لعلي العائد من صلاة المغرب وهي تمسح تأثرها وتحاول ألا تبكي
لأنها تعلم أنها ستبكي كثيرا حين تذهب لجميلة
التي أخبرتها خالتها للتو حين اتصلت مزون بها أن جميلة منهارة تماما
وفي حالة بكاء هستيرية بعد تطليق خليفة لها وأنهم في طريق العودة للبيت..

هتفت مزون بتأثر: بأروح.. بس بعد شوي.. عادهم في الطريق..

علي بابتسامة وهو يجلس جوارها: زين ليش محزنة كذا؟؟ المفروض أنش مبسوطة..

مزون بشكل مباشر لشدة إحساسها بالألم: رجّال جميلة طلقها وهم عادهم في المطار... تخيل.. تخيل..
وخالتي زعلانة منها وتقول إنها اللي حدته يسوي كذا..

علي بصدمة: من جدش؟!!

مزون بألم: يعني بافاول على بنت خالتي بالطلاق!!

حينها صمت علي لثوان ثم أردف بحزم القرارات الحازمة: أبي درا وإلا عاده..

مزون هزت كتفيها: أكيد مابعد درا.. السالفة توها صارت وأبي مابعد رجع من المسجد..

حينها أردف علي بحزم شديد: اسمعيني عدل..
الحين الحين رشحي لي وحدة أقول لأبي يخطبها لي أول مايرجع من المسجد..

مزون بصدمة: من جدك..بذا السرعة ؟؟

علي بذات النبرة الحازمة: إيه من جدي.... أنتي ألف مرة قايلة لي عندي لك عروس.. يعني أكيد فكرتي بحد معين
وماراح أكذب عليش يامزون.. وطبعا سر بيني وبينش..
أنا خايف من شيئين..
إنه لو أنا خطبت بعد مايشيع خبر طلاق جميلة يقولون إني خطبت عشانها تطلقت..
الشيء الثاني واللي أنا خايف منه أكثر إنه لو ماخطبت ورجّالها مارجعها.. يحنون علي أبي وعمي أني أتزوجها...
وأنا أساسا كنت خلاص بأقول لأبي يخطب لي.. فخليني أخلص السالفة مبدئيا وأنا مابعد عرفت بطلاقها..

مزون حينها ابتسمت: بس أنت عرفت!!

ضرب خدها بخفة حانية وهو يبتسم: لا ماعرفت.. وخلصيني عطيني اسم زوجتي المستقبلية؟؟

مزون حينها أصيبت بحالة من الحماس العفوي:
في بالي أكثر من وحدة ومن زمان.. بس أنت عطني المواصفات اللي تبيها..

علي بجدية: أهم شيء تكون وحدة رايقة وهاديه مالي خلق على وحدة قوية ولا لسانها طويل..
الجمال مايهمني بس في نفس الوقت أبيها تكون ستايل وذربة
لأنه لازم إنها بتنعزم مع زوجات دبلوماسيين فلازم إنها تشرفني..
والشيء الثالث والمهم بعد تكون بنت ناس فيهم خير.. يعني نسب يشرف!!
تعرفين إن منصبي حساس وكل شيء يؤثر علي !!

مزون حينها اتسعت ابتسامتها وهي تهتف بنبرة مقصودة:
خلاص... لــقـيـتـهـا لك !!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 07-11-10 07:07 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والخمسون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح المودة ياقلوب الخير والمودة
اليوم أول أيام العشر من ذي الحجة .. أيام مباركة فيها خير عميم
ففى البخاري وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام (يعني العشر)
قالوا: "يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟"
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
وقد دل الحديث على أن العمل في هذه الأيام العشر أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا كلها من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده.
وروى قدر المضاعفة في روايات مختلفة منها أنه يضاعف إلى سبعمائة؛ قال أنس بن مالك : "كان يُقال في أيام العشر بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف"
قال الحافظ بن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز العشر من ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
.
فاغتنموا هذا الخير العميم الذي لا يضيعه إلا خاسر
.
.
يا الله تعليقات على السريع
ليش يتكلم تميم بالشين؟؟ يعني ليش يتكلم كلام هله مع أنه ماسمعه
لسبب بسيط إنه لغة الإشارة لغة عالمية ولكل لغة بعد ذلك تفصيلاتها
يعني لو انا كتبت حوار الإشارة بالفصحى بيصير ثقل في الحوار
يعني أنا لي حرية أترجم لغة الإشارة بالطريقة اللي أشوفها تخدم قصتي
وهي هنا نفس اللهجة المستخدمة :)
.
.
عروس علي بين شعاع ووضحى.. والمواصفات تنطيق فعلا على الثنتين
بس اللي استغربته إنه فيه وحدة تقول شعاع رجة وراعية مقالب
شلكش ياحلوة لخطبتي بين شعاع وعالية
بالعكس شعاع أكثر وحدة هادية ورقيقة في القصة
والبنات يعلقون عليها إنها دمعيتين..
وحتى العقل عاقلة وراكزة.. تذكروا نصايحها لجوزا اللي أكبر من سنها..
إلا أنا ليش أمدحها كذا كني خطابة!! :)
المهم شعاع وإلا وضحى.. وإلا وحدة ثانية طلع اسمها بس هي ماطلعت
على العموم كل شيء محسوب حسابه وبدقة :)
.
.
يالله البارت 58 بارت طويل جدا جدا جدا أطول من بارتين سوا ومليان أحداث
عشان كذا أبي استاذنكم إن البارت اللي بعده يكون الاربعاء وليس الثلاثاء
لاني مابعد كتبت فيه شيء مناسب..
وعلى العموم ماراح اختصر عليكم بارت.. لأنه بارت الخميس بيكون الجمعة بعد صلاة الجمعة إن شاء الله
مجرد تغيير طارئ نسوي فيه تغيير حيوي
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والخمسون





" مساكم الله بالخير!!"

علي ومزون ينظران لوالدهما الذي دخل للتو وبينهما نظرات غريبة وهما يردان: هلا يبه..

زايد جلس وهو يهتف بنبرة مقصودة: وش فيكم سكتوا يوم شفتوني؟؟ بينكم سر ماتبوني أعرفه..؟؟

مزون صمتت.. بينما علي هتف بحزم وهو ينظر لوالده بشكل مباشر:
أنا كنت قايل لمزون تدور لي عروس عشان أريحك.. وكنا ننتناقش في ذا الموضوع..

حينها اعتدل زايد في جلسته وهو يخفي لهفته خلف حزم صوته المدروس:
ها وش استقرت مداولاتكم عليه؟؟

علي بنبرة مقصودة: مزون رشحت بنت فاضل بن عبدالرحمن بس أنا كنت أقول...

قاطعه زايد بحزم: وش كنت تقول.. فاضل رجّال ونعم النسب..

علي بحزم: ما اعترضت.. بس قلت عشان حالة عبدالرحمن ولدهم الله يفك عوقه..ما أعتقد أنهم يمكن يوافقون..
ولو وافقوا أكيد ماراح يوافقون على إنه نسوي العرس لين يتشافى ولدهم..

زايد بذات النبرة الحازمة: عبدالرحمن حالته مستقرة صار لها شهور..
وأنا أصلا كنت توني زرته الأسبوع اللي فات..
وفاضل بنفسه كان يقول لي وش كثر يحاتي بنيته اللي عنده في البيت..
وأنا كنت ناوي أزوره ذا الأيام.. قم نروح له ذا الحين!!

علي شعر بانتصار داخلي (لِـمَ لا؟؟) وهو يهتف بحزم مدروس: الحين الحين؟؟

زايد يقف وهو يهتف بطريقته القاطعة: الليلة ماعندي ارتباطات.. دقيقتين بأبدل وأجيك
ونروح له.. مجرد جس نبض..
وكانه وافق رحنا له عقب في مجلسه مع عمك وأخيك...


حين غادر زايد.. ابتسمت مزون وهي تسأل علي:
وش معنى اخترت بنت فاضل.. مع اني قلت لك عنها وعن وبنت ناصر آل سيف..؟؟

علي ببساطة باسمة: لسببين.. الأول ما ابي أخيش كساب يصير عديلي..
يعني خلصوا البنات عشان أروح أخذ أخت مرته.. كن السالفة حلاوة..
ماصدقنا نبي ناخذ بنات البيت كلهم..
وبعدين يا أختي أخيش هذا حار.. لو صار مشكلة بينه وبين مرته..
ما أبيها تأثر علي أنا ومرتي.. ولو كانت أختها أكيد بتأثر..

والسبب الثاني والأهم.. بنت ناصر عندها أخيها تميم الله يخليه لهم..
أول كان يكسر خاطري لأني ماكنت أعرفه..
بس عقب ماصار قصيرنا وعرفته أنا أشهد إنه رجّال ماينضام اللي في ضوه..
بس بنت فاضل الله يعينهم.. ابيها شيبة صاير تعبان مع تعب عبدالرحمن
وعبدالرحمن مايندرى وش يكتب له ربي..
قلت يمكن الله رايد أني اخذها واريح بال ابيها من صوبها..






***************************************






" خليفة يأخوي هونها وتهون يأخوك"

خليفة بألم عميق: ذبحتني ياجاسم ذبحتني.. ماهقيت ولا حتى واحد في المية إنها بتسوي فيني جذيه..
توقعت تتدلع شوي.. تتغلى..
قلت حقها.. خلها تتدلع.. الدلع كله لها..
بس هي طلعت بايعة يأخوي بايعة..
ثمان شهور ياجاسم .. ثمان شهور.. مالي شغلة غيرها..
كانت فيها هي كل شيء في حياتي.. أفرح لا فرحت.. وأحزن لا حزنت..
اليوم اللي هي ماتبتسم فيه أحس فيه بارد ماله طعم..
ولا شفت دمعة بعينها ودي أقص شريان من قلبي أهون علي!!
ثمان شهور تارك هلي وديرتي.. حاول فيني منصور وزايد إني أرجع لو شهر للدوحة..
قلت لا.. ما أخليها دقيقة.. مثل ما طلعنا من الدوحة سوا نرد سوا
مادريت إنها تنطر نرد عشان تذبحني..
وإلا لو أني قايم في جلب (كلب) ذا الشهور كلها مايعضني جذيه..


جاسم يركن سيارته جانبا بعد أن أصر على أخذ خليفة من المطار والذهاب لوحدهما على أن يعود والده وشقيقه الصغير معا..
ويهتف بتأثر: زين دامك تحبها هالكثر ليش طلقتها.. جان نطرت عليها شوي..

خليفة بحزم موجوع: لا ياجاسم لا.. الله يلعن حبها جانه بيذلني..
يعني تسوي فيني اللي هي سوته واحنا بعدنا في المطار
وعقب أقول لها خلاص روحي على كيفج وأنا ناطرتج..
هذي باعتني وبرخيص بعد!!

جاسم بذات التأثر: خلاص يأخوي من باعك بيعه.. هذي ماعليها حسوفة..
ليش حارق نفسج جذيه؟؟

خليفة باختناق روحه الممزقة: الحجي هين يأبو أحمد.. مجروح يأخوي.. حاس كني بأموت..
تدري وش حاسس فيه..
جن بنتي أنا خانت فيني..
جن روحي تمردت علي..
جن يدي أنا قطعت شراييني..
تتخيل هالاحساس أشلون.. جميلة كانت بنتي وكانت روحي وكانت يدي!!

جاسم بتأثر أعظم: كل شيء يبدأ صغير ويكبر إلا الحزن.. يبدأ كبير ويصغر..
أنت الحين توك متأثر.. بس صدقني كلها كم يوم وتهون..

خليفة بألم عميق: على قولتك كلها كم يوم..
واللي حط حبها بوسط حشاي قادر يشيله..
يا الله يأبو أحمد أنا متشفق وايد لشوفت أحمدوه الصغير..
وخالاتي أكيد بعدهم ناطرين في البيت.. خلني أروح لهم بفشيلتي..وألقط ويهي!!






******************************************






" بس ما أبي أسمع صوتش.. بس"

عفراء تقف وتنتفض غضبا وهي تنهر جميلة التي مازالت ملتفة بعباءتها وتدفن وجهها في المخدة وتنتحب بصوت عالٍ

عفراء تنهرها بقسوة أشد: اقول لش بس.. ما أبي أسمع صوت بكاش..
ليش تبكين الحين؟؟ مهوب هذا اللي تبينه؟؟
والله ياسواتش ماتسويها حتى مضيعة المذهب!!
الرجّال اللي له ثمان شهور عازش وحاشمش ومخلي كل شيء عشانش
هذي تكون جزاته..؟؟
حتى لو ما تبينه.. مهوب كذا السنع.. هذا راعي جميل عليش..
احشميه قدام هله.. كبري قدره مثل ماكبر قدرش..
وش أقول؟؟ وش أقول؟؟
الظاهر أنهم صادقين وأني ماعرفت أربيش..
خليتي للناس لسان عليش وعلي..

جميلة ترفع رأسها وتعتدل جالسة وهي تمسك بكف والدتها القريبة منها وتقبلها قبلة مبللة بدموعها وهي تشهق:
محشومة يمه...
والله العظيم يمه أني أبيه.. ماهقيت إنه بيرخصني كذا..
هو أصلا ماصدق يتخلص مني..
كان ينتظر نرجع الدوحة عشان يتخلص مني..

عفراء تنتزع يدها بقسوة وهي تصرخ بها: بس ما أبي أسمع كلمة.. سودتي وجهي..
هذا حكي وحدة عاقلة..

منصور يدخل عليهما وهو يهتف بحزم:
عفرا بس ذا الانفعال مهوب زين لش..
والبنية ميتة من البكا وأنتي تزيدينها عليها..

عفراء بذات الانفعال: والله لو قلبي يقواني.. كان ضربتها بعد..

جميلة دفنت وجهها بين ركبتيها.. وعفراء مازالت منهمرة بغضب وبكاء جميلة يتزايد
منصور جلس بجوار جميلة وهو يربت على رأسها
حينها تكورت في حضنه قطة باكية وهي تنتحب بعنف..

تشعر بالضياع منذ طلقها خليفة وكأنها لا تقف على سطح الأرض حتى
وأن أي أقل حركة ستدفع بها إلى الهاوية أو توقعها لينكسر عنقها..

شدها منصور بقوة حانية: بس يأبيش خلاص.. صحيح أنتي غلطانة
بس لا تحاتين.. السالفة بينش وبين خليفة بتنحل.. وقريب!!

همست ووجهها مختبئ في كتفه: لا عمي تكفى.. تكفى لا ترخصني..
خليفة لو يبيني.. ماباعني عند أول موقف..

عفراء تنتفض بغضب: ولها لسان بعد تحكي.. ولها لسان..

منصور حينها وقف ليشد على كف عفراء ويهتف بحزم حان:
عفرا بس عمري ماشفتش معصبة كذا.. مهوب زين عليش..

عفراء لشدة غضبها وانفعالها من تصرف ابنتها لم تشعر بتزايد الآلام معها..
فهي كانت تحمل في داخلها امتنانا عميقا لهذا الشاب الذي ربطتها به علاقة قوية قد يكون أغلبها على الهاتف..
كانت تعلم أن خليفة قدّم لابنتها مالم يقدمه أحد آخر سواه..
احتمل دلالها وتقلب مزاجها وسار معها حتى الخطوة الأخيرة..

ثم يكون ردها عليه بهذه الطريقة غير الأخلاقية..
لم تستطع تقبل تبرير جميلة الذي بدا لها مثاليا إلى درجة الخيالية الكاذبة..
لم تر أي منطق إنساني أو أخلاقي يبيح لها أن تتصرف بهذه الطريقة الجاحدة..
لم تعلم كم كان ألم هذه الصغيرة جارحا!!
وكم كانت أوجاعها تنزف بغزارة وهي تشعر بالخوف والهلع والضياع!!

عفرء انحنت قليلا وهي تمسك بأسفل بطنها وتشعر بإحساس بلل مرعب مفاجئ..
شد منصور على يدها أكثر وهو يهتف بقلق: عفرا اشفيش؟؟

عفراء انحنت أكثر وهي تعتصر ثم تهمس من بين أسنانها:
منصور تكفى اطلع شوي.. وإلا تدري روح شغل السيارة..
جميلة قومي جيبي لي ملابس أغير ملابسي.. الماي نزل علي خلاص..

جميلة قفزت وهي تصرخ بجزع: يمه أشلون الماي نزل فجأة كذا؟؟

عفراء بألم وهي تجلس بشكل جانبي على الأرض:
ما أدري.. ما أدري.. بسرعة جميلة.. لا يختنق البزر..

منصور وقف كالصنم.. يبدو تائها مازال غير مستوعبا للموقف لدقيقة واحدة ربما
ثم يصرخ بجميلة بطريقته الحازمة النافذة: لا تجيبين لها ملابس ولا شيء..
أنا بألفها في بطانية وأنزل فيها..
واتصلي في مزون عقب تجهز أغراض أمش
لأنها هي اللي عارفة كل شيء.. عفرا قالت لي كذا..

وبالفعل لم يتردد منصور وهو يلفها ببطانية وينزل بها ركضا
وجميلة تنزل ركضا خلفه وهي تنسى كل شيء وفي بالها خاطر واحد مجنون..

" لو صار لأمي أو أخي شيء من سبتي والله العظيم ما أسامح نفسي طول عمري"




**************************************





" موافق يأبو كساب.. مثلك ومثل ولدك مايردون"

زايد بحزم: ماعليه يأبو عبدالرحمن خذوا وقتكم وخذ شور البنية وأمها..

فاضل بحزم مشابه: البنت شورها عندي.. وأنا أقول موافق..
ثم أردف بنبرة ألم وهو ينظر لناحية عبدالرحمن:
يازايد يأخي.. أنا أحاتيها واجد..
والله ياهمها هي وعبدالرحمن مايخليني أمسي الليل.. وأنا شوفت عينك مهمل بيتي وقاعد هنا..
البنت خطاطبيها واجد.. وانا كنت أحاتي أني أوافق على حد مهوب كفو لها عشان أريح بالي من صوبها..
خايف يصير لي وإلا يصير لعبدالرحمن شيء وأنا مابعد تطمنت عليها..
ويوم الله جاب لنا علي.. ماني بردي عقل عشان أعطلكم.. أنا أشتري رجّال..
ولا تظني أرخصها ..والله يابنيتي ذي إنها اغلى من عيوني.. بس الله يزينها من صوبه..

زايد بإصرار: ماعليه يافاضل أمنتك الله تنشدها وتاخذ شورها..

فاضل بإصرار مشابه: بأروح أنشدها الحين.. وبكرة الصبح تراني بأوديها تسوي الفحص الطبي..
وخل علي يسويه بكرة.. وأنا معتمد عليك تكلم لنا حد يعجلون النتيجة..
أبي أملككم بعد بكرة..

علي ينظر للمشهد أمامه وكأنه أمر لا يخصه..
جزء من مشهد تمثيلي قد يبعث على الضحك..
هاهما يقرران كل شيء ودون أن يسأله أحد عن رأيه في أي شيء..

ضحك في داخله " وش فرقت؟؟ عرس والسلام وأريح رأسي
وش فرقي عن ذا العالم اللي يعرسون كذا!!"





************************************






" عالية أمي وش أخبارها؟؟"

عالية بحذر: أنا قلت لها السالفة مثل ماطلبت مني.. وطبعا بهرتها بشوي مشاعر وأنا أطلعك مسكين..ومقهور ومظلوم..

عبدالله بذات الحذر: وهي وينها الحين..؟؟

عالية بحذر أشد: مسكرة على روحها في غرفتها من بعد ماقلت لها السالفة..

حينها سألها بنبرة أقرب للحزن: أنا بأروح لها.. وأنتي الله يخليش سبحي حسون واقعدي عنده لين أجيش..

حينها سألته عالية بذات الحذر: وأم حسون وش أخبارها؟؟

أجابها عبدالله باصطناع بارع: جوزا تعبانة شوي.. واتفقنا تقعد عند أمها ترتاح شوي..
ثم أردف باهتمام: لكن أنتي اللي وجهش مهوب عاجبني..

حينها كانت عالية من أجابته باصطناع بارع: مصدعة شوي.. وباروح أكل بنادول..

عبدالله بقلق: ياكثر ماتأكلين ذا البنادول..
ثم أردف باستغراب: إلا وشمعنى رأسش مايوجعش كذا إلا في الويكند؟؟

عالية كمن اُمسكت بالجرم المشهود: وش علاقة الويكند بوجع رأسي.. رأسي يوجعني طول الأسبوع...

عالية فرت للاعلى.. ودقات قلبها تتصاعد هلعا..
دائما تخيفها دقة ملاحظة عبدالله.. كيف ربط بين صداع رأسها وإجازة نهاية الأسبوع؟؟..وهي تهمس لنفسها:

" أنتي بعد ياعلوي بقرة...
حد رأسه يوجعه لأنه ماشاف حد..
وإلا ماسمعنا عن ذا الإدمان إلا عند وحدة بقرة مثلش
يا الله خلاص بكرة الأحد وبأشوفه..
الله يلعن شيطانك ياعبدالرحمن على كثر ماأنت حايسني..
أخرتي بأطيح في مصيبة من سبتك"


بينما عبدالله غادر متجها لغرفة والدته.. الهم يملأ جوانحه لاقصى حد.. يعلم أن والدته ستسامحه.. فقلبها الطاهر قلب أم..
ولكن جوزاء ماعاد يطمع بمسامحتها..
ولكن كيف يستطيع احتمال الحياة بعيدا عنها وعن حسن..؟؟

ستبقى في المستشفى ليومين أو ثلاثة لكن بعدها ستخرج.. وبالتأكيد ستأخذ حسن..
فكيف سيحتمل الحياة الخاوية بدون وجودهما؟؟
ولكن هل باليد حيلة؟؟
يجب أن يعتاد على هذه الفكرة..
فيبدو أن الحرمان سيبقى هو مصيره الذي يتجرعه طوال حياته!!
ويبدو أنه بالغ في التفاؤل حين ظن ولو لحظات أن الحال سيستقر به إلى السكينة والاستقرار والاحتواء..






********************************






ركبت إلى جواره بصمت..
وهل هناك شيء غير الصمت بينهما..
تريد إخباره أنها لا تريد الذهاب معه
ولكنه لم يشر لها بشيء إطلاقا وهو يحرك سيارته ويمضي وتراه يخرج من المناطق السكنية للشارع العام..
تبحث في حقيبتها عن ورقة وقلم.. ولكنها لا تجد.. فهذه الحقيبة خالية تماما
أخذتها لزيارة نجلاء ولا يوجد بها سوى هاتفها وعطرها ومحفظة زينتها ومفاتيحها
الأشياء التي وضعتها على عجالة قبل أن يوصلها السائق والخادمة لبيت نجلا..

توترت أكثر ولا تعلم السبب..
وهو لم يلتفت لها حتى.. وهو يكمل طريقه..
رأت أنه ماعادت حتى تستطيع الاعتراض وهما يعلقان في ازدحام الشارع متجهان لداخل الدوحة..
حين وقفا في الإشارة خطرت لها فكرة..
تناولت ورقة من أوراق الفواتير الموضوعة بينهما وكتبت عليها بمحدد الشفاه..

"وين بنروح؟؟"

أشار لها بحزم: قلت لش عازمش على العشا..
والطاولة انحجزت لنا خلاص.. قبل ماتقولين شيء ثاني..

تحركت السيارة ولم يترك الخيار لها لأي اعتراض..
حتى وصلا للمطعم..

مطعم هندي سبق أن أحضرها له غانم عدة مرات..
وميزته بالإضافة إلى طعامه اللذيذ أن طاولات العائلات يُغلق عليها بستارة..

حين دخلا أعطى للموظفة عند الباب بطاقة عليها اسمه..
فقادته للطاولة المحجوزة باسمه.. والتي حجزها له بالهاتف أحد موظفيه..

توترت أكثر وهي تجلس.. وهي تشعر بالحرج..
لم ترَ سابقا كيف يتصرف في الأماكن العامة.. عدا في مدرستها وكلهم هناك يتحدثون لغته..
حين وصلت قائمة الطعام.. وضعت القائمة جانبا.. لم ترده أن يفرض عليها أن تطلب هي..
أشار لها متسائلا: ماتبين تطلبين شيء؟؟

هزت رأسها رفضا.. إشارة توجه لمن يتكلم ومن لا يتكلم..
هز كتفيه وهو يشير: خلاص بأطلب لش على ذوقي..

حين جاءت النادلة.. فتح القائمة وأشار لها على صفحات القائمة بما يريد..
وأحيانا كان يشير على الشيء ثم يشير بيده (اثنين)
سجلت النادلة وأخذت القوائم.. ومضت..

بدا الأمر لسميرة أبسط بكثير مما ظنت وأكثر سلاسة..
توقعت أن لن يعرف أن يتفاهم.. وانهم قد يضطرون أن يحضروا أحدا للتفاهم معه.. وأنها حينها ستضطر للتدخل..

" صدق أني غبية.. رجّال صار له سنين في السوق
مهوب عارف يطلب أكل في مطعم يعني!!
لكن العزومة هذي بكبرها وش داعيها؟؟"

حينها أشار لها تميم بتقصد: حطي نقابش.. ترا مافيه حد معنا..

لم ترد أن تستجب ولكنها لم ترد أن تبدو بمظهر الغبية أو من تريد افتعال مشاكل..

خلعت نقابها وهي تضعه مفرودا جانبا حتى لا يتجعد..
بينما كانت تريد إعادة لف الشيلة حول وجهها فوجئت به يمد يده ويعيد خصلة من شعرها خلف أذنها..
انتفضت بخفة وهي تعود للخلف (هذا أش فيه مهوب صاحي اليوم؟؟)

بينما أشار لها ببساطة: أنتي شعرش لونه أشقر طبيعي وإلا مصبوغ؟؟

لم تجب على إشارته وإحساس خجل غير طبيعي يقتحمها بعنف..
قد يكون سؤال طبيعي ولكنها لم تتوقعه مطلقا منه.. كما أنها لا تريد أن تشير له..

أشار لها حينها بذات التقصد: لذا الدرجة سؤالي صعب؟؟ أو ماتبين تجاوبين؟؟

حينها رغما عنها أشارت له باقتضاب: مصبوغ..
أشارت كأنها تريد أن تتخلص من الإشارة..ومن ثقلها على روحها..
لكن الغريب أنها لم تشعر بتلك المرارة التي كانت تتخيل أنها ستشعر بها حين تشير له..
ظنت أنها لو حدث وأشارت له ستكون الإشارة كسكين يمزق روحها..
ولكن الإشارة عبرت بسلاسة دون تعقيد.. دون أن تثير في نفسها التعقيد الذي ظنته !!


ولكنه لم يتركها تنعم بهدوئها وهو يشير لها مرة أخرى: زين وش لون شعرش الطبيعي؟؟

أشارت بذات الاقتضاب: بني..

حينها أشار لها بذات البساطة كما لو كانا فعلا زوجين في جلسة حوار عفوية:
طيب ليش تصبغينه..؟؟ الطبيعي دايما أحلى!!

حينها أشارت بتوتر: عشان بشرتي فاتحة واجد.. الغامق علي مهوب حلو..

حينها أشار بذات البساطة: ما أتوقع إنه فيه شيء ممكن يكون مهوب حلو عليش..

حينها أخفضت رأسها بخجل.. لن تنظر لإشاراته بعد.. يكفيه ما أشارت به رغما عنها..

لم تعلم أنه أيضا اكتفى من الإشارات.. وهو ينظر لها كيف أنزلت رأسها وتدعك يديها... ويبتسم بانتصار..
فهو تجاوز النجاح المطلوب لمخططه الليلة.. ولن يثقل عليها أكثر..
وليستمتعا بالطعام الذي حضر..

تميم بدأ ذهنه يعمل في اتجاه مغاير..
ستة أشهر مضت منذ زواجه.. لو أنها كانت تريد الطلاق.. كانت طلبته منذ زمن..
إذن هي تنتظر تحركا ما منه.. ولكنه يجب أن يتحرك بحذر وبخطوات مدروسة ليبدأ بتفكيك التعقيدات المتراكمة بينهما..
فهو لا يستطيع أن يحضر لها بشكل مباشر ويقول لها سامحيني.. حينها لابد أنها ستنفجر به..
لابد أن يهيئها بالفعل لهذا الصلح..
رغم أن الصبر أصبح في أدنى مستوياته عنده..
ويخشى أن تفسد لهفته مخططاته المدروسة بدقة!!
لذا كانت خطوته الأولى بهذه الإشارات العفوية حول أشياء عفوية لن تثير ريبتها بشيء وستضطر للإجابة عنها..
وقبلها كانت ببحثه عن اوراق له لم يجب عن تساؤلها حولها لأنها كتبت له ولم تشر..
هاهو يتحرك ببطء مدروس ويدعو الله أن يلهمه الصبر والحكمة!!





*************************************






" يا بنات ابيكم بيأتي الحين.."

شعاع باستغراب: غريبة يمه.. بيخلي عبدالرحمن مرتين..
توه كان عندنا عقب صلاة المغرب.. ليش يرجع بعد عقب صلاة العشاء..
ثم أردفت بابتسامة وهي تنظر لجوزاء: والله الظاهر أنش غالية واجد يا الجويزي..
مادرا أنش تعبانة إلا المغرب وجالش على على طول والحين جاي بعد مرة ثانية..

جوزاء أخذها تفكيرها لاتجاه مرعب.. هل يعقل أن والدها علم بما فعله عبدالله..
لذلك عاد مرة أخرى..
فهو حينما زارها المرة الأولى.. بدا لها طبيعيا جدا..
علم أنها مرهقة من الحمل.. وجاء للسلام والإطمئنان عليها.. ثم غادر..
ولم يبدُ عليه أنه علم بشيء..

تتذكر جيدا تغليظه بالحلف أن يؤذي عبدالله لو ضايقها بأدنى شيء..
يزداد رعبها.. لا تريده أن يؤذي عبدالله بأي طريقة..
فهي أدت الواجب بإيذائه وزيادة..
بدأت أناملها وشفتاها ترتعشان بشكل ملحوظ..

أمها وقفت وهي تضع يدها رأسها وتهمس بقلق: جوزا وش فيش يأمش؟؟

أجابت بارتعاش: بردانة يمه.. بردانة..

أم عبدالرحمن همست بحنان: انسدحي يامش.. انسدحي.. خلني أسنحش..

جوزاء تمددت وهي مازالت ترتعش.. ووالدتها غطتها جيدا..
حينها كانت تسمع نحنحة والدها عند الباب.. ازداد ارتعاشها.. وبدأت عيناها تسيل بغزارة..
وبالكاد وجهها يظهر وهي تخفي جسدها المرتعش تحت الغطاء
وتدعو الله أن تمضي زيارة والدها على خير..
رغم أنها تعلم أن زيارته ليست طبيعية أبدا..

حين دخل كادت تنفجر فعلا في البكاء
لولا أنها رأت أن وجه والدها كان هادئا تماما وهو يجلس ويدعو شعاع أن تجلس جواره..

حينها انتقل احساس التوجس لشعاع.. ومشاعر الوجل اللذيذة التي اشتاقت لها تعاودها..
مشاعر الوجل التي كانت تشعر بها كلما سمعت والدها يناديها..
أرادت أن تبكي.. لا تعلم خوفا أم سعادة!!
أ حقا عاد والدها لها؟؟
همست باختناق: والله العظيم يبه ماسويت شيء..

حينها ابتسم: لذا الدرجة أنا شراني في عينش.. ؟؟
يعني ما أدعيش كون كني بأعصب عليش..

حينها أجابت شعاع بخجل عميق: محشوم فديتك..
بس جيتك كذا خوفتني..

أجابها حينها ببساطة حازمة مباشرة: جايش خطاطيب..

حينها كانت أم عبدالرحمن هي من قاطعت الحوار بتردد:
فاضل الله يهداك.. وش خطاطيبه وعبدالرحمن كذا!!

حينها قاطعها بصرامة: وعبدالرحمن وش فيه؟؟ هذا هو حالته مستقرة
يعني بنوقف نصيب البنية عشان عبدالرحمن في غيبوبة..
زين لو طوّل وهو كذا.. نقطع نصيب البنية؟؟
خلاص ماعاد باقي عليها شيء وتتخرج.. عقب تخرجها خلها تعرس وتوفق..

شعاع بدأ جسدها يرتعش فعلا من شدة الحرج.. دقات قلبها تتزايد ودموعها تبدأ بالتقافز..
تعلم أنه جاءه خطاب من قبل.. أحيانا والدها من يرفض..
وفي بعض أحيان والدتها تخبرها.. لكنها لا تشجعها على الموافقة لأنها ترى الشخص غير مناسب..
فما الذي تغير هذه المرة ليضعها والدها في هذا الموقف؟؟

همست أم عبدالرحمن بذات التردد: بس أنت كنت دايم تعيي..
وش معنى ذا المرة جاي لنا وكل واحد من عيالنا في مستشفى؟؟

أجابها فاضل بنبرة صارمة: لأنه رجّال مايعيي منه إلا خبل.. وأنا ماني بخبل..
وأبي مصلحة بنتي..
ثم أردف وهو يوجه خطابه لشعاع بحزم مرهق: ها يأبيش.. وش رايش..
اللي جايش علي ولد زايد آل كساب..
الصبي أنا أعرفه زين.. مصلي ومنصبه زين..
ومايجهلش ولد زايد آل كساب..ناس فيهم خير وخيرهم واجد..
وأنا يا أبيش وافقت عليهم.. وأبي أملكش في أسرع وقت..
ما ظنتي إنش بتفشليني في الرياجيل..

حينها انفجرت شعاع في بكاء خافت وهي تخفي وجهها في كتف والدتها التي تجلس جوارها من الناحية الأخرى..

والدتها ربتت على رأسها وهي تهمس لفاضل بحزم رقيق:
تم يا أبو عبدالرحمن.. قل لهم البنت موافقة..

فاضل وقف وهو يقول بحزم: خلاص بكرة الساعة سبع ونص خلها تجهز أوراقها أوديها تسوي الفحص الطبي..

ازدادت شهقات شعاع ارتفاعا وهي تخفي وجهها أكثر في كتف والدتها..
ليقف والدها قريبا منها وهو يربت على كتفها ويهتف بحنان عميق:
لا تظنين أبيش بيوافق على حد مايستاهلش.. تراش غالية..غالية!!
ولو أني داري أنش ماشفتي مني كلمة طيبة..بس الله وحده أعلم بغلاش اللي خالط النسم..

حينها أفلتت والدتها لتحتضن خصر والدها وهي تدفن وجهها أسفل صدره وتزداد شهقاتها تتابعا..
بينما احتضنها هو بحنان وهو يربت على رأسها
يا الله كم تمنت أن تفعلها يوما وهي تظنه حلما بعيدا المنال!!
كم تمنت أن تدفن وجهها في صدره وهي تشعر بقربه من روحها كما هو الآن!!
لو أرادها حتى أن تتزوج أسوأ رجل في العالم.. ستكون راضية إن كان هو راضيا!!

جوزاء كانت تنظر بتأثر وسعادة للمشهد أمامها وهي تعتدل جالسة..
سعيدة جدا من أجل شعاع..
ولكنها في داخلها تعلم أنها أكثر سعادة أن عبدالله بعيد عن غضب والدها
الذي تعلم كم يصبح مرعبا حين يغضب!!





***********************************





" متى تبينا نمشي؟؟"

كانت كاسرة توجه الخطاب لكساب الذي يضع رأسه في حضنها وهما يجلسان على الأرجوحة الخشبية الضخمة..
أو بمعنى أصح هي من كانت تجلس على الطرف تماما بينما هو يتمدد على طول الأرجوحة..

هتف لها بهدوء: بنتعشى أول وعقب بنمشي..
ثم أردف بخبث باسم: لا تخافين ياحضرة المديرة.. بتروحين بكرة الشغل وتنكدين على الموظفين..وتنبسطين..

شدت شعره بخفة حانية وهمست بابتسام: دامني مانكدت عليك ماني بمستانسة..

شد أناملها من فوق رأسها وهو يتحسسها بحنو :
تدرين أصابعش على رقتها لو أعصرها شوية.. شوية بس.. بتنكسر..

أجابته بذات الابتسام: حشا مهوب أصابع لا تكون بسكوت..

قبّل جانب سبابتها وهو يهتف بابتسامة: بسكوت وأحلى من البسكوت..

صمتت وهي تشد أناملها برقة لتعبث في شعره بذات الرقة.. تنهدت..
كيف يكون تأثيره عليها بهذا الحجم والضخامة بينما هو لا يشعر بها؟؟..
همست كأنها تريد إبعاد ذهنها عن التفكير: كسّاب عمرك انضربت..

كساب اعتدل جالسا وهو يهتف باستنكار باسم: نعم؟؟

ابتسمت: سمعتني عدل.. عمرك تهاديت مع حد وانضربت؟؟..

ابتسم: أنتي شايفتني جيمس بوند وطايح في خلق الله؟؟ وإلا تبين تشمتين فيني؟؟

أجابته بذات الابتسامة الرقيقة: جاوب بدون ماتتهرب..

أجابها بعفوية: ترا أنا لين قبل كم سنة.. يمكن جسمي يقرب من جسم تميم..
ويمكن تميم أعرض مني بعد..
بس أعترف أني من صغري فتّون..
ما أعيل على حد.. بس لا هديت.. ما أنمسك..( الفتّون=الذي يتحمس في العراك بجدية)
بس من حيث أني قد انضربت في هدة.. إيه انضربت ضرب الكلاب.. رفسوني لين قلت بس..
حينها ضحك: ولو تعرفين عشان من؟؟
يا عشانش.. ياعشان أمش.. يا عشان خدامتكم..يا عشان حد جاي يزوركم..

همست كاسرة باستغراب باسم: من جدك؟؟

هتف بذات الابتسامة: كنت يا أولى ياثانية جامعة..
وإبي طلب أوصله بيتكم يبي يزور جدش..
سيارته في التشييك.. وسيارته الثانية كان رايح عليها علي..

المهم نزلته.. وهو دخل وأنا بأمشي.. إلا أشوف سيارة داخلة في حوشكم وتتبعها سيارة ثانية..
لا ويقط الرقم عند الباب وهو يشوفني واقف..
أنا عاد ولعت.. ورحت أتبعه.. لين وصل بيتهم..
يوم نزل.. نزلت وراه وهديت عليه.. ووين يوجعك..
بس عقبها طلعوا علي اللي كانوا في مجلسهم كلهم.. ورقوني لين حبيت القاع..
بس كان عادي عندي لأني أصلا بردت خاطري فيه قبل يطلعون علي..

ابتسمت كاسرة: كذاب.. تراني ماصدقت ولا كلمة ياجيمس بوند على قولتك..

هز كتفيه باسما: لا تصدقين.. المهم تعجبش السالفة!!

ابتسمت كاسرة: كسالفة عجبتني..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: وخاطري نتكلم في سالفة ثانية..

اجابها بجدية: قولي..

همست بذات جديته: سالفة أنك ماتشوفنا نصلح أباء..

حينها هتف بغضب: أنتي صدق غاوية نكد.. شايفتنا رايقين إلا لازم تجيبين طاري ينكد علينا..

أجابته ببرود متحكم: ينكد عليك بروحك..
أنا شفتك رايق.. قلت وقت مناسب نتفاهم فيه.. مادريت أنك بتشب كذا..

كساب يتنهد وهو يهتف بحزم: وأنا ما اعترضت على أنش تصيرين أم لو الله بغى لنا..
بس أنتي لازم تنتزعين مني اعتراف غصبا عني إنه حن أباء مافيه مثلنا..
خلاص لا تزعلين ماراح أدخلش معي..
أنا واحد بأكون أفشل أب في العالم..
وأنتي مالش شغل في رأيي..
ويا الله امشي.. خلينا نرجع الدوحة!!





***************************************





" خالتي وش اللي صار لها؟؟ "

جميلة ارتمت في حضن مزون وهي تنتحب: كله مني.. كله مني..

منصور بحزم رغم القلق المتصاعد في روحه: بس يا جميلة.. أمش دخلت شهرها.. وكان متوقع تولد في أي وقت..

مزون التي وصلت للتو وهي تركض وأنفاسها مقطوعة همست لعمها وهي تحتضن جميلة:
خالتي طيب وش أخبارها الحين؟؟

منصور بإرهاق متوتر: يأبيش كلام أنا ما أفهم له.. بس الولادة متعسرة شوي..

مزون بمودة: خلاص عمي أنت روح البيت.. أنا وجميلة موجودين.. روح للبيت أول ماتولد بنتصل لك..

منصور بحزم: مستحيل.. أنا قاعد في استراحة الرجال أي شيء تبونه دقوا علي..

منصور غادر لاستراحة الرجال.. وهو يحاول إخفاء عظم توتره وقلقه..
يقتله القلق على عفرا أكثر من الجنين بكثير بكثير..
فهذا الجنين يمكن تعويضه لو أراد الله.. ولكن عفراء لا تعويض عنها..
لم يستطع حتى الجلوس وهو يظل واقفا..


بينما مزون جلست مع جميلة وهي تحتضن كتفيها
وجميلة تخفي وجهها في كتف مزون وتنتحب
ومزون تهمس لها بحنان: جميلة شا اللي صار؟؟

جميلة بين شهقاتها: زعلت مني واجد عشان خليفة طلقني..
وتقول أنا السبب.. وظلت تصارخ وتصارخ وعقبه نزل معها الماي..
جبناها هنا وقبل شوي طلعت علينا الدكتورة..
تقول توها ما انفتح إلا ثلاثة ونص سانتي.. والطلق ضعيف.. والجنين أصلا مابعد نزل في الحوض..
قالت بيعطونها طلق صناعي.. ولا ماتيسرت بيسون لها عملية..

حينها انفجرت جميلة في بكاء هستيري: والله العظيم لو صار لأمي أو جنينها شيء.. أشلون بأقدر أعيش؟؟..

مزون تهدئها وهي تربت على ظهرها: بس حبيبتي.. ادعي لها..
ولا تحملين نفسش شيء مهوب ذنبش!!




**************************************





"شعاع ليش مارحتي مع أمي.. الخدامة كان نامت عندي
أنتي وراش بكرة مشوار وعقبه الجامعة"

شعاع بتوتر: أصلا لو رحت البيت كان استخفيت من التفكير..
متوترة وخايفة.. بأموت من الخوف..

جوزاء بمودة باسمة: ترا الفحص مايحتاج ذا التوتر.. إلا لو أنتي متوترة من اللي ورا الفحص..
وإلا قولي من كثر منتي شفقانة على بكرة تبين تكونين قريب من ابي..
هذا هو حذفة عصا في المستشفى اللي جنبنا.. يعني ماراح يطول لين يجيش بكرة..

شعاع تكاد تبكي: تدرين أنش سخيفة..
ثم حاولت أن تردف بتماسك: تكفين جوزا لا تكلميني عن بكرة..
قولي لي وش صار بينش وبين عبدالله يوم جا.. ماعلمتيني..

جوزاء بتوتر أخفته خلف ثقة مصطنعة:
ماصار شيء.. شرح لي السالفة كلها..
واتفقنا أقعد عندكم في البيت شوي لين ارتاح من الوحم..

شعاع بتساؤل: أي سالفة؟؟

جوزاء ابتسمت: سالفة خاصة بيني وبين رجّالي.. وش عليش أنتي يا الملقوفة؟؟
خلينا نتكلم عن مسيو علي أحسن؟؟

شعاع تفتح الكرسي الذي يتحول لسرير وتتمدد عليه وهي تهتف بغيظ:
قلت لش أنش سخيفة.. ولا عليش مردود!!





************************************





" خطبة ومن وراي..
ماكني بأخ هذا الكبير ولا ولدك الكبير"

زايد بحزم: مافيه داعي تسويها سالفة.. حن كنا رايحين نجس نبض الرجّال بس..
والرجّال الله يكبر قدره.. كبّر قدرنا ووافق على طول..

كسّاب بغضب: زين بلغوني.. عطوني خبر..

علي بتهدئة: كساب الله يهداك.. أنت كنت رايح المزرعة..
وأنا والله العظيم دقيت على جوالك ولقيته مسكر..
وشاهد العقد على خير أنت..

كساب تنهد: على العموم ألف مبروك مقدما.. أنا وش أبي إلا توفيقك..

ابتسم علي: زين وعشان ماتعصب بعد.. وتقول ماعلمتوني..
خالتي في الولادة.. ووديت مزون لهم قبل شوي..
يعني لا جات بشارة الولد لي نصها..

حينها ابتسم كسّاب: الله يقومها بالسلامة..
ولك بشارتين مهيب وحدة... بشارة دخولك السجن معي..
وبشارة ولد عمي إن شاء الله وإلا بنته..




**********************************






صعدت لغرفتها.. بينما بقي هو مع والدته في الأسفل..
لا تنكر أنها متوترة..
بما أنه بدا لطيفا وودودا هكذا.. فلابد أنه يريد ثمنا لهذا..
استحمت واستبدلت ملابسها والهواجس تأخذها للبعيد:


" زين سمور مهوب أنتي اللي تقولين لروحش
لو بغانا نكون أسرة طبيعية ماعندي مانع..
شكلش كنتي تقولين كلام في الهوا لأنش كنتي عارفة إنه عايفش
الحين شفتي الرجّال تلحلح.. جاتش حالة رعب!!
يا الله ياكريم تعدي ذا الليلة على خير
اليوم من أوله ما أدري أشلون جاي"

كانت تمشط شعرها أمام المرآة حين دخل..
توترت أكثر.. بينما سلم هو ثم توجه لمكتبه.. وجد أنها أعادت ترتيب كل شيء بتنظيم جديد..

أشار لها بتساؤل: أنتي رتبتي كل شيء من جديد.؟؟

وقفت لتتجه للحاسوب.. لكنه أوقفها وهو يشير بتقصد:
لا تصيرين سخيفة.. توش في المطعم أشرتي لي..
تبين ترجعين تطبيعين الحين؟!!

حينها وجدت بالفعل ان حركتها ستبدو سخيفة.. أشارت له بتوتر:
إيه رتبتهم من جديد..
عشان اليوم مادريت أنت وش تبي.. قلت يمكن ترتيبهم معفوس..

حينها أشار لها ببساطة : لو سألتيني بشكل مباشر كان جاوبتش..
لأني خلاص أي سؤال تطبعينه لي ماراح أرد عليه..
يعني دامش تعرفين الإشارة ليش تبين تعذبيني كذا؟؟

أجابت بتوتر: توني باقي إشارات كثيرة ما أعرفها..

أجابها بذات البساطة وهو يتوجه للحمام: اللي ماتعرفينه بنتعلمه سوا.. ونعلمه عقب لعيالنا..

حينها شعرت سميرة كما لو كانت ضُربت على رأسها بقوة ارتعشت بتوتر:
" والله أنك منت بخالي يا تميم!!
عيالنا مرة وحدة!! "

سميرة أنهت قيامها ووردها بسرعة وهي ترتعش.. واندست في داخل السرير وهي تغطي جسدها كاملا
كان حينها هو من يصلي قيامه..
كانت تحسب في ذهنها من معرفتها لوقت صلاته وورده.. أنه الآن انتهى..
بدأ جسدها يرتعش بعنف.. ماذا لو قرر أن ينام جوارها؟؟
لم تستطع أن تنام وتوجسها ورعبها يزددان.. وهو لم يحضر..
لم تستطع أن تبقى في هذا التوجس أكثر لابد أن تقطع الشك باليقين!!
حينها رفعت عينيها ولم تجده في غرفة النوم أساسا..
اعتدلت جالسة لتطل ببصرها على غرفة الجلوس المفتوحة على غرفتهما
لتجده قد نام فعلا على أريكته..

حينها لم تعلم أتشعر بالراحة أو الإهانة..
الراحة لأن هذا فعلا ماتمنته.. أن ينام لتمضي الليلة بسلام..
والإهانة لأنها شعرت أنه يستهين بها وبأنوثتها المفترضة..






***************************************






" تدري أني اشتقت لك يا الخايس!!
يومين ماشفتك.. كنهم سنتين..
شكله لا تزوجنا على خير بأخليك تقدم استقالتك من الجامعة
وأنا من المستشفى عشان أقعد مقابلتك بس"

كانت عالية تقف أمام سرير عبدالرحمن وهي مطمئنة تماما..
فهي مرت جوزا صباحا قبل دوامها لتحضر لها فطورا أصرت والدتها أن تذهب به معها..
حينها رأت شعاع تستعد للخروج وعلمت من جوزاء أن والدها سيأخذها للفحص..

أغرقت شعاع بالكثير من التعليقات التي جعلت شعاع تبكي..
ولكن سبب روح المرح المتدفقة أنها كانت سعيدة جدا لأنها ستذهب لرؤية عبدالرحمن فورا ولن تنتظر حتى صلاة الظهر..
بل وستراه مرتين أخريين اليوم..

لم تهتم أن الخادم كان موجودا... فهي لا صبر بها..
وعلى العموم هي كانت ترتدي البالطو الأبيض.. هل سيميز الخادم من تكون؟؟

لكنها لم تستطع أن تطيل لأن الخادم سألها بأنجليزية سليمة: من أنتِ؟؟
هل أنتِ من الطاقم الطبي المهتم بحالة عبدالرحمن؟؟

عالية في داخلها: " الدب مهوب هين.. طلع هندي مثقف!!"

أجابته بالإنجليزية: نعم.. وهي تسجل ملاحظات على ورقة كانت معها..
ثم تغادر وهي تدعو على الخادم الذي كدّر على زيارتها التي تمنت أن تكون طويلة قليلا..






***************************************






" يا الله يا مزون.. طولت واجد!!
من البارحة لين اليوم وهي تتعذب..
خلاص ليش ما يولدونها بعملية ويريحونها
من البارحة والماي نازل عليها.. خايفة البيبي يصير له شيء"

مزون تربت على كف جميلة وتهمس بإرهاق: خلاص الممرضة قالت لي إنه الجنين نزل طبيعي في الحوض وبتولد طبيعي..
والماي اللي نزل معها ترا مهوب كله.. نزل شوي بس..

جميلة بتأثر: ياربي يهونها عليها.. خلاص ماعاد فيني صبر..

بعد دقائق خرجت الممرضة وجهها يتهلل بشرا: ولد.. ولد.. بوي..
وماما زين..

مزون وجميلة كلتاهما قفزتا..
جميلة انخرطت في بكاء حاد بينما مزون فتحت حقيبتها وهي تمد الممرضة بما معها وتهمس بسعادة حقيقية:
الله يبشرش بالخير..

الممرضة بابتسامة: وين بابا؟؟

مزون تضحك بسعادة: لا بابا مالش شغل فيه.. جاش اللي يكفيش..
بابا خليه علينا..

جميلة لم تستطع الوقوف وهي تدفن وجهها بين كفيها وتستمر في البكاء..
بينما مزون تناولت هاتفها وهي تتصل بعمها وتحاول إخفاء فرحة صوتها:
عمي تعال برا أبيك شوي

منصور خرج لها كان وجهه مسودا من القلق الذي بدا يتحول لرعب مع طول الوقت الذي قضته عفراء في الولادة

لشدة ارهاقه لم ينتبه لألق الفرحة في عيني مزون بل كل ماخطر له مزيدا من الرعب. هتف بجزع: خالتش فيها شيء؟؟

ابتسمت مزون بسعادة حقيقية: فيها إنها صارت أم زايد رسميا..
ويدك على البشارة!!

لم يهتم أنه كان في الممر وهو يخنق مزون باحتضانها ويهتف بسعادة حقيقية مجنونة:
أبشري بالبشارة. أبشري بها..
أقدر أشوف عفرا الحين؟؟

مزون تخلصت من حضنه بحرج وهي تهمس بسعادة:
عمي اللي يهداك وش تشوفها.. ممنوع تدخل
أنا بأدخل الحين عندها وبأطمنك عليها






***************************************






" ها وش الأخبار البارحة عقب ماجا حبيب القلب عند الدكتورة؟؟
بصراحة حركته خــــــطـــــــيـــرة!!
وأتصل لش عقب جوالش مسكر.. وين رحتي؟؟"

كاسرة همست وهي تنظر للأوراق أمامها باهتمام: رحنا عقب للمزرعة!!

فاطمة تتناول الأوراق من كاسرة وتعطيها أوراق أخرى وتهمس بمرح:
يا أختي يأختي على الحركات الرومانسية!!

كاسر بحزم لم يتبدَ فيه ضيقها الواضح: أنا مثلش غبية حسبتها حركات رومانسية..
أثاري الأخ يبي يطق من الدوحة بكبرها عشان بنت خالته راجعة البارحة مع رجالها..
وأنا أقول غريبة وش طرا عليه ذا العزومة..؟؟

فاطمة باستنكار: عيب عليش كاسرة.. وش ذا الكلام؟؟ عمر عقلش ماكان صغير كذا؟؟

كاسرة تقف وهي تتناول ملف من الخزانة المجاورة وتعود لتفتحه
وتهمس حينها بضيق فعلي لا يعبر حتى عن مدى الضيق الذي تغلغل في روحها:
أحاول فاطمة مايكون عقلي صغير..
وأنتي عارفة إن ذا الكلام مستحيل أقوله عند حد غيرش..
بس صُغر العقل غصبا عني يحضر.. يعني مالقى يعزمني بروحنا إلا اليوم اللي هي جاية فيه..!!!
لا وأزيدش من الشعر بيت.. تطلقت وهي عادها في المطار..
يعني صارت حرة..
فاطمة لو شفتي بس الساعة اللي كان جايبها لها..
على كثر الهدايا اللي يبجيبها لي..مافيه هدية جات نص قيمتها..
أنا والله ثم والله مايهمني الشيء كشيء مادي..
لكن اللي موجعني إن غلا الهدية من غلا راعيها..






**********************************





" ها وش الأخبار ياعروستنا؟؟"

كانت جوزا تسأل شعاع التي دخلت للتو وأنفاسها مقطوعة..
شعاع تجلس وهي تزفر بصوت عال وكلماتها تتبعثر من الجهد المبذول:
يعني مالقوا يحطونش غير في آخر طابق.. ست طوابق على الدرج طالعة نازلة..
يا ربي بأموت.. وين الماي؟؟ زينب عطيني ماي..

جوزا تنهرها وهي تشير للخادمة ألا تحضر شيئا:
لا تشربين ماي وأنتي كذا.. خذي نفسش أول وارتاحي.. وعقب اشربي!!

شعاع تاخذ أنفاسها المتطايرة: ياربي يا جوزا.. إحراج إحراج..
لا وتخيلي كان معي في نفس المكان.. سمعت أبي يكلمه..
وهو الظاهر يقول لابي يروح.. وهو بيكمل كل الإجراءات بروحه..
حسيت وجهي ولع من معرفتي إنه قريب مع أني ما أدري وينه.. ولو حتى شفته ماعرفته!!
ثم أردفت وهي تنظر حولها: حسون ماجاء..؟؟

جوزا تنهدت: عالية عقب ماطلعتي كانت تقول لي إنه راح للروضة فديت قلبه
وعقب إبيه بيجيبه هنا..
ياربي بأموت اشتقت له فديت عويناته..






*********************************





" منصور بس الله يهداك..
من جدك تحبب فيه كذا!!
توه على ذا الحبب كلها.. والله العظيم جرثمته الحين"

كانت عفرا تهمس بإرهاق كبير لمنصور الذي كان يحمل ابنه بحذر ويقبل جبينه ويديه الصغيرتين..
وهو يهتف لها بابتسامة سعيدة عميقة: تراني ما أسمع وش تقولين!!
وإلا تدرين تراني أسمع ومطنش..

ابتسمت جميلة وهي تتناول الصغير من بين يدي منصور وتهمس بسعادة عميقة:
يمه خلي عمي منصور على راحته.. مسكين من البارحة لين اليوم وهو على قعدته.. خليه يحب ذا النملة على راحته!!

أنهت عبارتها وهي تضعه جانبا على الأريكة لتدخل يديه ثم تعدل لفته جيدا ثم ترفعه وهي تقبله أيضا بعمق..
عفراء بتذمر باسم: قولي أنش تدافعين عن عمش منصور عشان ما أقول لش شيء لا حبيته..
بس حرام عليكم توه ماله ساعات وتحبونه كذا..

جميلة تعاود تقبيله قبل أن تضعه في سريره وهي تقرص خده بلطف وتهتف بغنج طبيعي:
ترا كله إلا نملة مفعوصة.. احمدي ربش ماكلته في لقمة وحدة..

ربما كان قدوم هذا الصغير نعمة من رب العالمين..
بعد خليفة كانت تشعر أن حياتها أصبحت خاوية لدرجة الرعب..لم تستطع احتمال هذا الإحساس لدقائق
ولكن هاهي تشعر بها فجأة ممتلئة بهذا الصغير إلى حد التخمة..
لم تنكر خوفها الداخلي العميق الذي كانت تشعر به أن تشعر بالغيرة منه..
ألا تحبه كما تتمنى.. وكما تستحق أمها وعمها منصور..

ولكن حينما وقعت عيناها عليه للمرة الأولى حين دخلت على أمها في غرفة الولادة.. مخلوق مرزق متغضن..
عرفت أن قصة غرام طويلة ستربطها بهذا المخلوق الرائع..
من يستطيع أن يرى هاتين اليدين الصغيرتين والعينين المنتفختين المغلقتين ولا يقع في غرام صاحبها على الفور؟؟

عاوت تقبيله مرة أخرى وهي تهمس لوالدتها بشقاوة: خلاص أخر مرة يمه لين الساعة الجاية..
وعقبه حسبة جديدة...

حينها كان منصور ينهي اتصالا وهو يقف: كساب وهله طالعين من الدوام
وكساب يقول مافيه صبر لين العصر عشان يشوف زايد الصغير..
عشان كذا هم جايين الحين..
عفراء همست بذات ارهاقها العميق: حياهم الله..

جميلة أشارت للمضيفة التي كانت تقف في الزواية البعيدة أن تتقدم وهي تعطيها تعليماتها
ثم تهمس بعفوية: يمه أنا بأروح الحمام لين يروح كساب..
ثم غادرت للحمام فعلا..


وكان منصور على وشك الخروج أيضا حين طرق الباب عمال التسليم
الذين أحضروا سلتين ضخمتين من الورد والشكولاته.. وكانوا يدخلونها بينما عفراء شدت الغطاء على وجهها حتى غادروا

منصور قرأ البطاقة ثم ابتسم وهو يغادر.. ويهمس لعفراء بمودة: حبيبتي.. لا راحت مرت كساب دقي علي..
أدري أنش تعبانة وتبين تنامين.. بس بأشوفكم دقيقة أنتي وزايد الصغير وأمشي وأخليكم ترتاحون..


بعدها بدقائق..
طرقت كاسرة الباب ثم دخلت..
وهي تتقدم لتقبل رأس عفرا وتتحمد لها السلامة بكل مودة..
عفراء همست بابتسامة مرهقة: عقبالش يأمش عاجلا غير آجل..

ابتسمت كاسرة بمودة: إن شاء الله..
ثم همست وهي تتلفت حولها: ماعندش أحد..

عفراء بعفوية: جميلة في الحمام يوم درت ن كساب بيجي..
ومزون راحت البيت قبل شوي مع علي..

حينها توجهت كاسرة للباب وهي تفتحه وتشير لكساب أن يدخل..
كساب دخل ليتألق وجه عفرا بنور خاص.. تذكرت كيف كان هو أول طفل تضمه لصدرها..
فرحتها بطفلها لم تختلف عن فرحتها به.. ابتسمت بذات الإرهاق: هلا والله أني صادقة..

ابتسم وهو يميل ليقبل جبينها.. ثم يميل ليبحث عن كفها ليقبلها ولكنها شدتها قبل أن يفعل
هتف بكل المودة الخالصة: الحين ترحبين عشان تقنعيني إن كرتي ماطاح..
إلا طالح وطاح وطاح..

همست عفراء برقة: ماسمعت الشاعر يقول.. وما الحب إلا للحبيب الأولي..

ابتسم كساب وهو يشد مقعدا ليجلس بالقرب منها: كلام شعراء مايوكل عيش..

قبل كتفها بذات المودة الخاصة بها وهو يهمس بحنان قريبا من أذنها: الحمدلله على سلامتش يا الغالية.. ومبروك زايد..
ثم رفع صوته: وعقبالي أنا وكاسرة نجيب زايد بعد..

كاسرة شعرت بغيظ شديد منها.. ليس بسبب كلمته.. فهي ستؤخذ على نحو عفوي..
ولكن لأنها تعلم أنه ليس سوى كذاب كبير لا يريد زايدا أو سواه!!

همست حينها كاسرة بذوق: عسى ماتعبتي ياخالتي؟؟

ردت عفراء بإرهاق: شوي يأمش.. الحمدلله على كل حال.. أهم شيء إن البيبي طلع سليم..

كساب وقف وهو يهتف بمودة: خالتي أدري أنش تعبانة وبنخليش ترتاحين..
ثم أردف وهو يوجه الحوار لكاسرة: يا الله كاسرة.. نمشي؟؟..

عفراء بمودة: اقعدوا تقهوا..

كساب برفض: لا خالتي فديتش بنمشي..

همست كاسرة بذات ذوقها المدروس: دقيقة كساب بأسلم على جميلة وأجيك..

أجابها كساب بعفوية: خلاص بأروح أشوف عمي أدري إنه ينتظر برا..
ولا طلعتي دقي علي..

كاسرة لو كانت ستحكم عواطفها المقلقة لم تكن لتطلب السلام على جميلة..
ولكنها تعرف الأصول جيدا.. وتعلم أن من أقل مستلزمات الذوق أن تسلم على جميلة بعد هذه الغيبة الطويلة..
وليست هي من تقصر في واجب.. أو تسمح لمشاعر غبية أن تظهرها بمظهر غير لائق..

المضيفة طرقت الباب لتخرج جميلة.. كاسرة وقفت لتسلم وإحساس الخطر في داخلها يتعاظم بلا هوادة حين رأتها..
هي شعرت بالغيرة منها حينما رأتها المرة الماضية وهي محض فتاة مريضة وبرفقها زوجها..
فكيف وهي تراها بهذا الحسن مع اكتمال عافيتها ومن غير زوج!!
كان حسنها ظاهرا ومرتويا لأبعد حد.. رغم الإرهاق الواضح عليها وأثر البكاء على وجهها..

ولكن ليست كاسرة من تسمح حتى لنفسها أن تبدو في موقف ضعف..
رحبت بجميلة بذوق رفيع وحماسة مدروسة دون افراط أو تفريط.. وهي تهنئها بسلامة أمها وقدوم المولود..

همست جميلة بابتسامة صافية: الله يسلمش.. وباركي لي بولدي..
لأنه خلاص زيودي أصلا حقي بروحي..

ابتسمت كاسرة باحترافية: الله يطرح فيه البركة ويجعله عبد صالح..
الحين اسمحوا لي.. بأرجع لكم مرة ثانية الليلة إذا ارتاحت خالتي عفرا
باجي أنا وأمي وأختي ومرت تميم إن شاء الله..

وهي تغادر وقعت عيناها على البطاقة التي يتلوى عليها خط كساب الفخم الأنيق
ولم تهتم وهما في المحل أن تقرأ ماكتب لأنها ظنتها تهنئة تقليدية:

"الحمدلله يأم زايد على السلامة..
ومبروك قدوم زايد.. أخيرا بردتي قلب العقيد..

من أبو وأم زايد بن كساب قريبا إن شاء الله"


شعرت بكثير من الألم..
حتى متى وهو يستهين بمشاعرها لهذه الدرجة..؟؟
لماذا يريد أن يبدو أمام أهله كما كان ملهوفا على انجاب طفل..بينما يعرف هو وهي الحقيقة؟؟
تعبت من كل هذا.. تعبت فعلا!!






*************************************






" تعال حبيبي حسون
تعال أغديك!!"

هز رأسه رفضا بينما جوزا تهمس لوالدتها باحترام: خلاص يمه فديتش أنا بأغديه..
أنا مافيني شيء..

أم عبدالرحمن برفض: والله ماتنزلين من سريرش.. أنتي بروحش مافيش حيل من كثر ماتزوعين..
ثم أردفت لحسن: تعال يأمك غداك كذا بيبرد..

هز رأسه رفضا وهو يقفز للسرير مع أمه: أبي ماما.. وإلا بابا..

أم عبدالرحمن بمودة: ياقليل الخاتمة.. حتى جدتك اللي ربتك ماعاد لها كرت..
ثم أردفت بحزن: وإلا ليش أتشره عليه.. ماعاد شاف من جدته وجه راضي..
الله يزينها!!

جوزا تبتسم: يمه فديتش ماعليش من حسن.. أنا باغديه..
عدا إن عبدالله أرسل لي مسج إنه أكل في الطريق وهو جايبه كيك وعصير..

ذكرها اسم عبدالله بألمها المتزايد..
أخبرتها عالية اليوم إنه مشغول تماما في قضيته مع زوجته السابقة..
لا تنكر أنها شعرت بألم عميق.. وأنها كان يجب أن تكون جواره.. حتى لو لم يكن بحضورها يكون بمساندتها..
ولكنها حتى المساندة شحت بها عليه..
ماذا تفعل وهي عاجزة عن المسامحة.. كما لو أنها تُضرب على رأسها للمرة الثانية والضربة الأولى مازالت لم تشفى...

أخرجها من أفكارها سؤال والدتها: شعاع متى تخلص محاضرات اليوم؟؟

جوزاء تنظر لساعتها وتهمس بثقل: بعد شوي يمه!!

أردفت أم عبدالرحمن بتوتر لا تعلم له سببا: زين إنه بكرة ماعندها جامعة..
لأنه فاضل ملزم.. لو خلصت الفحوص اليوم.. يملكها بكرة!!






************************************






" راح عليش علي..
كنت أبي أصيده لش..
بس صارت السالفة كلها بسرعة..
سبحان الله نصيب شعاع!!"

ابتسمت وضحى وهي تعدل وضع نقابها وتنظر للمرأة
ثم تنظر لكاسرة المبتسمة التي كانت تجلس أيضا بعباءتها في انتظار نزول والدتها وسميرة ليذهبن جميعا لزيارة عفراء:
حلوة ذي تصيدينه.. يكون فار بتصيدينه للقطوة..
على قولتش هو نصيب شعاع..
وشعاع تستاهل كل خير..
والطيبون للطيبات..
سبحان الله لما كنتي توصفين لي طبايعه.. كنت كأني أشوف نص شعاع الثاني..
مافيه حد نقي وشفاف وطيب وحساس مثلها..

كاسرة بمودة: فعلا شعاع تستاهل كل خير.. بركات دعوات عمتي اللي جابت لها علي..
ثم وقفت وهي تهتف بتساؤل باسم: أبي أعرف أمي وسميرة وش أخرهم..؟؟
الثنتين صايرين صمغ وغطاه.. لازم مع بعض.. لا وحدة منهم تفقد الذاكرة..

سميرة تضحك وهي تنزل الدرج وخلفها مزنة: سامعتش ياسوسو.. وتراني ماني بايحة منش عشان تدخلين النار..

كاسرة تبتسم: لا تبحين مني سمورة هانم.. هذا أنتي سمعتي بأذنش..







**************************************






" وين كنت فهد؟؟ صار لي ساعة أنتظرك
ميت جوع أبي أتعشا
وكلهم مايبون عشا!!"

فهد ينظر لهزاع بابتسامة واسعة: كنت في الدوحة شريت شكولاته وورد عشان يوديها المحل لهل حضرة العقيد في المستشفى..
العقيد جاله ولد اليوم..

هزاع يضحك: اللي يشوف شدوقك يقول الولد جاي لك أنت..

فهد بذات الابتسامة: أكيد.. ليه أنت عندك شك..
زايد بن منصور أصلا ولد الكتيبة كلها..
ثم أردف بتساؤل وهو يضرب كتف هزاع بخفة:
إلا أنت وش أخبارك ويا التدريبات؟؟

هزاع يزيل غترته ليظهر رأسه الخالي من الشعر تماما وبه عدة إصابات وهو يضحك:
اليوم حك القائد شعري بنفسه.. يقول أني أبي تأديب.. عشان تقدمت في الصف كم سانتي..
المشكلة إنه شعري كان يا الله طالع.. وهو مصر إني مطول شعري..

فهد بجدية: تستاهل.. صار لك الحين خمس شهور من يوم دخلت الكلية
ما أنت بعارف توقف في الصف..

هزاع بابتسامة مرحة: جانا حضرة النقيب بفلسفته.. من بيفكنا منه..؟؟
حاضر سيدي أبشر.. عُلم..






***********************************






" كساب رجاء
لا تنام هنا.. روح نام في مكان ثاني!!"

كساب باستنكار: نعم.. ووين تبيني أنام يعني؟؟

كاسرة اعتدلت جالسة وهي تسند ظهرها لظهر السرير وتهتف بحزم:
والله احنا ساكنين في ملعب مهوب غرفة.. دور لك مكان ونام فيه غير جنبي..

حينها هتف كساب بغضب: وأنا متى فرضت نفسي عليش؟؟ أو جبرتش على شيء ماتبينه؟؟

كاسرة بذات الحزم المتمكن ولكن مغمور بنبرة وجع حقيقية:
كساب أنا الليلة ما أبي أشوفك جنبي حتى..
يا أخي حاسة أني مكتومة منك.. صار لك يومين ضاغط على نفسيتي وأعصابي
حاسة أني ابي تايم أوت منك لو سمحت..

حينها نهض كساب من جوارها وهو يهتف ببرود بالغ الحزم:
حاضر يا مدام.. بأريحش من شوفتي..
بأطلع من الغرفة كلها.. بأروح أنام عند علي..
خلني أشاركه الليلة الأخيرة من حريته.. قبل مايدخل خنقة السجن بكرة..






*************************************






" أنتي صاحية..
توش مالش ساعة من تملكتي.. وجاية ناطة عندي!!"

شعاع تبتسم بخجل ووجهها يحمر بتلقائية: تدرين كان ودي أتدلع وأسوي روحي مستحية..
بس شأسوي مع حالتش.. ماخلتيني أتدلع.. من اللي بيعابلش إذا استحيت..
أمي ذابحتها الشحنة لعبدالرحمن نزلتها عنده وجيت أنا والخدامة..

حينها تسائلت جوزاء: زين وينها الخدامة؟؟

شعاع تتلفت حولها: حسبتها جات قبلي.. لأني طلعت على الدرج وهي على الأصنصير لأن معها أغراض..
ثم ضربت رأسها وهي تتذكر: يوووه الغبية هذي أول مرة تجي معي.. وما تعرف حتى رقم الغرفة..
الحين وين ألقاها.. أنا بأنزل تحت.. لو هي تفتهم بتنتظر عند الباب اللي دخلنا معه..

جوزاء بحنان: شعاع ياقلبي مالحقتي ترتاحين توش طالعة ست طوابق بتنزلين بعد؟؟

شعاع وهي تعدل وضع نقابها على وجهها وتتناول حقيبتها وتهمس بتذمر:
وش أسوي زين.. المسكينة الحين حايسة مع أغراضها.. بأروح أدور لها..

شعاع نزلت الطوابق الستة بسرعة.. وهي تنزل الدرجة الأخيرة من الطابق الأرضي.. ألتوى كاحلها لشدة استعجالها..
جلست على الدرجة وهي تكاد تبكي من الألم.. ثم شعرت أن شكلها محرج
وهي تجلس هكذا..
قررت الوقوف وهي تتحامل على نفسها ولكنها كانت تتحرك بصعوبة.. يستحيل أن تصل للباب الخارجي.. ويستحيل أكثر أن تعاود صعود الدرج..
قررت حينه أنه لابد من ركوب المصعد.. مهما كان رعبها من المصاعد..
فلايوجد أمامها سواه..
قررت أن تتصل أولا بالسائق حتى يعود ويبحث هو عن الخادمة..

ثم توجهت لمنطقة المصاعد ووقفت بجوار سيدتين كانتا تنتظران ركوب المصعد..
وكان هناك شاب وحيد يقف في الزاوية ويكلم في هاتفه..

حين انفتح المصعد ركب هو أولا..
ثم ركبت السيدتين خلفه وشعاع تتبعهما وهي لا تشعر بشيء سوى ألم كاحلها..
وهي تنزوي إلى آخر المصعد.. وتضغط على زر الطابق السادس..


.
.
.
.



قبل ذلك بحوالي عشرين دقيقة


" اسمع ياعريسنا.. أنت الحين نزلني.. وعقب دور لك موقف..
مع إن خالتي ملزمة علي أجيبك في يدي
يعني إن شكلك بيتغير عقب ماصرت رجّال متزوج"

علي يوقف سيارته أمام الباب لينزل كساب .. ثم يذهب ليبحث عن موقف
أكثر من ربع ساعة مرت قبل أن يجد له موقف ثم ينزل..
ويتوجه لمنطقة المصاعد..
وهو هناك وصله اتصال من كساب: وينك يأخي.. خلاص أنا بأروح.. خلصني!!

علي باستعجال: هذا أنا جايك.. عند الاصنصيرات الحين..

حين انفتح المصعد القريب منه.. ركب.. لتركب خلفه ثلاث سيدات..
ضغط على زر الطابق الخامس وهو معتصم بمكانه قريبا من الباب..
ودون أن ينظر إلى ماضغطن السيدات..
ليتفاجأ هو والصبية في آخر المصعد أن السيدتين نزلن في الثالث ولم يتبق في المصعد سوى هما الاثنان..
انتظر أن تنزل الصبية الثالثة ولكنها لم تنزل.. وهي حين انتبهت أن المصعد عاود الإغلاق والشاب لم ينزل..
أخذت تضغط لوحة التحكم من عندها.. وهو يضغط لوحة التحكم من عنده..
وكلاهما يريد أن يفتح الباب..
فلا هي تريد البقاء مع الشاب وحيدة..
ولا هو يريد أن يبقى مع امرأة في مكان مغلق لوحدهما!!

وكما هو معلوم.. مصاعد مستشفى الولادة كما مصاعد مستشفى حمد.. مزودة بلوحتي تحكم للأزرار..
أحدهما في أول المصعد والثانية في آخره..
هو كان يضغط زر الفتح بقوة.. وهي لارتباكها تضغط زر الإغلاق بذات القوة..
وماحدث أن المصعد لم ينفتح ولم ينغلق..
بل أطلق أزيزا خافتا ثم انتفض قليلا ليعلق ويتوقف تماما بين الطابقين الثالث والرابع...




#أنفاس_ قطر#
.
.
.

عاد لا تقولون صدفة ماتصير !! :)
عندنا في الدوحة تصير وتصير.. لأنه احنا بلد صغيرة
وأنا شخصيا صارت معي.. بس كان معي أختي اللي ذبحتني من كثر ماقرصت جنبي
يعني ماكنا بروحنا ولا تعطل بنا الأصنصير.. :)
واحنا عرفناه وهو ماعرفنا طبعا :)
.
بارت مميز جدا قادم يوم الأربعاء.. على الأقل من وجهة نظري ينتظركم مع تبعات إغلاق الاصنصير على المسيو علي والأميرة شعاع..
تعبت كثير لين نسقت لهالموقف وفي هالوقت
وقصدت تمام إنه يمر بموقف يشبه اللي مر فيه أخوه كساب بعد ملكته..
مع اختلاف الظروف
عشان تشوفون اختلاف ردة الفعل..
.
.
.

#أنفاس_قطر# 10-11-10 07:04 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والخمسون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الرحمات والتهليل والتكبير
أكثروا منها في هذه الأيام المباركة
وقد اختلف العلماء في صفته على أقوال :
الأول : الله أكبر.. الله أكبر .. لا إله إلاّ الله ، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد .
الثاني : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلاّ الله، الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد .
الثالث: الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلاّ الله ، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد .

والأمر واسع في هذا لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة مُعينة .
وكل هذه الصيغ تُقال في التكبير المُطلق أيام العشر والعيد ، والتكبير المُقيد بعقب الصلوات ..
.
.
يا هلا والله وألف مرحبا بكل الوجوه والجديدة
والله يسهل على الذاهبين للحج حجهم وأعادهم منه كيوم ولدتهم أمهاتهم
دعواتكم لنا أرجوكم
.
.
اليوم عندنا يوم توزيع النجمات
أول وحدة الغالية نوفي في تبريرها لسبب زواج علي من شعاع
كانت ماشاء الله تبارك الله الوحيدة اللي قالته
وقبل ماينزل الجزء اللي فات بس أنا ماقريته إلا قبل تنزيل الجزء على طول
.
وأتذكر أيضا أنثى أبكت القمر أنها كانت ذكرت في تعليق قديم جدا أن شعاع سيغلق عليها المصعد مع فهد
أو علي.. وإن كانت مع علي فهي ستكون حكايته المنتظرة.. توقع بارع جدا..
.
وبما أنني تذكرت التعليقات القديمة فجاكلين كذلك توقعت أن تظهر صورة لخالد الصغير مع والده..
.
أنا ما أتذكر حنين الذكرى قالت إن امهاب بيموت يمكن قلتيه في موقع الأحزاب
يا الله ياحلوة قربي نعلق النجوم..
بس تدرون بنات لو على توقع موت امهاب.. أتذكر إرادة بعد قالت يمكن يصير كذا ومن وقت طويل بعد..
.
.
يا الله..ماشاء الله.. اليوم نجمات بالهبل!!
.
فيه سؤال انسأل قبل وجاوبته قبل بس ماعليه أعيد
هل أنا أنفذ الطلبات اللي البنات يطلبونها في الرواية؟؟
يعني وحدة تبي مواقف زيادة للشخصية الفلانية لأنها تحبها وهي شخصيتها المفضلة..
الجواب بصراحة لا.. وقلتها قبل بكل صراحة لا
والسبب بسيط وصريح.. اللي يكتب واحد واللي يقرون الآف
لو أنا طاوعت كل وحدة تبي شيء في اللي هي تبيه
وش راح يبقى من روح الرواية اللي هي روحي؟؟
ولا شيء.. ولا شيء أبد..
والقصة اللي عجبتكم بتصير مجرد حكايات مفككة مجمعة لإرضائكم.. وبعدها أنتو لن ترضوا عنها حتى..
مثل سالفة الممثل اللي قلت لكم عنها المرة اللي فاتت :)
قلت لكم قبل إني أستمتع جدا جدا جدا في تعليقاتكم وهي تصنع للرواية ألف روح خارجية
ولكن روحها هي يجب أن تصدر عن كاتبها حتى لا يحدث التناقض والضعف
وحلاوة القصة بتعليقاتكم والاختلاف حولها دون أن تفسدها هذه التعليقات
أما متى أستفيد من التعليقات في صلب القصة ؟؟
حين أشعر أنه ربما هذه النقطة غير مفهومة وتحتاج إيضاح..
فأضع موقف لإيضاحها فقط..فقط.. فقط...
لأنه كل الأحداث والتفاصيل الرئيسية تم تقريرها منذ زمن..
فلا أغير الأحداث أو المسار الفكري أبدا لأي سبب..
.
.
الموقف المنتظر بين علي وشعاع..
واحد من أقرب المواقف لقلبي..

لأني حسيته بالفعل يكشف عن شخصية علي الحساسة والرومانسية يمكن بشكل ماعاد موجود في الواقع..
مع أني والله العظيم والله العظيم أعرف واحد شخصيته مثل علي الله يهني مرته فيه
مرته صار تخاف تقول عن مواقفه معها.. تخاف من العين.. ومعها حق:)
الله يحميهم من كل شر ولا حول ولا قوة إلا بالله
.
ماتتخيلون وش كثر تعبت في هذا الموقف
ارجو يعجبكم..
وعلى فكرة ترا حالة علي بيكون لها تفسير علمي بس خلوه بعدين
ما قلت لكم قبل إن علي بيكون له قصة خاصة جدا
استلموها
.
الجزء 59
.
موعدنا الجاي يوم الجمعة الساعة وحدة الظهر إن شاء الله
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والخمسون





شعاع حين علمت أن المصعد تعطل..
شعرت أن أعصابها أُصيبت بالشلل..


" يعني طول عمري مرعوبة من المصاعد
ويوم قررت أركب يتعطل فيني
لا ومعي رجّال وبروحنا"


تناولت هاتفها وهي ترتعش برعب حقيقي.. حاولت الاتصال بجوزاء..
ولكن الإرسال عن مقطوعا في داخل المصاعد كالعادة..

ألقت حقيبتها أرضا لأنها كانت عاجزة حتى حمل نفسها
وهي تتسند بظهرها على آخر المصعد..
وتمنع نفسها من التفكير بشيء حتى ألم كاحلها الذي نسته في خضم رعبها..
وهي تشد له نفسا عميقا وتكثر من الدعاء..


علي حين توقف به المصعد.. كان خاليا إلا من شعور حرج أن المصعد أغلق عليه ومعه امرأة لوحدهما
تناول هو أيضا هاتفه بثقة ليتصل بكساب.. ليجد الإرسال متعذرا أيضا..
اتصل بطلب نجدة المصاعد المعلق في المصاعد.. ولكن لم يجبه أحد..

شعاع حينما رأت الرجل يتصل ولا أحد يجيبه..
بدا ارتعاشها يتزايد ومحاولاتها لعدم التفكير تتبخر
وبدأت تشعر أن جدران المصعد تتقارب لتطبق على أنفاسها..
ثم جلست على الأرض وهي تضم ركبتيها لصدرها وبدأت ترتعش بشكل فعلي واضح
وهي تحاول منع نفسها من البكاء أمامه..


علي صُدم من ردة فعلها المبالغ فيها.. هتف بنبرة تهدئة بصوته الهادئ العميق:
يا أختي اذكري الله.. أنا أتصل والحين بيردون علي..
لا تخافين من شيء.. هذا ظرف طارئ وأنا حسبة أخيش..

حاول الاتصال مرة أخرى أمامها علهم يجيبون فتهدأ.. ولكنهم لم يجيبوا..

حينها بدأت تصرخ.. وهي تصيح بنبرة مختنقة:
بأموت والله العظيم بأموت..
تكفى يأخي كلمهم.. واللي يرحم شيبانك كلمهم..

علي بدأ يتوتر من حالتها غير الطبيعية
" أكيد هذي خبلة!!
الله يستر لا يصير لها شيء ومامعها في الأصنصير إلا أنا"

شعاع بدأت تشعر بالاختناق الفعلي الناتج من رعبها الحقيقي من المصاعد..
وهي ترا علي يتصل مرة بعد مرة ولا أحد يجيبه..
والوقت يمر واختناقها يتزايد ويتزايد..

لم تشعر بنفسها إلا وهي تشد نقابها عن وجهها لأنها ماعادت قادرة على التنفس أبدا..

علي حين رأى المرأة أزالت نقابها عن وجهها
أشاح نظره عنها بشكل كامل وهو يوليها ظهره.. ويتصل مرة أخرى..
هذه المرة أجابوه.. هتف علي باستعجال: الأصنصير معطل.. ومعي وحدة تعبانة

أجابوه بقولهم:
شفنا العطل يأخوي.. استحملوا بس ربع أو نص ساعة بالكثير..
لأنه فيه واير محترق ولازم نغيره...
والأكسجين عندكم يكفي..وبيكون فيه طاقم إسعاف واقف عند الباب..

علي هتف لشعاع بنبرة تهدئة ودون أن ينظر ناحيتها: ربع ساعة ..نص ساعة بالكثير ويفتحون لنا..

حينها قفزت شعاع أمامه وكل تفكير لديها يتعطل وهي تصرخ بهستيرية:
وش نص ساعة والله العظيم بأموت..بأموت.. أنت ماتفهم.. بأموت..

ثم بدأت تبكي بهستيرية وكل محاولاتها لمنع نفسها من البكاء تنهار:
بأموت والله العظيم ماني بقادرة أتنفس.. بأموت..
بأمـــوت.. بــــأمـــوت...

علي لم يستطع أن يرد عليها بشيء ..
فالتفكير كله طار والكلمات كلها تبخرت..
منذ صافحت عيناه صفحة وجهها.. شعر كما لو أن ماسا كهربائيا كاسحا ضرب قلبه في منتصفه تماما..
لينثره أشلاء رآها تتطاير أمامه في فضاء المصعد !!


شعر أن هذا الوجه كان يرافق أحلامه منذ الأزل..وقلبه يذوي مع انفعالها..
أما حين بدأت بالبكاء.. فهذا القلب المجنون بدأ يتداعى بصورة مؤلمة غير طبيعية..

كان نظره كله مركز على وجهها.. يحاول أن يشيح بنظره فلا يستطيع..
يحاول أن يبعد نظره عنها.. فيجده يعود لها مرة أخرى..

ينظر لارتعاش شفتيها..
وكيف تخرج كلماتها من بينهما مبعثرة كتبعثر السكر..
ينظر لعينيها المغرقتين بالدموع..التي بدت له بحيرة تفيض بحبات الكريستال الصافي الذي تعلق بأطراف أهدابها..
ينظر لخديها المحمرين المبللين كخدي طفلة!!

"يا الله ..هل هناك هناك مخلوقة عذبة ورقيقة كهذا؟؟"

حاول أن يشيح وهو يقول لنفسه: النظرة الأولى لك والثانية عليك..
اللهم أني استغفرك وأتوب إليك..

ولكنه لم يستطع أن يشيح بنظره عنها ..
كما لو أن هناك شيء أقوى منه يجبره على ذلك..
ينظر لها وهي ترتعش وتبكي كطفلة خائفة.. وبباله خاطر واحد مجنون:
ماذا لو أخذها في حضنه ليسكن جزعها وارتعاشها الذي يشعر به يذيب كل خلية في جسده..؟؟

ليكتمل جنون هذا المشهد بشعاع تفقد وعيها..
وربما كان هذا رحمة بها لأنها لو بقيت بوعيها أكثر لفقدت عقلها..

علي حين رأها تميد وكأنها ستفقد الوعي.. أمسك بها..
لأنه كان يعلم أنها ولو وقعت دون إسناد على أي من زوايا المصعد الحديدية
فإن إصابتها ستكون جسيمة..

وكان من المفترض.. أنه حين أسندها.. أن تنتهي مهمته وأن يتركها ممدة على أرض المصعد..
ولكنه لم يستطع تركها للأرض وهو يسندها إلى حضنه هو:
" هذي حرام تلمس القاع القاسية جسمها.. يمكن تنخدش من رقتها.."

" تدري أنك استخفيت ياعلي..
استغفر ربك.. البنية حرام عليك.. ومسكتك لها حرام.."


رغم كل شعوره بالحرج مما يفعله والفتاة ممدة في حضنه..
ولكنه لم يشعر بالأثم وألم الذنب الذي يشعر به أصحاب القلوب الصحيحة حين يرتكبون أدنى ذنب..
كان يشعر أن مايفعله هو حق مكتسب وحقيقي وأصيل..

كانت ممدة في حضنه.. فاقدة للوعي..
وهي تتيح له بذلك فرصة مراقبتها بحرية..
لم يحاول حتى إيقاظها.. أراد فقط أن ينظر إليها بتمعن..
وكأن الله سبحانه يمنُّ عليه بذلك حين جعلها تفقد وعيها..

كل تفاصيل وجهها الطفولي العذب.. وانحناء ذقنها منحدرا لامتداد لعنقها..
بل حتى شعرها الحريري.. لأن شيلتها سقطت مع سقطتها..
كان وجهها خاليا تماما من أي زينة عدا مرطب شفاه ملمع بلون زهري خفيف..
ومع ذلك بدت له أجمل مخلوقة رآها في حياته..

رأى في حياته آلاف الأشكال اللاتي قد يكنَّ أجمل منها فعلا..
سافر لعشرات البلدان ورأى مختلف أشكال النساء..
لم تحرك واحدة فيه أدنى إحساس..
حتى إصراره على جميلة كان من محبته لخالته واعتزازه إنها تربت في بيتهم..

فما مصدر غرابة وقوة وعمق إحساسه بهذه المرأة المجهولة التي تتمدد في حضنه
في موقف لم يكن ليخطر له ببال أبدا؟؟

ماهو السر في هذه المخلوقة؟؟؟
شعر كما لو أنه في حياته كلها كان ينتظر شيئا مجهولا لا يعلم ماهيته وهاهو يجده الآن.. ولا يعرف كيف..
حاول جاهدا ولعدة مرات أن يبعدها عن حضنه ليمددها على الأرض.. ولكنه لم يستطع فعل ذلك..
كما لو أنه يخشى على رقتها أن تكسرها قسوة الأرض فعلا..

لم يستطع إبعادها عنه لأن عينيه كانتا عاجزين عن الابتعاد عن مدى وجهها
كما لو أنه مأسور بسحر أزلي استعصى على الفك..
لم يعلم كم مضى من الوقت وهو مفتون بمراقبتها فقط..


كان يريد إبعادها عنه فإذا به دون أن يشعر بنفسه يرفعها قليلا عنن حضنه ليضمها لصدره بخفة..
ولكنه انتفض بجزع حقيقي..
وهو يفلتها ويكثر من الاستغفار والدعاء لله أن يقويه على شيطانه..

ولكنه لم يستطع إلا أن يعيد الكرة مرة وهو يشعر أن رائحتها أسكرته تماما..وأوقفت كل تفكير عقلاني لديه..
هذه المرة احتضنها بقوة رغما عنه..
وهو يشعر أن قلبه يبكي..يبكي فعلا..
ينزف دموعا لا حدود لها.. ولا يعلم لماذا؟؟
أ خوفا من ذنب مافعله؟؟
أم رهبة قربها؟؟

أسند ذقنه لرأسها وهو يتنفس عطر شعرها بعمق..
يحاول جاهدا قهر نفسه ليفلتها..
ولكنه لم يستطع.. لم يستطع.. كما لو أن روحه ستغادره لو تركها..
أي جنون أصابك ياعلي وفي دقائق معدودة فقط؟!

ضمها أكثر وهو يشعر بليونة جسدها تذيب كل أعماقه..
كما لو أن تفاصيل عظامها الرقيقة تنطبع بعلامات من نار على كل نواحي جسده..
بدأ هو يرتعش بعنف كالمحموم تأثرا من قربها الذي قلب كل كيانه..
كإعصار هائل مر في لحظات ليقلب كل شيء!!

أفلتها قليلا وهو مازال يرتعش بذات العنف ليملأ نظره من وجهها..
يعلم أن المصعد سيفتح قريبا.. رغم أنه تمنى ألا ينفتح أبدا..
أراد أن يتزود من كل تفاصيلها..

كان وجهها قريبا جدا منه..
وشفتاها اللتان ماتزالان ترتعشان بخفة تبدوان غاية في العذوبة إلى درجة التعذيب..
أقترب منها أكثر.. وكان على وشك أن يفعلها..
لولا أنه انتفض بعنف.. وهو يهز رأسه بعنف رافض..

وينـزلها أخيرا على الأرض !!
ويقفز بحدة مبتعدا عنها وهو يلهث بذات الحدة:
استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم..
استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم..
وش كنت بأسوي الله يلعنك يأبليس؟؟؟


"والله العظيم ..إني عمري كله وأنا أدور لها
وعقبه ألقاها في نفس اليوم اللي أتزوج فيه!!"

كان علي على وشك أخذ حقيبتها..
كان يريد أن يبحث فيها عن أي اثبات لها حتى يأخذه ليعرف كيف يتوصل لها فيما بعد..
فهو يستحيل أن يتركها بعد أن وجدها..
ولكنه قبل أن يتناول الحقيبة.. تحرك المصعد بسرعة ثم انفتح ..

وقف علي جانبا.. بينما المرضات دخلن وهن يحاولن إفاقتها..
بينما علي يهتف برجاء عميق: تكفون غطوها..

كان يشعر بغيرة عميقة أن يرى رجل آخر مارآه هو..
بل مايعتبره بكل جنون حق له وحده!!

كان يريد أن يتبع الممرضات ليتعرف على اسمها..
ولكنها مع إيقاف الممرضات لها بعد أن جعلناها تشم شيئا في داخل الأكسجين..
نهضت من إغماءتها وهي تتناول حقيبتها وتغطي وجهها بطرف شيلتها و تهرب وهي تعرج..

الممرضات طلبن منها التوقف ولكنها كانت تشير بيدها: مافيني شيء.. مافيني شيء..


أراد علي أن يتبعها ولكن كان هناك العشرات متمجهرين حول المصعد
ينتظرون رؤية من اُغلق عليهم المصعد..فقدها بينهم..


ركض في أنحاء الطابق الرابع حيث انفتح المصعد..
لم يعلم أنها تركت الطابق كله وتوجهت للدرج..
بقي يدور كالمجنون في الطابق..
ثم استند إلى الحائط وهو يلكمه ويكاد يبكي قهرا..
كيف اختفت هكذا..؟؟


كما لو أنه وجد حلمه الذي كان يبحث عنه حياته كلها..
ثم سمح له أن يتبخر أمامه كسحابة صيف.. وَقَته هجير الشمس لثوان
ثم ارتحلت للأبد ليحترق من الشمس التي كان قد اعتاد عليها..
لأنه يستخدم واق منها هو قلبه الخالي..

ولكن قلبه الآن ماعاد بين يديه.. أخذته وفرت به..
فكيف سيحتمل؟؟
بدا له الأمر فوق احتماله.. لأنه ليس أمرا في استطاعة البشر..
بل هي قدرة رب العالمين الذي حكم عليه بهذا الامر المهول الذي يمزق روحه بطريقة غير إنسانية!!


وهو في وقفته.. رن هاتفه.. كان كساب هو المتصل..

هتف له علي بنفس مقطوع: كساب ما أقدر أجي لخالتي..
تعال لي أنت في الطابق الرابع..

لم يستغرق الأمر دقيقتين ليصله كساب وهو يهتف له بقلق: وش فيك؟؟

علي بإرهاق: تعبان شوي.. أبي أمشي للبيت.. وأبيك أنت تسوق..

وهما في السيارة.. كان كساب يسأله ولكن علي لم ينتبه مطلقا لما يقول..
فباله وتفكيره لم يكونا معه إطلاقا..

هتف كساب بنبرة مقصودة وهو يحاول كتمان غضبه وهو يهز كتف علي بعنف:
علي وش فيك منت بطبيعي!!

علي انتفض بخفة: مافيني شيء.. مرهق شوي قلت لك..

كساب بذات النبرة المقصودة التي أصبحت أقرب للغضب وهو يضرب جيب علي على صدره بقسوة:
والشيء ذا هو سبب إرهاقك؟؟

حينها التفت علي لما يشير له كساب كان لونا زهريا فاتحا يلوث جيبه تماما..
لم يربط علي وهو يجيب بعفوية: ما أدري من وين جا الوسخ ذا؟؟

حينها أوقف كساب السيارة وهو يلتفت بحدة لعلي وينفجر بغضب متفجر فعلا:
وسخ؟؟ أنت مفكرني بزر تلعب عليه..
أنت نزلتني في المستشفى ووين رحت ذا كله يا قليل الأصل..

علي بجزع غاضب: أنا قليل الأصل؟؟

كساب بذات غضبه المتفجر وهو يلكم عضد علي بقوة:
إيه قليل أصل وماتستحي.. ومافي وجهك ذرة حيا..
تقول لي وسخ ..وهي داعسه خشتها في صدرك..
لا وجاي بكل وقاحة لين المستشفى عقبها..

حينها انتبه علي أن مابصدره هو بقايا ملمع شفاهها..
حينها لمسه بكل خفة وهو يهمس بوجع كأنه يحادث نفسه: مكان شفايفها..!!

كساب كان يريد أن يشده خارج السيارة ليضربه..
ولكنه شد له نفسا عميقا وهو يمنع نفسه من التهور ويشغل السيارة ويهتف بحزم غاضب:
وتعترف بعد..زين ياعليان.. خلنا نرجع البيت..
إما ربيتك من جديد ما أكون كساب بن زايد..
أنت ما تستحي على وجهك.. توك متملك مالك ساعتين..
يومك دروبك دورب خمل كذا ماكان خذت بنات الناس..
أموت وأعرف أشلون كنت داس علينا كذا.. أشلون كنت مسوي روحك الملاك اللي مايغلط..

علي حينها هتف بألم: وين راح تفكيرك.. أنا الله العظيم ماطلعت من المستشفى مكان..

علي حكى لكساب كل شيء.. فهو لن يحتمل وزر هذا الألم لوحده..
حينما انتهى من حكايته.. انفجر كساب ضاحكا وهو يهتف:
تدري أني كنت أشك إنك خبل.. بس الحين تأكدت مافيه مجال للشك..

علي أجابه بألم حقيقي: داري أنك بتضحك علي.. واضحك مايهمني..
تدري ياكساب يوم شفتها تبكي هقيت إن الشاعر يوم قال:
(وماذرفت عيناكِ إلا لتضربي...بسهميكِ في أعشار قلب مقتّل)
إنه ما قالها إلا عشانها..
القلب من اللحظة اللي شفتها فيها صار قطع مكسرة..
وزادتها علي ألف مرة يوم شفتها تبكي..

كساب مازال يضحك: نعنبو دارك هذا كلام صاحين..
أنا أشهد أنك استخفيت.. أمحق دبلوماسي عقله أقل شيء يطيره..

علي بغضب: إيه كلام صاحين.. وبأدورها لين أعينها.. واتزوجها..

كساب يحاول أن يتماسك من الضحك: واشلون بتعينها..
المسكينة تلاقيها ارتاعت من المستشفى بكبره..
ثم أردف بتماسك جدي: وبعدين أنت واحد تزوجت خلاص..
عيب عليك ذا الكلام حتى لو كان نكتة..

علي بإصرار: أنا مستحيل أتزوج حد غيرها..
ثم أردف بألم: كساب حتى بعيد عن مشاعري اللي أدري أنها غبية وسخيفة وتضحكك..
البنت ضميتها لصدري.. وأعوذ بالله منك يا ابليس ماكان بين شفايفي وشفايفها إلا ستر ربي..
لين الحين أحس أنفاسها دخلت صدري ومارضت تطلع...وريحتها عبت رأسي..
وعقبه تقول اخليها!! في أي دين وشرع هذا؟؟

كساب حينها هتف بجدية صارمة مرعبة: عشانك بزر.. وقلبك معلق في مخباك..
اصطلب ياولد.. بنات الناس مهوب لعبة عندك..
شفت بنت بين إيديك في موقف ضعف.. وماقدرت تمسك نفسك منها..
سويت غلط كبير واجد.. لكن مهوب لدرجة أنك تحس أنك مسوي غلط تبي تصلحه..
البنت ماصار بينك وبينها شيء بالمعنى اللي لازم يتصلح..
إلا عاد لو أنت اللي تبي تحس إن غلطك لازم يتصلح..
خلك من خبال البزارين..
وإلا تدري روح افضح روحك أحسن.. وقول لأبيك أبي أطلق بنت فاضل
عشان وحدة ضميتها في الأصنصير..
افضح روحك وافضح بنت الناس اللي ماتدري من هي..

اسمعني ياعليان زين.. حكي ياصلك ويتعداك..
والله ثم والله لا تهين بنت فاضل بن عبدالرحمن بأدنى شيء وإلا تفكر تخليها
أن قد تشوف شيء عمرك ماشفته..






***************************************






" شعاع وش فيش.. نقزتي قلبي؟؟
اهدي وقولي لي"

كانت شعاع تنتحب وترتعش بقوة في حضن جوزاء:
يمه ياجوزا يمه..
تسكر علي الاصنصير مع رجّال بروحنا..
وكنت بأموت.. والله ما أدري وش هببت..
بس الأكيد إنه الرجّال شاف وجهي ويمكن شاف شعري بعد..
وعقبه أغمي علي..
ياويلي من ربي.. ياويلي من ربي..
الرجّال شاف مني اللي حتى رجّالي مابعد شافه مني!!

جوزا تهدئها: خلاص شعاع ياقلبي.. أنتي مالش ذنب..
خلاص والله ماعاد تقعدين عندي عقب اليوم..
أساسا أنا بأطلع يا الليلة يابكرة..
وخلاص أنتي مالش قعاد عندي..

شعاع مازالت تنتحب وهي تحاول تهدئة نفسها:
خلاص باقعد لين العصر..
بأخلي الممرضات يشوفون رجلي وبارتاح وعقب بأروح..





*****************************************






" الحمدلله على السلامة يأم زايد!!
أنا أمس ماجيت لأن مزون قالت لي أنش تعبانة"

عفراء تهمس باحترام جزيل: الله يسلمك.. وتلفونك يكفي..ماكان تعنيت..

زايد بفخامة : مايصير يأم زايد.. لو مهوب عشان زايد الصغير..
عشان بنتي جميلة..لازم أجي أتحمد لها السلامة

جميلة تبتسم بمودة مصفاة: وجعل جميلة ماتبكيك.. قول آمين..
ثم أردفت بمرح: إلا سماوة زايد وينها؟؟

عفراء نهرتها: عيب يا بنت..

زايد يبتسم: عفرا وش فيش على البنية.. إنها صادقة.. تبون تسمون عليّ ببلاش..

عفراء بذات الاحترام العميق: اسمك بروحه سماوة..

زايد بمودة: سماوة زايد بتجيكم في البيت لا طلعتوا.. وماتبونها.. تراها لجميلة..
ثم أردف بتقصد: ولو أني زعلان منها واجد..على سواتها في سمي الغالي..

حينها انطفئت ابتسامة جميلة وهي تنكمش قليلا في مقعدها..
مزون شدت ذراع والدها وهي تهمس في أذنه :يبه مهوب وقته..
ثم أردفت بصوت عال: يبه ماتبي تشوف سميك..

همس في أذنها: ترا موضوع خليفة والله ما أخليه يعدي بالساهل.. حطي عندها خبر بذا الشيء..
ثم أردف مثلها بصوت عال: جيبو سميي أشوفه..

مزون وقفت لتحضر زايد الصغير ثم وضعته بين يدي والدها الذي حمله بحرص ووجهه يشرق
قبل جبينه وهو يدعو له بالصلاح..

همست مزون بابتسامة: مهوب لو أنك تطيعني وتتزوج
كان الحين عندنا ولد حقنا بروحنا بدل ماجميلة تحرني كل ماجيت أحبه..

زايد أعاد الولد لها ثم قرص خدها بمودة: وأنتي من جدش تبين مرة تشاركش في أبيش..

ابتسمت مزون: يبه فيه فرق بين المحبة والإنانية.. أكيد أني ما أبي حد يشاركني فيك..
بس لو بغيت تتزوج أكيد حقك.. لأنه أنت توك.. والمفروض سويتها من زمان مهوب ذا الحين..
وتدري يبه الدبة جمول حرتني.. خاطري في أخ صغنون لي بروحي.. مالي شغل..

ابتسم زايد وهو يقف: وهذا زايد الصغير حقكم كلكم..
وانتظري شوي وينترس البيت من عيال كساب وعلي إن شاء الله






**********************************





منذ عاد من المستشفى وهو في حالة انعدام وزن تامة..
لم يستطع حتى الذهاب لعمله وباله مشتت هكذا..
لا يعلم أي عاصفة ضربت منتصف قلبه هكذا وهو يشعر به مفتت أشلاء..
خلع ثوبه.. وهاهو معلق أمامه.. وسيحتفظ به هكذا حتى آخر يوم في عمره..
عيناه لا تغادران مكان شفتيها التي لامست صدره...
كلما تذكر ذلك شعر بنغزة حادة حقيقية في قلبه..

والأمر المؤلم أكثر لمشاعره الرقيقة وضميره الحي أنه يشعر أنه يخون المرأة التي من المفترض أن تكون هذه المشاعر لها..
أنه يخون شعاع..!!

للتو صباحا كان يطبع توقيعه بجانب توقيعها
الذي بدا مرتبكا متعرجا كما لو أن أنامل من يوقع ترتعش..

لماذا يُحكم عليه أن يحب بهذه الطريقة المجنونة..
ذلك الحب المجنون الذي يقال عنه "حب من النظرة الأولى"؟؟
يحب امرأة لا يعرف عنها شيئا وفي نفس الوقت الذي أصبحت مشاعره مقيدة لامرأة أخرى رسميا..

حين يفكر في سخرية كساب منه.. يجد أن كساب كان محقا في كل ماقاله..
فهو ليس أكثر من غبي سخيف من يحب بهذه الطريقة الطفولية الغبية؟؟
ولكن ماذا يفعل.. يعلم أن قلبه اللين ليس كقلب كساب المتحجر..
هكذا خلقه الله.. فهل يعترض على ذلك؟؟

هاهو يصلي العصر.. وقضى الوقت بين الصلاتين في دعاء وحيد:
" يا الله ياكريم
إن كان لي في هذه البنت خير
فاجعلني ارآها..
إن كنت تعلم يا آلهي أن حياتي يجب أن تكون معها
لا تحطم قلبي هكذا واجعلني آراها مرة واحدة فقط
حتى أعرف من هي"


علي قرر أن يتوجه للمستشفى وفي باله خاطر واحد
إن كان الله راضيا عليه ويعلم أن في لقاءها مصلحته
فهو سيعثر عليها حالا..
فهو لا يستطيع إحراج نفسه بالسؤال ولا بالوقوف في الممرات..

أما إن كانت هذه الفتاة ليست سوى مجرد اختبار من رب العالمين ليعذبه في هذه الدنيا
فهو لن يعترض على ماكتبه الله له..
وسيبقى يتجرع ألم ولهه وعشقه غير المعقول..

ولكن زوجته ماذنبها؟؟ ماذنبها؟؟
فهو يعلم أن مايشعر به الآن يستحيل أن يكون شعورا وقتيا سيمضي مع الوقت
بل هذا الشعور اخترق قلبه وأستولى على روحه حتى آخر قطرة..
يشعر أنه لا يستطيع التفكير بشيء عدا تلك المجهولة..
وكلما فكر بها شعّر بدقات قلبه تتسارع إلى حد الإجهاد وهو يشعر كما لو أن قلبه سيقفز من بين جنبيه..






*************************************






" صالح طالع الحين؟؟"

صالح بتأفف: تكفين نجلا بدون تحقيقات.. طالبش..

نجلا بألم: يمه وش فيك شبيت فيني؟؟
كنت أبي أقول لك إني مجهزة فوالة العصر تحت..
ولو كنت بتتقهوى معي قبل تطلع..

صالح بنبرة تراجع نادمة: كله منش.. ماعاد خليتي فيني مخ يفكر..
على طول مخليتني متحفز كني في موقع اتهام..

همست نجلا بضيق وهي تنظر للأسفل: محشوم يأبو خالد..

حينها مد صالح يده وهو يرفع ذقنها ليقبل أرنبة أنفها ويهتف بابتسامة:
مشكلة الغالي لا درا أنه غالي.. تغلى بزيادة!!

حينها ابتسمت وهمست بمرح: يعني لو سألتك وين رايح منت معصب علي؟؟..

ابتسم وهو يربت على خدها: إلا بأزعل.. وأعصب بعد.. وين بأروح يعني؟؟


كانا ينزلان للأسفل حيث القهوة ونجلاء تهمس بنبرة مودة:
أبي أروح الصالون بأغير شوي في شعري.. عندك مانع..؟؟

صالح بعفوية: لا حبيبتي ماعندي مانع..






****************************






لا تنكر أن توترها يتزايد منه..والأكثر استغرابها..
منذ ذهابهما للمطعم قبل أمس.. وتوجس عميق أصبح في روحها من ناحيته..
أصبحت تجيب على إشاراته بإشارات مشابهة..
ولكنه يشير لها في الحدود الدنيا عن أمور عفوية يومية..

تشعر أن حاجزا كبيرا بينهما انهار.. وهذا الإنهيار لابد أن يحدث بعده تقارب!!
وهذا التقارب المفترض يقلقها ويوترها..
تجد نفسها غير مستعدة له إطلاقا..
لطول ما اعتادت على حياتها الساكنة معها.. حياة آمنة كانت تريحها..
لا تريد تغييرها..
فمع التقارب يحدث التعقيد البشري الناتج عن تعقيد المشاعر
أمور هي في غنى عنها..

لكنها في ذات الوقت لا تستطيع منع تميم من حقه الذي هو سنة الله في خلقه..
أفكارها مشوشة.. وتميم بغموضه يزيدها تشويشا..
فلا هو من يصرح بما يريد.. ولا هو يظهر نواياه..
أو ربما كان كل هذا محض هواجس في عقلها هي وحدها وهو يتصرف بعفوية..

منذ أن غادر لصلاة العصر لم يعد.. تعلم أنه سيذهب لعمله..
رغم أنه لم يعد منه إلا وقت الغداء.. بالكاد غفا له نصف ساعة..

رن هاتفها.. كانت نجلا التي همست لها باستعجال:
تروحين معي الصالون؟؟

سميرة بابتسامة: ماكنش يتعز على قولت خالي هريدي..
كان ودي بس عندي تصحيح..
إلا أنتي وش تبين بالصالون؟؟

نجلاء بعفوية: باروح أصبغ شعري...

سميرة بصدمة: نعم؟؟ صاحية أنتي؟؟ حد عنده لون شعرش ويفرط فيه
حرام تخربينه بالصبغات.. أنا أصلا أصبغ شعري عشان يكون نفس لون شعرش..

نجلاء بضيق: أقول ابي أسوي تغيير يمكن يعجب صالح!!

سميرة بتحذير: ياويلش يا الخبلة تسوينها... أنتي أساسا ألف مرة قايلة لي إن صالح يموت في لون شعرش..

نجلاء بيأس: يجاملني.. صالح ماعاد يشوف فيني شيء عاجبه.. مايشوف إلا عيوبي..
يعني الحين شايلته وشايلة بيته.. والله العظيم حتى فنايله وسراويله مايعرف مكانهم..
كل شيء أنا أسويه له.. وعقبه يحاسبني إني أغار عليه..
وكني أنا مصدر الضيق الوحيد في حياته..

سميرة بتهدئة: خلي خلافاتش أنتي وصالح بعيد عن شعرش.. لا تصيرين خبلة..
أنتي الحين شعرش حلو وناعم.. بس يوم يدل الصبغات والله العظيم لا ينقلب حاله..

نجلاء بتصميم: قلت لش أبي أسوي تغيير.. وأنا استاذنت صالح ورخص لي..
ماتبين تروحين معي خلاص.. بأروح بروحي!!


سميرة تنهدت بعمق..
يبدو أن لا أحد مرتاح في هذه الحياة..
فحتى أختها التي يبدو أنه لا مشاكل عندها.. تخترع لها مشاكل من تحت الأرض
أو ربما كان عندها مشاكل فعلا لا تشعر سميرة بها
"النار ماتحرق إلا قدم واطيها!!"
وانشغال سميرة بحياتها جعلها تغفل النظر عن الإحساس بمشاكل أختها كما تشعر هي بها..


كانت تريد أن تحمل أوراقها لتنزل في الأسفل لتصحح عند مزنة
حين وصل هاتفها رنة رسالة..
كانت من تميم..

توترت كما لو أنه سيقفز من الرسالة عفريت ما لو فتحتها..
سابقا لم تكن تهتم حين يصلها رسالة منه لأنها تعلم تماما ماهو المضمون..
" سأتأخر.. جهزي لي الأمر الفلاني" وفقط
لكن الآن لأنها تشعر كما لو كان يلاعبها على الحافة
فهي تخشى من كل خطوة..فتحت وأصابعها ترتعش:

" افتحي درج مكتبي الأول"


توجست.. وهي تتجه للدرج وتفتحه..
وجدت علبة مربعة مغلفة بتغليف راق جدا.. والشريطة عليها اسم محل مجوهرات شهير جدا..
وفوقها بطاقة.. فتحت البطاقة:

" أعلم أني لم أهديكِ شيء طيلة الأشهر الماضية
رغم أن كل شيء جميل أراه أتخيله ينير نحركِ أو معصميكِ أو أناملكِ
ولكن لم أستطع أن أفعل ذلك سابقا.. كما تشجعت وفعلتها اليوم
.
أتمنى أن يعجبك ذوقي..
وأتمنى أكثر ألا تتعبي رأسك الجميل في البحث عن مبررات
فالبحث عن المبررات يفسد دائما كل ماهو جميل!! "


سميرة وضعت العلبة فوق المكتب وهي تنظر لها بفضولها العفوي الطبيعي:
وش اللي تغير زين ياتميم؟؟
أول ماتقدر والحين تقدر!!
الرجّال ذا بيجنني..

لم تقاوم طبعا فضولها في فض الغلاف وفتح العلبة ثم الانبهار فعلا بما في داخلها
لا تعلم هل انبهرت لأنها لم تتوقع أن تكون الهدية بهذا الذوق والجمال..
أم لأنها لم تتوقع أن يكون عند تميم كل هذا الذوق الرفيع!!

كان عقدا ماسيا ناعما دائريا بإحجار ناعمة متناهية في الصغر..
ولم تقاوم طبعا رؤيته على نحرها..

ارتدته بالفعل وهي تشعر كما لو كان قد صُنع لها خصيصا وهو يبدو مبهرا على نحرها الناصع..
في لك الوقت تماما وصلها رسالته الثانية:

" أحلى من العقد لبّاسه
عارف إن العقد الحين يلمع أكثر من لمعته
لأنه كان له شرف ملامسة الطهر اللي مالمسناه"

سميرة أعادت العقد في علبته بسرعة وهي ترتعش:
يمه يمه سكني هذا.. وأشلون درا أني لبسته..
وش ذا الكلام اللي يروع اللي يقوله.. الرجّال شكله استخف رسمي..





************************************





" كساب وين بتروح؟؟"


لم يرد عليها وهو يضع أغراضه وملابسه في حقيبته والتي كانت في مجملها موضوعة في أكياس قماشية داكنة..
ويبدو واضحا أن بداخل كل كيس حذاء برقبة عالية.. وهو يصفها بعناية دقيقة داخل الحقيبة...

أعادت السؤال بحزم: كساب لو سمحت جاوبني.. وين بتروح..؟؟

أجابها حينها بحزم: شايفتني أحط ملابس داخل الشنطة.. وين بأروح يعني؟؟
بأسافر..

همست بغضب رقيق: وبدون ماتعطيني خبر حتى..؟!

حينها هتف بسخرية: تدرين كنت بأقول لش البارحة..
بس البارحة مرتي طردتني من غرفتي.... تخيلي!!

سألت بحزم وهي تنظر له وتكتف ذراعيها: بتطول..؟؟

رد عليها بغضب: مالش شغل..
يعني أنش مهتمة طولت وإلا قصرت..؟؟ وإلا رحت في داهية..؟؟

كاسرة شدت لها نفسا عميقا ثم همست بتحكم:
كساب هذا مهوب أسلوب تفاهم..

ضحك ضحكة تهكم: تدرين أول مرة أدري أنش تعرفين شيء اسمه تفاهم..
كنت أظن مافي قاموسش إلا شيء اسمه النكد..

حينها هزت كتفيها وهمست بثقة: أنت كساب تمام مثل اللي عيرني بعيارته وركبني حمارته..
تروح وترجع بالسلامة.. الله يحفظك من كل شر!!

أغلق حقيبته وهو يتمتم: مع السلامة.. إذا بغيتي شيء دقي لي على خطي الثريا..

كان قد وصل إلى الباب وهي مازالت واقفة متكتفة بذراعيها
وتمنع عبرة كبيرة تجمعت في حلقها من الظهور..

حينها أنزل حقيبته عند الباب.. وعاد ليشدها ويدفنها بكل قوته بين أضلاعه
وهو يهمس في أذنها بنبرة غريبة.. خليط من حنان وكبرياء وشجن:
والله العظيم واللي خلقني وخلقش أني ما أحب أزعلش..
بس ما أدري هل أنتي اللي تستفزيني.. أو أنا أساسا متحفز ما أحتاج استفزاز؟!!


لم ترد عليه.. لأنها تعلم أنها إن تكلمت فربما تنفجر باكية..
وهي تفضل أن تموت على أن يعلم أنها تبكي لأنه سيسافر..
بل ولا يسافر والوضع بينهما مستقر حتى... بل مثقل بتعقيدات لا معنى لها ومحملة في ذات الوقت بكل المعاني..

وحتى لو كان الوضع مستقر.. فهي لا تحتمل بعده.. لا تحتمل..
البارحة لم تستطع النوم حتى لأنه كان بعيدا عنها لا تنتفس عبق أنفاسه..
كل ما استطاعت فعله أنها قبلت كتفه حيث مكان شفتيها ودون أن تتكلم..

حينها رفع رأسها ليقبلها بتروي ثم همس بحنان متدفق:
زين على الأقل ابتسمي عشان أدري أنش منتي بزعلانة علي..

أجبرت نفسها على رسم ابتسامة متقنة ليبتسم هو أيضا بشكل عفوي..
ويقبل جبينها ثم يغادر..
توقف عند الباب ثم هتف بحزم: أربع أيام وراجع إن شاء الله..

ثم خرج وأغلق الباب خلفه..

حينها تأكدت من إغلاق الباب بالمفتاح.. وانفجرت في بكاء صامت مكتوم..
وهي تدفن وجهها في المخدة وكأنها تخشى أن تسمع هي نفسها صوت بكاءها!!
متعبة بالفعل من هذه الحياة..
أن تحبه بهذه الطريقة الجنونية الخالية من أي منطقية..
مع أن المنطق كان يقول أنها يجب أن تكره شخصية متسلطة ومستفزة كشخصيته..
وبعد كل ذلك كل ما يفعله.. أنه يتلاعب بها..
يقربها حين يريد.. ويبعدها حين يريد..
وهي ليس أمامها سوى أن تتلهف لقربه.. أو تتألم لبعده..

تعبت فعلا.. تعبت.. مرهقة تماما وماعاد بها قدرة للاحتمال أكثر..
ماعادت قادرة على الاحتمال فعلا..
لو كان هناك بادرة أمل أنه قابل للتغيير كانت ستصبر حتى آخر العمر..
ولكن يبدو أنه مخلوق مستعصي على التغيير.. والمبرر الوحيد لهذا هو أنه لا يحبها..

تعلم أن بينهما المودة بل الكثير منها.. وإلا كيف تفسر اهتمامه بها..
ولكن هذه المودة لم تصل للحب ولن تصل..

هــي.. لأنها تحبه.. تغيرت كثيرا من أجله
رغم أنها كانت تظن أنها يستحيل أن تتغير من أجل أحد..
ولكنها لا تستطيع أن تحيا مع استنزاف المشاعر والكرامة هذا الذي يبدو بدون أمل..
لا تستطيع..
لا تستطيع..
يبدو أنها وصلت لختام المرحلة التي كانت تعرف إنها قادمة لا محالة..
نهضت لتضع ملابسها الضرورية في حقيبة وتستعد هي أيضا للمغادرة..

كانت تعلم أن هذا ما سيحدث..
وكانت تعلم يقينا أن حياتها مع كساب لن تستمر..
حلمت بطفل يحمل بعضا من روحه ويبقى بين ذراعيها..
ولكن هذا الحلم يبدو أنه لن يتحقق..
وكأن الله عز وجل يرسل لها رسالة إنها تدفن نفسها في حياة عبثية مع شخص لايقدرها..

قد يبدو غريبا أنها تقرر الرحيل أخيرا رغم أن كساب غادر وهما يبدوان متصافيان ظاهريا..
ولكن هذا بالفعل ماتريده..!!
لا تريد أن يكون آخر ما تتذكره من كساب.. قسوته أو حدته أو صراخه..
تريد أن يكون آخر ماتتذكره ملمس شفتيه وعبق أنفاسه ودفء أحضانه وحنان صوته..
وبما أنه متغيب على كل الأحوال..
فهي ستتجرع ألم غيابه حتى تعتاده!!





***********************************





" على البركة ملكة علي..
السموحة توني دريت من ابي قبل أجي المطار وإلا كان كلمته وكلمت الوالد
قلت لا رجعت كلمتكم"

كساب يبتسم وهو يجلس مع غانم حول طاولة للقهوة بعد أن قابله في المطار وهو ينهي اجراءات السفر..
يرد عليه كساب بمودة: الله يبارك فيك..
ولا تعّذر ترا الملكة توها اليوم الصبح..
وعقبالك إن شاء الله..

غانم بابتسامة: أنا لا.. تو الناس..

كساب بابتسامة مشابهة: لا تو الناس ولا شيء.. أنت أساسا أكبر من علي يا الشيبة..

حينها هتف غانم بتقصد وهو يطرق الحديد وهو ساخن:
السنة اللي فاتت خطبت عند ناس.. بس ردوني..
ومن كثر ماكنت متشفق على موافقتهم ماعاد لي خاطر في العرس كله..

حينها رد عليه كساب بنبرة مقصودة:
ترا الحال من سنة لين سنة يتغير..
ما تدري يمكن لا خطبت الحين يغيرون رأيهم...






*******************************






" يا الله يأمش..
الدكتورة كتبت لش خروج خلاص..
خلينا نرتب لش أغراضش"

جوزاء كانت تجلس على المقعد وليس على السرير وهي تبدل ملابس حسن..
همست بإرهاق: زين مابغت..

شعاع حينها هتفت برجاء: زين يمه بأروح أشوف عبدالرحمن بسرعة وأرجع.. صار لي يومين ماشفته
بأروح مع الممر الداخلي اللي بين المستشفيين وبأرجع بسرعة.. وانتو عادكم ترتبون الأغراض..

أم عبدالرحمن برفض: يمكن يكون عنده رياجيل الحين.. عدا إن رجلش توجعش
أشلون بتمشين ذا المسافة كلها..

شعاع برجاء أشد: بأتصل في أبي لو عنده حد أو لا.. الشيء الثاني رجلي ماعاد توجعني
ماشاء الله هنا ممرضة فلبينية فرتها لي رجعتها مكانها.. تقولين كن مافيني شيء..


.
.
.
.



كان يدخل مع الباب الرئيسي ويعبر الباحة
وهو يشعر بدقات قلبه تتصاعد وهو ينظر ناحية المصاعد..
يبدو أنه سيقع في غرام كل المصاعد بلا استثناء..

ليلفت انتباهه امرأة قادمة من ناحية الدرج.. وتتجه للباب الجانبي المؤدي لمستشفى حمد داخليا عن طريق قسم الدخول..

هــي.. هــي..
هــــــــــي..كاد يجن لفرط سعادته..
هي.. عرفها بالحقيبة.. وبالعرج الخفيف..
حتى لو كانت عرجاء لا يهمه.. حتى لو كانت ابنة عائلة لا تناسبه اجتماعيا لا يهمه..
فهو يعلم أنها نصيبه.. هكذا دعا ربه.. والله استجاب لدعوته..
المعجزة حصلت أمامه.. كطيف أرسله الله عز وجل له..

تبعها عبر ذات الطريق..
ولن يفلتها هذه المرة !!





*************************************





"يا الله يأمش..
خلينا ننزل لعفرا نسلم عليها قبل نطلع..
وباتصل في شعاع تنتظر عند ابيها لين نجيها..
عشان نقصر عليها المسافة"

جوزاء تتأكد من وضع نقابها وتتناول حقيبتها وهي تشد كف حسن وتهمس بمودة: يا الله فديتش..

أم عبدالرحمن بحنان: أنا قلت لهم يرتبون غرفتش خلاص..
مشتهية شيء أكلمهم في البيت يسوونه..؟؟

جوزاء بحزم: لا يمه جعلني فداش.. لأني بأروح لبيتي..

أم عبدالرحمن باستغراب: وش غير رأيش وأنتي البارحة قايلة لي إنش بترجعين معي للبيت..

جوزاء بذات الحزم: أمس كنت تعبانة شوي.. بس اليوم طيبة
وأبي أروح لبيتي..




# أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 12-11-10 12:16 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الستون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جعلكم الله من القريبين من الله في هذا النهار المبارك الذي يتوسط أيام مباركة
أحاطكم الله بمغفرته وجعل الملائكة تحفكم بالدعوات
.
.
.
هذه الأيام أيام مباركة فأكثروا من الدعاء والتهليل والتكبير والتحميد
ويوم عرفة يقترب لصيامه فضل عظيم والدعاء فيه مُستجاب ويكثر فيه العتق من النار
أرجوكم أن تدعوا لأخواتكم في الله جميعا
ادعوا لشقيق دانة ليبية بالشفاء
وكذلك لابن ابن عزوز
ولوالدة رفيقة السهد
ادعوا لهم جميعا بالشفاء ولجميع مرضى المسلمين..
فالمسلم مادعاء لأخيه بظهر الغيب.. إلا أمنت الملائكة وقالت له: ولك مثل ذلك
.
.
موعدنا القادم سيكون يوم الثلاثاء يوم العيد إن شاء الله.. موعد غريب ولكن لنقل أني أريد أن أحتفل بالعيد معكم..
ولأني مسافرة يوم العيد ولا أعلم متى موعد عودتي يقينا..
فكل عام وأنتم بألف خير..ومن الله أقرب وأقرب
.
.
الجزء 60 جزء طويل جدا أرجو أن تستمعوا بقراءته..
.
سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد أن لا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك..
سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد أن لا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك..
سبحانك اللهم وبحمدك.. أشهد أن لا إله إلا أنت.. أستغفرك وأتوب إليك..
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الستون




كانت تمشي بهدوئها المعتاد..
عدا أن كاحلها مازال يؤلمها قليلا وهي لا تريد أن تثقل خطواتها عليه..
كانت في البداية تمشي بعفوية وذهنها خال تماما..

ولكنها بدأت تشعر بالتوتر لأنها شعرت أن هناك من يتبعها..
أسرعت قدر ما استطاعت.. ولكنه أسرع كذلك..
والممر بين المستشفيين طويل جدا.. وشبه خال من المارة...


حينها سمعت ذات الهمس الرجولي العميق الهادئ الذي سمعته اليوم صباحا:
تكفين اسمعيني دقيقة..
أنا والله بأموت من الحرج.. ماسويتها وأنا مراهق أسويها الحين..

شعاع أسرعت في مشيتها أكثر وهي تشعر بالرعب والخجل وتكاد تنكفئ على وجهها.. دون أن تنظر ناحيته أبدا
بينما همس لها بضيق:
تكفين لا تحرجيني أكثر.. أبي أدري بس أنتي بنت من..
والله العظيم أن قصدي شريف..

شعاع حينها بدأت تشهق وهي تحاول الهرب..
وعلي كان على وشك التهور ليخبرها ما اسمه حتى تطمئن له..
لكنه رأى هذا التصرف خال من العقلانية تماما..
فهي قد تأخذ الاسم وتقدم شكوى معاكسة ضده.. حينها كيف سيكون موقفه أمام عمله وأسرته.. وحتى أهل زوجته المفترضة!!

علي أصر عليها برجاء أشد كما لو أن حياته كلها تتوقف على جوابها:
تكفين أنا حالتي حالة من صبح.. عقلي طار مني..
تكفين بس قولي لي أنت بنت من؟؟

شعاع بصوت مكتوم بين شهقاتها: تكفى ..أنا مرة متزوجة لا تفضحني.. لا تفضحني..

علي بصدمة كاسحة والكلمات تفر منه والدنيا تعتم أمامه وتتفجر بالسواد:
مستحيل تكونين متزوجة.. مستحيل.. ماني بغبي ونفسي دنية لذا الدرجة..
وأنا دعيت ربي.. دعيته.. مستحيل يخذلني..

شعاع تزداد شهقاتها الخافتة رعبا: والله العظيم إني متزوجة..والله العظيم
تكفى لا تمشي وراي..
تكفى لا تفضحني..


حينها توقف علي تماما.. بينما أكملت هي طريقها بذات السرعة..
كما لو أن كل عفاريت الأرض تطاردها..


وقف لأنه شعر كما لو أنه ذُبح في التو واللحظة..
ذبـحـتـه.. نحرته بدم بارد..!!

أ تكون هذه آخرته؟؟ أن يتعلق بامرأة متزوجة؟؟
هو علي النقي الطاهر.. لا يجد من بين نساء الأرض إلا امرأة متزوجة ليهبها قلبه..؟!
هو تجرأ على انتهاك حرمة ما ليس له ولن يكون حتى له.. وهو كان قد طمأن نفسه بأنه سيصلح ذنب ما ارتكبه!!
فإذا كل دروب الأمل تُغلق أمامه تماما.. تماما..


شعر أن قدميه لا تحملانه فعلا.. وهو يشعر بأنفاسه تضيق وتضيق
يتسند على أطراف الممر بثقل.. ليلاحظه شابان ماران فيهبان لمساعدته
ليسقط مغمى عليه بين أيديهما..





**********************************





" هلا والله بالغالية
أشلونش يأبيش؟؟"

كاسرة تنحني على كف جدها لتقبله وهي تهمس بحنان عميق:
لا قدك طيب أنا طيبة..

هتف بشجن: مافيه امهاب صغير جاي في الطريق يأبيش؟؟

ردت عليه بشجن مشابه: مافيه يبه.. ولا بيكون فيه..
أنا جيت وبأقعد عندكم خلاص على طول
وهذا أنت أول حد أقول له.. وطالبتك ماتحلف علي.. ولا تجرب غلاك مثل المرة الأولة..
كل الناس أقدر عليهم إلا أنت...

حينها هتف بضيق عميق: ليه يأبيش تسوين كذا.. كساب رجّال مافيه مثله!!

همست بألم: أنت قلتها يبه.. رجّال مافيه مثله..
بس أنا أبي زوج بعد وأب لعيالي..

هي هكذا كاسرة.. أرادت أن تضع النقاط على الحروف..
تعبت من اللعب بين الأسطر الذي لا يشبهها...
لم ترد أن تبدو قضيتها مموهة أو غير محددة الملامح..
بما أنها قررت الخروج من بيتها فهي لا تريد أن يصلح بينهما أحد ولا أن يتدخل أحد..
لأنها لم تقرر هذا القرار وهي تريد التراجع فيه.. أبدا..






*********************************






" يا الله شعاع وش فيش؟؟
طلعنا من المستشفى وأنتي حالتش حالة
مابغيت أسألش قدام أمي"

شعاع مازالت ترتعش من أثر مقابلتها مع (الرجل الغريب) الذي أوقفها في الممر:
تدرين جوزا.. ولد آل كساب شكل وجهه نحس علي
تونا ماكملنا 24 ساعة متزوجين والمصايب تحذف علي..
أولها ضاعت الخدامة.. ثم بغت تنكسر رجلي..
ثم تسكر علي الاصنصير مع رجّال..
وعقبه الرجّال ذا نفسه لاحقني قبل شوي وأنا رايحة لعبدالرحمن
يقول لي أنت بنت من.. وغرضي شريف.. تخيلي الوقح..

جوزا بغضب: وليش ما اتصلتي لأبي يجيش ويأدبه..

شعاع بتماسك: يا أختي أبي اللي فيه مكفيه..والرجّال أصلا يوم قلت له أني متزوجة وقف وخلاني
وأنا عقب اليوم حرمت أتحرك أي مكان بروحي..
أنتي قولي لي وش الأخبار عندش؟؟..

جوزاء تشعر بتوتر تحاول إخفاءه خلف هدوء صوتها: عادي
لقيت عمتي وعالية تحت سلمت عليهم وأنا الحين في غرفتي بأرتب شوي..
الغرفة حايسة شوي وتبي ترتيب..

شعاع بعتب رقيق: أنتي مسز كلينر ماتعرفين ترتاحين..
توش طالعة من المستشفى تعبانة..

جوزاء تبتسم: إذا شفت المكان مهوب مرتب تعبت أكثر!!





***********************************




" كاسرة أنتي أكيد استخفيتي..
يعني يوم ربي هداش ووافقتي على رجّال
وهو صدق نعم الرجّال
ما صدقتي يسافر عشان تطقين من بيته
وش ذا الخبال؟؟ "

كاسرة بحزم: يمه تكفين.. ما أبي حد يناقشني..
أنا ماخذت ذا القرار وطلعت من البيت وبلغتكم أني ماني براجعة
عشان تحاولون تقنعوني أغير رأيي..
كساب رجّال والنعم.. لا ضربني ولا هانني ولا قصّر علي بشيء
بس خلاص ماصار بيننا توافق والحياة وقفت بيننا..

مزنة بغضب: إلا بناقشش وأكسر رأسش بعد..
أنتي وش فيش متفرعنة ماكن وراش كبير..
الشيء طب برأسش سويتيه.. ما قلتي أشور أمي؟؟.. أخذ نصيحتها؟؟.
صار لش شهور عند الرجّال وعمرش ما اشتكيتي منه..
على أول موقف بتخلينه مرة وحدة..

ثم أردفت مزنة بنبرة مقصودة كما لو أنه خطر لها شيء فجأة:
أو يمكن إنش ساكتة على شيء صار لش شهور..؟؟
وكرامتش ماسمحت لش تشتكين وإلا تطلبين الشور..
وخلاص الحين ماعاد فيش صبر!!

حينها أجابت كاسرة بضيق: هذا أنتي قلتيها بروحش..
تكفين يمه لا تلحين علي..
صدقيني اللي صار بيني وبين كساب شيء خاص..
لا يروح بالش بعيد وتظنين فيه شيء شين..
بس يمه خلاص أنا ما أبي أرجع
مهوب لأن صبري خلص.. أنا كان ممكن أصبر على كساب عمري كله..
بس لأن وضعنا أنا وكساب وضع غير قابل للحل صدقيني..






******************************






" هلا والله بالخال العزيز؟؟"

نايف بمودة: هلا والله ببنت أختي العزيزة اللي باريس من عقبها ماكن فيها حد..

عالية بمرح: تدري إني اشتقت لك يا الدب!! ما أدري متى تخلص ذا الشهور الثلاثة عشان أشوف خشتش الشينة..

حينها هتف نايف بضيق: يمكن تكون أقل من 3 شهور..
برفيسوري عنده مشروع بحث كبير يبي يتفرغ له
ويقول يبي يخلص من كل طلابه قبل يبدأ فيه..
فالحين بادي يغير في مواعيد مناقشاتنا..

عالية بسعادة: زين ليش تقولها وأنت محزن كذا.. المفروض تنبسط!!

نايف بضيق: أنبسط على الخنقة والاكتئاب اللي ينتظرني في الدوحة..؟؟

حينها همست عالية بتهكم غاضب: وش رأيك زين تهاجر وتعيش في فرنسا حياتك كلها..
عشانك واحد ضعيف شخصية ما تقدر توقف خواتك عند حدودهم..

نايف بغضب: علوي تلايطي واعرفي أشلون تحشمين خالش..
يعني مادة اللسان عشانش مانتي بقدامي ألتش كف على وجهش يسنعش..

عالية بذات التهكم الغاضب: إيه وش عليه.. عليّ انفخ ريشك يا نويف..
أنت أصلا ماتقدر تنفخ ريشك إلا علي..
لكن خواتك تصير عندهم فار بين قطاوة..
يا رجّال اصطلب.. والله العظيم لا تصير حياتك كلها دمار دامك معطيهم وجه كذا..
ما أقول لك اقسى عليهم.. بس مافيه حد يسوي سواتك!!

نايف بغضب: الشرهة علي اللي كلمتش أساسا..

ثم أنهى الاتصال وهو يغلق الخط في وجهها و يشعر بضيق عميق لسبيين:
الأول أنه لا يحب أن يضايق عالية أو يحزنها.. كما لو أنه يضايق نفسه..
الأمر الآخر أنه غضب منها بينما هي محقة.. محقة تماما!!







************************************





" يمه أنا بأروح لغرفة استراحة المواليد
بأطل عليهم شوي!!"

عفراء باستغراب: تروحين ليه وأخيش هنا؟؟

جميلة بابتسامة: حاسة أني صايرة عزول 24 ساعة..
عمي منصور من كثر الزوار مايقدر يقعد عندش إلا ذا الساعة ويلاقيني صاكة عليه..

عفراء بابتسامة حانية: تعالي يا بنت بلا خبال..

جميلة رقّصت حاجبيها رفضا وهي تلبس نقابها وتغادر قبل وصول منصور..

حين وصلت لاستراحة المواليد..
انزوت وجلست في زواية الغرفة.. وانخرطت في بكاء حاد...!!!


حينها كان منصور يدخل على عفراء بعد أن تأكد من عدم وجود أحد..
تلفت حوله وهو يتساءل: وين جميلة؟؟

عفراء بمودة: راحت قريب..

حينها اقترب وهو ينحني على رأسها ويهتف بفخامة حميمية: يعني أخذ راحتي!!

ابتسمت عفراء: يعني المسكينة صادقة يوم تقول إنها صاكة عليك..

منصور توجه لسرير ابنه ليشرق وجهه وهو يقبله بحرص وحنان كبيرين
ثم يشد له مقعدا وهو يقربه لأقصى حد من عفراء وهو يشد على كفها ويهتف بمودة حقيقية:
جميلة مثل بنتي.. ولو أساسا بنتي في عمرها.. باستحي أحب أمها قدامها..
خوش دروس نوريها البنية..

ثم أردف بتساؤل: ماقالت لش شيء عن خليفة؟؟

عفراء بحزن: لا.. ذا الولد بيقعد حسرة في قلبي..
خلني لين أصح شوي وأكلمه بنفسي.. أصلا لو درا أني ولدت أنا متاكدة إنه كان كلمني بنفسه..

حينها اقترب منصور من عفرا وهو يهمس بخفوت خوفا أن تسمعه جميلة لو حضرت:
تدرين إن زايد كلّم أحمد الليلة..

حينها انتفضت عفراء وهي تسأل باهتمام:
وش قال أحمد؟؟

منصور بحزم خافت: بصراحة زعلان واجد هو وعياله..
زايد حاول فيه إنه خليفة يجي ويتفاهم معنا..
بس أبوه مارضى..
قال إنها صغرت قدر ولده اللي المفروض إنها احترمت إنه ولد عمها اللي خلى كل شيء عشانها..
وقال لو هي بغت تجي بنفسها وترجع لبيتها.. خليفة بيرجعها..
لأنه أصلا المطلقة عدتها في بيتها..

حينها انتفضت عفراء بغضب رقيق:
لا منصور اسمح لي.. صحيح بنتي الغلط راكبها من ساسها لراسها
لكن إني أخليها تروح هناك بنفسها.. لا وألف لا..
خليفة رجّال ماينقص من قدره ياتي لين مجلسك.. ثم يأخذ مرته..
حزتها بأخليها تروح معه غصبا من ورا خشمها..
لكن إني باكسر نفس بنيتي واذلها وأنا أوديها لبيتهم.. لا يا منصور لا

ما عليه هي غلطانة بس الغلط ما ينحل بغلط..
البنية عقبها مهي بقادرة ترفع عينها في حد..
آسفة منصور أنا ماعينت بنتي في الشارع..
يبيها يدل بيتنا.. وحن مانبي منه عذر.. العذر من صوبنا..
لكن إني بأجبر خليفة عليها.. وأكسر نفسها لا..

هتف منصور بحزم: أصلا أنا قلت كذا لزايد.. وزايد قبلي قاله لأحمد..
قال له الغلط من صوب بنتنا اللي هي بنتكم..
بس خليفة هو اللي لازم يجي يأخذها..
حن شيبانه وهي بنيتنا اليتيمة..
هو أدبها وزيادة يوم طلقها وهم عادهم في المطار..
والحين مهوب منقص من قدره ياتي بس للبيت ويأخذها وحن اللي بنتعذر له بعد..
أنا ما أدري عن رأي خليفة.. بس إبيه عيّا بدون نقاش..

عفراء حينها همست بضيق: منصور أنا تعبت من كل ذا..
البنية صغيرة.. وتوها طالعة من مرض..
دام هذا ردهم.. ماني بضاغطة عليها بشيء.. خل بنتي عندي..
وخلها ترجع لجامعتها وتكمل دراستها .. وخليفة يدل طريقها لا بغاها..






*********************************






" علي حبيبي وش فيك؟؟
وجهك ماصع مرة وحدة؟؟
أجيب لك عشا؟؟"

علي بإرهاق: ماني بمشتهي.. بس بأنام شوي وأقوم زين..

مزون تجلس جواره وهي تضع يدها على جبينه وتبتسم بشجن وقلق:
هذي من فرحتك بالعروس سخنت.. رأسك دافي ياقلبي..

ابتسم بألم: الظاهر كذا..

مزون تقف وهي تهمس بقلق حقيقي: بأروح أجيب لك كمادات..

شد كفها ليجلسها وهو يهتف بذات النبرة المرهقة:
مافيني شيء.. اقعدي بس.. كلت حبتين مسكن وبأقوم بكرة زين..

حينها همست بضيق: تدري إن مرت كساب خلت البيت..

علي بعفوية: عادي.. رايحة لهلها لين يرجع كساب من السفر..

مزون بذات نبرة الضيق: علي أنت تتذكر مرة وحدة راحت فيها لأهلها عشان كساب مسافر..؟؟

علي يعتصر ذهنه: ما أدري صراحة.. يعني أنا وش عرفني مرت كساب راحت وإلا قعدت!!

مزون بنبرة قاطعة: عمرها ماسوتها.. حتى لو طولت السهر عندهم..
ترجع وتنام في غرفتها.. عقب ماتمر علي مثل ماكساب يسوي..

حينها اعتدل علي جالسا وهو يشعر بدوار طفيف.. لأنه لم يتناول أي شيء منذ البارحة هتف باهتمام:
وش تقصدين يعني؟؟

مزون بألم حقيقي: أنا ما أقصد شيء.. أنا متأكدة..
لأني كلمتها أبي أشوف وينها..
ردت علي بكلام ماريحني..
إنه حن دوم خوات.. وإني أنا وابي وخالتي عفرا بنظل هلها لو مهما صار..
بعدها ماسألتها عن شيء.. لأني فهمت هي وش تقصد..

حينها هز عليّ كتفيه وهتف بثقة: ما ألومها!!

مزون باستنكار: ماتلومها.. تخلي كساب وماتلومها ؟؟!!

علي بثقة: يمكن من محبتش لكساب تشوفينه خالي من العيوب..
لكن مهما كان أخينا غالي.. خلينا نعترف إنه مليان عيوب..
يعني المرة وش تبي؟؟
تبي رجّالها يحسسها باهتمامه فيها.. إن هي الأولوية في حياته..
حتى لو ماكانت هي فعلا الأولوية وش بيضره لاحسسها بذا الشعور الحلو..
رسول الله صلى الله عليه وسلم وش وصلى في وصيته الأخيرة قبل موته.. قال:
رفقا بالقوارير..
يعني المرأة قارورة أقل شيء يمكن يكسرها..
لكن أخيش كان يتعامل مع مرته كإنها مدرعة.. يضربها بصواريخه ومايبيها تتأثر..
ثم أكمل وصوته يرتفع بغضب:
يتأخر معنا في السهر عمري ماشفته رفع التلفون وقال لها أنا بأتاخر..
عمري ماسمعته يقول لها حبيبتي في التلفون ولو حتى على سبيل الغلط..
لو صار وقلبت في تلفونه عمري مالقيت في صادر رسائله رسالة غزل وحدة لها
كلها رسايل رسمية كنها رسايل مدير لموظفة عنده..
يمكن تقولين وهي مثله.. بأقول بعد ما ألومها..
لأنه هو اللي لازم يبادر.. هو اللي لازم يحسسها بأهميتها في حياته
عشان هي تتصرف بالمثل..


حينها هتفت مزون بغضب: وانت اشفيك شايل على أخيك كذا..؟؟

علي بذات نبرة الغضب: ماني بشايل منه.. بس أقول لش لا تلومينها..
البنية عداها العيب.. وزين إنها صبرت على كساب ذا كله..
غيرها ماتسويها مع معاملته الزفت.. وخصوصا أني أسمع إن شخصيتها قوية واستقلالية..


كان يرتعش فعلا وهو يتكلم..
هاهو يكاد ينفجر حبا.. ومع ذلك يستحيل أن يعثر على من يتدفق حبه لها ليغرقها في هذا الفيض الذي أغرق روحه..
بينما شقيقه الغبي كانت أمامه على الدوام من تستحق مشاعر الوله والعشق والغرام ولكنه أضاعها من بين يديه..


قاطع حوارهما الحاد صوت زايد يدخل مع الباب المفتوح أساسا
وهو يهتف بحزم صارم: وش فيكم صوتكم طالع؟؟
مزون.. علي تعبان.. ليش ترفعين صوتش عنده؟؟

مزون تراجعت بخجل بينما علي كان من هتف بهدوء مغلف بإرهاقه بعد أن أفرغ طاقة الغضب لديه:
يبه.. مزون مالها ذنب أنا اللي احتديت في الحوار شوي..

زايد بذات الصرامة الحازمة: ووش سبب الحوار الحاد أساسا؟؟

الاثنان صمتا.. فهما لا يريدان الكلام عن مشاكل شقيقهما..
زايد أعاد السؤال بصرامة أشد..

حينها همست مزون باختناق لأنها كانت تخشى غضب والدها إذا علم بخروج كاسرة من البيت:
كنا نتكلم إن مرت كساب طلعت من البيت زعلانة من كساب..
ما أدري لو دريت أو بعد..؟؟

حينها اجابها زايد بسكون واثق: عندي خبر..
هي بنفسها بلغتني وخذت بخاطري.. عداها العيب بنت ناصر..
لكن العيب راكب أخيكم من ساسه لراسه..

حينها همست مزون بغضب: يوم أنت وعلي كلكم حاطين كساب الغلطان
هي اشتكت لك إنه سوى لها شيء..؟؟

زايد بثقة: أبد.. ما قالت عنه إلا كل كلمة طيبة..
وكذا المرة الأصيلة ..لا اختلفت مع رجالها ماتروح تفضحه وتفضح روحها..
بس أخيش أعرفه.. وكنت عارف إنه مهوب مرتاح لين تطفش منه..

مزون حينها همست بيأس: زين والحل؟؟ كساب راح وهي في البيت..
يرجع مايلقاها..؟؟

زايد بحزم: بكرة بأروح لها بنفسي.. وبأحاول أرضيها..
عشانها وإلا أخيش مايستاهل...





***************************






" يا الله حبيبتي أنا آسف على التأخير
توني نزلت عبدالله في بيتهم وجايش الحين
متشفق على شوفت قصة شعرش الجديدة"

نجلاء بخبث رقيق: من قال لك فيه قصة شعر جديدة؟؟

صالح باستغراب: أنتي اليوم قلتي لي بأروح أسوي تغيير في شعري؟؟

نجلاء بذات لخبث الرقيق: التغيير مهوب لازم يكون قصة أحيانا صبغة!!

صالح بصدمة: نعم؟؟ صبغة؟؟ أنتي أكيد استخفيتي!!

نجلاء بانكماش: ليش؟؟ أنا استاذنتك وأنت رخصت لي!!

صالح بغضب متفجر: لا لا تكذبين علي.. أنا رخصت لش تغيرين قصة شعرش لو بغيتي بس.. مهوب تصبغينه..

حينها همست نجلاء بحزم غاضب: زين وأنا صبغته .. وش صار؟؟ انتهى الكون؟؟ وش بتسوي يعني؟؟

صالح انفجر تماما بغضب: أنا بجيش الحين وأرويش نهاية الكون أشلون..
زين يا نجيل..زين
إذا مارويتش شغلش الحين ما أكون ولد خالد آل ليث!!
والله وطلع لش لسان بعد..




******************************************





كان يدخل إلى غرفته بخطوات ثقيلة مرهقة وفي وقت متأخر قليلا..
البارحة عاد مبكرا من أجل حسن..
لكن الليلة لمن يعود؟؟
فهي خرجت من المستشفى الليلة وأخذت حسن معها..
وهو ليس أمامه سوى تجرّع ليالي طويلة من الوحدة والمرارة..


في استغراقه في أفكاره المؤلمة لم ينتبه كيف الغرفة تلمع كما لو أن صاحبتها فيها..
مفرش السرير الذي تم تغييره.. والذي عودته جوزا أنها لابد تغيره في الأسبوع مرتين..
الرائحة العطرية الدافئة والناعمة والخفيفة التي تفوح من مبخر الزيت العطري
والتي تحرص جوزاء على استخدامها بدلا من البخور لأنها لا تضايق تنفس حسن كالبخور..
وفي كل الأحوال حتى لو استخدمتها لابد أن تغلق باب غرفة حسن حتى تطفئها
كما هو مغلق الآن..


ولكن إن كان لم يلاحظ كل هذا فهو بالتأكيد سيلاحظ المخلوقة التي تجلس أمامه تماما على الأريكة..
كانت ترتدي فستان صيفيا مشجرا بألوان ناعمة هادئة بأكمام قصيرة ويصل طوله لمنتصف ساقيها ..
كما لو أنها بهذا الفستان الناعم المحايد ترسل له رسالة مشابهة.. هادئة ومحايدة..


لم يعلم بماذا يشعر حين رآها.. الشعور بالصدمة حصل وانتهى..
ولكنه لم يعلم هل هو سعيد أو خال تماما من الإحساس؟؟
مجروح منها مجروح حتى النخاع.. ومرهق من كل شيء في الحياة حتى نخاع النخاع!!


لماذا عادت؟؟ لماذا؟؟
هل لأنها حامل؟؟ أم حتى لا تضايق والدها؟؟
لا يريد أن يكذب على نفسه بأي أمل.. ويقول إنها عادت من أجله..
فهي قبل يومين عرفته حجمه تماما.. وهي تصفعه بطلب الطلاق في أكثر وقت احتاجها فيه في حياته ..
وهي تثبت له بذلك ضآلة قيمته عندها!!


سلّم.. وردت عليه السلام بتوتر..
سألها بسكون: أشلونش الحين؟؟ إن شاء الله أحسن..؟؟

همست بذات التوتر وهي تشعر باختناق حقيقي.. فهي توقعت أن يكون عبدالله أكثر سعادة برؤيتها:
الحمدلله زينة..
ثم أردفت بتوتر متردد: وأنت وش صار على قضيتك؟؟

حينها أجابها بنبرة سخرية مبطنة: الحمدلله انتهى كل شيء وبأسرع مما توقعت..
اليوم صدر طلاق نهائي غير قابل للاستئناف هناك في أمريكا
وراشيل رجعت نيويورك الليلة.. خلصت انتهيت منها نهائيا..
شكرا على السؤال.. ماقصرتي..


فهمت جوزا تلميحاته المبطنة.. وآلمتها.. ألمتها كثيرا..
لو أنها لم تصده قبل يومين.. لم يكن أي شيء ليتغير عليها
فهي على كل الأحوال كانت في المستشفى.. وكل ما احتاجه هو إحساسه بمؤازرتها معنويا لا فعليا..

تناول غترته عن رأسه ليضعها في السلة.. لكنها تناولتها من يده وهي تهمس بنبرة مقصودة مثقلة بالشجن:
تراني جيت وأنا ما أدري إن قضيتك انتهت..
ولا إنها سافرت.. جيت من المستشفى هنا على طول..

أجابها بسكون وهو يستعد للمغادرة : مشكورة.. ماقصرتي بعد..

أمسكت بمعصمه وهي تتساءل بألم: ليش تكلمني كذا؟؟

حينها انفجر بغضب مكتوم وهدوءه الظاهري كله ينهار:
أشلون تبيني أتكلم.. تبيني أركع وأحب أرجيلش
عشانش تكرمتي ورجعتي لبيت رجالش وأنتي تمنّين عليه بالرجعة بعد.. كنش تفضلتي عليه يوم رجعتي..
أشلون تبيني أتكلم.. تبيني أقول أنا طاير من الوناسة لأنش عبرتيني عقب مامرمطتيني ذا الشهور كلها..
أقول أنا باستخف من الفرحة لأنش فكرتي مرة وحدة فيني..
أنا تعبت يا جوزا.. تعبت.. سبع شهور وأنا بأموت في انتظار ابتسامة رضى وحدة منش وانتي شاحة فيها..
وآخرتها وش احتجت منش.. بس توقفين معي لين تنتهي مشكلتي.. طردتيني من عندش مثل الكلب..
قولي لي يام حسن.. عقب ذا كله أشلون تبيني أتكلم..

حينها انفجرت هي أيضا.. فإذا كان هو محمل بمرارة سبعة أشهر ويراها طويلة!!
فهي محملة بمرارة عشرات وعشرات الأشهر:
حرام يا أبو حسن.. تصدق كسرت خاطري.. سبع شهور تعاني مني؟؟..
صدق إني مجرمة وماعندي إحساس..
ليه؟؟ لأني أنا ماعندي سالفة..
وش جاب سبع شهور لأربع سنين.. السبع شهور أكثر بواجد..
أربع سنين وأنا في اليوم أسأل نفسي ألف مرة.. أنا وش سويت عشان تسوي فيني كذا..
أربع سنين وأنا ماتمر ليلة أشم نفسي وأقول ريحتي خايسة..عبدالله قال لي كذا.. وعقبه هرب مني..
أربع سنين وأنا أموت بحسرتي كل ليلة.. بنت صغيرة عمري كله انخطف وتبخر عشان تمثيليتك..
ترملت وضاعت دراستي.. وشخصيتي انقلبت 180 درجة.. وبيدي طفل صغير مايمل كل ليلة يسأل عنك
وأنا أحكي له عشرات السوالف عن حبيب مالقيته وعن أبو مالقاه..

عبدالله بغضب مثقل بالشجن: والأربع سنين هذي أنا كنت قاعد ألعب ومستانس؟؟
لو أني سألتي نفسش في اليوم ألف مرة أنا متت في اليوم ألف مرة وأنا أحلم بس أني أشم ريحتش ولو مرة قبل أموت..
لا صورتش ولا خيالش فارقوني دقيقة كأن ربي يعذبني بش..
ولا تحورين الحقائق.. أنا كنت أقول لش طهري جسمش مني
لأني شايفش شيء طاهر وأنا عقب راشيل مخلوق نجس..

جوزا بذات الغضب المتفجر: وأنا كنت بأفهم ذا الشيء بنفسي.. وأنت هربت وخليتني بدون ماتشرح لي شيء..
زين أنت رحت ووراك زوجة.. ما سألت نفسك هي حملت.. وش صار لها؟؟
وإلا بس كنت أنا عندك وناسة ساعة ومافكرت في اللي بيصير فيني..
يعني بعت الدنيا عشان ولدك اللي هناك..
وأنا وولدك اللي هنا مافكرت فينا..
يوم أنت رحت هناك عشان ولدك.. وتقول خايف عليه من أمه مثل ماقالت لي عالية..
ليش ماجبته هنا.. والله العظيم كنت ربيته مع حسن ومثل حسن وبدون ما أفرق بينهم لأني باعتبره طفل يتيم..
لكن لا.. ولد الأمريكية الشقرا كان عندك غير.. وش جابه جنب ولد جوزا..
عشانه بعت الدنيا وبعتني أنا وولدك فوقهم..

عبدالله بغضب: وأنا وش عرفني؟؟ وش عرفني أنش حملتي وجبتي ولد؟؟

جوزا بغضب متزايد: لا والله.. وأنا حملت من الشارع..!!
يعني ياحضرة المهندس المتعلم الفاهم.. صار بيننا اللي بيصير الأزواج..
يعني ماراح تحط في بالك لو احتمال واحد في المية عن نتيجة ذا الشيء..
لكن ليش تفكر في ذا الشيء أنت بايع بايع ومافكرت في النتايج..
زين خلك مني.. فرضا أنا ماحملت..
هلك أمك وابيك واخوانك اللي كانوا بيموتون عقبك مافكرت في حد منهم..

عبدالله بغضب مثقل بالقهر: جوزا لا تلوميني لأني لمت نفسي قبل ماحد يلومني..
ولمت نفسي ألف مرة أكثر من اي واحد فيكم..

حينها همست جوزا بمرارة: وأنت بعد لا تلومني.. لا تلومني..

عبدالله حينها انحدر صوته لهدوء عميق: زين أنتي وش تبين ذا الحين؟؟

همست بذات المرارة وهي تتجه لخزانتها وتنتزع منها بيجامة: ما أبي شيء
أنت بعد مشكور وماقصرت..
بأروح أرقد عند ولدي..





************************************************





كان ثائرا بالفعل وهو يصعد الدرج بقفزات سريعة.. ويحاول أن يتحكم بغضبه حتى لا يتهور أو يرتفع صوته فيسمعه ابنيه..
كان يحاول أن يتخيل كيف أصبح شعرها بلون مصبوغ.. بعد ان اعتاد على أمواج العسل التي يذوب فيها..
وفي ختام الأمر يعلم يقينا أن صبغها لشعرها لا يهمه لتلك الدرجة حتى ولو كان مغرما بلونه الأصلي..
فنجلا هي نجلا حبيبته وأم أولاده سواء بشعر أشقر أو أسود..
ولكن ما يغضبه هو تعمدها لإغضابه..


حين دخل كانت الصدمة الحقيقية تنتظره..
كانت أمواج العسل.. كما يسميها.. بانتظاره كما تركها اليوم عصرا..
كل ماهنالك أنها ازدادات فتنة وإغراء بلفات لولبية أنيقة تتناثر على قميص نوم جديد..
وصاحبتهما ثائرة تماما وهي تستخرج ملابس صالح وتضعها على السرير..
حين رأته صرخت بثورة:
الملابس هذي تكفيك الليلة وبكرة لين أرتب باقي ملابسك في غرفة الضيوف..

رد عليها صالح بغضب: نجلا وش ذا الخبال؟؟

نجلا بغضب مشابه: كيفي.. كيفي.. يأخي ماني بطايقة أشوفك قدامي..
وما أبيك تنام معي في غرفتي..
الحين فرضا أني استخفيت وصبغت شعري وش اللي صار..
ماعادني بنجلا.. صرت وحدة ثانية.. وإلا خلاص ماعاد فيني شيء تحبه إلا ذا الشعر..
بغيت تأكلني عشاني قلت أني صبغته..
أنا ماصبغته عشاني مهوب عشانك.. لأني استاذنتك وأنت قلت ماعليه..
مادريت أنك تدور علي سبب..

صالح بغضب أشد وهو يكتم صوته: نجلا بلا خبال صدق..
أنتي عارفة عدل إن غلاش واحد شعرش أصفر وإلا أحمر وإلا حتى قرعاء ماعندش شعر..
بس أنتي صايرة استفزازية بشكل.. ماترتاحين لين تطلعيني من طوري..

نجلاء وصل غضبها لأقصى حدوده: خلاص وش مصبرك علي..
طلقني دامني صايرة هم على قلبك كذا!!
طلقني دامني صايرة مغثة كذا وأنت منت بطايق تستحملني!!

صالح لم يرد عليها وهو يتجاوزها ويتناول ملابسه عن السرير
ويخرج وهو يغلق الباب خلفه بحزم غاضب..
لتفجر هي في بكاء هستيري غير معقول وهي تلكم كل شيء حولها..






****************************************





"أعلم أنه عاد قبل ساعة ولكنه لم يحضر إلى غرفتنا حتى الآن
هل علم بمشكلة كاسرة وهذا مايعطله في الأسفل؟؟"


سميرة منذ تلقيها لهدية تميم اليوم عصرا وهي متوترة تماما..
وتشعر أن الوقت يجري بسرعة وموعد عودته يقترب بسرعة خرافية..
فهي متوترة جدا من لقائه بعد تلقيها هديته التي تشعر أنها غير بريئة أبدا..
رغم أنها جميلة جدا ووقعت في غرامها فورا !!


تزفر بتوتر.. لا تعلم كيف ستقابله؟؟
أو ماذا ستكون ردة فعله؟؟
وحين رأته تأخر.. تمنت أن تشغله قضية كاسرة قليلا عنها..
وكان لها ما أرادت تماما.. حين دخل كان يرتسم على وجهه علائم الهم..
أشار لها بالسلام وهو شارد..
وردت عليه بإشارة متوترة..

لم يعاود الإشارة لها وهو يدخل للحمام ويستحم ثم يصلي قيامه ويقرأ ورده وهي تراقبه في كل هذا من تحت أهدابها وهي تتشاغل بتحضير بعض دروس الأسبوع القادم على الحاسوب
رغم أنها تشك أنها شرحت درس الصف الثالث للصف الثاني أو ربما خلطت الدرسين في درس جديد..
فهي لم تكن تعلم ما الذي كانت تخلطه..
حين انتهى توقعت أنه سيتمدد على أريكته بعد أن أعدتها له ورتبت فراشه..
بينما كانت هي تجلس على المقعد المنفرد..

جلس بالفعل على الأريكة ولكنه قبل ذلك انحنى عليها قليلا لترتعش سميرة بعنف
ثم ترتعش بشدة أكبر وهو يلمس نحرها بأطراف أصابعه بخفة
ثم يجلس مكانه ويشير وعلى وجهه علائم التلاعب اللطيف وهو يشعر تماما بارتعاشها: ليه ما لبستيه ؟؟ وإلا حرام علي أشوفه عليش؟؟

تجمدت تماما دون أن تشير له بشيء
وهي تشعر أنها قد تنفجر باكية في أي لحظة من شدة شعورها بالتوتر الذي خالطه الحرج..

حينها هز كتفيه وهو يشير ببساطة: مابه عجلة.. العمر قدامنا طويل إن شاء الله
أشوفه متى مابغيتي تلبسينه..

أنهى إشارته ثم تمدد رغم أنه لم يكن يريد مطلقا التمدد..
كان على الأقل يريد لو يتحاور معها قليلا..
فهو مهموم من كثير من الأشياء وآخرها مشكلة كاسرة.. ويشعر بحاجة ماسة لنفض بعض همومه
ولكنه لم يرد أن يثقلها عليها وهو يرى كيف احمرت عيناها فجأة وكأنها تريد منع نفسها من البكاء..

تنهد بألم في داخله..
"لماذا تبكي؟؟
كل ما أردته هو إسعادها.. أو ربما ماعاد شيء من ناحيتي يُشعرها بالسعادة..
بل كل ما يرتبط بي يشعرها بالألم والهم.."


سميرة نهضت بالفعل
لتندس في سريرها وتدفن وجهها في المخدة لتبكي فعلا
وهي لا تعلم فعلا لماذا تبكي..
ولكنها تشعر بالتوتر والكثير من الانفعال..
ولا تستطيع التعبير عما داخلها سوى بذرف بعض الدموع علها تريحها...





************************************






" علي يأبيك وش فيك؟؟
مهيب عوايدك ثقل النوم كذا
بالعادة ألقاك قبلي في الصالة تنتظرني عشان نروح لصلاة الفجر"

علي يفتح عينيه بتثاقل وهو يهمس بصوت مرهق تماما:
أعوذ بالله منك يا أبليس..ما أدري وش فيني.. مافيني حيل كلش..

زايد بحنان عميق بنبرته الفخمة الخاصة: زين قم.. قم يا أبيك..
قم توضأ وأنا بأنتظرك..

علي حاول الوقوف ليهوي من إحساسه بدوار حاد جعله يفقد توزانه..
زايد أسنده بقوة وهو يهتف بقلق حقيقي:
لا.. منت بطبيعي.. قوم نروح المسجد.. ومنه بنطلع للمستشفى..

علي بسكون مرهق: يبه مافيني شيء.. بس عشان آخر شيء كلته البارحة الأولة..
إذا رجعت من المسجد تريقت وبأكون زين..

زايد يتصل وهما خارجان بالخادمات ليجهزن الفطور حتى يكون جاهزا فور عودة علي..

وهما يجلسان على طاولة الفطور الذي بالكاد لمسه علي.. هتف زايد بنبرة مقصودة:
يعني أمس كله ماكلت شيء.. وهذا اللي كلته الحين..

علي بمودة: والله أني شبعت فديتك..

حينها هتف زايد بغضب: لا ما شبعت.. والله إن قد تكمل الصحن اللي قدامك..

علي ابتلع الطعام رغما عنه وهو يشعر به كما لو كان يبتلع حجارة.. براً بحلف والده..
ولكنه سرعان ماقفز ليتقيأه كله..

زايد قفز وراءه وهو يناوله كأسا من الماء ويهتف بقلق مرتعب:
أنت اشفيك.. مقروف من الأكل.. وديتك لرجّال يكويك..

علي يمسح وجهه وهو يرتشف جرعات من الماء ثم يهمس بسخرية موجوعة:
لو اللي فيني ينفع فيه الكوي.. كان قلت لك ودني.. وخلهم يكونني من رأسي لرجلي..

زايد يشد علي لغرفة الجلوس ليجلسا على الأريكة وهو يهتف بحزم أبوي بالغ:
علي قول لي الصدق.. أنت تاكل شيء يضرك؟؟

حينها ابتسم علي بإرهاق: أنت وولدك واشفيكم علي.. كنكم توكم تعرفوني
هو يقول لي أنت دروبك دروب خمل وتعرف نسوان؟؟..
وأنت تقول لي تاكل شيء يضرك... يعني ماتعرفني؟؟ أنا تربية من يازايد؟؟

زايد بألم أبوي: الدنيا مليانة بعيال وبنات الحرام.. خايف إن حد يكون جرك لشيء مهوب زين..
حالك مهوب عاجبني انقلب فجأة 180 درجة.. والدكتور أمس يقول مافيك شيء..

علي ابتسم وهو يقف ليقبل رأس والده ويهتف باحترام: تكرم لحيتك ولحيتي من الردا يأبو كساب..

حينها هتف زايد بنبرة مقصودة: أنت تملكت من هنا انقلب حالك من هنا..
يا أبيك أنا ماغصبتك على العرس.. والبنت أنت مختارها بكيفك..
وش اللي صار لك يأبيك في يوم واحد؟؟

حينها أجابه علي ببساطة موجوعة كما لو كان يقرر حقيقة أزلية لا نقاش فيها:
اللي صار أني عاشق وفي يوم واحد عن ألف سنة.. واليوم أدري إنه بيصير عن ألفين سنة..
وكل يوم بيمر أدري إن عشقها بيزيد في قلبي مقدار ألف سنة..

انتفض زايد بصدمة كاسحة كما لو كانت لسعته حية:
تحب وإلا عاشق؟؟ فيه فرق عود يا أبيك..

علي بذات البساطة الموجوعة: عاشق ومتيم ولو فيه وصف تعرفه أكثر منهم قوله لي..

حينها هتف زايد بحزم بالغ الصرامة: أنا عمري ماسمعت عن عشق يطلع في يوم واحد..
لكن دامك مقتنع فاسمع كلام يجمد على الشارب..
بنت فاضل بتأخذها بتأخذها.. وبتحشمها وتقدرها غصبا من ورا خشمك..
عقبها لو بغيت تعرس وتاخذ اللي تبي ماني برادك.. بس تكون وحدة من ثوبك وثوبنا..
ولين ذاك الوقت أنا داري أنك منت مسوي ينقص من دينك ولا أخلاقك..

علي وقف وهو يهتف بألم عميق: لا ثوبي ولا ثوبك.. أصلا البنت ذي مستحيل أخذها..
ولا تخاف بأخذ بنت فاضل الله يعينها على ما ابتلاها..
والله يغفر لي عظم خطيتي في حقها وحق ربي ونفسي قدامها..


مع وقوفه عاوده شعور الدوار ليجلس مرة أخرى بينما زايد يهتف بحزم وهو يوقفه:
قوم نروح المستشفى.. ماعلي منك.. مستحيل أخليك كذا..
خلهم يركبون عليك مغذي.. وعقب بأكويك على القرفة..



مابه علي؟؟ مابك ياعلي؟؟ ما بكِ أيها القلب الطاهر الشفاف؟؟
أ تكون قد أصبت بـ "مرض العشق" الذي تحدث عنه كثيرا أطباء العرب القدامى..؟؟

وكان أول من تحدث عنه وحدده "أبقراط" اليوناني الملقب بأبي الطب..
ثم بعد ذلك فصّل فيه أطباء العرب مثل:الرازي وابن سينا والبغدادي وغيرهم..

ويمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى:
بالنحول وقلة الشهية وغؤور العين مع سماكة الجفن وحب العزلة وكثر التنهدات والشهقات
واضطراب النبض وتسارعه خاصة عند ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به...

ومشكلة علي التي لا حل لها ظاهريا أن الأطباء العرب المسلمين الذين تحدثوا عن مرض العشق

اتفقوا أن أفضل علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق
وذلك على نحو تبيحه الشريعة حتى تسكن روح العاشق القلقة الملتاعة..
لأن كثرة تفكيره بمعشوقته وبعدها عنه يؤدي لانحدار مختلف أجهزته الجسدية والعصبية..

ولكن في حالة علي وهو يظن نفسه لن يجتمع بها أبدا..
بل يرى مشاعره ناحيتها محرمة عليه..
كيف سيكون حاله؟!!
كــيــف ســـيــــكـــون حـــالـــه؟؟








**********************************






" خوش صباح وأنتي معنا تريقين
بس كان ودنا أنش قاعدة عندنا شوي ومفارقتنا عقب..
يا العمياء وحدة عندها رجالش وتفرط فيه؟؟ "

كاسرة تحاول ارتشاف كأس الكرك وهي تشعر بجلاوته تتحول لمرارة وقفت في حلقها
وتجيب بابتسامة مصطنعة: أمي إذا هذرتي كذا الصبح.. ماتقول لش عبارتها الشهيرة (اصطبح يا صبح)؟؟

سميرة تضحك: يوووووووه كل يوم تقولها لي لين عجزت..
يا الله مافيه تهربين من الجواب.. علمينا وش سوى رجالش المزيون وزعلش عشان نقطّع أذانيه..؟؟

حينها تدخلت وضحى في الحوار وهي تجيب بثقة: سميرة شكلش مابعدتي عرفتي كاسرة
دامها ماتبي تقول وش سبب زعلها من رجّالها مستحيل تقول حتى لو قعدتي تلحين عليها مية سنة..

سميرة مازالت تضحك: إلا شكلش أنتي وأختش ماتعرفون حنة سميرة اللي على مستوى
أنا مهوب بس أحن.. أنا أدخل في المخ بحنتي لين أوصل للي أبيه..

كانت تضحك وهي ترى تميم ينزل الدرج وجبينه معقود لتشرق وتكح..
حينها ابتسمت كاسرة فعلا بشفافية: تعيشين وتأكلين غيرها
هذا كله ماتبين أخي يعرف شدوقش وش وسعها؟؟

سميرة تحاول أن تبتسم وهي تهمس باصطناع: أنتي الظاهر تبين الرجّال يطفش ويخليني لا شاف قاع بلاعة حلقي مع ضحكتي..

تميم سلم ثم جلس.. وهو يشير لكاسرة بحزم:
البارحة جيتش لقيتش تسبحين.. تحبين نقوم لمجلس النسوان نتناقش؟؟

كاسرة أشارت له بثقة: مافيه حد غريب عشان نقوم.. الثنتين خواتي..
هذا أولا..
ثانيا: مافيه شي نتناقش فيه أصلا.. أنا ما أبي أرجع لكساب وهذي حريتي الشخصية
ومع احترامي الشديد لك تميم لكن مافيه شيء بيغير رأيي..

حينها أشار تميم وهبى وجهه ترتسم علائم غضب:
يعني تبين أخليش تهدمين بيتش وماتبين حد يناقشش حتى..؟؟

كاسرة بذات الثقة الساكنة: أرجوك تميم لا تضغط علي وتحرق أعصابك
وأنت عارفني زين ما أغير قراري لا قررت شيء بعد تفكير..

حينها كانت مزنة تدخل من ناحية باب المطبخ وهي تحمل صحنا بيدها وترى إشارة كاسرة لتميم..
وضعت الصحن على الطاولة وهي تشير وتهتف بصوت مسموع ونبرة مقصودة:
إيه تميم لا تقول لها شيء ولا حتى تسألها عن شيء
لأنه حن الظاهر ساكنين في فندق ومالنا حق نسأل النزلاء عن خصوصياتهم..

سميرة شعرت بحرج ما وهي لأول مرة في هذا البيت تشهد هذا الحوار الحاد الناتج عن موقف مشكلة حقيقي..

وضحى وقفت على الحياد كعادتها احتراما لمن هم أكبر منها ويتناقشون في موضوع لا يخص أحدا سوى كاسرة..
وهي رغم إعجابها بشخصية كساب كوالدتها إلا أنها تعلم أن كاسرة لن تخرج من بيتها إلا لسبب كبير..

كاسرة أجابت بحزم: ليه يمه أنتي متضايقة مني ومن قعدتي عندكم.. رحت قعدت عند عمتي.. هذي هي في البيت بروحها مامعها إلا شعاع..

مزنة بغضب حقيقي: هذا اللي قاصر يا بنت بطني!!
اطلعي من بيتش وتعزبي العرب..!!

كاسرة بذات الحزم: وش أسوي دام أنتو ماتبون تحترمون قراري..
ثم أردفت وهي تنظر لتميم وتشير بحزم: تميم أنت متضايق من قعدتي في بيتك؟؟

تميم أشار باستنكار: أفا عليش.. أنتي الداخلة وحن الطالعين..
وإن ماشالتش الأرض أشيلش فوق رأسي..
بس أنا أبي مصلحتش!!

كاسرة بحزم: وأنا أعرف مصلحتي زين..
واسمحوا لي بأروح لدوامي..




***********************************




" يبه جعلني فدا خشمك
عطلتني عن الروحة للدوام بروحة المستشفى اللي مالها داعي
يا الله جعلني الأول نزلني في دوامي ماعندي وقت أرجع للبيت وأخذ سيارتي
وعقب بأخلي واحد من سواقين الوزارة يرجعني"

زايد يشعر بقلق عميق يخفيه خلف حزم صوته:
زين اليوم نروح نكويك على القرفة.. لأنك داري إن القرفة ماتبين في تحاليل المستشفى

علي ببساطة: إذا بيريحك ذا الشيء.. حاضر.. نروح اليوم وأكتوي..
مع أني قلت لك إن الكوي مهوب نافع..

حينها هتف زايد بشجن: اسمعني يابيك.. يمكن مافيه حد حب وعشق مثل أبيك..
أبيك عاشق قديم.. بس يأبيك أبي أدري وش علاقة الحب بالأكل..
ثم ابتسم: كنت أكل ومافيني إلا العافية وعمر الحب ماسد نفسي من الأكل..

علي ابتسم بمودة: شكلك يبه حبك في مخباك ماشاء الله..

كم هي شفافة العلاقة بين هذا الوالد وابنه!!
وهما يتحاوران كما لو كانا صديقان حميمان من عمر واحد..
وكل منهما يشعر بالآخر على ذات المستوى من القوة..

هتف زايد بحزم: دامك تقول إن ذا اللي أنت تحبها وما رضيت تعلمني من هي
منت بماخذها.. فأنت لازم تشوف حل لنفسك يأبيك
مايصير حالتك كذا!!

علي بشجن: ووش الحل عندك يبه؟؟

هتف زايد بشجن مشابه: ذكرتني ببيت الشعر القديم يم كان العاشق يسأل الأصمعي:
أيا معشر العشاق بالله خبروا.....إذا حل عشـق بالفتى ما يصنع؟
فرد عليه الأصمعي بالحل اللي لازم أي رجّال يسويه:
يداري هواه ثم يكتم سـره.....ويخشـع في كل الأمور ويخضع


ثم صمت زايد دون أن يكمل الحكاية وهو يشعر بحرقة غريبة أنه تذكر هذه الحكاية دون سواها..


حينها هتف علي بنبرة مقصودة: وش فيك يبه سكتت ماكملت السالفة..
تراني أنا بعد أعرفها.. وإلا عشان تاليها مايناسب الفكرة اللي كنت تبي توصلها لي..
الولد العاشق يبه رد على الأصمعي:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى ..... وفـي كل يـوم قلبـه يتقطع ؟

فالأصمعي رجع ورد على الولد:
فإن لم يجد صبرا لكتمان سره ...... فليس له سوى الموت ينفع

فلقوا الولد مات فعلا وجنبه مكتوب:
سـمعنا أطـعنا ثم متنا فبلغوا...... سـلامي لمن كان للوصل يمنع


زايد بغضب: أمحق سالفة.. وامحق رجّال يذبحه حب مرة..

علي ابتسم: يبه أنت جبت أول السالفة وأنا جبت تاليها..
ثم أردف برجاء: يبه أنا أبي أروح العمرة... ضايق خاطري وحاس الهم راكبني..
ويمكن الله يغسل نفسي من حبها لا جيته عاني لبيته..

زايد بمودة مصفاة: أبشر يأبيك.. الحين بأكلم مدير مكتبي يسوي لنا الحجز الليلة
بس خلني أول أروح لمرت كساب العصر ثم نودي أختك لبيت عمك..
وحجزنا إن شاء الله على الليل..
والحين انزل يأبيك وصلنا دوامك..







************************************




" غريبة الباشمهندس جاينا لمكتبنا..
بالعادة مكلبش في شغلك ماتطلع منه"

عبدالله يبتسم وهو يجلس على المقعد المقابل لمكتب صالح:
كان عندي شغل قريب منك قلت أمر وأسلم..

صالح يبتسم: زين شفناك تنشرح نفسي على الصبح
من يوم قمت اليوم وأنا أهاد ذبان وجهي..

عبدالله يضحك: الله يعين ذا الذبان علينا.. ومن سمعك
اليوم يمكن مابقت ذبانة في الدوحة ماتهاديت معها..

أجابه صالح بخبث: أم حسن.. صح؟؟

عبدالله بخبث مشابه: لا تذاكى علي.. لأني بأقول لك.. أم خالد.. صح؟؟

تنهد صالح: الله يعين.. نجلا صارت لا تطاق.. ما تنتحاكى..
أكيد حد طاسها عين على ثقلها وزانة عقلها..
عشر سنين من يوم خذتها.. عمري مانقدت عليها في شيء..
إلا المنقود كان من صوبي.. وهي اللي كانت صابرة علي..

عبدالله ابتسم: يمكن تكون حامل وتتوحم.. وعشان كذا شخصيتها متغيرة عليك..
تدري الهرمونات لا اختبصت خبصت المرة معها..

صالح يهز رأسه رفضا: يا ليت.. كان قلت اخبصيني على كيفش.. ولاني بمشتكي..
بس لا.. الله يرزقنا عاجلا غير آجل يمكن تقر وترتاح..
ثم أردف بتساؤل مهتم: إلا بما أن مرتك أنت اللي حامل..
الوحم هو اللي ممشكل بينكم..؟؟

جاء دور عبدالله ليتنهد: لا طال عمرك.. أنا وام حسن سالفة عويصة شويتين
الله يزينها من صوبه..

يتذكر عبدالله كيف كانا هو وهي اليوم صباحا..
وكل واحد منهما يتحاشى مجرد النظر للآخر..
مع أنه من المفروض ألا يكون بينهما كل هذا التعقيد مادام كل واحد منهما صرخ بالآخر وأخرج كل حرقته
ليصبح كل مابينهما واضحا تماما..

ولكن ماحدث أن مابينهما تحول لكتل من مشاعر متشابكة معقدة
لا يعلم كيف يستطيع تفكيكها وهو يشعر بكل هذا الإرهاق والاستنزاف الروحي..





*************************************




" الحين أبي أدري وش المصيبة اللي صارت
جايبتني من الدوام دايركت هنا"

نجلاء تنفذ عن ذراعيها وهي تهتف بهمة: مهوب عاجبني ترتيب غرفتي وغرف عيالي..
أبي أغير أماكن السراير والكباته بعد وعقب ارتب الملابس من جديد..
قلت تجين تساعديني والخدامات معنا..

سميرة تلقي حقيبتها على السرير وتتمدد وهي تهتف بتأفف مرهق باسم:
صدق إنش اسنخفيتي والفاضي يعمل قاضي..
أنا حسبت بجي بألاقي صويلح مسوي وجهش حلبة مصارعة على صبغة الشعر
لقيتش لا صبغتي ولا شيء..محزمة رأسش كنش في معركة
ولابسة لي بنطلون جينـز وكرشش ناطة قدمش شبرين..

نجلا بجزع وهي تنظر لبطنها: أنا كرشي شبرين ياقليلة الحيا..

سميرة انفجرت من الضحك: عاد لا تقولين ما لاحظتي الزرار اللي مارضى يتسكر من كبر كرشش..
وإلا السحاب اللي بينفجر ما أدري أشلون تسكر أصلا.. أكيد تسكر بعد تعذيب من الطرفين..
أنتي عذبيته وهو عذبش..

حينها همست نجلا بضيق: بس يا الخبلة.. أنا أصلا ملاحظة من فترة أني ماتنة مع أني ذبحت روحي ريجيم بس بدون فايدة..
ظنش إن صالح لاحظ أني ماتنة..؟؟ مع أني كلش ماعاد ألبس ضيق عنده..

سميرة تضحك: أكيد لاحظ.. ظني الجيران لاحظوا عن بعد كيلوين..
أنا بصراحة صار لي فترة ماسكة روحي لا أعلق.. لأني أدري تموتين لا حد طرا أنش لش كرش..
بس عاد مع بنطلون الجينـز هذا مالش حل صراحة.. ماقدرت أمسك روحي..

حينها انفجرت نجلا باكية وهي تجلس على السرير وتدفن وجهها بين كفيها..
سميرة اعتدلت بجزع وهي تقفز بجوار نجلا: أفا يأم خويلد.. هذا وأنتي أساسا دمعتش بعيدة.. وما يبكيش إلا الكايد
تضحكين من تعليقات وحدة خبلة مثلي.. خلاص سحبتها..

نجلاء بين دموعها وشهقاتها: يا الخبلة ما أبكي منش.. بس أنا متضايقة من روحي..
صايرة حساسة بشكل.. وأقل شيء يؤثر في أعصابي..
وخايفة يكون فيني مرض وإلا شيء.. لأنه وزني صاير يزيد بسرعة مع أني تقريبا ماعاد كلت..
الشهر هذا بس زايدة ثلاثة كيلو..

سميرة بمؤازرة: زين نجول يمكن تكونين حامل؟؟

نجلاء بضيق: وش حامل بعد... توني قبل أسبوع علي الدورة..
وحتى دورتي مروعتني.. ماعادت مضبوطة مثل أول.. والدم خفيف واجد..
خايفة أكون مريضة ياسميرة..
أحاول أبعد ذا الفكرة عن رأسي وأشغل نفسي عنها..
بس ترجع وتأكل تفكيري.. تعبانة سميرة تعبانة من التفكير..

حينها همست سميرة بألم وقلق: زين وليش ماقلتي لي من أول..

نجلاء عادت للبكاء: وش أقول؟؟ ما أبي أروع حد عشان شكوك في راسي
وما أبي اقول لاحد عشان ما أسوي فحوص والشكوك تتحول لحقيقة..

حينها همست سميرة بحزم: بس أنتي بتروحين معي الحين وتسوين فحوص غصبا عنش..
بأكلم سيارة بيت هلي.. وبنحط عيالش عند أمي.. وبنروح...





********************************





" زين إن الهندي المثقف ذالف لا رده ربي ذا الأذوة"


كانت عالية تهمس بذلك لعبدالرحمن وهي تشد لها مقعدا وتجلس..
وتهمس له بابتسامة صافية: اشتقت لك يالخايس من البارحة لين اليوم..
وش أخبارك اليوم؟؟
مثل البارحة.. خست من النوم.. وريحتك واصلة آخر الممر يا اللي ماتستحي...

يا أخي بسك نوم..
الناس عرسوا وجاوبو عيال.. وأنا قاعدة جنبك استاند باي..
لا تكون ناوي تطول بعد.. تراك مسختها... والصبر له حدود..
يا أخي خلصت السوالف اللي عندي وأنا كل يوم أهذر فوق رأسك
هذي تطلقت وهذي تزوجت والدكتور الفلاني سافر..
خلاص دورك تسولف علي..
ولو أني لو تبي الصدق حتى لو أنت صاحي ماراح أخلي لك مجال تفتح حلقك
لأني هذرتي أساسا ماتخلص... ويا الله الـ24 سويعة اللي في اليوم يكفوني..

حينها همست بحزن: تدري عبدالرحمن بأقول لك سالفة محزنتني واجد..
وزين أنك منت بواعي عشان ما أبي حد يعرفها.. بس جد أنا حزينة ومتضايقة
أدري بتقول أشلون حزينة وأنتي قبل دقيقة فاتحة شدوقش على أقصى اتساع بشري ممكن..
أنا كذا يا دحومي دقيقة بتلاقيني أضحك والدقيقة الي بعدها استخف وأبكي..

البارحة عبدالله وراني صور ولده اللي مات في أمريكا.. صور واجد للولد من وهو صغير لين كبّر..
قلبي قبضني يوم شفته.. لسببين.. الأول تخيلي أشلون مات.. روح طاهرة مالها ذنب..
الثاني.. الثاني هو.. إني أشك إنه يكون ولد أخي من أساسه...
لكن طبعا مستحيل أقول ذا الكلام لأحد.. الحقيقة ذي لو كانت حقيقة بتذبح عبدالله اللي ضاعت سنين عمره عشانه..
خلاص وش بيستفيد والولد مات.. حتى لو ماكان ولده هو رباه وحبه كنه ولده..

علم الجينات يقول ولد مثل هذا مستحيل يكون ولد عبدالله
لأن عيونه زرق.. والعيون الزرق أكثر صفة متنحية بين الجينات الوراثية
ومستحيل تطلع في الجيل الاول.. لكن ممكن تظهر في الجيل الثاني..

لكن أرجع وأقول لنفسي الله قادر على كل شيء.. وعبدالله يقول سوى له فحص دي إن أي في ثلاث مستشفيات
وش فايدة الحكي في شيء ماعاد له فايدة؟؟

تدري يا الدحمي خاطري أنا أجيب عيال عيونهم ملونة..
مهوب لو تزوجت ولد عمي غنوم أبو عيون عسلية كان أحسن لي بدل ما أنا قاعدة جنبك مثل الكرسي..
أقله كان جبت بزران شقران حمران وعيونهم عسلية مثل خالتي جيهان أم غنوم..
وحسنت نسلي المغبر....

عالية لشدة استغراقها في الثرثرة وهي تنظر لوجه عبدالرحمن فقط..
لم تنتبه لجهاز قياس ضربات القلب ولتغير الإشارات الحيوية وتسارعها بشكل طفيف..
منذ أن بدأت بحكايتها مع غانم..

لتعود مؤشراته للسكون والانضباط وهي تقول بابتسامة: بس وش أسوي بقلبي الخبل
اللي مالقى يتعلق إلا بواحد دب مايشبع رقاد مثلك..

ثم انتفضت وهي تنظر للساعة: ياويلي خلني أطق.. ابيك على وصول..
وهي تخرج فعلا ليدخل فاضل بعدها بثوان






*********************************






" الحمدلله على السلامة يام زايد
نورتي بيتش"

كان منصور يُدخل عفراء لبيتها وهو يسندها.. بعد أن رتبت لها مزون غرفة في الأسفل..

جميلة تدخل خلفهما وهي تحمل زايد الصغير بحرص وتهمس بمرح:
الحين أم زايد أم زايد..
وأنا الكبيرة ماعاد لي كرت.. وين أم جميلة؟؟

منصور بابتسامة أبوية: ماعليه خليها تجامل ذا الصغنون شوي..
وإلا الغلا كله لش..

جميلة تمشي خلفهم ومنصور مازال يسند عفراء باتجاه الغرفة وتهتف بذات المرح:
إيه إلعبوا علي... شايفيني مقصة..

عفراء بمودة حانية: خلاص ولا يهمش.. اللي بيقول لي أم زايد ماني برادة عليه لين يقول أم جميلة..

جميلة وضعت الصغير في سريره وهي تقبله وتهتف بذات الابتسامة الرقيقة:
لا أنا أصلا ما أرضى حد يتعدى على مكانة ولدي ورجّالنا الصغير
جعل ربي مايخلينا منه ومن زايد الكبير..

ثم قبلت أنف منصور الذي كان قد أجلس عفراء على السرير وجلس جوارها:
ولا من حضرة العقيد...

شدها منصور ليجلسها جواره من الناحية الأخرى وهو يحتضن كتفيها ويهتف بذات نبرته الابوية الجديدة الرائقة تماما:
ولا يحرم العقيد منش..
إلا قولي لي.. ماتبين تعلمين رماية؟؟

جميلة بصدمة: نعم؟؟

منصور يريد أن يشغلها بشيء عن التفكير.. فهو رآها بالامس وهي تبكي في غرفة المواليد ولكنها لم تراه..
والرماية هي مايعرفه..

ابتسم منصور: إيه الرماية..
بتستانسين.. أول نبدأ مسدسات ثم البنادق لين نوصل الرشاشات..

عفراء ضحكت وهي تتخيل ابنتها الرقيقة المدللة مع رشاش: منصور حرام عليك من جدك؟؟

منصور بجدية: والله من جدي..
تتسلى معي ونسولف أنا وإياها دامش لاهية في زايد الصغير.. لين ترجع جميلة لجامعتها

جميلة ضحكت برقة: لا عمي فديتك.. بلاها الرشاشات والمسدسات
لأنها في يد وحدة مدمغة مثلي خطر على المجتمع..
وأنا أصلا مشغولة مع أمي في زايد الصغير... وما ابي أبعد عنه أصلا..




**********************************




" وضحى.. وضحى"

وضحى تجيب كاسرة التي كانت تناديها من الاعلى وهي تطل عليها: نعم كاسرة..

كاسرة بحزم: قولي لأمي تفتح باب الحريم اللي يفتح على الحوش
عمي زايد جاي يبيني.. وصار برا
خلها تدخله..
بس أبدل ملابسي وألبس دراعة ضافية وأنزل الحين.




#أنفاس_قطر#
.
.
.

.

#أنفاس_قطر# 16-11-10 07:14 AM




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عيدكم مبارك جميعا وكل عام وأنتم بألف خير وتقبل الله طاعتكم
يا الله قربوا نعطيكم العيديات :)
نهار مبارك يارب وغمر الله قلوبكم الطاهرة بالرحمة بالسعادة
.
الجزء القادم لا أعلم كتى بالتحديد سأعلن عنه فور عودتي من سفري
وسيكون في أحد أيامنا المعتادة نفس الوقت..
.
الآن الجزء 61
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والستون





يقف أمام باب مجلس الحريم المطل على الحوش..
يعرف هذا البيت جيدا.. فهو من بناه.. ويحفظ كل تفاصيله..
التي حاول تناسيها منذ علم أنها سكنت قريبا منه..
طوال الأشهر الستة الماضية وهو يحاول تجاهل حقيقة سكناها بجواره..
حتى حين يخرج من بيته يدور للجهة الأخرى لم يعبر ولو لمرة واحدة من أمام بيتهم مباشرة
خوفا أن يلمحها خارجة في سيارة مغيمة بالسواد..


حتى الجد جابر.. غالبا هو من يأتي لمجلس زايد لأنه يشعر بالضيق من الجلوس في البيت
فيمر كل يوم بعد عودته من صلاة العصر.. ويبقى حتى يذهب لصلاة المغرب..
ثم يعود لبيته..
لذا لم يضطر أن يضغط على أعصابه.. وهو يتجاهل وجودها قريبة هكذا..

ومع ذلك في أحيان كثيرة كان يقول لنفسه ليلا وهو يستعد للنوم
"هل لو أرهفت السمع قليلا سأسمع صوتها يعبر الحوائط؟؟"

كان وجودها جواره رغم كل محاولات التجاهل متعب إلى حد كبير لمشاعره وذكرياته..
فهو يؤمن أنه لم يبق لسواه سوى الذكريات!!


هذه المرة لم يضع مطلقا في باله أي احتمال أنه سيراها...
فهو اتصل بكاسرة مباشرة حتى تكون من تفتح له الباب..
لذا حين فُتح الباب.. دخل بثقة وعفوية.. وهو يسلم بنبرته الواثقة الفخمة..


ليجد أن من فتحت له الباب سيدة متشحة تماما بالسواد ومعها خادمة كانت تضع صواني القهوة والشاي على الطاولة وتقف عندها..


عــــــرفــهـــا..!!
عـــــــــــــرفــــــــهــــا!!
وعرف من هي... وآه من هذه المعرفة ما أقساها!!
أي كارثة.. مصيبة.. فاجعة.. كاسحة.. كل مسميات الصدمة للصدمة هذه لم تخطر له ببال!!


"لماذا ترتكبين هذه الجريمة في حق عمكِ يا كاسرة؟؟
أأتي لأصلح بينك وبين زوجكِ
فيكون جزائي أن تذبحيني؟؟
المرة الماضية لم أستطع احتمال رؤية طرف أناملها
فكيف وهي تقف أمامي هكذا؟؟؟ كيف؟؟"


لم ينظر مطلقا ناحيتها وهو يختار له أقرب مقعد للباب ويجلس عليه.. وهو يغلف كل مشاعره -التي احترقت فجأة- بالبرود قدر ما استطاع..

ولكنها لم ترحمه وهي ترد السلام بصوتها الرخيم..
ثم تهتف باحترام جزيل: حياك الله يا أبوكساب..
بنتك بتجيك الحين.. والله لا يقصر خطوتك ويكبر قدرك مثل ماكبرت قدرها..

حينها كاد يقسم أنه انتفض بعنف قارص وهو يشعر بلسعة باردة حادة كسهم مسموم اخترقت أذنه من ناحية لتخرج من الناحية الأخرى..
لم يكن يريد أن يسمع صوتها مطلقا.. كان يخشى من تأثير الصوت عليه
أما أن يقلب مواجعه أو ينسفها..!!!

فإذا به يقلبها كإعصار هائج..مجنون لا يرحم من يعبر عليه!!
مازال الصوت هو نفسه كما سكن في روحه..
هو نفسه .. نفس البحة الناعمة ولكن..أكثر نضجا وعمقا وهدوءا وأنوثة..إلى درجة تثير الصداع..

ولكنه بات خاليا من روح تمردها المتعجلة على الدوام التي كانت تأسره وتغيظه في ذات الوقت..
لتسكنه روح عمق مختلفة مسكونة بأنوثة لم تُخلق إلا لها وحدها..


أنهت عبارتها وخرجت.. لتتركه مبعثرا خلفها.. لم يستطع حتى أن يرد على ترحيبها..
بل وصف (التبعثر) لا يمكن أن يرتقي ليصف حالته أبدا..
هل يُقال حين تتفجر الروح إلى أشلاء لا عدد لها.. مجرد تبعثر؟!!
هل يُقال حين تقتحمك كل ذكرياتك الأثيرة بقوة آلاف القنابل النووية.. مجرد تبعثر؟!!!
هل يُقال حين ترى كل أحلامك تتضاءل وتتقزم أمام مجرد همسات.. مجرد تبعثر؟!!
إن كان يصح أن يُقال ذلك عن حاله ويوصف ذلك بالتبعثر..
فهو إذن تبعثر ملايين المرات ودون توقف!!!!


" ألوم الولد الصغير على اندفاعه
وأنا الشيبة القاضي ماني بقادر أتحكم في انفعالي؟!!
أشلون شكلي قدامها
وأنا حتى ماتحفيتها ولا سألتها لو كاسرة قالت لها شيء مثل ماهو مفترض؟؟
ليتني ماجيت..
ليتني ماجيت..!!!"


بعد أقل من دقيقة عادت مرة أخرى.. لتصدمه صدمة أشد من الأولى..
فهو توقع أنها انجزت مهمتها في ذبحه.. فلماذا عادت إذن؟؟


"لماذا عادت؟؟ لماذا؟؟
أ لم يكفها مافعلته بي؟؟
ماعاد بي شيء يحتمل وجودها أبدا!!"


كاسرة دخلت خلفها.. وهي تتجه لزايد لتقبل رأسه ثم تجلس جواره وهي تهمس باحترام:
أمي من كثر ماهي زعلانة عشان كساب تبي تقعد تساعدك عليّ..

حينها كانت مزنة تتوجه لتجلس في الناحية الأخرى..


زايد شعر بالفعل أن ريقه جاف.. وأن الكلمات كلها هربت منه..
كره لأبعد حد أن يكون هو.. زايد المتحكم المسيطر في هذا الموقف... موقف الضعف..الذي لا يليق به أبدا!!

شد له نفسا عميقا وهو يستعيد سيطرته على الموقف!!
فهذا نتاج فترة متطاولة من التدرب على التحكم في أعصابه في أقسى المواقف وأعقدها..

ليهتف بحزم السيطرة على الأمور : زين يأبيش دام حتى أمش مهيب راضية على سواتش
منتي بمكبرة قدري وقدرها وترجعين لبيتش..
ولو كساب مضايقش بشيء أنا بأخذ لش حقش منه.. أنتي تعرفين غلاش..
وتدرين أكثر أني وش كثر أوصي كساب عليش..
بس مايصير يأبيش الرجّال طلع وأنتي في البيت يرجع ما يلقاش..

همست حينها كاسرة بحزم مخلوط باحترامها العظيم لزايد:
قدرك أنت وأمي على رأسي.. بس ماظنتي إنه يرضيك أنه قدرك وقدرها يغصبني على حياة ما أبيها..؟!!

حينها تكلمت مزنة بثقتها البالغة الراقية: زين الحين أنا وعمش موجودين
أنتي بنتي وهو أبيه..
قولي لنا السبب..
ما يصير يأمش تهدمين حياتش كذا وماتبين حد يتدخل..
كساب ماشفنا عليه شيء يحدش تطلعين من بيتش..
ودامش ماتبين تكلمين.. فالحق الحين عليش مهوب عليه...

شعر زايد بصداع فعلي يمزق دماغه بمطارق لا ترحم
"هل هذه تتكلم أم تغرد؟؟
كيف أحل المشكلة وأنا عاجز عن التركيز هكذا؟؟"

كاسرة بذات الحزم الرافض لإعطاء مبررات: يمه اسمعيني أنتي وعمي
أحيانا ترا ما يكون فيه سبب ينقال..
صدقوني أنا وكساب مابيينا مشكلة فعلية
بس ماصار بيننا توافق.. ليش تبون تغصبوني أو حتى تغصبونه؟؟
ماتدرون يمكن لا رجع من السفر تلاقونه مستانس أني أنا فكيته من شري..

حينها هتف زايد بحزم وهو مازال يتجاهل النظر بكل قوته لبقعة الضوء والتشتيت الجالسة في الطرف الآخر أمامه..
لا يعلم كيف يستطيع التوفيق بين كلام مهم يجب أن يقوله.. وإحساس قاهر بانعدام التركيز يتجمع في المكان:
زين يأبيش ليش تسلبينه حقه إنه يعبر عن رأيه..
دام تقولين مابينكم مشكلة.. ارجعي لبيتش.. ماراح أقول الحين
بس لا رجع من سفره يلقاش قدامه مثل ماكنتي وراه يوم سافر..
تفاهمي أنت وإياه وتأكدي أني معش طول الطريق..
بس لا تخلين العزة بالأثم تأخذش..

كان زايد يتكلم ويتكلم ويتكلم بطريقته الخاصة البالغة الحزم والفخامة
بينما مزنة تنظر له من خلف فتحات نقابها الشديدة الضيق
بالكاد تظهر رفات رموشها التي لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها وهو يتجاهل النظر لها..
فيكفيه مافعله به صوتها.. لن يحتمل رؤية (زولها) حتى!!

كانت تنظر له وتبتسم رغم حساسية الموقف..
فهذه هي المرة الأولى التي تراه يتكلم بعد ثلاثين عاما!!
حتى المرة الماضية حين جاء لأخذ كاسرة كانت هي معتصمة بالباب
هو لم يرفع صوته بالسلام وكل حواره كان مع كاسرة..

وسبب رغبتها بالإبتسام.. أنها ترى أمامها كم تغير.. تغير جذري شكلا ومضمونا.. حتى أسلوبه في الكلام تغير 180 درجة..
فأين زايد الهجومي الحاد غير اللبق.. من هذا الفخم الأنيق والواثق الذي تشعر بروح سيطرته تحيط المكان بإحكام من حوله..؟؟


كإحساس..زايد الآن كما كان قبل ثلاثين عاما.. مجرد جار وابن جماعتها تربطها به المودة العامة.. ولم تحمل له أبدا مشاعر خاصة..

كانت وهي مراهقة تشعر بالغيظ منه.. ولم توافق على الزواج منه لأنها شعرت أنه يريد فرض سيطرة عليها هي ترفضها..

بعد ذلك تحولت المشاعر لمشاعر احترام عميق وهي ترى تواصله مع والدها
ولا تأخذه أبدا مشاغله المتزايدة عن وصله وخصوصا مع معرفتها بمحبة والدها له

ولكنها وهي تراه الآن لا تنكر أنه يستحق فعلا مشاعر الإعجاب التي يثيرها في الجميع..
فهي كانت سابقا تستغرب كيف استطاع زايد المتهور العنيد طويل اللسان أن يحقق كل هذه النجاحات..!!

الآن.. آن لها ألا تستغرب أن من له هذه الطريقة المقنعة المبهرة في الكلام لابد أن ينجح..
لا تعلم كيف إن ابنتها مازالت لم تقتنع حتى الآن..
رغم أن في ابنتها كثير من عنادها ولكن السنوات هذبتها ومنحتها الحكمة..
ولو كانت هي في موقع ابنتها من تستمع لزايد لكانت تعود معه لبيتها الآن..

زايد تعب فعلا من محاولة إقناع كاسرة التي كانت مصرة تماما على موقفها
حينها وقف وهو يهتف بحزم: تعبتيني يأبيش وماهقيت إني مالي خاطر عندش كذا

كاسرة همست بجزع حقيقي وهي تقبل رأسه: محشوم فديتك.. بس ظني إنك صرت أكثر واحد يعرفني في ذاك البيت
وماظنتي يرضيك أكسر نفسي عشان أرضيك..

زايد قبل جبينها وهو يهتف لها بمودة عميقة: أنا رايح يأبيش عمرة الليلة
وبأدعي لكم ربي يصلح بينكم
بس طلبي مني شي واحد..
لا جا كساب يبي يكلمش.. لا تصدينه.. طالبش يأبيش تقعدين معه وتتفاهمون...

حينها همست كاسرة في داخلها بألم: (لا تخاف مهوب جاي.. أصلا هو يبيها من الله..)
ولكنها أجابته بمودة: أنت تأمر.. والله لا ياتي لأقعد معه ونتكلم..
بس لا تهقا أني رديتك وأني بأرجع معه.. قدرك أكبر عندي من كل قدر..


زايد غادر وهو يشعر أنه يريد أن يهرب فعلا.. يشعر ن جسمه خلا من الطاقة تماما..قدماه بالكاد حملتاه للخارج..
يبدو أنه سيحتاج بالفعل إلى الذهاب للعمرة مع ابنه التي جاءت في وقتها لتبرد بسكينتها جروح قلبه التي انفتحت على اتساعها
ليُذر عليها كل ملح العالم!!


كان يعلم أنه يستطيع أن يضغط على كاسرة أكثر من ذلك لو استخدم كل ذكائه وقدرته على الإقناع..
ولكن هذا هو كل ما استطاعه حتى لا يبدو بمظهر مزري أمامها..
يا الله لماذا جاءت مع ابنتها لماذا؟؟

ماذا استفاد غير اشتعال الحرقة والمرارة في جوفه.. وفشله في الوساطة التي جاء لها..؟؟

لو أنه على الأقل نجح في وساطته كان سيقول أن حرقته المتزايدة التي تكوي جوفه جاءت بنتيجة..

لا يعلم كيف مازال لها كل هذا التأثير الأسطوري في ذاكرته رغم مرور كل السنوات؟؟
كيف لم يخفت تأثير وجودها في المكان كما لو أنها شمس تحرق كل ماحولها..؟؟
تماما كما كان يشعر بها وهو يراها تعبر الطريق أو تقف أمام الباب وهي صغيرة..
ليجد كل شيء حولها بهت.. تماما كما الشمس تُبهت ماحولها!!

"يبدو أن مزنة ستبقى حسرة مرة في قلبي حتى أموت!!!"



خلفه كانت مزنة تهمس بغضب وهي تخلع عباءتها وتجلس: أنتي مافي وجهش سحا
حتى جية عمش مالها قيمة عندش..
ماحتى كبرتي قدره وهو جايش عاني لين مكانش..؟؟

حينها استغربت مزنة وقلبها يتهاوى وهي ترى كاسرة جلست جوارها
لتحتضن خصرها وهي تضع رأسها على كتفها وتهمس بحزن:
بس يمه طالبتش.. بس.. حرام عليكم كل واحد يضغط علي من ناحية..
أنا بروحي تعبانة وماحد راضي يرحمني..

مزنة احتضنتها وقلبها كما لو كان سيتمزق ألما من أجل ابنتها وهي تهمس بحنان:
يأمش نبي مصلحتش.. كساب والله العظيم مافيه مثله.. أنا أعرفه زين يأمش
يعني ما أظنه شين لدرجة أنش ماتطيقين تعيشين معه..
ولو فيه طبايع ماتعجبش.. المرة تقدر تغير رجّالها بصبرها عليه..
ولو أنتي ماتحبينه...
ترا الحياة الزوجية تستمر بالمودة حتى لو ماكان فيها حب بمفهومكم يا الشباب..!!

حينها تدفقت كاسرة بألم وهي تشدد احتضانها لخصر أمها ودفنها لوجهها في ثنايا صدرها:
كساب مهوب شين.. أدري.. والله العظيم مهوب شين..
أما على الحب؟؟
أنا مهوب بس أحبه.. أنا أموت فيه ومن أقصاي
ولو فيه شيء فوق كذا فهو حبي له.. ارتحتي يمه!!
بس يمه ما ابي أعيش معه.. ما أبي..
تكفين يمه.. كفاية تسوين علي حصار..
انا بروحي متضايقة حدي إنه عمي زايد طلع زعلان..


مزنة صمتت وهي تمسد شعر كاسرة بأناملها..
ورأس كاسرة يرتخي على كتف أمها وهي تمنع نفسها ان تبكي.. رغم حاجتها الماسة لذلك..

ومزنة تقرر أن تتوقف تماما عن الإلحاح على كاسرة.. حتى حين..!!
فهي لم تتوقع أبدا أن كاسرة قد تعبر عن حبها له بهذه الطريقة ثم تقرر تركه..
هناك شيء قد لا تفيد فيه الوساطات..
شيء بينهما ولن يحله سواهما!!

ولكن مع ذلك مزنة ستنتظر عودة كساب قبل أن تنزل معه بكل ثقلها..
فهذا الشاب أصبح قريبا جدا من روحها..
وهي تعوض فيه كثيرا من مشاعرها التي كانت لمهاب..ويسد فراغا ما في حياتها..
فهو بعيدا عن كونه زوج ابنتها..كان كثيرا ما يزورها هي..
وبينهما تفاهم كبير رائع...
تراه أكثر من مذهل.. ويعجز أيا كان على عدم الإعجاب بشخصيته ورجولته ولباقة حديثه وإتساع أفقه..

فلماذا ابنتها عاجزة عن رؤية كل هذه المزايا.. لماذا؟؟






************************************






عاد للبيت بعد صلاة العصر.. بعد أن تغدى في بيت أهله..
لم يصعد للأعلى..
ولكنه يشعر أن البيت ساكن تماما.. حتى ابناه لم يراهما اليوم..
نادى إحدى الخادمات وسألها عن نجلا والأولاد..
فأجابته أنهم ذهبوا جميعا مع سميرة حوالي الساعة الثانية والنصف..
استغرب..سميرة تأخذهم بعد عملها وتذهب أين..
وكيف تخرج نجلا بدون أذنه.. يعلم أنها حتى لو كانت غاضبة فيستحيل أن تذهب دون أن تستأذن لو حتى برسالة هاتفية..
أ يعقل أنها عادت لبيت أهلها؟؟

اتصل بنجلا ولم ترد.. واتصل مرة أخرى لترد عليه سميرة.. سلم باحترام ثم سألها عن نجلا..

سميرة همست بتردد: نجلا تعبانة شوي وجبتها المستشفى الأهلي عشان يسوون لها فحوص شاملة..

حينها تفجر قلق صالح: أشلون تعبانة والبارحة مافيها شيء؟؟؟
ووش ذا التعب اللي يستلزم فحوص شاملة؟؟
تدرين... خلاص أنا جايكم الحين؟؟

لم يستغرق سوى عشرين دقيقة ليكون واقفا بجوار سميرة.. التي شعرت بالحرج من وقوفها مع صالح في الممر.. بعد أن اتصل بها لتواجهه خارجا..
حتى يعلم منها ما الذي حدث قبل أن يرى نجلاء
كان صالح يتفجر قلقا حقيقيا وهو يسأل بأنفاس مقطوعة:
نجلا وش فيها؟؟

سميرة شرحت له باختصار ودون تعمق عن حالة نجلا..
ليجيب حينها بغضب متفجر: وليش ماقالت لي أنا يوم إنها صار لها كم شهر وهي تعبانة؟؟

سميرة أجابته بحرج: إسأل روحك يابو خالد.. أنت اللي عايش معها المفروض إن التغيرات ذي ما تمر عليك..
والحين دامك جيت.. اسمح لي بأكلم رجالي وأروح..
نجلا داخل في الغرفة هذي وأنا اسمح لي..

سميرة غادرت بالفعل لصالة انتظار أخرى حتى تهاتف تميم ليحضر لأخذها فهي لا تستطيع البقاء مع صالح..

بينما صالح لم يستطع صبرا وهو يطرق الباب ويدخل..
حين دخل كانت تتمدد على السرير وعليها لباس المستشفى وعباءتها جوارها..
ويسحبون منها عدة زجاجات من الدم..
بعد أن أصرت سميرة أنها لابد أن تبقى الليلة في المستشفى حتى ينتهون من نتائج الفحوص..

نجلا حين رأت صالحا.. رغما عنها تغرغرت عيناها بالدموع..
صالح دار من الناحية الأخرى بعيدا عن الممرضة.. ليشد على كف نجلا بقوة وهو يهتف بعمق: أفا يام خالد.. ترا مافيش إلا العافية
لا توسوسين بشيء الوسوسة من عمل الشيطان..

نجلاء حينها بدأت تبكي: بس أنا ما أسوس.. والله العظيم ما أوسوس..
لا تقول إنك ما لاحظت أشلون أنا متنت مع أني ذبحت روحي ريجيم
لا تقول إنك مالاحظت أشلون مزاجي على طول متعكر وأقل شيء يضايقني..
أما عاد اللي ماقلته لك إنه حتى دورتي الشهرية مختبصة مرة وحدة..
وعقب ذا كله تقول لي لا توسوسين..

صالح شد على كفها بقوة أكبر وهو يذوب لها حنانا: حتى ولو.. هذي كلها أعراض اختلال في الغدة
بس يعطونش علاج ينظم عملها بتكونين زينة.. السالفة بسيطة لا تكبرينها يالغالية..

نجلا أجابت بحزن عميق: خير إن شاء الله خير..





*************************************





ركبت جواره وهي تشير بالسلام.. أشار لها بالسلام ردا عليها
ثم أشار: شأخبار أختش؟؟

أشارت بقلق: مابعد طلعت نتائج الفحوص..

ثم أشارت بتردد: تميم أبي أروح لبيت هلي عشان عيال نجلا.. أمي ماتقدر عليهم كلهم.. ونجلا يمكن تمسي في المستشفى..

لا ينكر أنه شعر بضيق عميق.. فهي نادرا جدا ما باتت عند أهلها..
وهو اعتاد على وجودها لأبعد حد.. لا يتخيل أنه قد يبات الليلة دون إحساسه بعذوبتها تحيط المكان..

ومع ذلك هز رأسه موافقا..
وهو يتجه لبيت أهلها..

حين وقفا في باحة البيت.. كانت تستعد للنزول حين شد على كفها..
انتفضت وهي تنظر له وتشير بيد واحدة: تبي شي؟؟

شد على كفها بقوة أكبر ثم أفلتها وهي يشير ببساطة مهمومة: لا..

سميرة لا تنكر تصاعد دقات قلبها لأبعد حد..
تصرفاته باتت توترها كثيرا لدرجة القلق وهي تشعرها بالتحفز لعجزها عن فهمه..
كانت تشعر أنه يريد أن يقول شيئا ولكنها لم تمنحه الفرصة وهي تنسحب هاربة..

حين دخلت لداخل البيت وصلت رسالة لهاتفها.. كانت منه:

" يعني عشان اسمك على القلب منحوت
معاد تسأل صاحبك كيف حاله؟؟ "

سميرة ألقت الهاتف على الاريكة كما لو كان سيلسع يدها..
ثم جلست بعيدا عن الهاتف كما لو كان الهاتف وحشا مرعبا وهي تضع كفها على قلبها لتهدئ دقاته:

أنا أقول الرجّال استخف رسمي..مافيه شك..
بروحي كنت أسخن يوم أقرأ مسجات صويلح لنجول..
أشلون الحين والمسج لي!!

يمه يمه يمه.. حرمت أفتح مسجات منه....





**********************************





" خوش وقت يروحون فيه علي وزايد للعمرة
عشان نكسبش عندنا"

مزون تلبس زايد الصغير وهي تجلس على الناحية الأخرى من السرير وهي تبتسم:
إيه تبون تشغلوني خدامة عند زايد الصغير.. ألبس وأغسل..

عفراء بابتسامة أمومية: يا النصابة.. توش متهادة مع جميلة من فيكم اللي تبدل ملابسه وأنتي اللي فزت..

مزون تضحك: أنا فزت لأن جمول أصلا ماصدقت تشوفني تبي تتسبح..
خبرش الدلوعة لو ما تنقعت في الماي المعطر على الأقل نص ساعة.. بتجيها حساسية..
وبعدين أنا فزت المرة اللي فاتت.. ذا المرة المفروض مرتها.. والأخت صار لها أكثر من ساعة فوق..

عفراء بحنان موجوع: زين مزونتي روحي طلي عليها.. ترا حالها مهوب عاجبني..
وحاسة إنها داسة عني ضيقتها..
يعني من عقب حالتها الهستيرية يوم طلقها خليفة سكتت مرة وحدة عقب ماولدت..
أنا دارية إنها كاتمة في نفسها عشان ما تضايقني.. تكفين خليها تفضفض لش شوي.. مهوب زين تكتم في نفسها..

مزون تضع زايد الصغير بين يدي خالتها لترضعه وهي تقبل رأسها وتهمس بمودة عميقة: حاضرين يالغالية.. ولا تحاتينها..



مزون طرقت الباب بخفة.. ودخلت لتجد جميلة مرتبكة.. تنهض عن السرير وهي تحاول إخفاء وجهها ومازال روب الحمام عليها..

وهي تهمس بصوت محتنق: دقايق مزون بس أستشور شعري وألبس ملابسي وأنزل لكم الحين..

مزون تقدمت منها وهي تشدها لتجلس معها على السرير وتهمس بحنان:
أدري أنش كنتي تبكين.. مافيه داعي تدسين.. شوفي وجهش وعيونش بس..

حينها دفنت جميلة وجهها في كتف مزون لتنتحب بوجع عميق: بأموت يامزون بأموت..
ماهقيت خليفة يسوي فيني كذا.. ماهقيت أني ممكن أهون عليه كذا..!!

مزون بحزن: ياقلبي ياجميلة أنتي اللي حديتيه يسوي كذا..

جميلة بين شهقاتها: لا ماحديته... أنا عطيته الخيار.. وهو ماصدق يخلص مني..
أنا كنت أقول له كذا وأنا بأموت من الرعب إنه صدق يبيعني..
بس مابغيت أعيش حياتي معه وأنا حاسة إني خيار هو مجبور عليه.. حدته عليه الشهامة وأني بنت عمه المريضة..
بغيته يختارني الحين بكامل اقتناعه.. بس هو ماصدق.. ماصدق.. قال جاته من الله..باعني وبرخيص..

حينها همست لها مزون بنبرة تهدئة: زين دامش تقولين إنه بايعش.. خلاص ليش تبكين عليه كذا؟؟

جميلة مازالت تنتحب: هذي عشرة طويلة.. ثمان شهور وهو مستحملني ومستحمل غثاي.. تعودت عليه فوق ما تتخيلين..
وهو يا مزون.. طيب وحنون فوق ما تتخيلين..
تمنيت لو أقدر أرد له شوي من جميله علي.. قلت لا اختارني بإرادته والله لأخليه أسعد رجّال في العالم..
بس.. بس...

مزون ترفع وجهها وتمسحه بحنان ثم تهمس بحزم رقيق: بس يا قلبي لا تبكين
الوجه الحلو هذا ما انخلق عشان يبكي..
أصلا أنا محتاجتش تروحين معي ننقي شبكة علي ودبلته..وشوي هدايا لمرته..
تدرين الملكة صارت وحن مشغولين مع خالتي في المستشفى..
الليلة نروح للأماكن القريب.. وبكرة الصبح من بدري نكمل..
ونروح لهم في الليل بكرة..

جميلة تمسح وجهها: ماعليه مزون اسمحي لي ما أقدر أخلي أمي حايسة مع زايد..

مزون تبتسم: فديت حس المسئولية ياناس.. لا تحاتين أمش عندها بدل الخدامة أربع..
أنا اللي محتاجتش الحين!!






***************************************






القلق يلتهم روحه.. وهما ينزلان للأسفل بعد أن أصرت الدكتورة ..
أنه لابد أن تعمل نجلاء تلفزيون..
بينما قلق أشد سوداوية ومرارة يلتهم روح نجلا.. هل تكون مصابة بشيء في الرحم تريد أن تتأكد منه الطبيبة؟؟

نجلا طوال نزولهما للاسفل ويدها ترتعش بعنف في يد صالح التي تشد عليها بقوة وهي تكثر من الدعاء وقراءة القرآن..

وصالح يطمئنها إنه لا داعي للقلق.. رغم أنه يكاد يموت قلقا..بل يكاد ينتهي من شدة احتكام قلقه.. وهو يحاول إبعاد الأفكار المؤذية عن باله..
أ يعقل أن تكون مريضة وهو طوال الأشهر الماضية كان يحرق أعصابها؟؟
حتى لو لم تكن مريضة كما يدعو ويتمنى
فهي كانت تعاني لوحدها من هواجسها دون أن يشاركها سوى بالصراخ عليها وتأنيبها في كل وقت..
يا الله كم هو نادم على كل هذه الشهور التي جعلها تعاني بسببه دون أن يخفف عنها..!!

شد على يدها أكثر وهما يقتربان.. ويكثر الدعاء في قلبه..
وهو يشعر بندم عميق يُغرق روحه على كل دقيقة سمح لنفسه فيها أن يجرح مشاعرها!!

حين وصلا.. وتمددت نجلاء على السرير..
شجاعة صالح كلها ذهبت وهو عاجز عن تقبل الفجيعة إن حدثت..
هتف لنجلا بحنان عميق: أنتظر برا؟؟

شدت نجلا على يده بقوة وهي تهمس بجزع: لا لا.. تكفى لا تخليني..

الطبيبة جلست من الناحية الأخرى وتبتسم وهي ترى علائم الرعب والتوجس على وجهيهما..
الطبيبة مررت الجهاز على بطن نجلاء من الأسفل.. بينما وجهيهما يزدادن امتقاعا..وهما ينظران للشاشة الضخمة أمامهما..
الطبيبة رفعت درجة الصوت من الجهاز ليسمعا بما أن الصورة لم تظهر بعد..

صالح هتف بجزع: وش ذا الصوت..؟؟

مع أنه سبق أن سمعه ولكن شدة جزعه وخوفه على نجلاء ألغى كل التركيز من مخيلته..

بينما نجلا اختنقت تماما وغامت عينيها وهي تشعر بانهيار حقيقي موجع
وهي تتعرف فورا على الصوت..
لتظهر الصورة حينها واضحة على الجهاز..
ليصرخ صالح بصدمة كاسحة: جنين..؟؟؟

ابتسمت الطبيبة: ليه ماسمعت دقات قلبه؟؟...وشوفت عينك قربت كل أعضاءه تكتمل.. شوف رأسه وايديه ورجليه..
أنا بس حبيت أعرف المدام أي شهر.. لأن الدم ماوقف معها فهي مش عارفة الحمل بالتحديد كان متى..
لكن على الجهاز مبين.. المدام دخلت الشهر الخامس قبل يومين.. والجنين سليم الحمدلله..
والمدام كمان سليمة وكل تحاليلها ممتازة.. وحالة استمرار نزول دم بعد الحمل طبيعية مادامت لا تتجاوز الحد..


نجلاء أدارت وجهها ناحية صالح وهي تدفن وجهها في عنقه وتنتحب بصوت مسموع

حينها وقفت الدكتورة لتغادر وهي تشد الستارة عليهما..
ليزداد نحيب نجلاء ارتفاعا.. صالح ضمها بكل حنان وهو يهمس بتأثر عميق:
الحين ليه تبكين يا الخبلة.. هذا أنتي سليمة وحامل بعد..

شددت احتضانها لعنقه ونحيبها يزداد ألما وهي تهمس باختناق: مبسوطة يا صالح مبسوطة..

صالح هتف بألم السعادة الحقيقية: أجل لو زعلانة وش بتسوين؟؟
هذا أنتي اختصرتي أربع شهور من الحمل يعني شهور الوحم..
عشان ماتصدعيني وتقولين مشتهية لبن العصفور وإلا ما أدري ويش..





***************************************






عاد إلى غرفته الليلة في وقت مبكر لأنه كان لديه عدة رسائل إلكترونية مهمة لابد أن يرسلها قبل الغد..

لم يجدها في الغرفة.. ولكنه وجد الغرفة مرتبة بعناية بالغة.. وتفوح برائحة عطرة مميزة..
ثم حين فتح الخزائن وجد ملابسه كلها قد اُعيد ترتيبها بدقة أكثر عناية وتفوح منها رائحة عود ثمين مركز..

مطلقا لا يمكن أن يجد على جوزا أي ممسك من هذه الناحية.. فهي طيلة الأشهر الستة الماضية كانت تبالغ في اهتمامها بكل هذه التفاصيل..

ولكن لا يعلم لماذا شعر اليوم أن هذا الاهتمام ليس عفويا بل متقصدا حتى يلاحظه.. وهاهو لاحظه.. فماهي خطوتها التالية؟؟


كان مستغرقا في العمل على حاسوبه حين دخلت وهي تحمل حسن النائم على ذراعيها..
حينها قفز بجزع حقيقي.. وهو يلقي الحاسوب دون تفكير لا يعلم أين ألقاه..
ليتناول حسن منها وهو يهتف بغضب مكتوم:
أنتي صاحية؟؟ الولد ثقيل.. وأنتي توش في الشهر الثاني وطالعة من المستشفى وهم معطينش إبر تثبيت..
تبين تسقطين أنتي وإلا وش تبين؟؟

حينها أجابت بألم عميق: يهمك يعني؟؟

عبدالله باستنكار وهو مازال يحمل حسن: نعم؟؟

جوزاء تجاوزته وهي تهمس بذات الألم العميق: تدري إنك حتى ماقلت لي مبروك على حملي؟؟

عبدالله بذات نبرة الاستنكار: نعم؟؟

حينها همست بسكون: ممكن لو سمحت تحط حسن على سريره عشان ألبسه بيجامته.. نام بدون مايقول لي إنه بينام..

عبدالله توجه لغرفة حسن ليضعه على السرير وجوزا وقتها كانت تستخرج لها ملابس داخلية وبيجامة حتى تستبدل ملابسه..
وضعتها على السرير ثم توجهت للحمام لتحضر بعض الماء الدافئ في إناء وفوطة صغيرة لتمسح جسد حسن بما أنه نام قبل أن تحممه
كان عبدالله يراقبها وهي تقوم بعملها بكل دقة وتفاني.. حين وصلت لإلباسه ملابسه.. شدها عبدالله وهو يهتف بحزم:
خلاص أنا بألبسه كفاية عليش ذا كله وأنتي مدنقة..

جوزا بجزع عفوي: لا والله ماتلبسه وأنا قاعدة صافة يدي..

عبدالله بحزم: بس جوزا اقعدي خلاص..

جوزا لم تجلس لكنها انسحبت بإرهاقها وعادت لغرفتها بينما عبدالله أكمل إلباس حسن الغارق في نومه
وهو يحركه بخفة ثم يتولى هو مسئولية تحصينه بالأذكار..
ليعود بعد ذلك لجوزا التي كانت تستحم في الحمام..
عاود تناول حاسوبه.. ليكمل عمله المبتور..

حينها خرجت وهي تلتف بروبها وتسأله بسكون وهي تستدير لإخراج ملابسها:
تبي عشا؟؟ ماظنتي إنك لحقت تتعشا في المجلس دامك جاي بدري كذا..

أجابها بسكون مشابه: ماني بمشتهي.. كنت مع واحد من الربع في كوفي عقب المغرب
وكلنا كيك مع القهوة وسدت نفسي..
ثم أردف بذات السكون: ومبروك

أجابته وهي مازالت توليه ظهرها بنبرة حزن عميقة: مالها طعم بالضبط مثل ماقلتها!!

حينها وقف وتوجه ناحيتها ليمسك بخصرها وهو يديرها ناحيته ويهتف بعمق:
لا تصيرين سخيفة لأنش عارفة أني مبسوط ومستانس..وفوق ما تتخيلين..

أجابته بذات نبرة الحزن الشفاف وهي تزيل يديه عن خصرها: مبين واجد إنك مبسوط!!





*************************************






" سميرة يأمش روحي لبيتش.. نجلا جات وخذت عيالها من زمان"

سميرة برفض: خلاص يمه بأنام عندكم.. أنا استأذنت تميم ورخص لي..

أم غانم باستغراب: بس يامش بكرة عندك دوام.. أغراضش كلها معش..؟؟

سميرة لأنها كانت قد قررت أنها ستبات..
فهي طلبت من وضحى إرسال حاسوبها وأوراقها التي كانت قد أعادتها معها حين أنزلوها في بيت نجلا اليوم ظهرا..
لذا أجابت والدتها: إيه يمه كلها معي..

لكنها يستحيل أن تخبر والدتها عن السبب الحقيقي لرغبتها في عدم العودة لبيتها
وهي تحتضن هاتفها بين يديها وتقرأ رسالة تميم الأخيرة ربما للمرة الألف..
بعد أن قرأت كل واحدة من الاربع السابقة التي وصلتها الليلة لألف مرة أيضا ربما..

" يا ويلش يا وضحى لو كنتي اللي قلتي لتميم
أني وحدة خبلة والمسجات تأثر علي
فأشلون والمسجات منه هو!!
لا حول ولا قوة إلا بالله هذي الليلة قاعد يلعب بي كنه يلعب بكورة"


وهي في أفكارها انتفضت مع رنة الرسالة السادسة
شعرت بالصداع وهي تهمس داخلها: الرجال هذا استخف وبيجنني معه..
فتحت الرسالة وشعورين متضادين يمزقانها تماما.. اللهفة لمعرفة المكتوب والخوف منه:

" إن قلت احطك داخل العين.. عييت***خايف يحول الرمش بينك وبيني
وان قلت احط بداخل القلب لك بيت***صعب علي اخفيك عن نظرعيني
ودي اشوفك كل ما اصبحت وامسيت***ممساك في قلبي وصبحك بعيني "


حينها ألقت سميرة الهاتف جوارها.. ودفنت وجهها بين يديها وهي تنخرط في بكاء رقيق عميق..
تشعر أنه يضغط على أعصابها ومشاعرها كثيرا.. والمشكلة أنها لا تستطيع مواجهته لأنه يضغط بطريقة غير مباشرة..
والدتها قفزت بجزع لتجلس جوارها ووهي تسأل بقلق:
سميرة يأمش.. تميم مزعلش في شيء؟؟

سميرة دفنت وجهها في كتف والدتها وهي تهمس بصوت باكي: لا والله يمه..
بس أنا مضغوطة شوي..

لم ترد أن تكذب عليها بشيء وفي ذات الوقت لم ترد أن تخبرها بشيء خاص بها هي فقط ولن تتفهمه والدتها..

والدتها احتضنت كتفيها وهي تهمس بحنان: تعبانة يأمش من الشغل.. قدمي على إجازة..

سميرة بذات الصوت الباكي: خير يمه.. خير..






***********************************






" عمرة مقبولة يبه.. وتقبل الله طاعتكم"

زايد يلتفت لعلي وهو يلف إحرامه ليستر الجزء العلوي من جسده النحيل
وهما خارجان من عند الحلاق ويبتسم: وعمرتك وطاعتك مقبولة إن شاء الله

ثم أردف باهتمام عميق: أشلون نفسيتك الحين يأبيك؟؟

علي بشجن إيماني عميق: مافيه حد يأتي هنا ونفسيته ماترتاح.. الله لا يحرمنا زيارة بيته..

زايد بذات الاهتمام: ودعيت من قلبك..

علي بذات الشجن الإيماني: والله العظيم دعيت ودعيت ودعيت من أقصاي..
الله لا يخيبني.. قلبي احترق من يومين
وش بيصبرني باقي العمر..؟؟

زايد يهتف في داخله بألم هو يملأ عينيه من علي:

"يصبرك اللي يصبر أبيك..
ثلاثين سنة مافتر لساني وأنا أدعي ربي في كل صلاة إنه ينسيني إياها
وما نسيت..
لكن ذا المرة مادعيت إلا لك.. أنا استحملت واتحمل
مافرقت علي المواجع عقب ذا السنين كلها..
لكن أنت بغيت تموت من يومين..
يأبيك لا تحرق قلبي عليك..
طالبك ياربي وأرجاك ماتحرق قلبي عليه وأنا واقف قدام بيتك وجايك عاني
فلا ترد دعوة من نصاك"


علي ابتسم وهو يهز كتف والده: يبه وين رحت؟؟

زايد انتفض بحزم: هنا يأبيك هنا..
يا الله خلنا نروح الأوتيل نرتاح ماعاد باقي على شروق الشمس إلا شوي..





*********************************






" يا الله.. أحلى صباح ذا الصباح مر علي من زمان"

نجلاء تبتسم وهي تنفض الفراش ثم ترتبه وهي تنظر لصالح الذي نهض للتو:
إيه اشتكي اشتكي... يعني أنا نكد من زمان..

صالح يميل ليقبل كتفها ثم يتوجه لتناول فوطته ويهتف بسعادة حقيقية:
نكدي علي على كيف كيفش... أنا كلي حلالش..

نجلاء مازالت تبتسم وهي تكمل الترتيب: هذا كله تبي بنية يعني؟؟

صالح بمودة عميقة: بنية صبي اللي بيجي من الله حياه الله.. المهم أنش زينة وبخير..


يا الله كم يبدو هذا الصباح مختلفا لهما كليهما..!!
مشرق شفاف مغلق بسعادة شفافة..
بعيدا عن الهم غير المعروف المؤلم الذي غمر الأشهر الماضية..
روح طاهرة نقية ساكنة تغمر المكان تماما كروح الجنين الذي يسكن أحشائها..
الذي جاء كالسحر ليعيد كل الأمور إلى أفضل من نصابها حتى!!
كم يبدو كل شيء تافهما حقيرا أمام نعمة الله عز وجل وهو يمنح روحهما السكينة ويغمرهما بفضله!!





************************************






" عبدالله قوم..
خلاص أنا جهزت الريوق تحت عند أمي صافية"

عبدالله نهض وهو يفتح عينيه على وجهها المرهق.. هتف بصوت ناعس:
رجاء جوزا لا عاد تسوين شيء..
أساسا الريوق عند أمي أشكال وألوان على كل حال.. ومسوينه الخدامات من صبح..
مافيه داعي تسوين شيء..

جوزا بذات النبرة الساكنة الحزينة وهي تنهض من جواره:
ليه ما تبيني أسوي لك شيء؟؟ أو ماتبي مني شيء؟؟

عبدالله اعتدل بشكل كامل ليشدها ويعيدها جواره ويهتف بنبرته الحانية التي افتقدتها خلال اليومين الماضيين إلى درجة الوجع:
جوزا اشفيش كل شيء تفهمينه بالمقلوب..
أنا بس ما أبيش تتعبين نفسش.. أنتي بروحش تعبانة..

حينها أدارت وجهها للناحية الأخرى حتى لا يلمح دموعها..
حينها أدار وجهها ناحيته ليقبل عينيها المبللة بألم اشتياق موجوع ويهتف بعمق متجذر:
مثل ماتكرمتي علي بمرة وحدة وذوبتي قلبي بكلمة..
أقول الله لا يحرمني من عيونش.. ياكثر ما تطعنين في ذا القلب ولا كفاش..


حــيـنـهـا..
دفنت وجهها في صدره وهي تنتحب فجأة بطريقة جنائزية فعلية كما لو أنها تكتم هذا الدمع في قهر روحها منذ دهور..
بكت كما لو أنها لم تبكِ مطلقا قبل ذلك..
ثم بدأت تلكم صدره بكل قوتها وهي تنتحب بجنون:
أنت نذل وحقير وأنا أكرهك.. أكرهك..
تدري أني أكرهك..

شدها ليحتضنها بقوة ووهو يهدهدها كما لو كان يهدهد طفلة:
خلاص خلاص...أششششش... أدري أنش تكرهيني.. وأنا أستاهل..

مازالت تنتحب بهستيرية كل ألم الذكريات ومرارتها.. ووجهها مدفون في صدره:
لا ما أكرهك.. أحبك.. بس أنت ماتستاهل..

أجابها وهو مازال يحتضنها ويبتسم بألم: أدري بعد!!

مازالت تنتحب وتهذي بكلمات مبعثرة: لا.. أنا أحبك.. بس أنا اللي ما أستاهل حتى أني أحبك عشاني أنا نذلة وحقيرة..

عبدالله يشدد احتضانها أكثر وهو مازال يهدهدها ويهتف بألم عميق.. عميق.. عميق:
لا عاد هنا ما أسمح لش.. أنا لو رضيت تقولينها لي.. ما أرضى تقولينها لنفسش..

مازالت تنتحب وهذيانها مستمر وكلماتها تتناثر بين شهقات نحيبها:
وكذابة بعد.... وممثلة.. أنا ما استخدمت.... مانع حمل أساسا..
وكنت بأموت... لو ما حملت..وكنت خايفة.... إنك تملل مني وتخليني..
وأنا زعلانة.... لأنك منت بفرحان بحملي..... مع أني كنت بأموت من الفرحة يوم دريت..
أبي ولد بعد.. وأبيه يشبهك مثل حسن.. أبي أجيب عيال واجد.... وأبيهم كلهم يشبهونك..
وأبي أكمل دراستي.. وأبي عبدالرحمن يقوم لأني اشتقت له واجد..
وأنا أحبك.. والله العظيم أحبك.. وما أتخيل حياتي من غيرك..
تكفى لا تخليني.. لا تخليني.. والله العظيم حياتك من غيرك ماتسوى..
أنا من قبلك ميتة وأنا حية..

أنهت عبارتها لترفع رأسها قليلا وهي تطوق عنقه بذراعيها وتدفن وجهها بين عنقه وكتفه
وتستمر في النحيب من أقصى نقطة مدفونة في روحها..

عبدالله بدأ يشعر أن قلبه يؤلمه فعلا وهو يُعتصر فعلا بقوة كاسحة من فيض المشاعر المتفجر غير المتوقع..
يؤلمه فعلا وهو يحتضن خصرها بقوة ويهتف بألم شجن عميق:
أنا كنت خايف إنش أنتي اللي تخليني.. وأنا اللي كنت حاس إن حياتي بتنهار يوم فكرت أنش بتخليني..
ولو أنت تحبيني شوي أنتي عارفة إن حبي لش ماله قياس..
ووالله العظيم أني كنت متشفق على حملش أكثر منش بس ما أبي أضغط عليش..

جوزا حينها صمتت عن الكلام ولكنها لم تصمت عن البكاء الذي تحول لأنين موجوع مثقل بشهقات خافتة وهي تتعلق بعنقه أكثر..
كما لو كانت تخشى فعلا أن يتركها..
وعبدالله يضمها لصدره أكثر وهو يدفن رأسه في طيات شعرها ويتنفس بعمق..
وألم قلبه يتزايد لفرط سعادة ماعاد يحتملها..
كان يحتضنها بكل قوته ويأسه وكأنه لا يريد إفلاتها أبدا لأنه يخشى أن يكون في حلم جميل طال اشتياقه له وهو لا يريد أن يصحو من هذا الحلم أبدا.. لا يريد..
لن يحتمل أن تمنحه كل هذا الفيض من خصوبة المشاعر ثم تعاود جره على أرض جفائها البور..


حسن قاطع فيض المشاعر وهو يقفز على السرير معهما ويهتف وهو يفرك عينيه بنعاس: وس فيه؟؟
سويتو ازعاز ماخليتوني أنام..
أنا زعلان عليكم ومابي أروح روضة..

حينها شدت جوزا حسن بينها وبين عبدالله وهي تحتضنهما كلاهما وتنتحب بشكل أشد..
عبدالله خلص حسن برقة وهو يهمس بألم: فكيه شوي.. الولد انخنق وهو مهوب فاهم شيء!!






************************************






سميرة تنتظر قدوم تميم ليأخذها لعملها رغم أنها أرسلت له رسالة إنها ستذهب مع سائق بيت أهلها..
ولكنه أرسل لها رسالة رفض قاطع..
كانت سعيدة جدا أنها أخيرا ترى منه رسالة رسمية بعد أن أرهقها البارحة برسائله غير الرسمية إطلاقا..

وهي في الانتظار وصلتها رسالة منه ظنته يخبرها أنه في الخارج.. ففتحتها بعفوية:

" من أمس وقلبي خفقته ماهي بخير ..من يوم غابت عن سمايا بروقك
يومين وهمومي بقلبي طوابير ......وأنت الوله ما يبلل عروقك
كانه بخل ؟حول علي الفواتير!..وكانه ثقـل ؟الله يلين خفوقك !

أنا برا.. ياقلبي "

سميرة همست بغيظ مخلوط بأنفاسها المقطوعة تماما من سببه وهي تضع هاتفها في الحقيبة:
دمك خفيف ياولد..
وقلبي بعد؟؟.. الحالة صارت مستعصية عندك!! الله يشفيك..

حين خرجت.. وركبت جواره بتوترها الغريب هذه الأيام.. سلمت بإشارة ساكنة..
ثم التفتت خلفها لتلقي التحية على وضحى ليتحول التوتر إلى صدمة..
وهي تشير بجزع: وين وضحى؟؟

أجابها ببساطة: عندها موعد اليوم الصبح.. أمي ودتها وعقبه بتجيبها هي للمدرسة..

توترت أكثر وهي تهمس لنفسها بتذمر وبصوت مسموع: والله مهوب بعيد إنك بعد اللي مسوي ذا الحركة !!

حينها أشار لها بإبتسامة: تراني حتى لو أنا ما أسمع.. أدري لو كان اللي جنبي يتحلطم.. أحس بالذبذبة..

سميرة شعرت بالخجل الذي تفجر لخجل أشد وهو يشد يدها ليحتضنها في كفه بقوة ثم يفلتها وهو يشير بتقصد:
انبسطتي البارحة وأنتي مخليتني بروحي ماقدرت انام حتى..؟؟

حينها انفجرت سميرة وهي تشير بانفعال: أنت ليه تسوي فيني ذا كله؟؟ حرام عليك

هز كتفيه ببساطة باسمة وهو يحرك السيارة: ليه أنا وش سويت؟؟
حرام يعني أعبر عن شوقي لش؟؟





***********************************






" الدحمي.. إلا أنت وش تحب تأكل دامك دب كذا؟؟ وحتى الغيبوبة ماضعفتك..
لأنه من الحين أقول لك إذا أنت تبي تاكل شيء من ورا أيديني
استعد لشيئين.. أما الريجيم وإلا التسمم..
أنا فاشلة في المطبخ.. وترا مهوب ذنبي.. أمي ماعلمتني
وتبيني أتبرأ من أمي ماعندي مانع... أهون علي من أني أتعلم أطبخ "


صمتت عالية قليلا ثم همست بتردد خجول:
عبدالرحمن.. لو مسكت يدك بس..
بتعصب علي وتقول إني قليلة أدب؟؟
تدري لو عليّ أنا.. خاطري أسوي أكثر من كذا.. لا تنصدم وتقلب وجهك وتقول هذي مافي وجهها حيا
لأنه المشكلة أني مستحية ومن قلب وإلا ماكان خليتها في خاطري..
بس الحين صدق صدق خاطري أمسك يدك بس..
عادي يعني ماراح تزعل؟؟


وأيضا لشدة استغراقها في الثرثرة والارتباك والنظر لوجه عبدالرحمن لم تنتبه إلى تغير مؤشراته الحيوية..
دون أن تعلم أن هذه ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا حتى الرابعة..
فهو خلال الأسبوعين الماضيين بدأت مؤشراته الحيوية تتغير أحيانا مع حديثها..

فرغم شدة اهتمام أهله به إلا أنهم لم يكونوا يوجهون له حديثا مباشرا
أو يشعرونه أنه مخلوق حي كما تفعل هي.. بحديثها الحماسي وكأنها تتحدث لإنسان متفجر بالحياة..

كان يسمع أحاديثهم من بعيد ودون تركيز كالهذيانات.. وكثيرا مايسمع تلاوة والده للقرآن
التي كانت تعمق سكينته وسكينة روحه وهو يتمنى لو تنتهي هذه الحياة ليرتحل إلى جوار ربه..


فهو كان بالفعل في غيبوبة عميقة سيطر فيها عقله الباطن تماما الذي رفض عودته للحياة بعد أن شهد بنفسه موت صديق عمره..

كان يحاول أن يصل له وهو يسمع حشرجة صدره التي علم يقينا أنها لحظات انتزاع الروح..

ولكنه حين وصل له بصعوبة وهو يشعر أن جسده يتمزق من الألم كان مهاب قد فارق الحياة..
كان هو من أغلق عينيه وتشهد عليه.. قبل أن يدعو ربه بصدق موجوع أن يأخذه معه لأنه لن يحتمل الحياة بعده..

حتى وهو في غيبوبته كان يدعو الله بذات العمق أن ينهي هذا العذاب الطويل..
حتى دخلت هذه المخلوقة الغريبة حياته.. بداية لم يعرف من هي.. وهو يسمع ثرثرة كثيرة لا يفهم أكثرها..

ولكنها كانت تتحدث له من قرب وبشكل مباشر وكل حديثها له.. عرفها..
فهي عرفته بنفسها.. واعتاد عليها بسرعة..
في البداية كان عاجزا عن التركيز
ولكنه بعد ذلك بدأ يركز معها ومع حديثها وهو يلتقط كل ماتقول..

وبدأت تجذبه لعوالمها الملونة المرفرفة المليئة بالحياة.. بدأ يشعر فعلا أن هناك حياة خلف أسوار سكون جسده..
تعرف على أخبار كل من تربطهم به علاقة وهي تشعره كم مضت الحياة بالناس بعده..
ثم بدأ يتعرف على وقت زيارتها ويتلهف لها بطريقة لا واعية..

ولكن مازالت حرقة مهاب أكبر بكثير من أن يقرر عقله الباطن إطلاق إساره...



عالية حاولت بالفعل أن تمسك بيده لكنها فشلت لشدة خجلها ثم همست بتأفف:
تدري عبدالرحمن أنا وحدة جبانة وما أبي أمسك يدك خلاص..
الظاهر أني خايفة أمسكها وتقوم تأكلني..
خلك أنت لين تقوم وتمسك يدي.. ياويلك ماتمسك يدي..وتبوسني بعد أول ما تشوف وجهي..
مهوب أنا قاعدة أسوي لك غراميات وأنت راقد ومكبر المخدة وبعدين كله على الفاضي..

نظرت لساعتها همست بتأفف: أف وأف وأف.. مسرع يمر الوقت..
ابيك مهوب ماخذ يوم إجازة واحد يعني ويريح شيباته شوي؟؟؟






**************************************






انتفض بشدة وهو يشهق بعنف وزايد يهز كتفه ليوقظه
قبل صلاة الظهر ليصليا في الحرم ثم يطوفان قبل المغادرة للمطار..

ثم اعتدل جالسا وهو يشد له أنفاسا صعب عليه سحبها ليكح بشكل متقطع..
زايد ناوله كأس ماء وهو يربت على كتفه ويهتف بهم عميق:
بسم الله عليك يأبيك بسم الله
ثم أردف بهم أعمق: علي أشلون ممساك ؟؟

علي يحاول الوقوف بتوازن رغم شعوره بدوار خفيف وهو يهتف باحترام:
زين جعلني فداك..

زايد بذات نبرة الهم العميقة فمايراه في هذا الفتى من ألم يجرحه لأبعد حد:
تكذب علي وأنا ممسي معك وسامع بنفسي..!!

علي بجزع عفوي: وش سمعت؟؟ والله ماقلت شيء!!

زايد بشجن وجع عميق: تون يأبيك.. طول ما أنت راقد وأنت تون..
ونينك ذبحني.. ونين موجوع..
حرام عليك يأبيك تسوي في روحك كذا..

حينها همس علي ببساطة مغلفة بعمق إنساني متجذر:
ليه يبه؟؟ هو الشيء ذا بيدي..؟؟
وإذا على الونين.. من شابه أباه فما ظلم..
وعلى الأقل يبه أنت عندك اسم تون به.. البلا اللي حتى اسمها مايعرفه..
سنين يبه وأنت تون باسمها وما مليت ولا عجزت..
مستكثر علي الونين الحين...؟؟

زايد بصدمة كاسحة حقيقية زلزلت كيانه وقلبت كل شيء فيه:
انا أون باسمها؟؟ مستحيل.. مستحيل

علي بنبرة بدأ الحزن يغلفها: تبي أقول لك اسمها عشان تصدق؟؟ أو تبيني أقول لك من هي لأنه صار عندي توقع..

تدري يبه ..عقب ما كبرت شوي.. صار يجيني إحساس مثل الموت
يا ترى أمي كانت تسمعك وأنت تون باسم غيرها؟؟

بس عقبه ريحت نفسي بأحد ظنين.. تكفى لو كانت إنك ماتغيرها في بالي..
قلت لنفسي إنها لو كانت تسمعك كان مستحيل تسكت عليك..
والثاني قلت يمكن إنها حب عقب أمي.. لأني ماسمعتك تون باسمها إلا عقب موت أمي بسنة..


زايد مازال يهز رأسه رفضا.. وكل مافي باله هي وسمية.. وسمية فقط!!
هل تجرأ على جرحها بهذه الطريقة المتوحشة؟؟ مستحيل مستحيل..!!
يحاول أن يريح وجعه بظن ابنه الثاني.. أنه لم ينادي باسمها إلا بعد وفاة وسمية
بما أن علي يقول إنه لم يسمعه إلا بعد وفاتها بسنة..
وعلي كان الوحيد الذي ينام معه أحيانا حتى قبل وفاة وسمية..

زايد بذات الصدمة: ومن بعد اللي سمعني أون باسمها غيرك؟؟ يمكن الحين فضيحتي الكل داري بها..

علي بنبرة شجن عميقة: ماظنتني حد.. لأنه ماحد كان ينام معك في غرفتك حتى لا سافرنا غيري..
كساب ومزون كل واحد منهم في غرفة..
مرة وحدة كنا كاشتين وأنا وكساب سهرانين وانت امسيت.. كساب استغرب وقال: أبي وش يقول؟؟
بس أنا قلت له إنك تنادي باسم مزون.. وعقبه رحت وقلبتك بشويش على جنبك الثاني عشان ما تون.. وعشان ماينتبه هو إنك تدعي حد غير مزون..

زايد شعر بضيق عميق التهم روحه.. من كل ناحية..
سيموت فعلا لو أن وسمية كانت تسمعه وهو بجوارها وينادي غيرها.. سيموت!! سيموت!!
وكيف أنه حمّل هذا الفتى الصغير سره وهو مازال طفلا حرص على هذا السر وكتمانه..
ثم بعد ذلك أورثه دائه نفسه.. هذا القلب الذي حينما يحب لا يعرف أنصاف الحلول..


ولكنه مازال يقول أنه غير علي.. هو كان ومازال قادرا على الاحتمال..ومابقي له من مزنة هو محض ذكرى..

ولكن قلب علي الشفاف المغرق في الشفافية وروحه التي لا تعرف التلون لن تحتمل.. وقلبه يحترق بهذه الطريقة..

زايد هتف بحزم: يا أبيك خلك مني.. أنا سالفة غبّرت وكل السالفة مجرد ذكريات ماقدرت أنساها..
لكن أنت مستحيل أخليك كذا..
خلاص فاضل بأتفاهم معه.. وأعرف أشلون أرضيه..
لكن مستحيل أخليك كذا قدام عيني.. قل لي أي شيء عنها.. ونخطبها أول مانرجع الدوحة..

علي بحزم رقيق: يبه خلنا ننزل الحرم ومانضيع الوقت.. قلت لك البنت ذي خلاص مستحيل أخذها..

زايد بحزم أشد: زين بنعجل بعرسك.. ماتدري يمكن لا عرست تطيب نفسك منها..

علي برجاء: يبه طالبك ماتحل الغلط بغلط.. مرتي مالها ذنب في حالتي عشان نعاقبها بها..
خلني شوي يمكن أنسى وألا أتناسى بروحي.. وخل البنية تدرس براحتها لين تتخرج..
ووعد علي أتزوج إن شاء الله أول ما تتخرج مرتي...





**************************************






" هلا والله مزون ياحياش الله.."

مزون بمودة: هلا والله كاسرة.. أشلونش اليوم؟؟

كاسرة بذات المودة: طيبة طاب حالش

مزون العائدة للبيت بعد أن انتهت من تغليف هدايا عروس علي كانت تحادث كاسرة على الهاتف وتهمس برقة:
كاسرة تقدرين تروحين معنا بيت عمتش عقب المغرب..؟؟
خبرش خالتي نفاس.. وأنا وجميلة مستحين نروح بروحنا.. ونبيش تروحين معنا..

كاسرة بأريحية: أكيد أقدر.. عقب المغرب بتلاقوني جاهزة أنتظركم..

كاسرة أغلقت الهاتف وهي تنهض لتلبس نقابها وتهمس لفاطمة: فطوم تبين أوصلش للبيت؟؟

فاطمة تقف وهي تهمس بمودة: لا فديتش.. أصلا أبو العيال بيجيبهم وبنطلع نتغدى برا..
إلا أخت رجالش وش تبي فيش؟؟

كاسرة بحزم: قولي مزون.. أو لو بغيتي أخت كساب... بلاها رجّالي..

فاطمة تضحك:صدق خبلة.. وهو رجّالش حتى لو ماقلت..

كاسرة بثقة: تبيني أروح معها هي وجميلة لبيت عمتي.. أكيد يبون يودون لشعاع شبكتها..

حينها همست فاطمة بخبث: خاطري أشوف جميلة ذي اللي خلت كاسرة على سن ورمح تولع غيرتها..

أجابتها كاسرة ببساطة حازمة: حلوة وتجنن وجذابة جدا.. العين ما تمل من شوفتها.. وحتى طولها وجسمها يجنون إلا خيال..
وشعرها يجنن مع إنه قصير واجد.. وبشرتها كأنها حليب بعسل من كثر ماهي حلوة..
مع أني يوم شفتها كانت تعبانة وبدون ميكب كلش..
كفاية عليش كذا؟؟

أجابتها فاطمة بخبث لطيف: أفهم من ذا المعلقة اللي وش طولها إنها أحلى منش يعني؟؟

كاسرة بثقة: مافيه حد أحلى مني.. ولا حتى يقرب من مستواي..
بس على قولت الشيخ كسّاب.. لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع..
يمكن تكون هي ذوقه.. وشايفها أحلى.. بكيفه مايهمني..

فاطمة تستعد للمغادرة معها وتضحك: كذابة عودة!!






**********************************






"عبدالله اشفيك تأخرت؟؟
شوي ويأذن العصر وأنت مابعد تغديت"

عبدالله باستعجال: هذا أنا جاي في الطريق عشر دقايق وأكون في البيت..
ثم أردف بابتسامة: وبعدين عبدالله حاف كذا.. مافيه حبيبي.. قلبي؟؟

جوزا ابتسمت: ماسمعت إن العجلة شينة..

عبدالله يبتسم: والله في حالتنا مااسمها عجلة.. صار اسمها مشي السلحفاة..


عبدالله أغلق الهاتف ومازالت ابتسامته الدافئة مرتسمة على وجهه..
يحاول أن ينظر لكل شيء في الكون بإيجابية.. حتى مقابلة الطبيب التي أخرته عن العودة للمنزل يحاول ن يأخذها من جانبه الإيجابي..


يتذكر اتصال الطبيب المسئول عن حالة عبدالرحمن به وطلبه أن يحضر حالا لمقابلته..

عبدالله تفجر قلقه وهو يجلس أمام الطبيب: عسى ماشر؟؟

الطبيب بمهنية خير إن شاء الله.. أنا طالبك بخصوص عبدالرحمن..

عبدالله بقلق أشد: وش فيه عبدالرحمن؟؟

الطبيب بذات النبرة المهنية: أنا بصراحة ماحبيت أتكلم مع أبوه عشان ما أعطيه أمل ولا أحطمه.. وأنا شايف بنفسي حالته..

عبدالله تزايد قلقه: ليه شاللي صاير..؟؟

الطبيب بهدوء: عبدالرحمن صار له أسبوعين والاجهزة المتصلة به تسجل تغيير متذبذب في إشاراته الحيوية..

عبدالله بذات النبرة القلقة: وهذا وش معناه؟؟

الطبيب بذات الهدوء: أحد شيئين.. أما أنه ممكن يصحو من الغيبوبة... أو..
إنه هذي أيامه الأخيرة..

عبدالله قفز وهو ينحني على مكتب الطبيب ويهتف باستنكار: نعم؟؟

الطبيب بذات المهنية: يا أخ عبدالله أنا اخترت أكلمك أنت بالذات
عشان عارف إنك ممكن تفهم علي.. وتتهيأ للي بيصير على فرض إنه ممكن يصير..
في حالات الغيبوبة اللي بدون سبب عضوي مثل حالة عبدالرحمن
قبل حدوث تغير كبير بفترة تبدأ تظهر مؤشرات طفيفة على تغير في المؤشرات الحيوية
الحين فيه حالتين متوقعة تاليا: أما إنه يصحى.. أو لا قدر الله يموت..
وعبدالرحمن قضى فترة طويلة في الغيبوبة.. احنا ماندري لو كان يسمع أي أصوات أو عنده استجابات للمؤثرات الخارجية..
ولو صحى احتمال كبير يكون يعاني أما من تخلف عقلي أو شلل جسدي.. ويمكن يعاني منها كلها.. لأنه العقل والجسد قضوا فترة سبات طويلة وصعب يستعيدون نشاطهم السابق..

عبدالله بجزع: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وش ذا الفال يادكتور؟؟

الدكتور بذات المهنية الهادئة: أنا أهيئك لأسوأ الاحتمالات بس..
وبالنسبة لافضل الاحتمالات.. بالنسبة لحركة الجسد أنا شايف إن أبوه كان مهتم كثير بهذه الناحية
لدرجة إنه كان يجيب مدلك زيادة عن مدلك المستشفى.. ودائما يحرك كل مفاصله.. فممكن نتوقع إنه لو صحى يتحرك بس بيحتاج لفترة قبل يستعيد الحركة بشكل طبيعي
أما بالنسبة للنشاط العقلي ما أقدر أفيدك لحد مايصحى..
لأنه لو ماكان يسمع إطلاقا ولا عنده أي استجابة خارجية.. فاحتمال التخلف وارد بشكل كبير..

عبدالله حينها هتف بحزم: وحن إن شاء الله مؤمنين إن الله رحمته أوسع من كل شيء..
وأنا إن شاء الله متوقع قريب أسمع خبر إنه صحى وهو سليم إن شاء الله..

حينها أجابه الطبيب بابتسامة: إن شاء الله..
والحين أبي أقول لك على إجراء أنا قررت أسويه..
أنا لاحظت إنه تغير المؤشرات يصير عند عبدالرحمن خلال فترة معينة محددة
تقريبا بين الساعة 11 الصبح و3 ونص العصر..
وهالشيء غريب فعلا...
عشان كذا أنا بأخلي ممرضة تلازمه خلال هالوقت.. عشان نشوف شنو اللي يحفز النشاط عنده.. عشان نحلله.. يمكن نستفيد منه..



كان هذا حوار عبدالله مع الطبيب الذي قرر ألا يخبر به أحدا
فهو لا يستطيع مطلقا أن يمنحهم أملا قد لا يكون حقيقيا
فأهله لن يحتملو أبدا أن يفجعوا بعد أن تأملوا أملا شاسعا كهذا...






***********************************





بعد خمسة أيام..

.
.





" سمور أشفيش.. من يوم جيتكم وحالش مهوب عاجبني
سرحانة وذا التلفون مايرن رنة مسج إلا كنه راكبش عفاريت"

سمير تهمس في داخلها : هذا اللي كان ناقصني.. دقة ملاحظة كاسرة..
ياشيخة ارحميني.. كفاية أخيش لاعب في حسبتي..
لا عاد ليلي ليل ولا نهاري نهار..
والمشكلة ليته بس يصرح وش يبي كان ارتحت..
خله يقول لي أنا زفت غلطان وأبي الرضا وأتغلى عليه شوي..
وإلا يقول لي أنا مليت منش وأبيش تفارقين لبيت هلش..
لكن مسجات ولمسات غير مقصودة وأنا أدري إنها مقصودة
وهدايا وورد وعزومات عشا.. وفي النهاية يبين إنه ملاك مايبي شيء النصاب...
تعبت والله العظيم تعبت.. خلاص بأنفجر منه...

حينها قررت سميرة أن تقلب الطاولة على كاسرة حتى تبعدها عن حالتها وهي تهمس بتخابث:
تدرين قبل شوي وأنا جايه من بيت هلي.. شفت سيارة كساب داخلة حوشهم..
زمان عن شوفة الحلوين...

شعرت بألم عميق.. عميق جدا.. فهي كانت تترقب عودته بقلق روحي عارم منذ أيام بعد أن تأخر في رحلته ثلاثة أيام أكثر من موعد عودته مما زاد من قلقها عليه..

وإن كان عاد..
ليصبح قريبا.. فهي لابد أن تعتاد على هذا الوجع المر الجارح في غيابه..
همست بثقتها المعتادة: حياه الله على بيته..

سميرة بابتسامة: التئل صنعة... على قولت خالي هريدي
وأنتي اللي اخترعتي الصنعة..





***********************************



قبل ذلك بقليل..


" علي فديتك وين بتروح؟؟
توك جاي!! "

علي باستعجال وهو يتأكد من ترتيب مظهره في المرآة: فيه وفد جاي بأكون مع المستقبلين..

مزون بقلق: علي حبيبي هالك نفسك في الشغل وبزيادة.. مع أنك المفروض تأخذ راحة مع ذا المرض اللي ما عاد صحيت منه..

علي بشجن: خليني أشتغل يأخيش وألهي نفسي.. لو قعدت وأرتحت على قولتش بأموت من الهم..

مزون بحنان: أنت تدور الهم لنفسك بدون سبب.. يأخي عيش سنك شوي..
اطلع مع ربعك وانبسط... ماركبك الهم غير ذا الشغل اللي مايخلص..

علي يبتسم لها بمودة صافية وهو يخرج: خير خير إن شاء الله...




بعد دقائق
كانت مزون مستغرقة في مشاهدة برنامج ثقافي حين سمعت الصوت القوي الحاني:
السلام عليكم ..

حينها قفزت وابتسامتها تتسع وهي تتلقاه بقبلاتها واحضانها:
هذا اللي قال أربع أيام صارت أسبوع بدون حتى ماتدق تلفون تطمني عليك
لولا إن أبي قال لي إنك كلمته وإلا كان استخفيت..

كساب يجلس وهو يهتف بمودة: وهذا أنا جيت.. لا نقص مني يد ولا رجل..
وتأخرت غصبا عني..

مزون همست بمودة صافية: أشلونك فديتك عسى ماتعبت..

كساب بابتسامة: أبد..

مزون برقة: تتقهوى؟؟

كساب بمودة: لا بأطلع أشوف كاسرة وأتسبح
ثم أردف نبرة غامضة باسمة: وفيه عقب سالفة صغيرة أبي أخذ رأيش فيها
وعقب بأروح لخالتي.. تروحين معي؟؟

حينها همست مزون باختناق وهي تراه يقف فعلا: كاسرة مهيب فوق.. عند بيت أهلها..

كساب بعفوية: عادي بأتصل لها تجي..

مزون باختناق أكبر: كساب أنت ماكلمت مرتك طول الأسبوع اللي فات؟؟

كساب بنبرة غضب: ليه أنا كلمتش يعني؟؟
ماقدرت أكلم حد.. يالله قدرت أكلم ابي وقلت هو بيبلغكم..

مزون حينها همست بنبرة عتب: يعني أنت حتى ماسألت عنها؟؟
مرتك راحت لبيت أهلها زعلانة..وأبي حاول يرجعها بس هي مارضت..

حينها تفجر غضب أسود قاتم في كل تفاصيل وجهه: نعم؟؟ زعلانة؟؟





********************************





" عالية يأمش.. لمتى وأنتي رابطة رأسش كذا..؟؟"

عالية تضغط رأسها وتهمس بإرهاق: يمه الصداع ذبحني.. والبنادول ماعاد فادني..

أم صالح بقلق: تدرين لازم تسوين أشعة على رأسش.. وش ذا الوجع اللي مايشيله البنادول..

عالية باصطناع: يمه يمكن أسناني أو أذاني فيها شيء.. عشا كذا جايني صداع..

أم صالح بقلق: زين بكرة لا تروحين الدوام.. بأروح أنا وأنتي مع فهد للدكتور

عالية تهمس لنفسها بهم " حتى لو رحت الشغل وش الفايدة؟؟
ذا المقرودة قاعدة تحرسه.. والمشكلة إنها عربية
والله لا تفضحني لو شافتني أوطوط عنده
شكلي لازم أغير الأدمان أخليه كابتشينو أحسن من وجه عبدالرحمن الدب"


مرهقة عالية تماما وهي تشعر بفراغ عاطفي ونفسي كبير بعد أن تولت ممرضة حراسة عبدالرحمن خلال الفترة التي كانت تزوره فيها
وبالطبع توقفت عن زيارته لأنها تعلم أن الممرضة ستسأل من تكون..
فكرت أن تتهور وتزوره بعد أن تخلع البالطو الأبيض على أساس إنها أحدى قريباته..
ولكنها لمعرفتها بحب الممرضات بشكل عام للثرثرة الودودة والعربيات منهن بشكل خاص..
علمت أن أن الممرضة قد تخبر شقيقات عبدالرحمن وأمه أو والده بزيارتها لو على سبيل تبادل أطراف الحديث..

تشعر بالفعل أن حالتها مزرية وهي لم تعتد أن تكون فاقدة السيطرة هكذا..
وهي تقرر أنها لابد أن تحاول علاج نفسها من هذه الحالة بأي طريقة!!





*************************************





كانت توشك على الاستحمام لتبرد جسدها قليلا.. لأنها شعرت منذ معرفتها بعودة كساب بحرارة عارمة اجتاحت جسدها..
يا الله هاهو يعود ليقلب موازين حياتها من جديد.. وعلى كل حال يجب أن تعتاد على ذلك لأنها لن تتراجع عن رأيها..


منعها من ذلك رنين هاتفها.. تناولت الهاتف لتكون صدمتها الهائلة في الاسم المضيء على الشاشة..
لم تتوقع أبدا أنه قد يفعلها ويتصل.. توقعت أن تكبره سيمنعه تماما..
أو ربما لم يعلم بعد أنها رحلت.. ولأنه لم يجدها في البيت اتصل يبحث عنها..

لا تنكر أنها استغربت أنه لم يتصل بها الأسبوع الماضي إطلاقا..
لذا ظنت أنه لابد علم بمغادرتها للبيت..

تركت الهاتف يرن حتى انقطع.. فهي غير مستعدة أبدا لسماع صوته..
ليس لأنها خائفة...أبدا.. ولكن لأن الشوق أضناها تماما..
وهي يستحيل أن تتراجع عن قراراها بعدم العودة إليه..لذا لا تريد ألما هي في غنى عنه..

وصلتها رنة رسالة.. رسالة أثارت صدمتها بشكل أشد.. لم تتخيل أن كساب سيفعلها وبهذه السرعة!!
شعرت أنه لابد وهو يطبع هذه الرسالة كسر لوحة مفاتيح الهاتف لشدة غضبه:


" انزلي تحت يا الجبانة..
أنا في مجلس الحريم مع عمتي مزنة..
انزلي خلينا نتفاهم يأم التفاهم
زين يا البرنسيسة أنا أوريش التفاهم على أصوله
انزلي بس "




#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 25-11-10 06:46 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني الستون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياهلا والله وحياكم الله
يا مرحبا بكل المشتركين الجدد نورتوا مكانكم وبيتكم الثاني في ليلاس
ويامرحبا بكل القلوب الدافية اللي دايم محاوطتني الله لا يحرمني منكم جميع
.
.

أدري فيه ناس متحمسين جدا إن مزنة وزايد يتزوجون
وناس على الجبهة الأخرى معارضين جدا
وأنا أقول لكلا الفريقين سواء صار هذا الشيء أو ماصار
بيكون السبب والنتائج بعيدة جدا عن توقعاتكم وبطريقة قريبة جدا من الروح!!! و .......... للحديث دائما بقية إنما مع الأحداث!!
.
.
البعض يتسائل لما شعاع أول حد يحبه علي
ليش تاثر من رفض جميلة له؟؟
لو رجعتوا لذاك الجزء بتلاحظون إنه قال إنه ألمه مو ألم حبيب لم ينل حبيبه
لكن ألم خذلان من أقرب الناس من أبوه قبل جميلة
.
.
فيه سؤال عسل بجد من وحدة أكيد عسل وكيوت مثل سؤالها
أشلون الابتسامة بفخامة؟؟
شفتي أشلون السياسيين المخضرمين يبتسمون
ابتسامة مرسومة بحرفنة رزينة وثقيلة بس في نفس الوقت تبدو غير متكلفة
هذي هي الابتسامة الفخمة.. وهي طبعا نتاج شخصية فخمة مثلها :)..
.
ويا الله مع لقاء قمة kk على قولت بعض البنات الحلوين
.
الجزء 62
.
قراءة ممتعة مقدما
.
ومواعيدنا القادمة هي مواعيدانا الاعتيادية
الأحد والثلاثاء والخميس الساعة السابعة والنصف صباحا
وأعدكم أن أحاول إن استطعت أن أبكر أكثر لطلب بعض الغوالي
الذين يريدون الموعد بعد الفجر
رغم أن ظرفي الأسري يمنعني نوعا ما.. !! لكن سأحاول
وإذا ماقدرت السموحة أرجوكم!!
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والستون





" الحين يأمك أنت ليه معصب كذا؟؟
بنتي وأنا أعرفها.. لو شافتك معصب بتعند معك!!"


كساب بحزم غاضب: يعني يمه عاجبتش سواها؟؟
أنا مسافر وأنا وهي مابيننا شيء أبد..
أرجع ما ألاقيها..
أنا ماراح أجبرها على العيشة معي.. بس السنع سنع..
ليش ما انتظرتني لين أجي ونتفاهم..
مهوب تتقصد إني أروح.. عشان هي تطق من البيت..
وحتى جية أبي لين عندها مالها اعتبار!!
قولي لي وين السنع في كل اللي هي سوته؟؟

مزنة بنبرة أمومية حازمة: يامك لا تظن إنه عشانها بنتي إني بأوقف معها ضدك..
أبد.. تأكد إني معك.. وما أبي إلا عمار بيت بنتي..
بس أنت شوف أنت وش موجع كاسرة فيه؟؟ شكلها موجوعة منك واجد!!

كساب باستنكار حاد: أنا موجعها؟؟

مزنة بذات النبرة الأمومية الحازمة: بنتي أعرفها زين.. صبور
وماحدها تطلع وهي مافي أذنها ماي إلا شيء كايد..

مزنة يستحيل أن تكشف مشاعر ابنتها لكساب.. فهي ائتمنها على هذه المشاعر
التي ستجعل كساب في موقع القوة..
وهي لا تريد مطلقا أن تسلب ابنتها حقها في إدارة الحوار وفقا لرغبتها..

كساب حينها هتف بحزم: زين خلها تجي وأسمع منها..
لأني قدامش أقول أني ماسويت لها أي شيء..



حينها دخلت كاسرة ..
تماما كما هي..
واثـقـة.. آسـرة.. فـاتـنـة.. سـاحـرة...
وكل هذه الصفات تغلغلت فيها حتى نخاع النخاع..!!
سلمت وجلست بعيدا عنه..

حينها هتفت مزنة وهي تقف: أنا بأروح وأخليكم تأخذون راحتكم في الحوار..

حينها همست كاسرة بحزم: يمه لا تروحين.. ماعندي كلام غير اللي قلته قدامش وقدام عمي زايد..

كساب بنبرة حازمة وهو ينظر لها من تحت أهدابه:
بس أنا عندي كلام غير.. وأحب أقوله لش وحن بروحنا بعد إذن عمتي طبعا..

مزنة خرجت دون أن تهتم لرفض كاسرة..
التي همست بعد خروج أمها بكل ثقة: الحمدلله على السلامة..

أجابها بتهكم غاضب: ذربة يا مدام.. تقطرين ذرابة..!!

فاجابته بتهكم غاضب مشابه: على الأقل أعرف الذرابة.. مهوب مثل ناس حتى مامرت عليهم..

حينها فوجئت به يتحرك من مكانه بسرعة واثقة متحكمة قبل أن تتصرف هي ليشدها من مكانها ويوقفها
حاولت التخلص من قبضته دون جدوى وهي تهمس بغضب: كساب فكني أحسن لك..

كانت تغطي بغضبها على توترها وهي قريبة منه هكذا وهو يشدها ملاصقة له وتتنفس أنفاسه من هذا القرب.. وهي أضناها الاشتياق له من مجرد أيام!!

هتف بتلاعب ساخر: أحسن لي؟؟ وش بتسوين يعني؟؟ الواحد يهدد على قد مستواه!!

همست بغضب أشد: وأنت مستواك تستقوي على مرة تدري إنها ماتقدر عليك لا استخدمت ايديك؟؟

همس بمكر غامض: أنا استخدمت إيديّ؟؟ خافي ربش تبهتيني؟؟

كاسرة بذات النبرة الغاضبة: أنت تستعبط.. فكني!!

كساب حينها ابتسم بمكر أشد وهو يرفع يديه الاثنتين من جواره ليريها إياهما:
ترا ايديّ من زمان جنبي.. أنتي وش اللي ملصقش فيني؟؟

كاسرة تأخرت بحرج وهي تكتشف أنه بالفعل أفلتها.. ومع ذلك مازالت هي ملتصقة به..

هتف بذات نبرة التلاعب التي تغيظها: اعترفي إنش مشتاقة لي.. وبلا هياط..
أنتي بروحش منتي بقادرة تبعدين عني..
ثم هتف بنبرة تهكم: وبعدين وحدة زعلانة على رجّالها.. وشو له ذا الكشخة والتعدال..؟؟ عشان تنزل وتصارخ عليه يعني؟؟

جلست مرة أخرى بثقة وهي تحاول استعادة زمام نفسها التي قلبها بلعبته الصغيرة الماكرة:
قلتها لك قبل.. مشكلتك ذا الثقة اللي على غير سنع..
أما على الشوق..لشنو أشتاق طال عمرك؟؟
لاحترامك لي؟؟.. وإلا لتعاملك الرقيق؟؟.. وإلا لكلامك الحلو؟؟
أما على الكشخة.. مسجك وصلني نزلت على طول.. ما أهتميت أبد أغير لبسي ولا أمسح مكياجي... لأنه رأيك في شكلي مايهمني!!
ولو أنت تأثرت وما مسكت نفسك.. مهوب ذنبي!!

كساب جلس غير بعيد منها في جلسته المتحكمة الواثقة وهو يهتف بثقة طاغية:
خلينا الحين من ذا الهذرة الفاضية..
وقولي وش اللي زعلش كذا فجأة... خلصيني.. وقومي نرجع لبيتنا الحين..

أجابت بتهكم ساخر: أقوم أرجع البيت؟؟ كذا؟؟
ثم أنقلبت نبرتها للجدية: أما اللي مزعلني أظنك إنك عارف ومن زمان.. يعني لا تحط نفسك متفاجئ من طلعتي من البيت..
لأن الطلعة خلاص تحصيل حاصل..
كساب أنت لا تحترمني ولا تحبني ولا حتى تبي عيال مني... فليش أستمر في الحياة معك..؟؟
خلاص الحياة وصلت بيننا لطريق مسدود..

كساب باستغراب ساخر: الحياة بيننا وصلت لطريق مسدود؟؟
ومتى اكتشفتي ذا الشيء؟؟

ثم بدأ صوته ينحدر للغضب: اكتشفتيه وأنتي مودعتني ببوساتش وأحضانش..؟!
يعني يالجبانة دام على قولتش بيننا خلاف من زمان.. وش ضر لو اننتظرتيني لين أرجع ونحل خلافنا..
ثم اشتد غضب صوته: وإلا عشانش جبانة وماعندش قدرة توقفين في وجهي وتقولين أنا بأروح لبيت هلي وأنتي ماعندش سبب؟؟

كاسرة بغضب: لا تقول جبانة.. أنا ماحبيت أسوي مشكلة وأنت موجود.. ونكبر السالفة..

كساب بذات غضبه المتزايد: وهي ذا الحين ماكبرت.. والناس كلهم عرفوا وأنا صاحب الشأن آخر من يعلم..
يعني هذا قدر رجالش عندش؟؟.. ما احترمتي عشرتنا حتى.. وأنتي تفضحينا وتطلعين من بيتش بدون سبب وأنا غايب..

كاسرة مصدومة من هجومه كما لو أنه هو المظلوم: طلعت بدون سبب؟؟
جد إنك غريب!!
كساب احنا كل ليلة نتخانق بسبب وبدون سبب.. وش ذا الحياة؟!!
خلاص كساب صدقني لو فيه مجال أني أقدر أكمل كان استحملت..
فلو سمحت.. طلقني ومثل ما اجتمعنا بالمعروف نتفرق بالمعروف..

رفع كساب حاجبا وأنزل الآخر: أطلقش؟؟ولو قلت لش مستحيل..
ثم أردف بحزم صارم: مهوب لو.. إلا مستحيل.. مستحيل أطلقش لو حتى ركعتي على أيديش.. وحبيتي أرجيلي..

كاسرة باستنكار: نعم؟؟ أحب أرجيلك؟؟
لا طال عمرك فيه طريقة إنسانية يستخدمونها الناس المتحضرين اللي أنت ما تنتمي لهم..
لو ما رضيت تطلقني بالحسنى.. بأرفع عليك قضية طلاق أو حتى خُلع..
ورجل أعمال معروف مثلك.. مايبي شوشرة على سمعته.. فخلنا نحل المسألة ودي..

كساب بسخرية: لا أنا أبي شوشرة.. ارفعي قضية.. شوفي القاضي البهيمة اللي بيحكم لش فيها..
أغباها قاضي واللي مايفهم شيء في الشرع والا القانون مستحيل يحكم لش..
أنتي ماتقدرين تعيبين علي لا دينيا ولا اجتماعيا ولا اخلاقيا ولا ماديا ولا صحيا
يعني ماراح تلاقين سبب تقولينه للقاضي..
حتى التدخين اللي كان ممكن يكون لش حجة أنا خليته من زمان...
وش بيكون مبرر طلب الطلاق أو الخلع خصوصا يوم يشوف القاضي أنا أشلون حريص عليش..

كاسرة صمتت.. هي ليست غبية وتعلم أنه ليس لديها سبب من الممكن أن يصنع قضية..
عدا أنها يستحيل أساسا أن تفعلها وتقف أمام كساب في المحاكم..
لكنها أرادت أن يظنها ستفعلها...

همست بثقة: كساب لا تطولها وهي قصيرة.. خلاص ماتبي تطلق.. لا تطلق..
مايهمني.. لكن أنا مستحيل أرجع لك.. انتهينا.. خلاص..
وأظني الزيارة هذي انتهت..

حينه قفز من مكانه وهو يهتف بحزم غاضب: والله ماحد طولها وهي قصيرة غيرش..
الليلة مالش ممسا إلا جنبي رضيتي وإلا انرضيتي.. ويا الله قومي خلصيني..

كساب أنهى عبارته ليشدها وهو يوقفها ويمسك بمعصمها وهو يسحبها ويهتف بذات الحزم الغضب:
تحدين الواحد يتصرف معش تصرف ما يبغيه..
نشف ريقي وأنتي رافعة ذا الخشم اللي يبي له كسر.. يالله امشى قدامي..

كاسرة حاولت أن تخلص معصمها منه بفشل.. حينها تناولت هاتفها وهي تتصل وتهتف فيه باستنجاد حازم:
عمي زايد الحقني.. كساب يبي يسحبني معه بالغصب..

جاءها صوت زايد متفجرا بغضب حقيقي مرعب: الكلب.. الخسيس دواه عندي...

كساب منذ سمعها تتصل بوالده وهو يعلم بالذي سيحدث.. كان سيسارع لإغلاق هاتفه.. لولا إن اتصال والده سبقه..

كساب شد له نفسا عميقا ليرد بحزم بيد وهو مازال ممسكا بمعصمها بيده الأخرى: نعم يبه؟؟

جاءه نفس الصوت المتفجر بالغضب: والله ثم والله لا تغصب كاسرة على شيء
إن قد أحلف عليك ذا الساعة إن قد تطلقها بالثلاث الحارمة.. ولا عاد تعرفها حياتك كلها..

كساب أفلت معصمها وهو يبتعد بهاتفه ويهتف بجزع حقيقي أخفاه خلف حزم صوته المتحكم: لا يبه لا.. طالبك.. تكفى لا تسويها..

أجابه زايد بذات الغضب المتفجر: زين دامك رجّال حريص على مرتك
اعرف السنع.. واحشم مرتك واحشمني..
أنا راجع للبيت وفي الطريق.. خمس دقايق وألاقيك قدامي..

كساب يكاد ينفجر من الغيظ.. لم يكن يريد أن يتدخل أحد بينهما..
فهو يستطيع حل مشاكله بطريقته.. ويعرف جيدا كيف يتعامل مع كاسرة كما يظن!!
هتف باحترام ملغوم: حاضر يبه.. تامر.. طالع الحين وجايك!!
بس يبه والله ما تطوف ذا الحركة..

زايد بغضب مرعب: تهددني ياولد..

كساب بجزع حقيقي: محشوم يبه.. مايهدد أبيه إلا ردي الدين والأصل.. وأنا ماني بشيء منها..
بس أنت خليتها تمشي شورها علي.. في موقف حساس واجد.. وذا الشيء مستحيل أعديه.. عليها قبل عليك..

زايد بذات النبرة الغاضبة: أنا صرت قريب البيت.. خلص هذرة وتعال...
وأعلى مافي خيلك اركبه.. لكن بنت ناصر منت بعارفها إلا برضاها..

كساب أنهى اتصاله وعاد لكاسرة التي كانت تنظر له وعلى شفتيها ابتسامة انتصار ود تمزيقها..

هتف بنبرة ملغومة لأقصى حد: زين يا كاسرة.. والله ياذا الحركة ماتطوف..
أنا تلوين ذراعي بأبي؟؟ زين!! زين!!
شوفي هو بينفعش وإلا لا؟؟


كساب خرج وهو يصفق الباب الضخم خلفه بصوت مسموع..
حينها جلست كاسرة منهارة تماما... وابتسامتها المصطنعة تنهار..

ربما لو كانت تشعر قبل هذه اللحظة بندم ما على أنها تركت كساب... فهذا الندم لم يعد له مكان الآن..
وهي تؤمن أن قرارها كان صائبا منذ البداية..
هاهو أتى وافتعل كل هذه القضية دون أن يحاول حتى الاقتراب من حل المشكلة..
كل مايهمه هو كسر شخصيتها وترويضها وفقا لرغباته دون أدنى اهتمام بما تريده هي.. المهم هو منظره هو!!
هو فقط!!





**************************************





" جوجو أنتي وش تستعملين من وراي؟؟"

جوزاء تلتفت لشعاع باستغراب: أستعمل؟؟

شعاع بعذوبة: إيه يا النصابة وش تستعملين من وراي.. توش مالش إلا يمكن أسبوع من طلعتي من المستشفى
ووجهش منور.. ومحلوة بزيادة.. وصايرة تجننين..
علميني وش تستخدمين..
حب لأختك وماتحب لنفسك..

جوزا ابتسمت بشفافية: صدق عبيطة.. وش باستخدم من وراش.. أنتي شكلش نظرش ضعف..

شعاع بابتسامة عذبة: إيه أكليني الأونطة على قولت هريدي خال سميرة

ثم نهضت شعاع -المشغول بالها أساسا بشيء آخر- من مكانها
لتجلس جوار جوزا وهي تلتصق بها وتتمسح بها كقطة وهي تشبك ذراعها بذراعها وتهمس برجاء طفولي عذب:
جوزا تكفين أبي خدمة منش.. طالبتش.. تكفين عشان خاطري أنا أختش حبيبتش
وإلا تدرين عشان خاطر حسون وأبو حسون لأنه خاطري يمكن ما يكون غالي..
تكفين تكفين يارب يهون عليش حملش.. وعيون عبدالله ماتشوف غيرش..

كانت شعاع منهمرة في سيل رجاءاتها الطفولية الرقيقة وهي حينا تقبل رأس جوزا وحينا كتفها بطريقة مرحة..
جوزا تضحك وهي تبعدها عنها وهي تشدها لتجلسها.. لتعود شعاع لتقفز وهي تقبلها..
جوزاء بين ضحكاتها: بس يالخبلة بس.. وش تبين

حينها جلست شعاع وحالتها تتغير للجدية وهي تهمس بخجل غريب:
بس احلفي تساعديني..

جوزا بابتسامة: لا تكونين عشانش بتأخذين ولد آل كساب تبين تستخفين
وتقولين تبين تجهزين من باريس وميلانو وتبيني أنا وعبدالله نروح معش..

شعاع ابتسمت: والله فكرة باريس وميلانو مهيب شينة.. بس لا..
اللي أبيه والله العظيم لو خيرتيني بينه وبين سفرة باريس وميلانو باختاره مع أنه أسهل بواجد بواجد
شفتي أشلون أنا قنوعة..

جوزا تبتسم: زين يا القنوعة خلصيني وش تبين؟؟

حينها صمتت شعاع وهي تشعر بخجل حقيقي أن تطلب ماتريده حين رأت أنها أصبحت قريبة..
جوزا أصرت عليها قبل أن تتشجع وهي تهمس باختناق وهي تدعك أناملها:
أبي صورة لعلي!!

جوزاء لم تستوعب.. همست باستغراب: من علي؟؟

شعاع باختناق أشد: علي بن زايد..

حينها همست جوزاء بتلاعب باسم وهي تنطق السؤال كلمة كلمة:
من علي بن زايد ؟؟

شعاع بغيظ خجول: علي بن زايد بن علي آل كساب اللي ينقال له رجّالي..
ثم أردفت برجاء حقيقي: تكفين جوزا.. يعني هو في شرع ربي أني أدخل على الرجّال حتى شكله ما أعرفه..
بروحي أستحي.. خليني على الأقل أعرف شكله..
يعني الحين حددوا موعد الزواج بعد تخرجي بحوالي شهر.. يعني بعد أقل من 3 شهور من الحين..
أبي أعرف شكله.. أتاقلم معه..

يعني أنتي أول مرة خذتي عبدالله.. نجلا جابت لش صورة له قبل عرسكم..
الحين دبريني.. اطلبي من أخته.. أو من عبدالله أو هزاع.. أعرف هزاع يقدرش واجد ويحترمش...
يعني دبريني.. مالي شغل.. أبي صورة له.. بأموت أعرف شكله..
تدرين أني حست أدور له صورة في الجرايد على النت.. لقيت صور وش كثر لأبيه قلت يا خوفي يكون يشبهه.. بيكون قصير وشين..
بس عقب لقيت له صور في موقع وزارتهم بس مع ناس كثير.. ووفود في مناسبات رسمية..
يعني ملامحه موب باينة كلش بس عرفت إنه طويل وضعيف..

جوزا انفجرت في الضحك: وأنا أقول البنت وش عندها معسكرة على النت 24 ساعة وأخرتها ماطلعتي إلا بطويل وضعيف..

ابتسمت شعاع بمرح رقيق: تدرين طوله وضعفه ذكروني باللي ماينذكر قليل الأدب
اللي تسكر عليّ معه في الاصنصير وعقبه لاحقني.. بلفيت غرضه شريفه وإنه عمره ماسواها وأنا أول وحدة
ما أدري من جدهم ذا الشباب يحسبون البنات غبيات ولعبة عندهم..؟؟

جوزا باستنكار فعلي: محشوم أبو زايد يكون مثل ذا..
ثم أردفت بخبث لطيف: إلا أنتي ماقلتي راعي الأصنصير على قوات وجهه وثقته بنفسه.. كان حلو وإلا قرد؟؟

شعاع ضحكت: من حيث حلو.. حلو.. سبحان الله يوم تشوفينه تقولين هذا ملاك.. ما تطلع منه ذا البلاوي..
بيبي فيس بشكل ماتتخيلينه.. وعليه جوز عيون صدق تقولين عيون بيبي..
وش وسعهم وورموشهم وش طولها.. بس صدق تحت السواهي دواهي..

ضحكت جوزا: لا والله.. الأخت كانت خايفة وهي تتمقل كذا!!

مازالت شعاع تضحك: والله ماتمقلت ولا حتى انتبهت له وقتها والله العظيم..
بس يوم سألتيني الحين جاوبتش..

ثم أردفت برجاء عميق: الحين خلينا من قليل الحيا هذا الله لا يرده.. وش خصني فيه حلو وإلا قرد..؟؟
خلينا في علي.. تكفين.. تكفين دبري لي صورته يأم حسون..
أنتي اللي تشيلين الحمول الثقيلة ماتقدرين على شيء صغير مثل ذا..

مازالت الابتسامة الشاسعة ترتسم على وجه جوزا:
أما على الحمول الثقيلة شكلش بتدخلينا الحرب..
حاضر ياقلبي.. بسيطة.. أجيب لش الصورة لا تموتين علينا من سبة ولد آل كساب...





*********************************






" خليفة يا أخوك لمتى وأنت على هالحال؟؟"

خليفة ينتبه من من شروده وهو يلتفت لجاسم ويهتف بسكون:
أي حال يا بو أحمد؟؟

جاسم بقلق: شارد على طول ومهموم.. أي حال بعد؟؟

خليفة يبتسم: ماعليه يا أخوك عطني شوي وقت..
توني رجعت لشغلي.. وشوي وألهى وأنسى..

حينها ابتسم جاسم: اشرايك في رأي.. خوش رأي؟؟

خليفة نظر له باستفهام.. فأجابه جاسم بحماسة: تتزوج.. مايفل الحديد إلا الحديد.. تزوج ووسع خاطرك..
وانسى كل شيء..

ضحك خليفة: هذي يسمونها خوش نكتة.. موب خوش رأي!!

جاسم بجدية: والله اتكلم من صجي.. ظروفك لما تزوجت جميلة ماكانت ظروف طبيعية..
أنا ما أعيب عليها بس البنت صغيرة وكانت مريضة..
تزوج الحين وحدة مقتنعة فيك من أولها.. وحدة راكزة وعندها استعداد للحياة الزوجية..
أم أحمد أختها اللي أصغر منها تخرجت الفصل اللي فات..
بنت ثقيلة ورزينة وحتى الجمال جميلة ماشاء الله.. ليش ماتتوكل على الله...

خليفة برفض: لا جاسم لا.. أنا تسرعت في زواجي من جميلة.. ما أبي أتسرع مرة ثانية!!

جاسم بإصرار: هذا موب اسمه تسرع هذا اسمه تصحيح وضع..
وأنت ماعدت صغير.. وصدقني كل ماطولت شفت الموضوع صعب..

خليفة يقف لينهي الحوار: تكفى جاسم لا تحن.. أعرفك لا حطيت شيء براسك الله يعين عليك..





***************************************








" أبي أعرف وش تبين بالبروفين؟؟
أنتي عارفة إن أمي مانعة دخوله للبيت
حسيت كني أهرب مخدرات عبر الحدود.. وخايف حد يصيدني"

عالية تتناول علبة الأقراص من هزاع وهي تفتحها بسرعة وتتناول منها حبة وتهمس له بإرهاق باسم:
هذي اسمها مرحلة انتقالية.. بس أبي استخدمه يومين وعقب أكثف الكوفي والشاهي لين اخلص من وجع راسي..

هزاع حينها هتف بابتسامة: يا الخبلة ترا فيه اختراع اسمه دكاترة يروحون لهم الناس..

عالية بابتسامة: أنا باعالج روحي بروحي.. كل السالفة صداع..

هتفت في نفسها.... خلني أعالج وجع رأسي.. كفاية وجع قلبي اللي ماله علاج إلا قومة الدب بالسلامة..

هزاع يبتسم: نحن هنا عالية هانم..اسمعيني.. ياويلش تدري امي إني هربت بروفين لداخل البيت..
تبين شيء ثاني؟؟

عالية بمودة: لا فديتك مشكور... ولا تخاف.. أمك ماتشيلها عظامها عليك.. عندك يوقف الحكي..

هزاع يغادر وهو يضحك: ومن شر حاسد إذا حسد.. حتى حب أمي بيناشبوني فيه!!






***********************************






مرهقة تماما هذا المساء..
الليلة هي مستنزفة لأبعد حد..
منذ مغادرة كساب.. وهي تتمنى لو اختلت بنفسها قليلا..
رووحها مثقلة بكثير من الوجع الذي احتاجت لسكبه بين جنبات غرفة مغلقة..
لكنها بقيت معهم في الأسفل حتى لا يلاحظ أحد تأثرها من زيارة كساب التي قلبت كيانها وأثارت أقسى مواجعها..

وهاهي أخيرا تختلي بنفسها.. صلت وقرأت وردها.. ومازالت عاجزة عن النوم..
قررت أن تستحم للمرة الثانية.. عل أعصابها تسترخي قليلا..
أطالت في الحمام وهي تشعر كما لو أن قطرات الماء تحفر إلى عمق عظامها المسكونة بالألم..
كيف تحمل روحها كل هذا التضاد..؟؟؟
تتمنى لو استطاعت التخلي عن كل شيء حتى تبقى قريبة منه.. فاشتياقها له نخر عظامها نخرا..

ولكنها على الجهة الأخرى يستحيل أن تفعل ذلك..
لأنها تعلم أنها ما أن تفعل ذلك.. حتى تذهب كاسرة كليا ولا يبقى منها شيء
سوى شبح لإنسانة باهتة لا حياة فيها.. تقتات على ماسيتفضل به كساب عليها من مشاعر..
وهي يستحيل أن تفعل بنفسها ذلك يستحيل.. تفضل أن تموت على ذلك..

أما أن يكون كله لها.. أو لا تريد جزءا منه..!!

حين خرجت.. كانت عيناها قد احمرت لطول ما استحمت..
كانت خالية البال تماما وهي تستدير لتخلع روبها..
حينها سمعت همسه الساخر الواثق: حد يتسبح ذا الحزة!!

شهقت وهي تستدير.. لتراه يمدد ساقيه على سريرها وبحذائه الرياضي الخفيف
وهو يرتدي لباسا رياضيا خفيفا أيضا وكلاهما باللون الأسود
ويسند ظهره لظهر سرير.. وبيده كتاب كانت هي تقرأ فيه..

لم تستطع أن ترد عليه حتى... من شدة صدمتها وهي تنظر حولها للنوافذ المغلقة خلف الستائر الثقيلة والباب الذي أغلقته بنفسها..
من أين دخل؟؟

أكمل سخريته وهو يرفع الكتاب بيده: (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة)
ماتخيلت إنش تقرأين ذا السخافات!!

حينها استعادت سيطرتها على نفسها لن تشعره بالانتصار أو تسأله كيف دخل
فهي أصبحت تعرف أن هذا الأمر ليس بالعسير عليه أبدا..

أجابته بنرة واثقة ساخرة: والله في حالتي أنا وإياك.. الرجال من مجرة والنساء من مجرة ثانية..

ثم أردفت بنبرة حازمة: بس ممكن أعرف أنت أشلون سمحت لنفسك تعدى على حرمة البيت..
وإلا عشان البيت أساسا بيتك.. شايف حقك تدخله بدون احترام لأهله...

كساب هز كتفيه وهو مازال على ذات جلسته ويهتف بثقة بالغة :
أولا البيت هذا مهوب بيتي.. بيت تميم .. وأنا يوصلني أجاره كامل..
أما أني تعديت على حرمته؟؟ ماصدقتي..
أنا جاي لمرتي وهذا حقي..
وأنا قلت لش الليلة ممساش جنبي.. وأنا لا قلت ما أخلفت..

أجابته بثقة وهي مازالت معتصمة بمكانها البعيد عنه : أما مرتك وحقتك.. فهذا كلام فيه أخذ وعطا..
خلنا في موضوع أجار البيت دامك فتحته..
رجاء إنه أجار البيت ماعاد يتحول لحسابي لا هو ولا المبالغ الثانية للي كنت تحولها..

أجابها بنبرة قاطعة: اسمحي لي مهوب بكيفش.. أنتي مرتي ومسئولة مني..
واللي كان يتحول لش كل شهر بيتحول من غير تغيير..

أجابته بصرامة: بس انا ما أبي منك شيء.. ومادمت ماني في بيتك أنت منت بملزوم فيني..

حينها وقف وتوجه ناحيتها
لا تنكر أنها انتفضت بجزع لم يظهر في تحكمها في نفسها وهي تنظر ناحية الباب لتتفاجأ أن مفتاحه ليس فيه..

أجابها بسخرية: ماني بغبي.. أول شيء سويته أني خذت المفتاح يوم دخلت.. عشان ماتطقين..

حينها أجابته بثقة: ومن قال لك أني ممكن أطق.. ليه أنا خايفة منك عشان أطق..؟؟

أجابها بذات السخرية وهو مازال يتقدم ناحيتها: أبد عندش ذا اللسان اللي وش طوله..إيه بتطقين..
طقيتي من بيت كامل منتي بطاقة من غرفة؟؟!

لم تستطع أن ترد بكلمة.. فكلماتها جفت على شفتيها..
لأنه كان قد وصلها وهو يشد المنشفة عن شعرها ثم يلصق خده بنعومة خدها وهو يهمس في أذنها بدفء عميق:
تدرين أنش قلتي لي اليوم الحمدلله على السلامة حاف.. ماتعودت منش على كذا..

تصلبت كل أطرافها تماما ودقات قلبها تتصاعد للذورة ومع ذلك همست بحزم بالغ خرج بكامل صرامته رغم اختناقها:
كساب لا تحدني أصيح وأفضح روحي وأفضحك..
عيب عليك اللي تسويه..

أجابها بذات الدفء وهو مازال على ذات وضعيته: أولا ماراح تصيحين.. واثق منذا الشيء..
ثانيا أنتي ليش خايفة كذا.. أنا عمري غصبتش على شيء ماتبينه..
ومهوب رجّال اللي يغصب مرته..
وإلا يمكن أنتي خايفة مشاعرش تخونش..

أنهى عبارته ثم ابتعد عنها لتشعر أنها تكاد تنهار لفرط انفعالها وتوترها.. همست باختناق حينها.. فصوتها بح تماما:
كساب أنت بتروح وإلا دعيت أمي تشوف لك حل..؟؟

أجابها حينها بتلاعب: تكفين.. ادعيها.. خليها تشوف قوات عين بنتها..
وإلا تدرين اتصلي في إبي أحسن.. خليه يدري إني هنا ويكلمني تكفين!!

يعني مسوية روحش زعلانة علي وأنتي اللي فاتحة لي الباب ومدخلتني لين غرفتش
وش ذا الوقاحة اللي عندش؟؟ مافي وجهش حيا أنتي؟؟
دامش ماتقدرين تصبرين عنه.. قومي اذلفي لبيته...

كاسرة صمتت وهي تشعر بقهر عظيم يتزايد في روحها.. تعلم أن هذا ماسيقولونه
لن يصدقها أحد لو قالت أنه دخل مع نافذة في الطابق الثاني لا حواجز تحتها أبدا..

الكل سيتهمها أنها من فعلتها... حينها ستضطر فعلا أن تعود له لأنها لا تستطيع مواجهتهم بعد ذلك..
حينها سيكون هو من يحقق هدفه..

استمرت في صمتها..ليهتف هو بكل ببرود وكأنه يدور في غرفته الخاصة: أنا تعبان وأبي أنام شوي قبل الفجر..
ماتبين أنام معش على السرير نمت على الكنبة؟؟

كاسرة حينها بغضبها وقهرها: كساب بلاسخافة.. من جدك ذا الخبال اللي تسويه...

كساب هز كتفيه وهو يتجه للأريكة ويتمدد عليها ويهتف ببرود قارص:
الخبال أنتي اللي بديتيه مهوب أنا..
خبالي رد على خبالش..

كاسرة لم تعرف ماذا يمكن أن تقول أكثر لهذا البارد الوقح الخالي من أي إحساس وهي تراه يتمدد فعلا ويغلق عينيه..
تتخيل سخافة منظرها لو خطر ببال والدتها أن تطرق عليها الباب وهي ترفض أن تفتح الباب لأنها لا تريد أن يرى أحد هذا الوقح نائما عندها..

تعلم أنه يريد فقط أن يجعل رأيه نافذا.. وأن ينتقم منها على مافعلته به اليوم وهي تتصل بوالده..
لا بأس (لينخمد) الليلة.. ستعرف كيف ترد عليه لاحقا..

ارتدت بيجامتها وهي تقرر أنها لن تنام حتى يغادر فهي لا تعلم ما الذي قد يفعله..
لذا جلست على أحد المقاعد المنفردة وهي تراقبه..
أو لتعترف أن هذا ماتريده..!!!
أن تراقبه وهو نائم باسترخاء.. أن تعوض بعض وجع اشتياقها له..
وكم اشتاقت لهذا اللئيم الذي لا يستحق ما تحمله في قلبها له..!!

لم تعرف كم مضى من الوقت وهي تراقبه قبل أن تغفو عينيها على محياه.. لتنهض بجزع..
وتجد الأريكة خالية ممن كان نائما عليها..

تهضت بجزع أشد وهي تدور حولها.. لتجد المفتاح في الباب المغلق أساسا..
والنوافذ مغلقة كذلك..
والغرفة خالية تماما من وجوده..

حينها سمحت لدموعها وقهرها بالإنسكاب.. وهي تنهار على الأريكة حيث كان نائما..
مازال عطره يعبق في المكان.. عطره الذي يحمل بعضا من شخصيته..
فاتن.. قاس.. فخم.. غامض..

لا تعلم لماذا كانت تبكي؟؟
هل من إحساسها المتزايد بالقهر؟؟ أم لأنها تمنت أن تفتح عينيها على وجهه كما أحتضنته أجفانها وهي تغفو؟؟


" ماذا تفعل بي؟؟
ماذا تفعل بي؟؟
أي فوضى عاصفة تثيرها في كل كياني؟؟
تعبت ياربي.. تعبت!!"





***********************************







" كساب وينك؟؟
قبل الفجر جيت لغرفتك مالقيتك..
وعقبه في المسجد تفاجأت إنك كنت في الصف الأول
وين كنت؟؟"

كساب يدور حول السؤال وهو يجيب علي بسؤال آخر: ليه كنت تبي شي؟؟ لا تكون تعبان.. وجهك مهوب زين!!

علي بسكون مرهق شديد الإرهاق: إيه والله تعبان شوي
وأبيك توديني عيادة الدوحة والا الأهلى أركب مغذي أتنشط شوي قبل الدوام..

أجابه كساب بابتسامة قلقة: ليه كوية أبيك مافادت؟؟.. توه البارحة يقول لي إنه وداك لرجال يكويك..

علي بابتسامة مرهقة: وأنت صدقت يعني إني مقروف.. أبيك بيقعد وراي دامه يشوفني ما أكل لين يكويني في كل مكان...


(انعدام الشهية) مرض يؤمن كثير من الناس –خصوصا البدو- أنه لا علاج له إلا الكي...
ويسمونه (القَرفة).. وهو حالات قد تكون بسيطة أو تشتدد.. وهو غالبا انعدام شهية مصاحب بالترجيع الدائم..
وقد ينتج أن أحدهم أكل طعاما لا يستسيغه أو بدون ملح.. أو شعر بقرف من طعمه أو رائحته..

والكي على انعدام الشهية أشهره أن يكون في منتصف الرأس..
والبعض يقول في المعصم.. والبعض يقول في خلف القدم أسفل الساق..
وفعلا بعد الكي تتوقف هذه الحالة التي لا يعرفها الأطباء.. لأنها لا يمكن أن تظهر في التحاليل!!
وهو مختلف عن مرض جميلة الذي كان فقدان الشهية المرضي..
لأن فقدان الشهية مرض نفسي في المقام الأول..ويتسبب به صاحبه لنفسه!!
لكن انعدام الشهية مرض جسدي يحدث بسبب جسدي..


كساب هتف بقلق أعمق: وحركة المغذي ذي كم مرة سويتها..؟؟

علي بذات السكون: مرة وحدة قبل أمس... بس اليوم مافيني حيل أسوق السيارة..

كساب يشده للسيارة وهو يهتف بقلق: دامك ما تأكل أبد بذا الطريقة.. صدقني إنك مقروف..
والكوي علاج قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إنه آخر العلاج..

علي بشجن: قل لهم يكوون قلبي يمكن يفيد..

كساب بغضب: إلا بنكوي مخك يمكن يعتدل...

تجاهل علي تعريض كساب به حتى ركبا السيارة حينها هتف بعمق:
سمعت ياكساب المثل اللي يقول: (كلن بعقله راضي أما برزقه لا)
يعني أنا وأنت كل واحد منا أكيد راضي بعقله وعنده إنه مافيه مثل تفكيره
لكن الرزق.. سبحان الله.. الله رزقني برزق ماقدرت أتقبله ومع كذا مجبور أتقبله
وأنت ربي رزقك برزق ماقدرت تحافظ عليه..

كساب حرك سيارته وهتف بتأفف: يا شين فلسفتك الفاضية !!

حينها ابتسم علي بإرهاق: زين خلك من فلسفتي اللي ماتدخل مزاجك
تكفى كساب ما أبي ابي يدري بشيء ولا أنه احنا رحنا للمستشفى..
بروحه صاير متوتر عشاني..

حينها هتف كساب باستغراب: أنا بصراحة مستغرب إنك قلت لأبي على خبالك..
هذي سالفة تقولها له؟؟!!
ويوم علمتني البارحة عقب العشا إنه يدري بالسالفة كلها.. ومع كذا يحسبك مقروف وكواك.. استغربت صراحة..

علي كتف يديه أمام صدره وهو ينظر أمامه ويهتف بعمق:
تدري لولا إنك أنت كنت معي عقب السالفة على طول أو يمكن ماكنت قلت لك أبد..
لكن ابي مستحيل أدس عليه شيء...

ابتسم كساب: يا سلام على البابا وحبيب البابا... وحن لنا الله!!
يا الله خلنا نروح المستشفى!!







**********************************






" حبيبي قوم
وش ذا الكسل فديت روحك..؟؟"

فتح عينيه بتكاسل وهو يهمس بعبارته الأثيرة ويبتسم: أحلى صباح هو شوفة عيونش!!

همست بابتسامة حانية وهي تمسح خده: إلا أحلى صباح هو شوفة ابتسامتك..
تدري عبدالله على كثر ماكرهتك قبل إلا إن ابتسامتك ماقدرت أكرهها..
كل ماشفتها في صورك أحس قلبي غصبا عني يذوب..
فيها سحر ماقدرت أقاومه أبد..

اعتدل جالسا وهو يشدها ليحتضنها من ظهرها وهو يمسح على بطنها بحنان حيث ابنه الذي مازال في علم الغيب وهو يهتف بابتسامة دافئة:
وأنتي صدق كرهتيني حبيبتي؟؟

جوزا بشجن وهي تمسح بحنو على أنامله الساكنة على بطنها:
ما أدري ياقلبي.. أو يمكن ما أذكر أو ما أبي أذكر..
من كثر ما أحبك.. أظني إنه مستحيل إني قدرت أكرهك في يوم..

ابتسم بشفافية.. وهو يشدد احتضانه لها كأنه يريد إخفائها بين ضلوعه:
أشوف ناس متعملين النصب على مستوى..

أجابته بابتسامة وهي تشد احتضانها لذراعيه التي تحيط بخصرها:
والله عندي مدرس خصوصي أكبر نصاب ومنه نستفيد..

أفلتها بخفة وهو يهمس بمودة: زين حبيبتي أنا بأمر عبدالرحمن قبل أروح الدوام.. تروحين معي؟؟ نوصل حسون للروضة أول ثم نروح..
وعقب ارجعي مع أمش..

أجابته وهي تقف بمودة شفافة: ليش لا.. مانعيف شوفة أبو فاضل اللي يقومه لنا بالسلامة..

زفر عبدالله حينها بضيق وهو يتذكر أن الطبيب قال له بالأمس أن مؤشرات عبدالرحمن عادت للسكون تماما.. كما كان سابقا..
لا يعلم هذه إشارة لماذا؟؟
ولكنه في داخله غير مطمئن أبدا لهذا؟؟
وفي داخله وساوس كثيرة يحاول طردها دون فائدة!!






***********************************





" هـــيــه أم خويلد.. أم عزوز..
وينش؟؟"

أقبلت قادمة من ناحية المطبخ الخارجي وهي تربط شعرها بإيشارب وتهتف بصوت عالي:
هلا حبيبي وش فيك تصيح صوتك وصلني لين برا..

صالح بتأفف باسم: أخييه.. يعني عقب ماكنتي تستقبليني على سنجة عشرة على قولت خوالش..
وكابة على نفسش كيلوين عطر..
تقابليني الحين كنش جدتي وبريحة البصل!!


ربما لو قال لها هذه العبارة قبل شهر واحد فقط لربما كانت افتعلت مشكلة كبيرة
وانتهت بموجة عاصفة من الصراخ والبكاء ولكنها الآن ابتسمت بشفافية:
الشرهة علي اللي اشتهيت أسوي لك غدا سبيشل..
ويا الله تعال حب رأسي الحين وإلا زعلت...

صالح سد أنفه بطريقة تمثيلية وهو يقبل رأسها ويهتف بمرح:
أعصر على روحي ليمون..وأحب رأسش ليش الخساير؟؟

نجلا تضحك برقة: كذا..؟؟
خلاص عطني عشر دقايق أتسبح.. وأشوف عيالي وأنزل أنا وإياهم نتغدى..

نجلاء غادرت بينما صالح جلس وبيده جريدة فتحها وهو يهتف بمودة باسمة:
زين نجلا ياقلبي.. بلاها دخلة المطبخ ذي.. تكفين!!







***************************************







" هيه ياهل البيت!!"

جميلة التي كانت تبدل ملابس زايد وتجلس على السرير همست بمودة: تعال عمي حياك.. ماعندنا حد..


منصور دخل ليبتسم وهو يرى ابنته وابنه.. لا يبالغ مطلقا حين يقول ابنته.. إحساسه بها عميق ودافي وأبوي لأبعد حد..
يعلم أنه في بداية زواجه اتهم عفراء أنها افسدتها بالتدليل..
ولكنه الآن يرى كم كان جائرا في حكمه.. أو ربما لأنه أصبح ينظر لدلالها كما ينظر الأب تماما..
يرى دلالها يليق بها وبعذوبتها تماما.. فهي لا تتكلف أبدا هذا الدلال بل ينبع من شخصيتها ليمنحها كاريزما خاصة ما..
تشعر كما لو أنك تريد أن تدللها أكثر لأنها تستحق أن تكون مدللة والدلال لم يُخلق إلا لها..

بل أصبح الآن يعاملها كما يعامل طفلة مدللة تماما.. ولكن مع التطور المناسب لسنها..
رغم أنه بالكاد لم يمض عشرة أيام على عودتها.. إلا أنه في الأيام الأخيرة نادرا مايعود ويده خالية من شيء لها..
شكولاته فاخرة.. دب وردي.. زجاجة عطر..
لتتلقاه بفرحة طفولية تدفع سعادة حانية في قلبه..

لم يعلم أنه كان يمنحها حلما أثمن بكثير من محض حلوى أو دمية..
يمنحها أبا طال تمنيها له وتحسرها عليه..
حلم بعمق سنوات ربيع عمرها التي قضت أكثرها تتحسر على حرمانها من أب كانت تتمناه بكل يأس.. وزاد من يأسها معرفتها إنها لن تحصل عليه يوما..
فهل يعود الميت للحياة؟؟

ولكنها لم تكن تعلم أن الإحساس الميت يستطيع العودة للحياة.. كما تشعر به مع منصور!!
وليس فقط في هذه الأيام الأخيرة.. بل قبل شهور وهي تتلهف لمكالماته اليومية
وتتلهف أكثر لزيارته الشهرية ووللشعور المختلف الدافئ العميق الحاني الذي منحه لها..


منصور هتف مع ابتسامته الفاخرة: وين أم زايد؟؟

ابتسمت جميلة بمرح: ياسلام على اللي مافيه صبر عشان يشوف مدامته..
أم زايد تاخذ شاور يأبو زايد..

منصور بأريحية: زين انا عازمش على العشا.. قومي البسي..

جميلة بحرج: لا عمي فديتك ما أقدر أخلي أمي..

قاطعهما خروج عفراء من الحمام وهي تهمس بحنان: وامش تقول روحي..
أنا أصلا أبي الفكة من إزعاجش أنتي ومنصور..

جميلة بذات الحرج الرقيق: لا يمه.. ما أبي أخليش يمكن يجيش أحد مايلاقون حد عندش..

عفراء بإصرار: من اللي بيجيني الساعة 9 الليل!!

ابتسم منصور: خليها يمكن ماتبي خوتي..

جميلة بجزع: لا والله ........
ثم أردفت بارتباك: خلاص خمس دقايق ونازلة..

جميلة غادرت بينما عفراء مازالت تقف وهي تهمس لمنصور بابتسامة:
اعمل حسابك إن الخمس دقايق يمكن يوصلون ساعة..
وبنتي وأعرفها.. تبي تتجهز لطلعة!! الله يعين..
أنا كنت أقول لها قبل المشوار بساعتين!!

شدها منصور من خصرها وهو يهتف بفخامة: أبركها من ساعة خلها تأخذ ساعتين ثلاث وش وراي..

عفراء أزالت كفيه بحرج عن خصرها: عيب منصور..

منصور شدها ليجلسها على الأريكة ويجلس جوارها وهو يحتضن كتفيها ويتنفس عبير شعرها المبلول ويهتف بخفوت دافئ:
نشف قلبي من كثر ماتقولين عيب.. والمشكلة ما أدري وين العيب ذا..

عفراء أسندت رأسها لكتفه وهي تمسح أنامله بحنو وتهتف بشجن:
والله منصور ما أدري أشلون أشكرك على تعاملك مع جميلة
هي مستانسة بشكل ماتتخيله بك وهي تلاقي فيك الأب اللي أدري إنها متشفقة عليه..

أجابها منصور بشجن أعمق وهو يشدد احتضانه لكتفيها:
أنا اللي والله ماتتخيلين كثر سعادتي وأنا أحس بجو الأسرة اللي ظنيت إني عمري ماراح أحس فيه إلا متطفل على زايد وعياله..

رفعت رأسها قليلا لتقبل كتفه وهي تهمس بتأثر : الله لا يحرمنا منك..

ابتسم منصور وهو يقبل شعرها: شكلي الحين أنا اللي بأقول لش عيب..
وخري عني أحسن.. لأني يا الله ماسك روحي!!






************************************





" مزون.. مزون!!"


مزون بمودة: تعال فديتك.. أنا أرتب شوي داخل..

كساب أطل برأسه عبر غرفة التبديل حيث ترتب مزون ملابسها داخل الخزائن
وهتف بابتسامة: مساء الخير... عوافي.. الله يقويش..

مزون بمودة رقيقة: الله يعافيك.. مافيه شيء بس أرتب شوية..

كساب حينها هتف بحزم: زين خلي الترتيب أبي أسولف معش شوي..

مزون وضعت قطعة الملابس التي كانت في يدها وخرجت معه ليجلسا كلاهما
حينها هتف كساب بثقة: أمس قلت لش أبيش في سالفة..
بس سالفتي أنا أشغلتني شوي..

حينها هتفت مزون بحزن: وسالفتك وش صار فيها؟؟

كساب بثقته الطاغية المعتادة: بتنحل إن شاء الله.. كم يوم بس وترجع كاسرة..

مزون بدفء: إن شاء الله.. والله فاقدتها في البيت..

حينها ابتسم كساب بدفء مشابه: ماتدرين يمكن حن اللي نفقدش!!

مزون باستغراب استنكاري: تفقدوني؟؟

كساب ضحك: وش فيش ارتعتي؟؟ عادي..
نفقدش مثل ماكل البنات يفقدون أهلهم وجودهم في البيت..


حينها صمتت مزون بخجل طبيعي وهي تعلم ما الذي خلف هذه المقدمة
ليتناول كساب زمام الأمور وهو يهف بمودة حازمة:
المرة اللي فاتت يوم عرضت عليش ولد آل ليث ورفضتيه.. ما أدري بالضبط وش أسبابش؟؟
هل فعلا لأنش تبين تدرسين.. أو عشان الخلاف اللي كان بيننا..
الحين كلها صارت محلولة.. الدراسة باقي فصل واحد غير ذا الفصل اللي قرب يخلص أساسا..
وأنا وأنتي ولله الحمد سمن على عسل...
وأنا والله أبي لش الزين.. غانم لمح لي مرة ثانية.. والرجّال شاريش..
السالفة مافيها ضغط عليش.. هذي مهيب خطبة رسمية.. مجرد أخذ رأي..
فكري براحتش.. أسبوع أسبوعين.. وصلي استخارة..
وغانم أنا أعرفه زين.. رجّال والنعم!!

مزون صمتت قليلا ثم همست باختناق خجول: تدري كساب حتى لو فكرت واقتنعت..
فيه حاجز بيني وبين غانم ما أدري.. ما أدري وش أقول لك .. أخاف يكون صعب علي أتجاوزه مهما حاولت...





***************************************





" سميرة يامش وش فيش؟؟"

سميرة بمودة: مافيني شيء يمه.. أنتظر بس البنات ينزلون عشان نتعشى..

مزنة بتقصد وهي تنظر لسميرة بشكل مباشر: يأمش أنتي فاهمة قصدي..
ثم تنهدت بعمق وأردفت: يأمش أنا ملاحظة التوتر اللي بينش وبين تميم..
أو بمعنى أصح توترش أنتي من تميم..

تدرين أنا كنت واعدة نفسي إني ما أتدخل بينكم مع إني ملاحظة إن علاقتكم مهيب طبيعية..
بس ذا الأيام صارت مهيب طبيعية لأخر حد.. وما اقدر أسكت أكثر من كذا..
ذا الأيام إذا صار وقت رجعته حسيت عرق التوتر ضرب في راسش..
وأنتو قاعدين معنا.. هو يرسل مسجات وأنتي تنتفضين مثل مسخنة..
لو شفت ردة فعلش عادية.. بالعكس كان انبسطت كل الشباب المتزوجين يسوون كذا..
وأنتو بعد عادكم صغار في السن وهذا وقتكم..

حينها قاطعتها سميرة بانهيار.. فمزنة قريبة جدا من روحها: يمه جنني من كثر مايلاعبني..
كني كورة بين أيديه.. طريقته غريبة وغامضة..

حينها ابتسمت مزنة: صدق إنش بريئة اللي تميم قادر يلاعبش كذا..
يعني يغلط عليش وعقبه هو اللي يلاعبش..

حينها همست سميرة بحرج كبير: يغلط علي؟؟ أنتي تدرين يمه..؟؟

مزنة بثقة: أكيد أدري.. يعني أنا بأشوفكم كذا وبأسكت إلا لأني عرفت إنه غلطان وقلت خله يستاهل.. خلها تادبه..

أنا أدري يأمش من يوم شفت الضربة اللي في وجهش اللي كنتي تحاولين تدسينها..
بس موت امهاب الله يرحمه أشغلني من كل شيء.. ويوم قدرت أفكر عقبها سألت تميم وهو قال لي كل شيء..
وقتها قررت أني ما أتدخل.. وقلت له وقتها ترا سميرة لو بغت تخليك أنا بأوقف في صفها مهوب في صفك..

حينها همست سميرة بشفافية: صدقيني يمه هذا كله خلاص أنا نسيته..
بس اللي مجنني لعبه فيني.. لا هو باللي يصرح باللي يبيه ولا هو اللي يخليني في حالي..

حينها ابتسمت مزنة بخث لطيف: يأمش اللعب هذا لعبتنا حن يا الحريم... وش عرف الرياجيل فيه ؟؟..
يلاعبش لعب الهواة؟؟
وريه لعب المحترفين!!!




#أنفاس _قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 28-11-10 06:30 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث و الستون
 



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ياصباحكم خير ورحمة
.
هذرت هذرة كثييييييييييير بس كلها طارت قبل أحفظها
اليوم ربي رحمكم
مع أني كنت أبي أجاوب على استفسارات البنات وجاوبت عنها
بس اسمحوا لي كلها طارت إن شاء الله المرة الجاية أقدر أرجع أجمع الكلام
.
.
أهم شيء أبي أقوله يا بنات
مجاهدة النفس شيء صعب لان النفس تتبع هواها
والقابض على دينه كالقابض على الجمر في هذا الزمن
مجاهدة النفس أول خطوة لها هو التقرب من الله عز وجل بكثرة الصلاة وقراءة القرآن والدعاء الصادق
وسبحان الله للقرب منه حلاوة مابعدها حلاوة تشعرين بها تحيط بروحك بسكينة غامرة

أدعو لكل أخواتي وأخواني بالستر والهداية وتقوية العزم
فادعو لهم أرجوكم
.
.
إليكم الجزء63
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والستون





" مزون.. مزون!!"


مزون بمودة: تعال فديتك.. أنا أرتب شوي داخل..

كساب أطل برأسه عبر غرفة التبديل حيث ترتب مزون ملابسها داخل الخزائن
وهتف بابتسامة: مساء الخير... عوافي.. الله يقويش..

مزون بمودة رقيقة: الله يعافيك.. مافيه شيء بس أرتب شوية..

كساب حينها هتف بحزم: زين خلي الترتيب أبي أسولف معش شوي..

مزون وضعت قطعة الملابس التي كانت في يدها وخرجت معه ليجلسا كلاهما
حينها هتف كساب بثقة: أمس قلت لش أبيش في سالفة..
بس سالفتي أنا أشغلتني شوي..

حينها هتفت مزون بحزن: وسالفتك وش صار فيها؟؟

كساب بثقته الطاغية المعتادة: بتنحل إن شاء الله.. كم يوم بس وترجع كاسرة..

مزون بدفء: إن شاء الله.. والله فاقدتها في البيت..

حينها ابتسم كساب بدفء مشابه: ماتدرين يمكن حن اللي نفقدش!!

مزون باستغراب استنكاري: تفقدوني؟؟

كساب ضحك: وش فيش ارتعتي؟؟ عادي.. نفقدش مثل ماكل البنات يفقدون أهلهم وجودهم في البيت..

حينها صمتت مزون بخجل طبيعي وهي تعلم ما الذي خلف هذه المقدمة
ليتناول كساب زمام الأمور وهو يهف بمودة حازمة:
المرة اللي فاتت يوم عرضت عليش ولد آل ليث ورفضتيه.. ما أدري بالضبط وش أسبابش؟؟
هل فعلا لأنش تبين تدرسين.. أو عشان الخلاف اللي كان بيننا..
الحين كلها صارت محلولة.. الدراسة باقي فصل واحد غير ذا الفصل اللي قرب يخلص أساسا..
وأنا وأنتي ولله الحمد سمن على عسل...
وأنا والله أبي لش الزين.. غانم لمح لي مرة ثانية.. والرجّال شاريش..
السالفة مافيها ضغط عليش.. هذي مهيب خطبة رسمية.. مجرد أخذ رأي..
فكري براحتش.. أسبوع أسبوعين.. وصلي استخارة..
وغانم أنا أعرفه زين.. رجّال والنعم!!

مزون صمتت قليلا ثم همست باختناق خجول: تدري كساب حتى لو فكرت واقتنعت..
فيه حاجز بيني وبين غانم ما أدري.. ما أدري وش أقول لك .. أخاف يكون صعب علي أتجاوزه مهما حاولت...

صمتت لثوان ثم أكملت باختناق أشد:
كساب أنا أحاول ما أقلل من قدر نفسي.. بس رحم الله امرئ عرف قدر نفسه..
وأنا الحمدلله ذا الأيام مسترجعة ثقتي بنفسي.. وأخاف زواجي من غانم يرجع يفقدني إياها..

كساب باستغراب لهذا الحديث غير المفهوم: الحين هذا كله ليش!!

مزون بخجل عميق: كساب لا تزعل مني لو تجرأت شوي.. بس أظني مابيني وبينك حواجز في الكلام..
كساب.. غانم أنا شفته على الطبيعة.. أحلى مني بواجد.. إلا مافيه مجال للمقارنة بيننا حتى..

كساب حينها هتف بغضب: بصراحة كلام ماسمعت أسخف منه..
مع إنه أنتي مافيش قصور.. بس خلينا نجاريش في خبالش..
أنا شخصيا ماكان عندي مانع أتزوج وحدة شينة حتى ..
ليه هو الجمال كل شيء في الدنيا.. والرجّال الصدق مايهتم بذا السوالف..

ابتسمت مزون بشفافية مرحة: هذا كلام نظري لأنك يوم تزوجت.. تزوجت أحلى وحدة..
وبعدين تعال أنت عادي لو تزوجت وحدة شينة.. لأنك شين ..
لكن غانم أزين منك بواجد ولازم يتزوج وحدة حلوة..

حينها انفجر كساب ضاحكا: كذا يامزون.. من الحين شايفته أزين..

حينها تراجعت مزون بخجل وهي ترى نفسها تجاوزت الحد: مهوب أنا اللي شايفته.. أنا أتكلم بصراحة..

كساب وقف وهو يهتف بمودة: فكري يأخيش زين.. وأعرف عقلش كبير
لا تفكرين تفكير المراهقات هذا..

مزون وقفت معه وهمست بشجن: تدري كساب مع شغلة غانم صدقني بتصير هذي مشكلة بيننا..
كل يوم بيكون في بلد.. والمضيفات أنت عارف زين هم وش يسوون وأشلون أشكالهم!!
وأنا هنا الهواجس تاكلني..

كساب ربت على خدها بحنان: لا تصيرين سخيفة..فكري زين يأخيش!!


صمتت مزون.. وهي تفكر فعلا..
قد يكون فعلا ماقالته هو مبدئيا السبب الرئيسي..
لكنها في داخلها وبعد تصالحها مع كساب باتت ذكريات الطيران تثير شجنا عميقا ووجعا تسببه ذكريات مرارة تلك الأيام!!
وخصوصا أن لغانم ذاته ذكرى خاصة لرحلتها الأولى.. ذكرى تحاول تناسيها لشدة حرقتها التي تغلغت فيها..

وإحساس آخر غريب.. اسمه لو كان غانم هذا يريدني فعلا كما يقول لكساب...
لماذا لم يتقدم لي إلا بعد أن تركت الطيران؟؟
لو وجدت لابن عمه العذر فلا أجده له !!
فهل غانم أيضا كان ينظر لي وأنا معه في الكلية بنظرة الاحتقار والامتهان التي كان ينظرها لي مهاب رحمة الله عليه؟؟






************************************





" يبه تبي تنام أروح؟؟"

الجد يشير بيده اليسار لا.. وهو يتمدد على جنبه اليمين على سريره.. وكاسرة تجلس جواره على الأرض..
رغم أنها تستطيع جذب المقعد والجلوس عليه..
ولكنها تحب أن تجلس هكذا حتى تكون قريبة منه تماما..

هتفت كاسرة حينها بابتسامة: زين تسولف علي وإلا أسولف عليك؟؟

أجابها الجد بنبرة مقصودة: كاسرة كم صار لش عندنا من يوم طلعتي من بيتش؟؟

كاسرة تنهدت لأنها اشتمت رائحة العتب القادم رغم أنها رجته ألا يفعلها..
ومع ذلك استغربت أنه تركها كل هذا!!

هتفت بمودة باسمة.. فله يحق كل شيء.. لكن رجاءها ألا يضغط عليها فقط فقلبها يؤلمها حين تضطره للإلحاح:
يبه صار لي حوالي 8 أيام..

الجد أكمل بنبرة مقصودة: ورجالش رجع البارحة صح؟؟

تنهدت: رجع يبه.. وطالبتك بس.. أنا دارية أنت وش أنت تدرج له!!
فديتك أنا يوم جيت هنا قلت لك إني خلاص طلعت وما أبي أرجع..

الجد حينها هتف بنبرة حازمة: بس أنا ماقلت لش إهِدّى!! (إهِدّى= موافق أو راضي)

كاسرة وقفت على ركبتيها لتقبل جبينه وهي تهمس بشجن: طالبتك ماتقول شيء..
يعني حتى لو أنت منت براضي.. ماتقدر تخليني براحتي؟؟
يبه واللي خلاك أغلى خلقه.. لو أنه عاد وراي شيء من الصبر ماذخرته..

تنهد الجد فهو لا يستطيع سماعها تترجى هكذا: تلعبين علي يأبيش بحبة الرأس وتسكتيني كني بزر.. مالي حق أقول شوري حتى..

كاسرة بجزع انحنت على كفه تقبلها: أفا عليك يبه.. شورك على رقبتي..
ثم صمتت لثانية وهمست بعمق: بس يبه أنا مستوجعة واجد.. تكفى ماتوجعني أكثر.. أقواها من خلق الله بس منك ما أقدر أقواها..

الجد صمت وهو يربت على رأسها بحنو الذي أرخته على طرف سريره..
يبدو أن كساب سيبقى يلاحقها في كل دقيقة من اليوم دون أن تستطيع حتى أن ترتاح من مجرد ذكراه..
ألا يكفي أنها كل ماتذكرت اقتحامه لغرفتها البارحة تشعر بقشعريرة باردة تهز كل جسدها...؟!
كلما تذكرت أنفاسه التي صافحت وجهها من قرب.. ازدادت قشعريرها..
وكلما تذكرت حدة كلماته وبعده عن محاولة إرضاءها تشعر أن غصة ضخمة تتجمع وتتجمع حتى تتخم روحها!!






***********************************





" يأبيش ماكلتي شيء!!"

جميلة بابتسامة شفافة: والله أني كلت لين شبعت..

ابتسم منصور: أكل عصافير ذا؟؟

جميلة بذات الابتسامة: والله في حالتي أكل البطات مهوب العصافير..

منصور بمودة: نروح نمشي شوي على الكورنيش..؟؟

جميلة برفض رقيق: لا عمي فديتك.. أبي أرجع أسبح زيودي.. خليت أمي واجد..

منصور بحنان: براحتش.. على العموم أنا لازم أمشي شوي.. بأمشي حوالين البيت..
لأني ما أقدر أقعد عقب عشاء ثقيل مثل ذا.. شوفتش عاد فتحت نفسي.. وخبصت واجد في الأكل

ضحكت جميلة بعذوبة: يعني شوفتي تنفع فاتح شهية..؟؟

منصور بذات النبرة الحانية: أحسن فاتح شهية..
ثم صمت لثانية وأكمل بحزم واثق: جميلة يا أبيش ترا مهوب خافيني حالتش..

جميلة بارتباك: أي حالة عمي؟؟

منصور بحنو باسم: الحال اللي أنتي عارفته وأنا عارفة..
يعني مهوب أنا اللي بنتي تكون متضايقة وأنا ما أحس فيها..

جميلة صمتت بحزن شفاف لتذكرها حاله ولسعادة شفافة لقربها هكذا من منصور بينما منصور أكمل بحزم:
أنا وعمش زايد بنتدخل .. بس نبي ننتظر شوي لين يطيب خاطر خليفة..

جميلة بحزن: يعني تبي ترخصني له.. وهو ماحتى فكر فيني؟!

منصور بفخامة: أفا عليش.. الغالي مايرخص..
ولا تحاتين.. خليفة اللي بيجيش لين عندش.. بس أنتي وقتها عاد لا تعاندين..
أنا وزايد بنتصل له وبنخليه يأتي عندنا ونتفاهم معه..
وتاكدي إنه مهوب صاير إلا اللي يرضيش..
بس خليفة رجّال حرام تضيعينه من يدش!!

جميلة صمتت وأمل شفاف بدأ يستوطن روحها المرهقة من التفكير...
أحقا ستعود لخليفة؟ حقا؟؟






*********************************





الليلة قررت أن تتبع نصيحة مزنة..
كما يلاعبها ستلاعبه.. ستذيقه بعضا مما يذيقها حتى ترى ما الذي يهدف إليه..
رغم أنها تخوفت قليلا من التنفيذ..

فكما قالت لها مزنة تماما..
كانت هذه لعبة محترفين لا يهابون دك الحواجز لإسقاط الخصم في الفخ..
كانت تعلم أنها مازالت أبعد ماتكون عن الاحتراف.. بل ربما مجرد هاوية للتو تعلمت اللعبة ومازالت على أول سلم الهواة..
ومع ذلك تهورت.. و استعدت تماما..
وجلست في الانتظار!!


تميم حين فتح الباب.. ودخل بعفوية..
كانت المفاجأة التي تنتظره.. هـــي تتمدد نصف تمدد على سريرها تصحح أوراقا في يدها..
وترتدي قميص نوم أسود غاية في الفخامة والرقي والإثارة..
بدا كحكاية سحر خيالية في بياضها المشع.. وهو يزيدها فتنة على فتنتها..
وشعرها الأشقر يتناثر بأناقة مدروسة على الضدين السواد والبياض..

تراجع خطوة للخلف.. فهو بالكاد يحتمل وجودها جواره في محض بيجامات..
فكيف الآن؟؟
وهي تبدو كقنبلة يخشى من تفجرها في حناياه..
أغلق عينيه لبرهة عاجزا عن استيعاب حكاية الحسن الموجعة الماثلة أمامه..

لم يسارع للقفز للاستنتاجات.. فهو لا يريد إفساد مخطط طويل تعب فيه في لحظة واحدة..
سيرى خطوتها التالية أولا.. فهو يعلم يقينا أنها مازالت لا تجرؤ على مضمون الرسالة الواضح من شكلها...


هي لم ترفع نظرها مطلقا منذ فُتح الباب والقلم في يدها يرتعش..
وهي تسب نفسها مرارا وتكرارا على هذا التصرف الذي هي غير أهل له..

أشار بالسلام.. ولكنها لم تراه.. حينها علم أنها تعاني الخجل والتوتر.. وربما الندم على تصرفها الأهوج!!

تجاوزها.. رغم صعوبة التجاوز وقسوته!!

دخل للحمام ليستحم..
مرهق أساسا من هذا الشد..
يريد أن يحيا حياة طبيعية.. لكنه مازال يخشى عدم تقبلها لها..
فهو مازال يشعر بتوترها وخجلها وتباعدها.. وهو لا يريد محض جسد..
يريد الروح قبل الجسد..
فروحه المنهكة تتوق للامتزاج الروحي بروحها.. فهو مسافر في عوالم صامتة أنهكته فيها الوحدة والغربة الروحية..
روحه القلقة تتوق للسكنى إلى روحها العذبة!!

حين خرج مازالت على نفس الوضعية تدعي التصحيح.. وجسدها كله يرتعش..
وتتمنى لو قامت لترتدي لها روبا فوق قميصها.. ووجهها يشتعل احمرارا من الخجل..
ولكنها تعلم أن مظهرها سيبدو سخيفا لو فعلت هذا..
مادامت فعلت هذا فلتحتمل نتائجه.. وهي تفهم جيدا أي رسالة أرسلتها له..
رغم أنها أرسلتها لمجرد التلاعب به..


تميم صلى.. وقرأ ورده..
ثم تمدد على أريكته لينام.. دون أن يوجه لها إشارة واحدة..!!

حينها سميرة شعرت فعلا بالصدمة.. ربما في داخلها تمنت أن يتجاهلها.. لكن التجاهل جرحها لأبعد حد..

أ تبالغ في التزين له.. ويكون رده عليها بهذا البرود..؟؟
إذن لماذا كان يلاعبها طيلة الأيام الماضية؟؟
أم أن التلاعب هو حق له وحده ولا يحق لها بذلك؟؟


حينها قررت أن تنتقل للعبة أخرى.. تناولت هاتفها وأرسلت له:

" خالد الفيصل يقول:
يامدور الهين ترا الكايد أغلى....اسأل مغني كايدات الطروقي

هذي رسالتك لي؟؟"

أرسلتها وجلست تنتظر بتوتر بالغ ليصلها رده خلال ثوان:

" وخالد الفيصل يقول بعد:
من خصايص عنود الصيد كثر الطواري.... عادة الظبي يجفل لي تحرك ظلاله

وصلتش ذا الرسالة؟؟ "

سميرة لم تفهم فعلا ماذا يقصد.. لذا أرسلت له ببراءة:

" مافهمت.. وش تقصد؟؟"

ثم جلست تنتظر الرد.. ليكون الرد الصادم لها انتزاع تميم لها من سريرها وهو يشدها من عضدها العاري ليوقفها..

حينها انتفضت برعب..
وهي تهرب لتستدير خلف السرير وتجعله حاجزا بينهما
وعيناها تفيضان بالدمع وهي ترتعش..

حينها أشار لها بوجهه المحمر وأنفاسه المتصاعدة زفيرا وشهيقا:
فهمتي الحين..؟!!
أنتي الحين جفلتي من ظلالش بس.. وأنا ماقربت منش حتى..
يعني لا تسوين شيء منتي بقده..
لو لاعبتش.. مايضر.. ليش أنش مابعد استويتي..
لكن أنا لا تلعبين معي.. لأني واحد مستوي خالص.. واللعب معي خطير..

تميم أنهى إشارته ثم خرج من الغرفة كاملة..
بينما سميرة انكبت على سريرها وهي ترتعش وتبكي بحرقة...
وتتمنى لو أنها لم تتصرف فعلا كما قال.. تصرف هي غير أهل له..
تصرف لم تنل منه سوي جرح مشاعره ومشاعرها..!!
فنصيحة مزنة لم يكن فيها عيب سوى أنها كانت فعلا لعبة محترفين يعلمون تماما على ماذا هم مقدمون..
بينما هي غير مستعدة أبدا في هذه المرحلة!!
ولا تعلم حتى على ماذا هي مقدمة!!






************************************






كانت مستغرقة في النوم حين رن المنبه لصلاة الفجر..
مدت يدها في الظلام الخافت لتطفئ المنبه..لتصطدم يدها بجسد شديد الصلابة بدا ملمسه مألوفا لها..
قفزت بجزع مرتعب وهي تجلس لتتحسس ماجوارها..
ليمد هو يده ويطفئ المنبه ويشعل الضوء المجاور له ويهمس بصوته المثقل بالرجولة والنعاس:
صباح الخير..

كاسرة كانت تريد أن تقفز من السرير كاملا لولا أنه منعها وهو يشدها من يدها
ثم يضع رأسه في حضنها بكل تملك وهو مازال يتمدد بينما هي جالسة متصلبة..

كاسرة همست بغضب متفجر وهي تحاول إبعاد جسدها عنه:
والله العظيم أنت مجنون وخبل ومافي رأسك ذرة عقل..
حد يسوي سواتك.. يا أخي أنت ماتفهم.. ما أبي أعيش معك..
وما أبي أنام جنبك.. وما أبيك بكبرك..

أجابها بتحكم وهو يطوق خصرها بذراعيه ومازال يضع رأسه في حضنها:
والله كلامش غير تصرفاتش..
أشلون ماتبيني.. وماتبين تنامين جنبي.. وأنتي طول الليل نايمة على صدري..
لا وشادة علي بعد.. كنش خايفة أخليش!!

أجابته كاسرة باستنكار شديد ملتهب بالغضب: كذاب وكذاب وكذاب..

حينها أفلتها واعتدل جالسا وهتف ببرود: خلاص بكرة أصورش عشان تدرين أني ماني بكذاب..

كاسرة قفزت من السرير كاملا وهي ترتعش.. وتكاد تبكي لشدة قهرها
همست بكل قهرها المخلوط بحزمها وغضبها ويأسها:
أنا أبي أدري بس وش هدفك من ذا الحركة البايخة..؟؟
يعني حتى في غرفتي في بيت هلي حرام أحس بالأمان بعيد عنك؟؟
البارحة تأكدت أني قفلت كل شيء قبل أنام.. أصحى ألقاك جنبي.. حرام عليك يأخي..

أجابها بذات البرود وهو يستعد للذهاب للحمام ليتوضأ:
قبل كنتي تقولين ماتحسين بالأمان إلا في حضني..
وعلى العموم.. خلصينا من خبالش وارجعي لبيتش..

كاسرة بغضب هادر: مستحيل.. لو كان فيه قبل أمل لو واحد فيه المية أني أرجع لك
الحين أقول لك مستحيل..
وش ذا الأسلوب الهمجي في التعامل؟؟
تبي تقنعني إنه مافيه شيء يستعصي عليك..
وأنه حتى البيان المسكرة ماتردك من اللي تبيه مثل ماقلت لي يوم عرسنا..
أدري والله العظيم أدري..ياجيمس بوند..
بس حتى لو نطيت عندي كل ليلة مستحيل أرجع لك... مستحيــــــل...!!

حينها اقترب منها ليشدها وهو يضع كفه اليمين على منتصف ظهرها ويقربها منه
بينما هي تبعد جزءها العلوي عنه وتهمس بغضب:
كساب هدني أنا تعبت منك ومن حركاتك البايخة..
أنا وحدة أبي أتطلق بأي حق تلمسني..!!

أجابها حينها وهو يحتضنها بذراعيه الاثنتين بكل تملك ويهمس قريبا من أذنها:
لين تطلقين أنتي مرتي وحقي وحلالي..
وعلى العموم الطلاق هذا حلم احلمي فيه!!

حاولت التفلت منه دون جدوى..
قهرها يتزايد في روحها..
لم تستفد شيئا من خروجها من بيته..فماتعانيه في بيته هاهي تعانيه الآن..
و مازال هو كما هو متعجرف متسلط ولا يهمه إلا تنفيذ ما برأسه..
لم يحاول مطلقا حتى أن يعدها بإصلاح حاله.. رغم أنها لم تنتظر مثل هذا الوعد منه.. فهي تعلم أنه غير قابل للإصلاح..

همست باختناق قهرها وهو مازال يحتضنها:
كساب هدني خنقتني.. والله العظيم خنقتني!!
أنا أبي أدري بس وش بتستفيد من ذا كله..؟؟

حينها أفلتها ببساطة وهو يهمس ببساطة أشد: تعودت أنام على أنفاسش قريب مني..

أجابته بقهر: زين والأسبوع اللي فات كله أشلون كنت تنام؟؟..

حينها أجبها ببساطة مغلفة بالغموض وهو يغادر للحمام: ومن قال لش أني قدرت أنام!!

حين خرج من الحمام
دخلت هي.. لتخرج كما تتوقع وتجد الغرفة خالية من وجوده كما لو كان تبخر!!
ولتنهار هي جالسة وهي تمنع نفسها أن تبكي لشدة إحساسها بالقهر وتسلطه على روحها!!

" يا الله وش ذا الإنسان؟؟
مجنون.. والله العظيم مجنون!!"





*********************************





بعد عشرة أيام
.
.
.




" ها يامش.. أشوفش صار لش كم يوم زينة ووجع الرأس خلاش!!"

أجابت عالية بسكون: الحمدلله يمه.. رجعنا لحالة البلادة..

ام صالح باستفسار: وش بلادته يأمش؟؟

عالية بذات السكون الذابل: لا تهتمين يمه.. حكي راديو مايرجع..

بالفعل توقف معها الصداع منذ أيام مع تصميمها على علاجه..
فالقضية بمجملها نفسية..

ولكن هناك وجع شفاف استوطن روحها وغاص فيها حتى آخر الجذور..
تشعر بوحشة غريبة.. ضياع مؤلم..

لم تتخيل أن توقفها عن رؤيته سيكون له هذا التأثير النفسي العاصف عليها..
قلقة.. خائفة.. مرتاعة..
ولا تستطيع أن تشكي لأحد أوجاعها.. حتى نايف توأم روحها لم تستطع أن تخبره بشيء.. رغم أنه اشتم رائحة شيء غير طبيعي في صوتها..
وهاهو يتصل بها كل يوم ويلح عليها أن تخبره دون فائدة!!

المشكلة أنه أخبرها أنها عائد بعد ثلاثة أسابيع..
حينها كيف ستخفي على روحه التي تخاطب روحها كل هذا الوجع الذي تكاد تنفجر به ؟؟
واشتياقها لهذا النائم بات ينغرز في خلاياها إلى أقصاها ودون رحمة؟؟!!






**************************************






" ها يادكتور بشرني!!"

الطبيب يلتفت لعبدالله ويهمس بسكون قلق تخلى فيه عن مهنيته:
بصراحة ياعبدالله أنا قلق جدا على عبدالرحمن..
بعد ماسكنت مؤشراته طول الأسبوعين الماضيين صار له يومين مؤشراته غير طبيعية أبد..
تقول كأنه يصارع له شيء أو يتألم.. والمشكلة إن الألم بدأ يبين على ملامح وجهه..
وأبوه انتبه.. و صارت حالته غير طبيعية وهو تقريبا واقف جنب السرير طول الـ24 ساعة..

عبدالله تنهد بقلق فهو يعلم ذلك منذ البارحة حين اتصل به عمه أبو عبدالرحمن وطلب منه لأول مرة أن يبيت في مجلسه لأنه لا يستطيع مفارقة عبدالرحمن لفرحته العارمة بظهور معالم إحساس في تقطيب عبدالرحمن لوجهه..
وهو يحلم أن لحظة صحوه اقتربت..

عبدالله زفر: طيب دكتور ليش أنت قلق كذا؟؟

الطبيب بذات النبرة القلقة: لأني خايف إنه ماتكون هذي علامات صحوة.. لكن علامات النزع الأخير!!





***********************************





" يبه فديتك..
جعلني فدا أرجيلك صار لي ثلاث ساعات هنا وأنت واقف على أرجيلك
ارحم روحك شوي.. حط الكرسي جنبه واقعد"

فاضل المشتت المدهوش الضائع المتوتر المثقل بالألم واليأس هتف بكل فيض هذه الأحاسيس:
والله إنه البارحة واليوم حرك وجهه.. والله العظيم يأبيش.. أنا شفته بعيني..
أنا شفته بعيني!!

شعاع تبكي وهي تحاول أن تشده لتجلسه: وأنا والله العظيم أدري أنك صادق
الله يقوم لنا عبدالرحمن بالسلامة.. بس أنت تبيه لا قام يشوفك قوي مهوب مافيك حيل..

مازال يهتف بتناثر: تحرك يأبيش.. والله العظيم إنه تحرك.. أنا شفته بعيني..
بيقوم.. أدري إنه بيقوم.. خلاص عبدالرحمن بيقوم...

شعاع يأست وعادت مدحورة باكية..
فهي مضى لها أكثر من ساعة تحايله وهو لايرد عليها بغير هذه العبارات المبعثرة المبتورة..التي تشعر بها كساكين في عمق قلبها
عادت لتجلس جوار والدتها التي كانت تبكي بصمت وحرقة في زاوية الغرفة..
فكل هذا الأمل كثير على قلبها المجهد.. كثير!!






*********************************






" هاسميرة وش أخبارش ؟؟"

سميرة تبتسم ابتسامتها العذبة المعتادة مهما كانت تعاني: أنا أخباري تمام..
أخبار كرشة هانم..

نجلاء بابتسامة شاسعة: أنا تمام.. أبي أسوي تلفزيون متى مابين جنس المولود بإذن ربي.. عشان أبدأ أتسوق له..

ابتسمت سميرة: لو بنت أو وولد أشلون بتشترين؟؟

نجلاء بذات الابتسامة الدافئة: اللي يجي من الله حياه الله..
بس لو بنت الله يستر لا استخف وأشتري لها أنا وصالح كل سوق الدوحة
بس لو ولد.. كفاية عليه ملابس أخوانه قبله..

سميرة تقلب وجهها بمرح: أخيه منش يا الزطية.. خلاص خالته بتشتري له كل شيء جديد
مايبي منش أنتي ورجالش شيء..
ولو ماتبونه عطوني إياه!!

نجلاء تضحك: لي هو جاي ببلاش أعطيش إياه.. الولد ذا لو ماجاء الله يستر ما أدري أشلون كانت بتكون حياتي..
إلا أنتي خلاص عقب كم يوم بتكملين سبع شهور.. لمتى ماحملتي؟؟
مافكرتي تروحين دكتورة أنتي وتميم.. ترا مافيها شيء!!

سميرة كحت بحرج: نجول يالدبة مالش دعوة فيني أنا ورجّالي.. بكيفنا تو الناس..

نجلا فتحت عينيها بعتب رقيق: سمور.. لا تكونين تأكلين مانع يا الخبلة؟؟

سميرة وقفت وهي تهمس بتهرب: بأروح أشوف أمي وش تسوي بدل سوالفش البايخة..


سميرة هربت بالفعل من جراحها ومشاعرها التي باتت تشعر بها هشة جدا وتوشك على الانهيار..
فتميم بعد الايام التي قضاها في التلاعب بها.. بدأ في تجاهلها بطريقة موجعة منذ الليلة المشؤومة التي قررت هي فيها أن تتلاعب به..
لدرجة أنه الأيام الأربعة الاخيرة كان يبات في المجلس..

بالطبع مازال أهل البيت لم يلاحظوا.. لأنه ينزل بعد أن يصبحوا في غرفهم.. ويعود بعد صلاة الفجر..
ولو لاحظه أحد وسأله أين كنت؟؟ أسهل شيء أن يقول كنت أريد أن أتأكد من شيء أو ذهبت لأمشي..
يعني.. لن يعجزه العذر الذي مازال لم يحتاجه!!

ولا تعلم حتى متى سيستمران على هذا الحال؟؟
تشعر بألم امتهان عميق وجرح أعمق لأنثوتها.. هل هناك رجل طبيعي يتجاهل زوجته كل هذا؟؟
أم أن العيب فيها؟؟
ربما لا تعجبه.. لا تحرك مشاعره؟؟!!

أو ربما كان الذنب كله ذنبها.. وهي تصد تلميحاته تلميحا وراء تلميح..
فكيف يتشجع وهي تشعره بخوفها وتوترها وجزعها منه؟؟
لا تلومه إن تعب منها!!

فهي لا تعلم لماذا مازالت عاجزة عن احتوائه رغم أنها تدعي إنها نست أو تناست جرحه العميق لها؟؟
أو ربما كانت كل المشكلة إنها تدعي ذلك.. وجرحه مازال غائرا في روحها الشفافة؟؟!!

لا تعلم لِـمَ هذا الحاجز الممتد بينها وبين تميم لا يريد الإنهيار!!
كانت تقول سابقا أنه لا مانع لديها من إنشاء حياة كاملة مع تميم..
فلماذا يبدو لها هذا الأمر صعبا هكذا حين أصبح الأمر قريبا؟؟
لماذا تراه عسيرا عليها أن تهبه روحها وجسدها؟؟
وربما كان كل هذا.. لأنها تدعي نسيان إهانة لم تنسها!!

فكيف تهبه الروح التي شك ولو للحظة في نقائها؟؟
وكيف تهبه الجسد الذي شك ولو للحظة في طهارته؟؟






**************************************






" كاسرة لا تكونين ناوية تسهرين عندي الليلة بعد؟؟
خلاص بكرة دوام!!"

كاسرة ابتسمت بتحكم بالغ وهي تجيب وضحى:
لا طبعا ليش أسهر عندش..
أمس وقبل أمس سهرت عشان ويك إند.. بس بكرة على قولتش دوام..

وضحى تبتسم بمرح: الظاهر العرس خربش.. قبل كان مستحيل تسهرين للفجر إلا في الأعياد..


كاسرة تنهدت في داخلها.. يبدو أنها الليلة لا مهرب لها من مقابلته..
بعد أن تهربت اليومين الماضيين بحجة إنهم في إجازة نهاية الأسبوع..
ولكن قبل ذلك كانت تتفاجأ به كل ليلة كالشبح في غرفتها..

لم ترد أن تهرب من غرفتها حتى لا يلاحظ أحد شيئا غير طبيعي فهم لم يعهدوها تخاف من شيء..
كما أنها لم ترد أن يظنها كساب خائفة منه هو شخصيا وهي تظن إنه سيمل وسيتوقف..
ولكنه مازال لم يمل.. وهي لابد أن تفكر بحل جذري لهذه المشكلة..
فهي لا يمكن أن تسمح له بفرض نفسه عليها أكثر..

الأمر بات ضاغطا وجارحا لأبعد.. تظن حين تنام أنها ستصحو هذه المرة ولن تجده ..
لتتفاجأ انها أحيانا تصحو وهي نائمة على صدره!!
تكاد حينها ان تصفعه حتى تتعب .. ثم تشد شعرها حتى يتمزق!!

وأحيانا أخرى تقرر أن تنتظره جالسة لتعرف من أين تدخل.. فتراه يدخل بكل بساطة عبر نافذة تأكدت من إغلاقها..

هل هذه حياة طبيعية؟؟ زوج يدخل لزوجته عبر النوافذ المغلقة؟؟
كما لو أنها تعيش حياتها في فيلم أكشن سخيف لا تستطيع ترقب مشهده التالي!!

والأغرب والأكثر إيلاما معرفتها اليقينية أنها تتلهف لرؤيته حتى نخاع النخاع..
فهي لا تنكر أبدا على نفسها ولعها به.. فهي تعلم تماما كم هي مغرمة به..
ولكنها لا بد ان تنقطع عن رؤيته حتى تستطيع إغلاق جروح قلبها وروحها التي لن تغلق مادامت رؤيته زادا لهذه الجراح...


اليومان الماضيان لم تعد لغرفتها حتى صلت الفجر.. ومع ذلك وجدت آثاره في الغرفة
الليلة الأولى أثار عاصفة من الفوضى في الغرفة رغم أنها تعلم أنه مرتب ومنظم كالمسطرة..
والبارحة بكل وقاحة ترك ملابسه في الحمام بعد أن استحم واستخدم مناشفها..
تتخيل منظرها لو أن الخادمة أو والدتها دخلت الحمام قبلها..ووجدت ملابس رجل فيها..
كيف سيكون موقفها؟؟..

ويبدو أنه الليلة لا مفر من مقابلته وهي تعود لغرفتها في وقت مبكر.. فهي تريد أن تشبع نوما قبل أن يعكر صفوها بوجوده الثقيل..
فهو رغم لمساته التي تتجاوز الحد أحيانا.. إلا أنها تعترف أنه لم يحاول مطلقا إجبارها على شيء.. وهو يلتزم الحدود القاطعة معها..
رغم أنها تعلم صعوبة التزامه الحدود حتى لو أظهر تحكمه البالغ بنفسه..

ولكن حتى لو حاول.. فهو لن ينجح..
لأن مابينهما انتهى.. انتهى إلى غير رجعة!!!





*********************************






" علي هذي والله العظيم مهيب حالة..
شوف نفسك قربت تنهار..
وأنا وأنت كل يومين رايحين كن حن حرامية عشان ماحد يدري من أهلنا
نركب عليك مغذي ونضرب أبر فيتامينات"

كان كساب ينظر لعلي المنهار بإرهاق في مقعد السيارة المجاور له وهو يقود السيارة
عائدين من المستشفى كعادتهم كل يومين أو ثلاث ليركب الجلوكوز على علي
بعد أن باتت شهيته مسدودة عن الطعام لأبعد حد..
عدا عن إرهاقه النفسي!!
علي هتف بإرهاق: زين وش تبيني أسوي؟؟

هتف كساب بغضب: اصطلب يا رجّال.. حالتك مهيب حالة رياجيل..
إذا قلبك بيسوي فيك كذا اشلعه من مكانه أحسن وأبرك..

علي نظر لكساب من تحت أهدابه ويهتف بنبرة مقصودة:
لا.. حالة الرياجيل إني ما اقدر أمسي الليل وأنا اطوف حول بيت هل مرتي لين صلاة الفجر....

كساب نظر بصدمة لعلي لم يتوقع أن أحدا قد يكتشفه..
رغم أن علي الهادئ الساكن والعميق كان دائما دقيق الملاحظة وهو يراقب بصمته وعمقه..

كساب صمت وهو يشد على المقود ويعتصره بين كفيه بغضب وعلي يكمل بذات النبرة المقصودة:
أنت ياكساب آخر حد ممكن يعطي نصايح..
يا أخي يومك رايح في خرايطها ومالك صبر عن مرتك..
وش فيك مسوي روحك اللي مايهمه حد وأنت قلبك ذايب..؟؟
اشلع أنت قلبك من مكانه يا رجّال واصطلب...

كساب بغضب متفجر: لا.. إلا أنا اللي باخذ نصايح من واحد ماصدق يشوف له زول مره
ويتسكر عليهم في مكان إلا هو اللي رايح في خرايط خرايطها..

علي هز كتفيه ببساطة: على الأقل ماكابرت في مشاعري.. ولا كذبت ولا ادعيت..

كساب يحاول أن يكتم غضبه: وأنا ما أكذب ولا أدعي..

حينها حاول علي أن يعتدل جالسا وهو ينظر لكساب بشكل مباشر ويهتف بنبرة حازمة مباشرة:
زين يا اللي ماتكذب ولا تدعي.. أنت وش تسوي في بيت أهل مرتك..
مزون كانت اللي لاحظت إنك ترجع وقت الآذان بلبس رياضة وتبدل وتروح للصلاة على طول..
وطلبت مني أشوف وش فيك.. كانت تظنك تركض لين صلاة الفجر وأنك متضايق من غيبة مرتك..
مادرت إنك منت بمتضايق بس.. لكن ميت من الشوق لدرجة إنك قاعد تراقب البيت لين يأذن الفجر..
أو قل لي.. فيه شيء غير المراقبة؟؟ معقولة ذا الساعات كلها قاعد تراقب بس؟؟

كساب بين صرير أسنانه: مهوب شغلك.. وياويلك حد يدري..
مشاكلي بأحلها بروحي..

علي عاد ليسترخي وهو يهتف بثقة: لو أني بأعلم كنت علمت مزون اللي بالها مشغول عليها..
لا تخاف... متى كنت ما أكتم سر ؟؟ ..
بس لا تعاتبني وحالك مثل حالك..

كساب زفر بحرارة وهو يشعر بضيق متعاظم..
يكره أن يبدو في مظهر ضعف أو أن يمسك عليه أحدهم ممسك..
ويكره أكثر عدم توصله لهدفه مع كاسرة وكسر مقاومتها رغم مرور كل هذه الأيام..
فهو كان ينتظر أن تمل من ضغط زياراته وتقرر أن تعود!!
يريدها أن تعود بأي طريقة.. بــــأي طـــريـــقــة!!
لأنها ما أن تعود لبيته لن يسمح لها أن تفكر حتى بتركه مرة أخرى!!





**********************************





" شوشو عندي لش مفاجأة تطلعش من المود المتوتر شوي!!"

شعاع تلتفت لجوزا وتنتبه من شرودها الناتج عن قلقها وترقبها لتطورات حالة عبدالرحمن: ها نعم؟؟

جوزا بحماس رقيق: عندي لش مفاجأة!!

شعاع بترقب: ويش؟؟

جوزاء ترقص حاجبيها: صورة المسيو علي.. أخيرا جبتها لش!!

شعاع قفزت بجوارها وهي تهمس بحماس طفولي: أخيرا مابغيتي.. صار لي أكثر من عشرة أيام وريقي نشف معش
والله لو أني طالبة مخططات مبنى البنتاغون كان قد جبتيها..

جوزا تضحك فهي سعيدة جدا بتطورات حالة عبدالرحمن وكوالدها وأمها وشعاع تظنها علائم الصحوة القريبة:
يمه البنت مافي وجهها سحا.. بغت تأكلني..
يا أختي أنا طلبتها من أخته دايركت لأنها كانت قد لمحت لي إنه لو أنتي تبين صورة بتجيبها..
بس أنا استحيت وقلت مافيه داعي..
وعقبه تشجعت وطلبتها منه.. واتفقنا لا رحت أزور خالتها نتقابل هناك وتعطيني إياها..
وتوني زرتها البارحة..

شعاع بلهفة: زين وينها؟؟ وينها؟؟

جوزاء تبتسم: في شنطتي..

شعاع قفزت لتأخذ الحقيبة بلهفة وبعثرت محتوياتها بذات اللهفة.. ولكنها لم تجد شيئا همست بخيبة أمل عميقة:
جوزا مافيها شيء!!

حينها ضربت جوزا رأسها: يووووه البارحة كان معي شنطة غير هذي!!
خلاص بتكون في بيتي..

شعاع تكاد تبكي: زين أنا وش استفدت الحين كون إنش شفقتيني على الفاضي..
يا الله روحي لبيتش جيبيها..

جوزاء تضحك: آسفة يا الشيخة.. الساعة الحين عشر ونص وحسون راقد.. ومستحيل أطلب من عبدالله يوديني ذا الحزة..
بكرة بأجيبها لش...
وبعدين تطمني أنا شفته..صحيح ضعيفون شوي.. بس مزيون وماعليه باس.. أبصم لش بالعشرة والعشرين بيعجبش..

شعاع تكتف ذراعيها بغضب: ياسلام... وأنا وش علي من رأيش.. أنتي اللي بتاخذينه..؟؟


أم عبدالرحمن قاطعت جدلهم خارجة من غرفتها وهي تهمس لجوزا بإرهاق:
جوزا ادعي أبو حسن ينام عندش هنا.. واختاروا أي غرفة تبونها...كفاية البارحة أمسى في المجلس..

جوزاء بخجل: لا يمه فديتش.. عبدالله ملزم يمسي في المجلس..
ومستحيل يدخل داخل البيت..







***********************************





هذه الليلة نامت فعلا مبكرا... قررت أن تريح بالها منه ومن التفكير فيه..
لتصحو بعد منتصف الليل على أنفاسه حارة ملتهبة تلفح كتفها وهو يحتضنها من ظهرها وذراعيه تحيطان خصرها بقوة..

همست بسكون وهي تريد أن تبكي من هذا الحصار:
كساب أنت مسخن؟؟ نفسك حار بزيادة...

قبل كتفها حيث تتساقط أنفاسه وأجاب بسكون كسكونها: مهتمة يعني؟؟
كاسرة أنتي ماتعبتي من العناد؟؟

أجابت بخفوت وهي تتحسس أنامله الساكنة على خصرها بحنان دون أن تشعر:
وأنت ماتعبت من طريقتك في فرض رأيك بدون ماتقدم تنازلات..؟؟

أفلتها ليديرها ناحيته.. أنامله تتبع تفاصيل وجهها بدفء وشجن واشتياق
هتف بشجن: كاسرة أنتي لحد الحين ماقلتي لي وش اللي مزعلش مني بالضبط
صارحيني بالتفصيل.. خلينا نخلص من ذا السالفة..

كاسرة أمسكت كفه التي تعبر وجهها واحتضنتها بين رقة أناملها.. وهمست بألم:
كساب أنت تحبني وإلا لا؟؟

شعر بالصدمة من سؤالها.. لم يتخيل أنها قد تسأل بهذه المباشرة والشفافية والوجع.. همس بسكون:
ومافيه حياة زوجية تستمر بدون حب يعني؟؟

أجابته بألم أعمق لأنه تجاهل الإجابة عن سؤالها المصيري:
فـيـه... تستمر بالاحترام والمصارحة بين الزوجين..
وكلها مفقودة عندك.. أنت ماتحترمني.. وفي حياتك أسرار واجدة واقفة بيننا..

حينها همس بألم لأول مرة تسمعه بنبرة صوته مخلوط بنبرة استنكار موجوعة:
كاسرة أنا ما أحترمش..؟؟
ضربتش مرة؟؟ هنتش؟؟ سبيتش؟؟ جرحت في حد من هلش؟؟

أجابته بوجع: لا.. محشوم
بس وين الاحترام وأنت عمرك ماحسستني إني شيء مهم في حياتك..؟؟
تطلع وتدخل على كيفك.. كنك عزابي.. وبدون حتى ما تأخذ بخاطري!!
كلمة حلوة عمري ماسمعت منك..
حياتك مليانة غموض مستحيل تشاركني بشيء فيها!!

أنا يا كساب عداني العيب خلاص..
قمت بواجبك على أكمل وجه..
مستحيل إنك كنت ترجع البيت ماتلاقيني قدامك قاعدة ومتعدلة وأنتظرك..
احترمت غيبتك وحضورك.. واحترمت هلك وكل من يهمك..
وقمت بواجب بيتك وعزايمك ومقابلة حريم الناس اللي لك شغل معهم وحريم ضيوفك الأجانب..بدون ما أشتكي..
عمري ماطلعت مكان حتى لو أنت مسافر إلا لما أخذ أذنك..
كل هذا سويته عشانك.. وأنا ما أتمنن.. لأن هذا واجبي ومهوب طيب مني..
لكن أنت وش قدمت لي في المقابل..؟؟ سويت على الأقل واجبك..؟؟

كساب أنا ما ابي زوج بنص دوام.. ونص مشاعر..
أنا أستحق منك أحسن وأكثر من كذا..
مايكون قدري عندك هو فتات وقتك ومشاعرك اللي فاض عن هلك وشغلك ومشاريعك وغموضك..
وكل شي هو أهم عندك مني.. وأنا في ذيل القائمة..


لم يجبها بشيء ولكنه شدها ليدفن وجهها في صدره..
تمنت حينها أن تبكي..أن تحرق صدره بدموعها.. أن تخترق ضلوعه بأنينها..
ولكنها يستحيل أن تفعلها.. فهي ستبدو كمن تستجدي مشاعره حتى يشفق عليها..

همس في عمق أذنها بخفوت ثقيل: ارجعي معي وإن شاء الله يصير اللي يرضيش..

همست بألم وجهها مختبئ في صدره: اللي يرضيني وأنت حتى حبك مستكثره علي؟؟

حينها سألها وهو مازال يهمس في أذنها: أنتي الحين تطلبين مني حب أنتي ماعمرش عبرتي لي عنه..

همست بشجن مثقل بأمل ما: المفروض المبادرة تكون منك..

صـــــمــــت..
صمته ذبحها من من الوريد للوريد..
مضى وقت ما.. وهما على ذات الوضع
أنفاسه تسكن أذنها.. وأنفاسها تسكن صدره..
حينها همست باختناق أخفته خلف سكون صوتها:
كساب هدني أبي أقوم الحمام..

ماعادت تحتمل.. تريد أن تنتحب كما لم تفعل من قبل.. تريد أن تبتعد عنه لتترك لدموعها المجال..
ولكنه لم يفلتها وهو يغمر حرير وجهها بقبلاته الناعمة اللاهبة.. حينها هتفت بغضب مقهور مكتوم:
كساب هدني.. اللي تبيه مستحيل يصير..

أجابها ببساطة موجوعة حازمة: وأنا ما أبي شيء..
أما اللي في بالش.. بأخذه..بس لا جيتيني أنتي في بيتي..
في غرفتنا ومكاننا... إذا رجعتي الرجعة اللي مستحيل تطلعين عقبها..

زفرت بغضب مثقل بالحزن وهي تسند كفيها بكل قوتها في صدره لتبتعد عن مداه: هدني.. هدني..

أفلتها حينها.. ونهضت لتهمس له بخفوت وأنفاسها تتقطع:
أرجوك كساب على الأقل احترم العشرة اللي بيننا..
أرجوك لا تجي غرفتي مرة ثانية..
لو سويتها وجيت.. اعذرني.. باحط كاميرات على الدرايش
وتخيل منظرك لو هلي وهلك شافو التسجيل بس..

همس بثقل: مايهمني.. أنا أبيش ترجعين لبيتش وبس..

همست بحزم موجوع وهي توليه ظهرها متجهة للحمام: وأنا ماراح أرجع..
واللي بيننا انتهى خلاص..
فخل عندك شوي كرامة واحترم نفسك ومافيه داعي تفرض نفسك علي بذا الطريقة!!!






*************************************





كان عبدالله يغفو للتو بعد صلاة الفجر..
حين تعالى رنين هاتفه.. قفز جزعا وهو ينظر للهاتف بارتياع كما لو كان سيحمل له خبرا مرعبا..
وحين رأى رقم هاتف الخادم الذي يلازم عبدالرحمن ووالده شعر بريقه يجف وحلقه يتشقق جفافا وهو يرد عليه باختناق: نعم أمجد!! فيه شيء؟؟

ليقفز عبدالله بصدمة وهو يرتدي ملابسه دون تفكير
بعد أن أخبره أمجد أن أبا عبدالرحمن سقط مغشيا عليه وتم نقله للإنعاش..




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 30-11-10 06:42 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع الستون
 

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياهلا والله بالكل وياجعل نهاركم نهار البركة اللي تحاوطكم بخيرها وسكينتها
.
.
اليوم عندي شوي هذرة <== الله يعينكم.. بس هي فعلا هذرة في الصميم!!
لما انتهيت من أسى الهجران
وبدأت أخط الخطوط العريضة لبين الأمس واليوم
كانت ببالي خمس أفكار قررت أن أتناولها وبما أنه مثل ماقلت لكم سابقا هذي آخر رواية لي..
قررت إني أتناول الأفكار كلها..
لا أقول أنها هي أهم أفكار الرواية أو الأساسية لكنها هي اللي خطرت ببالي أول
ثم بدأت الأفكار الباقية بالظهور والتساند كل فكرة تدعم الثانية وتقويها
.
.
الفكرة الأولى: حب يصمد رغم مرور عشرات السنوات.. مثّله زايد لمزنة
وهنا يمكن فيه تساؤل خلني أجاوب عليه
الحين يا بنات كم وحدة فيكم أبوها أو عمها أو خالها في حدود الخمسين
هل تشوفينه شيبة؟؟
أو كم وحدة أمها أو خالتها أو عمتها في أواسط الأربعين.. هل هي عجوز؟؟
بصراحة أغلبية اللي أعرفهم من قرايبي في هالسن الرجّال جناتل فعلا.. رجولة ناضجة..
والحريم والله العظيم يغطون علينا يا البنات :)

يا بنات الزمن تغير.. وماعاد فيها شقاء أول وسوء أحوالها
وهالشيء انعكس على أشكال الناس وانشداد عودهم..
.
.
الفكرة الثانية اللي أغرتني فعلا ومن زمان نفسي أكتب عنها
شخصية مثل جيمس بوند :)
أدري شيء غريب.. لكن هذي قصة.. وأنا حسيت فيها تحدي لي..
وصياغتها كشخصية معقدة ليس فقط في الغموض ولكن حتى في الشخصية ككساب..
الحين هل فيه حد يقدر يقول إنه جيمس بوند فيلم غير ممتع؟؟
أو رجل المستحيل كتاب غير ممتع؟؟
كنا نستمتع فيهم كلهم لأبعد حد :) ....
وهنا قررت إدخال هالشخصية بطريقة تخدم الأحداث الأخرى فعلا بغرابتها وتفردها..


هنا خلوني أجاوب على تساؤل ذكي توقعته.. كساب جاب معه ملابس لما استحم؟؟ :)
تدرون بنات توقعت بالضبط إنه ممكن ينسأل هالسؤال..
فأنا خليته في الليلة الأولى اللي مالقاها فيها يسوي فوضى مع إنه مرتب.. لكن ماعنده شيء ثاني يسويه لأنه ماتوقع إنه ماراح يلاقيها
لكن الليلة الثانية خلاص استعد لأنه عرف إنها ممكن تسويها بما إنها في إجازة
فجاب غيار معه... بسيطة يعني :)

.
.
الفكرة الثالثة عمل البنت في عمل تتحدى فيه المجتمع والعادات والتقاليد
غالبا يجيبون البنت اللي تسوي كذا أساسا مايهمها حد ولا تهتم برأي الناس
فكيف لما تكون بنت تستحي وعندها اهتمام كبير براي الناس؟؟
مثل مزون!!
.
.
الفكرة الرابعة وحدة قوية ومغرورة وواثقة
لأني ماسبق جبت هالشخصية في رواياتي اللي سبقت
وطبعا الناس دائما تتوقع إن هالشخصية سيئة.. فكان التحدي إني أبين إنه لازم ما نأخذ من الناس ردات فعل مسبقة..
فكانت كاسرة.. وتعقيد شخصيتها المركبة أيضا!!
.
.
الفكرة الخامسة: إهداء لروح محمد الفيحاني الله يرحمه.. واحد من أشهر شعراء قطر..
من لما عرفت قصته وأنا بنت صغيرة.. رجّال متدين ومتعلم وله مكانة وعشق لدرجة إنه مرض ثم مات من العشق..
وأنا متأثرة جدا بها.. وحابة لو أقدر أذكر الناس فيه مع إنه مايحتاج.. أشهر من نار على علم..
يعني اللي يقولون عن علي بن زايد خيالي أو غير منطقي أو مراهق..
أقول مهوب صحيح ولا تلومونه.. لأنه شيء أقوى منه ومهوب يده
وجزء اليوم بالذات إهداء لروح الفيحاني رحمه الله رحمة واسعة
وبتدرون ليه من الأحداث..
.
.
جزء اليوم جزء قريب جدا جدا جدا من قلبي
أتمنى يعجبكم!!

.
.
الجزء 64
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والستون







عبدالله وصل إلى المستشفى مع خيوط الشمس الأولى..
كان يركض في الممرات بدون تفكير حتى وصل إلى غرفة الإنعاش كما أخبره الخادم..
يحاول إبعاد كل الافكار المؤذية وتجميد حتى محاولات التفكير..
مابين زوجته وأخته وعمه وأهل عمه.. كيف سيحتمل وجيعة كل هؤلاء؟؟
أ لم يأن له أن يرتح من الهموم التي كسرت ظهره؟!!

حين وصل بأنفاسه المقطوعة.. أخبروه أنه تم نقل إبي عبدالرحمن للعناية المركزة بعد أن تم إنعاشه..
ليعاود الركض للطابق السادس حيث العناية المركزة..

حين وصل كان أبو عبدالرحمن غائبا عن الوعي محاطا بأجهزة التنفس والتغذية..
جلس منهارا على مقعد قريب منه..

"يا الله ماذا حدث لك؟؟ "

لا يريد أن يُفكر حتى.. ليجد عشرات الصور المفزعة تقفز أمامه رغما عنه!!
يحتلها وجهان أثيران غاليان قريبان جدا من قلبه..
وجها جوزاء وعالية !!

حاول أن يقف.. ليجد قدميه متخاذلتين..
سأل الممرضة التي دخلت للتو لتتأكد من سير الاجهزة بصوت مبحوح تماما:
كيف حاله؟؟

أجابت بمهنية وهي مشغولة بأجهزتها: لا بأس.. تجاوز مرحلة الخطر أساسا..

سألها عبدالله بذات الصوت المبحوح: وما الذي حدث له؟؟

أجابته بذات المهنية: أزمة قلبية خفيفة.. وتجاوزها..

سألها بصوت مبحوح أكثر وأكثر: وما سبب الازمة؟؟

هزت كتفيها دلالة الجهل.. ليتلفت حوله باحثا عن أمجد ولم يجده..
حينها سحب قدميه برعب متجذر.. متجها لغرفة عبدالرحمن..
وهو شبه متأكد أنه لن يجده فيها..

كان يتقدم خطوة ويتأخر خطوتين..
قضى وقتا طويلا قبل أن يصل للغرفة حتى..
ووقف على بابها لوقت أطول وهو عاجز عن سحب أنفاسه الذاهبة..
ليس عاجزا مطلقا عن مواجهة الموقف كموقف.. لكنه عاجز عن مواجهة أحبائه بعده!!
كان مازال يقف أمام باب الغرفة وأفكاره تأخذه وتأتي به..
لينتبه بعد ذلك لحركة غير طبيعية داخل الغرفة..

زاد رعبه.. أما زال في الداخل.. وما زالوا لم يخرجوه..؟؟
لا يعلم لماذا كانت أفكاره كله موجعة!!
ربما لأنه ظن أنه لن يفعل بأبي عبدالرحمن ذلك سوى خبر فاجع لم يحتمله!!

حينها خرج أمجد لأنه يريد الذهاب للاطمئنان على أبي عبدالرحمن..
حين رأى عبدالله ..تفاجأ عبدالله حينها به يحتضنه وهو يبكي..

عبدالله فُجع وهو يرى أمجد يبكي على صدره.. أيقن أن كل مخاوفه التي ترعبه هي حقيقة..

ولكنه استغرب أن أمجد كان يبكي ويبتسم ويهذي بسعادة..
حينها أمسك عبدالله بكتفيه وهو يهتف بحزم: بس أمجد.. بس.. شنو صار؟؟

حينها تماسك أمجد قليلا ليخبره بما حدث..

قال أنهما عادا من صلاة الفجر.. وأنه كان يريد النوم.. بينما أبو عبدالرحمن كان يقرأ في المصحف قريبا من من عبدالرحمن..
حينها سمعا همسا ضعيفا متقطعا مبحوحا تماما: يـ ـبـ ـه.. يـ ـبه..


.
.
.




أبو عبدالرحمن وقف بجزع وهو يرتعش بصدمة.. ليتأكد من مصدر الصوت وهل هو يحلم..؟؟
مؤكد يحلم.. يحلم..يــــحـــــلـــــم!!
يــــــــــحـــــلـــــــــم!!
شعر بألم حقيقي في عضلات قلبه؟؟
كما لو أن عضلات قلبه تتمزق بحد مسنون يحفر شغاف قلبه وشرايينه بوحشية...

اقترب أكثر من عبدالرحمن .. اقترب وهو يشعر أن قدميه لا تحملانه.. لا يعلم حتى كيف استطاع الوصول للسرير..
كما لو أن شيئا أقوى منه حمله.. لأن قدميه كانتا كصخرتين لا يستطيع تحريكها..

حينهارآه على حاله.. ساكن مغمض العينين.. ف
زفر بألم عميق مثقل بالوجع والخيبة واليأس لأبعد حد (كنت أدري أني أتحلم)!!

لكن أمجد اقترب معه وهو يؤكد له أنه سمع الصوت أيضا..
حينها شعر فعلا أنه قلبه يؤلمه وأنفاسه تضيق وقدميه لن تحملاه أبدا.. وكأنها تشدانه للأرض بثقلهما..

استند على حاجز السرير بثقل ليمنع نفسه من السقوط... وهمس بكل حنان العالم وأمله ويأسه ووجعه..
همس بكل مابقي في روحه من أمل.. همس بكل ماتجمع في كيانه من اليأس
همس بوجع أيامله الذابلة وشيخوخته التي كسرت ظهره من بعده..:
عبدالرحمن.. عبدالرحمن ..دعيتني يأبيك.. تكفى يأبيك ماعاد فيني حيل..
تكفى يأبيك.. عبدالرحمن.. عبدالرحمن... رد علي يأبيك..


كان ينادي بكل مافي روحه من الأمل وهو يخشى أن يتحطم حين لا يسمع ردا..
وفي ذات الوقت كان ينادي وبداخله إحساس أنه لن يجيبه أحد..لصعوبة كل هذا الأمل عليه..!!

لذا كانت صدمته البالغة أنه سمع ذات الهمس المتقطع المبحوح ولكن هذه المرة من بين شفتي عبدالرحمن الجافة وهو يراها أخيرا تتحرك أمامه:
يـ ـبـ ـه.. يـ ـبـ ـه..

أبو عبدالرحمن شهق شهقة حادة.. لم يستطع أن يحتمل أبدا.. سقط مغشيا عليه من فوره..
ليرتاع أمجد وهو ينادي الممرضين ليحملوه لغرفة الإسعاف فورا..


.
.


ثم أخبر أمجد عبدالله أنه عاد بعد ذلك لغرفة عبدالرحمن..
وأن عبدالرحمن فتح عينيه بصعوبة وأنه عرفه وناداه باسمه.. ثم عاد للنوم..
وطلب أمجد حينها من الممرضات أن يتصلن بالأطباء
وأنهم كلهم في الداخل الآن مع عبدالرحمن...

ثم هتف أمجد بين ابتساماته ودموعه وهو يختم حكايته: أنا بيروح بابا كبير
أنتي خلي مع عبدالرحمن..
حمدلله ربي.. حمدلله ربي!!


عبدالله دخل بخطوات مترددة... وجلة.. مثقلة بتضاد اليأس والامل.. لا يعلم لماذا مازال قلقا حتى مع بشارة أمجد!!

دخل ليجد الاطباء يحيطون بسريره..
يحاولون إفاقته وهم يراجعون كل المؤشرات..

الطبيب المسئول حين رأى عبدالله هتف بحزم: زين إنك هنا..
تعال قرب.. نبي نفوقه الحين.. ونبي نشوف لو هو بيعرفك..
لأن البوي اللي عنده يقول إنه عرفه وناداه باسمه.. بس أنا أقول يمكن إنه يتهيأ له..
ونبي نتاكد بنفسنا..

الطبيب أعطاه إبرة ثم بعد دقيقة هزه برفق..
حـــيــنــهـــا... فتح عبدالرحمن عينيه بصعوبة وعاود إغلاقها ثم فتحها بشكل جزئي..
عبدالله كاد قلبه يتوقف من الترقب فعلا.. لم يتوقع أنه سيرى عبدالرحمن يفتح عينيه مرة ثانية..رغم أمله الشاسع في ذلك..
ولكن الأمل شيء مختلف عما كان يشعر به وهو يرى الشهور المتطاولة التي غرق عبدالرحمن فيها في غيبوبة عميقة..

عبدالله اقترب من عبدالرحمن وهو يربت على كتفه بحنان ويهتف بصوت هادئ عميق رغم اشتعاله بالترقب:
عبدالرحمن عارف أنا من؟؟

عبدالرحمن عاود إغلاق عينيه وفتحها ثم هتف بصوت مبحوح تماما ومقطع:
عـ ـبد الـ ـله .. ويــ ـن راح ابــ ــي؟؟

عبدالله حينها كاد يجن من السعادة وهو يقبل جبين عبدالرحمن ويرتعش:
الله أكبر.. الله أكبر..
ابيك قريب.. قريب.. راح قريب وبياتي الحين..

حينها هتف عبدالرحمن بذات الصوت المبحوح المتقطع:
ريــ ــقــ ـي نـ ــا شـ ــف..
عـ طنـ ـي مــ ـاي..

كان عبدالله سيتناول القنينة ليبلل شفتيه فقط لأنه يعلم خطر أن يسقيه بعد كل هذه الأشهر التي لم يستخدم فيها فمه لتناول شيء..
بعد أن كان يسكب الطعام السائل بأنبوب داخل حلقه مباشرة..

لكن الطبيب منعه وهو يهتف بحزم: خله حن بنعطيه.. انتظر شوي..

عبدالله حينها هتف للطبيب بحزم: أنا بأروح شوي وبأرجع..

كان يريد أن يكون من يبلغ جوزا ووالدتها بنفسه.. لم يردهم أن يسمعوا الخبر من سواه فيفجعوا به
أراد أن يكون من يهيئهم له..

واتصل وهو خارج بصالح وفهد ليكون أحدهما مع عبدالرحمن والآخر مع أبي عبدالرحمن حتى يعود..
خرج وهو يشعر كما لو أنه يحلم..
أ يعقل عبدالرحمن يصحو بعد كل هذا!!
أ يعقل؟؟
يا سبحان الله ما أكبر رحمته!!
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر...





***********************************






كانت منهارة تماما وهي تسند رأسها لطرف كتف عبدالله وتنتحب بخفوت
بينما عبدالله يكتف يديه في حضنه.. رغم أنه يتمزق.. وكل رغبته أن ياخذها في حضنه ليهدئ بكاءها العميق منذ علمت بصحوة عبدالرحمن..

ولكنه بالطبع لا يستطيع فعلها في وجود أم عبدالرحمن وشعاع اللتين تحيطان بسرير عبدالرحمن..
بعد أن عادتا من غرفة أبي عبدالرحمن الذي نُقل لغرفة عادية قريبة من غرفة عبدالرحمن بعد أن فاق من أثر الأزمة الخفيفة..


أم عبدالرحمن التفتت بيأس لعبدالله وهي تهمس بنزف روحها الثكلى:
عبدالله يأمك أنت متأكد إنه قام..؟؟

عبدالله بابتسامة حانية مثقلة بالشجن: والله يمه إنه قام وعرفني.. انتظري عليه شوي
يعني صبرتي يمه ذا الشهور كلها.. اصبري شوي بعد..

أم عبدالرحمن همست بأنين وجعها العميق: مل الصبر مني ومليته يأمك..

لم تمضِ دقائق حتى فوجئ الجميع بدخول أبو عبدالرحمن على كرسي مدولب تتبعه ممرضة بالمحلول المعلق في يده ويدفعه أمجد..

شعاع كانت أول من بادرت وهي تنكب على قدمي أبي عبدالرحمن وتدفن وجهها في حضنه وتنتحب نحيبا مكتوما..
أبو عبدالرحمن هتف بتثاقل مرهق وهو يربت على رأسها:
أخيش قام يا شعيع.. قام..
دعاني اليوم.. قام..

جوزاء نهضت لتقبل رأس والدها وهي تهمس بين شهقاتها:
سلامات يبه.. خطاك الشر فديتك...والحمدلله على سلامة عبدالرحمن..

الممرضة بقلق همست: أديك شفتهم ياعمنا الحج..
خليني أرجعك..

همس أبو عبدالرحمن بذات تثاقله الحازم: والله ماعاد أروح مكان..
تبوني.. هذا أنا هنا..

الممرضة بجزع: ماينفعش ياعم الحج..

عبدالله أشار لها بثقة: خلاص روحي أنا بأكلم الدكتور بنفسي..

الممرضة خرجت حينها.. وأمجد يتبعها..

حينها أبو عبدالرحمن هتف بلهفة: حكاكم؟؟

همست أم عبدالرحمن بألم عميق ممزق: لا.. صار لنا عنده ساعتين وهو ماحتى بطل عينه..

عبدالله هتف بمودة: يمه كلميه.. ادعيه..
من يوم جيتي وأنتي واقفة فوق رأسه وساكتة..

أم عبدالرحمن تشعر أن ريقها جاف تماما.. لم تجرؤ حتى تناديه.. فروحها تحلق في سعادة مبتورة منذ علمت أنه فتح عينيه..
تخشى أن تناديه.. فلا يرد عليها.. حينها لن تحتمل.. لن تحتمل أبدا..
تخشى ألا يكون هذا سوى حلم عذب وآن لها أن تصحو منه حتى تعود لأيام حرقتها الطويلة التي لا تنتهي..

شعاع ربتت على كتف إمها وهمست بصوت خافت مبحوح من البكاء:
يمه تكفين كلميه.. ادعيه..

أم عبدالرحمن اقتربت وهي تشعر أن كل مافيها يذوي.. صوتها.. جسدها.. أعصابها..
رفعت طرف برقعها من الأسفل بشكل جانبي.. لتقبل جبينه بشفتيها المرتعشتين وتطيل في معانقة جبينه وهي تتنفس عبق رائحته من قرب..
رغم أنها تقبله كل يوم ولكن اليوم مختلف.. مختلف.. ثم اقتربت من أذنه وهي تهمس بخفوت مرتعش متألم..
تناديه كما لو كانت تناديه من أقصى مكان في روحها المثقلة:
عبدالرحمن يأمك.. طالبتك ترد علي..
يأمك نشفت عروق قلبي وأنا أتنى كلمة يمه منك..
يأمك قوم.. وقل لي يمه.. عبدالرحمن.. عبدالرحمن..

حينها ارتعشت أجفانه.. شعاع هزت أمها وهي تعتصر عضدها وتهمس بصوت مبحوح تماما: يمه بيفتح عيونه.. بيفتح عيونه..

الجميع أحاطوا بسريره.. وأم عبدالرحمن بالكاد تصلب جسدها وتبدو ستتهاوى...
ابنتاها لاحظتا ذلك.. فاحاطتا بها من الناحيتين وهما تمسكان بها.. والجميع يشتركون في لحظات الترقب القاتلة..

عبدالله حينها خرج.. ليشد الستارة عليهم ويغلق الباب..
فهذه لحظة خاصة بهم يجب ألا يكدر صفوهم فيها أحد...

حينها شعاع وجوزاء كل واحدة منهما شدت نقابها عن وجهها وكأنها تريد أن يفتح عبدالرحمن عينيه على وجوهم كلهم..

بينما أبو عبدالرحمن يجلس على مقعده من الناحية الأخرى من السرير.. وقلبه يكاد يتوقف من الترقب بتزايد دقاته التي أرهقت قلبه الضعيف..
مع أنه هذه المرة استعد لصحوته..
استعد تماما...

ولم يخيب أمل عبدالرحمن أملهم جميعا وهو يفتح عينيه بصعوبة..
وعيناه تبحثان بوجع عن وجهها الحاني بعد أن سمع صوتها تناديه..

تلفت حتى رأى عينيها مغرقتين بسيل الدموع تطلان عبر فتحتي برقعها..
همس بصوته المبحوح المتقطع وهو يقطب جبينه بألم:
يـ ـمه.. أبـ ـي أشـ ـوف وجـ ـهـ ـش تـ ـكـ ـفـ ـين!!

حينها انفجرت كل من شعاع وجوزاء في البكاء بصوت مسموع مثقل بالشهقات السعيدة الشفافة..

بينما أبو عبدالرحمن سالت دموعه بصمت وهو ينظر للمنظر أمامه عاجز عن التدخل فيه حتى..

أم عبدالرحمن رفعت برقعها فوق رأسها وهي تنكب عليه تقبل كل ماتقع عليه شفتيها دون تمييز وهي تشهق..وتشهق..
شهيقها مثقل بالأنين والوجع والسعادة وهي تهذي بكلمات غير معروفة..

عبدالرحمن حاول مد يده الحرة ليحتضن رأسها..
لكنه شعر بخدر في يده عدا أن جوزاء وشعاع كل واحدة انكبت تقبل ناحية من يده..
إحداهما عضده والأخرى كفه..


هتف بثقل متقطع وحزن عميق يرتسم على ملامحه: بـ ـس تـكـ ـفون.. أنـ ـا طيـ ـب..

ثم أردف بثقل أشد وهو يحاول بلع ريقه دون فائدة لشدة جفاف حنجرته:
إبـ ـي ويـ نـه؟؟

حينها هتف والده بصوت مختنق تماما: هنا يأبيك..هنا جعلني فداك!!

عبدالرحمن صوته بالكاد يظهر بعد أن استنفذ قدرته: وينـ ـك ما أشـ ـوفك؟؟

فاضل حاول أن يقف ولكنه لم يستطع.. فشد كف عبدالرحمن وقبلها وهو يغرقها بدموعه المنهمرة..
عبدالرحمن شدها بجزع رغم خدر أطرافه وهو يهتف بجزع بصوته الذاهب:
لا يبـ ـه طت ـالبك تـ ـكفى مـ ـاتحب يـ ـدي
أنا اللي أبـ ـي أحـ ـب رأسـ ـك ويـ ـدك..

أم عبدالرحمن انهارت تماما على مقعدها جواره..
بينما جوزا وشعاع كلتاهما انزوتا في الزاوية وكل منهما تحتضن الأخرى وتنتحب..!!
كل هذا كثير.. كثير..
ما أكبر نعمتك يارب العالمين..
وهم يشعرون بالفعل بهذه النعمة تحيط بهم في هذه اللحظات..
وتحلق بهم في سماوات يستحيل أن تكون تنتمي للأرض لشدة ماعمرت قلوبهم السعادة المضنية التي كادت تمزق شراييتهم بتدفقها!!
سعادة كأنها لم تخلق على الأرض قبل ذلك..
ولم تعرفها قلوب البشر من قبل!!







******************************************






" فهيدان.. أنت ماعندك اليوم أوف؟؟
وش مقحصك من صباح الله خير؟؟"

فهد ينظر لعالية التي كانت وقفت حين رأته دخل.. لأنه كان يريد الصعود لينام من شدة إرهاقه.. ولم ينتبه لها..

فهد يتوقف عند أول الدرج ويهمس بإرهاق: تعبان حدي علوي!!
مارقدت حتى ساعة.. مهوب رجالش أول.. وعقبه أنتي تكملين علي...

حينها همست عالية باختناق حقيقي وجزع تخلل روحها حتى أقصاها:
رجّالي.. وش فيه عبدالرحمن؟؟ وش فيه؟؟

أجابها فهد ببساطة باسمة وهو يصعد: ليه أنتي مادريتي إنه قرر يرجع لعالم الأحياء..
أنا منه وأنا داري إني بأرجع لش.. كان قلت الغيبوبة أحسن!!


عالية انهارت جالسة.. بل وصف الانهيار لا يتناسب مطلقا مع حالة الانهدام الكلي الذي شعرت به...

أ هكذا يصحو عبدالرحمن من الغيبوبة دون أن يكلف أحدا نفسه بإخبارها وكأنها مخلوق لا أهمية له في حياته؟؟
أ هكذا يعود للحياة وتعلم هي بالصدفة؟؟
أ تكون تعاني في كل دقيقة من غيابه ولا تكون أول من يعلم بعودته من الغياب؟؟
أي جريمة هذه التي ارتكبوها بحقها؟؟
أي قلوب هذه التي لم تحس بها وبلهفتها عليه وبوجيعتها في كل لحظة من أجله؟؟
كانت اليوم معه في نفس المكان.. فكيف لم تشعر أن الأرض أزهرت..والسماء أشرقت.. والعصافير حلقت بعد الغياب...

دون أن تشعر التقطت هاتفها وهي تتصل بالسائق أن يحضر.. وصرخت بالخادمة أن تحضر عباءتها من غرفة الكوي وتستعد لمرافقتها..
ولكنها بعد ثوان انهارت جالسة وهي تعاود الاتصال بالسائق وتطلب منه إعادة السيارة لمكانها..
وتطلب من الخادمة أن تعود بالعباءة والشيلة والنقاب لمكانها..

ثم صعدت لغرفتها.. وأغلقت بابها..
وانخرطت في بكاء حاد... منذ زمن طويل لم تبكِ هكذا..
بكت من أعمق أعمق أعمق نقطة في روحها..

تكاد تموت لتراه.. لا تتخيل أن ستراه أخيرا بعيون مفتوحة وستسمع صوته..
ولكنها أيضا تعلم أن هذا يستحيل أن يحدث..
الظروف والعادات والتقاليد والخجل كلها تقف حواجز في طريق رؤيتها له..


أما الغريب أنها غرقت حتى مافوق أذنيها في غرامه وهو نائم..مغلق العينين.. تشعر بالحرية وهي تثرثر فوق رأسه..
لا تستطيع أن تتخيل كيف ستنظر لعينيه وهما تنظران لها بشكل مباشر..
كيف ستحادثه وهي تعلم أنه قد يرد عليها..
كيف ستعود لتشعر معه بذات الحرية والإنطلاق..
أي غرابة تعيشها؟؟ وأي غرابة هذه اللي تسيطر على أفكارها؟؟

" أنتي الحين يا الخبلة لش أمل تشوفينه مبطل عيونه وإلا مسكرها؟؟
ابكي على الأطلال بس!!"








*************************************






" كلمت عمك تهنيه سلامة عبدالرحمن؟؟"

علي يضع كتاب كان في يده ويعتدل جالسا وهو يهمس بإرهاق:
كلمته.. وكان ودي أجيهم بنفسي.. بس اليوم تعبان حتى الدوام ماقدرت أروح..

زايد بقلق: مهوب عوايدك يأبيك تقعد من دوامك.. وش أنت حاس فيه!!

علي بمودته الصافية: شوي إرهاق بس جعلني فداك..

علي لا يريد اخبار والده أنه بالأمس سقط مغشيا عليه في استقبال رسمي لوفد أجنبي..
ولكن لحسن حظه أنه كان يقف في زاوية.. وزميله رآه وهو يترنح فسحبه للداخل قبل أن يسقط.. وقبل أن ينتبه له أحد..
يتخيل منظره لو أنه سقط وهو يصافح الوفد...

رغم حبه الشديد عمله في المقام الاول.. ومن ثم رغبته في عدم أخذ إجازة حتى يجد شيء يشغله..
لكنه قرر ختاما أن يأخذ إجازة طويلة حتى يرى على ماذا سيستقر حاله..
فهو لا يستطيع أن يكون في هذا المنظر غير اللائق بوظيفته ولا مهنيته..
وخصوصا أن إجهاده بدأ يؤثر على عمله!!

زايد يجلس بجوار علي السرير وهو يهتف بقلق: اشرايك يا أبيك نسافر مكان يسوون لك فحوصات؟؟
وإلا خلنا مبدئيا ندخلك المستشفى هنا..

علي بمودة مخلوطة بالاحترام: مافيني شيء جعلني فداك يستلزم فحوصات..
بأريح كم يوم وأصير زين إن شاء الله..

زايد يرفع الكتاب الذي كان يقرأ فيه علي ويهتف بشجن موجوع:
وش تبي بذا الكتاب اللي منه فايدة تقراه..؟؟

علي ابتسم: يبه قد شفتني أقراه قبل أكثر من مرة.. وعمرك ماقلت مامنه فايدة..
وإلا عشانك خايف إنه يذكرني بحالي...؟؟

هتف زايد بشجن عميق: الله يرحمه كان رجّال(ن) نادر.. بس ذاك زمن وذا زمن.. يأبيك..

احتضن علي ديوان "محمد الفيحاني" بين يديه وهتف بعمق: يبه مهوب من بعد وقته من وقتنا..
من قبل.. على كثر ما أنا تأثرت من قصته.. بس ماحسيت فيه إلا الحين..
تدري يبه يقولون إن الفيحاني يوم مات يمكن عمره قريب من عمري.. ما بيننا إلا سنة..

زايد بجزع مغلف بحزمه: أمحق طاري.. أنت رجال متعلم وراعي دين وش ذا الخرابيط..

ابتسم علي بشجن: يبه الله يهداك؟؟ هذي سالفة والكلام أخذ وعطا..
ثم أردف بشجن عميق مثقل بالتأثر: وإذا على التعليم والدين وحتى الفلوس والمكانة.. ربي عطا الفيحاني منها كلها من أوسع باب..
تعلم خير تعليم ..
والفلوس كان ربي منعم على هله بخير واجد..
والدين كان متدين لدرجة إنه كان إمام مسجد لفترة.. وهو توه في أول العشرين..
ويقولون بعض الناس إنه حصل منصب قائم مقام من الدولة العثمانية وشارك في الحرب ضد الاستعمار الانجليزي..
وفي الأخير وش اللي قلب حياته وذبحه...؟؟
حبها يبه.. حبها !!

ورغم أن علي لم يكن يريد إثارة شجن والده أو مواجعه أو وخوفه.. ولكنه كان محتاج للبوح والانثيال:
تدري يبه من كثر ماصرت حاس بوجيعته.. رحت لـ(فويرط) الأيام اللي فاتت كم مرة..
أدور هناك كني خبل.. ما أدري وش أدور؟؟ ريحته.. باقي ذكرياته... خطواته على الأرض؟؟

وأقول على الأقل الفيحاني مات وهو يدعي (مي) عارفها.. وعارف مكانها..
لكن أنا بأموت والله العظيم حاس أني بأموت.. وحتى اسم أبل فيه ريقي ماعرفته!!

زايد لشدة وجعه ماعاد حتى قادرا على الاعتراض..
يعلم أن صغيره موجوع.. فهل يمنعه من البوح ببعض كلمات يفرج فيها عن همه؟!!
حتى لو كانت كلمات ابنه أشبه برماح مسنونة تنغرز في روحه التي أثقلتها وجيعة هذا الشاب..

علي أكمل وصوته بدأ بالارتعاش والشديد وهو ينظر لشيء غير مرئي وكأنه يحادث روحه
وحالة (الفيحاني) تتلبس روحه بوجعها.. وكأنه بالحديث عن وجع غيره قد تخف عليه وجيعته:
تقول لي يبه روح المستشفى.. والمستشفى وش سوى بالفيحاني؟؟
مات على سرير المستشفى عمره 28 سنة أو في أول الثلاثين ومن غير مرض..
ماحد درى وش علته؟؟ والدكتور نفسه قال لأخيه: أخيك مابقى شيء في جسمه سليم.. وهو مافيه مرض معروف..
ما كان فيه غير العشق..
يا الله يبه...مابرى حاله غير (مي) اللي كوت جوفه يوم صارت لغيره..

ثم زاد ارتعاش صوته ليختلط بالقهر وأبشع اهتزازات الألم والفجيعة:
تدري يبه.. لا تخيلت إنه فيه رجّال غيري.. بيمد يده ويلمس طرف شعرها..
أحس أني أحترق أحترق لدرجة أني أشم ريحة كبدي تحترق صدق..
فاشلون وأنا عارف إنه لمس أكثر من شعرها.. أشلون؟؟
أشلون؟؟ الحقير لمس أكثر من شعرها.. وهي لي أنا.. لي أنا.. الحقير..
الـــحـــقــــير.. الخــــسيــس... الـــنــذل!!

علي تزايد ارتعاشه بشكل هستيري... وهذيانه.. وهو يصرخ بغضب ويسب هذا الحقير الذي تجرأ على لمسها..
كتم في روحه طويلا.. وماعاد قادرا على الكتمان...
ماعاد قادرا على الكتمان وهو يحترق من كل شيء.. يحترق بمعنى الكلمة.. من العشق واللوعة والغيرة..

زايد ارتاع وهو يقفز ويكتف علي ويشده على السرير.. لأنه أطول منه ولن يصل إلى كتفيه إلا بهذه الطريقة..
ضمه لصدره بقوة وهو يسمي عليه.. وعلي يحاول التفلت وهو يصرخ بقهر وغضب غامرين..

ولكن زايد بنيته كانت أقوى بكثير .. عدا أن عليا كان منهارا من الإرهاق..
لذا انهار فعلا على صدر والده وهو يرتعش بعنف حاد كالمحموم..

زايد هتف بحنان مخلوط بالأسى والحزن والقهر : أفا عليك يأبيك..
عمري ماشفتك كذا.. تسوي في روحك كذ عشان وحدة يمكنها ماتسوى مواطي أرجيلك في التراب..

علي تتناثر كلماته بين ارتعاشات صوته وجسده وكلاهما بلغ مداه في الارتعاش:
يبه مـقـهـور.. مـقـهـور.. وقهر الرياجيل شين..
مقهور ويدي مربوطة...
يبه ما أتخيلها لغيري.. بس هي اللي لغيري.. لغيري..
كل ماتخيلت بس وش اللي ممكن يصير بينها وبينه.. يصير ودي أموت.. أموت..
والله العظيم الموت أحسن من حياة الابتلاء اللي أنا عايشها..

تدري يبه يمكن لو ماعاد شفتها ولا دريت إنها متزوجة كان أهون علي..
يمكن كان قعد في قلبي أمل أني بأشوفها.. أو إنها بتكون لي حتى لو كان هذا كذب على روحي..
لكن الحين حتى الأمل حرام علي.. ومالي إلا حرقة جوفي..
اللهم أني استغفرك وأتوب إليك..
يا الله هونها من عندك.. ماعاد فيني صبر ولا حيل ولا روح..


زايد ماعاد حتى يستطيع أن يتكلم..
فهو مــخـتـنــق من حالة هذا الفتى.. مـــخــتــنـــق..

حينما رأى تدهور حالة علي كان مصرا أن يعرف أي شيء عمن يحبها ابنه..
فهو لن يترك الولد يضيع من بين يديه...
ولكن علي صدمه أنها سيدة متزوجة.. شعر بالصدمة والقهر والحزن؟؟
ألم يكفي أنه هو عانى هذه المعاناة ومزنة تصبح أمامه لرجلين ليس لواحد فقط؟؟
يعلم تماما كم أن هذا الألم جارح ومؤذي وينحر الروح!!
فلماذا يُكتب على ابنه هذا المصير؟؟ لماذا؟؟


"اللهم لا اعتراض على حكمك
أنا تحملت كل ذلك كما تحملت سواه..
ولكن هو لا.. لا..
اللهم ارفع هذا البلاء عنه..
اللهم ارفع هذا البلاء عنه..
اللهم ارفع هذا البلاء عنه..
الولد يذوي أمامي وليس بيدي شيء..
سأفقده يارب.. سأفقده..
لو حدث لعلي شيء فلن أستطيع أن أحيا بعده..
رحماك يا ربي.. رحماك !!"






****************************************





" يـ ـبه.. جـ ـدي جـ ـابر أشـ ـلونه؟؟"

كانت هذه أول جملة نطقها بعد صحوه من نومة طويلة..

أبو عبدالرحمن تلجلج في الرد.. وهو يتعكز على عصاه ويحاول الوقوف حتى يرى وجه عبدالرحمن..
كان يخشى أن يجر سؤاله عن الجد جابر.. سؤال آخر يخشاه كالموت..
الجميع يتشاركون رعبا قاتلا حين يعلم عبدالرحمن بوفاة مهاب..

عبدالرحمن أعاد السؤال بصعوبة.. أبو عبدالرحمن أجاب بصوت مبحوح:
زين يا أبيك وطيب ومافيه إلا العافية..

عبدالرحمن أسبل عينيه وهو يهمس باختناق صوته الذابل:
الحمدلله.. كفـ ـاية وجـ ـيعة عـ ـمود البـ ـيت اللـ ـي راح على بيت خـ ـالي.. ولو أن فجـ ـيعته ماتنـ ـسيها الأيام..

أبو عبدالرحمن بهت تماما.. كيف علم؟؟ من أخبره؟؟

عبدالرحمن أكمل بصوت أكثر ذبولا: يبه طالـ ـبك..
أول مكـ ـان أبـ ـي أروح له لا طلـ ـعت من هنا.. قبـ ـر الغـ ـالي...
أسلـ ـم عليه وأصـ ـب علـ ـيه ماء..
جعل قـ ـبره برايـ ـد عليـ ـه أبو فيـ ـصل..
ما أشين حـ ـرة فـ ـرقاه...






*******************************************




هذه الليلة استغربت أنه لم يمر بها..
ليست عادته.. ربما لم يعد بعد !!

توجهت لغرفته.. ولم تجده..
حينها اتصلت به.. رن طويلا قبل أن يرد.. أخبرها أنه يستحم في بركة السباحة..
مزون نظرت باستغراب للساعة.. كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل..

توجهت لبركة السباحة المغلقة.. المتصلة بالصالة السفلية بممر طويل يربطها بها وفي ذات الوقت يفصلها عن باقي البيت..

كان يستحم فعلا.. وهو يعبر الحوض الطويل عودة وذهابا في لباس السباحة الكامل..

مزون جلست على طرف البركة ليتوقف عندها بينما همست هي بابتسامة:
حد يتسبح ذا الحزة..؟!

لا يعلم لماذا ابتسم ..وفي ذات الوقت شعر بشجن عميق.. ذات العبارة قالها لها قبل أيام..
وهو يراها كحورية خرجت لتوها من البحر بقطرات الماء التي كانت تترتاح على صفحة وجهها الشفاف وتأبى الإنزياح...

ابتسم: عادي.. اشتهيت اسبح.. وماكان عندي وقت إلا الحين.. اليوم كان عندي ضغط شغل..

مزون همست بحنان: زين تعشيت؟؟

أجابها بمودة: تعشيت جعلني ما أبكيش..
ثم أردف باهتمام: علي تعشى؟؟

حينها همست مزون بحزن: بالزور كل له لقمتين وشرب شوي عصير عقب محايل.. بس ماعليه المهم إنه اكل شيء..
ثم أردفت برجاء: تكفى كساب خله يوافق يسافر يسوي فحوص..؟؟

كساب تنهد: والله العظيم حاولت فيه بس مارضى.. يقول مافيني شي..
لا تحاتين يا بنت الحلال.. شوي ويتعدل وضعه..

مزون صمتت بينما كساب هتف حينها بتقصد: ووضعش وش صار عليه؟؟
عشر أيام ماكفتش تفكرين..

مزون همست بحزن: سامحيني كساب.. والله مع حالة علي ماني بقادرة أفكر بشيء..
كساب تظنها عين اللي في علي؟؟ أخاف إنها عين.. والعين حق..

هتف كساب بحنان وهو يستند بذراعيه على طرف الحوض:
ياقلبي يامزون علي طيب.. فكري بنفسش.. مايصير مالقيتي وقت للتفكير..

مزون بشفافية: والله العظيم حاولت أفكر.. ألاقي بالي يأخذني لعلي..
أحسها أنانية مني.. أفكر في نفسي وفي مستقبلي..وعلي كل يوم حالته في النازل..

كساب شد على كفها وهتف بحزم: يا بنت الحلال علي مافيه إلا العافية
لو درا أصلا بأفكارش صدقيني بيزعل..

كساب أنهى عبارته ثم اندفع عبر الحوض ليكمل قطعه..
مضى له أكثر من ساعة وهو يعبر هذا الحوض ذهابا وعودة..
وبقدر ما السباحة مُنهكة وتستنزف طاقة الجسد إلا أنه يشعر أن طاقات كثيرة في داخله عاجز عن تبديدها حتى يرتاح..
الغضب.. القهر.. والاشتياق.. والغضب حتى من هذا الاشتياق!!






***************************************






بعد أسبوع...
.
.
.
.

" يقولون أنه قد يخرج من المستشفى قريبا..
كيف يخرج وأنا مازلت لم أراه؟؟ كيف؟؟ "


كانت عالية تروح وتجيء في غرفتها بعصبية..
منذ علمت بإفاقته من الغيبوبة وهي تشعر أن حياتها انقلبت رأسا على عقب!!
تكاد لا تنام.. وعقلها مشتت من كثرة التفكير!!

تعرف أخباره بالتفصيل الممل من جوزاء..
تعرف أنه يتحسن بشكل كبير.. بعد أن قضى معظم اليومين الأولين نائما..
بدأ يصحو أكثر ويستعيد قدرته على الكلام أكثر وأكثر..حتى أنه خلال اليومين الأخيرين كان قد استعاد القدرة على الكلام كاملة تقريبا..
ويحرك أطرافه حتى لو كانت حركتها ثقيلة.. ولكن حركة يديه أصبحت أفضل بكثير.. فقط حركة قدميه مازالت تحتاج لمزيد من الوقت..
ووالده بدأ يصر على أخذه للبيت.. على أن يكثف له جلسات العلاج الطبيعي...

يفكرون في كل شيء عداها.. وهي أين هي من كل هذا؟؟
تعيش متقوقعة في عالم صقيعها البارد بعيدا عنه وهو لا يخطر بباله حتى أن يسأل عنها؟؟


" وهو وش عرفه عنش وعن خبالش يا البقرة؟؟
الرجال ماحتى يعرفش..!!
ما درا أنش خبلة طايحة غراميات مع واحد راقد مادرا عن هوى دارش!!
زين أدري.. أنا خبلة وستين خبلة..
بس بأموت أبي أشوفه الدب.. الزفت !!
بأموت ياربي..
خلاص مافيني صبر..
.
.
بأسويها!!
والله لا أسويها..
بكرة بأروح أشوفه.. وعليّ وعلى أعدائي!! "







************************************






كانت تجلس في الصالة العلوية..
أفكارها تذهب بها وتعود..
أسبوع كامل مر.. لم يزرها.. لم تراه.. لم تتنتفس عطر أنفاسه أو تشعر بدفء بيديه...
أ حقا تملل منها..؟؟ أم مست كلماتها الجارحة كرامته الغالية؟؟


التناقضات تأخذها للبعيد.. مشتاقة له حد السماء..حد الوجع.. حد الاستنزاف بلا قياس..
ولكنها لا تريد أن تراه.. فعلا لا تريد أن تراه!!
تشعر بضغط نفسي هائل لا تعلم حتى متى تستطيع احتماله..

ووالدتها لا ترحمها وهي تلح عليها بشكل دائم أن تفكر في العودة له..
تقول أي سحر مارسه كساب على والدتها حتى يجعلها في صفه هكذا!!
كأنها أمه لا أمها..!!
إذا كان يستطيع أن يكون لطيفا هكذا مع والدتها.. ألم يستطع أن يكون لطيفا معها أيضا..؟؟
لا تتخيل رؤية كساب وهو لطيف أو دمث الأخلاق معها!!


كانت هذه أفكارها حين دخلت عليها والدتها كأعصار وهي تلقي على المقعد حقيبة ظهر جيشية اللون يبدو ظاهرا من طرفها بعض الحبال..
ومعلق في جيوبها الكثيرة أشكال مختلفة من قطع حديد وأجهزة صغيرة جدا لم يسبق أن رأتها مطلقا في حياتها كلها..

مزنة صرخت فيها بحزم وبوادر الانفعال على وجهها:
اتصلي الحين في الشرطة.. وأنا بأتصل في تميم بسرعة..
تخيلي.. لقيت الشنطة هذي فوق السطح.. شكله حد ناوي يسرقنا..

كاسرة قفزت وهي تتناول هاتف والدتها من يدها وتمنعها من إرسال الرسالة التي كانت تطبعها.. وتهتف بنبرة تهدئة:
يمه اشرحي لي وش السالفة..

مزنة بغضب: طلعت أنا والخدامات أبي أنظف السطح..
شفت لي فأر يركض ودخل في زاوية مستحيل يخطر حتى في بال الجن إنه فيه شيء مدسوس فيها..
رحت أبي أشوف المكان يكفي أحط له سم..لقيت الشنطة هذي مدسوسة هناك..

كاسرة أرادت تحسس الحقيبة وهي تشعر بتوتر متزايد لأنها علمت لمن هذه الحقيبة..

لكن والدتها شدتها منها وهي تهتف بحزم: لا تلمسين شيء منها.. أنا شلتها من طرف العلاقة بس ..
عشان ما أخرب البصمات.. وعشان الشرطة يشيلون البصمات اللي عليها..

كاسرة حينها شدت نفسا عميقا وهتفت بحزم: يمه مافيه داعي للشرطة
الشنطة هذي لي...

مزنة نظرت لها بصدمة وهي مازالت غير مستوعبة: نعم؟؟

كاسرة بذات الحزم الواثق رغم أنها تعلم أن كذبتها الحمقاء الغبية لن تمر على والدتها..
ولكنها تمنت أن تسمح لها والدتها ان تمر بمزاجها: إيه حقتي!!
مرة تهورت وشريت ذا العدة.. وقلت بأجربها على السطح.. بس ماقدرت وخليتها هناك..

مزنة نظرت لها حينها نظرة مقصودة وكأنها ستحرقها بنظراتها..
بينما كاسرة أخفضت نظرها وهي تسب كساب في داخلها لأنه وضعها في هذا الموقف السخيف أمام والدتها..

والدتها ظلت تنظر لها ذات النظرات لدرجة أن كاسرة شعرت أن ريقها جاف..
شعرت كما لو كانت طفلة صغيرة أمسكتها والدتها بذنب عظيم..

مزنة تناولت هاتفها واتصلت برقم معين ثم هتفت بحزم بالغ صادر بنبرتها المقصودة تماما:
كساب لو سمحت أبيك تجيني الحين بدون تاخير...
......................................
هتفت بذات النبرة: أممممم ماتقدر الليلة...!!
زين بكرة أول ماتقدر لازم تجيني ضروري..ضروري!!

أنهت الاتصال الذي رفع ضغط كاسرة وتوترها للقمة.. لأنها علمت أن والدتها علمت لمن الحقيبة.. ويبدو أنها لن تترك الموضوع يمضي!!

ثم عاودت مزنة النظر لكاسرة بذات الطريقة الكاشفة اللاهبة المحرقة لأبعد حد.. وكأن نظراتها تخترق عمق روح كاسرة وتعريها...

وزادتها عليها أن همست بنبرتها المقصودة تماما وهي ترص على الأحرف رصا:
زين قومي شيلي شنطتش دسيها.. لا حد يشوفها..
ويمكن تجي فرصة أنا وإياش نجربها..
أنا باتمان وأنتي سوبرمان!!






*************************************





رغم أنها قررت الليلة أن تنام مبكرا إلا أنها لم تستطع.. وتفكيرها يأخذها إليه..

الليلة لم تره حتى..
يبدو أنه قرر أن ينام دون أن يعود لغرفته حتى!!

ماهذه الحياة الغريبة التي يعيشونها؟؟ تعلم أن احدهما لابد لن يحتمل وسيحدث الانفجار.. وهذا ما لا تريده..
فهي تريد أن تستمر حياتها مع تميم فعلا..
لكن إن كان مازال بأعماقها شيء من حزن شفاف لم تستطع تجاوزه.. فكيف الحل؟؟
تشعر أن هناك حلا مازالت لم تتوصل له..
ماهو؟؟ ماهو؟؟ ماهو؟؟

لتقفز الفكرة إلى بالها ببساطة...
تميم قام بما عليه.. خطا خطوة كبيرة من ناحيته لكسر حاجز الجمود بينهما..
ونجح في جعلها تتجاوب معه بلغة الإشارة رغم أنها قضت ستة أشهر رافضة لهذا الأمر..
إذن الخطوة القادمة لابد أن تكون منها..
لعبة هواة لطيفة.. تماما كما هي.. فهي لن تلبس ثوبا ليس ثوبها..

فربما كانت مشكلتها مع تميم أنهما أرادا حل المشكلة من قمتها.. وهذا لن ينجح أبدا.. فلابد من تفكيك تعقيدات السفح قبل الوصول للقمة..

فكيف يتواصلان على هذا النحو الخاص والحميم قبل أن يبدأ في التواصل الإنساني البسيط؟؟

سميرة شعرت بحزن أكثر شفافية أنها وتميم نادرا ما تبادلا حوارا خاصا.. لا تعرف شيئا من طفولته على لسانه.. وهو كذلك..
لا تعلم همومه أو ما يؤرقه.. فتواصلها معه كان دائما في القشور ولم يصل للب..

وهذه هي مهمتها هي...
إن كان هو نجح في جعلها تحاوره بالإشارة فهي يجب أن تستخدم هذه اللغة لتتحاور مع روحه.. لتتقرب من خفاياه..
وهو كذلك.. فهي لا مانع لديها من الثرثرة حتى لو بغير لسانها..

ولكن كيف تقوم بذلك وهو يتجاهلها هكذا؟؟
إذن الخطوة الأولى يجب أن تكون إحضاره إلى هنا... فورا.. وبدون تأخير..
ولكن على طريقتها...

سميرة قفزت.. خلعت بيجامتها القطنية ... وارتدت بيجامة حريرية لم ترتدها أبدا من قبل..
بيجامة أنثوية فعلا برقيها الفخم ولونها الذهبي الراقي وقصتها الانيقة..
ثم أطلقت شعرها الذهبي من إساره ونثرته على كتفيها..
وضعت زينة خفيفة غير لافتة أبدا.. قليلا من الماسكرا.. وأحمر شفاه مطفي بلون خفيف..
نظرت لنفسها في المرآة وابتسمت: كذا شكل الهواة الحلوين..
خل لعب المحترفين لأمي مزنة.. من يقدر عليه منها؟؟.. على زينها وتلعب باحتراف زيدان..!!
ما ألومهم رياجيلها الأثنين انجلطوا.. ودّعوا ما أستحملوا..!!
خلني أنا في دوري الأشبال..


ثم جلست على منتصف سريرها وهي تضم ركبتيها لصدرها وتمسك بهاتفها
وتطبع رسالة لتميم وهي تستعد لرسم علائم الخوف على وجهها :


" تميم الحقني..
أنا سامعة صوت يخوف في الغرفة
والبنات وأمي مزنة ناموا "




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 02-12-10 06:59 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس و الستون
 





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباح الورد وريحته وملمسه ولونه وكل شيء حلو فيه
.
.

الظاهر قولتي المرة اللي فاتت إنه هذي آخر رواية لي
زعل بعض البنات.. وزعلكم أغلى من عيوني
وأنا والله ماقصدت ولا حتى دريت إنه بيضايقكم لأني سبق وقلته
وحبيت أعطيكم سبب ليه دخلت ذا الأفكار كلها في الرواية
.
أما ليش راح أوقف.. أبد موب لأني شفت نفسي نضجت على الكتابة
بالعكس الكتابة أنضج وأعذب من أي شيء..
والإنسان بحسب نضجه يمنحها..
يعني فيه كتّاب في السبعين ويكتبون أحلى قصص مليانة مشاعر وحب وأحداث
لأنه لديهم تجربة ممتدة في الحياة والثقافة والقراءة..
بس أنا حاسة إنه كل اللي عندي من الأفكار جبته.. وراح أجيبه فيما تبقى من أحداث هذه الرواية..
يعني خلاص فعلا أكتبها بروح الرواية الأخيرة..

يعني لما كنت أكتب بعد الغياب.. كانت أفكار أسى الهجران في رأسي..
وبعد لما كنت أكتب أسى الهجران.. كانت أفكار بين الأمس واليوم في رأسي
بس الحين رأسي مافيه إلا بين الأمس واليوم وبس..

وبعدين حسيت أن خلاصي أديت هدف كبير من كتابتي..
الكتابة بإلتزام فكري وأخلاقي وديني ومنطقي مع احترام القراء والالتزام بالمواعيد ووجود المتعة والأكشن في ذات الوقت..

وأنا أحب أني أحتفظ بذا الصورة الحلوة عني في قلوبكم وعقولكم..
ما أبي أكتب لمجرد أني أكتب وأحشي صفحات بدون أفكار جديدة..

خلاص اكتفيتوا مني :) ما تمللتوا مني وأنا الحين بالضبط أكمل معكم سنتين وأنا مصدعتكم؟؟ :) ....

يا بنات العلاقة بين قلوبنا محبة في الله ما تنتهي على حدود قصة وحتى لو ماقدرت اتواصل معكم.. انا معكم وانتو معي

وخلاص لا تزعلون ياقلبي أنتم.. اعتبروني ما قلت شيء لا اعتزال ولا شيء المهم ماتزعلون.. :)

.
.
محمد الفيحاني عمل ضجة الجزء اللي فات.. يابنات ترا قصته وقصايده مالية النت بشكل.. للي تبي تقرأ عنه زيادة
أما عن ديوانه اللي قريته أنا.. للبنات اللي سألوا من أي نسخة قريت
فهي نسخة الوالد الله يحفظه.. عمرها تقريبا 35 سنة وصادرة عن دار الكتب القطرية
وهي عنده من أيام ماكان شاب صغير ويعتز فيها جدا.. :)
أما (فويرط) في منطقة شمال قطر على البحر على طول منطقة فيها بيوت قديمة جدا وتجنن.. وبحرها روعة <== أنفع مرشدة سياحية..
المهم هي منطقة الشاعر اللي عاش فيها...


وخلوني أشرككم في سالفة حلوة وهي ليش سميت فويرط فويرط؟؟

يقولون والقول على الرواي إن الفارس المشهور فارس بن شهوان الضيغمي زعل على أبيه وقيل إنه كان مطارد
فارتحل من فويرط وركب البحر متجها لفارس فقيل إنه فرط...

ويقال إنه حمل الإبل معه على ظهور السفن مع إن ربعه استصعبوا ذا السالفة
فقال البيت المشهور "غصبن على البل تركب جاريات السفن"
وللعلم هذا البيت أصبح مثل شهير يضرب حين يضطر الإنسان لفعل شيء غصبا عنه....وناس كثير مايعرفون سبب المثل.. هذا سببه :)...

.
.
يا الغوالي أنا أقرأ الردود كلها كلها كلها حرف حرف
سواء كان سطر وإلا مية سطر أقراه بنفس الاهتمام
.
وحدة من الغوالي الله يسعد قلبها ضحكت من قلب وأنا اقرأ ردها
لما حكت إن واحد من قرايبها سوى مثل كساب بالضبط
وكان ينط لمرته كل ليلة من البلكونة وهي زعلانة في بيت أهلها
أتخيل منظره وأنا عارفة إنها صارت صحيح
بصراحة قولي له أنت رهيب.. الله يخلي لهم عيالهم ويصلحهم ولا يصير بينهم زعل أبد..
وأنتي رهيبة أكثر اللي أشركتينا في هالقصة الحلوة...شكرا ياقلبي..

أما عن كساب وش يسوي بالشنطة.. هذي عدة التسلق كاملة يعني مايحتاجها كلها عشان كذا يخليها على السطح..

الفكرة بسيطة جدا وحسبتها وصلت لكم.. يثبت طرف الحبل في السطح وينزل به
وهو موب محتاج الشنطة كلها.. محتاج بس للأداة اللي بيفتح بها الدريشة.. :)
عشان كذا ماكان ينزل بها..
.
.
أحداث جزء اليوم أحداث في 24 ساعة فعلا تبدأ من الليل مع سميرة وتميم
وتنتهي ثاني ليلة..
لكنه يوم عن سنة من كثرة الأحداث اللي بتشوفونها
جزء أظن إنه بيكون ممتع لكم
.
الجزء 65
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والستون..





كما توقعت تماما..
وصلها خلال دقائق..
حتى لو كان نائما فهي تعلم أنه سيقوم من نومه..
لأنها تعلم أنه حين ينام يرتدي خاتما لا سلكيا يرتبط بهاتفه الخاص بأهله.. حين يرن الهاتف أو تصله رسالة يهتز في يده..

فتح الباب باستعجال..
وهو (بفنيلته وسرواله) دون أن يلبس ثوبه حتى.. من شدة استعجاله..
وهو ينظر حوله باحثا عنها.. ليراها تقبع على منتصف السرير وعلى وجهها علائم الخوف المتقن..

أما هي حين رأته قفزت من السرير لتقف جواره..
أشار لها بأنفاس مقطوعة: وش فيش؟؟

أشارت له بخوف وهي ترسم ملامح التأثر على وجهها وتمنت لو تستطيع نثر دمعتين أيضا..
ولكنها ليست من النوع الذي يستطيع جلب دموعه كيف يشاء ..لذا اكتفت بالإشارة: يمه تميم.. فيه صوت يخوف؟؟

أشار لها بحزم: زين أنتي اقعدي هنا.. بأطلع أشوف برا فيه شيء...

سميرة شدته من ذراعه لتمنعه ثم أفلتته لتشير بذات الخوف: أقول لك الصوت هنا في الغرفة.. مهوب برا..
ثم اردفت بإشارة جزعة: يمه يمه.. الحين أسمعه.. اسمعه.. لا تخليني تكفى..

ثم التصقت به وهي تحتضن ذراعه وتخفي وجهها في عضده
وهي معتمدة تماما أنه لن يستطيع تكذيبها مادام لا يستطيع أن يسمع الصوت الذي سمعته..

تميم شعر أن جسده كله تكهرب حين التصقت به هكذا.. لأول مرة تكون قريبة هكذا...
" يا الله الصبر من عندك!!"


بينما هي شعرت أنها ستنهار وهي لأول مرة تشم عطره من هذا القرب الحميم.. تمنت أن تتراجع.. لكن آوان التراجع فات..
ولا بد أن تكمل مخططها للنهاية..

تميم خلصها منه برقة حتى يشير لها بثقة رغم أنه تمنى لو تبقى هكذا حتى آخر يوم في عمره:
زين هديني خليني أدور.. يمكن فار؟؟

سميرة أفلتته وهي تعود لمكانها وتجلس على طرف السرير... تميم بحث في أطراف الغرفة ولم يجد شيئا..

أشار لها بهدوء: مافيه شيء.. بكرة حطي سم فيران وصمغ.. لو فيه شيء بيطيح فيه.. والفار ماظنتي يخوف..

أكمل إشارته وهو ينظر لها بعد أن فتح الباب ليخرج..

سميرة قفزت بجزع:
بتروح وتخليني؟!! تكفى نام عندي.. أنا خايفة !!

تميم تنهد بعمق " يا الله صبرني ألف مرة!!"
وهو يغلق الباب ثم يستدير عائدا.. حتى منى هو أيضا سيبقى ينام في مكان غير غرفته..
حتى متى هذا الهرب؟؟؟ لابد أن يتوقف في يوم !!

توجه لأريكته وهو يشير لها بسكون: خلاص بأنام هنا.. تصبحين على خير..

أشارت له بجزع مدروس: لا تعال نام جنبي.. أو أنا بقعد على الكرسي جنبك..

تميم نظر لها بصدمة حقيقية.. بينما سميرة كانت تخشى أن تبدأ أسنانها بالاصطكاك لشدة توترها مما تفعله..

وقف تميم لثوان حائرا..
لا يليق أن يتركها جالسة على مقعد جواره.. بينما هو نائم على الأريكة..
ونومه معها في مكان واحد لا يستطيع احتماله... فماذا يفعل؟؟
لم يرد أن يبدو بمظهر الجبان الذي يخشى قربها.. أو ربما يخشى عليها هي من نفسه..
ولكن لا مفر من نومه معها..
ولكن هل يعقل أنها خائفة لهذه الدرجة التي توافق أن ينام جوارها وهي من كانت ترتعش من مجرد اقترابه منها..؟؟


حين رأته اقترب فعلا.. أشارت له بجزع حقيقي هذه المرة:
تنام على الطرف..وماتقرب مني..

حينها أشار لها بغضب عاتب: دام بتتشرطين من أولها.. كل واحد ينام في مكانه أحسن..

عادت للتراجع بخجل وهي تستخدم سلاح الرقة هذه المرة: تكفى تميم لا تخليني أترجاك..
أقول لك خايفة.. تبي تخليني؟؟

تميم اندس في الفراش على الطرف تماما وهو يتنهد تنهيدة بحجم الكون " يا الله صبرني للمرة المليون!!" ..
لا يعرف حتى ملمس هذا الفراش أساسا...ولا رائحته.. التي بدت عطرة جدا وناعمة كنعومة صاحبته تماما..

" إيه الأخت بروحها تنام مرتاحة هنا
وأنا تكسرت جنوبي من الكنبة!!"

تميم أولاها ظهره لم يكن يريد أن ينظر ناحيتها فالضغط النفسي الذي يشعر به كبير جدا..

ولكنه فوجيء بطرف أنامله ينقر كتفه..
استدار لها مستفهما.. بينما عادت هي إلى أقصى الطرف الآخر..
ثم أشارت له برجاء عذب: تميم تكفى مافيني نوم.. سولف معي شوي!!

اعتدل جالسا وهو يشير باستغراب: وش أسولف لش يعني؟؟

حينها تربعت جالسة ولكنها تذكرت أنها لابد أن تكون رقيقة وأنثوية لأقصى حد.. والتربع لا يتناسب مع هذه الصورة!!
لذا ضمت ساقيها لتجلس بشكل جانبي وهي تشير بحماس رقيق:
أي شيء تبيه.. قل يوم دخلت صف أول وش سويت..
أو أنا بأقول لك.. وأنت قول لي عقب..





***************************************






" ماقلت لي عمتك يوم اتصلت فيك قبل المغرب وش كانت تبي؟؟"

كساب يعدل المخدة وراء ظهره وهو يجلس على المقعد الطويل الخاص بالمرافق..
ويجيب علي بهدوء: ما أدري تقول تبيني ضروري..

علي بمودة باسمة: كان رحت لها.. يمكن كانت تبي تعطيك مرتك في يدك..

ضحك كساب: لا ماظنتي.. عمتي ماتسويها.. ومرتي مستحيل تنجر
ولو حتى جروها بدبابة تي-ناينتي الروسية ، و دبابة أبرامز- إم- ون الأمريكية.. الثنتين سوا..

حينها هتف علي بجدية: لا صدق كان رحت.. أكيد عمتك ماراح تقول تبيك ضروري إلا لو فيه شيء ضروري..

كساب يهتف بحزم وود غريبين: أنت أبدى من خلق الله..
ما أقدر أخليك وحن تونا داخلين المستشفى.. بكرة لا جاء إبي.. رحت لها..
الدنيا مهيب طايرة..

علي بشجن وحزن عميقين: ماكنت أبي أدخل المستشفى..
بس عاد طيحة في المسجد وأنا في الصلاة قدام خلق الله.. هذي اللي مالها دوا والله...
يا فشلتي وقصارانا كلهم متشاقليني للمستشفى.. (قصارانا=جيراننا.. متشاقليني=شايليني)
وعشر سيارات تتبعنا...

كساب ابتسم: أنت عاد مالقيت تطيح إلا في صلاة الظهر وأنا وإبي كل واحد منا في شغله...

علي أسند رأسه للخلف وهو يغلق عينيه ويهتف بعمق:
تعبت يا كسّاب تعبت.. الحين ذا العذاب بيظل مكتوب علي لين آخر يوم في عمري..

كساب أجابه ببساطة: مشكلتك علي ماخذ الموضوع بجدية..
يعني لا أنت أول ولا آخر واحد يحب له وحدة.. ويتزوج وحدة ثانية...
صدقني إذا تزوجت.. ولهيت في بيتك وعيالك ما أقول لك إنك بتنسى لكن بتنشغل..

علي تنهد بذات العمق: ماظنتي.. وما أقول إلا الله يعين بنت فاضل على مابلاها!!





*************************************






هزت طرف كتفه برفق..
حينما فتح عينيه بإرهاق.. كانت تقف فوق رأسه..
أشارت له بإرهاق شديد: تميم قوم الشغل..

أشار لها وهو يغلق عينيه: ماني برايح الحين.. ما ني بقادر أقوم.. مانمت حتى ساعة.. بأروح الساعة 10..
أنتي الحين سهرتيني بهذرتش لين صلينا الفجر.. وعقبه تقوميني الساعة 6..
مافيني حيل حتى أسوق..
ماعليه خلي أمي والسواق يودونش أنتي ووضحى..

سميرة حينها عادت وهي لا تكاد ترى من النعاس لتندس بجواره.. وهي ترسل لوضحى رسالة أنها هي وتميم لن يذهبا اليوم..





******************************





" حبيبتي عفرا أنتي الحين ليه زعلانة؟؟"

عفراء بغضب فعلي مغلف بطريقتها المهذبة الراقية في الحديث ومثقل بكثير من الحزن والعتب:
يعني ولدي من أمس الظهر وهو في المستشفى وتوك تقول لي الحين..
أنا قلبي ناغزني عليه من يوم شفته قلت جياته عندي الأيام الأخيرة..
وكل ماكلمته يلعب علي ويقول أنا طيب..
وأنت بعد تلعب علي إذا سألتك وتقول طيب..
والولد تعبان.. تعبان.. وأنا ماعندي خبر
مالي شغل أبي أروح له الحين.. الحين... مافيني صبر..

منصور بنبرة تهدئة: والله العظيم بأرجع وأوديش له الظهر.. لكن الحين مكلميني مجموعة من ربعي الضباط يبون يزورونه...
بأروح معهم الحين.. ووعد علي أرجع وأوديش.. هدي حبيتي..


عفراء زفرت بغضب وحزن وهي تجلس وتأثرها العميق باد في وجهها...
بينما منصور خرج.. لتجلس جميلة بجوارها وهي تربت على فخذها وتهمس بحنان:
يمه ياقلبي هدي جعلني فداش..مهوب زين تعصبين كذا..

عفرا تهمس بغضب: وليه مهوب زين.. كملت شهر وزيادة من يوم ولدت..
يعني طيبة ومافيني شيء..
وحضرة العقيد مبلغ ربعه الضباط من أمس وقدهم متفقين اليوم يزورونه وأنا ماعندي حتى خبر...

جميلة برقة: وعلي طيب وأنتي توش كلمتيه من دقايق بنفسش..

عفراء حينها انحدر صوتها لألم وحنان عميقين: ياقلب أمه وش اللي جاه...
قلبي مهوب مرتاح لين أشوف ولدي بعيني...






****************************************






" جوزا أبي وينه؟؟"

كانت شعاع التي دخلت للتو عائدة من محاضرة وحيدة مبكرة تهمس بذلك لجوزاء بعد أن قبلت جبين عبدالرحمن وأعطته الجريدة التي وصاها عليه..
ثم قبلت جبين والدتها التي تجلس بقرب عبدالرحمن وتتبادل الحديث معه...


جوزاء بهمس محايد في أذن شعاع: راح يزور رجالش هنا في نفس الطابق..

شعاع بصدمة رقيقة كرقتها: رجّالي؟؟ ليه وش فيه؟؟

جوزاء تبتسم: يقولون تعبان شوي.. الظاهر متخرع من العرس ومنش..

شعاع بقلق عفوي: لا جد جوزا.. فيه شيء كايد؟؟

جوزاء برقة باسمة مرحة: ياقلبي على اللي يحاتون... لا لا تخافين على المسيو علي..
إبي يقول تعبان شوي ومقروف من الأكل بس..
بس خبرش ولد نعمة ما يستحمل...

شعاع حينها ابتسمت وهي تغمز جبنب جوزاء: إيه طسي رجّالي عين بعد يا المشفوحة..
إلا الجويزي مالت على عدوش..الحوسة اللي كنا فيها نستني.. لين جبتي الطاري..
صورتي وينها؟؟

جوزاء بعدم فهم: أي صورتش؟؟

شعاع بنبرة مقصودة: صورتي يأم حسن.. صورتي..

جوزاء تضحك بخفوت: يأختي نسيت والله العظيم.. بأدورها والله ما أدري وين قلعتها...






************************************





" هلا زايد وش فيك تاخرت؟؟
كان فيه رياجيل جايين معي ويبون يواجهونك وتوهم راحوا الحين يوم عجزوا وهم يتنونك""

زايد يجلس بعد أن نظر إلى وجه علي النائم بتمعن
ثم يهتف بحزم وهو ينظر لمنصور وكساب الجالسين ويرد على منصور:
رحت أشهد على ملكة رجّال وتوني مخلص الحين..

حينها كساب كان من تسائل باستغراب: غريبة يبه.. يعني ماقلت لي أمس إنك بتروح تشهد على ملكة حد؟؟

زايد بحزم غريب: توهم كلموني الصبح فرحت لهم..

حينها سأل منصور: ومن ذا اللي متملك من صباح الله خير؟؟ مافيه صبر لعقب صلاة العصر؟؟

أجابه زايد بذات الحزم الغريب: خليفة ابن احمد..

منصور بصدمة كاسحة: أي خليفة بن أحمد.. رجّال جميلة؟؟

زايد بذات حزمه الذي لا يتذبذب: تقصد طليقها.. إيه.. هو إياه!!

منصور يمنع نفسه من الانفجار فلا الوقت وقته ولا المكان مكانه..
هتف بصرير حاد من بين أسنانه بينما كساب قرر أن يقف موقف المتفرج فليس له مزاج للدخول بين هذين الجبلين حين يتناطحان:
بصراحة ماقصر.. زين إنه صبر لين كمل شهر من عقب ماطلق بنتك وأنت رايح تشهد على عرسه!!
يعني الدوحة مافيها حد يشهد غيرك.. وإلا مافهمت مقصدهم من إنهم يطلبونك أنت بالذات..
وانت بعد رايح ما حتى تعذرت بولدك المريض..

زايد بثقة: عارف مقصدهم زين... ومهوب أنا اللي أطق وألا اتعذر عشاني عاجز أواجه..
داري إنهم يبوننا أول حد يوصله خبر الملكة..

منصور حينها انفجر بغضب مكتوم: وأنا اللي كنت أبيه يرد بنتي وأسعى في ذا..
والله إنه مهوب كفو.. و والله إنه مهوب كفو.. وو الله إنه مهوب كفو..

رد عليه زايد بثقة غامرة: إلا كفو وكفو وكفو.. وبنتك لو بغى يردها ردها من ورا خشمك ولا لك لسان.. لأنها عادها في العدة..
لو بغى ردها بدون رضاها ورضاك...

منصور بذات الغضب المكتوم الذي بدأ في التزايد: يخسى ويهبى يعرفها مرة ثانية...
والله ولو تذابحنا إنه ماعاد يعرفها لأنه مهوب كفو لها ولا مايستاهلها....

حينها هتف زايد بغضب: أنتو على ويش شايفين حالكم على الناس...
جميلة على غلاها اللي أنت عارفه زين...لكنها سوت فيه سوات ماتسويها حتى مضيعة المذهب..
والحين مستكثر عليه حقه في رد شوي من كرامته..

منصور قفز وهو ينتفض من الغضب: ما أسمح لك تقول عليها كذا...
ووالله لولا إنك أخي الكبير وإلا كان علوم..
يعني عشانه من ريح خليفة كل شيء عليه حلال.. دستنا كلنا عشان خليفة..
أولهم أنا ثم علي ثم جميلة...

زايد بحزم بالغ: منصور اقصر الحكي اللي ماله سنع..
إذا خليفة ولد ولد أخ خليفة.. فجميلة بنته...
قل لي وش تبيني أسوي يوم كلموني والشهود واهل البنت عندهم ويبوني أشهد..
أقول لا والله ردو بنتنا..
مهوب أنا اللي أحط نفسي في موقف سخيف مثل ذا ولا أرخص جميلة مع زعلي منها....
بغيت أبين لهم إنه لو أنتو بعتوا شوي.. حن خلاص بايعين واجد...





**************************************






كان هو من نهض أخيرا قبل أذان الظهر بقليل..
نظر للساعة وهو مازال مستلقيا.. لا وقت حتى ليذهب لمحله..
سيذهب العصر..
ولكنه سينهض ليستحم ويذهب للمسجد للصلاة ثم يذهب لاحضار سميرة ووضحى من المدرسة...
قطب جبينه قليلا (أوف نمت نوم مانمته من قبل..
نعنبو هذي وش ذا الهذرة اللي عندها..؟؟
تعبت إيدي من كثر ما أشرت )

ثم رقت ملامحه بحنان..( يا الله قلت لها أشياء ومن أول مرة
ماعمري هقيت إني بأقولها لأحد حتى وضحى مع قربها مني..
ما أدري وأشلون قدرت تسحب الكلام مني..
لها قدرة عجيبة تدخل بين الواحد ونفسه)


اتسعت ابتسامته أكثر وهو يعتدل جالسا لينهض.. حينها فوجئ بمن مازالت تنام جواره ولم تذهب لعملها..
كانت تنام بشكل أقرب للشكل العرضي.. رأسها ناحيته.. وقدماها تكادان تخرجان عن طرف السرير..

اتسعت ابتسامته أكثر بحنان أكبر.. وهو يميل دون أن يشعر ليقبل جبينها!!..
أرادها أن تكون خاطفة وسريعة..
ولكنه حالما قبل جبينها.. لا يعلم أي غيبوبة لذيذة شعر بها.. وجد نفسه ينزلق ليقبل صدغها..
كان يشعر أن شفتيه ترتعش وهي تلامس بشرتها الناعمة لأول مرة..

وربما كان تهور واتجه لاتجاه آخر.. لولا أنها قفزت بجزع.. وهي تبتعد عنه..
وتنظر له بجزع بعينيها المنتفختان من النوم وشعرها المنكوش لكثرة تقلبها..
رغم أن أكثر ما تحرص عليه أول ماتنهض من النوم أن تمسح على شعرها لتتأكد من هبوط خصلاته الطائرة قبل أن تقوم فعلا..
ولكن صحوها على شفتيه على صدغها جعلها تقفز دون تفكير وتشير بهذا الجزع الذي انتشر في روحها:
شتسوي؟؟

ابتسم وهو يشير بشفافية: شفت رأسش عندي ماقاومت أني على الأقل أحبه..

شعرت بخجل عميق يتفجر في روحها ولم تستطع أن تشير بشيء وهي تقفز للحمام لتهدئ دقات قلبها المتسارعة..

حينها رأت شكلها في المرآة لتقفز الدموع إلى عينيها: وانا أقول وش فيه كان يتبسم.. أحسبه يبتسم لي..
أثره يضحك على شكلي.. وانا كني خبلة بكشتي الطايرة...

لتنهمر دموعها بغزارة وشهقاتها المكتومة تتعالى.. ولم يكن السبب أن شكلها كان مضحكا..
لأن السبب كان أعمق من ذلك بكثير..
ولكنها قررت أن يكون هذا هو السبب.. وهي تشد المشط وتمشط شعرها بقسوة تفرغ فيها توترها..

حين خرجت بذات توترها وهي تلتف بروبها بعد أن استحمت.. وجدته يقف قريبا من الباب..
يستند على دواليب غرفة التبديل.. حينها تراجعت بوجل.. ولكنها عادت لتخرج بخطوات مترددة..

حينها أشار لها بشجن: آسف سميرة لو كنت ضايقتش.. ماقصدت والله..

آلمها ملامح الضيق على وجهه.. أ يأخذ حقا من أبسط حقوقه ثم يعتذر لها عنه؟؟

"أي مخلوقة معدومة المشاعر أنا؟!"

حينها قررت أن تتهور وهي تقترب منه وتتطاول على قدميها لتقبل جبينه..
ولكن لطوله الذي يتجاوزها بكثير لم تستطع الوصول إلا لطرف خده..

تميم منذ رآها تقترب وهو يشعر أن قلبه سيتوقف... ماذا تريد منه؟؟
ليصدم بقبلتها الرقيقة والشفافة الصادمة فعلا..
ثم لتكون صدمته الأشد أنها دفعته داخل الحمام وأغلقت الباب عليه..
لأن وجهها تفجر احمرارا وماعادت قادرة على مواجهته.. وتريده هو أن يستحم أو يفعل مايريده..
حتى تلبس ملابسها وتهرب للأسفل.. قبل أن تواجهه مرة أخرى!!






*******************************







هاهي تقف قريبا من غرفته قبل صلاة الظهر بقليل.. وهي تشعر كما لو كانت مجرم يعد لعملية سرقة..
بل إحساسها كمن يرتكب جريمة فعلا.. ويخشى من اكتشافهم له..

هذه المرة تهورت أكثر وهي تشرك معها أحد عاملات النظافة وتعطيها نقودا حتى تخبرها من في داخل غرفة عبدالرحمن..

انتظرت حتى أخبرتها أنه كان هناك ثلاث سيدات وخرجن قبل قليل..
وتبقى الشيخ والخادم ويبدو أنهما سيخرجان..
وبالفعل بقيت حتى رأت من بعيد أبا عبدالرحمن يخرج متوجها للمسجد وهو يتسند على خادمه...

حينها قررت أن تدخل.. ولكنها شعرت للحظات بالجبن.. وهي تشعر أنه قد يغمى عليها من الرعب والخجل..
فقط ستنظر له دون أن تكلمه.. فهو لم يسبق له مطلقا أن رآها بالبالطو الأبيض سيحسبها أحد أفراد الطاقم الطبي..

حاولت أن تتراجع.. ولكنها تعلم أنها حلفت بالله أن تفعلها.. عدا أنها ستموت إن لم تراه بعد أن أصبحت قريبة هكذا..

سمت بسم الله وهي تحاول دفع أكبر قدر من الشجاعة في روحها المتخاذلة..
تنهدت بعمق وهي تشد لها نفسا عميقا.. وتدفع الباب.. وتدخل


كانت تحمل ملفا في يدها وضعته على الطاولة أمامه دون أن ترفع عينيها ناحيته لشدة توترها..

هو حين رأى الطبيبة التي دخلت أنزل الجريدة التي كان يقرأ فيها.. مع استغرابه لدخولها الصامت دون تحية حتى.

في ذات اللحظة التي أنزل فيها الجريدة.. تجرأت ورفعت عينيها..
لتتكهرب وهي تنزل نظرها وتفتح الملف وتدعي إنشغالها فيه.. رغم ارتعاشها..

" يمه.. يمه.. هو حلاه كذا طبيعي؟؟
وإلا أنا اللي من كثر ما أنا مشتاقة له...شايفته أحلى واحد في العالم..
الدب والله إنه وهو مبطل عيونه أحلى بواجد..
وبعدين وين النظارة اللي شفته فيها يوم جا يزور أمي؟؟
شكلي بأخليه يلبسها أحسن .. ما أقدر أشوف عيونه كذا بدون حاجز.."


عادت لترفع عينيها لتجده ينظر لها باستغراب..
عاودت اخفاض بصرها والقلم الذي تسجل به ملاحظاتها الكاذبة يرتعش في يدها..
الارتعاش الذي لاحظه هو تماما !!!


" فيه حد توه صاحي من غيبوبة ماله أسبوع والدم ينط من وجهه كذا!!
نعنبو وش ذا البياض بحمار اللي عنده؟؟
شكلي بأبطح الرجّال بعيني وأرجعه الغيبوبة مرة ثانية..
خلني أطلع بدون خساير أحسن
هذا أنا شفته وكحلت عيوني بشوفته الدب.."

كانت على وشك فعلها والخروج لولا أنه صدمه الصوت الذي سمعته: دكتورة!!

" يا الله ماتخيلت إني ممكن أسمع صوته بعد
يا الله بأموت.. بأموت!!"

كان يهتف ببنبرة مقصودة تماما وباللغة الإنجليزية وهو يردف بعد أن استوقفها:
دكتورة.. هل من الممكن أن تشدي سلك الجلوكوز لأنه التف خلف حامل الجلوكوز وألمني في يدي...لو سمحتي..

عالية كانت تريد أن تهرب.. لكنها علمت أنها حينها ستفضح روحها..
لم تكن تريد مطلقا الاقتراب منه.. لكنها كانت مجبرة..

" الله يأخذ عدوك يا الدب..
أنت الحين تتلزق في كل دكتورة تجيك..؟؟
خلني أحرك له الواير وأخلص"


عالية اقتربت وهي تحاول أن تكون حركتها عفوية وواثقة..
بالفعل كان هناك حامل للجلوكوز.. لكن لم يكن هناك أي شيء معلق بيده..

وقبل أن يبدر منها أي تصرف.. شعرت أن هناك قنبلة تفجرت بين أناملها وهي تتفاجأ بيده تشد على يدها بقوة..

حاولت شد يدها بكل قوتها ولكنه لم يفلتها وهو يهمس لها بعمق دافئ:
يا الظالمة ثلاث أسابيع ماسمعت صوتش.. هنت عليش كذا؟؟

عالية تفجرت صدمة أشد في داخلها وشعرت أنه سيغمى عليها فعلا (أيعرفني؟؟)
همست باختناق: فكني.. فكني.. لا تفضحني..

أجابها بثقة: وين الفضيحة؟؟ رجّال ماسك يد مرته.. اللي عنده ريال خله يقطعه..

عالية حاولت شد يدها دون فائدة هتفت من بين أسنانها بغيظ:
نعنبو دارك هذي يد وإلا كلبشات... يقولون توك قايم من غيبوبة من وين لك كل ذا الحيل يا الدب..

حينها انفجر ضاحكا بعفوية..
يا الله لم يتخيل أنه قد يضحك مرة أخرى
وهو من كان غارقا في كآبة شفافة منذ نهض من غيبوته وهو يتخيل هذه الحياة قد أصبحت خالية من توأم روحه
هتف وهو يضحك: دب في عينش يا قليلة الحيا.. فيه وحدة تقول لرجّالها كذا..

عالية ماعادت كيف تشعر.. الغيظ أو الخجل؟؟... هتفت برجاء عميق:
عبدالرحمن تكفى .. هدني.. تكفى..

هتف لها بعمق شفاف: ياحلوه اسمي من بين شفايفش..
إذا فيه واحد بيموت من العطش وعطوه كأس ماي..
ظنش حتى لو مافيه حيل.. حد يقدر يأخذ الكأس منه؟؟
هذا الحين حالي وحالش.. يدش الحين كأس الماي للعطشان اللي هو أنا..

عالية تنظر للباب وتهمس بتوتر مرتعب: ولك بال تغزل بعد أنت ووجهك..؟؟
هدني لا يجي أبيك لا تفضحني..

عبدالرحمن انفجر ضاحكا مرة: احترميني لا أقوم أوريش الشغل.. حتى لو ما أقدر أقوم..
أما على إبي.. توه رايح.. يبي له على الأقل ربع ساعة...
وش صار؟؟ قبل كنتي تحسبين لطلعته ورجعته بالثانية... خربت ساعتش يعني؟؟

عالية مصدومة فعلا.. مصـــــــــدومة!!
أ كان يشعر بها فعلا؟؟... ثم تحولت الصدمة لتفجر صداع وخجل لا حدود لهما..
"يعني الدب يتذكر كل شيء كنت أهذر فيه؟؟"


كانت مشغولة بالصدمة والتفكير وهي تنسى يدها التي بين يديه..
لتعلم أنه كان يتذكر جيدا وهي تشعر بأنفاس دافئة على يدها تبعها قبلات أكثر دفئا..

حينها صرخت بصوت مكتوم والعبرات تنط في حلقها:
والله العظيم إنك استخفيت.. فكني.. فكني..

لم يرد عليها وهو يغمر أناملها المرتعشة بقبلاته بينما هي تحاول شدها بعنف.. وقلبها يكاد يتوقف من الرعب..

أفلتها بمزاجه لأنه لم يرد أن يثقلها عليها أكثر من ذلك..ثم أجابها بابتسامة مغلفة بخبث رقيق: أنا نفذت طلبتش بس..
وسامحيني كان ودي إن البوسة في مكان ثاني...على طلبش بعد..
بس ماعليه ملحوقة.. مهما كان المستشفى مكان مايليق..

أجابته باختناق عبراتها التي تحاول منعها من الانسكاب: والله العظيم إنك خبل
هدني يا الله..

أجابها حينها بحزم باسم: أنتي بتعرفين تقصرين لسانش وإلا قصيته لش..

أجابته برجاء طفولي: بأقصه والله العظيم بأقصه.. بس هدني..
أنا أساسا الخبلة اللي جيت عند واحد خبل مثلك..

حينها عاود رفع يدها إلى شفتيه وهو يهتف بابتسامة: لا شكلش مافهمتي اللسان أشلون يتقصر...
وبعدين يا البخيلة جاية لين عندي.. على الأقل بردي قلبي وخلني أشوف وجهش..
ارفعي نقابش...

حينها انفجرت في البكاء: بس خلاص تكفى.. حرام عليك.. هدني..

عبدالرحمن شعر بالجزع من بكاءها.. لم يتخيل أنها قد تفعلها وتبكي وهو من يعلم جرأتها..

ولكنه يخشى حتى الموت أن يفلتها دون أن يأخذ منها وعدا أنه سيسمع صوتها على الأقل..
فهو منذ صحى من الغيبوبة وهو يكاد يُجن ليسمع صوتها فقط.. توقع أن من لها جرأتها لابد ستحاول الاتصال به ولو على سبيل تهنئته بالسلامة..

وحين رأى الأيام تمر وهي لم تحضر.. كان يريد أن يأخذ هاتف جوزا ليأخذ رقمها.. ولكنه لم تتهيأ له الفرصة بعد...

ولم يتخيل أنها كانت تخفي له مفاجأة رائعة.. وهي أن يراها هي شخصيا..
لذا لم يتوقع أن من لها هذه الجرأة جبانة أيضا إلى هذا الحد..

أجابها بتهدئة حنونة: زين اسكتي يا البزر وأهدش.. اسكتي..

عالية حاولت أن تتماسك: زين هذا أنا سكتت.. فكني..
وترا والله ما أنسى لك إنك بكيتيني.. لأني نادرا ما أبكي..

ابتسم حينها وهو يشد على يدها أكثر: وتهددين بعد أنتي ووجهش؟؟

عالية بتراجع جزع: لا ماني بكفو أهدد... تكفى هدني..

عبدالرحمن حينها هتف بحزم باسم: زين اسمعيني عدل.. بأهدش..
بس توعديني تكلميني على الأقل.. ما أعتقد إنه صعب عليش تجيبين رقمي...

عالية بغيظ: لا تشرّط علي.. ما أبي أكلمك..

عبدالرحمن حينها هز كتفيه ببساطة: خلاص خلش عندي لين يجي إبي.. ويعرف من اللي كانت تنط عندي كل يوم وأنا في الغيبوبة...

عالية عاودها الاختناق بالعبرات: أنا أبي أدري أنت كنت منخمد في غيبوبة وإلا كنت تمثل علينا؟؟

عبدالرحمن ضحك: مالش شغل أنتي.. اوعديني تكلميني بأفكش.. وترا إبي صار على وصول..

عالية بجزع وهي تنظر للباب: بأكلمك.. بأكلمك لا بارك الله في عدوينك..
ماشفت واحد أذوة مثلك.. الله يعين الطلاب اللي كنت تدرسهم على غثاك..

شد كفها بقوة وهتف بابتسامة: وطولة اللسان؟؟

عالية عادت للبكاء: لا حول ولا قوة إلا بالله.. يامن شرا له من حلاله علة..
لا تحدني أطلب الطلاق.. عشان أخلص منك

حينها أفلتها وهو يضحك: لا ليش الخساير..
أموت ولا أطلق.. روحي.. بس يا ويلش ماتكمليني..

لم ترد عليه حتى وهي تهرب وتنسى الملف الذي كان معها على طاولته..
وتنجح في الهروب قبل دخول أبي عبدالرحمن بدقيقتين فقط!!

لتبحث عن أقرب حمام وتغلق على نفسها فيه وتنفجر في بكاء مسموع:
يمه.. يمه.. والله مهوب هين ذا الدب...
يا ويلي.. يا ويلي.. يعني أشلون؟؟ أشلون؟
كان سامع كل هذرتي؟؟
يا فضيحتي.. يافضيحتي..







****************************************






هاهو جالس في انتظار مزنة..
ينظر حوله.. بعد عدة أيام ستكمل شهر منذ خرجت كاسرة من بيته..
ويبدو أن هذا الشهر لم يكفيها لتفكر..
يتساءل ماذا تريد عمته منه؟؟

ليتفاجأ بدخولها عليه وهي تحمل في يدها حقيبة يعرفها جيدا..
ألقت الحقيبة على المقعد المجاور لكساب بينما كساب كان يقف ليقبل رأسها ثم يعود لمقعدها..
بعد السلامات الملغومة من الطرفين هتفت مزنة بنبرة مقصودة:
تعرف الشنطة هذي لمن يا كساب..؟؟

أجابها كساب ببساطة حازمة.. بساطة من لا يهمه أحد وفي ذات الوقت مغلفة باحترام مدروس:
أكيد أعرف.. مثل منتي تسالين وأنتي عارفة...
هذي شنطتي..

مزنة بذات النبرة المقصودة: وشنطتك وش جابها فوق سطح بيتنا..؟؟

كساب اقترب قليلا للأمام وهو يركز نظره عليها ويهتف بثقة: يمه .. أنتي ذكية
وأنا ذكي بعد.. جيبي الكلام من آخره..

حينها هتفت مزنة بغضب حازم: ماهقيتها منك يا كساب.. إنك تعدى على حرمة البيت.. أفا عليك..

كساب أجابها بذات البساطة الحازمة: البيت وحرمته على رأسي..
وأنا ماجيت إلا لمرتي..

مزنة بغضب متزايد مغلف بحزمها : زين ولو أنك دخلت على بنتي وإلا مرت ولدي بتقول بعد إنك ماتعديت على حرمة البيت..

كساب بذات النبرة الحازمة ودون أن يهتز: يمه أنتي دارية زين إني ماني بداخل إلا على مرتي..
لأنش بروحش اللي علمتيني وين مكان غرفتها..

مزنة تقطب جبينها وهي تتذكر أنه سألها بطريقة عفوية يوم وصوله من السفر عن مكان نوم كاسرة وأي غرفة من غرف البيت اختارتها..
من باب اهتمامه براحتها فأجابته مزنة بذات العفوية..
لم تعلم أن سؤاله كان أبعد مايكون عن العفوية..

ولكن مزنة أجابته بغضب متحكم بالغ الحزم.. فما فعله يبقى بعيدا عن كل العادات المقبولة:
اسمعني زين.. ذا الخرابيط كلها ماتدخل رأسي..
اللي سويته يأمك مهيب سوات رياجيل..
تعدى على حرمة بيت جيرانك وتعلبش على درايشهم..
عشان تدخل على بنتهم.. حتى لو كانت مرتك.. لكنها الحين بنتي وفي بيتي..

ودامك تعديت على حرمة البيت وهي غطت عليك وسمحت لك بكذا..ودست سواتك..
فالحين أنا ماعاد عندي إلا كلمة وحدة.. شل مرتك ولا توريني وجهك أنت وإياها..


قاطع كلام مزنة دخول كاسرة كإعصار غاضب..فهي منذ علمت بوجوده وهي تقف قريبا من الباب تحسبا لتصرف والدتها الذي تعلم أنه سيكون هكذا..
حين دخلت سكن الجو في المكان..
وهي وكساب يتبادلان نظرات غريبة حادة مثقلة بألوان متفجرة من التحدي والبرود والشوق...


كانت كاسرة أول من تكلم وهي تقول بثقة غامرة:
يمه آسفة.. والله لو انطبقت السماء على الأرض إني ما أروح معه كني نعجة..
يعني مهوب هو يغلط وأنا أتحمل نتيجة غلطاته..

حينها أجاب كساب بتلاعب واثق وهي يجلس جلسته الواثقة كأنه ملك في أملاكه الخاصة:
غلطتي بروحي؟؟
يعني يمه يدخل في بالش إني بأتعربش على الدرايش على قولتش
إلا لو هي فتحت لي الدريشة عشان أدخل..

مزنة بدأت تشعر بالصداع من تزايد غضبها من وقاحة الاثنين:
يوم كل واحد منكم ماله صبر ثاني.. ليه مسوين لنا فيلم..
انلموا في بيتكم من غير فضايح..
وش كنتو تنتظرون لين تحمل وهي في بيتي...؟؟

كاسرة رغما عنها تفجر وجهها احمرارا دمويا لأبعد حد
و رغم حرج الموقف ولكن كساب شعر بالانتصار وبكثير من البهجة وهو يراها هكذا كعصفور مبلل بالحرج..
وفي داخله ويا لا غرابة الإحساس.. كانت أجمل من كل شيء رآه في العالم بهذا الإحمرار الذي أشعل مشاعره!!

بينما هي تهتف بغضب استنكاري: والله العظيم يمه ماصار بيني وبينه شيء..

كساب قاطعها ببرود متلاعب: وتصدقين ذا الخرابيط يمه..
حدث العاقل بما يعقل...
صار لي أكثر من أسبوعين.. وانا عندها من عقب نص الليل لآذان الفجر..
وش نسوي يعني؟؟ نلعب غميضة؟؟

مزنة بغضب عارم: بس.. بس أنت وإياها..
أنتو مافي وجيكم سحا اثنينكم.. ماحتى حشمتوا إني واقفة بينكم يا اللي ماتستحون..
هذا أنا أقولها ولا عادني بعايدتها... قم شل مرتك الحين
وإلا والله ماعاد أضرب دونكم ولا وراكم.. جعلكم تطلقون والله ماعاد أتدخل..
فعايلكم مهيب فعايل عيال أجواد..

كساب هتف ببرود مدروس وهو ينظر لوجه كاسرة الذي يشتعل:
أبركها من ساعة.. أشلها ذا الحين ومن جدي وبمعنى الكلمة..
بس بنتش اللي ماتبي..
ثم أردف بخبث شاسع: عاجبتها علبشتي على الدرايش.. تبي تلعب لعب مراهقين..

كاسرة انفجرت تماما بغضب عارم: والله لو أهج من الدوحة بكبرها إني ما أرجع له..
أنا تسوي فيني كذا يا كساب.. ؟؟ أنا؟؟
طلقني كساب.. طلقني.. النفس طابت منك.. ما أبيك ما أبيك ما أبيك...

كاسرة أنهت عبارتها الغاضبة وخرجت من فورها لتخلي الساحة لكساب ومزنة..
كساب كان مازال يتمترس خلف بروده الواثق.. رغم أن بداخله شيء يذوي وهو يرى أنه يفقد أسلحته لاستعادته واحدا تلو الآخر..
لتكملها عليه تماما مزنة وتسلب كل أسلحته وهي تهتف بحزم بالغ حزم لم يخلق إلا لها:
شوف يا كساب.. والله اللي خلق سبع سماوات إن غلاك مثل غلا ولدي.. والله اللي عطاك الغلا من عنده..
بس ولد بطني لو هو سوا الغلط والله ما أسكت عليه..
اسمح لي يأمك.. بس بيتي يتعذرك.. أنت منت بأمين على البيت ولا احترمت حرمته...
وأنا وحدة عندي بنات.. وسمعة بناتي فوق كل شيء...

اصبر علينا شهر شهرين لين يخلص بيت تميم.. واحترم جيرتنا لين نشد لبيتنا والوجه من الوجه أبيض..
أما أنت ومرتك بصرك أنت وإياها.. ترجع ماترجع مالي شغل..

لو أنك صبرت شوي ودخلت البيت من بيبانه أنا بنفسي كان كلت كبدها بالحنة لين ترجع لك..
بس أنت دخلت البيوت من درايشها.. ولا عاد لك وجه عندي..






***********************************






" أبو زايد وش فيك جعلني فداك؟؟
من يوم جيت تاخذني عند علي ورجعنا.. وعقبه رحت لشغلك ورجعت
وأنت مكتم ومتضايق..
فيه شيء مضايقك ياقلبي؟؟"

كانت عفراء تهمس بهذه العبارة بخفوت رقيق لمنصور وهما يجلسان على الجلسة في زاوية الغرفة الشاسعة..
بينما جميلة على السرير تلاعب زايد الصغير وهي تقبل يديه وقدميه.. ومشغولة ومأخوذة تماما به...
منصور نظر لجميلة بشجن عميق ثم هتف لعفراء بمودة حازمة: بعدين حبيبتي بعدين..

جميلة شعرت أن هناك شيء غير طبيعي فهتفت بابتسامة عذبة وهي ترفع صوتها ليسمعوها:
حاسة شكلي غلط.. أطلع تأخذون راحتكم؟؟

منصور هتف بحنان وهو يتمزق بين رغبته في إخبارها وبين رغبته في عدم جرح مشاعرها:
لا غير أبيش تجين تقعدين جنبي..

جميلة لفت زايد جيدا ثم حملته ووضعته بين ذراعي والدته.. ثم جلست بجوار منصور الذي احتضن كتفيها بحنان شديد وقبل رأسها وهتف بحنان:
تدرين ترا بيتنا من غيرش ماله حلا..

ابتسمت جميلة: ليه أنا وين بأروح.. هذا أنا قاعدة على قلوبكم..

منصور حينها أجاب بفخامة حميمية: قصدي إنه مانبيش تروحين..

عفراء شعرت بقلق عظيم تصاعد في روحها.. ما الذي حدث؟؟ هل أعاد خليفة جميلة لذمته وهذه مقدمات من منصور؟؟

عفراء حينها كانت من هتفت بحزم قلق: منصور أنت من يوم جيت وأنت منت بخالي..
طالبتك صار شيء.. تكفى ماتدس علينا..

حينها وجد منصور نفسه مضطرا لإخبارهما.. أن يسمعا الخبر منه أفضل من أن يسمعاه من سواه..
عدا أنه لا يريد أن يبقى في قلب جميلة أمل مع أنه من أعطاها هذا الأمل..
هتف حينها بنبرة قاطعة:

خليفة تزوج اليوم !!






*********************************





" وين كساب يومك قاعد بروحك؟؟"

زايد يبتسم بمودة وهو يجيب فاضل: كساب راح قريب عنده مشوار وبيأتي ذا الحين...
إلا أنت قل لي متى بتطلعون من المستشفى؟؟

فاضل بذات المودة التي ارتسمت مع ابتسامة غاية في الشفافية:
ذا اليومين إن شاء الله بنطلع للبيت..
ماهقيت يا أبو كساب إن عادني بأطلع أنا وإياه من المستشفى إلا للمقبرة..
الحمدلله ما أكبر نعمته !!
ثم أردف باهتمام وهو ينظر لعلي النائم: إلا علي أكثر الأوقات اللي أجيكم ألقاه نايم.. وش أخباره؟؟

تنهد زايد تنهيدة ملتهبة احرقت جوفه وهو يهتف في داخله ( لا كثرت همومك يا عبدي فانسدح.. خله يرقد ويريح نفسه)
وأجاب على فاضل باهتمام مشابه: تعبان شوي يأبو عبدالرحمن وماعاد فيه حيل..
حينها صمت زايد قليلا ثم أردف بحزم: دامك تكلمت عن تعب علي..
وهذا أنا وإياك بروحنا..
فأنا أبيك في سالفة مهمة..






**********************************





" سمور يا الدعلة قومي فارقيني أبي أنام..
بكرة عندي دوام..
إذا أنتي ورجالش تبون تسحبون على الدوام بكيفكم
بس أنا بأروح لدوامي"


سميرة بمرح مصطنع: أخيه من النفس الخايسة..
كذا تطردين ضيفانش..

وضحى تضحك: طال عمرش هذي مهيب اسمها ضيفة... هذي اسمها لزقة..
اليوم ناشبة في حلقي حتى النزلة تحت ماخليتيني أنزل
مع إنه رجّال كاسرة سمعت إنه جاء الليلة وماخليتيني أعرف وش صار..

سميرة تبتسم: وش صار يعني؟؟
هذي كاسرة توها طالة علينا... يعني لو صار شيء ماكان شفتي وجهها..

وضحى حينها أجابت بعمق: عشانش ماتعرفينها..
لو هي بتموت ما اندست ولا دست وجهها... عشان كذا توقعي إنه ممكن يكون صار أي شيء..
وهي لو هي تحترق ماقالت الحقوني تراني احترق..


تنهدت سميرة في داخلها "ليتني مثلها بس!!
من الظهر لين الحين وأنا طاقة لا أشوف تميم
وقال الخبلة تبي تلعب...؟؟
ابلعي العافية بس!!

بس والله إني قطعت شوط كبير..
حرام أخرب على نفسي كل شيء..
السالفة وش تبي.. شوي جرأة وأمشي على نفس المخطط لين أحس إنه خلاص مافيه بيني وبينه حواجز..
يا الله سمورة خالش هريدي يقول " لا تحسب المجد تمرا أنت آكله..لن تدرك المجد حتى تلعق الصبرا"
.
والله العظيم خالي هريدي ماقال كذا.. ولا درا عن هوى داره
.
إلا قاله.. وقاله قومي فزي لغرفتش قبل يجي رجّالش..
والله لا يجي وما يلاقيش لا تكون الفلعة اللي مالها دوا "






****************************************





منذ أن عاد كساب وناظره معقود ويبدو كما لو كان يفكر بعمق..
بينما زايد كان يريد أن يخبره بما حدث بينه وبين فاضل..

هتف زايد بحزم: كساب!!

كساب التفت وهو يهتف بحزم مشابه: لبيه يبه!!

زايد بذات الحزم: أبيك في سالفة مهمة..

فالتفت له كساب بجسده كاملا وهو يهتف بحزم بالغ:
إلا أنا اللي أبيك في سالفة مهمة أكثر..

زايد عقد ناظريه متسائلا بثقة: خير إن شاء الله؟؟

كساب شد له نفسا عميقا جدا ثم هتف بنبرة قاطعة صارمة:
اسمعني يبه زين.. أبيك تجاوبني على سؤال بكل صراحة وطالبك ما تدس علي شيء..
لأنه على جوابك يعتمد أشياء كثيرة..
صمت كساب لثانية واحدة ثم أكمل بذات النبرة الصارمة القاطعة:

أمي الله يرحمها.. على حياتها.. درت إنه في قلبك شيء لمرة غيرها؟؟




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 05-12-10 06:41 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس و الستون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباح الخير والمودة والقشطة والعسل للي أفطروا وللي مابعد أفطروا :)
.
فيه ناس فاقدينهم من زمان شرفونا بإطلالتهم ياحياهم الله وجعل ربي مايخلينا من طلتهم دوم
ياهلا والله بكل الوجيه الجديدة وحياكم الله..
وياهلا ألف بكل الوجوه الدائمة عطر بين الأمس واليوم الدائم
.
فيه بنات يبون القصة بملف ورد.. أوعدكم أنا اللي بأحطه لكم وبتنسيقي
بس المشكلة إني هالمرة ملخبطة شوي وعندي أكثر من ملف
خلني بس أرتب الوضع وأحطه لكم
وطبعا الملف للاستخدام الخاص ليش للنشر على النت
.
اللي يبون بارت أطول.. ودي.. بس أكثر من كذا ما أقدر
البارت الواحد لمعلوماتكم في حدود 40 صفحة على الورد بخط ترادشنل أربك وسايز 20.. للي سألت بعد :)
.
يا بنات الله لا يخليني من قلوبكم
والله العظيم ماهقيت ذا الثورة.. الثورة بالمعنى العذب والجميل هنا :)
عشان قلت إنها آخر رواية.. أنا والله كنت أتكلم من منطلق الشفافية اللي تعودت عليه معكم.. وشيء في خاطري ما أحب أدسه عليكم
وأنا فعلا حسيت إنها آخر رواية ومخي بعدها بيكون أبيض :)

وخلاص لا تزعلون جعلني فدا قلوبكم..
وعد عليّ وعد عليّ.. لو لقيت أفكار جديدة تصلح لرواية صدق مختلفة وتستحق أن أعود بها فعلا وبكل معنى الكلمة
وستمثل إضافة حقيقية لي ولكم وتليق أن تقدم لكم
وصار عندي وقتها وقت للكتابة وأنا مرتاحة بدون أي ضغط..
أوعدكم أكتبها
بس طبعا مهوب قريب أبدا أبدا أبدا.. عشان أكون صريحة وواضحة بعد :)
هذا أنا وعدت.. تكفون ماتزعلون ولا تتضايقون :)
.
وبعدين لا تخافون ترا عادنا مطولين شوية في بين الأمس واليوم
ليش متوقعين النهاية قريبة؟؟ الظاهر تمللتوا مني صدق :)
يا نبضات القلب باقي شخصيات مابعد غصنا في أحداثهم وفيه شخصيات مابعد بدت حكاياتهم أصلا..
وأنا ما أحب أترك الأحداث اللي نسجتها خلاص في بالي معلقة دون تعمق فيها
وللعلم باقي أحداث مثيرة جدا جدا جدا ومشاعر عميقة جدا جدا جدا مختلفة تنتظركم..
.
.
.
فيه بنات علقوا لما زايد قال إنه جميلة في العدة ومن حق خليفة إنه يرجعها
(إنه جميلة مالها عدة لأن خليفة مادخل بها)

طيب زايد وش عرفه إنه مادخل بها؟؟
رجّال مع زوجته لهم 8 شهور بروحهم ماحد يعرف إللي بينهم إلا هم
المتوقع أكيد إنه دخل بها.. وخصوصا إنه لها شهرين قبل عودتهم وهي مستعيده صحتها بالكامل

هذا طبعا لو كان الكلام اللي قالوه صحيح إنه مالها عدة فزايد أساسا لا يعلم ولا مشكلة في كلامه..
.
.
لكن هي لها عدة وهذا الرأي الأرجح..
تذكرون لما تكلمنا عن جوزا وامهاب وكاسرة وكساب
قلت لكم وقتها لو تطلقوا.. جوزا مالها عدة بس كاسرة لها عدة
وفعلا جوزا تزوجت عبدالله بدون أن تقضي عدة..
لكن كاسرة حصل بينها وبين كساب خلوة شرعية حتى لو ماصار فيها شيء فعلا لكن الخلوة حصلت..
وهذا الامر حتى لا يتهاون الناس بعظم الخلوة..
فكيف للي لهم 8 شهور متزوجين والناس كلهم عارفين وصار بينهم مئات الخلوات الشرعية؟؟
وتجدين مشايخ يحددون بقولهم الطلاق قبل الدخول والخلوة والطلاق قبل الدخول وبعد الخلوة..

جميلة في حالتها هذه الخاصة بها.. مازالت في العدة وهذا كلام أنا متأكدة منه.. أنا سألت عنه شيخ هنا بتفاصيل جميلة الخاصة..
ووحدة من الغوالي سألت عنه شيخ في السعودية والجواب كان واحد.. مازالت في العدة..
.
وعلى العموم بنات القضية فيها خلاف
فيه مشايخ يقولون مادام الدخول لم يحصل فلا عدة لها
لكن يا بنات هنا يقصدون اللي في حكم المخطوبين.. ويخلو بها بيت أهلها
وليس لوحدهما ولشهور طويلة بعد أن أصبحا زوجين في نظر كل الناس
بل إن هناك مشايخ يفصلون... هل أغلق الباب عليهم أو لم يغلق..
لو أغلق فلو طلقت لها عدة لأن هذه تعتبر خلوة شرعية حتى لو لم يحدث فيها شيء.. ولو لم يغلق فلا عدة لها..

والحين ركزوا معي زين.. وانا بصراحة خصوصا في هذه الرواية بالذات لا أكتب حكم شرعي في القصة إلا بعد التأكد منه

والأمر الراجح أن المطلقة قبل الدخول وبعد الخلوة لها عدة
وهذا قول الحنابلة والمالكية والحنفية يعني ثلاث مذاهب من المذاهب الأربعة.. وخذوا هذا النص الفقهي الدقيق:

واختلفوا فيما إذا خلا بها ، ثم طلقها ، فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يلزمها العدة ؛ لأن الخلوة أقيمت مقام الدخول .

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/80) : " ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس , فأما إن خلا بها ولم يصبها , ثم طلقها , فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها ، وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد , وابن عمر ، وبه قال عروة , وعلي بن الحسين , وعطاء , والزهري , والثوري , والأوزاعي , وإسحاق , وأصحاب الرأي , والشافعي في قديم قوليه .

ويدل على ذلك : إجماع الصحابة , روى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى , قال : ( قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا , أو أغلق بابا , فقد وجب المهر , ووجبت العدة ) ، ورواه الأثرم أيضا عن الأحنف , عن عمر وعلي , وعن سعيد بن المسيب , عن عمر وزيد بن ثابت ، وهذه قضايا اشتهرت , فلم تنكر , فصارت إجماعا . وضعف أحمد ما روي في خلاف ذلك " انتهى بتصرف واختصار .

وفي "الموسوعة الفقهية" (19/273) : " ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه تجب العدة على المطلقة بالخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح ....

ووجوب العدة عند المالكية بالخلوة الصحيحة حتى ولو نفى الزوجان الوطء فيها ؛ لأن العدة حق الله تعالى فلا تسقط باتفاقهما على نفي الوطء " انتهى باختصار .
.
.
خلاص انتهينا من ذا السالفة :) ؟؟؟
.
.
اليوم بارت ثوري شوية..
لسبب إنه بيكشف شيء مثّل هاجس وترقب لكثير من المتابعين..

هل كساب يعامل كاسرة كذا لأنه يبي ينتقم من مشاعر أبوه لأمها؟؟
يعني صحيح كساب فيه عيوب كثيرة بس الخسة أبد موب من بينها
واللي يتصرف هالتصرف خسيس.. لأنه يحاسبها على شيء موب ذنبها..

على العموم أنا كنت أقرأ التعليق هذا ومن زمان وما كنت أعلق عليه
لأني أشوف إنه من حق اللي يقرون يحللون بكيفهم :) وخصوصا إنه وقت هالكلام مابعد حان أوانه..
لكن بارت اليوم بتعرفون فعلا إن تفكيره كان أبعد شيء عن هذا الشيء
العكس يمكن :) !!!

أكيد إن سبب تصرفات كساب مع كاسرة بسبب ظلال شيء حدث بالأمس وامتد تأثيره لليوم
لكن تو الناس ندري :)
.
.
البارت 66
اليوم عاد أحداث في أقل من 24 ساعة يبدأ من الليل ويقفل على بعد صلاة العصر ثاني يوم
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.






بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والستون





" وين كساب يومك قاعد بروحك؟؟"

زايد يبتسم بمودة وهو يجيب فاضل: كساب راح قريب عنده مشوار وبيأتي ذا الحين...
إلا أنت قل لي متى بتطلعون من المستشفى؟؟

فاضل بذات المودة التي ارتسمت مع ابتسامة غاية في الشفافية:
ذا اليومين إن شاء الله بنطلع للبيت..
ماهقيت يا أبو كساب إن عادني بأطلع أنا وإياه من المستشفى إلا للمقبرة..
الحمدلله ما أكبر نعمته !!
ثم أردف باهتمام وهو ينظر لعلي النائم: إلا علي أكثر الأوقات اللي أجيكم ألقاه نايم.. وش أخباره؟؟

تنهد زايد تنهيدة ملتهبة احرقت جوفه وهو يهتف في داخله ( لا كثرت همومك يا عبدي فانسدح.. خله يرقد ويريح نفسه)
وأجاب على فاضل باهتمام مشابه: تعبان شوي يأبو عبدالرحمن وماعاد فيه حيل..
حينها صمت زايد قليلا ثم أردف بحزم: دامك تكلمت عن تعب علي..
وهذا أنا وإياك بروحنا..
فأنا أبيك في سالفة مهمة..

فاضل بأريحية أخوية: آمر..

زايد بحزم ودود: مايأمر عليك عدو..
يا أبو عبدالرحمن شوفة عينك.. علي تعبان.. والمستشفى ماعرفوا بالضبط وش اللي فيه..
و اليوم طلبت تقاريره وأول ماتخلص بأرسلها برا..

فاضل بتأثر: جعل أبو زايد مايشوف شر.. وجعل سلامته من رب العالمين سلامة طويلة..

زايد بذات حزمه الودود: آمين..
ومثل منت عارف.. عرس العيال عقب حوالي شهرين..
فكانه ودك.. خلنا نأجله.. لين نرجع من السفر ونحدد موعد ثاني..
لأنه خاف يجي الموعد والولد عاده برا يعالج..

فاضل هتف بعمق من يفكر بشيء: ومتى سفركم على خير..؟؟

زايد بثقة: أسبوعين.. ثلاثة..

حينها هتف فاضل بنبرة قاطعة حازمة تماما: بنتي آخر امتحان عندها عقب 3 أسابيع.. مرته بتروح معه..

زايد باستنكار: مايصير يأبو عبدالرحمن الله يهداك.. البنية تبي تدرس.. وعقبه تبي تجهز على راحتها..
لا تحرمها فرحتها...

فاضل بذات النبرة القاطعة غير القابلة للتراجع: فيه شيء أبدى من شيء..
الحين رجّالها المبدى على كل ذا الخرابيط..
وبعدين شعاع ماعندها إلا ثلاث مواد ذا الفصل.. مهيب شي(ن) عسر..
تخلص اليوم وتعرس بكرة..
وإذا على العرس... بنسوي عرس للنسوان وخلها تستانس هي وخواتها..
وأنتو كنكم بغيتوا تسوون عرس للرياجيل.. وإلا بصركم.. حال علي مايسمح بعرس.. ومعذورين.. وبصركم في ولدكم..
لكن بنتي والله مايطلع رجّالها من الديرة إلا وهي معه..
هذا السنع.. وبناتي متربين على السنع..

زايد يحاول إقناعه بالتراجع: اسمعني يا ابو عبدالرحمن...بنتك مثل بنتي..
و علي الحين تعبان.. أنت داري الله وش يكتب؟؟.. تورط البنية يعني؟؟
خل الرجّال لين يتشالى وعقبه يعرس..

فاضل برفض قاطع: مالك لوا..
إذا حن سوينا كذا فحن مافينا خير...
شعاع يوم تملكت علي.. علي كان طيب ومافيه إلا العافية..
فيوم كتب ربي عليه ذا المرض نقول مانبغيه إلا سليم..
إذا هي ماقفت جنب رجّالها الحين.. فما لها خانة..
واللي ماتوقف جنب رجّالها في عسره.. ماله عازة فيها في يسره !!



.
.
.

بعد ذلك بساعتين



منذ أن عاد كساب وناظره معقود ويبدو كما لو كان يفكر بعمق..
بينما زايد كان يريد أن يخبره بما حدث بينه وبين فاضل..

هتف زايد بحزم: كساب!!

كساب التفت وهو يهتف بحزم مشابه: لبيه يبه!!

زايد بذات الحزم: أبيك في سالفة مهمة..

فالتفت له كساب بجسده كاملا وهو يهتف بحزم بالغ:
إلا أنا اللي أبيك في سالفة مهمة أكثر..

زايد عقد ناظريه متسائلا بثقة: خير إن شاء الله؟؟

كساب شد له نفسا عميقا جدا ثم هتف بنبرة قاطعة صارمة:
اسمعني يبه زين.. أبيك تجاوبني على سؤال بكل صراحة وطالبك ما تدس علي شيء..
لأنه على جوابك يعتمد أشياء كثيرة..
صمت كساب لثانية واحدة ثم أكمل بذات النبرة الصارمة القاطعة:

أمي الله يرحمها.. على حياتها.. درت إنه في قلبك شيء لمرة غيرها؟؟


زايد تفجر في روحه توجس واستغراب وقلق.. لماذا هذا السؤال في هذا الوقت بالذات؟؟
أجاب بحزم: وش جاب على بالك ذا الحكي إللي ماله سنع؟؟

كساب بإصرار بالغ: يبه طالبك تجاوبني..

زايد بإصرار أكبر: لا الوقت وقته ولا المكان مكانه.. عدا إنها سالفة غبرت وماعاد لها فايدة..
أمك الله يرحمها لين آخر يوم وهي فوق رأسي..
انتهينا من ذا الهذرة..

كساب وقف حينها وجلس قريبا من والده ليشد على كفه ويهتف برجاء مخلوط بالإصرار والحزم: يبه أقول لك طالبك..
لين متى وأنت دايما تردها في خاطري..؟؟
شايفني بزر .. وإلا ماني بكفو تأمني.. وإلا يمكن لأني مالي خاطر عندك أساسا..؟؟


عرف كيف يمسكه من يده التي تؤلمه.. شعر أن قلبه يؤلمه فعلا وهو يرجوه هكذا..

ومايخاف منه زايد أكثر من أي شيء.. هو الجواب نفسه..
ربما لو كان كساب سأله هذا السؤال قبل شهر واحد فقط.. لربما أجابه بثقة بالغة أن وسمية لم تعلم شيئا أبدا..
ولكن بعدما أخبره علي بهذيانه باسم مزنة.. ماعاد يعرف.. اليقين تذبذب عنده لينشر ألما عميقا في روحه..
وهو يصبّر نفسه أنها لم تعلم بشيء.. فهي عاشت معه لـ13 عاما.. يستحيل أن تعرف وتسكت..

زايد شد نفسا عميقا وهتف بعمق كبير: وسمية الله يرحمها غلاها ماكان له حد.. والوكاد إنها كانت تعرف ذا الشيء وكانت تعرف قدرها عندي..
وسمية لو آشرت على رقبتي عطيتها إياها وبدون ما أفكر حتى..
أما اللي مخفي داخل القلب فهو مهوب بيدي.. هذا حكم رب العالمين..
وربي شاهد إني عمري ماقصدت أضايق وسمية بشيء.. ولا عمري بينت لها حتى إني فكرت في حد قبلها حتى..
وإذا فيه شيء يخفاني.. فأنا والله مالي علم له..
وأظني إنك بروحك تذكر وش اللي جاني يوم ماتت أمك.. كنت باموت من الحزن عليها..
وسمية ماكانت مجرد زوجة.. لكن وسمية كانت شريكة روحي الله يرحمها ويغفر لها..

زايد صمت وهو يشعر بالرضا عن إجابته..
فهو قال الصراحة عما يعلمه... وترك ما لا يعلمه معلقا بطريقة لا تثير الشك ولكنها على الأقل ستريح كساب الذي لا مازال لا يعلم لماذا سأل هذا السؤال حتى...

حينها هتف كساب بطريقة غريبة أقرب للأمر:
زين.. دامك تقول كذا..
تـــــــزوج عــــمــتــــي!!


زايد قفز بصدمة كاسحة.. لأول مرة منذ سنوات طويلة يعجز عن مواجهة صدمة بهذه الطريقة لدرجة أنه يقفز واقفا لأنه عاجز عن الجلوس
وهو يصرخ باستنكار غاضب متفجر لأبعد حد: نعم؟؟ أتزوج عمتك؟؟ أكيد إنك استخفيت...
أنت تامرني أنا ياولد أتزوج عمتك؟؟

كساب لم يتحرك من مكانه حتى وهو يهتف بحزم:
محشوم.. أنا ما أمرت عليك..أنا أطلب منك...
ليه حد بيزوجك غصبا عنك.. مثل مازوجتني غصبا عني!!

زايد غاضب بالفعل: تخسى وتهبى.. مازوجتك غصبا عنك.. أنت وافقت برضاك وبشروطك اللي فرضتها علي..
من اللي يقدر يغصبك أصلا على شيء ماتبيه..
لو أقدر أغصبك كان غصبتك على أشياء واجدة..

كساب بذات الثقة الباردة الحازمة كما لو أنه ينفذ مخططا بكل دقة:
ودامني على قولتك ما انغصب.. فأنت أكيد بعد ما تنغصب..
عشان كذا تزوج عمتي.. وبرضاك طبعا..

زايد بذات الغضب المتفجر الذي أيقظ عليا من نومه دون أن ينتبها المتحاورين:
آسف.. دامك تبي تزوج عمتك.. دور لها رجّال غيري..

حينها أجاب كساب بتلاعب شاسع وهو ينظر لأنامله المتشابكة:
تراني بأسويها.. ولو أنت عادي عندك تصير لرجّال ثالث وأنت تشوف وتحترق
خلاص أنت اللي قلتها..

زايد شعر أن هذا الخبيث يخطط لمخطط كبير .. نجح تماما في إشعال فتيل غيرته حتى الترمد..
لكن على من يلعب هذا الطفل؟؟ على زايد؟؟

زايد حينها عاود الجلوس وهو يهتف ببروده الاحترافي البالغ:
مبروك مقدما.. ولا تنسون تعزموني على العرس عشان نقدم العانية.. (العانية= هدية مالية للعريس)


كلاهما جلسا متقابلين وكلاهما مازال لا يعرف ماذا يدور في ذهن الآخر..
كساب قرر أن والده لابد أن يتزوج مزنة مهما حصل حتى يستطيع هو إعادة كاسرة..

لأنه رأى أن كل وسائله تحطمت.. ومُناصرته الكبرى التي كان يعتمد على مناصرتها (مزنة) انسحبت من مساندته
وانسحبت بطريقة آلمته لأبعد حد مع قرب مزنة من روحه ..
وكل الطرق بينه وبين كاسرة تتقطع..ماعاد حتى يستطيع رؤيتها بأي طريقة..

عقبته الوحيدة في طريق هذا الزواج والتي لن يسمح بها أبدا حتى لو عاش حياته كلها يتعذب بعيدا عن تلك الكاسرة الباردة المغرورة..
أن تكون والدته علمت بحب والده لمزنة.. حينها لن يقبل أبدا أن يبني سعادته على جراح أمه..

لكن بما أن والدته لم تعلم.. وهو يعلم أن والده لن يكذب عليه..
فزايد لابد أن يتزوج مزنة.. حينها سيصبح هناك حبلا متينا يعيد ربط كاسرة به..
ويعلم تماما حينها كيف سيعيدها.. فمخططه مرسوم بدقة حتى اللحظة الأخيرة..
فهو لابد أن يعيدها ولكن دون أن يتنازل هو..

يعلم أن الحياة لا تخلو من التنازلات.. ولكن مع كاسرة حين تقدم التنازل معنى ذلك أنك ستتنازل حتى اللحظة الأخيرة..

يعلم أن في مخططه كم كبير من الأنانية.. ولكن هل أنانيته ستضر أحدا ؟؟
على العكس.. هاهو يقدم لوالده الحلم الذي عجز والده عن تحقيقه بنفسه!!
وربما كان كساب في نفسه يهدف إلى ذلك منذ وافق على الزواج من كاسرة وعلم بمشاعر والده القديمة نحو والدتها..
أراد في أعماقه المثقلة بحب والده حتى النخاع أن يريح والده.. ورأى في مزنة امرأة تستحق ذلك..
ولكن كان وجود مهاب رحمة الله عليه سببا كبير لقمع هذا التفكير..
لأنه يعلم استحالة موافقة مهاب..
ولكن بعد مضي كل هذه الأشهر على وفاته.. أ لم يأن الأوان ليحقق لوالده حلمه ..ويصل هو عن طريق ذلك إلى هدفه؟؟


ساد الصمت لدقيقة..
ليهتف بعدها كساب بنبرة متلاعبة لأبعد حد وهو ينظر لزايد بشكل مباشر:
تدري يبه إن عمتي فيها من الزين اللي ماحد يقدر يأصله..

أجابه زايد ببرود: أدري من قدام تولد.. أظني إني مربيها على يدي..

كساب بتلاعب أشد: بس لك ثلاثين سنة ماشفتها.. ماتبي تشوف أشلون السنين أنضجت زينها..

زايد يشعر بالصداع فعلا.. فالخبيث يتلاعب به بطريقة مؤلمة حقا..

" ربما تجهل يا بني أن أكثر ما أخشاه هو رؤية كيف نضج حسنها
لا أريده ناضجا..
فهو عاش في ذاكرتي بفتاه وصباه وجموحه!!
وفي ذات الوقت قد أموت لآراها مرة واحدة..
فمن أصبح لصوتها هذا الحسن دون أن يتغير..
ألا يعقل أن حسنها نضج دون أن يتغير ؟! "


زايد أجابه بذات البرود المدروس: عليه بالعافية رقم 3..

كساب بذات ابتسامته المتلاعبة الواثقة: إيه والله وأنا أشهد إن أمه دعت له..


كان هناك من يستمع لحوارهما ويبتسم.. في البداية حين صحى من نومه على صرخة والده (أتزوج عمتك)
شعر أن قلبه يُعتصر بطريقة مجهولة.. مؤلمة وحادة..
ولكنه في النهاية عاشق يعرف شعور والده..
أ لم يأن الأوان أن يجد والده الراحة التي سُلبت منه عمره كله؟؟

ثم بدأ يشعر بالتسلية من حوار والده وكساب فهو لطالما شعر بروح تحفز مثيرة في حوارهما..
وكأن كلا منهما يوقض في الآخر كل حسه وذكائه..

زايد يهتف بحزم قاطع: كساب أنا وإياك ماحن بقاعدين نلعب طول الليل..
أمس عليّ.. بدال خبال البزارين..
تراني ماني بأصغر بزارينك.. اعرف أشلون تحشمني..

حينها هتف كساب بجدية صارمة: محشوم يأبو كساب..
وأنا ما أنا ألعب.. أتكلم من جدي.. أبيك تزوج عمتي.. ليه شايف السالفة لعبة..؟؟
يعني هذا موضوع ينلعب فيه.. خصوصا مع قدرك وقدر عمتي..؟؟

زايد يكاد يُجن من هذا الولد وهو يصرخ فيه بغضب: كساب أنت استخفيت..؟؟
وش أتزوج عمتك؟؟ وش ذا الخرابيط؟؟ عيب عليك..

كساب بثقة: وين العيب؟؟ أنت لو بغيت تعرس ماحد يلومك..
عادك بكامل صحتك وشبابك وتقدر تجيب عشر بزران لو بغيت..
وانت عارف إني وش كثر كنت ألح عليك من قبل إنك تعرس..
لا تقول يبه إن عمتي مهيب شاغلة بالك لين الحين..
وين العيب يوم أقول لك تزوجها؟؟ لا أنتو أول حد ولا آخر حد..

زايد بغضب: بس بس.. أنت ماحتى ينرد عليك.. قسم بالله إنك استخفيت..
هذا كله من تاثير غياب مرتك عليك..؟؟

كساب حينها هتف بحزم غاضب: مرتي مالها شغل.. مرتي بترجع وهذا شيء بيني وبينها.. ومالك أنت وعمتي شغل..
أنا أبيك أنت تعرس.. من حقك.. وحق عمتي..
صار لك 17 سنة بدون مرة.. وش ذا الحياة؟؟

زايد يقف ويهتف بغضب حقيقي: ماعليك مردود...
خلاص أنت أمس عند أخيك.. وأنا بأروح للبيت.. لو قعدت عندك مهوب بعيد أذبحك..
أنت تبي تفشلني على آخر عمري...احشمني ياقليل الحيا واحشم عمتك..
يا أخي لو أنت ترضاها لها.. ترا عيالها مايرضونها لها..

كساب التقط طرف الخيط بإصرار: ماعليك من عيالها.. خل كل شيء علي..
بس أنت وافق...

كان زايد على وشك قول عبارة رفض جديدة لولا أنه قاطعهما صوت هادئ كانا يحسبان صاحبه نائما:
يبه مافيها شيء.. وش فيها لو أعرست؟؟ لا أنت آخر واحد ولا أول واحد..

زايد التفت لعلي بغضب بينما كساب يشعر بانتصار لأنه كسب مؤيدا..
رغم أنه يعلم أنه لن يكون صعبا عليه إقناع شقيقيه..لكنه احتاج مساندة في هذا الوقت بالذات...

علي أكمل بهدوءه العميق وهو يحاول أن يعتدل جالسا:
يبه والله العظيم مافيها شيء.. أنت وش أنت مهتم منه.. كلام الناس؟؟
من متى وكلام الناس يهمك لا قدك على حق..
أنت لا سويت شيء عيب في أخلاق ولا دين..

زايد بغضب: الظاهر إن الدنيا انقلبت وأنا الصبي وأنتو الكبار اللي بتحللون وتحرمون..
الحين ماعاد فيه شيء إلا أنا وعرسي في ذا الوقت..
أنت الحين فكر في عرسك اللي عقب 3 أسابيع وعقبه فكر في عرسي..

حينها نظر الاثنان لزايد بصدمة وبينما كساب هتف بتساءل مصدوم:
من اللي عرسه عقب 3 أسابيع؟؟

زايد بحزم غاضب: ذا اللي مريض وماد لسانه مع لسانك.. عمه ملزم إنه يعرس ويأخذ مرته معه لا راح يعالج...
وخلاص اتفقنا إنه العرس عقب 3 أسابيع بالضبط.. مرتك تخلص آخر امتحان وتعرسون وتسافر معنا أنا وإياك..
خلاص اتفقنا على كل شيء...

علي اتسعت عيناه بصدمة شاسعة: وأنا مالي رأي.. تقررون كل شيء السفر والعرس والموعد وأنا مالي حتى رأي..

حينها ابتسم زايد بانتصار: هذا أنتو تبون تزوجوني وأنا إبيكم..
جات على كذا يعني.. يعني ما أقدر أحدد موعد عرس ولدي اللي كان محدد أصلا..

حينها شد علي نفسا عميقا وهتف بحزم قاطع صارم:
زين أنا عقب 3 أسابيع.. أنت تعرس قدامي... ومرتك بعد تروح معنا..
وإلا والله ثم والله ثم والله إني لا أعرس ولا أسافر..


حينها كاد كساب يجن من السعادة وهو يمنع نفسه أن يقفز ليقبل رأس علي ويديه...
فربما لو صنع أفضل مخطط في العالم فما حدث يفوق نجاحه كل مخططاته...
فهو رأى شدة إصرار والده على الرفض.. وكان سيبدأ بصنع حيل جديدة.. لا يعلم مدى نجاحها
ولكن علي أتاه كالمعجزة الحقيقية بهذا المقترح الذي لا أروع.. زواج والده من مزنة وقبل 3 أسابيع حتى..

كان يعلم أن هذه الفكرة غاية الصعوبة على والده حتى لو كانت مزنة مازالت تشغل تفكيره..
فحلم يشغل الذكريات غير حقيقة واقعة..
ولكن علي صنع المعجزة وهو يختصر على كسّاب نصف الطريق..
فأي معجزة مذهلة هذه ؟؟؟



بينما علي كان مقصده مختلفا تماما.. لم يكن يريد إجبار والده أو الانتقام منه..أبدا.. أبدا.. أبدا..

لكنه شعر أن الفرصة لإسعاد والده جأته على طبق من ذهب ولابد أن يستغلها..
يعلم يقينا أن مكانة والده أولا.. وكون مزنة أماً لشباب.. سببان قويان ليرفض والده الزواج قطعيا..
عدا أن حالته هو ومرضه ستكون سببا آخر للرفض...

وعلي أصبح يعلم يقينا مقدار ألم من يعشق ولا ينال..
فإذا كان هو لن ينال حلمه طوال عمره.. فعلى الأقل آن لوالده أن ينال حلمه!!

كان يعلم أنه لابد أن يقف موقفا صارما لكي يدفع بوالده نحو حلمه الذي يخاف منه..
لأول مرة يقرر أن يستخدم مكانته عند والده من أجل والده..
يعلم يقينا أن غلاه عند والده مختلف.. آن له أن يستخدم هذا الغلا من أجل من أغلاه!!


ولم يعلم كم كان والده يخاف هذا الحلم؟؟
كما لو أنك طوال عمرك تحلم أن تعيش فوق الغيوم.. حلم مستحيل لكنه مثير وجميل..
ثم يُقال لك أنك ستعيش فعلا فوق الغيوم.. كيف يكون حالك وأنت تعلم أنه لا أحد يستطيع أن يعيش هناك؟؟






************************************






" خليفة أنت لين متى بتقعد ماد البوز جذيه؟؟"

خليفة صرخ بغضب حقيقي: جاسم أنت بالذات مالك لسان تحجا..
والله العظيم لولا خوفي من ربي وإلا لأحلف إن لساني ماعاد يخاطب لسانك لين أموت..
أنا ياجاسم تسوي فيني جذيه.. والله لو أني عدوك ماتوصل جذيه..

جاسم يضحك: بدون خبال خليفوه.. لا تكون مصدق جذبتك اللي جذبتها على روحك.. إني أنا غصبتك تاخذ اخت مرتي..؟؟

خليفة بغضب: لا والله.. ولك لسان بعد..
لا ماغصبتني..وأنت تقول جدام عمك.. خليفة يبي يخطب عندكم بس خايف تردونه عشان توه مطلق..
خليت الشايب يحلف لو البنت موافقة يملجنا ثاني يوم..
وعقبه تقول ما غصبتني..

جاسم بجدية: خليفة لا تسوي روحك ضحية عشان الدور يناسبك..
أنا قلتها مزح وأنت عارف إني أنا وعمي على طول سوالفنا مزح..
ولو أنت ماتبي البنت كان قلت إن جاسم يمزح..
بس أنت أصلا تبي لك دزة.. ماصدقت..

خليفة بصدمة: الحين أنا اللي أبي دزة.. أنت تألف على كيفك...
أنا آخر شيء أبيه أني أعرس وفي هالوقت..

جاسم بذات الجدية: شوف خليفة سالفة إنك مغصوب إلعب فيها على غيري..
أنت مجروح.. وتبي تستعيد كرامتك.. وشفتها فرصة..
أدري بتقول لأ.. بس قول لا لين بكرة..
وعلى العموم أنت الحين في فترة خطوبة..وشفت البنت قبل الملجة..
وبتشوفها وايد وتقعد معاها ...ولو ماعجبتك ..لا تقول لي بعد مغصوب..
الله حلل الطلاق لشنو؟؟

خليفة بغضب: ياسلام عليك.. كل شيء عندك تافه وبسيط لهذي الدرجة..
أنا أطلق وللمرة الثانية..
وعقب لا تقول إن طلاقي ماراح يأثر بعلاقتك بأم أحمد لأنها أختها..؟؟

جاسم بحزم: مالك شغل فيني أنا وام أحمد.. أنا أساسا قايل لها..
أي شيء يصير بين خليفة وأختج مالنا علاقة فيه..






***************************************






هذه الليلة هاهي تستعد لجولة ثانية من لعبتها..
رغم أنها الليلة أكثر جبنا من البارحة.. فالبارحة لم يكن هناك ماحصل بينها وبين تميم لذا كانت متشجعة..
لكن اليوم تشعر بكثير من التعقيد بعد ماحدث بينهما صباحا..

لذا هاهي تنظر له وهو يقرأ ورده بعد أن تصرف منذ دخوله بكل عفوية ولكن دون أن يقترب منها وهو يسلم ويسألها عن أحوالها بعفوية..
ثم ينشغل في الاستحمام والصلاة والقراءة..

بينما هي تجلس على المقعد وتعبث في أوراقها لأنها انتهت من صلاتها ووردها قبل أن يحضر..

حين انتهى جلس على أريكته وهو يشير لها بعفوية مدروسة:
جيبي فراشي لو سمحت..

أجابته سميرة حينها بصدمة: تبي تنام هنا على الكنبة؟؟ من جدك؟؟

أجابها حينها ببساطة متلاعبة: أخاف أنام جنبش.. ولا سويت شيء عفوي
تحاسبيني عليه؟؟

سميرة ابتسمت بشفافية: لا تصير سخيف.. ولو حاسبتك اليوم ماحاسبتك بكرة..
يعني لا تمسك لي عالوحدة.. وسع الخاطر علي..

تميم أصبح يفهم تماما هدفها مما تفعله ويحاول تقبله.. فهي تحاول أن تتقدم بالعلاقة بينهما في إطار المصارحات الشفافة وكل منهما يتعرف على أفكار الآخر منه شخصيا..

حينها أجابها تميم بابتسامة غاية في الشفافية والتلاعب في ذات الوقت:
زين.. ماني بماسك على الوحدة.. وباوسع الخاطر.. اللي بيشق ثيابه من كثر ماتوسع..
بس جاوبيني على سؤال واحد بدون ماتلفين وتدورين..
أمس صدق سمعتي صوت في الغرفة؟؟ وإلا هذي تأليفة من عندش عشان تجيبني هنا؟؟
على الأقل خليني أغتر إنش سويتي ذا اللفة كلها عشاني.. عقب مانشفتي ريقي..

سميرة وضعت أوراقها على الطاولة وأشارت بتلاعب شفاف:
اغتر على كيفك يا ابن الحلال..
وخلني بأعلمك الليلة بسالفة تخليك تغتر أكثر..
يوم كنت أوقف قدامك كني خبلة وحن بزران وأنت ماتعطيني وجه..
بس شرط تقول لي عقب ما أخلص سالفة ترضي غروري فيها..
مهوب بس أنت حلال عليك تغتر وأنا لأ..





*********************************





" ها عفرا.. وش أخبارها؟؟"

عفراء تجلس جوار منصور بإرهاق.. بينما كان هو جالسا عند زايد الصغير حتى تعود أمه التي قضت أكثر من ساعتين وهي عند جميلة في الأعلى..
منذ فجعها منصور بالخبر وركضت للأعلى دون أن تنطق بكلمة..

عفراء أجابته بنبرة مرهقة مثقلة بالحزن: بتبكي يومين وتنسى..
وش نسوي.. نجبر ولد الناس عليها؟

منصور بقلق: وذا الساعتين كلها تبكي؟؟

عفراء بحزن: وبتبكي أكثر منهم.. واجد متأثرة ماهقت إنها رخيصة عنده ذا الدرجة..
يعرس عقب ماطلقها بشهر واحد...؟؟

منصور بحزم: واللي ركب ذا الرأس إن قد تأخذ اللي أخير منه وينسيها خليفة وطوايفه..

عفراء بجزع: منصور لا طالبتك.. خلاص.. ما أبي بنتي تعرس..
بنتي أساسا صغيرة وتوها على العرس.. خلها تقعد عندي لين تخلص دراستها..
خلصنا يأبو زايد خلصنا !!






**********************************






" جوزا حبيبتي وش تدورين تالي ذا الليل؟؟"

جوزاء التفتت لعبدالله الذي كان يقرأ كتابا وهو متمدد على السرير وينظر لها بنظرة مقصودة أقرب للغضب...

جوزاء بابتسامة عذبة مدروسة: أغراض لي حبيبي ما أدري وين حطيتهم؟؟

عبدالله بنبرة مقصودة فيها رائحة الغضب المكتوم:
غريبة بالعادة تطلعين الأبرة المختفية من مكانها من كثر ما أنتي مرتبة..
وين راحت أغراضش؟؟ وخاصة إنه شيء أكبر من الأبرة وين بيضيع يعني؟؟

جوزاء حينها توترت قليلا.. فهي لاحظت منذ أيام أن عبدالله على غير عادته..
ولكنها لانشغالها بعبدالرحمن وصحوته لم تجد وقتا لتشغل بالها بالموضوع
كما أنها ظنتها مشاكل في العمل..

حينها اقتربت جوزا وجلست جواره وهي تهمس برقة:
لا تصير سخيف لأنك عارف إنها لشعاع مهيب لي.. أخت علي عطتني أياها أعطيها شعاع..

عبدالله حينها هتف بحزم غاضب: عقلي مهوب صغير وأدري إنها لشعاع من يوم شفت حسون يلعب فيها قبل كم يوم..
وسكتت لحد ما تسألين عنها مع إني مولع.. لأني ما أرضى يكون عند مرتي صورة رجّال غريب..
ورجاء جوزا..ذا السالفة ما تكرر.. أنتي منتي بمرسول غرام... واضح؟؟

جوزا ابتسمت برقة أنثوية بالغة وهي تميل لتقبل كتفه: واضح .. وأنا آسفة..
بس تكفى ما تزعل علي..

عبدالله لم يجبها وهو مازال معقود الجبين.. رفعت جسدها أكثر لتقبل مكان انعقاد ناظريه وهي تهمس بخفوت له من قرب:
قلت آسفة لا يصير دمك ثقيل.. مايهون علي زعلك.. والله العظيم السالفة ما تستاهل..
بنية وتبي تشوف صورة رجالها.. عادي حبيبي..

عبدالله بذات الغضب: تشوفها بعيد عنش.. مالش شغل..
عيب.. السواة هذي عيب..

جوزا بعتب رقيق: والله العظيم عبدالله زودتها.. السالفة ما تستاهل..

حينها ابتسم عبدالله رغما عنه.. لا يقاوم انعقاد ناظريها بهذه الرقة:
أغار عليش يا قلبي من كل شيء.. مايحق لي؟؟..

جوزاء برجاء عميق: يحق لك ونص.. بس عطني صورة رجّال شعاع تكفى..

عبدالله هز كتفيه ببساطة حاسمة: شققتها..
خلي الآنسة شعاع تعقل وتركد وبتشوفه ليلة عرسهم..
قولي لها عبدالله يقول لش: علي مافيه شيء شين.. بيعجبها.. على ويش الطفاقة؟؟







***********************************







" كساب ليه مانمت عند علي وخليت إبي يرجع؟؟"

كساب بهدوء: إبي مارضى.. قال لي أنت أمسيت البارحة واليوم دوري..
ثم ابتسم بتلاعب: وبعدين بينه وبين حبيب القلب سوالف طويلة..
لأنهم قدموا عرسه بيكون عقب 3 أسابيع..

مزون قفزت بصدمة: نعم؟؟ نعم؟ وعلي في ذا الحالة؟؟
وأنا متى بألحق أجهز للعرس إن شاء الله؟؟

كساب ببساطة: لا تسوينها مأساة.. الفلوس تسوي كل شيء في أسرع وقت..
عرسي جهزتوا له في شهر.. منتي بقادرة تجهزين لعرس في 3 أسابيع؟؟
وخصوصا إنه خلاص صار عندش خبرة..
أبو عبدالرحمن لزّم إن مرته لازم تروح معه للعلاج..

مزون باستعجال: خلاص خلني أكلم جميلة تستعد تروح معي.. وأجهز لستة بالأماكن اللي بأروح لها بكرة..
إن شاء الله بأقدر..

كساب شدها وأعادها لتجلس وهتف بصرامة: اقعدي .. عندي سالفة ثانية..
صمت لثانية ثم أردف بذات النبرة الصارمة: أشلون علاقتش بمرت تميم..؟؟

مزون باستغراب لسؤال كساب: سميرة؟؟ علاقتي فيها ممتازة.. خصوصا عقب ماصاروا جيراننا..

كساب حينها هتف بذات الصرامة: أنا كنت أسمع من كاسرة إن سميرة لها تأثير كبير عندهم في البيت..

مزون هزت كتفيها: أظن كذا.. وأكيد كاسرة أدرى..
ليش تسأل يعني؟؟

كسابة بحزم: خلينا الحين من ذا السالفة وتعالي نروح لسالفة ثانية..
تذكرين قبل ماتدخلين الكلية وش كثر كنا نلح على ابي يتزوج وكان معيي..

مزون باستغراب لتداخل الموضوعات غير المنطقي: وش علاقة ذا بذا؟؟

كساب بذات الحزم: أنتي عندش مانع إبي يتزوج؟؟

مزون شعرت بصدمة كاسحة فعلا.. قد تكون هي لم تتوقف أبدا عن الإلحاح على والدها أن يتزوج.. ولكن أن ترى الفكرة ماثلة أمامها..
بدت لها صدمة موجعة.. وهي تقف بين حدي الأنانية والإيثار..
إن قالت لا مانع لديها من زواجه.. فهي تعلم أنها تؤثره على نفسها..
وإن قالت أن لديها مانع فمعنى ذلك أنها تؤثر نفسها عليه وأن ذلك أنانية منها لأنها تريد امتلاكه لنفسها..
وخصوصا أنها تعلم أنها ستتزوج يوما بعد أن تزوج أخويها.. فهل يبقى والدها في هذا القصر الضخم وحيدا؟؟

هتفت بصعوبة: أكذب عليك لو قلت إنه خاطري مافيه شيء..
بس لا.. ماعندي مانع إنه يتزوج..
إبي كفى ووفى.. أمي صار لها أكثر من 17 سنة من يوم ماتت.. غيره مايسويها..

حينها أجابها كسّاب بطريقة الآمر الصارم: خلاص أعتمد على ذكائش تقنعين سميرة بزواج أبي من أم امهاب..
وهذا كل المطلوب منش..

مزون بصدمة كاسحة: خالتي مزنة؟؟

كساب ببساطة: ليه وش فيه خالتش مزنة مهيب مقام أبيش؟؟
صحيح أنا ماشفتها إلا ببرقعها بس مبين عليها زينة وأصغر من سنها واجد..

مزون بثقة: من حيث الزين.. مهيب بس زينة..
عمتك ينقال لها اللي زينها يوجع من قلب.. وفعلا تبين أصغر من سنها بأكثر من عشر سنين..
وهي فعلا كشخة ومهتمة بنفسها واجد..
بس هذا ماينفي إن عمتك عمرها 45..

كساب بذات البساطة: وإذا عمرها 45 وش المشكلة؟؟

مزون بجدية: إبي ممكن يتزوج وحدة في أواخر العشرينات أوائل الثلاثينات وبدون مشكلة.. وش المشكلة لو كان الفرق بينه وبين مرته 15 سنة؟؟

كساب بتساؤل: طيب وعمر عمتي وش مشكلته؟؟

مزون بذات الجدية: مشكلته إنها خلاص احتمال كبير جدا ماعاد تقدر تجيب عيال..
وإبي دامه بيتزوج حقه يتزوج مرة بتجيب له عيال...

كساب وقف هو يهتف بحزم: يعني أنتي تشوفين إن إبي تناسبه بنت صغيرة في سني.. أنا خلاص صرت في الثلاثين..
أنا ما أنا بمعش.. أشوف عمتي مناسبة له واجد..
وأنا أطلب منش تقنعين سميرة بالفكرة كخدمة لي.. أو أنا ما أستاهل منش ذا الخدمة؟؟
وأبيش تسوين ذا الشيء بكرة بدون تأخير لان علي شارط إن إبي يتزوج قبل زواجه...





***********************************






صباح اليوم التالي
.
.
.



فرحة عارمة تغمر بيت أبي عبدالرحمن اليوم لعودة عبدالرحمن..
أعدوا له غرفة في الأسفل وحمله العمّال حتى وضعوه على السرير..
وهاهي أسرته بكامل أفرادها تحيط به وسعادتهم الغامرة مستعصية على الوصف..


أم عبدالرحمن بمودة غامرة وبريق الدموع في عينيها:
أنا يأمك سويت لك كل اللي تحبه على الغدا.. بس كنك مشتهي شيء ثاني قمت أسويه ذا الحين..؟؟

عبدالرحمن بمودة عميقة: ما أبي شيء جعلني فداش..
ثم أردف بابتسامة حنونة: أبي بس حسون الخايس يأتي يقعد جنبي مشتحن له وهو صاير ثقيل مايعطي وجه هو ووجهه..

جوزاء تبتسم: ليه وش فيه وجه ولدي؟؟

عبدالرحمن بمودة: خليه يأتي عندي ما أكثر هذرتش.. حسون تعال..

حسن الصغير قفز ليجلس على فخذي عبدالرحمن الممتدين تحت الفراش..
بينما شعاع همست بجزع: حبيبي حسون لا توجع خالك..

عبدالرحمن يهز كفه وهو يقول بابتسامة: من جدش ذا العصفور يوجعني..
اقعد يا ولد.. ماعليك منهم..


بينما أبو عبدالرحمن أشار بيده وهو يهتف بحزم: دامك كلكم متجمعين.. خلني أعلمكم بشيء.. عبدالرحمن عنده خبر..
ترا عرس شعاع بيكون الجمعة اللي عقب 3 أسابيع..

الوجوم والسكون حل على المكان.. بينما شعاع همست كأنها تكلم نفسها وفيضان من الدموع يستعد ليقفز من عينيها:
بس آخر امتحان عندي بيكون الخميس اللي عقب ثلاث أسابيع..

فاضل بحزم صارم: وتعرسين ثاني يوم.. وين المشكلة؟؟

حينها أم عبدالرحمن همست بتردد: البنية قد هي مسوية حجوزاتها.. ماعاد تقدر تقدمها.. وثلاث أسابيع ماتكفيها تكمل تجهيزها..

أبو عبدالرحمن بذات الصرامة الحازمة: الحجوزات تسوي غيرها.. والسوق مهوب طاير.. اللي مهيب لاحقة تشتريه قدام عرسها تشتريه عقب..

شعاع بدأت تدعك أناملها بعنف وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء..
فهي مشغولة تماما هذه الأيام في الاستذكار وتسليم مشاريعها الأخيرة
وتشعر أنها تكاد تنفجر من ضغط الجامعة..
فكيف بالزواج أيضا وهي من كانت تؤجل فكرة التسوق بالكامل حتى تنتهي من الجامعة..؟؟

فقط أنهت حجز التزيين وتصميم الفستان.. وقررت أن تريح بالها من كل شيء حتى تنتهي من الامتحانات التي تشكل لها شبحا مرعبا لأنها في فصل التخرج..

أبو عبدالرحمن لاحظ ارتعاشها وأنها على وشك أن تبكي.. ناداها بحنان عميق:
شعيع يا أبيش تعالي اقعدي جنبي..

شعاع قامت لتجلس جواره ولتنفجر في كل ما منعت نفسها من إسالتها من دموع.. وهي تدفن وجهها في صدره..
جوزاء كانت تنظر للموقف أمامها مصدومة.. بينما عبدالرحمن كان قد قرر مساندة والده حين يحتاج المساندة..
لانه يعلم بمبررات والده ويحترمها..

أبو عبدالرحمن احتضن شعاع بحنو وهتف بحنان مخلوط بالحزم:
اسمعيني يأبيش.. رجالش تعبان.. وبيسافر يعالج برا عقب 3 أسابيع..
وأنا حلفت إن قد تروحين معه.. مع إن إبيه كان يبي يأجل العرس عشانش..
بس يأبيش المرة الأصيلة إذا ما وقفت مع رجالها وهو معتازها... متى توقف معه؟؟

شعاع اتسعت عيناها الدامعتان بصدمة وهي تنظر لجوزا التي أخبرتها أن مرضه بسيط..
" أ هو مريض فعلا لهذه الدرجة التي يضطر معها للسفر للخارج؟؟"





*********************************






" ها يا العرسان.. وش علومكم اليوم؟؟"

كساب ينظر لعلي وزايد ويبتسم.. علي ابتسم بمودة بينما زايد هتف بحزم بالغ صارم:
أص ولا كلمة.. أما أنت ماعاد تعرف تحشم ولا تحترم حد..

كساب يبتسم: أفا العريس زعلان..

زايد هتف بذات النبرة الحازمة الصارمة: زين دامك تقول العريس اسمعني عدل..
أنا مالي شغل في شيء.. مهوب انت تقول كل شيء عليك.. كل شيء أنت اللي تسويه..
حتى الخطبة ماراح أخطب.. أنا ماعندي استعداد إني انرفض عقب ذا العمر...

كساب بذات الابتسامة: وليه ظنك إنك بتنرفض؟؟

زايد بحزم أقرب للغضب: رفضتني مرتين قدام أتزوج أمك.. بتوافق علي الحين عقب ماصاروا عيالها شباب..
أنا بس أجاريكم في لعبتكم.. لين تسمحون منها..

كساب بابتسامة واثقة: خلاص أبشر.. أنا بأسوي كل شيء.. وبجيب موافقتها المبدئية.. بس عقب لازم أنت اللي تخطب..
هذا السنع يا العريس اللي تعرف السنع..

زايد جلس وهو يشعر بصداع أليم لم يفارقه منذ البارحة..
لا يحتمل هذا الضغط.. وهو يعلم يقينا أنها سترفضه وللمرة الثالثة..
فلماذا يقلبون مواجعه بهذه الطريقة المتوحشة..؟؟
مشغول بعشرات الأشياء وآخر ماكان ينقصه تلاعب أبناءوه به وفي أكثر الموضوعات حساسية في تاريخ حياته؟؟


"لا تخدع نفسك يا زايد!!
فمن ذا الذي يستطيع التلاعب بك؟؟
تعلم أنه لا يستطيع أحد التلاعب بك إلا بمزاجك أنت؟؟
لماذا لا تقول يا زايد أنه رغم استحالة الأمل
ولكنك لم تستطع مقاومة دغدغة الفكرة لذكرياتك التي غاصت في أقصى جذور قلبك!!"





****************************************





" خالتي تعبت أدق على جميلة وجوالها مسكر
وش فيها؟؟ "

عفراء تهمس بإرهاق مخلوط بالحزن وهي تعدل وضع ابنها على يدها وترد على هاتفها باليد الأخرى:
تعبانة شوي يأمش.. لا شفتش علمتش..

جميلة بخيبة أمل: كنت أبيها تروح معي العصر عشان حجوزات عرس علي..
ثم أردفت بحماس رقيق: إلا دريتي خالتي إن عرس علي تقدم وقته؟؟

عفراء بحنان: دريت ياقلب أمه.. هو اتصل بنفسه فديته اليوم الصبح وقال لي..
وخلاص تعالي العصر وأنا اللي بروح معش..

مزون بتردد: بس خالتي يمكن ماتبين تخلين زيودي.. أو مشغولة..؟؟

عفراء بهدوء مغلف بالشجن والإنشغال من كل ناحية:
زايد باخليه عند أخته.. لأني عارفة إنها ماتبي تطلع مكان..

حينها هتفت مزون بقلق: ليه وش فيها خالتي؟؟

عفراء بحنان وحزن: بأقول لش يأمش إذا شفتش...


مزون أنهت الاتصال وهي تتنهد.. يبدو أن هذا الصباح هو يوم المكالمات الملغومة..
فهي للتو أنهت اتصالها مع سميرة.. رغم أنها تعلم أن ماكانت تريد محادثتها فيه موضوع لا يليق مطلقا على الهاتف
وخصوصا أن سميرة في عملها.. ولكنها أرسلت لها رسالة أنها تريدها في موضوع مهم وخاص جدا وأن تتصل بها حين تستطيع
فكساب أكد عليها أن تنهي الموضوع اليوم.. وهي لابد أن تذهب لتغير حجوزات علي وتحجز حجوزات جديدة وتستعجل فيما بقي من حجوزات..

عدا أنها شعرت بالحرج أن تذهب لزيارتهم لأنها تعلم حينها أن مزنة وبناتها سيكن متواجدات ولن تستطيع مطلقا فتح الموضوع مع سميرة..

كانت ستموت من الحرج حين رأت سميرة تتصل بها..
ولكن ربما من حسنات دراسة الطيران أنها هيأتها للتصرف بتحكم أكبر كلما ازداد الموقف تأزما وصعوبة..
ولكنها لم تحتج لتوظيف قدراتها لأن سميرة فاجأتها بتحمسها للموضوع..

فسميرة ترى في عمتها الكثير من الأنوثة التي ستذهب هدرا دون أن تحضى برفقة رجل يكون شريكا لها فيما بقي لها في حياتها..
فهي ترى أن مزنة تستحق رجلا لم تحصل عليه بعد..
وأي رجل أفضل من زايد؟؟






**********************************






كانت عالية تنتهي من صلاة العصر وتريد أن تتمدد قليلا قبل أن تنزل لوالدتها لقهوة العصر..
حين وصلتها الرسالة التي جعلت عيناها تغيمان من الرعشة والتوتر:

" يعني ماكلمتيني ياصادقة الوعد؟؟
زين الملف اللي خليتيه أمس عندي
وعليه اسمش ومليان بخطش وتقاريرش
بيوصله لش عبدالله
وإلا تدرين بأعطيه إبي بعطيه ابيش أحسن !! "





.
.
.


في ذات الوقت
كانت كاسرة نائمة لأنها لم تكن تصلي لعذرها الشهري الشرعي..
سمعت رنين هاتفها ولكنها كانت عاجزة عن الرد..
سمعت الرنين للمرة الثانية فنهضت من نومها.. وكانت على وشك الرد لولا أنه سكت
لتصلها هي أيضا رسالة.. ولكن رسالتها جعلت دخانا يطلع من أذنيها لشدة غضبها:


" جبانة كالعادة..
وأنا اللي كنت مخدوع فيش كل ذا الشهور وأحسب أنش شجاعة!!
لا يكون بأكلش في التلفون يعني؟!!
ردي علي ياجبانة.. أبيش في موضوع مهم
ولا تخافين.. موضوع مايخصنا"






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 07-12-10 06:41 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع و الستون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير والسلام والمودة
.
ياحياكم الله يا أطهر قلوب قلب قلب قديمكم وجديدكم
.
فيه بنات يسألون عبدالرحمن أشلون عرف عالية؟؟
بتسمعون أشلون عرف على لسانه هو
وعلى العموم اللي يقولون إنه مابعد شافها.. لا هو شافها وبالنقاب يعني عارف هيئتها بالنقاب.. لما زارها عند أمها :)
.
.
ما أبي أطول عليكم
يا الله الجزء 67
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والستون






كانت عالية تنتهي من صلاة العصر وتريد أن تتمدد قليلا قبل أن تنزل لوالدتها لقهوة العصر..
حين وصلتها الرسالة التي جعلت عيناها تغيمان من الرعشة والتوتر:

" يعني ماكلمتيني ياصادقة الوعد؟؟
زين الملف اللي خليتيه أمس عندي
وعليه اسمش ومليان بخطش وتقاريرش
بيوصله لش عبدالله
وإلا تدرين بأعطيه إبي بعطيه ابيش أحسن !! "


عالية شعرت بالصداع يعاود التفجر في منتصف رأسها..
(ياربي وأنا من أمس أدور له ما أدري وين قلعته
الله يقلع دار العدوين.. مالقيت أخليه إلا عند الدب)


عالية تناولت هاتفها وأناملها ترتعش رغما عنها:

" يا النصاب أنا ما وعدتك..
أنا قلت بأكلمك بس عشان تخليني أروح..
وتكفى الملف عطه لجوزا..فيه شغل مهم واجد..
أدري إنه مايهون عليك تفضحني وتعطيه إبي أو عبدالله!!"


انتظرت أقل من دقيقة ليصلها رده:

" عادي مثل ماهنت عليش
وأنتي تكذبين علي وتسكتيني كني بزر تلعبين عليه
أنتي بعد بتهونين علي..
كلميني الحين مثل ماوعدتيني أو الملف بيوصلش الليلة مع أبيش..."

عالية غطت وجهها حين وصلها رده: صدق يامن شرا له من حلاله علة.. وش ذا اللزقة؟؟

أرسلت له بغيظها:
" أنت ليش تتأمر علي؟؟
تبي تكلمني كلمني.. هذا أنت جبت رقمي.. يعني السالفة مهيب صعبة عليك..
ليش ملزم أنا اللي أكلمك؟؟"

وصلها رده :
" لأنه أكثر شيء أكرهه في العالم الكذب..
ولازم تعرفين عني ذا الصفة..
أنا ما أرضى حد يكذب علي..
كلميني الحين ولا تزعليني.. لأن زعلي شين!!"


عالية بتوتر (ويهدد بعد الأخ!!.. بس ماظنتي يسويها مستحيل
لو وجهه مغسول بمرقة ومافيه مروءة إنه مايفضح مرته كذا..
وش عرفني يمكن الغيبوبة أثرت على عقله..؟؟
بس صدق لو هو بيسويها إنه طاح من عيني..
لا والله.. الدب مايهون علي!!"


عالية اتصلت به بتوتر..
جاءها ترحيبه دافئا عميقا وحنونا ومثقلا بنبرة رجولية خاصة به:
اشتقت لش من البارحة لين اليوم ما تتخيلين وش كثر..

عالية بتوتر: تكفى عبدالرحمن ملفي عطه جوزا..

عبدالرحمن بابتسامة دافئة: وهذا الحين كل اللي هامش وماكلمتيني إلا عشانه..
لا تخافين.. ملفش أصلا عطيته جوزا من قبل ما أكلمش.. يوم راحت من عندنا قبل شوي..
وحطيته في ظرف وماقلت لها أساسا وش هو.. بس قلت عطيه لعالية بدون ماحد يدري..
ومن أمس من يوم طلعتي.. قلت لأبي يعطيني إياه.. ماطلبته من أمجد لأني أعرفه ملقوف ويقرأ عربي وانجليزي زين..
بس إبي عطاني إياه بدون مايطل فيه حتى..
وعلى طول طلبت من الممرضات ظرف أحطه فيه.. وقبل مايوصلني الظرف.. كنت حاطه ورا مخدتي اللي ورا ظهري..
إذا عندش شك واحد في المية إني ما أحرص عليش حتى أكثر من نفسش فأنتي خبلة
يعني تصدقين إني ممكن أسويها يا الخبلة وأعطيه لأبيش أو أخيش عقب ماسويت ذا كله عشان ماحد يلمح اسمش حتى عليه..؟؟


عالية بصدمة متأثرة من لطف كل ماقاله: زين ليه تهددني فيه أساسا؟؟

عبدالرحمن بابتسامة: داري إني مالي خاطر عندش.. وأنش ماراح تكلميني إلا بالتهديد..
يعني أكون بأموت عشان أسمع صوتش.. وأنتي شاحة به علي..

عالية صمتت وحنجرتها تجف تماما.. ووجهها يشتعل احمرارا..
بينما عبدالرحمن أكملها عليها وهو يهتف بدفء عميق هز أعماقها هزا:
ها عالية أوعديني تكلميني.. أو على الأقل ردي على مكالماتي لا كلمت..
يعني صبريني شوي لين موعد عرسنا.. أشلون باستحمل يعني ياقلبي؟؟

عالية زاد وجهها احمرارا (وقلبي بعد.. الرجّال استخف!!) ريقها جاف تماما بالكاد ظهر صوتها مع كلماتها المبحوحة:
تبيني أكلمك.. لا تقول لي ذا الكلام.. ولا تكلمني بذا النبرة..!!

عبدالرحمن ضحك: الحين حلال عليش وحرام علي.. يعني كنتي مذوبة قلبي وانا في الغيبوبة بكلامش واحترق إني ما أقدر ارد..
والحين مستكثرة علي أعبر شوي..

حينها همست عالية بيأس خجول: عبدالرحمن إنت صدق متذكر وش كنت أقول
وإلا تبي تجلطني؟؟

عبدالرحمن بابتسامة: أول الأيام ما أتذكر شيء.. بس أتذكر همسش الدافئ قريب مني ويهز أوتار قلبي..
لكن عقب لو تبين أقول لش سوالفش بالتفصيل قلتها..

عالية تكاد تجن: عبدالرحمن أنا قلت لك أسرار واجد ما أبي حد يدري فيها..

عبدالرحمن بأريحية حميمة: ومستحيل حد يعرف سر أنتي قلتيه لي.. اعتبري نفسش أساسا ماقلتي شيء..
بس فيه سوالف مستحيل أنساها وبحاسبش عليها وحدة وحدة..
ثم أردف وهو يبتسم بغيظ: خصوصا سالفة ولد عمش أبو عيون عسلية.. هذي لها حساب خاص..

عالية شعرت كما لو كان صدمها قطار في منتصف وجهها.. وهي تغلق الهاتف في وجهه وتلقي الهاتف بعيدا عنها..

ثم تدفن وجهها في المخدة لأنها شعرت أنه اشتعل واحترق بكل معنى الكلمة..
لذا لم تشعر بدخول جوزاء عليها التي حسبتها نائمة وهي تضع ظرفا بنيا ضخما قريبا منها ثم تغلق الباب خلفها..





*************************************







كانت كاسرة نائمة لأنها لم تكن تصلي لعذرها الشهري الشرعي..
سمعت رنين هاتفها ولكنها كانت عاجزة عن الرد..
سمعت الرنين للمرة الثانية فنهضت من نومها.. وكانت على وشك الرد لولا أنه سكت
لتصلها هي أيضا رسالة.. ولكن رسالتها جعلت دخانا يطلع من أذنيها لشدة غضبها:


" جبانة كالعادة..
وأنا اللي كنت مخدوع فيش كل ذا الشهور وأحسب أنش شجاعة!!
لا يكون بأكلش في التلفون يعني؟!!
ردي علي ياجبانة.. أبيش في موضوع مهم
ولا تخافين.. موضوع مايخصنا"


كانت على وشك الاتصال به.. حينما عاود هاتفها الرنين باسمه..
فهي مازالت لم تبرد نارها فيه لما فعله بها بالأمس وهو يحرجها هكذا أمام والدتها..
وبالفعل كانت تريد أن تكلمه لتسمه قليلا كما هي مسمومة منه لدرجة شعورها بمرارة السم تتصاعد مع أنفاسها..
ولكنها لم تكلمه حتى لا يعتقد أنه نجح في استفزازها.. ولكن هاهو يأتي لها بنفسه..

ردت على الهاتف وبدون مقدمات ببرود احترافي: هلا والله..
تصدق اشتقت لك وكنت باقول لك تعال تعلبش على الدرايش عشان أشوفك؟؟

كساب ببرود أكثر احترافية: اطلبي وشوفي أنا بأنفذ وإلا لأ.. ما أحب أخلي في خاطرش شيء..

كاسرة بذات البرود: تصدق أسمع بالناس اللي مافي وجيههم سحا..
بس مثل وقاحتك ما تخيلت إني ممكن أشوف في حياتي كلها..
ماكفاك اللي سوته أمي فيك؟؟

كساب بتهكم: ترا ماكنت في التهزئية بروحي لو أنتي ناسية.. أنتي خذتي نصيبش معي

ثم أردف بثقة: وعلى العموم عمتي عبارة أمي وما حد يزعل من أمه..
وخصوصا إنها تشوف السالفة من زاويتها.. أنا ما أشوف نفسي سويت شيء غلط.. هذا حقي..

كاسرة مازالت تحتفظ ببرودها الواثق: صدق وقح.. أي حق هذا اللي تشوفه لنفسك وأنت هاجم على بيوت الناس؟؟

كساب بثقة أشد: والله لا صار عند الواحد مرة مخها معووج ماتنفع معها الطرق المستقيمة..
وش يسوي؟؟ لازم يستخدم طرق معووجة مثلها..

كاسرة بثقة: هذا والله اللي ركبني حمارته وعيرني بعيارته ..
وعلى العموم دامني عوجا ومخي معووج.. وش حادك علي..؟؟
طلقني واخلص مني..

كساب بحزم: قلت لش طلاق ماني بمطلق .. وبتطخين ..واللي في رأسش بيطيح وبترجعين من ورا خشمش..

كاسرة بدأت تنتفض من الغضب الذي لم يظهر في صوتها المتحكم:
أنت ماتفهم.. الحياة معك بالغصيبة؟؟ قلت لك ما أبيك.. نفسي طابت منك..

كساب بجبروت: بس أنا نفسي ماطابت منش.. وأنا اللي أقرر مهوب أنتي..

ثم أردف بتلاعب مثير:وعلى العموم أنا قلت لش ..أنا أبيش في موضوع مايخصنا..
بس أنتي لا سمعتي صوتي أدري تفقدين الإحساس ومايصير في رأسش شيء غيري..


كاسرة رأسها يؤلمها من ثقته الوقحة (أي مخلوق متبجح هذا؟؟
.
وما الغريب فيما يقول؟؟
الغريب إنه محق.. ما أن أسمع صوته لا يعود في رأسي سواه!!"


كساب أكمل ببساطة واثقة: خلينا الحين من طاري الطلاق..
لأنه حن في طاري زواج..
إبي يبي يتزوج أمش..


كاسرة تصورت أن الموضوع قد يكون أي شيء.. لكن هذا الأمر لم يخطر أبدا ببالها.. أبدا.. أمها تتزوج؟!!!
همست بصدمة وصوتها مبحوح تماما: نعم؟؟ من؟؟ أمي وعمي زايد؟؟

كساب بثقة: ليه إبي مهوب قد المقام..؟؟
أدري إنش تحبينه أكثر مما تحبيني..
يعني ماتبينه يكون أقرب لش أكثر ويصير أب وعم..؟؟

كاسرة حينها همست بثقة: لو حبيته أكثر فهو يستاهل.. عطاني سبب أحبه عشانه.. حنان ورجولة وتفهم ..
لكن أنت على ويش أحبك أساسا..
وعلى العموم على قولتك الموضوع مايخصنا..
بس أنا متأكدة إنك تمزح.. وهذا موضوع ما ينمزح فيه لو سمحت كساب..
لين هنا ووقف خبالك..

كساب بثقة غامرة لا تخلو من نبرته الساخرة الحادة التي يتميز بها:
ليه هذي كلها أنانية منش.. تبين أمش لش بروحش..؟؟
أو يمكن كاسرة اللي مايهمها حد.. خايفة من كلام الناس لا يقولون شوفوا أمها أعرست..؟؟
ترا هذا زايد آل كساب اللي متقدم لأمش مهوب أي حد..

كاسرة بثقة غامرة: وزايد آل كساب على رأسي.. بس كلامك مهوب منطقي..
لو إبيك يبي أمي.. أمي صار لها أرملة أكثر من 15 سنة..
وأمك الله يرحمها لها أكثر من 17 سنة من يوم ماتت.. ليش ماخطبها وهم عادهم شباب..
يعني الحين في ذا العمر يبيها؟؟ اسمح لي كلام مايدخل الرأس..

كساب بثقة: وليه أنتي شايفة إبي وأمش شيبان.. بالعكس الأثنين شباب والله معطيهم الصحة..
وشيلي من رأسش إنه كلام مايدخل المخ...

يعني عمش زايد حبيبش مايستاهل منش تأزرينه وهو اللي بداش حتى على ولده..؟؟
يعني هذا بيكون ردش عليه عقب مابداش عليّ وخلاش تمشين شورش؟؟
أمش رفضت إبي مرتين.. بتسمحين لها تفشله مرة ثالثة..
والحين إبي مهوب مثل ماكان قبل 30 سنة.. لا مكانته العالية ولا سنه يسمحون إنه ينرفض.. والرفض بيكون إهانة له...
إذا انتي عادي عندش إنه ينهان.. اعتبري نفسش ماسمعتي مني شيء..
ولو جاكم إبي يخطب ردوه..
واستخسري في أمش فرصة إنها تعيش اللي باقي من عمرها جنب رجّال تدرين زين وش كثر بيحترمها ويقدرها ويعوضها عن شبابها اللي ضاع..


.
.
.


بعد دقائق..

كساب بعد أن أنهى اتصاله مع كاسرة.. قام بإجراء اتصال جديد..
كما لو كان ذهنه يعمل على عدة مستويات..
أو كما لو كان اخطبوطا أذرعه تعمل على عدة اتجاهات..

اتصل بسليم مرافق الجد جابر ليسأله عن مكان الجد..
فأخبره سليم أنهما في مجلس زايد ولكنهما لم يجدا أحدا وسيغادران بعد أن ينتهي الجد من شرب قهوته التي حلف عليه المقهوين أن يشربها قبل المغادرة..

فطلب منه كساب أن ينتظرا لأنه سيحضر حالا لهما..

وصل للمجلس خلال أقل من دقيقة لينحني كساب على رأس الجد ويتأخر سليم ليخلي الجو لهما وهو ينضم للمقهوين قريبا من دلال القهوة..

بعد أن انتهيا من السلامات المعتادة همس كساب باحترام مخلوط بالمودة: بشرني منك يبه..

الجد بنبرة مقصودة: أنا طيب وش العلوم اللي عند شيبة مثلي.. يقول يا الله حسن الخاتمة..
أنت اللي وش علومك.. عاجبك حالك أنت ومرتك؟؟
أنا حالف عليك تسمي الولد الثاني امهاب عقب ماتسمي الولد الأول زايد..
والظاهر إنه لا به زايد ولا امهاب..

كساب ابتسم: والله يبه الظاهر إن بنتك غرها الغلا.. وش أسوي بها ؟؟

الجد تنهد وهو يرسم شبح ابتسامة: هيييييييييه ...الظاهر ياأبيك إنك نسيت وصاتي لك وأنت صغير ..
قلت لك بنتي مهرة تعسف بس ما تكسر.. وأنا أشوف من وجيعتها منك إنك تبي تكسرها..

كساب مازال مبتسما لا يعلم لماذا يشعر مع الجد بأريحية مطلقة كما لو أنك تتحدث إلى بئر عميقة صداها أكثر عمقا..:
يبه هي خلتني أعسف وإلا أكسر.. شلت شلايلها وهجت عندكم..
وعلى العموم يبه.. خل كاسرة شوي.. خلها لين يطيب خاطرها وبترجع..
الحين أبيك في سالفة أهم..

الجد بعتب: أفا يأبيك وش السالفة اللي أهم منك ومن مرتك..

ابتسم كساب: اللي أهم منا إبي وأمها..

الجد قطب جبينه بتساؤل قلق: زايد ومزنة.. عسى ماشر؟؟

حينها هتف كساب بمودة حازمة: مابه شر.. إلا خير.. نبي نزوجهم..

الجد حينها ضحك ضحة خافتة من القلب: الله يونسك بالعافية ياولدي.. لي شهور ماضحكت..

كساب يضحك معه ولكنه يعود ليهتف بجدية: ليه يبه لذا الدرجة متباعد الموضوع..؟؟ تراني أتكلم من جدي..
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث جدهن جد.. وهزلهن جد.. النكاح والطلاق والرجعة..)
يعني مستحيل أمزح في موضوع مثل هذا..

حينها قطب الجد جبينه: يأبيك.. من جدك ذا الحكي؟؟.. بروحك تقول مايجوز المزح في ذا السوالف..

كساب هتف بأكبر قدر من الجدية: والله العظيم يبه إنه من جدي..
إبي يبي يخطب عندك بنتك.. بس خايف تردونه.. وأنت داري قدر إبي مايسمح تردونه ثالث مرة..

حينها هتف الجد جابر بحزم: أجل قل له لا يخطب..
يا أبيك اللي مضى ماعاد يرجع.. أنا لو أنه بيدي كان قلت لك جيب المملك أملكه ذا الساعة..
بس مزنة ماقدرت عليها وهي أم 15 سنة.. أقدر عليها ذا الحين..
مزنة أم عيال ذا الحين.. ولا عاد لها في العرس حاجة.. جعل عمر تميم طويل..

كساب لم يتوقع مطلقا أنه قد يواجه هذه المعارضة من الجد الذي يحب زايد أكثر من ابن حتى..

لم يعلم أن معارضة الجد لم تكن معارضة في ذاتها.. فربما كان هذا الأمر من أكثر الأمور التي تمناها في حياته..
لكنه أراد أن يجنب زايد مرارة رفض ثالث يعلم أنه قادم لا شك..
فهو يعلم فعلا إنه إن كان لم يقدر على مزنة وهي صغيرة.. فكيف يقدر عليها الآن؟؟ كيف يقدر عليها الآن؟؟


تصاعد ضيق غريب في روح كساب.. إذا لم يسانده الجد.. فمشروع الزواج فاشل لا محالة..
حينها قرر تغيير الاستراتيجية واللعب على اتجاه آخر..

هتف كساب ببساطة حازمة: يبه ليه ظنك إبي يبي عمتي؟؟

الجد بنبرة قاطعة: وش يدريني يابيك.. يمكن عادها في خاطره من ذاك الزمان..

كساب بحزم وهو يقترب من الجد أكثر ليهمس في أذنه بنبرة اهتمام:
يبه عمتي مزنة لين الحين وهي حسرة في قلب إبي..

انتفض الجد: الحسرة في قلوب عدوين أبو كساب..

حينها ابتسم كساب: بس أنت تبي تخليها في قلبه لين يموت..
يبه ليه تباعد السالفة كذا.. بعيد الشر عنكم كلكم.. وجعل عمر تميم طويل في الطاعة..
حد ضامن عمره.. عمتي مزنة ماعندها إلا ذا الولد الله يخليه لها..
وبدون قصور في تميم.. لكن مهما كان بتحتاج لها حد يتكلم يسنع أمورهم ويخلص أشغالهم..
ولا خذت إبي بيصير عندها فوق الولد.. ثلاثة عيال..

الجد بدأ يشعر بالصداع من هذا التفكير.. هتف بذات تفكيره المحموم: هذا أنت ولدها..

كساب شعر بالانتصار لأنه علم أنه أثار بلبلة في ذهن الشيخ فهتف بثقة: يبه أنت عارف يباس رأس كاسرة.. لو مارضت ترجع لي..
أي ولد أنا... مهما كان مهوب طالبين مني اللي يبونه..
أنت داري إنه أول كنت أخلص لعمتي أشغالها وأكفي تميم.. لكن من عقب زعل كاسرة ماعاد طلبت مني شيء..
يبه طال عمرك..خل عمتي مزنة تضمن لها رجّال وعيال.. ولبناتها أب تدري إنه مهما صار لهم من عقبك إنه بيكون وراهم سند قوي..
يبه عمتي مزنة ماحد يقدر يغصبها.. بس على الأقل لا تقوي رأسها.. أنت عارف المصلحة وين ولازم تسويها...







*************************************





" يأمش ماتبين شيء؟؟"

جميلة بإرهاق وذبول وهي تحتضن زايد بين ذراعيها: لا يمه فديتش.. والله ما أبي شيء..
أساسا بارقد زايد وأرقد معه..

عفراء بقلق: يأمش.. بسش رقاد..

جميلة هزت كتفيها بيأس: ومن قال لش رقدت.. يمكن الحين أقدر أرقد عشان زايد قريب مني..

عفراء تحمل حقيبها وتهمس بحنان: إن شاء الله ما احنا بمبطين.. وعقب بأرجع أنا ومزون هنا.. مزون تحاتيش واجد وتبي تشوفش..

جميلة بذات النبرة الذابلة: خير يمه.. أنتظركم..

عفراء خرجت.. وجميلة كما لو كانت تنتظر خروجها.. لتعاود الإنفجار في البكاء..
إحساس مرارة وخذلان عميق يلتهم روحها..
لم تتخيل أبدا أن يكون هذا ختام حكايتها مع خليفة..
أن يبيعها بهذا الرخص!!

" هو باعني وحن عادنا في المطار..
وش فرقت الحين؟؟
مهوب أنا اللي كنت أبي أعطيه فرصة للاختيار ..هذا هو اختار..


زايد الصغير انفجر في البكاء.. جميلة كفكفت دموعها بجزع:
آسفة حبيبي آسفة.. روعتك...
وش أسوي بأختك الخبلة اللي تبكي على المقفي.. وهو مادرا عن هوا دارها..
خلاص لا تزعل علي.. وعد علي ما أبكي.. بس لا تبكي أنت فديتك..





********************************





" السلام عليكم يمه..
وين البنات؟؟ "

مزنة تضع الحاسوب الذي كانت تعمل عليه جانبا وهي تهتف بجبين مقطب فهي مازالت عاتبة على كاسرة:
راحوا لشعاع يهنونها سلامة أخيها.. ويشوفون لو هي تبي شيء يسوونه نيابة عنها لأنهم قدموا عرسها.. ويمكن ماتلحق تجهز شيء..

كاسرة همست بإرهاق: إيه والله نسيت.. وضحى قالت لي أصلا..

مزنة بذات الجبين المقطب: اللي ماخذ عقلش يتهنا به.. ما ألومش ماعاد لقيتي حد يتعلبش على الدرايش عشانش..؟؟

حينها ابتسمت كاسرة وهي تجلس جوار والدتها وتحتضن عضدها:
بس يمه مهيب حلوة فكرة إن حد يتعلبش الدرايش عشانش؟؟
تحسين كأنش أميرة في قصة خيالية..

مزنة بذات تقطيبها ونبرتها المقصودة: لا والله.. تدرين إني متضايقة واجد..
عشان كساب مهوب عشانش.. أجعته واجد في الحكي.. وماخليت شيء ماقلته له..
حتى شوفته حرمت نفسي منها وأنتي عارفة زين غلاه عندي.. وكله من سبايبش يا الأميرة..
حرقتي قلب الصبي لين تعلبش على الدرايش وسوى المنقود..

حينها اتسعت ابتسامة كاسرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
دامش مشتاقة له.. ومهوب هاين عليش زعله.. خلاص أرضيه.. وتزوجي إبيه..

مزنة انتزعت عضدها من ذراع كاسرة وهي تستدير بجسدها كاملا نحو كاسرة وتهتف بغضب:
المزحة السخيفة ذي لو سمعتها من وضحى أو سميرة.. يمكن أبلعها.. بس منش عاد...

كاسرة بثقة: وفعلا ليش أمزح في موضوع ما ينمزح فيه..

مزنة بذات الغضب: كاسرة تلايطي.. وعيب عليش ذا الكلام..

كاسرة تنهدت ثم هتفت بجدية صارمة: يمه أنا أتكلم من جدي والله العظيم.. عمي زايد يخطبش..
وش رأيش؟؟

مزنة وقفت وهي تهتف بحزم: رأيي إنش استخفيتي.. وعمش زايد استخف كنه موافق على ذا الخبال..






******************************************





" شعاع يا الخبلة
قومي.. فيه وحدة عرسها عقب 3 أسابيع وتبكي كنه ميت لها ميت"

شعاع تمسح وجهها المحمر من البكاء والذي ازداد مع شفافية الدموع شفافية فوق شفافيته وتهتف باختناق:
زين وش تبوني أسوي.. حاسة إني مخنوقة من كل صوب..
كنت مأجلة التفكير في كل شيء لين أتخرج.. كبوا كل شيء فوق رأسي..

سميرة بحماس: قومي يا الخبلة.. خلينا نسوي مخطط لش للأشياء اللي تبينها..
وإحنا بنسوي كل شيء.. هذا إحنا صيع ماورانا شيء لا رجعنا من الدوام
وأنتي أبد لا تشغلين بالش شيء.. حطي همش في المذاكرة..

شعاع بذات النبرة المختنقة : والله العظيم مالي نفس في شيء..
ليش أشتري وأتزين وأتعدل.. لمن؟؟
ورجالي أساسا تعبان وبدل ما نروح شهر عسل.. رايحين رحلة علاج..

وضحى بتشجيع: تتعدلين عشانش وعشان نفسش وعشان تحسين إنش عروس صدق..
وحتى لو رجالش المسكين مريض ماراح تفتحين نفسه شوي وتحسسينه إنه مهما كان عريس..
يا الله قومي قومي.. خلينا نسوي الجدول.. أنتي بس عطينا الميزانية.. والله لنخربها ونسوي لها اختلال..






**************************************





" يبه أنا أبي أسوي عرس للرياجيل بعد!!"

زايد يلتفت لعلي ويهتف باستغراب: نعم؟؟ تبي تسوي عرس؟؟
يأبيك أنت داري إنه أفرح ماعلي شوفتك بالبشت وأسوي لك عرس أعزم عليه خلق الله ومن خلق..
بس أنت فيك حيل تقعد قدام الرياجيل...؟؟

ابتسم علي بإرهاق: على قولت عمي اللي قالها لك (فيه شيء أبدى من شيء)
وهذا أنا الحين أحسن..
هذا أنا قاعد معك على الكراسي ماني بعلى السرير..
ومن يوم دخلت المستشفى وأنا أحسن لأنهم على طول مركبين على المغذي ويعطوني إبر فيتامينات وفاتح شهية..
يعني على وقت العرس بأكون أحسن بعد..
ويبه ربعي كلهم منتظرين عرسي.. وحتى الوزير كان يسألني يقول لي متى عرسك؟؟
مايصير الحين أعرس سكيتي.. مهيب حلوة في حق منظري قدام شغلي.. ولا حتى معارفك الواجدين..

ابتسم زايد: جعلك إن شاء الله في زود.. وقدرك كبير في عيون ربعك..
أبشر بالعرس اللي ماصار في الدوحة مثله..
والحين بأتصل في مدير مكتبي يستعجل طباعة الكروت...
وماراح يكون فيه مشكلة عنده لأن أسماء المعازيم مسيفة عنده من أيام عرس كساب..
معازيمي ومعازيمك ومعازيم عمك وكساب وجماعتنا اللي هم هم جماعة أبو عبدالرحمن.. كلها مخزنة عنده..






***********************************




" الحين تميم من البارحة لين اليوم وأنت منشف ريقي
قصدي تعبت إيدي عشان أطلع بسالفة تونسني منك"

تميم ابتسم وهو يشير لها: ليه أنتي خليتي لي مجال أتنفس..
أول مرة أشوف حد ممكن يهذر بالإشارة كذا..
هذا وأنتي باقي إشارات ماتعرفينها .. بكرة لا عرفتي كل الإشارات أشلون بألحق عليش..

سميرة تكبر في وجهه بطريقة كوميدية وتشير: الله أكبر.. تبي تطسني عين..
وإلا هذا كله عشان أساسا ماعندك سالفة أرز وجهي فيها..

حينها اقترب تميم منها أكثر ليمسح على خدها بسبابته.. لتتراجع هي بخجل ويكف يده وهو يشير بتقصد:
إذا أنتي طليتي في وجهي واحنا بزران ببراءتهم.. وتبين تحاسبيني عليها..
مهوب كافيش تغترين ذا الشهور كلها اللي حرقتي قلبي فيها وأنا ساكت..
أشوف عيونش وأتنهد.. واشوف شفايفش وأتنهد.. واشوف زولش وأتنهد......

سميرة قاطعته وهي تشير بخجل عميق وإحمرار وجهها الشفاف بدا كإحمرار الدم:
بس تميم خلاص..

تميم مستمر في الإشارة بذات التقصد وعيناه تطوفان بها:
لا مهوب خلاص..
تقولين لي وسع الخاطر.. زين باوسع الخاطر والله يصبرني..
بس بعد أنتي لا تصيرين صكة.. وأقل لمسة مني تجفلش..
تحسسيني كني وحش........

وأنهى إشارته بأن مد يده ليحتضن كفها.. حاولت أن تمنع دقات قلبات من التصاعد..
لا تعلم ما الذي يحدث لها ما أن تشعر بدفء أنامله.. أما حين شعرت بدفء أنفاسه على أناملها..
لم تستطع إلا أن تشدها وهي تشير له بدقات قلبها المتصاعدة:
طيب أنا أوعدك ما أصير صكة.. بس خلنا نسولف أول..
أبي أسألك عن شيء؟؟

تميم تنهد: إسأليني..

سميرة بإشارة مقصودة: وش رأيك في فكرة إن أمك تتزوج؟؟

ضحك تميم: أدري دمش خفيف وراعية نكت.. بس مهوب لذا الدرجة عاد.. تبين تزوجين أمي..
ومن تزوجينها؟؟ شايب في السبعين تخدمه أمي؟؟

سميرة بذات الإشارة المقصودة: خلنا نتكلم جد شوي.. وهي مجرد فكرة..
لا مهوب شايب.. وواحد توه في الخمسين وبصحته ومايبي أمك تخدمه..

تميم حينها أشار بضيق: ترا فيه أحيانا سوالف حتى الأخذ والعطا فيها يضيق الخاطر..

سميرة حاصرته أكثر: هذا كله تتهرب من الإجابة؟؟

تميم أشار لها بشكل مباشر: وليش أتهرب؟؟ طبعا لا.. مستحيل أوافق أمي تتزوج..

حينها تغير وجه سميرة وقطبت جبينها وهي تسأل تميم: وليه؟؟ شنهي أسبابك؟؟

تميم بجدية: مافيه رجال فيه خير يرضى أمه تتزوج..

سميرة بغضب: لا لا تقول مافيه رجال فيه خير.. قل مافيه رجال أناني ومظهره قدام الناس أهم عنده من أي شيء يرضى أمه تتزوج..

تميم أشار بغضب مشابه: أنتي تبين لش سبب تهادين عشانه؟؟... الحين أمي وش حاجتها تعرس.. الخير وواجد وعيال وعندها..
المرة تعرس لأنها تبي حد يضمها ويصرف عليها أو لأنها تبي عيال..

سميرة نظرت له بنظرة مباشرة: الحين أنا أشتغل وماني بمحتاجة إنك تصرف علي..
ويمكن الله ما يكتب إنه احنا نجيب عيال... نتطلق يعني بما إن هذا هو سبب الزواج الوحيد؟؟

تميم يتنهد وهو يحاول مجاراتها: لا طبعا.. لأنه الإنسان محتاج شريك روح قبل أي شيء..

حينها كما لو كانت سميرة أمسكت بصيد ثمين: وأمك يعني ماتستحق شريك حياة بعد مادفنت عمرها في تربيتكم..
مايحق لها تعيش اللي باقي من حياتها مع رجّال يكون فعلا سكن لروحها..
تعرف حالتك بتكون نعمة من رب العالمين... الناس بيتكلمون.. خلهم يتكلمون لأن كلامهم ماراح يوصلك ولا يوجعك..

تميم بغضب: ويعني عشاني ما أسمع.. أخلي أمي تتزوج.. وعادي خل الناس تأكل وجهي من وراي..
أنتي يعني عشان ماتبين تعطيني حقي.. سويتي هالمشكلة كلها عشان مجرد نظرية عمرها ماراح يصير..
خلاص قولي ما أبيك... بدل ما تحرقين أعصابي بذا اللفة الطويلة...

حينها وقفت سميرة وهي تهتف بتأثر فعلي عميق وتمنع نفسها من البكاء ليس لأجل موضوع زواج عمتها ولكن لأجلها:
تذكر في أول يوم لزواجنا لما ضربتني لأنك تشك فيني..

تميم شعر أن قلبه يعتصر بقوة.. لماذا تذكرت هذه الحادثة التي يريد نسيانها؟؟

ولكنها أكملت بذات التأثر العميق وصوتها يختنق بالعبرات وهي تستعد لمغادرته جالسا:
كنت تسأل نفسك.. ليش وحدة مثلي توافق عليك..؟؟
الحين أقول لك..وافقت لأني كنت أظن نفسي محظوظة فيك وأنا أحسبك رجّال مختلف..
كنت أحسب إن في داخلك عمق إنساني مافيه رجال ثاني يقدر يوصل له..
لكن أنت طلعت مثلك مثل الباقيين.. رجولتكم الرخيصة أهم عندكم من أي شيء ثاني..
منظرك طلع عندك أهم من أمك.. ومستعد تدوسها وتدوس مشاعرها عشان رجولة الخرابيط اللي لازم تحافظ عليها..
الرجّال صدق ما يظلم.. ولا يقهر.. ولا يشوف هله آداة لتغذية غروره..
ما أقول غير خسارة ظني فيك.. خسارة..!!







**************************************




كانت عالية نائمة حين رن هاتفها.. فقد اعتادت ألا تضعه على الصامت خوفا أن تحتاج والدتها شيئا وهي نائمة..
تناولت الهاتف بنعاس لتنظر للرقم المضيء في الظلام.. ردت بنعاس:
تدري إنك ماتستحي...

أجابها عبدالرحمن بابتسامة دافئة: وأنتي تدرين إن صوتش وأنتي نعسانة كذا يذبح..

أجابته بذات النعاس: وأنت شكلك تخرف والغيبوبة أثرت على مخك..
لاني يقولون لي إن صوتي مايفرق إن صوت أخواني..
إلا عاد لو صوت هزاع يذبحك هذا شيء ثاني..

عبدالرحمن ضحك: يا الخبلة فيه وحدة تقول لرجالها إن صوتها كنه صوت أخوانها..؟؟

عالية اعتدلت جالسة وهي تبتسم: والله أنا وحدة صريحة ..
وخصوصا إنه فيه ناس مخوفيني إنهم يكرهون الكذب وبيقصون رقبتي لو كذبت..

عبدالرحمن حينها هتف بدفء مقصود: أمانة عليش تقارنين صوتش اللي يذوب شرايين قلبي شريان شريان.. بصوت هزاع اللي كنه مكينة سيارة مخروقة..

عالية ضغطت جانبي رأسها بين إبهامها ووسطاها وهي تهتف بخجل طبيعي:
عبدالرحمن لو تبي تكلمني وأرد عليك قلت لك بلاه ذا الكلام وذا النبرة..
أو تدري بلاها تكلمني مرة وحدة.. تخيل منظري قدام هلي لو اكتشفوا إني أكلمك..

عبدالرحمن بابتسامة: الحين تبين أصدق إنش ماخفتي وأنتي تنطين عندي في المستشفى... بتخافين يكتشفون أنش تكلميني..
خلهم يكتشفون.. ماسويت شيء غلط.. أكلم مرتي وحلالي..
عالية أنا دكتور جامعة وداخل على 32 سنة وآخرتها تبيني أخاف أنه أحد يدري إني أكلم مرتي..
لو ذا السالفة مرعبتش خذت أذن من عمي خالد... وبلا ماتكونين مرعوبة لما تكلميني..
لأني مستحيل من الحين لين نتزوج أقعد ليلة وحدة ماسمعت صوتش..

عالية بجزع: لا عبدالرحمن تكفى.. ماتقول لأبي شيء.. مهما كان هذي عوايدنا..

عبدالرحمن بتلاعب: طيب ولو طلبت أشوفش... عمي خالد راعي دين.. ماظنتي يردني من شيء ربي حلله.. يعني شوفة شرعية مرة وحدة..
مع إنها المفروض قبل الملكة.. بس ماعليه.. على قولت المثل (العوض ولا الحريمة)

عالية تفجر وجهها احمرارا: تسويها عبدالرحمن من جدك؟؟ لا لا أكيد تمزح؟؟

عبدالرحمن بذات التلاعب الواثق: أفكر.. بصراحة فكرة مغرية يمكن ماتخليني أرقد الليلة من التفكير....






****************************************





صباح اليوم التالي
.
.
.
.



" هلا وش فيش صاحية بدري؟؟

مزون التي كانت ترتشف كوبها همست بمودة: بأمر خالتي ثم أبي أمر علي شوي.. وعقب أبي أخلص أشغالي.. لأنه العصر عندي محاضرة.. وماراح أخلص إلا عقب المغرب
ثم ابتسمت: ورانا عرس.. عرس.. لازم نلحق..

كساب ابتسم وجلس: شكلها عروس.. مهيب عرس واحد بس..

مزون تبتسم: لا ..ما نسينا إبيك.. بس هذا حالة سبيشل.. مابعد خلصت أنت جس النبض؟؟

كساب يتنهد: اليوم إن شاء الله أخلص.. وأنا يوم اتكلم عن عروس.. أقصد عرسش أنتي بعد.. ولا تتهربين مني..
ولا تظنينه خافي علي إنش تهربين.. ماتبين ولد الناس قوليها بصريح العبارة.. لا تعلقينه كذا..
شهر كامل تفكرين؟!!

مزون صمتت بخجل بينما كساب أكمل بجدية حازمة: البارحة كان غانم عندنا يزور علي..
والله العظيم وجهي منكسر منه...
اسمعيني.. لا تقولين علي وإبي.. هذا هم طيبين واثنينهم بيعرسون..
لكن لو سمعت خبالش بأفكر وافكر.. لين متى؟؟
عرس علي عقب 3 أسابيع وإبي بيسافر معه.. وما يندرى كم يقغدون..
خلاص الرجّال بيدري إن هذا رفض.. وليته حتى رفض بسنع.. سفهناه بدون رد..

اسمعيني تفكير... أدري إنش فكرتي بدل المرة ألف.. الحين تقولين لي ردش أبلغه فيه..
موافقة ..خلي ولد الناس يتملك قبل سفر إبي..
ما تبينه.. خلاص ابلغه ويشوف نصيبه..
الحين تقولين لي ردش.. الـــــحـــيـــن !!






*************************************





" سميرة وش فيش شكلش تعبانة؟؟"

سميرة بحياد مرهق: مافيني شيء؟؟
ثم أردفت بتساؤل: أنتي وش سويتي مع عمتي؟؟

كاسرة ابتسمت: رأسها يابس.. وأنتي مع تميم؟؟

تنهدت سميرة بألم: رأسه أيبس مرتين.. ماهقيته كذا..

حينها هتفت كاسرة بجدية: شكل ذا السالفة كلها مالها طريق.. مع إني والله العظيم تمنيت بشكل.. إنه صدق عمي يتزوج أمي..

سميرة حينها ابتسمت: أفا كاسرة تستسلم بذا السرعة.. تونا يا بنت الحلال مانزلنا بثقلنا في السالفة..

كاسرة بذات الجدية: ما استسلمت.. وتو الناس على ذا الكلام..
بس تدرين من اللي خايفة إنها تنسف السالفة كاملة ؟؟... وضحى..
لأني عارفة اللي بيصير.. إذا درت.. بتسوي مناحة وتبكي.. وأمي بتخليني..
وأمي لا شافت دموعها عصبت وحلفت مايصير شيء أساسا..

سميرة بقلق: ماظنتي وضحى عقلها صغير كذا؟!!

كاسرة بثقة: مهوب صُغر عقل.. لكن وضحى أصغر وحدة فينا.. الحشاشة.. وهي اللي حاسة إنها محتاجة لأمي أكثر شيء..
ولا تنسين إن وضحى حساسة واجد..

فاجئهن دخول وضحى عليهن وهي تهمس بابتسامة: سامعة اسمي.. وش تخططون علي..

ابتسمت سميرة: نبيش في سالفة!!

ضحكت وضحى: جايبين لي عريس... أخيرا بأودع العنوسة ؟!!

كاسرة بحزم باسم: ماعليه أنتي المرة الجاية.. الحين جايبين عريس لأمش!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 09-12-10 06:15 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والأربعون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير والرحمات
.
سؤال تكرر كم مرة؟؟ عن اللي تنسخ الرواية لاستخدامها الخاص أو حتى توزعها على ربعها بلوتوث؟؟
مافيه مانع.. حلالكم.. أنا بس ما أبيها في النت إلا على ليلاس..
.
بنات أنا آسفة جدا جدا جدا بارت اليوم قصير واجد
بس صدقوني هذا أقصى ماقدرت عليه
من بداية الأسبوع وولدي تعبان واجد.. وقعدتي في المستشفى أكثر من البيت..
والحين بعد والله العظيم بأنزل الجزء وأطلع به مرة ثانية..
مع إن حن راجعين البارحة في الليل متاخر..
عشان كذا سامحوني بارت الأحد ما أعتقد إني بقدر أنزله..
إن شاء الله يكون أحسن ودعواتكم له الله يخليكم.. ونلتقي يوم الثلاثاء لو قدرت..
.
الجزء 68
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والستون






" سميرة وش فيش شكلش تعبانة؟؟"

سميرة بحياد مرهق: مافيني شيء؟؟
ثم أردفت بتساؤل: أنتي وش سويتي مع عمتي؟؟

كاسرة ابتسمت: رأسها يابس.. وأنتي مع تميم؟؟

تنهدت سميرة بألم: رأسه أيبس مرتين.. ماهقيته كذا..

حينها هتفت كاسرة بجدية: شكل ذا السالفة كلها مالها طريق.. مع إني والله العظيم تمنيت بشكل.. إنه صدق عمي يتزوج أمي..

سميرة حينها ابتسمت: أفا كاسرة تستسلم بذا السرعة.. تونا يا بنت الحلال مانزلنا بثقلنا في السالفة..

كاسرة بذات الجدية: ما استسلمت.. وتو الناس على ذا الكلام..
بس تدرين من اللي خايفة إنها تنسف السالفة كاملة ؟؟... وضحى..
لأني عارفة اللي بيصير.. إذا درت.. بتسوي مناحة وتبكي.. وأمي بتخليني..
وأمي لا شافت دموعها عصبت وحلفت مايصير شيء أساسا..

سميرة بقلق: ماظنتي وضحى عقلها صغير كذا؟!!

كاسرة بثقة: مهوب صُغر عقل.. لكن وضحى أصغر وحدة فينا.. الحشاشة.. وهي اللي حاسة إنها محتاجة لأمي أكثر شيء..
ولا تنسين إن وضحى حساسة واجد..

فاجئهن دخول وضحى عليهن وهي تهمس بابتسامة: سامعة اسمي.. وش تخططون علي..

ابتسمت سميرة: نبيش في سالفة!!

ضحكت وضحى: جايبين لي عريس... أخيرا بأودع العنوسة ؟!!

كاسرة بحزم باسم: ماعليه أنتي المرة الجاية.. الحين جايبين عريس لأمش!!


وضحى اتسعت عينيها بصدمة كاسحة وهي تهمس كأنها تكلم نفسها: نعم؟؟ عريس لأمي؟؟ لأمي أنا؟؟ لأمي؟؟ من؟؟ من ؟؟

كاسرة همست بترقب وهي تخشى انفجارها القادم : عمي زايد..

ولكن وضحى صدمتها تماما أنها أجابت بثقة صادمة غامضة لا يُعرف ماخلفها وملامح وجهها تتغير لإبتسامة غريبة تكاد الاثنتان أن تقسما أن جسد وضحى كان يرتعش معها:
أبركها من ساعة.. ومن اللي يرد أبو كساب..

كاسرة وسميرة تبادلتا نظرات مصدومة.. مابها؟؟ أ يعقل أن توافق هكذا بدون اعتراض؟؟

سميرة همست بما في بالها: معقولة بتوافقين كذا بدون اعتراض..؟؟

وضحى بذات الثقة الغريبة: وليش اعترض.. مافيه سبب يخليني أعترض..
وإلا يمكن توقعتوا إن وضحى الحساسة الضعيفة بتسوي مناحة وفيلم هندي..
يعني إذا أنتو شايفين مصلحة أمي.. ليش يعني أنتو تهمكم مصلحة أمي وأنا لا..؟؟

حينها ابتسمت كاسرة: خلاص سميرة.. باقي تميم.. بنخليه عليش..

وضحى وقفت وهي تضع حقيبتها على كتفها وتهمس بحزم: وحتى تميم اعتبروه موافق.. خلو تميم علي..
وقومي سميرة.. تميم ينتظرنا برا.. عشان نروح الدوام..

كاسرة وسميرة عاودتا تبادل النظر بصدمة.. بينما سميرة شعرت بحزن شفاف يغمر روحها..
أ تقدر عليه وضحى بينما هي التي من المفترض أن تكون شريكة حياته لم تستطع حتى أن تزحزحه عن رأيه؟؟



الفتاتان غادرتا.. وكاسرة كانت مستمرة في ارتشاف كوبها بهدوء..
لأنها اليوم لديها اجتماع متأخر قليلا وقبل ذلك لا شيء لديها..

حينها دخلت عليها والدتها وهي تهمس بإرهاق: العيال راحوا ؟؟

كاسرة ابتسمت: راحوا.. وش ذا النوم كله؟؟

مزنة أجابت بإرهاق: ومن اللي قال لش نايمة.. توني جاية من إبي.. صدعني مثلكم...
البارحة أنتي وسميرة.. واليوم إبي.. طقيت منه قبل يحلف علي بعد..
أبي أعرف وش طراني على بال زايد عقب ذا السنين؟؟

كاسرة ابتسمت: وما الحب إلا الحبيب للأولي..

حينها نظرت مزنة لكاسرة بشكل مباشر: تدرين كاسرة ظنيتش أذكى من كذا بواجد..
أشلون تطوف عليش خطبة زايد وفي ذا الوقت بالذات..؟؟
يعني الرجّال مشغول في عرس ولده.. وولده أساسا مريض... ومع ذا كله يخطب..!!!
إلا تعالي قولي لي من اللي وصل لش الخبر..؟؟ كساب صح؟؟ مثل ماهو اللي أقنع إبي؟؟

حينها شعرت كاسرة بالتماس مفاجئ.. لكن لا يمكن.. لا يمكن.. أ يعقل أن يفعل كساب كل هذا من أجلها..؟؟
لدرجة أن يزوج والدها من والدته؟؟... لا لا يستحيل..
أ يعقل أن يدور هذه الدورة المرهقة كلها من أجلها؟!!

كاسرة أجابت والدتها بثقة لا تعلم أي إحساس غريب يغمرها خلفه:
لا يمه.. مهوب لذا الدرجة.. يعني عشان يبي يرجعني.. يزوج إبيه من أمي..

مزنة ابتسمت وهي تنظر لكاسرة: يأمش الرجال اللي يحب يصير كنه الأسد الجريح مايقر ولا يرتاح لين يسوي اللي في رأسه..
يعني اللي تعلبش على الدرايش وسوى أشين شيء ممكن رجال فيه خير يسويه..
صعب عليه يسوي شيء مثل ذا..

حينها شعرت بألم حاد حاد حاد يجتاح روحها
(الرجل الذي يحب؟؟
وحقا هل كساب رجل يجب؟؟
إذن لماذا لم تستطع هي أن تشعر بهذا الحب؟؟)

أجابت كاسرة بثقة رغم أن روحها ترتعش ولا تعلم كيف تفسر.. وهي تنظر لوالدتها بشكل مباشر:
حتى لو كان هذا هدفه.. فتعبه كله على الفاضي.. لأني مستحيل أرجع..
وزواجش من إبيه ماراح يغير في رأيي شيء....
وبعدين يمه أنا أعرف عمي زايد زين... عمي زايد مستحيل حد يجبره على شيء ما يبيه...
يمه حرام عليش.. رديتيه مرتين.. والله صعبة تردينه ذا المرة..صعبة..
يمه صدقيني عمي رجال نادر بمعنى الكلمة.. تعامل ورجولة وإحساس..
ما أدري ليه تبين تحرمين نفسش فرصة سعادة أنتي تستحقينها..
صدقيني عمي يستاهل كثر ما أنتي تستاهلين.. إذا صرنا إحنا كلنا موافقين..
ليه انتي تعيين؟؟ مهتمة يعني برأي الناس؟؟
خليهم يحكون لين توجعهم ألسنتهم... ماحد بقادر يمد لسانه قدامش لأنش بتصيرين حرم زايد آل كساب..

مزنة همست بحزم بالغ: ومافيه داعي توجعهم ألسنتهم لأنه مابه شيء يحكون به..
وذا السالفة السخيفة ما أبي أسمعها مرة ثانية.. انتهينا..
وقبل ما تروحين مري جدش وسمحي خاطره.. أدري إنه زعلان علي واجد..

حينها أجابت كاسرة بعتب عميق: أنا مازعلته عشان أسمح خاطره.. اللي هان عليها زعله خلها هي تسمح خاطره..
كله ولا جابر يا مزنة... كله ولا جابر..

مزنة بإرهاق: لا حول ولا قوة إلا بالله.. عيب عليكم.. تبون تتحكمون في حياتي عقب ذا السنين..
روحي لجدش مهوب عشاني.. عشانه...





****************************************





" صباح الخير غانم..."

غانم بمودة: هلا والله بأبو زايد.. أشلون علي؟؟

كساب هتف بذات المودة: علي طيب وبخير...إلا أنت وش رأيك تمرني في مكتبي تتقهوى عندي.. أبيك في سالفة؟

غانم شد نفسا عميقا وهتف بحزم: كساب تراني فهمتها بنفسي.. ما تبوني؟؟
مافيه داعي تحس بالحرج كذا.. حن خوان والعرس قسمة ونصيب..

كساب ضحك بفخامة: أفا الأخ شكله ما يبينا..
وانا اللي كنت أبي أقول لك تعال أنت الوالد عشان تقابلون الوالد الليلة في مجلسه عقب المغرب..
خلاص براحتك..

غانم كح وهو يهتف باستعجال: إلا أنت تعال.. شكلك ما صدقت..
نشفتوا ريقي وعقبه تقول خلاص براحتك..
ثم أردف بجدية: أكيد كساب أختكم موافقة عليّ؟؟

كساب بابتسامة: لولا الفحص الطبي وإن إبي مابعد درا وإلا كان قلنا جيب المملك معك مرة واحدة..
أفا عليك يا أبو راشد نسبك يشترى.. وحتى لو ما الله كتب نصيب هذا ما ينقص من غلاك شيء!!





**************************************





" ها خالتي.. وش أخبار جميلة ؟؟"

عفراء بتأثر: هذا احنا دقايق ونوصل وتشوفينها بروحش..
مزون حبيبتي.. حاولي تطلعينها شوي.. مايصير صاكة على روحها كذا..

مزون بمودة: أبشري..
ثم همست بتردد: خالتي تذكرين إني قلت لش إن كساب رجع يكلمني في موضوع ولد آل ليث؟؟

ابتسمت عفراء بحنان: قلتي لي.. ما قررتي ترسينه على بر المسكين..؟؟

مزون بخجل عميق: خلاص وافقت.. وحتى إبي سألني وقلت له موافقة..

عفراء احتضنت كتفيها بحنان غامر: مبروك يأمش مبروك.. عين العقل..

همست مزون بتردد: بس متخوفة خالتي ما أدري أشلون.. مع إني صليت استخارة وش كثر.. ونفسي منشرحة له..
بس فيه شيء في داخلي مخوفني.. ما أدري أشلون أوصف لش..

عفراء بحنان: هذي وساوس شيطان تعوذي منها..

حينها ابتسمت مزون : وفيه بعد مشروع زواج ثاني..

عفراء بابتسامة: من بعد؟؟ ماعاد باقي إلا زايد..

مزون بابتسامة: وهو زايد..

عفراء ضحكت: وأخيرا قرر أبو كساب يفك قيد العزوبية.. ومن هي سعيدة الحظ؟؟

مزون بابتسامة: خالتي مزنة أم امهاب..

لا تعلم عفراء حينها لما شعرت بنغزة حادة في قلبها.. جارته القديمة؟؟
لماذا هي بالذات؟؟
لا تحاول أن تربط.. أو تخترع حكايات من عندها.. لكن شيء في داخلها يعتصر روحها اعتصارا..
وهي تتذكر حزن وسمية وغيرتها من شبح حبيبة مجهولة لم يستطع زايد أن ينساه.. وهو ينادي اسمها كل ليلة..
الاسم الذي رفضت وسمية إخبارها به...


همست عفراء حينها بارتعاش مختنق: غريبة أبيش يعرس في ذا الوقت.. ومزنة بالتحديد؟؟

مزون ضحكت: مهوب إبي.. هذي مخططات كساب واقتراحه.. تقولين لو ماصار ذا العرس بيموت..

حينها شعرت عفراء بانفراج في روحها.. وكأنها تتنفس الهواء على الرمق الأخير..
إذن هي اختيار كساب وليست اختيار زايد !!
ابتسمت حينها باتساع: والله منت بهين ياولد أختي.. هذا كله عشان ترجع ست الحسن؟!!

مزون باستغراب: وكاسرة وش دخلها؟؟

عفراء ضحكت: صدق إنش بريئة.. ما سمعتي بالمثل اللي يقول (الذيب مايهرول عبث) هذا أخيش كساب..
أنا بروحي عجزت أكلم كاسرة واقنع فيها وهي مافي أذنها ماي..
بس الحين لو مارجعت وهذا كله تخطيط من كساب.. قولي خالتي ماقالت..
ولدي ذا.. وأنا عارفته زين !!





************************************





" وين راح إبي ذا كله..
صلينا العشا وهو ماجاء "

صالح يلتفت لفهد ويهتف بابتسامة: إبيك بيتعشى عند زايد آل كساب..
رايحين يخطبون لولد عمك.. راحوا عقب المغرب فحلف عليهم زايد يقعدون للعشاء..

حينها قطب فهد جبينه: ووافقوا عليهم؟؟

صالح بذات الابتسامة: إبي يقول الظاهر الناس عندهم خبر.. وقدهم موافقين لأنهم اتفقوا على الملكة عقب ما يخلصون الفحص الطبي..
يعني يومين ثلاثة..

حينها ضحك فهد: والله مهوب هين غنوم أبو سنون..
تدري إني خطبت عندهم من زمان.. بس ما وافقوا علي..

صالح باستغراب: وش ذا الخطبة اللي مادريت بها؟؟

فهد ببساطة: ماكانت خطبة.. كلمت العقيد يجس نبضهم.. وما وافقوا..
ثم أردف ضاحكا: الظاهر لازم تكون عيوني عسلية عشان يوافقون..
لو دريت لبست عدسات..

ضحك صالح: خلك من الخريط.. يا أخي من اللي بايعة روحها تاخذك..
لكن غنوم حبوب وجنتل..

فهد بذات الابتسامة: إييييييه... كن نسيب ولا تكون ابن عمك.. ولا حتى أخ..
طبعا نسيبك حبوب وجنتل وأنا الكخة..

صالح بمرح: كختين وكوبة بعد..

فهد بابتسامة خبيثة: ليه يعني أنا بأخذ رأي في شخصيتي من واحد يقوم ويقعد وهو يهذري ببنته اللي مابعد جات... ويمكن ماتجي..
يا الله ياكريم طالبك بولد على صويلح.. ومايشوف البنت إلا عقب ست عيال..

صالح بابتسامة: اللي يجي من الله حياه الله.. وإذا ماخليتك أنت وعيالك تحفون ورا بناتي وحن نشوتكم قل صالح ماقال..
بناخذ عيال عبدالله بس..

فهد يبتسم: إيه تبي عيال عبدالله المزايين لبناتك القرود اللي يشبهونك..
الحمدلله إنك فكيت عيالي من شرهم..

حينها قطب صالح جبينه بجدية: زين خلنا من الهياط..
أنت تراك نشفت ريق أمي وإبي.. شكل هزيع بيعرس وأنت مابعد عرست.. يأخي ماتبي تعرس وتجيب عيال..
تراني في عمرك قد عندي خالد و وأم خالد حامل بعزوز.. ومرتي أصلا ماحملت إلا عقب عرسنا ب3 سنين..

فهد ببساطة واثقة: أنت عرست وأنت بزر.. وش دخلي فيك..؟؟

صالح بجدية: بزر؟؟ لا والله كنت قدني متخرج وأشتغل لي سنتين..
لكن بعض الناس الظاهر يبي يعلق التاج قبل عرسه.. كنت تقول أبي النجمة الثالثة وخذتها.. تراها مسخت..

فهد بذات البساطة الواثقة: موضوع عرسي شيء يخصني بروحي.. وإذا بغيت أعرس قلت لكم..
ليه سويتوها أزمة الشرق الأوسط..؟؟





*************************************





" يأختي والله وضحى غريبة وعمري ماحسيتها غريبة مثل ذا الأيام؟؟"

كاسرة ابتسمت: يعني عشان قدرت على رجالش وأنتي ماقدرتي عليه..

سميرة باستغراب: والله العظيم شيء مهوب طبيعي..
تخيلي دخلت عليه نص ساعة بس.. قبل مايروح دوامه العصر..
وعقب طلع وهو معصب تقولين راكبته شياطين الدنيا..
وهي طلعت نفسها طاير مع إنها مسوية روحها هادية.. وتقول تميم خلاص موافق..
أشلون تجي ذي؟؟ وش اللي خلاه يوافق وهو ماكان في أذنه ماي...؟؟

كاسرة بقلق: أنتي متأكدة إن هذا اللي صار؟؟ يعني ماقالت لي شيء؟؟
قالت لي تميم موافق.. فقلت لها بس أمي مهيب موافقة وخلاص دامها مهيب موافقة.. موافقتنا كلها مالها قيمة..
فهي أصرت تكلم أمي نفسها وقالت أنا بأقنعها..
والحين هي مع أمي داخل.. أما لو أقنعت أمي.. فوضحى صدق ساحرة..

كانت الاثنتان تتحاوران في الصالة العلوية لتلتفتا على صوت باب غرفة مزنة يُفتح..
ووضحى تخرج بسكون ودون أن توجه لهما أي كلمة وهي تتجه لغرفتها
ويبدو على خدها المحمر..
أثر صفعة حادة..!!!

حين رأتها الاثنتان قفزتا بجزع..
لتتفاجآ كلاهما بمزنة تخرج وتقف أمام باب غرفتها كجبل شامخ صامتة لثوان ثم تهمس لكاسرة بحزم قاس مرعب:

اللي بلغش بالخطبة.. بلغيه موافقتي...

ثم عادت وأغلقت باب غرفتها عليها!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 14-12-10 06:31 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع و الستون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباحكم خير وغلا ودفا مثل دفا قلوبكم وغلاها عند قلبي
الله لا يحرمني منكم جميع والله يكبر قدر قدركم ويخلي لكم صغاركم ولا تشوفون فيهم مكروه وربي يرزقكم برهم

ولدي ولله الحمد والمنة أحسن الحين بكثير..
شوي كانت أزمة الربو شديدة ذا المرة.. والحمدلله على كل حال..
الله يخليه لي..
ولا يحرمني من كل من سأل عنه..

والحمدلله إني قدرت أرجع على الموعد :)
.
.

بنات مهوب عشان قلت عادنا مطولين في الرواية إني راح أمطط فيها.. أشين من الاستعجال.. التمطيط على غير سنع :)
لا تخافون.. الرواية بتخلص مثل ماهو مخطط لها بدون حدث زايد ولا ناقص
.
.

نقف على مفرق طرق في الرواية فيه أحداث بتنكشف ومفاجأت بتتفجر..

مثلا مكالمات عبدالرحمن عالية..بيكون لها سبب ليش حطيتها؟؟ السبب غير اللي خطر على كل بالكم

وضحى بيكون مبررها لإقناع امها غير كل اللي خطر على بالكم

اللي بيصير بين مزنة وزايد غير كل اللي خطر على بالكم.. :)
.
.
همسة: هلا والله بكل المشتركات الجدد يا ألف هلا
وكل من هو اشترك عشاني الله يكبر قدره
وإن شاء الله يلقى في ليلاس مكان يرتاح فيه
.
.
ويا الله مع الجزء 69
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والستون





كان جالسا عند علي النائم حين وصلته رسالتها...
بينما والده مازال في الطريق بعد أن غادره آل ليث الذين حلف عليهم بالعشاء..

كاد يقفز ويصرخ بانتصار.. فهو كان شبه يائس بعد أن بلغه الجد جابر عصر اليوم أن مزنة رافضة تماما وكذلك تميم..

فما الذي حدث وقلب الموازين هكذا؟؟
كان قد بدأ يفكر أفكارا جنونية لإعادة كاسرة لا يعلم كيف ستنجح..
فإذا بالبشارة تصله في رسالتها المتكبرة مثلها:


" أمي وافقت وتميم بعد..
وتراه عشان خاطر عمي زايد بس
فلا تفكر إنه ممكن يصير شيء غير زواجهم وبس"


ليس غبيا ليعلم ماذا تقصد بسطرها الأخير.. لن يثير ريبتها بشيء..
لأنه سيحدث أكثر من زواجهما بكثير.. ولكنه يجب أن يعتمد على سلاح المباغتة..

لم يستطع مقاومة فرصة سماع صوتها الأثيري مادامت الفرصة ماثلة أمامه..سيكون غبيا إن ترك الفرصة تفلت منه..
وهو اعتاد على اقتناص الفرص مهما كانت درجة نجاحها ضئيلة!!!

اتصل بها.. حينها كانت تدخل غرفتها وهاتفها بيدها بعد أن أرسلت له الرسالة..

تنهدت بحرارة كحرارة اشتيتقها لهذا اللئيم المتلاعب!!..
لم تكن تريد أن ترد.. لكنها تعلم ماسيحدث.. إن لم ترد.. سيتهمها فورا بالجبن..

ردت عليه بسكون: أنت مهوب خلاص سويت اللي في رأسك ليش متصل الحين؟؟

أجابها بثقة: أنا لما بلغتش بالخطبة.. مابلغتش في مسج.. لكن اتصلت..
والسنع إنش أنتي بعد تتصلين وتبلغيني..

كاسرة بسخرية: تدري عاد كلمة السنع كلش مهيب لايقة عليك..
لأني أشك إنك تعرف شيء اسمه السنع..

حينها هتف ببرود: والله أشوف لسانش طايل.. ويبي له تقصير..

كاسرة بثقة: طول عمره طويل في الحق.. ومايقصره إلا اللي خلقه..

رد عليها كساب بذات بروده المتحكم: خوش أسلوب تكلمين فيه رجالش..

حينها همست بشجن عميق مغلف بنبرتها الحازمة: تصدق كساب صرت أشك إنه حن في يوم من الايام كنا متزوجين..
ما أدري أشلون استحملتك.. أكيد كنت عايشة في غيبوبة..

حينها همس بدفء غريب شعرت به يشعل خلايا قلبها:
ترا أحيانا الإنسان من كثر مايكون سعيد يحس إنه في غيبوبة..
أو من كثر ما يحب.. أو من كثر مايحس الحياة قصيرة وتجري..
أنتي أي وحدة فيهم؟؟

كاسرة أغمضت عينيها وهي تسند رأسها لركبتها وهاتفها مازال على أذنها..
وكأنها دون أن تشعر تريد أن تنفصل عن هذا العالم.. لتحلق مع صوته فقط..

صمتت.. غرقت في صمت غريب ولم ترد عليه.. كأنها تريد أن تسمع أنفاسه فقط تجاوب أنفاسها عبر الأثير..

لذا أكمل هو حديثه بذات النبرة الدافئة التي يبدو أنه يعلم تأثيرها:
يعني كاسرة لا تكونين صدق صدق من مكفرات العشير..
كأنش ماشفتي مني شيء حلو... ترا مثل مافيني عيوب كثيرة.. فيني مزايا كثيرة..

همست حينها بعمق: بس مزاياك آجعتني مثل عيوبك.. وش مزايا ماحسيتها لي في يوم؟؟
حنانك لغيري.. واهتمامك بغيري.. وكلامك الحلو لغيري..
وعلى العموم خلنا من هذا كله.. وش عاد يفيد الحكي..أنا ابي أدري وش تستفيد من تقليب الدفاتر القديمة؟؟؟ تبي توجعني وبس!!

شعر برعشة حادة تجتاحه وهي تبدأ كلامها بقولها أنه آلمها وتختمها أنه آلمها..
هتف بثقة: عمرها ماراح تكون دفاتر قديمة..
ولا يخطر ببالش إني ممكن أخليش في يوم..

همست حينها باختناق ماعادت تستطيع كتمانه.. نبرتها شعر بها تمزق وتين قلبه تمزيقا (أتبكي؟؟ أم توشك على البكاء؟؟) :
أنا تعبت منك يا كساب.. تعبت.. خلاص ارحمني الله يرحم والديك..
وش تبي أكثر.. هذا أنا أترجاك ..
حديتيني أترجأ وأنا عمري ماسويتها.. خلاص ارتاح..

ثم انهت الاتصال هي وهي تلقي هاتفها على السرير.. وتنخرط في بكاء محموم موجوع فعلا..
لا يريد أن يرحمها أبدا.. لا تعلم ماذا يريد منها أكثر..

ألا يعلم كم هي متعبة وتعاني بعيدا عنه..
ولكنها بجواره كانت أكثر تعبا بكثير.. بكثير!!
فلماذا يريد أن يذر ملحا على جروحها التي كلما حاولت إغلاقها جاء بسكاكينه ليفتحها بدون رحمة؟؟


كان شاردا تماما..
أ حقا كانت كاسرة هذه ترجوه..؟؟
أي حال من اليأس والبغض وصلت لها.. لدرجة أنها ترجوه حتى يبتعد عنها..؟؟
أ كاسرة ترجوه؟؟ ماذا فعل بها؟؟

أخرجه من شروده صوت علي الباسم: أنت ومرتك مامليتوا من حركات المراهقين..؟؟
يا أخي اللي يسمع صوتك وأنت تكلمها يدري إنك رايح فيها من السنة اللي فاتت..

أجابه كساب بسكون كأنه يحادث نفسه: وأنت يا الجني.. نحسبك دايما راقد إلا أنت قايم علينا كنك سكني..
زين أنت دريت إني رايح فيها من السنة اللي فاتت.. هي مابعد درت..

علي حينها اعتدل جالسا باستغراب لأول مرة بعد زواج كساب يسمعه يعبر عن مشاعره بطريقة مباشرة.. لا إلتفاف فيها..

هتف علي بشجن: تبيها تعلم الغيب.. وش بيضرك لو قلت لها بدون لفاتك الطويلة اللي مالها معنى..

كساب حينها كما لو كان يستقيظ من سهاد ما.. هتف بحزم:
رجاء علي.. أظني قبل قلت لك.. إني ما أقبل نصايح من حد في علاقتي مع مرتي..

علي هز كتفيه وهتف بحزم: زين براحتك.. خلك على حر الجوف اللي أنت فيه..


قبل أن يرد كساب كان زايد يدخل وهو يلقي السلام...
علي وكساب ردا السلام.. ثم هتف علي باهتمام: ها يبه وش اتفقتوا عليه؟؟

ابتسم زايد: ماقالك كساب؟؟ توني قلت له في التلفون..

ابتسم علي وهو ينظر لكساب: سمعت مكالمة غير مكالمتك.. وش اللي صار؟؟

زايد بثقة: يخلصون الفحص الطبي وأملكهم..

حينها هتف كساب بتلاعب: وأنت بعد سوو الفحص الطبي مع بنتك بالمرة دامك رايح رايح..

زايد التفت لكساب بحدة وهو ينهره بقسوة: أنت ما تخلي نغاز الحكي اللي ماله سنع..

كساب ابتسم بخبث: أفا يا بو كساب.. وأنا اللي كنت أبي أقول لك.. خلاص
روح اخطب بكرة.. عشان الجماعة كلهم موافقين... وينتظرون جيتك..


رصــــــــــــــــاصـــــــــــــة!!

رصـــــــــــاصـــــــــة !!

رصــاصــة تماما !! في المفاجأة والمباغتة والتأثير!!

الخبر كان لزايد رصاصة خاطفة مفاجئة مسنونة!!
رصاصة اخترقت صدره وخرجت من ظهره.. بمباغتة ومن مكان قريب جدا..

حاول ألا يظهر تأثره..ولكن جسده أبى..
جلس على أقرب مقعد وهو يشعر أنه عاجز عن الوقوف..
ربما لم يظهر شيء من ثورة براكين داخله على ملامح وجهه المعقودة بصرامة كالعادة..
ولكن في داخله ثارت براكين لا حدود لامتداد حممها!!

شعر أنه ربما لو حاول فتح شفتيه فربما ينفث حمما لاهبة مع أنفاسه!!
شعر أن الغرفة حوله تدور وتدور وتدور.. وأنه يرى أشباح ذكرياته لثلاثين عاما تسبح حوله وتتجاذبه بقسوة..


رغم كل ماقالوه له أبناؤه قبلا وهو يوافق على جنونهم بالخطبة..
ولكنه لم يسمح لنفسه سوى بطيف أمل مستحيل يداعب خيالاته المرهقة..
فلا ضرر من الأمل!!

ولكن أن يتحول الأمل المضني الآن إلى حقيقة واقعة.. كيف سيحتمل؟؟

تحلم حلما مسحيلا لثلاثين عاما.. حلم.. محض حلم.. ثم يتحول لحقيقة!!
أي جنون هذا؟!!

ومتى كانت الأحلام المستحيلة تتحقق إلا في عالم العجائب؟؟
وهو لا يعيش في عالم العجائب.. بل يعيش على الأرض التي صفعته بقسوة ووحشية لا رحمة فيها
وهو يتمزق برؤيتها تذهب لرجلين أمام عينيه بينما كان يظنها حقه وحده!!


أخذوا حقه منه ومنحوه لغيره وحين يأس من استعادته.. أعادوه له!!
الدنيا لا تسير بالمقلوب.. فلماذا سارت بالمقلوب هذه المرة؟؟

بــاخــتــصــار.. هو عاجز عن التصديق !!

أتصدق لو قالوا لك أن الشمس التي حلمت بمجرد ملامستها.. ستنام في حضنك؟؟
قد تجن وتصدق !!... ولكن ألا تخشى أن تحرقك الشمس؟!!

أتصدق لو قالوا لك أنك ستسكن فوق قمة جبل يستحيل الوصول له وحلمت بمجرد الوصول إلى سفحه؟؟
قد تجن وتصدق!! ... ولكن ألا تخشى أن أقل حركة ستسقطك من القمة؟؟

أ تصدق لو قالوا لك أن النجم البعيد الذي حلمت بمجرد الاقتراب منه واكتشاف معالمه سيصبح ملكك أنت؟؟
قد تجن وتصدق!!.. ولكن ألا تخشى أن ماقد تكتشفه قد يصدمك أو يقتلك؟؟

أ تصدق لو قالوا لك إن مزنة.. حلمك المستحيل.. الأصعب من قرب الشمس وقمم الجبال واكتشاف النجوم ستصبح لك؟؟.. زوجتك وملك يمينك؟؟
قد تجن وتصدق!!... ولكن ألا تخشى أن تصحو من حلمك على مرارة لا يمكن لقلبك أن يتداركها؟؟

لأن الأحلام المستحيلة لا تتحقق هكذا.. لا تتحقق هكذا.. لا تتحقق هكذا !!!



كساب حاول جذبه من طوفان أفكاره وهو يتساؤل بثقة: ها يبه !! تروح تخطب بكرة؟؟

زايد أجابه بنبرة حازمة هي نبرة اعتادتها حباله الصوتية بينما ذهنه مغيب في عالم آخر.. بعيد.. بعيد.. مذهول مثقل بالصدمة !! :
خير.. خير..







********************************





" ياربي ياعبدالرحمن.. حرام عليك اللي تسويه فيني..
صرت كل ما رن التلفون.. ارتبش أخاف حد يلمح رقمك
وبعدين أنت قايل لي بتكلمني مرة وحدة قبل تنام.. الحين هذي خامس مرة تكلم اليوم"

عبدالرحمن باتسامة: أفا يا بنت خالد أفا... وتعدين المكالمات بعد!!
أنا واحد مسكين ما أقدر أقوم من سريري حتى.. وميت من الضيقة..
مستكثرة علي تسمعيني صوتش يعني؟!

عالية بتراجع عذب: مهب قصدي كذا يا الدب حرام عليك!!

عبدالرحمن ضحك: وش قلنا على سالفة الدب ذي يا اللي ماتستحين..

عالية بمرح: زين أنت أساسا منت بدب.. بس دغبوج شوية..
يعني لا تدقق على المصطلحات..

عبدالرحمن بابتسامة: بس هذا مهوب مصطلح طال عمرش.. هذي شتيمة..
بس مردودة.. دواش لا شفتش.. عشان أطلع لش شتيمة..
يمكن يكون خشمش كنه مظلة دكان.. وإلا براطمش قدامش شبرين..

عالية بخجل حقيقي: لا عبدالرحمن ..ما تسويها.. من جدك تبي تطلب من إبي تشوفني..؟؟ استخفيت؟؟

عبدالرحمن بثقة: والله إني كلمته الليلة قلت له أبيك في سالفة.. بس هو قال لي إنه لاهي شوي
ثم أردف بخبث: قال لي رايحين يخطبون لأبو عيون عسلية..

عالية وجهها اشتعل احمرارا: حرام عليك عبدالرحمن لا تصير حقود كذا.. والله العظيم كنت أمزح.. ما تعرف المزح..
ثم أردفت بخجل لتغيير الموضوع: زين أنا بأكلمك كثر ماتبي.. بس تكفى لا تطلب من إبي تشوفني.. والله العظيم كذا بتكسر وجهي قدام هلي..

عبدالرحمن بابتسامة خبيثة: تدرين إنش كذا خوفتيني.. ليش خايفة ذا الكثر لا أشوفش..؟؟
لا تكونين قردة بس وما تبيني أشوفش لين أتورط صدق..؟؟

عالية بغضب: أنا قردة يا الدب..

عبدالرحمن يضحك: هاه .. هاه.. وش قلنا.. امسكي لسانش..

عالية بغضب رقيق: خلاص ما أبي أكلمك.. وش تبي بالقردة؟؟..

عبدالرحمن بمرح دافئ حنون: وأحلى قردة.. وباجيب لش موز ولا تزعلين..

عالية بغيظ: دب ودب ودب...





**********************************





" الحين أبيش تفسرين لي وشلون قدرتي على تميم وأمي؟؟
وليه تميم طلع معصب..؟؟
وليه أمي ضربتش؟؟ ولا تقولين ماضربتش لأن خدش مولع أحمر
أمي عمرها مامدت يدها على حد منا مهما عصبت عليه"


وضحى بسكون: مافيه شيء أفسره..
أضطريت أحتد في الحوار شوي عشان أقنعهم.. فتميم عصب.. وأمي ضربتني وين المشكلة؟؟

كاسرة بحزم: المشكلة إن كلامش غير منطقي..
وأساسا ليش تحتدين لين تضطرين هذا يعصب وهذي تضربش..
وش بتستفيدين؟؟

وضحى بحزم غريب: أبي لي أب.. أبي أجرب ذا الإحساس..
إبي مات وعمري سبع سنين.. مايحق لي الحين ألح يكون عندي أب..

كاسرة بحزم بالغ: الكلام هذا كله مادخل رأسي..
قولي بالضبط وبالحرف.. وش الكلام اللي قلتيه لهم وأقنعتيهم فيه؟؟..

وضحى وقفت وهي تهمس بذات الحزم الغريب:
خلاص كاسرة.. مهوب بالغصب تسحبين مني الكلام..
ترا أحيانا الكون يا كاسرة ما يمشي حسب ماتبين.. فيه شيء يصير غصبا عنش..
وشيء ماتقدرين توقفينه.. وشي لازم تنزلين رأسش شوي عشان يمر..
يعني ياقلب أختش.. شوي مرونة في الحياة ماراح تضرش..
ولا تتوقعين إن كل شيء تبينه.. لازم يصير بالمسطرة..
أحيانا ترا لازم نرضى بالرفض وأنصاف الحلول.. لأنه ماعندنا غيرها
وهذي طبيعة البشر.. لكن أنتي في برجش العاجي ماتبين تنزلين لمستوى البشر..
تبين كل شيء يمشي على كيفش.. تبين كل شيء كامل مثل كمالش والكمال في النهاية لله..





***************************************





" يبه ليه مارحت فديتك.. وخليت كساب هنا..
ولو أني والله ماني بمحتاج أحد.. أقوم بروحي وأقعد بروحي"

زايد بحنان أبوي: كساب أمسى عندك البارحة.. اليوم دوري..
وأدري إنك منت بمحتاج حد وبتقوم بروحك..
بس حن نبي بس نسولف عليك عشان ماتضيق من حبسة المستشفى..

حينها ابتسم علي: وإلا قل يا أبو كساب تبي تشغل نفسك فيه عشان ما تفكر..؟؟

زايد ابتسم بشجن عميق: يا أبيك.. التفكير حتى لو طقيت منه ماخلاني..

حينها سأل والده باهتمام: ما أدري يبه حاسك منت بمبسوط..؟؟
ثم أردف علي بشجن عميق مثقل بالوجع: لو أدري إن الله ممكن يجمعني باللي أحبها
لو حتى بمجرد أمل.. يمكن ماعاد قدرت أسيطر على روحي من الوناسة..
ثم أردف بابتسامة وجعها أكثر من مرحها بكثير : أخاف أستخف وأقوم أركض في الشوارع وأبشر كل واحد أشوفه في الشارع..


زايد ربت على فخذه لأنه كان يجلس على مقعد مجاور له وهتف بحنان:
ما تدري يأبيك يمكن يكون في عرسك خيرة.. وربي يغسل قلبك منها..

علي بذات الشجن العميق: يبه هذا أنت 30 سنة وربي ماغسل قلبك منها..

زايد ابتسم: يا أبيك حالتي غير.. أعرفها زين وأعرف أخبارها.. وعلاقتي ما انقطعت بهم..
لكن أنت يأبيك تحب شبح.. حالتك بصراحة غريبة..

علي ابتسم بمودة صافية: زين خلك مني.. أنت ليه حاسك منت بمبسوط..؟؟

زايد تنهد وزفر بحرارة جوفه المستعر: إذا بغيت الصراحة يا أبيك.. أنا لحد الحين ماني بمستوعب اللي صار.. والله العظيم ماني بمستوعب..

أنت ماعليك مخبى..
أنا يأبيك صار لي 30 سنة عايش حياتي.. ومزنة حافظها في قلبي ذكرى ماقدرت أنساها..موسومة في روحي..
لكن ما أكذب على روحي وأقول إن حسرتي عليها ماخلتني أعيش حياتي..
أنا عشت حياتي بالطول والعرض..
وربي أنعم علي بزوجة صالحة ومال وعيال وجاه.. وكنت مبسوط في أكثر حياتي.. ولله الحمد..
بس كان فيه شيء في حياتي راكد ميت.. شيء ناسيه من 30 سنة..
إحساس ما ينوصف بالكلام ومستحيل ينوصف..
بس كان لازم أكتمه في قلبي لأنه خلاص مالي حق فيه..


ضحك زايد ضحكة فخمة قصيرة مثقلة بالشجن والذكريات:
تدري يأبيك إني شتاي وصيفي كنت قاعد في دكتنا.. البرد يصقعني والشمس تخرق رأسي.. وما أحس بشيء..

ثم أردف بعمق والذكريات تستغرقه تماما كأنه يحادث روحه:
المهم مايفوتني زولها وهي طالعة وداخلة.. الله يسامحني.. كان جهل مراهقين..
بس يأبيك لو أحاول أوصف حالتي لا شفتها ما أقدر أوصف..
أحس إني ما أقدر اتنفس من كثر ما قلبي يدق.. وإيدي ترجف.. وريقي يجف..
وياويل اللي بأشوفه يحاكيها وإلا حتى يطالعها بنص عين..
تهاديت مع عيال الجماعة كلهم.. وماحتى كانوا يدرون ليه أنا هديت عليهم..
أستانس لا خليتها تعصب وتسب.. عمري ماشفت حد يعصب ويذوب القلب وهو معصب غيرها..
ومع ذا كله ومع طيش الشباب اللي كنت فيه.. عمري مافكرت حتى أمسك طرف إصبعها.. كنت أشوفها شيء طاهر مايدنس..
كنت أشوفها شمس بتحرق من يلامسها..
وأشلون وأنا أتخيل إنه ممكن أمسك يدها وأشوف زولها صدق..
أنا بس لا تذكرت حالتي أول.. أحس الذكرى توجعني..وقلبي يعصر عصر..
أشلون الحين ينقال لي الذكرى بتصير حقيقة..؟؟
يا أبيك واحد بعمري ومكانتي صعب عليه يحس بذا الإحساس..
عشان كذا أنا حاسس كني متبلد.. أو انا اللي أبي أحس إني متبلد...وأجمد كل أحاسيسي..
لأني خايف إنه أكون متوقع شيء.. واللي بيصير شيء ثاني..
يا أبيك تعودت أكون حاسب لكل شيء حساب.. لكن ذا الشيء أبد ماحسبت حسابه!!
ما ني بقادر أصدق لين الحين.. والله العظيم ماني مصدق..


علي لم يستطع أن يرد حتى.. من شدة تأثره..
يا الله.. يا الله كم هي عميقة ومتجذرة مشاعر والده.. وكم يستحق أن ينال مبتغاه..!!

ولكن أ يحدث له هو ذات الشيء..؟؟
أ قد تمر عشرات السنوات.. وأحفاده حوله... وتلك المعشوقة المجهولة حسرة لا تنتهي في قلبه المتيم..؟؟

هذا لو لم تذوب روحه من الحسرة قبل ذلك بكثير!!






****************************************






منذ أن أنهى صلاته وورده وهو يدور في الغرفة كالأسد الحبيس..
أنفاسه تعلو وتهبط ولا يستطيع الجلوس..
سميرة كانت تنظر له وهو في دورته هذه.. تراقبه بصمت..
تعلم يقينا أنه وافق مجبرا.. لا تعلم كيف تمكنت وضحى من إقناعه..
لكن هذا يستحيل أن يكون منظر شخص وافق برضاه..

حين شعرت أنه فرّغ الحد الأدنى من عصبيته..
وقفت واتجهت نحوه لتشده من كفه وتجلسه جوارها على السرير.. ثم صعقته صعقا أنها شدته إلى صدرها وهي تربت عليه..

حينها شعرت بارتعاشه بين ذراعيها.. يتجاوب مع ارتعاش ذراعيها الناتج عن خجلها الرقيق..
دفن وجهه في ثنايا صدرها وهي تشعر بعرقه المتصبب وازدياد ارتعاشه..
مسحت عرق جبينه برفق وهي تطبع قبلات حانية على رأسه كما لو كانت أما تهدهد صغيرها الخائف..

أبعدته بعد ذلك ذلك برفق رغم أنه لم يكن يريد إفلاتها.. ولكنها أبعدته لتشير له بحنان:
تميم ترا حتى لو وافقت عن غير رضاك..
صدقني إن هذا هو الصح.. لا تخلي أنانيتك تعميك إن أمك لها الحق تعيش حياتها مثل غيرها..

صمت لم يشر لها بشيء..
ماذا يقول؟؟ أ يقول لها أن أمه ماعادت مشكلته ولا سبب غضبه..بل السبب وضحى ولا شيء غيرها..؟؟


أشار لها فقط بإرهاق عميق: أنا تعبان.. وتعبت من التفكير..

حينها فتحت سميرة له ذراعيها مرة أخرى.. كأنها تدعوه أن تُسكن هذا القلق والحزن والصدمة المتجددة في عروقه..
ويسند هو رأسه فعلا إلى صدرها كمسافر أرهقه السفر وآن له أن يؤوب..

وهاهو بالفعل يشعر بالسكينة وهو يشعر بصدى أنفاسها تحت أذنه وإن كان لا يسمعها..
ويشعر بارتباكها من تصاعد أنفاسها واختلاجها في صدرها.. ومع ذلك تقرر أن تضغط على نفسها لتكون الميناء الذي ترسو عليه سفينته..
فالميناء تعب من الهجر.. والسفينة أتعبها الترحال..!!

تميم عدّل وضعه ليجلس ويفتح ذراعيه لاحتضانها.. ما أن شعرت بدفء ذراعيه يحيطان بها بقوة حتى ارتبكت وتوترت ..
ثم حين شعرت بدفء أنامله ترفع وجهها ناحيته.. حتى انتفضت وابتعدت عنه
وهمست باختناق ارتفاع أنفاسها: شوي شوي عليّ تميم..

حينها أشار لها تميم بعتب عميق: شوي شوي هذي تقولها وحدة أول أيام عرسها.. مهوب وحدة صار لها أكثر من سبع شهور..
حرام عليش سميرة.. اتقي الله فيني..

سميرة بوجل: تكفى ماتزعل علي.. ولا تخوفني بربي.. ما استحمل.. أشلون أنام والملايكة تلعني..
عطني يومين بس.. بس يومين..

تميم نهض من جوارها وهو يشير بغضب: سميرة أنا الليلة بالذات فيني من الضيقة اللي مكفيني..
وماكنت أبي شيء منش.. بس أنتي اللي دعيتيني..
أنتي يعني تبين تنتقمين مني؟؟.. وإلا تعذبيني؟؟ وإلا أشلون؟؟
ارتاحي.. ارتاحي ما أبي منش شيء.. الله المغني..






***************************************




اليوم التالي
.
.
.



يشعر بشعور حرج متزايد.. لا يظهر في جلسته الواثقة المتحكمة..
اعتاد أن يخطب لسواه.. وما اعتاد أن يخطب لنفسه..
حتى في خطبتيه السابقة لمزنة.. وفي خطبته لوسمية.. كان والده هو من خطب له..
يشعر أن الوضع غريب تماما عليه..
وهو يقف أمام الجد جابر وتميم.. ومعه كساب ومنصور..
ولولا إلحاح كساب عليه لم يكن ليذهب بهذه الصورة المستعجلة.. وهو مازال غير قادر على استيعاب الفكرة حتى..
مازال عاجزا عن التصديق أن مزنة وافقت عليه!!


الجد هتف بحزم مغلف بارتياح كبير جذري.. فهاهو يحقق حلمه بعد كل هذه السنوات:
والله إنها الساعة المباركة.. زايد ولدي قدام تغدي مزنة بنتي..
وأبدن حددوا الموعد اللي تبونه للملكة..

زايد هتف بثقة متحكمة رغم أنه يشعر بنوع غريب من الدوار مازال حتى الآن عاجزا عن التصديق أن هذا مايحدث فعلا:
ماعليه يبه خل نخلص الفحص الطبي.. وعقب نحدد..

حينها فاجأه كساب بالتدخل الحازم: ترا إبي يقصد ذا الجمعة إن شاء الله..
لأنه الفحوص ماتأخذ يومين..
ملكة ودخلة مرة واحدة.. لأن عرس علي عقب أسبوعين ونص وإبي يبي عمتي أم امهاب تسافر معهم..

زايد منع نفسه من مجرد النظر لكساب حتى لا يحرقه بنظراته أو ربما يتهور ويصفعه..
وهو يشعر أن أسنانه قد تتحطم لشدة ضغطه عليهم.. يبدو أن هذا الولد قد جن.. جن تماما..
أ يمشي رأيه على زايد؟؟ على زايد؟؟


بينما كان منصور يمنع نفسه من الانفجار ضاحكا وهو ينظر لزايد وابنه..
ويحمد الله أن الجد لا يرى جيدا.. وتميم لا يسمع..

كساب كان يخبر تميما بما قاله للجد بطريقة بطيئة حتى يستطع قراءة شفتيه..
تميم شعر بمرارة عظيمة تتصاعد في روحه..
تتزوج أمه... بل وتسافر أيضا..!!

لم يسبق مطلقا أن دخل البيت إلا ووجدها.. كان فور دخوله تبحث عيناها عنها..
ولا تستقر روحه حتى يرى محياها ويطبع قبلته على جبينها..
فأي بيت بل قبر بعد وجودها؟؟
يتزايد غيظه من وضحى.. كل ذلك بسببها.. بسببها هي..
وهاهو الآن بعد شهر أو شهرين سيرتحل لبيته.. ولن يرى أمه إلا مجرد زائرة..
يا الله ماكل هذه الحرقة!!

تميم هز رأسه موافقا.. ماذا يستطيع أن يقول بعد؟؟ فكل شيء انتهى..انتهى!!

ثم فاجئه كساب باقتراح ماكان يتوقعه والحوار يدور بينهما فقط.. لأن كساب يتكلم ببطء وصوت منخفض.. :
وشرايك يا تميم دام أمك خلاص بتجي لبيتنا.. وأنتو يمكن ماتبون تبعدون منها..
وشرايك تشتري بيتي؟؟

تميم شعر بصدمة ترجمها أن أخرج مفكرته الصغيرة وكتب لكساب:
بس أنا ما أقدر على سعر بيت مثل بيتك في وضعي الحالي.. بيتك يفوق إمكانياتي بواجد..

كساب حينها تناول المفكرة وكتب له بسرعة: عادي ادفع لي اللي تقدر عليه
والباقي أقساط شهرية نفس الأجار اللي كنت تدفعه لي..

تمنى تميم حينها لو يقفز ويقبل رأس كساب.. فكساب بطريقة سحرية خفف بعضا من حرقته.. أنه مهما كان فوالدته ستبقى قريبة..

وهذه المرة لم يكن سبب اقتراح كساب هو كاسرة.. فكاسرة ستعود قبل الشهرين بكثير..
ولكنه كان من أجل تميم..

فهو شعر بحرقته تنادي حرقة مشابهة في قلب تميم.. إن كان هذا يخشى فقدان أمه..
فذاك فقدها..
شعر به تماما.. وشعر بوجيعته.. فهذه الوجيعة ترجمتها روحه لإحساس قاهر يحز في عمق النفس ويعلمه هو جيدا..


كساب أنهى حواره مع تميم بأن مد تميم بظرف ضخم كان يحمله بيده
وكان والده مستغربا ماهذا الظرف ولماذا ينزل به معه للمجلس..؟؟
وكساب يهتف بحزم: هذا من أبو كساب للوالدة.. ويقول قدرها أكبر من ذا بواجد..

فور أن خرجوا ماطاق زايد أن ينتزع كساب انتزاعا من ذراعه وهو يهتف بغضب عارم متفجر بالحزم والصرامة:
أنا طلبت منك تكون لسان لي؟؟.. تحدرني وتسندني على كيفك كني بزر يا اللي ما تستحي (تحدرني وتسندني= تذهب بي شرقا وغربا)

كساب بابتسامة متلاعبة: أفا يا ابو كساب.. وش فيك صاير كبريت ما تتنحاكى..

منصور هتف بحزم: خلونا نوصل المجلس وعقبه تلاغوا على كيفكم..

لأنهم خرجوا من بيت كساب متجهين مشيا إلى مجلس زايد الكبير..
حالما وصلا انفجر زايد في كساب:
من اللي قال لك إني أبي أعرس ذا الجمعة...؟؟
ومن اللي قال تتصرف من عندك وتعطيهم المهر.. ليه أنت اللي تصرف عليّ ذا الحين؟؟
يمكن أنا أبي أعطيهم شيء ثاني..

كساب بثقة تثير الغيظ: أفا عليك يبه.. يا أبو كساب الجيب واحد .. ولا تخاف عطيتهم اللي بيبيض وجهك وزيادة..
بنت جابر ذي مهيب أي حد..
أما على العرس.. دامك فيها وش أنت تتتنيها..
ملكة مزون نخليها الخميس.. وانت الجمعة.. ونتفرغ عقب كلنا لعرس علي..
بسيطة يعني..





***************************************





مزنة كانت تجلس تتابع لها برنامجا دينيا..
بينما كلا من سميرة وكاسرة مشغولتان بعد المبلغ الذي وضعه تميم في حضن والدته بعد أن أخبرهم بتفاصيل ماحدث بملامح جامدة..
وغادر دون أن يعلق بشيء..

سميرة بمرح: يمه.. الله.. عمري في حياتي ماشفت فلوس كذا..

كاسرة ابتسمت: تصدقين يمه.. أكثر حتى مهري بواجد.. مافيه مقارنة حتى..

بينما مزنة همست بضيق: ماهقيت إن زايد يتصرف مثل ذا التصرف البايخ..
هو الحين يشتريني يوم يدفع ذا المبلغ كله..؟؟
أنا لو بأقيم روحي بفلوس.. بأقول قدري مهوب بفلوس الدنيا كلها..
لكن هو شكله قيمني بذا المبلغ.. وقال كفاية عليش..
والله العظيم ودي إنه ماقدم مهر كلش.. ولا قدم ذا المهر..
وعلى العموم ولا فلوس الدنيا كلها تساوي حرقة وليدي.. الله يسامح اللي كان السبب..

كاسرة وقفت وجلست جوار أمها وهمست بمودة:
يمه الله يهداش وش فيش قالبة تراجيديا كذا.. والله العظيم عمي زايد نعمة من رب العالمين.. قولي كاسرة قالت..

سميرة قفزت بحماس.. تدرين يمه.. ماعاد فيه وقت.. يالله ذا الكم يوم.. نلحق نشتري شيء..

مزنة بصدمة: نعم؟؟ تشترون؟؟
ثم أردفت بحزم صارم: ياويلكم وياسواد ليلكم أشوف وحدة منكم شارية شيء..
أنا ماني بزر تبون تلبسوني على كيفكم.. ولا وحدة منكم لها دخل فيني..
واللي بتخالفني منكم.. والله لا تشوف شيء مايسرها..





************************************






" خبل.. خبل..
يبي يجلطني.. هذا تصرف عُقّال؟؟"

علي بتهدئة: يبه من كثر ماهو شايف قدرها كبير ..

زايد باستنكار حقيقي: ليه ومزنة قدرها بالفلوس..؟؟
يا أبيك الحين وش تقول علي.. أشتريها؟؟ وإلا شايف إن قد ذا قدرها عندي؟؟
السنع سنع !!

علي يبتسم: يا عيني عليك يأبو كساب ياعيني.. مدرسة مدرسة..


زايد شد له نفسا عميقا وصمت..لا يريد حتى أن يعلق..
يا الله ماهذه الضغوط المتوالية..!!
يشعر بإرهاق عميق من كل هذا..
وكأنه يدور في دوامة توشك أن تسحقه..
برأسه عشرات الأشياء وهذا ماكان ينقصه.. وليس هذا أي شيء.. ليس أي شيء..
بل كل شيء.. كل شيء!!

هذه مزنة !! مزنة !!
وكل ما يرتبط بها..مثلها... معقد.. وثري.. وعميق.. ومؤلم ..ومشتت للأفكار..
وهو لابد أن يعاني من كل هذا وعلى ذات المستوى من الثراء والتعقيد والعمق والألم وتشتيت الأفكار!!






*******************************






" بروفة الفستان طلعت عليش خيال..
الله يجزاها المصممة خير اللي قالت إنها تقدر تخلص الفستان لش"

شعاع تجلس وهي تهمس بإرهاق: وش خياله؟؟ هذا لو أنتي اللي لابسته..
خايفة على وقت العرس يكون وسيع علي.. مضغوطة من كل صوب..

جوزاء تضحك وهي تمسح على بطنها الذي بدأ يبرز قليلا: وين أيام الجسم الله يرحم أيامها..
أما على الضعف لا تخافين.. أنا وأمي مسوين لش برنامج تسمين مايخرش الميه..

ولا تحاتين أي شيء ثاني..
أنا والبنات متفقين نروح ونسوي لش كل شيء... واللي مايعجبش بنرجعه..
بعدين خلاص يا أختي أنا حافظة ذوقش بالمسطرة
لا تحاتين.. وحطي همش في المذاكرة وبس..

شعاع تقترب لتسند رأسها لحضن جوزاء وهي تتمدد على السرير وتهمس بتوتر رقيق:
متوترة جوزا.. متوترة..
ثم أردفت برجاء وهي تشد كف جوزا: جوزا تكفين وين صورته.. ماصارت أبي أشوفه..
خليني أخفف من توتري شوي.. لا شفته وعرفت شكله على الأقل..

جوزاء حينها ضحكت: سامحينا.. الصورة بح..

شعاع اعتدلت جالسة باستغراب: أشلون بح..؟؟

جوزاء ابتسمت: تسلم عليش.. عبدالله شققها.. ويقول لش اركدي يا بنت..
وعلي بيعجبش..

شعاع وضعت كفيها على وجهها من الحرج.. ثم أخذت تضرب كتف جوزا بخفة وهي تكاد تبكي:
كله منش.. كله منش.. كذا تفضحيني في أبو حسن.. الحين يقول البنت مافي وجهها سحا..

جوزا ترقص حاجبيها: وأنتي صدق مافي وجهش سحا..





*******************************






" حبيبي أقوم أجيب لك عشا؟؟"

منصور يشد عفراء ويجلسها جواره ويهتف بحزم ودود: مهوب الحين..
خلي جميلة تخلص سبوحها وتنزل ونتعشى سوا..

ابتسمت عفرا: أجل مطولين وبنتسحر الليلة بدل العشا..

منصور بمودة: خلي البنية براحتها.. وش حن مستعجلين عليه..
ثم أردف بتساؤل لا يخلو من خبث: وأنتي متى إن شاء الله بتشرفين غرفتش؟؟
ترا غرفتش مشتاقة لش.. وبتشق ثيابها..

عفراء همست بحياءها الفطري الرقيق: أسبوع إن شاء الله..

منصور بإبتسامة: ست أيام يا النصابة... إيه وش عليش منتي باللي تعدين الليالي..؟؟

عفراء أخفضت رأسها بخجل.. ليمد منصور سبابته ويرفع وجهها ويهمس بدفء خافت:
ألف مرة قايل لش.. ما أحب تلدين بعيونش وأنا اكلمش..

ثم أردف وهو يقترب أكثر ويمسح على خدها بذات السبابة: بس تدرين من عقب زايد الصغير صاير حلاش غير طبيعي..

عفراء تأخرت بحرج: منصور عيب عليك.. جميلة لا تدخل علينا الحين.. ما احنا في غرفتنا..

منصور ضحك: صدق إنش نصابة.. قبل شوي كنا بنتسحر قبل تخلص سبوحها..
والحين صارت بتطب علينا..
بس صدق جميلة الله يعين رجالها عليها.. بيخيس على باب الحمام ينتظرها تخلص سبوحها..

عفراء بضيق: منصور تكفى تدري إن ذا السالفة تضايقني.. ما أبي بنتي تعرس خلاص..
ثم أردفت بابتسامة: خلنا في العرس اللي صدق..
عساك بس منت بزعلان عشان مزون وافقت على غانم؟؟

منصور بابتسامة فخمة: وليش أزعل؟؟ من جدش؟؟ مزون بنتي وما أبي إلا توفيقها..

عفراء برقة: عشان فهد يعني؟؟.. أعرف بغلاه عندك..

منصور ابتسم بغموض: مزون ما كانت نصيبه.. وفهد له نصيب مابعد جا..

عفراء بمودة: الله يوفقه ببنت الحلال.. والله أني صرت أعزه من معزتك له..
ثم أردفت بتساؤل: والخطبة الثانية وش صار فيها؟؟ خطبة أبو كساب؟؟

ابتسم منصور: كان خاطري بس تشوفين كساب.. تقولين هو اللي بيعرس..
في عرسه ماشفته مشتط كذا..

ضحكت عفراء بخفوت: إيه في عرسه كان مابعد شافها.. الحين ماينلام ياقلب خالته ماعاد فيه صبر..

منصور بتساؤل باسم: شتقولين؟؟

عفراء أشارت بيدها لا شيء.. ليردف منصور بذات الابتسامة:
بس سبحان الله على تقاديره.. زايد خطبها مرتين قبل أم كساب الله يرحمها.. وماوفقت عليه..
وتوافق عليه عقب ذا العمر..

حينها انقلبت ابتسامة عفراء لإنكسار مرعب وهي تشهق: نعم؟؟
خطبها قبل وسمية مرتين؟؟




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 16-12-10 06:49 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السبعون
 
()
.
.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصباحكم خير
.
.

البعض متوقع مشكلة لما حد يعرف عن مكالمات عالية وعبدالرحمن..
خلونا منطقيين شوي.. صحيح هي أمر منتقد جدا في عاداتنا..
لكن لو عرفوا أهلهم.. وش اللي بيصير؟؟ يعاتبونهم؟؟ يصرخون عليهم؟؟؟ يغسلون شراعهم؟؟
وبس....
لكن إنهم يعجلون الزواج عشان مجرد مكالمات وبين زوجين؟؟ قوية :)
لأنهم ماطلعوا مع بعض ولا حتى فكروا فيها... يعني الشيء اللي ممكن يسوي مشكلة فعلا ويعجل بالزواج..
للمكالمات سبب ثاني بعد بس بتعرفونه موب في بارت اليوم لكن البارت الجاي :)
.
.
ويا الله مع بارت طوووووويل تتسلون فيه نهاية الأسبوع
وبارب يعجبكم
.
الجزء 70
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء السبعون






حينها انقلبت ابتسامة عفراء لإنكسار مرعب وهي تشهق: نعم؟؟
خطبها قبل وسمية مرتين؟؟

منصور استدار بكامل جسده لها وهو يهتف بقلق: عفرا اشفيش؟؟
بسم الله عليش..

عفراء أشارت له وهي لاتكاد تبصر ما أمامها من شدة الفاجعة
واسما (مزنة – مزون) يضيء في داخلها كقنبلة مدوية بربط موجع لأبعد حد بين الاسمين:
مافيه شيء.. مافيه شيء...


" يا الله أتكون مزنة هي من جلبت كل هذا الحزن لوسمية..؟؟
ويا الله ما أظلمك زايد كيف جرؤت أن تسمي ابنتها على اسم حبيبتك..؟؟
كيف جرؤت أن تظلم قلب وسمية الطاهر هكذا؟؟
كيف طاوعك قلبك أن تقهر وسمية هكذا؟؟

ويا الله ما أصبرك ياوسمية!!
كيف صبرتِ كل هذا؟؟ كيف صبرتِ؟؟
كيف سمحتِ له أن يذلكِ حبه لدرجة أن توافقي على أن يسمي ابنتك باسمها؟؟

يا ربي..يا الله ماكل هذا الوجع!! ماكل هذا الوجع!!
أشعر أن قلبي سيقع من مكانه لشدة الوجع
وسمية لم تكن أختي فقط..
وسمية كانت أختي وأمي ورفيقة روحي!!
.
.
.
ولكن إن كانت وسمية أختا وأما.. فهل أكون ناكرة للجميل وأنكر أن زايدا كان لي أخا وأبا وسندا؟؟
وسمية ذاتها كانت تقسم أنه ماضايقها بشيء هو يقصده
عدا هذا الاسم الذي كان يهذي به ونائم لا يقصد إيذائها به..
وكان يستطيع أن يسمي ابنته باسمها دون تحريف لأنه يظن أن لا أحد يعلم..

هو لم يقصد مطلقا جرحها.. لم يقصد جرحها يارب!!
فهل أتقصد الآن جرحه؟؟
ماذا سأستفيد من ذلك؟؟ هل سيعيد ذلك وسمية من قبرها؟؟

وسمية أحلم بها في نومي على الدوام أنها سعيدة وعلى خير حال؟؟
فهل سترضى وسمية عليّ لو جرحت أولادها وأبوهم وقلبت حياتهم رأسا على عقب؟؟

مزنة ذاتها التي أشعر الآن بالحقد عليها ماذنبها؟؟
هل هي من طلبت من زايد أن يهذي باسمها في نومه؟؟

يا الله ألهمني الصواب لأقوم به!!
ألهمني الصواب..
وسمية رحلت.. فماذا سيستفيد الأحياء من تقليب دفاتر موجعة؟؟
أنتقم لها وأنا كاني أنتقم من زوجها الذي أكرمها وأنتقم من فلذات أكبادها؟؟
يا الله ألهمني الصواب.. ألهمني الصواب!!"

منصور يهز كتفها بقلق: عفرا اشفيش.. كلميني.. اشفيش..

عفراء وعت من غيبوبتها.. لتستدير وتدفن وجهها كاملا في عرض صدر منصور وهي تحتضن خصره وتبكي ببكاء خافت أشبه بالأنين.
منصور كاد يجن وهو يحتضنها بكل قوته ويهمس في أذنها بقلق مرير:
حبيبتي وش فيش؟؟ تكفين لا تحرقين قلبي كذا؟؟

عفراء همست بصوت مختنق: مافيني شيء.. بس تذكرت وسمية الله يرحمها..

حينها شدد منصور احتضانه لعفراء وهو يطبع قبلات حانية على شعرها ويهمس بحنان:
السموحة يام زايد.. وش نقزني أجيب طاري أم كساب.. جعل مثواها الجنة؟؟

عفراء دفنت وجهها في صدره أكثر وهي مستمرة في نحيبها الشفاف..
دون أن ينتبها كلاهما أن هناك من أطلت عليهما ثم عادت ركضا للأعلى ووجهها يشتعل احمرارا..

" يافشلتي فشلتاه.. وش نزلني؟؟ وش نزلني أنا ولقافتي..؟؟
يمه.. يمه.. الحين ممكن يصير في يوم من الأيام أنا أسوي كذا؟؟
لا لا مستحيل.. يمه.. يمه "






***************************************






" هلا يمه..
تقول سميرة إنش تبيني؟؟"


كانت هذه إشارة تميم لوالدته بعد أن أغلق الباب..
أشارت مزنة بشجن: يعني ماتمرني إلا لأن مرتك قالت لك..

تميم بجزع: لا والله يمه..
ثم صمت بألم..

مزنة أشارت للمكان الخالي جوارها..
تميم جاء وجلس جوارها ليضع رأسها على فخذها ومزنة تمسح على شعره بحنو ثم تميل لتقبل جبينه..
قبل هو فخذها حيث كان يسند رأسه ثم نهض وقبل كفها.. قبل أن تشد مزنة كفها لتشير له بحنان:
يا أمك مهوب خافيني إنك متضايق..
ووالله العالم لولا إن وضحى حدتني إني ماكان أوافق..
أنت يامك تكفيني عن كل رياجيل العالم..

ابتسم تميم بشجن: داري فديتش.. طالبش أنتي ماتضايقين روحش..
مهما كان يمه.. هذا زايد آل كساب.. نسبه شرف..
وفعايله ماحد يسويها ولا أحد يقدر يوقف مواقفه..

مزنة ربتت على خده ثم أشارت بحنان: خير يمه..
أنا بس بغيت أشوفك أنت..
ما أبغي شيء يحز بخاطرك طالبتك..


تميم غادرها وأغلق الباب خلفه.. لتتمدد مزنة على سريرها..
لأول مرة تفعل شيئا هي غير مقتنعة به..

فعلا لا رغبة لها بالزواج وقيوده بعد أن مضى أكثر من 15 عاما على رحيل زوجها الثاني..
قد يكون زايد آل كساب خيارا مغريا لأي أحد حتى لشابة أصغر منها بكثير..
ولكن هي لا تريد أن تتزوج لا من زايد ولا من غيره..

لا تتخيل نفسها زوجة مرة آخرى..
ربما لأن الزواج ارتبط في ذهنها بحياة باردة خالية من اشتعال المشاعر..

فزوجها الأول تزوجته صغيرة جدا.. وتوفي قبل أن تتعرف عليه حتى.. بعد زواجهما بخسمة أشهر..
وزوجها الثاني كان رجلا ودودا جدا لا يخالفها في كلمة ويرضى بأدنى شيء قد تقدمه له..
جمع بينهما المودة والأولاد والاحترام.. ولا شيء آخر..
لم يصل أحدا منهما إلى عمق روحها المحضورة..
تأقلمت على حياتها كأم وابنة.. أما الزوجة والأنثى فهي كانت مغيبة من أفكارها..

حتى في اهتمامها البالغ بنفسها.. كانت تفعله لنفسها..وإرضاء لنفسها..
فإذا كان الله قد منحها كل هذا الجمال.. ألا تشكر الله بحفاظها على هذه النعمة؟!!

حينما كانوا يقولون لها: خاطرنا نشوف لو هذا اهتمامش بنفسش وأنتي ماعندش رجّال.. لو عندش رجّال.. وش بتسوين؟؟

كانت ترد باسمة: بيكون نفس الشيء.. يعني الوحدة إذا ماكان عندها رجّال لازم تدفن نفسها..
الحياة ماتوقف عشان رجّال غير موجود..

وهاهو الرجل أصبح موجودا..!!

تجربتها الآن في الحياة أعمق بكثير..
ولا تجهل كيف تتعامل مع رجل وبأفضل طريقة..
ولكنها لا رغبة لها بذلك.. لا رغبة لها بذلك..!!

كما لو كانت طباخة ماهرة جدا ولكنها قررت اعتزال الطبخ..
ثم يأتون لها لكي يجبروها للعودة للطبخ رغم أنها ماعادت راغبة في الطبخ..
ولكنها مجبرة أن تفعل ذلك.. وتعلم أنها ستنجح لأن براعة الطبخ مغروسة في روحها..

رغم سذاجة هذا المثال ولكنه حقيقة..
فمزنة بأنوثتها الطاغية وتفكيرها الذكي هي طباخة ماهرة.. وحتى لو لم ترغب بإعادة استخدام هذه الأنوثة والذكاء كزوجة..
فهذا شيء مغروس في روحها ولابد أن يتدفق تلقائيا حين تضطر لاستخدامها..
فكيف ستوظفه فعلا الآن كزوجة لزايد؟!






************************************





" ها تميم أمك وش تبي فيك؟؟"

كانت هذه إشارة سميرة لتميم الذي دخل والإرهاق باد ملامحه ليلقي غترته على المقعد ويشير لها قبل أن يجلس:
أبد.. تبي تتأكد إن خاطري مافيه شيء..

سميرة حينها أشارت له بتساؤل مقصود: وأنت خاطرك فيه شيء؟؟؟

تميم بشجن عميق: تكفين سميرة لا تسأليني عن أي شيء؟؟

سميرة ابتسمت: ولا حتى وش قالت لك وضحى وأقنعك.. بأموت من الفضول أبي أدري..

حينها ابتسم بإرهاق: هذي عاد مستحيل أقول لش.. خلش بفضولش..

سميرة حينها جلست جواره لتسند رأسها لكتفه وتحتضن خصره..
استغربت بألم شاسع أن تميما أبعدها عنه.. نظرت له باستغراب مصدوم..

بينما أشار لها بشجن:
سميرة ألف مرة صرت قايل لش لا تسوين شيء ماتقدرين تكلمينه..
أنتي بطريقتش هذي تعذبيني..
أنا تعبت وأنا كل ماحاولت أقرب منش.. تجفلين مني..
لا تعطيني نص الإحساس ولا نص اللمسة..
لأنه أنتي كذا ما ترضيني وأنتي محسستني إنه لي حدود لازم ألتزمها..
دامش حاطة حدود بيننا.. خلي الحدود كلها.. لأني مستحيل أرضى أوقف على نص الحدود..
خلينا ربع ونسولف مع بعض من بعيد لبعيد..
وإذا قررتي تشيلين الحدود كلها أنا أنتظرش.. بس ترا صبري صار أقل مما توقعين...






*****************************************






" غانم يأمك وش فيك مستعجل؟؟
كمل قلاصك!!"

غانم يضع كوبه أرضا ويهتف باستعجال: اليوم عندي آخر فحص طبي..
بأخلصه وأطلع المطار عندي رحلة..

تنهدت أم غانم ثم هتفت بأمومة: صحيح نسب آل كساب يشرف.. ومن يقدر يطوله ؟؟..
بس أنا بغيت لك وحدة أزين..

ابتسم غانم وهو يقف ويقبل رأس والدته: يمه ترا الزين مهوب كل شيء في الدنيا..
الحين أنا بأعاشر أخلاقها وإلا بأعاشر زينها..؟؟
لو كانت أخلاقها مهيب زينة.. بأشوف زينها أشين شيء في عيني..
ومزون يمه أنا أعرف أخلاقها زين.. وسالفة الزين كلها ماتهمني.. فريحي بالش..
أنا شايفها من الحين أزين وحدة بأخلاقها..

ابتسمت أم غانم: الله يزينك في عينها مثل ماهي زينة كذا في عينك..
والله يوفقك يامك وينولك كل اللي في بالك






***********************************





بعد عدة أيام ..يوم الخميس..
.
.
.



" يقولون بعد شوي ملكة أبو عيون عسلية!!"

عالية تعدل المخدة تحت رأسها وهي تتمدد بعد صلاة العصر وترد على تهكم عبدالرحمن بتهكم مشابه:
يا الحقود.. يا اللي ماتنسى.. يا اللي قلبك أسود..
ترا أبو عيون عسلية له اسم يهبل.. وولد عمي.. وما ارضى إنك تسميه كذا..
اسمه غانم لو سمحت...

عبدالرحمن بابتسامة مغلفة بالغيظ: ياسلام.. واسمه يهبل بعد.. وعيونه عسلية ياحظ بنت زايد فيه..
على حد علمي.. ترا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير الاسماء ماحمُِد وعُبد..

حينها همست عالية بانتصار: ويقولون لك يادكتور الجامعة المحترم إن هذا حديث لا أساس له من الصحة وما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم...
فروح لقط وجهك !!

عبدالرحمن ضحك: خطيرة يا بنت... ملعوبة.. حكرتيني في الزاوية..

عالية تضحك: دوم مهوب يوم يارب.. وانت دايم اللي حاكرني وحايسني..

حينها هتف عبدالرحمن بنبرة مقصودة: زين دامش استانستي فأكيد ماتقدرين تنكرين صحة الحديث اللي يقول:
(إن أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن)
يعني اسمي بالتحديد.. ماقال غانم..

عالية تبتسم: ماخليتيني أستانس بنصري شوي يا الدب..
وانسى غانم.. الولد بتنفقع عيونه منك يا المفشوح.. مايسوى عليه ذا العيون العسلية طلعتها من كبده..

عبدالرحمن ضحك: لو عيني حارة كان قصيت لسانش شوي يا القردة..

عالية بغضب: لا تقول قردة..

عبدالرحمن مازال يضحك: وأنتي لا تقولين دب..

عالية بغيظ: بس أنت دب..

عبدالرحمن ببساطة باسمة: وأنتي قردة !!

عالية أغلقت الهاتف في وجهه.. ليس لأنها غضبت منه.. ولكن لأنها تريد أن تنام قليلا..
وهو يستحيل أن ينهي الاتصال من نفسه..
كانت تبتسم وهي تغلق عينيها.. لا تعلم كيف ملأ حياتها بطريقة سحرية هكذا وفي غضون أيام..
لو تأخر عن الاتصال بها أكثر من ساعتين.. ستتصل هي به.. لأنها لا تستطيع الصبر أكثر عن سماع صوته..

يبدو أن هذا العبد للرحمن سيكون إدمانا لذيذا بكل حالاته...
يتكلمان في كل شيء من أعمق الأشياء لأسخفها..
من أعسر المشاكل والقضايا لأتفهها.. المهم أن يتكلما..
بدأ كل منهما يعرف عن الآخر أدق تفاصيل حياته وأسراره وبطريقة شفافة لا تكلف فيها وهما يتبادلان روح مرح عميقة بينهما..
مطلقا لا يبدوان زوجان تقليديان بل هما لصديقان أقرب بكثير..

كانت على وشك أن تغفو حين أيقظها رنة رسالة:

" ولا تزعلين يا قلبي.. مايهون علي زعلش!!
بأرسل لش رضاوة..
.
.
بعد شوي بتلاقين عند باب بيتكم كرتونين موز



يا الــــقــــــردة !! "






************************************





" أنتي الحين ليش متوترة كذا!!
ترا مافيه شيء يوتر"

كانت جميلة تحاول تهدئة توتر مزون وهي تردف بمرح:
صحيح تجربتي الوحيدة وأنا في المستشفى على سريري ويا الله أشوف لحية الشيخ وهو يسألني..
بس ترا السالفة ماتفرق واجد.. بيجيش الشيخ ويسألش.. وهزي رأسش مثل البقرة وخلاص...

مزون تدعك طرف عباءتها التي لبستها حين أخبرها والدها أن تستعد لأن الشيخ سيأتيها بعد قليل ليسألها تهتف بتوتر:
تدرين إنش متفرغة..

جميلة ضحكت: عاد أنتي وحدة المفروض مافيه شيء يوترش.. كل شيء مار على رأسش.. الطيران ومشاكله..
وكساب ومشاكله... كساب بروحه يكفي...
يعني توترش الحين يشبه مثلا توتر الفترة اللي اختفى فيها كساب في أمريكا..؟؟

مزون بابتسامة: لا.. وش جاب لجاب.. الله لا يعيدها تيك الأيام.. بغيت أستخف.. خمس شهور ماندري عنه..
مع إنه قال لأبي عقب ماخلص الماجستير إنه بيطلع رحلة تخييم للجبال يمكن تطول شهور.. ويمكن مايقدر يتصل..
بس حتى إبي مع إنه كان يبين إنه كل شيء طبيعي بس بغى يستخف..لأنه هقى شهر شهرين مهوب خمسة..
حتى السفارة هناك اتصل بها.. وقالوا له جواز سفره موجود وماراح مكان ودوروا له في المستشفيات والسجون مالقوه..

جميلة مازالت تحاول إلهاء مزون عن التفكير بالملكة بحكايات اخرى:
زين عقب ما انصلح الحال بينش وبينه ما سألتيه وين كان..؟؟

ابتسمت مزون: سألته.. قال لي رحلة تخييم فوق الجبال ومافيه إرسال ولا تلفونات..

ما أن أنهت مزون جملتها حتى سمعت صوت كساب يأتيها عبر باب مجلس النساء الموارب: مزون تعالي هنا... الشيخ هنا..

مزون بدأت ترتعش بعنف.. بينما جميلة شدت على كتفيها وهي تهمس لها بحنان: يا الله قومي..

مزون همست باختناق حقيقي: أبي خالتي.. أبي خالتي.. ليه ماجات..؟؟

جميلة برقة: والله العظيم امي تعبانة واجد.. وصار لها كم يوم تعبانة.. أنتي بروحش شفتيها..

مزون وقفت لتبلس نقابها.. وهي تشعر أن قدميها تكادان تذوبان من التوتر والارتباك..
بينما جميلة تدفعها حتى أوصلتها للباب..
حين دخلت تلقاها كساب بحنان وهو يرى ارتعاشها ليسندها..

سألها الشيخ بنبرته الهادئة: موافقة يا بنتي على غانم بن راشد آل ليث زوجا لكِ؟؟

مزون هزت رأسها إيجابا وهي تستند بثقلها على كساب الذي كان قلبه يذوب حنانا لها وهو يرى حالتها..

الشيخ سألها مرة أخرى: هل لكي شروط يا بنيتي؟؟

فهزت رأسها رفضا..

فقال لها الشيخ: زين يا بنتي وقعي هنا..

مزون تناولت القلم بأنامل مرتعشة ووقعت..
حينها هتف الشيخ بحزم: خلاص أنا بأرجع للمجلس..

قالها وهو يفتح باب مجلس الحريم المفتوح على الخارج ويخرج فعلا حاملا دفتره..
لتدفن مزون وجهها في صدر كساب وهي تبكي بخفوت..

كساب احتضنها بحنو وهو يهمس بابتسامة: هذي دموع الفرح يعني؟؟

مزون بخجل بالغ: كساب حرام عليك.. اللي فيني مكفيني..

كساب قبل رأسها هتف بحنان عميق: ألف مبروك.. غانم نعم الرجال.. وإن شاء الله إنش ما تندمين..
ويا الله خلني أكلم علي يبي يكلمش.. أمني أدق عليه أول ماتوقعين عشان يبارك لش دايركت..









**************************************





تحتضن صغيرها بين يديها ودموعها تنهمر بغزارة..
أ يعقل أن يكون الآن عقد قران ابنتها وهي غير حاضرة فيه..؟؟
أ يعقل أن اليوم الذي حلمت به طويلا يحضر دون أن تكون أحد المشاركين فيه؟؟


ولكنها بالفعل مرهقة ومجروحة لأبعد أبعد حد..
ولا ترغب مطلقا بدخول بيت زايد.. وتقليب أوجاعها المستعرة..

تعلم أن لا ذنب لأحد فيما حدث لكنها لا تستطيع منع نفسها من الإحساس بكل هذا الألم الغريب العميق..

حاولت جاهدة وبكل قوتها أن تتشجع للذهاب..
ولكن قدميها أبتا التحرك.. لذا طلبت من جميلة أن تذهب هي لوحدها مع عمها منصور..

وبعد خروجهما تمنت لو تتصل بمنصور وتقول له عد وخذني حتى لو حملتني إلى السيارة حملا..
ولكنها خافت من ردة فعلها هي..
خشيت أن تتصرف تصرفا يفسد على صغيرتها فرحتها..
قد تكون اعتادت على الكتمان وعلى كتم أوجاعها من أجل الآخرين
ولكنها تريد لها وقتا حتى تتأقلم مع الفكرة الموجعة لها تماما !!
لا تعلم متى تتأقلم؟؟
ولكن حتى ذلك الحين يجب أن تبتعد عما قد يثيرها أو يثير ألمها..
لأن هذا الألم مختلف.. مختلف.. واحتماله صعب!!





*********************************






" يمه.. يمه.. خل الخدامات يدخلون الأغراض اللي برا!!"

هزاع جلس بجوار عالية التي كانت تصب القهوة لوالدتها.. بينما أم صالح تهمس بتساؤل: ليه وش أنت جايب يأمك؟؟

هزاع يضحك: أنا أجيب شيء؟؟ حاشا وكلا.. هزلت.. أنا أكل بس..

أم صالح باستغراب: مهوب أنت تقول خل الخدامات يدخلون الأغراض اللي برا..

هزاع مازال يضحك: تخيلي يمه ما أدري من اللي استخف وجايب لنا خمس كراتين موز..
والغريب إن إبي وأخواني كلهم في ملكة غانم.. من اللي جابهم زين؟؟
إلا لو كانت من بيت فاضل بن عبدالرحمن... توني شفت سواق البيت طالع من حوشنا وأنا داخل؟؟

عالية شعرت بالصداع والممزوج بغيظ عميق (استخف.. والله العظيم استخف!!)

أم صالح باستغراب: 5 كراتين مرة واحدة.. يأمك يمكن قصدك كرتون تفاح وبرتقال وموز.. كذا يعني..

هزاع بابتسامة شاسعة: أقول لش يمه خمس كراتين موز.. ليه ما أعرف الموز أنا؟؟..
تصدقين يمه.. الظاهر يحسبون عندنا مزرعة قرود..

عالية حينها لكزت هزاع بقوة في جنبه لشدة شعورها بالغيظ من عبدالرحمن الذي أكمله عليها هزاع وهو يذكر القرود..

هزاع هتف بغضب وهو يضرب مؤخرة رأسها: وش فيش يا الخبلة علي ؟؟ليه تضربيني؟؟..

عالية بغضب: ما أقصد يا الخبل.. من غير قصد..
كم مرة قايلة لك لا تمد يدك علي.. ماتعرف تحترم الكبير أنت..

هزاع يبتسم : وأنا كم مرة قايل لش اعطفي على الصغير...
الله يعين عبدالرحمن عليش.. الأنوثة ملغية من قاموسش..

حينها لكزته بكوعها بقوة أكبر في جنبه.. حينها أمسك بذراعها وعصرها خلفها
وهتف بغيظ باسم: الحين تخسين تقولين إنش ماتقصدين..
إلا تقصدين وتقصدين..

عالية تصرخ بألم: يمه تكفين.. فكيني من ولدش الخريش.. بيكسر يدي..

أم صالح بابتسامة حانية: وحد قال لش تحارشين الخريش..
رجّال أطول منش واعرض ما تستحين تمدين يدش عليه..؟؟
خلش دواش.. جعله الزين فيش!!
وقومي كلمي السواق.. خله يعطي كل بيت من بيوت جيراننا كرتون.. قدام تخرب عندنا..





*************************************





دخلت على استحياء وهي تسحب قدميها الثقيليتين سحبا لداخل غرفة والدتها..
مزنة فتحت عينيها حين سمعت صوت الباب يُفتح ثم عادت وأغلقتها حين رأت من دخل..


وضحى اقتربت من السرير حيث تتمدد مزنة.. جلست جوارها على الأرض..
وهي تستند على طرف السرير بكوعيها وتهمس لوالدتها من قرب بوجع عميق:
يمه تكفين.. ماكفاش الأيام اللي فاتت وأنتي تعذبيني وهاجرتني حتى من الكلام..
الحين بكرة بتروحين.. تبين تروحين وأنا وأنتي كذا!!

حينها فتحت مزنة عينيها وهمست بألم مغلف بالحزن: مهوب أنتي اللي تبيني أروح.. وش فرقت عندش الحين؟؟

وضحى تناولت كف والدتها وأغرقتها بدموعها ونشيجها المفاجئ وهي تهمس بين شهقاتها:
يمه تكفين لا تحاسبيني على شيء راح وخلاص ماعاد له قيمة..

مزنة بألم: لو ماله قيمة ماكان قدرتي تستخدمينه ضدي وضد تميم..
ماهقيت ذا منش يأمش.. أنتي بالذات من بد خلق الله..

وضحى وقفت على ركبتيها وهي تميل على والدتها لتقبل جبينها وتهمس بين شهقاتها المتزايدة:
يمه تكفين.. تكفين.. لا تروحين وأنتي زعلانة علي.. طالبتش..

مزنة اعتدلت جالسة وهي تسند ظهرها للسرير وتخلي مكانا جوارها وهي تشير لوضحى أن تندس جوارها..
وضحى ماكادت تصدق وهي تقفز بجوار والدتها وتحتضن خصرها وتسند رأسها لكتفها وهي تنخرط في بكاء مثقل بالوجع..

مزنة ربتت على وضحى وهي تحتضنها بحنو: بس يأمش.. بس..
ما أقدر أزعل عليش.. بس أنا مستوجعة منش واجد.. أول شيء دسيتي علي سالفة ما تندس..
وعقبه ماتعلميني إلا عشان تستخدمين السالفة ضدي..
وحتى لو قلتي إنه ماعاد لذا السالفة قيمة.. هذا أنتي عرفتي أشلون تستخدمينها؟؟

وضحى رفعت رأسها قليلا وهي تبتسم بسعادة لأن والدتها غير غاضبة منها.. وهكذا هو قلب الأم لا يعرف إلا التسامح مهما أساء الأولاد..

همست وضحى بإبتسامة مبللة بدموعها وهي تدخل كفها في شلال شعر والدتها الكستنائي المتناثر بفخامة استثنائية على قميصها القطني:
يمه.. قلت حرام ذا الزين كله يروح ماشافه حد.. وما حد يستاهله كثر أبو كساب..

مزنة همست حينها بحزم: إذا على قولتش الله رزقني زين..
فهو رزقني إياه لنفسي مهوب عشان رجّال..
لكن زايد غدا أهم عندش من أمش !!

ثم أردفت بشجن: خاطري أدري لو ذا الخطبة صارت على وقت امهاب الله يرحمه..
كان تجرأتي تسوين فيه اللي سويتيه فيني وفي تميم!!

حينها همست وضحى بألم عميق ألم اشتياق وشجن وبعاد: مستحيل.. كان امهاب بيذبحني..
بس يمه ماعاد به شي عقب امهاب على حاله.. كل شيء تغير.. كل شيء تغير!!





*************************************






" يبه لا تقول إنك بتمسي عندي الليلة عشان كساب أمسى البارحة
لأنك أنت اللي ممسي عندي البارحة
روح جعلني فداك للبيت.. وراك بكرة يوم مشهود!! "

زايد ابتسم: لا... أكون بأروح أحارب يأبيك..
الليلة أبي أقعد أسولف معك..

علي ابتسم مودة غامرة: زين يبه أنا بكرة أبي أطلع وأحضر ملكتك.. وأمسي في البيت وأرجع المستشفى الصبح..

زايد ابتسم: أبشر.. بس وش معنى تبي تمسي في البيت؟؟ ما تبي ترجع في الليل يعني؟؟

علي بابتسامة: اول شيء شوفة عينك أنا أحسن بواجد.. وزهقت من قعدة المستشفى.. أبي أطلع أغير جو..

ثم أردف بمصارحة شفافة مثقلة بالعذوبة: وثاني شيء أبي أكون قريب منك تيك الليلة..
ولا تسألني ليه؟؟ لأني ما ادري وش السبب..
يمكن لأنها بتكون ليلة تاريخية صدق.. أبي أكون قريب منك..
ما تتخيل يبه وش كثر أنا مستانس عشانك.. لأني حاس فيك زين..

زايد حينها هتف بشجن يخفي خلفه قلقا كبيرا: يبه إحساسك غير إحساسي..
إحساسك بريء وتوه طازج..
لكن أنا يا أبيك مليان تعقيدات بعمر 30 سنة..
يا أبيك ماهقيت ولا حتى واحد في الميه إنه أنا ممكن أخذ مزنة في يوم من الأيام..
يا أبيك مزنة مثل حلم مستحيل ماتوقعت إنه ممكن يتحقق يوم..
لأن الأحلام المستحيلة ما تتحقق.. فأشلون تحقق الحين لحد الحين ما أدري!!

علي ابتسم حينها بخبث: يبه دامك تعلمني بكل شيء..
ممكن أطمع إنك بتعلمني بإحساسك بكرة لا شفتها قدام عيونك..؟؟

زايد رد عليه حينها بابتسامة مقصودة: لا عاد يا أبيك كذا مسختها..
مهوب كل شيء ينقال..






*************************************






" يبه لا تحاتي شيء فديتك..
تراني كل يوم عندك صبح وليل.. مافيه شيء بيتغير عليك"

جابر يبتسم بمودة: داري يأبيش داري.. لا تحاتيني.. هذا بناتي الكحيلات عندي ومافيني إلا العافية..

مزنة بحزم: جعل ربي يخليك لهم ويخليهم لك.. بس أنا المسئولة عنك..

كاسرة حينها هتفت باستغراب: بس يمه عمي بيسافر عقب أسبوعين مع ولده ويبيش تسافرين معه..

مزنة بذات الحزم: يسافر بروحه.. يعني رجّال لف الدنيا كلها بروحه.. يبي له خوي..
أبدى ماعلي إبي.. ومستحيل أطلع من الدوحة وهو وراي..
ثم أردفت لكاسرة بخفوت حازم: إبي شيبة عود ما يندرى متى ربي يأخذ أمانته.. ولو صار له شيء وأنا رايحة مع زايد وولده... بينفعوني حزتها؟؟

كاسرة بغضب: تدرين يمه إني ما أداني ذا الطاري..
لا تفاولين على جدي..

مزنة بحزمها الواثق: ما أفاول على إبي.. بس أنا أتكلم في حق..

حينها سألت كاسرة بحزم: زين ولو طلب عمي تسافرين معه بتقولين لا..؟؟

حينها فاجأتها مزنة أن قالت بحزم صارم: هذا أساسا بيكون شرطي في العقد..






*****************************************






بعد صلاة العصر..


كساب وتميم يدخلان مع الشيخ الذي دخل لمزنة..
ليتفاجأ كساب بشرطها الذي أصرت أن يُكتب في العقد.. أنها لن تخرج مطلقا من الدوحة مادام والدها حيا..
ولم يكن شرطها تضييقا على زايد أو تعسييرا عليه.. فهي وافقت عليه قبل أن تعلم أنه يريدها أن تسافر معه ومع ولدها..

ولم تكن تريد اشتراط شيء معين.. لكن حين علمت بذلك..
قررت أن تشترط هذا الشرط حتى تضمن أنها لن تترك والدها الذي تخشى أن يحدث له شيء في غيابها..

كساب أصبح قاب قوسين أو أدنى من مخططه.. فهل يسمح لهذا الشرط أن يفسد عليه مخططاته؟؟..
من جهة أخرى يعلم أن والده يستحيل أن يحرج نفسه بعد أن علم الجميع أن زواجه الليلة لذا سيقبل شرطها..
ومن ناحية ثالثة يخشى أن يظن والده أنها تريد فرض شروطها من البداية عليه فيرفض الشرط..

كساب هتف بمودة مغلفة بالحزم والاحترام: يمه ماحد بغاصبش على شيء ماتبينه
وإبي مستحيل يجبرش تسافرين مكان وأنتي ما تبين..
بس مافيه داعي تحطين ذا الشرط وتفشلين إبي في الرياجيل اللي تارسين مجلسه ذا الحين..

مزنة بحزم: وأنا وش يدريني ما يحلف علي أسافر معه.. وقتها ما أقدر أعصاه..

حينها هتف كساب بحزم: مع إنش آجعتيني يوم قلتي ماعاد لك وجه عندي
فأنا أقول لش الحين ذا الحين إن لش وجهي.. إنه مايغصبش تروحين مكان..
وأظنش يمه صرتي تعرفين إني لا قلت ما أخلف.. وهذا أنا عطيتش وجهي..
طالبش ماتفشليني وتفشلين إبي..

مزنة حينها هتفت بثقة: عشانك يأمك ماني بحاطة ذا الشرط.. بس تبلغه لأبيك..
وحتى لو ماحطيته في العقد هذا أنت صرت إنه هذا شرطي..

كساب تنفس بارتياح بعد شد الإعصاب: أبشري.. أبشري..




.
.
.


" يبه.. ترا عمتي شارطة إنها ماتسافر برا الدوحة دام إبيها حي!!"

زايد التفت بحدة لكساب الذي كان يهمس له بخفوت حين عاد مع الشيخ:
نعم ؟؟.. وعلي اللي شارط إنه حن نسافر معه..؟؟

كساب بحزم: يبه لا تفشل روحك في الرياجيل.. هذا هي ما كتبت الشرط في العقد..
وعلي خله علي.. يبي حد يسافر معه.. بأسافر معه أنا وكاسرة.. وكاسرة بنت خال مرت علي.. مافيه مشكلة يعني..

زايد بخفوت غاضب: هي كاسرة رجعت لك أساسا عشان تسافر معك..؟؟

كساب بثقة غامرة: بترجع الليلة أنا وهي متفقين مع بعض.. بس مانبي حد يدري لين ترجع..


زايد وقع على مضض.. يكره أسلوب لوي الذراع الذي برع فيه كساب مؤخرا..
وربما لم يكن كساب لينجح لولا أن زايد هو من كان يتغاضى بمزاجه ورغبته..
التضادات البشرية تتصارع في نفسه على أعلى مستوياتها وأحدها وأقساها!!

ومايهم هو الختام..!!
فخـــــــــتــــامــــا...
أ يعقل أن مزنة أصبحت أخيرا زوجته.. وهو يرى توقيعها بجوار توقيعه... ؟؟
ليس هذا مجرد عقد زواج.. فهذا وثيقة تاريخية تضع حدا فاصلا بين تاريخ وتاريخ..
فمزنة أصبحت زوجته هو... أخير!!

أخــــــــيـــــــــرا !!!







****************************************






" يوه كساب أرهقتني بذا السالفة
يوم أصريت إن إبي يرجع لجناحه لفوق
صار له شهور من يوم جاتنا خالتي وهو مستقر تحت..
متت وأنا أنقل أغراضه في وقت قصير كذا
وتأخرت على الكوافيرة اللي تنتظرني تحت.."

كانت مزون تهمس بذلك وهي منهمكة بتوزيع مباخر البخور في أرجاء الجناح الواسع..
بينما كساب يهتف بحزم: مايصير تجي تلاقي غرفتها تحت.. وإبي لازم يرجع لغرفته..
وبعدين أنتي اللي تحبين الشقا.. من أمس وكل شيء هنا جاهز..

مزون بإرهاق: لا والله.. حتى كاسرة أرسلت قبل شوي شنطة لأمها..
بس بصراحة استحيت افتحها عشان أرتب الأغراض.. فخليتها على حالها..

حينها هتف كساب بغموض: وليش كاسرة ماجات ترتب أغراض أمها بنفسها..؟؟

مزون بانشغال: ما أدري أكيد هم بعد مشغولين..

حينها هتف لها كساب بنبرة مقصودة: بس أكيد بتجي مع أمها لاجات الليلة..
مستحيل تخليها بروحها..

مزون منهمكة: ما أدري أظن كذا..

حينها هتف لها كساب بأمر صارم مرعب جعل مزون تترك كل شيء في يدها وتلتفت له:
لا مهوب تظنين.. لازم تجي مع أمها..لازم..
وتوصلونهم أنتي وإياها لين غرفتهم.. وعقب تخلينها تنزل بروحها..
وأنتي عاد دوري لش شيء يشغلش عند إبيش دقيقتين بس عقب ماتطلع كاسرة..

مزون باستغراب: وليش ذا التعليمات كلها..؟؟

كساب بحزم: والتعليمات تتنفذ بدقة وبحذافيرها.. أنا اعتمد عليش في ذا الشيء..
مزون لازم تجيبينها معش.. وعقب تخلينها تنزل بروحها.. مفهوم..؟؟

مزون بدهشة أشد: زين وليه ذا كله..؟؟

كساب بغموض: بتدرين بعدين..


كان مخططه بسيطا جدا ولكن تنفيذه هو الصعب..
حين تعود لبيته.. لن يسمح لها أن تخرج.. أبدا !! أبدا !!
ولكن كيف يحضرها؟؟ مهما بذل من الحيل وحتى لو حضرت لبيته لأي سبب كان..
يعلم أنها لن تتجاوز مجلس الحريم في الأسفل..
وهي لابد أن تصل لغرفته هو لينجح مخططه !!!
فهو رغم جهله لدواخل كاسرة.. ولكنه يعرف تماما ردات فعلها.. ويستطيع توقعها بدقة..






*****************************************






" ماهقيت ام امهاب تسوي ذات السوات على آخر عمرها!!"

جوزا تميل على أذن والدتها وتهمس بخفوت: يمه يعني هي سوت جريمة؟؟
خالتي مزنة ماشاء الله عليها عادها شباب!!

أم عبدالرحمن بعتب: والله لولا غلاها وإلا والله ماكان أجي..
يعني حتى لو هي شباب.. عيالها قدهم شباب والمفروض قدها جدة.. وش حاجتها في العرس؟؟

جوزاء بابتسامة: يعني هذا عشانها أعرست عقب أخيش..
خالي ناصر صار له 15 سنة من يوم مات الله يرحمه.. خلاص كفت ووفت..

أم عبدالرحمن بذات العتب العميق: والله لو عرست عقبه بسنة أهون علي من عرسها ذا الحين..
كنت أحسب مزنة أعقل من كذا!!




في زاوية أخرى من مجلس الحريم الواسع الذي لا يتواجد به سوى مزنة وبناتها وسميرة.. وفاطمة صديقة كاسرة
وأم عبدالرحمن وابنتها جوزاء.. ومزون وجميلة فقط!!


فاطمة تهمس في أذن كاسرة بحرج: حاسة شكلي غلط.. وأنتو حتى قرايبكم ما عزمتوهم.. بس عازمين أقرب القراب..

كاسرة تبتسم بمودة صافية: وأنتي أقرب القراب.. أمي تعدش وحدة من بناتها..

فاطمة تبتسم: والله يهنيها أم امهاب.. والله إن قلبي كان حاسس إن ذا الزين كله مايروح هدر..

كاسرة تضحك بخفوت: أنتي على طول قلبش حاسس خرطي...

حينها همست فاطمة بخبث: وإن قلت إن قلبي حاسس إن رجعتش للشيخ كساب صارت قريب..

كاسرة بذات الابتسامة: بأقول إحساسش استخف مهوب خرطي بس..

حينها همست فاطمة بجدية: بصراحة صار لش صار شهر ونص وأنتي مصدعة رأسي بمبرراتش اللي ما تدخل الرأس..
قال أحبه وما يحبني..
عنه ما حبني بالطقاق.. رجال حاشمني ومقدرني ومهوب مقصر علي بشيء خلاص مالي طريق عليه..

كاسرة مازالت مبتسمة: يا شينش لا قلبتي على ذا الموجة!!

حينها ابتسمت فاطمة: لأنش صدق فاقعة كبدي ومرارتي..
الحين لو فرضنا العكس صار.. وكساب ميت عليش وأنتي ماحبيتيه.. كان خليتيه بعد ولا حتى تفكرتي له بعين..
وش ذا الأنانية عندش؟؟

حينها همست كاسرة بضيق: فطوم الله يخليش.. خلاص.. خلينا في أمي وبس..



زاوية ثالثة...

جميلة تهمس في أذن مزون بخفوت: مرت أبيش وش فيها قاعدة ببرقعها كذا..
لا تكون ناوية تدخل على عمي زايد كذا..؟؟

مزون همست بخفوت وهي تنظر لمزنة التي تجلس ببرقعها وعباءتها: حتى في عرس كاسرة وتميم كانت ببرقعها..

جميلة بذات الخفوت: ماعليه هذي أعراس عيالها مهيب عرسها.. وبعدين أنا أعرفها في بيتها ما تلبس برقع..
كم مرة جيت لوضحى قبل كانت بدون برقع.. وبعدين ماشاء الله تهبل.. وشو له البرقع بعد ؟؟

مزون ابتسمت: يمكن خايفة على إبي ينجلط لا يشوف وجهها كذا على طول
تبي تسوي له تهيئة أول.. يشوف عيونها اللي تذبح أول..
وعقب يشوف الوجه كامل..

جميلة ضحكت بخفوت: الله يغربل أبليسش.. فيه وحدة تقول على إبيها كذا؟؟

مزون تضحك بخفوت مشابه: أتكلم من جدي.. إبي مسكين..سنين طويلة وهو محروم من الحريم وعقبه يدخلون القنبلة هذي عليها..
أخاف عليه يطب ساكت.. خلها ببرقعها أحسن..



وبالفعل كانت مزنة تجلس ببرقعها وعباءتها احتراما لوضعها
وأنه لا يتناسب مع من هي في مكانتها وسنها أن تلبس أو تتصابي كصبية صغيرة..

وفي ذات الوقت ومع عدم رغبتها في التزين.. ولكنها تأنقت كما يجب وبرقي دون إفراط أو تفريط.. حتى لا يقول أحدا أن مزنة مجبرة..
وهي ترتدي عباءة أنيقة جدا للمناسبات.. وبرقع بفتحات واسعة يكشف بشكل واضح ومثير عن عينيها المكحلتين بأهدابها الطويلة المصقولة والمكثفة بسواد الماسكرا..

ولكن بعيدا عن المظهر كانت تشعر في داخلها بإحساس تبلد.. وكأنها ليست هي..
رغم أنها أصبحت قبل ساعات وفعليا زوجة لزايد.. ولكنها مازالت لم تستطع استيعاب الفكرة..

يصعب على من اعتادت على التحكم بحياتها أن تصبح قيادا لشخص آخر..
أبسط الأشياء أنها حتى ذهابها لشراء أغراض البيت أو لزيارة جارة مريضة لابد أن تأخذ أذنا له قبل ذلك..

وبعيدا عن تسلطه على حياتها الخارجية فتسلطه الأقسى سيكون على روحها وجسدها..
لها خمسة عشر عاما حرة من قرب رجل.. تنام لوحدها كيف تشاء متى شاءت..
حتى أبناؤها ماعاد أحد منهم ينام معها منذ سنوات طويلة..
أصغرهم وضحى لها أكثر من عشر سنوات وهي تنام في غرفتها..

فكيف ستعاود تقبل قرب رجل..؟؟
يا الله.. دوامة قاسية من الأفكار تصيبها بالصداع.. وخصوصا أن كل شيء حدث بسرعة ومازالت لم تتهيأ للفكرة حتى!!


وهي غارقة في أفكارها اقتربت منها كلا من مزون وكاسرة.. وكاسرة تهتف برقة: يمه عمي زايد ينتظرش برا..

شعرت مزنة أن صداعها يتزايد.. تمنت لو استطاعت أن ترفض الخروج وأن تبقي حياتها كما كانت..
فهي فور أن تخرج من هذا الباب لن يعود شيئا كما كان أبدا..
ولكنها تعلم أنها لا تستطيع فعل ذلك..
وليست مزنة من تخاف أو تجبن!!

مزنة وقفت فعلا.. وبناتها كلهن يحطن بها مع ابنتها الجديدة مزون التي همست لكاسرة بخجل:
تروحين معي أنا وإبي عشان توصلين أمش وترجعين..؟؟

كان بود كاسرة أن ترفض.. لا تريد أن تذهب هناك..
ولكنها كانت قررت وحتى قبل أن تطلب منها مزون أن تذهب مع والدتها

لأنها تعلم أن أمها وإن أنكرت ذلك.. فهي تعاني من ضغط هائل وأرادت أن تكون جوارها حتى اللحظة الأخيرة..
هزت رأسها إيجابا وهي تهمس بحزم: دقيقة بس أجيب عباتي..

بينما وضحى وسميرة الاثنتان كانت أعينهما مغرقة بالدموع..
لا تتخيلان أنهما ستنامان الليلة دون أن تقول لهما مزنة بابتسامتها الحانية (تصبحان على خير)


في الخارج.. في داخل الباحة وأمام مدخل البيت كانت سيارة زايد تقف بفخامة كفخامتها الفارهة وفخامة صاحبها..
وهو يجلس في داخلها.. يشعر أن فولاذ السيارة يكاد يطبق على أحشائه!!

والغريب أنه لو خرج خارجها فهو سيشعر كما كان يشعر قبل قليل
أن أقطاب الكون كله تتقارب لتطبق على أحشائه..

كان في غنى عن ذلك كله..
في غنى عن ذوبان مشاعره هكذا..
في غنى عن ثورة توتر لم يعتدها رجل مثله..
بعد ثوان سيراها.. زوجته هو.. وحلاله هو..
هو الذي لم يستطع احتمال رؤية أطراف أناملها..
ولم يستطع احتمال أثير صوتها.. فكيف سيحتملها كلها بكل مافيها وهي بين يديه..؟؟


"يا الله يارب أقسم لم يكن لي في كل هذا حاجة!!
إذا كنت رجلا مجنونا وحلمت بحلم مجنون وهو أني أريد أن أتنفس كل هواء العالم في لحظة واحدة؟؟
أ يطاوعونني؟؟ ويتركوني أتنفسه كله في لحظة واحدة؟؟
ألا يعلمون أن هذا الهواء كله سيمزق رئتي التي لن تقوى على احتماله؟؟
هكذا هي مزنة.. هي كل هواء العالم الذي لن تحتمله رئتين يتيمين.. كرئتيّ !!
يا الله الصبر من عندك.. يا الله العزم من عندك.."


كان لاهيا في أفكاره حين سمع الطرقات على زجاج السيارة ومزون تشير له بغيظ أن ينزل..
اجتاحه طوفان ضاغط من المشاعر.. كيف لم يشعر بخروجهم..؟؟

نزل بخطوات واثقة حازمة هي خطواته المعتادة.. خطوات لم تظهر فوضى مشاعره لأنها خطوات بات يتحركها بالسليقة..

الفتيات خرجن فقط بعباياتهن وأغطية الرأس فقط دون تغطية وجوهن..لأن مدخل البيت غير مكشوف لباب الباحة المفتوح..

زايد عرف طبعا مزون وكاسرة ولكن معهن صبية ثالثة لم يعرفها..
أما رابعتهن.. بؤرة الضوء.. فهو حاول جاهدا ألا ينظر لها حتى..

ولم يستطع أن ينظر لها حتى.. لأنه حدث ماصدمه.. فبعد أن قبّلتا كل من مزون وكاسرة رأسه وباركتا له وتأخرتا..
الفتاة الثالثة فاجئته أنها قبلت رأسه.. ثم تعلقت بعنقه.. وبكت وهي تدفن وجهها في عنقه..
زايد احتضنها بحنو حتى لا يحرجها وهو يهتف بيقين حنون: وضحى صح؟؟

هزت رأسها وهي تبكي بتأثر.. ثم حدث ماصدمه فعلا أنها انحنت لتقبل كفه..
زايد شد يده بسرعة وهو يربت على رأسها ويهتف بذات الحنو الأبوي:
قدرش كبير يأبيك..

ولكن ما فاجئه وصعق كل من مزون وكاسرة أنها أصرت أن تقبل كفه وهي تهمس بتأثر عميق بين شهقاتها:
طالبتك ماتردني.. لأن حبة رأسك ويدك.. شيء حلمت فيه ليالي طويلة..

بينما مزنة كانت تقف شامخة لا يظهر تأثرها المتزايد في روحها.. خصوصا وهي ترى حال وضحى وتعلم سببه..

وضحى بعد أن قبلت زايد.. التفتت لوالدتها واحتضنتها مطولا..
حينها كان مجبرا أن ينظر أن ناحيتها.. ولكنه لم يستطع أن يلمح شيئا فوضحى تغطي عليها..

ومزنة تنحني بكامل جسدها عليها وهي تحتضنها بكل حنو وتهمس في أذنها:
الله الله في نفسش.. وفي جدش.. ومهما صار ترا ظني فيش ظن خير مايغيره شيء..

وضحى هزت رأسها بألم.. بينما كاسرة تهمس بتاثر: يا الله يمه.. عمي طوّل وهو واقف..

زايد فتح الباب المجاور له.. لتتقدم مزنة بثقة رغم تصاعد توترها وتجلس في مكانها.. ليغلق الباب دون أن ينظر لها حتى..
بينما ركبت الفتاتان في الخلف..

زايد توجه لمكان السائق.. مازال لم يوجه لمزنة كلمة واحدة حتى.. ووجود الفتاتين يلجمه حتى لو حاول..

ركب.. وعيناه تتجهان فقط إلى يديها المشبوكة في حضنها..

"يا الله.. يا الله.. يا الله.. الصبر !!"

هاهو يرى كفيها كاملتين..
كفا مزنة.. كفاها !!

أغلق عينيه لبرهة عاجزا عن الاستيعاب..
أهذه فعلا يديها قريبة هكذا..؟؟
أكل مافيها ينضخ بهذا الحسن الغريب الذي يبدو أنه لم يُخلق إلا لها؟!!
بدا له أنه لم يرى في حياته كلها يدين أجمل ولا أعذب ولا أنقى من هاتين الشمسين المتشابكتين في حضنها..

" يارجال اصطلب..
ماشفت إلا كفوفها وحالك مايسر العدو ولا الصديق..
يا الله الصبر من عندك..
أنا أبي معجزة صبر الليلة !! "

حرك زايد السيارة.. أخيرا ليدخل إلى باحة بيته الشاسعة جدا في غضون ثوان ويتقدم حتى وقف أمام المدخل مباشرة..

لينزل ويتجه ليفتح لها الباب.. رغم أن مزنة شعرت بالحرج من فتحه الباب لها..
وكانت تريد فتحه بنفسها إلا أنها سبقها وفتحه..

والفتاتان تنزلان قبلها...
كان بود كاسرة أن تقول له أن يمسك كف والدتها على الأقل وهي تنزل..
لا تعلم لمّ يبدو مظهره جافلا هكذا..
ولكنها رأت أنه في مقام عمها ووالدتها لا يصح التدخل أبدا!!

وأخيرا هتف زايد بنبرة مثقلة بالفخامة والترحيب والثقة:
حياش الله يأم امهاب في بيتش..

مزنة همست بأدب رفيع: جعل البيت عامر بهله..

" يا الله حتى صوتها من قريب كذا له نكهة غير.. غير!! "

تقدموا جميعا وزايد يفتح الباب ويشير بالترحيب دون أن ينظر لها حتى..
لا يعلم كيف مازال قادرا على السيطرة على نفسه هكذا..
كيف أن عينيه التي أظناهما اللهفة التي امتدت لقرون مازالتا صابرين عن مجرد اختلاس نظرة؟؟

الفتاتان صعدتا خلفهما وهما يصعدان حتى وصلا لجناح زايد..
حينها شعرت مزنة أنها تختنق فعلا " أهذا فعلا حقيقة ويحدث؟؟"

كاسرة حين وصلا لباب جناحهما شعرت بحرجها يتصاعد وهي تقبل رأس زايد ووالدتها على عجالة وتهمس بثقة تخفي خلفها حرجها:
ألف مبروك.. واسمحوا لي..

ثم نظرت لمزون حتى ترافقها.. مزون كادت تبكي لشدة الحرج وهي تريد أن تهرب فعلا..
لكنها تخشى أن يقتلها كساب لو خالفت أوامره التي أعادها عليها اليوم عدة مرات..
وآخرها قبل دقائق حين اتصل بها وأخبرها أن والدها قادم لأخذ مزنة..

همست بنبرة ودودة وصوتها يرتعش من الحرج: يبه ترا العشا رتبته في الجلسة..
وإذا بغيتوا أي شيء.. ترا تلفوني جنبي.. وإذا..........

كاسرة حين رأت أن مزون لديها ماتخبر والدها به.. شعرت أن وقوفها محرج..
لذا قررت أن تنزل للأسفل.. وترسل لتميم رسالة حتى يحضر لأخذها
لأن الباب بين البيتين مغلق بعد أن تركت مفتاحه في غرفتها القديمة..

كانت كاسرة قد أصبحت قريبة جدا من الدرج حين وقفت لثوان..
رغما عنها شعرت أن قلبها يعتصر إلى حد الإجهاد..

غرفته قريبة جدا.. تكاد تشعر برائحة عطره تعبق في الجو فعلا..
كما لو كان عبر المكان منذ ثوان فقط..

يا الله كم اشتاقت له.. ولعطره.. ولصوته.. وحتى للؤمه وخبثه !!

تنهدت بوجع عميق وهي تتحرك متجهة للأسفل..
لتتفاجأ برائحة العطر -التي كانت تظنها طيفا- تحيط بها تماما.. إحاطة السوار بالمعصم حتى دخلت أقصى حويصلاتها الهوائية!!


ويد قوية جدا تطبق على فمها..
والأخرى تحيط بخصرها وتكتف ذراعيها لجنبيها وتحملها لتسحبها بخفة إلى مكان تعرفه جيدا..!!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
ويا الله عشان نقرب الموعد شوي
ترا بارت الأحد بيكون السبت في الليل الساعة 10 ليل
عشان نقرب الموعد شوي وعشان يوم السبت هو 18/12 اليوم الوطني :)
فابي أحتفل معكم بطريقتي..
وأدعوكم لين موعد البارت تشاهدون الاحتفالات على التلفزيون
جعل بلادكم كلها عامرة..
السبب الثاني البارت الجاي قنبلة بكل المقاييس لعدة أسباب بتعرفونها البارت الجاي..
وأبيكم تقرونه على رواق مع جو الليل الهادي يمكن يهديكم..
فكل وحدة تقوي قلبها قبل تقرأ البارت :)

وعلى كذا يكون موعدنا الثلاثاء الصبح..
أدري أنكم تبون بارتات أكثر.. بس البارتات هذي بالذات أبيكم تستمعتون بقراءاتها لأني قد ما أتعب في كتابتها قد ما أستمتع..
فعلا فيها استنزاف روحي وعقلي غير طبيعي..
.
.
.

#أنفاس_قطر# 18-12-10 09:12 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والستون
 
.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا مساء الورد والفل والياسمين <== حلو التغيير والواحد يمسي :)
مساكم هدوء وعذوبة وشد أعصاب مع بارت استثنائي بجد
.
.
معنى سهاد.. تعب السهر
معنى مافي أذنه ماي: مصمم على رأيه
.
.
أنا بصراحة مستغربة من البنات اللي مصرين إن زواج زايد ومزنة ما يدخل العقل.. وليه مايدخل العقل؟؟

أنا ممكن أعطيكم من الواقع بدال المثال الواحد عشرة أمثلة لناس في سنهم وتزوجوا..
وحتى بعض البنات شاركونا قصص عن ناس فعلا حكايتهم مثل زايد..
مثل الغالية اللي حكت عن عمها انتظر زوجته 26 سنة.. وغيرها أكثر من وحدة من الغوالي!!

يعني يمكن الرواية بشكل عام فيها أكشن عالي وأشياء يمكن تصعب على بعض البنات اللي ما يتقبلون الخيال العالي ويبون كل شيء مثل الواقع بالمليمتر..
بس عاد قصة زواج مثل زايد ومزنة واقعية جدا..
وإذا أنتو الحين شباب صغار جدا وتشوفون إن مالهم حق في الحياة ولازم يدفنون نفسهم بالحياة..
فأقول انتظروا 20 سنة ثم ارجعوا وتذكروني وتذكروهم :)
يا الله يا بنات ما راح تتخيلون السنوات أشلون تغير التفكير!! :)
.
.
أما عاد اللي مستغربته اصرار بعضهم إن مزنة وزايد عجوز وشيبه.. ليس بالمسمى لكن بالحقيقة..
أنا استغرب..
ليش؟؟ يعني جد جد أنتو الناس اللي تعرفونهم في ذا السن مبين عليهم العجز لذا الدرجة؟؟
لأنه والله العظيم والله العظيم كل اللي أعرفهم في ذا السن أحسهم في سن وسامة وجمال ذهبي.. شيء حلو وراقي وعذب وناضج فيهم..
عشان كذا قررت أكتب عن ذا العمر..

وعلى العموم هذا رأيكم وعلى رأسي من فوق

بس خلوني أضرب لكم مثل
مع أني ما عاد أحب أجيب أمثلة باسماء محددة لممثلين عقب ما ربي تاب علي
بس ماعليه خل نضرب مثل لكم..
ترا هيفاء وهبي وداليا البحيري في الـ45..
شريف منير في الـ50..
نيكول كدمان 43 سنة..
شارون ستون القنبلة الحلوة عمرها 52..
جورج كلوني وبروس بروسنان هالاثنين اللي وساومتهم تزيد مع العمر في الـ50 بعد..وبروسنان قرب على الـ60 حتى !!
.
يعني عطوا زايد ومزنة فرصتهم في الحياة يا نبضات قلبي :)
.
.
ومن زايد ومزنة خلني أتكلم عن هذا البارت والبارت الجاي
مواقفهم بالذات أكثر مواقف تعبت فيها وخصوصا البارت الجاي تعبني أكثر من بارت اليوم بكثير.. مو لأنهم أهم عندي من غيرهم..
لكن لأني أبي الحدث يكون بحجم توقعات مرور 30 عاما..
بحجم رقي وفخامة هالشخصيتين..
وعشان كذا ومن كثر ماني متخوفة هل أنا أتقنت كتابة الموقف أو لا؟؟
فللمرة الثانية من بعد بداية الرواية عطيت خوخة وأختي.. المواقف اللي بين مزنة وزايد هالجزء والجزء الجاي..

أختي وخرت الكمبيوتر وقالت خلاص قلبي آجعني!! :)
وخوخة خلصت ثم تمددت على الكنبة وقالت أنا مسخنة ولا حد يكلمني!! :)
ما أبي أعطيكم توقعات ليه هم قالوا كذا لأنه اللي بيصير مختلف وعميق وعاصف وغريب !!
.
.
أدري مستعجلين على علي وشعاع.. بس خل نعطي المواقف حقها..
وقريب جدا جدا بيكون دور علي وشعاع وبيأخذون مواقفهم بكامل حقها
.
.
اليوم بتعرفون ليه أنا قررت إن يصير في أحداث الروايات مكالمات بين عبدالرحمن وعالية
عشان بيكون فيه شيء عبدالرحمن يبلغه لعالية بنفسه بدون وسيط!!
وماكان ينفع حد غيره يبلغها عقب ماتعلقت فيه.. عشان يحدث التأثير المطلوب :)
وهنا نجمة لابتسامة طفل من البحرين بتوقعها الخجول على قولتها وعلى فكرة هو ردها الأول في الرواية :) ماشاء الله تبارك الله مشتركة جديدة !!
جابت السبب ولو أنه بسبب مختلف :)
.
ويا الله كثرت عليكم هذرة
الجزء 71
جزء عاصف جدا وفيه شيء يخص كساب كان منتظر منذ فترة وتعبني عشان نوصل لذا المرحلة وبذا الصياغة..
وستتضح ناحية أخرى من عنوان الرواية (بين الأمس واليوم) مع كساب ووالده!!
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء الحادي والسبعون





كانت كاسرة قد أصبحت قريبة جدا من الدرج حين وقفت لثوان..
رغما عنها شعرت أن قلبها يعتصر إلى حد الإجهاد..

غرفته قريبة جدا.. تكاد تشعر برائحة عطره تعبق في الجو فعلا..
كما لو كان عبر المكان منذ ثوان فقط..

يا الله كم اشتاقت له.. ولعطره.. ولصوته.. وحتى للؤمه وخبثه !!

تنهدت بوجع عميق وهي تتحرك متجهة للأسفل..
لتتفاجأ برائحة العطر -التي كانت تظنها طيفا- تحيط بها تماما.. إحاطة السوار بالمعصم حتى دخلت أقصى حويصلاتها الهوائية!!


ويد قوية جدا تطبق على فمها..
والأخرى تحيط بخصرها وتكتف ذراعيها لجنبيها وتحملها لتسحبها بخفة إلى مكان تعرفه جيدا..!!!


لم تستطع أن تستوعب شيئا حتى سمعت صوت إقفال الباب.. وهو يشدها لآخر غرفة الجلوس في جناحه..

حينها أفلتها.. لتراه واقفا أماما.. بكامل أناقته كابن للعريس أو ربما والده..
بكامل بروده وثقته.. وصفاقته !!

اتسعت عيناها بشدة الصدمة الكاسحة غير المتوقعة وجسدها يرتعش..
ولشدة صدمتها وغضبها وقهرها..لم تعلم ماذا تقول أو تفعل.. كل ماخطر ببالها هو سيل شتائم لا ينقطع.. كان بعض شذراته المتناثرة:
والله العظيم أنت مجنون.. مجنون.. مكانك مستشفى الأمراض العقلية
أنت حرام يخلونك تمشي بين البشر..
أنت أساسا خطر يخلونك فالت كذا.. أنت فاقد الأهلية.. خبل.. ورأسك مافيه ذرة عقل..

أجابها ببرود وهو يلوح بالمفتاح وبهاتفها في يده: خلصتي شتيمة؟؟

كاسرة تكاد تجن من الغضب: عطني المفتاح خلني أطلع.. أكيد أختك الحين تدور لي..

كساب بثقة : عادي لو نزلت ومالقتش بتظنش رحتي للبيت..

كاسرة بغضب متزايد: أخواني بيدورون لي الحين..؟؟

كساب بذات الثقة: صدقيني ماحد بيدور لش.. كل واحد بيدخل غرفته ويسكر على نفسه..
ولو دوروا عادي.. خلهم يدرون إنش قررتي ترجعين لي..

كاسرة تكاد تموت من شدة القهر: أنا قررت أرجع لك؟؟

كساب بابتسامة واثقة: أجل ويش.. بتقولين لهم إني خطفتش..
عيب عليش.. عيب عليش.. مرة وش كبرش وتقولين رجالش خطفش..
الحين أنتي بتقعدين عندي هنا مثل الشاطرة وبدون ازعاج..
وأدري إن غرورش مارح يسمح لش تصيحين أو تستنجدين.. أو تصغرين نفسش وتقولين إني مسكر عليش في غرفتي..
وبكرة عقب مايدرون كل الناس إنش أمسيتي عندي..
أدري إنه مستحيل تفكرين تطلعين من هنا مرة ثانية.. عشان ماحد يقول لش.. ليه رجعتي وأنتي ناوية تخلينه؟؟


كاسرة تشد لها نفسا عميقا وهي تحاول دراسة الموقف: زين .. وأنت الحين وش بتستفيد من ذا كله؟؟

كساب بنبرة أقرب للسخرية: وش بأستفيد؟؟
بأستفيد إنش بترجعين لي طبعا..

كاسرة تحاول أن تتكلم بمنطقية: بذا الطريقة؟؟ بذا الإسلوب؟؟
مافيه حد يرجع مرته كذا غصبا عنها..

كساب هز كتفيه بثقة: أنتي ماخليتي لي طريقة ثانية.. راكبة رأسش ومصممة على الطلاق..
وأنا واحد مستحيل أطلق.. نعيش حياتنا كذا يعني؟؟ كل واحد في بيت؟؟

حينها سألته كاسرة بألم مختلط بنوع غريب شفاف من الأمل:
والحين أنت سويت ذا اللفة كلها عشان ترجعني..؟؟

كساب بثقة بالغة: تقدرين تقولين كذا..!!

لا تعلم كيف تصف إحساسها وأمل عذب جدا ينتعش في روحها إلى درجة الطعنات العذبة..
همست بنبرة مموهة تخفي خلفها امتدادات شاسعة من أمل مجروح.. ألا تقول عنه والدتها أنه رجل عاشق ؟؟ :
زين وليش تبي ترجعني؟؟


بــعــثــرها !! بعثرها بقسوة.. بوحشية.. مزق براعم أملها تمزيقا وهو يهتف بتكبر:
لأن اللي أبيه أسويه.. وماحد يمشي شوره علي..

كانت روحها تدمي.. تدمي.. تنزف طوفانا من الألم.. همست بحزم بالغ بمقدار وجعها:
كساب لو غصبتني أرجع بذا الطريقة.. صدقني قلبي عمره ماراح يصفا لك..

حينها أجابها بحزم أكثر صرامة: وأنا يعني وش بأستفيد وقلبش صافي لي وأنتي بعيدة عني وحتى الشوفة ما أقدر أشوفش؟؟
يا فرحتي بقلبش الصافي.. خلني أعيش مع إحساسه اللي بيوصلني عبر اللاسلكي وكل واحد منا في بيت..

ثم أردف بحزم أشد وأشد: قلبش صافي.. مهوب صافي.. المهم إنش هنا... وجنبي..


كان يتحاور معها في جدلها العقيم كما يراه.. بينما كل مايريده هو أن يسكت ضجيج كلماتها بدفن وجهها في منتصف صدره..
حينها يعلم أن لهيب صدره سيذيب كلماتها..
أو ربما دفء أنفاسها وهمساتها سيدفئ جليد ضلوعه..
ففي بُعدها.. اجتمع في صدره الضدين... الجليد والنار!!
لتهذي كما تشاء..
فـهــو لايعلم متى ستعلم أن هناك كلمات لا تقال.. لا تقال.. ولكن تُحس.. تُحس..


كان ينظر لها بتمعن وهي ثائرة.. وتهذي وتهذي.. ماعاد لديها سوى الهذيان!!
كانت نظراته تشرب ملامحها بعطش أرض بور نزلت عليها قطرات يتيمة من المطر..

لا يرمش حتى لا تفوته انحناءة واحدة من انحناءات جبينها المقطب بغضب.. شفتيها المتدفقتين بحممها.. يديها المتحركتين بثورة!!

مازالت تفاصيل غضبها كما هي منذ طفولتها.. وهي تفتنه بها.. وهو يذهب مع والده مرارا وتكرارا لمجلس جدها..
لم يكن يفهم حينها أي سحر يجتاحه.. وهو يشعر بحيوية غضبها الطفولي حين يثيرها بالسخرية منها..

الآن يعلم كيف تغلغل هذا السحر في روحه حتى أقصاها..
حتى مع توقفه عن رؤيتها بعد وفاة والدته وسمية.. فهو كان بدأ يعي قبل ذلك.. أنها بدأت تكبر وماعاد يصح جلوسها مع جدها في المجلس..
حينها لا يستطيع تفسير فتوره وعدم رغبته في الذهاب مع والده..
لماذا يذهب إن كان لن يراها ويسخر منها حتى تغضب..؟؟

كطفل.. كان يظن أنه يحب اللعب مع البنات.. وأي سخرية سيحضى بها لو علم الآخرون !! لذا أنكر الأمر حتى على نفسه..!!

وإذا كانت كاسرة قد نسيته تماما فعلا وهي تكبر.. وماعادت تذكره حتى..
فهو أدعى أنها تناساها مع إنشغاله بالكثير من الأشياء..

لكن كيف يتناسى والعلامة في خده مازالت ماكنة واضحة؟؟
وكأنها في اللحظة التي قررت أن تدخل حياته بطبع قبلة طفولية على خده..
قررت أن تترك على جسده علامة وكأنها تخبره أنه أصبح من أملاكها..
وهو فعل بالمثل " إن كنت سأصبح ملككِ فأنت أيضا ستصبحين ملكي!!"


قد يكون مر بالكثير الذي قلب حياته رأسا على عقب.. وآخر ماكان ينقصه أن يفكر بطفلة عبرت أيام طفولته..
وقد يكون غرق في كثير من الأفكار التي غطت مشاعر الطفولة وأفكارها بغطاء من الغبار الذي لم يكن يحتاج سوى لبعض النفض..
وإن لم تكن تغطت تماما حتى..!!
فهو لا ينكر على نفسه إحساس غير مفهوم يشبه سكون النسيم حين يمر قريبا من بيتهم!!

لا ينكر أن عينيه رغما عنه تابعت سيارة تخرج من باحة بيتهم وهو يتساؤل
( من بداخل السيارة؟؟)

لا ينكر أن شعوره حين ضرب من تبع سيارتهم تجاوز الإحساس بالحمية إلى الإحساس بالتملك!!

لا ينكر متابعته لأخبارها من بعيد جدا.. وأنها مازالت لم تتزوج.. وأنها ترفض كل من يتقدم لها..

فهل كانت تنتظره وهو غارق في عالم عقده وسوداويته وغموضه؟؟
وربما لو لم يعرض عليه والده الزواج منها لربما ظل في غيبوبته التي لا يعلم متى كان سيصحو منها..

حين أخبره عمه أن والده يريد تزويجه من بنت ناصر.. أجاب بسخرية: بل ابنة حبيبة القلب..
لكن خلف السخرية.. كانت هناك تساؤل محموم.. أعلم أنهما اثنتان.. أيهما؟؟ أيهما؟؟

وتظل مشكلته الأزلية التي تعاظمت بعد موقفه مع مزون.. افتقاره للشفافية في المشاعر..
كان سيموت ليعلم ماهو اسمها؟؟
أ هو ذات الاسم الذي رسخ في ذاكرته؟؟ أم اسم آخر؟؟

سأل عمه.. ولكن عمه طلب منه أن يسأل والده لأنه لا يعلم..
العلاقة المعقدة بينه وبين والده لم تسمح له أن يسأل..
ولا يعلم كيف استطاع الصبر حتى يسأل خالته؟؟

حين أخبرته خالته.. ظن أنه سمع لحنا عذبا سكن أذنه..
ولولا تكبره المقيت وإلا لكان قفز ليقبل خالته...
أجابها حينها بجواب يشبه ماقاله لجدها.. سيغير اسمها لو تزوجها..
رغم أنه يظن أنه لم يسمع في حياته اسما أعذب..


أنكر معرفتها.. لأنه هكذا..
مـــخــلـــوق مــعــقـــد !!..

فلو أنكر معرفتها.. قد يستطيع إنكار تسلطها المجهول على روحه..!!
وهو يكره أن يكون في موقف ضعف.. يكره أن يكون في موقف ضعف!!
وما مر به في حياته جعله يتعلم أنك حين تصبح في موقف الضعف ولو للحظة فإن من أمامك سيباغتك ويفرض سيطرته!!



هـي كانت مثقلة بالجرح.. تهذي عن كل شيء إلا عن حقيقة جرحها..
تسبه.. تتهمه بالتسلط والجنون والتكبر والغرور..
بينما كل ما كانت تريد أن تقوله: لماذا أنت عاجز عن أن تحبني كما أحبك؟؟


لشدة غضبها وجرحها وألمها وهي تنهمر بكل هذا الغضب لم تنتبه كيف اقترب منها حتى أسكتها تماما..
حتى قبلته تشبهه.. مـتـكـبـرة..مثقلة بالعنفوان واليأس والدفء اللاهب..

"أ تهذي بينما هو يقتله الشوق لها؟!!
أ تهذي بينما روحه تذوب شوقا لعطر أنفاسها؟!"

كاسرة دفعته بقوة وهي تصرخ بغضب مرير: والله العظيم أنت أحقر مخلوق على وجه الأرض..
لو قربت مني مرة ثانية.. والله العظيم بأصيح وبأفضحك وأفضح روحي.. مايهمني!!

هتف لها ببرود يختلف عن اشتعال مشاعره الثائرة حتى الترمد:
لو بغيت أقرب.. قربت ولا تقدرين تفتحين ثمش..
بس أنا خلاص.. خذت اللي برد خاطري الحين..
وترا صار لي أكثر من شهر ونص محروم.. عادي نزيد عليهم يوم يومين شهر شهرين لين يطيح اللي في رأسش..

كاسرة بمرارة حقيقية: أنت وش جنسك؟؟ من ويش مخلوق؟؟
ما تحس!! ما عندك مشاعر !!؟؟

لو أجاب بحقيقة مايشعر لقال لها (المشاعر كلها لكِ والإحساس كله لكِ وحدكِ)
ولكنه اعتاد أن يجيب بغير ما يشعر به.. أجابها ببروده المحترف الذي دفع فيه سيطرته هو على الموقف:
خلينا المشاعر لش.. وخصوصا إنش مغرقتني مشاعر لين اختنقت!!


ماذا يضر أن يستمر في تمثيليته؟؟ فهو يعيش في عالم من الإزدواجية منذ تزوجها..
بل حياته كلها قائمة على الإزدواجية.. فكما يعيش حياتين.. يستطيع أن يعيش الشعورين..
الاحتراق واللهفة والألم والعشق اللامتناهي داخلا!!
والبرود والتكبر والقسوة خارجا!!


وكما لو أن أهله ومعارفه علموا بحياته المخفية فهذا سينعكس على حياته الأساسية..
فهي لو علمت بحقيقة مشاعره تجاهها سيجعلها هذا في موقع القوة التي ستجعلها تفرض شروطها على مشاعره الخارجية الظاهرة..

فهي تماما كأمها.. أمها لأنها علمت أن زايد مولع بها.. أحرقت قلبه ودون أدنى رحمة أو تراجع أو شفقة..
وكاسرة أيضا لو علمت أنه مولع بها.. ستحرق قلبه دون رحمة!!
لابد أن تسلم هي أولا.. حتى يكون من يفرض سيطرته على قلبها.. حينها هو مستعد لدك كل الحواجز والأسوار!!
فمثل كاسرة يجب أن تشعر أنها مهددة حتى تستطيع الاستيلاء على روحها!!


كساب هتف ببرود وهو يتجه للداخل ويحمل في يده مفتاح الجناح الأساسي وهاتفها: أنا بروح أنام..
وأنتي مافيه داعي تقعدين قاعدة بعباتش كذا..
الدولايب مليانة ملابسش..

ثم أردف بخبث مقصود: أستغرب إن وحدة زعلانة من رجالها وتبي الطلاق ومافي أذنها ماي...
ومع ذلك ماخذت شيء من ملابسها حتى عقب ذا الأسابيع كلها!!!






*************************************






مر دقيقتين ربما منذ غادرتهما مزون
والصمت مطبق في المكان..
مزنة رغما عنها وبحياء الأنثى السوية الفطري لم تستطع أن ترفع عينيها لزايد..

بينما هو كان في عالم آخر.. يخشى حتى الموت أن يراها..
لا يعلم ما الذي يخشاه في رؤيتها..؟؟

"ما الذي يخشاه؟؟
إن كان لم يحتمل رؤية أناملها.. فكيف حينما يرى حلم حياته ماثلا أمامه؟؟
هذا الذي هو يخشاه!!"

وفي ذات الوقت تمزقه رغبة بذات القوة أن يشبع جوع عينيه من رؤيتها!!
كل ما أستطاع أن يلمحه فيها أنها فعلا أطول منه.. ابتسم وهو يتذكر معايرتها له بقصره وهما صغيران..
يا الله ما أعذب تلك الأيام في ذاكرته.. حتى معايرتها له يراها غاية في العذوبة!!


مازالت تتنازعه الرغبتان القاسيتان بين الرؤية وعدمها...
وعلى كلا الحالين لا يصح أن يقف أمامها كمراهق عاجز عن التصرف..

هتف بحزم واثق وأريحية متقنة بلباقته المدروسة:
أم امهاب اقعدي.. تريحي.. ترا المكان مكانش وأنتي اللي تعزميننا فيه..


حينها رفعت مزنة عينيها له..
ولــيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل !!

شعر بصاعقة شطرته نصفين دون مبالغة..
عيناها غابتان من حسن مثير لا يمكن إنكارهما أو تجاهل إثارتهما..
أجمل حتى من أقصى خيالاته!!


ولــكــنـهـمـا..

مختلفتان.. مـخـتـلـفـتــان!!
مختلفتان عن عينيها اللتين سكنتا خياله وحفرتا فيه كعلامتين غائرتين من النور والنار..

أصغر قليلا.. أكبر قليلا.. لا يعلم أين الاختلاف..!!
بالتأكيد أكثر جمالا بكثير وبدون أدنى مقارنة... ولكنهما مختلفتان.. مختلفتان!!
حينها لم يستطيع أن يفسر الحزن الشفاف الذي اجتاح روحه كالطوفان الهادر!!

عيناها اللتان كانتا تشعلان كل تفكيره اختفتا.. اختفتا!!
يعلم أن ثلاثين عاما تمر على إنسان لابد أن تغير في ملامحه.. ولكن ليس إلى هذه الدرجة!! ليس إلى هذه الدرجة!!

وربما لأن صوتها لم يتغير ولكن نضج بأنوثة موجعة.. توقع أن ملامحها ستكون نالت نصيبها من النضج دون أن تتغير..

حاول إبعاد هذه الأفكار عن رأسه.. وهو يقول لنفسه.." مازلت لم أرى وجهها كله..
ربما حين تكتمل الصورة كلها ..سيبدو هذا الاختلاف -الذي أظنه- محض تخيلات!! "

مزنة جلست بناء على دعوته وهي تهمس بتهذيب رقيق: الله يكبر قدرك.. والمكان عامر بهله!!

لم يستطع أن يجلس حتى وهو يهتف بتثاقل: تريحي شوي وعقب توضي عشان نصلي!!

وقفت وهي تهمس بذات النبرة الراقية: أنا على وضي.. نصلي الحين..
دقيقة أجيب سجادتي..

قالتها وهي تتجه لحقيبتها التي رأتها في الزاوية.. فتحتها واستخرجت سجادتها وجلالها من أعلاها..
ثم لمحها زايد بطرف عينه وهي تخلع عباءتها وتعلقها.. بين محاولاته الممزقة للنظر ولعدم النظر ..
لم يستطع أن يلمح سوى شلال كستنائي موجع انحدر حتى خصرها حين نزعت شيلتها عن رأسها ونزعت مشبكها لتعيد لف شعرها مرة أخرى..

وهي لأنها كانت تراه يوليها جنبه وغير منتبه لها.. خلعت عباءتها بحرية وشيلتها وأعادت لف شعرها ثم ارتدت جلالها.. وتوجهت نحوه..

وكخجل فطري لم تستطع أن تنظر له بوجه مكشوف بهذه السرعة..
فكانت تمسك طرف جلالها وتغطي به أنفها وفمها وتهمس باحترام:
يا الله نصلي يا أبو كساب..

زايد خلع غترته وأبقى طاقيته فقط على رأسه..
حينها لا تعلم لِـمَ ابتسمت..
ربما لأن شعره مازال مازال كثيفا وفاحما كما تذكره هي في أيام صباهما..

وقفت خلفه.. وصليا الركعتين..
وحين سلما أعادت وضع جلالها على طرف وجهها وهي تمسكه بكفها..
استدار لها وهما زالا جالسين على الأرض ليضع كفه على رأسها..

رغما عنه ارتعشت يده بعنف..
فهذه هي المرة الأولى التي يجرؤ على مد يده لها.. وملامسة جزء من جسدها.. كلمسة فعلا بمعناها المقصود!!

أحقا هذه يده تلمس مزنة أخيرا.. أخيرا..
يا الله ما أشد هذا الوجع الذي جعل قلبه يرتعش وأطرافه ترتعش وروحه المعذبة ترتعش وكل شريان ووريد في جسده يرتعش...!!
هو زايد.. يرتعش من قرب امرأة!!

شعرت بارتعاش يده وهو يدعو.. حين انتهى من الدعاء..
رفعت رأسها وهي مازالت تغطي طرف وجهها بكفها وجلالها وهمست باحترام:
فيك شيء يأبو كساب؟؟

لم يجبها.. بل مد يده بثقة لبقة.. ليزيل كفها عن وجهها..
لم تمنعه.. ولم تحاول تغطية وجهها عنه.. تعلم أنها ستبدو سخيفة لو فعلت ذلك..
بل سمحت له أن ينظر لوجهها كيف شاء..

وللمرة الثانية.. لـيـتـهـا لم تفعل!! ليتها لم تفعل..!!

"يا الله.. ماهذا الذي يحدث لي؟!"

لم يبق من ملامح مزنة التي سكنت عمق روحه سوى شبح باهت سكن تفاصيل هذه المرأة أمامه..
بالتأكيد مازال هناك شبه كبير جدا.. والمرأة أمامه أجمل بكثير من المرأة التي سكنت خياله..
ولكنه يبدو كمجرد شبه بين قريبتين مهما كان قويا!!

فأين مزنة بتفاصيلها الحادة النحيلة المرسومة بدقة خانقة من هذه بوجهها المرتوي حسنا وإثارة لا حدود لهما بتفاصيلها الناعمة الثرية؟؟
ولكن جمال هذه التي أمامه لا يهمه.. لا يهمه أبدا..

فتلك كانت مزنته هو..!!
لكن هذه لا يعرفها.. لا يعرفها !!

حزن أكثر غرابة وعمقا وسوداوية بدأ يجتاح روحه..
أ يعقل أن حلمه الأسطوري ينتهي هكذا.. هكذا !! بهذه البساطة.. فقط لأن ملامحها تغيرت قليلا..؟؟!!
لأن مزنة ذات الخمسة عشر ربيعا بملامحها وعنفوانها وجنونها هي من سكنت خياله فقط؟!!


" تعوذ من إبليس يأبو كساب.. الظاهر من كثر ماحلمت في مزنة
يوم صارت في يدك استكثرت على روحك الحلم!!
يعني خلاص من كثر ما تعودت على الحرمان ماعاد تبي شيء غيره
ولا تقدر تتصور حياتك من غير ما تنكد على روحك
أول منكد على روحك بمزنة في خيالك..
ويوم صارت مزنة عندك.. تقول لا ما أبيها عشانها صارت أحلى..
خلك من الخبال .. ولا تفشل روحك في المرة !!
ويمكن ربي رحمك إنها تغيرت.. يمكن لو ما تغيرت ما تستحمل شوفتها قدامك!!"


مزنة بدأت تستغرب فعلا من هذا الرجل..
صمته أكثر من كلامه..
هل كساب أجبره عليها.. كما وضحى أجبرتها عليه؟؟

زايد أنهى تفكيره أن وقف ثم مد يده لها.. مزنة من باب اللباقة منحته كفها ليشدها ويوقفها..
لكنه بعد أن أوقفها لم يفلت يدها.. ولم يستطع حتى لو حاول..
فنعومة أناملها شعر بها تذوب بين أنامله..وهو يحكم قبضته عليها..

شعوره هذا زاده ألما غريبا عميقا..
أهو يمسك بيده هكذا لأنها مزنة..؟؟
أو لأنها محض امرأة هي حلاله وأثارته بنعومة يدها ؟!!


"يا الله لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا!!
وكيف أستطيع أن أشعر هكذا في حضرة مزنة؟؟
في حضرة مزنة!!"


همست مزنة بحرج: أبو كساب لو سمحت.. فك يدي خلني أحط جلالي..

زايد حينها أفلتها وجلس على الأريكة.. فمازالا في قاعة الجلوس ولم يتجاوازها للداخل..

مزنة خلعت جلالها وطوته داخل سجادتها..
كانت ترتدي دراعة مغربية فخمة بلون بحري شفاف رائق..
مازال لجسدها تفاصيله الثرية ولكنها مطلقا لم تفكر أن ترتدي فستانا ضيقا..
رأت أن حيادية الجلابية وفخامتها أنسب لها بكثير..

من باب الذوق توجهت لتجلس مع زايد.. كانت على وشك أن تجلس على مقعد منفرد ولكنه أشار لها أن تجلس جواره..
تقدمت وجلست جواره ولكنها تركت مسافة فاصلة بينهما..

ليصدمها بجرأته الواثقة البالغة أنه اختصر المسافة ليجلس ملاصقا لها..
بل ويمد يده بكل ثقة لينزع مشبك شعرها ويحرر خصلاته من أسرها..

همس بثقة تخفي خلفها ألما شاسعا لا يعرف سببه إلا هو: لون شعرش هو هو.. ما تغير..

صمتت.. لم تستطع أن ترد عليه حتى وهو يمرر أنامله بحرية بين خصلات شعرها..
لا تنكر شعورها بالاختناق من قربه هكذا.. ومن جرأته..!!

تعلم أنهما غير صغيران.. وكلاهما سبق له الزواج.. ولكنها تراه مندفعا أكثر من اللازم..
لم تعلم أنه كان يبحث بوجع محموم عن أي تفصيل صغير يقوده لمزنة تلك..
فربما كانت مزنة تختبئ بين طيات شعرها وتريد من يحررها..

حينها انتبه لنفسه.. وأن أنفاسها تصاعدت بارتباك لأنه أثقلها عليها..
فتأخر قليلا وهو يسألها باهتمام: بنتش وضحى عاطفية كذا على طول؟؟

حينها همست مزنة بشجن حنون وهي ترفع عينيها له:
طالبتك يا أبو كساب.. وضحى بالذات لو تقدر عطها شوي زيادة من اهتمامك..
يمكن كاسرة صارت تحبك مع العشرة.. بس وضحى معزتها كبيرة لك من زمان..

حينها ابتسم ابتسامته الفخمة الواثقة: تعزني وهي ماتعرفني؟!!

ابتسمت مزنة حينها ابتسامة غاية في الشفافية: عاطفية على قولتك..

"يا الله .. أي أنثى هذه!!
كل مافيها يأسر حتى النخاع.. وخصوصا هذه النظرة والابتسامة..
تذيبان الحشا حتى العمق.."


ولـــكــــن المصيبة...!!
المصيبة... المصيبة أنه عاجز عن الإحساس بها كما تستحق مزنة التي في خياله!!
كل شيء يشعر به قد يفتنه فيها.. يمنع نفسه أن يتجاوب معه بالإحساس المستحق لكونها مزنة..
لأنه يبحث في كل ذلك عن مزنة أخرى.. مزنة ماعادت موجودة أبدا!!

فمزنة التي سكنت خياله وذكرياته.. تقف بينه وبين مزنة هذه..
وبالتأكيد مزنته من تنتصر.. نصرا كاسحا!!
فكيف تقارن من سكن قلبك وخيالك وامتلك كل مافيك من مشاعر وأنفاس وصدى لسنوات لا حساب لها.. بشخص لا تعرفه؟!!
كـيـف؟؟
كـــيــــــف؟؟؟؟





*********************************






كانت تدخل بعباءتها بينما كان هو جالس ينهي بعض الأعمال على حاسوبه..
همست برقة: مساء الخير حبيبي..

عبدالله رفع عينيه وحين رآها ابتسم بطريقة تلقائية وهو يهتف بمودة صافية:
يعني ما تأخرتي حبيبتي؟؟

ابتسمت جوزاء وهي تضع حقيبتها وتجلس: عرس شيبان بعد؟؟ تبيهم يقعدون لين الساعة وحدة..
الساعة 9 ونص.. جاء وخذها واحنا تعشينا وجينا.. وصلتني أمي وراحت..
ثم أردفت حولها وهي ترى الهدوء: حسون تعبك قبل ينام؟؟

عبدالله بحنان: لا أبد.. خمس دقايق إلا هو يشخر؟؟

جوزاء بعذوبة: والله ماكنت أبي أخليه يجننك.. بس أنت اللي لزمت ما أوديه معي..

عبدالله بحزم: قلت لش قبل دامني موجود لا تودينه حفلات نسوان.. ولا أعراسهم..
ثم أردف بابتسامة: خالاتي مهوب تحت سهرانين مع أمي وعالية؟؟ ماتبين تقعدين معهم؟؟

جوزاء انقلب وجهها بمرح: عبدالله عاد سهرة مع خالاتك وأخليك بروحك.. هذي اسمها وكسة..مهيب سهرة..

حينها هتف عبدالله بحزم: وأنتي بتقعدين تهربين من القعدة معهم.. خلي وحدة منهم تقول لش شيء وشوفي ردي عليها..
خالاتي لهم الحشيمة.. لكن مهوب معنى حشيمتهم أخليهم يضيقون على مرتي حياتها..

جوزاء اقتربت منه لتلتصق به وهو تحتضن عضده وتقبل كتفه وهي تهمس بصفاء:
كافيني إحساسك.. وأنا ما أبيك تزعل خالاتي عشاني..
أنا أعرف أوقفهم عند حدهم.. بس حشمة لك ما أبي أحتك فيهم عشان ما أضطر أعلي صوتي..

ابتسم عبدالله وهو يحتضن خصرها: وأنتي عاد لا طولتي صوتش الله يستر منش بس..

جوزاء ضحكت: لا.. وتخيل قبل فترة.. قبل ملكة شعاع ..كانت أمك مسوية عشاء وجمعة نسوان..
وخالتك نورة تلمح لأمي إن شعاع خلاص بتتخرج وخالك نايف بيتخرج
وإنه خل نجمع الشامي والمغربي..
أنا عاد غمزت أمي.. إنه سكري السالفة بدون نقاش..

عبدالله ضحك: والله إن خالي نايف أجودي ورجال فيه خير..

جوزاء بابتسامة: فيه خير لروحه ولخواته.. أنا وأنا مرت ولد أختهم وعارفين لساني طويل ومع كذا ناشبين في حلقي..
أشلون مرت أخيهم الوحيد.. لا وشعاع على قولت المثل القطوة تاكل عشاها..
أشلون بتتعامل مع خالاتك المفتريات؟؟

عبدالله ضحك: خلش من خالاتي وقومي حطي عباتش واقعدي معي براحتش..

جوزاء وقفت لتخلع عباءتها لتعلقها هي وشيلتها.. حينها ابتسم عبدالله بشجن عميق جدا..

حينها همست جوزاء بابتسامة: لا تكون تضحك على كرشي اللي غصبتها تدخل في الفستان..

عبدالله بشجن عميق: لا حرام عليش تو الناس على الكرش..
بس تذكرت موقف مثل هذا.. في زواجنا الاولي..
رحتي تحضرين عرس عقب زواجنا بحوالي شهر ونص.. وكان فستانش لونه أخضر.. أذكره مثل الحلم..

حينها همست جوزاء بشجن أعمق مغلف بحزن رقيق: أتذكر..
ذبحت روحي من كثر ما تزينت تيك الليلة..
وماكان عشان العرس.. كان عشان أعجبك أنت..
ورجعت وأنت مثلك الحين قاعد على كمبيوترك.. ولا حتى عبرتني..
قعدت قريب منك.. وقعدت.. وقعدت.. أقول الحين بينطق.. الحين بينطق
كلمة وحدة ما عبرتني فيها ولا حتى نظرة.. تقول كمبيوترك كان فيه سر الذرة وبيطلع بين إيديك من كثر ما كنت تطقطق عليه..
قعدت ساعتين كاملة مقابلتك..وأخرتها حسيت نفسي ما أسوى شيء...
قمت للحمام.. وبكيت تحت الماي.. وبكيت.. وبكيت.. وبكيت لحد ما انتفخت عيوني ووجهي..
وكنت أحاتي تطلع وتشوف وجهي..
لما طلعت لقيتك نمت على كنبتك.. وجهك للكنبة وظهرك لي..
رجعت للحمام وبكيت وبكيت وبكيت.. لحد خلاص ما حسيت إني بانهار من كثر ما بكيت..

تركها تتكلم وتفرغ ما بداخلها.. فهو يعلم أنه مهما يكن مازال في روحها وجع كبير من تلك الفترة مهما تكلما عنها
ثم شدها ليجلسها ويحتضنها بقوة وحنو.. حينها بكت أيضا وهي تدفن وجهها في كتفه..
فالذكرى حتى لو كانت مضت.. ذكرى موجعة.. موجعة!!

احتضنها بقوة وهو يهتف بعمق موجوع: زين خليني أقول لش اللي صار بس من ناحيتي..
يوم سمعت صوت تحريكش للباب.. خذت الكمبيوتر اللي كان مطفي أساسا..
كأني أبي أحتمي فيه منش..
تدرين إني أساسا كنت قاعد أنتظرش.. وأبي أعذب نفسي بشوفتش..
وكنت باتصل وأقول ليش تاخرتي يوم سمعت صوت الباب يتحرك..
كنت أطقطق على كمبيوتر مطفي.. وخايف تلفين وتشوفينه..
وفي نفس الوقت آخر همي إنش تشوفينه.. لأني كنت مشغول فيش أنتي وبس..

أسرق عيني من تحت لتحت وأحيانا أخذ راحتي وأنتي سرحانة وتفركين يديش..
حسيت يومها إن اللون الأخضر أحلى لون في العالم.. وياليت الدنيا كلها خضراء حتى البيوت والسيارات..

كنت أطقطق على الكمبيوتر بكل قوتي عشان أدس ارتعاش يدي..
كنت بأموت..بأموت.. بأموت بكل معنى الكلمة.. بأموت أبي ألمس طرف كمش الأخضر..
ألمس طرف شفايفش..
أشم ريحة عطرش من قريب..
تعبت نفسيتي وأنتي قاعدة مقابلتني.. أقول الحين بترحمني وتقوم.. الحين بترحمني وتقوم..
بس كنت حاسس إنش مستمتعة بتعذيبي.. والله العظيم حتى وصف التعذيب شوي في اللي حسيته ذاك اليوم..
وكنت أقهر روحي وأقول لنفسي: أنت منت بكفو لها.. خاف ربك تنجس مثل ذا الطهارة..
وكل ماحسيت نفسي بتغلبني.. قعدت أطقطق أكثر على الكمبيوتر..
حسيت الازرار بتنكسر من يدي.. وأخرتها صدق واحد منهم انشلع برا الكيبورد..
ومسكته قبل تشوفينه..
ويوم رحمتيني أخيرا وقمتي.. تدرين وش سويت قمت وجلست مكانش..
قلت ياحظها الكنبة اللي لامستش.. ياحظه الهوا اللي لامس خدش..
وعقبه اندسيت في كنبتي ما أبي أشوفش لا طلعتي.. كنت حاس إني بانهار صدق!!

تكفين ياقلبي ما تخلين شيء من ذكريات تيك الفترة تضايقش..
لأنه لو أنتي استوجعتي من أي موقف تأكدي إني استوجعت معش وأكثر..

حينها انفجرت جوزاء في بكاء مختلط بالشهقات.. بكاء عذب مطهر الروح..
وهو يشدها لحضنه بقوة.. وكتف (فانيلته) البيضاء فسد تماما من أثر زينتها المختلط بدموعها...

همست بابتسامة باكية وهي ترا هذه الآثار: والحين بعد صار وجهي مهرج ويفشل
وأنا اللي كنت أبي أقعد أسهر معك بكشختي!!

مسح وجهها بكفيه وقبلاته وهو يهمس بحنان ووله حقيقين: أنتي في عيني أحلى ماخلق ربي على كل حال..






*********************************





" يا الله وش ذا الهم!!
البيت كنه قبر من غيرها!!
يا الله يمه.. ما أثقل الليلة من غيرش"


هاهو يصعد الدرج بعد أن قضى ساعات تعذيب في مجلس زايد..
واضطر أن يجبر نفسه أن يبقى لساعة إضافية بعد مغادرة زايد لأخذ أمه..
لم يحضر حتى مع زايد كما كان يفترض وهو يشير له أن المكان مكانه..
بينما كل ما أراده أن يهرب من مشهد مغادرة أمه مع رجل غريب سيأخذها منهم..
ما كان سيحتمل هذه المشهد.. ويعلم أن والدته ستتفهم ذلك ولن تتضايق من عدم حضوره..
فأمه كانت تفهمه من دون كلمات.. ولا إشارات.. قلبها يشعر به دون أي لغة تواصل..

" يا الله يمه.. وشلون بأتحمل العيشة عقبش؟؟
كل شيء بارد ولا له طعم!!"


لم يخطر بباله أن يمر بأحد من شقيقتيه.. فوضحى غاضب منها هذه الليلة أكثر وأكثر.. ويخشى أن يُفجر كل غضبه فيها..
وكاسرة يخجل من اقتحام خصوصيتها حين تغلق بابها.. فمهما كان هي شقيقته الكبرى..

لذا توجه لغرفته مباشرة..
حين دخل.. كان هناك شيئا مختلفا.. واختلاف جذري!!

كانت الغرفة تغرق في أضواء خافتة.. وسميرة تكمل المشهد المختلف بأناقة مختلفة!!
مازالت تحتفظ بتسريحتها وزينتها ولكنها خلعت فستان السهرة الطويل لترتدي فستانا قصيرا بلون وردي ناصع مزين بدانتيل فضي..

لا يعلم لماذا النظر لها زاده ألما فوق ألمه.. هل تحاول تعزيته بهذه الطريقة الفاشلة؟؟
هل تحاول أن تنسيه مراراته الليلة بشيء يعلم أنها لا تقصده!!
وحتى لو قصدته فهي لا تفعله باقتناع..

يشعر بالتعب من كل شيء.. وهو يشعر أنه يغرق في عالمه الصامت أكثر وأكثر دون أن يجد يدا تُمد له..
فمن كانت أكثر من تفهمه..وضحى.. صدمته بقسوة.. ويعلم أنه سيحتاج للكثير حتى يستطيع مسامحتها..
من كانت بتفهمها أقرب له من أنفاسه.. أمه.. هاهي ترحل وتتركه..

من بقي له؟؟
هذه التي تسخر منه ومن رجولته وتتلاعب به كأنه بلا مشاعر؟؟
هذه التي تريد أن تذله بحسنها وهو يراها مكتوب عليها ممنوع اللمس..
تعبث به.. تعبث به.. هذا هو ماتفعله الآن!!
يبدو أن هذا كل ما تفعله منذ تزوجا.. وفي كل مرة تخطر ببالها لعبة جديدة تريد أن تجربها فيه..
تجربها فيه دون رحمة.. دون تفكير..

متعب.. متعب.. متعب.. ماذا تريد منه؟؟ أن يطلق رصاصة الرحمة على نفسه أمامها حتى تفقد لعبتها التي كانت تلعب بها؟؟
حتى ترحمه من هذا العبث العقيم الذي بات يثير اشمئزازه منها!!

أصبح الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) ..
والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف..

كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف..
تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع..
دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة..

ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها..
الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها..
لن يحتمل!!
لن يـــحتمل !!






*****************************************





" عبدالرحمن أنت أشفيك الليلة؟؟ تتغلى علي يعني؟؟
اليوم ولا مرة كلمتني.. وأنا أحاول أتغلى وأقول بأنتظر لين تكلمني..
بس طلع أسلوب التغلي خرطي.. وما قدرت أصبر يا الدب..
مهوب كفاية إني مابعد بردت خاطري فيك من سالفة كراتين الموز البارحة
وشكلي لو ماكلمتك الليلة.. ماكان لك نية تكلمني حتى!!"

أجابها بيأس عميق: يمكن أهرب من شيء بس أنتي ماسمحتي لي!!

انقبض قلبها فورا بعنف.. لأول مرة تسمع نبرته هكذا.. وليست أي نبرة..
نبرة مشبعة بالوجع والياس.. ردت بقلق عميق:
عبدالرحمن فيه شيء يوجعك؟؟.. طالبتك ما تدس علي!!

رد عليها بألم شفاف.. فالعلاقة بينهما فعلا أصبحت غاية في الشفافية:
أنا اللي طالبش ما تروعين كذا عشاني.. وأنا مافيني شيء..
بس أنا أبي أقول لش شيء وخايف ما تفهميني..

حينها كادت تجن.. وصوتها يختنق برقة موجعة:
أنت وش أنت داس علي؟؟ اليوم كان عندك موعد وما كلمتني تقول لي وش صار؟؟
وأنا ما تروعت من شيء.. لأنك قلت لي موعد تدليك عادي..
وش قالوا لك ؟؟ وش قالوا لك؟؟
قالوا لك ما تقدر تمشي؟؟
عادي.. عادي.. لا أنت أول ولا آخر واحد يعيش حياته يستخدم كرسي متحرك..
وأنا ما عندي مانع.. والله العظيم بأحطك فوق راسي وأني ما أشتكي في يوم..
بس تكفى لا يكون طاري على بالك خبال المثالية.. وتقول ما ابي أظلمش معي وذا الخرابيط..
ترا ذا فيلم عربي أيام الأبيض والأسود.. ماعاد يمشي الحين!!

شعر أن ألم قلبه يتزايد بعنف أشد " يا الله ما أعذبها !! أتكون تفكر هكذا وأنا أريد جرحها بأقسى طريقة ؟!!"

هتف لها بذات النبرة اليائسة: تكفين لا تقولين كذا.. تصعبين علي السالفة..
والله العظيم الكلام نشب ببلعومي..

حينها اختنق صوتها تماما وبدا أثر البكاء واضحا فيه:
خلاص والله ما أقول شيء.. بأسكر حلقي.. بس طالبتك ما تدس علي شيء..
قل لي وش فيك؟؟

عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات:
عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش..
خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها..

عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله..
شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة..

ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب..

وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها..
تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو..

كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر
وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله..

لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة:

عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
وعشان أكون أحتفل جد باليوم الوطني..وبعرس عمي زايد
بكرة فيه بارت بعد .. بارت هدية غير بارت الثلاثاء
خلونا نخلص من ليلة عرس أبو كساب اللي طولت :)
ونقرب موعد زواج علي :)
بكرة موعدنا الساعة 6 بعد المغرب
.
.
.

#أنفاس_قطر# 19-12-10 05:15 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والسبعون
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم ورد وفل ورحمة من رب العالمين
جعلكم الله دوم من هل البر والقرب من رب العالمين
الله لا يخليني من تواصلكم وتفاعلكم اللي خجلني فوق ما تتخيلون..
.
.
يا بنات.. لما قلت إن مكالمات عبدالرحمن لعالية بسبب..
مو السبب إنه يكلمها وهو مقرر يتزوج وضحى..
لكن أقصد إنه (سبب قصصي) كان يلزم له مكالمات عشان يصير
يعني لو حد بلغ عالية إن عبدالرحمن بيتزوج ماكان له نفس التأثير ولا نفس التوابع اللي بتصير
وهو ماكان يكلمها وفكرة الزواج من وضحى في باله أبد..
خلونا نشوف في البارت... صايرة هذارة.. بأسوي كنترول :)
.
.
تدرون بنات أنا بالعادة بالنسبة للتوقعات لما يكون التوقع مؤثر في الأحداث
أعطي الغالية النجمة بعد ما ينتهي البارت
بس عاد ماهقيت إنكم قريتوا توقع ابتسامة طفل مع إنه كان توقع بارع..
بس لأنه كان تعليقها تقريبا سطر واحد.. وانا حبيت أشجعها..
فحطيته أول البارت.. ماشاء الله طلعتوا قارين كل شيء :)
خلاص مرة ثانية بأحط النجمة في بداية الجزء الجديد حتى مو في نهاية الجزء عشان ما أخرب عليكم :) آسفة.. يانبضات قلبي
.
.
ترا ماني بغاوية نكد إن سالفة كاسرة وكساب طولت
أو حتى سميرة وتميم.. بس لها مبرر قصصي بس
لأني محتاجة لسالفة زعلهم عشان ترابط أحداث ثانية
.
.
ويا الله الجزء 72
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والسبعون





عبدالرحمن شد له نفسا عميقا.. وهو يشعر أن ما يريد قوله يقف في حلقه كالأشواك التي تمزق حلقه وهي تعبر مجرى الكلمات:
عالية حبيبتي تكفين افهميني.. ولا تستعجلين في الحكم ياقلبي طالبش..
خليني أشرح لش مبرراتي أول وافهميها..

عالية حينها انفجرت في البكاء وهي تسد فمها بقوة حتى لا يسمع شهقاتها وتمنعه من إكمال مايريد قوله..
شعرت أن هناك مصيبة هائلة قائمة..

ربما لن يستطيع مطلقا أن يمشي.. أو أصبح عاجزا جنسيا.. أو لا ينجب..

وكل ذلك لا يهمها.. لا يهمها.. المهم ألا يفكر بتركها..
تريد أن تبقى جواره حتى آخر يوم في عمرها مهما كانت حاله هو..

كانت تسد فمها بكل قوتها وهي تكتم شهقاتها بداخلها حتى كادت تنفجر
وكل ذلك حتى يستطيع أن يقول مايريد قوله..

لم تعلم أنه كان يريد نحرها بدم بارد رغم أنه هتف بوجع حقيقي عميق وهو يكمل ما بدأه بصعوبة بالغة:

عالية.. أنا أبي أتزوج وضحى بنت خالي !!


حينها ذابت الشهقات في صدرها كالسم المتعفن المر وهي تهمس بتبلد: نعم؟؟ وش قلت؟؟

عبدالرحمن بصعوبة: أبي أتزوج وضحى بنت خالي..

عالية بذات التبلد: تتزوجها؟؟ ليش أنت عزابي يعني؟؟ أنا ويش؟؟ كيس شعير؟؟

عبدالرحمن بذات الصعوبة: أنتي قلبي وحبيبتي ومرتي.. بس لازم أتزوج وضحى بعد..
لا أنا أول ولا آخر واحد يصير عنده مرتين..

عالية بذات التبلد وكأنها فقدت الإحساس تماما:
مرتين؟؟.. ياعيني..لا والله يا شهريار زمانك؟؟.. وأنا اللي كنت بأموت عشانك أحسب فيك شيء..
أثر الأخ يبي يتزوج مرة ثانية.. وهو حتى مابعد تزوج مرة أولى..
براحتك عبدالرحمن.. تزوج.. على قلبك بالعافية..

عبدالرحمن بصدمة حقيقية وهو يشعر بضيق فعلي وألم أكثر قوة أن الموضوع لم يهمها:
يعني ما عندش مانع أبد؟؟

عالية بذات التبلد الغريب الذي أحاطت به مشاعرها:
وليش يصير عندي مانع.. طلقني.. وتزوج أربع يا ولد فاضل..

عبدالرحمن بصدمة أشد: أطلقش ؟؟ مستحيل.. مستحيل..

حينها انفجرت تماما.. انفجرت.. انفجرت.. بل الانفجار لا يعبر مطلقا عن حالة الثورة الغاضبة التي مزقتها تماما:
نعم؟؟ مستحيل يا قلب أمك...؟؟ تقول مستحيل؟؟ المستحيل أنك تفكر إني أنا بأوافق تجيب ضرة على رأسي وأنا على ذمتك..
يا الخاين.. يا النذل.. يا الحقير.. أنت كل قاموس الشتايم ما يكفيك..
أشلون هان عليك تطعنني كذا.. يا أخي كان طلقتني وعقبه ذلفت في أي داهية تعرس..
لكن أنا قاعدة أتغزل فيك ليلة من جدي.. وأنت تكذب علي.. وتخطط مخططات أكبر..
عليك بالعافية بنت خالك.. غطها على قلبك..
بس طلقني.. طلقني.. يا الخاين..
خاين.. خاين.. خاين.. ونذل وحقير..

كانت تريد أن تبكي دما بدل الدموع.. ولكنها يستحيل أن تشمته فيها..
شعرت أن كل مرارات العالم وقسوته وحشيته لا تساوي ما يحدث لها الآن
وعلى يد من؟؟
على يد عبدالرحمن!! عبدالرحمن!!
عبدالرحمن الذي كان لها بلسم الروح.. ونسمة الحياة!!


عبدالرحمن هتف بتهدئة حانية: هدي حبيبتي هدي.. والله العظيم مقدر زعلش..
بس اسمعي مبرراتي أول..

عالية بغضب عارم: أي مبررات؟؟ أي مبررات؟؟ بنت خالك كانت قدامك ذا السنين كلها.. ليش تخطبني وأنت تبيها؟؟
ليش تعلقني فيك وأنت قلبك لغيري.. ليش؟؟ ليش؟؟

عبدالرحمن بذات نبرة التهدئة المثقلة بالوجع: تكفين عالية افهميني.. وضحى أخت امهاب..
مستحيل أخليها عقب ما تزوجت أمها وخلتها..
أشلون أزور قبر امهاب وأنا مخلي أخته.. لو أنا اللي صار لي شيء مستحيل كان يخلي امهاب هلي..

عالية بذات الغضب المتفجر: وانت توك تكتشف إن امهاب مات.. وما تبي تخلي أخته..؟؟
إلا قول يا النذل الخسيس إنك كنت تبي تتأكد إني ما أقدر أستغنى عنك
وإني ممكن أرضى بأي شيء عشان أكون جنبك.. والحين يوم تاكدت.. قويت قلبك وقلت أصير شهريار زماني..
لا لا لا.. اصح يا بابا..أنا عالية بنت خالد.. وإذا تظن إن قلبي بيذلني لك.. فأنت ما عرفتني..
أدوس قلبي بروحي وأفعصه تحت رجلي.. قدام حد يدوسه..


عبدالرحمن يقدر غضبها ومازال يحاول تهدئتها: والله العظيم وربي اللي خلقني
إن فكرة الزواج من وضحى ما صارت برأسي إلا عقب ما تزوجت أمها..
قبل كذا أنا كنت حاسس إني عايش أحلى غيبوبة معش.. صرت ما أفكر في شيء غيرش..
وأنا مشغول فيش ومعش عن كل شيء في الكون.. حاس حياتي كلها متعلقة على طرف شفايفش..
والله العظيم ولا خطر في بالي إني أجرحش كذا لين تزوجت أم امهاب.. حسيت كن حط عطاني كف على وجهي..
خالتي مزنة مرة قوية.. وما كنت خايف على وضحى وهي معها.. بس الحين وضحى مثل الأمانة في رقبتي..
وضحى هذي أخت امهاب.. امهاب اللي قطعة من روحي راحت وخلتني..
أخلي الحين قطعة من روحه بدون سند حقيقي!!
وضحى شخصيتها لينة واجد.. ومحتاجة لها سند.. وامهاب كان دايما يحاتيها..
ما أقدر أخليها.. افهميني عالية الله يرحم والديش..
أنتي صرتي أكثر وحدة فاهمة أشلون كانت علاقتي بامهاب الله يرحمه!!
والله العظيم السالفة عليّ أصعب منها عليش.. لأني فعلا ما أبي وضحى..
وأشلون أتزوج وحدة وأنا عارف إنه مالها في قلبي مكان..
بس غصبا عني غصبا عني.. افهميني..

عالية بغضب متفجر مدمر: وتبيني أصدق ذا الكلام يا الكذاب... وضحى عادها صغيرة وبيجيها نصيبها..
وماشاء الله هذا تميم عندها.. رجّال كداد وماعليه قاصر..
لا تدور عذر لعينك الزايغة..
يعني أنت الحين يا المكسح شايف نفسك أحسن من تميم.. ؟؟
وش زودك عليه...؟؟
الله يأخذ قلبي اللي ذلني لواحد مثلك!!

رغم قسوة تجريحها.. ولكنه لا يهمه شيء غيرها لذا هتف بيأس عاشق حقيقي:
تكفين عالية لا تصيرين كذا.. والله العظيم أنا أتعذب..
و وضحى مسكينة عمرها ماتقدم لها حد غيري.. وأنا تقدمت لها عشان أناسب امهاب بس.. عشان ما تزعلين بعد..
يعني لو فيه نصيب لها كان قد جاها ..

عالية تكاد تنفجر غضبا ويأسا وحزنا: باقي عندك شيء ما جرحتني فيه يا النذل؟؟
وبعد خاطبها قبلي.. وتبي ترجع تخطبها بعد..؟؟
روح اخطبها.. روح لحبيبة القلب.. عليك بالعافية..

عبدالرحمن بذات اليأس الهائل: عالية.. أنا ماراح أتزوجها الحين.. بس أنا مقرر أسويها عقب ما نتزوج..
وما أدري حتى لو وضحى هي بتوافق علي.. بس أنا مقرر ذا المرة إني مستحيل أخليها..
وماحبيت أني أخدعش.. لأني لو خدعتش كني أخدع نفسي.. بغيتش تكونين على بينة حبيبتي..


عالية انفجرت باكية ماعادت تحتمل.. انهرت دموعها وشهقاتها ويأسها:
لا تقول حبيبتي.. لا تقول حبيبتي..
حبتك قرادة يا الخاين..
طلقني.. طلقني.. ما أبيك.. ما أبيك.. ما أبيك يا الخاين..

ثم أغلقت هاتفها في وجهه.. رن هاتفها عشرات المرات ربما.. بينما هي منكبة على سريرها تنتحب وترتعش كالمذبوحة..
مذبوحة فعلا.. مـــذبـــــوحـــة !!

بينما هو منذ سمع صوت بكاءها وهو كالمجنون يأسا وحزنا وقهرا..
ولم يكل عن الاتصال بها حتى أذن الفجر.. وأرسل عشرات الرسائل يرجوها أن تطمئنه عنها..
ولكن دون أي رد..
يعلم أن مافعله جارح ومؤلم لأبعد حد.. لكنه كان يعتمد على قوة عالية التي يعلمها..
لم يعلم أن المرأة التي تحب فعلا يستحيل أن ترضى بأنصاف الحلول..
وحين تُجرح قد تصبح نمرة مفترسة!!

كان مجروحا بجرح أعظم زاده إحساسه بالعجز..
يعلم أنها الآن.. تبكي.. منهارة.. مثقلة بالجرح..!!
هي التي أصبحت نبض روحه.. ودفء أنفاسه عاجز عن مواساتها.. او حتى الاعتذار لها..
والأشد قسوة أنه عاجز حتى عن الاطمئنان عليها..
لتغضب منه كيف شاءت ولكن ليتها تطمئنه عنها.. فقط تطمئنه!!
آلمته يده لكثرة ماحمل هاتفه وأتصل وأرسل.. دون رد.. دون رد!!




*****************************************






أصبح تميم الآن يفهم جيدا المثل الشعبي الذي يقول: (من تغلى تخلى) ..
والليلة يشعر بهذا أكثر من كل ليلة..فهي "تغلت" عليه إلى حد القرف..

كل ليلة من الليالي القليلة الماضية على هذا الحال من التمثيل السمج المقرف..
تتزين.. وتتقرب.. ثم تبتعد عنه كأفعى لسعته بجلدها المصقول اللامع..
دون أن تفهم صراخه اليومي أنه لا يريد منها أن تتصرف معه بهذه الطريقة..

ماعاد يريدها ولا يريد أي شيء منها..
الليلة بالذات لن يحتمل هذا العبث منها..
لن يحتمل!!
لن يـــحتمل !!


هــــي.. تعلم أن تميما صبر عليها كثيرا.. كل ليلة تتزين له.. وهي تقرر أنها لابد أن ترضيه الليلة..
فكيف يستطيعان أن يتمازجا روحيا فعلا.. وهي مازالت تضع بينهما هذا الحاجز ؟؟
ولكنها في كل ليلة كانت تجبن.. لتثير خيبة تميم وهو يرجوها ألا تكرر هذا التصرف..
ولكنها تكرره لأنها ترجو أنها اليوم ستتشجع.. ألم عميق يتجمع في روحها.. لأنها تعلم مقدار الألم الذي تسببه له.. ليلة بعد ليلة!!

لذا الليلة قررت أنها لن تتراجع.. حتى لو لم تتقبل الأمر نفسيا ستجبر نفسها من أجله.. ومن أجل حقه عليها..
ربما حين تكسر هذا الحاجز حتى لو عنوة.. ستجد أن الحواجز بينهما تكسرت فعلا..
وتميم يستحق منها أن تفعل ذلك من أجله.. فرجل آخر لن يحتمل كل هذا الجفاء من زوجته!!

لذا كان استعدادها لهذه الليلة مختلفا فعلا.. بأناقتها واستعدادها..
وخصوصا أنها تعلم أنه محتاج فعلا لصدر يطرح عليه همومه التي بلغت ذروتها الليلة..


حين رأته دخل.. وقفت لاستقباله بابتسامة حانية..
بينما هو حين دخل.. لم يشر لها بالسلام حتى..
بل دخل بشكل مباشر.. وأخذ له غيارا .. واستعد للخروج..

حينها أوقفته سميرة وهي تشير له باختناق حقيقي موجوع: تبي تهرب مني مرة ثانية للمجلس..؟؟

تأخر بصرامة وهو يقطب جبينه بحزم موجوع بالغ:
لا ذا المرة ماني بهربان من حسنش اللي ماقدرت أقاومه..
ذا المرة أنا بأخذ لي غرفة ثانية لي وبأنقل أغراضي كلها لها.. وخل هلي يدرون.. لأني خلاص انقرفت منش ومن تغليش..
على ويش ذا التغلي..؟؟ شفتي روحش غالية قلتي أذله بغلاي؟؟
أو قلتي أنا خسارة في ذا اللي ما يسمع ولا يتكلم؟؟
يا بنت الناس لو أنتي عفتي شوي.. تراني عايف واجد..!! طلعتي روحي!!
بغيتي تقعدين حياش الله مثلش مثل وضحى.. وش تفرق؟؟ كلنا أخوان !!
مابغيتي.. وتبين تروحين لهلش.. حقوقش بتوصلش كاملة وزيادة دبل..
وخلصنا من ذا الموال اللي ماله معنى!!





******************************************





مازالا على ذات الجلسة بعد أن صليا قيامهما..
لتهمس له مزنة بتهذيب عذب:

" ماعليه أبو كساب ممكن تسمح لي بسؤال لو سمحت..
ولو مابغيت تجاوب براحتك"


زايد ينظر لها بتعجب لا يخلو من مرارة غريبة فعلا.. !!
رقيقة.. رفيعة التهذيب.. واثقة دون تبجح.... و..... مختلفة.. مختلفة تماما..

لا يتخيل أن مزنة السابقة قد تستأذن بكل هذا التهذيب الرفيع لمجرد أن تسأل..
مزنة كانت لتسأل بكل تبجح.. وآخر ما يهمها رغبة الآخر بالرد من عدمه..!!

هتف لها بثقة رجولية لا تخلو أيضا من لباقته الرفيعة.. فليست مزنة فقط من تغيرت يا زايد !! ..:
أم امهاب.. هذا أنا إحنا في بداية حياتنا سوا..إذا بغيتي تسألين عن شيء..
إسالي ولا تهتمين.. وبدون استئذان.. مافيه داعي تحطين حاجز بيننا..

إن كان شعر بالمرارة غير المفسرة لتغيرها الإيجابي.. فهي ابتسمت باستغراب وإعجاب لتغيره الإيجابي..
فزايد الشاب ربما لو قالت له سأسألك سؤالا.. لربما قال لها (وتستأذنين أنتي وجهش ياقوية الوجه؟!!)

وإن كانت على كل حال تعلم أن من هو في مكانته ردوده دائما محسوبة ولبقة..
همست باحترام:
مرة ثانية خلني أقول اسمح لي بالسؤال لأنه يمكن أنت ماتبي تجاوبه..
أبو كساب.. وش السبب اللي خلاك ترجع تخطبني عقب ذا السنين كلها..؟؟
عشان كساب؟؟

ابتسم زايد بفخامة: وأنتي وش اللي خلاش توافقين علي عقب ذا السنين وعقب مارديتيني مرتين..؟؟
عشان كاسرة؟؟

ابتسمت بعذوبة: مع إنه مايصح تجاوب السؤال بسؤال بس قدرك ما يسمح لي ألف وأدور معك..
أبو كساب أنت أكيد مانسيت أنت وش كنت مسوي فيني وحن صغار..
اتسعت ابتسامتها أكثر: أنت تدري إني كنت قبل أطلع رأسي من الباب.. أطل مع فتحة الباب أشوف أنت قاعد في دكتكم وإلا لا..
لو لقيتك قاعد ماطلعت.. والمشكلة إنك قاعد 24 ساعة.. ما أدري وش تسوي ذا كله؟؟
وإذا في الأخير اضطريت وطلعت.. نطيت في حلقي.. وش مطلعش؟؟ وارجعي وأنا بأجيب لش اللي تبين؟؟
وأنت تذكرني بعد.. الحمدلله والشكر على نعمة العقل.. كنت مرجوجة ولساني طويل..
ولو قلت لي كلمة.. قلت لك عشر..
وبصراحة عقب ماضربتني استوجعت منك واجد.. كانت أول وآخر مرة انضرب في حياتي..
كان مستحيل أوافق وأنا حاسة إنك بس تبي تاخذني عشان تضربني وتكسر شوكتي..
ولو افقت عليك وقتها.. صدقني ماراح نتوالم.. وما أسرع ما بنتطلق!!


حينها بشعور أو بدون شعور.. مد كفه اليمنى ليمسح على خدها اليسار.. وهمس كأنه يكلم نفسه: أجعتش واجد وقتها..؟؟

همست بحرج وهي تتأخر قليلا: ياه يا أبو كساب.. راحت.. وراح وجعها..


" ولكنها في داخلي لم تذهب لم تذهب.. ولم يذهب وجعها
ليتك تعلمين أني حين خرجت من بيتكم ضللت ألكم الجدار حتى أدمت يدي
وكأنمي أريد أن أعاقب اليد التي جرؤت على إيلامك
مع أنني آلمت روحي قبل أن آلمك..
أو الأصح قبل أن أؤلمها هي.. مزنة.. تلك البعيدة الغائبة
يا الله يا مزنة.. لماذا أشعر بكل هذه التعقيدات؟؟
أين ذهبتِ أنتِ؟؟ "


زايد ماعاد يعلم أي مشاعر غريبة تجتاحه بغرابته.. ينظر لمن أمامه ويبحث في ثناياها عن أنثى أخرى اختفت ولن تعود أبدا..

زايد اقترب منها أكثر.. أرادت في داخلها أن تتأخر.. ولكنها منعت نفسها من التحرك..
فهي متدينة.. حافظة للقرآن ويستحيل أن تمنع زوجها حقا إن أراده..
ومن ناحية أخرى تعلم أن الإحساس البالغ بالتوتر والجفول حتى ولو كانت تشعر به فعلا.. لا يتناسب مع وضعها ولا وضع زايد..

لكنها لا تستطيع منع نفسها من الشعور بالاختناق فعلا ..
وأناملها ترتعش حين رأته يميل على خدها اليمين حيث كانت كفه تسكن قبل ثوان..
لتسكن شفتيه مكان كفه على خدها في قبلة دافئة مختلفة.. ويـطـيـل.. لدرجة زادت في اختناقها أكثر..وأكثر..

كان يتنفس عطرها من قرب.. يتنفس بعمق.. مازال يبحث عن مزنة الأخرى.. ربما كانت تختبئ تحت جلدها.. يريد أن يشعر بها بأي طريقة..
ربما لو تنفس واستنشق بصورة أعمق سيجدها..
يستحيل أن تكون اختفت هكذا.. حتى رائحتها اختفت!!

كل ماكان يشمه.. رائحة أنثوية دافئة عطرة مثيرة.. وناضجة لأبعد حد..
ولكنها ليست رائحة مزنة.. ليست رائحة مزنة التي كان يشعر بها تعبق في الأجواء دون أن يقترب منها حتى..
وهاهو يتنفس عبق هذه الأخرى من أقرب مكان..ملتصق بها.. ويجد رائحة مختلفة.. مختلفة تماما..

حينها همست مزنة بحرج بالغ: أبو كساب لو سمحت خلاص.. أحرجتني الله يخليك..

أخرجته من دوامته الغريبة التي كان فيها.. وربما لو لم تخرجه لا يعلم حتى متى سيستمر ملتصقا بها..

تأخر قليلا وهتف بثقة راقية: آسف ماكان قصدي أحرجش.. بس من يشوف ذا الزين قدامه ويمسك روحه؟؟

وجد أن هذا التبرير قد يكون مرضيا لامرأة مثلها.. حتى وإن كان لا يقصده تماما.. فهو على جانب كبير من الصحة..

مزنة صمتت.. في داخلها غير مرتاحة لهذا الاندفاع ولكن هل بيدها حيلة..
همست بذات التساؤل الذي لم يجب عليه.. علها تعيده لعالم الحوار: تراك ماجاوبتني على سؤالي..
ما تبي تجاوب.. قل لي.. عشان ما أكرره..

ابتسم وهو يقف ويهتف بثقة: تعالي باسولف لش اللي تبينه بس وانا منسدح..
لأني طول اليوم صالب روحي ما تمددت ولا حتى شوي..


مزنة توترت أكثر وهي تقف وتتبعه.. حتى دخل إلى غرفة نومه..
خلع ملابسه ودخل ليغتسل.. وحين خرج كانت تجلس على مقعد التسريحة دون أن تستبدل جلابيتها..

أغلق الإضاءة التي على السرير.. وترك لها بقية أضواء الغرفة..
توجه لسريره..وتمدد على يمينه ثم أغلق عينيه.. صــمــت لدقيقة..
ومزنة مستغربة منه.. ردات فعله غير متوقعة..


حــــيــنــــهـــا
همس بنبرة مختلفة.. مختلفة.. تذيب القلب تماما كما لو كان ينادي من عمق عمق روحه: مـــزنــــــة..!!


إن كان غاويا للنكد.. واستكثر على نفسه قربها.. وهو ربما يبحث عن أسباب تقف بينهما حائلا..
فهو الآن على الأقل يستطيع أن يغذي جوع روحه المتطاول بمناداة اسمها الذي سكن روحه... وسماع همسها الذي لم يتغير..

مزنة وقفت وهي تقترب وتهمس برقة: لبيه..

همس لها بذات النبرة المختلفة.. النبرة التي كانت لتكون لمزنة وليس لسواها وهو مازال مغلق العينين:
مزنة اقعدي جنبي ..

مزنة جلست على طرف السرير وأقدامها على الأرض.. لم تجرؤ حتى أن ترفع قدميها أو تمدد جواره..
همس لها بعمق: عطيني يدش.. وعقبه إسأليني اللي تبينه..
وقولي لي يازايد.. خلني أسمع اسمي لا غردتيه بصوتش..

مزنة رغما عنها اختنقت خجلا.. لم تتخيل هكذا غزلا رقيقا عذبا.. !!
لكنها كانت مجبرة على تنفيذ طلبه!!..

لا تريد أن تعصيه وفي ذات الوقت لا تريد أن تبدو بمظهر توتر وارتباك تشعر أنه لا يناسب ثقتها بنفسها..

مزنة حينها كانت مجبرة أن ترفع ساقيها على السرير حتى تستطيع الاقتراب منه.. فطوت ساقيها تحتها وهي مازالت جالسة..

ثم مدت يدها له وهو مازال مغلق العينين ووضعتها في كفه المفتوحة الممدودة لها..
صدمها بعنف أنه تناول كفها ليقبلها بعمق مذهل ودفء متجذر.. لدرجة أنها شعرت أن كفها ستشتعل لحرارة أنفاسه وتوترها المتزايد..

ثم تناول كفها ووضعها تحت خده وهمس بعمق غريب.. غريب ومختلف عن أي عمق كوني: إسأليني يا مزنة..
ولا تسأليني ليه خطبتني يازايد.. إسأليني ليه ما نسيتني يازايد؟؟

مزنة همست بعمق خافت: وانت صدق مانسيتني يا زايد؟؟

كان هذا ما ينتظره لينثال.. وينثال.. وينثال..
كفها تلامس خده.. وهي تهمس له من قرب بصوتها الذي سكن روحه منذ دهور..
وعيناه مغلقتان.. فهو لا يرى شبح المرأة الغريبة التي تقف بينه وبين مزنة..

همس بعمق متجذر.. متــجــذر.. عمق كعمق تاريخ أزلي ضرب بجذوره إلى العمق:
نسيتش؟؟
مزنة.. حد ينسى يتنفس الهوا؟؟ حد ينسى دقات قلبه أو يقدر يوقفها؟؟
حد يقدر ينسى الدم اللي يجري في عروقه..؟؟
هذا أنتي يا مزنة.. هواي اللي أتنفسه.. ودقات قلبي.. ودمي اللي يمشي بعروقي..


مزنة مصدومة فعلا ( هذا كذاب وإلا متعود يبالغ؟؟) شعر بارتعاش كفها تحت خده وهي تهمس بارتباك لم يظهر في نبرتها الهادئة برقي:
مهوب كنك تبالغ شوي؟!!

تناول كفها من تحت خده مرة أخرى ليغمرها بقبلاته بينما كفها تتزايد ارتعاشاتها..
ثم وضع كفها هذه المرة قريبا من قلبه وهتف بذات نبرته العميقة:
أبالغ؟؟ المشكلة مهما حاولت أوصف الحكي بيكون قاصر..
شوفي أشلون يدش ترتعش من قربي.. وأنا طول عمري قلبي يرتعش مثل مذبوح عشانه ماطال قربش..

مزنة تشعر بالصداع والتوتر يتزايدان لديها (هذا مهوب طبيعي!!)
لم تتخيل أنها قد تسمع هذا الكلام من رجل.. وبعد مرور هذه السنوات كلها!!

أكمل انثياله المدفون في صدره منذ قرون وقرون:
هان عليش يا مزنة تكونين لرجّال غيري.. هان عليش تعطين حقي لغيري..
هان عليش تذبحيني بدل المرة مرتين..
مستحيل واحد منهم كان يحبش أو حبش واحد على مليون من حبي لش..

مزنة ماعادت تستطيع منع صوتها أن يخرج بكامل توتره وارتباكه وكلامه غير المعقول يمزق عقلها المطارق:
زايد الله يهداك.. لا تبالغ.. وقتها كنا بزارين.. وكلن راح في طريقه..

زايد على ذات النبرة العميقة المتجذرة: أنتي كنتي بزر وما اهتميتي.. يمكن..
بس أنا قلبي احترق.. احترق..
كل ليلة عرستي فيها.. مسكت لي لي جمرة في كفي.. أقول يمكن حر الجمرة يلهيني عن حر قلبي..
وعن التفكير إنش تنامين الليلة في حضن رجّال غيري..
أول عرس حرقت كفي اليمين.. وثاني عرس حرقت كفي اليسار..
الله يسامحني على الجهل وطيش الشباب ياكثر ماندمت إني سويتها عشان ربي.. وإلا لو علي لو قدرت أحرق قلبي صدق حرقته..
بس وش أسوي.. بغيت استخف.. بغيت استخف..
وعمر ماحد درا بسبب حرق كفوفي غير خليفة الله يرحمه..

مزنة كانت تظنه يتكلم عن حرق معنوي.. حتى أفلت كفها ليريها كفه اليمين..
ورغم ضعف الإنارة ولكن أثر حرق قديم باهت جدا بدا واضحا في المنطقة بين السبابة والإبهام..
هو مابقي من الحرق.. لأن الكفوف تلتئم بسرعة..

مزنة انتفضت بجزع حقيقي.. وهي تنكمش وتبتعد عنه..
ودقات قلبها تتصاعد بعنف مرعب.. حتى كاد قلبها يخرج من بين ضلوعها..
عاود الهمس بعمق: مزنة وين رحتي؟؟

مزنة همست باختناق: جنبك.. جنبك..

صــــمــــت.. فما قاله يكفيه عن دهور..
شعر أنه مستنزف من البوح..كما لو كان بركانا هائلا تمور حممه داخله لقرون ثم أطلقها دفعة واحدة!!

وفي ذات الوقت كان يشعر أنه خفيف.. خفيف..
بعد أن تخلص من ثقل الاعتراف بمشاعره الثقيلة..
كما لو كان يحمل أثقال جبال فوق كتفيه حتى كاد ينهار من التعب ثم ألقاها أخيرا عن جسده ليستطيع أن يرتاح!!


بينما مزنة تشعر كما لو كان أحدهم ألقاها من فوق هذه الجبال العالية..
وتشعر بجسدها مفتت من أثر الاصطدام..

" هذا أكيد يبالغ...يبالغ..
مستحيل يكون يتكلم من جده!!
بس.. بس.. رجّال مثله وفي مركزه.. مستحيل يتكلم ذا الكلام حتى لو مبالغة..
ياربي رأسي يوجعني.. وعظامي حاستها مكسرة..
عمري ما توقعت إني ممكن أسمع كلام مثل هذا.. حتى ولا في أحلام المراهقة الخبلة"

بعد مرور أكثر من ربع ساعة وكلاهما معتصم بمكانه.. سمعت صوت انتظام تنفسه دلالة على نومه..
فهو فعلا لم ينم منذ 3 أيام.. والجهد الذي بذله في مجرد البوح كان جهدا قاتلا فعلا..
كتمان 30 عاما نزفه في دقائق معدودة !!


وهــي.. نهضت.. لتشد حقيبتها..
استخرجت فوطتها وروبها وقررت أن تستحم.. عل برودة الماء في هذا الوقت المتأخر تخفف بعضا من حرارة جسدها..

ربما طوال الأيام الماضية أحاطت مشاعرها بنوع من التبلد حتى لا تفكر.. لكن ماحدث لم يخطر لها ببال.. بتفكير أو بدونه..

خرجت ملتفة بروبها وهي تمشي بحذر رغم أن الجناح واسع جدا ويستحيل أن يصحو زايد على صوت خطواتها..
بعادتها التي لا تتغير كانت تحب تعطير شعرها وهو مازال رطبا..
لكنها الليلة قررت أن تغير استراتيجيتها حتى ترى كيف ستمر بها هذه الليلة العاصفة..

ارتدت بيجامة حريرية باللون الفستقي بأطراف من التور المطرز.. وأرتدت فوقها روبها المصمم على طريقة الكومينو الياباني..
بأكمام واسعة بأطراف من التور المطرز أيضا.. وبحزام حريري مطرز عريض جدا يُربط من الخلف..
شعرت أن هذا اللباس محايد وأنيق وفي ذات الوقت يعبر عن ذوقها الرفيع وفخامته حتى لا تبدو أمامه كما لو كانت غير مهتمة بمظهرها أمامه..

ثم ارتدت جلالها وقررت أن تراجع حفظها.. فهي تعلم أنها لن تنام في هكذا مكان غريب..
وتلاوة القرآن ستخفف كثيرا من توترها حتى وقت صلاة الفجر التي بقي عليها أكثر من ساعتين ونصف..

جلست في زاوية قريبا من زايد وأشعلت لها إضاءة قريبة منها حتى لا تزعجه وفي ذات الوقت إن صحا لا يظنها تركته وذهبت لمكان آخر..

ولكن قطع مخططاتها أنها بعد حوالي نصف ساعة سمعت همسا أشبه بالأنين..
كان صادرا من ناحية زايد.. وضعت مصحفها وخلعت جلالها وتوجهت له..

أرهفت السمع.. كان يناديها.. ويئن.. اقتربت أكثر بجزع..

همست وهي تقترب منه باحترام وقلق: ابو كساب فيك شيء؟؟ تبي شيء؟؟

كان مستمر في مناداتها وعلى ذات الوتيرة من الأنين الصادر من عمق روحه كما لو كان يتألم فعلا: مزنة.. مزنة..

رأت أنه من غير اللائق أن يناديها "مزنة".. وتقول له (أبو كساب)
كما لو أنها تريد وضع حاجز بينهما.. لذا همست من قرب أشد وهي تنحني عليه:
زايد أنا هنا.. تبي شيء؟؟

ولكنه لم يفتح عينيه وهو مازال يئن باسمها أنينا يمزق القلب.. اقتربت أكثر حتى جلست على الأرض على ركبتيها..

وهي تهمس له ووجهها قريب جدا منه وتهز كتفه برفق:
زايد وش فيك؟؟ مستوجع؟؟ تبي شيء؟؟

حينها فتح عينيه..
الإضاءة ضعيفة جدا.. بالكاد يلمح وجهها.. وشعرها المتناثر على كتفيها..
همس بوجع خافت كما لو كان يكلم نفسه: مزنة.. أنتي جيتي؟؟

مزنة تشعر باستغراب (يا الله عدي ذا الليلة على خير.. الرجال شكله مهوب صاحي) ومع ذلك همست باحترام:
أنا هنا يا زايد.. جيت..

همس بوجع أعمق بكثير: أبطيتي.. أبطيتي واجد..

لا تعلم لِـمَ شعرت رغما عنها بالألم يجاوب ألمه... فلا يمكن أن تكون معدومة المشاعر مع هكذا نبرة تذيب القلب:
زايد هذا أنا جيت.. حتى لو ابطيت..

حينها سألها بذات النبرة العميقة التي يبدو فيها كما لو كان يكلم نفسه:
مزنة تحبيني مثل أحبش؟؟

مزنة حينها تراجعت قليلا بجزع حقيقي وهي تهمس بارتباك جزع: نعم؟؟

همس لها بذات الوجع الداخلي العميق بنبرة تبدو مختلطة بالنعاس: قولي إنش تحبيني..
بأموت يامزنة.. بأموت ما ابتلت عروق قلبي..

مزنة لم تستطع أن تقول شيئا حتى( والله العظيم ذا الرجال مهوب طبيعي!!)
ريقها جاف تماما وأناملها ترتعش بعنف..

مد يده ليمسح ظلال خدها غير الواضحة وهو يهمس بذات الوجع المتضخم:
مزنة.. تحبيني؟؟

مزنة وجدت نفسها مجبرة على إسكاته بما يريد.. فيبدو أنه يهذي ولا يعلم حتى ماذا يقول..
وجدت نفسها مجبرة ومنذ ليلتها الأولى معه أن تقول له كلمة لم تقلها لأحد زوجيها السابقين..
فهذا الذي يحدث لها لم يحدث مطلقا من قبل!!

همست له باختناق وباستعجال وهي تشعر بالكلمة كالأمواس على لسانها:
أحبك يازايد..

همس حينها كمن تلقى طعنة قاتلة يعاني شدة ألمها وانهمار نزيفها:
مرة ثانية يامزنة.. قوليها مرة ثانية..

شعرت بها أصعب من المرة الأولى بكثير لذا خرجت بطيئة مبعثرة: أحبك يازايد.. أحبك.. تبي شيء ثاني؟؟

لم يرد عليها ولكنه شدها من عضدها إلى جواره وهو يزيح ليوسع لها مكانا..
مزنة شعرت بقلبها يقفز في منتصف حنجرتها وهو يحتضنها بكل قوته..
ويهذي في عمق أذنها بكثير من الغزل العميق الموجع..

مصطلحات لم تسمعها في حياتها كلها.. والغريب أنه كان يهذي فعلا بنبرة عميقة دافئة شفافة مثقلة بوجع لا مثيل له..
وهي تشعر باختناق عميق وتأثر متعاظم.. لا تعلم هل هو من أجله أو من أجل نفسها..!!


.
.

حينما صحا من نومه على صوت منبه هاتفه المؤقت على قبل صلاة الفجر بقليل..
مد يده ليشعل الإنارة أولا..
ثم ضغط على جانبي رأسه بقوة و هو يرى ظهرها ناحيته..
كان يحاول أن يتذكر بشكل واضح ماحدث.. ليجد نفسه عاجزا عن تذكر الأمور بتفاصيلها..

فهل تستطيع أن تتذكر الأحلام بحذافيرها؟؟
كان في حلم طويل.. عذب.. مليء بالهذيان..

كان يفتح عينيه ويغلقهما دون انتباه أن من كانت جواره كانت كتفاها ترتعشان بخفة..
وهي تحاول التوقف عن البكاء منذ رأته أشعل الأضاءة.. فهي لم تنم مطلقا وهي غارقة في بكاء خافت مثقل بألم شفاف لا تعرف له معنى!!

لا تعلم لِـمَ كانت تبكي حتى؟؟ هـي تبكي؟؟ مزنة تبكي؟!!
مزنة.. من دموعها كانت عندها أغلى من أن تنحدر لأي سبب كان.. ولم ينزلها إلا أسوأ النكبات وفي خفية عن الأعين..

كما تفعل الآن في خفية وهي تمسح وجهها.. وتأخذ لها نفسا عميقا..
لتستدير حتى تجيب على نداء زايد لها بصوت خافت: مزنة.. مزنة..

همست باحترام وهي تعتدل جالسة وتحاول ألا تنظر له بشكل مباشر:
لبيه.. هذا أنا قايمة..

حينها انتفض بجزع وهو ينظر لها بذات الجزع كمن يصحو من نوم عميق..
ألـــم !! ألـــم !! ألــم !!..
ألم عميق.. عميق غاص في روحه حتى أقصاها.. ألم يجتاحه بعنف مرّ !!

أهذه هي المرأة التي قضت الليل في حضنه؟؟
أ هذه هي المرأة التي هذى لها بكلمات حب أسطوري لم يهذي بها لسواها؟؟
أ هذه هي المرأة التي منحها في لحظات مشاعر وأحاسيس عجز عن منحها لأحد طيلة ثلاثين عاما؟؟
أ خان ذكرى مزنة من أجل شبح مزنة؟؟


والأسوأ من كل ذلك.. شعور ندم مر قارص المرارة تخلل كل شرايينه وأوردته وخلاياه..
أ عجز عن حب وسمية كما تستحق من أجل امرأة ماعادت موجودة؟؟
لو أنه علم فقط قبل أن تذهب وسمية كان ليمنحها حبا كانت تستحقه ووقفت مزنة بينهما فيه..
بينما مزنة كانت أساسا اختفت.. اختفت..
كما لو كنت نذرت حياتك ومشاعرك وكيانك لشيء لا جود له..
لا وجـــــود لـــــه أبدا!!






***************************************





لم ينم مطلقا.. ولكنه بقي معتصما بغرفة التدريبات منذ صلى قيامه وأنهى ورده
يتدرب حتى قبل أذان الفجر..
كان يريد شيئا يلهيه عن التفكير بمن يعلم أنها تجلس خارجا..
وكل ما يريده لو أنه يجلس أمامها حتى لو لم يتكلما.. يشبع عينيه من رؤيتها بعد أن أضناه الشوق لها حتى عمق العظام..
لم يتخيل أن كاسرة قد تقدر على الاستيلاء على مشاعره هكذا وفي غضون أشهر قليلة!!
وهنا الفرق بينه وبين والده تماما... هنا الفرق الذي صنع الاختلاف!!
قد يكون كساب غزت روحه كاسرة الطفلة.. وبقيت شيئا ثمينا نادرا في روحه..
هو الأساس العميق الذي صنع من إحساسه بها شيئا مختلفا عميقا..

ولكن كساب عشق كاسرة الأنثى لا كاسرة الطفلة..
كاسرة الأنثى التي أيقظت كل الحواس والجنون فيه..
جمالها وشخصيتها وعنفوانها وروحها.. كل ذلك.. أيقظ فيه رجولته وكبريائه وعنفوانه واندفاع روحه..
معها شعر أن روحه الميتة تصحو من جديد..
ولم يبحث في ثناياها عن ملامح طفولتها.. بل كانت ملامح طفولتها مرحلة انتقالية ليبهره نضج كل مافيها لدرجة الوجع..
هذا النضج الذي أذاب قلبه كانصهار الحديد..
وهكذا كان قلبه.. الحديد الذي انصهر!!

كانت هذه أفكاره التي أرهقته روحه وهو يرهق نفسه في التدريب وافكاره كلها معها!!!
ختاما.. ماعاد فيه صبر.. سيمر ليرى ما فعلت قبل أن ينزل.. على أن يتوضأ في المسجد وينتظر هناك حتى يأذن الآذان..

حين خرج لها.. وجدها مازالت تجلس بعباءتها وشيلتها.. وعلى وجهها معالم إرهاق مرير..
وكانت بالفعل مرهقة ومجروحة إلى أقصى مساحات الوجع..
فما فعله كساب فيها وهو يجرها إلى غرفته كالذبيحة دون احترام لإنسانيتها أو كونها زوجته أو احترام لأي شيء..
نسف كل ما بينهما نسفا.. وهي تشعر بامتهانه لمشاعرها لأبعد حد..
حتى حقها في الغضب والاعتراض والحزن يريد سلبه منها!!

كساب حين رأها انقبض قلبه.. يبدو أنها لم تستسلم بعد..
لم يكلمها حتى.. قرر أن يؤجل المواجهة حتى يعود من الصلاة..
ولكنها على عكسه كانت تنتظر المواجهة..

كانت هادئة تماما حتى رأته فتح الباب...
حينها قفزت وهي تحاول الخروج ليمسك بها كساب الذي كان يفتح الباب بحذر وهي تصرخ باستنجاد: عمي زايد.. عمي زايد الحقني..

كساب أغلق الباب بغضب بيد وهو يسد فمها باليد الأخرى.. ويهمس من بين أسنانه بغضب: بس يالخبلة تبين تفضحينا..

شدها هذه المرة حتى أوصلها لغرفة النوم.. آخر غرفة في الجناح..

كانت تقاوم بشدة فعلا.. ولكن مقاومتها العاتية لم تؤدي سوى لإجهادها هي ولم تؤثر إطلاقا فيه..
كساب لم يتوقع أن يأسها منه وأن رغبتها في تركه.. قد يدفعها أن تفضح نفسها هكذا..

بينما كاسرة فكرت في اتجاه آخر..
ستبقى بعباءتها وشيلتها حتى موعد الفجر حينها ستنتجد بعمها زايد الذي تعلم أنه لابد سيعبر نازلا لصلاة الفجر..
لا يهمها إن علمت والدتها وعمها زايد.. فهم حين يرونها بعباءتها سيعلمون أنه لم يحدث شيئا بينهما وانها قضت الليل مجبرة هنا..
لا يهمها حينها لو علم الباقون أنها باتت في بيت زايد قريبا من أمها.. المهم ألا يعلم أحد سواهما أنها باتت في غرفة كساب..
لا يمكن أن تسمح لكساب أن يفرض عليها نفسه ورغباته بهذه الطريقة وهو يسلبها إنسانيتها وحقها في اختيار حياتها حتى!!

صرخت كاسرة بصوت عال فعلا وبغضب متفجر: ماراح أسمح لك تفرض نفسك علي..
أنا.. أنا.. أنا ما أبيك.. ما أبيك.. غصيبة هي..

كانت تريد أن تقول له " أنا أكرهك" ولكن حتى لسانها لم يطاوعها..وهي مستمرة في الصراخ..

كساب بغضب عارم: اسكتي قبل أسكتش غصب.. أنتي عارفة البيت كله عوازل صوت.. من اللي بيسمعش.. وكل واحد في غرفته.. وش بعدها..

كاسرة ما زالت تصرخ: كيفي بأصيح.. بأصيح لين أنفجر.. عندك مانع..
طلعني من هنا.. طلعني.. ما أبيك..

حينها وللمرة الثالثة يفعلها بها.. حين رأته اقترب علمت ما الذي سيفعله.. صرخت بيأس: لا لا.. حرام عليك حرام عليك.. مهوب كل شيء في الدنيا على كيفك..

ولكنها كانت بعد ثوان كانت تسقط فاقدة الوعي بين يديه..
حينها احتضنها بيأس وهو يجلس على السرير وهي في حضنه..
شد شيلتها عن رأسها.. ثم احتضنها بكل قوته وهو يدفن وجهه في عنقها ويهمس في أذنها بوجع عميق:
أنتي ما تبين تنهدين شوي؟؟.. تعبتيني وتعبتي نفسش..
والله أني أحبش يا الخبلة.. أحبش.. عمياء أنتي ما تشوفين.. وإلا ماعندش قلب يحس..
خلاص حسي.. حسي.. لأني مستحيل أقولها..
الله عطاش رجال معقد.. الله خلقني كذا..
لازم تكسريني عشان تنبسطين يعني؟؟..
ياربي ياكاسرة.. أنا وأنا جنبش أحس إني من زود حبي لش أخاف أحرقش.. وأنتي ولا حاسة بشيء..
وش ذا البرود اللي أنتي فيه.. ؟؟

ثم قبّل أذنها قبلة وحيدة طويلة مثقلة بالأنين وكأنه يتمنى لو أوصل أنينه بعضا من ثقل مشاعره ووطأتها.. عبر إذنها لشرايين قلبها..

ثم حملها بخفة ليضعها على السرير.. مسح زينتها بسرعة بمناديلها التي مازالت على التسريحة.. ثم خلع عباءتها.. و خلع ملابسها..ثم غطاها..

ثم خبأ ملابسها وعباءتها في دولابه المغلق.. وكان هدفه من ذلك أنها لو صحت وهو في المسجد.. فهي لن تستطيع التصرف..
لأنها إن لبست ملابس أخرى وحاولت أن تستنجد.. سيعلمون أنها خلعت ملابسها.. وقضت الليل بعد أن مسحت زينتها..
وهذه أمور تحدث برضا الشخص لا رغما عنه.. !!
لذا فهي لن تجرؤ على فعل ذلك ولن تستنجد !!


حين عاد من الصلاة.. كان مستعدا لجولة جديدة من العراك..
ولكن ما أصابه بالجنون.. أنه وجدها مازالت على ذات الوضعية التي تركها فيها.
حينها ركض لها بكل جنونه وقلقه ورعبه..
أ يعقل أنه أثقل عليها العيار وهو يضغط على العرق وأنها سقطت في غيبوبة؟؟
سيجن لو حدث لها شيء.. سيجن!!

حينها انحنى عليها وهو يهزها بعنف ويصرخ بجزع: كاسرة.. كاسرة..

لتفتح عيناها بجزع وهي تعتدل جالسة: نعم.. نعم..

حينها انتبهت أين هي.. وأنها بملابسها الداخلية فقط..
صرخت بغضب وهي تشد الغطاء عليها: أنت وش سويت فيني يا الحيوان؟؟

وقف مبتعدا عنها وهو لا يعلم أ يحتضنها لسعادته أنها بخير..؟؟
أو يصفعها لأنها أخافته عليه لدرجة الموت..؟؟
أو يمزق شعرها لأنها تشتمه بهكذا شتيمة..؟؟

هتف ببرود قارص: وش سويت فيش يعني؟؟ شلت ملابسش بس..
وأنا ماني بحيوان.. رجالش يامدام ياذربة.. ولو بغيت شيء خذته منش وأنتي واعية..

تمنت حينها أن تدفن وجهها بين ركبتيها وتنتحب.. وتنتحب وتنتحب..
" يا الله هل لهذا الوجع نهاية ؟!! "

هتف بحزم وهو يخلع ملابسه ويستدير لينام جوارها: قومي توضي وصلي..
وتبين تصيحين الحين.. صيحي على كيفش..
وإلا ليش تتعبين حبالش الصوتية؟؟... ترا مفتاح الجناح في الباب..
وتلفونش بتلقينه على الطاولة اللي برا..
ثم أردف بابتسامة خبيثة: يعني لا تقولين إني جبرتش تقعدين؟؟
وترا أبي يسلم عليش.. واجهته في المسجد.. وعلمته إنش شرفتي بيتش..





*************************************




قبل ذلك..


" علي أنا تعبتك واجد وأنا أسهرك كذا..
ماعاد باقي على صلاة الفجر شيء!!"

علي ابتسم بإرهاق: هذي ليلة تاريخية لازم نخلدها بالسهر..

مزون بحنان: عقبال مانخلد ليلتك التاريخية أنت عقب أسبوعين..
ثم أردفت بخبث: وأنا اللي بأسهر معك بعد.. وبأقعد فوق رووسكم..

ابتسم علي بحنان: حياش الله..

ضحكت مزون: يا النصاب.. ما تبي إلا شعاع بس..

علي بشجن: يعني أنا أعرفها عشان أبيها.. خل نعرفها أول..

مزون باستغراب: تدري إني مستغربة منك.. نهائي ما سألتني عن شكلها أو طبايعها..
حتى كساب اللي حاط روحه أبو الهول سأل خالتي عن مرته قبل عرسهم..

علي ببساطة: كلها أسبوعين وأشوفها بروحي.. ليش أستعجل شيء صاير صاير..
تقدرين تقولين أحب أسوي صورتي عن مرتي بنفسي.. ما أبي صورة مسبقة..

مزون بمودة: زين وش صار على بشتك.. اشتريته أو بعد..؟؟

علي ابتسم بمودة: أبو الهول على قولتش.. تخيلي قبل أمس راح الحسا وشرا لي بشت ورجع على طول
وعقبه جاب لي (الخبان) من سوق واقف لين المستشفى
وخذ قياسي عشان يخبنه.. (الخبان والخبانة= خاصة بالبشوت والعبي)
مع إني كنت أقول له.. الدولاب عندي مليان بشوت..

مزون بمودة: جعلك ماتذوق حزنه ولا يذوق حزنك.. ما أدري كساب أشلون قادر يركز في كل شيء كذا!!
ثم أردفت: تدري أدق له أبيه ينزل يسهر معنا مايرد..

ابتسم علي بمرح: وماراح يرد.. لأن الأخ العزيز الليلة عريس مثل أبيه..
المدام رجعت الليلة.. وإلا مادريتي.. هو قال لي إنهم متفقين ترجع الليلة..

حينها شعرت مزون كما لو كانت ضُربت على رأسها.. في رأسها تخيل مرعب لما حدث تحاول انكاره..
وما يجرحها لأبعد حد مشاركتها في هذه المؤامرة وهو يستغلها فعلا لتنفيذ مخططه وهي تنفذ دون تفكير..
وهو يستغل محبتها اللا محدودة له لخداع زوجته وجلبها لمكانه رغما عنها..





******************************************





حين عاد من صلاة الفجر..
وجدها مازالت تصلي..
استغرب من طول هذه الصلاة.. حين انتهت.. كان يتناول مصحفه ليقرأ ورده..
هتف بابتسامة فخمة: ماشاء الله هذي كلها صلاة؟!!

ابتسمت مزنة وهي تطوي سجادتها: السنة إنك تقرأ السور الطوال في ركعتين الفجر.. وأنا أراجع حفظي فيها..

ابتسم وهو يجلس: ماشاء الله إبي جابر قال لي إنش حفظتي القرآن كامل.. الله يكتب لنا نفس الخير..

شعرت بخجل ما أنه يتتبع أخبارها لهذه الدرجة.. وشعرت بخجل ذكرى أعظم جعل أطرافها ترتعش كما لو مر عبرها ماسا كهربائيا..
وهي تراه أمامها وتنزل عيناها بخجل وهي تتذكر دفء واختلاف همساته ولمساته قبل ساعات ... شيء كانت تظنه مجرد حلم..
فلا يوجد رجل بهكذا رقي وحنان وعمق ودفء مشاعر واختلاف!!!

حاولت الخروج من أسر أفكارها التي بعثت ألما شفافا في روحها ووجهها يحمر لمجرد التذكر..
استأذنته برقة: زين .. ممكن أقرأ وردي؟

أجابها زايد باستغراب: تستأذنين عشان تقرين وردش؟؟

فأجابته بذا الرقة: هذي نافلة مهيب فرض.. وحقك علي دامك موجود أستأذنك لو ترخص لي..

لا يعلم لِـمَ شعر بألم متزايد بغرابة عميقة..
أتستأذنه في عبادة؟؟ يعلم أن زوجة كهذه يشكر أي رجل نفسه عليها؟؟
أي نعمة ستكون هذه المرأة التي تعرف حقوق زوجها وتحترمها لهذه الدرجة!!

ولكنه شعر بحزن عميق لأنه أيقن أن مزنة قد أختفت تماما.. اختفت..
فمزنة كان يستحيل أن تفعل هذا!! يستحيل!!

يعلم أن التدين ومرور السنوات وتزايد الخبرة كلها أمور تغير الآنسان..
ولكن مزنة بقت في خياله تمثال أسطوري كما هي بشخصيتها وشكلها..
أسطورة زاد في قوتها وسموها خيالات سنوات متطاولة جسدتها وعمقتها..

ويصعب عليه أن يتقبل اختفاء أسطورته..هكذا..!!

يشعر أن حزنا عميقا يستقر في روحه.. وحاجز غريب غير مفهوم يرتفع بينه وبين هذه المرأة التي أصبحت زوجته!!

بينما هي.. قد لا تكون متشجعة على تأدية دور الزوجة المطيعة.. ولكن شدة تدينها تجبرها على ذلك..
وخصوصا أن زايد بشكل عفوي يستجلب احترام من أمامه بطريقة سحرية لينفذ له كل مايريد...


حين انتهيا كلاهما من قراءة وردهما.. همست مزنة بهدوء:
ماعليه زايد أنا كل يوم أبي أروح لأبي بدري..؟؟

وضع مصحفه جواره وهتف بثقة: براحتش.. خذي المفتاح من كاسرة وخلي الباب مفتوح لا عاد تسكرينه.. عشان بناتش لو بغوا يجونش بعد..

مزنة بهدوء: كاسرة ماجابت المفتاح معها.. اطلبه من كساب..

ابتسم زايد: اطلبيه من كاسرة.. لأنها رجعت لمكانها ورجالها.. توني شفت كساب في الصلاة وقال لي..
ماقالت لش..؟؟

مزنة قطبت حاجبيها بغضب.. أتسخر منها هذه الفتاة أو تعبث بها؟؟
أ ترجع لزوجها وتكون آخر من تعلم؟؟
أي عبث هذا؟؟
أ تأتي معها لكي تعود له ؟؟
أي امتهان لنفسها ترتكبه في حق نفسها؟؟
إن كانت تريد العودة له.. فلماذا لا تعود كما تعود بنات الأصول؟؟
لماذا هذه الطريقة المحرجة المهينة؟؟





************************************





" وين رايحة؟؟"


كانت هذه إشارة تميم الغاضبة لوضحى وهو يراها بعباءتها وتستعد للخروج هي والخادمة..
أشارت بعفوية: فيه أوراق مهمة لشغلي أبي أصورها.. وعقبه باشتري فواله وأروح لأمي..

تميم أشار لها بحزم بوجهه المرهق: لا.. ما تطلعين من البيت بروحش..
انتظري لين أوديش أو روحي مع كاسرة أو سميرة..

وضحى باستغراب: تميم أنت تروح دوامك صبح وعصر.. متى بتوديني؟
وكاسرة مالقيتها في غرفتها.. وماترد على تلفونها.. يمكن راحت لأمي..
وسميرة اتصلت فيها ماردت علي.. يمكن تبي تنام شوي.. اليوم سبت..
بأروح محل قريب وبأرجع بسرعة..
يعني مهيب أول مرة أروح مع الخدامة.. خصوصا عقب ما اشتغلت..

تميم بحزم: هذاك أول.. الحين منتي بكفو ثقة.. وما تنتخلين تروحين بروحش

وضحى بصدمة: أنا يا تميم أنا؟؟ أنا ماني بكفو ثقة ؟؟.. ليه ما تعرف من أنا؟؟

تميم بألم شاسع: كنت أظن نفسي أعرفش.. لكن الحين ماعاد أعرف حد..
حتى نفسي ما أعرفها..

وضحى بغضب هادر: تميم عيب عليك.. أنا وضحى على آخر عمري بتشك فيني!!

تميم بحزم صارم: انتهينا.. طلعة بروحش مافيه.. تبين تروحين لأمش روحي..
غيرها ما تطلعين شبر من البيت.. لا اليوم ولا غير اليوم..
كل شيء هقيته من أي حد.. إلا أنتي يا وضحى.. إلا أنتي...


ثم غادر...
لتنهار وضحى جالسة وهي تخلع نقابها وتلقي حقيبتها جوارها
وتدفن وجهها بين كفيها وذكرياتها تعود بها لأكثر من ستة أعوام...
للذكرى المريرة التي أحدثت قلبا مرا في شخصيتها!!



#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 21-12-10 12:26 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية الظهيرة.. كل مرة تحية غير :)
.
.
اليوم بارت طويل طويل طويل ومرحلي
يعني نقف على أعتاب الأحداث الكبيرة التي اقتربت كثيرا
.
.
الجزء 73
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والسبعون






قبل ست سنوات
.
.


كان يوم الامتحانات الأخير للصف الثاني الثانوي..
فرحة طفولية شفافة.. وقلوب مخضرة.. وابتسامات محلقة..

وضحى وصديقاتها كن قد اتفقن جميعا أن يذهبن لبيت صديقة لهن بعد انتهاء الاختبار احتفالا بانتهاء الاحتبارات..
بناء على دعوة هذه الصديقة لهن..

كاسرة كانت رافضة تماما لذهاب وضحى.. لأنهن سيذهبن جميعا على سيارة هذه الصديقة..

بينما مزنة وافقت لأنها اتصلت بأم الفتاة التي كانت تعرفها جيدا
وأكدت لها أنها هي بنفسها من ستأخذ الفتيات ثم تعيدهن كل واحدة لبيتها بعد صلاة العصر..
وأكدت ذلك لمزنة عدة مرات...
وهكذا كان الاتفاق...!!

سيذهبن أربعتهن وضحى وسميرة وصاحبة الدعوة وصديقة رابعة إلى بيت صاحبة الدعوة القريب جدا من المدرسة مع والدتها...
ليحتفلن احتفالا صغيرا دعتهن إليه صديقتهن..


حين خرجن الساعة التاسعة والنصف صباحا..
وجدن السيارة تنتظرهن ولكن دون والدة البنت..
سميرة حين رأت ذلك.. قررت أن تعود للمدرسة وتتصل بأهلها ليأخذوها..
لأن أمها وافقت على أساس أن أم الفتاة من ستأخذهن..

وكانت وضحى ستعود معها.. لولا أن صاحبة الدعوة كادت تبكي وأظهرت تأثرها المتزايد..
لأنها أعدت كل شيء للاحتفال وأنهن سيفسدن فرحتها..
وأن والدتها لم تحضر لانشغالها بأمر طارئ... والبيت قريب جدا.. خطوتان فقط!!
ضغطت على براءة مشاعرهما ولين شخصياتهما وصفاء قلبيهما!!

ركبت وضحى معها هي والصديقة الثالثة وهما غير مرتاحتان..
ولكن لأنهما لم تريدا أن تحزنا صديقتهما.. وخصوصا أن بين البيت والمدرسة شارع واحد فقط..

لتتفاجأ بالسيارة تتجه للشارع العام..
حينها همست لهما هذه الصديقة برجاء حاد أنها تريد شيئا من المجمع التجاري القريب... وسيعدن فورا..

وضحى والصديقة الأخرى رفضتا بشدة وأرادتا العودة.. ولكنها كانت تترجاهما بحرارة وأنهن سيعدن جميعا بسرعة.. فضعفتا أمام رجاءاتها..

وكان الاتفاق أن تأخذ ما تريد ويعدن فورا...
فالوضع كله أصبح قلقا.. غير مريح.. فيه شيء مقلق فعلا أشعرته به شفافية روحيهما.. لكنهما لم يصدقا في صديقتهما أي ظن سوء!!

ونزلتا معها حتى لا تنزل وحدها...

لتتفاجأ الفتاتان بحقيقة ماحدث..
الحقيقة التي فجعتهما وصعقتهما وجعلتهما ترتعشان من الرعب وهما تريدان الهرب لولا أن كل شيء حدث بسرعة هائلة...

فالصديقة البريئة الفاضلة صاحبة الدعوة اقنعت والدتها أنهن سيخرجن اليوم متأخرات ..
وأن إحدى المدرسات ستوصلهن ثم ستذهب لبيتها لأن غدا ليس هناك من يوصل هذه المدرسة..
وهكذا فالأم لا مكان لها معهن..
والمشكلة كم يصدقن الأمهات براءة بناتهن!!

بينما الحكاية كلها أن هذه الفتاة كانت تكلم شابا عبر الهاتف.. وكان يلح عليها كثيرا حتى يراها..
وهي لأنها لم يسبق أن فعلت ذلك مطلقا.. خافت من توابع ذلك.. وأن تذهب لمقابلته وحيدة..
لذا أرادت أن تحضر صديقاتها كحماية لها..

ولكنها لم تعلم أنه أيضا أحضر أصدقائه معه ولكن لكي يفرجهم على صيدته الجديدة..

كانوا يقفون بعيدا.. ولكن حينما رأوا أن الفتيات أكثر من واحدة تقدمن بجرأة..
وكان ذلك في زاوية غير مطروقة من المجمع.. والوقت صباحا.. ولم يكن هناك الكثير من الناس..!!

الفتيات الثلاث كلهن أردن الهرب حينها.. ولكن الشباب كانوا خمسة.. وأحاطوا بهن يحاولون اقناعهن أن يذهبن معهم لشرب قهوة فقط في أحد مقاهي المجمع...
ثم حاول أحدهم بجرأة شد نقاب إحدى الفتيات..

بينما بكاء وضحى بدأ بالتصاعد وهي تنكمش مبتعدة لتلتصق بالحائط
وتريد أن تهرب من المكان كله ولكن أقدامها ماعادت تحملها لشدة الرعب...

الفتاة حين رأته شد نقابها.. تناولت حذائها ذو الكعب العالي وضربته به على وجهه..

تعالى الصوت والشباب يسبون بصوت عال وهو يرون وجه زميلهم الغارق في الدم..
ويصدف حينها لسوء الحظ تواجد الشرطة قريبا جدا..
والولد وجهه ينزف..
والهرج والمرج يتصاعد..
والفتيات يقلن للشرطة أن الشباب من تعرضوا لهن..
والشباب يقلون أن الفتيات من واعدوهم أساسا في هذا المكان.. وهن يبيتن النية للاعتداء بالضرب..

بينما وضحى ماعادت حتى تستطيع التصرف أو الكلام أو التحرك وهي تنتحب بهستيرية..
وتشعر كما لو كانت تشاهد فيلما مرعبا لا تستطيع تغييره رغم أنها أحد الممثلين فيه!!

شعرت أنها ستموت من الرعب والخوف والقهر.. تتخيل الذي سيحدث لها؟؟
كل شيء يمر في خيالها ككابوس مرعب.. همسات الناس ونظراتهم المحرقة وامتهانهم لها.. مستقبلها الذي سيضيع..
حياتها التي ستتدمر كلها من أجل خطأ بسيط تافه فعلته بحسن نية!!

كانت تسب نفسها بقسوة لماذا لم تعد مع سميرة؟؟
وتتخيل أهلها حين يعرفون بالأمر.. ماذا سيفعلون بها؟؟
تتخيل ما الذي قد يفعله بها مهاب الذي لا يخرج الآن مطلقا من البيت بسبب تأثره من إصاباته في حادث السيارة الذي ألزمه المستشفى عدة أشهر..

وبسبب حبسه لنفسه في البيت لأنه لا يستطيع العودة الكلية وبسبب عجزه عن المشي كما يجب..
أصبح عنيفا جدا ومتحفزا ويدقق في كل شيء لدرجة خانقة مرعبة..

كانت ترتعش وتنتحب وهي في سيارة الشرطة وتهمس بكلمة واحدة :
" بيذبحني!! بيذبحني!!
والله العظيم بيذبحني
بيذبحني !! "


في مركز الشرطة هي بالذات لم تفلح الشرطة في أخذ كلمة واحدة منها لأنها لم تسكت من البكاء..
بينما الفتاتان الآخريان كانتا متماسكتين.. ورفضتا مطلقا اخبار الشرطة بأسماءهن..
ولم يجدو معهن أي اثبات للشخصية.. ولم يفد أخذ بصماتهن..
لأنهن كن أقل من 18 عاما ومازلن لم يستخرجن بطاقات شخصية لذا لا سجل بصمات لهن على الحاسوب!!

والشباب يعلمون أن الفتيات قُصر.. بينما الشباب ليسوا كذلك..
فخافوا أن تلبسهم قضية .. لذا أصروا أن الفتيات هن من يهاتفنهم وأنهم يظنونهن طالبات جامعة..
والآن هن من اعتدوا على زميلهم بالضرب..


وضحى كانت مغيبة في عالم آخر وهي فقط تنتحب كمذبوحة في الممر..
وترتعش برعب وتحاول كتم شهقاتها المرعوبة
ورفضت حتى أن تتحرك من مكانها لداخل المكاتب..
حينها رأته.. رأته.. رأته..!!
نجدة من السماء أرسلها لها الله في هذا الوقت بالذات!!
رأته كما لو كان مشعل نور أضاء سواد كل ما أمامها!!


كان قد جاء لينهي قضية عراك بين عماله في أحد مواقع البناء..
حين رأته لا تعلم أي نشاط دب في جسدها الهامد من البكاء..
وهي تقفز ناحيته قبل أن تمسك بها الشرطية.. وتتعلق بساقه وهي منهارة على الأرض وتصرخ بين شهقاتها:
عمي زايد.. عمي زايد.. طالبتك.. طالبتك تأخذني معك.. لا تخليهم يفضخوني..
والله العظيم ماسويت شيء.. ماسويت شيء.. ولا عمري شفت ذا الشباب..
هلي بيذبحوني لو دروا.. بيذبحوني..
تكفى ياعمي.. تكفى.. طالبتك.. طالبتك.. أحب رجلك خذني من هنا..

زايد كاد يجن من صراخها ومن تدافع دم الحمية في عروقه.. وهو يشدها عن الأرض ويخفيها خلفه..
ويهتف لها بحزم بالغ ووجهه محمر من شدة تدافع الدم:
وصلتي يأبيش.. وصلتي.. والله لو أنش ذابحة لش حد.. ما اطلع من ذا المكان إلا بش..

زايد دخل على الضابط وهي مازالت مختبئة خلفه..
وفهم منه المسألة.. ثم تفاهم مع الشباب.. واستطاع اقناعهم بالتنازل بضغط منه وبمعرفته لأباء اثنين منهم..
وهم أيضا كانوا يريدون التنازل أساسا لكنهم كانوا يخشون من ردة فعل البنات.. وخصوصا أن إصابة زميلهم بسيطة.. وجرحه سطحي..

ولكن كانت المشكلة أنه لابد من معرفة اسماء البنات لإغلاق المحضر..
ولكن البنات بقين مصرات على عدم ذكر أسمائهن..

حينها هتف زايد بحزم للضابط: خلاص يأبو فلان.. البنات في وجهي وباين أنهم بزران..
خلهم يروحون.. وبلاها المحضر من أساسه..
وهذا عيالي تنازلوا عن الموضوع..

ابتسم الضابط: أبشر يأبو كساب.. عشان خاطرك وجيتك لين مكاننا ماحن برادينك.. ودام الأطراف كلهم متنازلين.. خلاص سهالات..


حينها خرج زايد بالفتيات معه .. وتمنت وضحى حينها أن تركع على قدميه وتقبلها..
لم تخيل أنها قد تخرج من هذا المكان إلا مع مهاب وهي تتخيل ما الذي سيحدث بعد ذلك على يد مهاب..

تتخيل فيلما مرعبا بحق ستعيش فيه حياتها كلها.. حين يشتهر أمر دخولها لمركز الشرطة والحكايات المبهرة بالكثير من البهارات التي ستنتشر بعد ذلك!!

حين ركبن الفتيات في سيارة زايد انخرطن ثلاثتهن بالبكاء..
هتف بحزم غاضب ودون أن ينظر لهن في الخلف:
أنا ماني بناشدكم أنتو بنات من.. وحتى لو دريت ماني بقايل لأحد..
لأنكم مثلكم مثل بناتي..
ويأبيكم البنت ألزم ماعليها سمعتها وسمعة أهلها..
تخيلوا شكل ابانكم لو أنهم اللي واقفين ذا الموقف .. وش يسوى عليهم ذا الفضيحة؟؟
البنت الحشيم ما تخلي لأحد عليها طريق..


الفتاة صاحبة الدعوة طلبت من زايد أن يعيدهن للمجمع حتى يعدن مع سائق البيت الذي ينتظرهن هناك..

أنزلهن فعلا.. لكنه تبعهن حتى رأهن يدخلن أحد البيوت..
ورغم معرفته من صاحب البيت.. لكنه قرر أن ينسى الحكاية.. كحكايات كثيرة غيرها..

وكن بالفعل يعدن للبيت في حدود الساعة الواحدة والنصف ظهرا..
وضحى والفتاة الأخرى لم تجلسا حتى.. وهما تطلبان من أم الفتاة أن توصلهما..
حاولت فيهما أن تجلسا ..

ولكن كل واحدة منهن لم تكن تريد رؤية الأخرى حتى.. والموضوع يُدفن في صدر كل واحدة منهن بقرار مشترك لا اتفاق فيه..
ولأن كل واحدة منهن عرفت خطر هذه الحكاية وهي تحمد الله على انتهاءها بسلام.. وتقرر أن تدفنها بسلام أيضا..



وهذا ماحدث فالسر بقي مدفونا حتى عدة أيام..
رغم أنه كان أحد أهم حدثين في حياة وضحى..
أحد الحدثين الذين أحدثا تغييرا هائلا في حياتها..
هذا الحادث.. ووفاة مهاب!!

فهذا الحادث جعلها تستسلم لكاسرة تماما ولقوة شخصيتها..
وجعلها تتقوقع داخل ذاتها إلى حد ما..
فهي رأت أن كاسرة كانت محقة.. فهي لا تستطيع التصرف وحدها..
وستبقى دائما محتاجة للتوجيه والحماية..
إحساسها بالذنب خنق روحها.. وجعل نفسها مكسورة للجميع..
فهي تحت سيطرة كاسرة وحماية مهاب وأخوة تميم وأمومة مزنة.. وهي تستمد وجودها منهم!!

وقد تكون الحادثة كحادثة انزوت في ذاكرتها وهي تحاول نسيان الرعب الذي عاشت فيه.. ولكن أثرها بقي مسيطرا عليها لأبعد حد..
وهو يشكل لها شخصية هلامية ظاهرة تختلف عن شخصيتها الحقيقية...

لتحدث الردة المعاكسة حين توفي مهاب.. انتفضت روحها من شدة الصدمة..
فسندها القوي ذهب.. وكاسرة تزوجت.. وأمها لن تعيش لها أبد الدهر!!

فحتى متى ستعيش في الظل تتجرع مرارة تجربة لا ذنب لها فيها..؟!!



ثم حين سمعت وضحى أن زايدا تقدم لوالدتها..
تفجرت في روحها رغبة عاصفة عمرها أكثر من ست سنوات..
قضتها وهي تعيش امتنانا عميقا لهذا الرجل الذي أنقذها وهو لا يعلم حتى من هي!!
أنقذ حياتها كلها ومستقبلها وسمعتها وسمعة أهلها من الضياع والامتهان..
هذا الرجل الذي حلمت ليال طويلة أنها قد تستطيع يوما تقبيل رأسه وكفه!!

لا تنكر أنها فعلا تمنت حين خطب كساب كاسرة لو أنه خطبها هي..
أمنية مستحيلة تعلم أنها لن تتحقق.. ولكنها تمنتها من أجل زايد فقط.. فهو سيصبح حينها محرما لها..

ثم تمنت لو استطاعت كاسرة فعلا أن تجعل عليا يخطبها.. لذات الأمنية..

ولكنها في النهاية أصبحت تاخذ الأمور ببساطة .. فليست كل الأماني تتحقق..
وللإنسان قدر مكتوب له لا يتجاوزه..
ويبدو أن زايد الرجل المثال النادر سيبقى القرب منه حلما لن تستطيع نيله!!

حتى علمت بخطبته لأمها حينها انتفضت روحها وأمنياتها.. فالحلم أصبح قريبا جدا..
كان يستحيل أن تجبر أحد ولدي زايد على الزواج منها..
لكنها تستطيع إجبار أمها على الزواج من زايد!!


وإن كانت الحكاية وحدها كافية لدفع كل دماء الحمية والغضب في روح تميم.. وهي تستفزه لرد الجميل لهذا الرجل الذي حافظ على سمعته..
وجعل رأسه مرفوعا بين الناس وهو لا يعرفهم حتى..


فهي لم تكن كافية مع والدتها التي فور أن أخبرتها بالحكاية صفعتها على وجهها بكل قوتها...

ثم شدت لها نفسا عميقا جدا وهتفت بحزم مرعب:
هذا كف وجيعتي إنش دسيتي علي ذا السالفة ذا السنين كلها..
أدري مالش ذنب إلا أنش خبلة وكلمة تجيبش وكلمة توديش..
بس مستوجعة منش واجد.. مستوجعة..
أنتي عارفة وش سويتي فينا.. بغت سمعتنا كلها تروح.. عشان خطأ تافه سببه خبالتش..
وعقبه تدسين السالفة علي كنه ماصار شيء؟!!


وضحى همست بحزم غريب ودون أن تلمس خدها المحمر حتى:
ماعليه اضربيني.. أنا أستاهل الضرب أصلا..
بس وافقي على عمي زايد.. طالبتش..

مزنة بحزم أشد: آسفة..منتي بمشية شورش علي..
أبو كساب راعي الأولة.. وفعايله كلها فعايل الطيب..
وما أقدر أرد له جميله علينا لو مهما سويت .. ستر بنتي وحافظ على سمعتنا..
بس خلاص سالفة وانتهت وسكريها.. ولا عاد أسمعها على لسانش..

حينها وقفت وضحى بذات الحزم الغريب:
بس السالفة ذي أنا قلتها لتميم خلاص.. وإذا أنتي شايفة إن زايد اللي ستر على بنتش ما يستاهل إنه يكون لش رجّال ولنا أب..
فأنا الحين وربي اللي خلقني.. واللي ما أحلف به باطل لأروح وأخذ تلفون كاسرة وأتصل بزايد نفسه..
وأعلمه بنفسي بالسالفة كلها.. واقول أنا مستعدة أتزوجه دامش ما تبينه..
وحتى لو هو ما يبيني على الأقل وصلت له إحساسي بجميله علي!!

حينها أتبعت مزنة صفعتها الأولى بصفعة ثانية جعلت خد وضحى يشتعل احمرارا فعلا ومزنة ترتعش من الغضب:
يعني يوم ستر عليش الرجّال وهو ماحتى عرفش.. تبين تفضحين روحش وتفضحيننا؟؟
وبعد تروحين وتعلمين تميم وتحرقين قلبه يا اللي ما تستحين!!


وضحى تقاوم اختناقها بعبراتها وهي تحاول أن تهمس بحزم موجوع:
أنتي اللي محسستني إني شيء تافه.. ومالي قيمة عندش.. وحتى ذا الشيء الكبير في حياتي ماله قيمة عندش..
أقول لش الرجّال ستر علي وعليكم وأنتي ولا هامش!!
يعني لو ذا الشيء صار مع كاسرة وهي اللي طلبت منش كان مستحيل تردينها..
بس أنا مالي قيمة.. مالي قيمة!!

حينها ماعادت مزنة قادرة على السيطرة على نفسها وهي تصفعها للمرة الثالثة على ذات الخد..
ثم في ذات اللحظة.. تشدها لتحتضنها بقوة بالغة.. ولكن جسد وضحى كان متصلبا تماما..
رغم أنها تمنت أن ترتمي في حضن أمها وتنتحب.. فلأول مرة تفعل أمها ذلك وتضربها..
ولكنها خشيت أن تنفجر في بكاءها الذي بات على أطراف رموشها وحنجرتها..

مزنة مازالت تحتضنها وهي تهمس في أذنها بحنان غريب مختلط بالحزم والغضب:
يأمش قهرتيني.. قهرتيني..
قهرتيني بأول السالفة وتاليها..







*******************************






" وين المدام يا أستاذ كساب؟؟"


كساب يلتفت لمزون بحدة وهو يرتشف قهوته ويهتف لها بنبرة مقصودة:
إذا عرفتي أشلون تسألين أخيش الكبير
عرفت أشلون أجاوبش..

حينها همست مزون بذات النبرة المقصودة الغاضبة التي تعلم أنها أغضبته:
وش فيها يا أستاذ كساب؟؟
مهوب أنا طلعت السكرتيرة اللي تنفذ بدون تفكير..
حتى لو كان اختطاف..!!

ضحك كساب ضحكة قصيرة ساخرة:
اختطاف !! مرة وحدة!!
لا نكون في شيكاغو على غفلة!!
وعلى العموم المدام نايمة فوق.. والباب مفتوح عليها.. يعني ماراح تلاقينها مربوطة في الدولاب..
وإسأليها كم طلبت منها فدية للاختطاف ياقلب أخيش؟؟

نجح في إشعارها بالذنب.. واحتقار تفكيرها وفعل ذلك ببراعة فائقة.. !!
محق؟؟.. هل هناك رجل يختطف زوجته؟؟.. ربما أراد فقط فرصة للتحدث معها..
وأقنعها حينها بالعودة له؟؟
مزون صمتت .. حينها هتف كساب بثقة المسيطر: وين علي؟؟ قام وإلا بعد؟؟

مزون بسكون: إبي رجعه للمستشفى..

ابتسم كساب: ماشاء الله العريس قايم من بدري..

ابتسمت مزون: والعروس نزلت قبله وراحت لابيها.. وتقول لك لو سمحت بطل الباب عشان ترجع معه..

ابتسم كساب: حاضرين نبطل الباب..





***************************************







" الحين لين متى وأنتي تبكين كذا؟؟"

وضحى مازالت تحتضن خصر والدتها وتنتحب: ماهقيت تميم يقول لي كذا؟؟
تميم؟؟
سالفة صارت قبل 6 سنين ومالي ذنب فيها.. وكل شيء عدا على خير..
يرجع يحاسبني عليها.. لا ويبي يحبسني في البيت.. يقول ماني بكفو ثقة؟؟
أنا؟؟ أنا يقول علي كذا؟؟

مزنة تحتضنها وهي تهمس بحنان مختلط بالحزم: لا تلومينه يأمش.. اللي سويتيه مهوب بسيط..
ولا تقولين مالها قيمة.. لأنه أنتي خليتي لها كل القيمة..
يعني عطيه وقت لين يستوعب الفكرة.. أنتي بالذات عارفة قرب تميم منش..
موجوع منش واجد..

وضحى حاولت أن تعتدل وهي تمسح وجهها وتهمس بنبرة مختنقة:
أنا شغلتش بنفسي.. أشلونش يمه ؟؟ عساش مبسوطة؟؟
كنت أبي أطلع وأجيب لش فوالة وأجيش.. بس ماخلاني..

ثم عادت لتنخرط في البكاء الذي تحاول الخروج من أجوائه..
مزنة شدتها وهي تربت على كتفها وتهمس بحزم: بس يامش خلاص..
خلاص أنا باكلم تميم..

وضحى برفض: لا يمه.. خلي خاطره يطيب من نفسه ما أبيش تجبرينه على شيء.. أنا وتميم نعرف نتفاهم..
ثم أردفت بتساؤل وهي تحاول التماسك: يمه كاسرة جاتش؟؟ مالقيتها في البيت..

حينها وقفت مزنة وهتفت بحزم غاضب: لا مابعد شفتها.. الشيخة رجعت لرجالها من البارحة..

وضحى بصدمة حقيقية: نعم؟؟ أشلون ترجع بدون حتى ماتعطي حد منا خبر؟؟

مزنة بذات الغضب الحازم: هذا موضوع باتفاهم معها فيه .. بس خلني أشوفها..
أنا أفرح ماعلي.. ترجع لرجالها.. كل أم تبي مصلحة بنتها.. بس السنع سنع..

ثم أردفت بتساؤل: ووينها سميرة بعد؟؟.. ماشفتها!!

وضحى تمسح وجهها وتهمس بسكون: ما أدري حتى أنا ماشفتها من البارحة..

حينها نهضت مزنة لتتوجه إلى غرفة ابنها.. طرقت الباب ولم يجبها أحد..
حينها فتحت الباب بخفة ودخلت..
كانت الأضواء كلها مقفلة.. والغرفة غارقة في ظلام خفيف رغم أن الوقت قبل صلاة الظهر بقليل..
كان هناك جسد مغطى على السرير.. مزنة اقتربت أكثر وهي تهمس بحنان:
سميرة يأمش.. أنتي عادش راقدة ؟؟ عسى منتي بتعبانة؟؟

حينها لاحظت مزنة أن الغطاء بدأ بالارتعاش.. مزنة اقتربت أكثر وجلست جوارها وهي ترفع الغطاء وتهمس بحزم:
سميرة وش فيش؟؟

سميرة كانت منكبة على وجهها وفور أن رفعت مزنة عنها الغطاء استدارت وهي مازالت متمددة لتحتضن خصر مزنة
وتنتحب بطريقة هستيرية وهي تدفن وجهها في حضن مزنة..

مزنة كادت تجن وهي تراها على هذا الحال وهي تسألها برعب:
حد من هلش فيه شي؟؟

سميرة بدأت تهذي بطريقة مقطعة وبصوت مبحوح مرهق..
لأنها لم تنم مطلقا منذ البارحة بل قضت طوال الليل حتى اليوم في البكاء:
تميم .. قرفان .. مني.. ما يبيني... ويقول.. روحي... لبيت.. هلش..!!
ما يبيني.. ما يبيني.. يقول ما يبيني.. ويكرهني..

مزنة همست لها بحزم خافت: أششششششش.. خليني أسكر الباب..

مزنة نهضت بالفعل وأغلقت الباب وأشعلت الإضاءة.. ثم عادت لها وهي تهمس بحزم حنون:
يا الله هاش اشربي ذا الماي وقولي بسم الله واهدي.. وعقب قولي لي السالفة كاملة!!..

سميرة اعتدلت جالسة لترتعب مزنة من انتفاخ وجه سميرة من البكاء واحمراره المتفجر..

مزنة احتضنتها بحنان وهي تجلس جوارها.. حينها عادت سميرة للبكاء.. مزنة انتظرت حتى أفرغت طاقة بكاءها كاملة..
ثم سألتها مرة أخرى... لتخبرها سميرة بالحكاية كلها بدون أن تخفي عليها أي شيئا فهي فعلا تعبت وتريد حلا نهائيا لمشكلتها..


مزنة شدت لها نفسا عميقا ثم سألت بحزم: سميرة يأمش بأسألش وجاوبيني..
أنتي ماتبين قرب تميم نفسه عشان الجرح اللي بينكم أول..؟؟
أو أصلا ما أنتي متقبلة قرب رجّال وخايفة منه..؟؟
لأنه يا سميرة يامش إن كنتي حاسة إن فيش خلل.. ترا مافيها شيء نراجع دكتورة نفسية.. هذا علم!! وأنا باوديش وماحد راح يدري بشيء..

سميرة بجزع: دكتورة؟؟ لا لا يمه..

مزنة تحاول تهدئتها: لا تخافين والله ماحد يدري بشيء..

مزنة تؤمن فعلا باهمية العلم ولا ترى مشكلة في اللجوء للطب النفسي كعلم.. فهي من كانت أقنعت أم عبدالرحمن أن تسمح لجوزاء بالذهاب لطبيب نفسي رغم أنها كانت رافضة بشدة وتقول "بنتي مافيها شيء!!"

سميرة انفجرت في البكاء وهي تهمس بين شهقاتها: والله أني أبيه.. وما ني بخايفة منه ولا من فكرة قربه مني..
بس يوم أشوفه جاء جنبي ما أدري وش يصير لي..
حيا.. زعل .. تغلي عليه.. ما أدري!!

مزنة بمنطقية هادئة: اسمعيني سميرة.. يوم كنتي مطنشته مرة واحدة.. كان راضي لأنه يعرف إنش ماسامحتيه على غلطته..
بس أنتي عقب صرتي تقربينه.. والرجال يأمش مهوب حجر..
وصعب عليه يمنع نفسه خصوصا يوم تكونين أنتي معطيته الضوء الأخضر وعقب عند حد معين تبين توقفينه..
السالفة مهيب لعبة.. وواجد توجع الرجال..
الحين بأسألش سؤال محدد ومافيه داعي تلفين وتدورين.. أنتي تبين تميم وتبين ترضينه وإلا لأ..؟؟

سميرة بين سيول دموعها: والله أني أبيه.. بس هو الحين اللي هج مني ويقول مايبيني.. ولا حتى يبي يقعد معي في غرفة وحدة..

حينها هتفت مزنة بحزم: خلاص قومي جهزي شنطتش وروحي لبيت هلش..

سميرة بجزع: نعم..؟؟ بس أنا ما أبي أروح لبيت هلي.. ما أبي..

مزنة بدهاء: يا الخبلة.. هو قالش روحي وما أبيش.. تبين ترخصين روحش..؟؟

سميرة تبكي: بس أنا الغلطانة.. وما ابي أروح..

مزنة بذات الدهاء: ياصبر أيوب عليش.. الرجال مثل ماهو مايبي مرته تتغلى عليه..
تراه مايبيها ترخص روحها له..
يعني ترا التصرف الطبيعي اللي هو متوقعه منش إنش بتزعلين صدق وبتروحين لهلش..
يعني هو يبي يكبر السالفة.. خليها تكبر!!
لكن هو مافكر في توابع ذا الشيء... البيت بيخلا عليه بروحه..
لأني لو رحتي.. بأخذ بنتي وضحى عندي.. ما أقدر أخليها في البيت بروحها وتميم طول اليوم طالع..
بنقعد عند إبي لين الليل وعقبه بنروح..

الشيء الثاني يا الخبلة.. الولد يموت عليش.. أنتي ما تشوفين؟؟.. بس مجروح منش ويبي به وقت بس..
أنتو بصراحة يا بنات ذا الأيام أما عندكم عمى ألوان وإلا عقولكم متركبة بالمقلوب..
أنتي الولد ميت عليش وأنتي منتي بعارفة أشلون تعاملين معه..
والثانية رجالها بيموت عليها من أقصاه.. بيّن حتى في عيونه ونظراته لها وهي ولا حاسة..

ثم أردفت مزنة بألم: أدري إنه اللي أسويه في تميم قاسي وهو بروحه موجوع.. ولا هذا بوقته..
بس شأسوي فيكم اللي اخترتوا ذا الوقت بالذات عشان تتزاعلون..
عطيه وقت يفكر بصفاء ذهن..
صدقيني يومين وبيرجعش.. بس ذاك الوقت يا ويلش يا سمور ويا سواد ليلش تصدينه تيك الليلة..

سميرة وكأنها بدأت تقتنع: بس أنا ما أبي هلي يدرون إني زعلانة على تميم..

مزنة تبتسم بأمومة: أصلا أنا ما أبيش تقولين إنش زعلانة.. ولا حد يدري!!
قولي إنش منتي بطايقة البيت عقبي..
مهوب أنتي كنتي مادة لسانش إنش بتهجين من البيت عقب ما أروح؟؟؟
بس تكفين يأمش ريحيه.. خلاص.. كفاية اللي شافه..







*******************************





"علوي.. يأمش وش ذا الرقاد كله؟؟
والتلفون مسكر بعد!!"

عالية تنهض من سريرها بجزع وهي تخفي معالم وجهها المتورم من البكاء..
وتهمس بذات الجزع الشفاف: يمه أنتي طالعة لين هنا بروحش؟؟
كان أرسلتي لي وحدة من الخدامات وأنا نزلت..

أم صالح تجلس بإرهاق وهي تهمس بقلق: أرسلت الخدامة قالت لي إنش مطفية الليتات ومنسدحة وخافت تقومش تغسلين شراعها..
فأنا تروعت لا تكونين تعبانة.. تعالي خلني أعس رأسش.. وجهش مهوب زين!!

عالية تجلس جوار والدتها لتقبل كتفها وتهمس بصوت مبحوح:
تعبانة شوي يمه.. شكلها سخونة..


" يا الله يا أمي.. لو تعلمين أي حمى أصابتني من البارحة لليوم..!!
من المؤكد أني هذيت حتى كدت أصاب بالجنون..
يا الله يأمي.. لو تعلمين كم أشعر بنار محرقة تستعر في صدري وعجزت عن إطفاءها..
نعم حمى!! وحمى حقيقية!!
المسي جبيني ستجدينه مشتعلاً بالحرارة التي اجتاحت كل جسدي..
يا الله.. يــا.......... حتى اسمه ماعدت قادرة على نطقه..
اسمه الذي كان أعذب الاسماء على لساني.. ماعدت قادرة على نطقه حتى
بل لو استطعت لقطعت لساني الذي همس له بكلمات لا يستحقها..
لو استطعت لأحرقت قلبه كما أحرق قلبي بدون رحمة..
النذل.. النذل..!!
الخائن.. الخائن.. الخائن !!! "


لم تنتبه عالية أنها أصبحت تهذي بصوت مسموع وهي تصرخ بغضب مكتوم وهي تلكم فخذها بقبضتها : الخاين.. الخاين.. الخاين..

أم صالح بجزع: من الخاين ذا؟؟

ثم ابتسمت أم صالح بحنان أمومي وهي تنظر أمامها:
فديت قلبه..وش خاين ذي.. يبي يسوي لش مفاجأة عشان كذا ماعلمش بجيته!!


عالية انتفضت بجزع أنها كانت تهذي بصوت مسموع وهي لا تعلم عن ماذا كانت والدتها تتحدث..
لتنظر هي أمامها أيضا..
لتجده واقفا أمامها تماما.. وهو يهتف بابتسامته الغالية: خاين مرة وحدة يالدبة عشان ماعلمتش بجيتي..!!
الشرهة على اللي يبي يسوي لش سربرايز.. أنتي ووجهش..


حينها قفزت عالية لتتعلق بعنقه وهي تنتحب بشكل جنائزي مفاجئ.. لدرجة أنها انهارت بين يديه وهو يحاول رفعها دون جدوى..
حتى شدها بقوة وأجلسها على السرير وجلس جوارها.. دون أن تترك جيبه وهي متعلقة بحضنه وتدفن كامل وجهها في صدره حتى أغرقت صدره بدموعها

بينما هو كان ينظر لأخته متسائلا: وش فيها؟؟

أم صالح همست بقلق وتأثر بالغين: الله يهداك نايف فجعتها وهي مشتحنة لك.. البنية بغت تستختف.. كان خليتني أعلمها بجيتك أول..

نايف يعلم أن هذا ليس كله تأثرا من لقاءه.. حتى مع قوة علاقتهما ومتانتها.. ولكنها تراه بشكل يومي وهما يتحادثان عبر كاميرا الحاسوب..
لذا هي لم تفتقد رؤيته للدرجة التي تجعلها تبكي بانهيار هكذا!!

همس لأم صالح بنبرة حازمة مقصودة: صافية فديتش.. خلاص تروحين وتخلينا بروحنا شوي؟؟

أم صالح همست بقلق: بس!! بس أبي اشوف وش فيها..

نايف بذات النبرة الحازمة المقصودة: مافيها إلا العافية.. شوي وأنزل أنا وياها نتقهوى معش..

أم صالح خرجت وهي تتعكز على عصاها.. بينما نايف بقي محتضنا لعالية حتى أنهت ثورة البكاء..
حينها شدها بحزم حان ليرفع وجهها إليه: علوي وش فيش؟؟

أخفضت وجهها وهي تهمس بصوت مبحوح: مافيني شيء بس اشتقت لك.. وشفتك فجأة قدامي.. ماقدرت أمسك نفسي..

نايف بنبرة شك: علي يا علوي ذا الكلام؟؟ من متى ذا الحساسية؟؟

عالية عاودت وضع راسها على صدره بسكون وهي تهمس بصوتها المبحوح:
يا قدرة الله... تخيل أنا صرت حساسة.. وغبية.. وكلمة توديني وتجيبني..

نايف احتضنها بحنو: وغير كذا.. وش عندش مخبى؟؟
خلينا من الأونطة لأني ما أكلها.. حطي عليها شوي بهارات وملح يمكن تنبلع بس مالغة كذا مستحيل..

عالية همست بسكون صادق: مضغوطة بس يانايف من أشياء كثيرة وتعبانة ومسخنة..
وشوفتك هزتني واجد.. لأني فعلا كنت محتاجة وجودك جنبي.. وبس..

نايف ابتسم: زين صدقناش.. خلني أستانس أنش بكيتي عشاني واحطها في التاريخ..
ولو أنه الظاهر أنش تبين تمثلين على عبدالرحمن دموع التماسيح..
المسكين تخيلي لقيته قاعد في مجلسكم بروحه ماعنده حد غير المقهوين..
والمقهوين يقولون إنه جاي من صبح.. ويبي أبو صالح بس مالقاه.. ومصمم ينتظره..
قلت له بأسلم على هلي وأجيك..
ثم ضحك نايف: يوم قلت له بأسلم على هلي.. حسيت وده يقوم ينط من الكرسي ووجهه فيه حكي..

عالية حينها قفزت وهي تهمس بقلق عميق لنايف: خلاص نايف انزل لأمي شوي وأنا جايتك الحين.. بأغسل وجهي..

فور أن خرج نايف فتحت هاتفها.. عشرات الرسائل... أولها قلق مليء بالقلق واللوعة.. والرجاءات العميقة أن تطمئنه عليها
وأخرها غاضب محمل برائحة تهديد أنه سيتصرف تصرفا لن يرضيها لو لم ترد عليه..

عالية بدأ ذهنها العملي المتفوق يعمل على عدة جهات...
لماذا أتى؟؟ يريد أن يطلقها ؟؟أو يخبر والدها بما حدث..؟؟ او حتى يقهرها حين يجبرها على مواجهته بحجة الرؤية الشرعية؟؟

لن ترضى بأي خيار من هذه الخيارات.. لن ترضى.. على الأقل حتى تنفذ مخططها..!!

وستعرف كيف ستنتقم من هذا الخائن على مافعله بها وهو يمتهن مشاعرها..
ويستغلها بكل حقارة وجبن يغلفها بمثاليته السمجة التي لا معنى لها!!
سيدفع ثمن الحرقة التي لم تذق مثلها في حياتها كلها وهو يحطم قلبها بكل قسوة..
وكل ذنبها هو حبها له!!
هذا هو كل ذنبها!!


عالية تناولت هاتفها لترسل له:

" عبدالرحمن لو سمحت لا تدخل حد في مشاكلنا..
خلني لين أروق شوي وعقبه نتفاهم!!"

وصلها رده خلال ثوان:
"كلميني!!"

عالية أرسلت له:
" عبدالرحمن أرجوك.. كفاية اللي سويته فيني البارحة
ترا الذبح في الميت حرام..
خلني لين أروق..
حرام يعني؟؟.. وإلا لازم تقهرني عشان ترتاح؟؟"


عبدالرحمن كان مازال جالسا في مجلسهم في انتظار إبي صالح وبرأسه مخطط ما
فهو لم يستطع أن ينم مطلقا وقلقه عليها يمزقه..
لم يرد أن يسال جوزا عنها لأنه خاف أن تخبر عبدالله وخوفه هو على عالية وليس على نفسه.. فختاما فهو رجل ولن يُحاسب على شيء..
والحساب كله سيكون لها!!

حينها وصلته رسالته.. عاجز عن وصف إحساسه حين وصلته..
الأمر أصبح معقدا جدا بينهما..
ظنها ستتقبل مثاليته المندثرة غير المعقولة..!!
ظنها ستفهم لماذا سيفعل ذلك!! وظنها ستتقبل صراحته معها!!
كان يعلم أنها ستغضب لابد.. ولكن ليس إلى درجة تجريحه بقسوة!!
وفي ختام الأمر كانت هي كل ما أشغل باله!!

حين قرأ رسالتها.. لا يعلم فعلا كيف يصف إحساسه.. أراد أن يسمع صوتها..
مثقل بالوجع واليأس والعشق والألم اللامتناهي..
وإحساس العجز دائما يزيده إحاسيسه قسوة وحدة..

وحين وصلتها رسالتها الثانية.. التفت لأمجد وهتف بإرهاق:
يا الله يا أمجد.. اتصل في السواق وخله يشغل السيارة وينزل.. عشان تشلوني للسيارة..
بنمر المسجد أول.. ماعاد باقي على صلاة الظهر شيء!!






**************************************





كان يجلس عند علي النائم وذهنه مشغول تماما منذ عاد من صلاة الظهر
كما هو مشغول منذ الصباح!!

الآن في وضح النهار.. وأشعة الشمس.. يتذكر بوضوح جلي ليلة البارحة الأسطورية..الحلم غير المعقول!!
يتذكر كل ماحدث.. كل لمسة.. كل همسة!!
وهذا التذكر أرهقه واستنزفه لأبعد حد..

البارحة لشدة وطأة مشاعره عليه.. شعر كما لو كان في غيبوبة.. غيبوبة لذيذة.. قاسية.. جارحة.. عذبة..

ليس نادما مطلقا على بوحه بمشاعره.. فهو كان يحتاج فعلا لهذا البوح حتى يرتاح!!
ولكنه يخشى نتائج هذا البوح على مزنة.. مزنة الحالية!!

بوحه لها بمشاعر لم تعد لها.. بل هي لمحبوبة في خياله هي كل مابقي منها!!
وربما لو تكرر هذا الموقف مرة أخرى.. لن يتردد في البوح بمشاعره بذات الطريقة..

لا يعلم أي تعارض وتناقض هذا!!

ولكن يبدو أن التناقض سيصبح أحد ملامح علاقته بزوجته الجديدة!!

تماما كما يشعر الآن بعدم الرغبة في رؤيتها لأنه حين يراها رؤيتها ستجدد جروح اختفاء مزنة وملامحها..
وفي ذات الوقت يشعر برغبة عارمة أن يراها..

وإن كان يعلم تماما لماذا لا يريد أن يراها.. فهو لا يعلم لماذا يريد أن يراها!!
هل يريد تعذيب نفسه على الجهتين.. خائن لمزنة وقبل ذلك لوسمية!!

" يا الله ماكل هذا التعقيد!! "

والأغرب أنه يريد الاتصال بها.. حتى يخبرها أنه لن يعود إلا في الليل.. من باب الذوق واللباقة!!
ولكنه عاجز عن سماع صوتها.. عاجز عن سماع همسها ينسكب في أذنه مباشرة..
مع أنه أخذ رقمها اليوم صباحا قبل أن يخرج على أنه سيتصل بها!!

تنهد وهو يتناول هاتفه ويتصل بها.. فهو يعلم أن عدم اتصاله بها سيظهره بظهر غير لبق إطلاقا.. وخصوصا أنه اتصل بمزون عدة مرات..
فكيف لو كانت جوارها وهو لم يتصل بها أبدا ؟!!

اتصل بها.. حينها كانت تعود للتو بعد أن أوصلت سميرة لبيت أهلها..
وطلبت من وضحى أن تجهز لها عدة غيارات لأنها ستنام عندها الليلة
حتى تعود سميرة المرهقة نفسيا من غياب مزنة!!
على أن تعود مزنة لبيت أولادها العصر قبل خروج تميم..
حتى تكون مع وضحى.. التي عاد لها تميم الآن!!

كانت مزنة تريد استبدال ملابسها لتبحث عن كاسرة التي لم تريها وجهها اليوم..
حينها اتصل بها زايد.. ردت بهدوء عذب: هلا أبو كساب..

صمت لثوان.. يبدو أن معجزة صوتها سيبقى عاجزا عن تجاوزها.. ثم هتف بثقة:
هلابش.. أشلون الوالد وبناتش يوم جيتهم اليوم؟؟

مزنة بذات الهدوء الواثق العذب: طيبين طاب حالك.. وترا وضحى تبي تجي عندي يومين بعد أذنك..؟؟

زايد بأريحية: لا تشاورين في حلالش.. حياها الله..
ثم أردف بثقة باسمة راقية: زين تراني بتأخر لين الليل... بعد أذنش طبعا!!

ابتسمت مزنة: مرخوص.. طال عمرك.. وسلم لي على علي..



" حلوة ذي (بعد أذنش) يبه.. ممكن نستفيد منها عقب!!"

زايد يلتفت على علي ويبتسم: الظاهر كساب صادق إنك سكني..
أو أنك أساسا ما ترقد وقاط أذنك..

علي اعتدل جالسا وهمس بابتسامته الصافية: مستعد أروح في غيبوبة كل ماكلمتوا المدامات أنت وولدك..
بس علمني وش صار البارحة؟؟

ابتسم زايد بفخامة: إذا سألتك أنا عقب أسبوعين وش صار البارحة؟؟
يحق لك تسألني ..
اللقافة شينة يا أبيك!!





*************************************





دخل إلى جناحه بحذر وهو يحمل كيسا فخما في يده.. بحث عنها في أرجاء الجناح فلم يجدها.. لكنه سمع صوت ماء الاستحمام في حمام غرفة النوم..

قرر أن يجلس في انتظارها حتى تخرج.. لولا أنه قاطع قراره طرقات على باب الجناج الرئيسي..
فتح الباب ليجد عمته أمامه.. قبل رأسها وهو يهتف بمودة حقيقية:
ألف مبروك يمه..

مزنة أجابته وهي تنظر لما خلف ظهره: الله يبارك فيك..
وأنت بعد مبروك.. وينها العروس اللي ما ترد على اتصالاتي؟؟

كساب هتف بثقة: تسبح.. والتلفون من البارحة وهو هنا في الصالة..

مزنة بنبرة مقصودة: وياحرام مالقت وقت حتى تبلغني بقرارها بالرجعة!!
أو أنت وإياها ماعاد تعرفون السنع.. اللي براسكم تسونه ماكن لكم كبير تردون له الشور حتى..

كساب بحزم بالغ: يمه عندش كلام يوجع.. قوليه كله لي.. كاسرة مالها ذنب..
أنا ضغطت عليها عشان ترجع لي..
وكفاية اللي أنا سويته فيها.. يعني لا تزيدينها عليها..

مزنة بغضب حازم: وأنت يعني سحبتها غصبا عنها..؟؟ لو أنها ما تبي ترجع ماكانت رجعت..
بنتي وأعرفها..
يا ولدي أنا وش أبي أساسا؟؟ ما أبي إلا مصلحتكم وإنها ترجع لبيتها..
بس أنت وإياها مضيعين السنع كله..

كساب عاود تقبيل رأسها وهو يهتف بلين مدروس: دامها مايهمش إلا مصلحتنا
فخلش من المظاهر اللي مالها داعي.. المهم إنها رجعت وفي بيتها..
بس طالبش يمه ما توجعينها في الحكي..

مزنة بحزم وهي تغادر: ماعليه يأمك.. اسمح لي.. ما تقدر تردني إني أعلم بنتي السنع إذا هي ما تعرفه..
إذا طلعت من الحمام خلها تجيني..


كساب عاد للداخل.. كانت تخرج للتو من الحمام..
شعرها المبلول يتناثر على كتفي روبها..
وخداها محمران تماما.. كخدي طفل لفحتهما الشمس..
جسدها يرتعش بخفة غير ملحوظة..

أشاحت بوجهها حين رأته.. بينما كان كل ما يتمناه أن يشدها إلى حضنه ليمسح النظرة اليائسة التي شعر بها تنحره على أطراف أهدابها..

جلست على طرف السرير وهي تتجاهل وجوده..
جلس جوارها وهو يمدها بالكيس الذي كان معه..
لم تتناوله منه.. فاستخرج العلبة المربعة الفخمة التي كانت فيه!!
وضعها في حضنها وهو يهتف بهدوء حازم مختلط بالأريحية: هذي رضاوتش..

أجابته بسكون بارد ودون أن تنظر ناحيته: ما أتذكر إني رضيت عشان تجيب لي رضاوة..

رأى أنها يبدو أنها لن تفتحها مطلقا.. لذا فتح الغلاف بنفسه وهو يستخرج العلبة التي بدأ على سطحها اسم ماركتها الاستثنائية ..
ثم استخرج السوار الماسي الثمين جدا.. الذي أختلطت فيه الماسات الشفافة بالألماسات السوداء..
كانت تعلم يقينا أنه يتجاوز على الأقل سعر هدية جميلة التي أثارت غيظها وغيرتها.. بضعف السعر.. إن لم يكن الضعفين..

ألبسها السوار بنفسه في معصمها.. لم تمنعه..
ولكنه حين انتهى.. خلعته وأعادته في العلبة وهي تهمس بحزم بصوتها المرهق:
آسفة ما أقدر أقبله.. رجعه.. بيعه.. تبرع فيه.. لأنك أكيد محتاج لثواب التبرع..

كساب هتف بغضب: نعم؟؟ أرجعه؟؟ لمعلوماتش يامدام الأسوارة هذي انطلبت لش مخصوص من برا الدوحة..
أما التبرع.. ترا مهوب أنتي اللي تدخلين بيني وبين ربي.. لأنه هو اللي يدري باللي أتبرع به.. وما أتبرع عشانش ولا عشان غيرش..
لكن لأنه حق ربي علي.. اللي أنعم علي بفضله..ولئن شكرتم لأزيدنكم..

همست بذات الإرهاق العميق: زين جيب لك حيوان أليف.. سكّر عليه معي في الغرفة .. ولبسه إياه في رقبته..
وش الفرق بيني وبينه؟؟

أنهت عبارتها الموجعة ثم وقفت.. فغضب وهو يهتف بذات الغضب: أنتي متى بتعرفين السنع وأشلون تحترمين رجالش؟؟

ثم عاود شدها لتجلس .. لتلسعه حينها حرارة يدها فهو حين ألبسها الأسوارة بالكاد لمس يدها لذا لم ينتبه لحرارتها..

مد يده ليلمس جبينها.. أبعدت وجهها عن مدى يده.. لكنها شدها ليلمس جبينها..

انتفض بعنف وهو يهتف بقلق حقيقي: قومي ألبسي عباتش أوديش المستشفى.. أنتي مولعة..

همست حينها بتهكم موجوع وهي تتمدد على جنبها على السرير فجسدها مهدود تماما:
مولعة؟؟
أشلون عرفت؟؟
تصدق أنا أصلا لوح ثلج.. لا عنده إحساس ولا مشاعر ولا كرامة ولا شيء..
أبد اسحبه من مكان لمكان..
بس لو ذاب.. لا تشره عليه.. ماحد يشره على لوح ثلج..!!

كساب بغضب يحركه فيها لوعته عليها: يالخبلة يأم الفلسفة الفاضية.. قومي نروح المستشفى..

كاسرة بسكونها المعذب: مافيني شيء.. وعلى العموم ليش تطلب مني..
شيلني مثل البهيمة اللي مالها شور.. ودني المستشفى.. ودني المسلخ.. ماتفرق!!

حينها ألقى غترته جواره ثم تمدد جوارها ليحتضنها من ظهرها.. شعر بحرارة جسدها تنتشر في كل نواحي جسده..
لم تمنعه من احتضانها.. تعلم أنها لا تستطيع مقاومته وهي بكامل قوتها فكيف وهي خالية تماما من أي طاقة..
لذا همست بسكون مثقل بالألم: كساب خلني.. ما أبيك تلمسني ولا تجي جنبي..
حرام عليك تفرض علي كل شيء عشان ربي عطاك قوة ما أقدر أجاريها..

حاول ان يفلتها.. بل حاول جاهدا.. ولكنه لم يستطع.. لذا همس في عمق أذنها بحنان عميق:
امشي معي المستشفى وأهدش.. كاسرة حرام عليش نفسش ..أنتي تعبانة واجد!!

همست حينها بحزم ويأس وهي تحاول أن تزيح ذراعيه عن خصرها:
قلت لك هدني.. وما أبي أروح معك مكان..

حينها نهض.. ليتوجه لجناح والده ويطرق على مزنة الباب حين خرجت هتف لها بحزم:
كاسرة تعبانة واجد.. وما تبيني أوديها للمستشفى..
وديها أنتي لو بتوافق..

مزنة تفجر وجهها بالقلق: تعبانة وش فيها؟؟

كساب بذات النبرة الحازمة التي تخفي خلفها قلقا شاسعا: روحي شوفيها..
لو وافقت أوديكم هذا أنا قاعد تحت.. لو ما تبيني كلمي السواق..

مزنة أوقفته وهي تمسك بعضده: يأمك وش صاير بينك وبينها؟؟
يعني حتى يوم رجعت لك ما تبون ترتاحون وتريحون..

حينها هتف بعمق حازم مثقل باليأس والألم:
الظاهر يمه أنا وياها عندنا هواية تعذيب الذات!!

مزنة توجهت بسرعة لغرفة ابنتها.. دخلت بخطوات سريعة لتجدها متمددة على سريرها وهي ترتعش من الحمى..
فشدة القهر والكبت الذي لم تستطع التنفيس عنه تحول لحمى فعلية اخترمت كل نواحي جسدها..

مزنة انحنت عليها وهي تزيح شعرها المبلول عن جبينها لتلمس جبينها المشتعل
لم تسألها عن شيء.. ولن تعاتبها على شيء..
يكفيها النظرة اليائسة الدامعة التي أطلت من عينيها حين أبصرت أمها لتنحر روحها الأمومية بالقلق والحزن..

مزنة فتحت الدولايب بسرعة وهي تستخرج ملابس لها.. وتساعدها على ارتداءها بينما كاسرة تهمس لها بما يشبه الهذيان:
ما أبي كساب يودينا.. ما أبي كساب يودينا..
كله منه.. كله منه.. قهرني يمه!! قهرني يمه!!

مزنة بحزم وهي منهمكة في إلباسها: بنروح مع سواق البيت.. الله يصلح بينش وبين رجالش.. وش ذا الحالة!!





*************************************





" تغدى معي.. وإلا ما تبي تقعد معي على السفرة؟؟"

كانت هذه إشارة وضحى لتميم الذي دخل للتو..

أشار لها وهو ينظر حوله: باتغدى معش من غير تلميحات سخيفة..
وين الباقين؟؟

وضحى بنبرة مقصودة: أي باقين؟؟ ليش ما تقول وين سميرة؟؟
فيه غيرها معنا في البيت؟؟
وعلى العموم سميرة راحت بيت أهلها..

حينها أشار تميم بجزع: نعم؟؟ راحت بيت أهلها..؟؟
ثم تراجع بسكون: خلاص خلهم يحطون الغدا.. دقيقة أبدل وأنزل..

صعد الدرج.. ولكنه لم يذهب لغرفته الجديدة.. بل صعد إلى غرفته/ غرفتها..
ليفتح الأدراج والدولايب كالمجنون..
بالفعل كانت أخذت الكثير من ملابسها..
ولكن مالم يعلمه.. أن هذه الملابس بقيت في غرفة مزنة.. بينما هي لم تأخذ معها سوى حقيبة صغيرة فيها غيارات قليلة..

تميم انهار جالسا على طرف السرير..
لمح مخدتها كانت متسخة تماما بالكحل المختلط بدموعها التي أشبعت فيها ثنايا المخدة البارحة..
مسح على المخدة بيأس: يعني سويتيها يا سميرة؟؟.. سويتيها!!
هنت عليش أول وتالي!!


" وش تبيها تسوي زين؟؟
وأنت تقول لها أنا قرفان منش وروحي بيت هلش..
أي وحدة عندها كرامة مستحيل تقعد!!"


" بس أنا كنت تعبان.. تعبان.. وهي ما تبي ترحمني.. ماتبي ترحمني..!!
والله العظيم كانت شوفتها قدامي تكفيني
بس هي اللي ما كفاها الحدود اللي كانت حاطتها
كانت تبي توترني وتختبر صبري بتصرفاتها!!"


" خلاص.. هذي الأطلال عندك.. اقعد وابكي عليها..
وش كنت تبيها تسوي؟؟
تسمع كلامك وتقعد قدامك وبس؟؟"


يا الله ما أكبر هموم هذا الفتى!!
مرهق حتى نخاع النخاع..
مرهق من كل شيء.. من كل شيء!!
ومجروح من الجميع..!!
فهل سيبقى طوال عمره مكتوب عليه هذا الهم؟؟





**********************************




" أما إنش غريبة... هذا كله شوق لعمتش تهجين من البيت؟؟"

سميرة حاولت تغليف ألمها بابتسامة: وأنتي وش عرفش.. خلش في كرشش؟؟
وبعدين اسمها خذت تايم آوت وبس..
يومين وبأرجع.. أنتي وش حارق بصلتش؟؟

نجلاء تبتسم: عدال وش يحرق بصلتي؟؟ بس مستغربة.. صحيح أنا أحب أم صالح وأموت عليها..
بس عادي لو عرست على عمي أبو صالح.. وأنا في البيت.. بأكبر مخدتي وأرقد!!

سميرة اغتصبت ابتسامة.. فبالها ليس للمزاح إطلاقا:
هذي آخرتها.. زوجي عمتش..

نجلاء تقف لتخرج من غرفة سميرة وهي تهتف بتأفف باسم:
صدق إنش قافلة وتجيبين النكد..
بأروح أدور غنوم أحسن لي من وجهش..
صار لي يومين ما شفته رجّال مزينة...

فور خروج نجلاء قفزت سميرة لتغلق الباب ثم عادت لتندس في فراشها وتنهمر ببكاء موجوع مثقل بالأنات المكتومة..
فهي أيضا كثير كل هذا عليها!!
أما آن لها أن ترتاح من هذا الهم الذي لا ينجلي سواد ليله!!
وألمها الاكبر هو من أجل تميم ليس من أجل نفسها..
فهو الآن وحيد في البيت.. مثقل بالهجر والياس والوحدة!!
نفسها تتمزق عليه ومن أجله!! تتمزق تماما!!






********************************





" عمتي وكاسرة رجعوا؟؟"

مزون تنظر لملامح كساب المعقودة بقلق وتهمس بهدوء: رجعوا من بدري..
مرتك في غرفتها.. وعمتك راحت لأبيها..

سألها بذات القلق: زين وش قالوا لها في المستشفى؟؟

حينها تساءلت مزون بدهشة: ليه أنت ما سألت عنها ولا اتصلت بها؟؟

كساب هتف بغضب: كم مرة قايل لش لا تجاوبين عن سؤالي بسؤال..

مزون شدت لها نفسا عميقا: حمى.. وحرارتها عالية.. وعطوها إجازة ثلاث أيام..
ثم أردفت بنبرة مقصودة: وتوني طليت عليها لقيتها نايمة..
عمتي وصتني عليها لين ترجع.. بس بما أنك جيت خلاص الوصاة انتقلت لك..


كساب شد له نفسا عميقا جدا.. وهو يصعد درجات السلم..
كان لديه اجتماع عمل مهم ألغاه حتى يستطيع العودة للاطمئنان عليها!!

كانت غرفة النوم تغرق في أضواء خافتة.. فالوقت كان بين العصر والمغرب..
والإضاءة مقفلة..
وبدا له الجو مقبضا للقلب.. وهو يدخل باحثا عنها..

بالفعل كانت نائمة.. جلس قريبا منها وهو يتمدد نصف تمدد.. وهو يتحسس حرارة جبينها بشفتيه..
كانت دافئة بالفعل.. أدخل ذراعه تحت كتفيها ليجلسها وهو يهمس قريبا من أذنها بحنان:
كاسرة قومي.. مهوب زين النوم ذا الحزة..

كانت خادرة تماما وجسدها مستنزف من الحمى وهي تتعلق بجيبه لا إراديا..
شعر أن قلبه يذوب مع دفء أنفاسها التي كانت تلفح عنقه..
همست بصوت مبحوح تماما: وين أمي؟؟

أجابها بحنو وهو يشدها لصدره بحنان بالغ: راحت لجدش وبتجي الحين..
تبين أجيب لش شيء..؟؟

أسندت كفها في منتصف صدره لتبعده عنها وهي تهمس بإرهاق:
أبيك تخليني في حالي وبس.. وما أبيك تجي جنبي حتى..
دامك سويت كل اللي في رأسك.. وفرضت وجودك علي..
فلا تفرض نفسك على جسمي بعد.. لأن هذا شيء خاص فيني..

أفلتها مجبرا وهو ينزلها برفق.. لتنهار مرة أخرى على مخدتها..
شعر أن قلبه يتمزق بكل معنى الكلمة وهو يرى مهرته ذاوية هكذا..
وهو عاجز حتى دفنها في صدره عله يستطيع سحب كل هذه الحرارة لجسده هو..
هو سيحتمل الحرارة والحمى والمرض..
ولكن جسدها اللين لن يحتمل.. لن يحتمل!!

لا يعلم هل مسترخية أو نائمة.. ولكنه لم يستطع تركها لوحدها وهي على هذه الحالة..
لذا قرب مقعده منها وبقي يراقبها..
وكل لحظة تمر تزيد في عذابه أكثر وهو يراها هكذا ولا يستطيع أن يعبر لا بالجسد ولا باللسان..

حتى حضرت مزنة.. حينها وقف وهو يوصيها عليها..
ثم خرج وهو يشعر كما لو كان هو مريضا أيضا فعلا!!






*****************************





" يمه.. أدري أنش الليلة خلصتي الأربعين
وعندش مخططات..
بس أنا أبي متى بنروح نسلم على خالتي مزنة عشان نودي لها هديتها"

ارتعشت يد عفراء التي كانت تحدد شفتيها بمحدد الشفاة لتخرج خارج حدود شفتيها..
" يعني أنا أحاول أنسى وأنتي تذكريني بذا الوجيعة؟!!"

همست عفراء بجمود ألمها وهي تمسح الخط الذي خرج خارجا: ماعليه يأمش لاحقين خير..

ابتسمت جميلة وهي تقبل زايد بين يديها: زين ترا زيود خلاص بينام عندي في غرفتي الليلة..

عفراء تكمل زينتها وهي تهمس برفض: لا يامش.. ماعليه.. ما أقدر..
خليه عندش كثر ما تبين.. بس في الليل يرقد عندي..

جميلة تبتسم: يمه بس الليلة.. سوي لعمي منصور سربرايز عدل..
عاد سربرايز وزيود مأساة مو سربرايز..





****************************************





" يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش
لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد
بتدسين علي يعني؟؟"

عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!!

نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب..
عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس..
إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضرت ماعاد شفتي قدامش..

عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة..

نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا..
تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!!

حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
تقولها من جدك؟؟
وإلا كلمة ومقيولة؟؟




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 23-12-10 12:48 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع السبعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا هلا والله بكل المتواجدين جعل ربي ما يخليني من طلتكم
.
.
ترا نجمتنا اللي معلقة من البارت اللي فات هي للحلوة فيتامين سي..
أدري فيه بنات كثير قالوا عن سر وضحى.. بس فيتامين سي أول وحدة عشان نكون حقانيين :)
مبروك يا سوسو
ولو أنه تكفينا قصايدك عن كل النجوم :)
.
.
بنات يا نبضات قلبي ويا صماصيم روحي.. أنا وحدة منتهية من التعب بكل معنى الكلمة
والله العظيم والله العظيم لو أحاول أوصف أشلون تعبانة ما أقدر أوصف
أول شيء جا تعب ولدي وعقبه البارتات اللي فاتت وحتى بارت اليوم كلها متعبة واستنزفت حيلي وأفكاري ومشاعري
واللي زاد وغطى إنه دوام أبو العيال متغير فالوقت اللي كنت أكتب فيه هو موجود
وهو سم ضروسه يشوفني ماسكة اللاب وهو في البيت :)

بعد أسبوعين بيرجع دوامه يتغير لدوامه الأولي ..

هالأيام خلاص صرت تعبانة لأني صرت أكتب الوقت اللي كنت أنام فيه.. ولاني ما احب أقصر في حق بيتي وفي نفس الوقت ما ابي أقطعكم
فالضغط صار عليّ غير طبيعي...

أدري أنكم ناطرين عرس علي وشعاع على نار..
لكن لو كتبته بهالنفسية والله العالم يمكن أكتب لكم:
وشافها وانصدم وشافته وانصدمت... والسلام ختام :)

فخلوني أرتاح أول...
ثم أكتب على راحتي.. عشان اكتب لكم بارتات تستحق تطلعاتكم اللي أعرف إنها كبيرة..
لأنه والله العظيم والله العظيم إني منتهية من التعب بكل معنى الكلمة..
بأرجع لكم بعد أسبوعين.. وهالمرة أوعدكم إنه إن شاء الله ماراح انقطع لين نخلص الرواية..
ووعد الحر دين!!

وخصوصا إنه الأحداث في هالبارت بتشوفونها متحركة على أكثر من جبهة
فخلونا نمخمخ لكم أحداث ترضيكم وتليق بمستواكم العالي عندي..

موعدنا الجاي إن شاء الله بيكون الأحد
9/ 1/ 2011 الساعة 7 الصبح

.
.
ويا الله البارت 74
بارت طويل وقد بارتين ويارب يعجبكم
ونشوفكم على خير يا وجيه الخير
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والسبعون





" يا الله شوفي أنا مستحيل أخليش
لين تقولين لي أنتي وش فيش؟؟ منتي بطبيعية أبد
بتدسين علي يعني؟؟"

عالية بإرهاق: أنت عازمني تعشيني برا.. عشان تستجوبني؟!!

نايف ابتسم: ألا يا قليلة الخاتمة.. الحين أنا عيت أتعشى عند عطران الشوارب..
عشانش أنتي ووجهش.. وعادش بعد مخيسة النفس..
إنها عوايدش يا بنت خالد.. خياس النفس ذا لا حضر ماعاد شفتي قدامش..

عالية بذات النبرة المرهقة: تعبانة من اشياء واجد... والله العظيم تعبانة..

نايف حينها هتف بمودة صافية: أفا يا بنت أختي.. أفا..
تتعبين ونايف عندش.. قطي حمولش ولا تنشدين!!

حينها نظرت له عالية بنظرة مباشرة وهي تهتف بنبرة مقصودة:
تقولها من جدك؟؟
وإلا كلمة ومقيولة؟؟

حينها نظر لها نايف نظرة مباشرة أقرب للغضب: وأنا متى كنت أقول كلام ما أقصده؟؟

عالية بذات نبرتها المقصودة: أقصد فيه أشياء ما تقدر تفيدني فيها!!

ابتسم نايف: مثل؟؟

عالية تبتسم بإصطناع: مثل إني متضايقة واجد لأن صديقتي بتتزوج واحد برا قطر
وحتى عرسي ما تقدر تحضره.. ما تتخيل أشلون ذا الموضوع متعب نفسيتي..

نايف باستغراب: ومن صديقتش ذي اللي ما أعرفها؟؟ واللي بتموتين عشانها كذا؟؟
عالية أنتي منتي بصاحية؟؟ وإلا أنا اللي توني بأعرفش؟؟

عالية بضيق وهي تنهمر بعصبية: نايف تبي تخدمني.. وأنا صدق أهمك.. أبيك تأخذها!!

نايف ينفجر ضاحكا: استخفيتي بصراحة.. أنا توني واصل من فرنسا اليوم ترا.. حتى شهادتي مابعد خلصت خليت ربعي يصدقونها..
والعرس آخر شيء أفكر فيه في حياتي..
وأنتي جايتني بذا النكتة البايخة!!

عالية تشد لها نفسا عميقا: اسمعني عدل.. بيت ملك وعندك.. ووظيفة أساسا عندك وأنت رايح تدرس على حساب النيابة العامة..
ليش ماتبي تعرس؟؟

حينها نظر لها نايف نظرة قارصة.. نظرته التي تكرهها لأنها تعلم أنها يكتشف أنها تخطط لشيء ما: عالية من الآخر.. لأن الكلام هذا مايدخل مخي ولا بنص ريال..

حينها انفجرت عالية تبكي بصوت مسموع وهي تحاول كتمان شهقاتها بدفن وجهها بين كفيها..

نايف قفز من مكانه ليجلس جوارها وهو يحاول تهدئتها
ويحمد الله أن المكان مغلق ولكنه لا يكتم الصوت لذا همس لها برجاء: علوي تكفين لا تفضحينا..
وش فيش كل شوي هالة الدميعات.. ما كنتي كذا يا بنت الحلال!!

عالية بين شهقاتها: الخاين النذل الخسيس يبي يأخذ بنت خاله على رأسي..

نايف نظر لها باستغراب: وأنتي وش عرفش لو هو يبي يأخذ بنت خاله؟؟
ذا الكلام ماسمعته عند خالد ولا عياله..

عالية شعرت أنه حصرها في الزاوية ومع ذلك هتفت بين شهقاتها: أخته قالت لي..

ثم شرحت عالية المبررات التي قالها لها عبدالرحمن على أنها مبررات أخته.. ليهتف نايف بحزم أقرب للغضب: بالطقاق.. خله يولي..
بيطلقش ورجله فوق رقبته.. يعني ما يستاهل الأمر إنش تبكين كذا..
أنتي لا بعد عرفتيه ولا عاشرتيه عشان تحزنين عليه كذا!!

عالية بين شهقاتها: بس أنا ما أبي اتطلق.. تبي الناس يأكلون وجهي..
تكفى نايف تزوج بنت خاله.. والله العظيم البنية أنا أعرفها زين وحن ربع..
وهي أساسا ماتبي عبدالرحمن.. بس أخاف يجبرونها.. يعني لا هي مبسوطة ولا عبدالرحمن مبسوط ولا أنا مبسوطة..

نايف بحزم: طيب أنا وش ذنبي في السالفة كلها؟؟ أتورط في عرس غير محسوب عشان خاطرش أنتي ورجالش؟!!

عالية حينها همست برجاء عميق وهي تقبل كتف نايف:
طالبتك نايف.. والله لأحط جميلك على رأسي طول عمري..
وقسم بالله بأنها مهيب ورطة.. لو أنت أساسا تبي تعرس كنت رشحتها لك.
بنت أجواد وأخلاقها عالية ووحدة عقلها موزون وكلمتها ثقيلة..
والله العظيم بتعجبك وعلى ضمانتي...

نايف ممزق بين ضعفه الشديد ناحية عالية وبين عدم رغبته في الزواج فعلا وخصوصا أن هذه هي المرة الأولى التي يرى عالية ترجوه هكذا..
يشعر أنها ستموت من شدة الرجاء والبكاء.. لم يسبق له أن رأى عالية هكذا أبدا..

بينما عالية مستمرة في الانهمار والشهقات وهي تضغط عليه بهما بشدة:
أدري أنك ما تبي تعرس الحين.. بس أنت مصيرك بتعرس..
بس وش عقبه؟؟ عقب ما تدمر حياتي أنا.. والبنت راحت.. ولا حد منا مبسوط..

هتف نايف بتردد وهو يسب نفسه على ضعفه أمامها: زين عندها استعداد تتحمل خواتي؟؟

عالية قفزت لتقبل رأسه: لو ما تحملتهم ماحد راح يتحملهم غيرها..

هتف بابتسامة: زين عطيني وقت أفكر..
أبكي وجهش ما أغلاش.. اللي بأورط روحي ذا الورطة عشانش..

عالية حينها همست بحزم بصوتها المبحوح من البكاء فعلا:
لا.. تبي تتم جميلك.. تروح تخطبها بكرة وتملك على طول..
والعرس براحتك متى ما بغيت..






******************************************





" جميلة وين أمش؟؟"

جميلة كانت تجلس في الصالة السفلية وبيدها زايد الصغير الذي أعاده لها منصور بعد أن خنقه بكثرة القبلات..
و كانت تنظر لمنصور وفي عينيها شقاوة محببة وهمست بخبث لطيف:
أمي في المطبخ!!

منصور بدهشة: في المطبخ.. وش تسوي في المطبخ؟؟

جميلة بذات الخبث اللطيف: عصبت على الخدامات والحين تنفض المطبخ.. تنظفه من جديد.. وتقول ماراح تنام هي وإياهم لين يخلصونه!!

لم تكن عفراء طلبت من جميلة أن تقول هكذا لكن هذه كانت اجتهادات جميلة لتصبح المفاجأة مفاجأة فعلا..

بينما منصور همس لنفسه" الظاهر يا منصور من كثر ماتعد الأيام ضيعت الحساب!!"
ثم هتف لجميلة بحنان: خلاص دامها في المطبخ ومطولة.. أنا بأروح يأبيش للمجلس.. تبين شيء؟؟

جميلة بجزع : لا وش تروح للمجلس.. أنت مهوب كنت تقول تبي تعلمني رماية ورني السلاح زين..

منصور يبتسم: بس أنتي قلتي ما تبين..

جميلة بإصرار: بلى أبي.. بس روح جيب السلاح وتعال تكفى عمي..

منصور بذات الابتسامة: زين خلاص أنتي تعالي وأوريش إياهم كلهم لأنه السلاح اللي عندي واجد..

جميلة بذات الاصرار زين أنت اطلع وطلعهم وأنا بس بألف زايد عدل واجيك..

منصور باستغراب: زين هذا زايد ملفوف كنه سندويشة وش تلفينه أكثر من كذا..

جميلة بتأفف عذب: لا حول ولا قوة إلا بالله ياعمي.. وش فيك صاير عنيد كذا!!

منصور ابتسم: لأني أساسا عنيد... يعني طبعي وإلا باشتريه؟؟

حينها وقفت جميلة معه وهمست بابتسامة: الله يعين أمي عليك وعلى يباس رأسك..
يا الله امش نطلع..

حين وصلا لمنتصف الصالة العلوية همست جميلة بتذكر تمثيلي: يوه عمي بأروح لغرفتي بسرعة وأجيك.. نسيت الماي مفتوح هناك..

منصور توجه لغرفته وهو يبتسم: وش فيها ذا البنية الليلة مهيب طبيعية؟؟



حين فتح باب غرفته علم أن الليلة كلها غير طبيعية.. فالغرفة كانت تعبق في أجواء دافئة عطرة بإضاءتها الخافتة المختلفة وبالعشاء المضاء بضوء الشموع في زاوية غرفة الجلوس..

ابتسم وعيناه تبحث عنها.. فكل الرتوش هذه لا تهمه.. ولكن اهتمامه كله بآسرته!!
نادى بجزالة: عفرا صدق لا تكونين في المطبخ!!

عفراء خرجت من غرفة التبديل حيث كانت تضع التعديلات الأخيرة على شكلها.. وهي تهمس برقة: أي مطبخ؟؟

أشبع عينيه نظرا لها.. مشتاق لها حتى وهي جواره.. لا يعلم ماذا كان سيفعل لو كانت مثلا والدتها حية وأرادت أن تقضي النفاس عندها..!!
فهو بالكاد احتمل بعدها وهي إلى جواره!!

كانت آسرة فعلا بفستان كريمي من الشيفون على الطريقة الرومانية قصير من ناحية وطويل من ناحية أخرى..
اقترب كما لو كانت حلما يريد التأكد منه..!!

شد كفها ليجلسها ثم يجلس جوارها وهو مازال ممسكا بكفها التي غمرها بقبلاته قبل أن يهتف باسما:
كانت روحي بتخلص ما خلصت ذا الأربعين..
وقبل الأربعين ست شهور زعل.. المفروض يعطوني جايزة على صبري..

عفرا مالت لتضع رأسها على كتفه وهي تحتضن خصره وتنتهد من أعماقها تنهيدة حارة مثقلة بالشجن..

منصور احتضنها بحنو وهو يهمس باهتمام حان: عفرا وش اللي مضايقش؟؟ ولا تقولين مافيه شيء..
صار لش كم يوم متضايقة وأنا حاسس فيش؟؟

عفراء احتضنت خصره أكثر وهي تهمس بألم: غصبا عني منصور.. من يوم قلت لي إن زايد خطب مزنة قبل وسمية وأنا مستوجعة..
أختي عاشت معه وهو باله مع غيرها.. موجوعة واجد يا منصور !!

ابتسم منصور وهو يمسح على شعرها ويهتف بعمق: تدرين وش أكبر مشكلة عند الإنسان ؟؟
الأنانية...

أنتي الحين تبين تحاسبين زايد على مشاعر أخفاها في قلبه.. وماله ذنب إنه ماقدر يلغيها أو ينساها..
لكن تنسين زايد وش سوى لوسمية...

أمنتش بالله ياعفرا.. قد شفتي رجّال كان يحشم مرته ويحترمها ويعزها ويقدرها مثل ما كان زايد مع وسمية..

أنتي الحين تبين تحاسبينه إنه حقق حلم تمناه في صباه.. وتنسين وش صار له أيام مرض وسمية.. مابقى مكان في العالم ما وداها له..
أهمل شغله وعياله ونفسه.. وماكان هامه في الدنيا شيء غيرها..
ويوم ماتت الله يرحمها كان بيموت وراها من الحزن.. وعقب ذا كله تبين تحاسبينه على مشاعره عقب ما ماتت وسمية بأكثر من 17 سنة..
وش ذا الأنانية ياعفرا؟؟.. الأنانية تلبق لي.. بس ما تلبق لش..

حينها انفجرت عفراء في البكاء وهي تدفن وجهها في صدره..
متأثرة بشدة من كلام منصور.. ومخنوقة بالحزن من الجانبين..
يالا غرابة البشر الذين يشعرون بأحزانهم ويرفضون الإحساس بأحزان الآخرين!!

منصور هتف بابتسامة: لا تكفين.. مابعد شفت وجهش.. تحوسين الدنيا بالبكا..

عفراء حاولت أن تتماسك وهي تهمس باختناق:
سبحان الله أشلون تكون فيه أشياء بديهية في الحياة.. بس ما نقدر نشوفها لأنه أنانيتنا ما تبينا نشوفها..
وصدقني مع إن كلامك خفف واجد من ضيقتي بس ما أقدر أقول أنه الموضوع بسيط علي أو هين..

حينها ابتسم منصور: يعني لو مثلا أخت وحدة من نسواني اللي قبل.. زعلت عشان أنا خطبتش قبلهم ورجعت وتزوجتش عقبهم.. يكون لها حق؟؟

عفراء انتفضت بجزع حقيقي وهي تبتعد عن حضن منصور قليلا كي تتمكن من رؤية وجهه وهي تهمس بذات الجزع: أنت خطبتني قبل ما تتزوج؟؟

منصور مد سبابته ليمسح دمعة اختلطت بالكحل كانت تتعلق بأهدابها وهو يهمس بحنان: الأصح قرعت على خليفة.. بس زايد ما رضى..

صمتت عفرا.. لا تستطيع أن تقول أنها حزينة لأنها لم تكن لمنصور منذ البداية.. رغم أنها تشعر الآن كما لو كانت له وحده منذ الأزل.. وأنها لم تكن أبدا لرجل قبله..!!

ورغم تجربتها القصيرة والمشوشة مع خليفة.. ولكنها لو عاد بها الزمن لفعلتها مرة أخرى
لأنه نتج عن هذه التجربة (جميلة) وهي كان يستحيل أن تضحي بوجود جميلة في حياتها مقابل أي شيء!!

ولكنها همست بشفافية بالغة: ما أدري منصور.. عمري ما حسيت إنك تبيني..
أحيانا كنت أشك أنك عارف إني موجودة معكم في البيت..

ابتسم منصور بشجن مرح: سبحان الله.. تنهين الإنسان عن شيء فيجن جنونه فيه..
أنا بصراحة كنت لاهي عنش.. لين حذرني زايد منش..
قال لي لا عاد تدخل داخل البيت كلش..عشان عندنا بنت كبرت وتستحي ما يصح إنك تشوفها..
فأنا تعجبت من البنت ذي؟؟.. عفيرا البزر صارت تستحي..!!
واكتشفت إن البنت كبرت واحلوت وأنا مادريت..
فصار مالي شغلة إلا أني إبي أشوفش وبأي طريقة وبس.. الظاهر أنا وأخي عندنا ذا الشيء في الجينات الوراثية!!

عفراء مصدومة بالفعل.. صدمة غاية في الشفافية والتأثير:
منصور عمري ما انتبهت لذا الشيء.. بالعكس أنت كنت جدي بزيادة وشايف نفسك..
أنا كنت أخاف منك أكثر ما أخاف من زايد..
منصور أرجوك.. مهوب تنصب علي في سالفة مثل ذي.. قلبي بدا يوجعني!!

منصور قبل رأسها وهو يبتسم: قلبش يوجعش الحين.. عقب ما آجعتي قلبي سنين!!
تدرين عاد مشكلة التكبر الله يكفينا شره.. وبعدين بصراحة أنا كنت أستحي..
وش تبين أسوي وأنتي ما تشوفيني إلا وتنزلين رأسش كني باكلش..
كنت بأموت وأشوفش بس ترفعين عيونش فيني.. ولحد الحين وأنتي نظرة العيون ذي تشحين فيها عليّ..

عفراء تشعر بتأثر متعاظم: منصور حرام عليك تسوي فيني كذا..
بروحي متاثرة من أشياء واجد ومشتاقة لك.. وحاسة بالذنب عشانك.. وتجي تقول لي كذا!!

منصور يبتسم وهو يتنفس بعمق عطر شعرها الذي يغمره بقبلاته: أما عاد الذنب.. طالبش تحسين فيه..
ست شهور يا الظالمة ناسيتني.. ما تقولين رجّالي مسكين مستوحش في البيت بروحه.. لا أنيس ولا حد يراده الصوت..

حينها ابتسمت عفراء بشفافية: لا عاد يا أبو زايد لا تعيرني بعيارتك وتركبني حمارتك.. أنت اللي ما سألت عني..
ما تقول مرتي وحامل وتعبانة ولا حتى تدق علي مرة ولا بالغلط..

منصور يحتضنها بكل قوته كأنه يريد إخفائها بين ضلوعه ويهمس بعمق شفاف:
خوش وقت نتعاتب فيه..!!

عفراء تهمس بعذوبة مثقلة بالمشاعر ووجهها مختبئ في صدره:
زين خلنا من العتاب.. صدق منصور كان في قلبك مشاعر لي قبل تتزوج
وإلا تنصب علي؟؟..تكفى تجاوبني بصراحة..
لأني لمعلوماتك.. وعشان تعرف أشلون الإنسان أناني..
أموت من الغيرة كل ما طرا علي أنك كنت متزوج قبلي ثلاث..

شده أكثر إلى حضنه وهو يهمس بعمق متجذر:
يكفيش لو قلت إني عمري ما حسيت إني متزوج ولا حتى عايش مثل باقي مخاليق ربي ..إلا عقبش أنتي!!





**************************************






" يمه.. شأخبارها الحين؟؟"

كان كساب يهمس بخفوت بهذه العبارة لمزنة التي كانت تقرأ وردها قريبا من كاسرة بعد أن صلت قيامها..
مزنة وضعت المصحف جانبا وهي تهمس بخفوت:
احسن بواجد.. ما معها حرارة الحين.. صلت قيامها بدري ونامت..
والحين نايمة..

كساب بابتسامة مغلفة بالاحترام: تعبناش معنا وأنتي توش مالش يوم من يوم جيتي بيتنا..
والعريس من بدري في غرفته..

حينها همست مزنة باهتمام: زين من اللي قعد عند علي يوم كلكم جيتوا؟؟

كساب بسكون: علي حلف ما حد يقعد عنده.. وعلى العموم أصلا ربعه ميتين يبون يمسون عنده..
بس عشان دايما أنا وإبي موجودين يستحون.. والليلة يمكن يمسي عنده اثنين منهم..



مزنة حينها وقفت وغادرت المكان.. بينما كساب انحنى على كاسرة قليلا وهو يتحسس جبينها..
وجد حرارتها طبيعية..فخلع ملابسه ليمارس تمارين الضغط ثم استحم وصلى قيامه وقرأ ورده ثم عاد ليتمدد جوارها..
وكان أول ما فعله أنه عاود تحسس جبينها..هذه المرة وجدها دافئة قليلا
همس لها من قرب: كاسرة قومي كلي علاجش.. أنتي دافية..

كاسرة اعتدلت جالسة لتتناول الأقراص من جوارها دون أن تلتفت له..
ولكنه سبقها أن مد يده عبر خصرها ليتناول الأقراص والماء ويعطيها إياها..
تناولتها دون أن تقول شيئا ودون حتى أن تنظر له..
ثم عادت لتتمدد..

اقترب منها بخفة.. حينها همست بحزم: كساب لو سمحت لا تجي جنبي.. قلت لك ذا الكلام أكثر من مرة..
وإلا أنت لو ما فرضت نفسك ما ترتاح..

همس بخفوت دافئ عميق: ماني بفارض نفسي.. وبأقول لش لو سمحتي وتكرمتي نامي في حضني بس..
والله العظيم ما أبي منش شيء.. بس نامي في حضتي بس..
يعني هذا أنا تنازلت عن شيء. تنازلي أنتي عن شيء..

كاسرة بألم عميق مغلف بنبرتها الحازمة: تعبت تنازلات يا كساب.. وما أبي أتنازل.. على الأقل خلني أحس أني رفضت
لأني عارفة إنك بتجبرني على اللي تبيه..

كساب حينها ابتعد عنها لآخر طرف السرير وهو يوليها ظهره يهتف ببرود قارص:
لا أجبرش ولا شي.. براحتش يا بنت ناصر..





**************************************





قبل ذلك بقليل..


دخلت إلى جناحها بخطوات مترددة.. انشغالها طوال اليوم بمشاكل ابنائها لم يترك لها مجالا للتفكير بشيء..
ولكن الآن في هجعة الليل.. وفي هذا المكان.. وهي تعلم أنه بالداخل.. كل ذلك بعث توترا عميقا في روحها..
لن تحتمل كلمات كالتي قالها لها البارحة.. لن تحتمل!!

غريب كيف بقي قلبها عذريا طوال عمرها..!! ولم تشعر بتلك الرعشة الفاتنة العذبة التي تهز ثنايا القلب بألم شفاف إلا الآن..
ليست مراهقة ولا محدودة التفكير لتتأثر من مجرد كلمات!!

ولكن المشكلة أنها لم تكن مجرد كلمات.. لم تكن مجرد كلمات..!!
وهي ليست حجرا ولا معدومة المشاعر حتى تعجز عن الإحساس به!!
فهذا الرجل الذي احتواها في أحضانه البارحة كان يشتعل.. ينزف.. ينهمر.. فكيف يكون مجرد ماقاله كلمات؟؟!!

كان يشتعل نارا شعرت بها تتسرب إلى حناياها..

كان ينزف حبا موجعا حاول ترجمته إلى كلمات.. فإذا بالكلمات تتحول إلى أنين موجوع أشبه بأسهم حارقة ثقبت روحها...

كان ينهمر بكلماته كمطر خرافي أسطوري يستحيل أن يكون قد وجد قبله أو سيوجد بعده..

فلا يمكن أن يقول رجل ما هذه الكلمات التي قالها هذا الرجل الاستثنائي لها..
وهو يُشعرها أنها أسطورة فعلا.. أنها أنثى لا تكرر.. وهو يقفز بإحساسها الأنثوي بنفسها إلى الذروة!!
وهو يخبرها بكلمات حب لا تكون إلا لأسطورة فقط ولا تستحقها سوى أسطورة لم تخلق من قبل!!

كلما تذكرت فقط.. تذكرت فقط.. همساته.. دفء أنفاسه..
ارتعش جسدها بالقشعريرة التي تمر عبر عمودها الفقري لاسعة حادة..
وشعرت أنها تريد الجلوس لأن قدميها لا تحملانها.. كما هي تجلس الآن في غرفة الجلوس في جناحهما..
وتعلم أنه بالداخل ولكنها عاجزة عن مواجهته.. لا تعلم كيف فعل بها هذا؟؟
وكيف جعلها تجبن عن المواجهة وهي من لم تجبن عن مواجهة يوما؟؟



هـــو معتصم بناحيته من الجبهة..
يعلم أنها عادت للجناح.. منذ وقت ليس بالقصير.. تحديدا منذ عاد كساب لغرفته..

ومع ذلك مازال لم يراها وهو يتمزق تماما بين رغبتيه الغريبتين أن يراها وألا يراها..
كان باله يحدثه أن ينام قبل أن تأتي فهو في غنى عن مواجهة لا يعلم كيف سيكون تصرفه فيها..
ولكن ما يريده.. غير ما تريده رغباته المتعارضة..

لذا خرج لغرفة الجلوس.. ليجدها جالسة هناك.. غارقة في أفكارها..
ولم تنتبه حتى جلس جوارها..
انتفضت بخفة وهي ترحب بعذوبة واحترام: هلا أبو كساب.. السموحة كنت جايه الحين..

مد يده لينزع برقعها عن وجهها.. لا يعلم ما الذي دفعه لذلك وهو يهمس لها بدفء: برقع في غرفتش عاد!!

شعرت بالخجل وهي تنزل جلالها على كتفيها وتهمس بذات الخجل المغلف بتهذيبها الرفيع:
كنت في غرفة كاسرة.. واستحي كساب يشوف وجهي..

أجابها بذات الدفء: تستحين من كساب ماعليه.. بس تستحين مني بعد؟؟

ابتسمت حينها بعذوبة: ترا كساب ولدي صار له شهور.. وأنت توني أعرفك البارحة..

أجابها بدفء أشد مثقل بالعمق: ما سمعتي بالليلة اللي عن ألف سنة.. هذي هي!!

مزنة رغما عنها اشتعل وجهها احمرارا وهي تقف لتهمس بثقة تخفي خلفها ارتباكها:
السموحة.. كان المفروض إني قبلك في الغرفة وأنتظرك..
بس مرض كاسرة لخبطني شوي.. عطني 10 دقايق أبدل واجيك..

مزنة غادرت بينما زايد تنهد بعمق..
لا يعلم لماذا يتصرف معها على هذا النحو؟؟
أو يحادثها بهذه النبرة التي لم يسبق أن كلم بها أحدا مطلقا ولا حتى وسمية؟؟

وليس غبيا ليلاحظ تأثرها البالغ..
يشعر كما لو كان يرتكب جريمة في حقها وهو يمنحها إحساسا كاذبا لا يستطيع منع نفسه من الانهمار به!!

فما الذي يحركه؟؟ أ هي أنوثتها الطاغية التي حركت الرجل المحروم في أعماقه؟؟

يكره جدا هذا التفكير.. بل يحتقره!!
أ يكون هذا تفكيره بمزنة؟؟ بــمــزنـــة؟؟!!
ولكنه لا يجد لنفسه مبررا آخر لهذا الاندفاع الذي لا يستطيع السيطرة عليه..

والغريب أن التناقضات تتصارع في نفسه بصورة أشد وأكثر إيلاما..
يشعر أن هناك حاجز ضخم بينهما.. ولكنه في ذات الوقت يريدها أن تصبح أقرب من أنفاسه..
يحاول أن يمنع نفسه أن يقول لها الكثير من الكلام الذي بات يعرف يقينا أنه ليس لها..
ومع ذلك يكاد يحترق لهفة للحظة التي سيسكب هذه الكلمات في عمق أذنها..!!


هذه المرة كان من غرق في التفكير لفترة لا يعلم كم طالت.. حتى انتفض بخفة وهو يتذكر أنها لابد من تنتظره الآن..

دخل بخطواته الهادئة الواثقة.. كانت الإضاءة خافتة كما تركها هو...

كانت تجلس على مقعد التسريحة ووقفت حين دخل..


فــــــــــــــــــاتــــــــــــــــنــــــة..!! فـــــاتـــنــــة إلى أقصى درجات الهلوسة!!

وهي تقف كحورية.. كتمثال نادر.. كأيقونة للجمال.. وشعرها الكستنائي يتناثر باستثنائية على فخامة سواد روبها الحريري الحالك!!

رؤيتها.. كان من المفترض أن تبعث في روحه سعادة خالصة..
فمن يرى كل هذا الحسن له وبين يديه ولا يسعد به؟!!
ولكن الغريب أنه شعر بحزن عميق غريب غمر فؤاده حتى أقصاه.. بل أقصى أقصاه!!..

تجاوزها ليجلس على سريره ودون أن يقول لها كلمة واحدة..
مزنة استغربت منه فعلا..
" يكون زعلان عشاني تأخرت عليه؟؟"

لتتصارع الرغبتان في روح مزنة أيضا..
رغبة يدفعها لها معرفتها لحقه وأنها يجب أن ترضيه لأنها من قصرت في حقه..

ورغبة اخرى هي الأقوى.. هي رغبة روحها التي لا تعرف المهادنة..
فهو يعرف أن ابنتها مريضة.. وإن كان سيغضب لأنها تأخرت عندها.. فليغضب كما يشاء!!

ولكنه قطع عليها خط الصراع وهو يتمدد نصف تمدد ويهمس بدفئه الذي أصبح علامة مخصصة لها:
ها مزنة مطولة وأنتي تفكرين تحنين علي وإلا لأ؟؟
تعالي.. تمددي جنبي!! قطعتي قلبي..

مزنة انتفضت بخفة وهي تتقدم نحوه وتهمس بخفوت اختلط بخجلها الفطري: هذا أنا جايه..

حين جلست جواره وهي تسند ظهرها لظهر السرير.. تناول كفها ليحتضنها بين كفيه كليهما بينما همست هي بشفافية:
زايد أبي أقول لك شيء وأتمنى ما يضايقك..

ابتسم زايد: أتضايق من شيء تقولينه؟؟ أفا عليش.. قولي وتدللي!!

مزنة بذات الشفافية: بصراحة ردات فعلك غريبة شوي.. أو يمكن أنا أشوفها غريبة لأني ما بعد أعرف طبايعك..
يعني أحيانا تسكت وأنا متوقعة منك تقول شيء.. واحيانا أتوقع منك تسكت تفاجئني بكلام ما توقعته..

حينها هتف بعمق شديد: إذا على الصمت.. فأحيانا الصمت في حرم الجمال جمال..
أما على الكلام.. فيا الله يامزنة.. ما تتخيلين وش كثر في قلبي كلام..!!

حينها همست مزنة برجاء عميق: تكفى زايد.. لا تقول لي شيء..
أنا عادني ما قدرت أستوعب كلامك أمس.. وحاسة كأني في دوامة عدم توازن..
تكفى ما تقول لي شيء.. ترا ضربتين في الرأس توجع..

ولكنه لم يرحمها ولم يرحم رجاءها الذي كانت تعنيه حقا!!
وهو يفلت كفها ليحتضن كتفيها وهو يزيح شعرها خلف أذنها ليغمرها بقبلاته وهو يهمس بعمق متجذر في داخل أذنها:
ما أقدر.. حاس أني باموت لو ما تكلمت.. كتمت ثلاثين سنة.. ثلاثين سنة!!
حاس بأنفجر من كثر الكلام اللي دسيته لش !!






**************************************





" وضحى شتفكرين فيه؟؟"

وضحى انتفضت بخفة وهي تنظر لمزون وتبتسم: مافيه شيء.. سرحت كذا!!

فهي الليلة ستنام مع مزون التي أصرت أن تنام وضحى معها في غرفتها..
بينما وضحى تحاول الخروج من أسر أفكارها التي تطوقها رغما عنها..

ماذا تقول لها؟؟
أ تقول لها انها متضايقة إلى درجة الاختناق من تصرفات تميم!!
اليوم آلمها ألم أكثر من سنوات عمرها كلها!!
لأنه تميم.. تميم.. نبض روحها!!

بدءها صباحا بمنعها من الخروج..
وختمها مساء.. وهو يتعارك مع أمه لأنه كان رافضا أن تبات وضحى خارج البيت..
يريدها أن تبقى سجينة تحت عينيه..
وربما كان يريد أيضا إغلاق الغرفة عليها.. مايدريها..!!


بقدر ماشعرت بالألم أنها أفشت سرها ليتخذه تميم سيفا مسلطا على رقبتها..
بقدر ما شعرت أن الأمر يستحق وزايد يمر بها وبمزون الليلة وهو يجلس بينهما ويحتضن كل واحدة منهما بذراع..
وهو يحدثهما بحديثه الآسر الأبوي الحاني لحدود السماء..
شعرت أن هذا يكفيها عن كل ألم..
يا الله كم هذا الشعور رحب وثري ودافئ!!

ولكن هل سيطيل تميم عليها تصرفاته.. لأنها لا يمكن أن تتحمل هذا من تميم بالذات..؟؟
فالأمر جارح لها ومؤذي لأبعد حد!!




**********************************






يدور في غرفته كالمجنون.. مليء بالهواجس والألم..
البيت خال عليه تماما..
كان يريد أن ينام مع جده.. حتى يخفف شعوره بالوحدة..
ولكنه لم يستطع .. فإن كان لا يستطيع سماع شخير جده الذي يصم الآذان
فهو بالتأكيد اختنق من رائحة (الفيكس) الذي يبدو أن (سليم) قد استحم به!!
ولا يستطيع أن يطلب من سليم أن ينام في مكان آخر.. لآن جده لو قام في الليل ونادى فهو لن يسمعه..


لذا عاد لغرفته مدحورا مقهورا..
وهو يدور في أرجائها كعقرب ثوان لا يكف عن الحركة!!
لشدة إحساسه بالوحدة يتمنى لو أرسل لوضحى حتى تعود وهو سينتظرها عند الباب الواصل بين البيتين..
ولكنه رأه تصرفا غير لائق.. عدا أن وضحى قد تكون نائمة أصلا!!


غرفته باتت تمثل له كابوسا يكتم على أنفاسه..
قرر أن ينام في غرفة أمه.. فرائحة أمه قد تهدئ قلق روحه كما فعل البارحة وهو يقضي الليل فيها ..
لكنه انصدم أن غرفة أمه مغلقة..
شعر بالألم.. لماذا أغلقتها؟؟
لم تبق له إلا رائحتها فيها وحتى هذه الرائحة استكثروها عليه!!


"يا الله... رحماك ياربي..
ماعاد للهم في قلبي مكان!!"






*******************************





اليوم التالي
.
.
.

" من جدك نايف اللي سويته؟؟
من جدك؟؟
واصل أمس ورايح تخطب اليوم وبدون حتى ما تشورنا
ما تقول خواتي أخذ رايهم.. أخليهم يختارون لي..
رايح تتبع شور عالية مثل الخروف.. أكيد هذا شورها..
بنت خال رجّالها ومرت عبود أم لسانين!!"

نايف يشد له نفسا عميقا وهو يضغط رأسه حتى لا ينفجر.. فهذا هو العتاب السادس اليوم وبذات المعنى..
بل يستطيع الآن أن يحدد تماما ماذا ستقول بعد ذلك..
وهو تقصد تماما أن يفاجئهن بخبر الخطبة لأنه لو أخبرهن قبلها لصنعنها قضية الشرق الأوسط..
ولأفسدوا الخطبة بأكملها..
والآن تقصد أن تكون نورة آخر من يخبرها لأنه يعلم أنها ستكون أشدهم وأقساهم عتابا..


نايف بنبرة حنونة: نورة يا قلبي أنتي.. الحين مابعد صار شيء.. هذي مجرد خطبة..

نورة بغضب عارم: إيه وصافية عندها خبر من البارحة.. ورجالها اللي رايح يخطب لك..
وليه ما قلت لي أنا ورجّالي؟؟ وإلا ما حنا بكفو ياحضرة وكيل النيابة..

نايف يميل على رأسها ليقبله وهو يهتف بذات النبرة الحانية:
صافية رجّالها هو الكبير.. ما يصير نتعدى عليه..
هذي الأصول وأنتي أم الأصول اللي تعلمينها يأم سعود..

نورة بذات الغضب: بس البنت مهيب عاجبتني.. ماحتى خذت شوري فيها..

نايف يشد له نفسا للمرة الألف هذه المرة: ليه مهيب عاجبتش؟؟
تردين شيء في دينها؟؟ في أخلاقها؟؟

نورة حينها همست بجزع: لا والله حاشاها.. ما أبهتها..
بنت أجواد وحشيم وأنا أشهد إنها ذربة ومتربية.. أنا عندي بنات ولا أبهت بنات الناس..

نايف استغرب أن نورة بالذات التي لا يعجبها العجب.. تشهد لها ومع ذلك لا تريدها: زين دامش تمدحينها ذا المدح كله.. ليه مهيب عاجبتش..

نورة تصرح تماما بما في ذهنها: أمها وأختها الكبيرة ما ينداس لهم على طرف..
اللي بيقول لهم كلمة بيردونها عليه عشر..
وشيدرينا إنها بكرة لا خذتك ما تكون مثلهم..
هي ذا الحين صغيرة.. بس يمكن بكرة تنفش ريشها.. واقلب القدر على ثمها تطلع البنت لامها..

حينها ضحك نايف: ليه أنتو ناوين تدعسون في بطن مرتي وما تبونها حتى ترد!!

نورة بغضب: غدت مرتك من ذا الحين..؟؟
أنت أخينا الوحيد.. وما نبي حد يفرق بيننا وبينك.. ونبي لك الزين..
ووضحى الله يستر علينا وعليها ماحتى هي بذابحها الزين!!

نايف ينظر لها بنظرة مباشرة وهو يهتف بنبرة مقصودة: شينة يعني؟!!

نورة تنظر له بغضب لأنه يسألها بهذا البرود: لا ..مهيب شينة.. بس مهوب ذابحها الزين..

نايف وقف وهو يقبل رأس نورة ويستعد للمغادرة ويهتف بابتسامة مرحة:
اللي فيها من الزين بيكفيني..
ما أبي مرتي يذبحها الزين.. لا ذبحها وش باستفيد عقب وهي ميتة!!






************************************





" ما أدري يمه.. بأصلي استخارة وبأفكر!! "

كانت هذه عبارة وضحى التي نطقت بها في خجل شديد وهي تنزل رأسها
بعد أن أخبرتها أمها بالخطبة التي أخبرها بها زايد بعد أن اتصل به خالد وطلب أن يقابله ومعه تميم والجد جابر في مجلس تميم حتى يخطب منهم وضحى لنايف..


مزنة جلست جوارها وهي تربت على فخذها بحنو..
بينما كانت تهمس بنبرة حازمة: أنا بعد يامش باصلي استخارة..
لكن خلني أقول لش مبدئيا إني ماني بمرتاحة..
نايف بنفسه يمدحونه.. بس خواته الله يصلحهم معروف أشلون ناشبين في حلقه..
والوحدة منهم لسانها شبرين خصوصا نورة وسلطانة.. الواحد يعيف مقعدهم..
جوزا كانت تبكي من اللي كانوا يسوونه فيها وهي مرت ولد أختهم..أشلون مرت أخيهم الوحيد والصغير..؟؟
وأنا يأمش ما عينتش في الشارع.. لو شكيت واحد في المية إن ذا العرس مافيه خيرة لش ما وافقت..

كاسرة التي تمدد على سرير أمها بإرهاق همست بإرهاق حازم:
يمه كان قلتي لعمي زايد يقول لهم من أولها مافيه نصيب..
خواته ذولا سحالي مهوب آدميات.. وضحى وش حادها على حياة الشقا ذي؟؟
عادها صغيرة.. ونصيبها بيجيها..

حينها همست وضحى بحزم رقيق: كاسرة لو سمحتي.. هذا أنتي قلتي.. نصيبها..
يعني هذا موضوع يخصني.. ومن حقي أفكر فيه وأنا اللي أعطي قراري..

ابتسمت كاسرة فموضوع وضحى جاء في وقت مناسب حتى ينشغل به الجميع عن موضوع عودتها حتى لا يناقشوها فيه ويزيدوا حرقتها حرقة..
وهي تهمس بنبرة مقصودة: والله صايرة قوية يا بنت..
إذا القوة ذي بتطلعينها على خوات نايف لا خذتيه ما ينخاف عليش..
الخوف تمدين لسانش عندي.. وعقبه يدبغونش خواته..

وضحى جلست جوار كاسرة وهي تميل لتقبل رأسها وتبتسم بمرح:
عندي أخت لسانها ما يحتاج.. إذا بتخليهم يدبغوني.. وش فايدة لسانها..

كاسرة تحتضن عضد وضحى بحنو وتهمس بذات الحنو:
أفا عليش.. يا أنا مستعدة ومجهزة لساني.. ولا يهمش..

مزنة ابتسمت: زين يا بنت أنتي وإياها ما حلت لكم السوالف إلا على فراش أبو كساب.. قوموا يا الله للصالة..

كاسرة ووضحى كلتاهما تمددتا أكثر.. بينما كاسرة تغمز بعينها لوضحى:
صدق ريحة فراش معاريس.. أنا تعبانة وما أشم ومع كذا دخت من حلات العطر..

مزنة شدت كل واحدة منهما من اذنها وهي تهمس بابتسامة:
صدق أنكم بنات مافي وجيهكم سحا..








**************************************





" نعم؟؟ ماسمعت.. عيدي اللي قلتيه لأمي"

جوزا تهمس بابتسامة: كنت أقول لأمي إن نايف خال عبدالله.. خطب اليوم وضحى بنت خالي..
توه واصل أمس راح يخطب اليوم.. ماعنده وقت!!

حينها انفجر عبدالرحمن ضاحكا.. لأول مرة يرونه يضحك هكذا منذ صحى من غيبوبته..

أم عبدالرحمن ابتسمت بسعادة لضحكه: الله يونسك دوم.. وش يضحكك..

عبدالرحمن بين ضحكاته: سالفة طرت علي بس!!


" والله منتي بهينة يا مدام..!! ينخاف منش!!
تدبرين لوضحى عريس عشان تزيحينها من دربش!!
صدق إنش خطيرة!!

ودام دبرتي لوضحى رجّال.. متى بتحنين علي أنا؟؟
ميت ياعالية.. ميت من شوقي!!
لا تصيرين قاسية كذا!!

يا الله !! يوم مر ما سمعت صوتها..
حاسة يوم ناقص من عمري.. ما ينحسب!!"





******************************






بعد ثلاثة أيام
.
.



" يمه أنا موافقة خلاص"

مزنة تلتفت لها وتهمس بحزم: يأمش لا تستعجلين.. هذا عرس.. عشرة عمر
مهوب يوم ولا يومين..

وضحى بسكون: يمه أنا صليت استخارة كم مرة وقلبي مرتاح له..

لا تنكر أن جزءا كبير موافقتها كان يرجع لمعاملة تميم الجديدة لها..
مع أنها الآن تبات في بيت زايد..
ولكن معظم اليوم تقضيه في بيتهم.. ولا يسمح لها مطلقا بالخروج إلى أي مكان..

صباحا يذهب بها للمدرسة وينتظر حتى يراها دخلت.. وظهرا يحضر قبل خروجها بأكثر من ساعة..
هل يشك أنها تذهب لمكان آخر؟؟

الأمر بات يجرحها بشدة.. فلترحه من همها مادامت أصبحت هما هكذا؟!!

بل حتى انشغاله بها.. أشغله عن مشاكله الخاصة..
فسميرة مازالت في بيت أهلها!!
ويبدو أنه لم يجد وقتا ليفكر بإعادتها.. كيف يفكر وهو مشغول بسجينته؟؟


لم تعلم أن التفكير كان يلتهمه كل ليلة كالتهام النار للهشيم..
ولكنه لا يريد إجبارها على العودة.. وهو يشعر أنها لو عادت له فستعود مجبرة..
لذا مازال لم يستمع لإلحاح مزنة عليه أن يذهب لإعادة سميرة التي تنتظر عودتها له على أحر من الجمر!!
ومن ناحية أخرى.. يشعر أنه يريد أن يبقي في قلبه بعض الأمل..
لأنه يخشى أن يذهب لإحضارها فترفض أو يرفض أهلها الذين يكره أن يجلس أمامهم كمذنب لمناقشة مشاكله الخاصة..

مزنة قررت أن تمهله عدة أيام قبل أن تتدخل بشكل قاطع لأنها علمت أنه محتاج لبعض الوقت للتفكير فعلا بصفاء ذهن مازال لم يتوفر له مع تأثره من موضوع وضحى ثم انشغاله بخطبتها..







****************************************





كانت مسترخية على سريرها مثقلة بهذا الهم الذي ماعادت تعرف كيف تزيله عن روحها..
مرارة الخذلان!!
وقسوة الخيانة!!
أسوأ شعورين قد يشعر بهما بشر.. يحطمان الروح ويعمرونها بالسواد!!


وصلتها رسالته.. حانية.. دافئة .. صادقة كما هو!!
كاذبة .. منافقة .. خائنة كما أصبحت تراه !!

" عالية حبيبتي..
مشتاق لش يا قلبي..
ما أبي أضغط عليش أو أفرض نفسي..
بس والله العظيم ماعاد فيني صبر..
أنا غلطان.. والغلط راكبني من ساسي لرأسي..
وآسف.. والف مرة آسف..
ما يكفيش ذا كله تسامحيني وتحنين عليّ
والله العظيم حاس أني بأموت من شوقي لصوتش!!"


عالية.. نظرت للهاتف بنظرة محروقة.. حارقة.. جارحة.. مجروحة!!
كتبت له:

" عبدالرحمن أرجوك عطني وقت..
أنا لا رقت بنفسي اتصلت فيك"


ألقى هاتفه جواره بأسى..

كان صوتها هو ما يأخذه من ضيق هذه الجدران الأربعة إلى رحابة العالم..
كان معها ينسى أنه عاجز عن المشي.. كأنها هي قدميه!!
ولكنه الآن عاجز حتى عن محاولة التناسي.. وعجزه يتجسد أمامه ويتجسد ويتجسد..

مشتاق لجلسة المجالس..
مشتاق للجامعة وللتدريس..
مشتاق حتى لقيادة سيارته حتى يذهب لكل الأماكن التي كان يذهب مع مهاب لها..

ولكنه يجد نفسه مجبرا على حبس نفسه في البيت.. حتى عن الجلوس في مجلس والده.. وهو يتمزق من حبسته في البيت كفتاة..
بل حتى الفتيات يخرجن أكثر منه....

ولكنه يكره جلوسه في المجلس وشكله يصبح مهينا والعمال يحملونه داخلا وخارجا وذاهبا للحمام..
وهم يمزقون جسده بالألم بحملهم غير المحترف له..

أما أكثر ما يمزقه في هذه الجلسة هو اضطرار (الشيبان) للانحناء للسلام عليه..
البعض منهم ماعاد قادرا على الانحناء حتى..
ومع ذلك ينحنون عليه بمودة.. بينما كان هو من يلقاهم سابقا على باب المجلس بسلامه وتحياته وترحيبه..


لذا صار يحبس نفسه باختياره في البيت وهو يكثف جلسات العلاج الطبيعي والتدليك التي يبدو مفعولها بطيئا جدا..
بل بمعنى أصح لا مفعول لها.. لأنه مازال لم يلحظ أي تحسن على حركة قدميه الميتتين تماما..!!

وفي كل هذا... كانت هي مرشدته.. ونوره ونبراسه وقدميه ومحاورته..
باختصار...

كانت له كـــــل شـــــيء!!!






***********************************


بعد ثلاثة أيام أخرى!!
.
.



" الحين حن مطولين على ذا الحال؟؟"

كاسرة تمشط شعرها وتلتفت لكساب الذي يجلس على طرف السرير وينظر لها بنظرة غامضة..

كاسرة ببرود: أي حال؟؟

كساب بحزم: تعاملش معي كني ماني بموجود معش في الغرفة!!
صار لش أسبوع من رجعتي..
أول الأيام كنتي مريضة ماقلت شيء.. بس الحين مافيش إلا العافية..

كاسرة همست بتهكم: ومن قال أنك منت بموجود.. أصلا أنت الموجود وبس..
لأني أساسا مالي وجود..
فأشلون غير الموجود يعامل الموجود على إنه غير موجود؟؟

كساب بغضب: ألف مرة قلت لش بلاها الفلسفة الفاضية وكلميني كلام محدد..

حينها نظرت له كاسرة بنظرة مباشرة وهتفت بنبرة شديدة المباشرة والحزم:
الكلام المحدد إني قلت لك إنك لو رجعتني بطريقة البهايم ذي.. عمر قلبي ماراح يصفا لك..
أنت قلت عادي عندك.. ماتبي قلبي يصفا لك.. المهم أني جنبك مثلي مثل الكرسي..
وهذا أنا جنبك.. فلا تطالبني بشيء أنت رضيت فيه من البداية...

كساب يشد له نفسا عميقا ويهتف بحزم: أنتي اللي كنتي معندة وما تبين ترجعين
ماخليتي لي طريقة غير ذا الطريقة..

كاسرة همست بوجع: بلى كان فيه طرق غير ذي.. بس أنت ما تعرف إلا الطرق الملتوية..
لكن الحين خلاص.. لا عاد يفيد طرق مستقيمة ولا ملتوية...

كساب بذات الحزم: يعني أشلون؟؟ بنعيش حياتنا كلها كذا؟؟

كاسرة همست بثقة: أنت الحين ليش مسوي روحك زعلان؟؟
كل اللي تبيه سويته وما اهتميت من حد..
وش تبي زود؟؟
حقك كزوج ؟؟.. ما أقدر أمنعك منه.. ومالي حق أمنعك.. وحقك على رأسي عشان ربي مهوب عشانك..

حينها انفجر كساب بغضب: أنا أبي أدري أنتي وش شايفتني؟؟ حيوان مايهمه إلا غرايزه؟؟
أنا سبق لي ولو مرة وحدة إني غصبتش علي أو جبرتش.. عشان تكلميني بذا الأسلوب؟؟

حينها همست بسخرية مريرة : أبد حاشاك.. أنت تجبرني؟؟
تصدق.. حتى قبل ما تسكر ثمي وتسحبني لغرفتك..
استئذنتني.. قلت لي تسمحين لي.. أقهرش وأسحبش مثل البهيمة المربطة؟؟

حينها انتفض بحدة ليقطع المسافة بينه وبينها في ثانية ويشدها قريبا منه وهو يدخل كفيه في خصلات شعرها من الخلف ويقربها منه حتى أصبحت أنفاسه المتطايرة تلفح وجهها بقوة..
وكلاهما يتبادلان النظرات الحادة من قرب وهو يهتف لها بحزم بالغ:
لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية.. والله ما يحصل لش طيب!!

أجابته بحزم مشابه: وش بتسوي زود؟؟ تضربني؟؟
عاد الكلام ما تقدر تحرمني منه.. لأني بأتكلم مثل ما أبي..
وهدني لو سمحت لأني أسمع زين..

حينها همس بخفوت بنبرة دافئة ومتلاعبة:
توش تقولين لو بغيت حقي بتعطيني إياه.. والحين تقولين هدني..
وين أم الكلام اللي الظاهر كلامها كله ما تعني منه شيء؟؟

كاسرة صمتت وأنفاسها تعلو وتهبط بغيظ وتوتر وهي عاجزة عن توقع خطوته القادمة..
ليفاجئها بإفلاتها ببساطة وهو يتأخر ويتناول غترته عن السرير ويهمس ببرود حازم ساخر:
بأروح أمسي عند علي..
لا تنسين تكلميني قبل تنامين.. عشان تقولين: تصبح على خير يا حبيبي!!




*********************************





هاهو يريح رأسه على فخذها وهو مغلق العينين.. وهي تمرر أناملها عبر خصلاته بحنو..
لا تعلم كيف تصف علاقتهما التي باتت تتجه لاتجاه غريب تماما..
الليلة هي الليلة التاسعة لزواجهما...

أنهك أعصابها واستنزف مشاعرها وكيانها بفيضان كلماته غير المعقولة طوال الليالي الثلاث الأولى..

كلماته التي أحدثت ثورة عارمة في كيانها الذي بات يرتعش كرعشات الحمى كلما تذكرت فقط همساته..

وبعد ذلك.. صمت.. صمت تماما.. الليالي الخمس الماضية بات حديثهما يتجه إلى التعمق في الحوار في نواحي أخرى من الحياة والتفكير..

ولكن بقدر ما أرعبتها كلمة " أحبكِ" وهو يقولها بطريقته التي تذيب القلب في الأيام الأولى..
وبقدر خوفها من تكراره لها وهي كل مرة تتحول لسلاح أكثر قوة في يده..

بقدر ما تشعر بلهفة قاتلة لسماعها الآن من بين شفتيه!!
لها وقع أشبه بالسحر تماما.. بل هي سحر خالص في التأثير غير المعقول على قلبها وكيانها وأعصابها وكل خلاياها التي شعرت بها تتساقط إعياءً على حد كلماته المسنون!!


تناول كفها من فوق رأسه ليخرجها من دوامة أفكارها.. وهو يضمها قريبا من قلبه وهو يهمس بسكون:
مزنة شتفكرين فيه؟؟ ليه سكتي؟؟
تدرين إنش لا حكيتي ما أبيش تستكتين..

ابتسمت برقة: حسبتك رقدت ومابغيت أزعجك..

هتف لها بثقة وهو مازال محتفظا بكفها قريبا من دقات قلبه:
تبين شي معين نشترطه بكرة على نايف في الملكة؟؟

ابتسمت مزنة: لو أقدر كان شرطت إن خواته ما يطبون البيت عند بنتي..
بس شأسوي؟؟
الولد أجودي.. أعرفه من عاده صغير.. كان دايما كاسر خاطري وخواته يتهادون عليه كنه لعبة..
ما أقول إلا الله يسخره لبنتي ويسخرها له..

ثم أردفت مزنة بحزم عذب: بس عندي طلب واحد بعد أذنك..
أبي عبدالرحمن يشهد على عقد الزواج..
عبدالرحمن كان غالي واجد على امهاب.. ولو امهاب موجود ما كان طلب من حد غيره يشهد..

ابتسم زايد بفخامة: أصلا عبدالرحمن بنفسه اتصل لي وقال لي إنه يبي يشهد على العقد..
فأنا حلفت إنه مايشهد على العقد غيره هو وإبيه.. أعرف بغلا فاضل عند تميم..
فعبدالرحمن وإبيه هم شهود العقد إن شاء الله!!





**********************************






اليوم التالي.. انتهاء عقد قران نايف ووضحى على خير...



يجلس في الزواية.. يشعر بتحليق حقيقي.. ويشعر أنه اليوم خفيف.. خفيف.. يكاد يحلق فعلا!!

ينظر أمامه لوالده ولنايف.. ولخالد آل ليث وأولاده.. وزايد وكساب وتميم والجد جابر و وأنسباء نايف الآخرين.. ومعارف لزايد من الوزن الثقيل..
حتى الشيخ الذي مازال جالسا لأن زايد حلف عليه أن يبقى للعشاء..

المجلس مزدحم تماما... لم يشعر اليوم بالحرج ولا الأذى النفسي من جلوسه معهم لأنه اليوم سعيد.. سعيد.. ولن يسمح أن يكدر سعادته بأي شيء..

ينظر لهم وهو يشعر أنه ليس معهم.. فهو في مكان آخر.. حيث قلبه.. مـــعـــهــا!!

سترضى عليه.. يعلم أنها ستفعل..
ألم تكفها الأيام العشرة الماضية عقابا له..؟؟

يعلم أن قلبها الحاني لن يظلمه أكثر من هذا..
فهي تعلم كم بات يتمزق من جوعه لسماع صوتها وانسكاب أنفاسها وضحكاتها في أذنه..

كان غارقا في هذه الأفكار حتى وصلته رسالة..
حين رأى اسمها يتصدر الرسالة.. شعر بقلبه يقفز إلى منتصف بلعومه " ياقلبي ياعالية.. داري إن قلبش كبير وأكبر حتى من ذنبي الكبير!!"

فتح الرسالة.. ليقفز قلبه من حنجرته ممزقا خلاياه لينهار أشلاءً متطايرة في فضاء المكان:


" طــــلــــقـــنــــي !!
لأني مستحيل أضيع شبابي وحياتي في خدمة واحد مكسح مثلك!!"




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 08-01-11 08:25 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس و السبعون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يامساء الشوق وكل كل كل الشوق
ولو أنتو اشتقتوا لي جرام فأنا اشتقت لكم بالأطنان :)
وأدري عن شوقكم وكنت أقرأ ردودكم
وللمرة الثانية أعتذر من اللي تضايقوا لحذف ردودهم
بس المنتدى عنده سياسة خاصة للردود أرجو أنكم ترجعون لها حتى تعرفون ليه الردود تنحذف
وأبدا مافيه عضو مقصود بذاته.. الأعضاء كلهم سواسية..
فخالص اعتذاري لكم.. ومايصير خاطركم إلا طيب..
وفالكم طيب يامال الطيب..
.
.
ما أبي أطول عليكم أكثر من كذا.. لأني أدري أنكم مشتاقين للبارت موب لهذرتي :)
.
بارت خاص جدا جدا جدا.. خاص بشخصين فقط
بأحداث متسارعة غير متوقعة..
قد يكون أشبه بقطعة شكولاته بلجيكية دافئة بعد غفوة ساكنة :) !!!
.
استمتعوا به رويدا رويدا
.
الجزء 75
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والسبعون..





تجلس في زاوية الغرفة على الرخام البارد..
تحشر نفسها في الزواية وبرودة الحوائط والرخام تتسرب لجسدها وقدميها الحافيتين..
تحتضن رجليها الملصقتين بصدرها وتدفن وجهها بين ركبتيها..
وبقربها هاتفها المحطم إلى أشلاء متناثرة.. تماما كما فعلت بقلبها قبل قلبه..

و

تـــنـــتـــحـــب!!


تنتحب كما لم ينتحب مخلوق قبلها.. تنتحب بهستيرية.. وبصوت عالٍ !!
ولكن صوتها لم يتجاوز أسوار غرفتها لأنها كانت تجلس في الزاوية البعيدة ووجهها مدفون تماما بين ركبتيها..


محطمة تماما.. محطمة!!
بل وصف التحطم لا يتناسب مع حالتها المنهارة تماما..
هاهي انتقمت منه.. فــلــمَ ليست سعيدة؟؟

هاهي انتقمت من عبثه بها وبمشاعرها بينما قلبه مع سواها!!


اقنعت نايف أنها لا تريد الطلاق وأنها حريصة على زواجها حتى تقنعه بالزواج من وضحى..
بينما هي كانت تخطط للطلاق منذ البداية..

فكيف ترضى أن تتزوج برجل منحته كل مشاعرها حتى آخر نقطة ليصفعها برغبته بسواها دون رحمة؟؟
كيف ترضى بفتات مشاعره بينما هي منحته لب اللب؟؟

لا تعلم لماذا يتوقع منها الناس أن تكون بلا مشاعر لمجرد أنها قوية..
هل القوة كانت المبرر لينحر عبدالرحمن قلبها المتيم به وبهذه القسوة؟؟


تعلم أنه يستحق تماما ما فعلته به... بل حتى ما فعلته به لا يوازي جريمته في حقها..
فهو كان البادئ.. والبادئ دائما أظلم..
كما أنه نحرها بدم بارد وطعنها بكل وحشية في الوقت الذي كان صدرها مفتوحا تماما لطعنته غير المتوقعة..

لكن هي هيئته تماما لطعنتها.. الخطبة أولا.. ثم ملكة حبيبته.. ثم طلبها الطلاق..
تعلم أن من هان عليه أن يبيعها بهذا الرخص.. لن يهمه طلاقها..

ولكن ما يجرحها حتى نخاع النخاع أنها جرحته بطريقة بشعة وهي تعايره بعجزه..

قد تكون فعلتها مسبقا.. ولكنها فعلتها في لحظة غضب وهي حينما تغضب تضيع الإحساس بما تقول..
ولكنها الآن قالتها مع سبق الإصرار والترصد..

لم تكن تريد أن تفعلها أو تكتبها أو تقولها.. شعرت أن الكلمة كانت سكينا نحرها بوحشية..
ومع ذلك فعلتها لأنها أرادت أن تؤذيه كما أذاها..
ولكنها وهي تؤذيه آذت نفسها بشكل أعمق وأعمق وأحد وأكثر وجعا..!!


قد تكون فعلا تريد الطلاق.. فهي يستحيل أن توافق على العيش مع رجل مشاعره مع غيرها منذ البداية..
بل وكان يتلاعب بها بكل تقصد..

ولكنها.. لم ولن تستطيع أن تكرهه.. فحبه تغلغل حتى آخر خلية في روحها..
إذا كانت أحبته وهو مجرد جسد هامد لا حياة فيه..
فكيف لا تحبه وهو من كان يهمس لها بدفء كلماته ليشعلها من الوريد للوريد..؟؟

قد يكون عبدالرحمن لم يحبها كما أحبته..
ولكنها تعلم عنه شيء هي متأكدة منه تماما..
أن هذا الرجل الذي تجاوز الثلاثين.. أستاذ الجامعة.. الذي درس في الخارج
وله خبرة لا يستهان بها في الحياة..
يحمل في داخله روحا أشبه بروح طفل بريء!!
وإلا أي رجل يصارح زوجته أنه يفكر أن يتزوج عليها لأنه لا يريد أن يخدعها!!


وهي تعلم الآن ما فعلته بهذه الروح البريئة!!

مـزقـتــهـــا.. مزقتها تماما!!





************************************






" (مكسح) ؟؟
أ هكذا تراه؟؟
لماذا جرحك هذا الأمر لهذه الدرجة؟؟
ألست كذلك فعلا؟؟ (مكسح) ؟؟ "


كان يجلس بينهم وهو لا يشعر بأحد إطلاقا.. وشتان بين إحساسه بعدم تواجدهم قبل دقائق وإحساسه الآن..
يعتصر هاتفه بين يديه.. وهو يقرأ رسالتها للمرة الألف..

" تبين تطلقين يا عالية عشان ما تبين المكسح..؟؟
دامش وريتني وجهش الثاني اللي كنتي تحذريني منه
فخلي المكسح يوريش وجهه الثاني بعد..
وإذا أنتي تعرفين تخططين خطط طويلة
وتؤمنين إن الانتقام وجبة توكل باردة..
فالمكسح يفكر وينفذ فورا
وما أمسي بحرتي في قلبي!!
وأي حرة يا عالية؟؟ أي حرة؟؟
حرقتي القلب اللي ما انكتب على جدرانه اسم غير اسمش!!
والكلمة نفسها ما تهمني.. بأقول مرة مجروحة..
لكن أنتي خططتي ونفذتي وكنتي قاصدة كل شيء!! "




عبدالرحمن رفع صوته بنبرة جهورية حازمة بالغة الاحترام : عمي خالد..


الجميع التفت لناحية عبدالرحمن.. فالنبرة العالية التي نادى فيها عبدالرحمن عمه.. أشعرتهم بشيء غير طبيعي..

أبو صالح هتف بأريحية: نعم يأبيك..

عبدالرحمن بذات النبرة: طلبتك قدام ذا الوجيه الغانمة.. قل تم !!

أبو صالح انتفض بشدة لحميته التي تخللت عروقه وهو يهتف بصوت عال: تم.. يأبيك تم..

ولكن عبدالرحمن أعاد عليه التأكيد بطريقة أكثر استفزازا للحمية: وعطني وجهك ما تردني..

أبو صالح ماعاد حتى قادرا على الجلوس لاشتداد الحمية في عروقه.. وقف بحزم وهو يهتف بحزم أشد: ولك وجهي..

ليفجر عبدالرحمن قنبلته مدوية في أرجاء المجلس الواسع:
أبي أدخل على مرتي الليلة.. وذا الوجيه الغانمة يشهدون إنك عطيتني!!

أبو صالح هتف بذات الحزم: وأنا عطيتك.. وتم!!

أبناء خالد الثلاثة عبدالله وصالح وفهد ومعهم نايف تغيرت وجوههم..
وفهد كان يريد أن يقفز لشدة غضبه لولا أن صالح المجاور له أمسك به وأجلسه وهو يهتف بحزم خافت:
أص ولا كلمة.. أبيك عطى الرجّال.. وش أنت قايم له؟؟

فهد وجهه محمر من الغضب: وهذا سنع.. وين حن عايشين وأبيك يحسب روحه عاده عايش في البر..
بيهز الرواق على هل الشق ويقول ياعرب عندكم عرس الليلة
وش يدخل الليلة؟؟ وش خرابيطه؟؟ هذا كلام عقّال؟؟



زايد لاحظ الوجوم الذي حدث في المكان والجميع في مجلسه بعد أن حلف عليهم بالعشاء عنده بعد أن تمت الملكة في بيت تميم..
لذا لابد أن يتدخل الآن..
هتف بحزم قيادي:
عبدالرحمن يأبيك.. أبو صالح ما قصر وعطاك..
بس يابيك أنا طالبك تأجل سالفة الدخلة ذي أسبوع وإلا أسبوعين لين يتجهزون العرب..

عبدالرحمن بذات الحزم: طلْبتك على رأسي.. بس عمي خلاص عطاني..
وأنا شوفة عينك ماعاد حتى أقدر أطلع للمجالس..
وذبحتني الضيقة من مقابل الطوف.. وأنا ذا الحين أحوج ما أكون لمرتي..
كان أنها بتقدر توقف جنبي الحين.. وإلا ما أقدر أمسك بنت الناس وأنا ما أدري متى الله يكتب لي أمشي!!
وش تقول يا عمي؟؟ تعطوني مرتي؟؟ وإلا تشوفوني ماني بكفو لها؟؟

أبو صالح بحزم بالغ: إلا كفو وكفو.. ومهوب بناتنا اللي يقصرون في حق رياجيلهم لا اختبرهم الله من عنده..
والمرة مرتك.. ومالنا حق نردك منها...
والعرس كله خرابيط مالها معنى..

مر البيت عقب ما نطلع من هنا وخذ مرتك لبيتك..
وترا عشاكم كلكم عندي بكرة..






*****************************************





" يأبيك اللي سويته مهوب سنع!!
وش عرسه وأنت بذا الحال..؟؟
وخالد ماعنده إلا ذا البنت.. وأنا ماعندي ولد غيرك..
وش يضرك لو انتظرت لين تتحسن وعقبه نحدد عرسك ونسوي لكم عرس على قدركم عندنا؟؟"


عبدالرحمن تنهد بعمق.. وهو يجلس مع والده في المقعد الخلفي بينما السائق وأمجد في المقعدين الأمامية..
يعلم أن في تصرفه كم كبير من الأنانية.. بينما هو فعلا أبعد الناس عن هذه الصفة..

ولكنه مجروح.. وتصرف بتسرع.. أو ربما بغير تسرع فهو فعلا ماعاد فيه صبر على بقاءه على هذا الحال..
يريد أن تكون عالية لجواره.. ولكن لأنه غير أناني فهو لم يرد فعلا أن يربطها لجواره وهو مازال لم يتحسن..
ولكنها الآن أعطته المبرر القوي ليكون أنانيا وغاضبا ومجروحا..
لا تريد المكسح..؟؟؟
فلتنم في حضنه الليلة!!

فهي كان يجب ان تعلم أن هذا المكسح زوجها وأن له عليها من الحقوق مالا تتخيله..
قبل أن ترميه بطلب الطلاق وبمعايرتها له..

ماهي الجريمة التي ارتكبها لدرجة أن تفعل به كل هذا؟؟
أنه كان وفيا لصديقه وصريحا معها؟؟
لماذا لم تقل له بطريقة واضحة أنا حريصة عليك وأستطيع أن أدبر لوضحى عريسا ما دامت قادرة على ذلك..
كانت تستطيع أن تغضب كيف شاءت وهو من سيراضيها كما يفعل الناس الطبيعين..
ولكن أن تلف هذه اللفة الطويلة حتى تنتقم منه!!
طريقة مطلقا لا تتناسب مع شفافيته ولا حتى مع وضعه الصعب!!


عبدالرحمن هتف بحزم لوالده:
يبه جعلني فداك.. خلاص اللي صار صار..
وأنا فعلا تعبت من الوحدة..
إذا هم صدق يبون يعطوني مرتي وإلا خلها تروح في حالها..
بس إني قاعد معلق ومعلقها معي هذا اللي مهوب سنع!!





*****************************





" أص ولا كلمة..
أنت وش جابك معنا؟؟
أنت منت بجاي مع صالح؟؟ ليه ماذلفت معه؟؟"


أبو صالح يهتف بذلك بغضب لفهد الذي كان يرتعش غضبا منذ سمع عبدالرحمن
وركب مع والده في سيارة عبدالله حتى يفرغ بعضا من غضبه..

فهد بغضب: يبه حتى الكلام ما نحكي.. محتر.. بأموت..

عبدالله بحزم غاضب: إيه احتر وموت.. وإلا بتقعد تراد أبيك بعد؟؟

فهد وجد له وجهة لتفريغ غضبه: إيه وش عليك.. نسبيك.. أفرح ماعليك تونسه
لكن أختك مالها قدر عندك..

عبدالله حينها هتف بغضب حقيقي: أص يا فهيدان..
أظنك عارف زين إني أقرب واحد فيكم لعالية..
وعبدالرحمن ما طلب إلا حقه اللي المفروض حن عرضناه عليه..
الرجال طلع من المستشفى تعبان ومحتاج اللي يقوم به..
أمه عجوز..وخواته أم حسن حامل وتعبانة.. والثانية أبيها طلع أخير منا وحلف تروح مع رجالها التعبان..
وحن اللي كان من المفروض نقدم الغانمة.. ونقول له مانبي عرس ولا خرابيط وخذ مرتك لبيتك..
لكن الظاهر إنك ماعاد تعرف السنع ولا السلوم ولا المراجل كون طول لسانك على أبيك وأخيك الكبير..

فهد ابتلع غيظه.. بينما أبو صالح هتف بحزم: صح لسانك يا أبو حسن..
الظاهر إني ما عرفت أربي عقبك أنت وصالح..
بس ترا الواحد ما يكبر على التربية.. وكان التربية ما نفعت..
فتراك ما كبرت على العقال.. أعلّم به جنوبك شوي..

فهد ماعاد يحتمل وهو يهتف بغضب: الحين لا قلت كلمة حق أستاهل العقال يعلم في جنوبي..

حينها هتف أبو صالح بحزم بالغ: عبدالله وقف السيارة!!

عبدالله أوقف سيارته دون تفكير وهو يصف جانب الطريق بينما أبو صالح هتف بحزمه الشديد:
انزل يا الرخمة.. والله ما تخاوينا..
البيت مهوب بعيد.. امش شوي ما يضرك..

فهد نزل فعلا وهو يغلق الباب بصوت مسموع.. بينما أبو صالح فتح شباكه وهتف بغضب: زين يا فهيدان.. وتصفق الباب بعد..
أما سنعتك فأنا ما أني بخالد آل ليث!!





*********************************





الطرقات تتعالى على باب عالية..
كان عبدالله هو الطارق وهو يهتف بحزم: عالية انزلي أبي يبيش الحين ضروري...

عالية انتفضت بجزع وهي تقف من مكانها الذي لازمته لأكثر من ساعتين لدرجة أن عظامها تصلبت من قسوة الرخام وبرودته..
وهي تهمس بصوت مبحوح: زين عبدالله نازلة الحين..

لتنتفض بجزع أكبر..
"والدها يطلبها ؟؟؟.."


نظرت لساعتها.. الساعة التاسعة والنصف مساء..
والدها بعادته.. حينما يصلي العشاء فهو لا يحب أن يخوض في حديث عدا التسبيح إلا إن كان مضطرا للحديث فعلا..
فما هو الحديث الضروري الذي يريدها فيه بعد عودته من ملكة نايف التي كان عبدالرحمن موجودا فيها..؟؟

سدت فمها بيدها حتى لا تخترق الشهقة روحها..
أ يعقل أنه فعلها بهذه السرعة؟؟ طلقها؟؟

لا يوجد تبرير آخر... عبدالرحمن طلقها !!
كانت تريد أن تنفجر بالبكاء فعلا..
فرغبتك بشيء تظنه في بالك.. مختلف تماما حينما يحصل..

أ يعقل أن ما بينها وبين عبدالرحمن قد انتهى؟؟!!
هذا الرباط الروحي المتين انقطع؟؟
ما عادت تربطها بعبدالرحمن أي علاقة؟؟

أ يعقل كل هذا الألم الذي شعرت به يثقل روحها لدرجة العجز عن التنفس؟؟


جمدت كل مشاعرها وأحاسيسها وهي تستبدل ملابسها وتغسل وجهها بماء بارد..
وتلف رأسها بجلال وتقربه من أطراف وجهها حتى لا ينتبه أحد لذبول وجهها..
فهي مهما كان عالية بنت خالد.. وستبقى قوية !!

و أ ليس هذا ما أرادته فعلا؟؟ أ لم تكن تريد الطلاق؟؟
هاهي حصلت عليه!!


عالية نزلت لوالدها..
كان يجلس في الصالة.. قريبا منه كان يجلس عبدالله ووالدتها..
انقبض قلبها تماما والعبرات تسد حلقها حين رأت الدموع التي تملأ عيني والدتها..

كان مازال في قلبها بعض أمل غبي لا معنى له.. ولكن حين رأت دموع والدتها علمت أن الامر فعلا حصل...
عبدالرحمن طلقها !!! طلقها!!


أما حين ناداها والدها بحنو لتجلس جواره وهو يهمس بحنان عميق:
تعالي يأبيش جنبي أبيش في سالفة..

حينها علمت أن مخاوفها حقيقة واقعة وأنها حتى وإن أرادت الطلاق كفكرة لرد كرامتها..
ما عادت تريده الآن حين علمت أنه حقيقة.. لذا دفنت وجهها في كتف والدها وهي تنتحب بعنف هستيري..

أبو صالح احتضنها بحنو حقيقي وقلبه يذوب لها.. يؤلمه قلبها أن يحرمها من فرحتها بحفل زواج كبقية الفتيات..
وهي ليست أي فتاة.. بل عالية!! عالية!! وحيدته ونبض قلبه!!

ولكن ماذا يفعل وهو يوضع في موقف يختبر طيب عاداتهم المتوارثة وحميته ورجولته؟؟
ويعلم أن ابنته قوية وصلبة وكل هذه رتوش لا تهمها..
وإن كانت ابنته عند ظنه فهي لن تخيب رأيه فيها!!

همس لها بذات الحنان الذائب وهو يظن أنه أصبح لديها خبرا بما أنها تبكي هكذا
ولأن عبدالله وصالح كلاهما أبلغا زوجتيهما فور معرفتهما بالخبر حتى تشتريا الأغراض الضرورية لعالية:
اسمعيني يا أبيش أدري إن الموضوع مهوب بسيط عليش..
بس وشأسوي يا أبيش.. عبدالرحمن حدني على أقصاي وخلاني أعطيه وجهي..

عالية تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها أكثر في كتف والدها.. بينما أبو صالح يكمل بذات الحنو:
يا أبيش المجلس مليان رياجيل وماقدرت أرده.. وهو يا أبيش ترا ما طلب إلا حقه..
والمفروض إنه حن اللي قلنا له ذا الكلام قدام يطلبه...
وأنا ماني بغاصبش على شيء.. بس ما ظنتي إنش بتفشليني وتصغريني قدام الرياجيل..

عالية بدأ ذهنها يتشوش.. ماكل هذا؟؟ وماذا يقصد والدها؟؟
لتنصدم صدمة حياتها ووالدها يكمل: عشان كذا يا أبيش قومي تجهزي تروحين مع رجالش..
نجلا وجوزا بيساعدونش الحين تجهزين اغراضش الضرورية بسرعة..
وأغراضش الباقية بيرتبونها لش ويجونش بها بعدين..



وبالفعل كانت نجلا حينها تدخل.. عائدة من المجمع القريب .. بعد أن أنزلت جوزا في بيت أهلها..
بعد أن أخبرهما زوجيهما قبل أكثر من ساعتين حتى يشتريا لعالية شيئا مناسبا على عجالة..
فمرت نجلا بجوزا وذهبت بها..
واشتريا لها بشكل سريع قمصان نوم وبيجامات وملابس داخلية وبعض الأطقم الجديدة وهما تركضان في المجمع..

والاثنتان فعلا لم تكونا راضيتين بهذا.. فمن التي تتزوج بهذه الطريقة؟؟
حتى جوزا مطلقا لم تكن راضية بما فعله عبدالرحمن وهي تحاول وضع نفسها مكان عالية لتجد الأمر صعبا عليها..
ولكنها اتصلت فورا بشعاع لتجهز هي أيضا غرفة عبدالرحمن..
لتنزل لها الآن لكي ترتب الأغراض التي اشترتها لعالية في الغرفة..



وبما أن زواج شعاع بعد أقل من أسبوع فهي تقريبا كانت أغراضها جاهزة..

لذا قررت شعاع أن تضع مفرشها الفخم الذي كانت جوزاء قد اشترته لها لليلة زواجها لهما..
فهي مازال الوقت أمامها وجوزا ستشتري لها غيرها.. ولكن عالية المسكينة صدموها بهذا التصرف غير المعقول..

بل إن شعاع بأريحية وشفافية كبيرة علقت في الدولاب كثيرا من قمصانها وملابسها الجديدة ..
ونثرت على التسريحة عطورها وكريماتها المعطرة وبخورها.. وكثير من أدوات زينتها..
وكذلك فعلت في الحمام وأرجاء الغرفة.. وهي تبخر كل شيء وتعطره بعناية..

وحين دخلت جوزا بالأكياس الكثيرة ومعها خادمتين يحملونها.. فوجئت أن كل شيء تقريبا جاهز..
كغرفة عروس فعلا بأجواءها وترتيبها ورائحتها..

جوزا همست بتأثر وهي تختنق من تأثرها: شعاع يا قلبي وش خليتي من أغراضش..؟؟

ابتسمت شعاع بشفافية: الأغراض هذي أنتي اشتريتها في أسبوع.. ما تقدرين تشترين لي غيرها يعني؟؟

جوزا احتضنتها بتأثر: واللي خلق عيونش الحلوة لأشتري لش أحلى وأكثر منها.. وفي يومين بس..
جعل ربي يفرح قلبش مثل ما فرحتي قلب ذا المسكينة..
وجعل عين ولد آل كساب ما تشوف غيرش.. قولي آمين..







*******************************************






كانت نجلا ترتب حقيبة عالية على عجالة..
وهي عاجزة عن منع طوفان دموعها من الانهمار.. وهي تهمس بكلمات مختنقة أشبه بكلمات متقاطعة:
ترا والله عمي خالد انحرج من المجلس.. صالح قال لي إن عبدالرحمن ما خلا له مجال... وهو يطلبه قدام الرياجيل..
تكفين لا تتضايقين.. بكرة بنجي عندش ونسوي لش أحلى حفلة..
وبأرقص لش بكرشي..
وبجيب لش هدية ماصار مثلها ولا أستوى.. تكفين لا تتضايقين...
المهم توفيقش..

كانت نجلاء تنهمر بكلماتها المبتورة المتغرغرة بالدموع وهي تتحرك بتوتر في أرجاء الغرفة.. بينما عالية جالسة على طرف السرير غارقة في التبلد..

ختاما كانت هي من شدت نجلا لتجلسها وهي تهمس بذات التبلد:
نجلا بس.. اقعدي.. الشنطة خلصتيها من زمان.. وأنتي نفس الأغراض تدخلينها وتطلعينها..
ومن قال لش أنا متضايقة.. أنا متقبلة الموضوع ببساطة..
وفعايل أبو صالح فعايل رياجيل صدق وما تنلحق.. ومهوب أنا اللي أسود وجهه.. عشان خرابيط مالها داعي..


حينها كانت نجلا من انفجرت في البكاء وهي تدفن وجهها في حضن عالية..
عالية ربتت على كتف نجلاء المنكبة في حضنها وهي تهمس بذات التبلد:
تدرين عبدالرحمن كنه حاسس فيني..
كنت أفكر أشلون أنا بألبس فستان أبيض.. حسيته شيء غبي ما يلبق لي..
وأشلون بأمشي فيه؟؟.. مثل البطة!!
وأشلون أرسم نفسي عروس وأقعد باحترام وذرابة وأنا ما أعرف..
فخلاص تريحت وريحت رأسي من التفكير بكل ذا السخافات..

نجلاء تزايد انهمارها بالبكاء بطريقة هستيرية وهي تشهق: بس عالية تكفين اسكتي..
لا تقولين شيء.. مافيها شيء لا بكيتي.. ابكي وفضفضي..

عالية وقفت وهي تهمس بحزم: وليش أبكي.. أنا أبي أعرف وين المأساة في الموضوع؟؟
عبدالرحمن رجّالي صار له شهور طويلة..
المفروض أساسا أني رايحة بيته من زمان..
ويا الله نجلا كلمي صالح خله يوديني لبيت رجّالي..

نجلا تنظر لعالية بدهشة حقيقية: نعم؟؟ تبين صالح يوديش..؟؟
عبدالرحمن بنفسه بيجيش لين مكانش..

عالية بحزم شديد: عبدالرحمن وضعه مايسمح له يجيبني.. يجيني مع السواق؟؟
أنا أبي أروح بنفسي وأنتظره هناك..


" تحسب أنك بحركتك بتكسرني يا عبدالرحمن..؟؟
بتجي تأخذني وتلاقيني منهارة أبكي..؟؟
لا يا ولد فاضل..
ما عرفتني !!
أنا اللي بأروح هناك.. وبنفسي.. وأتعدل وأنتظرك مثل عروس..
ورني أنت أشلون بتمثل دور العريس !! "






*****************************






" عبدالرحمن لا تروح تجيب عالية خلاص"

عبدالرحمن يعتصر هاتفه ويهمس بصوت مبحوح: وليش ما أجيبها؟؟ أهلها غيروا رأيهم..؟؟

شعاع بابتسامة عذبة: لا بس عالية صارت هنا خلاص..
وتقول بس عطها ساعتين قبل تجي..

عبدالرحمن ألقى الهاتف من يده كأنها شعلة من نار أحرقت يده..
ليسقط الهاتف عن المقعد المتحرك الذي كان يجلس عليه في المجلس.. لأنه اتصل بالسائق حتى يذهب لإحضار عالية..

ماذا تقصد من هذه الحركة؟؟
أن تثبت له سيطرتها على الأمور؟؟ أو عدم اهتمامها بحركته؟؟
بالفعل يشعر أنه يجهل المرأة التي كان يظن أنه بات يعرفها أكثر من نفسه!!
وهو يرى الطريق أمامهما بات مليئا بالتعقيدات والعناد والخطوات غير المحسوبة!!


لا يعلم كيف قضى الساعتين حتى..
يتمزق بين أفكاره المتعارضة المؤلمة والجارحة..

والده غادره منذ فترة مجبرا.. بناء على حلف عبدالرحمن عليه لأنه يعلم أن والده يفضل النوم مبكرا..
والعمال ذهبوا للنوم أيضا.. فهو على كرسيه المتحرك ويستطيع تحريكه بنفسه حتى يصل لداخل البيت.. بعد أن وضع والده الممرات المسطحة على كل المداخل..
سيتصل بشعاع لتساعده فقط ليصعد لداخل البيت..
لا مشكلة حتى الآن في دخول البيت الذي دخله فعلا..

ولكن الـمـشـكـلـة....
أنه يقف الآن على أعتاب باب غرفته ولا يريد الدخول..
لا يريد الدخول فعلا !!!

عاجز عن توقع شكل المواجهة أو وطأتها وهو فعلا غير مستعد لها ولا بأي شكل!!



مازال يقف أمام باب غرفته..
يسب نفسه على تسرعه..
هاهو في خضم مواجهة هو غير مستعد لها إطلاقا..
هو غير نادم على التصرف الذي قام به.. ولكنه تمنى لو أنه قال لعمه أريد أن أدخل على زوجتي بعد أسبوع أو أسبوعين..
يكون تهيأ للأمر نفسيا..

وبهذه الطريقة يكون وصل لكل اهدافه..
أدبها على ما فعلته به..
وفي ذات الوقت استطاع أن يحضرها لتكون جواره..

لا يستطيع حتى أن يتخيل تقبلها له.. أو تقبله لها...
نحن حينما نسمع عن شخص أو نتكلم معه دون مشاهدة نرسم في خيالنا صورة ما.. قد لا تكون حقيقية إطلاقا..

عبدالرحمن لأنه رجل منفتح التفكير كان يرفض أن يتزوج من محض شبح لا يعرفه..
بدأ بالكلام معها.. وكان يخطط لأن يطلب منها صورة لها على أن يراها ويعيدها لها.. لكي تكتمل الصورة في ذهنه..

حقيقة وفعلا الجمال لا يهمه إطلاقا ولا يشغل باله.. ولكن يهمه أن يعرف شكل المرأة التي ستصبح أقرب له من روحه..

لا ينكر أنه رسم لها صورة ما.. صورة تغلغت في تفكيره من خلال شبه أشقائها..
قد يكونون أولاد خالد آل ليث الذكور يتمتعون بوسامة استثنائية إلا هزاع.. ولكنه لم يستطع أن يتخيل أبدا أن عالية قد تكون جميلة بأي حال من الأحوال.. ولكنها ليست دميمة أيضا..!!

بل الغريب أنه شعر أنها قد تكون أقرب شبها لهزاع ولكن بالطريقة الأنثوية..


فالشباب كانوا يتدرجون في هرم على رأسه عبدالله ثم فهد ثم صالح... ثم يأتي هزاع متأخرا جدا في آخر الهرم..
فهزاع يتمتع ببنية جسدية ضخمة هي الأضخم بين أشقائه.. وتتصف ملامحه بالحدة والخشونة لأبعد حد..

ولأن عالية كانت حتى في حديثها معه تربط بينها وبين هزاع فهذا الربط بدأ يحدث في ذهنه تلقائيا..
وخصوصا أن عالية لم تكن تتمتع بأي أنوثة في الحديث.. الذي كان هو مفتاحه الوحيد لمعرفتها..

بالتأكيد يعلم أنها ليست ضخمة.. لأنه رأها بالعباءة الواسعة.. فطولها طبيعي كطول أي أنثى.. قريبة من طول شعاع مثلا!!


إذن فالصورة التي تكونت في ذهنه..
أن عالية عادية الملامح ولكنها (مملوحة) كما يُقال في اللهجة الدارجة.. أي وجه ترتاح العين لمرآه..
وفي ذات الوقت.. الأنوثة عندها هي في مستوياتها الدنيا..

ومع كل ذلك.. كان متأكدا أنها ستكون المخلوقة الأجمل في عينيه..
فمتى كان الجمال هو مقياس كل شيء في الحياة؟؟

ولكن مع هذا التعقيد الحاصل بينهما.. وهي تجرحه بدون رحمة..
يخشى أنها مهما كان شكلها فهو لن يبصر إلا مساوئها..
وهكذا هي النفس.. ما حسنته فهو حسن.. وما قبحته فهو قبيح!!





هـــــي في الداخل..
تسب نفسها على تسرعها أكثر منه..
بل تسب نفسها أكثر على ثقتها التي شعرت أنها تبخرت في الهواء..

فهي منذ وصلت لبيتهم.. رغم دفء ترحيب أم عبدالرحمن وشعاع وجوزا.. وهن يكدن يحملنها عن الأرض..
وهي تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. أما حين وصلت للغرفة ثم تركنها فيها..
شعرت أنها سيغمى عليها...

كانت تظن أنها ستأتي إلى غرفة رجل جامدة.. تبدو كأرض حرب محايدة..
ولكن الغرفة كانت تبدو فعلا كغرفة عروسين في أبهى صورة..

فكيف استطاعوا فعل ذلك في أقل من 3 ساعات ؟؟


المفرش الأبيض البالغ الفخامة.. والشموع العطرية المنثورة في المكان.. والرائحة العطرة الدافئة..
وأكوام العطور والزينة على التسريحة..

أما حين فتحت الدولاب أغلقته بسرعة كما لو كان سيخرج منه عفريت وهي ترى أمواجا من الفساتين الجديدة.. والقمصان الفاخرة..

قررت أن تهرب للحمام وهي تنتزع فوطتها وروبها من حقيبتها.. تريد أن تستحم حتى تغسل جسدها من الحرارة والتوتر..

حين دخلت للحمام.. أصيبت بخجل أعمق.. حتى الحمام كان غارقا في فخامة استثنائية بطقمه الفاخر الجديد..
وهو يفوح برائحة الزيوت العطرية.. وغارق في أكوام الكريمات ومعطرات الجسد..


كادت تجن.. كيف فعلوا كل هذا في وقت قصير.. بل دون وجود وقت حتى؟؟
بل لماذا فعلوه وهم يسلبونها حقها في القوة والثقة ليجعلوها تشعر بالخجل والتزعزع كأي فتاة غبية؟؟

لم يخطر ببالها أن كل هذه الأغراض هي أغراض شعاع التي كانت جاهزة أصلا..
وكل ما احتاجته.. هو خادمتين معها لتنتهي من العمل كله في أقل من ساعة..

مع أنه لم يكن لها عقل لتفكر وهي تستحم.. ولكنهالم تستطع منع نفسها من الشعور بألم عميق..
وهي تلاحظ في الحمام بقرب المرحاض والمغطس وجود الألواح الحديدية التي توضع لذوي الاحتياجات الخاصة لتساعدهم على الحركة داخل الحمام..


حاولت تنحية الألم الذي غمر روحها لأقصاها وهي وتقرر أنها لابد أن تمشي في مخططها كما رسمت.. مع أنها ماعاد بها قدرة لا للتفكير ولا للتنفيذ..


صلت قيامها قبل أن تقوم بأي شيء وهي تدعو الله أن يقوي عزيمتها ويبعث في روحها القلقة السكينة..
ثم حاولت أن تهدأ وهي تقوم لتبدأ بتنفيذ مخططها..

بعد أن انتهت من تعطير جسدها وشعرها وتبخيرهما.. أخرجت فستانها الذي قررت أن تلبسه.. فستان زهري..
ضيق على الصدر ويتسع من الصدر بكسرات متعددة..

فهي بطبعها ولأنها نشأت في بيت كله شباب ثم عاشت سنواتها الأخيرة مع شاب كانت لا ترتدي إلا الملابس الواسعة..
وربما حتى هذا الفستان كانت تراه مخجلا.. ولكنه كان الفستان الوحيد الجديد الجاهز لديها لأنها كانت أعدته لزواج شعاع..

تركت شعرها المتوسط الطول يجف دون تمشيط وهي تمرر بعض الجل خلاله ليكون مموجا بطبيعية..
ثم رفعت أطرافه من الأمام بفراشات زهرية..
ووضعت زينة خفيفة.. اعتمدت على ألوان الزهر في مجملها..

لا تعلم حتى لو كان شكلها مرتبا وهي تنهي زينتها برشات كثيفة من العطر..
ولكن هذا ما استطاعت فعله وهي تنظر لساعتها وترى أن الساعتين اللتين طلبتهما من عبدالرحمن عن طريق شعاع قد انتهتا من أكثر من ربع ساعة..



كانت تجلس في الجلسة الصغيرة في الزاوية حين رأت الباب يُفتح..
شعرت أن قلبها يقفز إلى منتصف حنجرتها من الرعب والتوتر..
حاولت أن ترفع عينيها لتنظر له بتحدي و برود حتى تريه أنه لم ولن يكسرها..
ولكنها لم تستطع رفع عينيها عن يديها المتشابكتين وصوت دقات قلبها يكاد يطغى على صوت العجلات التي سمعتها تتقدم لداخل الغرفة..



هــــو... بقي أمام الباب لوقت طويل.. لا يعلم مدته.. ربع ساعة.. نصف ساعة..
يعصف به توجس عميق.. في داخله كره أن تراه بهذه الضعف.. وهو يدخل على كرسيه المتحرك..
وكأنها تتأكد بذلك مما وصفته به أنه " مكسح " !!!
أذى نفسي متزايد هو في غنى عنه..!!

ولكنه في النهاية وجد نفسه مجبرا على الدخول.. فحتى متى سيبقى أمام الباب؟؟
أ ليس من أراد جلبها لعنده؟؟ وهاهي عنده كما أراد تماما..

حين دخل لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها..
وإهانتها المرة تقفز فورا لذاكرته...

غمغم بسلام بارد وهو يتجاوزها للحمام.. لترد هي بسلام أكثر برودا..
وعبرتها تقفز لمنتصف حلقها وهي تتذكر حين سمعت صوته.. ماقاله لها في مكالمتهما الأخيرة..
وهو يطعن قلبها الطعنة التي حاولت أن تنحيها من تفكيرها فإذا بها تقفز لتحتل كل المساحات وهي تراه أمامها..


قضى في الحمام نصف ساعة قبل أن يخرج من غرفة التبديل وشعره يبدو مبلولا..
خلال الفترة التي قضاها في الحمام كانت رغما عنها تتساءل بألم شاسع:
كيف يتصرف في الداخل..؟؟

كانت تنظر له بطرف عينها وهي تراه يعبر من أمامها.. متوجها للسرير ودون أن يوجه لها كلمة واحدة..
نقل نفسه للسرير.. بدا له أنه عانى طويلا حتى استطاع فعل ذلك..
ولكنها لم تجرؤ على عرض المساعدة.. وهي تشعر رغما عنها أن كل حركة فاشلة يقوم بها تجعل قلبها ينتفض وهي تخشى أن يقع على الأرض خلال محاولاته..

وهي مازالت تسترق النظرات له وهي تراه يتوجه للقبلة ويصلي قيامه.. ثم يتناول مصحفه ليتلو ورده..
ثم يضع مصحفه جانبا.. لينظر أمامه.. دون أن يتوجه لها بكلمة..

شعرت بغضبها يتصاعد منها.. لماذا أحضرها هنا إن كان يريد أن يتعامل معها كأحد مقاعد الغرفة..؟؟
فهو لم يكن يحتاج لمقعد إضافي..


مرت دقائق صمت قبل أن يكسر هو الصمت وهو يهتف ببرود مقصود:
تراني تعشيت في ملكة خالش العزيز..
لو تبين تتعشين.. تعشي أنتي..

قالها وهو يشير بيده للعشاء المرتب على طاولة التقديم في الزواية..

حينها رفعت عينيها وهي تنظر له بشكل مباشر وترد ببرود أشد:
شكرا مالي نفس.. نفسي مسدودة طال عمرك..

حينها تجرأ لينظر لها.. فنبرة التحدي منحته عذرا ليقوي أعصابه..


حـــــيـــــــــنــــها...
تبعثرت مشاعره تماما..
فالمرأة أمامه شكلها مختلف تماما عما رسمه في ذاكرته..
لا تشبه أي واحد من أخوتها ولها شكلها الخاص بها..
قد تكون فعلا عادية الجمال.. ولكن ملامحها كانت عذبة وأنثوية ورقيقة لحد بعيد..
كانت فعلا في عينيه هو أنثى فاتنة وهي أمامه كزهرة عطرة متفتحة في أجمل فصول الربيع!!
لم يتخيل أن من لها هذا اللسان الحاد السليط قد يكون لها مثل هذه الملامح الرقيقة..!!


رغما عنها حين رأته يتفحصها بهذه الطريقة المتمعنة أنزلت عينيها

" وش فيه الدب يتمقل كذا كنه عمره ماشاف مره؟؟
يمكن يتمسخر هو ووجهه ذا الحين!!!"

لم تستطع أن تسكت وهي تراه يطيل النظر فيها هكذا .. فروحها المتمردة رأت في تفحصه لها بهذا الاستهزاء امتهانا لها..

لذا رفعت عينيها وهي تنظر له وتهمس بنبرة تهكمية:
تطلع الأخطاء السبعة؟؟.. وإلا تحسر على حالك لأنك كنت تتمنى ناس ثانين يكونون مكاني..؟؟

حينها رد ببرود: ناس ثانين مثل من؟؟

أجابته حينها بمباشرة غاضبة وكل الأقنعة تسقط: بنت خالك مثلا يابو عين زايغة..

حينها أجاب ببساطة حازمة: لو أنا أبغي بنت خالي على قولتش..
ترا أبسط شيء إنه أتصرف تصرفات القرون الوسطى.. و أقرع على خالش من يوم دريت إنه خطب..
ولو كنت مثل ما تظنين.. فخطبة خالش بتحل كل مشاكلي..
لأني لو خطبت عادي لهم حق يردوني.. لكن لو قرعت ما لحد حق يفتح ثمه..
كذا تقول العوايد يا اللي تعرفين العوايد..
ولو حتى بغيتها الحين.. ممكن أروح أشتكي عند كبار القبيلة وأخلي خالش يطلقها..
صحيح هذا مهوب حق في الشرع ولا الدين.. بس حق في العادات والتقاليد..
والرجال العاشق ماعليه شرهة..
أشرايش عالية؟؟ أسويها؟؟

عالية صمتت بغيظ وغضب وألم أوسع من كل ألم..
وما يؤلمها حتى آخر شرايينها.. أنه محق تماما..!!

لو كان يريد وضحى ويحبها كما كانت تظن.. كان يستطيع أن يحجرها على خالها..
فالمحب يستحيل أن يتخلى عن حبيبه.. تماما كما فعل هو معها الآن.. بينما هي فعلت العكس.. العكس تماما!!!


بدا لها الأمر بسيطا واضحا إلى درجة الوجع.. ولكن الأمور لا تكون بهذه البساطة والوضوح لامرأة مجروحة!!

شعرت بتزايد حزنها ووجعها في قلبها.. حتى شعرت أنها تريد أن تتقيأ دون أن تستطيع!!


تبادلا النظرات الصامتة لثوان.. ثم تمدد عبدالرحمن وهو يهتف بسكون:
تصبحين على خير..

ابتلعت غصتها الصامتة.. شعرت لضخامة الغصة أنها ستتقيأ فعلا وهي تبتلعها رغما عنها..
" يا الله كم هو مرهق!! "


بينما هو كان مرهق فعلا.. متعب من هذه المواجهة القصيرة..
لم يتخيل أن ليلته الأولى مع عالية لن تكون سوى مأساة واستنزاف لمشاعره وأعصابه بهذه الطريقة..
ألا يستطيع أن يناديها ويقول لها تعالي جواري فقط.. أريد أن أسمع أنفاسك من قرب..
أنفاسك التي رافقت روحي وأخرجتني إلى ضوضاء الحياة!!

لماذا كل هذه التعقيدات بينهما؟؟
وهو يحاول بفشل ذريع أن يتجاوزها ليجد حاجزين ممتدين أمامها..
معايرتها الجارحة له..
ثم إحضاره لها بطريقة مطلقا لا تناسب قدرها الكبير عنده !!
رغم أنه بذاته إنسان غير معقد أبدا.. واعتاد على أخذ الأمور ببساطة وشفافية..
فلماذا يحضر التعقيد بينهما؟؟

وهو يتمدد... تذكر أن الغرفة ليس بها مكان مناسب للنوم عدا هذا السرير..
لأن هذه غرفة مؤقتة له..
والجلسة الصغيرة في الزاوية عبارة عن أربع مقاعد دون أريكة حتى!!

حاول أن يعتدل بذات الصعوبة التي عاناها في تمدده وكانت مازالت تجلس على المقعد ليهمس بذات السكون:
عالية تعالي نامي جنبي.. مافيه مكان تنامين فيه..
ثم أردف بتهكم موجوع: ولا تخافين.. السرير كبير.. وأنا واحد مكسح..
ما أقدر أجي جنبش..

شهقت بعنف.. ولكنها كتمت شهقتها بداخلها مع أخواتها الأخريات..
وهي تسمع معايرتها له بلسانه.. تبدى لها مقدار بشاعة الكلمة وقسوتها ووحشيتها..
بدت الكلمة فعلا بشعة لأقسى صور البشاعة التي لا يمكن تخيلها حتى!!


" أ حقا جرؤت أن أجرحه بهذه الطريقة غير الإنسانية؟؟
أ حقا فعلتها؟؟"


قفزت للحمام دون أن ترد عليه..
شعرت أنها ستنفجر في البكاء أمامه ودون مقدمات..
لذا أغلقت باب غرفة التبديل.. ثم باب الحمام.. لتنتحب..

يا الله .. أي ليلة زواج هذه التي قضت أكثر من ثلاثة أرباعها في النشيج والنحيب!!


حين استكانت بعد أن فرغت ثورة بكائها..
خرجت لغرفة التبديل لترتدي بيجامة حريرية واسعة بلون مشمشي..
لا تعلم لماذا اختارتها؟؟
كانت أقرب شيء ليدها.. ربما..!!
بريئة ودافئة.. ربما!!



حين خرجت.. كان يتمدد على جنبه .. عيناه مفتوحتان لكن مسبلتان جزئيا..


"يفكر.. مهموم.. !!
وأي شخص بحاله لا يكون هموما.. اجتمعت عليه المصائب..
العجز والقهر والحبس... وأنا !! "


اعتصمت بمكانها في مقعدها حتى أذن الفجر الذي لم يكن بعيدا أساسا..
حينها رأته يزيح غطائه ويحاول النهوض.. رغما عنها قفزت لتقف..
محاولة الاعتدال وهو يسحب قدميه.. بدت مؤلمة..
فكيف بمحاولة النزول عن السرير للكرسي المتحرك؟؟

ولكنها لم تتحرك من مكانها.. فليس لها حق الاقتراب ولا عرض المساعدة!!
لها حق تجميع الغصات فقط!!


هــو.. شعر بأذى نفسي كبير أنها تراقب عجزه وقلة حيلته من هذا القرب..
وقوفها ساكنة متفحصه هكذا يؤلمه.. بل يذبحه..
ولو عرضت المساعدة فهي ستذبحه تماما.. لأنها حينها ستريه أي (مكسح) هو!!


عاني طويلا فعلا لينقل نفسه للمقعد لأن قدميه كانتا متيبستين تماما..
حين دخل للحمام.. شعرت برغبة مضنية للبكاء.. هل هناك من آخر لهذه الدموع التي لا تشبهها..؟؟


لم تتخيل أن رؤيته بهذا العجز وقلة الحيلة سيؤذيها بهذه الطريقة..
والمؤذي أكثر من كل شيء معرفتها أنه يكابر على وجعه حتى لا يبدو كما قالت له في كلمتها البشعة...


بقيت معتصمة بمكانها وآلامها الغريبة تتسع وتتسع..
خرج بعد عشر دقائق مرتديا ثوبه.. ولكنه يحتاج إلى من يسدله له على قدميه..

حينها وقفت وهي تهمس له بحزم رقيق:
لا تصير سخيف وتعيي..
خلني أوطي لك ثوبك..

هتف لها بحزم أشد: إبي ينتظرني في الصالة وبيوطيه لي..

حينها همست بنبرة أقرب للرجاء: وتشوفها زينة في حقي قدام إبيك.. إنك طالع من عندي وشكلك كذا..؟؟

فأجابها بنبرة أقرب للألم: وهذا كل اللي هامش..
خلاص تعالي وطيه..

ألم شفاف فعلا يغمر قلبيهما النقيين.. ألم ماعاد له معنى.. وكل منهما يرى كم الآخر مجروح منه...!!

انحنت لتسدل ثوبه على قدميه..
تمنى حينها وهو يراها قريبة هكذا.. لو استطاع أن يضع كفه على رأسها ويقول لها كلمة واحدة تسمعها منه بشكل مباشر: (أنا أسف)..

وتمنت هي لو دفنت رأسها في حجره وبكت فيض دموعها وغصاتها المكتومة وهي تهمس بكلمة واحدة: (أنا آسفة)..


غريب هو الإنسان كيف يهوى تعذيب نفسه!! ويبحث عن مبررات لهذا العذاب وأسباب!!
مع أن أسباب التسامح والسعادة أقرب وأقرب!!!

غريب هو الإنسان كيف يكون سهلا عليه أن يغضب ويجرح..!!
ثم يكون صعبا عليه أن يحتوي ويسامح..!!

غريب هو الإنسان كيف يرضى بالعطش والماء بين يديه!!

غريب هو الإنسان يرضى أن يكون جارحا ويرفض أن يكون مجروحا!!
غريب هو الإنسان كيف يريد مع كونه جارحا أن يتلبس دور الضحية!!
ويرفض دور الجلاد مع رفضه للجرح...
فكيف تكون ضحية لم تُجرح!!
وكيف تكون جارحا وأنت لست بجلاد !!!


تساؤلات دارت في النفسين المعذبتين على ذات المستوى من القهر والوجيعة
وهي تراه يغادرها للصلاة..
ثم وهي تصلي وتقرأ وردها ولا تكف عن البكاء..
ثم وهي تكتم شهقاتها وهي تراه عائدا من الصلاة....


اقتربت هذه المرة دون أن تتكلم لتساعده على خلع ملابسه..
فما عادت تحتمل أن تتركه يتعذب هكذا لوحده وهي مازالت لم ترى عذابه سوى لليلة واحدة..

وتمنى هو أن يرفض..
ولكنه لا يستطيع أن يكون لئيما ولا يعرف..

وهو يعرف أنه إن رفض سيجرحها.. وهو عاجز عن جرحها متقصدا..
فهو إن كان جرحها عن غير قصد.. فلا يستطيع أن يكون مثلها ويفعلها عن قصد...


بدا كل شيء بينهما حينها كثيفا وجارحا وحساسا ومغمورا في شعور جارف لا يمكن صده ولا تحديده..
أنفاسه الدافئة المتوترة قريبة منها وتلفح وجهها!!
وأناملها الباردة الأكثر توترا على عضده وكتفيه..!!


بدت العملية أكثر من مجرد خلع ثوب إلى معضلة إنسانية موجعة.. بين الفعل ورد الفعل!!
بين إحساس كل منهما بالذنب وبالجرح في ذات الوقت!!
بين إحساس كل منهما بالقرب والبعد!!
بين اختلاج الإنفاس وارتعاش اللمسات !!

حين انتهت وهي تشد ثوبه مبتعدة.. كان كل منهما يشد أنفاسه التي شعر بها احتبست من هذا القرب اللاسع..

همست بخجل وهي عاجزة عن النظر له: أقومك على السرير..؟؟

فرد عليها بثقل عميق: لا.. أقدر بروحي..

فكلاهما بدا غير قادر على احتمال جولة أخرى من هذا القرب المموه اللاسع الجارح..!!!

وبالفعل حاول نقل نفسه بصعوبة بالغة لسريره حتى نجح..
تمدد على جنبه.. وأسبل عينيه وهي مازالت واقفة..
همس بإرهاق شديد وهو مغلق العينين: تكفين عالية تعالي نامي.. أنا ميت من التعب.. ومستحيل أقدر أنام وأنا عارف أنش قاعدة صالبة نفسش كذا..

تنهدت بعمق.. " إذا كنت عذبا وشفافا هكذا؟؟
فكيف استطعت أن تجرحني بهكذا قسوة؟؟"


وقفت لثوان ثم اقتربت من الناحية الأخرى..
تمنت أن تهرب من المكان كله..
لكنها لم تستطع أن ترفض وهي ترى كم هو متعب!!
لم تتخيل أن رؤيته قريبا هكذا ستفجر في داخلها مشاعر على مستوى آخر..
أنها تود أن تكون جواره.. تخفف عنه..
تنسيه هم هذا الثقل الذي لم تستطع هي احتماله.. فكيف بمن يعانيه؟؟


اقتربت وهي تختنق بخجلها لتجلس على طرف السرير الآخر..لم تستطع أن تتمدد حتى..
علم أنها أصبحت جواره هي تسلل إلى أقصى خياشيمه رائحة عطرها العذب المعذب..

فتح عينيه.. لتنتفض هي بجزع.. همس بسكون: ليش قاعدة كذا.. انسدحي.. ترا أنا ما أعض..

تمددت وهي تشعر كما لو كان الفراش يتحول لفراش من مسامير..
شدت الغطاء على كامل وجهه.. وهي تترك فقط عينيها اللتين كانتا نتظران نحوه وهي تمسك الغطاء على وجهها...

حينها همس بيأس حقيقي.. بصدقه الشفاف: تكفين عالية لا تزيدينها علي..
والله إني ندمان إلى جبتش بذا الطريقة اللي ما تناسب قدرش عندي..
فلا تزيدينها علي وأنا أشوفش خايفة وحزينة كذا!!


حـــيـــنـــهــــا...
انفجرت تماما في البكاء.. ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل!!
أيكون نادما لأنها أحضرها هنا..
وهي أ ليست نادمة ألف مرة على تجريحها البشع له الذي دفعه لهذا التصرف؟؟

هو حين رآها تبكي هكذا.. شعر بقلبه يتحطم لشظايا..
ظنها تبكي لأنه شعرت بالقهر منه ومن تصرفه معها..

شد نفسه بصعوبة ليقترب منها.. ثم ربت على كتفها بحنو ذائب وهو يهمس بذات الحنو الذائب الموجوع:
عالية يا قلبي.. والله أني آسف.. الله يلعن الشيطان ويباس الرأس..
تكفين لا تبكين.. والله قلبي ما يستحمل..
وش اللي يرضيش؟؟ تبين ترجعين بيت هلش وننتظر لين أقدر أمشي وعقب نحدد عرس؟؟ أنا حاضر..
أدري إنه كلام مهوب منطقي عقب ماجيتي عندي وأمسيتي في بيتي!!
بس أنا ما علي من حد.. وما يهمني كلام الناس.. يهمني اللي يرضيش أنتي..
تبين الطلاق صدق؟؟.. أنا حاضر حتى لو كان الموت أهون علي.. المهم أنتي..


تزايد نحيبها وهي تدفن وجهها بين كفيها..
بينما شعر هو أن شظايا قلبه المحطم تتزايد تطايرا كلما رأى تزايد بكاءها..
تمنى لو يشدها ليحتضنها وهو يرى نفسه عاجزا عن تهدئتها..
ولكنه لم يرد أن يزد رعبها منه رعبا..


هـــي.. مطلقا لم تكن مرعوبة.. ولا خائفة... بل محض نادمة!!
عاجزة عن تجاوز تجريحها له الذي يتغلغل ألمه في روحها..
تشعر أن شفافية روحه تكاد تضيء جوانحه بينما تشعر هي أنها روحها ملوثة بسواد لا يليق بطهر روحه!!


همس عبدالرحمن بذات الحنو الموجوع وهو يمد يده المرتعشة ليمسح على شعرها:
عالية بس تكفين.. طالبش.. خلاص..
زين كلميني بس.. سبيني لو تبين..
بس طالبش ما تبكين كذا!! حرام عليش.. بروحي نفسيتي زفت..

حينها أزالت كفيها عن وجهها.. لتقترب هي منه وهي تحارب خجلها وحزنها ويأسها وتوترها.. وتصدمه بدفن وجهها في منتصف صدره...


وحينها.. ماعاد للكلمات معنى أو قيمة.. !! تضاءلت كل قيمة لها ومعنى أمام معجزة إحساس سماوي غير مسبوق...


فيكفيه ارتعاشها بين يديه.. ودموعها تغرق صدره.. وأنفاسها تبعث قشعريرة قارصة في كل خلاياه..

ويكفيها صلابة ذراعيه تحيطها بكل حنان العالم.. وهي تتوسد عضده وتستمع إلى دقات قلبه المتصاعدة من هذا القرب!!



يكفيه أنها غفرت له جرحه لها وهي تطهر روحه بلهيب دموعها وأنفاسها الساكنة بين حناياه..

ويكفيها أن صدره كان الميناء الذي استقبل بشاعة معايرتها له دون أن يجعل هذه الكلمة المرعبة سدا بينها وبين ميناء حضنه..



يكفيهما هذا الإحساس بالذوبان والتماهي والامتزاج وكل منهما يشعر أن خطيئته في حق الآخر هي الأكبر..
ويشكر الله على نعمة التسامح التي منحها لقلبيهما ولسكينة روحيهما..




#أنفاس_قطر#
.
.
.

أدري البعض الحين بيقولون خليتهم يتراضون بسرعة.. موب منطق..
بأقول لهم إلا هذا هو المنطق اللي أنا قصدته هنا..
من أسهل ما يكون أني أطول في زعلهم كم بارت.. وأحداث زعلهم تمشي جنب لجنب مع أحداث الباقين..
لكن أنا قصدت تمام أخليهم يتراضون بسرعة لسبب مقصود جدا أعتقد إنه وصلكم : )
.
موعدنا الجاي الثلاثاء الساعة 6 الصبح مع بارت سبيشل جدا جدا...
.
.
.

#أنفاس_قطر# 11-01-11 05:17 AM




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ياصباح الورد والفل والياسمين على كل الوجوه والقلوب القديمة والجديدة
.
.
للمرة الثانية خالص شكري لليلاس على التكريم
والله العظيم خجلتوني ويارب أكون عند حسن ظنكم جميع
.
.
ما أبي أطول عليكم لأنه البارت أساسا طووووووويل
.
الجزء 76
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والسبعون





الليلة السابقة..
ملكة وضحى ونايف..
.
.
.




" يا الله وش إحساسش ياعروس؟؟ "


وضحى بتوتر خجول: ما أدري..مرحلة عدم توازن!!
ثم أردفت بحزن عميق: وحزينة واجد..
تخيلي تميم مابارك لي..!!

كاسرة هزت كتفيها بحزم: أنا ما أدري أنتي وش مزعلة تميم فيه.. بس عطيه كم يوم..
تميم قلبه كنه قلب طفل.. مسرع ما ينسى..!!


وهما تتحاوران رن هاتف كاسرة.. ابتسمت وهي تشير للهاتف: السكنية سمور تتصل..

وضحى بعتب: أنا زعلانة عليها.. ومتقصدة ما أرد على تلفوناتها..
أكلمها أقولها تعالي أنا محتاجتش.. تطنشني..

كاسرة حينها تنهدت: ردي عليها.. لا تزودينها عليها.. ظنش إنها لو روحتها طبيعية لأهلها.. كان قعدت كذا كله وفوتت ملكتش بعد..

وضحى صرت مابين حاجبيها وهي تهمس بتردد: أنا عارفة إنه فيه شيء مهوب طبيعي.. بس كل ما سالتها تقول لا
وأنا ما أتخيل سميرة تدس علي..


حينها ربتت كاسرة على خد وضحى وهمست بعمق: بكرة لا تزوجتي
دريتي إنه اللي يصير بين الأزواج بيكون سر المفروض ماحد يدري به!!
كلمي سميرة.. وخذي بخاطرها..






************************************





" يأمك ليش ما باركت لأختك؟؟
عيب عليك اللي تسويه فيها!!
وضحى ما تستاهل منك كذا!!
زين وصار اللي صار.. كانت بزر.. ونيتها صافية وغلطت دون قصد..
بس أنت عارفها زين وعارف أخلاقها.. عيب عليك تشك فيها.. ترا كنك تشك في روحك!!"


تميم يشير بألم: يمه موجوع منهما واجد.. أنتي عارفها غلاها عندي..
كن حد حرقني بالنار يوم دريت..
والله العظيم كان ودي أخذها في صدري وأبارك لها..
بس على قد غلاها وجيعتي منها!!
عطيني كم يوم يمه.. كم يوم.. أدري عظامي ما تشلني عليها!!

حينها همست مزنة بحزم: زين خلنا الحين من وضحى..
ومرتك؟؟

انتفض تميم: وش فيها سميرة؟؟

مزنة بحزم: خلاص مالك عذر.. أول تعذر أنك مشغول مع وضحى وبفحوصها..
هذي وضحى تملكت.. وخلصت..
بكرة تروح وتجيب مرتك..

حينها أشار تميم بيأس: بس يمه أنا خايف هلها يعقدون السالفة..
وأنتي عارفتني نفسي عزيزة واجد.. وأكره ما علي أقعد قدام حد يحاسبني..

حينها ابتسمت مزنة وهي تقف وتهمس بنبرة مقصودة:
زين أنت روح بكرة.. واتصل بس لمرتك وقل لها تنزل لك..
وراضها مثل ما الناس السنعين يراضون نسوانهم..
ومهوب أنا اللي أعلمك السنع..






******************************




" ها سمور.. شأخبار العروس؟؟"


سميرة تضع هاتفها جوارها وتهمس بابتسامة: مسوية روحها مستحية الأخت..
لا وزعلانة ليش إني ماجيت..

حينها نظرت لها نجلاء نظرة مباشرة وهمست بنبرة مقصودة:
وليش مارحتي.. صار لش أكثر من أسبوع هنا ترا..

سميرة تتشاغل بشيء في يدها وهي تهمس بنبرة تمثيلية: بأروح ذا اليومين..
تميم كان لاهي شوي.. وعنده مشاغل..

نجلا تنظر لها نظرة مقصودة: زين.. سلمي لي على تميم لا رحتي..

سميرة تزايد تشاغلها بما في يدها حتى لا تنفجر في البكاء..
تعلم أن أسرتها باتت تشعر بشيء مريب..
الكل بدأ يلمح لها بالسؤال إن كان هناك مشكلة بينها وبين تميم.. والدها ووالدتها ونجلاء وغانم..
وهي تصر أنه لا شيء.. وتعلم أن التلميحات ستتحول قريبا لتصريحات..
ستموت أن جابوها بشكل مباشر.. تعلم ما الذي سيحدث..

" أ ليس هذا من اخترتيه رغم تحفظنا الشديد على اختيارك؟؟
أليس هذا من أصريتي بكل قوتك عليه؟؟
فما الذي حدث الآن ؟؟"

باتت تفكر بشكل جدي أن تعود لبيتها حتى لو لم يرجعها تميم..
أ لم يقترح عليها أن تبقى كأخت لو أرادت.. وهكذا ستفعل إن لم يكن يريدها زوجة؟؟

ولكن مهما كان كرامتها تمنعها أن تتصرف هذا التصرف..
كيف سيحترمها لو تصرفت هكذا؟؟

يا الله.. تتمزق من كل هذا.. تتمزق.. ولا تستطيع طلب المعونة من أحد..
حتى خالتها مزنة.. ماذا تقول لها؟؟
اطلبي من تميم أن يرجعني..




**************************************





" عاد أنا جيت في الوقت الضايع..
لا حضرت ملكتك..
ولا حضرت روحة عالية لبيت سبع البرمبة!! "


نايف بضيق شديد: لا تذكرني.. لا تذكرت طرا علي أخنق عبدالرحمن وأبيك فوقه..

هزاع يضحك: عبدالرحمن بكيفك.. بس عاد أبو صالح دون حلقه حلوق..

نايف بذات الضيق: تلايط بس.. وأنت من يوم جيت بس تنكت أنت ووجهك..

هزاع مازال يضحك: الشرهة علي اللي جيت أبارك لك وقلت أمسي عندك وأسهر عندك ياعريس..

نايف بتحسر: الله ينكد على عبدالرحمن مثل ما نكد علي.. قال عريس قال..

هزاع بمرح: لا تخاف عليه.. عنده بير نكد الليلة.. عنده حبيبة قلبك بتقوم بالواجب وزيادة..

نايف بذات نبرة التحسر: حتى الشوفة مالحقت أشوفها..
قهروها.. قهروها.. وقهروني معها !!

حينها همس هزاع بجدية: أنا أبي أدري ليه حارق نفسك كذا.. صار لك ساعتين تأكل في روحك..
والأخت تلاقيها طابخة الطبخة مع رجالها..

نايف تفجر بغضب: ما اسمح لك تقول عنها كذا..

هزاع حينها تفجر غضبه المكتوم عارما: بلا ما تسمح لي بلا بطيخ..
الشيخة عالية.. طايحة مكالمات مع حبيب القلب وأنت بتموت من الحزن عليها

نايف بصدمة حقيقية: كذاب.. عالية ما تسويها.. كذاب
وحتى لو سوتها أنت أشلون تدري وساكت يا الرخمة..؟؟

هزاع حينها هز كتفيه وهو يتماسك: توني دريت اليوم الصبح وأنا رايح الكلية..
إبي قال لها تروح تسوي له جمر..
فهي خلت تلفونها وقامت.. خذته أبي أشوف مسجاتها..
وخصوصا إنها ذا الأيام صارت مستحيل تخليه يطيح من يدها.. واستغربت إنها خلته ذا المرة..

يوم فتحته انفجعت بالمسجات.. اعتذارات بالكوم.. والمسكين قلبه ذايب من جده..

ما قدرت افهم السالفة لأن إبي صاح علي : ماعاد إلا تلفونات النسوان تقلب فيها يا الرخمة..

حطيت التلفون وأنا مولع وأبي أروح أوريها شغلها.. بس إبي موجود وأنا كنت أبي السالفة بيني وبينها بس..
وموعد الكلية تاخرت عليه وانا عندي امتحان اليوم.. قلت خلاص لا رجعت وريتها شغلها..

ثم أردف بابتسامة: بس سبحان الله.. جيت لقيتها في بيت رجّالها..
خلاص خلهم ينلمون بدل الفضايح!!


نايف بصدمة حقيقية: عالية تكلمه وتدس علي بعد..عشان كذا كانت بتموت عشان أخذ بنت خاله..

ثم أردف بغضب كأنه يكلم نفسه:
زين ياعالية.. زين.. دواش عندي.. عطيني كم يوم بس..



***********************************





" مبروك ملكة وضحى.. جعل تشوفين عيالها "


مزنة تهمس برقة وهي تتناول غترة زايد منه: قلتها لي قبل..

ابتسم ابتسامته الفخمة المعهودة وهو يجلس على الأريكة ويشير للمكان الخالي جواره: بس وجه لوجه غير..

مزنة همست بذات الرقة وهي تجلس حيث أشار : الله يبارك فيك..
ثم أردفت بنبرة حزن مخفية: ولو أنه صعب علي أتخيل إن وضحى بتتزوج..
هذي آخر العنقود ولحد الحين في عيني أشوفها صغيرة..

زايد بذات الابتسامة وهو يستدير ناحيتها: خلي كساب وكاسرة يتشطرون ويجيبون لنا أحفاد يلهوننا عن عيالنا اللي عرسوا..

مزنة حينها ابتسمت بشفافية: الله يرزقهم برزقه..


وحينها مد زايد يده ليمسك بذقنها بين سبابته وإبهامه وهو يهمس بنبرة خافتة دافئة: استغرب وحدة لها ابتسامتش وما تكون مبتسمة على طول..

رغما عنها حضر لها شعور الارتعاش الذي يجتاح فؤادها ما أن يهمس لها زايد بهذا الدفء..
وكأنها تختبر هذا الإحساس لأول مرة..

"وكـــأنــــهـــــا؟؟؟ "


هي فعلا تختبر هذا الأحساس للمرة الأولى.

والد مهاب لم يعش معها إلا لفترة قصيرة..
أما زوجها الثاني فقد توفي وهي في نهاية العشرينات.. وهي في صباها كانت حادة الطباع نوعا ما..
حدة هدأتها مرور السنوات وزيادة التدين..
وربما كانت حدتها القديمة حاجزا فصل بينها وبينه..
عدا أنه رحمه الله كان لين الطباع لأبعد حد.. وترك لمزنة حرية التصرف كيف تشاء..

لم تشعر بهذا الإحساس بالاحتواء بالرجولي المثقل بالزخم إلا الآن..
مـــع زايــــــد!!

ثم أفسد هذا الإحساس الرائع المذهل المحلق.. ما همس به زايد بنبرة أكثر دفئا وعمقا وحنانا كأنه يحادث نفسه:
صحيح الحين ابتسامتش أحلى بدون مقارنة حتى..
بس أول كنت لا شفتش تبتسمين وحن صغار.. أحس عظامي تبرد لدرجة إني ما أقدر أتحرك من مكاني..

لا تعلم لـِمَ شعرت بضيق غريب... (أول) ليس الآن..!!!
لا تعلم لماذا بدا لها هذا الماضي كأنه حاجز غير مفهوم..
فهذه ليست المرة الأولى التي يفصل فيها في الحديث بين ماكانت في الماضي وما هي الآن.. كما لو كان يتحدث عن امرأتين مختلفتين!!

مزنة كانت على وشك النهوض.. لولا أنه منعها وهو يشدها من كفها التي احتفظ بها بين كفيه وهو يهمس بدفئه المتجذر الغريب:
زعلتي؟؟

ابتسمت ابتسامتها التي لا يعلم أتعجبه لإثارتها وحسنها؟؟.. أم تثير شجنه بذكرياتها وماضيها؟؟ :
وليش أزعل؟؟

زايد بعمق: ما أدري.. أخاف أني أحيانا يمكن أضايقش بكلامي اللي ماله معنى..

حينها همست بنبرة مقصودة: دامك تشوفه ماله معنى.. فليش أزعل من شيء ماله معنى..
إلا لو أنت شايفه شيء ثاني وله معنى..؟؟

حينها صمت.. صمته ضايقها أكثر..
كانت تريد القيام.. وللمرة الثانية يمنعها..

هذه المرة مد كفه ليدخلها في جانب شعرها المنسدل..
أنامله تغوص بين خصلاتها.. وباطن كفه على خدها..
ويشدها ناحيته ليلصق خده بخدها الآخر وهو يهمس في أذنها بنبرته التي تجمد الدماء في شرايينها حين يهمس اسمها بهذه الطريقة:
مزنة لو شفتي مني أي شيء يضايقش استحمليني شوي..
أنا مثل واحد كان طول عمره يشرب مع فتحه تنقط الماي نقطة نقطة..
وعقبه عطوه أكبر وأعذب نهر في الكون.. أشلون بتكون ردة فعله؟؟



" هل يوجد أعذب وأرقى من هذا الرجل؟؟"
كان هذا هو ما يدور في رأس مزنة وهي تمد ذراعيها لتطوق هي عنقه ولتهمس هي في أذنه بصوتها الذي يذيب أوصاله بنبرة دافئة عميقة:
الله يقدرني وأسعدك بس.. ما أبي شيء أكثر..






*******************************





" حبيبي تكفى ما تكون تضايقت من اللي صار من عبدالرحمن الليلة.."

عبدالله يتنهد ومازال رأسه مسندا لفخذها وأناملها تعبر خصلاته الكثيفة:
ما أقدر أقول أني ما تضايقت.. بس في النهاية حسيت إن ضيقي ماله معنى..
عبدالرحمن طلب حقه.. ويمكن لو كنت مكانه كان سوبت نفسه..
رجال محكور ما يطلع إلا بصعوبة والكل لاهي عنه..
من حقه تكون مرته جنبه في ذا الظروف..
واللي ضايقني عقب إنه ليش إحنا ماعرضنا عليه ذا الشيء..
ليه حديناه يحرج نفسه ويحرجننا..

جوزاء مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بحنان: صدقني عبدالرحمن بيحطها في عيونه.. عبدالرحمن أحن مخلوق على الأرض..
بس أنت تكفى ما تتضايق..

عبدالله اعتدل جالسا ثم مد يده ليمسح على بطنها ويهمس بحنان: والله العظيم ماني بمتضايق
بس أنتي اللي طالبش لا عاد تنحنين على بطنش بذا الطريقة..

حينها همست جوزا بشيء يشغل بالها منذ فترة وبالتحديد منذ صحوة عبدالرحمن من غيبوبته:
عبدالله..

عبدالله بولع: ياعيون عبدالله اللي يروح وطي لا دعيتيه..

جوزاء حينها مالت لتحتضن ذراعه وهي تهمس بخجل رقيق:
عبدالله عادك على كلامك أنني ممكن أروح أكمل دراستي..؟؟

عبدالله بمودة غامرة ورجولة عميقة: وما أرجع في كلامي.. بس خل لين تولدين بالسلامة.. ونروح..
ولا يهمش الوظيفة مضمونة من الحين لو بغيتي..

شددت احتضانها لذراعها وهي تقبل عضده وتهمس بتأثر: ما أبي وظيفة..
أبي أتفرغ لك ولعيالي.. بس أبي أكمل دراستي..





***********************************





" كاسرة بسم الله عليش..
كاسرة قومي.. قومي.. "


كاسرة شهقت وهي تنهض بشكل حاد تمسح وجهها وهي تهمس بنفس مقطوع:
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم..


كساب كان لم ينم بعد.. وهو يجلس جوارها مسندا ظهره للسرير يقرأ في كتاب..

وهي كانت قد نامت قبل أكثر من ساعة.. وحتى رؤية وجهها وهي نائمة حرمته منها وهي تنام وهي توليه ظهرها ..
لذا تناول كتابا يتشاغل به حتى ينام بعد أن صلى قيامه وقرأ ورده..

ثم لفت انتباهه حشرجة غريبة كانت تصدر منها.. تزايدت الحشرجة وهي تهمس بكلام غير مفهوم..

يبدو أنها تحلم بكابوس ما لأنها بدت متضايقة جدا.. وملامح وجهها تتقطب حين أدارها بخفة ناحيته..

منذ زواجهما لم يسمعها مطلقا تتكلم وهي نائمة.. أو حتى حدث معها ما حدث الليلة..

لذا أيقظها وهو يدخل ذراعه تحت كتفيها ويرفعها برفق..
همست بصوتها المقطوع: أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. صار لي زمان ما حلمت ذا الأحلام..

همس لها بقلق: وش فيش؟؟

همست بذات الصوت المقطوع: أحلام مهيب زينة.. كنت أحلم فيها من يوم توفى إبي الله يرحمه..
بس صار لي شهور ما حلمت فيها..



منذ وفاة والدها وهي تحلم بكوابيس مرعبة من وقت لآخر.. ولكنها كانت ترفض أن تحكيها لأحد..
وهي صغيرة كانت لا تحكيها من خوفها منها.. لكنها حين كبرت كانت لا تحكيها اتباعا للسنة التي توصي بعدم رواية الكوابيس..
ولكنها من بعد زواجها وهي توقفت عن رؤية هذه الكوابيس.. لا تعلم لِـمَ عادت لها الليلة..


همس لها كساب بحزم حان: تعوذي من الشيطان واتفلي عن يسارش.. مافيه إلا الزين إن شاء الله.. نامي..

كاسرة تعوذت من الشيطان ونفثت عن يسارها ثم همست بإرهاق وهي تنهض:
باقوم أتوضأ وأصلي ركعتين قبل أرجع أنام..

كان كساب يراقبها وهي تتحرك في أرجاء الغرفة بإرهاق.. حتى أنهت الصلاة وعادت لتتمدد جواره..
هذه المرة لم توليه ظهرها.. بل أولته وجهها وهي تغمض عينيها..

تمنى بكل جوع روحه الملهوفة القلقة عليها.. أن يضمها لصدره.. وألا يتركها تنام إلا على ذراعه وقريبا من قلبه..
وهو ينظر بشجن عميق لملامح وجهها المسترخية بإرهاق شفاف..
ولكنه كتم رغباته في روحه.. فليس على استعداد أن يعرض عرضا يعلم أنها سترفضه..


وهي أولته وجهها.. وكأنه ترسل له رسالة من غير شعور منها.. أنها تحتاج بالفعل أن تنام في حضنه الليلة..
رغم كل التعقيدات غير المعقولة بينهما.. ولكنها لا تستطيع أن تنكر أنها عاجزة حتى عن مجرد محاولة كرهه..
أو حتى الأقل إيقاف طوفان مشاعرها المتزايد ناحيته..
فلماذا لا تستطيع أن تمنحه الحجم الذي يستحقه؟ ولماذا يستولي على قلبها حتى آخر نقطة وخلية وشريان بينما هي منفية خارج أسواره ومشاعره؟؟

يا الله.. تشعر أنها ستموت لتدفن وجهها بين عنقه وكتفه وتتنفس عبق رائحته من قرب..
ولكن قلبها مليء بالتعقيدات والضبابية ناحيته..

عاجزة عن مسامحته.. فعلا عاجزة.. وكيف تسامحه وهو لم يفكر أن يعتذر حتى..؟؟
وكأن كل ما فعله بها حق من حقوقه غير القابلة للنقاش..

بقيا كلاهما ساهرين.. وكل منهما معتصم في مكانه.. ومتمرس خلف حصون كبرياءه البغيض..
حتى آذان الفجر..






***********************************




اليوم التالي
.
.
.




" عالية حبيبتي.. قومي
باقي على آذان الظهر ساعة"

كان يهز كتفها برفق شديد الحنو.. وهو يجلس مسندا ظهره للسرير..

انتفضت بجزع وهي تعتدل جالسة وتشد جيب بيجامتها على عنقها.. ثم تنظر ناحيته بخجل شديد..
كان مبتسما لها بكل حنان الأرض.. وجهه مشرق دافئ ومغمور بحنان غريب..

لا تعلم ما الذي حدث لها..
لم تتمالك نفسها أن تعاود الانفجار في البكاء.. رغم أنها بالكاد سكتت عن البكاء هذا الصباح بعد محايلة طويلة منه وهو يحاول إسكاتها عن بكاءها كطفلة باكية مصرة على الصراخ..


عبدالرحمن حينها همس بألم: عالية الله يهداش.. حرقتي قلبي.. أنتي مهوب قلتي لي إنش سامحتيني خلاص.. وتونا تراضينا..
ليش تبكين الحين؟؟ وإلا ندمتي على أنش سامحتيني..

عالية بين شهقاتها: والله العظيم مافي خاطري شيء عليك.. بس أنا ماني بقادرة أسامح روحي..
ما أتخيل أشلون قدرت أكتبها أو حتى أتصورها..

حينها ابتسم عبدالرحمن: زين ما كذبتي.. أنا مهوب مكسح صدق؟؟

حينها تزايد نحيبها: طالبتك عبدالرحمن ما تذبحني كذا وأنت تعيدها..

عبدالرحمن شد كفها ليحتضنه بحنو.. وهو يهمس بحنان عميق باسم: كنتي تقولين إنش ما يبكيش شيء..
شكلي تزوجت حنفية دموع..

حينها حاولت مسح وجهها والتماسك وهي تهمس بصوت مختنق:
وربي اللي خلى خالد آل ليث أغلى خلقه.. أني عمري ماكنت صياحة كذا..
بس كله منك.. خليتني حساسة وغبية..

عبدالرحمن يقطب حاجبيه بعدم فهم تمثيلي: نعم عيدي ما سمعت..
من أغلى خلقه ذا؟؟ وأنا وين مكاني؟؟

حينها ابتسمت عالية ابتسامة مرحة من بين دموعها:
أبو صالح.. وعقبه أمي.. وعقبه خالي نايف.. وعقبه عبدالله.. وعقب صالح..
وعقب........

عبدالرحمن يقاطعها باسما: وعقبه راعي البقالة... وعقبه البنغالي اللي يكنس شارعكم.. وعقبه واحد مات في جنوب أفريقيا..

مازالت عالية تمسح وجهها وتهمس بابتسامة: نسيت واحد في نيبال..

حينها شد عبدالرحمن كفها أكثر ليجذبها ناحيته: مانسيته.. بس فيه كم واحد قبله لازم نذكرهم..

عالية ارتبكت بشدة حين شدها.. وارتبكت أكثر حين أحاط كتفيها بذراعيه وهو يهمس بدفء مرح خافت:
ترا معلق لش في رقبتي وعد..

عالية انتفضت بخجل شديد: وأنا متنازلة عنه..

عبدالرحمن شدها أكثر لحضنه وهو يهتف بذات النبرة الدافئة:
بس أنا ما تنازلت عنه..







*******************************






" ليش تأخرتي كذا؟؟
صار لي عشر دقايق من يوم اتصلت لش وقلت لي نازلة.."


كاسرة تغلق بابها وهي تهمس بنبرة أقرب للبرود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
آسفة أستاذ كساب غصبا عني..
وعلى العموم أنت اللي مارضيت إن السواق والخدامة يجوني..

كساب بنبرة حازمة أقرب للغضب: تدرين إني ما أرضى حد يوديش أو يجيبش غيري إلا لو كنت ما أقدر..
وش اللي تغير؟؟

كاسرة بذات النبرة الباردة: ماتغير شيء.. بس أنت اللي قاعد تنافخ عشان تأخرت..
صمتت لثانيتين ثم أكملت بثقة: وعلى العموم أنا كنت نازلة.. بس اتصل لي المدير.. وعطلني بإلحاحه..

حينها نظر لها كساب نظرة حادة مباشرة وهتف بحدة مباشرة أيضا:
وحضرة المدير المبجل ليش كان يلح؟؟

كاسرة تنهدت ثم أجابته مباشرة: فيه ورشة عمل في البحرين كنت وافقت عليها يوم كنت عند هلي على أساس تميم بيروح معي..
لأنها يوم واحد بس...
وبلغتهم رفضي من فترة بس المدير مهوب راضي.. ويحاول يقنعني أروح لأنهم ما كنسلوا السفرة أساسا..

حينها سألها كساب بنبرة مقصودة: ومتى الورشة؟؟

كاسرة بسكون: بكرة من الساعة 4 لـ8 الليل.. بس أنا خلاص بلغتهم رفضي..

حينها هتف بنبرة حازمة لا تخلو من التهكم: وليش ترفضين؟؟ هذا كله عشان ما تطلبين مني؟؟

كاسرة أجابته بنبرة أكثر حزما ولا تخلو من التهكم أيضا:
وليش ما أطلب منك؟؟ أنت رجالي وملزوم فيني..
بس أنا عارفة أنك ما تقدر.. أدري إنك مشغول في تجهيزات عرس علي.. خلاص ما بقى شيء.. كلها كم يوم..
عدا إني أدري إنك بتسلم مشروعين الأيام الجاية.. وتوقع عقد مشروع جديد..
وأكيد ماعندك أي وقت فاضي عشان أشغلك بسالفتي...

حينها قطب حاجبيه وهو يسأل: من وين عرفتي أخبار مشاريعي وأنا ما قلت لش؟؟

همست بسخرية: اخبارك أعرفها من عمي زايد.. ليه أنت تتنازل تقول لي شيء؟؟

أجابها بسخرية مشابهة: والله قبل كنت أقول لش.. بس ذا الأيام أنتي حتى ما تطلين في وجهي عشان أعطيش أخبارش..

ثم أردف بثقة: وعلى العموم مشاغلي أعرف أتصرف فيها زين..
تجهزي نسافر بكرة الظهر.. والحين بأتصل في سكرتيري يحجز لنا..
وبنرجع بعد بكرة الصبح..





*************************************





" أنا رحت أصلي وتغديت مع إبي ورجعت وأنتي قاعدة هنا ما طلعتي"

عالية بخجل: والله أمك وشعاع ماقصروا.. كلهم طلوا علي وحايلوني..
بس أنا اللي مستحية..
وحتى الغدا أرسلوه لي هنا.. بس أنا مستحية.. أدري غريبة أنا مستحية كذا..
بس شأسوي.. غصبا عني..

حينها همس عبدالرحمن بتأثر: أنا عارف إني حرمتش حقتش من إنش تكونين عروس..
وأطلع أنا وأنتي ونسافر.. ...

عالية تقاطعه بابتسامة: بس لا تصير سخيف..
خلها معلقة لي في رقبتك.. عادك بتوديني لين تزهق..

حينها ابتسم عبدالرحمن بخبث: ياكثر اللي تعلقينه في رقبتي وعقبه ما تبينه..

عالية اشتعل وجهها احمرارا: ياثقل طينتك.. تعال بس خلني أساعدك تبدل ملابسك..





*******************************





" يمه وش ذا بعد؟؟ توني متغدية"

أم عبدالرحمن تضع صحن الكعك والعصير على طاولة شعاع وهي تهمس بنبرة أقرب للغضب: أي غدا؟؟ اللي ماكلتي منه إلا لقمتين..
والحين حن عقب صلاة العصر..

شعاع برقة : يمه جعلني فداش.. والله ماني بمشتهية.. اعفيني..

أم عبدالرحمن بتصميم: والله ثم والله لو ماكلتي ذا كله إني ما أحاكيش اليوم كله..

شعاع تقفز بجزع لتلقي الكتاب على الطاولة وهي تقبل رأس والدتها وتهمس بجزع عذب:
لا طالبتش.. بأكل الصحن كله.. مع إني يمه والله زايدة كيلو ونص..
خايفة يأتي يوم الجمعة الفستان مايدخل فيني..

أم عبدالرحمن رفعت برقعها لتقبل خد شعاع وهي تهمس بحنان:
وين ذا الكيلو ونص وانتي ذابحة روحش مذاكرة.. وحتى الرقاد ماترقدين..

حينها همست شعاع بيأس وهي تعاود الجلوس: يمه فصل تخرج.. عدا أني أحاول ألهي نفسي عشان ما أفكر بعرسي..

أم عبدالرحمن بحنان مصفى: يأمش لا تحاتين شيء.. رجالش يمدحونه واجد.. ويقولون رجال فيه خير ومصلي..

شعاع بعذوبة: يمه أدري ذا كله والله.. بس.. بس ماني بعارفة حتى أشلون أتعامل معه..
الرجّال مريض.. وانا مابعد أعرفه ولا أعرف طبايعه..
أخاف أضايقه.. أثقل عليه !!

أم عبدالرحمن بذات الحنان المصفى: ياويه.. ياحظه اللي ضواش.. يكفيه شوفة وجهش قدامه..

حينها ابتسمت شعاع: ياليته يشوفني بعيونش بس..

أم عبدالرحمن همست بحنان: كل من له عيون بيشوفش كذا..
خلني أنزل أشوف خويتش اللي مثلش ماكلت شيء.. يافضحي منها.. والله أني متفشلة في البنية..
وعقب بأروح أشوف تجهيزات العشا والعمال اللي يرتبون الطاولات في الحوش..
وأنتي إياني وإياش تنزلين.. أولا عندش امتحانات.. وثاني شيء عرسش الجمعة وعيب النسوان يشوفونش..





**********************************





" أنا أبي أدري أنت وأبي ليش ملزمين ما أطلع من المستشفى إلا نفس يوم عرسي
خلاص ما باقي إلا أربع أيام
بأطلع.. طلعت روحي.."

كساب يلتفت لعلي الغاضب بطريقته الباردة والحازمة: اقعد ياأخ لا ينقص فيك عرق..
السبب طال عمرك إنك لحد الحين ما تأكل مثل الأوادم..
وفي المستشفى حالك زين ونشيط ووزنك رجع مثل أول... لأنك عايش على المغذيات والفيتامينات اللي يعطونك إياها..
لكن لو طلعناك من الحين بيجي يوم عرسك وأنت حالتك حالة..
خلك متلصمق كذا لين ليلة عرسك.. لا تفشلنا في المعازيم اللي جايين من كل مكان..

حينها ابتسم علي رغما عنه: حلوة متلصمق ذي.. شايفني كرتون بيطير؟؟ (متلصمق=شي متماسك ظاهريا)

كساب يبتسم: ليتك كرتون.. إلا قرطاسة..
ثم أردف بمودة: توصي شيء من البحرين؟؟

علي يبتسم: سلامتك.. أنت أساسا بتلحق تقعد عشان أوصيك؟؟..
أنت بس خذ الوقت اللي بتكن فيه مرتك في الورشة تايم أوت عشان تريح..
واجد متعب نفسك ذا الأيام..

كساب باستنكار: يا سلام عليك..
تبيني أخليها في الورشة بروحها.. أصلا رجلي على رجلها لين نرجع..
أنا حتى الفندق حجزت نفس الفندق اللي فيه الورشة..

علي ابتسم: يا سلام ياراجل ياحمش..

كساب رد عليه بابتسامة مشابهة: أفا عليك.. لا توصي حريص...





**********************************





" يا الله سميرة يامش..
تأخرنا على عشا بنت عمش وصلوح جنني من كثر ما يشد عباتي يبي يطلع
ومهوي تشد برقعي.. خلصيني.."


سميرة تلبس عباءتها ووتأكد من وضع الملمع على شفتيها وتهمس باستعجال وهي تنظر للمرأة القريبة من المدخل: هذا أنا خلصت يمه..

حين فتحت أم غانم الباب المؤدي للباحة عادت لسميرة وهي تهمس باستغراب:
سمور يامال العافية.. رجالش برا في سيارته وشكله ينتزر..
ليش ماقلتي لي إنش بتروحين معاه.. كان رحت من زمان..

سميرة ارتبكت لدرجة أن الحقيبة سقطت من يدها وهي تهمس بذات الارتباك:
نعم؟؟ تميم؟؟

تناولت هاتفها بسرعة أ يعقل أنه أرسل شيئا وهي لم تراه لإنشغالها بزينتها؟؟
بالفعل وجدت ثلاث رسائل منه وأولها قبل 40 دقيقة..

" حبيبتي أنا أنتظرش برا..
جهزي شنطتش ولا تطولين علي!!"

سميرة شعرت برعشة حادة قسمتها شطرين وهي تشير لوالدتها أن تغادر..
رسالة بسيطة عذبة ودون تعقيدات..

ثم رسالته الثانية:

" طولتي علي يا قلبي..
لو تبين وقت زيادة.. أرسلي لي وأنا بأروح وأرجع بعدين "


ثم رسالته الثالثة.. غاضبة.. عاتبة..:

" أنا ماني برايح لين تردين علي..
ما تبين تروحين معي.. قولي لي.. مافيه داعي تنقعيني عند بابكم"


سميرة تناولت حقيبتها على عجل وهي تخرج له.. لم تستطع حتى أن تنظر لشيء حتى ركبت جواره..
دفئه الغريب يغمر المكان.. وعطره الأكثر دفئا يتسلل إلى أنفها إلى أقصى درجات السيطرة!!


هو كان يقف في الخارج.. منذ أربعين دقيقة..
كان قد بدأ يسب نفسه أنه وافق والدته.. شعر بحرج عميق من نفسه..
رغم أن ما خفف عليه أنه يعلم أن غانما ووالده ليسا هنا ولن يحضرا قريبا لأنهما في العشاء عند بيت أبي صالح..
لذلك لن يشعر بالحرج منهما لو سألاه لماذا تقف كل هذا..
ولكن الموقف كله محرج وهي تتجاهل رسائله.. كان بوده أن يغادر..
لكنه لم يستطع.. كان يشعر أن هذه هي فرصتهما الأخيرة.. ولن يدعها تفلت بهذه السهولة..

حين رأى عمته أم غانم تخرج شعر بحرج عميق جدا وهو ينزل ليسلم عليها..
كانت تشير له أن سميرة ستخرج له حالا..
ولكنه لم يستوعب إشارتها غير الدقيقة لشدة حرجه !!

ولكنه ما أن عاد لسيارته حتى فهم ما المقصود إذ رأها تعبر الباب متجهة نحوه..
شعر حينها أن طبول الحرب أعلنت صراعها بين جنبات قلبه وروحه وشرايينه وأوردته..

أما حين ركبت جواره شعر أنه يريد أن يفتح جيبه قليلا
لأنه شعر كما لو أن كل الأكسجين المتواجد في السيارة قد فرَّ خارجها هاربا من سطوة حضورها!!


لم يشر لها بشيء ولم تشر له بشيء.. وهو يحرك سيارته مغادرا..
كانت تعبث في هاتفها بين يديها..
لتصله رسالة بعد ثوان:

" أنا آسفة
والله العظيم ماشفت رسايلك إلا الحين"


لم يرد عليها وقتها بشيء لأنه كان مشغولا بالسواقة..
لكن ما أن توقفت السيارة في الإشارة..
حتى التفت لها مشيرا بشجن عميق:

أنا اللي آسف.. وآسف على أشياء كثيرة ما أدري متى بتسامحيني عليها..
ما كفاش وش كثر عاقبتيني الشهور اللي طافت!!

سميرة حينها شعرت أنها اختنقت تماما بعبراتها وأنها قد تنفجر في البكاء بين لحظة وأخرى..
كان بودها أن تقول " كنت أعاقب نفسي قبل أن أعاقبك" ولكنها شعرت لضخامة العبرات أنها عاجزة حتى ان اختراع إي إشارة!!

كانت تدعك أناملها بعصبية.. لم تشر له بشيء.. وهي مشغولة بالتفكير..
ولكنها انتبهت بعد فترة أن الطريق طال أكثر من المعتاد..
لتصدم أنها تتجه في طريق مختلف تماما..
لم تجرؤ حتى أن تتساءل.. الهواجس والحزن واليأس والأمل.. مشاعر تصطرع في ذاتها على أقسى مستوى!!

حتى توقفا بداخل منتجع "شرق" لم يتوجه للداخل بل توجه للفلل الصغيرة في الخارج بعد أن سلم سيارته لموظف صف السيارات..

شعرت سميرة بالتوتر والترقب.. أ يعقل أن يكون قد أعد لها مفاجأة ما..؟؟
شعرت حينها بشعور طفلة مبهورة الأنفاس تترقب هديتها بفارغ الأنفاس..

كانت سميرة تراقب تحركاته وهو يفتح الباب..
أي أن حجزه حجز مسبق وسبق له الحضور..

في خلال الدقائق القليلة بعد دخولهما للمنتجع دار في رأسها عشرات الأفكار..
ولكن ما رأته أمامه فاق الوصف.. فاق الوصف تماما..
فالمكان كله كان غارقا في الأزهار والشموع بطريقة بارعة غاية في الاتقان والبراعة..
وفي المنتصف كانت تقف المضيفة بجوار طاولة طعام معدة ..

أشار لها تميم أن تغادر بينما سميرة كانت مبهوتة تماما.. شعرت كما لو كانت في حلم غير معقول..
فأي شاب تخطر له مثل هذه الأفكار؟؟!!

حينها التفت لها تميم وهو يشير بإبتسامة: أتمنى إن مفاجأتي عجبتش..؟؟
ولو فيها قصور ماعليه سامحيني توني عليمي!!

لم تستطع أن تشير بشيء حتى ..
اقترب منها ليشير بدفء: زين خليني أشوف وجهش..

سميرة أزالت نقابها وشيلتها بإرتباك.. بدت بأناقتها وحسنها كما لو كانت مستعدة لمفاجأته وحمدت الله أنها كانت متوجهة للعشاء المقام لعالية

يالله كم افتقد دفء ملامحها وبريق ابتسامتها..
شدها من كفها برفق ليجلسها ثم أشار:
حتى إشارة وحدة م أشرتي لي.. حرام عليش سميرة.. عبريني شوي..

حينها أشارت له بإشارة واحدة: مصدومة..

ابتسم بدفء: ترا أنا ما نسيت هديتش.. حطيتها في الخزنة هنا..

سميرة أشارت بارتباك: لويش الهدية؟؟

همس بدفء حان: عشان تعرفين إن زعلش مهوب رخيص عندي..
وصدقيني كل هدايا الدنيا ماتعبر..
بس اعتبري هذي شيء صغير..

حينها بدئت عيناها تترقرق بالدموع.. مد يده ليلمس أسفل عينيها وهو يمسح الدمعة التي ستسقط
ثم يشير بابتسامة: على ذا الكشخة كلها وتبكين؟؟

أشارت بابتسامة متاثرة: أي كشخة!! لو أدري أنك بتجيني الليلة
كان كشخت شيء غير..

حينها ابتسم بخبث لطيف: هذا إحنا فيها.. ملابسش فوق في شنطة جهزتها أمي من الملابس اللي كنتوا داسينها عني
وخليتو قلبي يحترق أحسبش شليتش قشش كله وخليتيني بروحي!!

حينها تفجر وجهها احمرارا.. وهي تشير بخجل: هذي فكرة أمي مزنة..

ابتسم تميم: ويازين أمي لا فكرت..
ثم أردف بما يشغل باله وحياته وفكره أشار كما لو كان يشير بما بقي من أعصابه ومشاعره: زين خلينا ذا كله!!
وخلينا من الاهم..

عاجبش حالنا كذا؟؟ من اللي ممكن يعيش حياته كذا وبذا الطريقة؟؟
أنا غلطت في حقش أول عرسنا.. وأنا آسف وحقش على رأسي..
بس عقب.. أنتي مقتنعة فيني وراضية فيني كزوج؟؟ وإلا لأ..


سميرة شعرت أن كل هذا كثير عليها.. لم تعرف كيف تعبر سوى بدموع سفحتها بين كفيها..
حينها اقترب منها ليزيل كفيها عن وجهها..
ويشدها برقة ليحتضنها بين ذراعيه وهو يشعر برعب بالغ أنها ستتقبل حضنه لدقيقة ثم ستفر منه كالعادة..
حتى عندما استكانت في حضنه وهي تدفن وجهها في كتفه ودموعها تنهمر بشفافية كان مازال إحساسه بالرعب مستمر..
فما كانت تفعله به هو مايشبه ما يحدث الآن.. تستكين في حضنه لثوان ثم تقفز كما لو كان لسعها أفعى..

ولكن الاطمئنان والسكينة بدأ يتسربان لروحه شيئا وشيئا.. وهو يراها تشدد احتضانها لخصره.. وهي تدفن وجهها أكثر في صدره حتى بدأ يشعر بتبلل ثوبه من أثر دموعها..

كان مازال عاجزا عن التصديق أو منح نفسه الأمل لطيلة ماعانى الحرمان..
كان يريد أن يشدها أكثر حتى يخبئها بين أضلاعه.. ولكنه لم يرد إثارة رعبها منه أو فقدان خيط تواصله معها الذي مازال يشعر به رقيقا هشا..

ولكن الدقائق كانت تمر وتمر وهي تهدي روحه إحساسا خرافيا بالطمأنينة.. لأنها مازالت تستكين بين جنبيه.. لم تهرب.. لم تتحجج..!!
حينها تجرأ أن يشدها إلى حناياه أكثر وأكثر رغم أنه مازال خائفا أن يجد كل هذا الإحساس المعجز يتهاوى في لحظة حين تهرب منه..

ولكن إحساس الخوف بدأ يتسرب من بينهما.. ويحل مكانه إحساس مختلف..
دافئ وعميق وحان.. ومكلل بالأمان وكثير من السكينة!!




************************************





" يعني عشان عارفة إن عمتش هنا.. لبستي اللي على الحبل كله..
وش ذا الكشخة كلها؟؟ وخر عنها.. هذا كله عشان أم غانم توصل لحضرة الكابتن!!"


كانت جميلة تهمس بذلك في أذن مزون التي ردت عليها بإبتسامة مشابهة:
والله ماحد لبس اللي على الحبل وفوق الحبل وتحت الحبل غيرش..
يعني ذا الكشخة كلها عشان قربتي تخلصين العدة.. وتبين تدورين عريس..

جميلة بإبتسامة: أي عريس حسرة!!!
البنات الآنسات مالقوا عرسان.. عشان المطلقة اللي مثلي تلقى..
خلاص أنا خلصت من موال الزواج كله.. جربت نصيبي واكتفيت..

حينها همست مزون في أذن جميلة بغضب: لا تتكلمين عن نفسش كذا..
وش مطلقته؟؟ وش خرابيطه؟؟

حينها همست جميلة بجدية خافتة: مزون خلاص سكري ذا السالفة..
أنا مطلقة وما أبي أتزوج خلاص.. وش الشيء الغريب في الكلام اللي قلته؟؟
ثم أردفت بتنهيدة: خلاص مزون أنا طالعة أغير من حبسة البيت.. وماراح أطول عشان ما أتأخر على أمي..
فخلينا ما نقلب القعدة نكد..
ثم أردفت بابتسامة وهي تحاول نسيان الشد الحاصل وتنظر ناحية عالية:
يا حليلها عالية.. كنت أنتظر شوفتها في الفستان.. ماني بمتخيلة شكلها فيه..
وسبحان الله ماصار.. بس والله إنها طالعة الليلة كيوت وتجنن وشكلها مبسوطة وهذا أهم شيء..

حينها ابتسمت مزون: أنا عاد كنت جاية مخصوص أبي أشوف شعاع.. أبي أشوف لو غيرت شيء في شكلها قبل العرس..
بس يا الله الظاهر مافيه نصيب أشوفها قبل العرس..

مازال الحوار الباسم الخافت يدور بين الاثنتين وجميلة تهمس وهي تنظر ناحية كاسرة:
والله مافيه حد يدوخ في القعدة كثر مرت أخيش.. يأختي كساب لحد الحين معقد؟؟ مافككت كاسرة عقده؟؟

مزون ضحكت بخفوت: نفس الكلام قلته لخالتي أول ماخطب كاسرة..
قلت لو هذي مافككت عقد ولد أختش.. مستحيل إنها تفكك..
بس الظاهر عقد كساب من النوع الأصلي مافيه شيء يفككها!!






****************************************





" تأخرت حبيبي!!
وأنا قاعدة بكشختي أبيك لين تجي"

كانت هذه هي عبارة عالية لعبدالرحمن وهي تتلقاه داخلا وتدفعه بكرسيه المتحرك للداخل..

همس بإبتسامة مثقلة بالولع: والله العظيم أني أبي أجي من بدري.. ميت أبي أشوفش
بس وش أسوي.. أخوانش اللي أخروني.. الظاهر يبون يعاقبوني عشان خذتش من عندش..
حلفوا إلا أقعد ألعب معهم (بيلوت) عقب العشاء..
أنا وصالح كنا فريق.. وعبدالله وهزاع فريق..
أنا اللي خسرت صالح.. لأن بالي مهوب معي.. وكل شوي غصبا عني أتفكر في الساعة..
مارحموني من تعليقاتهم..

حينها همست بنبرة مهتمة وهي تتناول غترته عن رأسه:
زين فهد ونايف وينهم؟؟

عبدالرحمن حينها شاب ابتسامته شيء من الضيق:
الاثنين كانوا مادين بوزهم شبرين تقولين ميت لهم ميت..
وعقب العشاء سروا على طول..تقولين مهوب طايقين شوفتي..

ابتسمت عالية بحنو وهي تقترب بخجل لتفتح أزرار جيبه:
ماعليك منهم.. أساسا فهد لازم يكمل سهرته عند منصور آل كساب وإلا ما يعتدل مزاجه..
ونايف لازم يوقع حضور وانصراف عند خالتي نورة وإلا بتسود عيشته!!

ابتسم عبدالرحمن بشفافية: حبيبتي عاد جيبي أعرف أفتحه بروحي..

عالية بذات النبرة الحانية: دامني موجودة كل شيء يخصك أنا أبي أسويه..
بتمنعني يعني؟؟

عبدالرحمن بمرح: ومن اللي يقدر يمنعش؟؟
هذا اللي بايع روحه لا تسوين فيه مخططات بعيدة المدى..

عالية بخجل عذب: لا يصير قلبك أسود عاد..

عبدالرحمن حينها شد كفها بين كفيه واحتضنها بحنو بالغ:
قلبي يصير أسود على الناس كلهم إلا عليش.. مايقدر !!





************************************




صباح اليوم التالي
.
.
.


نقرات ناعمة حانية كانت تلامس خده.. فتح عينيه ببطء..
ليرى شعاع الشمس يبرق بين خصلات شعرها الذهبية.. وجهها الندي الخالى من المساحيق يبدو محمرا بشفافية لشدة الصفاء..

ابتسم بشفافية غامرة كما لو كانت رؤيتها هذا الصباح أشبه بالبلسم الحاني للروح بينما كانت تشير له بابتسامة مرحة:
قوم يا الكسلان.. صرنا قريب الظهر..
قوم أنا ميتة من الجوع..

مد أنامله ليمسح خدها وهو مازال مستلقيا ثم أشار بإبتسامة:
زين عطيني شوي من العسل أول..

أشارت حينها سميرة بخجل رقيق وهي تشير لشعرها: لا تقول لي عسل ذي.. ما أحبها لسببين..
الأول إن العسل اللي عندي تايواني مهوب أصلي..
الثاني إن هذي كلمة صالح لأختي نجلاء.. دور لي كلمة حقي بروحي!!

أشار لها حينها بمرح مشابه: زين مربى وقشطة وجبن وبيض وزيتون وحمص وفول.. وكل شيء يفطرون عليه الناس..

ثم أنهى إشارته بإن شدها لجواره وهو يحتضنها بحنو بالغ..
لا تنكر أنها تتمنى وهي في حضنه لو استطاعت أن تتكلم.. أن تهمس في أذنه من قرب..
ولكنها لكي تستطيع أن تخبره بشيء لابد أن تنهض من حضنه وتبتعد لمسافة كافية حتى تشير..
أي أنها يستحيل أن تجمع الإحساسين.. فهي لابد أن تكتفي بأحدهما..!!
بدا لها هذا الأمر موجعا إلى حد كبير..
أن تتخلى عن الاستكانة في حضنه بينما هي لا تريد... ولكنها مجبرة على فعل ذلك حتى تخاطبه!!
ولكنها يجب أن تتأقلم مع ذلك.. فوجودها لجواره يكفيها عن كل كلمات العالم الباردة!!





******************************************




" طالعين الحين للمطار؟؟
اقعدوا تغدوا.. الغدا جاهز!!"


كساب يضع الحقيبتين اليدوتين الصغيرتين من يده ويميل ليقبل رأس مزنة ثم رأس والده وهو يهتف باحترام:
مافيه وقت يمه.. طيارتنا الساعة ثنتين.. يا الله نوصل ونحط أغراضنا وتروح كاسرة الورشة..


خلفه كانت كاسرة تنزل وتتوجه لزايد أولا لتقبل رأسه ثم رأس والدتها وهي تسلم وتسأل باحترام عميق:
توصون على شيء؟؟

زايد هتف بفخامته المعتادة: سلامتش يأبيش.. لا تطولون علينا..

كساب يحمل الحقيبتين وهو يهتف بحزم: بكرة الصبح حن هنا إن شاء الله..


حين غادرا هتف زايد لمزنة بإبتسامة: ليش قاعدة بعيد؟؟ تعالي اقعدي جنبي..

ابتسمت مزنة برقة: مزون صارت على وصول.. رايحة تشوف آخر ترتيبات عرس علي..
مايصير تجي تلاقيني لاصقة فيك!!

حينها اتسعت ابتسامة زايد وهو يتساءل: ليش قدام مزون أحسش تصيرين معي رسمية ومستحيل تقربين مني..

مزنة ابتسمت برقة: لأنه البنت بالذات تكون حساسة..
ولا تنسى إنك ذا السنين كلها كنت لها بروحها.. فلازم إنها بتحس بالضيق مني حتى لو ما بينت أو حتى لو كانت ماتبي تحس ذا الإحساس..
بس البنات بطبعهم حساسات واجد.. وأنا ما ابي أضايقها أو أزيدها عليها..

حينها همس زايد بعمق خافت: زين تعالي اقعدي جنبي ولا تلصقين فيني..
من قال إني باستحمل لاحسيتش قريب مني..
بس باقول لش سالفة..

مزنة رغما عنها تفجر خجل رقيق في روحها وهي تقوم لتجلس جواره مع ترك مسافة متباعدة فاصلة بينهما..

ابتسم زايد: مهوب كن المسافة كبيرة شوي..؟؟

همست مزنة برقة باسمة: لا.. زينة..

حينها همس زايد بخفوت بنبرة عميقة متجذرة دافئة: مزنة.. ماعمرش سألتي نفسش ليه سميت بنتي مزون..؟؟

مزنة أجابت بتلقائية: لا........
ثم بترت عبارتها برعب جازع.. اخترم روحها كسهم حقيقي بعثر مشاعرها بصدمة موجعة..

همست حينها باختناق فعلي.. بنبرة لأول مرة يسمعها منها:
مرتك كانت تدري؟؟

زايد بجزع: لا طبعا ما كانت تدري.. ماني بمعدوم المشاعر لذا الدرجة..
ثم أردف بدفء: بس عشان تدرين أشلون اسم مزنة لزق في روحي وماقدرت أشيله..

حينها تزايد اختناق نبرتها رغما عنها: لا.. زايد.. حرام عليك.. لا تسوي فيني كذا.. والله العظيم حرام عليك!!

لم تستطع حتى أن تكمل عبارتها وهي تقف متوجهة لجناحها كالملسوعة.. حاول زايد إيقافها ولكنها كانت قد ابتعدت عن مدى يده..


هي مشاعرها كانت مبعثرة تماما.. الخبر بعثر مشاعرها تماما.. لم تستطع أن تكون أنانية..
وهي تضع نفسها مكان وسمية.. تتخيل زوجها يسمي ابنتها باسم امرأة يحبها!!
ولكنه طمأنها أنها لم تكن تعلم..
لذلك مابقي في روحها هو إحساس أكثر ضخامة وسموا ووجعا... موجع لابعد حد..

أيكون يحبها لدرجة أن يسمي ابنته باسمها..
بينما هي كانت عاجزة حتى عن مجرد الإحساس به وهي تقذفه بالشتائم الطفولية كلما رأته؟؟؟


كانت تقف في غرفتها وهي تستند بكلتا كفيها لظهر المقعد الذي تمسك به بقوة وترتعش.. ترتعش فعلا كمصابة بالحمى!!
شعرت أنها عاجزة عن التنفس لذا انتزعت برقعها وجلالها بحركة واحدة وكأنها تريد لها مساحة للتنفس..

تشعر أن الدنيا تدور بها وتدور وتدور.. فالخبر كان صادما لها لأبعد حد..
صادما بشفافيته ورقته وعذوبته وتجذره وعمقه..
عاجزة حتى عن مجرد وصف صدمتها وهي تشعر أن إحساسها بالدوار يتزايد وكأنها تنفصل عن هذا العالم..

لذا حين شعرت بكفيه على خصرها من الخلف وهو يهمس لها بقلق "مزنة اشفيش؟؟ زعلتي؟؟"
شعرت أن قواها تخور.. وهي تكاد تسقط بين ذراعيه..

أسندها وهو يشدها ليجلسها على الأريكة ثم يجلس جوارها ويهمس بقلق اعمق:
مزنة أشفيش؟؟

لم تجبه بشيء بل احتضنت خصره وهي تقبل صدره مكان شفتيها حيث اختبأ راسها في طيات ضلوعه..

شدها إلى حضنه بيد ويده الآخرى تمسح على شعرها.. وهو لا يعلم هل كان محقا في إخبارها بخبر صدم مشاعرها هكذا..!!

واثق تماما أنها لن تخبر أحدا.. ولكن هل من حقه أن يعلقها فيه بهذه الطريقة بينما مشاعره هي ملك للماضي وحده؟؟





******************************************






" كساب وش ذا التصرف الهمجي؟؟
تسحبني من الورشة بدون ما أكملها حتى!!"

كانت هذه هي عبارة كاسرة الغاضبة التي قالتها لكساب بعد أن شدت كفها منه..فور دخولهما لجناحهما وهو يسحبها في ممرات الفندق..

كساب ببرود ملتهب: أنا ما سحبتش منها.. أنا ماخليتش ترجعين عقب ماصلينا صلاة العشاء..
وش اللي بقى نص ساعة.. خلاص انتهينا من ذا الورشة..

كاسرة بغضب: زين وش السبب؟؟ وش بيضرك لو خليتني أكمل ذا النص ساعة؟؟

كساب بذات النبرة الباردة الملتهبة: ماني بمرتاح لذا الورشة المختلطة..

كاسرة تشد لها نفسا عميقا حتى لا تنفجر فيه: شوفت عينك.. النسوان كانوا في ناحية والرجال في ناحية وأنا ما فتحت ثمي بكلمة..
وحضرتك قاعد معي كنك بودي جارد..

كاسرة قالت ذلك وهي تشد نقابها لتخلعه حتى لا يظهر غيظها وغيرتها المتزايدة رغما عنها.. وهي تتذكر معاناتها واحتراقها من نظرات النساء له...

حينها اقترب منها وهو يهمس بغضب: وليش حاطة كحل؟؟

كاسرة شدت نفسا أعمق (الصبر من عندك يارب!!) وهي تهمس ببرود متحكم:
أنا حاطة كحل؟؟ أنا لا حاطة كحل ولا ماسكرا ولا حتى فاونديشن ولا أي شيء حتى..
دامك منت بمقتنع بجيتي للورشة ليش تجيبني أساسا.. عشان تحرق أعصابي وبس..

حينها همس بذات النبرة الغاضبة: أنا اللي حرقت أعصابش.. وإلا أنا الي حاس كل اللي في الورشة عيونهم عليش..

كاسرة حينها همست بغضب: لا.. شكلك استخفيت.. أنا.. أنا ؟!!
أنا ولا حتى حد طالع ناحيتي.. وش يطالعون؟؟ سواد مهوب باين منه شيء؟؟
وليش أنا ما أقول إن اللي صار صدق إن عيون النسوان اللي في القاعة كانت بتطلع على البودي جارد اللي معي بدون احترام لي كني طوفة..
كساب أنت وش فيك الليلة؟؟ تبي لك سبب تهاد عشانه وخلاص..؟؟

حينها فوجئت به يشدها من معصمها.. وهو يثبت كفيها بقوة على صدره
ويهمس بحزم غريب مثقل بالشجن: إيه أبي أهاد لأنش وحدة ما تفهمين.. وإذا ماطلعتيني من طوري ما ترتاحين!!

ثم شدها أكثر وهو يفلت كفيها ليطوقها بذراعيه وهو يهمس في أذنها بدفء عميق مخلتلط بنبرته الحازمة:
أنا أبي أدري أنتي اللي يجري في عروقش دم مثل باقي البشر.. وإلا ماي..
دامش الإحساس ملغي من قاموسش..
لين متى وأنتي تعامليني كذا ؟؟.. كني ماني بموجود..


ليست غبية لتفهم ما الذي يريده وأنامله تشد شعرها بحنو وقبلاته تعبر محيط وجهها بشغف..
وبقدر ماقد يثيره هذا فيها من سعادة كأنثى..
يثير أضعافا مضاعفة من الحزن كأنسانة.. لأن كساب عاجز عن رؤية ماهو خارج حدود الجسد..

كان بودها أن تدفعه عنها.. لماذا يغضبها ويلف ويدور إن كان هناك ما يريده منذ البداية لماذا لم يصارحها؟؟
لماذا لا يعرف أن يكون صريحا فأي حال من الأحوال؟؟


همست باختناق توتر مشاعرها وارتباكها من قربه الموجع:
كساب أنا ما منعتك من حقوقك.. عشان تلف وتدور ذا كله..

همس في داخل أذنها تماما بنبرة موجعة لقلبها بطريقة تستعصي على الوصف:
أدري ما منعتيني من حقي السخيف.. بس أنا أبي شيء ثاني عجزتي تفهمينه!!


لماذا كل منهما عاجز عن إيصال جنون مشاعره التي تجاوزت الحد إلى الآخر؟؟
لماذا كل هذا التعقيد والضبابية بينهما لدرجة الاختناق؟؟
كيف يكون قلبها غارقا في الألم هكذا بينما هو يحاول إيصال عمق مشاعره لها؟؟
كيف.. كيف .. ولماذا.. ولماذا؟؟

عشرات من علامات الاستفهام والأسئلة تعبر المحيط والاجواء لأقصى درجات الأختناق وهي تصنع شبكة معقدة من المشاعر والأحاسيس والأوجاع!!





***************************************





بعد ثلاثة أيام
.
.
.

" جوزا تكفين مانمت من البارحة.. وتوني راجعة من الجامعة مابعد حطيت عباتي حتى تقولين لي الصالون.. خليه العصر"

جوزاء تنظر بشفقة حقيقية لشعاع التي تبدو منتهية تماما من التعب ومع ذلك شدتها بإصرار:
الحين نروح للصالون.. عشان تخلصين شغلش كله..
العصر بتجيش الحناية..
يا الله اللون يبين ويغمق على بكرة!!

شعاع تكاد تبكي: تعبانة جوزا حرام عليش!!

جوزاء بإصرار: مافيه.. إذا صليتي العشاء ارقدي لين بكرة ولا صليتي الصبح ارقدي لين الظهر..
بتشبعين رقاد وزود..




.
.
.




" يبه فديتك روح للبيت"

زايد يبتسم بحنو: مثل ما شاركتني آخر ليلة في العزوبية.. لازم أشاركك..

حزن عميق يخترم روح هذا الشاب هذه الليلة.. غدا سيحكم على روحه بأسر جديد..

ألا يكفي إحساسه بالذنب لمشاعره لحبيبته المجهولة حتى يتزايد إحساسه حين يرى زوجته التي لا ذنب لها أمامه..
والمشكلة أنه عاجز حتى عن مجرد فكرة تقبل هذه الزوجة..

كيف يتقبلها وكل ذرة في كيانه هي لامرأة أخرى؟؟

حاول أن يهمس بابتسامة: بس ليلتك كانت غير يبه.. أنت كنت تنتظر حلمك سنين..
بس أنا الله يعين ما أدري أشلون بيكون إحساسي حتى..
خايف أجرح بنت الناس وأنا ما أقصد..


زايد ربت على فخذه وهو يهمس بحزم:
ما ينخاف عليك يا أبيك..
بس الحين فيه سالفة مهمة أبي أقولها لك يا أبيك!!




.
.
.
#أنفاس_قطر#
.
.
.

يا الله جهزوا الفساتين والكشخة
معزومين على عرس علي وشعاع المنتظر
البارت الجاي كله للعرس
عشان ما أقطع عليكم الأحداث المنتظرة
وعشان يكون جو عرس صدق
خلو بارت الخميس في الليل الساعة 11 عشان الحلوين اللي في دواماتهم يحضرون معنا
.
.
.

#أنفاس_قطر# 13-01-11 11:44 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والسبعون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياحياكم الله.. كاشخين متجهزين؟؟؟.. يالله نفتح القاعة!!
.
(بنات والله العظيم لي أكثر من ساعة أحاول أدخل المنتدى
ثم أحاول أنزل لو حرف يشوتني المنتدى برا من الضغط
سامحوني على التأخير.. غصبا عني والله العظيم
ماشاء الله ضيقتوا القاعة.. ماخليتوا لي مدخل أدخل :)...
شكله بيشيب رأسي قبل ما أقدر أحط البارت
قربت أبكي من التعب والقهر والله العظيم
بس مع ذا كله ..الله لا يخليني منكم ولا من لمتكم الحلوة)
.
.
فيه بنات يقولون يمكن شكل علي تغير وشعاع ماتعرفه
نبضات قلبي لاحظوا إنه كساب قال لعلي إن وزنك رجع مثل أول ووضعك زين دامك في المستشفى..
وأنا قصدت تمام ذا الحوار عشان تعرفون إن علي شكله ماتغير!!
عاد أنتوا تخيلوا الباقي بكيفكم :)
.
.
وفيه من نبضات القلب اللي قالت إن نايف يمكن يكون المحقق اللي حقق مع وضحى
عمر نايف الحين 26 وصار له فرنسا أكثر من سبع سنوات يدرس
وين يكون المحقق اللي حقق مع وضحى وهو في فرنسا وعمره وقتها 20 سنة
لكن هم يقولون له وكيل نيابة على اعتبار وظيفته اللي بيستلمها !!
.
بنات.. الزوجين كل ما كان بينهم شفافية كانت علاقتهم أكثر شفافية ودفء
مهما كان الحب كبير لكن بدون شفافية ومصارحة.. ماراح يروح مكان..
عشان كذا كانت الشفافية من أسباب عودة عالية وعبدالرحمن..
وانعدامها سبب طول الزعل بين كساب وكاسرة..
.
.
هل خليفة سيعود لجميلة؟؟
هناك أشياء نتمناها.. لكن هل هي ستحدث تجديد في القصة؟؟
جميلة لم تعرف قيمة خليفة.. فهل الحياة دائما ستمنحنا فرصة أخرى؟؟
خليفة إن كان سيعود للأحداث.. فهو سيعود بشكل غير متوقع أبدا!!
.
.
هل القصة سنتنهي قريبا؟؟
أم بعد الامتحانات؟؟
أقول للبنات اللي يمتحنون خذوا إجازة منا وادرسوا وبترجعون وتلقونا ننتظركم..
.
.
.
الجزء 77
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والسبعون





" يبه فديتك روح للبيت"

زايد يبتسم بحنو: مثل ما شاركتني آخر ليلة في العزوبية.. لازم أشاركك..

حزن عميق يخترم روح هذا الشاب هذه الليلة.. غدا سيحكم على روحه بأسر جديد..

ألا يكفي إحساسه بالذنب لمشاعره لحبيبته المجهولة حتى يتزايد إحساسه حين يرى زوجته التي لا ذنب لها أمامه..
والمشكلة أنه عاجز حتى عن مجرد فكرة تقبل هذه الزوجة..

كيف يتقبلها وكل ذرة في كيانه هي لامرأة أخرى؟؟

حاول أن يهمس بابتسامة: بس ليلتك كانت غير يبه.. أنت كنت تنتظر حلمك سنين..
بس أنا الله يعين ما أدري أشلون بيكون إحساسي حتى..
خايف أجرح بنت الناس وأنا ما أقصد..


زايد ربت على فخذه وهو يهمس بحزم:
ما ينخاف عليك يا أبيك..
بس الحين فيه سالفة مهمة أبي أقولها لك يا أبيك!!



بدأ زايد يخبر عليا بما قاله له الطبيب الغاضب حين أعطاه زايد بطاقة حضور حفل زفاف علي قبل يومين..
بينما كان وجه علي يحتقن شيئا فشيئا..

وحينما انتهى زايد من الحديث.. انفجر علي بغضب وهو يقفز واقفا:
أنا وجهي في وجه الدكتور كل يوم.. ليش كلام مثل هذا يقوله لك وما يقوله لي.. كلام مثل هذا خاص فيني بروحي!!

زايد بعتب: علي يأبيك وش أنا وش أنت؟؟
الدكتور ارتاع يوم عزمته على عرسك وقال لي وضعك الصحي ما يسمح لك
وإن هذا كان استعجال منا..
وكان يبي يتكلم معك بس أنا قلت له خلاص بأقول لك..

علي ألقى بنفسه جالسا على المقعد مرة أخرى.. لشدة الهم الملقى على كاهله..

هل يوجد امتهان للمشاعر والأدمية أكثر من هذا..؟؟
تفاصيله الحميمة والخاصة يتناقشون بها كعارض طبي..؟؟

امرأة لا يريد حتى مجرد النظر لوجهها.. ولكنها تبقى زوجته.. وعلاقته بها خاصة بهما وحدهما..
فكيف تقبل على رجولتك أن يأتيك طرف ثالث مهما كان قربه من روحك ويقول لك لا تقترب من زوجتك حتى تتحسن صحتك
لأن وضعك الصحي المتردي داخليا لن يحتمل!!
أي امتهان ومساس بالكرامة هذا!!

وكل هذا بسببها.. بسببها هي!! هــي !! تلك الغائبة الآسرة !!
ليس غبيا ليدرك رغم تماسكه الظاهري أن قلبه وكبده خصوصا يعانيان من ضعف شديد لذا كان إصرار والده على السفر!!

يعتبر أن هذا كله ليس أكثر من ابتلاء من رب العالمين له.. ويؤمن أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه..
ولكن هناك طرف ثالث لا ذنب له فعلا.. زوجته لا ذنب لها لتعاني معه من جنونه ويأسه وعشقه..

ربما كان يحاول أن يجاري الجميع في قضية زواجه.. وهو يحاول أن يضع والده كمثال له.. فوالده كان رجلا عاشقا ولكنه استطاع الزواج أخرى وعاش سعيدا معها..
فألا يستطيع أن يكون مثل والده؟؟
ألا يستطيع؟؟


لا.. لا يستطيع.. هذا ماهو يشعر به..
فكل يوم يمر.. يشعر أن سيطرة تلك الغائبة المجهولة تزداد على روحه.. ماعاد حتى يستطيع إزاحتها من ذاكرته ولا لثانية واحدة..
أصبحت حياته كما لو كانت تعيش على اجترار ذكراها الوحيدة الأسطورية..
ملمسها.. ملامحها.. رائحتها.. صوتها.. شذى روحها.. كل ذلك حُفر في روحه بمنجل غائر حتى أقصى وأعمق مسافة..

تتعاظم في روحه أحاسيس العشق.. والغيرة والقهر.. واليأس والندم ..

العشق لكل مافيها..لكل تفصيل صغير من تفاصيلها المحفورة في قلبه وعقله..

والغيرة لأنها لسواه.. الغيرة تنهش روحه بطريقة دموية تقتله شيئا فشيئا..
في أكثر الليالي يقفز من نومه جزعا لأنه يتخيل يد رجل مجهول تمتد إلى حسنها لينهل منه..
فيشعر حينها أن القهر يتزايد في روحه ويتزايد وهو عاجز عن التصرف بأي شيء!!

واليأس لأنه يعلم أنها لم ولن تكون له يوما.. فهذا العشق لا أمل له يوما بالقرب الذي هو دواء العاشق..

والندم لأنه يعلم أنه تعدى على حرمات غيره والذنب ينهش روحه خوفا وجزعا من العقاب رغم كثرة استغفاره وإبداءه الندم..
وما يؤلمه أكثر من أي شيء.. أنه رغم كثرة استغفاره فهو لا يستطيع نزعها من كيانه.. بل كل دقيقة تمر يزيد انغراسها في روحه!!

فهل يكون الله عز وجل غاضبا عليه فعلا ويريد معاقبته بها؟؟





*************************************




" جننوني وضحى وسميرة يبون يجون ويصحونها
أقول لهم تجون حياكم الله.. بس تصحونها لا
يقولون حن جايين نبي نسهر معها..
أقول لهم هذي منتهية تعب.. مهوب راضين يفهمون"


كانت هذه جملة جوزاء المرحة لعالية وهي مشغولة بترتيب أغراض شعاع وتكمل باهتمام:
تروحين معي بكرة الصبح الأوتيل نرتب جناح العرسان ونودي أغراض شعاع..
مزون بعد بتجي تجيب أغراض أخيها!!

عالية بحماس رقيق: نروح ليش لأ.. حلوة أجواء حوسة العرس وإن الواحد يكون عنده عروس في البيت ويدبك لها ومشغول معها..
أنا أخواني كلهم شباب ماجربت ذا الحوسة..
حتى أنا حنيتوني غصبا عني.. مع إني ما أحب الحنا..

حينها لم تستطع جوزاء إخفاء تأثرها: كان المفروض إن حن اللي رتبنا لش وانشغلنا معش وحسسناش بأجواء العرس..


مهما كانت عالية تدعي أن هذه شكليات لا تهمها..
فهي مهما كان شابة كانت تنتظر هذه الليلة وترسم لها مخططات طويلة من التجهيز والاستعداد..
وخصوصا وهي ترى هذه الاستعدادات أمام عينيها بينما هي حُرمت منها

ومع ذلك همست لجوزاء بمرح مصطنع: يا بنت الحلال الله رحمني.. يدري إني مالي بال على ذا كله..

جوزاء حينها كانت تعبث بهاتفها كما لو كانت ترسل رسالة ما وهي تهمس لعالية بمودة صافية: الله يعطيش على قد نيتش.. ويسخر عبدالرحمن لش..
قولي آمين..

ابتسمت عالية: والله يرزقش أنتي وعبدالله بولد وإلا بنوتة وأنتي بصحة وسلامة
على قد ما تعبتي مع شعاع وهلكتي نفسش..






**********************************






" كاسرة أشفيش تونين؟؟"

كاسرة تعتدل بصعوبة وهي تلتفت لكساب الذي تمدد جوارها للتو وتهمس بألم:
ظهري ذابحني.. اليوم كنت أساعد مزون في ترتيب أغراض علي..
وشلت شنظة ثقيلة وحسيت إنه فيه شيء في ظهري انعقد..

كساب حينها هتف بغضب حقيقي: ليه من قلة الخدامات في البيت عشان تشيلين الشنطة بروحش..؟؟
كان دعيتوتهم وخليتهم يتساعدون على الأغراض.. والشنطة اللي شلتيها بروحش كان شالوها ثنتين منهم..

كاسرة بضيق نابع من ألمها: كساب واللي يخليك.. اللي فيني مكفيني..
بكرة عرس أخيك وبنت عمتي ومن الصبح بأكون مشغولة.. ما أدري حتى متى بألحق أروح المستشفى..

كساب شد له نفسا عميقا حتى لا ينفجر فيها وهو يهتف لها بأمر: وين ظهرش يوجعش.. خلني أحاول فيه..

كاسرة بجزع: لا كساب تكفى.. تبي تقرطبه.. تقوم وتكسره..

كساب بأمر أكثر حزما: والله ما أقرطبه.. بس وريني ( يقرطب= يطرقع فقرات الظهر أو الأصابع بصوت مسموع)

كاسرة أشارت له أين الألم حتى تسكته وهي تهمس له برجاء مخلوط بحزمها:
كساب يا ويلك توجعني..

كساب تحسس ظهرها بدقة حيث أشارت حتى وصل إلى مكان معين ثم همس بإبتسامة:
هذي هي..

ضغط المنطقة المعقودة ضغطة بسيطة جدا فانحلت.. كاسرة شهقت وهي تعتدل وتهمس بدهشة: وش سويت؟؟ ظهري كأنه ما كان فيه أي شيء!!

ابتسم وهو يجيبها ببساطة: فكيت العضلة اللي انعقدت يوم شلتي الشنطة..

كاسرة بدهشة أشد: ووين تعلمت ذا الشيء بعد؟؟

كاسرة كان بودها أنها لم تسأل.. لأنها تعلم أنه لا جواب لسؤالها..
لذا تفاجأت أنه أجابها ببساطة غريبة: تعلمتها من ربع السجن الله لا يذكرهم بالخير ولا يرد أيامهم.. كانت ظهورنا تتعقد من النومة على البلاط..
فالصبح إذا طلعنا للساحة.. فيه واحد تايلندي كان سكنيّ.. علمني أشلون أفكها.. وأنا أشوف وش يسوي للمساجين..

كاسرة مازالت غير مستوعبة لما قاله.. فهي لم تعلم أنه قد سُجن إلا في حادثة قتل العامل قبل زواجهما وحتى تلك الحادثة لم يدخل السجن حتى..
مع ذلك أجابته باستنكار: كذاب.. السجن عندنا مايخلونهم ينامون على البلاط.. ينامون على سراير ..

اجابها بذات البساطة الغريبة: ومن قال لش انسجنت هنا.. انسجنت هناك في أمريكا..

مازالت عاجزة عن الاستيعاب: متى؟؟ متى؟؟

أجابها بذات النبرة الواثقة البسيطة: بعد تخرجي من الماجستير على طول..

كاسرة حينها كما لو كانت ضُربت على رأسها وهي تهمس بصدمة حقيقية: الخمس شهور اللي قلت إنك كنت فيها في رحلة تخييم فوق الجبال؟؟

أجابها بشبح ابتسامة: شاطرة!!

لا يعلم لماذا أخبرها بشيء لا يعلمه أحد.. ربما أراد أن يوصل لها رسالة.. لا يعلم هل وصلتها ام لا..

ولكنها لم تكتفِ بما قاله.. لأول مرة تشعر به يشاركها هكذا سر لا يعرف به احد..
شعور غريب كان يجتاح كيانها وهي تسأله بإصرار:
زين ليش انسجنت؟؟ وش سويت؟؟

أجابة حينها بحزم: ماسويت شيء أبد..

سألته بذات الإصرار: يعني انسجنت ظلم..؟؟

أجابها بذات الحزم: ولا انسجنت ظلم..

كاسرة تشعر بالتشوش: دامك ماسويت شي.. ولا انسجنت ظلم.. فليش دخلت السجن؟؟

أجابها حينها بحزم أشد: السبب مالش دخل فيه.. يكفيش إني قلت لش شيء ماحد يدري فيه ابد..

أجابته بغضب: لا.. لي دخل.. لا تقول لي نص السالفة وتسكت على نصها..
ما كان قلتها من أساسها..

حينها أجابها بتلاعب خبيث حتى يلهيها عن السؤال:
يعني ذا اللفة كلها عشان ما تعطين الدكتور اللي عالج ظهرش أتعابه..؟؟

كاسرة قفزت وهي تهمس بغضب حقيقي:
كساب لا تسخف الموضوع.. ليش يوم تقربني منك وتقول لي شيء...
ترجع تبعدني في نفس اللحظة.. هذي مهيب حياة.. حرام عليك..
معيشني في فيلم غامض ما أعرف شيء عنه!!

حينها وقف ليجابهها واقفا وهو يهتف بحزم غاضب: وليش ما تقولين إنش ما تشوفين أبعد من خشمش.. وتفكيرش محدود.. وتموتين في النكد؟؟

كاسرة تناولت روبها الموضوع على طرف السرير وهي تهمس بحزمها الغاضب:
القعدة معك تقصر العمر.. بأروح أرقد في الصالة أحسن لي..

ولكنه شدها ليثبتها في مكانها..
غاضب بالفعل.. رغم خطورة ماقاله لها ومع ذلك لم تكتفِ.. لم تنظر لما قاله لها وأهميته.. بل نظرت إلى مالم يقوله..

"يا الله.. متى ستفهمه هذه المخلوقة الغبية؟؟ " لذا هتف بغضبه المتفجر:
أنا أبي أعرف النكد يمشي في عروقش بدل الدم...؟؟
منتي برايحة مكان وبترقدين جنبي وفي حضني.. برضاش وإلا غصبا عنش..





******************************************





" هلا حبيبي مهوب كنك تأخرت شوي!!"


عبدالرحمن يحرك مقعده للداخل وهو يبتسم: بلى تأخرت بس كان عندي مشوار ضروري..

عالية بفضول: مشوار شنو؟؟

عبدالرحمن بمودة صافية: أخذي الكيس المعلق في مقبض الكرسي وتدرين..

عبدالرحمن منذ جاءت عالية لبيته وإحساسه بالذنب الرقيق يتزايد.. لا يستطيع أن يتناسى مطلقا أنه بأنانيته حرمها من حقها بالفرح كعروس..
وخصوصا وهو يرى الأيام الماضية كيف يقف البيت على قدم واحدة استعدادا لزواج شعاع..

أ لم تكن عالية تستحق استعدادا كهذا وهي وحيدة والديها المدللة؟؟!!
وماكان ينقصه لاكتمال احساسه بالذنب هو رسالة جوزا الليلة وهي توصيه أن يحاول التخفيف عن عالية لأنها حتى لو أخفت تأثرها.. فهي متأثرة وبشدة!!

يعلم أن الهدية مهما كانت ثمينة لن تكون تعويضا لها.. فالهدية أمر مستحق لها ولن تعوض النقص الذي حصل..
ولكن ماذا يفعل؟؟ ليس بيده شيء آخر!!

عالية ابتسمت بشقاوة وهي تستخرج العلبة المغلفة: هذي لي؟؟

ابتسم عبدالرحمن بحنان: لا حق حبيب قلبش اللي في جنوب أفريقيا..
افتحيها وشوفي لو ذوقي بيعجبه..

عالية شدت مقعد عبدالرحمن حتى قربته من من مقعدها ثم جلست وهي تفض غلاف الهدية حين فتحتها.. همست بتأثر:
تجنن ياقلبي.. بس واجد كلفت على نفسك..
شكلها أغلى حتى شبكتي بواجد..

ابتسم بذات الحنان: شبكتش مابعدني أعرفش..
بس الحين كل ماشفت شيء في المحل قلت والله مهوب قدرها عندي..
ولو علي كان جبت لش المحل كله..
بس هذا اللي قدرت عليه الميزانية..
عشان تلبسينه بكرة في عرس شعاع..

عالية وضعت الطقم الماسي الثمين جانبا ثم وقفت لتقبل رأسه بتأثر وهي تهمس بذات التاثر: الله يكبر قدرك ولا يحرمني منك.. قول آمين..

عبدالرحمن شدها ليجلسها على قدميه وهو يطوق خصرها ويهمس بولع حقيقي مغلف بندم شفاف:
خليني أمشي والله يمن علي.. والله لأعوضش عن اللي سويته فيش وأنا أجيبش هنا بدون عرس ..

عالية حينها طوقت عنقه ودفنت وجهه تحت أذنه وهي تهمس بدفء:
عبدالرحمن الله يهداك اشفيك واجد متحسس من ذا الموضوع..
ماراح أكذب وأقول أني ما تمنيت عرس مثل باقي البنات..
بس والله العظيم وهذا أنا حلفت.. لو خيروني بينك وبين ألف عرس..
إنك كفتك اللي ترجح بدون مقارنة..





***************************************




" عبدالله حبيبي تعبانة.. أبي أنام!!"

عبدالله بخفوت دافئ: بس كلميني عشر دقايق ياقلبي..
أشلون يجيني نوم وأنا حتى ماسمعت صوتش..
مهوب كفاية إنش من البارحة بايتة عند هلش ومخليتني..

حينها ابتسمت بشغف رغم إحساسها بالنعاس وهي تعدل المخدة تحت رأسها:
يا النصاب أنت ما تنسى حركات النصب لو مهما صار..

عبدالله ابتسم: إيه.. على قولت أخواننا المصريين.. اللي إيدو في المية مش زي اللي أيدو في النار..
وش عليش نايمة عند هلش ومبسوطة وأنا قاعد بريحاتي أعد الوردات اللي في جبس السقف..

جوزاء ضحكت برقة: صدق نصاب..

عبدالله بولع: دام أبو حسن سمع ضحكتش.. تراه راح في خرايطها .. وماعاده بممسي الليلة..

جوزاء بولع أعمق: جعل أم حسن ماتذوق حزن أبو حسن وعمره طويل لها ولعياله..

عبدالله برجاء رجولي دافئ: زين وشرايش أمرش الصبح نطلع نتقهوى سوا؟؟

جوزاء برفض مرهق: لا ياقلبي والله ماعندي وقت..

عبدالله بتأفف: حرام عليش يالظالمة يومين ما شفتش..

جوزاء برقة: خلاص بكرة في الليل راجعة لا تسوي فيها ذايب وأنت من جنبها..

عبدالله يضحك: أنا من جنبها.. زين.. بكرة أول مايزفون المعرس ترا بأجي أخذش..
خلاص لا زفوا أختش مالش في العرس عازة..






*********************************************






" أم زايد الله يهداش.. حولتيني اقعدي"


ضحكت عفراء برقة: حبيبي أنا كذا لاصار وراي شيء مهم ما أقدر أقعد..
وهذا مهوب أي شيء.. هذا عرس علي فديت قلبه..

منصور يتمدد بشكل جانبي وهو يستند على كفه ويقبل زايد الصغير اللذي مدده جواره على السرير وهو يهتف بفخامة حميمة:
زين أنا وش ذنبي؟؟ اقعدي خليني أشبع من شوفة وجهش شوي..
أنا شكلي أتبرا من عيال أخي كلهم أحسن..
شايلة همهم من قلب..

عفراء تجلس خلفه وهي تهمس برقة: يمه منك.. هذا أنا جيت.. ما يوكل عشاك لا تخاف على روحك..

منصور حينها وضع عاد للوراء وهو يتمدد على ظهره ويضع رأسه على فخذها ويبتسم:
يخسى اللي يأكل عشاي.. مابعد جابته أمه ( ما يوكل عشاه= كناية عن الرجل الذي لا يُداس له على طرف)
والحين أنتي رايحة جاية وعرس علي بكرة ليش؟؟

عفراء تمسح على شعره وتهمس برقة: ما أدري.. مشتطة ياقلب خالته..
يا سبحان الله كنت دايم أقول من اللي تستاهل علي وكفو له..
وياسبحان الله الطيبون للطيبات.. مرته مهما أقول رقيقة وطيبة ما أوفي..

منصور يبتسم: فلت مني الهيس.. لو أنه ماخذ بنت فاضل وإلا كان خليته يأخذ جميلة..

عفراء باستنكار: لا حرام عليك.. أنا أصلا ما أرضاها لعلي.. حتى لو كنت أشوف إنه مافيه أحسن منه لبنتي!!
بس جميلة آجعته واجد يوم رفضته.. نروح نغصبه عليها..

حينها أجاب منصور بغموض خيرة من الله: جميلة كلها كم يوم وتخلص عدتها وربي يرسل لها اللي أحسن منه..

عفراء بضيق: ياربي يامنصور أنت ليش مصمم على ذا الموضوع.. قلت لك ما أبي بنتي تعرس..

حينها هتف منصور بغضب: إلا بتعرس وتعرس.. وإلا تبينها تقعد على أطلال اللي باعها برخيص..
تدرين إن الشيخ عرسه كان قبل كم يوم.. اقعدي ابكي عليه.. وخلي جميلة تبكي معش..

عفراء بصدمة: عرسه قبل كم يوم؟؟
ثم أردفت بعصبية: خلاص الله يوفقه.. رجال وتملك وما عقب الملكة إلا العرس
بس هذا ما يغير من أنه بنتي ما تبي العرس وتبي تكمل دراستها وبس..

منصور اعتدل جالسا وهو يهتف بحزم: وأنا أقول إنها بتعرس..
لأن الرجّال اللي ابيه لها وش يدريني يقعد ينتظر.. ماعاده بصغير في السن.... وأنا مستحيل أخليه يضيع من يد بنتي!!






****************************************




" أي واحد أحلى؟؟ هذا وإلا هذا؟؟ "


تميم يشير لسميرة بإبتسامة مرهقة: حرام عليش حبيبتي دوختني..
أنتي أساسا موب مسوية لعرس شعاع فستان ليه ما تلبسينه وخلاص..

سميرة بتأفف: يعني هذا كله عاجز تعبر لي عن رأيك..

ابتسم تميم: ماصار رأي.. صار قضية الشرق الأوسط..

ابتسمت سميرة وهي تعيد الفستانين لداخل الدولاب.. مازالت تعترف أنها حتى بعد تواصلها الحميم مع تميم مازالت تعاني أنها لابد أن تفرغ يديها الأثنتين حتى تستطيع أن تشير..
كأبسط موقف.. الذي حدث قبل قليل.. لا تستطيع أن تحمل الفساتين بيديها وتسأله أيهما أفضل.. بل لابد أن تعلقها أولا حتى تستطيع أن تتحاور معه..

ومغ ذلك هاهي تحاول جاهدة ألا تجعل ذلك عقبة بينهما..
لذلك وحتى تعاقب نفسها على مجرد التفكير بهكذا تفكير..
أخرجت كل فساتينها وهي تعرضها أمام تميم.. حتى تعتاد أنها لابد أن تفرغ يديها كلما تحاورت معه.. وأن تراه أمرا تلقائيا لا يدعو للضيق..

ولكن مع شخصية كثيرة الكلام كما هي ترى نفسها.. يبدو الأمر أصعب بكثير..!! وسيحتاج لكثير من الجهد منها!!





************************************





" يعني ما أشوفش استئذنتيني تروحين للعرس
لا تكونين ناوية تروحين بدون استئذان!!"

نجلاء تبتسم بإرهاق وهي تعدل المخدة وراء ظهرها: إلا أفكر ما أروح من أساسه.. تعبانة واجد حبيبي..

صالح بعتب: مايصير يا قلبي هذولا جماعتنا عدا إنه بيننا وبينهم نسب..
العروس أخت مرت عبدالله ورجّال عالية..


نجلاء بذات النبرة المرهقة: أدري حبيبي بس الليلة من كثر ما أنا تعبانة حاسة مالي خلق شيء..
يمكن بكرة نفسيتي أحسن.. تلاقيني متزكرته ومرتزة وأقول لك ودني..

صالح بقلق: يا بنت الحلال توش على التعب.. توش في السابع..

نجلاء بابتسامتها المرهقة: ثقيلة يا قلبي ذا الحمل.. مع إني أوله ما حسيت فيه..

ابتسم صالح: بنتي ما تجي بالساهل.. بنتي كايدة !!

نجلاء تضحك: وأنت ليش ملزم إنها بنت ...؟؟

صالح يضحك: أنا أدري إنه من النذالة اللي فيش ماتبين تسألين الدكتورة عشان تحرقين أعصابي... بس أنا حاسس إنها بنت..
ميت أبي بنت... حتى خوات ما كان عندي إلا عالية.. لا ولابسة ثوب ولد على طول وهي صغيرة..
خاطري أشوف شعور مربطة وفساتين وألوان وردية!! جفاف وتقشف عندنا في ذا العايلة.. عساكر وجباوة !! لاعت كبدي!

نجلاء بخبث: ولو جبت ولد..

صالح يهز كتفيه بمرح: عادي نعطيه عبدالله ونأخذ بنتهم اللي بيجيبونها..

نجلاء تضحك برقة: وأنت وشدراك إن عبدالله بيجي ليه بنت؟؟

صالح بإبتسامة: تحلمت إنه بيجيب بنت وكم مرة..

نجلاء تبتسم: زين فالح تحلم لعبدالله.. وماحلمت لروحك..

صالح يمد كفه ليمسح على بطنها بحنو ويهتف بإبتسامة:
من كثر شفقتي على بنتي ما قدرت أحلم فيها!!






***********************************





اليوم التالي
.
.
.



" وش فيش يأبيش قاعدة ذا الحزة؟؟"


شعاع التي كانت تجلس في الصالة وهي تجلس على الأريكة وتضم ساقيها لصدرها..
انتفضت بخفة وهو تلتفت لوالدها..
لا تعلم كيف قفزت العبرات لتزدحم في حنجرتها وهي تراه أمامها وماء الوضوء مازال يتقاطر من لحيته..

همست باختناق خجول: راقدة البارحة بدري وشبعت رقاد.. وتوني قمت وقلت بأنتظر آذان الفجر..
أنت اللي أشفيك نازل قبل الآذان حتى؟؟

أبو عبدالرحمن حينها همس بحزم مخلوط بالحنان وهو يجلس جوارها: أنا ماجاني رقاد.. البيت يأبيش عقبش بيغدي عقبش كن مافيه حد بسلامة هله..

حينها استدارت شعاع لتدفن وجهها في كفه وعبراتها المكتومة تسيل مع شهقاتها الخافتة..
أبو عبدالرحمن احتضنها بحنو وهو يهمس بذات النبرة الحانية الحازمة:
يا أبيش لا تهتمين من شيء.. رجالش رجّال فيه خير..
الله الله فيه.. تراه تعبان واجد!!

شعاع لم تستطع أن تجبه بشيء وهي تشدد احتضانها لخصره.. وشهقاتها الرقيقة تتزايد وتتزايد..
بينما صمت وهو يتنهد ويشدد احتضانه لها وهو يمسح على خصلات شعرها بحنو بالغ...







********************************************






" لا زايد أنا اللي بأقول للبنت.. ماراح أقول لأم عبدالرحمن تقول لها شيء!!"

زايد بحزمه المعتاد: بس أخاف الموضوع يكون محرج لش.. وأنا ما أبي أحرجش..
كفاية الحرج لا قلتي لأم عبدالرحمن أشلون لا قلتيه للبنت"

مزنة بمنطقية: صحيح السالفة محرجة شوي.. بس شعاع مثل بنتي..
والأحسن إني أقول لها بدون وسيط... لأن السالفة ذي كل ما قلوا اللي يعرفون بها كان أحسن..
يعني كفاية أنت وعلي وأنا وشعاع..
الموضوع فيه حرج كبير لعلي وأنا ما أبي عمته تشيل في خاطرها من أولها..

ابتسم زايد: الله يكملش بعقلش..
أنا أدري إن علي بيزعل لو درا أني وصلت الكلام للبنت..
بس أنا ما أبي البنت تتضايق يوم تشوفه كاش منها وإلا مايقرب ناحيتها!!
وهي خذته وهي عارفة أساسا إنه مريض!!

مزنة بمودة: لا تحاتي يا أبو كساب.. أنا بأوصيها ما تبين له شيء..

زايد يتناول كفها ويفتح باطنها ليقبلها قبلة واحدة دافئة شديدة العمق وهو يهمس بامتنان عميق مغلف بنبرته الواثقة:
ما أدري أشلون كنت باتصرف في الموضوع من غيرش..
مستحيل كان أقول لبنتي او عفرا مثل ذا الكلام..
وأنا واجد مهتم من موضوع علي وما أبي شيء يضايقه.. كفاية اللي فيه!!





*************************************






" وأخيرا شفت الشارع.. آخر مرة شفته قبل أسبوعين.. ليلة عرس إبي"


كساب يبتسم: اصطلب وصر رجّال.. وشوف الشارع على كيف كيفك..

ابتسم علي: يا ثقل طينتك يا ولد إبي.. تراني الليلة عريس.. يعني عاملني معاملة سبيشل.. ماعندك إلا كلامك اللي يسم..
الله يعين بنت ناصر عليك..

كساب يبتسم: أنا والله (مثل العومة ماكولة ومذمومة)... الله يعيني عليك أنت وبنت ناصر..
الحين أنا الصبح وصلتها هي ومزون للفندق.. والحين جاي أخذك أوديك لحلاق..
وعادك تبي تحاسبني على الحكي !!


علي مازال يبتسم ابتسامته الشفافة التي تغلف كثيرا من الأسى:
أنت كم جناح حجزت؟؟

كساب بثقة: أربعة.. واحد لك واحد للعروس وأهلها.. واحد للبنات يتعدلون فيه.. والرابع للعرسان.. عشان ماحد يفتح جناحكم لين الزفة..

علي تنهد: قلت لمزون إني ما أبي أنزل للكوشة اللي تحت..؟؟

كساب بعملية: قلت لها.. فهي تقول إنهم سووا لكم كوشة بسيطة في جناحكم عشان التصوير..
ثم أردف وهو يبتسم: مع أني أدعي ربي تسوي فيك مثل ما سوت مرتي فيني..
تقول مهيب طالعة لين أنت تجي وتطلعها!! عشان أتشمت فيك مثل ما تشمت فيني تيك الليلة..

حينها أجابه علي بإبتسامة مرهقة: مرتك ماشاء الله رأسها يابس.. مثلك..
لكن أنا واحد رايق.. ويقولون مرتي مثلي..
يعني كل واحد ربي يعطيه اللي مثله!!
وبعدين أنت وضعك كان غير..
أنا لو عليّ.. والله ودي ما أكسر بخاطرها في شيء..
بس لا نفسيتي ولا وضعي يساعدون..





*********************************





" مرت خالش سابقا وش فيها تزن في أذن شعاع؟؟"


جوزا بتلقائية: يمكن توصيها.. خالتي مزنة نعتبرها أمنا الثانية!!

ابتسمت عالية (بعيارة): أكيد لازم توصيها.. ولد رجّالها!!

ابتسمت جوزاء وهي تنظر لشكلها في المرآة.. فستانها الشيفون البحري المتسع قليلا من عند بطنها التي بدأت تبرز وهي تهمس بابتسامتها:
يا السكنية حرام عليش.. رجّالها يستاهل من يوصي عليه.. صبي تعبان..

عالية المتأنقة بخصوصية راقية في فستان فضي ضيق جديد اشترته للتو كانت تضحك: زين ليه ما وصيتيني على الدحمي؟؟

جوزاء تنظر لها من الأسفل للأعلى وهي تهمس بخبث باسم:
ما تحتاجين وصاة..
إلا إذا تبين أقول لش خفي شوي من اهتمامش فيه.. خنقتيه!!

عالية تكبر في وجهها بطريقة تمثيلية مرحة: الله أكبر عليش.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
والله لو فيه وحدة بيوصونها تخف اهتمامها برجالها تكون أنتي!!
اللي لو صار قاعد معش في الجلسة ما تقدرين تشيلين عينش من عليه.. تخافين تفوتش منه نظرة ولا كلمة..

جوزا تقرصها في فخذها وهي تهمس بمرح: يمه منش يا اللي ما تستحين.. حشا مهيب عيون... مشغلة أبراج مراقبة!!

.
.



في زواية الجناح..
مزنة تنتهي من حديثها مع شعاع التي كانت قد أنهت مكياجها وفرد شعرها..
وتنتظر فقط أن تلبس فستانها حتى تعمل تسريحة شعرها..
وتحمد الله أنها تضع أطنانا من البودرة والإضاءة وإلا كان احمرار وجهها ظهر صارخا متفجرا..

بينما مزنة كانت تختم حديثها بنبرة أمومية حازمة:
يأمش أدري إنه الكلام ذا ما يليق أقوله لش.. بس أنتي مثل بنتي.. وعلي مثل ولدي..
وأنا مابغيت أدخل حد في السالفة.. وعلي ترا مافيه عيب يأمش نهائي..
بس...........


شعاع قاطعتها بخجل: بس يمه تكفين.. والله أني فهمت قصدش.. والموضوع بكبره ما يهمني ولا حتى فكرت فيه..
أنا أساسا أدري إن علي مريض وماني بمنتظرة منه شيء.. تكفين يمه لا تحرجيني أكثر..
ولا تحاتين.. علي في عيوني.. وأنا معه لين يتشافى من مرضه..


مزنة تقف لتقبل جبين شعاع وهي تهمس بحنان:
الله يعطيش على قد نيتش ويجمع بينكم في خير... خلني أروح أشوف البنات خلصوا وإلا لا..



.
.
.




" يمه ليش أحس أنش ما تهضمين خالتي مزنة؟؟"


عفراء باستغراب وهي تلف زايد جيدا لتحمله: أشلون ما أهضمها..
هذا أنا قبل شوي أسولف معها عادي..

جميلة بنبرة مقصودة مع نظرتها السابرة: يمه لو دسيتي على خلق الله ما تقدرين تدسين علي..
يعني عشانها خذت رجال أختش؟؟ ترا خالتي وسمية قربت على 18 سنة من يوم توفت..

عفراء تقف وهي تهمس بحزم: ما سمعت أسخف من ذا الكلام..
هاش اخذي أخيش خلني أروح أشوف مزون خلصت وإلا لا..

عفراء غادرت غرفة النوم حيث كان زايد الصغير نائما متوجهة لصالة الجناح..
تعلم في داخلها أن جميلة محقة..
فهي مازالت غير قادرة على تقبل مزنة...لا تستطيع أن تنسى أنها كانت سببا لتعاسة أختها وحتى لو بغير قصد منها..

وما يؤلمها وآلمها.. أن مزنة مازالت حتى الآن باهرة الجمال.. وجمالها من النوع الذي يدير رؤوس أعتى الرجال..
فماذا بقي لأختها في ذاكرة زايد ومثل هذه بين يديه؟؟!




.
.
.


" يمه أنا وسميرة خلصنا ونبي نروح لشعاع.."

ابتسمت مزنة وهي تجيب وضحى: يمه منكم.. توكم كنتو عندها قبل تجيكم الكوافيرة.. ومابغيتوا تجون لين حرقتكم بالتلفونات..
روحوا الله يسهل عليكم.. واقعدوا عندها بعد لين تنزل.. ريحوني من حنتكم..

سميرة تضحك: يمه هذي ريحة عرس.. الواحد يلاقي ريحة عرس كل يوم..؟؟

كاسرة كانت من أجابت هذه المرة بإبتسامة: على شفاحتكم على العرس
تقولون مابعد عرستوا... وحدة عرست والثانية في الطريق..


وضحى وسميرة ارتدتا عبايتيهما وغادرتا... بينما كانت مزنة تلتفت لكاسرة وتهمس بحزم: يا الله يأمش تجهزي عشان ننزل.. لازم نكون في الاستقبال من بدري..

كاسرة باستعجال: خمس دقايق وأكون جاهزة!!

ثم أردفت مزنة كمن تذكرت لها شيئا: كاسرة يأمش فيزتش خلصت وإلا؟؟

كاسرة بتلقائية: خلصت بس ماراح نروح مع علي.. وكساب يقول إن سفر علي أساسا تأجل يومين
لأنه عمي زايد هو اللي بيروح مع علي!! ما رضى يخليه بروحه!!


حينها تصاعد ضيق عميق عميق في روح مزنة..
أ يقرر أن يسافر دون أن يعطيها خبرا حتى..؟؟

بالتأكيد لا مشكلة لديها مطلقا أن يسافر مع ابنه.. ولكن المشكلة أنها تعلم خبرا مثل هذا من سواه..
وهي كانت قد رأته للتو هذا الصباح حين عاد من المستشفى وطلب منها إخبار شعاع بوضع علي الصحي!!

أ لم يجد حينها الوقت أيضا ليخبرها أنه سيسافر مع ابنه؟!!!!
أو بمعنى أصح لم يجد دقيقة واحدة ليخبرها؟؟
ماذا يقصد بذلك؟؟
أنها غير ذات أهمية في حياته لدرجة أن يتجاهل إخبارها بهذا الموضوع الشديد الأهمية؟؟؟







***********************************





" يبه تبي تكسر عليّ؟؟
قاعد جنبي ولابس بشت أسود تقول أنت العريس..
عرسك قبل أسبوعين ما لبست بشت جاي تلبس الحين!!"


زايد يبتسم برزانة محترفة وهو ينظر لعلي بمودة غامرة: من جدك؟؟
أنا ملكة بس وفي مجلسي.. وأنت جاي لك أمة لا إله إلا الله.. تبيني أقعد قدامهم بدون بشت..؟؟

ثم أردف باهتمام: ترا يأبيك سفرنا عقب يومين إن شاء الله.. أنا غيرت في الجدول شوي.. عشان الدكتور اللي حن رايحين له تغيرت مواعيده..

علي حينها أجاب بنبرة أقرب لعدم اهتمام: مهوب مشكلة.. بكيفك..


ولماذا يهتم؟؟ أو حتى يشعر أو يحس؟؟
يشعر كما لو كان أشبه بأحد ممثلي الكومبارس الذين يمثلون أنهم أفراد من جيش ما في مسلسل تاريخي..
لا يمكن أن ينتبه لهم أحد ولا أهمية لهم سوى تكثير أفراد الجيش..

كل شيء يتم تقريره في حياته دون أن يعودوا له.. زواجه.. حياته.. وحتى علاقته بزوجته!!
فما الذي سيهتم له بعد؟؟

لم يكن هكذا مطلقا من قبل.. بل كان رغم هدوءه وسماحة أخلاقه حين يقرر قرارا لا يتراجع عنه..
مثلما قرر أن يسافر ليعمل في مكاتب التمثيل الخارجي ولم يستطع أحد ردعه..



لــكــــــن...
من بعدها هي... أحواله كلها تغيرت..
دخلت في حياته لمجرد دقائق حتى تقبلها رأسا على عقب!!
في أحيان كثيرة بات يظن أن ما رآه مجرد شبح أو طيف أرسله الله له ليعاقبه على ذنب لا يعلم ماهو !!

ولكنه في ذات اللحظة رغما عنه تستعيد ذاكرته المثقلة بالشجن واليأس..
ملمس ليونة جسدها ورقة عظامها وعبق رائحتها.. ليعلم أنه لا يمكن أن توجد حقيقة أقوى منها!!
تبدو كما لو كانت الحقيقة الوحيدة في حياته التي باتت ضبابية من بعدها!!


يزفر بحرارة تنهيدة بضخامة المجرة... حتى في هذه الليلة التي يجب أن يكون تفكيره محصور في امرأة واحدة هي زوجته..
لا يستطيع أن يفكر في شيء سواها.. حبيبته المجهولة!!
هي.. الحلم.. الذي يبدو أنه سيموت وهو يلهث وراءه!!


يستغفر ويكثر من الاستغفار.. لتدمي روحه أكثر..وأكثر!!
لأنه كلما استغفر كلما تزايد تفكيره بها..


"يبدو أنها فعلا عقوبة من الله عز وجل لي!!
فمتى ترحمني يارب؟؟ متى؟؟
تعبت يا الله!! تعبت!! "




.
.
.

زاوية أخرى من حفل الزواج الضخم..





" أبو زايد اقعد شوي الله يهداك
استقبال واستقبلت.. وترحيب ورحبت.. والمعازيم كل واحد قاعد في مكانه وانتفخ من كثر ما تقهوى وكل حلى..
اقعد خلاص.."

كساب يتنهد وهو هو يجلس جوار غانم: هي ليلة وحدة.. يعني أخي بيتزوج كل يوم..

غانم يبتسم وهو يهمس بمرح: والحين ليلة عرسي كنك بتسوي لي كذا
كبرت المخدة ورقدت لين أجي في الزفة بس..

كساب يبتسم: أنا ليلة عرسي.. علي سوى لي أكثر من كذا..
وأنت ماشفت وجهك إلا مع المعازيم يوم جاو..

غانم يضحك: والله تيك الليلة ماكنت نسيبي.. لو أنك كنت نسيبي كان لقيتني في العرس من فجر..

كساب يضحك: يا الكذوب.. هذا علي نسيبك وماشفنا وجهك إلا مع المعازيم بعد..

غانم مازال يضحك: والله العظيم توني جاي من رحلة يا الله لحقت أبدل..

كساب بابتسامة: مهوب شغلنا كان اعتذرت عن الرحلة..
مهوب تاخذ أختنا وتبينا نرتب عرسك بعد..
احنا أساسا بنجي نخربه عشانك خذت شمعة بيتنا...

ابتسم غانم ابتسامة مقصودة: هذا أنتو منتو بمقصرين علي بالنكد
حتى موعد عرس.. منتو براضين تبلون ريقي بموعد..

كساب ينظر له نظرة مقصودة باسمة: شين الطفاقة ياناس.. اركد يا ولد الناس قدام نغير رأينا.. أختنا وكيفنا!!

غانم يضحك: مايسوى علي أختك.. ذليت أبو طوايفنا!!




.
.
.


زاوية ثالثة من الحفل..



" ماشاء الله.. ماهقيت بأشوف علي كذا..
صار لي مدة مازرته .. بس حالته تحسنت واجد عن أول..
تقريبا راجع لحالته الطبيعية"

منصور بفخامة: الحمدلله على كل حال..

فهد يبتسم: والله شوفته بالبشت شهوتني على العرس..

منصور يرد بابتسامة مشابهة: أنت كل عرس نحضره تقول شوفت المعرس بالبشت تشهويك على العرس ولا حصل ذا العرس..

فهد يضحك: وش أسوي.. بأنتظر عشرين سنة لين تكبر بنتك اللي أنت وعدتني فيها..

حينها همس منصور بنبرة حازمة مقصودة: وليش تنتظر 20 سنة وأنا عندي بنت عمرها 20 وجاهزة..؟؟

فهد بمرح: ماشاء الله على بنتك نازلة من بطن أمها عمرها 20...
يالله حاضرين متى الملكة؟؟

أجابه منصور بجدية : عقب أسبوعين تعال اخطب مثل الناس.. وعقبها انشد متى الملكة..

فهد مستغرب نوعا ما.. حتى وإن كان حضرة العقيد من النوع الحاضر البديهة المرح بتوازن.. ولكنه مطلقا لا يبالغ في المزح كما يفعل هذه الليلة..
لذا خشي لاحترامه الشديد له أن يتمادى معه في المزح.. فصمت!!


لكن (حضرة العقيد) لم يصمت وهو يردف بنبرة شديدة الحزم:
فهد أنا ما أرخص بنتي يوم أعرضها عليك.. ولو أنه حد غيرك ماعرضتها عليه..
بس أنت عارف غلاك عندي.. أنا اعتبرك مثل ولدي.. عشان كذا أبيك لبنتي..


فهد بدأ يتشوش لأبعد حد.. ولا يعلم حتى عن ماذا يتكلم.. عن أي بنت يتحدث وهو ليس لديه سوى ولد عمره أشهر قليلة؟؟

ولكنه فهم مايقصده العقيد لتتبعثر مشاعره من الصدمة تماما ومنصور يكمل بذات النبرة الحازمة:
أدري مايصير نتكلم في موضوعها الحين لين تخلص عدتها.. وعدتها بتخلص عقب أسبوع..
بس الكلام جر بعضه.. وإلا أنا ماكنت ناوي أتكلم معك الحين..


فهد بهت تماما من الصدمة.. بهت.. تبعثر تماما..
" أ يقصد بكل هذا الحديث ابنة زوجته المطلقة؟؟
أ هي من يقصدها بابنته؟؟
متى أصبحت ابنته وهو للتو تزوج من أمها من سنة واحدة؟؟ "


" لذا الدرجة أرخصتني يا حضرت العقيد وأنت اللي أغلى علي من خلق الله..
تبي تزوجني مطلقة؟؟ ولا هيب من قبيلتنا حتى؟؟
لذا الدرجة هنت عليك عشان بنت مرتك؟؟ "

فهد أغلق عينيه وفتحها وكأنه يحاول نفض الصدمة التي لا تنتفض..

" مطلقة؟؟ كانت لرجال قبلي؟؟ "

فهد ارتعش بعنف ارتعاشة لم تتعد داخله إلى ملامحه المتحكمة الخارجية..
قد يكون لم يفكر بالزواج كفكرة قريبة الوقوع..
ولكنه كأي شاب كان في خياله مواصفات معينة.. ولم تكن امرأة كانت لرجل قبله من ضمن خياراته أبدا..

لماذا يتزوج من فتاة ليس هو الأول في حياتها وهو من لم يسبق له حتى مجرد الاحتكاك بامرأة؟؟
لم يهاتف فتيات.. ولم يرفع جتى طرف عينه إلى امرأة..
فكيف تكون نصيبه امرأة على جسدها آثار رجل آخر.. وعلى نحرها آثار أنامله.. وعلى شفتيها رائحة أنفاسه..؟؟

يشعر أنه سيتقيأ فعلا..
كما لو كان أحدهم يجبره على استعمال شيء مستعمل..
كما لو أن أحدهم يطلب منه مثلا أن يغسل أسنانه بفرشاة استعملت قبله عشرات المرات.. ومع ذلك ليس حقه الرفض.. بل لابد أن يقبلها..

رغم بشاعة المثال... ولكن هذا ماشعر به فهد هذه اللحظة!!
شعور بالقرف يتزايد في روحه إلى درجة الاختناق!!


يعلم أن مثل هذا التفكير لا يجوز.. ومثل هذه المقارنة لا تجوز.. ولكن هذا هو تفكيره.. وهو هكذا!! هكذا خلقه الله!!
هو يرى نفسه كصقر حر لا يقبل بالفضلات.. وتأبى نفسه أن يلمس شيء لمسه سواه..


وحتى بعيدا عن كونها مطلقة.. وعن كونها ختاما من قبيلة مختلفة تماما..
هي.. كيف هي؟؟
فهو رجل على حدود الثلاثين بشخصية حادة جدا..
وأكثر ما يكرهه في العالم هي الأنثى المدللة .. لا يستطيع ابتلاعها حتى..
بينما هي من أطراف الحديث الذي كان يصله من منصور بدون قصد يعرف أنها مدللة جدا..
بل إنه في أحد المرات وهو مع منصور في سيارته اتصلت بعمها ففتح منصور الميكرفون دون قصد.. فوصله صوتها:
" عمي حبيبي وينك؟؟ تأخرت علي.. صار لي ساعة لابسة وأنتظرك!!"

منصور أغلق الميكرفون بغضب وهو ينزل من السيارة كاملة.. ولكن صوتها وصله بوضوح وأثار قرفه..

صوت بالغ النعومة إلى درجة تثير الغثيان.. وطريقتها في الحديث مدللة إلى درجة تثير الصداع..
فكيف يبتلي بمثل هذه في بيته؟؟


ومن ناحية ثالثة أو ربما رابعة.. يتخيل شكل من تضطر حضرة العقيد أن يتنازل عن كبرياءه وبرجه العالي ليخطب لها..
لابد لأنه يعلم أنها يستحيل أن تجد عريسا لبشاعتها.. لذا قرر أن يصتاده لها..
هذه التي فر زوجها منها وهما مازالا في المطار..
لابد أنه كان لزوجها المبرر القوي ليفعل ذلك في ابنة عمه!!

"مطلقة وشينة ودلوعة !!
والله العظيم ثلاث ضربات في الرأس مهيب توجع
إلا تذبح !!"


كانت هذه أفكار فهد التي غرق فيها الثوان التي تلت عرض منصور عليه قبل أن يقطع منصور عليه أفكاره بحزمه: فهد وشفيك سكتت؟؟

فهد نظر لمنصور بمودة غامرة واحترام جزيل..
رغم كل شيء هذا حضرة العقيد.. لو طلب منه أن يلقي نفسه في النار سيفعلها دون تردد..
فكيف والمطلوب أهون من ذلك.. زواج !!!... من أجله مستعد أن يتزوج الغولة حتى!!

لذا هتف بحزم بالغ: وليش ننتظر أسبوعين... عقب أسبوع تخلص عدتها ونكون عندك نخطب ثاني يوم..






*************************************






" يمه الله يهداش.. بسش دموع.. شعاع بروحها متوترة.. تكفين لا تشوف دموعش تحوس الدنيا"

أم عبدالرحمن بتأثر: هذا أنا قاعدة برا عشان ماتشوفني..

جوزاء بتأثر رقيق: بس هي كل شوي تسأل عنش.. وتقول أمي وينها.. تكفين يمه تعالي بس عقب ما تمسحين دموعش..

أم عبدالرحمن تنهدت بحرارة: زين يأمش خلني أروح الحمام أغسل وجهي وأجيش..



.
.

زاوية أخرى من حفل النساء..



" تدرين ماهقيت الأحمر بيطلع عليش يجنن كذا"

مزون تبتسم: ولا أنا..
ماتعودت صراحة على الألوان الجريئة كذا..

جميلة برقة: ياحلوه الأحمر.. ولو أنه ما يناسبني.. بس عليش خيال ورب العالمين..

مزون بمرح: يعني أروح أتمصلح عند أم غانم..؟؟؟

جميلة بمرح مشابه: تمصلحي والئلب داعي لك والعتبة خضراء
وكلها على قولت هريدي خال سميرة..

مزون بتردد: جد شايفته حلو علي؟؟

جميلة بابتسامة: ياملغش بس!! يجنن وربي يا البايخة!!

.
.
.
.

في غرفة العروس الملحقة بالقاعة
.
.



" يالبي قلبها طالعة تجنن.. تجنن !!"

سميرة بتأفف باسم تجيب وضحى التي كانت تنظر لشعاع بتأثر بالغ والدموع تترقرق في عينيها:
هذا كله معجبة ببنت عمتش..
لوعتي كبدي هذي المرة العشر طعش عقب الألف اللي تقولينها..
يأختي خلي للعريس شيء يقوله.. خلصتي الغزل كله عليه!!
وإلا تدرين خلصي الكلام على العريس لأنه المسكين يقولون مريض..
يشوف شعيع الليلة.. بيطب ساكت..

وضحى باستنكار: يمه منش.. فاولي على المسكين..

سميرة تضحك: أنا الحين اللي أفاول عليه.. شعيع دارية المسكين تعبان وقلبه مايستحمل وشو له تكشخ كذا..
ما ألومه يطب ساكت!!
على قولت خالي هريدي: دا يبئى موت وخراب ديار..

وضحى بغضب مرح: لو أن الله يفكنا منش أنتي وأمثال خالش كان حن بخير!!



.
.


" شعاع ياقلبي.. ترا ابي كلمني.. يقول اطلعي فوق
العريس واصل بعد شوي"

حينها أمسكت شعاع يد جوزا بقوة وبدأ ذقنها يرتعش: أمي وينها؟؟ أمي وينها؟؟


" هذا أنا يأمش هنا.." جاءها صوتها الحاني ولمسة يدها الأحن .. شعاع حينها أمسكت ذراع والدتها بقوة وكل مافيها يرتعش..
أم عبدالرحمن ربتت عليها بحنو وهي تسمي عليها وتدعو لها وتقرأ عليها آيات من القرآن الكريم..
ثم التفتت وهي تهمس بحزم أمومي حتى تمنع نفسها من البكاء: جوزا هاتي عباة أختش..
وأنتي ياوضحى روحي ادعي أمش تطلع معنا فوق..




**********************************





دقائق مرت منذ غادرهما الجميع وأغلقوا باب الجناح خلفهم..
وكلاهما معتصم بمكانه دون أن ينظر للآخر مطلقا..


حين دخل للجناح تلقته خالته وأخته وعمته مزنة وأجلسوه بجوار العروس..
التي كانت وصلت قبله بدقائق ورتبوا شكلها وجلست..
ولم يبق معها سوى والدتها التي كانت توصيه بابنتها بصوت بالغ الاختناق..
لم يستطع حتى أن يتكلم.. شعر أنه يختنق فعلا.. لذا هز رأسه بهزة حاول جعلها واثقة..

كانوا يباركون له وهو يشعر أنه في عالم آخر.. آخر!!
أبعد مايكون عنهم... وعن أجواءهم..
لم يرد على أحد..
خشي أن ينفجر..
أن يقول لهم لماذا تباركون لي؟؟ المفترض أن تعزوني لأن روحي تموت.. تموت..!!


كان كلاهما يجلسان على المقعد الطويل.. يشعر بأطراف ثوبها الأبيض المتسع بعفوية تلامس بشته الأسود..
ومع ذلك يشعر أن بينهما مسافة ككل محيطات الأرض!!

لم يستطع حتى أن ينظر ناحيتها..
كان كل ما اقتحمه منها هو رائحة عطرها وبخورها الفاخر تزكم أنفه من هذا القرب!!

أما كل مالمحه منها فهو عضدها النحيل المطرز بنقوش الحناء..
شعر حينها بألم غير مفهوم يغوص في حناياه..
كل شيء يعود ليذكره بها رغما عنه!!

فهي أيضا كان عضدها نحيل.. وعظامها غاية في الرقة..
حينها عاوده الشعور بالذنب يعتصر روحه..
يعتصره من الناحيتين.. هاهي حلاله جواره... وهو يفكر في حلال سواه..


"يا الله ما كل هذا الألم!! ماكل هذا الألم!!
يارب ماعاد في القلب مكان!!
ماعاد في القلب مكان.. ارحمني
ارحمني!!"



هي مازالت تعتصم بمكانها ترتعش بخجل شديد.. لم تستطع مطلقا أن ترفع عينيها له..
وهي تمسك بمسكتها وتفرغ توترها فيها.. وهي تشدد قبضتها حولها


وحين جلس جوارها كادت تقفز من مكانها خجلا وهي تشعر بحفيف بشته يلامس عضدها العاري..
وتشعر أنها ستنتختنق فعلا.. وعاجزة عن سحب الأكسجين !!

ففستانها كان برقبة عالية (هاي نك) على الطريقة الفيكتورية يزين منتصفه (بروش) دائري من الألماس..
وأسلاك الكورساج الحديدية تشعر بها تطبق على أضلاعها و أنفاسها أكثر وأكثر..

ورغم بساطة الفستان ونعومته ورقيه إلا أنها شعرت أن كل مافيه يطبق على أنفاسها ويخنقها..

ومازادها اختناقا.. تجاهل هذا الجالس جوارها لها..
لا تعلم لِـمَ قفز لذاكرتها برعب ليلة جوزاء الأولى مع عبدالله...
أ يعقل أن يكتب عليها ذات المصير الذي قلب حياة أختها؟؟

كانت الدقائق تمر وتمر وتمر وهو يتجاهلها.. دون أن يتحرك من مكانه أو يوجه لها كلمة واحدة..
بينما هو لم يكن مطلقا يقصد تجاهلها ولكنه لم يشعر بمرور الوقت وهو غارق في أفكاره.. ويخشى أن يقول لها شيئا فيضايقها!!
مشاعره الرقيقة ممزقة بين عمق مشاعره في تلك الآخرى..
وخوفه من إيذاء من تجلس جواره!!



شعاع حين يأست أنه قد يبادر بشيء.. قررت أن تنهض فهي ماعادت قادرة على احتمال الفستان..
شعرت بضيق عميق أنه دفعها لتجاهل خجلها الطبيعي..
بينما هو حين رأى خيالها يعبر أمامه ... كان بوده أن يقول لها أي شيء حتى لو كانت مجاملة باردة لا تقدم ولا تؤخر..
فهي مهما يكن صبية ليلة زفافها.. ولا تستحق التجاهل..
لكنه حين رآها تتجه للحمام.. قرر أن يتركها حتى تنتهي من الحمام قبل أن يحاول محادثتها..


شعاع دخلت الحمام.. استندت للمغسلة بكفيها وهي تشد لها نفسا عميقا..
وتهمس لنفسها بتجلد عذب:
ماني باكية.. ماني باكية.. لازم أقدر إنه تعبان ونفسيته تعبانة..
وأكيد الموضوع اللي قالته لي خالتي مزنة متعب نفسيته أكثر..
لازم أراعي ذا الشيء..


شعاع لا تعلم إن كان رأى زينتها حتى.. لكنها تتوقع أنه رآها حين دخل..
كان بودها أن تجلس معه بزينتها قليلا.. فلمن تزينت هذه الليلة؟؟
لكنها خشيت أن يسيء فهمها وخصوصا مع تجاهله لها..

لذا خلعت ثوبها رغم صعوبة الأمر..
ثم مسحت زينتها بعناية بالغة.. ثم فككت تسريحتها اللولبية لتتناثر اللفات بنعومة على كتفيها..
كانت تريد أن تستحم ولكنها رأت أنها بذلك ستستغرق وقتا طويلا.. ولا يليق أن تتركه كل ذلك..


ارتدت فستانا أبيضا ناعما خفيفا من الشيفون يصل طوله لمنتصف ساقها كانت طلبت من جوزا أن تعلقه لها في الحمام..
ولكنها حين رأت كشفه ساقيها تمنت لو أنها اختارت فستانا طويلا..
ولكن لم يكن هناك سواه هو وقميص نومها الذي لم تكن تريد أن ترتديه أبدا..
لذا لبست صندلها الشفاف الذي يكشف عن نقوش الحناء التي كانت تصل
لأسفل ركبتيها ..
ثم وضعت ماسكرا وأحمر شفاه مشمشي اللون واكتفت بهما.. وقررت الخروج..


وقفت لوقت طويل أمام باب الحمام الذي كانت فتحته أساسا.. ولكنها لم تستطع الخروج عبره لشدة إحساسها بالخجل..

حتى سمعت الهمس الرجولي العميق الهادئ والقريب: شعاع تعالي لا تستحين..

بدا لها الصوت مألوفا لحد ما.. لكنها لم تستطع التعرف عليه..
ولكنها تعترف في ذاتها أنها شعرت برعشة حادة دافئة وهي تسمع اسمها بنبرته الرجولية العميقة!!


خرجت وهي تكاد تتعثر في خطواتها..
هو كان قد خلع بشته وغترته ويجلس بثوبه فقط في الجلسة القريبة من الحمام..

عاود الهمس لها بذات نبرته الهادئة العميقة: تعالي اقعدي.. قلت لش لا تستحين!!

صرت جبينها قليلا "الصوت غير غريب.. كأني قد سمعته قبلا.. لكن لا أعلم أين!!"

تقدمت باستيحاء وجلست مقابلا له على الأريكة...
هو لم يكن يشعر بأي رغبة لا في محادثتها ولا في النظر إليها ولكن إحساسه بالذنب من ناحيتها كان يجبره على ذلك..

حينها رفع عينيه لها بينما كانت هي تخفض رأسها بشدة.. فلم يرى إلا خصل شعرها الملتوية بعذوبة تتناثر للأمام..


لا يعلم حينها لِـمَ شعر برعشة حادة صارخة تجتاح روحه حتى أقصاها حين نظر لها..
شيء غير مفهوم يحصل له.. !!
شيء لا يعقل يحصل له!!


لماذا ترتعش يداه هكذا؟؟
وريقه لماذا جف هكذا؟؟
وأنفاسه لماذا تتثاقل هكذا؟؟
ودقات قلبه لماذا تتزايد بعنف هكذا؟؟

إحساس شعر به مرة واحدة فقط.. واحدة فقط في حياته كلها!!

المرة الثانية التي تبع فيها حبيبته المجهولة في ممر المستشفى!!
فلماذا يعود له الآن؟؟ لماذا؟؟


حينها همس باختناق لا يعلم له سببا: ترا العشا جا من أول مادخلتي الحمام.. تعشين؟؟

همست باختناق خجلها الرقيق دون أن ترفع رأسها: شكرا.. ما أبي..



كلمتان..
كـــــلــمتــــان
كــلـــمـــتــــــان فقط!!


أحرف معدودة من بين شفتيها..!!
بل لو همست بحرف لعرفها.. بينما هي سمعت كل هذه الجمل ولم تعرفه..

فكيف تعرفه وهي نحرته ومضت..؟؟
كيف تعرفه وهي ارتكبت جريمتها فيه ثم ارتحلت؟؟

كان يكفيه حرف واحد من صوتها الذي سكن روحه ليعرفها..
كان يكفيه همسة واحدة من همساتها التي رافقت أحلامه ويقظته طيلة الوقت الماضي ليعرفها..


كيف كانت جواره طوال الساعة الماضية ولم يعرفها..؟؟
كيف لم يتعرف على رائحتها حتى لو غطتها أطنان البخور والعطور؟؟
كيف كانت جواره ولم يروي ضمأ روحه لروحها منذ الدقيقة الأولى؟؟
كيف سمح أن يضيع دقيقة واحدة من بين يديه؟؟


لم يسأل لحظتها كيف ولماذا؟؟
فالحقيقة بدت واضحة كوضوح الشمس.. وهكذا كان يجب أن تكون منذ البداية..!!
هي له منذ البداية ولم تكن أبدا لسواه..
وكان يستحيل أن تكون لسواه!!
هكذا العدالة تقول.. وهكذا الحق يقول..
يستحيل أن يحبها كل هذا الحب.. ويعشقها كل هذا العشق.. وترتبط روحه بها إلى درجة التمازج ثم تذهب لغيره..
فهو لم يعشقها هكذا إلا لأن روحه نادت نصفه الثاني في حناياها!!
كانت له.. له وحده.. منذ البداية.. لــــــه!!
لـــــــــــه هو فقط!!


هي أنهت همستها القصيرة وصمتت لتتفاجأ بعد ثانية واحدة بيديه الأثنتين تنتزعانها من مكانها ليوقفها..

شهقت برعب لأنها لم تعرف لماذا تصرف هكذا.. وهي ترفع عينيها له..
وبقدر الرعب الصارخ الذي ارتسم على ملامحها وهي تتعرف على الواقف أمامها..


على الضد كانت ترتسم على محياه أضعاف مضاعفة من مشاعر الشجن والوجع واليأس والألم والولع والعشق اللامحدود..
وعيناه تلتهمان بعطش قرون وقرون تفاصيلها تفصيلا تفصيلا..
تلتهم بشوق سرمدي لا نهائي كل انحناءات وجهها التي حُفرت في روحه وعلى مجاري دمه..


هي ..بدأت ترتعش بعنف.. حين رأته ينقل كفيه من عضديها إلى وجهها ويتحسسه بأصابع يديه الأثنتين..

كانت روحه تبكي وتنزف طوفانا تلو طوفان.. وهو يتحسس مخمل وجهها بأنامله المرتعشة..
يريد أن يتأكد أنها أمامه فعلا.. أمامه فعلا!!


"يا الله.. ما أكبر رحمتك.. ما أكبر رحمتك!!
أنا كنت على أبوب قبري خلاص"


كان ارتعاشها يتزايد وعيناها الجزعتان تمتلئان بالدموع..
أ يكون هذا هو نصيبها؟؟ ومع هذا الرجل بالذات؟؟


بينما هو كان مشغوف بالنظر لها وكأنه لن يشبع مطلقا من النظر..
وهو ينقل يديه من وجهها ليدفنهما في طيات شعرها ..
وهو يقترب منها برفق.. ليدفن رأسه بين خصلاتها ويتنفس..
يتنفس بعمق موجوع.. وكأنه يتنفس كل أكسجين الحياة بعد اختناق..
يتنفس بعد التصقت رئتاه من الجفاف واليأس..
يتنفس بعد أن جف الهواء في مسارب جسده وروحه!!


" يالله.. أشعر أني سأموت الآن..
أحقا هاهي بين يدي؟؟"


حينها شدها بحنو ليحتضنها بكل قوته.. وهو يدفنها بين أضلاعه.. بين حناياه..
بين خلايا جسده الذي جف شوقا لها.. وآن له يزهر ويرتوي برؤيتها وقربها!!

" هي.. هي..
ملمسها.. وعظامها.. وعبق روحها..
هي.. هي!!"


شعاع بدأت تشهق بخفة وهي تحاول إبعاد نفسها عنه دون جدوى..
لم تعد المشكلة لديها أنه شاب عابث أو يطارد الفتيات..
ولكن المشكلة أصبحت أنه اقتحم خجلها دون تمهيد.. وأنه كسر حياؤها الرقيق دون اهتمام!!


أما حين أفلتها ليمسك بوجهها بين كفيه ليقبلها بكل شغف العالم وولعه..
شعرت أنها ستنهار فعلا من شدة الصدمة والخجل..


بينما هو كان يحلق في عالم آخر..آخر..
يشعر أنه يعود ليتنفس الحياة عبر أنفاسها الداخلة إلى صدره..
رائحة أنفاسها التي تربعت في روحه ولم تغادر أبدا.. وهي تستنزف الحياة منه رويدا رويدا..
هاهي تعيد له الحياة الذاهبة مرة أخرى!!


شدت نفسها بقوة من بين ذراعيه لتسقط للخلف على الأريكة..
وهي تتراجع لأقصى الخلف وترفع قدميها للأعلى وهي تضمهما لصدرها وتنتحب..


حينها زالت الغيبوبة اللذيذة التي كان غارقا فيها إلى مافوق أذنيه..
انتبه إلى أنه صدمها بتصرفه غير المعقول بالنسبة لها..
فالصورة التي ظهرت لها أنه هجم عليها دون مقدمات..


شعر أنه عاد للتعبثر وهو يسمع نحيبها الذي عاد لتمزيق روحه من جديد..

" لا يمكن أن أسمح للدموع أن تجدا طريقا لعينيها!!"


علي جلس جوارها وهو يضع كفيه على كتفيها المنحنيين على ركبتيها ويهمس بوجع عميق مغلف بسعادته الأعمق:
شعاع حبيبتي.. لا تلوميني.. والله العظيم ماحسيت بنفسي..
أنا ماكنت في وعيي.. أنا ماصدقت أشوفش..
أنا من عقب سالفة الأصنصير وأنا لا ليلي ليل ولا نهاري..
أنا كل المرض اللي جاني من سبة فرقاش.. مادريت إنش أساسا مرتي وحلالي..
ياقلبي أنا كنت مثل واحد ميت عطش وعقبه لقى الماي قدامه...
تكفين لا تبكين!!


شعاع هزت كتفيها لتبعد كفيه عنها.. وهي ترفع رأسها وتبتعد أكثر لطرف الأريكة..
بينما علي اقترب أكثر منها وهو يتناول كفيها ويدفن وجهه بينهما
وهو يغمرهما بقبلات ملهوفة وموجوعة ومشتاقة ويهمس بمقدار وجع قبلاته وشوقها:
حبيبتي تكفين لا تبكين.. واللي يرحم والديش لا تحرقين قلبي..
سوي فيني اللي تبينه.. أنا ما أبي إلا شوفتش قدامي..
بس تكفين لا تبكين.. لا تبكين..


شعاع تراجعت أكثر وهي تشد كفيها منه وملامح الرعب تتزايد على وجهها..
لم تعد المشكلة لديها أنه عابث أو يطارد الفتيات!!
ولم تعد المشكلة في اقتحامه الجريء لخجلها الرقيق..


بل المشكلة باتت أخطر... أخــطــر من ذلك بكثير..!!!
والفكرة تقفز لبالها بكل وضوح ومنطقية... ورعب !!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.


خالص اعتذاراتي يا نبضات القلب لكل وحدة تضايقت من كلام فهد
بس يا بنات هذا رأي الشخصية مهوب رأيي
في الرواية هذي امهاب كان بيتزوج أرملة وهو شاب ما تزوج وماسمعتوا هالكلام عنده
منصور وزايد كلهم تزوجوا أرامل
.
في أسى الهجران راكان اللي كان أحسن شخصية في الشباب تزوج مطلقة بس ماسمعتوا منه ذا الكلام
لأنه كلام فعلا يدل على جلافة وانحطاط في التفكير

وأنا شخصيا والله العظيم ثم والله العظيم لو أخوي أو ابني عقبه بغى مطلقة إني لأشجعه بدون تردد
.
.
لكن يا بنات أنا قصدت أبين وجهة نظر الشخصية بكل حدتها وغرابتها
أنا شخصيا سمعت واحد من قرايبي كانت أمه تعرض عليه بنت مطلقة يوصفها بوصف أسوأ من وصف الفرشاة
أنا يصراحة حسيت رأسي بينفجر من العصبية والغيظ منه
ودعيت ربي إنه يتزوج مطلقة ويذوب في هواها..
بس ماصار.. تزوج بنت وهو اللي طلقها.. وعاده عزابي الحين
.
.
يعني ياقلبي لا تسقطون رأي الشخصيات علي
والله إن قلبي يوجعني وأنا أكتب كلامه
بس الكاتب لازم يخلي كل شخصية تتصرف من منطق شخصيتها موب شخصية الكاتب عشان يكون فيه مصداقية في الأحداث
أنا والله لي رسالة هامة من ذا الشيء..
والرسالة بتتضح لكم بعدين .. :)
.
.
البارت الجاي يوم الأحد موعدنا الصباحي المعتاد الساعة 7 ونص صباحا
.
.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.

.

#أنفاس_قطر# 16-01-11 06:52 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والسبعون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الخير والبركة والاجتهاد على كل اللي يدرسون
دعواتي لكم بالتوفيق والنجاح..
ووللمرة الألف طالبتكم ماتخلون الرواية تشغلكم عن الدراسة
ويأما أنكم تعتبرون النص الساعة اللي بتقرون فيها البارت نوع من البريك ترجعون عقبه للدراسة
ويأما أنكم تودعوننا بالسلامة وتسكرون اللابتوبات لين عقب الامتحانات

وإذا حسيتوا بضيقة من الدراسة أمنتكم الله توضون وتصلون ركعتين وتقروون صفحتين بس من القرآن
وشوفوا المفعول العجيب لذكر الله سبحانه على النفس والجسد
.
.
.
ثانيا وللمرة الثانية والثالثة
خالص اعتذاري لكل وحدة تضايقت من كلام فهد لأني والله ما أحب حد يأخذ على خاطره مني!!

بس يا بنات هذا رأي الشخصية مهوب رأيي أنا..
في الرواية هذي امهاب كان بيتزوج أرملة وعندها ولد وهو شاب ما تزوج وماسمعتوا هالكلام عنده..
.
في أسى الهجران راكان تزوج مطلقة وكانت ثيب موب بكر عشان يقولون إني أصر إنه المطلقات كلهم لازم أبكار قبل يتزوجون عزابي ماسبق له الزواج!!
.

وكلام فهد كلام فعلا يدل على جلافة وقسوة وانحطاط في التفكير

وأنا شخصيا والله العظيم ثم والله العظيم –للمرة الثانية أعيد نفس الكلام- لو أخوي أو ابني عقبه بغى مطلقة إني لأشجعه بدون تردد
.
.
لكن يا بنات أنا قصدت أبين وجهة نظر الشخصية بكل حدتها وقسوتها وغرابتها
وللعلم أنا لن أتردد في إكمال ذات الفكرة كما قررتها تماما لأن لي هدف كبير من ذلك وسيفاجئكم تماما!!


البعض يقول لي الوصف جارح... فهل كان يجب أن أصف وجهة نظر فهد بأقل مما هي وأخف حتى لا تغضبوا...؟؟

يا نبضات قلبي أنا أتكلم عن وجهة نظر واقعة وبشعة جدا في حق المطلقات
ولم أخترعها أنا.. إنما موجودة في الواقع وأنا لي هدف من عرضها بهذه الطريقة..

أنا شخصيا وبأذني سمعت واحد من قرايبي كانت أمه تعرض عليه بنت مطلقة يوصفها بوصف أسوأ وأبشع وأحقر من وصف الفرشاة الذي أغضبكم..
لو ذكرته لكم قد تتقياؤون والله العظيم!!
مع إنه شاب مثقف وخلوق ومتعلم..

أنا بصراحة حسيت رأسي بينفجر من العصبية والغيظ منه
ودعيت ربي ومن قلبي إنه يتزوج مطلقة ويذوب في هواها..
بس ماصار.. تزوج بنت وهو اللي طلقها.. وعاده عزابي الحين
يعني يمكن يرجع يتزوج مطلقة دامه مطلق :)
.
.
يعني ياقلبي لا تسقطون رأي الشخصيات علي
والله العظيم إن قلبي يوجعني وأنا أكتب كلام فهد
بس الكاتب لازم يخلي كل شخصية تتصرف من منطق شخصيتها موب شخصية الكاتب عشان يكون فيه مصداقية في الأحداث

يعني يا بنات الواقع أحيانا يكون جارح.. وجارح جدا بعد.. ويصعب تقبله..
أنتم كرهتم مجرد وصف في رواية خيالية.. فكيف بمن سمعت الأسوأ بأذنها
.
.
يا الله قدامي على البارت
78
وموعدنا الجاي الساعة 8 صبح الثلاثاء إن شاء الله
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.






بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والسبعون





مازالت تنظر له برعب متزايد..
بينما هو ينهمر بالكلمات بيأس.. ماعاد حتى قادرا على الصمت..
ولماذا يصمت وكيف يصمت؟؟

تعب من الصمت.. تعب من الكتمان..!!
تعب من الحرمان!!
يعلم أنه تهور في تصرفها معها.. ولكن أ يمكن أن يُلام على ذلك؟؟


فالذي حدث له لا يمكن تخيله ولا تصوره...
كما لو أنك سافرت لبلد بعيد.. وبقيت تعمل في هذا البلد لـ 40 عاما متواصلة بلا راحة..
وتواصل الليل بالنهار.. وحرمت نفسك من كل متع الحياة وأنت تعاني بصمت لا تشتكي حتى عما تعانيه.. لتجمع لك مالا يريحك حين تعود لبلدك..

ثم في رحلة العودة.. فقدت حقيبة المال وسط شارع مزدحم..
فكيف سيكون حالك وأنت تبحث وتبحث وتبحث وتمر الأشهر ولا تجد مالك..؟؟
ثم تعود لبلدك البعيد مقهورا منحورا يائسا.. أشبه بجسد ميت أنهكه العمل دون فائدة!!

ثم تفتح باب غرفتك......

لتجد حقيبة المال تتربع على سريرك..

كيف ستكون ردة فعلك؟؟ كيف؟؟

فرحة هذا الرجل بماله.. لن تكون قطرة واحدة في محيطات فرحة علي برؤية شعاع أمامه..
أ تلومه حينها على تعبيره عن فرحته؟؟!!


فهو كان مخنوقا على آخر رمق يزفر أنفاسه الأخيرة.. فأرسلوا له الهواء!!

كان عطشانا تشققت روحه من العطش.. فأرسلوا له أعذب ماء في الكون!!

كان محموما تجاوزت حرارته الأربعين.. ووضعوه في درجة حرارة تجاوزت الخمسين..
وحين تحمص من الحرارة.. سكبوا عليه ثلجا رقيقا باردا !!

فكيف ستكون ردة فعله؟؟ كيف؟؟

يعلم أنه فاجاءها وصدمها.. ولكن هل كان بيده شيء آخر!!
مازال حتى الآن لم يروي حتى واحدا من مليارات شوقه لها وهي مرعوبة منه هكذا..
فكيف لو سكب لها ما تبقى!!


اقترب منها أكثر وهو يلتصق بركبتيها المطويتين ويهمس بكل وجعه ويأسه وولعه:
سامحيني يا قلبي.. والله العظيم غصبا عني.. ماقصدت أخوفش كذا..
بس أنا كنت ميت بكل معنى الكلمة..
فاهمة أشلون ميت؟؟ ميت من تفكيري فيش وشوفي لش..
وأنا كنت أظنش حلم مستحيل مستحيل ألقاه يوم!!
تكفين لا تخافين مني..


مازالت تنظر له بذات الرعب والجزع..
وهي في داخلها لا تصدق حرفا واحدا مما يقول.. فهناك فكرة مرعبة واحدة اجتاحت تفكيرها وتغلغلت فيه ولم تسمح لها بالتفكير بشيء آخر سواه!!


مد يده بيأس ليمسح طرف خدها بظهر أنامله..
سيموت ليضمها إلى صدره.. ليتنفس رائحتها من قرب.. ليرتشف أنفاسها التي أضناه الشوق لها..

ولكنها قفزت عن الأريكة كاملة وهي تهمس بارتعاش:
أنت الدكتور ماقال لك لا تقرب مني..؟؟
لا تقرب مني!! لا تقرب مني!!

حينها قفز علي بغضبه المتفجر المصدوم المفجوع: من اللي قال لش ذا الكلام؟؟ من؟؟

شعاع بدأت تنتحب: مهوب مهم من اللي قال لي.. بس أنت لا تقرب مني..
لا تقرب مني..
والله العظيم لو حاولت تقرب مني مرة ثانية.. إني لأصيح مع الدريشة.. وأفضحك في الأوتيل كله!!

علي تنهد بعمق وقهر عظيم يتصاعد في روحه.. كيف يسمحون لأنفسهم أن يتدخلوا في حياته ويفسدوها بهذه الطريقة؟؟

تنهد بعمق أكبر.. لا يريد منها شيئا.. يكفيه رؤيتها أمامه..
لكنه تمنى أن تسمح له ببعض القرب فقط.. بعضه.. لا يريد شيئا أكثر..
بعضا من القرب يروي روحه المجدبة..
بعضا من القرب ينسكب بنداه على صحراء خلاياه القاحلة..

ولكن كيف يقترب وهي جافلة هكذا!!

تنهد وهو يهمس لها بحنان عميق:
خلاص حبيبتي لا تخافين.. ماني بجاي جنبش.. أنا الحين بأتوضأ أصلي قيامي..
وأنتي هدي.. هدي..


حين غادرها عادت للانهيار على الأريكة وهي تنفجر في النحيب بصوت مسموع..
" قال يصلي.. تعرف ربك أنت؟؟
يا الله.. ليه ياربي كذا.. ليه؟؟
اللهم لا اعتراض.. سامحني يارب..
بس ماسويت في دنيتي اللي أستاهل عليه تعاقبني بواحد مثل هذا..
يارب سامحني..
اللهم لا اعتراض..
إنا لله وإنا إليه راجعون!! "



لم يعلم زايد ومزنة أن تدخلهما الحاني.. قلب الأمور رأسا على عقب..
فربما لو لم تقل مزنة لشعاع ماقالته.. لربما كان لعلي بصيص أمل في مسامحتها له..
فهي كانت ستظنه شاب عابث ككثير من الشباب.. ولكنه حين تسمع تبريراته قد تصدقها بحسن نيتها..
أو ربما تغضب منه لأيام..وترضى مع تعرفها على شخصيته العذبة الشفافة..


ولكن ماسمعته من مزنة.. مع ماحدث الليلة.. مع أحداث مرضه.. مع ماحدث لها معه في مقابلتهما الأولى في المستشفى ...
مع معرفتها بعمله في الخارج لسنوات...
كل هذه المعطيات صنعت من علي شخصية بشعة.. بل غاية البشاعة في عينيها..!!


فالصورة التي تكونت لديها..
أن علي شاب تجاوز عبثه كل حدود.. لدرجة الانغماس في الخطيئة التي من المؤكد أنها نقلت له مرضا خطيرا معديا.. ناتج عن علاقاته غير المشروعة..

وإلا كيف تفسر هجومه عليها إلا بكونه شاب لا يهمه غرائزه..؟؟
ولأن مزنة كانت تخاف عليه منه.. أو أن يجرها معه أو يصيبها بالعدوى..
حذرتها بطريق غير مباشر أن لا تسمح له بلمسها..

لا تشك في نوايا أهله.. أو أنهم زوجوها ابنهم وهو مريض بهكذا مرض..
فمن المؤكد أنهم لم يكتشفوا مرضه إلا في الأيام الأخيرة.. وسيكون إلغاء الزواج فضيحة مدوية..
لذا أخبرتها مزنة بشكل غير مباشر.. فعلي لم يبدو لها مريضا للدرجة التي وصفتها لها مزنة..
لكن لأنها خائفة عليها.. ألفت كل هذه الحكاية عن أن صحته لا تحتمل.. حتى تحميها منه..


ومازاد في بشاعة الصورة أمامها.. أنه أراد منذ اللحظة الأولى أن يجرها معه لإشباع رغباته دون اهتمام بما سيجلبه لها من مصائب..
بل ويؤلف لها حكاية لا تصدق عن عشقه لها ليقنعها بما يريد..
فأي رجل بشع هذا!!
أي رجل بشع !!






**************************************





" مزنة.. اشفيش الليلة؟؟ مزاجش كنه مهوب رايق..أول مرة أشوفش كذا"

مزنة تترك المشط الذي كانت تمشط بها شعرها وتضعه على التسريحة لتلتفت لزايد الذي كان يجلس على طرف السرير
وتهمس بنبرة مقصودة: لا أبد.. وليش مايروق مزاجي..
أنت سويت شيء يعكر المزاج يا أبو كساب؟؟

ليس جاهلا كي يجهل أن نبرتها تحمل الكثير من الغضب.. هتف بحزم بالغ:
وأبو كساب وش سوى يعكر مزاجش؟؟
توني كنت عندش اليوم الصبح ومافيش شيء..

حينها أكملت بذات النبرة المقصودة الحادة:
إيـــــه !! اليوم الصبح !! قلت لي كلام واجد اليوم الصبح..
تدري من كثرته.... نسيته!!

حينها وقف زايد ليقترب منها (هذي وش فيها الليلة؟؟ أبد مهيب عوايدها!!) وهتف بغضب حازم:
مزنة عندش شيء تقولينه.. قوليه لا تلفين وتدورين كذا!!
بروحي تعبان من الصلبة في عرس علي..

حينها وقفت مزنة لتقابله وهي تهمس بحدة حازمة: ليه أنت قلت لي شيء..
عشان أقول لك شيء..

ثم حين أنهت عبارتها استدارت لتغادر.. لتوقفها قبضة زايد التي انتزعت عضدها بقوة وهو يشدها ليديرها ناحيته بطريقة حادة آلمتها في عضدها
وهو يهتف بغضبه الحازم المتماسك:
ما اسمح لش تعطيني ظهرش وأنا أكلمش..

حينها تفجر غضب مزنة المتجمع منذ بداية الليل وهي تشد عضدها بقوة من يده وتهتف بغضبها الحاد المتفجر:
وأنا ما أسمح لك تمسكني بذا الطريقة.. وذا المرة بأعديها عشان خاطر علي بس وأنك تعبت في عرسه...
لكن لو تكررت إنك تمد يدك علي بأي طريقة.. بيكون تصرفي شيء مايخطر على بالك أبد..
مهوب أنا اللي تنمد علي يد عقب ذا السنين كلها..
وإن كنت عديتها لك وأنا بزر..
ما أعديها لك الحين!!

بعثرت الصدمة تفكير زايد وهو ينظر لها بذهول حقيقي: مزنة تهدديني..؟؟

مزنة ابتعدت لتجلس على طرف السرير وهي تهمس بحزم واثق:
ما أهددك.. محشوم يا أبو كساب.. بس أحط النقط على الحروف..
ثم أردفت بذات الحزم الواثق وبنبرة مقصودة جدا:
ومتى ما بغيتني أرتب شنطتك قل لي.. إلا لو أنت مرتبها من زمان ومخليها في المطار!!


حينها علم زايد سبب غضبها.. ولكنه بالفعل مازال مذهولا.. مذهولا بمعنى الكلمة.. ذهوله منعه من التصرف كما يجب..

فهو من ناحية ... كان يشعر بدغدغة لذيذة ما..
وهو يرى حدتها القديمة وسلاطة لسانها تتدفق أمامه.. تماما كما كانت في صباها..
وكأن الأيام لم تنقضي!!
كأنها لم تنقضي!!


ولكن الغريب.. الغريب..!!
من ناحية أخرى..أن تصرفها المتحدي مطلقا لم يرضيه ولم يعجبه..
يكره أن تتصرف معه زوجته بهذه الطريقة الحادة وهي تضع رأسها برأسه..
وخصوصا أن مزنة عودته الأيام الماضية على أقصى درجات اللطف والاحترام بل والتبجيل!!
فأين كانت تخفي هذه الحدة كلها؟؟





****************************************





" عسى ماتعبتي الليلة؟؟ "

كان هذا سؤال كساب لكاسرة التي تمددت جواره بعد أن أنهت قيامها ووردها..

أجابته بسكون: لا ماتعبت.. بالعكس.. العرس كان رايق ويجنن مثله مثل المعاريس..


مد ذراعه لها دون أن يتكلم.. فاقتربت هي أيضا دون تتكلم ووضعت رأسها على عضده.. ليحتضنها بخفة..

لا فائدة من المعارضة.. فهذا الرجل غير قابل للإصلاح...
عدا أنها تعلم مهما كان فرضه لرأيه يضايقها.. فهي لن تستطيع النوم براحة إلا قريبا منه..
وإلا فأنها ستعاني الأرق والكوابيس التي تعانيها بعيدا عنه!!

همست برجاء ووجهها يختبئ قريبا من عنقه: كساب قل لي تكفى.. ليش انسجنت؟؟
والله العظيم ما أقول لأحد.. تشك إني ممكن أطلع أسرارك..؟؟
بس تكفى ريحني..

كساب أجابها بحنان مرهق وهو يمسح على شعرها: أدري إنش ماراح تقولين لأحد..
بس صدقيني السالفة كلها ماتهمش.. لا تلحين يا بنت الحلال..
أنا ما أدري متى بتصيرين تأقلمين مع طبايعي..
أنتي تدرين إني لو عندت في شيء ما أحب حد يناقشني.. ليش دايما تبين تطلعيني من طوري؟؟

حينها همست كاسرة بعمق: وأنت متى بتفهم إني ما أقدر أتأقلم مع حياة الغموض اللي أنت معيشني فيها..
أشلون نعيش حياة طبيعية وأنت حاط بيننا ذا الحواجز كلها؟؟

كساب صمت بيأس وهو يشدها أكثر لصدره..
وهي متى ستفهم أن يريدها أقرب من أنفاسه دون أي حواجز..

ولكن هذا مايقدر عليه..!!
فعلا هذا مايقدر عليه مع كل التعقيدات في شخصيته وحياته!!






********************************************





كانت مستغربة من طول صلاته فعلا..
فهي استحمت وصلت وقرأت وردها.. وهو مازال قائما يصلي..ويدعو ويبتهل.

ومضى له أكثر من نصف ساعة الآن وهو يقرأ القرآن
كيف يستوي أن شخصا عابثا مثله يصلي هكذا صلاة ويعرف الورد؟؟


" تمثيل يا الخبلة.. يمثل.. وإلا واحد مثل هذا يعرف صلاة وإلا قرآن!!"


كانت تجلس على الأريكة وهي ترتدي لها قميصا حريريا بأكمام طويلة بأطراف من الدانتيل..
فهي يستحيل أن تلبس عند هذا المخلوق المنحط الهمجي قميص نوم أو حتى بيجامة!!


هو كان يختم ورده وصلاته بعد أن أكثر من شكر الله الذي منّ عليه بالمغفرة وبنعمة وجود شعاع جواره..

ثم التفت لها.... ليبتسم وتبتسم روحه وهو يراها كزهرة ندية في غلالتها الزهرية وشعرها المبلول مازال يتناثر على كتفيها..
بدت له أشبه بلوحة خيالية لا يمكن أن توجد على أرض الواقع!!
فكيف يكون على أرض الواقع هذا الحسن.. وهذه البراءة.. وهذه الفتنة؟؟


اقترب ليجلس قريبا منها.. لتتأخر هي بجزع..
حينها تأخر هو قليلا وهو يشعر أنه يقهر روحه لأقصى درجات القهر ليبعد نفسه عنها..
بينما يشعر أنها كالمغناطيس الذي رغما عنه لابد أن يلتصق به..


همس علي بيأس: شعاع ياقلبي أنتي.. يانور عيوني.. أدري إني غلطت يوم خوفتش مني.. بس غصبا عني..
لا تخلين ذا الشيء حاجز بيننا.. تكفين.. أنا ماهقيت إني بشوفش قدامي..
لا تخربين علينا شهر عسلنا عشان غلطة صغيرة والله ماقصدت أضايقش فيها..

شعاع بصدمة: غلطة صغيرة؟؟ وشهر عسل؟؟
أي عسل هذا اللي في ظنك إني ممكن أعيشه وياك؟؟

ثم أردفت برجاء طفولي عميق: تكفى علي.. أنا بسافر معك لعلاجك.. وماراح أقول لأحد شيء..
بس تكفى لا تجي جنبي.. وإذا رجعنا طلقني.. تكفى!!

علي قفز وهو يرتعش بشدة.. وكلماته تتبعثر بصدمة كاسحة: نعم .. نعم؟؟
أطلقش؟؟ أنتي صاحية؟؟
أخليش عقب ما لقيتش؟؟

شد له نفسا عميقا وهو يحاول التماسك رغم أنه يشعر أنه سينهار..
وكل الطاقة التي في جسده كما لو كانت سُحبت فجأة ككقنديل سُحب ضوءه فجأة..

همس بنبرة تهدئة مرهقة: اسمعيني زين شعاع..
ماراح أجي جنبش إلا برضاش...
بس تكفين طاري الطلاق ذا ما تجيبينه حتى لو كنتي ماتقصدينه.. سمعتيني..
لا تستعجلين.. يمكن تكونين أرملة أقرب..


شعاع انتفضت بجزع..

" يعني عارف إنه مريض لدرجة إنه ممكن يموت
ومع كذا يركض وراء شهواته لين آخر لحظة!!
أعوذ بالله من مثل ذا الإنسان!!
أعوذ بالله!! "


علي أنهى عبارته ثم توجه للسرير وأندس فيه وهو يتمتم بالأذكار..
مثقل بإرهاق غير طبيعي...
إرهاق نزع منه إحساس الحياة المذهل الذي شعر به يتدفق إلى عروقه إلى درجة الأمتلاء المتفجر حين رآها أمامه..
فالطاقة الروحية المتدفقة التي شعر بها جابهها الآن رغما عنه يأسه وصدمته وضعف جسده فعلا..
فآخر غذاء دخل لعروقه هو الجلوكوز الذي عُلق عليه هذا الصباح!!


"يا الله.. وش فيها عليّ؟؟
يعني تهورت وضميتها وحبيتها.. يكون سبب عشان تطلب مني الطلاق؟؟..
والله العظيم ما أبي منها شيء.. تكفيني شوفتها..
بس شوفتها برضاها وهي مبسوطة .. مهوب وهي مجبورة وتبكي!!
يا ربي...
تكون وافقت علي مغصوبة؟؟!!
أو زعلت لأني مهما كان عرضت على وحدة الزواج وهي على ذمتي؟؟!!

بس هي ماقالت لي وش سبب زعلها؟؟
ما على لسانها إلا.. لا تقرب مني!!
ياقلبي ما أبي أقرب..
.
إلا أبي أقرب وأبي أكون أقرب أنفاسش!!
يا ربي بأستخف.. بأستخف "


تنهد بعمق وهو يحاول إراحة جسده المنهك..
ورغم كل شيء.. كان يغلق عينيه وعلى شفتيه إبتسامة شفافة..
فهو لم يتخيل ولا حتى في أكثر أحلامه جموحا وبعدا عن التصديق أنه قد ينام وهي معه في ذات المكان..
إنه قد ينام وروحه قد سكنت بمعرفتها.. بل بضمها لصدره بعد كل أيام الشقاء والقهر واليأس..

لا بأس.. لتخف منه الليلة..
الايام طويلة.. ومادامت أنفاسه تردد..
تكفيه بالفعل رؤيتها أمامه رغم كل التضادات والتعارضات!!






******************************************





كان يهز كتفها برفق وهو يهمس قريبا من أذنها:

" مزنة.. مزنة !! "

انتفضت بعفوية وهي تهمس بحميمية عفوية ناعسة: لبيه حبيبي..

ابتسم هو أيضا بشكل عفوي عميق عميق عميق.. وهو يراها تعتدل بحرج أو ربما بعتب عليه وعلى نفسها قبله..
وهي تشد روبها من جوارها لتلبسه.. شد روبها من يدها وهو يقبل رأس كتفها ثم يهمس في أذنها بدفء:
أول مرة تقولين لي حبيبي..!!

مزنة شدت الروب من يده وهمست بحزم وهي ترتديه: وحدة قايمة من النوم نعسانة وماعليها شرهة..

ابتسم زايد وهو يحيط كتفيها بذراعه: زين خلي الشرهة علي..
وأنا آسف لأني ماقلت لش على السفر.. بس السالفة جات بسرعة
توها ترتبت أمس عقب ماطلعت من عندش ومالحقت أقول لش..

مزنة شدت نفسا عميقا لتهمس بعدها بحزم مختلط بالرقة:
أنا ما أبيك تعتذر زايد.. بس أنا جد تضايقت إني سمعت الخبر من بنتي!!
يعني كساب لقى وقت يقول لها.. وأنت مالقيت..؟؟
أنا اللي آسفة.. بس أنا لا قفلت.. صرت شينة ومخي يقفل..

ابتسم زايد وهو يشدد احتضانه لكتفيها: وعسى التقفيلات ذي مهيب واجدة بس؟؟

ابتسمت مزنة وهي تحتضن خصره: الله كريم.. أنت وحظك!!


" أما إنك غريب يازايد..!!
مهوب هذا اللي تبيه.. مزنة المقفلة الحادة!! مثل مزنتك في شبابها!!
ليه الحين ماعجبك تصرفها؟؟
.
ما أدري.. ما أدري..
مـــــا أدري!!..
يمكن ما قدرت أتقبل ذا الشيء من مزنة الحين
اللي عرفتها رايقة وهادية ورزينة!!
وبشكل عام ماقدر أتقبل إن مرتي ترادني.. وتطول صوتها عندي..
صدق إنك غريب يازايد!! "


زايد هتف بحزم حان: زين مزنة.. أبيش تتصلين بشعاع وتسألينها عن حال علي لو زين.. أو بأمر أوديه المستشفى..
لأني لو كلمته بيقول مافيني شيء...

ابتسمت مزنة وهي تقف: شوي زايد بأتصل فيهم عقب ساعة..
يمكن مابعد قاموا الحين!!






************************************************






تنهدت بعمق وهي تنهي اتصالها مع مزنة..
أكثرت مزنة عليها من الوصايا التي أرهقت روحها البريئة الشفافة..
" علي مريض.. وما يأكل
وهذا سبة مرضه..
حاولي فيه يأكل.. لأنه لو ماكل بيجي أبيه يوديه المستشفى يركبون عليه مغذي.."


مع إنهاءها للاتصال كان علي يخرج من الحمام وهو يستند بإرهاق على باب الحمام..
كان يبتسم بإرهاق وابتسامته تتسع وهو يراها أمامه إشراقها أكثر من إشراق شمس هذا الصباح..
وبهجة رؤيتها تبعث في روحه سعادة أكثر من أقطار الأرض الأربعة!!

كان على وشك سؤالها من كان يتصل بها .. لولا أنه ترنح ثم سقط مغشيا عليه دون مقدمات..
شعاع قفزت بجزع ناحيته وهي تجلس على الأرض وترفع رأسه إلى حضنها..
كانت تربت على خده برفق وهي تهمس برفق جازع: علي.. علي..

لا تعلم كيف بدأت الأفكار المتعارضة تتوارد إلى بالها بجنون وهي تنظر لملامح وجهه وتحاول إيقاظه بجزع روحها المتزايد:

" ياربي أشلون واحد له ذا الوجه الحلو السمح اللي ماينشبع من شوفته ويكون كذا؟؟
صدق إنه تحت السواهي دواهي!!
.
يا ترا المرض اللي معه ممكن يكون ينتقل بالنفس؟؟!!
لا... لا ما ظنتي..
لأنه أكثر الأمراض هذي ما تنتقل إلا بالإتصال!!
.
يا ربي هذا وش فيه ما يقوم؟؟"


همست برقتها الجزعة: علي.. علي تكفى قوم..

فتح عينيه بضعف ليجد رأسه مسندا لحضنها وقريبا من صدرها..
كان بوده أن يدير رأسه ليدفن وجهه في ثنايا صدرها.. ولكنه منع نفسها حتى لا يخيفها منه ..
كل ما أستطاع فعله أنه همس بيأس مثقل بالولع:
ليتش تعرفين بس وش كثر أحبش...
أنا مهوب بس أحبش.. أنا أتنفس هواش..
عشان كذا الفترة اللي راحت كلها ماكنت قادر أتنفس..
توني قدرت أتنفس من البارحة بس!!
يا الله ياشعاع حرام عليش اللي سويتيه فيني قبل.. واللي تسوينه الحين..


رغم أنها تعلم أنه يكذب.. ولكنها لم تستطع منع قلبها البريء الغبي من الارتعاش..!!
فهي لأول مرة تسمع مثل هذا الكلام.. وبهكذا نبرة تذيب القلب فعلا!!

همست بتوتر خجول: ما تبي تتريق؟؟

ابتسم بإرهاق: ما أبي.. تكفيني شوفة وجهش قدامي ياقلبي!!

حينها شعرت شعاع بالصداع وهي تهمس له بنبرة خجولة رقيقة:
خلاص ما تبي تأكل.. ماني بماكلة.. مع إني بأموت من الجوع..

حينها همس بحنان وهو يعتدل جالسا: لا خلاص بأتريق بس تعالي سنديني مافيني حيل أقوم..

لا يعلم هل هو فعلا يحتاج لمن يسنده؟؟ أم هي حيلة العاشق غير المقصودة؟؟

شعاع همست بخجل عميق وهي تخشى أنها قد لا تستطيع أسناده:
خلاص حط يدك على كتفي..

أحاط كتفيها بذراعيه.. وهو يقف معها متوجهان للجلسة..
الرحلة القصيرة كانت بالنسبة لها أشبه برحلة عذاب كريهة وهو ملتصق بها هكذا..
وماخفف عنها لا تعلم كيف.. رائحة عطره.. كانت رائحة تسبب الدوار الأشبه بالغيبوبة العذبة..
شمت رائحة عطور والدها وعبدالرحمن وكلها من العطور الفخمة الفاخرة..
ولكن لم يكن لهما ذات تأثير عطره... شفاف.. أثيري.. فخم.. حنون!!
فما هو سر عطره؟؟؟ ماسره؟؟


هو كان يشعر أنه سيذوي فعلا وهو يشتم عبق رائحتها من هذا القرب...
ويشعر بليونة عظامها تحت ذراعه..
تمنى هو ألا تنتهي هذه الرحلة أبدا..
ولكنها انتهت وهي توصله للمقعد وتبتعد عنه هاربة وهي تجر أنفاسها المحتبسة!!


كانت تنظر له بيأس..
يبدو اليوم مريضا فعلا..
ستقوم بواجبها ناحيته كما يفترض من اي زوجة..
لكن كل ماتريده ألا يفكر أن يقترب منها أبدا!!


همست برقتها التلقائية وهي تقرب طاولة الفطور : دام أنك ماكنت تاكل الأيام اللي فاتت..
كل بس شيء خفيف.. واشرب حليب طازج وبس..

ابتسم علي بولع شفاف: إذا شفتش تأكلين.. بأكل اللي بتعطيني إياه..
حتى لو عطيتيني المخدات كليتها بدون ما احس!!






********************************************





" وش عندش مصحبتنا من بدري يا المزعجة؟؟
إيه وش عندش سريتي البارحة من بدري مع أبو الشباب وجيتي تزعجينا الحين..
مهوب كفاية توني خلصت من أختش البارحة واقول بأسيطر على الشيبان ألاقيش ناطة!! "


جوزاء تضع حقيبتها وهي تشد حسن لتجلسه وتهمس لعالية بخفوت:
ياكثر بربرتش..
أمي شأخبارها؟؟

عالية حينها هزت كتفيها وهمست بسكون: ما أدري ماشفتها.. أنا قاعدة هنا من بدري عشان أقهويها.. بس هي مانزلت من غرفتها..
واستحيت أطلع لها..
بس مر علي أبيش يهاد ذبان وجهه..

جوزا بتاثر: إذا أبي يهاد وجهه.. أجل أمي وش مسوية؟؟
أنا بأطلع أشوفها.. حطي عينش على حسون..

عالية تشد حسن لحضنها وهي تهمس بنبرة مرعبة تمثيلية مضحكة:
خليه عندي لأني أبي أكله.. جوعانة ماتريقت!!

جوزاء صعدت لغرفة والديها وهي تسمع صوت ضحكات حسن المتعالية لأن عمته كانت تدغدغه...
طرقت باب الغرفة بخفة.. وفتحت الباب فلم تجد أحدا..
حينها علمت أين ستجدها..


توجهت لغرفة شعاع.. لتجدها هناك فعلا.. تضع ملابس شعاع المتبقية في حقائب.. وتبدو عيناها الباديتان من خلف فتحات برقعها متورمتان من البكاء..

جوزا جلست جوار والدتها على الارض وهي تضم كتفيها وتقبل رأسها وتهمس بتاثر عميق:
يمه الله يهداش ترا بنتش ماهاجرت.. ترا كلها خطوتين..
ثم حاولت أن تردف بمرح فاشل: الظاهر اشعيع أغلى مني بواجد..
ماسويتي كذا يوم رحت أنا..

أم عبدالرحمن لم تجبها حتى وهي مستمرة في وضع الملابس في الحقائب..
همست حينها جوزاء بذات النبرة المتأثرة:
زين أنتي الحين وش تسوين؟؟

أم عبدالرحمن أجابت باختناق: أبيش كان يفكر يسوي الطابق الثاني كله لعبدالرحمن.. بس حادث عبدالرحمن أجل الفكرة..
خلاص خليني الحين ألهى في ذا السالفة لا أستخف!!
بأنزل أغراضنا كلها في الغرف اللي تحت!!

جوزا تشد أمها بلطف: زين فديتش خلاص أنا والخدامات بنرتب الأغراض ونخلي العمال ينزلونهم..

أم عبدالرحمن برفض حازم: لا أنا أبي أشتغل بروحي!!








***************************************





" ياربي عليش ياجميلة..
يعني إلا تجيبني هنا وصباحية عرس أخي..
حاسة إني بأموت من التعب"

جميلة تبتسم وهي تخلع نقابها وتضعه جواره: أي صبح حن الحين عند الظهر..
وبنشرب الحين كوفي وبتصحصحين..

مزون بتأفف: تدرين بعد إني ما أطيق اللاندمارك بكبره..

جميلة تبتسم: شأسوي متعودة أفصل عباياتي في المتحجبة هنا.. تعودت شأسوي..
خلينا الحين نتقهوى.. وعقب نأخذ عباتي ونمشي على طول..

مزون تبتسم بإرهاق: زين ماكان ينفع بكرة.. أنا عطلت خلاص بأوديش أي وقت..

جميلة تبتسم: لا ماينفع.. بكرة رفيقاتي مسوين لي بارتي صغير..
كانوا ينتظرون يخلصون امتحانات الجامعة وتوهم خلصوها.. وأبي ألبس عبايتي الجديدة..

مزون بذات النبرة المتأففة: زين كنت بأوديش الصبح.. والبارتي أكيد عقب العشاء..

ابتسمت جميلة: لا البارتي العصر.. لأنه أمي مارضت يكون في الليل..
وبعدين أنا بكرة من الصبح مشغولة..
أبي أسوي لنفسي حمام مغربي وأدلع نفسي صايرة خبيرة حمامات مغربية من القعدة البطالية..
وعقب بتجيني الكوافيرة تسوي شعري وتسوي لي بديكير منيكير يالله ألحق أخلص على العصر..

ضحكت مزون: أما أنا بصراحة ماشفت وحدة تهتم بنفسها كثرش..
وش الحمام المغربي اللي صايرة تسوينه لروحش كل أسبوعين..
لو منتي بملاحظة جلدش قرب يسيح من النعومة.. وانتي أساسا ذايبة على روحش من خلقتش!!

قالتها مزون وهي تشد معصم جميلة البالغ النعومة تتحسه بمرح.. جميلة شدت معصمها وهي تهمس بمرح: الله أكبر عليش..
قولي ماشاء الله.. خليني أهتم بنفسي وش وراي..
أنا أساسا كنت أنتظرش تخلصين جامعة عشان أستلمش شوي..
إذا ماخليت كابتن غانم يستقيل ويقعد جنبش.. قولي جميلة ماقالت!!

مزون بخجل: صدق قليلة أدب.. تحشمي يا بنت.. أنا أكبر منش بـ3 سنين ياقليلة الحيا!!


كان الحوار مستمر بين الاثنتين وهما ترتشفان قهوتيهما في مقهى أوبرا القسم النسائي..
كانتا على وشك الانتهاء حين دخلت فتاتين.. أحدهما تدفع عربة طفل صغير عمره حوالي 9 أشهر..

انتفضت جميلة بشفافية وهي تتعرف على الطفل..
الذي عرفته من الصور الكثيرة التي رأتها.. وعرفته كذلك من عربته وملابسه!!
فهذه العربة بل حتى الملابس التي يرتديها والتي تشكل طقما مع العربة هي من اشترتها له من محل لايوجد أبدا في قطر !!

والغريب أنهما جلستا في أقرب طاولة لمزون وجميلة..
مزون همست لجميلة باستغراب: وش فيش كن القطوة كلت لسانش؟؟

جميلة باختناق متوتر: مزون خلاص خل نحاسب ونطلع..

أشارتا للنادلة أن تأتيهما بالفاتورة..
بينما كانت الفتاة الثانية تهمس بتأفف رقيق لأم الطفل: الله يهداج أم أحمدوه.. أخاف أطول على خليفة.. قلت لج خل نأخذ أغراضي ونطلع..
بس أنتي إلا تيين هني..

جميلة شعرت بالصداع وهي تسمع حوارهما بهذا الوضوح ومع سماعها لاسم خليفة زاد صداعها..

ابتسمت أم أحمد: يعني أنتي ساحبتني معاج تقولين تبين أغراض.. وحتى قهوة حرام تشربيني..
أنتي مامليتي من مجابل ويه خليفة طول هالأسبوع اللي فات.. حتى سفر ماسافرتوا..
خلاص فكي عنه خله يتوله عليج يا المسبهة..

ابتسمت العروس برقة: ياربي منج.. صج الرازق في السما والحاسد في الأرض..
ما ألوم جاسم يشرد من ويهج النكد..


جميلة قفزت وهي ترتدي نقابها وتهمس لمزون باختناق: خلاص أنتي ادفعي وتعالي لي في المتحجبة..


مزون كانت تنظر لها باستغراب وهي تهرب متعثرة في خطواتها.. وهي تركض باتجاه الدرج..
كانت تهمس في داخلها.. " لن أبكي.. لن أبكي.."


(خلاص الله يهنيه!!
دامه مبسوط.. أنا ما أبيه إلا مبسوط
أنا ماقدرت أسعده ولا أملأ عينه..
الله يهنيه!!
الله يهنيه!! )


كانت تكرر عبارة (الله يهنيه) دون أن تشعر بانحدار دموعها الشفافة التي أغرفت نقابها..
مشاعر حزن شفافة تغزو قلبها.. وكأنها تُجبر على أن تطوي صفحة من حياتها لم تكن تريد أن تطويها بعد!!






***************************************






" أنت من جدك سقت سيارتك من الفندق لين هنا؟؟"


علي ببساطة: إيه وش فيها؟؟

زايد بغضب: لا والله منت بصاحي.. لو أنك دعمت في الطريق لا قدر الله..
أنت فيك حيل تسوق؟؟

علي يبتسم: ما أشين فالك يبه..

زايد يتنهد: يأبيك ما أفاول.. بس أنا تروعت يوم طلعت ومالقيت سيارتك..
وتروعت أكثر يوم قالوا لي العمال إنك اتصلت وطلبت واحد منهم يجيب سيارتك للفندق..

علي بذات الابتسامة الودودة: زين مرتي تبي تروح تشوف أهلها.. أوديها على تاكسي؟؟

ابتسم زايد بأبوية: يا النصاب.. السواق اللي جاب لك السيارة كان جابك أنت وياها..

علي بذات ابتسامته المحلقة: يعني أول مشوار لي أنا ومرتي ويودينا سواق...
شايفها حلوة في حقي؟؟

إحساس دافئ غريب يتعاظم في روح زايد بدأ منذ رأى علي يدخل عليه هذا المساء.. هتف بدفء حان:
يأبيك وجهك متغير.. وضحكتك ماشاء الله مافارقت وجهك...
الظاهر إن شوفة بنت فاضل جايبة نتيجة غير متوقعة..؟؟

ابتسم علي وهمس بنبرة مقصودة تماما: فوق ما تتصور يبه!!

زايد مستغرب تماما.. الفتى كان سيموت من العشق وفور رؤيته لزوجته بدأ يتحسن..
أما مازاد في استغرابه فعلا أن عليا أشار للمقهوي: يا ولد قرب الفوالة..
وصب لي قهوة أنا وعمك زايد..

كان زايد ينظر له بذهول حقيقي وهو يراه يلتهم نصف حبة المعمول ويرتشف فنجانين من القهوة..
ثم يضع فنجانه وهو يهتف بمودة باسمة: لو علي أنا كان كلت الصحن كله.. وشربت الدلة كلها..
حاس لي سنين ماشربت قهوة..
بس ما أبي أثقل على بطني وأنا توني ماتعودت على الأكل..


زايد سأل بصدمة سعادته غير المعقولة: يأبيك أنا أفرح ماعلي أشوفك تأكل وتشرب..
وأنا اللي كنت بأموت عشان أشوفك تشرب ربع قلاص عصير..
بس يأبيك ماحد يتغير في يوم وليلة.. إلا لو صارت له معجزة..

علي بنبرة مقصودة جدا: ويمكن اللي صار معي معجزة!!

زايد يتنهد بعمق سعادته المحلقة التي شعر توشك أن تفجر حناياه: الله يديم المعجزات عليك يأبيك.. وش معجزتك أنت؟؟

علي بأبتسامة مقصودة: تقدر تقول إن مرتي دخلت مزاجي وعقب عدلته لين آخر جد..

زايد بصدمة: يأبيك حدث العاقل بما يعقل.. هو مزاجك مثل الزر اللي يشغلونه ويطفونه..
ثم قطع زايد كلامه وهو يردف بسعادة حقيقية وابتسامة متسعة جدا:
خله يكون زر.. مايهمني.. المهم إنك مبسوط..
مبسوط يأبيك؟؟

علي بسعادة حقيقة: مبسوط شوي على اللي أنا حاس فيه!!

شعر زايد حينها أن شرايين قلبه تكاد تتهاوى من فرط ضغط السعادة وهو يهمس بتأثر رجولي:
لازم أقوم أصلي ركعتين شكر الحين!!

وفعلا نهض من مكانه قبل أن يردف باهتمام : شوفتك نستني وش كنت أبي أقول لك..
خلاص رحلتنا بكرة العصر إن شاء الله..

ابتسم علي: تقصد رحلتي أنا ومرتي..؟؟

زايد ضحك: ماتبي خوتي يا الهيس؟؟

علي بمرح: خوتك على الرأس والعين.. بس حد يأخذ أبيه في رحلة شهر عسل..

حينها تغير وجه زايد للقلق الجدي: علي الله يهداك وضعك الصحي أنت عارف إنه تعبان.. ولازم يكون معك حد...
لو تعبت هناك..البنية المسكينة بتبلش فيك!!

علي بإصرار: يبه أنا أعرف أتصرف زين.. أنا واحد شغلي كله كان برا.. ماني بعارف أتصرف يعني..

زايد يحاول اقناعه: يأبيك ماقلت إنك منت بعارف تتصرف..
بس أنا ما أقدر أخليك وأنت وضعك كذا..

علي بإصرار حازم: أرجوك يبه.. خلاص.. قلت بسافر بروحي..
وأوعدك أخلص فحوصي كلها لا تحاتي..







******************************************





كانت شعاع غاية في التألق والتأنق وهي تبالغ في التزين حتى لا يلاحظ أهلها شحوب لونها..
أما توترها فهي تعلم أنهم سيرجعونها لخجل العرائس الطبيعي!!

جوزاء تقرص جنبها بمودة وهي تهمس بحنان: العرس يخلي البنات حلوين كذا؟!!

همست شعاع بذبول فسروا نبرته المنخفضة بأنه خجل: مثلش..
هذا أنتي من عقب رجعتش لعبدالله وأنتي محلوة بزيادة!!

همست جوزاء في أذنها بخفوت: علي شأخباره معش؟؟

شعاع تتلاهى عن إجابة سؤالها بسؤال آخر: أمي وين راحت؟؟

جوزاء بحنان: أمي شكلها بتسوي لش العشاء بنفسها.. ياربي نفسيتها زفت من الصبح توها زانت يوم شافتش..

شعاع بتأثر: فديت قلبها.. زين علوي أم لسانين مامنها فايدة تخفف عن أمي..

جوزاء تبتسم: المسكينة تحاول.. بس أمش مقفلة من الضيقة..

شعاع قطبت جبينها بتساؤل: إلا عالية وين راحت؟؟

جوزاء بتلقائية: اتصل فيها عبدالرحمن وقال لها إن خالها بيجي يسلم لها وراحت له في مجلس النسوان..






*****************************************





وإن كانت شعاع تأنقت للتظاهر.. فهناك عروس أخرى تأنقت لإحساسها الحقيقي بالألق والسعادة..


نايف ينظر لها بنظرة مقصودة من تحت أهدابه: ماشاء الله نفسيتش جايه على العرس..
منورة من قلب وشدوقش تقولين إعلان معجون أسنان!!

عالية تضحك: تنظلني يا الدب؟؟ يعني غاط من يوم عرسي.. ويوم طلعت جاي عشان تنظلني..

نايف بذات النبرة المقصودة تماما: والله ماشفتش فقدتيني.. ولا كلمتيني..؟؟
مشغولة الله يعينش..

عالية بعفوية: لا تزعل مني فديت عينك.. بس والله لهيت مع البنات في تجهيز عرس حماتي وتوها تزوجت البارحة...


نايف بذات نبرته المقصودة المريبة: مبروك إن شاء الله.. وعقبال مايصير عندكم عرس ثاني..

ضحكت عالية: خلاص خلصوا.. إلا لو عمي فاضل يبي يجدد شبابه..

نايف يكمل بذات النبرة: فيه من هو أصغر من فاضل..
تدرين علوي الطبخة عجبتني مـــــوت!!

عالية باستغراب: أي طبخة؟؟

نايف بتلاعب: يووووه أقصد حركة عبدالرحمن يوم أحرج خالد.. وحركة عطني وجهك وتم..
ذكرتني بسوالف أمي الله يرحمها...

عالية شعرت بخجل رقيق فلم تعرف ماذا تقول وصمتت ولكن نايف لم يصمت فهو لديه ماخطط تماما ليقوله:
تدرين علوي.. عبدالرحمن على حركته المنقرضة.. خلاني أشتهي أسوي حركة أكثر انقراض..

عالية باستغراب: أي حركة؟؟

نايف بنبرته المقصودة المتلاعبة الحازمة:
تذكرين يوم كانت أمي تسولف لنا.. عن إن الرجال أول كان أحيانا إذا طلق مرته.. يقول (ترا فلانة طالق من وجهي في وجه فلان)
عشان يجبر الرجّال الثاني إنه يأخذ مرته... وفضيحة عليه لو ماخذها وطليقها علقها في وجهها...

عالية لم ترتح مطلقا لنبرة نايف وهي تهمس بغضب: وش لازمة ذا الحكي الفاضي..؟؟

نايف بحزم بالغ مرعب: مهوب فاضي.. لأني باطلق وضحى وبأطلب من عبدالرحمن يأخذها!!
وبأحرجه وأحده على أقصاه عشان يأخذها!!






#أنفاس_قطر#
.
.
.
يا الله نجمتنا اليوم للحلوة (يا الله الخيرة) لأنها اللي جابت سبب خوف شعاع من علي
فيه بالضبط ثنتين غيرها قالوه بس هي كانت أول وحدة...
مبروك ياحضرة الملازم.. علقتي النجمة !!
.
.

#أنفاس_قطر# 18-01-11 06:43 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والسبعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ياصباح الخير والمودة على قلوبكم يا هل الخير والمودة
.
.
جميلة من قبيلة ومن ناس معروفين.. للي تسأل
أدري فيه ناس مايحبون سالفة حضر وبدو
بس هي سالفة عند بعض ناس مازال لها حضور كبير
مع إنه -عشان نكون منطقيين- ماعادت مثل أول
.
.
يا نبضات قلبي أنا أرتب للأحداث منذ زمن طويل.. منذ البداية..
وهذا بيكون جواب لسؤالين سألوهم البنات
السؤال الأول: ليش أهل خليفة ماحاولو أبد يتصلون بجميلة وكأن الموضوع انتهى؟؟

أحمد أبو خليفة.. ترا مو عم جميلة لكن ابن عمها.. يعني خليفة ولد ولد عمها..
ولاحظوا لما زايد في بداية الرواية قال لعلي بسأل أحمد ولد عم جميلة عن رأيه..
فعلي زعل وقال متى صاروا أهلها وهم ما يسألون عنها؟؟
فزايد قال له إن أحمد دايم يسأله عنها.. يعني مجرد سؤال لأنها مهما كان بنت عمه يعني حتى مو حلال إنه يشوفها أو يسلم عليها..
ولاحظوا إني خليت مرته متوفية وماعنده بنات.. عشان يصير التواصل فعلا شبه مقطوع..
يعني رجال وعياله شباب وكلن لاهي في حياته.. ليه يهتمون يسألون.. حتى لو بغوا يسألون.. بيستحون!!
ولا تقولون مايصير.. لأنه أحيان كثيرة ممكن تمر سنين ماشفتي جماعتكم إلا في المناسبات..
يعني أنا قصدت قلة التواصل هذي لسبب.. :)
.
.
السؤال الثاني: أشلون فهد يوافق على جميلة عشان منصور وهو كاره لهالدرجة للفكرة؟؟
عاد هذي واضحة جدا.. من بداية الرواية وأنا أبين قرب منصور من فهد لدرجة إنه يدخل عشان خاطره مدرسة السواقة ويصير مسخرة الفرقة
لأنه عندنا على قولتهم مايدخل مدرسة السواقة إلا البزارين والنسوان والسواقين :)
.
.
فيه بنات استغربوا موقف علي من شعاع يعني ماتوقعوا إنه يعبر عن شوقه بطريقة جسدية مفاجئة يعني؟؟
وإنه هالشي ما يتناسب معه..
بصراحة أنا شفت إنه هذا هو التصرف العقلاني الوحيد.. إلا لو تبونه يطب ساكت مثل ما توقعوا أكثر البنات؟؟؟ :)

أنتي فرضا لو غايب عنك شخص عزيز جدا جدا لفترة طويلة وبعدين دخل عليك فجأة..
هل بتوقفين بعيد وتقولين يامرحبا وأشلونك واشتقنا لك؟؟.. وإلا بتاخذينه بالحضن بدون تفاهم؟؟
أعتقد إنه كلكم عارفين الجواب... وهالكلام بتسمعونه على لسان علي في بارت اليوم
وعلى فكرة كل ماكانت الشخصية رقيقة وشاعرية وعاطفية كان اندفاعها أكبر..
كلام موثوق منه نفسيا :)
وفعلا التصرف المنتظر من علي يا هذا التصرف.. يأنه ينجلط :)
ولو أنه انجلط وماعبر لها عن فرحته بشوفتها.. أشلون كان دارت الفكرة اللي أنا كنت مقررتها في بال شعاع ؟؟
.
.
يا الله الجزء 79..
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والسبعون






نايف بنبرته المقصودة المتلاعبة الحازمة:
تذكرين يوم كانت أمي تسولف لنا.. عن إن الرجال أول كان أحيانا إذا طلق مرته.. يقول (ترا فلانة طالق من وجهي في وجه فلان)
عشان يجبر الرجّال الثاني إنه يأخذ مرته... وفضيحة عليه لو ماخذها وطليقها علقها في وجهها...

عالية لم ترتح مطلقا لنبرة نايف وهي تهمس بغضب: وش لازمة ذا الحكي الفاضي..؟؟

نايف بحزم بالغ مرعب: مهوب فاضي.. لأني باطلق وضحى وبأطلب من عبدالرحمن يأخذها!!
وبأحرجه وأحده على أقصاه عشان يأخذها!!



عالية قفزت بغضب شديد: تدري أسخف من ذا الكلام وأحقر ماسمعت..

نايف وقف أمامها بتحدي ونبرة حازمة: لا والله يا بنت أختي..
الحقارة إن البنت تطبخ الطبخة مع حبيب قلبها.. وعقبه تلعب على خالها وتخليه مثل البهيمة اللي تنفذ مخططاتها بدون تفكير..
هذي هي الحقارة!!

عالية تفجر غضبها أكثر: أنت وش تبربر وش تقول؟؟

نايف ضحك بسخرية: وش أبربر؟؟ لا والله البربرة هذرتيها مع حبيب القلب من ورا هلش..

عالية تراجعت خطوة للخلف وهي تهمس بصدمة مختلطة بنبرتها الغاضبة:
نعم؟؟

ولكن نايف شدها بقوة من عضدها وهو يهتف بقسوة حازمة:
الله ينعم عليش ياحبيبة خالش..
يا اللي ماتدسين عليه شيء.. يا اللي أسراركم وحدة..

يعني كنتي تكلمين عبدالرحمن من ورا هلش.. صحيح إنه منقود.. لكن لا هو حرام ولا عيب عشان تدسين علي أنا سالفة مثل ذي..
وأنتي تلفين وتدورين عشان تزوجيني بنت خاله...

يعني وش فيها لو قلت لي كل شيء بصراحة.. من متى وأنا وأنتي بيننا حواجز..
لكن دامش حطيتي الحواجز وخدعتيني وأرخصتيني وضحكتي علي..
جزاش مثل ماسويتي فيني..

وحدة خذتها بالخدعة وعشانش.. مالي حاجة فيها... خل عبدالرحمن يأخذها!!
وانبسطي أنتي وإياها.. وصيروا ربع.. وانتوا في بيت واحد.. ضراير وش حليلكم..

حينها همست عالية باختناق حقيقي وعيناها تمتلئان بالدموع:
نايف أنت جدك؟؟

نايف أفلتها وهو يدفعها بحدة ويهتف بحدة قاسية:
ومابعد كنت من جدي مثل الليلة!!






**************************************





" يبه.. علي وش فيه؟؟
أنتو غيرتوا له العلاج وأنا مادريت؟؟
أو عطيتوه فاتح شهية قوي؟؟"


ابتسم زايد ابتسامته الفخمة باتساع: ليه تسأل يعني؟؟

كساب بصدمة: ليش أسأل؟؟.. أنا قربت أنسى شكل علي وهو يمد يده لثمه ويأكل..
انصدمت إنه قام معنا على العشاء.. صحيح كل أكل خفيف.. بس أنا ماهقيت إنه بيأكل حتى!!

ابتسم زايد : يقول إن شوفت بنت فاضل فتحت نفسه..

لم يستطع كساب إلا أن يضحك لفرط سعادته: والله إن بنت فاضل تستاهل السمن يصب إيديها كانها اللي خلته يأكل..

منصور العائد من الحمام ليغسل يديه بعد العشاء جلس جوار زايد وهو يشده ناحيته ويهمس في أذنه بذات سؤال كساب..

بينما علي توجه ليجلس جوار كساب من الناحية الآخرى وهو يهمس في أذنه بمرح:
مايسوى علي ذا العشاء اللي تعشيته
بتطلعونه من بطني أنت وعمك وعيونكم طايرة فيني وأنا أكل.. تقولون مابعد شفتوا ناس يأكلون؟؟

كساب يبتسم: شنسوي كنا خايفين تأكل عشانا وتخلينا ماشبعنا..
ثم أردف بمودة: تبيني أوصلك للأوتيل؟؟

علي برفض باسم: مشكور طال عمرك.. بأروح بنفسي.. وتكفى ماترادني عجزت من المرادد مع أبيك..
وعلى طاري المرادد.. أنت وأبيك لين متى منشفين ريق غانم المسكين..؟؟
خلوا المسكين يحدد موعد عرسه..
أنا طيب مافيني شي.. ولا تخلوني عذر لكم..
ومزون خلصت الفصل.. على الأقل خلهم يتزوجون ذا الصيفية قبل ما ترجع الجامعة الفصل الجاي..





**************************************






" عالية وش فيها من يوم رجعت من عند خالها وهي مكتمة مرة وحدة!!"

جوزاء تجيب شعاع باستغراب: ما أدري وش فيها؟؟

حينها سألتها شعاع برقة: منتي برايحة لبيتش زين؟؟

جوزاء بتردد: ما أدري.. ودي أرقد عند أمي.. بس لو أقول لعبدالله بيذبحني!!

شعاع بيأس رقيق: لذا الدرجة أمي متضايقة؟؟

جوزا تبتسم: مهيب متضايقة بس تبي تتدلع على أبيش شويتين..
لا تهتمين خلي ذا السالفة علي وقومي تجهزي..
رجالش مهوب كلمش وقال إنه جايش الحين..؟؟

شعاع بضيق: بلى جاي..

جوزاء بمرح: وليش لاوية بوزش.. قومي البسي عباتش.. عيب تنقعينه في السيارة..


شعاع سلمت على أمها وعالية وخرجت ترتدي عباءتها عند مرآة المخرج ومعها جوزاء التي كانت تحمل حقيبتها حتى تنتهي من لبس نقابها..

رنة رسالة تصل لهاتف شعاع فتهمس جوزاء بخبث: عادي نقراها وإلا صار عندنا أسرار..؟؟

شعاع بعفوية : افتحيه تلاقينه مسج من كيوتل يقولون ادفعوا الفاتورة لا نحوسكم حوس!!

جوزاء بابتسامة متلاعبة: الرقم سبيشل والكلام سبيشل.. والله من بهينة يا بنت فاضل..
وأنا اللي أقول اشعيع بريئة.. جبتي رأس الرجال من أول ليلة!!
"طعون" مرة وحدة.. خفي اللعب عالمسكين..

شعاع انتزعت الهاتف والحقيبة من يد جوزا ووجهها يتفجر حرجا وتختنق بغصات خجلها وضيقها
وهي تلمح الرسالة التي مازالت الشاشة مفتوحة عليها قبل أن تضع الهاتف في الحقيبة وتخرج:


" أنت الوحيد اللي بقلبي تمكنت..
تمون !!.. لكن لا تكثر طعونك!! "


ركبت جوار علي وهي تتمتم بسلام خجول متوتر ثم تلتصق بالباب
وهي تتمنى لو استطاعت البقاء في حضن أهلها وأمانهم بعيدا عن الرعب المجهول الذي تعيشه مع هذا الرجل المجهول المتلاعب..

همس علي بدفء حقيقي: هلا والله إني صادق ومن جدي..
اشتقت لش ياقلبي.. والله العظيم كني قاعد على مقلى من شوقي!!


كان بود شعاع أن تصرخ به.. (لا تقول لي ذا الكلام ولا تكذب علي..)
وكان بودها أن تبكي.. وتنزف كل هذا الحزن المكتوم في روحها..
ولكنها صمتت بيأس وهي تبتلع غصاتها.. بينما علي لم يتوقف مطلقا عن الكلام..

حينا يتغزل بها غزلا شفافا عميقا موجعا..
وحينا يحكي لها عن بعض الأماكن الي يمرون بها عن ذكرياته فيها أو معلوماته الخاصة عنها..

كان يحادثها وكأنها شخص يعرفه منذ قرون.. بينما هي عاجزة عن مجرد التواصل معه..


بموضوعية تامة.. كان حديثه غاية في المتعة والدفء ونبرة صوته الهادئة العميقة والدافئة أشبه ما تكون بمهدئ فعّال للأعصاب..
ولكنها عاجزة عن الإحساس به أو بما يقوله.. وإحساس الرعب منه يسيطر عليها تماما..


حتى وصل في محور حديثه إلى قوله: حبيبتي ترا بكرة سفرنا على طيارة العصر..

حينها همست باختناق خجول: ومن اللي بيسافر معنا؟؟ كاسرة ورجّالها؟؟

ابتسم علي: ماحد مسافر معنا.. فيه حد يأخذ معه مرافقين في شهر العسل..؟؟

شعاع بصدمة تتخيل حالها وهي معه لوحدهما.. كيف يتركونها معه وهو أشبه مايكون بقنبلة موقوتة تخشى تفجرها فيها في أي وقت..؟؟
كيف تفعل بها خالتها مزنة ذلك؟؟
كيف تتركها معه لوحدهما؟؟


صمتت... ماذا لديها لتقوله..؟؟
ليس لديها إلا الله عز وجل تدعوه أن يحميها منه!!

بينما كان علي يكمل بقية حديثه بهدوء واثق: بكرة قبل الظهر بنسوي شيك آوت من الأوتيل وعقب بنروح نتغدى عند هلي..
وعقب بأمر بش هلش تسلمين عليهم قبل نطلع المطار..
وقبل أنسى.. هاش خذي.. هذا مفتاح بيتنا.. عطيه أمش لو تبينهم يرتبون أغراضش قبل نرجع من السفر..

همست حينها شعاع باختناق أشد: أنا وأنت بنسكن بروحنا؟؟

ابتسم علي بمودة: عندي بيت وش كبره.. وين نسكن يعني؟؟
صحيح إبي لو عليه يبيني معه في البيت.. بس الحين معه كساب..
وأنا أبي نكون بروحنا وبراحتنا...

شعاع بتبعثر: قصدي.. بس......

شعاع تريد أن تبكي فعلا.. بماذا يفكر هذا الرجل؟؟
أيفكر بجعلها سجينة له طوال عمرها وهو يرسم هكذا مخططات طويلة الأمد..
ماعادت تعرف ماذا تقول.. أصبحت مشوشة تماما.. وبدأت تنتابها حالة اكتئاب يبدو أنها ستتعمق!!






**********************************






" حبيبتي حرقتي قلبي..
طالبش تقولين لي وش مضايقش؟؟ "


عالية بذبول: مافيني شيء حبيبي صدقني..

عبدالرحمن بيأس: عالية ياقلبي نشفتي ريقي.. صار لي ساعتين ألح عليش وأنتي تقولين ولا شيء..
مستحيل مافيه شيء..
نايف وش قال لش؟؟ جوزا تقول إنش من عقب ماراح من عندش وأنتي متغيرة..

حينها قفزت عالية بجزع: نايف ماقال لي شي.. ماقال شي..
تكفى لا تسأله عن شيء.. طالبتك.. لا تسأله..

ثم بشكل مفاجئ جلست على الأرض.. ودفنت وجهها في السرير قريبا من ساقيه الممدتين على السرير.. وهي تشهق بخفة!!

عبدالرحمن فُجع منها.. وهو يمد يده ليمسح على شعرها..ويهمس بقلق شديد:
والله العظيم حرقتي قلبي.. تعالي هنا.. تعالي..

عالية رفعت رأسها لتدفن وجهها في حضنه وهو يحتضنها بخفة.. لم يسألها عن شيء.. لأنه يعلم أنها لن تخبره..

عالية كانت شبه محطمة.. ليس خوفا من أن عبدالرحمن قد يفعلها ويتزوجها..
ولكن من صدمتها في نايف.. توأم روحها.. ونبضها..

لم تتخيل أنها بسبب خطأ بسيط قد ارتبكته قد يعاقبها هكذا عقاب.. وبهكذا قسوة..
لم تتخيل أن قلب نايف الحاني قد يقسو عليها هكذا..

فنايف دائما كان ملاذها حين تُغلق كل الأبواب في وجهها..
للحظات ظنت أنه يمزح.. ولكنه كان غاضبا منها فعلا.. وهددها بطريقة فاجعة وصارمة..
" معقولة يا نايف أنا تسوي فيني كذا!!"


عبدالرحمن ظل محتضنا لها بكل حنو حتى أفرغت طاقة بكائها.. حتى رفعت رأسها وهمست باختناق وهي تمسح وجهها..
وتهمس بذبول مختنق: آسفة حبيبي.. أشغلت بالك معي.. سامحني..
بأروح أتسبح عشان أهدأ شوي وبأجيك..


فور مغادرتها له.. تناول عبدالرحمن هاتفه.. فهو كان ينتظر مغادرتها بفارغ الصبر ليقوم بهذا الاتصال..


فور أن رد الطرف الثاني هتف عبدالرحمن بمودة: مساء الخير نايف..

نايف بمرح: قده صبح طال عمرك..

ابتسم عبدالرحمن: وش نسوي بك وانت مسهرنا لين الصبح؟؟

نايف بحرج: أنا؟؟

حينها همس عبدالرحمن لنايف بحزم: نايف أنت وش قلت لعالية؟؟.. من يوم طلعت من عندها وهي حالتها حالة..

حينها انفجر نايف في الضحك المجلجل وهو يتناثر بالكلمات بين ضحكاته:
خلها تستاهل.. أنا كنت أبي أثقل العيار عليها..
بس قلبي ما يطاوعني عليها الحمارة.. مع إنها تستاهل.. وأنت معها تستاهل مع احترامي لك...
لو خليتها تنكد عليك يومين زيادة بعد أحسن..
بس يا الله.. بأحتسب أجري عند رب العالمين..


عبدالرحمن ضحك مع تهديد نايف المرح له.. ومن يغضب من نايف؟ :
وليه وش سويت أنا بعد.. خلني بعيد عنك أنت وبنت أختك ماني بحملكم..

نايف مازال يضحك: قلها تفتح تلفونها وتقرأ المسج اللي بيجيها بعد شوي..
وأنت على قولتك.. اطلع من بيننا.. لأنه حن اثنين خبلان..


عبدالرحمن سمع بالفعل صوت رنة الرسالة التي وصلت هاتفها الموضوع على التسريحة..
كان بوده أن يقرأ الرسالة ولكنه كتم رغبته لسببين:
الأول أنه ليس من حقه التدخل بينها وبين خالها.. فقد يكون هناك سر ما بينهما..
الثاني أنه حتى لو فكر أن يفعلها.. فحتي يقوم على كرسيه المتحرك.. ويصل هناك ستكون قد خرجت من الحمام.


لذا انتظر حتى خرجت تلف شعرها بفوطتها بعد أن ارتدت بيجامتها..
كان وجهها ذابلا فعلا وهي تستدير لتنام جوار عبدالرحمن..
ولكن عبدالرحمن أوقفها وهو يهمس بإبتسامة: افتحي تلفونش جاش رسالة..


عالية توجهت لهاتفها بذات الخطوات الذابلة تناولته لتفتحته.. تفاجأت أن الرسالة من نايف فتحتها بتوتر..

لتتغير ملامحها للنقيض تماما... من ملامح ذابلة ساكنة.. إلى ملامح متفجرة بالحياة والحدة والصراخ والغضب:
الحيوان النذل.. خالي الزفت.. خال العازة..
يا من يجيبه عندي أعضه لين أقول بس..
أشلون أمسي الحين من الحرة!!
زين يانويف.. زين.. دواك عندي.. والله ما أعديها لك!!


عبدالرحمن انفجر في الضحك لأنه كان يراها تسبه وتشمته وهي تضحك بشكل هستيري:
والله أنك أستاذ يانايف بس عاد مهوب على الدكتورة عالية...
انا ماحد آكلني الأونطة قدامك.. والله لاردها لك دبل..


عبدالرحمن استغل أنها اقتربت منها حتى يتنزع الهاتف من يدها لأنه علم أن في الحكاية مقلب وأراد أن يعرفه..
عالية تركت الهاتف له وهي تستدير لتجلس جواره وهي تحتضن عضده بقوة سعادتها وهي تقرأ معه الرسالة للمرة الثانية:

" والله كان ودي أخليش تحترقين يوم يومين..
بس ماتهونين علي يا الدبة..

نسيت اقولش يوم جيتش ..
إني اليوم رحت لتميم في شغله عشان يسأل هله متى يبون موعد العرس بالتحديد
لأني مستعجل شويتين.. وأبيه على أبعد حد عقب شهر ونص شهرين...
.
تعيشين وتأكلين غيرها "


عبدالرحمن ضحك: بصراحة مافهمت شيء.. يعني أنتي زعلانة ذا الزعل كله عشان نايف ماقال لش متى يبي موعد عرسه؟؟
ما أشوفه سبب بصراحة!!


عالية احتضنت عضده أكثر وهي تهمس بسعادة حقيقية لأن نايف لم يخذلها:
لا.. النذل نويف ما ادري أشلون اكتشف إني كنت أكلمك..
وقال لي أنتي خدعتيني.. وإنه يبي يطلق مرته ويورطك تزوجها عشان يأدبني..


ضحك عبدالرحمن: وأمانة عليش صدقتي سالفة خبلة مثل هذي..
نايف رجّال فيه خير.. أنا اللي ماعشت معه مستحيل أصدق لو قال لي..
أشلون أنتي؟؟

عالية بمرح: ما أدري.. مخي اختبص.. وهو بين شكله جدي ويروع من قلب..

حينها همس عبدالرحمن بغرور تمثيلي: وذا كله وبغيتي تموتين.. عشانش غيرانة علي لأجيب على رأسش وحدة..

عالية تفلت ذراعه وهي تهمس بمرح: روح بس... شايف روحك على الفاضي..
عادي عندي.. أنا ووضحى ربع أصلا..

عبدالرحمن رقص حاجبيه: زين ولو جبت لش كتكوتة من بنات الجامعة اللي كاشخين تقولين رايحين عرس مهوب للجامعة..

حينها همست عالية بغيظ فعلي: والله لأقطعك وأحطك في أكياس نايلون..
وخل الكتكوتة تشبع فيك حزتها..






**************************************





" يا أختي أنتي وش جابش عندي لغرفتي.. فارقي لرجالش!!
أبي أنام.. زهقتيني!!"

سميرة تتمدد على سرير وضحى وهي تضحك: من زين خشتش بس..
لو علي ما أبي إلا شوفة تيمو..
بس شأسوي هو مشغول بكمبيوتر صاحبه يقول يبيه ضروري بكرة الصبح..
وطردني لأني كل شوي مدخلة يدي مع يده أهندس معه.. ما أقدر أقعد فاضية يدي تأكلني!!

وضحى بتأفف باسم وهي تتمدد جوارها: أنتي كل شيء فيش يأكلش..
أول مرة أشوف وحدة تهذر على الجهتين مثلش.. بإيديها ولسانها..

سميرة بمرح: زين خلينا من ذا الهذرة وقولي لي وش قررتي في اللي قاله لش تميم؟؟

وضحى بخجل: ما أدري مابعد فكرت.. أنتي وش رأيش؟؟

سميرة بمرح مختلط بالجدية: تبين رأيي.. مابدهاش.. عقب شهر وعشرين يوم بالضبط..

وضحى ضحكت برقة: وش معنى ذا التحديد الدقيق؟؟

سميرة بإبتسامتها العذبة: لأنه هذا وقت رجعتنا للدوام.. فليش تضيعين على نفسش إجازة الزواج..
يعني استغلي إجازة الصيف تتسوقين وأنتي مرتاحة.. وعقب خذي إجازة الزواج الأسبوعين من عيون الشغل..

وضحى تضحك: يمه منش يالسكنية.. ولا حتى طرى على بالي ذا كله..

سميرة قفزت بحماس: يعني أقول لتميم يقول لنايف..؟؟

وضحى بجزع خجول: لا لا.. لازم تقولين لأمي أول وهي بتقول له..






****************************************






البارحة بعد أن تمدد على السرير.. وعاود فتح عينيه ليجدها مازالت تجلس على الأريكة
حلف عليها أن تنام هي على السرير ونام على الأريكة..
ولكن هل يتكرر هذا الليلة أيضا؟؟


بالفعل لايريد منها شيء مما يخطر ببالها.. يريدها أن تطمئن له فقط..
ولكن مادامت لا تريد أن تتقبل قربه ولا بأي طريقة فكيف ستبدأ تعتاد عليه!!

كانت تجلس على الأريكة بعد أن أنهت وردها.. جاء وجلس قريبا منها حين انتهى هو أيضا وهو يهمس لها بولعه الحقيقي:
حبيبتي شعاع الليلة بعد تبين تنيمني على الكنبة؟؟

شعاع دعكت يديها بتوتر.. بينما علي يهمس لها بعمقه الواله:
والله العظيم أدري إنش مصدومة من تصرفي البارحة..
بس خلني أسالش شيء..
لو أبيش الله يحفظه لش.. غاب عنكم سنين ماتدرون عنه شيء.. وعقب رجع فجأة وشفتيه قدامش..
هل بتوقفين قدامه وتقولين له ياحياك الله يارجّال.. ووين الغيبة..؟؟
وإلا بتلوين عليه بدون مقدمات أو كلام؟؟

شعاع لا تعرف طبعا ماذا يقصد بكل هذا لكنها أجابته بعفوية:
طبعا بأتلوى عليه.. من اللي له قلب يحكي ذاك الوقت من الصدمة؟؟

ابتسم علي: زين هذي حالتي بالضبط.. شفتش قدامي وأنا كنت أظن إني مستحيل أشوفش حياتي كلها..
تبين أقعد أخذ وأعطي معش في الكلام وأنا عقلي طار مني..


شعاع لا تصدقه إطلاقا لذلك لم تفكر حتى أن تسأله.. كيف إذن تتزوج واحدة وقلبك مع واحدة أخرى؟؟.. او كيف تتجرأ أن تخطب واحدة في يوم ملكتنا؟؟
فبالها في أمور أعمق وأهم الآن..
أن تحمي نفسها منه!!

همست شعاع برقتها التلقائية: زين أنت الحين ليش تضرب ذا المثال؟؟ وش بتستفيد منه يعني؟؟

علي بدلا من أن يجيبها همس بولع: أنتي مخلوقة حقيقية وإلا حلم؟؟
أنتي الحين تتكلمين وإلا تنثرين شهد وسكر من بين شفايفش؟؟

شعاع اختنقت بالفعل ووجهها يتفجر احمرارا من الخجل..
حتى إن كانت لا تصدقه.. فهي لا تستطيع احتمال مثل هذا الكلام.. لا تستطيع..
براءتها لا تستطيع.. شفافية قلبها لا تستطيع.. نقاء روحها لا يستطيع!!

علي حينها ضغط جانبي رأسه وهو ينظر بكل ولعه اللامتناهي إلى احمرار وجهها المتفجر:
شعاع ياقلبي خفي علي.. أنا واحد ذايب بدون شي.. ارحميني..


شعاع بيأس: أرجوك علي لا تقول لي ذا الكلام.. أنا ماسويت لك شيء؟؟

علي باستنكار واله: ماسويتي لي شيء..؟؟!!
أنتي مابقى شي من التعذيب ماسويتيه فيني من أول دقيقة شفتش فيها لين الحين..
حتى شوفت خدودش وهي مولعة حمر كذا يعذبني..
حتى وأنتي ساكتة تعذبيني.. وحتى يوم تحنين علي وأسمع همستين من بين شفايفش تعذبيني..


شعاع صمتت واحمرار وجهها يتزايد.. " يا الله هذا وش يبي مني بعد؟؟"
همست باختناق: الحين علي.. وش اللي تبي توصل له من ذا الكلام كله؟؟

همس علي بشفافية عميقة: ما أبي شيء.. أبي أعبر عن مشاعري بس لا أموت من الكبت..
أنا ما أدري وين أفكارش موديتش.. بس صدقيني ..شوفتش قدامي تكفيني عن كل شيء..

ثم أردف بمرح شفاف: بس بعد حبيبتي لا تصيرين صكة مرة وحدة.. يعني مافيها شيء لو نمتي جنبي.. خليتيني أمسك يدش على الأقل..
عشان تتعودين علي شوي شوي.. مايصير ذا الحاجز اللي حاطته بيننا..

حينها همست شعاع بجزع: ولو أنت تهورت..؟؟

ابتسم علي: زين وتهورت.. صارت مصيبة يعني؟؟
ماعليش من كلام الدكتور.. لا تخافين عليّ.. هو وش عرفه إني لقيت دواي خلاص ..

شعاع تكاد تبكي.. "هذا أكيد مهوب صاحي.. معقولة لذا الدرجة ماعنده إنسانية؟؟
أو هو مايدري بحقيقة مرضه؟؟ "






*******************************************






" تميم الليلة قال لي إن نايف يبي يحدد موعد العرس
خلال شهر ونص شهرين بالكثير... وش رأيك؟؟"


زايد يضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه جانبا ويلتفت لمزنة التي أنهت قيامها ووردها للتو.. وتمددت جواره..
ويهمس بمودة صافية: الرأي رأيش أنتي وبنتش..

مزنة بأريحية راقية: ورأيك بعد.. وخصوصا إنك بتسافر بكرة..
وأكيد الموعد بيتحدد وأنت مسافر..

زايد بثقة: الموعد اللي بيناسب وضحى ودوامها براحتها..
وأنا بعد أبي أحدد موعد عرس بنتي لأنه غانم حرقنا بالإلحاح..
وأما السفر.. مابه سفر.. قاعد عندكم..

مزنة بتساؤل باسم: أفرح ماعلي تقعد عندنا.. بس علي من بيروح معه؟؟

زايد بإبتسامة شامعة: ماحد.. على قولته .. من اللي يأخذ معه مرافقين في شهر العسل..
ثم أردف بسعادة ودودة: تدرين يامزنة.. صرت متشفق على شوفت شعاع...
علي ماشفتيه البارحة أشلون منقلب حاله؟؟
أبي أشوف اللي قدرت تغير مزاج علي كذا..

ابتسمت مزنة بسعادة: الله يبشرك بخير.. لا والله ماشفته.. لأنه يوم جا البارحة.. كنت عند إبي أعشيه..
أما على شعاع.. فسبحان الله يازايد.. على إن عيال فاضل كلهم غالين علي..
بس شعاع من أول مرة شلتيها في يدي وهي مولودة تحسها تشرح القلب وترّبع فيه..
الله يجمع بينهم في خير وعلى خير!!






******************************************







" اليوم حاولي تطلعين من الدوام بدري شوي
بأمر عليش 11 ونص"


كاسرة باستغراب وهي تلتفت ناحيته بينما نظره مثبت على الطريق:
ليه فيه شيء؟؟

كساب بثقة: لا مافيه شيء.. بس علي ومرته بيتغدون عندنا قبل يطلعون المطار.. وأبيش تكونين موجودة!!

كاسرة بهدوء: إن شاء الله.. 11 ونص بأكون جاهزة..

كساب صمت لثوان ثم أردف بحزم: وترا عندي سفرة عقب كم يوم.. ويمكن أطول فيها شوي..
أنا كنت مأجلها على أساس أني يمكن أسافر مع علي..
بس الحين ما أقدر أأجلئها..

رغما عنها ارتعشت أناملها التي أمسكت بها بقوة وأخفتها بداخل أكمام العباءة وهي تهمس بحزم صوتها المعتاد:
تطول كم يعني؟؟ أسبوع؟؟ أسبوعين؟؟

كساب بذات النبرة الحازمة ويداه مثبتتان على مقود السيارة: شهر ويمكن أكثر..

حينها لم تستطع أن تمنع عبرتها من القفز لتقف في منتصف حنجرتها وتتضخم (شهر يالظالم!! ويمكن أكثر!!)

لم ترد عليه وهي تعتصم بالصمت..
بينما زفر هو بداخله بيأس.. لو كان الأمر بيده لم يكن ليغيب عنها وخصوصا أن الوضع غير مستقر أبدا بينهما..

ولكن ماذا يفعل؟؟ لديه مهمة مؤجلة من فترة وماعاد يستطيع التأجيل أكثر!!

هتف بحزم: وش فيش سكتي؟؟ ماعلقتي يعني؟؟

ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تجيب بخفوت حتى لا يفضحها ارتعاش صوتها:
خلاص صار عندي خبر.. وش تبيني أقول؟؟
تروح وترجع بالسلامة..






************************************





لم يناما حتى صليا الفجر.. هي لتوترها ولكثرة ما سألها..
وهو لاستمتاعه بمراقبتها وسماع همساتها..

يا الله لم يتخيل أن مراقبة إنسان ستكون ممتعة ومبهجة للروح إلا معها..
وكل حركة تقوم بها.. تذيب قلبه الذائب منذ أمد..

دعكها لأناملها.. لفها لخصلات شعرها على أصابعها.. عضها لشفتيها..

أما حين تهمس ردا على أسئلته التي لا تنتهي لأنه لا يريدها أن تصمت.. فهمساتها كانت تنحره نحرا..

سألها عن كثير من الأشياء.. وأجابته بشفافية متوترة.. وهي لا تعلم ماذا يستفيد من معرفة كل هذا؟؟
ماذا يستفيد من معرفة اسم مدرستها الابتدائية؟؟
أو متى فكرت أن تقص شعرها لأول مرة؟؟
أو ماهو طعامها المفضل؟؟

هو كان يريد أن يعرف كل مافعلته في حياتها قبل أن تلتقيه.. أراد أن يغوص في ثنايا حياتها بكل دقائقها وتفاصيلها..
ولكنه بدأ يسأل عن حياتها الخارجية قبل أن يغوص للعمق.. ويعلم أنه مازال أمامه الكثير.. ولكنه مستمتع جدا برحلة المعرفة هذه..

وهو يقدم لها البديل الفوري مباشرة.. حتى يكون كل منهما على ذات المستوى من معرفة الآخر..
فإن سألها عن شيء وأجابته.. أجاب لها عن ذات الشيء عن نفسه..
أخبرها عن يومه الأول في المدرسة.. وعن أول شجار..
أحاديث عامة.. لم يغص فيها إلى العمق بعد حتى يكسب ثقتها التي أصبحت حلما له!!


وكان مازال يشعر أنه يريد أن يقول الكثير ويسألها عن الكثير لولا أنه وجدها نامت فعلا حين عاد من صلاة الفجر..

وإن كان لم يستطع مراقبتها وهي نائمة حين عاد.. بسبب عتمة الفجر..
فهاهو يقترب منها الآن في ضوء النهار الساطع.. بعد أن نام مجبرا على أريكته..


بدت له أشبه ما تكون بحلم غافٍ... لا يعلم كيف يغفو الحلم.. ولكن من المؤكد أنه هكذا يغفو!!
سماوي.. عذب.. مثقل بالروعة والحسن والبهاء!!


كانت مستغرقة من النوم لا تعلم عن العينين الوالهتين اللتين كانتا تراقبانها بشغف..
ملامحها الغافية كانت تتسلط على روحه بقسوة حانية.. كيف تكون القسوة حانية؟؟ لا يعلم أيضا!!

فعلى اعتابها.. اجتمعت التضادات في روحه.. الهجير والنسيم العليل..
الوجع والرضى.. الألم والاطمئنان..

انحنى قليلا ليمد يده ليمسح على أناملها الغافية جوارها برفق عاشق..
همست برقة ناعسة: أممممم يمه.. أبي أنام..

همس بحنان عميق: حبيبتي قومي.. نبي نسوي شيك آوت نطلع..

شعاع حينها انتفضت بجزع وهي تجلس بحدة وتتراجع للخلف حتى تبتعد عنه
وهي تشد جيبها عى عنقها بحركة دفاعية.. رغم أنها تلبس قميصا بجيب مغلق تماما..

علي شعر بضيق عميق من حركتها وهو يعتدل واقفا ويهمس بضيقه الشفاف:
شعاع تراني ماني بهمجي ولا متوحش عشان تخافين مني كذا!!


لم تقل شيئا وهي تتمنى لو استطاعت أن تبكي فقط..
هل لكل هذا من آخر؟؟ هل له آخر؟؟





***************************************





" حبيبتي وين بتروحين ذا الحزة..
أشوفش ملبسة زايد وتلبسين "

كان منصور العائد من عمله يجلس على الاريكة وهو يراقب عفراء التي كانت تتانق أمام المرآة..

عفراء أجابته برقة: أم امهاب عازمتني على الغدا.. بتجيهم مرت علي..
وأبي أسلم على علي ومرته قبل يسفرون..

منصور بعتب: وبدون ماتقولين لي حتى؟؟

عفراء اتسعت ابتسامتها برقة شديدة.. تتخيل لو أن هذا الموقف حدث في أول أيام زواجهما.. كان منصور ليثير عليها زوبعة.. قبل أن يسمع ردها

مالت لتقبل رأسه وهي تهمس برقة: افتح تلفونك شوف كم اتصال جايك..
ويوم يأست إنك ترد علي.. أرسلت لك مسج..

منصور يستخرج الهاتف من جيبه: يوووووووه.. نسيته على الصامت.. كنا في اجتماع مهم شوي..

ابتسمت عفراء وهي تنظر للمرآة وتسأل بعفوية: خير إن شاء الله؟؟ وإلا أسرار عسكرية..؟؟

ابتسم منصور: عندنا تدريبات للفرق وتراني بألهى معهم شوي الأيام اللي بتجي..
فلا تحاتيني لو صرت أتأخر بدون ما أتصل لش..

عفراء حينها استدارات لتقترب منه وتهمس برجاء عميق:
لا منصور طالبتك.. بلاها تتأخر بدون اتصال ذي.. على الأقل أرسل لي مسج..
إلا لو تبيني استخف..

منصور وقف وهو يميل ليقبل جبينها ويهمس بمودة عميقة: بأحاول.. بس بعد أقول لش لا تحاتين..
خلاص عطيني دقايق أسبح وأبدل وأنا بأوديش.. زايد عازمني على الغدا بعد..
وطالبش تقولين لجميلة تكون جاهزة قبل أخلص.. لا أنتف شعر رأسي..





************************************





" حبيبتي ليش تبكين كذا؟؟"

همست شعاع بشفافية بين شهقاتها الخافتة: مشتاقة لهلي..

ابتسم علي بحنان: لا تحاتين ياقلبي.. أسبوعين بالكثير وحن راجعين..

ثم أردف وهو يحاول إلهائها عن التفكير: تدرين إبي معجب فيش بشكل..
ما أدري وش سويتي بالشيبة وولده؟؟

شعاع لم ترد عليه وهي مازالت تحاول كتمان شهقاتها..
حينها سألها سؤال آخر: متى آخر مرة رحتي لندن؟؟

أجابته باختناق: مارحت لندن من قبل..

علي باستغراب: أبدا مارحتي؟؟

شعاع تحاول أن تتماسك: أبد..

ابتسم علي: أحسن عشان تشوفينها بعيوني.. لندن أنا حافظها مثل كف يدي..
زين متى آخر مرة رحتي فيها أوربا..؟؟

شعاع كان بودها أن تضربه بحقيبتها على رأسه (صدق إنك بايخ وسخيف) شدت لها نفسا عميقا:
أنا مارحت برا الدوحة إلا للسعودية رحت للعمرة كم مرة وبس..

علي بصدمة: من جدش؟؟

حينها همست شعاع بنبرة مقصودة: والله مهوب كل الناس هايتين برا على غير سنع !!

علي لم ينتبه لنبرتها وهو يهتف بأريحية: ولا يهمش.. معي بتشوفين العالم كله..

شعاع صمتت لثوان ثم أردفت بذات نبرة الاختناق التي عادت لها:
علي .. أنا مابعد ركبت طيارة في عمري..

حينها هتف علي بصدمة حقيقة: نعم؟؟ من جدش عاد؟؟

حينها انفجرت في البكاء ومخاوفها تختلط قديمها وجديدها وهي تخبره بما منعها خجلها منه:
أنا خايفة من الطيارة.. وأخاف من الأصنصيرات.. وأخاف من كل شيء مرتفع ومسكر..
أنا خايفة.. ما أبي أسافر.. ما أبي!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
موعدنا الجاي
الخميس بيكون الساعة وحدة ونص الظهر لأنه الصبح بيكون عندي ظرف صغنون..
أشوفكم على خير..
.
.

#أنفاس_قطر# 20-01-11 01:00 PM




آسفة يانبضات قلبي.. نص ساعة تاخير ووقعت تحت الخط
مثل أيام زمان.. أيام توقيع المدرسات القديمات


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
يامساكم الخير العميم اللي عقب المطر
الجو صافي وبارد ومنعش ويفتح النفس
ياجعلنا نتهنا بالمطر وخيره من عند رب العالمين
.
.


ليه علي ماقال لأبوه عن شعاع؟؟
أكيد عنده أسبابه اللي بتسمعونها على لسانه بس بعدين!!

.

بنات أدري أنكم تمتحنون.. وحد مايبي بارت.. وحد يبي بارت طويل طويل
وأنا والله أبي أرضي الجميع
بس رضا الناس غاية لا تدرك
.
وعلى العموم يانبضات القلب
الرواية موجودة لين ترجعون من امتحاناتكم
بس لو وقفت الباقين بيزعلون
.
اليوم بارت متوسط الطول نقف فيه على أعتاب أحداث مهمة وقفلة خفيفة جدا عشان ماتزعلون من القفلات
.
وبكرة بعد بارت صغنون في الليل.. بس والله ما أقدر أعطيكم ساعة معينة
لأنه احتمال نطلع البر وما أدري متى نرجع..
فأنتو لا تنتظرون.. على العموم بيكون فيه بارت هدية تقرونه قبل بارت الأحد
.
ويا الله الجزء 80
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثمانون





" حبيبتي شعاع هدي شوي..
أنا قلت لش بأكنسل السفر بس أنتي مارضيتي"

شعاع بين رعشات جسدها وشفتيها: أشلون نكسل والناس كلهم عارفين إنه حن طالعين المطار
وأنت مرتبط بمواعيد مع الدكتور..
أنا خلاص مافيني شيء.. مافيني شيء..


شعاع كانت تشعر في هذه اللحظات التي جلست فيها على مقعد الطائرة برعب حقيقي مختلط بمشاعرها الشديدة التعقيد..

كشخص لم يسبق له ركوب الطائرة مطلقا لم تفكر أنها ستخاف منها..
فالإنسان لا يخاف من شيء لم يجربه أو يفكر فيه.. لأنه حتى التفكير في الرحلة لم تجد له وقتا..
فموعد زواجها تحدد مع امتحاناتها وكانت مشغولة تماما.. وهي في رتم متسارع بين الدراسة والتجهيز..

حتى حين طلب والدها جواز سفرها لينجز لها الفيزة.. لم تسأله أين سنسافر.. أو ربما منعها الخجل!! ففي بالها أمور كثيرة !!

ثم صدمتها ليلة زواجها والأحداث تتلاحق لتجد نفسها بعد ذلك في السيارة متجهة مع علي للمطار..
وخلفهم سيارة أخرى فيها والدها وكساب ومعهم أحد سائقين شركة كساب ليعيد سيارة علي..


فهل تفضح نفسها أمام الناس وتقول أنها لن تسافر.. ؟؟
وخوفها الحقيقي ليس من علي.. ولكن من والدها.. رغم أن والدها بعد حادث عبدالرحمن أصبح حنونا كثيرا..
ولكنها تعلم أنه ما أن يغضب.. فأنه سيجلجل ويثور دون رحمة!!
تتخيل منظرها أمام علي وفي الشارع حين تقول إنها لن تسافر.. وما الذي سيفعله لها والدها؟؟
لذلك رأت أن الطائرة أهون الشرين..


وخصوصا أنها تعلم أن علي لديه موعد غدا صباحا.. فهل تربك كل ذلك من أجل خوف لا مبرر له..
ومن ناحية ثالثة لا تريد أن يتكلم عليها أحد.. وتتخيل شكل الإشاعات التي ستظهر عليها حين تعود من المطار...
لن يقول الناس خائفة من الطائرة... بل كل لسان سيخترع له حكاية!!

ومن ناحية رابعة.. لا تريد أن يشعر علي أنه صاحب فضل عليها حين يلغي كل شيء من أجلها..
لأنه حين يقدم لها جميلا.. فهو بالتأكيد سيريد مقابلا له..
وتشعر بالرعب الأشد من رعب الطائرة حين تفكر بالمقابل!!



لذلك جمدت مشاعرها كلها حتى أنهت كل الإجراءات.. وصعدت للطائرة..
وجلست في مقعدها.. لتبدأ حينها في الارتعاش!!

كانت تشبك يديها في حضنها وصوت اصطكاك أسنانها يبدو واضحا بخفة..
علي شد يدها بحنان ليمسك بكفها وهو يحتضنها بين كفيه ويدعكها بخفة حانية ويهمس لها بحنان مصفى:
سمي بسم الله.. وتعوذي من الشيطان.. وادعي دعاء السفر..

كانت شعاع تحاول التكلم لتجد لسانها مرتبطا.. علي همس لها بخفوت في أذنها وهو مازال يشد على كفها: يا الله قولي وراي..

كان يدعو وهي تكرر ورائه كما لو كان أبا يعلم ابنته ويهدئها..
شعرت بنوع من الهدوء النسبي والراحة النفسية.. وهي تترك كفها بين يديه دون أن تنتزعها كما كان يظن أنها ستفعل..
فهي في هذه اللحظات أشد حاجة له من حاجته لها..!!

حينها ولأول مرة وجد الفرصة ليتأمل رقة أناملها.. ويشعر بمتعة وروعة وسماوية وجودها بين يديه..
ورقتها ونعومتها تذوي كالزبد بين أنامله.. شعر بشعور أشبه بالصداع ناتج عن رغبته الشديدة إلى رفع كفها إلى شفتيه ليغمرها ببعض من قبلاته الوالهة..
ولكنه لم يستطع إلا أن يكتم رغبته.. فليس الوقت ولا المكان بالمناسبين!!
كما أنه لا يريد استعجالها بشيء فترعب منه!!
هذه المرة تركت يدها له.. فليرضى بالقليل الذي تقدمه برضاها إن كان يريد أن يحصل على الكثير!!
فالسياسة علمته الصبر والدبلوماسية!!

وماصارت تقدمه برضاها بات أكثر من المتوقع.. لأنه ما أن بدأت الطيارة تتحرك حتى صرخت شعاع بخفوت: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟

ابتسم وهو يشد على كفها مطمئنا: لا تخافين ياقلبي.. الحين تتحرك عشان تتوجه للمدرج.. دقيقتين بالكثير ونطير..
ماراح تحسين بشيء أبد!!

أما حين بدأت بالتحرك بسرعة على أرض المدرج.. انتزعت كفها من بين يديه وهي تصرخ بذات الخفوت المكتوم: يمه.. يمه.. بأموت ياعلي.. يمه بأموت..

لتستدير ناحية علي لتحتضن عضده بذراعيها الاثنتين وتخفي وجهها فيه..
كاد يغمى عليه وهو يشعر بحرارة أنفاسها المتصاعدة تلفح عضده..

مد يده ليمسك بعضدها وهو يربت عليه ويقرأ عليها آيات القرآن الكريم بصوت رخيم جدا وبالغ الحنان لدرجة تُشعر بالنشوة النفسية العميقة!!

شعاع بقيت على هذه الوضعية وصوت علي الحاني بالفعل يطمئن روحها
حتى شعرت أن الطائرة هدأت تماما وكأنها لا تتحرك...
وكل ماشعرت به هو بعض الألم في أذنيها الذي زال مع ابتلاعها ريقها الذي جف في حنجرتها..

أفلتت يده ليشعر حينها كما لو أن قلبه قفز من مكانه.. لأنه لم يكن يريدها أن تفلته..
بينما كانت تهمس باختناق: شا اللي صار؟؟

ابتسم بحنان: شفتي!! ماصار شيء.. الطيارة طارت.. وهذا أنتي مافيش إلا العافية !!

همست باختناق أشد: ريقي ناشف أبي ماي.. إذا ممكن..

هتف بذات الحنان وهو يشير للمضيفة: أكيد ممكن..






****************************************





" عبدالله.. أبيك تساعدني في موضوع.. طالبك!!"

ابتسم عبدالله وهو يضع فنجانه: غريبة!! مهيب عوايد!!

فهد بتأفف: عبدالله لا تزيدها علي.. يعني بتذلني قبل ماتساعدني..

عبدالله ضحك: وش مذلته يا الكذوب؟!! مابعد فتحت حلقي!!

فهد بحزم: اسمعني وش بأقول لأبي.. ولو أنا احتجت مساعدة أرجوك عبدالله ساعدني..
وعلى العموم إبي ماني بخايف منه.. إبي رجال راعي دين..
لكن النسوان أنت تعرف تفكيرهم!! عشان كذا أنت عقب اللي بتكلم أمي!!

عبدالله حينها شعر بالقلق: فهد وش السالفة؟؟

فهد يقوم من مكانه ليجلس جوار والده وهو يهتف لعبدالله بثقة: الحين بتعرف..


حينها كان أبو صالح يرتشف قهوة العصر.. ويشاهد الأخبار قبل أن يجلس فهد جواره وهو يربت على فخذه ويهتف باحترام:
يبه أبيك في سالفة!!

أبو صالح بحزم: وأنا ما أسمع.. ولا لك عندي سمع ولا جابه!!

فهد بصدمة: أفا يا أبو صالح.. ليه كذا؟؟

أبو صالح بذات الحزم والصرامة: مسرع نسيت من سواتك الشينة ليلة راحت عالية لبيت رجالها!!

فهد قفز ليقبل رأس والده ثم أنفه ثم يده وهو يهتف باحترام حقيقي:
أفا يبه.. أنت عادك شايل في خاطرك.. حزة شيطان وراحت..
وأنت عارفني دمي حامي والذبانة ما تمر من قدام خشمي..
ماهان علي تروح أختي لبيتها ونفسها مكسورة..
بس يوم شفتها ذا الأيام مبسوطة ومستانسة.. والله إني استانست لها..

حينها هتف أبو صالح بشبح ابتسامة: والله ما أدري وش عندك يا الهيس في صفصاف ذا الحكي!!
شوف... كن السالفة أنك تبي تعرس.. أنا حاضر..
كنه شيء ثاني.. قم فارقني في السعة!!

ابتسم فهد: أنت اللي قلتها!! أنت حاضر!!

اتسعت ابتسامة أبي صالح: مابغيت يا أبيك.. شابت رموش عيني وأنا أحن عليك..
تبي تخطب عند حد تعرفه.. وإلا تبينا ندور لك؟؟


عبدالله كان يستمع للحوار الدائر ويبتسم متسائلا لماذا طلب فهد مساعدته.. فهو يبدو غير محتاج للمساعدة أبدا..
ولكنه حين رأى تغير وجه فهد بعد سؤال والده... تجهز عبدالله للمساندة لأنه علم أن المشكلة هي في اسم العروس شخصيا!!

تنحنح فهد : لا.. فيه حد معين في بالي.. (قالها وهو ينظر لعبدالله بنظرة معناها استعد للمساعدة)

هتف أبو صالح بتلقائية: بنت من؟؟

فهد شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: بنت مرت منصور آل كساب!!

أبو صالح تغير وجهه قليلا ولكنه شد له نفسا عميقا أيضا ثم هتف بحزم حان مختلط بالصرامة البالغة:
اسمعني يا أبيك.. أنا عارف غلا منصور عندك.. بس لاتخلي الغلا يحدك على شيء ماتبيه!!
أنا ماني بقايل لك كلام الجهّال وأقول لك حضرية.. لأنها من عرب أجواد وفيهم خير وأنا كنت أعرف أبيها وجدها..
ولاني بقايل مطلقة مع إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟"
بس البنت كانت مريضة وبغت تموت.. وأنا بنفسي متذكر وش اللي جا زايد وهو يراكض من مكان لمكان عشانها..

وش يدريك إن مرضها مايرجع.. وإلا يكون أثر عليها وتكون ماتجيب عيال؟؟
الرجال لا عرس يبي له صيب.. وذي سنة ربي في الحياة!!

فهد بتصميم: وأنت بعد يبه وشيدريك إنها ماتجيب عيال.. هذا كله قسمة ربك!!

أبو صالح بتصميم: وأنت وشيدريك بعد أنها تجيب..
والله يا أبيك ما أشوف شيء يحدك تأخذها.. كون غلا منصور.. وهي حتى مهيب بنته!!

فهد بتصميم أشد وأشد: إذا جالي عيال.. مهوب خوالهم عيال منصور آل كساب؟؟

أبو صالح بانتصار: هذا أنت رجعت إنك تبغي عيال.. وهي يمكن ماتجيب لك!!

حينها تدخل عبدالله بنبرته الهادئة الحازمة: يبه الله يهداك.. وش فيك تعضل على فهد..
دام البنت ماينرد في أخلاقها ولا دينها شيء.. مايصير ترده منها..

أبو صالح بثقة: أنا أبي له الزين.. وأنا وش أبي إلا توفيقه.. بس أبيه يأخذ وحدة تملأ عينه.. مهوب عشان (ياخال أبوي حك ظهري)..

حينها هتف فهد بحزم بالغ: وأنا لو ماخذتها.. ما أبي العرس خلاص..
والبنت بتخلص عدتها عقب كم يوم.. وما أبي حد يسبقني عليها!!





**********************************************






" يبه تبي فنجال بعد؟؟"

الجد جابر يهز كفه المعروقة هامسا بحنان: لا يأبيش شكّرت..

ابتسمت كاسرة: أحسن.. كثر القهوة مهوب زين لك..

الجد حينها هتف بإصرار: أجل صبي لي فنجال.. كم مرة قلت لش أنا ماني ببزر تحاكيني كذا..

كاسرة وقفت لتقوم عن الأرض حيث كانت تجلس وهي (تقهوي) جدها لتجلس جواره على سريره بعد أن قبلت رأسه وهي تهمس بابتسامة:
خلاص أنا البزر وأنا اللي ما أفهم.. السموحة يبه!!

الجد ابتسم بحنان وهو يسألها: زين رجالش وينه؟؟ قد لي يومين ماشفته!!

ابتسمت كاسرة: يبه كان لاهي في عرس أخيه وتو أخيه راح اليوم راح يوصله للمطار وأكيد عقب راح لشغله.. شغله قريب من المطار..
وبيجيك الليلة.. أبشر!!

الجد جابر بعفوية: بأروح لمجلس زايد أتقهوى عندهم عقب المغرب.. بأشوفه هناك على خير..
أربكم يأبيش حالكم زين؟؟

كاسرة تنهدت: الحمدلله يبه.. ماشي الحال..

الجد جابر بقلق: تقولينها كنش منتي براضية؟؟

ابتسمت كاسرة: إلا راضية.. ومن اللي يشوف وجهك الزين ولا يرضى!!

ابتسم الجد: يا الكذوب ماعليش من وجهي!! أنشدش من كساب؟؟

ضحكت كاسرة بمرح رقيق: وعاد وجه كساب أزين الله لا يخليني منه!!



" آمـــــــيــــــــن"

كاسرة قفزت واقفة وشهقت وهي تسمع الصوت ثم ترى الخيال الذي دخل مع الباب الخارجي ثم أغلقه وراءه بالمفتاح..
كاسرة همست بغضب تغطي به على حرجها المتفجر: أنت أشلون تدخل كذا بدون استئذان حتى؟!!

كساب تقدم وهو يسلم وينحني على رأس الجد ثم يشدها من عضدها وهو يهمس بحدة بالغة وبصوت منخفض:
إلا أنتي اللي أشلون قاعدة كذا وحتى شعرش مفكوك.. والباب اللي من صوب الحوش مفتوح.. لو سليم اللي داخل عليش الحين؟؟
بس ماعليه.. حسابش في البيت..

كاسرة بصوت غاضب منخفض: والله سليم عمره مادخل بدون مايدق الباب لين توجعه يده.. وأنا بالعادة أصلا أسكر الباب..
وليش ماتقول أنت أشلون داخل كذا.. لو وحدة من البنات هي اللي عند جدي وأنت داخل مدرعم كذا ؟!!

كساب غاضب بالفعل: لا يا بنت ناصر.. أنا أعرف الأصول زين..
أنا رحت لمجلسنا حسبت بأعين أبي جابر مثل عادته.. بس مالقيته..
اتصلت في أمش أسأل عنه لأنه لي يومين ماشفته..
قالت لي في حجرته وماعنده إلا مرتك.. مادريت إن مرتي ماخذه راحتها بزيادة!!


الجد جابر قاطع الشرارات المتفجرة بين نظراتهما وهو يهتف بتساؤل متأفف:
أنتو وش تهذرون ماسمعتكم؟؟

كساب يجلس جواره وهو يهتف باحترام مختلط بغضبه من كاسرة: أبد يبه..
أنشد كاسرة عنك!!

ابتسم الجد: انشدني من روحي.. وإلا نشدة كاسرة أزين؟؟

حينها ابتسم كساب بخبث: أكيد يبه.. وش جاب صوتك عند صوتها اللي أروح عنده وطي!!

حينها ضحك الجد بصوت مسموع: الله يهني سعيد بسعيدة ويعوض علي..
هي شايفة وجهك أزين.. وأنت شايف صوتها أزين..
ها وش الي مقعدكم عندي؟؟

كاسرة وجهها احمر فعلا من الحرج والغضب.. وهي تسب نفسها لأنها لم تغلق الباب.. وتسب كساب لأنه تعمد إحراجها هكذا!!

همست بحزم وهي تستعد للمغادرة : المكان مكانك.. أنا باروح داخل..

ولكن كساب أمسك كفها بقوة وهو يهتف بحزم مازال يتخلله الغضب:
اقعدي قهويني.. مابعد تقهويت..

الجد الذي كان نظره ضعيفا لذا هو يرى مايحدث بضبابية فقط.. هتف بغضب:
أفا ياكاسرة أنتي ماقهويتي رجالش..؟؟

كاسرة همست من بين أسنانها: حاضر يبه.. بأقعد أقهويه!!

كاسرة جلست على الأرض لتصب لكساب القهوة.. كساب تناول منها الفنجان بذات حدته..
كان يرتشف قهوته ببطء .. وعيناه ترتشفان ببطء أيضا ملامح حسنها الغاضبة.. أمواج شعرها الغافية على كتفيها..
وغضبه يتزايد كلما تخيل أنه كان من الممكن أن تلمحها عين رجل سواه..

بعد أن أنهى فنجانه.. هزه دلالة على انتهاءه بينما كاسرة همست بغيظ: مقعدني قدامك عشان فنجال واحد بس..؟؟

أجابها بنبرة مقصودة تماما: شوفتش قدامي تسوى فناجيل!!

وقفت وهي تهمس بحزم: خلاص أترخص..

أكمل وهو يقول للجد باحترام: بنترخص كلنا..

ثم أردف لكاسرة بحزم: يا الله معي للبيت..

كاسرة لا تريد أن تذهب معه.. لأنها تعلم ما الذي سيحدث.. سيصرخ عليها قليلا ويؤنبها لأنها تركت الباب مفتوحا..
وهي تشعر فعلا بالحرج ولا تحتاج للمزيد!!
همست بصوت منخفض: كساب ما أبي أروح الحين..

كساب شدها من كفها وهو يهتف بحزم بالغ: غطي وجهش بجلالش وامشي..
خلصيني..

كاسرة شدت كفها وهي تهمس بغضب حقيقي من بين أسنانها:
كساب أظنك تعرف إني مستحيل أروح معك بذا الطريقة..

حينها أفلتها وهو يهتف ببساطة تثير الغيظ: خلاص براحتش..
بس عشان ماتزعلين وتقولين ماقلت لي.. أنا بأروح أرتب أغراضي وبأطلع المطار عقب المغرب لأن طيارتي بعد العشا..

كاسرة تراجعت نصف خطوة وهي تهمس بصدمة حقيقية: أنت مهوب قلت لي عقب كم يوم؟!!

هز كتفيه وهو يفتح الباب ويستعد للخروج : تقدمت الرحلة.. فيه مانع يعني؟؟

وخرج فعلا وهو يغلق الباب وراءه.. ثم يتنهد خلفه بعمق لاسع!!
يتخيل أنه قد يمنعها عنادها من اللحاق به.. وأنه قد يسافر دون أن يودعها..
دون أن يضمها لصدره.. ويتزود من عبق أنفاسها!!

شعر حينها أن قلبه يُعتصر بقسوة... ولكنه مضى..
مــا الـجــديــــد؟؟
قهر نفسه وأمنياته ورغباته شيء اعتاد عليه حتى غاص بوجعه في خلاياه!!


لذا لم يستطع منع نفسه من الابتسام وهو يراها تدخل خلفه إلى غرفتهما بعد دخوله بدقيقتين..
كان قد وضع حقيبته على السرير وفتحها..
همست دون أن تنظر ناحيته وهي تشد الحقيبة ناحيتها: ملابسك ذا المرة ملابس شغل واجتماعات؟؟ وإلا كالعادة؟؟

هتف بذات ابتسامته التي لم يستطع منعها من الاتساع: كالعادة..

همست بحزم: خلاص افتح لي الدولاب السري.. خلني أرتب ملابسك..

غريبان هذا الزوجان.. غريبان بالفعل!!
يخفي سرا كبيرا.. وتعلم هي ذلك.. ويعلم هو أنها تعلم!!
أحيانا حين يسافر تكون هي من ترتب ملابسه كما يحب هو.. بطريقة منظمة جدا.. بنطلونات وقمصان وأحذية رسمية للعمل واجتماعات رجال الأعمال

أحيان أخرى يكون هو من يرتب حقيبته.. دولاب مغلق مفتاحه معلق مع مفتاح سيارته.. الملابس معلقة في أكياس قماشية داكنة.. وكذلك الأحذية!!
يكون هو من يستخرجها ويصفها في الحقيبة!!


فما الغريب أن ترتبها هي اليوم.. مادامت لا تعرف ماهية هذه الملابس ولا شكلها!!

كساب فتح لها الدولاب فعلا.. ووقف جانبا.. وكأنه بهذه الطريقة يريد أن يريها كم أصبحت قريبة منه..
كاسرة همست بسكون: كم لبسة تبي؟؟

أجابها بحزم: كلهم..

شعرت حينها أنها اختنقت تماما.. اختنقت بالفعل.. (كلهم؟!!)..
كم يريد أن يطيل هذا القاسي المتحجر؟!!

كانت تضع الملابس بآلية دقيقة..حتى انتهت.. كانت تريد أن تغلق الحقيبة..
لولا أنه أمسك بها من عضديها وأدارها ناحيته وهو يهمس بعمق:
أنتي الحين ليش زعلانة مني؟؟؟.. من يوم دخلتي حتى عينش ماحطيتها في عيني!!

همست بسكون ودون أن تنظر لوجهه: كساب ماني بزعلانة.. والله العظيم ماني بزعلانة!!

حينها همس برفق وهو يمد سبابته ليرفع ذقنها قليلا: زين خلني أشوف عيونش
عشان أدري إنش منتي بزعلانة..

حاولت رفع عينيها ولكنها لم تستطع.. لا تعلم ما الذي حل بها..
لكنها تخشى أن تنفجر باكية.. وهي تفضل أن تموت على أن يراها تبكي!!

كساب تنهد.. لا يعلم ما بها.. ولكن يبدو أنها غاضبة فعلا لذا لا تريد أن تنظر له بشكل مباشر..
شدها برفق ليحتضنها بقوة.. كانت ذراعيه تحيطان بها بقوة حانية..
بينما مدت هي ذراعيها لتحيط بعنقه وهي تتطاول على أطراف أصابعها وتهمس في عمق أذنه بنبرة عميقة خاصة:
لا تتأخر..

نثر قبلاته العميقة على أذنها قبل أن يهمس لها بعمق خالص: بأحاول.. بس أنتي خلي بالش من نفسش..
صمت لثانية ثم أردف: وأنتي تدرين ياكاسرة وش كثر أغار عليش..
أمنتش بالله.. الشيء اللي كان يزعلني وأنا موجود.. ماتسوينه وأنا غايب!!





*********************************







" الحمدلله على السلامة!!"


شعاع همست بتوتر وهي تنظر للجناح حولها: الله يسلمك!!

ابتسم علي بمودة: شفتي الرحلة انتهت على خير بدون إصابات ولا رعب..

شعاع بضيق خجول: انتهت عقب ماجننتك.. وأنت بروحك تعبان!!

علي بولع: أنا كلي حلالش.. المهم أنش تحاولين تتخلصين من خوفش شوي شوي..
ثم أردف بمرح: وياكثر اللي تخافين منه.. الطيارات والأصنصيرات...... وأنـــا !!

شعاع تراجعت بخجل شديد وهي تخلع عباءتها وتعلقها وتهمس باختناق:
أبي أتسبح عشان أصلي..

هتف علي بعفوية: خلاص تسبحي براحتش.. بأنزل أخلص كم شغلة في الريسبشن وبأجي..

شعاع تعلقت في ذراعه بجزع: لا لا تخليني.. خلاص بأروح معك.. وباتسبح عقب..

علي همس بقلق: حبيبتي أنتي ليش تخافين كذا.. مافيه شيء يخوف كذا!!

شعاع جلست وهي تنهمر ببكاء رقيق:
أنا آسفة.. بس غصبا عني.. أنا عمري ماقعدت بروحي.. وإبي حتى ماكان يرضى أعتب البيت بدون مايكون معي حد..
وأنا الحين في بلد غريبة.. وما أعرف إلا أنت.. أخاف حد يدق علي الباب.. يطلع لي شي يروعني وأنا بروحني!!

علي شعر أن قلبه يذوب مع بكاءها.. كما لو كان يرى أمامه طفلة جزعة تخاف من كل شيء..

جلس جوارها وهو يحيط كتفيها بذراعه ويهمس لها بحنان: طالبش ماتطقين..

رغم شعور شعاع بالجزع وبالخجل ولكنها ويا الغرابة.. كانت تظن أنها من ستكون سندا لعلي في رحلة علاجه فإذا بها من تحتاج للسند والحماية اللذين يقدمهما لها علي بكل أريحية!!

مشاعرها مختلطة بجزع عظيم.. ولكن حاجز حمايتها الذي تظنه.. أن مرض علي الذي تظنه لن ينتقل لها إلا بطريقة واحدة..
طبعا من المستحيل أن تسمح بها!!

لذا لم تكتفي أنها لم تهرب من ذراعه الموضوعة على كتفيها بل استدارت لتدفن وجهها في منتصف صدره وهي تحيط خصره بذراعيها..
وهي تظن أنها بذلك تنال إحساس الحماية الذي تظنه.. وفي ذات الوقت تمنح علي دعما معنويا يحتاجه..و أنها لا تشعر بالجفول منه.. وأنها لا تخشاه كما يظن!!
وهي تظن أنها بذلك أيضا تعبر لها عن امتنانه لما فعله لها طوال الرحلة وهو يحتملها بصبر عظيم.. وهي حينا تبكي وحينا تهذي بخوف..
تتخيل أنه حتى عبدالرحمن الحنون لن يحتملها هكذا!!
شيء في روحها بدأ يذوب من أجله لا تعلم كيف.. لدرجة أنها بدأت تظن أنه ربما المرض انتقل له عن طريق خطأ ما..
فهل يعقل أن مثل هذا الملاك قد يرتكب هكذا أخطاء؟؟
ولكنها تعود وتقول أنها رأت جرأته البالغة بنفسها.. أفكارها مشوشة تماما..

ولكن ماتعلمه جيدا أنها تشعر نحوه بشعور امتنان عميق مغلف بتأثر عميق من أجله وهي ترى مدى إرهاقه وتعبه ومع ذلك هي في المقام الأول عنده!!
لذا كان تعبيرها عن ضغط كل هذه المشاعر بهذه الطريقة..!!


لم تعلم بما فعلته بهذا الذائب المتيم الذي شعر أن هناك قنبلة قد تفجرت في منتصف صدره..
لدرجة شعوره بألم أضلاع صدره المفتتة من الإنفجار وهو يراها ترتمي على صدره بإرادتها!!

همس بثقل موجوع مغمور بألم فعلي ونبراته تتقطع.. وهو يشدد احتضانها قريبا من قلبه:
لا تخافين من شيء حبيبتي.. وربي اللي خلقش وخلاش تمكنين من القلب لين أقصاه..
إنه مايجيش شيء ولا يضايقش شيء وأنتي معي..

شعاع حينها تفلتت منه بشكل مفاجئ وهي تهمس بجزع: علي وش فيك؟؟

هتف بذات النبرة الثقيلة: مافيني شيء!!

شعاع بجزع أشد وصوتها يتغرغر بالبكاء: أشلون مافيك شيء.. أنت ولسانك ثقيل كذا..؟؟

همس بذات النبرة وهي يمسك بالناحية اليسرى من صدره: مافيني شيء حبيبتي بس قلبي يوجعني شوي.. خليني آخذ نفس وبأكون زين!!

شعاع قفزت تبحث عن الثلاجة حتى وجدتها واستخرجت قنينة ماء..
ثم ركضت ناحيته وهي تميل عليه وتهمس بصوتها الباكي: علي تكفى اشرب شوي ماي..

علي ارتشف قليلا من الماء بينما كانت تميل عليه وهي تفتح أزرار قميصه العلوية وأناملها ترتعش بشدة وهي تتنشج بطريقة طفولية..
علي أنزل القنينة جانبا وهو يمسك بيدها ويلصق باطن كفها بصدره ويهمس بإرهاق:
حبيبتي مافيني شيء.. أنا مرهق شوي بس..
ولا شفتش كذا تعبت أكثر!!

همست بين موجات نشيجها الرقيق: كم رقم الدكتور خل نتصل فيه!!

همس بذات الإرهاق: ماله داعي.. أنا أساسا بكرة الصبح عندي موعد..

تزايد نشيجها: وأنت بعد ماكلت شيء الليلة.. ولا حتى كلت شيء في الطيارة!! وكله مني!!

علي شدها بضعف ليجلسها جوارها وهو يهمس بنبرة تهدئة: ياقلبي هدي شوي..
أشلون تبيني أكل وأنتي ماكلتي..

شعاع قفزت وهي تمسح وجهها بطريقة طفولية وتهمس باختناق:
أنا أبي أتعشى الحين.. بأطلب الروم سرفس الحين..

شعاع كانت تشعر أنها لو تناولت لقمة واحدة فهي سترجعها فورا.. لشدة اختناقها بالجزع والارتباك والتوتر..
تتخيل لو ساءت حالة علي وهي معه لوحدها.. كيف ستتصرف وهي تشعر أن حاجتها له تتزايد أكثر من حاجته لها..
ومع ذلك ستأكل.. من أجله.. وحتى يأكل هو!!









**************************************







طرقات خافتة ترتفع على بابها.. أم صالح تضع طرف جلالها على وجهها وهي تهمس بهدوء: تعالي..

فهي ظنت الطارق جوزا أو أحد الخادمات.. لذا تفاجأت أنه عبدالله.. التفتت تبحث عن برقعها..
لولا أن عبدالله هتف بإبتسامة حانية: والله ما تلبسينه... حرام عليش يمه مانشوف وجهش إلا بالسراقة..

ابتسمت أم صالح: عيب عليك يأمك.. تبيني أقعد قدامك فاتشة خشتي..؟!!

عبدالله مال على رأسها مقبلا وهو يهتف بمودة صافية: بأموت ماشبعت من شوفة ذا الخشة!!

أم صالح بجزع حنون: بسم الله عليك يامك.. يومي قبل يومك أنت وأخوانك..


" لا ما أنا ما أرضى.. قدام عبدالله بكيفش أنتي وإياه..
بس أنا لا!! "

أم صالح ابتسمت وهي ترى فهد يدخل خلف عبدالله: وش عندكم الليلة؟؟
دخلتوا علي كلكم ماععلي برقع..

ابتسم فهد وهو يميل ليقبل رأسها ثم كتفها:
أبي أدري وش معنى القرد هزيع كل مادخلت عليش عينته منسدح في حضنش وبرقعش فوق رأسش..
يعني حلال عليه شوفة وجهش الزين وحن حرام..

أم صالح بإبتسامة حانية: كلكم غلاكم واحد.. بس هزيع حشاشتي.. عندي لين الحين إنه ماكبر..

فهد ضحك وهو يجلس جوارها: يمه قده بيسوي انفجار في البيت من كثر ماكبر.. ماعاد فيه حتى سرير على طوله!!

أم صالح بجزع حنون: اذكر ربك يامك.. العين حق..

فهد بابتسامة: ماشاء الله تبارك الله على الدبش العود.. لا تخافين على الجريو..

أم صالح بغضب: ولدي مهوب جريو.. إلا ذيب.. (الجريو= صغير الكلب)

عبدالله حينها ابتسم: الله يستر على الذيابة لا يأكلها ولدش..

أم صالح بغضب: أنتو وش فيكم الليلة.. جايين حاطين على هزاع!!

عبدالله مال ليقبل راسها مرة ثانية وهو يهمس بحنان:
زين يمه خلينا من هزاع ومن الذيابة والجراوة... ما تبين تشوفين عيال ذا العتوي اللي قاعد جنبش؟؟

حينها أشرق وجه أم صالح بشكل جذري وهي تشهق وتلتفت لفهد بحماس أمومي: صدق يامك تبي تعرس؟؟

فهد هتف بحذر: إذا أنتي تبغين!!

أم صالح بإبتسامة شاسعة: أكيد أبغي.. وابغي.. وابغي.. من اللي أنت تبي تناسبهم ونروح لهم من بكرة..؟؟

عبدالله حينها همس بحذر: يمه أنتي أكيد تدرين إن فهد هو اللي بيعيش مع المرة..
ولازم يكون مقتنع فيها ويبيها.. وخص إنه كان رافض العرس ذا السنين كلها..

أم صالح بتوجس: أكيد.. بس وش لازمة ذا الحكي.. قلبي نغزني منه!!
المرة اللي يبي من هي؟؟

فهد بذات النبرة الحذرة: بنت خليفة بن أحمد..

أم صالح باستغراب للاسم: من بنت خليفة بن أحمد؟؟

فهد أكمل بذات حذره: بنت مرت منصور آل كساب..

أم صالح بجزع: جميلة بنت عفرا؟؟ وليه يامك خلصوا البنات؟؟

عبدالله يشد كف أمه بحنو: ليه يمه وش تردين في البنت؟؟

أم صالح بغضب: ما أرد فيها شيء.. بنت أجواد.. وأمها ماحد(ن) بمثلها.. تنحط على الجرح يبرأ..
بس الشيخ فهد وش طير سكونه في وحدة مطلقة ولا حتى هي من بنات جماعته عشان ندور له عذر.. ؟؟

فهد كان سيتكلم.. لولا أن عبدالله أشار له بالصمت.. لأنه يخشى أن يغضب فهد ويُغضب أمه..
عبدالله أكمل بمنطقية هادئة: يمه النفس وما تشتهي.. وفهد مشتهي إن خوال عياله يكونون آل كساب..

أم صالح بغضب: وأنا وش عليّ من آل كساب... أنا يهمني ولدي وبس..
وأنا ما أنا براضية.. وقوموا يا الله.. خلصنا..

فهد وقف وهو يهتف بغضب ذات ماقاله لأبيه: يمه لو ماخذتها.. ما أبي أعرس خلاص!!

أم صالح بحزم غاضب: لا تعرس يأمك.. مكانك زين جنبي!!






*************************************







هاهو يتمدد أخيرا بإرهاق شديد.. بعد أن صلى قيامه وقرأ ورده.. ولم يستطع حتى أن يطيل الليلة لأن جسده خال تماما من الطاقة التي استنزفتها الرحلة الطويلة..

همست شعاع بحنان وهي تقف بجوار السرير وتميل عليه: علي تبي أجيب لك شيء؟؟

علي بإرهاق: لا حبيبتي.. وش أبي؟؟ لحد الحين حاس إني ما أقدر أتنفس من كثر ماكليت..

ابتسمت شعاع برقة: لازم تأكل زين عشان مايصير فيك نفس اللي صار الليلة..
يمه.. صبيت قلبي..

علي ابتسم بإرهاق: بسم الله على قلبش.. ياحظي اللي لي شوي اهتمام فيه!!

حينها احمر وجه شعاع خجلا وهي تهمس بارتباك: أنا قاعدة قريب منك إذا بغيت شيء؟؟

علي همس بعمق خافت وهو يستوقفها ويمسك بكفها: لا حبيبتي تعالي نامي جنبي.. أو أنا بأقوم عندش.. مستحيل أنام وأنتي قاعدة..

شعاع تزايد توترها وهي تتنهد بيأس.. تريد أن ترضيه فعلا ولكن ليس على حساب نفسها..
همست باختناق شفاف: زين بأنام جنبك.. بس توعدني ماتجي جنبي!!

ابتسم علي: أمنتش بالله.. شايفة شكلي شكل واحد يقدر يقرب أو يبعد!!
تعالي.. أبي أحسش قريبة مني وبس!!

شعاع استدارت وهي تجلس على أقصى طرف السرير الثاني بخجل شديد مختلط بتوتر أشد..

همس لها علي بحنان مصفى: ياربي ياشعاع.. لو أدري بس ليش خايفة كذا..
ريحي ظهرش ونامي.. والله ما أجي جنبش..
بس خلينا نسولف لين ننام..
ما أبي إلا أسمع صوتش واحسش قريب.. ياعمري أنتي!!





*******************************************





صباح اليوم الثاني
.
.
.


هذا الصباح يشعر فعلا بالانتعاش والنشاط بعد أن أخذ كفايته من النوم..
ويشعر بجوع شديد وبرغبة شديد لتناول الإفطار.. ولكنه لابد أن يجري فحوصاته وهو صائم..
لم يكن يريد أن يوقض شعاع من نومها.. فهو يستطيع إجراء الفحوص والعودة وهي مازالت نائمة..
لكنه يخشى أن تنهض من نومها وتشعر بالرعب حين ترى نفسها وحيدة!!

التفت ناحيتها.. ليجد مكانها خاليا..
نهض عن فراشه وهو يبحث عنها في أرجاء الجناح.. ليجدها تخرج للتو من باب الحمام..
انتفضت بجزع وهي تراه واقفا أمامها بعد أن كانت تركته نائما ويهمس لها بحنان: صباح الخير حبيبتي.. ماتوقعت تقومين بدري كذا.. خصوصا إنه شكلش يوم صلينا الصبح ميتة تعب!!

شدت روبها أكثر على جسدها وهي تشعر بتوتر خجول.. وتهمس باختناق: هلا.. خفت أعطلك عن موعدك.. قلت بأقوم أسبح وأتجهز!!

علي اقترب خطوة منها وهو يهمس بضيق: على فكرة شعاع.. أنا أتضايق واجد من ذا الحركة.. لو سمحتي لا تكررينها إلا لو أنتي قاصدة فعلا إنش تضايقيني..

شعاع بخجل: اي حركة؟؟

علي بضيق لا يخلو من نبرة عتب عميقة: لما تشدين ملابسش عليش كذا!!
كأنش تبين تتسترين عني..
أولا أنا رجالش لو أنتي ناسية.. ثانيا أنا لاني همجي ولا متوحش وقلتها لش قبل..
يعني لا تخافين إني لو شفت شيء ظاهر منش باهجم عليش..
يعني تبين تحسسيني بالندم يوم تهورت وعبرت عن فرحتي بشوفتش..؟؟
خلاص أنا ندمان.. مافيه داعي تعذبيني أكثر!!

علي أنهى عباراته القارصة.. ثم تجاوزها ليدخل الحمام..
بينما شعاع شعرت بضيق عميق أيضا.. لأنها ضايقته.. لم تكن تريد أن تضايقه أبدا..
فهي رغما عنها باتت تشعر بحنان عميق ناحيته..
لم تعرف كيف من الممكن أن تعبر له عن أسفها.. وضيقها من أجله!!

وبطريقة عفوية لم تقصدها أبدا.. وكأنها سترضيه بذلك..
بالغت في التأنق والزينة... وهي ترتدي فستانا أنيقا باللون السماوي بجيب واسع وبدون أكمام..

علي حين خرج من الحمام لم يتخرج لغرفة الجلوس أولا.. بل صلى ضحاه أولا ثم استبدل ملابسه استعدادا للخروج..

حين خرج كانت تنتظره في غرفة الجلوس..
ابتسم لرؤيتها.. كما لو أن رؤيتها أشبه بدواء قوي المفعول..
جلس بجوارها وهو يمد يدها ليمسح خدها بحنو بالغ:
الله لا يحرمني من عيونش الحلوة..
بس غيري لبسش وامسحي الميك آب ياقلبي.. عشان اللبس ذا ما يصلح للمستشفى..

همست شعاع باختناق خجول: وأنا ماتعدلت للمستشفى.. تعدلت لك..
ومتى مابغيتنا نمشي.. غيرت لبسي ومسحت مكياجي في دقيقتين بس..

حينها همس بتثاقل متأثر: حبيبتي شعاع قلت لش أنا ما استحمل شيء من طرفش.. خفي علي ياقلبي..

شعاع باختناقها الخجول المتزايد: علي.. أبي أرضيك.. وأدري إنه فيه أشياء مستحيل اقدر أرضيك فيها..
فأنا أحاول اللي أقدر عليه..

علي بذات التثاقل: لا تحاولين شيء ياقلبي عشان ترضيني وهو مايرضيش..
قلتها لش قبل.. شوفتش قدامي تكفيني..






***************************************





" هلا ياعمي!! كساب كلمني البارحة وقال لي إنك تبيني..
وماعندي وقت فاضي إلا الحين.. قلت أمرك قبل أروح المطار عندي رحلة!!"


ابتسم زايد وهو يشير لغانم أن يجلس في المقعد المقابل لمكتبه:
لك عندنا حاجة ماعطيناك إياها..
نبي نشوف متى تبغيها؟؟

اتسعت ابتسامة غانم: والله حاجتنا نبيها متى ما حنيتوا علينا!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 21-01-11 09:57 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الواحد والثمانون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يامساكم نفل وخزامى مع أني لي زمان ماشفته على الطبيعة
عساني ما تاخرت عليكم يا بعد حيي <== كلمة هل شمال السعودية.. صح يابنات الشمال وإلا من جنبها؟؟
.
.
أشوف البنات مشغولين بسالفة هل صدق الأم تتغطى عن عيالها عندنا؟؟
شوفو يابنات وبكل صراحة..
الحين ماعاد مثل أول.. بس بشكل عام النسوان الكبار يسوونها.. وأنا أحترم جدا هالعادة وأشوفها مصدر أصاله..
ومازعلت أبد من اللي لهم رأي مخالف... اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. فلا حد يزعل من حد بنات أرجوكم..
أرائكم كلها على رأسي.. سواء مع أو ضد


يعني أمي في الأربعينات ماتسويها طبعا.. أمي في البيت ماتلبس برقع كلش.. تلبسه لا طلعت بس..
بس جدتي :) فديت جدتي وفديت روحها.. في السبعين.. خوالي يتشفقون على شوفة وجهها
يشوفونه بالسراقة مثل ماقال عبدالله :)
.
.
ويا الله ما أبي أطول عليكم
البارت 81
بارت صغنون بس مو صغنون كثير نص ونص :)
.
موعدنا الجاي الأحد الساعة 8 الصبح
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء الواحد والثمانون






" هلا ياعمي!! كساب كلمني البارحة وقال لي إنك تبيني..
وماعندي وقت فاضي إلا الحين.. قلت أمرك قبل أروح المطار عندي رحلة!!"


ابتسم زايد وهو يشير لغانم أن يجلس في المقعد المقابل لمكتبه:
لك عندنا حاجة ماعطيناك إياها..
نبي نشوف متى تبغيها؟؟

اتسعت ابتسامة غانم: والله حاجتنا نبيها متى ما حنيتوا علينا!!


هتف زايد بأريحية عميقة: أنا داري إنه حن طولنا عليك بدون مانعطيك موعد بس أنت كنت عارف ظروف مرض علي..
الحين علي متحسن وسافر.. وإن شاء الله مهوب مطول..
وكساب عنده سفرة شغل حوالي شهر..
فخل الموعد عقب حوالي شهر وعشر أيام.. لأني واحد ضد المواعيد الطويلة اللي مالها سنع..
والموعد ذا أقرب شيء أقدر أحدده..
أول شي بعد مايرجعون أخوانها..
وثاني شي قبل ماترجع مزون لدوامها بحوالي شهر..
وثالث شي عرس بنت مرتي عقب شهر وثلاث أسابيع.. وما نبي العرسين وراء بعض بدون وقت..
فانت دور لك حجز في ذا الوقت.. ولو مالقيت كلمني وأبشر بسعدك..

اتسعت ابتسامة غانم لآخر حد: بألقى إن شاء الله..
ثم أردف بتردد: زين مزون موافقة على ذا الموعد؟؟

ابتسم زايد: ليه ظنك باحدد موعد قبل ماتوافق هي؟!!

ابتسم غانم: أبي أتطمن بس إن كل شيء من خاطرها!!






*********************************





" حبيبتي ليه متوترة كذا؟؟
من يوم طلعنا من عند الدكتور وأنتي متوترة!!"

شعاع بضيق شفاف: ما أدري ما أرتحت لتعاملهم.. حسيتهم باردين وماعندهم اهتمام..

علي بإبتسامة: حرام عليش.. هذا كله مهوب مهتمين.. بس الإنجليز هذي عادتهم.. باردين بس بروفنشال!!


شعاع لم ترتح مطلقا لتعامل الطاقم الطبي مع علي..
فهي كانت معه خطوة بخطوة خلال التحاليل والأشعة..
وحين كانوا يسحبون الدم ابتعدت عنه قليلا بخوف طفولي وصل لحد الرعب.. أولا لأنها لا تحتمل رؤية الأبرة..
وثانيا لأنها خافت من أي طارئ ينتج عن دمه الملوث!!

شعرت أنهم يتعاملون معه ببرود لا يتناسب مع خطورة مرضه..
ومازاد في توترها أن الطبيب لم يرح بالها بأي شيء.. وفي ذات الوقت أرعبها بشيء آخر..

مجرد كلمات عامة وهو يتحدث عن فحوص علي في قطر.. وعن حاجته لإجراء فحوصه الخاصة التي ستظهر نتيجتها بعد أربعة أيام!!
وأنه بشكل عام لا يخشى من فحوص القلب.. لكن ينتظر فحوص الكبد لأنها ماتهمه..

حينها قفز لبالها" التهاب الكبد الوبائي" لابد أنه هو!!
لم تعلم حينها هل تطمئن أو يزداد رعبها؟؟

شعاع همست لعلي بنبرة خاصة: علي أنت ليه ماتقول لي من وين جاك المرض؟؟

ابتسم علي: قلت لش.. بس ماصدقتيني!!

شعاع بتوتر: تبيني أصدق عشانك لمحتني في الأصنصير صار لك ذا كله.. حدث العاقل بما يعقل..
وعلى فرض إني صدقت.. تراني بأزعل وبأزعل بشكل ماتتخيله إنك بصبصت لوحدة ويوم ملكتنا..

علي صمت.. لا يستطيع أن يفسر لها أكثر حتى لا يصدمها.. كيف لو علمت أن ماحدث بينهما تجاوز (البصبصة)!!
يخشى بشدة أن يفجر هذا غضبا عندها من نوع آخر..!!

بينما شعاع مازال هذا الموضوع لا يشغلها.. لأنها لا تصدقه أساسا.. ولأن بالها مع مرض علي المعدي وكيف انتقل له..


علي حتى يغير محور الحديث هتف لها بحنان وهو يمد ذراعه لتدخل ذراعها فيه:
أنا ميت جوع.. امشي أوديش أحسن مكان ممكن تفطرين فيه فطور يطير العقل!!







********************************************





" راحو الشباب كلهم؟؟"

أم صالح تهمس بهدوء وهي تمد أبا صالح بفنجان قهوة: توكلوا على الله.. الله يحفظهم بحفظه..

أبو صالح تناول الفنجان من أم صالح وهتف بنبرة مقصودة:
صافية..

أم صالح رفعت رأسها وهمست بمودة واحترام: لبيه..!!

أبو صالح بذات النبرة المقصودة: وش فيش على فهد مزعلته؟؟

أم صالح تغير وجهها وهي تهمس بنبرة مقصودة أيضا: أظني إنك داري ياخالد.. ولا تنشد عن شيء تعرفه..

أبو صالح تنهد ثم هتف بحزم: اسمعيني زين ياصافية..
فهد ماعاد هو ببزر.. عمره 29 سنة.. يعني رجّال داخل على الثلاثين..
ويوم يقرر شي.. مهوب هين عليه نرده منه كنه بزر..
لو أنه هزاع.. كان قلنا بزر ولا يعرف مصلحته!! بس فهد خلاص قده كبير على الحِداد واللداد.. وأنتي دارية إنه مهوب طايع!!
( الحِداد واللداد= أن يمشي احدهم الآخر على هواه)

أم صالح قاطعته بغضب: وش لازمة ذا الحكي يا أبو صالح؟؟

أبو صالح بهدوء: أنتي عارفة زين إن فهد الله يصلحه أعسر واحد في العيال..
وفي رأسه حب ما انطحن..
وحن كن حن عيينا عليه.. بيعند زيادة.. ويمكن من جده ماعاد يعرس..

أم صالح بذات النبرة الغاضبة: أحسن.. لا يعرس..
أما يأخذ له حد يستاهل.. وإلا لا يعرس..
وش حاده يأخذ مطلقة ومريضة..؟؟


أبو صالح بثقة: يام صالح الله يهداش وش ذا الحكي.. أنا بروحي ترا ماني براضي عن اختياره..
بس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا أمرتكم بأمر.. فأتو منه ما استطعتم"
والقاعدة الفقهية اللي خذوها عن ذا الحديث:" إن مالم يُدرك كله.. لا يترك كله"
يعني إذا الصبي ماخذ وحدة على كيفنا.. نمنعه من العرس كله..؟؟
العرس كله خير.. فيه تحصين للرجّال وفتح باب رزق له وتكثير لأمة المسلمين..

أم صالح قلبها يؤلمها حين يضغط عليها بالدين هكذا.. لذا همست بتأثر:
وأنت صدقت يعني يا ابو صالح إن ما أبيه يعرس..؟؟
أنا بس أبيه يغير رأيه لا شافني مصممة..

أبو صالح بحزم: أنتي عارفة زين إنه ما به رأس(ن) أيبس رأسي.. وأني ماحد يقدر يغصبني على شي..
بس أنا أعرف فهد زين.. الله يصلحه إذا قد حط الشي في رأسه ماعاد ينرد منه..
وأنا ما أبي نعضل عليه.. ويهون من العرس كلش.. حزتها وش حن بنستفيد؟؟








***************************************






" أنتي اشفيش اليوم..
كنش عجوز كلو عشاها.. من صبح وانتي تحلطمين..
الشيخ كساب مسافر.. صح؟؟ "


كاسرة بدهشة: وأنتي وش دراش يا السكنية؟؟

ضحكت قاطمة وهي تأشر بالقلم على بعض الأوراق أمامها: سوسو..
ترا قبل زعلتش الأخيرة من رجالش..
سبع شهور من عرستي وأنتي قدامي وحافظتش حفظ..
مايشين خاطرش بذا الطريقة إلا لأنه مسافر!!

كاسرة بغضب مختلط بالضيق: إيه سافر الزفت.. وبيطول شهر بعد!!

ضحكت فاطمة: زفت وأنتي مشتاقة له كذا!!

كاسرة تنهدت بغيظ: إيه زفت لأني من الحين مشتاقة له.. وأنا ما أبي أشتاق له لأنه ما يستاهل حتى!!

ثم انخفض صوتها وهي تردف بوجع عميق: تخيلي فطوم.. البارحة ماقدرت أنام.. واليوم الصبح ما أبي عيني تطيح على شي من أغراضه عشان ما أغتث على الصبح..
ألاقي عيني ماتروح إلا على أغراضه.. فرشاة أسنانه.. مشطه.. عطوره.. ملابسه.. صورته..!!
أنا شفت صورته.. ما أدري وش صار لي.. تقولين بزر مضيع أمه.. بكيت بكا..
صدري ضايق بشكل غير طبيعي..

حينها انطفئت ابتسامة فاطمة: كاسرة الله يهداش.. ترا الأفلام الهندية ماتليق عليش.. تعوذي من أبليس..

كاسرة بصوت ذابل: على إنه أنا وكساب على طول حن زعلانين من بعض تقريبا..
وقبل فترة زعلت عند هلي وطولت وكنت أبي الطلاق من جدي..
بس كنت عارفة إنه قريب.. وقلبي متطمن!!
أدري سخافة.. بس إحساسي إنه ما بيننا إلا طوفة كان مريح أعصابي شوي..
الحين ما أدري وش فيني.. وخصوصا إنه هذي أطول مرة بيسافر من يوم تزوجنا!!
وعلى كثر ماهو قاهرني وحارق أعصابي على كثر ما أنا مشتاقة له..

فاطمة تحمل الملفات التي وقعتها كاسرة وتهمس بتأثر: أنا عمري ماشفت حد يحب الشقا كثرش أنتي ورجالش..
الله يهدي بالكم ببيبي صغنون يخليكم تعقلون وتدرون أنكم مسؤولين عن نفس بتجمعكم لين آخر العمر!!






***************************************






" علي الله يهداك.. تعبت نفسك اليوم
وأنت مسوي روحك دليل سياحي لي..
خلنا نرجع الفندق آذان الظهر قرب"

علي بمودة صافية: ياقلبي تو الناس.. باقي كم مكان أبي أوريش إياهم!!

شعاع بقلق متوتر: تكفى علي وأنا وش باستفيد من الأماكن لو طحت تعبان..
تكفى عشان خاطري..

علي بولع: عاد (تكفى).. (وعشان خاطري كلها).. أنا أشهد إن حن رجعنا!!
دقيقة أكلم السواق..
ثم أردف وهو يهمس لها بتلقائية: على إني بالعادة أحب أجر سيارة وأسوق في أي بلد أجيه..
بس لندن بالذات ما أحب أسوق فيها.. لا تقدر تلاقي موقف مثل الناس.. والسواقة عندهم تلوع الكبد..

لا تعلم شعاع لِـمَ تشعر بالألم حين يتكلم بهذه العفوية المذهلة وهو يتدفق بحديثه لها كما لو أنها صديق قديم قابله بعد اغتراب..
وهذا الألم ليس الآن فقط.. ولكنه طوال جولتهم في الصباح التي لم تستطع أن تشعر بالمتعة فيها..
لأنها ما أن ترى تدفقه بالحديث العفوي الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية مثقلة بالطهارة ولا يوجد لديها ماتخفيه..
حتى تشعر بالألم من أجل مرضه وكيف انتقل إليه وبأي طريقة!!
أ يعقل أن يكون هناك إنسان لديه ازدواج في الشخصية لهذه الدرجة؟!!
هذا الأمر بات يرهق روحها الطاهرة كثيرا..
أو ربما مايرهقها إزدواجية تفكيرها هي!!







*****************************************





" حبيبتي ليش قاعدة بروحش
وضحى مابعد رجعت؟؟"

سميرة تشير بيدها بإبتسامة مرحة: لا مابعد.. والله إني ندمت إني ماوافقت أروح معهم
بس استحيت من مزون.. قلت يمكن ما تاخذ راحتها في وجودي..

ابتسم تميم: ومن اللي ما يأخذ راحته في وجودش..؟؟ أو من اللي يشوفش ومايرتاح؟؟

سميرة بحركة تمثيلية: ياقلبي.. ياقلبي.. هذا اللي يسمونه الغزل؟؟

ابتسم تميم: يا النصابة.. يعني إني ما أتغزل فيش.. تعبت أتغزل..
بس يمكن غزل الإشارات ذا مايعجب..

سميرة قفزت لتقبل كتفه.. ثم ابتعدت خطوة لتشير بإبتسامة رغم أنها شعرت بانقطاع ما بينها وبينه: إلا يعجب ويعجب ويعجب..

تميم بإبتسامة: الله لا يحرمني منش..
ثم أشار بتردد: كنت أبي وضحى في سالفة.. بس خلاص مهوب ضروري.. بعدين!!

سميرة بحماس: عسى قررت ترحمها من ثقل دمك معها؟؟

تميم بإشارة مقصودة: أنا ووضحى ما بيننا شيء خلاص.. سالفة وراحت لحالها!!






***************************************






" عسى ماشر زايد؟؟
وش فيك تأخرت الليلة؟؟"

كانت مزنة تسأل زايد الذي أنهى ورده للتو.. واتجه ناحيتها حيث تجلس على مقعد التسريحة وتدلك يديها وذراعيها بالكريم..

هتف بحميمية: شوي شغل في الشركة.. وأنتي بعد شكلش تأخرتي الليلة مارجعتوا إلا عقب العشا..

مزنة برقة دافئة: وش أسوي؟؟ خبرك البنات وشطتهم.. من عصر وأنا طالعة فيهم.. لفيت فيهم مصممين الدوحة كلهم..
تدري مافيه وقت.. والمصممين يبون أكثر من 3 شهور.. وحن نقول لهم شهر..

ابتسم زايد: ومزون تعبتش أكثر من وضحى؟؟ صح؟؟

مزنة بعذوبة: مهوب صحيح.. لا تعتبتني ولا شيء..

زايد بذات الابتسامة: إلا تعبتش.. هي قالت لي.. إن وضحى قررت تفصل عند أول واحد جيتوه..
بس مزون لففتش الدوحة بكبرها..

ابتسمت مزنة: ماشاء الله مزون ماتدس عليك شيء..
زين عساها مازعلت عشاني مارضيت إنها تفصل الفستان اللي كانت تبيه؟؟
ثم أردفت بشفافية: أنا والله ماكنت أبي أردها.. بس أنا سويت معها اللي كنت بأسويه مع بنتي بالضبط..
أدري إنك مدلعها ومعودها على الغالي الله يخليك لها ويفرحك بعيالها..
بس فستان بالقيمة هذي.. حرام عشان تلبسه ساعتين وتقطه.. لو ذهب بيقعد عندها كان ماعليه!!

زايد بحميمية: وصدقيني هي مازعلت.. مزون ماتدس علي شيء.. وهي مقتنعة بكلامش..

زايد مد كفيه ليضعها على كتفيها وهو يهتف برجاء فخم:
أنا ما أبي أثقل عليش.. بس دامش رايحة رايحة مع بنتش..
أنا أبي تنتبهين لمزون مع وضحى.. وخصوصا إن عفراء لاهية مع ولدها وماعاد هي بمتفرغة لها مثل أول..

مزنة بعتب: أفا عليك يازايد.. حتى لو ماكنت رايحة مع بنتي.. بأروح عشانها ومعها.. بنتك مثل بنتي..

ثم أنهت مزنة عبارتها بأن مالت برأسها جانبا وهي تقبل بعفوية دافئة كف زايد الساكنة على كتفها..

زايد مال ليقبل رأسها وهو يشعر بتأثر غريب..
يشعر كما لو كان يظلم مزنة معه بطريقة مجهولة.. فإحساسه بها غريب.. وهو يعلم أن مشاعره هي للماضي المندثر..
ومع ذلك يحاول جهده للسيطرة على قلبها.. ويعلم أنه أما نجح في ذلك.. أو يوشك على النجاح!!





*****************************************






اليوم التالي..


.
.


" وش فيك يأمك لاوي بوزك طالع ونازل؟؟"


فهد يميل ليقبل رأس والدته وكتفها وهو يهمس بمودة: أفا عليش يمه.. ومن يشوف وجهش ويلوي بوزه إلا الخبل..
ثم أردف بتقصد: بس خاطري ضايق.. إنش تعامليني كني بزر عقب ذا السنين!!

أم صالح تنهدت بعمق: يأمك أنا أبي لك الزين..


(داري إنها شينة.. بس وش أسوي؟؟) فهد لاحظ في لهجة والدته لينا قرر استغلاله فورا..
وهو يجلس جوارها ويشد على كفها ويهتف برجاء رجولي:
يمه أنا مستحيل أسوي شيء ماترضينه.. بس يمه لا تعقدين السالفة علي طالبش..
أنتي وش تبين إلا أني أكون مقتنع باللي بأخذها..

حينها نظرت له أمه بشكل مباشر: وأنت صدق مقتنع؟؟

فهد بنبرة حازمة صارمة يخفي خلفها عدم اقتناعه الشخصي: أكيد مقتنع ومقتنع ومقتنع..

حينها همست أم صالح بحزم: خلاص بصرك.. أنت اللي بتعرس مهوب أنا..
بس لاخذت بنت الناس وماعجبتك وإلا ماجازت لك.. ياويلك تضايقها.. هذي مهما كان بنية يتيمة..

فهد في نفسه(لذا الدرجة مافيه أمل فيها!!) ولكنه هتف بنفس نبرته الحازمة:
يه...أنا اللي مسؤول عن خياراتي..

ثم مال ليقبل رأسها وهو يهتف بنبرة حانية: الله لا يحرمني منش.. اللي ماهان عليش تزعليني!!






***************************************





بعد ثلاثة أيام..
.
.

مضت الأيام الأربعة الماضية بسرعة عليهما.. وموعد النتيجة أصبح في الغد..
شعاع متوترة جدا بينما علي طبيعي جدا..

خلال الأيام الأربعة الماضية تزايدت العلاقة بينهما ارتباطا عفويا ناتجا عن شفافية كل منهما..

علي صحته تتحسن وأكله يتحسن بشكل كبير.. وهو وشعاع يشكلان ثنائيا رائعا وهما يترافقان في كل مكان..
وهي تعقد ذراعها في ذراعه طوال الجولات كأي عروسين..
ولكن تبقى هناك حدود لابد من التزامها... تسمح له بإمساك كفها.. تقبيل أناملها.. لكن لاشيء أكثر من ذلك..
فهي مازالت مقتنعة إنه مريض بمرض معدي..

ولكن مابدأ يتغير ويشوش ذهنها أكثر هو علي ذاته كشخصية..
متدين لأبعد حد.. ويحفظ كثيرا من القرآن.. وحريص جدا على الصلوات والنوافل والورد..

ومن النوع الذي يغض بصره بعفوية لا إدعاء فيها..
حينما كانت ترى بعض الفتيات كانت تسترق النظرات له بينما تجعل نفسها غير منتبهة.. تريد أن تتأكد من شكوكها..
ولكنه كان ينسف هذه الشكوك.. لأنه لم تصطاده ولا حتى لمرة يرفع بصره لإمرأة..

إذن ماهذا الذي فعله معها في المستشفى؟؟ والذي فعله ليلة زواجهما؟؟
وكيف انتقل له هذا المرض؟؟

مشوشة تماما.. تماما.. وقلبها يؤلمها من أجله.. فهو مخلوق تعجز عن كراهيته أو إيذائه..



"حبيبتي هذا كله تفكير؟؟"

شعاع انتفضت بخفة.. حين جلس جوارها على السرير مسندا ظهره لظهر السرير..

شعاع كانت ستشد الغطاء على جسدها لأن بيجامتها كانت بدون أكمام ولأول مرة تلبس هكذا!!
ولكنها لم تفعل ذلك لأنها تذكرت تحذيره لها ألا تكرر هذا التصرف..

أجابته برقة: مافيه شيء علي.. كنت أنتظرك تخلص صلاتك ووردك..

ابتسم علي بشفافية: اليوم اللي بتغلطين فيه وبتقولين لي (حبيبي) بأذبح قطيع خرفان..

شعاع احمر وجهها واحتقن بشدة وبدأت بدعك أناملها..
وهي تخفض رأسها بشدة.. وتشعر أن هناك عبرة غريبة وقفت في منتصف حنجرتها..

علي اقترب منها قليلا وهو يرفع رأسها ويهمس بتأثر: خلاص حبيبتي.. اعتبريني ماقلت شيء..
كنت أمزح معش.. والله العظيم أمزح..

ولكنها انفجرت في البكاء وهي تدفن وجهها بين كفيها .. علي شعر بالضيق الشديد..
إلى هذه الدرجة رأت في الأمر سببا للبكاء والنحيب؟؟ إلى هذه الدرجة تراه لا يستحق منها هذه الكلمة؟؟


بينما شعاع كانت تبكي لسبب آخر.. فهي متوترة جدا لموعد الغد.. وكانت تحتاج فقط أي سبب لتبكي لتفرغ توترها.. وهو قدم لها السبب..


رغم شعور علي بالضيق ولكنه همس لها بحنان خالص: حبيبتي خلاص.. أرجوش اعتبريني ماقلت شيء..

ولكنها فاجأته أنها التصقت به وهي تستدير وتحتضن خصره وتدفن وجهها في صدره وتهمس بين شهقاتها:
علي الله يهداك وين راح تفكيرك.. انا بس متوترة عشان موعدك بكرة..

علي شعر بتأثر شديد وهو يشدها لصدره ويحيطها بذراعيه ويهمس بحنان:
ياربي عليش يا شعاع....ياقلبي لا تحاتين الموعد.. لأني عارف اللي هو بيقوله..
هو سوى الفحوص أول ماوصلنا لندن.. ماراح يلاقي اختلاف بينها وبين فحوص الدوحة..
لكن أنا متأكد إنه لو سواها الحين بيلاقي تحسن كبير..

شعاع همست باختناق وهي تفلته: الله كريم!!

ولكن علي لم يفلتها وهو يهمس لها بعمق متجذر: خلش جنبي شوي.. بس شوي..

شعاع توترت بشدة رغم أنها بقيت على استكانتها على صدره.. أما حين بدأ ينثر قبلاته على شعرها تصلب جسدها تماما..

حينها أفلتها هو.. وهو يهمس بألم عميق لايخلو من نبرة تهكم مجروحة:
آسف.. شكلي تجاوزت الحدود..


تأخر عنها قليلا وهو يعود لمكانه.. بينما شعرت هي بحاجة ملحة جديدة للبكاء.. يا الله أي حياة هذه؟؟

لا تريد أن تجرحه.. لكنه لابد أن يكون هو أيضا منطقيا.. ففي مثل حالته ليس له الحق أن يطالبها بشيء!!
ولكنها تكره هذا الشعور المؤذي.. تكرهه!!





***********************************





اليوم التالي
.
.
.

" ها يأبو زايد وش تقول؟؟"

منصور يبتسم ابتسامة شاسعة فاخرة وهو يجيب أبا صالح: أنا من صوبي ماعندي مانع..
وفهد ولدي.. بس لازم نشور البنت.. وإن شاء الله بنرد عليكم قريب
بس قبل مايصير أي شيء.. أهم شيء دراستها تكملها!!

أبو صالح بحزم: ودراستها إن شاء الله مهوب رادها منها.. تكملها وهي عنده!!

القهوة تدور مرة ثانية بينما فهد مال على أذن منصور وهو يهمس له بحزم:
أبو زايد اسمح لي.. بس قبل ما تسألها أنا عندي طلب ما أقدر أتنازل عنه!!







************************************






" علي ممكن أسأل الدكتور عن شيء؟؟"


علي بأريحية: عادي حبيبتي إساليه عن اللي تبيه!!


الطبيب بالفعل قال لهم ماتوقعه علي.. الفحوص تشبه فحوص الدوحة مع نسبة تحسن ضئيلة.. وأنه سيعيد إجراءها بعد عدة أيام.. قبل أن يقرر له علاجا..

شعاع لم تستفد شيئا.. تريد جوابا يريحها من شكوكها التي غاصت في روحها لأبعد حد..
لذا كان طلبها من علي أن تسأل الطبيب..


شعاع أجابت علي باختناق: لا أبي أسأله بروحي..

علي بصدمة: نعم؟؟ أشلون بروحش يعني؟؟

شعاع باختناق أشد: ما أبيك تكون موجود..

علي تفجر بغضب حقيقي لم يشعر به منذ زمن طويل وهو يهمس لها بصوت غضبه المكتوم:
آسف.. ليه وش شايفتني عشان أطلع وأخليش مع الدكتور..؟؟

شعاع برجاء عميق مختنق: تكفى علي.. هذولا ممرضتين موجودين معنا..

علي بذات الغضب الذي تزايد: شعاع قومي.. موعدي خلص..

شعاع شعرت بالجزع.. لو بقيت مع شكوكها يوما آخر ستموت.. ستموت..!!

همست بذات جزعها:

لا خلاص.. بأساله قدامك.. بأسأله!!!






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 23-01-11 07:22 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني و الثمانون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ياصباح الخير والجو الحلو..
أنا قاعدة في الصالة وفاتحة كل الشبابيك <== تستغل إن ولدها نايم :)

شأخباركم يانبضات القلب..
تهنئتنا للي خلصوا الامتحانات وعقبال الباقين يارب
.
.

الحين بدت جميلة تشغل عقول البنات

فيه تساؤلات عن جميلة وعلاجها.. واضطراب الدورة عندها..
وعن علاجها النفسي اللي تكلموا عنه


بالنسبة للعلاج النفسي تكلمنا عنه في الجزء اللي بعد وفاة امهاب.. وقالت بنفسها إن الشهرين الأخيرين في المصحة كانت للعلاج النفسي لأنها كانت استعادت وزنها بالكامل !!

أما البيقية اللي شاغلتكم.. أنا مانسيتها.. بس خليتها لوقتها :)
.
.

جزء اليوم قصير قبل ماتقولون بس مو قصير كثير... نص ونص يعني :)
بس أنا قاصدة أوقف عند مفصل معين..

والجزء الجاي بيكون طويل ويعوضكم إن شاء الله

.
يا الله
الجزء 82
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والثمانون





" علي ممكن أسأل الدكتور عن شيء؟؟"


علي بأريحية: عادي حبيبتي إساليه عن اللي تبينه!!


الطبيب بالفعل قال لهم ماتوقعه علي.. الفحوص تشبه فحوص الدوحة مع نسبة تحسن ضئيلة.. وأنه سيعيد إجراءها بعد عدة أيام.. قبل أن يقرر له علاجا..

شعاع لم تستفد شيئا.. تريد جوابا يريحها من شكوكها التي غاصت في روحها لأبعد حد..
لذا كان طلبها من علي أن تسأل الطبيب..


شعاع أجابت علي باختناق: لا أبي أسأله بروحي..

علي بصدمة: نعم؟؟ أشلون بروحش يعني؟؟

شعاع باختناق أشد: ما أبيك تكون موجود..

علي تفجر بغضب حقيقي لم يشعر به منذ زمن طويل وهو يهمس لها بصوت غضبه المكتوم:
آسف.. ليه وش شايفتني عشان أطلع وأخليش مع الدكتور..؟؟

شعاع برجاء عميق مختنق: تكفى علي.. هذولا ممرضتين موجودين معنا..

علي بذات الغضب الذي تزايد: شعاع قومي.. موعدي خلص..

شعاع شعرت بالجزع.. لو بقيت مع شكوكها يوما آخر ستموت.. ستموت..!!

همست بذات جزعها:

لا خلاص.. بأساله قدامك.. بأسأله!!!


شعاع كرهت لأبعد حد أن تتجرأ وتسأله..
خجلها الفطري.. وقبل ذلك وأهم خوفها من جرح علي..

ولكن الوضع الذي تعيشه وأجبرت علي على عيشه وضع غير إنساني بالفعل..
أما أن تتأكد أنه غير مصاب مع أنها تظن أن هذا مجرد حلم عذب تتمناه بكل يأس!!
وأما أن يسمع علي كلام الدكتور لها بنفسه.. حتى يتوقف عن الضغط عليها بمشاعره التي توشك على جعلها تنهار!!


شعاع باختناق شديد توجهت للطبيب بالسؤال باللغة الإنجليزية:
دكتور لو سمحت.. أنا لم أفهم طبيعة مرض علي..
هل من الممكن أن تشرحها لي بطريقة مبسطة بعيدة عن المصطلحات الطبية؟!!


الطبيب بمهنية: علي عانى من نوع غريب ونادر من الأمراض ينتج عن ضغط نفسي وعاطفي يؤثر على الأجهزة الحيوية..
وزاد المرض امتناع علي عن تناول الطعام..
علي أخبرني المرة الماضية أن العارض النفسي قد زال.. لذا أنا أتوقع أنه سيتحسن أكثر قريبا..
لكن الكبد بالذات تعرضت لنوع من الضرر يشبه التشمع.. لذا سيحتاج لعلاج للكبد لفترة معينة عن طريق العقاقير.. وحتى علاجها لن يطول كما أتوقع..
لأن المهم في هذا النوع من الأمراض زوال العارض المسبب..


شعاع شعرت بالصداع (والمرض المعدي.. أين هو؟؟) همست باختناق شديد مثقل بالتردد وهي تنظر للأرض:
ألا يعاني علي مثلا مثلا.. من مرض معدي من أي نوع؟؟

علي اتسعت عيناه بصدمة كاسحة وهو يقفز عن مقعده.. ماعاد يستطيع الجلوس حتى!!!

بينما الطبيب ضحك ضحكة رسمية قصيرة: معدي؟؟
لا طبعا.. ماهذا الكلام الغريب؟؟

ثم التفت لعلي بإبتسامة: علي هل أخفت عروسك منك وقلت لها أنك مصاب بمرض معدي..؟؟

علي تحرك بصرامة بالغة وهو يهتف بحزم غريب متجبر: شكرا دكتور على وقتك.. واعذرنا على تأخيرك..


شعاع اسود وجهها تماما.. واختنقت بعبراتها التي أطبقت على أنفاسها لدرجة عجزها عن سحب أنفاسها..

لم تستطع حتى أن ترفع نظرها لعلي.. عدا أن علي لم ينظر حتى لناحيتها.. وهما يتجهان لخارج المستشفى.. بخطوات سريعة..
خطوات حادة تكاد تخترق الأرض من جانب علي..
متعثرة يائسة من جانب شعاع !!


ظل الصمت مطبقا على الاثنين في السيارة طوال الطريق.. وشعاع تدعك أناملها بيأس وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء..
وجهها محتقن تماما ويزداد احتقانا كلما فكرت فيما فعلته به الأيام الماضية...

" أنا غبية!! غبية!!
هو قال لي عن مرضه اكثر من مرة!!
بس أنا اللي في راسي في رأسي!!
ياربي.. يا الله.. أكيد الحين مجروح مني ومن تفكيري فيه!!
صدق إني غبية.. خالتي مزنة شرحت لي مرضه
وقالت لي إني ما أتضايق لو ما قرب مني عشان وضعه الصحي وإن هذي أوامر الدكتور!!
وبعد اللي في رأسي في رأسي.. خليته مريض وأني أنا اللي لازم أمنعه عني!!
غبية غبية.. غبية !!
عجزوا يشرحون لي وأنا مافهمت!! "



شعاع تكاد تنهار وكل ماتريده أن تصل للفندق وكأن المسافة بين المستشفى والفندق في منطقة (بارك لين) لا تريد أن تنتهي أبدا..

حين وصلا للجناح..
بالكاد خلعت عباءتها ونقابها..وانفجرت فورا في البكاء وهي تلقي نفسها على السرير..

علي منذ خروجهما من الطبيب وإحساسه بالجرح يتزايد ويتزايد حتى خنقه..

ألهذا السبب كانت ترفض اقترابه منها وكأنه وباء؟؟
أ لهذه الدرجة تشك في مروءته ومروءة أهله وأنهم قد يزوجونها من رجل مصاب بمرض معد؟؟

وإن كانت تشك لماذا لم تسأله بشكل مباشر؟؟
وربما لو سألته لن تصدقه.. لأنها لم تصدق سبب مرضه حين أخبرها به!!

كان كل سؤال يحيله لسؤال أكثر وجعا وأذى نفسيا وانغراسا في الجرح المملوء بالملح..


ولكنه ما أن رأها تبكي حتى تهاوى كل شيء.. هو مستعد أن يحتمل كل جرح..
لكنه لا يحتمل دموعها .. وبسببه !!.. وخصوصا أنها كانت تنتحب بطريقة هستيرية كما لو أنها فقدت لها عزيزا..
وشهقاتها تتعالى بطريقة مأسوية مزقت قلبه المتيم...


شعاع لم تعرف كيف تعبر عن ألمها سوى هكذا.. أو ربما كانت تستخدم ببراءة سلاح المرأة الأشد فتكا...
دموعها..!!

فهو لو رآها تبكي لن يعاتبها.. وهي ستموت لو عاتبها.. لأن إحساسها بالذنب يذبحها.. يذبحها..!!


علي حاول أن يمنع نفسه من إرضاءها حتى تعلم ولو جزئيا عمق جرحها له..
ولكنه لم يستطع إلا أن يجلس جوارها وهو يربت على ظهرها ويهمس بحنان موجوع:
خلاص.. تكفين لا تبكين.. طالبش بس..

شعاع رفعت رأسها ودفنته في حضنه وهي مازالت منكبة وتنتحب:
قول إنك منت بزعلان علي.. قول إنك منت بزعلان.. تكفى علي.. تكفى..

علي بشفافية مثقلة بالوجع: تبين أكذب عليش وأقول إني ماني بزعلان..
واجد آجعتيني شعاع.. يعني لذا الدرجة شايفتني خسيس ونذل..
أحاول أقرب منش وأنا مريض بمرض معدي؟؟؟
لذا الدرجة أنا حيوان وهمجي في نظرش؟؟


شعاع تزايد نحيبها وهي ترفع جسدها كاملا وتجلس لتطوق عنقه بذراعيها وهي تدفن وجهها في عنقه..
علي ما أن شعر ببلل دموعها وحرارة شهقاتها على عنقه حتى شعر أنه يذوي وألم قلبه يتزايد بعنف..
همس علي بيأس: تكفين شعاع لا تضغطين علي بذا الطريقة.. لأنه أنا موجوع منش واجد..خليني لين أروق بنفسي..


شعاع كانت تعلم كم جرحته بتفكيرها وأنه سيحتاج وقتا لمسامحتها.. لكنها تعلم أنها لن تحتمل نظرة عتب واحدة منه!! لن تحتمل !!

نثرت قبلاتها الخجولة النادمة على عنقه حيث تخفي وجهها وهي تهمس بيأس:
أنا آسفة علي.. آسفة.. تكفى سامحني.. لا تلومني..
أنا وش عرفني؟؟.. مالي إلا الظاهر!!


علي شعر أنه يذوي فعلا مع دفء قبلاتها الرقيقة على عنقه وكان على وشك مد يديه لاحتضانها رغما عنه..

لولا أنها ابتعدت عنه كالملسوعة وهي تهمس بصدمة موجوعة متفجرة بشكل صادم:
الحين أنت من جدك كان سبة مرضك وحدة ماتعرفها وشفتها في الأصنصير في يوم ملكتنا..؟؟
لا ..وكان عندك استعداد تطلقني عشانها..؟؟

علي باستغراب شديد لقلبها للموضوع فورا: واللي كانت في الأصنصير من؟؟ وأنتي من؟؟

شعاع ابتعدت أكثر وهي تهمس بغضب رقيق بين شهقاتها: أنا كنت مرتك وهي كانت وحدة ما تعرفها.. يالخاين!! يا الخاين !!
ليه أنا حفظتك وأنت ماحفظتني؟؟.. ليه أنا ماقلت للي لحقني في الممر.. خلاص باتطلق من رجالي وأخذك؟؟
أنا كنت بأموت عشانك وأنت ماحتى فكرت فيني!!


علي مصدوم من هجومها لأبعد حد.. وهو يرى كيف تتزايد شهقاتها ونحيبها واحمرار وجهها بشكل فعلي...
وهي تنهار تماما في عاصفة حقيقية من البكاء الهستيري..
و تقلب الموضوع كله لصالحها!!






****************************************





" ها يأبو زايد وش تقول؟؟"

منصور يبتسم ابتسامة شاسعة فاخرة وهو يجيب أبا صالح: أنا من صوبي ماعندي مانع..
وفهد ولدي.. بس لازم نشور البنت.. وإن شاء الله بنرد عليكم قريب
بس قبل مايصير أي شيء.. أهم شيء دراستها تكملها!!

أبو صالح بحزم: ودراستها إن شاء الله مهوب رادها منها.. تكملها وهي عنده!!

القهوة تدور مرة ثانية بينما فهد مال على أذن منصور وهو يهمس له بحزم:
أبو زايد اسمح لي.. بس قبل ما تسألها أنا عندي طلب ما أقدر أتنازل عنه!!


منصور بحذر ودود: وش عندك؟؟

فهد بحزم بالغ: لو وافقت علي البنت.. نبي نسوي الفحوص الطبية بسرعة.. ونعرس خلال أسبوع.. أسبوع ونص بالكثير..

منصور بصدمة: فهد الله يهداك مافيه عرس في أسبوع.. لا تعسرها..

فهد بخبث أخفاه خلف حزم صوته: أنت أعرست في أقل من أسبوع!!

منصور بحزم: أنا حالتي غير!!


(وش غير؟؟ أمها أرملة وهي مطلقة!!) فهد بحزم: أنت عارف زين إني عندي عقب شهر دورة عسكرية في مصر وبتستمر شهر..
لو خلينا العرس عقب ما أرجع.. ماراح ألحق أقعد مع مرتي لأنه بتكون دراسة الجامعة بدت..
أبي ألحق أقعد معها شوي قبل أروح!!

منصور بحزم: خلاص خل العرس عقب شهر وخذها معك مصر.. أنت عارف إنه دورات الضباط مثل دوام جزئي وترجع لشقتك..


فهد يريد بالفعل تعقيد الموضوع غير المعقد..
فهو هكذا كان قد قرر... أنه سيصعب الشرط عليهم.. علهم يتراجعون هم..
وسيكون هو من طرفه أبيض الوجه أمام منصور وهذا مايهمه..
فهو أحضر أهله.. وتقدم فعلا.. ولكنهم من رفضوه!!!


فهد أجاب بذات حزمه: لا ما أقدر أنا صرت متفق مع الشباب على السكن..
ولو تراجعت بيأكلون وجهي..
يعني ماتقدر تخدمني في ذا الموضوع..؟؟
أنا من صوبي أقدر أرتب حفل الرياجيل كأحسن مايكون خلال أسبوع..
وما أعتقد إن ترتيب حفل النسوان بيكون مشكلة..


ولكن فهد يعلم أنه سيكون مشكلة.. فهو يعلم أن جميلة لم تحضَ بحفل زفاف..
وبالنسبة لفتاة مدللة مثلها فحفل زفاف ضخم وفاخر سيكون حلما يصعب أن تتنازل عنه بعد أن تنازلت عنه المرة الاولى رغما عنها بسبب ظروف مرضها..
وأسبوع لن يكفي مطلقا لتجهيز حفل زواج كما تتمناه!!
وكما سمع بنفسه من منصور أنه ينوي أنه يقيم حفلا كبيرا لها...

كان فهد يعتمد أن هذا سيكون سببا لإلغاء فكرة الزواج بالكامل..
والإلغاء حينها سيكون من طرفهم ليس من طرفه!!







******************************************





طرقاته التي تحفظها ترتفع على بابها.. وقفت بجزع.. منذ زمن لم يطرق بابها..

ركضت نحو الباب وفتحته..
كانت تتأمله وهو يقف أمام فتحة الباب..
تمنت ان تقبل رأسه .. أن تشير له: هل سامحتني؟؟

لكن كل مافعلته أنها أشارت له بترحيب أن يدخل..
تميم تقدم بخطوات هادئة للداخل وهو يشير لها بهدوء: فاضية خمس دقايق؟؟

ابتسمت له وضحى بحنان موجوع: فاضية خمس ساعات.. الله يذكر أيام ماكنا نسولف ساعات بالخير..

تميم أشار بشجن: ماظنتي إني السبب يا بنت أبوي!!

وضحى أمسكت حينها بكفه وهي تميل لتقبلها... ولكن تميم شدها بجزع..
بينما وضحى بقيت صامتة.. وعبرة صامتة تصطرخ بين جنباتها!!

تميم نظر لها بيأس رقيق.. وهو يشير بعمق:
تراني أنا اللي حلفت على نايف إنه مايوجع نفسه بالمهر..
نايف توه متخرج وفلوس بيع بيت أبيه أكثرها راحت في بيته الجديد وتأثيثه..
وأنا مابغيتكم تبدون حياتكم بديون..
بس في نفس الوقت ما أبي شيء يقصرش..
أنا حطيت في حسابش فلوس.. ولو احتجتي زيادة لا تستحين!!


وضحى أشارت بعبرتها التي مازالت تخنقها:
أدري أنك حطيت في حسابي فلوس واجد مهيب شوي..
وصلني مسج على تلفوني من البنك بدخول فلوس لحسابي..
اتصلت فيهم أسأل عنها قالوا لي إنك اللي دخلتها...
وكنت بأسحبها أرجع لك.. بس خفت على زعلك..

وضحى سكنت لدقيقة ثم أكملت بيأس أعمق: وش بأسوي بالفلوس يعني؟؟
أشتري ثوب زيادة.. وإلا شنطة؟؟
وإلا يمكن الفلوس تعوضني عن أخي اللي راح.. وإلا أخي الثاني اللي مايلتفت صوبي؟؟
قل لي تميم وش أسوي بالفلوس؟؟
تشتري لي حنان أترجاه منك ومالقيته؟؟
وإلا الفلوس بترجع ثقتك فيني وتخليك تسامحني على ذنب ندمت عليه عمري كله؟؟
ما أبي فلوسك ياتميم.. مشكور.. الفلوس اللي عندي تكفيني وزيادة!!


وضحى أنهت إشارتها التي كانت دموعها تسيل معها بصمت وهي تريد التراجع للخلف حين انتهت..
لولا أن تميم منعها من التراجع وهو يشدها ليدفنها في حضنه..
حينها لم يعد للإشارات حاجة وهي تنفجر بالبكاء في حضنه وهي تطوق عنقه بذراعيها بكل قوتها..
وهو يحتضنها بحنو بالغ ويربت على ظهرها بأبوية صافية..
لم يحتج لإبعادها ليشير لها أنها بحاجة لمسامحتها أكثر منها..
ولم تحتج لتبتعد عنه حتى تشير له كم هي سعيدة بحضنه أخيرا..
فكلاهما يعلم كما أنه هناك مواقف لا تحتاج للكلمات..
فهناك مواقف لا تحتاج حتى للإشارات لأنها تعبر عن ذاتها وكينونتها وانثيالها بدون أي طرق تعبيرية!!

الأمر الذي غيرهم مازال لم يعلمه !!!!!!






***************************************





" أنا أبي أعرف ليه اليوم كله طاردتني من البيت بكبره!!"


عالية تتناول غترة عبدالرحمن منه وهو مازال عند الباب وتهمس بالمرح:
عندي لك مفاجأة كبيرة.. وماكنت أبيك تجي لين تكمل..

عبدالرحمن خطا بكرسيه للداخل ليهتف بإبتسامة مصدومة:
حرام عليش عالية كفاية المستشفى..

عالية تقف أمام ممر المشي الذي طلبت تركيبه من قبل شركة تجهيزات طبية.. والذي قدمت طلبا عليه من بعد زواجها من عبدالرحمن.. وللتو وصل اليوم وتم تركيبه..
وتهمس بمرح: لا مهوب كفاية.. لأنك واحد كسول ودلوع وعمي فاضل خربك ذا السنين كلها بالدلع..
وتبي لك شوي من تربية آل ليث المتوحشين!!

ابتسم عبدالرحمن بمودة: يا شينهم آل ليث هم ويباس رأسهم..

عالية تدفع بكرسيه للداخل وتهمس بجدية: قل لي عبدالرحمن الدكاترة وش قالوا لك آخر شيء في آخر اجتماع قبل يومين؟؟

عبدالرحمن بخبث باسم: أنتي في المستشفى تقدرين تدخلين على ملفي.. وأعتقد إنش دخلتي عليه وتعرفين حالتي أحسن مني..

عالية بذات الجدية البالغة: لا أبي أسمعها منك..

تنهد عبدالرحمن: يقولون حالتي غريبة شوي.. لأني أقدر أثني ركبتي والإحساس في الرجلين طبيعي جدا..
وهذي دائما تكون أهم مشكلتين عند اللي مايقدر يمشي..
لكن أنا مشكلتي في الساقين أحسهم ثقال جدا كأنها ميتة مع إنه هالكلام غير صحيح لأنه لو حد شكني بدبوس صغير حسيت فيه.... و..

ثم صمت عبدالرحمن قليلا..

عالية بنبرة مقصودة جدا مثقلة بالجدية العملية: كمّل !!

عبدالرحمن هز كتفيه بطبيعية: وهم شبه متأكدين إن اللي معي حالة نفسية لا أكثر!!

حينها انفجرت عالية بحماس: مابغيت تطلع ذا الدرة..!!

عبدالرحمن يضحك: صدق خبلة.. أولها مسوية لي فيلم رعب تقولين مسجون قدام لجنة محققين.. وعقبه تصيحين في أذني كذا..

عالية تقربه من ممر المشي وتهمس بمرح: التعذيب مابعد شفته.. التعذيب جايك لين تنط من كرسيك وتقول خلاص الرحمة..

عبدالرحمن برجاء: تكفين عالية مهوب الليلة.. الليلة عاد ميت من التعب.. من صبح طاردتني من البيت ماحتى تمددت دقيقة...

عالية بإصرار: مافيه.. حاول خمس دقايق بس.. عشان أشوف طول الممر مناسب لطول أرجليك وإلا لا...

عبدالرحمن حينها همس بقلق عميق: صدقيني عالية أنا ودي أكثر منش أمشي.. بس شوفت عينش هذا أنا أحاول بدون فايدة..
فرضا مامشيت.. ذا الشيء بيخليش متضايقة إنش بتعيشين حياتش كلها مع مقعد؟؟

عالية تحتضن عنقه من الخلف وهي تلصق خدها بخده وتهمس بإبتسامة ودودة:
يا ثقل طينتك بس!!






*******************************************






"عفراء حبيبتي.. ادعي جميلة..
أبيش أنتي وأياها في موضوع.."

عفراء بإبتسامة رقيقة: جميلة أساسا جاية الحين.. بس راحت تجيب لزايد مصاصة من جهاز التعقيم..
خير إن شاء الله؟؟

منصور بحزم: إذا جات جميلة قلت لش أنتي وإياها!!



" وهذي جميلة جات.. آمر تدلل!!"

جميلة ناولت أمها المصاصة وهي تميل لتقبل رأس منصور وتهمس له بمرح بعد أن جلست جواره:
بتسفرني لبنان؟؟ خاطري أتسوق لين أقول بس!!

منصور احتضن كتفيها وهو يهمس بحنان: أوديش لبنان تسوقين اللي تبينه..
بس الحين اسمعي كلامي عشان روحة لبنان تثمن وتسوقين مناك شيء سبيشل..

جميلة بإبتسامة رقيقة: خير فديتك .. آمرني.. وبلاها لبنان بعد!!

منصور بحنان: جايش معرس وأبيش توافقين كان لي خاطر عندش..

جميلة انتفضت بجزع وهي تبتعد عن حضنه.. بينما عفراء صاحت بجزع:
منصور الله يهداك وش معرسه؟؟ والبنية توها مخلصة عدتها أمس..

منصور بتهدئة حازمة: وش فيكم تروعتوا كذا..
إيه معرس.. رجّال فيه خير ومن عرب أجواد وما أبيه يروح عليها..

جميلة تشعر أن في الأمر مزحة ما.. أي زواج هذا وهي للتو أنهت عدتها!!.. لذا همست بتهكم:
وهو مطلق؟؟ وإلا أرمل؟؟ وإلا واحد يبيني أربي عياله..؟؟
وإلا يمكن واحد يبي يحطني على رأس مرته الثانية وإلا الثالثة؟؟ وإلا يكون شيبه طايح كرته؟؟

منصور بغضب: أفا عليش يأبيش وأنا بأقطش ذا القطة..
إلا رجال توه أنتي أول نصيبه وآخره إن شاء الله..

جميلة شعرت بالحرج والارتباك والاختناق حين رأت أن منصور جاد بالفعل!!
بينما عفرا همست بغضب: منصور أظني قلت لك بنتي تبي تكمل دراستها..
مايصير البنية توها طالعة من تجربة تبي تدخلها في تجربة ثانية..

منصور بغضب مشابه: عفرا الله يهداش أنتي ليش ماتبين تعطين البنية فرصة تفكر وتقول رأيها..
فهد رجّال ما ينتعوض.. شيدريش إنه عاده بيجيها واحد مثله..

عفرا غاضبة بالفعل: لو ماجاها.. بيكون هذا نصيبها اللي ربي كتبه لها..

جميلة شعرت بالصداع والاثنان يتناقران فوق رأسها كالديكة..
منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم جهوري بالغ:
جميلة يأبيش القرار قرارش.. فهد آل ليث متقدم لش ومستعجل على العرس لأن وراه سفر..
وأظني ما يحتاج أمدحه لش.. فهد أنا أضمنه بعمري.. وأنتي أساسا صرتي تعرفينه من كثر سوالفي عنه..
وشفتي صوره ألف مرة معي.. يعني تعرفينه شكلا ومضمونا..
ماراح أكذب عليش وأقول مافيه عيب.. هو عيبه إنه جلف وحاد شويتين..
والقرار مثل ماقلت لش قرارش..

جميلة لم ترد عليه.. وهي تقف بجمود غريب لتغادر..
وارتفاع صوت والدتها ومنصور يتزايد وراءها!!






*******************************************





" صدق حبيبي رحتوا اليوم خطبتوا عند منصور آل كساب بنت مرته لفهد؟؟"


عبدالله بهدوء: نعم صحيح!!

جوزاء ابتسمت برقة وهي تجلس بجوار عبدالله وتهمس بمرح:
بصراحة عبدالله مع احترامي لأخيك وإني والله أعتبره مثل أخي.. بس بصراحة الله يعين البنية عليه!!

ضحك عبدالله: لذا الدرجة شايفة أخي شين؟؟

جوزاء بإبتسامة: لا والله مهوب شين.. حاشاه بو خالد.. رجال مثايله نادرين..
بس تدري ستايله يبي له مرة تستحمل.. طبايعه صعبة صراحة..
والبنية الي خطبها يمكن تكون أرق بنية عرفتها في حياتي!!

عبدالله ضحك: الله يطمنش بالخير.. اللي عمرت السالفة..
عز الله طفشت البنية!!
أنا أخيه ورجّال مرت علي مصايب الدنيا كلها واستحملتها..
ومع كذا أحيانا تطلع روحي منه وما أقدر أستحمله!!


ثم أردف بمودة دافئة وهو يشد أنامل جوزا بحنان: خلينا من فهيدان وثقل دمه..
اشرايش نطلع الحين نتمشى ثم نتعشى عشا متأخر؟؟

جوزاء تنظر لساعتها باستغراب: الساعة صارت تسع وحسون نايم!!

عبدالله يقف ويشد كفها ويهتف بعزم: عادي.. خلي الشيخ فهد يقعد عنده..
بكرة عنده أوف.. يشتغل على اللابتوب ويقعد عنده لين نرجع..

ثم أردف بمرح: خليه يلقى شيء يلهى فيه غير عد الدقايق والأيام..

جوزاء بخجل: ما أتخيل فهد عاد قاعد يحرس حسون.. عيب والله عبدالله!!

عبدالله بإبتسامة: يحرسه وهو مايشوف الدرب.. أنا أخيه الكبير وأمرت عليه...
وبعدين خله يتدرب لعياله..حن قاعدين نقدم له خدمة ببلاش!!







********************************





كانت مازالت ساهرة عاجزة عن النوم حين رن هاتفها..
استغربت.. من سيتصل بها في هذا الوقت..
تناولت الهاتف لترى من المتصل.. لشدة لهفتها حين عرفت المتصل.. كاد الهاتف يسقط من يدها فهو لم يتصل منذ سافر.. وقلبها يغلي قلقا عليه..
ردت بصوت مبهور الأنفاس: كساب..

شعر برعشة حادة تجتاح شراينه وهو يسمع اسمه بصوتها الذي أضناه الشوق له وبهذه الطريقة الآسرة التي تذيبه فعلا..
رد عليها بعمق خافت: كساب ماغيره..

كاسرة تشعر بريقها جاف ولا تعلم لذلك سببا وهي تسأله بأنفاسها الذاهبة:
خمس أيام مرت مالقيت دقيقة تتصل فيها.. وأنا أتصل على تلفونك ألاقيه مسكر..

شعر بألم شفاف.. شفاف ( أحقا كانت قلقة عليه؟؟ أم هو قلق المجاملة؟؟) همس لها بذات الخفوت العميق: غصبا عني..
ولو طولت أكثر من كذا ما اتصلت لا تحاتيني.. لأنه تلفوني أساسا مهوب عندي..
أنا ماخذه الحين بالسراقة.. بس عقب أسبوع إن شاء الله بأقدر أكلمش أكثر..


كانت تريد أن تصرخ في أذنه حتى تخترق طبلة أذنه (اشتقت لك)
وتمنى أن يصرخ لها (أضناني اشتياقي لكِ) ..ولكن أحدا منهما لم يقل حرفا!!

وكل منهما يرتشف بسمعه أنفاس الآخر التي تأتيه عبر أثير الهاتف متصاعدة تتردد بدفء يائس..
قطع كساب هذا التواصل السماوي وهو يهمس بذات الخفوت: يالله أنا لازم أسكر.. خلي بالش من نفسش..

كاسرة همست بيأس دون تفكير: كلمني خمس دقايق بس..

كساب شعر أنه يتمزق.. لأول مرة تكون بهذه الرقة التي تذيب الحجر فعلا..
تمنى لو استطاع أن بجيب طلبها ولكنه لا يستطيع..
لذا همس بحزم: ما أقدر.. مع السلامة..


كاسرة ألقت هاتفها جوارها وهي تدفن وجهها في المخدة وتشهق بعمق موجوع..

وهي تسب نفسها على أنها أحرجت نفسها أمامه.. ودون فائدة..
وتسب نفسها أكثر لأنها لا تستطيع منع نفسها من الاشتياق له هذا الاشتياق الهادر الذي لا حدود له!!
الاشتياق الغريب الذي ينغرس في روحها بوجع لا هوادة فيه..
ولا رحمة !!





#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 25-01-11 07:07 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثمانون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الخير والأنوار والتوفيق لكل مجتهد
.
.

بالنسبة لصفحة الفيس بوك اللي تكلمت عنها وحدة من الغوالي
سبحان الله كم مرة أبي أرد.. وأنسى ما أدري أشلون
الغالية اللي سوت الصفحة.. أنا ماعندي مانع بس تغير اسمها من أنفاس قطر.. لقراء أنفاس قطر مثلا أو اسم هي تختاره بس مايكون اسمي..
والسبب بسيط جدا إنه لما يشوفونها باسمي بيحسبون إنه أنا اللي سويتها أو إنها صفحتي الشخصية وتكون محسوبة علي
وأنا الفيس بوك بكبره ما أعرفه.. ولا أعرف حتى وش بيكون في الصفحة..
فياليت تتكرمين بتغيير اسمها.. وأشكر لك اهتمامك ياغالية.. أخجلتيني بكل هذا الاهتمام..

والغالية اللي بعثت لي على الخاص ياليت تتكرم علي وترد على البنت بعد
لأني أحاول أدور ردها مالقيته!!
.
.
عالية استبعدت إن خالد يكون عبدالله من ناحية شوفتها لملامحه الخارجية
لكنها قررت إنها تسكت على الموضوع لأنها في الختام قالت هو سوى فحوصه في 3 مستشفيات
وماعاد حد راح يستفيد من نبش الموضوع
ومقصدي من كذا.. إنه فيه أشياء كثيرة نجهلها في الحياة
والأحسن لو تقعد مجهولة لنا.. لأن معرفتها مافيها خير لنا..
.
.
بنات ركزوا معي الحين..
الحين حن كنا اتفقنا إن المرأة قبل الدخول لا عدة لها
لكن أنا جبت لكم النص الشرعي اللي يرجح إنه إذا صارت بينهم الخلوة تجب العدة لأنها حق لله..
وجميلة قدام الناس كلهم كانت زوجة لخليفة شهور طويلة وسافرت معه..
فقضية العدة ثابتة لها!!
.
الحين نجي لعقد الزواج.. هل ينكتب فيه بكر أو ثيب؟؟
وأنا أتكلم هنا عن شيء حقيقي..
(ما ينكتب أي شيء عن هذا الموضوع أبد) وأنا هنا أقصد عقود الزواج القطرية... وهذا عقد زواجي قدامي عشان أتأكد..
.
أما عن حالة حقيقية.. فوحدة من قريباتي.. بقيت عند زوجها عدة أشهر وهي مازالت بكر..
حين طلقها.. سألت الشيخ هل لها عدة؟؟ فقال لها عدة لأنه اختلى بها وهو كان زوجها أمام كل الناس.. وماحدث بينهما من عدمه ليس شأن أحد
لأن العدة لله عز وجل واحتراما له حتى لا يتهاون الناس بالحدود

لما تزوجت مرة ثانية.. أكثر الناس يعرفون سالفة إنها زوجها مالمسها
لكن وقت كتابة العقد ماورد لهذا الكلام أي ذكر..
وهذا الكلام أنا متأكدة منه.. لأن واحد من محارمي كان حاضر العقد :)

وبس.. أظني وصلت المعلومة :)

أنا ما أقول إنه أبد ما يصير سؤال عن هالشيء وقت كتابة العقد.. ممكن في حالات ثانية يدور ما أدري :)
.
.
ويالله جزء اليوم طويل جدا وبيعبر بكم مرحلة معينة وبينتهي بثلاث قفلات :)
.
.
وموعدنا الجاي كالعدة الخميس الساعة 8 الصبح
.
والآن
الجزء 83
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والثمانون





لا يعلم فعلا أي طاقة بكاء جبارة لديها..
فهي منذ الصباح لم تسكت.. وجهها تورم تماما من البكاء..
تماما كما تورم قلبه من الألم!!


ألم يكفها مافعلته به هذا الصباح وهي تصدمه بظنها أنه مصاب بمرض معد
والأسوأ ظنها أنه يحاول التقرب منها دون اهتمام أنه سينقل لها هذا المرض المزعوم..
وأنها جعلته بهذا التفكير أشبه بمخلوق منحط لا أخلاق لديه ولا مروءة؟؟!!

هو تفكر فيه هذا التفكير المريض؟؟ هو؟؟ علي؟؟


وهاهي تكملها عليه ببكائها الذي لم يتوقف..
في البداية حاول تهدئتها.. ولكن محاولاته باءت كلها بالفشل.. وهي ترفض مجرد رفع وجهها له..

لذا قرر أن يتركها تبكي حتى تفرغ كل الطاقة التي لديها..
ولكن سماعه لبكائها الرقيق الموجوع كان يستنزف روحه شيئا فشيئا..
وهو مازالت على ذات الوضعية منكبة على سريرها لا تقوم عنه إلا للصلاة وتعود..

بينما هو معتصم بصالة الجلوس.. يطل عليها ويعود أيضا لمكانه..
وكلاهما لم يتناول أي شيء منذ الصباح..
هو مسدود الشهية تماما.. لكنه طلب العشاء من أجلها.. يستحيل أن يتركها كل هذا الوقت دون أي طعام!!



هي كانت في الداخل.. ومازالت تنتحب.. ومازاد في نحيبها أن عليا أهملها بشكل كلي منذ ساعات طويلة..
مثقلة بجراح غريبة متشابكة!!
مجروحة لأنها جرحته... ومجروحة لأنها تشعر بالخديعة والخيانة من طرفه..

نعم.. ليس مريضا بمرض معدي.. وأخطأت بظنها ذلك..
ولكنه تجرأ على النظر لأخرى ويوم عقد قرانهما نفسه!!

مشاعرها الرقيقة مستباحة العبرات.. ومثقلة بيأسها.. ورغم أنها رفضت الاستجابة لمحاولات علي في تهدئتها..
لكنها لم تتخيل أنه سيمل من محاولة تهدئتها بهذه السرعة.. لذا تزايد نحيبها..

أ ليست المرأة مخلوق غريب بالفعل؟!!


لذا حين شعرت بالحركة جوارها وعلمت أنه يجلس جوارها الآن تزايدت شهقاتها بتلقائية مريرة..

همس علي بحزن: شعاع ما مليتي من البكاء؟؟
والله العظيم حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفيني وعشان شيء مايستاهل؟؟

صوتها المكتوم الممزق من البكاء يأتيه عبر المخدة:
تشوف إن خيانتك لي سبب مايستاهل؟؟

علي بيأس: الله يهداش.. ياكثر ماتعذبت على ذا السالفة من عقب ملكتنا لين ليلة عرسنا..
وأنا أموت كل يوم ألف مرة لأني أظن إني تعديت على حدود ربي.. وإني خنتش فعلا!!

شعاع يعني أنتي ظنش أنا واحد ماشفت حريم في حياتي..؟؟
أنا شفت في شغلي أحلى وأكشخ وأذرب وأذكى نسوان في العالم..
وقلبي ماتحرك إلا لوحدة شفتها في الأصنصير لأنها حلالي.. لأنها أنتي..
إذا أنتي تبين تعقدين السالفة وتعذبيننا؟؟ براحتش..
لأني لو أبي أعقدها من صوبي.. بأعقدها .. لأنش ظنيتي فيني ظن السوء اللي أنا منه بريء..
لأنش هان عليش تشوفيني مخلوق حقير ماله أي أخلاق........أنا ياشعاع؟؟ أنا؟؟.....


علي ظل يتكلم ويتكلم ويتكلم.. منهمرا بيأسه وحزنه وصدمته.. كل المشاعر التي كتمها منذ الصباح!!

بينما هي كان حزنها يتضخم ويتضخم.. ليس بسبب عتابه الموجع فقط..!!
ولكن لأنها اعتادت خلال الأيام الماضية أنه لا يوجه لها الحديث إلا ويناديها بين كل عبارتين على الأقل بـ(حبيبتي) أو(قلبي)..
وهاهو الآن يسطر معلقة طويلة مصفوفة بدقة.. دون أن يخطئ مرة واحدة في مناداتها هكذا!!
بل هو منذ الصباح لا يناديها إلا باسمها !!

" أ يكون من هو خانني وفكر في سواي ثم يزيدها علي بقسوته وبروده؟!"


علي انتهى من كلامه كله وتعب من الكلام وهي لم ترفع رأسها حتى..

همس لها بإرهاق: شعاع الله يهداش قومي خلاص.. قومي كلميني..

ربت على ظهرها برفق: شعاع.. شعاع..
زين قومي اكلي شيء.. مايصير من الصبح ماكلتي شيء..

ولكنها لم تستجب له.. لذا هتف لها بجدية: تدرين إني بعد ماكليت..
ولو ماقمتي تأكلين الحين ماني بمأكل... وخلي ذنبي وأنا واحد مريض عليش أنتي!!

حينها تحركت بخفة وشعر بالانتصار أن محاولته هذه نجحت.. مع شعوره بتأثر عذب..عذب أنها لم تهتم لشيء سواه..

نهضت بذبول وهي تجلس على السرير وتمسح وجهها..
نظر لها بصدمة كاسحة.. وهو يكاد يجن حين رأى وجهها..
كان متورما محمرا بشكل متزايد.. وعيناها شديدتا الأحمرار..

همس بجزع شديد: شعاع وش سويتي في روحش.. هذا كله بكا عشان شيء مايستاهل والله العظيم دمعة وحدة من عيونش؟!

لم ترد عليه وهي تخفض وجهها وتحاول النهوض عن السرير.. لولا أنه منعها وهو يمد يديه الاثنتين ليرفع وجهها ناحيته..
نظر لها بأسى عميق وهو يمسح خديها ثم يقبل أرنبة أنفها ويهمس لها من قرب شديد بحنان عظيم: ياقلبي ياحبيبتي أنتي.. والله العظيم مافيه شيء يستاهل!!
وش اللي يرضيش قولي لي..


حين سمعت ندائه العذب لها.. دفنت وجهها بين كفيها وعادت للانفجار في البكاء..
علي شدها برفق إلى حضنه وهو يحتضنها بشكل جانبي لأنها مازالت تغطي وجهها بيدها..
لم يعد يحتمل تركها بعيدا عن حناياه لتهدئتها وتهدئة نفسه وروحه هو!!

ولكن لم تمر ثوان حتى تغيرت وضعيتها وهي تزيل كفيها عن وجهها وتخفي رأسها في ثنايا صدره وهي تحتضن خصره وتنتحب بشكل أقوى!!

علي شدها بشكل أقوى واكثر حنانا وهو يهمس بتأثر: حبيبتي أنتي وش طاقة البكا اللي عندش ذي..

شعاع همست بين شهقاتها المختنقة: كله منك!! كله منك!!

علي حينها ابتسم بشفافية غامرة: وأنتي يعني ماسويتي شي؟؟

شعاع تحاول التماسك وهي تهمس بخفوت: سويت.. بس مهوب مثلك..
ذنبي إني فهمت غلطت.. بس أنت اللي سويته كله غلط!!

علي يمسح على شعرها وهي مازالت تستكين على صدره ويهمس بدبلوماسية راقية مجللة بالصفاء:
زين أنا غلطت.. ومعترف إني غلطان.. ودفعت ثمن الغلط..
بتحاسبيني وتحاسبين روحش لين متى؟؟
ياقلبي ياشعاع.. أنا أحبش أنتي... لا حبيت قبلش ولا بعدش..
يعني شايفة ذنبي كبير لدرجة إنش ماتقدرين تسامحيني ونبدأ صفحة جديدة؟؟

شعاع صمتت تماما وهي مازالت تستكين بين ضلوعه.. وأنفاسها تهدأ لتهدئ عواصف روحه..

علي همس حينها بولع مع أنه أصبح يعرف الجواب: ها شعاع ريحيني بكلمة..

شعاع برقة زادتها نبرة البكاء رقة: لا تقول شعاع..


(يعني عادها زعلانة!!) علي بعتب: عادش زعلانة يعني ياقلبي؟؟

شعاع ابتسمت حينها بعذوبة وهي تقبل صدره مكان استكانة رأسها: الحين بأفكر أرضى!!





****************************************





اليوم التالي
.
.


" حرام عليكم جايبيني من الصبح..
عمي وخالتي كلهم جننوني.. تعالي تعالي.. يقولون من البارحة وأنتي مقفلة على نفسش
ومارضيتي تكلمين حد منهم!!
عسى ماشر؟!! ترا السالفة كلها خطبة.. مابغيتي؟؟ يفتح الله وانتهت السالفة!!"


جميلة تغلق الباب خلف مزون وتهمس بإرهاق: خلي أمي وعمي يحترقون شوي..
ماشفتيهم أشلون أمس تزاعلوا بسبة ذا الموضوع وبدون مراعاة لوجودي..
أول مرة أشوفهم يختلفون من يوم رجعت!!
واجد تضايقت!!

مزون ابتسمت وهي تلقي عباءتها على سرير جميلة وتجلس:
زين خلهم يحترقون... سالفة الخطبة ويش؟؟

جميلة هزت كتفيها بعدم اهتمام: فهد آل ليث خاطبني عشان يرضي عمي منصور!!

مزون عقدت ناظريها: وليش تقولينها كذا؟؟

جميلة بذات النبرة غير المهتمة: لأنها كذا.. واحد مثله وش يبي بوحدة مطلقة إلا لأنه يبي قرب عمي منصور..

مزون بعتب: جميلة ياقلبي.. وش القصور اللي فيش يعني؟؟

جميلة بنبرة غضب متهكمة مفاجئة مليئة بالحرقة: أبد مافيني قصور.. إلا إن ولد عمي طلقني وحذفني كني جوتي وسخ ماصدق يقطه وحن عادنا في المطار..
والناس يقولون علي كلام.. كل كلمة أكبر من الثانية..
وأبد مافيني قصور!!


مزون تشعر بصدمة حقيقية.. لأول مرة تسمع جميلة تتكلم عن طلاقها ومضاعفاته بهكذا حرقة..
فهي كانت طوال الفترة الماضية متألقة ومرحة كفراشة وهي تدعي إنها تجاوزت تداعيات طلاقها بإنشغالها بزايد الصغير...

مزون بغضب: من وين جبتي ذا الكلام السخيف؟؟ أنتي تألفين على كيفش..

جميلة بحرقة حقيقية: إذا أنتي ماسمعتي.. أو سمعتي وتحطين نفسش ماسمعتي بكيفش..
بس أنا ماراح ألعب على روحي!!
عشان يقولون علي بكرة شوفوا ولد عمها ما استحملها.. وولد آل ليث المسكين تورط فيها!!


مزون تكاد تنفجر غيظا منها: والله العظيم لو عدتي ذا الكلام مرة ثانية..
لألتش كف على وجهش يخليش تصحصحين شوي!!

ثم أردفت ولهجتها ترق بحنان: جمول ياقلبي.. ترى في العرس ماحد يجامل حد..
هذي عشرة عمر.. ولو ولد آل ليث ماسأل أمه واخته عنش.. وذابت عظامه من الوصف قبل الشوف ماكان جاء يخطب!!

جميلة بجمود: ليه عليه قاصر زين؟؟ أنا شايفة صوره مع عمي..

ابتسمت مزون: والزين يبي الزين!!
جميلة لو أنتي مقتنعة بفكرة الزواج وبفهد نفسه .. أو خلاص بلاها الفكرة كلها..

جميلة تنهدت بعمق: زين خلينا من كلام الناس ..
مزون أنا صار لي 3 سنين في دوامة.. كملت سنة من رحت للعلاج وتزوجت وتطلقت..
وقبلها سنتين وأنا مريضة بالمرض اللي أنا جبته لنفسي..
سنين مراهقتي راحت ماعشتها.. والحين ماعاد يحق لي أعيشها لأني لازم أتصرف كمره..
وعلى العموم التجارب اللي أنا عشتها تحسسني إن عمري 40 مهوب20..
ومع كذا وكذا أنا متشوشة واجد..
والله العظيم مزون من أمس وأنا أفكر لحد ماصدعت..

ما أبي أعرس لأني أبي أتفرغ لدراستي.. بس في نفس الوقت أبي أكون منطقية..
وش يضمن يرجع لي واحد مثل فهد.. لأنه كل ماكبرت كل ماقلت فرصتي..

الشيء الثاني اعترف إني مجروحة من خليفة اللي ماصدق يطلقني عشان يتزوج..
أبي أوريه إني ماني بأقل منه وهذا أنا خلصت عدتي وتزوجت مثلي مثله..
بس أرجع وأقول هذا حكي خبلان ويودي في داهية..
مافيه حد يورط نفسه.. ويتزوج عشان يغيض حد!!

أفكر من ناحية ثالثة وأقول واحد مثل فهد آل ليث وش يبي في وحدة مثلي..
أفكر من ناحية رابعة وأقول فهد هذا كله على بعضه مايناسبني..
لأن كل شيء فيه يخوف من وسامته لحدة شخصيته.. يذكرني بعمي منصور!!
تدرين إن أمي تموت من الغيرة على عمي منصور بس ماتبين.. وواجد متحملة صعوبة شخصيته..
بس أنا ماني بعاقلة مثل أمي!!

من ناحية خامسة وإلا عاشرة وإلا عشرين.. أنتي تدرين إن الدورة الشهرية تقريبا وقفت معي سنة ونص وتوها رجعت لي منتظمة من شهرين بس..
والدكتورة كانت تقول إنه احتمال يصير معي مشاكل بالحمل.. أو على الأقل يتأخر فترة لحد مايتضبط وضعي تمام..

تعبت مزون من كل شيء.. تعبت.. وما أبي أفكر في شيء...





****************************************






" عــلــــي.. عــــلـــي !!"


علي قفز من نومه بجزع: بسم الله الرحمن الرحيم.. وش فيش؟؟ ليش تصيحين وتهزيني كذا؟؟

شعاع ضغطت على قلبها وهي تنتهد وتعود لتسند ظهرها لرأس السرير.. بعد أن كانت تقف على ركبتيها وتهز علي بقوة وهي تصرخ..
وهي تهمس بصوت ذاهب الأنفاس: حرام عليك علي صبيت قلبي.. أصحيك ماتقوم.. ارتعت..

علي ابتسم وهو يضع كفيه خلف رأسه : دامش جنبي إنا طيب وبخير إن شاء الله..

شعاع همست برقة مصفاة وهي تمد يدها لتمسح شعره: جعلك طيب وبخير دوم مهوب يوم..

أمسك علي بكفها بين كفيه وهو يهتف بشجن مختلط بإبتسامته: ومافيه ياحبيبي معها؟؟

احمر وجه شعاع خجلا وهي تهمس بخجل رقيق: حبيبي ولا يهمك..

قطب علي جبينه وهمس بإبتسامة: بايخة.. لأنها مهيب من قلبش.. تسكيتة بس!!

حينها مالت قليلا لتهمس قريبا من أذنه بعذوبة خافتة: الله لا يحرمني منك ويقدرني أرضيك وأسعدك ياحبيبي ياقلبي أنت!!


يعلم أنها مازالت لا تقصدها.. لكنه لا يستطيع أن يمنع قلبه العاشق أن يُعتصر بقوة وهو يسمعها من بين شفتيها بهكذا دفء وعذوبة..
وكأن أعذب أحلامه وأبعدها تتحقق أمامه على أرض الواقع..

همس حينها بتثاقل مملوء بالولع والشجن: الحين بأقول خفي عليّ حبيبتي.. ترا قلبي مايتحمل!!






******************************





بعد يومين
.
.
.

" فهيدان من جدك أنت خاطب جميلة بنت خليفة ؟؟!!"

فهد يرتشف قهوته وهو يسند كتفيه للخلف ويهتف ببرود:
تو الناس ياحرم الدكتور.. الموضوع صار له 3 أيام..
وفهيدان في عينش ياقليلة الحيا..

عالية تبتسم: أول شي اليوم أول يوم أشوف خشتك من عقب الخطبة..
كل ماجيت مالقيتك..
وثاني شيء آسفين ياحضرة النقيب!!
وثالث شيء أنت استخفيت.. مالقيت إلا جمول..؟؟


فهد من فوره شعر بالضيق.. حتى لو كان لا يريدها.. فهو لن يسمح حتى لمن هم أصغر منه بالسخرية من اختياره..
هتف بنبرة تهكم حازمة: والشيخة عالية بعد وش عندها اعتراضات على جميلة..؟؟

عالية تهز كتفيها بمرح: ماعندي اعتراضات عليها.. عندي اعتراضات عليك!!

حينها شعر فهد بالإهانة..هتف بغضب: نعم.. عندش اعتراضات علي أنا؟؟

عالية تقلد طريقته في الكلام: إيه عليك أنت.. لا ينقص لك عرق..
ثم أردفت بجدية مختلطة بالابتسامة: أنت بصراحة ياحضرة النقيب تبي لك وحدة تشتغل في الكوماندوز ..
أو على الأقل وحدة جفسة مثل أختك علوي... مهوب وحدة تذوب رقة ونعومة مثل جميلة..


(قصدش تذوب دلع ماسخ مايلبق على شينها) فهد هتف بسخرية: زين وش تبيني أسوي ياعالية هانم...؟
أهون من الخطبة؟؟
وإلا أسكر على جميلة في صندوق قزاز عشان مانخدش رقتها ونعومتها؟؟

عالية بجدية: إلا أبيك تغير من طبايعك شوي.. بس شوي..
البنية مرت بتجربة صعبة ومرض... فاتق الله فيها..
ثم أردفت عالية وهي ترقص حاجبيها بخبث: ولو أني متاكدة إنك إذا شفتها.. بتغير طبايعك غصبا عنك وتضيع علومك وطي..

فهد بصرامة: أنا ما احتاج حد يوصيني لأني أتقي ربي قدام أشوف وجهش..
ومهوب أنا اللي تضيع علومي من شوفت أزين النسوان عشان تضيع من أشينهم...

عالية بصدمة: من أشينهم ذي؟؟

ابتسم فهد: أنتي وجميلة كلكم!!

عالية بمرح: أنا ماعليه.. بس جميلة عاد آخر وحدة في العالم ينقال لها شينة..

فهد بتهكم: أجل وش ينقال لها؟؟

عالية (بعيارة) : ينقال لها الشين كله.. لأنها بتأخذك!!






**********************************





" كاسرة تروحين معنا؟؟"


كاسرة تنتبه من سرحانها وهي تنظر لمزون ووضحى وكلتاهما تلبسان عبايتيهما وتهمس بمودة: لا اسمحوا لي.. ما أقدر!!

مزون تجلس جوارها وتهمس باستغراب: كاسرة من يوم سافر كساب وأنتي ماتطلعين من البيت إلا للشغل وجدش وبس..
اطلعي معنا اليوم بس.. كل يوم واحنا ساحبين خالتي مزنة.. تعبناها.. امشي معنا وخليها تقعد اليوم..


كاسرة تضايقت من الربط الحقيقي.. لم تكن تريد أن يلاحظ أحد أنها فعلا ماعادت تخرج من البيت بعد سفر كساب..
والسبب بسيط جدا..
كساب كان يكره أن تخرج من البيت بدون أذنه أو مع أحد غيره!!
وهو أمنها بالله ألا تفعل شيئا في غيابه كان يضايقه في وجوده..
لا تستطيع بالفعل أن تخرج وهي تعلم أنها لا تستطيع حتى استئذانه
عدا أنها فعلا ليس لديها رغبة للخروج.. روحها مثقلة بنوع غريب من الوجع!!


كاسرة همست بذات المودة: ماعليه يابنات اسمحوا لي.. صدق تعبانة ومالي خلق أطلع..

وضحى تجلس جوارها من الناحية الآخرى وتهمس بإلحاح: كاسرة أنتي حتى فساتين للأعراس ماسويتي..

كاسرة حينها همست بحزم بالغ: ياكثر هذرتكم.. يا الله قوموا.. لا تتاخرون على أمي..






**********************************





بعد ثلاثة أيام أخرى
.
.
.



" فهد .. منصور آل كساب مارد عليك عشان موضوع الخطبة!!

فهد يلتفت لصالح ويهمس بعدم اهتمام: لا مابعد!! كل يوم وأنا عنده وماقال لي شيء..

صالح بجدية: مايصير فهد.. لازم تسأل الرجال.. يعطيك كلمة.. يا لا.. يا نعم!!

فهد حينها هتف بجدية مشابهة: أنا ومنصور مابيننا ذا السوالف .. صدقني لو كان عنده رد كان رد علي بدون ما سأله..
بس أنا حاسه ذا الأيام مشغول بشيء ما أدري وش هو!!

فهد يشعر بسعادة عميقة جدا مخفية داخل روحه لأن الرد تأخر..
وذلك يعني شيئا واحدا..

أنهم غير موافقين!!


مع أن منصور آل كساب قبل أربعة أيام قال له بطريقة غامضة:
قبل مانوافق أو مانوافق... البنت توها قالت لي إنه احتمال كبير يصير معها مشاكل في الحمل.. أو على الأقل يتأخر شوي
وحن نبي نبري ذمتنا ونبلغك ذا الموضوع!!

(صدق إنها قليلة حيا!!) فهد هز كتفيه بعدم اهتمام: مايهمني ذا الموضوع.. وانا أساسا متوقع ذا الشيء قبل أخطب..
وذا الكلام مايغير رأيي في شيء...


وهاهي سعادته تتزايد أن الأيام تمر والرد النهائي لا يأتيه..
وذلك يعني كما يظن أنهم بالفعل (غير موافقين) !!







********************************





" حبيبتي لين متى وأنتي زعلانة علي؟؟"

عفراء ترتب ملابس زايد الصغير داخل الخزانة وتهمس بضيق: وأنت وش هامك من زعلي ورضاي..
سويت اللي في رأسك.. وخليت جميلة توافق عليه..


منصور يمسك بخصرها ليديرها ناحيته وهو يهمس بحنان:
ياحبيبتي خلش حقانية.. أنا جبرت جميلة؟؟
أنا حتى ماعاد قلت لها شيء من عقب أول مرة كلمتها قدامش لما شفتش زعلتي..
هي اللي جاتني بنفسها ثاني يوم في الليل وقالت إنها موافقة عليه..

عفراء بضيق أشد: زين صار لها أربع أيام من يوم قالت لك موافقتها..
ليه أم فهد ماجاتني لين الحين.. مهوب تقول إن الولد مستعجل؟؟
وش عندهم يعني؟؟ وإلا أنا وبنتي ما حن بكفو يجون لين عندنا ويخطبون ومكتفين بك؟؟

حينها ابتسم منصور وهو يقبل رأسها: إلا كفو وكفو وكفو وماغير أم زايد وبنتها كفو..

ثم أردف بنبرة مقصودة: بس أنا اللي مابلغتهم الموافقة لين الحين!! وإلا فهد كل يوم وهو متبطح عندي في المجلس.. وفي عيونه كلام ومستحي يسأل!!

عفرا باستغراب: وليه يعني مابلغتهم ماتقول إنه مستعجل..؟؟

منصور بغموض: هو مستعجل.. بس أنا عندي تخطيط معين..
ولازم أسوي توافق بين استعجاله ومخططاتي!!





******************************************





" حبيبتي ليش متوترة كذا؟؟
مايصير كل مرة نجي نروح للدكتور من ليلتها وأنتي متوترة.."

ثم أردف بمرح: وش المرض اللي تبين تلزقينه فيني ذا المرة؟؟

شعاع بتوتر: حرام عليك علي لا تزيدها عليّ.. أحاتيك بس ياقلبي..

علي يحتضن كتفيها ويهمس بحنان وولع: لا تحاتين.. ابصم لش بالعشرة وبأذن ربي إن ذا الفحص بيكون أحسن بواجد!!

شعاع وضعت رأسها على كتفه وهي تهمس برقة: زين ولو كان فحصك زين وقرر لك العلاج..
بنرجع للدوحة...؟؟ أنا اشتقت لهلي واجد!!

علي بابتسامة: لا طبعا ماراح نرجع الدوحة..
وش شهر العسل ذا.. وفي خياس لندن في الصيف وعلاج بعد..؟؟
لا ياقلبي.. إذا خلصت فحوصي بنطلع من لندن وبأوديش ذا المرة مكان من تخطيطي أنا..
خلش تشتاقين لهلش أكثر شوية بعد.. أنا ما أبي حد يشغلش عني..

شعاع احتضنت خصره وهمست بشجن: علي صدق صدق ما شغلك حد قبلي؟!!

علي احتضنها بقوة وهو يهمس بولع حقيقي: لا قبلش ولا بعدش!!

شعاع رفعت رأسها قليلا لتقبل طرف خده.. وهي تهمس برقة: تدري علي.. والله لو أدري أو أشك حتى إنك تكذب علي..
بتكون ردة فعلي شيء مايخطر على بالك!!
أنت كل يوم تعلقني فيك أكثر من اليوم اللي قبله أضعاف أضعاف...
مهوب تسوي فيني كذا وأنت نيتك مهيب صافية لي!! يمكن أتهور وأذبحك ترا!!






***************************************





" يالكسلان.. مرة بعد.. بعد مرة وحدة بس!!"

عبدالرحمن يجلس على مقعده ويهمس بإرهاق: حرام عليش عالية.. والله العظيم تعبت..

عالية بضيق: عبدالرحمن مامشيت إلا مرتين في الممر..

حينها انفجر عبدالرحمن بعصبية: بس عالية.. بس.. أنا ماني ببزر تبين كل شيء في حياته يمشي على كيفش..
هذا أنا أحاول أرضيش.. بس أنتي بعد لا تضغطين علي بذا الطريقة..
لذا الدرجة يعني متضايقة من حالتي ومنتي بمستحملتني ؟؟
إلا يعني أمشي بالغصب وإلا ما أعجب حضرة جنابش!!


عالية اتسعت عيناها بدهشة (إلى أين وصل تفكير هذا) صمتت لثواني وهي تدفع مقعده حتى أوصلته للسرير وساعدته للنهوض عليه..
ابتعدت قليلا ثم همست بحزم ودون أن تنظر ناحيته كأنها تحادث روحها:
عبدالرحمن تدري إن امهاب كمل سنة من يوم مات الله يرحمه!!

عبدالرحمن انتفض بشدة وارتعشت أنامله وهو يهتف بعصبية: مهوب أنا اللي تعلميني كم راح عليه الله يرحمه..
بأعلمش لو تبين بالساعات والدقايق بعد!!

عالية بحزم وبنبرة مقصودة تماما: يعني أنت تدري زين إنه مات ومافيه شيء بيرجعه؟!!

عبدالرحمن تصاعد ضيقه لدرجة أقصى حدود الاختناق وهو يهتف بذات العصبية: ممكن أعرف وش داعي ذا الكلام السخيف!!

حينها عادت عالية لتواجهه وهي تنظر إلى عينيه بشكل مباشر وتهمس بشكل مباشر:
عبدالرحمن لو تبي تلعب على حد.. العب على حد غيري..
أنت ظنك إني ماني بملاحظة إنه لما أطلع أنا وإياك ألاحظ إنه فيه أماكن معينة تتجنب تروح لها.. ويوم أسألك ليه ماتبيننا نروح؟؟
تقول شكلك بالكرسي هناك يحرجك..
لكن الجواب ببساطة إن هذي هي الأماكن اللي كنت تروح أنت وامهاب لها دايما..

عبدالرحمن انفجر بغضب عارم مرير: عالية ممكن تسكتين.. ما أبي أسمع شيء..

عالية بغضب أشد: لا ماني بساكتة.. يعني ظنك امهاب نفسه بيكون راضي باللي تسويه في نفسك..؟؟
أدري إنك ماتسويه عن قصد.. بس أنت في داخلك ماعاد تبي تمشي في مكان هو ماعاد يقدر يمشي فيه!!
ماتبي تعيش حياتك طبيعي من عقبه.. وكانك مستكثر على روحك الحياة..
فتقول دامني عشت عقبه.. ما أبي أعيش بعده مثل ماكنت معه..

عبدالرحمن بغضب أشد متفجر: بس.. بس.. ولا كلمة.. ولا كلمة!!

عالية صمتت على مضض وحزن عميق يغمر روحها.. لأنها رأت كيف انفعل واحمر وجهه بشدة..
لم ترد أن تزيدها عليه.. فهي تشعر تماما به!!
والمهم أنها اوصلت له الفكرة!!







*************************************






" يا الله أنا طولت الليلة عليك.. بأقوم أروح البيت!!
تلاقي أم زايد تدعي علي الحين!!"

منصور بنبرة مقصودة تماما: أفا عليك أشلون تدعي على رجّال بنتها؟؟ مايصير!!

فهد قطب جبينه بعنف ولكنه عاد لرسم ملامح الطبيعية بذات السرعة وهو يهتف بثقة:
أخيرا حنيتوا علي.. مابغيتو؟؟

منصور بثقة: تدري البنت لازم تفكر براحتها..


(ياملغ البنت ملغاه.. قال بنت قال !! ياقهري!!) فهد كان يرسم ابتسامة محترفة على وجهه وهو يستمع لمنصور
بينما كل مايريده أن يخرج حتى يلكم الحائط ليفرغ كل طاقة الغضب بداخله!!


بينما منصور كان يكمل بذات الثقة: وهي بصراحة ردت علي قبل كم يوم.. بس أنا كان عندي كم شغلة لازم أسويها..
والحين أبيك بكرة تسوي الفحص الطبي وأنا بودي جميلة عشان أبيها تخلص بسرعة لأنه عقب يومين بأوديها لبنان تشتري جهازها من هناك..

فهد مصدوم ومع ذلك هتف بثقة: وموعد العرس.. قلت لك أبيه عقب مانخلص الفحص بأسبوع بالكثير..

منصور ابتسم: عقب 10 أيام من الحين.. تاريخ 18 الشهر يناسبك؟؟

فهد يكاد يصرخ قهرا في داخله.. ومع ذلك هتف بثقة: يناسبني.. بيكون قبل أسبوعين من دورتي!!

منصور بذات الابتسامة الواثقة: خلاص كروت الدعوة صارت في سيارتك.. قلت للمقهوي يحطها..
بس لا توزعها لين تخلص الفحص الطبي.. وأظني أسبوع يكفيك توزعها وزيادة!!

فهد بصدمة حقيقية: أي كروت؟؟

منصور بذات الثقة: كروت عرسك.. كروت فخمة كأفخم مايكون للرجال وللحريم..
كروت الرجال طبعا الدعوة باسم أبو صالح.. وكروت الحريم باسم أم صالح وأم زايد..

فهد بصدمة: وأشلون سويتها بذا السرعة.. أقل شيء تبي أسبوعين!!

منصور بثقة غامرة: أسبوعين لغيري.. صاحب المطبعة واحد من ربعي..
اخترت نموذج جاهز.. وكل اللي سووه غيروا المضمون وعطى عماله أوفر تايم عشان يخلصونه في يومين..

فهد يشعر بالصداع الفعلي بينما منصور يكمل بذات الثقة:
شوف يافهد.. عرس الحريم هذا هديتي لبنتي.. والله ماتدفع فيه ريال.. وأنا خلاص حجزت القاعة بتاريخ 18..
عرس الرياجيل بكيفك فيه.. أظني مهوب صعب تلاقي حجز الخيام مقابل (اسباير)!!

فهد بضيق: أبو زايد مايصير أنت تحجز قاعة الحريم.. أمي وأختي بيزعلون..

منصور بثقة: ماراح يزعلون.. لأنه حتى مرتي مالها دعوة في الحجز.. أنا كلفت شركة تصميم أفراح تتولى المسئولية..
بأعطيكم رقمهم وخل أمك وأختك يشوفون الترتيب براحتهم..

فهد يكاد يجن منه (متى استطاع فعل ذلك؟؟) هتف من بين ضربات الصداع لدماغه: وأي قاعة حجزت للحريم؟؟

منصور بذات الثقة: الدفنة في الشيراتون..

فهد حينها انفجر يحمل نبرة الاستغراب وفي باطنه يحمل الغضب:
عاد الدفنة مستحيل تلاقيها في 10 أيام وخلال الصيف بعد!!


ابتسم منصور: هذي عاد خدمني فيها أبو كساب!!





********************************





" الدفنة يامنصور؟؟
حتى مافيها غرفة أحط بنتي فيها..
وأنا مستحيل أقعدها قدام الحريم!!"

منصور بهدوء: خلاص خليها في جناحها فوق..

عفراء غير راضية بكل ذلك ومع ذلك ليس أمامها إلا الرضوخ:
زين وش لازمتها الدفنة.. خساير على غير سنع..

حينها هتف منصور بثقة: ادري إنه سوالف العرس كلها كلام فاضي ولا له معنى.. بس أنتو يا النسوان عندكم حكي يوجع..
وأنا ما ابي أقل شيء يحز في خاطر جميلة.. أبيها تعزم كل رفيقاتها وتستانس..
وما أبي حد يفتح ثمه.. ويقول عشانها كذا وإلا عشانها كذا ماسوو لها عرس..
أبي من جا عرسها يسكر حلقه ولا يلاقي له كلمة!!


فمالا تعلمه عفراء أن الكلام الذي لم يصلها قد وصله هو.. وسمعه هو وجميلة مع بعضهما!!

.
.

قبل أكثر من شهرين



جميلة تقف مع منصور عند طابور (كاشير) المحاسبة في أحد المحلات..
بعد أن أشتريا بعض الأغراض لزايد الصغير..


يهمس صوت أنثوي خافت جدا خلفهما: هذا مهوب منصور آل كساب؟؟

فتهمس الأخرى بصوت أعلى وهي تمد نظرها: بلى.. الظاهر إنه هو..

الأولى بصوت منخفض: أش لا يسمعش.. من اللي معه؟؟ ماظنتي إنها عفرا
عفراء عادها نفاس..

الثانية بصوت أكثر ارتفاعا: لا مهيب عفرا.. أظني بنتها جمول.. اللي قطها رجالها عادها في المطار..

الأولى بجزع: بس.. يالفضيحة.. أعوذ بالله.. قصري حسش لا يسمعش الرجال..

الثانية بعدم اهتمام: والله مهوب أنا اللي قلته.. الناس كلهم يحكون..
وش اللي حد ولد عمها إنه ماحتى يتنى يوصلها للبيت إلا شيء كايد ما استحمله؟؟
الله يستر على بناتنا بستره!!


منصور انفجر تماما ولكن وضعه واحترامه لنفسه لم يسمح له بملاسنة نساء في مكان عام وخصوصا أنه رأى كيف بدأ جسد جميلة يضطرب بعنف..
ثم كيف ألقت الأغراض أرضا.. وخرجت ركضا من المحل..

توجها من فورهما للسيارة.. حاول منصور تهدئتها.. ولكنها رفضت أن تتحدث عن الموضوع مطلقا..
وهي ترجوه بين شهقاتها ألا يخبر أمها بشيء حتى لا يضايقها!!

ربما كان هذا الموقف.. من المواقف التي قربت كثيرا بين منصور وجميلة..
ولكنه كذلك أثر في كلاهما وبشكل كبير.. كبير جدا!!
حز في خاطر كل منهما إلى أعمق مدى..
جرح عميق في روح جميلة الشابة وامتهان لكرامتها..
وحزن عميق في روح منصور وهو يرى كيف تبدو هذه الصبية جبّارة أمامه وهي تدفن الجرح الذي يعلمه جيدا..
وهي تظهر سعادتها بكل ماحولها وتتدفق بألقها العفوي رغم معرفته لعمق الجرح في حناياها!!





*******************************************





اليوم التالي
.
.


" يوه صالح من جدك.. عرس أخيك 18 الشهر؟؟ "


صالح يضحك: وش فيش سويتيها أزمة؟؟

نجلاء تذهب وتعود: لأنها أزمة.. الحين وين ألاقي لي فستان يدخل في كرشي؟؟

صالح (بعيارة): وليه تتعبين نفسش.. البسي جلابية من جلابياتش واقعدي
النسوان يعني بيخلون البنات الرشيقات ويتفكرون فيك!!

نجلا بغيظ: كذا ياصويلح.. زين يوم الخميس توديني للخبر أشتري لي فستان..
عيالي ومعطلين وماعندهم شيء!!

صالح يضحك: وش الخبر بعد؟؟ القيصرية وتخب عليش!!

نجلاء تضحك بغيظ واستظراف تمثيلي : القيصرية اللي على زمانك يالشيبة احترقت والجديدة مابعد فتحوها..
وأنا مالي شغل بتوديني بتوديني..

صالح بإبتسامة مخلوطة بالجدية: قبل ما تهورين وتقولين شيء..
والله ثم والله ماتطلعين من الدوحة لين تولدين..
بتلاقين في الدوحة اللي بيكفيش..
يا الخبلة أنتي دخلتي الثامن تبين تولدين عليّ في الطريق!!

نجلاء بذات الغيظ: ياسلام عليك.. وتبيني أطلع مبهذلة.. ياقهري منك أنت وإخيك المستعجل..
ثم أردفت لنفسها وهي تتجه لدولابها:
هذا وهو ماشافها.. لو شافها يمكن بعد كان قال العرس بكرة وورطنا!!





**********************************





" خلصتي فحوصش؟؟"

جميلة بجمود: خلصتها.. وعمي مستعجل على النتيجة عشان يبينا نروح للبنان

مزون تضحك بشفافية: صدق خبلة.. وليه محزنة كذا؟؟
اسمعيني عدل جيبي فستانش والفساتين والجزم والشنط والمكياج العطور من هناك
والباقي خليه علي أنا وخالتي.. العبايات والدراعات والمخلطات والمفارش لا تحاتين.. يومين وبنخلصهم.. قبل ماترجعين من لبنان بعد!!

جميلة بحزن شفاف غريب: زين ولبست وكشخت.. وش بيغير من اللي داخلي؟؟

مزون بقلق وهي تجلس جوارها وتضع كفها على فخذها:
جميلة أنتي حد غصبش على الموافقة؟؟ عمي قعد يزن على رأسش؟؟

جميلة بنبرة مثقلة بالجمود والأسى: بالعكس ولا قال لي ولا كلمة عقب أول مرة..
بس أنا حاولت أفكر بعقلي.. وأنحي المشاعر على جنب...
فهد خيار ممتاز وأنا صليت استخارة كم مرة والله هداني للموافقة..
شيدريني إن واحد مثله بيرجع يخطبني..
ثم أردفت بمرارة ساخرة: يمكن ماعاد يجيني إلا شيبان يبون المطلقة المعيوفة!!







**************************************





بعد يومين آخران
.
.



" كاسرة يا أبيش وش في خاطرش ضايق؟"


كاسرة تميل لتقبل كف جدها وتهمس بمودة صافية : مافيني شيء جعلني فدا عينك!!

الجد بعمق: إلا فيش .. تدسين عليّ؟!! أفا عليش!!

كاسرة بتأثر: فديتك مافيني شيء!!

الجد بمودة: ليه يأبيش ماتروحين مع مزنة والبنات... أكثر وقتش قاعدة عندي!!

كاسرة تبتسم: أفا عليك ياجابر.. زهقت مني!!

الجد يبتسم: خلش من عيارة البنات... دارية إنه لو علي ما أبغيش تفارقيني دقيقة..
بس النفس لقرينها تطرب... وبنية مثلش أكيد إنها زهقت من سوالف الشيبان!!


كاسرة تتنهد بعمق.. يستحيل أن تمل من جدها..
ولكنها ملت من كل شيء.. من كل شيء.. وكيف لا تمل الدنيا بأسرها وهذا القلق الهادر يصطرخ في أعماقها..
هاهو يتجاوز الأسبوع منذ آخر مرة هاتفها فيها..
رغم أنه قال أنه سيهاتفها!!
يا الله روحها تذوي من القلق... ومرهقة من كل شيء!!
مرهقة بالفعل!!






***********************************





" الحين أبي أعرف أنت ليش تهاد ذبان وجهك؟؟
مهوب فحوصاتك كلها أنت والمدام طلعت سليمة
وهذا حن رايحين نشتري لك بشت لعرسكم الميمون
وإلا تكون زعلان عشان منصور قال الملكة تكون يوم العرس وأنت خلاص مافيك صبر؟""


فهد بعصبية: هزيع تلايط وسكر حلقك..

هزاع بغضب مختلط بإبتسامته: ياحضرة النقيب ترانا مابعد تعدينا مركز أبو سمرة..
والخوة اللي ذي أولها ينعاف تاليها.. نزلني في المركز وبأشر لحد من الأجواد يرجعني معه الدوحة..
وأنت توكل على ربك وكمل دربك بروحك وهاد الذبان على كيف كيفك!!

فهد بذات العصبية: أنت بتمنن علينا بخوتك اللي أنت عرضتها.. خلاص ولا يهمك.. إذا وصلنا أبو سمرة دور لك خوي غيري!!

حينها هتف هزاع بجدية: فهد الله يهداك وش فيك ما تتنحاكى كذا.. شاب نار قايدة!!
صحيح العصبية مهيب غريبة عليك بس عمري ماشفتك كذا..
تعوذ من أبليس... أسمع إن مزاج الواحد يعتفس قدام عرسه بس من كثر الشطة والضغط..
لكن أنت ماشاء الله.. وش الشطة اللي جاتك؟؟ فلا تفصيل ثيابك وحيا على الفلاح..
عرس الرياجيل صالح وعبدالله رتبوه وتكفلوا فيه من إلى...
توزيع الكروت أنا ونايف وعيال خالاتي كل واحد استلم له منطقة وخلصناه في يوم واحد..
وأنت عرسك عاد باقي عليه أسبوع وكل شيء جاهز..
بعض الناس يكون عرسه محدد من شهور ويجي لين آخر يوم وهو مشتط..
أنت سبحان الله ربي طارح البركة في عرسك.. ولا تعسر فيه ولا شيء!!


( هذا أصلا اللي فاقع كبدي وذابحني!!
كنت أبيه يتعسر بأي طريقة.. بس ماتعسر!!
كل شيء يمشي مثل السحر!!
ياقهري.. بأموت من القهر.. عمري ماكنت مقهور مثل ذا الأيام
مقهور !! مقهور!!"





*********************************




" تدري إني انبسطت هنا أكثر من لندن بواجد!!
لندن كان حر وزحمة وخنقة!!"


علي كان يشد على ذراع شعاع وهما يتمشيان بالقرب من قلعة أدنبرة التاريخية..
قلعة من أشهر قلاع أوربا.. ولها بعد تاريخي وحضاري عميق..
وهي تقع على فوهة بركان خامد وبناها الرومان قبل ألف عام من الصخور البركانية القاسية.. وهي تطل على كل مدينة أدنبرة من علو شامخ..
ومازالت حتى الآن مقر لكتيبة من الجيش البريطاني تسمى(الفوج الملكي الاسكتلندي)
على الرغم من أنها مفتوحة للسياح والمتاحف داخلها مجانية..

علي هتف بمودة: أدنبرة بلد رايقة.. والاسكتلنديين أساسا طيبين..
وطبيعتهم وجوهم أحسن من لندن ألف مرة..
بس هي مافيها أشياء كثيرة تشوفينها.. اليوم شفتي القلعة..
باقي الضواحي التاريخية والمدينة القديمة وحديقة الحيوان عندهم أهم حديقة حيوان في العالم..
بنقعد يومين بس..
وبأوديش مكان ثاني بعد قبل نرجع الدوحة..

شعاع بإبتسامة شفافة: وين بعد؟؟

علي بمودة غامرة: إيطاليا.. بأوديش فينيسيا..ثم روما وميلانو منها تتفرجين ومنها تتسوقين لأهلش وصديقاتش!!
ولا تنسين ترا مزون لازم تجيبين لها بروحها شنطة كاملة.. وأعتمد على ذوقش الحلو..
هذي عروس..!!

شعاع بشفافية ودودة: أبشر من عيوني الثنتين!!





************************************




" سميرة ياقلبي.. محتاجة فلوس؟؟"

سميرة تزيح جهاز الحاسوب جانبا حتى تشير لتميم بمودة: لا حبيبي..
لو بغيت لا تخاف بأطلب منك..

تميم بأريحية شاسعة: ما أدري حبيبتي أخاف يقصرش شيء وماتطلبين..
وأنتي ماشاء الله داخلة على ثلاث أعراس.. واكيد تبين هدية لكل عروس..

سميرة وضعت يديها على رأسها ثم أشارت له بمرح:
لا تذكرني يرجع لي الصداع..
كله كوم وعرس جميلة كوم..
أنا مالحقت طبعا أهديها شيء في زواجها الأول.. فلازم أعوضها الحين..
وخصوصا إن العريس ولد عمي بعد!!

ابتسم تميم: يعني تبين فلوس؟؟

ابتسمت سميرة: الحين عندي.. وأنت توك عطيتني..
لكن دامك مصر خلاص ما أبي أردها في خاطرك بعدين يجيك إحباط..

تميم اتسعت ابتسامته: لا لا تخافين علي من الأحباط..

سميرة قفزت لتقبل رأسه ثم مدت يدها وأشارت بمرح:
بلى بيجيك إحباط وأنت ماتهون علي... يا الله قبضني عشان خاطرك بس!!






****************************************






" منصور الله يهداك.. روعتني أنا وجميلة عليك..
البنية لابسة قاعدة تنتظرك تروحون المطار..
تتصل تقول السفرة تأجلت لبكرة.. لا وتتأخر علي ذا كله
بغيت أموت من المحاتاة!!"


منصور وجهه مسود ومثقل بأسى غريب:
الحين الواحد لو راح في حرب وإلا دفاع عن بلاده.. كان قلنا ماعليه.. شهيد والموت مامنه مهرب..
بس عاد التدريبات المفروض تكون آمنة على عيالنا... مهوب يروحون في شربة ماي لأنه حن قصرنا في توفير تدريبات آمنة..

عفراء بقلق متعاظم: حد من عيالك صار له شيء؟؟... هم ماخلصوا تدريباتهم أمس عشان كذا حددت السفر اليوم..؟؟

منصور بذات الأسى المتعاظم: عيالي خلصوا.. بس فرقة ثانية من فرق الصاعقة كانوا يتدربون اليوم..
وانهار فيهم مبنى التدريب اللي معد للتدريبات...
ثم أردف بغضب: شكلهم بانينه من كراتين.. العيال حطوا المعاول في الطوفة عشان يطلعون.. انهار..

عفراء بصدمة وأسى: كم عددهم...وعسى ماحد منهم إصابته كايدة؟!!

منصور بذات الأسى الذي لا يستطيع منعه من تسلق روحه: واحد من العيال وواحد من المدربين..
وما أدري عن إصاباتهم.. ماخلونا نقرب منهم وشالوهم على طول في الهيليكوبتر!!





************************************






" حبيبي .. كساب ماكلمك ذا اليومين؟"

زايد التفت لمزنة وهو يمد سبابته ليمسح على شفتيها ويبتسم:
ياحلوها ذا الكلمة من بين شفايفش.. لها طعم ثاني!!
وكساب لا ماكلمني له أكثر من أسبوع!!


( ومادمت تحبها من بين شفتي.. فلماذا حرمتني من سماعها من بين شفتيك؟؟)
مزنة حاولت أن تبتسم: تخلي الواحد يندم لا قال كلمة عفوية..

زايد بعمق غريب: وحلاتها إنها عفوية!!

وجع غريب أيضا يغزو روحها حاولت تنحيته جانبا وهي تسأل باهتمام:
وكساب عادي يطول ذا كله بدون اتصال؟؟

زايد بتلقائية: عادي جدا.. وممكن أسبوعين وثلاثة بعد..
ليش تسألين؟؟

مزنة صمتت.. ماذا تقول له؟؟ قد يكونون لم يلاحظوا أي تغيير على كاسرة عدا عدم خروجها من البيت.. لانها خارجيا تتصرف تماما كما كانت تتصرف دائما..
ولكن ليس على أمها.. وهي تلاحظ ذبول عينيها.. وتنهيدتها المرة المكتومة حين تسألها عن كساب..


مزنة أجابت بثقة: شفته طوّل شوي.. عشان كذا اسأل عنه.. يعني تأخيره أبد مهوب طبيعي وخصوصا إنه مايتصل..

ابتسم زايد بفخامة وغموض وهو يتفهم سبب سؤالها: قولي لكاسرة لا تهتم.. بيتصل فيها قريب!!

مزنة همست بشفافية: ما أقدر أنصحها بشيء ما أقدر عليه.. في ذا الشيء أعتبر بنتي أقوى مني بواجد..
أنت بسم الله عليك لو سافرت أسبوع بدون حتى ماتتصل فيني.. بأستخف!!

حينها همس زايد بعمق وهو يشد أناملها بين كفيه:
صدق وإلا كلام مجاملات؟؟

رفعت مزنة كفه إلى عذوبة شفتيها وهي تهمس بإبتسامة رقيقة: كلام مجاملات!!






***********************************




اليوم التالي..
.
.


" أخيرا تكرمتي علي تروحين معي..
وإلا خلاص ماتبين إلا مرت أبيش؟!!"

مزون تميل لتقبل كتف خالتها المجاورة لها وكلتاهما تجلسان في المقعد الخلفي للسيارة وتهمس بمودة صافية:
أنتي عارفة زين إني ما ابي خوة حد غيرش..
بس أنتي مشغولة مع زايد الصغير..
ولولا إنش تبين تخلصين تجهيز جميلة ماكان خليتيه أساسا..

عفرا بعتب: وجميلة ويش وأنتي ويش.. مهوب كلكم بناتي؟؟

مزون تبتسم بحنان: ياخالتي ياقلبي.. أنتي عارفة زين إني حتى تجهيز جميلة كنت أقول لش خليه علي دامها راحت لبنان!!
لأني أدري إنش ماتحبين تخلين زايد..

عفراء بذات نبرة العتب: هذا انا خليته عند كاسرة وش بيجيه يعني؟؟

مزون تبتسم: بيجيه إن كاسرة بتتصل بعد ساعة وهي تشد شعرها
لأنه مارضى يرضع المرضاعة.. وفقع رأسها بالصياح.. وبنرجع وحن ماخلصنا شغلنا..
فأنتي اكتبي لي قائمة بكل اللي تبينه وخليه علي...
لازم نخلص كل شي قبل ترجع جميلة من لبنان..
مع إنه سبحان الله ربي ميسرها لها... خبيرة التجميل اللي كنت أبيها.. قالت لي على وقت عرسي أساسا بتكون مسافرة..
لما اتصلت عليها أبيها بس تعطيني أرقام لأي حد ممكن يزين جميلة
لأني شكيت إنه ممكن ألقى لها حد عدل..
قالت لي هي بتزينها بنفسها لأنه سفرها ثاني يوم في الليل.. وهي تيك الليلة فاضية وماتبي تردني مرتين!!






**************************************





" وش عندش اليوم تكرمتي علينا واتصلتي عشان أطلعش؟؟"

عالية بإبتسامة مرحة وحماس: يووووه يانويف مشتطة عشان عرس فهد..
لو شفت بس ترتيبات العرس شيء خيال... عم العروس هذا ذوق ياربي ذوق بشكل
والحين قاصرني أشياء واجد عشان العرس.. وأبي شكلي خيال مثل الترتيبات عشان نطلع طقم!!
وأبي ألحق أخلص اليوم..
وماحد بيستحمل غثاي غيرك..

نايف بتأفف باسم: أما عاد خيال في أحلامش.. خلي الخيال للترتيبات وبس!!
وبعدين حضرة الدكتور وينه؟؟ أعرف إنه يحب يوديش حتى لو كان مع السايق..


عالية تنهدت في داخلها بعمق.. فهناك خلاف يتسع بينها وبين عبدالرحمن.. والجو بينهما غير صاف إطلاقا..
فهو يتهمها أنها ماعادت تحتمله وأنها ملت منه بسرعة لذا تضغط عليه ليمشي!!

وهي تعلم أنه يعلم أن هذا غير صحيح.. ولكنه يتهمها حتى لا يتجاوب معها في قضية علاجه..
وكلما حاولت التحدث معه في هذا الموضوع ثار بعنف.. وخصوصا أنه تأثر بشدة من ذكرها لامهاب في الموضوع..

مع كل ذلك التعقيد.. فهما لم يظهرا أبدا مشاكلهما من بينهما .. وابتسمت وهي تجيب نايف:
حضرة الدكتور مايقصر.. بس ليه أتعب حبيبي وأنت موجود..

نايف يضحك: كذا ياعلوي .. ترا بأرجعش للبيت عادنا قريب ..

عالية برجاء مرح: لا تكفى نويف حبيبي.. والله ماعندي وقت فاضي إلا اليوم
لأنه من بكرة بنبدأ نرتب جناح فهد..

حينها هتف نايف بخبث يخفي وراءه أملا كبيرا: زين بس لازم تقدمين مقابل لخدماتي..

عالية تضحك: يالزطي.. نعم وش تبي؟؟

نايف بشكل مباشر صادم: أبي أسمع صوتها بس!!

عالية باستغراب: من هي ذي؟؟

نايف بثقة مختلطة بالرجاء: جدتي.. من يعني؟؟ وضحى.. مرتي!!

عالية بصدمة: وضحى؟؟ وأشلون أسمعك صوتها؟؟

نايف بثقة: اتصلي فيها وحطي على السبيكر.. بسيطة!!

عالية برفض باسم: آسفة نايف.. ما أحب ذا الطرق الملتوية!!

نايف بغضب مرح: نعم علوي من هي ذي اللي ماتحب الطرق الملتوية..
علوي أم المقالب.. اعتبريه مقلب..
وإلا حلال عليش حرام علينا!!

عالية تضحك: نايف لا تمسكها لي ذلة.. أنا كنت أكلمه برضاه وهو يكلمني برضاي..

نايف بنفاذ صبر: علوي خلصيني.. تراها مرتي ماطلبت شيء ..حرام عليكم..
لا شوفة مثل الناس.. وحتى الصوت ممنوع..!!

عالية تضحك وهي تستخرج هاتفها: زين لا تموت علينا بس!! نسمعك صوت المدام..

نايف شعر حينها أنه يريد أن يقف كل شيء حوله كما وقف قلبه انتظارا لسماع همساتها التي أرهقه التفكير في نغماتها وصداها..
فهولا يوجد لديه سوى التفكير...
سبحان الله كيف تكون خالي البال والروح.. وحين ترتبط بإنسان ما تجد تفكيرك يتدفق تلقائيا نحوه ليشغلك كل ما يخصه..
لم يكن يريد الزواج.. ولكن ما أن ارتبط اسمه بها حتى وجدها تشغل تفكيره كما هي فطرة البشر السليمة!!

تعالى رنين الهاتف.. ودقات قلبه تتعالى معه..
وهو يسب ويشتم في داخله.. لأن الهاتف يكاد يصمت من الرنين دون أن يرد عليه أحد..

وكاد قلبه يتوقف فعلا حين سمع الرد وهمسها يتعالى في فضاء السيارة في الثانية الأخيرة قبل أن يصمت الهاتف عن الرنين.............






*********************************





" أصب لك قهوة بعد؟؟"

خليفة يشير بيده وهو يهمس بهدوء: ما أبي قهوة بس جيب لي أحمدوه أسلم عليه..

جاسم يضحك: الله يعين أحمدوه عليك أنت ومرتك مصيتوا عافيته..
الحين خل مرتك تخلص منه وبيتصلون علينا..
ما أدري متى بتيبون لكم واحد وتفتكون من حلق ولدي؟!!

خليفة بسكون: الله كريم!!

جاسم باهتمام لا يخلو من غضب : وش فيك متضايج؟؟ لا يكون عشان عرس طليقتك عقب جم يوم؟؟

خليفة قفز واقفا وهو يهتف بصدمة حقيقية: نعم؟؟ عرس جميلة عقب كم يوم؟؟







**********************************





" ها زيودي الحلو..
نبدل ملابسك أول؟؟ وإلا نشرب حليبة أول؟؟"


كانت كاسرة تناغي زايد الصغير وهي تحمله بين ذراعيها وتفتح باب جناحها متجهة للداخل وهي تحمل حقيبته على كتفها..

كانت تريد أن تضعه على السرير حتى تعد الحليب له..

لولا الصدمة الكاسحة التي وجدتها في الغرفة والتي جعلت تفكيرها كله يُنسف وهي تضع الصغير على السرير دون أن تشعر حتى..
وهي تتجه لما رأته لتتأكد بنفسها !!




#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 27-01-11 07:35 AM



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الأمس واليوم
كما هو بارت اليوم

بارت اليوم و بالفعل بارت بين الأمس واليوم
يحمل كثيرا من معنى اسم الرواية
كما سترون
.
.

بالنسبة لموضوع زواج جميلة
ستتفجر مفاجأة من العيار الثقيل
شيء لم يتوقعه أحد.. ولكنه سيجيب على كثير من الأسئلة التي أثرتموها وأثارت استغرابكم
وكنت أحيانا أجيبكم بطريقة متباعدة حتى يكون السبب مفاجأة لكم
.
.
الجزء 84
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولاقوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم / الجزء الرابع والثمانون





نايف شعر حينها أنه يريد أن يقف كل شيء حوله كما وقف قلبه انتظارا لسماع همساتها التي أرهقه التفكير في نغماتها وصداها..
فهولا يوجد لديه سوى التفكير...
سبحان الله كيف تكون خالي البال والروح.. وحين ترتبط بإنسان ما تجد تفكيرك يتدفق تلقائيا نحوه ليشغلك كل ما يخصه..
لم يكن يريد الزواج.. ولكن ما أن ارتبط اسمه بها حتى وجدها تشغل تفكيره كما هي فطرة البشر السليمة!!

تعالى رنين الهاتف.. ودقات قلبه تتعالى معه..
وهو يسب ويشتم في داخله.. لأن الهاتف يكاد يصمت من الرنين دون أن يرد عليه أحد..

وكاد قلبه يتوقف فعلا حين سمع الرد وهمسها يتعالى في فضاء السيارة في الثانية الأخيرة قبل أن يصمت الهاتف عن الرنين...

همسها الرقيق الرزين الهادئ: هلا علوي!!
غريبة متذكرتنا.. من عقب الدكتور وأنتي ماتعبرين حد!!

نايف يهف على نفسه بحركة تمثيلية وهو يهمس لعالية بصوت منخفض:
ياويل حالي.. هذا الصوت الأنثوي مهوب صوتش اللي تقولين مكينة سيارة خربانة!!

عالية تشير له بيدها (زين أوريك) وهي تهمس لوضحى بمرح: أبد طريتي علي يا الدبة..
كان عبدالرحمن اليوم يحكي لي إنه درسش مرة مادة اختيارية!!

نايف انعقد جبينه بغضب (يعني هو يدرسها وأنا حتى ما شفتها!!)
وضحى ضحكت برقة: يا النصابة.. أنا سجلت المادة كانت بدون اسم دكتور..
ويوم خذها ولد عمتي... رحت وحذفتها على طول!!

عالية تضحك: زين أنتي شكلش في السيارة!! شأخبار تجهيزاتش؟؟

وضحى بهدوء: هذا إحنا رايحين جايين.. الحين رايحين أنا وأمي للسيتي سنتر!!
توصين شيء؟؟

عالية بعفوية: تسلمين.. حتى أنا بأروح للسيتي... بس بأمر السد أول..

وضحى تبتسم: كان ودي أقول أشوفش هناك... بس أنا بأنزل هناك الحين.. وعلى ماتجين بأكون رحت..
خلينا مرة نطلع كلنا سوا.. أنا وأنتي وسميرة ومزون!!

عالية بإبتسامة: خير.. ليش لا؟؟

تبادلا بضعة عبارات قبل أن ينتهي الاتصال لتتفاجأ عالية بالطريق همست باستغراب:
وين رايحين؟؟

نايف بثقة: للسيتي..

عالية بذات الاستغراب: بس أنا قلت لك أبي السد اول..

نايف بثقة باسمة: وأنا أبي أشوف زولها من بعيد..

عالية انفجرت بالضحك: تدري إنك استخفيت والله العظيم!!

نايف يضحك: من عاشر القوم.. خمس سنين وأنا معاشر خبلة من درجة المجانين الخطرين..لازم تظهر التأثيرات!!







*********************************






" أصب لك قهوة بعد؟؟"

خليفة يشير بيده وهو يهمس بهدوء: ما أبي قهوة بس جيب لي أحمدوه أسلم عليه..

جاسم يضحك: الله يعين أحمدوه عليك أنت ومرتك مصيتوا عافيته..
الحين خل مرتك تخلص منه وبيتصلون علينا..
ما أدري متى بتيبون لكم واحد وتفتكون من حلق ولدي؟!!

خليفة بسكون: الله كريم!!

جاسم باهتمام لا يخلو من غضب : وش فيك متضايج؟؟ لا يكون عشان عرس طليقتك عقب جم يوم؟؟

خليفة قفز واقفا وهو يهتف بصدمة حقيقية: نعم؟؟ عرس جميلة عقب جم يوم؟؟

جاسم بذات النبرة الغاضبة: إيه عرسها عقب جم يوم...
زايد اتصل في أبوي يأخذ موافقته... مسكين أبوي.. ما عاد خليت له ويه..

خليفة بذهول موجوع وهو مازال واقفا: جميلة بتزوج؟؟

جاسم بعتب غاضب: وأنت وش فيك تدودهت.. اقعد.. اقعد.. لاينقص فيك عرج..
لا تكون تبي تروح تخرب عرسها مثل ماخربت زواجها من ولد خالتها أول مرة..

خليفة عاد للجلوس وهو يهمس بيأس عميق مثقل بالجرح: تدري زين إني ما أقدر أسوي شيء..
بس تفاجأت.. توها من أسبوع بس خلصت عدتها..
ماهقيتها ممكن تسويها وبذا السرعة.. معقولة؟؟


جاسم بنبرة عاتبة: زين.. أنت تملكت عقب طلاقها بشهر وتزوجت عقب شهرين ونص..
ولا تقول أنا السبب.. لأنه كل شي كان خيارك بروحك!!
مشكلتك خليفة اللي ما تتناسب مع عقلك .. إنك متسرع وايد.. ويوم تعصب تسوي مصايب..
مثل اللي سويته ثاني يوم ردتك من السفر مع جميلة..
خذتني أنا وأخوك محمد.. لأنك عارف إنه دم الشباب ماخذنا مثلك.. ومعصبين معك..
ماقلت لأبوي لأنك عارف زين إن أبوي كان بيردك..
وعقب ماحتى رضيت تقول له إلا عقب ماصار يلح عليك تراضي بنت عمتك..

يعني هو قال لزايد خلها ترد بنفسها عقب طلاقكم بأسبوع على أساس إنها في العدة وكان يبي يرد كرامتك شوي بهالكلام..
لكنه يا عندك.. وقال لك حتى لو أنا قلته ما أرضى على بنت عمك.. وتعال نراضيها.. مهما كان بنية يتيمة..
وأنت تتهرب منه.. ماتبي تقول له إنك طلقتها (بالثلاث) وأثبتها في العقد..
وإنك خلاص ماتقدر تردها..
والمشكلة إنك ندمت واحترقت وعقبها بكم يوم.. بس وش الفايدة؟؟

وعقب عشان تتهرب من زايد اللي كان يبي يصلحكم وأنت تتهرب من اتصالاته..
خطبت اخت مرتي.. عشان ماعاد يفكرون بهالسالفة..وسويت نفسم مجبور..
وحتى لو أنا جبرتك.. يمكن كنت أبيك مرة وحدة تسوي الخيار الصحيح...

المشكلة إني ما أدري أنت ليه ماكنت تبي يوصلها إنك طلقتها بالثلاث...
لدرجة أنك تتهرب من إرسال العقد لها لحد ماخذه عمها بالغصب قبل فترة بسيطة!!
مهتم من مشاعرها يعني عقب ماطلقتها وأنت توك في المطار؟؟؟

أنا ماعاتبتك أبد لأني كنت حاس بحسرتك وماكنت أبي أزيدها عليك..
بس خلاص الحين طلع جميلة من رأسك وعيش حياتك..
ترا مرتك ما تستاهل منك التهميش اللي أنت معيشها فيه!!


خليفة بقهر: ليه ياجاسم مامنعتني وقتها.. كان قلت لي طلقة وحدة تكفي ترد كرامتك وزيادة..
أنا كنت بأموت من الويع.. بغيتها تدري إني بعت مرة وحدة مثل ماهي باعت..
ظنيت إني ماراح أندم.. حزتها الزعل والقهر أعموا كل تفكيري..
لكن بعد ماسويتها.. ماهان علي يوصلها الخبر.. موكفاية إني طلقتها..
ليه أعورها بإهانة مثل هذي..
الله ياجاسم لو الزمن يرد بس.. لو أقدر أرد أمس.. لو أقدر!!

جاسم وقف وهو يهتف بحزم: وأمس ماراح يرد.. وأنت ولد اليوم..
بأروح أييب لك أحمدوه..
وانتبه على مرتك لا تضيعها من إيدك بعد!!
ترا مافيه مرة ترضى تبات في حضن ريال وهو يفكر في غيرها..






**********************************





" ها زيودي الحلو..
نبدل ملابسك أول؟؟ وإلا نشرب حليبة أول؟؟"


كانت كاسرة تناغي زايد الصغير وهي تحمله بين ذراعيها وتفتح باب جناحها متجهة للداخل وهي تحمل حقيبته على كتفها..

كانت تريد أن تضعه على السرير حتى تعد الحليب له..

لولا الصدمة الكاسحة التي وجدتها في الغرفة والتي جعلت تفكيرها كله يُنسف وهي تضع الصغير على السرير دون أن تشعر حتى..
وهي تتجه لما رأته لتتأكد بنفسها !!


كان دولاب كساب المغلق مفتوحا.. كاسرة شعرت بالتوتر أن يكون هناك من دخل للسرقة..
ولكنها تشجعت من سيسرق في وضح النهار وهم مازالوا بعد صلاة العصر بقليل؟!!

ولكنها عادت للتساؤل: من سيفتح خزانة كساب إذن؟؟

حين أطلت في الخزانة.. صُعقت تماما مما رأته داخلها!!


" كيف؟؟ يستحيل؟؟
شيء غير معقول!!
وكيف يخفي عليها شيء كهذا؟؟
ولماذا يخفيه أساسا؟؟ فلا داعي أبدا لإخفاءه"


كانت مصدومة تماما مما تراه أمامه.. وزادت صدمتها صدمات وهي تسمع الصرخة العالية الغاضبة:

"كاسرة!! "

استدارت للخلف كما لو كانت مغيبة الشعور في حلم عذب..
أحقا ستراه الآن؟!!
وبعد أسبوعين فقط من غيابه وهو من قال لها شهر؟؟
إن كانت بالكاد احتملت الاسبوعين.. فكيف ستحتمل الشهر إذن؟؟


حين رأته واقفا أمامها ..
ما رأته فيه جعلها تنسى كل شيء.. وجزعها عليه ينسيها لهفتها له وصدمتها لما رأته في خزانته..

بينما هو حين خرج من الحمام ورأى ظهرها كاد يركض نحوها لشدة لهفته لها..
فهو كان اتصل بهاتفها ولم ترد لأنه كان بداخل حقيبتها في غرفتها..
وحين سأل والده عنها قال له أن الجميع خارج البيت.. لذا حين رأها هنا.. شعر أن أسرابا من حمائم البهجة حلقت في روحه!!

ولكن حين رأى أنها رأت مابداخل الخزانة تحولت لهفته لغضب شديد.. أعماه عن كل شيء..
أعماه حتى عن رؤية التماعة الدموع والقلق والخوف عليه في عينيها..!!

وهو يتجاوزها دون أن يلمسها حتى.. دون أن يسمح لها أن تعبر عن جزعها ورعبها.. وهي من كانت تمد يديها له!!

وكأن كل همه أن يغلق الخزانة وتفكيره يتوقف حتى أغلقها..
ثم وهو يصرخ بها بصرامة: أنت أشلون تفتحين الدولاب وتطلين فيه وأنا ماني بموجود؟؟

كاسرة بصدمة حقيقية مؤلمة وهي تنزل يديها بتحسر: نعم؟؟ أنا لقيته أساسا مفتوح..

كساب بغضب حقيقي ليس منها ولكن من شيء آخر.. آخر أثقله بالحزن:
ولو لقيتيه مفتوح ليش تطلين فيه؟؟

كاسرة تتاخر وهي تمنع نفسها أن تظهر عبرتها المختنقة في صوتها وهي تهمس بحزم:
آسفة.. السموحة.. فرقت على إني عرفت ذا الشيء بنفسي مهوب منك..
لا تحاتي.. ومتى كنت أطلع اسرارك؟!!

كساب تنهد بألم وهو يقترب ليقبل جبينها فهو للتو شعر بنفسه وبما فعله فيها.. لكنها تأخرت ولم تسمح له بذلك..
جلس حينها على أحد المقاعد وهو يهتف بثقة يخفي خلفها خيبة أمله:
أشلونش؟؟ وأشلون هلي وهلش؟؟

كاسرة بصدمة: أشلوني؟؟ واشلون هلي وهلك؟؟
هذا اللي عندك؟؟
ثم أردفت بتهكم موجوع: حن طيبين.. أنت اللي أشلونك؟؟ وسلامات!!


كانت موجوعة تماما وتريد أن تنفجر في البكاء وهي ترى يده المغمورة في الجبس...
ووجهه الممزق بعشرات الجروح الصغيرة التي لم تستطع إخفاءها عشرات اللصقات الصغيرة...
كانت تريد أن تقترب لتغمر كل جرح صغير بعشرات من قبلاتها الجزعة المشتاقة الوالهة..
ولكنه نحر مشاعرها وخوفها وهو يجبرها على تنحية كل شيء جانبا وتمثيل البرود حفاظا على كرامتها التي صفعها دون رحمة..


من جانبه شعر بضيق عميق.. أن يكون مصابا بكل هذه الإصابات ولا تجامله حتى بإظهار بعض الجزع.. أو حتى بقبلة باردة على جبينه!!
بأي شيء يظهر أن هناك نوعا من الإحساس بين جوانحها الصقيعية!!

وهو لا يعلم كم جرحها تجاوزه البارد ليديها المدودتين نحوه بجزع والتي لم يبصرها أساسا..
بينما تظن هي أنه أبصرها ولكنه تجاوزها عمدا!!


هتف لها حينها بتهكم كتهكمها: الله يسلمش.. بسيطة..

همست له بوجعها العميق المخفي خلف حزم صوتها: أدري إنها بسيطة..
مهوب أنا متزوجة جيمس بوند على غفلة..

هتف لها بوجعه الأعمق.. الأعمق بكثير المخفي خلف حزم أشد:
ماقصرتي.. يأتي منش أكثر يا بنت ناصر..

صمتت.. لأنها كانت تعلم أنها لو همست بكلمة واحدة فقط فستنفجر باكية ولن يسكتها شيء.

وصمت لأنه موجوع بشدة منها وموجوع أكثر من قبلها..

الصمت يحل بينهما وهما يتبادلان النظرات.. نظرات ماعادت تحمل أي معنى لشدة ماحملت من المعاني.. وتفجرت!!!

لم يخرجهما من جوهما الغريب سوى صراخ طفل باك..

كساب انتفض بصدمة: وش ذا؟؟

بينما كاسرة مالت بجزع على زايد الصغير وهي تهمس بحنان جزع عفوي إلى درجة الوجع:
سامحني ياقلبي.. آسفة نسيت أسوي لك الحليب..
الشرهة مهيب عليك.. الشرهة على الكبار اللي مافي رووسهم عقل!!

كساب للحظات ظل مصدوما غير قادر على استيعاب وجود هذا المخلوق الصغير في غرفته..

" تقول لولد عمي ذا النتفة ياقلبي..
وحن كملنا سنة وزيادة من يوم تزوجنا ماسمعتها من ثمها؟!!
يعني هذي هي تعرف تقولها.. وأنا كنت أظن الكلام الحلو ممسوح من قاموسها!! "



كساب جلس على المقعد وهو يتألم بشكل كبير كبير من ملامسة أطراف المقعد للجروح العميقة المنتشرة في أنحاء مختلفة من جسده..
ولكنه كان مشغول تماما بمراقبة كاسرة!!


كاسرة رغم إحساس المرارة الذي يخنقها.. ولكنها حاولت تنحية كل مشاعرها السلبية جانبا.. وهي تضم زايد الصغير لصدرها وتحاول تهدئته..

رغما عنه تصاعد في داخله إحساس غريب بالغيرة..

" أ يتنفس هذا المخلوق الصغير المغبر عبق أريجها وهو يتمدد كملك في حضنها
بينما أنا أذوي شوقا لمجرد ملامسة أناملها؟؟"

ثم حين رأى انشغالها به وهي ترضعه ثم تغير ملابسه.. تصاعد في روحه إحساس مختلف بالمرارة وهو يتذكر رغبتها في طفل لم يرزقهما الله به..
وزادها هو عليها بقوله أنهما لا يصلحان أبوين..
كان يراها أمامه تتدفق حنانا غامرا عفويا لطفل ليس طفلها.. بل حتى لا يمت لها بصلة قرابة مباشرة!!

يتمنى في أحيان كثيرة لو عاد به الزمن.. حتى لا يجرحها بهكذا اتهام.. يعلم أنه آلمها به كثيرا..
ولكن الزمن لا يعود وتأثير ماحدث فيه سيبقى...
والكلمة حين نقولها لا نستطيع استطاعتها!! وتأثير وجعها سيبقى كذلك!!!!







*********************************





" يأبيش.. ماشريتي شيء!!"


جميلة باستنكار رقيق: ماشريت شيء!! أظني مابقى شيء في لبنان ماشريته..
أحاتي الوزن أصلا اللي بيكون معنا في الطيارة..

منصور بجدية: أنا ما أشوفش شريتي شيء..

جميلة تبتسم : فديتك والله اشتريت كل اللي أبيه وزيادة..
وأنت حتى ماخليتني أصرف شيء من مهري.. غير إني عندي فلوس والله العظيم..
وحتى سماوة زايد حطيتها أنت في حسابي بعد!!

منصور بغضب: شكلش تبين تزعليني..

جميلة قفزت لتقبل رأسه وهي تهمس بمودة: فديت عينك كله ولا زعلك!!

منصور بمودة وحنان: ليه يأبيش حاس إن خاطرش حكي.. تبين تقولين شي قوليه..

جميلة بتردد: والله العظيم إني ما أحس إن لي إب غيرك أنت وعمي زايد..
بس مهما كان عمي أحمد هو الوحيد الباقي من هل إبي..
أنا كنت أبي أقول لك تأخذ موافقته.. بس خفت من ردة فعلك..

ابتسم منصور: لا تحاتين يأبيش.. عمش أحمد يدري وموافق..

جميلة بيأس: تدري عمي.. يمكن هو حكي ماله فايدة ولا حتى قيمة..
بس أنا أستوجعت واجد إنه عمي أحمد ماحاول أبد يراضيني عقب طلاقي من خليفة..
حتى لو ما تراضينا.. كانت تكفيني محاولته!!


منصور ابتسم: أنا عكسش كنت خايف إنه يحاول يراضيكم وترجعين لخليفة
وذا الشيء أنا مستحيل كنت أوافق عليه... واحد سوى فيش كذا والله ما أخليش ترجعين له حتى لو حفا وراش!!
بس أحمد أساسا ماكان يقدر حتى لو كان يبي!!

جميلة عقدت حاجبيها باستغراب.. بينما منصور أكمل بثقة وهو يخشى من أثر ماسيقوله عليها ولكنها يجب أن تعلم :
وأنا أساسا ماعرفت ذا الشيء إلا قبل 3 أسابيع.. لأني من فترة ألح على خليفة يرسل لي عقد طلاقش..
ويوم شفته يماطل قلت له بأروح أطلع نسخة من المحكمة.. فهو أرسل لي نسختش من العقد..

جميلة بتوجس مرعوب: ليه العقد وش فيه؟؟

منصور شد له نفسا عميقا: خليفة طلقش بالثلاث!! وواجد تضايقت أنا وزايد من الموضوع..


جميلة انهارت على المقعد وهي تهمس بذهول بكلمات مبتورة: بالثلاث!!
ليه أنا وش مسوية فيه؟؟ ذابحة أمه وإلا إبيه؟؟
يعني حتى ماكان يبي يفكر مجرد تفكير إنه ممكن يستخف ويرجعني!!
ليه يجرحني بذا الطريقة؟!! ليه؟؟

منصور كان يعلم أنها ستتأثر لكن ليس لهذه الدرجة وهو يرى جسدها يرتعش وعيناها تغيمان بالدموع..
منصور اقترب منها وهو يهمس لها بحنان: يأبيش أنا ماخليتش تشوفين عقد زواجش أول ماخذته..
عشان مابغيتش تأثرين وتوافقين على فهد من الحرة على خليفة..بغيتش توافقين بدون ضغط..

بس الحين قلت لازم تدرين.. عشان تطوين ذا الصفحة من حياتش..
أنا ما أعيب أبد على خليفة.. خليفة رجّال فيه خير بس ماصار بينكم توفيق وهو ماعرف يتصرف..
وإن شاء الله إن توفيقش مع فهد.. أدري إنه بيتعبش أول الأيام مثل ماتعبت أمش.. بس أنتي قدها!!

جميلة استدارات لتدفن رأسها في صدر منصور وهي تنتحب بشفافية..
مجروحة.. مجروحة بالفعل!!
ثلاثة أشهر مضت وهي رغما عنها ينتابها أمل شفاف أن خليفة سيعيدها له.. تمنت أن تواتيها الفرصة لتشكره على كل ماقدمه لها..
لم تعلم أن كل مابينهما قد انقطع منذ اللحظة الأولى.. وانها كانت تبني آمالا على سراب..
وأن الحياة دائما ترسم لنا خطوط متباعدة شديدة التباعد لا نعلم إلى ين تقودنا!!

وهي لا تعفي نفسها أبدا من الخطأ.. فهي كانت أول من اتخذ قرارا خاطئا.. تلاه خليفة بقرار خطأه أعظم وأفدح!!

فالقرار الذي نتخذه في الحياة لابد أن نعلم يقينا قبل اتخاذه أن فرصة الأمس لن تتكرر لنا اليوم... أبدا !!!!





******************************************





" أص ولا تقولين ولا كلمة.. الثنتين كلهم حلالي..
وحدة مرتي والثانية عمتي.. خلني أتمقل"

عالية تضحك بخفوت: الله يفضح عدوك بتفضحنا..تمقل في ويش؟؟ في سواد؟؟ خلصني لا ينتبهون لنا..

نايف بتساؤل مهتم: على الأقل أعرف طولها..
هي الطويلة الرزة الي فيهم صح؟؟

عالية ضحكت: لا والله آمالك شاسعة صراحة!! هذي عمتك يابعدي.. مرتك الثانية!!

ضحك نايف: والله مهوب هين أبوكساب مايطيح إلا واقف..
خلاص خلينا نمشي وش أنا مستفيد كون وجع قلبي على الفاضي!!

نايف وعالية غادرا مكان العبايات في السيتي سنتر حيث كانت وضحى وأمها مشغولتان بالإتفاق مع البائع وهما توليان ظهرهما للباب
ولم تنتبها للعيون التي كانت تتبعهم بعد أن أخبروا عالية بمكانهم..

بينما عالية أكملت جولتها في مكان آخر ونايف يهتف لها بحزم:
علوي عطيني رقمها!!

عالية وقفت بصدمة: منت بصاحي.. أنت الحين غسلت شراعي عشان كلمت عبدالرحمن.. تبي تكلمها؟؟

نايف بثقة: أنا ماكنت رافض المبدأ بس كنت رافض طريقتش وإنش دسيتي علي.. وحن كل واحد منا أسراره عند الثاني..
وهذا أنا أقول لش.. أبي اكلمها.. لا هو حرام ولا عيب!!

عالية هزت كتفيها ببساطة: أنا بأعطيك رقمها مهما كان هذي مرتك..
وأنا أقول لك من الحين تراها بتغسل شراعك وتخليك ماتسوى بيزة..
وقد أعذر من أنذر!!

نايف بإبتسامة واثقة: مهيب غاسلة شراعي.. تلاقينها بتموت من الوناسة..
يعني مستحيل أكون أنا مشغول أفكر فيها..
وأنا ماطريت على بالها... أكيد عندها فضول تعرف شوي عن شخصيتي..

عالية بمرح: زين خلك على ذا الثقة يا أبو شخصية لين يطيح وجهك وتلقطه..
وعقبه قول علوي قالت!!
أنت استلمت شغلك.. وشكلك صدقت روحك ويا أرض اتهدي ماعليكي أدي!!






**********************************





" عسى زايد ماتعبش؟؟
والله إني كنت أحاتي إنه يجننش بالصياح!!"

كاسرة بعذوبة وهي تناول زايد الصغير لأمه: لا جنني ولاشيء فديت قلبه..
وأدري إنش الأيام الجاية مشغولة مع بنتش..
متى مابغيتي تجيبينه جيبيه وأي وقت.. وخصوصا إني مقدمة على إجازة من مدة وبتبدأ من بكرة!!

كاسرة لم تقل لها مطلقا أنه بالفعل أتعبها.. لأنه مدلل ويريد من يحمله على الدوام..
فهو كان نجدة لها من السماء تشاغلت به عن كساب الذي لم يفارق مقعده إلا لصلاة المغرب ثم عاد..
لم تعلم أنه كان عاجزا حتى عن التمدد.. لأن جسده كله يصرخ بالألم جراء الجروح الغائرة في نواحي جسده المختبئة تحت ملابسه..
وأنه كان يجب ألا يخرج من المستشفى.. لولا إصراره.. لأنه لم يكن يريد أن ينتشر خبر إصابته وهو في المستشفى!!

وبالتأكيد لم تقل لكساب أنها اتصلت بفاطمة وطلبت منها أن تقدم لها إجازة تبدأ في الغد للضرورة..
فهي يستحيل أن تغادر البيت وكساب على هذا الحال!!


مزون همست بمرح: يا بنت الحلال مافيه داعي تجاملين خالتي.. أدري إنه يجنن بــلــ ..........

مزون بترت عبارتها وابتسامتها تنطفئ والدموع تقفز لعينيها وهي ترى من كان في تلك اللحظات ينزل الدرج..

ركضت ناحيته وهي تتحسسه بجزع متفجر بالشهقات: وش فيك؟؟ وش فيك؟؟

كساب مال ليقبل جبينها وهو يبتسم: مافيني شيء.. تعويرة بسيطة من حادث سيارة وأنا مسافر.. وهذا أنا قدامش طيب ومافيني إلا العافية..

مزون انفجرت فعلا في البكاء: هذا كله وتقول مافيك شيء.. يدك مكسورة.. ووجهك كله ملزق.. وتقول مافيك شيء!!

خالته ركضت ناحيته وهي تهمس بجزع حقيقي مثقل بالحنان وهي تحاول جاهدة منع نفسها من البكاء: سلامات يأمك سلامات..

مال كساب على رأسها ثم كتفها مقبلا وهو يهتف بإبتسامة يخفي خلفها ألمه المريع: الله يسلمش.. ولا تسوونها سالفة.. هذا أنا قدامكم طيب..

مزون كانت تنتحب بوجع حقيقي وهي مازالت تتحسسه.. بينما خالته شدته لتجلسه وتجلس جواره حتى تسأله عن حاله..



وهــــــي..
تقف في البعيد.. كما لو كانت على ضفة أخرى..
لا تنتمي أبدأ إلى المشهد.. إلا ... بوجعها اللا نهائي..!!

لماذا كان لهم الحق في التعبير عن ألمهم وجزعهم وخوفهم وانفعالهم.. وهي لا؟؟
لماذا كان لهم حق الاطمئنان عليه وتلمسه... وهي لا ؟؟
لماذا لهم الحق في القرب هكذا... وهي لا؟؟


كانت تقف في مكانها أشبه بتمثال حجري مجرد من الحركة والإحساس..
ليرفع حينها نظره إليها..

لا تعلم حينها لماذا بهت كل شيء حولها.. لتصبح هذه النظرات هي بؤرة الضوء!!

هل هو عاتب!! حزين !! غاضب!! شامت!! مستهزئ!!
أ يقول لها : انظري إلى مالم تقدميه لي ؟!!
أم يقول لها : حولي من المشاعر مايغنيني عن بخل مشاعرك؟؟

شعرت في هذه اللحظات أنها تريد أن تختلي بنفسها.. أنها تريد أن تستغل ذهابه لصلاة العشاء لتنزف هذا الوجع الذي ماعاد بالاحتمال!!

لولا أن عفرا التفتت لها بعتب: ليش ماقلتي لنا إن كساب جا وتعبان كذا؟؟
كان رجعنا على طول!!

كان هو من أجاب وهو يقف ويهتف بحزم: أنا اللي قلت لها ماتقول لها أحد..
والحين رخصوا لي بأروح للصلاة...





***********************************





" هلا يمه.. عندش حد؟؟"

أم صالح بمودة: خالاتك بس.. بيتعشون عندي...
وتراهم ينشدون منك.. يقولون قد لهم زمان ماشافوك..

فهد يضحك: قصدش لهم زمان ماحشوا فيني... بأبدل ثيابي وأنزل أقعد معهم شوي..
إلا خالاتي رقية وسبيكة هنا؟؟

أم صالح تكاد تضحك ولكنها تضربه على كتفه وهي تهتف بغضب مصطنع: عيب عليك.. احترم خالاتك ياولد..

فهد يضحك: أصلا حتى رقية وسبيكة حرام فيهم.. هذولا ريا وسكينة!!

أم صالح حينها ضحكت: دواك إذا مسكوك ذا الحين..
ثم أردفت وهي تتذكر شيئا فهمست بتردد: ولا تزعل عاد لا حاشوا مرتك بالحكي!!

تغير وجه فهد للغضب: وليه مرتي وش دخلهم فيها؟؟
ماعليه أنا ولد أختهم وحلالهم.. بس مرتي مالهم شغل فيها!!

أم صالح بمهادنة: بعد يأمك أنت تعرف خالاتك..

حينها هتف فهد بصرامة: يمه أنا ما أنا بعبدالله.. يتوطون في بطن مرتي وهي ماسوت لهم شيء وأسكت..

أم صالح بعتب: تبي تلاغي خالاتك عشان مرتك؟؟

فهد بذات الصرامة: إذا مرتي غلطت عليهم حقهم فوق رأسي..
بس إنهم يظنون إني بأسمح لهم يجرحونها وإلا يوجعونها بالحكي مثل ما كانوا يسوون في مرت عبدالله.. فأنا آسف..
وخلي كل وحدة منهم تلم لسانها وتقعد بحشيمتها!! وهذا أنا أقوله من الحين وقبل تجي بيتي!!


ليس اهتمام فهد بالدفاع عن جميلة هو اهتمام بشخصها..
ولكنه ناتج من طبيعته المستقيمة بطريقة شديدة الحدة!!
فهو من النوع الذي لا يتنازل عن مبادئه.. ولا يرضى (بالحال المايل)!!
وإن كان قد تشاجر مع خالاته عدة مرات من أجل كلامهن عن جوزاء..
فكيف يسمح لهم أن يجرحن في زوجته؟!!





***************************************






" كساب ماكلت شيء من عشاك؟؟"

كساب يتمزق فعلا من الألم ومع ذلك مازال متماسكا تماما وهو يهتف بإرهاق:
ماني بمشتهي.. اتصلي بس في إبي خليه يجيني!!

كاسرة همست بقلق: ليه؟؟ حاس بشيء؟ يوجعك شيء؟؟

كساب بحدة: اتصلي بدون ماتسألين.. أو عطيني تلفوني وأنا باتصل..

كاسرة تراجعت وهي تهمس بجمود: حاضر إن شاء الله..

ربما في موقف آخر.. كانت لتخرج خارج الغرفة ولا تستجيب لطلبه.. ولكنها لا تستطيع فعل ذلك.. فحالته تربط يديها..
كانت على وشك الاتصال لولا الطرقات القوية التي تعالت على باب الجناح..
تلاها دخول زايد ومزنة...

كساب وقف للسلام عليهم.. بينما الاثنان يرتسم على وجيهما علائم الجزع والقلق الشديد..

زايد هتف بعتب فور أن قبل كساب رأسه: ليش ماقلت لي إنك تعبان يوم كلمتني؟؟

ومزنة تهتف بقلق أمومي: سلامتك يأمك.. عسى ماشر..

كساب بإرهاق: تعويرة بسيطة.. وأبيك يبه تجيب لي دكتور.. مستوجع شوي وأبيه يغير لي ويعطيني إبرة!!

لم تغب على نظرة زايد أن هذا الألم ليس مصدره الكسر ولا الجروح التي في وجهه..
لذا اقترب من كساب وهو يفتح جيبه..
كساب أزال يد والده برفق واحترام وهو يهتف: يبه وش تسوي؟؟

زايد بحزم: ولا كلمة.. خلني أحط ثوبك..شكلك تبي مستشفى مهوب دكتور..

مزنة غادرت المكان بحرج وهي ترى زايد يصر على انتزاع ملابس كساب..
بينما كاسرة وقفت ودقات قلبها تتصاعد بعنف..
أ يكون محتاجا لمن يساعده على خلع ملابسه وهي حتى لم تعرض عليه المساعدة؟


" وهو خلا لي مجال أساعده حتى لو بغيت!!"


كساب رضخ لوالده فهو على كل الأحوال كان سينزع ثوبه أمام والده حين يأتي الطبيب!!

كاسرة شعرت أنها ستنفجر من البكاء وهي ترى جسده بالكامل ملفوف بطيات من الشاش السميك التي بدأت نقاط صغيرة من الدم تبرز خلفها..
لم تستطع حتى أن تبقى واقفة وهي تدخل إلى الحمام وتنفجر من البكاء فيه!!

بينما كان زايد يهتف بغضب حقيقي: أنت وش مسوي في روحك؟؟ وليه أساسا تجي البيت.. ليه مارحت للمستشفى وكلمتني أجيك!!

كساب بذات النبرة المرهقة: والله إنه بسيطة يبه!!

زايد بغضب: دقيقة خلني أجيب لك ثوب نظيف ونمشي للمستشفى!!

كساب طاوع والده.. فهو بالفعل محتاج للمستشفى..
وإن كان أصر على الخروج منه.. فهو لأنه دخله بدون اسم.. وكان يخشى أن يراه أحد فيعرفه.. حتى مع وجود الحراسة على باب غرفته.. والوضع الذي حدثت فيه إصابته!!
ثم أن ماحدث بعد ذلك هزه بعنف وجعله يقرر الخروج حتى يعلم الجميع بعودته ويستطيع أن يفعل ماقرره!!


والآن الآن سيدخل المستشفى باسمه.. وبقصته الجديدة إنه حادث سيارة في الخارج.. وأتى ليكمل علاجه هنا..
وجواز سفره يثبت فعلا دخوله البلاد من ساعات فقط!!
حتى يستطيع أن يخرج في الغد ليفعل ماقرره!!






***********************************






" عمي وش فيك؟؟
ليه وجهك تغير كذا؟؟
حد قال لك شيء في المكالمة اللي قبل شوي؟؟ "


منصور بضيق كبير: يضايقش يأبيش لو نحجز على بكرة الصبح عشان الظهر لازم نكون في الدوحة..

جميلة بأريحية: لا يضايقني ولا شيء .. أنا أساسا كنت أقول لك خلصت وخلنا نرجع..
ثم اردفت بقلق عميق مفاجئ: حد من هل الدوحة فيه شيء؟؟

منصور بأسى كبير: المصاب اللي قلت لش عنه اللي تأخرت عشان حادثهم...
الله يرحمه بواسع رحمته.. وأبي أحضر الدفن والعزاء بكرة..

جميلة بصدمة: لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون!! من هو فيهم الولد وإلا المدرب..

منصور بذات أساه المتعاظم: لا الولد... المدرب ماحد يدري عن إصاباته حتى.. ولا يدرون أي مستشفى راح...

جميلة بأسى: سبحان الله أعمار ذا الأجانب طويلة..

منصور باستغراب: من الأجانب؟؟

جميلة بعفوية: المدرب.. أعرف إنهم غالبا فرنسيين وأحيانا أمريكان..

منصور يتنهد: لا هذا قطري.. بس عمري ماصدفته.. ماعمره درب فرقتي!!
أسمع به ولا عمري شفته ولاحتى أعرف اسمه..
مع إنه المدرب لازم يكون رتبة كبيرة وكل الرتب الكبيرة اللي في الجيش أعرفهم..






**********************************





حين خرجت من الحمام لم تجدهما..
حينها انهارت فعلا في كل البكاء الذي لم تجد له الوقت ولا المكان...

يا الله... أ يوجد مخلوقين معقدين مثلهما في كل هذا العالم؟!!
هي تذوي قلقا وجزعا وتأثرا ويأسا بأقصى المعاني والحدود ومع ذلك تعجز عن التعبير عن هذا أي من أحاسيسها كما تتمنى!!



هو هناك في المستشفى.. وذهب إلى مستشفى خاص ليتلافى كثرة الأسئلة..
الطبيب غاضب من استعجاله على العودة..
فالجروح ملتهبة وكان يحتاج منذ ساعات أن يعلق مضاد حيوي في الوريد!!


" يبه!!"

زايد انتفض بحنانه القخم: لبيك يأبيك!!

كساب بإرهاق وهو يوشك على أن ينام بعد أن ارتاح قليلا من آلامه:
يبه لو سمحت.. بكرة الظهر فيه ناس أعرفهم عندهم دفن.. نبي نحضر الدفن والصلاة والعزاء إن شاء الله..

زايد برفض: الله يهداك أنت معذور.. من اللي بيشره عليك إذا ماجيت الدفن

كساب بإصرار: مهوب عشان حد بيشره علي أو غيره.. أنا أبي أروح!!


إحساسه بالذنب يخنقه.. يخنقه تماما.. يشعر أنه المسؤول عن هذه الروح الشابة التي ذهبت..

كان أول من صعد..
وحين شعر ببوادر انهيار المبنى.. انتزع الاثنين اللذين كانا يتبعانه من أحزمتهما وألقى بهما بعيدا..
فمهما يكن سقوطهما على الأرض من مسافة قريبة..أهون من انهيار المبنى فوق رؤوسهم..
لم يعلم أنه هناك ثالث تبعهما إلا وهو ينزل بسرعة بعد أن فك حزامه وألقى بنفسه أرضا..
كان قد وصل للأرض قبل انهيار المبنى..ولكنه كان يحاول فك حزام الثالث..
لينهار عليهما حينها المبنى!!

الشاب الآخر كانت إصابته في إجهزة أحيوية.. عدا أن بنيته كانت أضعف من بنية كساب..
مازال كساب يتذكر ارتفاع تشهداتهما كلاهما وهما يريان الموت قريبا هكذا!!

وكم تصبح الحياة تافهة/ ثمينة في هذه اللحظات..
شريط حياته كله كان يمر أمامه في لحظة.. أخطاءه المتتالية.. مشاعره المعقدة.. وجوه أحباءه..
ماعاد قلقا من هذه الناحية.. فهو راض عن علاقته بالجميع.. إلا.. علاقته بها !!

أ يذهب قبل أن يخبرها كم يحبها؟!!
أ ينتهي كل مابينهما وكأنه لم يكن!!


وهذا الذي يرافقه إلى رحلة الموت وكل منهما يشد على الآخر..
أ له زوجة.. أبناء.. أم تنتظر عودته؟؟
أ هو يستعيد شريط حياته الآن؟!!

رغم أن كلاهما لم يرَ وجه الآخر فكلاهما يرتديان الأقنعة اللازمة لتدريبات الصاعقة..
ولكن بدا في هذه اللحظة كما لو كانا يعرفان بعضهما منذ الأزل.. فليس هناك كالموت هادما للحواجز وملغيا للمسافات...!!


حين صحا كساب بعد الحادث بعد مرور يومين.. كان سؤاله الأول هو عن رفيقه الذي كان معه..
وكم تضايق حين علم بصعوبة حالته... وكم تفجر حزنه أمواجا متتالية وهو يعلم بوفاته اليوم.. ويقرر أن يخرج المستشفى..
حتى يستطيع الذهاب لدفنه والصلاة عليه..
مازال صوت تشهده يخترق أذنه هادرا شجاعا لا يهاب..
روحه مغمورة بالذنب أنه لم يستطع إنقاذه.. وبذنب أعظم أنه نجا بينما هو لم ينجُ...



غفا وهذه الأفكار هي ماتستولي على روحه حتى أبعد مدى.. ليرن هاتف زايد..

زايد رد بمودة: هلا يأبيش

كاسرة بقلق ظهر فيه أثر صوتها المبحوح من البكاء: يبه كساب أشلونه؟؟

زايد بتأثر: أفا عليش يأبيش.. ليه تبكين؟؟ ترا كساب طيب ومافيه إلا العافية!!

كاسرة كانت تريد أن تنفجر في البكاء مرة أخرى.. أ يكتشف عمها أنها كانت تبكي من رائحة صوتها.. بينما زوجها لم يشعر يوما بوجع روحها!!

همست باختناق: أبي أجي يبه.. ممكن؟؟

زايد برفض اختلط حزمه بحنانه: لا يابيش.. مايصير.. جماعتنا دروا بالخبر وأكيد بيأتي رياجيل واجد الحين!!
بكرة الضحى بدري تعالي!!





***********************************





كانت ترتب بعض الأغراض في دولابها.. حين رن هاتفها..
نظرت للساعة... الحادية عشرة!!

" من اللي بيدق ذا الحزة ؟
يا أمي.. ياكاسرة..!! "

التقطت الهاتف.. رقم غريب.. أعادت الهاتف مكانه.. الرنين تكرر عدة مرات!!
ظنتها إحدى صديقاتها قد غيرت الرقم... فأرسلت رسالة:

" من أنتي؟؟"

وصلها الرد بعد ثوان:

" التصحيح: من أنت؟؟
أنا نايف..
تكرمي وردي علي لو سمحتي!!"

وضحى تفجر غضبها عارما... ماذا يظن هذا نفسه أو يظنها وهو يتصل بها وفي هذا الوقت المتأخر!!

تعالى الرنين مرة أخرى.. فلم ترد!!

وصلتها رسالته الثانية:
"حني علينا وردي..
ترا السالفة كلها كلمتين..
وأنا ترا رجالش.. ماني بحد غريب!!"


شعر بغضب ما يتصاعد في روحه حين وصله ردها:

" رجالي عقب شهر وعشر أيام مهوب ذا الحين..
وذا الحين اهجد.. وأمس علينا بلا قلة حيا!!
ولو أنت صدق معتبرني مرتك ومحترمني
ماكان تجرأت تتصل فيني وذا الحزة!! "


نايف شعر أنه غضبه يتزايد كلما قرأ الرسالة أكثر..أرسل لها بغضبه المتزايد :

" لا والله أنتي اللي تعرفين الاحترام ومحترمة رجالش؟؟
أنا تقولين لي قلة حيا؟؟
تتصلين الحين وتعتذرين لي.. وإلا والله لا تشوفين شيء مايرضيش"

لم يصله رد منها أبدا.. تزايد غضبه عليها..
ليتفجر تماما والرد يصله لكن من هاتف تميم:

" عندك كلام تبي تقوله لأختي؟؟؟
المفروض يكون عن طريقي يا ولد الأصل..
تعال الحين لمجلسي نتفاهم!! "




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 11-02-11 11:00 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثمانون
 





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا مساء وإلا صباح الاشتياق اللي ماله حدود.. اشتقت لكم بلا قياس..
وياصباح وإلا مساء الفرحة اللي عمت مصر..ومنها للعالم العربي..

شيء مفرح بالفعل أن ينجح الشباب بالتظاهر السلمي فيما عجز فيه الكثير
يا الله... ماحدث بالفعل يعتبر معجزة بكل المقاييس..
ثورة شباب هزت العالم هزا..
سعيدة بالفعل وهانا أعود فورا لكم دون تأجيل.. لأحتفل معكم وبكم..
وخالص تهنئتي لكل شعب مصر.. ولكل الأحرار أهل الإباء في كل العالم..
.
.
والحين خلينا في الناس اللي زعلوا من تقفيل القصة..
للعلم أنا انقطعت تماما عن النت حتى الليلة.. وتفاجأت ببعض الهجوم ينتظرني في بريدي
بس الحمدلله التأييد أكثر بكثير :)

فيه غالية تقول أهون عليها لو قلت إني أبي أرتاح ولا أقول إني وقفت عشان قضية مالنا خص فيها
إذا كنتي تشعرين حقا أنه لا دخل لك غاليتي.. فأنا أدعو لك برقة القلب وصفائه من قلبي فعلا..
والذي ضايقني أنها إنسانة أعزها فعلا.. وجرحني هجومها..
.
.


بنات بشكل عام وكلام للكل....خلوني أقول لكم كلام بعيد عن القصة..

يا بنات استعيذوا بالله من قسوة القلب لأنه إذا أنتم ماحسيتوا بمصيبة أخوانكم فهذا من علامات قسوة القلب..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في دعائه من قسوة القلب..

وابن القيم في كتاب الفوائد يقول:
(ما عوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله.
و خلقت النار لإذابة القلوب القاسية.
و أبعد القلوب من الله القلب القاسي...)

وهذا من قول الرسول الله صلى الله عليه : " وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي"

يعني أنتي تختارين قصة على القرب من الله سبحانه والعياذ بالله؟؟
حينها تخيلي أن النار أوقدت لإذابة قسوة قلبك
استعيذي بالله من قسوة القلب لأنها هي ماتحول بينك وبين حلاوة العبادة..
والمؤمن الحق قلبه لين خاشع .. جعلنا الله جميعا من أصحاب هذه القلوب..
.
وللعلم أنا والله مازعلت من عتب أحد ولا زعله..
كل إنسان حر في وجهة نظره لكن بدون تجريح..
وأنا لو أردت أن أتوقف لأني تعبت من القصة.. باقولها بكل صراحة..
أو باسوي مثل غيري.. واغيب ماحد درا عني!!

لكن أنا أحترمكم أشد الاحترام.. الاحترام اللي أنا أتمناه منكم فعلا..
وأنا وحدة والله شاهد علي ما أعرف الكذب.. والله فوقي وفوقكم.. أخاف منه وما أخاف من حد!!
وأنا بالفعل والله العظيم ماكنت أريد التوقف حتى أنتهي.. لكن الموقف كان قوي بالفعل ويحتاج لوقفة قوية...

وما أسعدني إنه فيه بنات ماكان عندهم اهتمام بمتابعة الأخبار...
وماعرفوا عن الأحداث إلا من خبر التوقف...
وأصبح عندهم اهتمام كبير بمتابعة التطورات...
يا بنات قضية الوعي والتفاعل هي هم ومسئولية إنسانية قبل أي شيء...

وأشكر من صميم قلبي كل القلوب الوفية الغالية اللي كانت معي.. الله لا يخليني منكم.. قولي آمين يا نبضات القلب..
ما تتخيلون وأشلون تاثرت من وقفتكم مع أخوانكم قبل وقفتكم معي :)

وسلامتكم وجعل عمركم طويل في الطاعة :)
.
.
نرجع للقصة <== وأخيرا .. مابغيتي يا بنت الحلال :)
.

الحين فيه ناس متوقعين إن منصور يشوف كساب في العزاء ويعرف علاقته بالموضوع
.
أنا بصراحة ما أدري عن عادات الدفن والعزاء في البلاد الثانية
لكن عندنا ممكن يحضر الدفن والعزاء مئات من اللي يمكن مايعرفون الميت وأهله شخصيا..
يعني يكون يعرف ولد خالته.. ولد عمته.. وولد ولد خالته.. يوصلهم مسج منه..
(ولد خالتي أو وولد ولد عمي أو حتى واحد جماعتنا بيندفن اليوم) تلاقين أكثر اللي وصلهم المسج بيروحون.. من باب المؤازرة والبحث عن الأجر!!
يعني كساب ببساطة لو على فرض عمه سأله.. بيقول أعرف حتى أهل خال ابوه.. ماتفرق!!
.
.
بنات بدت خيوط قصة كساب تتكشف
و أنا أعرف ترا إن سر كساب إذا انكشف لكم بالكامل بيكون شطحة خيال بس لها أساس تعبت وأنا أتكته :)
وأدري إن سالفته كلها شطحة خيال لحد كبير...
بس أنا حبيت جدا أجيب قصة جديدة وأجرب أكشن من نوع جديد مع شخصية كساب
والمهم إنه الخيوط تكون مضبوطة وممتعة لكم :)
يعني أكشن الأفلام الأمريكية اللي تحقق المليارات وملايين المشاهدين أحسن مني ؟ :)
أبعدنا الله عن الأفلام وبلاويها.. قولوا آمين !!
.
.
على طاري إنه ماعرفت إنه برا الدوحة من التلفون
تذكرون: هو ما قال لها مرة من زمان : لو بغيتي شي اتصلي على خطي الثريا
الثريا فتح خطه واحد برا وإلا داخل!!
وأنا قلت إنها عرفت إنه المتصل.. حسبت المعلومة وصلت!!

.
.
جزء اليوم جزء طوييييييييييييييييل طوييييييييل..
وأبشروا بسعدكم معوضين عن كل فترة الغياب وزيادة لين تجيكم تخمة!!
بس الحين خلو البنات يعرفون إن القصة انفتحت..
عشان كذا موعدنا الجاي الثلاثاء الصبح الساعة 9 .. عشان يكون البنات كلهم قروا الجزء..
وعقبه أبشروا باللي يرضيكم :)
.
الجزء 85
توقفنا عن رسالة تميم لنايف... ودخول كساب للمستشفى
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثمانون






مضى له نصف ساعة وهو يجلس في مجلس تميم الخالي.. الساعة تجاوزت الثانية عشرة..
وحتى المقهوي يبدو أنه نائم...


حرج خانق خانق وجارح يتعاظم في روح نايف.. ولكنه لم ولن يهرب من المواجهة..
مادام قد تصرف هذا التصرف فلابد أن يحتمل نتائجه!!

مشاعر عميقة ومتضادة ومشوشة تصطخب في روحه..
غضب عارم منها.. وإعجاب ملتبس لا معنى له بها!! وضيق عميق من رعونتها!!


غاضب منها لأنها وضعته في هكذا موقف محرج وهو في الختام يبقى زوجها..
فكيف هان عليها أن تبعثر كرامته بهكذا موقف؟!!

معجب بغرابة مخفية باستقامتها التي هي مطلب كل رجل في زوجته!!

ولكنه متضايق تماما ولأبعد حد من رعونتها..!!
فهذا التصرف الذي تصرفته مطلقا لا يدل على الدبلوماسية التي كان يجب أن تتصرف بها في هكذا موقف..
فهو ختاما زوجها.. وإن ارتكب شيئا ضايقها.. كان لابد أن يكون التصرف بينهما..
فإدخال شقيقها الآن سيجعل الموضوع يكبر... ومايخشاه نايف هو تبعات هذا التدخل..

مازال لا يتخيل ما الذي سيعاتبه به تميم.. وإلى أي مدى سيصل العتاب؟!!


كان مشغول التفكير تماما بالذي سيحدث وهو يضع سيناريوهات لحضور تميم وكيف سيكون العتاب ومامداه..
وكل الصور بدت له مؤذية جارحة وهو يقف أمام تميم كطفل مذنب بذنب لا يراه ذنبا أكثر من رغبة مشروعة لكنها مكروهة!!
أمر لم يكن يستحق كل هذا الشد وكان يمكن حله بينهما فقط!!

كانت هذه أفكاره التي غرق فيها.. حتى وصلته الرسالة الثانية من تميم التي بعثرت تفكيره تماما:

" توكل على الله وروح لبيتكم..
أنا بأعدي الموضوع ذا المرة عشان خاطر وضحى.. واحترام إنك رجالها..
الاحترام اللي هي مالقته منك"


نايف اتسعت عيناه غيظا.. وكان سينفجر غضبا بكل معنى الكلمة..
أ يحضره لمجلسه لإحراجه فقط؟!!
ا يجعله لعبة له وهو يحضره بهذه الطريقة المحرجة ويصرفه بطريقة أكثر إحراجا؟!!

نايف تنهد بعمق وهو يحاول السيطرة على غضبه وتحكيم العقل!!
فمهما كان تميم قرر ألا يكبر الموضوع.. ولو أنه نزل له وعاتبه وجها لوجه كان الإحراج الشديد سيتوجه إلى مشكلة لا يعلم أين سيكون مداها الختامي!!

لذا تحامل نايف على نفسه لأقصى حد.. وهو يرسل لتميم رسالة:

" أنت ووضحى على رأسي..
وتأكد إنه لها الحشمة والتقدير!! "







***********************************







" حبيبتي أنتي وين خذتي تلفوني ورحتي فيه؟؟"

سميرة تخفي ابتسامتها وهي تضع الهاتف أمامه ثم تشير له: أنت كنت لاهي مع تصليح ذا الكمبيوتر..
وأنا كنت أبي أوري وضحى البرنامج الجديد اللي نزلته فيه..
وعقب قعدنا نسولف شوي وهذا أنا ما أبطيت..


.
.


قبل أقل من ساعة..



اتصال مستعجل يصل لسميرة من وضحى..
سميرة تدخل باستعجال على وضحى وهي تهتف بأنفاسها المتطايرة:
وش فيش روعتيني..؟؟


وضحى تنتفض بشدة من الخجل والغضب.. همست باختناق وهي تمد سميرة بهاتفها:
شوفي قليل الحيا وش مطرش لي؟؟ وش يفكرني ذا؟؟ وحدة من رفيقاته ؟؟

سميرة قرأت الرسائل ثم انفجرت في الضحك: والله مهوب هين نايف.. تأثيرات بنت عمي أكيد!!

وضحى تكاد تبكي: أحر ماعندي أبرد ماعندش.. وش أسوي فيه.. ؟؟
أقول لتميم؟؟

سميرة باستنكار: لا .. يا الخبلة.. وش تقولين لتميم؟؟

وضحة بذات الاختنتاق: سميرة.. أخاف تميم يدري بأي طريقة إن هذا أرسل لي.. ويزعل.. وأنا ماصدقت إنه رضى علي!!


مع أن سميرة كانت لا تعلم مطلقا سبب غضب تميم من وضحى.. لكنها كانت تلاحظه.. وكانت سعيدة جدا بالصلح..

ووضحى متحسسة جدا من الموضوع .. لأنها تخشى أن يكتشف تميم الموقف وهو للتو صالحها بعد أن كادت روحها تذوي من اليأس..
وحينها ستسقط من عينه.. ولن يُصلح بينهما شيء.. وتميم أهم لديها من كل شيء!!
من كل شيء حرفيا!!



سميرة همست بتحذير: أدري إنش متحسسة من الموضوع.. بس ترا تميم بيتحسس أكثر..
لأنه على طول بينط في رأسه.. إن نايف مايحترمه.. وإنه لو إنه امهاب عايش ماكان تجرأ يسوي كذا..
وأتوقع إن تميم بتكون ردة فعله عنيفة وزيادة عن اللزوم..
ونايف ترا غلطته تبي قرصة أذن ليس إلا!!

وضحى بيأس: وأشلون نقرص إذنه زين؟!!

سميرة حكت مقترحها بسرعة لوضحى.. فردت وضحى بحزم:
وعلى فرض إنه تميم درا عقب؟؟ أشلون بأحط عيني في عينه؟

سميرة بثقة باسمة: لا تحاتين بأقول إنها فكرتي.. وإنش أساسا ماكنتي تبين.. وكنتي تبين تقولين له!!

وضحى بجزع حازم: لا سميرة لا..تكفين... أنا ما أبيش تدخلين ويصير شيء بينش وبين تميم بسبتي..
كفاية اللي صار بينكم أول بسبتي وبغيت أموت من الحسافة..
والله ما أستحمل موقف ثاني!!

سميرة رقصت حاجبيها: لا ياحبيتي.. أول غير.. والحين غير!!



سميرة عادت لغرفة تميم ووجدته مازال منهمكا في الحاسوب.. استاذنته أنها تريد هاتفه.. فأشار لها بين إنشغاله أن تاخذه..


الاثنتان أرسلتا الرسالة لنايف وهما تراقبان مع نافذة الصالة العلوية...
حتى تراقبا المجلس... وفي ذات الوقت تريان تميم لو خرج من غرفته...

حين رأتا سيارة نايف بعد دقائق.. تصاعدت دقات قلب وضحى بعنف وهي تهمس لسميرة بخفوت مختنق تماما:
يمه ياسميرة.. ماتوقعت إنه بيسويها ويجي وبذا السرعة.. الحين وش بنسوي فيه؟؟

سميرة تضحك: خليه ينقع نص ساعة... وعقبه أوريش فيه...

بعد الرسالة الثانية والرد.. وهما تريان السيارة تغادر.. همست وضحى بذات الاختناق:
والحين أنا قلبي منغوز منه .. ماني بمرتاحة لنايف ذا..
والشيء الثاني أشلون أحط عيني في عينه عقب ذا الموقف...؟؟
لا وأنا بعد خذتني العزة بالأثم وسبيته من زود الخير!!

سميرة هزت كتفيها وهي تمسك بهاتف تميم لتعود لعرفتها وتهمس بخبث باسم:
والله عاد هذي أنتي وشطارتش.. مالي دعوة!! أنتي تصرفي!!



.
.




نايف في سيارته المغادرة يكاد يتميز من الغيظ فعلا..
لولا أنه يحكم عقله لأبعد أبعد حد.. وإلا كان طلقها فورا لشدة غيظه..

لا يريد أن يحكم عليها من موقف... ولكنها وضعته بالفعل في موقف لا يحسد عليه...
ويتخيل موقفه لو أنه وقف أمام تميم كالمذنب ليحاسبه.. وهو من يقف أمامه المذنبين ليحاسبهم!!


مشاعر كثيفة ومتشابكة تتصاعد في داخله تجاه زوجته التي يجهلها تماما!!
بدا له تصرفها حادا وشديدا لأبعد حد..

بدا يفكر تفكيرا بعيدا في شخصيتها.. وكيف هي؟؟
هذه المرأة ستعاشره عمره كله.. وعالية أكدت له إنها مرنة جدا وغاية في اللطف..
فهل كانت عالية تدعي ذلك حتى تزيحها من طريقها فقط!!

يفكر في شقيقاته.. الهم الأول له.. فهو يستطيع أن يستغني عن زوجته..
ولكنه لا يمكن أن يستغني عن شقيقاته!!
يتخيل أن من تصرفت معه هكذا ومن أجل موقف لا يستحق..
كيف ستتصرف مع شقيقاته ؟؟ كيف ستحتملهن؟؟

يخشى من ردات فعلها تجاههن..
الشيء الذي يستحيل أن يتغاضى عنه أو يتسامح فيه!!!
والشيء الذي يقلقه وبشدة!!





**************************************






كان كساب يعود لفراشه بعد أن صلى قيامه وهو يهتف لوالده بإرهاق:
يبه خلهم يجون يعطوني إبرة.. مستوجع شوي!!

زايد يضغط جرس الاستدعاء وهو يتنهد بتأثر وشجن عميقين: دامك تقول مستوجع فأكيد أنت مستوجع واجد..
مابعد سمعتك تقول مستوجع قدام اليوم!!

كساب يتنهد : بسيطة يبه.. يومين وبأكون زين!!

زايد بحزم وبنبرة مقصودة: يأبيك أنت وش سببك؟؟ جروحك مستحيل سبتها حادث سيارة..
أنا يأبيك ما أنا بولد أمس!!
ومرت علي الدنيا أشكال وألوان!!

كساب صمت ولم يجبه... حتى جاء الممرض وأعطاه الأبرة ومضى وهو مازال صامتا!!..


حينها هتف زايد بحزم وبنبرة مقصودة جدا: يأبيك ترا الواحد يخدم بلده كل واحد في مجاله..
وحن نخدمه بالمصادر اللي ندخلها على البلد وحن تجار ورجال أعمال وهذا مجالنا.. ماله داعي يكون لنا مجال ثاني!!

كساب توتر (ماذا يقصد من هذا الكلام؟؟) بينما زايد أكمل بذات الثقة والنبرة المقصودة:
أنا ما أدري يأبيك أنت تحسبني غبي.. إنك بتغيب بالأسابيع بدون ماتكلم وإني بأسكت..؟؟
ليه أنا لقيتك في الشارع..؟؟
يا أبيك خلاص... خلصنا من ذا السالفة.. ولو تبي أنا أكلم لك يعفونك.. كلمتهم!!

كساب قاطعه بحزم: يبه وش داعي ذا الكلام المحور؟؟ إذا أنت تبي تقول شيء قوله!!

زايد تنهد وهو يكمل بذات حزمه: قبل كم سنة.. يوم بديت تغط ذا الغطات..
قلبي قرصني لا تكون منظم لذا الخرابيط اللي نسمع عنها..
فبديت أحوس وراك وأراقبك.. وكلفت لي واحد يتبعك..


كساب مبهوت تماما.. كيف غاب عن ذكاءه ذكاء والده؟؟...
اعتمد أن البرود بينه وبين والده بعد حكاية مزون سيكون غطاء حماية له...
كيف غاب عنه أن مبرراته لن ترقى مطلقا لذكاء والده!!

زايد أكمل بثقة: عقبه جاني استدعاء من فوق.. إنه مافيه داعي أحوس وراك..
وأخلي الناس ينتبهون لك.. وإنك تشتغل تبع الدولة.. ومافي داعي أسأل عن شيء..
تطمن قلبي من ناحية.. بس قلبي قعد يغلي من ناحية..

الحين لا قدر الله لو صار لك شيء في مهمة من مهماتك.. ماحتى أنا بقادر أفتخر فيك وأقول ولدي شهيد..
يأبيك خلاص كفيت ووفيت.. وكفاية شغلك في التجارة..
ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه..

كساب تنهد بحزم وهو يغفو في نوم عميق إجباري نتيجة للمهدئات:
يبه وأنا ما انتظر حد يشكرني وإلا يقول كساب سوى وسوى!!






**************************************






" يأبيش لا تكونين جاية ذا الحزة مع السواق والخدامة؟؟"


كاسرة ترفع نقابها ليظهر وجهها الذابل من الإرهاق وهي تقبل رأس عمها وتهمس بإرهاق:
لا فديتك.. تميم جايبني.. بيصفط سيارته وبيأتي.. قلت أبي أجي بدري قبل يجيكم حد من الرياجيل..

زايد ابتسم بمودة: توه رقد من عقب صلاة الصبح.. بس قوميه..
على كل حال أكيد شيباننا على وصول..

كاسرة تنهدت بشجن : لا خله يرتاح لين يجيه الزوار.. أنا بس كنت أبي أتطمن عليه..

زايد هتف بأريحية وهو يخرج: خلاص اقعدي عنده براحتش.. أنا بأنتظر تميم برا!!

كاسرة شعرت بخجل لم يظهر في مودة صوتها: عمي تعال الله يهداك..



ولكنه كان قد خرج وأغلق الباب ..
حينها اقتربت كاسرة برفق من كساب..
يا الله.. لم تتخيل كيف مر عليها الليل حتى... لتتمكن من الحضور..!!
وهي تتصل بتميم فور خروجه من صلاة الصبح وتطلب منه أن يأتي لتوصيلها..
قضت ليلها ساهرة..والدقائق تمر بطيئة متثاقلة!!
وهي حينا تعاتب نفسها.. وحينا تعاتبه!!

كانت ليلتها سيئة بين الهواجس واليأس والألم والقلق... والأسوأ كونه مصابا بكل هذه الأصابات وهي لم تعلم حتى!!

مالت عليه بألم وهي تتأمله بشجن روحها الممزقة...
وجهه الوسيم الشامخ غارق في عشرات اللاصقات التي لم تخفِ جروحه المزرقة!!
رجولته الهادرة الماكنة في روحها كالوسم لم يهزها في نظرها إرهاقه الظاهر والأسلاك الموصلة لجسده..

مالت بحنان يائس على معصم يده الحرة من الجبس المقيدة بالأسلاك..
لتقبله.. قبلة بللتها بدموعها..

لم ترد أن تقترب من شيء قد يولمه.... وجهه.. يديه.. أسلاك التغذية!!

تمنت بيأس أن تميل على شفتيه لتتنفس أنفاسه من قرب.. ولكن حتى شفتيه لم تخلو من الإصابات..
فشفته السفلى كانت ممزقة من طرفها ومازال الدم المتخثر عليها!!


همست بيأس قريبا من أذنه ودموعها الصامتة تسيل بصمت كصمت روحها المهجورة: أنت وش مسوي في روحك يالمتوحش!!
باقي شي فيك ماقطعته؟؟!!

تنهدت بألم عميق لأنه لم يصحو .. تمنت أن ترى عينيه مفتوحتين قبل أن تغادر!!

"إلى هذه الدرجة أنت متعب ؟؟ أو لا تريد أن تراني؟؟"

فهي اعتادت على كساب أن نومه خفيف لأبعد حد.. أقل حركة أو همسة تجعله يقفز متحفزا...
فأي آلام هذه التي جعلته خادرا هكذا؟؟

كانت تتحسسه برفق وقلبها يذوي كلما اكتشفت جرحا جديدا في جسده..
حتى سمعت الطرقات على الباب...

تأخرت بخجل وهي تنزل نقابها على وجهها.. كان عمها زايد يهتف لها بحنان حازم:
خلاص يأبيش اطلعي وانتظري تميم في الاستراحة..
فيه رياجيل جايين الحين.. وتميم بيسلم على كساب وبيجيش!!






********************************






" يادكتور هو يبي يطلع شوي.. فيه مجال؟؟"


الطبيب ينظر لكساب النائم ويهتف برفض قاطع : ولا حتى دئيئة وحدة.. الأنتي بايوتيك لازم كل 6 ساعات يتجدد..
الجروح ملتهبة خالص.. دا خطر عليه الغرغرينة.. أنا مش عارف الدكتور الأهبل اللي سابه يرجع وهو حالته كده!!


حينها هتف زايد بحزم: زين عطه منوم لو سمحت.. يرقده لين بكرة..
لو قام أدري إني ما أقدر أرده..
مهوب لازم يحضر الدفن... يحضر العزاء ثاني وإلا ثالث يوم!!


زايد تنهد وهو يميل على كساب النائم: الله يعيني على زعلك إذا قمت..
بس أنت داري إني ما أبغي إلا مصلحتك!!





********************************







" يمه الله يهداش وش ذا المناحة اللي مسويتها؟؟
أنتي ماتقولين إنه طيب!!"


عفراء تمسح دموعها وهي تهمس باختناق: يامش ماشفتيه ماحتى حس فيني..
ومركبين عليه سلكين في يده السليمة..
واللي موجعني إني شفته البارحة في البيت ويقول أنا مافيني شيء..
والممرض اللي عند الباب يوم سألته عنه.. يقول لي مافيه نتفة في جسمه مافيها جرح وإلا قطع..
وأشلون كان مستحمل ذا الوجع كله ياقلب أمه بدون مايحكي!!
وش اللي حده على ذا كله؟؟


جميلة تهدئ أمها برقة: يمه فديتش أنتي عارفة كساب من صغره.. وبروحش كنتي تقولين.. لو مهما صار له مستحيل يشتكي!!

عفراء بتمزق حقيقي: ماحتى لحقت أتطمن عليه.. زايد ماخلاني عنده إلا دقيقة وطلعني.. قال بيجيهم رياجيل..


جميلة تربت على كتف أمها: عمي منصور مابعد درا.. راح للعزاء دايركت..
وأكيد لا درا بيروح.. روحي معه..






*******************************************






" كان ودي أحضر الدفن.. بس الطيارة تأخرت شوي!!
أ رب الباقيين كلهم حضروا يا أبو محمد؟؟"


أبو محمد يتنهد: مابقى حد ماحضر.. اللي نعرفهم واللي مانعرفهم!!

منصور بحزم: زين عقب العزا.. أبيك تروح معي نزور المدرب اللي تصاوب..
أكيد أنك عرفته وعرفت مكانه الحين..
لله دره سمعت إنه تصاوب وهو يبي ينقذ الشهيد اللي راح..
ولولا إنه تأخر معه وإلا كان يقدر يبعد عن المبنى قبل أن ينهار..

أبو محمد بحزم شبيه: كلامك صحيح.. وإصاباته بعد والله مهيب زينة...
بس مانقدر نزوره لأني لحد الحين مثل ماقلت لك في التلفون..
ما أدري وين خذوه ولا حتى أعرف من هو؟؟

منصور باستغراب: أشلون ماتعرفه؟؟ هو ماكان يدرب فرقتك؟؟

أبو محمد بثقة: بلى.. بس أنا ما أعرفه..
خبرك تدريبات الصاعقة.. يجينا أمر من فوق.. عندكم التدريبات الفلانية في الوقت الفلاني..
ويجينا المدرب بلبس الصاعقة والقناع.. وممنوع أمنيا نسأل عن الأسماء في خلال التدريبات وأنت عارف ذا الشيء..
وهو يخلص تدريب ويطلع... مايعطي مجال لأحد يأخذ ويعطي معه!!
أصلا حتى في التدريب كلامه قليل يا الله كلمة كلمتين!!
وأنت عارف إني أساسا أكون بعيد.. ما أشترك في التدريب..

منصور باستغراب شديد: وش ذا الكلام الخربوطي... إذا المدربين الأجانب نعرفهم ونعزمهم على عزايمنا.. وأشلون ولد ديرتنا؟؟
إلا هو وش رتبته؟؟

أبو محمد بذات الثقة: ملابسه ماعليها رتبة أبد..

منصور تفجرت دهشته: صراحة حكي ماسمعت أغرب منه.. أنت عارف إنه كلنا ندرب فرقنا..
بس مهوب أي حد يصير مدرب جيش بالمعنى العالمي اللي أنت عارفه..
حتى أنا وأنت عجزنا نوصلها..

أبو محمد يهمس لمنصور من قرب: أنت بس لو شفت ذا المدرب أشلون يتحرك... لياقة وخفة وفوة عمري ماشفتها في حياتي..
وأنت عارف..من اللي يقدر على التدريبات اللي يأخذونها المدربين.. ؟؟
أول شيء مهيب إجبارية.. وثاني شيء ماحد يقدر عليها إلا واحد بايع عمره!!


منصور بتساؤل مهتم: ومن ذا اللي قدر عليها وحن ماعرفناه؟؟








************************************






" ها نايف وينك اليوم كلش ماكلمتني.. وش صار على موضوع البارحة؟؟"


نايف بتحكم: أول شيء اليوم مالي خلق أسمع صوتش..
ثاني شيء البارحة مشغول ونسيت الموضوع !!

عالية بمرح: أفا أفا... وش فيك مخيس النفس نويف!!
شكلك كلمت وعطوك أشكل وأنت تعزز وتقول نسيت!!

نايف بذات نبرة التحكم: قلت لش ماكلمت..
ولو كلمت مالش شغل في شي!!

عالية ضحكت: يه يه ياخال.. وين اللي أسرارانا عند بعض والبطيخ واحد..

نايف بحزم: عالية أنا الحين مشغول.. عقب بأكلمش!!


نايف أنهى الاتصال.. وألقى هاتفه جواره بقوة..
أين مشغول؟؟ وهو بالكاد ذهب لعمله صباحا وعاد لبيته!! ولم يخرج إلا لصلاة العصر ثم المغرب وعاد!!

شقيقاته أصبنه بالصداع لكثرة ما اتصلن وكل واحدة تطلب منه أن يأتي للغداء عندها.. وبعد ذلك لقهوة العصر..
ولم يستجب لواحدة منهن..

وحتى فهد اتصل به ليذهبا لزيارة كساب .. عديله!!
فرفض لأنه خشي أن يقابل تميم هناك ومازال الموقف طازجا..
فقال له أنه قد يذهب معه في الغد صباحا قبل التوجه لعمله.. على أمل أن تميم لن يكون موجودا...


فأي موقف سخيف وضعته فيه من تسمى زوجته.. وهي تحرجه بهذه الطريقة
وتجعله محرجا عاجزا عن المواجهة هكذا!!
غيظ عظيم يتصاعد في روحه عليها!!
وغيظ كذلك على عالية التي ورطته في هكذا زوجة!!
روحه مثقلة بالغيظ لأبعد حد!!
وكلما فكر في الموضوع أكثر.. تزايد غيظه أكثر!!
الغيظ يأكل روحه شيئا فشيئا وليس بيده شيئا يفعله الآن!!






**************************************






" زايد..
كساب وش فيه؟؟
صار لي 3 ساعات قاعد أنتظره يقوم بدون فايدة!!
وأم زايد جننتني تسأل عنه وتبيني أجيبها وأنا أقول عندنا زوار!!"


زايد تنهد بحزم: منصور قوم روح لبيتك.. لأنه كساب الدكتور معطيه منوم لأنه تعبان ويبي راحة..
وأنت بعد تبي راحة.. جاي من المطار على العزا على المستشفى.. حتى مالحقت تقعد مع ولدك..
روح لبيتك وطمن عفرا عليه.. وقل لها مافيه إلا ذا العافية..


منصور بغضب: وذا الخبل مايخلي خباله.. يسوي حادث سيارة.. ويرجع ماكمل علاجه..!!
كان كلمنا وجيناه هناك..

زايد بثقة موجوعة: أنت عارفه وعارف طبايعه..

منصور يهز رأسه بحزم: أمحق طبايع ..ما أدري متى هو بيعقل..
ثم أردف بحزم أشد: أنت قوم يا أبو كساب لبيتك.. كفاية عليك البارحة واليوم كله..
أنا بأمسي عنده..

زايد بإصرار حازم: وقدام تحلف.. والله ما أروح لين نطلع أنا وإياه سوا.. توكل لبيتك تريح أنت اللي تعبان!!





**********************************





" يأمش بتروحين ذا الحزة؟؟ الوقت متأخر!!"


كاسرة همست بإرهاق: إيه يمه.. تميم ينتظرني برا..
اليوم ماحتى لحقت أقعد.. أكيد الحين ماعاده بجايه زوار..
أبي أقعد عنده لين بكرة.. وبكرة بدري تميم بيرجع لي..

مزون ربتت على رأسها بحنان: زين انتظري دقيقة أجيب بس غيارات عمش زايد
أنا كنت مجهزتها يوديها السواق.. بس دامش بتروحين اخذيها معش..
اليوم يوم جيته أنا ومزون طلب مني أغراض له بعد.. دقيقة وأجيبها لش كلها!!


كاسرة جلست بإرهاقها المتعاظم فهي مازالت لم تنم منذ البارحة..
ولن ترتاح حتى تطمئن عليه..
حتى أنها لم تتصل بزايد لتخبره أنها ستحضر.. لأنها تعلم أنه سيرفض أن تحضر!!
تضغط جانبي رأسها بإرهاق.. تشعر أن جسدها خال من الطاقة تماما..
ومع ذلك يستحيل أن ترتاح حتى تطمئن عليه..


وبقدر ماهي مجروحة منه.. بقدر ماهي مجروحة من أجله!!

في أحيان كثيرة تتساءل.. أ ستكون حياتها كلها هكذا؟؟
أ لن ترتاح يوما؟؟ أ لن تشعر بحبه يوما؟!!
أ يحكم عليها بهذا الحرمان طوال عمرها؟!!

وهل يكون هذا هو مصيرها الذي حكم به عليها الله عز وجل.. ويجب أن ترضى به لأنه لا يوجد سواه ؟!!


.
.
.


" ليه يابيش تجين ذا الحزة؟؟"

كاسرة تميل على رأسه لتقبله وهي تهمس بمودة:
يبه طول اليوم عندكم رياجيل.. وتميم اللي وصلني..
خلني أقعد عنده الليلة..
وبأروح بكرة الصبح بدري!!


ابتسم زايد بأبوية: خلاص يأبيش خلش عنده.. وترا الكرسي هذا ينفتح..
وأنا بأروح للغرفة الثانية أتمدد في الجلسة..

كاسرة همست بمودة وهي تشير لحقيبة كتف صغيرة: زين أمي تسلم عليك وتقول هذي أغراضك..

ابتسم زايد بلباقة: ياحي ذا الطاري من أم امهاب..


ابتسمت كاسرة بشجن وهي ترى عمها يغادر لغرفة الجلوس الملحقة بالجناح ويغلق الباب خلفه..
ثم تعيد نظرها للنائم قريبا منها وهي تقترب منه أكثر..


يا الله.. على كثرة ما أخذ من صفات والده.. على كثرة مالم يأخذ منه..
لماذا لم يأخذ من لطف عمها وشفافيته ولباقته وفخامة عباراته؟؟

مالت لتقبل جبينه برفق.. وهمست بألم وشفتيها مازالت شبه ملتصقة بجبينه:
ماشبعت نوم.. بطل عيونك خلني أتطمن عليك..
حرام عليك اللي تسويه فيني.. والله العظيم حرام!!

تنهدت بألم عميق: لذا الدرجة تعبان..؟؟!!
زين أشلون قدرت تجي البيت..؟؟وأنا أشلون ماحسيت فيك؟؟
كله منك ياكساب.. كله منك..
بتموت لو قلت لي مرة بصراحة عن اللي فيك!!


تنهدت وهي تخلع نقابها وتضعه قريبا منه..
ثم قربت مقعدها لتجلس قريبا منه.. تناولت مصحفها من حقيبتها.. وتلت كثيرا من الآيات وهي بعد انتهاء كل سورة ترفع بصرها لتتأكد من وضعه..
حين انتهت.. دعت له مطولا.. دعت له بكل العمق والقوة واليأس..


زفرت بعدها وهي تنزل شيلتها على كتفيها ثم تسند رأسها معه على ذات المخدة..
فربما بهذه الطريقة تستطيع أن تنام قليلا وهي تشعر به قريبا منها..
فهي مرهقة فعلا.. وتكاد تنهار من الإرهاق!!


.
.


صباح اليوم التالي..




كاسرة غادرت للتو بعد أن جاءها تميم..
وهاهو أيضا يفتح عينيه للتو.. لم يعلم أنه مضى عليه أكثر من يوم وهو نائم!!
فتح عينيه بإرهاق ليرى وجه والده..

لا يعلم لماذا توقع رؤية وجه آخر.. فهو طوال نومه في الساعات الأخيرة وهو يشعر برائحتها قريبة كطيف دافئ أثيري قريب بشكل غير مفهوم!!

هتف بتثاقل: يبه كاسرة كانت هنا؟؟

ابتسم زايد بخبث: لا.. ليه تسأل؟؟

تنهد كساب وهو يحاول أن يدعك عينيه ليؤلمه السلك الموصول لعروق يديه:
لا أبد.. حسبتها كانت هنا..

اعتدل جالسا.. ليلمح شعرة سوداء طويلة تغفو على عضده.. همس بذات التثاقل وهو يشدها دون أن ينتبه والده:
يبه أنت متأكد إنها ماكانت هنا؟؟

ابتسم زايد بمودة: إلا كانت هنا..وتوها راحت..

تنهد بعمق (مستعجلة..جايه تجامل وتروح.. ماحتى انتظرت لين أصحى وأشوفها!!)

ثم تحولت تنهداته لغضب حاد كتمه في روحه ( مادامت جايه مستعجلة.. ليش تحط شيلتها وتفك شعرها بعد..؟؟ )


احتفظ بغضبه لنفسه وهو يهتف لوالده بحزم بنبرته المتثاقلة:
يبه خلهم يجوون يفكون ذا الوايرات أبي أقوم أتوضأ فاتتني صلاة الصبح.. الله يهداك ماقومتني!!

هتف له والده بحزم: فاتك صلوات واجد.. قوم أقضها كلها..

كساب بجزع حقيقي: ليه كم صار لي نايم؟؟

زايد بحزم: أكثر من يوم..

كساب بذات الجزع: حرام عليكم والصلاة اللي فاتتني..

والده يهدئه: كنت بعذرك.. كنت راقد والدكتور قال لازم تخلص المضاد بدون فواصل..

كساب بغضب حقيقي: وذا كله عشان ما تخليني أحضر الدفن..

زايد بحزم صارم: قصر حسك.. أنا كنت باخليك.. بس الدكتور مارضى كلش..
وأنا ماني بخبل مثلك.. وأدري إنك لو كنت صاحي بتنط بخبالك هناك..
بنروح الحين العزا لو بغيت..







*************************************





" تعالي نوزن عند الميزان اللي هناك!!"

شعاع تبتسم: أنت صار الوزن عندك هواية..
مبسوط إنك تزيد وأنا أنقص..

علي بإبتسامة: حرام عليش.. إلا أحاتيش أنا زايد 3 كيلو.. وأنتي ناقصة 3 كيلو.. غريبة!!


ابتسمت شعاع: شفت أنت قاعد تاخذ مني..

علي هتف بحنان وهو يشد على ذراعها: إلا لأنش ما تاكلين مثل الناس.. هذا كله شوق لهلش ياقلبي..؟؟
شكلي طلعت أرخص واحد في السالفة؟؟

شعاع احتضنت ذراعه أكثر وهي تهمس بجزع: حرام عليك علي لا تقول كذا..
بس تدري أنا أول مرة أبعد عن هلي.. وأمي كل ماكلمتها صوتها يتغير..
أدري إنها تبكي.. خلاص حبيبي قربنا نكمل 3 أسابيع برا..
وأنا خاطري بعد أحضر زواج جميلة!!

علي شدها ليجلسا في أحد مقاعد مقاهي المفتوحة على الخارج المقابلة لـ(السبانيش ستبس) في روما..
أو كما تُعرف باللغة الإيطالية (Piazza Di Spanga ) وهي يشد كفها بحنان بين كفيه ويهتف بأريحية: أبشري من عيوني الثنتين...
بأشوف لنا أقرب حجز!!







*****************************************






" ماعليه جمول.. سامحيني.. ماجيت أسلم عليش على طول!!
بس كنت مشغولة بكساب..
والحين توني جايه من عنده.. وجيت عندش على طول
أدري الوقت بدري.. وإنش عادش نايمة بس ماصبرت أكثر..
الحمدلله على سلامتش!!"


جميلة تعتدل من سريرها لتتلقى قبلات مزون بمودة وهي تهمس باهتمام ودود: ياجعلني ما أبكيش قولي آمين..
بشريني من كساب..؟؟

ابتسمت مزون: لا.. أحسن بواجد إن شاء الله.. لقيته يلبس يبي يروح يعزي على ناس..

ابتسمت جميلة: أنتي جاية بروحش..؟؟

مزون ابتسمت: لا خالتي مزنة معي..ونزلت تسلم على أمش..


لا تعلم جميلة لِـمَ توترت نوعا ما..
قد تكون مزنة زاراتهم عدة مرات سابقا ولكن يكن البنات متواجدات ووالدتها مستعدة للزيارة..
تخشى من ردة فعل هذه الزيارة المفاجئة!!


لذا قفزت عن سريرها باستعجال وهي تهمس لمزون باستعجال أيضا:
عطيني دقيقتين بس أغسل وأبدل.. وننزل..
وترا الشنطة الكبيرة اللي في الزاوية لش..

مزون بدهشة: جايبة لي بروحي شنطة كاملة..؟؟

ابتسمت جميلة: بعد عروس.. وخلاص لاعاد تطمعين من وراي بهدية.. هذي هديتش وزيادة..

مزون تضحك وهي ترى جميلة تتجه للحمام: ليه حد قال لش مشفوحة..
أبي هدية عقب ذا الشنطة اللي وش كبرها..!!
لا.. وعلي يقول لي إنه ومرته جايبين لي بعد شنطة..
لو أدري أنكم بتسوقون لي ذا الكثر.. ماكان شريت شيء..







***********************************





" الله يجزاك خير يأبيك.. ويحطها في موازين حسناتك..
ماكنت عارف إنك رايح تعزي عليهم.. لأني أنا أعرف أب الشهيد الله يرحمه
وكنت أبي أقول لك خلنا نروح نعزي عليهم عقب مانخلص من من عزا الناس اللي أنت تبي تعزي عليهم!! "


كساب كان متأثرا بشدة وتأثره يتعاظم في روحه وهو يرى كيف كان وجه والد الشهيد مسودا وهو يحتضن حفيده الجالس على ساقيه..
الأبن الوحيد للراحل..
طفل عمره عامين!!


صامت وهو يستند لصدر جده.. وكأنه يستشعر روح الحزن التي سحبت حماس الطفولة من جوانبه..
وهو يجلس خادرا في حضن جده لا يتحرك.. إلا إذا أزاله جده من حضنه ليقوم لاستقبال المعزين..
وجده يرفض أن يغادره إلى مكان.. حتى مع محاولة أعمامه أن يأخذه أحدهم منه كان يرفض..
وكأنه بتمسكه به.. يتمسك ببعض رائحة الراحل علها تسكن روحه التي اخترمها الجزع والفجيعة..


كساب يتنهد بعمق وهو عاجز عن إزالة الصورة من خياله ويهتف بسكون:
ويواجرك ويجزاك خير..

زايد بنبرة أقرب للحذر: زين ترانا بنرجع للمستشفى.. الدكتور يقول تبي لك يومين بعد عندهم..

كساب هز كتفيه بعدم اهتمام: مثل ماتبي.. ماتفرق عندي!!



ليست المرة الأولى التي يشهد فيها الموت بعينيه.. أو يموت أحدهم أمامه..
بل شهد ماهو أبشع من الموت وأقسى في مهماته التي جاوزت التدريب في أحيان كثيرة..
ولكن في تلك الظروف كنت تتهيأ للموت ورؤيته وأنت تعلم أنك مقدم عليه..

لكن أن تذهب روح شابة.. لأخ قريب.. وفي ظرف كان من المفترض أن يكون آمنا... وبين يديك...
هذا ما أثقله بالأسى والحزن لأبعد حد.. مشاعر غائرة حادة يكتمها في أبعد مكان في روحه...

روحه مثقلة بالأسى فعلا.. وجسده مثقل بالآلام .. ولا يريد أن يعود للبيت هكذا.. وهو يشعر بهذا الضعف الجسدي والروحي..

لا يريدها أن تراه هكذا.. تتمنن عليه بتقديم تعاطف لا يريده منها..
وتبخل بمشاركة روحية هي مايريده منها..!!


فهو منذ موقفه القديم معها حين سألها بشكل صريح ومباشر أن تقدم له المساندة التي يحتاجها ورفضت..
وهو عاهد نفسه ألا يضع نفسه في هكذا موقف أمامه.. فرفضها.. جرحه لأبعد مدى..
وهو يعترف أن قلبه أسود..
وأنه لا ينسى.. لا ينسى !!






************************************







تجلسان مع بعضها منذ حوالي عشر دقائق..
وللتو تصل القهوة والشاي والفوالة التي أمرت عفرا الخادمات بإعدادها وإحضارها..
وهاهي تتولى صب القهوة والقيام بالضيافة كربة البيت كأفضل مايكون..

مزنة همست بلباقة: ام زايد ماكان كلفتي على نفسش.. أنا راعية محل..

عفراء بلباقة مشابهة: مافيه شك أنتي راعية محل.. بس حتى أنا مابعد ماتقهويت..
وأبي أتقهوى أنا وإياش..

مزنة بثقة راقية: أنا فديتش ما أقدر أبطي.. لأنه ما شفت إبي إلا بسرعة وطلعنا أنا ومزون لكساب..
كان مزون تبي تقعد.. خليتها تقعد براحتها.. ورجعت عليها العصر لأنها عندها بروفة لفستانها!!


عفراء شعرت بغيظ عفوي.. أنها أصبحت تعرف عن مزون مالا تعرفه هي!!
مزون هذه.. ابنة وسمية وابنتها هي !!

عفراء تحاول جاهدة تحكيم عقلها ومنطقيتها.. فربما لو كانت شخصية مزنة غير ذلك.. لربما تفجر غيظ عفراء منها.. بل وربما كراهيتها لها..


ولكن مزنة سيدة غاية في الاحترام.. وتجبر من أمامها على احترامها.. لأن تصرفاتها واثقة ومدروسة..
ربما لو رأتها يوما تعبر عن قربها من زايد لتفجر غضبها أيضا من أجل أختها..
ولكن مزنة نادرا ما تتكلم عن زايد.. وإن تكلمت عنه.. تكلمت عنه برسمية وهي تسميه ( أبو كساب)..

ربما كانت مزنة مازالت لم تمنح لعفرا عذرا حتى تكرهها بالفعل.. أو حتى تعاملها بحدة..
فعفراء سيدة متزنة وكذلك مزنة مثلها..
ولكن في أحيان كثيرة الإتزان ينتظر شرارة ما ليهتز!!


فعفراء رغم محبتها الكبيرة لأختها.. ولكنها رغما عنها حين تجري مقارنة بينها بين مزنة.. تجد أن المقارنة ليست في صالح أختها مطلقا..
وهذا الأمر يزيد في حزنها وتأثرها!!


كان الحوار يدور برسمية مختلطة بالتلقائية بين الاثنتين رغم وجود شيء غير مريح في الجو..
قبل أن تقفز جميلة وهي تلصق خدها بخد مزنة من الخلف وتهمس بمرح:
هلا خالتو.. وش ذا الصباح الحلو الي تصبحنا بوجهش..؟؟

مزنة تشدها لتجلس جوارها وهي تقبلها وتهمس بمودة صافية:
الصباح الحلو أنا أشهد إنه شوفة وجهش..
ياحظ اللي بيتصبح بوجهش عقب كم يوم!!


رغم إحساس جميلة الحقيقي بالخجل إلا أنها ابتسمت وهي تشد شعرها القصير
الذي عدلت قصته في لبنان ولكن مازال طوله لا يتجاوز منتصف عنقها..
وهمست برقة باسمة: يمه تلقينه بدوي.. ميت على جدايل جدتي.. ويوم يشوف شعري يقول وش فيه؟؟.. ماضغته الغنم؟؟

ابتسمت مزنة وهي تمسح على شعر جميلة الحريري الذي زادته القصة المدرجة كثافة وجمالا:
على إني ما أحب الشعر القصير.. ولا عمري سمحت لبناتي يقصون شعورهم أقل من نص الظهر..
بس والله العظيم وبدون مجاملة إني عمري ماشفت أحلى من ذا القصة عليش..


ثم ابتسمت أكثر لتشجع جميلة التي تعلم أنها متأثرة من قِصر شعرها الذي تم قصه في المصحة لينمو من جديد:
لولا إنهم بيقول إني استخفيت وإلا كان قصيته مثلش.. من حلات القصة عليش!!

مزون كانت من ابتسمت وهي تجلس جوار خالتها وتوجه الحوار لمزنة:
لا خالتي طالبتش.. تبين إبي ينجلط تقصين ذا الشعر كله.. بروحه مبين إنه خاق عليه!!

مزنة شعرت بخجل رقيق لم يظهر في صرامتها.. بينما عفرا شعرت بضيق متزايد لم يظهر في لباقتها...

بينما جميلة وجهت لمزون نظرة عتب حادة معناها (وش هببتي؟؟)
ومزون تنظر لها نظرة دهشة معناها ( ليه وش سويت؟؟)

بعد استمرار الحوار لدقائق وانتهاء مزنة من تناول قهوتها.. همست لمزون بمودة:
مزون يأمش بتروحين معي..؟؟

مزون برقة: أبي أقعد شوي.. مالحقت أشوف أغراض جميلة اللي شرتها من لبنان..

مزنة وقفت وهي بأمومة: براحتش متى مايغيتي تجين دقي علي أجيبش..
ولو بغيتي تقعدين للعصر.. مريتش عقب الصلاة عشان نروح تقيسين بروفتش!!

لولا أن عفراء قاطعتهم بصرامة: أنا بأوديها.. لأنه حتى جميلة عندها كم شغلة أبي أوديها لها..


رغم أن مزنة لم ترتح لمقاطعة عفرا التي بدت أكثر حدة من المفترض ولكنها همست بلباقة: براحتش يأم زايد.. أنا وأنتي واحد..
والحين اسمحوا لي.. لازم أروح لأبي..


بعد أن غادرت.. همست عفراء بضيق وهي تحمل ابنها عن مقعده: بأروح أبدل لزايد وأجيكم..

عفراء بالفعل تضايقت من نفسها لأنها لم تستطع السيطرة على نفسها.. رغم أن مزنة لم يبدر منها مطلقا مايدعو لهذا الرد الحاد..


حين غادرت عفراء.. همست مزون لجميلة باستغراب: خالتي وش فيها..؟؟
وأنتي ليه كنتي تخزينني كذا؟؟


جميلة هزت كتفيها: لأنش وحدة غبية.. إذا إنش مالاحظتي لين الحين إن أمي ماتهضم مرت أبيش؟؟
وإنش يوم تتغزلين فيها نيابة عن أبيش.. خليتي أمي تعصب وزدتي الطين بلة!!

مزون باستغراب: زين ليش ذا كله؟؟.. خالتي مزنة مرة ذوق.. وما أظني إنها ضايقت خالتي يوم!!

جميلة تنهدت: هي ماضايقتها.. بس أمي متأثرة عشان خالتي وسمية..

مزون بذات الاستغراب: وهذا أنا ابنتها.. ليه يعني خذت الأمور ببساطة..؟؟

جميلة بمنطقية: أنتي ماعرفتي خالتي وسمية.. ماتت وأنتي بزر..
بس خالتي بالنسبة لأمي كانت أمها وأختها وكل أهلها..
أمي ماظنتي إنها حبت حد في الدنيا كثر خالتي وسمية.. ولا حتى أنا وزايد الصغير..
عطيها بس شوي وقت لين تتعود على الفكرة!!

هزت مزون كتفيها وهمست بإبتسامة: بصراحة كلام ماخوذ خيره..
لأن خالتي عفرا أعقل من كذا بواجد.. وماظنتني إنه طرا عليها خرابيطش ياحرم النقيب
وقومي وريني أغراضش.. يمكن يعجبني شيء وأسرقه فوق شنطتي..
وأطلع مشفوحة وأنا كنت أنفي التهمة عن نفسي!!






*************************************





" عبدالله أنت ما تشوف أخيك ذا وش فيه منقلب حاله؟؟
معصب على طول.. والذبانة ماتمر قدام خشمه قد له كم يوم"


عبدالله همس ببساطة وهو يميل على صالح وينظر لفهد الذي كان يجلس بعيدا يشاهد الأخبار:
عادي حالة طبيعية.. أي واحد قبل عرسه يتوتر شوي..
أنت يعني ماتذكر روحك قبل عرسك.. أشلون كنت معصب على طول!!

صالح يبتسم: بس يا أخي أنا غير وفهد غير.. أنا كنت أصغر منه الحين..
وخلني أعترف إن شخصية فهد أقوى من شخصيتي.. يعني مهوب لابق عليه التوتر..


لم يعرفا الاثنان أنه لم يكن يعاني التوتر..
بل كان يعاني نوعا خاصا من الغضب يتصاعد في روحه..
وهو يشعر كما لو كان مجبرا على الزواج حرفيا... وهو من لا يستطيع أحد إجباره..

تبدو القضية معقدة تماما.. فهو لم يجبره أحد خارجيا.. ولكنه كان مجبرا فعلا داخليا..
مازال يتمنى بعمق في داخله أن يحدث شيء يعرقل الزواج.. رغم أنه لم يعد أمام الزواج شيء.. واصبح كل شيء معدا له تماما..







****************************************






" صار لي ساعة في المجلس أنتظرش
مقابلني فهد معصب.. وعبدالله لاهي يسولف على عيالي وولده
لوعوا كبدي!!"


نجلا تركب وهي تشد نفسها بإرهاق حتى استوت على المقعد.. ثم أخذت نفسا عميقا وهي تهتف بنفس مقطوع:
حلفت علي عالية أروح.. وإلا كان قعدت لين عقب صلاة العشاء..

صالح يبتسم بحنان: أنتي من جدش؟؟
أنتي عاد فيش حيل تشتغلين؟؟

نجلاء تحاول أن تبتسم ونفسها مقطوع: لا تحسسني كني منتهية الصلاحية..
خلاص هانت هذا العرس عقب كم يوم..

صالح بإبتسامة: وعقبه بتقولين لي عرس غانم!!

نجلا حينها ابتسمت بشفافية: لا عاد تجهيز غانم غير.. الله يستر بس لا أولد قبل العرس..
العرس باقي عليه أقل من شهر..
وبأكون دخلت الشهر التاسع!!






*************************************






" وأنتو ماعندكم غير مرتي تشغلونها..
والله لا يصير فيها وإلا في ولدي شيء
إني لأغرمكم أنتي وفهد ومرته بعد !!"


عالية تضحك وهي ترتب بعض الأغراض في الخزائن.. بينما عبدالله شد جوزا وأجلسها وجلس جوارها..
وهو يطل عليهما في جناح فهد الذي يتم العمل فيه على قدم وساق ويقارب الانتهاء..
بعد أن انضمت غرفة هزاع لغرفة فهد.. بعد أن كان الشابان لهما جناح مستقل بباب مغلق عليهما مكون من ثلاث غرف..
غرفتي نوم.. وغرفة جلوس... تم تجديد غرفة فهد وغرفة الجلوس بصبغ جديد.. وأثاث جديد تولته عالية بمساعدة زوجتي شقيقيها...
لأن فهد رفض أن يذهب معها بحجة أنه مشغول وأعطاها بطاقته المصرفية!!

وهزاع نزل للطابق السفلي في غرفة يفتح بابها على الباحة مباشرة.. وأنزل غرفته معه.. وبقيت غرفته القديمة خالية من الفرش بعد أن تم تجديد صبغها..
حتى يتصرف فيها العريسان كيف يشاءان فيما بعد!!


عالية تجيب عبدالله وهي تضحك: والله مهوب ذنبي إن كل واحد منكم يا أخواني مرته وارمة كذا..
أنا أساسا المفروض مالي شغل فيكم.. إسألوني عن عبدالرحمن وهله..
المفروض نسوانكم هم اللي يشتغلون لأخيكم!!
أنا وش دخلي!!


عبدالله يبتسم: لا ياقلب أخيش.. خلو أم حسون على جنب.. لا تتعبونها..

عالية بمرح: خذ أم حسن وسكر عليها في حجرتكم..
والله دامها مرتزة قدامي.. بأشغلها..
لا ومن زين النفعة اللي هي تنفعها.. أصلا أنا قاعدة أدحرجها..

جوزا بمرح: كذا ياعلوي.. أنتي مافيش طيب.. صار لي كم يوم أنطط معش في محلات الأثاث والصبغ والسيراميك..
واليوم من صبح وأنا معش وعادش بعد تسبين..

عالية بذات المرح: لا حد يبكي علينا.. هذي نجول مثلش تشتغل وهي متورمة أكثر منش.. وتوها راحت لبيتها..

عبدالله يشد جوزا وهو يهتف بمرح: والله ماتقعدين معها.. خلها بروحها..
أنتي ما أرتحتي من صبح والحين صرنا عقب المغرب..
خلي أم لسان ترتاح وإلا تشتغل بروحها..

عالية بمرح أكثر: الحمدلله فكة من الثنتين.. أنا أصلا ماني بدارية أحاتي الكروش
وإلا أرتب...


عبدالله شد جوزا فعلا خارجا وهو يهتف بمرح: خلاص اقعدي بروحش..

ثم مال على عالية بحنان: علوي ياقلبي أنتي تعبتي واجد.. البسي عباتش.
خليني أوديش لبيتش.. مافيه داعي تعنين عبدالرحمن يجي مع السواق!!

عالية بمودة صافية: لا فديتك.. أنا أصلا قايلة لعبدالرحمن إني بأمسي الليلة هنا عشان أخلص شغلي كله..
خلاص العرس ماعاد باقي عليه إلا ثلاث أيام..
أبي أخلص أتفرغ لنفسي..


عبدالله غادر فعلا مع جوزا التي كانت رافضة للمغادرة ولكن عالية حلفت عليها أن تغادر..
وهي تقول لها إنه لم يبق إلا شيء قليل ستنادي الخادمات لينهينه معها..


فور مغادرتهما..
سارعت عالية لإغلاق باب الجناح..
عادت للداخل..

ثم انفجرت في البكاء بشكل مفاجئ.. كما لو كانت تكتم طوفانا من الدموع والشهقات ينتظر الانهمار..
بكاء رقيق من روح مثقلة بالأسى فعلا..


فهي منذ الصباح تتحين لها فرصة للاختلاء بنفسها لتبكي..
ولكن وجود نجلا وجوزا منعها..
كانت تتحاول أن تتلهى بإغراق نفسها في العمل عن التفكير بما حدث هذا الصباح..

ولم يكن ماحدث هذا الصباح شيئا عارضا.. بل كان نتيجة متفجرة لتأزم الوضع بينها وبين عبدالرحمن طيلة الأيام الماضية!!




.
.
.



هذا الصباح...





" حبيبي أبي أروح لبيت هلي؟؟"

عبدالرحمن بهدوء ودود: تو الناس.. الساعة الحين سبع الصبح..

عالية بحماس عذب: لا فديتك مهوب تو الناس.. اليوم بتجي الستاير وفرش الغرف.. وعفرا في الليل قالت تبي ترسل بعض شناط بنتها..
يا الله ألحق أرتب..
حتى يمكن أحتاج أمسي هناك الليلة.. ما أدري!!

عبدالرحمن بصدمة: تمسين بعد؟؟

عالية بعذوبة: أقول يمكن.. لو ماخلصت شغلي!!

عبدالرحمن هز كتفيه بضيق: مافرقت .. انتي كل يوم طالعة من شغلش على تجهيز أخيش.. ويا الله ترجعين آخر الليل..

عالية احتضنت رأسه بحنان باسم: حرام عليك لا تبالغ كذا..
وبعدين هانت.. ماعقب فهد إلا هزيع وبيبطي..
كان قلت لك نايف بعد.. بس نايف بيته جاهز..

عبدالرحمن بذات الضيق: براحتش.. أمسي هناك.. أحسن بعد..
يا الله عشان نخلص من التدريب الليلي اللي ماترجعين إلا عشانه!!

عالية همست بصدمة حقيقية: عبدالرحمن أنا ما أرجع إلا عشان التدريب..؟؟

عبدالرحمن بثقة جارحة ومجروحة: ولولاه يمكن مارجعتي!!



عالية تراجعت بصدمة حقيقية من هذا التخريف الذي يقوله..
لا تعلم كم بات هذا الموضوع جارحا له ولمشاعره..!!
فهي تغيب طوال اليوم.. وحين تعود في وقت متأخر.. تصر على قيامه بالتدريبات..

يصرح لها بشفافيته كم هو مشتاق لها للجلوس معها.. لسماع حديثها.. لقربها..
ولكنها تصر عليه أن يتدرب أولا وقبل أي شيء!!

يشعر أنه يريد أن يمشي بالفعل من أجلها..ولكن هو ليس بحاجة للمشي كما هو بحاجة لها..
وهي تضغط عليه كثيرا.. وكأنها لا تريده إلا إن كان سيمشي..
بات يجرحه بشراسة ووحشية إحساسه أنها قد تتركه حين تمل من عجزه عن المشي..


وهو لا يعلم كم تشعر بالذنب لأنها باتت تهمله رغما عنها هذه الأيام .. وهي بالفعل في حاجة أكبر للإحساس بقربه والاستمتاع بحديثه..
لكنها ترى أن استمراره في التدريبات هو أولوية يجب تقديمها على هذه الرغبات..

كل منهما بالفعل مجروح من الآخر ومن تفكيره..
أما ما فجر رغبة عالية في البكاء فعلا أن عبدالرحمن حين أوصلها صباحا..
ماكادت تصل للبيت حتى وصلتها رسالة منها:


" يمكن يكون أحسن لكل واحد منا
إنش تقعدين في بيت هلش لين موعد عرس فهد!!"


عالية تمنت بالفعل حينها أن تنفجر في البكاء.. ولكنها لم تستطع وهي تجد والدها في وجهها.. الذي استقبلها بترحيبه الحاني الفخم!!

والكبت يتعاظم في نفسها وهي لا تجد دقيقة لتختلي بنفسها وحزنها.. وتعمل بلا توقف منذ الصباح..

جرحها بشدة أنه لم يقل ذلك لها مباشرة.. لأنه لو قالها لها مباشرة لرفضت..
ولكنه ألقاها عليها في محض رسالة باردة قاسية..

بينما هو عجز فعلا أن يقول لها بشكل مباشر شيئا هو فعلا لا يرغب فيه..
ولكنه يرى نفسه مضطرا له لأنه يراها ممزقة بين تجهيزها لشقيقها وبينه..
وربما كانت تحتاج للراحة منه ومن مسؤولياته..
وربما حينها تستطيع أن تعود له بروح متفهمة أكثر لمشاعره وحاجاته بعد أن يخف الضغط عليها..







****************************************






" الله يهداك.. اليوم كله ما تريحت"

كانت عفراء تهمس بذلك وهي تتناول غترة منصور منه. وهو يجلس وهو مرهق بالفعل ويهتف بإرهاق:
عادي حبيبتي.. أصلا ماعندي دوام لين عقب عرس جميلة..


ابتسمت عفرا وهي تجلس جواره: الله لا يخلي جميلة منك..
ماخليت شيء ماجبته لها.. اليوم أرسلت بعض شناطها لبيت فهد..
وبكرة الصبح بأطلع جلابياتها وعبيها.. وبأخذ باقي شناطها وبأروح أرتبها في الليل..

منصور هتف باهتمام حان: لو علي ودي إني شريت لها أكثر من كذا..
بس هي اللي عيت..
قولي لي عساها مبسوطة؟؟ لأنها تقول لي دايم مبسوطة.. وأنا حاس إنها داسة علي شيء..

عفراء برقة: مبسوطة الحمدلله..


كانت عفراء هي من تخفي شيئا الآن.. فهي غير مرتاحة مطلقا لنفسية جميلة التي تبدو مرهقة ومتوترة..
قلقها يتعاظم من أجل ابنتها..
وشوقها لها لا يهدأ منذ الآن!!
توتر متبادل تعانيه مع ابنتها.. وكل منهما تخفي توترها عن الأخرى حتى لا توترها أكثر!!






****************************************





" خالي نايف صار له فترة يبي يأتي معي..
بس مالقى وقت إلا الحين.. فسامحونا على ذا الزيارة المتأخرة"

زايد بترحيب وأريحية: يا حياكم الله أي وقت.. منتو بغرب عشان تعذرون..

نايف بلباقة: بس الساعة قد هي قريب الساعة 11 وخفنا إنكم تبون تريحون عقب الزيارات طول اليوم..

كساب الذي كان يجلس معهم في غرفة الجلوس والمحلول معلق في ذراعه السليمة هتف بإبتسامة:
أفا عليك ياعديلي.. أنت تجي أي وقت!!


شعر نايف حينها بالامتغاث وهو يتذكر مايتناساه ومامنعه من زيارة كساب..
كونه عديله.. وخشيته من مواجهة تميم بعد الموقف السخيف الذي وضعته فيه زوجته المبجلة..!!!
لذلك تقصد أن يأتي متأخرا حتى يضمن أنه لن يقابل تميم..


ولكن دائما مانهرب منه نجده أمامنا... فمع استعداد فهد ونايف للخروج وهما يسلمان على كساب ووالده..
كان تميم يدخل..

نايف كره جدا شعوره بالاضطراب الذي داخل روحه رغما عنه..
تزايدات ضبابية مشاعره وتعقيدها ناحية من جعلته يشعر بالامتهان هكذا..
رغم أنه سلم على تميم بطبيعية كاملة وكأنه لم يحدث شيء..

ولكن ما أثار استغرابه وراحته في آن.. أن تميما كان أكثر من عفوي.. وهو يتصرف معه بعفوية تامة.. دون نظرات قارصة..
ولكن مع ذلك سارع في الاستئذان والخروج بما أنه كان خارجا أساسا..


بعد خروجهما أشار تميم أن كاسرة في الانتظار خارجا سيناديها ويذهب لأنه لابد أن يعود لبيته فالبنات هناك لوحدهن..



مشاعر كساب الغامضة العميقة عادت لاخترام روحه.. مع سماعه لاسمها..
لا ينكر أنه منذ الصباح يشعر برغبة موجعة لرؤيتها..
ولكنه في ذات الوقت يشعر بعتب موجع في روحه عليها.. لأنها مطلقا لم تتصل به..
ألا يكفي أنها لم تفكر في زيارته إلا مرة واحدة.. وعلى عجالة.. وهو نائم أيضا؟!!


"لماذا جاءت الآن؟؟ بل وتريد أن تنام عندي أيضا!!
لم أعهدها تتصرف تصرفا لا تريده من قبل!!
ماذا لديكِ ياكاسرة؟؟
أ تريدين أن تمثلي أمام عمك العزيز دور الزوجة المحبة المتفانية؟؟"



تميم غادر لتدخل هي بعد دقائق..
بدت لكساب الدقائق الثلاث التي تلت مغادرة تميم حتى دخولها طويلة طويلة جدا.. وكأنها لا تريد الانقضاء..
بثوانيها الثقيلة وهو يجلس بكامل ثقته رغم إرهاقه الشديد..


زايد تلقاها أولا وهي ترفع نقابها لتقبل رأسه..
لم يقل زايد شيئا عدا الترحيب المعتاد وهو يتجاوزها ويخرج..

لم ينتبه أحد منهما لخروجه أساسا..
فهناك خيط غريب عميق من النظرات اتصل..

كان جالسا على أريكة في غرفة الجلوس وهي واقفة..
اقتربت لتميل عليه وهي تلصق خدها بخده.. في سلام أرادته أن يكون عفويا سريعا.. فهي لابد أن تسلم عليه كما هو مفترض!!

ولكن هذا السلام كان أبعد ما يكون عن العفوية لكليهما..

هو كان يتنفس بوجع واشتياق غريبين عبق رائحتها الخاص..
وهي تعجز عن الابتعاد وتشعر أنها مجهدة عاجزة عن التحرك وأنفاسها تتصاعد بتوتر..
وهي تشعر بحفيف لصقات وجهه الطبية يخدش حرير خدها باللمس.. ويخدش ثقل روحها بالألم..
لم تكن تريد أن تبتعد وسحر غير مفهوم يشدها نحوه..
ولكنها ختاما شدت نفسها بقسوة بعيدا عنه وهي تحاول التقاط أنفاسها المحتبسة..


ولكنه لم يتركها تبتعد.. وهو يشدها برفق ليجلسها جواره.. كان عاجزا عن تخيل فكرة بعدها مع شوقه الذي ماعاد بالاحتمال..
نظر لها مطولا.. وكأن عينيه لا تشبعان نظرا.. قبل أن يهتف بعمق:
شكلش تعبانة.. وش فيش؟؟


(هذا غبي وإلا يتغابى؟؟ يسألني ليش تعبانة!!) همست بهدوء: مافيني شيء..

سألها بهدوء مشابه: رحتى الدوام اليوم..؟؟

تنهدت (لا شكله يتغابى من قلب!! متى أروح الدوام وأنا عندك من البارحة ومارحت إلا اليوم الصبح؟؟) تنهدت بذات الهدوء:
لا مارحت .. عندي إجازة..

حل السكون لثوان..ليقطعه أنامله ترتفع برفق إلى وجهها كان يتحسس إرهاق وجهها البادي..
مدت يدها بجزع لتنزل يده.. خشيت أن يؤلم نفسه فيده هذه معلق فيها المحلول.. عدا عن جروح متفرقة في مفاصلها..
أنزلت يده برفق إلى حضنها وهي تمسك بها بين كفيها برفق شديد..
همست بألم لم تستطع إخفائه: عادك مستوجع؟؟

هتف ببساطة عميقة موجوعة: بسيطة.. والواحد يقدر يستحملها..
البلا من أوجاع مايفيد فيها الصبر!!

كان الجو بينهما كثيفا محملا بمشاعر غاية في الكثافة والتعقيد.. وكأن كل منهما أمام الآخر صندوق أسرار استعصت عليه مغاليقه!!

قطع هذا الجو بقوله بإرهاق: انا تعبان وودي أنسدح شوي.. تقوميني أصلي عقب ساعة..؟؟

همست بثقة حانية: إلا بأقومك قبل صلاة الصبح بساعة.. عشان تصلي قيامك.. ثم تصلي الصبح.. عشان تلحق ترتاح شوي وما أقومك مرتين!!


توجها كلاهما لغرفته.. وهي تدفع حامل المحلول.. حتى جلس على سريره..

حينها أزالت نقابها عن رأسها ثم خلعت شيلتها وهي تلقيها على المقعد..
وهي تحرر شعرها من ربطته التي كانت تؤلمها لانها عقدتها باستعجال..

هتف كساب بنبرة حادة: كاسرة إلبسي شيلتش..

همست كاسرة بعفوية: كساب من اللي بيجي ذا الحزة.. خلاص..

كساب بحدة أقسى: كاسرة قلت لش البسي شيلتش.. تدرين باللي يضايقني.. تسوينه ليه؟؟

كاسرة شدت لها نفسا عميقا: حاضر إن شاء الله..
تناولت شيلتها وهي تضعها على ذراعها وتجمع شعرها لتعقده من جديد..

في تلك اللحظة تماما.. فُتح باب غرفته ليقف رجل في فرجته وهو يهمس بقلق:
السموحة من ذا الجية المتاخرة.. بس كان عندي رحلة وتوني جاي من المطار..

الرجل تراجع للخارج بحدة وهو يرى المرأة الكاشفة عند كساب.. ويغلق الباب خلفه..

بينما كساب قفز عن سريره ليقف بغضب متفجر..متفجر.. متفجر لأبعد حد..

في الوقت الذي دخل زايد مستعجلا مع الباب الآخر.. لأنه رأى غانما من بعيد ورآه يتجه لغرفة كساب..
وكان زايد يظنهما مازالا في غرفة الجلوس...

ليصل وصراخ كساب يتعالى مرعبا حادا قاسيا: عاجبش الحين؟؟ عاجبش؟؟ ارتحتي؟؟
يا الله اتصلي في تميم وفارقيني للبيت.. ما أبي أشوف وجهش..

كاسرة مازالت مصدومة من رؤية الرجل لها وإحساسها العارم بالذنب وهي تستغفر الله في ذاتها..

ليفاجئها كساب بهجومه..
وهو يشد نفسه بعنف من حامل المحلول.. لينـتـزعه من يده دون أن يشعر..
والدم يتدفق بغزارة عبر الوريد المفتوح..

كاسرة أصبح انتباهها كله مع الدم المتدفق وهي تمسك بكفه وتحاول إيقاف الدم وتهتف بغضب حقيقي:
أنت صاحي وإلا مجنون؟؟

كساب ماعاد يرى أمامه من الغضب وهو يشد يده منها ويمسك العرق بنفسه وهو يضغط عليه بفوطة كانت جوار سريره:
أنتي خليتي في رأسي عقل.. أقول لش فارقي للبيت.. فارقي.. قدام أكسر وجهش الحين..

زايد يتدخل بحزم جازع: أنتو استهدوا بالله. اذكروا الله..
وانت يا الخبل اقعد خلني أدعي حد يشوف المصيبة اللي سويتها في روحك..

كساب يصرخ بغضبه الأسود المتفجر: يبه خذها من قدامي الحين.. قدام أرمي عليها اليمين.. تراني مافي رأسي عقل ذا الحين..


كاسرة حينها تقدمت نحوه بثبات.. وهي تهمس بثقة حازمة صارمة متحكمة عكس غضبه المتفجر:
ارمي علي اليمين.. خلصني وخلص روحك..
أنا ما أبيك وأنت ماتبيني.. وش جابرنا على ذا الحياة؟؟
خلك قد كلمتك.. يا الله طلقني.. هذا أنا قدامك!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
يا الله اليوم عندنا توزيع نجمات بالهبل.. عقب الغياب..
.
(معزوفة حنين) أول نجمة لأنها أول من قال هل ممكن يكون كساب مع المصابين في المبنى اللي انهار؟؟
.
(أحاسيس مجنونة) أول وحدة قالت إن الي شافته كاسرة شافت دولاب كساب مفتوح..
.
(آن كارينا) أول وحدة حددت إن كساب هو المدرب..

ونرجع لآن كارينا.. لأنه أنا من زمان مخبية لها نجمات كثيرة والحين جاء وقتها
ترا (آن كارينا) أول وحدة قالت إن فهد بيتزوج جميلة ومن زماااااان زماااااااان... متى؟؟

وجميلة عادها في رحلة العلاج مع خليفة في (إنسي) وماكان فيه أي بوادر خلاف بينهم أبد ولا حد توقع إنهم بيتفرقون..
لكنها تمنت إنه يصير عشان فهد يأدب جميلة على اللي تسويه في خليفة :)
يا الله آن جيبي كيسك وعبي نجماتك فيه.. مع إنها كثيرة.. حاسبي لا تنط من الكيس.. :) !!
.
.
(همتي) أول وحدة قالت يمكن وضحى هي اللي أرسلت ومع إنها موب مقتنعة بالتوقع!!
لكن (صدقني أغليك) كانت أول وحدة قالت: إنها حركة من سميرة ووضحى بس بعد ماكانت مقتنعة!!
ولكل وحدة منهم نجمة على توقعها اللي هي موب مقتنعة فيه :)
.
.

#أنفاس_قطر# 14-02-11 08:31 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس و الثمانون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الورد والنوير.. والبرد.. هالأيام برد موطبيعي..
عمري ما حسيت ببرد عندنا في قطر كثر هاليومين.. ومع كذا حلو :)

ما تهون عليكم طلبتكم.. وهذا البارت نزل بدري..
وفيه بارت ثاني بكرة في الليل..عشان اللي بيدخلون بكرة الصبح يظنون فيه بارت
يقرون معانا.. ثم يقرون بارت الليل..
بس اسمحوا لي ما أقول وقته بالتحديد.. لأنه لو وقلت قته أخاف يصير مثل كل مرة.. ويثقل على الموقع وما أقدر أدخل..
على العموم لكم بارت هدية بكرة في الليل :)
.
.

بنات اللي صار بين كاسرة وكساب مقصود جدا
يمكن ما تفهمون بالضبط المقصود الحين.. بس عقب عقب بيتوضح..
.
.
فيه بنات يظنون شغل عالية إنها تعالج أو تقابل مرضى..
يابنات الهندسة الجينية كلها شغل مختبرات... يعني ما تحتك بجمهور أبد!!
.
.
نجي لموضوع مهم..

قصة الشاب الشهيد أدرجتها ضمن الأحداث لعدة أسباب ربما كان أهمها
أنني أردت بالفعل أن نتذكر شبابا ذهبوا فعلا شهداء في مواقع كان يجب أن تكون آمنة لهم..
ومنهم الملازم ثاني الشاب (محسن عبدالله النعيمي)... ترحموا عليه يا نبضات القلب وادعوا له بالمغفرة..
توفي قبل أكثر من عام في تدريبات لاستعراضات اليوم الوطني.. سقط من حبل يتدلى من الهليكوبتر.. وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين..
ورغم أني لا أعرفه.. لا أعرف أحدا من أهله.. ولكني وربي شاهد كم دعوت له بالرحمة ودعوت لهم بالصبر..
وتمنيت لو عرفت عنوان أمه لأذهب للعزاء.. لشدة ما تأثرت للخبر..ورأيت تأثر أبو العيال بعد!!
فرحمة الله عليك يا محسن وتقبلك الله مع الشهداء والصديقين..
.
.
يا الله
البارت 86
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله...
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والثمانون







كساب ماعاد يرى أمامه من الغضب وهو يشد يده منها ويمسك العرق بنفسه وهو يضغط عليه بفوطة كانت جوار سريره:
أنتي خليتي في رأسي عقل.. أقول لش فارقي للبيت.. فارقي.. قدام أكسر وجهش الحين..

زايد يتدخل بحزم جازع: أنتو استهدوا بالله. اذكروا الله..
وانت يا الخبل اقعد خلني أدعي حد يشوف المصيبة اللي سويتها في روحك..

كساب يصرخ بغضبه الأسود المتفجر: يبه خذها من قدامي الحين.. قدام أرمي عليها اليمين.. تراني مافي رأسي عقل ذا الحين..


كاسرة حينها تقدمت نحوه بثبات.. وهي تهمس بثقة حازمة صارمة متحكمة عكس غضبه المتفجر:
ارمي علي اليمين.. خلصني وخلص روحك..
أنا ما أبيك وأنت ماتبيني.. وش جابرنا على ذا الحياة؟؟
خلك قد كلمتك.. يا الله طلقني.. هذا أنا قدامك!!


قبل أن يبدر من كساب أي تصرف.. كان زايد هو أول من تكلم وهو يتدخل بقدرته الفائقة على السيطرة ويشد كل واحد منهما بقوة من عضده
ويهتف بغضب شديد وحزم بالغ:
أص ولا كلمة.. والله ثم والله ماحد منكم يفتح ثمه بكلمة..
أنا واقف بينكم مالي حشمة وتقدير..

ثم أفلت كساب الذي كان ينتفض من شدة احتكام غضبه ومع ذلك أسكته شيء أقوى منه.. لم يكن والده.. ولكنه شيء آخر!! آخر!!

ثم شد زايد كاسرة من عضدها برفق وهو يهتف بحزم: يا الله يأبيش أنا بأوديش..


حينها كانت الممرضة تدخل بناء على الجرس الذي ضغطه زايد.. زايد أشار لها أن تتوجه لكساب..
وهي تنظر برعب ليده.. بينما زايد شد كاسرة لغرفة الجلوس وأغلق الباب بينه وبين كساب.. قبل أن يتكلم أحد منهما..


حـــيــنــهـــا...
سمع كساب بوضوح تام.. صوت انفجارها في البكاء.. شهقاتها المكتومة التي علم أنها تسكبها الآن بين أضلاع والده وهي ترتمي في حضنه..
تلك القوة الهائلة التي كانت تتسربل بها أمامه قبل ثوان انهارت كلها..

كانت بالفعل تبكي بانهيار على صدر زايد الذي كان يهمس لها بحنو: بس يأبيش خلاص..
لا تشرهين على كساب.. تعبان ومتضايق من أشياء واجد..

كاسرة بين شهقاتها التي كانت تئن بينها فعلا: وأنا ما أنا بتعبانة..؟؟
أنا تعبت يبه تعبت.. والله العظيم تعبت ووصلت آخري..
حدني على أشياء عمري ماهقيت إني ممكن أقبلها على روحي..


زايد احتضنها بحنو أكبر وهو يهمس لها بحنو حازم:
المرة اللي فاتت ماسويتي لي خاطر.. ذا المرة أقول عديها عشان خاطري أنا كن لي خاطر عندش..
عشاني يأبيش.. طالبش ما ترديني..


كان كساب يتمزق تماما وهو يقف قريبا من الباب الفاصل بين غرفتي الجناح.. ويرفض أن يستجيب لرجاءات الممرضة أن يجلس..
يتمزق من غيرته.. ومن غضبه..!! ويتمزق أكثر من أي شيء من صوت بكاءها!!

يرهف السمع.. وكأنه يريد تعذيب نفسه بصوت أنينها الباكي..
لا يحتمل صوت بكاءها..
وما لايحتمله أكثر.. أنها تبكي على صدر سواه..!!

يتخيل أنه كان قاب قوسين أو أدنى من قطع كل مابينهما..
يتخيل أنه كاد يفصل بين روحيهما بكلمة..
يتخيل أنه كاد يفسد حياته كلها بكلمة في لحظة غضب لولا تدخل والده!!
ولكن تبقى هي السبب.. هي السبب في كل شيء!!
أخبرها أكثر من مرة.. أن غيرته مُرة.. ومع ذلك تقصدت أن تجربها!!
وهاهي تجربها في أقسى وأصعب موضع من كل النواحي!!






************************************






" مزنة انزلي تحت..
تعالي اخذي كاسرة.. عشان أبي أرجع لكساب للمستشفى"


مزنة وقتها كانت تستعد للنوم فعلا.. شدت روبها على جسدها وهي تهتف باستعجال: نازلة الحين..

لم تسأل لماذا عادت كاسرة وهي كانت ستبات عند زوجها.. لأنها علمت أن هناك مصيبة ما..


حين وصلت للأسفل.. كان وجه كاسرة محمرا من أثر البكاء.. ومع ذلك هتفت بجمود صارم:
عمي الله يهداك مافيني شيء عشان تروع أمي وتنزلها وهي كذا.. أنا بأطلع بروحي..

قالتها وهي تتجاوز والدتها وزايد لتصعد..كما لو كانت شبحا لا صوت لخطواته وهي تسحب نفسها سحبا للأعلى!!..

بينما مزنة مالت على زايد وهي تهمس بقلق عارم:
زايد وش صاير بين كساب وكاسرة..؟؟

زايد أمسك بقماش الروب من ناحية عضدها بين سبابته وإبهامه وهو يهتف بحزم مقصود:
شكلي أعصب عليش عشانش نازلة كذا.. عشان تعرفين وش سبب اللي صار بين كساب وكاسرة..

مزنة تراجعت بحرج.. لأنها انتبهت أنها نزلت بروب من الشيفون الخفيف دون أن تنتبه لشدة شفافية القماش..
ومع ذلك هتفت بثقة: البيت مافيه إلا بناتي.. حتى كساب بسلامته في المستشفى..

زايد تنهد بحزم: روحي لكاسرة.. وهديها.. وهي بتعلمش وش اللي صار..
بس طالبش يامزنة تعقلينها..



زايد غادر بينما مزنة توجهت لكاسرة..
وخلفها مزون التي شعرت بشيء غير طبيعي يحدث.. فخرجت من غرفتها..
لترى مزنة تتوجه لغرفة كساب فتوجهت خلفها بقلق أن يكون حدث لكساب أي شيء..


مزنة حين وصلت لكاسرة... كانت كاسرة تجلس على الأريكة قريبا من باب الجناح ومازالت بعباءتها..

مزنة جلست جوارها وهي تربت على كتفها وتهمس بأمومة حانية: شاللي صار يأمش...؟؟


كاسرة بجمود حقيقي وهي تنظر لشيء غير مرئي أمامها: كان يبي يضربني ويطلقني عشان نسيبه غانم آل ليث شافني بدون شيلة..

الطرف الثالث الذي سمع الحوار عن غير قصد... تراجع بحدة للخلف ثم هروبا إلى داخل غرفته..

بينما مزنة مازالت غير قادرة على استيعاب الموضوع كاملا.. ومع ذلك هتفت بتهدئة:
يعني أنتي الغلطانة؟؟ وأنتي تعرفين وش كثر هو يغار عليش..

كاسرة بذات الجمود: أدري إني غلطانة.. بس هو كأنه ماصدق عشان يلقى له سبب يهيني..
أما على الغيرة. فيه فرق كبير يمه.. بين غيرة للحب.. وغيرة للتملك..

مزنة تنهدت: يأمش هو بعد حاله ماهو مستقر.. لازم تراعينه.. وتحسين فيه!!

حينها صُدمت مزنة أن كاسرة انفجرت في بكاء مفاجئ غير مسبوق.. وهي تدفن وجهها بين كفيها وتشهق بعنف:
وهو متى بيحس فيني ويراعيني؟؟ متى؟؟
تعبت يمه.. تعبت.. وهو مستحيل يحس فيني يوم.. مستحيل!!
يمه وش ذا الحياة؟؟ والله العظيم تعبت..
لو ماكنت أحبه.. كان عادي عندي أتقبل كل شيء ولا يهمني..
بس على قد ما أحبه.. على قد ما يوجعني اللي يسويه فيني...
ياربي تعبت.. تعبت!!
تـــــعـــــبــــــت!!!!







**************************************






مازال جالسا في سيارته أمام المستشفى.. عاجزا عن استيعاب ماحدث أمامه..
وما يؤلمه ويحرجه معرفته أنه تسبب بمشكلة كبيرة.. وهو يسمع صراخ كساب مع مغادرته للمكان كاملا..

ثم رؤيته لنزول زايد ومعه امرأة ومغادرتهما..



للحظات حين فتح الباب وقبل أن يلاحظ الوجوه.. شعر بدغدغة لذيذة ما أن تكون هذه التي أمامه هي مزون..
وأن الله أراد إهدائه هدية هذه الليلة برؤيتها!!.. وهو على كل حال كان سيتراجع في الحال ويغلق الباب..


لكنه ما أن لمح وجه المرأة حتى تراجع بجزع كبير.. لأنه عرف أنه يستحيل أن تكون مزون..
فهو يعلم أن مزون –كما قيل له- عادية الجمال.. وهو هيأ لنفسه لذلك وراضٍ به تماما..
لكن هذه رغم أنه لم يدقق في الملامح ولكن جمالها بدا له مرعبا ومخيفا..!!


ثم حين سمع صراخ كساب الناري... علم أنها زوجة كساب..
تمنى أنه لم يحضر..!! ولو أن الأرض انشقت وابتلعته لشدة شعوره بالحرج!!

يتخيل منظره لو قابل كساب المرة القادمة..
كيف سيتبادلان النظرات!!

يحاول وضع نفسه مكان كساب.. ليتخيل موقف كساب وغضبه.. ويزيد على ذلك معرفته بحدة شخصية كساب..
لتصبح النتيجة أمامه كارثة!!

والكارثة أنه من تسبب بالكارثة!!!!





.
.
.



مازالت ساهرة وتفكر...


إذن ( غانم رأى كاسرة )...
آذاها معرفتها لذلك بشكل شديد بالغ الشفافية والوجع..

تعلم يقينا أن غانما وفي مجال عمله رأى من الجميلات أشكالا وألوانا.. فهذا الأمر ليس غريبا عليه..
ولكن ما آذاها أنه رأى زوجة شقيقها..
فهل سيعقد مقارنة ما حتى لو كان لا يقصدها؟؟


أما الأذى الحقيقي.. فهو إحساسها بكساب.. الأقرب لروحها..
تتخيل أن زوجها كان سيكون سببا لطلاق كساب لزوجته!!

ومازالت حتى الآن لا تتخيل كيف ستكون تداعيات الموضوع ونتائجه..
تعرف حدة شخصية كساب.. وتعرف عناد كاسرة..
وكلما تجددت المشكلة ومناقشتها سيكون التفكير بسبب المشكلة حاضرا..

وسبب المشكلة هو زوجها...
فكيف ستصبح حساسية العلاقة بين غانم وكساب..؟؟
وهي أساسا كان سبب موافقتها على غانم هو رضى كساب في المقام الأول!! فغانم بذاته لم يكن له ذلك الاهتمام عندها!!

فكيف ستصبح العلاقة بين شقيقها وزوجها مع كل هذه الحساسية؟؟

هم رقيق حاد يختلج جوانحها بلا هوادة..!!
وحزن غريب بدا يغزو روحها كجيش ضخم لا يعرف الهزيمة!!






*************************************






قلب ساهر آخر في هذه الليلة التي لا تريد الانتهاء..


" ماصدقت أقول لها نامي في بيت هلش..
حتى اتصال ما اتصلت فيني من صبح!! "


" مهوب أنت اللي تبي كذا؟؟
الحين زعلان؟؟
صدق إنك غريب!!"


" أنا أبي أعطيها فرصة ترتاح من الضغط..
بس مهوب لدرجة إنها حتى اتصال ما تتصل فيني
لكن هي ماصدقت!! "



مضى أكثر من شهر على زواجهما.. اعتاد عليها لأبعد حد رغم قصر المدة..
وكأنه كان حياته كلها ينتظرها..!!

عاجز عن احتمال طول وثقل هذه الليلة التي لا تريد الانتهاء فعلا..
والآن كيف سيحتمل الثلاث أيام المتبقية على زواج فهد؟؟
تمنى لو يستطيع الاتصال بها فقط.. ولكن بدا له هذا الأمر معقدا وغير قابل للتنفيذ حتى مع شفافية شخصيته..
فما بات يظنه في عالية يجرح إنسانيته قبل رجولته..
أن يكون كل ما بينهما معتمدا على قدرته على المشي..
أ هو في نظرها محض ساقان تتحركان؟؟
أ كل العلاقة المتينة بينهما تختزل في محض ساقيه.. وكونه يمشي؟!!
أين روحه؟؟ وقلبه؟؟ وعقله؟؟


وإذا أراد الله عز وجل له ألا يمشي.. فكيف ستكون حالهما؟؟
ماهو مصير علاقتهما؟؟

هل هي باتت تستكثر نفسها عليه.. وأنها أفضل منه لكونها تمشي؟؟
أم لأنه يحتاجها وهي لا تحتاجه ترى هذا دافعا لأن تقسو عليه هكذا؟؟

يا الله .. كل شيء يجرحه التفكير به!!
كل شيء!!




.
.
.




هي أيضا.. ساهرة لم تنم..

" يا لقسوته.. أ لأني بدأت أعتاد أن أنام على ذراعه.. يريد أن يحرمني منه؟!!"


مجروحة منه أكثر.. وهو يقذفها كشيء مهمل لا حاجة له به..
ولماذا يكون في حاجة لها ووالديه يعاملانه كملك.. ينتظران منه همسة ليتقافزان لخدمته أو يناديان الخدم لخدمته..؟؟
وهم طبعا لا يضايقانه كما تفعل وهي تصر عليه أن يتدرب!!

طبعا هي في نظره الشريرة القاسية.. ولا يريدها..!!

مشكلتها مع زوجها.. أنه ...
مـــدلـــــل!!
ويريد كل شيء أن يتم وفق مايريد.. ولا يحتمل مطلقا أن يجبره أحد على شيء..

أليس غريبا أن تقول عن رجل في الثانية والثلاثين أنه مدلل؟؟

ولكن هذه الحقيقة.. فعبدالرحمن يحتاج لهزة عنيفة توقظه..
ولكنها تخشى من هذه الهزة..
لأنها تؤمن أنها تحب عبدالرحمن أكثر مما يحبها بكثير..
تخشى إن ضغطت عليه أكثر أن يتخلى عنها!!

تعلم أن مشكلته نفسية.. وناتجة أيضا عن دلاله..
فهو مازال عاجزا عن تقبل أن صديقه رحل.. وأنه تم انتزاعه منه..
رافض لهذه الفكرة.. ويكره أن يحيا بعده كما كان قبله..


تتمنى عالية لو تركته يعاني قليلا حتى يثوب لرشده.. لكنها تخشى أنها ليست بذات أهمية حتى يهتم لغيابها من عداه..

حتى هذه الليلة لولا كرامتها الثمينة وإلا كانت عادت بنفسها..
ولكنها لم ترد أن ترخص نفسها وهو من أرخصها هكذا..

ليتها تجد لها وسيلة فعالة تستطيع أن تستخدمها ضده ومن أجله..
ليت!!!



تنهدت وألم في بطنها يُخرجها من أفكارها..
كان بطنها يُعتصر من الجوع.. فهي لم تأكل شيئا منذ البارحة حتى..

قررت أن تنزل لمطبخ التحضير في الطابق السفلي حتى تأكل لها شيئا..


" الله يسد نفس عدوك ياعبدالرحمن
حتى الأكل سديت نفسي منه!!
نسيت روحي بسبتك!! "







***************************






ليلة مارثونية طويلة بالفعل..



مازالت لم تنم.. وتعلم أنها لن تنم حتى تصلي الصبح كما حدث البارحة..
فموعد زواجها يقترب.. وتوترها يتزايد..
لم يبق إلا ثلاثة أيام.. وهي لا تتخيل بعد كيف تكون حياتها مع هذا الرجل المجهول..
تعرف الكثير عن هذا الرجل.. وتجهله... هو..


ماتعرفه عنه أنه حاد في كل شيء.. حاد في وسامته كما هو حاد في شخصيته..
مختلف بالفعل عن خليفة الذي كان مهادنا في كل شيء.. من شكله إلى شخصيته!!

لا تريد أن تعقد مقارنة ولكن المقارنة رغما عنها تحضر.. فهذا كان زوجها..
وذاك سيصبح زوجها..

وما يؤلمها من الإثنين أن أحدا منهما لم يتزوجها لذاتها..
فذاك تزوجها انتقاما لكرامة لم يمسها أحد..
وهذا سيتزوجها من أجل شخص آخر!!

وهــــي... لا حساب لها عند أي منهما...!!


تقف.. لتنظر لنفسها في المرأة.. تعلم أنها جميلة.. وتعلم أن أكبر ميزاتها هي نعومة مثقلة بأنوثة تذيب الصخر..
ولكن هل هذا يكفي لرجل كفهد.. لا تنقصه الوسامة ولا قوة الشخصية!!
كيف سيكون تعامله معها وهي الآن بكامل صحتها وأنوثتها وجمالها؟؟
بعد أن كانت تحتمي بمرضها من قرب خليفة..

هل سيكون لطيفا وحانيا ومراعيا كخليفة؟؟



" يا الله ما أبي أقارن...
ما أبي أقارن!!
ما أبي أقارن!! "






***************************************






" فهد جعلني فدا خشمك.. طف الليت خلني أرقد
وإلا قم فارق لغرفتك..
يعني طاردني من غرفتي... وعقبه جاي بعد تبي ترقد عندي
حرام عليك بأروح الكلية عقب صلاة الصبح.. خلني أرقد شوي"



فهد عاجز كذلك عن النوم وهو يعبر الغرفة ذهابا وإيابا.. لم يستطع حتى الجلوس والاسترخاء..
ولا يريد أن يصعد لغرفته حتى.. وهو يعلم أن بعض أغراضها قد وصلت..
والبقية ستحضرها أمها في الغد..

روحه مثقلة بالغيظ والقهر وموعد زواجه يقترب من امرأة هو لا يتقبلها إطلاقا
ولا يستطيع تصورها زوجة له..

هتف بحزم لهزاع المتمدد على السرير: انخمد.. حد ماسكك..
ولمعلوماتك.. ترا دوامي بعد عقب صلاة الصبح.. فلا تبكي علي.. مثلي مثلك..


هزاع يعتدل جالسا وهو يهمس باستغراب: أنت ماخذت إجازة لين الحين..؟؟
ريح لك يومين قبل عرسك..

هتف فهد بذات الحزم: ماحد طلب شورك..

هزاع بتافف: ماعاد ينتحاكى ذا المخلوق... 24 ساعة شاب نار..
الله يعين بنت خليفة على مابلاها!!

فهد بغضب: تلايط.. ومرتي ماتجيب طاريها على ثمك..

هزاع يعود للتمدد وهو يشد الغطاء ويهتف بعدم اهتمام:
عدال على ذا المرة.. صدق روحه.. ماني بمأكلها.. إشبع فيها.. المهم خلني أرقد الله يرحم والديك..
ترا بيت منصور مهوب بعيد يأخيك.. روح.. وعد طوف البيت.. لين يجي الصبح..


ولكن هزاع لم يتمدد حتى وهو يقفز واقفا بتحفز ويصرخ لفهد : سمعت الصوت؟؟

فهد كان أساسا سبقه لباب الغرفة وهو يهتف بحزم: شكله جاي من المطبخ الداخلي.. صوت صحون تكسرت..


الاثنان قفزا معا .. متجهان بسرعة للمطبخ..
وجزعهما يتفجر برعب وهما يريان عالية مغشيا عليها في المطبخ...
وبجوارها زجاج مكسور.. هزاع انحنى عليها بسرعة ليحملها..
بينما فهد يصرخ فيه: انتبه عليها من القزاز!!

هزاع حملها بخفة خارجا للصالة السفلية بينما فهد يتبعه بقنينة ماء..
هزاع أنزلها على ألاريكة.. وهو يهتف لها بجزع حقيقي:
علوي.. علوي.. بسم الله عليش.. قومي وش فيش؟؟

فهد هتف فيه بحزم: وخر.. وخر..
ملأ كفه بالماء وهو يسمي بسم الله ورشه على وجهها..
شهقت بعنف بينما هزاع يهتف بغضب: الله يلعن أبليسك روعتها..

فهد لم يرد عليه وهو ينحني عليها ويدخل ذراعه تحت كتفيها ويرفعها ويهمس لها برفق:
عالية سمي بسم الله.. وش فيش؟؟

عالية تحاول جمع شتات نفسها.. وتهمس بتقطع:
ما أدري.. كنت أبي أسوي لي شيء آكله.. حسيت بدوخة.. يمكن عشاني ما كلت شيء من البارحة...

فهد كان مازال يلبس ثوبه.. ألقى بمفتاح سيارته لهزاع.. وهو يهتف بحزم:
روح إلبس ثوبك.. وشغل سيارتي..
وأنا باوديها لغرفتها نجيب عباتها وبنجيك..






************************************







يعلم تماما أي تعذيب يمارسه والده ضده...
فكلاهما يفهم الآخر تماما!!


منذ عودة والده.. وهو صامت لم يوجه له كلمة واحدة..
كلاهما صليا وقرأ ورديهما.. ولهما وقت طويل وهما صامتان تماما كقبرين مهجورين..

جسده ممزق من الإرهاق والآلام.. ومع ذلك يستحيل أن ينام قبل أن يطمئن عليها!!

صوت أنينها المكتوم الذي جاءه من خلف الباب لا يفارق أذنه وهو يصب كنار مسمومة في روحه..
وفي ذات الوقت نار محرقة تنتشر في كل جسده كلما تذكر رؤية غانم لها..
يشعر أنه يحترق.. يحترق من كل ناحية..
وحتى والده لا يرحمه!!!


أما ما أصابه بالجنون فهو رؤية والده يتمدد على الأريكة وكأنه يستعد للنوم..
حينها لم يطق صبرا وهو يهتف بنبرة مقصودة:
يبه.. بترقد؟؟

زايد بذات نبرته المقصودة: إيه.. أبي أريح شوي قبل صلاة الصبح..

كساب بذات النبرة المقصودة: زين أنا مافيني نوم.. اقعد خلنا نسولف..

زايد برفض مقصود: مالك لوا.. أنا بأرقد..
واللي ربي مشغله بشيء.. تلفونه جنبه ويعرف يدق رقم اللي مشغله ويسأله عن حاله بنفسه..


كساب أطلق تنهيدة متأففة واضحة.. وصلت لسمع زايد ولم يظهر اهتماما بها وهو يتمدد فعلا...
رغم أنه بداخله مهموم فعلا.. فماحدث أمامه اليوم لم يرضيه..
وحال الإثنين لا يرضيه.. فليس غبيا ليلاحظ أن الاثنين يعانيان التعاسة رغم أن كلاهما يبدو مغرما بالآخر لأبعد حد..

فأين مشكلة الاثنين؟؟ أين مشكلتهما؟؟






.
.
.



مازال لهيب دموعها يحرق ثنايا صدرها..
لم تسألها عن شيء مطلقا..
قررت أن تتركها الليلة تفرغ عن كل الكبت المتطاول الذي تعانيه في حضنها..
وهي تصر عليها أن تنام الليلة في حضنها...

وبالفعل.. كأن كاسرة كانت تنتظر فقط دعوة كهذه..
فهي ما أن تمددت في حضن أمها حتى عادت للانفجار في بكاء موجوع مثقل بالشهقات والآنات المتألمة..
وهي تدفن وجهها في عمق صدرها..


مزنة تحتضنها بحنو وهي تمسح على شعرها ووجع عميق يتزايد في روحها..


" ماذا فعلت بابنتي يا كساب؟؟
ماذا فعلت بها؟؟
المهرة التي لم تعرف إلا الصهيل الشامخ..
من بعدك ماعادت تعرف إلا الدموع..
أي شرخ شرخته في عمق روحها التي لا تعرف التخاذل..
ماذا فعلت بابنتي حتى ترتعش وهي تنهمر يأسا ودموعا في حضني الآن؟؟
حتى هنا ويكفي ياكساب..
يكفي..
لن أسمح لك بالمزيد.. يكفي!! "






**********************************






في حياتها كلها لم تتعرض لهكذا إحراج وصل إلى مرحلة الإذلال..
الآن شعرت بقيمة أن يكون لها أخوات رقيقات بعيدا عن هؤلاء الأجلاف المسمين أخوة..
وهم يثقلون عليها عيار المزح كما لو كانت رجلا مثلهم لا يشعر..


لماذا يُكتب عليها أن تكون فرحتها مبتورة دائما..؟؟
خبر مثل هذا رغم أنه لم يخطر لها على بال مطلقا.. لكنها تمنت أن تتلقاه في وقت آخر.. ويكون عبدالرحمن هو من معها..
وليس هذين القردين هزاع وفهد..


منذ تلقيهما للخبر وهما لم يسكتا عن الضحك.. فهما سعيدان ومستغربان في آن..
حتى ثقيل الظل فهد الذي مضى له أيام وهو متجهم لا يتكلم إلا بالقطارة..
هاهو ينهمر عليها بمزاحه الثقيل منذ خرجا من المستشفى عائدين للبيت:
علوي أنتي متأكدة إن رجالش مشلول وإلا تلعبون علينا؟؟

عالية وجهها يتفجر احمرارا وهي تتمنى أن يحدث شيئا يجعلهما يسكتان.. وهي عاجزة عن الرد لانها لو نطقت بحرف فقد تنفجر باكية!
تشعر أن كل المقالب التي ارتكبتها في حياتها... كلها عادت لها الليلة أضعافا مضاعفة!!!

وهزاع يكملها عليها وهو يضحك:
ماشاء الله على أبو نظارات توهم مكملين شهر من كم يوم.. ماعنده وقت أخينا!!

ثم أردف كمن تذكر شيئا: على طاري أبو نظارات .. والله مايبشره حد غيري..

عالية حينها همست بجزع حقيقي وهي تنطق أخيرا:
لا تكفى هزاع.. الخبر هذا أنا أبي أقوله له وفي الوقت المناسب..

ولكن حساسية تفكيرها لا يفهمها شاب كهزاع وهو يهتف بمرح:
مالي شغل.. بلا وقت مناسب بلا بطيخ..
الحين الفجر بيأذن وأنا مارقدت.. خني على الأقل أطلع ببشارة..

عالية كادت تبكي من القهر فعلا.. وهي تراه يتجاهل كل رجاءاتها الحارة ويرفع هاتفه ويتصل..



حينها.. كان عبدالرحمن يغفو للتو وهو مازال جالسا.. رنين هاتفه أيقظه وهو يلتقطه بجزع.. حين رأى اسم هزاع..
تزايد جزعه...وهو يهتف بهذا الجزع: عالية فيها شيء ياهزاع؟؟

عالية الجالسة في الخلف.. بدأت دموعها تسيل فعلا وهي تسمع صوت عبدالرحمن الجزع عبر الصوت الذي فتحه هزاع على (السبيكر)..

"بالفعل كم هذان المجنونان خاليان من الشعور!!".. وهزاع يهتف بمرح: لا والله حساس وحاستك السادسة شغالة..

تزايدت نبرة عبدالرحمن جزعا حقيقيا: وش فيها عالية؟؟ وش فيها؟؟

فهد كان يكتم صوت ضحكاته.. وعالية تكتم شهقاتها.. بينما هزاع يكمل بذات المرح:
فيها إنها بتجيب لك دكتور صغير بنظاراته.. وأنا أبي البشارة منك ومن أبو عبدالرحمن بعد..مالي شغل!!

عبدالرحمن حينها همس بتبلد فهو لم يفهم شيئا: نعم؟؟ وش تقول؟؟

حينها تكلم فهد بصوت عال ليصل صوته عبر السبيكر مرحا ضاخبا:
وش بعد؟؟ تبي تعمل العملة وتبرأ من ولد أختي.. مهوب أشلى لك؟؟
ترا أنا وأخواني بنجيك وندبغك لين تحب القاع..


عالية تزايدت شهاقاتها المكتومة...
كيف يجعلان خبرا خاصا بها هي وزوجها مثار مزح ولهو لهما بهذه الطريقة الخالية من الإحساس..؟؟
رغم أنهما كان يعبران عن سعادتهما بأختهما الوحيدة بطريقة بعفوية...

وربما لو كانت عالية على وفاق مع عبدالرحمن لم تكن لتتحسس من مزحهما لهذه الدرجة..

عبدالرحمن مازال صوته متبلدا مذهولا: أنا بجي الحين أجيب عالية..

كان لشدة إحساسه بالسعادة المفاجئة التي شعر بها كجبل هائل هبط على روحه فجأة..
يخشى أن يكون هذا مقلبا من هزاع وفهد.. ولن يحتمل فعلا هذا!! لن يحتمل..
أراد أن ينحي كل مشاعره حتى يراها هي..
يسمع الخبر منها..
ومن ثم يتشارك الفرحة معها كما يفترض ويجب..
يا الله.. أ حقا هذه الفرحة كلها.. هو سيصبح أبا؟؟ أحقا؟؟
هل يمن الله عليه بمهاب صغير يعود ليضمه إلى صدره.. يريح وجع روحه المثقلة بالفقد!!
يا الله.. ما أعظم هذه الفرحة!! ما أعظمها!!


فهد أجابه بحزم: وش تجي ذا الحزة؟؟ حن أساسا في الطريق راجعين من المستشفى..
حن بنوصلها عندك..


حينها انفجرت عالية بالبكاء تماما.. وصوتها يصل عبدالرحمن قبل أن يغلق هزاع (السبيكر)...
تعالت شهقاتها ونحيبها: ما أبي أروح هناك..
أبي أمي.. ودوني لأمي.. ما أبي أروح لعبدالرحمن..


ألم متزايد في روحها من كل شيء..
من إحراج شقيقيها لها.. ومن ثم إفسادهما لفرحتها..
ومن عبدالرحمن الذي كان لا يريدها.. !!

والآن... وفجأة.. !!
لم يصبر حتى للصباح وهو يريد الحضور فورا بعد أن كان يريد تركها حتى موعد زواج فهد..

الآن يريدها؟؟!! الآن؟؟
أم يريد ابنه فقط؟!!
وهي لا قيمة لها !! لا قيمة لها أبدا!!
بل هو حتى لم يعبر عن أي فرحة بخبر حملها..!!
يا الله كم هي مجروحة !! مجروحة بالفعل!!







***********************************






" حرام عليش يأمش صبيتي قلبي..
صحيت أدور زايد مالقيته.."


جميلة ترفع رأسها وهي تجلس الأرض وتضع زايد جوارها بداخل لعبته المكونة من فراش معلق فوقه ألعاب..
وتبتسم: أدري إن عمي منصور طلع بدري وإنش ما نمتي إلا عقب ماراح..
عشان كذا دخلت وخذت زايد..
قلت أنتي ترتاحين وأنا أتسلى أنا وإياه...

جلست عفراء خلفها على المقعد وهي تميل عليها من الخلف وتلصق خدها بخدها وتهمس بحنان: وأنتي وش مقومش بدري زين..؟؟


جميلة بعفوية: نمت ساعتين عقب الصلاة.. وقمت شبعانة رقاد..

عفراء باهتمام لا يخلو من تأثر وهي تتذكر أن ابنتها ستذهب وهي مازالت لم تشبع منها حتى:
زين رتبتي أغراضش كلها؟؟
عشان أبي أروح أرتبها اليوم مع أغراضش اللي أرسلتها أمس..

جميلة باختناق لا تعرف سببا: خلصت..

عفراء وقفت وهي تحاول إخفاء اختناق صوتها خلف حنانه:
زين قومي البسي.. وأنا بألبس وألبس زايد عشان أوديه لمزون..
عشان نروح موعدش عند الصالون..
والعصر بأودي أغراضش.. وفي الليل بتجيش الحناية!!

جميلة هزت كتفيها بيأس: إن شاء الله يمه.. خير!!







********************************************






" يأبيك والله ذا العجلة مالها داعي!!
كان قعدت شوي في المستشفى"

كساب يجلس بإرهاق على مقاعد الصالة السفلية.. فور دخوله من الباب
ويهتف بحزم بدا إرهاقه واضحا فيه:
يبه خلاص.. الأنتي بايوتيك اللي في الوريد ..وخلصته.. وهذا أنا خذت علاجي معي..
التغيير بأروح كل يوم يغيرون لي..
علي بيجي بكرة الصبح.. ومانبي نروعه..
وعرس جميلة بعد بكرة.. أبي خالتي بالها يرتاح وتتفرغ لبنتها.. بدل ماهي تتصل علي كل ساعة!!



كل هذه المبررات التي ساقها.. ولم يقترب من المبرر الحقيقي أبدا..
هـــــــــــي!!
سببه الرئيسي!!

يشعر بغضب عليها.. ومن أجلها.. ولا يعرف كيف حالها من البارحة..
ولن يحتمل مطلقا مزيدا من هذا الضغط..


الاثنان لم يخبرا أحد بعودتهما.. ومزون ذهبت مع خالتها لترتب أغراض جميلة..
وكاسرة عند جدها.. ومزنة هاهي تعود للتو وتدخل عليهما..

تفاجأت وهي تبتسم بترحيب.. وتبارك لكساب سلامته..
زايد سأل كساب بتلقائية: تبي أطلعك فوق؟؟
لأني أبي أروح أسبح.. أبي أروح للشركة شوي.. صار لي كم يوم معهم بالتلفونات بس..

كساب بمودة: روح طال عمرك.. بأطلع بروحي إذا بغيت..

كساب لم يكن يريد الصعود حتى يعرف كيف هو الوضع.. أراد أن يختلي بمزنة ليسألها..
وزايد استغرب أن مزنة لم تلحق به كما اعتاد من اهتمامها به..
بينما مزنة كانت ككساب.. تريد الاختلاء به..
فهي لن تؤجل الحديث أكثر من ذلك!!


فور صعود زايد.. سأل كساب مزنة بشكل مباشر فهو ماعاد به صبر:
شأخبارها؟؟

مزنة همست بنبرة مقصودة: مهتم من أخبارها؟؟

كساب باستغراب مقصود: وذ ذا النبرة يمه؟؟ أكيد مهتم!!


مزنة حينها مالت للأمام لتنظر لكساب بشكل مباشر صارم.. وتهمس بذات المباشرة والصرامة:
اسمعني يأمك زين..
أنا زوجتك شيخة مالها شبيه.. ما أقول إن بنتي مافيها عيوب..
الإنسان عيوبه أكثر من مزاياه..
بس بنتي ماكنها بأحد في شيين.. في زينها.. وفي قوة شخصيتها..
الزين.. الظاهر إنه ما ملأ عينك.. لأنك مايمر شهر ماتسافر برا الدوحة..
وأما على قوة الشخصية.. ماشفت بنتي مستوجعة وحزينة مثل زعلتها معك أول مرة.. والحين أكثر..
وزعلتها الأولة كانت وأنت مسافر.. والحين عقب رجعتك من سفر!!

كساب قفز واقفا دون أن يشعر وهو يهتف بغضب حقيقي:
وش تتهميني فيه؟؟ أنا؟؟ أنا؟؟

مزنة لم تتحرك من مكانها وهي تهتف بصرامة حقيقية تلقائية:
ما أتهمك بشيء.. أنا أحط احتمالات بس..
لأن اللي أشوفه في بنتي ماله تفسير إلا كذا.. مايوجع المرة بذا الطريقة إلا ذا الشيء..

كساب مازال ينتفض بغضب هائل وصوته يعلو: أنا تتهميني بذا الشيء؟؟
أنا؟؟ أنا؟؟

مزنة بذات هدوءها الصارم: اسمعني يا ابن الناس..
ترا الدين قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان..
ولا تظن إنه عشانك لفيت عشان أصير مرت أبيك.. إن ذا الشيء بيكون حبل تربطه على حلق بنتي..
تكون ماعرفتني ولا عرفتها..


قبل أن يرد كساب الذي كان ينتفض لشدة غضبه كان صوت زايد الصارم البالغ الصرامة هو من قطع الحوار وهو ينزل الدرج:
مزنة أنتي وش قلتي لكساب.. صوته واصلني فوق..
الصبي عاده تعبان.. ما تتأجل المواضيع شوي لين يتشالى!!

زايد كان على وشك الاستحمام لولا أنه وصله اتصال من الجد جابر يسأله عن حال كساب..
وحين علم بعودتهم أخبره أنه ذاهب لمجلسهم للسلام على كساب..
لذا قرر زايد النزول وتأجيل الاستحمام..
ليصل له صوت صراخ كساب وهو مازال في أعلى الدرج...


مزنة أجابته بحزم: فيه مواضيع ماتنفع تتأجل.. ودامك جيت.. هذا أنت تسمع مع ولدك..
إذا أنتو ما أنتو بحاسين ببنتي.. لأنها قدام الكل قوية شخصية وماتهتز..
فأنا حاسة فيها وفي وجيعتها..
وولدك ما أدري وش هو مسوي فيها.. وأنا مستحيل أسكت على ذا الموضوع كثر ما سكتت عنه..

زايد بحزم أكبر من حزمها: كساب وكاسرة مهوب صغار.. يحلون مشاكلهم بروحهم.. مافيه داعي تتدخلين..


مزنة حينها وقفت لتواجه كساب ووالده وتهتف بصرامة:
أكثر من سنة ما قدروا يحلونها بروحهم.. وإذا أنت وولدك مرتاحين..
بنتي مهيب مرتاحة.. وأنا مستحيل أخليها تستوجع بروحها..


كساب شعر أن هناك شرارة خلاف ستشتعل بين والده ومزنة..
وكلاهما يقف في مواجهة الآخر كجبل عظيم لا يخشى الاهتزاز..
لذا هتف باستعجال صارم: زين يمه أنتي وش اللي يرضيش الحين؟؟

مزنة بصرامة مغلفة بالحزم: دام إنك منت بقادر تعاملها بما يرضي الله
ترا أخيها مهوب عاجز يضمها..

زايد حينها صرخ بغضب حازم: لا.. أنتي شكلش استخفيتي.. قلت مالش دخل بين الولد ومرته.. ماتفهمين!!


مزنة استدارات ناحيته نظرت له بشكل مباشر نظرة قارصة.. ولكنها لم ترد عليه احتراما له في وجود ابنه وحتى لا تهز صورته أمامه..
رغم أنها كانت تتحرق للرد.. ومستعدة تماما له!!


في خضم الجو الملتهب والكل متحفز.. دخلت بهدوء تام مختلف عن الأعاصير الدائرة في المكان..
همست بسكون تام ودون أن تنظر لأحد: السلام عليكم.. الحمدلله على السلامة..
جدي ينتظرك في المجلس..

فوجئت بكساب يشدها من عضدها بيده السليمة..
وهو يوقفها أمامه وينظر إلى عمق عينيها نظرة جعلتها تشعر بالتكهرب رغم ذبول كل مافيها..

وهو يهتف بصرامة: كاسرة حلفتش بالله.. وهذا إبي وأمش يسمعون...
تشكين إني أخونش؟؟ وإلا أعرف نسوان عليش؟؟.. وإلا إن سفراتي سفرات خرابيط تغضب ربي..؟؟

رغم صدمة كاسرة من السؤال غير المتوقع إلا أنها خلصت عضدها من كفه
وهي تهمس ببرود: حاشاك يأبو زايد من الردى.. ولا عمره طرا على بالي..

حينها كانت مزنة من تكلمت بحزم بالغ:
ودام كلنا موجودين.. خل نخلص من ذا السالفة..
حالش مهوب عاجبني.. وأخر مرة يوم زعلتي على كساب كنتي تبين الطلاق..
إذا هذا سبة اللي فيش؟؟.. خليناه يطلقش..


رغم غضب زايد المتزايد من مزنة.. ومن تحكمها في مجرى الأحداث..
لكن إن كانت كاسرة فعلا لا تريد كساب.. فلا يمكن إجبارها عليه..
لذا هتف بحزم وهو يوجه الحوار لكاسرة:
يا ابنتي الطلاق أبغض الحلال.. وأنتي مرة عاقلة..
لكن لو أنتي صدق تبين الطلاق؟؟ خليته يطلقش..


لم تكن كاسرة من أجابت بل كساب الذي تدفقت حممه هادرة:
أنتو وش شايفيني؟؟ بزر تبون تمشونه على شوركم..
مع احترامي لكم.. بس أنا ومرتي مالحد دخل بيننا..
تظنون إنكم بتقولون لي طلقها بأطلقها..؟؟
آسف.. اسمحوا لي.. والحوار انتهى..
أنا رايح المجلس أسلم على إبي جابر..


كساب خرج فعلا.. بينما كاسرة تجاوزت المكان ببرود جامد وهي تصعد للأعلى دون أن تنطق بكلمة..

لتبقى النار مشتعلة بين القطبين الكبيرين.. نظرات حادة ملتهبة بين الاثنين قطعها زايد بقوله بصرامة:
مستانسة إنش كنتي بتولعينها بين الرجّال ومرته؟؟

مزنة همست بصرامة مشابهة: مهوب أنا اللي أولعها..
وهذا مهوب وقت حوار بيننا.. لنا مكان نسكره علينا عشان ما نضحك البزارين علينا وحن نتهاد مثلهم..


مزنة أنهت عبارتها وغادرت خلف ابنتها.. بينما غضب زايد يزداد منها..
" هذي استخفت مرة وحدة!!"






***********************************






" يامش.. كملي كأس العصير بس"


عالية تبتسم بمودة: يمه حرام عليش خلاص من الصبح وأنتي تزغطيني.. خلاص طلعت روحي!!

جوزاء تبتسم: يا بنت الحلال فرحانة بحفيدها أبو نظارات.. تغذي خليه يصير تختوخ مثل إبيه..

عالية تقرص جوزا الجالسة جوارها وتهمس بمرح تخفي خلفه وجعا ينتشر كالنار في الهشيم:
الله لا يبيح منكم وأنتو كلكم من الصبح مستلمين الدحمي.. كن ماعندكم غيره!!
المسكين ماكل حلال حد منكم!!

جوزاء تدعك القرصة وهي تهمس بمرح: يمه تصير قطوة مفترسة عند أبو العيال.. ذبحتيني يا المفترية!!

أم صالح برجاء: خلش منها.. كملي عصيرش بس..

عالية تشرب المتبقي كله دفعة واحدة.. وتهمس بإبتسامة: ولا تزعلين ياصفوي..
آمري بس!!


" يا الله.. بأموت.. بأموت..
ماحد راضي يرحمني.. ولا حد..!!"


منذ الصباح والخبر ينشر سعادة مدوية في الجميع.. إلا فيها!! ففرحتها مبتورة تماما!!

أم عبدالرحمن جاءت لزيارتها الظهر ومعها هدية..
وأبو عبدالرحمن بنفسه جاء للسلام عليها وتهنئتها وعيناه كانت تشرق ببريق مذهل..
وأرسل لبيت أهلها ذبيحتين!! عدا عن ذبائح أخرى سمعت أنه وزعها!!

حتى والدها كانت سعادته راقية وفخمة كفخامته تماما!!


أمــــا... أمـــا هـــو...
فلم يتكرم مطلقا بالزيارة!!
وكأنه لا شأن له بالموضوع... رغم أنه اتصل كثيرا..
ولكنها لم ترد على أيا من اتصالاته.. شعرت أن اتصالاته تهينها أكثر..
إن كان لديه كلام فلماذا لم يأتي لقوله مباشرة!!
كم تمنت أن تراه!!
ترى الفرحة في عينيه.. قبل أن تسمع منه أي شيء!!

" موجوعة يا الله!! موجوعة!! "





******************************






لا يعلم كيف مضى عليه اليوم حتى!!
وهي لا ترد حتى على اتصالاته المتكررة!!


" يا الله يا عالية.. وش ذا القسوة اللي عندش؟؟
حتى الفرحة حرمتيني منها!!"


رغم أن إبتسامة شفافة تعلو شفتيه كلما تذكر مظهر والده ووالدته هذا الصباح وهو يبلغهما الخبر..






كان الاثنان أمام قهوتهما الصباحية وعبدالرحمن معهما..
رغم أنه كان متكدرا لأن عالية لم ترد على اتصالاته وهو يسمع صراخها أنها لا تريده بل تريد والدتها فقط..
ولكن سعادة مثل هذه لا يمكن إخفائها أو إنكارها..
وهو يهتف لوالده بشبح ابتسامة: أبو عبدالرحمن..

أبو عبدالرحمن ارتشف جرعة من فنجانه وهو يهتف بمودة: سم يأبو فاضل..

عبدالرحمن ابتسم وهو يهمس بنبرة مقصودة: على طاري أبو فاضل..
أنت بتروح القنص السنة الجاية؟؟

ابتسم أبو عبدالرحمن: سبحان من يلحق.. حن ذا الحين في القيظ..(القيظ=الصيف)
وعاد دون موسم القنص حياة وموت.. بس كاني مع الحيين مايردني منه شيء إن شاء الله..
كفاية إنه راح ذا السنة مادريت به.. وأنا لاهي عندك في المستشفى الله لا يردها من أيام..


اتسعت ابتسامة عبدالرحمن أكثر: زين وكن موسم القنص وافق جية فاضل الصغير.. بتروح بعد؟؟


أم عبدالرحمن لم تكن منتبهة للحوار لأنها مشغولة بسكب الفطور لعبدالرحمن ووالده...
بينما أبو عبدالرحمن ارتعشت يده لدرجة انسكاب قطرات من القهوة عليها
أنزل فنجانه وهو يشعر بثقل كبير وهو يظن أنه قد سمع خطأ..
ففرحة كهذه كانت أكبر من أن يحتملها وخصوصا أنه كان كغيره يظن أن عبدالرحمن قد يعاني من مشكلة ما تبعا لحالته!!

هتف بتثاقل وكلماته تتبعثر: ويش؟؟ ويش؟؟ أنت صادق يابيك؟؟
تكفى ما تمنيني وأنت تلعب علي!!


ابتسم عبدالرحمن: يبه سوالف مثل ذي مافيها مزح.. وترى البشارة لهزاع..
هو شارط البشارة علي وعليك!!


أبو عبدالرحمن قفز واقفا.. وهو عاجز عن السيطرة على نفسه.. وكلماته هذه المرة تتبعثر من الفرحة:
يبشر بالبشارة.. يبشر بها..
وذا الحين بأروح أذبح ذبايح وأوزعها..
ودي لو اسوي شيء أكثر من ذا..
ما أدري وش أسوي..
أم عبدالرحمن قومي نشتري لعالية هدية.. ونروح لها ذا الحين..
مافيني صبر أبي أحب رأسها ذا الحين..


أم عبدالرحمن بهتت وأناملها تجف على أوانيها.. وهي مازالت لم تستوعب الحدث كما يجب!!
همست بتبعثر واختناق: ويش؟؟ صدق ياعبدالرحمن؟؟ مرتك حامل؟؟

ابتسم عبدالرحمن وهو يهتف: يمه.. الله يهداش.. لذا الدرجة ظنكم شين فيني!!

أم عبدالرحمن قفزت وهي تتعثر وتشهق وكلماتها تتبعثر لشدة فرحتها:
دقيقة يافاضل.. أقل من دقيقة بعد.. بألبس عباتي وأجيك..

أم عبدالرحمن غادرت.. بينما أبو عبدالرحمن كان كالملدوغ وهو عاجز عن الثبات في مكانه ولسانه يلهج بالكثير من الشكر لله والثناء..

بينما عبدالرحمن يهمس لوالده برجاء موجوع:
يبه ماعليه لو الله رزقني بولد نأجل فاضل شوي ونسميه امهاب؟؟

أبو عبدالرحمن يهتف بسعادة محلقة: أصلا كنه ولد والله مايكون له من الاسماء إلا امهاب.. إن شاء رب العالمين..






*****************************






هاهو يفتح باب جناحه.. رغم كراهيته لأن يدخل فيه..
فهو تجنب بشكل فعلي أن يبقى فيه..

وإن كان رأى الجناح بالأمس بناء على إصرار عالية حتى يرى ذوقها في الفرش والأثاث..
لا يستطيع أن ينكر أن ذوقها رفيع وراق له.. كونها هي تأثرت بهم وبذوقهم!!

ولكنه لم يكن يريد دخولها الليلة لأنه يعلم أن والدة جميلة أرسلت أغراضا لها البارحة تم وضعها في الغرفة..
ثم جاءت اليوم ببيقية الأغراض ورتبتها.. لم يكن يريد أن يقع نظره على أي شيء يخصها..
لا يحتمل ذلك فعلا بطريقة غريبة.. وغير معقولة!!


حين دخل إلى الجناح.. كان أول ما صدمه الرائحة العذبة لعطور أنثوية رقيقة وفاخرة تم تعطير بعض ملابسها الخاصة بها.. ولذا ينتشر عبقها في المكان..
عدا عن رائحة الزيوت العطرية الناعمة التي تنتشر في المكان...
(ماشاء الله من الحين محتلة المكان وخاتمة عليه!!)


أما حين دخل غرفته.. شك أنه دخل غرفة غير الغرفة التي دخلها بالأمس..
فالذوق الأنثوي كان ينضح من كل أرجاء الغرفة..
المفرش الأبيض البالغ الفخامة بكريستالات فضية وزهرية.. وعليه تنتشر مخدات صغيرة مختلفة الأحجام بتدرجات مختلطة من الأبيض والزهري الفاتح.


عدا عن خداديات أخرى منتشرة على الأرض وعلى المقاعد.. و الأكسسوارات الراقية المنتشرة في كل مكان..

فهد كاد يجن ( وردي في غرفتي أنا؟؟ في غرفتي أنا؟؟
مصدقة روحها الأخت إنها بنوتة صغنونة هي وذوق البزارين ذا!!)


فهد كان يريد أن يبحث عن أغراض رتبتها له عالية في الغرفة.. ولكنه لا يعرف الآن أين يبحث..
وهو يراها احتلت الغرفة بالكامل وقبل أن تحضر حتى!!


كان يبحث عن عطوره ليجد التسريحة ممتلئة تماما بعطورها وكريماتها وأدوات زينتها..
(هذي متى بتلحق تستخدم ذا الأغراض كلها هي ووجهها الشين
هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟؟
لكن صدق عقدة نقص تبي تعوضها!!)


ختاما وجد عطوره منزوية في زاوية صغيرة من التسريحة ( ماقصروا خلوا لي مكان.. زين ماقطوها في الزبالة عشان يوسعون للدلوعة!!)


بعد ذلك خشي على ملابسه وبدله العسكرية أن يكونوا قد نقلوها لمكان يجعدها ويفسد كويها لأنهم يريدون كل الخزائن للمدللة..

لذا فتح الخزائن ليجد ملابسه كما هي في خزانته بل ووجدها تفوح برائحة عود فاخر ذكره برائحة عود منصور..
" الله يطول في عمر أم زايد.. ما ظنتي إن بنتها تعرف السنع مثلها!!"

لا ينكر أنه شعر بفضول ما أن يفتح بقية الخزائن ليرى كم خزانة ملئت بملابسها..

ولكنه لم يستطع أن يستجيب لفضوله العفوي.. وغيظه وغضبه المترسب يغلب كل شعور..
وهو يعلم أنه ماعاد أمامه من الحرية سوى يوم واحد فقط..
يوم واحد هو يوم الغد!!!








*******************************************







هو ووالده يعودان ختاما للبيت..
بعد أن تلافيا كلاهما هذه العودة.

كلاهما يتوجس منها.. وما الذي سيحدث فيها..
وفي ذات الوقت يتحرق لها.. لأنه لا يرضى بالتراجع ولا التخاذل!


كساب مازال غاضبا من كاسرة لأبعد حد.. غاضب من رؤية غانم لها..
وغاضب أكثر لأنها سمحت لوالدتها بالتدخل في مشاكلهما!!
ويعلم أنها غاضبة أيضا!!
ولا يتخيل ما الذي سيحدث حين يتلاقى غضبه وغضبها..


زايد غاضب أكثر.. فطريقة مزنة في فرض رأيها اليوم.. مطلقا لم ترضيه..
ثم رفضها للحوار وهي من تحدد موعده.. أغضبه أكثر..


وهاهما كلاهما يصعدان بفارق أكثر من ثلاث ساعات... وكل واحد منهما متجه إلى جناحه!!!
أولا كساب عاد أولا لأنه ماعاد يحتمل الإرهاق والتعب!!
ومن بعده كان والده!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.

يا الله عندنا نجمات وش كثر اليوم لـ (dae )
هي الوحيدة.. الوحيدة اللي توقعت أن عالية حامل..
مع أن أكثر البنات كانوا يتساؤلون عن طبيعة الزواج بين عبدالرحمن وعالية؟؟
وهل هي طبيعية؟؟
.
بنات أنتو ماسبق شفتوا معاق وعنده عيال وش كثر بعد؟؟ :)
.
.

#أنفاس_قطر# 15-02-11 09:37 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع و الثمانون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يامساء الورد على كل المتواجدين الحين.. واللي بيتواجدون بعد حين..
ياحياكم الله.. ويا ألف هلا ومسهلا بكل الوجيه.. جديدها المعطر وقديمها الدافئ..
.
.
فيه جدل داير بين البنات حول جمال بعض الشخصيات من عدمه

أولا أنا أؤمن وبشدة إنه مافيه أبد مرة شينة.. كل وحدة لها جمالها الخاص..
وفي القصة ماحددت إنه فيه وحدة جميلة الجمال الطاغي إلا لسبب قصصي وهم مزنة ..
ثم كاسرة وجميلة والثنتين أتعس حد في القصة مافادهم زينهم..
أما البقية فكلهم عاديات بس لكل وحدة ميزة تميزها..
وعمري ماقلت إنه وحدة شينة إلا على لسان الشخصية لأنه ثقتها بنفسها هي اللي أثرت على حكمها..

وتلاقيني أحيانا أقول لما أوصف شخصيات البنات (إن زوجها رآها في عينيه كذا) أو يكون وصفي لها من خلال عيونه..

لأن الوحدة المهم تكون حلوة في عين أبو عيالها بأفعالها قبل شكلها..
والزين من زانت أفعاله... يعني سبحان الله فيه وش كثر حريم بمقاييس الجمال غير جميلات لكن تلاقين رياجيلهم يموتون فيهم ومن غيرتهم عليهم..
ورياجيلهم يكونون أحلى بكثير منهم..
وهذا في الحقيقة المؤكدة موب في القصص..

.
ومن هنا نطلع لتعليق من البنات تكرر
إنه أنا ما وصفت مزون أبد..
لكن أنا سبق قلت في بداية الرواية (إن جمالها متواضع مثلها مثل أكثر هالعالم..
لكنها تراه معدوم لانعدام ثقتها بنفسها أيام خلافها مع كساب..
وإنها قبل كذا كانت لشدة سعادتها ترى نفسها جميلة لأنه هذا انعكاس روحها على شكلها)
يعني ماقلت أبد إنها شينة.. لأني مثل ماقلت لكم قبل
مافيه مرة شينة.. وأهم شيء الوحدة تهتم بنفسها :)
يعني حتى في الحياة .. كم وحدة بمقاييس الجمال العادية قد لا تكون جميلة
لكن اهتمامها بنفسها وأناقتها وزينتها وأهم شيء نفسيتها يخليها في عيون الناس حلوة..
وعلى قولت عجايزنا ( ترا الزين غسال إيدين) .. :)

وغالبا أنا أحب أترك الوصف لحد ماتشوفونه بعيون خاصة...
هذا أنا ماوصفت وضحى أبد... ليه ما سألتوا عنها يا حلوين :)
.
.
ياالله الجزء 87
وعن ماذا سيسفر لقاء الأقطاب الأربعة
زايد وابنه.. ومزنة وابنتها..
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والثمانون







دخل إلى غرفته بخطوات هادئة حازمة.. تخفي خلفها كثيرا من الألم الجسدي والنفسي..

لماذا حياة التحفز التي يحياها بشكل مستمر؟؟
لماذا لم يحضَ بزوجة مهادنة تريح باله حتى وهو يعاني كل هذا؟؟
لماذا يجد نفسه مجبرا على كل هذا الشد حتى وهو لا يريده؟؟

لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟؟ عشرات من علامات الاستفهام علقته على مشانقها..
وهو مرهق.. مرهق.. مــــــــــــرهــــــق!!!
مرهق من نفسه قبل أي شيء آخر!!


كانت هذه أفكاره التي تغتال تفكيره وهو يخطو لداخل غرفته..
ليجد الصدمة غير المتوقعة أمامه!!


كانت كاسرة........... نائمة !!!
نائمة بالفعل وليست تدعي النوم!!
ونائمة بملابسها.. ومازالت الساعة التاسعة والنصف!!

اختلطت الاحاسيس في داخله.....استغرب.. وتألم.. وتعجب!!

استغرب من نومها بملابسها وهي تبدو في عينيه كطفلة فاجئها النعاس على حين غرة..
فغفت على حالها وهيئتها.. وبكل عذوبتها!!

وتألم أنها نامت دون أن تنتظره.. رغم أنها تعلم بوضعه الصحي السيء..
أ لم تفكر أن تسأله ماذا سيحتاج؟؟ إن كان تناول عشائه؟؟ أو دوائه؟؟
أو إن كان يحتاج للتغيير على بعض جروحه؟؟


وتعجب أنها نامت دون أن تواجهه كما كان يتوقع.. فحدث كالذي حدث اليوم.. كان يستحيل أن تفوته كاسرة دون نقاش محتدم على الأقل!!


استبدل ملابسه بصعوبة.. وهو يصلي قيامه مبكرا..
ثم يتمدد جوارها.. لتتجدد أحاسيسه وتتعمق وتتعقد وهو يطفئ كل الإضاءة ويبقي على ضوء خافت جواره.. حتى يتمكن من رؤية وجهها..

كان الألم ينتشر صارخا في كل جسده...
ومع ذلك يشعر أن ألمه منها أقوى وأشد تأثيرا..
وعيناه تطوفان بمحياها المرهق.. لا يعلم لماذا يشعر بها مرهقة على الدوام؟؟
مرهقة شكلا ومضمونا!!
مختلفة عن حماسها المتدفق المعتاد بكل العنفوان الناري الذي يشعله حتى الوريد..

رغما عنه هذا الإرهاق يجلب إلى عمق روحه حزنا غير مفهوم وهو يتمنى لو استطاع حمله عنها لو استطاع...
ورغم أنها مصدر كل آلامه ولكنه مستعد لحمل كل آلامها لو منحته الفرصة لذلك!!

لــــو !!







*************************************






بعد أكثر من 3 ساعات..



زايد يصل متأخرا أكثر من العادة... لم يكن يريد فعلا أن يتأخر حتى لا تظن مزنة أنه متهيب للمواجهة..
لكنه تأخر في شركته كثيرا.. ثم دعا من باب اللياقة وأريحيتيه المعتادة المجتمعين معه لعشاء متأخر... أصبح متأخرا فعلا!!
توقع أنه سيجدها نائمة وخصوصا أن لديها عذرا قويا لذلك فهو تأخر أكثر من المعتاد..

ولكن توقعه كان فاشلا.. لأنه وجدها تنتظره وبكامل تألقها وفتنتها وزينتها..
فهي تصرفت بطبيعية حتى لا يظن هو أنها تخشى المواجهة..
فهي لو أن الوضع كان طبيعيا بينهما كانت ستنتظره مهما تأخر.. وهي تعلم أن في النوم أو إدعائه رسالة فاشلة للتعبير عن غضبها منه...
فهي تستطيع التعبير عن غضبها بلسانها!!!


والأمر الآخر أنها مطلقا لم تغير مطلقا من طريقة لبسها المعتادة أمامه... فهي لن تفعل كما تفعلن الصغيرات العاجزات عن المواجهة..
اللاتي تغيرن من طريقة لبسهن كرسالة رفض أو غضب..
فهي ليست خائفة ولا متوترة ولا تحتاج لرسائل للسانها!!
وهي اعتادت على التأنق.. فلن تفعل سواه!!

ولكنها لا تنكر أنها لو كانت على رضى معه.. لكانت تأنقت أكثر من ذلك بكثير..
فهو غائب عن البيت منذ ثلاثة أيام.. وكان يستحق استقبالا خاصا..

ولكنها طبعا لن تفعل ذلك الآن.. لأن هذه ستكون رسالة أخرى قد تَفهم بعدة طرق لا تريد أيا منها!!
أما أنها تحاول إرضائه.. أو أنها تحاول تفكيك مقاومته لإلهائه عن العتاب..

بينما هي تريد العتاب... تريده حقا!!!


بينما هو كان يسترق لها النظرات المستغربة بطرف عينيه ويظهر عدم اهتمامه وهو يدخل بهدوء ويسلم بهدوء ويشرع في خلع ملابسه ..

" امرأة غاضبة من زوجها.. لماذا تبدو فاتنة أمامه هكذا؟؟
تبدو كما لو كانت ستشرق لشدة فتنتها...
أ هكذا يكون غضبها؟؟
.
.
ولماذا أنكر على نفسي أنها هكذا كل ليلة..؟؟
ولكن لأني أفتقدها فعلا.. أراها الليلة أكثر من فاتنة إلى درجة تؤلم فعلا!!
ثلاثة ايام مرت.. لم نتبادل الحديث إلا لدقائق وعلى عجالة!!
ثم حينما أعود.. أعود بشجار!!
ولكنها هي المخطئة.. هي المخطئة في كل شيء منذ البداية..
تدخلت فيما لا يخصها.. ثم تريد فرض رأيها على الجميع!!"


زايد بدأ يجري شحنا نفسيا لغضبه وهو يضاعفه.. حتى تضاعف فعلا!!
فهو غير راض فعلا أن تحاول زوجته أن تفرض شخصيتها على شخصيته!!
هذا أمر غير مقبول عنده إطلاقا!!
إطــــــلاقــــا!!


لم يحادثها مطلقا حتى انتهى من صلاته وورده..
وهي مازالت تجلس على مقعدها انتظارا لانتهاءه!!

وكل منهما وصل شحنه النفسي لمنتهاه.. وهو يصور أشكالا مختلفة للمواجهة.. حتى انتهى زايد وتوجه على الأريكة..
ليكون ماحدث مختلفا تماما عن كل مارسماه من تخيلات..

زايد جلس على أريكته وهي على مقعدها.. تبادلا النظرات لثوان..
عميقة.. عاتبة.. لا تهاب..
وكل منهما ينظر للآخر بشكل مباشر ولكن خال من الحدة..

حينها همس بزايد بهدوء حازم: مزنة تعالي اقعدي جنبي.. خلنا نتكلم..

مزنة وقفت وتوجهت نحوه بخطوات واثقة وجلست جواره.. وهي تصنع مساحة فاصلة بينهما..
ولكنه شدها برفق ناحيته.. ليلغي المسافة.. وهو يحتضن كتفيها بذراعه..
ثم يهمس بعمق رزين وبكلام غير متوقع.. حتى هو لم يتوقعه بهذه الصورة:
أدري إني غلطت اليوم عليش قدام العيال..
وقلت كلام المفروض إني ما أقوله.. بس أنتي طلعتيني من طوري..


حينها كان دور مزنة لتضع رأسها على صدره وهي تحتضن خصره وتهمس بهدوء عميق:
زايد أنا ما غلطت.. بس أنت ردة فعلك كانت زيادة عن اللازم!!
يعني ما أعتقد إني سويت شيء يستاهل تقول لي أنتي استخفيتي.. وتبين تخربين على العيال..
أنا شفت وضع ما ينسكت عليه.. ومستحيل أسكت وأنا أشوف بنتي كذا..

زايد بحزم مختلط بالمودة: مزنة.. أدري كساب عيوبه واجد.. وما أدافع عنه..
بس هو يحبها وهي تحبه..والاثنين شخصياتهم قوية.. خلهم يحلون مشاكلهم بنفسهم..
ولو هم بغونا نتدخل .. بيطلبون منا!!


مزنة بعتب: كنت تقدر تقول لي ذا الكلام.. بدون ما تجّرح فيني مثل اليوم!!

زايد تنهد وهو يبعدها قليلا عن صدره حتى ينظر إلى وجهها وهو يمد يده ليمسح على خدها
ثم يهتف بلهجة آمرة أقرب للتسلط:
مزنة قربنا على شهر ونص من يوم تزوجنا.. خل كل شيء واضح قدامش..
أنا ما أرضى إنش تفرضين رأيش وأنا موجود.. وأحب كل شيء تأخذين رأيي فيه أول وقبل ما تسوينه!!
إذا أنا وافقت.. هذاك الوقت سويه.. مهوب قبل..

حينها ابتعدت مزنة عنه أكثر وعن مدى يده.. وهي تهمس بحزم:
وأنت اسمعني يازايد.. شيء يخص علاقتي فيك.. أو حقوقك علي أو طاعتي لك مستحيل أفرض رأيي عليك..
لكن أنا أم وعندي مسؤوليات.. والشيء اللي يخص عيالي.. ماراح أراجع حد فيه مع احترامي لك..
ممكن أشورك فيه وهذا يكون من شفافية علاقتنا كزوجين..
لكن إنك ظنتك إنك بتلغي شخصيتي.. اسمح لي .. مستحيل!!
وأظني إنك خذتني وأنت عارف شخصيتي..
والعود ما يعسف يا أبو كساب..

قالت عبارتها الأخيرة بكل حزم واثق.. وهي تقف وتبتعد متجهة لسريرها.. بينما العبارة تتردد في رأسه..

" العود ما يعسف يا أبو كساب!!
العود مايعسف يا أبو كساب!!
العود مايعسف يا أبو كساب!!!!!!"



" لو أنا خذتها وهي صغيرة.. كان عسفتها على اللي أنا أبيه.. مثل ما كانت وسمية!!
.
وليه تبي تعسفها؟؟ مهوب ذا اللي تبيه وفاقده.. مزنة القديمة!!
.
لا.. وش جاب لجاب..
صحيح مزنة الحين قوية شخصية..بس خلني أعترف إن مزنة القديمة كانت مطفوقة وما تحشم..
ولو خذتها يمكن كان مستحيل نتوالم!!
بـــس..
بس أنا فاقدها!! فاقدها!!
.
.
يمكن نار قايدة في صدري أكثر من 30 سنة طفت عقب ماخذيتها
واكتشفت إن مزنة اللي حارقة قلبي اختفت وماعاد لها وجود..
بس فيه حسرة ماكنة في أقصى حشاي ماعرفت لها سبب.. ماعرفت لها سبب!!"






****************************






" يا الله جمول.. أنتي ناوية تقعدينا لين صلاة الفجر؟؟
خلينا ننام شوي!!
مهوب كفاية إني ماشفت كساب إلا خمس دقايق.. وبديتش أنتي!!"

جميلة هزت كتفيها وهي تضم ركبتيها لصدرها وكلتاهما تجلسان على السرير وهي تهمس لمزون برقة:
كل ليلة أساسا أقعد سهرانة لين أصلي الصبح... مايرقدني إلا التعب..
خلني الليلة أسهر على الأقل وأنا معي حد..
وإذا على كساب.. كلها ليلتين تباتينهم عندي.. وعقب اشبعي فيه!!

مزون بإبتسامة: ترا علي واصل من السفر بكرة الصبح.. خلني أنام أقوم أواجهه.. حرام عليش أبي أنام..


جميلة ابتسمت برقة: كساب وعلي ما يبون إلا كاسرة وشعاع... اقعدي وكبري المخدة.. لين يجي غانم..

مزون حينها حاولت أن تبتسم وهي تركن همها الجديد جانبا.. ليست مهتمة أن غانما رأى كاسرة.. بقدر اهتمامها بمشاعر كساب:
وعلى طاري غانم.. أنا بيكون عرسي عقب ثلاثة أسابيع... بتردينها لي وتنامين عندي..؟؟
وإلا حضرة النقيب من عقب ما يشوفش مستحيل يفكش!!

جميلة هزت كتفيها وهي تهمس ببساطة: لو تبين.. رقدت عندش قبلها بأسبوع..
لأنه حضرة النقيب على قولتش عنده دورة عقب أسبوعين وبيغيب شهر..

مزون باستغراب: عقب عرسكم بأسبوعين بس.. وبيغيب شهر بعد!!
ليه مهوب حاضر عرس ولد عمه وعرس خاله عقبه؟؟

جميلة بذات البساطة المستسلمة: عادي عنده مايحضر عرس أخيه.. المهم يطفش مني!!

مزون اعتدلت جالسة بحدة وهي تهمس بعتب ممزوج بالغضب:
جميلة أنتي ليش تقولين عن نفسش كذا؟؟
إذا أنتي الواحد يطفش منش.. من اللي بيلزق فيها رجالها من قلب؟؟

جميلة هذه المرة همست بحزن حاولت تغليفه ببساطة فاشلة:
عادي مهوب أول واحد يطفش مني.. ومن قلب بعد!!
لازم أتعود على ذا الشيء!!
هذاك طفش مني عقب عشرة ثمان شهور..
وهذا مستعد يطفش قبل ما يعاشرني حتى!!
شكله درا إني ما أتعاشر!!

مزون حينها همست بغضب حقيقي: تدرين إن ذا السالفة البايخة تقهرني..
وأنتي تعيدين وتزيدين فيها..
أشلون تبين فهد يتقبلش وأنتي منتي بمتقبلة روحش؟؟

جميلة مالت لتضع رأسها في حضن مزون الجالسة وهي تهمس بيأس:
فهد بأحطه فوق رأسي.. أكون بهيمة إذا ما تعلمت من تجربتي مع خليفة..
أو سمحت لنفسي أكرر نفس الغلط!!
بس أنا عارفة باللي بيصير... حاسة إنه ماراح يتقبلني لأنه خذني عشان عمي منصور..
خليني أجهز نفسي لذا الشيء عشان ما انصدم..
وعلى العموم لا حن أول ولا آخر زوجين تكون حياتهم مافيها حب..
أنا ما أبي إلا الاحترام منه وكثر الله خيره!!






*************************************







" يـــمـــه!!.. بسم الله الرحمن الرحيم.. ماصليت!!"


قفزت كاسرة بجزع وهي تهمس بهذه الكلمات.. بعد أن ظنت أنها غفت لدقائق لتتفاجأ بالغرفة تغرق في الظلام عدا نور خافت يجاور من ينام جنبها..

كساب صحا على صرختها وهو يعتدل بإرهاق: وش فيش؟؟

قفزت السرير وهي تهمس بجزع بعد أن نظرت لساعتها: نمت على طول عقب صلاة العشاء.. وأنا مابعد صليت قيامي..!!

هتف بذات نبرته المرهقة: باقي وقت على صلاة الصبح.. صلي..

كانت بالفعل مع كلماته تتوجه للحمام لتتوضأ.. صلت أولا..

ثم رغما عنها.. عادت لتطل عليه.. وهي تشعر بذنب رغما عنها أيضا .. أنها نامت وتركته وهو على هذه الحال..

فرغم كل التعقيد.. وكم الغضب الذي لا حدود له بينهما..
ولكنه يبقى زوجها.. ومريض.. وفي حاجتها الآن!!

وجدته نائما..
فعادت وقرأت وردها.. ثم نظرت للساعة.. لم يتبق إلا نصف ساعة لصلاة الفجر.. ستقرأ مزيدا من القرآن حتى موعد الصلاة..

ولكنها قبل ذلك عادت له مرة أخرى.. وهي تنحني هذه المرة وتلمس جبينه..
فالليلة التي قضته عنده أُصيب بحمى.. وحين أخبرت عمها..
قال لها أن الحمى قد تعود له من وقت لآخر حتى تلتئم جروحه نوعا ما..
بالفعل وجدت جبينه دافئا..
ارتعشت حين فتح عينيه.. على ملمس أناملها على جبينه!!

همس لها بسكون: وش فيش؟؟ أنتي تعبانة؟؟

همست بسكون كسكونه: لا.. بس نمت بدون ما أحس..
أنت اللي تعبان.. قوم خلني أعطيك حبوب للحرارة..

أجابها بذات السكون ولكنه أقرب لسخريته المريرة هذه المرة: مهتمة يعني؟؟

أجابته بنبرة كنبرته تماما: ماني بمهتمة.. وليش أهتم؟؟!! بس هو واجب لازم أسويه!!

اعتدل جالسا وهو يمد يده لقنينة الماء بعد أن تناول أقراصه من جواره ثم همس بعد ذلك بنبرة باردة:
يدي الثانية مافيها شيء.. أقدر أكل حبوبي بنفسي.. لا تكلفين نفسش بواجب ثقيل..

همست بسكون ثقيل: عوافي على قلبك.. خلاص مالي عازة كالعادة.. بأروح أقرأ قرآن لين الصبح..

همس بنبرة مقصودة: مافيه شيء نتناقش فيه!!

هزت كتفيها ببرود: وليش نتناقش.. أنا كالعادة –بعد- مخلوق ماله حساب في حياتك..
هددتني بالضرب وبالطلاق وعصبت علي.. وبردت خاطرك فيني..
وانتهينا خلاص..

أجابها حينها بنبرة أقرب للغضب: لا ما انتهينا.. لأنه والله لولا خوف من ربي..
ثم كون غانم رجّال أختي وإلا كان قلعت عيونه اللي شافتش من مكانها..
والسبب أنتي.. حذرتش أكثر من مرة ماتحاولين تستخدمين غيرتي..
بس أنتي ما ارتحتي لين خربتيها..
وخلينا من غانم الحين.. أمش ليه تدخلينها في مشاكلنا؟؟

أجابته ببرود جامد تماما: رجال أختك بكيفك فيه.. مالي شغل فيكم...
أما أنا يمكن أحسن تسكر علي في صندوق.. عشان تضمن إن حد مايشوف ممتلكاتك المركونة..
أما أمي.. انا ما طلبت منها شيء.. هي تدخلت من نفسها..
وللمرة الثانية أقول لك (انتهينا)... ولا تنبشني يا كساب.. وخل الحياة تمشي لأنها أساسا تمشي مثل ماتبي أنت!!






*******************************************






" زايد قوم.. منت برايح تجيب ولدك من المطار؟؟.. طيارته بتنزل عقب ساعة.."

زايد فتح عينيه بتثاقل وهو يهمس بعتب: زين تذكرتي زايد؟؟

مزنة مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بمودة صافية حقيقية: آسفة حبيبي.. والله العظيم ماقدرت أنام حتى.. وأنا عارفة إنك زعلان..
وخصوصا يوم سمعتك تناديني وأنت نايم.. صار ودي أصحيك وأراضيك..
بس الله يهداك أنا قلت لك إني شينة إذا زعلت.. وانت والله وصلتني أقصاي..

حينها ابتسم وهو يعقد كفيه خلف رأسه: يعني هذا أقصاش ؟؟ ياحلوه أقصاش.. ذوق وستايل وتكانة مثلش.. أنا حسبت إنه هذي أولها..

ابتسمت بإشراق: تمسخر علي؟؟!!

مد يده ليدخلها في طوفان شعرها من الخلف وهو يقربها ليقبلها بتروي.. ثم هتف بفخامة:
والله العظيم أتكلم من جدي..
لأني أنا لو وصلت أقصاي.. وخري من دربي..

مزنة هتفت بمودة راقية: الله لا يورينا أقصاك ولا يحدنا عليه..

ابتسم زايد وهو يعتدل جالسا ويهتف بنبرة مقصودة:
ولا يورينا أقصاش الحلو بعد.. لأني ما أحب قلبة مزاجش ذي!!

ثم أردف بحزم وهو يقف: أنا باسبح بسرعة وبأروح أجيب علي ومرته..
شيكتوا على تنظيف بيته؟؟

مزنة برقة رزينة: من البارحة تأكدت من كل شيء.. واليوم أرسلت خداماتهم لبيتهم..

زايد ابتسم: الله لا يحرمني من اللي ماتحتاج وصاة.. وترا الذبايح يمكنها وصلت الحين..

ابتسمت مزنة: وصلت.. توني جيت من المطبخ من نص ساعة..
وعزمت أم شعاع واختها وعفرا وبنتها عشان يواجهون شعاع ويتغدون معها..
وغداكم أنتم بيكون جاهز عقب صلاة الظهر.. خلاص اعزم اللي تبي!!


زايد همس بنبرة مقصودة وهو متجه للحمام ويوليها جنبه: مزنة.. أنا كل ليلة أدعيش وأنا نايم..؟؟

ابتسمت مزنة بشفافية عذبة: كل ليلة تقريبا!!
الله لا يحرمني من اللي يدعيني وأنا على باله حتى وهو نايم..
أصلا لولا ذا الشيء.. وإلا يمكن كان طولت في زعلتي!!






**************************************






" يأبيك أنت وزنك زايد وإلا يتهيأ لي؟؟"

ابتسم علي وهو يغلق بابه ويعتدل جالسا في مقعده: إلا زايد وزايد يازايد
وصلت وزن عمري ماوصلته في حياتي..

زايد لا يستطيع السيطرة على فرحته... أي سحر في هذه الصغيرة التي تجلس معتصمة بخجلها الرقيق في الخلف؟!!
ماذا فعلت بولده؟؟
حين رأى علي قبل قليل في داخل المطار.. ظن للحظة أنه قد يكون أخطأ في الشخص..!!
ماذا فعلت فيه وخلال شهر واحد فقط؟؟
وجهه مشرق تماما وممتلئ إلى حد ما!!
وابتسامة دافئة تبدو كما لو كانت حُفرت على وجهه..


زايد هتف بحنان فخم وهو يوجه حواره لشعاع: أشلونش يأبيش؟؟

شعاع بخجل رقيق: طيبة يبه!!

كانت ابتسامة علي تتسع... حتى سماع نغمات صوتها وهي تحاور سواه يفعل في قلبه الأعاجيب وكأنه يسمعها للمرة الأولى!!

زايد أكمل حديثه: أشلون علي معش؟؟

همست بذات الخجل: علي مايقصر..

ابتسم زايد: إن قصر.. علميني عليه أقطع أذانيه..

شعاع صمتت بخجل.. بينما زايد أشار لعلي بإشار بينهما (أنت وش اللي غيرك كذا؟؟)

علي ابتسم وهو يشير( باقول لك عقب!!)


زايد هتف بحزم: أنا بأوديكم لبيتكم أول.. ترتاحون شوي... وتبدلون ملابسكم
وعقب غداكم عندنا.. وأهل شعاع كلهم معزومين عندنا..

شعاع حين سمعت ذلك شعرت باختناق وعبرتها تقفز لحلقها.. فهي ماعاد فيها صبر لرؤية اهلها..!!!

لذا كادت تقفز لتحوط عنق علي بذراعيها حين سمعته يهتف بمودة: ماعليه يبه خلنا نمر بيت عمي فاضل وننزل شعاع أول وهي بتجي معهم للغدا..

رغم أنها لم تطلب منه ذلك.. ولكنه كان يشعر بها أكثر مما يشعر بنفسه..
فرغباتها كما لو كانت تنبض في مشاعره لتصبح رغباته هو..
المهم أن تكون راضية!!


زايد بمودة مشابهة: تبشر شعاع..!!


وربما كان زايد أكثر سعادة بطلب شعاع.. فهو متلهف للاختلاء بابنه.. لذا فور نزولها لبيت أهلها..

التفت لعلي وهو يهتف بحزم مختلط بالفضول والمودة: يا الله قل لي وش السالفة؟؟

ضحك علي وهو يهتف ببساطة: السالفة إنها هي.. هي..

زايد صر جبينه بعدم فهم: أشلون هي هي..؟؟
ثم شهق وهو يهتف بانفعال غامر والصورة تتكامل في عقله الذكي:
أما إني مخي ما كان يجّمع.. أشلون مافهمت بنفسي.. أشلون؟؟ يعني حالك ماراح ينقلب 180 درجة إلا لأنك لقيتها..
وأنت ليش ماقلت لي من أول ليلة؟؟ ليش ماريحتني؟؟ مع إني سألتك ثاني يوم وتهربت مني..

ابتسم علي وهو يجيب بشفافية: ماتهربت منك.. وأنت داري إني مستحيل أدس عليك شيء..
بس شعاع أول الأيام ماكانت متقبلتني كلش.. وأنا مابغيت أقول لك وأنا بروحي متوتر أشلون بتكون علاقتي معها..
ماحبيت أوترك معي ويزيد توتري...

حينها ابتسم زايد وهو يربت على كتف علي: أجل دامك قلت لي الحين..
شكلك مالي يدك منها..

ابتسم علي وهو يجيبه بثقة العاشق: أفا عليك.. تلميذك يا أبو كساب..

زايد صمت وهو يبتسم بسعادة ويترك علي يحلق في سعادته الخاصة ومع ذلك كانت الأفكار تدور في رأس زايد..


" أي أستاذ يابني.. وأنا أشعر بأني أفشل عاشق على وجه التاريخ!!
أي أستاذ.. بعد أن خبّر كل أبجديات العشق.. عاد ليتعلمها من جديد!!
وكأنه عاجز عن فك رموزها ومعانيها!!
أمور كثيرة يا بني بدأت تتشابك في ذهني وتتعقد..
أمور أخشى من خوضها وتفكيكها!!"






**********************************






" وينها العروس؟؟ معتكفة؟؟"

مزون تلتفت لسميرة وهما تتحدثان قبل الغداء..وتهمس بابتسامة:
لعبنا عليها أنا وخالتي.. قلنا عروس عيب تطلعين.. وخلينا زايد عندها وجينا!!

وضحى تناولت طرف الحديث والفتيات يجلسن في زاوية وهي تهمس بتساؤل:
ها والعروس مستعدة لبكرة؟؟

مزون ابتسمت: مستعدة تمام.. إلا بالنوم.. ما تنام من التوتر..

شعاع حينها ابتسمت برقة: ذكرتني بحالي.. قولي لها مافيه شيء يخوف.. وخلها تنام وترتاح..

سميرة (بعيارة) لا تخلو من الصدق : إلا قولي لها ولد عمي يخوف.. يمه أنا كنت أخاف منه أكثر من أخوانه الكبار..
عليه صرخة لا عصب.. تفص اللحم عن العظم!!

مزون تقرص سميرة في فخذها وهي تمس بمرح لا يخلو من غيظ: قولي لها ذا الكلام عشان أسود عيشة أخيش..

سميرة تدعك القرصة وهي تهمس بمرح: وغنوم وش دخله بطولة لساني تحاسبينه عليه..
مهوب كفاية قرصتيني وشوهتيني.. ألف مرة قايلة لكم حن البرص لا تقربون منا..
كل شيء يعلم في جلودنا..



.
.



" أم عبدالرحمن.. عالية ليه ماجات معكم.. أنا مشددة عليش تقولين لها"


ابتسمت أم عبدالرحمن ابتسامة شاسعة فهي منذ معرفتها بالخبر وهي لا تستطيع السيطرة على فرحتها وهي تجيب مزنة:
عالية في بيت أهلها.. تجهز لعرس أخيها..
ولو أني من يوم دريت ودي أروح أجيبها.. ماودي إنها حتى تشيل البيالة من القاع...
والله العظيم فرحتي بحمالها مثل فرحتي بسلامة عبدالرحمن يوم ربي عافاه..

مزنة ابتسمت رغم شعورها بالاستغراب.. ولكنها كانت سعيدة بالفعل.. سعيدة..
فمنزلة عبدالرحمن من منزلة مهاب رحمة الله عليه:
مبروك.. مبروك.. والله إني فرحت له..

وكذلك همست عفراء وكاسرة كلتاهما بالمباركة بينما أم عبدالرحمن أكملت بعد الرد على التهنئات:
وترا أبو عبدالرحمن حالف كنه ولد ماله اسم إلا امهاب..

حينها غمر قلب مزنة حزن شفاف غريب.. ذكرى حرقة ابنها التي لا تنطفئ .. وحرقة أمنيتها أن تنجب كاسرة ولدا تسميه مهاب..
هاهي تراها أمامها تبتسم وتبارك وهي تبدو متألقة وتمارس مهام الضيافة كأفضل ما يكون..
ولكنها تعلم أنه لابد أن في داخلها حزن ما.. فهؤلاء أكملوا شهرا.. ولكنها أكملت أكثر من سنة..

ومثلها شقيقها تميم يقارب السنة.. ومازال أحد منهما لم يفرح قلبها بخبر طفل صغير قادم.. ستموت لتسميه مهاب..
عل بعض وجع روحها المكتوم يهدأ ويستكين..!!

جوزاء ابتسمت وهي تجيب بمرح: لا تحاتين عالية يمه.. عمتي أم صالح ماعاد خلتها حتى تطلع الدرج لغرفتها ولا لغرفة فهد..
مقعدتها جنبها.. بعد هذي علوي دلوعتها..


حينها تنهدت عفراء في داخلها.. وهي تتذكر مدللتها التي تركتها خلفها في البيت..
لم تكن تريد مغادرتها لدقيقة واحدة.. وهي تشعر أن الوقت معها يركض كلمح البصر..والغد يبدو كما لو كان سيقع في الدقيقة القادمة..
ومتى ستفرح هي أيضا بخبر حملها وحفيدها.. وهي تعلم أنها تعاني مشاكل في ذلك!!

" ربما كانت تلك إرادة الله حتى لا تحمل من خليفة!! وتحدث كل تلك المشاكل وبينهما طفل!!
أو ربما لو حملت منه.. ماكانت كل هذه المشاكل لتقع!!
وماكانت ابنتي لتتورط في زواجين وطلاق وهي مازالت في العشرين!!
.
يا الله مازالت طفلة..
فهل ستحتمل صلابة فهد وأنا بالكاد اعتدت على صلابة منصور!!"






***************************************






" ها وش مسوي في روحك ذا المرة..
حرام عليك يا كساب نزلت قلبي في أرجيلي يوم شفتك"


ابتسم كساب وهو يجيب علي: أنت اللي قلبك خفيف..
وهذا أنا قدامك طيب ومافيني إلا العافية!!

علي بقلق حقيقي: كساب أنت ماتشوف نفسك.. يدك مكسورة..
ووجهك ماينشاف من كثر اللزقات..
وإبي يقول بعد إن جسمك فيه أصابات أكثر..

كساب ببساطة: كل السالفة حادث سيارة.. وهذا أنا طيب وبخير..

علي بمودة صافية: الله يعطيك العافية تامة من عنده..

ابتسم كساب: على طاري العافية.. ماشاء الله أشوفها بتنط من خدودك..

ضحك علي: تبي تنظلني بعد؟؟ الحمدلله ربي رحمته واسعة..

ضحك كساب: نبي نعرف الوصفة السرية بس.. هذا أنت شايفني مكسر وحالتي حالة..

علي مال عليه وهو يبتسم يهمس بشفافية: والله وصفتك السرية صار لها عندك أكثر من سنة..
بس شكلك لحد الحين ماعرفت لها..






****************************************







" ما يسوى علينا ذا الرجعة الدوحة.. اليوم كله ماشفتش..
عند هلش طول اليوم جيتي معهم ورحتي معهم!!
لو أدري ما رجعنا.. "


شعاع تحتضن خصر علي من الخلف وهو كان يخلع أزرته مواجها للتسريحة وتهمس برقة وخدها يستند لظهره:
بس اليوم حبيبي.. تدري مشتاقة لهم..
وعقب رحت لعالية.. ماقدرت أصبر ما أشوفها عقب ماعرفت خبر حملها!!

ابتسم علي: مرت عبدالرحمن حامل؟؟ مبروك..
ماشاء الله ماتوقعت صراحة..

شعاع همست بذات رقتها وهي تميل على أزراره التي وضعها على التسريحة لتعيدها داخل علبتها:
أنتو ليه كلكم ظنكم في عبدالرحمن لذا الدرجة؟؟
ربك لا قطع من ناحية.. يوصل من ناحية ثانية!!

ابتسم علي: مهوب القصد إنه تقليل من أخيش.. بس حتى أنا نفس السالفة..
لو أنتي حملتي الحين.. الكل بيستغرب..
لأني كنت قبل شهرين بس.. بأموت..

حينها تأخرت شعاع وهي تهمس بحزن شفاف:
ليه أنت ظنك إنه ممكن نتأخر لين يجينا بيبي؟؟

علي استدار ليحتضنها بقوة حانية وهو يهمس قريبا من أذنها بعمق:
تكفين عاد كله إلا ذا النبرة.. ما استحملها..
ياحبيبتي أنا أضرب مثل.. وأنا كنت واحد تعبان فعلا.. والحين أخذ علاج..
وعلى العموم..لا تحاتين شيء ياقلبي.. عطينا كم شهر بس.. ولو ماصار شيء..
أوعدش أروح أكشف وأعالج لو احتجت..
ثم أردف وهو يبعدها قليلا ويبتسم: أنا واحد (أوبن مايند).. فوايد السياسة!!

شعاع حينها همست بعذوبة: حبيبي على طاري السياسة.. أنا إفادة تخرجي خلصت.. أبي أطلعها.. وعقب أقدم الوظايف من بعد أذنك!!

حينها احتضن علي وجهها بين كفيه وهو يهمس برجاء مثقل بالرجولة والشجن:
تكفين ياقلبي.. بلاها الوظيفة الحين.. تفرغي لي سنة وحدة بس.. وأنا عقب أوعدش أشغلش في المكان اللي تبيه..
ياعمري أنا مابعد شبعت من شوفتش قدامي... وأنتي عارفة إنه شغلي غالبا ماله مواعيد ثابتة..
أبي لا رجعت البيت ألقاش قدامي...
ووقت ما أكون في الشغل.. براحتش سوي اللي تبينه.. روحي لهلش.. أو هلي.. أو اطلعي مع البنات..
المهم أرجع البيت وأنتي معي أو قدامي!!







****************************************






" أنا ما أدري ليه لزمت عليّ نطلع.. وراي ألف شغلة قبل بكرة!!"


عبدالله يشد فهد ليجلسه على أحد مقاعد المقاهي المنتشرة على مرفأ اللؤلوة..
رغم حرارة الجو.. ولكن كان هناك نسمات منعشة تهب من البحر من حين لآخر..
وعبدالله يهتف بحزم باسم: تلعب علي أنت؟؟ وش أشغاله؟؟
العرس تجهيزه كامل سويته أنا وصالح.. وحن مخلصين.. وبكرة الصبح بنروح نشيك على آخر التجهيزات وعلى ذبح الذبايح..
وأنت حتى أغراضك الخاصة هزاع ونايف هم اللي رتبوها لك ودوها للأوتيل..

فهد هتف بحزم: واحد عرسه بكرة.. أكيد عنده أشغال..
ومالي مزاج طلعة ذا الوقت..

عبدالله ابتسم: خلك من الخرابيط.. الشيراتون وش قربه؟؟
خلنا نقعد نسولف ونشرب لنا عصير بارد.. وأنا بأرجعك..

فهد تنهد: مامنك مخلاص.. وأنت في رأسك سالفة!! خلصني!!

عبدالله بجدية: فهد أنت ماحد غصبك على البنت... أنت اللي بغيتها وأصريت عليها..
ليش الحين حاسك منت بمبسوط؟؟
لمعلوماتك أخوانك ملاحظين بس أنا أقول لهم توتر عادي!!

فهد هز كتفيه بحزم: وهو فعلا توتر عادي... يعني صار لي سنين وأنا عايش على نظام معين.. صعب أني أتقبل تغييره بين يوم وليلة!!
وخصوصا إنك عارفني.. التغييرات صعبة علي.. لأني جامد بزيادة..
ومرتي مالها علاقة.. لأني فعلا أبيها بكامل رغبتي!! وتوتري هو للوضع بس وهي مالها علاقة فيه!!


كلام فهد بدا مقنعا نوعا ما.. وخصوصا أنه كان يقوله بثقة.. لذا استدار عبدالله للنادل وهو يطلب منه مايريدان..
بينما فهد كان يتنهد بعمق تنهيدة مكتومة وهو يسند ظهره للخلف ويشعر أن حرارة الجو تزداد.. فيحرر جيبه من أعلى..
عله يجلب مزيدا من الهواء لرئتيه المختنقة..

فهو ليس متوترا.. فمثله لا يعرف التوتر بمعناه المعروف.. فأعصابه حديدية.. وقلبه جامد.. ولا يخاف من شيء..
لكنه يشعر بهذا الغيظ الذي سيخنقه... والأغرب كراهية غريبة لهذه المخلوقة التي مازال لا يعرفها.. ولكنه رسم لها أسوأ صورة في خياله..
وكلما تخيل أنه سيعيش معها حياته كلها.. يشعر بشعور أشبه بالغثيان!!
فهذه حياة كاملة!! حياة كاملة!!
وهو مادام تزوجها فلابد أن يحتمل قراره.. فهو لم يتزوجها الآن ليطلقها بعد حين!!
لكنه لا يحتمل فكرة أنه سيقابلها حياته كلها..!!


هز كتفيه وهو يبتسم ويهمس في داخله " الله حلل بدل الوحدة أربع!!"








**********************************





تعب من الاتصال وهي لا ترد عليه..


يعلم أنه كان من المفترض أن يذهب لزيارتها..
ولكنه بحساسيته الشفافة أراد أن تكون مقابلته الأولى معها بعد معرفته بخبر حملها..
بينهما فقط.. في مكان خاص بهما..لشدة تأثره بالخبر..
ومازالت لم تمنحه هذه الفرصة.. ولم تتكرم عليه!!


" ماكل هذه القسوة يا عالية؟؟
أ يعقل أنها غير راضية.. لأنها لم تكن تريد طفلا يربطها بي وأنا على هذا الحال؟؟
أ يعقل أن تكوني قاسية هكذا؟؟
أ يعقل ؟؟ "


" يا الله أنا ليش صرت كذا؟؟
دايم على بالي ظن السوء..
.
وهي وش خلت لي غير ظن السوء..
موجوع من بعدها وهي ولا حست!! "






*********************************






" بنات مابعد نمتوا؟؟"


مزون تلتفت لخالتها وتهمس برقة: تدرين خالتي سميرة ووضحى طولوا السهرة.. وشربنا وش كثر كرك.. مافينا نعاس..
بس أوعدش نحاول ننام عشان العروس تكون موردة بكرة..

عفراء تنهدت: تكفين مزون خليها تنام شوي.. بأروح الحين أشوف زايد خليته عند منصور..
بأرجع عليكم عقب شوي.. يا ليت تكونون نايمين..

مزون همست لجميلة بحنان: جمول ياقلبي.. يا الله ننام.. سمعتي خالتي..

جميلة تستدير ناحيتها وهي ممدة على جنبها وعلى طرف عينها دمعة يبدو أنها ستسقط
وهي تهمس باختناق: ما أقدر مزون.. خايفة ومتوترة..

مزون همست بعفوية مرحة: اللي يشوفش على ذا الخوف يقول أول مرة تتزوجين..

جميلة كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر تماما في البكاء الذي تكتمه منذ موافقتها على فهد..

مزون اعتدلت جالسة وهي تشد جميلة لتجلسها ثم تحتضنها وتهمس بندم:
جميلة آسفة ياقلبي.. والله ماقصدت شيء.. الله يأخذني أنا ومزحي السخيف..

مزون شعرت بندم عميق لأنها ظنت أنها نقرت القشرة الرقيقة التي تحيط بما يضايق جميلة ..
وهو كونها مطلقة ولها تجربة سابقة.. بينما فهد شاب أعزب هي تجربته الأولى..


لتشعر بصدمة عمرها وجميلة تتبتعثر كلماتها بين شهقاتها:
وأنا فعلا كأني أول مرة أتزوج.. لأنه ماصار شيء بيني وبين خليفة..
ماصار شيء..!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
نجمتنا اليوم لـ (أنت لي وطن) هي الوحيدة اللي توقعت إن كاسرة ممكن تكون نايمة لا رجع كساب..
مبروك ياحضرة الملازم
.
.
تتشرف كل من
حرم خالد آل ليث....و......حرم منصور آل كساب
بدعوتكن لحضور حفل زفاف
نجل الأولى/فهد............على كريمة الثانية/ جميلة
وذلك يوم الخميس الساعة الواحدة ظهرا
في قاعة الدفنة بالشيراتون ..في موقع قصة بين الأمس واليوم
وبحضوركن وتعليقاتكن الكريمة تتم لنا الأفراح والمسرات

ملاحظة: يرجى عدم التزاحم على باب الموقع أقصد القاعة حتى يتسنى لنا الدخول..
.
.
.

#أنفاس_قطر# 17-02-11 11:56 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والثمانون
 


جيت القاعة بدري شوي عشان ألقى لي مكان :)

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يامساكم ورد وأفراح يا نبضات القلب
.
.

فيه كلام مهم أبي أقوله اليوم

بنات أنا أكثر وحدة تدري إنه القصة طولت كثير... بس هالكلام أنا قلته من البداية
قلت لكم إنها بتكون رواية طويلة جدا لسبب كثرة الشخصيات وأني ما أحب أترك المعالجة مبتورة..

وإلا ترا لو علي أنا.. والله العظيم ثم والله العظيم ثم والله العظيم.. إنه نفسي أخلص الرواية اليوم قبل بكرة..
مهوب لاني مليت.. بالعكس أنا وحدة أحب الكتابة موت وأحب أكثر تواصلكم..
بس وقت فراغي اللي يروح في الكتابة الحين..خلاص نفسي أقضيه في شيء ثاني..
وفي رأسي مخططات وش كثر مأجلتها لين أخلص الرواية..
وترا أسهل ما علي أخلص الرواية في جزئين..
بس اللي يطالبون الرواية تخلص
هم أول من بينتقدني لأنه بيقول يوم مليتي.. سلقتي الأحداث..

أما ليه أعقد في سالفة العرسان وكانه مافيه زواج طبيعي في الحياة..
لسبب واحد إن حدث الزواج مقصود لخلق حدث جديد نعالج فيه مشكلة معينة..
وإلا ترا في الحقيقة ماشاء الله الناس يتزوجون وش حليلهم ومبسوطين.. ولا مشاكل ولا شيء فعلا!!
أنا ما احاول أبين إن الزواج لازم كله مشاكل..
بس لو أنا خليت كل زواج مافيه عقدة عشان نحلها... بيكون أساسا مافيه فكرة في زواجهم.. مجرد حدث للحشو..

(وتزوجوا وعاشوا في سعادة وهناء وخلفوا صبيان وبينات...)

وهذي ترا رواية.. مهيب حياة فعلية..والنماذج فيها هي ما تُصنع لمعالجة مشاكل الحياة..

يا نبضات قلبي.. مهوب المقصد تطويل السالفة.. بس كل الشخصيات لازم تأخذ حقها..
حرام أظلم الشخصيات اللي دورها مابعد جا.. عشان الرواية طولت!!

والكتابة لها تكنيك معين.. يعني فيه شخصيات استقر حالها ماشاء الله
بس مايصير الكل استقروا وكأنه حن قاعدين نصفصفهم فوق بعض..
لازم يصير فيه تحريك للحدث على مستوى معين..
مثلا ليه زعل كاسرة وكساب طوّل... لأني محتاجته لأحداث ثانية!!

وبالعكس فيه بنات الحين مهوب عاجبهم حال المستقرين ويبون نحركهم شوي :)

يا نبضات القلب لو لاحظتوا أنتوا ماتقرون قصة واحدة.. كل مرحلة تطلع لكم قصة جديدة تتساند مع القصص اللي قبل..

وبعدين يا بنات.. إذا أنا كتبت 3 روايات وما أعرف أشلون أدير روايتي..
الأحسن إني أسكر الدكان وأقعد على بابه :)
.
يا الله الجزء الثامن والثمانون..
حفل زفاف فهد وجميلة
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والثمانون






مزون همست بعفوية مرحة: اللي يشوفش على ذا الخوف يقول أول مرة تتزوجين..

جميلة كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر تماما في البكاء الذي تكتمه منذ موافقتها على فهد..

مزون اعتدلت جالسة وهي تشد جميلة لتجلسها ثم تحتضنها وتهمس بندم:
جميلة آسفة ياقلبي.. والله ماقصدت شيء.. الله يأخذني أنا ومزحي السخيف..

مزون شعرت بندم عميق لأنها ظنت أنها نقرت القشرة الرقيقة التي تحيط بما يضايق جميلة ..
وهو كونها مطلقة ولها تجربة سابقة.. بينما فهد شاب أعزب هي تجربته الأولى..


لتشعر بصدمة عمرها وجميلة تتبتعثر كلماتها بين شهقاتها:
وأنا فعلا كأني أول مرة أتزوج.. لأنه ماصار شيء بيني وبين خليفة..
ماصار شيء..!!


مزون بتبلد: نعم؟؟ وش قلتي؟؟

جميلة تنهمر بين شهقاتها: سمعتيني.. بس تكفين ما أبي حد يدري ولا حتى أمي.. تكفين..

مزون مازالت تهمس بتبلد ناتج عن صدمتها: وليش ماقلتي لنا أو لخالتي على الأقل..؟؟

جميلة باختناق شهقاتها: حسيتها عيب في حق ولد عمي..أفضحه عقب كل اللي هو سواه عشاني وأنا في المصحة!! وخصوصا إن الذنب ذنبي..

مزون تهدئها وهي تهمس لها بحنان متعاظم: زين حتى لو ماصار بينكم شيء.. عادي.. لا أنتو أول ولا آخر زوجين..
خلاص اعتبري نفسش فعلا أول مرة تتزوجين..

جميلة تحاول تهدئة نفسها بفشل: بس هذي مهيب أول مرة أتزوج..
وخليفة مع كل اللي صار عقب.. لكنه والحق يقال كان طيب واجد معي..
ولا عمره فكر يجبرني على شيء.. ومهما كان هذا ولد عمي.. وجمايله فوق رأسي..

ماني بمتخيلة فهد وش بيقول عنه لا درا عقب؟؟
وحتى لو شلت خليفة من رأسي.. فهد حاط في باله إنه مهوب أول رجّال في حياتي.. وأكيد بيتعامل معي على ذا الأساس..
يمكن مايراعي حياي ولا خوفي..
خايفة يامزون خايفة..!!

مزون تحاول تهدئتها: مع إنها صعبة علي.. بس لو تبين.. قلت لعمي منصور يقول له..

جميلة انتفضت بعنف حقيقي وهي تهمس بجزع وتصميم:
تكفين يامزون هذا سر بيني وبينش... وما أبي حد يقول لفهد شيء..
أنا أحل مشاكلي بروحي.. تكفين مزون...
أنا بس كنت أبي أفضفض شوي!!







************************************







" وش فيك يأمك قايم بدري كذا؟؟"

غانم ينحني على رأس أمه مقبلا ويهتف بمودة: بأمر صالح وعبدالله عند حفل الرياجيل.. وأشوف إذا يبون مني شيء..
وعقب بأروح لفهد في الأوتيل عشان أروح معه للملكة في بيت منصور..


أم غانم بشجن: عئبال ما يتعبون معاك في عرسك..

ابتسم غانم: قريب يمه.. كلها ثلاث أسابيع ما تبي تمر ولا تخلص.. ياطولاها طولاه..
ولو أن فهيدان فاقع كبدي لأنه مهوب حاضر عرسي..
وش ذا الدورة اللي ماطلعت إلا مع عرسي..


أم غانم همست باستغراب وهي تمده بفنجان قهوة: يعني صدق ذا السالفة؟؟
يوم نجلا قالت لي إن فهد مهوب حاضر عرسك ولا عرس نايف استغربت..

غانم يتناول الفتجان منها ويهتف بمنطقية: بعد يمه ظروف شغله جات كذا..
ولا أنا.. ولا نايف متشرهين عليه!!



غانم يحاول أخذ كل الأمور بطبيعية وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل..
لذا حاول أخذ الموقف الذي حدث في المستشفى كذلك بطبيعية.. وهو يتمنى ألا يؤثر على علاقته بكساب..
ولكنه لم يستطع لشدة حرجه أن يتصل به أو يعود لزيارته...
ولكنه اتصل بزايد واعتذر منه.. وطلب منه أن يعتذر من كساب ويتحمد له بالسلامة..
فطمأنه زايد بلباقته المعروفة أنه لا داعي لأن يشعر بالحرج.. لأنهم يعلمون أنه كان غير قاصد أبدا !!

ولكنه يشعر بحرج عظيم فعلا.. وهو محرج أكثر أن يرى كسابا الليلة في حفل زواج فهد!!
لا يعلم كيف ستكون المواجهة بينهما.. على الأقل على مستوى النظرات!!!







**********************************





" يا الله يأمش.. جهزتي أغراضش كلها؟؟"


مزون كانت من ردت: كل شيء جاهز خالتي... وخليت الخدامات ينزلون الشناط للسيارة..

جميلة كانت ترتدي عباءتها وهي تتجنب أن تتكلم لأنها تخشى أن تنفجر باكية..
مشاعرها المرهفة تبدو كما لو كانت على حد سكين مسنون تماما...

جميلة حين انتهت من لبس عباءتها ونقابها همست لأمها برقة أقرب للبكاء:
يمه عطيني زايد.. أنا بأشله..

عفراء أعطتها زايد الصغير دون أن تتكلم... دوامة كثيفة من المشاعر تدور بين الإثنتين.. منذ عقد القرآن الذي تم صباحا في وقت مبكر..
وكل منهما تخشى أن تنظر للأخرى بشكل مباشر..

ومزون تشعر بالاثنتين وهي تخشى من تفجر مشاعر تكون هي في وسطه..
والثلاث يخرجن للسيارة... وجميلة ترفض أن تعطي زايد لأحد..
وتصر على حمله حتى يصلن للأوتيل.. وهي تضمه لصدرها وكأنه تتمسك فيه ببقايا رائحة استقرارها وإحساسها بالاحتواء والأمان..







********************************







" علي حبيبي... قوم ودني ياقلبي!! "


علي يفتح عينيه بتثاقل.. ثم يبتسم وهو يرى وجهها الأثير قريب منه.. كما لو أن الشمس أشرقت على سريره مباشرة..
مد كفه ليحتضن خدها وهو يهمس بحنان: وأميرتي وين تبي تروح من صباح الله خير؟؟

مالت باستعجال لتقبل جبينه وهي تقف وتبتعد وتستخرج ملابسه من الخزانة
وتهتف برقة:
قوم يالنساي.. مسرع نسيت.. هذا أنا طلعت ثيابك.. قوم اسبح والبس وودني..
أبي أروح لجميلة في الأوتيل... أنا والبنات بنتعدل عندها..

علي يهمس بابتسامة وهو يقف متجها ناحيتها: ياسلام.. يعني النسوان يشوفون كشخة حبيبتي قبلي.. وأنا آخر من يشوفها..
آسف تعدلي هنا... وأنا بأوديش في الليل...

شعاع احتضنت عضده برجاء: تكفى حبيبي تكفى.. لا تسكرها مرة وحدة..
أصلا بأرجع بدري.. بس تجي الزفة بأرجع..


علي ليس رافضا مطلقا.. فهي استأذنته منذ الأمس وأذن لها.. ولكنه يريدها أن تذيب مشاعره حين ترجوه بطريقتها المثقلة برقتها وعذوبتها..


علي احتضن وجهها بين كفيه وهو يغمره بقبلاته الدافئة ثم يهمس لها بأريحية:
تدرين يا النصابة إنش تأمرين على رقبتي...
حاضرين ياقلبي.. نوديش للمريخ لو تبين...
بس على اتفاقنا... يزفون المعرس.. بأجي أخذش.. تجهزي تنزلين لي!!






****************************************






" أنا بأعرف أخيك ذا.. كم مزاج عنده؟؟
مزاجه زفت قبل الملكة... ثم وش زينه في الملكة.. تكانة وركادة..
والحين شكله بيدبغ كل الحلاقين اللي في المحل من كثر ماهو معصب
وش بيسوي في العرس؟؟"


هزاع يبتسم وهو يجيب نايف: لا تخاف بيكون راسم نفسه ولا أبو الهول في زمانه..
المهم لا تسوي نفسه يوم عرسك.. أنا اللي بأدبغك... خلاص فهد حرق اللي باقي عندي من الأعصاب.. ماني بمستحمل دلع..
واحد معصب عشانه بيعرس...وش ذا السخافة؟؟
ليتني أعرس بس عشان تشوفون أشلون بأوزع ابتسامات لين أقول بس!!


نايف يضحك: والله مالي شغل.. يقولون العصبية موضة للعرسان.. وأنا لازم أتابع الموضة..

هزاع يضحك: ويقولون لك بعد ضرب المعرس المعصب بيصير موضة بعد...


فهد ينظر للاثنين الضاحكين.. ويتمنى لو تناول (عقاله) المعلق قريبا منه.. ليضرب الأثنين به..
ماهو المضحك الذي يُضحك هذين السخيفين بينما هو يشعر بغيظ عظيم.. عظيم؟!!

يتنهد بعمق.. وهو يشد له نفسا عميقا..

" اعقل يافهد واركد... لا تضحك الناس عليك..
وخير.. السالفة كلها مرة.. عاملها بما يرضي الله وخلاص
لا أنت أول ولا آخر رجال.. يتزوج وحدة مهيب على هواه..
وعقب فترة بأتزوج اللي على هواي!!
الموضوع بسيط.. وما يستاهل الشد اللي أنا مسويه في نفسي!!"






*************************************





" وين رحتوا وخليتوني؟؟"

مزون تبتسم وهي تخلع عباءتها ثم تجلس جوار جميلة التي أنهت زينتها للتو:
رحنا نكمل ترتيب الباقي في جناح العرسان..

جميلة توترت نوعا ما.. وما الذي لا يوترها؟؟
همست بهذا التوتر وهي تمد أناملها لأطراف شعرها: شكلي أشلون؟؟

مزون ابتسمت بشفافية وهي تحتضن كتفي جميلة: بسم الله ماشاء الله..
بتشوفين شكلش اشلون في عيون سبع البرمبة لا طلعت عيونه برا..

جميلة بتأثر غامر: الله يعطيش على قد نيتش يا مزون.. ويخلي عيون غانم ما تشوف غيرش.. قولي آمين!!


ابتسمت مزون بمرح: إيه والله محتاجين ذا الدعوة... كثري منها بس..


عفرا تقف في الزاوية لم تقترب وهي تنظر لزينة ابنتها التي اكتملت مع اكتمال تسريحة شعرها..
وتاثرها يتعاظم ويتعاظم.. تشعر أنها تبذل جهدا جبارا حتى لا تنهار في عاصفة من الدموع تكتمها بكل قوتها..

فهي في عينيها طفلة..سلبها الوجع منها..
سلبها المرض منها أولا..
ثم سلبها زواج لم تكن تريده لها..
كانت تريد أن تبقيها في حضنها حتى تطمئن روحها أنها قوية قادرة مواجهة الحياة..
فهي هشة.. هشة للغاية!!
وكم تخشى عليها من قسوة الأيام!!







***************************************






كان الوقت بعد صلاة المغرب مباشرة..
انتهت من زينتها.. وهاهي تنظر لنفسها في المرآة.. ولتألقها المبهر!!

الجميع ذهبوا.. ولم يتبق سواها.. مازالت لم تستأذنه في الذهاب..
فهما تقريبا لا يتكلمان منذ ماحدث الليلة قبل الماضية..
وكل منهما يتجاهل الآخر بطريقة متعمدة تماما..
وكأنهم يروون أن هذه الطريقة هي الأسلم للتعامل بينهما.. ماداما لا يمارسان إلا تبادل الجرح!!
ولكنها رغما عنها تعاني أكثر لأنه لو كان في حالته الطبيعية.. كان تجاهله ليكون أبسط..
ولكنه الآن يعاني بشدة من إصاباته.. وفي تجاهلها له قسوة آلمتها في أعمق مكان في روحها..

البارحة لم تستطع أن تنم حتى وهي تسمع أناته الخافتة كلما تقلب..
كانت توليه ظهرها.. وهي تعض طرف الفراش بقوة حتى تمنع نفسها من القفز إليه كلما سمعت آنة بالكاد تسمع..
ودموعها تنهمر بغزارة دون أن تشعر حتى!!


تنهدت وهي تنفض أفكارها..
نظرت إلى ساعتها.. لابد أن تذهب وهي اتصلت فعلا بالسائق والخادمة ليتجهزا..
ولكن تبقت الخطوة الأصعب.. استئذاته!!
تعلم أنه لن يرفض.. ولكنها لابد أن تستأذن..
حاولت أن تتصل.. فلم تستطع!! لذا أرسلت له رسالة:


" أبي أروح الحين للعرس.. ممكن؟؟"


كان انتباهها مع هاتفها وهي تنتظر الرد.. ليصلها الرد من مكان قريب جدا وبصوته.. ارتعشت بخفة وهي تسمع صوته خلفها.. باردا حازما:
هذا أنتي متجهزة.. وش يهم موافقتي من عدمها؟؟

استدارت ناحيته وهي ترد ببرود حازم مثله:
الاستئذان واجب علي.. ولازم أسويه..

هتف بنبرة سخرية: لا مهتمة من واجباتش صدق!!

لم ترد عليه.. بينما كان هو ينظر لها بتمعن.. كم افتقد لرؤية حسنها المتأجج كشعلة نار لاهبة في خضم إرهاقها طيلة الأيام الماضية..
والليلة يبدو حسنها أكثر من متأجج بكثير.. يبدو كما لو كان سيحترق من مجرد النظر إليها!!

هتف لها بعدم اهتمام: امشي بأوصلش.. وبأنتظرش لين تخلصين.. فلا تطولين علي..

كاسرة بتساؤل مستغرب: وش توصلني وأنت كذا؟؟
وأنت منت بحاضر العرس؟؟

هتف بسخرية: على قولتش دامني كذا.. أشلون أحضر العرس..
زِين شكلي وأنا قاعد بين الرياجيل بذا اللزقات كلها كني مومياء!!


حينها جلست كاسرة على طرف السرير وهي تخلع حذائها.. وتدخله تحت السرير..

كساب باستغراب: شتسوين؟؟

كاسرة ببساطة مصممة: خلاص ما أبي أروح..

كساب بتهكم: هذا كله عشان ما أوديش.. خلاص باتصل في سواقة خالتي وروحي معها..

كاسرة بتصميم أشد: خلاص كساب ما أبي أروح..

حينها هتف كساب بغضب: وليش ما تبين تروحين.. هذا عرس بنت خالتي..
على الأقل باركي لخالتي وارجعي..

كاسرة لم ترد عليه وهي تتوجه لغرفة التبديل لتخلع ملابسها...
ماذا تقول لهذا الغبي: أنها يستحيل أن تذهب وتتركه خلفها أو حتى تسمح له أن يقود بها السيارة وهو على هذا الحال..

ارتدت لها فستانا ناعما من الشيفون تتناسب ألوانه مع ألوان زينتها وارتدت صندلا بعنق مرتفع مفتوح زاد أناقة ساقيها المكشوفتين الناصعتين..
ثم عادت له...
على الأقل لتستمتع هي بأناقتها!!


نظر لها باستغراب غاضب: يعني صدق ما تبين تروحين.. أقول لش قومي.. أنا بأوديش..

جلست وهي تهمس بتهكم: ما أبي أروح.. وش تبي الناس يقولون علي وأنا رايحة عرس وأنت قاعد وراي في البيت؟؟

تراجع وهو يهتف بسخرية مريرة: وهذا اللي يهمش؟؟ كلام الناس؟؟

هزت كتفيها وهمست بحزن عميق مخفي خلف حزم صوتها: ووش باقي لي أهتم له غيره..
على الأقل خلني أحافظ على برستيجي قدام الناس..







*******************************************





" عالية حبيبتي اجلسي..
واجد وقفتي.. مهوب زين عليش وأنتي في شهورش الأولى"


عالية تميل على أذن نجلا وتهمس بمرح: من زين الاستقبال..
كل اللي في الاستقبال عاهات..
استقبال حوامل.. على الأقل خليني واقفة بينكم أنتي وجوزا... بطني مابعد بين!!

نجلا بمرح مشابه: ما تخلين الواحد يرحمش..
خلاص وقفي.. تستاهلين!!

عالية بمرحها المعتاد: الله الغني عنكم.. بأرحم روحي بروحي!!

نجلا بمودة: ياحليلش يا علوي.. والله سويتي لنا جو الأيام اللي فاتت..
في التجهيز.. وفي قعدتش في بيت هلش..
كل ماجيت لقيت وجهش الشين..
بنفقد صجتش والحين بيسكر عليش الدحمي.. هو أول مسكر عليش بدون شيء..
أشلون الحين وأنتي حامل...


عالية رسمت ابتسامة على وجهها.. ولكنها لم تكن متقنة إطلاقا..
ففيها كثير من ضيقها وحزنها..
فالوضع بينها وبين عبدالرحمن بقدر مايبدو حله سهلا.. بقدر ما يبدو معقدا!!
وتعقيده ناتج من مقدار حبها لها وخشيتها من الاندفاع في تصرف قد لا يكون محسوبا!!







*********************************






" يا الله...يجنن فستانها.. ما ينفع أروح لبنان أنا بعد..
قولي لتميم يودينا.. خلني أجيب لي فستان من هناك"


سميرة تميل على أذن وضحى وتهمس بمرح: وفستانش اللي سويتيه هنا.. وش نسوي فيه؟؟ نقطه في الزبالة...؟؟
وبعدين يا أختي اقبضي أرضش.. (الئالب غالب) على قولة خالي هريدي..
جمول لو لبست خيشة.. قلنا بنلبس خياش..
شوفي جسمها أشلون صاير ريان ومشدود.. قربت تصك على الجويزي مرت ولد عمي عبدالله قبل حملها..

وضحى بتأفف مازح: ما أقول غير مالت بس.. هذا كلام تقولينه لعروس.. عرسها عقب شهر..
لا وعريسها يمكنه متحلف فيها الحين...

سميرة ضحكت بخفوت: أما متحلف فيها.. فمتحلف فيها... خاطري أسمع أول كلمة بيقولها لش بس!!

وضحى ضحكت فهي تحاول ألا تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل:
متحلف فيني من سبايبش.. والله لا يقول لي شي.. لا أطلعه من عينش!!




الاثنتان كانتا تتهامسان وهما تنظران من حين لآخر لجميلة ويذكران الله عليها..
كانت جميلة أكثر من متألقة بكثير بكثير... وفتنتها تبلغ أوجها الليلة..
مدعومة بأناقة خاصة جدا..

ففستانها الأبيض الحريري المختلط بلمسات من الدانتيل كان ضيقا على جسدها ويتسع تدريجيا بفخامة مدروسة من أسفل الأرداف..

وشعرها القصير كان طوله غير واضحا لأنها تم لولبته لإعطائه مزيدا من الحجم
وإعادته للخلف بطريقة تموجية..
وتم نثر زهرات صغيرة من نفس دانتيل الفستان فيه..

ولم ترتدِ طرحة مع الفستان... فبدا نحرها الشامخ مبهرا في إضاءة كبريق قمر مكتمل.. وهي ترتدي فقط عقدا ناعما من الألماس دون أقراط..

وزينة وجهها كانت غاية في النعومة والعذوبة دون إثقال لأن بشرتها النقية لم تحتج للكثير..
فعلاجها في المصحة ولأنها كانت لا تتغذى إلا بغذاء صحي مدروس مدعوم بتمارين رياضية مدروسة استمرت عليهما كلاهما..
أعاد تكوين كل مافيها بطريقة صحية نظرة!!


كانت ترسم على ملامحها ملامح شموخ مختلطة بحياء رقيق... تختلف تماما عما يمور في داخلها من توتر..
فهي قررت أنها لن تشمت الشامتين كما أنها لن تحزن الأحباب..
فهي تعلم أن والدتها على طرف البكاء.. وتحتاج لها سببا فقط لتنهمر.. وهي لن تسبب لوالدتها الحزن وفي هذه الليلة..


ورغم أنها لم تنزل من جناحها.. إلا أن كثيرا من المهنئات صعدن لها..
فالكثير دفعه الفضول لرؤية تغييراتها بعد العلاج...
عدا أن صديقاتها حضرن كلهن وهن ينثرن جو بهجة حماسي حولها..
ورغم كل التوتر.. إلا أنها شعرت فعلا بإحساس العروس الذي حُرمت منه!!
شعور سرقته من قسوة الزمن.. وإحساسها باليأس والتوتر..!!


وطبعا حضيت بالكثير من الحديث الجانبي كماهي عادة نميمة الأعراس!!


صوت يهمس للمجاورة له: خلاص سلمنا خلينا ننزل للقاعة..

سلطانة وهي تتأكد من وضع نقابها على وجهها: شفتي العرس والقاعة وأشلون متكلفين..
اقصبوا ولد أختي وافقروه.. وليته على حد يستاهل!!.. على مطلقة..!!

نورة بنبرة عدم اهتمام: لا تحاتين ولد أختش أبو لسان بغى يأكلنا ذاك اليوم عشانها..أكيد جاته باردة مبردة...
ياحبيتي عرس النسوان كله قام به منصور آل كساب.. ولد أختش مادفع ريال..

سلطانة باهتمام وهما تغادران: وأنا أقول وش عنده.. أثرهم شارينه للدلوعة..
لا ولسانه طويل بعد.. وش عليه ياحظي!!
وأنا اللي كنت أبي أزوجه بنتي.. أكيد ما يبيها.. مانقدر نسوي لها عرس مثل ذا..

نورة بنفس نبرة عدم الاهتمام: أنتي وذا البنت... بنتش عادها بزر يأختي.. وش مستعجلة عليه؟!!

سلطانة باستنكار: بزر.. وش فرقها على جميلة؟؟ مابينهم إلا سنتين..
وعلى الأقل بنتي بيكون هو أول بختها.. مالت عليه رجال المطلقة!!



.
.
.




للتو تدخل أم صالح للسلام على جميلة لأن موعد زفة ابنها قد اقترب بعد أن كانت تتولى مهمة الترحيب بالضيفات في الأسفل..

سلمت على جميلة وباركت لها بحميمية قبل أن تتأخر وتجلس..
ثم تجلس عالية جوارها فعالية سبق لها أن سلمت ثم نزلت ثم عادت الآن مع أمها..

تهمس عالية بمرح ودود: ها يمه.. أنتي كان عينتي لفهد مرة أزين من ذي يومش منتي براضية..؟؟

أم صالح تنهدت: يأمش أنا يوم عييت من جميلة.. مهوب عشان الزين .. أدري إنها الله يستر عليها مابه مثل زينها..
بس أنتي عارفة ليه عييت.. وذا الحكي خلاص مامنه فود... الرجّال عرس.. والله يوفقه..




.
.
.



" ماشاء الله عليه فهيدان راسم روحه مضبوط في البشت والابتسامة شاقة.. عقب ماجننا الأيام اللي فاتت"


هزاع بمرح: عقبالي يارب!!

صالح بمرح مشابه: ومن ردية الحظ اللي بتأخذك؟؟

هزاع (بعيارة) : وحدة مثل بنت عمي أم خالد ردى حظها حذفها حذفة قشرا!!

صالح بغضب مازح: كذا ياهزاع.. زين دواك عندي..

هزاع يهز كتفيه: أنت البادي..

صالح يبتسم: وأنت ماتحشم الكبير..

هزاع يرد بابتسامة مشابهة: وأنت ما ترحم الصغير..

صالح يتلفت يمينا ويسارا: وين الصغير؟؟ ماني بشايف إلا طوفة جنبي!!

هزاع يضحك: ومن شر حاسد إذا حسد..

صالح بتساؤل مهتم: على طاري الحسد.. يقولون أبو عبدالرحمن عطاك بشارة عنه وعن ولده.. وش عطاك؟؟

هزاع بتأفف: الشيبة المخرف عطاني طير... شايفني مقطع البران قانص..

صالح بحماس مرح: أبد وقبل ماتشوفه أنا شراي.. ولا تزعل من الشيبة المخرف.. بأعطيك كاش ماني!!

ابتسم هزاع: وكم سومتك؟؟

صالح بذات الحماس: عشرة ألاف..
هزاع لم يرد عليه وهو ينظر له تحت أهدابه!!
فأكمل صالح بذات الحماس: زين عشرين..

حينها ضحك هزاع: نطيت من عشرة لين عشرين مرة وحدة...
ثم أردف بنبرة مقصودة: الظاهر إنك تحسبني بزر صدق وإلا غبي..
صحيح ما أعرف في الطيور.. بس أعرف زين سمعة طيور أبو عبدالرحمن..
يقولون أقل طير عنده.. يجيب ضعف المبلغ السخيف اللي أنت قلته على الأقل!!


ضحك صالح: منت بهين يا التّوتّو.. ما ينلعب عليك..
ثم أردف وهو يغالب ضحكه: زين قوم فهد يأشر لك... الظاهر يبيك تشغل السيارة عشان الزفة!!






***************************************






عفراء أعلنت للمتواجدات عند جميلة أن العريس سيدخل..
فبدأن بالخروج جميعا ولم يتبق سوى مزون وعالية وأمها وجميعهن ارتدين عباءاتهن..


عفراء اقتربت من ابنتها وهي تلبسها عباءتها أيضا.. همست جميلة باختناق:
مهوب جاي هنا؟؟


عفراء تتولى دورها بحزم وهي تخفي حزنها خلف حزمها:
لا يأمش بيجيش في جناحكم... بس أنا ما كنت أبي النسوان يطلعون لجناحكم وأغراضكم الخاصة..
وأنا مرتبته لكم بس..


عفراء قادت ابنتها للجناح القريب جدا.. وخلفها مزون وأم صالح وابنتها..
ثم خلعت عباءتها ورتبت شكلها..
وأجلستها.. لكن جميلة لم تفلتها وهي تمسك بكفها وتحتضنها قريبا من قلبها..
عفراء شعرت بارتعاشها واضحا.. فجلست جوارها وهي تحتضنها بشكل جانبي..
وتقرأ عليها الأذكار وآيات من القرآن الكريم...
حتى رن هاتفها.. كان منصور هو المتصل يبلغهم أنهم يقفون أمام باب الجناح..
تزايد ارتعاش جميلة.. فهمست لها عفرا بحنان:
تكفين جميلة لا تفشلين روحش في الرجّال وهله..

عفراء أوقفت جميلة التي كانت تعتصر مسكتها الناعمة بين أناملها بقوة وهي تخفض بصرها للأرض وتحاول بفشل ألا ترتعش..

عفراء توجهت للباب وفتحته.. ليدخل منصور أولا يتبعه فهد.. و
الاثنان غاية في التألق والأناقة الرجولية في بشتيهما السوداوين.. وخطواتهما الواثقة..

منصور تقدم أولا وهو يتجه ناحية جميلة ليقبل جبينها.. ولكنها لم تفلته وهي تطوق خصره بتأثر متعاظم..

شعور تعجز عن وصفه.. وكأن والدها فعلا هو من يسلمها لزوجها..
تمنت أن تطول هذه اللحظة وأن يطول احتضانها لمنصور وهي تشعر بالأمان في حضنه..
وأن يكون حاجزا يحميها مما يقلقها خلفه..!!

منصور همس في أذنها بحنان وهو يحتضنها: مبروك يأبيش.. ولا تحاتين شيء..
أنا وصيت فهد عليش.. وفهد مايقصر..

فهد كان خلف منصور بعدة خطوات .. مازال لم يبصر العروس.. فظهر منصور العريض يغطيها..
عدا أن أمه وشقيقته استغلتا انشغال منصور وابتعاده واقتربتا لتباركا لفهد.. ثم ابتعدتا في ذات اللحظة التي استدار فيها منصور ليشير لفهد أن يتقدم..
حينها كان منصور يتأخر ليفسح لفهد مكانا جوار عروسه..

فهد تقدم بخطواته الواثقة.. وهو ينظر أمامه بكل ثقة.. فليس هو من يتراجع أو يهاب!!


حينها.. حـــيــنــهــا..

عاجز عن وصف شعوره حينها.. عاجز عن وصف الصدمة التي اكتسحته بكل عنف!!

لثانية من الزمن.. ظن أنهم قد يكونوا أخطأوا في العروس..
يستحيل أن تكون هذه هي.. يستحيل..!!

فهذه التي أمامه.. لا يجد حتى كلمات لوصفها وعيناه تطوفان بها كالمأخوذ..

من أين أتت القبيحة بهذا الحسن الطاغي المثقل بالإثارة وكل مافيها ينضح بالفتنة لأقصى درجاتها..؟؟

حاول هز رأسه واستعادة صفاء تفكيره الذي باغتته الصدمة.. وهو يقول لنفسه (كله من الماكياج!! كله من المكياج!!)
ولكن هذا المبرر لم يقنعه حتى.. رغم محاولته المستيمته لإقناع نفسه به..


فهل (المكياج) سيصنع هذا التكوين الجسدي الملتهب بدأ من خصرها المنحوت وانتهاء بنحرها المبهر ومرورا بعضديها المصقولين؟؟
أم هل المكياج سيصنع هذه الملامح التي تتوسط وجها لم يرى مثل بهائه؟؟
أم هل المكياج سيصنع السحر الذي شعر به يسربلها من رأسها حتى قدميها؟؟

هذا الجمال لا يكون إلا صنعه سبحانه..!!

منصور هتف لفهد بصوت أعلى: فهد تعال وش فيك واقف بعيد.. تعال جنب مرتك..
ثم همس في أذنه: امسك يدها وقعدها..

فهد تنحنح وهو يقترب ليقف جوارها..
شعرت جميلة أنه سيغمى عليها وهي تشعر بحفيف عضده على كتفها..
ثم شعرت أنه سيغمى عليها فعلا حين تناول كفها بين أناملها.. وهو يشدها ليجلسها..

هــو رغما عنه شعر بالتكهرب.. فهذه المرة الأولى التي يلمس فيها امرأة.. ولم تكن أي لمسة.. بل شعر أنه يلمس شيئا أشبه بالحرير االندي..
وأن يدها قد تنكسر في يده لشدة نعومها!!

ولكنه أفلتها بنفس سرعة امساكه لها.. وشعرت جميلة أن في افلاته لها حركة مقصودة وحادة نوعا ما..

وكانت حركته فعلا حادة ولكن غير مقصودة.. بل كانت عفوية..
ففهد ما أن شعر بنعومة أناملها بين قساوة أنامله..
حتى شعر بشعور عارم بالقرف..
فهذه الأنامل الزبدية ليس هو أول من يمسك بها.. بل أمسكتها يد قبل يده.. وأشبعتها بالقبلات أيضا..
شعر أن رائحة شفتي زوجها السابق ماتزال على أناملها..
تلسع أنامله وتحرقه..!!



" أعترف أن جمالها هزني بعنف..
ولكن ماذا إن كانت جميلة وفاتنة..؟؟
الوضع أسوأ الآن!!
فمن لها كل هذا الجمال.. لابد أنها مغرورة أيضا..
مغرورة بجمالها المستهلك..!!!
.
وماذا أفعل بجمال مستهلك.. شبع من رؤيته سواي؟؟
وحين سئم منه.. ألقاه في القمامة..
لأتلقى أنا فضلته التي ألقاها!! "


ما أن وصلت أفكار فهد لهذا المستوى حتى شعر أن أنفاسه تضيق وتضيق.. رغم أنه مازال يرسم ابتسامة محترفة على شفتيه..
شعر أنه يريد أن يهرب من المكان كاملا.. لا يريد حسنها.. ولا يريدها..
ولا يريد هذا الموقف كاملا..!!
يشعر أن الأرهاق من فوضى الحياة يداهمه.. ومساراته تسير على غير هواه..
يشعر بالاختناق الفعلي من كل شيء!! من كل شيء!!



السلامات انتهت.. والتوصيات كذلك..
والجميع غادروا..

وبقيا العريسان وحدهما...
والصمت هو من يدير الدفة بينهما..




#أنفاس_قطر#
.
.

وماراح أطول عليكم ونخلي المعاريس معلقين.. موعدنا بكرة الجمعة الساعة وحدة ونص الظهر..
مع بارت بيكون مليان مفاجأت صدق..
.
وصلنا خير يا نبضات قلبي.. وصلنا لنقطتين كان القراء يراهنون عليها..
جمال جميلة.. وكونها بنت..
وهاهو جمالها (مبدئيا) زاد في المشكلة لديه..
وأما المشكلة الأساسية فليست فقط في العذرية بمعناها الضيق..
ففهد يكره مجرد نظر رجل آخر لها وإمساكه ليدها.. وهذا كله حصل بينها وبين خليفة..
خلونا نسمع تعليقاتكم الجديدة قبل استكمال ليلة الزفاف..
ولا حد يزعل مني الحين أو بعدين ويقول أنتي تهينين المطلقات
لأنه كل شيء أكتبه له هدف.. فصبركم علي يا نبضات قلبي
ولا تحملوني ذنب أفكار فهد :)
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 18-02-11 12:38 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والثمانون
 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان عندي كلام مهم كثير
بس كله طار
.
خلوه لبارت الأحد
واستلموا بارت اليوم
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والثمانون






مازال الصمت محتكما.. وهو ينثر جوا ثقيلا في المكان..
إن كان هو نظر لها.. فهي مازالت لم تنظر له..
وخجلها يخنقها.. وعيناها مثبتتان على مسكتها ويزيد في اضطرابها معرفتها أنه يراقبها الآن..

كان بالفعل قد ابتعد قليلا عنها ليترك مسافة بينهما وهو يستدير ناحيتها ويتأملها..
فللجمال أحيانا سطوة تفرض حضورها رغما غن كل أنف!!


كان يتأملها بدقة لا يعرف لها سببا..
نقوش الحناء التي وصلت إلى منتصف عضدها الملفوف.. بشرتها المصقولة لدرجة تبدو غير طبيعية..
شفتيها النديتين المرتعشتين.. أهدابها المسبلة بحسن لم يكن لسواها..
ذقنها الناعم الذي بدا له شيئا غير معقول وارتعاشه يزيده عذوبة..

ونظراته تنحدر أكثر إلى حيث يتربع العقد الماسي مكملا لصورة حسن مكتملة أساسا...
هكذا بدت له تماما.. أشبه بصورة مرسومة بتفنن بارع مبهر..
ولــكــنــهـــا... صورة مستهلكة... مستهلكة تماما!!


زفر بقرف فعلي لينفض قرف أفكاره.. وهو يقف مبتعدا عنها.. ثم يهتف بنبرة واثقة:
دقايق بأتوضأ ونجي نصلي.. ركعتين مع بعض...


فمهما كان غير متقبل لها.. فهذه سنة لابد من القيام بها..
بينما جميلة كادت تبكي فعلا..
ماذا تقول له.. أنها لا تصلي.. وهي تتفاجأ بدورتها الشهرية هذا الصباح مبكرة قبل موعدها الذي بالكاد انتظم...
تعلم أن هذا حدث من التوتر لابد..
ولكن ماذا تقول له الآن..؟؟

قررت أن تقف وتهرب قبل أن يعود.. وهي تتوجه لحمام غرفة النوم.. وتحمد ربها أنه توجه لحمام الصالة..

تناولت لها بيجامة زهرية من الحرير والدانتيل ناعمة وفخمة في آن بدون أكمام ولكن معها روبها الفخم من الدانتيل..
وتركت قميص النوم الذي علقته لها والدتها..

فهي خجلت من إخبار أحد.. وهي تدس أغراضها الخاصة بنفسها في الحقيبة هذا الصباح..


فهد حين عاد لم يجدها.. زفر بغيظ: ( صدق إنها قوية وجه ولا عندها حيا..
ما حتى انتظرت لين أجي!!)



قرر أن يصلي قيامه حتى تحضر.. مع أنه تمنى ألا تحضر..
ولكنه قضى وقتا طويلا بعد أن انتهى من قيامه ومن ورده.. وهي مازالت لم تحضر..


حينها قرر التحرك لداخل الغرفة...
كانت تجلس أمام التسريحة تمشط شعرها الذي استشورته للتو..
وكانت تريد وضع بعض الزينة الخفيفة.. ولكنه لم يمنحها الفرصة بدخوله المفاجئ..

استدارت نحوه بخجل ودون أن ترفع بصرها بينما هتف هو بحزمه التلقائي ونبرته الحادة:
ليش ماجيتيني عشان نصلي..؟؟

جميلة صمتت وهي تشعر أنها ستختنق.. أعاد عليها السؤال مرة أخرى..
حينها همست بصوت مختنق خافت: ما أقدر أصلي..

بدت له نغمة صوتها رقيقة وخافتة إلى درجة لا تحتمل لذا هتف بحزم أشد:
أشلون يعني ماتقدرين تصلين..؟؟
وارفعي صوتش خلني أسمعش..

قال ذلك وهو يقترب منها أكثر.. همست باختناق أشد وهي تحاول رفع صوتها أكثر وتكاد تبكي: ما أقدر أصلي..

فهد كان سيعيد السؤال مرة ثالثة لولا أن الله منَّ عليه بنعمة الفهم أخيرا.. وهو يتنحنح: زين تبين تعشين؟؟

همست برقة مختنقة وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها وهي تراه واقفا أمامها مباشرة: ما أبي.. تبي تتعشى أنت.. بالعافية..

حينها هتف فهد بجلافة: أنتي ليش تتكلمين كذا؟؟

جميلة همست بصدمة وهي ترفع بصرها له: نعم؟؟ كذا أشلون؟؟

كلاهما تكهرب وبشدة..
هو لأنه اكتشف أنها بدون زينة أجمل بكثير.. ومثيرة لدرجة مضنية.. مع أنه كان يظن ولو لحظة أن (الميك آب) هو ما منحها إطلالتها الفاتنة..
وهاهو يكتشفها أمام عينيه خالية من أي زينة... ومبهرة أكثر..
وهذا الأمر زاد في سلبية نظرته ناحيتها بطريقة غريبة..

"مثل هذه لماذا يتركها زوجها؟؟ لماذا؟؟
بالتأكيد بقدر جمالها.. بقدر سوء أخلاقها
ربما لم يحتمل أن يعاشرها..!!
فمن يحتمل هذه (الملاغة والمياعة) ؟"


وهـي تكهربت لأنها رأته من هذا القرب طويلا وعريضا ووسيما بطريقة مرعبة..
وهي تعقد فورا مقارنة بينه وبين خليفة المهادن الذي كان النظر له يُشعر بالأمان..

كلاهما تراجع خطوة للخلف بينما فهد يكمل بذات الجلافة الطبيعية:
أنا ما أحب الكلام بمياعة.. فاصطلبي وأنتي تكلمين..

جميلة مصدومة فعلا من جلافته: أنا مايعة؟؟

فهد يهز كتفيه وهو يهتف بصرامة: محشومة ماقلت أنتي مايعة..
بس قلت طريقتش في الكلام مايعة..
وأنا أكثر شيء أكرهه في الدنيا إن الوحدة تنعم صوتها..

جميلة مصدومة فعلا..
هل هذا يتكلم بجدية؟؟ أي عريس يقولون لعروسه هذا الكلام ليلة زفافهما..؟؟

(الظاهر النكد جا بدري أكثر مما توقعت) جميلة همست بحزم رقيق حتى هي استغربته.. لكنها لن تسمح له أن يهنيها أكثر:
ماعليه اسمح لي.. أنا لا أنا أنعم صوتي.. ولا أميعه..
بس الله عطاني نعمة إن صوتي أنثوي ورقيق.. وماحد يتبطر على النعمة..

فهد تفاجأ فعلا من سرعة ردها (ووقحة بعد!!)
رفع حاجبا وأنزل آخر وهو يهتف بتهكم: ومغرورة في صوتش المايع بعد؟؟

آلم جميلة اضطرارها لاستخدام أسلوب التحفز معه رغم أنها تذوي خجلا لم يسمح لها به..
همست بذات الحزم الرقيق: إذا أنت شايف إنه غرور.. أنا أشوفه ثقة..


حينها صدمها تماما أنه مد أنامله ليحرك شعرها وهو يهتف بذات النبرة التهكم:
وبعد شعرش المنتف نعمة أنتي واثقة منها.. المهم تتبعين الموضة؟؟

جميلة آلمها بحثه عن سلبياتها بهذه السرعة..
رغم أنه في داخله يعترف أنه مبهور بشعرها.. رغم أنه ككثير من الرجال الشرقيين مغرمين بالشعر الطويل..
ولكن قصة جميلة بدت فاتنة تماما عليها..

جميلة حاولت ألا تبكي وهي تهمس بثقة عذبة تخفي خلفها تهاويا في روحها:
على قولتك.. المهم أتبع الموضة..
والحين اسمح لي أبي أنام.. بكرة طلع باقي الأخطاء السبعة على راحتك!!


جميلة توجهت للسرير وهي تنتزع روبها عنها..
فهذا الفهد لا يستحق أن تحترمه.. ولا أن تخجل منه.. ولا أن تهتم له حتى..
اندست في السرير وهي تغطي وجهها..
ثم..
سمحت لطوفان روحها بالانهمار!!






************************************************





ربما كانت هذه أطول فترة بقضيانها مع بعضهما في البيت..
رغم أنهما لم يتبادلا فيها سوى الصمت.. والكثير من النظرات..
تعشيا سويا.. شاهدا الأخبار سويا.. وهاهما كلاهما يجلسان في جلستي جناحهما متقابلين..

كل منهما ينظر للآخر.. ويدعي إنشغاله بشيء آخر..
هي تتمنى لو ينطق بكلمة واحدة فقط... فمشاعرها ومنذ أيام فعلا على حد سيف وتنتظر الانقطاع..

بينما هو يتمنى لو يقوم ليجلس جوارها.. يضمها قريبا من صدره المهجور..
فربما حينها يعود له قلبه الذي يراه هو يرفرف حولها ..بينما هي لا تشعر به حتى..


كانا في جلستهما أشبه ببطلي حوار في قصيدة..

وكأن لسان حال كاسرة يقول:
" قل لي -ولو كذبا- كلاما ناعما
قد كاد يقتلني بك التمثالُ!!"


بينما لسان حاله يقول :

"لا تجرحي التمثالَ في إحساسه
فلكم بكى في صمته... تمثالُ

إني أحبّكِ... من خلال كآبتي
وجهاً كسِر الروح ليس يُطالُ...

حسبي و حسبُكِ... أن تظلي دائماً
سراً يمزقني... وليس يقالُ "


وبين رغبتها في الكلمات ورغبته في الأفعال.. تاهت أفكار كل منهما وهي تدور وتدور دون أن تتلاقى..



تنهدت كاسرة وهي تقف وتبتعد عنه.. بينما عيناه تتبعها بولع غريب..
وهو يراها تتناول أقراصا من الثلاجة الصغيرة المتواجدة في أحد دولايب صالة جلوسهما ثم تبتلعها..
أراد أن يسألها عن هذه الأقراص.. وقلق يتصاعد في نفسه عليها..
ولكنه لم يسأل..

"ألا يتبادلان التجاهل الآن؟!! "


ولكنه لم يطق صبرا حين رآها تتجه للحمام .. ليقفز ويرى ماهية الأقراص..
ليس فضولا مطلقا.. ولكنه محض اهتمام صاف خصوصا وهو يرى إرهاقها طيلة الأيام الماضية..
خشي أن تكون تخفي شيئا ما..
ولكنه حين وجد أن الأقراص محض فيتامينات اطمأنت نفسه وهو يعود لمكانه..



في الحمام كانت تقف مسندة ظهرها للباب..
وتنهيدة بعمق الكون تخترم روحها من أقصاها إلى أقصاها..
هذه الليلة تشعر بالفعل أنها في أضعف في حالاتها..
ربما لو قال لها كلمة حلوة واحدة ستنهار تماما..
حتى لو لم تكن كلمة حب.. كلمة حنان أو ود حتى!!
ولكن يبدو أن هذا نصيبها الذي يجب أن تعتاد عليه.. ويجب أن تغلف نفسها بالبرود.. كل البرود حتى لا تشعر بالألم كما تشعر الآن..



" لوح.. أنا متزوجة لوح ماعنده اي إحساس!!
ماحتى سألني وش الحبوب اللي تأكلينها؟؟
وليش يهتم؟؟
متى كنت أساسا مهمة في حياته؟؟
كل شيء أهم مني.. كل شيء!!"






************************************






رغم أنه لا يحب أن يطيل خارج البيت.. ولكنه الليلة أطال في في حفل زفاف فهد..
بات يشعر من الملل والاختناق من البيت بعدها!!
خطر له خاطر أن يذهب لبيت أهلها ويحضرها.. ولكنه قرر ختاما ألا يفعلها
لسببين:
الأول: أنها قد تتأخر في حفل زفاف أخيها..
والثاني: أنها قد تكون متعبة وتريد أن ترتاح.. وهو يعلم أن لقائهما لابد أن يكون به بعض الشد..

كان والده هو من يدفعه حتى أوصله للباب..
ثم غادر..فعبدالرحمن بات يكره أن يساعده أحد في ارتداء ملابسه أو القيام بشؤونه.. فهو لابد أن يعتاد على فعل ذلك بنفسه..

عبدالرحمن حاول فتح الباب فلم ينفتح..
ظن أن والدته قد تكون نسيت فتح الباب بعد عودتها من الزفاف..
لذا استخرج مفتاحه ليفتح..
ليتفاجأ بصوت مفتاح يتحرك من الداخل..
توقف قلبه تماما وهو يرى الباب يُفتح..
دفع كرسيه للداخل ليتوقف قلبه مرتين وهو يرى ظهرها مغادرة بعد أن فتحت الباب..

أغلق عينيه وفتحهما لشدة ثقل ووطأة الصدمة المفرحة عليه!!
" أحقا هي هنا؟!!"


حاول أن يناديها.. فوجد لسانه جافا.. جافا تماما..
وأخيرا استطاع أن ينطق: عـــالــيــة..!!

ردت بسكون ودون أن تنظر ناحيته:
هلا..

همس لها بمودة غامرة وعتب رقيق: كذا يالغالية.. يهون عليش تسوين فيني كذا؟؟
احترقت اعصابي أتصل وماتردين علي..
هذا كله تغلي؟!!

عالية منذ سمعت صوت تحريكه للباب وهي تشعر بعبرة ضخمة تخنقها.. فكل ماحولها كان يرهقها..
خبر حملها.. وتعبها في حفل زفاف أخيها.. وردة فعل عبدالرحمن معها..
كل ذلك كان يتساند ليؤلمها.. وبشكل جارح..
لم ترد أن ترجع حتى.. لكنها لم ترد أن ينتبه أحد لوجود مشكلة بينها وبين عبدالرحمن
فالجميع يعلم أنها ستعود بعد زواج فهد.. لذا عادت فعلا مع عمتها أم عبدالرحمن..
وبناء على حلف والدتها التي لم تردها أن تطيل في العرس أكثر حتى لا ترهق نفسها!!

همست بعتب أشد: أنا كنت مطرودة لين يخلص عرس فهد.. وهذا أنا جيت..

عبدالرحمن حرك كرسيه أكثر ليقف مجاورا لها وهو يهمس بحنان غامر:
ياقلبي أنا حنيتش بس من التعب وأنتي مقطعة روحش بيني وبين عرس فهد!!

عالية بنبرة تهكم مختنقة: إيه كذا؟؟.. مادريت!!

عبدالرحمن مد يده ليمسك بأطراف أناملها وهو يهتف بحنان عظيم ومودة مصفاة:
مبروك ياقلبي.. ألف مبروك.. ما تتخيلين أشلون فرحت..
حسيت صدق برضا ربي علي..

حينها شعرت عالية أنها ستنفجر في البكاء فعلا وهي تشد كفها من يدها وتعقد ذراعيها أمام صدرها..
وتهمس باختناق فعلي: عبدالرحمن تكفى لا تقول لي شي..
لأني فعلا زعلانة.. وموجوعة منك..
وأنا عارفة نفسي ما استحمل منك كلمتين.. وأنا ما أبي أرضى...
ما أبي أرضى.. موجوعة أول شيء من تفكيرك السخيف اللي ما أدري من وين جبته.. إني ما أبيك إلا عشان تمشي..
وموجوعة من حركتك لما طردتني..
وموجوعة إنك ما تنازلت حتى تجي لي وتبارك لي.. وانا كنت بأموت أنتظرك..
وموجوعة من إحساسي إنك مافرحت بحملي..








*************************************






مازال يجلس في الصالة..

غاضب من نفسه قبل أي شيء.. فهي لم تفعل ما يستحق منه أن يجرحها بهذه الطريقة..


المشكلة أن الحدود عنده غير واضحة تماما بين ما يجرح من عداه..
فجلافته تُغضب.. وهو قد يقول كلمة ويظنها غير جارحة.. ثم يكتشف أنها جارحة..
ولكنها للحق أثارت غيظه لأبعد حد بغرورها المقيت..
ألا يكفي ضيقه من دلالها ومياعتها لتأتيه بالغرور أيضا..؟؟

لا يلوم إذن هذا الذي هرب منها.. فأي رجل قد يحتمل هكذا امرأة ستبقى تنظر له بهكذا غرور..!!
والغرور لا يأتي إلا من عقل فارغ تماما..


تنهد مطولا.. وزفر بحرارة.. لا يريد أن يكون ظالما لها.. لكنه عاجز عن احتمالها فعلا..
ويشعر أنها تخرج أسوأ مافيه.. وأسوأ مافيه هو هذه الجلافة التي لا يستطيع التحكم بها..

ولا يظن أن واحدة بهكذا دلال ومياعة قد تحتمل جلافته طويلا.. وهذا مايخشاه..
فهو لا يريد أن يشمت أحدا به أو بها... ويعلم أن الشامتين سيكونون كثيرين!!


" يا ابن الحلال لا تحاكيها.. وخلاص!!
من زين حكيها اللي يرفع الضغط..
خلها ساكتة بس"

فهد يتنهد بعمق..
رغم أنه قد لا يكون فكر بالزواج سابقا كفكرة واقعة..
ولكنه بشكل عام كان قد رسم صورة ما لشريكة حياته..
والغريب أن هذه الصورة تشابه كثيرا أخته عالية!!
كان يفكر أنه حين يفكر بالزواج أن يطلب من عالية أن تبحث له عن شبيهة لها..
امرأة متوسطة الجمال لا تثير غيظه بغرورها واهتمامها بجمالها..
وفي ذات الوقت امرأة قوية الشخصية تستطيع أن تحتمل جلافته التي هو يعلمها قبل غيره..

ولكن هذه التي ربي ابتلاه بها... جمال وحسنٌ لا مزيد عليه أثقلها بالغرور والدلال.. فكيف سيتعامل معها دون أن يجرحها..؟؟
وهي تبدو لرقتها كما لو كان كل شيء وأدنى شيء سيجرحها!!




ينظر لساعته بعد وقت طويل من التفكير. مرهق فعلا ويريد أن ينام..
ولكن أين ينام؟؟
كره جدا أن ينام هنا على أريكته.. وكأنه خائف منها..
لذا توجه لغرفة النوم.. كان يظنها نامت.. وكم كان حسن الظن!!


كيف تنام.. وهناك جرح بدأ يتعمق في روحها بحدة؟؟

(ماهو الذنب الذي أذنبته ليعاملني هكذا؟؟
أ لهذه الدرجة لم يرى فيني شيئا قد يعجبه حتى يبدأ بتجريحي من اللحظة الأولى؟؟
حتى لو لم يجد شيئا يعجبه.. ألم يستطع أن يسكت فقط..؟؟
يسكت فقط!!
ومازالت هذه البداية!! فأي رجل خال من الإحساس هذا؟؟ )


كانت هذه هي أفكارها التي تسكبها مع دموعها وبغزارة مريرة.. وهي تولي وجهها لناحية الحائط..
حتى شعرت بالحركة الثقيلة جوارها..
شعرت حينها أن شعر جسدها كله قد وقف.. وريقها جف ليتشقق حلقها وكهرباء صاعقة تعبر كل خلايا جسدها بعنف..

لم تتخيل أن قد يفعلها وينام جوارها.. تمنت أن تقفز من المكان كاملا.. ولكنها شعرت أن جسدها متيبس كأنه أكوام من الحجارة..
فهذا القرب الرجولي لم تعتده مطلقا.. وخجلها يزيد الوضع سوءا عليها..!!


لم تكن هي وحدها من توتر من هذا القرب..
فحتى ملك الجلافة شعر بتوتر ما وهو يشتم رائحة عطرها الأنثوي المثير ويرى ظهرها من هذا القرب وهو يتمدد جوارها..
كره جدا إحساسه بالتوتر.. بينما هو يعلم أن هذا أمر طبيعي بالنسبة لها..
فهي اعتادت على نوم رجل جوارها.. لكنه مازال لا يعرف ماهية القرب الأنثوي مطلقا..!!


ولكن هو كرجل تجاوز هذا الأمر سهل بالنسبة له..
لذا نام بعد أقل من نصف ساعة..


بينما هي شعرت بالاختناق وهي تشعر بتقلبه جوارها..
وتحاول أن تكتم ارتعاشها وهي تتخيل لو أنه حاول مد يده فقط ناحيتها كيف ستتصرف؟؟

لذا حينما شعرت بهدوء حركته وانتظام أنفاسه قفزت وهي تلتقط روبها بسرعة كما لو كانت تهرب من عفريت..
وهي تشد نفسها مبتعدة ركضا.. ولم تشعر بنفسها إلا وهي في الصالة وتحتضن نفسها في زاوية الأريكة..


" يا الله !! يا ليتني أصلي بس!!
كان هديت نفسي بالصلاة والقرآن"





************************************





" عالية ياقلبي..
الكلام السخيف هذا.. "ولا تقول لي شيء"..
أنا مستحيل أقبله..
إذا ليلة عرسنا مع كل اللي كان بيننا.. تصافينا ليلتها..
تبين أخليش الحين وما أراضيش؟؟
مستحيل!! "


عالية بنبرة حزن عميقة: إيه الحين مهتم من ولدك.. مهوب مني..

عبدالرحمن يقرب مقعده أكثر من مقعدها ليشد يدها بين كفيه ويهمس لها بحنان:
بلا سخافة حبيبتي.. وش ولدي ذا..
أنا الحين صار عندي ولد عشان أهتم منه..
واللي شيخش على قلبي إنه مايهمني إلا أنتي.. ومهوب هاين علي زعلش..

عالية بذات نبرة الحزن: هذا هو هان عليك قبل.. وش اللي تغير؟؟

عبدالرحمن يتنهد وهو يحشد أكبر قدر من الاهتمام والصدق والحنان في صوته:
زين أنا غلطان والغلط راكبني من رأسي لساسي..
وهذي يدش أحبها ورأسش بعد..
وآسف.. وحقش على رأسي.. وش اللي يرضيش بعد أنا حاضر له...؟؟؟

حينها رفعت عالية رأسها له وهي تنظر له بشكل مباشر.. وتهمس بشكل مباشر أيضا:
اللي يرضيني شيء واحد بس!!







****************************************







" ياحبيبتي يا قلبي.. ماشبعتي بكا.. حرام عليش.. صار لش ساعتين على ذا الحال!!"


عفراء مازالت تسند رأسها لصدر منصور وهي تنثر كبت الأيام الماضية كله وتهمس بصوتها الذي بح من البكاء تماما:
وصيت فهد عليها؟؟ تكفى يامنصور


منصور بحنان وهو يشدد احتضانه لها: والله العظيم وصيته.. وقلت لش ذا الكلام أكثر من مرة..


عفراء بصوتها المبحوح: تكفى وصه فيها بعد.. تكفى.. هذي بزر ويتيمة.. وماتهنت..

منصور بعتب: لا تقولين يتيمة.. أنا ماني بمالي عينش أب لها..

عفراء تمسح أنفها المحمر وتهمس باختناقها: فديتك ماقصدت.. بس واجد كاسرة خاطري بنتي..
وأنا خايفة عليها من شدته.. قل له يراعيها شوي.. تكفى..

منصور يقبل شعرها ويهتف بأريحية حازمة: أبشري.. بأوصيه فيها بعد.. من عيوني..
أصلا خلها تشتكي منه أقل شكوى.. عشان أوريه شغله..
أنا مازوجته بنتي إلا عشان يراعيها!!






*************************************






حين صحا من نومه..نظر لساعته بغضب حين رأى أن وقت صلاة الجماعة فاتته..
زفر بغيظ وهو يرى مكانها خاليا..

(مادامت الأخت صاحية.. ليش ماقومتني للصلاة؟؟
وليش تهتم فيني دامها ماتصلي؟؟)


فهد سارع ليتوضأ ثم صلى صلاة الفجر..
لا يعلم أين ذهبت.. واستغرب أنها صحت في وقت مبكر هكذا ولم تعد للنوم..
لم يشغل باله كثيرا بالتفكير وهو يعود للنوم.. دون أن يتجاوز غرفة النوم!!

حتى صحا مرة أخرى على أشعة الشمس الساطعة تغمر المكان تماما عبر الستائر المفتوحة التي لم تغلق..


صحا من نومه ولم يجدها أيضا (هذي صدق ماتعرف السنع!!)

استحم وأبدل ملابسه.. ثم قرر الخروج حتى يطلب الفطور لهما.. وهو يتوقع أن يجدها جالسة في الخارج..

ليجد الصدمة التي كانت تنتظره في صالة الجلوس..
كانت نائمة وهي تستند بشكل جانبي إلى طرف الأريكة..
بدت له طريقتها في النوم -لشدة رقتها وعذوبتها- تمثيلية تماما..

" يستحيل حد يرقد كذا!!"


وما أثار غيظه أكثر.. وارتباكه قبل ذلك... هو انكشاف جزء كبير من أعلى صدرها عبر جيب الروب المفتوح.. بسبب نومتها المائلة..
بدت له حركتها رخيصة ومقصودة تماما..

" صدق إنها ما تستحي!!
تمثل إنها نايمة وهي بذا الشكل!!"


فهد هتف بنبرة جهورية حازمة أقرب للغضب: جميلة!!

جميلة قفزت بجزع وهي تسمع الصوت الغريب الذي يناديها لأول مرة
حين رأت فهدا أمامها انتفضت بخجل وهي تشد روبها عليها وتقف بارتباك وهي تهمس برقة عفوية:
آسفة.. نمت بدون ما أحس!!

فهد لا يصدقها وهو يهتف بنبرة تهكم حازمة: إيه.. صح!!
ثم أردف بحزم: بأطلب الريوق.. تبين شيء معين!!


جميلة تشعر باختناق فعلي( مايعرف يبتسم ذا!!) همست باختناق: شكرا.. بأروح أسبح..

فهد بذات النبرة الحازمة: خلاص أنا بأطلب وأنتظرش لين تخلصين..

جميلة كعادتها تأخرت وهي تستحم ثم تتأنق في (ميني دراعة) بلون أخضر منعش وتحتها (ليقنـز) يصل إلى نصف ساقها بلون أخضر أفتح قليلا..

حين خرجت..
كان يجلس أمام الأفطار دون أن يفتحه.. هتف بسخرية: ترا كل شيء صار مثلج..
تبين نطلب غيره؟؟

همست برقة مختنقة وهي تجلس مقابلا له: ماكان انتظرنتي.. أنا دايم أتأخر لا تسبحت..

فهد تنهد: ماعليه جميلة لا تتضايقين مني.. بس أنا فعلا ما أحب نبرة الصوت هذي..
يا ليت تتكلمين بشكل طبيعي..

جميلة بصدمة: وأنا أتكلم بشكل طبيعي.. أشلون تبيني أتكلم؟؟

فهد تنهد في داخله (لا حول ولاقوة إلا بالله) ثم هتف بثقة: أنا بصراحة ماني بمقتنع إنه فيه حد هذا صوته الطبيعي..
بس دامش مصرة.. يا ليت لما نكون في مكان عام ما تتكلمين..

جميلة تنهدت في داخلها( يا الله الصبر من عندك) ثم همست برقة:
إن شاء الله.. حاضر!!

فهد هتف بحزم: إذا خلصنا ريوق.. تجهزي عشان نروح للبيت!!
ثم أردف بنبرة مقصودة وهو ينظر لها: وبدلي ملابسش.. هذا مهوب لبس تطلعين فيه..

جميلة نظرت له بغيظ (هذا وش مفكرني؟؟ مفكر إني بأطلع بلبسي ذا؟؟
متكشخة لك أنت ووجهك.. الشرهة علي بس!!)
ولكنها همست برقة مهادنة: حاضر إن شاء الله..


جميلة بعد ليلتها الصادمة معه.. حاولت جاهدة أن تتفهم أن طبيعته فعلا تتميز بالجلافة.. وأنها لابد أن تتقبل طبيعته حتى يسير مركب حياتهما..
وإنها إن كانت ذكية وصبورة.. فهي من ستغيره!!

حين انتهيا من الفطور الذي لم تلمسه جميلة..
كانت جميلة قد وقفت لتتوجه لغرفة النوم.. وكان هو يريد أن يقف أيضا.. فحرك الطاولة من أمامه..
حينها الطاولة صدمت في ساقها بقوة عنيفة..
لأنها كانت تجلس على كرسي منفرد يمينه..

ففقدت توزانها ليتلقاها هو بين ذراعيه.. ثم يدفعها عنه بذات سرعة تلقيها.. وهو يجلسها على الأريكة التي كان يجلس عليها
ويبتعد وهو يهتف بعتب مختلط بجلافته:
ترا عيب اللي تسوينه ياجميلة.. والله عيب..

جميلة لم تستطع أن تركز معه لأنها مشغولة بألم ساقها.. وهي تهمس باستغراب:
ليه أنا وش سويت..؟؟

فهد بضيق حقيقي: يا بنت الناس الحركات اللي تسوينها.. شفناها في الأفلام ألف مرة.. وش ذا السخافة؟؟
عيب ترخصين نفسش كذا..!!

جميلة بصدمة: الحين كنت بتكسر رجلي.. وعقب أنا اللي أسوي حركات أفلام؟؟

فهد بغضب: الطاولة يا الله إنها لمستش.. بلا حركات سخيفة.. طلعتي روحي!!

جميلة لم ترد عليه وهي تقف متوجهة للغرفة وتتحامل على نفسها حتى لا تعرج..

كانت تريد أن تبكي فعلا.. تشعر بمهانة عميقة وجرح أعمق..

(بس ماراح أخليه يشمت فيني..
ماراح أخليه يشمت فيني..
بالطقاق فيه وفي رأيه ما يهمني.. مالت عليه!!)

كانت تزفر بحرقة وهي تسب في فهد في أعماقها بكل الشتائم المعروفة وغير المعروفة..
وتريد أن تبكي على الأقل من ألم ساقها التي شعرت بتفجر قنبلة فيها..
ولكنها قررت كتمان كل شيء في داخلها وهي تغير ملابسها..
وتتأنق أكثر قبل أن ترتدي نقابها.. حتى يراها أهله وهي متأنقة فعلا كعروس..
لن تسمح مطلقا أن يتكلم عليها أحد نصف كلمة..

" يمكن ذا الفهد المعفن هو ذنب خليفة... ربي يخلصه مني..!!
ليتني ماوافقت على خليفة أول... ولا على فهد تالي!!
ليت ربي رحمني من الاثنين!!"



هــو في الخارج.. يدعك يديه بحدة..
يعترف أنه نادم فعلا على تجريحها.. ولكنها من دفعته لذلك..

" مسختها هي وحركات الأفلام...
تحسب نفسها في فيلم أبيض وأسود.. والبطلة اللي تبي تغري البطل..
.
زين يا ابن الحلال.. هي ناقصة عقل..
شوف الحركة وحط نفسك ماشفت شيء..
.
بس أنا قرفان من حركاتها.. قرفان!!
لوعت كبدي.. ماني بطايقها..
تظن إنها يوم تسوي كذا إني بأركع تحت رجلها وأقوم بأموت أنا من حسنش وجمالش..
صدق إنها غبية فوق قلة سحاها!!)



ولكنه ختاما.. شعر أنه لابد أن يراضيها بشكل ما..
فهو مهما كان قد أثقل العيار عليها...حتى لو كانت تستحق ماقاله لها..
فهذه الجميلة تبدو تافهة ومحدودة التفكير..
ولكنه لابد أن يراعي ابتلاءه بتفاهتها ومحدودية تفكيرها...


حين دخل كانت قد ارتدت عباءتها..
شعر أن كلمات الاعتذار تقف في بلعومه.. وغير قادر على إخراجها..
عدا أنها لم تترك له المجال وهي تتجاوزه.. وتهمس بنبرتها الحازمة الجديدة ولكنها مثقلة برقتها الخاصة:
شناطي جاهزة... وانا جاهزة..
يا الله نمشي..


فهد هز كتفيه وهو يهتف في داخله ( أنا ربي حرقني حسبت بألاقيها مسوية مناحة..
بس الظاهر إنها ما اهتمت لأنها دارية إنها غلطانة.. وحركاتها من أساسها عيب)


فرد عليها بحزم: يا الله باروح أسوي شيك آوت.. وبأرجع مع بوي يشيل الشناط...



وهما في طريق النزول.. كانت تمشي ببطء حتى لا ينتبه إنها كانت تعرج..
بينما كان سيشد شعره.. وهو يتمنى لو حملها على كتفه بدلا من مشي السلحفاة هذا!!


" يا الله الصبر من عندك
حتى مشيها غير نمونة!!"







************************************







" هاحبيبتي كفاية كذا؟؟
وإلا تبين أمشي بعد؟؟"


عالية مستغربة أنه وافقها بالأمس على شرطها بسرعة.. ومستغربة أكثر أنه قام بكل التمرينات وزيادة..دون أن يتذمر!!


همست عالية باستغراب: غريبة إنك ما تمللت..

حينها هتف عبدالرحمن بنبرة مقصودة أقرب للحزن:
دام حياتنا صار هذا مرتكزها.. وانتي منتي براضية تقبليني إلا وأنا أمشي..
وش أسوي؟؟
عشان تعرفين غلاش بس..


عالية ساعدته ليجلس وهي تطوق عنقه بذراعيها وتهمس بحنان:
يا ملغك بس.. عقب بتعرف إني على حق!!
عبدالرحمن ياقلبي.. لو كان عدم قدرتك على المشي شي عضوي.. كان مافتحت ثمي.. وانت عارف ذا الشي زين..
بس هذا شي نفسي..
ليه ياعبدالرحمن تبي تحرم امهاب الصغير إنك تلعب معه كورة..؟؟ أو تشارك معه في مسابقاته المدرسية..؟؟
ليه تسوي فيه كذا وأنت مافيك شيء؟؟ يعني هو مايستاهل تبذل شوي جهد عشانه؟؟


عبدالرحمن ارتعشت روحه مع ذكرها لمهاب الصغير.. وعالية بدأت ترسم مخططها بدقة.. فهي حضيت بما تضغط به على عبدالرحمن..
وقررت استخدامه بمهارة..
فإن كان لايريد المشي من أجل مهاب..
فهو سيريده الآن من أجله أيضا!!
تعلم أنها ستحتاج وقتا حتى تدخل الفكرة في رأسه..
وهي مستعدة لكل الوقت!!






*******************************






هاهي تعود لجناحها أخيرا..
بدا لها الغداء طويلا.. ولن ينتهي.. وهي تعاني الأمرين من شيئين:
نظرات خالات فهد الغريبة لها..
وألم ساقها المتزايد..

وهي تشعر أن صعود الدرج بمثابة عذاب حقيقي لها!!
كل ما تريده أن هو أن تستحم وتلبس بيجامتها وتتناول حبتين بنادول لتنام..
وتريح نفسها من كل ما يؤلمها..

كانت قد انهت استحماتها وخرجت لغرفة التبديل وارتدت ملابسها الداخلية ثم شرعت في إشعال جمرة حتى تتبخر بعد دهنت نفسها بالكريم المعطر..
كعادتها العفوية في اهتمامها بنفسها والتي لن تغيرها من أجل نظرة أحد..


في لحظتها..

فُتح باب غرفة التبديل..

كان هــو.. وقف كالتمثال الصامت ينظر للمشهد الذي لم يستطع التصرف إزائه إلا بالنظر..

بينما جميلة شهقت بعنف.. وهي تبحث عن روبها لترتديه.. وعيناها تتسعان بالدموع.. بينما هو لم يتحرك من أمام الباب
حتى دفعته هي وأغلقت الباب!!


حينها انتبه من غيبوبته التي كان فيها.. ليتصاعد غضب مر في كل خلاياه..
فهي تجاوزت هذه المرة كل حد..
تجاوزت كل حد!!


جميلة لم تستطع أن تخرج وهي تحشر نفسها في زاوية غرفة التبديل وتنتحب..

" يا الله.. ليش كل شيء عكسي كذا؟؟
أشلون أحط عيني في عينه الحين؟؟
وأشلون نسيت أسكر باب غرفة التبديل؟؟ أشلون؟؟"


جميلة أطالت كثيرا.. وكل دقيقة تمر تضاعف غضب فهد أكثر..
حتى ماعاد يحتمل لذا طرق الباب عليها وهو يهتف بغضب:
جميلة يا الله اطلعي.. ماني بقاعد انتظرش للصبح..
العصر بيأذن الحين.. وأبي أروح للصلاة..



حينها خرجت جميلة وهي مازالت ملتفة بروبها.. لم تنظر مطلقا نحوه حتى لا يلاحظ وجهها المتفجر بالاحمرار..


وهو لم ينظر أبدا لها لأنه ما أن رأها تخرج حتى انهمر بصراخه الغاضب:
أنتي وش جنسش؟؟
الحيا ما تعرفينه..
فيه وحدة في رأسها من الذرابة شعرة تسوي اللي سويتيه..؟؟
إلا بالغصب تغريني ومن أول يوم..
وهذا وأنتي ما تصلين.. لو تصلين وش كان سويتي؟؟
عيب عليش ذا السوايا.. عيب..
والله لو سويتي مهما ما سويتي.. إني ما أرد لش طرف عيني..
لأني نفسي مهيب دنية.. ونفسي ماتقبل فضلة غيري..
فاهمة وإلا لأ.. ؟؟
فريحي نفسش.. وبلاها ذا الحركات المالغة الله يرحم والديش..


جميلة كانت تستمع لانهماره وهي ترتعش وتحاول منع نفسها من البكاء
حتى وصل لمنتهى كلامه فكررت وراءه بذهول مصدوم:
أنا فضلة؟؟

فهد غاضب فعلا من تصرفها الذي رأه غاية في الحقارة والرخص لذا هتف بذات الغضب المتفجر:
إيه فضلة مستخدمة يوم زهق منها رجالش الأولي رماها لغيره..

جميلة شهقت بعنف قارص وهي تحاول أن تتماسك.. رغم أن روحها تهاوت تماما..
بينما فهد شعر فورا بتصاعد ندم مر في روحه ما أن خرجت الكلمة من بين شفتيه.. " ليتني خليت رأيي لروحي"


لذا كانت صدمتها من ردها المتماسك القارص:
تدري من اللي أغبى وأحقر من اللي يستخدم فضلة مستخدمة على قولتك..؟؟
.... اللي اشتراها...

تدري من قبل ماتخطبني إني فضلة مستخدمة.. وش حدك علي؟!!
وش حدك تشتري شيء مستخدم ماتبي تستخدمه إلا لأنك ....... وإلا بلاها!!



فهد أمسك بقبضتيه وهو ينتفض من الغضب حتى يمنع نفسه من صفعها..
وهو يخرج ويترك المكان خاليا..
لتنهار جميلة في مكان وقوفها وهي تنتحب بعنف حقيقي موجوع ومدمر تماما..








**********************************





كان يسمع كلمة واحدة ويتوه عن عشر كلمات..
غير قادر على التركيز..
وكل تفكيره معها.. يشعر بكراهية عظيمة لنفسه لأول مرة يشعر بها..
يشعر أنه مخلوق حقير وعاجز عن إزالة الفكرة من رأسه..

منذ خرج من عندها عصرا.. لم يعد.. ولم يتصل حتى
ولماذا يتصل؟؟ ماذا لديه ليقوله؟؟
حتى رقم هاتفها لا يعرفه أصلا..


ما يؤلمه بشدة ليس ظنه فيها.. فهو مقتنع بظنه.. ولكن تصريحه بهذا الظن..
فكم من بشر نظن فيهم السوء ولكن مطلقا لا نبوح بظنونا لهم..!!

لأن هكذا هي المخلوقات البشرية... جُبلت على مراعاة مشاعر البشر الآخرين..
وهو خرج تماما عن صفات البشر وهو يجرحها بهذه الطريقة الخالية من الإنسانية!!

تمنى لو أنه لم يقل شيئا.. وتمنى بشدة لو أن الزمن يعود فقط لساعات قليلة حتى يتحكم بنفسه أكثر..
ولكن الزمن لا يعود.. لا يعود!!



" ها يافهد.. سامعني وإلا لأ؟؟"


فهد انتفض بشدة: سم يا أبو زايد..

منصور بحزم: أقول لك ترا عمتك أم زايد مأمنتك تراعي بنتها..
وأنا آمنك فوقها..
الله الله في بنيتنا.. ترا قلبها كنه قلب طير.. وأدنى شيء يأثر فيها..
وأنا أعرفك الله يهداك جلف شويتين.. راعي البنية واستحملها شوي.. لين تكيفها على طبايعك..

فهد اختنق تماما وهو يعود لدوامة التفكير الموجعة.. كان يعلم كل هذا منذ البداية..
فكيف استطاع أن يجرح أمانته هكذا؟؟ كيف؟؟
أي رجل هو هذا الذي لا يحافظ على الأمانة؟؟

كان غارقا في أفكاره بينما منصور كان يتكلم عبر الهاتف
ولم يخرجه من أفكاره إلا منصور يهز كتفه بقوة وهو يهتف بحزم:
فهد قم لبيتكم شوف جميلة وش فيها؟؟
أمها تتصل فيها من عصر وهي ما ترد عليها..
وأم زايد حالتها حالة!!

فهد هتف بحزم يخفي خلفه قلقه الذي تفجر فجأة:
مافيها شيء.. نايمة بس لأنها ما نامت البارحة..
بأروح لها الحين وأخليها تكلم أمها..


فهد لا يعرف حتى كيف وصل للبيت.. وهو يحاول ألا يركض حتى لا يبدو منظره مثيرا للدهشة والضحك..
وزادتها والدته عليه وهي تمسك به قبل أن يصعد وتهمس بقلق:
فهد.. مرتك مانزلت من ظهر.. ونتصل عليها ماترد.. حتى العشاء ماتعشت..
وأنت الله يهداك.. فيه حد ثاني يوم عرسه يخلي مرته كل ذا..

فهد يشد له نفسا عميقا وهو يحاول التحدث بثقة:
يمه هي أساسا تعبانة مانامت وتبي تنام.. فخليتها براحتها..

فهد كان يريد أن ينهي هذا الحوار ليقفز للأعلى ليطمئن عن حال ضحيته التي تركها خلفه..


حين دخل لغرفته كان المكان غارقا في الظلام.. أشعل الإضاءة بأنفاسه المقطوعة..
كانت فعلا نائمة.. صرخ فيها بحدة قلقه: جميلة.. جميلة..

لكنها لم تجبه.. تقدم منها بقلق.. وهو يقف على ركبتيه على الأرض قريبا من رأسها..
قرب كفه من أنفاسها ليتأكد من تنفسها.. فكل الظنون السيئة خطرت بباله..
كانت تتنفس بهدوء منتظم.. ليتنفس هو أيضا بعد شد الأعصاب غير الطبيعي
وهو يجلس فعلا على الأرض.. ليلاحظ حينها علبة بنادول نايت بجوار سريرها..
انتفض بجزع وهو يقفز ويفتح الشريط ليتأكد من عدد الأقراص..
وجد أنها تناولت قرصين فقط.. فعاد للنفس وهو يزفر:
يا الخبلة.. صبيتي قلبي..


وحينها لاحظ شيئا آخر.. وهو ينظر ناحية الغطاء الذي لم يكن يغطي ساقيها ..
شيئا لم يكن موجودا اليوم صباحا وهو ينظر لساقيها المصقولتين ويدعي في أعمق أعماقه أنه لا ينظر..
كانت كدمة بنفسجية متسعة وواضحة في بياض ونعومة ساقها..
كشف عنها بنطلون البيجامة (البنتاكور) الذي كان طوله يصل لمنتصف ساقيها..


وليس غبيا ليعرف سبب هذه الكدمة..

زفر حينها بيأس جارح وهو يضغط جانبي رأسه ..

(يعني المسكينة صادقة.. أنا كنت بأكسر رجلها.. وعقبه اتهمتها بسخافاتي..
والله ماحد سوى أفلام غيرك يالغشيم..
والمسكينة ماحتى اشتكت.. ولا قالت إن رجلها توجعها
.
لمن تشتكي؟؟
لواحد مايحس مثلك!!
.
لا حول ولا قوة إلا بالله..
أنا أساسا زواجي منها كله غلط..
ليتني اعتذرت من منصور من أولها.. وانتهينا)


مال برفق عليها وهو يهمس بهدوء: جمليلة.. جميلة.. قومي كلمي أمش..

ولكنها لم تستجب له..
هز كتفها برفق.. وحينها فتحت عيناها بتثاقل..
حين رأت وجهه أمامها عادت لإغلاق عينيها كما لو كانت رأت كابوسا..

شد له نفسا عميقا وهو يحاول أن يهتف برفق: جميلة قومي كلمي أمش..

جميلة حاولت أن تنتصب وهي تشعر بدوار فعلي..
شدت نفسها لتسند ظهرها للخلف.. وهي تتناول هاتفها..
فوجئت بكم الاتصالات.. لتهمس برقة أقرب للبكاء: ياقلبي يمه أكيد متروعة علي..

هاتفت والدتها وهي تطمئنها عنها وتصف لها كل شيء أنه بخير.. بينما هو يراقبها..
ورغما عنه ومع إحساسه المتعاظم بالتأثر من أجلها إلا أن رقتها الزائدة تسبب له الغثيان فعلا..

"حتى وهي تكلم أمها.. تكلمها كذا!! "


حين انتهت من الاتصال هتف لها بحزم: قومي أوديش للمستشفى..

جميلة همست باستغراب: مافيني شيء عشان توديني المستشفى..

فهد بتصميم: وذا اللي في رجلش مهوب شيء؟؟

جميلة نظرت لساقها لتصاب بصدمة فعلا لأنها لم تعلم أنه تحول هكذا.. رغم أنها حتى وهي نائمة كانت تشعر بألمها..

ومع ذلك همست بنبرة مقصودة ولكنها أقرب للحزن:
ورجلي مافيها شيء.. مهوب أنت تقول إن الطاولة مالمستني.. فخلاص أنت الصادق ..

أنهت عبارتها لتقف.. فأصيبت بالداور نتيجة لنومها الطويل دون تناول أي شيء.. عدا أنها لم تستطع الاستناد لساقها فعلا!!

حاول إسنادها لولا أنها رفضت وهي تعود للجلوس وتهتف بذات النبرة المقصودة المغمورة بالحزن:
مافيه داعي إنك تصدق تمثيلياتي اللي بأسويها..
أو تجبر نفسك على مساعدة الفضلة.. خلني في حالي ومشكور!!


فهد شعر اختناق فعلي.. وهي تعلق كلماته كمشانق تشنقه عليها..
وهي تشعره بالضآلة والحقارة.. التي كانت مؤلمة له فعلا مع اعتزازه الكبير بنفسه!!


جميلة حاولت الوقوف مرة أخرى.. بدا لها ألم ساقها لا يحتمل فعلا..
وهي تحاول أن تتحامل على نفسها بصعوبة لأن الكدمة كانت منتفخة لحد ما!!
وهي بطبعها غير صبورة على الألم!!
والوقوف عليها فجر الآلم فيها..

ووجود هذا المتوحش معها وهو ينظر لشكلها المزري زادها آلما وهي تتذكر كلماته المهينة لها..
لذا لم تستطع إكمال طريقها للحمام وهي تجلس على مقعد التسريحة..
وتنفجر في البكاء.. وبشكل مؤلم حقا!!


فهد شعر بالفجيعة وهو يراها تبكي.. لا يعلم لِـمَ بدا يتكون لديه تصور أنها شبه معدومة الإحساس.. لأنها لم تظهر تاثرها بشيء منذ البارحة!!
لذا ورغما عنه لم يحتمل نحيبها!!
فأي رجل قد يحتمل دموع امرأة!!

فهد اقترب منها وهو يهتف بجزع قلق: وش فيش؟؟

جميلة لم ترد عليه.. فهي كانت محتاجة للبكاء فعلا.. وبما أنها انفجرت الآن.. فلن تسكت..

فهد شعر أنه يتمزق فعلا من بكائها.. والسبب هو إحساسه بالتقصير في حق الأمانة التي تُركت عنده..
مازال اليوم هو اليوم الثاني لزواجهم وهي تبكي هكذا.. فكيف بعد مرور الأسابيع؟؟


قضى فهد وقتا طويلا في محايلتها وهو فاشل فعلا فعلا في المحايلة.. كان يخشى أن يغضب عليها..
" حشا فتحت حنفية.. وماعاد سكرتها!!
رأسي آجعني!!"

فهد هتف بحزم في محاولة أخيرة : إذا ما تبين تسكتين وتقولين لي وش فيش..
وإلا بأدعي أمي وقولي لها..


ففهد كان يظن أنها ربما تشعر بالخجل من شيء معين ولا تريد إخباره بما فيها.. لذا انفجرت أكثر وهي تشهق:
إيه ادع أمك.. وخلني أقول لها وش قلت لي..
وادع بعد عمي منصور اللي قال لي ألف مرة إنه وصاك علي!! خله يشوف وش سويت في وصاته!!
يا ابن الحلال أنا ما أبي منك شي.. ما أبي منك إلا شوي احترام شحيت به علي!!
دامك عايفني كذا ومن أولها.. وش حدك تأخذني.. عشان تطلع عقدك علي!!
حرام عليك.. حرام عليك.. والله ما سويت فيك شي يستاهل حتى واحد على مليون من اللي سويته فيني!!


فهد بدا مفجوعا فعلا من هجومها المنهك المتفجر حزنا وقهرا... بدت له حينها الصورة شديدة الوضوح من ناحيتها..
وتبدت له مقدار بشاعة صورته في عينيها!!


تنهد وهو يشد له نفسا طويلا ثم يهتف بحزم: زين خليش مني الحين.. أنا واحد أضيع مفتاح لساني أحيانا...
قومي خلني أوديش المستشفى!!

جميلة تنتحب بشفافية: رجلي توجعني.. ما أقدر أنزل الدرج... أنا اصلا ما أدري أشلون طلعت اليوم..
والحين منتفخة أكثر.. ما أقدر!! ما أقدر !!



" يا الله طفلة تبكي!!..
وأنا كمن ضرب الطفلة وبدون رحمة أيضا!!"

هتف لها بحزم: أنا بأشلش!!

جميلة بجزع: نعم؟؟ تشيلني!! لا لا.. خلاص جيب لي دكتورة هنا!!



(مسوية فيها مستحية الأخت هي ووجهها!!) هتف بذات حزمه: يمكن تبين أشعة.. حتى لو جبت دكتورة.. بتقول نفس الكلام!!


جميلة تشعر بالفعل أن هناك شيء غير طبيعي في ساقها.. وتعلم أنها تحتاج للمستشفى!!
لذا همست باختناق: زين ناد عمي منصور هو اللي يشيلني!!

فهد هتف بغضب: إلا اشرايش أدعي لش إبي أحسن!!
خلصيني بلا دلع.. بدلي والبسي عباتش..

جميلة عادت للنحيب.. فكل شيء يؤلمها.. وهذا القاسي يزيدها عليها من كل ناحية!!

تحاملت على نفسها وهي تقف .. ثم عادت لتجلس وهي تبكي..
تشعر بالمهانة فعلا وهذا كان آخر ماينقصها أمام هذا المعدوم المشاعر..

فهد اقترب منها وهو يشدها بيد واحدة.. انتفضت بجزع.. بينما هتف هو لها بحزم:
أنا قلت لش إني ما أداني الحركات البايخة وزود عليها لساني مضيع مفتاحه..
فاتقي شري ولا تقولين ولا شيء..

أنهى عبارته بأن حملها بين ذراعيه بخفة كما لو كانت لا وزن لها فعليا..
جميلة تصلب جسدها فعلا وكلماتها تجف في حلقها..
وكلاهما يتبادلان تأثر إلى حد كبير.. كلٌّ بطريقته!!
هي تشعر بخجل مرعب.. وهي ترى نفسها محمولة بين ذراعيه..
وهو يشعر بشيء مختلف مختلف..بعد أن خفت حدة عدائيته بسبب ظرفها الحالي..
كان يشعر بنعومة جسدها ملاصقة لصلابة صدره كما لو كانت ستذوب لشدة ليونتها..
إحساس غريب عليه لم يسمح لنفسه بالاحساس به ولكنه اقتحمه رغما عنه!!

بدت الرحلة القصيرة مابين غرفة النوم لغرفة التبديل.. كما لو كانت لا تريد أن تنتهي لكلاهما..
هي لشدة خجلها!!
وهو لغرابة ماشعر به!!


أنزلها قريبا من الخزانة وهو يهتف بحزم يخفي خلفه توترا غير مفهوم:
تبين مساعدة؟!!

همست بجزع: وش مساعدته؟؟
خلاص كل شيء قريب مني.. بألبس وأطلع لك!!




.
.
.


هاهما يعودان أخيرا قبل صلاة الفجر بقليل..
ومن رحمة ربي بهما..
أن أحدا لم يراهما لا في الخروج ولا الدخول..
مع أن كلاهما كان يخشى مواجهة أحد وهما في هذا الموقف..
يحملها نازلا وصاعدا!!

جميلة قالت لهم في المستشفى أنها زلقت في الحمام...
وما آلم فهد أنها كانت مصابة بـ(شعر) فعلا... وهو من تسبب به!!
يتخيل لو أنه كسر ساقها فعلا.. كيف يستطيع أن يضع عينه في عين أحد!!

" يا ربي... ليت ربي يخلصني من ذا السالفة!!
هذي من دفة بسيطة للطاولة انشعرت رجلها
أشلون أتعامل معها ذي..
أحطها في صندوق قزاز؟؟ "


حين أنزلها على السرير هتف لها بحزم رغم أنه كره ماسيقوله من أجل منظره أمام الناس: جميلة تبين تروحين لأمش.. لين تحسنين.. ماعندي مانع!!

همست جميلة بحزم رقيق وهي تخلع شيلتها وعباءتها: أدري ماعندك مانع..
أفرح ماعليك تخلص مني..
بس على الأقل راعي منظرنا قدام الناس وأنا راجعة لهلي ثالث يوم..
كلها أسبوعين وأنت تروح بالسلامة وأقعد عند أمي شهر!!
ولا تخاف ماراح أثقل عليك.. لا أبيك تشلني ولا تحطني!! بأقعد في الغرفة لين أتحسن!! وباخلي أمي ترسل لي وحدة من خداماتها!!

فهد بنبرة أقرب للغضب: إذا على الخدامات يادلوعة أمش.. ترا بيتنا مليان.. مافيه داعي تطلبين من حد..
وعلى العموم أنا ماني بعاجز من مرتي!!


جميلة تنهدت وهي تمنع نفسها من الرد عليه... فالوضع يبدو مأسويا فعلا بينهما..
ويبدو كما لو كان كل منهما لا يطيق الآخر فعلا وبلا مواربة!!




.
.


اليوم التالي..

فهد لم يصعد مطلقا لها..
فوالدتها كانت عندها طوال النهار..
وهو كان سعيدا بذلك.. لأنه تخلص من حملها..
فهو كان يشعر بالتوتر الممزوج بالقرف حين يضطر لمساعدتها للذهاب للحمام أو التنقل في أرجاء الغرفة..
وما أثار استغرابه.. اصرارها هذا الصباح هلى التأنق وبأقصى صورة رغم أنها لن تنزل من غرفتها!!

"خبلة.. خبلة.. وعقلها نص لبسة!! "


أخرج فهد من أفكاره صوت والده يهتف له بحزم:
فهد اتصل في مرتك.. قل لها إني بأطلع أسلم عليها!!


فهد بجزع واحترام: يبه تطلع بنفسك.. عطها بس يومين تحسن وهي اللي بتجيك!!

أبو صالح بحزم: إذا قلت لك كلمة.. سوها وأنت ساكت.. ياحبك للمرادد..

فهد تنهد وهو يهتف بحزم: زين أنا بأطلع أقول لها بنفسي!!

فهو ويا الغرابة مازال لا يعرف رقم هاتفها!! ولم يهتم أن يأخذه!!



طرق باب غرفة الجلوس بطرقاته الحازمة.. ليصله صوت عمته أم زايد:
ادخل يأمك.. مافيه حد.. بنت أختي راحت!!

فهد كان عاجزا عن وضع عينيه في عيني عفرا.. وهو يتخيل أن جميلة أخبرتها بسبب مافيها..
حتى لو كان لا يقصد.. فهي مهما كان ستعاتبه وخصوصا أن الضربة كانت منذ الصباح وهو لم يأخذها للمستشفى إلا في الليل!!


لذا كان استغرابه من خطاب عفرا الحاني الباسم: بيض الله وجهك يأمك..
جميلة تقول إنك تعبت نفسك معها واجد من البارحة لين اليوم!!

فهد لم يستطع أن يرد عليها بشيء وهو ينظر ناحية جميلة التي لم تكن تنظر ناحيته وتتشاغل بأخيها المتمدد في حضنها..

وهو يرد من باب اللياقة ولكن بصدق طبيعي: ماسويت شيء.. إلا مقصر واجد.. والسموحة منش ومنها!!

ثم أردف وهو يهتف بحزم: جميلة إبي بيجيش يبي يسلم عليش!!

جميلة حينها انتفضت بجزع وهي تهمس لأمها بعفوية: يمه تكفين جيبي لي جلابية ضافية وجلال..

فهد رغما عنه شعر بتأثر لطيف.. لأنه حين دخل ورأى الفستان القصير الذي ترتديه.. شعر بحرج كيف سيقول لها أن تبدله أمام والدتها!!

عفراء خرجت لتذهب لغرفة نوم ابنتها..
بينما فهد جلس مكان عفراء وهو يهتف لها بهدوء: عطيني زايد..


جميلة استغربت حين رأته يبتسم لزايد.. ( زين يعرف يبتسم..
فديت قلبك يازيود تخلي الحجر يبتسم!! )

عفراء دخلت وهي تحمل الملابس بيدها.. وهمست لجميلة بحنان: خلاص يامش قومي خلني أساعدش نروح للحمام تبدلين..

ثم أردفت ابتسامة لفهد: ماعليه يأمك بنخلي زايد عندك شوي..
جعلني أشوف عيالكم.. عاجلا غير آجل!!

كلاهما وفورا شعر بالضيق من هذا الدعاء.. فكلاهما لا يريد فعلا أن يكون بينهما أطفال..


" أنا آخرتي أرد نفسي لها..
لا وأجيب عيال من ذا الدلوعة.. أشلون بتعرف تربيهم أساسا؟؟"


" بسم الله علي أجيب عيال من ذا المتوحش!!
زين ما يحطهم في الفرامة ويفرمهم إذا عصب عليهم!! "






**********************************





بعد أربعة أيام..
والأوضاع شبه مستقرة على جميع الأصعدة.. بين استمرار عبدالرحمن في التدريبات..


والحياة الباردة الرتيبة والطبيعية بين كساب وكاسرة مع تحسن كساب أكثر وعودته لعمله في الشركة..


ومن ثم تحسن جميلة أكثر..
بعد أن قضت الأيام الماضية أكثرها في غرفتها!!
ومشاعر النفور المتبادل تصبح هي السمة بينها وبين زوجها!!
رغم أنها حاولت أن تكون أكثر لطفا معه.. وهي تؤمن أن هذا الرجل هو نصيبها!!
ولكنها رغما عنها لا تستطيع نسيان إهانته الجارحة!!



هـــو لم يكن مايشعر به هو النفور بمعناه الحقيقي... لكنه كان في رحلة اكتشاف..
اكتشاف عالم مجهول لم يكن يعرفه.. هذه الحسناء الرقيقة المتأنقة على الدوام..
بدأت تسترعي انتباهه بطريقة غريبة...
كما لو أنك تسكن مع نجمة متألقة تنتظر جديدها كل يوم!!

وهي لم تكن تمل من التلون وعدة مرات في اليوم!!
أناقة لافتة.. واهتمام لافت بنفسها.. وكل مافيها يبدو متقنا لأبعد حد...
حتى رقة صوتها بدأ يعتادها.. فمثل هذه الحسناء لا يصلح لها إلا هذا الصوت!!


ومع كل هذا... فوجهة نظره لم تتزحزح مطلقا.... لا بأس أن تنظر..
ولكن لا تقترب من شيء مستخدم...
فلو أنك رأيت تحفة فنية مبهرة... لن تمنع نفسك من النظر لها والتعجب من جمالها..
لكنك لن تفكر أبدا باستخدامها إلا لو كنت مجنونا!!
وهو ليس مجنونا!!



كان يدخل لغرفته بخطوات هادئة.. ليشعر بتوتر لا يعلم له سببا حين رأها تصلي!!
فهذه المرة الأولى التي يراها تصلي منذ زواجهما!!

وهي رغم شعورها العارض بالتوتر.. إلا أنها نفضته فورا.. فهي رأت طيلة الأيام الماضية تعامله الرسمي الدال على عدم رغبته في أي تقرب منها!!

خلعت جلال الصلاة.. لتظهر أناقتها اللافتة من تحته..
بنطلونها الجلدي الأسود.. وبلوزتها الفضية الضيقة التي تصل لمنتصف الفخذ..
وكل مافيها يصرخ بالإثارة لأبعد حد..


فهد توتر نوعا ما.. فهو مهما كان رجل.. وليس حائطا..
لذا هتف بغضب وهو يراها تجلس على مقعد التسريحة وتعدل وضع أحمر شفاهها:
دام أنتي عارفة مثل ماقلت لش قبل.. وعشان ما أجرح فيش..
إني مستحيل أرد نفسي لش... ممكن أعرف ليش ذا الكشخة اللي متعدية الحد 24 ساعة..؟؟

جميلة همست ببساطة وهي تضع لمسات أحمر الشفاة الأخيرة:
أتعدل لنفسي.. يعني عشانك ماتبيني... لازم أكتئب وأدفن نفسي!!

فهد يزفر بغيظ: يا بنت الحلال ريحي روحش.. مهما سويتي ماراح ينفع معي!!

جميلة ضحكت برقة: تدري فهد إنك تفكيرك سطحي وبريء بزيادة..
ماكنه بتفكير رجال قرب على الثلاثين..
لأني لو أبي أغريك على قولتك.. تراك ما تاخذ في يدي غلوة !!


جميلة كرهت بالفعل ماقالته.. ولكن هذا التافه الذي يظنها ستموت من أجل إغرائه أثار غيظها لأبعد حد..
وهي سكتت عنه طويلا!!


بينما شعور فهد ناحيتها بالقرف تعاظم أكثر لأنه رآها تتبجح بتجربة هو لا يمتلكها..
وشعوره بالغيظ ناحيتها يتزايد أكثر وأكثر!!


جميلة شعرت بالتوتر وهي تقف وتهمس برقة: بأروح أبدل وبأنزل لعمتي أم صالح..






*********************************







" علي حبيبي اشفيك تاخرت؟؟"


علي يخفي شيئا خلفه ويهتف بولع وهو يضع هاتفه على أذنه..
هذا أنا عند الباب يا قلبي!!

دقيقة وكان يفتح الباب ليجدها واقفة أمامه.. كانت متانقة لأبعد.. ابتسم لأنه يعرف سبب تأنقها..
وهو يرى كيف كانت غرفتهما معدة لاحتفال خاص جدا!!


أخرج باقة الورد الصغيرة والأنيقة من خلف ظهره وهو يقترب من شعاع ليحتضنها ويغمرها بقبلاته ويهمس بولع:
مبروك ياحبيتي.. وعقبال ألف شهر مع بعضنا...


شعاع بتأثر: ياقلبي يا علي.. تدري كنت خايفة إنك ما تتذكر إنه حن اليوم كملنا شهر..

علي بولعه المصفى: أفا عليش.. يعني أنتي تتذكرين وأنا أنسى!!
تدرين احترت وش أجيب لش هدية..
وبعدين على طريقة الرومانسيين قلت الورد أحلى هدية!!
ثم أردف بابتسامة:ولو تبين هدية مادية.. رحما مع بعض ونقيها بنفسش؟؟

ابتسمت شعاع وهي تشده لتجلسه على الأريكة مقابلا للكعكة الأنيقة والشموع المشعلة: والله العظيم أحلى هدية ياقلبي
أصلا أنت سبيشل واللي يجي منك سبيشل..
ويا الله افتح هديتي لأني عندي لك هدية أكثر من سبيشل...

علي فتح العلبة المستطيلة الصغيرة الأنيقة.. لتتسع عينيه بصدمة وهو يكح ويشهق ويشعر كما لو كان سيبكي فعلا..
ويهمس بتأثر غامر: صدق وإلا تلعبين علي؟؟

شعاع تعلقت بعنقه وهي تبكي برقة: لا تصير سخيف .. وش ألعب عليك؟؟

علي رفع الشريط المستطيل أمام عينيه بيد وهو يحتضنها بيده الثانية وينظر للخطين المتوازين في اختبار الحمل المنزلي..
ويهمس باختناق: متاكدة ياقلبي؟؟.. مهما كان هذا اختبار منزلي..

شعاع بين شهقاتها العذبة: أصلا أنا صار لي كم يوم متوترة عشان دورتي تأخرت..
أمس سويت التيست.. وعقب طلبت من جوزاء توديني أسوي فحص دم..

علي بفرحة غامرة وهو يغمرها بمزيد من قبلاته الحماسية: وانا أقول وش فيش من أمس وانتي منتي على بعضش..
يا الله.. الحمدلله يارب على نعمتك..
صدق ربي راضي علي...

ثم قفز بحماس: باتصل في إبي أبشره... بيموت من الفرحة!!

شعاع اختنقت من الخجل: لا علي.. تكفى لا تحرجني في عمي!!

علي تناول هاتفه وهو يتصل بحماس: مستحيل ما أقول له وذا الحين بعد!!





**********************************




" مبروك.. الف ألف مبروك"


كساب وكاسرة ينظران بدهشة لزايد الذي قفز وهو يروح ويأتي ماعاد قادرا على الجلوس حتى!!
ووجهه يتفجر بالفرحة العارمة!!

ما أن أنهى اتصاله حتى هتف كساب بابتسامة: فرحنا معك!!

زايد لا يستطيع السيطرة على فرحته: مرت علي حامل.. مرت علي حامل!!

كساب ابتسم بسعادة: والله مهوب هين عليان.. مبروك ياجدي..

كاسرة ابتسمت كذلك: مبروك ياعمي.. خلني تصل بشعاع أبارك لها بنفسي..

زايد بتاثر: وعقبالكم عاجلا غير آجل..

كساب وكاسرة تبادلا نظرات مثقلة بالمعاني ليتفجر المكان كله بالدهشة العارمة
وكاسرة تهمس بنبرة مقصودة:
وحن بعد يبه باركنا لنا..
أصلا أنا وكساب جايين نقول لك.. بس علي سبقنا..
أنا بعد حامل!!



#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 20-02-11 07:50 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التسعون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم ورد ياقلوب الورد
.
.
فيه بنات يقولون ليه توقفين عشان أحداث مصر وما وقفتي عشان أحداث البحرين.. هم أقرب


أولا كلنا عرب ومسلمين ولا فرق في الوجيعة بين بلد وبلد..
والحمدلله والشكر على فضله أنه حفظ البحرين وأهلها وماصار في البحرين واحد على المليون من اللي صار في مصر..
الله يديم عليهم الأمن والأمان ويبعد عنهم شبح الفتنة الطائفية..

والوضع الآن في اليمن أسوأ من البحرين بكثير.. وفي ليبيا أسوأ بكثير... الله يعيد لهم نعمة الأمن ويهدي بالهم..
والله العظيم قلبي محروق على الجميع..


وأنا يوم وقفت أيام أحداث مصر لا وقفت أول يوم ولا ثاني يوم
ما وقفت إلا بعد جمعة الغضب من هول ما رأيته وسمعته.. ولأني اكتشفت إنه فيه ناس ولا حتى دروا عن الأخبار..
الناس يموتون والأمن انهار بالكامل.. وفيه ناس في غفلة.. فالتوقف كان وقفة للتذكر!!


وهانحن نتذكر وندعو ونترقب للجميع ومع الجميع .. لكل العالم العربي ..
دعواتكم الصادقة.. فأفضل الدعوات هي دعوتك لأخيك المسلم في ظهر الغيب..
.
.
بنات دعواتكم لوالدة بسمة على الطاير بالشفاء
اللهم أشفها من عندك شفاء لا يغادر سقما
.
شرقاوية عسل لها نجمة معلقة من البارت اللي فات
هي الوحيدة اللي توقعت توقعت إن جميلة معها العذر الشرعي.. ما أدري أشلون جابتها؟؟
جدعة يابنت!!
هي جابتها في تأليف جديد للأحداث :) .. بس ضبطت معها!!
مبروك يا حلوة...
.
.
ويمكن من العذر الشرعي نطلع لسالفة حمل كاسرة اللي سوت لبس عند بعض البنات..
بنات ارجعوا اقرأوا البارتات اللي قبل سفر كساب
أولا نهائي مافيها ذكر إن كاسرة كان معها عذر شرعي... المرة الوحيدة اللي ورد فيها ذكر لهالشيء.. كان في بداية زعلتها في بيت هلها من شهور..
.
ولأني حسيت بالفعل إنه فيه عدد كبير صار عنده لبس.. فاسمحوا لي أحط هالمقاطع من الأجزاء الماضية..


الجزء 77.. قبل ليلة زواج علي وشعاع بكم يوم..


( كاسرة تناولت روبها الموضوع على طرف السرير وهي تهمس بحزمها الغاضب:
القعدة معك تقصر العمر.. بأروح أرقد في الصالة أحسن لي..

ولكنه شدها ليثبتها في مكانها..
غاضب بالفعل.. رغم خطورة ماقاله لها ومع ذلك لم تكتفِ.. لم تنظر لما قاله لها وأهميته.. بل نظرت إلى مالم يقوله..

"يا الله.. متى ستفهمه هذه المخلوقة الغبية؟؟ " لذا هتف بغضبه المتفجر:
أنا أبي أعرف النكد يمشي في عروقش بدل الدم...؟؟
منتي برايحة مكان وبترقدين جنبي وفي حضني.. برضاش وإلا غصبا عنش..
)


ليلة عرس علي وشعاع الجزء 78


( " عسى ماتعبتي الليلة؟؟ "

كان هذا سؤال كساب لكاسرة التي تمددت جواره بعد أن أنهت قيامها ووردها..

أجابته بسكون: لا ماتعبت.. بالعكس.. العرس كان رايق ويجنن مثله مثل المعاريس..


مد ذراعه لها دون أن يتكلم.. فاقتربت هي أيضا دون تتكلم ووضعت رأسها على عضده.. ليحتضنها بخفة..

لا فائدة من المعارضة.. فهذا الرجل غير قابل للإصلاح...
عدا أنها تعلم مهما كان فرضه لرأيه يضايقها.. فهي لن تستطيع النوم براحة إلا قريبا منه..
وإلا فأنها ستعاني الأرق والكوابيس التي تعانيها بعيدا عنه!!
)

.
فيه بنات يسألون عن معنى ( ما تأخذ في يدي غلوة) هي بس كناية عن السرعة..
يعني مثل غلوة الماي لما ينحط على الغاز!!

مثل لما تقولين( الدكتورة ماخذت في يدي غلوة وأقنعتها تعيد لي الاختبار) <== في الأحلام طبعا :)
.
ويالله الجزء التسعون
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
وعارفة إنكم بتقولون صغنون.. مع إنه والله موب صغنون..35 صفحة على الورد
بس لأنه بارت يوم الجمعة استنزفني.. هذا اللي قدرت أخلصه وأراجعه..
فحتى يوم الثلاثاء الساعة 9 الصبح مع وعد ببارت أطول..
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء التسعون





لم يشعر يوما بالجرح والمهانة كما يشعر الآن في هذه اللحظة..
حتى في أيام غضبه من مزون..
فمزون قامت بفعل أغضبه ومرفوض عنده.. لكنها تبقى حياتها هي!!

لكن هذه أخفت عليه أمر يخص حياته هو.. أخفت عليه نبض روحه ينبض بين جنباتها..
ثم سلبته حتى حقه في أن يعرف هو أولا..
ألقت الخبر أمامه دون أدنى اهتمام به..
أخبرت والده قبله!!
أ حقا فعلا ذلك؟؟

كان يرى المشهد أمامه كما لو كان مشهدا لا علاقة له به.. مشهد غائم ومؤلم ومهين.. وهو يرى والده يتصرف بعفوية حرمته منها..
ووالده ينتزع كاسرة من مقعدها ليحتضنها وهو ينهمر بسعادته وتبريكاته..
يحتضنها قبله!!.. ويبارك لها قبله.. وهو على الرف.. لا قيمة له!!


ثم يعود لينتزعه هو ويحتضنه وهو يهتف بسعادة محلقة وعاطفية ثائرة لم يعتد على تبادلها مع والده:
ألف مبروك يا أبيك.. ألف مبروك.. والله إني الليلة كني لمست النجوم..
الله يفرحكم بسلامة ولدكم مثل مافرحتوني الليلة..

ثم التفت لكاسرة وهو يهمس بحماس فخم: قلتي لأمش؟؟


ابتسمت كاسرة بتأثر لما رأته من فرحة عمها: لا .. أنت أول حد يدري عقب كساب..

ضغطت على عبارة (عقب كساب) بشكل مقصود..

زايد بذات الحماس الفخم: خلاص والله ماحد يبشرها هي ومزون غيري.
كفاية عليكم البشارة من عندي!!

زايد أنهى عبارته وغادر الصالة العلوية حيث يجلسون جميعا متجها لغرفته..

ليقف كساب وهو يتوجه لكاسرة بخطوات ستخترق الأرض وهو يشدها بيده السليمة ويهتف بغضب مكتوم:
قدامي على غرفتنا!!

كاسرة تقدمت أمامه بكل بساطة.. ربما لم تكن تخطط أن تقول لوالده قبله..
ولكنها هكذا حدثت..
وهي سعيدة جدا أنها هكذا حدثت..
وكأن الله يدخر لها هذه الطريقة الرائعة لرد الصفعة لكساب.. بل لرد الصفعات!!

رغم أنها في داخلها تمنت بكل اليأس أن يكون أول من يعلم.. ولكن كل شيء في حياتها معه مبتور.. ولن يكون خبر حملها هو الاستثناء!!
فما الغريب أذن!!


ما أن وصلا للداخل حتى أفلت كساب عضدها بحدة وهو يسألها بصوت أجش:
من متى تدرين؟؟

كاسرة جلست ببساطة وهي تهمس بذات البساطة:
ثاني يوم رجعتك من السفر..

كساب تراجع بصدمة كأنه يحادث نفسه: قبل أكثر من أسبوع.. ومافكرتي حتى تقولين لي..
ثم أردف بغضب وهو يتذكر شيئا آخر: وأشلون هان عليش تقولين طلقني.. وأنتي عارفة إنش حامل!! أشلون؟؟

كاسرة بذات البساطة: أنت اللي قلت إنك تبي تطلقني.. وعادي بدل ماتصير العدة 3 شهور تصير 8 ...وين المشكلة؟؟


كساب بعتصر كفيه.. لأول مرة يجد الكلمات تفر منه هكذا..
( أنا أطلقش ؟؟ أنا يوم شفت بس الدمعة اللي تعلقت على طرف رمشش..
حسيت الدنيا كلها تسكرت قدام عيني..
دمعتش اللي ردتني من الطلاق.. مهوب إبي!!
وأنتي استكثرتي تقولين لي خبر مثل هذا؟!! "

يا الله...!! مجروح منها بشدة.. مجروح بالفعل!!

هتف بعتب غاضب مثقل بالجرح: خلينا من زعلتنا في المستشفى... أنا صار لي مقابلش كم يوم... مالقيتي دقيقة تقولين لي فيها الخبر؟؟
تبلغين إبي قبلي كأني مالي أي قيمة!!


حينها كررت كاسرة بتهكم موجوع: كأنك مالك أي قيمة!!
ثم انهمرت بيأس وقناع اللامبالاة ينهار: كساب أنت عمرك ما اهتميت بذا الموضوع.. وماقصرت وأنت توضح ذا الشيء..
كساب لا تقول لي إنك ماشفت أكوام التيستات اللي معبية حمامنا من ثاني شهر من زواجنا..
عمرك ماشاركتني حسرتي إني تأخرت في الحمل.. كأني مخلوق يعيش على هامش حياتك..
وأنا كل شهر يمر.. أنتظر دورتي تتأخر يوم واحد.. عشان أنط أسوي التيست ورا التيست بدون فايدة!!
ماشاركتني حسرتي في خيبتي كل شهر.. حرمتني حتى من مجرد التمني!!
وعقبه يوم نطقت.. نطقت بالدرة إنه حن ما نصلح نكون إباء.. وكانه ربي يبي يعاقبنا بذا الشيء..

تقول ليش ماقلتي لي؟؟ وليه أقول لك؟؟ عشان تقول ياحرام مسكين ذا الولد إنه حن بنكون هله!!
ليش ماقلت لك؟؟ هذا أنا كل ليلة آكل حبوبي قدامك... واقول الليلة بيسألني.. الليلة بيسألني!! وتمر الليلة وأنت ما سألتني..

تقول ليه ماقلتي لي؟؟ تعال طل في درج الكوميندو الأول.. التيست خليته هناك..
أقول اليوم بينتبه له.. اليوم بينتبه له...


كساب بالفعل لم يلاحظ شيئا مما قالته.. فهو مطلقا لم يفكر أن يقلب في أدراج الحمام.. لأنه يعلم أن أغراضها الخاصة هناك..
أما الأيام الأخيرة فهو فعلا كان منهك بالتعب عن ملاحظة أي شيء!!


كساب انفجر كذلك بغضب عارم: أنتي شايفة وضعي الصحي وضع حد ممكن يلاحظ شيء؟؟..
يعني ماراح تصارحيني.. تبنين خبر مهم مثل هذا على احتمالات..

كاسرة هزت كتفيها وهي تهمس بسخرية مرة: حلوة تصارحيني ذي.. حلوة!!
ليه حن في زواجنا نعرف شيء اسمه مصارحة..؟؟
والله هذا اللي أنت عودتني عليه.. فليه تستغرب الحين؟؟






*************************************






" مزنة.. مزنة!! وينش؟؟"


صوت مزنة يأتيه من داخل الحمام المفتوح: أنا في الحمام حبيبي
أغسل يدي.. جايتك..

مزنة خرجت وهي تجفف يديها وتهمس بمودة: تبون عشاكم الحين؟؟

زايد لا يستطيع حتى السيطرة على إشراق وجهه وهو يهتف بحماسه المتدفق:
تعالي وش عشاه الحين.. بأقول لش شيء..

مزنة اتسعت ابتسامتها بعفوية شفافة وهي ترى إشراق وجهه الغريب...
جلست جواره وهي تهتف بإبتسامة: خير؟؟ وشكله خير إن شاء الله!!


زايد بإبتسامة مقصودة وحقيقية ومتغلغلة: خير.. خير..
مرت علي حامل!!

مزنة اتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر... وهي تميل لتقبل رأس زايد ثم تهمس بسعادة شفافة:
مبروك.. مبروك.. ألف مبروك..
يا سبحان الله.. وجه شعاع خير عليه من صوب!!
ماهقيت كلش ماشاء الله تبارك الله..

حينها سكت زايد لثانية واتسعت ابتسامته أكثر وأكثر فهو بالفعل سعيد لحمل كاسرة أكثر لسببين.. أنه مضى على زواجهما أكثر من سنة
والثاني أن وضعهما غير مستقر أبدا..
هتف بنبرة مقصودة أكثر: ومرت كساب حامل بعد.. مبروك ياجدة بيجي إن شاء الله امهاب الصغير!!

مزنة حين رأت ابتسامته تتسع.. اتسعت ابتسامتها أكثر تلقائيا وهي تترقب ماذا سيقول..
لذا حين هتف بعبارته.. تغير وجهها من شدة الصدمة وهي تشهق بعنف..
زايد اقترب منها بجزع وهو يضرب على ظهرها بخفة:
مزنة خذي نفس.. خذي نفس.. بسم الله عليش!!

مزنة شدت لها نفسا بصعوبة ثم أسندت رأسها لكتفه وهي تبكي بشكل بالغ الشفافية..
فسعادتها لشدة وطأتها.. لم تستطع ان تعبر عنها إلا بهذه الطريقة!!

زايد شعر بصدمة كاسحة حين رآها تبكي.. وهو يشدها بقوة ليحتضنها بشكل أقوى..
لم يتوقع أن مزنة قد تبكي لأي سبب.. كانت ضلوعه تذوب من أجلها وهو يراها تبكي بهذه الطريقة البالغة الرقة..
همس بحنان خالص: آسف ... ماكان لازم أروعش بالخبر كذا!!

مزنة تنثر دموعها على صدره وهي تهمس برقة: لو بلغتني بأي طريقة..
هذي بتكون ردة فعلي..
يا الله يا زايد.. وأخيرا.. الله يهدي سرهم..

ثم تخلصت من حضنه برقة وهي تقف وتهمس بأمومة دافئة: بأروح أشوف كاسرة..
من كثر ما أنا فرحانة ماراح أشره عليها إنها مابلغتني أول..


زايد شعر بفراغ غريب حين نهضت من حضنه.. تمنى بشكل أكثر غرابة لو أن احتضانه لها طال أكثر من ذلك..
دون أن يعرف سببا لذلك!!





*************************************





" قومي نتعشى برا.. "


جميلة التي كانت تجلس على التسريحة تدهن كفيها وذراعيها بالكريم بعد أن لبست بيجامتها..
التفتت لفهد بدهشة: نعم؟؟ ذا الحزة؟؟

فهد بحزم: إيه ذا الحزة.. الساعة توها 11 ونص.. والمطاعم فاتحة لين الفجر!!

جميلة مستغربة بالفعل.. ما الذي حدث له حتى يدعوها وفي هذا الوقت.. وبعد أن استعدت للنوم.. والغريب أن كلاهما تعشيا..
هو في المجلس مع والده واشقائه... وهي مع والدته وجوزاء..
فماداعي هذا العشاء؟؟

لكنها قررت أن توافق.. فمادام قام بخطوة تدل على لطف فيجب أن تستجيب لها.. حتى لا تبدو بمظهر المتصلبة!!
رغم أنها لا ترغب في الخروج معه فعلا!!


هــــو لا يعلم لماذا دعاها للعشاء تحديدا...
فهو غير راغب في بقاءهما وحيدين في الغرفة هذه الليلة..
عدا أن خروجه لوحده هذا الوقت سيجلب له صداعا من والده لا يريده..!!
لذا وجد أن أهون الشرين أن يدعوها للعشاء!!



شعاع همست باختناق خجول: زين تعطيني خمس دقايق بس أحط كحل وغلوس؟؟


هي طلبت هذا الطلب بعفوية كعادتها في التأنق وخصوصا أنه لا يظهر منها شيء إطلاقا..
ولكن فهد أجابها بغضب حازم: ولا تحطين ولا شيء.. بدلي والبسي عباتش وبس..

فهد زفر بغضب وغيظ ( وشو له تتزين وهي مهيب محتاجة أساسا!! زينها بدون شيء يوجع..!!
وليش تتزين وأنا أقول لها لا عاد تتزينين.. تبي تحرق أعصابي وبس!!)


جميلة حاولت أن تستعجل في لبسها.. ومع ذلك استغرقت ربع ساعة حتى انتهت..
كانت أعصابه قد احترقت خلالها وهو يصرخ فيها بغضب ما أن رآها تطل عليه بعباءتها وهو ينتظرها في غرفة الجلوس:
ربع ساعة عشان تبدلين وتلبسين عباتش..وإلا عشان ماعندش اي احترام للطوفة اللي قاعد ينتظرش!! قلتي عادي خله يتنقع!!


جميلة شدت لها نفسا عميقا وهي تحاول منع نفسها من الرد عليه والعودة لغرفتها وإغلاق الباب على نفسها..
فهي فعلا فعلا لا تشعر بأي رغبة للخروج معه.. ثم يزيدها عليها بجلافته المتجاوزة للحدود..

ومع ذلك همست برقة خالصة تخفي خلفها غيظها وغضبها:
أنا آسفة.. إن شاء الله المرات الجاية أحاول أخلص أسرع..


(يا ليل ما أطولك.. ليه فيه مرات جاية بعد؟!!!) هتف بحزم:
يا الله قدامي..


(خوش طلعة هذا أولها.. الله يستر من تاليها!!) جميلة كانت تمشي خلفه ببطء حتى لا تضغط على ساقها..
كانت رحلة شاقة عليه.. حتى وصلوا لسيارته..

ما أن استقرا في مقعديهما .. حتى هتف فهد بحزم واثق: تحبين نروح مكان معين؟؟

جميلة هزت كتفيها برقة: لا.. اللي تبيه أنت!!


جميلة في المرتين السابقتين التي ركبت فيهما سيارته لم تكن تنتبه لشيء..للظروف التي كانت تعانيها..

لذا انتبهت هذه المرة لصورة صغيرة مثبتة قريبا من مؤشر السرعة..
كانت تجمع بينه وبين منصور.. وكلاهما يرتدي لباسه العسكري..
لا تعلم لِـمَ بدت لها هذه الحركة عاطفية أكثر بكثير من شخصية فهد..

ابتسمت بعفوية: تدري إن بينكم شبه!!
كنت قبل أظن كساب أكثر حد يشبهه في الشكل..
بس لا والله أنت أكثر.. نفس الطول نفس العرض.. نفس طريقة تحديد العوارض..
بس عمي وكساب بينهم اختلاف كبير.. عمي أطول.. وكساب أعرض..
وفي الشكل عمي أحلى بكثير..

جميلة تدفقت بتلقائية ناتجة عن رغبتها أن تبدو أمامه عفوية غير متحفزة.. لذا تفاجأت بالنبرة الحادة الغاضبة التي قاطعتها:
ماشاء الله حافظة شكل ولد خالتش بالملي!! اطربيني بعد!!

جميلة ابتلعت بقية كلماتها (زين ماقلت إن كساب أملح.. كان ذبحني.. يمه!!)
ولكنها حاولت أن تهمس بتوزان: فهد الله يهداك وش فيك هبيت فيني!!
عيال خالتي عبارت أخواني!!

فهد بذات الغضب: لا مهوب أخوانش.. وياويلش أسمعش مرة ثانية تجيبين طاري رجّال غريب على لسانش قدامي.. وإلا حتى من وراي!!


( يمه.. هذا وش فيه؟؟ لو ما أنا بعارفته.. كان قلت الأخ غيران!!) جميلة صمتت تماما..

وهي تسمع زفرات الجالس جوارها الدالة على غضبه... لا يعلم حتى لماذا ثار عليها تحديدا؟؟
هل خشى وهي تعقد مقارنة غير مقصودة أن تمتد المقارنة لشخص آخر.. يكره مجرد التفكير فيه..


كان يختلس النظرات إلى يديها اللتين تعبثان بسلسلة حقيبتها..
كم مرة امسك ذاك الغريم بيديها.. تنفس عبيرهما.. نفث أنفاسه عبر نعومتهما؟؟

زفر بقرف مثقل بغضب لا حدود له!!
لم يعلم أن التفكير سيكون موجعا هكذا حتى وقع أسيره!!
فوجيعة تفكيره قبل أن يراها وتصبح في بيته وأمام عينيه... ماعادت شيئا يُذكر أمام مايعانيه الآن!!

فهو قبلا كان يعاني من مجرد فكرة... لكنه الآن يعاني واقعا مرا..


هتف بصرامة بشكل صادم لها وله : جميلة عطيني يدش..

جميلة انكمشت على نفسها بعفوية وهي تخفي يدها في حضنها وتهمس باختناق:
ليش؟؟

هو صُدم من نفسه (وش أبي بيدها) ومع ذلك أعاد بإصرار صارم: أقول عطيني يدش!!

جميلة مدت يدها له وهي تشعر بخوف وتوتر متعاظمين.. احتضن كفها الناعم الرقيق في ضخامة كفه..
في البداية كانت لمسته غاية في الرقة ودقات قلب جميلة تتزايد بعنف جازع وهو كما لو كان يكتشف تضاريس كفها..
وصلابة أنامله تعبر حرير أناملها في رحلة مدهشة.. أصابته بدوار غير مفهوم.. وأصابتها بما يشبه دبيب نمل يعبر سلسلة ظهرها الفقرية!!

حاولت شد كفها من كفه ولكنه لم يفلتها.. واحتضانه لكفها يزداد قوة.. ومعها أفكاره تزداد تعقيدا..

" كم مرة مسك يدش كذا؟؟
حس باللي أنا أحس فيه؟؟
حس إن يدش بتذوب في يده؟؟
عطيتيه نفس الإحساس؟؟ وأنفاسه تضيق ودقات قلبه تزيد لأنه وقته كان غشيم مثلي؟؟
أكيد معه كان إحساسش غير.. لأنه أول واحد..
لكن أنا.. خلاص معي ماراح تحسين بشيء
لأنه كل الإحساس كان معه!! "


فهد مع تزايد أفكاره قتامة في هذا الاتجاه.. كان يشد على كفها بقوة أكبر..
لم يخرجه من دوامة أفكاره.. سوى صرخة مكتومة مثقلة بانين أقرب للبكاء:
فهد بس... حرام عليك.. بتكسر يدي..

فهد أفلت كفها بسرعة وهو يثوب لرشده.. بينما هي ضمت كفها لصدرها
وبكت بشفافية موجوعة!!

فهو آلمها فعلا..!!
وما آلمها أكثر.. ظنها أنه تقصد أن يفعل فيها ذلك!!
أنه تقصد أن يعتصر يدها بهذه الطريقة المتوحشة حتى يؤلمها!!


فهد حين سمعها تبكي.. شعر بالصداع.. المثقل بالألم..
" يا الله !! والله ماقصدت آجعش!!
لا حول ولا قوة إلا بالله "

صمت.. ماذا لديه ليقوله؟؟
ولكنه يعلم كم باتت صورته سوداوية ومتوحشة في عينيها!!
ولا يستطيع أن يلومها !!
ولكنه أيضا لا يستطيع لوم نفسه..
فهذا الألم الذي بات ينتشر في روحه.. بات يضغط عليه بشكل جارح لرجولته وكرامته وإنسانيته!!


" يا الله ياكريم.. خلص ذا الكم يوم على خير
بالطول وإلا بالعرض لين موعد دورتي
أهج من الدوحة!!"


هتف بسكون كأنه يحادث نفسه: تبين نرجع البيت؟؟

هزت رأسها بالإيجاب وهي مازالت تنتحب بذات الطريقة الشفافة الموجوعة!!

والجو يصبح شديد القتامة والثقل بينهما وكلاهما غارق في وجيعته الخاصة..
التي باتت تتعمق أكثر وأكثر!!





***************************************





نائمة بالفعل.. بينما هو عاجز عن النوم

" إيه وش عليش.. نامي.. أكيد مبسوطة عقب اللي سويتيه فيني!!"

يتنهد بعمق وهو ينظر لها..
" أشلون ما انتبهت إن هذي التغيرات كلها غير طبيعية!!
وهذي مهيب كاسرة الطبيعية!!
عمري ماكنت معدوم ملاحظة مثل ذا المرة!!
بس أنا فعلا استبعدت الحمل.. ولا خطر ببالي حتى!!
كل اللي طرا علي الطواري الشينة!!
وهي ماحتى هان عليها تريحني!! "


بقدر ماهو غاضب منها.. بقدر ماهو مشفق عليها..
وما الجديد؟؟
فالتضادات هي ماصنعت مسار حياتهما..!!

فبعد أن هدأت فورة إحساسه بالمهانة لأنه لم تخبره.. تعمق إحساس مختلف.. خليط من الغضب والشفقة... والترقب!!!



تمدد أكثر ليصبح وجهه قريبا من وجهها ..
رغما عنه وجد نظره يتجه إلى بطنها..

أ حقا هناك ابنه وابنته!!
بالتأكيد لا يعلم جنسه.. ولكن مايعلمه يقينا -حتى لو جهلته هي- أن هذا الطفل كان ثمرة حب صارخ مؤلم.. ولا حدود له!!

مد يده السليمة برفق وهو يلمس بطنها ويهمس في داخله بوجع:
"تدري يا أبيك إنه مافيه رجال في الدنيا حب مرة كثر ما أحب أمك!!
بس أمك خبلة!!
تظن إنك أنت بتقدر عليها وبتعقلها؟؟؟!! "


حاول أن يكف يده.. فلم يستطع وهو يمررها بحنان على بطنها..
شعور غريب ومدهش أن تبدأ بالارتباط هكذا بمخلوق لم يتكون بعد!!

شعر بصدمة أقرب للحرج حين فوجئ بكاسرة تفتح عينيها بتثاقل ويده مازالت على بطنها..
ولكنها لم تقل شيئا وهي تتناول كفه من فوق بطنها..
ثم تحتضن ذراعه بكلتا يديها.. وتعود للنوم!!



غريبان ويعلمان أنهما غريبان.. وتصرفهما بغرابة هو الطبيعي بالنسبة لهما!!
فلو تصرفا يوما بطبيعية.. سيكون ذلك هو الغريب!!






***************************************





عادا إلى جناحهما..
هي إلى غرفة النوم... وهو إلى غرفة الجلوس..
لم ينظر أيا منهما إلى الآخر مطلقا!!
ولماذا ينظران؟؟ ماهو الشيء الذي سيريانه..
القهر؟؟ الوجيعة؟؟ الآلم المتبادل؟؟


وكل منهما بقي بعدها معتصما في مكانه حتى آذان الفجر..
فهد أساسا كان يرتدي ثوبه.. فنزل للصلاة في المسجد دون أن يمر بها..
حين عاد.. كان بالفعل غير راغب في رؤيتها!!
ولكنه يكره الهروب من المواجهة.. لذا توجه لغرفة نومه..
حمد الله أنها وجدها نائمة!!
فهو بالفعل كان عاجزا عن رؤية وجهها بعد مافعله بها!!
فهو لن يحتمل أي نظرة عتب..!!


هي لم تكن نائمة.. ولكنها ما أن أنهت صلاتها حتى اندست في فراشها بسرعة حتى لا تراه حين يعود!!

ما أن سمعت صوت فتح الباب ثم أغلاقه.. حتى عادت دموعها تنسكب من جديد..
أما حين شعرت بحركته جوارها.. بدأ جسدها يرتعش بعنف.. نتيجة لكتمانها شهقاتها..
فهد انتبه لارتعاش جسدها.. وليس غبيا ليعلم أنها كانت تبكي!!

تنهد بعمق وهو يهتف بسكون: جميلة بتصدقيني لو قلت إني والله ماقصدت؟؟

أجابته بصوت مختنق تماما بين شهقاتها وهي توليه ظهرها: لا .. ماني مصدقتك..
لأنك كنت قاصد!!
واللي موجعني ترا مهوب يدي.. لأنها مافيها شيء.. لكن أنت ومقصدك من اللي سويته..


فهد صمت.. فعلا مرهق.. وليس لديه مايجيبها به..
وإن أجاب.. ما الذي ستغيره إجابته؟؟
لا شيء.. لا شيء مطلقا!!!






*************************************





" مبروك ياقلبي.. مبروك!!
تدري إني ما نمت من الفرحة..
والمشكلة من البارحة أحوس عليك ماصدتك!!
معتكفين في غرفتكم مع خبر ولي العهد...
عشان كذا قلت بأرتز عند طاولة الفطور عشان أصيدك!! "



كانت هذه هي انثيالات مزون المرحة وهي تقفز لتتعلق بعنق كساب وهي تغمر وجهه بقبلاتها السعيدة..

كساب احتضنها بمودة : الله يبارك فيش يالغالية..


وكانت كاسرة تتقدم خلفه.. ومزون تستدير لها وتحتضنها وهي تبارك لها..
كاسرة ردت عليها بلطف يخفي خلفه حزنا عميقا..
لماذا الجميع يستطيع التعبير عن سعادته...إلا هما!!


مزون مازالت تنثال بسعادة: تدرون من وناستي.. يمكن أعسكر عندكم لا صارت كاسرة في التاسع.. عشان أروح معها المستشفى..
ما أبي حد يشوف ولد أخي قبلي...


ابتسم كساب: يمكن ذاك الوقت يكون فيه شيء يشغلش عن كساب وولده؟؟


احمر وجه مزون خجلا وهي تعرف مقصده..
ومع ذلك احتضنت عنقه من الخلف لأنه كان يجلس إلى الطاولة وهي تهمس في أذنه بمودة مصفاة:
مافيه شيء يشغلني عنك...
والحين اسمحوا لي... أنتو ناس وراكم دوام... وأنا وراي رقدة!!


بقيا الاثنان متقابلان على طاولة الفطور.. بينهما كالعادة تطوف النظرات والمشاعر الثقيلة التي تحاول إيجاد منفذ لها دون فائدة..

همست كاسرة بسكون: أصب لك قهوة؟؟

أجابها بسكون أكبر: فنجال واحد بس..

كاسرة سكبت له فنجانا من القهوة.. ثم سكبت لها كوبا من (الكرك)..
فوجئت به يقف.. ويبعد الكأس عن متناول يدها..

همست باستغراب:وش فيك؟؟

أجابها بحزم: ما أظن إنش بزر وما تعرفين مصلحتش ومصلحة اللي في بطنش..
خلاص كرك مافيه.. اشربي حليب طازج..


حتى وهو مهتم بها.. أسلوبه مستفز لها... واسلوبها أكثر استفزازا.. سألته بسكون:
اهتمام ؟؟ وإلا فرض رأي؟؟

هز كتفيه بحزم: اعتبريه مثل ما تبين... لأنش لو فهمتي مرة وحدة صح يمكن تفقدين الذاكرة!!








**********************************






يومان آخران...




" حبيبتي ليه زعلانة؟؟"

سميرة تنهدت وهي تشير لتميم: ماني بزعلانة.. كنت سرحانة شوي!!


تميم ابتسم : والحلو سرحان في ويش؟؟

سميرة بعفوية: ماشاء الله البنات كلهم حوامل.. إلا أنا.. مع إن حن كملنا سنة..

حينها ضحك تميم: أنتي بتلعبين علي وإلا على روحش يا النصابة؟؟... وش سنته..؟؟
قصدش سنة منشفة ريقي..
احنا عبارة لنا شهر ونص متزوجين بس..
لأنه ما تراضينا إلا في حفلة بنت عمش عالية يوم تزوجت عبدالرحمن.. وإلا نسيتي؟؟

سميرة تأففت بغيظ طفولي: مالي شغل.. حن لنا سنة متزوجين... أبي بيبي حالي حالهم..!!

تميم ابتسم وهو يفتح ذراعه.. أسندت رأسها لكتفه ليحتضنها بذراعه.. بينما هي تمسك بكفه برقة تنثر فيها بعضا من أفكارها وهي تمرر أناملها في راحته!!

تميم أبعدها قليلا عنه ليشير لها بحنان: حبيبتي تبين نفحص.. ماعندي مانع!!

سميرة ضحت برقة: وش نفحص؟؟ من جدك؟؟
تو الناس ياقلبي!!
أنا بس كان في خاطري كلام.. وتعرفني لو خليت كلام في بلعومي بأغص فيه!!










*************************************





" بعد لا تقول لي متوتر..
أخيك فهيدان هذا مهوب طبيعي..
من قبل عرسه معتفس.. والحين معتفس بزيادة..
مكتم على طول!! والكلمة يا الله يقولها!! "


عبدالله تنهد وهو يجيب صالح بحزم: وأنت وأشفيك صاير كنك من عجايز الضحى.. مالك شغلة إلا تراقب وتدور العذاريب..
يا أخي فهد بطبيعته مهوب كثير كلام.. خله براحته!!

صالح يبتسم وهو يستعد للقيام: دام إبي وهزيع مهوب هنا.. أحسن لي اقوم لبيتي..
مقابل أم خالد أحسن من مقابلك أنت وأخيك!!

عبدالله يضحك: زين لو جيت بكرة تبي قهوة العصر.. تراك منت بمعيني وتقعد تبكي على الأطلال..

صالح بمرح: ليه وين بتروح؟؟ بتهاجر؟؟

عبدالله بمرح مشابه: لا طال عمرك.. عازم أم حسون وحسون على الشاليهات يومين..
خلنا نتفتك من وجهك وأنت كل يوم غاثنا...





بعد دقائق.. فهد يتلفت حوله ثم يهتف بتساؤل: وين راح صالح؟؟

عبدالله ابتسم: تو الناس.. صالح راح من زمان..
يقول زهق من مقابلنا..

فهد عاد للصمت ولكن عبدالله اقترب من فهد أكثر ثم همس له من قرب بجدية:
اسمعني يأخيك زين..
ترا مافيه حياة زوجية تخلى من المشاكل... وكثير ناس متزوجين يعانون في بداية حياتهم الزوجية لين كل واحد يتاقلم مع الثاني..
وترا أنا وصالح مثلا وش كثر مرت علينا مشاكل مع حريمنا...
عمرك لاحظت علينا شيء؟؟؟
لكن أنت ملاحظين عليك.. مع إنه حنا دوم نقول أنت أقوى شخصية فينا..
يمكن لأنك واحد ماتعرف تتلون.. وماتعرف تدس مشاعرك..
بس ترا التلون يأخيك أحيانا يكون ميزة..!!
لأنه فيه أشياء المفروض ما تظهر للناس!!


فهد بغضب: ومن قال لك فيه مشاكل بيني وبين مرتي؟؟
وأنا أساسا مافيني شيء.. أنتو بتلاحظون من كيفكم يعني!!

عبدالله بهدوء متحكم: لا تكابر... وأنا ماطلبت منك تقول لي شيء..
ولا سألتك..
كل اللي قلته... مشاكلك لا تبين على وجهك!!


فهد تنهد وهو يقف مغادرا..

" يا الله.. حتى أخواني ملاحظين..
خليتيني مطنزة يا جميلة..
لا حول ولا قوة إلا بالله !! "






**********************************************





" حبيبي من كنت تكلم ذا كله؟؟"


عبدالرحمن بعفوية: رئيس قسمي.. يسألني لو كنت مستعد أطرح مواد ذا الفصل الجاي لأنه عندهم نقص..

عالية بترقب: وش قلت له؟؟

عبدالرحمن بذات العفوية: عادي... قلت له أبركها من ساعة..


عالية ارتعشت من السعادة في داخلها.. فانخراطه في مجال العمل سيعطيه بالتأكيد حافز أكبر ليمشي..
فمهما يكن استخدامه للكرسي في ممرات الجامعة واحتياجه الدائم للمساعدة أمام زملائه وتلاميذه لن يكون شيئا مريحا له لا نفسيا ولا جسديا!!


عالية همست بسعادة: زين أنا عندي موعد عن الدكتورة... توديني؟؟

قالت (توديني) وليس تذهب معي!!

ابتسم عبدالرحمن: أودي مندوبش... دقيقة خلني أتصل في السواق يشغل السيارة!!






************************************





تأخر الليلة نوعا ما.. رغم أنه ليس تأخيرا بالمعنى الفعلي!!
ولكنها الليلة بالذات تمنت ألا يتأخر..
فجوزاء أخبرتها أنهم سيذهبون للشاليهات وسيباتون هناك ليلتين..
لذا هي تعلم أن الطابق العلوي كاملا لا يوجد به سواها..
وحتى في الأسفل لا يوجد إلا عمها وعمتها وهما بالتأكيد نائمان الآن..

وهي تشعر بخوف طبيعي... رغم أنها في أحيان كثيرة تخاف من فهد شخصيا..
ولكن الخوف من شيء معلوم أهون من الخوف من شيء مجهول!!


" يمه بسم الله الرحمن الرحيم..
كل شيء صار يتهيأ لي.. وصرت من خبالي أسمع أصوات غريبة
والزفت ذا لحد الحين ما جا...
من زين نفعته عاد.. !!
بس يا الله اسمه موجود..
ليت ربي يخلصني بس من وجوده..
ذا الايام ماتبي تخلص عشان يفارق..وأروح لبيت هلي!!"





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 22-02-11 08:01 AM





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم طهر.. ودعوات بالأمن بالأمان..

نبضات القلب خالص دعواتكم لأخوتكم في كل العالم العربي مع هذا الوضع المتأزم..
وأرجو الا تحولوا تعاطفكم مع أخوتكم إلى مقالات سياسية...
لأنه نحن هنا لا نتحدث عن السياسة بل عن التفاعل الديني والاخوي الذي يستحقه أخوتنا..
فالوضع فعلا أكبر من كل المهاترات السياسية والمكاسب المحدودة.. مؤلم حد التخمة!!
فالجماهير تموت وتُدك بالطائرات في سبيل المطالبة بحقوقها..
وهم أحوج مايكونون لدعواتكم الصادقة فعلا!!
.
.
.
فيه بنات سألوا عن معاني بعض الكلمات..
أوصل مندوبش.. هي للتعبير عن التقدير... يعني لو أرسلتي مندوب وصلته عشانك..
.
حنيتش.. رحمتك من التعب.. بمعنى لطيف عندنا...
.
.

فيه سؤال قديم عن معرفتي للهجة المصرية.. واعتذر لتأخري في الرد..
أنا وحدة لما كنت صغيرة جدا أعترف إني كنت مدمنة مسلسلات مصرية ولين فترة ما انقطعت عن التلفزيون من فترة..
وأنا أذني بصراحة حساسة جدا للهجات..
يعني أنا صرت أعرف الفروق لدرجة ما بين اللهجات داخل مصر.. وداخل سوريا.. والسعودية.. ولبنان..
.
ليش فهد أصر إن جميلة مو حلوة مع إن عالية مدحتها؟؟
ببساطة لأن عالية تاخذ كل شيء مزح وهو مقتنع بالفكرة اللي في رأسه
فماصدقها!!
.
بارت اليوم
بمجمله خاص بفهد وجميلة.. نبي نحرك سالفتهم شوي
وينتهي بدون قفلة..
اقروا براحتكم :)
.
.
الجزء الواحد والتسعون
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء الواحد والتسعون






تأخر الليلة نوعا ما.. رغم أنه ليس تأخيرا بالمعنى الفعلي!!
ولكنها الليلة بالذات تمنت ألا يتأخر..
فجوزاء أخبرتها أنهم سيذهبون للشاليهات وسيباتون هناك ليلتين..
لذا هي تعلم أن الطابق العلوي كاملا لا يوجد به سواها..
وحتى في الأسفل لا يوجد إلا عمها وعمتها وهما بالتأكيد نائمان الآن..

وهي تشعر بخوف طبيعي... رغم أنها في أحيان كثيرة تخاف من فهد شخصيا..
ولكن الخوف من شيء معلوم أهون من الخوف من شيء مجهول!!


" يمه بسم الله الرحمن الرحيم..
كل شيء صار يتهيأ لي.. وصرت من خبالي أسمع أصوات غريبة
والزفت ذا لحد الحين ما جا...
من زين نفعته عاد.. !!
بس يا الله اسمه موجود..
ليت ربي يخلصني بس من وجوده..
ذا الايام ماتبي تخلص عشان يفارق..وأروح لبيت هلي!!"



تهيأ لها أنها سمعت صوت فتح الباب.. مع أنها أغلقته وسحبت مفتاحها..
" أكيد فهد.. هو اللي معه المفتاح!!"

خرجت من غرفتها لغرفة الجلوس.. فلم تجد أحدا فيها..
تزايد الرعب في قلبها وهي ترى باب الغرفة الخالية مفتوح وإضاءتها مشعلة..
عادت للغرفة وتناولت هاتفها.. وهي تعود لتقف في الممر من شدة توترها ورعبها..

اتصلت بفهد.. وللمرة الأولى تفعلها.. منذ أدخل هو رقمه في هاتفها على سبيل الواجب..
أرادت أن تتأكد إن كان هو الموجود في الغرفة!!

وبالفعل سمعت صوت رنين هاتفه يأتيها من الغرفة الخالية.. وضعت هاتفها على طاولة الممر..
وتقدمت بترقب به نوع من الفضول ( وش يسوي هناك؟؟)


حين دخلت كانت الغرفة خالية تماما كما رأتها آخر مرة... إلا من شيء واحد..
كان ملقى بقرب باب الحمام..
في البداية لم تدقق النظر فاقتربت.. لتتعرف فورا على ماهية الموجود.. ورائحته..
ولتصرخ صرخة مبتورة.. ويسقط مغشيا عليها بلا مقدمات!!


كان ثوب فهد غارقا في الدم.. ورائحة الدم بدت فائرة جدا!!
وهي تتعرف على الثوب الأبيض الذي تحول للون الأحمر من أزراره التي أرتداها اليوم عصرا!!


فهد ما أن سمع صوت صرختها حتى خرج من الحمام بجزع..
وهو يلف وسطه بفوطة أخذها من خزائن الصالة العلوية التي يعلم أنها دائما تحتوي مناشف نظيفة..
حتى لا يدخل على جميلة بمظهره هذا ويسبب لها الرعب..

فهو بداية صعد بثقة أن أحدا لن يراه لأن والديه نائمين.. وشقيقيه خارج البيت..
ثم دخل بهدوء حتى لا تنتبه تحسبا أن تكون جميلة لم تنم بعد.. مع أنه تمنى أن تكون نامت..

ولكن حتى في هذه المرة التي كانت نيته صافية.. سار الأمر على غير رغبته..
وهاهي رأت ما خشي أن تراه من أجلها وليس من أجله!!
ولكنه لم يتخيل مطلقا أن تصل ردة فعلها إلى درجة الإغماء من مجرد رؤية بعض الدم !!!!

فهد انحنى عليها ليرفعها.. ولأن شعره كان مبلولا.. فقطرات الماء انحدرت من شعره على وجهها لتقوم بدورها في تفويقها..
وهي تشهق متيقظة من إغمائتها... وحالما رأت وجهه قريبا منها.. انخرطت في بكاء حاد وهي تحسس صدره وكتفيه بكلتا يديه:
أنت طيب؟؟ مافيك شيء؟؟ من وين الدم؟؟


جميلة كانت تتصرف بعفوية تامة وهي حتى لم تنتبه أنها كانت تتحسس جسده العاري..
ورعبها يوقف أي إحساس خاص لديها... سوى الاطمئنان على هذا الذي ظنته مصابا بجروح خطيرة حين رأت كل هذا الدم!!
حتى ولو كان فهد بنفسه لا يهمها بشكل شخصي...
ولكنه يبقى إنسانا أقرب إلى زميل سكن.. حتى لو كنت لا تتقبل زميلك في السكن ..
فيستحيل أن تكون بلا إحساس لو ظننته مصابا بهكذا إصابة!!
هكذا هم البشر!!


وإن كانت لمساتها ورعبها وشفافيتها ودموعها كانت عفوية جدا لديها دون تأثير خاص فيها!!

فهي كانت أبعد ما تكون عن العفوية عنده.. وتأثيرها أكثر من صارخ وحاد وموجع عليه..

فهو رغما عنه انتفض كالمحموم مع كل تربيتة من أناملها على جسده..
وارتعشت روحه مع كل دمعة رآها تتقاطر عبر أهدابها لأنه يعلم أن هذه الدموع مسكوبة من أجله هو!!

فهد حاول أن يبتعد عنها قليلا في رد فعل متأخر لمنع تأثيرها عليه... ولكنه كان فعلا رد فعل متأخر جدا..
لأن التأثير حدث وتعمق في روحه التي -رغما عن كل قساوته وجلافته- مازالت روحا بكرا هي من تطبع خطوطها الأولى عليها!!

هتف بنبرة مموهة وهو يحاول ألا ينظر ناحيتها: مافيني شيء.. بس كنت أنا وربعي نتناصع.. وواحد منهم تصوب تصويبة خفيفة في كتفه..
وأنا اللي شليته.. عشان كذا الدم غرقني!! (نتناصع = نتنافس في استخدام السلاح في إصابة علامات معينة)..

جميلة سألته بعفوية متأثرة: وعساه طيب الحين؟؟

فهد بذات النبرة المموهة : طيب.. ماخليته إلا عقب ما تطمنت عليه!!

جميلة حينها انتبهت أن هذا الجالس جوارها على الأرض عاري الصدر.. ولا يرتدي سوى منشفة..

منظر لم تراه مطلقا من قبل على الطبيعة.. ففهد لم يكن يخرج من غرفة التبديل إلا بعد أن يلبس على الأقل (فنيلته وسرواله)..
وبالطبع لم تراه سابقا أبدا.. فلم يكن لها والد ولا أخوة.. ولم تراه طبعا في خليفة..
ولا حتى في منصور الذي يستحيل أن يغادر غرفته إلا بملابسه الكاملة!!


تراجعت بعنف حقيقي.. ووجهها الخالي تماما من الزينة يتفجر بالاحمرار من شدة الخجل الذي خنقها..
لم تستطع حتى أن تقف وهي تخفض رأسها حتى لا تنظر ناحيته!!

فهد وقف.. وهي مازالت جالسة على الأرض..
مد يده لها لتقف.. لأنه ظن أنها لم تستطع الاستناد لساقها..

لكنها حين رأت يده المدودة.. همست بجزع: لا خلاص.. خلاص.. بأقوم بروحي..

فهد مستغرب منها ( لا تكون صدق مستحية ذي؟؟
وإلا يمكن مهيب متقبلة شوفتي عقب ناس ثانين تعودت عليهم؟؟)

الفكرة الأولى أثارت استيائه لأنها ظنها تتصنع الحياء..
والفكرة الثانية أثارت غيظه وغضبه لسبب يحاول ألا يتذكره ويتمنى لو أستطاع أن ينساه فعلا لشدة مابات يعذبه..




هي فعلا كان الوقوف من جلستها على الأرض صعب عليها.. وخصوصا وهي تشعر بخدر في عظامها من حالة الرعب التي اجتاحتها..
ثم من خجلها من هذا الواقف فوق رأسها بدون خجل!!

فهد حين رآها لم تقف بعد أمسك بعضديها وأوقفها أمامه دون أن يفلت عضديها.. جميلة أشاحت بنظرها عنه بخجل فطري..
وهي تنتظر أن يفلتها كما هو متوقع لتهرب لغرفتها..
لكنه لم يفلتها وهو يقربها منه قليلا دون أن يعرف السبب..
جميلة حين رأته يكاد يلصقها بصدره انتفضت وهي تخلص نفسها منه وتهرب لغرفتها..

لكنها ما كادت تصل وهي تتنتفس الصعداء حتى كان يصل خلفها وهو يشد عضدها ويديرها ناحيته بكل حدة..
ويهتف بذات الحدة كما لو كان يريد تعذيب نفسه بما يقوله: ممكن أعرف الحركة اللي سويتيها وش داعيها؟؟
يعني عشان مسكت عضدش هجيتي.. ماكأنه قد صار بينش وبين رجال ثاني أكثر من مسكة العضد بكثير..
مسوية فيها خجولة وتستحين؟!! وإلا تمنعين؟!!
علميني.. ليش إني الغشيم وأنتي الخبرة!!


( يا الله!! وش جنسك أنت؟؟ ما تشبع تجريح؟؟) جميلة شدت عضدها من يده وهي تهمس بحزم رقيق:
هذا أنت قلتها (عضدي) يعني كيفي لو مابغيتك تمسكه..
أستحي!! أتمنع!! أتدلع!! بكيفي بعد!!
وبعدين ليش ما تقول إني خايفة عليك تمرض لو استخدمت شيء مستخدم..
يمكن يكون مليان جراثيم وانت تمرض ياحرام!!

فهد صرخ فيها بغضب: ومن قال لش إني أتنازل عشان أقرب منش!!
أعتقد إني فهمتش ذا الكلام ألف مرة!!


جميلة ابتعدت عنه وهي تهمس بنبرة مقصودة: أنا فاهمة الكلام عدل..
بس أنت شكلك اللي مافهمته!!


( ياربي.. ولسانها طويل بعد!!
على شينه قوات عينه!!)
فهد لم يرد عليها وهو يتوجه للحمام لاستكمال استحمامه سريعا..
حين خرج.. ذهب ليبحث عن هاتفه في جيب ثوبه فلم يجد الثوب.. ولكنه سمع صوت التقيء الواضح القادم من الحمام..
دخل باستعجال جازع ليجدها تجلس على الأرض وتتقيأ في المرحاض..

رفعها دون أن يشعر وهو يفتح الحنفية ليغسل وجهها.. ليتفاجأ أن ملابسه كلها حتى ملابسه الداخلية التي غرقت بالدم.. موضوعة على المغسلة..
ولأنه قربها منها أفلتت منه وهي تعود للجلوس على الأرض وللتقيء مع أن معدتها أصبحت خالية تماما..

فهد حينها فهم ما سبب تقيئها... كان رائحة الدم ومنظره من هذا القرب..

حملها بغضب رغم أنها لم تكن تحتاج من يحملها.. وهو يهتف بغضب أشد: دامش مقروفة كذا.. وشو له تروحين هناك؟؟

جميلة غطت وجهها بكفيها وهي تشعر بالخجل من نفسها ورائحة القئ فيها وتتمنى لو أنزلها وهي تهمس باختناق:
كنت أبي أغسلهم.. قلت لو نشف الدم ماراح ينظف..

فهد بذات الغضب: ومن قال لش أبيش تنظفينهم؟؟ بأرميهم في الزبالة بأحرقهم.. مالش شغل فيهم!!

حينها كان قد وصل لغرفته وأنزلها قريبا من باب غرفة التبديل..
لتقفز بسرعة للحمام.. ويسمع صوتها تتقيأ للمرة الثالثة.. لأنها عاجزة عن إزالة رائحة الدم عن أنفها...

فهد صرخ عبر باب غرفة التبديل بحزم: تسبحي وأنا بأروح أجيب لش ليمون وملح..
لأنه دام الحالة ذي صابتش.. ماراح تروح إلا لو كلتي شيء طعمه قوي!!

فهد نزل للأسفل وهو يتأفف (ذا الليلة شكلها ماتبي تخلص
أولها مغمى عليها... وعقبه تزوع..
وش تاليها بعد؟؟)


حين وصل للمطبخ الداخلي سارع لسكب بعض الملح في صحن صغير..
ثم فتح الليمونة لنصفين وضعها فوق الملح..

كان قد انتهى ويستعد للخروج حين سمع الصوت الساخر المرح:
أعرف الناس على الأقل يبون شهر.. لكن أنتو وحامكم بادي من أسبوع..
بصراحة غطيت على أبو نظارات!!
وقف خلني أدق التحية العسكرية ياحضرة النقيب!!

فهد يتجاوز هزاع وهو يرد عليه بعدم اهتمام: ماعليك شرهة عشان أرد عليك!!

هزاع حينها ضحك: خلاص واشرايك أقول تسبح عشانك لوعت كبد المسكينة لدرجة إنها تبي ليمون للوعة..

حينها استدار فهد لهزاع بعضب جامح: هزيع لآخر مرة أقول لك.. مرتي لا تجيب طاريها على لسانك!!

هزاع بعدم اهتمام: روح بس أنت وليمونك.. أنت أصلا من يوم خذتها وأنت مستخف..
الله يديم علينا نعمة العقل!!

فهد هتف بصرامة غاضبة: تدري.. أنا الحين ماني بمتفرغ لك.. بس دواك عندي يادلوعة أمك.. على طول ذا اللسان!!


صعد لغرفته..
وانتظرها مطولا قبل أن تخرج من الحمام (شكله مافيه نومة لين أصلي الفجر..
مع إني ميت تعب)


وأخيرا خرجت وعيناها محمرتان لطول ما استحمت.. ترتدي بيجامة قطنية خليط من اللونين الأبيض والأصفر الفاتح!!
لا يعلم كيف يصف رؤيته لها مع أنه لم يدقق في ملامحها ولكن بدا له كما لو أن الشمس أشرقت قبل وقت شروقها..
هكذا كان إحساسه الغريب وغير المفهوم!!

انتفض بغضب من أفكاره وهو يمدها بصمت بصحن الليمون..
هزت كتفيها برقة: وش أسوي فيه؟؟

فهد بنبرته الغاضبة: بعد وش تسوين فيه؟؟ صوري جنبه صورة تذكارية..


جميلة تناولت الصحن منه دون أن ترد عليه (كل شيء لازم يوجعني فيه وإلا ما يستانس ذا المعقد!! )

كل منهما انعزل في زاوية.. مشغولة بجرحها منه !!
ومشغول هو بها.. يحاول إخراج مزيد من العيوب فيها!!
( هذي أشلون يعتمد عليها في بيت!!
من شوي دم سوت لنا فيلم هندي..
يا من شرا له من حلاله علة..
والله إني كنت مبسوط بحياتي عزابي..
من يوم دريت إني بأخذها ماعرفت إلا النكد!!)






.
.
.




لم يناما حتى صليا الفجر..
وهاهو يصحو قبلها..
كعادته التي برزت الأيام الماضية حتى وهو ينكر ذلك على نفسه..
استدار لينظر لها وهو يدعو الله أن تكون توليه وجهها هذه المرة.. فهي تنام دائما وهي توليه ظهرها..
ولكنها مع تقلبها يصحو أحيانا ليجد وجهها ناحيته!!
لا يعلم لماذا يريد أن ينظر لها دون أن تنتبه..
أ هو كما يقول.. لمجرد متعة النظر إلى لوحة فنية بارعة دون التفكير بالتقرب منها؟!!

الغريب أنه هذا الصباح لا ينظر لحسنها الذي أشغله الأيام الماضية.. حين يراقب تفاصيل وجهها المنحوتة بدقة ربانية!!

لكنه اليوم ينظر إلى شيء أعمق وأرق وأدفأ خلف الملامح الخارجية..
يحاول أن ينكر على نفسه ماحدث البارحة ولكنه عاجز عن إزالته من عقله كما لو كان حُفر فيه!!
لمساتها.. دموعها .. شهقاتها من أجله.. جزعها عليه!!
ليجد أن شيئا صغيرا في روحه الغضة يرتعش بلا هوادة!!

( أوووف تمثل عليك يا الغشيم!!
تمثل!!
وأنت خبل.. صدقتها على طول!!)



زفر بغضب ونهض ليبحث عن هاتفه الذي لم يراه منذ البارحة..
وجدها وضعته له التسريحة.. كان هناك اتصال لم يرد عليه..
وتذكر فعلا أنه سمع صوت هاتفه رن رنتين البارحة وهو في الحمام..
اتصل بنفس الرقم.. ليجد الرنين يأتيه من مكان قريب جدا.. هاتفها المجاور لهاتفه..

انهى الاتصال قبل أن تصحو.. وهو يتذكر أنه حفظ رقمه في هاتفها ولكنه لم يأخذ رقمها..
(إذن هي اتصلت بي البارحة)
لا يعلم لِـمَ كل ما تفعله بدأ يؤثر فيه بطريقة ما..!!


كان هاتفها مازال بيده.. لا يعلم كيف تواردت له ظنون السوء التي لابد أن تفسد عليه كل شيء!!
كان ينظر لهاتفها كما لو كان ينظر لعفريت.. أو قنبلة ستنفجر في يده!!


(معقولة ممكن رقمه لين الحين في تلفونها؟؟)
.
( لا .. مستحيل.. وش يخلي رقمه في تلفونها؟؟)
.
(يمكن نسته؟؟ أو مهوب هاين عليها تمسحه؟؟)



كان كل مافيه يصرخ به أن يعيد الهاتف مكانه دون أن يقلب في قائمة الأسماء..
ولكن رغبته في تعذيب نفسه كانت تلح على نفسه أن يفعلها..

(خلاص خلني أشوف وارتاح .. وش أنا خسران؟؟
أكيد مهوب موجود.. لكن لو ما تأكدت الشيطان بيقعد يوسوس لي!!)


فهد فتح بالفعل قائمة الاسماء بحثا بالحرف (خ)..
ليجد ماكان يبحث عنه.. فليهنأ بالاحتراق والغضب وهو ماعاد يبصر شيئا أمامه وهو يرى اسم خليفة متكرر مرتين..
أحدها مع رقمه الفرنسي والآخر مع رقمه القطري..


فهد ألقى بالهاتف ليتجه لجميلة وينتزعها من فراشها انتزاعا وغضبه يتفجر أمواجا تلو أمواج..

جميلة شهقت وهي ترفع عن فراشها عبى حين غرة و تهمس برعب حقيقي:
فهد وش فيك؟؟


فهد مازال يعتصر عضدها الذي انتزعها به ويصرخ بغضب ناري ملتهب:
ولش لسان تسألين بعد وش فيني؟؟
ليش رقمه عندش؟؟ ليش رقمه عندش؟؟

فهد حالما أنهى سؤاله ألقاها بعنف على السرير.. لأنه بقي شيء من تماسك الأعصاب في داخله.. يقول له أنها لو بقيت قريبا من يده هكذا..
فهو لن يتوانى عن ضربها!!

جميلة تأخرت حتى التصقت بظهر سرير وهي تتكور على نفسها وتتهتف بين شهقاتها:
من هو ذا؟؟ والله ما أدري عن ويش تتكلم؟؟

فهد يعتصر قبضته ويتراجع خطوة للخطوة حتى يمنع نفسه من انتزاعها مرة أخرى والاطباق على عنقها..
ويهتف بغضبه الجامح: رجالش الأولي يا اللي ما تستحين ولا احترمتي حتى حرمتي.. ولا احترمتي أي شيء!!
أنتي وش جنسش؟؟

جميلة بدأت تشهق بانهيار: والله العظيم ما انتبهت.. أنا أساسا مامسحت اسمه..
بس والله ماقصدت شيء..
الاسماء عندي وش كثرها.. ولو انتبهت والله لا امسحه..
ثم قفزت وهي تشهق بطريقة طفولية موجعة: الحين بأمسحه.. الحين..

ركضت لهاتفها بسرعة وهي تتناوله وكل مافيها يرتعش.. لم تكن ترى حتى الشاشة لشدة انهمار دموعها..
وهي تبحث عن اسم خليفة حتى تمسحه..
وشعور مر بالمهانة يتصاعد في روحها حتى خنقها!!

حالما مسحت الاسم.. القت بهاتفها أرضا وهي تجلس على مقعد التسريحة وتدفن وجهها بين كفيها.. وتنتحب..

فهد وقف أشبه بتمثال جامد.. رغم أن يديه مازالتا ترتعشان من تأثير غضبه..
كان ينظر لها وهي تبكي بألم حقيقي..
وألمه هو يتسع..

(كم مرة بكيتها من يوم زواجنا لين الحين؟؟
ماعدت قادر أعد من كثرها..
هذا اللي أنت وعدت نفسك إنك بتسويه..
هذا وهي وصاتك!!
لو ما كانت أمانة عندك وش كان سويت فيها أكثر؟؟
أخييه منك رجّال من بين الرياجيل!!)



فهد حاول أن يقترب منها ليهدئها .. ولكنه لم يستطع..
ليس لديه أي شيء ليقوله..
فكل الكلمات هربت من قسوته!!






********************************





" هاحبيبي.. أصب لك فنجان بعد؟؟)


منصور يهز فنجانه هاتفا بمودة: لا ياقلبي.. شكرت..
ثم أردف بإبتسامة: اشرايش دام ماعندي دوام اليوم..
أطلع أنا وأنتي وزايد نتمشى شوي في فيلاجيو وإلا السيتي.. وعقب نتغدى هناك..
خلي زايد يجرب دراجته الجديدة وأنتي صاكة عليه 24 ساعة!!


ابتسمت عفراء: أخاف عليه منصور يتغير عليه الجو.. وإلا يتعب!!

منصور بحزم حان: ماعليه إلا العافية.. خليه يتعود..لكم نص ساعة تتجهزون..
ثم ابتسم وهو يردف: ولو جميلة عندنا كان قلت لكم ساعتين..

عفرا ابتسمت بحنان: ياقلبي يا بنتي.. ماراحت ولا جات جاتها ذا التلزيقة في الحمام.. وحبستها في البيت..
وهذا رجالها بيسافر قريب.. وهم لا طلعوا ولا راحوا مكان..

منصور يبتسم : لا تقولين إنش ما تحسبين لدورة فهد أكثر منه..
تبينه يروح بالسلامة.. عشان تجي عندش جميلة..

ضحكت عفراء برقة: كنك داري.. راح 8 أيام وباقي 6.. يروح ويرجع بالسلامة..






***********************************************









منذ خرج صباحا وهو يتحاشى العودة للبيت حتى لا يراها..
لكنه ختاما.. اضطر للعودة حتى يستبدل ملابسه..
عاد بعد صلاة المغرب..
طرق الباب وهو ينتنحنح.. فردت عليه أمه تعال يأمك مافيه حد؟؟


ولكن كان هناك كل من يخشى مقابلتهم...... هـــي..
كانت تجلس مع أمه وتتولى هي مسئولية سكب القهوة..
لا يعلم لماذا توارد لباله أنها لن تخرج من غرفتها اليوم مطلقا لما رآه من انهيارها في عاصفة من البكاء.. تركها وهي مازالت غارقة فيها!!


(عشان تعرف إنها تمثل!!
دموع التماسيح.. عشان تحسسك بالذنب وتداري على غلطتها!!
خذوهم بالصوت!!
سكتتني وهي الغلطانة!!
لا وبعد قاعدة لي متكشخة كنها بتروح عرس بدون سحا!! )


جلس بجوار والدته بعد أن قبل رأسها وهو ينظر للمقابلة لهما..
كانت متألقة أكثر من المعتاد.. وكأنها كلما ازدادت حزنا.. كلما ازدادت ألقا..
وكأنها تريد أن تغطي على على حزنها بألقها..

كانت ترتدي دراعة مغربية بلون تركوازي بدت فاتنة على لون بشرتها.. وشعرها ملولب ليزداد قصرا وإثارة..
أو ربما كانت كذلك في عينيه!!

همست أم صالح بعفوية: دامك جيت.. اقعد خل مرتك تقهويك.. وأنا بأقوم أسنع لي شيء في مجلس النسوان!!

همست جميلة بعفوية جزعة: تروحين يمه وأنا قاعدة.. قولي لي وش تبين وأنا بأروح؟؟


أم صالح برفض حنون: اقعدي يامش عند رجالش.. منتي بعارفة اللي أنا أبيه!!

حالما غادرت أم صالح كانت جميلة تتحاشى النظر له وهي تنظر للقهوة والشاي أمامها وتهمس بسكون:
أصب لك قهوة؟؟

رد عليها بسخرية: شايفش قبل شوي تعرفين السنع وبتنطين بدال أمي..
الحين ضيعتيه..؟؟
اللي بيصب لحد.. مايقول له أنت تبي..!!

جميلة تنهدت (يالله الصبر) سكبت له فنجانا من القهوة.. وناولته له..
شد على كفها بطريقة غريبة وهي تناوله الفنجان.. وارتعشت جميلة خوفا..(لا يكون يبي يحرقني بالقهوة.. هذا اللي باقي)
وارتعش هو من شيء آخر تماما..رعشة لم تتجاوز داخله!!
وهو يأخذ الفنجان منها.. وينزله أرضا ثم يهتف بعصبية على نفسه وليس عليها:
هذي صبة قهوة.. ؟؟ لو إنش صابتها لأبي كان رش الفنجال على وجهش!!

جميلة تنظر لفنجانه بيأس: ليه وش فيه؟؟

فهد بغضب: بعد تسألين وش فيه؟؟

جميلة تنهدت وهي تهمس بهدوء ولكنه أقرب للعصبية: فهد أنا ببزر ولا غشيمة عشان تعلمني أشلون أصب القهوة..
فنجالك أقل من نصه.. واعتقد إنك تدور لك سبب عشان تعصب..
أنا قبل شوي مقهوية أبيك.. وما أشتكى من فنجاله..
والحين اسمح لي استأذن..

فهد بغضب: وتبين تروحين وأنا أكلمش بعد يا اللي ما تستحين..

جميلة شدت لها نفسا عميقا وهي تقف وتضع جلالها فوق رأسها.. وتهمس بحزم: فهد لو سمحت..
مشتهي تعصب وتصارخ.. لنا مكان يلمنا.. لا تنشر فضايحنا قدام هلك!!


جميلة صعدت بالفعل لجناحها وهي تهمس في داخلها( ماني بباكية ذا المرة..
خله يولي..
والله ما أهتم له هو وكلامه اللي يسم!!)

ما كادت تصل لغرفتها حتى كان يصل خلفها وهو يصرخ بغضبه الذي لا يتوقف:
الحين أنا أسوي فضايح وأبي أعصب بدون سبب؟؟

جميلة لم ترد عليه.. وهي تخلع جلالها وتجلس على طرف السرير وتنظر لشيء غير مرئي أمامها..

قهد يقف أمامها وهو يهتف بذات غضبه الحازم: ومسفهتني بعد؟؟ ( مسفهتني= تتجاهله)


جميلة شدت لها نفسا عميقا للمرة الألف: فهد أنت وش تبي؟؟
تبيني أبكي؟؟.. أنت خلاص ما ترتاح لين تشوف دموعي وتشوفني منهارة..؟؟
دامك تشوفني متماسكة شوي.. بتقعد تضغط وتضغط لين أنهار..
خلاص فهد اعفيني من البكاء الليلة.. لأني بكيت اليوم اللي كفاني..
ارحمني حرام عليك.. والله لو أنا عدوتك ماتسوي فيني كذا؟؟
اعذرني.. ماراح أبكي.. أجلها ليوم ثاني..


فهد تراجع بصدمة ( أ هكذا وصلت نظرتها لي؟؟
أنني أقتات على حزنها ودموعها؟؟
إلى هذه الدرجة صورتي قميئة في عينيها؟؟)


فهد اكتفى بالصمت وهو يرتدي ملابسه ويخرج دون أن ينظر لها حتى.. وهي تجلس صامتة ساكنة في مكانها!!
ليتذكر غهد حين وصل سيارته أنه نسى مفتاحها في جيب ثوبه الذي خلعه.. فعاد لأخذه..


ليتفاجأ أن من لن تبكي اليوم لأنها شبعت بكاء.. منكبة على سريرها وتنتحب بصوت مكتوم وهي تدفن وجهها في المخدة..
انتفض بعنف وهو يعود دون أن يأخذ مفتاحه...
فر من المكان كاملا كما لو كان مجرما يفر من ساحة جريمته!!
فهي هذه المرة لا تمثل عليه ولا من أجله!!
بل تعبر عن حرقة لم ترد له أن يراها.. كرهت أن يرى ضعفها الذي بالغ في امتهانه إلى أقصى حد!!









**************************************







" ياحليلها جوزا.. وينها الليلة تكمل ثلاثي التنافيخ؟؟"

أم عبدالرحمن بمودة: بترجع بكرة إن شاء الله..

عالية بمرح: ياحليلها هي وعبود.. عرسان جدد مع بزر وكرش..

شعاع تضحك برقة: صدق الرازق في السما والحاسد في الأرض.. وش عليش منها؟؟

عالية تنظر لها من تحت أهدابها وتهمس بمبرة مرحة مقصودة:
خلش في حالش مع سي روميو.. تجين عندنا عشان كل شوي تدقين عليه!!
خلش مني أنا وجوزا.. أنا حماتها وهي حماتي... قبل أحول الموجة عليش!!

شعاع بذات الابتسامة: يمه منها.. لا خلش في مرت أخيش مالي شغل بينكم..
كل وحدة منكم لسانها أطول من الثانية!!

عالية تتأفف: على طولة اللسان اللي مامنها فايدة.. أبي أتحرك شوي.. أنفض الدولايب.. وأرتب ملابسي أنا وعبدالرحمن..

شعاع تبتسم: تدرين حتى أنا.. يبي لنا شوي حركة!!

أم عبدالرحمن برفض: والله ما وحدة منكم تسوي شيء... قروا شوي.. توكم على الشغل..





*************************************






هذه المرة عاد مبكرا أكثر..
وجدها تصلي قيامها.. تركها في الغرفة.. وذهب لغرفة الجلوس.. ليصلي هناك ويقرأ ورده..
لا يعلم لِـمَ هو عاجز عن مواجهتها؟؟ أو بمعنى أصح النظر في عينيها!!
بات يكره نظرة الحزن فيهما.. ويتمنى لو رآها تبتسم أمامه ولو لمرة!!

حين انتهى توجه بحذر للغرفة..
وجدها تستعد للنوم..
ألقى السلام.. وردت بسكون..
كان يدور في الغرفة يقوم بأعمال روتينية......يغتسل... يبدل ملابسه..!!

ختاما ماعاد فيه صبر وهو يتوجه للناحية الآخرى من السرير ويجلس جوارها..
كانت قد تمددت وهي توليه ظهرها كالعادة..
انتفضت بجزع حين شعرت بنقراته الهادئة على كتفها.. فهي أصبحت في حالة رعب لأنها عاجزة عن توقع ردات فعله..
استدارت وهي تقفز ثم تنكمش في حركة دفاعية... شعر فعلا بالألم منها..
يا الله كم هو مر هذا الشعور.. أن تكون جارحا.. ومجروحا في ذات الوقت..!!


فهد هتف بسكون: اقعدي بأسولف معش بس..مافيه داعي تسوين ذا الحركة كأني بأسوي فيش شيء..

جميلة بيأس: يعني الحركة مالها مبرر؟؟ الإحساس اللي أنت عطيتيني من أول يوم..
إني يا أخاف من لسانك.. وإلا يدك..

حينها رد عليها فهد بيأس مشابه: جميلة... تكرهيني؟؟

جميلة تعترف أنها بوغتت تماما بالسؤال.. لم تتوقعه مطلقا منه.. (يسألها إن كانت تكرهه .. وهو لم يقدم لها إلا مبررات وأسباب للكراهية!!)
ومع ذلك أجابت بسكون صادق: لا ما أكرهك.. ما تعودت أكره حد.. ولا حتى اللي جرحوني..


تضايق من ردها لسببين.. الأول أنها أشعرته أنه يستحق الكراهية ولكن لأنها لا تستطيع أن تكره.. لم تكرهه..
والثاني أن هذا الرد يحمل معنى ضمنيا أنها لم تكره كذلك زوجها السابق مع إساءتها الكبيرة لها وهو يطلقها في المطار!!


انقطع الحوار.. هو صمت.. وهي صمتت.. ثم عادت لتتمدد.. وهي تشعر بالفعل أنها مستنزفة مما حدث هذين اليومين..
وتتمنى أن تنتهي الأيام القليلة القادمة حتى تتخلص من ثقل وطأته ووجوده..
تخشى أن تنهار منه.. تريد لها إجازة بالفعل حتى تستعيد عافيتها النفسية..






************************************







بعد خمسة أيام
.
.


اليوم هي سعيدة فعلا.. فغدا سيسافر أخيرا..
يا الله كم هي ثقيلة الايام التي مضت.. مع انه خلال الأيام الخمسة الماضية لم يحدث بينهما أي شد..
إلا فلتات لسانه الناتجة عن جلافة لسانه المعتادة.. وهي تحملت كل شيء وهي تعد الأيام.. وتصبر نفسها أنه مابقي شيء..


كانت ترتب حقيبته الختامية.. حين دخل عليها.. جلس على طرف السرير..
بينما همست هي برقة: أنا خلصت شنطتك خلاص.. تبي شيء ثاني؟؟

أجابها بحزم غريب: إيه.. رتبي شنطتش بعد!!

جميلة قفزت بجزع وهي تختنق تماما: نعم؟؟ ليش أرتب شنطتي؟؟

فهد بذات الحزم: سمعتيني.. رتبي شنطتش..

جميلة بذات الاختناق: بس أنت ماقلت لي أبد إني بأسافر ذا الأيام كلها..
وش اللي غير رأيك؟؟

فهد بحزم أكثر صرامة: أنتي ليش ترادين؟؟ رجالش قال لش بتسافرين معه..
تتجهزين بدون كلام.. انتهينا..

جميلة شعرت أنها تريد أن تبكي أكثر من كل مرة..
هي بالكاد تحتمله الساعتين اللتين يقضيهما في البيت.. فكيف في مصر؟؟.. بالتأكيد سيقضي معها وقتا أطول.. لأن التدريب لا يأخذ إلا ساعات معدودة في اليوم..
او الأسوأ أنه سيتركها طوال اليوم وحدها وفي مكان غريب!!


همست بذات الاختناق: زين أنت كنت حاجز السكن مع شباب.. وش بتسوي فيهم؟؟

فهد بنبرة أقرب للغضب: أنتي وش دخلش في ذا الكلام؟؟ مالش إلا تسكنين في أحسن مكان..

جميلة ستبكي فعلا ولكنها مازالت تقاوم حتى لا يظن أنها تستخدم سلاح دموعه لاثنائه..
خصوصا أنها تعلم أن دموعها لا قيمة لها عنده.. فلماذا تقلل من قدر نفسها..؟؟
همست بمخاوفها الطبيعية: بس أنا اخاف أقعد في شقة بروحي وانت منت بموجود..

فهد تنهد: بنسكن في أوتيل.. لا تخافين من شيء!!

جميلة مازال لديها أمل أنه سيتراجع.. لا تتخيل أنها ستسافر معه.. بعد أن قضت الأيام الماضية كلها على أمل أنه سيسافر وسترتاح من وجوده..
همست بضعف: وليش الخساير؟؟ شهر كامل في أوتيل!!

فهد بغضب: أنا اللي بأدفع.. بتدفعين شيء من جيبش.. خلصيني يا بنت الحلال..
أنا رايح الحين.. رتبي أغراضش عشان أوديش تسلمين على أمش..
سفرتنا بكرة الصبح!!

جميلة باختناق أشد: وعرس مزون يعني ما أنا بحاضرته.. ماباقي عليه إلا أسبوع!!
حرام عليك فهد!!

فهد بغضب: أني ملزومة في من؟؟ فيني وإلا في بنت خالتش؟؟
خلصيني بدون كثرة كلام..
قلت لش بتسافرين.. بتسافرين.. انتهينا!!


فهد غادر.. وجميلة انهارت فعلا تبكي ..
(ليش كذا ياربي؟؟ ليش؟؟ اللهم لا اعتراض..
بس ماني بطايقة وجودي معه.. بأموت ياربي.. بأموت!!)


كانت تبكي من عمق روحها المنتهكة...
أن تبني كل شيء على حلم بريء جدا وبسيط.. ثم ينهار بلا مقدمات..
أمر تعجز عن وصف ألمه ووجعه..
كل ما أردته وعاشت على أمله.. أن يسافر.. يسافر فقط..
ولكنه لابد أن يحرمها من كل مايسعدها.. حتى لو كان لا يريدها..
فهو يريدها تعيسة حتى يكون هو سعيدا..
انتحبت أكثر وأكثر.. وهي تتخيل وترسم سيناريوهات لمسار حياتها مع فهد وهما لوحدهما تماما!!..
كل السيناريوهات بدت مرعبة.. مرعبة لأبعد حد!!!





**********************************







" من جدش خالتي جميلة بتسافر؟؟
ماصدقت يوم قلتي لي تعالي.. عشان أسلم عليها..
ولحد الحين ماني بمصدقة!!"


عفراء بحزن شفاف: لا صدقي... رجالها لزّم عليها تسافر معه!!

مزون بحزن عميق: يعني ماراح تحضر عرسي؟؟

عفراء احتضنت كتفي مزون بحنان: ماعليه يامش ظروفها جات كذا..


في تلك اللحظة كانت جميلة تدخل..
تعبت من رسم القوة طوال الأيام الماضية.. تعبت..!!
فهي كانت تحاول التمسك بالقوة على أمل أنها سترتاح منه قريبا..
لكن القوة الآن ماعاد لها معنى ولا داع..
فهو سيأخذها معه ليمارس عليها عقده.. ويجرعها قسوته اللا محدودة..!!
أ لم يكفيه كل مافعله معها وهو يمتهن إنسانيتها بكل الصور حتى يريد إنهائها تماما؟؟


ما أن رأت أمها ومزون متجاورتين حتى رمت نفسها بينهما وانتحبت بطريقة هستيرية..

عفراء بجزع: جميلة يأمش الله يهداش ليش ذا كله..

جميلة بين شهقاتها المتزايدة: ما أبي أسافر معه.. ما أبي!!

عفراء بقلق: ليش يامش؟؟ ليش؟؟

جميلة مازالت تحاول التمسك ببعض الجلد المتهاوي وهي تذكر سببا مهما جدا ولكنه ليس مطلقا السبب الرئيسي: أبي أحضر زواج مزون..
بأموت لو ماحضرته!!


مزون بتأثر متعاظم وهي تحاول ألا تبكي وتحتضن جميلة: جمول ياقلبي أنا عاذرتش..

جميلة تنتحب: أدري إنش منتي بمتشرهة علي.. بس أنا كنت أبي أحضر..

عفراء تشدها لتحتضنها بقوة: خلاص يأمش.. رجالش أبدى..
تكفين لا تبكين..


جميلة احتضنت خصر أمها وهي تنتحب بهستيرية حقيقية...
نثرت كل كبت الأسبوعين الماضيين وهي تعاني لوحدها.. عاجزة حتى عن مجرد الشكوى..
وهاهي تجد لها الغطاء المناسب لسكب وجعها في حضن أمها..
الأمر الذي تمنته في كل مرة رأت فيها أمه.. ومنعت نفسها منه.. حتى لا تثير قلق أمها..


.
.


" هذا فهد؟؟ مسرع يأمش..!!"


جميلة همست بيأس: يمه الوقت صار متاخر.. وطيارتنا بكرة بدري..
ثم أردفت بنبرة مموهة: فهد يبي ينزل يسلم عليش!!

عفراء تنهدت: خله يأتي يا حياه الله..
مزون قومي يأمش داخل..

مزون توجهت للداخل بينما جميلة توجهت للباب المطل على الباحة لتفتحه لفهد حيث أخبرها بوقوفه!!

حين دخل.. أول مالفت انتباهه هو وجهها.. كان ذابلا تماما ومحمرا لكثرة مابكت..
(يا الله الحين وش قالت لعمتي؟؟
يمكن عمتي ماترضى تخليها تسافر!!)


فهد كان يشعر أن هناك مصيبة ستحصل.. لابد أنها أخبرتهم بالوضع المتردي بينهما..
وبالتاكيد لن يسمحوا لها أن تعود معه حتى للبيت..

ومع ذلك تنهد بحزم وهو يخطو للداخل ويقبل رأس عفرا التي همست له برجاء عميق:
يأمك الله الله في جميلة.. المسكينة كانت بتموت تبي تحضر عرس بنت خالتها.. بس بدتك أنت على كل شيء!!

فهد تنهد براحة (هذي السالفة بس!!) لذا ابتسم وهو يهتف باريحية:
وهي مهيب أحسن مني.. دامها بدتني على قولتش..
على خشمي أرجعها عقب أسبوع نحضر العرس ونسافر مرة ثانية!!


جميلة حين سمعته يقول تمنت للمرة الأولى أن تقفز وتحتضنه وتقبل رأسه.. ولولا وجود والدتها وإلا لفعلتها..
كانت تشهق بفرحة: صدق فهد؟؟ صدق؟؟

ابتسم فهد لأنه يراها تضحك أمامه لأول مرة : أكيد صدق!! المهم ذا الدموع ما نشوفها..

جميلة قفزت للداخل لتبشر مزون.. بينما عفرا التفتت لفهد وهي تهمس بعمق:
تكفى يأمك الله الله فيها.. ولا تخليها وقت طويل لحالها.. تراها تخاف من كل شيء..

فهد هز رأسه بثقة: لا تحاتينها..

عفرا همست باختناق: زين يأمك انتظر دقايق بس.. منصور جاي الحين يبي يسلم عليها قبل تروح..

فهد ينظر للساعة ويهتف بثقة: على العموم أبو زايد هو اللي بيودينا للمطار..
لو ما واجهناه اليوم.. واجهناه بكرة!!




.
.
.



( مشكور فهد.. مشكور.. الله يطول في عمرك)



فهد نظر لها بنظرة مثقلة بيأس حزين وهي تشكره بعفوية حالما ركبا السيارة
تشكره على أمر هو قرره منذ قرر أخذ الدورة..
لكنه لم يخبر أحد.. على أمل أن زواجه منها سيفشل.. ولكي يجعل هذا الأمر بمثابة مفاجئة لغانم ونايف من بعده..
يعني القرار كان من أجله هو!!

وهاهي تشكره بعدما سبب لها كل هذا الحزن.. وجعلها تسكب كل هذه الدموع..

كما لو أنك أخذت حلوى من طفل وتركته يبكي..
وحين أرهق من البكاء أعدت له الحلوى بعدما أكلت ثلاث أرباعها..
ثم تنتظر منه أن يقول لك شكرا...


هكذا كان إحساسه.. وكم باتت أحاسيسه تتعقد وتتلون بغرابة جارحة باتت تتخذ من روحه وطنا تسكنه وتعشوشب أوجاعه في ثناياه!!





*********************************







اليوم التالي

.
.


( ممكن أعرف أنت ليش متوترة كذا!!)


جميلة كانت تخلع عباءتها ونقابها وتعلقهما بعد أن استقر وضعهما في غرفتهما في الأوتيل وتهمس بصدق:
أخاف أقول لك تعاقبني على الكلام..

فهد بغضب: جميلة بلا سخافة!!


جميلة تنهدت: شفت هذا أولها..

فهد تنهد وهو يحاول أن يتحدث بهدوء.. فهو أيضا متوتر ولا يعلم السبب:
خلاص ماني بقايل شيء.. وش فيش؟؟

جميلة بعفوية: بصراحة خايفة منك!!

فهد باستنكار: تخافين مني ليه؟؟

جميلة بيأس: إلا قل لي ليش ما أخاف منك..
إذا وإحنا في ديرتنا عند هلي وهلك ماقصرت فيني تجريح..
أشلون وحن بروحنا؟؟

تنهد فهد بعمق: لا تحاتين أنتي الحين عبارة خوي السفر..
واللي مايراعي خويه ماله خانة..

تنهدت جميلة بذات اليأس: يعني بتراعي خوي السفر.. وأنت ماراعيت مرتك؟؟!!

فهد بذات العمق: يمكن إني غريب شوي!!








#أنفاس_قطر#
.
.
.






#أنفاس_قطر# 24-02-11 07:10 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والتسعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباحكم خير ياوجيه خير..
ياصباحكم دفا يا أدفأ قلوب
.
.
خالص خالص خالص التهنئة بسلامة الملك عبدالله وعودته بعد غياب 3 أشهر!!
الحمدلله على سلامته وجعل سلامته سلامة طويلة يارب
وجعل عمر أبو متعب طويل.. وتستاهلون سلامته.. والله إن حن فرحنا بسلامته.. لأن الله إذا حب عبد حبب خلقه فيه!!
.
نبضات القلب أرجوكم أرجوكم دعواتكم لشهداء الثورة الليبية بالمغفرة والرحمة.. ودعواتكم للثورة بالنصر المؤزر..
فهم بالفعل محتاجين لدعواتكم.. فالوضع أكثر من مؤلم بكثير...
.
.

دعواتكم كذلك لوالدة (رونق) ولأخوة (منو77) ولأخوها زوجته بالمغفرة والرحمة..
جعل الله قبورهم روضة من رياض الجنة.. وغفر الله كل ذنوبهم وأبدلها حسنات!!
.
.
سلامته ولد (علة قلب) ومايشوف شر حبيبي ويفرحك بسلامته دوم..
.
سؤال..
أب.. اخ.. تنطق إبيك.. إخيك.. بكسر البداية وبدون مد في شد..
.
بنات السفرة لمصر ما تحتاج فيزة.. احجزي في نفس اليوم وسافري..
.
هل ممكن يصير شيء بين هزاع وجميلة..؟؟
مع إني ماني من النوع اللي يحب يكشف أي أوراق ويحب يخلي كل الاحتمالات مفتوحة..
لكن مثل هذا التوقع حطوا عليه أكس..

لسبب : إنه في عرفنا الرجّال اللي ممكن يرد عينه لمرت أخوه مهوب رجّال إلا أخس.. إلا لو كان أخوه متوفي..
وأنا بصراحة ماشفت من هزاع اللي يخليه خسيس كذا في نظركم

وعلى الناحية الثانية عندنا المرة.. أخو زوجها عبارة أخوها.. وله احترام وتقدير عظيم من احترامها لزوجها..
والتستر عنه أكثر من واجب.. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الحمو الموت)
.
تغيرات جميلة.. مقصودة جدا..
لاحظوا إن جميلة بدأ ظهورها من الجزء الأول.. وأنتو كنتو معها في تغيراتها خطوة بخطوة
واللي ماتغيره كل التجارب اللي مرت بها جميلة بيكون حجر مهوب إنسان..
والمغزى إن الإنسان لازم يستفيد من كل تجاربه باستخلاص أفضل مافيها!!
.
.
يالله الجزء 92
.
وموعدنا سيكون غدا الجمعة الساعة 1.30 ظهرا في بارت التهنئة بعودة أبو متعب...
وسامحوني لأني عارفة إنكم تقولون البارتات قصيرة..مع إنها مهيب قصيرة :(

بس الأيام هذي غير إني مشغولة في متابعة الأخبار.. عندي مشاغل في بيتي..
وأنا من النوع اللي يحب اتقان العمل.. وما أحب شغل السلق في أي شيء :)
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.





بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والتسعون





" نطلع نتمشى شوي؟؟"


جميلة تنظر لساعتها وتهمس باستغراب: ذا الحزة؟؟


ابتسم فهد ابتسامة مبتورة: أنتي في مصر.. ماعندهم كلمة (ذا الحزة)!!
حتى لو نزلتي الفجر لقيتي الشوارع مليانة..

جميلة بتردد: ماعليه.. أنا تعبانة شوي.. وأنت بكرة دوامك بدري!!


فهد تسربل بالسكون.. وهو يتجه للحمام ليستبدل ملابسه ويتوضأ..
فهو فعلا مرهق.. ويريد أن يصلي وينام!!


ممزق تماما بين أفكاره.. ومشاعره. ويأسه..
منذ البارحة وقراره المفاجئ بأخذها وتمزقه يزداد..
فهو فعلا كان يريد أن يتركها خلفه.. رغم أن ضيقا غريبا كان يكتم على نفسه كلما تذكر أنه سيتركها...

لكنه كان يريد أن يرتاح من كل هذا الشد والتمزق.. ويريحها أيضا منه ومن قسوته وهو يعلم كم بات يمثل لها كابوسا مرعبا!!

كان يريد أن يهرب إلى صفاء يبتعد فيه عن التشويش الذي باتت تسببه له جميلة وهي تضغط عليه بوجودها الغريب..
وتضطره إلى إخراج أسوأ مافيه وهو يبالغ في تجريحها!!


حتى البارحة..

حين عاد للبيت ووجد خالته نورة في زيارة لأمه..
كان لا يريد الجلوس وهو يقبل رأسها ويريد أن يغادر قبل أن تلقي كلمة ما.. ويرد عليها بأخرى..
وهو لا يريد الرد.. فمهما كان تبقى هي أكبر خالاته.. واحترامها واجب..
ولكنها لم تمهله وهي تهمس بنبرة مقصودة: يقولون إنك بتهج بكرة!!

فهد كان واقفا ومستعدا للمغادرة.. التفت لها باستغراب: أهج؟؟

نورة بحزم: إيه بتهج.. وإلا فيه معرس ماله أسبوعين.. يروح دورة ويخلي مرته وراه إلا لأنه هاج منها..

حينها ابتسم فهد ابتسامة مقصودة تماما: معلوماتش غلط ياخالتي..
الدورة مقررة من أول.. وكنت بأروح فيها بروحي..
بس عقب ماشفت مرتي وعرفتها.. مستحيل أخليها...
ما أقدر أصبر عنها ياخالتي.. ما أقدر..
ليه أنتي مادريتي إنها بتروح معي؟؟

نورة حينها نظرت لأم صالح بغضب: صافية ما أنتي باللي قلتي لي إنه بيروح بروحه..؟؟

فهد نظر لوالدته نظرة رجاء فهمتها هي فورا وهي تهمس بشبح ابتسامة:
قلت لش من زمان.. وأنتي ما سألتيني ذا المرة..
ماشاء الله عليش جايه وحادة سكاكينش يأم سعود.. ماعطيتني ولا عطيتي الصبي مجال...




كان هذا هو الحوار الذي حدث قبل قبل صعوده لجميلة وهو يتصل بمكتب السفريات ليتأكد من وجود حجز لها.. وليحجز أوتيلا لأنه هو نفسه يخشى عليها أن تبقى في شقة لوحدها..

ثم يصعد لها ليأمرها بتجهيز حقيبتها.. مضطرا !!!!


لا يعلم هل هو فعلا اضطر لهذا القرار... أم أن خالته منحته الغطاء النفسي المناسب فقط..؟؟
فهو غير مهتم من كلام الناس.. ولكن هل هو يريد إقناع نفسه فقط أنه أخذها مضطرا..؟؟

لأنه بالفعل مرهق من هذه الحياة المشدودة.. مرهق لأبعد حد.. ويحتاج للراحة من هذا الضغط المتواصل!!








****************************************






" حبيبي أنا جنبك.. قوم.. سم بسم الله الرحمن الرحيم"


زايد شهق وهو ينهض جالسا.. بينما مزنة تربت على ظهره وهي تناوله قنينة ماء ليشرب منها قليلا..

مزنة مسحت وجهه بحنان وهي تهمس بحنان مصفى: وش فيك فديتك؟؟ شيء يوجعك؟؟ تبي شيء؟؟

زايد باستغراب: لا.. ليش تسألين؟؟

مزنة باهتمام: لأنك الليلة دعيتني أكثر من كل من مرة.. وكنت تون كنك موجوع..


زايد تراجع بحرج فيه رائحة حزن عميق: ما أدري.. ماحسيت بروحي..

مزنة همست بذات الاهتمام: زين شيء يوجعك؟؟

زايد بذات الحزن الغريب: لا أبد.. بس أبي أرجع أنام..


عاد للتمدد على يمينه.. بينما هي بقيت جالسة وهي تمسح على شعره.. وتقرأ عليه الرقية الشرعية..


لم يعد للنوم مطلقا.. فهناك حزن في قلبه بدأ ينمو كجذر صغير بدأ يغوص في تربة قلبه ويتجذر...
إن كان لا يشعر بنفسه بهذه الطريقة وهو يناديها..
فربما أنها هي سمعته.. هــــي..... وسمية!!
يشعر أن قلبه مجهد.. مجهد.. مجهد لمجرد الفكرة.. لمجرد الفكرة!!


"يا الله .. رحماك يارب..
قلبي لن يحتمل وجعا كهذا!! "






*************************************








(امشي نروح المستشفى!!)



كاسرة تمسح وجهها وهي تتناول قنينة الماء لتشرب منها قليلا وتهمس بإرهاق:
مافيه داعي!!

كساب بحزم: أشلون مافيه داعي.. هذي ثاني مرة تزوعين الليلة.. ماحتى لحقتي تنامين شوي..

كاسرة بذات الإرهاق وهي تجلس على طرف السرير: صدقني ماراح يسوون شيء.. حبوب اللوعة وعندي..

كساب بغضب: وأنتي وش خسرانة؟؟ خلنا نروح.. وإلا لازم تعاندين وخلاص..

كاسرة تمددت على جنبها وهي تهمس بنبرة مرهقة فعلا:
كساب ارحمني الله يرحم والديك.. بأموت أبي أنام شوي..
ما أبي أروح مكان!!



كساب تأفف وهو يتجه للناحية الأخرى من السرير.. فهو مرهق بسببها أكثر منها!!
فوحامها بدأ يصبح أصعب وأصعب!!
وخلال الأيام الماضية.. أخذها للمستشفى عدات مرات..
وأحد المرات بقيت في المستشفى ليوم كامل لتعليق المحاليل عليها.. لأنها كادت تصاب بالجفاف لكثرة مارجعت..


الآن لديه رحلة عمل لتوقيع عقد مشروع وهو يؤجلها... لأنه لا يريد تركها وهي على هذا الحال..
ومع كل الاهتمام الذي يبذله لها.. إلا أن اهتمامه دائما مغلف بحدته.. وغموضه..!!!
لدرجة أشعرت كاسرة أنه يفعل كل هذا لمجرد القيام بالواجب فقط!!
أو ربما إحساسا بذنب ما لأنه جرحه بكلامه القديم عن عدم رغبته أن يكون أبا!!



كاسرة فتحت عينيها بإرهاق ناعس لتجده جالسا.. همست بخفوت:
كساب نام.. أنا خلاص بأنام.. مافيني شيء!!

حينها تمدد وهو يمد ذراعه ناحيتها..ليجذبها بلطف ويحتضنها وهو يهمس في أذنها بعمق: خلش جنبي عشان أحس فيش..
عشان ما تسوين مثل قبل شوي.. وأنتي تتسحبين للحمام عشان ما أقوم..

كاسرة بيأس: مايصير كل ماجيت أرجّع.. أفزعك من نومك..
وكفاية إنك حتى نومتك مهيب مريحة عشان يدك..فأجي أزاحمك في يدك السليمة!!

كساب بسكون عميق: بلا سخافة.. نامي.. وخليني أنام!!


يا الله.. أي مخلوقان هذان..!!
كل واحد منهما اهتمامه بالآخر أكثر من اهتمامه بنفسه..
ومع وضوح ذلك كالشمس في كبد السماء..
إلا أنهما لا يعلمان مغزى ومعنى هذا الاهتمام ولا بعده وعمقه وحساسيته!!






************************************








" لا تطلعين مكان.. تقعدين في الغرفة لين أرجع!!"


جميلة بيأس: وين بأروح يعني ؟؟

فهد بحزم: يمكن تقولين بانزل أتمشى تحت لا زهقتي!!

جميلة همست بسكون دون أن تنظر إليه: ماني بنازلة ولا حتى لي خلق أنزل..

فهد بحدة: ليش يعني؟؟ لذا الدرجة ضايقة من سفرتش معـ.....

فهد بتر عبارته وهو يتذكر وعده لنفسه شد نفسا عميقا وهو يهتف بحزم: ماني بمتأخر.. حزة الغداء راجع..
وبأطلع أنا وأنتي ..


ما أن خرج حتى تنفست جميلة الصعداء.. يا الله كانت شبه عاجزة عن التنفس في وجوده..
منذ صباح الأمس وهما شبه متلازمان!!
وهي تتحفز بشدة من حدته..


في المطارات بالأمس.. لا يريدها أن تقترب من أحد أو يقترب أحدا منها..
وهو لأول مرة يصر على الإمساك بكفها طوال تحركهما في المطارين..
وكأنه يريد أن يضمن وجودها بجواره..

بالفعل كم تفتقد لمرونة خليفة..!!

فكلما زاد عليها فهد بالضغط.. كلما زادت هي في التهدئة.. وهي ترى أن هذا ناتج طبيعي لكل مافعلته في خليفة..
وهو يعلمها درسها الأعظم في الحياة!! الذي كان يستحيل أن تتعلمه لولاه..
فهي كانت كلما زادت ضغطها عليه.. زاد هو من صبره عليها!!

وكأنك لابد أن تبذل قليلا من المرونة حتى لا تنكسر مثل أشجار الخيزران التي تميل بليونتها مع الريح حتى لا تكسرها!!




.
.



" فهد.. وش فيك؟؟"


فهد يلتفت لزميله الجالس جواره بعد أن مر به ليذهبا للتدريب سويا ويهتف بهدوء: مافيني شيء.. عادني تعبان من رحلة أمس..

زميله بثقة: أنت بعد الله يهداك تأخرت.. كلنا صار لنا يومين هنا.. وأنت آخر واحد وصلت..
ثم أردف بإبتسامة: بس وش نقول؟؟ عريس.... مرفوع عنك القلم...

فهد صمت وهو ينظر لكفيه ويقلبهما..
يشعر أن ملمس أناملها مازال بين أنامله.. بالأمس لم يفلت يدها أبدا..
بداية شعر بالحرج أن يفعل ذلك ولكنه كان مضطرا لأنه خشي عليها أن تصدم بأحد وهي بالكاد تتحرك برقتها التي تثير غيظه..
ثم بعد ذلك شعر أنه عاجز عن افلاتها.. وكأن خشونة أنامله كانت تنتظر نعومة أناملها لتزهر بعد قحط!!

وهو في الطائرة كان ينظر لأناملها الساكنة في حضنها ويتمنى لو عاود إمساكها.. ولكنه الآن لا عذر له ليمسكها..
وكذلك حين وصلا للفندق وهما يقضيان معظم الوقت متقابلين غي غرفتهما..
وهو يتمنى ذات الأمنية الغريبة.. أن يمسك يدها.. يدها فقط!!







*****************************************







" ها غنومي.. وش أخبار تجهيزاتك ياعريس؟؟"

غانم يلتفت لنجلاء التي دخلت عليه في غرفته وهو يلبس غترته أمام المرآة استعدادا للخروج.. ويهتف بعتب:
ليش تطلعين لين فوق.. أنا أساسا كنت نازل.. تبين تولدين على الدرج..

نجلاء تجلس على السرير وأنفاسها مقطوعة: يوه كفاية علي صالح.. تجيني أنت بعد..
خلوني أتحرك شوي.. في الحركة بركة!!
المهم شأخبار تجهيزاتك؟؟ صالح قاعد يتمدح لي كنه جاب الذيب من ذيله لا يكون يلعب علي بس!!

غانم يميل ليقبل رأسها ويهتف بإبتسامة: أبو خالد رايته بيضا.. أنا أشهد إنه ماقصر..
وحتى عبدالله وهزاع كلهم قدموا الغانمة وحلفوا علي ما أسوي شيء..
إحساس عريس صدق..

نجلاء تقف لتعدل غترته له وهي تهمس بمودة صافية: وأحلى عريس جعل يومي قبل يومك!!

غانم يعاود تقبيل جبينها ويهتف بحنان خالص: بسم الله عليش.. وجعل عمرش طويل.. ولا أذوق حزنش..
المهم ماتربين قدام عرسي.. حاجز لش يساري عشان الصورة..

نجلاء تضحك: لا ياحبيب قلبي.. اليمين لي واليسار لأختي سمور.. العدل واجب..
ومستحيل حد يزحزني.. فيلة بكرش!!

غانم يضحك: ومرتي وينها؟؟ طيري بس.. شكلي بادعي عليش تولدين قبل عرسي عشان ما تنشبين في حلقي!!

نجلاء وضعت يدها على بطنها بحركة تمثيلية: يوه شكل دعوتك صابت..

غانم يدخل ذراعها في ذراعه ويشد عليه.. لينزلا سويا ويهتف بمرح: طيري مرتين..
تيك سمور اللي تضبط سوالف التمثيل هي وخالها هريدي..
أنتي كومبارس صامت واجد عليش!!








*****************************************







حين عاد من التدريب وجدها جالسة كما تركها..
مع الاختلاف طبعا!!
تنهد وهو يرى أناقتها المثيرة فعلا..
في فستانها القصير بقصة تشبه قصة الخمسينيات بحزام مشدود على الخصر وبدون أكمام..

لا يعلم لِـمَ رؤيتها باتت تسبب له إرهاقا غير مفهوم؟؟

هتف لها بإرهاقه الفعلي وهو يجلس على مقعد منفرد قريبا منها:
أنا أبي أعرف دامش قاعدة بروحش.. وأنا وأنتي –عفوا على الكلمة- مااحنا بأزواج طبيعين..
فليش ذا الكشخة كلها؟؟
قبل كنت أقول في الدوحة عشان فيه ناس يجون ويشوفونش.. بس الحين ليش.. لا وزيادة عن كل مرة؟؟

جميلة بنبرة مقصودة: نفس الجواب اللي جاوبتك في الدوحة.. أنا وحدة أحب أكشخ.. وأنا أكشخ لنفسي ولنفسيتي..
وخصوصا الحين ماعندي شيء أسويه كون مقابلة الطوف..!!

فهد يتنهد: زين اقري قرآن واستغلي وقتش..

جميلة بثقة رقيقة: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت"
وأنا الصبح من يوم طلعت وأنا أقرأ قرآن لله الحمد.. والكشخة اللي مهيب عاجبتك هي الترويح عن النفس..


فهد تأفف (المشكلة إنها عاجبتي وزود.. ليش إني واحد ماشفت خير!!
.
.
إلا والله شفت وشفت.. الدنيا مليانة بنات والتلفزيون.. حتى لو ماكنت أرد عيني لأحد..
بس الشوف شفت.. ليش أكذب على روحي؟؟)

فهد هتف بثقة: خلاص عطيني دقايق أتسبح على السريع وأبدل.. ونطلع نتغدى..

جميلة همست بعفوية: فهد ماله داعي.. انت توك جاي من التدريب.. واكيد تعبان.. خل طلعتنا بعدين..

فهد بذات الثقة : لا تعبان ولا شيء!! بس أنتي بعد قومي بدلي ملابسش..

وجميلة همست بذات العفوية: تدري.. توقعت أشوفك باللبس العسكري.. ولا مرة شفتك فيه!!
كنت أحب أشوف شكل عمي منصور وهو نازل لشغله!!


حينها مد يده قليلا لتصل ليده لأعلى عضدها وهو يمسح عليه بظهر سبابته بلطف ويهتف بنبرة مقصودة:
لو صدق بتحبين شكلي في اللبس العسكري رحت الحين مكان التدريب وجبت لبسي!!

جميلة انكمشت على نفسها لتبتعد عن مدى يده وهي تهمس بارتباك ثم تقف:
بأقوم أبدل على ماتسبح أنت..

حينها شد فهد كفها ليعيدها مكانها وهو يهتف بنبرة أقرب للغضب: ممكن أعرف ليش تسوين كذا؟؟

جميلة بذات الارتباك: وش سويت؟؟

فهد بذات النبرة العصبية: أنتي عارفة وش سويتي.. ليش أحس أحيانا إنش تبين تعذبيني!!

جميلة بصدمة حقيقية: أنا؟!!

فهد وقف وهو يهتف بغضب: ماراح أقول شيء .. لأني ما أبي أقول شيء يضايقش..
خلني اروح أسبح أحسن لي!!


جميلة تنظر لظهره متجها للحمام.. بالفعل لم تفهم شيئا مما حدث أمامها..
ولكن ما يهمها في الموضوع أنها لم تحض بأي تجريح لا معنى له.. والحمدلله!!


هــــو.. في الداخل يسند رأسه للحائط والماء ينسكب على رأسه وكتفيه..
كان يتمنى لو كان الماء أبرد أكثر بكثير من ذلك عله يبرد بعضا من الحرارة التي تجتاح خلاياه..

ألمه بات يتعمق أكثر وأكثر.. بين رغبة ورغبة مضادة.. بين شعور وشعور مضاد..
ولا شيء مؤلم أكثر من التمزق بين المشاعر الداخلية.. كما لو أن كل ذراع من ذراعيك مثبت بطائرة حربية مرعبة في سرعتها..
ثم طارت كل منهما في اتجاه معاكس..
هل تستطيع وصف الألم حينها؟!!
يستحيل...!! لأنه ألم يستحيل على كل الكلمات!!

يشعر أنه سيموت.. وهو يذوي فعلا.. ليقترب منها قليلا.. لا يطمع بالكثير..
يتحسس رقة خديها!!
يتنفس عبير شعرها من قرب!!
يلثم أطراف أناملها.. ربما !!

لكنه ما أن تجتاحه هذا الرغبة.. حتى يشعر أن إحساس القرف يعاود غزوه بقساوة.. كيف يرضى بشيء مستهلك؟؟ لمسته يد قبله!!


والإحساس المتضاد الآخر..
الأول.. أنها لا تشجعه مطلقا.. فالغريب أنه ينتظر إشارة منها..
إشارة فعلية تقنعه داخليا أنه لو تصرف أي تصرف فإنها هي السبب لأنها من قامت بأغوائه..
فالذنب حينها سيكون ذنبها!!

وضد هذا الشعور أنه كلما تهور وقام بخطوة ما.. فاجأته بخجل غير مبرر .. جعل قرفه منها يزداد.. وغضبه يتصاعد..

القرف لأنها تمثل خجلا لا تشعر به.. فهي امرأة كانت متزوجة وتعودت على هذه اللمسات وماهو أكثر منها..

والغضب لأنه يظن أنها لا تتقبله بعد زوجها الأول.. وهذا الشعور أكثر شعور بات يؤذيه.. وفي عمق العمق!!






**********************************






" زايد وش فيك؟؟ منت بعاجبني..
شي مضايقك في الشغل؟؟ "

زايد يتمدد وهو يهتف بهدوء واثق: لا أبد.. كل شيء تمام!!

ابتسمت مزنة: أجل متضايق عشان عرس مزون قرب..
لا تحاتيها.. آل ليث عرب أجواد... عدا إنه راشد آل ليث وهله قصرانا من سنين.. أنا أشهد أنهم نعم الجار..
وأم غانم مرة أجودية!!
وهذا البيت قريب.. وبنتك مهيب رايحة بعيد منك!!

ابتسم زايد بشجن: ما أنكر إن موضوع عرس مزون مضايقني..
مهما كان هذي بنيتي الوحيدة.. والسنين الأخيرة بالذات كنت أنا وهي أقرب اثنين لبعض.. والعيال كل واحد منهم هاج في طريق!!
لولاها بعد الله وإلا كان استخفيت!!

مزنة مالت لتقبل كتفه وهي تهمس بمودة: جعل ربي مايخليها منك.. ولا يخليك منها.. وتفرح بعيالها قريب إن شاء الله..






*************************************






( الواحد عشان يشوفش ش صار لازم يأخذ مواعيد..
يعني عشان عرس أخيش قرب كذا.. مشغولة على طول!!
وعقبه بتنشغلين في عرس وضحى.. وعقبه دوامش على طول
متى بالحق أشبع منش أنا؟؟)



سميرة جلست مقابلا لتميم وهي تشير بإبتسامة مقصودة:
صدق إنك مثل اللي عيرني بعيارته وركبني حمارته..
الحين من اللي يداوم شفتين.. صبح وعصر غيرك..
أنا أصلا اللي صرت أتشفق على قعدتك وأنت مشغول على طول!!


تميم ابتسم: خلاص خلي عرس وضحى يخلص وتروح لبيتها.. وأسافر أنا وأنتي كم يوم.. ويك إند من عندش مع كم يوم إجازة عارضة!!


حينها أشارت سميرة بجدية: تميم أنا أبي أتكلم في الموضوع جد شوي..
الحين وضحى بتروح.. وخلاص البيت مافيه غيري..
يعني أنا ما أستاهل منك شوي وقت!!
تميم شغلك هذا أنت صاحبه.. منت بموظف عندهم.. وعندك بدل الموظف عشرين!!
يعني داوم الصبح وقت ما أكون أنا في المدرسة!!
وخلاص العصر الموظفين موجودين مكانك.. وأنت أساسا عندك مدير عليهم..
وكذا الأشغال ماشية..
متى بنعيش حياتنا مع بعض؟؟.. شوي الظهر والليل اللي ترجع فيهم البيت!!

تميم مستغرب فعلا.. فهي مطلقا لم تظهر أي شكوى من الموضوع قبلا.. فما الجديد.. أشار لها باستغرابه: غريبة عمرش ما اشتكيتي!!

سميرة تنهدت: تميم قبل ماكانت علاقة زينة.. عدا إنه أمك وأختك موجودين..
لكن الحين الحمدلله علاقتنا ممتازة.. والبيت مافيه أحد غيري أنا وإياك..
خاطري تتفرغ شوي.. وأنا ما طلبت شيء يأثر على شغلك..
لأنك انت اللي هالك نفسك في الشغل زيادة عن اللزوم!!

تميم تنهد: بس أنا أحب شغلي ومتعود على ذا النظام!!

سميرة أشارت بعتب: وأنا يعني مالي اعتبار.. أنت قبل كنت عزابي.. بس أنت الحين رجّال متزوج..

تميم وقف لينهي الحوار وهو يشير بحزم: موضوع مثل ذا ما ينوخذ فيه قرار كذا..
الموضوع يبي له دراسة!!


سميرة صمتت عن أي إشارة وهي تثبت يديها في حضنها... لا تنكر أنها تشعر بحزن ما فعلا.. أن يكون قرار مثل هذا يحتاج لدراسة كما يقول دون أن يكون لها اعتبار عنده!!








********************************





" أوووف مافيه فايدة.. مافيه فايدة!! "


عالية تشعر بتأثر متعاظم تخفيه خلف حزم صوتها الواثق:
عبدالرحمن الله يهداك .. ليش تقول كذا؟؟

عبدالرحمن بتأفف وهو يعود لمقعده: شوفت عينش.. على كثر ما أسوي تمرينات.. مافيه أي تحسن!!

ابتسمت عالية وهي تمسح عرق وجهه بمنديل معها: ولا تقنطوا من رحمة الله..
تو الناس..

تنهد عبدالرحمن: والنعم بالله.. وما ييئس من رحمة الله إلا قانط..
بس أنا تعبت من نفسي..
تهقين لازم أخفف وزني شوي؟؟

ضحكت عالية برقة: عبدالرحمن أنت صدقت إنك متين.. ترا كل السالفة إنك مليان شويتين.. وما أعتقد إن ذا الشيء له علاقة بمشيك..

عبدالرحمن تنهد بعمق وهو يتجه للحمام ليستحم.. بينما عالية انطفئت ابتسامتها المرسومة وهي تتنهد بحزن..
فهي فعلا ترى أن عبدالرحمن يبذل جهدا كبيرا في التدريب..
ولكن العائد لا يوازي مطلقا الجهد المبذول..
لا تلومه إن تعبت نفسيته.. فهو هذه المرة يبذل جهدا صادقا..

فأين المشكلة؟؟ أين هي؟؟






************************************








" أنا آسفة حبيبي.. آسفة آسفة أسفة.. تاخرت عليك؟؟"


كانت هذه عبارة شعاع وهي تخلع عباءتها وتميل لتحتضن رأس علي الجالس في صالتهما العلوية يشاهد الأخبار!!

علي ابتسم وهو يشدها لتجلس جواره: لا حبيبتي توني واصل.. مثل ماقلت لش في التلفون!!

شعاع احتضنت خصره وهي تهمس برقة: تدري عن أختك عروس.. ولازم ندلعها.. فماحبينا نعجلها..


ابتسم علي بحنان عميق: ياقلبي يامزون.. والله ماني بمتخيل أشلون بتصير مرة متزوجة!! حاسس قلبي يوجعني كل ماتذكرت..

شعاع ابتسمت بعذوبة: ماشاء الله عليها مزون.. اتخمت من حبكم لها.. أنت وإبيك وكساب..
ما أدري وش بتلقى عند غانم زود..؟؟

ابتسم علي : مهما كان مشاعر زوجها غير... يعني أنا مالقيتي عندي زود عقب إبيش وأخيش..

تنهدت شعاع بشجن عميق وهي تدفن وجهها في صدره:
أنا مالقيت الزود إلا عندك.. عشان كذا تعلقت فيك بسرعة..
صحيح عبدالرحمن حنون واجد.. لكن إبي مع إني أحبه بجنون.. كان واجد قاسي علي..
إبي ماتحسنت معاملته معي إلا بعد حادث عبدالرحمن!!
بس يا أنا فقدته وحتى قسوته فقدتها تيك الأيام الله لا يردها..


علي ابتسم بشجن وهو يرفع وجهها له: وأنا ما أبيش تتعلقين في حد غيري..
ولا حتى إبيش وإخيش..
حبيهم براحتش وكثر ما تبين.. بس المهم إنش لي بروحي!!






************************************








" حبيبتي في من تتصلين وأنتي تروحين وتجين كذا؟!!"


جوزا تلتفت لعبدالله وهي تهمس بقلق: أتصل في نجلا..

عبدالله بعفوية واثقة: أنتي مهوب كنتي أنتي وإياها في السوق قبل شوي؟؟

جوزا بذات القلق: بلى .. بس تعبت وحن في السوق.. وقالت تبي ترجع للبيت..
ونزلتني وراحت لبيتها.. وأتصل فيها ما ترد علي!!

عبدالله بقلق مشابه: تبين أتصل في صالح؟؟

جوزا تنهدت بيأس: لا لا تتصل.. لأنه لو كان اللي في بالي بيكون مشتط وحالته حالة..







***************************************





صالح يدخل البيت كالأعصار وهو يصرخ بأنفاس مقطوعة:
نجلا .. نجلا وينش؟؟


نجلا تخرج من غرفة داخلية وهي تلبس عباءتها وهي بالكاد تتحرك.. صالح ركض لها ليسندها وهو يهتف لها بقلق جازع لأبعد حد:
وش فيش؟؟ روعتيني وانتي تقولين لي تعال الحين!!

نجلا بألم وانفاسها مبتورة تماما: بأولد...

صالح برعب: نعم؟؟ توش دخلتي التاسع!!

نجلا تحاول أن تتجلد: صالح تكفى لا تروع كذا.. يعني مهيب أول مرة نمر بذا الموقف!!

صالح يسندها وهو يكاد يحملها ويهتف بأنفاس مقطوعة:
وأنتي تبين ولادة عزوز اللي قبل خمس سنين.. تدريب أتذكره..
امشي الله يرحم والديش..
ثم اردف بقلق: العيال وينهم؟؟


نجلاء تتعصر من الألم: عند أمي من قبل أروح السوق..


صالح أركبها المقعد المجاور له وأغلق الباب ثم هتف بذات القلق المتفجر:
وش حاسة فيه؟؟

نجلاء بألم: بأولد.. وش أنا حاسة فيه بعد.. تعبانة ياصالح تعبانة..
تكفى خلنا نمر سميرة.. أنا كلمتها بتلقاها جاهزة..

صالح يشد على كفها وهو يحرك سيارته بسرعة ويهتف بأنفاسه المقطوعة:
هدي ياحبيتي.. هدي.. وسمي بسم الله..

نجلاء صرت على أسنانها: هذا أنا هادية.. بس أنت اللي هدي تكفى.. لا توترني!!

شدت على كفه بقوة حين شعرت بالتقلصات ثم أرختها حين ذهبت.. بينما قلبه يتقافز مع حركاتها..

نجلا بدأت دموعها تسيل بصمت وهي تصر على أسنانها.. ثم همست بألم:
صالح أبي أقول لك شيء!!

صالح يشد على كفها ويهتف بقلقه المتزايد: ويش حبيبي؟؟


نجلاء تشهق من شدة الألم: تــرا الــلي في بــطـنــي......
........ولــــــد.....!!






***********************************







" عفراء أبو كساب يبيش تحت!!"


عفراء بعفوية: ياهلا ومرحبا بأبو كساب.. نص دقيقة وجايتكم..
خذ زايد يسلم على سميه!!


منصور حمل زايد الصغير وهو يلفه ويهتف بحزم: ترا والله العالم إن جية زايد مهيب للسلام وبس..
شكله وجهه فيه علوم!!

عفراء بقلق: خير إن شاء الله.. جايه وراك الحين..



عفراء حين وصلت للاسفل كان زايد الصغير في حضن زايد الكبير..
حالما رأى عفراء رحب فيها بعفوية أخوية حميمة..
وحين انتهت السلامات المعتادة..

توجه بوجهه لعفرا وهو يهتف بنبرة مباشرة حازمة.. شديدة الثقة:
أم زايد اسمعيني زين الله يرحم شيبانش ..
أنا بأنشدش من شيء.. بس ما أبيه يطلع من بيننا حن الثلاثة..
شيء ماظنتي إنه حد بيعرفه غيرش!!


عفراء تفجر قلقها: أبو كساب الله يهداك صبيت قلبي.. آمرني..


زايد تنهد بصعوبة وهو يفجر سؤالا وجعه بعمق قرون:

حلفتش بالله ماتدسين علي...
أم كساب الله يرحمها قد قالت لش إنها سمعتني أدعي حد في نومي؟؟؟؟





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 25-02-11 12:32 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والتسعون
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم خير ومغفرة ورحمات
.
بنات الكويت العسولات خالص التهنئة بكل أفراحكم ومناسباتكم.. ياجعل أفراحكم دوم
ولا يهمكم لكم في ذمتي بارت هدية.. بس موب بكرة عاد
اعتبروه هدية مؤجلة..واحتفلوا الحين بأفراحكم..


عقبال مانهدي بنات البحرين يوم تزين أوضاعهم وربي يصلح أحوالهم..

ونهدي بنات ليبيا بارتين موب بارت واحد عقب ما تزول عنهم الغمة

أنا أدري إنه فيه بنات ليبيات يتابعون معنا.. أدري الحين مستحيل لهم مزاج يتابعون..
بس يا ليت لو وحدة مرت من هنا .. تطمنا عنهم!!
.
.
اللهم اشف والدة (لمسة غلا) شفاء لا يغادر سقما وانعم عليها بتمام الصحة والعافية
.
.
وفيه عندنا نجمة.. بس مؤجلة للبارت الجاي.. فصاحبتها لا تحاتيها..
.
.
فيه سؤال هل صدق إن العريس ما يشوف العروس وإلا هذا لزوم الأكشن :)

سبق جاوبت يانبضات قلبي..
فعلا عند بعض العوايل عندنا في الخليج.. العريس مايشوفها إلا ليلة العرس <== عشان ينصدم مضبوط :)
.
.
بنات صحيح الناس درووا إن جوزاء حامل قبل نجلا..
بس وقتها جوزاء كانت في الشهر الثاني ونجلا في آخر الرابع بس مادرت!!
.
ويا الله البارت 93... بارت صغنون قبل ما تشتكون
بس بارت كان متعب لي واجد.. وإذا قريتوا عرفتوا السبب..
اقروه بتمعن..
ونلتقي الأحد الساعة 8 صباحا
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الثالث والتسعون





صالح يدخل البيت كالأعصار وهو يصرخ بأنفاس مقطوعة:
نجلا .. نجلا وينش؟؟


نجلا تخرج من غرفة داخلية وهي تلبس عباءتها وهي بالكاد تتحرك.. صالح ركض لها ليسندها وهو يهتف لها بقلق جازع لأبعد حد:
وش فيش؟؟ روعتيني وانتي تقولين لي تعال الحين!!

نجلا بألم وانفاسها مبتورة تماما: بأولد...

صالح برعب: نعم؟؟ توش دخلتي التاسع!!

نجلا تحاول أن تتجلد: صالح تكفى لا تروع كذا.. يعني مهيب أول مرة نمر بذا الموقف!!

صالح يسندها وهو يكاد يحملها ويهتف بأنفاس مقطوعة:
وأنتي تبين ولادة عزوز اللي قبل خمس سنين.. تدريب أتذكره..
امشي الله يرحم والديش..
ثم اردف بقلق: العيال وينهم؟؟


نجلاء تتعصر من الألم: عند أمي من قبل أروح السوق..


صالح أركبها المقعد المجاور له وأغلق الباب ثم هتف بذات القلق المتفجر:
وش حاسة فيه؟؟

نجلاء بألم: بأولد.. وش أنا حاسة فيه بعد.. تعبانة ياصالح تعبانة..
تكفى خلنا نمر سميرة.. أنا كلمتها بتلقاها جاهزة..

صالح يشد على كفها وهو يحرك سيارته بسرعة ويهتف بأنفاسه المقطوعة:
هدي ياحبيتي.. هدي.. وسمي بسم الله..

نجلاء صرت على أسنانها: هذا أنا هادية.. بس أنت اللي هدي تكفى.. لا توترني!!

شدت على كفه بقوة حين شعرت بالتقلصات ثم أرختها حين ذهبت.. بينما قلبه يتقافز مع حركاتها..

نجلا بدأت دموعها تسيل بصمت وهي تصر على أسنانها.. ثم همست بألم:
صالح أبي أقول لك شيء!!

صالح يشد على كفها ويهتف بقلقه المتزايد: ويش حبيبي؟؟


نجلاء تشهق من شدة الألم: تــرا الــلي في بــطـنــي......
........ولــــــد.....!!
بس مابغيت أقول قبل.. من كثر ما أنا شايفتك شفقان على بنت..
بس الحين مهوب هاين علي تقعد تنتظر ساعات على باب غرفة العمليات وانت ما تدري!!


صالح يشد على كفها أكثر وهو يهتف باهتمام صادق: لا تصيرين سخيفة ..
المهم سلامتش..
والولد والبنت كلهم نعمة رب العالمين..
الحين بتجيبين الولد.. وعقب بتجيبين لي البنت.. المهم الله يمن علينا بمولود تام وسليم ياقلبي!!

نجلاء شدت على كفه أكثر وهي تهمس بين شهقات الألم:
صالح تكفى لو صار لي شيء الله الله في عيالي.. وصاتك العيال..

صالح زفر بغضب حقيقي: هذا الموال اللي ما أحبه.. واللي ما تنسينه كل ولادة..
يا بنت الحلال مافيش إلا العافية.. وأنتي إللي الله الله في عيالش!!







***********************************







" عفراء أبو كساب يبيش تحت!!"


عفراء بعفوية: ياهلا ومرحبا بأبو كساب.. نص دقيقة وجايتكم..
خذ زايد يسلم على سميه!!


منصور حمل زايد الصغير وهو يلفه ويهتف بحزم: ترا والله العالم إن جية زايد مهيب للسلام وبس..
شكله وجهه فيه علوم!!

عفراء بقلق: خير إن شاء الله.. جايه وراك الحين..



عفراء حين وصلت للاسفل كان زايد الصغير في حضن زايد الكبير..
حالما رأى عفراء رحب فيها بعفوية أخوية حميمة..
وحين انتهت السلامات المعتادة..

توجه بوجهه لعفرا وهو يهتف بنبرة مباشرة حازمة.. شديدة الثقة:
أم زايد اسمعيني زين الله يرحم شيبانش ..
أنا بأنشدش من شيء.. بس ما أبيه يطلع من بيننا حن الثلاثة..
شيء ماظنتي إنه حد بيعرفه غيرش!!


عفراء تفجر قلقها: أبو كساب الله يهداك صبيت قلبي.. آمرني..


زايد تنهد بصعوبة وهو يفجر سؤالا وجعه بعمق قرون:

حلفتش بالله ماتدسين علي...
أم كساب الله يرحمها قد قالت لش إنها سمعتني أدعي حد في نومي؟؟؟؟



عفراء تغير وجهها تماما وهي تشيح بوجهها جانبا.. زايد لاحظ تغيرها.. وليس غبيا ليفهم سبب التغير..

شُعر أن يدا هائلة تعتصر فؤاده بلا رحمة.. حتى كادت حجرات قلبه الأربع تتفجر من بين اعتصار أصابعه الجبارة..

هتف بثقل موجوع أخفاه خلف سكون صوته:
عفراء انا حلفتش بالله اللي أكبر من كل شيء.. وانا لو ما أنا بحاس بشيء ماكان سألت .. فحتى لو أنكرتي تراني ماني بمصدقش!!


عفراء همست باختناق: يأبوكساب.. حكي في الفايت نقصان في العقل..
أنت الحين رجّال متزوج.. ووسمية لين آخر يوم معك أنا أشهد إنها كانت مبسوطة وفي معزة واحترام وكرامة..
وشو له تقلب في حكي مامنه فايدة!!

زايد هتف بثقل حازم أكثر: عفرا ترا الجواب وصلني خلاص.. وأنا ما أني بغشيم..
بس ريحيني بكلام صريح ولا تخليني معلق كذا!!

عفراء أشاحت بوجهها وهي تختنق تماما: ماعندي كلام أقوله.. ولا أعرف شيء عن اللي تقوله..

زايد التفت لمنصور وهو يهتف له برجاء أخوي مثقل بوجعه المتزايد: أبو زايد حلفتك بالله تحاكيها..
رب العالمين ماله حشمة عندكم.. حلفتها بالله وماتبي تقول لي!!

منصور هتف لعفرا بحزم: عفراء إذا عندش شيء قوليه لزايد.. زايد حلفش بالله..

عفرا وقفت وهي تهمس بحزم: هو حلفني بس أنا ماحلفت..
والحين اسمحوا لي أروح..
وترا للميت حرمته.. خلو الميت مرتاح في قبره!!
ووسمية الله يرحمها ماقالت لي شيء .. انتهينا..



عفراء غادرت فعلا..
وزايد وقف دون أن يتكلم... حتى لو لم تخبره بشيء..
فالجواب وصله تماما.. وصله بشكل واضح وصارخ وموغل في الألم..
لأنه لو لم يكن محقا لم تكن عفرا لترتبك وترفض البقاء.. كانت نفت الأمر من بدايته..
ولكنها توترت وارتبكت.. ثم هربت..


وهذا معناه جواب واحد لايخفى على رجل بخبرته ..
أن هذا حدث فعلا... حدث!!
أن وسمية عانت لسنوات وهي تسمعه ينادي سواها طوال ليالي متطاولة مثقلة بالمرارة.. ليلة بعد ليلة!!
فأي امرأة جبارة هذه المرأة!! أي امرأة جبارة من احتملت كل هذا!!

الآن فقط أصبح يعرف سبب هربها لتنام في غرف أبنائها..
الآن أصبح يعرف..
وكم جرحته هذه المعرفة حتى عمق العمق..
بل نحرت روحه الآبية الأصيلة.. نحرتها تماما!!






******************************************






كان يحتضن كفها بين أنامله بقوة تملكية غريبة.. وهما يتمشيان قريبا من الفندق..
وتتمنى هي لو أفلت كفها التي بدأت تتعرق من شدة تمسكه بها..

كل واحد منهما مشغول بأفكاره الخاصة.. والحديث الدائر بينهما في أدنى حدوده..
رغم أنه كان يتمنى أن يسمعها تتكلم.. وتتكلم.. تمنى أن تخبره عن حياتها الماضية.. ذكرياتها..
عدا فترة واحدة فقط.. واحدة فقط.. يؤلمه مجرد التفكير فيها!!
ويخشى أن يجرهما الحديث لها...


حين اقتربتا من الفندق اعترضهما شاب صغير يبيع الورد وهو يهتف بظرف:
الورد للورد يابيه!!

رغم أن فهد لا يهتم بهذه الأمور ولا يفهمها أبدا.. ولكنه التفت لجميلة وسألها: أي لون تبين؟؟

هزت جميلة كتفيها دلالة (أي وحدة ماتفرق!!) لكن فهد أصر.. حينها همست جميلة بخفوت: البيضاء حلوة!!

فهد بعدم فهم: نعم!!

جميلة لم ترفع صوتها لأنها تذكرت تحذيره لها ألا تتكلم في مكان عام.. ولكن حين سألها للمرة الثانية.. همست بصوت أعلى برقتها المعتادة:
أقول البيضاء حلوة!!

حينها هتف بائع الورد على طريقة ظرف المصريين المعتادة العفوية:
يا لهوي !! إنتي بتتكلمي يامدام وإلا بتغردي؟؟

فهد شد جميلة بغضب وهو يهتف للبائع بغضب أشد: توكل على الله.. مانبي ورد!!

الشاب بخيبة أمل: ليه كدا يابيه؟!!

فهد بصوت مرعب: أقول لك توكل!!

الشاب غادر وهو يتأفف.. بينما جميلة همست بعفوية: فهد حرام عليك كان شريت منه..

فهد بغضب أشد وأشد: إيه ياحرام كاسر خاطرش وهو قاعد يتغزل فيش وأنا واقف مثل الطوفة..
أنا والله عشان شفت طوله مايجي نص طولي خفت ربي فيه.. ماراح حتى يتحمل كف مني!!

جميلة باستنكار: فهد عيب عليك ذا الكلام.. الولد كان يجامل بس..
وإلا من اللي بيغازل وحدة وهو يقول لها يامدام وقدام زوجها!!

فهد غضبه متفجر فعلا ويحاول كتمه لأنهما في الشارع: مسكين مهوب في وعيه..
سمع الصوت وخق!!

جميلة بنبرة مقصودة: يعني هو خق من كلمتين.. وغيره صار لي مقابلته أكثر من أسبوعين وهو يسب في صوتي!!
حدث العاقل بما يعقل!!


فهد شعر أنها حصرته في زاوية ضيقة.. حصرته تماما.. وغيظه يتفجر منها!!

بينما جميلة باتت تشعر بالخوف من عودتها معه لغرفتهما.. تخشى أن يجرحها أو حتى يجد سببا ليمد يده عليها..

حينها كانا يعبران باب الفندق للداخل.. جميلة همست برجاء: خلنا نقعد في اللوبي شوي!!
نشرب شاهي مثلا!!

فهد باستغراب: تونا تعشينا.. والساعة صارت 11 وأنا وراي تدريب بكرة بدري!!

جميلة برجاء أشد: تكفى فهد.. تكفى!!


فهد باستغراب أشد: توش قبل شوي.. تقولين تعبتي وتبين ترجعين تنامين!!
وش اللي تغير؟؟

جميلة حينها أجابته بصراحة عفوية مؤلمة: بصراحة فهد.. خايفة أرجع معك الغرفة تسوي لي شيء..
خلنا هنا لين تروق..

فهد بصدمة: أنتي تبين تحامين في الناس مني!! لذا الدرجة شايفتني متوحش؟؟

جميلة بيأس: فهد أنت اللي عطيتيني ذا الإحساس.. حتى يوم وعدتني تراعيني لأني خوي سفر.. أحس إنه صعب عليك توفي!!

فهد شد كفها بحزم وهما متجهان للمصعد: وأنا قلت لش قبل لا تحاتين شيء.. وماراح أضايقش بشيء..
ولا صار لساني الطويل يحكني.. بلعته وسكرت ثمي عليه!!






********************************








" عفراء الله يهداش ليش تبكين كذا؟؟
أدري عندش كلام ماقلتيه زايد.. بس قوليه لي!!
إذا ماشلت حمولش.. وش عازتي؟
ولا تحاتين السر اللي ماتبغين تقولينه زايد.. بيقعد سر عندي بعد"


عفراء لم ترد عليه.. ولم تقل له أي شي.. فمابها من الوجع يكفي ويزيد!!
اكتفت بسكب دموعها على صدره كما اعتادت..
وقرر هو أن يصمت ويتركها على راحتها تسكب حزنها بالطريقة التي تريحها!!
فإذا لم تكن تريد الكلام.. فهو لدموعها المسكن والوعاء!!


مثقلة بحزن شفاف من أجل زايد.. ربما أكثر..
فأختها مضت وارتحلت وارتاحت عن رب رحيم.. رحمته أوسع من كل شيء..
تخلصت من ألم الأرض وقسوتها وأحزانها!!
لكن زايد مازال هنا ينبض حزن الأرض بين جنباته..


كل إنسان يحتوي في جنباته الخير والشر.. ومن نعمة الله عليه أو نقمته أن يجعل أحد الجانبين ينتصران..
ولأن معدن عفرا الخيّر غلب.. لم يهن عليها أن تجرح من كان لها عزوة وسندا..
هذا الرجل العظيم الذي تفرد بعظمته ولا يستحق أن يعيش إلا بسعادة مستحقة له..
حتى لو كان على حساب ضغطها على مشاعرها وحزنها!!


ولكن ما تخشاه أن تظل الهواجس تعذب زايد.. وهي تعلم أي روح أصيلة طاهرة بين جنبات هذا الرجل!!


لم تعلم أن مابداخل زايد لم يعد مطلق هواجس.. بل أصبح يقينا..
يقين مطلق جارح ... جارح.. جــــــــــارح!!
بدأ يغوص في روحه المنحورة بالوجع..

حتى لو كانت أم أولاده مضت.. وأصبحت مجرد ذكرى!!
ولكن روح شفافة كروحه تعرف جيدا كيف يكون ألم الطرف الآخر..

كيف وهو حرص طوال عشرته مع وسمية على أن يدفن مشاعره لمزنة في أعمق نقطة في روحه..
حتى لا يصل أي إشعاع منها لوسمية فيضايقها أدنى مضايقة..
فإذا به كل ليلة كان يصفعها على وجهها صفعا بهذه المشاعر..
وهو يستنزف روحها شيئا فشيئا..
الألم الآن بدا يستنزف روحه هو.. شيئا فشيئا!!







*************************************






كانت أمام المرآة تمسح الكريم على وجهها وآخر على يديها..
تنظر للمرآة وتنتهد..

تصرفات فهد بدأت تقلقها.. ونظراته الفاحصة بدأت تقلقها أكثر..
ليست غبية لتفهم هذه النظرات.. فهي رأتها سابقا في رجل آخر..

وإن كانت تتجاهلها الآن كما تجاهلتها مع خليفة!!
فهي تعلم أن فهدا ليس كخليفة.. وأن فهدا لو أراد شيئا فقد يجبرها عليه..
وهي يستحيل أن تسمح له بذلك بعد آذاها وجرحها بكلماته القاتلة المريعة!!
حتى الله وسبحانه لايرضى بهكذا إذلال.. أن يمتهنها ويمتهن جسدها ثم يريد الاستيلاء عليه!!


ربما فعلا يجب أن تخفف من تأنقها أمامه.. فهي داخليا تعترف أنها بالغت في الأناقة.. لأنها أرادت أن تعاقبه..
فمهما يكن غرورها الأنثوي أراد أن يثبت لثقتها بنفسها قبله حتى..
أنه لا مشكلة فيها بل المشكلة فيه.. ولن تسمح له أن يقلل من ثقتها بنفسها..
لأنه من سينحني وسيرفع رايته البيضاء..
لكنها الآن لا تريده أن يرفع الراية البيضاء لأنها عاجزة عن تقبله فعلا !!


وهاهي فعلا ترتدي بيجامة محايدة تماما وإن كانت تحمل روح أناقتها المعتادة الشفافة..

كانت غارقة في أفكارها حتى رأت الخيال خلفها ينعكس على المرآة..
انتفضت بخفة بينما هتف هو بنبرة مقصودة: خوفتش؟!!

همست بتوتر: لا ماخفت..

كانت تريد أن تقف لولا أنها لم تستطع لأنه وضع كفيه على كتفيها..
توترت أكثر أكثر وأنامله ترتفع لتعبر عنقها ببطء ثم تتخلل شعرها!!

همست باختناق: فهد هدني.. أبي أقوم..

فرد عليها بثقل: وإذا ما أبي أهدش!!

همست بحدة خانقة: لا.. بتهدني.. لأني ما أبيك تلمسني!!

حينها تراجع فهد وهو يصحو من الغيبوبة المغيبة التي شعر فيها منذ خرج من الحمام ورآها تجلس أمام المرآة غارقة في أفكارها..
وصفحة وجهها تنعكس بوداعة مؤلمة على صفحة المرآة.. وهو يتحرك نحوها كالمسحور المغيب!!

هتف بغضب: نعم؟؟ ماتبيني ألمسش؟؟ لو بغيت.. ماتقدرين ترديني لأن هذا حقي..

جميلة استدارت نحوه بغضب لتواجهه: وأنت تنازلت عن ذا الحق وبأبشع طريقة ممكن يسويها رجّال في مرته..
فلا تجي الحين تطالب فيه.. خلك قد كلمتك..
وإلا الحين أنا صرت شيء جديد مهوب مستخدم..؟؟

فهد شد له نفسا عميقا وهو يصر على أسنانه بغيظ لأنها ذكرته بما يريد نسيانه:
وأنا ما أبيش يا بنت الحلال.. فلا تحديني أقول كلام ما أبي أقوله.. وأنا وعدت نفسي ووعدتش ما أضايقش..


جميلة هزت كتفيها بذات غضبها الشفاف: عادي.. شكلي بأتعود إنك ماتعرف من الوعد إلا اسمه!!

فهد ينتفض من الغضب: أنا؟؟ أنا فهد آل ليث ما أعرف من الوعد إلا اسمه!!

جميلة حينها همست بحزن عميق: وأنا وش كنت أبي من فهد آل ليث إلا الاحترام وبس..
الظاهر إنه حتى فهد آل ليث مجرد اسم وبس!!



جرحته..!! بالفعل جرحته..!!
الآن أصبح يعرف كم من الممكن أن تكون الكلمة جارحة.. ومؤلمة..
جارحة كحد السيف.. ومؤلمة كانتثار دمه بعد الجرح !!

كل يوم يتفاجأ من سوء صورته في عينيها.. بل بشاعتها!!


" وماذا تركت لها غير ذلك؟؟
ماذا تركت لها؟؟
وأي مبرر منحتها لتزهر صورتي في عينيها؟؟
لم أمنحها سوى فرشاة ألوان بشعة ترسم بها لوحة أشد بشاعة..
هـــي أنــــا !!"







***********************************







" زايد فديتك.. خلني أتصل في علي يوديك المستشفى
أو أروح أنا وأنت مع السواق؟؟"

زايد همس بإرهاق: مافيني شيء!!

مزنة بقلق متعاظم: أشلون مافيك شيء.. جسمك مولع.. وكل مافيك يرجف!!

زايد بذات الإرهاق: سخونة عادية.. الحين حبتين البنادول بتجيب مفعولها..
وبكرة بأقوم زين!!

مزنة تستعد للوقوف وهي تهمس باستعجال بالغ الاهتمام: زين بأروح أجيب كمادات باردة وبأجي!!

زايد أمسك بمعصمها وشدها وهو يهمس بذات النبرة المرهقة من أثر الحمى:
ما أبي كمادات خلش جنبي..

مزنة عادت للتمدد جواره وهي نصف جالسة وتمسح على جبينه الملتهب بيأس..
همس لها بعمق موجوع غريب: مـزنـة.. ضـمـيـنـي!!


مزنة شعرت بألم عميق غير مفهوم وهي تفتح ذراعيها له ويقترب هو ليدفن وجهه في ثنايا صدرها..
وأنفاسه الملتهبة تحرق صدرها بألم أكثر تجذرا وغرابة!!

ضمته أكثر وهي تهمس في أذنه بوجع: حبيبي طالبتك.. قل لي وش اللي مضايقك؟؟

لم يرد عليها وهو يدفن وجهه أكثر بين عبق رائحتها.. قريبا من دقات قلبها!!
وكأنه يريد أن يتزود منها لرحلة غياب طويلة!!
ولكنه لا يشبع.. لا يشبع!!





************************************







" سميرة يأخيش.. مهوب كنها تأخرت واجد؟!!"


رغم أن سميرة تكاد تذوي من القلق ولكنها تحاول أن تتماسك لأنها ترى أن صالحا يكاد يموت من القلق والتوتر:
أبو خالد الله يهداك.. ترا ممكن تقعد لين أكثر من كذا!!

صالح بقلق: بس ماصار لها كذا في ولاداتها اللي قبل..

سميرة تحاول تهدئته: ولدك هذا هيس!! مهوب مثل خلّود وعزوز فديتهم!!
أنا بأروح أسأل داخل.. لا تحاتي!!


.
.


بعد دقائق..


تعود سميرة بأنفاسها الطائرة.. وعيناها رغم أنهما بالكاد ظاهرتان من فتحتي نقابها إلا أن تفجرهما بالاحمرار كان واضحا..
همست بصوت مختنق بالبكاء تماما: أبو خالد يبونك توقع على عملية قيصرية.. يقولون الولادة تعسرت شوي..

صالح تفجر غضبه تماما: يعني صار لها عندهم ذا الوقت كله تتعذب وتوه يطري عليهم العملية.. من البارحة وحن هنا!!
ليش ماقالوا ذا الكلام من البداية؟؟

سميرة انفجرت في البكاء: لأنهم اكتشفوا إنهم توأم.. واحد كان متخبي ورا واحد..

صالح تراجع بذهول مصدوم: أشلون توهم يكتشفون.. في أي عصر عايشين حن..
زمان جدتي!!

سميرة تشهق: أبو خالد الله يهداك أنت بتقعد تستفسر.. تعال وقع..
نجلاء أصلا ماسوت إلا تلفزيون واحد.. عقب التلفزيون اللي هي سوته معك عقب ما اكتشفوا حملها...
وكانت بعد يومين بتسوي تلفزيون بعد..

صالح وقع الموافقة... وهو مثقل بالمرارة والغضب والتوتر والقلق..
كل المتضادات تصارعت في نفسه..
وأهم رغبة لدية هو أن تخرج نجلاء سالمة له ولأولاده!!
هذا هو كل مايريده..
سيموت لو حدث لنجلا أي شيء.. سيموت..
أي حياة ليست هي فيها..

ليست حياة.. ولن تكون حياة أبدا!!
بل هي مسخ حياة لا معنى لها!!






*********************************






" حبيبي تكفى بلاها الروحة للشغل اليوم..
ارتاح اليوم.."


زايد يثبت ازرار كميه وهو يهتف بحزم: مافيني شيء عشان أقعد.. عندي مواعيد صار لها أسابيع محدد وقتها..

مزنة مازالت تحاول بإصرار: تكفى زايد.. عشان خاطري.. البارحة وأنت تهذي من الحمى..
تبي تطلع اليوم عشان تنكس!!

حينها التفت لها بسخرية مريرة مثقلة بطعم مرارة كمرارة العلقم:
وش كنت أقول وأنا أهذي؟؟ أكيد اسمش!!

مزنة تراجعت خطوة للخلف.. لم تعجبها نبرته.. ومع ذلك هتفت بثقة:
إيه كنت تهذي باسمي!!

أجابها بذات المرارة: أجل خلاص مافيني شيء.. وش الجديد؟؟ كل ليلة وأنا أهذي باسمش..


مزنة منذ أيام وحاستها السادسة تنبئها أن هناك شيئا غير طبيعي في زايد!!
تحاول تكذيب إحساسها .. فيزداد اليقين!!

مزنة صمتت وتركته يكمل لبسه كالمعتاد.. يضع غترته ويرتبها.. وينهي أناقته برشات من عطره الفاخر..
وعيناه لا تنظران إلى نفسه بل إلى الواقفة خلفه.. وعيناها سارحتان في ملكوت آخر!!


يا الله.. ماكل هذا الوجع..!!
لم يشعر يوما أنه يحتاج إليها كما يشعر الآن..
لماذا؟؟ لماذا؟؟
لأنه يشعر أنه سيفقدها.. سيفقدها..


استدار إليها وهو متجه للخارج.. وقف أمامها.. عيناه تبحران في عينيها كمركب يبحر في لجة بحر لا قرار له..

مد سبابتيه ليغلق عينيها..
ثم قبل كل عين على حدة...
برقة غامرة... دفء حان.. ووجع لا حدود له!!


ثم مضى دون أن يقول كلمة واحدة!!!







*********************************







سميرة خرجت ختاما لصالح بعد أن كاد ينهار من القلق.. بل هو شبه منهار فعلا!!

همست باختناق هائل مثقل بحزن شفاف جدا: مبروك يا أبو خالد جالك ولد سليم ولله الحمد..

صالح بصدمة مذهولة: ولد سليم!!!.. والولد الثاني وش أخباره؟؟
والأهم من ذا كله... نجلا أشلونها بشريني منها؟؟

سميرة لا تستطيع حتى أن تبكي لشدة حزنها وقلقها.. لا تريد أن تبكي وكأنها ببكائها (تفاول) على أختها:
نجلاء والبنت تعبانين واجد!!







**************************************






" كاسرة.. كاسرة!!"


كان ينادي ولا مجيب له وهو يعبر أقسام جناحهما حتى رآها تقف أمام مكتبه..
وبيدها ملف أخضر اللون..


كانت تقف مذهولة.. مصدومة.. عيناها متفجرتان بأحمرار دموي ينذر بهطول عاصفة من حزن مطري..
حين رأته واقفا أمامها.. رفعت الملف أمامه وهي تهمس باختناق بالغ متفجر بحزن لا حدود لمجراته :
أشلون تدس علي موضوع مثل هذا؟؟
أشلون؟؟






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 27-02-11 12:46 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والتسعون
 




بسم الله الرحمن والرحيم
السلام عليكم ورجمة الله وبركاته
آسفة على التأخير جدا جدا جدا
.
أولا قطعوا الاتصال.. ثم احتاج الواير لس إعادة برمجة
وأبو العيال في الزام.. موب موجود يجيب لي حد يعيد البرمجة
انتظرت لحد ماتفرغ إخي وجاب لي!!

آسفة جدا جدا !!!!! :)
.
.
يالله بارت اليوم بدون تأخير عليكم
الجزء 94
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء الرابع والتسعون






" كاسرة.. كاسرة!!"


كان ينادي ولا مجيب له وهو يعبر أقسام جناحهما حتى رآها تقف أمام مكتبه..
وبيدها ملف أخضر اللون..


كانت تقف مذهولة.. مصدومة.. عيناها متفجرتان بإحمرار دموي ينذر بهطول عاصفة من حزن مطري..
حين رأته واقفا أمامها.. رفعت الملف أمامه وهي تهمس باختناق بالغ متفجر بحزن لا حدود لمجراته :
أشلون تدس علي موضوع مثل هذا؟؟
أشلون؟؟


كساب هز كتفيه بثقة: الملف قدامش على المكتب قد له كم يوم..
مادسيته عنش..
ثم أردف وهو يقلد طريقتها حين علم بخبر حملها:
كنت أقول اليوم بتشوفه.. اليوم بتشوفه.. ويمر اليوم وأنتي ماشفتيه..

كاسرة تمسح أنفها وهي تمنع نفسها من الانفجار في البكاء وتهمس باختناق حقيقي:
كساب هذا موضوع تأخذه بمزح؟!!
أو حتى تقارنه بموضوع حملي.. حرام عليك وش جاب لجاب؟؟

كساب بذات الثقة التي ستقتلها: كاسرة الموضوع بسيط .. وعني أنا.. كنت أشوف موضوع حملش أهم بواجد..


كاسرة اتجهت نحوه بعصبية وهي تغالب دموعها التي توشك أن تغمر المكان..
مدت يدها إلى خاصرته اليسار وهي تتحسسها..
وتهذي باختناقها بكلمات متدافعة ماعادت واضحة لشدة ازدحام حنجرتها بالعبرات:
وين؟؟ وين؟؟ هنا؟؟ صح هنا؟؟ صح هذي هي...
ليش يا كساب ماقلت لي؟؟ حرام عليك تسوي فيني كذا !!
حرام عليك..!!
هنا؟؟ صح؟؟ وإلا هنا؟؟ توجعك؟؟ حاس بشيء؟؟.. قل لي .. لا تدس علي شيء!!
أنا كنت حاسة إنه ذا الحادث سوى فيك شيء أكثر من مجرد كسر يدك وشوي ذا الجروح..
كنت حاسة!! قلبي كان ناغزني!! بس كنت أكذب نفسي!! وأقول كفاية علي وجع!!
وين؟؟ قل لي وين يوجعك؟؟


كساب شدها ليحتضنها بيدها السليمة بقوة وهو يهتف بحزم حان:
كاسرة بس.. هدي.. الانفعال مهوب زين لش..
وأنا والله العظيم مافيه شيء يوجعني.. وإلانسان يقدر يعيش بكلية وحدة!! وحتى نص كلية..
وكليتي الثانية مافيها شيء تمام التمام!!

كاسرة حينها انهارت وهي تجلس على الأرض وتنتحب بوجع حقيقي:
حرام عليك تفجعني كذا.. كل شيء عندك بالدس.. وش فيها لو أنت مهدت لي شوي شوي.. بدل ما أنصدم بذا الطريقة..
كساب أنا إنسانة مؤمنة وكان قلت الحمدلله على كل حال..
بس الحين حاسة كل اللي فيني يرجف من الصدمة..
إذا منت بخايف الله فيني.. خافه في اللي في بطني!!


كساب جلس جوارها على الارض بشكل معاكس وهو يمد يدها ليمسح وجهها..
وألم عميق ينتشر في كل نواحي روحه.. أ كل هذا البكاء من أجله؟!! أ هذه كاسرة؟؟ أم هذه هرمونات الحمل؟؟


كساب همس بنبرة الحنان التي تذيب مفاصلها حين تحضر:
كاسرة وش تبين أقول لش؟؟.. أقول لش إنه الحادث سوى إصابة مباشرة لكليتي اليسار وانعطبت وتوقفت على العمل..
ما أنكر إني تضايقت.. بس أنا بعد إنسان مؤمن.. وقلت الله أرحم بعبيده منهم..
ودامه خذ مني شيء أكيد بيعوضني بشيء أحسن!!
ويوم دريت إنش حامل.. حمدت الله إنه عوضني بذا السرعة!!


كان دورها لينتشر الألم في كل نواحي روحها.. أ كل هذه العذوبة من أجلها؟!! أ هذا هو كساب من يتحدث؟؟!
أم هذا مجرد إحساس وقتي بالوجع والذنب؟؟


لم ترد بكلمة وهي تسند جبينها لكتفه.. وتكمل نحيبها الشفاف وهي تتعلق بعنقه بكلتا ذراعيها..






*************************************






" يأمك روح البيت.. هذا حن عند نجلا والمواليد!!
روح تريح شوي!!"


صالح يمسح وجهه بإرهاق مثقل بحزنه: ما أقدر يمه.. ما أقدر..
بأقعد هنا لين نجلا على الأقل تطلع من العناية!!

همست أم صالح بحنان موجوع: زين شفت عيالك.. ؟؟

صالح همس بثقل: عيالي عند جدتهم!!

أم صالح تنهدت: أقصد المواليد!!

صالح بذات الثقل: شفت الولد.. طيب وبخير.. بس البنت مارضوا كلش..
لأنه الولد في الحضانة بس البنت في العناية الفائقة وقالوا ماحد راح يدخل عليها إلا أمها لو بغت!!

أم صالح تسأل باهتمام مهموم: كم أوزانهم؟؟

صالح بسكون: الولد كيلوين و300.. بس البنت كيلو و600..


صالح صمت.. صمتا ثقيلا..
يشعر بذنب شفاف.. يشعر بذنب أنه تمنى بنتا..
بل دعا الله بكل عزم أن يرزقه هذه المولودة..
وهاهي البنت أتت للدنيا.. مثقلة بالأوجاع.. وأثقلت أمها معها..
دائما الإنسان يشعر بالطمع ويريد المزيد.. ويغريه الله بكرمه..

ماذا ستفيده البنت لو رحلت نجلاء؟؟
ووجد نفسه وحيدا في الدنيا مع أيتام بلا أم؟!!
يا الله.. لا يريد أن يفكر في هذه الفكرة البشعة حتى!!
لا يريد..!!
لشدة بشاعتها يشعر بها تحفر روحه بمناجل مسمومة!!
ومافيه من سموم الروح يكفيه وزيادة!!






*************************************







منذ عاد من الخارج وهو صامت..
ما الغريب؟؟ فالصمت بينهما أكثر من الكلام؟؟
ولكن صمته هذه المرة غريب.. كما لو كان يحمل في طياته حزنا غير مفهوم!!
وجدت أن الواجب يستلزم منها أن تسأل من باب اللياقة الإنسانية التي لا يعرفها حتى!!


همست برقة: فهد فيه شيء مضايقك؟؟

أجابها كأنه يكلم نفسه: صالح جا له ولد وبنت!!

ابتسمت جميلة بشفافية: ألف مبروك.. وليش مابشرتني؟؟ وليش أساسا شكلك متضايق؟؟

فهد بذات النبرة الساكنة: بنت عمي أم خالد تعبانة شوي وفي العناية هي والبنية المولودة..
وصالح نفسيته تعبانة كلش!! لو صار لأم خالد شيء بعيد الشر مهوب بعيد بيستخف.. مابعد شفت رجّال متعلق في مرته مثله!!


جميلة انطفئت ابتسامتها تلقائيا.. وهي تقرر أن تقوم لتتصل بسميرة وتطمئن عن حال نجلاء..

ولكن تأثرا شفافا كان يجتاح روحها.. تأثر من أجل صالح!!
أي رجل رقيق هذا الذي يظهر تعلقه بأم أولاده للعيان؟؟

والبعض حتى لو كان مولعا بزوجته أخفى ذلك بينه وبينها..
حتى لا يكون في ذلك انتقاص من رجولته الثمينة التي ستهتز لو اظهر رقة مشاعره خارجا!!!!


سبحان الله..
كيف يُخرج أخوين من بطن واحد.. وطبائعهما متناقضة لهذا الدرجة!!
لا يمكن أن تتخيل فهدا عذبا ورقيقا بأي درجة حتى..
فكيف إلى هذه الدرجة الموغلة في العذوبة؟!!







**************************************






" يمه الله يهداش ارجعي البيت!!
طولتي على أخواني وعيال نجلاء!! "


أم غانم استحال عسل عينيها إلى لون قاتم نتيجة لاحمرار بياضها.. وهي لم تتوقف عن البكاء منذ معرفتها بالخبر.. رغم أنهم حاولوا تأجيل وصول الخبر لها!!

همست بصوت مبحوح تماما: عيالي وعيال نجلاء عند جوزاء وعالية في بيت أبو صالح.. ومهوب جايهم شيء!!

سميرة بإرهاق: زين أنتي الحين وش مستفيدة؟؟ هذا إحنا كلنا قاعدين في الاستراحة.. روحي أول ما تطلع نجلا بأتصل لش..
ودكتور يقول وضعها الحين أحسن.. والضغط بادي ينخفض!!


أم غانم تشهق: ياقلبي يا بنتي.. كان نفسها في بنت.. وحتى البنت ماشافتها..
والله أعلم هي تلحق تشوفها وإلا لأ..
لو شفتيها بس يا سميرة.. أنا عملت لهم مناحة على باب عناية المواليد لحد ماخلوني أدخل!!
حتة قد الكف.. ومش باينة من كثرة الوايرات.. مش هتستحمل..

سميرة بتأثر: يمه.. الله أرحم بعبيده وإن شاء الله إنه مايكتب إلا اللي فيه الخير..








************************************






" ما اتصلت لش سميرة!! أرسل لها وتلفونها مسكر.. ما أدري هي تبيني أجيبها وإلا لا ؟؟ "


وضحى تشير لتميم بهدوء: تلفونها أصلا عندي.. لأني يوم رحت أنا وأمي لهم
كان خالص شحنه فرجعته معي أركبه لها على الشاحن..

تميم أشار بحزم: خلاص عطيني إياه أوديه لها.. وأشوف لو بتجي!!

وضحى ناولته الهاتف ثم أشارت بثقة: ما أعتقد إنها بترجع معك!!

تميم بضيق: من أمس وهي هناك .. ومهوب عاجبني قعدتها مقابلة صالح!!

وضحى بذات الثقة: أولا هي مهيب مقابلة.. صالح في استراحة الرجال وهي في استراحة الحريم..
ثانيا صالح عبارة أخيها الكبير..
ثالثا مافيه حد يقعد عند أختها غيرها.. أمها الله يعينها عندها أربع بزران في رقبتها..
وأخت صالح حامل وأمه عجوز تعبانة!! والسنع ماحد يقابل أختها غيرها!!


تميم أشار بذات الضيق: هاتي التلفون.. وبس!!



.
.


بعد نصف ساعة..


تميم يصل إلى إلى الممر حيث غرفة نجلا.. يشعر بالحرج أن يكون أحد من أهلها موجود..
وهو لم يكن يريد الاقتراب من الغرفة.. لأنها أحيانا قد تكون مكشوفة جزئيا عبر الزجاج..

كان يريد التوجه لاستراحة الرجال ليسأل صالح من الموجود.. ليلمح صالح يقف مع سميرة عند باب غرفة نجلا..



كان صالح يهتف بحزم: والله إن قد تتصلين في رجالش وتسرين..
وإلا اتصلت فيه أنا..

سميرة برجاء: تكفى يا بو خالد استغفر.. مثل مادخلت أنا ونجلا سوا.. بنطلع سوا..

صالح بحزم أشد: أنا حلفت وانتهينا..
ثم أردف وهو يبتسم ابتسامة باهتة: وهذا هو ثلاث أرباع الحلوفة تم.. تميم جا..

سميرة استدارت لتجد تميم قادما من خلفها.. لا تعلم لِـمَ شعرت بالتوتر حين رأت وجهه كان به شيء غير مريح..
علائم غضب ربما!!


تميم وقف بعيدا قليلا لأنه لم يكن يريد الاقتراب من غرفة نجلا.. فتوجه له صالح أولا وهو يشير بالترحيب كما يفهمه..
تميم أشار له بالسلام.. ثم اشار إلى ناحية غرفة نجلا بالسؤال.. ليفهم صالح أنه يسأل عن حالها..
فهز صالح رأسه.. ثم تاخر للخلف عائدا لغرفة نجلاء ليترك الزوجين معا!!

تميم أشار بغضب لم يظهر على وجهه لكن سميرة فهمته: حلوة الوقفة اللي أنتي كنتي واقفتها!!

سميرة أشارت له بثقة غاضبة: وقفتي مافيها شيء.. في ممر مستشفى.. وقدام غرفة أختي.. ومع رجالها اللي هو ولد عمي وعبارت أخي الكبير..
وشوفت عينك قدام كاونتر الممرضات.. وهذا هم خمس ممرضات قاعدين!!

فأكمل تميم بنبرة تهكم غاضبة: والساعة الحين عشر الليل..!!

سميرة تحاول التماسك وهي تشير برزانة: عشر والا 12 الموقف كله مافيه شيء.. إلا إنك مشتهي تعصب وبس!!

صالح مستغرب.. لماذا طال حوار الإشارات الغريب غير المفهوم هكذا؟؟
لماذا لم يذهبا لبيتهما؟؟

تميم أشار بحزم: أنا كنت جاي أجيب تلفونش لش.. بس الأحسن إنش تمشين معي..

سميرة شدت نفسا عميقا: لولا إن صالح قبل جيتك بدقيقة كان يحلف علي أرجع للبيت معك..
وإلا والله ما أرجع معك عقب الكلام البايخ ذا.. لين نعرف تثمن كلمتك!!

تميم أشار لها بعضب: خلينا نمشي.. لنا بيت نتفاهم فيه..





حالما ركبا السيارة.. أشاحت بوجهها للناحية الأخرى.. ألا يكفي أنها ستموت قلقا على أختها ليكملها هو عليها بقلة أحساسه..!!

أدارت وجهها ناحيته حين شعرت بيد تشد طرف عباءتها ومازالت السيارة في المواقف لم تحرك..

مد كفه وهو يبسطها لها.. تنهدت وهي تضع كفها في وسط كفه.. ليحتضنها بكفيه كليهما ثم يفلتها ليشير بشفافية:
آسف حبيبتي.. شكلي زودتها شوي!!

سميرة أشارت بشفافسة مشابهة: زودتها واجد مهوب شوي... تغار من صالح عاد!!

ابتسم تميم: الرجال اللي مايغار على محارمه مافيه خير!!

حينها أشارت سميرة بشجن: بس سالفة الغيرة عندك شايفتها صايرة تتكرر عندك ذا الأيام الأخيرة بزيادة!!

تميم مازالت ابتسامته ماثلة: بتحاسبيني على غلاش يعني؟!!





*********************************






" يأمش عندش بكرة موعد الساعة 9 في الصالون..
اصحي بدري.. لأنش عارفة زحمة الدوحة.. نبي لنا ساعة لين نوصل"


مزون بشفافية: مهوب أحسن نكسله؟؟

مزنة باستغراب: وليش نكنسله؟؟ يا الله لقينا موعد!!

مزون بتردد: يمكن العرس كله يتأجل عشان وضع نجلا.. وماله داعي ذا المواعيد!!

مزنة ابتسمت: لا راح يتكنسل ولا شيء.. أي والد بقيصرية تتعب لها يومين وتقوم..
اليوم أو بكرة بالكثير بتسمعين أخبار زينة عن نجلا إن شاء الله.. أنا جيتها اليوم وبأروح لها بكرة بعد وبأطمنش زيادة!!


حينها ابتسمت مزون وهي تسأل: زين شيبتش وينه اليوم كله غاطس ماشفته؟؟
حتى الغدا ماجاء يتغدى معنا..
أشلون تخلينه (داير على حل شعره) على قولت سميرة.. لازم (تشكميه)..

ابتسمت مزنة وهي تربت على رأس مزون: أبو كساب اليوم عنده شغل بزيادة..
أكيد بيمرش أول ما يرجع!!


مزنة تنهدت بوجع عميق لم يظهر خارجا.. حال زايد غير مطمئن أبدا.. وهناك شيء غريب فيه!!


البارحة طوال الليل وهو يهذي باسمها بين انتفاضات الحمى بشكل غير طبيعي..

قد يكون غالب الليالي يناديها في نومه.. ولكن لدقائق..
ولكنه البارحة لم يتوقف عن النداء وهو يئن بطريقة موجعة ومتمسك بها بشدة لدرجة أن أصابعه تركت أثارا واضحة على جسدها!!


ثم حين صحا من نومه .. ووجد نفسه في حضنها قفز كالمسلوع وهو يبتعد عنها..
ثم ختمها بطريقة سلامه الغريبة عليها وهو يغادر لعمله..

ولم يرد مطلقا على اتصالاتها اليوم.. ولم يتصل بها!!
وقلق شفاف يتعاظم في روحها إلى أعظم مدى.. وحسها الأنثوي ينبئها برائحة مقلقة حقا!!






***************************************






بالفعل اليوم هو غريب..
فهي كانت دائما تشعر أن بين جنباته قوة وطاقة مرعبة تُشعرها أحيانا بالخوف منه..!!
ولكنه اليوم يبدو كما لو كانت هذه الطاقة سُحبت من بين جنباته.. وهو خادر خامل!!
وهاهو يتمدد لأول مرة قبلها وهو من يوليها ظهره!!

جلست على الطرف الثاني دون أن تتمدد ثم همست برقة:
فهد الحين ذا التأثر كله.. خايف على بنت عمك؟؟ وإلا عشان حالة أخيك؟؟

أجابها بسكون ثقيل وهو مازال يوليها ظهره:
عشان خويلد وعزوز..
أم خالد لو الله اختارها عندها.. فهذي قسمته.. وماحد يعترض على عطا رب العالمين!!
وصالح رجّال.. بيعيش وينسى..
بس عيالها....؟؟
اليتم يوجع.. وهم صغار مانبت لهم ريش.. وفوقهم ولد ثالث يبي من يربيه..


جميلة صمتت.. غريب فعلا هذا الرجل..!!
بقدر مابدت لها إجابته قاسية.. بقدر مابدت حنونة وبطريقة موجعة.. في كلا الحالتين!!!!





*********************************





هذه الليلة كان دورها لتسهر فوق رأسه وهي تنظر له وتسكب دموعا صامتة عاجزة عن إيقافها..

" الحمل ذا خربني مرة وحدة.. صايرة حنفية دموع!!"


كالعادة مشاعرها تدور حوله وحدة في إعصار من مشاعر متضادة..
غاضبة منه.. وستموت حزنا من أجله!!
مطلقا ليست معترضة على ما كتبه الله.. فالملايين من البشر يعيشون بكلية واحدة حياة طبيعية...

ولكن ما يحز في روحها في الصميم أنه لم يخبرها.. كان يعاني وحده..!!
وهي مطلقا لا تخفف عنه بحدتها الحاضرة التي هو من يستفزها لتحضر!!


مدت يدها برفق عفوي لتلمس خاصرته.. كانت بالكاد لمسته لتتفاجأ به يقفز واقفا في حركة دفاعية متحفزة..
كاسرة تراجعت بحرج: آسفة ماقصدت..

كساب تنهد وهو يهتف بنبرة حادة أقرب للغضب: كاسرة لو سمحتي.. لو فكرتي تلمسيني مرة ثانية وأنا نايم.. كلميني قبلها..

حينها تحفزت كاسرة بدورها وهي تهتف بغضب : وش تلمسيني ذي؟؟ وش شايفني؟؟

كساب بذات النبرة الحادة: أنتي ما تفهمين يا بنت الناس..
أنتي عارفة إني كان ممكن أكسر يدش اللي مدتيها لولا ستر ربي إنه خلا يدي أنا في الجبس..

كاسرة تنهدت بغيظ وهي تعود للتمدد وتوليه ظهرها..


وهو تنهد بوجع عميق وهو يعود للسرير ويتمدد وهو ينظر لظهرها..
يبدو أنه سيبقى عاجزا دائما عن تجاوز الفترة المقيتة التي قضاها في السجن والتي تعلم فيها أن ينام متحفزا خوفا من هجوم مباغت لأسباب متعددة !!!!



مد يده بخفة ليتحسس فقرات ظهرها.. ارتعشت بعنف وهي تهمس بذات غيظها:
كساب لو سمحت لا تلمسني.. وإلا تدري.. كلمني أول قبل ماتفكر تلمسني!!


ابتسم كساب (والله إنش ظريفة!!) ولكنه همس بحزم: زين التفتي صوبي..
عيب تكلميني وأنتي معطيتني ظهرش!!


كاسرة لم ترد عليه.. حينها همس بخبث طريف: يعني خلاص ماتسمعين كلامي..
عشاني واحد مسكين ماعندي إلا يد وحدة.. وكلية وحدة!!

كاسرة حينها استدارت نحوه بعنف لتضع كفها على فمه وهي تهتف بغضب مجروح:
أص...ما أبي أسمع ولا كلمة..

كساب قبّل أناملها الساكنة على شفتيه ثم تناولها برفق ليحتضنها في كفه وهو يهمس بإبتسامة:
مافيه شيء يستاهل تحرقين أعصابش عشانه.. ولا حتى أنا!!
ثم أردف بجدية: ولا تعيدينها كلمة (أص) ذي.. أعصب أنا عليش!!

كاسرة حينها اقتربت لتدفن وجهها بين عنقه وكتفه وهي تهمس بغيظ مغلف بألم شفاف:
تدري إني عمري ماشفت حد دمه ثقيل وطينته أثقل كثرك!!





*************************************





" زايد الله يهداك.. تعاقبني أنت؟؟"


زايد التفت نحوها بسكون وهو يفتح أزرار ثوبه.. وهتف بذات السكون:
ليه تقولين كذا؟؟

مزنة برقة حازمة: اليوم كله ماترد على تلفوناتي.. وعقبه تأخرت من غير ما تعطيني خبر.. عمرك ماسويتها إلا مرة وحدة..
يوم زعلتنا الأخيرة مع بعض.. عشان كذا أسألك تبي تعاقبني على شيء معين؟!!

زايد تنهد بعمق: السموحة.. بس اليوم كنت مشغول بزيادة!!

مزنة شدت نفسا عميقا: زين تعشيت؟؟

زايد أجابها بذات السكون الغريب: الحمدلله..

مع أنه اليوم بالكاد تناول شيئا.. وشهيته للأكل منعدمة.. قد يبدو الأمر غريبا..
لماذا يعاني هكذا؟؟
أ لأنه قد أذنب دون قصد رغم أن مامضى قد مضى.. مع أن أم أولاده ارتحلت إلى حياة خالية من الأحزان والألم!!

ولكن ألم يكن هو في حياتها سببا لأحزانها وألمها وهي من حرصت طوال السنوات اللي عاشتها معه أن تكون مصدرا للأمل والسعادة والبهجة!!

كلما تذكر ذلك وجد ألما يتسع في ضميره الحي بلا هوادة.. ينتشر كانتشار النار في الهشيم!!


وما يزيده ألما هو تعاظم شعوره عن عجزه عن الاستغناء عن هذه التي يراها الآن تناولت مصحفها وهي تنشر السكينة حولها!!

وفي ذات الوقت يشعر بضرورة إيقاف حد لمشاعره التي بدأت تتدفق نحوها بغرابة..
بعد أن كان طوال الفترة الماضية غارق في مقارنات سخيفة بين مزنة القديمة والجديدة ومشاعره تنحاز للقديمة على حساب الجديدة..


هاهو الآن.. يشعر بفيض مشاعر غريب يحط على جنبات شواطئها..
وهو يشعر بثقل مضني في روحه وهو يتخيل حياته تعود باردة جليدية بعيدا عن دفء أحضانها وأنفاسها!!






***************************************






كانت غارقة في النوم.. حين بدأت تشعر بحركة غريبة على شعرها..
ثم إحساس كأحساس الحلم بين النوم واليقظة.. وهي تشعر بحركات أنامل بين خصلات شعرها..
ثم تزيح شعرها خلف أذنها..

انتفضت بجزع وهي تشعر بحركة أغرب على أذنها وصدغها.. حركة رقيقة شفافة جعلتها تقفز من نومها برعب..
أ هذه قبلات ؟؟


انكمشت وهي تجلس وتشد نفسها مبتعدة عن المتمدد جوارها نصف تمدد وتهمس بجزع حقيقي: فهد ش تسوي؟؟

لم يرد عليها.. ولم يستطع أن يرد.. وهو عاجز عن التنفس وينظر لها كالمبهور..
لم يتخيل أن ملامسة شفتيه الأولى لها سيكون لها هذا التأثير القاتل الشفاف الموجع.. حتى فعلها!!
كان ينظر لها كما لو كانت حلما وهو يراها تشد نفسها بحرج هاربة للحمام..
ودون أن ينطق بكلمة.. كما لو كانت الكلمات ستفسد الغيبوبة اللذيذة التي يغرق فيها الآن..

شد نفسه بثقل ليسند ظهره للخلف وأنفاسه تتثاقل وهو يشعر بما يشبه الدوار..
هذا الصباح لم يكن لديه تدريبا. فتدريبه العصر..
عدا أنه لم ينم جيدا البارحة لكثرة هواجسه.. لذا صحا متأخرا..
وكان أول مافعله أنه أخذ هاتفه ليرى الساعة..
حينها شعر برعبه يتفجر وهو يرى أن صالحا اتصل به عدة مرات..
وكان سيتصل به فورا لولا أنه وجد رسالة منها:

" أبشرك أم خالد طلعت من العناية!!
وصحتها أحسن بواجد!!"


حينها تنهد بارتياح وهو يشعر بخدر ناتج عن سعادته بعد شد الإعصاب المرعب الذي عاناه قبل ثوان...
التفت للمجاورة له حتى يبشرها.. فهو رأى البارحة كم كانت قلقة وهي تتصل بسميرة وهاتفها مغلق!!


كانت غارقة في النوم.. أشبه ما تكون بقطعة حلوى في غلاف فضي..
هكذا كان إحساسه.. مع إنها لبست بيجامة فضية لأنها شعرت أنها تحمل من روح الحياد الكثير..
لم تعلم أن هذا الرجل قرر مغادرة المنطقة المحايدة لمنطقة أكثر خطرا..
لم يستطع أن يقاوم مطلقا رغبته في تحسس شعرها!!

" بس بألمس شعرها.. شعرها بس!!"

في البداية كان مترددا وهو يلمس شعرها بحذر.. لكنه شعر بحذره يتهاوى ويتهاوى.. وأنامله تغوص أكثر بين طيات حرير شعرها..
وهو يزيحه أكثر ليضعه خلف أذنها..

حينها لم يقاوم أن يقترب أكثر ليتنفس عطر شعرها من قرب..
وعبقها الشفاف يصيبه بدوار فعلي..
وهو يقترب بألم غير مفهوم من بشرتها..
يقسم حينها أنه شعر بلسعة كهرباء فعلية ما أن لامست شفتيه أذنها..
كهرباء ضربت جسده بعنف جعلته يرتعش كمحموم وهو يتجاوز أذنها لصدغها..

لا يعلم إلى أين كان سيصل.. لو أن انتفاضتها بجزع لم تقاطعه.. وتبتر ارتعاشته لإحساس خدر بهي وهو يراقبها..


دقائق مرت.. قبل أن يستعيد صفاء ذهنه.. ليتنفض بجزع أكبر..
" انا وش هببت؟؟
أنا أشلون رديت نفسي لها؟؟
وش تقول علي الحين؟؟
ماني بعند كلمتي صدق!!"





جميلة قضت وقتا طويلا قبل أن تخرج من الحمام عاجزة عن السيطرة على نفسها وارتعاشها.. وحرجها..
خائفة منه.. وعاجزة عن النظر إلى عينيه!!

لتحمد الله حين خرجت أن الغرفة كانت خالية من وجوده!!






*********************************







" سميرة... صالح وين راح؟؟ "


سميرة تبتسم : ما ادري وين راح.. من يوم راح لبنته ما رجع..

نجلاء بصوت باهت مبحوح: صار له 3 ساعات من يوم راح.. ما أعتقد إنه عندها..
تكفين سميرة.. كلميه خليه يجيب عزوز وخويلد.. باموت أبي أشوفهم!!

سميرة انحنت لتمسح على شعرها بحنان: عيالش أمي بتجيبهم معها الحين!!
خلي أبو خالد يمكن إنه راح ينام.. صار له يومين مارقد كلش!!




لم يتخيلا كلاهما أنه فعلا كان عند بنته طوال ذلك الوقت..
بعد أن استخرج تصريحا خاصا لزيارتها.. وتعهد أن يعقم نفسه جيدا قبل الدخول لها..

والممرضات يحاولن فيه منذ وقت طويل أن يخرج وهو رافض بتصميم..
شيء كالسحر يحدث.. رابط متين ربطه بالقطعة الزهرية الصغيرة ما أن وقعت عيناه عليها..

حين دخل إلى غرفة المواليد.. كان يشعر بتوتر ما.. وهو يريد أن يطمئن على صغيرته ويغادر فورا..
لأنه يعلم أن الأمهات يحضرن وأنهن سينحرجن من وجوده!!

كانت الممرضة تريد أن تقوده لها من بين عدد من المواليد..
ولكنه لم يحتج أن تخبره.. فقد عرفها بنفسه.. عرفها بنفسه!!
قلبه قاده إليها دون خطأ.. لدرجة أن الممرضة تعجبت!!

بالكاد ملامحها واضحة لشدة صغرها.. ومع ذلك يكاد يقسم أنه لم يرى مخلوقا أجمل!!
شعر أن قلبه سينفجر لشدة تدافع الدم إلى خلايا قلبه التي تهاوت عروقها انفعالا!!

شعر أنه سيموت ليشبع هذه الصغيرة بقبلات لا حصر لها..
كان سيراها ويذهب فورا.. فإذا به يجذب مقعدا ويجلس وعيناه معلقتان بها فقط كما لو كانت بؤرة الضوء الوحيدة في العالم!!

عيناه تمسحان جسدها الصغير.. بقعة بقعة.. وألم جارح يتعمق في روحه..
وهو يرى الازرقاق الناتج عن الإبر التي مزقت جسدا كان يجب أن يكون في حضنه الآن!!
يتمنى لو استطاع تحطيم هذا الزجاج ليأخذها في حضنه فعلا..
همس للمرضة باختناق حقيقي: أقدر ألمسها.

ردت عليه الممرضة بمهنية: تستطيع لمسها عن طريق القفاز داخل جهازها..

حينها رفض أن يدخل يده في القفاز.. فهو يريد أن تكون أول مرة يلمسها.. يلمسها بدون أي حاجز.. يريد أن تشعر أنامله بملمسها وليس ملمس مطاط بارد..!!


الممرضة عادت له وهي تهمس بحرج: أرجوك سيدي أن تخرج.. الأمهات يشتكين من وجودك..
وأرجوك ألا تتكرر هذه الزيارة الطويلة.. لك عشر دقائق فقط المرة القادمة!!


" ماذا تقول هذه المجنونة؟؟
أي عشر دقائق!!
كل سنوات عمري لا تكفي للبقاء جوارها!! لا تكفي"

صالح شد نفسه رغما عنه خارجا.. وهو يشعر كما لو كان ترك قلبه خلفه..
تركه بالمعنى الفعلي لا المجازي!!







****************************************





" يمه وش رأيش في اسم المها ؟؟"

أم صالح التفتت لصالح باستغراب: أي المها؟؟

بينما نجلاء شعرت بالتوتر المخلوط بغصة حزن وهي تضم صغيرها غانم وتحاول ألا تلمس مكان الخياطة!!
فهي علمت أي " المها " يقصد..
تشعر بألم عميق وبإحساس ذنب أنها من قصرت في إجراء الفحوص وإلا كانت علمت بوجود هذه الصغيرة المختبئة..

وبكت مطولا حين أخبرتها الطبيبة أن تتهيأ لأي خبر سيء يخص صغيرتها.. حين طلبت مقابلة الطبيبة لتسأل عن حالتها!!
وهاهي تشعر أن الذنب ذنبها أنها لم تستطع تغذيتها كما يجب!!
وكادت الطبيبة تجن وهي تحاول تهدئتها لأن البكاء والانفعال خطر على الخياطة في بطنها..



صالح أجب أمه بعفوية باسمة: المها بنتي يمه.. من زمان مشتهي ذا الاسم!!

أجابت أمه بعفوية بها رائحة الحزن: يأمك هو قد به مودمي عشان تسميه..
(مودمي= إنسان)..

صالح بنبرة غضب: ليه يمه.. وبنتي وش هي؟؟

أم صالح بنبرة حنونة: ذي يأمك فَرط واحتسبها عند رب العالمين..(فرط= طفل ناقص ميت أو سيموت)
أنت ومرتك عادكم صغار.. ويتجيبون كثر ما تبون عيال وبنات إن شاء الله..

صالح انفجر بغضب فعلي: أنتو ليه كلكم تكلمون عن بنتي كنها ميتة.. حتى إبي يوم كلمته استاذنه في الاسم.. قال لي نفس الكلام!!
أنتو ماعندكم إيمان برب العالمين ورحمته!!

أم صالح بحزن: يأمك وش فيك شبيت.. أنت بروحك شفتها شوف العين..
يأمك مثل ذي أشلون تعيش..
حن يا الله سكتنا نجلاء.. تجي ذا الحين تشفقها في البنية..


نجلا كانت تنتظر عبارة كهذه لتنفجر في البكاء فعلا..
أم صالح قفزت بضعف لتتناول الصغير من يد نجلاء.. بينما نجلاء بدأت تضغط بطنها بألم.. والألم يتفجر في زوايا الخياطة..

صالح قفز جوارها وهو يحتضن رأسها بشكل جانبي.. ويشد على كتفيها ويهمس في أذنها بحنان:
هدي حبيبتي هدي ياقلبي.. هدي تكفين.. البكاء مهوب زين لش..
ماعليش من كلامهم.. ربي أرحم من عبيده.. وبنتنا بتعيش إن شاء الله..






******************************









حين خرج من التدريب.. وجد الكثير من الاتصالات منها..
تنهد بيأس..
فهو فعلا أطال في تركها اليوم!!

فمنذ خرج اليوم قبل الظهر بقليل.. لم يعد ولم يتصل.. انضم لرفاقه في شقتهم..
أراد بالفعل أن ينسى ماحدث اليوم..
فهو رأى الامر جارحا له ولها على السواء..
والغريب أنه منذ خروجه من عندها وهو يحاول إقناع نفسه إن ماحدث سبب له الضيق والقرف لأن شفتيه عبرتا مكانا.. عبرته شفتا رجل قبله..
ولكن الشعور المدمر الذي يشعر به فعلا .. أنه لو تكرر الأمر سيفعله وسيفعل أكثر منه بكثير لو استطاع!!
التضادات تقتله!! تقتله حقا!!








****************************






" مساء الورد يام غنومي..
يعني أنتو تسكتوني عشان ولدتي قبل عرسي وتسمون الولد علي!!"

نجلا تمد يمدها لتمسح خده حينما مال عليها لتقبل خده.. وهي تهمس بصوت مرهق مبحوح تماما من أثر انفعالها قبل قليل:
ماشاء الله دعوتك ماتنزل الأرض.. دعيت علي الصبح جاني الطلق المغرب وأنا في السوق!!

صالح يبتسم بمرح: أنا عني بصراحة كنت أبي أسمي على عمي راشد.. هو اللي سمى علي!!
بس نجلا قالت تبغي غانم.. عشان ولدنا جا في موعد تاريخي.. ينقال له موعد عرسك.. عشان نخلد الموعد صدق..
وأنا واحد عظامي ما تشلني على أم خالد.. لو تقول لي أنام واقف نمت!!
بس شوف ترا بنتك لغنوم ولدي وببلاش بعد.. هذي سماوتنا..


غانم يضحك وهو يميل على على سرير غانم الصغير ويضع فيه ظرفا كان مخبأ في جيبه:
سماوتكم وصلتكم.. وبنتي مالكم شغل فيها..


صالح حينها هتف بغضب وهو يقفز ليتناول الظرف من سرير الصغير:
والله ماتعطيه شيء.. اسمك بروحه بسماوة!!

غانم بحزم شديد: صالح استغفر.. والله ماترجع.. ماتبيها أنت وولدك.. خلاص لأختي والله ماتقول شيء..

صالح بذات الغضب: أنت خبل.. أنت رجال وراك عرس ومصاريف.. وأنا حلفت..


الاثنان بدأ بالتناقر فوق سرير الصغير كالديكة.. ولم يقاطعهما إلا صوت نجلا المرهق: تكفون بس.. روعتوا ولدي خلاص!!






**************************************





جميلة قفزت حين سمعت صوت باب الغرفة يُفتح..
فهد دخل بخطوات أقرب للغضب..

بينما جميلة كانت تنظر له بعتب ووجهها محمر تماما: كان قعدت بعد شوي..
حتى تلفون مادقيت وانت طالع من صبح..
وأنا أفكاري تودي وتجيب..

لذا تفاجأت من رد فهد غير المتوقع وهو يهتف بغضب: ممكن أعرف ليش ماكلتي شيء اليوم؟؟

جميلة تراجعت بحرج: وأنت وش دراك أني ماكلت شيء؟؟


فهد بذات الغضب: لأني مريت اليوم وأنا طالع الريسبشن وقلت لهم.. إذا طلبتي الروم السيرفس مايطلعون لش إلا بنت..
وأنا داخل قال لي الموظف إنش أساسا ماطلبتي شيء!!


جميلة هزت كتفيها بيأس: ومن اللي له نفس يأكل.. وأنا قاعدة بروحي وأهوجس!! وأنت ماحتى تكرمت علي بتلفون!!


فهد بذات الغضب: يعني تبين تقنعيني إنش تحاتيني.. عني طلعت وداستني سيارة.. وش يهمش أنتي؟؟

جميلة نظرت له بعمق: يهمني إني اسمي إنسان.. والإنسان لازم يهتم باللي حواليه.. وخصوصا لو ماكان عنده غيرهم..
ثم أردفت بنبرة سخرية مريرة: ولو داستك سيارة على قولتك.. من اللي بيرجعني الدوحة؟؟


فهد زفر بغيظ وهو يجلس ليخلع حذائه: لا تحاتين.. دقي على أبو زايد.. ساعتين وتلاقينه عندش!!



هاهو يجد له موضوعا يحتد به وعليه حتى لا يفكر فيما يشغل تفكيره فعلا..
يريد أن يبعدها عن تفكيره قدر مايستطيع.. قدر مايستطيع!!





#أنفاس_قطر#
.
.

يالله النجمات يا بنات.. النجمات...
نجمة لشوشو (بالانجليزي) هي أول من قالت إن نجلاء حامل ببنت متخبية ورا الولد..
.
نجمة للوزيرة هي اللي أول من توقع إن نجلاء تتحسن بس البنت تظل تعبانة
.
.
نجمة لـ (إرادة) هي أول من توقعت بالضبط من ضمن عدة توقعات بارعة
إنه يكون يخص عارض صحي حصل لكساب بعد الحادث...
.
يا الله موعدنا الثلاثاء الساعة 8... وسامحوني للمرة الألف على التأخير غير المقصود
.
.
.

#أنفاس_قطر# 01-03-11 07:09 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والتسعون
 




بسم الله الرحمن والرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياحياكم الله وياصباحكم خير ومسرات
خالص شكري وتقديري لكل القلوب الناصعة اللي تحاوطني بتشجيعها وتقديرها
الله لا يحرمني منكم
.
.
نبضات القلب جميع دام خير رب العالمين عليكم
أخوانكم في ليبيا محتاجين للتبرعات.. عندهم نقص كبير في المواد الغذائية والإمدادات الطبية..
والصدقة كما تعلمون تطفئ غضب الرب..
فاطفئوا غضب الله عز وجل... واساعدوا أخوانكم المحتاجين لمساعدتكم جعلها الله في موزايين حسناتكم
.
.
دعواتنا جميعا لولد شوشو السعودية بالشفاء العاجل شفاء من عند رب العالمين لا يغادر سقما
وحفظه الله لأمه وأفرحها برؤية أولاده إن شاء الله
.
.
يا نبضات القلب
ترا توقف الكلية عن العمل لا يستدعي استئصالها.. فرضا لو واحد عينه ماتشوف.. يشيلونها من مكانها :)
.
مثل حقيقي:
واحد من قرايبي سوى حادث سيارة جات الضربة على الكلية وانعطبت..
ولحد الحين موجودة ماشالها.. وحتى ما طول في المستشفى بعد الحادث.. خذ له كم يوم بس!!
وعايش حياة طبيعية جدا الحين..
.
اللي يحدث لما تنعطب أحد الكليتين إنها تضمر.. بينما الكلية الثانية سبحان الله يكبر حجمها قليلا وتقوم بمهام الكليتين بصورة طبيعية
سبحان الله ما أعظم قدرته.. وما أرحمه بعباده!!
.
.
بنات يسألون هل هزاع هل له دور قادم؟؟
يا بنات هو يعني يأما يتزوج أو ما يكون له دور :)
هزاع توه صغير وتوه سنة أولى في الكلية..
يعني فعلا الزواج غير وارد.. لكن هأنتم ترون أنه له دور ممتع متناسب مع حضوره في الرواية!!
أشياء أخرى اتركوها لسياق الرواية وأحداثها.. كشف الأوراق يسيء دائما للحدث :)
.
سؤال ثاني
خليفة بيرجع؟؟
نفس الجواب.. إذا كان بيرجع أو لا... هذا بتكشفه لكم أحداث الرواية..
.
.
اسم أخت نجلا (مها) بدون آل التعريف.. صالح عاد هاويها بآل التعريف
وانتظروا شوي تعليقات على الاسم المقصود جدا خصوصا من عالية وسميرة :)
.
.
معنى : أرد نفسي لهذا الشيء= أتنازل له وهو شيء لا يستحق التنازل
مثلا لو تشاجر الأطفال على قطع الحلوى تقبلين ذلك منهم؟؟
لكن لو اشترك في الشجار شخص راشد.. حينها ستقولين: أشلون رد نفسه لذا الشيء..

واضح المعنى ؟؟ :)
.
.
يالله الجزء 95
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والتسعون








" الحين أنتي وإياها مصبحيني من صبح عشان تغثوني..
قوموا فارقوا كل وحدة لبيتها ..
خلو أمي وأمي صافية هم اللي يجوني أبرك من مقابل وجيهكم..
الحين مسوين فيها قاعدين عندي.. وهل واجب..
قوموا فارقوا.. جعل عبدالرحمن وتميم يمسونكم الليلة بكفوف لين تقولون بس!!"


سميرة تهتف بمرح: علوي ظنش عيال أخيش ذولا فيه قرابة بينهم وبين الفيران..؟؟

عالية بمرح مشابه: لا لا حدش.. مهوب عيال أخي.. عيال أختش.. هذي جينات الفيران من عندكم!!
أخواني كلهم طوال..

سميرة وضعت كفها على خاصرتها بطريقة تمثيلية وباللهجة المصرية التي تعلكها بطريقة كوميدية: نعم يا أختشي .. نعم..!!
ما يحكمشي وإن حكم ما يأمرشي.. ئال فيران ئال!!
ثم أردفت بإبتسامة أوسع: ياحبيبة قلبي أمي جايبتنا كلنا حدود الاربعة كيلو..
ومهاوي وصلوح جابتهم 4 ونص.. شوفي الانتاج المتغذي ولا فراخ الجمعية!!
مهوب ذا الكيلو الطالع والنازل اللي عيال أخيش متمسكين فيه!!
وبعدين أنتو اللي تلزقون فينا.. الولد سميتوه على أخي.. والبنت سميتوها على أختي.. أصلا باقي اسم سميرة.. وتصير عايلتنا بالكامل عندكم!!

عالية بتأفف: وعيييييييه.. وش سميرة ذي؟؟ وش ذا الاسم السوفاج؟؟
أما عاد مهاوي لا تنسين إن صالح هو اللي طلب اسمها من عمي راشد..
من زمان خاطره في الاسم!!

سميرة بذات المرح: زين صارت حلاوة.. بيسمي العايلة كلها مها...
وإلا عشان أختي مهاوي شقراء وتختوخة وتجنن تحسبون بنتكم الفارة السوداء بتصير مثلها..
بعيد عن شواربكم يا آل خالد الجياكر..



كان الحوار المرح مستمر بين الاثنتين منذ حضورهما معا.. لتغادر أم صالح التي كانت أصرت أنها من ستبات عند نجلاء..
كانتا تحاولان رسم الابتسامة على وجه نجلا التي كانت تعاني بالفعل من كآبة حادة.. وهما تعلقان على المولودين معا بذات الدرجة..
لكي توحيا لنجلا ان كلاهما سيعيش لها..


كلاهما لا يغادرها مرحها الفطري رغم أن حياة أي منهما لا تخلو من المشاكل..

فعالية بين ضغط عملها.. ووحمها .. وعدم تحسن حالة عبدالرحمن التي هي المؤثر الأكبر على نفسيتها المرهقة..


سميرة أيضا هي حالة خاصة.. زوجها ذكي.. لكنها أيضا ذكية!!

تميم قبلا كان يغار عليها الغيرة المعتادة التي ترضي غرور أي امرأة!!
لكنها ما أن بدأت تشتكي من عمله.. حتى بدأ هو يزيد من عيار الغيرة لدرجة بدأت تضايقها...
وكأنه -بطريقة قد تكون فعلا غير مقصودة- يعطيها مثالا أن هذا ماسيحدث كلما بقي معها وقتا أطول..
لأنه سيزيد من تركيزه عليها..
وكأنه يقول (ارتاحي مني يا بنت الحلال أحسن!!)

بينما سميرة ابتسامتها دائما حاضرة ( خبيث ياتيمو.. بس تراني لو بغيت أصير أخبث!!
وعلى قولت خالي هريدي الفصيح : إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا )







*****************************************






صحا من نومه.. وهو يشعر بشعور أشبه بالصداع..
فهو لم يستطع أن ينام جيدا.. وهي السبب.. دائما هي السبب!!
البارحة أصر أن يأخذها خارجا ليتعشيا لأنها لم تتناول أي شيء طوال اليوم..
شهيتها كانت شبه مسدودة فعلا..
وهو عاني بطريقته العصبية في إقناعها أن تأكل.. فهو يعلم أنها عانت من مرض انسداد الشهية ويخشى أن يعود لها بسببه..


ومنذ عادا لغرفتهما.. وهو عاجز عن رفع عينيه عنها بطريقة مؤذية لمشاعره.. وجارحة لرجولته!!
وهو يحاول أن يكتم رغباته وينحيها في نقطة عميقة في داخله!!
ولكن هذه الرغبات بدأت تتسع في داخله إلى حد العجز عن كتمانها..
وهي تكاد تفيض من جوانحه بقسوة....

أجبر نفسه إجبارا قهريا على التمدد قبلها.. وإغلاق عينيه حتى يتوقف عن مراقبتها..
وهاهو يصحو الآن بعد نومته غير المريحة..
ليتفاجأ بوجود مخددة ممدة بينها وبينه!!!



" نعنبو ذي صاحية وإلا خبلة ؟؟
يعني المخدة بتحميها مني!!"


ألقى المخدة خلفه بعصبية.. ثم نقر كتفها بخفة.. جلست بجزع وهي تتلفت حولها..
هتف بعصبية: سور الصين العظيم اللي حطوه عشان يحمي الصين.. يسلم عليش!!

جميلة تلفتت بحرج للمخدة الساقطة خلفه.. وتهمس بذات الحرج : ماقصدت شيء!!


فهد بغضب يتزايد بغير منطقية ولا سبب: إلا قصدتي ونص.. قصدتي تجرحيني.. وتحرجيني..
وش تقصدين؟؟تبين تبينين إنش خايفة مني أو عايفتني..؟؟
ليش يعني ؟؟.. حلال عليه وحرام عليّ.. ليش يعني هو حق له يقرب.. وأنا تبين تبعديني بأي طريقة..

جميلة بصدمة: فهد أنا الحين اللي أبي أبعدك.. والكلام اللي قلته لي من ثاني يوم عرسنا.. نسيته؟؟

فهد بقسوة: لا تفتحين دفاتر ما أبي أفتحها.. أنا مانسيت.. بس أنتي نسيتي وأنتي تسوين حركات البزارين ذي..
أنتي منتي بمحتاجة شيء يحميش مني.. قلت لش إني أنا نفسي تردني...
وخلصنا جميلة.. ما أبي أقول شيء يضايقش.. لأنه يدي ما تمر على مكان مرت عليه يد غيري..


آلمها حتى عمق العمق.. ألا لأنه بدأ يضعف نحوها يجد ذلك مبررا لطعنها الطعنة تلو الطعنة!!
هذا وهو لا يريد أن يضايقها.. فما معنى المضايقة عنده هذا المخلوق المعدوم الإحساس..؟؟
وهو بالفعل وحقيقة كان يظن أن كلمته غير جارحة...!!


همست حينها جميلة بحزن شفاف: ماتبي تقول شيء يضايقني؟؟
أنت أساسا من يوم تزوجتني ماتعرف إلا الكلام اللي يذبح.. هذي المضايقة مرتبة أنت تعديتها من زمان!!
أنا أبي أعرف وش الدين اللي تعرفه أنت؟؟.. الدين عندك صلاتك ووردك بس..
اللي أعرفه إن الدين المعاملة..
واللي أنا أعرفه إنه زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم مطلقات وأرامل إلا السيدة عائشة..
مرت قبل يده الشريفة أيادي وأيادي.. ولا عمره جرح وحدة منهم بكلمة..
إلا إذا أنت شايف نفسك أحسن من الرسول عليه الصلاة والسلام؟؟

فهد انتفض بجزع وهو يقفز ويستغفر: أعوذ بالله من غضب الله.. فيه حد يتطاول على الرسول كذا.. أنتي صاحية!!

جميلة ماعادت قادرة على الصمت.. مثقلة بالوجيعة حد التخمة..
أ يوقظها من نومها ليتمتع بتجريحها؟!! أي مخلوق وحشي وهذا؟!!
انهمرت بيأس:
الحين أنا اللي تطاولت على الرسول وإلا اللي شايفني زبالة عشاني كنت لرجال قبلك.. ؟؟
الله عز وجل يقول : (عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكارا)..
وقدم الثيب على البكر.. لكن أنت لا هامك كلام رب العالمين.. ولا رسوله...
أنت واحد معدوم إحساس.. ولا فيك ذرة إنسانية..
وأنا تعبت منك والحياة خلاص مستحيلة بيننا..

وأنا ترا بطبعي ماني بصبورة.. بس صبرت عليك واجد عشان ما اصير مطلقة مرة ثانية..
لكن أكرم لي أصير مطلقة عشرين مرة.. ولا القعدة مع واحد مثلك ذالني على شيء مالي ذنب فيه..


فهد تراجع بصدمة كاسحة.. فهو لم يقل لها ما يستحق أن تقول له من اجله كل هذا؟؟

لم يتخيل أنها قد تصف كل هذا الحديث لتصل في النهاية إلى هذا الطلب الموجع كنتيجة منطقية لكل ما يحدث بينهم!!
رصفت الحديث رصفا.. وهي كل حجر تضيفه تضعه فوق صدره حتى أصبح عاجزا عن التنفس وهي تقيم البناء كاملا على جسده..

أ لم يعلم أن المعول الذي كسرت به الحجارة لتقيم بنائها.. كان هو من غرزه في صدرها..؟؟

قسوته جعلتها تنتزع المعول من صدرها ومكانه ينزف طوفانا من وجع ودم.. لتستخدم ذات المعول لتبتعد عنه!!









***********************************







بعد أربعة أيام
.
.


" صالح الله يهداك ماعاد شفناك.. تقعد في المستشفى أكثر من البيت!!"

صالح يميل ليقبل رأسها ثم يجلس جوارها على السرير ويهمس بحنان:
أنا بعد حبيبتي قلت لش .. خلش عند أمي وإلا أمش
أنتي لزمتي ما تنفسين إلا في بيتش!! عشان كذا صرتي تضيقين من القعدة..

نجلا تزفر: أصلا أنا من البداية قلت لك إني باتنفس في بيتي.. لا هو أول ولا ثاني..
وأمي وأمكم يا الله كل وحدة تقوم بروحها.. وأنا هنا خداماتي عندي..
ومدارس عيالي قربت..
وهذا أساسا مهوب موضوعنا.. يعني أنا هنا من قبل أمس.. كل ماكلمتك لقيت جوالك مسكر دريت إنك عند البنت..

صالح بتأفف حنون: شأسوي ما يخلوني اشوفها إلا شوي.. فاضطر اروح وارجع واروح وارجع..

نجلا تتنهد: زين صالح خلك منطقي.. قعدتك عندها كل ذا وش بتفيدها؟؟
أنا وعيالك اللي محتاجينك أكثر الحين..

صالح زفر بغضب: لا هي محتاجتني أكثر.. أنتو في بيتكم ولا عليكم قاصر..
بس هي محتاجة تحس إنه فيه حد جنبها ويبغيها..

نجلا زفرت بيأس: أشلون بتحس.. من ورا القزاز..؟؟
وعلى العموم دامنا جبنا طاري البنت.. أبي أقول لك.. قبل ما تخلص أوراقها
إني ما أبي اسم المها..


صالح بصدمة: ليش احنا كنا متفقين خلاص..

نجلا بضيق متأفف: مايصير صالح هي بعد مها.. كفاية أختي أنت سميتها وإبي طاعك من غلاك عنده.. وعشانه عارف إنك مشتهي بنية..
بس خلاص هي كفاية.. أبي أدور لبنتي اسم ثاني!!


صالح وقف وهو يهتف بحزم: انتي سميتي غانم وما اعترضت.. والحين اسم البنت لي أنا..

نجلا اعتدلت جالسة وهي تنفث غضبها: والله المعروف إن البنت اسمها عند امها..
وبعدين تعال وش معنى ذا الاصرار على اسم مها..
ليش مها بالذات؟؟

صالح لم يرد عليها وهو يشد أنفاسه ويخرج!!






******************************************





" حبيبي.. وش فيك تاخرت الليلة؟؟ مهوب عوايدك؟؟"


علي يناولها غترته ويبتسم : إيه متعودة أوقع حضور من بدري..
كنت عند مزون.. سهرت شوي عندها أنا وكساب..
ولولا إنه كنا نبيها تنام وإلا كان قعدنا للفجر!!


ابتسمت شعاع برقة وهي تطوي غترته لتضعها في سلة الغسيل:
الله لا يحرمها منكم.. ولا يحرمكم منها.. مابعد شفت أخوان يحبون أختهم مثلكم..

كانت شعاع متجهة لغرفة الملابس وهي ترى عليا متجه للميزان.. ابتسمت وهي ترفع صوتها: لا تحاتي.. نفس وزنك البارحة!!

ضحك حين رآها تخرج عائدة له: كله منش.. طول اليوم تزغطيني أكل..
كساب ومزون استلموني تعليقات.. يقولون ضعيف وطلع لك كرش!!
وكساب لقاها فرصة يبي يسحبني معه للنادي!!

شعاع باستنكار: وين الكرش حسبي الله على أبليسهم..؟؟
ماعليك منهم.. أنت عاجبني على كل حال!!






**********************************






" ها ياعروس كيف استعدادش لبكرة؟؟ "


مزون التفتت لوالدها بخجل لا يخلو من ثقة: عادي.. فديتك!!
مار على رأسي اللي أعسر من سالفة العرس بواجد..
وأنت أدرى!!

زايد يشدها ليحتضنها .. ويطيل في احتضانه لها وهي تستكين بين ذراعيه وعبرة تلقائية تقفز إلى حنجرتها..
لا يتخيل البيت غدا يخلو من وجودها وخطواتها .. يشعر منذ الآن بخواء هائل يخترم روحه إلى أقصاها..
همس في أذنها بحنان: أخوانش جاووش.. أشوفهم الليلة كل واحد منهم يتسحب ورا الثاني..
وكني داري وينهم رايحين.. قلت خلني أنا عقبهم..


مزون باختناق: جاوني فديتهم.. وقعدوا عندي أكثر من ساعتين!!
حتى البنات كانوا يبون يجوني.. تعذرت منهم.. قلت الليلة لاخواني..
قالوا أول مرة نشوف وحدة تسهر الليلة اللي قبل عرسها مع أخوانها..
الله لا يحرمني منكم جميع.. ويديمكم فوق رأسي جميع..

زايد أفلتها ليشدها ويجلسها ويجلس جوارها وهو يهتف بحنان خالص:
مايحتاج أوصيش في رجالش.. وأبيش تبيضين وجهي عند جماعتش..

مزون همست بتأثر: لا تحاتيني يبه فديتك.. بيقولون زايد ربى..

مسح على خدها بتأثر: كان ودي إن أمش تشوفش بكرة..
كانت دايم دعوتها لش من يوم جابتش.. جعلني أشوفش عروس..
الدعوة اللي ماعاد سمعتها منها آخر سنة عاشتها..

مزون عادت لترتمي في حضنه وهي تمنع نفسها من البكاء لأنها لأول مرة ترى والدها بهذا التأثر:
أنت أمي وإبي.. ولا شفتني أنت بعينك كن العالم كلهم معي!!

أبعدها قليلا ليقرص أنفها بمودة وهو يبتسم: حتى كساب يا النصابة؟ !!

ضحكت مزون ضحكة مختنقة بالدموع: لا تمسك على الكلمة.. وخل كساب على صوب!!







.
.
.



هاهو يعود أخيرا إلى غرفته.. بعد أن قضى وقتا طويلا عند ابنته..
مطلقا لم تشعر بأي ضيق.. حين أطلت عليهما لأنها كانت تريد أن ترتب بعض الأغراض لمزون.. وعلمت حينها أنه هناك..
وعادت لجناحها دون أن تزعجهما...

كل ماشعرت به هو تأثر شفاف.. بالغ الشفافية..
فهي أيضا كانت وحيدة والدها.. وتعرف كيف يكون ارتباط الوحيدة بوالدها .. وارتباطه بها !!


ولكن مابات يضايقها هو زايد ذاته.. هل التغيرات التي تنتابه هي لتأثره من زواج مزون؟؟

وماعلاقة زواج مزون بتجاهله المهذب الرسمي لها نهارا... ثم ارتعاشه كالمحموم بين ذراعيها ليلا وهو يهذي باسمها بطريقة موجعة!!
يثقلها ببروده نهارا.. ثم يشعل مشاعرها لهيبا في الليل..

والمؤلم لكبريائها أنها تتمنى من بين شفتيه كلمة واحدة كالتي أغرقها بها في الايام الاولى من زواجها.. ولكنه لم يخطئ ولو لم مرة واحدة في قولها..

ربما لو كان لم يقل لها شيئا إطلاقا.. لقالت هكذا طبعه ولا بأس.. فهناك رجال لا يحبذون قول كلمات الغرام..
ولكنه أغرقها بقاموس من كلمات الغرام لم يخطر يوما حتى على أبعد مخيلاتها..
ثم ...صمت..
صمت كما لو كان نضب.. بئر ونضبت!!


والأعمق والأغرب.. أنها لا مانع لديها من إكمال حياتها كلها دون أن تسمع الكلمة التي تنتظرها..
فوجودها جواره يغنيها عن كل شيء..
ولكن ليتها تفهم فقط ما الذي يمر به الآن.. ليتها تفهم.. حتى ترتاح وتريحه!!







*************************************






" آه..." بالكاد صدرت عنها هذه الآهة الخافتة ليقفز جالسا وهو يتحسسها بقلق: وش فيش؟؟ شيء يوجعش؟؟

جوزا تنقلب على جنبها ناحيته وهي تهمس بعفوية: لا حبيبي بس كنت أبي أنقلب على جنبي الثاني.. وتعرف مع الثقل القلبة هذي صعبة!!

عبدالله يزفر وهو يعود للتمدد: روعتيني الله يهداش.. أنا من عقب اللي صار مع أم خالد.. وأنا صاير معي فوبيا خوف عليش..

جوزاء ابتسمت وهي تمسح على شعره: مافيني إلا الخير.. مسوية عشرين فحص.. هو بيبي واحد وسليم إن شاء الله ووزنه ممتاز...

ابتسم عبدالله بخبث لطيف: وجنسه؟؟

ضحكت جوزا: اللي هو.. أنا وأنت عادي عندنا ولد وبنت.. مهوب مثل أخيك اللي استخف على بنته وقعد..
ثم أردفت بجدية: تصدق حبيبي بديت أحس إن نجلا متضايقة من تعلقه الغريب ببنته...

عبدالله باستنكار: لا لا تقولين كذا.. بس تدرين مهما كان النفاس تتعب نفسيتها... وهي مسكينة والد بعملية وعيالها أوزانهم صغيرة..
وبنتها في الحضانة..
وصالح الله يهداه لازم يعطيها وجه شوي..

جوزا برجاء: زين قل له تكفى.. نجلا كاسرة خاطري..

تنهد عبدالله: أنا قلت له من نفسي.. وصدقيني عشانه موب عشانها هي بس..
البنت قلبها تعبان.. وصالح متعلق فيها بشكل غير طبيعي..
أبيه يفك منها شوي بس هو مايسمع ولا يطيع..
ثم أردف بابتسامة: الله يعين على ذا الأخوان.. واحد كل يوم ساحبني للمستشفى عشان أشوف بنته من ورا القزاز..
ويقول لي قصايد غزل في جمال بنته وهي حتى ملامحها مهيب باينة..
والثاني ساحبني من فجر للمطار.. ما أدري ليه ما يستلمون دلوعة أمي هزيع شوي..

جوزاء بتساؤل: إلا غريبة فهد طلب منك تجيه.. ما طلب من عمه يجيه عشان مرته تاخذ راحتها!!

عبدالله هز كتفيه ببساطة: يمكن استحى يطلب من منصور يجيهم الفجر..






************************************






يجلسان متجاورين في الطائرة..
وشتان بين مشاعر كل منهما.. كما كانا دائما !!
هو يريد أن يقتنص منها نظرة.. وهي لا تريد أن تنظر نحوه حتى!!



فبعد انفجارها فيه قبل عدة أيام.. سكتا كلاهما تماما.. انقطع الحوار تقريبا بينهما إلا في حدوده الدنيا الضرورية..

يذهب لتدريبه.. ثم يعود فورا لها.. يخرجان معا.. يتغديان.. يتعشيان.. كما لو كانا سائحين التقيا دون سابق معرفة..
لم يعودا للتناقش في أي شيء..
فالجرح بينهما بات أكبر من أي نقاش..!!


طوال جولاتهما يمسك بكفها.. وهي لا تعترض على شيء.. فما الفارق الحاصل؟؟
ولكن ما أن يعودا لغرفتهما.. لا يقترب منها إطلاقا.. ولا بأي صورة..


حتى حينما تأخر في الحجز.. وزواج ابنة خالتها أصبح في الغد.. لم تسأله عن شيء.. لم تقل له حتى هل سنعود أو لأ؟؟
وحين فاجأها البارحة بخبر توجهما للمطار.. لم تعلق أيضا..

كانت تريد جمع ملابسها.. لكنه رفض.. طلب منها أن تاخذ أغراضها الثمينة فقط وتترك الملابس حتى يعودا.. لأنه لا وقت لديهما لحزم حقائبها..

مع أنه تقصد تماما أن يخبرها في ذلك الوقت.. حتى لا تجد الوقت لأخذ أغراضها..
وكأنه يخشى حين تأخذ كل شيء أن ترفض العودة معه..!!


ثم طلب من عبدالله أن يستقبلها في المطار.. لم يطلب من منصور..
شعر بألم عميق أن يرى منصور وهي معه.. وكأنه يقول له: أنا لم أستطع المحافظة على أمانتك..
أو ربما كان أكثر ما يخشاه أن تصر على الذهاب مع منصور..أرادها أن تذهب معه إلى بيته أولا.. لتعلم أن هذا مكانها ولا مكان لها سواه..
وبالفعل هاهما الآن في سيارة عبدالله متجهان لبيته مع خيوط الشمس الأولى وهو يشعر بارتياح ما..


لذا كانت صدمته الكاسحة التي فجرت غضبا كتمه في روحه.. حين سمع الصوت الواثق الرقيق القادم من الخلف:
أبو حسن لو سمحت... الظاهر فهد نسى يقول لك إني أبي بيت هلي أول..


لم يفت ذكاء عبدالله ذلك.. لذا هتف بحزم: أبشري.. أصلا فهد قال لي وحن داخل المطار..

جميلة شعرت بحرج كبير.. أن يكون فعلا فهد قد قال ذلك لأخيه بينما هي ظنت فيه ظن السوء.. واضطرت إلى إحراج نفسها أمامه..
ولكن مايهم أنها لن تعود معه..فهي لن تحتمله حتى لدقيقة واحدة!!

الصمت حل في السيارة.. حتى الحوار بين الشقيقين توقف لأن عبدالله كان يعلم أن فهدا يشعر بغضب بدا واضحا في ارتعاش كفيه!!

حين وصلوا إلى بيت منصور.. جميلة نزلت.. وفهد نزل لينزل حقيبتها..
وحملها للداخل..

ما أن فتحا باب الصالة.. حتى خلعت جميلة نقابها وشيلتها وألقتها على المقعد وتريد الركض للاعلى...

ولكن فهد شدها وهو يثبت ظهرها لباب الصالة.. ويهتف بغضب متفجر كتمه بين ارتعاشات صوته: ممكن أعرف أشلون تسوين فيني كذا؟؟
أشلون تصغريني قدام أخي..

جميلة بصدمة: ليه أنت ماقلت له أصلا..؟؟
ثم بترت عبارتها وهي تهمس بمرح ميت: قلت لك إنك غشيم.. حتى تغطية أخيك عليك ماعرفت تستغلها..!!!
أنا كنت حاسة بالذنب إنك فكرت فيني وأنا مافكرت فيك..
بس مشكور جزاك الله خير إنك علمتني.. أنا اساسا استغربت ذا اللطف اللي نزل عليك!!

فهد بغضب حقيقي: وأنا ما أحتاج حد يغطي علي بالكذب..
أنا أساسا كنت بأجيبش هنا بنفسي.. بس كنت أبيش تسلمين علي هلي أول وعقبه اقعدي عند هلش كثر ماتبين..

جميلة تحاول تخليص كتفيها المثبتتين بدون فائدة وهي تهمس بغضب:
أسلم على هلك لو كنت مقررة أكمل حياتي معك.. بس خلاص لين هنا وخلاص انتهينا..
وشو الله أحرج نفسي وأروح أسلم على هل اللي بيطلقني..

فهد تراجع بصدمة: أطلقش!! استخفيتي أنت..

جميلة تشعر بغضب متصاعد.. فهي باتت تكتم طويلا ثم تنفجر مرة واحدة:
استخفيت لو بأكمل معك.. خلنا نتطلق من سكات وبدون فضايح..
قبل ما أقول لعمي منصور كل اللي سويته فيني..
وأظني علاقتك بمنصور أهم من علاقتك مني.. فما في داعي تخرب علاقتك فيه عشاني!!

فهد عاود شدها من معصمها بقوة وعيناه محمرتان لشدة غضبه:
صحيح منصور عزيز وغالي.. بس لا تهدديني فيه.. لأنه مستحيل أطلقش لو مهما صار.. ولا حتى عشان منصور نفسه..
أنا ما تزوجتش عشان أطلقش..


جميلة بغضب مشابه: لا.. تزوجتني عشان تحطني على كفوف الراحة اللي معيشني عليها من يوم تزوجنا..

فهد أفلت معصمها بحدة: الحين خلش عند هلش .. بس حطي في بالش إن طيارتنا بكرة..

جميلة بحزم: سافر بروحك... الله يحفظك..

فهد يفتح الباب وهو يلتفت نحوها ويهتف بحزم: يحفظني أنا وإياش وحن مسافرين سوا..





فهد فور أن ركب السيارة هتف بحزم دون أن ينظر لعبدالله: عبدالله رجاء لا تسألني عن شيء؟؟

عبدالله هتف ببساطة باسمة: لا راح أسأل عن شيء ولا كني عرفت شيء!!
بأقول كلمة وحدة.. عشان ما أغص فيها يأخيك..

بنية في عمر مرتك إذا أنت يالدبش العود ماقدرت تفر مخها في يومين... فهذا من خبالتك!!







*********************************






" كاسرة.. وين بتروحين بدون ما تقولين لي؟؟"

كاسرة التفتت لكساب الذي اعتدل جالسا من نومه وتختلط بوجهه علامات النوم والغضب..
همست بهدوء: خاطري مرة أسوي شيء وأنت نايم ولا تصحا..
رايحة الدوام طال عمرك!!


كساب باستغراب غاضب: دوام يوم عرس أختي.. ماقدرتي تأخذين إجازة اليوم يعني؟؟

كاسرة بذات الهدوء: عندي اجتماع مهم.. بأخلصه وأرجع بدري.. الساعة 10 أنا هنا إن شاء الله..


كساب بذات النبرة المحملة برائحة الغضب: حتى أنا كان عندي اجتماعات مهمة..
فيه اختراع اسمه إلغاء الاجتماع أو الاعتذار عنه...

كاسرة تنهدت: حاولت وما قدرت... فما فيه داعي تسويها سالفة كساب...
كلها ساعتين وراجعة..

كساب ينفض فراشه ويقف وهو يهتف بذات النبرة الحادة:
الحين أنا اللي سويتها سالفة وإلا أنتي ؟!!
اتصلي الحين واعتذري!!

كاسرة بحزم: ما أقدر.. قلت لك ما أقدر.. والموضوع مايستاهل الشد اللي أنت مسويه..
أنت بس تموت لو ماعصبت على كل شيء!!


كساب تنهد وهو يشد نفسه متجها للحمام..
فهو اليوم متوتر فعلا لزواج مزون وإحساسه بإبتعادها عنهم...
وهذه المخلوقة الكاسرة ستبقى عاجزة عن فهمه!!
كان يحتاجها لجواره بشكل عميق غير مفهوم..
لم يكن يريد معاناة كل هذا التوتر وحده..!!
ولكن هاهي تفضل عملها عليه..!!
فماذا يستطيع أن يقول أكثر !!






************************************






" حرام عليش جميلة.. فجعتيني هذي مهيب مفاجأة..
تهزين كتفي وأنا نايمة.. أفتح عيوني ألقاش نايمة جنبي!! "


كانت مزون تهذي بفرح حقيقي رغم مرور أكثر من نصف ساعة على رؤيتها لجميلة..

جميلة تتربع على سرير على مزون وهي تهمس بمرح: تدرين أمي فجعتها نفس الفجعة..
لأن عمي منصور كان طالع الزام بدري على أساس يرجع يرتاح قبل موعد عرسش..
وبعدين ماقعدت معها إلا نص ساعة.. وخليت السواقة تجيبني.. شفتي غلاش بديتش على زيودي..
يا الله قومي يا الكسلانة خل نرتب أغراضش..

مزون تتمدد في حضن جميلة وتضع رأسها على فخذها: أغراضي كلها مرتبة من أمس.. عمتي مزنة وبناتها ماخلوني احط يدي في شيء..
والحين تو الناس... علميني أنتي وش أخبارش..؟؟

جميلة حينها انطفئت ابتسامتها: زين.. ماشي الحال..

مزون اعتدلت جالسة وهي تهمس بقلق وترفع وجه جميلة ناحيتها:
عيونش ماتقول زين..

جميلة بسخرية مرة أقرب للبكاء: خلاص زفت..

حينها جلست مزون وهي تشد كف جميلة وتهمس بقلق متأثر:
ليش كذا جمول؟؟

جميلة حينها انفجرت في البكاء وهي تنكب وتدفن وجهها في حضن مزون وتهمس بصوت غير واضح.. مختنق من الشهقات ومن اختباء وجهها في حضن مزون:
لأني متزوجة رجّال زفت.. زفت.. بس تكفين ما أبي أمي تدري بشيء..
هي وعمي شايفين فهد شيء كبير ما أبي أكسره في عينهم..
عشانهم مهوب عشانه..
لأنه عمي منصور يحبه واجد.. ولو تأثر أمي بتتأثر معه!!


مزون رفعت جميلة من حضنها وهي ترفعها من كتفيها وتهمس بحزم:
قولي اللي وش صار بينش وبينه ولا تدسين علي شيء..

جميلة تمسح وجهها وتهمس بصوتها المختنق تماما: مزون سامحيني.. المفروض ما أخرب مودش وخصوصا اليوم.. خلاص حكي فاضي ماعليش منه..

مزون بحزم أشد : مودي مافيه شيء يخربه.. وخلصيني قولي لي..
لا تشغلين بالي كذا..


جميلة حكت لمزون كل شيء.. فهي كانت محتاجة للبوح ليس إلا..
فقد أرهقت سنوات عمرها القليلة بكتمان هو فوق طاقتها..

مزون كانت تستمع بذهول.. لم تتخيل أن جميلة المدللة قد تصبر على كل هذا.. وعلى أقل منه حتى..
ومع ذلك حين وصلت جميلة لموضوع الطلاق الذي حدث بينها وبينه قبل قليل..
انتفضت مزون بجزع: ومن جدش تبين تتطلقين؟؟

جميلة هزت كتفيها بيأس: تبين الصراحة؟؟ ما أدري... فهد ما ينتعاشر..
بس لو تطلقت للمرة الثانية وأنا ما كملت شهر.. تخيلي الكلام الي بيطلع علي..
وهم يا الله سكتهم زواجي من فهد عقب طلاقي من خليفة..
الحين ماراح يسكتهم شيء.. وتخيلي القصص اللي بتطلع علي.. تخيلي كل ما أروح أي مكان يتكلمون علي..
وإلا رفيقاتي في الجامعة يقولون لهم أهلهم لا تمشون مع ذا البنت.. الله أعلم وش شايفين عليها رياجيلهم..

خلاص مزون ما أقدر استحمل كلام مثل هذا..
وحتى لو ماهمني شيء.. أمي واجد هامتني.. أنا عذبت أمي معي كثير.. وخلاص أبيها ترتاح..


مزون باستغراب: زين ليش تطلبين منه الطلاق؟؟ لو سواها وطلقش؟؟

جميلة بثقة موجوعة: لأني فعلا ما أبيه.. وما أقدر أتخيل أشلون أرجع أعيش معه..

مزون همست حينها بحرج: ودامش شايفة موضوع علاقتش بخليفة شاغله.. ليش ماريحتيه وقلتي له الحقيقة..
يمكن كان تعدل معش..

حينها انتفضت جميلة بغضب: يخسى أقول له.. هذا واحد مريض وأفكاره مريضة مثله..
تبيني عقب اللي سواه فيني كله.. أقول له تعال يا الشيخ فهد.. تراك أول واحد في حياتي.. عقب ما تعامل معي كني زبالة..
خلاص وش يغير ذا في الموضوع..؟؟
أنا فعلا مرة مطلقة.. والمتوقع إنه صار بيني وبين خليفة علاقة مثل أي زوجين... وهو خذني وهو عارف ذا الشيء زين..

ليش الحين صرت كخة في عينه؟؟... كان خلاني من أولها.. كان كملت دراستي..
ويمكن بعدها لقيت الرجال اللي يخاف الله فيني..
لكن هو الحين خرب حياتي كلها.. وماخلا لي أي فرصة..
وأنا صدق عايفته وماني بمتخيلة يصير بيني وبينه شيء.. عقب ماهاني بذا الطريقة!!







***************************************








"جاي تطلعني من الدوام بنفسك.. وجهك وإلا القمر؟؟"


نايف يبتسم : لا طال عمرش.. وجهي.. القمر ماطالني!!

عالية تغلق بابها وتهمس بمرح: أخس يا النويف الدب.. والله الظاهر إنك تتعلم تصفصف حكي.. قرب عرسك..

نايف بمرح: أول شيء (الدب).. أملاك حصرية لرجالش ما نقربها..
ثانيا مافيها شيء نتعلم حكي.. اسمي معرس..

عالية تشعر كالعادة بسعادة لرؤية نايف: وينك تغط ذا الأيام.. اشتقت لك يا الخايس..

نايف بإبتسامة: أول شيء لاا أغط ولا شيء بس أنتي المشغولة.. وأنا مشغول شيء بين شغلي وشوي ترتيبات في بيتي.. وشوي مع نشبة خواتي..
وأنتي توش شفتيني عند أمش البارحة الأولة..

عالية هزت كتفيها بإبتسامة: بس لو مر يوم ماشفتك.. أشتاق لك يا المعفن..

نايف يضحك: أنتي احترمي نفسش... خايس ومعفن.. اللي يسمع يقول جاي لش من بلاعة..

عالية تتنفس رائحة عطره المنتشر في السيارة بطريقة مرحة: وين بلاعة.. إلا جاي من بركة عطور.. ريحة عطرك صكتني بصداع..
وش صاير؟؟ شكلك مغير عطرك؟؟

نايف بثقة مرحة: عريس ولازم أغير..
ها تبين أوديش بيتش وإلا بيت هلش..

عالية بمودة: لا بيت هلي فديتك.. وراي عفسة.. عشان عرس غانم الليلة!!


حوار تلقائي مرح يدور بين الاثنين..
فنايف تجاوز كثيرا من حدته القديمة ناحية موضوع وضحى.. فالأيام تُصغر المواقف..
وخصوصا وهو يرى تعامل تميم الطبيعي جدا معه.. فمادام تميم أخذ الموضوع ببساطة فهو لابد أن يأخذه كذلك..

ولكنه لا ينكر شعوره بالتوجس والحرج من شخصية زوجته..
وهو يقرر في داخله ألا يحاول اتخاذ مواقف مسبقة حتى يراها ويعرفها..








***********************************






" جميلة جات صدق؟؟"


عفراء تتلقى منصور بسعادة محلقة: إيه يا قلبي جات بس راحت لمزون وبترجع بعد شوي..

منصور باستغراب: غريبة إن فهد ما كلمني ولا حتى قال لي استقبلهم في المطار..!!

عفراء بعفوية: يمكن مايبي يشغلك.. وخصوصا هو مشغول الليلة بعرس ولد عمه..


منصور بذات الاستغراب: مشغول يوم كان في مصر يتصل لي ويبلغني بموعد جيتهم..؟!!
بأتصل له أشوف وش سالفته؟؟





#أنفاس_قطر#
.
.
.



تتشرف كل من
عائلة راشد آل ليث............وعائلة زايد آل كساب
بدعوتكن لحضور حفل زفاف
نجل الأولى/ غانم........على........كريمة الثانية/ مزون
وذلك يوم الخميس الساعة الواحدة والنصف ظهرا
في قاعة ليلاس بين جنبات رواية بين الأمس واليوم
وبحضوركن يتم لنا الأفراح والمسرات
.
.
.

#أنفاس_قطر# 03-03-11 12:27 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السادس و التسعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساءات الأفراح والليالي الملاح أدام الفرحة على قلوب الجميع
وخالص ترحيبي بكل المشتركين الجدد عشان الرواية
الله يكبر قدركم مثل ما كبرتوا قدري..
وأتمنى إنكم تلاقون في ليلاس بيتكم على الشبكة وتكون لكم مساهمتكم الفعالة في كل الزوايا
وليس في القصة فقط!!
.
.
ولأن الشكر واجب لأهل الشكر.. خالص شكرنا لأدارة ليلاس الجليلة
التي أزالت طلب تولبار الأليكسا من أجل راحة متصفحيها
وهي تقدم راحتهم على مصلحة الموقع الشخصية..
ألف ألف شكر!!
.
.
فيه بنات معترضين على وصف زايد بـ" المتفرد بعظمته" لأن هذا هو الله عز وجل...
تعالى الله علوا كبيرا أن أكون أقارنه بخلقه.. يابنات هذا مقارنة خلق بخلق وليس بالخالق..

بنات ركزوا معي زين.. هناك صفات هي وقف لله عز وجل.. وصفات مشتركة بين الله وخلقه..

مثلا المبدئ والمعيد هذي مختصة بالله واحدة..
لكن مثلا الرحيم والسميع والبصير والمؤمن والعزيز والعظيم مشتركة بين الله وخلقه..

نقول فلان رجل عظيم متفرد بعظمته نقصد بين الخلق فقط.. لأن هناك رجال عُظام عدة.. وأردنا أن نميزه من بينهم!!

وحين نقول ما أسمع فلان وما أرحمه وما أبصره وما أعزه... بصيغة التفضيل.. هل نكون نتعدى على صفات الله عز وجل؟؟
لأننا وصفنا هذا الرجل أنه لا يوجد أسمع منه أو أرحم منه أو أبصر منه أو أعز منه بين قومه..
بينما لا يوجد من هو أبصر من الله وأسمع وأرحم وأعز..

لا طبعا.. لأننا نقارنه بالبشر وليس بالله بالله عز وجل!!
ومثل ذلك حين قلت زايد متفرد بعظمته.. بين البشر.. ومن يجرؤ على مجرد التفكير في المقارنة بين الله وخلقه!!

واضح ؟؟ :)

.
.
كساب وكاسرة.. لماذا كل مابدر ملامح للصلح .. رجعت السالفة وخربت بينهم..
لأني أردت أن أبين أن هذه هي حياتهم اليومية بين مد وجزر..
وليس لانها حامل.. ولأن كليته تعطلت ... سينصلح كل شيء فجأة..
وهما مازالا يعانيان انعدام الشفافية بهذه الطريقة!!
.
.
.
أنا مستغربة جدا من اللي يقولون إن مزون دورها ثانوي..
بعض البنات يربطون الدور الرئيسي بالزواج..وبس!!
وأنا سبق وقلت لكم من قبل إن قصة مزون من بداية الرواية كانت من أعمدة الرواية الأساسية..
قصة مختلفة وأثرت على كل الأبطال..
وإنها حتى لو ماتزوجت بتظل قصتها من أعمدة القصة..
يعني مزون من الجزء الأول وهي حاضرة جدا ولحد الحين.. موب دورها مع غانم اللي بيظهرها..
يعني يا بنات.. فيه صور أخرى للحياة غير الزواج فقط :)
.
.
ياالله البارت 96
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.



بين الأمس واليوم/ الجزء السادس والتسعون






" مافيه شيء طال عمرك..
ما لقيت حجز إلا متأخر.. ومابغيت أزعجك.. فكلمت عبدالله يجيني!!"


منصور ينظر له نظرة سابرة بعد أن اتصل له.. وأخبره فهد أنه سيحضر بنفسه للسلام عليه..
وهاهما الاثنان يجلسان في مجلس منصور...

حينها سأله منصور بحزم بالغ: وأخبارك مع جميلة؟؟


فهد لا ينكر شعوره بالتوتر.. ولكنه شبه متأكد أن جميلة مازالت لم تخبر منصورا بشيء.. لأنه يعلم كيف يكون منصور حين يغضب..
ومع ذلك هتف بثقة: تقدر تقول نص ونص..

منصور بصدمة غاضبة: نعم؟؟ وليش النص نص ذي؟؟

فهد بذات الثقة: السبب مني مهوب منها .. أنت عارفني.. جفس.. وهي أول تعامل لي مع الحريم..

منصور يحاول السيطرة على أعصابه حتى تكتمل لديه الصورة: ضايقتها بشيء؟؟

فهد بذات الثقة الغريبة وكأنه لا يريد أن يأخذه أحد على حين غرة:
اسألها..
لأني يمكن أكون ضايقتها وأنا مادريت إني ضايقتها!!

منصور شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم بالغ: بأسألها..
والله ثم والله لو أدري إنك ضايقتها بشيء صدق.. لا يصير شيء ما يرضيك..







.
.
.




" عمي منصور اتصل يبيني..
بأروح للبيت وبأجيش للقاعة عقب مع أمي!!"


مزون تشد كف جميلة فقد بدأت حالة التوتر العفوية التي لابد أن تصيب أي عروس:
تكفين جميلة لا تتأخرون علي!!

جميلة تربت على خدها بمرح حنون: ساعة وحدة وتلاقينا عندش!!



.
.
.




" تعالي يأبيش.. تعالي اقعدي جنبي!!"



جميلة جلست جواره وهي تقبل كتفه وتهمس بمودة حميمية: ما تتخيل وش كثر اشتقت لك؟؟

احتضن كتفيها بحنان أبوي خالص: وأنا اشتقت لش أكثر..

صمت لثانية ثم أردف بجدية: قولي لي وش صاير بينش وبين فهد..؟؟

جميلة ارتبكت: بيني وبين فهد..... مافيه شيء!!

منصور بحزم: لا تغطين عليه.. هو بنفسه قال لي إن الجو بينكم مهوب صافي وبسبته هو وجلافته..
بس ماعطاني تفاصيل..
والحين أسألش لو كان ضايقش بشيء.. والله لأوريه شيء مابعد شافه..
أنا مازوجته بنتي عشان يضايقها..

جميلة لا تنكر تأثرها أنه غلّط نفسه أمام منصور.. ورغم ذلك ما ستقوله لمنصور هو من أجلها ليس من أجله وهي تهمس برقة:
ماضايقني.. بس هو مثل ماقلت لي قبل التعامل معه صعب...
وأنا أبي لي وقت لين أتأقلم..يعني هو يحاول وأنا أحاول نوصل لنقطة وسط..

منصور يعيد التأكيد عليها بحزم: أكيد.. مافيه شيء ثاني؟؟

جميلة هزت رأسها دون أن تنظر ناحيته: مافيه..
بس فديتك عمي.. ذا المرة ما أبي أرجع معه.. كلمه يخليني عندكم لين يجي عرس خاله..





*************************************







" انزلي ياقلبي... أنا أنتظرش تحت!!"


مزون بحرج رقيق مغلف بمودة غامرة: كساب فديتك.. أنا حانتك..
بأروح مع عمتي مزنة والسواق..

ابتسم كساب: لا تحنيني إلا من الردى.. (مقولة شائعة تعني لا تشفقي علي إلا من قلة الاهتمام بالواجب.. وهي تقال دائما ردا على كلمة "حنيتك" )
أنا حالف مايوديش غيري..


مزنة طلبت من مزون أن تذهب مع شقيقها وتترك كل شيء وهي ستحضره معها وراءهم فورا.. حتى لا تعطل شقيقها..


مزون كانت تنزل ومشاعر معقدة تماما تحيط بها من كل جانب..
كانت تنظر لكل جنبات البيت.. وهي تعلم أنها لن تعود له الليلة..
شعور خانق.. وغصات متتابعة..
هنا كانت كل السعادة.. وكل الحزن..!! أسوأ الذكريات وأجملها..!!
هنا كانت الحياة كاملة.. الحياة بأقصى معانيها!!


تحاول أن تمنع نفسها من البكاء.. فهي لا تريد أن تجلب الحزن لأحد..
ولكنها رغما عنها حالما رأت كسابا تفجرت عيونها أنهارا من دمع.. سعادة وتأثرا وهي تطوق عنقه:
ليه ماقلت لي.. ليه ماقلت لي؟؟

كساب يحتضنها بذراعيه الاثنتين ويبتسم بحنان: حبيت أسويها لش مفاجأة...
يعني تبين سواق الأميرة مزون بيد وحدة.. مايصير!!

مزون ابتعدت عنه وهي تهمس بقلق عذب مختلط بدموعها:
لا تكون شلت الجبس قبل موعده..!!

ضحك كساب: لا تحاتين.. أصلا موعدي كان عقب بومين.. أنا رحت الدكتور قلت خلاص شيلوه اليوم..
ثم أردف بحنان صاف وهو يحتضن وجهها بين كفيه:
قلت لهم اليوم عرس بنتي.. وأبي أحضنها بأيدي الثنتين!!

مزون عادت للانفجار في البكاء وهي ترتمي في حضنه: الله لا يحرمني منك.. قول آمين!!


كساب احتضنها بتأثر عميق..
يصعب عليه تخيل المكان خاليا من بعدها..!!
يا الله كم هو نادم على كل لحظة مرت من سنوات غضبه منها.. على كل لحظة أضاعها من بين يديه وكان يستطيع قضائها جوارها..

همس لها بحنان: يالله بسش ياعروس.. وش حركات الأفلام الهندية ذي..؟؟

همست مزون باختناق: خلاص بأسكت.. وينها كاسرة مهيب رايحة معنا؟؟

حينها أجابها كساب بحزم: كاسرة في الدوام.. وتقدر تدبر نفسها..

مزون نظرت لساعتها وهمست بتلقائية : خلاص هي قالت لي إنها على وصول..


كساب بحزم أشد: مزون يا الله لا تعطليني.. كاسرة لو بغت بأرجع أجيبها..
أو بتجي على السيارة الثانية مع أمها..



مزون خرجت مع كساب.. وفي ذات اللحظة التي كانت سيارته تخرج من البوابة الضخمة للباحة..
كانت سيارة كاسرة تدخل..

مزون لم تقل شيئا.. فهي علمت أنها أحد تقلباتهما التي باتت تلاحظها لقربها من كساب..


كساب أتقن التوقيت تماما.. أرادها أن تراه خارجا بدونها.. وفعلت!!
مع أنه كان قراره في البداية أنه سيأخذها هي ومزون.. لكنها من بدأت بتجاهله!!


كساب تجاوز كل ذلك.. فما يشغله في هذه اللحظات .... مزون... ولا شيء آخر!!


كساب هتف لمزون بمودة: شوفي العلبة ورا.. هذي هديتش..

مزون التفتت للعلبة الضخمة المغلفة في الخلف وهمست بمودة متأثرة:
هذي كلها؟؟
وش جايب لي؟؟

ابتسم كساب: يعني عليان جايب لش شنطة.. مستكثرة أجيب لش بوكس صغنون..؟؟

ضحكت مزون بعذوبة: لا والله أما صغنون مهوب حوله..
خلاص بس نوصل القاعة بأفتحه..

كساب بحرج: وعادي يخلوني أدخل القاعة معش؟؟

ابتسمت مزون: أكيد عادي.. أنا لي جناح هناك.. واصلا بتلاقيها مليانة عمال الحين يرتبون.. تونا الصبح..



حين وصلا للجناح المخصص لمزون.. الذي ستتزين فيه..
فتحت مزون الصندق بحماس هو من أجل كساب وحده..
همست بتأثر وهي ترى أنه لم يكتفِ بشيء واحد : واجد كلفت على نفسك ياقلبي..

همس بتأثر وهو يحتضنها: لو علي ماكان خليت شيء في السوق.. بس أنا قلت أجيب لش الحين كم شغلة مرتبة على ذوقي..
وعاد باقي السوق لش في ذمتي.. لاحقين خير..

كانت الصندق الكبير يحتوي ثلاث صناديق مختلفة كلها مغلفة بفخامة راقية جدا...
صندق يحتوي مجموعة من العطور والكريمات الفاخرة.. والآخر يحتوي حقيبة يد ثمينة للغاية..
والثالث كان استثنائيا فعلا.. كان طقما ماسيا فاخرا و ناعما آن..

همست مزون بتأثر: هذا بألبسه الليلة!!

هتف كساب بحزم: لا.. خليه بعدين.. البسي اللي جابه لش غانم..

مزون بذات التأثر: لا والله ما ألبس غيره.. سبحان الله أصلا ما تتخيل أشلون لابق على فستاني.. فديتك دايم عارف اللي في خاطري..

كساب بإصرار: استغفري.. قلت لش البسي اللي جابه لش غانم.. هذا السنع..

مزون بإبتسامة: يعني أنت يوم دخلت على كاسرة.. متذكر هي لابسة طقمك اللي جبته لها أو غيره.

كساب ضحك: لا والله ولا طرا على بالي.. بس تدرين بأروح أشوف صورنا لو مالقيتها لابسته.. بأسود عيشتها!!
عشان كذا البسي طقم غانم..



مزون صمتت رغم أنها خططت وانتهت أنها لن تلبس سوى طقم كساب..

(يعني غانم وش دراه وش لبست؟؟
تلاقي أمه وخواته اللي شروه.. وحتى هو ما شافه!!)



كساب حاول جاهدا تجاوز موقفه مع غانم الذي حدث في المستشفى..
وخصوصا أن والده نقل له حرج غانم الشديد منه..
فغانم لم يقصد شيئا مما حدث.. وإن كان سامح كاسرة عليه .. ألا يسامح غانم؟؟
وخصوصا أن غانم هذا سيصبح زوجا للغالية... لا يريد أن يضايقها بأدنى شيء..
ولا حتى أن تشعر أن هناك توترا بينهما!!

ورغم ذلك تبقى في أعمق أعماقه المكتومة حرقة ما أن هناك عينا أبصرتها..
رغما عنه لا يستطيع إزاحة هذه الحرقة..
لكنه يستطيع كتمانها!!






***********************************






" من تكلمين حبيبتي؟؟"



نجلاء تنظر لصالح وتهمس بسكون: هذي مرت فهد.. تسلم علي وتعتذر مني..
إنها ماقدرت تجي تسلم اليوم..
وإنها بتجي بكرة!!
قلت لها تلفونها يكفي.. وهي كلمت أساسا أكثر من مرة!!

ابتسم صالح: ياحليلها متى بتلحق تجيش وهم طيارتهم الصبح؟؟

نجلا هزت كتفيها: ما أدري..
إلا أنت وين رايح الحين؟؟


صالح بثقة: باروح أمر مكان العرس.. أشوف يبون شيء.. وعقب بأروح للمها شوي..

نجلا تشعر اليوم بالذات أن كآبتها تقفز للذروة.. فهي لن تحضر زواج أخيها الذي أعدت له مطولا..
وليس لديها فرصة لحضور زواج شقيق آخر إلا صالح الذي سيتزوج بعد ابنائها حتى بمشيئة الله..
وكل هذا اختلط بكآبة النفاس المعتادة..


نجلا همست برجاء عميق: تكفى صالح.. خلك عندي شوي.. اليوم الناس كلهم لاهين عني.. حتى تلفون ماحد كلمني!!


صالح ربت على خدها بحنان: ما أقدر حبيبتي.. ما أقدر.. بس أوعدش أرجع بدري..

نجلا بحزن: متى بدري؟؟ الساعة 10 الليل؟؟
تكفى صالح.. ترتيب العرس عنده عبدالله وهزاع.. خلك عندي لين المغرب بس..
ذاك الوقت الله يكفيك الضيقة.. تركبني ضيقة غير طبيعية!!

صالح بإصرار: ما أقدر ياقلبي.. مهيب زينة في حقي.. عمي راشد مايشوفني إلا مع المعازيم..

نجلا بحزن: أنا عارفة إنك اللي هامة الروحة لبنتك وبس.. وانا مالي اهتمام عندك!!

صالح جلس جوارها ليحتضن كتفيها بحنان: حبيبتي هي بنتي بروحي؟؟

نجلا بذات الحزن العميق: الظاهر كذا.. حتى اسمها ما أشركتني فيه!!
سميتها غصبا عني ذا الاسم اللي ما أدري ليه أنت مصر عليه!!

ابتسم صالح: نجلا أنتي من جدش.. وإلا الحمل والولادة خلوش تنسين..؟؟
ما تذكرين شيء في السنتين الأولى من زواجنا!!
لو ما تذكرتي بروحش.. قلت لش لا رجعت من العرس..


صالح غادر.. بينما نجلا وجدت لها شيئا تتلهى فيه بالتفكير..
وهي تعصر تفكيرها عصرا..
ماهو هذا اللي حدث بعد سنتين من زواجهما؟؟
ماهو؟؟






****************************************






" هلا والله أشهد أني صادق!!
ماهقيت إنش بتجين ذا الحزة.. الليلة مهوب عرس حماتش؟؟"


كاسرة تميل على رأس جدها للمرة الثانية وتهمس بمودة صافية:
بلى فديتك.. وتو الناس عادنا الظهر..
بغيت أجي أشوفك وأشوف وضحى..
الوضحي ضايقة شوي.. حابسينها في البيت.. قلت أطل عليها وعليك قدام أروح!!

الجد بغضب: ماعاد إلا هو.. لا تكون أختش تبي تروح العرس بعد؟؟

ابتسمت كاسرة: لا فديتك.. هي بروحها مستحية... بس ضايقة..
الضيقة من الله جعلني فداك!!
ها قل لي أرب غداك زين؟؟

ابتسم الجد بشجن: كله حشو بطن يأبيش.. زين وإلا شين..
وماملأ الانسان وعاء أشر من بطنه.. الله يعطينا من خيره ويكفينا شره..

كاسرة تجلس جوارها لتحتضن عضده: جعل مهابيطه مهابيط العافية من رب العالمين..

حين جلست جواره تحسس جدها بطنها وهو يهمس بحنان موجوع: ما أصغر بطنش يأبيش..

ضحكت كاسرة: تو الناس يبه على كبر البطن.. انتظر علي شهرين.. وتقول وش ذا الدبة إن شاء الله..

حينها همس الجد بعمق: ولو ضحكتي.. تراش منتي بخالية.. وش مضيق خاطرش؟؟

ابتسمت كاسرة: مافيه شيء فديتك!!

تنهد الجد: تعودت.. أشم ضيقتش ولا أعرف سببها..
ليت عاد الشوف زين..
والله ماتدسين علي شي..أول كنت لا حطيت عيني في عينش.. دريت وش علتش..

كاسرة بتأثر عادت لاحتضان عضده وتقبيل كتفه: يبه.. مافيه من يخلا من الضيقة... الدنيا كذا..
بس أنت لا تشغل بالك علي طالبتك.. لو فيه شيء يستاهل أنا بأقول لك بروحي!!



" يا الله.. يبه..
الضيقة ماعاد عرفت لها سبب..
اليوم رحت أبي أقدم لي على إجازة جديدة عشان الشيخ كساب
مهوب هاين علي أخليه ..
والمدير رافض لأنه توني رجعت للدوام من كم يوم..

رجعت للبيت ولقيته خلاني مع إنه متفقين نروح سوا..
ما أدري وش الرسالة اللي يبي يوصلها لي...؟؟
الرسالة المعتادة.. إني دايما في مرتبة متأخرة من اهتماماته!!
زين إن المدير مارضى يعطيني إجازة..
خلني ألقى شيء يلهيني!!"







***********************************





فخمة.. فــــخـــمــــة حد تخوم السماء!!
هكذا هو الوصف المناسب لها..!!
كانت تتسربل بالجلال حتى أقصاها.. بأناقتها الاستثنائية.. بحضورها الراقي..
بإطلالتها الفاخرة المتقنة حتى آخر تفصيل..
وكأن كل ظروف حياتها صقلتها لتظهر هكذا... مصقولة تماما !!


جميلة تميل على أذنها بتأثر: ماشاء الله تبارك الله.. تجننين.. تحفة!!

مزون بخفوت: يا بنت الحلال.. ما أبي أكون أجنن.. أبي شكلي مرتب وبس..

ابتسمت جميلة: كل شيء بيرفكت.. وفوق البرفكت.. حتى التسريحة أحاول ألاقي فيها شعرة وحدة ناطة مافيه..

مزون همست بتوتر: جميلة تكفين.. لا تبعدين.. خلش قريب..

جميلة بذات الابتسامة: وين بروح.. هذا أنا جنبش.. حتى العرس برا.. ماطلعت ولا شفت ترتيبه..
بس باروح أسلم على عمتي أم صالح وارجع على طول..
ولو تبيني عقب أروح معش الأوتيل رحت.. ماعندي مانع!!
ثم أردفت بمرح خافت: أنا وحدة مسكينة تزوجت مرتين ولين الحين ما أعرف المعاريس الطبيعين أشلون يتصرفون ليلة عرسهم.. خلني أشوف على الطبيعة!!




.
.


" ماشاء الله العروس كشخة وستايل موت..
على كثر ماشفت عرايس ماشفت فستان كذا!!"


عالية تنظر لفستان مزون بتفاصيله المتقنة الدقيقة بحرفنة مزجت الشيفون والشك والحرير..
وتسريحتها الراقية في تموجاتها المثالية.. وحتى زينة وجهها الاستثنائية باتقانها غير المثقل..
وتبتسم: كل اللي فيها كشخة وستايل.. حتى الكوشة تجنن..

سميرة بعيارة: وش قصدش علوي.. إنها ترتيبها لكوشتها أحسن من ترتيبنا للقاعة!!

عالية بمرح: انا ماقلت شيء أنتي اللي قلتي..

سميرة تضحك: امشي نستقبل المعازيم يأم كرش.. ماعليش شرهة..
بس خل نمر الحمام أرتب شكلي!!

عالية بذات المرح: وشو له ترتبين شكلش.. ترا كاسرة واقفة في الاستقبال.. لابسة ذاك الذهبي اللي يسطل..
عقب ما يشوفونها بيجيهم حول.. ومافيه حتى حد بيلاحظ وجهش المغير..


سميرة بمرح مشابه: المغبر وجهش يا بنت عمي.. مالت عليش من بنت عم..
من صبح تكسرين في مجاديفي..


عالية حينها انتبهت لشيء.. فسألت باهتمام: إلا وضحى وينها؟؟

ضحكت سميرة: من جدش أنتي.. وضحى في البيت تعد الطوف..
عرسها على خالش المبجل عقب 10 أيام وش يجيبها.. خلها تنلم في البيت..

عالية بشجن باسم: فديت قلبه نايف.. ماني بمتخيلة شوفته معرس..







********************************************







" تصدق أنت عريس غريب!!"


ابتسم غانم: وليش إن شاء الله غريب..

هزاع بمرح: أشوفك شاق الابتسامة لين أقصى شدوقك.. مع إن الموضة التكشير والعصبية..

غانم بذات الابتسامة: لا طال عمرك.. الموضة ذي ما أبيها..



( كيف لا أبتسم؟؟ وكيف لا أكون سعيدا وانا أقترب من حلمي..
أقترب..!!
سأراها.. وأضمها لصدري!! يا الله!!

تلك الباهرة البعيدة كشمس معلقة في السماء!!

لن أخدع نفسي وأقول أني مغرم أو عاشق..
لكنني مبهور حتى الثمالة... ومعجب حتى نخاع النخاع!!


مازلت حتى الآن أذكر رؤيتي لها لأول مرة قبل خمس سنوات كما لو كانت قبل لحظات!!

رأيتها في أروقة الكلية تسير وحيدة.. بخطوات واثقة ومع ذلك مثقلة بخفر عفوي آسر حد الوجع..

حين رأيتها استغربت..
ماذا تفعل مثل هذه هنا؟؟ منظر غير معهود هنا مطلقا!!

وحين علمت أنها طالبة جديدة.. استغربت أكثر.. وانا أهز كتفي وأقول:
لننتظر عليها لشهر أو شهرين ونرى كيف ستبدأ بالتحول لصيغة أكثر تحررا..

أما حين علمت أنها ابنة زايد آل كساب لا أنكر أني أصبت بما يشبه الصدمة القوية..
فزايد آل كساب نفسه سمعته ناصعة كالأسطورة.. فكيف يرضى أن تدخل ابنته هذا التخصص؟؟
ولا أنكر حينها كيف تسلل إعجاب خفي في روحي بهذه التي أصرت على اقتحام هكذا مجال ومع ذلك هي بهذا الاحتشام..

وخالط الإعجاب حزن أعمق.. لأني كنت شبه متأكد أنها لن تحتمل ضغط الجو المنفتح حولها.. هكذا كنت أرى الطالبات معنا..
وكما يقول المثل الشعبي ( كثر الدق يفك اللحام!!)


ولكن الشهر تلاه شهر آخر وانا أراها تزداد احتشاما وثقة مغلفة بحزن غريب شفاف ماعرفت له معنى..
وأنا أراقبها من بعد كما لو كنت أحميها دون أن أشعر.. وهي مطلقا لا تشعر بي!!
فهل الشمس تشعر بالنجوم حولها؟؟!!


حتى علمت من أحد الطلاب بتعرض مهاب رحمة الله عليه لها..
تضايقت لأبعد حد.. ولكن الضيق تحول لغضب حين سمعته بنفسي..

لا أعلم أي رجل هذا الذي يرضى أن يجرح امرأة مثقلة بالطهارة وفي العلن!!
كيف يُقال لمثلها هذا الكلام؟؟

لكني لم أستطع التدخل من أجل سمعتها هي!!
فأي كلام سيقال عليها لو علموا بعراك طالبين من أجلها؟!!
ولكني لا أنكر أني كنت أتبعه بغضبي كل مرة.. ولكن كل مرة أجد زملاء لنا متواجدين..

حتى اصطدته في أحد المرات في المواقف الخالية إلا من عمال النظافة..
وحمدت الله حينها كثيرا لأني كنت سأنفجر من شدة غضبي..
فتلك المرة أثقل عليها الكلام كثيرا..

كدت أجن وأنا أعلم أنها تبكي الآن.. حتى لو أظهرت أنها لم تهتز..
فأنا لدي شقيقتان وأعلم حساسية الأناث.. ولو قيل لواحدة منهما ربع ماقاله.. قد تقتل نفسها من البكاء!!

لم تهمني أسناني التي ذهبت.. ما همني أنه توقف عن التعرض لها..
وأعلم أنه ليس خوفا من العراك.. ولكن لأني هددته بإخبار زايد آل كساب..
وهو يعلم جيدا من زايد!!

لا أعلم كيف احتملت هي كل هذا دون إخبار والدها.. أي قوة جبارة تحتويها تلك الصغيرة؟!!


تخرجت أنا.. وهي بقت بعدي 3 سنوات.. وأنا أخشى بحزن غريب أن السنوات ستفت من عزمها..
ستجعلها تقدم التنازلات حتى يمضي مركبها في الكلية..
لكنها مطلقا لم تتنازل.. مطلقا!!

بقي الأمر كما هو إعجاب بها يتزايد من بعيد.. فعلاقتي بآل كساب هي علاقة بعيدة رسمية..
حتى تعرفت بكساب أكثر في إحدى رحلاتي.. في حفل في أحد سفاراتنا في الخارج..

توطدت معرفتي بكساب أكثر وأكثر.. ومعه انتعش أمل ما في روحي..
ولكن بقي عملها معي في ذات المجال حاجزا كبيرا..
خشيت عليها من كلام لا يرحم.. أن يُقال أن هناك علاقة ربطت بيننا لذا تقدمت لها..


حين طلب مني كساب أن أسافر معها.. شعرت كما لو أنه سُكب فوق رأسي ماء مثلجا..
توترا وقلقا وتحفزا..
فأنا مطلقا لم أقترب منها حتى خمسة أمتار..
فكيف أرافقها في رحلة؟؟
قد يحرقني إشعاع قربها!!

وكم كنت محقا في إعجابي بها حين رافقتها من قرب..
ثقة غامرة.. مختلطة باحتشام عميق.. ولسان لا يعرف الخضوع!!
" أخت رجال صدق!!"
وهكذا تكون تربية الرجال!!
إعجابي بها تزايد وتزايد وتزايد إلى أبعد مدى!!
ولكنه كان محض إعجاب لا أمل له!!


حتى قررت هي ترك سلك الطيران.. حينها شعرت أن أحدهم أهداني هدية لا تقدر بثمن..
قررت ألا أترك الفرصة تفوتني..

وكم كان حزني حين رفضتني!!
مرت الأشهر بعدها.. وفكرة الزواج ماعادت تخطر لي ببال..

فكيف يخطر ببالك أن تقترن بالشمس؟؟ ثم بعد ذلك ترضى بأقل من ذلك!!

حتى أهداني كساب الفرحة الأعظم بموافقتها..
وكم أنا ممتن لكساب..!! وسيبقى امتناني له حتى آخر يوم في عمري!!

وكم أشعر بالحزن للموقف السخيف الذي حدث بيننا مؤخرا!!
وأنا أشعر رغم محاولاته للتصرف الطبيعي معي.. أنه مازال يحمل بداخله شيئا من غضب!!

لا ألومه.. فلو حاول أحدهم اقتناص نظرة من شمسي.. التي أصبحت لي وحدي..
قد أصاب بالجنون!!


يا الله.. أ يعقل ذلك؟؟
أنها أصبحت لي.. لي أنا ؟؟!!






******************************************






" أبو جاسم.. وين العيال الكبار؟؟ أشوف ماجاء معك إلا محمد!!"


أحمد بنبرة أقرب للحرج: السموحة يا أخوك..
جاسم مسافر ويا هله.. وخليفة وهله كانوا مسافرين وياهم..
بس يوم درو هناك إن مرته حامل.. ردوا من السفر البارح..
قلت له يي معاي بس ماله ويه يوايهك أنت ومنصور.. سود ويهي لا بارك الله فيه من ولد!!

زايد بحزم: إلا بيض الله وجهه أبو أحمد.. مهما كان اللي صار حن أهل..
وهو ماقصر مع جميلة... وهذي جميلة تزوجت..
وقل له أنا عبارت عمه.. وما أبيه يهجر مجلسي!!

أحمد يهز رأسه بأسى: خير .. خير إن شاء الله..






.
.
.



" فهد وش فيك؟؟ قاعد منت بعلى بعضك!!"



فهد ينظر ناحية محمد ابن أحمد بغيظ متزايد ويتمنى لو انتزعه من مقعده..
ولو كانت النظرات تُحرق.. فلربما كان احترق من نظراته..
ففهد لا يعرف شكل خليفة مطلقا ولم يسبق أن رآه..
لكنه يعرف والده وسبق أن رآه في مجلس زايد عدة مرات...

لذا ما أن رأى الشاب القادم مع أحمد حتى قفز لباله أنه خليفة..
وخصوصا أن محمدا كان شكله محرجا كما لو أنه اُجبر على الحضور..
وهو فعلا كان مجبرا.. فقد حلف عليه والده أن يأتي معه.. بينما هو كان محرجا لأنه كان أحد شهود عقد الطلاق المتهور!!
وبالتأكيد يستحيل أن يسأل فهد إن كان هذا خليفة.. وخصوصا أنه مقتنع أنه هو..


فهد شعر أنه يحترق حتى أقصاه وهو يرى وسامة محمد البالغة ولياقته الجسدية العالية البارزة في طوله المتناسق..


" إيه أكيد عايفتني عقب ذا؟؟
.
ليه هو الرجال زين وبس؟؟
.
ولو جينا للزين والطول.. حتى انا ما علي قاصر!!
.
بس عاد مهوب مثل ذا اللي بيولع كنه لمبة!!
لا وشكله أصغر مني بواجد.. وأنا عبارت شيبة بالنسبة لها!!
.
زين.. وغير الزين اللي مامنه فود.. ولا سنين عمرك اللي مافادتك
وش لقت عندك غير سواد وجهك وشين فعايلك؟!! "



فهد كان سيجن وهو ينظر لمحمد ويتجاوز التفكير بشكله إلى شيء أعمق..

" أشلون كان يلمسها؟؟
كانت تجفل منه مثل ما تجفل مني؟؟!!
يا ترى كان يسرح وهو يشوف شفايفها وتأكله الحسرة مثلي..
وإلا ليه تأكله الحسرة.. الحسرة لي بروحي..
لكن هو ضمها لصدره.. وأنا لحد الحين صدري مهجور..!!
تنفس أنفاسها.. وأنا أختنق في اليوم ألف مرة!!
هو ارتوى.. وأنا ميت ضمأ...."


فهد ما أن وصلت أفكاره لهذه المرحلة حتى كان سيقفز ليغادر الحفل كاملا..
فهو شعر أنه ماعاد قادرا على السيطرة على غضبه..
وخشي أن يتصرف تصرفا يحرجه هو وأهله ويفسد زواج غانم..


ولكن منعه من المغادرة يد قوية على معصمه وسؤال حازم:
" فهد وش فيك؟؟ قاعد منت بعلى بعضك!!"


فهد التفت لمنصور وهو يشد نفسا عميقا ويهتف بحزم يخفي خلفه أمواج غضبه المتلاطمة:
مافيني شيء.. بس تعبان من السفر.. أبيهم يزفون المعرس عشان أروح أرتاح..
وراي بكرة سفر بعد..

حينها هتف منصور بحزم: دامك جبت طاري السفر.. فأنا طالبك.. قل تم!!

فهد ربط فورا بين الطلب والسفر لذا هتف بحزم مشابه:
كل شيء تم.. إلا أنك تطلب مني أخلي جميلة وأسافر من غيرها!!

منصور بعتب: أفا يالغالي.. الظاهر إني ما أنا بغالي..

فهد تنهد: غلاك ما ينحكى به وأنت داري يا ابو زايد..
بس مثل ماقلت لك.. الجو بيني وبين جميلة مهوب صافي...
لو خليتها.. أخاف البعد يزيد الجفا..

ابتسم منصور: ويمكن يزيد الشوق.. خلها يافهد البنية متضايقة وتبي قعدة أمها!!


فهد تنهد في داخله (الشوق من صوبي مهوب من صوبها) ثم هتف برجاء حازم:
تكفى يا أبو زايد.. أنا واجد مقصر في حقها..
خلها تروح معي ذا المرة.. وبنرجع في عرس نايف.. لو اشتكت لك مني المرة الجاية..
وعد من نفسي أخليها لين أخلص دورتي!!

منصور رد عليه بحزم: أنا بأسألها.. وهي توافق من كيفها و خاطرها..
لكن لو ما وافقت.. اسمح لي.. والله ما تطلع من الدوحة وخشمي يشم الهوا..

أنا يافهد عطيتك قطعة من روحي من غلاك.. ووصيتك فيها..
وأدري إنك أخلاقك صعبة.. بس أنا هقيت إنك بتوصى فيها وتراعيها..
مهوب تضغط عليها وتضايقها..

أنا لحد الحين ماقلت شيء.. لأنها ما اشتكت لي بصراحة من شيء..
لكن والله لا تشتكي...........
وإلا أقول لك.. خلها لوقتها!!






****************************************






" سامحيني يمه..
كنت أبي أجيش أول..
بس خبرش اليوم عرس بنت خالتي وانشغلت..
وكنت عارفة إني بأواجهش في العرس.. السموحة فديتش!!"


كانت جميلة تنحني على رأس أم صالح بالسلام وهي تهمس بهذه الكلمات..
وقبل أن تجيبها أم صالح كانت نورة من تجيب بنبرة مقصودة:
والله يأمش السنع سنع..
ذا النص ساعة اللي بتمرين فيها عمتش مهيب اللي بتعطلش عن عرس بنت خالتش..
و اللي أعرفه إن عفراء مرة سنعة..
هي دارية بسواتش..؟؟ وإلا يمكنها ماعلمتش السنع..؟؟

جميلة كانت تشعر أنها ستنفجر.. ومع ذلك ابتسمت برقة: إلا دارية ولاغتني بعد..
بس أنا قلت لها أمي صافية.. غير عن كل العمات.. مستحيل تشيل في خاطرها..
صح يمه؟؟؟

وجهت سؤالها لأم صالح وهي تنحني للمرة الثانية وتقبل رأسها بدلال مقصود..
ابتسمت أم صالح بحنان: أكيد يأمش مافيه شك..

جميلة غادرت بعد السلامات المعهودة... بينما نورة همست كالفحيح بعد مغادرتها:
أنتي وولدش أشلون مستحملين ملاغتها..؟؟ أنا بغت تمخلس جنوبي من الخَمل!!
(تمخلس= شي يُخلع عن شيء كانخلاع اللحم عن العظم
الخَمل= الاستياء من تصرف خارج عن اللياقة المعهودة)


ابتسمت أم صالح بطريقة مقصودة فهي لا تنكر أنها تشعر بالمرح حين ترى نورة ثائرة هكذا:
وين الملاغة؟؟ ماشفت إلا الذرابة والحلا..

نورة بتأفف: ياحر جوفي حراه.. مالكم عيون تشوف!!

ابتسمت أم صالح: لنا عيون.. بس أنتي اللي عيونش ما أدري وش فيها..
لا صارت جايزة لولدي فهي جايزة لي..

نورة بذات نبرة التأفف: والله مافيها زود على النوري بنت سلطانة..
كسرتوا بخاطر سلطانة.. كفاية إن بنتها سميتي.. الحلا والنور..

حينها لم تستطع أم صالح إلا أن تضحك: أكيد مافيه شك...
ثم أردفت بتماسك: النوري توها صغيرة .. توها بتدخل الجامعة ذا السنة..
خلها تدرس..

نورة بعتب: إيه عيالش كلهم وزعتيهم شرق وغرب.. ولا حتى خذتي واحد وإلا وحدة من عيالي أنا وإلا خواتش..

ابتسمت أم صالح: هذا هزيع موجود.. على ما تخلص النوري الجامعة يكون تخرج..

نورة تعود للتأفف: ماعينتي إلا هزيع.. والكوبة.. بسم الله على النوري منه..
كنا نبي فهد.. وماحصل... خلاص غطي هزيع على كبدش..

حينها غضبت أم صالح فعلا: هزاع طير شلوى اللي تقولين عليه والكوبة...
حبوا لي خشمه ما أطوله... بسم الله على ولدي منش ومنها....





في زاوية أخرى.. جوزاء تميل على أذن جميلة وهي تهمس بمرح: خالتنا المبجلة نورة وش لوعت كبدش فيه؟؟

ضحكت جميلة وأنتي وش دراش إنها لوعت كبدي؟؟

جوزاء بذات المرح: لأنها لو مالوعت كبدش بتكون مريضة وإلا فيها شيء..

جميلة ردت عليها بمرح: جوزا أنتي أشلون مستحملتها ؟؟

ضحكت جوزا: احمدي ربش سلطانة ماجات.. إذا جاوو الثنتين هذي تكمل على هذي مايعطونش مجال....
ثم أردفت بابتسامة أقرب للجدية: انا قبل بصراحة كان مستحيل أفوت لهم كلمة..
بس عقب صرت أسمع من هنا وأطلع من هنا عشان خاطر عبدالله.. مهما كان هذولا خالاته..
وعلى العموم هم أصلا يموتون لا حقرتيهم.. الحقران يقطع المصران..

جميلة تنهدت: خلني أروح لمزون.. وعدتها ما أبعد عنها واجد..






***************************************






" خالتي فديتش.. خلش جنبي!!"

عفراء همست بحنان بالغ التأثر وهي تشد على كف مزون بحنان أشد: هذا أنا جنبش يأمش..
ولا تحاتين شيء.. هدي واقري الاذكار في داخلش..


عفراء تنظر لمزون بتأثر متعاظم وعبرة مكتومة تتكوم في حنجرتها وهي تتذكر شقيقتها.. بل أمها..!!

كانت وسمية تحتويها بحماية أمومية بالغة.. قد تكون قدمت مثلها لمزون طوال سنوات..حتى الفترة الأخيرة..
تحاول أن تحمل مزنة الذنب في تقصيرها في حق مزون..كطبع الإنسان في رغبته في تحميل ذنوبه لغيره..

ولكن نفسها النقية تعلم أن التقصير منها.. فهي مشغولة بالفعل في ابنها الذي لا ترضى أن يتولاه أحدا عنها إلا حينما تحتد فعلا!!
لذا كان كثير من تجهيز مزون مزنة هي من تولته.. وما يؤلمها أنها بعد احتدادها على مزنة المرة الأخيرة..
أصبحت مزنة تتصل بها دائما وتخبرها عن خطوت تجهيز مزون وإن كانت تريد أن تذهب معها..
لتشعرها بالحرج.. وأن مزنة ارتقت عليها في تصرفها..
وكل ذلك كان يزيد مشاعرها تعقيدا وتشابكا.. بشكل بالغ!!


ولكن كل ذلك يتنحى في هذه اللحظة.. وهي ترى صغيرتها عروس أمامها..
عيناها تمتلئان بدموع لم تشعر بها..
وهي تشد على كفها وتكثر من الدعاء لها..


حتى سمعتها مزون تهاتف كساب..حينها بدأت ترتعش بعنف.. لأنها عرفت سبب المكالمة..
شدت على كف خالتها أكثر .. وهي لا تريد إفلاتها..
خالتها همست بتأثر وهي تشعر بارتعاش كفها بين يديها: حبيبتي بألبس عباتي ونقابي بس.. ماني برايحة مكان..


عفرا أشارت لجميلة أن تغادر المكان.. وأخبرت المتواجدات عند مزون أن العريس سيدخل حتى يغادرن..

جميلة همست في أذن مزون بمرح: كان خاطري أشوف أبو عيون عسلية على الطبيعة.. بس يا الله حكمت علينا المحكمة نطلع!!

مزون كانت تنظر لجميلة بعينين غائمتين.. فهمست جميلة بتأثر بالغ: الدموع ما تليق عليش يا كابتن..
تليق على الهنود اللي مثلي!!

عانقتها بتأثر قبل أن تغادر للقاعة لتنضم لبقية الحاضرات.. وحينها بدأ هاتفها بالرنين..
نظرت للرقم.. ثم تأففت وهي تضع الرنين على الصامت..
رن للمرة الثانية.. فأسكتته على الصامت..


حينها وصلتها الرسالة:

" اطلعي لي أنا برا..
لا تخلينا نسوي فضايح وأقعد أدق هرن برا
امشي معي خلينا نتفاهم!!"



وبالفعل كانت سيارة فهد تتوقف خلف سيارة العريس التي توقفت للتو ويقودها كساب..
وأمامهما سيارة زايد يقودها علي ومعهما منصور..





#أنفاس_قطر#
.
.
.
يا الله بكرة في الليل البارت الهدية اللي وعدت فيه بنات الكويت
ما أظن إني أبطيت في هديتي :) ؟؟
بارت مميز تشوفون ردة فعل المعاريس باللقاء الأول..
ورد جميلة على طلب فهد..
وسر اسم المها عند صالح..
وكاسرة اللي بتشوف كساب بدون الجبس..
.
وللمرة الثانية دامت أفراح أهل الكويت وديارهم عامرة بالأمن والأمان..
البارت بدون تحديد ساعة معينة لأني أصبحت أتحاشى تحديد ساعة معينة..
عشان ماشاء الله ماتتجمعون كلكم وما ألقى لي طريق :)
وإلى الملتقى بإذن الله..
.
.
.

#أنفاس_قطر# 04-03-11 11:07 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء السابع و التسعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساكم عسل وسكر ياناس ياعسل..
ياحياكم الله ألف ألف مرة.. وياهلا والله بكل الوجوه قديمها وجديدها..
الله لا يحرمني منكم جميع ولا من قربكم..
.
.
.
فيه بنات يقولون لا يجوز القول في ذمتي.. بنات الله يهداكم ارجعوا للصياغة اللي وردت في القصة واقروها عدل..
الشخصية ما قالت في ذمتي أن أفعل كذا وكذا على سبيل الحلف.. وهذا هو المنهي عنه!!
لكن قالت لك في ذمتي كذا وكذا.. أي باق لك عندي..
وحتى في الدين هناك شيء اسمه إبراء الذمة.. أي تنقيتها من الحقوق..

أنا كان ممكن أتجاهل هالتعليقات على أساس إنه شيء معلوم فعلا فعلا فعلا..

لكن أنا أخشى أنه البعض يظن هذا الشيء فعلا.. ويبقى الأمر (في ذمتي)..
أظني واضح الحين يا نبضات القلب!! :)
.
.
البارت اللي فات اللي البعض يقول عنه قصير.. 40 صفحة على الورد والله العظيم..
مثله مثل طول بارت اليوم...
يعني الإنسان طاقة معينة.. وهذي هواية لوقت الفراغ.. مهيب عمل أنا متفرغة له..
يعني أنا مرة متزوجة عندي التزامات كثيرة.. وحتى الامهات اللي مثلي مستغربين أشلون ألاقي وقت حتى!!
وكنت أبي اقول لهم تنظيم الوقت هو الحل.. والأكيد طبعا الحرص إنه مافيه شيء يطغى على شيء..
ولو لقيت وقت أكتب أكثر.. صدقوني باكتب..
.
.
الجزء 97
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء السابع والتسعون





شعر بتوتر ما.. وهو يدخل محاطا بأربعة رجال.. اثنان منهم قد يجعلان منه عجينة في لحظات..
تمنى لو دخل وحده.. ليراها وحده.. وليس تحت أعين وحماية أقاربها..
وهو يشعر بحرج أن يتمعن فيها حتى!!


أما حين دخل.. فهم لم يتركوا له المجال حتى..
فهم كالعادة المعروفة صعدوا للسلام عليها وهو بقي واقفا جانبا..
وكل واحد منهم يحتضنها ثم يطيل..
فماذا بقي له من أحضانها؟؟



مزون منذ علمت أن غانما سيدخل تصاعد توترها العفوي للذروة.. وهي تشد بعنف على كف خالتها..
التي بقيت وحدها مع مزون.. مع أم غانم التي وقفت جانبا قريبا من الباب..
وسميرة تقف خارجا تنتظر استدعاء أمها لها..

بينما مزنة قررت أن تخرج.. لأنها رأت أن وجودها قد يكون غير مريح..

عفرا أفلتت يدها برفق من يد مزون وهي تهمس بحنان: هذا ابيش وأخوانش عندش..


مزون حين رأت والدها يتقدم أولا..
شعرت أنها لن تستطيع السيطرة على عبراتها المكتومة..
وخصوصا وهي ترى في عيني والدها تأثرا بالغا.. غاص في أعمق روحها..
وزايد كان فعلا تأثره يقفز للذروة وهو يراها أمامه شفافة مغلفة بالبياض
بطهرها المتبدي كإشراق الشمس كما كانت في عينيه دوما..!!

أ حقا صغيرته ترحل وتتركه؟؟ وكيف تكون الحياة من بعدها؟؟ اعتاد حينما يدخل البيت أن يكون وجهها هو أول وجه يراه!!
ينبئه أن هذه الحياة تنبض بالبهجة مهما قست عليهما!!

احتضنها بقوة مغلفة بالحنان وهو يهتف بنبرة خاصة لها.. الحنان الخالص الذي لا مثيل له:
ألف مبروك يأبيش.. والله الله في رجالش.. ولا تحاتين أبد شيء في ذا الدنيا ورأس أبيش يشم الهوا..

لم تستطع أن ترد سوى بعبراتها المسكوبة.. التي ازدادت انسكابا حين احتضنها كساب وهو يهمس في أذنها بخفوت:
لو قعدت ألف سنة أقول سامحيني.. ماوفيت.. سامحيني يالغالية على كل دقيقة زعلتش فيها..

ثم أردف بما يشبه ابتسامة مغلفة بالحزم وهو يهمس بذات الخفوت:
أنا ما أعرف أقول وصايا ولا أبي أقول.. اللي بأقوله صحيح غانم عزيز وغالي ورجّال مافيه مثله..
لكن والله لا أدري إنه ضايقش بأدنى شيء وماقلتي لي.. لا أعلقش أنتي وإياه من أرجيلكم..
طالبش ما تباتين مضيومة ولا حزينة .. وقتها بتحسسيني إني صدق مالي عازة في ذا الدنيا..


ثم كان دور منصور ليحتضنها وهو يبارك لها بنبرته الفخمة الحانية: مبروك يأبيش.. جعلش تهنين.. وما أوصيش على نفسش ورجالش..

كان كل سلام يزيد تأثرها للذروة حتى وصلت لعلي.. الشفاف العذب الحاني وهو يحتضنها بحنانه الشفاف ويهمس بذات الشفافية:
مبروك ياقلبي.. ألف مبروك.. خلي بالش من نفسش ورجالش..
وتأكدي إنش لو احتجتي أي شيء إني دوم موجود قريب.. أقرب من أنفاسش متى ما بغيتي!!

حينها بالفعل بدأت دموعها تنسكب بغزارة.. وهي تعلم أن سلام علي هو الأخير.. وخلفه سيكون سواهم..

وجاء سواهم ختاما.. وكساب يشير له بمودة باسمة: تعال ياعريس.. شكلنا مسخناها وطولنا عليك..


غانم تقدم والجمع ينزاح ليتيح له رؤية شمسه...

كانت بالفعل شمسا في عينيه..!!

حتى لو بدأ الكحل المضاد للماء يسيل بخفة مع الانسكاب المتزايد لدموعها..
كانت في عينيه حسن لا مزيد عليه.. كانت شمسه وكفى!!

هل رأيتم شمسا تمطر؟؟

يستحيل أن تمطر الشمس.. ولكنها أمطرت أمامه في معجزة لم يسبق لها مثيل..
حزن احتواء شفاف غمر روحه حتى أقصاها..

" جعلها آخر دموع أشوفها في عيونش!! " هكذا هتف في أذنها فعلا وهو يميل عليها ليقبل جبينها..

مزون ارتعشت بعنف مابين دفء كلماته التي هزت أعماقها هزا.. وملامسة شفتيه الرقيقة لجبينها..

ثم وقف جوارها بثقة وهو يشد على كفها ويجلسها..
كساب هتف في أذنه بمودة: أنا بأنتظركم برا في السيارة..

غادر بالفعل زايد وشقيقه وابنيه خارجا.. وكل واحد منهم يثقل على غانم بالوصايا.. وكل واحد منهم كذلك يعصف به تأثر مختلف..

ولكن من تأثره مختلف فعلا هذا الجالس محتضنا كفها في كفه..
كما لو أنه يريد أن يستمتع بكل ثانية من اكتشافه لتضاريس كفها الناعمة وغير مستعجل أبدا على أفلاتها..

مزون شعرت بالفعل أنها ستبكي وهي ترى قوة إمساكه لكفها بعد مفاجأته لها بتقبيل جبينها أمام والدها وعمها وشقيقها..
أما ماجعلها ستنفجر في البكاء هو همسه في أذنها بجرأة:
ليش ما حنيتي إيديش.. أنا أحب الحناء!!

" ياربي .. وش ذا الجرأة اللي عنده؟؟"

لم ترد عليه لكن من ردت هي سميرة وهي تميل على رأسه لتقبله وتهمس بمرح:
ارحم البنية.. من أولها نازل كلام في أذنها.. شفها مستحية وحالتها حالة!!

غانم ابتسم وهو يقف ليحتضنها: ماحد طلب شورش.. أصلا الله رحم تميم من هذرتش..

ثم زادت ابتسامة غانم اتساعا وهو يرى والدته خلفها.. لم يسمح لها أن تصعد له حتى وهو ينزل لها الدرجتين المتبقية.. ويقبل رأسها..
وهي تهمس له بتأثر مختلط بدموعها: مبروك يأمك.. ألف مبروك..
عقبال ما أفرح بعيالك..

غانم بتأثر: يمه أنتي كل شيء عندش دموع..

أم غانم بإبتسامة مبللة بالدموع: فرحانة يامك.. جعلك تتهنا..

غانم عاود تقبيل رأس والدته.. قبل أن يعود لمكانه بجوار مزون.. ثم يشير لسميرة بحزم: جيبي عباتها..

حينها تقدمت امرأة مجللة بالسواد لم ينتبه لوجودها قبلا وعباءة مزون على ذراعها.. وهي تهمس باختناق:
مبروك يأمك ألف مبروك.. والله الله.. في بنتي طالبتك..

لم يعرف من تكون تحديدا لكنه توقع أن تكون خالتها.. هز رأسه بثقة:
ازهليها.. مزون في عيوني وفوق رأسي!!
ثم أردف بإبتسامة: وصيها هي علي!!

عفرا همست بذات الاختناق وهي تلبس مزون عباءتها: يشهد ربي إني وصيتها..
بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير!!

عفراء احتضنت مزون وهمست بذات الاختناق الذي يدل على صوتها المبحوح من البكاء: كلميني بكرة قبل تروحين المطار..

مزون هزت رأسها دون أن تتكلم.. فهي تخشى أن تتكلم حتى لا تنفجر في البكاء..
وغانم يتناول كفها بثقة.. ويقودها خارجا باتجاه مواقف السيارات حيث ينتظرهم كساب...








**********************************






" فهد لو سمحت.. أمش بدون فضايح..
أظني عمي منصور قال لك
إني ما أبي أروح معك.."


فهد حين وصله ردها زاده غيظا على غيظه وهو يلكم مقود سيارته بعنف..
أرسل لها رسالة أخرى:

" الفضايح مهيب الحين..
بأنتظر خمس دقايق... لين يطلع عمش منصور
وزايد وعياله والمعاريس.. وعقب باعلق الهرن..
وبأترك لش تخيل الأحداث اللي بتصير!!
وأظنش عرفتيني.. واحد متنح ولا أعرف ذوق ولا لياقة!!"


جميلة زفرت بيأس وهي تكاد تبكي.. تتخيل فعلا سيناريوهات مرعبة لما سيحدث..
شجار بين أبناء خالتها وفهد.. أو على الأقل تلاسن سيؤدي لفضيحة يراها كل داخل وخارج..
وهي تعبت من كلام الناس.. تعبت!!
وأهم من كل ذلك الآن.. أنها ستفسد فرحة مزون الغالية!!

الخبيث عرف كيف يمسكها من يدها اللي تؤلمها.. فعلا..

أرسلت بدموع عينيها:
" بأطلع لك..
عشان خاطر مزون بس..
ما أبي أخرب عرسها عشان واحد مثلك!! "


فهد كان يزفر بتوتر انتظارا لردها.. فهي لو رفضت الذهاب معه..
لا يستطيع فعل شيء أبدا..
بل سيرحل مدحورا.. ليس من باب اللياقة..

ولكن لأنه يستحيل أن يحرج نفسه وزوجته أمام هذا الجمع!!
أو يصغرها وهو يريد إخراجها رغما عنها وأمام أهلها!!

هكذا هي نفسه المستقيمة بحدة جارحة له قبل غيره!!

لكنه اعتمد على أنها مازالت لا تعرفه جيدا.. وأنها تظنه سيفعل ذلك..

لذا ابتسم بانتصار وهو يقرأ بداية رسالتها..
ثم كشر وهو يقرأ آخرها ( واحد مثلي؟؟ ليه وش فيني؟؟)



انتظر لدقائق وهو يرى عدة نساء يخرجن.. لم يعرف هي أيهن حتى سمع صوت فتح الباب.. ثم ركوبها جواره..
نظر لها بصدمة لثوان ثم هتف بغضب: باقي زري في الدوحة ماحطيتيه في عباتش!!

جميلة ردت ببرود ودون أن تنظر ناحيته: الزري هذا زمان جدتك الله يرحمها.. هذا اسمه شوارفسكي..

فهد تزايد غضبه: الحين مسكتي في الاسم وخليتي الأساس.. هذي عباة تطلعين فيها قدام العالم..!!

جميلة بذات النبرة الباردة المتماسكة: عباة عرس بعد.. أشلون تبينها؟؟ وماطلعت فيها السوق.. كل السالفة المسافة من باب القاعة لين السيارة..

فهد يشعر أنه يريد أن يصفعها فعلا وهو يحاول أن يتماسك:
هذا أنتي قلتيها من الباب لين السيارة.. يعني وش فايدتها دامش بتحطينها داخل القاعة!!
تفرجين عليها سواقين السيارات؟؟


جميلة تنهدت: خلاص فهد انتهينا.. قل لي لا تلبسينها مرة ثانية..
وبأقول لك حاضر وتم... شيء ثاني بعد؟؟

فهد يشد له نفسا عميقا وهو يهتف بحزم: لا.. خلاص..

تحركت السيارة قليلا قبل أن يهتف بنبرة أقرب للغموض:
ليش ما تبين ترجعين معي مصر؟؟

جميلة بذات النبرة الباردة التي قررت أن تغلف نفسها بها:
من كثر ما أنا مبسوطة معك أخاف قلبي يوقف.. أبي أخذ لي راحة من السعادة اللي أنت معيشني فيها..

فهد بذات النبرة الغامضة: وتمسخرين بعد؟؟

جميلة هزت كتفيها: لأنه شر البلية مايضحك..
فهد أنا مابغيت أصغرك في عين عمي منصور لأني شايفة وش كثر هو يعزك..
ماهان علي أكسر صورتك في عينه..
فأرجوك لا تضغط علي أكثر من كذا.. ولا تختبر صبري.. لأنه صبري خلص!!
وعقبه مهوب هامني صورتك ولا غيرها..
لأنه صورتك أنت المسئول عنها مهوب أنا...

فهد يتنهد بصمت (هذي متى تعلمت تصف حكي كذا؟؟ )

لكنها لم تصمت وهي تهمس بسكون: ممكن أعرف ليش تبيني أرجع معك؟؟

تنهد فهد وهو يهتف بحزم: ارجعي معي ذا المرة بس.. دامش على قولتش ماتبين تكسرين صورتي عشان عمش..
استحمليني شوي... لين عرس خالي نايف.. إن شاء الله ماتشوفين مني ذا المرة إلا اللي يرضيش..

جميلة هزت كتفيها بيأس: ماعاد أصدق كلامك.. اعذرني..

فهد تنهد وهو يقف في باحة بيتهم ويهتف بحزم: يمكن فيه سوء فهم شوي في طريقة التعامل..
أنا أقط الكلمة وانا أحسبها عادية عشان كذا كنت أظن إني عند وعدي..
مادريت إني ضايقتش..
لأني ترا لو فكرت آجعش مثل ما أعرف الوجع أنا... يمكن الكلمة اللي أقولها تذبحش..
الحين عرفت حدود كلامي زين..


جميلة بذات اليأس: فهد أنا ماعاد أقدر أتحمل أكثر.. تعبت.. وبصراحة ما أقدر أتخيل أني بارجع معك بكرة..

فهد يفتح الباب ويشير لها أن تنزل وهو يهتف بذات حزمه: تحملتيني شهر.. صعب عليش تحمليني أسبوع بعد؟!!


جميلة لم ترد عليه وهي تنزل وتتبعه عبر ردهات البيت الفارغ تماما.. فالجميع مازال في حفل الزفاف..
وهي من تضطر لترك حفل زفاف ابنة خالتها مبكرا...!!


تنهدت بهذا اليأس الهادر الذي بات لا يفارق روحها..
وهي تدخل عبر باب جناحهما وتخلع عباءتها لتعلقها بينما صوته الحازم يأتيها من خلفها: قطي العباة ذي في ذا الزبالة الحين.. لا تعلقينها..

جميلة استدارت نحوه بصدمة: نعم أرميها؟؟.. وعدتك ما ألبسها.. بس أرميها حرام..


حينها كانت الصدمة الشفافة من نصيبه..
قد يكون اعتادها متأنقة على الدوام.. ولكن أناقتها دائما كانت له..
ولكن هذه الأناقة اللافتة لم تكن اليوم له.. فستانها الماروني من الدانتيل والشيفون (هاي نك) بدون أكمام.. وبحزام ذهبي عريض..
بدت تفاصيل جسدها مرسومة فيه بدقة مثيرة وهو يتسع بأناقة من أسفل وركيها بعد أن رسم كل تفاصيلها..

فهد هتف بصدمة غاضبة: أنتي أشلون لابسة كذا؟؟

جميلة بتأفف يائس: بعد وش فيه؟؟ لا قصير ولا صدره مفتوح.. (ياربي هذا لازم يجيب آخري اليوم!!)

فهد بغضب حقيقي: وش فيه؟؟ إلا وش مافيه؟؟ ما كأنش لبستي شيء من كثر ماهو مفصل جسمش..

جميلة تكاد تبكي منه.. فهي مرهقة بالفعل وهو يتفلسف كما لو كان يشعر بالغيرة فعلا..

همست بإرهاق ساخر: ترا العرس عرس نسوان.. ماكان فيه رياجيل ترا..

فهد اقترب ليشدها من معصمها وهو يهتف بذات غضبه:
لا تستخفين دمش.. أدري إنه عرس نسوان.. وأنا ما أرضى العيون تشوف شيء هو حقي بروحي!!

جميلة تراجعت بجزع.. لكنها لم تستطع التراجع لأن يده تمسك معصمها بقوة..

همست باختناق أقرب للخوف: خلاص فكني.. أوعدك ما ألبس ضيق كذا مرة ثانية..

مد يده الحرة ليمسح على ذراعها وهو يهتف بنبرة مقصودة: ولا كم قصير..

جميلة بذات النبرة المختنقة: إن شاء الله.. ولا كم قصير..

حينها شد معصمها نحوه أكثر ليقربها منه وهو يهمس بخفوت ونبرة مقصودة:
جميلة أنتي ليش تسوين فيني كذا؟؟

جميلة بتوتر: وش سويت؟؟

حينها شد كفها ليرفعها إلى شفتيه ويغمرها بقبلاته.. قبلات والهة عميقة ملتهبة..أشبه بالأنين الموجوع!!

جميلة شدت كفها بعنف..
لتكسر إحساسه الخاص بها وهو يهتف بذات النبرة المقصودة:
هذا اللي أنت سويتيه...كلش منتي بمقبلة قربي!!

جميلة بنبرة حازمة مقصودة.. فهي علمت أنها توشك أن تصبح في موقع المنتصر:
الحين أنا اللي ما أنا بمتقبلة قربك..؟؟
عقب ما تعاملت معي كني زبالة... تبي قربي..؟؟

فهد حينها هتف بيأس حقيقي فهو متعب فعلا من تصارع الرغبات في داخله:
جميلة ترا مهوب صعب علي أغصبش على اللي أبيه..
بس أنا مستحيل أسويها.. أبيها من خاطرش.. أنا استحملت واجد.. وأنا رجال ماني بطوفة!! وأنتي مني براضية تحسين فيني!!


حين قال أنه يستحيل أن يجبرها منحها سلاحا آخر لتأديبه.. همست بذات النبرة الحازمة:
والكلام اللي قلته لي.. وإنك ماتبي فضلة غيرك.. وش صار فيه؟؟

فهد حينها هتف بغضب: أنتي ليه ما تبين تنسين.. ليه قلبش أسود كذا؟؟
هذا كله عشانش عايفتني.. وما تبيني عقب رجالش الأولي..

جميلة لم تسمح له أن يقلب الطاولة عليها وهي تهمس بذات الحزم الرقيق:
لا لا.. لا تحملني أغلاطك..
جاوبني بصراحة فهد.. لو أنا طلعت عادية أو ماني بحلوة وربي رماني بين إيديك.. وأنا مطلقة مثل ما أنا الحين..
كان تنازلت تنزل من برجك العاجي عندي!!


حينها أجابها بثقة متجبرة.. والغريب أنها صادقة: أساسا أنا كنت أتمنى مرتي تكون عادية..
أنتي الحين ظنش إنه اللي خلاني أنزل من برجي العاجي على قولتش هو زينش اللي ماقدرت أقاومه..
بالعكس.. هذا اللي أخر نزولي.. وإلا كان نزلت من زمان!!
لأنه هذي سنة الحياة.. وأنتي حلالي.. إلا عندش مانع؟؟


جميلة تزايد غيظها منه.. ومع همست حينها بثقة:
خلاص اعتذر لي أول.. وانا أشوف أقبل اعتذارك وإلا لأ..

فهد تراجع بصدمة غاضبة: نعم أعتذر؟؟ أنتي بتذليني على كلام قلته وهذا أنا قدامش تراجعت عنه..

جميلة بذات الثقة: دامك على قولتك تراجعت عنه.. وش يضرك تعتذر..
يعني حلال عليك تجرح.. وحرام تداوي..

فهد بثقة أقرب للغطرسة: آسف لأني ماراح أقول آسف... اسمحي لي يامدام..
وأنتي دامش تبين تعصيني.. خلش منش لرب العالمين..


جميلة بثقة أكبر: لا يافهد العب غيرها.. أنا ماعصيتك.. قلت لك اعتذر.. وهذا أبسط حق من حقوقي..
ودامك مارضيت تعتذر.. فأفكارك ما تغيرت.. كل اللي صار إنك قررت تغير الاستراتيجية شوي.. عشان توصل أهدافك..



فهد زفر بغضب وهو يتجه للحمام ليستحم ويبرد ناره..
فمشاعره ملتهبة تماما.. وسيموت من رغبته في هذه الماكرة الصغيرة... وغاضب لأبعد حد..
وسيجن من الغيرة كلما تذكر رؤيته لغريمه الليلة...
كل هذه الأفكار والمشاعر غاصت في عمق روحه كجرح ماكن يزداد تمكنا..

" إيه.. تدور لها أسباب.. لأنها عايفتني..

خلها تولي..
بأموت من غيرها يعني؟!!"






*******************************************






حين وصلا للسيارة.. تمنى أن يركب جوارها.. لم يكن يريدها أن تبتعد عنه شبرا..
لكنه رأى أنه من غير اللائق أن يترك كسابا في الأمام كما لو كان سائقا لهما..
لذا أركب مزون في الخلف.. ثم أغلق الباب..
ليفتح الباب المجاور لكساب..
هتف كساب بمرح: وش جابك يا كابتن؟؟
ارجع اقعد مع عروسك ورا..
أنا أصلا حالف إني سواقها اليوم..

غانم أصر وكساب أصر أكثر.. حينها ابتسم غانم وهو يعود ليجلس بجوار مزون وهو يهتف لكساب بمرح:
كنك داري باللي في خاطري!!

ويمسك بكفها بين كفيه الاثنتين.. مزون شعرت أنه سيغمى عليها من الحرج.. وهي تسمع تبادل التعليقات المرحة بين الاثنين..
وكساب يهتف بذات المرح: أصلا أشوفك جاي تقعد جنبي وعينك ورا..

وغانم يهتف بمرح مشابه: الله يحزاك خير كان أحولت عيني..

كان يتبادل الحوار مع كساب بينما هو مشغول تماما بمن أناملها ترتجف بين كفيه..
وهو يتحسس أناملها وباطن كفها بحنو رقيق..

همست مزون باختناق بصوت خافت جدا حتى لا يسمعها كساب:
تكفى بس..

ابتسم غانم وهو يهمس بخفوت مشابه: أخيرا سمعتينا صوتش..

مزون اختنقت أكثر وهي ترى إصراره على الإمساك بكفها بطريقته الغريبة.. وكلامها لم يؤدي لنتيجة سوى إحراجها أكثر..

وكساب يهتف بإبتسامة: سامع وشوشة ورا.. احترموا إن معكم عزول..

ضحك غانم: توك تقول إنك سواقها.. السواويق يسمعون ويسكتون..

كساب ضحك: تحشم ياغنوم.. قبل أوقف السيارة.. وأخليك أنت تسوق وأركب مع أختي وأخلي كبدك تطبخ شوي!!

غانم برجاء بمرح: لا طالبك تكفى.. خلاص سكتنا..


مزون حرجها يتزايد.. وشعور آخر أعمق يتزايد...
أنها كلما ازدادت قربا من الفندق.. كلما ازدادت توترا وشوقا جارحا لهذا المازح في الأمام..
الذي تعلم أنه يخفي خلف مزحه ومرحه مشاعر هادرة من الافتقاد تشبه ما تشعر به هذه اللحظات!!


حتى وصلا لباب الفندق.. حينها تزايد ارتعاشها وغانم يشد كفها لينزلها..

كساب نزل ودار ليستقبلها وهو يقبل رأسها ويهمس لها بخفوت:
بكرة الصبح بأجي أوديكم للمطار.. فلا تخربين ليلة المسكين بالدموع..

مزون هزت رأسها وهي تريد التعلق به وتمنع نفسها حتى لا تحرج نفسها وتحرجه..

بينما كساب يهمس لغانم بحزم متأثر: غانم تراني عطيتك عيوني الثنتين..
قبل ماتقول لها أي شيء.. تذكر إن أي شيء تقوله لها هو شوكة تغزها في عيني!!
ولو زعلتها كنك فقعت عيني.. وماعقب العين شيء!!

غانم بشفافية صادقة: ازهلها .. ثم رفع صوته لتسمعه مزون: وهذا أنا أقول لك قدامها..
لو أنا ضايقتها بأقل شيء مرخوصة إنها تشتكيني عندكم.. وحقكم كلكم في رقبتي..


كساب غادر.. العريسان توجها للداخل!!


حين وصلا لجناحهما.. بقيت واقفة بخجل دون حراك.. همس لها غانم بمودة باسمة:
حطي عباتش واقعدي..أو تبين مساعدة.. ماعندي مانع..

مزون خلعت عباءتها ووجهها يزداد احمراره وأنزلتها على طرف المقعد
وبقيت واقفة.. حينها شدها برفق ليجلسها على الأريكة ويجلس جوارها..

مزون أنزلت عينيها في حضنها وهي تمسك بكفيها متشابكتين..
ودقات قلبها تتصاعد بعنف.. فغانم بدا لها جريئا لأبعد حد.. وبدأت تتوتر من هذه الجرأة.. وتتحفز ماهي ردة فعله القادمة..

وردة فعله لم تتأخر مطلقا وهو يمد يده ليرفع وجهها ويديره ناحيته..
مد سبابته ليمسح دمعة مازالت معلقة على طرف رموشها..
ويهمس بحنان غريب دافئ: قلت لش ما ابي أشوف دموع في عينش..
اظني بكيتي اللي يكفيش!!


ثم أنزل سبابته من وجهها إلى نحرها ليلمس العقد الذي ترتديه بتقصد:
قلت ما تحنيتي يمكن ما تحبين الحنا.. بس ليش مالبستي الطقم اللي جبته لش؟؟..
ما تتخيلين وش كثر لفيت محلات لين لقيت شيء عجبني..؟؟
ووش كثر تخيلت أشوفه عليش..؟؟

مزون شعرت باختناق فعلي من الحرج.. وتمنت لو انشقت الأرض وابتلعتها..
وهي تفكر في عذر تقوله.. لتجد لها عذرا.. أو بالأصح كذبة اضطرت لها.. وهي تهمس بحرج خجول:
طقمك كان في الخزنة ونسوا يجيبونه لي.. اضطريت ألبس هذا..

ابتسم غانم وهو مازال يتحسس الطقم ومعه يتحسس عنقها بدفء:
ماعليه.. أشوفه عليش بعدين.. حتى هذا بيضوي عشانه لامس رقبتش!!

مزون لم تستطع أن ترد بشيء وهذا يلجمها بجرأة غير متوقعة..
ابتسم غانم: قولي شيء..

مزون بحرج: وش أقول؟؟

غانم بدفء عميق: قولي غانم.. خاطري اسمع اسمي من بين شفايفش كذا وأنتي قريب مني كذا ومستحية.. ومذوبتني بسحاش..
مهوب وأنا أتذكر أول مرة سمعت صوتش...وأنتي تصيحين علي وتقولين ياكابتن غانم.. أنا كابتن مزون..
كن حن في ثكنة عسكرية وأنتي القائد..


مزون اختنقت أكثر بخجلها.. وهي تعلم أنه يقصد المرة التي سافرا فيها معا..
هل كان يفكر فيها منذ تلك الأيام؟؟
لا يعقل.. !!
لا يعقل !!!!



همس بذات النبرة الدافئة: تدرين إنش أحلى حتى من أحلى أحلامي..


مزون شعرت أن وجهها اشتعل احمرارا (بدينا في المجاملات!!)


تزايدت نبرة غانم دفئا وعمقا وهو يمد ظهر أنامله ليمسح على خدها:
يعني مافيه أمل تحنين علي بحرفين..

مزون تراجعت وهي تقفز وتهمس بذات الاختناق: أبي أروح الحمام..

حينها ضحك غانم: ماعليه المهم تكلمتي..
ثم أردف بحنان: خلاص توضي.. عشان نصلي.. أنا بأقوم أتسبح في الحمام الثاني..
خذي راحتش.. بس موب واجد عاد..



مزون قفزت للحمام.. وهي تشد أنفاسها الذاهبة: يمه وش ذا الجرأة اللي عنده..
أكيد ملفلف الدنيا.. ومتعود يحاكي النسوان..
ماخلا شيء مالاحظه.. ليش ما تحنيتي؟؟.. ليش مالبستي طقمي؟؟؟..
باقي يقول لي ليش حطيتي روج وردي وماحطيتي أزرق؟؟.. وليه الفستان أوف وايت موب ذهبي..؟؟


ثم أردفت بصدمة وهي تنظر لوجهها في المرآة: وليش ماقال لي إن الكحل ساح كذا..
يمه قاعدة عنده وأنا شكلي يروع كذا وواثقة من نفسي بعد..
وهو يتغزل هو وجهه.. تلاقينه يتمسخر علي!!


مزون مسحت وجهها بعناية.. وخلعت فستانها.. وهي تحاول إعادة بث الثقة في روحها..
ابتسمت بشفافية حانية وهي تتذكر كسابا وتعليقاته..

ربما لو كانت تزوجت قبل عودة علاقة كساب بها كما كانت.. لكان استعادتها لثقتها أمراً صعبا عليها..
لكن الآن الثقة مغروسة في ذاتها..
"حتى لو كنت عادية.. يكفيني ويكفيه إني مزون بنت زايد وأخت كساب!!"


البارحة كانت خالتها هي من رتبت أغراضها في الجناح هنا..
وأخبرتها بتفاصيل الترتيب..

وهاهو قميص نومها الأبيض الفخم معلق في الحمام.. توترت للحظات.. ألبسه؟؟ أو لا ألبسه؟؟

لكنها قررت ختاما أن تلبسه.. فهو بالفعل يليق بها بفخامته واحتشامه..
وهي لن تفسد ترتيبها من أجل توتر تعلم أنه وقتي..






*****************************************





صالح حاول أن يعود مبكرا..
وفعلا فور أن زُف العريس.. توجه لبيته..

ليتفاجأ بمناحة في بيته.. فنجلا كان وجهها متفجرا بالاحمرار الدال على أنها بكت لساعات..
وحالما رأته انفجرت في البكاء مرة أخرى..


صالح اقترب منها بجزع: وش فيش؟؟ عسى ماشر؟؟

نجلاء بين شهقاتها: أنت تفاول على بنتي تموت.. مهوب كفاية إن قلبها تعبان.. تبي تسميها على بنية ماتت بالقلب!!

صالح يتتهد: صبيتي قلبي..
ثم أردف بحنان: أفا عليش وش ذا الأفكار؟؟ أنتي عارفة إني وعدت سلطان أسمي بنتي لو جاني بنت علي بنته الله يرحمها..
المسكين ماكان عنده غيرها.. أمها ماتت في ولادتها.. وعقبه بكم سنة البنية ماتت.... عقب عرسنا بسنتين الله يرحمها..

نجلاء بين شهقاتها الناتجة عن تأثر نفسيتها بكثير من الأمور:
أوعد صديقك بعيد عني أنا وبنتي.. أصلا والله لو تذكرت ذا السالفة ما أخليك تسمي أختي عليها..

صالح يتنهد: نجلا الله يهديش وش فيش سويتيها سالفة؟؟.. عمي راشد أصلا داري بالسالفة وبالعكس كان مبسوط بالاسم..
وسلطان لمعلوماتش جاب لاختش سماوة وش كبر.. بس أبيش سبق عليه بالحلوفة...

نجلاء بين شهقاتها المتزايدة: مالي شغل... تغير اسم بنتي تغيره... وش ذا الفال الشين من أولها..

صالح يتنهد للمرة الألف: الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الفال الله يهداش..
ثم تنهد بحزم:والاسم ماني بمغيره.. تبيني أصغر نفسي قدام الرجّال.. سلطان مسافر وبلغته بالاسم خلاص..
كل يوم يقول لي صورها وأرسل لي الصورة...
تبين أقول له.. لا والله غيرنا الاسم... مهوب حولي..


نجلاء تزايدت شهقاتها في محاولة منها للضغط على صالح...
بينما صالح رمى غترته على الأريكة وهو يميل على سرير غانم الصغير ويحمله بين ذراعيه..
ويجلس على الأريكة قريبا من نجلا وهو يناغيه..
دون ان يوجه كلمة لنجلاء.......







************************************








كساب حين أوصل مزون اتصل بكاسرة.. وسألها إن كانت تريد أن تذهب ليأتيها..
لكنها أخبرته أنه لا داعي ليتعب نفسه.. ستعود مع والدتها وسميرة.. وسيعيدهم تميم..

لذا حينما عادت للبيت كانت تتوقع أنها ستجده في البيت.. لأنه مرهق اليوم من كثرة (المشاوير) التي قام بها.. وهو يجهد نفسه في السواقة!!

ولكنها لم تجده.. كانت هي ذاتها مرهقة وتريد تغيير ملابسها.. ولكنها لم تفعل..
فهي ختاما تعلم.. أنها لا تهمها مئات العيون التي رأت حسنها بانبهار الليلة..
وهذه الزينة لا قيمة لها إن كان هو لن يراها..


جلست في صالة جلوسهما في انتظاره.. لم يطل انتظارها.. إذ دخل بعد دقائق..

والصدمة أنه دخل بروب الاستحمام الطويل الذي تعلم أنه لا يستخدمه إلا حين يخرج من بركة السباحة..

" كيف يسبح هذا المجنون بيد واحدة؟؟"


لتجد أن الصدمة الحقيقية أنه كان بيدين ليس بيد واحدة..
همست بصدمتها: متى شلت الجبس؟؟

أجاب ببرود وهو يجلس : اليوم يوم رحتي الشغل وخلتيني.. وأنا أقول لش اقعدي ومارضيتي...


كاسرة صمتت.. أسكتها عن العتاب قبل أن تبدأ به.. وهي بالفعل لا مزاج لها لتعاتب .. فهي تشعر بسعادة شفافة لسلامته..
فما رآه في هذا الحادث يكفي وزيادة.. لذا مالت على شعره المبلول وهي تقبل رأسه وتهمس برقة: الحمدلله على سلامتك..
ولو أنه المفروض ماترهق يدك وأنت توك فاك الجبس..

حينها كانت الصدمة من نصيبه.. فهو كان مستعدا لعتاب لا يريده..
فهو مرهق ومستنزف من ضغط مشاعره لغياب مزون عنه..

كان يريد أن يشد كفها ليجلسها جواره.. لولا أنها ابتعدت عنه قبلا.. وهي تتجه لتغلق نقطة التحكم بالتبريد في الجناح..
لأنها تخشى عليه أن يمرض..


ثم تعود له لتجلس جواره .. دون أن تقول شيئا.. استدار ناحيتها وهو يمسح تفاصيلها بعينيه ثم يهتف بإبتسامة:
كان فيه الليلة حد أحلى منش؟؟

ابتسمت: أنت وش رأيك؟؟

ابتسم بتقصد: رأيي إني توني دريت ليش ارتفع سعر الذهب لمستويات ماعمره وصلها..


لا تنكر أن داخلها ارتعش بشفافية..
فهذا الرجل شحيح جدا بغزله... فكيف بهكذا غزل راقي وخاص ومصاغ من أجلها!!

كساب مد ذراعه التي أزال جبسها اليوم ليحتضن كتفيها بها.. أسندت رأسها لكتفه وهي تحتضن خصره بولع حقيقي عاجزة عن التعبير عنه..

هتف كساب وكأنه يحادث نفسه: ظنش إنها مبسوطة؟؟

كاسرة علمت عمن يتحدث.. تعلم قربه من شقيقته وقربها منه.. وتعلم أنه باله مشغول.. همست برقة:
إن شاء الله إنها مبسوطة.. سميرة تقول إن غانم طاير فيها بشكل..
المهم إنه يعرف قيمتها..

" المهم إنه يعرف قيمتها!!
المهم إنه يعرف قيمتها!!"

تفكيره محصور بشقيقته وهو يقول لنفسه (إن شاء الله يعرف قيمتها..!!)
لم يفكر أن هناك أمور أخرى يحتاج لمعرفة قيمتها!!

همس بسكون: إبي أحط رأسي في حضنش..

كاسرة تأخرت لآخر الأريكة لتسمح له بذلك.. انخلع على روبه عن جسده وهو يضع رأسه على فخذها..
كاسرة مررت أناملها بحنان عبر خصلاته المبلولة وهي تهمس برقة: ماتبي أجيب لك فوطة أنشف شعرك..؟؟

همس بذات السكون : لا خلش جنبي..

هذه المرة بقيت جواره.. فهي أكثر احتياجا لهذا الجوار منه.. بقيا على هذا الوضع لدقائق..
وأناملها تعبر شعره ذهابا وإيابا.. حتى لمحت عيناها ما يكره أن تلمحه.. لم تنتبه حتى تحسست أعلى كتفه من الخلف..

حينها رفعت يدها بجزع وهي تسب نفسها أنه سيثور الآن ليفسد هذا الجو الرائق بينهما..

لذا كانت صدمتها أنه باقيا ساكنا وهمس بذات السكون: أفكر أسأل شيخ إذا كان ممكن أسوي وسم ثاني يغطي الوسم هذا بالكامل..؟؟

كاسرة بجزع مرتعب: تبي تحرق نفسك؟؟ هذا ما يغطيه إلا حرق ماكن؟؟

أجابها بذات السكون كما لو كان يحادث نفسه: ما أبي شيء يذكرني فيه.. أبي أمسحه من حياتي!!

حينها تجرأت كاسرة أن تعاود تحسس الوسم بأناملها وهي تهمس بحذر:
حطوه لك في السجن صح؟؟ ليش حطوه؟؟

أجابها بنبرة أقرب للسخرية المريرة: ليش حطوه؟؟.. عشان لو واحد منا يا المساجين قطّع الثاني.. يعرفون من المتقطع بدون مايجرون فحص طبي..
يعرفونه من الرقم المتسلسل..
ولو مابين في الكتف.. يبين اللي في الفخذ!!


كاسرة كفت يدها برعب: نعم؟؟ ليه وحوش؟؟

كساب هتف بذات النبرة الساخرة المريرة: والله الوحوش أرحم.. هذولا كان أقل واحد فيهم محكوم 70 سنة.. هذا الملاك فيهم..
فيه ناس محكومين 500 سنة..
يعني عارفين إنهم مستحيل يطلعون من السجن.. وش يضر لو ذبح كل يوم واحد من المساجين؟؟
هذا سجن كان فيه سفاحين أمريكا اللي تسمعين عنهم يقتلون 20 واحد ويسلخون جلودهم بدون مايرمش لهم جفن..
وخلاص الوحشية في دمهم..!!

كاسرة لم تحتمل.. وهي تدفع رأس كساب عنها.. لتقفز للحمام وتتقيأ كل مافي معدتها..
كساب قفز خلفها وهو يشعر بندم عميق أنه أخبرها.. وهو مازال لم يخبرها بأي تفاصيل حتى ...من التفاصيل المروعة في انعدام الآدمية..!!


أراد أن يريحها قليلا.. وهي من كانت تعاتبه دوما على غموضه!!
لم يتخيل أن كاسرة القوية ستهتز من مجرد خبر كهذا..


كساب دخل خلفها وهو يمدها بالمنشفة ويهتف لها بعمق:
شفتي إن الجهل أحسن أحيانا من المعرفة..

حين رفعت وجهها إليه وهي تمسح فمها.. فوجئ بامتلاء عينيها بالدموع وهي تهمس باختناق:
وسجن مثل هذا ليش أنت تدخله.. وأنت تقول إنك ماسويت شيء..؟؟


كساب تنهد وهو يشدها خارج الحمام ويهتف بعمق:
بتظل مشكلتي أنا وإياش إني كل ماقلت لش شيء ما كفاش..
وتبين زيادة..






*********************************






إذا كانت كاسرة دخلت جناحها ولم تجد كسابا فإن والدتها دخلت لتجد زايد ممدا على سريره..
همست بلياقة جزعة: ليش ماقلت لي إنك رجعت.. كان رجعت من بدري..

أجابها بسكون وهو يتمدد على جنبه: مابغيت أعجلش.. وأنا أساسا توني انسدحت..
لهيت أسبح وأصلي وأقرأ وردي..

مزنة خلعت عباءتها وهي تهمس باحترام عذب: عطني شوي وقت وأجيك.. ماني بمتاخرة..


استحمت على عجالة.. وقررت تأجيل قيامها حتى ينام..
فهو بدا لها مثقلا بالإرهاق.. وهي تطيل دائما في صلاتها..
وحق الزوج مقدم شرعا على النوافل..
لذا قررت أن ترى مابه أولا.. وخصوصا أنها تعلم أنه الليلة مثقل بحزن شفاف لا يشبه سواه.. لغياب صغيرته عن عينيه وحضنه!!

جلست في ناحيتها.. بينما كان هو متمدد ناحيته ويوليها ظهره..
مالت عليه وهي تمسح على شعره وتهمس قريبا من أذنه:
لا تحاتي مزون.. صدقني بترتاح مع غانم..
غانم أعرفه من وهو بزر.. ماشفت مثل حنانه على أمه وخواته.. قلبه صافي كنه ذهب..

استدار ناحيتها ليمسك بكفها ويحتضنها بين ضلوعه وهو يهمس بعمق:
أنا ما أحاتيها.. أحاتي نفسي عقبها..

همست مزنة بحنان: هذي سنة الحياة.. وبكرة بتجيب لك هي بعد أحفاد تستانس فيهم..
وتلهى فيهم عن كل شيء...

همس بعمق لا يخلو من رائحة الحزن: الله يجيب الخير من عنده..

كانت مزنة تريد أن تقول شيئا ولكنها قررت أن تصمت وهي تراه يقترب منها ليدفن وجهه في صدرها..
احتضنته بدفء حان.. وهي تمسح على شعره.. وتقرأ عليه الأذكار..
كما لو كان طفلا صغيرا يستكين بين ذراعيها.. ويستمد الحنان من دفء صوتها وأحضانها..

يزداد الحزن في قلبه بصورة غريبة..
يشعر كما لو كان يستغلها..
فهاهي تهديء جزع روحه كالسحر الحاني.. بينما هو يبتعد بأفكاره عنها إلى موانئ بعيدة موحشة.. تنعق الغربان المشؤومة في جنباتها!!

بقدر ما يكره هذه الموانئ.. بقدر مايجد نفسه يقترب منها!!!






********************************






" تعالي مزون.. مطولة وأنتي واقفة!!"

مزون اقتربت منه بتوتر.. وخصوصا وهي تراه بثوبه المفتوح الجيب.. بدون رسمية الغترة والبشت الأسود..

للتو تنتبه أن شعره ليس داكنا بل لونه يقترب من البني..
حتى حينما سافرت معه.. لم تنتبه لهذا الشيء.. لأنها تخجل من التمعن بأي رجل..
لكنها تتذكر جيدا لون عينيه الغريب.. الذي مازالت لم تركز فيه للآن..


هتف غانم بأريحية: تعالي نصلي!!

مزون فتحت الخزانة لتستخرج سجادتها وجلال الصلاة وترتديه فوق قميصها..
وقفت خلفه ليصليا..
وحين انتهيا التفت لها.. ليضع كفه على رأسها ويدعو..
ارتعش داخلها بخفة شفافة مع تمتمته بالدعاء حتى انتهى..

مد يده حينها ليرفع ذقنها للأعلى.. وهو يهمس بعمق: تدرين إنش لحد الحين ماحطيتي عينش في عيني..
ثم أردف بإبتسامة: صحيح عيوني عسلية.. بس لا تصدقين سميرة لا قالت لش إنها تروع.. عشانها كانت بتموت تبي عيونها عسلية..

مزون همست باختناقها الخجول الملازم لها: أبي أقوم أصلي قيامي..

غانم ابتسم: كلنا بنصلي.. ولا يهمش.. وش ورانا... الليل طويل!!



حينما أنهيا كلاهما صلاتهما ووردهما وكل منهما يدعو بدعاء خاص به..
في هذه الليلة التي لن تتكرر أبدا!!


مزون خلعت جلالها وهي تنظر للمرآة حتى ترتب شكلها..
ابتسم غانم بشفافية وهو يقف خلفها: حلوة وتجننين وتأخذين العقل.. بدون شيء..

مزون توترت أكثر(شكله حافظ كم كلمة مجاملة بيقولها ورا بعض!!)


غانم شدها من كفها برفق وهو يجلسها على الأريكة ويجلس جوارها..
وهو يهمس بحنان: يا الله الحين بتسولفين علي..
ميت أبي أسمع من بين شفايفش سالفة وحدة طويلة..
وأبيش تقولين اسمي بين كل سطر وسطر..!!



#أنفاس_قطر#
.
.
.

يا الله النجمة ترا لشرقاوية عسل...
هي أول وحدة توقعت إن اسم المها.. اسم لبنت صديق صالح..
.
.
ويالله بارت جديد يوم الأحد بيكون مليان أحداث..
موعدنا الساعة 9 صباحا..
.
.

#أنفاس_قطر# 06-03-11 07:30 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والتسعون
 





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباحكم عطر وأحلى من العطر بعد وأعذب

أولا وقبل كل شيء ترحيبي وألف مرة أرحب بكل المشتركات عشاني واللي أخجلوني بدفق مشاعرهم
واللي ظنهم إني ما أقرأ ردودهم
قريتها.. وهزت مشاعري من الوريد للوريد... ماخليتوا لي قلب من كثر التأثر :)

وثاني شيء خالص شكري لكل من تكرمت علي برد أو خاطرة أو شعر.. وهي تمنحني من دفق مشاعرها وروحها
ويارب أكون دايما عند حسن الظن!!
.
.
يالله البارت 98
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لاحول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء الثامن والتسعون







مزون خلعت جلالها وهي تنظر للمرآة حتى ترتب شكلها..
ابتسم غانم بشفافية وهو يقف خلفها: حلوة وتجننين وتأخذين العقل.. بدون شيء..

مزون توترت أكثر(شكله حافظ كم كلمة مجاملة بيقولها ورا بعض!!)


غانم شدها من كفها برفق وهو يجلسها على الأريكة ويجلس جوارها..
وهو يهمس بحنان: يا الله الحين بتسولفين علي..
ميت أبي أسمع من بين شفايفش سالفة وحدة طويلة..
وأبيش تقولين اسمي بين كل سطر وسطر..!!


مزون حينها همست برقة خجولة وهي تدعك أناملها: أي سالفة؟؟

ابتسم غانم (ماعليه تشجعت شوي!!) : أي سالفة تبينها.. حتى لو بتقولين لي أشلون يسلقون البيض..

حينها ابتسمت مزون بعذوبة.. فهي مهما كان لديها حياؤها الفطري ..فروحها اعتادت على خوض المواقف الصعبة والثقة فيها ..
ولا تريد أن تبدو أمام غانم متصلبة أكثر من ذلك وهي تراه يبذل جهده ..
وخصوصا أنها تشعر بالحرج من حكاية الطقم الذي لم ترتديه.. وهو تقبل العذر بأريحية رغم أنه كان يحق له أن يغضب..

لذا أجابت بذات الابتسامة العذبة الخجولة برقي غير مصطنع:
وإذا كنت ما أعرف أسلق بيض؟؟

ابتسم غانم: تسوقين طيارة وماتعرفين تسلقين بيضة؟!!

ابتسمت وهي تراه يتحدث عن سياقتها للطائرات بعفوية حميمة..
فهذا الموضوع بات من المحضور الحديث عنه في منزلها..
لأن الحديث عنه يستدعي الظروف القاسية التي رافقته.. ولكنه مهما كان يبقى جزءا كبيرا من حياتها!!

ردت عليه بعفوية باسمة: أنت تسوق طيارات من قبلي.. تعرف تسلق بيض؟؟

ضحك غانم: أفا عليش.. حن وصلنا لمرتبة طبخ الكبسة..
لو كان عندنا مطبخ.. كنت وريتش!!

حينها تجرأت أن ترفع عينيها له.. لفت نظرها فيه شيئين.. لون عينيه غير المعتاد لرجل بدوي..وابتسامته..
كانت ابتسامته رائعة بالفعل..

همس لها بدفء: أخيرا تكرمتي تطلين في وجهي.. لذا الدرجة وجهي ما ينتشاهد يعني!!

عادت لإخفاض نظرها بعفوية خجولة.. مد سبابته ليرفع ذقنها بحنان وهو يهمس بدفء عميق:
تكفين مزون.. موب كل شوي تبعدين عيونش عني.. أحس إني تشتت..

مزون اختنقت بالصمت.. كلما حاولت أن تتجرأ قليلا.. وجدت أن جرأته المتزايدة تلجمها..

مد كفه وهو يهمس لها بإبتسامة: زين عطيني يدش.. خلني أركز في شيء..
حاس وأنتي جنبي كني طاير وأرجيلي ماتلمس الأرض حتى!!


مزون منحته كفها ودقات قلبها تتزايد بعنف.. فتح كفها في كفه..
وهو يمرر سبابته عبر خطوط يدها كانت كف مزون ترتعش بينما هو يهمس بعمق:
تهقين لو دورت بين خطوط يدش.. بألقى اسمي..؟؟
لأني كل ما أطل في خطوط يدي يتهيأ لي إني ما أشوف شيء غير اسمش..

مزون همست باختناق: غانم.. بس.. فك يدي الله يرحم والديك..

همس بابتسامة شاسعة مغلفة بعمق عذب: ياحلوه اسمي من بين شفايفش.. وأخيرا حنيتي علي..
حاضر أفك يدش..


وبالفعل أفلت كفها.. ولكنه نقل كفيه إلى شعرها وهو يدخلهما بين خصلاتها ثم يسندهما خلف رأسها ليقربها منه أكثر..
مزون تزايد ارتعاشها وتحجرت الكلمات في حنجرتها..
وهي تراه يقربها حتى وضع أذنها على صدره تماما واحتضنها بحنو وهو يهمس بعمق حاني:
تكفين ما تجفلين.. اسمعي دقات قلبي بس.. خافي الله فيني.. قلبي بيطلع من مكانه.. خلش قريب منه!!






********************************





كان منبه هاتفها يرن لصلاة الفجر بعد أن نامت البارحة مبكرا..
ففهد بعد أن استحم مطولا البارحة.. خرج من غرفة التبديل مرتديا ملابسه وخرج دون أن يقول لها كلمة..


حمدت الله على التخلص منه وهي تأخذ راحتها في الاستحمام والصلاة ثم تنام بكل راحة بعيدا عن ثقل ظله.. وهي فعلا كانت متعبة من يوم أمس المنهك من أوله..
لذا تناولت لها كعادتها الرديئة قرصين من بنادول نايت..


كانت تسمع صوت المنبه يرن.. وهي كما لو كانت تحلم .. وإحساس غريب يحيط بها..
ورائحة عطر فخم اعتادت عليه من بُعد.. تشعر به قريبا.. بل أقرب من قريب!!
عبقه الفاخر اخترق أقصى حويصلاتها الهوائية بدفء خاص..

كانت مازالت تشعر بعدم التركيز.. لتفتح عينيها بصدمة شاسعة حين شعرت بقساوة المخدة التي كانت تنام عليها وعرفت ماهي هذه المخدة..

حاولت أن تقفز.. لتمنعها يد امتدت فوق صدرها لتتناول هاتفها وتغلق المنبه..
وصوته الناعس يهمس: وش ذا النوم كله.. البيت كله سمع صوت المنبه وأنتي ماقمتي!!

جميلة تخلصت من ذراعيه بجزع.. كيف كانت تنام على عضده دون أن تشعر؟؟
" لا بارك الله في ذا البنادول!!"

ثم قفزت بجزع أكبر وهي تتحسس جسدها.. وتتأكد من إغلاق ازرار بيجامتها..
فهد نظر لها باستغراب: أنتي خبلة؟؟ شتسوين؟؟

فهد احتاج له دقيقة ليستوعب ماذا كانت تظن.. رغما عنه انفجر ضاحكا:
صدق إنش خبلة.. أنتي كنتي راقدة بس ماكنتي مخدرة..
يعني خذتش في حضني.. ماعليه.. بس لو صار أكثر من كذا.. كان حسيتي فيه!!

جميلة تشعر أنها ستبكي من ظهورها بمظهر البلهاء أمامه.. وهي من كانت تشعره دائما أنه (الغشيم!!)
جميلة دعت الله بعمق أن يظنها بلهاء... ولا يُرجع بلاهتها إلى انعدام معرفتها!!

حاولت أن تلهيه عن التفكير بسؤالها الغاضب وهي تقفز عن السرير بعيدا عنه:
وأنت أشلون تسمح لنفسك تاخذني في حضنك..؟؟

أجابها ببرود واثق: كيفي.. عندش اعتراض؟؟؟ اشتكيني للأمم المتحدة!!

جميلة تشعر أنها ستبكي منه: احنا مهوب اتفقنا إنك تعتذر لي قبل ما تتجاوز حدودك معي!!

هز كتفيه بثقة: وأنا ما تجاوزت حدودي.. وإذا فكرت أتجاوزها.. لا تخافين بأعتذر لجنابش يا سمو الأميرة...
ثم أردف بثقة أكبر: صلي وجهزي نفسش.. أرجع من الصلاة نطلع المطار!!

جميلة اختنقت تماما: ما أبي أسافر معك الله يرحم والديك.. ارحمني!!

حينها عاد لها لينظر لها نظرة مباشرة ويهتف بمباشرة صادقة:
تكفين جميلة لا تخلينا مسخرة للناس.. وكل لسان يطلع علينا سالفة..
امشي معي ذا المرة.. لو أنا ضايقتش في شيء... أنا بنفسي بأتصل بمنصور وبأقول له تعال خذ جميلة..








**************************************






" يمه.. يمه.. يمه وينش؟؟
.
وين راحت؟؟ نزلت تحت مالقيتها.. والخدامات يقولون إنها نزلت مع عمي زايد لين راح.. وعقبه طلعت..
تكون راحت عند جدي!!"


كاسرة كانت تقترب أكثر لداخل الجناح.. فهي كانت محتاجة لشدة لرؤية والدتها..
فبعد الحكاية المبتورة التي أخبرها بها كساب البارحة ثم صمت كعادته وهي متوترة.. وخصوصا أن الحمل زادها حساسية..

كانت تريد أن ترى والدتها تستمد قوة من قوتها.. فالموضوع أرهقها تماما..
حتى لو كان يستحيل أن تخبر والدتها بشيء!! ولكن رؤيتها داعم معنوي لها..!!


تقدمت بثقة لأنها تعلم أن عمها غير موجود فهو خرج مبكرا جدا مثله مثل كساب!!


لتتفاجأ بصوت التقيء القادم من داخل الحمام المفتوح..
كاسرة اقتحمت الحمام بجزع.. لتجد والدتها تتقيأ والغريب أنها لم تتناول طعاما حتى تتقيأه.. بل كانت تتقيأ عصارة المعدة..

بدا ذلك واضحا لكاسرة التي وقفت خلف والدتها وهي تحاول إيقافها..
أشارت لها والدتها أن تفلتها خوفا عليها من أن تثقل على نفسها وهي تهمس بحزم: بأقوم بروحي.. اطلعي.. بأغسل وأجيش!!

كاسرة خرجت وأخذت قنينة ماء وفتحتها وهي تقف بقلق عند باب الحمام..
حين خرجت والدتها.. همست لها بهذا القلق: يمه وش فيش؟؟

مزنة بثقة غامرة: مافيني شيء.. بس الظاهر البارحة العشاء كان ثقيل علي..
ولحد الحين بطني يوجعني منه!!

كاسرة باستغراب: يمه أنتي ما تعشيتي البارحة في العرس!!

مزنة بذات الثقة: تعشيت عقب مارجعت البيت..

كاسرة بقلق حاني: يمه خلنا نروح المستشفى.. لا يكون معش تسمم..

مزنة بتصميم: مافيني شيء عشان أروح المستشفى..

كاسرة حينها أجابت بتصميم أكبر: خلاص ماتبين تسمعين كلامي.. بأقول لعمي زايد وتفاهمي معه..

حينها تفاجأت كاسرة أن والدتها انفجرت بغضب: كاسرة لو سمحتي.. اسمعي الكلام.. ولا ترادين!!
وزايد يا ويلش تقولين له شيء !! والله العظيم لأزعل عليش!!!


كاسرة تراجعت بصدمة.. وعقلها الذكي يجري بعض الربط والحسابات.. رغم صعوبة التوقع..
حينها همست لوالدتها بنبرة مقصودة:
يمه مهوب المفروض ذا الأيام دورتش الشهرية.. أنا شايفتش أمس تصلين وحن في القاعة..


مزنة زفرت بغضب.. آخر ماكان ينقصها أن تُعمل كاسرة عقلها الذكي..
ومع ذلك همست بثقة متحكمة: دورتي صايرة مهيب مضبوطة.. تدرين السن له أحكام..

كاسرة لم تستطع أن تمنع ابتسامة ما من التسلل لشفتيها:
يمه دورتش طول عمرها مضبوطة مثل الساعة.. وأنتي تدرين زين إنه تو الناس على سالفة.. السن له أحكام..!!!!


مزنة زفرت بإرهاق غاضب وهي تجلس على الأريكة: كاسرة خلصيني وين تبين توصلين؟؟

كاسرة قفزت جوار والدتها.. وهي تقبل كتفها ورأسها وكفيها بسعادة شفافة:
أبيش تعترفين.. كم صار لش؟؟ يا الله اعترفي!!

مزنة زفرت بتأفف حتى تخلص من إلحاحها: بداية الثالث الحين!!

كاسرة حينها تراجعت بصدمة: قبلي حتى.. وماقلتي لي.. ليه يمه؟؟

مزنة ضغطت رأسها بإرهاق: ماقلت لأحد.. أصلا توني تأكدت يمكن من أسبوع بس..
أول شيء تاخرت الدورة.. قلت عادي وحدة في عمري لازم تبدأ هرموناتها تختبص ويمكن الدورة بتوقف..
بديت أحس بأعراض الوحم.. رجعتها لنفس السبب..
مع إنه شيء في داخلي يقول لي (يا الخبلة أنتي جاهلة في أعراض الحمل )..
بس أنا استبعدت السالفة.. كنت لاهية في تجهيز البنات.. وآخر شيء ناقصني أطلع حامل.. والبنات يبتلشون فيني..
ويقولون اقعدي ارتاحي!!

كاسرة بنبرة أقرب للغضب: وهذا صحيح يمه.. توش في شهورش الأولى.. وماحتى ترتاحين دقيقة!!

مزنة زفرت بذات الإرهاق المحرج: كاسرة .. أنا بروحي ميتة من الفشيلة.. لا تزودينها علي.. وش أرتاح بعد؟؟

حينها ضحكت كاسرة وهي تختضن كتفي والدتها وتقبل رأس كتفها وتهمس بسعادة:
حلوة فشيلة ذي يمه.. أنتي جايبته من الشارع.. ؟؟!
طالبتش يمه.. طالبتش... أنا بأبشر عمي زايد.. طالبتش!!


مزنة بجزع: إلا أنا اللي طالبتش ما تقولين لأحد.. لين عرس وضحى على الأقل..
ما أبي أوترها قبل عرسها وهي محتاجتني طول الوقت..

كاسرة باستغراب: زين عمي زايد وش دخله في عرس وضحى.. قولي له وخلي الموضوع بينكم..
صدقيني بيزعل وأنتي مأخره عليه الخبر ذا كله.. متى تقولين له؟؟ وأنتي خلاص بتدخلين الرابع..

مزنة بحزم: خلاص كاسرة.. لا تتدخلين في موضوع ما يخصش..
يعني أمش ما تقدر تأمنش على سالفة؟؟... قلت لش الوقت الحين مهوب مناسب.. انتهينا..

كاسرة ابتسمت وهي تقف : خلاص مثل ماتبين..

كاسرة غادرت وهي تشعر بسعادة حقيقية جعلتها تنسى جزئيا توترها من كساب..
" بيبي يصير أخي أنا وكساب.. ويصير خال ولدي وعمه في نفس الوقت..
أحلى شيء!!"


بينما مزنة تنهدت بعمق وهي تُرجع ظهرها للخلف..
لم تكن تريد فعلا أن تخبر أحدا.. فهي تشعر بحرج عميق.. عميق..!!

ماذا سيقول الناس.. الرجل وابناؤه كلهم نسائهم حوامل؟؟
ويأتي ابنها مع حفيدها!!!
ما كل هذا الإحراج!! حامل وهي تستعد لتكون جدة!!

هي مطلقا لم تكن تخشى اخبار كاسرة.. ولا حتى وضحى..
لكنها تشعر أنها ستموت من الحرج.. حين يعلم تميم..
أ تقول له: أمك حامل؟؟
يا الله .. ماكل هذا الحرج!!!


وبعيدا عن حرجها.. لا تنكر سعادتها.. فمها يكن هذه نعمة من رب العالمين لا ينكر فضلها إلا جاحد ..
بداخلها إحساس شفاف كان ينبئها دوما أن مهابا سيعود لحضنها.. كانت تظنه سيكون حفيدها.. ولكن إحساسها كان أعمق من ذلك بكثير!!
سيكون ابنا.. هي فقط من ستكون أمه..!!

ولكن تبقى المعضلة هي زايد.. تشعر بالحرج من إخباره..
وعلى الجانب الآخر ترى أن الوقت غير مناسب إطلاقا..
البارحة كانت تريد إخباره.. لكنها خشيت أن يظن كما لو أنها تريد أن تقدم له البديل عن ابنته التي ذهبت..

شعرت أنه من حقه أن يعبر عن حزنه لفراق مزون.. لأنها كأنه بإخبارها له في ذلك التوقيت تحرمه من حزنه لتهديه سعادة مبتورة..!!

والسبب الأهم من كل سبب.. هو مشاعر زايد المتقلبة مؤخرا..
تشعر به غير مرتاح.. قلق.. متوتر.. وتخشى ألا يكون استقباله للخبر جيدا..
حينها سيزداد حرجها.. وستتحول فرحتها لمشاعر أخرى ملتبسة تخشى على جنينها من سلبيتها!!






**************************************







مازالا لم يناما منذ البارحة..
أو بالأصح هو من لم يسمح لها أن تنام.. يشعر أنه يريد قرونا يُشبع فيها رغبته في رؤيتها أمامه وسماعه لأحاديثها... ولا تكفيه..
تحدث وتحدث وتحدث وجعلها تتحدث أكثر منه!!


هل تصدق أن الشمس.. تجالسك وتتحدث إليك؟!!
هل تصدق أنك تنفست رائحة الشمس وشعرت بأضلاعها ترتعش بين أضلاعك.. ومازلت لم تحترق!!
أو ربما احترقت.. وما بقي منك هو الرماد!!


كان غانم بارعا تماما في تفكيك حصون خجلها منه..
يتقدم خطوة.. ولا يتراجع أبدا عنها مهما كانت صدمتها منه.. لكي لا يسمح لها بإعادة رصف حصونها..



كان قد انتهى من ارتداء ملابسه.. وينتظرها أن تنتهي لينزلا لكساب الذي أخبره قبل دقائق أنه قادم في الطريق..
وأنه سيشرب بعض القهوة في (لوبي) الفندق حتى ينزلا له إن كانا سيتأخران!!
حين أخبره غانم أن شقيقته هي التي مازالت لم تنتهِ!!


غانم استخرج هدية (صباحيتها) لها من حقيبته..
مثل الطقم الذي تعب في اختياره - ولم ترتديه- تعب كثيرا في اختيار هذه الساعة..
ويريد أن يلبسها إياها بنفسه!!

كان يقف قريبا من التسريحة لتلفت نظره ساعتها التي خلعتها البارحة ووضعتها هناك..
رفعها لينظر لها..
لا يعلم لِـمَ شعر بحزن غريب ما.. أن تقارن بين هديته وهذه الساعة التي يعلم أن سعرها لا يقل عن عشرة أضعاف ساعته وربما أكثر بكثير!!

فاسم ماركة الساعة كان يخشى من مجرد الاقتراب له وهو يبحث عن ساعة لها..
قد تكون حالته المادية جيدة جدا.. ولكن ليس إلى درجة التفكير حتى من الاقتراب من أبعد حدود هذه الماركة المرعبة..



" هذي هدية عرسي من إبي !!"

كانت تهمس له برقة وهي تراه ينظر لساعتها وهي مازالت تقف عند باب الحمام ملتفة بروبها..

ابتسم لها بشفافية: كنت أقول لنفسي يمكن صباحيتش ماتعجبش عقب ذا الساعة!!

مزون اقتربت وهي تهمس بلباقة رقيقة: أولا ماكان فيه داعي تكلف على نفسك بهدية..
ثانيا دامك جبتها.. أكيد بتعجبني.. كفاية إنها منك!!

ابتسم غانم وهو يمدها بالكيس.. فتحت العلبة الأنيقة لتكشف عن محتواها.. ابتسمت برقة: تجنن وبدون مجاملة.. وبألبسها الحين وراح أحطها أبد!!

ابتسم غانم بسعادة (والله إنها تاخذ العقل.. الله لا يحرمني منها) هتف بمودة غامرة:
عطيني يدش..

مدت يدها ليلبسها الساعة.. ثم رفع يدها لشفتيه ليغمرها بقبلاته الوالهة وهو يهتف بولع: الحين أصلا زاد حلاها..

ثم هتف وهو مازال يمسك بكفها بين كفيه: يا الله استعجلي في اللبس..
عشان كساب ينتظرنا تحت..

حينها شدت يدها برقة من بين يديه وهي تهمس بعتب رقيق:
وليش مادقيت علي الحمام تقول لي..؟؟
وكم صار له ينتظر.؟؟ ياقلبي ياكساب أكثر شيء يكرهه ينتظر حد..

ضحك غانم: هذا كله تحاتين أخيش..
أنتي اللي أخرتيه.. أنا خالص من زمان..

مزون ياستعجال: خمس دقايق وأخلص.. تكفى غانم انزل له.. لا تخليه قاعد بروحه..
لا خلصت دقيت عليك!!

غانم بمرح: والله مهوب شغلي.. أنا عريس وبأقعد مع مرتي..
خله ينقع تحت ويعصب..

مزون حينها همست برقة أقرب للبكاء: تكفى غانم عشان خاطري..

ابتسم غانم بمودة: دام قلتي عشان خاطري.. تراني رحت في خرايطها..
حاضر.. أبشري.. ننزل لأخيش عشان ما نخرب مزاجه!!






**********************************






" ها عبدالرحمن وش رأيك؟؟"


عبدالرحمن ينظر للعصا المربعة التي يتم الاستناد عليها من الناحيتين والتي أحضرتها له عالية ويهتف بضيق:
ياقلبي تعبين نفسش على غير فايدة ..

عالية بابتسامة مرحة: بلاها حركات الكسلانين.. أنت الحين وش كثر تتحرك بين الحواجز الثابتة وتعودت عليها..
بنسوي تغيير بسيط وتصير الحواجز متحركة شوي.. استخدمها داخل البيت على الأقل بدل الكرسي..

ابتسم عبدالرحمن: حاضر يادكتورة عالية.. مع إني ما أشوف نفسي استفدت شيء إلا إن ذرعاني عضلت.. من كثر ما أشيل عليها ثقل جسمي كله....
وأرجيلي معطيها إجازة..

ضحكت عالية وهي تتحسس ذراعيه: ذرعان باباي عقب السبانخ.. ماعليه اسمها فايدة..


هاهما كعادتهما يتبادلان المرح والنكات.. ويحاولان ألا يشغلان بالهما كثيرا بما يشغلهما فعلا..
لماذا لم يمشِ عبدالرحمن حتى الآن؟؟؟








**********************************






" وضحى وش مقعدش هنا بدري كذا؟؟
أنا الله يعيني قايمة مع (بيل غيتس) لا يغيب يوم عن الشغل اعتفس سوق الكومبيوترات.. وانهارت الميكروسوفت..
أنتي وش مقومش؟؟"


وضحى تنظر لسميرة باختناق.. فهي بعد زواج مزون بدأت العد العكسي لزواجها..
همست بذات النبرة المختنقة: أرسلت مسج لمزون عشان أكلمها.. أدري إن طيارتها بدري.. وأبي أسلم عليها قبل تروح!!

ابتسمت سميرة وهي تجلس جوار وضحى: حتى أنا أرسلت رسالة للكابتن.. ولحد الحين ماعبرني.. أبي أكلمه أرجع انخمد..
سبحان الله يا وضحى لو شفتي بس أشلون كان يطالعها البارحة.. كأنه مهوب مصدق إنها قدامه..
عقبالش يوم تطير عيون نويف فيش..


وضحى بذات الاختناق: تكفين سميرة بلاه ذا الطاري.. بروحي من البارحة متوترة..
كنت حاسة إنه عرس مزون مسوي حاجز قدامي.. والتركيز كله عليها..
الحين مزون عرست وخلصت.. وماعاد فيه حاجز قدامي..
متوترة بشكل..

سميرة ببساطة: وليش ذا التوتر؟؟ مافيه شيء يستاهل..

وضحى بذات توترها المتزايد: إلا وش اللي يستاهل..
نايف وأكيد ماخذ مني موقف عقب الموقف السخيف اللي سويته فيه..
وحتى لو ماكان ماخذ موقف.. ماشاء الله سمعة خواته القشرات ضاربة التوب..
وش كثر كانت شعاع تسولف وش كانوا يسوون في جوزا..
أشلون الحين في مرت أخيهم الوحيد..؟؟
ليتني سمعت شور أمي وكاسرة يوم قالوا لي فكري بعد..!!

سميرة شدت كف وضحى بحنان ومؤازرة: بلا سخافة... ترا أي عروس عرسها يقرب.. تطري عليها ذا الطواري..
تعوذي من أبليس ولا تكبرين سالفة ما تستاهل..






*************************************








" مابغيتي تفكين أخيش..
خايفة أخطفش وإلا أكلش يعني؟؟"


مزون ترد على مزاح غانم باختناق متزايد: تكفى غانم.. لا تزيدها علي..
تراني على طريف.. وأبي لي سبب عشان أبكي..

غانم يشد كفها ليحتضنها بحنو: فدوة لدموعش أنا.. خلاص باسكت..

مزون بحرج: غانم فك يدي.. احنا في قاعة الانتظار.. وأنت معروف هنا في المطار..

غانم يتلفت حوله في صالة انتظار الدرجة الأولى الخالية في هذا الوقت المبكر من الصباح ويهمس بابتسامة:
من اللي بيشوفنا؟؟ الطوف وإلا الطاولات..؟؟
ولو حد شافنا.. ماعلي من حد.. اللي عنده ريال يقطعه.. مرتي وكيفي..

مزون صمتت وهي تحاول إبعاد تفكيرها عن أهلها واشتياقها المتزايد لهم منذ الآن..
ولكن غانم لم يسمح لها بالابتعاد عن أجواءه وهو يهمس لها بدفء:
يعني ما سألتيني وين بنروح للحين؟؟

حاولت مزون أن تبتسم: أنت قلت مفاجأة..

ابتسم غانم: وماصار عندش فضول تعرفين المفاجأة؟؟

حينها ابتسمت مزون بشفافية: بنروح هولندا.. صح؟؟

ضحك غانم: يالنصابة.. شفتي التذاكر وإلا البوردنغ؟؟

ضحكت مزون برقة: لا هذا ولا هذا.. بس شكلك نسيت إني كابتن سابق أو بمعنى أصح كابتن مع وقف التنفيذ..
حسبة بسيطة لمواعيد الرحلات اللي شفتها.. وعرفت وين بنروح..
بس وش معنى هولندا..؟؟

غانم بأريحية حميمة: وش أسوي؟؟ كل ماسألت أخوانش عن مكان.. قالوا لي رحتي له..
وأنا أبي أوديش مكان تشوفينه معي للمرة الأولى..
وهولندا فعلا جمالها فوق الوصف.. بتعجبش وعلى ضمانتي!!






*************************************





رحلة أخرى تحط ركابها..
وهاهما يعودان إلى غرفتهما في ذات الفندق..
حين دخلتها شعرت بأنفاسها تضيق وتضيق لدرجة العجز عن التنفس..


" آخر مرة أحكم عقلي على حساب نفسيتي..
حتى لو ولع لي أصابعه العشر شمع..
ماراح أرجع معه عقب عرس خاله!!"


فهد هتف لجميلة بسكون: وش فيش؟؟

جميلة خلعت عباءتها وهمست باختناق: مافيني شيء.. بس تعبانة أبي أنام..

أجابها بحزم: سكري الباب على نفسش.. ونامي على كيفش.. أنا طالع التدريب..

جميلة بصدمة: فهد أنت لك عبارت 3 أيام ما نمت حتى ساعتين ورا بعض..

فهد بذات الحزم: لا رجعت ارتحت!!


فهد توجه للباب.. وهي تبعته حتى تغلقه بالقفل خلفه..
قبل أن يفتح الباب.. نظر لها نظرة غريبة مثقلة بالمعاني.. وقبل أن تستوعب أي شيء.. كان يشدها ليحتضنها بكل قوته..
جميلة لشدة صدمتها لم تستوعب أي شيء حتى بدأت أضلاعها تؤلمها..
همست حينها بألم: فهد فكني تكفى.. آجعتني..

أفلتها بحدة أقرب للجزع.. فهو لم يتوقع أنها آلمها حتى صدرت آهة الألم عنها..

حالته باتت مزرية فعلا..
فهو بات كالعطشان الذي أمامه نبع الماء الصافي العذب.. ومع ذلك يرضى بقطرات شحيحة..
والمأساة أن القطرات لا ترويه مطلقا بل تزيده عطشا!!


خرج من فوره دون أن ينطق بكلمة.. وجميلة أغلقت الباب بخوف ثم جلست على الأريكة وهي تحتضن نفسها وترتعش بعنف!!

متوترة وخائفة.. وقبل ذلك كله.. مجروحة.. وجرحه في داخلها ليس بالجرح البسيط ولا الهين!!






**************************************







بعد 5 أيام
.
.
.


" حبيبتي ركزي معي شوي..
من كساب لعلي لأبيش.. والحين عمش منصور وخالتش..
وكل واحد منهم تقعدين معه ساعة..
وأنا قاعد أعد الذبان!!"

مزون ابتسمت وهي تعيد هاتفها لحقيبتها: يا النصاب وين الذبان؟؟
لو قلت النحل صدقتك..
صدق صدق الحدايق هنا خيال..

ابتسم غانم وهو يشد على ذراعها: كان خاطري تشوفين حدائق الكينوكهوف..
شيء فوق الخيال.. بس ماتفتح للزوار إلا في شهور الربيع..
أنا صدفتها مرة وحدة في رحلة من رحلاتي... حسبت نفسي رحت في عالم ثاني..
جنة الله في الأرض صدق..

ابتسمت مزون وهي تحتضن عضده: خلاص باقي لي قي ذمتك زيارة لهولندا في الربيع..
مهوب تشوقني بدون ماأشوف..


غانم يهتف بأريحية: أبشري.. من عيوني الثنتين.. نبي الرضا بس..
ثم أردف بابتسامة: ونبي بعد تنسين تلفونش شوية!!






*************************************






دخلت عليه لتجده أمام دولابه الذي بات يمثل لها حكاية رعب تكرهها..
وجدته يستخرج ملابسه وهذه المرة وضعها على السرير دون أن يخبئها في أكياس قاتمة تخفي محتواها..


اقتربت وهي تشعر باختناق كاتم.. لأنه لا يفتح هذه الخزانة إلا لأنه سيسافر..
همست بسكون: بتسافر.. صح؟؟

همس لها بسكون: بسافر بس مهوب السفر اللي في بالش..
عندي توقيع عقد صار لي فترة مأجله.. ولازم أروح..
يوم يومين وراجع..

همست بتوتر لا تعلم سببه: زين ليش مطلع الملابس هذي..

أجابها ببساطة: لأنها تبي غسيل.. المرة اللي فاتت مالحقت أغسلهم..

حينها تجرأت أكثر : تبيني أغسلهم؟؟

أجابها بذات البساطة: لا تعبين نفسش.. لهم مغسلة خاصة..

باتت تستغرب منه.. ما الذي حدث ليبدأ بتفكيك بوابات غموضه هكذا..
نظرت للملابس العسكرية المتعددة الألوان خلفه.. والتي تحمل كلها شعار الصاعقة القطرية ولكن دون اسم أو رتبة..
وهي مستغربة تماما.. إن كان منضما للجيش.. فلماذا يخفي هذا الأمر؟؟
أمر لا يستحق أن يُحاط بهكذا سرية!!



وهمست بجرأة أكبر: ليش ماعليهم رتبة ولا اسم؟؟

أجابها بذات البساطة: اسم وإلا رتبة لو كنت عسكري.. بس أنا ماني بعسكري..

حينها تراجعت بجزع: وليش تستخدم لبس الصاعقة دامك منت بعسكري..؟؟
لا تكون........

ابتسم: قبل ماتسوين تأليفات وأفلام.. ماحد يقدر يلبس لبس الصاعقة من وراهم.. لا تحاتين ذا النقطة!!

كاسرة شعرت بالتشوش: مافهمت صراحة..

كساب مازال محافظا على ابتسامته المتكمنة: خليني أضرب لش مثل..
لو أنتي الحين كرئيسة قسم.. جابوا لش وحدة ماعندها ثانوية حتى..
بس عبقرية إدارة..ومستواها في العمل أحسن من مستواش
ويبون يحطونها رئيسة عليش... توافقين؟؟

كاسرة لا تعلم ماذا يريد من هذا المثل ومع ذلك أجابته بثقة: لا طبعا..
لأنه فيه شيء اسمه السلم الوظيفي .. وإلا بتصير الدنيا فوضى!!

ابتسم كساب ابتسامة أوسع: شاطرة.. وصلنا خير..
الحين البنت هذي ممكن الإدارة عندكم يجيبونها كخبير خارجي بدون ما يعطونكم أي خبر عن مؤهلاتها.. لأنها أساسا مالها ملف عندكم..
وتجي وتسوي تغيرات عندكم.. بدون ماحد يفتح ثمه.. لأنها خبير وأنتم تتوقعون إنها أكيد الحين معها دكتوراة إدارة.. ولها خبرة 20 سنة..

كاسرة حينها بدأت تفهم ما يقصد وهي تهمس كأنها تحادث نفسها:
وأنت الصاعقة تبي تستفيد من خبرتك اللي ما أدري من وين جبتها.. بس أنت ماعندك شهادة عسكرية..
ولا مريت بمراتب السلم العسكري..
وكون إنك تدرب مثلا معناها إنك بتتجاوز رتب كبيرة.. ولو ذا الرتب عرفوا من أنت فعلا بيسوي هذا شوي بلبلة!!


كساب مال ليقبل أرنبة أنفها وهو يهمس بمرح: مهوب خسارة فيش رئيسة قسم.. مخش نظيف!!
وما يحتاج أقول لمخش النظيف إن هذا توب سيكرت..

كاسرة شعرت أن قدميها لا تحملانها حتى وهي تجلس على طرف السرير..
وتراه يجمع ملابسه ويضعها كلها في حقيبة رياضية تعلق على الكتف..


مازالت عشرات علامات الاستفهام تدور بين جنبات رأسها كالمطارق وهي تشعر بصداع فعلي مؤلم..
لكنها قررت ألا تسأل عن شيء.. فهي حفظت الدرس..

لا تستعجله لإخبارها بشيء.. فالمعرفة ستأتيها لوحدها..
وكم باتت تخشى انكشاف الحقيقة كاملة!!
وكل جزء منها يبدو مرعبا لأبعد حد.. فكيف ستبدو عند اكتمال الصورة؟؟







**************************************






" والله إنش مزودتها نجلا
صالح متضايق.. عبدالله يقول لي"


نجلا بضيق: يعني هو متضايق وهو سوا اللي في رأسه .. وأنا ما يبيني أتضايق..

جوزاء بتردد: نجلا لا تزعلين مني.. بس أظني أنا وأنتي علاقتنا مافيها مجاملات..
بصراحة أحيانا أحس إنش تدورين على اللي يضايق صالح لأنش عارفة وش كثر هو يحبش!!
كأنش تبين دوم إثبات على حبه لش.. وإنش مهما وصلتيه أخره بيظل يداري خاطرش..
وعشان كذا أنتي متضايقة إنه مامشى شورش في اسم البنت.. مع أنه الاسم مافيه شيء.. بس أنتي كنتي تبين تفرضين رأيش وبس!!
ويوم شفتيه لزم عليه... تبين تحسسينه بالذنب!!


نجلا بصدمة: لذا الدرجة أنا شينة في عينش يأم حسن؟!!

جوزا بمودة: لا تحورين السالفة.. تدرين بغلاش.. بس مشكلتنا يا الحريم لا درينا بغلانا.. ماكفانا.. دايما نبي زود..

تنهدت نجلا: السالفة مهيب كذا.. أنا بصراحة اللي مضايقني اهتمامه الزايد بالبنت..
قلت يمكن مغليها من غلا الاسم.. خلني ألزم أغيره.. يمكن يتعدل بس مافيه فايدة..
صالح أهملني وأنا محتاجته.. قلت الشكوى لله..
بس أهمل عياله بعد.. يعني الحين حن في إجازة والعيال مقبلين على مدارس..
لا عاد طلعهم مثل باقي بزارين خلق الله وأنا نفاس وبيدي بزر وما أقدر أطلعهم.. وماتوا من الضيقة في البيت..

الحين صار لي فترة أقول له خذهم فصل لهم ثياب.. كل يوم يقول لي بكرة..
خذهم جيب لهم أغراض المدرسة.. يقول لي بكرة..
وبكرة هذا ما يأتي!!
وأنتي تظنيني ميتة على الغلا.. الله يرحم أيام الغلا..


جوزا شعرت بحرج شديد.. بالفعل من يده في الماء ليس كمن يده في النار.. ومن يعطي نصايح من رخاء ليس كمن يعاني الشدة..
همست جوزا بذات الحرج: وليش ماقلت لي.. عبدالله حاضر يوديهم وين ما يبون!!

نجلا تنهدت بحزم: عبدالله عمهم وعلى رأسهم..بس مهوب ملزوم فيهم... إبيهم موجود وهو المفروض اللي يلتفت لعياله..
وخصوصا وهو شايف وضعي مايسمح لي!!






**********************************





بات لا يحب مطلقا أن يبقى هو وإياها في غرفتهما في الفندق..
وجميلة سعيدة أنها تخرج خارج أسوار هذا السجن الذي تمل منه حين يكون هو في التدريب..
وتخشى مثله من البقاء فيه لأنها باتت تعلم أنه يتحرق للمسها بأي طريقة..
حينا لمسات عفوية وأحيانا كثيرة أبعد ما تكون عن العفوية!!


ولكن إن كانت هي تقضي معظم وقتها وهو غائب في الراحة لذا تكون مستعدة للخروج حين يعود..
فهو على عكسها.. مستنزف من التعب على الدوام!!
ولكن هذا هو ما يريده.. وجودهما خارجا وبين الناس يحميها منه.. ويحمي كبريائه الذي يرفض الاعتذار..
فهو يشعر كما لو كانت تريد أن تذله وتمتهن كرامته لتعاقبه!!

سبحان الله.. كم يتمنى لو تعود الأيام قليلا ليمسك بلسانه قليلا!!
وكم يصبح اللسان عدو صاحبه!!
لو أنه أمسك بلسانه قليلا لم يكن ليعاني الآن ما يعانيه!!
وهاهو اليوم مشنوق على مشانق كلماته بالأمس.. والمآساة أنها كلماته هو.. ولا يستطيع التبرؤ من وزرها..


بشكل عام...
باتا يتحدثان كثيرا.. بحكم الزمالة ليس إلا.. فليس أمام كل منهما إلا الآخر.. والاعتياد يدفع الإنسان دائما للبوح!!


كانا يجلسان على الطاولات المحاذية تماما للنيل في مقهى قصر النيل..
الجو صاخب تماما بركض الأطفال بين الطاولات رغم تأخر الوقت!!
همست بجميلة برقة : ماتبي نرجع؟؟ عندك تدريب بكرة بدري؟؟

أجابها بسكون: شوي.. نص ساعة ونمشي..

جميلة بذات الرقة: فهد ترا لو بغيت تسهر مرة مع ربعك اللي هنا.. عادي..

نظر لها نظرة مباشرة: مليتي مني؟؟

جميلة تنهدت: أنا ما أدري من وين تجيب أفكارك..؟؟
كل السالفة إني حاسة إني رابطتك معي بزيادة..

هتف بنبرة مقصودة: اللي أشوفه إنش مبعدتني..

ردت عليه بذات النبرة: أنا ما أبعدتك.. أنت أبعدت نفسك بنفسك..

حينها وقف وهو يهتف بنبرة حازمة: قومي نمشي!!

جميلة باستغراب: توك تقول بنقعد شوي!!

فهد بذات الحزم: غيرت رأيي.. بأوصلش الفندق.. وبأروح أسهر عند ربعي..
مهوب أنتي تبين كذا؟؟



#أنفاس_قطر#
.
.
.
.
اليوم عندنا نجمات قديمة شوي..
يعني التوقع قديم.. بس توه تحقق في بارت اليوم

(زهرة الأيام) أول نجمة لأنها أول وحدة قالت لبس التدريب بس وهو مغلف.. وأوراق الشغل عاد لا يازهرة :)
.
(أحاسيسي تكفيني) أول من حددت إنها ملابس الجيش والصاعقة
مبروك يأم سين الثانية :)
.
.
موعدنا الثلاثاء الساعة 8:30 صباحا إن شاء الله
.
.

#أنفاس_قطر# 08-03-11 06:11 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والتسعون
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباح الأنوار المبكرة... اليوم بأحط لكم البارت بدري
.
.
خالص التعزية للغالية بنت أبوي أبوي بن جدي... في وفاة جدها..
تقبله الله القبول الحسن ورفعه للدرجات العُلى
وجعل قبره روضه من رياض الجنة.. وأبدل سيئاته حسنات
وجعل مثواه الجنة ومستقره..
.
.
.

أدري فيه بنات يموتون على الأكشن ويبون على طول أحداث أكشن..
لكن أنا دائما حاولت أن أحرص أن يكون هناك تنويع..
ليس كل البارت أحداث أحداث بدون وصف مشاعر الشخصيات..
ماقيمة الحدث أو الأكشن إذن؟؟
.
الشيء الآخر مثل ماكانت هناك المشاكل المستعصية بين أزواج الرواية..
سيكون هناك المشاكل الناعمة التي لا يخلو منها بيت.. ومطلقا لا يمكن أن تفسد الحياة..
تدخل الأهل.. تفضيل الأهل على الزواج.. اهمال الزوج لبيته..
لمحات من هنا وهناك.. تبقي الرواية ترتبط بدفء الحياة وتنوعها وبساطتها
.
.
يمكن فيه بنات يستغربون تدفق غانم ناحية مزون..
ويشوفونه حب غير منطقي... هو مابعد صار حب... لكن الإعجاب أحيانا أقوى من الحب.. وما أسرع ما يتحول للحب..

ترا يا بنات.. غانم أكثر عريس واقعي في الرواية.. :)
لأنه هذا فعلا اللي يصير في الواقع... العريس الأيام الاولى.. يأكل أذن العروس بكثرة الغزل حتى لو كان مايعرفها..
أشلون لو كان عارفها ومعجب فيها؟!!!
.
.
يا الله الجزء 99
جزء خاص ووتنتظرونه من وقت..
واللي بيصير فيه مختلف حبتين عن توقعاتكم
.
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء التاسع والتسعون







" شأخبار مزون؟؟ كلمتها اليوم؟؟"


ابتسم زايد حين ورد اسم مزون: كلمتها... بترجع بعد 3 أيام لأنها تبي تحضر عرس وضحى..

ابتسمت مزنة: الله يونسك يالعافية.. بتستانس وضحى واجد لأنها كانت تحاتي إن مزون ما تحضر عرسها..

سأل زايد باهتمام: وضحى عسى مافيه شيء قاصرها؟؟

ابتسمت مزنة: جعلك سالم.. مهوب قاصرها شيء..

هتف زايد بأريحية: أبي أجيب لها هدية بس ما أدري وش اللي في خاطرها..

مزنة بمودة: لا تجيب لها شيء.. كل شيء عندها وما تبي إلا سلامتك!!


هتف بإصرار: هديتها بتجيها وكيفها فيها..

مزنة مالت لتقبل جبينه وهي تهمس بمودة صافية: الله لا يحرمنا منك!!


تنهد بعمق وهو يرى مزنة تعود لتتحرك في أرجاء الجناح.. ترتب ملابسه التي قاطع عملها فيها دخوله عليها قبل دقائق..

يعد الأيام المتبقية على زواج وضحى.. ويراها تركض كلمح البصر لأنه يعلق قرارا ما على موعد الزواج..
قرار يؤخره..
ويتمنى لو لا يصل وقته أبدا.. وكلما مضى يوم.. شعر أن الشمعة التي تدفئ حياته تذوي أكثر!!


وهي كذلك تعد الأيام المتبقية على زواج وضحى بتوتر لأنه تريد إخباره بما لديها وتخشى ردة فعله..

تعلم أن من هو في تدين زايد ورجولته لن يظهر مطلقا امتعاضه من حملها وهو ختاما نعمة من رب العالمين!!
لكنها تخشى من مشاعر سيخفيها في أعماقه..
مشاعر تخشاها بعمق وتوجس غامرين...


تعلم منذ بداية زواجها أن زايد مازال يحلم بمزنة قديمة وقفت حاجزا بينها وبين زايد الآن..
فهو أغرقها بفيض مشاعره في أيامهما الأولى..
لأنه مازال يتخيل شبح مزنة القديمة.. واراد أن يرتاح من وطأة مشاعره المتجذرة منذ سنوات..
لكنه اكتشف سريعا مزنة جديدة شح عليها بمشاعره!!

وهي بذكائها وحساسيتها فهمت ذلك كله... وتقبلته كله..؟؟
فلطف تعامله... ورقة تصرفاته الممزوجة برجولة صميمة جعلها تتقبل كل شيء منه!!

ولكن هل سيقبل زايد الآن بطفل يربطه أكثر بمزنة اليوم؟؟!!





********************************







أوصلها للفندق وغادرها فعلا..
تشعر بالندم على اقتراحها.. لأنها تشعر الآن بالخوف.. والوقت تأخر كثيرا..
هاهي تجلس على سريرها متوترة.. وخائفة.. بعد أن أنهت صلاتها ووردها وهو مازال لم يحضر..
كانت تريد أن تتصل به ولكنها ترددت حتى لا تحرجه بين أصدقائه فيجد ذلك عذرا ليصب جام غضبه عليها...

أرسلت له رسالة:

" فهد انا أبي أنام.. بتتأخر أكثر؟؟"

جاءها رده سريعا:

" نامي.. أنا بتأخر شوي!!"



جميلة زفرت بغيظ وهي تتمدد على يمينها وتكثر من قراءة الأذكار حتى غفت من التعب دون أن تشعر..



لتصحو بجزع حقيقي على رفرفة قبلاته الملتهبة تغمر وجهها وعنقها وأذنها وهو يهمس بصوت كالأنين المحترق في عمق أذنها:
آسف وآسف وآسف..

قلبها قفز لحنجرتها رعبا..وهي تعتدل جالسة وتحاول إبعاده عنها وتهمس باختناق مرعوب:
فهد الله يهداك.. اصبر شوي.. خل نتكلم..

هتف بذات النبرة الموجوعة المثقلة بالأنين.. وهو يشد كفيها ليلصقها بصدره بعد أن غمرها بلهيب قبلاته :
ما أبي أتكلم.. اعتذار واعتذرت.. وش تبين أكثر؟؟
حرام عليش ذليتي طوايفي كلها..
وش تبين أقول بعد..؟؟
أقول إني غبي وما أفهم شيء؟؟.. هذا أنا قلتها..
أقول إن حكي الواحد على البر غير لما تحرقه النار؟؟.. هذا أنا قلته!!
خلاص ارحميني..
أنتي وش جنسش؟؟.. ما حسيتي حتى بربع اللي أنا حاس فيه؟؟


جميلة بدأت تبكي وترتعش بعنف: وأنت وش حاس فيه؟؟
مجرد رغبة في جسد.. عقب ما نحرت الروح..

فهد بأسى: جميلة ليش تقولين كذا؟؟
كني حيوان قدامش.. هذا الجسد له شهر قدامي ليش الحين بس بغيته؟؟

جميلة تنهمر بغضب وخوف وأسى أعمق وأعمق:
قبل كنت قرفان منه.. شايف نفسك عليه..

أجابها بتثاقل.. وهو يبتعد عنها ليقف : وليش الحين ماصرت قرفان..؟؟
وش اللي تغير؟؟
ما سألتي روحش؟؟
ليش الحين أبي الجسد اللي كنت مقروف منه على قولتش؟؟

صمت لثانية ثم أردف بتثاقل أشد: لأني خلاص ماعاد لي صبر على الروح...
روحش خلت كل شيء منش في عيني حلو وطاهر ونقي..
بس أنتي لا عطيتيني روح ولا جسد..
كل شيء بخلتي به..!!


أجابته بين شهقاتها التي تزايدت بهستيرية: بخلي رد على بخلك... وأنت راعي الأولة..


ابتعد عنها أكثر..
ليجلس على الأريكة ويدفن رأسه بين كفيه بأسى عميق..
حتى متى هذا الألم؟؟ حتى متى؟؟


كل واحد منهما معتصم بمكانه يجتر حزنه الخاص الذي تراكم وتراكم حتى خنق الروح وسربلها بالسواد!!

حتى ماعادت تجد منفذا !!






***************************************








" حبيبتي جهزي شنطتي .. بكرة باسافر!!"


شعاع استدارت بجزع وهي تضع المشط الذي كانت تمشط به شعرها على التسريحة.. لتقف متوجهة نحوه وهي تهمس بذات الجزع:
ليه حبيبي؟؟

ضحك علي ضحكة قصيرة: السؤال يكون وين؟؟ مهوب ليه؟؟

شعاع بتأثر: مايهمتي وين بتسافر.. أنا ما أبيك تسافر عشان كذا أسألك ليه؟؟
ضروري هو ذا السفر يعني؟؟

علي شدها من كفها ليجلسها على قدميه بشكل مائل وهو يحتضن خصرها.. ويهمس بحنان: مامليتي مني شهرين وأنا مقابلش..؟؟

شعاع طوقت عنفه وهي تسند رأسها لرأسه وتهمس برقة متاثرة: لو قابلتك عشرين سنة مامليت..
تبيني أمل من شهرين؟؟..

علي بحنان غامر: حبيبتي هي بس يومين.. بأروح مع كساب للندن...
كساب يبي يوقع عقد..
وأنا أبي أسوي شوي فحوص.. أشيك على وضع الكبد عندي عقب العلاج..


شعاع بخجل: زين ما يصير أنا أسافر معك.. ؟؟

علي ابتسم: لا طبعا ما يصير.. رحلة طويلة وأنتي توش في شهورش الأولى..
ثم أردف بذات الابتسامة وهو يتحسس بطنها: خايفين على زايد الصغير!!

تحاول أن تجاريه في مرحه فتجد نفسها عاجزة حتى من مجرد الابتسام..

حينها أردف هو بذات المرح الشفاف: خلاص فاضل الصغير ولا يهمش..
ولا تزعلين!!

شددت احتضانها لعنقه وهي تهمس في أذنه بدفء: يومين بس.. بدون زيادة..
وإلا والله لأطلع لك أنا لندن..






******************************






هل هو الآن يحاول إشعارها بالذنب..؟؟


غادر لتدريبه صباحا ثم عاد.. دون أن يوجه لها كلمة واحدة طوال اليوم..
بل حتى دون أن ينظر لها!!
وكأنها غير موجودة معه في الغرفة!!

تزفر وهي تنظر له وهو مستغرق في النوم منذ ساعات كما لو كان قتيلا!!
لا تنكر أنها تفتقد نظراته اللاهبة لها طوال الأيام الماضية..
وهي تشعرها بإحساس أنثوي يقفز بها إلى الذروة!!

ولا تنكر أيضا أنها تشعر بشيء من الذنب.. فهي طلبت منه اعتذارا فقط..
وهو قدم الاعتذار.. ولكنها تجاوزت الرغبة في الاعتذار.. إلى الرغبة في الانتقام..
بالفعل أرادت أن تنتقم منه على كل كلمة جرحها بها..
وهو لم يقصر مطلقا في الكلمات الجارحة!!


ولكنه هذه المرة كان صادقا في وعده.. وهي لم تكن صادقة..
وعدها أنه لن يضايقها إن عادت معه.. وبالفعل لم يضايقها!!
وهي وعدته أن تمنحه ما يريد إن اعتذر.. ولم تمنحه شيئا مع انه اعتذر!!


تنهدت بشجن وهي تكثر من الاستغفار..
" سامحني ياربي.. أدري ذنبي كبير إني رديته!!
بس القهر مايرضيك..و إني أعطيه نفسي وأنا مقهورة ومذلولة منه!!"


تحاول إبعاد فكرة الذنب عن رأسها لتجدها تتعاظم وتتعاظم..
حتى تكاد تصبح هي كل تفكيرها!!
وكم يقودنا الإحساس بالذنب للقيام بتصرفات نكون غير مقتنعين بها!!!







**************************************






" قلت يومين بس؟؟"


ابتسم كساب وهو يميل ليقبل جبينها: يومين بس!!
أصلا مزون بترجع بعد يومين.. ولازم أكون موجود!!

تراجعت كاسرة وهي تهمس بنبرة ساكنة تخفي خلفها انكسارا ما: إيه؟؟ مزون؟؟ الله يردكم كلكم بالسلامة...

كساب عاود شدها قريبا منه.. ليحتضنها بعمق وهو يهمس في أذنها بذات العمق:
أنا وصيت إبي يخلي تلفونه على طول مفتوح..
حلفتش بالله إنش لو تعبتي في الليل تتصلين له!!

همست كاسرة بسكون: لا تحاتيني.. إن شاء الله كل شيء زين..

شدها بين أضلاعه بشكل أقوى وهتف بحزم: لا.. احلفي تتصلين له تعبتي!!

حينها لم تستطع أن تهمس إلا بتأثر وهي تنسى تفضيله لمزون الذي جرحها:
كساب لا تكون سفرتك أكثر من يومين.. ليش ذا الوصايا كلها؟؟

ابتسم وهو يفلتها: يومين بس بمشيئة الله.. بس أنا أحاتيش..
لأنش أكثر الليالي تتعبين!!

مدت أناملها لتمسح على عارضه برقة: لا تحاتيني.. ولو تعبت. والله لأتصل في عمي زايد!!







***********************************





هذه المرة ذهبت معه إلى المستشفى لزيارة ابنتها.. بعد أن كانت تتعمد أن تذهب في وقت ذهابه لعمله!!
تشعر أن وجوده يشكل حاجزا بينها وبين الإحساس بابنتها كما هي تحس بها فعلا..


ولكنها حاولت هذه المرة أن تتقرب منه باشتراكهما في رؤيتها معا..

لا تعلم هل هو فعلا يشعر بالصغيرة أكثر منها... أو هو من يحرص على إشعارها بذلك..؟!!


كان يتحدث مع ابنته كما لو كانت تسمعه وتفهمه.. بينما هي تشعر كما لو أنها ضيفة شرف في مشهد تمثيلي ما..

تشعر به بعيد جدا عنها...
وتشعر بالمرارة تتزايد في حناياها..
تنظر لجسد الصغيرة الهزيل الخالي من الحياة.. بينما صدرها الآن يؤلمها من تدافع الحليب في ثدييها..
وتعلم أنها حتى لو خرجت من المستشفى لن تتقبل الرضاعة من صدرها بعد أن اعتادت على الرضاعة من الزجاجة..

شعور مؤلم لأبعد حد.. أن تريد بكل مافيك من القوة أن تمنح صغيرك عبق روحك وأنت تغذيه من جسدك..
بينما هو يرفض هذا القرب والغذاء..
ألم شاسع لا يعرفه إلا من يعانيه!!


نجلا همست باختناق: صالح.. خلنا نمشي.. تأخرت على غانم وصدري صار يوجعني من الحليب!!
شوي ويسرب من ملابسي...

صالح مبهور بمعجزته الصغيرة يهمس لها بخفوت كأنه يحادث نفسه وعيناه معلقتان بابنته:
دقايق بس!!






*****************************************






" تميم شوف لك حل مع شغلك..
قلت لي هذا موضوع يبي تفكير..
خليتك تفكر مثل ماتبي ولا شيء تغير!!
تميم يعني أنا ما أستحق منك شوي اهتمام؟؟"


تميم شد اناملها ليقبلها ثم أشار بمودة: يا قلبي يا حبيبتي.. الاهتمام كله لش!!

سميرة أشارت بعتب: كله كلام!! كله كلام!!
وين الإثبات؟؟
تميم أنا صرت أعرف شغلك زين.. وأدري إن دوامك الطويل ذا كله ماله عازة!!
يعني لذا الدرجة ماتبي تقعد معي!!

تميم بعتب أعمق: ليش تقولين كذا سميرة؟؟ يعني تشكين في حبي لش!!

سميرة بحزن: والله اللي أشوفه قدامي يخليني أشك!!

تميم حينها أشار بعتب ممزوج بالحزن: عشان تدرين من اللي يحب الثاني أكثر..
شهور وشهور وأنتي تسحبين فيني كني كلب.. ساعة تصديني وساعة تقربيني!! وأنا صابر!!
والحين منتي بمستحملة أسابيع لين أرتب وضعي بس!!


سميرة بصدمة: لا تميم.. لا تقلب في الدفاتر القديمة.. احنا قررنا ننسى.. ونبدأ صفحة جديدة..
ثم أردفت بحزم رقيق: أنا أبيك من الحين ترتب وضعك.. بكرة بيصير عندنا عيال مايستحقون بعد شوي من اهتمامك!!

أجابها بعفوية: إذا جاووا العيال يحلها الحلال..

حينها امتلئت عيناها بالدموع فجأة: تميم أنت تعايرني عشاني ما حملت؟!!

هذه المرة كانت الصدمة من نصيب تميم: وش ذا الكلام حبيبتي.. ألف مرة قايل لش.. تو الناس على سالفة الحمل..
وليش أعايرش ياقلبي.. يمكن يكون سبب التاخير أنا مهوب أنتي!!

حينها أشارت سميرة باستعجال: خلاص خل نسوي فحص..


ابتسم تميم وهو يقرص خدها ثم يشير بابتسامته الصافية: قولي من الأول تبين نسوي فحص..
حاضر ياقلبي..
خلنا نخلص من عرس وضحى.. ونسوي الفحص.. ونسافر عقبه بعد!!
تدللي!!






**************************************







" زين إن كساب سافر بسلامته..
عشان تجين تقعدين عندي!!"


ابتسمت كاسرة وهي تتمدد جوار وضحى: يا النصابة.. أنا أساسا ماني بقايلة لش إني الأيام الأخيرة اللي قبل عرسش بأكون عندش
حتى قبل ما أدري إن كساب بيسافر!!


وضحى تنهدت: أنا متوترة واجد.. وحاسة الكل لاهي عني!!

كاسرة مسحت على شعرها بحنان: لا تصيرين سخيفة.. بالعكس الكل مشغول بعرسش..
ثم أردفت بنبرة مقصودة باسمة: لو تدرين وش كثر فيه قرارات مهمة مؤجلة لين عرسش..

وضحى بعدم فهم: مافهمت!!

ابتسمت كاسرة: أقول أني اليوم اتصلت وتأكدت من كل حجوزاتش..
الشعر والمكياج والتصوير والكوشة... والفستان بنروح نجيبه بكرة..

وضحى بمودة: بأروح أنا وأمي... ما فيه داعي تتعبين نفسش..

أردفت كاسرة بإصرار: إلا مافيه داعي نتعب أمي.. أنا اللي بأروح معش..
أساسا خاطري أشوف الفستان عليش أول وحدة!!







*********************************








" حبيبتي وش ذا المكالمة كلها؟؟
أكيد تكلمين نايف؟؟ "


عالية تنزل هاتفها على الطاولة وتهمس بإبتسامة: يس حبيبي.. نايف يبيني أروح معه بكرة.. يبي يجيب هدية لعروسته...

ضحك عبدالرحمن: وخواته السحالي الست وينهم .. طبعا عمتي أم صالح تكرم طلعتها من الحسبة..

ضحكت عالية: عيب عليك عبدالرحمن.. احترم خالاتي..

عبدالرحمن مازال يضحك: والله على السوالف اللي تقولينها عنهم حتى السحالي مساكين نسميهم عليهم..
السحالي بتسوي مظاهرة اعتراض قدام جمعية الرفق بالسحالي..

عالية تحاول أن تمنع نفسها من الضحك: عيب عبدالرحمن تراني بأزعل...

عبدالرحمن يبتسم: خلاص هوننا.. ما أقول إلا الله يعين بنت خالي على مابلاها..

حينها همست عالية بغيظ: مهتم منها حضرتك؟؟ شاغلة بالك؟؟

ابتسم عبدالرحمن: يا شين الغيرة اللي على غير سنع..

عالية بذات الغيظ: ياسلام عليك !! ليه الغيرة لها سنع؟؟

عبدالرحمن هز كتفيه بمرح: تغارين على ويش.. على الدب أبو كرسي؟؟

عالية انتفضت بغضب: شكلك تبي الليلة تقلب بزعل واخليك تروح تبات عند أمك وأبيك؟؟

عبدالرحمن بذات الابتسامة الدافئة حرك كرسيه ليقترب منها ويقبل جبينها وهو يهتف بذات الابتسامة:
على طاري أمي وإبي.. اليوم ماشفت إبي.. خلني أروح أسولف معه شوي قبل ينام..
ولا حد يسكر الباب من دوني.. قعدت أبكي عند الباب!!






***********************************






اليوم التالي
.
.

" هاحبيبتي.. مستعدة للسفر بكرة؟؟"

مزون برقة: إيه فديتك.. كل شيء جاهز..

غانم بتأفف: ما يسوى علينا عرس بنت مرت أبيش.. ترجعينا بدري عشانه..

مزون تبتسم: حرام عليك غانم.. وش بدري؟؟ كملنا أكثر من أسبوع من يوم سافرنا..
و أنت ما تبي تحضر عرس خال عيال عمك..؟؟

ضحك غانم: شوفيها وش طولها... (ياخال أبوي حك ظهري)..
ثم أردف بمودة: ولا جيتي للحق.. نايف يستاهل.. عزيز وغالي.. وغلاه من غلا عمي وعياله..

مزون تردف بإبتسامة: يعني لا تحملني ذنبك!!

غانم يتمدد ويضع رأسه على فخذها وهو يهتف بتأفف: بس لا جيتي للصدق بعد..
ما ابي نرجع.. أبيش تفرغين لي بروحي.. ونكون بروحنا مامعنا حد!!

مزون تمسح على شعره وتهمس برقة: ولا يهمك.. نسافر مرة ثانية في عطلة نص السنة..

ابتسم غانم بتقصد: وليش مانحضر العرس ونسافر مرة ثانية.. قبل ما ترجعين للجامعة..
أنا عندي إجازة شهر..

مزون برجاء عميق: لا غانم تكفى.. خلاص مافيني صبر.. مشتاقة لإبي وأخواني..

غانم بزعل مصطنع: إيه قولي كذا..
وولد آل ليث مسكين ماله خانة..

مزون تبتسم وهي تشد شعره قليلا بلطف : ولد آل ليث هذا أكبر نصاب..
ماخذ حقه وزيادة.. وطماع بعد!!






***********************************






" تعال حبيبي.. عط بابا بوسة!!"

حسن يقفز ليقبل والده.. ثم يصر أن يبقى في حضنه ليقود السيارة معه!!

عبدالله يرى جوزا قادمة فيبتسم لحسن وهو يغمر وجهه بالقبلات: حسوني قلبي ارجع ورا.. قبل تسوي أمك الفيلم المعتاد..

حسن يهز رأسه رفضا: ما أبي.. ما ابي.. ما أبي..

جوزا ما أن ركبت بصعوبة لتزايد حجم بطنها مع دخولها الشهر الثامن
حتى انهمرت بعتب: عبدالله كم مرة قلت لا تسمح له يفكر حتى يقعد في حضنك وأنتو في السيارة..
تكفى لا تجرأه كذا..

عبدالله ضحك : توني كنت أقول لك ياحسون يا باشا.. جبت لنا الكلام..

حسن بتأفف: بألجع ورا.. بس تودوني دتان أول...

جوزاء بحزم: مافيه دكان.. ارجع ورا.. لأنه بنرجع للبيت تنام..

حسن تأفف أكثر وهو يعود للخلف.. بينما عبدالله شد كف جوزا في كفه وهو يهمس بمودة: أشلون هلش حبيبتش؟؟ وأشلون علوي؟؟

جوزا بمودة مشابهة: كلهم طيبين.. إلا شعاع..

عبدالله بقلق أخوي شفاف: عسى ماشر.. عسى حملها مافيه شيء؟؟

ابتسمت جوزا: مافيها شيء.. بس حالتها مستعصية ذا البنت..
عشان لها يومين ماشافت رجالها نفسيتها زفت..
تدري عمري ماشفت مثل ذا الحالة.. مع إنها طبعا تنكر إن السبب غيبة علي..
بس شعاع حساسة واجد.. وماتقدر تخبي مشاعرها..

ابتسم عبدالله: الله يهنيهم.. شعاع مسكينة ..عمي أبو عبدالرحمن كان قاسي عليها واجد..
وعلي سبحان الله يوم تشوفين وجهه.. تحسين حنان الدنيا كله فيه!!

جوزا هزت كتفيها: أنا مثلا يتهيأ لي مافيه مرة تحب رجّالها قد ما أحبك..
لكن لو اضطريت تسافر عشان شغل..
مستحيل يصير فيني حتى واحد على ميه من اللي صاير فيها عشان رجالها مسافر يومين..
شعاع تعلقها فيه غير طبيعي.. والتوزان دايما حلو...







**********************************







عادا قبل قليل لغرفتهما الكئيبة.. بعد أن تعشيا خارجا وتمشيا صامتين..
كعادتهما في اليومين الماضيين..

بعد أن كانا في الأيام الأولى بعد عودتهما لا يصمتان عن الحديث!!

لا تعلم لِـمَ يبدو لها هذا الزواج بلا أمل فعلا..
فزواجهما هش.. ولا أساس له سوى سلسلة طويلة من التعقيدات والمرارة..!!

تخشى فعلا أن ينهار هذا الزواج..
ليس حفاظا عليه كزواج.. ولا حرصا على فهد كزوج..
ولكنها خشية من حمل لقب مطلقة للمرة الثانية في مجتمع لا يرحم.. يُحمل المرأة كل المسئولية ليعفي الرجل منها!!


كان هو يتحرك بصمت في الغرفة بعيدا عن روح تمرده وعنفوانه التي كانت تشعر به يتسربل بها حتى الثمالة..
استحم.. صلى وقرأ ورده ثم تتمدد.. دون أن يتوجه لها بأي كلمة..

كانت متوجهة للحمام حين سمعت صوته الحازم يأتيها دون أن ينظر لها:
تجهزي نسافر بكرة الصبح... عرس خالي بعد بكرة.. وبكرة عندي أوف..
أنا بأحضر العرس.. وبأرجع في طيارة الليل.. عشان أدوام الأحد الصبح..
وأنتي خلاص ارتاحي عند هلش!!
ماقصرتي.. استحملتيني ذا الأيام كلها وأنا واحد ما ينتعاشر.. !!


" يريد أن يجعلني أشعر بالذنب!!
هذا ما يحرص عليه طوال اليومين الماضيين!!"


لم تعلم أن هذا رجل لا يعرف كيف يمثل..
قد يكتم !! قد يصبر!!
لكنه لا يعرف كيف يخطط أو يمثل!!

يسير كخط مستقيم يرفض التلوي أو الانحناء!!
وكعادة الخطوط المستقيمة لابد أن تُجابه بالعقبات!!
لأنها ترفض الالتفاف حولها بل تريد اقتحامها!!

شخصية قد لا تصلح لمتطلبات الحياة.. التي تحتاج لكثير من الكياسة واللباقة!!
وبهذا يضر نفسه قبل أن يضر سواه!!


جميلة بعد أن أنهت قيامها ووردها هاهي تقف أمام خزانة ملابسها.. عاجزة عن تنفيذ ماخططت له..
ليس لديها الاستعداد له ولا حتى الرغبة في عمله..
ولكنها تجد نفسها مجبرة عليه.. إحساسها بالذنب يخنقها.. وخوفها من غضب الله عليها يفتت أعصابها..

لم تفكر حتى أن تحضر معها قميص نوم.. تركتها كلها في الدوحة!!
لا تعلم حتى ماذا ترتدي..

ختاما استقرت على بيجامة حريرية سوداء بتطريزات فضية على الصدر وحمالاتها فضية أيضا..
كانت هي أفضل الموجود...!!

اقتربت وهي تقدم قدما وتؤخر اخرى.. وإحساس عميق في روحها يدعوها للتراجع والهرب..

ختاما تمددت جواره.. ليشعر هو برائحة عطرها الرقيق أقرب من المعتاد..
لم يلتفت نحوها.. فما يعانيه من الضغط بات لا يُحتمل فعلا..!!

جميلة ارتكت على مرفقها وهي تمسح شعره برقة وتهمس بصوت مختنق فشلت في إخراجه واثقا:
فهد أنت عادك زعلان علي؟!!

زفر فهد ما أن شعر بأناملها تتخلل شعره.. ثم زفر بيأس أكبر ردا عليها:
جميلة لو سمحتي.. لا تجين جنبي..

جميلة همست باختناق أشد وأناملها التي تتحسس شعره ترتعش بعنف:
فهد تكفى.. أنا ما أبيك تزعل علي!!

استدار ناحيتها.. ليضع عينيه في عينيها لأول مرة منذ يومين..
وعيناه مثقلتان ببريق دافئ غريب دفع رعشة حادة في كل أوصالها..
نظراته ترتشف كل مافيها بلهفة موجوعة...

أمسك بمعصمها وهو يهتف بتثاقل عميق: صدق ما تبين تزعليني..؟؟

جميلة هزت رأسها لأن الكلمات جفت في حلقها..
ولكنه حالما شد معصمها نحوه وهو يغمره بقبلاته المثقلة بالأنين وعشرات الكلمات غير المفهومة..
حتى حاولت شد يدها منه وهي تهمس بجزع: خلاص فهد هدني تكفى..

همس بعمق مذهل وهو يشدها نحوه أكثر: أنا ماني بلعبة .. تلعبين فيها وقت ماتبين..
لا تخافين.. كل شيء بيكون برضاش..
لكن أهدش.. لا.. مستحيل..






**********************************







يجلس على مقعد قريب من الحمام.. وهو يسند رأسه للخلف في مظهر أسى غير مسبوق..
الأسى تصاعد من روحه كبئر فاض ماءها وغمر كل ماحوله..

غاضب من نفسه.. وغاضب منها أكثر..!!


غاضب من غبائه.. لأنه كان أمامه ألف علامة تدل على أن هذه الصبية لم تعرف لمسات رجل من قبل...
وغاضب منها أكثر لأنها حرصت على تأكيد خبرة لا تمتلكها..!!


وغاضب من كل الوضع..
لأنه كان قد وصل ختاما إلى رضى تام بكونها كانت لرجل قبله.. ولم يقترب منها إلا على هذا الأساس..
بعد أن عانى مطولا مطولا ليغير من أفكاره من أجلها.. ومثله كان التغيير صعبا عليه.. شعر أنه يسلخ جلده حتى يغير أفكاره من أجلها هي فقط!!

و تغير على أساس أنه الرجل الثاني في حياتها.. واختمرت هذا الفكرة في رأسه...واقتنع بها.. وتقبلها!!


فإذا به...... يتفاجأ أنه الأول..!!!

قد يكون فعلا لم يجبرها على شيء.. لكن لو كان علم ذلك لو حتى قبل ساعات فقط..كان تعامله معها ليكون مختلفا..

فهو فسر بدايةً تصرفاتها معه.. بأنها تشعر بالنفور منه لأنها لا تتقبله بعد زوجها الأول..
بينما لم يكن ذلك سوى محض خجل عذراء لم تسمح له هي باحترامه!!
بل حرمته من احترامه!!
يا الله.. لو أنها أخبرته فقط.. ألمحت له.. كان الكثير ليتغير.. ليس من تفكيره ناحيتها..
فالتفكير كان قد تغير وانتهى...
لكن من تعامله معها.. كانت مرتهما الأولى لتكون شيئا مختلفا تماما!!


حين خرجت من الحمام.. قفز عن مقعده.. بينما هي لم تنظر حتى ناحيته!!
صرخ فيها بحدة غاضبة مثقلة بالجرح:
ليش ماقلتي لي؟؟

جميلة لم تنظر نحوه وهي تهمس بارتباك غاضب: وش أقول لك؟؟

فهد بذات النبرة الغاضبة: أنتي عارفة وش اللي ماقلتيه لي؟؟

جميلة تدعي عدم الفهم: ما أدري عن ويش تتكلم؟؟

فهد يرتعش من شدة الغضب والشعور بالجرح: أنتي تستعبطين!! ليش ماقلتي لي إني أول واحد؟؟

جميلة همست حينها بارتباك تحاول تغليفه بالثقة: ومن قال لك إنك أول واحد؟؟


فهد متفجر فعلا .. مجروح منها لأبعد حد وغاضب لأبعد حدود المجرة.. فهي حرمته وحرمت نفسها من التعامل الطبيعي بينهما:
ماعليه اعتبريني أعمى.. وماشفت شيء..
بس حتى لو أنا غشيم على قولتش ..ماني بغشيم للدرجة اللي تخليني أعرف بالراحة إنش غشيمة أكثر مني ألف مرة!!


حينها انفجرت هي بغضبها المتراكم الذي حينما ينهار.. ينهار كليا: وش تبيني أقول لك عقب ما جرحتني بدل المرة ألف..؟؟
تراك أول واحد..

فهد ينتفض غضبا: وعشان تعاقبيني تعاقبين نفسش معي..؟؟
وإلا عشان مهوب هاين عليش تعطيني شيء ماعطيتيه اللوح اللي كنتي متزوجته قبلي!!


جميلة ماعادت تفكر من شدة الغضب.. تريد أن تؤلمه كما يؤلمها.. ماذا يريد أكثر..؟؟ حتى بعد ماحصل على مايريد.. لا شيء يرضيه..

صرخت بغضب: ما أسمح لك تجرح في ولد عمي قدامي.. الرجّال راح في طريقه..
على الأقل طول عمره حاطني على رأسه وحتى الموضوع اللي مسميه لوح عشانه...مافكر يجبرني فيه على شيء... لأنه قدم راحتي على راحته..
مهوب مثلك.. مايهمك إلا نفسك.. متوحش وهمجي وماعندك إحساس..............


لم يسكت فيض كلماتها المتدافعة إلا صفعة حادة.. ألقتها على الأرض...
نظرت له بصدمة وعيناها تمتلئان بالدموع..
فهد زفر بيأس وهو يجلس جوارها على الأرض.. حاول أن يأخذها في حضنه..
وهو يهمس بأنفاسه المتصاعدة.. بغضبه عليها ومن أجلها.. بأساه.. بجرحه.. بعميق مشاعره:
الله يهداش جميلة حديتيني على أقصاي..
أنتي يا بنت الناس ما تفهمين... أنا أحبش.. والله العظيم أحبش!!
حرام عليش اللي سويتيه فيني وفي نفسش!!

جميلة تتخلص منه بغضب هادر.. وشهقاتها تختلط بكلماتها.. بسيول عينيها وأنفها وهي تدعك وجهها المتفجر احمرارا بذراعها:
وأنا أكرهك.. أكرهك..
أنا تضربني..؟؟ أنا انضرب؟؟ أنا؟؟
أنت مفكر إنك مأخذني من الشارع..؟؟ يعني عشان شفتني سكتت على فعايلك فيني.. تحسبني مالي ظهر؟!!
عشان حشمتك وكبرت قدرك.. تدوس على رقبتي..؟!!
لا بارك الله في النصيب اللي حدني عليك..

فهد يحاول أن يتجاوز قساوة كلماتها رغم صعوبة التجاوز.. وهو يحاول تهدئتها:
خلاص حبيبتي هدي.. هدي!!


جميلة تنفجر بشكل هستيري: لا تقول حبيبتي.. لا تقولها..
أنت تعرف تحب أنت؟؟
أنت ماتعرف إلا أنك تكره وتعلم غيرك أشلون يكرهون..
أنا أكرهك.. تفهم.. أكرهك.. ولين آخر يوم في عمري بأكرهك..


جميلة حاولت أن تقف رغم صعوبة الوقوف عليها.. فصراخها وانفعالها استنفذ كل طاقتها..
فهد سارع لاسنادها دون تفكير وهو يحتضن خصرها بذراع واحدة.. أبعدت ذراعه عنها وهي تهمس بصوت غاضب مبحوح :
لا تجي جنبي.. خلك بعيد منك.. ما أبي منك شيء..



صمت لثوان ثم هتف بصوت غائر.. كما لو كان يأتي من بئر لا قرار لها:
أنا باتسبح وبأنزل أنتظر أذان الفجر في المسجد..
بأخليش لين تهدين!!


حينما عاد من الصلاة.. تفاجأ بأنها قد حزمت كل أغراضها وحقائبها جاهزة ومعدة للسفر..
هتف بصدمة: تو الناس على الطيارة..؟؟

ردت عليه بحزم قاس: ماعليه بأقعد أنتظرها..

جميلة قررت أن تفرغ طاقة غضبها في حزم الحقائب حتى لا تنفجر.. لا تستطيع أن تجلس حتى.. ولا تتخيل أنها قد تتمدد جواره مرة أخرى!!

فهد كان يبحر في عالم أسى غريب عليه.. لم تعتد روحه أبدا على كل هذا الأسى..
كان ينظر لخدها المحمر.. والذنب يأكله.. بالفعل حاول بكل طاقته أن يسيطر على نفسه حتى لا يضربها..

ولكن تغزلها في زوجها السابق أمامه.. جرح كل مافيه.. رجولته.. وإنسانيته..
وحبه لها النامي كبرعم طري عذب بدأت جذوره تغوص في أقصى تربة قلبه!!


" أ يعقل أنها لم تشعر بي حتى لو كنت لم أتكلم؟؟
وكيف تشعر وبالها مازال مع سواي؟؟
كيف تفتح قلبها لمشاعري.. ومشاعرها مازالت تكتنف حنايا آخر؟؟

يا الله.. أكاد لفرط الألم أصرخ بأعلى صوتي..
عاجز عن احتمال هذا الألم الذي يطحن قلبي طحنا!! "



مد أنامله ليمسح خدها المحمر... أبعدت وجهها عن مدى يده وهي تهمس بسكون ميت:
لا تخاف.. ماراح أقول لاحد إنك ضربتني!!

أجابها بألم شفاف شفاف: ما يهمني لو قلتي للعالم كله.. أبيش بس تسامحيني!!
جميلة أنا أحبش.. أحبش.. وربي اللي دخل غلاش لين أقصى عروقي إني أحبش!!
ما تتخيلين أشلون استوجعت وأنتي تقارنين بيني وبينه..
ما أحترمتي أي شيء يربطنا.. وما احترمتي إني أنا اللي رجّالش الحين!!
تتكلمين كنش تكلمين طوفة!!


لا تريد أن تسمعه.. ولا أن تصدقه.. تريد فقط أن تعود لحضن أمها..
لا تريد أي شيء آخر... أبدا !!!





**********************************





هاهي تصل إلى بيت أهلها بعد وقت صلاة الجمعة..
هذه المرة لم يتصل بأحد.. عاد مع أحد (ليموزينات) المطار..
كانت الرحلة الأسوأ في حياة كل منهما..!!
وكلاهما يشعر بالمرارة من الآخر لأبعد أبعد حد!!


أنزلها وهو يشعر بأساه المتزايد يتعاظم بشكل مضاعف..

سبحان الله كيف تكون حياتك خالية من الهموم.. وأقصى هموم قلبك النظيف أن تحصل على رتبة ما..
أو تنهي دورة عسكرية ما!!
ثم تغتالك الحياة بأقصى الهموم غير المفهومة.. التي تدمر أعصابك ومشاعرك شيئا فشيئا..


ترك السائق ينزل حقائبها بينما منعها هو من دخول البيت بإمساكه لكفها وهو يهمس بعمق:
جميلة تأكدي إنه مايهمني حد غيرش...
ماراح أجبرش على شيء.. بس تأكدي إني شاريش لين آخر لحظة ومستحيل أتخلى عنش..

جميلة شدت كفها منه.. وهي تفتح الباب وتدخل..
تمنت من أعماق قلبها ألا يكون منصور موجودا.. تعلم أن عادته يوم الجمعة أن يتغدى مع شقيقه وابنيه في مجلس زايد..
تتمنى ألا يكون أخلف هذه العادة اليوم... تريد أن ترى والدتها لوحدها..
لأنها تعلم أنها ستنهار.. ولا تريده أن يشهد انهيارها.. فيضغط ذلك على أعصابها بمزيد من المشاكل التي لا تريدها..


بالفعل.. وجدت والدتها كما تتمنى.. تجلس في الصالة العلوية تشاهد خطبة الجمعة من الحرم المكي..
وأمامها زايد الصغير على مقعده!!


عفراء كانت تعلم أنها ستعود لزواج نايف ووضحى.. لكنها لم تعلم التوقيت تماما.. توقعته في الغد.. كما عادا في زواج مزون..
لذا كانت صدمتها بدخول الطيف الغالي عليها!!

عفراء قفزت بسعادة غامرة.. بينما جميلة ركضت نحوها وهي تلقي نفسها بين ذراعيها وتنتحب كما لم تنتحب من قبل..
هذه المرة سكبت وجيعتها كاملة وهي تشهق: ما أبيه يمه.. ما أبيه..
تكفين ما أبيه.. خلاص ما أبي أرجع له..


عفراء مسحت على شعرها وهي تشدها لتجلسها وتحتضنها وهي تهمس بتهدئه رغم قلقها المتفجر:
اهدي يامش.. اهدي.. قولي لي وش اللي صاير؟؟


هذه المرة جميلة حكت لأمها كل شيء.. وكم كان هذا الحديث متأخرا.. تأخر كثيرا عن وقته!!


كان يجب أن تُعلم والدتها قبل ذلك بكثير..
كانت تظن أنها بإخبارها لمزون سترتاح دون أن تكدر والدتها..
لم تعلم أن القضية ليست مجرد الحكي للارتياح من الضغط.. لكنها كانت تحتاج المشورة من والدتها..

والدتها بصدمة حقيقية: يعني تقولين لمزون موضوع مثل ذا.. وما تقولين لي!!
ومزون وش عرفها؟؟ بزر مثلش!!
يعني مزون أوصيها وأشرح لها قبل عرسها ألف مرة.. وأنتي حرمتيني وحرمتي نفسش من ذا الشيء!!


عفراء تنهدت بوجع: تدرين من أكبر مذنب في ذا السالفة؟؟
مهوب فهد ولا أنتي.... أنا.. أنا..
أنا.. لأني وافقت منصور أزوجش وأنا رافضة الفكرة من أساسها..
ثم أنا.. لأني ماقربت منش للدرجة التي تخليش تقولين لي مهوب لغيري...

جميلة مسحت فيضانات وجهها المنهمرة والتي تكاد تفسد أكوام البودرة التي وضعتها لإخفاء أثر الصفعة..
فالصفعة هي الشيء الوحيد الذي لم تخبر به والدتها.. لأنها ختاما شعرت أنها من دفعت فهدا لها.. حتى لو كانت يستحيل أن تسامحه عليها!!

همست باختناق: يمه أنا مهوب كان قصدي أخبي عليش.. بس أنا حنيتش.. سنين وأنا مجننتش.. قلت خلاص ارتاحي من مشاكلي..


عفرا بحزن عميق عميق اخترم روحها الأمومية بالأسى الفياض:
وأنتي الحين ريحيتيني..؟؟
يأمش الحين الذنب خانقني... كان فيه أشياء واجد لازم أنا أشرحها لش.. وأهيئش لها نفسيا..
لكن عرسش الأول رحتي على نقالة.. وش أشرح لش؟؟
ورجعتي بعد شهور طويلة.. ماكنت جنبش فيها.. توقعت إن ذا الشهور علمتش اللي كان لازم أعلمش إياه..
ما توقعت إنه ماصار شيء بينش وبين خليفة.. وأنتي ماقلتي لي شيء!!

ليه يا جميلة؟؟ ليه؟؟
وش استفدتي الحين كون نفورش من فهد..
كان ممكن بمشيئة الله إن ذا المشاكل كلها ماتصير لو أنش قلتي لي بس!!

وش أقول؟؟ قدر الله وماشاء فعل..
خلاص يامش قومي.. قومي لغرفتش تريحي!! ولا تشغلين بالش بشيء!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

تتشرف كل من
فرقة السحالي على قولت عبدالرحمن... و... عائلة ناصر آل سيف
بدعوتكن لحضور حفل زفاف
شقيق الأوليات/ نايف...... على ...... كريمة الثانية/ وضحى
وذلك تمام الساعة الحادية عشرة ليلا من يوم الخميس
وذلك في قاعة ليلاس.. بين جنبات أحداث "بين الأمس واليوم"
وبحضوركن يتم لنا الفرح والسرور
.
.
مع إني أتخوف من حط بارت في الليل وتحديد موعده بعد
بس هذا بيكون بارت خاص جدا أبي ألقى وقت زيادة للصياغته ومراجعة أحداثه..
وعشان يكون وقت عرس صدق :)
.
وحددت الوقت.. لأنه مايصير عرس بدون وقت :)
.
لذا رجائي الحار جدا جدا جدا إنه من الساعة 10:30 ماينزل رد من أي نبضة قلب لحد ما أنزل البارت..
وبشكل عام أرجو رجاء حار اجتناب الردود المخالفة..
( نتنتظر.. متى البارت؟؟)

عشان أقدر أحط البارت وما يشوتني الموقع من الضغط.. قصدي ما ألقى لي مكان في القاعة :)
.
.

#أنفاس_قطر# 10-03-11 10:31 PM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مساكم أفراح ومافيه أتراح يارب...

.
.
اليوم عروستنا وضحى عروس سبيشل وهي أول عروس في بين الأمس واليوم تفوز بقصيدتين مرة وحدة..


أولها من شاعرتنا ..ذهبية... يسلم رأسك ذهبية ولا يحرمنا من إبداعاتك..
خجلتيني وربي من فرط كرمك..
والعروس صارت خدودها طماط من الوناسة!!


نور القمر ضوا..وأجهر لي العين..
سبحان من ساق القمروعدد اوطانه..
توي عرفت إن القمر يمشي برجلين..
وتوي عرفت إنه مغير مكاااااااااانه...
الله.. يازين اللي احضرت هالحين..
والله على نور سطع في كل خاااانه..
لو تطلع من الغرب..تشرق لها الصين..
ولو مرها القمري..نشد لها الحااااااانه..
وضحى ترى في اسلووبها رقه ولين..
ووضحى عن الزلالالات..تملك حصااانه..
رمز الحلا وضحى.. وهي شيخة الزين..
لو جيت ابوصفها.. احلى من الدااااااانه..
جووري.. ونرجس..فله.. ورياااااااحين..
ذي سلة بالطيب..بالحييييل..ملياااااااانه..
من قااال انا شفت فالكووون حلووووين..

وضحى حلاها غيير عن كل سكااااااانه..
.

والقصيدة الثانية من شاعرتنا اللي دايما تجلنا بقصايدها.. فيتامين سي
وذا المرة خجلتنا بقصيدتين... وحدة للعبدة لله أنا.. الله لا يحرمني من اللي تذكرتني مع العروس
والثانية للعروس بعد.. زاد الطماط طماط :)

القصايد كلها لك في وصوفك مستباحه
والشـعـر لاجـيت أبكـتب مايـوفي دفـتره


وضـحىى ياناس طـيب حسـن وسـماحه
أذكر اللـه ومـن بداله شـيءزين يـذكـره


جوهره من جوهره نرجسه في وسط واحه
وش أخـلي من وصوفك وش ياناس أذكـره


والعيون اللـه عليهـا ترسـل إسـهوم مباحـه
والـهـدب سـبحـان ربي مايبى لـه مسـكــره


والحكي يازينه حكي وحيا اللـه الفـصاحـه
وش لون تجمع الطفوله في تواصيف المره


الصـراحه وضحى كان تبغـين الصراحـــه
شـايفـه كـل الـحـلى أشــهـد إنك مـصــدره
.
.
ألف شكر لشاعراتنا وفالكم البيرق..
وخلونا نفتح باب القاعة بشويش...
بارت اليوم طويل رد على كرم شاعراتنا :)

و مليان أحداث ومشاعر تعبتني .. لكن الشيء المهم اللي فيه أبيكم تنتبهون لأشياء بتصير مع بعضها.. تمهيدية !!!
وأنا تعبت كثير لين وصلتها لذا المرحلة المشربكة وفي هذا الوقت لغرض بتكتشفونه البارت الجاي
الأحد الساعة 9 صباحا...
.
يالله الجزء 100 رقم مميز لبارت أتمنى يكون مميز
والرقم 101 بيكون مميز أكثر
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء المئة




" يأمش وين بتروحين؟؟"


شعاع بمودة: بأروح لبيتي يمه.. علي بيجي الليلة..

عالية بمرح: الحمدلله والشكر.. وأخيرا.. جاء روميو ليغني تحت شرفة جولييت..

شعاع بصوت منخفض: علوي تلايطي.. لا بارك الله في عدوينش..

عالية تضحك: يومين ومعيشتنا في كآبة.. فارقي لبيتش جعل موترش مايخرب!!
والبترول علي بعد..
مع إنه البترول غالي بس يرخص لعيون الحبايب..


أم عبدالرحمن تهتف بصوت عال: أنتو وش تقولون؟؟

شعاع ترتدي نقابها وتهمس بمودة: مافيه شيء يمه.. أنا باخلي السواق يوصلني للبيت أنا وخداماتي.. زين يمه..

أم عبدالرحمن بحنان: حلالش يأمش..




شعاع كانت تركب للتو ليرن هاتفها... اتسعت ابتسامتها وإشراق وجهها وهي ترى اسمه.. همست في الهاتف بلهفة: في المطار صح؟؟

جاءها صوته محملا بالضيق العميق: لا حبيبتي.. أنا بتأخر يومين بعد.. بس يومين..

شعاع بعدم فهم: أشلون يومين بعد؟؟ وانت قلت لي يومين..

علي بذات الضيق: المختبر تأخر في النتايج.. وما أقدر أروح وأرجع.. بقعد لين أخذ نتايجي وأشوف لو الدكتور يبي يغير لي العلاج.. وبأرجع فورا..

شعاع لم تعرف ماذا تقول.. تريد أن تبكي.. وتعلم أن شكلها سيبدو سخيفا وطفوليا إن فعلتها وبكت..

همست بإبتسامة مصطنعة مختنقة تماما: خلاص خلني أروح أدفع طعام 10 مساكين.. لأني حلفت لو تأخرت زيادة عن يومين ألحقك..

علي باهتمام عذب: صدق منتي بمتضايقة حبيبتي؟؟

شعاع باصطناع فاشل تماما: لا ياقلبي.. خل بالك من نفسك.. لازم أسكر الحين..

القت الهاتف جوارها لتبدأ دموعها بالانهمار..
" يالله استجير بك من ذا الضيقة..
يا الله احفظه من كل الشر..
هدي يا بنت.. كل السالفة يومين بعد ويرجع..
اذكري ربش!! ترا الموضوع ما يستاهل!! "


الخادمة الجالسة جوارها همست بتردد: مدام وين روح؟؟

شعاع بضعف: بنروح البيت..

لم ترد أن ترجع لأهلها وهي بهذه الحالة... تريد أن يصفو ذهنها قليلا..
وتريد أن تقوم ببعض الأعمال الشاقة حتى تلهي نفسها التفكير..
لذا ستقوم بالترتيب المؤجل مادام علي لن يعود الليلة!!!






******************************






" نورتي الدوحة بطلتش حبيبتي!!"

مزون تتنفس بعمق: يا الله وش كثر اشتقت للدوحة وأهلها..

غانم بمرح: شمي بعد.. شمي الحر والرطوبة.. شمي بعمق لين يجيش قفلة نفس!!

مزون ضحكت برقة: ياحلوها على قلبي..
ثم أردفت باهتمام: زين غانم خلنا نروح نسلم على هلك وعقب أبي أروح لهلي..
أسلم عليهم.. وأبي أبات عندهم عشان عرس وضحى بكرة بعد أذنك.. أبي أسهر معها..

غانم بحزم رقيق: وإذني يقول لا.. روحي واسهري.. بس ترجعين تباتين في بيتش..

مزون برجاء رقيق: تكفى غانم..

غانم بإبتسامة: لا تستخدمين أسلحتش ضدي.. تدرين حزتها إني أصير خرطي..
بس لا ياقلبي.. في الليل متأخر بأرجع أجيبش...
مايصير أول يوم راجعين الدوحة وأنتي بايتة في بيت هلش!!






***************************************





" جميلة قومي نروح نسلم على عمتش!!"


جميلة انتفضت بجزع: لا يمه تكفين.. ما أبي أروح هناك.. أخاف أشوف فهد..

عفراء بحزم: أنا أساسا أبي أشوفه...
أنتي سلمي على عمتش تبينهم يحكون عليش مثل المرة اللي فاتت..
وأنا وفهد بنقعد في مجلس الحريم..

جميلة تكاد تبكي: يمه تكفين..

عفراء بذات الحزم: خلصيني يا بنت... ولا تخافين بترجعين معي..




بالفعل توجهت الاثنتان لبيت إبي صالح... جميلة أعادت وضع أطنان الزينة على وجهها حتى لا يلاحظ أحد شيئا على وجهها إلا بهائها المعتاد..


وعفراء اتصلت بفهد وطلبت أن يأتي للسلام عليها في مجلس الحريم..
بحجة أن جوزاء كانت موجودة..


فهد حين ورده الاتصال.. تنهد بعمق... " يا الله مسرع صارت المشاكل!!"
توجس عميق اغتال روحه وهو يدلف لباب مجلس الحريم من الباحة..

عفراء وقفت لاستقباله وهو مال للسلام عليها.. نظراتها مثقلة بالعتب..
ونظراته متقلة بالذنب والحزن..

بعد السلامات المعتادة وقبل تتكلم عفراء كان فهد من استلم زمام المبادرة وهو يهتف بحزم بالغ:
أدري إني غلطت على جميلة واجد... ومافيه داعي تعاتبيني لأني في اليوم أعاتب نفسي ألف مرة...
بس والله العظيم إني شاريها..
أبيها بس تعطيني فرصة وحدة.. والله العظيم لأحطها فوق رأسي..

عفراء بهتت.. فهو لم يترك لها مجالا لتقول لها شيئا وهو يختصر كل شيء في عبارات حادة قصيرة.... واضحة مستقيمة/ مثله تماما!!


عفراء تنهدت وهي تهمس بتاثر: أنا يأمك لا جيت للحق.. ماكنت أبي أزوجها الحين.. كنت أبيها تقعد عندي لين تخلص دراستها..
بس منصور لزم يزوجها لأنه شاريك أنت.. ما أبي أقول إن منصور ماعرف يختار.. أكيد إنه أخبر بمعادن الرياجيل..
بس يأمك أنا كنت خايفة على بنتي من حدتك... وكنت على حق..
بنتي مهيب مثلي.. عادها لينة.. وسنها صغير..
الحين أنت خلها عندي.. وما أبيك تقول لمنصور إن بينكم أي مشاكل..
ولا خلصت دورتك.. إن شاء الله يكون طاب خاطرها..


فهد صمت ثانيتين ثم هتف بحزم يخفي خلفه رجاء عميقا: زين خليها ترد على تلفوناتي لا كلمتها على الأقل!!

عفراء تنهدت: بأقول لها.. بس ما أقدر أجبرها.. هي مجروحة منك واجد!!


عفراء غادرت لتعود لصالة الحريم.. لتسلم على أم صالح وتاخذ ابنتها وابنها لتغادر..
بينما فهد بقي لدقائق جالسا في مجلس الحريم.. كما لو كان عاجزا عن حمل ثقل الهموم الغريبة التي يشعر بها..
أو ربما كان يخطط عن قصد ليخرج في ذات لحظة خروجهم.. ليقابلها في باحة البيت..

حين رأته أدارت وجهها كأنه لم تراه وهي تتوجه للسيارة.. بينما عفراء وقفت لتعطيه زايد ليسلم عليه..

همس برجاء لعفراء وهو يعيد زايد لها ويغلف رجاءه بالحزم: عمتي تكفين..
قولي لها ليش ذا الجفا كله..؟؟ كنها ما تشوفني!!


عفراء تنهدت بعمق.. لا تجهل هذه النظرة.. تعرفها في عيني منصور..
نظرة محب مشتاق عاتب.. همست بمودة: لا تحاتي يامك.. بأحاول!!





***********************************






" أنا أبي أعرف وش ذا المصممة؟؟ مواعيدها كلش مهيب مضبوطة..
الحين عرسش بكرة واحنا تونا بنجيب الفستان
وهي أساسا واعدتنا قبل أمس..
الحين يمكن ماخلصته بعد!!"


وضحى ابتسمت وهي تنظر لكاسرة التي تجلس مجاورة لها في انتظار المصممة التي ذهبت لإحضار الفستان:
الحين أنتي معصبة كذا عشان الفستان.. وإلا عشان الشيخ كساب وصل وأنتي ما أنتي في شرف استقباله..؟؟

كاسرة بغيظ باسم: يعني أنتي شايفته سنع إنه يجي البيت عقب سفر.. وأنا برا..؟؟
عز الله راح فيها حضرة وكيل النيابة!!

وضحى ضحكت: أنا كنت ابي أخذ أمي.. بس أنتي حلفتي ماحد يروح معي غيرش..
حتى مارضيتي إنها تدري عشان هي ماتحلف عليش!!

كاسرة بإبتسامة: خلي أمي في حالها.. كفاية عليها ضغط بكرة...


المصممة نادت وضحى لكي تلبس الفستان في صورته النهائية..
في وقت انتظارها لوضحى رن هاتفها..
حين رأت اسم كساب.. شعرت بالحرج المختلط باشتياق غريب..
ردت بنبرة غريبة حملت كلاهما: هلا كساب..

كساب باستغراب: كاسرة وينش؟؟

كاسرة بذات النبرة: أنا مع وضحى تأخذ فستانها..

كساب بعتب مختلط بنبرته الحازمة: ويعني ماقدرتي تأخذين فستانها قبل ما أجي؟؟

كاسرة تنهدت: كساب يعني ظنك لو أني قدرت أخذه قبل.. كان رحت وأنت جاي..



تنهد بعمق.. فهي مطلقا لم تفعل ذلك إلا مرة واحدة.. يكره مجرد تذكر تلك المرة..
وهو يدخل البيت ليتفاجأ بعدم وجودها رغم أنها لم تفعلها مطلقا قبل ذلك..
كم كانت مرارة الأيام وقسوتها بعيدا..
قفزت كل الذكريات المرة لذاكرته وهو يدخل الليلة ولا يجدها!!
رغم أنه وجد غاليته مزون تنتظره في الأسفل.. ورغم فرحته العارمة برؤيتها إلا أنه بقي يشعر بنقص غريب وفراغ غير مفهوم..
كما لو كان طفلا يبحث عن أمه بين الحشود.. لن يهدأ جزع روحه حتى يراها..

هتف بحزم: زين خلاص أنا رايح لشغلي الحين!! فيه عندي شغل مهم عشان العقود اللي وقعتها واجتماعات مع المهندسين ويمكن أتأخر..

حينها همست بهدوء تخفي خلفه وجع اشتياقها له: زين متى بأشوفك؟؟
وأنا أبي أنام الليلة عند وضحى..

حينها زفر بتأفف غاضب: وتبين تنامين عندها بعد؟؟

كاسرة حينها همست بغضب رقيق: كساب قصر صوتك لا تصيح علي..
هذي آخر ليلة لها قبل عرسها.. عيب أخليها.. من كثر خواتي يعني..
هي أخت وحدة.. وليلة وحدة ماراح تكرر!!

كساب زفر بغضب: خلاص خليني أنا..!!
انتهينا.. مثل ماتبين.. النفس وما تهوى..!!

كاسرة أنهت الاتصال وهي تتنهد بعمق (يموت لو مالقى له سبب يعصب عليه!!)


كانت كاسرة تتأفف بغضب ليتحول تأففها لابتسامة شاسعة وهي تقف لتدور حول وضحى بانبهار..
ثم تضحك بصوت عال: وضحى أنتي في كامل قواش العقلية؟؟ فكرتش وإلا فكرة المصممة؟؟

المصممة بلباقة رقيقة: لا والله فكرة الدموزيل.. أنا بالبدايي ماكنت كتير مئتنعة فيها وخصوصا إنه فيه موديلات من ئبل بنفس الطريئة..
بس عالتنفيز.. عن جد وااااااو.. وسبيسال!!

وضحى تبتسم: ماعجبش؟؟

كاسرة مازالت تضحك: من حيث عجبني فهو جد عجبني لدرجة إني ماني بقادرة أبطل ضحك..
شكلش فيه بكرة بيطلع فوق الخيال..
بس الله يعينش على التعليقات اللي ما يعجبها العجب!!






************************************







" اشعيع اشفيش يا أبيش
وجهش ماصع ولونش مهوب زين!!"


شعاع انتفضت بجزع رقيق: مافيني شيء يبه فديتك!!

عالية مالت على شعاع بهمس خافت: ترا عمي صادق.. اليوم الصبح رحتي الابتسامة شاقة من فرحتش بفراقنا..
ورجعتي لنا حالش أشين من حالش البارحة.. كنه ميت لش ميت!!

شعاع باختناق: مافيني شيء عالية بس تعبانة شوي..

عالية بمرح: هذا كله حزن عشان سبع البرمبة بيتاخر يومين بعد..
ترا والله ياشعاع حالتش صعبة.. حلو تعطين رجالش حقه .. بس في نفس الوقت تأخذين حقش!!


شعاع شعرت أنها ستبكي فعلا حين ذكرت عالية علي.. فالجرح عميق.. عميق لا حدود عمقه..
ولمن هي في مثل رقتها.. بدا الأمر لا يحتمل إطلاقا!!

تحاول أن تضع سيناريوهات متعددة تفسيرا لما رأته.. وكل السيناريوهات بدت مؤلمة وجارحة ومهينة..
تحاول أن تبرأه بقلبها ودفق مشاعرها .. فإذا هذا القلب يدينه أكثر وأكثر!!


عالية كانت ستتكلم لولا أن هاتف شعاع رن.. عالية استغربت تماما وقررت أن تصمت..
لأن الرنة كانت الرنة الخاصة بعلي ومع ذلك شعاع كتمت الصوت بسرعة ثم أغلقت هاتفها!!

والغريب أن إغلاقها لهاتفها ليس غضبا بقدر ماهو خوف عليه..
والغضب الأكبر هو من نفسها.. تشعر أن حبه استعبدها تماما..
لدرجة أنه مع كل هذا الذنب العظيم.. بل الجريمة التي ارتكبها.. ترى أن صحته هي الشيء الأهم!!

فهي لو تركت الأمر لرغبتها.. فكل ما ترغب به هو أن تصرخ به وتصرخ به وتصرخ به... تقتله ربما لو استطاعت!!
ومع ذلك هي تؤجل كل ذلك حتى يعود.. تخشى إن أفرغت غضبها فيه أن يترك علاجه ويعود...


أبو عبدالرحمن الذي كان هو أيضا يتحدث مع أم عبدالرحمن.. هتف بصوته الحازم: عالية يابيش وين رجالش.؟؟

عالية باحترام: داخل يبه... يحضر مادته اللي هو بيدرسها الفصل الجاي.. خلاص ماعاد باقي إلا أسبوعين على فتح الجامعة!!

أبو عبدالرحمن وقف ليغادر وهو يهتف بذات نبرته الحازمة المعتادة:
خليه يجيني في المجلس يتعشا معي... أنا عازم تميم بعد على العشاء..


أبو عبدالرحمن غادر وعالية وقفت لتتوجه للداخل لتخبر عبدالرحمن.. لولا أن عبدالرحمن قاطعها بخروجه فعلا وهو يهتف لشعاع بمودة:
شعاع.. علي يتصل على تلفونش مسكر..
يبي يقول لش إنه قابل الدكتور خلاص.. وحجز الليلة متأخر وبكرة الصبح بيكون هنا!!









************************************






رنين آخر..
قاطعته يد رقيقة أخرى لتصمته..

عفراء همست بحزم: ردي عليه..

جميلة بتأفف: يمه ما أبي أرد عليه.. ماني بطايقة أسمغ صوته..

عفراء بذات الحزم: عيب عليش يا بنت... الرجال شاريش..

جميلة بإصرار : وانا بايعته..

عفراء بغضب: وش العلم ياجمول... اشوفش رديتي على طير يا اللي... عقب ماقلت بنتي عقلت..
رجعت ريمة لعادتها القديمة..
طفشتي الأول تبين تطفشين الثاني..

همست حينها جميلة بحزن: عندش شيء ثاني يمه.. تبين توجعيني فيه؟؟

عفراء تنهدت وهي تقف لتجلس جوار جميلة وتحتضن كتفيها بحنان:
يأمش أنا أبي مصلحتش..
تبين تصيرين مطلقة مرة ثانية؟؟

جميلة انتفضت بجزع: مطلقة؟؟ لا لا..

عفراء بأمومة: زين أشلون ماتبين وأنتي حتى منتي براضية تتفاهمين معه؟؟

جميلة بإصرار: عادي يخليني وينساني.. الله محلل له بدل الوحدة أربع..
يتزوج ثلاث.. ما أبي منه شيء إلا إنه يخليني على ذمته لين أتخرج على الأقل!!
بس أرجع أعيش معه لا.. وألف لا...






*******************************






" ها ياعريس... كيف إحساسك بأخر ليلة عزوبية؟؟"


نايف بمرح: إحساسي إنها ماتبي تخلص.. وخصوصا وأنا مقابل وجيهكم اللي تجيب الهم ياعيال أختي..
والله مافيكم صاحي غير عبدالله جعل عمره طويل أبوحسن!!
شوف صالح قاعد على جنب وكل شوي مطلع تلفونه.. أكيد يشوف صورة الفأرة.. يخاف ينسى ملامحها!!
وأبو الهول من يوم راح لمصر صار أبو الهول صدق!!
وأنت عكسه حلقك 24 ساعة شغال حكي على غير فايدة!!

هزاع يضحك: على كذا طلعتنا كلنا عاهات..

نايف يضحك: لأنكم كلكم عاهات ماجبت شيء من عندي..

هزاع بخبث: الولد على خاله ياخال..

هزاع يلطم كتفه بمرح: تخلخلت حنوكك قول آمين.. الحين غديت خالك عشان تسبني..؟؟


الحوار المرح مستمر بين الإثنين كالعادة.. بينما فهد وصالح صامتان كل منهما مشغول بهمه الخاص..
وعبدالله كان مستغرق في الحديث مع والده كعادتهما أيضا.. رغم أن أبا صالح لا يحب أن يُكثر الحديث بعد أن يصلي العشاء..
لكنه كان يتأكد من ترتيبات حفل زواج نايف في الغد.. الذي حلف أن يتولاه كاملا.. لأنه يعتبر نايفا أحد أولاده..

ولكن ما أن غادر أبو صالح.. حتى قام عبدالله ليجلس بجوار فهد..
عبدالله وضع كفه على معصم فهد وهو يهتف بمودة صافية:
صحيح من أول وأنت منت بكثير حكي.. لكنك على الأقل لا تجمعنا كنت دايم تبتسم تمزح.. تسولف..
الحين تقعد ساكت وتقوم ساكت..


حينها فهد هتف بعمق موجع بكلمات أكثر وجعا جعلت عروق عبدالله تنتفض تأثرا وجزعا وهو يكاد يقفز من مكانه:
لأني ماني بكفو قعدة الرياجيل... عشان أسولف معهم!!

فهد شعر بكف عبدالله التي ارتعشت بعنف وهو يهتف بصرير من بين أسنانه:
أفا عليك يافهد.. وش ذا الكلام؟؟

فهد بذات النبرة الموجعة: اللي يذل له بنية يتيمة ويقهرها ويوجعها بالكلام.. وش يكون في نظرك؟؟

عبدالله تنهد بعمق: فهد يأخيك.. ماحد منزه من الخطأ..
حتى الرسول صلوات الله وسلامه عليه أخطأ وعاتبه الله عز وجل من فوق سبع سموات!!
بس مشكلتك الازلية إنك ماتشوف إلا لونين الأبيض والأسود.. وإنك مستقيم بزيادة..
يعني أنا يوم رجعت من امريكا.. ماحد عاتبني بقسوة مثلك.. مع إن الكل كانوا يحاولون يراضوني..
عاتبتني وأنت ماتدري ولا دريت بالبلاوي اللي أنا سويتها!!
عاتبتني لأنك ماترضى بالحال المايل.. وأنا فعلا كنت حال مايل..
ما أقول لك لا تعاتب نفسك.. فخير النفوس النفس اللوامة.. والله عز وجل أقسم بها..
بس أقول لك ارحم نفسك... أشين شيء ممكن الواحد يسويه في نفسه إنه يجرح نفسه قبل ماغيره يجرحه..
ماراح أسألك عن مشاكل مع مرتك... بس بالرواقة والتفاهم وطولة البال... كل شيء ينحل..
طالبك يا أخيك توسع خاطرك..


فهد تنهد بعمق: يجيب الله خير من عنده.. !!






***********************************




" هذه كله عند وضحى؟؟
وش تسوين عندها؟؟"


سميرة أشارت بإبتسامة: خبرك عروس.. ولازم نهتم فيها..

أشار تميم بحنان: وعسى مافيه شيء قاصرها؟؟

سميرة بعذوبة: أبد كل شيء تمام التمام.. ألسطة وميه وميه على قولت خالي هريدي!!


تميم ابتسم وهو يشير لها: زين تجهزي.. بعد بكرة الظهر طيارتنا..

سميرة بحماس: صدق بنسافر!!

تميم بأريحية: أنا وعدتش.. بنسافر ألمانيا.. بنسوي فحص في بون.. وعقبه بنروح ميونخ نتمشى هناك 5 أيام..
وعقب نرجع بون نأخذ نتايج الفحوص.. ونرجع الدوحة..
عاجبش الجدول.. وإلا تبين نغيره شوي؟؟

سميرة تعلقت في عنقه بمرح ثم افلتته لتشير له: عاجبني ونص..

ثم أشارت بتردد: وجدك زين من اللي عنده؟؟

تميم بتلقائية: أساسا حتى لو كنا موجودين.. أمي اللي قايمة فيه وهي سليم..
والليل ماينام عنده إلا سليم..
أمي كانت تبي تجي تنام عنده.. بس أنا حلفت عليها ماتقعد في البيت بروحها..
تقعد عنده كثر ماتبي في النهار.. وفي الليل ترجع لبيتها!!
جدي لو بغى شيء بيخلي سليم يدق عليها!!






***********************************






هاهي تتمدد على سرير وضحى في انتظار انتهاء وضحى من صلاتها..
مازالت لم تره حتى الآن..
رغم أنها بالفعل ذهبت إلى بيتها.. وانتظرته لأكثر من ساعتين..
ثم اضطرت للعودة إلى أختها لأن لديها الكثير من الترتيبات التي لابد أن تنجزها قبل أن تنام..
رغم أن سميرة أيضا لم تتوقف عن العمل.. لكن كلتاهما باتتا تشعران بتوتر أكثر من وضحى.. وهما تعيدان عمل الشيء الواحد عدة مرات!!


رنة رسالة تصل هاتفها.. كانت منه.. توجست (لماذا رسالة وليس اتصال؟؟)

" نمتي؟؟"


كاسرة توجست أكثر (ليش السؤال؟؟).. أرسلت له:

" لا.. مابعد!! "


لتتفاجأ بعد ثوان باتصاله..
في حالة الأزواج الطبيعيين ..هذا الاتصال أكثر من عادي!!
لكن في حالتهما ابعد ما يكون عن الطبيعية..

تنهدت كاسرة قبل أن ترد (أكيد يبي يغسل شراعي شوي.. عاد في خاطره لغو) ردت بهدوء متمكن: هلا كساب..

رد عليها بنبرة دافئة مقصودة : تدرين إن عليش بحة صوت تذبح!!

كاسرة كادت تلقي الهاتف من يدها وهي تكتم كحتها وشهقاتها..
لولا أنها متأكدة إنه صوت كساب وإلا كانت قالت أن المتصل شخص آخر..
كاسرة همست بثبات قدر الامكان رغم أن جملته البسيطة أحدثت فوضى هائلة في مشاعرها..
ولكنها بداخلها كانت تخشى أن يكون يسخر منها.. ليس شكا في نفسها.. لكن شكا في نواياه..
ولكنها همست بثبات خافت حتى لا يصل صوتها لوضحى التي تصلي في زاوية الغرفة:
لنا أكثر من سنة متزوجين وتوك تكتشف إنه بحة صوتي تذبح على قولتك؟؟

جاءها صوته باسما متلاعبا دافئا لدرجة تثير الجنون .. الجنون بمعناه الإيجابي لا السلبي:
تدرين فيه أشياء من حلاتها تبين وقت لين تحسين بحلاوتها عدل من قد ماهي حلوة...
لأنه عقلش يعجز يستوعب ذا الحلاوة.. يحتاج له وقت للاستيعاب لا يستخف..
مثل الشكولاته الفاخرة ماتبين حلاوتها إلا على آخرها.. لا ذابت في الثم..
صوتش كذا.. من قد ماهو حلو..
وتخيلي أشلون حلو.. لأني احتجت سنة كاملة عشان أستوعب حلاته!!


كاسرة شعرت برعشة حادة تجتاح خلاياها خلية خلية.. وخلاياها تكاد تُنسف من شدة التأثر والانفعال!!

أ ليس من المثير للشفقة أن تكون متزوجة طوال هذه الفترة وتشتاق لكلمة غزل واحدة.. فإذا به ينثال بهذا الغزل المثير المكثف وبلا مقدمات!!

كما لو كانت أرض بور تشققت من الجفاف.. تنتظر قطرة ماء واحدة.. قطرة واحدة فقط..
فإذا بالماء ينسكب فوقها إنسكابا.. وتحتاج وقتا لتستطيع تلقي هذا الماء وامتصاصه!!


صمتت.. عجزت عن الكلام.. لأول مرة تعجز عن الرد لأنه أشعرها بأنوثتها حتى ذروة الذورة..
لم يستفزها لكي ترد عليه ردودها الحادة ردا برد!!

كساب همس بذات نبرته الدافئة الباسمة: وين راح صوتش؟؟.. تونا نقول حلو ويدوخ!! بتحرمينا منه يعني؟؟

حينها همست كاسرة بنبرة أقرب للتبلد: أنت متأكد إنهم ما سوو لك عملية غسيل مخ في سفرتك ذي؟؟

همس بنبرة تلاعب مدروسة: واحد مسكين قاعد في غرفته بروحه.. ويعد الطوف والثريات واللمبات وخطوط السقف..
لا حد يسولف معه.. ولا زول يشوفه!!
وش توقعين يصير فيه؟!! زين ما يستخف!!

حينها ضحكت كاسرة برقة: لا شكلها مهوب عملية غسيل مخ.. شكلهم بدلوا مخك كامل بمخ جديد!!

همس بدفء عميق لا يخلو من نبرة تلاعبه الدائمة:
زين تعالي خمس دقايق بس.. أبي أشوفش بس..

كاسرة بصدمة: من جدك... ما أقدر .. وضحى عندي وش أقول لها؟؟

ابتسم: زين أنا أجيش.. مثل ذكريات الأيام الخوالي.. والتعلبش على الجدران مثل القرود..

ضحكت كاسرة وهي تشعر بروح مرح غريبة: لا واللي يرحم والديك..
خل عرس أختي يعدي على خير.. لا تسوي لنا أفلام.. وتطيح من فوق السطح!!

حينها همس بعمق خافت.. آلمها حتى عمق روحها: أبي أشوفش بس.. ما تبين تشوفيني؟؟!!

كاسرة أغلقت عينيها وفتحتها.. شعرت بريقها جاف.. والكلمة لا تريد الخروج..
لكنها علمت أنها إن لم ترد عليه بما تشعر به فعلا.. فهي ستفسد هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر أبدا..
فكساب الليلة يبدو أغرب من الغرابة.. تخشى فعلا أن غرابته هذه لن تتكرر..
وكم تمنت لو يبقى غريبا هكذا طوال عمره!!

همست بصوت مبحوح مثقل بالدفء والعذوبة: بلى والله أبي أشوفك..
بس الليلة ما أقدر.. أنت اللي تأخرت علي مع إني انتظرتك في البيت كثير..
بكرة الصبح بدري أنا بأرجع للبيت أساسا..

حينها همس بخيبة أمل يخفيها خلف حزم صوته:
وأنا بأكون من عقب صلاة الفجر مع العمال عشان صب أساسات مشروع مهم..

حينها ضحكت كاسرة : وأنا عقبها بأنشغل مع وضحى.. خلاص أشوفك في الليل عقب العرس!!

ضحك كساب: تدرين كأننا قطو وفأر.. وذا الشوفة مهيب راضية تتيسر..



انتهت المكالمة.. ولكن ابتسامة كاسرة مازالت مرتسمة وهي مازالت تحتضن الهاتف ملاصقا لأذنها..

لم يقاطع أجواءها السماوية سوى نحنحة مرحة ووضحى تضع يدها على خصرها:
احم احم نحن هنا..

كاسرة أنزلت هاتفها وهي تهمس بحرج: من متى وأنتي واقفة؟؟

وضحى همست بمرح: أممممم خلني أتذكر... من ( وأنا والله أبي أشوفك).. قالتها بطريقة تمثيلية مرحة..

كاسرة بحرج: صدق إنش قليلة أدب.. وليش تتسمعين؟؟

وضحى هزت كتفيها بمرح: وأنا اللي تسمعت؟!! الكلام جا لين عندي..
ثم همست بمودة: أول مرة أسمعش تكلمين كساب وتضحكين..
يا الله فزي لبيتش.. روحي لرجالش..

كاسرة ابتسمت وهي تشير للمكان الخالي جوارها وتهمس بحنان: تعالي.. نامي وراش بكرة عفسة!!
والليلة حقتش بروحش أنتي وبس..

وضحى تسللت لجوار كاسرة وابتسامتها المرحة المرتسمة قبل ثوان تتبخر وهي تهمس بتوتر:
كاسرة.. أنا خايفة ومتوترة!!

كاسرة مررت أناملها عبر خصلات وضحى وهي تهمس بحنان حازم باسم:
مافيه شيء يخوف.. الله يستر على نايف بس لا تأكلين القطوة اللي هو جاي يبي يذبحها...






************************************







يدخل بيته صباحا مبكرا..
مع أنه أبلغ عبدالرحمن البارحة بوصوله إلا انه لم يتوقع أن تكون شعاع موجودة..
لأن الوقت مازال مبكرا.. وهي يستحيل أن تنام في البيت لوحدها..
لكنه يتوقع أن تصل بعد لحظات..


(على ما أخذ شاور.. بتكون وصلت..!!!)
كان البيت يبدو أكثر ترتيبا ونظافة من المعتاد.. (ياقلبي ياشعاع.. كانت متوقعتني أجي أمس!!)


وحين دخل إلى غرفته..
كانت غرفته تبدو كما لو رُتبت بالمسطرة.. وكل شيء في مكانه..
إلا شيئا واحدا ..لذا لفت نظره.. لوجوده في غير مكانه المعتاد.. وبطريقة غير معتادة!!

كان ثوبا من ثيابه ملقى على السرير.. حين اقترب ليحمله ويلقيه في سلة الغسيل..

تراجع بصدمة حادة.. وهو يشهق بعنف (أشلون نسيته؟؟ أشلون؟؟صدق إني غبي ومافيني مخ!!
من فرحتي بشوفتها نسيت كل شيء!!)

علي تراجع وهو يجلس بجوار ثوبه الذي مازال اللون الزهري واضحا على جيبه!!
تنهد بعمق وهو يلقي غترته جواره بغيظ أشبه بالاحتراق!!

كان يعلم أن هذه السعادة غير المعقولة التي يغرق فيها حتى مافوق أذنيه..
لا يمكن أن تكون إلا حلما لفرط روعتها..
والأحلام لابد أن نصحو منها يوما.. ليصفعنا الواقع!!


كيف سيشرح لها؟؟
وماذا سيشرح لها؟؟
كل التفسيرات والمبررات حتى الصادقة منها.. ستكون محرجة له ومؤلمة لها!!
فشعاع تظن أن ماحدث في المصعد لا يتجاوز رؤيته لها بدون غطاء!!

لا يعلم كيف ستصدق إن هذه الأثار لها هي.. وإن صدقت.. كيف ستتقبل ذلك!!

تبدو القضية معقدة وفلسفية لحد بعيد..
أين المشكلة؟؟ فهي في ذلك الوقت كانت زوجته.. كما هي الآن!!

المشكلة أنه لم يكن يعلم!! وهرطقات الإحساس المختلف بها وشعوره العميق بأحقيته بها لن تقنع امرأة مجروحة مثلها!!

فكيف سمح لنفسه أن يتجاوز كل الخطوط ويفعل ذلك!!

فهي سامحته على نظرة لم يسعى هو لها... فكيف ستسامحه على ضمة هو من سعى لها ؟!!



ولكنه يعلم أنها مغرمة به.. كما هو مغرم بها.. وأنها لن تصبر على فراقه..
لذا سيحاول أن يدخل لها من هذا المدخل..
فكل شيء جائز في الحب والحرب!!


علي تناول هاتفه.. ليتصل بها..
فهما يكن قلبه لا يقواه أن يتركها تعاني أكثر من ذلك..
يعلم أنها لابد أهدرت طنا من الدموع من البارحة حتى اليوم!!
يريدها أن تصرخ به.. إن كان الصراخ سيريحها!!
يريدها أن تؤنبه وتجرح فيه كما تشاء لأنه تجرأ على جرح مشاعرها الغالية!!

لكن هاتفها كان مغلقا..
حاول لمرتين أخريين.. ومازال مغلقا..
ألقاه جواره بغيظ مختلط بالأسى وهو يقرر أن يستحم ويتوجه إليها بنفسه!!







************************************






" شعاع وش مقعدش في الصالة كذا بدري؟؟"

شعاع تجيب عالية وهي تتلهى في جهاز التحكم حتى لا تلاحظ انتفاخ وجهها من البكاء: ماجاني نوم عقب صلاة الصبح.. قلت بأقعد أشوف الأخبار
أنتي وش مقومش بدري لا ولابسة عباتش بعد..


عالية في موقف آخر كانت لتلاحظ فورا مظهر شعاع المزري.. لكن لأن رأسها كان مشغولا بألف شيء.. لم تنتبه وهي تنهمر بالكلمات:
أبي أروح لبيت نايف.. أرتب كل شيء على ذوق وضحى وبأغراضها.. وعقب أقفله لين الزفة..
خلي خالاتي يحترقون..

تخيلي شعاع البيت ترتب أكثر من مرة.. ومفرش السرير تغير أكثر من مرة..
كل وحدة تبي تحط مفرشها اللي هي اشترته..
وتخيلي الأذواق عاد!!

العروس جايبة مفرش يجنن.. أمها حطته على السرير.. ورتبت كل شيء قبل أمس يوم جابت أغراضها..
نايف وداني وشفت الترتيب كان خيال وراقي صدق..

تخيلي البارحة في الليل متأخر يتصل علي.. يقول لي جاء غرفته لقا خالاتي قالبين الدنيا فوق حدر..
وهو مستحي تسأل البنية عن أغراضها يقول لها ما أدري..

شعاع همست بمودة رغم انشغالها بما فيها: تبين مساعدة؟؟

عالية تلبس نقابها باستعجال: تسلمين ياحلوة.. روحي لبيتش أكيد رجالش على وصول..
أنا أساسا بأخذ خدامة من بيت هلي.. وخدامة من هنا.. وبنخلص بسرعة..



حينما خرجت عالية للسيارة التي تنتظرها في البارحة.. كان هناك شاب طويل نحيل ينتظر خارجا.. يبدو شكله محرجا وهو يتصل في هاتفه ولا مجيب..

عالية عرفته فورا.. وهو حينما رأى السيدة التي تخرج.. استدار بحرج ليعود لسيارته..
لولا أن عالية أوقفته بطريقتها القوية في الكلام: أبو زايد تفضل داخل..
الصالة مافيها إلا شعاع..

علي هتف بلباقة رغم أنه ليس متيقنا من هي: صبحش الله بالخير يابنت خالد..
أنا تفشلت.. الوقت بدري.. وأدق على شعاع وعبدالرحمن ماحد يرد منهم..

عالية هتفت باحترام : عبدالرحمن راقد .. تبيه رجعت أقومه؟؟

علي يشعر بحرج متزايد: لا سلامتش.. جاي أسلم على عمتي وأخذ شعاع..

عالية تغادر للسيارة وهي تهتف بذات نبرة الاحترام القوية: اقلط مابه حد داخل إلا شعاع بس!!



شعاع حينها كانت تمرر أناملها عبر جهاز التحكم.. وعيناها المغرقتان بالدموع تعبر شاشة التلفاز ..
وأفكارها المرة تحفر في روحها حفرا... تحاول إبعادها عنها.. فتجدها تعود لتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم!!

لا تتخيل أن عليا به من الدناءة أن يخونها ثم يحتفظ أيضا بعلامة خيانته داخل صندوق مغلق كما لو كان يفتخر بها!!

لا تتصور مطلقا كيف من الممكن أن يفعل ذلك..!!
رغما عنها شهقت بعنف وهي تتخيل الأخرى التي ضمها لصدرها.. تمنت أن يكونا كلاهما أمامها لتمزقهما تمزيقا...



" بسم الله عليش!!"

صوته الحاني كان قريبا كحلم.. تزايدت شهقاتها العنيفة رغما عنها..
(الخاين حتى صوته ملازمني!!)

فوجئت باليدين الحانيتين تمسكان كتفيها من الخلف يتبعهما صوته الجزع:
بسم الله عليش ياقلبي.. اخذي نفس..

شعاع قفزت بحدة لتستدير ناحيته.. بينما علي هتف بعتب: شعاع الله يهداش وش ذا النطة؟؟ راعي اللي في بطنش!!


شعاع تنظر له بذهول.. وعيناها متسعتان من الألم والصدمة: مهتم من اللي في بطني عقب اللي سويته..؟؟

علي يتنهد: شعاع حبيبتي امشي معي للبيت وبأفهمش كل شيء..

شعاع بألم شاسع: ما ابيك تفهمني شيء ولا تقول لي شيء..
لو هي وحدة غيري أصلا ماكانت طاقت تتفكر في وجهش!!
لو سمحت اطلع..

علي اقترب منها أكثر ليشد كفها ليجلسها.. لكنها شدت يدها بعنف منه.. وهي تهمس بحدة: لا تقرب مني!!

علي يتنهد: شعاع تكفين.. المكان مهوب مناسب للكلام.. تعالي زين مجلس الحريم..

شعاع تدير وجهها جانبا: علي لو سمحت.. اطلع برا.. ما أبي أسمع شيء!!
أشلون قادر تحط عينك في عيني وأنت خايني!!

علي يحاول أن يبعث أكبر قدر من الهدوء في صوته.. حتى شجارهما مثلهما.. هادئ.. شفاف.. راق:
ياقلبي ياحبيبتي.. والله العظيم.. ثم والله العظيم.. ثم والله العظيم... إن هذا ثوبي يوم تسكر علينا الأسنصير..

شعاع مازالت لم تستوعب: وهو كل شيء في حياتنا بتعلقه على سالفة الأصنصير!!
ثم شهقت وهي تتراجع أكثر: وبعد خايني في يوم ملكتنا بعد.. وتكذب علي إنك تعلقت فيني من ذاك اليوم..


علي هز رأسه بيأس: شعاع ما تذكرين لون الروج اللي أنتي كنتي حاطته ذاك اليوم..؟؟
وقبل ماتعصبين.. حطي نفسش مكانش.. ودوري لي عذر..
ولو مالي عذر.. أنا رجّالش وأب ولدش...
لو حتى ذنبي كبير.. قلبش أكبر..
وأنا معترف إني غلطان وطالب السماح.. ومافيه حياة زوجية تخلى من المشاكل

شعاع كانت تسمع انهماره والطعنات تتعمق في قلبها.. همست باختناق حقيقي:
وهذي تسميها مشكلة زوجية...
علي لو سمحت.. لو ما طلعت.. أنا اللي بأروح وبأخلي المكان كله لك..


علي تنهد ليزفر بحرارة: أنا بغيت أشرح لش كل شيء.. ماهان علي تقعدين تحترقين كذا بروحش..
خلش وارتاحي وفكري زين.. وبكرة عقب العرس باجي أخذش..


شعاع لم تستطع حتى أن ترد عليه.. وهي تنهار جالسة!!
بينما علي كان يشعر أنه يتمزق فعلا وهو يتركها خلفه.. ويخرج رغما عنه!!

ليشعر بالتمزق بأقصى معانيها وأشدها قسوة ووحشية.. وهو يصل لسيارته لتصله رسالة منها:


" علي لو سمحت.. لا تحرج نفسك ولا تحرجني!!
لا تجي بكرة ولا بعده...
وأنا لو حد سألني بأقول وحامي جا في البيت وفيك..
مهوب يقولون اللي تحب رجالها يجي وحامها فيه...؟!!
انبسط بالغلا !!"







******************************






نايف يعيد عالية لبيتها بعد صلاة الظهر.. حتى يتوجه للحلاق..
يهتف بقلق: علوي أخاف خواتي يزعلون..

عالية بحزم: لا والله معطي كل وحدة منهم نسخة من مفاتيح بيتك عشان ماتزعلهم..
وأنا أقول أشلون يقدرون يدخلون ويخربون على كيفهم..

نايف يزفر بضيق: بس تروحين تغيرين مفاتيح البيت كلها..!!

عالية بذات الحزم الأقرب للغضب: إيه بأغيرها ولو وحدة منهم عندها نص كلمة.. خلها تكلمني..
أصلا أنا أبيهم يكلموني..
نعنبو دار عدوك... هذا بيتك بروحك... ما لوحدة منهم فيه ريال...
كل وحدة منهم خذت حقها وزيادة في بيت إبيها.. وش يبون ببيتك؟؟
اللي طفشت بنت الناس.. ماحتى بتقعد أسبوع على ذا الحالة..


حينها هتف نايف بنبرة مقصودة: مهوب أنتي تقولين إنها مرنة وبتحط خواتي على رأسها؟!!

عالية بنبرة جدية تماما: فيه فرق بين مرنة وتحط خواتك على رأسها..
وبين هبلة ورقلة وماعندها شخصية وخواتك يركبون على رقبتها!!
أصلا لو مرتك ماحطتهم عند حدهم.. والله ماحد يأكلها غيرك.. وتعيش حياتك كلها بين ثمان طباين..
يعني الواحد يكون عنده زوجتين يطلعون روحه... أشلون واحد عنده ثمان!!


نايف تنهد بعمق وهو يسند ظهره للخلف ويتمسك بالمقود..
أي هموم تشغل بال شاب مثله.. وفي ليلة زفافه التي من المفترض أن تكون أسعد ليلة في حياته...!!

ممزق بين شقيقاته وبين زوجة يخشى أنها ليست مرنة حتى!!
بل يخشى أن تكون حادة ومتصلبة لدرجة الصدام المشترك مع شقيقاته!!





********************************







" ياعزتي لخالي عزاه..
اللي راح فيها نويف.. وين كانت وضيحى داسة ذا الحلا كله؟؟
صدق صراحة طلتها إبهار.. عرفت أشلون تبرز نفسها!!"

سميرة بمرح مشابه لمرح ابنة عمها: خلي خالاتش يحترقون..
سامعتهم بأذني يقولون أخينا الوحيد مالقى له إلا ذي.. وش الزود اللي فيها!!


عالية تضحك: خلش من خالاتي.. لو مالقوا شيء يحشون فيه حشو في أنفسهم..
التفتي عليهم وشوفيهم وهم متزاحمين عند الاستقبال.. كل وحدة منهم كأنها تبي تقول أنا الكل في الكل..

ثم أردفت بخفوت: إلا عمتش وش فيها؟؟ مهوب عوايدها.. بالعادة منورة وتهلي وترحب.. الحين ماتبي تبعد من جنب وضحى..

سميرة بتأثر: حتى أنا ماهقيتها بتتأثر كذا.. تدرين وضحى أخر العنقود.. وفراقها صعب..



بالفعل كانت مزنة لا تكاد تبتعد خطوة من جنب وضحى.. لأنها ما ان تفكر أن تبتعد حتى للسلام على إحداهن..
حتى ترى عيني وضحى تبحث عنها بوجع.. يزيدها وجعا!!

تنظر لها... فلا ترى كل الهالة حولها.. كل ماتراه هو ظفيرتين مجدلتين في أسفلهما شريطة بيضاء.. وهي في يومها المدرسي الأول..
كانت في ذلك اليوم تماما مثل ما هي اليوم.. طهر مجلل بالنقاء.. وعيناها تبحثان عن أنامل والدتها.. وتفيضان بدمع يأبى الإنسكاب..

تزيدها ذكريات ذلك اليوم وجعا... كلما تذكرت كيف أصر مهاب على أن يذهب معهما بنفسه...
وهو يشد على أناملها الصغيرة حتى أدخلها باب المدرسة.. ويرجو أمه أن تبقى معها قليلا...

تنظر لها.. فلا ترى عروسا.. بل ترى طفلتها هي.. أصغر الأبناء..
وككل الأمهات يظنون أن هؤلاء الصغار لن يكبروا..
سيبقون صغارا نرتشف معهم خربشات طفولتهم!!


كاسرة قاطعت أفكار أمها وهي تربت على كتفها برجاء خافت: يمه طالبتش اقعدي شوي..
اقعدي جنبها لو تبين.. بس بلاها ذا الوقفة!!

مزنة لم ترد عليها حتى.. لا تريد أن تجلس.. لأنها لا تريد أن يفوتها لفتة من لفتاتها ولا نظرة من نظراتها..
تريد أن تطرز ناظرها برؤيتها طفلتها وحدها قبل أن تذهب بأخر ذكريات طفولتها إلى عالم النضج!!







**************************************







" أنت صدق طالع المطار الحين؟؟"


فهد باحترام: إيه طال عمرك.. يا الله الحق..

منصور بتساؤل مهتم: والوضع بينك وبين مرتك أشلونه..؟؟
أنا سألتها تقول كل شيء زين..

فهد هتف بشجن مخفي خلف حزم صوته: زين إن شاء الله!!
ثم أردف بثقة: وعلى طاري جميلة أبيك توصل لها ذا الظرف طال عمرك..
لأني مالحقت أشوفها اليوم..

(كنت أتمنى أشوفها..
بس هي ماردت على تلفوناتي!!)

منصور أعاد الظرف لفهد بغضب: تبي تصرف على بنتي وهي في بيتي!!

فهد أعاد الظرف بإصرار أكبر: والله ماتقول شي.. إلا أنت ترضاها علي؟!!
ترضى إن حد غيري يصرف على مرتي حتى لو كان إبيها؟!!

منصور ابتسم فهذا الشاب غال جدا على قلبه.. لأنه لطالما عرف كيف أن له قلبا لا يعرف التلون :
باعطيها الظرف عشان خاطرك.. بس ياويلها تصرف منه وهي عندي!!

ابتسم فهد ردا على ابتسامته: وياويلها تصرف من غيره حتى لو هي عندك!!




ثم أردف بمودة: خلني أقوم أسلم على خالي.. لأنهم بيزفونه الحين.. وأنا بأطلع للمطار..

منصور بأريحية: أنا بأوصلك..

فهد بإصرار حازم: لا والله ماتوصلني.. حتى أخواني عييت حد منهم يخلي العرس عشان يوصلني..
سواق البيت ينتظرني برا.. وهو اللي بيوصلني!!





*******************************





نايف يشعر بالتوتر وهو في السيارة مع قطبين صامتين... وهو لا يستطيع الحديث في حضرتهما
تميم صامت.. لأنه صامت!!
وزايد صامت.. لأن هيبته تتحدث عنه!!


" ليتني رحت مع هزاع..
أبوك يالذرابة إلا أروح معهم..
أقله كان قعدنا ننكت أنا وهزاع وشلنا التوتر شوي"


حين وصلوا للقاعة.. هتف زايد بحزم أبوي: انزل يأبيك..
حالما نزل نايف شد زايد على كفه بقوة وهو يهمس في أذنه بحزم خافت:
اسمعني زين يا أبيك.. أدري إنك رجّال من عرب أجواد..
بس النصيحة لازمة.. لا يطري على بالك ولا حتى لثانية وحدة إنك تقهر وضحى وإلا تضيمها.. وتقول ماوراها ظهر يرد عنها!!
تميم عن ألف رجال من غير قصور فيه..
لكن حسابك وقتها بيكون معي أنا... وأظني إنك تعرف زايد آل كساب لو حد داس على طرف بنته وش هو بيسوي فيه!!


(مهوب كفاية إني متوتر... يخض بطني بعد!!)
نايف هتف باحترام جزيل: وضحى على رأسي من فوق.. ازهلها!!


زايد استخرج هاتفه ليخبر مزنة أنهم أصبحوا في الخارج.. بعد ان أتصل بها وأخيرها بخروجهم من موقع الحفل..
حتى يتجهزن..





.
.
.



" يمه تكفين.. لا تخليني.."


كانت وضحى تشد كف والدتها قريبا من قلبها بعد أن بقيت هي وحدها معها..
وقريبا من الباب ثمانية أشباح مسربلة بالسواد..!!

مزنة أكثرت من قراءة الأذكار عليها وهي تهمس لها بحنان:
ياقلبي مافيه شيء يخوف... اذكري ربش وبس...

وضحى باختناق متعاظم: يمة خايفة.. خايفة..

مزنة احتضنت كتفيها وهي تقرأ وتنفت عليها ثم ابتعدت عنها قليلا حين رأت طرف البشت الاسود الداخل..
فقد كان العريس وزايد كلاهما يرتديان بشتين سوداوين..

نايف كان يتقدم بحرج لا يعرف له سببا.. لتتعلق عيناه بالمشهد المبهر قبل أن يكتمل حتى..
كانت وضحى تقف ورأسها مخفض للأرض وهي ترتعش بعنف..
كان فستانها غريبا... والأغرب طرحتها..
ليس غريبا كفكرة ولكنه غريب كتنفيذ محكم دقيق!!
فالفستان الأبيض الناصع تخلل قماشه في مناطق مختلفة منه لون أخضر فاتح جدا هو جزء من لون القماش!!

وأعلاه كان عبارة عن أغصان خُضر نحيلة تلتف ببراعة على الصدر والذراعين.. لينبثق منها الأوراق وزهرات مختلفة الألوان كلها بألوان فاتحة هادئة جدا..
وهي تنحدر لأسفل وتتفرع حتى تختفي!!


أما الطرحة التي وُضعت بشكل الشيلة.. فهي أشبه بشبك الصيادين.... ولونها... أخضر فاتح بالكامل!!

وكوشتها الصغيرة الناعمة صُممت تماما وفقا لهذه الفكرة والوانها..
الأبيض ..والأغصان الخضر الفاتحة..والزهور الناعمة الألوان ..
ومثل ذلك مسكتها التي تمسك بها الآن وارتعاشها واضح في ثناياها..


حين اكتملت الصورة في عيناه.. لم يجد وصفا يصفها به سوى "مبهرة"
مبهرة فعلا...!!


زايد تقدم أولا ليقبل جبينها وهو يهمس في أذنها بحنان ومودة: الف مبروك يأبيش!!
نايف رجال فيه خير.. الله الله فيه.. وأنا وصيته فيش.. ومايقصر!!

وضحى همست باختناق: الله لا يحرمني منك.. ما تتخيل أشلون أنا فرحانة بشوفتك جنبي ذا الليلة..

زاد اختناقها وهي ترى تميم خلفه.. يشير لها بالتهنئة.. وهي عاجزة عن الإشارة.. لأن يداها مشغولتان بالمسكة..
أشار لها بشجن وتأثر وهو يرى كيف امتلئت عيناها بالدموع:
وصلني الرد يأخيش.. لا تحاتين..


العريسان.. كلاهما متوتر من لحظة اللقاء..التي اقتربت..
زايد هتف لنايف بحزم: سلم على هلك.. وحن ننتظرك برا..

ليخرج هو وتميم...

كان نايف للتو تتملأ عيناه من رؤيتها.. كان يريد أن يتمعن في كل تفصيل من تفاصيلها..
وخصوصا أن ذقنها كان يرتعش بشكل بالغ العذوبة أثر فيه حتى عمق العمق..
كان يريد أن يرى عينيها المسبلتين بخجل وهو يتقدم ليقف جوارها..
ليتفاجأ بهجوم الدبابات الكاسح الذي كاد يطرحه أرضا!!
" مبروك يأختك.. مبروك"
" ماتخيل فرحتي فيك!!"
" منك المال ومنها العيال!!"
"جعلني أشيل عيالك بين إيدي ياريحة الغالي!!"

شقيقاته أحطن به.. لدرجة أن مزنة تدخلت لتشد ابنتها وتجلسها..
قبل أن يوقعوها أرضا.. أو على أقل تقدير يمزقن مسكتها أو يفسدن فستانها لأنها كانت تقف ملاصقة لنايف..


ثوان ليصل الصوت الحازم العالي: خالاتي حبياتي... سوو مثل أمي.. سلمت ونزلت..
خلوا العريس يصور مع عروسه صورة عدلة الله يرحم والديكم..

نورة نزلت وهي ترمق عالية بنظرة حادة وتهمس لها بخفوت: دواش بعدين يا بنت صافية على سواياش كلها..
ما بغيت أخرب عرس نايف وإلا كان وريتش شغلش الحين!!


عالية بإبتسامة مصطنعة: خالتي تعالي في بيتنا وأنا كلي حلالش... المهم لا تحربون على نايف فرحته..

سلطانة نزلت أيضا ووصلت لتتدخل بخفوت: وش فرحته ياحظي؟؟... حديقة الورد اللي جنبه؟!!


عالية بابتسامة ونبرة مقصودة تماما: مالقوا في الورد عيب.. قالوا يا أحمر الخدين..

نورة بنبرة حادة هامسة: إيه أكيد بتقولين كذا.. دام ذي مسافيطش لخالش اللي ست سنين وهو ضامش.. وهذا جزاه عندش!!

عالية حينها شعرت أنها قد تنفجر من شدة الغضب فعلا..
ومع ذلك تماسكت وهي تصعد لتقبل جبين نايف ثم أجلسته جوار عروسه ..
وهي تهمس في أذنه بخفوت: اقعد صور لك كم صورة مع مرتك..
وعقبه هج لبيتك... سكر البيان وقفل تلفونك.. واطلع بكرة للمطار قبل موعد رحلتك..
اسمع شوري طالبتك!!
خلك أنت ومرتك بروحكم أسبوع وإلا أسبوعين لين تعرفون على بعض بدون تدخل من حد...

نايف شعر بالصداع فعلا.. في الوقت الذي يجب أن يكون شاغله هو عروسه..
يجد له مشاغل أخرى..
يسترق النظرات نحو ارتعاشها الرقيق ويتمنى لو يقول كلمة لتهدئتها..
ولا يستطيع إلا أن يفكر بالهرب بها لوحدهما.. قبل أن يُصاب بالجنون!!







***********************************





" خلاص زفوا وضحى الحين..
وأنا وأمي بنرجع البيت الحين..
مالنا نفس في القعدة عقبها!!
أنتظرك في البيت!!"


كساب كان ينظر لرسالة كاسرة ويبتسم.. وكان على وشك القيام ليتوجه للبيت فعلا..
لولا اليد الحانية التي شدت معصمه تبعها الصوت الهادئ العميق:
وقف باروح معك... أبيك في موضوع!!


كساب تنهد بعمق (أنا قلت الله يستر من شفقتي على شوفتها!! شكلها تعسرت!!)

كساب هتف لعلي بحزم: يالله امش.. أساسا وجهك مهوب عاجبني من يوم شفتك..
وسألتك.. وقلت لي مافيه شيء.. أثر عندك علوم!!
يا الله امش.. نروح نتقهوى في أي مكان ونسولف..


كساب وهو خارج.. أرسل لكاسرة أنه سيتأخر قليلا..


بعد حوالي الساعة في أحد مقاهي سوق واقف.. كانت القهوة قد بردت تماما..
وعلى يحكي لكساب خلافه مع زوجته..
فهو بالفعل متضايق.. ويريد أن يفضفض فقط.. لأن آخر من قد يحتاج منه نصيحة زوجية هو كساب!!


كساب كان يرتعش من الغضب وهو يقاطع علي بحدة: صدق مع شينه قوات عينه.. الحين أنت مهبب لك مصيبة كبر رأسك..
وربك ستر عليك ومافضحك... تفضح روحك بروحك ليه؟؟.. تخلي الثوب عندك ليه؟؟
هذا المفروض ثوب نجس ترميه في أقرب زبالة.. مهوب تحتفظ فيه كنك مستانس فيه يا الخمام..
جزاك وأقل من جزاك..
والله ماسوته فيك بنت فاضل إنه حلال.. وإنها هي خسارة فيك..
يعني عقب ماكانت هي عقب الله سبب في تحسن صحتك ونسيان خبالك القديم
تجرحها بذا الطريقة؟؟ أخييييييه منك!!


علي صمت.. وكساب مستمر في تجريحه بقسوة.. لا يستطيع حتى أن يخبره أن جنونه القديم هي ذاتها جنونه الجديد..
يشعر أن هذا سر خاص به وحده.. وإخباره والده به وكأنه يخبر نفسه!!

لم يشتكي لوالده.. لأنه يشعر أن والده مهموم بهم لم يشعر به سواه..
هم جديد يخفيه في أعمق أعماقه..!!!
وما أكد له ذلك.. أن والده لم ينتبه لتغيره..
وهو من كان يلتقط خلجات أنفاسه قبل أن يتنفسها..

كان في حاجة إلى حدة كساب وتأنيبه وقسوته.. لأنه يريد أن يعاقب نفسه على تجريحه لشعاع .. التجريح الذي هي احتفظت به لنفسه..
ولم تتلفظ به شفتاها حتى!!







*********************************






دخل لجناحه بهدوء.. لم يتوقع أنه قد يجدها مبكرا هكذا.. وخصوصا أن الليلة حفل زواج ابنتها..
لذا كانت صدمته بوجودها... وهي تجلس على السرير..
وأمامها عشرات الصور المنشورة.... كلها لشخص واحد.... وضحى!!


لم تشعر بدخوله حتى وقف فوق رأسها وسلم..
انتفضت بحرج وهي ترد السلام.. وتحاول إخفاء دمعة خائنة فرت من عينيها!!

همس زايد بتأثر وهو يجلس جوارها: أفا عليش يامزنة... تبكين؟؟

حينها لم تستطع أن توقف سيلا رقيقا من دموع صامتة.. سكبتها وهي تستدير ناحيته لتسند رأسها لكتفه..
لم تتحدث.. ولم يقل شيئا.. احتراما لحزن مهيب..
حقها أن يشاركها أساها.. كما شاركته أساه..

لحظات من زمن مسروق مضت وهي مازالت تنثر دموعها على صمود صدره قبل أن تبتعد وهي ترفع أحد الصور وتهمس باختناق كأنها تحادث روحها:
هذي صورتها وعمرها سنة!!
وهذي يوم خلصت الابتدائي!!
وهذي يوم خذت الطالبة المثالية!!

لم تستطع أن تقاوم مزيدا من انهمار دموعها.. وهي تلقي الصور وتطوق عنقه وتبكي هذه المرة بصوت مسموع..

زايد احتضنها بتأثر عميق وهو يهمس بخفوت قريبا من أذنها:
أنتي سويتي كذا يوم عرست كاسرة؟!!


أجابته بصوت مبحوح: لا.. يوم عرست كاسرة مهاب كان حي..
موت مهاب كسر فيني شيء مهوب راضي ينجبر..
وخصوصا إن وضحى كانت دايما تظن إني ما أغليها مثل أخوانها..
ومع كذا ماعمرها اشتكت.. ساكتة وراضية..
مادرت إن لكل واحد غلاه..
وهي غلاها بزود لأنها حشاشتي.. لين الليلة ما أشوف قدامي غير بنتي الصغيرة..
أحاتيها من الدنيا وقسوتها..


زايد صمت وهو يشدها أكثر إلى حضنه.. واختناق متزايد يكتم على أنفاسه..
كان يؤجل الحديث في موضوعه حتى زواج وضحى..
لكنه يرى الليلة غير مناسبة إطلاقا..
فهي بحاجته الليلة أكثر من حاجته لها..
ولا يمكن أن يدير وجهه لها!!







****************************************








مضى لهما دقائق منذ وصلا لغرفتهما...
صامتان.. متوتران.. متوجسان على ذات المستوى من الحدة والتكاثف..


نايف يسترق النظرات لها.. ويريد أن ينهض ليجلس جوارها فيجد أن قدميه لا تحملانه!!

وهي يتزايد اختناقها كلما تزايد صمته... تخشى أن كل تعبها لتبدو طلتها مبهرة أمامه ذهبت أدراج الرياح..
لأنه لم ينطق بكلمة واحدة إطلاقا منذ رأته...

" الظاهر إني ماعجبته.. أو مصدوم في شكلي..
ويقول وش ذا الخبلة على ذا اللبس اللي كنه لبس المهرجين؟؟
وبعدين وين جرأته وهو مرسل لي يبي يكلمني..
وحتى كلمة أشلونش ماقالها لي لين الحين !! "


هو يشعر بتوتر متزايد.. لانه يخشى من ردة فعلها..
قد يكون فعلا لم يعد غاضبا منها من أجل ماحدث بينهما سابقا حين أخبرت تميم..
ولكن الموقف كشف له حدة شخصيتها وأن ردود فعلها قد تكون محرجة له..
يخشى أن يقترب منها فتصرخ..
يقول لها كلمة غزل ما.. كما يُفترض فتسخر منه!!


ولكن خجلها البادي بشكل واضح جعله يتشجع قليلا ليقوم بالمبادرة..
وهو يقف ليلقي بشته جانبا...

ثم يقترب منها ليجلس جوارها على الأريكة التي كانت تجلس عليها وفستانها الضخم منتشر عليها..
لدرجة أنه جلس على طرف الفستان.. وهو يهمس بترحيب دافئ:
نورتي بيتش!!!

لم تستطع أن ترد والكلمات تقف في حنجرتها كما لو كانت تقف على مشانق تنتظر لحظة الخلاص الأخير..

تشجع أكثر ليهمس بذات الدفء: قلنا نورتي بيتش.. عبرينا بنص كلمة..

لم يصدر عنها سوى حشرجة خافتة لا تكوّن أي معنى..

همس حينها بإبتسامة: لا يكون شكلي يروع بس؟؟ وإلا صوتي...
لأنش منتي براضية تطلين في وجهي.. ولا حتى تردين علي!!


مازالت معتصمة بالصمت.. ليتشجع أكثر وأكثر وهو يمد يده ليلمس بعض الأزهار الصغيرة المتشابكة على عضدها:
تدرين إن فستانش خيال.. واعتبري هذي شهادة من واحد خبير..
عاش طول عمره بين بنات.. وعقبه 7 سنين في باريس.. الناس هناك يتنفسون موضة..

وضحى ابتعدت عنه بجزع ودقات قلبها تتصاعد وهو يمنحها أخيرا الغزل الذي تمنت سماعه..
ومع ذلك تمنت ألا يقوله!!


نايف كلما رأها تزداد خجلا.. ازداد تشجعا.. لأنه كان بذلك يكتشف أنها محض صبية خجولة.. لا تختلف عن أي صبية أخرى!!


مد يده مرة اخرى ولكن هذه المرة إلى وجهها وهو يلمس ذقنها بنعومة ليدير وجهها ناحيته ويهمس بدفء:
زين خليني أشوف وجهش!!

وضحى كان بودها أن تهرب من المكان كاملا.. لكنها شعرت أنها بذلك ستبدو متصلبة... وغير متقبلة له..
وهي من كانت تخشى ألا يتقبلها.. فإذا به يفاجئها بهذا الفيض من الدفء..

كانت عيناها مثبتتان للأسفل.. لذا عاود مد يده ليرفع وجهها..
ولم تعد يده لمكانها هذه المرة.. بل مررها برفق على تفاصيل وجهها برقة مقصودة..
شعرت وضحى حينها أن وجهها يشتعل.. وهو شعر بالفعل بدفء وجهها لأن الدم تدافع بعنف إلى وجهها ..


همس حينها بحنان رجولي فخم: ترا أنا حاس فيش أشلون مستحية.. وما أبي أزودها عليش..
قومي الحين بدلي وتوضي وخلينا نصلي ركعتين أول..
يشرح ربي صدر كل واحد منا للثاني ويبارك لنا في ليلتنا..




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 13-03-11 05:23 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وواحد
 




(يا الله نزلنا البارت بدري على طلب الغوالي)




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم انتعاش كانتعاش رذاذ الماء البارد المعطر
.
.
خالص خالص التعازي لأهل الشهيد علي حسن الجابر
المصور القطري الذي اُستشهد في ليبيا في استهداف لطاقم الجزيرة..
رحمه الله بواسع رحمته وأدخله فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان
هو وكل شهداء الثورة الليبية حتى الآن
الدماء الزكية التي ذهبت ثمنا لجنون القذافي!!
.
دعواتنا الخالصة بامن واستقرار كل البلاد العربية
أبعد الله عنهم الغمة والفتن ماظهر منها ومابطن
.
.
.
تأثرت كثيرا المرة الماضية من رد الغالية التي قالت أنها شعرت بمشاعر مزنة
لأنها حين زوجت بناتها هكذا شعرت..!!
الله لا يحرمنا منكم يا أمهاتنا ويديمكم فوق رأسنا!!
تدرون أني لما أحضر حفل زفاف تظل عيني تتابع أم العروس والعبرة تخنقني..
لأني أتذكر نفسي وأمي يوم زواجي!!
.
اليوم بارت مميز مثل ماقلت لكم سابقا
على الأقل من وجهة نظري
أصل فيه إلى تجميع الأحداث عند مرحلة معينة مقصودة
ثم يحمل هذا الجزء حدث مفصلي تعتمد عليه الرواية بكاملها.. وسيكون مقدمة لتفجر الأحداث على كل الجبهات بدءا من البارت القادم

بارت اليوم أتعبني جدا جدا في شيئين: الحوارات.. وصياغة المشاعر..
وحين تقرأون ستعلمون لماذا؟؟
بارت اليوم يُقرأ بتأني.. وستعلمون السبب حين تقرأون!!
.
البارت 101
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الثلاثاء الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وواحد





انتهيا من صلاتهما... وعادا للصمت..

وإن كان هذا الصمت هذه المرة هو كسابقه عند وضحى..
صمت خجل طبيعي..


فهو مختلف عند نايف.. فهو هذه المرة مستمتع بمراقبة تعابير خجلها!!
وهو يكتشف -بمتعة- أنوثتها الرقيقة التي خشي فعلا ألا تكون موجودة..
بناء على تفكيره السابق عنها.. وخصوصا أن شقيقاته لم يقصرن وهم يصفن أمها وأختها إنهما (نسرتان)!!
وإنها لابد مثلهما!!


كان دائما يتساءل : لماذا الوصف لأمها وشقيقتها ثم ينسحب توقع غير متأكد إلى شخصيتها... ؟؟
لو كان هناك عيب مباشر في شخصيتها لم يكن شقيقاته ليقصرن في نبشه..

شعر كما لو كانت ظلا غير واضح لأمها وشقيقها..

تماما مثلما كان هو!!!!
ظل غير واضح لشقيقاته السبع اللاتي اتخذن من محبته لهن حبلا أحكموا لفه حول عنقه..

مطلقا ليس ضعيف الشخصية.. ولكن حبه لهن أضعفه أمامهن.. يخشى أن يسبب الحزن لهن وهو أخيهن الوحيد!!

وفي نقطة التهاون هذه كان تماما كوضحى.. فهي أيضا ليست ضعيفة الشخصية!!
لكن وجودها في ظلال شخصيات قوية جعلها تستكين بشعور أمان.. أو ربما تخاذل!!


لكن حينما احتاجت لإبراز قوة شخصيتها أبرزتها وفي عدة مواقف..
وأقربها في إصرارها عليه هو رغم تحفظ أمها وشقيقتها!!




وضحى تشعر بتوتر رقيق لأنها تجلس أمامه بدون أي زينة بعد أن مسحت زينتها تماما .. تخشى أن تكون تهورت في هذا التصرف..
ولكنها أرادت بالفعل أن يراها هكذا.. يتعرف على شكلها الطبيعي!!


بينما هو كان ينظر لها بشجن.. إحساس عميق يتشكل في داخله نحوها..
وملامحها توحي له بشعور مُفتقد!!

شعور أمومة حنون!!

قد يكون غريبا أن يقول أنه يفتقد شعور الأمومة في ظل وجود سبع أمهات..
قد يعاني شعور تخمة الأمومة..!!!
ولكن معهن كان إحساسه بالأمومة مبتور.. لأن صراعهن الدائم حوله سبب له التشتت!!
واليتيم سيبقى دائما يفتقد أمه...
كما يعلم أن وضحى لابد تفتقد أباها!!


نايف قام ليجلس جوارها.. همس لها بتساؤل باسم: أنتي على طول كذا ساكتة؟؟

لم تجبه أيضا.. حينها مد يده ليتحسس أطراف أناملها.. شدت يدها لتدخلها في داخل أكمام روبها الحريري وهي تتنفس بصعوبة بدت واضحة له!!

هتف حينها بمودة: خلاص يا بنت الحلال لا تروعين كذا..
اعتبريها خطأ غير مقصود..

سألها ليستحثها على الكلام: تدرين إني ما ادري وش طبيعة شغلش؟؟ قولي لي؟؟

حينها همست وضحى بخفوت: مدرسة بالإشارات.. أدرس صم وبكم!!

حينها ضحك نايف بدفء: تدرين إني لي زمان ميت أسمع صوتش..
وأنتي ما بغيتي تحنين علينا..


حينها اختنقت وضحى.. ظنته يتكلم عن تلك المرة ..
شعرت أنها لن تتجاوز خجلها منه.. ولا توجسها حتى تعتذر منه..

لذا همست باختناق: نايف أنا فعلا آسفة على اللي صار المرة اللي كنت تبي تكلمني..
بس أنا ما أرضى أسوي شيء من ورا هلي!! أتمنى إنه مافي خاطرك شيء علي!!
لأنه الموضوع واجد مأثر علي!!


نايف لا ينكر التأثر الرقيق الذي غمر روحه حتى أقصاها... قد يكون تضايق من ذكرها لهذا الوضوع المحرج وهو قرر تناسيه...
لكن اعتذارها أثر عليه كثيرا وهو يهمس بمودة:
أنا نسيت الموضوع أساسا...
والعذر مقبول..
ثم أردف بإبتسامة خبيثة: تبين أحب رأسش عشان تدرين؟!!


وضحى تراجعت بوجل : لا لا.. كلامك يكفيني!!


نايف يستطيع اعتبار خبرته شاسعة في عالم الأناث.. ليس بالمعنى الذي قد يتبادر للذهن..
ولكن في الطبيعة الأنثوية بشكل عام..


الأنثى تتقبل الكثير من الحديث قبل أن تتقبل أي لمسة مهما كانت!!


فمثلا لو غضبت عليه إحدى شقيقاته وأراد أن يقبل رأسها..
ستصرخ به (لا تحب رأسي).. لكنها مستعدة لعتابه لساعتين كاملتين دون توقف..

كذلك كانت عالية.. حينما تغضب منه ويريد أن يشاكسها.. ستصرخ به ( لا تجي جنبي) رغم أنها ستصدع رأسه بحديثها لساعات متطاولة..


ووضحى ليست مطلقا هي الشذوذ عن القاعدة... وهو باله طويل... ويريد فعلا أن يتعرف عليها.. ويسمح لها بالتعرف عليه!!
بعيدا عن الأحكام المسبقة !!!


لذا همس بهدوء وهو يسند ظهره للخلف: بكرة إن شاء الله بنسافر باريس..
حبيت أوديش لمكان أدل فيه عدل.. عشان أتفشخر عليش إني أدل..
أنا عشت في باريس 7 سنين.. وقد ماأحب ذا البلد قد ما اكرهها...
غريب صح؟؟
لأنه باريس مثل مالها ميزات... عيوبها بالضبط!!



نايف انهمر بحديث ممتع .. بدأ يجذب انتباهها فيه رويدا رويدا.. ويدخلها إلى عوالمه.. بحديث هادئ عميق!!

وهو من حين لآخر يوجه السؤال لها.. لأنها لن تتكلم إلا جوابا على سؤال..
ثم يعقب السؤال بسؤال ليجعلها تستغرق في الحديث وتفاصيله..
ليكتشف بمتعة حقيقية طريقتها الهادئة الرزينة والعذبة في الكلام!!!





***************************************






الليلة تبادلا الأدوار..
فبعد أن كانت طوال الليالي السابقة هي من تحتويه في حضنها..
الليلة كان دوره ليحتويها في حضنه..

لم يتخيل أنه قد يراها يوما بهكذا ضعف رقيق..
رؤيتها هكذا تذيب قلبه تماما..

يشعر أنه بين نارين.. نارين بكل معنى الكلمة!!
لا يريد أن يظلمها مطلقا.. لكنه يعلم أنها غير مرتاحة لحالته وتشعر بها في داخلها..
بل سألته عدة مرات ماذا به؟؟ وكان يتهرب من الجواب..
التهرب الذي لم يغب مطلقا عن ذكائها!!


قاطعت أفكاره بهمسها الخافت وهي تحتضن ذراعه: حبيبي وش اللي مشغل بالك؟؟
ولا تقول لي مافيه شيء..
أنا حاسة إن فيك شيء متغير من قبل زواج مزون بحوالي أسبوع..
قلت يمكن عشان زواجها.. بس السالفة غير!!

همس بعمق وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها التي ترتاح على ذراعه:
مهوب وقته يامزنة..

استدارت لتوليه وجهها.. تنظر في عينيه من أقرب مسافة.. تتنفس أنفاسه من قرب لتستشف أفكاره من تغير خلجاته..
همست مزنة بعمق خافت: أنا فاهمتك زين.. وكنت عارفة إن عندك شيء تبي تقوله.. بس تأجله لين عقب عرس البنات..
وهذا البنات عرسوا... ريحني الله يريح بالك!!

همس بدفء موجوع في عمق أذنها.. وهو يجذبها ليدفن وجهها بين أضلاع صدره:
بكرة الصبح بأقول لش.. وبأدعي ربي يبعد الصبح لأبعد مدى!!






****************************************







" هاحبيبتي.. شاخبار العرس؟؟ "


مزون تتمدد بجوار غانم وهي تسند ظهرها لظهر السرير وتهمس برقة:
كان حلو.. ماشاء الله!!

غانم بمودة: زين بكرة نبي نروح نزور نجلاء..
أنا جيتها اليوم.. بس أبيش تروحين معي بكرة... ونودي لها هدايا عيالها..

حينها همست مزون بتردد: عادي نودي لها أغراض البنت.. وإلا نودي أغراض غنومي وبس..؟؟

غانم يمسك قلبه بطريقة تمثيلية:آه ياقلبي... تجنن غنومي من بين شفايفش..
ماينفع تقولينها لي... غرت من ولد أختي!!

مزون ضحكت: غانم.. بلا بياخة!!

غانم قلب وجهه وهو يضخم صوته: (غانم) مهيب حلوة.. وع!!

مزون ابتسمت برقة: زين ياغنومي الكبير نودي أغراض غنومي الصغير بس؟!!

ابتسم غانم وهو يشد أناملها بين أنامله: ودي الأغراض كلها... المها أساسا تحسنت واجد.. يمكن تبي لها أسبوع وإلا أسبوعين وتطلع للبيت!!

مزون بابتسامة: على طاري المها.. أختك مها هذي تحفة... تجنن.. الواحد وده يأكلها من قد ماهي حلوة وعسل ودمها خفيف!!

ابتسم غانم بمرح: هذي جينات أمي... ما تلعب!!

مزون بتساؤل: إلا غانم... امك وش اسمها؟؟ دايم أم غانم أم غانم.. ولا عمري عرفت اسمها..

غانم ابتسم: وش ظنش؟؟

مزون ضحكت: أمك على ستايلها باين فيها عرق تركي... تلاقيها صافيناز وإلا شهيناز!!

ضحك غانم: والله منتي بهينة .. أمي اسمها تركي بس مافيها عرق تركي.. أمي اسمها جيهان...
(جيهان بالتركية يعني العالم)


مزون ضحكت: والله حلو... نفس اسم جيهان السادات... وجيهان السادات لين الحين تجنن وحلوة مع إنها كبيرة واجد...
ثم أردفت بتساؤل: إلا أمك أشلون خذت إبيك؟؟

غانم بإبتسامة: إساليها؟؟

مزون بحرج: من جدك... أروح أقول لها يمه أشلون خذتي عمي؟؟ عيب!!

غانم بذات الابتسامة: لا عيب ولا شيء... أصلا أمي تحب ذا السالفة..
تقولين راشد آل ليث في عينها رشدي أباظة زمانه..






******************************





" كساب.. تأخرت واجد الله يهداك!!"


كساب تنهد بعمق وهو يهمس في هاتفه بخفوت: غصبا عني.. فيه ظرف عطلني!!

كاسرة تنهدت بخيبة أمل تخفيها خلف حزم صوتها: خلاص يا ابن الحلال.. مهيب اول مرة!!

كساب ابتعد بكرسيه قليلا وهو يهمس بخفوت حازم: قلت لش غصبا عني.. انتهينا..

كاسرة همست بسكون ونبرة مقصودة: خلاص تصبح على خير.. نشوفك بكرة إن شاء الله.. أنا بأنام..


كساب كاد يلقي هاتفه أرضا ليهشمه.. لا يعلم سبب اشتياقه الغريب لها..
ولكنه لا يستطيع ترك علي وهو على هذا الحال!!


علي همس بسكون: كساب قوم روح لمرتك.. أنا بأصلي هنا.. وعقب بأطلع لدوامي من هنا.. تدري الخارجية من هنا خطوتين..
مافيه وقت أرجع البيت.. لانه بنستقبل وفد بدري!!

كساب تنهد بحزم: أولا ماني بمخليك.. لين تروح لدوامك وتلهى فيه..
ثاني شيء مثلي مثلك.. على ما أرجع للبيت.. بيأذن الفجر..
وأنا شركتي من هنا أقرب... واليوم عندنا صب باقي الأساسات عقب الصلاة!!



(سوق واقف يقع تماما بين الكورنيش حيث تقع وزارة الخارجية
وبين منطقة شارع حمد الكبير /شارع البنوك حيث تقع شركة كساب
وكلاهما لا يستغرق خمس دقائق من السوق!! )






********************************






إن كان علي عاجزا عن العودة للبيت لأنها غير موجودة فيه..
فهي عاجزة عن النوم حتى وهي تعلم كم ضايقته!!
حتى في خيانته لها.. تجد أن تفكيرها فيه يسبق تفكيرها في نفسها!!


تتنهد بيأس..
تتمنى أن تستطيع أن تقسو عليه كما يستحق..
فهو بالفعل يستحق هذه القسوة..
ولكن حبها له أكبر من كل شيء.. حتى خيانته لها!!


تحاول أن تصدقه.. أن الأثار هذه لها!!
فتجد أن حتى هذه الفكرة مؤذية لها ولحساسية مشاعرها...
أن هناك رجلا تجرأ على ضمها على صدره.. قبل أن يعلما كلاهما أنهما زوجان!!

عدا أن الشك الأنثوي يحاول اقناعها أن هذه الأثار ليست لها!!
ولكنها تعود وتقول.. علي متدين جدا.. ويستحيل أن يفعلها..

" ولكن حتى مع تدينه فهو تجرأ على لمس امرأة يظنها ليست حلالا له!!
لم يقاوم وسوسة الشيطان..
فكيف سأضمنه كلما خرج أنه لن يكرر هذا الشيء..
.
.
لا لا علي يحبني..
مستحيل يسويها... تيك كان لها ظرف خاص..
وهو شرحه لي عشرين مرة...
إحساسه فيني غير لأني كنت حلاله!!
.
.
وأنتي بتصدقين خرابيط واحد لعب عليه الشيطان!!
.
يا ربي بأموت.. باموت... ارحمني من التفكير!!
قلبي مهوب مستحمل أكثر..
أحبه... ويدري زين إني أحبه.. خايفة يستغل ذا الشي ضدي!! "






******************************





" بسم الله الرحمن الرحيم..
من؟؟"



جميلة انتفضت من نومها بجزع على رنين هاتفها وهي تلتقطه دون ان تنتبه لاسم أو رقم..
جاءها صوته مرهقا دافئا: أنا فهد!!

حينها همست بعفوية وهي تنظر للساعة: فهد الله يهداك فزعتني... الساعة 3 الصبح وأنا كنت نايمة..

لا يعلم لِـمَ شعر بأمل بريء يداعب أهداب قلبه أنها عاتبته على وقت الاتصال وليس على الاتصال نفسه!!

همس بذات الصوت المرهق والدافئ:
شأسوي.. يوم دخلت غرفتنا في الأوتيل.. ماطقتها من عقبش!!
تدرين إني طلبت إنهم يغيرونها..
ما اقدر اقعد فيها.. وكل شيء فيها يذكرني فيش!!


جميلة ارتبكت من هذا الكلام غير المتوقع.. ومن شخص كفهد!!
بينما هو يكمل حديثه بنبرة عتب: وأنتي حتى ماهان عليش تكلميني وتقولين تروح ترجع بالسلامة..!!

جميلة تنهدت: فهد أرجوك مافيه داعي تتصل.. المرة الثانية لو اتصلت ماراح أرد عليك!!

حينها هتف فهد بغضب مكتوم: أنتي ليش منشفة رأسش كذا؟؟
وش اللي تبينه...؟؟ كنتي تبين تذليني وبس؟؟
أقول لش أحبش وشاريش.. وأبي أكمل حياتي معش.. وماراح تشوفين مني إلا اللي يرضيش..
وأنت مافيه شيء يرضيش..

جميلة همست بهدوء مليء بالوجع: لكل شيء أساس.. وحن أساس حياتنا تجريح ووجع.. يعني من أولها أساس فاشل..

فهد بذات النبرة الغاضبة: وليش تبين تعتبرين هذا الأساس... انسي ذا الأساس..
وخلينا نبدأ من أساس جديد..

جميلة بألم: والإنسان يشتغل بريموت كنترول.. يقولون له انسى.. ينسى..
يقول له انسى الجرح والتجريح.. ينسى!!


فهد زفر بيأس: زين عندش ذا الوقت كله لين أرجع..
وأتمنى يوم أرجع.. تكونين عقلتي وألقاش في بيتش!!






**********************************






" نايف.. قوم.. نايف.. نايف!! "


نايف يهمس بصوت ناعس: وضحى حرام عليش خليني أنام شوي..
من البارحة لين اليوم وأنا ريقي نشف عشان أقنعش بس تنامين جنبي..
وأول مانمنا تصحيني..


وضحى باستعجال مختنق بالخجل: أنا أساسا مابعد نمت..سامحني قومتك..بس فيه حد كسر الباب..

نايف بتأفف ناعس: ما أسمع صوت!!

وضحى بذات الخجل: الباب الخارجي صار له نص ساعة يندق.. أول شيء قلت يمكن حد غلطان.. بس الدق ماسكت...


نايف يزفر وهو ينفض الغطاء.. ينظر للساعة .. الساعة السابعة إلا ربع صباحا..
من سيأتيهم في هذا الوقت المبكر؟؟


نزل باستعجال وهو (بالفنيلة والسروال) ليفتح الباب ليتفاجأ بالهجوم...
نورة وسلطانة... معهما ثلاث خادمات..
بالكثير من الأواني اللاتي دخلن الخادمات ورصفنها على الطاولة!!


نورة بإبتسامة أمومية: ألف مبروك ياعريس... صباحية مباركة..
أنا وسلطانة حلفنا ماحد يسوي ريوق المعاريس غيرنا..
من قبل صلاة الصبح وحن نشتغل!!


نايف لم يعلم بماذا يشعر؟؟ بالغضب أم التأثر؟؟
ولكن التأثر غلب... فهو يعلم أنهن لابد لم يغادرن الزفاف إلا في وقت متأخر..
ومع ذلك لم ينمن ليعددن له فطور يعلمن أنه بالكاد سيأكل منه عدة لقمات!!


نايف مال على رأس نورة ليقبله: الله يبارك فيش... ولا يخليني منش وجعل عمرش طويل..

سلطانة ابتسمت: حبة الرأس للكبيرة بس؟

نايف مال على رأس سلطانة وهو يبتسم : وللصغيرة بعد!!

حينها تساءلت نورة بنبرة مقصودة: وين مرتك.. ماوراكم طيارة!!
حن قلنا بنجيب ريوقكم بدري قبل تطلعون المطار..


نايف يهمس بمودة: مرتي فوق.. بتلبس وبتنزل لكم..



نايف عاود الركض للأعلى ليجد وضحى تنتظره بقلق.. وهمست بخجلها الرقيق: عسى ماشر؟؟

نايف تنهد: خواتي جايبين ريوق!!

وضحى باستغراب: ذا الحزة؟؟

نايف لم تعجبه نبرة استغرابها لذا قرر أن يبين لها منذ البداية قرب شقيقاته منه
لذا همس بحزم: يجوون أي حزة يبونها... عندش اعتراض؟؟


وضحى أيضا لم تعجبها نبرتها.. لكنها قررت أن تكون حذرة تماما في هذا الموضوع...
فهو يستحيل أن يقدمها بأي حال من الأحوال على شقيقاته... وخصوصا أنه مازال لا يعرفها حتى..
بينما هؤلاء شقيقاته.. حياته كلها !!!

لذا همست بثقة ولباقة مغلفة بخجل رقيق: أبد وليش يصير عندي اعتراض... حياهم الله.. البيت بيتهم..

نايف تنهد بطيبة قلبه: وضحى أنا ما أقصد أضايقش.. بس حطي دايما في بالش..
إن خواتي من أولويات حياتي.. وإني مستحيل أزعلهم عشان مرتي..
لأنه لو مالي خير فيهم... مالي خير فيش..


ابتسمت وضحى برقة: وعلى رأسي أنت وخواتك!!
وموقفك يكبرك في عيني مايصغرك...


حينها ابتسم: زين بدلي وانزلي لهم..
خليني أسبح وألبس.. أستعد لروحة المطار..


وضحى حاولت أن تستبدل ملابسها وتضع زينتها بأسرع طريقة.. ولكنها أيضا يجب أن تراعي أنها عروس يوم صباحيتها..
ولو وجدوا عيبا في تأنقها.. سيجدون لهم سببا للحديث!!


لذا انتهى نايف من الاستحمام وهي مازالت لم تنتهي... همس نايف بعتب:
لين الحين مانزلتي؟؟

وضحى بخجل: نايف الله يهداك أنت سبحت في عشر دقايق... وأنا على الأقل أبي لي عشرين دقيقة وأنا مستعجلة بعد..


لذا نزل نايف مرة أخرى لشقيقاته.. همست سلطانة بنبرة مقصودة:
ذا كله تلبس أنت والمدام؟؟ وإلا عادي تنقعونا؟؟

نايف بمودة: الله يهداش أنتو جايين واحنا صاحيين من النوم.. أكيد نبي لنا شوي وقت..


حينها همست نورة بذات نبرة شقيقتها المقصودة: وست الحسن وينها؟؟

ابتسم نايف بطريقة مقصودة: ست الحسن نازلة الحين!!

نورة وسلطانة تبادلتا النظرات (مصدق الأخ نفسه!!!)



وضحى نزلت وهي تشعر بخجل شديد بالفعل..
فهي لم تتوقع مطلقا أنها قد ترى أحد قبل موعد طيارتهما.. ولم تتهيأ لذلك حتى..
كانت متأنقة تماما في دراعة فخمة للاستقبالات احتراما لشقيقتيه .. حتى يعلمن تقديرها لحضورهما!!


انحنت لتسلم على الاثنتين المتجاورتين.. وتبادلا الترحيبات والسلامات المعتادة..

ثم جلست قريبا من نايف على الأريكة الطويلة التي كان يجلس عليها من باب اللياقة..


سلطانة مالت على نورة وهي تهمس بخفوت: صدق مابه سحا.. توها عارفته البارحة لصقت فيه اليوم!!


نورة تمصمص شفتيها بصوت منخفض: تبيه يشم الريحة.. وأنا أقول ليش تاخرت.. قاعدة تتبخر وتتعطر!! باقي تتسبح عطر!!
صدق ماعاد يستحون بنات ذا الزمن!!


نورة رفعت صوتها بالسؤال المقصود: أنتي بتروحين للمطار وريحتش كذا؟؟

وضحى انتفضت بحرج: لا طبعا.. بأبدل ملابسي كلها.. أصلا ما أقدر أروح للمطار بالدراعة ذي!!

نورة أكملت عليها: إيه يأمش.. كنش رايحة عرس بدراعتش ذي!!


نايف شعر بالفعل بالشفقة عليها..
وهي شعرت بالعتب عليه.. أنه لم يرد عليهم حتى بأي كلمة.. تدفع عنها الحرج..
وهي مازالت عروسا في يومها الثاني!!


سلطانة هتفت بصوت عال: يا الله قوموا تريقوا.. وراكم رحلة..
والبيت لا يهمكم منه.. بنسكره عقبكم..


وضحى شعرت بالحرج أكثر.. لا تريد أن يرى أحدا أغراضها الخاصة..
لم تعلم أنهن سبق ورأين كل شيء!!
لأنها حين دخلت البيت.. كان كل شيء بترتيب أمها وأغراضها.. لم تعلم أنه ترتيب عالية المعاد!!


نايف تناول قليلا من الفطور...
ووضحى لم تتناول شيئا... فهي تشعر بحرج مختلط بالخجل مختلط بالتوتر..
تتمنى لو رأت أمها قبل أن تسافر وهي تخجل حتى أن تطلب ذلك من نايف..
و يُحكم عليها ألا ترى إلا هذين العقربتين!!


وهم مازالوا في جلستهم.. دخل عليهم إعصار جديد..
سلطانة مالت على نورة بتأفف: وذي وش جابها؟؟ صدق قوية وجه... حد يأتي ذا الحزة!!


انتزعت نقابها وهي تدخل بمرح صاخب: قلت لازم أمر أسلم على نويف حبيب قلبي.. قبل أروح دوامي حتى!!


احتضنت عنق نايف وهي تهمس في أذن نايف : أنت داري إني راجعة وأنا خلاص على باب المستشفى رايحة لدوامي..
يوم اتصلت أصبح على أمي... وقالت لي إن خالاتي هنا!!
غثوا المسكينة وإلا بعد؟؟

نايف همس في أذنها باستسلام: غثوها وخلصوا..

وضحى حين رأت عالية كانت تريد ان تبكي فعلا.. لولا أن اعتزازها بنفسها لم يسمح لها!!

عالية سلمت على وضحة ثم شدتها وهي تهمس بمرح: يا الله ياعروس خلينا نجهز أغراضش بسرعة مافيه وقت!!


ما أن وصلتا للأعلى حتى همست عالية بتاثر: امسحيها في وجهي!!

هزت وضحى كتفيها: ماصار شيء... يمكن تأثرت عشاني عروس وتدرين النفسية تصير حساسة..
لكن هم ماقالوا إلا كلام عادي!!

عالية تضحك بمرارة: عادي؟؟؟ ما يكونون خالاتي...
ثم أردفت بجدية: وضحى الكلام هذا كان المفروض أقوله لش من قبل..
بس ماحبيت أحرجش..
لكن الحين أنتي شفتي الوضع...

اسمعي نصيحتي عدل.. لا تسوين مثل نويف مهما أنصحه ما ينتصح!!
أول شيء حاولي تطولين في سفرتش قد ماتقدرين..
أدري نايف حاجز أسبوعين أقنعيه على الأقل بأسبوع زيادة..
لا تخلينه يرجع إلا وأنتي مالية يدش منه!!

لا يغرش إن نايف عاش واجد برا.. أنا كنت معه!!
وترا نويف خام.. يومين وينكب على وجهه... وقلبه طيب فوق ما تتخيلين..
بس أنتي ابذلي جهد زيادة عشان تكسبين قلبه صدق... وهو ترا يستاهل من يتعب عشانه!!

ثاني شيء نايف يحب خالاتي واجد.. يعني ولا يطري على بالش إنش تسوين تخيير بينش وبينهم.. لأنه بيختارهم حتى لو روحه معلقة فيش!!
لكن اللي أبي أقوله لش إنش مستقيمة بزيادة.. وهذا ما ينفع مع خالاتي...
يعني هادنينهم وسايسيهم.. بس في نفس الوقت لا تسمحين لهم يتدخلون في حياتش ومن أولها..
لأنش لو فتحي لهم الباب... على أساس إنش مستحية وماتبين تقولين لهم شيء من أولها.. ترا بيتدخلون عقب في كل شيء!!


حينها همست وضحى بحرج: الحين يبون يقعدون في البيت عقبنا..
كيفهم في البيت... بس أنا مستحية يدخلون غرفتنا.. ويشوفون أغراضي الخاصة!!


عالية تنهدت بحزم: ذا المرة خليها علي!!
أدري ماتبين تروعين نايف منش... بس أنا عادي متعودين علي هم ونايف!!
أنا اللي بأخذ المفتاح.. والله يعيني على خالاتي!!





*********************************





" حبيبي دام شغلك اليوم متأخر شوي..
مهوب المفروض تقول لي وش اللي شاغل بالك!!"


زايد استدار ناحيتها... يحاول أن يشبع عينيه نظرا لها فلا يستطيع.. صمت لم يتكلم..


حينها همست مزنة بعمق فاجأه بمضمونه: زايد أنا أدري إنك ما تقبلتني لحد الحين!!
وكنت أدري إنك حاط في بالك صورة لمزنة ماعادت موجودة..
صورة مزنة قبل 30 سنة...
لكن يا زايد أنا ماني بصورة داخل برواز.. تمر عليها السنين ماتغيرت!!

زايد تنهد بيأس: مزنة ليش تقولين كذا؟؟

همست حينها بيأس مشابه: زايد.. صار لنا 3 شهور متزوجين..
أول ثلاث أيام غرقتني في مشاعر حب حسبت إنها مستحيل توجد في ذا العالم!!
وعقبه سكتت.. حتى كلمة وحدة بالغلط ماعاد قلتها!!
لأن هذاك الكلام كله... أنت قلته لمزنة الصغيرة..
لكن يوم عرفت إنها راحت.. شحيت بكلامك على مزنة الكبيرة!!
وأنا يازايد ذا كله مايهمني... وش قيمة الكلام وأنت بكبرك بجنبي... وأنت أغلى من كل كلام الدنيا؟؟
لكن في الفترة الأخيرة حسيتك متغير عليّ... في النهار جاف معي.. وفي الليل كنك خايف تفقدني!!
التعامل ذا يازايد تعب لي أعصابي... لأني عارفة إن أعصابك تعبانة...
فريح روحك وريحني... ولا تخاف علي من شيء..
زايد اللي مثلي شافت من الدنيا كل وجيعة.. جلدي تعود.. ماعاد تفرق معي!!


زايد تنحنح بحزم يخفي خلفه رفضه لكل مايقوله ويجد نفسه مجبرا على قوله..
وهو يحاول أن يبسط الموضوع: الموضوع مهوب مثل منتي فاهمة..
كل السالفة إني أبي أنزل لجناح علي القديم تحت!! واقعد هناك!!


مزنة شعرت بثقل ما في أنفاسها وهي تشد لها نفسا عميقا وتهمس بسكون متوجس:
وبعد؟؟

زايد تزايدت صعوبة الكلمات على لسانه ومع ذلك مازال يتكلم بطريقته الحازمة المعتادة:
وأبي الاحتكاك بيننا يكون في أقل حدوده...

مزنة همست ببساطة موجوعة.. لشدة بساطتها تنحر الروح: تقصد ما يكون بيننا احتكاك أبد..؟؟؟

زايد صمت تأكيدا لفكرتها.. حينها همست بذات البساطة الذابحة المذبوحة:
زايد أنت تبي تعاقبني؟؟

زايد انتفض بجزع: ليش تقولين كذا يامزنة؟؟

مزنة بألم: لأن الرجّال مايهجر مرته إلا لأنه يبي يعاقبها على شيء... قل لي وش ذنبي اللي سويته..؟؟
تعاقبني لأنك ماقدرت تحبني؟!!

زايد اقترب منها ليشد على كفها بين كفيه.. والغريب أن يفعل ذلك وهو يريد أن يهجرها.. والأغرب أنها لم تنتزع يدها وهي تعلم بنيته!!

همس حينها بوجع ماعاد يستطيع إخفاءه: أبي أعاقب نفسي مهوب أعاقبش..
لأني لو ماعاقبت نفسي... مستحيل أقدر أعيش مع ذا الذنب اللي خانقني!!


مزنة حينها وقفت لتنتفض بغضب موجوع لأقصى مساحات الوجع تجذرا:
وأنا وش ذنبي تعاقبني على ذنوبك..؟؟
وإلا قول.. عشان دريت وش كثر صرت أحبك.. تبي تعاقبني؟؟
تعاقبني لأني رفضتك وأنا بزر؟؟.. أو تعاقبني لأني تغيرت وماعدت مزنة اللي في بالك؟!!


زايد عاود شد كفها ليجلسها وهو يهمس بألم عميق:
مزنة والله العظيم ما أبي أعاقب إلا نفسي... من كثر ماصرت متعلق فيش أبي أحرم نفسي منش!!


مزنة تشعر أنها تريد أن تبكي .. أي جنون يهذي به هذه الرجل؟؟
أ بعد أن علقها فيه لهذه الدرجة يريد أن يهجرها..؟؟
لا ويريد أن يهجرها وهو أمامها!!! ماكل هذه القسوة يازايد!!
مزنة همست بيأس ازداد عمقا: خلني أجاريك في كلامك اللي مايدخل المخ..
تعاقب نفسك ليه؟؟


زايد تردد للحظات.. لكنه لم يعتد التراجع حين يقرر.. ومن حق مزنة عليه أن تعلم بالسبب:
مزنة ترا مناداتي لاسمش كل ليلة مهوب شيء جديد..
ترا من أيام زواجي من وسمية...
بس توني دريت..!!
تخيلي المسكينة كل ليلة نايمة جنبي وتسمعني أون باسم غيرها..
لا و درت إني مسمي بنتها على حبيبتي..
تخيلي وجيعتها.. تخيلي!!!


مزنة تراجعت بجزع وهي تشهق... تحاول تخيل وجع وسمية فلا تستطيع.. لا تستطيع..
أي امرأة قد تصبر على مثل هذا!! اي امرأة!!

مزنة صرخت بجزعها: وأي مرة تصبر على مثل ذا؟؟ أي مرة؟!!

زايد بوجع: هي صبرت!!

مزنة شدت لها نفسا عميقا جدا.. من أقصى روحها.. رغم شعورها العميق بالألم من أجل وسمية لكنها يجب ان تقاتل من أجل هذا الرجل...
فمايربط بينهما ماعاد محض مشاعر.. بل أكثر من ذلك بكثير:
صبرها عليك كان غلط..
وسكوتها عليك كان أكبر من أي غلط..
لأنها ماظلمت نفسها بس.. ظلمتك بعد.. لأنها خلتك تستمر في ظلمها سنة بعد سنة وأنت ماتدري!!
لكن وسمية خلاص راحت.. ارتاحت عند ربها..
بيرضيها الحين ظلمك لي؟!! بيرجعها من قبرها عشان تعتذر لها؟؟
يعني وسمية ظلمتها وأنت ماتقصد... تبي تظلمني وانت تقصد ومتعمد!!


زايد يزداد يأسه ووجع روحه: أنا ماني بمرتاح يا مزنة .. أنا أتعذب... وكل ماشفتش قدامي تزيد وجيعتي..
حتى لو قعدنا مستمرين في حياتنا كزوجين.. شبح وسمية بيظل يطاردني وبيخرب علينا حياتنا!!

مزنة شدت نفسا عميقا والكلمة تقف في حنجرتها كموس مسموم:
تبي تطلقني.. بس منحرج؟!!

زايد انتفض بجزع حقيقي: مستحيل.. ولا خطر ببالي.. لا مكانتش ولا مكانتي تسمح لنا بتصرف بزارين مثل ذا..
البيت ذا أساسا أنا كتبته باسمش ومن فترة.. يعني بيتش... وانا عندش ضيف فيه!!
لكن نجيب لنفسنا الكلام وحن في ذا العمر..؟؟
في بيتنا ماحد داري باللي بيننا..


مزنة بحزن عميق: كتبته باسمي يوم قررت تبيعني.. كن البيت بيكون تعويض لي عنك؟!!

زايد بوجع: مزنة لا تقولين كذا..

مزنة حزنها يزداد.. ودقات قلبها تزداد ثقلا: زايد هي مالها معنى إلا كذا..
مشكور يازايد لا أبغي غرفتك ولا بيتك..
بيت ولدي جنبي..

ولا تخاف من كلام الناس..
لأنه أنا أساسا أغلب اليوم هناك عند إبي... حد عرف أنا وين نمت!!
ووأساسا أنت اخترت توقيت مناسب عشان تطردني من حياتك..
لأنه تميم مسافر اليوم.. خلاص بأروح عند إبي..

زايد برجاء حقيقي فخم: تكفين مزنة.. لا تطلعين من البيت..

مزنة بإصرار مثقل بالوجع: وأنت وش تفرق عندك.؟؟..
أنت أساسا تبي تقعد تحت..وماتبي يصير احتكاك بيننا.. اعتبرني نفذت اللي قلته..
على الأقل خلني أحس إني حافظت على شوي من كرامتي!!









*********************************






كاسرة لم تذهب لعملها اليوم.. قررت أخذها كإجازة عارضة..
فهي لا تعلم متى سيعود كساب.. ولا تريده أن يحضر ولا يجدها..

رغم أنه ضايقها بعدم حضوره البارحة وهو يتجحج بالظروف ثم بالعمل!!
لكنها لم تستطع أن تكون بخيلة مع كرمه عليها بغزله الفاخر الليلة قبل الماضية..
كلما تذكرت كلماته ونبرته فقط.. شعرت بتساقط عروق قلبها إعياء وتأثرا!!


قررت التوجه لغرفة أمها حتى تتوجها كلاهما للسلام على تميم قبل أن يذهب للمطار..
فوجئت بل صُعقت بأمها تضع أغراضها في حقائب.. ولم تكن تنتقي.. بل كانت تفرغ الخزائن..

همست بجزع: يمه شتسوين؟؟

مزنة بحزم: باروح اقعد عند إبي لين يرجع تميم..

كاسرة باستغراب: بس تميم حالف ما تقعدين في البيت بروحش..

مزنة بذات الحزم البالغ الذي يخفي خلفه روحا تذوي بمعنى الكلمة:
أنا أمه.. مهوب أمي عشان يحلف علي!!

كاسرة بعدم تصديق: واللي تبي تقعد أسبوع تاخذ الشناط ذي كلها.. وتفضي الدولايب..
أساسا أنتي ملابسش هناك في غرفتش.. ماتحتاجين تشيلين ملابس معش!!


مزنة صرخت بها بحزم موجوع تماما: كاسرة مالش شغل.. انتهينا!!

كاسرة صرخت بحزم مشابه: لا لي شغل.. وش ذا الزعلة اللي تخليش تشيلين ملابسش كلها..؟؟
لا وأنتي حامل بعد؟؟

تراجعت كاسرة بصدمة حقيقية: عمي مهوب راضي بالحمل؟؟... عشان كذا زعلتي..؟؟
مستحيل عمي يكون كذا!! مستحيل!!


مزنة عاودت سحب ما تبقى من أغراضها لتضعها في الحقائب..
وكأنها تسحب أشلاء روحها المدمرة بعد معركتها الخاسرة.. لتعود إلى جبهتها مثخنة بالجراح..
همست كأنها تحادث نفسها وهي مستغرقة تماما في لملمة أذيال الانسحاب:
زايد مابعد درى إني حامل!!

كاسرة بصدمة: ليه يمه حرام عليش .. ليش ماقلتي له؟؟

حينها انفجرت مزنة بعصبية موجوعة: وش تبيني أقول له وهو يقول لي اطلعي من حياتي..؟؟
أقول تكفى خلني عشاني حامل...
مهيب مزنة بنت جابر اللي تذل نفسها..
ومثل ماربيت أربعة بروحي.. ماني بعاجزة من خامس...


كاسرة تكاد تجن: زين وليش يقول لش اطلعي من حياتي..؟؟
من يوم تزوجتوا وأنا حاستكم سمن على عسل.. فجأة اكتشف إنه مايبيش في حياته...


مزنة حينها تركت مابيدها واستدارت نحو كاسرة لتمسح على خدها بحنو..
وتهمس بوجع بعمق جذور التاريخ:
تدرين وش مشكلتي أنا وزايد؟؟
إنه زايد حب مزنة أمس.. بس ما قدر يحب مزنة اليوم..
وأنا ماقدرت أحب زايد أمس.. بس حبيت زايد اليوم..
يمكن تكون هذي العدالة ..وأنا ماني بمعترضة...
زايد عانى واجد... ويمكن صار دوري الحين...
وماحد يأخذ أكثر من اللي الله كتبه له... وأنا راضية باللي الله كتبه لي..

كاسرة تشعر بالكلمات باهتة على شفتيها: تبون تطلقون يمه؟؟

مزنة هزت رأسا نفيا.. وهمست بإرهاق: طلاق لا... إبي يتضايق واجد.. وهو ماعاده بحمل ذا السوالف..
وأنتي وكساب حياتكم بتتأثر من ذا الموضوع...

ناس كثيرين متزوجين وكل واحد منهم في بيت!! يعني حالتنا مهيب استثناء...
اللي أبيه منش ماحد يدري بشيء...
أنتو كساب بتدرون لأنكم ساكنين معنا في البيت.. بس غيركم ما أبيه يدري!!







***************************************






هاهو يعود أخيرا عند الظهر..
لم يتصل بها حتى.. فهو تعب لكثرة مايتصل ثم يحدث شيئا يعيق لقاءهما..
قرر هذه المرة أن يحضر دون اتصال.. ودعا الله طويلا أن يجدها..


ووجدها بالفعل.. جالسة في انتظاره..
شعر أن دفق الدم سيمزق صدره من فرط اشتياقه لها..
حين دخل.. وقفت.. تراجع خطوة للخلف وهو يرى مسحة حزن تجلل عظمة حسنها..

ثم عاود التقدم ليمسك بكفيها الاثنتين ويهمس بقلق:
كاسرة وش فيش؟؟

همست بسكون: مافيني شيء!!

هتف بذات النبرة القلقة: أنتي زعلانة عشان ماقدرت أشوفش إلا الحين..؟؟

هزت رأسا بذات الحزن: لا أبد..

ثم مالت برفق لتقبل صدره وهي تهمس بذات نبرة الحزن التي أغرقت صوتها:
الحمدلله على سلامتك!!

شعورها بالحزن غامر فعلا.. ان ترى أعظم شخصين في العالم يحدث بينهما هكذا مشكلة وهي من كانت ترى في عظمتهما ترفعا حتى عن الخلافات!!


كساب شدها ليجلسها وهو يحتضن كتفيها ويهمس بنبرة حزم مغلفة بالقلق:
والله العظيم إن قد تقولين لي!!

كاسرة تنهدت بوجع: أمي وإبيك بينهم خلاف كبير.. واتفقوا كل واحد منهم يعيش في مكان!!

كساب انتفض بجزع وهو يقفز واقفا : من جدش؟؟

كاسرة هزت كتفيها: وليش أكذب؟؟

كساب بغضب: لاااااااا... الشيبان شكلهم استخفوا.. وش ذا الخرابيط؟!!

كاسرة بسكون: هذا اللي صاير!!

كساب يستعد للمغادرة وهو يهتف بحزم غاضب: ليه هم ظنهم إني بأخليهم على كيفهم؟؟

كاسرة شدته بلطف : تكفى كساب اقعد... مهوب كل شيء تقدر تتدخل فيه وتمشيه على كيفك..
سويت اللي في رأسك وزوجتهم.. بس ماتقدر تجبرهم يرجعون يعيشون مع بعض..
عطهم وقت.. أنا متفائلة خير.. إنهم يبون وقت بس!!

كساب عاود الجلوس جوارها وهو يزفر بغيظ: والروس الكبيرة العاقلة وش مزعلهم من بعض عقب ماكان الغرام باقي يطلع من عيونهم؟؟

كاسرة بهدوء: شي يخصهم بروحهم..

كساب بذات النبرة الغاضبة: ولا يكونون ناوين يتطلقون بعد؟؟ هذا اللي ناقص!!

كاسرة تنتهدت: طلاق لا... أصلا هم مايبون حد يدري إن بينهم خلاف..
بس أنا وأنت ساكنين معهم في البيت.. لازم بندري!!
بس حتى علي ومزون مهوب لازم يدرون..

ثم أردفت برجاء وهي تحتضن خصره: كساب أبي أروح أقعد عند أمي يومين ثلاثة..؟؟

حينها انتفض كساب بغيظ: زين أنا وش ذنبي تعاقبيني ؟؟

تنهدت كاسرة: كساب وليش أعاقبك؟؟ بس ما أبي أمي تقعد بروحها.. وهي متضايقة..

كساب شد له نفسا عميقا وهو يحتضنها بقوة: أنا كنت اقول الله يستر من شفقتي على شوفتش ذا المرة..
كنت حاس إن الدنيا ماتجي على الكيف!!
روحي كاسرة ما أقدر أردش من أمش..
ثم أردف بحزم: بس أنا بجي أنام عندكم في مجلس الحريم..
مايصير البيت فاضي عليكم وتميم مسافر!!

كاسرة برفض: لا كساب تكفى.. لأنه أمي وقتها بتحلف أرجع معك..
بعدين البيت جنب البيت ومفتوحين على بعض..
والله العظيم لا نحتاج شيء لا أدق عليك..


حينها تنهد بعمق شاسع: تدرين كاسرة.. أول مرة تزعلين علي... وانا مالي ذنب!!
كل مرة يكون الذنب ذنبي... بس ذا المرة ماسويت شيء استحق عشانه تخليني بروحي!!






.
.
.




كاسرة تنزل بعد قليل..
لتتفاجأ بدخول عمها زايد..
مشاعر متضادة اختلجت روحها وهي تراه..
كانت تتمنى ألا تراه.. وتخشى أن تراه.. فهي عاتبة عليه..
وتخشى أن تقول له شيئا يغضبه أو يضايقه!!


كانت تريد أن ترد على تحيته وتخرج فورا..
لولا أنه بادرها بالسؤال الأبوي بعد السلام: يابيش وين بتروحين ذا الحزة؟؟
كساب مهوب فوق؟؟

أجابته بسكون: بلى فوق.. بس أنا استئذنته أروح لأمي!!


حينها شعر زايد بثقل عميق في أنفاسه .. صعوبة الزفير والشهيق!!


(أ حقا فعلتها؟؟
هل تركت البيت؟؟ وأنا أكدت عليها ألا تفعلها
كل ماكنت أريده أن تبقى رائحتها قريبا مني..
ألمحها صاعدة أو نازلة!!
لكن هي قررت أن تقسو.. أن تعاقبني أكثر مما قررت معاقبة نفسي!! "


مازال يمنح نفسه الأمل المبتور وهو يهمس بنبرة تساؤل حاول أن تكون تلقائية قدر الإمكان:
وأمش وينها؟؟

كاسرة باستغراب موجوع: أمي وينها؟؟ إسأل روحك يبه.. أمي وينها..
ثم أردفت بوجع: خلت لك الجمل بما حمل...
أستغرب يبه إنه فيه رجال عاش مع أمي وعرفها..
وعقبه يدور على طيف قديم اختفى!! وليت الطيف يستاهل حتى!!
يعني أنت كنت تبي مزنة البزر المطفوقة وتفضلها على مزنة الثقل والركادة..؟؟
لو كنت يبه خذت أمي وقت مابغيتها..
كان حالكم صار أردى من حالي أنا وكساب..
لأنه وقتها أنتو أصغر بواجد... وكل واحد منكم يبي يكسر رأس الثاني..

بس خلاص حكي في الفايت نقصان في العقل..
استمتع بحياة العزوبية مرة ثانية... الله يهنيك..


زايد موجوع أن مزنة أخبرت كاسرة بهذه التفاصيل بل أنها أخبرتها بوجود خلاف حتى بينهما..
لذا هتف بحزم أقرب للغضب: أعتقد إني أنا وأمش اتفقنا مشاكلنا تظل بيننا..
ما ننشرها قدام عيالنا!!

كاسرة بسخرية شديدة المرارة: وهذا اللي هامك يبه..
يعني تخيل أنا دخلت عليها لقيتها تشيل أغراضها كلها... تبيني أسكت أو أصدق أي شيء هي بتقوله إلا لو اقنعني؟؟؟
وعلى العموم تأكد إنه مافيه شيء بيطلع مني..
كساب بس يدري بينكم خلاف مايعرف وش هو..


زايد شعر بزيادة تثاقل أنفاسه ..
( أحقا حملت كل شيء!!
أ حقا حزمت أمرها على بتر ماكل بيننا حتى أطياف الذكريات؟؟)


كاسرة غادرت.. بينما زايد انهار جالسا على الأريكة..
لا يريد حتى أن يصعد للأعلى.. لا يريد أن يرى أطلالها الفارغة!!
كم يبدو القرار صعبا بعد تنفيذه..
كان يعلم أن التنفيذ سيكون صعبا وموجعا.. ولكن ليس إلى هذه الدرجة!!
ليس إلى هذه الدرجة!!
فالألم الذي يشعر به لا حدود له .. لا حدود له!!

"أليس هذا ما أردته؟؟ أن تعاقب نفسك؟؟
استمتع إذن بالعقاب!!"


يبدو أن مزنة ستبقى دائما هي عقابه الأبدي..
في بعدها.... وقربها..
ثم في بعدها مرة أخرى!!!!






************************************






" وضحى سامحيني على الكلام اللي قالوه خواتي..
وخصوصا كلام نورة...
تدرين مرة كبيرة.. وماحد يشره على الحريم الكبار!!"


تنهدت وضحى وهي تهمس بلباقة: ماحد يزعل من وحدة مثل أمه..
أصلا خواتك كلهم في مقام أمي..
يعني احترامهم على رأسي!!

نايف مد يده ليمسك بكفها وهما يجلسان متجاورين في مقعد الطائرة..
وضحى شدت كفها بوجل عفوي قبل أن يمسك بها..


نايف ابتسم بتأفف: تونا كنا حلوين ونقول كلام شعر!!
ثم أردف بابتسامة: عطيني يدش بس يا البخيلة.. نشفتي ريقي!!
حتى يدش ما أعرف ملمسها!! بأمسكها بس ماني بمأكلها!!

وضحى منحته كفها بتردد خجول..
إحساس عميق يجتاح كلا منهما بهذه اللمسة الرقيقة العذبة التي يتعرف عليها كلاهما للمرة الأولى..
إحساس سماوي بها ناتج عن كونها لمسة حلال لا شبهة فيها تقتحم طهارة أطراف كل منهما..


صمتا كلاهما.. ونايف يحتوي كفها بين أناملها بدفء..
ثم يمد كفه الأخرى ليحتضن كفها بينهما كلاهما!!
همس بدفء: شفتي إني ما أعض!!

وضحى متوترة وتتمنى لو انتزعت يدها بين يديه لشدة تصاعد دقات قلبها
ولكنها خجلت أن تفعل ذلك وحاولت أن تتلهى بشيء آخر.. سألت نايف بهمس رقيق:
نايف كم عمرك يوم ماتوا أمك وإبيك؟؟

نايف يمر أنامله عبر أناملها ويهتف بسكون وهو ينثال بغزارة ليشرك شريكة حياته في مشوار حياته:
ماماتوا مع بعض.. بينهم فرق طويل..
أول حد مات أمي الله يرحمها.. ماتت عمري سنة..
موجعني واجد إني ماعرفتها.. تدرين إنه حتى صورة لها ماعندي..
حتى صورة جواز مافيه... لأنه قبل مثل ماتعرفين.. كانت جوازات سفر الحريم بدون صور!!
جوازها لين الحين عندي... بس بدون صورة.. أحاول أتخيل لها صورة في عقلي..
يقولون لي إن عالية تشبهها واجد.. عشان كذا عالية غالية واجد على قلبي..

يوم ماتت.. كان باقي من خواتي ثنتين ماعرسوا.. فاطمة وقتها كان عمرها 18
وسلطانة عمرها 15 ..
فاطمة وقتها كانت متملكة بس عرسها تأجل عشان مرض أمي..
فاطمة تزوجت عقب سنة .. عقب ماحلف عليها إبي..
ماكانت تبي تعرس.. تبي تقعد عندي انا وإبي!!

وعقبها سلطانة.. وش كثر جاها خطاطيب وكانت تعيي..
كانت متعلقة فيني واجد.. وهي أكثر حد تولى مسؤوليتي وانا صغير!!
إبي حلف عليها يوم صار عمرها 20 إنها تتزوج.. هو بعد كان رجّال كبير
وخايف يصير له شيء وهي مابعد تزوجت..

أتذكر زين الليلة اللي قبل عرسها.. لا نامت ولا خلتني أنام..
طول الليل وهي قاعدة عند رأسي وتبكي.. وانا أسألها وش فيها؟؟
تضمني وتبكي وتقول مافيه شيء..
وهي كل ماتبكي.. أبكي معها..

وعشان أمي ماتت وسلطانة صغيرة.. سلطانة تعلقت واجد بنورة.. لأنها أكبر خواتي..
عشان كذا لزمت تسمي أكبر عيالها نورة!!
وعشان كذا الثنتين طبايعهم نفس شيء!!

وعقب إبي مات وأنا عمري 10 سنين.. ومن يومها وأنا أطوف من بيت وحدة من خواتي لبيت الثانية!!
كثير كنت أحس إنهم يبدوني حتى على عيالهم... كل وحدة منهم حاطتني على رأس أولويوتها..
عشان كذا لا تلوميني لو شفتيني ما أقدر أقول لهم شيء.. مايهون علي أوجعهم وأنا عارف إن غلاهم لي مافيه شك!!

على قد ما حسيت إني متشتت طول عمري وأنا ما أعرف لي بيت ولا أعرف لي أم...
على قد ما انخنقت من اهتمامهم..!!
على قد ما أحبهم..!!
على قد ما كنت أبي أهرب منهم..!!
عشان كذا هجيت أول ماخلصت ثانوي لفرنسا..
وما تتخيلون أشلون سوو مناحة يوم عرفوا إني باروح أدرس برا..!!



نايف صمت.. ووطأة الحديث تستنزف كثيرا من طاقته..
بينما وضحى شعرت أنها اُستنزفت من التأثر تماما... وهي من تشد هذه المرة على أنامله بعفوية رقيقة!!






****************************************






" يوووووه ..وش الشعب المقفل ذا؟؟
مايرضون يردون على كلمة وحدة بالانجليزي!!"


ابتسم تميم: هذولا هل بون كذا..
بس هل ميونخ متعودين على السياح!!

سميرة بتساؤل: وأنت وشدراك.. جيت هنا قبل؟؟

تميم ابتسم: يوم خلصت ثالث ثانوي.. رحت أنا وربعي في المدرسة جولة في أوربا.. خذنا شهرين كاملة في الصيف!!
طفنا أوربا كلها..
عشان تعرفين فايدة لغة الإشارة.. مالقينا مشاكل أبد.. الناس هنا متفهمين..
ويوم يشوفونا نتكلم إشارة يحاولون يساعدون قد مايقدرون..

سميرة باستغراب: وعمتي مزنة أشلون وافقت تروح وأنت صغير كذا..؟؟

تميم ابتسم: أمي طول عمرها تعتبرني رجال.. ولا عمرها حسستني بغير كذا!!
اللي اعترض امهاب الله يرحمه.. وكاسرة...
بس أمي وقفتهم عند حدهم.. وقالت لي سافر.. وانبسط.. وما أوصيك إلا في صلاتك ما تأخرها مهما كان!!


ابتسمت سميرة: فديتها عمتي مزنة..
ثم أردفت باهتمام: زين وش جدولنا بكرة؟؟؟

تميم بمودة: الصبح بنسوي الفحص.. وعقب بنطلع لميونخ على القطار!!







*********************************







عاد أخيرا إلى جناحه.. بعد ان كان يهرب بالعمل طوال النهار..
لا يتخيل أنه سيعود ولن يجدها..
لا يتخيل أنه قد ينام وهو لا يتوسد أمواج الكستناء ويتنفس عطرها الذي يهز أعطافه!!
أي نوم هذا؟؟ بل هو كابوس!!


يتنهد بعمق.. وهو يصعد درجات السلم.. كما لو كان يصعد إلى قبر موحش..

" لازم أتعود..
أنا كنت عارف إنه ذا كله بيصير..
وكنت عارف إنه الموضوع بيوجعني..
بس لازم أطهر روحي بالوجع.. عشان أقدر أتعايش مع ذنبي!! "


حين دخل إلى الجناح..
شعر بألام صدره تتزايد..
كما لو كانت ضلوع صدره تتقارب لتعتصر رئتيه وقلبه!!

كان الجناح مرتبا لأبعد حد..
ترتيبها هي.. يعرفه تماما..

" أكان لديكِ الوقت لترتبي أحزاني قبل أن ترحلي؟؟
أ تركت لي خصلة من شعركِ؟؟
أو بعضا من عطركِ؟؟
هل نسيتِ شيئا من أجلي يصبرني على بعدكِ؟؟

يبدو أنكِ نسيتِ أهم شيء.. نسيتِ أن تضعيني في إحدى حقائبكِ قبل الرحيل!!
لأنه يبدو أن لا شيء سيصبرني!!
لا شيء!!"


كان يهذي بهذه الأفكار وهو يدور في أرجاء الجناح الفارغ من أغراضها..
كان يفتح الخزائن كالمجنون.. يرجو أن تكون تركت أي شيء يخصها..
شيء قد تعود من أجله!!

ولكنها لم تترك شيئا.. ولا أي شيء!!
حتى مفرش السرير الذي قضيا فيه ليلتهما الأخيرة سويا.. غيرته بمفرش جديد قبل أن ترحل!!
لم تترك له أي شيء!!


وماذا يريد بالأشياء من بعدها.. وبماذا ستفيده سوى زيادة حرقة جوفه الملتهب كنار مستعرة..؟؟؟
يشعر بأنفاسه التي تخرج من صدره كما لو كانت ستحرق ما أمامه لشدة سعيرها!!

جلس على السرير وهو يشعر أن الجناح الواسع يضيق ويضيق ليصبح كفتحة الإبرة..
جلس من ناحيتها حيث كانت تنام.. يتحسس المكان الخالي..
ويشعر أن أنامله ستدمي كما روحه تدمي!!


مد يده لسيتند على حاجز الطاولة الصغيرة المجاورة لها.. لتقع يده على سلك شاحن هاتفها..
كف يده كما لو كان لمس جمرة أحرقته..

"وأخيرا تركت شيئا!!"


ينظر لكفه.. للأثر الباهت القديم لحرق كفه حين أمسك بالجمرة ليلة زواجها من سواه..
تلك الليلة أمسك بجمرة فعلية ليتناسى أنها تلك الليلة تنام في حضن سواه!!
ثم حين أصبحت تنام في حضنه أمسك بكل جمرات الكون.. وهو يبعدها عنه!!


لن يحتمل!!
لن يحتمل!!
لن يحتمل!!





************************************






تنظر لكاسرة النائمة وهي تجلس في زاوية الغرفة..
تتنهد بعمق.. لم تكن تريد من كاسرة أن تترك زوجها لتلحق بها..
ستتركها تنام الليلة لأنها حلفت!!
ولكنها في الغد من ستحلف عليها أن تعود لبيتها..
فالبيت خال من وجود امرأة..
فمن سيعتني بالرجال المتواجدين فيه؟؟
من سيعتني بزايد؟؟
من سيعتني بزايد بعد أن أفسدته بالدلال؟؟


فبعد أن كان في الأيام الأولى لزواجهما هو من يستخرج أغراضه كعادته..
أصبح لا يعرف مكان أي شيء إلا أن تخرجه هي له.. بعد أن أعادت ترتيب أغراضه هي...

هي من تستخرج له ملابسه صباحا..
وتستخرج له طقم أزرة وقلم وساعة هي من تنسقها.. بل حتى محفظته هي من تستخرجها من ثوبه القديم لتضعه في ثوبه الجديد..
حتى هاتفه هي من تشحنه له!!


تنهدت بوجع صارخ...

" صدقتي روحش؟؟!!
غصب تقولين إنه تعود عليش؟؟
الرجّال من بداية عرسكم وهو عايفش..
يا الله تحملش ثلاث شهور!!
.
.
.
زين يوم إنه عايفني من البداية
ليش ماقال لي عقب أسبوع أسبوعين..
ليش خلاني لين تعلقت فيه..
لذا الدرجة يبي ينتقم مني يعني؟!! "


وهي مستغرقة في وجع أفكارها المتشعب.. رن هاتفها..
انتفضت بجزع.. (من بيتصل ذا الحزة؟؟)

التقطت الهاتف وضعته على وضعية الصامت بسرعة حتى لا تزعج كاسرة النائمة
وحتى تنظر من المتصل...

كان هو.. هــــو!!

استغربت.. وارتعش قلبها اليائس المكلوم بخليط من الغضب والتأثر..
" وش يبي يتصل؟؟"

تكرر الرنين... تنهدت وهي تقرر الرد.. فكلاهما أكبر من لعبة التجاهل السخيفة..
ربما كان يريد أن يسأل عن شيء من أغراضه!!
وماداما قد اتفقا على وضعية عيش معينة ولكنهما يبقيان زوجان في إطارها..
فالاحترام لابد أن يبقى بينهما!!



ردت مزنة بلباقة رغم أنها تمنت في داخلها أن تغلق الهاتف في وجهه:
هلا أبو كساب ..

زايد صمت لثانية ثم أردف بهدوء عميق: مساش الله بالخير!!

مزنة بذات اللباقة التي اتعبتها مع وجع قلبها: الله يمسيك بالنور..
آمر يا أبو كساب.. إذا فيه شيء من أغراضك ماتعرف مكانه..
تراها كلها مرتبة كل شيء بروحه..
أزرارك وساعاتك في................


قاطعها بوجع عميق: ومافيه شيء غير الساعات والأزرار أبي أسألش عنه يعني؟؟

مزنة بثقة: ما أدري.. آمرني!!

سألها بحزم يخفي خلفه أملا غريبا: ولو أمرتش.. بتطيعين؟؟

مزنة بحذر: إن شاء الله.. لو في مقدرتي ما أقصر يا أبو كساب..

زايد بنبرة قاطعة صارمة ومباشرة: أبيش ترجعين.. واعتبري نفسش ماسمعتي شيء اليوم!!

مزنة شهقت بصدمة كاسحة: نعم... ليه حن كنا نلعب؟؟
ثم أردفت بغضب: أو أنت شايفتني لعبة عندك.. روحي.. تعالي!!

زايد شد له نفسا عميقا: محشومة.. بس أنا حسيت إنه حن استعجلنا في القرار.. خلينا نتناقش في الموضوع أكثر..
أكيد فيه حل غير كذا.. حتى لو أعرض نفسي على طبيب نفسي ماعندي مانع..

صمت لثانية ثم أردف بصدق مثقل بالألم:
أنا ماني بمستحمل المكان عقبش.. باستخف لو قعدت ليلة ثانية كذا!!

مزنة تغلق عينيها وتفتحها.. وجعها يزداد وجرح كرامتها يتسع:
الحين منت بمستحمل المكان عقبي لدرجة إنك مستعد تعرض نفسك على طبيب نفسي؟؟
وليش مافكرت في ذا الشيء اليوم الصبح..؟؟
مسرع قلبت..!!
وإلا عشان كاسرة علمتك.. بتسوي علي ذا اللفة الطويلة والتمثيلية البايخة؟؟
زايد.. أنا ربيت أربعة بدون أب.. يعني باعجز أربي واحد..
وإلا تكون خايف على ولدك من تربيتي؟؟


زايد شعر أن هناك قنبلة تفجرت في منتصف جمجته ونثرت خلايا دماغه أشلاء متناثرة (أي ولد؟؟ وأي تربية؟؟!!)
زايد همس بثقل وأحرفه تتبعثر: أي ولد تتكلمين عنه؟؟

مزنة موجوعة فعلا.. موجوعة.. يطردها من حياته دون رحمة.. لم يقدر مشاعرها.. ولا حبها له..
ثم يريد أن يعيدها من أجل طفل مازال في علم الغيب:
زايد أرجوك لا تزيدها علي..
خلاص اتفاقنا ماتغير فيه شيء.. الطفل ماراح يسوي فرق..
وأنا مستحيل أجبرك تعيش معي وأنت عايفني عشانه!!


زايد لم يستطع أن يرد بكلمة.. ألجمته الصدمة غير المعقولة..

" مزنة حامل!!
ولدي أنا.. ومن مزنة؟؟!!"


مزنة آلمها صمته أكثر من كلامه بكثير!!
( ماصدق أقول له كذا!!
كأنه كان جابر نفسه يقول ذا الكلمتين عشان يريح ضميره...
ويقول : كنت أبي أرجعها بس هي مارضت!! )



لم يقل كلمة واحدة... مازال عاجزا عن الاستيعاب..
فما يسمعه كان أشبه بمعجزة حقيقية ( ابنه هو.. ومن مزنة؟؟!!)


مزنة كانت من تكلمت ختاما وهي تحاول أن تتكلم برزانة تخفي خلفها ألما ماعاد احتماله بالإمكان حتى:
خلاص زايد ماقصرت.. رايتك بيضا.. والوجه من الوجه أبيض!!
تصبح على خير..

ثم أنهت الاتصال..
ليستوعب حينها أن الاتصال انتهى.. انتهى..!!

سارع لمعاودة الاتصال مرة أخرى..
ولكنها أغلقت الهاتف في وجهه هذه المرة..
ثم أغلقت هاتفها بالكامل!!


كان مازال يجلس على سريره.. على مكانها تحديدا..
وإحساس برودة قارص يجتاح خلاياه..

حتى فرحته بالخبر حرمته منها..!!
حرمته حتى أن يقول لها كلمة "مبروك!!"
حرمته أن يخبرها كم هو سعيد بهذا الطفل...

ليست مجرد سعادة بمعناها المجرد البسيط..
بل إحساس سعادة معقد مركب بالمعجزة التي حدثت..
وكأنك ترى أيام صباك تعود أمام ناظريك..!!!

وكأن الحلم الذي سُلب منه يعود إلى حضنه..!!

كم حلم بصبي له ذكاء نظراتها... أو صبية لها لون جدائلها!!
كم حلم بعبق روحها يضمه قريبا من قلبه!!
كم حلم بمخلوق يكون خليطا من روحيهما التي أبت الامتزاج..
ثم حين امتزجت.. كان هو من رفض هذا الامتزاج!!

شد نفسه بإرهاق ليقف... وهو يشعر أنه سينهار فعلا!!

عاجز عن البقاء في المكان بعدها.. كل شيء باهت من غيرأنفاسها..
كل شيء لا نكهة له!!


قرر أن يتوجه للمجلس ويبقى فيه حتى صلاة الفجر...
لا يريد أن يبقى في البيت حتى.. حيث سارت خطواتها وطاف خيالها!!

كان متأكدا أنه لن يجد أحدا في هذا الوقت!!

ليتفاجأ بوجود ابنيه كلاهما.. كساب وعلي!!

بعد تقافزهما للسلام عليه... هتف بحزم: وش مقعدكم ذا الحزة؟؟
ليه منتوا بعند نسوانكم؟؟

علي حاول أن يهمس بطبيعية: شعاع تتوحم ومهيب طايقة البيت!!

ليس من عادته أن يخفي على والده.. لكن إحساسه بهم عظيم يطبق على أنفاس والده جعله يخشى على والده من وطأة الهموم!!


بينما كساب هتف بنبرة مقصودة وهو ينظر لوالده بنظرة حادة مباشرة:
مرتي عند أمها.. ياحرام عمتي عند إبيها عشان تميم مسافر!!
خلتك بروحك مثلنا..
تعال صف جنبنا!!


زايد نظر لكساب بحدة مشابهة... يكره طريقته المبطنة هذه في الكلام..
يغيظه خبثه هذا.. وخصوصا حينما يكون محقا!!


زايد جلس بالفعل بجوار ابنيه!!!


ثلاثة رجال مطعونون بالهجر هذه الليلة!!

إن كان كبيرهم أخطأ دون قصد وأراد أن يعاقب نفسه..!!
وصغيرهم أخطأ بقصد.. واستحق العقاب!!

فإن أوسطهم ...ولأول مرة.. لم يخطئ.. ومع ذلك يُعاقب معهم!!

ربما آن له أن يتذوق نتائج أخطاء الآخرين..
كما كان يحمل الآخرين نتائج أخطائه..
حتى زواج مزنة وزايد كان هو من سعى له ليصلح أخطائه بطريقة ملتوية!!

طال ليلهم.. يتبادلون الحديث البارد..
وإحساسهم بالهجر يتعمق من إحساسهم ببعضهم دون كلام!!!!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
نجمتنا لـ Hlg4
هي أول من توقع أن انفصال زايد ومزنة سيكون في المكان!!
مبروك حضرة الملازم
.
.

#أنفاس_قطر# 15-03-11 08:28 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة واثنين
 



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياصباحكم خير وأمن.. الله ينعم على كل البلاد العربية بالأمن والأمان
وخالص دعواتنا لأهل البحرين جميعا بالامن والاستقرار وزوال الغمة!!
.
.
اليوم عندنا نجمة لـ(إرادة) موب عشان توقع..
لكن عشان عبارة... عبارة هي قالتها في تعليقها وردت تماما في حوار اليوم
وكأنها تقرأ افكاري..
العبارة تخص كاسرة وموقفها من عمها..
البعض نظر لوقوف كاسرة أمام عمها نظرة ظاهرية إنها قليلة أدب ووقحة
مع إنها قالت له شيء يعتمد عليه أساس القصة وماحد انتبه له..
لو أن زايد تزوج مزنة من البداية كان حالهم صار أردى من حال كساب وكاسرة..
أما ليش عطيت إرادة النجمة في البداية وليس في الختام كالعادة..
فستعرفون حينما تصلون للختام!! <== لا تخافون مهوب الجزء الأخير :)
.
وعلى طاري النجمات فيه وحدة توقعت توقع يخص كساب صار في بارت اليوم..
كانت هي بروحها
حاولت أتذكرها بس ماقدرت
تسامحني.. وياليت تذكرني بنفسها
.
.
.
الشيء الثاني مزنة... البعض لامها ليش تقول على وسمية كذا؟؟
مع إنه هذا ايضا يعتبر من أساسيات القصة..
لو وسمية من البداية طالبت بحقها وقفت زايد عند حده ماكان صار ذا كله..
جميل إن المرأة تحب زوجها وتحترمه.. لكن ما تسمح له يظلمها!!
.
.
يا الله
البارت 102
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة واثنان






" الحمدلله على سلامتش
نورتي باريس وضواحيها!!..
وسامحيني على التعطيل اللي صار على الشناط..
تأخرنا وأنتي ميتة تعب.. يومين مانمتي "


وضحى همست بإرهاق حقيقي: عادي يا ابن الحلال.. المهم وصلنا..
حسيت من طول الرحلة إنها ماتبي تنتهي!!

ابتسم نايف: لذا الدرجة دمي ثقيل؟؟

ابتسمت وضحى برقة: اصلا لولا وجودك كان شقيت ثيابي!!

نايف اقترب ليمسك بكفها بحنان: آسف يا وضحى.. من أولها وأنا غاثش..
الصبح خواتي.. وفي الليل أنا وذا الرحلة..

همست وضحى بذات الرقة: لا تقول كذا تزعلني!!


حينها فتح نايف كفها ليغمرها بقبلات رقيقة شفافة.. شعرت وضحى أنها سيغمى عليها وهي تتمنى شد كفها بقوة..
لولا أنه أفلتها بنفسه حين شعر بارتعاش كفها وهو يبتسم بأريحية:
باقي على صلاة الفجر شوي.. بنصلي..
ثم اشبعي نوم..
بكرة بيكون يوم باريسي حافل!!!






***********************************






" هلا كساب.. فيه شيء؟؟ "


كانت كاسرة تنظر لساعتها باستغراب لاتصال كساب المبكر...
هتف كساب بحزم: وش بيكون فيه؟؟ ماتبين تروحين دوامش؟؟

كاسرة هزت رأسها: بلى.. بس ماتوقعت إنك بتوديني.. عشان ما اتفقنا أمس!!

كساب بذات الحزم: خلاص اتفقنا اليوم..
أنا أنتظرش برا.. انزلي لي!!

كاسرة تنهدت: كساب أنت كل شيء عندك حامي حامي حتى من صباح الله خير..
انزل تريق أول.. بأجهز لك ريوق بسرعة!!

كساب بذات نبرته الحازمة المعتادة: خلصيني كاسرة.. ما أقدر أتاخر!!

كاسرة كان بودها أن تتركه لوقت طويل ينتظرها.. لكن قلبها لم يطاوعها وهي تنزل له بعد دقائق!!


حين ركبت مد كفه لها بدون كلام.. فوضعت كفها في كفه دون كلام أيضا..
آن لها أن تعرف طباع زوجها..
رفع كفها إلى شفتيه ويغمرها بقبلات دافئة.. كاسرة همست بحرج:
كساب الله يهداك لا حد يشوفنا أشلون موقفنا..

كساب احتضن كفها بين أنامله بقوة وهو يهتف بثقة:
اللي يبي يشوف.. يشوف.. ترانا في حوش بيتكم مهوب في الشارع..
يعني جدش وأمش نعطيهم تذاكر فرجة ببلاش!!

ثم عاود رفع كفها ليفتح باطنها ويغمرها بقبلاته من جديد.. حينها شدت كفها بقوة وهي تهمس بغيظ:
تدري إنك وقح!! ووقاحتك هذي مرض مزمن!!

ابتسم كما لو كانت تثني عليه: أدري.. ماجبتي شيء جديد..!!
بس تدرين وقاحة المشتاقين مرفوع عنها القلم!!

لا تعلم بالفعل أي لعبة خطيرة يلعبها هذا الرجل.. لكنها باتت لا تحتمل أي كلمة ناعمة قد يقولها لروحها المجدبة!!
همست بسكون: وتبيني أصدق إنك مشتاق؟!!


حرك سيارته وهو يهمس بتلاعبه المثير: الواحد دايما يعكس مشاعره الشخصية على الآخرين..
أنتي مثلا لأنش منتي بمشتاقة لي.. ما تبين تصدقين إني مشتاق لش..
ويا الله ما أقدر أقول شيء غير قول الشاعر ابراهيم الخفاجي: (لنا الله ياخالي من الشوق...)
الله كريم يجبر بالخواطر المكسورة!!


حينها همست كاسرة باستغراب شفاف .. فمادام سيصارحها فهي ستصارحه:
زين أنت كنت تغيب بالأسبوع والأسبوعين عمرك ماقلت إنك اشتقت لش..
الحين مشتاق من يومين؟؟


كساب بدفء عميق لكن لا يستطيع إبعادة عن أسر نبرة التلاعب المثيرة:
اللي عنده وحدة مثلش.. يشتاق لها حتى وهي جنبه.. حتى وهي في حضنه!!


(آه ياقلبي.. والله إنك مجرم!!
وش ناوي عليه؟؟ تجلطني؟؟) كاسرة صمتت..
ماذ يفعل بها حتى يلجمها عن الرد وهي من كانت ردودها جاهزة دوما..؟؟


حينها ابتسم كساب: الحين أنتي ذا اللفة كلها عشان ما تجامليني على الأقل..
ترا من باب اللياقة لو حد قال لأحد (اشتقت لك) يرد عليه: وأنا بعد!!

حينها هتفت كاسرة بإجهاد من بين أسنانها كما لو كانت تكتم إحساسا أرهقها:
اشتقت لك.. اشتقت لك يالسخيف يا البايخ يا أبو دم ثقيل..

كساب انفجر ضاحكا: الظاهر ماتقصدين شي من اللي قلتيه غير الكلمات الثلاث الأخيرة..
زين والسخيف والبايخ يقول لش: ترجعين معه البيت الظهر..؟؟؟

تنهدت بإرهاق.. فهو أرهقها فعلا: بأرجع معك.. بس في الليل بأنام عند أمي!!

تأفف كساب: صارت طبيتني أمش!!

حينها ابتسمت كاسرة: ما تبيني.. رجعت لأمي من ظهر؟؟

كساب باستعجال مرح: وش ترجعين؟؟ (العوض وإلا الحريمة..)
أبي أشوفش ساعة وحدة قدامي وبس!!



(العوض ولا الحريمة: مثل شعبي.. يعني تماما أي شيء مهما كان بسيطا أفضل من لا شيء)







*************************************





كان يخرج هو أيضا من باحة بيته متوجها لعمله..
بدا له هذا النهار أسوأ نهار عمل منذ بدايته..


كان يتأفف وهو يستحم.. يتأفف وهو يرتدي ثيابه.. يتأفف وهو يبحث له عن أزرة يلبسها..
ثم بدت له بشعة وغير متناسقة مع ساعته..رغم أن كل مالبسه كان حقيقة متناسقا تماما مع بعضه..
لكنه لم يعجبه.. بل بدا له خاليا من الذوق!!
غيرها عدة مرات!!
وأعاد إحكام أزراره عده مرات بفشل.. ويداه تتعرقان كلما أراد لف قفل الأزرار!!


وفي كل مرة يتأفف ويتأفف ويتأفف.. حتى رائحة عطره المعتاد لم تعجبه لدرجة أنه ألقاه في القمامة بغيظ..

وبلغ تأففه ذروته وهو يكتشف أن هاتفه شبه خال من الشحن..ويقرر أن يعلقه في شحن السيارة وهو يتأفف للمرة المليون هذا الصباح!!


قد تبدو فترة 3 أشهر فترة قصيرة نوعا ما.. لتتعود على أحدهم بهذه الصورة الجنونية!!
ولكن إن كنت تنتظر هذا الشخص لثلاثين عاما..
ثم حينما جاء فرض حضوره حتى على أنفاسك التي تتنفسها.. فكيف سيكون حالك..؟؟


والإنسان بطبيعته البشرية مخلوق يعتاد على الدلال أكثر بأضعاف مضاعفة من اعتياده على الشدة!!

فلو أنك مثلا نفذت لطفلِ رغباته لثلاثة أيام متتالية فقط.. لن تستطيع بعدها مطلقا السيطرة عليه!!

ولو أنك أهديت زميلا قطعة من الشيكولاته كل يوم على مدى ثلاثة أيام..
سيبقى يتوقعها منك اليوم الرابع والخامس!!

فكيف بمن تكفل أن يقوم بكل شيء عنك طيلة 3 أشهر؟؟
ولم يكن هذا الإنسان أي إنسان!!

بل كان مزنة... مزنة...
مـــــــزنـــــــة!!



يزفر بيأس وهو يلكم مقود سيارته..

" عمري ما أتخذت قرار فاشل مثل ذا القرار!!
والله إني أفشل رجل أعمال..
وقبلها أفشل رجّال!!
الحين أشلون اقنعها ترجع وأنا عارف يباس رأسها؟؟
لا بارك الله في اللي بقى من طبايع مزنة الصغيرة
ليت ربي يفكنا منها.. ويرجع لي مزنة الكبيرة!! "


كانت هذه أفكاره التي تحرق تفكيره المرهق اشتياقا ووجعا.. وغيظا على نفسه
وهو يخرج من باحة بيته ليلملح كسابا يخرج من باحة البيت المجاور وبجواره كاسرة..

" إيه ولدي أبو لسان طول الليل يقط حكي
وهو مهوب حاس بوجيعتي..
وهذا هو طالع هو ومرته!!
وماحد بيأكلها غيري!!"


ليجد نفسه.. بشعور أو بغير شعور.. بقصد أو بغير قصد... يدخل هو أيضا لباحة البيت المجاور..
فهل الجينات المشتركة بين الأب وابنه تحركهم نحو ذات الاتجاه؟؟


نزل من سيارته متوجها لباب غرفة الجد الذي يفتح باتجاه الباحة..
اتصل بسليم أولا.. فأخبره أنه في المجلس..
لأن عمته مزنة عند والدها!!

كان يعلم ذلك.. فهو شعر بطيفها قريبا.. كما لو أن روحه تقوده إليها دون دليل..
مشتاق حتى مافوق أذنيه.. ومن فراق ليلة واحدة!!
فكيف يحتمل قساوة الليالي وبرودتها في بعدها!!


حاول فتح الباب.. فوجده مغلقا!!
كان يريد مباغتتها ..!! الآن يخشى ألا يجدها..
ليس لأنها ستهرب لأنه يعلم أن مثلها لا تهرب.. لكن لأنها تريد معاقبته!!

وصله صوتها الحازم الواثق: سليم روح.. لا تجي إلا أذان الظهر عشان تودي بابا المسجد..


إحساس غيرة مرُّ اجتاح كيانه..
"أ تمنح غيره همسات صوتها الرخيم ؟!!"

هتف بغضب مغلف بحزمه البالغ: افتحي يامزنة.. أنا زايد..


مزنة تراجعت بعنف..
تمنت ألا تفتح.. وألا تراه..
فهي غاية في الضعف.. وجرحها مازال ينزف بغزارة مؤلمة!!
فهي منذ غادرت بيته صباح أمس وهي كما لو كانت ترى أمامه نهرا من دم ينسكب من خلايا جسدها وروحها..
ليغرق الرؤية أمامها.. ومع ذلك تتحرك وتتكلم بثقتها المعتادة دون أن تشتكي أو تسمح لنفسها أن تنـزوي قليلا بحزنها!!


ولكنها لم تستطع إلا أن تفتح..
فليس من اللائق أن تتركه خارجا.. ولا أن تهرب منه كطفلة مذعورة..
ليست مزنة إن فعلتها!!


انفتح الباب.. وزايد يخشى أن تكون فتحت وغادرت المكان..
لذا تفاجأ واهتز وهو يراها أمامه..


كانت تقف في الزاوية.. واقترب هو ليلقي السلام بصوت عال..
الجد ابتسم وهو يرد السلام: ياحيا الله أبو كساب
وش ذا النهار المبارك اللي تصبحت فيه بكم كلكم!!


كان زايد يتبادل السلامات مع الجد بالأريحية المعتادة..
ليلتفت خلفه باستعجال..
ويجد مكانها خاليا!!


" تريد أن يكون عقابها لي مضاعفا!!
ألمحها قبلا.. ثم تغادر.. لتنسف مابقي من صبري!! "


لم يعلم أنه لو كان الأمر بيدها.. لم تكن لتغادر..
لم تكن لتبدو أمامه بهذا الضعف والعجز عن المواجهة!!


مثقلة بالجرح..
ومن جرحها يقف أمامها بكل صلافة واثقة..!!
كما لو أن الضحية تقف أمام الجلاد ويُطلب منها أن تبتسم في وجهه..

لم تستطع فعلا أن تقف.. وتنظر في وجهه من هذا القرب!!
شعرت أنها توشك على الانهيار.. ومؤشراتها الحيوية توشك على الوصول إلى أدنى مستوياتها!!

تركت له المكان كاملا.. وهي تتصل بسليم بإرهاق: سليم تعال قهوي بابا زايد.. وخلك عند بابا جابر..

لم تكد تنهي الاتصال وهي تصل لأسفل الدرج حتى أوقفتها الصرخة الحازمة:
مــزنـــة!!


تنهدت بيأس ( ليه كذا يارب؟؟ اللهم لا أعتراض!!)

استدارت نحوه وهي تحشد في صوتها كل الثقة: أنت أشلون دخلت؟؟ أنا ماقفلت الباب..

اقترب منها ليهتف بحزم: لو قفلتيه.. ماكان دخلت!!
أشلون تخلين الباب مفتوح بينش وبين العامل؟؟

تنهدت مزنة بحزم: لو نسيته مرة.. سليم بيسكره بنفسه..
وسليم عبارت ولدي!!

زايد بغضب مكتوم: لا مهوب ولدش هذا رجال غريب!!

مزنة تنهدت: زين يا أبو كساب.. أنت جاي عشان ذا الموضوع؟؟
سلمت على إبي وماقصرت.. وكثر الله خيرك!!


مزنة تراجعت للخلف بعنف.. لأنه لم يرد عليها.. بل مد يده ليتنزع برقعها عن وجهها وهو يهتف بحزم:
آخر مرة تكلميني وحن بروحنا وتغطين وجهش عني!!

حينها انفجرت مزنة بغضب: أنت ماعندك إحساس؟!!
أمس طاردني من حياتك.. واليوم جاي لي ما كانه صار شيء..
لا تخلين الباب مفتوح بينش وبين العامل.. لا تتغطين عني!!
أنت وش جنسك؟؟ تقتل القتيل وتمشي في جنازته؟؟


لم يرد عليها بشيء.. ونبرته تتغير لدفء لا يخلو من غضب:
ليش ماقلتي لي إنش حامل!!

مزنة تحاول أن تشيح بنظرها عنه وهي تهتف بثقة: كاسرة ماقصرت!!

زايد بثقة: كاسرة ماقالت لي شيء.. إسأليها لو بغيتي.. انا مادريت إلا منش البارحة!!

مزنة بمرارة: وماقصرت.. بينت فرحتك بالخبر لدرجة إني حسيتك بتطير!!

هتف بثقة غامرة: وانا فعلا مستانس ومبسوط.. هذي نعمة من رب العالمين
ولأنه منش بيكون أعظم نعمة!!
وإذا أنتي ماحسيتي بفرحتي.. لأنها كانت أكبر من إن الواحد يعبر عنها بكلمات!!
بس بعد ليش ماقلتي لي؟؟

مزنة بذات المرارة التي تبصقها مع كلماتها: ومتى أقول لك؟؟
وأنت في النهار ماتطيق تشوف وجهي.. ويا الله تقول لي كلمتين!!
وإلا في الليل وأنت لاصق فيني لدرجة تخوفني لا تكون مريض؟؟


زايد بثقة: مهوب عذر.. خبر مثل المفروض أنا أول حد يدري به..
مهوب كاسرة ولا غيرها..
في أي أسبوع أنتي؟؟

مزنة حاولت أن تبتعد عنه (عن أي أسابيع يتحدث؟؟ وهي تكاد تكمل الشهر الثالث!!)

لكنه شدها ليوقفها أمامه وهو يسأل بحزم: ماجاوبتيني على سؤالي!!

مزنة شدت معصمها منه وهي تهمس بحزم: آخر الثالث..

زايد تراجع بصدمة: أي ثالث؟؟ قربتي تكملين ثلاث شهور وماكنتي حتى ناوية تقولين لي؟؟

مزنة تنهدت بعمق .. فهي فعلا مرهقة منه ومن الوضع ونفسيتها شبه مدمرة:
زايد لا تحاول تحسسني بذنب ماراح أحس فيه..
لأنه الذنب كله ذنبك.. وأنا ماني بمستعدة أسمح لك تتلاعب فيني بذا الطريقة..

زايد مد يديه ليمسك وجهها بين كفيه.. حاولت التراجع..
لا تعلم هل بالفعل منعها حاجز الدرج؟؟ أم هي من عجزت عن مغادرة أسر كفيه؟؟

همس بدفء عميق: مزنة خلينا من لعب البزراين.. أنا معترف إني غلطان.. والرضوة اللي تبينها تجيش لين عندش..
ارجعي لبيتش وأنا حاضر لأي شي تبينه..


مزنة انهمرت بطوفان يأسها ووجعها وحرقتها:
والموضوع عندك كذا بسيط؟؟
لذا الدرجة شايفني شيء رخيص وتافه.. تحذفه متى مابغيت وترجعه متى مابغيت..؟؟

كل كلمة قلتها لي البارحة..جرحتني جرح ماله مدى..
أول شيء قلت أبي أهجرش ولا تحتكين فيني كني مريضة بجرب!!

وثاني شيء كملتها إنك تبي تعاقبني على ذنب مهوب ذنبي..
وش ذنبي إن وسمية سمعتك تناديني في نومك..؟؟ أنا طلبت منك كذا..؟؟
أنا حتى عطيتك ريق حلو ذاك الزمان يخليك تتعلق فيني؟؟

بالعكس وأنا صغيرة كنت جفسة وقليلة أدب.. ومافيني شيء ممكن يغريك أني أصير حلم تهذي به 30 سنة!!

لكن أنت معي سويت كل شيء عن قصد.. خليتني أتعلق فيك.. وحاولت بكل طريقة... لين أنا تعلقت فيك..

وعقبه حذفتني مثل شيء ماله عازة... وثاني يوم جاي تبي ترجعني..
ليه وش شايفني؟؟

لو أنك حريص علي كان فكرت ألف مرة قبل مايكون أول قرار عندك أن تقطع كل مابيننا..
ولأنه حن على قولتك ما احنا ببزران.. فكل واحد مسئول عن قراره..
لأنه اللي في عمرنا مايسوي قرار هو ما ملأ يده منه..






************************************






" مسكينة أختك نجلا.. ذابلة مرة وحدة..
وش صاير فيها..
أنا شفتها آخر حملها كانت أحسن بواجد!!"


غانم بعفوية: تدرين ولادتها صعبة وعقبه توأم ومتشحططه بين الولد والبنت..
لازم يبين عليها!!

مزون بتأثر: كسرت خاطري والله..
الحين لا جبت عيال.. باصير كذا؟؟

ابتسم غانم: وليش الأفكار السلبية هذي؟؟
نجلا انتظري عليها ترجع البنت لحضنها.. وبتشوفينها أشلون تحسنت..


مزون صمتت لدقيقة ثم همست بتردد: غانم ماعليه الليلة أروح لبيت علي.. وأسهر عنده شوي..
أبي أشوف وضع بيته.. مرته تتوحم وخلت البيت!!

غانم بتأفف باسم: والحين أي واحد من أخوانش تتدلع عليه مرته بتطيح في رأسي..

ابتسمت مزون: أنا أساسا كنت أبي أقول لك أبي أنام عنده.. بس عارفة إنك ماراح ترضى.. فقعدت بكرامتي!!

غانم يصفر: ياسلام عليش.. هذا اللي ناقص..
روحي له ياقلبي.. شوفي وضعه وترجعين
السهرة لا.. الساعة 8 بأجي أجيبش..

مزون برجاء: 8 بدري.. لين 12 بس!!

غانم بحزم رقيق: مزون ياقلبي.. ماقلت لش شيء.. روحي من العصر لين الليل
بس عقب لازم ترجعين تتعشين معي ونسهر سوا..
وإلا أنا مالي فيش نصيب!!


مزون صمتت على مضض.. فهي تخشى أن يكون علي لا يتناول طعاما جيدا وخصوصا أنه مازال يأكل علاجه..
وعلاجه هذا ثقيل ولابد أن يكون مع معدة ممتلئة ..
كانت تريد أن تتأكد أنه سيتعشى قبل عودتها!!


غانم شعر بامتعاضها.. لذا حاول أن يلهيها بالحديث: إلا على طاري بيت أخيش علي...
أنا أدري إنه اللي على اليمين بيت كساب وهو باعه على نسيبه..
واللي على اليسار بيت علي.. بس اللي ورا بيت من؟؟

مزون بتساؤل: تقصد الفيلا الصغيرة اللي داخل حوش بيتنا؟؟
هذي لخالتي عفراء..

غانم هز رأسه: لا أقصد اللي نفس ستايل بيوت أخوانش وحجمها وفي حوش مستقل..

ابتسمت مزون: هذا بيتي أنا!!

غانم بصدمة: ماقلتي لي من قبل..؟؟

ابتسمت مزون: ماجات فرصة.. إبي أول شيء بنى البيت الكبير واشترى الأراضي اللي حواليه..
وقبل حوالي سبع سنين بنى البيوت هذي!!

غانم يتساؤل عفوي: والبيت الكبير كم عمره؟؟

مزون تحسب في رأسها المدة: حوالي 12 سنة..

ابتسم غانم: ماشاء الله كأنه توه أمس مبني!!

ابتسمت مزون: لأنه شركة أبي هي اللي بنته.. فأكيد توصوا عدل..

ثم أردفت بشجن عميق مغرق بنبرة ولع غريبة: إبي فديته عقب ماماتت أمي...
مارضى نقعد في نفس البيت عقبها..
باع البيت واشترى واحد ثاني.. وقعدنا فيه لين خلص بيتنا هذا..

غانم لا ينكر إحساسه الغريب بالغيرة من تعلقها بأهلها.. حتى نبرته حينما تتكلم عنهم تتغير لتصبح أكثر سماوية..

مزون صمتت لثوان ثم أردفت بتردد: زين دامك سألت عن بيتي..
وش رأيك لو نسكن فيه كلنا بدل ماهو قاعد فاضي كذا؟؟
حتى أخوانك الصغار كل واحد منهم بيصير له جناح!!

غانم التفت نحوها بحدة: نعم؟؟ عيدي؟؟
أنتي مهوب عاجبش بيتي؟!!

مزون بحرج: ماقصدت غانم.. بس دام عندي بيت نستفيد منه..

غانم يشد له نفسا عميقا: مزون لو سمحتي سكري ذا الموضوع عشان ماتصير هذي أول زعلة بيننا..
بيتش كيفش فيه.. بيعيه.. أجريه... أنا مالي شغل فيه!!


غانم يزفر بحرقة..
( أمن أجل أنها تريد قرب أهلها
هي مستعدة لجرحي وإحراجي هكذا!! )






***********************************






صحت على رفرفات رقيقة تغمر كتفها..
فقفزت بخجل وهي تشد الغطاء عليها كاملا وتهمس بخجل عذب:
صباح الخير نايف...

نايف بمودة: تراه صار مساء.. العصر قرب يأذن.. قومي صلي الظهر والعصر مع بعض..

وضحى بجزع: وليش ما قومتني للظهر..؟؟

نايف يضحك: توني قمت أساسا.. نمنا مثل المقتولين..!!

وضحى مدت يدها لتتناول روبها وتلبسه وهي تهمس برقة: سبحان الله.. صدق كنت تعبانة موت..
والحين جوعانة.. تصدق؟؟

نايف بإبتسامة: أصدق ونص.. لأني جوعان وأنا أساسا أكلت..
وأنتي صار لنا يومين ماشفتش حطيتي شيء في حلقش..


ثم أردف بحماس: يا الله نأخذ شاور.. وأوديش مكان تأكلين فيه أحلى أكل..
وعقب بأمشيش في باريس تمشية سبيشل مايعرفها إلا واحد لفلف حواري باريس مثلي!!


ثم أردف بمرح خبيث وهو يستعد لدخول الحمام: إلا أنتي وش تحطين على كتفش.. سكر وإلا عسل؟؟


وضحى انتفضت بخجل شديد وهي تخفض عينيها وتشد روبها على جسدها أكثر..
" يمه منه..
وتقول لي عالية.. خام ومسكين!! "






************************************






دخلا قبل قليل لجناحهما..
ودخل كساب ليستحم.. لم تستطع انتظاره لأنها كانت تشعر بالحر فعلا بعد نهار العمل الصيفي الطويل..
لذا دخلت للحمام الآخر لتستحم..


حين خرجت استغربت أنه لم يخرج بعد.. بالعادة لا يطيل أكثر منها..
كان باب الحمام مواربا.. معنى ذلك أنه خرج وعاد..
شعرت بالقلق فهذا الرجل له تصرفات تثير القلق دوما...

لذا طرقت الباب ودخلت فورا دون مقدمات..
فوجئت به يغير لنفسه وهو يضع شاشا على كتفه..
انتفضت بجزع.. وهي تقترب منه وتهمس بقلق مر: وش سويت في نفسك ذا المرة بعد؟؟

همس بثقة: مافيني شيء.. رجاء كاسرة عطيني دقيقتين وأجي لش !!

كاسرة بحزم: لا.. بأقعد معك أشوف شتسوي.. وبنطلع سوا..

كساب بحزم: كاسرة اطلعي برا.. لأني الحين بأبدل على فخذي وبأشيل الفوطة اللي حاطها على خصري..


كاسرة انسحبت.. ليست غبية لتعلم ماذا فعل.. مادام يغير على كتفه وفخذه..
شعرت أن الدقائق لا تريد أن تمضي والمرارة في جوفها تنغرس وتتعمق!!

حين خرج بعد أن ارتدى ملابسه.. همست بصوت غائر: يعني سويتها؟؟ وحرقت روحك..

هتف بثقة: لا... سويت عملية بسيطة.. وماحسيت بشيء.. وشلته وارتحت خلاص..

كاسرة موجوعة بالفعل من إخفائه كل شيء يفعله عنها..
همست بعتب عميق: وأنت كساب عمرك ماراح تشركني في شيء من قراراتك..
يعني سفرتك ماكانت توقيع عقد؟؟

كساب تنهد وهو يشدها ليجلس ويجلسها جواره:
والله العظيم توقيع عقد.. والعملية حتى أخي علي مادرى عنها..
أنتي الحين الوحيدة اللي تدرين..
كانت عملية بسيطة لمجرد طمس الأرقام.. وبتبين كأنها حرق قديم..

ثم ابتسم بشفافية غريبة كما لو كان يحادث ذاته:
يا الله ياكاسرة ما تتخيلين وأشلون حسيت بالحرية كني عصفور فكوه من حبسه..
تمنيت ألبس شورت وفنيلة علاق بس وأتمشى في الشوارع..

كاسرة لكمت صدره برقة وهي تهمس بتأثر عذب: هذا اللي ناقص!!

ثم أردفت بوجع وهي تحتضن خصره: بس أشلون عصفور حر..
وأنت مرتبط مع شغلك بشغل ثاني..
قبل وأنت مسافر ماكنت أحاتي سفراتك.. بس الحين عقب ماعرفت كل ماسافرت بيأكلني التفكير..

حينها همس بسكون أقرب للحزن: لا هذي هم حرروني منها.. أساسا يوم خذت الثياب تيك المرة.. رحت عشان أسلمها..
أنا جاني إعفاء عشان إصابة كليتي!!
مادريت أنا أستانس وإلا أحزن!!


كاسرة تنهدت براحة شعرت بها ستشق جنبيها لشدة اتساعها..
الآن عرفت سبب تغيره..
فهو تحرر من كل شيء.. من كل ماكان يفرق بينهما..
أسراره ووسمه وعمله السري..
تتمنى فقط لو علمت كيف وصل لهذا المكان.. فهذه الحكاية تعلم أنها من صنعت تكوينه الصعب..
لو علمت بها فقط سترتاح كليا وتصبح صورة كساب صافية تماما..
الآن بدت تجد له الأعذار لغموضه وحدة شخصيته وتقلباته..
لكن حين تكتمل الصورة ستصبح أقرب وفهمها له أعمق...
وهذا كل ما تريده!!

كساب شدد احتضانه لها وهو يهمس بثقة: الحلوة شا اللي شاغل بالها..؟؟

كاسرة همست برفق وهي تمرر أناملها على ساعده:
أبي أعرف شيئين اثنين.. ليش دخلت السجن؟؟
وأشلون وصلت لسالفة المهمات العسكرية!!
تكفى كساب .. أبي أرتاح.. ما أبي أحس إنه فيه حاجز بعد بيننا..

نثر قبلاته على شعرها المبلول وهو يهمس بذات الثقة:
صدقيني المعرفة ماراح تريحش.. ماراح تتحملين اللي بأقوله..

كاسرة برجاء: جربني زين!!

كساب بإصرار: خلاص كاسرة انتهينا..








***************************************






" والله العظيم لو ما رديتي عليه ذا المرة
إني ماعاد أكلمش!!"


جميلة بجزع: لا يمه تكفين.. خلاص بأرد عليه..

كانت جميلة على وشك الرد لولا أن هاتفها سكت عن الرنين.. همست بانتصار:
شفتي يمه.. هذا هو سكر من نفسه.. !!

عفراء ببساطة حازمة : عادي فيه اختراع اسمه إعادة اتصال.. اتصلي له أنت..

جميلة شعرت أنها ستبكي: تكفين يمه.. لا تخليني أذل نفسي له وأتصل أنا له..
وعد وعد لو اتصل المرة الجاية إني أرد عليه!!

عفراء رفعت حاجبا وأنزلت الآخر وهي تهمس بذات البساطة الحازمة:
الحين أنتي بتذلين نفسش لو اتصلتي.. وهو ماذل نفسه وهو كل يوم يتصل كم مرة وأنتي ما تعبرينه!!

جميلة هزت كتفيها: هو اللي غلط في حقي مهوب أنا اللي غلطت عليه..

عفراء بثقة: فيه كلام أبي أقوله لش.. بس اتصلي أول بفهد وعقب تعالي وأقوله لش..

جميلة برجاء: يمه تكفين!!

عفراء بإصرار حازم: أنتي يا بنت ماعاد شيء له حشمة عندش حتى حلوفتي عليش..
قومي كلمي رجالش خلصيني..


جميلة تأففت وهي تقف لتتصل به من غرفة أخرى.. لم تكن تريد والدتها أن تسمع ماستقوله له..




فهد كان هناك يتأفف بدوره لأنها لا ترد على اتصالاته..
أثقله الشوق حتى الثماله.. واستغرقه حتى النخاع.. وهي مطلقا لا ترحمه..

نعم أخطأ.. ولكنه أعتذر.. وطهر نفسه بالألم والندم..

أ لم يكفها كل ذلك؟؟ ماذا تريد أكثر؟؟ أن ينتحر مثلا حتى ترتاح؟؟ أو يقطع لسانه حتى تشعر بالسعادة؟؟

لا يعلم من أين أتت بكل هذه القسوة وهو من كان يظن أن لها قلبا يذوب كذوب الثلج في نهار مشمس!!


لذا حينما تصاعد رنين هاتفه كان سيسكته فهو لا يشعر برغبة للتحدث مع أي أحد.. لولا أنه رأى الاسم ينير على الشاشة..
كما لو كان ينير بين عتمات جنبيه!!

التقطه بلهفة لم تبدو واضحة في حزم صوته: وأخيرا حنيتي وتكرمتي بالاتصال!!

جميلة بغيظ: أصلا لولا إن أمي حلفت علي وإلا والله ما أكلمك!!

يا الله كيف من الممكن أن تهوي من القمة للقاع في ثانية واحدة.. هذا تماما ماحدث له.. يكاد يشعر بوجع عظامه من قوة الارتطام..
رد عليها ببرود يخفي خلفه ألمه المتسع: الله يبارك في عمتي اللي علمتش السنع..

جميلة بذات الغيظ: وأنت متى بتعرف السنع.. ؟؟
قلت لك لا تكلمني.. وأنت تتصل وأنا ما أرد عليك...
متى بتفهم أنت؟؟
أنت ماعندك كرامة؟؟...........


أسكتها صرخة حازمة جمدت الدم في عروقها وصوته يصب كنار غاضبة في أذنها: أص ولا كلمة... سامعتني أنتي ياقليلة الحيا.... أص!!
إذا أنتي تشوفينها سالفة كرامة يأم كرامة.. أنا شايفها سالفة حق.. وماراح أتنازل عنه!!

حقي أتصل.. وأنتي تردين علي وأنتي ما تشوفين الطريق!!
دام أنتي عارفة إني أتصل وأنا ما أبي إلا كل خير.. لا أبي اغثش ولا أبي أضايقش!!
ليش ما تردين؟؟

لأنش وحدة تحبين المغثة...
يعني يوم كنت أنا موريش الويل وما تسمعين معي كلمة زينة...... كنتي صابرة وساكتة..
ويوم شفتيني ماني بقادر على بعدش.. وخاطري أقول لش كلمة حلوة أعوض فيها عن كل اللي قلته قبل...... ماحتى عطيتيني مجال..

خلاص جميلة تبين المغثة..؟؟ تراني حاضر..
وترا الأيام الاولى من زواجنا يوم كنت أغثش.. تراني ماكنت قاصد..
تخيلي إذا كنت قاصد أغثش.. أشلون بتكون المغثة؟؟


فهد أنهى نيران جوفه المسكوبة.. ثم أغلق هو الهاتف في وجهها.. جميلة انتفضت بجزع..

(ياربي ليش استفزيته كذا؟؟
الحين يمكن يطلقني.. وإلا تصير مشاكل بينه وبين عمي منصور بسبتي!!)


جميلة عادت إلى أمها وهي تسير كما لو كانت شبحا.. تسحب خطواتها على الأرض بدون صوت مسموع..

لم تتذكر حتى أن والدتها قالت لها أنها تريد أن تقول لها شيئا من شدة استغراقها في التفكير.. حتى همست والدتها باستغراب:
هيه جميلة.. وش فيش يأمش؟؟

جميلة انتفضت بخفة: مافيه شيء فديتش..
كنتي تبيني في سالفة؟؟ آمريني!!


عفراء تنهدت وهي تضع تضع زايد الصغير في مقعده ثم تقوم لتجلس جوار جميلة..
ثم تهمس بحنان حازم وهي تشد على كف جميلة:
جميلة يأمش.. أنا يوم أجبرش تكلمين فهد ما أبي أكسرش في عينه ولا أهينش..
بس أنتي يامش صايرة تتصرفين بدون منطق.. وأنا يوم أتدخل أبي مصلحتش!!

يوم صارت زعلتنا أنا ومنصور وطولنا واجد.. وأنتي تعاتبيني ليش ما ترجعين لعمي.. وأنا اتعزز وأقول هو غلط في حقي!!

بس لو جينا للحق.. عمش منصور ماقال لي ارجعي.. حتى تلفون مادق لي..
كان يروح يسأل عني زايد وعياله.. ومافكر يتصل لي أنا..

صحيح زعلت وكبرتها وطلعت من البيت.. بس عقبها بكم يوم صفا تفكيري وندمت إني سويتها.. وكنت أنتظر منه كلمة عشان أرجع..
بس هو قعد ست شهور لين تكرم علي وقال لي ارجعي..

فهد ماسوى كذا.. فهد شاريش من قلب.. أدري غلطته كبيرة عليش..
بس خلاص الرجّال اعتذر.. لو كل مرة بيغلط عليها رجالها بتهج وتخليه..
ماكان قعد فيه اثنين مع بعض..

عطيه فرصة.. خليه يثبت لش إنه ندمان صدق.. ليه منتي براضية تعطينه ذا الفرصة..؟؟
ترا فهد على عيوبه فيه ميزات أكثر.. والبشر مافيهم كامل..



جميلة همست بيأس: يمه ماني بمتقبلة فكرة الرجعة له!!


حينها همست عفراء بثقة: تدرين يأمش ليه منتي بمتقبلة الرجعة له؟؟
لأنش تبين تعاقبينه بذنب خليفة.. أو لأنش خايفة يسوي مثل خليفة..

جميلة انتفضت باستغراب: وخليفة وش دخله يمه؟؟


عفراء بحزم: خليفة هو ساس المشكلة.. خليفة كان رجال زين.. بس أنتي ضيعيتيه من يدش..
وفهد بعد رجال زين وتبين تضيعينه من يدش..

المشكلة وين؟؟
إنه خليفة تخلى عنش أول ماقلتي له ما أبيك.. كأنه ماصدق!!

لكن فهد على كثر ماقلتي له ما أبيك... متمسك فيش..
وأنتي مستمرة في قولت (ما أبيك) كانش تبين توصلينه آخره عشان تشوفين هو بيسوي نفس خليفة أو لأ..

الشيء الثاني.. خليفة ما اعتذر عن اللي هو سواه... بس فهد اعتذر..
ما تقدرين تسامحين فهد وأنتي ماسامحتي خليفة..
مع إن خليفة هو صاحب الفضل وتبين تسامحينه عشان تقدرين تكملين حياتش..


جميلة برفض: يمه ذا الكلام كله صدقيني ماله معنى..


عفراء بإصرار واثق: وأنا متاكدة من ذا الكلام..
يأمش شيلي خليفة من رأسش عشان تقدرين تعيشين حياتش..
لا تخلين طيف خليفة يخرب عليش حياتش ويوقف حاجز بيتش وبين رجالش!!







***************************************






" وين الأغراض اللي جابها غانم لمهاوي؟؟ أبي أشوف ذوق أخيش ومرته!!"


نجلا ترفع راسها بينما كانت تبدل لغانم الصغير ملابسه..
و تلتفت لصالح بنبرة عتب مقصودة تخفي خلفه حزنا مرا.. وذبولا متوحشا؟؟ حزن جديد بدأ يتصاعد في الروح حتى خنقها:
زين وأغراض غانم ماتبي تشوفها ؟؟.. تراه ولدك بعد!!


صالح بعفوية: أنا زهقت من شوفت أغراض العيال.. عيوني احولت من شوف الأزرق.. خاطري أشوف الوردي!!

ثم أردف بحماس: الدكتور يقول المها حالتها الحين ممتازة.. وتقدر تطلع قريب..
أول شيء بنسويه لا رجعت المها للبيت.. نلبسها فستان.. وبأوديها للمجلس.. عشان أصورها مع سلطان..
البارحة رجع من السفر.. أول شيء سواه.. راح معي للمستشفى عشان يشوفها.. و .......


قاطع انهماره الحماسي انفجار نجلا المفاجئ بالبكاء ... صالح انتفض بجزع وهو يجلس جوارها ليأخذها في حضنه..
وهو يحاول تهدئتها: نجلا حبيبتي وش فيش؟؟

نجلا تصاعدت شهقاتها وهي تبعده عنها: لا تجي جنبي.. ولا تقرب مني!!

وتدري.. ما أبيك حتى تدخل البيت.. خلك في المجلس..
وإذا جات بنتك.. مرخوص تجي تشوفها.. وتطلع.. أنا وعيالي مانبي منك شيء!!

صالح بصدمة: نجلا ليش تسوين كذا؟؟ معقولة تكونين غيرانة من بنتش؟؟


نجلاء انفجرت بحزنها المكتوم منذ الصباح.. وهي بالكاد تتكلم مع غانم ومزون حينما جاءا هذا الصباح..
وتنتظر صالح بوجع ليشاركها المصيبة.. ولكنه لم يأتي إلا الآن بعد صلاة المغرب!!
بعد أن أثقل على روحها الوجع.. حتى ماعاد بالاحتمال..

انفجرت بهستيرية: أنا غيرانة من بنتي؟؟ إلا أنت اللي ما تستاهل تكون أب...
اطلع برا وما أبي أشوف وجهك!!
برا.. برا...


صالح يحاول تهدئتها: نجلا الله يهداش.. ترا مافيه شيء يستاهل ذا اللي أنتي مسويته كله..؟؟

نجلا انهارت جالسة ماعاد فيها أي طاقة وصوتها يتحول لتمتات باهتة: مافيه شيء يستاهل!!
صالح وش صار على فحوص غانم اللي صار لي أكثر من أسبوع ونص أحن عليك تجيبها؟؟

صالح بحرج: يا بنت الحلال هذا فحص دوري يسوونه لكل المواليد..
لو كان فيه شيء لا قدر الله كانوا اتصلوا..

نجلا بذات النبرة الباهتة الممزقة وجعا: فحص دوري...؟؟
كنت أقول لك... الولد طريقة تنفسه مهيب مريحتني..
تقول لي عادي.. ماتذكرين عزوز وخالد كانوا كذا..
أقول لك تكفى تأكد من فحوصه اللي خذوها في المستشفى يوم طلعنا..
تقول لي إن شاء الله.. كل يوم إن شاء الله..



صالح لا يعلم لِـم بدأ القلق يتسرب لروحه.. فنجلا بالفعل غير طبيعية..
هتف بهذا القلق: نجلا شا اللي صاير؟؟


حينها عاودت الانفجار بشكل أشد وجعا وهستيرية:
شا اللي صاير؟؟؟..
اللي صاير إنك ماخذت الفحوص لأنك ماعندك اهتمام بأحد غير بنتك..
والمستشفى دقوا عليك أكثر من مرة.. ولقوا جوالك مسكر.. لأنك أكيد عند بنتك بعد..
لحد ماطلعوا رقمي أنا من ملفي..
غانم قلبه تعبان واجد.. ولدي بروحي أنا قلبه تعبان.. ولازم أستعجل في الفحوص عشان يسوون له عملية في أقرب وقت!!

والحين أنت اطلع برا.. ماني بطايقة شوفتك قدامي... اطلع.. اطلع..
برا.. برا...........






****************************************








كان ينتهي للتو من وضوءه لصلاة العشاء ويريد التوجه للمسجد قبل الآذان..
حين سمع صوت الطرقات الهادئة على الباب..

هتف بحزم: ادخل..


دخلت بخطواتها الواثقة وهي تسلم وتقبل رأسه..
ثم تهمس باحترام بدون مقدمات: أنا أسفة يبه لو كنت ضايقتك أمس..
وتراني جيت البارحة ذا الحزة بس مالقيتك!!
وكنت أبي أعتذر لك بنفسي مهوب في التلفون!!


زايد هتف بأبوية: لا تعتذرين يا أبيش عن قولت الحق..
أصلا لو أنتي ماعاتبتيني.. ما تكونين بنتي كاسرة اللي ما ترضى بالحال المايل..
ثم أردف بشجن مغلف بحزمه: وأنا اشهد إن حالي مايل!! وأنا اللي ميلته بروحي!!

كاسرة بثقة: أنا كنت موجوعة واجد عشان أمي...
بس لو جينا للحق.. أنا مالي حق أتدخل بينكم.. هذي مشاكلكم الخاصة وأنتو اللي تحلونها..


تنهد زايد بحزم: شكلها يأبيش ماتبي تنحل..
ثم أردف بثقة: أنا متأكد إن أمش ماقالت لش إني كلمتها البارحة وجيتها اليوم..
واعتذرت منها.. وطلبت منها ترجع.. بس هي مارضت!!

كاسرة بصدمة حقيقية: لا.. ماقالت لي شيء..

زايد بذات الثقة: كنت عارف!!
مثل مادست علي خبر حملها... تظن إنها يوم تحتفظ بسر كل شيء إن هذا بيخليها في موقع القوة..
عشان ماحد يقدر يضغط عليها بشيء!!


كاسرة بحرج: أنت دريت بخبر حملها؟؟

زايد بذات الثقة الحازمة: دريت منها.. وهي تحسب إنش قلتي لي..
وماخذه في خاطرها.. تحسبني أبي أرجعها عشان الحمل!!
كنت أقول مزنة تغيرت وعقلت.. بس عنادها مثل ماهو.. ورأسها أيبس من الصوان..
حاولي فيها يا ابيش.. حاولي تقنعينها..
اعتذار واعتذرت.. وأي شيء تبيه زود... أنا حاضر!!







**********************************





" عبدالرحمن.. عالية بترجع تتعشى معنا؟؟"


عبدالرحمن بإبتسامة: لا يمه فديتش... الليلة بتتعشى عند أمها..

أم عبدالرحمن همست بحنان: زين تبيني أكفيك؟؟ أنا بأروح مع السواق وأجيبها..

عبدالرحمن يتناول كف والدته التي تجلس جواره على الأريكة ليقبل ظاهرها باحترام جزيل ومودة غامرة:
لا جعلني فداش.. بأروح أجيبها.. وش عندي؟؟

ثم التفت للجالسة معهما وهي في عالم آخر.. آخر.. شاردة.. مثقلة بالهم..
وهتف بصوت عال: شعاع.. اشعيع..

شعاع انتفضت برقة: لبيه..


عبدالرحمن بمودة: قومي يأخيش استعجلي إبي..
دخل يتوضأ ولا عاد طلع.. الأذان بيأذن الحين..
وأنا بروحي عبالة.. أبي لي عشر دقايق لين أوصل المسجد..
(عبالة = شيء ثقيل بالمعنى المعنوي لا الحسي)


شعاع قفزت وهي تهمس باحترام: إن شاء الله أبشر..

عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة..
لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية:
يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم..

أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر..
حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها..
وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده..



إحساس غريب.. سبق أن شعر به..
قبل عام تقريبا...
دوامة يطوف بها..
وصوت اصطدام..!!
وحشرجة أنفاس مهاب..
وصراخ الجد..
وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!!



بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها..
سوى شيء واحد.... والــــــــــده!!


أثمن كل شيء وأغلى..
أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!!
أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !!
ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!!

ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق..
وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!!

ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات..

ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..)


ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته..
وهو يوقف حياته كاملة من أجله!!

ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس..
وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!!


ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه..
كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 17-03-11 08:36 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثلاثة
 







بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباحكم نور وبركات من المولى عز وجل
ياهلا والله بكل الوجوه الجديدة والقديمة

.
جزء طويل جدا يعبر بنا فترة معينة وأحداث كثيرة

وموعدنا القادم الأحد 9 صباحا ويمكن قبل لو رب يسر!!
.

يا الله
البارت 103
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثلاثة





عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة..
لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية:
يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم..


أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر..
حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها..
وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده..



إحساس غريب.. سبق أن شعر به..
قبل عام تقريبا...
دوامة يطوف بها..
وصوت اصطدام..!!
وحشرجة أنفاس مهاب..
وصراخ الجد..
وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!!



بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها..
سوى شيء واحد.... والــــــــــده!!


أثمن كل شيء وأغلى..
أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!!
أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !!
ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!!

ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق..
وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!!

ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات..

ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..)


ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته..
وهو يوقف حياته كاملة من أجله!!

ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس..
وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!!


ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه..
كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!!



لا يعلم ما الذي حدث.. ولا كيف حدث..
كل ما يعلمه أنه وجد نفسه ينحني على سرير والده.. وهو يجس نبضه ويتأكد من أنفاسه.. ويصرخ بشعاع: اتصلي في الاسعاف بسرعة..
ثم ينهار جالسا على الأرض..

لم ينتبه أحد كيف تحرك من الصالة لغرفة والده دون كرسيه!!
فبالهم كان مشغولا بشيء آخر..

شعاع كانت تتصل بالاسعاف وهي تشهق بهستيرية..

بينما أم عبدالرحمن مازالت تحاول إيقاظه بكل يأس..

حينها انتبه عبدالرحمن لنفسه.. انتبه أنه هنا..!!
أنه هنا بدون كرسي..!!

لم يهمه كيف حدث ذلك.. كل ما كان يهمه هو والده..
حاول الوقوف مرة أخرى.. شعر أن قدميه تتخاذلان.. وأنهما عاجزتان عن حمله..
لكنه تحامل على نفسه..

"مادمتُ فعلتها من أجله قبل قليل دون وعي مني
سأفعلها الآن بأذن الله ومن أجله أبضا وأنا بكامل وعيي!! "


شعر بصعوبة الأمر.. وان قدميه لا تستجيبان..
لكنه حاول وهو يستند لطرف السرير.. ليقف بصعوبة بالغة..
ثم يجلس بجوار والده.. وهو يتأكد من استمرار تنفسه!!!


" يا الله.. كم تبدو الحياة باهتة بدونك يافاضل!!
هل تريد أن تتركني؟؟
هل تريد أن ترحل قبل أن ترى حفيدك؟؟
هل تريد أن تترك عبدالرحمن الذي لا يعرف بهجة الحياة دون ابتسامة رضاك!! "








*********************************





" علوي حبيبتي..
امشي أوديش لبيتش!!"


عالية بمودة: لا عبدالله فديتك.. عبدالرحمن جايني الحين..

عبدالله بمودة يخفي خلفها قلقه العارم: أنا حلفت على عبدالرحمن أجيبش..
أنا أساسا أبي أروح الحلاق الحين..
بأوصلش وبأروح..


عالية نهضت وهي تهمس بمرح وترتدي عباءتها: الله لا يخليني منك..
زين عشان ما أتعب الدحمي!!

عبدالله بنبرة مقصودة: أم حسن..

جوزا بلباقة رقيقة: لبيه..

عبدالله بذات النبرة المقصودة: أبي جوالش عشان أكلم الحلاق.. جوالي طفا..خلص شحنه..

جوزاء ناولته هاتفها بعفوية.. أخذه منها وهو يهتف بمودة: زين روحي رقدي حسن.. تأخر الوقت..

جوزا شدت حسن وهي تهمس برقة: إن شاء الله..


كان عبدالله يريد أن يحرص أنه لن يفاجئها أحد بالخبر..
فهاتفها معه.. وهي حين ينام حسن يستحيل أن تتركه لوحده..
وفي غرفتها لن يصعد لها أحد!!



حين أصبحا كلاهما في السيارة.. هتف عبدالله بحزم:
اسمعيني زين.. ترا عمش تعبان شوي.. بس إن شاء الله إنه زين!!
تبين أوديش للبيت..؟؟ وإلا تبين تروحين لهم المستشفى..؟؟

عالية انتفضت بجزع: نعم؟؟ عمي تعبان..
لا أكيد أبي أروح المستشفى فدينك!!


عالية طوال الطريق أفكارها تغلي..
تعرف ارتباط عبدالرحمن بوالده.. تتخيل وضع عبدالرحمن الآن..
ليزداد قلبها غليانا!!







*****************************







كان يعبر طرقات المستشفى كالمجنون.. منذ اتصل به عبدالرحمن واخبره أن حالة شعاع صعبة وأنها لم تسكت من البكاء..
وأنه يخشى عليها وعلى جنينها ويرجوه أن يحضر لتهدئتها..
لأنه بالكاد يقدر على تهدئة والدته الآن!!


كانت تقف قريبا من باب غرفة الإنعاش.. ودموعها لم تتوقف عن السيلان حتى غرق نقابها..

كم تبدو مشاكلنا تافهة حين يأتيها ماهو أكبر منها!!
يبدو الآن كل خلافها مع علي لا قيمة له إطلاقا أمام قلقها على والدها.. وخشيتها من فقده..

فهل نحتاج دائما لصدمة لكي تعدل تفكيرنا المائل..؟؟

رغم محبتها الهادرة لعلي التي أشعرتها بالاستغناء عن العالم وكأنها لا تريد من الحياة شيئا سواه!!

لكنها علمت الآن ويقينا أنها تحب والدها أكثر!!
وأنه لا علي ولا سواه سيعوضها عنه لو ذهب!!

حتى لو كان يقسو عليها أو قسا عليها.. يكفيها إحساسه بأنفاسه في الحياة..
تنبئها أن لها ظهرا حنونا لا تخشى الدنيا مادام خلفها..
شعرت بالفعل بإحساس اليتم المر من مجرد خوفها من فقده!!


كانت هذه أفكارها المتصاعدة مع شهقاتها وهي لا تشعر بشيء حتى شعرت باليد الحانية على كتفها..
وهمسه الدافئ الحنون: اذكري الله ياقلبي.. إن شاء الله مافيه إلا العافية!!

حينها استدارت لتسند جبينها لعضده وهي تنتحب بشكل أشد..
كان علي يشعر أنه سيموت ليأخذها في حضنه..
ولكن وقفتهما في الممر لم تسمح له بذلك..
وهو يرى عبدالرحمن يجلس قريبا منهما وبجواره والدته يحاول تهدئتها..
ربما لشدة انشغاله بشعاع لم ينتبه إلى عصا مسندة للحائط خلف عبدالرحمن!!

فكل كيانه مع هذه المنتحبة وهي تسند رأسها لعضده..
وتتمنى لو كانت تستطيع أيضا الارتماء في حضنه لتسكب وجيعتها كما تشعر بها فعلا!!

علي يهمس لها بحنان: حبيبتي اهدي تكفين.. خافي اللي في النفس اللي أنتي شايلتها..
عمي فاضل إن شاء الله إنه طيب..



حينها اتسعت عينا علي بصدمة حقيقية وهو يرى عبدالرحمن يتناول العصا من خلفه.. ثم يستند عليها ليقف..
كان يتحرك ببطء شديد وصعوبة.. ولكنه كان يتحرك!!
كان يقف!!


كان متوجها ليسأل أي أحد ليطمئنهما..
قلق عارم يعصف به..
فوالده سبق أن أُصيب بأزمة قلبية من فترة ليست بالبعيدة.. حين أفاق هو من غيبوبته...
قلقه يتزايد وهو يرى أن لا أحد يخرج لتطمينهم بأي شيء!!
كان على وشك العودة ليجلس جوار والدته!!


في لحظة وقوفه تلك..
كان هناك شخصان آخران قادمان..
رجل وأمراة..
لتتهاوى المرأة مغشيا عليها حالما رأت عبدالرحمن واقفا وهي تشهق شهقة عنيفة!!

عبدالله المصدوم انحنى ليسند شقيقته ثم يحملها قبل أن تصل للأرض والممرضات يسرعن نحوه لينقلها لغرفة إنعاش مجاورة!!

عبدالرحمن حين رأى المشهد أمامه.. قفز بسرعة أكبر متوجها نحوها.. رغم صعوبة المشي عليه..

ليصل إليها فور إنزالها على السرير وهو يهتف بغضب:
عبدالله الله يهداك ليش تجيبها هنا..

عبدالله بغضب مشابه: وأنت ليش ماقلت لي إنك مشيت.. يوم كلمتني!!
أنا قلبي كان بيوقف يوم شوفتك واقف.. أشلون ذا المسكينة؟؟

عبدالرحمن انحنى على وجهها يربت على خدها بلطف: عالية.. عالية..

الممرضات أزحنه جانبا ليقمن بدورهن في إفاقتها.. لم تستغرق دقيقة حتى تصاعدت شهقتها الثانية..
واستوت جالسة وهي تهمس بلهفة موجوعة: وين عبدالرحمن؟؟

حينها رأته واقفا جوارها.. وحينها دفنت وجهها بين كفيها وانتحبت من أقصى روحها..


عبدالله حين اطمأن لإفاقتها قرر أن يخرج لأنه شعر أن وجوده غير مناسب في هذه اللحظة الخاصة جدا!!

عبدالرحمن اقترب منها ليحتضن رأسها ويهمس بوجع: حبيبتي أنا محتاجش قوية الحين.. عشاني!!

عالية احاطت خصره بذراعيه وهي تنتحب وتشهق بعنف: بس عطني دقيقة وحدة أستوعب..
ماني بقادرة أصدق إنك واقف قدامي.. الحمدلله يارب...
ياربي ماني مصدقة.. صدق أنت واقف؟؟


عبدالرحمن بشجن عميق: واقف.. بس ياخوفي يكون ثمن وقفتي أغلى منها بواجد!!






**************************************






مازال معتصما بمكانه في صالة البيت منذ عاد إلى البيت..
وهي معتصمة بغرفتها التي نزلت فيها للأسفل بعد ولادتها..

كلاهما لديه إحساس عميق بالذنب يتعمق ويتعمق..


هــــــو لأنه اكتشف أن فرحته بالصغيرة جعلته مغيبا تماما.. أهمل أسرته كاملة من أجلها..

قبل دقائق مر به عبدالعزيز.. لم يقل له شيئا وهو متوجه ليدخل عند والدته..
نـــاداه.. شعر برغبة مضنية لاحتضانه..

ست سنوات وهو من كان آخر العنقود.. ست سنوات وهو المدلل..
ثم فجأة وكأنه اختفى ماعاد حتى ينتبه لوجوده.. فكيف سيشعر طفل كهذا؟؟

احتضنه بقوة وهو يغمر وجهه بقبلاته ويشعر أنه سيبكي..
يا الله كم افتقد رائحته!!

تفاجأ في ملامحه العذبة بسن مفقود..

هتف باستغراب: متى طاح سنك؟؟

عبدالعزيز بإبتسامة: من زمااااان.. (من عدة أيام!!)

صالح يتحسس المكان الفارغ بألم... كيف لم ينتبه حتى لسقوط سنه الأول..
هتف بهذا الألم: ومن اللي شاله لك؟؟

عبدالعزيز بذات الابتسامة: عمي هزاع يوم جا يأخذنا يودينا عند جدي..
ماحسيت فيه.. قال لي غمض عيونك.. وبعدين شفته في يدي!!
ووداني الدكان أنا وخويلد وخلاني أشتري أغراض واجد عشاني مابكيت..

صالح بذات الألم: وليش ماقلت لي أنا إن سنك يتحرك عشان أشيله..؟؟

عبدالعزيز بتأفف طفولي: يووه قلت لك كم مرة.. بس أنت ماتسمعني..
مستعجل.. على طول مستعجل!!
وأمي على طول تبكي.. ما أبيها تشيل سني وهي تبكي!!


" يا الله.. وش كل ذا الوجع؟!!"


صالح عاود احتضان عبدالعزيز وهو يرفعه ليجلسه في حضنه.. في لحظتها خرجت نجلا..
تحاشت النظر لهما.. وهي تهتف بحزم:
عزوز يا الله عشان تنام.. اطلع غسل أسنانك والبس بيجامتك.. أنت وخويلد وأنا جايتكم الحين..

نجلا كانت تريد مناداة الخادمة لتجلس عند غانم الصغير حتى تعود لها..
لولا أن صالحا قاطعها بحزم مرهق: أنا بأقعد عندهم لين ينامون..
ارجعي لغانم!!


كان بودها أن ترفض.. لكنها بالفعل مرهقة.. وإحساسها بالذنب كذلك يخنقها..!!

تشعر أن الله عز وجل يعاقبها على تطيرها.. فهي كرهت أن تُسمى ابنتها باسم طفلة ماتت بالقلب.. فيظهر أن ابنها مصاب به!!

تستغفر الله كثيرا من هذه الأفكار.. ولكنها لا تستطيع الابتعاد عن أسرها..
وإحساسها بالذنب يتزايد ويتزايد!!





*********************************







أجبرها أن تجلس.. وهاهو يجلس جوارها..
يحتضن كفها في كفه.. وهي لم تتوقف عن النحيب.. ولم ترد عليه بكلمة منذ رآها..

همس بحنان: شعاع ياقلبي بس.. هذا أنتي سمعتي بنفسش إنه عدا مرحلة الخطر..
بكرة الصبح إن شاء الله بيكون بخير!!

لم ترد عليه بشيء.. وهي مستمرة في البكاء.. تبكي الكثير من الأشياء..
تبكي قلقها على والدها.. تبكي من إحساسها أنها كانت على وشك فقده..
تبكي حتى مسامحتها الجالس جوارها وهي لا تريد أن تسامحه!!
تبكي رغبتها أن تطوق عنقه بذراعيها وهي لا تستطيع!!


قلبه يذوب من أجلها ذوبا.. وهي لا ترحم حاله..
يشعر أنه سينهار من الإرهاق وسينهار قبل أي شيء من أجلها..
ومع ذلك يحاول التجلد من أجلها أيضا!!..




وضع مختلف عن وضع المتجلدين في مكان آخر بعيدا عنهما..
عبدالرحمن وعالية.. عبدالرحمن بدأت روحه تطمئن قليلا حين أخبروه أن والده استقر وضعه وتجاوز مرحلة الخطر.. بعد الأزمة القلبية المفاجئة التي فاجئتهم جميعا !!
مشغول باله بشدة ومثقل بالهم.. هذه هي الأزمة الثانية.. فهل سينجو من ثالثة؟؟

عالية تهمس بمودة وتصبير: عبدالرحمن الله يهداك.. عمي الحين أحسن.. قل الحمدلله..

عبدالرحمن يتنهد: الحمدلله والشكر.. بس أنا خايف عليه.. هذي الازمة الثانية..
مع إن إبي بشكل عام صحته زينة.. وتوه مهوب كبير..
حاس إني أهملته.. كان المفروض إنه أسافر أنا وإياه ونسوي له تشييك كامل..

ثم أردف بحزم: عالية قومي روحي للبيت أنتي وامي.. وجيبيها الصبح.. عبدالله ينتظركم..
ولو تاخر أكثر على جوزا.. بيصير بالها يودي ويجيب..

عالية برفض: وأخليك؟؟

عبدالرحمن بإصرار: اسمعي الكلام.. أمي تعبانة ولازم ترتاح..
وحتى الحين بأخلي علي يأخذ شعاع..
تعالوا كلكم بكرة..






***********************************





منذ عاد لها بعد أن نام الصغيران..
وكلاهما معتصم بصمت مر.. تبدو مرارة الصمت كمرارة العلقم!!
ومرارة الذنب أمر من ذلك وأقسى!!
كلاهما غارق في مرارة ذنبه التي تشربت بها الروح!!

لم يقاطع جمودهما المؤلم سوى تعالي صرخات غانم الصغير..
كلاهما قفز في ذات الوقت..
كان هو من وصله أولا.. وتناوله من فراشه..
كان بودها أن تدفعه عنه.. وتأخذه من يده!!
ولكنها رأت أن في هذا قسوة لا ترضاها لنفسها ولا لوالد أطفالها..
فهي رغم كل شيء في حاجته.. حتى لو كان لن يقدم شيئا تكتفي بوجوده لتستمد منه القوة!!
لذا عادت للجلوس على سريرها وتركت غانما بين يديه!!


صالح أسكت الصغير ثم تساؤل بإرهاق: يبي يرضع؟؟

همست نجلاء بإرهاق أعمق: إيه.. عطني إياه!!

ناولها إياه.. وفي لحظة التماس تلك.. لم يستطع إلا أن يجلس جوارها ويأخذها بين ذراعيه..
لتنهار في بكاء موجوع وهي تسند رأسها لكتفه وتحمل ابنها بين ذراعيها..
همس لها بحنان مغرق في الوجع: سامحيني نجلا.. سامحيني ياقلبي.
أدري إني غلطتي كبيرة.. ومالي عذر..
وكفاية الذنب اللي أنا حاسة عقاب لي!!
فرحتي بالبنت اللي حلمت فيها سنين.. أعمتني عن أشياء واجد..
يمكن كنت أبي لي صدمة تفوقني.. بس الصدمة ذي توجع توجع..

قالها وهو ينحني ليتناول الصغير من بين يديها ويغمر وجهه ويديه بالقبلات
ويهمس بوجع متزايد:
لا تحاتين.. إن شاء الله مافيه إلا العافية..
وربي رحمته أوسع من كل شيء!!!








**************************************






يدخلان لبيتهما سويا .. وأخيرا..

طوال الطريق وهما صامتان تماما.. رغم أنه كان يتحرق ليقول لها أي شيء..
لكنه احترم صمتها وحزنها!!

في أحيان كثيرة قد يكون أفضل ما نقدمه للآخرين هو.. الصمت..
حين يكون الصمت أكثر تعبيرا من الكلام!!


حين وصلا للبيت... حدث ما توقعه تماما..
انفجرت في البكاء.. وهي تجلس على الأريكة وتدفن وجهها بين كفيها!!

جلس جوارها ليأخذها في حضنه.. لم تحاول أن تتمنع..
فالتصنع لا يليق بهما!!

دفنت وجهها في منتصف صدره لتنتحب بكل قوتها..
همس لها بحنان وهو يحتضنها بكل الحنان والقوة: خلاص شعاع حني عليّ بكلمة وحدة الله يرضى عليش..
أنتي وش طاقة البكاء العجيبة اللي عندش ذي.. ما تتعبين!!
حرقتي قلبي!!

انتحبت وشهقاتها تتناثر: كله منك.. كله منك!!

لم يستطع إلا أن يبتسم فهذه العبارة يسمعها للمرة الثانية وفي موقف شبيه بهذا الموقف:
أدري كله مني.. وأنا أستاهل ونص..
وأنا آسف..
شعاع ياقلبي تدرين وش كثر أحبش.. لو تحبيني نص ما أحبش..
ماكان هان عليش تخليني عشان غلط اعتذرت عنه..

شعاع بصوتها المبحوح: والحين حياتنا كلها بتقعد معلقة على ذا الغلط؟؟

علي يبعدها قليلا عنه لينظر إلى وجهها ويمسح دموعها المنهمرة بأنامله:
مافيه شيء غيره.. هو الغلط الوحيد.. وعاقبتيني بمافيه الكفاية..
خلاص ياقلبي.. تدرين إني حتى يوم واحد ما أطيق بعدش...
أحس كأني مثل المسبه اللي فاقد التوزان!!

حينها مدت أناملها لتمسح على عارضه برقة موجوعة: شأخبار فحوصك؟؟

همس بعتب رقيق وهو يتناول كفها من خده ليحتضنها بين كفيه:
زين تذكرتي؟؟

ابتسمت بشفافية مغمورة بالدموع: أدري إنها زينة.. لأني سألت كاسرة بطريقة غير مباشرة..
وقلت لها إني خايفة تكون مخبي علي شيء.. وهي سألت كساب وطمنتني!!

حينها ابتسم بشفافية أكثر: وليه ذا اللفة كلها؟؟
ترا السالفة كلها مسج أو تلفون حتى لو أنتي زعلانة عليّ..

همست بشجن: بس أنا كنت زعلانة واجد.. ولين الحين زعلانة!!

أجابها بولع غامر: أراضيش باللي تبينه.. لو تبين عيوني الثنتين.. بس خلش جنبي..
وحلفتش بالله.. لو صار زعل بيننا .. وإن شاء الله عمره مايصير بيننا زعل..
بس لو صار.. حلفتش بالله ماتطلعين من بيتش.. خلش قدام عيوني..

ترا فيه فرق بين إنش تعاقبيني.. وبين إنش تذبحيني!!








***********************************





" يا الله ياعبدالله..
أما أنت أمس وترتني صدق.. أول شيء تأخرت علي
وحتى تلفون ماعندي أتطمن عليك!! "


عبدالله بمودة: غصبا عني حبيبتي..

جوزاء بتساؤل: إلا أنت وين موديني من صبح كذا؟؟

عبدالله يتنهد بهدوء: عندي لش مفاجئتين وحدة حلوة وتجنن وبتطير عقلش من الوناسة..
والثانية بتزعلش شوي..

جوزاء بتوجس: عبدالله خوفتني..

عبدالله يحاول تهيئتها للموضوع وهو يهتف بهدوء تام: صدقيني مافيه شيء يخوف..
بس أنتي جمدي لي قلبش الله يرضي عليش..
لو علي ماكان ودي أقول لش الخبر الحلو ولا والشين.. بس أنا عارف إنه بتدرين بتدرين!!
كله ولا تفكرين تولدين لي في الثامن.. طالبش ياقلبي!!

جوزاء بدأ توجسها يزداد وهي تضع أسوأ الاحتمالات في رأسها.. وكل الاحتمالات تدور حول أهلها..
بما أن عبدالله معها الآن.. وحسن تركته خلفها عند أم صالح!!

اختنق صوتها: أمي صاير لها شيء.. أو إبي أو أخواني؟؟

عبدالله بنبرة تطمين: ليش ذا الفال الشين؟؟ صدقيني إنهم كلهم طيبين وبخير!!

جوزا تنظر حيث دخلت السيارة ويزداد اختناق صوتها: تقول لي طيبين وأنت موديني المستشفى..

عبدالله يشعر بالتمزق فعلا وهو يهتف بثقة ودودة: والله العظيم إنهم كلهم طيبين..
وبتشوفين بعينش... عشان كذا جبتش.. مابغيتش تروعين!!

جوزاء بدأت تبكي: من اللي تعبان فيهم؟؟ من هو؟؟

عبدالله شد على كفها وهو يقف في الموقف ويهتف بثقة: انزلي بنفسش وتشوفينهم كلهم طيبين..
عمي بس تعب البارحة تعب بسيط وهذا هو طيب وبخير وبتشوفينه بعينش!!

جوزاء نزلت باستعجال وهي تكاد تركض.. عبدالله شدها ليوقفها وهو يهتف بحزم: شوي شوي..

كانت تحاول التجلد وهي تريد أن تطير بينما عبدالله يمسك كفها بقوة..
حتى أوصلها إلى الطابق الخامس..
همس لها بحزم وهما مازالا عند الباب: شفتي هذا هو في غرفة عادية..
لا في العناية ولا الإنعاش..
سمي بسم الله.. وادخلي بالراحة.. لو شعاع مهيب هنا.. ناديني!!

جوزاء هزت رأسها وهي تصر على أسنانها بقوة.. وتشعر بألم متعاظم في أسفل بطنها..

فتحت الباب ودخلت..
حين دخلت .. كانت أسرتها بكاملها متواجدة.. ووالدها نائم..

بدت كما لو كانت ستسقط وهي تبحث عن شيء تستند له..
شعاع وعالية قفزتا كلتاهما لتسنداها.. والغريب أن معهما ثالث رغم أنه وصل متأخرا!!..

حين أوصلوها بجوار والدتها.. ارتمت في حضن والدتها وهي تنتحب..
أم عبدالرحمن مسحت على رأسها بحنان: والله العظيم إنه طيب يأمش.. اذكري ربش!!

حين التفتت لتتأكد من شيء غريب لمحته وظنت نفسها تتخيل..
وجدت نفسها لا تتخيل.. كان عبدالرحمن يقف جوارها مستندا لعصا وهو يهمس بقلق: أشلونش الحين؟؟

حين رأته واقفا.. شهقت بعنف وهي تستدير لتحتضن خصره وتنتحب بهستيرية..
عبدالله وصله صوت نحيبها وهو في الخارج.. لم يستطع أن يصبر وهو يطرق الباب بقوة..
البنات تأكدن وضع أغطيتهن وهن لا يعملن من الطارق بعد.. ليدخل عبدالله كالأعصار: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟

عالية تمسح دمعة فرت منها رغما عنها: لا تحاتي أم حسون... بس صرنا عايلة هنود على مستوى..
سيلنا دموع أكثر من أي فيلم هندي مر في التاريخ!!

عبدالله وقف فوق رأسها وهو يهتف بقلق: أم حسن.. حاسة بشيء؟؟ شيء يوجعش؟؟

جوزاء لم ترد عليه وهي مازالت متعلقة بعبدالرحمن الذي كان يحتضنها بحنو ويهمس عبدالله بمودة: مافيها إلا العافية..
متاثرة شوي.. كانت متوقعة إنه أبو دم ثقيل ماعاده بماشي على أرجيله مرة ثانية!!

ثم استدار عبدالرحمن ليوجه حديثه للجميع : ياجماعة الخير.. إبي لا يدري إني وقفت أو مشيت.. خايف عليه من الصدمة..
أنا بروحي بأقول له وبطريقتي!!






********************************








" يا الله وضوحي وش ذا الكسل؟؟
قومي!! "


وضحى تفتح عينيها وهي تهمس بإرهاق: خاطري أقوم قدامك..
مهوب أنت كل مرة تقوم قبلي وتشوف شكلي وأنا صاحية من النوم..

ابتسم نايف وهو يمرر ظهر أنامله على خدها: تدرين أصلا أنا تقصدت أقوم قبلش عشان أشوف شكلش وأنتي نايمة ثم وأنتي تبطلين عيونش على وجهي..
شكله بيصير إدمان!!

وضحى اعتدلت بخجل : سامحني.. بكرة إن شاء الله أنا بأقوم قبلك..

نايف بمرح: ليه حتى الإدمان ذا منعوه.. ترا مادرست إنه ممنوع في القانون..
ثم أردف بذات المرح: وش رأيش في جولتنا البارحة؟؟

وضحى برقة: تجنن.. بس بلاها نطول لين الفجر.. أخاف!!

نايف بنبرة عتب: تخافين وأنتي معي؟؟ وبعدين يعني أنا باوديش الحواري اللي بعد غياب الشمس ماحد يمشي فيها..عشان تخافين..
كلها مناطق مليانة سياح!!
وبعدين مافيه تيك المسافة بين الشانز وسكننا في سانت لازار في منطقة الأوبرا..
تدرين الفنادق أكثر قريب الشانز.. بس الشانز زحمة وعالم وقرف..
وأنا أبيش تشوفين باريس بعيون واحد من أهلها مهوب عيون سايح!!


ثم أردف بمرح ونبرة مقصودة وهو يلمس شفتيها بطرف سبابته: ولو أنه حلو نرجع بدري عشان أشوف وجهش وأنتي تسولفين علي بدون نقاب!!
عشان السوالف من بين ذا الشفايف ماينشبع منها!!







***********************************








" أنا بروح أزور أبو عبدالرحمن وأشوف أخبار عمتش..
تروحين معي؟؟"



كاسرة تنهدت: ما أقدر يمه.. اتصلت في عمتي والبنات..
وعمي فاضل باتصل له تلفون..
بس ما أقدر أروح له في المستشفى.. كساب بيعيي لو قلت له..

مزنة بحزم: خلاص أنا بروح.. لا تقعدين في البيت بروحش..
ولو تبين تقعدين خلش عند جدش وسكري البيان كلها..


حينها همست كاسرة بنبرة مقصودة: يمه استئذنتي عمي تروحين؟؟

مزنة بذات الحزم: تدرين زين إني ما أحب تكلميني بذا النبرة يابنت!!

حينها ابتسمت كاسرة: خلش من النبرة.. المهم الجواب.. استئذنتي عمي؟؟

حينها أجابتها مزنة بصرامة : مهوب شغلش يا بنت بطني.. وعيب عليش تتدخلين بيني وبين عمش!!

حينها همست كاسرة بتحكم: ذا كله يمه عشان خايفة إني أسألش ليه ما قلتي لي عن جية عمي البارحة وإنه اعتذر منش؟؟

مزنة بذات الصرامة: بعد مهوب شغلش... يوم أنتي جيتي عندي زعلانة على كساب.. مارضيتي حتى إني أتدخل بينش وبينه..
عشان تتدخلين بيني وبين إبيه الحين..

حينها همست كاسرة بشجن: يمه لا تقارنين... كساب مافكر يعتذر لي حتى..
ورجعني بدون مايعتذر لي..
لكن أنتي زايد آل كساب بكبره جاء لين عندش واعتذر..
يمه تكفين لا تضيعين عمي من يدش.. والحين بينكم طفل..
ماعليه.. خلي الخبال ويباس الرأس لي.. بس أنتي تكرمين!!

مزنة تنهدت وهي تربت على خد صغيرتها: ماراح تفهمين يأمش..

كاسرة برجاء: فهميني زين!!

مزنة تنهدت للمرة الثانية: يأمش انتهينا..


حينها كان الاتصال الذي ورد لهاتف مزنة هو من قاطع الحاح كاسرة..

مزنة شدت لها نفسا عميقا.. (لماذا يتصل؟؟
لماذا لم يكتفِ برسالة كما فعلت؟؟ )


فمزنة كانت قد أرسلت بالفعل رسالة لزايد تستأذنه في الذهاب لزيارة إبي عبدالرحمن..
وتأخر في الرد عليها!!
ولها أكثر من نصف ساعة وهي ترتدي عباءتها وتنتظر رده!!
تعلم أنه لن يرفض.. لذا استعدت للذهاب.. واستغربت تأخره في الرد..


مزنة تنهدت لترد بثقتها المعتادة: هلا أبو كساب!!

كاسرة رقصت حاجبيها لوالدتها.. بينما مزنة أشاحت بوجهها وهي تستمع صوت زايد الواثق:
أنا أتناش برا.. تعالي!!

مزنة بصدمة وهي تقف لتبتعد بهاتفها: نعم؟؟ زايد أنت من جدك؟؟

زايد بحزم: إيه من جدي... أنتي تبين تروحين تزورين فاضل وأنا بعد..
وأنا ما أرضى تزورينه بروحش..

مزنة ستجن منه وهي تحاول أن تهمس بأكبر قدر من الهدوء: زايد الله يهداك إذا أنت مرخص لي..؟؟ رحت مع السواق والخدامة..
منت بمرخص لي؟؟ قعدت !!.. السالفة ماتحتاج تعقيد..

زايد بصرامة: والله مافيه حد معقدها غيرش.. الحين حن ما احنا متفقين إنه على الأقل قدام الناس شكلنا مايفشل..
الحين أنا على كل حال رايح أزوره.. نتقابل هناك يعني كن حن ربع؟؟

مزنة تنهدت وهي تضع هاتفها في حقيبتها وتستعد للخروج له..
وتهتف بصرامة قبل أن تقول كاسرة أي كلمة: أص ولا كلمة.. ما أبي أسمع تعليق واحد!!
كفاية اللي مسويه فيني عمش الغالي!!


حين ركبت جواره سلمت باختناق حاولت أن لا يبدو واضحا في صرامة صوتها.. ولكنه ظهر..
شعرت أن السيارة ضيقة جدا.. وأن جنبها يكاد يلتصق بجنب زايد رغم المسافة الفاصلة بينهما!!

تشعر أنه يتلاعب بها.. كما لو كانت إحدى عرائس الماريونت التي تُحرك بالخيوط.. يقربها حينا ويبعدها حينا!!
وهي الخاسرة الوحيدة في كل الأحوال..

رد عليها السلام بفخامة أصيلة وهو يردف بدفء عميق متجذر: هلا حبيبتي!!

مزنة رغما عنها شهقت بعنف.. وهي تلتصق بباب السيارة.. بل وتفتحه دون أن تشعر رغم أن زايدا بدأ بتحريك سيارته..

زايد مد ذراعه ليشدها ناحيته بقوة وهو يهتف بغضب: أنتي شتسوين؟؟

مزنة استدارت نحوه بغضب أشد: إلا أنت اللي وش تسوي؟؟

زايد بغضب متزايد: وش سويت؟؟

مزنة صمتت.. لم ترد عليه.. فهي ممزقة تماما.. بل كلمة التمزق لا تتناسب حتى مع حالة التشرذم الشامح الذي تشعر به!!

" أي رجل قاس هو هذا الرجل؟؟
بل أي قلب يحمل؟؟
كلمة انتظرتها مطولا وشح بها عليّ ثم يلقيها عليّ كشيء بلا قيمة
بدون إحساس..
كما لو كانت فضلة يريد إسكاتي بها!!
ليقول لي : أ ليس هذا ما تريدينه؟؟ ارضي به واصمتي!! "


ومازاد إحساسها مرارة وقسوة أن زايد بدأ ينهمر في حديث عفوي..
كما لو أنه لم يحدث بينهما شيء مطلقا!!!


كان يهتف بثقة باسمة: تدرين إنه طلعاتنا مع بعض شوي.. دايم متقابلين في البيت..
يبي لنا مع بعض أكثر.. نطلع نتغدى سوا.. ونجيب أغراض البيت سوا..
اشرايش نروح بكرة بدري (الكبرة) نجيب ميرة البيت..


مزنة تشعر أنها تريد أن تنفجر في البكاء فعلا.. (هل هذا الرجل خال من الإحساس فعلا؟؟!! )
هل اكتشف للتو أن ظهورهما سويا من البيت قليل بل شبه معدوم
وهي لم تشتكي من ذلك مطلقا.. فهي بطبعها لا تخرج إلا لحاجة ضرورية
وكان يكفيها رؤيته أمامها في البيت!!

فأي لعبة سخيفة يلعبها الآن؟؟

زايد يستحثها للكلام: مزنة حبيبتي وش فيش ماتردين علي؟؟

مزنة همست بإرهاق: زايد لو سمحت.. بلاها حبيبتي ذي!!

ابتسم زايد بفخامته المعتادة: زين وش فيها؟؟ أنتي حبيبتي..

مزنة همست بشعور قهر متزايد: ومن متى ذا الكلام؟؟

زايد بدفء محترف: من زمان وأنتي عارفة..

مزنة تنهدت: اللي أنا عارفته شيء ثاني..
فلو سمحت يأبو كساب.. خلنا في اللي احنا فيه...
حن رايحين نزور ابو عبدالرحمن ونرجع وبس..

هتف بحزم يخفي خلفه رجاء عميقا: منتي براجعة معي لبيتش؟؟

مزنة بحزم موجوع: بيتي هو اللي أنت خذتني منه..
فارجوك احترمني يا أبو كساب.. أنا ماني ببزر عشان تغصبني!!






*********************************







دخلت عليه وهو يلاعب زايد الصغير..
بينما والدتها كانت منشغلة في المطبخ...


كانت تريد التراجع.. فهي في الفترة الأخيرة أصبحت تتحاشى مواجهته وحيدين..
تخشى أن يجر الحديث حديثا آخر تتهرب منه..

منصور حين رآها هتف بصوت عال مرح: حيا الله بنتي اللي ماعاد شفناها..
هذا وأنتي عندنا في البيت.. لا جا فهد وش بتسوين!!

جميلة مالت على رأسه لتقبله وهي تهمس بابتسامة: توني شفتك اليوم الصبح..جعلني الأولة!!

ابتسم منصور: وهذي تسمينها شوفة.. وأنا رايح بسرعة لشغلي!!

جميلة مالت لتأخذ زايد من بين يديه حتى تلتهي به عن التوتر الذي بدأت تشعر به..
لكن منصور هتف بمودة: خليه.. مابعد شبعت من ذا السكني الصغير!!
سبحان الله سميته زايد.. وفيه من زايد مواري واجد..
(مواري= علامات)..

ابتسمت جميلة: يارب يطلع يشبه عمي زايد في كل شيء.. إلا الشكل عاد نبيه مثلك!!

حينها ضحك منصور: يعني أنتي شايفتني شكل بس.. وشايفة زايد المضمون..؟؟

جميلة تفجر وجهها احمرارا لدرجة أنها كحت: والله العظيم ماقصدت ياعمي...
ياربي... السموحة فديتك..

منصور مازال يضحك: وش فيش تروعتي كذا؟؟ أمزح معش يأبيش!!

جميلة مازالت تشعر أنها تريد تبكي من شدة الحرج..

ولكن منصور أخرجها لاتجاه آخر وهو يهتف بمودة: ها شأخبار الاستعداد للجامعة..؟؟

جميلة بإحساسها بالحرج الذي تحاول الخروج منه: كل شيء تمام..
الدوام بعد أسبوع تقريبا.. وأنا اساسا رجعت قيدي وسجلت مواد من الفصل اللي فات..

منصور بعفوية: يعني بيكون دوامش قبل رجعة فهد؟؟


( هذي هي السالفة اللي ما أبيها!!) حاولت أن تهمس بتلقائية: قبل رجعته بيومين تقريبا!!

ثم أردف منصور بنبرة مقصودة: والوضع بينكم الحين أشلون؟؟

جميلة باستعجال: زين ياعمي.. زين!!

منصور بحزم: يضايقش فهد بشيء؟؟؟

جميلة بذات الاستعجال: أبد.. مايقصر وحاطني فوق رأسه!!


منصور نظر لها نظرة سابرة.. شعرت بالارتباك وبالحر.. كما لو أنها تجلس في فرن مشتعل..
وقفت وهي تهمس بذات النبرة المستعجلة: باروح أشوف أمي تبيني أساعدها في شيء!!



بعد دقائق..
دخلت عفراء..
وهي تحمل بين يديها القهوة والشاي.. وتتبعها خادمة تحمل (الفوالة).. وضعتها وغادرت..
بينما عفراء جلست بجوار منصور الذي هتف لها بنبرة مقصودة وهو يقبل زايد الصغير:
جميلة جاتش؟؟

عفراء بعفوية: لا...

حينها هتف بذات النبرة المقصودة: أشلون الوضع بينها وبين فهد ولا تكذبين علي في شيء..
لأني عارف إنه فيه شيء مهوب طبيعي!!

عفراء تنهدت: الوضع بينها وبين فهد.. شيء يخصها هي وفهد..
أنت سويت اللي في رأسك وزوجتهم...
طالبتك الحين تخليهم يحلون مشاكلهم بنفسهم.. لأنك لو تدخلت بينهم بتخلي السالفة تكبر!!






***********************************







" أنتي مارحتي لبيتش؟؟"


كاسرة تغطي جدها الذي تمدد للتو وتلتفت لوالدتها بهدوء: وليش أروح؟؟
البيت فاضي وكساب في شغله..
وهنا قاعدة مع جدي ونسولف..
ثم أردفت باهتمام: عمي فاضل اشلونه؟؟

مزنة تنهدت: ماشفته.. كان عنده زوار ياجيل واجد.. قعدت مع عمتش في الاستراحة..
وتقول إنه أحسن بواجد.. يومين ثلاثة ويطلع إن شاء الله..

حينها ابتسمت كاسرة: والطريق شأخباره؟؟ كان حلو؟؟

قرصت مزنة خد كاسرة بلطف وهي تهمس بنبرة مقصودة:
الطريق كان زحمة ويسلم عليش.. وخلي اللقافة منش..
وقومي فزي لبيتش.. رجالش أكيد على وصول..


حينها ردت كاسرة بنبرة مقصودة مشابهة:
رجالي مهوب جاي ذا الحزة..
بس قولي إنش تبيغيني أروح للبيت عشان اللي وصلش الحين..
قاعد في البيت بريحاته ماعنده حد.. لا أنيس ولا ونيس.. يعد الطوف.. طوفة طوفة!!


مزنة تنهدت وهي تميل على والدها لتتأكد من وضعية نومه:
كاسرة للمرة الأخيرة أقول لش..
لا تتدخلين بيني وبين عمش.. ومالها لزوم ذا التعليقات..





********************************






" حبيبتي ليش حاسش منتي مبسوطة؟؟
إذا المكان مهوب عاجبش رحنا مكان ثاني!!"


سميرة تشير لتميم بتوتر: لا والله المكان يجنن.. وميونخ بكبرها تجنن..
بس أنا متوترة عشان نتايج الفحوص اللي سويناها..


ابتسم تميم: كلها كم يوم ونرجع وتطمنين إنه مافيه إلا العافية!!

سميرة بشفافية موجوعة: تميم أنا خايفة يكون عندي مشكلة!!
أمي كان عندها مشكلة من عقب ماجابتني لين حملت بصالح فجأة..
وأختي نجلا 3 سنين ماحملت وكانت تتعالج..

شد تميم على كفها بقوة ثم أشار بأريحية: اللي منا عنده مشكلة أنا وأنتي بيتعالج إن شاء الله..
ولو الله كاتب لنا رزق ماحد يقدر يمنعه..
ولو هو ماكتب لنا رزق ماحد يقدر يجيبه...









***********************************







عبدالرحمن منذ أفاق أبوه وهو لم يتحرك من مقعده.. بل طلب منهم إحضار كرسيه من البيت..
وهاهو يطلب من أمجد أن يساعده لينتقل إليه ليقترب من والده..
سبحان الله.. يشعر بكراهية مريرة لهذا الكرسي الآن..
يشعر أنه يحرق جنبيه كما لو أنك تعود لسجنك باختيارك!!


عبدالرحمن مد كفه ليمسح على ساعد والده بحنان: يبه فديتك..
أنت فيه شيء مضايقك.. قل لي.. كلهم راحوا الحين.. وبأقول لأمجد يطلع ينتظر برا..

أمجد من نفسه تحرك للخارج... لكن فاضلا أشار له أن يقف وهو يهمس بتثاقل مرهق:
مافيه شيء أدسه.. عبدالجبار يطلبك البيحة!!

عبدالرحمن زفر بيأس: يبه الله يبيح منه... شيبة في باكستان وقد له 16 سنة وهو لا هو حي ولا ميت.. ربي رحمه من العذاب..

فاضل بحزن عميق: يا أبيك الموت مامنه مهرب .. وعبدالجبار كنت أروح كل سنة لباكستان وأقول ذا السنة بأزور قبره..
بس ولده عبدالمؤمن الله يهداه فجعني... دق علي أول مادخلت منكم أتوضأ..
وقال لي إبيه مات.. استعذت بالله.. وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون..والله يرحمه..

قال لي مادريت أشلون مات؟؟
لقوا جثة أختي اللي مختفية من 16 سنة..

إنا لله وإنا إليه راجعون..
الشيبة كانت روحه معلقة فيها.. كن أنفاسه متعلقة بشفقته إنه عاده بيشوفها..
مافي قلوبهم رحمة.. جابوا له اللي باقي من ثوبها اللي كان عليها..
آخر ثوب شافه عليها يوم أمست..
قد لها 16 سنة من يوم ماتت.. وهو كل يوم يترجاها بتعود له!!

يوم شاف ثوبها.. شهق وودع.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!


عبدالرحمن بتأثر: إنا لله وإنا إليه راجعون..
وأنت يبه يعني ماخبرتك حساس كذا..
حاول عبدالرحمن أن يبتسم: ترى الرقة ماتليق عليك كلش!!

يتنهد أبو عبدالرحمن: الله يجيرنا من قسوة القلب يأبيك..
والله يا أبيك كنت لا شفت وجهها كني أشوف وجه شعاع..
أكثر حد كنت أحاتيه يوم بطلت عيني شعاع..
خايف عليها تتعب وهي حامل.. ولا حتى عليها حال!!





*******************************






" شأخبارش الحين ياقلبي!!
خوفتيني عليش!!"

شعاع تتنهد وهي تسند ظهرها لظهر السرير: مافيني شيء فديتك!!
حتى روحة المستشفى اللي لزمت علي فيها ماكان لها داعي..

علي بعتب: أشلون مالها داعي.. والدكتورة عطتش إبرة مثبت وقالت لا تتحركين!!

شعاع بإرهاق: أنا بس كنت تعبانة.. كم سالفة جات ورا بعض..
وبعدين تاثرت واجد إني أنا أكون أول حد يسأل عنه إبي أول مافتح عينه..
توقعت بيسأل عن عبدالرحمن!!


علي احتضن كتفيها وهو يهمس بتأثر وقلق : الله يطول في عمره ويخليه لكم..
وطالبش ياقلبي ما تتحركين ذا اليومين كلش..
طالبش.. !!!
حتى أنا بأقدم على إجازة وبأقعد عندش!!







***********************************






" ماشاء الله كم صار لش قاعدة مع إبي؟؟
شكلكم من زمان!! "


هزت كاسرة كتفيها وهي تهمس بنبرة مقصودة: كل واحد منا يسلي الثاني..
شنسوي.. ؟؟
هو خلته أمي بروحه.. وأنا خلاني ولده بروحي!!

كساب بنبرة مقصودة شبيهة: لا تصيرين نصابة.. أنا قلت لش إني بأتأخر!!

كاسرة جلست وهي تهمس بهدوء يخفي خلفه غيظا شاسعا: زين ولأنك تاخرت وبلغتني.. مايمنع إني أقول إنك خليتني..
كساب أنا ما أتدخل في شغلك ولا أبي أقيدك فيني
بس الساعة صارت ثنتين.. وش الشركة اللي فاتحة لين ذا الحزة؟؟
يوم قلت لي بتتأخر حسبت حدك بيكون 11.

حينها ربت على أرنبة أنفها بتلاعب: تغارين وإلا تشكين؟؟

كاسرة زفرت وهي تبتعد عن مدى يده: لا هذي ولا هذي.. أقول الله يعدي شهور حملي على خير..
ويجيني بيبي يلهيني!!

عاود شدها ناحيته وهو يهتف بعتب مقصود: تبين حد يلهيش عني؟!!


كاسرة تتنهد: مثل منت لاهي عني!!

جلس وهو يشدها لتجلس جواره ويهمس بدفء وهو يمسح أناملها برفق دافئ:
من هذا اللي يلهى عنش؟؟ ماجابته أمه..
بس كان عندنا عشاء مع رجال أعمال من برا.. وبعضهم ماوصلوا إلا 12 .. يا الله خلصنا العشا جيت على طول!
ثم أردف وهو يبتسم: ها قولي لي.. تشكين وإلا تغارين؟؟

صمتت وهي تتحسس برقة -بكلتي يديها- الأثار المتبقية من إصابته الأخيرة على ظاهر يده..
استحثها لتجيب: ها جاوبيني .. الجواب مهم عندي!!

رفعت يده إلى عذوبة شفتيها لتقبلها قبلة واحدة غاية في الرقة والدفء ..
شعر بتثاقل في أنفاسه يشبه القرصات الحانية على غشاء قلبه.. فهي نادرا ماتعبر عن مشاعرها بهذه الطريقة..
همس بهذا التثاقل: وحدة بس يا البخيلة!!

احتفظت بكفه بين كفيها وهي تجيب بشجن عميق:
عمري ماشكيت فيك... بس الغيرة مهيب في يدي!!








*****************************************






بعد يومين
.
.
.



" خذي غانم.. وروحي للاستراحة بأكلم الدكتور وأجيش عشان نروح للبيت"


نجلاء باستغراب: وش نروح البيت؟؟ أبي أروح أشوف بنتي..
هذي هي في المستشفى اللي جنبنا..


صالح بتردد: خفت إنش ماتبين تشوفينها..

نجلاء بصدمة: من جدك أنت؟؟
ثم أردفت بعتب: صالح أنا ماني بمثلك..
المها بنتي.. مثل ماغانم ولدي..
وأنا زعلتي عليك مهوب على بنتي.... هي وش ذنبها؟؟


صالح يبتسم: يا شينكم يا النسوان إذا لقيتوا لكم شيء تذلون الرياجيل عليه!!






*********************************






" الحمدلله على سلامتك يبه!!
نورت بيتك!!"



أبو عبدالرحمن يخطو للداخل بتثاقل وهو يهتف بإبتسامة:
الله يسلمك يأبيك..
ولا يحرمني شوفتك داخل(ن) علي بدون ذا الكرسي..


عبدالرحمن بنبرة مقصودة: قريب يبه.. قريب!!

أبو عبدالرحمن بفرحة مفاجئة: أ ربك صادق يأبيك؟؟

عبدالرحمن يبتسم وهو يقترب من والده: الدكتور يقول لي إنه متوقع إني أمشي قريب.. لأنه بديت أحركها بروحي!!

أبو عبدالرحمن بشجن: يا الله رحمتك.. يا الله عونك.. لا تحرمني شوفته يمشي وشايل ولده..
ثم أردف بحماس فخم: نذر علي لله عز وجل.. يا اليوم اللي بتمشي فيه..
إن قد أمط سماط غدا وعشا لعمال الصناعية.. أسبوع كامل!!








**************************************



بعد يومين آخرين
.
.



" ها شأخبارش مع حضرة النقيب؟؟"

جميلة تهز كتفيها: لحد الحين.. الأمن مستتب.. لا عاد اتصل ولا كلم..

مزون بنبرة مقصودة: وأكيد أنتي الحين متضايقة؟؟


جميلة باستنكار: وليش أتضايق؟؟ أتضايق إن ربي رحمني منه ومن غثاه..

مزون تنظر لجميلة نظرة مقصودة: جمول مهوب علي ذا الكلام!!
مافيه وحدة يرضيها إن رجّالها يطنشها.. حتى لو كانت هي تبيه يطنشها!!


جميلة تتهرب بشيء آخر: خلينا من حضرة النقيب ونروح لولد عمه الكابتن أبو عيون عسلية..
أنتي شأخبارش مع سبع البرمبة؟؟


مزون ابتسمت: غانم يجنن ومافيه مثله اثنين.. بس لو أنه يخف شوي من تحسسه من هلي..
ثم أردفت بشجن: غانم يبي يكون رقم واحد في حياتي.. وأحس إنه يتضايق من تعلقي في إبي واخواني..
عجزت أحاول أوضح له إنه شيء وهلي شيء.. ولكل واحد غلاه..
وهو توه أتعرف عليه.. لكن هلي علاقتي فيهم أساسا غير..
يقول لي: أنا فاهم.. أو يحسسني إنه فاهم.. بس أنا أحس بضيقته..


ابتسمت جميلة: كان ودي أنصح.. بس أنا عاد أفشل من بيقدم نصيحة زوجية..
إسألي أمي!!

مزون ابتسمت: هذا شيء مايبي نصيحة.. يبي له وقت بس!!











**************************************





" حبيبي تكفى.. ماعاد طقت شوفت ذا الكرسي قدامي!! "


عبدالرحمن يمشي ذهابا وإيابا باستخدام عصاه وهو يهتف بثقة: هذا أنا عندش أتحرك بدونه..
بس برا ما أقدر.. خايف على إبي!!


عالية برجاء: ومتى بتقول له؟؟

عبدالرحمن بثقة: هانت.. هذا أنا قاعد أمهد له شوي شوي!!






********************************






" خلاص حبيبتي .. بيرسلون النتايج لنا في الدوحة!! "


سميرة تشعر أنها ستبكي فعلا.. فهي كانت تنتظر النتائج بفارغ الصبر..
بل ماعاد فيها صبر حتى!!
يا الله تريد أن تكون أما.. وتريد شيئا يطمئن قلبها!!



تميم يتنهد: تكفين سميرة بلاها ذا النظرة اللي فيها دموع..

سميرة بحزن: أنت قلت لي النتايج ما تأخذ حتى 3 أيام.. فليش تأخرت كذا؟؟


تميم بحنان: لا تحاتين ياقلبي بيرسلونها للدوحة.. ولو بغيتي سوينا غيرها..
الحين خلاص خلينا نستعد لطيارتنا..







*****************************************









كانت تجلس عند والدها الذي كان يصلي ضحاه..
والذي كان لا يعلم مطلقا أنها تنام عندهم.. بل كان يظنها تأتيه من بيت زايد..

ليأتيها اتصال منه.. تنهدت كما تفعل كل مرة يتصل بها..
فهو يتصل بها في اليوم عدة مرات.. كما لو كان يريد الاستمرار في تعذيبها..
لم يكن يهاتفها بهذه الكثافة حينما كانت عنده!!
في كل مرة كانت تتمنى ألا ترد.. ولكنها تجد نفسها مجبرة على الرد..


جاءها صوته مستعجلا: مزنة لو سمحتي جهزي لي شنطة بأسافر أسبوع..
السفرة جات بسرعة وماعندي وقت أرجع أرتب شنطتي..
أبي أجي أخذها وأطلع بسرعة..

مزنة شعرت بالصداع ( هل هذا رجل طبيعي؟؟ وهل هما زوجان طبيعيان حتى يطلب منها هذا الأمر؟؟)

مزنة صمتت.. حينها أكمل زايد بحزم:
مزنة البيت فاضي.. رتبي لي الشنطة بس... وروحي..
اعتبريها مساعدة إنسانية لجاركم.. الطوفة وحدة وترا!!


مزنة همست بنبرة ميتة: حاضر إن شاء الله..

" إلى أي مدى وصل امتهانه لي؟؟
إلى أي مدى؟؟ "


تشعر أن كل خطوة تقودها لبيته.. كما لو كانت خطوة تقربها من قبرها..
وهي من تذهب للقبر بقدميها..
هي من تذهب بقدميها!!


غلفت كل مشاعرها بكل البرود الكوني.. وهي تصعد للأعلى وتقترب من مكانه..
حيث أنفاسه.. وعبقه.. ودفئه.. وتجريحه..
حيث طردها من حياته!!

الألم يزداد في قلبها إلى درجة عدم الاحتمال المطلق.. وهي تفتح الباب ..
تستخرج حقيبته..
وتبدأ بوضع أغراضه بدقة آلية!!

جمدت مشاعرها حتى لا تشعر بشيء وهي تتحسس ملابسه.. فرشاة شعره..
معجون أسنانه..
وترتب كل شيء بجمود.. وتنتهي بذات الجمود الموجع..
ماكادت تغلق الحقيبة وتريد أن ترفعها عن السرير حتى تنزلها على الأرض..
حتى وصلتها الصرخة الحازمة: والله ماتشيلينها.. أنتي صاحية!!

مزنة انتفضت بجزع: متى جيت؟؟

زايد يقترب منها ويتنهد: توني جيت من دقايق وأنتي ولا حاسة بحد!!

مزنة باختناق حقيقي: زايد أنت تلعب علي؟؟.. جايبني وأنت في البيت..؟؟

زايد رفع هاتفه أمام ناظرها وهو يهتف بحزم موجوع: مزنة... شوفي أنا متى اتصلت لش.. صار لي أكثر من ساعة..
أساسا توقعت ماراح ألقاش.. وبألقى الشنطة بس.. ويمكن ما ألقاها..
بس ربي يحبني.. عشان أشوفش قبل ما أروح...



"معقولة ساعة كاملة أرتب شنطة ولا حسيت بنفسي!!"
مزنة تأخرت للخلف وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: هذي شنطتك.. واسمح لي..
تميم بعد بيوصل الليلة!!


زايد بنبرة مقصودة: زين إنه بيجي وأنا مسافر.. عشان تتأجل مواجهتش معه..

مزنة بذات نبرته المقصودة: أنا وولدي نعرف نتفاهم..

كانت تريد أن تغادر.. لولا أنه شد معصمها ليوقفها وهو يهمس بدفء:
بتروحين كذا؟؟

مزنة شعرت أن الاختناق يعاودها: كذا أشلون؟؟

زايد بذات الدفء: بدون ماتسلمين علي..

مزنة باستعجال: تروح وترجع بالسلامة!!

زايد بنبرة شديدة الدفء: هذي كان ممكن تقولينها لي في التلفون..
بس دام ربي خلاش تنتظريني..
فالسلام مايكون كذا!!

مزنة بتوجس مرعب: أشلون يكون؟؟


هذه المرة مد يده ليتنزع برقعها وشيلتها معا.. وهو يهمس بوجع:
خاطري بس أضمش مرة وحدة وأنا أتنفس شعرش وأقول لش وش كثر أنا أحبش!!

مزنة ابتعدت عن مدى يده وهي تهمس بوجع حقيقي:
تكفى يازايد لا تهيني أكثر من كذا..
ما أقدر أردك لو بغيت تسوي كذا..
بس كفاية علي إحساسي بالمهانة وأنا جاية بيتك بأرجيلي..
طالبتك ماتزيدها علي.. والله مافيني مايستحمل..


زايد تنهد بوجع مر وهو يمدها بشيلتها وبرقعها: روحي يامزنة..
روحي!!






************************************






بعد أسبوع
.
.




مر الأسبوع ثقيلا بطيئا سريعا..
وهاهو زايد يعود في الغد مساء.. ومواجهتها لابنها تقترب...
مازال لا يعلم بحملها إلا زايد وكاسرة..
ولكن بطنها بدأت تبرز قليلا.. والأمر بات مخجلا لها لأبعد حد..
وحتى بنتها ستصل غدا في الفجر..
وكأن كل المواجهات تتأجل لهذا الغد!!!


" يمه مزنة وش تفكرين فيه؟؟ "


مزنة بمودة: مافيه شيء يأمش؟؟ أنتي اللي قولي وش فيش؟؟
من يوم رجعتي من السفر وبالش مهوب رايق!!


سميرة تميل لتقبل كتفها وتهمس بمرح اصطناعه أكثر من حقيقته:
لا ياحلو.. أنتي اللي عشانش مشتاقة لعمو زايد.. عقلش يودي ويجيب!!


سميرة تتنهد... مضى أسبوع على عودتهما..
وتميم كل يوم يقول لها أن الفحوص ستصل في الغد..
لولا إنشغالها بالتفكير في عملية غانم الصغير التي ستكون بعد يومين
وخصوصا أن المها ستخرج في ذات الوقت!!

وإلا كانت لتذهب وتجري فحوصا جديدة.. حتى ترتاح من التفكير!!






************************************





اليوم التالي
.
.
.

"نورتي بيتش ياقلبي
سامحيني كان ودي نقعد بعد..
بس إجازتي خلصت أساسا بأنام ساعة بس وبأروح لدوامي!!"


وضحى تنزل حقيبتها على التسريحة وتهمس برقة: النور نورك..
ولا تحاتي.. المهم شغلك..


لم يناما حتى صليا الفجر.. ووضحى تقوم بالكثير من الترتيب..
ومع ذلك لم تنسى وضع المنبه على وقت نهوض نايف لعمله لتقوم معه وتعد له إفطاره!!

ولكن نايف صحا قبل أن تصحو قصدا وأقفل جرس هاتفها.. فهي مرهقة تماما
عدا أنه يعلم أنه فور وصولهم..
فوجئت بدورتها الشهرية..
بالطبع لم تخبره.. لكن من هو مثله لا يحتاج للاخبار..
فهو عاش مع صبية لست سنوات!!


لذا نهض بنفسه وتركها نائمة..
ولم يذهب حتى تأكد من وصول الخادمة التي أخبرته أن أمها سترسلها لها..
فهو لا يريد تركها وحيدة في البيت..


وضحى بقيت نائمة فعلا حتى انتصف النهار..
وفوجئت بطرقات قوية على باب غرفة نومها مباشرة...






*********************************







" يمه فديتش.. لا تحاتين..
عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!"



أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟
الولد هيستحمل عملية يعني؟؟


غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين..


مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع..

غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا..

أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟

غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها..

مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! )

بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!!






************************************






دخل إلى غرفته منذ لحظات..

لم يعلم ماذا يتوقع.. أ يتوقعها؟؟ أو يتوقع برودة غيابها؟؟

قد يكون لم يتصل بها مطلقا منذ فترة.. لكنها تعلم تماما بموعد عودته..
تصاعد الغضب والغيظ في روحه..
ليس لأنه لم يجدها فقط.. ولكن لأنه لا يستطيع اسكات لهيب الشوق المتصاعد في روحه..



تناول هاتفه ليتصل بعفراء... لن يتصل بها هي..

بعد السلامات المعتادة هتف باحترام: يمه وين جميلة؟؟

عفراء بحرج: السموحة يأمك.. كان لازم تبلغها بموعد رجعتك..
جميلة في الجامعة... وبتطلع الساعة 11.. سواقتي بتروح لها الحين..


فهد بحزم: لا تروح.. خلاص أنا بأجيبها..






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 20-03-11 06:44 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وأربعة
 




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباحكم إشراق وسعادة ورحمات وكل البهجة المتناثرة في أطراف العالم وحناياه

خالص التهنئة لبنات البحرين ببدء استقرار الأوضاع عقبال ما تستقر تماما

وعقبال كل الدول العربية... دعوتكم لهم... لا تنسوهم من دعائكم!!

وخالص التهنئة لبنات السعودية بكل المكرمات الملكية... الله يطول في عمر أبو متعب!!!

.
.

فيه نجمات نسيتها ماتبي تطلع ذا النجمات..

نجمة لـ لامارا.... لأنها اللي تكلمت عن عدم لياقة كساب الطبية للقيام بمهامه العسكرية :)

ونجمة لـ شرقاوية عسل لأنها اللي قالت إن كساب راح لندن وبيسوي شيء يغطي الوسم :)

.
.
يا الله
البارت 104
ومجموعة من الإحداث المنتظرة!!
.
وموعدنا الجاي الثلاثاء الساعة 9 ويمكن قبل (أقصد في الساعة مثل بارت اليوم) :)
.
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وأربعة







" يمه السيارة تأخرت علي؟؟ "


عفراء باستغراب: يأمش فهد هو اللي جاش ومن زمان..
وأنا قلت له أي ممر... ماشفتي سيارته؟؟


جميلة شهقت بعنف وهي تتراجع خطوة للخلف.. ثم تعود لتلتصق بالزجاج.. لتراه فعلا جالسا بداخل سيارته التي يبدو إنها متوقفة منذ فترة ليست بالقصيرة..
لأنها كانت تلاحظ السيارات الواقفة في الممر.. ولكن تركيزها كان مع سيارة والدتها..

مازال هاتفها معلقا بأذنها ووالدتها تهتف بحزم: روحي مع رجالش.. وخلش مرة سنعة..



جميبة هزت رأسها كما لو أن والدتها تسمعها..
شعور عارم بالتوتر والتوجس.. يتخلل كل أنحاء جسدها
قد تكون تكلمت معه على الهاتف بشيء من الجرأة والوقاحة.. لكنها ما أن رأته..
حتى شعرت أن عظامها ستذوب من الخوف والتوتر...


" ياربي... أشلون نسيت موعد جيته؟؟
يمكن تناسيت.. مانسيت..
ياربي.. الحين معصب من كل صوب..
ما انتظرته في البيت.. وعقب نقعته في سيارته
.
وأنا وش دراني إنه برا؟؟
أعرف الغيب... ليش مادق علي؟؟"


جميلة لو كان الأمر بيدها لم تكن لتخرج له.. فهي خائفة منه فعلا..
خائفة من حدته.. ومن قسوته.. ومن تهديده!!


ولكنها ختاما خرجت وهي تقدم قدما وتؤخر أخرى..
هــو عرفها منذ خرجت من الباب البعيد.. وكأن الشمس أشرقت من هناك..
فهل هناك من يجهل شروق الشمس...؟؟


بدت دقات قلبه تتصاعد بعنف..
وهو يكره هذا الشعور الذي يحيله إلى مراهق عاجز عن السيطرة على خلجات نفسه!!


ركبت جواره بتردد وهي تتمتم باختناق: الحمدلله على السلامة..

أجابها بسكون وهو يحاول ألا ينظر لها: الله يسلمش... كان قعدتي بعد شوي!!

اجابته بذات النبرة المختنقة: أنت ما اتصلت علي..

ازدادت نبرته حدة: وأنتي ما كنتي عارفة إني بأجي اليوم؟؟

صمتت.. لم ترد عليه.. شعرت أنها إن قالت كلمة إضافية قد تبكي!!

هو أيضا لم يصبر على ألا ينظر لها.. فهو لا يعرف كيف يتصرف خلافا لطبيعته..
كان ينظر ليديها العذبتين المشبوكتين في حضنها.. لا يعلم لِـمَ شعر بتأثر رقيق أنها ترتدي دبلته..

ولكن التأثر تحول لغضب وهو يصرخ بها: ممكن أعرف ليش ملونة أظافرش؟؟

جميلة انتفضت بجزع: عادي.. شوف أظافري مقصوصة للآخر واللون فاتح..


فهد بذات الغضب: والحين صارت القضية إن أظافرش قصيرة.. واللون فاتح..
ليش أساسا تحطينه.. ماعندكم دكاترة في الجامعة وعمال؟؟

جميلة زفرت بحرقة: فهد الله يهداك أنت جاي من المطار حاد سكاكينك علي..؟؟
أساسا أنا أقعد ورا.. لا شافني دكاترة ولا عمال..
بس خلاص أوعدك ما أحط في الجامعة ولا برا.. شيء ثاني؟؟


حينها كان هو من صمت..
فهو يعترف أنه جاء إليها وهو يشعر بالاستفزاز بعد مكالمتها الأخيرة..
لم يتوقع أنها ستجابهه بهذه المهادنة والرقة التي تذيب مفاصله..


تبادلا الصمت حتى دخلا باحة بيته..
حينها كانت من همست بجزع: ليش جايبني هنا؟؟

أجابها بحزم: وين تبين تروحين؟؟

جميلة باختناق: أبي أروح بيتنا..

فهد بذات الحزم وهو يفتح بابه: هذا بيتش.. خلصيني وانزلي!!

جميلة تشعر إنها ستموت: زين بأروح أجيب ملابسي..

فهد باستغراب: تجيبين ملابسش... ؟!!
عندش هنا ملابس تغطي آسيا وأفريقيا... وش تجيبين فوقهم؟؟
انزلي بس!!



جميلة نزلت مجبرة.. فهي بالفعل لا تريد أن تكبر مشكلتهما.. وتعلم أنها لو بقيت في بيت أهلها بعد عودته..
فهذا سيكون بمثابة إعلان علني بوجود خلاف بينهما!!


قد تكون قالت له أنها لا تريده.. وتريد أن تبقى في بيت أهلها..
لكنها تعلم أن هذا كلام غير منطقي.. وكانت تقوله لشدة غيظها منه!!
ولكنها أيضا تشعر على كل حال أنها غير قادرة على تقبله..
وتشعر بوجود حاجز غريب بينهما!!


نزلت بخجل.. وهي تسحب قدميها سحبا!!
متوجهة لغرفة عمتها أم صالح..
هتف بحزم: وين بتروحين؟؟

جميلة بذات النبرة المختنقة: بأروح أسلم على عمتي..

أجابها بنبرة مقصودة: لا والله راعية واجب..
أمي وجوزا رايحين الجمعية يجيبون أغراض البيت..
عقبال ما تكفين أمي وتجيبنهم أنتي!!

همست حينها بذات نبرته المقصودة: إن شاء الله.. إذا حسستني صدق إني مرتك..وهذا بيتي..!!
مثل ماعبدالله محسس جوزا..


دائما لدغتها ناعمة حينما تريد!!
أجابها بحزم غاضب: لا تقارنيني بغيري.. أظني صرتي تعرفين.. إن هذا سمي وناري!!


جميلة تنهدت وهي تصعد للأعلى..
فوجئت أنه لم يتبعها وهي تتنفس الصعداء..
بينما هو توجه للمسجد ليلحق بصلاة الظهر!!


جميلة بدأت بإزالة الصبغ عن أظافرها.. ثم فتحت خزانتها لتستخرج لها لباسا ترتديه بعد أن تستحم وتصلي..

في داخلها.. لا تشعر بأي رغبة لأن تتأنق لهذا المعقد..!!
ولكنها لابد أن تتأنق بطبيعتها.. وخصوصا أنها ستنزل لتسلم على عمتها وجوزا وتتغدى معهما..


حمدت الله أنه لم يعد مباشرة..
فوجوده يثقل على نفسها بشكل مجهد فعلا..
لم يعد حتى عادت لغرفتها بعد الغداء..


كانت تجلس أمام المرآة.. تمشط شعرها..
بعد أن خلعت الدراعة التي ترتديها ولبست لباسا خفيفا.. يتكون من (ليقنز وتيشرت) من القطن.. فقط!!
مهما كان لباسها بسيطا.. تبدو في عينيه شيئا مبهرا إلى أبعد حد..!!
رؤيتها مجهدة لمشاعره وقلبه لأبعد حد!!


دخل بسكون وسلم بسكون.. وجلس على طرف السرير خلفها مباشرة.. يراقبها بتمعن وهي تمشط شعرها بتوتر.. لأنها تعلم أنه يراقبها..

نهض ليتقدم نحوها.. انكمشت على نفسها قليلا وهو يميل عليها ليتناول المشط من يدها..
ويضعه على التسريحة لتتخلل أنامله خصلاتها الناعمة وهو يهمس بدفء:
كأنه شعرش طايل شوي.. لا تطولينه.. يعجبني كذا!!


( وش اللي تغير؟؟ عقب ماهو منتف.. عاجبك!!) همست باختناق:
بس أنا أحب الشعر الطويل.. وأبي أرجع أطوله!!

هز كتفيه وهو يمسك بعضديها ليوقفها ثم يديرها ناحيته وهو يهمس بذات الدفء:
براحتش.. حتى لو كنتي بدون شعر عاجبتني!!

قربها منه برفق ليغمر وجهها بقبلات شفافة حانية بينما انكمشت هي رغما عنها..
همس في أذنها بعمق: طالبش.. بلاها ذا الحركة.. تحسسني وش كثر أنتي خايفة مني!!
أنا ما أكرر غلطتي مرتين.. فلا تكررينها أنتي!!








*****************************************







وضحى قفزت بجزع وهي تسمع الطرقات القوية على الباب..
لتتفاجأ بالباب يُفتح ونورة تدخل..

وضحى بقيت لدقيقة مذهولة (كيف دخلت هذه؟؟)

لتشعر أنها ستبكي وهي تنتبه أنها تقف أمامها ببيجامة مكونة من (شورت وتوب بحمالتين رفيعتين) فقط!!
أمها لم ترها مطلقا بهذا المنظر.. فكيف تراها هذه؟؟

قفزت لتختبئ داخل غرفة التبديل وهي تهمس باختناق حرجها المر:
أم سعود دقيقة بس وأنزل لش!!


نورة كانت مذهولة.. ولا تنكر أنها شعرت بالحرج..
فهي فوجئت بالأبواب مفتوحة.. ولا أحد في البيت..
لذا صعدت مسرعة لغرفة شقيقها!!


نورة عادت للأسفل.. ففي الأسفل كانت تجلس رفيقة دربها سلطانة..
وهما في انتظار شقيقتين آخريين من شقيقاتهما..

سلطانة بقلق: لقيتي حد؟؟

نورة بتأفف: لقيت مرت أخيش متفسخة.. يا الله جيرنا من كشف الستر!!
راقدة وهي مهيب لابسة شيء..
والبيبان كلها مفتحة.. لو أن اللي داخل عليها حرامي وش كان سوت؟؟
إيه ما ألومه أخيش يستخف.. ولا كلمناه يكلمنا بالقطارة!!

سلطانة ضحكت: نورة الله يهداش.. عروس وش تبينها تلبس عند رجّالها؟؟

نورة بذات التأفف: والله إنكم جيل ماعاد في وجهه حيا ولا مستحى!!

والاثنتان مستمرتان في حوارهما فوجئتا بالخادمة التي أحضرت لهما القهوة والشاي..
سلطانة باستغراب: من أنتي؟؟

الخادمة بعربيتها المكسورة: أنا خدامة ماما مزنة.. ماما يجيب هنا عشان بنية ودحه صغير..

سلطانة تلوي شفتيها: خدامة من الحين؟؟ وخدامتها قدامها بعد!!
حن جايبين قهوة وفوالة روحي جيبيها..

الخادمة تبتسم: هذي قهوة مال أنتي ماما.. أنا يشوف أنته يجيب قهوة.. أنا يجيب بيالة فنجال بس..

نورة بغضب: وين كنتي مندسة يالسكنية.. ومخلية كل شيء مفتوح..

الخادمة مازالت تبتسم: ماما أنا قدام عين مال أنتي.. أنا كنت ينظف صالة..


حينها كانت وضحى تنزل.. ووجهها متفجر بالاحمرار.. عاجزة عن وضع عينها في أعينهما..

بعد انتهاء السلامات المعتادة..ووضحى تتولى مسئولية ضيافتهما..

همست نورة بحزم: وين نايف؟؟

وضحى باحترام: راح لشغله..

نورة بحزم لا يخلو من غضب: راح لشغله وأنتي راقدة وراه كنش فطيسه..
مهوب عيب عليش يأمش..؟!!
هذا السنع؟؟

وضحى صُدمت تماما من هذا الهجوم غير المتوقع.. ابتلعت ريقها ومعه عبرة كانت ستقفز (والله ما أشمتهم فيني!!)

هتفت بكل برود مغلف بالحزم مع ابتسامة رائقة:
أنا مارقدت إلا عقب ماراح نايف لشغله..
أصلا مستحيل أقدر أرقد وهو قايم الله لا يخليني منه!!


نورة وسلطانة تبادلتا النظرات معناها (صدق إنها ما تستحي!!)


بينما وضحى جلست لترسل لنايف رسالة ترجوه أن سألته إحدى أخواته أن يأكد على كلامها..
فهي فعلا كانت تريد أن تنهض معه.. ولكنه من اطفأ جرسها!!






***********************************






" يمه فديتش.. لا تحاتين..
عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!"



أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟
الولد هيستحمل عملية يعني؟؟


غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين..


مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع..

غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا..

أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟

غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها..

مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! )

بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!!


غانم يبتسم: لا يمه.. مايصير كذا.. لازم تدخلين في المود.. وتصير عيونش تولع قلوب.. تقولين سعاد حسني يوم شافت رشدي إباظه..
ونبيها بالمصري.. عشان حلاتها كذا!!

حينها ابتسمت أم غانم: فشر رشدي إباظة يجي جنب راشد..!!
ده مايجيش ظفره!!

غانم مال على مزون بمرح: اسمعي الهياط بس!!


مزون سألت ام غانم بمودة: يمه ياحلوه الكلام المصري من ثمش..
قولي لي كم صار لكم متزوجين أنتي وعمي؟!! ووين تزوجتوا؟؟ في مصر صح؟؟


أم غانم بإبتسامة شفافة: كملنا 31 سنة..
واتجوزنا هنا في قطر.. أنا أساسا كنت مقيمة هنا.. جيت هنا مع ماما وخالي.. وأنا تانية سانوي..
وكملت المدرسة هنا.. بس مادخلتش جامعة..
عشان ماما كانت ست كبيرة ومريضة..
وحتى خالي كان زيها.. وئرب على التقاعد.. مراته ماتت ئبل مانجي هنا
وماكانش عندو ولاد..
والاتنين شايلين همي.. يحصل لهم حاجة ويسيبوني لوحدي..
خطبني مصريين كتير هنا.. بس أنا مابيعجبنيش العجب!!


غانم يميل على اذن مزون باسما: العجب تراه أبو غانم!!

أم غانم بغضب باسم: خلاص ئول انته الحكاية لمراتك..

مزون باستعجال ودود: يمه ماعليش منه.. كملي!!

أم غانم أكملت ولكن هذه المرة انكسرت ابتسامتها: ماما ماتت بعد كم شهر واندفنت هنا..
عشان كده كان عندي إحساس إني لازم اتدفن مترح ما اتدفنت أمي!!
تعبت كتير بعد ماما.. وخالي تعب معايا الله يرحمه!!
بس بعد كده ئلت لازم أكون أئوى شوية عشانه.. هو هيلائيها منين!!

في الوئت ده بالزبط كان غانم عاوز يتجوز وحدة بس مش من جماعتهم.. من ئبيلة تانية..
أبوه وأخوه أبو صالح ما رضيوش.. وهو كان شاب فاير وراسه ناشف..
فحلف إنه يتجوز وحدة من برا حدود الخليج كله!!
ولو جيتي للحئ هو ئال لي إنه استغفر عن الحلف ودفع كفارة.. بس هو كان عاوز يئرص ودانهم..

أكملت حينها بابتسامة اتسعت: خالي كان معاه في الشغل.. فهو يحكي لخالي الحكاية..
فخالي ئال له إنه هو اللي هيجوزه وحدة من برا الخليج..
راشد كان عاجب خالي كتير.. بس خالي ماكنش في باله واحد خليجي خالص..
لحد ماماتت أمي.. واندفنت هنا وأنا مش راضية أسيب هنا ولا أنزل مصر حتى في الإجازات..

راشد اتحرج.. ئال له خالي ما تنحرجش.. أنتو هتشوفها زي ماشرع ربنا ئال..
بس راشد ما رضيش..
ئال وئتها ماكنش مقتنع خالص وعاوز يسكت خالي وبس..
خالي ئال لي الحكاية.. زعلت عليه خالص.. ئلت له أخرتها تعرضني على راجل وهو مايرضاش حتى..
ومن ئال لك إني عاوزة واحد قطري... شكلهم كِشر..


غانم ضحك: يمه أما على سالفة إنه شكلنا كِشر لازم نرفع عليش قضية!!

مزون برجاء: تكفى غانم لا تقاطعها.. خربت اندماجي!!

غانم بإبتسامة: لو تدرين عاد قطعت عليش عند (الماستر سين)!!

أم غانم بتافف: أنته هتسكت ياله.. وإلا سيبني أئوم أبدل للولاد..

مزون برجاء: أنا بأبدل لهم.. بس كملي الحين فديتش يمه..

ابتسمت أم غانم: ئولي لجوزك الرغاي..

سيبينا منه.. بعدها بكم شهر كنت مع خالي في المستشفى عشان كان تعبان شوية..
وراشد كان جايب الست مامته الله يرحمها!!

ضحكت أم غانم بخجل عفوي : الواد غانم مابيحبش الحكاية دي!!
بس أنتي عارفة إنه زمان بنات السبعينات عاملين ازاي.. ومع كده أنا كنت بألبس طويل بس ماكنتش باتحجب..

راشد بيئول لي إنه حاول ما يبصش بس مائدرش.. أصلو كان فاكرني شبه خالي..
خالي كان أسمر وماكنش حلو خالص!!

خالي لما سلم عليه أنا اتلحس مخي.. حلاوة إيه.. طول إيه.. شبه الواد فهد ابن أخوه خالد..


حينها لم يستطع غانم إلا أن ينفجر في الضحك: ماقلت لش.. ترا السالفة أول كان يشبهني..
الحين صار يشبه فهد.. انتظري عليه المرة الجاية بتقول لش شبه عبدالله..

مزون بتأفف رقيق: لو دارية كان خليتها تسولف علي وأنت برا بسلامتك..
خربت الجو مرة وحدة!!
يمه تكفين كملي لي!!


ضحكت أم غانم: هي كده كملت.. بس الواد ده نصاب.. عمري مائلت إن راشد شبهه... راشد أحلى منو بعشرين مرة!!

طبعا أهل راشد ماكنوش راضيين بالجوازة خالص خالص..
بس المرة دي راشد عنّد وصمم.. وخدت وئت طويل لحد ما أهله تئبلوا فكرة جوزانا..


أول شيء ئاله راشد لخالي.. لازم تتغطى..
ضحكت: ئلت لخالي اللي هو عاوزة.. هأعمله..إن شاء الله يكون عاوز يحبسني في ئمئم!!
والحمدلله عمري ماحسيت بالندم من أول دئيئة لحد دلوئتي ربنا مايحرمنيش منو ولا من طيبة ئلبو!!

ضحكت: تدرون تعبت أحكي مصري... تعودت على الحكي المكسر!!


غانم يضحك: شفتي القلوب يوم نطت من عيونها؟؟

مزون ضحكت: لا والله شفت العصافير اللي تطير حول رأسك..
وأنا أتمنى لو عمتي أم غانم تضربك بالمزهرية على رأسك من كثر ماتقاطعها!!






*************************************






" إلا وش سالفة المسج بالتفصيل؟؟
خواتي وش سوو اليوم!! "



وضحى بألم شفاف: خلوني في نص ثيابي يا نايف.. تخيل نورة دخلت على وأنا نايمة..
شافت لبسي.. أمي ماشافتني كذا!!
وعقبه تقول لي أنتي ماتعرفين السنع... نايمة ونايف رايح لشغله!!

وضحى كانت تحادثه بشفافية لأنها لا تستطيع أن تشتكي لسواه..
بل إنها لم تخبره بكل شيء.. فهم حين اكتمل عقد الشقيقات الأربع قالوا ماهو أكثر من ذلك..
حتى أمها وخادمتها التي أرسلتها.. لم تسلما من تعليقاتهما..
وهي وحيدة تتلقى الضربات من الأربعة.. وكلهن سيدات كبيرات في السن..
ولا تستطيع أن ترد عليهن احتراما لسنهن ومكانتهن..
ولكنهن لم يرحمنها مطلقا من تعليقاتهن وأسئلتهن واستفساراتهن حتى عن تفاصيل حياتها الخاصة مع شقيقهن..



ورغم أنها لم تخبره بكل ذلك.. نايف رد بتأفف: مهوب كنش مزودتها؟؟

وضحى بصدمة: أنا مزودتها؟!!

نايف بذات التأفف: إيه مزودتها.. يعني المساكين تاركين بيوتهم وعيالهم من صبح عشان يجون يسلمون عليش ويقهونش..
أخرتها تشتكين منهم كذا..
ليش تشتكين؟؟
لأنش واجد متصلبة وماعندش أي مرونة..

وضحى بذات النبرة المصدومة: أنا ماعندي مرونة؟؟

نايف لا يريد فعلا أن يضايقها.. لكنه سبق أن حذرها في هذا الموضوع لذا هتف بتقصد:
حتى لو كنت نسيت موضوع تميم.. لكنه كشف لي إنش ماعندش مرونة في التعامل مع المشاكل..
وش فيها لو جاملتي خواتي العجايز شوي وتحملتيهم..؟؟


وضحى شدت لها نفسا عميقا.. حتى لو قال أنه نسي... يبدو أن هذا الموضوع سيبقى حاجزا بينهما..
لأنه وضع له تصور مسبق لشخصيتها سيحبسها في إطاره..
لذا همست باختناق متردد: تميم مايدري عن شيء!!

نايف نظر لها بدهشة: يدري عن ويش؟؟

وضحى انكمشت قليلا فهي تجهل بالفعل ماذا ستكون ردة فعله: مايدري عن المسجات..
أنا اللي أرسلتها من تلفونه ثم مسحتها!!

نايف اتسعت عيناه بصدمة.. ثم شرق وكح ..
ثم .......
انفجر بالضحك..


ضحك مطولا لدرجة أن عينيه دمعتا قبل أن يهتف بين ضحكاته:
لا بصراحة غطيتي على عالية.. المفروض عالية تجي تأخذ عندش دروس في المقالب..
ذا كله صبيتي قلبي... وآخرتها الرسايل من عندش!!







******************************************







" ها ياحلوة.. وينش؟؟
عقب منتي ما تبين تروحين معه.. حتى تلفون توش تكلميني..
أنا مابغيت أدق وأصير عمة ثقيلة دم!! "


جميلة بتأفف: يمه.. توه أفرج عني..
من عقب صلاة العصر.. واحنا طالعين.. تونا رجعنا.. وراح لأبيه في المجلس!!


عفراء باستغراب: زين وحدة مطلعها رجالها.. ليه زعلانة؟؟
أعرفش تحبين الطلعات والتمشيات..
لا والمسكين توه جاي من السفر اليوم وطلعش على طول!!


جميلة تزفر: يمه... دمه ثقيل على قلبي!!

عفراء بغضب: والله ماحد دمه ثقيل غيرش.. يا بنت اعتدلي مع رجالش..

جميلة بيأس: والله يمه ماضايقته بشيء.. وكل ماقال لي شيء.. قلت لبيه وحاضر..
بس عاد أغصب نفسي أحبه وأتقبله.. مهوب بيدي!!


عفراء تنهدت بعمق: الله يصلح حالش يأمش.. الله يصلح حالش!!







***************************************






" ها يأمش شأخبار نايف معش؟؟"


وضحى تزفر: يمه نايف يجنن وطيب وأخلاقه تجنن...
بس يمه خواته ما ينطاقون.. وهو يموت عليهم.. يمه توه من أول يوم طفروني..
ما أدري اشلون باستحمل..


مزنة تنهدت: يأمش أنتي خذتي الرجّال وانتي عارفة إن خواته كذا!!
مايصير الحين تاففين منهم..
هذولا بيصيرون عمات عيالش.. وكلش ولا قطع الرحم..
الرحم متعلقة بالعرش.. وتقول اللهم اقطع من قطعني.. وصل من وصلني!!


وضحى ابتسمت: عاد يمه ماوصلت لقطع الرحم.. أعوذ بالله من غضب الله..
بس أنا يمه أبي طريقة أمسك العصا من النص..
وعجزت أفكر.. لأنهم ماشاء الله مايعطون الواحد مجال.. حادين بشكل!!


ابتسمت مزنة بأمومة حازمة: تعاملي معهم بما يرضي الله.. وإن شاء الله مايصير إلا خير!!


وضحى بمودة: زين يمه أنا أبي أسلم على عمي زايد.. بيتأخر..؟؟
كاسرة قالت إنها بتروح تنتظره في البيت..
وأنا نايف بيجيني الحين!!

مزنة تنهدت: بيتاخر شوي يأمش.. روحي الحين وسلمي عليه بكرة!!!



.
.


في الخارج..


فور أن ركبت وضحى مع نايف.. انفجر في الضحك..

وضحى بحرج: نايف حرام عليك.. مهوب كل ما تشوف وجهي تضحك..
ترا أنا في حوش بيت هلي..
بتسوي فيني كذا.. نزلت!!


نايف يشد معصمها ناحيته وهو يغالب الضحك: وش تنزلين؟؟؟ خلاص بأسكت..
الله يقطع إبليسش يا الوضحي.. كل ماتذكرت حالتي وأنا أصب عرق وأنا قاعد في المجلس.. أموت على روحي من الضحك!!

حينها ابتسمت وضحى: تستاهل.. عشانك واحد مغازلجي..


نايف يضحك: أما مغازلجي كثري منها.... أنا على قولت المثل... اللي ماعمره تبخر.. تبخر واحترق!!

ثم أردف بتماسك: ها انبسطتي عند هلش..؟؟

وضحى بمودة: أكيد ولو أنه سميرة نفسيتها تعبانة عشان عملية ولد أختها بكرة..
وكاسرة ماطولت عندي.. راحت لبيتها عشان مزون بتجي وبينتظرون عمي زايد جاي من السفر!!


نايف بنبرة واثقة: ترا حتى أمش ماعجبتني يوم نزلت أسلم عليها..

وضحى باستغراب: أشلون ماعجبتك؟؟

نايف هز كتفيه: شكلها تعبانة أو متضايقة..

وضحى بقلق: لا تروعني على أمي.. أنا شفتها عادية!!

ابتسم نايف وهو يشد على كفها: عشان ما عندش سبع خوات..
لازم أول شيء تسوينه تطلين في عيون الوحدة منهم عشان تعرفين نفسيتها..
قبل تفتحين ثمش بكلمة!!







**********************************






" يأبيك تبي تقوم تنسدح؟؟"


عبدالرحمن بمودة غامرة: لا جعلني فداك.. تو الناس!!

أبو عبد الرحمن باهتمام: بس أنت وراك دوام بكرة.. لازم تتريح!!

عبدالرحمن باحترام: محاضراتي متأخرة أساسا!!

حينها تذكر أبو عبدالرحمن شيئا: إلا أنت اليوم من اللي وداك دوامك؟؟
رجعت من عند طيوري لقيت سيارتك مهيب هنا.. والسواق قاعد مع المقهوي!!
أسأله عنك قعد يمغمغ .. (يمغمغ= يهمهم بكلام غير مفهوم عند الارتباك)


عبدالرحمن صمت شعر كما لو كان وقع بين المطرقة والسندان.. فهو اليوم لأول مرة يتهور.. ويقرر أن يقود سيارته بنفسه..

بقدر مابدت له العملية متعبة بقدر ما بدت ممتعة.. وليس على استعداد أن يعود مرة أخرى ليسوق به السائق..

وخصوصا أن اليوم كان تجربة.. ويريد أن يفاجئ عالية في الغد أن يذهب بها هو لعملها!!

عبدالرحمن وجد له عذرا: جاني واحد من ربعي على تاكسي.. وهو اللي ساق السيارة..
ثم أردف بحذر: مع إنه يبه يمكن لو حاولت أسوق.. أسوق.. أرجيلي صارت حركتها أحسن..
والسواقة ما تبي إلا دوسة بسيطة على البنزين..


أبو عبدالرحمن بتحذير: لا يا ابيك لا تستعجل.. لين تمشي زين..

ثم أردف بامل: ولو أنك يا أبيك طولت.. قد لك أكثر من أسبوع وأنت تقول لي كل يوم بكرة!!
وش رأيك تحاول قدامي شوي؟؟.. بأعاونك..
طالبك يا أبيك!!


عبدالرحمن بمودة متجذرة: وليه تطلبني.. باحاول.. اشرايك تعطيني العصا اللي في كبت الدِلال..؟؟
اللي نساها قصيرنا عندنا!! (قصيرنا= جارنا)



أبو عبدالرحمن قفز بلهفة.. وهو يتناول العصا ويعطيها لعبدالرحمن ثم يحاول إيقاف عبدالرحمن من ناحية..
وعبدالرحمن يمسك بالعصا بيده الأخرى..


عبدالرحمن أظهر صعوبة الوقوف عليه وهو يحاول لمرتين بفشل.. ثم يقف في الثالثة..
ويخطو خطوتين قصيرتين ثم يجلس.. وبهمس بإرهاق مصطنع: بس يبه كذا يكفي!!


أبو عبدالرحمن كان يقف مذهولا عاجزا عن استيعاب كل هذه السعادة وهو يتمتم باختناق فعلي: اللهم لك الحمد والشكر..
اللهم لك الحمد والشكر..
ماعليه يا أبيك ماعليه..
اليوم خطوتين وبكرة عشر..
يا الله ما أكبر رحمتك.. ما اكبر رحمتك!!!










*************************************






يعود ... إلى أميرته..
التي طالت ليالي اشتياقه لها حتى شعر أنها لا تريد الانقضاء!!


كل شيء بدا له -بعيدا عنها- بلا رونق.. بلا حياة.. بلا ألوان!!
وكأن بهجة الحياة ورونقها لا تغرد إلا على نغم خطواتها وحضورها العاصف في حناياه!!


هكذا هو.. قلبه المستقيم الذي لا يعرف كيف يكون تزييف المشاعر أو تغطيتها أو تسميتها بغير مسمياتها!!

قد يكون في البداية جهل ماهية المشاعر التي اقتحمت قلبه الذي بدأ يرتعش لرؤيتها. وخلاياه التي تذوب اشتياقا لرؤيتها..

قد يكون بعد ذلك قاوم هذه المشاعر حتى لا تستولي عليه..

ولكنها ما أن ظهرت وتحكمت.. حتى أظهرها كما يجب أن تظهر.. لأنها مشاعر يعجز عن إخفائها!!



حين دخل.. كانت على الحاسوب تقوم ببعض البحث من أجل أحد مقرراتها..
ابتسم وهو يسلم عليها... ردت السلام!!

فهد هتف بثقة: مطولة؟؟

أجابته بسكون: نص ساعة بس..

هتف بذات الثقة: على ما أسبح تكونين خلصتي!! خلي اللابتوب شغال.. بأوريش شيء..


( ما ينفع تسبح لين أنام أنا!!) ورغم عدم رغبتها حتى بالجلوس معه ابتسمت:
زين إن شاء الله!!


حين خرج.. كانت بالفعل انتهت!!

كان ينهي لباسه وهو يهتف لها بثقة ودودة: انبسطتي اليوم في الطلعة؟؟

هزت رأسها برقة: انبسطت..!! (رغم أنها لم تشعر بشيء عدا ثقل وجوده على أنفاسه!!
رغم أنه حاول بذل كل جهده!!)


تنهد: ماعليه أنا توني عليمي في سوالف الطلعات.. لاني اساسا ماني براعي طلعات!!
بس ماهان علي أكون غايب ذا الوقت كله وعقب أحبسش في البيت بعد!!


صمتت.. فهذه التعامل والتفكير الرقيق لا يتناسبان مطلقا مع تفكيرها في شخصية فهد..

كانت تنظر له وهو يتجه لفتح حقيبته الشخصية ثم يستخرج منها بطاقة ذاكرة ويطلب منها أن تضعها في الحاسوب وفتحتها...


جميلة أدخلت البطاقة بحذر في الحاسوب.. دائما تتوجس من كل ماهو من ناحيته..
جلس جوارها وهو يسند ذراعه لكتفيها بطريقة حانية وتملكية في آن..

تناول الحاسوب منها هو..
بدت لها حركته عليه خبيرة بالفعل.. رغم أنها كانت تظنه لا يعرف أي شيء عن الحواسيب..

همست بتلقائية: تعرف له؟؟

ضحك: أعرف له؟؟؟ مهوب لذا الدرجة ترا..!!

جميلة بخجل: ماقصدت..!!

صمتت لأن أي شيء قد تقوله قد يبدو محرجا أكثر!!
فهي بالفعل كانت تظنه لاعلاقة له بالتكنولوجيا كما لو كان يعيش متحجرا في عصر آخر!!


كانت الذاكرة ممتلئة بالصور..


هتف فهد بحماس فخم: بأوريش صورنا في الدورة الأخيرة.. وصور لي بعد قديمة!!
وصور قبل الكاميرات الرقمية بعد.. بس دخلتها فيه!!

عشرات عشرات الصور..
كما لو كان يكشف لها تاريخه كله ويبسطه أمامها..
صوره وهو صغير مع والده وأشقائه في مناسبات ورحلات مختلفة..
صوره في الكلية.. صوره باللباس العسكري بأشكال مختلفة..
الكثير من الصور مع منصور!!
بل هناك أكثر من صورة له مع زايد الصغير في مجلس منصور!!!


ابتسمت بعفوية: شكلك يجنن في اللبس العسكري.. بس أحلى صور اللي مع زيود فديت قلبه!!

ابتسم بفخامة: ماعليه نبلعها إن أبو منصور مقدم علينا!! يستاهل!!

سألت بذات العفوية الرقيقة: تحب تصور؟؟

هز كتفيه: لا.. بس لا صورت.. أحب أحتفظ فيها..
أبي أوريها لعيالي..
ما تتخيلين أشلون انبسط لا شفت صورة لأبي هو صغير..
لأنه أنا ماعرفت إبي إلا وهو كذا... لحيته بيضاء وطويلة!!


كان ينهمر بحديث عفوي.. ينبئ فعلا أن هذا رجل يحمل قلبا أشبه بقلب طفل..
أحاديثه كلها مصاغة بعفوية لا تخلو من فخامته الرجولية..
أحاديث لا تزييف فيها ولا حتى تحسين للحقائق!!

كان قد أنزل الحاسوب جانبا.. وهاهو يحتضن أناملها بين كفيه..
يتحدث وأنامله تناجي أناملها.. وكأنه عاجز حتى عن الإفراج عن أناملها..


بينما هي عاجزة حتى عن محاولة تقبله!!!!







**************************************






" هلا حبيبي..
غريبة ماقعدت عند أبيك شوي؟؟"


علي يخلع غترته ويلقيها جانيا ويهتف بهدوء: واجهته في المجلس عقب ماجابه كساب من المطار..
بس هو راح داخل لمزون ومرت كساب..
وأنا ما أقدر أتاخر عليش وأنتي بروحش!!


شعاع بخجل: والله كنت أبي أسلم عليه الليلة.. بس الوقت متأخر واستحيت أواجه كساب!!

علي برفق حازم: خلاص بكرة لا رحت أنا للدوام.. روحي سلمي عليه..

شعاع بوجل رقيق: مسرع خلصت إجازتك؟؟

ابتسم علي: صار لي أكثر من أسبوع قاعد مقابلش.. وانتي الحين صرتي احسن بواجد..
ما أقدر أقعد من شغلي أكثر من كذا؟؟

ابتسمت برقة وهي تميل لتقبل كتفه: قلت لك قبل الوقت معك ماينحسب..
ثم أردفت بذات الرقة: زين بكرة لا سلمت عليك..
أبي أروح مع جوزاء.. بتسوي تلفزيون وعبدالله عنده شغل مهم..
وعقب بنروح نتطمن على ولد نجلا إن شاء الله يكون خلص عمليته!!


ابتسم علي بلهفة: مهوب مشكلة.. بس أنتي متى بتسوين التلفزيون بعد؟؟
بأموت متشفق على شوفة أي شيء منه!!


ابتسمت برقة: قريب إن شاء الله..







**********************************







هاهو يعود... لم يتوقع أنه قد يجدها..
ولكنه الإنسان.. دائما مثقل بالأمل..
لأنه إنسان!!!



وجد مزون وكاسرة في انتظاره..
حتى مزون لم تستطع البقاء إلا قليلا.. لم يشبع حتى من ضمها لصدره..
فغانم كان ينتظرها خارجا.. والوقت أصبح متأخرا..
فاضطرت للذهاب..


وكاسرة جلست معه قليلا ثم اعتذرت ...واضطرت هي ايضا أن تصعد لكساب الذي كان هو من أحضره من المطار..


وهاهو يضطر للصعود .. لجناحه البارد الصقيعي..


يا الله..!!
بقدر مابدت له رحلته طويلة ومُرة بعيدا عنها..
بقدر ماتبدو غرفته أكثر قسوة.. لأنه ماعاد يطيقها بعدها..


(الظاهر إني على كل حال لازم أروح لجناح ثاني!!
ماني بمستحمل ذا القعدة... باستخف)




.
.
.




هي هناك... تعلم أنه عاد لبيته..
عودته نثرت يأسها وحزنها مضاعفا..
اشتاقت له كثيرا.. لا تستطيع أن تنكر ذلك!!


" كم نحن مخلوقان غريبان!!
كما هما ولدينا!!
نعيب عليهما.. ونحن من أورثناهما الغرابة!!"


أخرجها من أفكارها الطرقات على بابها.. شدت روبها على جسدها.. وفتحت الباب المغلق بنفسها..

كان تميم هو الطارق..


أشرق وجهها حين رأته..

قبل جبينها ثم أشار بمودة: يمه.. عمي مهوب جاي الليلة.. ليش مارحتي لبيتش؟؟

مزنة تشير بحزم تخفي خلفه توجسها: بلى.. بس هو جاي متأخر.. واتفقنا أرجع بكرة!!


مزنة تنهدت.. لا تريد أن توتر ابنها..
وهي تعلم أنه متوتر مع زوجته مع أجل عملية غانم الصغير في الغد..
تريد أن تنتهي عمليته بخير أولا!!
ثم تبحث لها عن عذر مناسب عجزت تبحث عنه ومازالت لم تجده!!


تميم أشار برجاء: زين يمه أبي منش خدمة!!

ابتسمت مزنة: آمرني فديتك!!

تميم بذات الرجاء: أبيش بكرة تكونين مع سميرة.. العايلة كلها قلوبهم ماشاء الله ماي..
أنا بأكون موجود معها.. بس أنا مستحي من أختها.. وبأكون واقف بعيد..
أبي أتطمن إنه فيه حد قوي معها!!

مزنة بحنان: بدون ماتقول يأمك.. أنا أساسا متفقة معها أروح معها المستشفى بكرة..

تميم أشار بصفاء باسم: الله لا يخلينا منـــ...


بتر إشارته وعيناه تنقلبان بشكل مفاجئ وهما تتجهان لمكان في كتف والدته..
بجانب عنقها ..
لأن طرف جيب الروب تعلق في دانتيل حمالات القميص العريضة لذا لم يغطيه!! ومزنة لم تنتبه!!

مد يده ليشد جيبها.. بينما مزنة تأخرت بجزع.. وهي تشير بجزع أشد: وش فيك أمك؟؟

تميم جن تماما وعيناه تتحولان لجمرتان محمرتان وهو يشير بجنون مطبق: أنا اللي وش فيني؟؟ أنا اللي وش فيني؟؟


تميم يريد خلع روبها رغما عنها.. وهما تقريبا يتعاركان عليه.. لأن مزنة علمت السبب..

ولكن تميم ختاما كان هو أقوى منها ..وهو تقريبا يمزق روبها وينظر بقهر موجوع وغضب عارم للعلامات الواضحة على جسدها..

مكانان.. وخمس علامات في كل مكان .. علامة منفردة وأربع علامات متجاورة!!
في كتفها من ناحية اليمين.. وعضدها من ناحية اليسار!!

لم يتمنى في حياته كلها كلها كلها.. أن يكون لديه صوت مثل هذه اللحظة..!!
لشدة شعوره بالقهر والغضب... تمنى أن يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى تتمزق حباله الصوتية من الصراخ!!


" أ تُمد يدا على والدته وهو مازال يتنفس الهواء؟؟
إذن حياته كلها لا معنى لها!!
هو لا معنى له!! "


تميم أشار بجنون مطبق: والله ما أخليه.. والله لا أذبحه الليلة..
والله إن قد أذبحه!!
يسوي فيش كذا يحسب ما وراش رجال.. يحسب ماوراش رجال!!


تميم غادر ركضا.. بينما مزنة انتزعت جلال الصلاة لتلبسه فوق قميصها..
وهي تركض خلفه..و تتصل بزايد بجزع مرعوب:
زايد ترا تميم جايكم للبيت وهو مايشوف من الزعل..
متحلف فيك.. تكفى سكر بابك عليك.. ولا تنزل له!!

زايد بغضب: تبيني أندس من بزر أصغر من عيالي؟؟
يتحلف فيني ليه؟؟ وش مسوي له؟؟


مزنة كانت تبكي فعلا.. فهي تعلم أن تميما قد يؤذي زايد فعلا..
أما الاحتمال الأقرب فهو أن كسابا لو تدخل فهو من سيؤذي ابنها..
فهو لن يسمح له بمد يده على والده وهو يشاهد!!

زايد أنهى الاتصال وهو يهتف بغضب:
أنا انتظره تحت..خلني أشوف وش عنده..
ولا تحاتينه.. بأهديه!!


مزنة كانت تركض بكل قوتها.. فهي تعلم أن زايد لن يستطيع التفاهم معه حتى..
ولأن تميم لم يسبق مطلقا أن زارها في بيتها لأنها على الدوام عندهم... فهو لم يعرف أين يتجه تماما..


لذا حينما وصلت كان للتو يلتحم مع زايد وهو يرفع زايد من جيبه دون أي تفاهم!!


تميم فقد عقله تماما.. لم يفكر حتى أن هذا رجل أكبر منه سنا ولا يوازيه قوة..
فما رآه في والدته نحر روحه تماما.. وإحساسه بالقهر ألغى مابقي فيه من التفكير!!


فجسد والدته كان مبقعا بأثار أظافر غارت في جسدها.. تركت أثرا بنيا واضحا لم يختفِ رغم مرور عشرة أيام..
رغم أنه في الأيام الأولى كان أسوأ بكثير.. بين اللون الأحمر ثم البنفسجي ثم الأزرق.. وهاهو خَفَت للون بني يوشك على الذهاب!!
لذلك غيرت مزنة المفرش قبل ذهابها!!
لأنه تلطخ ببقع من نقاط الدم التي نزلت من جسدها..


لم تستطع مطلقا أن تلوم زايد.. فهو في ليلتهما الأخيرة معا كان نائما ومتمسكا فيها بشدة..
كانت تريد أن تقوم للحمام.. ولم ترد إيقاظه.. فحاولت التخلص من يديه برفق..
فشد عليها بقوة أكبر لدرجة أن أظافره غاصت في لحمها كثيرا!!


لذلك كان تأثرها منه لا حدود له.. ولا علاج له..
لأنها صمتت على كل هذا الألم الجسدي وهي تفسر ذلك بعدم قدرته على التخلي عنها حتى وهو نائم!!

ولم تخبره بشيء وهي ترتدي ملابس مغلقة تماما..
وتغطي المفرش السفلي بالعلوي انتظارا لذهابه حتى تغيره..

كانت تعلم أنه لو علم بهذا الأمر سيجرحه ويؤذيه لأبعد حد.. لذا لم تخبره ولم تخبر سواه..


ثم بعد ذلك...
يصفعها وبكل بساطة.. أنه لا يريد أي احتكاك بينهما!!
لماذا إذن كان يمسك بها هكذا؟؟ لماذا؟؟

أ يتمسك بها بكل هذا التملك والوجع.. ثم لا يريد أي احتكاك بينهما!!

فأي ألم حرث بمناجله روحها ذهابا وإيابا؟!!


مزنة فور وصولها.. فرقت بينهما رغم صعوبة إبعاد تميم عن زايد وهو كالمجنون..
كان يريد أن يكسر الأيدي التي امتدت لوالدته!!

مزنة أشارت لتميم بغضب: أنت اشفيك ماعندك تفكير..
اللي فيني مهوب من زايد..من كاسرة.. وإسألها !!

تميم كما لو كان سُكب على رأسه ماء مثلجا وهو يتراجع بجزع كاسح مصدوم:
من كاسرة؟!!

مزنة بحزم: إيه من كاسرة.. أنت تدري إن كاسرة أحيانا تحلم بكوابيس!!
ويوم كنتو مسافرين كانت نايمة عندي..
وسوت فيني كذا بدون ماتحس يوم قامت مفزوعة من الكابوس!! لأني كنت أبي أهديها وهي ماتبي تهدأ...
وإسألها لو تبي!!

(كانت مزنة متأكدة أنه لن يحرج كاسرة ويسألها عن ذلك!!)

بينما تميم اسود وجهه تماما.. ماعاد قادرا على وضع عينه في عين زايد..
وهو يقترب ليقبل رأس زايد ثم يغادر دون أن يرفع بصره!!


زايد كانت أنفاسه تعلو وتهبط من العصبية وهو يحاول السيطرة على أعصابه..
وينتظر أن تنتهي من حوارها الغريب مع ابنها..

ليتفاجأ بانتهائه هكذا.. بقبلة رأسه ثم رحيل تميم..
رغم أن تميما حين حضر كان كالمجنون تماما وعيناه محمرتان من شدة الغضب!!


حين غادر تميم.. انهارت مزنة جالسة..

زايد جلس جوارها وهو يهمس بسكون : ممكن أعرف ليش ذا كله؟؟

مزنة بوجع عميق عميق عميق: تبي تدري ليش ذا كله؟؟
تعال في مجلس الحريم وأقول لك.. ما أقدر أقول هنا.. أخاف حد يشوفني..

زايد بأمل أعمق: وما ينفع تقولينه لي في غرفتنا؟؟

مزنة بوجع أشد وأكثر وحشية بدأ يختلط بوجعها الجسدي وهي تشعر بتقلصات موجعة في أسفل بطنها: لا ماينفع..


زايد غادر معها لمجلس الحريم.. وتوجس غريب ينتشر في روحه!!

حــيــنــهـــا...
خلعت جلال الصلاة عنها..


زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها..
وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب..

كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟

مزنة ببساطة موجوعة: أنت!!

زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟

مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي..
وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!!
وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!!


زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها..
وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف:
أنا مستحيل أكون طبيعي..
أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟
تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!!


مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها:
زايد... أنا أنزف!!




#أنفاس_قطر#
.
.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
نجمة لـ لامارا
نجمة لـ شرقاوية عسل
يا الله
البارت 104
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وأربعة







" يمه السيارة تأخرت علي؟؟ "


عفراء باستغراب: يأمش فهد هو اللي جاش ومن زمان..
وأنا قلت له أي ممر... ماشفتي سيارته؟؟


جميلة شهقت بعنف وهي تتراجع خطوة للخلف.. ثم تعود لتلتصق بالزجاج.. لتراه فعلا جالسا بداخل سيارته التي يبدو إنها متوقفة منذ فترة ليست بالقصيرة..
لأنها كانت تلاحظ السيارات الواقفة في الممر.. ولكن تركيزها كان مع سيارة والدتها..

مازال هاتفها معلقا بأذنها ووالدتها تهتف بحزم: روحي مع رجالش.. وخلش مرة سنعة..



جميبة هزت رأسها كما لو أن والدتها تسمعها..
شعور عارم بالتوتر والتوجس.. يتخلل كل أنحاء جسدها
قد تكون تكلمت معه على الهاتف بشيء من الجرأة والوقاحة.. لكنها ما أن رأته..
حتى شعرت أن عظامها ستذوب من الخوف والتوتر...


" ياربي... أشلون نسيت موعد جيته؟؟
يمكن تناسيت.. مانسيت..
ياربي.. الحين معصب من كل صوب..
ما انتظرته في البيت.. وعقب نقعته في سيارته
.
وأنا وش دراني إنه برا؟؟
أعرف الغيب... ليش مادق علي؟؟"


جميلة لو كان الأمر بيدها لم تكن لتخرج له.. فهي خائفة منه فعلا..
خائفة من حدته.. ومن قسوته.. ومن تهديده!!


ولكنها ختاما خرجت وهي تقدم قدما وتؤخر أخرى..
هــو عرفها منذ خرجت من الباب البعيد.. وكأن الشمس أشرقت من هناك..
فهل هناك من يجهل شروق الشمس...؟؟


بدت دقات قلبه تتصاعد بعنف..
وهو يكره هذا الشعور الذي يحيله إلى مراهق عاجز عن السيطرة على خلجات نفسه!!


ركبت جواره بتردد وهي تتمتم باختناق: الحمدلله على السلامة..

أجابها بسكون وهو يحاول ألا ينظر لها: الله يسلمش... كان قعدتي بعد شوي!!

اجابته بذات النبرة المختنقة: أنت ما اتصلت علي..

ازدادت نبرته حدة: وأنتي ما كنتي عارفة إني بأجي اليوم؟؟

صمتت.. لم ترد عليه.. شعرت أنها إن قالت كلمة إضافية قد تبكي!!

هو أيضا لم يصبر على ألا ينظر لها.. فهو لا يعرف كيف يتصرف خلافا لطبيعته..
كان ينظر ليديها العذبتين المشبوكتين في حضنها.. لا يعلم لِـمَ شعر بتأثر رقيق أنها ترتدي دبلته..

ولكن التأثر تحول لغضب وهو يصرخ بها: ممكن أعرف ليش ملونة أظافرش؟؟

جميلة انتفضت بجزع: عادي.. شوف أظافري مقصوصة للآخر واللون فاتح..


فهد بذات الغضب: والحين صارت القضية إن أظافرش قصيرة.. واللون فاتح..
ليش أساسا تحطينه.. ماعندكم دكاترة في الجامعة وعمال؟؟

جميلة زفرت بحرقة: فهد الله يهداك أنت جاي من المطار حاد سكاكينك علي..؟؟
أساسا أنا أقعد ورا.. لا شافني دكاترة ولا عمال..
بس خلاص أوعدك ما أحط في الجامعة ولا برا.. شيء ثاني؟؟


حينها كان هو من صمت..
فهو يعترف أنه جاء إليها وهو يشعر بالاستفزاز بعد مكالمتها الأخيرة..
لم يتوقع أنها ستجابهه بهذه المهادنة والرقة التي تذيب مفاصله..


تبادلا الصمت حتى دخلا باحة بيته..
حينها كانت من همست بجزع: ليش جايبني هنا؟؟

أجابها بحزم: وين تبين تروحين؟؟

جميلة باختناق: أبي أروح بيتنا..

فهد بذات الحزم وهو يفتح بابه: هذا بيتش.. خلصيني وانزلي!!

جميلة تشعر إنها ستموت: زين بأروح أجيب ملابسي..

فهد باستغراب: تجيبين ملابسش... ؟!!
عندش هنا ملابس تغطي آسيا وأفريقيا... وش تجيبين فوقهم؟؟
انزلي بس!!



جميلة نزلت مجبرة.. فهي بالفعل لا تريد أن تكبر مشكلتهما.. وتعلم أنها لو بقيت في بيت أهلها بعد عودته..
فهذا سيكون بمثابة إعلان علني بوجود خلاف بينهما!!


قد تكون قالت له أنها لا تريده.. وتريد أن تبقى في بيت أهلها..
لكنها تعلم أن هذا كلام غير منطقي.. وكانت تقوله لشدة غيظها منه!!
ولكنها أيضا تشعر على كل حال أنها غير قادرة على تقبله..
وتشعر بوجود حاجز غريب بينهما!!


نزلت بخجل.. وهي تسحب قدميها سحبا!!
متوجهة لغرفة عمتها أم صالح..
هتف بحزم: وين بتروحين؟؟

جميلة بذات النبرة المختنقة: بأروح أسلم على عمتي..

أجابها بنبرة مقصودة: لا والله راعية واجب..
أمي وجوزا رايحين الجمعية يجيبون أغراض البيت..
عقبال ما تكفين أمي وتجيبنهم أنتي!!

همست حينها بذات نبرته المقصودة: إن شاء الله.. إذا حسستني صدق إني مرتك..وهذا بيتي..!!
مثل ماعبدالله محسس جوزا..


دائما لدغتها ناعمة حينما تريد!!
أجابها بحزم غاضب: لا تقارنيني بغيري.. أظني صرتي تعرفين.. إن هذا سمي وناري!!


جميلة تنهدت وهي تصعد للأعلى..
فوجئت أنه لم يتبعها وهي تتنفس الصعداء..
بينما هو توجه للمسجد ليلحق بصلاة الظهر!!


جميلة بدأت بإزالة الصبغ عن أظافرها.. ثم فتحت خزانتها لتستخرج لها لباسا ترتديه بعد أن تستحم وتصلي..

في داخلها.. لا تشعر بأي رغبة لأن تتأنق لهذا المعقد..!!
ولكنها لابد أن تتأنق بطبيعتها.. وخصوصا أنها ستنزل لتسلم على عمتها وجوزا وتتغدى معهما..


حمدت الله أنه لم يعد مباشرة..
فوجوده يثقل على نفسها بشكل مجهد فعلا..
لم يعد حتى عادت لغرفتها بعد الغداء..


كانت تجلس أمام المرآة.. تمشط شعرها..
بعد أن خلعت الدراعة التي ترتديها ولبست لباسا خفيفا.. يتكون من (ليقنز وتيشرت) من القطن.. فقط!!
مهما كان لباسها بسيطا.. تبدو في عينيه شيئا مبهرا إلى أبعد حد..!!
رؤيتها مجهدة لمشاعره وقلبه لأبعد حد!!


دخل بسكون وسلم بسكون.. وجلس على طرف السرير خلفها مباشرة.. يراقبها بتمعن وهي تمشط شعرها بتوتر.. لأنها تعلم أنه يراقبها..

نهض ليتقدم نحوها.. انكمشت على نفسها قليلا وهو يميل عليها ليتناول المشط من يدها..
ويضعه على التسريحة لتتخلل أنامله خصلاتها الناعمة وهو يهمس بدفء:
كأنه شعرش طايل شوي.. لا تطولينه.. يعجبني كذا!!


( وش اللي تغير؟؟ عقب ماهو منتف.. عاجبك!!) همست باختناق:
بس أنا أحب الشعر الطويل.. وأبي أرجع أطوله!!

هز كتفيه وهو يمسك بعضديها ليوقفها ثم يديرها ناحيته وهو يهمس بذات الدفء:
براحتش.. حتى لو كنتي بدون شعر عاجبتني!!

قربها منه برفق ليغمر وجهها بقبلات شفافة حانية بينما انكمشت هي رغما عنها..
همس في أذنها بعمق: طالبش.. بلاها ذا الحركة.. تحسسني وش كثر أنتي خايفة مني!!
أنا ما أكرر غلطتي مرتين.. فلا تكررينها أنتي!!








*****************************************







وضحى قفزت بجزع وهي تسمع الطرقات القوية على الباب..
لتتفاجأ بالباب يُفتح ونورة تدخل..

وضحى بقيت لدقيقة مذهولة (كيف دخلت هذه؟؟)

لتشعر أنها ستبكي وهي تنتبه أنها تقف أمامها ببيجامة مكونة من (شورت وتوب بحمالتين رفيعتين) فقط!!
أمها لم ترها مطلقا بهذا المنظر.. فكيف تراها هذه؟؟

قفزت لتختبئ داخل غرفة التبديل وهي تهمس باختناق حرجها المر:
أم سعود دقيقة بس وأنزل لش!!


نورة كانت مذهولة.. ولا تنكر أنها شعرت بالحرج..
فهي فوجئت بالأبواب مفتوحة.. ولا أحد في البيت..
لذا صعدت مسرعة لغرفة شقيقها!!


نورة عادت للأسفل.. ففي الأسفل كانت تجلس رفيقة دربها سلطانة..
وهما في انتظار شقيقتين آخريين من شقيقاتهما..

سلطانة بقلق: لقيتي حد؟؟

نورة بتأفف: لقيت مرت أخيش متفسخة.. يا الله جيرنا من كشف الستر!!
راقدة وهي مهيب لابسة شيء..
والبيبان كلها مفتحة.. لو أن اللي داخل عليها حرامي وش كان سوت؟؟
إيه ما ألومه أخيش يستخف.. ولا كلمناه يكلمنا بالقطارة!!

سلطانة ضحكت: نورة الله يهداش.. عروس وش تبينها تلبس عند رجّالها؟؟

نورة بذات التأفف: والله إنكم جيل ماعاد في وجهه حيا ولا مستحى!!

والاثنتان مستمرتان في حوارهما فوجئتا بالخادمة التي أحضرت لهما القهوة والشاي..
سلطانة باستغراب: من أنتي؟؟

الخادمة بعربيتها المكسورة: أنا خدامة ماما مزنة.. ماما يجيب هنا عشان بنية ودحه صغير..

سلطانة تلوي شفتيها: خدامة من الحين؟؟ وخدامتها قدامها بعد!!
حن جايبين قهوة وفوالة روحي جيبيها..

الخادمة تبتسم: هذي قهوة مال أنتي ماما.. أنا يشوف أنته يجيب قهوة.. أنا يجيب بيالة فنجال بس..

نورة بغضب: وين كنتي مندسة يالسكنية.. ومخلية كل شيء مفتوح..

الخادمة مازالت تبتسم: ماما أنا قدام عين مال أنتي.. أنا كنت ينظف صالة..


حينها كانت وضحى تنزل.. ووجهها متفجر بالاحمرار.. عاجزة عن وضع عينها في أعينهما..

بعد انتهاء السلامات المعتادة..ووضحى تتولى مسئولية ضيافتهما..

همست نورة بحزم: وين نايف؟؟

وضحى باحترام: راح لشغله..

نورة بحزم لا يخلو من غضب: راح لشغله وأنتي راقدة وراه كنش فطيسه..
مهوب عيب عليش يأمش..؟!!
هذا السنع؟؟

وضحى صُدمت تماما من هذا الهجوم غير المتوقع.. ابتلعت ريقها ومعه عبرة كانت ستقفز (والله ما أشمتهم فيني!!)

هتفت بكل برود مغلف بالحزم مع ابتسامة رائقة:
أنا مارقدت إلا عقب ماراح نايف لشغله..
أصلا مستحيل أقدر أرقد وهو قايم الله لا يخليني منه!!


نورة وسلطانة تبادلتا النظرات معناها (صدق إنها ما تستحي!!)


بينما وضحى جلست لترسل لنايف رسالة ترجوه أن سألته إحدى أخواته أن يأكد على كلامها..
فهي فعلا كانت تريد أن تنهض معه.. ولكنه من اطفأ جرسها!!






***********************************






" يمه فديتش.. لا تحاتين..
عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!"



أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟
الولد هيستحمل عملية يعني؟؟


غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين..


مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع..

غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا..

أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟

غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها..

مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! )

بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!!


غانم يبتسم: لا يمه.. مايصير كذا.. لازم تدخلين في المود.. وتصير عيونش تولع قلوب.. تقولين سعاد حسني يوم شافت رشدي إباظه..
ونبيها بالمصري.. عشان حلاتها كذا!!

حينها ابتسمت أم غانم: فشر رشدي إباظة يجي جنب راشد..!!
ده مايجيش ظفره!!

غانم مال على مزون بمرح: اسمعي الهياط بس!!


مزون سألت ام غانم بمودة: يمه ياحلوه الكلام المصري من ثمش..
قولي لي كم صار لكم متزوجين أنتي وعمي؟!! ووين تزوجتوا؟؟ في مصر صح؟؟


أم غانم بإبتسامة شفافة: كملنا 31 سنة..
واتجوزنا هنا في قطر.. أنا أساسا كنت مقيمة هنا.. جيت هنا مع ماما وخالي.. وأنا تانية سانوي..
وكملت المدرسة هنا.. بس مادخلتش جامعة..
عشان ماما كانت ست كبيرة ومريضة..
وحتى خالي كان زيها.. وئرب على التقاعد.. مراته ماتت ئبل مانجي هنا
وماكانش عندو ولاد..
والاتنين شايلين همي.. يحصل لهم حاجة ويسيبوني لوحدي..
خطبني مصريين كتير هنا.. بس أنا مابيعجبنيش العجب!!


غانم يميل على اذن مزون باسما: العجب تراه أبو غانم!!

أم غانم بغضب باسم: خلاص ئول انته الحكاية لمراتك..

مزون باستعجال ودود: يمه ماعليش منه.. كملي!!

أم غانم أكملت ولكن هذه المرة انكسرت ابتسامتها: ماما ماتت بعد كم شهر واندفنت هنا..
عشان كده كان عندي إحساس إني لازم اتدفن مترح ما اتدفنت أمي!!
تعبت كتير بعد ماما.. وخالي تعب معايا الله يرحمه!!
بس بعد كده ئلت لازم أكون أئوى شوية عشانه.. هو هيلائيها منين!!

في الوئت ده بالزبط كان غانم عاوز يتجوز وحدة بس مش من جماعتهم.. من ئبيلة تانية..
أبوه وأخوه أبو صالح ما رضيوش.. وهو كان شاب فاير وراسه ناشف..
فحلف إنه يتجوز وحدة من برا حدود الخليج كله!!
ولو جيتي للحئ هو ئال لي إنه استغفر عن الحلف ودفع كفارة.. بس هو كان عاوز يئرص ودانهم..

أكملت حينها بابتسامة اتسعت: خالي كان معاه في الشغل.. فهو يحكي لخالي الحكاية..
فخالي ئال له إنه هو اللي هيجوزه وحدة من برا الخليج..
راشد كان عاجب خالي كتير.. بس خالي ماكنش في باله واحد خليجي خالص..
لحد ماماتت أمي.. واندفنت هنا وأنا مش راضية أسيب هنا ولا أنزل مصر حتى في الإجازات..

راشد اتحرج.. ئال له خالي ما تنحرجش.. أنتو هتشوفها زي ماشرع ربنا ئال..
بس راشد ما رضيش..
ئال وئتها ماكنش مقتنع خالص وعاوز يسكت خالي وبس..
خالي ئال لي الحكاية.. زعلت عليه خالص.. ئلت له أخرتها تعرضني على راجل وهو مايرضاش حتى..
ومن ئال لك إني عاوزة واحد قطري... شكلهم كِشر..


غانم ضحك: يمه أما على سالفة إنه شكلنا كِشر لازم نرفع عليش قضية!!

مزون برجاء: تكفى غانم لا تقاطعها.. خربت اندماجي!!

غانم بإبتسامة: لو تدرين عاد قطعت عليش عند (الماستر سين)!!

أم غانم بتافف: أنته هتسكت ياله.. وإلا سيبني أئوم أبدل للولاد..

مزون برجاء: أنا بأبدل لهم.. بس كملي الحين فديتش يمه..

ابتسمت أم غانم: ئولي لجوزك الرغاي..

سيبينا منه.. بعدها بكم شهر كنت مع خالي في المستشفى عشان كان تعبان شوية..
وراشد كان جايب الست مامته الله يرحمها!!

ضحكت أم غانم بخجل عفوي : الواد غانم مابيحبش الحكاية دي!!
بس أنتي عارفة إنه زمان بنات السبعينات عاملين ازاي.. ومع كده أنا كنت بألبس طويل بس ماكنتش باتحجب..

راشد بيئول لي إنه حاول ما يبصش بس مائدرش.. أصلو كان فاكرني شبه خالي..
خالي كان أسمر وماكنش حلو خالص!!

خالي لما سلم عليه أنا اتلحس مخي.. حلاوة إيه.. طول إيه.. شبه الواد فهد ابن أخوه خالد..


حينها لم يستطع غانم إلا أن ينفجر في الضحك: ماقلت لش.. ترا السالفة أول كان يشبهني..
الحين صار يشبه فهد.. انتظري عليه المرة الجاية بتقول لش شبه عبدالله..

مزون بتأفف رقيق: لو دارية كان خليتها تسولف علي وأنت برا بسلامتك..
خربت الجو مرة وحدة!!
يمه تكفين كملي لي!!


ضحكت أم غانم: هي كده كملت.. بس الواد ده نصاب.. عمري مائلت إن راشد شبهه... راشد أحلى منو بعشرين مرة!!

طبعا أهل راشد ماكنوش راضيين بالجوازة خالص خالص..
بس المرة دي راشد عنّد وصمم.. وخدت وئت طويل لحد ما أهله تئبلوا فكرة جوزانا..


أول شيء ئاله راشد لخالي.. لازم تتغطى..
ضحكت: ئلت لخالي اللي هو عاوزة.. هأعمله..إن شاء الله يكون عاوز يحبسني في ئمئم!!
والحمدلله عمري ماحسيت بالندم من أول دئيئة لحد دلوئتي ربنا مايحرمنيش منو ولا من طيبة ئلبو!!

ضحكت: تدرون تعبت أحكي مصري... تعودت على الحكي المكسر!!


غانم يضحك: شفتي القلوب يوم نطت من عيونها؟؟

مزون ضحكت: لا والله شفت العصافير اللي تطير حول رأسك..
وأنا أتمنى لو عمتي أم غانم تضربك بالمزهرية على رأسك من كثر ماتقاطعها!!






*************************************






" إلا وش سالفة المسج بالتفصيل؟؟
خواتي وش سوو اليوم!! "



وضحى بألم شفاف: خلوني في نص ثيابي يا نايف.. تخيل نورة دخلت على وأنا نايمة..
شافت لبسي.. أمي ماشافتني كذا!!
وعقبه تقول لي أنتي ماتعرفين السنع... نايمة ونايف رايح لشغله!!

وضحى كانت تحادثه بشفافية لأنها لا تستطيع أن تشتكي لسواه..
بل إنها لم تخبره بكل شيء.. فهم حين اكتمل عقد الشقيقات الأربع قالوا ماهو أكثر من ذلك..
حتى أمها وخادمتها التي أرسلتها.. لم تسلما من تعليقاتهما..
وهي وحيدة تتلقى الضربات من الأربعة.. وكلهن سيدات كبيرات في السن..
ولا تستطيع أن ترد عليهن احتراما لسنهن ومكانتهن..
ولكنهن لم يرحمنها مطلقا من تعليقاتهن وأسئلتهن واستفساراتهن حتى عن تفاصيل حياتها الخاصة مع شقيقهن..



ورغم أنها لم تخبره بكل ذلك.. نايف رد بتأفف: مهوب كنش مزودتها؟؟

وضحى بصدمة: أنا مزودتها؟!!

نايف بذات التأفف: إيه مزودتها.. يعني المساكين تاركين بيوتهم وعيالهم من صبح عشان يجون يسلمون عليش ويقهونش..
أخرتها تشتكين منهم كذا..
ليش تشتكين؟؟
لأنش واجد متصلبة وماعندش أي مرونة..

وضحى بذات النبرة المصدومة: أنا ماعندي مرونة؟؟

نايف لا يريد فعلا أن يضايقها.. لكنه سبق أن حذرها في هذا الموضوع لذا هتف بتقصد:
حتى لو كنت نسيت موضوع تميم.. لكنه كشف لي إنش ماعندش مرونة في التعامل مع المشاكل..
وش فيها لو جاملتي خواتي العجايز شوي وتحملتيهم..؟؟


وضحى شدت لها نفسا عميقا.. حتى لو قال أنه نسي... يبدو أن هذا الموضوع سيبقى حاجزا بينهما..
لأنه وضع له تصور مسبق لشخصيتها سيحبسها في إطاره..
لذا همست باختناق متردد: تميم مايدري عن شيء!!

نايف نظر لها بدهشة: يدري عن ويش؟؟

وضحى انكمشت قليلا فهي تجهل بالفعل ماذا ستكون ردة فعله: مايدري عن المسجات..
أنا اللي أرسلتها من تلفونه ثم مسحتها!!

نايف اتسعت عيناه بصدمة.. ثم شرق وكح ..
ثم .......
انفجر بالضحك..


ضحك مطولا لدرجة أن عينيه دمعتا قبل أن يهتف بين ضحكاته:
لا بصراحة غطيتي على عالية.. المفروض عالية تجي تأخذ عندش دروس في المقالب..
ذا كله صبيتي قلبي... وآخرتها الرسايل من عندش!!







******************************************







" ها ياحلوة.. وينش؟؟
عقب منتي ما تبين تروحين معه.. حتى تلفون توش تكلميني..
أنا مابغيت أدق وأصير عمة ثقيلة دم!! "


جميلة بتأفف: يمه.. توه أفرج عني..
من عقب صلاة العصر.. واحنا طالعين.. تونا رجعنا.. وراح لأبيه في المجلس!!


عفراء باستغراب: زين وحدة مطلعها رجالها.. ليه زعلانة؟؟
أعرفش تحبين الطلعات والتمشيات..
لا والمسكين توه جاي من السفر اليوم وطلعش على طول!!


جميلة تزفر: يمه... دمه ثقيل على قلبي!!

عفراء بغضب: والله ماحد دمه ثقيل غيرش.. يا بنت اعتدلي مع رجالش..

جميلة بيأس: والله يمه ماضايقته بشيء.. وكل ماقال لي شيء.. قلت لبيه وحاضر..
بس عاد أغصب نفسي أحبه وأتقبله.. مهوب بيدي!!


عفراء تنهدت بعمق: الله يصلح حالش يأمش.. الله يصلح حالش!!







***************************************






" ها يأمش شأخبار نايف معش؟؟"


وضحى تزفر: يمه نايف يجنن وطيب وأخلاقه تجنن...
بس يمه خواته ما ينطاقون.. وهو يموت عليهم.. يمه توه من أول يوم طفروني..
ما أدري اشلون باستحمل..


مزنة تنهدت: يأمش أنتي خذتي الرجّال وانتي عارفة إن خواته كذا!!
مايصير الحين تاففين منهم..
هذولا بيصيرون عمات عيالش.. وكلش ولا قطع الرحم..
الرحم متعلقة بالعرش.. وتقول اللهم اقطع من قطعني.. وصل من وصلني!!


وضحى ابتسمت: عاد يمه ماوصلت لقطع الرحم.. أعوذ بالله من غضب الله..
بس أنا يمه أبي طريقة أمسك العصا من النص..
وعجزت أفكر.. لأنهم ماشاء الله مايعطون الواحد مجال.. حادين بشكل!!


ابتسمت مزنة بأمومة حازمة: تعاملي معهم بما يرضي الله.. وإن شاء الله مايصير إلا خير!!


وضحى بمودة: زين يمه أنا أبي أسلم على عمي زايد.. بيتأخر..؟؟
كاسرة قالت إنها بتروح تنتظره في البيت..
وأنا نايف بيجيني الحين!!

مزنة تنهدت: بيتاخر شوي يأمش.. روحي الحين وسلمي عليه بكرة!!!



.
.


في الخارج..


فور أن ركبت وضحى مع نايف.. انفجر في الضحك..

وضحى بحرج: نايف حرام عليك.. مهوب كل ما تشوف وجهي تضحك..
ترا أنا في حوش بيت هلي..
بتسوي فيني كذا.. نزلت!!


نايف يشد معصمها ناحيته وهو يغالب الضحك: وش تنزلين؟؟؟ خلاص بأسكت..
الله يقطع إبليسش يا الوضحي.. كل ماتذكرت حالتي وأنا أصب عرق وأنا قاعد في المجلس.. أموت على روحي من الضحك!!

حينها ابتسمت وضحى: تستاهل.. عشانك واحد مغازلجي..


نايف يضحك: أما مغازلجي كثري منها.... أنا على قولت المثل... اللي ماعمره تبخر.. تبخر واحترق!!

ثم أردف بتماسك: ها انبسطتي عند هلش..؟؟

وضحى بمودة: أكيد ولو أنه سميرة نفسيتها تعبانة عشان عملية ولد أختها بكرة..
وكاسرة ماطولت عندي.. راحت لبيتها عشان مزون بتجي وبينتظرون عمي زايد جاي من السفر!!


نايف بنبرة واثقة: ترا حتى أمش ماعجبتني يوم نزلت أسلم عليها..

وضحى باستغراب: أشلون ماعجبتك؟؟

نايف هز كتفيه: شكلها تعبانة أو متضايقة..

وضحى بقلق: لا تروعني على أمي.. أنا شفتها عادية!!

ابتسم نايف وهو يشد على كفها: عشان ما عندش سبع خوات..
لازم أول شيء تسوينه تطلين في عيون الوحدة منهم عشان تعرفين نفسيتها..
قبل تفتحين ثمش بكلمة!!







**********************************






" يأبيك تبي تقوم تنسدح؟؟"


عبدالرحمن بمودة غامرة: لا جعلني فداك.. تو الناس!!

أبو عبد الرحمن باهتمام: بس أنت وراك دوام بكرة.. لازم تتريح!!

عبدالرحمن باحترام: محاضراتي متأخرة أساسا!!

حينها تذكر أبو عبدالرحمن شيئا: إلا أنت اليوم من اللي وداك دوامك؟؟
رجعت من عند طيوري لقيت سيارتك مهيب هنا.. والسواق قاعد مع المقهوي!!
أسأله عنك قعد يمغمغ .. (يمغمغ= يهمهم بكلام غير مفهوم عند الارتباك)


عبدالرحمن صمت شعر كما لو كان وقع بين المطرقة والسندان.. فهو اليوم لأول مرة يتهور.. ويقرر أن يقود سيارته بنفسه..

بقدر مابدت له العملية متعبة بقدر ما بدت ممتعة.. وليس على استعداد أن يعود مرة أخرى ليسوق به السائق..

وخصوصا أن اليوم كان تجربة.. ويريد أن يفاجئ عالية في الغد أن يذهب بها هو لعملها!!

عبدالرحمن وجد له عذرا: جاني واحد من ربعي على تاكسي.. وهو اللي ساق السيارة..
ثم أردف بحذر: مع إنه يبه يمكن لو حاولت أسوق.. أسوق.. أرجيلي صارت حركتها أحسن..
والسواقة ما تبي إلا دوسة بسيطة على البنزين..


أبو عبدالرحمن بتحذير: لا يا ابيك لا تستعجل.. لين تمشي زين..

ثم أردف بامل: ولو أنك يا أبيك طولت.. قد لك أكثر من أسبوع وأنت تقول لي كل يوم بكرة!!
وش رأيك تحاول قدامي شوي؟؟.. بأعاونك..
طالبك يا أبيك!!


عبدالرحمن بمودة متجذرة: وليه تطلبني.. باحاول.. اشرايك تعطيني العصا اللي في كبت الدِلال..؟؟
اللي نساها قصيرنا عندنا!! (قصيرنا= جارنا)



أبو عبدالرحمن قفز بلهفة.. وهو يتناول العصا ويعطيها لعبدالرحمن ثم يحاول إيقاف عبدالرحمن من ناحية..
وعبدالرحمن يمسك بالعصا بيده الأخرى..


عبدالرحمن أظهر صعوبة الوقوف عليه وهو يحاول لمرتين بفشل.. ثم يقف في الثالثة..
ويخطو خطوتين قصيرتين ثم يجلس.. وبهمس بإرهاق مصطنع: بس يبه كذا يكفي!!


أبو عبدالرحمن كان يقف مذهولا عاجزا عن استيعاب كل هذه السعادة وهو يتمتم باختناق فعلي: اللهم لك الحمد والشكر..
اللهم لك الحمد والشكر..
ماعليه يا أبيك ماعليه..
اليوم خطوتين وبكرة عشر..
يا الله ما أكبر رحمتك.. ما اكبر رحمتك!!!










*************************************






يعود ... إلى أميرته..
التي طالت ليالي اشتياقه لها حتى شعر أنها لا تريد الانقضاء!!


كل شيء بدا له -بعيدا عنها- بلا رونق.. بلا حياة.. بلا ألوان!!
وكأن بهجة الحياة ورونقها لا تغرد إلا على نغم خطواتها وحضورها العاصف في حناياه!!


هكذا هو.. قلبه المستقيم الذي لا يعرف كيف يكون تزييف المشاعر أو تغطيتها أو تسميتها بغير مسمياتها!!

قد يكون في البداية جهل ماهية المشاعر التي اقتحمت قلبه الذي بدأ يرتعش لرؤيتها. وخلاياه التي تذوب اشتياقا لرؤيتها..

قد يكون بعد ذلك قاوم هذه المشاعر حتى لا تستولي عليه..

ولكنها ما أن ظهرت وتحكمت.. حتى أظهرها كما يجب أن تظهر.. لأنها مشاعر يعجز عن إخفائها!!



حين دخل.. كانت على الحاسوب تقوم ببعض البحث من أجل أحد مقرراتها..
ابتسم وهو يسلم عليها... ردت السلام!!

فهد هتف بثقة: مطولة؟؟

أجابته بسكون: نص ساعة بس..

هتف بذات الثقة: على ما أسبح تكونين خلصتي!! خلي اللابتوب شغال.. بأوريش شيء..


( ما ينفع تسبح لين أنام أنا!!) ورغم عدم رغبتها حتى بالجلوس معه ابتسمت:
زين إن شاء الله!!


حين خرج.. كانت بالفعل انتهت!!

كان ينهي لباسه وهو يهتف لها بثقة ودودة: انبسطتي اليوم في الطلعة؟؟

هزت رأسها برقة: انبسطت..!! (رغم أنها لم تشعر بشيء عدا ثقل وجوده على أنفاسه!!
رغم أنه حاول بذل كل جهده!!)


تنهد: ماعليه أنا توني عليمي في سوالف الطلعات.. لاني اساسا ماني براعي طلعات!!
بس ماهان علي أكون غايب ذا الوقت كله وعقب أحبسش في البيت بعد!!


صمتت.. فهذه التعامل والتفكير الرقيق لا يتناسبان مطلقا مع تفكيرها في شخصية فهد..

كانت تنظر له وهو يتجه لفتح حقيبته الشخصية ثم يستخرج منها بطاقة ذاكرة ويطلب منها أن تضعها في الحاسوب وفتحتها...


جميلة أدخلت البطاقة بحذر في الحاسوب.. دائما تتوجس من كل ماهو من ناحيته..
جلس جوارها وهو يسند ذراعه لكتفيها بطريقة حانية وتملكية في آن..

تناول الحاسوب منها هو..
بدت لها حركته عليه خبيرة بالفعل.. رغم أنها كانت تظنه لا يعرف أي شيء عن الحواسيب..

همست بتلقائية: تعرف له؟؟

ضحك: أعرف له؟؟؟ مهوب لذا الدرجة ترا..!!

جميلة بخجل: ماقصدت..!!

صمتت لأن أي شيء قد تقوله قد يبدو محرجا أكثر!!
فهي بالفعل كانت تظنه لاعلاقة له بالتكنولوجيا كما لو كان يعيش متحجرا في عصر آخر!!


كانت الذاكرة ممتلئة بالصور..


هتف فهد بحماس فخم: بأوريش صورنا في الدورة الأخيرة.. وصور لي بعد قديمة!!
وصور قبل الكاميرات الرقمية بعد.. بس دخلتها فيه!!

عشرات عشرات الصور..
كما لو كان يكشف لها تاريخه كله ويبسطه أمامها..
صوره وهو صغير مع والده وأشقائه في مناسبات ورحلات مختلفة..
صوره في الكلية.. صوره باللباس العسكري بأشكال مختلفة..
الكثير من الصور مع منصور!!
بل هناك أكثر من صورة له مع زايد الصغير في مجلس منصور!!!


ابتسمت بعفوية: شكلك يجنن في اللبس العسكري.. بس أحلى صور اللي مع زيود فديت قلبه!!

ابتسم بفخامة: ماعليه نبلعها إن أبو منصور مقدم علينا!! يستاهل!!

سألت بذات العفوية الرقيقة: تحب تصور؟؟

هز كتفيه: لا.. بس لا صورت.. أحب أحتفظ فيها..
أبي أوريها لعيالي..
ما تتخيلين أشلون انبسط لا شفت صورة لأبي هو صغير..
لأنه أنا ماعرفت إبي إلا وهو كذا... لحيته بيضاء وطويلة!!


كان ينهمر بحديث عفوي.. ينبئ فعلا أن هذا رجل يحمل قلبا أشبه بقلب طفل..
أحاديثه كلها مصاغة بعفوية لا تخلو من فخامته الرجولية..
أحاديث لا تزييف فيها ولا حتى تحسين للحقائق!!

كان قد أنزل الحاسوب جانبا.. وهاهو يحتضن أناملها بين كفيه..
يتحدث وأنامله تناجي أناملها.. وكأنه عاجز حتى عن الإفراج عن أناملها..


بينما هي عاجزة حتى عن محاولة تقبله!!!!







**************************************






" هلا حبيبي..
غريبة ماقعدت عند أبيك شوي؟؟"


علي يخلع غترته ويلقيها جانيا ويهتف بهدوء: واجهته في المجلس عقب ماجابه كساب من المطار..
بس هو راح داخل لمزون ومرت كساب..
وأنا ما أقدر أتاخر عليش وأنتي بروحش!!


شعاع بخجل: والله كنت أبي أسلم عليه الليلة.. بس الوقت متأخر واستحيت أواجه كساب!!

علي برفق حازم: خلاص بكرة لا رحت أنا للدوام.. روحي سلمي عليه..

شعاع بوجل رقيق: مسرع خلصت إجازتك؟؟

ابتسم علي: صار لي أكثر من أسبوع قاعد مقابلش.. وانتي الحين صرتي احسن بواجد..
ما أقدر أقعد من شغلي أكثر من كذا؟؟

ابتسمت برقة وهي تميل لتقبل كتفه: قلت لك قبل الوقت معك ماينحسب..
ثم أردفت بذات الرقة: زين بكرة لا سلمت عليك..
أبي أروح مع جوزاء.. بتسوي تلفزيون وعبدالله عنده شغل مهم..
وعقب بنروح نتطمن على ولد نجلا إن شاء الله يكون خلص عمليته!!


ابتسم علي بلهفة: مهوب مشكلة.. بس أنتي متى بتسوين التلفزيون بعد؟؟
بأموت متشفق على شوفة أي شيء منه!!


ابتسمت برقة: قريب إن شاء الله..







**********************************







هاهو يعود... لم يتوقع أنه قد يجدها..
ولكنه الإنسان.. دائما مثقل بالأمل..
لأنه إنسان!!!



وجد مزون وكاسرة في انتظاره..
حتى مزون لم تستطع البقاء إلا قليلا.. لم يشبع حتى من ضمها لصدره..
فغانم كان ينتظرها خارجا.. والوقت أصبح متأخرا..
فاضطرت للذهاب..


وكاسرة جلست معه قليلا ثم اعتذرت ...واضطرت هي ايضا أن تصعد لكساب الذي كان هو من أحضره من المطار..


وهاهو يضطر للصعود .. لجناحه البارد الصقيعي..


يا الله..!!
بقدر مابدت له رحلته طويلة ومُرة بعيدا عنها..
بقدر ماتبدو غرفته أكثر قسوة.. لأنه ماعاد يطيقها بعدها..


(الظاهر إني على كل حال لازم أروح لجناح ثاني!!
ماني بمستحمل ذا القعدة... باستخف)




.
.
.




هي هناك... تعلم أنه عاد لبيته..
عودته نثرت يأسها وحزنها مضاعفا..
اشتاقت له كثيرا.. لا تستطيع أن تنكر ذلك!!


" كم نحن مخلوقان غريبان!!
كما هما ولدينا!!
نعيب عليهما.. ونحن من أورثناهما الغرابة!!"


أخرجها من أفكارها الطرقات على بابها.. شدت روبها على جسدها.. وفتحت الباب المغلق بنفسها..

كان تميم هو الطارق..


أشرق وجهها حين رأته..

قبل جبينها ثم أشار بمودة: يمه.. عمي مهوب جاي الليلة.. ليش مارحتي لبيتش؟؟

مزنة تشير بحزم تخفي خلفه توجسها: بلى.. بس هو جاي متأخر.. واتفقنا أرجع بكرة!!


مزنة تنهدت.. لا تريد أن توتر ابنها..
وهي تعلم أنه متوتر مع زوجته مع أجل عملية غانم الصغير في الغد..
تريد أن تنتهي عمليته بخير أولا!!
ثم تبحث لها عن عذر مناسب عجزت تبحث عنه ومازالت لم تجده!!


تميم أشار برجاء: زين يمه أبي منش خدمة!!

ابتسمت مزنة: آمرني فديتك!!

تميم بذات الرجاء: أبيش بكرة تكونين مع سميرة.. العايلة كلها قلوبهم ماشاء الله ماي..
أنا بأكون موجود معها.. بس أنا مستحي من أختها.. وبأكون واقف بعيد..
أبي أتطمن إنه فيه حد قوي معها!!

مزنة بحنان: بدون ماتقول يأمك.. أنا أساسا متفقة معها أروح معها المستشفى بكرة..

تميم أشار بصفاء باسم: الله لا يخلينا منـــ...


بتر إشارته وعيناه تنقلبان بشكل مفاجئ وهما تتجهان لمكان في كتف والدته..
بجانب عنقها ..
لأن طرف جيب الروب تعلق في دانتيل حمالات القميص العريضة لذا لم يغطيه!! ومزنة لم تنتبه!!

مد يده ليشد جيبها.. بينما مزنة تأخرت بجزع.. وهي تشير بجزع أشد: وش فيك أمك؟؟

تميم جن تماما وعيناه تتحولان لجمرتان محمرتان وهو يشير بجنون مطبق: أنا اللي وش فيني؟؟ أنا اللي وش فيني؟؟


تميم يريد خلع روبها رغما عنها.. وهما تقريبا يتعاركان عليه.. لأن مزنة علمت السبب..

ولكن تميم ختاما كان هو أقوى منها ..وهو تقريبا يمزق روبها وينظر بقهر موجوع وغضب عارم للعلامات الواضحة على جسدها..

مكانان.. وخمس علامات في كل مكان .. علامة منفردة وأربع علامات متجاورة!!
في كتفها من ناحية اليمين.. وعضدها من ناحية اليسار!!

لم يتمنى في حياته كلها كلها كلها.. أن يكون لديه صوت مثل هذه اللحظة..!!
لشدة شعوره بالقهر والغضب... تمنى أن يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى تتمزق حباله الصوتية من الصراخ!!


" أ تُمد يدا على والدته وهو مازال يتنفس الهواء؟؟
إذن حياته كلها لا معنى لها!!
هو لا معنى له!! "


تميم أشار بجنون مطبق: والله ما أخليه.. والله لا أذبحه الليلة..
والله إن قد أذبحه!!
يسوي فيش كذا يحسب ما وراش رجال.. يحسب ماوراش رجال!!


تميم غادر ركضا.. بينما مزنة انتزعت جلال الصلاة لتلبسه فوق قميصها..
وهي تركض خلفه..و تتصل بزايد بجزع مرعوب:
زايد ترا تميم جايكم للبيت وهو مايشوف من الزعل..
متحلف فيك.. تكفى سكر بابك عليك.. ولا تنزل له!!

زايد بغضب: تبيني أندس من بزر أصغر من عيالي؟؟
يتحلف فيني ليه؟؟ وش مسوي له؟؟


مزنة كانت تبكي فعلا.. فهي تعلم أن تميما قد يؤذي زايد فعلا..
أما الاحتمال الأقرب فهو أن كسابا لو تدخل فهو من سيؤذي ابنها..
فهو لن يسمح له بمد يده على والده وهو يشاهد!!

زايد أنهى الاتصال وهو يهتف بغضب:
أنا انتظره تحت..خلني أشوف وش عنده..
ولا تحاتينه.. بأهديه!!


مزنة كانت تركض بكل قوتها.. فهي تعلم أن زايد لن يستطيع التفاهم معه حتى..
ولأن تميم لم يسبق مطلقا أن زارها في بيتها لأنها على الدوام عندهم... فهو لم يعرف أين يتجه تماما..


لذا حينما وصلت كان للتو يلتحم مع زايد وهو يرفع زايد من جيبه دون أي تفاهم!!


تميم فقد عقله تماما.. لم يفكر حتى أن هذا رجل أكبر منه سنا ولا يوازيه قوة..
فما رآه في والدته نحر روحه تماما.. وإحساسه بالقهر ألغى مابقي فيه من التفكير!!


فجسد والدته كان مبقعا بأثار أظافر غارت في جسدها.. تركت أثرا بنيا واضحا لم يختفِ رغم مرور عشرة أيام..
رغم أنه في الأيام الأولى كان أسوأ بكثير.. بين اللون الأحمر ثم البنفسجي ثم الأزرق.. وهاهو خَفَت للون بني يوشك على الذهاب!!
لذلك غيرت مزنة المفرش قبل ذهابها!!
لأنه تلطخ ببقع من نقاط الدم التي نزلت من جسدها..


لم تستطع مطلقا أن تلوم زايد.. فهو في ليلتهما الأخيرة معا كان نائما ومتمسكا فيها بشدة..
كانت تريد أن تقوم للحمام.. ولم ترد إيقاظه.. فحاولت التخلص من يديه برفق..
فشد عليها بقوة أكبر لدرجة أن أظافره غاصت في لحمها كثيرا!!


لذلك كان تأثرها منه لا حدود له.. ولا علاج له..
لأنها صمتت على كل هذا الألم الجسدي وهي تفسر ذلك بعدم قدرته على التخلي عنها حتى وهو نائم!!

ولم تخبره بشيء وهي ترتدي ملابس مغلقة تماما..
وتغطي المفرش السفلي بالعلوي انتظارا لذهابه حتى تغيره..

كانت تعلم أنه لو علم بهذا الأمر سيجرحه ويؤذيه لأبعد حد.. لذا لم تخبره ولم تخبر سواه..


ثم بعد ذلك...
يصفعها وبكل بساطة.. أنه لا يريد أي احتكاك بينهما!!
لماذا إذن كان يمسك بها هكذا؟؟ لماذا؟؟

أ يتمسك بها بكل هذا التملك والوجع.. ثم لا يريد أي احتكاك بينهما!!

فأي ألم حرث بمناجله روحها ذهابا وإيابا؟!!


مزنة فور وصولها.. فرقت بينهما رغم صعوبة إبعاد تميم عن زايد وهو كالمجنون..
كان يريد أن يكسر الأيدي التي امتدت لوالدته!!

مزنة أشارت لتميم بغضب: أنت اشفيك ماعندك تفكير..
اللي فيني مهوب من زايد..من كاسرة.. وإسألها !!

تميم كما لو كان سُكب على رأسه ماء مثلجا وهو يتراجع بجزع كاسح مصدوم:
من كاسرة؟!!

مزنة بحزم: إيه من كاسرة.. أنت تدري إن كاسرة أحيانا تحلم بكوابيس!!
ويوم كنتو مسافرين كانت نايمة عندي..
وسوت فيني كذا بدون ماتحس يوم قامت مفزوعة من الكابوس!! لأني كنت أبي أهديها وهي ماتبي تهدأ...
وإسألها لو تبي!!

(كانت مزنة متأكدة أنه لن يحرج كاسرة ويسألها عن ذلك!!)

بينما تميم اسود وجهه تماما.. ماعاد قادرا على وضع عينه في عين زايد..
وهو يقترب ليقبل رأس زايد ثم يغادر دون أن يرفع بصره!!


زايد كانت أنفاسه تعلو وتهبط من العصبية وهو يحاول السيطرة على أعصابه..
وينتظر أن تنتهي من حوارها الغريب مع ابنها..

ليتفاجأ بانتهائه هكذا.. بقبلة رأسه ثم رحيل تميم..
رغم أن تميما حين حضر كان كالمجنون تماما وعيناه محمرتان من شدة الغضب!!


حين غادر تميم.. انهارت مزنة جالسة..

زايد جلس جوارها وهو يهمس بسكون : ممكن أعرف ليش ذا كله؟؟

مزنة بوجع عميق عميق عميق: تبي تدري ليش ذا كله؟؟
تعال في مجلس الحريم وأقول لك.. ما أقدر أقول هنا.. أخاف حد يشوفني..

زايد بأمل أعمق: وما ينفع تقولينه لي في غرفتنا؟؟

مزنة بوجع أشد وأكثر وحشية بدأ يختلط بوجعها الجسدي وهي تشعر بتقلصات موجعة في أسفل بطنها: لا ماينفع..


زايد غادر معها لمجلس الحريم.. وتوجس غريب ينتشر في روحه!!

حــيــنــهـــا...
خلعت جلال الصلاة عنها..


زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها..
وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب..

كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟

مزنة ببساطة موجوعة: أنت!!

زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟

مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي..
وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!!
وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!!


زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها..
وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف:
أنا مستحيل أكون طبيعي..
أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟
تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!!


مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها:
زايد... أنا أنزف!!




#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

.
.

#أنفاس_قطر# 22-03-11 07:13 AM




بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير والورد والفل والياسمين... والسنة السادسة الحلوة
خالص التهنئة لليلاس بسنته السادسة.. إلى مزيد من الرقي والاهتمام
وخالص الشكر لكل وحدة هنئتني.. الله لا يحرمني منكم يارب!!

.
أكثروا من الدعاء لأخوانكم المبتلين في كل مكان.. رفع الله عنهم الغمة وأزال الهم ونشر الأمن والأمان
.
.
بنات دعواتكم لأم شاك شوكي ..
اللهم اشفها شفاء لا يغادر سقما يارب العالمين
.
الكرك: شاي بحليب أبو قوس أو كارنيشن.. والشاي يكون ثقيل..
والفوالة: الشغلات اللي تنحط مع القهوة والشاي (حلا فطاير فاكهة) كذا يعني..
.
.
يا الله بارت طووووووووووووووويل..
بتقرون لين تتعبون :)

بارت اليوم تقدرون تسمونه بارت الأقوال والأفكار المنتظرة!! قصدت تماما أن تجتمع كلها بهذه الطريقة..

ستدور عدة حوارات منتظرة.. ويدور فيها كلام منتظر موجع حينا.. ناصح حينا..
وفي الصميم في معظم الأحيان....
وكذا الأفكار!!
.
يا الله
البارت 105
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.




بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وخمسة






زايد اتسعت عيناه بجزع وقهر أشد من كل مصطلحات العالم وأحاسيسها..
وهو يتحسس العلامات في جسدها ويشعر أن أنامله ستحترق لشدة الغضب..

كاد يجن بكل معنى الكلمة وهو يصرخ بهذا الغضب المجنون: من اللي سوى فيش كذا؟؟ من اللي سوى كذا؟؟

مزنة ببساطة موجوعة: أنت!!

زايد تراجع بصدمة كاسحة: أنا؟؟

مزنة بذات البساطة الموجوعة: آخر ليلة قضيناها سوا.. كنت متمسك فيني لدرجة أن أظافرك غاصت في جسمي..
وعقبه ثاني يوم تقول لي لا تحتكين فيني!!
وعقبه ثالث يوم تقول لي ارجعي لي!!


زايد جلس جوارها منهارا على الأريكة.. روحه تمزقت بقسوة لا حدود لمرارتها..
وهو يتمتم بذهول مثقل بالوجع الصاف الصِرف:
أنا مستحيل أكون طبيعي..
أنا سويت فيش كذا ؟؟ انا؟؟ أنا؟؟
تنقص يدي اللي انمدت عليش.. تنقص يدي!!!


مزنة لم تكن تستمع لشيء مما يقوله وهي تفاجئه بإمساك معصمه بقوة وهي ترص على أسنانها:
زايد... أنا أنزف!!



زايد قفز وهو يصرخ بجزع لا حدود له: أشلون تنزفين؟؟

مزنة تضغط أسفل بطنها وتهمس بألم: أنا جيت ورا تميم أخب...


زايد يصرخ بكل حرقة جوفه: وليه تخبين؟ يعني ماتدرين إنش حامل..
كان خليتيه يذبحني أحسن!!
كان خليتيه يذبحني أحسن!! أنا أستاهل.. أستاهل!!


كان يصرخ بحرقة حقيقية...
لأول مرة يعجز عن السيطرة على نفسه بهذه الطريقة.. فمعرفته بمافعله بمزنة حتى لو كان عن غير قصد..
نــحـــــره..!!
نحره من الوريد إلى الوريد.. بكل معنى الكلمة!!


حاول أن يشد له نفسا.. شعر به مسموما مؤلما وهو يدخل لخلايا رئتيه ويمزقها:
دقيقة وحدة بأروح أدعي كاسرة تجيب لش ثياب ونمشي..

مزنة شدت على معصمه برجاء: تكفى يازايد لا تفضحني في عيالي وعيالك أكثر من كذا!!
روح لغرفة مزون جيب لي جلابية ضافية وعباة..
ثم همست بألم حقيقي: خلاص الجنين رايح رايح.. وشو له يدرون فيه.. أو حد يشوف شكلي وأنا كذا..
بأروح أنا وأنت بس..


زايد استدار نحوها بألم مرعوب بالغ الحدة والجزع: وش يروح؟؟ أذكري ربش.. اذكري ربش..
الحين بأجيش!! الحين.. ثواني بس..







**********************************








هاهو يقف في الخارج...
ويشعر أنه يحترق بكل معنى الكلمة..
يكاد يترمد من شدة الاحتراق!!


" لا حول ولا قوة إلا بالله..
أنا السبب في كل شيء.. أنا السبب!!
منذ البدايات كنت السبب!!
طوال عمري كنت أتعذب من أجلها!!
وحين أصبحت بين يدي عذبت نفسي وعذبتها!!
(ينظر ليديه وأنامله!!)
كم أتمنى لو استطعت أن أقص أناملي التي جرؤت على إيلامها!!
كيف فعلت بها هذا؟؟ كيف؟؟
.
أ تتألم من أجل علامات جسدية مؤقتة ستمضي بعد أيام..
وأنت تركت في روحها علامات ألم لن تمحيها الأيام؟؟ "



يقتله القلق... وهم أدخلوها للداخل وتركوه في الخارج.. يبدو كما لو كان كل شيء يتآمر ليدمر أعصابه رويدا رويدا!!


أ حقا يكتب عليه الله عز وجل ذهاب هذا الطفل الذي يشعر منذ الآن بلهفة موجعة لضمه لصدره..؟!!

ربما كان طفل من مزنة حلما أكثر مما يستحق!!
فهو يستحق العقاب.. ولا يستحق نعمة كهذه!!


" ياربي عاقبني أنا..
مزنة وطفلها وش ذنبهم؟؟
الذنب ذنبي بروحي!!
اللهم إني استغفرك وأتوب إليك!!
يا الله الرحمة من عندك!! "



الوقت يمضي.. ويمضي.. وأعصابه تكاد تفلت..
حينا يجلس وحينا يقف..
وحينا يسير في الممر بيأس موجع!!
كل الخيالات والصور تبدو موجعة له.. وأعصابه ماعادت تحتمل!!

يكثر الدعاء أن يحفظ الله مزنة والطفل كلاهما...
فهذا الطفل لو ذهب سينقطع تماما كل ما يربطه مزنة وكأنه لم يوجد!!


" يا الله رحمتك.. رحمتك الواسعة!!
لا تردني وأنا على بابك..
موجوع ومهموم بس كلي أمل في رحمتك!!"



خرجت الطبيبة ختاما!!

زايد قفز ليتلقاها ووجهه يعبر عن سوء حاله.. سألها بلهفة: شأخبارها طمنيني!!

الدكتورة بهدوء: الأم والجنين كلهم تعبانين شوي..

زايد زفر بقوة بعد اختناقه المطبق: يعني الجنين مانزل؟؟

الطبيبة بمهنية: لا مانزل.. الجنين ماعاد صغير.. في الأسبوع 13 الحين.. (الحمل يحسب من بداية آخر دورة شهرية)
بس دقات قلبه ضعيفة جدا..
بصراحة أنا توقعت إنه ممكن يكون نزل.. لأن الأم كبيرة في السن وبذلت مجهود جسدي ونفسي كبير..
بس هي ماشاء الله عليها جسدها قوي.. وحافظ على الجنين!!
لكن مادام النزف مستمر.. الخوف مستمر!!
أنا عطيتها إبر تثبيت.. ولازم تظل نايمة على ظهرها لشهر على الأقل..

عندك مشكلة نجحز لها جناح.. وتظل عندنا في المستشفى؟!!

زايد شد له نفسا عميقا.. نفس ارتياح بعد هذا الشد المضني:
لا طبعا ماعندي مانع ...
ثم أردف برجاء حازم: دكتورة لو سمحتي.. أبي أشوفها بنفسي خمس دقايق..
ثم أبي أسمع نبض الجنين بنفسي لو تكرمتي!!


زايد دخل عليها.. كانت نائمة..

رؤيتها بهذا الضعف هزت قلبه هزا..!!

جلس جوارها.. ورغم عنه وجد أنامله تتجه لتتحسس عضدها حيث تركت أنامله أثاره التي أدمت روحه بفيضان من دم وألم..


أي حب مؤلم هو هذا الحب!!
أ يتمسك بها لهذه الدرجة المؤلمة وهو يقرر أن يتركها صباح الغد..؟؟
أ كان عقله الباطن يرفض بكل الوجع ماقرره عقله الواعي.. لذا كان يرفض إفلاتها؟؟


مال ليقبل عضدها بيأس حفر روحه روحا..

حينها فتحت عيناها بضعف..
همست باختناق وعبرتها تسد مسارب حنجرتها: راح الجنين؟؟

قبل أن يجيبها دخلت الدكتورة وهي تبتسم: ها نسمع؟؟

مزنة لم تفهم لماذا كانت تريد الدكتورة وضع الجهاز على بطنها..
فهي كانت منهارة من التعب ونائمة ولم تسمع النبض في المرة الأولى..

بل هي لم يسبق أن سمعت نبضه إطلاقا..
فهي لم تذهب لطبيبة حتى الآن لانشغالها بالكثير من الأشياء..
واكتفت بأقراص حمض الفوليك حين علمت بحملها..

حين سمعت صوت الدقات الضعيفة التي بالكاد تُسمع..
تزايدت أنفاسها ثقلا.. وبدأت دموعها تسيل بصمت مثقل بسعادة ما أقربها من الألم وما أشبهها به!!


زايد مد يده ليمسح دموعها بألم حقيقي.. والطبيبة خرجت لتتركهما بحريتهما..


بينما زايد وقف ليقبل جبينها وهو يهمس قريبا من أذنها بوجعه وسعادته:
شفتي رحمة ربي.. الله سبحانه ما يبي الرابط اللي بيننا ينقطع!!

مزنة همست بصوت مبحوح وهي عاجزة عن النظر له.. فالتعقيد بينهما بات أكثر كثافة بكثير: أبي أروح للبيت!!

زايد بجزع: وش تروحين؟؟ الدكتورة تقول شهر نايمة على ظهرش..
أنتي بتقعدين هنا في المستشفى..

مزنة بجزع أشد: ما أقدر أخلي إبي ذا كله.. مستحيل!!

زايد برجاء: خلش أسبوع واحد بس في المستشفى لين يستقر حالش!!
الدم أساسا ماوقف..

حينها همست بسكون: زايد لو سمحت روح.. وخل كاسرة تجيني.. وما أبي حد غيرها يدري إني هنا ذا الحين..







******************************************






" فهد أنا تعبت من السهر.. أبي أنام!! وراي جامعة"



فهد لا يريد أن يصمت عن الكلام ولا يريدها أن تصمت..
لم يشبع من حديثها ولا من رؤية عينيها ولا التواء شفتيها حين تتكلم!!


همس بولع دافئ: يا النصابة محاضرتش الساعة 10 .. اسهري معي شوي..
ما تتخيلين وش كثر اشتقت لش!!

حينها ابتسمت بشقاوة عفوية: وش كثر يعني!!

حينها تمدد ليسند رأسه إلى فخذها وهو يتناول أناملها ويقبل رأس كل أصبع من أصابعها بدفء:
كثر ماحلمت إني أحب كل أصبع من أصابعش خمسين ألف مرة في اليوم..
الإبهام خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس إبهامها)
السبابة خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس سبابتها)
الوسطى خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس وسطاها)
البنصر خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس بنصرها)
الخنصر خمسين ألف مرة (قالها وهو يقبل رأس خنصرها)

كل عبارة كان يلفظها ببطء دافئ متجذر.. يرافقها قبلة أكثر دفئا!!
يتنفسها كما لو كان يتنفسها من أقصى خلايا روحه!!


جميلة شدت يدها برفق من يده وهي تمسح على خصلات شعره بيأس..
بقدر ما أرهقت كلماته ولمساته قلبها الغض!!
بقدر ماتجد نفسها عاجزة عن التجاوب معه أو تقبله كما يُفترض!!
لا تعلم كيف يجتمع الشعورين في ذاتها..
تتأثر بلمساته وكلماته لأبعد حد... ومع ذلك تجد نفسها عاجزة عن التفاعل معه!!

فهد صمت.. وهو يحتضن كفها قريب من قلبه..
همست جميلة من باب اللياقة: وش فيك كتمت؟؟


فهد هتف بسكون: ما كتمت... بس أحاتي ولد صالح بكرة وعمليته!!
بأوديش الجامعة وعقبه بأمرهم شوي..
ولو أني مستحي عشان هل مرته كلهم هناك!!


ابتسمت جميلة: تعرف تستحي؟؟ جديدة ذي!!

ابتسم فهد: تخيلي إني أعرف!!






*************************************






" أمي مزنة ما أدري ليش ماجات؟؟
هي قالت لي إنها بتجي معي!!
أدق على تلفونها مسكر!!"



تميم يشعر بحرج مريع مما حدث بالأمس.. عاجز عن معاودة وضع عينه في عين والدته أو زايد..
أشار باصطناع: أمي رجعت لبيتها البارحة... يمكن انشغلت..
أنا وأنتي بنروح.. وهذا أنا معش... أنا ما أكفي!!


سميرة أشارت بشجن: تكفي ونص..
بس أنت كنت قلت لي إنك ماتقدر تقعد جنبي عشان مستحي من أختي ومرت غانم!!
وبتوقف بعيد..

تميم تنهد: بأقعد أنا وأنتي على الطرف بعيد شوي بس عنهم!!


سميرة بتأثر: الله لا يحرمني منك ياقلبي..!!







***********************************






" يمه شا اللي صار؟؟"

مزنة بسكون: تعبت في الليل واتصلت في زايد يوديني!!

كاسرة بعدم تصديق: يمه تميم عندش في البيت.. تتصلين في عمي زايد وأنتي زعلانة عليه!!!

مزنة همست بثقة قدر ما سمح لها إرهاقها المتزايد: تميم مايدري إني حامل واستحيت يدري بذا الطريقة
وخصوصا إنه ولد نجلا عنده عملية اليوم..
وهو بروحه مبتلش مع مرته..
لقيت أهون الشرين إني أتصل في زايد!!


بدا المبرر مقنعا لكاسرة إلى حد ما.. لذا أردفت باهتمام: زين أنا جايبة لش ملابس.. ماتبين أبدل لش ثيابش..

مزنة بإصرار: لا... بأبدل بروحي..

كاسرة بطبيعية: زين براحتش.. بس عمي زايد ينتظر برا.. يقول لا خلصتوا نادوني!!

حينها همست مزنة بحزم مرهق: كاسرة لو سمحتي اطلعي لزايد وقولي له..
إني ما أبيه يجي يزورني..
وأنا لا طلعت من المستشفى رجعت بنفسي للبيت..
على الكلام اللي هو قاله لي أول مرة.. ينزل في جناح علي.. ومايحتك فيني ولا يكلمني!!


كاسرة بصدمة: يمه وش ذا الكلام؟؟

مزنة تنهدت بذات الحزم المرهق الموجوع: انا تعبت أدور عذر أقوله لتميم وسميرة ليه أنا قاعدة عندهم في البيت.. ومالقيت!!
ومهيب زينة في حقي.. حامل وفي عمري وطالعة من بيت رجّالها!!
وأبي منش ترجعين ملابسي لغرفتي وقت مايروحون تميم وسميرة لشغلهم!!


حينها همست كاسرة بحزم: الملابس بأرجعها.. بس الكلام اللي غيره قوليه لرجالش بنفسش..
اسمحي لي يمه.. ما أقدر أقول لعمي كذا!!


مزنة تنهدت وكاسرة تصمم على رأيها.. وتتصل بزايد ثم تتوجه لغرفة الجلوس الملحقة وتغلق الباب بينها وبين والدتها..

زايد دخل..
الإرهاق باد عليه فعلا.. لم ينم منذ البارحة ولم يغير ملابسه حتى.. ولم يذهب لشركته..


مال ليقبل رأسها لكنها أشاحت بوجهها... الأمر بينهما بات معقدا لأبعد حد..
حتى من ناحيته..

بات عاجزا عن النظر لوجهها وهو يتخيل كيف غاصت أنامله القاسية في ليونة جسدها لدرجة أنه أدماها..

ثم لا تشتكي أبدا... بينما يخبرها هو بدم بارد أنه لا يريدها!!

جلس قريبا منها وهو يهتف باهتمام: أشلونش الحين؟؟

أجابت بسكون: الحمدلله..
ثم أردفت بحزم تخفي خلفه اختناقا مرا: فيه عندي كلام أبي أقوله لك!!

مزنة أخبرته بما تريد بشكل مقتضب موجوع حاد..
كانت تتألم أكثر منه بكثير.. بكـــثـــيـــر!!!


كان وجهه خال من التعبيرات تماما.. وهي تتكلم..
وحين انتهت.. كانت صدمتها الحادة أنه هتف بحزم وهو يقف:

وأنــــــا مـــوافـــق!!




ثم غادرها...






*************************************









" نجلا ياقلبي.. هدي أعصابش شوي..
مايصير اللي أنت مسويته في روحش!!"


نجلاء بين طوفان دموعها تهمس باختناق: بأموت ياصالح.. بأموت..
حاسة قلبي مهوب بين جنوبي..
خايفة عليه.. خايفة ما يتحمل العملية!!


صالح شد على كفها بحنو شديد: لا تحاتين إن شاء الله ربي ما يخيبنا..
ونطلعه هو وأخته من المستشفى في يوم واحد!!




.
.

زاوية أخرى..






" غانم اقعد شوي.. حرقت أعصابك!!"


غانم بتأفف قلق: تاخروا واجد.. وماحد حتى طلع يطمنا!!

حينها همست مزون بتقصد وهي تريد إخراجه من جو التوتر قليلا وفي نفس الوقت توصل له رسالة:
غانم لو قلت لك إنه ضرسي ذابحني وبأموت من الوجع.. وابي أروح للدكتور الحين..
بتوديني؟؟


غانم بحزم: اسمحي لي.. باقول لضرسش ينتظر شوي.. مايضره!!

مزون همست بذات التقصد: طيب ولو أنا زعلت عليك عشانك ماوديتني..
وش تقول؟؟

غانم بذات الحزم: بأقول ماعندش سالفة.. لاني مستحيل أخلي أختي وهي في ذا الوضع!!


حينها ابتسمت مزون بشفافية وهي تربت على فخذه: شفت إنه غلا الأهل مايتعارض مع غلا شريك الحياة..
أنت البارحة سحبتني من عند إبي ماحتى قعدت معه عشر دقايق وهو راجع من سفر عقب أسبوع..
وماقلت لك شيء.. ومع كذا أنت تأففت إنه اهتمامي في هلي مبالغ فيه بينما هذا هو الشيء الطبيعي بين الأهل!


حينها ابتسم غانم بشجن متأثر وهو يربت على يدها التي تتمدد على فخذه...





.
.



يحتضن كفها في كفه..
صــامــتــان.. صـامـتـــان..!!


مكتفية بصمته وبقوة تدفق مشاعره..
لو خيروها الآن بين كل كلمات العالم وبين صمته..
لأختارت صمته بدون تردد!!
فقوة صمته فاقت في تأثيرها عليها همسات العالم وصرخاته!!
فما قيمة كلمات باردة لن توصل لها حتى نصف ماتشعر به الآن من تفاعله معها؟!!

رغم قِصر المدة التي عرفت فيها غانم الصغير..
ولكن من أول مرة حملته فيها شعرت أن مشاعرها تذوب من أجله!!
ربما لأنها هذه المرة حين حملته...
حملته بروح مشفقة على طفل مثله!!

ليس كأحساسها بخالد وعبدالعزيز.. مجرد خالة محبة!!
هي الآن تشعر فيه بمشاعر أم!!
ولذا مشاعرها من أجله بلغت أفصى غايات العمق والألم..
وهي تتخيل كيف ستكون الحياة خالية من هذا الكائن الصغير المبهج..


كانت تشد على كف تميم بقوة وهي تمتم بكلمات الدعاء..

تميم أشار لها بيد وحدة.. بماذا تتمتم.. لأنه يشعر بذبذبة خروج الكلمات من بين شفتيها المغطاة بالنقاب..



أشارت سميرة بوجع عميق وإيمان أعمق:
أدعي ربي يخلي لنجلا ولدها..
وما يحرمني أشيل ولدنا بين إيدي !!!!





.
.




" أم غانم الله يهداش.. أنتي مرة معش ضغط
ذا البكاء كله مهوب زين لش..
شوفي عيونش أشلون تنفخت؟؟"


أم غانم همست بصوت مبحوح من بين دموعها الصامتة: والدموع وش عازتها إلا ذا الحين؟؟
بنتي وعيالها حارقين قلبي..


أبو غانم بمؤازرة مثقلة بالإيمان: لا تحاتين.. ربي مهوب مخيبنا إن شاء الله..
الله عالم وش كثر دعيت له من قلبي اليوم من عقب صلاة الفجر لين الحين..
جعل الدعوة تصادف ساعة إجابة..







**********************************






" هاحبيبتي تأخرتي.. ما تبين تروحين للدوام؟؟"


عالية باستعجال وهي ترد على هاتفها: لا فديتك.. أنت نسيت..
قلت لك البارحة بأروح لبيت هلي.. عشان عيال عمي راشد الصغار بيحطونهم أهلهم هناك..
وأنا واعدة أمهم أخلي بالي عليهم لين تخلص عملية غنومي بالسلامة..
وبعد عيال صالح هناك.. وما أبيهم يجننون أمي!!

عبدالرحمن بمودة: زين يا الله أنا في السيارة..


عالية خرجت باستعجال وهي تتجه للمقعد الخلفي لتسمع صوت عبدالرحمن يحادثها بمرح: قدام يامدام..
أنا سواقش وتحت أمرش.. بس أنا سواق يحب عمته تقعد جنبه..


عالية شهقت بعنف وهي تغلق الباب الخلفي وتتجه للأمامي وتفتحه وتقف أمامه مذهولة لثوان لا تتحرك حتى عيناها..

عبدالرحمن بإبتسامة رائقة: يا الله يامدام.. دريول جنابش وراه محاضرات..

عالية انتفضت بخفة وهي تتمتم بكلمات متناثرة: عبدالرحمن من جدك.. تبي تسوق؟؟

عبدالرحمن برجاء: علوي قلبي اطلعي قبل يطلع إبي ويشوفني..
ترا أمس سقت ورحت لدوامي بروحي..
واليوم قلت بأسوي لش مفاجأة..
مادريت إنها بتكون مفاجأة كئيبة لش..

حينها همست عالية باختناق وهي تركب جواره وتغلق بابها:
كئيبة؟؟ لولا إني خايفة تضحك علي.. وتقول هذي صارت هندية من قلب..
وإلا كان سويت لك سيول في السيارة..


عبدالرحمن شد كفها وهو يحرك السيارة ويهمس بولع حقيقي:
يعني يا قلبي مافيه فرحة إلا بذا الدموع الغالية..؟؟


عالية تنظر له بانبهار والسيارة تخرج للشارع وتهمس بأنفاسها المبهورة المتصاعدة:
لا صارت الفرحة أغلى من الدموع.. وش حيلة الواحد غير الدموع...!!








**********************************







طال الانتظار..
والأعصاب أوشكت على التلف.. إن لم تكن تلفت!!


فاطراف نجلاء بدأت ترتعش بحدة.. وصالح يحاول تهدئتها دون فائدة وهي تتفلت منه..

دموع سميرة باتت تنسكب بغزارة غير طبيعية.. وتميم قلبه يذوي مع كل دمعة تنزل من عينيها..


أم غانم أخذها أبو غانم للطوارئ القريبة لأن الضغط ارتفع معها لمستويات عالية..
وعادا دون أن يعرف أحد سبب ذهابهما..


غانم له أكثر من ساعتين ماعاد قادرا على الجلوس حتى!!


حتى خرج الطبيب.. قطرات العرق مازالت تلتمع على جبينه..
والجميع ركضوا نحوه..
عدا مزون التي بقت في الزاوية خجلا من صالح..
وتميم الذي وقف في زاوية أخرى حرجا من نجلا..


ابتسم الطبيب.. وأخيرا ابتسامة: الحمدلله العملية ناجحة..


لتنهار نجلا بين يدي صالح وتسقط أرضا وهي تنتحب..
وأسرتها بكاملها تجتمع حولها.. والكل يتلقفها بالأحضان والتهاني والتهدئة..







*********************************






" كاسرة وين رحتي؟؟"


كاسرة تحتضن هاتفها وتخرج بالهاتف من عند والدتها النائمة لغرفة الجلوس..
وتهمس بخفوت: كساب اتصلت لك ومارديت علي..
وعقب أرسلت لك إني باروح مع إبيك..

كساب بحزم: كنت في اجتماع.. والمسج وصلني..
السؤال هو وين رحتي مع إبي؟؟

كاسرة تنهدت: المستشفى الأهلي!!

حينها تحولت نبرة الحزم لنبرة قلق عميق: ليش؟؟ حاسة بشيء؟؟ فيش شيء؟؟


كاسرة تنهدت: أمي هي اللي تعبانة..


تحولت نبرة القلق المثقلة باللهفة لنبرة قلق مختلط بالاهتمام وبالاحترام:
ليش عسى ماشر؟؟

كاسرة بحذر: تعال هنا واقول لك!!


كاسرة كانت قلقة من كيفية إخبار كساب بخبر حمل والدتها..
تجهل كيف ستكون ردة فعله..
لن يغضب بالتاكيد.. ولكنها تخشى أن يثور فيها لأنها لم تخبره قبلا..


وبشكل عام.. مطلقا لا تشعر بالذنب لأنها لم تخبره..
لأن هذا سر ائئتمنته عليها والدتها.. وكما حافظت على أسراره لابد أن تحافظ على أسرار سواه..

لكن الآن بما أن والدتها دخلت المستشفى.. سيبدأ الخبر بالانتشار..
وحقه الآن عليها أن يكون أول من يعلم!!


لم يستغرق حتى نصف ساعة حتى وصلها..
أدخلته لغرفة الجلوس..
وتركت الباب مفتوحا.. بينها وبين والدتها حتى تسمعها لو صحت من نومها..

كساب جلس وهو يهمس بنبرة خافتة عامرة بالقلق: وش فيها عمتي؟؟

كاسرة صمتت لثوان ثم همست بسكون: حامل!!

كساب اتسعت عيناه بذهول وبدا لدقيقة غير قادر على الاستيعاب: نعم؟؟

كاسرة بابتسامة لم تستطع منعها: سمعتني!!

حينها لم يستطع إلا أن ينفجر في الضحك وهو يحاول كتم صوت ضحكاته حتى لا تصل للنائمة في الداخل..

كاسرة اتسعت ابتسامتها بعفوية وهي تراه يضحك هكذا.. بل لأول مرة تراه يضحك بهذه الطريقة..


كساب يحاول أن يتماسك من ضحكاته: بصراحة خبر الموسم.. كان ودي أكون من يبشر إبي.. وأشوف وجهه بس!!
مهوب هينين الشيبان.. يبون يغطون علينا..
من جدش كاسرة؟؟ من جدش؟؟
لحد الحين ماني بمصدق!!


كاسرة بابتسامة متسعة: ليه هم مسوين جريمة؟؟
إذا أنت شايف إبيك شيبه.. ترا أمي توها!!

انطفئت ابتسامة كاسرة قليلا وهي تهمس: بس كساب جاوبني بصراحة..
وتراني ماراح ازعل..
أنت فرحان بالخبر وإلأ..؟؟


حينها مد كساب كفه ليحتضن كفها وهو يهتف بحزم رجولي صميم:
وليش ما أفرح..؟؟ حتى لو شيبت أنا.. الأخوان عزوة...
وإبي واجد تعب معنا... دفن شبابه كله علينا.. يحق له الحين يستانس وينبسط..
إلا قولي لعمتي.. نبي منها بعد اثنين ثانين..
نبيها تجيب ولدين وبنت مثل ماجابت أمي..
أنا بس تفاجأت بالخبر.. لأنه كان غير متوقع!!


كاسرة بنبرة حذرة نوعا ما: ما أدري.. يمكن تكون من اللي يقولون..
اللي في سنهم المفروض يتفرغون لأحفادهم مهوب في طفل صغير يبتلشون فيه..
أو متى بيلحقون يربونه؟؟


كساب هز كتفيه بحزم: تدرين التفكير هذا أحسه أكثر تفكير متخلف وأناني في العالم..
لأنه أبيك وأمك ربوك ودللوك وخلاص... تبي الدلال اللي كان لك يروح لعيالك وحاسد فيه أخيك أو أختك الصغار..؟؟

زين أنت وين رحت يا الدبش العود؟؟
دلع عيالك بنفسك.. وخل الشيبان يستمتعون بولدهم الصغير..
ولا تحاتي.. بيجي ولدك نصيبه من الدلع من جدانهم لأنه هذي فطرة فيهم..

أما على العمر.. حد يدري متى يومه...؟؟ يمكن حن نودع قبلهم..
ياكثر اللي ماتوا وهم شباب وعيالهم ربوهم جدانهم.. وعاشوا لين زوجوهم وشافوا عيالهم!!

تدرين كاسرة.. يمكن فيني عيوب كثيرة بس عمري ماكنت أناني بذا الطريقة عشان أفكر ذا التفكير..



حينها احتضنت كاسرة عضده لتقبل كتفه وهي تهمس بابتسامة شفافة:
ياحلو التفكير الرايق ياناس!!
صاير تقول تحف..

كساب احتضن ذراعها وهو يهمس بخبث باسم: بس عقب ماخذتش..
أعترف إني بديت أصير أناني... وأبيش حقي بروحي أنا وبس..
أفكر بطريقة جدية أغار من ولدي.. عشانه بيأخذش مني!!


ابتسمت كاسرة بشفافية أكبر: أبي أدري من وين صاير تطلع مواهبك المدفونة..

كساب بنبرة استكانة تمثيلية: موجودة من زمان.. بس أنتي ما تعطيني مجال!!
ثم أردف باهتمام وهو ينظر لساعته: عندي اجتماع بعد ساعة..
أبي أسلم على عمتي قبل أروح..

كاسرة برقة: بس هي نايمة الحين..

كساب بذات النبرة المهتمة: زين بأطل عليها بس.. مايصير وصلت لين هنا وما أطل عليها..

كاسرة بتردد: أخاف تزعل إنك شفت وجهها..

كساب يبتسم: عاد أمش على ذا التفكير.. تقولين عجوز عمرها 80 سنة..
مهوب وحدها توها في نص الاربعينات ومتعلمة..

كساب وقف وتوجه ناحيتها.. وكاسرة توجهت للداخل خلفه..

كساب كان يريد أن يميل ليقبل جبينها.. لولا أن كاسرة شدته برجاء خافت:
تكفى كساب لا تقومها.. هي تعبانة كلش توها نامت... من فجر وهي صاحية..


كساب التفت وهو يهمس لكاسرة بخفوت محمل بنبرته اللئيمة:
ما ألوم أبو كساب يستخف على أمش!!
إذا أنتي عقب 20 سنة بتقعدين حلوة كذا..
وعد ما أتزوج عليش!!


كاسرة قرصته في عضده وهي تهمس بمرح شفاف:
تتزوج في عينك..
ما أرخص لك تتزوج ولا أبيح منك إلا لو كنت أنا مودعة الدنيا بكبرها!!






****************************************





" نجلا فديتش اقعدي شوي!!"


نجلا بنبرة حزن مثقلة بالألم المعنوي قبل الجسدي: تعبانة سميرة.. تعبانة.. الحليب تحجر في صدري..
وصدري ذابحني!!
وياخوفي عيالي كلهم بيطلعون من المستشفى وأنا خلاص مافيني حليب!!

سميرة بمؤازرة: روحي لمستشفى الولادة خلهم يشفطون لش الحليب..
أنا عند غنوم..
ولو إنه وقفتنا كذا عند القزاز مالها فايدة.. هم قايلين ماراح يسمحون لحد يدخل عليه لين يتجاوز 48 ساعة..


نجلا تنهدت: قلبي مهوب قاويني مخلية كل واحد منهم في مستشفى.. وارجع للبيت..

سميرة بتأثر: زين وعزوز وخويلد مالهم نصيب!!

كانتا الاثنتان تتحاوران ولم ينتبها لمن كان يقترب..
كان صالح وبيده شيء صغير ملفوف..

نجلاء حين رأته شهقت بكل قوتها.. وهي تتهاوى فعلا لتسندها سميرة!!

صالح ابتسم بأبوية شاسعة وهو يضع الصغيرة بين يديها ويهمس بحنان:
اخذي بنتش وروحي البيت..
أنا بأقعد عند غانم..


نجلاء احتضنت الصغيرة وهي تنتحب بشكل مؤلم..
وتقبل بلهفة كل ماهو ظاهر من وجهها الصغير!!

سميرة شدت الصغيرة برفق وهي تهمس من بين سيول دموعها الصامتة تأثرا لحال أختها:
نجلا بس ذبحتيها.. مافيها حيل لذا الحبب كلها..

نجلاء ضمت عباءتها على صدرها بحرج وهي تهمس باختناق:
سميرة خلينا نمشي..
ملابسي غرقت حليب من لما شفت إبيها جايبها!!







*******************************************







" وضحى أنتي تبكين؟؟"


وضحى تهمس في الهاتف باختناق وهي ترد على جزع كاسرة:
أمي وينها؟؟ أتصل عليها تلفونها مسكر!!
أبيها تجيني الحين أو أنتي تجيني.... لو نايف هنا كان جيتكم بنفسي..
بس نايف في الدوام..


كاسرة تهمس بثقة تخفي خلفها ارتباكها: أنا وأمي مانقدر الحين..
أنتي وش فيش؟؟ عسى ماشر!!


وضحى بذات نبرة الاختناق: تخيلي كاسرة.. أنا رايحة للمطبخ أسوي حلا عشان سلطانة قالت لي إنها بتجي تتقهوى عندي!!
تجيني الخدامة.. تقول سلطانة جاية عندها غرفة الغسيل تشوف غسيل ملابس نايف وكويها..زين وإلا لأ ؟؟

ليه يعني وش شايفتني؟؟ ما اعرف أرتب أغراض رجّالي..
بأموت كاسرة بأموت.. ما أقدر أقول شيء لانها ماواجهتني..
وما ابي أروح أقول لها ليه تروحين من وراي؟؟

كاسرة تنهدت: شوفي وضحى.. أنا ما أقدر أنصحش في ذا الموضوع...
لانه لو هو أنا.. كان تصرفت تصرف يخلي نايف وخواته يقفون على رؤوسهم..
بس أمي حذرتني أنا بالذات ما أعطيش نصايح في ذا الموضوع..
فخذي عقب من رأس أمي!!


وضحى تنهدت: خلاص كاسرة.. أنا بس كنت أبي أشتكي لا أنفجر.. انا بأتصرف..
بس أمي وينها؟؟ أبي أصبحها بالخير بس!!


كاسرة شدت لها نفسا عميقا: اتصلي في نايف واستئذنيه تطلعين..
وأنا بأرسل لتميم رسالة يجيبش..
أبيش أنتي وتميم تجوني الحين!!





.
.
.






صامتان كلاهما منذ أبلغتهما كاسرة بالخبر.. وهي تحمد ربها أن والدتها نائمة
حتى لا ترى ردة الفعل المبهمة لتميم ووضحى..


قد يكونان كلاهما مصدومان من الخبر...
ولكن سبحان الله.. ظروف كل منهما الحالية.. هيأته لتقبل الخبر تماما..

وضحى.. الصغرى.. أصبحت ربة بيت.. مشغولة بمشاكلها الشخصية..
وهي منذ البداية من كانت أجبرت والدتها على هذا الزواج..

فهل تستنكر الآن أن ينتج عن الزواج الذي سعت له هي طفل؟؟


تميم.. ربما لو تلقى الخبر بالامس.. لكان أبدى امتعاضا ما منه..
ولكنه الآن متقبل له.. بل يدعو الله أن يحفظ هذا الجنين لأمه حتى لا يشعر بمزيد من الذنب!!

فهو يشعر بإحساس ذنب شديد المرارة أنه هو السبب لما حدث والدته حتى لو لم يقل له أحدا ذلك..
بل وزادها بالتهجم على عمه بدون ذنب!!!
فهو ربما برضاه عن الخبر يكفر عن ذنبه تجاه الاثنين كما يشعر به!!


كاسرة همست وأشارت بحزم في ذات الوقت: وش فيكم ساكتين؟؟
حد منكم معترض؟؟


تميم هز كتفيه: ومن اللي يعترض على رزق رب العالمين.. بس الخبر صدمنا شوي!!

وضحى لم تزد على أنها همست بتأثر: أمي عسى مهيب تعبانة الحين!!

كاسرة تنهدت: تعبانة شوي..
تبي لها شوي راحة وتكون زينة إن شاء الله!!






*********************************








" ليش تقعدينه في حضني؟؟
كنت أبي أقعده في حضن زايد!!"


ابتسمت عفراء وهي تنظر لزايد جالسا في حضن والده المبتسم الذي يغمره بقبلاته الحانية: ابيه يطلع مثلك..


ابتسم منصور: يا بنت الحلال كان خليتينا نقعده في حضن زايد وإلا علي..
كود ما يجيه طبايعي الخايبة أنا وكساب!!
لأنه كساب زايد قعده في حضني وأنا عمري 15 سنة..

عفراء بمودة غامرة: ياحظه لا طلع مثلك أنت وكساب!!


(لدينا معتقد طريف.. أنه الطفل لا يقعد بشكل مستقيم حتى يكمل أربعة أشهر وزيادة..
حتى يصبح ظهره طويلا!!..
ثم حين يجلس إن كان صبيا ففي حضن رجل وإن كانت صبية ففي حضن امرأة..
ولا يكون الاختيار عشوائي.. بل يكونان من أهل الخير والكرم "والسنع"
حتى يصبح الصغير يشبه من جلس في حضنه!!

وهو مجرد معتقد قديم طريف.. ماعاد أحد يقوم به إلا على سبيل التكريم!!
يعني حينما تجلس ابنك في حضن أحدهم لأول مرة تنبئه كم أنت تقدره وتحترمه!!)



منصور يبتسم وهو يمدد زايد على في حضنه ويلاعبه: على طاري كساب أشوفه ذا الأيام النفسية فوق الريح..
والابتسامة 24 ساعة شاقة..

ابتسمت عفرا: فديت قلبه.. شكله استقر حاله.. عقب حمال مرته!!

منصور بنبرة مقصودة: عقبال مايستقر حال عيالنا!! ويجيبون لنا عيال!!

ضحكت عفرا برقة: أما أنت يامنصور الظاهر إنك شيبت..
ماعاد وراك سالفة غير فهد وجميلة. خلهم في حالهم وانسى منهم..


ضحك منصور وهو يحك رأسه بتفكير: أنسى منهم؟؟ صعبة ذي..
بس بأحاول..

ثم أردف بخبث: بأنسى منهم إذا جبتي لي ولد ثاني وإلا بنية..
عشان واحد ما يكفي يشغلني!!
تدرين حتى اثنين مايكفون!!
إذا جبتي أربعة فكيتهم مني ومن حنتي ونشبتي في حلوقهم!!

ثم أردف برجاء باسم مغلف بحزمه الطبيعي: يا الله عفية على الشاطرة.. عمر زيود قرب على خمس شهور.. خلي المانع!!

ضحكت عفراء بذات الرقة: بس منصور.. لا تحاول..
يعني قعدت وراي لين خليتيني قدمت تقاعد..
بس خلاص مهوب كل شيء ينفع فيه الـحَنة..

رفع منصور حاجبا وأنزل آخر وهو يهمس بخبث باسم : زين نشوف حنتي بتجيب نتيجة وإلا لأ !!







************************************






" ياربي عليش يانجلا!!
صدق عرق خالي هريدي العاطفي ضارب عندش التوب!! "


نجلا تحتضن صغيرتها بين ذراعيها ودموعها تسيل بغزارة وهي تهمس بصوت مبحوح تماما:
ماتخيلت ياسميرة ولا حتى واحد في المية إنها ممكن ترضع من صدري..
صار لها شهر في الحضانة ويعطونها رضاعات..
ماتوقعت إنها ممكن تقبل صدري!!


سميرة متأثرة بالفعل.. ومع ذلك تحاول التماسك من أجل نجلا:
شفتي أشلون إحساسها فيش سبحان الله..
بس يا نجلا طالبتش.. شوفي أشلون عيون خالد وعزوز متعلقة فيش..
وكل ماشهقتي الثنين فزوا..


نجلا ناولت المها لسميرة.. ثم نهضت بنفسها لتجلس بين الأثنين وتحتضنهم بقوة حانية..
وتهمس لهم بحنان: تبون تروحون تلعبون وتتعشون عقب برا؟؟

الاثنان هزا رأسيهما بجذل طفولي..

ابتسمت نجلا بحنان غامر: خلاص أنا بأكلم غانم وهزاع اللي منهم فاضي بيوديكم..
والمرات الجاية بابا هو اللي بيوديكم..
ولا صاروا أخوانكم الصغار زينين أنا بأروح معكم بعد!!








****************************************









" باركي لأبيش!!"


مزون تهمس بابتسامة شفافة وهي تنظر لغانم الذي يلبس حتى يذهب بابناء شقيقته:
أبارك له بويش.. بشرني!!
خذ مشروع كبير؟؟

ابتسم كساب وهو يخفي توجسه من ردة فعلها على الخبر: كل مشاريع أبيش كبيرة اللهم لا حسد...
شيء أحسن بعد؟؟

مزون بمرح: أمممممم صار وزير؟؟

ضحك كساب: يستاهل.. بس بعد لا!!

مزون برجاء: كساب يا الله فديتك.. قل لي..


كان غانم ينظر لها ويبتسم وهو يرى كم ابتسامتها مشرقة لمجرد أنها تهاتف كساب (اللهم أوعدنا!!)

لذا انطفئت ابتسامته ما أن رأى ابتسامتها انطفئت وصوت كساب المرح يصب في أذنها:
بابا بيصير بابا للمرة الرابعة..

كساب صمت لثوان ينتظر ردها.. لكن الرد لم يصله.. لذا همس بقلق:
مزون حبيبتي وش فيش؟؟

أجابته بتبلد: مافيني شيء بس مصدومة!!


كساب تنهد: أنا كنت عارف إنش يمكن تضايقين من الخبر..
عشان كذا قلت أبلغش في التلفون ما أحب أشوفش متضايقة..
والشيء الثاني قلت يوصلش الخبر قبل ما تواجهين إبي..
عشان إبي يستاهل إنش تكونين فرحانة عشانه!!

مزون بذات التبلد: بس أنا لا فرحانة ولا زعلانة!!


غانم اقترب ليجلس جوارها.. شعر أن هناك شيء غير طبيعي يحصل!!


كساب شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم:
أنتي الحين مرة متزوجة ولاهية في حياتش.. وبكرة بتحملين..
إذا جيتي فرحانة بحملش وقلتي لأبيش يبه أنا حامل..
وقال لش: خير.. لاني بفرحان ولا زعلان!!

وش ردة فعلش؟؟

مزون تنهدت: أكيد بأحزن... وأخذ على خاطري!!

كساب بحزم: وصلنا خير..
الإحساس اللي تكرهين إن إبيش يحسسش فيه.. لا تحسسينه فيه!!



انتهى الاتصال
مزون وضعت هاتفها جانبا ثم مالت لتضع رأسها على كتف غانم..
غانم احتضنها بحنو: عسى ماشر؟؟


مزون بذات النبرة المتبلدة: مرت إبي حامل..


غانم ابتسم: أفا يامزون.. عقب ماكنت ما أسمعش تقولين لها إلا عمتي مزنة..
ولا كلمتيها تقولين يمه... الحين صارت مرت أبيش بس!!
والمرة تتصل فيش وتسأل عنش.. أكثر حتى ما أمي تتصل فيني!!


مزون بذات النبرة المتبلدة: أنا ماني بزعلانة من عمتي.. أنا زعلانة من إبي!!

حينها ضحك غانم: لا.. حالتش صعبة..

مزون زفرت: أدري حالتي صعبة.. وكلامي مهوب منطقي..
بس غصبا عني..
تخيل 23 سنة وأنا الحشاشة.. الحين يجي غيري..
أدري تفكير أناني.. بس غصبا عني!!


غانم تنهد بابتسامة: أجل أختي سميرة وش تقول؟؟
20 سنة وهي بروحها.. وعقبه يجي وراها 2 ورا بعض وهي موجودة في البيت وهي اللي ساعدت أمي فيهم..
لكن انتي خلاص.. صرتي عند رجال.. ومشغولة في حياة جديدة..
لو صار ذا الحمل وأنتي عندهم.. أدور لش عذر..
بس الحين لأ..

ثم أردف وهو يغمز: وين اللي اليوم الصبح عطتني محاضرة في العظم إن الواحد لازم مايكون أناني!!
ويفكر في غيره مثل مايفكر في نفسه!!






*************************************






في الليل
.
.


أربع فتيات مجتمعات عندها...
تشعر بالحرج أن تضع عينيها في أعينهن..
كلهن مبتسمات.. ويتبادلان الحوارات المرحة..
ولكنها تعلم أن كل واحدة منهن تخفي شعورا مبطنا بالألم!!
أو لنكن أكثر تحديدا.. ثلاث من الفتيات الأربع!!


فكاسرة منذ البداية تقبلت الخبر بأريحية!!


وضحى تختزن شعورا غريبا بالاحتياج.. فهي فعلا تحتاج لأمها وقوتها في مواجهة ظروف حياتها الجديدة..
ولكن ربما كان هذا ختاما في مصلحتها.. فهي من يجب أن تجابه مشاكلها بنفسها..
وهي تعلم يقينا أنها غير عاجزة عن ذلك.. لكنها احتاجت للنصيحة الممزوجة بالخبرة التي لا يستغني عنها عاقل!!



مزون تختزن شعورا غريبا بالغيرة.. قد تكون حدته خفت مع خفوت الصدمة..
ومع كلام كساب وغانم وحتى علي الذي هاتفها فور معرفته بالخبر!!

اتصلت وباركت لوالدها وهي تظهر فرحها من أجله فقط..
ومع ذلك بدا لها في نبرته الحازمة المعتادة رائحة حزن عجزت في تفسيرها!!


سميرة... حزن شفاف وسعادة شفافة.. كما هي تماما بشفافيتها!!
سعيدة من أجل عمتها مزنة التي تحبها كأم وصديقة..
ولكنها حزينة من أجل نفسها... فحتى عمتها رزقها الله بالحمل...
فمتى يرزقها الله عز وجل!!



حين عادت مزنة للنوم.. خرجن الفتيات لغرفة الجلوس..
تنام كثيرا.. كما لو كانت تهرب بالنوم من شيء ما!!


وضحى هتفت بمودة: كاسرة ترا أنا اللي بأنام عند أمي الليلة!!

كاسرة برفض قاطع: لا والله ما تنامين عندها..
توش عروس مالش 3 أسابيع وتبين تخلين نايف؟؟


حينها هتفت سميرة بحزم: وقبل ماتكثرون الحلايف..
والله مايقعد عندها غيري لين تطلع من المستشفى..
وحدة منكم عروس والثانية حامل..
إلا لو أنتو منتو بعاديني بنتها مثلكم.. هذا شيء ثاني؟!!


لم تترك لهن سميرة مجالا بهذا الكلام وكاسرة ترد عليها بمودة:
أنتي بنتها مثلنا وأكثر.. بس عاد مهوب تقعدين عندها لين تطلع..
بنتبادل؟؟

سميرة برفض: لا.. لا تحاولين..
في الليل بأنام عندها.. الصبح بيمرني تميم يزورها.. تعالي معه.. واقعدي عندها وأنا بأروح لدوامي!!







***************************************







" هاحبيبتي شأخبار موعدش اليوم؟؟
سامحيني بس تدرين عملية ولد صالح اليوم..
وأنا وإبي رحنا وقعدنا في صالة انتظار الرياجيل لين خلصت العملية.."


جوزا بمودة: الحمدلله على سلامته.. تستاهلون سلامته
أما موعدي..تمام.. وكل شيء زين..
وهانت.. كلها أسبوع وأدخل التاسع...


عبدالله يبتسم: ياربي ما تتخيلين وش كثر متشفق على جية ذا الصغنون..
طبعا حبيبنا حسون ماحد فيه ينافسه..
بس هذا انتظرته يوم بيوم وأسبوع وبأسبوع وشهر بشهر..
رحت معش المواعيد.. وسمعت دقات قلبه وشفته يتحرك في بطنش..
واشترينا أغراضه كلها سوا.. خلاص مافيني صبر عشان أشوفه وأشيله!!
حاس إني يوم ولادتش يمكن يصير لي من الشفقة..


جوزاء انتفضت بجزع رقيق: بسم الله على قلبك!!
ثم أردفت بابتسامة حانية: على كثر ما تناقشنا عن ذا المولود كل ما نجي على اسمه.. تغير السالفة..
خلاص ماعاد فيه وقت.. خلنا نتفق على اسم!!
لو بنت وش نسميها؟؟

عبدالله بإبتسامة حانية: سميها على كيفش.. الاسم اللي يعجبش!!


ضحكت جوزا : لو علي كيفي على كيفي... بأسميها (صيته) على اسم أمي!!
بس عشان ماحد من الجدات يزعل لا صافية ولا صيته..
وبنتي ما تتعقد من أسماء العجايز أبي أسميها ( الهنوف) عشاني أحب الأسماء اللي بأل التعريف..


عبدالله بمودة صافية: الهنوف الهنوف.. حلو..

جوزا بمودة مشابهة: ولو ولد؟؟

عبدالله صمت لم يرد عليها.. حينها احتضنت جوزا ذراعه وهي تسند خدها لعضده: حبيبي لو بغيت تسميه خالد ترا ما عندي مانع..

عبدالله تنهد وهو يمد يده الحرة ليربت على خدها: ولو سميته خالد.. بيرجع خالد؟؟

جوزاء برقة: بنسميه خالد على عمي!!

عبدالله شد له نفسا عميقا وهتف بتنهيدة: ما أبي أسمي خالد.. إبي عارف غلاه بدون ما أسمي عليه!!
وصالح سمى عليه.. وعقب أكيد فهد وهزاع...
أنا مشتهي أسميه فهد على أخي فهد..
إلا لو أنتي تبين نسميه فاضل ماعندي مانع؟؟

جوزا تقبل عضده وتهمس بمودة : يستاهل فهد نسمي عليه..
فهد بن عبدالله.. ياحلو الاسم.. رزة وكشخة !!!







********************************





" فهد.. فهد.. !! "


خرج وهو يجفف شعره بالمنشفة ويهتف بعفوية: نعم.. حبيبتي..!!


هي كانت تقف على مقعد التسريحة وتناديه حين سمعت صوته بعد أن خرج من الحمام لغرفة الملابس... حتى تناوله أغراضا أخذتها من الأدراج العليا..


لا تعلم كيف اضطربت أعصابها وهو يرد عليها هكذا (حـبـيـبـتـي)!!
ولأول مرة.. وبهكذا نبرة دافئة وعفوية إلى أقصى درجات الوجع!!


لذا اهتزت وكادت تسقط عن المقعد .. لولا أنه في لحظتها أزال المنشفة عن وجهه..
ليفجع أنها تكاد تقع.. ويسارع لتلقيها بين ذراعيه وهو ينزلها للأرض كما لو كان يحمل طفلة!!

ويصرخ فيها بغضب: أنتي خبلة.. وش مطلعش تالي ذا الليل..
تبين تكسرين أنتي وأبتلش فيش!!


جميلة أزالت كفيه عن خصرها وهي تبتعد عنه وتهمس بعتب:
يعني هذا اللي هامك... ما تبتلش فيني؟؟

فهد زفر وهو يقترب منها ويشدها.. ليجلس.. ثم يُجلسها على رجليه ويهتف بزفراته:
عاد لا تدققين على كل مصطلح يطلع مني ترا بتتعبين..
تدرين إني ما أقصد..
أنا بس تروعت عليش ياقلبي!!


جميلة صمتت.. بينما فهد احتضن خصرها بحنو وهو يهتف بإبتسامة:
يا الله لا يصير دمش ثقيل..
ثقل الدم لايق علي.. بس عليش لأ..


لا تعلم مابها فعلا.. بقدر ما باتت تتأثر فعلا من كل كلمة عذبة يقولها..
وكل لمسة رقيقة يناجي بها حواسها..
بقدر ما تجد نفسها تتبلد وتعجز عن الرد شفويا وجسديا..
هاهي صامتة.. يداها متشابكتين في حضنها!!


فهد باهتمام مثقل بالولع: جميلة وش فيش؟؟
متضايقة مني؟؟
خلاص الكلمة وسحبناها!!

جميلة هزت رأسها وهي تقف وتهمس بحياد:
لا والله فهد مافيني شيء... بس مرهقة شوي وأبي أنام!!






*********************************






" يبه وش فيك جعلني فداك؟؟
هذا أنا قاعد انتظر كساب وعمي يروحون عشان أسألك.."


زايد يلتفت لعلي ويهتف بحزم: مافيني شيء..


علي بعتب: تدس علي يبه؟؟


زايد نظر له نظرة سابرة وهتف بنبرة مقصودة: مثل مادسيت علي وقلت إن مرتك توحم..
وبلعتها أنا بمزاجي!!

علي ابتسم: زين وكشفتني.. تزاعلت أنا وشعاع زعل بسيط.. ورجعت..
وما حبيت أشغلك بسالفتي لأني كنت حاسك متضايق..
بس الحين وش الي مضايقك؟؟

علي أردف بحذر وشيء معين يخطر بباله: تكون منت براضي بحمل عمتي؟!!


زايد التفت له بحدة: ماعاد إلا ذا... لي أنا تقول ذا الكلام؟؟

علي بتراجع مهذب: يبه ماقصدت.. بس ماشفت فيه سبب مرتبط غير ذا!!

زايد بحزم: لا يا أبيك غلطان..
وأنا مافيني شيء.. فلا تشغل بالك فيني..



علي صمت.. فهو أكثر من يعرف من والده..
ومادام قرر الكتمان فلن يستطيع أحد استخراج مكنوناته أبدا!!



مرهق هذا الرجل.. مرهق حتى الثمالة!!

نعم وافق مزنة على ماتريد.. لأنه وافق رغبته هو..
فربما أراد أن يعاقب نفسه بداية من أجل وسمية...
لكنه الآن يريد أن يعاقب نفسه من أجل الاثنتين.. نفسه الصحيحة ترى أنها أجرمت في حق الاثنتين..
وهكذا يكون العقاب.. أن يحرم نفسه منها..
وهو يعذب نفسه برؤيتها أمامه...!!

الأمر الآخر الذي لا يستطيع نسيانه.. هو أثار أنامله على جسدها..
مجرد تفكيره في الأمر يجعل الحسرات تأكل روحه..
حسرة خلف حسرة!!

قد يفسره البعض محض حب تجاوز الحد.. وهو لم يقصد مطلقا أذيتها..
ولكنه ماعاد يأمن نفسه عليها..
يخشى عليها حتى من نفسه!!
يخشى عليها من حبه الذي لعظمته وامتداده ماعاد قادرا على السيطرة عليه!!


لذا لتنجو بنفسها منها..
ولينل هو عقابه بعيدا عن دفء موانئها!!







*****************************************







" يه.. الحلو هنا؟؟
توقعت بتنامين عند أمش..
ليه ما قلتي لي أجيبش أولا؟؟
وليش ماقلتي لي إنش هنا كان جيت بدري ثانيا؟؟"


كاسرة ابتسمت وهي تكتم صوت الأخبار التي كانت تسمعها:
سميرة حلفت هي اللي تنام عند أمي..
وجيت مع تميم!!
واتصلت لك تلفونك مسكر..


كساب يستخرج هاتفه من جيبه: يوه الشحن خلص.. وحن كنا نلعب بيلوت!!
لو دريت إنش هنا كان جيت من بدري بدل ذا اللعبة الفاضية..
اللي حرقت أعصابي وحن الفريق الخسران بعد..
وأنا واحد أكره الخسارة!!

قالها وهو يميل ليقبل خدها بتروي.. ثم يجلس جوارها..
همست برقة وهي تمد يدها لتحتضن أنامله: ومن خويك؟؟ عمك منصور كالعادة؟؟

زفر كساب بمرح رائق: لا والله ذا المرة إبي.. وعمي منصور كان مع علي..
وإبي عاد باله مع أمش مهوب معي في اللعبة!!

ثم أردف باهتمام وهو يغمز بعينه: إلا الشباب المتزاعلين وش أخبارهم؟؟
ما راضاهم اللي صار؟؟


كاسرة أخبرته أن والدته ستعود ولكن وفق شرط معين أخبرت كساب به..
لأنه بالتأكيد سيلاحظ وجود والده في جناح علي في الأسفل..
لذا لابد أن يتهيأ للخبر..


كساب احتضن كاسرة وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها ويهمس بخبث شاسع:
تدرين لو كملوا أسبوع عقب ما ترجع أمش وكل واحد منهم في جناح..
يكون إبي يبي كورس مكثف من عندي!!
ويبي دعم لوجستي من ولده بعد!!








*************************************






بعد يومين
.
.
.

"نجلا الله يهداش جايبتها للمستشفى ليه؟؟
كان خليتيها عند أمي وإلا أمش!! "


نجلا تضمها لصدرها بجزع رقيق: ما أقدر ياصالح ما أقدر..
أصلا لاخليتها ودخلت الحمام حتى..
أحس إني مثل المقروصة لين أرجع لها!!


صالح ضحك بحنان: وين اللي كانت بتموت من الغيرة من بنتها.. وماتبي غير ولدها..


ابتسمت نجلا بحنان أكبر.. وهي تميل على كف غانم الصغير تحتضنه برفق وتحتضن ابنتها بقوة أكبر بيدها الأخرى:
خل ولدي يطلع.. وأقط بنتك عليك..


صالح مازال يضحك: ياخوفي تأخذين الاثنين وأنا أقعد أعد الطوف..
لأنهم بيشغلونش حتى تطلين في وجهي!!






**************************************







" يمه الله يهداش.. أشلون تطلعين؟؟
توش مالش 3 أيام..
أنتظري لين تكملين الأسبوع!!"


مزنة بإصرار: ما أقدر.. قلبي يغلي على إبي.. والدم خلاص وقف معي..
والإبر بأرجع أخذها في موعدها..

كاسرة بإصرار أكبر: بس يومين يمه.. يومين... جدي كل يوم أطل عليه طيب وبخير..

وضحى باهتمام: حتى أنا يمه كل يوم أمره.. والله إنه طيب..
يمه عليش ذنب في ذا النفس اللي بطنش.. لازم ترتاحين شوي..


مزنة تنهدت حينها وهي تتوجه بالسؤال المباشر لوضحى: زين قولي لي..شأخبارش مع خوات رجالش؟؟

وضحى ابتسمت ابتسامة أقرب للبكاء: هذا أنا أحاول أتصرف بدبلوماسية..
بس شكل الدبلوماسية مهيب نافعة..

كاسرة حينها همست بحدة: أنتي لازم تعرفين أشلون توقفينهم عند حدهم.. مهوب كل شيء يتدخلــــ .......


مزنة قاطعتها بصرامة: كاسرة أظني عطيتش قبل أمر صريح إنش ما تعطين وضحى نصايح في ذا الموضوع بالذات..

كاسرة بغضب: أنا مارضيت أقول كلمة إلا قدامش وإسأليها..
بس خلاص خليهم يركبون على ظهر بنتش..
وبكرة يقولون لها حتى أمش لا تروحين تزورينها...
ويربون عيالها بدالها!!

مزنة همست لوضحى بحنان حازم: يأمش شوي شوي..
لاتخلينهم يزودونها عليش..بس في نفس الوقت إياني وإياش تقللين احترام وحدة منهم..
مهما كان هذولا عجايز قبل مايكونون خوات رجالش!!

وضحى هزت راسها بيأس: خير يمه.. خير!!!



مزنة تنهدت وهي تتلفت حولها: سميرة وين راحت؟؟ صار لها ساعتين رايحة..
هذا كله تزور صديقتها..
اتصلي عليها وضحى شوفيها ليش تأخرت..
روعتني عليها الله يهداها..

وضحى باستغراب: أي صديقة تزور.. كل صديقاتها صديقاتي!!

كاسرة هزت كتفيها: ما أدري أول ماجيت قالت لي هي تبي تروح تزور صديقة لها جايبة ولد البارحة..


وهما تتحاوران.. دخلت سميرة وهي تسلم..
فاجئتها وضحى بالسؤال: من اللي ولدت؟؟ ماخبرت حد من ربعنا حامل؟؟

سميرة تغمز لوضحى: غادة ولدت.. أنتي نسيتي؟؟

وضحى لم تنتبه بعد للغمزة: أي غادة؟؟

سميرة بتأفف غير ظاهر وهي تغمز لوضحى: غادة يالخبلة.. غادة!!

وضحى انتبهت وهمست باصطناع: إيه غادة ياحليلها.. لازم أروح لها أنا بعد..

قد تكون مزنة لم تنتبه لأنها كانت على سريرها ولكن كاسرة لم تفتها الإشارات بل حتى ماقبل الإشارات.. لذا همست بتقصد:
زين لا رحتوا كلكم لغادة.. اخذوني معكم أسلم عليها..


سميرة تنهدت.. يبدو أنها مجبرة على إخبار الاثنتين أين ذهبت..
وهو على العموم ليس بالامر الخطير.. وتعلم أن الاثنتين كتومتين لأبعد حد!!







********************************








" ها يا أبيك.. يا الله نروح..
خلني أدعي أمجد يقرب كرسيك!!"



عبدالرحمن بتقصد يخفي خلفه توجسا وأملا وإيمانا تعاظمت كلها في نفسه:
يبه المسجد قريب من البيت.. وخاطري أول مكان أطلع معك منه أمشي هو المسجد..

أبو عبدالرحمن شعر بتثاقل أنفاسه وهو يهمس بلهفة موجعة:
أكيد يا أبيك تقدر..؟؟

عبدالرحمن يشعر بتأثر حقيقي.. فالجو كله يبدو غاية في الروحانية: عطني يدك وإن شاء الله بقدر...


أبو عبدالرحمن مد يده ليوقف عبدالرحمن الذي كان على كل حال مازال يصلي على كرسي لصعوبة الانحناء عليه..
ولكنه كان قد بدأ بالوقوف منذ تحسنت حالته.. وهو يصلي خلف والده حتى لا يلاحظه!!



عبدالرحمن بدأ يتحرك ببطء ومع كل حركة يقفز قلب أبي عبدالرحمن لحنجرته..
حتى خرجا من باب المسجد وأبو عبدالرحمن يمنع دموعا غالية من الانهمار!!
وهو يتمتم بكثير من الحمد والشكر لله عز وجل!!


كاد قلبه يتوقف فعلا من السعادة وهما يصلان لباب المجلس ويصرخ لأمجد بفرحة عارمة:
ود عبدالرحمن داخل..
أنا رايح ذا الحين أتفق مع المطعم يمد السماط في الصناعية من الليلة!!







*********************************************









" ها أم زايد وش أخبار مرت زايد؟؟"



عفراء تركب جواره وتغلق بابها بسكون وهي تهمس بنبرة محايدة: زينة الحمدلله؟؟


سألها بشكل مباشر وصريح .. ووديّ: زعلانة عشانها حامل؟؟

عفراء بذات السكون : زعلانة لأ.. متضايقة؟؟ بعد لأ..
بس متأثرة.. وغصبا عني!!


حينها هتف منصور بحزم: ترا يأم زايد رجّال غيري.. ممكن يزعل من تأثرش..


عفراء استدارت بجزع وهي تنسى موضوع مزنة : أفا يا أبو زايد.. ليه؟؟


منصور بذات الحزم: لاني شايفش قاعدة تغارين على زايد نيابة عن أختش اللي ماتت من 18 سنة..
يعني أنتي تبين تطابنين بدل قبر؟!!


صمتت عفرا.. تعترف أنه أحرجها فعلا.. بل بالغ في إحراجها وبعبارة بسيطة وموجزة وحادة...


منصور هتف بذات الحزم: أنا ما أقول إني ما أقدر تأثرش من غلاش عندي..
بس لا جيتي للحق ترا ذا التاثر كله مايدخل ذمة العقل بريال..

يعني لا أختش حية عشان تحس بالقهر..
ولا عيال أختش صغار عشان تحاتينهم..
ولا فلوس زايد شوي.. عشان تخافين عيال مزنة يشاركونهم في الورث..
وزايد من الحين كاتب لكل واحد من عيال أختش اللي يعيشه ملك..
يعني وش مبرر التأثر ذا..؟؟



جعلها تبدو سخيفة ومحدودة التفكير في عين نفسها بالفعل.. ومع ذلك هناك فعلا سبب حساس لتأثرها..
همست بهذا التأثر: يعني ما تشوف إنه كان يحب مزنة وأختي حية وتعرف بعد.. سبب يقهر ويوجع..

منصور بذات الحزم: يوجع ويقهر لو زايد جرح أختش في يوم بكلمة وحدة عشان مزنة أو غيرها وهو قاصد..
يوجع ويقهر لو أختش عادها حية..

بس أختش ماتت.. ماتت الله يرحمها.. ادعي لها بالرحمة وتصدقي عنها.. لأن هذا اللي هي محتاجته بس..

تأكدي إنش لو تخيرينها الحين وهي عند رب كريم.. بين تأثرش ذا السنين كلها..
وبين ريال واحد تصدقين به عنها... فهي بتختار الريال..







***************************************






بعد ثلاثة أيام
.
.



تعود أخيرا لبيتها بعد أن مرت والدها أولا...
بدت خطواتها بين ردهات البيت قاسية عليها..
والأقسى على روحها أنها لم تره منذ اشترطت عليه كيفية حياتهما معا!!

لم يلاحظ أحد غيابه عن زيارتها...
لأن الجميع كان يظن إنه يأتي في وقت عدم تواجده..
بينما هو لم يأتي أبدا!!


وهاهي تعود لتنفذ الشرط المتوحش القاس على كليهما!!
وكما كان موافقته على شرطها من أجلها..

فهي كان طلبها للشرط من أجله..
ومن أجـــلــه فـــقــــط!!!!


تنهدت وهي تستند على يد كساب لتصعد..
كساب كان يريد أن يحملها.. لكنها حلفت ألا يفعل..
لذا كان يسندها وهو تقريبا لا يدع قدماها تلمسان الأرض..

وكاسرة تمشي خلفهما تحمل عباءتها ..


حين أوصلها كساب لسريرها.. هتف بمودة: تبين شيء يمه؟؟

همست مزنة بمودة مشابهة: لا فديتك..!!

كساب التفت لكاسرة بثقة: باتعشى في المجلس مع إبي وعمي وبأجي..

كاسرة هزت رأسها.. وهي تلتفت لأمها وتهمس بحنان: يا الله بجيب عشا وأتعشى انا وإياش..

مزنة تخلع برقعها وشيلتها وتضعها جوارها وهي تهمس بهدوء:
ما ابي ماني بمشتهية..

كاسرة ابتسمت: إذا أنتي ما تبين تغذين أخي.. غذي حفيدش.. أنا جوعانة..
ولو ما تعشيتي ماني بمتعشية..

حينها همست مزنة بسكون موجع : زايد شأخباره؟؟ يأكل زين؟؟

كاسرة همست بسكون مشابه فهي تعرف مشاعر والدتها جيدا وتفهمها:
الأيام اللي فاتت أنا مشغولة معش...
بس أسأل الخدامة عنه.. تقول الصبح يطلع ماتريق..
ومايرجع إلا في الليل!!
في الليل أسأله تعشيت تغديت؟؟ يقول لي الحمدلله..
وما يسأل إلا عن شيء واحد.. عنش.. وعن صحتش؟؟ وعن أكلش؟؟


مزنة صمتت..
الآلام تعاود حصار فؤادها بلا هوادة..

هل يهديها معاناته طوال ثلاثين عاما ؟؟
هاهي خلال أشهر باتت تشعر كما لو كانت تعاني معه منذ الأزل..
متخمة بألم بات يتسرب عبر خلايا جسدها التي امتلئت بقيح الوجع وتشربت به!!

وهي صامتة.. لا تشتكي..
ولـــن تشتكي!!







*****************************************







" وضحى الله يهداش.. ما أبي مشاكل بينش وبين خواتي!!"


وضحى بصدمة: مشاكل؟؟ مشاكل ويش؟؟ أنا اشتكيت لك من شيء؟؟


نايف يتنهد وهو يشد كفها ليجلسها ويجلس جوارها:
يا قلبي يا وضحى يا حبيبتي أنتي ما اشتكيتي بس هم يشتكون..
وتونا يا الله كملنا شهر من تزوجنا!!

حينها همست وضحى بنبرة أقرب للحزن: وعشانهم هم اللي اشتكوا أكون أنا اللي غلطانة لأني ما اشتكيت ولا فتحت ثمي؟؟


نايف بدأ يشعر كما لو كان في دوامة فعلا.. ويشعر بالصداع من كل هذا..
زفر بيأس أقرب للغضب: أنا قلت لش خليش مرنة معهم.. عجايز وش يبون إلا الكلمة الطيبة؟!!


وضحى زفرت بألم حقيقي: زين خلنا من سوالف واجد يوجعوني فيها.. وماقلت لك عنها شيء..
خلنا في الليلة.. وأسأل خواتك لو تبي..

هم عارفين زين إن امي بتطلع من المستشفى الليلة..وكنت علمتهم من قبل إني أبي أروح لها..
ومع كذا جاوو واقعدوا عندي وتعشوا عندي.. ومارحت لأمي ولا فتحت ثمي.. وأنا أرحب وأهلي..

أخرتها مستلمين أمي.. إنها عجوز وحامل وما تستحي على وجهها وليش ما كلت مانع..

أنا وش رديت؟؟ وش قلت؟؟
كل اللي قلته وبطريقة عادية.. هذي أختك فاطمة في سن أمي وحامل.. ليش ماكلت مانع..
وأختك الجازي اللي أكبر منها وأكبر من أمي توها جايبة بزر.. وهي جدة لخمس بزران..

هبوا فيني كلهم.. إني لساني طويل وما أحترم حد ولا أحشم اللي أكبر مني!!
تخيل أنا بروحي وهم 3.. وكل وحدة منهم تقط كلمة أكبر من الثانية..

قل لي أنت.. وش تبيني أقول عشان أقوله؟؟
إيه حلال عليكم وحرام على أمي.. وقطعوا في لحم أمي وأنا أسمع عليكم بالعافية..


وضحى كانت تتكلم وصوتها يرتعش.. وهي تصل للختام انفجرت في البكاء..
رغم أنها لم تكن تريد أن تبكي مطلقا!!
ولكن رغما عنها.. فقد احتملت خلال الأيام الماضية الكثير من تدخلهم في حياتها..
وهي تحاول بلباقة وذكاء أن توقفهم عند حدود معينة!!

لكن أن يصل الأمر إلى تجريحها عن طريق والدتها وبهذه الطريقة المؤلمة..
فالأمر فاق الاحتمال!!


نايف شدها بجزع ليحتضنها وهو يهمس بتهدئة حانية: خلاص حبيبتي.. خلاص..
امسحيها في وجهي يا بنت الحلال..
أنا مادريت إن السالفة كذا..!!
خلاص أوعدش ذا المرة ما أسكت.. عمتي مالهم طريق عليها يتكلمون عليها وقدامش!!






****************************************






" الحمدلله على سلامة أمش مزنة..
عشان ترتاحين شوي وتقرين عندي!! "


سميرة تشير بإبتسامة شفافة تخفي خلفها ألما شاسعا: الله يسلمك!!


تميم يلاحظ اليوم غرابة في تصرفاتها.. وهو يريد أن يخبرها بأمر مهم لذا أشار بحذر:
ترا نتايج الفحوص وصلت قبل كم يوم..
بس أنا كنت أبي أمي تطلع من المستشفى عشان أقول لش!!





#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 24-03-11 08:07 AM






بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم خير وورد ومغفرة وبركات من المولى
.

أميرة أهلها.. تقبل الله ابنتك الهنوف القبول الحسن وجعلها حجابا لك من النار
.
يا الله
البارت 106
.
بارت خاص لأنه يعبر بنا مرحلة زمنية معينة..
وموعدنا كالمعتاد.. الأحد الساعة 9 صباحا..
.
قراءة ممتعة مقدما..
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وستة





" الحمدلله على سلامة أمش مزنة..
عشان ترتاحين شوي وتقرين عندي!! "


سميرة تشير بإبتسامة شفافة تخفي خلفها ألما شاسعا: الله يسلمك!!


تميم يلاحظ اليوم غرابة في تصرفاتها.. وهو يريد أن يخبرها بأمر مهم لذا أشار بحذر:
ترا نتايج الفحوص وصلت قبل كم يوم..
بس أنا كنت أبي أمي تطلع من المستشفى عشان أقول لش!!


سميرة كان يرتسم على وجهها الغموض وهي تسأله:
وش تقول النتايج؟؟


تميم استغرب عدم لهفتها مع أنها كانت ستموت لتعرف.. ومع ذلك أجابها بحذر وملامح وجهه يرتسم عليها حزن مدروس:
أنا عندي شوي مشاكل.. تستلزم إنه كلنا نعالج..
أنتي مافيش شيء بس لأنه مشكلتي عويصة شوي.. لازم أنتي بعد تأكلين علاج عشان الحمل يصير..
لا تحاتين حتى العلاج إن شاء الله ما يطول..


سميرة بذات الإشارة الغامضة: صحيح..؟؟ ياحرام يا تميم..
زين ولو قلت لك ما أبي أكل علاج.. أنا مالي ذنب إن العيب فيك.. عالج بروحك أو كيفك..

تميم شعر بالتوتر لم تعجبه إشارتها ولا نظرات عينيها.. أشار بحزم:
لازم تأكلين علاج معي.. هذا حقي عليش!!


سميرة حينها أشارت بحزم أشد: زين وليش ما يكون من حقي عليك إنك تطلقني.. دام فيك عيب...
مهوب الشرع يقول كذا؟؟


تميم تراجع بحدة: أطلقش؟؟ أنتي صاحية؟؟
أقول لش مشكلتي لها علاج.. مستكثرة علي تستحمليني شوي لين أتعالج..؟؟
شوي بس..

سميرة تزداد ملامحها صرامة: زين أنا أبي أشوف النتايج بنفسي..

تميم ارتبك: بلغوني النتيجة بالتلفون!!

سميرة بحدة: توك تقول إنها وصلت.. أشلون الحين بلغوك في التلفون..
وإلا قل إنك تبي تأخر علي الخبر وبس.. لين أزهق وما أقول وين الأوراق..



تميم مصدوم بالفعل ومجروح.. لم يتخيل أن ردة فعلها ستكون جارحة له هكذا!!

لذا انصدم من انهيار الملامح الحازمة على وجهها فجأة.. وهي تنتحب بحدة وتنهار على الارض..

تميم نزل جوارها على الأرض ليحاول تهدئتها وهي تتعلق بعنقه وتنتحب..
دموعها أغرقت عنقه بلهيبها.. وأحرقت قلبه بمرارتها..

استغرقت وقتا طويلا قبل أن تهدأ.. ليبعدها عنه برفق ويمسح وجهها ثم يشير لها بيأس: ليه تبكين حبيبتي؟؟
لذا الدرجة مالي خاطر عندش وتبين تخليني؟؟ والله العظيم المشكلة لها علاج..

حينها أشارت سميرة بيأس موجع من بين شهقاتها: والمشكلة اللي تقول لها علاج عند من؟؟

تميم تراجع وهو يشير بحزم يخفي ارتباكه خلفه: عندي أنا!!

سميرة بألم: أنت كنت عارف عن نتيجة الفحوصات وحن عادنا في ألمانيا.. بس ماكنت تبي تقول لي!!


تميم بارتباك: مهوب صحيح!!

سميرة بألم أعمق: إلا صحيح .. ليش يعني لذا الدرجة خايف ما استحمل الخبر تقوم تلزق العيب فيك!!

تميم تراجع بصدمة: وش ذا الكلام؟؟

سميرة ممزقة تماما : لأنه هذا هو الصحيح.. العيب فيني ومهوب بسيط مثل ماتقول.. وعلاجه طويل وصعب..

تميم بصدمة أشد: من اللي قال لش؟؟.. أنتي لقيتي النتائج؟؟..
مستحيل.. أنا مخليها في خزنة مكتبي في الشغل..

سميرة تمسح أنفها المحمر لتشير بألم: سويت فحص ثاني في الأهلي يوم عمتي مرقدة هناك..


تميم شدها ليحتضنها بقوة.. كان يريد تجنيبها الألم الذي يعرف أنها تعانيه الآن..
لم يخبرها في البداية حتى لا تسأله عن الورق..
ثم احتار ماذا سيقول لها وكيف.. حتى توصل لهذه الكذبة غير المتقنة.. ولكنها كانت أفضل ماوجد..


شدها ليوقفها .. وأجلسها على الأريكة..
أشار لها بحنان غامر: اسمعيني عدل.. أنا وأنتي تونا صغار..
والعلم تطور واجد.. والمشكلة اللي معش حتى لو كانت صعبة شوي بس لها علاج..
ليه مسوية ذا المناحة ياقلبي؟؟


سميرة دموعها تأبى التوقف: وأنت وش ذنبك تجبر نفسك تعيش مع وحدة يمكن تكون عاقر!!

ابتسم تميم وهو يمسح وجهها ثم أشار بذات الابتسامة الشفافة:
مثل ذنبش إنش عايشة مع واحد أصم أبكم..

سميرة أمسكت بكفيه وثبتتهما في حضنه وهي تشير بغضب:
ما أسمح لك تقول على نفسك ذنب!!

تميم أشار بولع: وأنا ما أسمح لش تقولين على نفسش كذا..
أنا أحبش ياسميرة.. ولو خيروني بين الدنيا كلها وبينش..
كفتش بترجح..
يعني قبلتيني على عيبي وهو عيب ماله علاج..
ما تبيني أقبلش على عيب له علاج!!






**************************************








" علوي حبيتي؟؟"


عالية ترفع رأسها عن تقارير تعدها وتنظر لعبدالرحمن الذي أنزل حاسوبه جانبا وتهمس بمودة: آمر دحومي!!


عبدالرحمن بمباشرة: أبي أسوي لش عرس..

عالية كحت ثم ضحكت: نعم؟؟ عرس؟؟

عبدالرحمن بجدية: إيه عرس..

عالية مازالت تضحك: نكتة الموسم ذي؟؟

عبدالرحمن بجدية أكبر: والله العظيم أتكلم من جدي.. خاطري أعوضش عن كل شيء..
وإحساسي بالذنب ذابحني.. لحد الحين ماني بقادر أتجاوز سالفة إني حرمتش فرحتش..

عالية وضعت أوراقها جانبا ثم نهضت لتجلس جواره وهي تشد على كفه وتهمس برقة:
أنت واللي في بطني فرحتي..

عبدالرحمن تنهد: زين بنسويه شيء على الضيق.. حتى لو تبين أنا وأنتي بس..
تلبسين فستان أبيض.. تصورين..
شيء نحتفظ فيه ونوريه لعيالنا..


عالية ابتسمت: صدقني ياعبدالرحمن شيء ماله معنى..
يمكن فيه بنات فرحتهم باستعدادهم لعرسهم وتلبس فستان..
بس كلهم نفس الشيء..

لكن أنا كنت شيء مميز..
تدري عبدالرحمن حسيت إني بطلة قصة خرافية.. والبطل خطف البطلة..
قصتي هي اللي بأحكيها لعيالي.. مهيب صورة بليدة داخل ألبوم كنه فستان العيد..

عبدالرحمن ضحك بأسى: والله على البطل اللي خطف البطلة.. مكسح وعلى كرسيه..

ضحكت عالية: الحين قول مكسح على كيفك.. صارت ذكريات صدقني إنها رغم قسوتها حلوة..
أردفت بعمق: تجربتي معك بكل اللي صار فيها.. اختارها بدل مليون عرس..
تجي تقول لي عرس وفستان أبيض..
لكل شيء إحساسه في وقته!!






*************************************








" يبه من جدك أنت موافق على خرابيط كل واحد منكم في جناح..
مرتك فوق وأنت تبي ترقد هنا بروحك؟؟"


زايد هتف بحزم وهو يجلس على سرير علي الذي أصبح سريره:
تبي ترقد عندي.. ماعندي مانع..

كساب بنبرة مقصودة: لا والله اسمح لي.. مرتي تنتظرني فوق..
وفيه وحدة فوق بعد راقدة بروحها خايفة ماعندها حد..
اكسب أجر فيها.. وخصوصا إنها تعبانة.. تبي من يوديها الحمام.. يعنـز لها..

زايد بحزم: بتنام عندها الخدامة.. أنا ملزم عليها..
ولولا إني ذال إنك تنتحر وإلا كان خليت كاسرة تنام عندها..



كاسرة بالفعل استأذنت كساب أن تنام عند أمها وهو أذن لها.. ولكن مزنة حلفت ألا تنام عندها..
وقالت أنها ليست بحاجة لها في وجود الخادمة معها..


لذا هتف كساب بنبرته اللئيمة: وأنا وش ذنبي في زعلكم.. ماصدقت الجو يروق بيني وبين مرتي..
عقبالكم..


زايد شد له نفسا عميقا ثم هتف بحزم: اسمعني زين.. عشانك معنا في البيت..
وداري إنه بيننا خلاف.. ما يعطيك الحق تتدخل بيننا..
آخر مرة أسمح لك تتكلم في ذا الموضوع... وياويلك أخوانك يدرون به..

كساب هز كتفيه وهتف بحزم مشابه: بكيفك.. خلكم عايشين الدور البايخ الله يهنيكم..






كساب حين وصل للأعلى..
همست له كاسرة بلهفة: وش سويت معه؟؟

كساب هز كتفيه بحزم: نفس اللي سويتيه مع أمش..

كاسرة بخيبة أمل: أمي مافي أذنها ماي.. (يعني مصممة على رأيها!!)

كساب بحزم: وهو مثلها..
خلاص خليهم على ذا الحال.. لين ينضجهم الشوق..
ثم أردف بإبتسامة: وعقبه تلاقين إبي مثلي يتعربش على الدرايش!!

ثم أردف بخبث: وأنتي وش سويتي عشان أمش تسوي مثله..؟؟

ضحكت كاسرة برقة: تسوي روحها زعلانة من علبشته على الدرايش وهي اللي خلت الدريشة مفتوحة..

ضحك كساب: يا النصابة مافتحتي لي الدرايش.. إلا كل يوم مسكرتها..
وأنا البرد يلفحني وأنا أحاول فيها لين أفتحها..







***************************************







اليوم التالي
.
.


يجلس على مائدة الإفطار.. معه كساب وكاسرة..
عيناه تبحثان عنها بوجع..

ربما كانت أكثر مرة يلتهم فيها فطورا في حياته..
كان يأكل ببطء حتى لا ينتبها أنه ينتظر شيئا ما..

حتى غادر كساب وكاسرة لعملهما..
ما أن غادرا حتى بادر بسؤال الخادمة بنبرة حازمة تخفي خلفها لهفة موجعة:
مدام مزنة وين؟؟

الخادمة بعفوية: راحت بابا كبير قبل شوي..


زايد بتأفف خافت: وأنا قاعد حارس الفطور أحسبها بتجي..

ثم أردف باهتمام: ماكلت فطور..؟؟

الخادمة باحترام: أنا كلام مدام يبي فطور.. هي كلام أكل سوا بابا كبير..



زايد تنهد .. يريد أن يراها فقط..
لا يطلب الكثير..
يريد الاطمئنان على وضعها..
فهل هذا كثير؟؟






************************************






" حبيبي أنا آسفة لو كنت أحرجتك مع خواتك!!"


نايف يتنهد: لا أحرجتيني ولا شيء.. هي كلمة حق وقلتها..
وهم فعلا قالوا إنهم قالوا الكلام اللي قلتيه..


نايف يشعر بصداع فعلي.. فحوار حاد دار بينه وبين شقيقاته..
فهن اعترفن أنهن من بدأن فعلا وأنهن قلن ماذكرته زوجته .. ولكنهن مهما يكن سيدات كبيرات..
وهن يتوقعن منها الاحترام لأنها في سن بناتهن.. ولا يرضين أن ترد عليهن بهذه الطريقة الندية..

نايف لا يعرف فعلا كيف يتصرف معهن.. لكنه مبدئيا قال لهن بكل مودة واحترام :
يعني مرتي وأهلها ما يستحقون تحترمونهم عشاني.. وإلا أنا مالي قدر عندكم..
لأنه لو لو لي قدر عندكم وإلا تحيوني مثل ما تقولون..
ماكان ضايقتوا مرتي بذا الطريقة... لأني أنا اللي عايش معها.. ولو هي تضايقت أنا بأتضايق..
معنى كذا إنكم تبون تضايقوني أنا من البداية!!


أخواته صمتن.. لكنه يعلم أنهن غير راضيات .. وسكتن على مضض!!


"الله يعدي كل شيء على خير!! "







***************************************





بعد أسبوعين..


.
.



" جميلة.. أنتي زعلانة علي؟؟"



جميلة انتفضت بجزع رقيق: لا والله.. ليش تقول كذا؟؟


فهد تنهد ثم هتف بحزم: مهوب أنا اللي أقول.. تصرفاتش اللي تقول..

جميلة بيأس: ليه أنا وش سويت؟؟

فهد همس بيأس أشد قسوة.. فهو عاشق يشعر أنه لا يلاقي مايوازي عشقه:
جميلة كملت أكثر من 3 أسابيع من يوم رجعت..
وأنا ما باقي في قواميس الدنيا كلام حلو ماقلته..
وأنتي بصراحة باردة معي بشكل موجعني..

جميلة بيأس مختلط بالحزن: ليه وش اللي قصرت فيه؟؟

فهد تنهد بوجع: أدري ماقصرتي بشيء لا في حقي ولا في اهتمامش بأغراضي وملابسي.. ولا حتى في احترامش لهلي..
وأدري إني أكون متطلب لو طالبتش بشيء أكثر..
بس اللي يحب ما يبي من حبيبه يعامله كأنه مجرد واجب يسويه على أكمل وجه وخلاص..
جميلة أنا أحبش فوق ما تتخيلين.. وأنتي صرتي عارفة ذا الشيء زين!!
ما أقدر أجبرش تحبيني غصبا عنش..
بس على الأقل أبي أحس إنه فيه أي مشاعر في قلبش لي..
مودة على الأقل!!

ثم أردف بسخرية موجوعة: صرت أحس إنش تستانسين يوم أتأخر..
كأنه وجودي ثقيل على قلبش..


جميلة تشعر بحرج فعلي.. أ لهذه الدرجة مشاعرها واضحة له؟؟
رغم أنها تحرص ألا تظهر..

همست باصطناع: فهد حرام عليك.. صدقني أفكارك هذي كلها غلط..

هز كتفيه بذات السخرية المرة: إيه غلط!!



فور انتهاءه من عبارته تصاعدت طرقات حادة على باب جناحهما..
جميلة انتفضت بجزع..
بينما فهد توجه ليفتح ليعود لها بعد دقيقة وهو يهمس باستعجال ويرتدي ملابسه:
بسرعة جميلة بدلي والبسي عباتش..
مرت عبدالله بتولد.. وهو مايبي يقول لأمي ولا أمها يروعهم .. وأختي وأختها حوامل..
ويبي وحدة تدخل معها للولادة..








***************************************







" فهد يا أخيك ما تقدر تكلم مرتك تطمنا..
أعصابي مهيب مستحملة!! "


فهد بحزم: عبدالله اصطلب شوي.. قلت لك قبل تلفونها مسكر..
وأنا قايل لها لو صار أي شيء تطلع وتطمنا..
شوف حالتك.. ما باقي إلا تبكي!!


عبدالله زفر: تدري فهد ترا ماني بناقصك الله يرحم والديك!!

فهد جالس في مقعده ينظر لعبدالله الذي لم يجلس حتى.. رغم مرور أكثر من 3 ساعات على وصولهم..
يروح ويأتي.. وهو حينا يزفر.. وحينا ينظر للساعة.. وحينا يتمتم بالدعاء..


"أ يُكتب لي أن أشعر أنا بهذا التوتر اللذيذ والانتظار الشهي في يوم من الأيام؟؟

قد أكون ألوم عبدالله ظاهرا..
لكن قد يكون ما أشعر به هو محض غيرة صافية..

يحبها وتحبه بجنون.. والكل يعلم ذلك!!
ينتظران مولودا يتوج هذا الحب والسعادة..

وأنا كل ما أنتظره أن تشعر بي فقط!!
لا أنتظر مولودا أعلم أنه قد لا يأتي مع ما مرت به من ظروف من صحية..
أنتظر إحساسا فقط.. محض إحساس!! "



بعد دقائق رن هاتف فهد..
فهد خرج من استراحة الرجال للممر..
عبدالله لم يستطع الصبر حتى وهو يخرج خلف فهد..
سيجن من قلقه على جوزا ورعبه من أجلها..


جميلة حين رأت عبدالله مع فهد ابتسمت بشفافية وهي تهمس باحترام رفيع:
مبروك يا أبو حسن جالك ولد يجنن.. يشبه حسون..


عبدالله بأنفاس ذاهبة.. كان يشهق: المهم جوزا.. جوزا أشلونها؟؟

ابتسمت جميلة بتاثر: جوزاء طيبة.. وولادتها كانت من أحسن وأسهل مايكون ماشاء الله..

حينها تنفس عبدالله بارتياح وهو يزفر بسعادة محلقة: الحمدلله الحمدلله..

فهد ابتسم: ألف مبروك يأبو حسن.. على البركة الرجّال..

عبدالله احتضن فهد وهو يهتف بسعادته الغامرة:
ترا الرجّال اسمه فهد عليك!!





*********************************





اليوم التالي
.
.
.


" كذا يام حسن تسمون الولد على فهيدان
وأنا اللي قاعد حارس حسون في البيت عقب ماكدرتوا نومي..
ما تسمون علي!!

يعني عشان فهيدان ترس لكم الغرفة ورد وحلويات..؟!
لو سميتو علي كان جبت لكم وردتين من الزرع اللي على الكورنيش.. وقوطي رهش من سوق واقف !!"


جوزا تهمس بإبتسامة أخوية من خلف جلالها الذي يغطي وجهها:
ماعليه يا ابو خالد السموحة ذا المرة..
جهز لنا الوردتين وقوطي الرهش حق ولادتي الجاية إن شاء الله!!


هزاع يميل على كتف أمه مقبلا: شهدتي يمه؟؟ مهوب يكذبون علي..
ترا الولد الجاي حقي وباسمي.. كيفي فيه عقب.. إن شاء الله أقلصه في الجيب!!

ضحكت أم صالح: شكلهم يأمك بيدعون ماعاد يجيهم إلا بنات..

هزاع بتأفف: أفا يأم صويلح كذا.. تشتمين الأعادي فينا..

عالية تضحك: الأعادي هذي مقصود فيها أنا؟!!

هزاع بمرح: أنتي قلتيها مهوب أنا...
ماتبين لش أنتي بعد وردتين وقوطي رهش؟؟

عالية بإبتسامة مرحة: لا يأختك.. الله الغني... عادني ابي ولدي.. دور لك خروف تقلصه في جيبك!!
ثم أردفت بذات الابتسامة: يا الله قوم بسلامتك... لمتى وأنت مبلط.. عبدالله راح وأنت قاعد..

هزاع يعدل غترته فوق رأسه ويهمس بمرح: القعدة عند الوالد تونس... عيشة وفلة حجاج..

عالية بمرح: خلني لين أولد وأتنفس وأجي عندكم وتشبع عيشة يا الدب..
قوم خالاتي بيجون الحين.. قلنا لك ألف مرة.. وعبدالله استحى على وجهه وراح
وأنت السحا ماتعرفه..!!

هزاع بحماس: يا سلام خالاتي جايين.. وهذا المطلوب.. خالتي الجازي بتجيب عصيدة؟؟
أموت على عصيدتها..

عالية تشده لتوقفه: خلاص قوم.. عط أم حسن مجال تتنفس..
وخالاتي بناتهم معهم بتقعد معهم بعد؟؟

هزاع بتأفف مازح: واخيه على كذا بنات.. هذولا تسمينهم بنات..؟؟
اللي مهيب النوري هي الوحيدة اللي تنبلع لا صار معها ماي بس.. وإلا الباقيات أنا أحلى منهم..

أردف بمرح وهو يقف ويتجه لسرير فهد الصغير ويضع فيه ظرفا:
أنا بأروح عشان خاطر أم حسن بس تأخذ راحتها!!






***********************************






" لو أدري خالاتش هنا كان أجلت زيارتي شوي.."


عالية تبتسم وهي تميل على أذن وضحى بخفوت: اللي يسمعش مايقول إنهم كل يوم طابين عليش في البيت..

وضحى بإبتسامة.. فشر اليلية مايضحك: ماعليه في البيت الفضايح ملمومة..
أخاف الحين يقطون كلمة مالها سنع ويحرجوني قدامكم..

عالية بتحدي: خلهم يقطون.. واعرفي أشلون تردون عليهم!!
ثم أردفت في أذنها: خالاتي احترميهم بس عرفيهم حدعم.. هم صحيح ماراح يخلون قط الحكي
بس ترا الوضع بيكون أخف عليش بواجد..
شوفي الحين.. ماعاد يوجعون جوزا بالحكي مثل أول.. لأنها ردها جاهز عليهم.. ترد كلمة جامدة وباحترام..
جميلة مايقولون لها شيء لأنهم خايفين من فهد يشرشحهم.. وفهد في الحق ماعنده يمه ارحميني!!


وسرعان ماحضر ماتخشى منه وضحى.. إذا هتفت نورة بصوت عالي:
ها وضحى وأنتي ماسويتي شيء..؟؟


عالية كانت من ردت باستظراف مصطنع: سوت قهوة وشاهي وهذي هي جابتها معها..
وجابت لنا سلة ذا الشكولت الفخمة الذوق اللي يخلي غاليها..

نورة بحدة: ما سألتش يا بنت صافية..!!
كم مرة قلت لش اللقافة شينة..
أنا أسأل مرت أخي..

أم صالح كانت هذه المرة من ردت بحدة: وبنت صافية وش فيش حاطتها على رأسش..؟؟
وخلي مرت نايف منش.. البنية توها مالها شهر ونص معرسة..
لو صار شيء بتدرين به!!

نورة بغضب: إنش اللي مقوية رأس بنتش.. ماكني بأختش الكبيرة وأكبر خالاتها..
ترد الكلمة بكلمة!!

صافية ردت بغضب مشابه: على رأسي وأنتي دارية.. بس مافيه داعي تحرجين الوضيحى.. توها تقول ياهادي!!

الاثنتان سكتتا.. مع همسات شقيقاتهما المتواجدات..(بس الله يهداكم)


وضحى مالت على أذن على عالية بحرج: شفتي الإحراج.. وخالتي أم صالح تمشكلت مع أختها بسبتي..

عالية باستغراب: صحيح أمي أحيانا ترد عليها.. بس لا استفزوها صدق..
بس الحين توها خالتي نورة تسوي تحمية مابعد نزلت الملعب.. غريبة حدة أمي!!



أم صالح تتنهد في داخلها.. لم تكن تريد الرد على نورة..
ولكن نايف رجاها بشدة أنه في حال تواجدها.. ألا تسمح لشقيقاتها الأخريات بمضايقة وضحى!!
وأن تخبره بالذي يحدث!!

فهو متعب من هذا الأمر ويريدها أن تساعده..
وهي تدخلت هذه المرة من أجله!!

لم يطلب من عالية.. لأن عالية سيبقى لها حدود تلتزمها.. وهن سيغضبن منها..
لكن صافية يعلم يقينا اتفاق شقيقاتها على معزتها!!






**************************************








" يا الله يا ام حسن..
صحيح ماطولتي في الولادة..
بس مرت علي ذا الثلاث ساعات كنها ثلاث سنين!!"


جوزا شدت على أنامل عبدالله التي تحتضن كفها وهي تهمس بتأثر:
الله لا يحرمني منك.. الحمدلله على عطاه يوم عطانا..

ابتسم عبدالله بمرح وهو يقف ويميل على الصغير ليقبله: عقبال ما تجيبين لنا بنوتة..
خلاص مانبي عيال.. عشان ما ينشب لنا هزاع بالوردتين وقوطي الرهش..


ضحكت جوزا: ياحليله هزاع.. يستاهل نسمي عليه..
هو أكثر واحد خاطره وسيع على البزران هو الوحيد اللي يستحمل ولدي وعيال صالح لا تجمعوا عليه!!
وبعدين يا أخي أخاف أجيب بنت يجيك حالة أخيك صالح..

عبدالله يعود ليجلس جوارها على السرير ويحتضن كتفيها بولع باسم:
لا صالح انعدل حاله الحمدلله.. وأنا الحمدلله حالي معدول من زمان!!






************************************






" ياحليله أخيك عبدالله..
مابعد شفت رجال جنتل وحساس كذا..
لدرجة إنه يحلف ماحد يبات عند مرته غيره!! "


فهد ابتسم: ولا يهمش.. لا ولدتي.. والله مايمسي عندش حد غيري..
دام بتمدحينا..


جميلة همست بانكسار: فهد أنت تعايرني عشان عارف إني عندي مشكلة في الحمل..؟؟

فهد بجزع رجولي حقيقي وهو يشد كفيها: والله العظيم ولا خطر ببالي..
أنا كنت أمزح معش بس!!


جميلة شدت كفيها من يديه وهي تهمس بذات الانكسار: وإلا تقصد.. عادي!!

فهد تنهد وهو يشدها ليحتضنها ويهمس في أذنها بوجع رجولي خالص:
ياشينه الواحد لا درا بغلاه.. ويدور اللي يوجع مغليه!!
مايوجعني كثر ذا النظرة والنبرة!!







****************************************










بعد أربعة أشهر
.
.
.





" الحين يمه من أكبر.. فهودي وإلا غنوم؟؟"


نجلا تبتسم وتجيب ابنها خالد: غنوم أكبر بحوالي شهرين يأمك..

خالد بتأفف طفولي: زين ليش فهودي أكبر من غنوم؟؟

جوزا انفجرت بالضحك: نجلا.. كنه ولدش يتنظل ولدي؟!!

عالية تضحك وهي تشد خالد وتحتضنه وفقا ما يسمح لها بطنها المتضخم بعد أن دخلت شهرها السابع:
هذا يا حبيب عمتك.. عشان أمك جابت فيران.. مهوب بزران..
فلا تقارنهم بالبزران العاديين..

جميلة تضحك وهي تشد خالد ناحيتها وتحتضنه برقة حانية: حرام عليش عالية..
صدق ما عندش إحساس.. تقولين للبزر كذا؟!!

ثم أردفت بحنان شفاف: حبيبي خلود.. غنوم ومهاوي كانوا تعبانين شوي..
كل ما يكبرون كل ما يصيرون أكبر!!


خالد يمد أنامله الصغيرة ويشد لفات شعر جميلة اللولبية التي طالت قليلا لتصل إلى كتفيها.. ويهمس بطفولته الشفافة:
خالتي جميلة لا جبتي أنتي وعمي فهد بنت.. أنا بأتزوجها.. عشان بتصير حلوة مثلش!!

عالية تضحك: الولد هذا خربان.. أكيد هزاع مخربه!!

نجلا تضحك: لا والله لا تتهمون هزاع ظلم.. هذا صالح قلبه أخضر..
يقول لهم اللي من عمانكم بيجيب بنت حلوة بنأخذها..
والشينة بنخليها لعيال عبدالله!!

جوزا بمرح: يا سلام عليكم.. واحنا يعني مسمين على فهد ببلاش..
بنت فهد لنا..
وأنتو خذوا بنت غانم اللي سميتوا عليه.. هذي مزون حامل..



جميلة سكتت.. مشاعر متضادة اخترقت روحها..
قد تكون لا تريد أن تحمل.. وتحمد الله أن حملها تأخر..
فمشاعرها تجاه فهد مازالت تعاني البرود والضبابية والجمود رغم محاولاتها لتغيير مشاعرها تجاه شيء أكثر إيجابية..


ولكنها على الجانب الآخر.. لا تنكر رغبتها لتصبح أم.. فمهما يكن هذه رغبة مغروسة في كل أنثى..


أخرجها من أفكارها اتصال من فهد يطلب منها أن تحضر له..
استغربت.. (هل يكونون قد انتهوا من غداء يوم الجمعة المعتاد؟؟)


جميلة استاذنت لتخرج مع مجموعة من التعليقات غالبها من عالية..

حين وصلت للأعلى.. وجدت فهد قد فتح حقيبته على السرير..
همست باستغراب: بتسافر مكان؟؟


فهد باستغراب أكبر: بأسافر؟؟
قايل لش قبل كم يوم إني الجمعة بأسافر عندي دورة أسبوع في الامارات!!

ثم أردف بتذكر يائس: إيه نسيت... أكيد كنتي منتي بمنتبهة معي كالعادة!!


جميلة تحاول بحرج أن تتذكر.. فلا تستطيع.. والمأساة أنه محق..
فهو في أحيان كثيرة يندفع في الكلام.. لتسرح هي ولا تركز في شيء مما يقوله
لشعورها بالتأفف من كثرة حديثه.. وهي لا تريد أن تبدو أمامه غير مهتمة ..فتسرح..!!


جميلة أجابته بإصطناع: إيه تذكرت.. سامحني.. كان لازم أرتب شنطتك قبل..

صمت وهو يجلس جانبا.. مطرزا بحزن شفاف..
يعلم أنها لم تتذكر..

بل يعلم ماهو أكثر من ذلك ألما...
يعلم أنها لولا شعورها بالخجل وإلا لا كانت انفجرت أمامه الآن من الضحك لشدة سعادتها أنه يفرج عنها أخيرا!!


والمأساة أنه كان محقا أيضا.. فجميلة كانت تغالب ابتسامتها حتى لا تظهر..
فهي فعلا سعيدة أنها أخيرا ستأخذ مساحة من الحرية بعيدا عنه..


فطوال الأشهر الماضية.. كان عمله له طبيعة معينة.. فلم يكن يتغير.. بل في وقت ثابت صباحا كدوام الموظفين..
لذا لم يسمح لها أن تبات عند أمها ولا لليلة واحدة..

وهو ملتصق بها بطريقة كانت تثير ضيقها.. ومع ذلك تحاول أن تظهر رضاها الذي كان يعلم أنه ليس أكثر من رضى مصطنع..

وهو يقول لنفسه:

" (كثر الدق يفك اللحام) لو سمحت لها أن تبتعد عني.. ستعتاد..
أريدها أن تعتاد على وجودي في حياتها..
أريدها ان تشعر في قربي .. ببعض مما أشعر به في قربها..
أريدها أن تشعر أي لهيب يحرقني وهي في حضني..
بينما هي تتسربل بالصقيع الذي أحاول يائسا ألا يصل لعمق روحي!!"



جميلة أنهت الحقيبة وأغلقتها..
وقف ليقترب منها وهو يهتف بسكون: تبين أوديش هلش الحين؟؟

همست برقة: لا.. بأتغدى مع أمي صافية والبنات..
وأرتب مكاني.. والعصر بأخي أمي ترسل سواقتها لي!!!
تروح وترجع بالسلامة..


هتف بذات السكون: من قلبش ذا الدعوة؟؟

جميلة همست بغضب عذب: فهد وش ذا الكلام؟؟

فهد هز كتفيه وهو يتناول الحقيبة وينزلها أرضا:
أحسه عادي عندش لو رحت.. وما رجعت!!

جميلة بذات الغضب الرقيق: إحساسك هذا أسخف إحساس ولا له معنى..!!

فهد شدها ليحتضنها بقوة..
رغم أن عظامها آلمتها لشدة احتضانه لها ولكنها لم تقل شيء وهو ينهي احتضانه لها بقبلة على أذنها..
وهو يهمس في داخل أذنها بوجع يختفي في طيات حزم صوته: اللي موجعني إنه إحساس صدق وأنتي عارفة إني عارف!!

جميلة صمتت.. ماذا لديها لتضيفه وهو يحمل حقيبته ويهتف بحزم:
أنا حطيت في حسابش فلوس زيادة من أمس..
سلمي لي على عمتي وخلي بالش من نفسش!!

جميلة همست برقة: زين طمني عنك أول ما توصل!!


أجابها بسكون: ما أقدر أكلمش... بيأخذون تلفوناتنا أول مانطلع الطيارة..
بأرجع السبت الجاي إن شاء الله..


لن يأخذوا هواتفهم.. لكنه قرر أن يريحها فعلا منه..
ويريح نفسه من لهفته التي يعلم أنها لن يجد مقابلا لها إلا البرود أو اهتمام مصطنع سيؤلمه أكثر من برودها..

وما يؤلمه أكثر وأكثر أنه يعلم أنها لن تكلف نفسها أن تتصل بهاتفه حتى..
لتعلم هل هو محق أو لا...!!!



ما أن أغلق الباب خلفه حتى تنفست جميلة بعمق..
وهي تشير بيدها علامة (yes) وتهمس بسعادة: يس.. يس.. يس.. وأخيرا.. أجازة لي.. حتى المكالمات رحمني منها..
ما بغى يفارق ويفك مني شوي..
كنت خلاص بانفجر من ثقل وجوده على قلبي..






***************************************






يتحسس بطنها المتكور بحنانه الخاص وهو يهمس بنبرة حنانه الخاصة أيضا:
مهوب كن بطنش صغير... بطن عمتي أكبر!!


ابتسمت كاسرة وهي تضع يدها فوق يده برقة: أنا في السابع وأمي في الثامن..
يا أخي خل غيرك هو اللي يراقب بطن أمي..

كساب ابتسم: غيري راقب لين أحولت عيونه..
شوفيه بس لا مرت عليه يحط نفسه مهوب منتبه وهو ماباقي إلا ينط من مكانه..
حركات عاجنينها وخابزينها..

كاسرة تنهدت: والله طولوا واجد وحالهم مايسر.. والمشكلة رأسهم يابس اثنينهم..

كساب بثقة: خلينا منهم.. تعبونا معهم كنهم بزران..
أنا عندي اقتراح.. اشرايش أروح أنا وأنتي للمزرعة يومين..
الجو الحين يجنن.. وخاطري اقعد انا وانتي بروحنا لا شغل ولا دوشة..

كاسرة بتردد: وأمي أخليها بروحها؟؟
ثم أردفت بابتسامة لا تخلو من خبث: أخاف عليها من إبيك.. وهم بروحهم في البيت..

كساب بابتسامة محملة بالخبث: ياحرام مساكين.. قاعدين بريحاتهم لا أنيس ولا ونيس.. والشوق ذبّاح.. والشيطان شاطر!! و..........


كاسرة احتضنت رأسه وهي تضحك برقة: بس كساب الله يقطع ابليسك!!


اسند رأسه لصدرها وصمت..
مكتفيا بسماع دقات قلبها وأناملها تعبر خصلاته بحنان..

طوال الأشهر الماضية.. تبادلا سعادة صافية حقيقية..

لا يخلو الأمر من مشاحناتهما المعتادة وحدة شخصياتهما..
ولكن كل منهما بدأ بتقبل ذلك كجزء من بهارات الحياة..

كاسرة تمرر أناملها بين خصلاته بولع حقيقي..
قد يكون مطلقا لم يقل لها أنه (يحبها ) ككلمة.. ولكنها ماعادت بحاجة لسماعها لتعلم كم يحبها!!

أصبحت تعلم يقينا أن الحب ليس مجرد كلمة تُقال.. بل هو موقف ومسؤولية وإحساس..
وكلها منحها إياها كساب.. كما منحته هي إياها..


تنهدت وهي تشعر بالندم على كل لحظة أضاعتها في انتظار هذه الكلمة وكساب أمامها وبين يديها..

شدت رأسه لتحتضنه بقوة أكبر.. (أنت أكبر من كلمات الحب التي قيلت والتي لم تُقال!!)


لا تنكر أنها تتمنى سماعها من بين شفتيه.. لأنها تشعر أنها ستنفجر لتقولها له..

تشعر أنها من بين شفتيه ستكون كقنبلة لا مثيل لقوتها بين حناياها..
ستفجر كل مشاعرها المكبوتة.. والتي تحاول إظهارها وتجد نفسها عاجزة ولا تعلم السبب..








****************************************






كم هو محق ابنه اللئيم..!!


يراقبها بوجع.. بل بما هو أشد من الوجع!!
يراقب تغيراتها بدقة.. بطنها التي تكبر.. وهو يشعر أنه سيذوي لمجرد أن يتحسسها بيدها!!


تتحاشى أن تتصادف معه.. وقد يمر يومين أو ثلاثة لا يراها..
يشعر حينها أنه أوشك على أن ينضج تماما..
ويحاول أن يصتادها حينها بأي طريقة.. يرابط في الصالة السفلية قريبا من الدرج
وهو يدعي مشاهدة الأخبار!!
أو يذهب لزيارة والدها في غرفته!!

حينا تنجح محاولاته وأحيانا تفشل..
وكل ما يناله منها حديث رسمي مقتضب..



والمؤلم أكثر من كل شيء!! والجارح لأبعد مدى!!
أنه لم يرى وجهها منذ آخر مرة رآها في المستشفى!!
فهي تنزل وتصعد ببرقعها على وجهها كعادتها!!
سيموت ليرى ابتسامتها فقط!!


وما يؤلمه أيضا.. (ويا لا كثرة مابات يؤلمه..!!)
أنه منذ أشهر.. منذ تحسنت حالتها الصحية.. وهو يعلم أنها من ترتب جناحه وملابسه..
يعرف لمساتها.. يشعر بها!!


حين يدخل.. يكاد يقسم أنها كانت هنا قبل ثوان...
فمازالت رائحة عبقها تعطر الجو.. وتعتصر قلبه بلا رحمة..

حاول جاهدا أيضا أن يصتادها ولو لمرة واحدة في جناحه..
فقد يرى وجهها حينها..
ولكنه في هذا الأمر لم ينجح ولا لمرة واحدة!!



منذ ماحدث بينهما في المرة الأخيرة وهو يراجع طبيبا نفسيا..
الطبيب يقول له منذ عدة أسابيع أنه ماعاد فيه ما يستدعي الزيارة!!

فكل ماهنالك أنه رجل عاشق عجز عن السيطرة على مشاعره
وأظهر عقله الباطن هذه المشاعر سواء بمناداته له أو بإمساكه القوي له..

كل ما يحتاجه هو تقنية السيطرة على مشاعره وتوجيهها التوجيه الصحيح..
فهو كان يناديها واستمر في منادتها لأنه لم يخبرها بمشاعره كما يجب!!

لو أنه لم يسكت عن إخبارها بمشاعره بعد أيام من زواجهما..
لكان كبت السنوات كله ليخفف رويدا رويدا.. لتتحول مشاعره لاتجاه إيجابي..

لكنه عاود كتم مشاعره.. لذا استمر في مناداتها كما كان..
وحين شعر أنه ماعاد قادرا على مزيد من الكتمان ومشاعره تتحول نحوها لاتجاه أكثر قوة وتجذرا هو كان يرفضه..
كان تمسكه بها بهذه الطريقة لدرجة أن تغوص أنامله في جسدها!!


هكذا فسر له الطبيب حاله.. وعلمه على تقنية السيطرة على المشاعر..

ولكنه مازال يخشى عليها هي من مشاعره التي يشعر بها تتضخم كل يوم أضعافا مضاعفة عن اليوم الذي قبله..
يخشى عليها من حبه.. الذي يخشى أن يكون خطرا عليها!!






***************************************








اليوم التالي
.
.



" جميلة يأمش.. وجهش كلش مهوب زين من صبح..؟؟


جميلة بإرهاق: مارقدت من أمس يمه.. تعبانة باموت أبي أرقد..
تكفين يمه.. خلني أكل بنادول نايت ..

عفراء بإصرار غاضب: أنا حالفة عليش من زمان إن ذا البنادول ماعاد يطب حلقش!!

جميلة بإرهاق عميق: يمه صرنا عقب الظهر وأنا مارقدت.. أنا ما أصلي.. خلني أكل بنادول وأنام..
تكفين يمه..

عفراء برفض: إذا فيش نوم بترقدين بدون حبوب..
ثم أردفت عفرا بإبتسامة: ترا ذا الطبع أنتي خذتيه مني.. أنا عقب ما تعودت على النوم جنب منصور..
اليوم اللي عنده زام في الليل ما أقدر أنام!!

جميلة بحرج جازع: يمه وش دخل؟؟

ضحكت عفرا: وش دخل؟؟ كل السالفة إنش مشتاقة لفهد وعشان كذا منتي بقادرة تنامين..
لا تعبتي بتنامين!! وماوراش شي.. حن في إجازة الربيع ذا الحين..


جميلة زفرت بغضب: غلطانة يمه.. أساسا أنا أبيه يفك مني شوي عشان أرتاح..

عفراء بإبتسامة عذبة: على أمش ياجمول؟! الحين انتي البارحة أو قبل البارحة.. أو الشهر اللي فات..جاش ذا الأرق؟؟


جميلة تحاول أن تتذكر.. وتتمنى أن تكون شعرت بهذا الأرق.. تعتصر ذاكرتها.. فلا تجد شيئا..

ما تتذكره أن فهدا يمد ذراعه لها.. لتضع رأسها على كتفه..وتدفن وجهها في عنقه..
وهو يهمس لها بدفء موجع بالكثير من الكلمات التي تعي بعضها ولا تعي البعض الآخر لأنها تكون غرقت في النوم!!


جميلة زفرت وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: زين عمي منصور ماقال لش إن فهد كلمه..؟؟



عفراء هزت رأسها بلا.. وهي تتلقى بإبتسامة حنونة زايد الذي بدأ يخطو خطواته الأولى منذ أيام!!







************************************






تعبر أمامه بتوتر..
وهي عائدة للتو من بيت ابنها..

وتعلم أنه لا يوجد في البيت سواهما بعد ذهاب كاسرة وكساب منذ الصباح للمزرعة..

لأول مرة يخلو عليهما البيت منذ عودتها من المستشفى!!
حتى لو سافر كساب لعمل.. فكاسرة موجودة معها..
ولا تستطيع أن تبقى في بيت ابنها وهم يعلمون أن زايدا في البيت!!


همست بالسلام وهي تعبر من أمامه متجهة للأعلى!!
رد عليها السلام وهو يهتف بحزم قبل أن تهرب:
زين تعالي اقعدي معي شوي.. أنا ما تعشيت.. وخاطري أشوف حد قدامي وأنا أكل!!


توترت بشدة..
فهي لا تضطر للجلوس معه إلا في وجود مزون أو شعاع.. وكلاهما يمثلان الطبيعية رغم أنهما يجلسان متباعدين..
وعلى كل حال لم تجلس معه وحيدة مطلقا!!


وهــــي
في غيابه الحقيقي/ وجوده الظاهري

متوترة.. ويائسة.. ومرهقة..
تعبر شهور حملها الثقيلة وحيدة.. تئن طوال الليل من الألم ..
وأقصى ما تحلم به هو يده تشد عليها كلما اعتصرتها الآلام!!!


تدعي أنها بخير أمام الجميع بلا استثناء..
رغم أن حملها منهك جدا.. لا تكاد تتنفس من الثقل الذي تشعر به..
وتعاني من الزلال.. وقدماها منتفختان على الدوام..والمشي بات أشبه بمأساة لها..
ومع ذلك تمشي.. وتمشي.. وهي تقوم بمهامها للجميع دون أن تشتكي..

بنتا لجابر..
وأما لأبنائها وأبناء زايد.. ولسميرة ونايف معهم..
وربة لبيت زايد وهي تهتم بترتيب أغراضه وعزائم ضيوفه..


هي كل شيء..... إلا امـــرأة....
تفتقد لشريك حياتها ووجوده جوارها إلى حد الوجع المضني!!!


وقفت أمامه دون تجلس.. وصحن العشاء الليلي الخفيف مغطى أمامه منذ وقت طويل..

همست بسكون: العشا شكله برد.. خلني أسوي لك غيره..

أجابها بثقة: هو أساسا بارد.. سلطة وسندوتش وعصير.. بأكل الحين
بس اقعدي..


جلست.. وهي ترخي ثوبها الطويل على قدميها حتى تخفيها..

حينما يجلس شخصان وحيدان..
ملاحظة كل منهما للآخر تقفز للذروة..لأن تركيز كل منهما على الآخر
فكيف بمن هما في حالهما؟؟
كل منهما سيموت ليحضى بنظرة من الآخر!!


خشيت فعلا أن يرى قدميها.. ولو كان معهما أحد ثالث ربما لم تكن لتخشى أن يلاحظ..

وهو أيضا.. بدت له حركتها في إخفاء قدميها غير عفوية إطلاقا..
لذا هتف بحزم مباشر: مزنة رجلش وش فيها؟؟

مزنة همست بحزم مشابه: مافيها شيء؟؟

زايد بذات الحزم: زين ليش تدسينها؟؟

ردت بذات المستوى الذي لا يتذبذب من الحزم: مادسيتها.. واسمح لي.. تبي تتعشى أو أقوم أروح لغرفتي؟؟

زايد بأمر صريح: خلني أشوفها..

مزنة وقفت وهي تهتف بثقة: اسمح لي..

أجابها بنبرة حادة أقرب للغضب: تعصيني؟؟ قلت لش خلني أشوف رجلش..
تنفذين..
واقعدي أنا ماقلت لش قومي!!

مزنة تنهدت وهي تجلس: زايد هذا مهوب أسلوب تكلمني فيه..

زايد شد له نفسا عميقا..
يتمنى لو قال الكثير.. وبأسلوب مختلف.. مختلف..!!

هتف بمهادنة راقية: الله يهداش أقول لش أبي أشوف رجلش.. تعاندين..

مزنة تنهدت بيأس: ما أبيك تشوفها.. من حقي تحترم رغبتي...

زايد بإصرار: ومن حقي تطيعين أمري..

قالها وهو يقف ليجلس جوارها ويرفع طرف ثوبها بنفسه.. ليكشف عن ساقيها وقدميها..


مزنة تمنت أن تمنعه.. فالموقف كله محرج ومؤثر وموجع.. لأول مرة يجلس جوارها منذ أشهر.. ليتصرف هذا التصرف!!

وتعم أنها لو حاولت منعه سيعاند أكثر.. وهي مرهقة تماما نفسيا جسديا!!

تتمنى لو كانت لبست حذاء رياضيا كما كانت تفعل طوال الفترة الماضية حتى لا يلاحظ أحدا ساقيها..

لكنها اليوم تهورت ولبست صندلا.. لأن كل شيء بات يضايقها فيها..
وهي تعلم أن لا أحد في بيت تميم إلا والدها..
لأن تميم دعا وضحى وسميرة للعشاء خارجا الليلة!!



زايد حين رأى قدميها .. تراجع بجزع وهو يكاد يئن..يئن فعلا!!

يكاد يقسم أن صندلها الذي تلبسه أكبر بخمس مقاسات عن مقاسها السابق..
كان شكل قدميها مرعبا..كانتا متضخمتان.. وخطوط الصندل تغوص فيها بشكل واضح..

وساقاها متضخمتان بشكل أكبر والضربات واضحة فيهما لأن من يعاني من الزلال.. أي ضربة حتى لو كانت بسيطة تترك أثرا واضحا!!

همست بسكون موجوع: ارتحت الحين؟؟


بينما زايد هتف برعب مثقل بالرجولة: أنتي صاحية؟؟ تدرين إنش المفروض ما تمشين كلش..
أشلون وأنتي أساسا ما تقعدين على حيلش؟؟

مزنة تنهدت: خلاص هانت.. بأدخل شهري قريب..

زايد يشعر أنه لشدة الألم يريد أن يبكي فعلا..
أ تكون تعاني هكذا.. وهي تعبر أمامه بخطاها الثقيلة.. وهو لا يشعر بها حتى!!

هتف بحزم موجوع: والكلى عندش أشلونها؟؟

مزنة هي من تريد أن تبكي فعلا الآن.. تأثرها يقفز للذروة وهي تحاول أن تجيب بثبات:
زينة..!!


أجابها بغضب حقيقي: كذابة.. مستحيل يكون الزلال معش كذا.. ومايكون متعب الكلى..

تنهدت مزنة بيأس: تعب وقتي.. بيروح لا ولدت..

زايد غضبه يتزايد ويتزايد: والبهايم اللي عايشين معنا.. مايشوفون حالتش..
أشلون ساكتين ومخلينش طالعة نازلة الدرج وأرجيلش كذا ؟؟
وإلا عادي.. كل واحد ماهمه إلا نفسه؟؟

مزنة بسكون: الزلال في أرجيلي بس.. وأنا على طول لابسة جوتي رياضة..
ماحد يدري..
كل واحد مشغول بهمه.. ليش أشغلهم بنفسي بعد؟؟


يا الله .. أتكون تعاني كل هذا؟؟
وهو لا يخفف عنها حتى بكلمة .. والكل لاه عنها هكذا!!



زايد هتف بحزم بالغ: خلاص.. فوق والله ماعاد تطلعين.. بتنامين تحت..

مزنة بحزع حقيقي: وين تبيني أنام؟؟

زايد تأفف: لا تخافين ما أبيش تنامين عندي..
الجناح اللي جنبي فاضي.. من الليلة بتنامين فيه..


مزنة تنهدت.. تعلم أنه لن يتراجع مادام قد حلف: زين خلني لين بكرة..
لين أجيب أغراضي..

زايد بصرامة: أنا حلفت وانتهينا..
الليلة أنا بأجيب لش اللي تحتاجينه.. ومن بكرة الخدامات ينزلون أغراضش.. والله ما تحطين يدش في شيء..


مزنة حرجها يتزايد: زايد الله يهداك منت بعارف تجيب لي أغراضي.. بأطلع أجيبها وبأنزل..

زايد تنهد بحزم أشبه بتنهيدة الوجع: تراني كنت معش في غرفة وحدة لشهور..
يعني مالحقت أنسى وش تستخدمين.. وش تلبسين..


" ليتكِ تعلمين كم استعدت في ذاكرتي
كل عاداتك اليومية كشريط لا أمل من إعادته وتكراره..!!
حتى حفظت كل شيء كمقرر سيمتحنونني فيه!!
أنا الآن أكثر معرفة مما مضى!!"


مزنة لا تنكر تأثرها المتعاظم..
ففي خضم كل هذا الإرهاق.. يكون الإنسان بحاجة للمسة حانية مهما يكن..
فكيف واللمسة الحانية منه؟؟

كيف استطاع اكتشاف كل آلامها من أول جلسة معها..
بينما الجميع يمرون عليها وكأنهم لا يبصرونها!!

قد يكون أبنائها مهتمون لأبعد حد بها.. لا تنكر.. لكن لا أحد منهم لاحظ ما تخفيه!!
لا أحد منهم كلف نفسه أن يفتش خلف ماتخفيه أمه القوية التي يريدها قوية على الدوام..

لكن هــــو بحث عن ضعف الأنثى فيها... ووجـــده!!


صعد بالفعل وأحضر أغراضها ووضعها في كيس..
وهي مازالت تجلس في الصالة السفلية ممزقة بين حرجها وتأثرها..

هتف لها بحزم: عطيني يدش أقومش..

مزنة بحرج: زايد الله يهداك أنا جاية من عند إبي أمشي مافيني شي..
تبي تمشيني ذا الخطوتين!!


زايد تنهد.. قد تكون محقة.. ربما هو يبحث عن أي سبب ليلمسها!!
ليشعر بملمس أناملها بين أنامله من جديد..

أو ربما هو فعلا يشعر بالذنب تجاه تركه لها تعاني كل هذا دون أن يبدي أي اهتمام بها!!






**************************************






" ها يامش الساعة صارت تسع.. ماتبين تنامين؟؟"


جميلة بنبرة مرهقة تماما: مافيني نوم..

منصور بنبرة رجولية حنونة: خلها لين تعشى وعقبه تنام..

جميلة تتجه بالحوار لمنصور وهي تهمس بخجل: يبه فديتك.. فهد كلمك؟؟

منصور بأبوية: لا يأبيش.. كلميه.. خلصوا تدريب أكيد من زمان..

جميلة شعرت بتشوش ما.. كيف يقول لها أن تهاتفه وهاتفه ليس معه..
همست بحذر: أخاف تلفونه مهوب معه!!


ابتسم منصور: دام طلع من التدريب أكيد معه.. وين بيروح؟؟
ليه أنتي ما كلمتيه تطمنين عليه البارحة؟؟


جميلة بحرج: بلى كلمته.. بس اليوم ماكلمته!!

جميلة حملت هاتفها وخرجت..
" معقولة يكذب علي وماخذوا تلفونه؟؟
زين ليش؟؟
ليش يافهد؟؟"


جميلة تنهدت وهي تتصل بعمتها أم صالح..
بعد السلامات المعتادة همست بطبيعية: يمه فهد كلمش الليلة لأني أكلمه تلفونه مسكر؟؟

أم صالح بعفوية حنونة: توه مكلمني من شوي فديته..

جميلة سألت بحذر وهي تشعر بتوجس عميق من الإجابة : كلمش من تلفونه؟؟
أو تلفون ثاني..؟؟


أم صالح تستطيع أن تقرأ قليلا وإن كانت لا تكتب.. وهي تحفظ الأرقام والاسماء المخزنة في هاتفها..


فجرت الإجابة تأثرا عميقا في نفس جميلة وهي تسمع جواب أم صالح القاطع:
من تلفونه يأمش..


جميلة ألقت الهاتف جوارها وهي تنفجر في بكاء غير مفهوم..
بكت بعمق شفاف.. كما لو كانت تكتم وجعا عميقا منذ زمن وتشعر الآن برغبة في تحريره!!


لم يخرجها من دوامة البكاء سوى رنين هاتفها..
لم تكن تشعر برغبة لسماع صوت أي أحد أو الرد على أي اتصال
سوى اتصال شخص واحد.. تريد أن تفرغ فيه غضبها الذي تشعر به الآن..
تريده أن يتصل فيها الآن لتصرخ فيه وتعاتبه وتسبه..
تركت الرقم الذي لم تعرفه يرن حتى انقطع!!

ثم انتفضت بجزع وشيء مرعب وجارح يخطر ببالها..

"الخاين النذل الخسيس يمكن أساسا ما يكون عنده دورة
ويمكن أساسا ماراح الامارات!!
الله أعلم وين راح؟؟ ووش يسوي؟؟
الخاين.. والله لأسود عيشتك.. والله لأسود عيشتك!!"


تناولت الهاتف من فورها لتتصل بفهد بأنامل مرتجفة.. وغضب عارم يجتاح روحها..

فور تناولها للهاتف... وردها اتصال من ذات الرقم الغريب..
فتحت الاتصال دون أن تقصد..

لتتفاجئ بالصوت الرجولي غير الغريب أبدا وهي تهمس بصدمة كاسحة:


خــــلــــيــــفـــــة؟؟!!!







**************************************






" كاسرة.. تعالي بس..
حن جايين هنا عشان تقعدين في المطبخ؟؟"


كاسرة بمودة: بأسوي لك عشا بس..

كساب بمودة أعمق: العشا تلاقين الطباخ سواه أساسا..
وأنا ما أبي عشا..
شوفتش قدامي مثل الحلى اللي عقب العشا..
خبرتي حد يتعشا عقب ما يأكل الحلى ؟!!


ابتسمت برقة: لا ماخبرت.. مثل إني ماخبرت إنه حد يشبع من كلام..
ومع كذا أنا شبعت مع أني كنت جوعانة..

ابتسم كساب وهو يشدها لتجلس جواره: بنتعشى بس بعد شوي
لو مهوب عشاننا... عشان ولدنا مايموت من الجوع..
ثم أردف باهتمام: إلا أنتي ماقلتي لي.. عجبتش المزرعة عقب التغييرات اللي سويتها فيها؟؟


كاسرة احتضنت عضده برقة وهي تهمس بعفوية حانية: تجنن والله..
أصلا أنت كل اللي تسويه يجنن..
ليتك بس تدري وش كثر..................


بترت عبارتها شعرت لثقل ما ستقول أنها عاجزة عن إخراجه كما تشعر به..

بينما هو شعر لحظتها كما لو أن دقات قلبه توقفت انتظارا لما ستقوله..
أنفاسه أصبحت ثقيلة لأبعد حد وهو يهمس بهذا الثقل كما لو أن خروج الكلمات يمزق حنجرته: وش كثر ويش؟؟ ليه سكتي؟؟

همست بإبتسامة تخفي خلفها أنفاسها اللاهثة المتقطعة: وش كثر خاطري أسمع منك سالفة دخلتك السجن واللي صار عقبها؟؟

كساب بإصرار موجوع ( أحقا كانت ستقولها؟!!) : لا ماكانت كذا.. أنا متأكد..

همست كاسرة بابتسامة عذبة مثقلة بالولع: إذا قلت لي السالفة.. كملت لك العبارة اللي أنت صرت عارف تاليها..


حينها ابتسم كساب بأمل شفاف: وعد.. اسمع الجملة كاملة.. لو قلت لش السالفة كاملة..
بس تجمدين لي قلبش..

ابتسمت بحماس: قلبي حديد وجامد.. والجملة تبيها مقدم قلناها..

شد كفها بولع حقيقي: خليها في الآخر عشان الكلام يجر كلام أكبر!!
وخلينا في سالفتي أخلص منها ومن همها..

وعشان تفهمينها عدل.. لازم نرجع بالزمن ورا خمس سنين ونص بالضبط...





#أنفاس_قطر#
.
.
.

#أنفاس_قطر# 27-03-11 07:58 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وسبعة
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير ياوجيه الخير...
صباح الأمن اللي ندعي به لكل أخواننا في كل مكان
أنعم الله عليهم بنعمة الأمن والاستقرار.. ورحم موتاهم وتقبلهم القبول الحسن
.
.
الدعاء بالشفاء لزوزو .. وفقط نقط.. اللهم اشفهما شفاء لا يغادر سقما..
وبثبات حمل أنت نور في سما عمري.. اللهم ثبت حملها وارزقها طفلا تاما..
.
أم عجايف الحمدلله على السلامة ومبروك ماجاك بنوتة وإلا ولد؟؟
وجميلة من أيام العلاج تدري إنه بيكون عندها مشكلة في الحمل عشان الدورة وقفت معها أكثر من سنة..
ومنصور بلغ فهد أيام الخطبة..
.
شكر خاص جدا لـ (لامارا) اللي سوت بارت إبداعي سبيشل لهزاع...
خلاص يا لامارا كفاية على هزاع بارتك يكفيه عن ألف عرس :)
هو يطول؟؟ يحمد ربه :)
.
البنات بعدهم يتساؤلون عن عادة لبس البرقع للمرة حتى عند زوج بنتها..
أمي شخصيا في سن مزنة تقريبا... زوجي ما عمره شاف وجهها :)
.
.
.
أبو البقاء الرندي قال:
لكل شيء إذا ماتم نقصان....

وروايتنا لازم لها يوم وتنتهي .. وتأكدوا مثل ماقلت ألف مرة إنها بتنتهي بالضبط مثل ماقررتها من البداية
لا مشهد واحد زايد.. ولا مشهد ناقص!!

ترا ما أقصد اليوم :)
يعني اقراو براحتكم مهوب البارت الأخير.. لكن أنا بس حبيت أرد على نبضات القلب اللي يتساؤلون
والله يديم المودة بين قلوبنا..
.
بارت اليوم بارت خاص جدا... ورجائي الخاص..
إنه ماتقفزون لنهاية البارت قبل ماتقرون كل حرف من البداية
وإذا وصلتوا للنهاية عرفتوا السبب..
.
يا الله البارت 107
.
أدري بتقولون قصير.. مع إنه موب قصير :)
بس لأنه صياغته لازم تعتمد على هالمشاهد بس
وتعويضكم ببارت طويل يوم الثلاثاء الساعة 9 صباحا على خير..
.
.
قراءة ممتعة مقدما..
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وسبعة








تناولت الهاتف من فورها لتتصل بفهد بأنامل مرتجفة.. وغضب عارم يجتاح روحها..

فور تناولها للهاتف... وردها اتصال من ذات الرقم الغريب..
فتحت الاتصال دون أن تقصد..

لتتفاجئ بالصوت الرجولي غير الغريب أبدا وهي تهمس بصدمة كاسحة:


خــــلــــيــــفـــــة؟؟!!!



صوته وردها مرتبكا محرجا بعيدا: مساج الله بالخير جميلة...

ردت بارتباك أكبر: هلا خليفة.. فيه شيء؟؟
عمي أحمد فيه شيء؟؟


خليفة ارتبك أكثر..وأكثر... وكثير مما يريد قوله يتسرب من خياله...

( أ حقا هذا صوتها؟؟ لماذا يبدو لي مختلفا؟؟
خاليا من نغمته الحلوة..
بل أقرب للبلادة!! )


خليفة يجمع كل حزمه رغم ارتباكه: أنا صار لي 3 شهور أنتظر ذا اللحظة..
حسبت لها يوم بيوم وشهر بشهر..


جميلة تشعر باستغراب عظيم وبضيق أعظم.. تتمنى لو انتهى هذا الاتصال بسرعة..

تشعر أنها تخون فهد بتلقيها لهذا الاتصال والسماح لصوت خليفة بدخول أذنها
وهي تعلم غيرة فهد الشديدة وتضايقه من مجرد اسمه..


بل شعرت بإحساس غريب وهي تسمع صوت خليفة بعد مرور كل هذا الوقت..
أن زخم حضور خليفة السابق في روحها يتضاءل ويتضاءل.. وهي تراه باهتا تماما أمام إشعاع فهد وألقه في روحها..
كما لو أنك أطفأت مصباحا فجأة... ثم أشعلت مصباحا آخر فورا..


همست بهذا الضيق والاستغراب: وليش 3 شهور بالضبط؟؟

خليفة ارتبك أكثر.. وأفكاره تتشوش تماما... يتمنى لو أنه لم يتصل..
بدت له هذه المرأة غريبة.. باردة.. جافة..
وخالية تماما مما كان يفتنه فيها!!
(وش كان عاجبني فيها؟؟!!)

يشعر لأول مرة برغبة عارمة أن يترك كل هذا ليتوجه ليدفن وجهه بين كفي زوجته ويغمرهما بقبلاته..

وهو يعلم أنها تنتظر مولودهما الأول بين لحظة وأخرى بعد أنهت شهرها التاسع تقريبا..
وتوجهت لتقضي أيامها الأخيرة عند أهلها.. بعد أن يأست أنها قد تثير في نفسه التفاعل الذي تتمناه..

بينما هي تكاد تقتل نفسها لتحصل منه على مجرد ابتسامة رضا..
يضن بها عليها وهو يتسربل ببرود غريب رغما.. رغم أنه يحاول أن يبدي لها طيب تعامله ردا على طيب تعاملها..

ولكنه كان يحلق في عالم آخر بعيدا عنها.. وهي احتملت من أجله كل شيء!!


حرر عنقه من أزراره العلوية.. وهو يشعر بالاختناق والكلمات تجف على شفتيه..
وجميلة همست بذات الضيق والحرج: خليفة فيه شيء؟؟ أو اسمح لي أسكر..

خليفة باختناق: أنا كنت أنتظرج تخلصين عدتج.. عشان يكون لي حق أكلمج..

جميلة بصدمة: عدة؟؟ أي عدة؟؟

خليفة بحرج أشد: سمعت إنج تطلقتي قبل 3 شهور..

جميلة باستنكار: تطلقت؟؟ من اللي قال ذا الخرابيط..
عمي أحمد قال لك كذا..؟؟


خليفة حرجه تزايد وتزايد: لا.. وحدة من خالاتي قالته.. وأنا حفظت الوقت واستحيت أسأل عن التفاصيل..


جميلة تنهدت وهي تهمس بحزم: غلطان أنا ما تطلقت..
ولولا حشمتك كنت سكرت التلفون لأني ما أرضى أكلم رجّال غريب من ورا رجالي..


خليفة حينها ابتسم..ابتسامة شاسعة...
شعور غريب بالحرية والانطلاق اخترم روحه من أقصاها إلى أقصاها..

كان يظنها طُلقت بسببه.. وخطرت بباله عشرات الأفكار التي حالت بينه وبين زوجته..

ثلاثة أشهر وهو ينتظر شيئا لا معنى له..!!

وشهور قبلها يبكي حلما فر من يديه... حلم لم يكن يوما له..

يبتسم لأنه الآن حر..

يبتسم لأنه لو لم يكلمها لكان بقي أعمى طوال عمره من أجل شيء لا يستحق...
كم يبدو لنا الشيء عظيما لأنه بعيد.. ولم نحصل عليه..
بينما ماهو بين أيدينا هو الأعظم والأجمل..

قد تكون جميلة حلما جميلا.. تعب من أجله وتمناه.. وزاد من حسرته أنه لم يستطع الوصول له..

لكن زوجته كانت حقيقة واقعة.. واقع ناضج.. وصله دون تعب... لذا لم يتحمس له..
لم يفكر ببساطة أن زوجته كانت مكافأة له على أيام الشقاء التي قضاها مع جميلة..

وكم من الأشياء العظيمة تكون بين أيدينا... وتضيع.. لأننا لا نعرف قيمتها..
سعيد لأنه عرف قيمتها قبل أن يفوت الآوان..!!


هتف بذات الابتسامة: أنا بس حبيت أقول لج..
إنج بنت عمي وعلى رأسي.. وتأكدي دوم إن وراج أخوان..
وأنا يوم طلقتج.. طلقتج لأني كنت مجروح وايد من تصرفج معاي..
ما قصدت أقلل من قدرج ولا قيمتج وادري إني غلطان وأنا آسف سامحيني..

كان لازم أقول هالكلمتين عشان أقدر أعيش مع زوجتي بدون ما أحس بالذنب..
زوجتي مرة مافي مثلها.. بس لاني حاس بالذنب من ناحيتج ماقدرت أقول لها وش كثر هي نادرة..!!
وش كثر أنا أحبها..!! وش كثر أنا سعيد إنها بتيب لي ولد أو بنت تعطيهم من طبايعها الرايقة وقلبها الطيب وروحها الحلوة..!!



ابتسمت جميلة ابتسامة شاسعة بشفافية: أنت متصل لي عشان تتغزل بزوجتك؟؟
كلمها وقول لها ذا الكلام كله..

خليفة ضحك.. وضحك.. وضحك.. : الحين بأروح بنفسي وأقول لها ذا الكلام وأكثر..


لم يكن مطلقا هذا هو الكلام الذي خطط ليقوله لجميلة..
كان هناك كلام مختلف.. تبخر كله حالما سمع همسات جميلة.. وقبل أن يعلم أنها ليست مطلقة حتى..
وصورة زوجته تتضخم وتتضخم لتحتتل هي كل الذاكرة وأكثر..


جميلة همست بشجن: وقبل ما تسكر ودامك كلمتني بنفسك..
خلني أقول لك.. إنك أنت رجّال مافيه مثلك.. والله يهنيك مع مرتك..
وأنه جميلك فوق رأسي طول عمري.. وإني لو شكرتك ألف مرة ما وفيتك حقك...
وأنا يوم مارضيت أرجع معك من المطار.. ماعفتك..
لكن كنت أبيك أعطيك حرية الخيار بس..
وسبحان الله هذا أنت لقيت نصيبك وأنا لقيت نصيبي..
لأنه نصيبنا عمره ماكان مابعض..!!



انتهى الاتصال...
وجميلة اختلطت شفافية دموعها بابتسامتها..
إحساس خيالي بالحرية والانطلاق والرحابة.. تشعر به..
لا تعلم.. لو لم يهاتفها خليفة كيف كانت ستبقى على عمى بصيرتها..

وكأن الأمرين يجتمعان ليزيلا الغمة من أمامها...
سفر فهد.. واتصال خليفة...

فلو أن خليفة اتصل وفهد كان موجود لا تعلم كيف كان من الممكن أن تكون النتائج..

ولو أن فهدا سافر.. وخليفة لم يتصل.. لربما بقي إحساسها بخليفة يكدر علاقتها بفهد..

فهل لابد لنا من هزة لتفيقنا من الغيبوبة؟؟!!



جميلة تنهدت من أفكارها وهي تمسح دموعها وتتنهد بعمق.. تتنفس أنفاسا مثقلة بعبق حرية مختلف تماما..
لتعود وتتذكر المهمة المعلقة..


فـــــــــهـــــــد..!!


تشعر الآن أنها ستجن من إحساس لذيذ اســمــه (الـغـيـرة )!!
وكل شيء يبدو واضحا أمامها لدرجة صفاء الصورة المذهل..

قلبها يُعتصر.. يعتصر من كل شيء!!
وأكثر شيء يعتصر قلبها.. اشتياقها له..
مشتاقة له كأنه غائب من عامين وليس من يومين... وكأنها باشتياقها له تريد أن تعوضه عن برودها معه لليالي متطاولة!!!!



جمعت كل شجاعتها.. واتصلت..

حينها كان فهد يتعشى مع مجموعة من زملائه في مطعم..

حين رأى اسمها يضيء الشاشة.. كادت الملعقة تسقط من يده..
وهو يضع الهاتف على الصامت.. وينتظر قليلا ليتماسك!!

بينما هي اتصلت عدة مرات ولم يرد عليها..
كادت تجن وهي تحاول دون رد عليها..


هو ماعاد قادرا على أن يتناول لقمة واحدة .. ثم استأذن وخرج للشارع ليكلم بحريته..

" غريبة.. وش عندها متصلة؟؟
لا تكون غلطانة الأخت بس!! "


حالما وصلها اتصال منه..
تصاعدت دقات قلبها بعنف..
إحساس جديد آخر تختبره لأول مرة!!
هذه اللهفة... والأنفاس المبهورة.. والدقات المتصاعدة!!

فتحت الهاتف لتجيب فورا بحزم مقصود يخفي اختلاج أنفاسها: يعني تلفونك معك؟؟ ماخذوه منك؟؟

أجابها ببساطة أقرب للسخرية: هذا أنتي يوم فكرتي تتصلين لقيتيه معي..

جميلة بغضب: وليش قلت لي إنهم بيأخذونه..
وش عندك ما تبيني أعرفه؟؟

فهد يشعر باستغراب حقيقي (وش عندها ذي): نعم؟؟ وش عندي يعني؟؟

جميلة بذات النبرة المشتعلة: أنت أدرى؟؟
ثم أردفت بإصرارها المشتعل:وينك الحين ووش تسوي؟؟

أجابها ببساطة: في مطعم.. أتعشى..

سألته بحدة: ومن اللي معك؟؟

نهرها بحزم: نعم؟؟ تسألين من معي؟؟
مالش شغل...

جميلة انفجرت: الرجال اللي يكذب على مرته كذا..
يكون عنده شيء داسه.. كنه سواد وجهه!!

فهد صرخ فيها بغضب: أص ولا كلمة... إني ولد إبي.. أنا تقولين لي كذا؟؟
زين ياجميلة دواش عندي لا رجعت..

حينها انفجرت تبكي بهستيرية: زين ارجع.. ارجع وسوي فيني اللي تبيه بس ارجع.. ارجع الحين..


فهد لم يفهم نبرة الوجع والاشتياق في صوتها!!
أو ربما لم يصدقها !!.. أو لم يستوعبها..!!

فكل مافهمه أنها تتحداه.. وكأنها تقول (كن فيك خير ارجع وسو اللي تبي)


هتف بغضب حقيقي: كلها كم يوم وأرجع.. وأقص لسانش اللي يبي له قص!!


أغلق هو الهاتف في وجهها..


وألقت هي هاتفها جوارها وهي مستمرة في النحيب.. بلا توقف..
بلا توقف!!!






*************************************






" ها وضحى أوديش لبيتش..
وإلا تروحين معي لبيتنا وتكملين السهرة معنا لين يجيش نايف"


وضحى تشير بمودة: أبي بيتي فديتك.. الساعة صارت 11..و نايف معزوم على العشاء عند رياجيل..
وأكيد على وصول!!
أبي أكون قبله في البيت...



وضحى نزلت لتتفاجأ بوجود نايف ومعه شقيقتيه نورة وسلطانة..

سلمت عليهم.. ثم جلست جوار نايف وهي تهمس في أذنه بمودة:
ليش ماقلت لي إنهم هنا.. كان رجعت بدري..


نايف همس بمودة باسمة: هم اهجموا علي وأنا كنت بأروح للعشاء..
قلت دام طلعتي خربتي ليش أخرب طلعتش..
تونا تعشينا.. وهذا أنا معهم .. وش يبون بعد؟؟


ولكن لم يكن رأيه كرأيهن.. إذ همست نورة بنبرة أقرب للغضب:
والله يأمش ماخبرت المرة تلوب بين البيوت ورجالها قاعد يحرس البيت..
(تلوب= تدور بالمعنى السلبي
لوبة= اسم لمن لا تقر في بيتها)


وضحى تنهدت بعمق وهي تشد لها نفسا عميقا وتحاول أن تتحامل على نفسها:
أنا طلعت مع أخي ومرته.. ونايف كان بيطلع وراي.. لأنه معزوم على عشا..
لو دريت انكم بتجون ماكان رحت..

حينها سألت سلطانة بفضول: مرت أخيش ماحملت..؟؟

وضحى شدت نفسا آخر: لا.. الله يجيب خير من عنده..


حينها هتفت نورة بمباشرتها القاسية: الظاهر أخوانش كلهم عندهم مشاكل..
كاسرة ماحملت إلا عقب سنة..
وذا تميم كملت مرته سنة ونص ماحملت..
وأنتي قدش بتكملين ست شهور..


وضحى ابتلعت عبرتها بالفعل.. قد يكون موضوع الحمل لا يشغلها حاليا لا هي ولا نايف.. فما زال الوقت مبكرا..
لكن هذا التجريح الجامع جرحها بالفعل..

والأسوأ أنها كانت تنتظر من نايف تحركا ما..
لم تكن تريد أن ترد عليهم في وجوده.. قررت أن تصمت حتى ترى ردة فعله..

وهو لم ينطق بحرف.. ووقت الرد فات..
وخصوصا أن نورة عاودت الاستئناف بذات المباشرة الحادة:
اللي أنا مستغربته بنت آل ليث اللي كنها زبدة وش مصبرها على أخيش..؟؟
أطرم ولا فيه عيال...


حينها انفجرت وضحى فعلا وهي تقفز واقفة وترتعش: لا.. لين هنا وبس..
حتى أخي.. لحقتوه بالحكي..
انتهينا..
أنا طالعة من ذا البيت اللي رجالي ماعرف يحشمني فيه..

من يوم خذته وأنا حاشمتكم من حشمتي له.. وأنتو ما حشتموني عشانه..
وليش تحشموني وهو أساسا ماحشمني!!
وخلا كل وحدة منكم تمد لسانها علي وش طوله!!


نايف أخيرا نطق بتمزق: وضحى عيب عليش..

وضحى انفجرت بغضب أشد: الحين طلع لك لسان.. الحين حكيت..
اشبع بخواتك وخلهم يشبعون فيك..

أنت أساسا ماتبي لك مرة.. تبي لك بقرة..
تأكل علف وتهز رأسها وهي ساكتة..
أنا خلصت من ذا الدور... شبعت من دور البقرة..
دور لك بقرة غيري..


سلطانة بذهول توجه الحوار لشقيقها: أنت بتسكت وهي تسبك كذا..؟؟

وضحى ماعادت تسمح لأحد أن يتكلم وهي متفجرة تماما:
وش تبين بعد؟؟
يضربني قدامكم عشان ترتاحون؟؟
قلت لش أنا طالعة.. باخلي لكم الجمل بما حمل..
اشبعوا في أخيكم.. لأنه أنا مالي رجّال في ذا البيت..
الرجال هو اللي نزلني هنا.. وراح..
والحين بيرجع يأخذني..


وضحى أنهت عبارتها وخرجت فعلا وهي ترسل رسالة لتميم أن يعود ليأخذها فورا بدون تأخير..
لأنها ستنتظره في الشارع..


نايف للتو يفوق من الغيبوبة.. كان يريد الركض خلفها...
لولا أن نورة حلفت بصرامة: والله لا تطلع وراها إني ماعاد أرفع برقعي لك..(يعني أهجرك من السلام)..
وأن لساني ما عاد يخاطب لسانك..
خل بنت مزنة.. خلها...
مثل ماطلعت بروحها.. بترجع بروحها وهي ماتشوف الدرب!!!


نايف ينظر نحو الباب بتمزق حقيقي: نورة الله يهداش.. عيب في حقي أخلي مرتي تطلع ذا الحزة من بيتها..
بأوصلها بيت أهلها بس..
استغفري يأخيش.. طالبش..


نورة بصرامة أشد: أنا حلفت خلاص..
وكنك فجرتني؟؟.. والله ماعاد أعرفك.. لا أنت أخي ولا أعرفك..
واشبع حزتها ببنت مزنة!!






**************************************







هاهما وصلا مكانها الجديد منذ بعض الوقت..
وهي جلست على المقعد.. بينما مازال هو واقفا..

هتف زايد بحزم: منتي بمبدلة ملابسش؟؟

مزنة بحرج: زايد الله يهداك.. إذا طلعت بدلت..

زايد بإصرار: باقعد هنا لين تنامين..


عاجز عن الاقتراب.. لكنه أيضا عاجز عن الابتعاد.. يريد أن يرى وجهها..
كيف أثرت فيه علائم البعد؟؟
هل حفرت فيه علائم الشوق كوجهه؟؟

يريد أن يشعر برائحتها قريبة.. يراها خارج إطارها الرسمي الذي تسربلت به طوال الأشهر الماضية..


تتنهد هـــي بيأس وهي تراه قريبا هكذا..

وحيدان.. وكل ماحولها يضغط عليها لتتقبل قربه الذي يعرضه..
ولكنها تخشى أن تقبل هذا القرب.. فيعود هو لدوامة الذنب التي تعلم أنها تخنق روحه الطاهرة..
سيعذب نفسه ويعذبها..

وعذابها لا يهمها.. فقد اعتادت الألم.. ولكنها لن تحتمل رؤية ألمه مرة أخرى..
وهو يرجوها أن تتركه لأنه يتعذب في قربها...


زايد تنهد بصرامة: مزنة لا تصيرين عنيدة كذا..
أبي أتاكد إنش تمددتي قبل أروح..
وإنش ماتبين شيء..
عاجبش حالتش؟؟


كانت مزنة على وشك الرد.. لولا الاتصال الذي وردها!!







********************************************






" كاسرة.. تعالي بس..
حن جايين هنا عشان تقعدين في المطبخ؟؟"


كاسرة بمودة: بأسوي لك عشا بس..

كساب بمودة أعمق: العشا تلاقين الطباخ سواه أساسا..
وأنا ما أبي عشا..
شوفتش قدامي مثل الحلى اللي عقب العشا..
خبرتي حد يتعشا عقب ما يأكل الحلى ؟!!


ابتسمت برقة: لا ماخبرت.. مثل إني ماخبرت إنه حد يشبع من كلام..
ومع كذا أنا شبعت مع أني كنت جوعانة..

ابتسم كساب وهو يشدها لتجلس جواره: بنتعشى بس بعد شوي
لو مهوب عشاننا... عشان ولدنا مايموت من الجوع..
ثم أردف باهتمام: إلا أنتي ماقلتي لي.. عجبتش المزرعة عقب التغييرات اللي سويتها فيها؟؟


كاسرة احتضنت عضده برقة وهي تهمس بعفوية حانية: تجنن والله..
أصلا أنت كل اللي تسويه يجنن..
ليتك بس تدري وش كثر..................


بترت عبارتها شعرت لثقل ما ستقول أنها عاجزة عن إخراجه كما تشعر به..

بينما هو شعر لحظتها كما لو أن دقات قلبه توقفت انتظارا لما ستقوله..
أنفاسه أصبحت ثقيلة لأبعد حد وهو يهمس بهذا الثقل كما لو أن خروج الكلمات يمزق حنجرته: وش كثر ويش؟؟ ليه سكتي؟؟

همست بإبتسامة تخفي خلفها أنفاسها اللاهثة المتقطعة: وش كثر خاطري أسمع منك سالفة دخلتك السجن واللي صار عقبها؟؟

كساب بإصرار موجوع ( أحقا كانت ستقولها؟!!) : لا ماكانت كذا.. أنا متأكد..

همست كاسرة بابتسامة عذبة مثقلة بالولع: إذا قلت لي السالفة.. كملت لك العبارة اللي أنت صرت عارف تاليها..


حينها ابتسم كساب بأمل شفاف: وعد.. اسمع الجملة كاملة.. لو قلت لش السالفة كاملة..
بس تجمدين لي قلبش..

ابتسمت بحماس: قلبي حديد وجامد.. والجملة تبيها مقدم قلناها..

شد كفها بولع حقيقي: خليها في الآخر عشان الكلام يجر كلام أكبر!!
وخلينا في سالفتي أخلص منها ومن همها..

وعشان تفهمينها عدل.. لازم نرجع بالزمن ورا خمس سنين ونص بالضبط...


تراجعت نبرته لتتحول لشيء غامض.. خليط من وجع ومرارة وذكريات قاسية:

نرجع لأيام ماخلصت مزون الثانوية...

أذكر زين تيك الأيام..
ماكنت أنام .. سهران معها وهي تدرس.. حفظت دروسها من كثر ماكنت أسمع لها..

خليت شغلي وكنت أقعد على باب المدرسة من يوم أوصلها لين تطلع علي..
عشان أشيك معها على إجاباتها..
كنت حاس كأني اللي أمتحن.. من كثر ماكنت أحاتيها..

وعقب ماخلصت... حسيت الأيام ماتمشي وأنا أنتظر نتيجتها..

يوم طلعت نتيجتها فرحت فيها أكثر من فرحتي أنا يوم خلصت ثانوية وجامعة ألف مرة..

أسألها وين تبين تدخلين؟؟ تقول لي طيران.. حسبتها تمزح.. بس هي صممت وإبي قوى رأسها..


حاولت فيها بكل طريقة.. حتى قلت لها بأروح معها أي مكان في العالم عشان تدرس شيء ثاني..
كنت مستعد أوقف حياتي كلها عشانها.. وهي ماهان عليها ترد على رجاي أنا وعلي!!


مع إن ذا السالفة انتهت.. بس حتى تذكرها يوجعني.. ما تخيلين وش كثر ترجيتها.. ماباقي إلا أبكي قدامها..
وهي مارحمتني.. ما تخيلت إن مزون اللي أغلى علي من روحي ممكن تسوي فيني كذا..

مزون ماكانت أختي.. كانت بنتي.. من يوم دخلت صف أول ماكان حد يدرسها غيري..
كنت أعرف أسماء مدرساتها وصديقاتها وكل شيئ يخصها مهما كان صغير!!


كسرتني هي وإبي كسرة شينة.. شينة..!!
صرت حتى قعدة المجالس أتجنبها.. أظن الكل يتكلم عنا.. وعن أختي اللي دخلت طيران!!

وعقبه تجنبت الكل.. دخلت نادي رفع أثقال.. كنت أقعد فيه من الصبح لين الليل.. ما أطلع إلا للمسجد..
أبي شيء أفرغ فيه حرتي وابردها.. وحرتي عيت تبرد.. عيت تبرد..


عقبه قررت أهج برا الدوحة.. سجلت ماجستير ادارة أعمال في أمريكا..
كنت أبي شيء يشغلني عن التفكير والقهر.. لا أستخف..


دراسة الماجستير كانت سهلة علي واجد.. دوام صبح قصير ومقررات سهلة..
كنت أبي شيء يشغلني أكثر..
فدخلت هناك نادي رياضي..

كنت أقعد فيه من يوم أطلع من الجامعة الظهر تقريبا.. وما أطلع منه لين يسكرونه..
كانت طاقة القهر تخليني ما أكل ولا أمل.. خلال 3 شهور بنيت عضلات يبي له الواحد سنة عشان يبنيها..


كان فيه واحد يتدرب معي.. ويراقبني بدقة... والأكيد طبعا إنه سوى تحريات عني..

في يوم قرب مني.. قال لي النادي ذا ما يناسبك.. قدراتك تفوقه بواجد..
أدلك على مكان أحسن هو اللي بتقدر تفرغ فيه طاقتك..

سألته وين مكانه؟؟

قال لي أنا بأوديك.. بس تراه مكان غالي واجد.. مهوب الكل يقدر على قيمته...


وفعلا وداني مكان.. تخيلي يتبع من؟؟

الجيش الأمريكي... طبعا هو غير مصرح إنه يتبع الجيش الأمريكي..
بس أي غبي بيفهم إنه التقنيات والامكانيات ذي لهم...

مكان تتدرب فيه وممكن تأخذ شهادة مدرب جيش لو قدرت توصل لين الأخير...
بس أنا لأني ماني بعسكري الشهادة ذي ماتفيدني!!
بس أنا حسيت بالإغراء والمغامرة... مكان مثل ذا هو اللي بيشغلني فعلا..


تدرين إن الجيش الأمريكي هو اللي مدرب المرتزقة والإرهابيين المنتشرين في العالم..
أي حد يشوفون عنده إمكانيات.. يجيبونه عشان يتدرب.. ويصير له ملف عندهم..
ويأخذون منه مبلغ مهول فعلا...



المهم تدربت عندهم أربع شهور لين خلصت الماستر اللي كان كله سبع شهور..

كنت أروح عندهم من عقب الجامعة لين الفجر..
أتدرب 14 ساعة متواصلة... فخلصت في فترة قياسية كل متطلبات البرنامج..

ما تتخيلين أيش اللي سووه فينا في ذا التدريب..؟؟

كان معاي عيال ناس أغنياء جابتهم هنا البطرة والرغبة في المغامرة..
شفتهم قدامي يبكون مثل البزران..
وفيه اللي شفته يطيح من فوق الجبال ويتقطع..
وفيه اللي مايعرف يفتح المظلة ويتكسر..
وطبعا كل واحد منا موقع إنه المسئول الوحيد عن نفسه!!


بس كله يهون يهون.. قدام اللي شفته عقب..


كاسرة بدأت دقات قلبها تتصاعد بعنف وريقها يجف أكثر وأكثر وهي تسأل بتوتر:
وش اللي صار عقب..؟؟


هتف بسكون موجع والذكريات تستغرقه للبعيد: قالوا اللي يبي شهادة مدرب جيش معتمدة من الطراز الأول..
يسوي الاختبار الأخير..

والاختبار إنه يدخل أخطر سجن في أمريكا لمدة ست شهور.. لو قدر يهرب من السجن قبل الست شهور.. يأخذ الشهادة..

ولو استحمل الست شهور بدون ما يستخف أو يصير له شيء هناك..
هم بيطلعونه ويعطونه شهادته العادية!!

زفر بحرقة ومرارة: أغبى قرار اتخذته في حياته..
وافقت أدخل.. حسبتها مغامرة ماراح تتكرر..
وقلت لأبي إني بأطلع تخييم فوق الجبال ويمكن أطول شهور وما أقدر أتصل!!


من أول مادخلت وشفتهم جايين بيحطون لي الوسم.. صحت..
(خلاص ما أبي.. طلعوني.. أنا ماني ببهيمة تحطون علي رقم..)

لكن ماحد عبرني..

كل يوم كنت أصيح طلعوني أنا ماني بمسجون.. وخلاص ما ابي..
مهوب لأني خايف من السجن..
لكن لأني ماني بقادر أستحمل اللي أسمعه..

تخيلي المسجون اللي معي في غرفتي يتفاخر إنه اغتصب 20 طفل وذبحهم..
ما استحملت.. ما استحملت...ضربته لحد ماكسرت وجهه..
ولا حد حاسبني..
يبونا نصير وحوش صدق..


لولا الصلاة وإلا كان استخفيت..
وتخيلي الله يسامحني إني كنت أصلي ووجهي أحيانا مهوب صوب القبلة لأني كنت أصلي في الزاوية
ظهري لطوفة وجنبي لطوفة..
عشان ماحد يباغتني من وراي..
ولو كان معي حد في الغرفة سجدت وركعت بعيوني بس..
لأني عارف إنهم ينتظرون مني لحظة غفلة وحدة..

ناس الإجرام صار يمشي في دمهم.. يذبحون لمجرد المتعة!!
وتخافين على نفسش من اللي أبشع من الذبح.. وأنتي فاهمتني..

كنت قاعد في ذاك السجن عيوني في قمة رأسي..
أرقد عين مفتوحة وعين مسكرة.. عشان كذا لحد الحين ماقدرت أتجاوز ذا المرحلة.. نومي ما أرتاح فيه..
واللي بيحركني وأنا نايم ممكن أكسر يده..

و ياكثر اللي تهاديت معهم في السجن.. واللي كسرتهم.. ومافيه محاسب..
لحد ماصاروا المساجين يتجنبوني ..

كنت طول اليوم أتدرب.. وأدور في السجن.. أحاول أدرس المخارج والمداخل..
وأدرس مناوبات الحراسة..
وأصنع لي أدوات وأدسها.. وأنا على ذا الحال خمس شهور..

لحد ماعرفت الطريقة اللي ممكن أهرب فيها..
استغليت فترة تغيير المناوبات وقت ماكان المساجين راقدين..
وهربت مع فتحة تهوية كانت تطلع على جبل..
تقطعت إيدي وأرجيلي وأنا أنزل الجبل بدون معدات..



كساب لم ينتبه إلى أن كاسرة بدأت دموعها تسيل بغزارة لشدة انشغاله بحكايته وهو يتنهد:
حسيت إني ورطت نفسي في سالفة كبيرة..
طلعت من السجن للسفارة... وبلغتهم كل شيء بالتفصيل.. حسيت إني لو ماسويت كذا..
يمكن أجي أرجع للدوحة ألقى اسمي على البلاك لست..
لقيت السفارة أصلا مشغولة تدور لي.. لأن إبي جنن الخارجية في الدوحة..
والخارجية جننوا السفارة..

السفارة كانوا يبون يتأكدون من اللي انا قلته..

لكن قبل ما يتحركون أي حركة..
كانت وزارة الداخلية والدفاع والأف بي أي كلها تتصل تسأل عني..
وأنهم مهتمين يبون يعرفون أشلون هربت بالتفصيل..

أنا بداية.. رفضت أقول لهم.. من القهر اللي في قلبي عليهم..
بس السفارة طلبوا مني أعطيهم المخطط كامل..
لأنه السجن ذا فيه أخطر مساجين ولو حد منهم تبع طريقي وهرب بتكون مشكلة كبيرة..

عطيتهم المخطط وعطوني الشهادة اللي ماكرهت شيء كثرها..


رجعت للدوحة..
و ماخلوني أرجع لهلي على طول..
قعدت في التحقيقات أسبوعين وهم يتأكدون من كل شيء قلته..

وعقبها عرضوا علي أني أسوي مهام للدولة..
ولأني ماني بعسكري كنت أسويها بشكل سري..
وكنت مخلي لهم تلفون خاص بهم.. ما أسكره لا ليل ولا نهار ولا أخلي حد يقرب منه.. عشان التواصل بيننا عن طريقه..

دربت في الجيش.. وسويت مهام انقاذ.. وخذت دورات في كل شيء يطري على بالش.. وسويت الدورات هذي هنا..
وشاركت في الكوارث اللي كان تروح لها وفود قطرية..

شفت خلال أربع سنين اللي ماشافه حد..
عرفت معنى الموت والحسرة والخسارة.. شفت الناس قدامي يموتون وما أقدر أسوي شيء..
شفت اللي تحدهم الكوارث يأكلون لحم الميتين عشان يعيشون..
أشياء عمرش ماراح تقرين عنها في كتاب أو تشوفينها في تلفزيون..

شفت أشلون قسوة الحياة والإنسان تحول الإنسان لوحش مايرحم...............



كان مازال سيتكلم لولا سماعه للشهقات المتصاعدة: بس كساب بس..

كان وجهها غارقا في الدموع.. وهو لم ينتبه لنفسه كيف استغرق في الحديث وهو يحرر ذاته أخيرا من كل ثقلها...
يشعر أمامها ومعها بالحرية من كل شيء!!


استدار نحوها بجزع وهو يهتف بتهدئة: خلاص كاسرة خلاص.. أنا آسف يا بنت الحلال.. آسف



كانت تشهق بعنف ودموعها لا تتوقف عن السيلان وهي تتخيل بشاعة كل مامر به..
تتخيل بشاعة الحياة وقسوتها التي حُكم بها عليه.
كانت تمسك ببطنها بقوة: كساب.. باولد.. بأولد!!


كساب قفز برعب وقلبه يقفز لحنجرته: أشلون تولدين وأنتي في السابع..
يتهيأ لش..
غلطانة أكيد..


كاسرة بدأت تنتحب بعنف.. فالألام بدأت تداهمها منذ بداية الحكاية قبل أكثر من ساعتين..
منذ شعرت بتأثره بما فعلته به مزون.. وكأنه لشدة تأثرها تأثر جسدها كله معها:
والله العظيم باولد.. بأولد..
أبي أمي.. تكفى كلم أمي..



كساب قفز ليحضر عباءتها وهو يسب نفسه بأقسى العبارات..
يلفها بعباءتها ليحملها وهو يهتف بجزع حقيقي:
الحين بأكلمها تجينا في المستشفى.. الحين.. هدي.. هدي..

كان يهدئها وهو غير قادر على أن يهدأ..

ركض بها نحو سيارته.. وهو يتصل بعمته.. ويخبرها..

مزنة صرخت برعب: أشلون تولد وهي في السابع.. تو الناس.. يمكن إنها مهيب فاهمة.. وش عرفها هي في الولادة!!
عطني إياها..

كساب أعطى كاسرة الهاتف وهو يقود بأقصى سرعته...
كانت كاسرة تبكي ووالدتها تحاول تهدئتها: يمه بأموت.. بأموت..
ماني بخايفة على نفسي.. خايفة على ولدي!!!

كساب حين سمعها تقول ذلك شعر أنه هو من سيموت فعلا... وهو يزيد سرعة سيارته بطريقة جنونية..

ومزنة تهدئها بيأس: يأمش اذكري ربش.. وخذي نفس... وش حاسة فيه؟؟

كاسرة تشهق: ما أدري يمه.. ما أدري.. بطني يتقطع من الوجع.. نفس آلام الدورة بس أقوى..
والحين أحس الكرسي تحتي غرق ماي...


مزنة قفزت من مكانها وهي تهتف برعب: عطيني كساب..


كساب تناول الهاتف برعب ومزنة تصرخ في أذنه برعبها: لا تخليها تمشي حتى خطوة وحدة..
أنا الحين باتصل في المستشفى يجهزون سرير النقل عند الباب..
الماي نزل عليها وخطر عليها وعلى الجنين..
أنا أنتظركم عند باب المستشفى... لا تتأخرون طالبتك يأمك..


كساب ألقى هاتفه خلفه بعنف.. وهو يبحث عن كفها بلهفة ليشد عليها..
كما لو أن حياته تتوقف على أطراف هذا الأنامل..

هتف باختناق: هدي.. كاسرة.. هدي.. بسم الله عليش..
ماعليش إلا العافية.. دقايق ونكون في المستشفى..

كان يشعر أنه سيبكي من القهر..
قد يكون شعر بالكثير من القهر طوال حياته..
ولكن لا شيء يشبه هذا القهر..!!
فحياة زوجته وابنه على المحك ولا يستطيع أن يفعل شيئا.. يتمنى لو كان يستطيع أن يطير..
فالطريق طويلة.. وحتى لو قاد بأقصى سرعة لن يصل قبل 40 دقيقة..


كانت تعتصر أنامله بقوة وهي تشهق: بأموت ياكساب..
باموت..وأنا ماشفت ولدي..

كساب يصر على أسنانه حتى شعر بالألم فيهما: استهدي بالله.. وش ذا الكلام..
أنتي والولد ماعليكم شر.. وش كثر نسوان ولدوا في السابع وعيالهم طبيعين ومافيهم شيء..


تحاول أن تتماسك وهي تشد لها نفسا عميقا وتزفر بقوة.. وهي تهمس من بين صرير أسنانها:
كساب لو صار لي شيء.. امنتك بالله.. أمي هي اللي تربي ولدي تحت عينك..

كساب يشعر أن روحه تذوي وتتأكل كشمعة أحرقها اللهيب.. وهو يهتف بصرامة موجوعة:
ولدنا أنا وأنتي بنربيه.. وما أبي أسمع ذا الكلام!! فاهمة!!


الطريق طويل.. طويل...
لا يريد أن ينتهي...
وهو يشد على كفها بقوة كما لو أنها المرة الاخيرة التي يمسكها فيها..

يُكثر من الدعاء.. والرجاء.. وهو يسمع شهقاتها التي باتت تكتمها...
والتي تخترق روحه بوجعها..


تشد أنفاسها وتزفرها بقوة..
بودها لو تقول له الكثير من الكلام..الذي لم تمنحها الحياة الفرصة لقوله..

ولكن هل للكلمات معنى الآن؟؟
كلماتها لن تفعل شيئا إلا أن تؤلمه.. وتعلم أنه الآن يتألم بما يكفي!!

لكنها لابد أن تقول شيئا يريحه.. حتى لا يشعر مطلقا بأي ذنب قد يؤرق حياته فيما بعد..

همست بسكون استغربه.. بينما كانت دموعها تسيل بصمت وهي تحاول أن تتناسى آلامها التي تمزقها:
كساب أنا عمري ماندمت على دقيقة عشتها معك..
أنا ندمانة على الدقايق اللي ماعشتها معك!!
ولو رجع فيني الزمن ألف مرة.. كل مرة باختارك.. وأختار الحياة معك..


كساب قفز قلبه لحنجرته وهو يهمس بصوت مبحوح ممزق: وش لازمة ذا الكلام الغريب؟؟

شدت أنامله أكثر وهي تمسكها بيديها الاثنتين وتعتصرها كما يعتصرها الألم:
ماله لازمة على قولتك بس أنا حبيت أقوله لك..


كان يريد أن يقول هو شيئا ولكن مايريد قوله يحتاج سنوات وسنوات ليخبرها به..
لن تكفيه الثوان المتبقية وهو يدخل لداخل بوابة المستشفى..
ويرى والده ومزنة يقفان فعلا هناك.. وبجوارهما طاقم الإسعاف..

أوقف سيارته بشكل عرضي وعجلات السيارة تصر بصوت مسموع..

قفز بسرعة ليحملها هو.. وهو ينتزع غطاء سرير النقل الذي أسرعوا به نحو السيارة.. ويلفها به..
لم يرد أن يحملها سواه..

تعلقت بعنقه بضعف وشهقاتها تصبح أكثر ضعفا..
كاد يجن وهو وهو يرى مقعد السيارة مبقعا بالدم..

كان يتلوى من الأنين و يشعر أن أحشائه تتقطع من الألم..
وهو ينزلها على السرير..
و تهمس هـــي بضعف شديد في أذنه في (لحظة التماس الأخيرة) بينهما:

أحـــــــبــــــك..



كان يريد أن يصرخ لها ( وأنا أكثر) !!
لكن طاقم الإسعاف سحبوها منه بسرعة وهو يركضون بها للداخل..


ومزنة وزايد يركضان خلفهم..
بينما هو وقف لثوان عاجزا عن السيطرة على ارتعاشات جسده.. وأنفاسه المزفورة بحرقة..

ليشد نفسه ويدخل راكضا هو أيضا..
ويجد والده فقط.. هتف بهمسات مبتورة: وينها؟؟ وينها؟؟

والده يربت على كتفه بمؤازرة حانية: دخلوها داخل..
لا تحاتي.. أمها معها..
ووش كثر بزران يجون في السابع.. وهم وأماتهم بخير وسلامة..


صمت.. ابتلعه الصمت في بئر لا قرار لها..
وهو يتأخر ليلتصق بالحائط..

لا يريد كلمات مؤازرة باردة..
لا يريد أن يهدئه أحد..

يريدها هي فقط أن تخرج له سليمة..!!

لا يريد أن يقول له أحد ( لا تقلق )..
لأن ما يشعر به ليس مجرد قلق.. بل روحه تتمزق يأسا ورعبا ووجعا..

شيء في داخله ينبئه أن هذا الوجع الذي يمزق كل مافيه..هو وجع أعمق من مجرد انتظار ساعات..
وجع سنوات .. أو قرون..

قـــــــرون !! قــــــرون!!

فهذا الوجع لا حد له.. لا حد له!!
شرّح روحه تشريحا!!
عبر كل خلية في جسده بمناجله آلاف المرات...


يشعر أنه عاجز عن التنفس .. وهو يسند جبينه للحائط..
لم ينتبه حتى أنه لا غترة فوق رأسه.. وهو يهرع بكاسرة للمستشفى بثوبه الذي عليه!!


والده يقترب منه ويهتف له برفق:
كساب يا أبيك روح البيت.. اسبح وبدل ثيابك..
هذا أنا موجود عندهم..
والنسوان يبطون في الولادة..


لم يرد على والده حتى.. فالصمت ابتلع روحه في سوداويته..
يستحيل أن يبتعد عن المكان وهو مازال لم يطمئن عليها..
روحـــه هنا..
فمن يستطيع أن يبتعد عن روحه؟؟


الوقت يمضي بطيئا.. بطيئا.. بطيئا..!!!

ساعتان فقط..
ساعتان روحه تناجي روحها بيأس..
وأنفاسه تضيق وتضيق.. وتضيق!!!
يريد أن يمزق رئتيه عله يستطيع التنفس.. فلا يستطيع...
أن يفتح صدره وأضلاعه ليجلب نسمة هواء واحدة.. فلا يستطيع!!



حتى خرجت الطبيبة وجهها مسود كسواد اللحظات التي يمر بها وهي تسأل بتأثر:
وين زوج كاسرة ناصر؟؟


كساب استدار نحوها بعنف حاد.. لم يقل شيئا وهو يقترب منها.. ووالده خلفه..

وهي لم تحتج أن يخبرها من هو...
فوجهه أنبأها..!!
والوجع في عينيه أنبأها..!!
ورعشة شفتيه أنبأتها..!!

وهي تهمس بذات التأثر: أنا ما أعرف شنو أقول لك..

بس والله العظيم حاولنا جهدنا ننقذها..

بس أنتو وصلتوا متأخرين كثير..!!






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

#أنفاس_قطر# 29-03-11 09:26 AM

بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثمانية
 


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير والمودة والسعادة والأمن يغمر كل الأوطان والقلوب
.
الله يهون على العضوة (زوجة زوجي) ولادتها
وحفيدة المبرئة اللي تقول بتسمي بنتها علي <== أدري تنصبين علي بس بلعناها :)
.

بارت خاص وطويل جدا جدا.. ماكان ينفع يتجزأ أبد..
طوله قد طول 4 بارتات..عشان كذا انصحكم تقرونه مقطع على أجزاء..
عشان تقدرون تستمتعون فيه..
لأنه بالفعل بارت يُقرأ على أقل من مهلكم
.
.
الجزء المئة وثمانية
.
.


قراءة ممتعة مقدما..
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.


بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثمانية






ماعاد يسمع شيئا..
وهو يخرج راكضا.. يركض كما لو أنه يحترق والنار مازالت تشتعل في جسده..
وتذيب جلده بلهيبها..
قبل أن يتوقف على باب المستشفى وهو يركع على ركبتيه..
ويتقيأ ويتقيأ ويتقيأ..


يعلم أنه لن يبكي.. فمثله عاجز عن البكاء..!!


يتقيأ حسرته.. فلا تنتهي!!
يتقيأ وجعه.. فلا ينتهي!!
يتقيأ روحه... فلا يجدها!!

فروحه ذهبت معها..
وهو محض جسد لا روح فيه!!


رحلت دون أن يراها..
رحلت دون أن يخبرها كم يحبها..
رحلت دون أن يخبرها أن أنفاسها ما كانت تمده بعبق الحياة ومعناها!!
رحلت دون أن يقول لها أن الحياة بعدها لا تستحق أن تُعاش!!
رحلت وهو لم يشبع بعد من ضمها لصدره..
رحلت دون أن يخبرها كم من المخططات فكر فيها ليقوما بها سويا..
مخططات لم تكن الحياة كلها لتكفيها..
فلماذا رحلت قبل أن ينفذا شيئا منها حتى؟؟


كان مستمرا في التقيء.. والتقيء.. حتى بدأ يتقيأ دما..
دم قلبه.. شرايينه الممزقة!!
خلاياه التي تهاوت!!



" لو استطعت.. لتقيأت كبريائي الذي حال بيني وبينك!!
لو استطعت.. لتقيأت قسوتي التي أبعدتكِ عني!!
لو استعت.. لتقيأت الحياة كلها التي ماعاد لها معنى بعدك!!


كنت أعلم أنكِ نعمة أكثر مما أستحق..
رجل بقسوتي وسواد قلبي.. لا يستحق معجزة مثلكِ!!


أعلم أني لا أستحق أن تبقي من أجلي..
لكن لماذا ترحلين وتتركين صغيرنا يتيما؟؟
لا تبقي من أجلي.. ابقي من أجله.. من أجله هو!!

فأي تربية سأربيه أنا؟؟
وأنا رجل أثخنتني الجراح وقسوة التجارب..

كنت للتو بدأت أعالج جراحي من أجلكِ..
فإذا بك تطعنيني بالجرح الذي لن يُشفى

جراحي بعدكِ لا شفاء لها..
لا شفاء لها!!! "



أسرع نحوه المسعفون يريدون إسعافه.. انتزع نفسه منهم بقسوة..
وهو يعاود الركض..

ثم يعاود الانكفاء على ركبتيه والتقيء.. قريبا من سور المستشفى..
لا يعلم حتى أين سيارته أو أين مكانها؟؟

يوقف أحد المارة سيارته..
وينزل لإسعافه.. ثم يحمله معه خارج المستشفى..







*********************************







اليوم التالي ليلا..
.
.





" يمه كساب وينه؟؟ ليه ماجاء لين الحين..
عطيني التلفون أنا بأكلمه بنفسي!!"


مزنة تتنهد بحزن عميق وهي تمسح على شعرها:
بيأتي يأمش.. بيأتي..

مازالت دموعها تسيل بدون توقف.. لدرجة أن عينيها تورمتا من البكاء..
همست بصوتها المبحوح تماما: يمه تكفين عطيني التلفون..
خلني أكلمه..
أبيه يجيني الحين..


مزنة تحاول تهدئتها فهي لم تتوقف عن السؤال عنه مطلقا منذ فجيعتها بالخبر..
وكأن وجوده هو ما سيبعث القوة في روحها...
همست بثقة مصطنعة: قلت لش يأمش كلمته وبيجي.. ارتاحي الحين..

مزنة أشارت للممرضة أن تعطيها إبرة منومة..
فهي تعبت من وعدها بحضوره.. وهم لا يعلمون أين هو حتى.. بعد أن ترك سيارته في المستشفى.. وهاتفه بداخلها..




.
.


عودة لليلة الماضية
.
.


كانت الطبيبة توجه حوارها لكساب بتأثر: أنا ما أعرف شنو أقول لك..

بس والله العظيم حاولنا جهدنا ننقذها..

بس أنتو وصلتو متأخرين كثير..!!


لا تعلم ماذا حدث له وهو يركض ويتركها مازالت تتكلم:
كانت البنت خلاص اختنقت من قلة الأكسجين..
سبحان الله على صغر حجمها بس عمري في حياتي ماشفت مولودة أحلى منها..
كأنها ما تنتمي للأرض.. لازم تكون عصفورة من عصافير الجنة!!

زايد اقترب منها وهو ينظر لظهر كساب المغادر ركضا باستغراب.. ويسألها باهتمام:
والأم أشلونها؟؟


الطبيبة بذات التأثر: الأم منهارة بصراحة.. لأنه من أول مانزلت الطفلة وهي تصيح تبي تشوفها..
سمعت الممرضات يقولون الجنين ميت.. انهارت أكثر.. كنت أبي أبلغ الأب عشان يمتص الصدمة..
ويدخل يهديها شوي لما نطلعها الاستراحة..

بس مبدئيا وضع الأم كويس..
وممكن لو حبت.. تحمل بعد شهر شهرين.. لأن هذي ولادة مش تسقيط..
والله يعوض عليكم بطفل سليم تقر عيون أبوه وأمه فيه!!







لا يعلم لِـمَ كانت الأفكار السلبية هي ما تركزت في رأسه..

شعر أن حبا متعاظما كحبه لها.. لا يكتب له الحياة..

شعر أن الله عز وجل يريد أن يعاقبه ويحرمه منها لكثرة ما أرتكب من أخطاء..

شعر أن الله عز وجل يريد أن يتنزعها منه لأنه لم يعرف قيمتها..
لدرجة أنه شح عليها بكلمة واحدة كان يعلم جيدا لهفتها لها..

وحين قالتها هي له.. شعر أنها تودعه بها..
شعر أنها كلمة الوداع بينهما..

وما أكد له ذلك كله أن الطبيبة قالت (لم نستطع إنقاذها) وليس (إنقاذه)
وهو يعلم أن مافي بطنها هو صبي..
فهو ذهب معها بنفسه إلى موعد (التلفزيون) وهكذا أخبرتهما الطبيبة..

لذا لم يشك للحظة واحدة أن الراحلة المقصودة هي كاسرة..
روحـــه... ولا أحد سواها..

عقابا له أنه لا يعرف قيمة شيء حتى يفقده !!

وما أقسى هذا العقاب..!!
ما أقساه!!

فأنت حينما تعاقب شخصا.. تعاقبه حتى لا يكرر خطئه!!
لا تعاقبه لتأخذ روحه!!




.
.
.




" يمه.. مايصير مخليتها راقدة على طول كذا..
وكل ماصحت ساعتين خليتيهم يعطونها منوم!! "


مزنة تنهدت بروحها الممزقة وهي ترد على وضحى:
وش تبين أسوي يعني..
كل ما صحت رجعت تبكي على بنتها.. وتسأل عن كساب!!
على الأقل خلي كساب لين يجي.. يمكن يقدر يهديها..


وضحى تمسح دموعها وتهمس بسكون: والبنت متى بيدفنونها؟؟


مزنة اختنقت بعبرتها حين تذكرت رؤيتها للصغيرة البالغة الصغر:
زايد يدور لكساب.. كان يبيه يحضر دفنها والصلاة عليها..
لو مالقاه لين بكرة بيدفنها..


وضحى تنهدت باختناق حقيقي: يمه صدقيني أحسن يدفنها بدون مايشوفها إبيها...
أنا وتميم حالتنا حالة عقب ماشفناها.. أشلون إبيها وأمها؟؟
خلها تندفن قبل ما تقول كاسرة إنها تبي تشوفها بعد...
والله يعوض عليهم إن شاء الله.. ويجعلها حجاب لهم من النار!!


ثم تنهدت وهي تردف بألم: يمه لو ولدوها قيصري.. ماكان ممكن تعيش البنت؟؟
يمكن عشانها جابتها طبيعي انخنقت..


تنهدت مزنة بإيمان: يأمش اللي الله كاتبة مامنه مفر..
كاسرة يوم وصلت كان نبض البنت متوقف خلاص.. ورأسها صار في أسفل الحوض..
ماخذت حتى وقت جهزوها للولادة إلا البنت نازلة..
ياقلب أمها وش كثر تعذبت بنيتي.. بكرية ومالحقت حتى تأخذ أي نوع من المهدئات..
لا أكسجين ولا إبرة الفخذ حتى..



وضحى تقف لتطل عليها.. تطبع قبلة على جبينها وتهمس في أذنها من قرب بوجع عميق:
الله رحمته واسعة.. واللي مثلش ما يكسرها اختبار مثل ذا!!
أردفت بإبتسامة موجوعة: قومي ياقلب أختش.. شوفيني سمعت نصيحتش..
خليت البيت لنايف وخواته.. قومي عشان تقولين (عفية على أختي)..
شدي حيلش وقومي..ترا الدنيا ماتسوى من غيرش..







*********************************









" تميم حبيبي.. استهدي بالله..
هذي أختك طيبة... والله سبحانه له حكمة في كل شيء!!"



تميم يشير وهو يتنهد بوجع: كاسرة خاطري واجد أختي..
سنة كاملة وهي تنتظر ذا الحمل..
وعقبه تموت البنت ماحتى شافتها..


سميرة بحزن: يمكن الله يبغي لها الخير.. عشان ماتشوفها وتتعلق فيها..
لله عز وجل حكمة في كل شيء!!

تميم بتأثر متزايد: حارقة قلبي كاسرة.. الله يعوض عليها باللي يسر قلبها..






*************************************








يلقي غترته جواره وهو يسند ظهره بإرهاق للمقعد بعد أن أطل على كاسرة
ويهتف بإرهاق موجوع:

مزنة الله يهداش.. ليه مهوب أنتي اللي بلغتينا الخبر..
على الأقل كنتي لمحتي لي..
وأنا مهدت للولد.. الحين الولد هج..
ماخليت مكان مادورته أنا وعلي ومنصور.. وحتى موظفين شركتي كلهم.. ومالقيناه..


مزنة بإرهاق متزايد مغلف بالحزن: زايد من جدك.. أخلي بنتي وهي تبكي ومنهارة وأطلع عشان أبلغكم..؟؟
كاسرة كانت بتموت في يدي وهي تصيح خلوني أشوف بنتي..
كانت تحسبها ولد.. ويوم درت إنها بنت تأثرت زيادة..
خفت يصير لبنتي شيء الله يصبر قلبها..
أصلا الدكتورة ماطلعت عليكم إلا عقب ما يأست تهديها..


زايد تنهد بحزن: الله يصبر قلبها ويعوض عليها..
توهم صغار.. والدكتورة تقول وضعها زين..
وهي مؤمنة وعارفة قضاء ربي وقدرته!!!

مزنة صمتت.. فماباتت تعانيه أكثر من طاقتها بكثير.. تشعر أنها توشك على الانهيار فعلا..
وهي تستنزف كل طاقاتها الجسدية والنفسية!!


زايد هتف لها بحزم وهو يتذكر: مزنة ارفعي أرجيلش قدامش..

مزنة بحرج: زايد مافيها شيء؟؟

زايد تنهد: منحرجة مني؟؟ قمت أروح لبيت..


صمتت مزنة.. تعلم أنها تحتاجه لجوارها فعلا.. لكن لشدى استغراقها في مأساة ابنتها عاجزة حتى عن طلب المعونة...
ولكنها تعلم أنها لو رفضت تنفيذ أمره.. معنى ذلك أنها تقول له ضمنيا أنها تريده أن يغادر..

لذا استدارت قليلا لتمدد ساقيها أماما على الأريكة وهي تغطيها بعباءتها..
لولا أن زايد فاجأها بوقوفه وهو ينتزع العباءة عن ساقيها ليهتف بغضب حقيقي وهو يرى ساقيها وقدميها المتورمتين بشكل مأساوي:
كنت عارف إنها بتكون كذا.. أنتي ما ترحمين نفسش شوي..
حرام عليش اللي تسوينه في نفسش..
ليش ماخليتي وضحى تقعد عند أختها ورحتي للبيت..

مزنة تنهدت وهي تشد العباءة من يده بحرج لتغطي قدميها:
ما أقدر أخلي كاسرة.. ما أقدر.. مستحيل أرتاح لين ترتاح هي..


زايد تنهد وهو يعود لمقعده ويهتف بحزم: خلاص أنا قاعد عندش الليلة..
وياويلش تنزلين أرجيلش من مكانها..
اللي تبينه أنا بأسويه..


مزنة تنهدت بحرج عميق (ليتني خليت وضحى تقعد عندي بدل ما أحلف عليها تروح..
الحين وش السواة؟؟)








***********************************








" مزون حبيبتي مايصير اللي أنتي مسويته في نفسش؟؟
أنتي بروحش تعبانة..
اتقي اللي في اللي في بطنش!!
يعني البنت هذي حتى ماعاشت عشان تحزنين عليها كذا!!"


كان يمسح دموعها بأنامله وهو يتمدد جوارها مسندا ظهره لظهر الحائط..

بينما رأسها مسند للمخدة التي تضع رأسها عليه..وتنظر في الزاوية لباقة الورد الضخمة التي بدأت تذبل ومع ذلك لم تخرجها..

همست باختناق عبراتها وسيول عينيها: ياقلبي ياكساب.. ماتخيلت إنه ممكن يتأثر كذا عشان بنته ماتت..
لدرجة إنه ماحد يدري وينه..
دامني ماشفته قدامي وضميته لصدري..مستحيل أرتاح.. أو تجف دمعتي!!
ياقلبي وش كثر كان فرحان يوم درا إني حامل.. يعني مستكثر علي ذا الحين أتأثر معه..
ياقلبي يأخيي.. مالحق يفرح هو ومرته..!!


غانم يصمت وهو يمسح شعرها..
ففي الختام هي محقة.. ففرحة شقيقها بحملها جعلته يخجل من فرحته هو..
وهو ينظر مثلها لباقة الورد الضخمة التي توسطتها هدية ثمينة جدا..
مع سلة خاصة من الشكولاته وصلا كلاهما من كساب فور معرفته بخبر حملها...

تنهد بعد دقيقة صمت وهو يهتف بحزم: أوعدش بكرة أدور مرة ثانية..
وين بيروح؟؟
وبأسال عنه في المطار.. لو كان طلع برا الدوحة.. حتى لو طلع عن طريق البر..
بيكون واضح في الكمبيوترات عندنا في المطار..



غانم يشعر باستغراب عميق..
يعني حدوث أمر كهذا .. وفاة ابنته..
ليس بالأمر الذي قد يهز رجلا مؤمنا ككساب..
لدرجة أنه يهرب ويختفي بهذه الطريقة!!






**********************************






صباح اليوم التالي
.
.


" مِن مَن الورد ذا يأمش؟؟"


تنهدت وضحى وهي تعيد البطاقة لمكانها بعد أن قرأت الاسم:
من نايف يمه..

مزنة تنهدت بسكون: عادش منتي براضية تردين على تلفوناته..؟؟

وضحى بألم عميق: لا أبي أرد على تلفوناته ولا أشوفه..
موجوعة منه واجد.. واجد يمه..
تخيلي يمه قعدت في حوش بيته أكثر من 5 دقايق وأنا عيني على الباب..
أقول ماني بهاينة عليه..!!
مستحيل يخليني أطلع في ذا الليل!!.. بيلحقني الحين..!!
كسر نفسي يمه.. كسر نفسي..


مزنة تنهدت: يأمش المسكين كل شوي يدق عليش.. كلميه.. أكيد يبي يعتذر لش..


وضحى بألم: ما أبيه يعتذر لي وما أبي شيء منه..
يمه فيه شيء ينفع فيه الاعتذار.. وشيء ما ينفع..
وياكثر ماسمعت منه آسف وامسحيها في وجهي..
مابقى في وجهه مكان أمسح فيه..


بالفعل نايف أرسل لها الكثير من رسائل الاعتذار الهاتفية.. ثم طلب من عالية أن تكلمها..
حين رأى رفضها الرد على اتصالاته..








*************************************







" ها عالية.. وش قالت لش وضحى؟؟"


عالية نظرت بحدة إلى خالها الذي كان يستجوبها بلهفة.. وهمست بذات الحدة:
أنا بصراحة ماكنت أبي أكلمها.. بس من غلاك عندي..
أولا وضع أختها مايسمح كلش بكلام مثل ذا..
ثاني شيء لأنه لو أنا مكانها.. كان كسرت البيت فوق رأسك أنت وخواتك ثم طلعت!!

نايف بتأفف حازم: عالية ترا مهيب ناقصتش.. خلصيني..

عالية هزت كتفيها: طبعا مارضت حتى أفتح ثمي في الموضوع..

نايف بخيبة أمل: تقولينها وأنتي مبسوطة بعد؟؟

عالية تنهدت: وليش انبسط.. بس بصراحة غلطتك عليها مالها دوا..
ثم أردفت بنبرة أقرب للغضب: خلنا من إنك خليت خالتي نورة تجرح فيها وفي أهلها وأنت قاعد مثلك مثل الكرسي..
بس عيب عليك مخلي مرتك طالعة في نص الليل للشارع..
ولا تقول لي خالتي نورة حلفت.. لأنه الرجال ماترده حلوفة النسوان من المراجل!!


نايف قاطعها بغضب: تراش مسختيها.. عيب عليش..

عالية بغضب مشابه: الحين أنا اللي عيب علي..
تخيل إن إبي يدري بسواتك.. والله يا أقل شيء يسويه إنه يطردك من مجلسه..
وأزيدك من الشعر بيت.. سميرة بنت عمي تقول إن رجالها مصمم إنها ماعاد ترجع لك..
يقول اللي مايحافظ على أخته ما يستاهلها.. وهو خذها من بيت رجّال مهوب من الشارع..
سميرة تقول إن تميم مستوجع واجد.. إنه جا ولقاها واقفة في الحوش قريب من باب الشارع...
يعني لو أنك على الأقل وقفت معها لين يجي أخيها.. أو حلفت أنت توديها.. كان غلطتك ممكن تنبلع..
بس الحين.. خبز خبزتيه يا الرفلا اكليه...
عجزت أقول لك لازم تحط حد لخالاتي.. بس أنت كنت مبسوط بالوضع..
خلاص اشرب..


نايف تنهد بيأس حقيقي.. حياته كاملة تنهار أمامه.. وليس في يده أي حل..
فماذا يفعل؟؟
ماذا يفعل؟؟










**************************************







"دفنتوها خلاص؟؟"


علي يلقي غترته جانبا ويهمس بتأثر: دفناها.. جعلها تكون حجاب لأبيها وأمها من النار..


شعاع تمسح دمعة تأثر: ياقلبي ياكاسرة..
الله يعينها ويواجرها..
أنا وأنا حملت على طول.. لو يصير للبيبي حقي شيء بعيد الشر بأستخف..
أشلون هي .. وهي ماحملت إلا عقب سنة..
ويوم قربت خلاص.. يطلب الله أمانته..

علي يتنهد وهو يربت على كفها: الله له حكمة من كل شيء..
مهوب حارق قلبي الحين كثر أخي اللي ما أدري وين راح..
ماخليت مكان مادورت فيه.. لا هو في مستشفيات ولا سجون.. ولا طلع برا الدوحة..
وين راح؟؟ بأستخف.. بأستخف..

ثم أردف بتهيدة شاسعة: باتسبح وأرجع أدور له..

شعاع بتأثر رقيق: حبيبي أنت من أمس ما نمت ولا قعدت دقيقة في البيت وأنت تدور له..

علي يتجه للحمام وهو يهتف بحزم: ولاني بنايم لين ألاقيه..
تدرين وش اللي موجعني؟؟
إني مابعد احتجت كساب ومالقيته جنبي..
والحين يومه محتاجني ماقدرت أكون جنبه!!



حين خرج علي من الحمام..
همست شعاع وهي تناوله ملابسه: ترا تلفونك دق كم مرة..

لا يعلم لما شعر بتوتر مفاجئ وهو يركض نحو هاتفه..
حين وجد أن الاتصال من العامل المسئول عن المزرعة.. تزايد توتره ولهفته وهو يتصل باستعجال...

شعاع توترت معه لتوتره وهي تقترب منه وتسمعه يصرخ في الهاتف:
أشلون يكون عندكم وأنا سألتك بدل المرة ألف وتقول لي إنه مارجع عليكم..

........................

متأكد إنه نايم؟؟

...................

أنا جاي الحين.. لا تحركونه ولا تقومونه..


شعاع بتوتر ولهفة: لقوا كساب..؟؟

علي يرتدي ملابسه باستعجال وهو حتى لا يعلم كيف ارتداها ويهتف باستعجال مغلف بجزع ورعب حقيقين..:
عمال المزرعة لقوه نايم في غرفتي أنا.. يوم جاو يرتبون..
لأنهم أمس مارتبوا.. وماشافوه دخل.. ولا كان فيه سيارة..
يقولون إنه نايم.. والسرير عليه بقع دم..
الله يستر الله يستر..
لا تقولين لحد شيء.. لحد ما أروح بنفسي وأشوف السالفة..





.
.
.



علي لا يعلم كيف وصل إلى المزرعة حتى...
وهو يقفز من سيارته ويتركها تعمل.. ويركض نحو غرفته ليجد عمال المزرعة كلهم يتجمهرون على بابها..
طلب منهم جميعا المغادرة.. وبقي معه فقط المسئول عن المزرعة..


حين دخل.. كان كساب فعلا نائما..

والمرعب أنه كان هناك بقع دم لا يعلم من أين أتت..
وهو يدقق النظر في جسده فلا يجد إصابات..
اقترب منه ليجد أن هناك دم متخثر على أطراف فمه..


علي اقترب منه ليهتف له برفق قلق قبل أن يهزه: كساب.. كساب قوم يا أخيك..

فعلي يعلم جيدا أن كساب لا يحب أن يحركه أحد وهو نائم قبل أن يكلمه..

كساب انتفض بجزع وهو يقفز بتحفز ويمسح وجهه: بسم الله الرحمن الرحيم..
أعوذ با الله من الشيطان الرجيم..

علي بقلق: كساب الدم ذا من وين جاي؟؟

كساب عاجز عن النظر لأي وجه وهو يهتف بنبرة ميتة: يمكن من ثمي..
لأني البارحة زعت دم..

علي برعب حقيقي: زعت دم... قوم.. قوم نروح للمستشفى..

كساب رد عليه بقسوة: ما أبي أروح للمستشفى..
ثم أردف بنبرة ميتة تماما بالكاد استطاع إخراجها: أبي أروح أدفنها..

علي بتردد: دفناها خلاص..


كساب هتف بذهول: دفنتوها بدون ما أشوفها؟؟.. توها ماتت قبل الفجر.. تدفنوها بذا السرعة بدون ما أشوفها..؟؟

ثم بدأ يصرخ بشكل هستيري: تدفنونها ليه؟؟ ليه؟؟ ليه؟؟

علي يحاول تهدئته: كساب أنت مختفي من فجر أمس.. وإكرام الميت دفنه..

ولكن كساب لم يهدأ وهو يصرخ بكل هستيرية الكون: مالحد منكم حق يدفنها..
أنا بس اللي لي الحق..
أشلون هان عليكم تنزلونها في القبر..؟؟
أشلون هان عليكم توسدونها القاع؟؟
من اللي نزلها؟؟ من اللي كشف عن وجهها؟؟ من آخر من شافها؟؟
حرام عليكم.. حرام عليكم.. ليه تسوون فيني كذا..؟؟
ماحتى خليتوا لي شيء أتذكره منها!!


علي يصرخ فيه بحزم: بس كساب.. تراك مزودها..
الحين فيه اللي محتاجك أكثر.. اسبح وأمش معي..



يا الله.. ما أضيق الدنيا في عينيه..!!
أ حتى جسدها اختفى من وجه الأرض قبل أن يراها ولو لمرة واحدة..؟؟

هتف بتبلد: الولد أشلونه؟؟

علي بعدم فهم: أي ولد؟؟

كساب بذات التبلد: ولدي!!


علي يحاول أن يفهم ويجمع الصور.. لتتضح الصورة بشكل مفاجئ في عينه..
هتف علي بنبرة مقصودة: الولد زين.. في الحضانة.. ماتبي تشوفه؟؟


كساب تنهد بألم شاسع: أكيد أبي أشوفه.. وش بقى لي من ريحتها غيره..

ثم أردف بالم أشد: تكفى علي جيب لي ملابس من حجرتي.. ما أقدر أدخلها عقبها..


" يا الله.. ما اكبر ألمك يا أخي!!
لأول مرة أراك تصرخ بإحساسك بالألم بهذه الطريقة!!"


علي قرر ألا يخبر كساب.. لأنه لا يعلم كيف ستكون ردة فعله..
هذا الذي نام لأكثر من يوم وهو يظن أنه نام لساعات..
وتقيأ دما..
وكأن جسده يتصرف نيابة عنه.. لأنه عاجز عن البكاء..


حين خرج من المستشفى فجر أمس..
لم يفكر أن يذهب إلى أي مكان إلا للمزرعة.. آخر مكان جمعهما سويا..
كان يريد أن يهدأ قليلا..
لم يستطع أن يدخل لغرفتهما.. لذا توجه لغرفة علي..
لا يعلم كيف نام كل هذا الوقت..

هل كان جسده يرفض أن يصحو بعدها؟؟
أو هي رحمة الله به الذي أراد أن يرحمه من كل هذا الضغط؟؟



يتنهد بوجع وهو يدخل للحمام ليستحم..
وهو يبصق دمـــــا..!!


" فمثلها لا يُبكى بمجرد ماء بارد.. دموع تنسكب من العين..
بل تُبكى بدم ملتهب يُبصق من القلب"


فأي عشق هذا الذي أورثه هذا الرجل لابنائه؟؟


يستند على جدران الحمام بضعف.. يشعر أنه بالفعل ماعاد يريد أن ينظر حتى للحياة من بعدها..
ولكنه يبقى رجلا قويا.. في إيمانه.. قبل كيانه!!

يعلم أن هذا اختبار رب العالمين له.. لابد أن يصبر من أجل ابنه على الأقل..


" ولكن من أين أتي بالصبر؟؟
من أين أتي به؟؟


وحالي معها كما قال الشاعر:
يامن صورت لي الدنيا كقصيدة شعر....... وزرعت جراحك في قلبي وأخذت الصبر


جرح فقدها في قلبي لا قرار له..
والصبر أخذته معها.. أخذته معها..!!

كل شيء أخذته معها.. ما أبقت لي شيئا..
ماذا بقي من الدنيا بعدك ياكاسرة!!


الدنيا باهتة..
والسماء اختفت نجومها..
والهواء بعدكِ بات ثقيلا يدخل لصدري كالخناجر..

أقسم أني عرفت قيمتكِ
أقسم أني حفظت الدرس..

فهل تعودين لي الآن؟؟
هل تعودين؟؟

سأقول لكِ أحبكِ ألف مرة في كل دقيقة..
سأقول لكِ أنني كنت غبيا لأني لم أصرخ لكِ بها كل ليلة حتى أصيبك بالصداع!!


أريد أن نسافر لمكان بعيد.. فقد وعدتكِ منذ أشهر طويلة أن نسافر..
أعلم أني تأخرت كثيرا لأفي بوعدي..
فلماذا ترحلين وتتركين وعدي معلقا..؟؟
كنت اريد أن ارى الدنيا بعينيك.. وتريها بعيني...

فأي عيون سترى الدنيا من بعدك؟؟

لو كنت أعلم أن الدنيا ستكون شحيحة بكِ هكذا..
لو كنت أعلم فقط!!"



طرقات علي تتصاعد على باب الحمام بقلق: كساب وش فيك تأخرت؟؟


كساب يصحو من غيبوبته والماء ينسكب بغزارة حرقته فوق رأسه هتف بتبلد:
دقيقة وأجيك..


حين خرج كساب هتف بذات التبلد الذي يغلف فيه مشاعره:
خلني أصلي الصلوات اللي فاتتني ونمشي..



.
.
.




يخرجان خارج المزرعة وعلي يسأل بنبرة مقصودة: وين تبينا نروح أول؟؟

كساب بحزم: قبرها..

علي برجاء: زين خلنا نأجل زيارة القبر شوي.. بأوديك المستشفى أول..

كساب بحزم أشد: قلت لك ودني قبرها.. ماتبي توديني نزلني هنا وبألاقي اللي يوديني مثل مالقيت اللي جابني..

علي باستسلام: إن شاء الله.. بأوديك!!


حين أصبحا قريبين من المقبرة.. همس كساب بإجهاد: ما أقدر.. ما أقدر..
خلنا نرجع ماني بمستعد..


بدت الدنيا سوداء تماما في عينيه.. ما أن شعر باقترابه من رائحة الموت الذي انتزعها منه..

لن يحتمل رؤية التراب يحول بينه وبينها..
لن يحتمل رؤية قبرها وهو يعلم أن ظلمته احتوت جسدها..
يخشى أن يتصرف تصرفا يكدر راحتها في قبرها..

ولكن هو كيف يرتاح؟؟ كيف يرتاح؟؟


حين بدأ علي يبتعد عن المقبرة مرة أخرى.. شعر أن قلبه يقفز من بين جنبيه وعيناه تتابعان بألم سور المقبرة:
بأرجع.. صدقيني بأرجع..
بس عطيني وقت أقدر أستوعب الخسارة اللي ما أظن إني في يوم من الأيام بأقدر أستوعبها..
خسارتش أكبر من قدرتي على الاحتمال..
أكبر بواجد!!






يقتربان من المستشفى..
يرسل علي رسالة لمزنة يخبرها أنه وجد كسابا..
وأنه يريد من الجميع أن يتركوها لوحدها وينسحبوا لغرفة الجلوس..


كان علي يعلم أن الاثنين مثقلان بالجرح..
ومن حقهما أن يعالجا جراحهما بنفسيهما دون أعين تراقب!!



كساب كان يتبع علي دون إحساس.. كما لو كان جثة تتحرك..
" ماذا بقي لي سواك يا بني ؟؟
أرجوك لا ترحل أنت أيضا..

أريدك أن تكون تشبهها..
أرجوك أن يكون لك التماعة عينيها أو ابتسامة شفتيها.."


حين وقفا عند باب غرفة كاسرة..
هتف علي لكساب: ادخل..

كساب انتبه من غيبوبته التي بات يغرق فيها كثيرا: بس هذي مهيب الحضانة..


علي يتنهد: أنت ادخل الحين وبتشوف بنفسك..

كساب دخل بخطوات مترددة.. وعلي تأكد من إغلاق الباب خلفه.. ثم توجه لانتظار الطابق..


مازال عاجزا عن الاستيعاب.. هناك سرير وهناك من ينام على السرير..
(وش السالفة؟؟)


شعر بتثاقل أنفاسه وهو يقترب من النائم...
يقسم أن رائحتها قريبة.. قريبة جدا!!

(الظاهر إني استخفيت!!)

اقترب أكثر وهو يشعر بتزايد إجهاده..
يشعر كما لو كان يصعد لقمة جبل.. والهواء لشدة نقائه وكثافته بدأ يؤلمه بعد اختناق صدره ..

يصعد القمة مع اقترابه من السرير.. أضلاعه تؤلمه أكثر وأكثر..

شهق بحدة وهو يراها ممدة على سريرها نائمة بسكون..
استند على حافة السرير حتى لا يسقط.. وهو ينظر لها كالمجنون..

"حلم.. أحلم أنا..
أكيد أحلم..
بس الحلم ما يكون حلو كذا..
لأمه مافيه حلم يقدر يصورها..
هي أكثر من كل الأحلام وأجمل!!"


مال برفق وهو يستند على حافة السرير بثقل..

مال ليتنفس عبق رائحتها من قرب.. (هي.. هي.. هي!!)

مد أنامله المرتعشة ليتحسسها ( مافيه غيرها.. لا لمسته حسيت أناملي ترتعش مع رعشة قلبي!!)


كان يريد أن يتنزعها من سريرها انتزاعا بدون تفكير ليضمها لصدره بكل قوته ليدخلها بين ضلوعه ويخفيها هناك..

لولا أنه بقي في رأسه بعضا من عقل ينبئه أنها للتو أنجبت..
وأي حركة غير محسوبة ستؤلمها..

شعر أن جسده منهك منهك تماما.. وهو ينهار على المقعد قريبا منها..

ينظر لها بيأس ولهفة..

" يا الله يا ربي ما أوسع رحمتك!!
ما أوسع رحمتك!"


لا يعلم كم مضى له من الوقت وعيناه تلتهمان تفاصيلها الساكنة..
رؤيتها تبعث في روحه جرح السعادة..
جرح لا يعلمه إلا من عرفه!!

قبل أن يجرؤ أن يمد يده ليمسك بيدها..
كان يريد أن يقبل أناملها قبلة رقيقة.. قبلة واحدة فقط..
فإذا به بغمرها بعشرات القبلات المبللة باليأس والسعادة..

لم يخرجه من فوضى المشاعر التي اجتاحته.. إلا أنة ضعيفة صدرت عنها..

حينها أفلتها وهو يقفز ليقف قريبا منها..

همست بضعف دون أن تفتح عينيها: يمه.. كساب جاء..؟؟

كان الجواب هو شفتيه اللتين لم تجدا طريقة للتعبير عن حزنه عليها سوى ببصقهما دما..
لتنفثا في روحها الحياة الآن..

كاسرة شهقت وهي تفتح عينيها لتطوق عنقه بذراعيه وهي مازالت ممدة..
أفلت شفتيها.. ليلصق خده بخدها وهو يرفعها برفق..

انتحبت بشفافية وهي تغرق عنقه بدموعها: وين كنت ذا كله؟؟
أنت تعاقبني عشان بنتنا ماتت بدل ما تكون جنبي..

كساب عاجز عن التفكير لا يستوعب أي شيء سوى أنها بين يديه الآن..
وهو من كان يظن أنه لن يحتضن سوى مرارة الأيام بعدها..

همس في أذنها بكل وجع العالم: أحبش وأحبش وأحبش
وسامحيني على على كل شيء.. على كل شيء..
سوي فيني اللي تبين بس تكفين لا تفكرين تخليني مرة ثانية!!








***********************************






" يمه كساب وين راح؟؟"


مزنة همست بإبتسامة متأثرة: أكيد قريب يأمش.. راح عشان النسوان اللي جاوو يسلمون عليش..
وأكيد بيرجع..


مازالت عاجزة عن تخفيف فيض دموعها التي تأبى التوقف وهي تهمس بصوتها المبحوح الممزق:
تكفين يمه كلميه يجي..


تشعر في غيابه كما لو كانت محض طفلة فقدت أنامل والدها في خضم زحام كبير..
ولن تشعر بالأمان حتى تعود للاطباق على أنامله..
حينها ستسكن روحها من القلق والخوف والجزع..


همست مزنة بحنان: باتصل له يأمش.. مع إني ما أدري تلفونه معه وإلا لا..


قبل أن تتصل مزنة كان هو من يتصل يسأل هل مازال عندهم زائرات..
ويخبرهما أن معه مفاجأة..


مزنة أنزلت نقابها ووضعت عباءتها على رأسها.. لتخرج وترى.. حين رأت مفاجأة كساب ابتسمت بشفافية وهي تفتح الباب على اتساعه..


دخلا مع باب غرفة الجلسة ليتوجها لكاسرة التي كانت ترفع ظهرها قليلا..
حين رأت القادم تزايدت دموعها وهي تحاول النزول لتقف..

هتف لها كساب بحزم: والله ما تنزلين أنا بجيبه عندش..


اقترب الجد وهو يستند لكف كساب.. ويحاول أن يتبين ما أمامه ويهمس بتأثر عميق: وينش يأبيش؟؟

كان الرد على جوابه أن كاسرة طوقت خصره وهي تقبل كتفه بتأثر عميق حين أوقفها كساب جوار سريرها..


احتضن رأسها بحنان وهو يهمس بذات تأثره الرقيق المتجذر كجذور شخصيته وهو يشعر بتبلل كتفه من دموعها:
ياويل حالي من ذا الدموع كلها.. اذكري الله يأبيش..
الله يأخذ ويعوض بأكثر منه وأحسن..
قبل ما تجيني مزنة.. مات علي خمسة ماحد منهم كمل شهر..
ولو يخيروني بينهم كلهم وبين مزنة.. ما تخيرت حد عليها..


همست كاسرة باختناق: الحمدلله على كل حال يبه.. ما نعترض على عطاه..
بس الوجع غصبا عني..

كان كساب ينظر للمشهد.. ويشعر أن الألم يغوص في ثنايا روحه مع إحساسه بالندم من أجله..

تأثرها يهز أعماقه.. لا يعرف كيف يستطيع التعويض عليها إلا بمشاعره المنهمرة من أجلها.. وهو يبحث عن كل ماقد يرضيها أو يسعدها!!









*********************************************









" أشلون كاسرة الحين؟؟"



تميم يشير بهدوء: الحمدلله أحسن.. بكرة الصبح بتطلع من المستشفى إن شاء الله..



ابتسم فاضل: ماتبي تمرن جنحان طيورك..؟؟ خاست من القعاد في مركز الطيور..


ابتسم تميم: نمرنها هنا في الدوحة ماعليه.. بس قنص ذا السنة ما أقدر..
ثم أردف بإشارة غامضة: عندي شغل..ما أقدر أخليه..


تنهد فاضل بإبتسامة شاسعة: والله حتى أنا ماودي أطلع من الدوحة ذا السنة..
خايف مرت عبدالرحمن تولد وأنا ماني بهنا..
ذا البنات ماعاد مسكوا غرانهم في بطونهم شوي..
وأنا من شفقتي عليه ما أبي حد يشله قدامي!!


ابتسمت أم عبدالرحمن التي كانت تقطع للاثنين صحنا من الفاكهة وهي تخاطب أبا عبدالرحمن:
خاطري أدري أشلون تسولفون.. على أنه ولد أخي أنا.. أشياء واجد ما أعرف أقولها لها.. ولا أفهم عليه..


ابتسم أبو عبدالرحمن: طول العشرة خلته يفهم علي ولو أني داري إن إشاراتي كلها غلط..

أشار أبو عبدالرحمن لتميم بشيء.. فاتسعت ابتسامة وهو يشير برفض قاطع..

أم عبدالرحمن ضحكت: والله أنك منت بخالي.. إشارتك ماجازت لي..


ضحك أبو عبدالرحمن: أقول له عمتك تقول تدور لي بنية مزيونة من هل الكمبيوترات اللي يجونك..
كود نجدد الصبا..


ابتسمت أم عبدالرحمن بغيظ رقيق.. يبقى موضوعا مهما كبرت المرأة تشعر بالغيظ منه:
ومابه من صبي مزيون بعد عشان إذا خليتك أنت وبنيتك المزيونة..


أبو عبدالرحمن ضاحكا: أفا يا الصيتي.. اللي خربت الدعوى..
يا بنت الحلال.. ما أبي إلا أنتي وحسن الخاتمة..









**************************************








اليوم التالي
.
.

يدخلون أربعتهم للبيت..

كساب يحمل كاسرة التي تفجر وجهها احمرارا وهي تحاول اقناعه بإنزالها وهو يرفض بإصرار: بسش حنة.. ماني بمنزلش إلا على سريرش..
أردف بوجع: لو علي اصلا ماخليتش تبعدين من حضني دقيقة..


بينما زايد يهتف بصوت عال وبمودة غامرة: الحمدلله على سلامتش يابيش.. نورتي بيتش..


مزنة باستعجال تتجه لجناحها الذي أصبح في الأسفل:
كساب يأمك جيبها عندي..

كساب برفض قاطع وهو مازال يحملها: اسمحي لي يمه.. كاسرة بتقعد عندي..

مزنة باستغراب: يأمك مايصير.. كاسرة تبي من يراعيها.. ونفاس.. مايصير تقعد عندك..

كساب بإصرار حازم: ماعلي من ذا الكلام كله.. كاسرة بتقعد عندي..

كاسرة ستموت من الحرج وهي تهمس في أذنه: كساب خلاص نزلني..

كساب بخفوت: بس اسكتي.. ماني بمنزلش الحين..

مزنة تتنهد: يأمك ما أقدر أطلع فوق.. أشلون تقعدها فوق بروحها..

مزنة تشعر بالحرج أن تخبرهم أن زايدا حلف عليها ألا تصعد للأعلى مرة أخرى..

حينها هتف كساب بخبثه الذي لا يستطيع تركه:
خلاص روحي اقعدي مع شيبتش في جناحه.. وعطينا جناحش..


مزنة صمتت بحرج بالغ.. ليهتف زايد الذي لا يرضى أن يشعرها أحد بالحرج:
خلاص خذوا جناحي أنا.. أنا اللي بأطلع فوق..


مزنة لم تستطع إلا أن تنظر له بامتنان وكساب يتجه بكاسرة لجناح والده ويهتف بنبرة مقصودة:
كثر الله خيرك يبه.. من يومك جنتل..
خصوصا لا حضرت عمتي مزنة في السالفة..


حين أنزلها كساب على سريرها.. همست بذبولها الذي يلازمها منذ ولادها:
كساب الله يهداك أحرجتني واجد..

كساب هز كتفيه بثقة: وين الإحراج؟؟ ماشفته!!

كاسرة تاخرت قليلا بألم لتضع مخدة خلف ظهرها وهي تهمس بألم حقيقي:
ياشينه إحساس الألم وما في يدي شيء ينسيني الوجع..

كساب جلس على طرف السرير قريبا منها وهو يمسح خدها:
اذكري الله .. ربي بيعوض علينا إن شاء الله..

سالت دموعها بصمت مجروح وهي تتحسس ثديها بحرقة: تدري إن صدري فيه حليب..

همس كساب بندم عميق: أنا آسف.. كله مني!! أنا السبب أنا وسالفتي اللي كنها وجهي..


وضعت كاسرة أطراف أناملها على شفتيه: لا تقول كذا.. هذا اللي كتبه رب العالمين لنا.. وماحد يعترض على اللي ربي يكتبه..


اقترب ليحتضنها برفق وهو يهمس بحنان: سامحيني حبيبتي.. ما تخيلين وش كثر ندمان على أشياء واجد..

همست كاسرة بألم: كان لازم نخسر ذا الخسارة.. عشان اسمع ذا الكلمة..؟؟

همس وهو يغمر شعرها بقبلاته: فيني ذا الطبع الخايب على قولت إبي..
ما أعرف قيمة الشيء لين أخسره..
والحمدلله إني ما خسرتش..
ما تتخيلين وش اللي صار فيني... أنا كنت باستخف يوم تخيلت الشمس بتشرق علي من غير شوفة وجهش!!

ويمكن ياقلبي إن الله سبحانه يبي يطوي صفحة من حياتنا ونبدأ صفحة جديدة..
نجيب طفل قلت لش قبل ما تحملين فيه ألف مرة أحبش واحبش واحبش..






*************************************






" قرت عينش يمه برجعة كساب!!"

عفراء تبتسم ابتسامة باهتة: وعقبال ما تقر عينش بشوفة فهد..

جميلة تنهدت وهي تتذكر موعد عودة فهد الذي يقترب مه تزايد اشتياقها له حتى ماعاد في الاحتمال..
وهي تخجل أن تتصل به.. فيصرخ بها.. أو يقول لها كلمة تؤلمها..


تنهدت جميلة بحنان: زين يمه دام كساب رجع.. ليش متضايقة كذا؟؟


عفراء بتأثر: متضايقة عشانه هو ومرته.. من حزني عشانهم مافرحت بحملي..



جميلة اتسعت عينيها وهي تنظر لوالدتها بذهول قبل أن تقفز بصدمة حماسية: نعم؟؟ حامل يمه..؟؟ وليش ماقلتي لي..؟؟


تنهدت عفرا: توني دريت البارحة.. وما كان لي خلق أقول شيء..


جميلة تترقص بحماس طفولي: ومتى قطيتي المانع؟؟ ماقلتي لي..

عفراء هزت كتفيها: صار لي فترة.. منصور جنني من كثر ما يحن.. وأنا استحيت من كثر ما أرده..
قلت خلاص زيود كبر.. وأنا مهوب من صغري عشان أجل أكثر من كذا..


جميلة بذات حماسها الطفولي: وبما أنه عمي منصور من البارحة وهو في الزام..
معناتها مابعد درى..


ابسمت عفرا وهي تشد زايد صغيرها في حضنها وتغمره بقبلاتها: لا مابعد درا.. بأقول له لا جا..

جميلة برجاء حار: تكفين يمه.. أنا أبشره.. تكفين..

ابتسمت عفراء: هذا هو على وصول... بشريه..


ما أن أنهت عفراء كلمتها حتى كان سلام منصور المجلجل يغمر المكان بفخامته وهو يدخل بلباسه العسكري..

ردتا عليه السلام.. وهو يجلس ويشير لزايد الصغير أن يأتي له وهو يهمس بأبوية حانية:
تعال يامجند.. عط القائد بوسة كبر رأسك ..


عفراء أدارت زايد نحو والده وهي تنظر بابتسامة حانية له ولجميلة التي تبدو كما لو كانت تقلى على النار..

منصور تلقى زايد الذي كان يمشي نحوه بخطواته غير المتزنة..
وهو يمد له يديه الطويلتين ليتلقاه قبل أن يصله كما لو أنه أشفق عليه من طول المسافة التي كانت خطوتين وهو يهتف بإبتسامة حانية:
الولد هذا ذيب.. حتى مشيته مشية ذيب..


حينها همست جميلة بإبتسامة شاسعة: وماتبي لك مع الذيب ذيب ثاني؟؟

منصور استدار نحوها وهو يهتف بصدمة سعيدة: أنتي حامل؟؟

ضحكت جميلة: لو أنا حامل.. الذيب بيصير حق آل ليث..

ضحك منصور: لا ولدش أنتي وفهد حقي بروحي..

جميلة غمزت عينها بشقاوة: دور لك ذيب ثاني.. أقرب بواجد..

حينها أجلس منصور زايد جواره وهو ينظر لعفراء بإبتسامة شاسعة.. بينما كانت تخفض عينيها بخجلها العفوي الرقيق:
يعني الذيب حقنا؟؟
الحمدلله حنتي جابت نتيجة والذيب مايهرول عبث..

أردف بفخامة وهو يقف: جمول .. عادي أحب أمش قدامش لأني مافيني صبر..؟؟

جميلة قفزت بخجل وهي تلتقط أخاها وتهرب به: لا مهوب عادي..
خلني أروح وكيفكم..


منصور وقف أمام عفراء ليشدها ويوقفها..
أحتضن وجهها بين كفيه ليغمره بقبلاته وهو يهمس بخفوت: ألف مبروك ياقلبي..

همست برقة: الله يبارك فيك..

أردف وهو يبعدها قليلا لينظر لوجهها: تدرين إن فرحتي بحملش هذا أكبر..

ابتسمت: وش معنى؟؟

أردف بفخامة: لأنه حملش بزايد عاده حسرة بقلبي.. أول شيء ماعرفت الخبر بطريقة أرضتني..
وثاني شيء ماكنت معش في حملش خطوة بخطوة..
الحين هذا أبي أستمتع معش فيه بكل لحظة أنا وأنتي وزايد..







*********************************







" بسم الله عليش ياقلبي.. بسم الله عليش!!"


شدها برفق ليحتضنها بخفة حتى لا يؤلمها وهو يسمع صرخاتها الموجوعة التي دلت على كابوس كانت تحلم به..

مالت بشكل جانبي لتدفن وجهها في صدره وهي تنتحب بخفوت..
مسح على شعرها وهو يقرأ عليها الكثير من الآيات ليهدئها..
ثم أردف بحنان بعد أن هدأت قليلا: سلامات ياقلبي.. سلامات.. وش فيش..؟؟

همست كاسرة باختناق وهي تدفن وجهها أكثر في صدره : كابوس قديم.. توني أفهمه.. أو يمكن عمري مافهمته..

همس كساب بذات الحنان العذب: إذا شيء شين لا تقولينه..

كاسرة عاودت التمدد وكساب يساعدها أن تتمدد حتى لا تؤلم نفسها
وهمست بخفوت موجوع وهي تنظر لوجهه وهو يتمدد نصف تمدد ويستند على كفه لينظر لها:
من عقب مامات أبي.. يجيني حلم غريب..
إنه بيدي بنت صغيرة.. أنا ضامتها بكل قوتي.. كأن روحي متعلقة فيها..
وبعدين يجي حد ويأخذها غصبا عني.. كل ماصارت ذا اللحظة أفز من نومي أصيح كأنه حد نزع قلبي من مكانه..
عشان كذا كنت واجد أصك على أختي وضحى.. كنت أخاف عليها تكون البنت اللي بيأخذونها مني..
وأحيانا كنت أقول هذي أنا.. حد ينزع روحي من بين إيدي..

عقب ماخذتك.. سبحان الله.. ماعاد جاتني ذا الأحلام.. ما رجعت لي إلا فترة زعلتنا..

ويوم حملت.. كنت متوترة ما أبي بنت.. على كثر ماني مشتهية يكون بكري بنت..
ويوم دريت إن اللي بطني ولد تريحت..
وهذي هي بنتي راحت..


كساب مد أنامله ليمسح دموعها المتناثرة بشفافية وهو يهمس لها بعمق:
خلاص الكوابيس راحت..
وربي بيعوضنا ببنت ثانية.. وإن شاء الله تكون بكرنا بنت مثل ما تبين..
وطالبش ماتحاتين شيء وأنا جنبش..
الدنيا تصير في عيني أضيق من فتحة الأبرة لا شفتش ضايقة كذا!!



هاهو تشاركهما في الحزن وإحساس الفقد يطهرهما تماما..
مخلوقان مثقلان بالوجع والتأزر..
والعشق الذي أنضجته نار الفجيعة..
فلا شيء يقرب البشر ويصهر الخلافات ويجعلها لا قيمة لها..
مثل الــــحــــزن!!








****************************************






اليوم التالي
.
.



" ياعمي طالبك تساعدك..
تميم ماحتى رضى يقابلني.. وش اللي يرضيكم أنا حاضر له..
لاني بأول واحد ولا آخر واحد يغلط على مرته..
وأنا معترف إني غلطان.. وحقها علي..
وحاضر أراضيها باللي هي تبيه"


زايد ينظر له بعتب عميق لا يخلو من غضب: يأبيك..
الرجال لاخذ بنات أما يحشمهم.. وإلا ترا بيوت أهلهم مهيب عاجزة منهم..


تنهد نايف بحزم: وبنت ناصر لها القدر والحشيمة..
لكن ياعمي من أول زعلة بتصير بيننا.. بتقوون رأسها علي..؟؟
عطوني فرصة وحدة بس.. إن رجعت عليكم زعلانة مرة ثانية.. حقكم كلكم برقبتي..
خلاص وش عاد تبون أقول أكثر.. اعتذار مابقى حد ماتعذرت منه..
وأوعدها ماعاد يصير إلا اللي يرضيها..
أنا لا كابرت على الغلط.. ولا أصريت عليه..
على الأقل خلوني أتكلم معها.. أنت إبينا كلنا..
بأكلمها قدامك..

تنهد زايد بحزم: أنا بأقول لها.. لكن ماني بغاصبها..
لأنه حقها أقول لها.. لكن أنتو أجعتوها وأجعتونا معها..
ولولا غلاك وأني شايفك متحسف.. وإلا والله لا يكون تصرفي شيء ثاني مايرضيك..





************************************







" يه عقب ماهو مستر كساب طافش طول اليوم
وأنتي تدورين وراه في السكيك..
ماعاد فارق شوي نشوفش..
اليوم كله مبلط عندش.. ماوراه دوام الأخ؟؟"


كاسرة تنظر لسميرة بإبتسامة ذابلة: حرام عليش سمور..
والله إني طلعته بالغصب عشانش..
قلت له سميرة اتصلت كم مرة تبي تجي..
تدرين وش يقول؟؟ يقول ماوراها رجال المفروض تفرغ له..

ضحكت سميرة بمرح: قولي له رجّالي طافش مني كالعادة.. الله يبارك في سوق الكمبيوترات المزدهر..
عقبال مايزدهر سوق العقارات وتفك شوي بعد..



وضحى تدور بكاسات العصير على المتواجدات بينما مزون تهمس بإبتسامة:
عاد حدش سمور.. كله ولا كساب يلحقه الحكي..

سميرة بمرحها المعتاد: احترمي بنت عم رجالش قبل ألتش كفين..
كيفي أنا ورجّال حماتي..
على قولت خالي هريدي: ياداخل بين البصلة وئشرتها.. ماينوبك منها غير ريحتها..


مزون بإبتسامة وهي توجه حوارها لمزنة: يمه قولي لمرت ولدش قبل أتوثم فيها..؟؟

سميرة تنفذ عن ذراعيها بحركة تمثيلية: تكلمي على قدش يابنت..
دنا بنت أخت هريدي والأجر على الله..

مزنة همست بإرهاق: مزون يأمش.. شاخبارش الحين عقب التعب اللي جاش..؟؟

همست مزون بمودة: طيبة.. يوم شفت كساب.. طبت والشر راح..

همست مزنة بذات الإرهاق: الله الله في نفسش.. تبين أروح معش الدكتورة؟؟


ابتسمت مزون بتأثر: والله يمه أنتي اللي تبين لش دكتورة.. شكلش منتهية من التعب..


ابتسمت مزنة بإرهاقها ذاته: هانت خلاص.. الله يهون من عنده!!


وضحى همست وهي تميل على أذن أمها: يمه فديتش قومي انسدحي شوي..
هذا أنا عند كاسرة.. لين يجي كساب..


كانت مزنة فعلا تريد أن تنهض لتتمدد.. لولا أن هاتفها رن.. تحادثت على هاتفها بخفوت لدقيقة..
ثم التفتت لوضحى وهمست بأمر: وضحى روحي لعمش أبو كساب في مجلس الحريم..


وضحى ابتلعت ريقها..
كانت تعلم أن هذا الطلب قادم.. لكنها تعلم أن إنشغال زايد الفترة الماضية لابد منعه..
تنهدت وهي تهز رأسها بغصة : إن شاء الله..


بينما سميرة ترقص حاجبيها: جاك الموت ياتارك الصلاة..

مزون تضحك: إبي الموت يا الخايسة..

ضحكت سميرة: إلا وضيحى تارك الصلاة.. قصدي تارك نايف..
يا الله استلئي وعدك ياحلوة..



وضحى تأكدت من لبس نقابها.. خشية ان تصادف كساب.. ثم توجهت لمجلس الحريم..
دخلت بسكون وأغلطت الباب خلفها..
ثم رفعت نقابها فوق رأسها لتتوجه لزايد وتقبل رأسه وتجلس قريبا منه بسكون..


هتف زايد بنبرته الأبوية الخاصة: أشلونش يأبيش؟؟

همست وضحى بخجل: لاقدك طيب أنا طيبة..

زايد بحنان فخم: جعلش طيبة وبخير..
ثم أردف بحزم: فيه ناس يبون يشوفونش يأبيش..


وضحى ارتعشت بخفة وهي تهمس باختناق: وأنا ما أبي أشوفهم..

تنهد زايد: يا أبيش ماحد بغاصبش على شيء..
ونايف غلط عليش غلطة كبيرة... بس هو تعذر لين قال بس..
ويقول جاهز للي يرضيش.. ويبي يكلمش..
عطيه فرصة ثانية.. اسمعيه بس..


وضحى باختناق: يبه هذا أمر وإلا أقتراح..؟؟
كانك تأمرني.. نفذت ولا لي حق أفتح ثمي.. وتبيني أشوفه الحين شفته..
لكن كنه اقتراح.. اسمح لي فديتك.. جرحي منه ماطاب عشان أشوفه..


ابتسم زايد: الله يكبر قدر يأبيش..
لا بالله هذي مجرد رسالة وصلتها لش منه..
فكري براحتش..
وخلني أقول لش الكلمة اللي باقولها لمزون لو هي جاتني زعلانة.. مثلش مثلها..
وكلكم بناتي..
المرة لا جاها رجّالها نادم بذا الطريقة.. تعطيه فرصة ثانية.. عشان تكسبه..
ترا ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابين..







********************************************







" يا الله ياقلبي تجهزي للسفر خلال أسبوع!!"


جوزاء تنظر لعبدالله باستغراب: أي سفر؟؟

ابتسم عبدالله: عشان تكملين دراستش.. مسرع نسيتي!!
خلاص الدراسة بتبدأ بعد عشرة أيام.. وأنا جهزت كل شيء..

جوزاء بصدمة: ماقلت لي..

ابتسم عبدالله برجولة صافية: تقدرين تقولين إنها مفاجأة.. ولو أنه ماعاد هي بمفاجأة لاني من زمان قايل لش..
لولا حادث عبدالرحمن ثم فهودي الصغير وإلا كان رحنا من السنة اللي فاتت..
الحين فهودي صار عمره 4 شهور.. خلاص خلنا نروح..
قبل يكبرون العيال وتصير السالفة أصعب..
والمدة كلها فصل واحد.. وش كثر تعبت لين قدرت أدبرها ماتكون أطول..


جوزاء بدأت تشعر بالتوتر المختلط بالتاثر: ياربي وعيالي وش أسوي فيهم..

عبدالله بحنان: بناخذ خدامة أمي الكبيرة.. صار لها عندنا 15 سنة..
مرة ثقة.. وبعدين ترا كل السالفة تروحين 3 مرات في الأسبوع مدة ساعتين بس..

جوزاء ماعادت قادرة الجلوس.. وهي تقاوم انهمار دموعها: صدق عبدالله صدق بأروح أدرس؟؟


عبدالله شدها ليجلسها ويشد على أناملها بتأثر عميق: صدق ونص..
عساني بس أقدر أكفر عن اللي سويته فيش..

جوزاء أسندت رأسها لكتفه وهي تهمس باختناق: الله لا يحرمني منك..
ويقدرني أسعدك وأرضيك مثل منت محسسني برضا ربي علي!!


قاطع جوهما الخاص دخول حسن الصغير عليهما وهو ينظر لأمه ثم يهتف بغضب:
بابا وس سويت؟؟ ليه ماما تبكي؟؟

ضحك عبدالله وهو يشده ليحتضنه: إخس يا العصبي... ترا مهوب أنت اللي سمي فهد هدي أعصابك شوي..
ماما فرحانة..و عاد يا أبيك النسوان ماينعرف لهم..
يستانسون يبكون.. يحزنون يبكون..









*****************************************





" يمه أبي أروح لبيتي.."


عفراء بابتسامة: فهد بيجي بكرة.. وش فيش مستعجلة كذا؟؟

جميلة بخجل رقيق: أبي أرتب المكان قبل يجي.. عشان أتفرغ لنفسي بكرة..


ابتسمت عفرا: تطورات ياجمول.. الله يديم نعمة العقل عليش..
تبين حد من الخدامات يروح معش؟؟

جميلة بحماس رقيق: لا فديتش.. مايحتاج.. ولو احتجت.. خدامات البيت موجودين..


تنهدت وهي تقف لتجهز أغراضها للمغادرة..

" النذل اشتقت له واجد..
وهو حتى تلفون مادق..
وش ذا القلب اللي عنده يمه منه؟؟
قلب بعير ماينسى!! "






*********************************





" ها حبيب القلب مازولا وش أخباره؟؟
عاد مرته طافشة منه؟؟"


عالية ضحكت وهي تطوق عنق عبدالرحمن المشغول كالعادة بين تحضير دروسه
ومع ذلك لا يترك دقيقة واحدة قد يقضيها معها..
قبلت خده وهي تهمس بمرح: مازولا يقول فكه من شرك يا تنكة السمن..
حاط دوبك دوبه... بدل ما تقنع بنت خالك ترجع له..


ضحك عبدالرحمن: أفهم من هذا ضمنا إنه خالش نايف بما إنه مازولا فهو خفيف على القلب وخالي من الكريسترول..
وأنا دسم على القلب وصاروخ كريسترول..


عالية بمرح: وليش ماتقول نويف سامج ومافيه نكهة.. وأنت كل النكهة..

عبدالرحمن يضع يده على قلبه: وأخيرا انصفني الزمن بمدحة من عندش..
اللهم دمها نعمة واحفظها من الزوال..

حواراتهما المرحة والعميقة والمهتمة عن كل شيء وحول كل شيء لا تتوقف..
قبل أن يضع عبدالرحمن كل أوراقه جانبه ويمد ذراعه ليحتضن كتفيها ويهتف باهتمام:
قريب بتدخلين الثامن ما تبين تأخذين إجازة ترتاحين؟؟


ابتسمت عالية وهي تسند رأسها لكتفه.. وتعبث بأنامله:
تو الناس فديتك.. أبي أخلي إجازتي عقب إجازة الوضع..
لين يصير عمر البيبي 4 شهور..

ضحك عبدالرحمن: مافيه حد يعد لحملش مثل إبي الله يعطيه العافية..
لدرجة إنه حتى القنص ذا السنة ماراح ولا هو برايح..
خايف تولدين وهو مهوب هنا..

ابتسمت عالية بشجن ودود: الله لا يخلينا منه..
ثم أردفت بمرح: ولا يهمه بأقطه عليه وخله يبزيه على كيفه..







****************************************






" نجلا حبيبتي.. وش رأيش نروح لدبي؟؟
باقي من عطلة العيال أسبوع.."


نجلا بتردد: لا صالح تكفى ما أقدر مع الاثنين الصغار..

تنهد صالح وهو يحتضن غانم الصغير الذي يجلس على ساقيه:
حبيبتي حرام عشان خاطر عزوز وخويلد.. صار لهم أكثر من سنة ماطلعوا برا الدوحة..
وبيرجعون للمدرسة ماغيروا جو..


نجلا بذات التردد: أخاف على غنوم ومهاوي حد منهم يمرض وإلا يتغير عليهم الجو..

ابتسم صالح: بسش يالوسواسية.. حرام عليش صاكة عليهم وصاكة على نفسش معهم..
يا الله يا بنت الحلال..
خلينا نسافر الحين.. نرجع قبل مايسافر عبدالله وهله عشان نواجههم..






*************************************



اليوم التالي
.
.



توترها تصاعد للذروة..
أعادت ترتيب كل شيء عدة مرات..
نظرت لنفسها في المرآة آلاف المرات..

عدلت لباسها وأحمر شفافها لمرات ماعادت تذكرها..
وكأنها تبحث عن شيء تفرغ فيها توترها..
وهذا التوتر لا ينزاح ولا ينجلي..


تنظر للساعة.. (كأنه تأخر!!)


ماعادت تستطيع الجلوس حتى.. وهي تروح وتجيء وتنظر عبر النافذة..
حتى رأت سيارة هزاع تتوقف في الباحة..
تراجعت بعنف وهي تلتصق بالحائط..

فهي تعلم أن هزاع هو من ذهب لإحضاره من المطار..
تصاعدت دقات قلبها... وشعرت بريقها جافا تماما..
جلست وهي تحاول السيطرة على ارتعاشها دون جدوى..

وضعت أناملها على جبينها (الظاهر إني مسخنة!!
جسمي مولع وارتعش.. أكيد مريضة!!)


قضت وقتا طويلا وهي مازالت تنتظر.. ارتعاشها يتزايد ومعه حرارة جسدها..
(أكيد مريضة..
خلني أنام قبل يجي..
لو عصب علي بأقول له أنا مريضة!!
وش أسوي؟؟
حد أقوى من المرض؟؟
هو أساسا معصب معصب.. لقاني صاحية وإلا نايمة..
يمكن يرحمني لا شافني مريضة!!)


جلست على طرف السرير لتخلع كعبها الأسود العالي..
وكانت ستنفذ مخططها فورا.. وتندس في الفراش قبل أن يأتي!!

لولا الباب الذي فُتح فجأة..

قفزت واقفة وهي تدعك أناملها بحدة..

وقف أمام الباب لثوان كتمثال صامت.. قبل أن يغلقه..
يعترف أنه مصدوم..
فهو ماكان يظن أنه سيجدها بعد أن هددها بمعاقبتها في الهاتف..
كان يظن أنه ستكون في بيت أهلها..
وقد تتخذ تهديده سببا لتتركه أو لتماطل في العودة إليه!!


لكن أن يجدها أمامه دون أن يتوقع..
بل بهذه الصورة الموغلة في البهاء والحسن والإبهار.. كان أكثر من احتماله بكثير..
حاول أن يحرر عنقه من ازراره بفشل.. فهو لم يكن يرتدي ثوبا..
بل كان يرتدي بدلته العسكرية الخاصة بالتشريفات بأزرارها القاسية..


كانت ترتدي فستانا قصيرا فخما خليطا من اللونين التركواز والأسود..
كل مافيها ينطق بالأناقة والفخامة والحسن الموجع..
بدءا من كعبها الاسود لساقيها المصقولتين لفستانها الاستثنائي.. لنحرها المشرق..
لشعرها... شعرها؟؟؟.. بقصته القديمة التي رأها فيها أول مرة..


اللئيمة الصغيرة.. في كل مرة يعود من سفره متحفزا ضدها.. لتصدمه بسحب تحفزه كله كالسحر!!



همس بثقل وهو يفتح فمه أخيرا: قصيتي شعرش؟؟


ردت عليه باختناق دون أن ترفع بصرها: قصيته عشانك.. عشانك قلت إن قصتي القديمة كانت تعجبك..

همس بذات الثقل: ذا الكلام قلته يمكن قبل خمس شهور..

شدت نفسا مختنقا: توني فهمته..


اقترب منها أكثر لترفع عيناها بوجل نحوه...
تعلقت عيناها به.. لأول مرة تراه وسيما هكذا.. أو ربما لأنها نظرت له بعين مختلفة هذه المرة..

همست باختناقها ذاته: ليش تأخرت؟؟.. أنتظرك من زمان..


هتف بذات نبرته الثقيلة: كان لازم نأخذ صور في المطار للدفعة كلها مع القادة..
بكرة بتطلع في الجرايد.. عشان كذا لبست بدلة التشريفات.. وتأخرت..

همست بذات النبرة المختنقة: تعشى؟؟

هز رأسه رفضا وهو يهمس بإجهاد: ما أبي..
وبسش تكفين..

تراجعت بوجل وهي تكاد تبكي: والله ماسويت شيء..

مد يده ليمسح شفتيها بولع: بسش تعضين في شفايفش.. ذبحتيني..
من أول مادخلت وأنتي مرتبكة وتعضين في شفايفش وتدعكين في أصابعش..
بسش..

همست بخجل عميق: ماقصدت..


شدها ليحتضنها بقوة حانية وهو يهمس بولع موجوع:
أدري ماتقصدين.. واللي ذابحني إنش ماتقصدين..
وياكثر ماتذبحيني وأنتي ماتقصدين..

انتفض بعنف وهو يشعر بقبلاتها على ذقنه وطرف خده وعنقه (بسم الله الرحمن الرحيم..
هذي اش فيها؟؟ استخفت؟؟)

لتنتفض روحه برعشات أعمق وهي تسكب همساتها الرقيقة قريبا من أذنه:
اشتقت لك يا الظالم.. اشتقت لك..
أسبوع كامل ماتكلمني إلا مرة وحدة عشان تعصب علي وتسكر في وجهي..
حرام عليك كنت بأموت من شوقي لك..

فهد أبعدها عنه بجزع وهو يضع يده على جبينها: مريضة أنتي؟؟

همست باختناق مبلل بالعبرات والدموع وهي تتناول كفه عن جبينها وتغمره بقبلاتها: الظاهر كذا..


عاود شدها بقوة أكبر بين أحضانه وهو يهمس برجاء عميق:
زين.. طالبش خلش مريضة كذا على طول!!





.
.
.





" فهد.. فهد.. قوم حبيبي..
وش ذا الكسل اللي عندك؟؟
الظهر قرب يأذن.. بالعادة ماتنام لذا الحزة حتى في الإجازات"


تنهد بعمق وهو مازال مغمض العينين: أخاف أفتح عيني..يكون ذا كله حلم..
وبعدين انجلط..


جميلة انحنت عليه بجزع رقيق: بسم الله على قلبك..

ثم انحنت أكثر لتغمر وجهه بقبلاتها الشقية الرقيقة: هذي قرصة عشان نصحيك من الحلم..

حينها فتح عينيه بنعاس وهو يهمس بصوت ناعس مبتسم: اقرصيني مرة ثانية..
عشان مابعد صحيت من الحلم..

قرصت خده وهي تهمس بمرح: دمك عسل.. وهذي قرصة.. قوم يا الله..

شدها ليمنعها من المغادرة وهو يعيدها لحضنه ويهمس بابتسامة: القرصة هذي بايخة..
وخاطري أدري وش صار وأنا مسافر غيرش كذا..
لو هو سفرتي.. سافرت كل يومين أسبوع.. مادمت بأرجع ألاقيش كذا..


جميلة برجاء عذب: لا طالبتك.. بلاها السفرات وأنا وأوعدك أقعد كذا على طول..
ثم أردفت بابتسامة: بالعكس لو سافرت مرة ثانية.. بترجع بتلاقيني رجعت مثل أول..

فهد ضحك: لا خلاص.. حرمنا.. بأبلط هنا في الدوحة..








*******************************







بعد أكثر من أسبوع..

.
.



" ها يا الخال... عاد مرتك طامح؟؟"


نايف بتأفف: ترا ذا المصطلح السخيف اللي كنه وجهك ماعاد حد يقوله..

هزاع يهز كتفيه بمرح: والله مهوب أنا اللي اخترعته..
سامع خواتك يقولونه..

يضحك ضحكة مجلجلة: (مرت أخينا طامح..)
خربوا بينك وبين المدام وعقبه يتمسخرون عليك!!


نايف بغضب: هزيع تلايط!!

هزاع يرفع حاجبا وينزل آخر: إيه علي انفش ريشك.. وعند خالتي النوري تنافض.. على قولت الشاعر:
أسد عليَّ وفي الحروب نعامة..


نايف وقف وهو يضع نقود الحساب على الطاولة ويهتف بغضب: الشرهة على اللي وافق يطلع معك..


هزاع أمسك بكفه وهو يهتف بحزم: اقعد ياخال اقعد.. كمل قهوتك..

نايف جلس وهو يدفع فنجانه بحدة فتنسكب بعض قطراته داخل الصحن وعلى الطاولة..

هزاع ضحك: إخس يالخال.. كني شفت نفس الحركة سواها أميتاب باتشان.. مع ميري بنت راجو..

تنهد نايف بعمق: هزاع واللي يرحم شيبانك ارحمني من ملاغتك..
أنا ماكنت أبي أطلع معك.. بس أنت قلت تبيني ضروري..
خلصني!!

حينها نظر هزاع لنايف نظرة مباشرة: صحيح مرتك طلبت الطلاق..؟؟

نايف بصدمة حقيقية قفز وكلماته تتناثر: لا.. من اللي قال كذا..؟؟

حينها شعر هزاع كما لو كان سُكب على راسه ماء باردا (أنا وش دخلني؟؟
ياشين اللقافة..!!
يعني بلفيت إني باواسيه أنا ووجهي!! )
هزاع هتف بارتباك: ماحد قال لي.. أنا بس كنت أظن كذا؟؟


نايف أمسك معصم هزاع بقوة: هزيع خلصني.. الكلام ذا مهوب من عندك..


هزاع زفر (دامني تورطت.. هو مصيرة عارف عارف):
سمعت أمي تقوله لعالية.. عشان أمي راحت تبي تراضيها بس هي قالت إنها تبي الطلاق..



نايف قفز ليغادر مسرعا.. وهو يتجه دون تفكير لأم صالح!!




.
.
.



" صافية ليش ماعلمتيني؟؟"


أم صالح بأسى: ياختك ما دريت أشلون أقول لك.. قلت لعالية تقول لك..
وبعدين الكلام أخذ وعطا..
أنا قايلة لمزنة تحاول فيها..
بس مزنة اللي فيها مكفيها.. موجوعة عشان سواتك أنت وخواتك في بنتها..
ومستوجعة عشان ضنا بنيتها الثانية اللي راح..
وبروحها تعبانة من الحمل..


نايف بأسى: الحين هم خواتي بروحي.. مهوب خواتش معي..

أم صالح تنهدت بحزن: ياقلبي يأخيي فديتك.. صحيح خواتي وخواتك وعلى رأسي..
بس أنت غلطان يامك.. عجزت أدمح زلتك ولا هيب بمدموحة..
الحين وش استفدت؟؟
أنت داري إني حاولت في نورة سلطانة يروحون معي يطيبون خاطر البنية بكلمة..
مهوب لازم يتأسفون.. كلمة تطييب خاطر... سلطانة مسكينة تبي تروح بس خايفة من نورة... تقول لا سمحت لها نورة راحت..
ونورة حلفت ماتروح..
الحين قل لي وش بينفعونك...
تبي تطلق مرتك؟؟


نايف يحزع: لا تكفين صافية.. كله ولا ذا الطاري.. أراضيها باللي هي تبيه..
بس طاري الطلاق لأ..
تكفين يأخيش.. أنتي أمي واختي.. من لي غيرش.. تكفين..
أدري الناس كلهم يعزونش.. ساعديني..
أنا أبي مرتي.. ومستحيل أطلقها لو حتى انطبقت السماء على الأرض..
وبعد ما اقدر أزعل خواتي عشانها.. هذولا عبارت أمي..
واللي مافيه خير لهله مافيه خير لمرته..


أم صالح تنهدت وهي تقف: عطني يومين وأرجع أحاكيهم مرة ثانية..


كان نايف سيخرج لولا أن هزاع دخل خلفه يبحث عنه وهو يشعر بالذنب لأنه كان من أبلغه الخبر..
هتف بهذا الندم الرقيق المغلف بابتسامته: سامحني ياخال.. أنا حسبتك تدري..

تنهد نايف : أنت وش ذنبك؟؟ العلم كان لازم يوصلني على كل حال..


تنهد هزاع بمرحه المعتاد: تدري ياخال وش الشيء الوحيد اللي ممكن ينفعك..
إنك تكون خال جدع.. وبنت آل سيف تكون حامل..
عقبها بترجع غصبا عنها..
تدري بنات اليومين ذي حساسات.. مهوب مثل عجايز أول عادي عندها تتطلق وهي وراها سبع بزران.. والقاع تربيهم على قولتها..
الحين البنت تقول: لا بعتين يتعكد ولدي ماعنده بابا.. وربعه كلهم عندهم بابا..


كانت ضحكة هزاع تنطلق مجلجلة وهو سعيد بنكتته.. بينما نايف يرد عليه بتافف: زينك ساكت بس..
وش عرفك أنت؟؟ ماتعرف كوعك من بوعك..







*****************************************





" ها سوسو هانم.. متى بتشرفينا في الدوام؟؟"


كاسرة تنهدت: مهوب قريب..

فاطمة بتردد: أنتي عارفة إنه إجازتش أسبوعين بس.. وهذي خلصت وأنا طلبت لش أسبوع زيادة..
لأنه الشهرين مايعطونها إلا بشهادة ميلاد الطفل.. والحين أنتي عبارة إجازة طبية..


كاسرة بثقة: بأقدم على إجازة بلا راتب.. مالي خلق دوام.. وبعدين كساب ملزم يبينا نسافر..
تنهدت بيأس وهي تهمس بعفوية: فديت قلبه يحاول ينسيني بأي طريقة..
جعل يومي قبل يومه..


فاطمة أمسكت قلبها بألم تمثيلي: آه ياقلبي.. ما أستحمل..
الحمدلله ربي أحياني لذي اللحظة.. الحين مستعدة أموت وأنا مرتاحة..

كاسرة ابتسمت لأول مرة منذ وفاة ابنتها: بس يا الخبلة..


همست فاطمة بمرح وهي تغلق عينيها: وابتسامة بعد... وأخيرا
أنا ودعت خلاص... الله الله في عيالي.. وقولي لأبيهم.. لا يتزوج علي طلعت من قبري وسودت عيشته..






**********************************







" وضحى ليش تفشليني كذا في أم صالح؟
المرة جاية تراضيش تقولين أبي الطلاق.."



وضحى تسيل دموعها بصمت: هي اللي زعلتني عشان تراضيني..؟؟

تنهدت مزنة: واللي زعلش راضاش بدل المرة ألف..
المسكين كم مرة يروح ويجي على زايد..
لكن ماحد ميبس رأسش إلا أخيش..

وضحى باختناق: عشان تميم مهوب راضي لي بالمذلة..

مزنة بحزم: وين المذلة؟؟
اللي أشوفه أنكم ذليتوا طوايف المسكين..
يأمش خلاص.. رجالش وجا لين عندنا وتعذر..
ووعدنا مايصير إلا اللي يرضيش.. خلاص مالنا طريقة عليه..
ارجعي وشوفي هو بيكون قد كلمته وإلا لأ..

ثم أردفت مزنة بتقصد: إلا لو كنتي ماتحبين نايف نفسه.. وعايفته..
وماصدقتي تلاقين لش سبب عشان تطفشين وتطلبين الطلاق..


وضحى بجزع: أنا يمه!!
أردفت بيأس: لو أني ما أحبه.. ماكان تأثرت كذا..

مزنة بحزم: واللي تحب رجالها تطلب الطلاق منه..؟؟

وضحى بذات النبرة اليائسة: لاصار يمه اللي بيننا أخرته بيجيب الكره..
خلنا نتفارق وحن بيننا المودة..

يمه هو مستحيل يحط لخواته حد.. وأنا ما أقدر ألومه.. خواته كل وحدة منهم بمكانة أمه..
ومن اللي بيبدي مرته على أمه إلا واحد مافيه خير..
وانا أدري نايف إنه فيه خير.. وقلبه طيب واجد..
بيقعد طول عمره متقطع بيننا يعني؟!!
وخواته مستحيل يغيرون طبايعهم عقب ذا العمر!!
وش أسوي يعني؟؟
أعيش حياتي كلها كذا.. تعبت يمه!! تعبت!!








****************************************






" خالد فديتك جعلني الأولة..
طالبتك!!"


أبو صالح التفت بوقاره المعهود وهو يهتف بأريحيته الجليلة: أفا عليش يام صالح..
أنتي تامرين ماتطلبين..

أم صالح تنهدت باحترام جزيل: طالبتك تحاكي زايد آل كساب وتوسط عندهم..
عشان ترجع مرت نايف له..


تنهد أبو صالح بعمق وهو يهتف بنبرة مقصودة: ونايف ليه ماحاكاني؟؟
بدل ماهو قد له كم يوم ماشفته..


أم صالح بحرج ودود: مستحي منك.. وهو والله ماقال لي أحاكيك.. بس أنا قلبي حارقني عليه..
مرته طالبة الطلاق ومصممة عليه.. ولو جيت للحق كلام البنية كان موزون..
قالت أنا ما ألوم نايف وأدري إنه خواته مثل أماته..
بس أنا ما أقدر أعيش حياتي كلها كذا..

وأنا حتى ماقدرت أقول له كذا.. ما أبي أحزنه..



أبو صالح وقف وهو يهتف بحزم بالغ: وأنا ما أنتظرتش لين تقولين لي..
ولا زعلت عليه إنه ماقال لي..
أنا تصرفت.. بس ماني برايح احاكي زايد.. زايد ماله دعوة..
لأنه زيتنا في مكبتنا.. المشكلة من عندنا حن.. مهوب من عندهم!!







**********************************





" حبيبي ليش مارحت لأبيك في المجلس..
سمعت إنه طالبكم كلكم؟؟"



ابتسم فهد وهو يزيل كتابها من حضنها ويضع رأسه في حضنها:
تبين الفكة مني..؟؟

ابتسمت وهي تميل على جبينه لتقبله وتحاول أن تقلد طريقته في الكلام:
ياشين الواحد لا درا بغلاه.. ويدور اللي يوجع مغليه..
ثم أردفت بشقاوة رقيقة: تدري إني ما أبي إلا قعدتك جنبي..
بس استغربت إنه عمي يبيك وما تروح..


تنهد فهد وهو يتناول أناملها بين أنامله: أنا عارف إبي وش يبي..
وهو أساسا مايبيني.. بس كان يبيني حاضر..
وأنا أخاف لو حضرت وصارت فيه حدة في الكلام.. أو حد قال لأبي شيء ..
أعصب.. وأخربها بدل ما تنحل..






**************************************






" غريبة إبي وش عنده..
مسوي اجتماع قمة لرياجيل خالاتي!! "


صالح يبتسم وهو يميل على أذن هزاع: الله أعلم.. بس كني حاسس باللي يصير..
عشان كذا حرصت أجي..
قلت لازم أشوف بنفسي..

ضحك هزاع بخفوت: إيه أكيد مايطلعك من عند شواذيك إلا الشديد القوي
وأنت قاعد تبزيهم أكثر من أمهم..

ضحك صالح: يا الكذوب.. اللي يسمعك مايقول إني محضر عندكم هنا كل يوم..

هزاع بمرح: توقيع حضور وانصراف فقط.. رفع عتب!!


أسكت حوارهما صوت أبي صالح الجهوري الحازم:
أبو سعود..

التفت أبو سعود (زوج نورة) برزانة نحو أبي صالح: سم طال عمرك..

أبو صالح بنبرة حازمة: أنت عاجز(ن) من مرتك؟؟

أبو سعود انتفض بغضب: إني ولد إبي.. لي أنا تقول ذا الحكي؟؟
وش جاك من مرتي؟؟

أبو صالح بذات الحزم: الحكي لك وللحى الغانمة..
أنا أكبركم ونسوانكم عدة خواتي.. وحن كلنا ربينا نايف..
تربى في بيوتنا كلنا مع عيالنا وعدته عدتهم..

هو عاجبكم سنع نسوانكم في مرته..؟؟ بنية(ن) يتيمة لا غلطت عليهم ولا طولت لسانها على حد منهم..
هم اللي جايينها في بيتها تالي الليل.. وعقبه تحلف أم سعود على نايف ماحتى يوديها ويخلونها تطلع تيك الحزة من بيتها..
حد منكم يرضى ذا الشيء على بنته؟؟

يعني عشان نايف من حشمته لخواته ماقدر يقول شيء.. منتو بمسنعين نسوانكم؟؟
وإلا بتفكونهم وذا في حلوق خلق الله!!
اللي منكم عاجز من مرته يوليني إياها اكوفنها بالعقال شوي..
لين تعرف إن الله حق وتقر في بيتها وتكف شرها عن الناس..


بو سعود وقف بغضب: ماحنا بعاجزين من نسواننا ولا نبي حد يربيهم بدالنا..
ووالله إني مادريت بذا كله..
ويوم نايف مستاذي ليه ما علمني أسنع أخته..
بس ذا وجهي كنها زيد فتحت حلقها عنده وإلا عند غيره..
العجوز تقر في بيتها.. تذكر ربها.. وتبزي عيال عيالها... وتقول يا الله حسن الخاتمة..






************************************





" يابو سعود الله يهداك.. وش فيك علي؟؟
مابعد عصبت علي من يوم عرفتك كثر اليوم؟؟"


أبو سعود وسط ثورته العارمة: عاجبش سواتش.. تصغريني في المجلس وقدام الرياجيل..
أنا اللي عمري كله ما أداني سوالف النسوان ولا اتسمع لها..
توصلني لين بيتي..

نورة بمهادنة: اذكر ربك.. أنا ماسويت شيء يزعلك مني؟؟

أبو سعود بغضب: يعني أبو صالح بيكذب عليش؟؟ بيكذب عليش؟؟

نورة بتراجع: محشوم أبو صالح.. بس أنا مابغيت إلا صالح أخي إللي كنه ولدي..

أبو سعود بحزم غاضب: وصالحه في اللي أنتي سويتيه؟؟
علم(ن) ياصلش ويتعداش.. ذا الساعة تركبين تروحين تعذرين لبنت ناصر آل سيف..
ولا عاد تفتحين ثمش عندها وإلا عند غيرها إلا بالزينة.. وإلا قصيت لسانش..
ترا كنش ماحشمتي عمرش.. خليتش تحشمينه غصب..

نورة بجزع: نذر علي ما أفتح ثمي.. بس طالبتك الروحة لبنت مزنة لا.. تبيني أنزل روحي لبنية أصغر من بناتي؟؟
ترضاها علي؟!!

أبو سعود بحزم: اركبي يامرة.. أنتي اللي رضيتيها لروحش يوم صغرتي روحش لذا السوالف اللي مهيب قدرش..







*************************************




" بس يأبيش شكرت"


مزون تناولت فنجان القهوة من عمها وأنزلته وهي تهمس لغانم برقة:
أصب لك..

أشار لها بعينيه برجاء (إلا أبيش تجين تقعدين جنبي!!)

فهي كانت تسكب القهوة وهي جالسة على الأرض وهو يخشى أن يتعبها الجلوس على الأرض وهي حامل..

أم غانم ابتسمت:
قومي يأمش اقعدي جنب رجالش احولت عيونه..
القهوة ذي بتطلع من بطوننا اليوم!!


ابتسمت مزون بخجل وهي تقف ولكنها تجلس بعيدا عن غانم قليلا لشدة إحساسها بالحرج لأن عمتها لاحظت..

ابتسم غانم: عاد يمه على قوة الملاحظة اللي عندش.. فشلتينا.. وماخليتي عجوزي تقعد عندي..
منتي بملاحظة إن شيبتش صابغ لحيته.. ومشاويره كاثرة!! وجهي الرادار عليه!!


أم غانم صرت عينيها وهي تنظر لأبي غانم الذي هتف ضاحكا: تهبى يا الكذوب..
أنا صابغ لحيتي.. ومشاويري كاثرة يامحراك الشر؟؟

أم غانم ابتسمت وهي تهمس بنبرة مقصودة:
إلا الظاهر يأمك عشان عوارضك بادي الشيب يكثر فيها.. صرت تحس إن أبيك صابغ لحيته..
لا تقارن نفسك براشد تتعب..


حينها همست مزون بخبث رقيق: حرام عليش يمه.. أنا ماكنت أبي أقول له أصدمه..


غانم قفز بعفوية لينظر للمرآة: أنا طالع في عوارضي شيب؟؟

تراجع وهو يجلس بجوار والده ويهمس بمرح: خلني جنبك يبه..
البنت وعمتها سوو حزب عليّ..





********************************






" وضحى.. نورة أخت رجالش هنا.. وتبيش"


وضحى قفزت بحرج وكلماتها تتناثر: نعم؟؟ نورة هنا..
وين أمي؟؟

سميرة باستعجال: وش عرفني؟؟ تبين أتصل فيها؟؟

وضحى تنهدت بتوتر: لا خلاص روحي للعجوز قهويها وأنا بجيش الحين..


وضحى أبدلت ملابسها.. ونزلت بخطوات مترددة..


مازالت غير متأكدة ماذا تريد نورة..
فالاعتذار بدا لها شيئا بعيدا جدا عن طبيعة نورة..
ربما تريدها أن تعود بطريقتها الحادة وكأنها تريد تسيير الكون..


حين وصلت لمجلس الحريم.. كانت نورة تريد أن تقف.. لولا أن وضحى حلفت عليها وهي تنحني وتقبل رأسها وتجلس بعيدا عنها..
وسميرة تتولى مسئولية سكب القهوة وتترقب ماسيحدث بفضولها المرح..

نورة صمتت لثوان.. ثم أردفت باختناق.. فالأمر كان صعبا عليها.. ولولا قسم زوجها عليها كان يستحيل أن تفعله تحت أي ظرف من الظروف:
وضحى يأمش لا تحملين نايف غلطتي.. هو كان يبي يطلع وراش بس أنا حلفت عليه..
وأنا يأمش.........


وضحى قاطعتها بأريحية لم يهن عليها أن تجعلها تذل نفسها باعتذار وهي سيدة بهذا العمر:
والله ماعاد تقولين شيء ولا تعذرين.. كفاية جيتش لين هنا..
الله يكبر قدرش!!


نورة تنهدت بارتياح أنها رحمتها من الاعتذار الثقيل.. وهي تهمس بتأثر: زين ارجعي لبيتش..
ونذر علي أنا وخواتي اللي أنا أكبرهم.. ماعاد نضايقش في بيتش..


تنهدت وضحى: مشكلتي أنا ونايف حن نحلها..






*********************************






" تعشيت ياقلبي؟؟"


كساب جلس جوارها وهو يهمس بابتسامة ولع: أنتي اللي قلبي وروحي وعيوني.. يا أنا كنت بأموت عشان أسمع ذا الكلمة منش..


ابتسمت كاسرة برقة: لو قلتها كان أنا قلتها.. أنا كنت أبي منك تلميح الله دخيلك يا البخيل..


ضحك كساب وهو يحتضن كتفيها: أصلا كنت أحسب إنش ماتعرفين تقولينها أساسا..
ثم أردف بابتسامة شجن: يوم سمعتش تقولينها حق زيود التوتو.. قلبي وقف.. كان ودي أخذه وأسويه كورة وأشوته مع الدريشة..
هذاك اليوم تعبان وكل شيء فيني ينزف.. وبأموت أبي قربش..
وأنتي قاعدة قدامي تتحببين فيه.. وتغزلين في مفاتن القرد الصغير..
وحتى بكلمة ماعبرتيني..


تنهدت كاسرة وهي تحتضن خصره: ياربي ياكساب لا تذكرني..
لو تدري بس وش كثر كنت أتعذب من بعدك وقربك..

ابتسم بخبث: تحبيني؟؟

ابتسمت بعذوبة: اللي يسأل سؤال وهو عارف جوابه.. يكون خبيث ترا..

كساب بابتسامة شاسعة: وأنا معترف إني إب الخبث وأمه.. قولي لي..

همست كاسرة بشجن عميق وهي تسند خدها لدقات قلبه: من كثر ما أحبك..
أحس أني انولدت وأنا أحبك..
أحاول أتذكر متى أول مرة حسيت بحبك.. ألقاها أول مرة شافتك عيوني..
وأنت داخل علي في مكتبي نافخ ريشك..
قلبي وقف.. وحسيت الهوا ماعاد تحرك وأنا أقول هذا إنسان وإلا أنا أتخيل..


شدها كساب لحضنه بشكل أقوى وهو يهمس بعمق مذهل:
الأكيد إني أحبش أكثر..

ثم أفلتها برقة ليتناول أناملها ويضعها على عارضه العلامة الصغيرة المختبئة تحت شعيرات عارضه وهو يردف بذات العمق:
من يوم ماخليتي علامتش هنا.. وأنتي في قلبي شيء ماقدرت أطلعه ولا أنساه!!








********************************







" نويف البشارة..
أختك نورة حنت عليك غصبا عنها ببركات أبو سعود..
وراحت لوضحى وخذت بخاطرها..
يا الله انقز عند مرتك..
لو مارجعت لك.. تكون أصلا عايفة خشتك"


قلب نايف توقف وهو يهمس لعالية بإجهاد: وليش ماحد ماقال لي..
ليش؟؟


عالية تضحك: هذا أنا قلت لك يالمشفوح..
روح طير.. والله الله في الركادة..



نايف شعر بتثاقل أنفاسه وهو يتصل برقمها بأنامل مرتعشة رغما عنه..
تعب لكثرة ما اتصل وهي لا ترد عليه..
فهل سترد عليه هذه المرة..؟؟


رنة.. رنتان.. ثلاث..
ثم جاءه صوتها الذي أضناه الاشتياق له : هلا

همس بعتب: أكثر من أسبوعين يا الظالمة.. حتى بكلمة مارديتي علي..
وإلا عشان دارية بغلاش..


تنهدت وضحى بعتب أعمق: الغالية مايخلونها تطلع من بيتها تالي الليل ماكن لها قيمة..

تنهد نايف بعمق: عاتبيني كثر ماتبين بس في بيتنا..


همست وضحى باختناق: عطني ساعة وتعال..

هتف لها برجاء شفاف: مهوب واجد ساعة..
أنتي حتى ملابسش كلها في بيتنا.. وش تبين بالساعة؟؟
عشر دقايق وأكون عندش..

وضحى لا تنكر أن رجاءه دفع في روحها ثقة محلقة ولكنها همست برجاء أعمق:
طالبتك نايف.. لازم ساعة.. بأروح أسلم على أمي وأختي وعمي..
وبعدين تميم برا وراجع الحين..





بعد ساعة..
تنزل بخطوات خجولة..
وهاهو ينتظرها في الصالة السفلية وابتسم بشجن وهو يشير لها:
مقتنعة بالرجعة؟؟

هزت رأسها وهي تشير له بشجن مشابهة: لو ماني بمقتنعة مارجعت..

احتضنها تميم بحنان غامر ثم أفلتها ليشير لها برجولة خالصة:
طالبش طلبة.. إنش ماتسمحين لأحد يضايقش وإلا يدوس لش على طرف وأنا رأسي يشم الهوا..


وضحى تطاولت على أطراف أصابعها لتنزل رأسه وتقبله ثم تغادر..





.
.
.



" مادريت إن قلبش قاسي كذا؟؟"


تنهدت وضحى وهي تستوي جالسة في مقعدها بعد تحرك السيارة:
ومن اللي قسى قلبي؟؟ مهوب فعايلك؟؟


تنهد نايف وهو يشد أناملها بقوة حانية: خلاص يا بنت الحلال..
طلعت عيني على ذا السالفة..
إن شاء الله كل شيء انحل..
يمكن فيه أشياء ماقدرت أتصرف فيها.. لأن التصرف خارج عن قدرتي..
بس الحين تدخل فيها اللي له الحل والربط..
وإن شاء الله مايصير إلا الي يرضيش..
ومافيه حياة تخلى من المشاكل..


تنهدت وضحى بشجن: المشاكل مهيب المشكلة.. المشكلة لو مالقيتك جنبي يوم تصير المشكلة..

نايف شد على أناملها أكثر وهو يهتف بعمق: وضحى.. تدرين زين وش كثر أحبش..
أنا ماحسيت في الاستقرار في حياتي إلا معش..
حرام عليش تفكرين تخليني مرة ثانية... والله العظيم حالتي حالة عقبش..
إذا شفتي البيت دريتي..


ابتسمت وضحى: عفست لي البيت صح؟؟

ضحك: وش أسوي؟؟ عزابي.. واستحيت الخدامة تقعد معي.. رجعتها لبيتكم..

تنهدت وضحى بألم: تدري إني يوم شفتها.. آجعني قلبي.. أقول ياقلبي نايف..
الحين من بيغسل له من بيطبخ له..


ابتسم بمرح: ما أبي غسل ولا طبيخ.. أبيش أنتي وبس.. ودامني كنت على بالش الله يبشرش بالخير..
ثم أردف باهتمام: تبين نجيب شيء قبل نرجع البيت..


همست وضحى بتردد: أبي الصيدلية..

نايف باستغراب: ليه عسى ماشر..؟؟

وضحى بذات التردد: أبي تيست حمل..


حينها انفجر نايف في ضحك هستيري: والله منت بهين ياهزاع..
قال لي مهيب راجعة كون كنها حامل.. وأنا أقول له إنك ماتفهم شيء..
طلع ماحد متيس غيري..


وضحى بخجل: حرام عليك نايف.. أنا أساسا كل شهر أسوي تيست كل ما تأخرت الدورة لو يوم واحد.. وأنت عارف ذا الشيء زين

والحين متأخرة يومين.. مهوب من اللازم إني حامل..


نايف بذات الضحك هستيري: لا ذا المرة إن شاء الله تصيب..
عشان الولد ذا خارق.. دام قال حامل.. خلاص حامل!!







**********************************





بعد عدة أيام
.
.
.


" أشلونش يأبيش؟؟"


مزون تميل لتقبل رأس والدها ثم تجلس جواره وهي تحتضن ذراعه وتهمس بمودة غامرة:
طيبة فديتك..


لمس بطنها بحنان مصفى: الحمل متعبش يأبيش؟؟

همست بذات المودة وهي تحتضن كفه الممدة على بطنها: لا فديتك.. نفسه خفيفة مثل أبيه..

ابتسم زايد: الله يديم المودة..
ثم أردف باهتمام: وش مخططاتش عقب ماخلصتي دراسة..

مزون ببساطة: ما أدري مابعد قررت..

زايد بنبرة رجل الأعمال المتحفز البارع: أنا عندي لش مشروع بيعجبش ويناسبش ويناسب ظروفش..
(شركة وساطة نسائية إسلامية) بتشتغل على خطين..
الحين في السوق وش كثر فيه سيدات أعمال.. ووش كثر فيه حريم عندهم فلوس يبون يشتغلون بيزنس وماعندهم خبرة أو ماعندهم وقت..
الشركة بيكون فيها وسطاء كلهم بنات بيشتغلون لهم في الاسهم الاسلامية..
والسالفة كلها بالتلفون والكمبيوتر وأنتي عارفة..
وبنعين شباب هم اللي يكونون في مقر البورصة..
هذا الخط الأول..

الثاني إنه الشركة بتسوي دراسات جدوى لأي وحدة تبي تسوي مشروع.. وتخلص لها كل التراخيص لحد مايقوم المشروع..
وراح يكون مقر الشركة وديكورتها معبرة عن خصوصية المرأة وأناقتها.. برا بنحط سيكورتي رجال وداخل حريم..
ومايدخله إلا نسوان..
وأنا بأعطيش موظفة من عندي تكون المديرة.. وحدة متمرسة جدا ومعها دكتوراة اقتصاد..
وصار لها تشتغل عندي 8 سنين.. يعني أنا اللي أضمنها لش..
يعني أنتي تعالي بس وقت ماتبين ووقت مايكون غانم في رحلاته...
يعني دوام حر ومرن..


مزون كانت تنظر لانثيال والدها المحترف بانبهار حقيقي..
بقيت لدقيقة صامتة ثم أردفت بتأثر: الله لا يحرمني منك..
بس لازم أخذ رأي غانم قبل أي شيء..


ابتسم زايد: أكيد لازم تأخذين رأيه ويكون موافق..
ومبدئيا مافيه داعي إنه يتحسس لأنه الفلوس بتكون من عندش..
لو احتجتي من عندي.. بيكون سلف.. سلف بس..


قالها وهو يحتضها بأبوية حانية ويضحك بفخامته الخاصة...







**********************************






" تميم حبيبي..
غريبة إنك قاعد لين ذا الحزة..
منت برايح للدوام؟؟"



أشار بابتسامة مقصودة: خلصت دوامي الصبح ورجعت معش..

سميرة باستغراب: ودوام المسا؟؟


تميم بذات الابتسامة المقصودة: المسا كله لش.. إلا لو احتاجوني لشيء طارئ..
خلاص دوامي بيكون صبح وبس..


سميرة تراجعت بحزن: أنت سويت كذا.. عشان تجاملني في سالفة إني ما أحمل..


مد يده ليحتضن كفها ثم يرفعها لشفتيه مقبلا بكل ولع ومودة..
ثم أفلتها ليشير بأريحية:

غلطانة.. أنا سويت كذا عشان أتفرغ لش ولعيالنا اللي بيجون..
وأنا من قبل سالفة الحمل ذي كلها..
كنت أقول لش.. أبي أرتب وضعي..
وأنا فعلا كنت أتراسل مع واحد كان يشتغل عندي هو اللي ثقة.. بس رجع لبلاده..
وكنت أنتظره يخلص عقده .. وتوه خلصه من أسبوع وجا..
تبين تأكدين..روحي افتحي ايميلي وشوفي رسايلي معه وتاريخها.. بتلاقينها من قبل سفرتنا لألمانيا..






************************************




" هلا علي..
تعشيت؟؟"


علي يجلس وهو يهمس لها بنبرتها التي لا تكون إلا لها: تعشيت ياقلب علي..
تعالي اقعدي جنبي وبس..


ابتسمت برقة وهي تجلس جواره: تعشيت مع عمي..؟؟

ابتسم وهو يحتضنها ويغمرها صدغها بقبلاته: تعشيت مع عمش..
وعمش شكله باله مهوب معي..
كنه يبيني أقوم..
وأنا فهمت السالفة وسويت نفسي جنتلمان ورحت..


ضحكت شعاع برقتها الدائمة: ياقلبي ياعمي أكيد يحاتي خالتي مزنة..
خلاص دخلت الشهر التاسع..
وهي مسكينة تعبانة كلش..







*************************************







" حبيبي هذا كله تطفي سيارتك؟؟
قلت لي أنا في الباركينغ أطفي سيارتي..
وخذت لك ربع ساعة.."


كساب يلقي غترته وهو يضحك: وش أسوي أخروني قصرانا.. مراهقين سنة 75..

كاسرة ابتسمت: لو أن الله يفكهم من عيونك كان هم بخير وسلامة..
حاط دوبك دوبهم..
وش سوو ذا المرة؟؟

كساب يجلس ويشدها ليجلسها في حضنه وهو مازال يضحك:
صدق لا قالوا شر البلية مايضحك..
تخيلي زايد آل كساب.. البزنس مان المعروف.. والرجال اللي تنهز له المجالس..
واقف على باب غرفة أمش ربع ساعة مثل اللي غرقان في كوب ماي.. يشاور روحه أدخل وإلا ما أدخل..
وأنا يوم شفته.. قعدت واقف بعيد ما أبي أدخل وأحرجه..


ابتسمت كاسرة وهي تطوق عنقه وتسند خدها لرأسه وتهمس باهتمام:
والزبدة دخل وإلا مادخل؟؟

كساب غمز بخبث وهو يشدها برفق ليحتضنها:
أفا عليش.. لو مادخل.. والله ثم والله لأسحبه على الدرج..
وأدخله عندها وأسكر الباب عليهم.. وما أبطله إلا الصبح وبكيفهم!!


همست كاسرة بشجن وهي تقبل جبينه برقة مثقلة بالشجن:
كساب.. عقب 30 سنة.. لو الله عطانا عمر...
بتحبني كثر ما إبيك يحب أمي؟؟


همس بعمق أزلي وهو يشدها ليقرب أذنها من شفتيه يغمرها بقبلاته ودفء همساته:
أكثر بكثير.. بـــكــــثـــــيــــر!!
بــــــــــــكـــــــثــــــيـــر!!












********************************************








مازال واقفا أمام الباب منذ أكثر من ربع ساعة..
يتنهد بعمق.. اليوم كله لم يستطع رؤيتها..
أضناه الشوق حتى منتهاه..
وأنضجه القلق حتى غايته... وهو يعلم أنها دخلت الشهر التاسع أخيرا..

لا يعلم إن كان يحق له اقتحام خلوتها بهذه الطريقة..
دون استئذان!!


" يحق لي كل شيء..
كل شيء!!
هي كلها حق لي وحدي!!
أي جرم ارتكبته حين أريد الاطمئنان عليها فقط!!
فقط الاطمئنان!!"


تنهد بعمق.. وهو يفتح الباب ليدلف..
ليس خائفا مطلقا.. فمثله لا يعرف الخوف..
ولكن لها في جوانحه هيبة المحب.. وأي هيبة هذه الهيبة؟؟ أي هيبة؟؟


هيبة لا يعرفها إلا رجل مثله..
قضى حياته كلها ناسكا في محراب هواها..


تفتح (صباه) على وقع خطاها.. تخطوها فوق شغاف قلبه..
لاهية لا تعلم ماذا فعلت بعيني الجار المتيم التي ماعادت تبصر سواها..

وكأن الحياة لا اسم لها سوى اسمها..
والفجر يطلع لينير بهجة صباها..
والشمس تشرق من بين التماعة خصلاتها!!


حرير (بخنقها) المطرز حين كان يطير من نسمة هواء شقية.. كان قلبه يسابقه ليطير معه..
عله حين يحط يحط مثله ليلامس حرير بشرتها..
ولكن قلبه كان يطير ويطير ولا يحط سوى بحسرات النظرات تناجيها من بعيد..


ازدهرت (رجولته) حرقة لاهبة وهو ينظر لكل رجل كانت له قبله..
ينظر له باحتراق روحه التي كواها السهد وكأنه يخاطبه:

"هل لامست شفتيها التي لا أعرف ملمسها؟؟
هل سمحت لنفسك أن تتنفس عطرها الذي أضناني التفكير فيه؟؟
كيف جرؤت أن تمد يدك لربيع جسدها؟؟
كيف تطاولت على شمسي لتخبئها عن ناظريّ؟
هل تعلم أني ماعدت أبصر الشمس بعدها؟؟
الشمس بعدها باتت مختلفة.. باهتة.. خالية من السحر!!
يا الله ما أقسى الحياة التي شحت بها عليّ ومنحتها لسواي!!"



وهاهو يحط على شواطئ (كهولته) وهي بين يديه..
نعمة لفرط ما استكثرها على نفسه.. أبعدها عن موانيه..
يتذكر الآن كل لحظة مرت من الأشهر الشحيحة التي ارتوت فيها روحه من قربها..
وكم كانت شحيحة..!!
فهو مازال لم يرتوِ.. ولن يرتوي..!!

حكاية عشق جديدة نسجها بجذور ضاربة في عمق التاريخ..
على أساس مغرق في القوة والمتانة..
حكاية تاريخه بمجمله حطت على أعتابه..
هكذا كانت مزنة..

مـــــزنــــــة!!


تاريحه الذي ماعرف له تاريخ سواه!!
عشقه الذي تجدد في كل أوان..
روحه التي ماعرف روحا غيرها من صباه حتى الآن..


أفلا يشعر في حضرة كل هذا التاريخ بهيبة أشبه بهيبة الملوك؟!


هكذا كان يشعر وهو يقترب منها بخطوات هادئة قوية كما لو كان يحفرها على تاريخه من جديد..


كانت الأضواء خافتة كأضواء ليلة سحرية خالدة..
نور أكثر إضاءة يشتعل قريبا منها..
كما لو كان يضعها في بؤرة الصورة..


وهــــي نــائــمـــة..

شعرها السرمدي.. حكاية عشقه التي لا تخفت... مسكوب على جداول مخدتها..
وهي تنام على جنبها لتوليه وجهها..

وكأنها تعلم أنه قادم..
وأنه موجوع بالشوق.. ومكلوم بالفقد!!


وقف لدقيقة صامتا...
وكأنه يقول (الصمت في حرم الجمال جمال)

" هل هناك من يفلت معجزة أرضية كهذه سوى أحمق مثلي؟!!"


شد له نفسا عميقا ليجده يتلجلج في صدره بعنف..
عاجز عن سحبه كما يجب..

"فمن يستطيع التنفس في حضرتها؟!!"


حتى إرهاق الحمل وقسوة مامرت به رغم انطباعه على تفاصيل وجهها..
لم يزدها في عينيه إلا حسنا ماعاد قادرا للوصول إلى ذروته حتى!!


" يا الله كم اشتقت لرؤية وجهك!!
تنفس أنفاسك من قرب..
الاحتراق بقربك ذلك الاحتراق الذي يطهر الروح لسموه وعمقه!!"


شد مقعد التسريحة ليجلس قريبا منها..
ملاصقا لها..

لحظات مرت.. وهو يمسح بناظريه صفحة وجهها ببطء شديد..
كما لو أنه يريد الاستمتاع بكل جزء من الثانية تعبر فيه عيناه تفاصيلها الأثيرة..
وكأنه لا يريد للحظة أن تنقضي لشدة بهائها ووطأتها على قلبه..


ارتعشت شفتيها بخفة.. ليرتعش قلبه بعنف..
كان يريد أن يمد يده ليلمس ورد شفتيها.. ولكنه نهر أنامله بقسوة..
لم يرد أن يكدر عليها نومها..
أو ربما خشي من ردة فعل تأخذه من هذه العوالم السماوية..


لم يخرجه من هذه العوالم إلا همسة رقيقة ندت من بين شفتيها بخفوت:
زايــــــد!!

انتفض بولعه الخاص وهو يهتف بعفوية قارصة موجعة:
لــــبـــيـــــه!!


حينها فتحت عينيها وهي تحاول الاعتدال بصعوبة لشعورها بالثقل..
مد ذراعه ليسندها وهي تهمس بخفوت أقرب للحرج:
كنت أحسب نفسي أحلم وأنا أشم عطرك قريب كذا!!

أسندها حتى جلست.. ولكنه لم يستطع إزالة ذراعه من خلفها.. رغم أنه حاول..
ولكنه لم يستطع.. لم يستطع..
كان سيموت ليلمسها من جديد.. فكيف يبتعد الآن؟؟

جلس جوارها..وذراعه مازالت خلفها..
لحظات طويلة مرت.. ثقيلة.. موجعة.. محلقة!!
وكل منهما إحساسه بالآخر يؤلمه في أعمق نقطة في الروح!!


كم مر عليهما وهما في منفاهما الاختياري..كل منهما بعيد عن شطآن الآخر؟!!



كان زايد هو أول من قطع الصمت وهو يهمس باهتمام رجولته الخاصة:
وينش اليوم ماشفتش كلش؟؟

صمتت.. إحساسها بالألم والاحتياج يضعفها لأقصى حد..

أعاد السؤال عليها.. همست بسكون: رحت الصبح كان عندي موعد..
ومسكتني الدكتورة عندها عشان تركب علي مغذي عشان ارتفاع الزلال..
وكانت تبيني أبات الليلة هناك بس أنا مارضيت..


عاجز حتى عن أن يصرخ بها.. وحرقته تتزايد في روحه وهو يهمس بسكون موجوع:
وأكيد ماقلتي لأحد كالعادة؟؟ وأي حد يكلمش تتعذرين له ألف عذر؟؟

همست بألم: وش تبيني أسوي زين؟؟

رد عليها بألم أعمق: لا تسوين شيء.. احرقي قلبي وبس!!


عادا لتبادلا الصمت لثوان قبل أن يهتف هو بإجهاد:
مزنة مهوب كفاية كذا؟؟
والله العظيم كفاية.. وأكثر من كفاية!!


ردت عليه بشجن مثقل بالالم: يمكن كفاية عندي .. بس أخاف مهوب كفاية عندك!!

زايد حينها حرك ذراعه التي خلف ظهرها ليحتضنها به وهو يصدر أنينا خافتا مثقلا بالوجع.. ما أن شعر برأسها بين ضلوعه:
دريتي الحين إنه كفاية..!!

همست برجاء عميق وهي تقيد كفيها.. كل كف بالأخرى:
زايد ضربتين في الرأس توجع.. ماراح استحمل منك ضربة ثانية..
ماراح استحمل إحساسك بالذنب.. ولا أنك تعاقبني بذنب غيري..
أوعدك لو جبت بنية أسميها (وسمية) كان ذا الشيء بيريحك.. بس تكفى مافيني للوجيعة..


احتضنها زايد بعمق أكبر.. لتجد أن مقاومتها تتفكك كتفكك عظامها المرتعشة بين خلاياه..
وهي تحتضن خصره بكلتا ذراعيها وتقبل صدره بوجع بللته بدموعها وانينها!!


بينما زايد يهمس بعمق كوني.. عمقه الرجولي المختلف الذي امتد من الأمس لليوم:

ما أبيش تسمين وسمية.. ما راح أغلط نفس الغلطة مرتين..

أمس.. جرحت وسمية وأنا ما أدري يوم سميت بنتها باسمش!!

مستحيل اليوم.. أجرحش وأنا أدري وأخليش تسمين بنتش باسمها!!

بنتنا أو ولدنا بنسميهم اسم جديد..
خلاص مانبي ظلال الأمس اللي غطت اليوم..

أنا وأنتي وعيالنا كلهم نبي نفتح صفحة جديدة لـــبــكـــرة!!!






#أنفاس_قطر#
.
.
.
.

تمت بحمدلله أيام (بين الأمس واليوم) ولياليها..

دعاء ختم المجلس:
" سبحانك اللهم وبحمدك... أشهد أن لا إله إلا أنت ... أستغفرك وأتوب إليك"

.

تبقى بين الأمس واليوم كما كانت حصرية في ليلاس

هذا احنا خلصنا.. ومثل ماقلت لكم لا مشهد ناقص ولا زايد..
فيه ناس لو سمعت كلامهم كان خلصت من زمان..
وناس لو سمعت كلامهم كان قعدت معكم لسنة قدام بعد :)
وحلات الشيء ينتهي مثل ماهو مخطط له تمام <== على الأقل من وجهة نظر محدثتكم الهذارة :)
.
.
وما انتهينا نهاية مأساوية ولا حزينة.. لسبب وحيد
اللي يعرفني زين كان بيعرفه
إنه أنا قلت لكم قبل إني أكتب بروح قارئة..
وأنا كقارئة فعلا أكره النهايات الحزينة...
كم قصص عجبتني ولما وصلت نهايتها ندمت إني قريتها.. لأنها حرقت قلبي على الأخير..
وأنا مثلكم أقرأ لأبحث عن فسحة من الأمل..

نعم الحزن مطلوب لتنقية الروح.. ولكن ليس لإتعاسها..

قد يرى البعض أن الكاتب الاستثنائي لايهتم بهذه الأمور..
ولكن أنا لا أرى في هذا استثنائية بل أراه نوع من التعقيد..
ولو هو الاستثنائية فأنا متنازلة عن هذا المسمى..

لماذا أتعب نفسي في رواية لعام كامل وأعطيها من روحي ووقتي وكياني
وأخذ من وقت آلاف القراء حتى أجعلهم يكرهونها في النهاية..
هل سأسعد بقصة ستموت في خيال قراءها؟؟

هذا رد على حكاية النهايات الحزينة :)
.
ودام تكلمنا عن النهايات.. فعندنا نجمة كبيرة معلقة من زمان
لـ(حنين الذكرى)
لأنها توقعت إني بأنهي القصة في تاريخ 7/3/2011
وهذا فعلا كان مخططي.. بس توقفي أيام أحداث مصر هو اللي عرقل المخطط:)

ودام تكلمنا عن النجوم..
فيه كم نجمة معلقة..
(وضيحة) أول من توقع ومن زمان إنه كاسرة بتتعب لما يحكي لها كساب كل التفاصيل..
(إرادة) توقعت جميلة تقص شعرها عشان فهد..
(الحياة) قالت مستحيل زايد يسمي وسمية..


قلبي يوجعني وأنا أوزع آخر النجمات...
كل وحدة بتمر على ذا الأسطر وأنا ماذكرت اسمها
معلق لها في قلبي الآف النجمات..
.

أمنيتي وطلبي الأخير منكم إن كل من سيمر على هذه الأسطر..
يترك لنا ولو كلمة واحدة يودعنا بها.. حتى اللي تابعونا بصمت طيلة الأشهر الماضية..

ألا تستحق منكم (بين الأمس واليوم) أن تقولوا وداعا لها؟؟

وخصوصا أنها كما قلت لكم آخر عمل لي.. كما أظن!!
لا أريد إغضابكم..
ولكن هذا هو فعلا إحساسي..
أريد استراحة محارب طويلة جدا جدا جدا جدا.. سأنقطع فيها عن الانترنت وعن عوالم الكتابة..
ولأني وعدتكم أني لو وجدت مايستحق العودة سأعود.. فأنا عند وعدي..

ولكن حتى ذلك الحين أمامي الآف المشروعات المؤجلة!!

ولكل شيء مرحلته وزمنه..

وأرجو منكم دائما أن تذكروني بالكلمة الطيبة وبدعواتكم الخالصة
أن يهديني الله إلى مايحب ويرضى... ويوفقني لمرضاته..
ويصلح ويحفظ أطفالي كلهم حتى القادمين منهم!


يعز علي فراقكم فوق ما تتخيلون..
موجوعة حتى الثمالة وحتى النخاع <== كما كنت أقول عن شخصياتي حتى أصبحت هذه المصطلحات مرادفة لهم..

سأفتقد لجمعتنا الدافئة ومشاعركم الأدفأ..


والله أني في هذه اللحظات كما يقول المتنبي:
يامن يعز علينا أن نفارقهم..... وجداننا كل شيء بعدكم عدم


ماعاد للحديث مجال.. :(
رُفعت الأقلام وجفت الصحف..

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

سبحانك اللهم وبحمدك... أشهد أن لا إله إلا أنت... أستغفرك وأتوب إليك


.
.
أنفاسكم
أنفاس قطر
.
.
.


الساعة الآن 07:45 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية