منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   164 - اطياف بلا وجوه - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t157109.html)

اماريج 28-02-11 12:55 AM

164 - اطياف بلا وجوه - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
http://up.liilas.com/uploads/liilas_12988451881.gif

مسائكم وصباحكم
ياحلوين معطر دوما بااريج الورد:flowers2:
اليوم راح انزل رواية من روايات عبير القديمة لسع بعدي ماقرائتها وراح استمتع معكم في قرائتها ياحلوين
وكلي امل انو تطلع رواية حلوة وروعة كالعادة هههه:lol:
للامانة الرواية منقولة
اسم الرواية :اطياف بلا وجوه
الكاتبة: فلورا كيد

الملخص
http://up.liilas.com/uploads/liilas_12988457581.gif
كم من قصة تولد او تموت لأن الصدفة تشاء ان يكون بطلاها على طرفي نقيض في نظرتهما الى الحب والحياة .
رجل العقل وامرأة القلب.
واحد يرى بجهازه العصبي ,واخرى تتطلع في مرآة الغريزة والشعور.حاولت ايلاين طوال اشهر تسعة ان تنسى بيار .تصورت انها نجحت في ذلك , ولكنها ادركت فيما بعد ان مشاعرها نحوه لم تتغير اطلاقا.
منتديات ليلاس
بيار ليس من النوع الذي يمكن نسيانه بسهولة .عادت اليه قبل أربع وعشرين ساعه فقط , وهاهو يملأ حياتها,يطرد منها كل شخص آخر وكل شئ ,تماما كما فعل قبل سنة واحدة عندما التقيا...وتزوجا.
ولكن عليها هذه المرة ان تقرر بشكل نهائي ,لأن الأمور تجاوزت حدودها المتعارف عليها.
اتخذت طابعا مخيفا فجأة ,وبدأت تلوح في الأفق أطياف مصيرية غير مرغوب فيها مطلقا ,كالطلاق مثلا...
http://up.liilas.com/uploads/liilas_12988457581.gif
قراءة ممتعة للجميع
:flowers2:
:liilas:


اماريج 28-02-11 12:58 AM


1_مطاردة

عندما علمت أيلاين كوبر أن شقيق جدتها لأبيها أرمون سان فيران مريض جدا ويريد حضورها على الفور الى منزله الريفي في شامبورتن أون دوفاي بفرنسا , أتصلت بأدارة شركة الأستيراد اللندنية المعروفة التي تعمل فيها وأستطاعت الحصول على أجازة لمدة يوم واحد.
ثم أجرت مكالمة أخرى , حجزت خلالها مقعدا لها على أحدى الطائرات المتجهة الى باريس... وبعثت ببرقية الى مارجريت زوجة أرمون , تبلغها فيها عن موعد وصولها الى مطار شارل ديغول في العاشرة من صباح يوم الجمعة المقبل , أختارت أيلاين هذا اليوم بالذات لأنه يمنحها , بالأضافة الى الأجازة الأسبوعية المعتادة , ثلاثة أيام كاملة.
منتديات ليلاس
حطت الطائرة في الموعد المقرر لها , فأخذت حقيبتها وأجرت معاملاتها الضرورية في دائرة الجوازات ثم توجهت الى قاعة الخروج.
لم تجد أي أحد بأنتظارها , فجلست حوالي ربع ساعة ... لعل الشخص الذي يفترض به أستقبالها قد تأخر بسبب الأزدحام الخانق في حركة السير , وعندما تأكدت أن أحدا لن يأتي لملاقاتها قررت أستئجار سيارة وقيادتها بنفسها الى شامبورتن ,وما هي ألا عدة دقائق , حتى كانت أيلاين تنطلق من المطار بسيارة رينو صغيرة حمراء ... متجهة الى بعض أحياء باريس ومنها الى الطريق الرئيسة التي تمر عبر الريف الفرنسي الى مدن شارتر وتور وبواتيه وبعدها الى سهول أكويتان.
ولأنها تحب قيادة السيارات كثيرا وتعرف طريقها جيدا , فقد وصلت الى المدينة الأولى شارتر في وقت مبكر سمح لها بالتوقف بعض الوقت لتشرب فنجان من القهوة , أغرتها نفسها بزيارة القلعة التاريخية القريبة , ولكنها قررت متابعة سيرها كي تصل الى شامبورتن قبل الساعة الرابعة على أقل تقدير.

تجاوزت مدينة تور , فتوقفت لبضع دقائق أكلت خلالها قطعة من الحلوى وشربت كوبا من العصير البارد,وما أن أقتربت من بواتيه حتى بدأت الطريق تعج بسيارات النقل الصغيرة والشاحنات الكبيرة , دخلت تلك المدينة المبنية على تلة صخرية مرتفعة , والتي تشرف على نهرين صغيرين يرويان ذلك الحصن الطبيعي المنيع وأمتدت أمام عينيها السهول الخضراء الفسيحة .
تحولت أيلاين في منتصف المسافة بين بواتيه وأنجولام الى طرقات ريفية ضيقة ,تمر عبر قرى جميلة رائعة يزيد عمرها على مئات السنين , شاهدت قطعان الغنم والماعز ومعدات زراعية , وأبناء الريف الأقوياء يعملون بجد ونشاطو وحيوية وعندما بدأت الطرقات بالأنحدار تدريجيا لتصبح بعد قليل على مستوى واحد مع نهر دوفاي
شعرت أيلاين بتلك السعادة التي تغمر الأنسان عادة عندما يرى أشياء مألوفة ومحببة لديه , ذكرتها الأشجار المنتصبة بين حافة الطريق وضفة النهر بأيام طفولتها المفعمة بالسرور , وبالمرات العديدة التي كانت تمر فيها من هنا بالذات مع دتها ألانور سان فيران كوبر تلك السيدة الفرنسية الرائعة التي أهتمت بها كثيرا بعد وفاة والديها بحادث سيارة مفجع
دمعت عيناها فرحا وتأثرا , وهي تستعيد كلمح البصر ذكريات فصول الصيف الثمانية التي أمضتها مع جدتها الطيبة في ذلك القصر وأحضان الطبيعة الرائعة.



اماريج 28-02-11 01:01 AM

لم تعد تبعد عن شامبورتين سوى كيلومترات قليلة ,وصلت الآن الى عمق الريف الفرنسي الساحر ,حيث الهدوء والسكينة ... والشلل التام في حركة السيارات , عاد العمال من مصانعهم والمزارعون من حقولهم ,والموظفون من مؤسساتهم ,وبدت الطريق مقفرة ومهجورة تماما... بأستثناء سيارتها الحمراء الصغيرة و....
لاحظت للمرة الثامنة تقريبا , أن ثمة سيارة سيتروين رمادية اللون تلحق بها , لم تتضايق من وجود هذه السيارة وراءها قبل ذلك , وهي تخرج من منطقة باريس الى الطريق الرئيسية التي تربط العاصمة بالمدن الريفية , ففي فرنسا بضعة آلاف من سيارات السترواين التي تحمل هذا اللون , وقد لا تكون السيارة المنطلقة وراءها ذاتها التي تتعقبها منذ بعض الوقت ,ولكن الشكوك بدأت تراودها عندما وصلت الى بواتيه
منتديات ليلاس
لأن تلك السيارة لا تزال وراءها تلاحقها كظلها , كانت المسافة الفاصلة بينهما مدروسة بدقة على ما يبدو , لأن أيلاين لم تكن قادرة على قراءة رقم السيارة أو معرفة ما أذا كان سائقها رجلا أم أمرأة.
نظرت الى مرآة سيارتها من جديد , فأزداد توتر أعصابها وتسارعت ضربات قلبها , تأكد لها عندئذ ,وبعدما أفسحت المجال مرات عديدة دون جدوى لتلك السيارة القوية كي تتجاوزها , بأن السائق يعرفها ... ويجد لذة فائقة في أثارة أعصابها وتعذيبها بملاحقتها على هذا الشكل الرهيب .

قطبت حاجبيها بعصبية بالغة وتمتمت بكلمات قاسية ,عندما ذكّرتها تصرفات سائق سيارة الستروين بشخص ما لم تتوقع مشاهدته قبل وصولها الى القصر ... شخص تمكنت من تجنب مقابلته أو رؤيته منذ حوالي تسعة أشهر , أنه زوجها بيار دوروشيه ,الذي تركته بعد أربعة أشهر فقط من زواجهما ... عندما علمت بخيانته لها.
أحمر وجهها غضبا وأنفعالا , فمجرد التفكير بما حدث في العام الفائت لا يزال يؤلمها ويعذبها , كم كانت غبية في حبها له ,وسخيفة حتى التفاهة ,عدما قبلت دون تردد الأرتباط بذلك المغامر المتحجر القلب الذي لا يعتبر الزواج سوى وسيلة ملائمة لتحقيق أغراض معينة!

يفجر الحقد في داخلها ,وهي تتذكر بيار وكيفية أذلاله لها , ولم تعد تفكر ألا بالهرب من تلك السيارة التي تلاحقها بصورة مستمرة , ضغطت على دواسة ابنزين وأطلقت العنان لسيارتها الصغيرة , فشعرت بتجاوب فوري مع الرينو الجديدة التي بدت كغزال يفر من وجه أسد جائع .
ركزت أيلاين كل أهتمامها على الطريق الممتدة أمامها , مكتفية بألقاء نظرة سريعة بين الحين والآخر على المرآة المثبتة على بابها للتأكد من أزدياد المسافة الفاصلة بين السيارتين , برز أمامها فجأة منعطف نحو اليسار , فحاولت أستخدام المكبح للحد من السرعة الجنونية لسيارتها الصغيرة .... ولكنها لم تفلح
شردت الرينو الحمراء عن الطريق, وأنزلقت على العشب الجاف بضعة أمتار قبل أن ترتطم مقدمتها بحافة أحدى القنوات المخصصة لري الحقول المجاورة .
منتديات ليلاس
لم يلحق بها أي أذى , ولكن الصدمة النفسية والمعنوية أرهقتها ووترت أعصابها , أطفأت محرك السيارة وأسندت رأسها الى المقود في محاولة منها للحد من هذا التوتر الشديد والسيطرة عليه , أوقف الرجل سيارته الى جانب الطريق , وهرع نحو السيارة الأخرى التي كان يلاحقها دون كلل منذ فترة طويلة , فتح باب الرينو ولكنه لم يتبين وجه سائقتها لأن الشعر الذهبي كان يغطي وجهها ,سألها بلهفة
وباللغتين اللتين يتقنهما جيدا:
" ماذا حدث لك؟ يا سيدتي؟ هل أنت بخير؟".



اماريج 28-02-11 01:04 AM

هذا هو صوته القوي الرنان ... صوت بيار دوروشيه , الذي حاولت عبثا أن تنساه أو حتى تطرد صداه من عقلها وقلبها , لم تحرك رأسها أو تزعج نفسها بالرد عليه , فكرر الشق الثاني من سؤاله بلهجة تنم عن القلق والأنفعال , أحست برغبة قوية في تعذيبه والأنتقام منه ,ولو لجزء يسير مما أصابها بسببه وعلى يده , ليظن أنها فقدت وعيها أو ربما ماتت , فقد يشعر بوخز الضمير... هذا أذا كانت لا تزال لديه بقية منه!
سمعته يشتم بالفرنسية ثم أحست بيديه القويتين تمسكان بكتفيها , فشعرت بالخوف ... والبهجة , لم تكن لتتصور أن لمسته لها لا تزال ذات تأثير مدمر كهذا , بعد أشهر عديدة من البعد والفراق.... وبعد الجهود المكفة التي بذلتها لطرده من تفكيرها و.... قلبها! هل تحاول التخلص منه أو المضي في تعذيبه؟
منتديات ليلاس
تغلب حب الأنتقام المؤقت , فقررت كبح جماح عواطفها وأحاسيسها ومواصلة التظاهر بالأغماء , أبعد رأسها ببطء عن مقود السيارة وأسنده الى المقعد , كيف سيكون رد فعله الآن , بعد أن شاهد وجهها ؟ أنتظرت بضع ثوان ,فلم يحدث شيء على الأطلاق .
ظل صامتا ودون حراك , وكأنما الأرض أنشقت وأبتلعته أو كأنه تبخر في الهواء , ألا يتنفس؟ لماذا لا تسمع سوى زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر؟ قررت أن تفتح عينيها قليلا وتئن بصوت خافت , ليعرف أنها حية وبدأت تستعيد وعيها.

" تبدين جميلة جدا , يا أمرأتي الحبيبة ,ولكنك غير قادرة على خداعي ,فأحمرار وجنتيك الى هذه الدرجة يثبت , بشكل قاطع , أنك لم تفقدي وعيك أو تتعرضي لأي أذى".
أختفت نبرة القلق من صوته العميق , وحلت محلها تلك السخرية الحادة .... وبخاصة عند أشارته الى العلاقة التي تربط بينهما , فتحت عينيها البنيتين وأستوت في جلستها , ثم حدقت به وبعينيه الزرقاوين الهازئتين , لم يتغير فيه شيء أطلاقا .... شعره الأسود الكثيب الذي خطه الشيب المبكر هنا وهناك , سمرة وجهه الناشئة عن التعرض للشمس , وفمه الجذاب الذي كان دائما يلهب عواطفها ومشاعرها , يا لهذا الأغراء الفتاك الذي لم يخفف البعد والأشمئزاز من قوته وهيمنته !
سألته بتحد ظاهر:
"لماذا تتبعني؟".
رد عليها ببرودة أربكتها وأزعجتها:
"هل كنت أتبعك؟".
منتديات ليلاس
أليس محتملا أن يكون وجوده وراءها مجرد مصادفة؟ ربما كان عائدا من بواتيه! لمعت عيناه مجددا بذلك البريق الساخر وأفتر ثغره ثانية عن تلك الأبتسامة الخفيفة الهازئة , فتأكد لها أنها على حق... وأنه كان يتبعها طوال الوقت
قالت له بحدة:
" طبعا كنت تفعل ذلك ,عمدت ملاحقتي على هذا النحو المزعج لكي... لكي تعذبني وتثير أعصابي".
أتسعت أبتسامته وأتسمت فجأة بالرقة والنعومة , بحيث بدت كأنها واحة أمينة في صحراء وجهه القاسي المخيف ,وضع يده برفق على خدها
وقال بصوت هادىء:
" أوه! كم تعرفين طباعي جيدا , أيتها العزيزة , ألا يقال أن الشرير الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه! فكري هذا المثل مليا خلال الأيام القليلة المقبلة التي ستمضينها في القصر".
أحست بشيء من الخوف , لأنه أكتشف على ما يبدو السبب الحقيقي لمجيئها , أبعدت رأسها عنه بعصبية واضحة
وقالت بلهجة صارمة:
" لن أطيل البقاء هنا , فأنا مضطرة للعودة الى عملي قبل صباح الأثنين".
أبتسم بأستخفاف وتمتم قائلا:
" سنرى , يا عزيزتي , سنرى".
منتديات ليلاس
أزعجها جوابه الهادىء , فقررت على الفور أتخاذ جانب الحيطة والحذر...والتصدي له بكامل قوتها , لن يكون سلسا أو مرنا أبدا , عندما يصمم على تنفيذ خطة معينة
قالت له بقوة:
" لن أبقى هنا أكثر من ذلك يا بيار, لن تقدر على أرغامي ".
هز كتفيه فشعرت أيلاين أنه لن يجادلها وتهيأت لتعليقه الجديد :
" قال لها بصوت ناعم رقيق:
" بما أنك لم تتعرضي لأي أذى , فهل تقبلين أقتراحي بمتابعة الرحلة معي؟ أشك كثيرا فيما أذا كان بالأمكان أخراج سيارتك من هذه الحفرة , دون الأستعانة بمعدات مناسبة".



اماريج 28-02-11 01:07 AM

أفزعتها كلماته عن المعدات الضرورية , فخرجت بسرعة لتفقد السيارة الصغيرة ومعرفة مدى الأضرار التي لحقت بها , بدت الرينو الحمراء سليمة تماما , ولكن حافة القناة مرتفعة بشكل يحول دون أخراج السيارة بالوسائل العادية ,أنه على حق , فلا بد من الأستعانة برافعة! سمعته يقفل باب السيارة ويتوجه نحو صندوقها
فأحست بأستياء بالغ وسألته بأنفعال شديد:
" ماذا تفعل؟".
أجابها بهدوء مثير للأعصاب, وهو ينفذ ما يقول:
" أخرج حقيبتك من الصندوق ,لأنك لست قادرة على الأستغناء عنها".
" أتركها في مكانها! لا يحق لك أبدا التصرف معي على هذا النحو, أو التحدث الي بهذا الشكل الآمر".
منتديات ليلاس
وضع الحقيبة على الأرض ثم أقفل صندوق السيارة الصغيرة بعصبية , قبل أن يوجه اليها نظرة ساخرة ويقول لها ببرودة مزعجة:
" العكس هو الصحيح ,يا عزيزتي, فلي كل الحق في الأعتناء بك وبأمتعتك , وفي أصدار أي تعليمات أعتبرها هامة وضروروية , أنت .... زوجتي , أيتها الحبيبة".
قفز فوق قناة الري الجافة بخفة ونشاط , على الرغم من وجود حقيبتها في يده, لحقت به أيلاين بصعوبة ,وهي تنزلق حينا وتكاد تهوي حينا آخر , وعندما وصلت الى المكان الذي أوقف فيه سيارته , لاحظت أن حقيبتها أصبحت داخل الصندوق المغلق
قال لها بلهجة حازمة ,وهو يتوجه لفتح باه:
" هيا بنا!".

" أنتظر فحقيبة يدي لا تزال في الرينو".
ركضت بسرعة نحو السيارة الصغيرة, فتزحلقت على العشب الجاف ولم يتوقف ألا عندما أرتطمت رجلها بأحدى العجلتين الخلفيتين , قامت لتفتح الباب , فكادت تدوس على المفاتيح التي رماها بيار في تلك اللحظة بالذات , أخذت حقيبتها الصغيرة وأقفلت باب السيارة مجددا , ثم بدأت الصعود ثانية وهي تتمنى لو أنها كانت مرتدية ثيابا أخرى تناسب هذه المناطق الريفية ... عوضا عن الفستان الحريري الأخضر الذي يليق بعاصمة الأزياء نفسها .

كان بيار جالسا وراء مقود السيارة ,وقد أدار محركها أستعدادا للأنطلاق , فتحت الباب ودخلت بهدوء لتجلس قربه ,ولم تكد تغلق الباب وراءها , حتى أنطلقت السيتروين بسرعة جنونية , وكأنما صاحبها يريد الوصول الى وجهته في أقل وقت ممكن
قال لها بعد لحظات:
" سنتوقف في محطة الوقود الموجودة على هذا الجانب من القرية , لأبلاغ مارسيل عما حدث , لديه شاحنة مزودة برافعة , وأنا متأكد من أنه سيهب للمساعدة ... أكراما لعينيك , أنه يسألني دائما عنك , وعن موعد عودتك الى شامبورتن".

أدارت وجهها عنه بسرعة ,وركزت نظرها على تلك القرية الجميلة التي بدأت تلوح كالسراب وسط السهول الخضراء المحيطة بها من كل جانب , ها هي القرية التي تزوجت فيها , وها هو واحد على الأقل من أبنائها الطيبين يسأل عنها ! شعرت بتأثر شديد لم تكن تتوقعه, أحست أن شامبورتن بدأت تمارس ضغوطا نفسية عليها...لأقناعها بأنها جزء من هذه القرية الساحرة ,وبأنها أرتكبت خطأ فادحا عند مغادرتها.
لا , يجب ألا يحدث ذلك أبدا! ستقاوم كافة محاولات الأقناع والأغراء , الهادفة الى أيقاعها في الشرك ,وأهم من ذلك كله , أنها ستكافح بقوة أي محاولة قد يقوم بها الرجل الجالس قربها لأعادة تلك العلاقة التي تحولت خلال فترة وجيزة الى ألم ومرارة وعذاب ,ولذا , فأنها لم تنزل من السيارة عندما أوقفها بيار أمام المرآب الذي يعمل فيه مارسيل دوديه كلود, فضلت البقاء في السيارة وتحمل حرارة الشمس القوية والجو الخانق , كيلا تضطر لمواجهة هذين الشخصين اللذين سيفتحان بالتأكيد جراحاتكاد تنجح في تضميدها .
منتديات ليلاس
أستفاقت فجأة من أحلام اليقظة ... وأستعادة بعض الذكريات , عندما سمعت قهقهات بيار ومارسيل وهما يتطلعان نحوها , لا شك أنهما يضحكان عليها , بعدما أخبر بيار جاره .... وبشيء من المبالغة ... تفاصيل الحادث الذي تعرضت له , أبعدت وجهها عنهما دامعة العينين ومتوترة الأعصاب , لأن بيار لا يهتم بها أطلاقا.... بحيث أنه لا يتوانى عن التندر بمشاكلها أمام أي كان , رفعت رأسها قليلا , فشاهدت مارسيل قرب بابها , يبتسم لها ويحييها بطريقته المحببة المعتادة ,لم يعد بأمكانها تجنبه ... ولم يعد من اللائق تجاهله, أنزلت زجاج النافذة للتحدث معه
فبادر الى القول مرحبا:
" طاب نهارك , يا آنستي.... أوه , عفوا, سيدتي , أنا سعيد برؤيتك ثانية".
رفعت لهجته الودودة الصادقة معنوياتها بعض الشيء
فأبتسمت له وقالت بعفوية فوجئت بها:
" أسعد الله يومك , يا سيد دوديه .أنا مسرورة بوجودي هنا , وبمقابلة الناس الطيبين أمثالك , أرجو أن تعتني جيدا بالسيارة المستأجرة , وتحضرها الى القصر في أسرع وقت ممكن".



اماريج 28-02-11 01:09 AM

" سيكون ذلك من دواعي فرحي البالغ , يا سيدتي ... تماما كما كنت أشعر عند أصلاح دراجتك الهوائية , هل تذكرين تلك الأيام , عندما كنت تركبين الدراجة وتأتين الى القرية لشراء الحلوى من السيدة سوريل؟".
" طبعا , أذكر ذلك , كيف حال السيدة سوريل هذه الأيام؟".
" ليست جيدة على الأطلاق , أنها الآن في المستشفى الرئيسي للمقاطعة".
" أوه , أنا آسفة جدا لسماع ذلك".
" سأذهب وزوجتي غدا بأذن الله لزيارتها , ستسر كثيرا عندما أخبرها بمجيئك , الى اللقاء, يا سيدتي ".
منتديات ليلاس
أنطلقت السيارة الكبيرة مرة أخرى , ولكن بسرعة عادية جدا سمحت لأيلاين بالتمتع مجددا بالمناظر الطبيعية الخلابة , وقبل وصولهما الى بداية القرية ,تنهدت وسألت بيار بتردد:
"كيف حال الخال أرمون؟".
" أنه يموت!".
أخترق جوابه كخنجر حاد , فأحست بالدموع الحارة تحرق عينيها , تمالكت نفسها وسألته مجددا:
" ووالدتك؟".
" تمضي طوال الوقت الى جانبه , كما يجب على كل أمرأة أن تفعل عندما يكون زوجها مريضا , هكذا قالت لي , عندما نصحتها مرة بأخذ قسطا من الراحة".
أحست بوخز أنتقاده اللاذع للكيفية التي تركته بها في العام السابق , وشعرت بشيء من الندم لأن تصرفها هذا هو السبب المباشر لهذه السخرية الحاقدة , وضعت مرفقها على حافة النافذة وأسندت رأسها على راحة يدها , وأخذت تفكر بمارجريت .... والدة بيار وزوجة أرمون , تذكرت فورا أستياء جدتها ألانور , عندما علمت بزواج شقيقها أرمون البالغ من العمر آنذاك خمسة وستين عاما من مارجريت دوروشيه .... مدبرة منزله وأرملة جون دوروشبه, الذي تولى لسنوات أدارة كروم العنب الخاصة بعائلة سان فيران , ذهلت جدتها عند سماعها النبأ
وصرخت قائلة:
" رباه, لا بد أنه جن! أمضى طوال حياته عازبا , ليتزوج مارجريت ؟ ثمة عزاء واحد فقط ,وهو أنها تخطت سن الأنجاب".
لم يعن هذا الأمر شيئا لأيلاين , لأنها كانت في الثانية عشرة من عمرها وغير عابئة أطلاقا بالأمور الحياتية المعقدة للراشدين , ولكنها لم تتمكن من تمضية ذلك الصيف كعادتها في شامبورتن , لأن جدتها أصيبت بجلطة دماغية حادة أدت الى وفاتها في المستشفى خلال أسابيع قليلة.
وجدت أيلاين الصغيرة نفسها فجأة وحيدة يائسة , لأن ألانور سان فيران كوبر لم تكن جدتها فحسب .... بل أهلها وعائلتها , فهي تحضنها بمحبة وحنان مذهلين منذ الرابعة من عمرها , عندما توفي والداها في تلك الحادثة المشؤومة.

أهتم بها أبن عم والدها , تشارلز كوبر , الذي يتولى أدارة أحدى شركات الأستيراد وأفضلها سمعة , لم تزر شامبورتن طوال السنوات الثناني التي تلت وفاة جدتها , ولكنها ظلت ترال شقيق الجدة بصورة متواصلة ومنتظمة , كانت تكتب له بالفرنسية , التي علمتها أياها ألانور قراءة وكتابة .... والتي ظلت تعلمها في المدرسة حتى تخرجها , تمنت أكثر من مرة زيارة الرجل العجوز الذي تحبه , ولكن عمها تشارلز كان يؤمن لها ولأبنتيه الموجودتين معها في نفس المدرسة رحلات سنوية رائعة الى أسبانيا أو أسكتلندا أو الجزر اليونانية .
وعندما أصبحت في الحادية والعشرين من عمرها وبدأت تعمل في شركة عمها التجارية , قررت قبول دعوة عاجلة من خال والدها لزيارة شامبورتن مرة أخرى بعد هذا الغياب الطويل , ذهبت في مثل هذا الوقت من العام الفائت , فتعرفت الى بيار دوروشيه الذي تولى مهمة والده الراحل... وأحبته.

برز القصر الصغير الأنيق فجأة أمام ناظريها , فشعرت بتلك الجاذبية القوية التي تشدها الى هذا المكان الرائع , هل يعود هذا التعلق بشامبورتن , لأن بعض دماء سان فيران تجري في عروقها ؟ طبعا! ألم تكن جدتها الحبيبة أبنة هذه العائلة العريقة , التي تتوارث القصر والأراضي المحيطة به منذ أجيال عديدة ؟ أنها جزء من هذا التراث...
" يا لروعة هذا المكان!".
خفف بيار سرعة سيارته وأوقفها في فسحة جانبية , مخصصة للسياح الذين يتوقفون فيها لتأمل المناظر الطبيعية الخلابة , أطفأ محرك السيارة ,وسألها بهدوء:
" أذا كنت تعتبرينه رائعا الى هذه الدرجة ,فلماذا تركته قائلة أنك لن تعودي اليه أبدا؟".
" أنت تعرف السبب , فقد كتبت لك وأطلعتك على المشكلة , لا يمكنني السكن في شامبورتن طالما أنك موجود هنا ,ولست قادرة على العيش معك كزوجتك , أوه , بيار , لماذا لا تعترف بحقيقة الوضع القائم؟ فأنت وأنا نفكر بطريقتين مختلفتين بالنسبة الى الزواج و.......".
قاطعها بحدة قائلا:
" صحيح , صحيح , فالزواج بالنسبة اليك خطوة أقدمت عليها بسبب الحماس , وحرارة الصيف ,والورود! هكذا كان مزاجك في ذلك الوقت ,وتصورت آنذاك أنك قادرة على التراجع عن هذه الخطوة في أي فترة لاحقة .... أذا تبين لك عدم جدواها ".
منتديات ليلاس
" أوه , بيار! وماذا عنك أنت؟ ألم تتزوجني لتحقيق مآرب معينة ... لضمان مستقبلك مع الأنسان الوحيد الذي قد يرث أراضي شامبرتن وقصرها؟ ولكنك أخطأت في تقديرك , يا سيد دوروشيه ,تصورت أنني سأكون زوجة بسيطة خانعة , تمضي نهارها وليلها في البيت لأعداد الطعام وغسل الثياب وتنظيف الأرض والأثاث .... فيما تسعى أنت وراء المتعة الرخيصة في أحضان أمرأة أخرى!".
كان يتطلع الى الخارج طوال الوقت الذي أستغرقه حديثها الغاضب ,وعندمت توقفت لحظة لأستعادة أنفاسها
أدار وجهه نحوها ببطء شديد ثم رفع حاجبيه تهكما وأستهزاء وقال:
" وأخيرا ,وصلنا الى لب الموضوع وجوهره , لم يرد في أي من رسائلك ذكر أمرأة أخرى , كأحد الأسباب التي حملتك على هجري ".
نفت الشق الأخير من كلامه بصوت مرتجف:
" أنا لم أهجرك".
" مهلا , مهلا , أيتها العزيزة , فنحن لسنا الآن في معرض التلاعب بالكلام ,أنت تركتني ورفضت العودة , مع أنني أقترحت عليك ذلك , هل توجد كلمة أخرى غير الهجر لوصف هذه الخطوة؟".



اماريج 28-02-11 01:11 AM

توقف لحظة , ثم مضى الى القول ضاحكا:
" هل تتكرمين الآن بأبلاغي أسم المرأة ... التي يفترض أنني وجدت المتعة في أحضانها , أثناء الأشهر القليلة التي عشناها معا !".
ضايقتها نظراته الساخرة , فأبعدت وجهها عنه وقالت:
" سولانج بورجيه".
" ومن أخبرك بذلك؟".
هي بذاتها".
سألها بنبرة تنم عن الأستغراب .... والطرافة:
" وصدقتها؟".
أستدارت نحوه وصرخت في وجهه غاضبة:
" أوه , يكفيك أستهزاء بي! من يعرف شهرتك كزير نساء قبل زواجنا , لا يجد أي صعوبة في تصديق كلام كهذا ".
زاد الحر الشديد داخل السيارة من توتر أعصابها , فشعرت كأنها تكاد تختنق ,كانت تأمل الى حد ما في سماع نفيه لأدعاء سولانج لكنه لم يقل شيئا
فأضطرت ثانية الى قطع حبلالصمت الثقيل ... قائلة:
" هل يمكننا متابعة طريقنا الى القصر؟".
منتديات ليلاس
تنهد بأرتياح وقال :
" بعد قليل".
نظرت اليه , فلاحظت أختفاء ملامح التهكم والسخرية من وجهه وعينيه , تأملها بعض الوقت , ثم أخرج علبة سكائره وفتحها أمامها لتأخذ أحداها.... فرفضت , أشعل سيكارته , فتسمرت عيناها على القداحة ... لأنها لم تكن هي نفسها التي كان يستخدمها قبل تسعة أشهر ,نفث الدخان الى أعلى , وقال بصوت هادىء:
" ثمة أمر أريد أطلاعك عليه , ذهبت أمس الى باريس بهدف تمضية الليل هناك , للتمكن من أستقبالك صباحا وللبحث معك أثناء عودتنا في موضوع هام الى حد ما".
"ذهبت لأستقبالي ؟ لماذا لم تكن في المطار لدى وصولي؟".
أرتسمت على شفتيه أبتسامة غريبة وحزينة بعض الشيء , وبدا كأنه يسخر من نفسه
قال لها:
" نزلت ضيفا على صديق قديم , فأمضينا الليل نستعيد ذكريات الماضي , ونتحدث عن الحاضر والمستقبل , لم أتمكن من النهوض باكرا , فوصلت الى المطار حوالي الحادية عشرة ألا ربعا ,أستفسرت عنك في وكالات تأجير السيارات , فعلمت أنك أخذت سيارة رينو حمراء , لم أقدر على اللحاق بك ألا عندما أبتعدت عن ضواحي باريس وأصبحت على مقربة من شارتر , لأنك تقودين سيارتك بسرعة فائقة ".
"ولكن ... أذ ا كنت حقا تريد التحدث معي في أمر هام , فلماذا لم تتجاوزني وتوقفني؟".
هز بيار منكبيه العريضين وأجابها بشيء من الأنفعال:
" يمكنك أيضا توجيه سؤال مماثل عن سبب أطالة السهرة ليلة أمس , فالجواب هو أياه".
"لم أفهم".
" أي أيضاح من جانبي يعني كشفا تاما لروحي , وهذ ا أمر أرفض القيام به أمام أي أمرأة .... حتى أنت .... يا أمرأتي الحبيبة".
أستشاطت غضبا بسبب تكرار هذه التسمية المزعجة , وقالت بحدة:
" توقف عن مناداتي على هذا النحو".

" لماذا؟ أنت لا تزالين زوجتي! لم يتم أي طلاق بيننا , مع أننا لم نعش معا منذ حوالي سنة".
تململت أيلاين في مكانها , وأزاحت شعرها الطويل المتموج عن وجهها وجبينها بكثير من العصبية , أرادت أن تقصه مع بداية الصيف في العام الماضي وخلال السنة الحالية ,ولكنها ترددت وأمتنعت عن القيام بذلك.... لأن هذا الرجل اللعين يحب الشعر الطويل , سألته بصوت ,حاولت جاهدة أن يكون باردا وقاسيا:
"هل هذا هو الموضوع الذي تريد بحثه معي؟ الطلاق؟".
رفع يده لمسح العرق عن جبينه ,وقال:
"لا يمكن بحث أي موضوع هنا , بسبب هذا الحر الشديد , هيا , لنقم بنزهة قصيرة بين تلك الأشجار".
منتديات ليلاس
ترددت.... فهذه هي المنطقة التي كانا يتأتيان اليها قبل عام , والتي شهدت أول عناق بينهما , تذكرت بسرعة كيف أجلسها قربه ذلك اليوم الربيعي الجميل ,ثم مددها على بساط ناعم من الأعشاب وبدأ يعانقها برقة ونعومة .... وظنت في تلك اللحظات السعيدة أنها تحبه وتريد الزواج منه...
فتح بيار بابها بحدة وسألها بأنفعال:
" هل ستأتين؟".



اماريج 28-02-11 01:12 AM

لم يبال تى بالنظر اليها , بدا بعيدا عنها قلبا وقالبا , كأنسان غريب تلتقيه للمرة الأولى , هل هذا هو نفس الرجل الذي أمضت وأياه بضعة أسابيع من الغرام والهيام وصلا خلالها الى ذروة السعادة؟
خرجت من السيارة ومشت معه نحو تلك البقعة الجميلة التي تظللها أغصان الشجر وتغطي ممراتها سجادة سميكة من الأوراق الصفراء الجافة , كان السكون شاملا , وكأن الطبيعة غارقة في سبات عميق
قال لها بيار فجأة:
"مما لا شك فيه أنك تعرفين الى حد ما ما رأي أرمون فيما يتعلق بموضوع أنفصالنا, أنه يحبنا .... فهو خال والدك وزوج أمي ورب عملي".
تجاهلت الجملة المتعلقة بالقربى, وقالت معلقة على الجملة الأولى:
" نعم , اعرف , فقد كتب لي مرار عن هذه المسألة".
" ربما تعرفين أذن , أنه يتمنى من صميم قلبه قيام مصالحة بيننا؟".
" أعرف ذلك أيضا , عبر الرسالة التي كتبتها لي والدتك وأبلغتني فيها عن مرضه ... ورغبته في مشاهدتي , وقد قلت لها في جوابي ,أن المصالحة مستحيلة".
منتديات ليلاس
قال لها بحدة:
" أطلعتني أمي على تلك الرسالة , ولهذا فقد رأيت من الضروري أجراء هذا الحديث معك قبل وصولك الى القصر".
صمت لحظة ثم مضى الى القول:
" لم يعد أرمون ادرا على القراءة بسبب الضعف الشديد في نظره , ولذا فأمي هي التي تقرأ له كافة الأمور التي يريد الأطلاع عليها , قرأت له رسالتك كما هي تماما , ولكنها أستبدلت كلمة واحدة بأخرى ... بهدف أسعاده, أنه يعتقد الآن أن مصالحتنا ممكن .... وهذه هي الكلمة البديلة , وأنها ستتم بمجرد وصولك الى القصر بعد فترة وجيزة".
تسمرت أيلاين في مكانها ,وقالت بأستغراب وأنفعال شديدين:
" كيف تجرؤ على ذلك ! كيف تجرؤ أمك على التدخل في شؤوني".
توقف بيار عن السير ثم أستدار نحوها وقال بلهجة جافة:
" أسمحي لي أن أستخدم كلمة ... شؤوننا , فأي مصالحة فيما بيننا تخصني أنا أيضا , وأؤكد لك في هذا المجال بأن والدتي تجرؤ على أي شيء تراه ضروريا , لأنها لم تعد تتحمل رؤيته يتألم ويتعذب بسبب تصرفاتك المتهورة الطائشة".
جرح الأنتقاد كبرياءها وعزة نفسها , ولكنها رفضت منحه أي فرصة لتذوق طعم الأنتصار عليها , رفعت حاجبيها ضاحكة ,وقالت له بتهكم واضح:
" لا , يا سيد دوروشيه , أتصور أنها حوّرت جملتي عن أستحالة قيام مصالحة بيننا , تمشيا مع طموحاتك ومصالحك".
أتسمت ملامح وجهه بالحيرة والأستغراب لبرهة وجيزة , ثم قال:
" يا لها من نظرية مثيرة للأهتمام! ولكنني لا أرى أي علاقة بين مصالحتنا وطموحاتي , بغض النظر عن ماهية هذه الطموحات أو نوعيتها".
ضحكت بأستهزاء بالغ, وسألته ببرودة:
" وهل نسيت لماذا تزوجتني؟".
أجابها بهدوء مثير للدهشة:
" لا , لم أنس ,ولكنني أود سماع رأيك أنت بهذا الخصوص ".

" كنت تعلم أنني سأرث جميع ممتلكات خال والدي , وأن الخال أرمون قد يغير وصيته ... أذا تزوجتني .... بحيث يجعلك شريكي التام في الأرث ,وتعلم الآن أيضا أنه أذا لم تتم ألمصالحة بيننا , فقد يعمد الى تغيير وصيته مجددا بحيث أعود أنا مرة أخرى الوريث الوحيد".
حدق بها بعض الوقت , ثم هز كتفيه وقال لها بصوت رقيق ساخر دخل الى قلبها كالسكين:
" أنت واثقة جدا على ما يبدو , بأنه سيغير وصيته لتصبح في صالحك وحدك".
"نعم! فأنا سأكون بعده الأنسان الوحيد الباقي على قيد الحياة والذي تسري في عروقه دماء عائلة سان فيران ,وقد ذكرت لي جدتي مرة..........".
قاطعها بلهجة تنم عن الأزدراء والأستخفاف , قائلا:
"" أوه , جدتك! سمعت كل شيء عنها وعن مؤامراتها , وكيف تفجر حقدها في قلبها عندما أدركت أنها لن ترث شيئا عن والدها.... لأن شامبورتن بكاملها تركت لشقيقها الأصغر".
" هذا غير صحيح , غير صحيح أطلاقا! لم تحك أي مؤامرات ضده ,ولم تشعر بأي حقد أتجاهه , كانت تحبه كثيرا".
" طبعا, طبعا! كانت تحبه الى درجة مذهلة , بحيث أنها وقفت كسد منيع في وجه زواجه أثناء شبابه من المرأة الوحيدة التي أحبها , كيلا يرزق أولادا يرثونه ... ويظل أبنها , والدك أنت ,وريثه الوحيد , ولكن القدر أحبط مخطاتها , عندما قتل والدك في ذلك الحادث , فتولت الأهتمام بك ,ودأبت على أحضارك الى هنا كل عام وتدريبك على كيفية أرضاء أرمون بشتى الوسائل كي........"
قاطعته ,صارخة بحدة بالغة:
" لم أحاول أبدا القيام بأعمال تافهة كهذه , كما أن جدتي كانت أرفع بكثير من هذه المستويات التي تحاول تصويرها بها , يا لك من أنسان وضيع وحاقد!".
منتديات ليلاس
"وضيع وحاقد لأنني أكشف لك بعض الحقائق؟ ألم تسمعي الحقيقة كلها بع , يا زوجتي العزيزة , فعندما قررت الهرب قبل تسعة أشهر لأعتقادك بأن الزواج مني لا يناسبك , لم تفكري أبدا بتأثير ذلك التصرف الأرعن على خال والدك , نسيت أنه تقليدي جدا في أفكاره ومعتقداته ,وأن الزواج بالنسبة اليه أرتباط روحي مقدس يجب ألا يعمل أحد على فسخه , لو لم يكن مؤمنا بهذا المبدأ طوال حياته , لكان حاول تحطيم زواج أمي من أبي وسلخها عنه وهو لا يزال في ريعان الشباب".



اماريج 28-02-11 01:15 AM

صمت بضع لحظات , وكأنه ينتظر منها تعليقا على كلامه ,ولكن الدهشة التي أصابتها, لدى سماعها هذه الأقوال عن أناس تعرفهم طوال حياتها , عقدت لسانها وشلت تفكيرها
أضاف بيار قائلا:
" أعتقد أن خالك حاول جاهدا أنقاذ زواجنا ,وذلك عن طريق الكتابة اليك وتقديم الأرشادات والنصائح ,ولكنك قررت تجاهل نصيحته ورفضها , فأحس بأنزعاج فائق , قد لا تدركين أهمية هذه النقطة بالذات ,ولكن الطاعنين في السن ينقلبون أحيانا ضد الذين يجرحون مشاعرهم ,وعليه , فقد تكونين على حق فيما يتعلق بأحتمال تغييره وصيته.... مع فارق بسيط ,وهو أن التغيير سيكون لمصلحتي أنا".
ثم أبتسم بسخرية ,ومضى الى القول :
" أذا أخذت هذه المسألة بعين الأعتبار , فسوف تجدين أن التعديل الذي أجرته والدتي على نص رسالتك لا يناسب طموحاتي أطلاقا , وبأختصار , فأصرارك على عدم أجراء مصالحة فيما بيننا سينفعني أكثر بكثير مما سيضرني".
منتديات ليلاس
أذهلتها كلماته وبرودة أعصابه , فظلت صامتة لا تعرف ماذا تقول...أو تفعل , حدقت بهذا الرجل الأسمر القاسي الذي يقف أمامها بقامته الطويلة وكتفيه العريضتين ,وكأنه مجرم شرير أرسلته عصابة لمعاقبتها وتعذيبها , أذا أصرت على موقفها الحالي بالنسبة للأنفصال , فسوف تدفع الثمن غاليا ... ستخسر شامبورتن! أقترب منها ,وقال لها بلهجة رقيقة ناعمة توحي بأستعداده للمصالحة:
" بما أنك الآن هنا , فقد نتمكن من التوصل الى بعض الترتيبات ".
خافت من أحتمال أقترابه منها الى درجة تسمح له بملامستها أو ضمها اليه , فصرخت قائلة:
" لا , لا , لا يمكنني ! لا أريد!".
أستدارت بسرعة وركضت نحو سيارته التي ترك مفتاحها فيها , أذا وصلت اليها قبله فقد تتمكن من أدارة محركها وقيادتها الى القرية , زلت قدمها على أوراق الشجر الجافة , فهوت الى الأرض وأرتطمت ركبتها بحجر كبير , تألمت كثيرا , ولكن جرح الكبرياء كان أعمق وأشد أيلاما , همت بالنهوض , فأحست بيد قوية تمسك بذراعها وترفعها , حاولت التخلص منه , فلم تفلح
قالت له بحدة بالغة:
"أتركني ! لا تلمسني!".
ضغط على ذراعها بعنف أوجعها , فكررت محاولاتها اليائسة للتخلص من قبضته الفولاذية....ولكن دون جدولى , جذبها نحوه فجأة وبشكل مؤلم للغاية , فأحست بأن ذراعها تكاد تنفصل عن كتفها , أمسك بذراعها الأخرى وضمها اليه , فنظرت اليه بتمرد واضح عبر خصلات الشعر التي غطت معظم وجهها

قال لها بعصبية شديدة:
" حان الوقت , أيتها الجبانة الأنانية الصغيرة , للتوقف عن التهرب من مسؤولياتك , لقد تحسنت حالة خالك النفسية والمعنوية بشكل ملفت للنظر ,منذ أن أبلغته أمي عن مصالحتنا المحتملة .... وهو يتطلع الآن قدما لرؤيتك ,فأذا أقتحمت غرفته وقلت له أن المصالحة مستحيلة , فسوف يصاب بصدمة قوية تعجل في وفاته ,هذا هو السبب الوحيد الذي حملني على التحدث اليك ,وتحذيرك ".
سيطرت بعض الشيء على أرتجاف جسمها ,وقالت له بصوت منخفض يشتعل غضبا وأنفعالا:
" لا تزعج نفسك بمثل هذه الأيضاحات التي لا ضرورة لها, فأنا مدركة تماما لما تريد قوله ,ولكنني لم أحضر الى شامبوتن لمصالحتك , أو الأتفاق معك على أمور معينة , أريد الطلاق , وما من شيء من الدنيا سيجعلني أغير رأيي ... بما في ذلك أحتمال خسارتي حق الوراثة".
منتديات ليلاس
ثم هزت رأسها بعنف , وصرخت بوجهه قائلة:
" ألا تلاحظ أنني أكرهك؟".
" لا ألاحظ ألا شيئا واحدا ,وهو أنني أثير فيك مشاعر العنف... التي أفضلها على اللامبالاة,ولكنني لم أكن أنوي أن أقترح تغيير رأيك بالنسبة الي".
تنهدت أيلاين بعصبية وحاولت مرة أخرى التملص من قبضته .... ولكن دون جدوى , بدأت حرارته تصل الى أعماقها , وأخذت يداه القويتان اللتان تتحركان على ذراعيها تثيران عواطفها الكامنة , أحست برغبة خفية في مغازلته ... لأيقاظ البركان النائم في داخله ,ولنفخ الرماد عن الجمر! أبعدت وجهها عنه وأبقت على تصلب جسمها , بهدف مقاومة الرغبة والأغراء
قالت له متمتمة:
" ماذا كنت ستقترح أذن؟".
" التظاهر بأننا تصالحنا".
"التظاهر؟".

"نعم , يمكننا التظاهر بذلك لفترة قصيرة , لأجل الرجل العجوز الراقد على فراش الموت .... الذي بذل أقصى جهده لأسعادنا , والذي أحبك وعاملك كأبنة له وليس كالحفيدة الوحيدة لشقيقته الكبرى".
تركها بيار فجأة
ثم أبتعد عنها خطوتين وسألها:
" هل أطالبك بالكثير , أذا أقترحت عليك الأقدام على هذا الأمر لأجل أرمون ؟ ألا يمكنك وضع مشاعرك جانبا لبعض الوقت ,وأخذ مشاعره بعين الأعتبار؟".
لا , ليست أنانية .... أو على الأقل فهي لا تتعمد التصرف بأنانية ! لقد أحبت أرمون الطيب منذ صغرها ... أرمون الرقيق القلب والأحاسيس الذي علمها الرسم والموسيقى وأطلعها الى حد ما على التاريخ الحافل لهذه المنطقة المجيدة , أحست بأن رد فعلها الأول على أقتراح بيار ألا يكون سلبيا , وأنه يتحتم عليها القبول بصورة فورية , ولكن الخطوة الأندفاعية التي أقدمت عليها قبل حوالي سنة , أدت الى مصاعب ومشاكل كانت بغنى عنها ,ترددت في أعطاء الجواب ,وراحت تتأمل وجهه علها تقرأ في ملامحه ما يلقي بعض الضوء على شعوره الحقيقي بالنسبة لهذه المسألة.
منتديات ليلاس
لماذا قدّم اليها مثل هذا الأقتراح ؟ هل سيتمكن من تحقيق أي أنجاز , أذا تظاهرا بالمصالحة والوفاق؟ أنه رجل عملي جدا بطبيعته , وعليه فليس من المعقول أبدا أن يكون أقتراحه مجردا تماما من الأنانية أو المصلحة الذاتية , لن يحرمها أرمون من كل شيء... كل ما في الأمر أن الأمور ستعود الى سابق عهدها... سيصبح بيار مجددا شريكها في وراثة شامبورتن , كما كان يشاركها في وقت من الأوقات حياتها ...
قالت له:
" لا , أنك تطلب مني أكثر بكثير مما يمكنني القبول به, لن أفعل ذلك يا بيار".
لم تكد تنتهي من جملتها , حتى أحست بموجة من الخجل العارم تتفاعل في نفسها وقلبها, كان بيار محقا في قوله... فها هي الآن ترفض التضحية ولو قليلا , لأجل رجل طاعن في السن عاملها دائما بكل محبة وحنان , أزداد خجلها حتى كادت الدماء تتفجر من وجنتيها , فغطت وجهها لحمايته من نظرات التأنيب والأزدراء التي تلمع في عينيه السوداوين.
خيم الصمت ثوان طويلة , فأعدت أيلاين نفسها لمواجهة غضبه العارم وكلماته الجارحة , ولكنه أكتفى بهز كتفيه
ثم أستدار نحو السيارة قائلا لها بصوت يوحي باللامبالاة والأحتقار والسخرية:
" لم تعد ثمة حاجة للأستمرار في هذا الحديث , هل تريدين الذهاب الآن الى البيت , أم تفضلين العودة الى القرية؟ يمكنك أنتظار مارسيل لأستعادة سيارتك , ثم تفرين مجددا الى لندن.... متخلية مرة أخرى عن مسؤولياتك وواجباتك".
أثارت كلماته مخاوف جديدة في نفسها , أليس محتملا أنه لا يريد عودتها الى القصر ؟ هل يأمل في أقدامها على الهرب ثانية , ليخلو الجو له ويصبح سيد شامبورتن دون منازع؟
قالت له بهدوء بالغ:
" أريد الذهاب الى القصر , فقد وعدت أرمون بالمجيء".
هز كتفيه الثابتة بتلك اللامبالاة المزعجة , التي تشير الى أنه غير مهتم على الأطلاق بأي من قراراتها
ثم قال ببرودة جافة:
" أذن , هيا بنا".

نهاية الفصل الاول:flowers2:


ربي اسالك الجنة 28-02-11 03:26 AM

مساء الورد للجميع اماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااريج خياااااااااااااااااااااااااااااااااال الرواية ولا بالاحلام بصراحة اختيار اكثر من موفق حبيبتي وتسلم الايادي0:lol:

زهرة منسية 28-02-11 07:05 PM

انا وثقه انها اكيد روعه كفايه انها من اختيارك حبيبتى يسلموا اناملك الغالين يعطيكى الف الف الف الف عافيه وبارك الله فيكى

اماريج 28-02-11 10:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربي اسالك الجنة (المشاركة 2652305)
مساء الورد للجميع اماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااريج خياااااااااااااااااااااااااااااااااال الرواية ولا بالاحلام بصراحة اختيار اكثر من موفق حبيبتي وتسلم الايادي0:lol:


ومسائك يارب دوما معطر بااريج الورد ياحلوة
والله يسلمك حبيبتي واسعدني مرورك وتواجدك فيها يالغلا كله الرواية منورة فيك ياقلبي:flowers2:
:liilas::liilase:

اماريج 28-02-11 10:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nona1979 (المشاركة 2652928)
انا وثقه انها اكيد روعه كفايه انها من اختيارك حبيبتى يسلموا اناملك الغالين يعطيكى الف الف الف الف عافيه وبارك الله فيكى


شاكرة لك ثقتك فيا ياحلوة والله يعافيك و يسلمك ياغالية واسعدني جدااااااطلتك الحلوة فيها وربي مااتحرم منها ابدااااااا ياعسل
منورة ياعمري:flowers2:
:liilase::liilas:


اماريج 28-02-11 10:28 PM


2_ الوفاق الوهمي

لحقت به الى السيارة , وهي لا تزال متضايقة جدا من سرعة وسهولة تقبّله رفضها القاطع والجازم لأقتراحه بأجراء مصالحة صورية مؤقتة , وما أن خرجت من الظل حتى شعرت بأن الضوء الساطع يكاد يعمي أبصارها والحرارة تلسع جسمها.
أستدار بيار حول السيارة ليفتح باب السائق ويجلس وراء المقود , فقررت أيلاين أغتنام الفرصة والتخلص من جوربيها الطويلين الممزقين , تأكدت من عدم وجود أي سيارة أخرى على الطريق , ثم رفعت فستانها وخلعت الجوارب بخفة ورشاقة.
" هل أصبحت مستعدة الآن للذهاب؟".
رفعت رأسها نحوه بحدة وأنفعال بالغين , لأدراكها أنه كان يراقبها ,وقالت:
"سأكون مستعدة عندما أنتهي من تسريح شعري".
" يمكننا القيام بذلك ونحن في طريقنا الى القصر, أذ يكفينا التأخير الذي حصل حتى الآن , ستظن أمي أننا تعرضنا لحادث, أو وقعنا في مشكلة".

تحمست للرد عليه بأنها ليست مسؤولة عن التأخير , وبأنها غير مهتمة أطلاقا بقلق أمه أو عدم قلقها ,ولكن نظرة واحدة الى عينيه القاسيتين أقنعتها بعدم جدوى هذه المحاولة ,جلست قربه بأنزعاج شديد, وبخاصة عندما تذكرت المرات القليلة التي تخاصما فيها خلال الأشهر الأربعة لوجودهما معا , قد يتصور الكثيرون أن البريطانية باردة هادئة والفرنسي أنفعالي حاد الطباع , ولكن تصرفاتهما بدت عكس ذلك تماما , كان يدعها تصب جام غضبها عليه , دون أزعاج نفسه حتى بالرد عليها , وما أن تنتهي من هجومها , أو تتوقف لحظة لألتقاط أنفاسها ,حتى كان يقول لها كلاما هادئا ومنطقيا عن موضوع مختلف, لم يبال مرة بالدفاع عن نفسه أو بمهاجمتها ,وكان يجعلها تشعر دائما بأنها أرهقت أعصابها وصوتها ... دون فائدة , وعندما أدركت أنها غير قادرة على أغضابه , أو حتى على جرّه الى أي مشادة كلامية , بدأت تخاف منه الى حد ما.
أخرجت مرآة صغيرة من حقيبة اليد الصغيرة , فهالها منظرها الكئيب المرعب , لا , لن تسمح لمارجريت سان فيران برؤيتها على هذا النحو المزعج! تناست أنفعالها وأرتباكها ,وركزت كافةأهتمامها على تجميل نفسها بالقدر الذي تسمح به المستحضرات القليلة الموجودة معها.
نزلت من السيارة في باحة القصر, وهي تشعر ببعض الأرتياح النفسي والمعنوي , فها هي في كامل أناقتها وزينتها , وها هي رائحة الورود العطرة تعبق في أجواء القصر الجميل ... الذي تحبه منذ طفولتها, فتحت بوابة القصر على مصراعيها , وخرج منها رجل أشيب الشعر تغطى نصف وجهه الذي يضج صحة وعافية أبتسامة عريضة صادقة

أقترب منها جاك وهو كبير الخدم في قصر شامبورتن منذ سنوات عديدة
ورحب بها قائلا:
" أسعد الله أوقاتك يا سيدتي , وأهلا وسهلا بك , كنا بدأنا نظن بأن شيئا أعاق وصولك ,دعني أحمل الحقيبة عنك , يا سيد بيار , سآخذها الى غرفتك, يا سيدتي , السيدة سان فيران موجودة في قاعة الأستقبال , وأبلغتني بأنها تود مقابلتك فور وصولك".
منتديات ليلاس
دخلت القصر , فأحست كأنها تدخل عالما آخر .... وكأنما هذه الجدران التي تحمي القصر من الحرارة الشديدة , تحميه أيضا من ضجيج العصر الحديث وضوضائه , شقت طريقها بسهولة نحو قاعة الأستقبال , وهي تشعر بأن بيار وراءها.
لدى دخولها القاعة الكبيرة ,أستدارت نحوها السيدة المسنة الهادئة التي كانت واقفة أمام أحدى النوافذ ....
وفتحت ذراعيها قائلة:
"أيلاين , حبيبتي, أهلا بك".
طوقتها الذراعان النحيلتان , فأحست أيلاين بالدموع تحرق عينيها , هذا هو أحد الأمور الذي لم يتغير او يتبدل أبدا.... طريقة ترحيب مارغريت بها, بحرارة وأخلاص , أبعدتها السيدة المسنة عنها قليلا لتتمكن من تأملها بعينيها الزرقاوين الجميلتين , اللتين أورثتهما لأبنها
ثم قالت لها بلهفة وهي لا تزال ممسك بكتفيها:
"كم أنت نحيلة وشاحبة الوجه , وكم تبدين متعبة ومرهقة أيضا! ولكننا سنغير كل هذه الأشياء قريبا بطعامنا الجيد وطبيعتنا الجميلة الدافئة , لقد حان وقت عودتك الى البيت , يا عزيزتي , لتتنشقي الهواء النقي وتتمتعي بحرارة الشمس , أشتقنا لك يا أيلاين ".



اماريج 28-02-11 10:35 PM

ثم نظرت الى أبنها الواقف وراء زوجته ,وسألته بهدوء:
" هل تحدثت معها , يا بيار؟".
أجابها ببرودة وأيجاز:
" نعم , تحدثنا ".
تطلعت اليه والى ايلاين مستفسرة , ثم سألته:
" والنتيجة؟".
" النتيجة أنها لا تزال عنيدة ومعاكسة كما نعرفها".
ثم أستدار نحو الباب قائلا :
" أعذراني الآن , لأنني مضطر للذهاب".
نادته أمه بصوت هادىء:
"أنتظر يا بيار , يريد أرمون رؤيتكما أنت وأيلاين معا في وقت لاحق , سوف يستيقظ في وقت لاحق , سوف يستيقظ على الأرجح حوالي الخامسة والنصف , فأرجوك أن تحضر الى غرفته في ذلك الموعد".
هز رأسه موافقا , وغادر القاعة , تطلعت مارجريت حولها
ثم قالت لأيلاين وهي تشير الى قطع الأثاث الأنيقة النادرة:
" ألا تعتقدين أنه من الأفضل لنا شرب الشاي في مكان لا يغلب عليه طارع الجدية والرسميات كهذه القاعة ؟ هيا بنا الى غرفة المكتبة".
منتديات ليلاس
سارتا في ممر طويل بأتجاه قاعة الدخول , ثم تحولتا نحو غرفة أصغر حجما تضم مجموعة كبيرة من الكتب القيمة وعددا لا بأس به من القطع والتحف الرائعة التي جمعها رامون سان فيران خلال جولاته الخارجية المتعددة , أنها الغرفة التي كانت أيلاين تفضلها دائما , بسبب الجو العائلي الدافىء الذي يخيم عليها , كل شيء يعجبها هنا... المقاعد الوثيرة المريحة , الكتب الموسيقى , واللوحات الفنية التي تغطي معظم الجدران.... والتي رسمها الفنان الموهوب والمرهف الأحاسيس أرمون سان فيران في شبابه , تفاعلت في نفسها مشاعر العودة الى .....البيت , على الرغم من تناقضها مع مشاعر الأزدراء التي تكنها لبيار.
جلست في نفس المكان الذي كانت تختاره دائما, وراحت تتأمل الطاولة الخشبية الرائعة التي أحضرها أرمون قبل سنوات عديدة من الهند , وما هي ألا لحظات وجيزة ,حتى دخلت خادمة شابة ووضعت صينية الشاي على تلك الطاولة , قالت مارجريت للخادمة
التي أبتسمت لأيلاين بتهذيب وأحترام:
" ماري, هذه هي السسيدة دوروشيه , أذهبي الآن الى الغرفة التي ستنام فيها , وأخرجب ثيابها من الحقيبة ثم علقيها في خزانة الملابس :
" سمعا وطاعة , يا سيدتي".
فتحت مارجريت غطاء الأبريق الفضي الأنيق وهزت رأسها بشيء من الحدة قائلة:
" آمل في أن يكون الماء حارا بشكل كاف , لم يعد بأمكاننا هذه الأيام الحصول على خدم يبقون معنا لفترة طويلة , عيّنت ماري لمجرد أنها أبنة أحد العمال , فهي ليست ذكية أبدا ,ولديها ذاكرة ضعيفة للغاية , لم نشرب الشاي منذ ذهابك ,ولكنني أعلم أنك تحبينه في مثل هذا الوقت من النهار ... تماما كجدتك , هل أضع لك , كالعادة, قليلا من الحليب؟".
" نعم , شكرا".
صبت لها الشاي وأضافت اليه الكمية المطلوبة من الحليب , ثم سألتها وهي تعطيها الفنجان:
"أخبريني الآن عما كنت تفعلين في لندن, طوال هذه الأشهر التسعة؟".
" أفضّل أن تخبريني أنت عن الخال أرمون , أخبرني بيار أن حالته تحسنت بعض الشيء".
منتديات ليلاس
"نعم , هذا صحيح, فهو أقل كآبة وحزنا عما كان عليه خلال الأشهر القليلة الماضية , آه لو رأيت كيف أنفرجت أساريره ولمعت عيناه بهجة وأرتياحا , عندما قرأت له رسالتك عن موعد مجيئك وأحتمال مصالحتك مع بيار , كان ذلك النبأ السار كافيا جيدا لرفع معنوياته , وتحسين أوضاعه بشكل ملفت للنظر , لقد قلق كثيرا لأجلك ,يا أيلاين , فهو يشعر بأنه كان من واجبه التدخل لتأخير زواجك بعض الشيء , كي يعتاد كل منكما على الآخر , ويشعر أيضا بأنه لم يساعدك بما فيه الكفاية , للتأقلم مع طبيعة الحياة في الريف , بأختصار , يعتبر أرمون نفسه مسؤولا الى حد كبير عن مغادرتك شامبورتن".
أحتجت أيلاين على ذلك بالقول:
" لا! يجب ألا يقلق أبدا , فالأمر لم يكن متعلقا به!".



اماريج 28-02-11 10:36 PM

"ستقولين له ذلك بنفسك , وعندما يكون هذا التأكيد صادرا عنك شخصيا , سيشعر بمزيد من الراحة النفسية , سنذهب اليه بعد قليل ومعنا بيار , ليحس بأن الماضي مضى والأمور عادت الى طبيعتها".
وجهت اليها مارجريت نظرة فاحصة , ثم مضت الى القول:
" لا تخيبي أملي , يا عزيزتي ... أرجوك! فسعادته تعتمد كثيرا على تأكده من أنكما ستعيشان هنا بعد وفاته بسعادة وهناء , مع بعضكما ... ومع أولادكما , ثم... أليس من العدل والأنصاف أيضا أن يموت أنسان طيب حنون مثل أرمون , قرير العين مرتاح الباب؟".
"نعم ... طبعا , ولكن بيار وأنا........".
منتديات ليلاس
" أوه , أعرف أنكما تواجهان بعض المشاكل , ولكن, هل ثمة زواج لا يواجه عددا من المصاعب والعراقيل في سنواته الأولى ... وبخاصة عندما يكون الزوجان من بيئتين وطبيعتين مختلفتين مثلكما؟ أنا خبرت جزءا من هذه المشكلة بنفسي , فزوجي الآول جان , كان فلاحا ملتصقا بالأرض والتربة , كان رجلا بسيطا في ذوقه وعاداته وقويا كالصخرة التي تحمل عائلته أسمها , في حين كنت أنا من الطبقة المتوسطة في أعلى درجاتها الأجتماعية , كان والدي أستاذا ناجحا ,ووالدتي أبنة عائلة من التجار المرموقين , هل تريدين مزيدا من الشاي؟ قطعة حلوى ؟ هيا , هيا , أيتها العزيزة , يجب زيادة وزنك قليلا , أعتقد أنك كنت تتضورين جوعا في لندن".
وضعت أيلاين فنجانها على الطاولة وهي تقول:
" لا , شكرا أيتها السيدة ... الخالة مارجريت.... أوه, لم أعرف أبدا كيف يتحتم علي مناداتك".
أبتسمت السيدة المسنة , وقالت:
" أفضل كلمة خالتي أكثر من أي شيء آخر , فمنذ كانت جدتك تحضرك الى هنا ,وأنا أشعر نحوك كخالة حقيقية وليس كزوجة خال والدك ,ماذا كنت تودين قوله, أيتها العزيزة؟".
" أرتكبت خطأ كبيرا , يا .... خالتي مارجريت , عندما قرأت رسالتي للخال أرمون".
" حقا؟ هل أخطأت في قراءة موعد وصولك الى المطار؟ هل وصلت الطائرة بعد الموعد الذي كنت أتصوره؟ ألهذا السبب تأخرتما ؟ أوه , كم شعرت بالقلق عليكما! يا للأفكار السوداء التي أزعجتني وأرعبتني ! تصورت أنكما تعرضتما لحادث بسبب تهور بيار في القيادة , وأنك أصبت ولم يعد بأمكانك الحضور الى هنا! لا شك في أن ذلك كان سيقضي بالتأكيد على أرمون ,ويودي بحياته!".
"لا , لم يكن التأخير نتيجة ذلك , فقد وصلت الطائرة في موعدها المقرر ,ولكنني لم أجد أحدا بأنتظاري بسبب تأخر بيار بعض الوقت , أستأجرت سيارة وقدتها بنفسي , ولم يلحق بي بيار ألا في القرية ببضعة كيلومترات , الموضوع هو...".

" أين هي سيارتك أذن؟ شادتك من النافذة العلوية تنزلين من سيارته".
" تعرضت لحادث بسيط ... أنزلقت بي السيارة عن الطريق ووقعت في أحدى القنوات الجافة ,ولكن.......".
" آه , كنت أشعر بشيء ما يزعجني ! السرعة ,أليس كذلك؟ لا , لا تحاولي نفي التهمة ,فأنت تحبين السرعة , هذا هو أذن سبب التأخير؟".
" لا ....! توقفنا قليلا قرب الغابة للتحدث و.......".
وقفت مارجريت , وهي تقاطعها للمرة الثالثة قائلة بتهذيبها المعتاد:
"أوه , نعم , فلديكما الكثير من الأمور التي تريدان بحثها بعد هذه الأشهر الطويلة من الفراق , سأخبر رامون بوصولك , فيما تذهبين أنت الى غرفتك لغسل وجهك وأستبدال ثيابك ,خصصنا لك الجناح الموجود في برج القصر , في حين أن رامون موجود بالطبع في الغرفة الوسطى للجناح الرئيسي , سأقابلك هناك خلال نصف ساعة ’ الى اللقاء , أيتها العزيزة ".
أعترفت أيلاين لنفسها بأن براعة مارجريت في المناورة , منعتها من الحديث عن أستحالة قيام مصالحة مع أبنها , أرادت أرضاء زوجها المريض وأسعاده , فكذبت عليه عندما قالت له أن الزوجين الشابين سوف يعودان الى بعضهما , وها هي الآن تبذل أقصى جهدها لتحويل الكذب الى حقيقة , أو على الأقل أظهاره كحقيقة .
منتديات ليلاس
توجهت الى غرفتها, وهي تشعر مرة أخرى بالخدل العميق من جراء تصرفها التي قد تنعكس سلبا على الرجل العجوز الطيب , فرفضها الساخط والقاطع للتظاهر بالوفاق مع بيار لأراحة بال رامون في أيامه الأخيرة و يدل على الخبث واللامسؤولية ... فيما لو جرت مقارنته مع أخلاص مارجريت المتفاني أتجاه زوجها وأستعدادها للقيام بأي شيء لأسعاده وأدخال البهجة الى قلبه الكبير, أين الضرر الذي سيلحق بها , أذا تظاهرت أمام رامون بأنها أتفقت مع بيار؟ لماذا تزعج نفسها أذن , بالأصرار على أن مارجريت أرتكبت خطأ فادحا ؟ لماذا لا تماشي هذه الزوجة الوفية في محاولاتها الحثيثة والجادة , لمنح أرمون بعض السرور والفرح؟ ستفعل ذلك ... وستثبت لبيار بصورة نهائية أنها ليست أنانية أو جبانة.
فتحت أحد الأبواب الثلاثة لخزانة الحائط الضخمة , فتبين لها أن الخادمة ماري قامت بعملها على أحسن وجه , دفعها حب الأستطلاع الى فتح البابين الآخرين , فضايقها كثيرا وجود ملابس وأحذية تخص بيار ,لا , لن تسمح للتظاهر بالوفاق بالوصول الى درجة مشاركته غرفة نوم واحدة! سيكون الأمر محفوفا بالمخاطر , وعليه فأنها ستطالبه بعد مقابلتهما أرمون بالأنتقال الى حجرة أخرى.



اماريج 28-02-11 10:39 PM

خلعت فستانها وعلّقته في خزانة الملابس , ثم أخذت العلبة الكبيرة التي تضم مستحضرات التجميل وفتحت بابا داخليا يؤدي الى الحمام , وما أن عادت الى الغرفة, حتى فوجئت بالرجل الذي تريد الأنفصال عنه يخلع قميصه ويرميه في السلة المخصصة للثياب الوسخة , ولما أستدار نحو باب الحمام وشاهدها أصيب بدهشة قوية ,ولكنه تمكن من السيطرة على أعصابه بسرعة
وقال لها فيما كان يتفحصها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها:
" أوه , يا لها من مفاجأة .... ومفاجأة سارة جدا بالتأكيد ! لم أكن أتوقع حضورك الى هذه الغرفة الا بعد بضع دقائق".
منتديات ليلاس
تأملت صدره العريض وساعديه القويين وعضلاته المفتولة , بالأضافة الى سمرة بشرته البرونزية الناجمة عن العمل ساعات طويلة في الحقول والبساتين , أثارها مظهره الجذاب ,كما أثاره على ما يبدو وقوفها أمامه بنصف ثيابها , أرغمت نفسها على التطلع نحو النافذة , لكي تتجنب النظر الى جاذبيته ووسامته المغرية , وقالت له:
" طلبت مني أمك الحضور الى هنا.... جاك أحضر حقيبتي الى هذه الغرفة .... وماري علقت ثيالي في الخزانة , لم.... لم أعرف.... أنك لا توال تنام ........هنا".
تضايقت أيلاين من نفسها ومن هذا الدفاع المتردد عن حقوقها , فأستشاطت غضبا... وبخاصة عندما شاهدت أبتسامته الهازئة , ضربت السجادة لخضراء الناعمة بقدمها , وأضافت قائلة بحدة:
" نعم , نعم , أنا لا أرغب أبدا في مشاطرة أي غرفة معك".
أزدادت أبتسامته أتساعا, وقال لها ببرودة , وهو يدخل االحمام :
" أقترح عليك أذن الأتصال بوالدتي مجددا ,علّها تعد لك غرفة أخرى".
ظلت أيلاين واقف في مكانها بعض الوقت ,وقد أدركت بأسف أن أي أتصال من هذا القبيل بمارجريت سيعني أعترافا واضحا من جانبها بعدم قيام مصالحة حقيقية مع بيار , وحتى أذا أتفقت ومارجريت على ذلك , فسوف يمتشف العاملون في القصر أنها لا تزال منفصلة عن بيار ... وستصل هذه المعلومات عاجلا أو آجلا الى أرموت , فتفشل كافة المحاولات الطيبة التي تبذلها السيدة المسنة لأسعاد زوجها المحتضر.
أرتدت ثيابا جديدة وسرحت شعرها الطويل , ثم أنحنت أمام المرآة لوضع اللمسات الأخيرة على شفتيها وعينيها , عاد بيار في تلك اللحظة وتوجه الى الجزء الخاص به من الخزانة الكبيرة , قائلا لها بلهجة مرحة:
" أوه , لا تزالين هنا؟".
ترددت قليلا , ثم قالت له بصوت منخفض:
" بيار.... لا بد لي من أبلاغك بأنني.... غيرت رأيي".
" مرة أخرى؟ لماذا لا تستقرين على رأي معين ومحدد , يا صغيرتي؟ هل هذا القرار المفاجىء ناجم عن تبدل في مشاعرك أتجاهي؟".
لا , لن تسمح له بأثارة أعصابها ... وتعذيبها , أجابته بسرعة:
"لا, لا, كل ما في الأمر , أنني قررت الموافقة على أقتراحك القاضي بأقامة مصالحة ظاهرية".
أرتدى قميصه , ثم أبتسم بخبث قائلا:
" يبدو أن أحتمال حرمانك من أرثه ذو تأثير قوي على قراراتك وتصرفاتك!".
" لا , ليس لهذا الأمر أي علاقة أطلاقا بقراري , أدركت بعد تحدثي مع والدتك , أن التظاهر هو الحل الأفضل , تأكد و يا بيار , أنني أفعل ذلك لأجل الخال أرمون دون سواه .... وليس لأي سبب آخر , هل سمعت ؟ هل فهمت؟".
أجابها ببرودة:
" نعم , سمعت وفهمت".
ثم أبتسم ثانية , ومضى الى القول:
" هذا يعني أنك ستمضين هنا فترة أطول مما كنت تتوقعين ".
فوجئت أيلاين بتلك الفكرة , التي لم ترد على بالها قبل الآن , أتخذت قرارا هاما كهذا بعفويتها وتسرعها المعتادين , دون التفكير بالمضاعفات أو العواقب ,لا بد لها الآن من الأجابة بأسلوب ذكي , كي لا تتعرض لأستجواب يؤلم قلبها ويجرح كرامتها
قالت لها بهدوء ينم عن الثقة بالنفس:
"لن أبقى هنا ألا بقدر ما تدعو اليه الحاجة".
منتديات ليلاس
" قد لا يموت الرجل قبل أسابيع , وربما أشهر , فوجودك هنا وأعتقاده بأننا لم نعد منفصلين , سيمنحانه بالتأكيد دافعا جديدا ويطيلان عمره , آمل في أن تدركي ذلك وتكوني مستعدة لدفع الثمن المترتب على هذا الأمر".
" أي ثمن؟".
" ثمن التظاهر طبعا بأنك زوجتي المحبة العاشقة".



اماريج 28-02-11 10:39 PM

كيف يمكنها التحدث معه بروية وهدوء اعصاب عن موضوع حساس كعلاقتهما الزوجية , وهي معه الآن في هذه الغرفة بالذات التي شهدت أجمل ساعات حياتها وأسعدها ؟ كل حركة بسيطة يقوم بها .... كل نظرة يوجهها اليها ... وكل كلمة يقولها لها... تجذب أنتباهها الى رجولته القوية وجاذبيته المذهلة وسحره الأخاذ
قالت له بحزم , وهي تبعد وجهها عنه مجددا:
" لن يكون التظاهر ضروريا ألا أمام الخال أرمون".
" لا أوافقك على هذا الرأي أطلاقا , جاك رجل محب للأستطلاع بشكل ملفت للنظر , وسيخبر زوجته عن كل شيء نقوم به... أولا نقوم به, والخادمة الصبية ماري ليست غبية كما تبدو , ووالدها يعمل معنا في الحقول , أذا أردنا ألا يشتبه أرمون بأمر غير طبيعي , فما علينا ألا التصرف بحذر شديد , هل تعتقدين أنك قادرة على تحمل مصاعب التظاهر كزوجة مخلصة مطيعة , لمدة أسبوع مثلا أو ربما لشهر؟ قد يكون من واجبي تحذيرك مسبقا , بأنك لن تكوني قادرة على مهاجمتي أو الكشف عن حقيقة شعورك أتجاهي ألا في هذه الغرفة".
منتديات ليلاس
ثم ضحك بنعومة ماكرة وأضاف قائلا:
"أوه , نسيت أنك لا تريدين الأقامة معي في غرفة نوم واحدة , ولكنك تخلقين مشكلة كبيرة , لمجرد رغبتك في النوم على أنفراد , فلو كنت أقل طهرة وعنادا , لتمكنا من الأستفادة كثيرا من مصالحتنا المزعومة والتمتع بها الى أقصى الحدود".
طوق خصرها بذراعه وأدارها نحوه , ثم ركز نظراته على وجهها وأحنى رأسه ليعانقها , رفعت يدها لتصفعه , ولكنها لم تقدر على تحقيق هدفها , فقد أمسك بمعصمها وأنزل يدها قائلا:
" رباه , يا لهذه العصبية! ستضطرين للسيطرة عليها والحد منها , أذا كنا سننجح في أدّعائنا وتظاهرنا".
" عليك أذن التوقف عن تعذيبي وأيلامي ... وأيجاد سرير آخر لتنام عليه!".
حررت يدها من قبضته وهمت بالخروج من الغرفة , فأستوقفها مستفسرا:
" ولماذا أريد تعذيبك يا أيلاين؟ ما هو الغرض الذي سيحققه هذا الأمر؟".
أستدارت نحوه والشرر يتطاير من عينيها وقالت له متهمة:
" أنك تأمل في أرهابي الى درجة تضطرني الى مغادرة شامبورتن , تريدني أن أذهب عوضا عن المضي في هذا الأدعاء , كي يحرمني الخال أرمون من الأرث , ألم تخبرني بنفسك أن المصالحة لا تخدم أغراضك وأهدافك؟ ولكنني باقية هنا , يا بيار دوروشيه , سأبقى لبضعة أيام ,ولكنني.... لن أتمكن من الباء معك في سرير واحد , أوه , بيار , حاول أن تفهم السبب , لا يمكنني........ وع شخص لا أحبه".
حدق بها صامتا لبعض الوقت , فتكون لديها أنطباع بأن لونه شحب وعينيه أشتعلتا غضبا وحنقا ,ولكنه هز كتفيه وذهب لأغلاق باب الحمام , الذي تركه مفتوحا لدى خروجه منه قبل قليل , وعندما عاد الى ناحيتها
تمتم قائلا:
" لديك بعض الأفكار الغريبة حقا! على أي حال , يمكنك الأنفراد بهذه الغرفة , سأنام في غرفة الحضانة".

"غرفة الحضانة؟".
" ألا تذكرينها ؟ أنها الحجرة الثانية في هذا الجناح , التي كنت تنامين فيها كطفلة... والتي كنا سنخصصها قريبا لطفلنا , لو لم تهربي في العام الماضي , هذا هو الحل الأفضل , الذي يوفر علينا أي تعليق أو أنتقاد نحن بغنى عنهما , هل يناسبك ذلك؟".
هزت رأسها بذهول وغبار , وحولت وجهها عنه مرة أخرى كيلا يشاهد ملامحها ونظراتها الزائغة , آلمتها ملاحظته العابرة عن ....طفلهما ..... أكثر من أي شيء آخر , أحدثت تلك الجملة البسيطة العادية شرخا كبيرا في الأسوار القوية التي بنتها حول نفسها لصد هجماته المحتملة ... وأبقاء عواطفها داخل قلاع محصنة كيلا تضعف أو تنهار
وفجأة سمعته يقول معلقا على موافقتها الصامتة:
" حسنا , لقد سويت المشكلة , هيا بنا أذن لمقابلة خالك , وحاولي التظاهر بأنك لست غاضبة مني الى هذه الدرجة .... يا صغيرتي ,أذا لم تفعلي ذلك , فسوف يكتشف الحقيقة , فكري جيدا بهدف هذا التظاهر المؤقت ! أذا كان تمثيلك جيدا , فلن يحرمك من الأرث , ألا تساعدك هذه الفكرة على أراحة أعصابك بعض الشيء؟".
منتديات ليلاس
كان أرمون سان فيران مستلقيا على سرير ضخم , يواجه نافذتن طويلتين تشرفان على النهر , وقفتأيلاين قرب السرير , فتأثرت لأنها لم تشاهد في حياتها شخصا مريضا ومحتضرا الى هذه الدرجة , فعندما مرضت جدتها ووضعت في غرفة العناية الفائقة , التي لم تغادرها ألا جثة هامدة , قرر عمها تشارلز عدم السماح لها بزيارة جدتها .
أحست بصدمة عنيفة ,وهي ترى أمامها بقايا الرجل الطيب الذي تحبه كثيرا ,قبّلته على جبينه بشفتين مرتعشتين , وقالت له أنها مشتاقة جدا لرؤيته , رفع ذراعه الضعيفة بصعوبة بالغة , ليطوق عنقها ويضمها الى صدره الذي برزت عظامه , أكدت له أنه غير مسؤول بتاتا عن مغادرتها شامبورتن , فتطلع نحو وجهها بعينين ضعيفتين هزيلتين , وقال لها بصوت هامس مرتجف:
" أنت الآن هنا وستبقين مع بيار , لا أفهم هذه الزيجات العصرية , ولا أوافق عليها , فمن أقل واجبات الزوجين البقاء معا".
توقف لحظة لألتقاط أنفاسه




اماريج 28-02-11 10:40 PM

ثم مضى الى القول:
" لدي رغبة قوية في سماعك تقولين أنك ستبقين معه ولن تتركيه أبدا".
تململت أيلاين في مكانها ونظرت الى مارجريت , الموجودة على الجانب الآخر من السرير , شاهدت في عينيها نظرات الأستعانة والمناشدة , وقرأت في ملامح وجهها نداء توسل يطالبها بالقبول
قالت لخالها بصوت منخفض:
" سأبقى مع بيار يا خالي ,ولن أهرب مرة أخرى".
أحست فورا بالوقع الطيب لكلماتها القليلة , أذ لمعت عيناه المرهقتان ببريق السرور والأرتياح وضغط على يدها بما تبقى له من عزم وقوة ... ثم بدأ يحدثها بصوته المتهدج عن بعض ذكرياته , وفيما كانت تغي اليه بتأثر شديد , لاحظت أختفاء بيار من الغرفة ووقوف مارجريت أمام أحدى النافذتين ,ولم تمض ألا فترة قصيرة , حتى شعر أرمون بالأرهاق نتيجة الأنفعال العاطفي والأسترسال في الحديث عن الماضي , أغمض عينيه لبضع لحظات على أمل العودة الى الكلام ,ولكن المرض والتقدم في السن جعلاه يغط في نوم عميق , سحبت أيلاين يدها من يده برفق وهدوء , وغادرت الغرفة مع مارجريت , تاركين الرجل العجوز برعاية ممرضة تسهر على راحته طوال الليل.
منتديات ليلاس
أنضم اليهما بيار في قاعة الطعام , حيث تناولوا طبقا شهيا من أجود المأكولات المحلية ... قدم لهم جاك على أثره بعض الحلويات التي تستهوي أيلاين الى درجة كبيرة , وعندما أنتهى الجميع من تناول طعامهم , أعتذرت مارجريت ن أبنها وزوجته بحجة أنها متعبة جدا وعليها الذهاب الى فراشها... لتكون قريبة من رامون , ثم قالت لأيلاين:
" أخشى أن يؤدي سروره وتأثره بحضورك , الى عدم تمكنه هذه الليلة من النوم بهدوء وأرتياح".
لاحظت الشابة البريطانية مدى تأثير التعب والقلق على وجه مارجريت وعينيها ,وهو أمر لم تلاحظه قط قبل بضعة أشهر , قال لها بصدق وأخلاص:
" هل يمكنني المساعدة بشيء؟".
ضغطت بحنان على كتفها , وقالت:
" لا , ليس هذه الليلة , يا حبيبتي , أنت أيضا بحاجة الى الراحة , بعد هذا اليوم الطويل المرهف ,والآن , تصبحان على خير , سيقدم لكما جاك القهوى في غرفة المكتبة".
تذكرت أيلاين في تلك اللحظة أنه يتحتم عليها الأتصال بمديرها جيرالد مورتون , لتبلغه عن عزمها على أطالة أجازتها بعض الوقت , أوه , كم حثّها في الأسابيع الماضية على وضع حد لزواجها! كم من مرة حاول أقناعها بالطلاق من بيار , فيما أذا رغبت يوما ... في الزواج من غيره ! هل يحبها جيرالد ويريد الزواج منها؟ سألت بيار بهدوء:
" هل يمكنني أستخدام الهاتف؟".
" طبعا , طبعا".
"و......... وعدت شخصا ما في لندن..... بالأتصال هذه الليلة .... للأبلاغ عن وصولي".
" شخصا ما؟ عمك تشارلز أو زوجته جيني؟ هل تحفظين رقمهما ؟ أذا كنت لا تعرفين الرقم غيبا , فهو مسجل في الدليل الصغير قوب الهاتف".
لا, لا يمكنها التحدث مع جيرالد أمام بيار , سألته بشيء من التردد:
" هل يوجد جهاز آخر يمكنني أستخدامه؟".
" واحد في غرفة والدتي ,وآخر في المطبخ ,ولكن ,أرجوك ألا تخجلي أبدا من أستخدام الجهاز الموجود هنا".
صبت لنفسها فنجانا ثانيا من القهوة اللذيذة , وهي تتمنى لو أنه يلاحظ رغبتها في أجراء المكالمة الهاتفية على أنفراد ,سألته عما أذا كان يريد فنجانا آخر , فأغلق كتابه ووضعه جانبا ثم قال:
" لا, شكرا , كم يذكرني وجودنا معا الآن على هذا الشكل بالأيام السعيدة!".
لم تعلق على كلامه وظلت صامتة , ففتح الكتاب مجددا وعاد الى القراءة , رفع رأسه بعد بضع دقائق , وسألها بأسلوب بارد أزعجها وأثار غضبها:
" هل أجريت مكالمتك؟".
"لا , وأنت تعرف ذلك! كيف يمكنني أجراء أي مكالمة , وأنت هنا تستمع الى كل كلمة أقولها؟".
منتديات ليلاس
" أوه! أذن, فالمكالمة ليست مع تشارلز أو جيني ,بل مع... صديق! هل هو رجل تقيمين معه علاقة عاطفية ,مع أنك لا تزالين زوجة رجل آخر؟".
شعرت بوخز الأهانة القاسية , فهبت واقفة وصرخت به:
" أنا...... أنا لست مثلك أبدا , يا بيار دوروشيه! أنا لا أقيم علاقات عاطفية مع أشخاص آخرين طالما أنني متزوجة......ولو من رجل لا أحبه! وبما أنك لست مهذبا بما فيه الكفاية لتغادر الغرفة أثناء الأتصال الذي سأجريه , فسوف أستعيض عن المكالمة برسالة أكتبها هذه الليلة , تصبح على خير!".
خرجت من غرفة المكتبة وأغلقت الباب وراءها بعنف بالغ, بحيث ظلت تسمع لبضع لحظات صداه يتردد في الممر الذي قطعته بسرعة لتصعد الى غرفة النوم , أخرجت جميع ملابسه وأحذيته من الخزانة , وبدأت تنقلها الى ......غرفة الحضانة , فتحت باب الحجرة التي أختارها بيار لنفسه, فدهشت لصغر حجم السرير , كيف يمكن لرجل طويل القامة مثله , أن ينام على سرير أطفال كهذا؟ تضايقت قليلا ,ولكن همها الأول هو الأبتعاد عنه قدر الأمكان ..........وخاصة أثناء الليل.
قامت بأربع رحلات متتالية , فنقلت كافة ثيابه وأمتعته الى الغرفة الصغيرة ,ثم جلست في حجرتها لتكتب رسالة الى جيرالد ,ولكنها توقفت عن الكتابة بعد عشر دقائق , لأنها لا تزال غاضبة بسبب تصرفات بيار معها , كيف يمكنها أعداد جمل عادية هادئة لتوضيح موقفها الحالي , والأسباب التي تضطرها لأطالة أمد زيارتها ؟ دب النعاس في عينيها , فخلعت ثيابها وأطفأت النور..... ونامت بصورة شبه فورية...

نهاية الفصل الثاني


اماريج 28-02-11 10:49 PM


3_الطريق طويلة وصعبة

أستيقظت أيلاين في وقت مبكر من صباح اليوم التالي , فتأكد لها قبل أن تفتح عينيها أنها موجودة في شامبورتن ...وفي جناح البرج بالذات...وذلك بمجرد سماعها هديل الحمام.
خدعها عقلها في تلك اللحظة الوجيزة من السرور والأبتهاج , فشعرت وكأن فترة أنفصالها عن بيار لمدة تسعة أشهر كاملة لم تحدث أطلاقا ... وأقنعت نفسها بأنها متزوجة منذ أربعة أشهر فقط ولا تزال غارقة في الحب حتى أذنيها , أبتسمت بأرتياح وسعادة , ثم حركت رجليها ومدت ذراعها لتطوق .... حبيبها!
أنتشلتها ملامسة الفراغ البارد من أحلام اليقظة , وأعادتها الى عالم الواقعية ... والمرارة ,فتحت عينيها وتطلعت نحو الجزء الآخر من االوسادة , فأدركت أنها وحدها طوال الليل! أغمضت عينيها الحزينتين بسرعة , للتخفيف من الآلام الناجمة عن خيبة الأمل العنيفة التي عصفت بها , كيف يمكنها تحمل هذا العذاب أياما وربما أسابيع؟ هل ستكون قادرة على السكن مع بيار تحت سقف واحد ,وتظل متحفظة عاطفيا أتجاهه ؟ كيف ستستيقظ في هذا السرير كل صباح , دون أن تتذكر عشرات المرات الأخرى التي كانت تجده فيها مستلقيا قربها بدفء وأرتياح ... وهي سعيدة بالسجن الذي بنته بحبها له؟
منتديات ليلاس
لماذا كل هذا الأهتمام والمبالاة به؟ لماذا تشعر كلما رأته أو سمعته بالحزن والأسى ؟ ألأن الحب الذي أقسما على أبقائه حا ومشتعلا حتى يفرق الموت بينهما , لم يكن على ما يبدو موجودا منذ البداية؟
أذا أحبها فعلا , فمن المؤكد أنه لم يكن ليقدم على الخيانة الزوجية التي تدعي سولونج حصولها .لو أنه يحبها حقا , لما كان أمضى الليل مع سولانج في شقتها مرات عديدة ... كلما كان مفترضا به القيام برحلة عمل الى المنطقة التي تعيش فيها!
برزت صورة سولانج فجأة على شاشة خيالها وتفكيرها , فشاهدت أيلاين تلك المرأة الطويلة القامة النحيلة الجسم تنظر اليها بعينيها السوداوين الكبيرتين.....وتهز رأسها , سولانج فنانة في الثالثة والثلاثين من عمرها ,وتعرف بيتر منذ سن المراهقة , قالت لها مرة أنها كانت عائدة من أحدى جزر البحر الكاريبي حيث أمضت سنة كاملة في أعداد اللوحات الفنية , حين قررت زيارة شامبورتن لرؤية ..........حبيبها القديم.
وتذكرت أيلاين أن تلك الزيارة تمت بعد مرور أسبوع واحد على زواجهما , وقد بدا أن سولانج فوجئت بالأمر , أعترفت لها آنذاك بأنها لا تميل كثيرا الى فكرة الزواج ,وتفضل البقاء حرة طليقة ...
مضيفة بغنج ودلال:
" لماذا يزعج أي أنسان نفسه بالزواج , أن لم يكن ذلك بهدف الأولاد... أو تحقيق مكاسب مادية؟".
منتديات ليلاس
تضايقت أيلاين الى حد كبير في ذلك الوقت, ولكنها نسيت سولانج وأفكارها الغريبة بمجرد مرور بضعة أيتم على مغادرتها شامبورتن , كانت سعيدة جدا مع زوجها وحبيبها ,بحيث أنها لم تهتم أطلاقا بما حدث قبل زواجهما....ولم يخطر ببالها أبدا أنه يستغل المناسبات القليلة خارج شامبورتن لأهداف لا علاقة لها بعمله.



اماريج 28-02-11 10:50 PM

ذهبت أيلاين في أحد أيام الخري الباردة الى بلدة أنجولام , لشراء بعض الحاجيات المنزلية الضرورية , أنهمر المطر فجأة , فدخلت متحف البلدة الذي كان في الماضي قصر الأسقف..........وألتقت سولانج , حيّتها الفنانة الفرنسية بمدة ظاهرة ,وعرضت عليها القيام بدور الدليل لتشرح لها عن المنحوتات الأفريقية التي كانت معروضة هناك ,وبعد الجولة القصيرة داخل المتحف , دعتها لزيارة محترفها القريب... قبلت أيلاين الدعوة دون تردد , تكررت زيارات المحترف الجميل مرات عديدة خلال الأسابيع الثلاثة التالية.........
تململت أيلاين في سريرها وهي تتذكر الزيارات ,وتمنت لو أنها لم تكن بريئة وغبية الى تلك الدرجة , فلو لم تتكر المقابلات , التي أدت الأحاديث خلالها الى أثارة شكوكها بالنسبة الى بيار , لما كانت الأمور ساءت على ذلك النحو وأرغمتها على التخلي عن زوجها , فبغض النظر عن الكيفية التي كانت تبدأ فيها احاديثهما العامة في ذلك المحترف اللعين , ألا أنها كانت تتحول دائما الى بيار ......الى مدى تعلق سولانج به أثناء فترتي المراهقة والشباب ...الى الأجازات الأسبوعية المتعدة التي كانا يمضيانها معا ... والى التلميحات الواضحة طوال الوقت بأن العلاقة بينهما لم تكن بريئة أو سطحية وتذكرت أيلاين بأنزعاج بالغ حوارا معينا , أثار أعصابها وقضّ مضجعها , قالت لها سولانج
وهي تهز كتفيها:
" أوه , أنا أعرف تماما أنني لم أكن الفتاة الوحيدة في حياته... ولكنه كان يعود الي دائما , وحتى مع زواجه الآن...".
منتديات ليلاس
وضعت يدها فجأة على فمها , ثم أضافت بصوت منخفض :
" رباه, ماذا أقول؟ أنني أنسى بأستمرار".
"ماذا تنسين, يا سولانج؟".
" أنسى أنك زوجته , أنت صغيرة وبريئة جدا , بحيث أجد صعوبة في تخيلك مع رجل قاس ومحنك مثل بيار , يمكنني تصورك بسهولة أكبر مع شاب طيب طري العود مثلك ......شاب بريطاني أشقر الشعر أزرق العينين يمسك يدك ويأخذك الى حفلة راقصة ويضحك بفرح وزهو كلما طوقك بذراعيه, أوه , أيلاين , لماذا تزوجت بيار؟".
"لأنني أحبه, يا عزيزتي".
لمعت عينا سولانج ببريق غريب أشبه بالشفقة الهازئة , أو التأثر الساخر , وقالت:
" طبعا , طبعا , أنت شابة رومنطقية تؤمنين بالحب , وتعتقدين أنه تزوجك لسبب مماثل ,ولكن زواج أبناء العائلات الميسورة أو الثرية كان , حتى نصف قرن مضى , يتم بموجب ترتيبات أجتماعية أو مادية معينة , لم يكن للحب أي مكان داخللل هذه الترتيبات , ألا أذا لعب الحظ دورا كبيرا في حياة الزوجين وتعلما كيف يحبان بعضهما بصدق وأخلاص , أما في أيامنا هذه , فأحتمالات زواج العاشقين من بعضهما متاحة بشكل أوسع وأفضل,ولكن بيار......زورث الكثير عن أمه مارجريت دوروشيه".
" لا أفهم ماذا تعنين بهذا الكلام؟".
"حالت الظروف الأجتماعية والعقلية الطبقية المتحجرة دون زواج مارجريت من أرمون سان فيران , فأقدمت على أفضل خطوة بديلة , تزوجت من جان دوروشيه, الشاب القوي الذكي الطموح الذي يعمل في خدمة سيد القصر , كان جميع الناس هنا يعرفون أن مارجريت لم تتزوج جان بدافع حبها له , بل لتتواجد قرب رامون بصورة دائمة تقريبا وتصبح قادرة على التحكم بالقصر .....وبمن فيه , وعندما مات زوجها , تزوجت أبن الخامسة والستين وحققت حلمها القديم بحمل أسم سان فيران".
" أذا أقدمت مارجريت على الزواج بدافع المصلحة ولتحقيق مكاسب أجتماعية أو مادية , فهذا لا يعني أن بيار تزوجني أنا بدوافع مماثلة , لم يعد الناس هكذا في عصرنا الحالي , يا سولانج".
منتديات ليلاس
" يا لك من فتاة ساذجة! لا شك أن بيار وجد سهولة فائقة في أغرائك وأغوائك , أستغل سحره وجاذبيته , وخبرته الطويلة في الأثارة , فأقتنعت بأنه يحبك , أختلط عليك الأمر , كمعظم الصغيرات السخيفات مثلك , فلم تعرفي الفرق بين الحب الحقيقي والمشوة الآنية".
تذكرت أيلاين مدى الصدمة التي أصابتها لدى سماعها تلك الكلمات الجارحة في صراحتها
وكيف تحاملت على نفسها للأحتجاج مرة أخرى بالقول:
" ما هي المكاسب التي يمكنه تحقيقها من زواجه مني ؟ أنا فتاة عادية لا تملك جاها أو ثروة".
" هذا صحيح في الوقت الراهن ,ولكن المستقبل القريب قد يحمل لك الكثير , فأنت , بالنسبة لأرمون , الأنسان الوحيد الذي يحق له وراثة شامبورتن بعد وفاته...نظرا لروابط الدم , لا أستبعد أبدا أن تكون مارجريت أحست بهذا الأمر , وشجعت أبنها على الزواج منك , ولا أشك كثيرا أنها أقنعت أرمون بذلك , على أساس أن بيار هو أبن زوجته والمرشح الأمثل لمشاركة حفيدة شقيقته في وراثة شامبورتن ... بخاصة لأن الفتاة التي يعتبرها كأبنته تحب بيار! ".



اماريج 28-02-11 10:51 PM

" أوه , يا له من كلام سخيف وتافه! من أين أتتك هذه الفكرة الجهنمية المذهلة ؟".
" من أين يا عزيزتي ؟! من بيار ذاته, من زوجك.......وحبيبك , هل تظنين أن الزواج كان سيتم بينكما , لو لم يوافق أرمون على شرط بيار بتغيير وصيته وجعله الوريث المشارك؟".
" لا, لا أصدقك أبدا ! لم يتزوجني بيار ألا لأنه يحبني , أنا متأكدة من ذلك".
"حقا ؟ أسأليه أذن عن سبب حضوره الى هنا , أسأليه عن الليالي العديدة التي أمضاها معي في هذه الشقة بالذات , منذ عودتي الى فرنسا , أسأليه لماذا كان هنا الليلة الماضية , ولماذا ترك قفازيه وقداحته ,هل تصرين بعد الآن , على الأعتقاد بأنه تزوجك بدافع الحب؟ أنا أعرف أنه لم يفعل ذلك , فهو أنسان هادىء عملي يخطط للمستقبل البعيد بحكمة وذكاء ... مثل أمه ,كان يتطلع قدما لزواج ملائم يحسن أوضاعه الأجتماعية والمالية , ووجد فيك الضحية المناسبة , أما بالنسبة للحب , فهو يحبني أنا دون سواي , لقد أحبني دائما , وسيظل يحبني حتى.....".
لم تنتظر أيلاين سماع بقية تلك الجملة التي قلبت حياتها رأسا على عقب, أذ أنها خرجت بسرعة من المحترف الواقع على سطح بناية عالية ونزلت راكضة على درجاتها المئة كشخص فقد عقله.....زوليس قلبه فقط.
منتديات ليلاس
رمت بنفسها وراء مقود السيارة التي أخذتها من خالها أرمون للحضور الى هذه البلدة , وحاولت جاهدة السيطرة على أرتجاف جسمها الناجم عن الصدمة القوية التي أنزلتها بها سولانج , ولكن وقع المصيبة كان كبيرا جدا, بحيث أنها لم تنتبه الى ما يجري حولها ألا بعد حلول الظلام.
غادرت البلدة المشؤومة , وهي تشعر بوحدة قاتلة وعذاب لا يقاوم ,وفي الطريق أحست بأنها غير قادرة على العودة الى شامبورتن , توجهت الى بواتيه , فوصلتها منهكة القوى ومرهقة الأعصاب , أخذت غرفة في أحد الفنادق الصغيرة , ولكنها ظلت مستيقظة طوال الليل... لا تعرف كيف تحد من ألمها وغيظها.
قادت سيارة خالها صباح اليوم التالي الى أقرب محطة وقود , ثم أستقلت أول قطار متجه الى باريس ,ومن العاصمة البعيدة, التي لا يمكن لأحد في منطقة شامبورتن أو المقاطعات المجاورة الوصول اليها بسرعة , أتصلت بالقصر وطلبت من جاك أبلاغ بيار لدى عودته بأنها ذاهبة الى لندن لزيارة أبن عم والدها.......وسوف تكتب له من هناك.
قررت أيلاين لدى وصولها الى العاصمة البريطانية ألا تذهب مباشرة الى منزل عمها في آشلي , بل أمضت بضعة أيام مع صديقة تعرفها منذ أيام الدراسة , كانت تود البقاء منعزلة في هذه الشقة الصغيرة الى أجل غير مسنى , ولكن وضعها النفسي أقلق صديقتها الى درجة كبيرة , فأتصلت بتشارلز وجيني وأبلغتهما عما جرى , ونتيجة لذلك , حضرت جيني بعد ظهر اليوم الثالث للأتصال الهاتفي وأخذت ايلاين الى آشلي.
كانا طيبين جدا معها ,ولم يعلقا بشيء على قولها أنها تركت بيار ولن تعود اليه أبدا , وظّفها تشارلز في مكاتب الشركة ,وفي الدائرة التي يرأسها جيرالد مورتون , كتبت رساة لبيار أبلغته فيها أنها أدركت الآن الخطأ الذي أرتكبته بقبولها الزواج منه بمثل تلك السرعة , وأنها بحاجة الى بعض الوقت لتفكر بموضوع علاقتهما , جاءها الرد على تلك الرسالة من خالها أرمون , الذي حثّها على العودة الى زوجها , أما بيار , فلم يكتب لها ألا بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على عودتها الى لندن
قال لها بأيجاز:
" أعتبر أن هذه الفترة كافية للتفكير والتحليل , أرجو أعلامي بموعد عودتك".
أعادت الغطرسة الباردة فتح جروحها و لو أنه اتى ال لندن وطالبها بالعودة اليه ...زلو أنه قال لها في رسالته تلك أنه يحبها ويريدها , لكانت عادت دون تردد ولكن سياسة اللامبالاة وعدم الأكتراث ظلت مهيمنة على تصرفاته وردود فعله , فأقنعتها برودته بأنه فعلا لم يتزوجها بدافع الحب والهيام , بعثت له برسالة قالت فيها أنها قررت البقاء في لندن ,وأنها تأمل في توصلهما قريبا الى اعداد الترتيبات اللازمة لطلاقهما , لم يكتب لها بعد ذلك أي رسالة على الأطلاق.
تقلبت في سريرها أكثر من مرة , ثم نامت على ظهرها وراحت تحدق في السقف , يا لسخرية الأقدار! ها هي الآن في المكان الذي أقسمت على ألا تأتي اليه أبدا , والجميع يظنون أنها عادت الى.......زوجها , لا يعرف الحقيقة المرة ألا شخصان ... هي وبيار , لقد أوقعت نفسها في الرمال المتحركة للأدعاء الخطر , ووضعت حاضرها ومستقبلها على كف عفريت ,ولكن ...
منتديات ليلاس
سمعت طرقة خفيفة على الباب , ثم رأته يفتح بهدوء ليطل منه وجه بيار , هبت جالسة في سريرها بسرعة وتحفز
فأبتسم بنعومة:
" هل يمكنني الدخول؟".
"نعم".
دخل وأغلق الباب وراءه , فتمنت لو أنها لم تتسرع في الجلوس , وقع الغطاء من يدها وكشف عنها أمام عينيه اللتين كانتا تتفحصانها بدقة وروية , حاولت ألا تظهر أنفعالها أو جخلها , فرفعت ركبتيها وضمتهما بذراعيها ثم سألته ببرودة:
" ماذا تريد؟".
" حذاء العمل".
أقترب من السرير ومضى الى القول:
" لا بد لي منة شكرك على نقل أمتعتي الى الغرفة الأخرى ,ولكنك نسيت لسوء الحظ , الحذاء الذي أحتاجه لهذا اليوم , أرجو تقبل أعتذاري على دخولي في هذا الوقت المبكر , فأنا مضطر لأخذه ".
أذهلها تهذيبه الفائق الى درجة الصدمة و فأرتعش جسمها وأحست بالبرد على الرغم من دفء الغرفة
قالت له متمتمة:
" طبعا".
فتح بيار الخزانة وأخرج الحذاء , ثم ..ززويا لخوفها ....جلس قربها على السرير , حاولت التسلل بهدوء وعلى نحو طبيعي الى الجانب الآخر من السرير , ولكنها لاحظت أنه يجلس على جزء من قميص النوم الذي ترتديه , وضع قدمه في الحذاء , وسألها بتلك اللهجة المهذبة ذاتها:
" هل نمت جيدا؟".



اماريج 28-02-11 10:55 PM

أجابته وهي تشعر بتوتر شديد في أعصابها , نتيجة لأقترابه منها بهذا الشكل المثير:
"نعم , شكرا ,وأنت؟".
أدخل القدم الأخرى , وقال:
"نمت بأرتياح بالغ".
تأملت وجهه الأسمر المتوتر , الذي تبدو عليه ملامح التعب , فأحست بتأنيب الضمير لأصرارها على الأنفراد بهذا السرير الكبير وأرغامه على النوم في حجرة مخصصة للأطفال , قالت له بعفوية واضحة:
" أنا آسفة , من المؤكد أن ذلك السرير ليس مريحا أطلاقا... فهو ضيق وصغير جدا".
"ربما".
وقف بيار , فأحست أيلاين بالراحة النفسية , سار نحو النافذة وفتحها على مصراعيها , فتدفقت أشعة الشمس لتنير الغرفة شبه المظلمة ,ثم أضاف قائلا بهدوء:
" لم أنم فيه , وعليه فلست قادرا على أعطاء أي رأي ثابت عنه , ".
سألته بسرعة , ودون تردد:
" أين نمت أذن؟".
منتديات ليلاس
كان بيالا لا يزال واقفا قرب النافذة , يتطلع الى شيء ما في باحة القصر , فبدت أحدى وجنتيه وكأنها مغطاة بقناع ذهبي , أستدار نحوها باسما , فتحطم ذلك القناع الجميل لأن الوجه لم يعد معرضا لأشعة الشمس , قال لها بأستفزاز رقيق ناعم أغرق تفكيرها في دوامة مزعجة من التساؤلات والأفتراضات :
" عليك أنت معرفة المكان بنفسك".
علقت على كلامه بشيء من البرودة , والتظاهر بعدم الأهتمام :
" قد يكون من الأفضل أن أنام أنا في الحجرة الثانية".
تأملها جيدا ,وقال:
" هذا حل واحد للمشكلة , ولكنني لا أعتبره الحل الأفضل ".
أبتعد عن النافذة ,وبدأ يتجه نحو باب الغرفة , أصطدمت قدمه برجل الطاولة التي كانت أيلاين تكتب عليها في الليلة السابقة , فوقعت رسالتها الى جيرالد على الأرض , أنحنى لألتقاطها وأعادتها الى مكانها ,وما أن لمح الكلمات الأولى , حتى رفع حاجبيه وبدأ يقرأ بصوت عال .... مشددا على لكنته الفرنسية:
" عزيزي جيرالد , وصلت اليوم الى شامبورتن دون أي عناء يذكر , قابلت خالي , فتمنى علي البقاء قريبة منه لبعض الوقت ".
رمت أيلاين الغطاء عنها وقفزت نحو بيار
وهي تمد يدها لأستعادة الرسالة وتقول له بحدة بالغة:
" كيف تجرؤ على قراءة رسالتي!".
لم تتمكن من أخذ الورقة الصغيرة من يده , لأنه رفعها عاليا فوق رأسه وراح يلوح بها مستفزا أياها, وبسبب أندفاعها بقوة نحوه وفشلها في الأمساك بيده , لم تتمكن من السيطرة على سرعة تحركها , فهوت عليه , مد ذراعه الأخرى كلمح البصر وطوق جسمها , فوجدت نفسها مرة ثانية قريبة منه , حاولت التخلص من قبضته القوية الشريرة
صارخة بوجهه:
" أتركني! أتركني! أعطني رسالتي!".
قال لها بهدوء زاد من عذابها وألمها:
" لن أعطيك أياها , ألا عندما أعرف من هو جيرالد هذا ".
شهقت بأنفعال , قائلة:
" بيار , أنك تؤلمني!".
" لا , أنت مخطئة كثيرا , أذا توقفت عن الحركة , فلن تشعري بأي أوجاع أو آلام , ستشعرين دائما بالأذى والضرر , نتيجة لطيشك وعنف أندفاعك , قليلا من الهدوء , أيتها الحبيبة ,وسيكون كل شيء على ما يرام".
أرغمتها القوة الواضحة في جملته الأخيرة ,وقبضته الضاغطة عليها بطريقة لا تعرف الشفقة على التوقف عن محاولاتها الفاشلة.... فيما كان صدرها يعلة ويهبط بشكل أنفعالي متوتر ,وهي تحاول ألتقاط أنفاسها
سألها بلهجة حازمة وصارمة:
" هل هو حبيبك؟".
أنتفض رأسها بعصبية بالغة, ونظرت اليه متحدية متمردة ثم قالت:
" لست مضطرة لأبلاغك أي شيء على الأطلاق".
" بلى , فمن حقي الأطلاع على مثل هذه الأمور".
ضحكت بحنق وأستهزاء ,وقالت:
" أوه , أنت وحقوقك! أنا أيضا لدي حقوق! أليس من حقي معرفة المكان الذي نمت فيه ليلة أمس؟".
" نمت على الأريكة الموجودة في غرفة المكتبة".
أربكها جوابه الرصين , فأسندت ظهرها الى ذراعه القوية وحدقت به... لتدرس عينيه وتحاول قراءة ما يجول فيهما ووراءهما , بادلها تلك النظرا الفاحصة بالمثل, فتحول نظرها بهدوء الى شفتيه الجذابتين الباسمتين بسخرية ... وقالت له بلهجة جافة جدا:
" لا أصدقك".
منتديات ليلاس
نظر اليها شزرا , وقال لها بصوت يرتجف حنقا وسخطا:
" حسنا , سأحاول مرة ثانية , نمت في سرير أمرأة أخرى... ستصدقين هذا الأمر بالتأكيد , ودون تردد!".
ضغط على خصرها قليلا ,ومضى الى القل:
" حدثيني الآن عن المدعو جيرالد , هل هو سبب مطالبتك بالطلاق؟".
وضعت أيلاين يديها على صدره وحاولت دفعه عنها , ولكنها فودئت بذراعه الأخرى التي كانت حتى لحظات خلت فوق رأسه... تنزل بسرعة وتنضم الى أختها في عملية التطويق المحكمة
حاولت تجنب الموضوع بقولها:
" أوه , لا يمكنني بحث أي مسألة معك ,وأنت تعصرني على هذا الشكل".
" وكيف تريدينني أن أعصرك أذن؟".
" لا... أعني... أنني.".
لم ينفع أحتجاجها بشيء , أذ ذكّرها بأيام السعادة والهناء , أشتعلت الرغبات المكبوتة في داخلها ,وثارت أحاسيسها ومشاعرها طالبة المزيد , نظرت اليه بعينين شبه مغمضتين , فرأت عينيه تحومان فوق وجهها كنسرين على وشك الأنقضاض , تأوهت وتمنت لو أنه يحملها الآن بعيدا عن العالم , وما هي ألا لحظة وجيزة , حتى أحست به يعانقها ... أوه! ذابت بين يديه ,وشعرت بالدماء الحارة تغلي في عروقها




اماريج 28-02-11 10:56 PM

رفعت ذراعيها لتطوق عنقه ولكن الباب فتح فجأة وسمعت ماري تقول بصوت يغلب عليه التلعثم والتردد... والخوف:
" أوه , عفوا , سيدي , سيدتي!".
أبتعد بيار عن أيلاين وألتفتا معا نحو الخادمة الشابة التي كادت الدماء تتدفق من وجنتيها خجلا وحياء , سألها بيار بصوت رقيق ناعم , كيلا يزيد أضطرابها وخوفها:
" ماذا تريدين يا ماري؟".
كانت الفتاة ترتجف بقوة نتيجة الصدمة التي أصيبت بها , فلم يصدر عنها سوى أصوات مبهمة , ثم خرجت بسرعة , لتعود بعد لحظة حاملة صينية عليها سلة من الخبز الطازج وصحن من الحلويات وأبريق قهوة , وضعتها على الطاولة , وقالت:
" هذه... هذه... للسيدة".
" شكرا , شكرا جزيلا يا ماري".
خرجت الفتاة دون تردد , فألتفت بيار نحو أيلاين وقال:
" أوه! الفطور في الغرفة! يبدو أن أحدا , في هذا البيت يحاول أقناعك بالبقاء".
خرج من الغرفة وأغلق الباب وراءه , دون أن يضيف شيئا أو ينتظر جوابا , صبت فنجانا من القهوة الشهية الطعم والرائحة , وهي لا تزال تفكر بجملته وتحاول تحليلها , لا شك في أن مارجريت هي التي طلبت من ماري أحضار الفور الى غرفة النوم , في محاولة لتدليل كنتها كما كانت تفعل قبل سنوات عديدة.....عندما لم تكن أيلاين آنذاك سوى طفلة صغيرة ,وحفيدة شقيقة زوجها , رفعت فنجان القهوة الى شفتيها , فشاهدت قربه وردة حمراء ذكية الرائحة رائعة الجمال... كعنوان بارز للترحيب الحار.
ولكن بيار لا يريدها أن تبقى في شامبورتن , وقد بدأ هذا الأمر يتأكيد لها أكثر فأكثر وساعة بعد ساعة ,ويمارس معها شتى الأساليب السلبية القاسية , لحملها على مغادرة القصر , تبا لها ولضعفها أمامه! كيف سمحت لنفسها بالتصرف معه بتلك الطريقة الأستسلامية الوضيعة , لا بد أنه يضحك عليها الآن , ألم تقل له قبل أقل من أربع وعشرين ساعة فقط , أنه لا يمكنها النوم في سرير واحد.... أو حتى في غرفة واحدة ....مع شخص لا تحبه ؟ فماذا فعلت قبل دقائق؟ تحول جسمها , بمجرد تطويقها بذراعيه وضمها اليه بقوة , الى كتلة من نار.... لو لم تدخل ماري في تلك اللحظة , لكانت...لا, لن تسمح لنفسها حتى بتخيّل ذلك! يتحتم عليها تجنب تكرار مثل هذه الأمور , وألا فأنها..
تناولت فطورها ثم أرتدت ثيابا صيفية رقيقة , ولكنها محتشمة كالعادة, وتوجهت الى المطبخ لتعيد الصينية , شاهدت مارجريت هناك , فألقت عليها تحية الصباح , أبتسمت السيدة الهادئة
ورحبت بها قائلة:
" أسعدت صباحا , يا أيلاين , كيف حالك اليوم؟".
"لا بأس".
لاحظت أيلاين آثار التعب والأرهاق والقلق على وجه مارجريت , فسألتها:
" كيف حال الخال أرمون هذا الصباح؟ هل نام جيدا؟".
"لا! كان أرقا ومتململا جدا , وأصر على التحدث مع بيار في وقت متأخر من الليل , لحسن الحظ ,كان بيار لا يزال مستيقظا , أوه , أنا آسفة لأنك تضايقت الى هذه الدرجة في الليلة الأولى لعودتك الى البيت , مسكين بيار أيضا... فقد ظل جالسا قرب أرمون حتى الرابعة من صباح هذا اليوم".
" أنا لم أكن متضايقة , ولكنني لم أعرف أنه بقي مع خالي معظم الليل ,لم يقل لي شيئا من هذا القبيل".
" وعليه فأنك تفترضين أنه ليس من النوع القادر على القيام بمثل هذه الأعمال الرقيقة الكريمة , أليس كذلك؟ لا يا عزيزتي, فبيار رجل طيب جدا كما كان والده من قبله. .....وأنا أتمنى له دائما أن يكون سعيدا".
" أليس بيار سعيدا؟".
" لا أعتقد ذلك , مع أنه لا يتحدث أبدا عن هذه المواضيع , فهو ليس من النوع المتذمر المتباكي , أو الذي يحب أطلاع القاصي والداني على حقيقة مشاعره وعواطفه, ولكنني أشعر أحيانا بأنه متشائم ويحس بالأسى والكرب, وأميل بالتالي الى ألقاء اللوم عليك وتحميلك مسؤولية هذه التطورات السلبية في حياته".
" أنا؟.............. أنا؟".
"نعم! فأنت لم تكوني زوجة طيبة معه ,وأتساءل أحيانا عما أذا كان يشعر بالندم لزواجه منك".
أخذ جسم أيلاين يرتجف كورقة خريفية في يوم عاصف , فيما كان الغضب الساخط في داخلها يكاد يحرق أعصابها ومشاعرها , ثمة سبب واحد فقط لأحتمال ندمه , وهو رغبته في الزواج من سولانج , هل تخبر أمه عن علاقته مع تلك المرأة , وعما قالته سولانج عن مارجريت وأبنها؟ هل تقول لها أنها كانت مستعدة تماما للطلاق منه فورا ودون تردد , لأنه بعيد كل البعد عن كونه الزوج الصالح المثالي ؟
تذكرت أنه يفترض بها التظاهر بعودة المياه الى مجاريها الطبيعية مع بيار , وأدركت فجأة أن مارجريت تدلي فقط برأيها التقليدي فيما يتعلق بالزواج , فمهمة الزواج , حسب أعتقادها ونظريتها , أسعاد زوجها وأنجاب الأطفال والأهتمام بعائلتها , لن تتمكن هذه السيدة المسنة , ولو بعد مئة عام , من تفهم نقطة بالغة الأهمية ......وهي أن الزواج لا يعني بالضرورة أرغام المرأة على التضحية بقلبها وكرامتها وكافة حقوقها , لن تجادل مارجريت وتجرح شعورها!
قالت لها وهي تشير الى الصينية والوردة:
" تمتعت كثيرا بهذا الفطور الرائع , وبلفتة الترحيب الكريمة".
منتديات ليلاس
" أنا أرحب بك دائما , أيتها العزيزة , ولكنني لم أقل لماري أي شيء عن أضافة وردة حمراء , أتركي الصينية في مكانها , فسوف تهتم بها ماري في وقت لاحق , أخبريني الآن.... هل تحبين القيام بأمور معينة؟".
لم تسمعها أيلاين ,بسبب تركيز أهتمامها بكامله على تلك الوردة الجميلة ,من وضعها أو أمر بوضعها , يا ترى؟ بيار؟ لا , لا يمكن! أخذت الوردة ووضعتها في صدرها ,ثم أدارت وجهها نحو الباب , وهمّت بالخروج , كررت مارجريت سؤالها بصوت أعلى , يغلب عليه طابع المرح والأرتياح
فأفاقت أيلاين من ذهولها وقالت:
" أريد مساعدتك, هل يمكنني الجلوس مع الخال أرموت لمعاونته والأهتمام به؟".



اماريج 28-02-11 10:57 PM

" ربما في وقت لاحق , على أي حال , فهو سيطلب مقابلتك في وقت ما قبل الظهر , لماذا لا تقومين الآن بنزهة في الحديقة , طالما أن الطقس يسمح بذلك؟ ستشتد الحرارة خلال فترة قصيرة".
سارت أيلاين في الحديقة لبعض الوقت , ثم توجهت الى النهر على طريق ترابية ضيقة تحيط بها وتظللها كروم العنب وأشجار السرو , وفي نهاية الممر الطويل , شاهدت الزورقين شبه المسطحين اللذين كانا يستخدمان لنقل الأنتاج الزراعي والحيواني الى أقرب الأسواق التجارية , سرت أيلاين كثيرا , لأنها تذكرت الرحلات النهرية التي كانت تقوم بها أثناء كل فصل صيف كانت تمضيه في شامبورتن, نزلت الى أحدهما وفكت الحبل الذي يربطه بالرصيف الخشبي القديم , فأنساب الزورق بهدوء مع مياه النهر , أنحنت لألتقاط المجذاف من المكان الذي يوجد فيه عادة , فلم تجده! أصيبت بدهشة قوية , تحولت خلال لحظات الى تأنيب ذاتي بسبب التسرع والأهمال ,وما أن أستفاقت من ذهولها وصدمتها , حتى تبين لها أنها لم تعد قادرة على القفز الى حافة الرصيف أو الى نقطة أخرى على ضفة النهر.
وضعت يديها حول فمها ونادت بأعلى صوتها , لجذب أنتباه أحد الرجال العاملين في الكروم والحقول المجاورة .....فلم يسمعها أحد, كان الطقس جيدا , والجو دافئا , ومياه النهر تبدو هادئة ساكنة ....فلم تشعر أيلاين بالخوف أو القلق , تمددت على الزورق ووضعت يديها تحت رأسها , علّ وجهها الشاحب يكسب بعض النضارة والأحمرار.

فتحت عينيها بعد قليل وجلست ,فلاحظت أن زورقها الذي ينطلق بسرعة أكبر الى ما أصبح في وسط منطقة عريضة جدا من ذلك النهر , أنبطحت فورا على الحافة القريبة منها وراحت تجذف بيدها اليمنى بأقصى قوتها على الأقل من تحويل الزورق الى أحدى ضفتي النهر ولكن الزورق كبير الحجم وثقيل الوزن , فلم يتجاوب مع محاولاتها المتعددة اليائسة , وفجأة , سمعت هدير مياه على بعد بضع مئات من الأمتار , تذكرت الشلال المزمجر , الذي لم يجرؤ على تحديه سوى نفر قليل من المغامرين الأشاوس في زوارق مطاطية معدة خصيصا لمثل هذه الرياضة المحفوفة بالأخطار.
أصيبت بهلع شديد , وقررت فورا التخلي عن الزورق قبل تعرضها لمشاكل هي بغنى عنها , قفزت منه الى الماء وسبحت الى الضفة , فوصلتها متعبة بسبب قوة التيار وأندفاع المياه , جلست على صخرة ووضعت رأسها على ركبتيها , لألتقاط أنفاسها وأخذ قسط من الراحة.
وقفت بعد لحظات وتطلعت نحو االنهر , فلاحظت أختفاء الزورق , هزت رأسها وراحت تعصر شعرها المبلل ,وهي تفكر بهذه المغامرة التي قامت بها في مستهل اليوم الأول لوصولها , ضحكت عندما تخيلت نفسها جالسة مع بيار
تشرح له ما حدث معها :
" يسرني أنك لا تزالين قادرة على الضحك".
منتديات ليلاس
شهقت دهشة وأستغرابا , وأستدارت نحو مصدر الصوت المألوف لتشاهد بيار واقفا قرب دراجته الهوائية
سألته بلهفة:
" من أين أتيت؟".
"كنت عئدا من جولة تفتيشية في منطقة قريبة من النهر , فرأيت زورقا خاليا يندفع مع التيار نحو الشلال ثم رأيتك جالسة هنا , ماذا كنت تحاولين ؟ أغراق نفسك؟".
" طبعا لا! لم أكتشف عدم وجود المجذاف , ألا بعد أبتعاد الزورق عن المكان الذي يربط فيه ,وعندما فشلت في تحويل مساره الى أحدى الضفتين , قفزت منه وسبحت الى هنا ,على أي حال , أشك كثيرا في أمكانية غرق أي أنسان يعرف السباحة جيدا .....في هذا النهر ... فهو ليس عميقا جدا , وتياره..".
قاطعها بهدوء قائلا:
" ومع ذلك, فقد غرق فيه أبي".
"أوه.... لم ... لم أكن .... أعرف...".
" لا تعرفين أشيا كثيرة , يا عزيزتي ,وعوضا عن الأستفسار عن الأشياء التي تجهلينها ومعرفة الأمور بالطرق الصحيحة والسليمة تتسرعين في أستنباط وأنطباعات هوجاء , ثم تقنعين نفسك بأنها حقائق ثابتة لا غبار على صحتها وسلامتها!".
وفوجئت بهجومه المباغت , وأحتجت قائلة:
" لا , ليس هذا الكلام محقا أو منصفا! فأنا لم أكن أدري بحادثة والدك المؤسفة , لأنك لم تخبرني أي شيء عنها , لم تطلعني على أي موضوع , هاما كان أم تافها".
" لأنك لم تهتمي أبدا الى درجة تدفعك الى توجيه أسئلة صريحة ومباشرة ".
" بلى , بل كنت أهتم".
" ولكن ليس بما فيه الكفاية لتسألي مثلا عما أذا كان كلام سولانج صحيحا أم كاذبا , أو لتعطيني مجالا لتوضيح بعض الأمور ,لكل أنسان حقه في شرح مواقفه , ولكنك حرمتني من هذا الحق المقدس , مبمجرد أكتشافك شيئا عني لم يعجبك , وتصورت أنه يجرح شعورك وكرامتك , وأحترامك لنفسك , تصرفت حسب عادتك كفتاة مدللة سخيفة , قررت الهرب , عوضا عن مواجهة الأمور كأي زوجة عاقلة, مضت ثمانية أشهر على فرارك ,وأنت لا تزالين غير قادرة على تحمل مسؤولياتك كزوجتي".
أشعلت كلماته القاسية وقود غضبها وسخطها , فتحفزت للمبارزة والقتال ,تنهدت بأنفعال بالغ, للتمكن من الرد عليه بعنف مماثل ,وقالت:
" المسؤولية! مسؤوليتي كزوجتك ... هذا كل ما سمعته منك منذ عودتي! أذا كنت تعتقد أنني سيئة جدا كزوجة , فلماذا لا تطلقني؟".
" لأنني سألعن نفسي أذا سمحت لك بالزواج من شخص يدعى ... جيرالد".
" تقول ذلك لمجرد تحويل أفكاري عن لب الموضوع! لا ليس هذا هو السبب أطلاقا! أنت تريد شامبورتن ,ووصية الخال أرمون في وضعها الحالي لا تمنحك سوى النصف".
منتديات ليلاس
حدق بها لحظة ثم هز كتفيه ,وكأنه يعتبر المضي في هذا الجدل العقيم هدرا لوقت ثمين , تأمل بسرعة الوردة المبللة ,وقال لها:
" تبدين في وضع لا تحسدين عليه أبدا , من حيث الشكل والرائحة".
"كم أنت لطيف ولبق وأجتماعي!".
أستدارت بعصبية نحو القصر وبدأت تمشي حافية القدمين , وهي تشعر بالوخز المؤلم للحجارة الصغيرة الحادة
أوقفها في مكانها صارخا بأنفعال:
" هل تركت البيت دون حذاء؟
ردت عليه بحدة مماثلة ,وهي تتتابع طريقها:
" خلعت الحذاء في الزورق, عندما قررت القفز الى الماء والسباحة الى اليابسة ".
لحق بها بيار , وهو يمسك دراجته , ثم قال لها مؤنبا:
" لم يكن هناك أي لزوم للتخلي عن الزورق, فذلك يتعارض مع كافة قوانين السلامة , كان يجدر بك القاء فيه , لأن الغرق في النهر لم يكن بعيد الأحتمال".
"كنت سأتعرض للغرق أيضا لو لم أقفز منه , بسبب السد المقام قبل الشلال".
"السد؟ أي سد, وأي شلال؟".
"الشلال الذي يقع على بعد بضع مئات من الأمتار , أنني أسمع هدير الماء".
"في مخيلتك فقط , أيتها الذكية , فالسد الوحيد في هذه المنطقة كلها يقع قرب قرية لوتين ,وهي تبعد حوالي سبعة كيلومترات من هنا , لم يكن بأمكانك الوصول الى منطقة السد , لأن الزورق كان سيتوقف على أحدى الضفتين بسبب التعرجات العديدة التي يمر بها النهر, وعندها , كنت ستنزلين منه بهدوء الى اليابسة وتعودين الى القصر سيرا دون خسارة الزورق .... أو الحذاء".
لم تشك أيلاين في صحة كلامه , فهو يعيش هنا منذ طفولته ويعرف كل شيء عن المنطقة ونهرها , لقد تصرفت مرة أخرى بأندفاع وتسرع , وها هي الآن مضطرة للسير حافية القدمين ,وتحمل كافة الأوجاع والآلام التي ستنجم عن ذلك
قال لها بيار بهدوء:
" أذا أحببت أن تجلسي أمامي على الدراجة , فسوف آخذك الى البيت, ليس لدي وقت كاف لكي أسير معك".
" شكرا , لا حاجة لذلك أبدا لا أريد تأخيرك عن عملك ".
منتديات ليلاس
لن تقبل أي خدمة منه ,ولن تفسح له أي مجال للأقتراب منها , رفعت رأسها بعنفوان وتحد, وعادت الى السير بأتجاه القصر , ولكنها توقفت ثانية وهي تكاد تصرخ من الألم , بسبب الحجر المسنن الصغير الذي داست عليه خطأ ,وقفت على رجل واحدة ورفعت قدمها لتفحص الأضرار التي لحقت بها , فشاهدت ثقبا صغيرا يسيل منه الدم
صرخ بها بيار , بأنزعاج واضح:
" رباه , كم أنت عنيدة! وأنانية أيضا , تضعين نفسك دائما في المقام الأول , ولا يهمك ما قد يلحق بغيرك من مضايقات نتيجة تصرفاتك السخيفة المهورة!".
أفرح وهلل! أنا عنيدة وأنانية وغبية , ولكنني لا أرى أي علاقة أطلاقا بين عودتي الى البيت سيرا... وكيفية التسبب في مضايقة الآخرين".
" ستصاب قدماك بجروح بالغة وتورم شديد ,مما يحرمك السير عليهما فترة طويلة , قد تتحملين العذاب لمسافة قصيرة, ولكن البيت يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات من هنا , هيا , يا أيلاين, وأصعدي أمامي , لن تكون المرة الأولى التي نركب فيها معا".
هل ستتحمل القرب منه للمرة الثانية خلال يوم واحد, دونما أي أضطراب في مشاعرها أو أحاسيسها؟ ولكن الطريق طويلة وصعبة ,والحر شديد ومرهق...".
"حسنا".
جلست أمامه ,وهي تتظاهر بالبرودة واللامبالاة , وما أن مد يده الأخرى للأمساك بالمقود , وأنحنى قليلا الى الأمام ليتمكن من دفع الدراجة , حتى أحست بحرارة جسمه تذيب أي مقاومة قد تحاول اللجوء أليها... في حال تعرضها لأي هجوم محتمل.

نهاية الفصل الثالث


اماريج 28-02-11 10:58 PM


4_ الأرث .... والحل الوحيد

يا له من جو شاعري حالم! خرير المياه , زقزقة العصافير , تموّج الظلال و.... وجودها بين ذراعيه القويتين! نسيت أمتعاضها وكرهها له , وتخيلت نفسها فجأة بطلة أحدى قصص الفروسية والغرام, أنقذها الفارس الشجاع من النهر الذي كان يتحول الى قبر, وها هو الآن ينطلق بها على صهوة حصانه الى القصر .... حيث ستكافئه على حسن صنيعه.
ولكن قوة تنفس منقذها الوسيم جعلتها تفيق من أحلام اليقظة , وتنتبه الى أن الطريق لم تعد مستوية , هل ستجرح شعوره وكبرياءه أذا أقترحت عليه النزول عن دراجته والسير مسافة قصيرة لحين عبورهما هذا المرتفع الصغير؟ سيعتبر كلامها تحديا لرجولته وقوته ,و.... لقد تأخرت كعادتها في أتخاذ القرار المناسب , أذ تجاوزا مراحل الصعود وتحولت الطريق الى الأنحدار.
كبح بيار الدراجة فجأة, فأرتجّت بين ساعديه وصدره ,وشعرت بأنحباس أنفاسها , سألته عنا حدث
فأجابها بهدوء:
" كنا ننطلق بسرعة كبيرة , كادت تشكل بعض الخطر علينا".
" هل أشكل عبئا ثقيلا على الدراجة؟".
" أنت؟ لا يا عزيزتي , فأنت خفيفة كالريشة".
منتديات ليلاس
لم تعلق على جملته , فبدأ يدندن لحنا حزينا تصورت أنه مألوف لديها الى حد , سألته عن النغم الذي يردده , فقال:
"أنها أغنية قديمة تتحدث عن نبع صاف , تذكرتها عندما شاهدتك قرب النهر".
هل يعقل أن يكون هذا الرجل القاسي , رقيق القلب والمشاعر أحيانا؟ دفعها الفضول الى معرفة المزيد عن هذه الأغنية.... وعنه
فقالت له:
" أخبرني كلماتها من فضلك".
"المقطع الأول فقط , عندما ستسمعين كلماته , ستعرفين لماذا تذكرت الأغنية".
ردد لها الكلمات بهدوء , فأحست أيلاين أن ما من ترجمة لها ستعطيها حقها وتحافظ على رقتها وجمالها ,ومع أنها ليست ضليعة في أي من اللغتين , ألا أن المعنى الحقيقي لهذا الشعر العذب لم يفتها أطلاقا, أبتسمت ضمنا , وهي تفسر الكلمات الحلوة لنفسها:
" عندما كنت واقفا قرب النبع الصافي , شعرت بأغراء الماء الذي لا يقاوم , لبيت الدعوة صاغرا مسرورا , ونزلت اليه لأسبح".
لاحظ بيار أنها تحاول التمعن بكلمات الأغنية
فسألها:
" هل وجدت مطلع الأغنية ملائما لما حدث؟".
" نعم , أعتقد ذلك , هل تذكر مقاطع أخرى من الأغنية؟".
" نعم , ولكنها ليست عن الماء أو السباحة".



اماريج 28-02-11 11:00 PM

" عما تتحدث أذن".
" عن حب مضى , يقول آخر بيت في الأغنية( أحببتك منذ زمن طويل, ولن أنساك أبدا)".
أغرورقت عيناها بالدموع , فلم تعد ترى أي شيء بوضوح , الأشجار , النهر , الطريق ,أصبحت كلها صورة مشوهة , ملطخة.... وحزينة , لو أنه يعني هذه الكلمات التي يغنيها لها الآن! لو أنه على الأقل كتبها في تلك الرسالة ,التي طالبها فيها بالعودة , لكانت عادت اليه على جناح السرعة! لو أنه يحبها .... ولكنه لم ولن يحبها أبدا, لقد أحب دائما أمرأة أسمها سولانج.... ولا يزال ...وسيظل يحبها حتى آخر يوم في حياته
قالت له بصوت منخفض:
" أغنية جميلة ,ولكنها حزينة".
منتديات ليلاس
" أنها حقا حزينة , ولكن الندم بأستمرار على علاقة حب مضت وأنتهت , من شأنه أدخال الحزن والأسى الى قلب الأنسان.... وأضاعة وقته وهدر طاقته".
" وأنت لن تقبل بحدوث أمر كهذا , أليس كذلك؟".
" طبعا لا! فأنا رجل عملي , وأؤمن بضرورة أتخاذ الأجراءات اللازمة لمواجهة مثل هذه المشاكل".
ولكنه لم يتخذ أي أجراءات , عندما تركته قبل حوالي تسعة أشهر , أذن , فهو يشير الى علاقته مع سولانج , فما أن ظهر حبه القديم , حتى سارع الى أتخاذ الخطوات الضرورية ... عوضا عن أضاعة وقته وطاقته في الندم على قرار الزواج , ويبدو أن قسم الأخلاص والوفاء لها مدى الحياة , لم يكن يعني له أي شيء على الأطلاق.
ومع ذلك , فقد ذكرت أمه هذا الصباح أنه حزين , لماذا؟ أي شيء يحزنه أذن, أن لم يكن نادما على فقدان حبه القديم؟ عقدت أيلاين جبينها فجأة , وهي تتذكر كلام بيار عن الليلة التي أمضاها في باريس ... وكيفية ملاحقته لها دون أقدامه على محاولة تجاوزها وأيقافها , لو لم تنزلق سيارتها الى تلك القناة , لما كان حذرها من موقف خالها أتجاهها ... وكانتى ستعود الى لندن وقد حرمت من الأرث بسبب رفضها المصالحة مع زوجها.
ألا يثبت ذلك كله أن حزنه ناجم عن حضورها الى شامبورتن؟ لا يريد عودتها , ولكنه لا يوافق على الطلاق , لماذا؟ الجواب بسيط للغاية , ومزعج الى درجة مذهلة , فهو يحاول أبعادها الى لندن كي تخلو الساحة مع حبيبته ,ويعارض الطلاق كيلا تفوته فرصة المشاركة في وراثة شامبورتن.

أوقف بيار الدراجة فجأة , فتوقفت هي بدورها ... ولو مؤقتا ... عن التفكير بتلك الأمور السوداء المزعجة , تطلعت حولها , فشاهدت الرصيف الخشبي الذي أنطلقت منه قبل بعض الوقت ,من المؤكد أن بيار سيطالبها بالنزول , فيما ظل ممسكا بالدراجة:
" أجلسي على المقعد مكاني ,لأدفعك بقية الطريق".
تأملت وجهه بسرعة , فبدا كعادته قناعا يحجب أفكاره ومشاعره عن الآخرين , لم تلاحظ سوى التململ والتأفف , وكأنه يعتبرها عبئا ثقيلا ومصدر أزعاج.... أو بالأحرى عقبة كبيرة يريد التخلص منها , مع أنه غير قادر على ذلك , قالت له:
" بيار , أعرف أن لديك أعمالا كثيرة و....".
" لا تضيعي وقتي ,أذن , بالنقاش والجدال , على أي حال , أنا ذاهب الى البيت".
" يمكنني ركوب الدراجة بمفردي".
" ألا تلاحظين أن الدراجة كبيرة جدا , وأن الواستين مسننتان؟ ألا تعلمين أننا قد نتوصل الى نوع من الحل الوسط , أذا حاولت التوقف عن معارضتي في أي شيء أريده أو أطلبه".
" حل وسط؟ أوه , أشك كثيرا في أحتمال توصلنا الى حل وسط في أي موضوع كان , فأنت أنسان بعيد كل البعد عن المرونة والليونة ".
" وأنت تتغيرين وتتبدلين بأستمرار , يجب على أحدنا أن يظل مستقر على رأي ما , هيا , أجلسي على مقعد الدراجة , فلدي أعمال كثيرة يجب أنجازها قبل موعد الغداء".
منتديات ليلاس
تأملت أيلاين الدراجة والدواستين والطريق, فتأكدت من صحة كلامه , أنه على حق , كعادته! اللعنة عليه , وعلى غطرسته! ستضطر للرضوخ مرة أخرى! جلست على مقعد الدراجة وأمسكت بقميصه , كيلا تهوي الى الوراء , وما أن وصلا الى باحة القصر , حتى ظهرت أمامهما السيارة الحمراء الصغيرة , نزلت أيلاين عن الدراجة وقالت لبيار:
"أوه ! نسيت أن أخبرك عن الرينو!".
" تصورت ذلك , ماذا ستفعلين بها؟".
" ماذا سأفعل بها؟ ماذا تعني؟".
" أما أن تحتفظي بها وتتحملي نفقات أستئجارها الباهظة , وأما أن تعيديها الى الشركة ,وهذه مسؤولية أخرى يتحتم عليك أتخاذ قرار بشأنها , يا أيلاين؟".
" هل يوجد فرع لهذه الشركة في المناطق المجاورة؟".
" لا أعرف , فأنا لا أستأجر سيارات , ألم تسألي مكتب المطار عن ذلك؟".
" لا , لم أفكر.......... ".
قاطعها بلهجة ساخرة:
" أنت لا تفكرين أبدا ".
" آه منك ومن ملاحظاتك اللاذعة الجارحة! كنت أتوقع عودني الى لندن صباح الأثنين , وبالتالي أعادة السيارة بعد ظهر غد الى باريس".
" ألن تفعلي ذلك؟".
" طبعا لا! قلت أنني سأبقى هنا الى أن يصبح وجودي غير ضروري , سأظل في شامبورتن , طالما أن خالي أرمون لا يزال على قيد الحياة".
" وماذا ستفعلين بعد وفاته؟".
" لا أدري , فثمة أشياء....أرجوك يا بيار , أن تفهم موقفي , لست قادرة بعد على أتخاذ أي قرار منطقي ومعقول , بالنسبة لموضوع البقاء هنا بصفة دائمة , فهناك أمور عديدة بحاجة الى الدرس والتحليل , قبل التوصل الى مثل هذا القرار".
"حسب معرفتي بك , فأنت غير قادرة أطلاقا على أتخاذ أي نوع من القرارات المنطقية المناسبة , لا يصدر عنك في أي قضية , حقيقة كانت أم من صنع خيالك , سوى ردود فعل عاطفية وأندفاعية متهورة , فعلت ذلك قبل تسعة أشهر , وأقدمت على خطوة مماثلة , عندما قفزت من الزورق , لا تحاولي مناقشتي الآن , فنحن لسنا في المكان والزمان الصحيحين لبحث هذه الأمور , أنت بحاجة للأغتسال ولثياب جافة ,وأنا أريد مقابلة دان سميث".
أحست فجأة برغبة قوية لملاطفته , ولأقناعه بأنها ليست دائما أنانية لا تفكر ألا بنفسها....كما يحلو له وصفها بأستمرار
قالت له:
" بيار , أنا آسفة لأزعاجك هذا االصباح ... وشكرا جزيلا على أيصالي الى هنا".
أستدار نحوها ليقول شيئا ولكن مارجريت خرجت في تلك اللحظة من الباب الكبير وسألتها بأستغراب بالغ:
" آه , أيلاين , ماذا فعلت بنفسك ؟ ماذا حدث لك؟".
أخبرتها عما حدث معها في النهر , فأنّبتها مارجريت قائلة بحدة:
" يا لك من فتاة متهورة طائشة , توقع نفسها في ورطة بعد أخرى كطفلة صغيرة ! حان الوقت يا عزيزتي , لتنضجي وتصبحي شابة راشدة , أوه ,وما هذه الرائحة الكريهة التي تفوح منك أشبه برائحة المستنقعات ! أصعدي فورا الى غرفتك وأخلعي هذه الثياب الوسخة , ثم أحضريها الى غرفة الغسيل لتنظفها لك ماري , هيا أسرعي! أستيقظ أرمون قبل قليل , وهو يريد التحدث اليك".



اماريج 28-02-11 11:03 PM

نفذت أيلاين تعليمات السيدة المسنة بسرعة ودقة , ودونما أي أعتراض أو تعليق , ولما ذ.... كما شاهدته في اليوم السابق ,ولكنه أبتسم لها عندما حيّته
وقال بصوته المتعب الضعيف:
" عدت أخيرا , أيتها الحبيبة , كان قرارك خطأ كبيرا , ولكنك عدت الآن وستبقين , أليس كذلك؟".
تطلعت أيلاين بدهشة وذهول نحو مارجريت
فهمست في أذنها:
"لقد نسي أنك حضرت أمس , لا تعتبي عليه كثيرا , فذاكرته لم تعد قوية أطلاقا , سيكرر لك الأقوال ذاتها بضع مرات , فكوني طويلة الباب معه".
ضغطت أيلاين برفق وحنان على اليد المرتعشة التي مدها لمصافحتها
وقالت له:
" نعم , سأبقى , يا خالي , سألبقى معك".
" ومع بيار ,مع زوجك , على المرأة أن تبقى دائما مع زوجها , أنا أعترض جدا على ما يسمى الزواج العصري , وعلى التقلبات المذهلة التي تحدث خلاله , وأعترض أيضا التي تدّعي بأنها زوجة عصرية متحررة , هل تسمعين يا أيلاين؟ لا تعجبني أبدا المرأة التي تتخلى عن زوجها فجأة , بمجرد أكتشافها أن الزواج لا يقتصر على تبادل العناق أو الحب ....بل أنه أيضا مسؤوليات وواجبات ومشاركة , أريد أن أسمع منك الآن أنك ستبقين معه , ولن تتركيه أبدا".
" سأبقى معه , يا خالي".
منتديات ليلاس
تنهد الرجل المريض , ثم أغمض عينيه , وتمتم قائلا:
" عظيم , عظيم , يمكنني الآن أن أموت مطمئن البال مرتاح الضمير , كنت قلقا جدا عليك , يا أبنتي , بحيث أنني بدأت التفكير جديا بتغيير وصيتي مرة أخرى".
فتح عينيه وركز نظراته الضعيفة عليها , مضى الى القول:
" أرى ألآن شعرك الأشقر الجميل يلمع تحت أشعة الشمس الذهبية , أنت صبية جميلة , ولكنك عنيدة جدا كجدتك , أصرت رحمها الله , على أن تكون شامبورتن لك دزن سواك , قلت لها مرات عديدة أن فتاة صغيرة مثلك لا تقدر على أدارة القصر والممتلكات , بما في ذلك الكروم والبساتين والمعمل".
أغمض عينيه مرة أخرى , وتابع قائلا بصوت ضعيف هامس:
" ليست لديك , أيتها الحبيبة , القوة والخبرة الكافيتان لتحمل هذه المسؤولية الضخمة بمفردك , أنت بحاجة الى شخص مثل بيار , فهو رجل قدير وطيب , ولهذا السبب , فقد أعددت الترتيبات اللازمة".
" أي ترتيبات , يا خالي؟".
" زواجك من بيار , أقدمت على تلك الخطوة , لأنني وجدتها الحل الأفضل ... أو بالأحرى الحل الوحيد , لم أتمكن من الزواج من مارجريت , الى أن تجاوزنا سن الأنجاب , وعليه , كان زواجك من بيار الحل الوحيد ... الحل الوحيد....".

أنتظرت أيلاين بضع لحظات حتى تأكد لها نوم الرجل العجوز , فسحبت يدها بتمهل من يده وتوجهت نحو النافذة للتحدث مع مارجريت, كانت السيدة الهادئة منهمكة في تطريز أحدى قطع القماش , وكأنها ليست مهتمة أطلاقا بما يجري حولها , وقفت أيلاين قربها , وراحت تتأمل النهر المشع وضفتيه الخضراوين .... وتفكر بموضوع زواجها , لقد ثبت لها الآن ,وبشكل قاطع وحاسم , أن زواجها من بيار جاء كنتيجة لترتيبات وتدابير معدة سلفا ,ولكن , هل يعقل أن يكون أرمون قد أقدم على هذه الخطوة الهامة دون تشجيع من السيدة الحكيمة؟
قالت لها:
" عاد الخال أرمون الى النوم مجددا ".
" سينام قريبا الى الأبد".
منتديات ليلاس
ثم تنهدت وأضافت قائلة بصوت هامس :
" آه , يا حبيبي المسكين! كم عانيت وتألمت في حياتك , وكم كانت السعادة الحقيقية بعيدة عنك معظم حياتك!".
تأملتها أيلاين بضع لحظات ,فيما كان رأسها يضج بأسئلة لا بد يوما من توجيهها وسماع أجابات صريحة عنها , لماذا لا تسألها الآن؟ قالت لها:
" أبلغني بيار هذا الصباح أن والده غرق في النهر , فكيف وقعت تلك الحادثة؟".
نظرت اليها مارجريت بدهشة , وسألتها:
" هل تذكرين جان؟".
" قليلا جدا , لم يكن يأتي كثيرا الى القصر ,أليس كذلك؟".
" صحيح , وكان يأتي عادة للتحدث مع أرمون في أمور تتعلق بالعمل , ولكنني متأكدة من أنك شاهدت جان أكثر من مرة في بساتين شامبورتن".
" ربما , ألا يشبهه بيار الى حد ما؟".
" نعم , فالبنية ذاتها , وكذلك المنكبان العريضان والصدر الواسع والرجلان القويتان , ولكن ملامح الوجهين مختلفة بشكل واضح ".
" أذكر جيدا أنه لم يكن يتحدث ألي أبدا".
" كان صريحا مع نفسه ومع الآخرين , لم يكن يحب جدتك , ومما لا شك فيه أنه كان يعتبرك صورة مصغرة عنها".
" أوه! لماذا لم يكن يحبها؟".
أبتسمت مارجريت بطريقة غامضة , وقالت:
" سمعها مرة تتحدث معي بفظاظة بالغة ,فقرر ألا يغفر لها أبدا , كان عنيفا في أستقلاليته وأعتماده على الذات , وشرسا في دفاعه عن حق كل أنسان بالحرية والكرامة , لم يحب ألانور أطلاقا , لأنها كانت تعتبر عائلة سان فيران أرفع وأرقى من أي عائلة أخرى , لمجرد أنها عائلة عريقة تعيش في شامبورتن منذ مئات السنين".

" وعلى الرغم من ذلك , فهو لم يرفض العمل مع الخال أرمون!".
" آه , كانت تلك مسألة مختلفة تماما".
ثم تنهدت مارجريت , وأضافت قائلة:
" كان غرقه قضاء وقدرا , ففي فصل الربيع من كل سنة , عندما تبدأ الثلوج بالذوبان , يرتفع منسوب المياه في النهر وتتدفق كميات كبيرة في الحقول والبساتين المجاورة , وقبل خمسة عشر عاما , حدث فيضان رهيب وأجتاحت المياه كافة أنحاء القرية بنسبة لم تشهد له المنطقة مثيلا من قبل , هب جان وبعض الرجال الأقوياء للعمل على أنقاذ الناس من بيوتهم التي أجتاحتها السيول , وقع طفل من أحدى النوافذ الى السيل الجارف و فأستنجدت الأم بجان لأنقاذ الصغير , أخرج معظم جسمه من النافذة في محاولة يائسة للأمساك بالطفل ,ولكنه هوى وراءه فجرفهما السيل و... توفيا".
شحب وجه أيلاين تأثرا , وقالت بلهجة صادقة لا تعرف التكلف:
"يا للهول والفظاعة! لا شك في أنك حزنت كثيرا".
" طبعا , فقد كان جان رجلا طيبا للغاية ... وكنا سعيدين جدا ".
" قيل لي مرة .... أنك تزوجته , لأنك وجدت الأمر مناسبا وملائما".
لم تكن تود توجيه سؤال كهذا الى مارجريت , وبخاصة أثناء التحدث عن موضوع حساس جدا كحادثة الغرق ,ولكن اللسان كان أسرع من العقل و... سبق السيف العذل أجابتها مارجريت بلهجة عادية أذهلتها:
" طبعا ,طبعا , أردت أن اعيش معه وأكون بقربه طوال الوقت , ولم يكن لدي بالتالي أي حل أكثر ملائمة من الزواج , هكذا كانت تقضب التقاليد والعادات في أيامنا , أيتها العزيزة ... أما اليوم , فالأمور مختلفة".
" هل كنت تحبينه؟".
منتديات ليلاس
" الحب؟ أوه, أيلاين , ما هو الحب؟ نظريات , أفكار , آراء؟ هل هو تجاذب مغناطيسي قوي بين ضدين ؟ هل هو أستعداد للغفران وتناسي الأخطاء , وتقبل التغييرات؟ أنت لديك رأيك وتفسيرك , وأنا أيضا لدي نظرة معينة بالنسبة الى هذا الموضوع البالغ الحساسية , وحسب وجهة نظري , فقد كنت أحب جان.... وكنا سعيدين معا ومع أوىدنا الثلاثة ... بيار وشقيقتيه".



اماريج 28-02-11 11:04 PM

تطلعت أيلاين مرة أخرى نحو النهر , وهي تحاول أيجاد الشجاعة الكافية لتوجيه السؤال التالي
تنهدت بصوت منخفض وقالت لها:
"خالتي مارجريت , أعذريني على هذا السؤال الشخصي جدا ... ولكنني أريد معرفة الجواب بصراحة , حسب وجهة نظرك عن الحب , هل تحبين أيضا خالي أرمون؟".
" بالتأكيد يا عزيزتي , وهل أسهر على راحته وأعتني به على هذا النحو لو لم أكن أحبه؟".
"لا... لا أعتقد ذلك ,ولكن... هل كنت تحبينه قبل جان ؟".
تأملتها مارجريت بهدوء وجدية , ثم قالت لها:
" أحضري كرسيا وأجلسي قربي , فقد حان الوقت على ما يبدو للتحدث اليك بصراحة , "ولأزالة بعض الأشكالات العالقة في ذهنك ربما بسبب جدتك".
"لا, لا , كنت أعني شخصا آخر , لم تقل لي جدتي أي شيء عنك , وقد سمعت هذه الأقوال من شخص ألتقيته بعد زواجي من بيار".
أحضرت كرسيا وجلست قرب السيدة المسنة
ثم مضت الى القول:
" أنا لا أعرف ألا القليل القليل عنك, يا خالتي , كنت طفلة صغيرة لا تعرف الكثير عن الناس ,وفي الصيف الماضي....".
منتديات ليلاس
توقفت عن متابعة جملتها , لأنها أمضت طوال الصيف والخريف الماضيين غارقة في الحب حتى أذنيها .... صماء عمياء عما يدور حولها , قالت لها مارجريت بنعومة:
" يبدو أنني مضطرة لأطلاعك على كل شيء منذ البداية , عندما عملت لفترة كممرضة في أحد المستشفيات في بواتيه , ألتقيت أرمون أثناء تلك الفترة , حيث أمضى بعض الوقت في قسم الجراحة الذي كنت أعمل فيه , توطدت بينننا عرى الصداقة , ودعاني لدى مغادرته المستشفى بعد عمليته الجراحية الى زيارته في شامبورتن , سمعت الكثير قبل ذلك عن القصر والعائلة العريقة التي تتوارثه جيلا بعد جيل , فشعرت بأعتزاز كبير وسعادة فائقة , ولكن أبي وأمي تضايقا كثيرا , لأن أرمون كان عازبا يقيم بمفرده.... ويكبرني بسنوات عدة ... ولأننا أيضا من طائفتين مختلفتين"
وتابعت:
" أتيت مرة الى القصر , فألتقيت ألانور وزوجها البريطاني وأبنها الصغير ... والدك , شعرت على الفور أنها ليست موافقة على صداقتنا , ولما حضرت في المرة التالية , أوضحت لي أنني شابة غير مرغوب فيها بالنسبة الى عائلة سان فيران ... نظرا للفوارق والطائفية , تأثرت الى حد ما , بحيث أنني رفضت الدعوة التي وجهها أرمون لي خلال الأسبوع ذاته ... والدعوات اللاحقة , وفيما كنت أغادر المستشفى ظهر أحد الأيام , فوجئت به ينتظرني في سيارته ,طلب مني مرافقته في نزهة قصيرة , فلم أمانع , وعندما علي الزواج , رفضت".
" أوه ! لماذا؟".
" تعرفت خلال فترة الأنقطاع عن زيارته على شخص آخر أعجبني أكثر من أرمون , لأنه كان مختلفا عنه.... أقوى منه.... أكثر حيوية".
"جان دوروشيه؟".
" نعم , كان جان الأبن الأصغر لرجل يملك مساحات لابأس بها من الحقول والبساتين , ولكنها أصغر بكثير منة شامبورتن , كان أفراد عائلة دوروشيه معروفين بحيويتهم ونشاطهم , وبخبرتهم الواسعة في المجالات الزراعية , طلب مني جان بعد فترة معينة الزواج منه , فقبلت دون تردد وعقد قراننا في بلدتي... قبل أربعين عاما تماما".
" وماذا فعل خالي أرمون؟".

" بعث لنا هدية عرس رائعة ,ولكنه لم يقل شيئا لبعض الوقت , كان يواجه مصاعب جمة في كرومه وبساتينه , لأنه لم يكن نشيطا أو متمرسا بما فيه الكفاية لأدارة أعماله بنفسه, بدأ مستوى الأنتاج والنوعية يتدنى بسرعة كبيرة , بحيث بدا أن المستوى العالمي الذي توصلت اليه عائلته منذ حوالي مئتي عام سينهار الى الحضيض, وعند ذلك , أتصل أرمون بجان وطلب منه تولي أدارة شامبورتن".
" هل شعرت بالسرور نتيجة لذلك؟".
"نعم , لأجل جان , كان ذلك أعترافا واضحا بقدراته , وتحولا جذريا في أوضاعه المالية , فمع أنه ورث نصف ممتلكات والده , ألا أن المساحة كلها لم تكن كافية لسد أحتياجات عائلتين كبيرتين , أحتفظ بنصيبه من بساتين دوروشيه , وأنتقل الى شامبورتن للعمل فيها , خصص لنا أرمون بيتا صغيرا , حيث ولد بيار وشقيقتاه ,وبعد مرور بضع سنين على أقامتنا هنا , طلب مني أرمون أن أعمل كمدبرة لمنزله , وفي السنة الخامسة والعشرين لزواجنا , توفي جان غرقا .... كما تعلمين , لم أترك عملي هنا .... ولما عرض علي الزواج منه بعد أنقضاء ثلاثة أعوام على وفاة جان , ترددت قليلا ثم وافقت , ظل مخلصا لي طوال الوقت , حتى بعد زواجي من رجل آخر , لم يحب أحدا غيري خلال تلك الفترة التي أمتدت أكثر من ربع قرن , وشعرت بالتالي أن علي منحه بعض السعادة مقابل هذا الوفاء الرائع والنادر".
تأثرت أيلاين بهذه القصة العاطفية الرقيقة , وبأخلاص خالها المتفاني للمرأة التي أحبها منذ البداية , قالت لمارجريت بصوت رقيق ناعم:
" أشكرك كثيرا على أبلاغي هذه التفاصيل كلها , فالشخص الذي أطلعني على القصة كان مخطئا تماما.... قالت لي أنك تزوجت جان لتكوني قرب أرمون ,ولكن هذا الكلام ليس صحيحا , لأن جان لم يكن يعلم هنا عندما تزوجتما...".
" العكس هو الصحيح , يا حببتي , فمن بين الأسباب التي حدت بأرمون ليطلب من جان الأنتقال الى شامبورتن وتولي أدارة أعمالها , رغبته في رؤيتي بين الحين والآخر , لم أعرف هذه الحقيقة ألا عندما أخبرني أياها أرمون بنفسه , بعد مضي سنوات على أنتقالنا الى هنا , فالتي أخبرتك خلاف ذلك , لا بد أنها تعمدت الكذب لتشويه سمعتي والحط من قدري وكرامتي أمامك".
عصف الأحمرار بوجنتي أيلاين الشاحبتين , لأنها لم تتمكن من أخفاء ردود فعلها على تلك الملاحظة الصحيحة والذكية , أحنت رأسها خجلا
فضحكت مارجريت فجأة وقالت:
" كم أتمنى معرفة السبب الذي حمل تلك المخلوقة على الألاء بهذه المعلومات الكاذبة والمضللة , لد تأكد لي منذ بداية حديثنا , أن الشخص المقصود هو أمرأة تسعى الى الأنتقام ... لأنها تعرضت للأنتقاد, للتأنيب, وأكثر من ذلك كله ... للرفض".
منتديات ليلاس
ضحكت مارجريت ثانية عندما شاهدت الدهشة والأستغراب في عيني أيلاين , ومضت الى القول:
" لا تقلقي , يا عزيزتي , فأنا لست عالمة بأمور الغيب أو قادرة على قراءة أفكار الآخرين ,كل ما في الأمر أنني خبيرة الى حد ما بعقلية الناس وتصرفاتهم , ألم تكن سولانج بورجيه هي التي حدثتك عني؟".
هزت أيرأسها أيلاين بذهول بالغ, ولم تتمكن للمرة الثالثة على التوالي من الرد أو التعليق على كلام مارجريت , لم تضحك السيدة الهادئة هذه المرة , ولكنها تنهدت بأنقباض وقالت:
" كنت أخشى ذلك, وكان من واجبي تحذيرك منها في حينه أقلقتني محاولاتها للتقرب منك ومصادقتك , ولكنك بدوت سعيدة مع بيار... وتصورت أن الحب سيحميك منها".
ظهر الأرهاق بجلاء في وجه مارجريت وعينيها , فأحست أيلاين بوخز الضمير أتجاه حماتها... وبرغبة قوية في التفكير بعض الشيء عن التفكير بها بمثل تلك الطريقة المشينة
قالت لها بصدق وأخلاص:
" أنت متعبة جدا , يا خالتي مارجريت , لماذا لا تأخذين الآن قسطا وافرا من الراحة , فيما أذهب أنا للجلوس في غرفة الخال أرمون , أخبريني فقط عن الخطوات المطلوبة , أذا أستيقظ وأراد شيئا".
" شكرا لك يا أيلاين , على هذا الأقتراح الكريم, أنا حقا منهكة الجسم والأعصاب , بسبب سهري طوال اللليلة الفائتة وسأقبل أقتراحك بكل سرور , أذا وعدتني بأيقاظي في حال حدوث أي تطورات غيرعادية".
" أعدك بذلك".
" أذا أستيقظ , أجلسي على حافة سريره ... أصغي اليه... أمسكي يده... أظهري له أنك مهتمة به وتحبينه , أبلغيني فورا أذا شعرت بأنه متألم , أو على الأقل أطلعي الممرضة الأخرى التي تنام الآن في الغرفة المجاورة , سأطلب من جاك أحضار طعامك الى غرفة أرمون, أوه, أيلاين, ستشعرين بالضجر والملل وأنت جالسة لا تفعلين شيئا .... ساعة بعد ساعة".




اماريج 28-02-11 11:07 PM

أبتسمت أيلاين , وقالت لها بصراحة:
" هذا ما أتوقعه, ولكنني أعتقد أن الوقت قد حان كي أبدأ أنا في مساعدة الآخرين".
بادرتها مارجريت األأبتسامة بأحلى منها
ثم قبلتها وقالت:
" أنت هنا ,ونحن سعداء بوجودك ... نحن جميعا , أيتها الحبيبة , وآمل من صميم قلبي في أن يكون كلامك لخالك عن البقاء , جديا ونابعا من القلب, فهذا هو بيتك , يا عزيزتي ".
أخذت مجلتين وذهبت الى غرفة خالها ,ولكنها لم تتمكن من ركيز عقلها أو أهتمامها على أي من الموضوعات الشيقة والمثيرة فيهما , أحضر لها جاك طعام الغداء بعد حوالي نصف ساعة , فتناولته بشيء من العصبية... وهي تفكر بأقوال تلك المرأة الخبيثة اللعينة سولانج, دخل بيار حوالي الواحدة والنصف
ووقف قرب سرير الرجل المريض ثم قال:
" يبدو مرتاحا كثيرا في نومه , وكأن جميع مشكله قد حلت أخيرا...وبخاصة عندما أبلغته أنك باقية بصورة نهائية".
منتديات ليلاس
" أنت لا تريدني أن أبقى , أليس كذلك؟لم تكن أبدا راغبا في عودتي".
" وماذا يحملك على هذا الأعتقاد؟".
"لم تأت لمقابلتي في المطار".
"ماذا دهاك يا أيلاين ؟ ألم أخبرك عن سبب التأخير؟ كنت مع صديق قديم خدمت وأياه عامين كاملين في الجندية , فطالت سهرتنا عن غير قصد ونحن نستعيد ذكريات الماضي".
" حاولت الأستفسار منك عن سبب عدم تجاوزك سيارتي وأيقافي , فأجبتني بلهجة غامضة , فما علاقة السهرة الطويلة حتى الفجر , بعدم تجاوزي...مع أنك كنت قادرا تماما على ذلك؟".
"ها قد عدت ثانية , أيتها العزيزة ,الى تصرفاتك السابقة , تتخيلين بعض الأمور , ثم تتخذين مواقف وقرارات معينة... بناء على هذه التخيلات".
"هذا غير حيح أطلاقا , فأنا لا أريد معرفة الحقيقة , أنت لا تريدني هنا , وترفض مع ذلك البحث في موضوع الطلاق ,لماذا تتهرب ذائما من الخوض في هذه المسألة , على الرغم من أصراري المتزايد لمعرفة السبب الحقيقي لهذه التصرفات المتناقضة؟".

" أهدأي , فسوف تزعجين خالك ,هل تعتبرين أن غرفة أرمون هي المكان الصحيح لبحث مشاكلنا الزوجية؟".
هبت واقفة وهي تتمتم بكلمات مبهمة , ثم توجهت نحو النافذة , لحق بها بيار , وسألها عن قرارها فيما يتعلق بالسيارة الصغيرة المستأجرة , هزت كتفيها ولم تجبه , فقال لها بلهجة مرحة يغلب عليها طابع السخرية:
" سأساعدك في أتخاذ القرار المناسب , يوجد فرع للشركة في أنجولام , وقال لي مديره قبل قليل أنه مستعد لأرسال السيارة غدا الى باريس مع أحد موظفيه ... أذا كنت راغبة في أخذها له بعد ظهر اليوم".
" هل أنت مصمم على أن أتخلى عنها؟".
" أنا مجرد فلاح مقتصد لا يحب التبذير , ويحاول فقط أقناعك بتوفير بعض النفقات غير الضرورية , فأنت لست بحاجة الى هذه السيارة أثناء أقامتك هنا , أذ توجد سيارات أخرى يمكنك أستخدامها في أي وقت ولأي غرض ... حتى أذا أردت الهرب مجددا , وعليه, فهدفي مادي بحت".

"لا أقدر على الذهاب الى أنجولام هذا اليوم , لأنني وعدت الخالة مارجريت بالبقاء مع خالي حتى تتمكن هي من النوم بعض الوقت".
" لا بأس , سآخذ السيارة نيابة عنك , على أي حال , كنت أنوي الذهاب الى أنجولام بعد ظهر اليوم".
" كيف ستعود أذن , بعد أن تترك السيارة هناك؟".
" أوه, أنك تفكرين أحيانا على ما يبدو! لا تقلقي , فسوف أتدبر أمري ... هذا أذا أردت العودة الليلة , أما أذا قررت البقاء هناك خلال الليل , فلن أعود ألا في وقت متأخر من قبل ظهر غد بسبب العطلة الأسبوعية , هل سوي الأمر أذن؟".
لم تهمها السيارة ونفقاتها , بقدر ما همها موضوع بقائه أثناء الليل في أنجولام ,هل سيمضي الليلة في شقة سولانج؟ اللعنة!
قالت له متمتمة:
" نعم , أعتقد ذلك".
" آمل في أن تقضي وقتا طيبا مع مريضك, وشكرا لك على مساعدة أمي , سأراك في وقت لاحق ".
" في وقت لاحق؟ ستعود الليلة أذن؟".
منتديات ليلاس
أستدار نحوها بعد خروجه من الباب ونظر اليها بتحد, قائلا بصوت رقيق ناعم:
" وهل يهمك أذا عدت الليلة أو لم أعد؟ كنت واضحة جدا معي عندما قلت لي أنك تفضلين النوم على أنفراد , الى اللقاء , يا زوجتي العزيزة".
فتحت الباب الذي أغلقه وراءه بهدوء ,وهي تشعر برغبة جامحة في اللحاق به , ولكن.... ماذا ستقول له عندئذ : ل ستعترف له بأنها مهتمة كثيرا بأمر عودته هذه الليلة , وبأنها لا تريد النوم وحدها؟ هل يمكنها الأفصاح له عن أستعدادها التام لأستضافته في ذلك السرير المزدوج , وللقيام بأي شيء للحيلولة دون تمضية الليل مع سولانج؟ أوه , يا لهذه الغيرة القاتلة التي تثبت بشكل قاطع... أنها.... تحبه ,وتريده أن يبادلها هذا الحب!
دخل حياتها قبل سنة , وتملكها بصورة تامة... قلبا وروحا وجسما , وها هو الآن , وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على وصولها , يعيد الكرة , هل فشلت جميع محاولاتها خلال الأشهر التسعة الماضية لنسيانه , وطرده من حياتها.... وقلبها؟ تصورت أنها نجحت في ذلك وأصبحت على وشك التعلق برجل آخر , ولكن ساعات قليلة معه أحبطت كافة المحاولات والجهود لمقاومة سيطرته وهيمنته عليها!
" أيلاين ؟ هل لا تزالين هنا؟".
" نعم , خالي".
" عظيم , أن سعيد ببقائك هنا , ثمة أشياء كثيرة أريد أطلاعك عليها , وبخاصة وصيتي".
" لا تتعب نفسك أبدا , يا خالي, بالتحدث عن موضوع كهذا ".
"بلى , يا عزيزتي , فمن الضروري جدا أبلاغك كافة التفاصيل , أريدك أن تبقى هنا مع بيار... وتظلي زوجته , أذا هجرته مرة أخرى أو طلقته , ستفشل خطتي .... وستتحول شامبورتن الى أيد غريبة , أيلاين , أنا أعتمد عليك , أريدك أن تبقي هنا وتحافظي على تقاليد عائلتنا , ولكنك لن تتمكني من ذلك وحدك ودون مساعدة بيار".
" أرجوك يا خالي, لا ترهق جسمك وأعصابك , دعني أتحدث اليك وأخبرك عن عملي , فسوف يسرك ذلك الى درجة كبيرة , يقول تشارلز أنني أصبحت خبيرة في المجالات الزراعية , ولدي معلومات وافرة وواقية في حقل التسويق وأدارة الأعمال".
منتديات ليلاس
" أنا سعيد جدا , يا حبيبتي , فهذه دماء سان فيراان التي تجري في عروقك , ولكنه يتحتم عليك ... عليكما أنت وبيار, أنجاب طفل... ر, أطفال عدة , لو بقيت هنا , يا أبنتي , لكنت الآن في مرحلة متقدمة من الحمل ... وكنت سأشاهد حلمي يتحقق أمام عيني .... وقبل ماتي , لن أفهم أبدا سبب هجرك لبيار , لا أفهم أساليب شابات هذا العصر , ولكنك عدت وستبقين , وأذا كان بيار من تلك الطينة من الرجال , التي أعتقد جازما أنه منها , فلن يدعك تتركينه مرة أخرى , أبقي معه , لتنجبي وريثا لشامبورتن".
تنهد بحسرة ومرارة وأرتجفت يده الضعيفة الممسكة بيدها
ثم أضاف بلهجة حزينة مؤثرة:
" كنت أتمنى من صميم قلبي أن أحمل طفلكما الأول على الأقل بين ذراعي , وأضمه الى صدري بنفس المحبة والحنان اللذين أكنهما لك , ولكنني أعرف الآن أنني لن أكون هنا عندما يولد ذلك الطفل الحبيب".
أحست أيلاين برغبة في البكاء , ها هو خالها المحتضر ينتظر منها ردا أيجابيا , ولكنها لم تتمكن من ألزام نفسها بوعد كهذا




اماريج 28-02-11 11:07 PM

قالت له بصوت مرتجف:
" أنا أحب الأطفال يا خالي , ولكن الأنجاب قد لا يكون ممكنا بصورة دائمة".
"ماذا؟ ماذا تعنين بأنه ليس ممكنا ؟ أنت شابة قوية وتتمتعين بصحة جيدة , وبيار رجل أكثر من طبيعي ... جسميا وعقليا , هل تحاولين الأيحاء لي بأنك أمرأة باردة جامدة متحجرة , لا تشعر بأي تجاوب مع الرجل؟ أذا حاولت ذلك, فلن أصدقك ... لأنني كنت أراكما في لصيف الماضي بأم العين تتبادلان العناق المحموم حتى قبل زواجكما , أنت لا تعانين من أي مشكلة , أيتها الحبيبة , أليس كذلك ؟ آه , باه, ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير ... أذا قلت لي , لا سمح الله, أنك... عاقر!".
خجلت أيلاين من كلام خالها , وسرها أن ما من أحد يسمع كلامه ويشاهد أحمرار وجنتيها , لم يتحدث معها أي أنسان من قبل, وبخاصة الرجال, بمثل هذه الصراحة المتناهية... عن أمور شخصية الى هذه الدرجة , وأدهشها أكثر من ذلك صدور هذا الكلام عن خالها العجوز , الذي كانت تعتبره دائما رمزا للتعقل والحكمة والجدية
قالت له بتردد:
" لا... لا أعتقد ذلك".
" هذا يعني أنك لست متأكدة , سنعرضك على الطبيب سيرفين لأجراء المعاينات والفحوصات الضرورية , ولمعالجتك في حال....".
" لا , أوه, لا حاجة لذلك أبدا , فأنا لا أعاني أطلاقا من أي شيء من هذا القبيل , يا خالي, فصحتي بخير والحمد لله".
" لماذا أوحيت أذن بأنكما لن ترزقا أطفالا ؟ أنت هنا الآن... أنت زوجته وعلى وفاق معه , فماذا يحول دون ممارستكما مهامكما الزوجية و...و....".
لم يتمكن من أكمال جملته , نتيجة لنوبة السعال الحادة التي أنتابته , قفزت أيلاين من مكانها
ثم انحنت فوقه وقالت بلهفة صادقة ومذعورة:
" أرجوك يا خالي, أهدأ وخفف من توتر أعصابك , سيكون كل شيء على ما يرام... أعدك بذلك , سأحقق رغبتك , بأذن الله ".
توقف السعال , ولكن صدره الضعيف ظل يعلو ويهبط ........... وكأنه غير قادر على التنفس , أختفى اللون تماما من شفتيه المرتجفتين , وحل أزرقاق مرعب محل الأصفرار والشحوب في وجنتيه , سألته بخوف وذهول:
" هل أنت بخير؟ هل تشعر بألم؟ هل أوقظ الممرضة أو خالتي مارجريت؟".
ضغط على يدها بقوة لم تكن تتوقعها , وقال لها:
" لا, لا, يا أبنتي, سأكون بخير خلال لحظات , لقد وعدتني الآن, وهذا يريحني ويسرني , أن لم تبقيا معا ويرزقكما الله عز وجل طفلا , أو بالأحرى مجموعة أطفال , فلن يتحقق حلمي...".
أغرورقت عيناه المتعبتان بالدموع التي بللت خديه ووسادته , فسألته:
" أي حلم , يا خالي؟".
" الحلم أياه,. الذي يراودني منذ سنوات عديدة , الحلو بولادة طفل تجري في شرايينه دماء عائلة سان فيران... ودماء المرأة التي أحببتها , أنت تعرفين أنها تزوجت رجلا آخر... تزوجت جان دوروشيه , ومع ذلك بقيت أحبها عن بعد .... كأولئك الفرسان المساكين في قصص الفروسية والغرام, هل تذكرين , يا أبنتي تلك القصص التي أخبرتك أياها عن أغاني شهداء الحب؟".
" نعم , أتذكرها , يا خالي , وأذكر أيضا بوضوح شبه تام , أن أغنيتي المفضلة كانت تلك التي تتحدث عن الوردة العاشقة ".
" وأنا كذلك , كنت أحبها كثيرا , أعذريني الآن , أيتها الحبيبة , فأنني متعب للغاية وسأنام خلال لحظات , أشعر بأرتياح بالغ, وبخاصة من الناحية النفسية و ولا يهمني بعد الوعد الذي قطعته على نفسك أمامي ... ما أذا كنت سأنام الى الأبد أم لا".
دقت الساعة الرابعة , ففتح باب الغرفة ودخلت مارجريت ثم لحقت بها ماري ...التي كانت تحمل صينية الشاي , طلبت سيدة القصر من الخادمة الشابة أن تضع الصينية على الطاولة القريبة من النافذة , ثم تطلعت نحو أرمون وقطبت حاجبيها
أمسكت بمعصمه لجس نبضه وقالت:
"نبضه ضعيف للغاية , ماذا كان يفعل ؟ يتحدث؟".
منتديات ليلاس
" نعم . تحدث طويلا , وبأنفعال وتأثر , عن وصيته , حاولت جاهدة ثنيه عن متابعة الكلام , فلم أنجح كثيرا".
"هل دخلت معه في جدال حول الوصية؟ أنه يشعر بأرتباك شديد كلما تحدث عنها".
" لا , لم أفعل ذلك أطلاقا , ولكنه أصر على معرفة السبب الذي يحول دون أنجابي طفلا! قال أن حلمه لن يتحقق ما لم نرزق أطفالا".
" أنه يتحدث عن هذا الموضوع بأستمرار ,ويتصور أنه قادر على تنظيم حياتكما كما يريد أو يتمنى , مسكين أرمون ... فهو طيب القلب ورقيق المشاعر الى حد كبير , هيا , يا عزيزتي لنشرب الشاي , من المؤكد أن حديثه عن الأطفال قد أزعجك".
سألتها أيلاين بعد قليل عما أذا كانت تعرف شيئا عن الوصية
فأجابتها مارجريت بهدوء:
" لا, فهو يحب الأبقاء على سريتها ... مع أنه يتحدث عنها بأستمرار , أعد هذه الوصية في العام الماضي , وبعد فترة قصيرة جدا من زواجكما".
" هل يعرف بيار محتويات الوصية؟".
" ربما, ولكنه لم يذكر لي أي شيء من هذا القبيل , أذا كان الأمر يوعجك أو يقلقك , فلماذا لا تسألينه بنفسك؟ لقد قمت اليوم بنصيبك من أعمال الخير , فلماذا لا تذهبين الآن وتتمتعين بما تبقى من ساعات النهار والسهرة!".
الرابعة والنصف تماما, ربما لم يترك شامبورتن بعد , قالت:
" أعتقد أنني سأفعل ذلك , هل سأراك أثناء العشاء؟".
" لا, ليس هذه اللليلة , سأتناول طعامي هنا , لأفسح لكما المجال بالأنفراد معا , للتعويض ولو جزئيا عن الأوقات الثمينة التي فقدتماها , هيا , أذهبي الآن".
غادرت أيلاين الغرفة على عجل لتحول دون ذهابه الى أنجولام , وألا فلن يتمكنا من تناول العشاء على أنفراد ... ولن تسنح لها فرصة كهذه للتحدث معه وتوجيه عدد كبير من الأسئلة الهامة اليه, لن تدعه يذهب الى سولانج ,ولكن.... سيارة الرينو لم تعد هناك , قال لها جاك أن السيد بيار غادر شامبورتن قبل نصف ساعة تقريبا ,وسألها عما أذا كانت تسمح له بتقديم الطعام في وقت مبكر نوعا ما... لأنه سيذهب وزوجته الى أنجولام أيضا لحضور مسرحية فكاهية
قالت له بصوت حزين:
" بالتأكيد يا جاك , سأقوم الآن بنزهة في الحديقة , أبلغني عندما يكون الطعام جاهزا".

نهاية الفصل الرابعة:flowers2:
:liilas::liilase:


اماريج 02-03-11 09:02 PM


5_الصدمات تتوالى

جلست أيلاين الى المائدة الطويلة , في القاعة ذات السقف العالي , لتتناول طعامها على أنفراد , شعرت بأنها صغيرة ووحيدة جدا في تلك القاعة الضخمة , مع أن الطعام كالعادة كان شهيا للغاية وجاك يقف متأهبا لخدمتها والسهر على راحتها.
لماذا كل هذا التعب والأزعاج لأجل شخص واحد , بخاصة هي نفسها التي أعتادت على حياة بعيدا عن التكلف والشكليات ؟ ألم يكن بأمكانها مثلا أن تعد طعامها وتتناوله في المطبخ , كي يتمكن جاك وزوجته من الذهاب في وقت مبكر ؟ ولكن وظيفتهما تقضي بأعداد الطعام وتقديمه , وأن لم يفعلا ذلك.... فماذا سيفعلان؟
منتديات ليلاس
لا بأس أحيانا بقليل من الرفاهية والعظمة , ولكن الوقت الآن ليس مناسبا أبدا , فهي تحس بوحدة قاتلة وتشعر بأنها رهينة... رهينة حلم خيالي لرجل عجوز , ورهينة زواج من رجل لا يحبها , هل هذا هو هدفها في الحياة؟ هل هي حقا مسؤولة عن تحقيق حلم خالها أرمون؟
أخذ جاك صحنها الفارغ من أمامها , في الوقت الذي تحولت فيه أفكارها نحو بيار , هل يشعر هو أيضا بأنه رهينة , رهينة زواج من أمرأة لا يحبها ... رهينة طموحه وأحلامه؟ مسكين بيار... مسكينة أيلاين , فهما واقعان في شرك يصعب التخلص منه , أحست برغبة في البكاء ,ولكنها سمعت جاك يقول لها:
"سيدتي , وضعت لك صينية القهوة في قاعة المكتبة".
" شكرا يا جاك , يمكنك الذهاب وزوجتك الآن".
كادت تضجك بصوت عال, بسبب اللهجة الرسمية التي غلبت على كلامها , هكذا تتحدث سيدة القصر في القصص والروايات ... السيدة الحزينة , التي تتناول طعام العشاء وحدها , لأن زوجها ذهب في زيارة مبهمة , فتح جاك الباب بهدوء وقال لها بتهذيب ولضح:
" تصبحين على خير , يا سيدتي".
أبتسمت له , وقالت:
" تصبح على خير , يا جاك, أتمنى لكما مسرحية جيدة ووقتا ممتعا ".
ألقت نفسها علىمقعدها المفضل , وراحت تحدق بأبريق القهوة وتفكر بالليلة السابقة , كان بيار جالسا معها , صحيح أنه لم يتحدث ألا نادرا , ولكنه كان هنا ...ز قربها , فهو الآن مع سولانج في أنجولام , فيما هي جالسة وحدها حزينة بائسة.
منتديات ليلاس
صبت فنجانا من القهوة وشربته دفعة واحدة, دون أضافة القطعتين المعتادتين من السكر... وذلك كي تساعدها المرارة الشديدة على الأستفاقة من ذهولها , أوه ,يا لهذا الصمت الرهيب الذي يغلفها من كل جانب! تبا لهذه الوحدة المؤلمة التي تشكل عبئا ثقيلا على كاهلها , وتغرقها في جو من الكآبة لم تعرف له مثيلا من قبل.



اماريج 02-03-11 09:03 PM

لم تعد قادرة على تحمل هذا الشعور الخانق , وأحست برغبة للتحدث مع ... مع أي أنسان يمكنه تفهم وضعها ومساعدتها على التخفيف من آلامها , هذا هو الوقت المناسب للأتصال بجيرالد ,لأبلاغه عن أضطرارها للحصول على أجازة طويلة , صبت فنجانا آخر من القهوة ثم حملته الى المكتب الخشبي الأنيق ,ووضعته قرب جهاز الهاتف , لتشربه أثناء أنتظارها المكالمة مع لندن , أتصلت بمركز الهاتف , وأعطت أحدى العاملات فيه رقم الهاتف في شقة جيرالد .
أوصلها المركز بعد دقائق معدودة بالرقم المطلوب , فوضعت فنجانها على الطاولة وأنتظرت سماع صوت جيرالك بين لحظة وأخرى , ولكن عاملة الهاتف الفرنسية نصحتها بعد فترة معينة بمحاولة الأتصال في وقت لاحق , لأن ما من أحد على ما يبدو سيرد على المكالمة الحالية , جيرالد أيضا موجود خارج بيته! لم لا؟ فيوم غد هو عطلة أسبوعية وهذه الليلة مخصصة للسهرات ! ربما ذهب لزيارة بعض الأصدقاء أو لحضور حفلة موسيقية , أو ربما يكون الآن مع أمرأة أخرى .... مثلما يفعل بيار!
حوّلت أيلاين أفكارها فجأة , وبصورة متعمدة , عن المسار الذي أنطلقت فيه ... رأفة بقلبها وبمشاعرها , طلبت من موظفة الهاتف رقما آخر في لندن
وما هي ألا دقائق قليلة حتى أجري الأتصال بشقة أبن عمها تشارلز وسمعت بأرتياح صوتا ناعما يقول:
" جيني كوبر".
منتديات ليلاس
" مرحبا, يا جيني , هل تعرفين من يتحدث معك؟".
" أوه, أيلاين , كيف حالك أيتها الحبيبة ؟ وكيف حال الخال أرمون؟".
" أنا بخير , والحمد لله ,ولكن الخال أرمون ليس على ما يرام , أعتقد أنه لن يتمكن من مقاومة المرض والشيخوخة فترة طويلة ".
" آسفة لسماع ذلك... فهو رجل طيب للغاية".
" جيني , لن أتمكن من العودة في الوقت الراهن , وعدت بالبقاء حتى النهاية ... وهي لن تطول كثيرا على ما أعتقد , أنت تتفهمين الوضع على حقيقته ,أليس كذلك؟".
" طبعا , يا حبيبتي , سأنقل رسالتك الى تشارلز , ليبلغهم في المكتب أنك لن تحضري الى العمل صباح الأثنين".
" شكرا , حاولت الأتصال بجيرالد لأبلاغه المعلومات ذاتها , ولكنه لم يكن في شقته ".
" صحيح , فقد أخذ أجازة لبضعة أيام وذهب في رحلة بحرية , أعتقد أنه أتخذ قراره بصورة مفاجئة , وفي اللحظة الأخيرة , قال أنه قد يذهب الى فرنسا ,ولكنني لا أعرف ما أذا كانت لوسي ستوافقه على هذا الرأي".
هل بدأ جيرالد يغازل لوسي , شقيقة جيني الصغرى, التي تكبرها بعام واحد؟ تمتمت أيلاين ببضع كلمات عادية تعليقا على كلام جيني , فمضت الأخرى الى القول:
" أتصور أنهما قررا القيام بهذه الرحلة البحرية , لأن الطقس رائع للغاية ,كيف حال الطقس عندكم؟".
" حار وجاف جدا".

" هذا الطقس بالذات يناسب كروم العنب.... الأمر الذي يذكرني ببيار, كيف حاله هذه الأيام؟".
" بخير , شكرا".
" هل من أمل في أعادة الأوضاع بينكما الى سابق عهده؟".
" أوه , جيني , لا يمكن بحث مثل هذا الموضوع الجدي أثناء مكالمة هاتفية!".
" حسنا , يا حبيبتي , سنبحثه في وقت لاحق , كنت أتمنى فقط أن تتم المصالحة بينكما , وتتمكنا من العيش معا بوفاق ومحبة , على أي حال , ستكتبين لنا أو تتصلين بنا لأطلاعنا على التطورات الصحية لخالك , أتصور أن وفاته ستحدث ضجة كبيرة عندكم ,بما أنه ليس لديه أي وريث مباشر".
" سيحدث ذلك بالتأكيد , وداعا يا جيني".
" وداعا يا حبيبتي".
, وأهتمي بنفسك".
عادت أيلاين الى مقعدها ,وهي تشعر بوحدة أكثر أيلاما من قبل , جاك وزوجته في طريقهما الآن لحضور مسرحية فكاهية .... الخادمة الحلوة ماري موجودة مع صديقتها , أو على الأقل مع رفيقاتها , وجيرالد على ظهر سفينة سياحية فخمة , أو في ناد على الساحل الفرنسي مع بعض الأصدقاء ..... ولوسي.

نعم , لقد لاحظت أكثر من مرة أهتمام لوسي بجيرالد , لو لم تحضر الى شامبورتن , لكان جيرالد دعاها هي على الأرجح لمرافقته في هذه الرحلة الرائعة , أوه, ليس هذا الأمر هاما على الأطلاق! فالشيء الذي يؤديها كثيرا ويجرح شعورها , هو جلوسها هنا على أنفراد في حين يمضي بيار السهرة الأسبوعية , وبقية الليل , مع سولانج.
يا لسخرية الأقدار وظلمها! لو كانت تعيش هنا مع بيار وحده , وبالوفاق التام الذي تتمناه من صميم قلبها , لما كان القصر موحشا الى هذه الدرجة المذهلة , لو كان ذلك الأمر ممكنا , لكان أولادهما يسرحون ويمرحون مع بعضهم ومع الأصدقاء الكثر .... فيما تقيم هي وزوجها الحفلات والمآدب والسهرات.
وضعت يديها على رأسها وضغطت بقوة , لكي تتمكن ولو قليلا من تخفيف الصداع الحاد الذي بدأ يزعجها ويقلقها , اللعنة! ها هي تغرق مجددا في بحر من العواطف الرقيقة , وتحاول التعلق بتمنيات ليست أكثر من مجرد أضغاث أحلام , لن تقدر على الوفاء بوعدها لخالها أرمون , لأن الظروف الحالية لا تسمح لها بتاتا بالبقاء في شامبورتن بعد وفاته والعيش مع بيار ... كزوجة!
سمعت ساعة الحائط تدق تسع مرات ,فأستفاقت من ذهولها , ستذهب الى غرفتها , حتى في هذا الوقت المبكر , فالقصر غارق في صمت كئيب , ورائحة المرض ,وربما الموت , تعبق بين جدرانه وفي قاعاته وممراته.
أستحمت للمرة الثانية وتعمدت البقاء فترة طويلة في الماء الساخن ,لتريح جسمها وأعصابها بعض الشيء , أرتدت ثياب النوم الرقيقة الشفافة ,وسرحت شعرها وتعطرت ....ثم ضحكت , لماذا هذا الأغراء كله , وهي ستنام وحدها... فيما سينام الرجل الذي تحبه مع المرأة التي يحبها؟
أطفأت نور الغرفة بعصبية , وذهبت الى النافذة المفتوحة , ضوء القمر الساطع , صفاء السماء ودفء الجو, هدوء الليل , عطر الورود الفواح... وعصفور يغني ! ليلة صيف رائعة ومثالية ...ليلة من الظلم والأجحاف تمضيتها على أنفراد! أين العدل والأنصاف؟ أنها ليلة للحب .. للمحبين والعاشقين ,وليست للعزلة والوحدة!
منتديات ليلاس
تأوهت بحزن وألم , وركضت بسرعة نحو سريرها , أستلقت علىظهرها وراحت تحدق بسقف الغرفة , علها تتمكن من طرد تلك الأفكار الحزينة والموجعة من رأسها , وفجأة , أنهمرت الدموع بغزارة من عينيها وأخذت تبكي بمرارة لم تشعر بمثلها من قبل , سيساعدها البكاء على النوم ... وسينقذ عواطفها المنهكة من براثن الأنهيار .
سمعت صوت باب يغلق بهدوء , فلم تتحرك من مكانها أو ترفع رأسها عن الوسادة المبللة بدموعها , ربما نامت لحظة وحلمت ... ربما تخيلت أنها سمعت ذلك الصوت , أستدارت نحو الباب... فشاهدت ظلا يتحرك في الغرفة! كادت تصرخ من شدة الفزع , ولكنها سيطرت على أعصابها قليلا وقالت بصوت مرتعش هامس:
" من هنا؟".
" أنا بيار".
جلست في سريرها , وسألته بشيء من الحدة والأنفعال:
" ماذا تفعل هنا؟".



اماريج 02-03-11 09:04 PM

تحرك من مكانه قليلا , فلاحظت بهلع وأستياء بالغين أنه يبدل ثيابه , ثم قال لها ضاحكا:
" يمكنني توجيه السؤال ذاته اليك, ألا تذكرين أنك عرضت علي تبادل الغرفتين , نظرالصغر حجم السرير الآخر ؟ ذهبت الى غرفة الحضانة لأحضار بعض الأشياء , فوجدت السرير خاليا , لم تكوني في قاعة الجلوس أو في غرفة خالك , فتصورت أنك ذهبت الى مكان ما , أتيت الى هذه الغرفة للنوم".

توقف لحظة, ثم مضى الى القول بلهجة ساخرة كعادته في مثل هذه الظروف:
"هل يعني وجودك هنا , أنك غيرت رأيك مجددا وقررت مشاركتي هذا السرير الكبير؟ هل تريدين أنهاء ما بدأته صباح اليوم؟".
" أنا لم أبدأ أي شيء هنا هذا الصباح".
" حقا؟ تكوّن لدي أنطباع آنذاك بأنك تريدينني , لولا دخول ماري المفاجىء ,ولكن.... ماذا تفعلين هنا أذن؟".
صرخت أحاسيسها بألم , طالبة منها تحقيق ما كانت تتمناه قبل فترة وجيزة , شعرت بحرارة الرغبة تلهب عواطفها ومشاعرها , ولكن عقلها رفض الرضوخ والأستسلام , ستذهب الى الغرفة الأخرى ... وتنام وحدها , بدأت تتحرك بهدوء نحو الجانب الآخر للسرير , لتتمكن من مغادرة الحجرة دون المجازفة بالأقتراب منه , تحرك السرير قليلا , فتأكد لها أنه جلس عليه
قالت له بتلعثم واضح:
" نسيت... أنني تقدمت ... بذلك الأقتراح, سأذهب الآن... الى الغرفة الأخرى".
منتديات ليلاس
تسللت خارج السرير , وأستدارت حوله لتذهب نحو الباب ولكن بيار أضاء النور المجاور له ,وقفز بأتجاهها معترضا طريقها , أبعدت نظراتها عن صدره الأسمر الذي أظهره ضوء القمر كقطعة من النحاس الأحمر , وقالت له بلهجة جافة:
" أرجوك , دعني أذهب".
" أريد أولا معرفة السبب الذي حملك على البكاء".
" كيف تعرف أنني بكيت؟".
أمسك بذقنها ورفع وجهها نحوه , قائلا لها برقة:
" الوسادة مبللة , وعيناك محمرتان ومتورمتان , ماذا حدث , أيتها الحبيبة ؟ هل بكيت لأنك شعرت بالوحدة؟ أهدأي الآن وأطردي الأحزان من قلبك , فأنا هنا و....".
أحست أيلاين فورا بأنه لا يزال قادرا على أثارة عواطفها , يعرف... يعرف اللعين أنه يتمكن ساعة يشاء , وحتى بعد خلافهما وفرا قهما , من السيطرة عليها بصورة مذهلة... صرخت به
وهي تضربه بقوة على كتفيه:
" توقف, توقف! لا تلمسني! لن أتحمل ذلك , وأنا أعرف أنك كنت معها!".

رفع رأسه ونظر اليها بعينين غاضبتين , وسألها:
" تعرفين مع من كنت؟ وكيف تعرفين , طالما أنني لم أقل ذلك؟".
" لست بحاجة لمن يخبرني , فعندما قلت لي أنك ذاهب الى أنجولام وقد تمضي الليلة هناك , علمت أنك ستكون معا ... مع سولانج, أوه , كيف تجرؤ على معانقتي فور عودتك من شقتها!".
حدق بها فترة من الوقت, ثم قال لها بهدوء كالذي يسبق العاصفة:
" لم أكن مع سولانج".
" أذن كنت مع أمرأة أخرى... آه!".
صرخت ثم أختنق الصراخ في حلقها , وهي ترفع يدها لتتحس الوجنة التي تلقت صفعته قبل لحظة وجيزة , لم تكن صفعة قوية , ولكن الوضع العاطفي الصعب الذي تمر فيه حاليا جعل تلك الضربة الخفيفة تبدو كلسع السياط , نظرت الى وجهه القاسي بعينين دامعتين , وسألته بصوت مرتجف:
" لماذا فعلت ذلك يا بيار؟".
" لأنني تعبت كثيرا من أتهاماتك وأهاناتك".
تركها فجأة وأسند ظهره الى الباب , فيما ظل يتأملها بأستياء وأنفعال , ثم عقد جبينه
ومضى الى القول مؤنبا:
" من أين تعلمت أهانة الناس؟ من لندن؟ من صديقاتك؟ أم من ذلك المدعو جيرالد , الذي كنت تكتبين له هذا الصباح؟".
" أهانة؟".
منتديات ليلاس
" نعم , فأنت تهينينني دائما في تخيلاتك وتصوراتك , هل تعتقدين أنني رجل يجهل معنى الشرف والأعتزاز بالنفس؟ أنا لست من أولئك الرجال الذين يقفزون من هذا السرير الى ذاك ,ومن أحضان أمرأة الى أخرى , لم أكن مع أي أمرأة أطلاقا , صحيح أنني حاولت الأتصال بسولانج لسؤالها عن أمر ما , ولكنها لم تكن موجودة في شقتها".
وتابع قائلا:
" أبلغني الموظف المسؤول عن المبنى الذي تقيم فيه , أنها في باريس , تناولت العشاء في أحد المطاعم وأنتظرت خروج جاك وزوجته , لنعود مها في سيارتي التي أعرتهما أياها , هكذا أتفقنا قبل مغادرتي شامبورتن حوالي الرابعة , وهذا ما حصل بالضبط ".
أخذن نفسا عميقا , ثم تنهد ومضى الى القول:
" هل ترين؟ لقد قدمت لك الآن ما لم أقدم مثله أبدا لأي أمرأة أخرى... قدمت لك تقريرا مفصلا عن كافة تحركاتي لهذا اليوم ... وعدت الى البيت , هل يمكنك المطالبة بأكثر من هذا , يا زوجتي الحبيبة؟".



اماريج 02-03-11 09:06 PM

" ولكنك كنت ستبقى معها , لو أنك وجدتها في شقتها , ألم تفعل ذلك من قبل؟ ألم تمض معها بعض الوقت في أواخر الخريف الماضي, عندما كان من المفترض أنك ذاهب للقيام ببعض الأعمال؟".
قال لها بلهجة حادة:
" هذا ما قالته لك سولانج , وأنت قبلت كلامها دونما أي أستفسار أو....".
" لا, لم يكن كلامها وحده , بل شاهدت بنفسي أثباتا كافيا ,ألم تترك قفازيك وقداحتك في شقتها؟".
حدق بها بعض الوقت وكأنه لم يصدق أذنيه , ثم ضحك وقال:
" تساءلت مرات عديدة عن المكان الذي نسيت فيه هذه الأشياء العزيزة على نفسي".
منتديات ليلاس
مشى نحو منتصف الغرفة ,حيث وقف لحظة ثم توجه الى النافذة مفسحا لها المجال لفتح الباب والخروج منه دون أي أعتراض أو عائق , ولكنها أحست فجأة بأنها غير راغبة في مغادرة الغرفة , وأستدارت نحوه وهي لا تدري ماذا تفعل أو تقول
قال لها:
" لو أنك أبلغتني هذا الأمر في العام الماضي , لكان بأمكاني أن أشرح لك سبب وجود القفازين والقداحة في شقتها".
" أوه , طبعا , كنت ستجد لي بالتأكيد بعض الأعذار الرقيقة المقنعة , كما فعلت هذه الليلة , وكنت ستتوقع مني قبولها دون تساؤلات أو أحتجاجات , لأنه يتحتم على الزوجة حسب رأيك التصرف على هذا ا لنحو , يجب على زوجتك قبول أيضاحاتك , حتى عندما تكون متأكدة من كذبك ونفاقك".
لم تصدق أنها تمكنت أخيرا من البوح بما يجول في خاطرها منذ بضعة أشهر , عوضا عن أبقاء هذه الأفكار تتفاعل داخل عقلها وقلبها وتأكلهما... كما تفعل الدودة عندما تهاجم تفاحة ناضجة .
أستدار بيار نحوها بوحشية ظاهرة , فتراجعت الى الوراء خوفا من تعرضها لصفعة أخرى , لاحظ ذلك , فقال لها:
" لا, لن أصفعك , لن أمنحك فرصة لأضافة القساوة والعنف الى قائمة أتهاماتك وأهاناتك لي".
ثم هز رأسه , وأضاف قائلا:
" رباه , كيف وصلنا الى مثل هذه العقدة المستعصية ! كل ما يمكنني قوله هو أنني لم أكذب عليك قط عن سبب وجود القفازين والقداحة هناك , لأنك لم تعطيني فرصة للكذب... لأنك هربت".
منتديات ليلاس
تأملها بعض الوقت, وكأنه يدرس رد فعلها , ثم مضى الى القول:
" هل تسمحين الآن بأن أشرح لك السبب؟".
أحست أيلاين بأن للهجته المهذبة وقعا في نفسها , أشد وأدهى من أي كلمات غاضبة ساخطة , أوحت تلك الكلمات الهادئة بأنها لم تكن عادلة معه , عندما رفضت قبل تسعة أشهر الأستماع الى تفسيرهوتبريره لهذه النقطة البالغة الأهمية ... وأنه يمنحها الآن شرفا لا تستحقه ,خافت فجأة مما سيقوله لها , فتمتمت هامسة:
" ألان؟ وفي وفي هذه الغرفة؟".
" بالتأكيد , فهل ثمة مكان أفضل من غرفتنا؟".
حاولت التهرب من المواجهة المفزعة , فقالت بأرتباك واضح:
" الوقت متأخر, وأنا متعبة جدا".
" أستلقي أذن على السرير , وأعدك بأن الشرح لن يطول".
" ولكن".
منتديات ليلاس
لم يفسح لها المجال بمتابعة أحتجاجها , أذ قفز نحوها بتلك السرعة التي أدهشتها دائما... وضع الغطاء عليها حتى ذقنها , ثم جلس قربها ,وسألها بصوت هادىء قاس:
" ألست مرتاحة وجاهزة الآن بما فيه الكفاية , لتسمعي كلامي؟".
ردت عليه بصوت منخفض:
" نعم سأسمع".
أبتسم بمكر , وقال لها بتلك اللهجة الهادئة المزعجةذاتها :
" عظيم , أنا ممتن لك , لأنك قررت أخيرا الأصغاء لما سأقوله , سنظل قادرين ذائما على تصحيح الأمور وأعادة المياه الى مجاريها , مهما طالت فترة التأخير والأرجاء , عليك أولا التفكير مليا , لأنني على وشك البدء بمحاولة جديدة لأنقاذ زواجنا ... الذي يبدو أنك مصممة على تحطيمه وتدميره".
ها هو يعود الى ألقاء اللوم عليها ,ولديه بالتأكيد أسباب جوهرية تدفعه الى ذلك, سمعت أيلاين صوتا خبيثا في داخلها , يفسر لها الغرض الكامن وراء هذه المحاولة , أليس من مصلحته المادية البحتة مثلا , أن يظل زواجهما قائما؟



اماريج 02-03-11 09:07 PM

" كما تعلمين , ذهبت في أواخر الخريف الماضي لحضور أحد المؤتمرات الهامة , وعند أنتهاء المؤتمر , توجهت الى أنجولام لزيارة محترف فني صغير وشراء أحدى اللوحات المعروضة فيه , كنت أنوي تقديمها لك كهدية بمناسبة عيد ميلادك , حضرت سولانج الى المحترف أثناء وجودي فيه , فطلبت منها أبداء رأيها الفني في اللوحة التي أخترتها , قالت لي عندئذ أنها أنهت لتوها لوحة عن السفن الشراعية الصغيرة في المرفأ الصغير لبلدة لاروشيل , تذكرت فورا مدى أعجابك بالسفن , عندما زرنا تلك البلدة خلال رحلة شهر العسل , ذهبت الى محترفها لألقاء نظرة على لوحتها , وأمضيت هناك بعض الوقت في شرب القهوة وتبادل الأحاديث... وهذا أمر طبيعي للغاية , لأننا كنا في فترة ما صديقين.".
قاطعته أيلاين بلهجة جافة , قائلة:
" أكثر من صديقين ... كنتما عاشقين".
عقد جبينه ونظر اليها شرزا , ثم أمسك بمعصمها وقال لها مهددا متوعدا بصوت هادىء:
" ألا تريدين سماع بقية كلامي؟".
منتديات ليلاس
هزت رأسها بسرعة , وحاولت تخليص معصمها من قبضته ولكن أصابعه القوية ضغطت على المعصم الضعيف , فيما كان يمضي الى القول:
" لا أنكر أظلاقا أنني أقمت معها علاقة عاطفية , ولكن ذلك حدث قبل سنوات عديدة , لم تدم تلك العلاقة طويلا , ولم تترك في نفسي بتاتا أي أثر كبير أو صغير , أما سولانج , فكانت كما هي الآن... متحررة وطموحة وذات أستقلالية ملحوظة , ذهبت الى باريس لتتعلم الرسم , ففقدنا كل أتصال , لم أرها أو أسمع منها شيئا لمدة عشر سنوات , ألى أن أتت الى شامبورتن في الخريف الماضي".
هز كتفيه وكأن حديثه عن سولانج أنتهى عند هذا الحد ,ثم أضاف قائلا:
" لنعد الى قصة اللوحة الفنية , أعجبتني , فأشتريتها وأحضرتها الى البيت , وأذا كنت لا تصدقين كلامي , فأنظري في الجزء الثالث من هذه الخزانة , لا تزال قابعة في مكانها , بأنتظار تقديمها لك ... ربما في عيد ميلادك المقبل , أذا كنت لا تزالين هنا في ذلك الوقت, ومما لا شك فيه أنني نسيت القفازين والقداحة مع سولانج , نظرا لأستعجالي في العودة الى البيت".
حامت بعض فراشات الليل حول النور , فمد بيار مده وأطفأه , غرقت الغرفة مرة أخرى في ظلام لا ينيره سوى ضوء القمر الذي تتسلل أشعته الفضية بخجل عبر الأشجار وأغصانها ,وفي الخارج , أهداها العصفور السعيد آخر أغنياته الرقيقة الحالمة... فحل صمت مرهق, لم يقطعه الا صوت بيار الهادىء:
" هل تصدقينني؟".
أحست أيلاين بأنفاسه الدافئة تدغدغ وجنتيها ,وبيده تتحرك برقة وحنان من معصمها حتى مرفقها , شعرت بتيار حار يندفع من ذراعها الى بقية أنحاء جسمها , حذرها عقلها فورا من التمادي , فالرجل يستغل مجددا قدرته على أثارة مشاعرها لتحقيق أغراضه والوصول الى أهدافه , ألم يتبع نفس الأسلوب في العام الماضي , لأقناعها بالزواج منه ؟ ألا يحاول الآن خداها بالطريقة نفسها , لكي تقبل بالبقاء زوجة له؟
قالت له ببرودة:
" ولكن سولانج أخبرتني أنك لا تزال تحبها ,وأنك زرتها مرات عديدة منذ عودتها".
منتديات ليلاس
علق بيار على هذا الأتهام , بنبرة تحمل في طياتها شيئا من المرارة :
ط كانت تكذب, لماذا؟ الله أعلم".
"ليس من السهل علي أبدا معرفة من منكما يقول الحقيقة , قالت لي شيئا , وأنت تقول شيئا آخر ,وعليه , فقد تكون أنت أيضا تكذب".
أمسك بكتفيها وراح يهزها بعنف بالغ , فيما كان الشرر يتطاير من عينيه , قال لها ,وقد أستشاط غضبا:
" لماذا أكذب عليك ؟ أخبريني لماذا؟".
خافت مما قد يقدم عليه في ثورة غضبه العارمة هذه , فحاولت التخلص منه وهي تقول له بصوت ضعيف مرتجف:
" بيار , أرجوك , أتركني".
"لا, لن تهربي مني مرة أخرى, ستقولين لي الآن رأيك بصراحة,عما سأجنيه من كذبي عليك بشأن سولانج".

هل يعرف أنه كان يحبس أنفاسها بصورة نهائية؟ هل يعرف أيضا أن جسمها بدأ يتجاوب مع عواطفها , حتى على الرغم من محاولاتها اليائسة للسيطرة عليه؟ همست بصوت متهدج متقطع:
" أنت... أنت قلت لي بنفسك, أنك تحاول الأبقاء على زواجنا سليما معافى".
" أين العيب في ذلك؟ أشرح لك موضوعا , كان بالأمكان شرحه بسهولة ويسر في العام الماضي... وبالتالي توفير مشاكل كنا بغنى عنها , أخبرك الحقيقة , فترفضين تصديقي , لماذا؟ لماذا؟".
قالت له متهمة:
" لأنك تعرف محتوى وصية خالي ... لأنك لم تتزوجني ألا بعدما رشاك!".
" يا للبلاهة! أنت تعانين من الأوهام , أيتها الحبيبة".
أطبقت عينيها بقوة لتمتنع عن التجاوب مع الدعوة التي توجهها اليها نظراته... وأنفاسه الحارة.
" مسكين قلبك, كيف يخفق بعصبية وأنفعال! أنت خائفة , ويحق لك ذلك, فأكثر من أمرأة تعرضت لللخنق , بسبب أمور تقل أهمية عن موضوع عدم الثقة بالزوج , ولكنني أعرف الأساليب التي تجعلك تصرين على عدم تصديق كلامي... أنت تريدين عذرا لأنهاء زواجنا, هربت في العام الماضي , عندما أكتشفت أنك لا تحبين البقاء معي كزوجة , وجاءت أكاذيب سولانج عني لتمنحك العذر المطلوب, لتعودي الى لندن... الى ذلك الرجل المدعو جيرالد , كنت تعرفينه قبلي , أليس كذلك؟".
أحست بالأرتياح عندما نهض وجلس قربها
قالت له بلهجة حاولت تضمينها بعض ما تبقى في نفسها من عنفوان:
" نعم , كنت أعرف جيرالد قبل لقائنا في الصيف الماضي... فهو يعمل في شركة أبن عمي تشارلز , بعد طلاقه من زوجته , بدأ يأتي الى أشلي أكثر من مرة في الأسبوع , دعاني ... دعاني مرات عديدة الى رحلات بحرية وركوب الخيل , ومنافسته في كرة المضرب , أو حضور حفلات موسيقية ومسرحيات".



اماريج 02-03-11 09:08 PM

" يبدو أنه من طبقة بريطانية رفيعة ومثقفة, ويناسب ذوقك ومزاجك على الأرجح أكثر من مزارع فرنسي عادي ,قارنت بيننا , ففاز علي دون أي صعوبة ,وكانت النتيجة الحتمية لذلك أنك هجرتني .... آملة في أرغامي على منحك الطلاق".
لاحظت أيلاين فورا أنه أستغل الفرصة مجددا وبدأ يلقي اللوم عليها , عوضا عن الأقرار بذنبه والأعتذار عن الخطأ
قالت له بأنفعال:
" لا, أوه لا, لم يكن هذا هو السبب , أنا لم أتركك بسبب جيرالد".
" لماذا تركتني أذن ؟ لماذا ذهبت قبل التحدث اليّ أولا؟ بربك, يا أيلاين , ألا يمكنك أعطاء سبب منطقي واحد لمغادرتك فرنسا قبل منحي فرصة لأيضاح الأمور؟".
أفلتت يدها من قبضته التي لم تعد قوية عليها , ثم رفعتها ويدها الأخرى الى وجهها لأخفاء معالم الألم والحزن والأسى , تذكرت الألم الذي شعرت به في شقة سولانج ... الألم الناجم عن سقوط الأوهام , وأنهيار الأحلام , وتحطيم الثقة , صرّحت باكية :
" لا أعرف , لا أقدر علىتفسير مشاعري".
قال لها هامسا:
" آه! كم أنت بيضاء وصافية , كالقمر... وناصعة الياض وباردة , كالثلج".
" أتركني ... أرجوك".
منتديات ليلاس
لن تقوى على المقاومة , ضمها اليه , ثم قال لها بلهجة ماكرة خبيثة:
" لم تشعري أذن بأي رغبة أتجاه ذلك اللندني المثقف , ألا عندما كنت بعيدة عني...".
" لم أشعر أتجاهه أبدا بأي رغبة ! لا أريده أطلاقا! لا أعرف ماذا أريد!".
" أما أنا فأعرف ماذا أريد , يا حبيبتي".
سمعت ضحكة خفيفة متباهية , فتحول الشوق الى سخط والحنان الى غضب , أحست بالأشمئزاز الشديد من أفتراضه المتغطرس, بأنها ستذوب الآن بين يديه , صرخت به غاضبة , وهي تضرب كفيها بيديها:
"أتركني! أتركني! كم أكرهك! سأذهب الى الغرفة الأخرى ".
" لا, لن تذهبي , ستشعرين بالبرد والوحدة , أنت الآن باردة على الرغم من الدفء جمّدت الكراهية دمك , وحوّلك الى البغض الى قطعة من الثلج".
"بيار , أرجوك , لا....".
توقف أحتجاجها عند هذا الحد , أنه على حق , فهي تكره البرودة والجفاف والوحدة , شعرت في بداية الأمر بشيء من الخجل والتردد , ولم يعد يهمها في تلك اللحظات السعيدة سوى وجودها معه كجزء لا يتجزأ منه... قلبا وروحا.
أستيقظت أيلاين صباح اليوم التالي عندما أحست بيد باردة تلامس كتفيها , أخترقت الذكريات الحلوة لما حدث, في الليلة الفائتة , الغيوم الملبدة للنعاس الذي لا يزال يشل عقلها وتفكيرها , ومع ذلك , أحست ببرودة وتأكد لها أن بيار لم يعد قربها.
" أيلاين , أستيقظي".
ليس هذا الصوت صوته ,ولا اليد الباردة التي لامست كتفها مرة أخرى يده ,أنها مارجريت! أمسكت بالغطاء , وهبت جالسة في السرير , شاهدت مارجريت مرتدية كامل ثيابها , فسألتها بقلق ولهفة:
" أوه, أين بيار؟".
" أضطررت لأيقاظه قبل بعض الوقت , لكي يذهب لأحضار الأي مارتين".
أوه! أستدعاء الكاهن في مثل هذا الوقت المبكر , معناه تدهور جديّ في الوضع الصحي للخال أرمون!سألتها أيلاين بصوت خائف متردد:
" هل ساءت أحوال الخال أرمون الى هذه الدرجة؟".
" أتمنى لك العمر الطويل يا حبيبتي , توفي خالك بهدوء ودون عذاب , قبل بضع دقائق".
ثم وضعت يدها على رأس أيلاين , وأضافت بلهجة تكشف مدى السيطرة القوية التي تمارسها على أعصابها:
" لا تحزني كثيرا , فهو لم يكن يريد ذلك لك, كانت الوفاة بالنسبة اليه راحة كبرى, وقد أتيت أنت في الوقت المناسب لأدخال بعض السعادة الى قلبه , هل من الممكن أن تنزلي بعد قليل لتناول فطور الصباح؟ أنه يوم الأجازة الأسبوعية لماري, ولا أحب كذلك أرهاق جاك وزوجته بأمور كهذه, سأحتاج الى مساعدتك , أيتها الحبيبة , أذ علينا أعداد الترتيبات الخاصة بالجنازة".
" أوه, لا تقلقي , يا خالتي , فسوف أساعدك".
" شكرا , يا حبيبتي , كنت أعرف أن بأمكاني الأعتماد عليك عند الحاجة".
قفزت أيلاين من السرير , بمجرد خروج مارغريت من الغرفة , وتوجهت فورا الى االحمام , وبعد بضع دقائق , أرتدت ثيابا عادية ووقفت أمام النافذة تسرح شعرها أستعدادا للنزول الى قاعة الطعام , تذكرت فجأة أنها ذهبت وبيار صباح يوم أحد كهذا من العام الماضي , لجمع نوع من الفطر الذهبي اللون الشهي الطعم , وأنها وعدته قبل عودتهما ظهرا ... بالزواج منه.
وما هي ألا لحظات وجيزة , حتى جذبت أنتباهها حركة خفيفة في باحة القصر , شاهدت الكاهن وبيار يتوجهان نحو السيارة المتوقفة قرب البركة الصغيرة , أنتفض قلبها بين أضلعها , بمجرد رؤيتها بيار , وأرتفعت يدها حركة لا شعورية الى عنقها ... لتتحسس المكان الذي أطبقت عليه أصابعه أمس بقوة بالغة , سمعت صوت صدى يتردد في رأسها ... أنت خائفة , أنت خائفة! أرتعش جسمها كورقة في مهب الريح, وهي تتذكر كافة الأمور التي حدثت......
فتح بيار الباب الأمامي للكاهن الوقور , ثم أستدار حول السيارة وتطلع نحو باب البرج , حبست أيلاين أنفاسها , متمنية لو أنه يرفع نظرها نحوها لتبتسم له وتحيه , ولكنه قال بضع كلمات لم تسمعها لشخص ما يقف داخل الباب , ثم جلس وراء المقود وأنطلق بسيارته بعيدا عن القصر, أحست بخيبة أمل مريرة , تحولت خلال لحظات وجيزة الى سخط وغضب........
لم يجد بيار , مرة أخرى , أي صعوبة تذطر في حملها على التجاوب معه بمثل تلك الطريقة المذهلة ,تعمد في الليلة الماضية أن يشعرها بأنه يحبها ويريدها ....ويجعلها تنسلى شكها وأرتيابها , لماذا , أوه لماذا أفسحت له هذا المجال ؟ لماذا سمحت بحدوث الشيء الوحيد , الذي أرادت تجنبه أكثر من غيره؟ لم تحل بعد أي من المشاكل العالقة.....
صحيح أنه شرب لها سبب وجود قفازيه وقداحته في شقة سولانج , ولكنها لا تزال تشك كثيرا في الهدف الكامن وراء ذلك الأيضاح أو التبرير , من المؤكد أنه يحاول الأبقاء على زواجهما قائما , لأن ذلك وحده يضمن له مشاركتها في وراثة شامبورتن.
تناولت فطورها ,وذهبت الى قاعة المكتبة لمقابلة مارجريت ومعرفة الخطوات التي يتحتم عليها القيام بها , أعطتها السيدة , التي ترملت للمرة الثانية , قائمة بأسماء الأشخاص الذين يجب أبلاغهم بوفاة أرمون ... وقالت:
" ستكون جنازة عادية وبسيطة , حسب رغبته , أطلبي من الذين يريدون أحضار أكاليل زهور , تحويل ثمنها الى جمعيات خيرية , يجب التأكد أيضا من الأتصال بالسيد أميل لوجيه المستشار القانوني لأرمون , بشأن الوصية ... لأن كافة الأوراق والوثائق موجودة في مكتبه.
وقفت مارجريت أستعدادا لمغادرة المكتبة , ثم تنهدت وقالت:
" أتمنى أن أمون في يوم , لا يكون حارا الى هذه الدرجة!".
أمضت أيلاين ما يقرب من ثلاث ساعات للأتصال بأثني عشر شخصا فقط , وذلك لوجود معظمهم خارج بيوتهم , دقت مارجريت الباب , وقال لها:
" تعالي لنتناول الغداء , أيتها العزيزة".
" أوه , نعم , شكرا , لم أكن أتصور أبدا مدى الصعوبة في أجراء عدد محدود من المكالمات الهاتفية , سبعة أشخاص موجودون أما على الشواطىء , وأما في حدائق عامة أو في نواد للتسلية والترفيه ,ولكن من يلومهم على ذلك , فهو يوم عطلة جميل رائع!".
"أعتقد أنك أنت أيضا تتمنين القيام بنزهة في الغابة القريبة , ربما ستجدين فترة كافية لذلك , في وقت ما بعد ظهر اليوم".
لاحظت أيلاين لدى دخولها قاعة الطعام , أن المائدة معدة لشخصين فقط , تساءلت ضمنا , وللمرة العاشرة هذا الصباح , عن مكان وجود بيار , ماذا يفعل الآن , وقد أعاد الكاهن قبل ثلاث ساعات؟ الى أين ذهب؟ ومتى سيعود؟
سألت مارجريت بلهجة حاولت أظهارها طبيعية وعادية:
" ألن يتناول بيار معنا طعام الغداء؟".
"لا, فقد ذهب الى بلفين , ألم يخبرك بذلك؟".
منتديات ليلاس
أوه, بلفين هي ممتلكات عائلة دوروشيه الواقعة على بعد خمسين كيلومترا الى الشرق من شامبورتن.... والقريبة الى حد ما من أنجولام, أنها تلك المنطقة الصغيرة المزدهرة , التي ورث بيار حصة والده منها وعمل فيها بعض الوقت مع وريث النصف الآخر....أبن عمه شارل ....قبل تولي مهمة والده جان دوروشيه في أدارة ممتلكات شامبورتن , ردت أيلاين على سؤال السيدة المسنة , بصوت هادىء يخفي وراءه أنزعاجا وتوترا بالغين:
" لا , لم يخبرني , هل قال لك متى سيعود؟".
" صباح بعد غد, أن شاء الله , هذا هو وقت العمل الجاد , كما تعلمين".



اماريج 02-03-11 09:09 PM

ثم أبتسمت وأضافت قائلة:
" لم يكت ليذهب في مثل هذه الظروف , لولا وجودك هنا اليوم لمساعدتي , أراحه كثيرا كونك معي , فأحس بأنه قادر على الذهاب للأهتمام بعمله".
قطبت أيلاين حاجبيها , فيما كان جاك المتزن الرصين يأخذ صحن الحساء الفارغ ويضع مكانه صحنا عليه شريحة كبيرة من اللحم المشوي على الجمر , ومعها مجموعة مختارة من الخضار والمقبلات الشهية , ثمة لغز غامض يجب حله , ولكن.... كيف ستفعل ذلك دون الكشف عن جهلها التام فيما يتعلق بأعمال بيار؟ حللت الموضوع بسرعة ,ثم قررت في نهاية الأمر أنتهاج أسلوب الصدق والصراحة , قالت بعفوية بريئة:
" لا أفهم شيئا بعد, يا خالتي , فما هو عمل بيار في بلفين , طالما أن أبن عمه شارل هو الذي يشرف على كل شيء هناك؟".
منتديات ليلاس
" هكذا كانت الأمور في السابق , يا عزيزتي ,كما تعلمين لم يكن شارل أبدا مهتما بالحقول والبساتين ... كما أنه لم يدرس الزراعة أثناء وجوده في الكلية , مثلما فعل بيار , وفي الربيع الماضي تمكن بيار من شراء حصة أبن عمه في بلفين .... مستخدما المبلغ الذي توفر لديه خلال عمله هنا في شامبورتن , أنه الآن المالك الوحيد لبلفين , وكان يعيش فيها طوال الأشهر الستة الماضية ".
تذكرت أيلاين فجأة قول بيار لها , أن ثمة أشياء كثيرة لا تعرفها , قالت لمارجريت بصوت ضعيف:
"" أوه , لم أكن أعرف ذلك , لم يخبرني بيار شيئا عن هذا الموضوع".
" ربما ظن أنك لست مهتمة بهذا الأمر , عندما أقترحت عليه صباح اليوم أن يأخذك معه الى بلفين , قال لي أن مصالحتك معه كانت مجرد أدعاء لا يهدف ألا الى أدخال بعض السرور الى قلب رجل يرقد على فراش الموت.... وأنها أنتهت بوفاة أرمون , أشكرك من صميم قلبي , أيتها العزيزة , على مساندتي في كذبتي البيضاء البريئة , أنا لست نادمة عليها , فقد ساعدته كثيرا على مغادرة هذه الدنيا بسلام وطمأنينة".
شعرت أيلاين بالألم الحاد ينخر عظامها ويجمد الدماء في عروقها , ولكنها بذلت جهودا مضنية ومحاولات شبه يائسة بتقليد هدوء مارجريت وبرودة أعصابها , تظاهرت بأنها لا تزال تتمتع بذلك الطعام الشهي , على الرغم من المرارة المفاجئة في فمها... وقلبها, يا للغباء! كم كانت سخيفة وحمقاء , عندما نسيت أتفاقهما على تلك المصالحة الوهمية المزيفة! قالت لها بتهذيب مصطنع:
" كان هذا أقل ما يمكنني القيام به , أتجاه خالي الحبيب".
ولكن بيار كان يتصرف أمس , وكأنه لا يزال المسؤول الأول عن بساتين شامبورتن وكرومها ومعملها... أو هكذا تصورت , هزت رأسها ,وقالت:
" ألم يعد بيار يعملفي خدمة... أعني... في شامبورتن؟".
" لا, يا عزيزتي , فقد ترك الشركة في نهاية الشتاء الماضي , عندما أنتهت فترة العمل المتفق عليها , حل محله في هذه الوظيفة شاب أسمه جان بونيون , ألم تقابلي جان بعد؟".
" لا , لم أقابله".
"جان شاب لطيف وطيب جدا , وهو يعيش حاليا مع زوجته أنيت وولديه في البيت الصغير ذاته الذي عشنا نحن فيه فترة طويلة , لا يزال بيار بالطبع يحب شامبورتن ... وفي كل مرة يأتي لزيارتي وتمضية بضعة أيام معي , يقوم بجولات في كافة أنحاء المنطقة كما كان يفعل في السابق , أوه , تبدو عليك مظاهر الدهشة والحيرة".
" نعم, تحدثت قبل لحظات عن شركة , فماذا عنيت بذلك؟".
"شركة سان فيران , طبعا , التي تملك الأراضي في شامبورتن والمعمل القريب من أنجولام".
"ولكنني.... ولكنني كنت أتصور أن الخال أرمون يملك شامبورتن!".
" كشريك فقط , أيتها الحبيبة , تأسست الشركة في ذلك الوقت الذي حدثتك عنه , عندما بدأ وضع الأنتاج والنوعية في التدهور... عندما أدرك أرمون أنه غير قادر على أنقاذ شامبورتن بمفرده , أقيمت الشركة آنذاك , لأدارة العمل من ألفه حتى يائه... أبتداء من الزرع وأنتهاء بتسويق المنتجات ,ويتولى رئاسة الشركة الآن رجل يدعى ميشال موريه وهو أحد الأشخاص الذين طلبت منك الأتصال بهم".
" أوه , لم أعرف ذلك , ستعتقدين بالتأكيد أنني غبية جدا لجهلي كافة هذه الأمور".
" لا, يا عزيزتي , فأنت صغيرة السن وحديثة العهد بعالم التجارة ومشاكلها وتعقيداتها , ويقع الخطأ الأساسي في هذا المجال على أرمون , رحمه الله, لأنه لم يطلعك على أي شيء من هذه الأمور الهامة , كان يفضل التحدث أليك عن الفن والموسيقى , وأعادة صياغة قصص الحب والفروسية حسب مزاجه ووفقا لما يشتهيه , لم يهتم كثيرا بالأرض وبالتجارة , وخصص كل وقته وماله للقصر الذي أحبه فوق كل شيء , وعلي, فلن أستغرب أطلاقا أذا تبين لنا من وصيته أنه مدين للشركة بمبالغ طائلة ... وأن ما من أحد سيرث شيئا يذكر ,هل تمكنت من الأتصال بمحاميه , أميل لوجيه؟".
منتديات ليلاس
"لا , لم أتمكن بعد, ولكن.... أذا كان الوضع المادي على هذا النحو السيء , فماذا ستفعلين يا خالتي مارجريت؟".
" لدي خطة كاملة لمجابهة هذا الأحتمال , يا عزيزتي , سأعود الى لاروشيل , حيث ولدت وترعرعت , أشتقت كثيرا الى البحر, بسبب السنوات الطويلة التي عشتها بعيدة عنه, أنا لا أتوقع شيئا على الأطلاق من وصية أرمون ,ولكن ذلك لا يقلقني , فقد ترك لي زوجي الأول جان دوروشيه ما يكفيني ,وسأشتري شقة في لاروشيل تشرف على البحر ... وعلى السفن الشراعية الصغيرة والكبيرة التي تدخل المرفأ القديم وتخرج منه ,وسأكون أيضا قرب أبنتي الكبرى , جانيت , آمل جدا في أن تتمكني يا أيلاين , من زيارتي هناك بين الحين والآخر".
أنها... تأمل فقط, ولا تتوقع كأي حماة زيارة كنتها لها! كما أنها لم تشمل بيار في تلك الزيارة! شكرتها أيلاين بتهذيب , ووعدتها بتحقيق ذلك , أستأذنتها مارجريت بالذهاب الى النوم , نظرا للأرهاق الشديد الذي تشعر به , ثم طلبت منها برقة ونعومة أستئناف الأتصالات الهاتفية ,وعدتها أيلاين خيرا , فهزت رأسها وقالت:
"حسنا , ولكنني لا أريدك أن ترهقي نفسك كثيرا , أنت متعبة وشاحبة الوجه".

نهاية الفصل الخامس



اماريج 02-03-11 09:27 PM


6_عاصفة في جرح عميق

لاحظت أيلاين بعد ثلاث مكالمات هاتفية, أنها لا تعرف ما أذا كان هؤلاء الأشخاص سيحضرون الجنازة أم لا, فهي شاردة الذهن , وغير قادرة على التركيز والأصغاء بصورة طبيعية.
كان عقلها يضج بالمعلومات المذهلة التي زودتها بها مارجريت أثناء الغداء , فشعرت برغبة قوية في الأختلاء بنفسها في مكان هادىء...
لتحلل بتمعن وروية معنى هذه الأمور ومدى تأثيرها على حياتها ومستقبلها , قفزت من كرسيها بأندفاعها المعهود , وخرجت الى الشرفة المطلة على الحديقة والغابة والنهر, هل تبقى هنا , أم تذهب الى مكان آخر ؟ لماذا لا تذهب الى الغابة ...فسكونها ممتع , وجمال طبيعتها أخاذ ,وبرودة جوها رائعة!
منتديات ليلاس
جلست في الظل تصغي الى ضجيج الصمت ,وتفكر بما قاله لها بيار(ثمة أشياء كثيرة لا تعرفينها , يا أيلاين! وعوضا عن الأستفسار عن الأمور التي تجهلينها تسارعين الى تصور أفتراضات مجنونة ثم تقنعين نفسك بأنك أكتشفت الحقيقة , لم تهتمي بما فيه الكفاية , وهذا هو سبب أحجامك عن توجيه الأسئلة....).
راحت كلماته القاسية وأنتقاداته الجارحة تتردد في رأسها , كضربات المطارق ووخز الأبر, صحيح أنها لم تهتم بشكل كاف , ولكن ليس بالطريقة التي أوحى بها , لم تهتم بعمله , بماله , بطموحاته أو حتى بموضوع الأرث , لم تكن راغبة في معرفة أي شيء عن هذه الأمور , ولم تكن تعيرها أي أهتمام على الأطلاق , وعندما سمعت أقوال سولانج وشاهدت الأثبات بأم العين , قررت الأبتعاد عنه نهائيا بدلا من مواجهته وتوجيه أسئلة لن تؤدي ألا الى ب الزيت على النار.
ربما تصرفت كفتاة مراهقة , وليس كشابة ناضجة راشدة , ولكنها أقدمت على تلك الخطوة البالغة الأهمية , عندما شعرت بتعرض أحترامها الذاتي للتحقير والأذلال , رفضت منحه فرصة لتبرير مواقفه ,خوفا على أحلام الحب والسعادة التي نسجت خيةطها حول علاقتهما ... وخشية تأكدها من أنها ليست حقا المرأة الوحيدة في حياته.
أحست فجأة بالدماء الحارة تندفع بسرعة الى رأسها ووجنتيها , فقد تذكرت الليلة الفائتة وتفاصيلها وقارنتها بما جرى في هذه الغابة بالذات قبل عام من الآن , علمت آنذاك , وللمرة الأولى في حياتها , معنى الأثارة الحقيقية ... ولكنه أذهلها بأبتعاده عنها فجأة , وبقوله لها:
"لا , لا أقدر".
" هل تعني أنني.... لا أعجبك ... بما فيه الكفاية؟".
أدار وجهه نحوها وتأملها طويلا , قبل أن يضع مرفقه على الأرض قربها وويقول:
" لا , لا أعني ذلك أبدا , ولكنني لا أقدر ما لم نتزوج".
لم تصدق أذنيها ! فقد تمنت دائما من صميم قلبها أن يأتي يوم , يهتم بها رجل ما الى درجة كافية , بحيث يطالبها بالزواج قبل أي شيء آخر , ولكنها لم تكن لتحلم أبدا , بأن بيار سيكون هذا الرجل .فهو أول رجل أحبته , وأول من فتح عينيها على روعة الحب.
حدقت به لحظات طويلة ثم غمرتها سعادة فائقة وبهجة عارمة , سألته بلهفة وأرتباك:
" حقا, يا بيار؟".
" حقا يا أيلاين, لماذا تشككين في كلامي؟".
" لأنني أعرف أنه كان لديك عدد كبير من... الصديقات".
" هل تعرفين ذلك حقا؟ ومن أخبرك؟".
" شارلوت سوريل!".
منتديات ليلاس
"هل تبحثين حياتي العاطفية مع خادمة القصر؟".
"لا , ولكنها تحب التحدث عنك ... لأنها مغرمة بك , أنت رجل وسيم جدا , يا صديقي العزيز , ولست بحاجة لمن يخبرك ذلك , كما أنك تتمتع بخصائص معينة تجذب النساء اليك, بصورة مذهلة".
" وكذلك الخادمات المراهقات , على ما يبدو".
ثم أبتسم , وأضاف قائلا:
" أخبريني , لماذا تجعلك معرفتك هذه الحقيقة , عن كثرة الصديقات في السابق , تشككين في رغبتي بالزواج منك؟".
أحمر وجهها خجلا , وقالت بعد تردد:
" أنا لست جملة جدا ... كما أنه ليست لدي أي خبرة حقيقية... أعني , أنني لم أرتبط... بأي رجل من قبل".



اماريج 02-03-11 09:29 PM

أخفت وجهها فجأة تحت ذراعه , وأضاف قائلة بصوت هامس :
" لا , لا أعرف الكثير ....عن الحب و...".
ظل صامتا بعض الوقت ,وهو يلعب بخصلات شعرها الطويل وأنحنى فوقها قائلا برقة ونعومة:
" أنت بالنسبة اليّ شابة جميلة للغاية , وأنا معجب بشعرك الذهبي وعينيك السوداوين وبشرتك البيضاء الرائعة".
ثم هز كتفيه , ومضى الى القول:
"أما بصدد الأمور الأخرى , فأنا سعيد حقا لأنك لست خبيرة في العلاقات العاطفية , وربما يهمك أن تعرفي , يا صغيرتي , أن ما من أمرأة عرفتها يمكنها منافستك في أي مضمار ... وهذا هو سبب أقدامي على طلب يدك ,ولكن... لماذا تبكين , يا حبيبتي؟ هل آذيتك بشكل أو بآخر؟".
منتديات ليلاس
" لا, أوه ... لا أبدا , هذه دموع الفرح والسعادة".
أحست بأرتعاش جميل , وهو يجفف الدموع التي أنهمرت على خديها , وبعد دقائق طويلة , ساعدها على الوقوف وقال لها.... فيما أنطلقا عائدين الى القصر بأيد متشابكة:
" حسنا , أذا كنت سعيدة , فأنا كذلك".
تذكرت أيلاين وهي سابحة في بحر الأحلام والذكريات , مدى سرور أرمون لدى سماعه نبأ قرارهما بالزواج... والتحفظ الذي أبدته مارجريت , وأصر خالها آنذاك على زواج تقليدي بدلا من الزواج المدني, مع أنه لم يكن يهمها أبدا كيف وأين تتزوج ... لم تكن مهتمة ألا بوجودها مع بيار , وبمعرفتها أنه لها ,وأدركت الآن أن حبها له كان تملكا كاملا ... وأنانيا.... أعمى عينيها عما يجري حولها ,ولم تلاحظ , ألا في حديثها مع سولانج , أن بار لم يقل لها أبدا أنه يحبها !
لم يقل ذلك أيضا في الليلة الماضية! فالزواج بالنسبة اليه مصلحة أو ترتيبات معينة , تمنحه بعض الحقوق التي لا يتردد أطلاقا في المطالبة بها ساعة تسنح له الفرصة... تماما كما حدث في الليلة الفائتة.
ولكنها أعترفت لنفسها بأنها هي أيضا أرادت وتاقت الى قربه , وبأن الأمس أدخل الى قلبها السعادة المفرحة ذاتها التي شعرت بها عندما تزوجا ,ومع ذلك, لا تزال الشكوك تراودها بأنه يتعمد أستغلال هذه العلاقة لأبعاد الشبهات عنه وعن تصرفاته , مسكينة أنت يا أيلاين! كنت تشعرين بالوحدة الباردة , فأفسحت له المجال... وأقنعت نفسك بأن المصالحة حقيقية وليست مجرد أدعاء.
أوه ,كم بدت مختلفة تماما عندما تركت لندن صباح أول أمس! تصورت أن لديها قوة أرادة كافية , لمقاومة هيمنته وتسلطه عليها , ولكنها كانت تدرك ضمنا مدى خطورة أي لقاء معه , ولهذا السبب وحده ظلت بعيدة عنه طوال تسعة أشهر , يا له من رجل شرير , لا تعرف التخلص منه! ألم يقل لها في أول لقاء بينهما بعد ذلك الفراق الطويل , أن شرير تعرفه أفضل من آخر تجهله ؟ أليس هذا الكلام أيجاء واضحا ,بأن الأبقاء على زواجهما أفضل لها من الطلاق والزواج من رجل آخر؟
لا, لا تريد حقا الزواج من شخص آخر ! فحتى جيرالد , المرشح الأفضل لمنصب الزوج الثاني في حال حدوث الطلاق, لا يعني لها شيئا بالمقارنة مع بيار , لم تتضايق أبدا عندما سمعت أن جيرالد أخذ لوسي معه في رحلة بحرية , مع ما قد تؤدي اليه مثل هذه الرحلات ,ولكنها تشعر بغيرة مؤذية قاتلة , كما هو حالها الآن, أذا أقام بيار علاقة مع أي أمرأة أخرى ... وهذه هي مشكلتها الكبرى.
هل يمكنها البقاء زوجة له, وهي تعرف بصورة شبه مؤكدة أن أمرأة مثل سولانج ستكون دائما موجودة في مكان ما من حياته؟ هل يمكنها ذلك, وهي تعلم علم اليقين بأنه ليس على أستعداد أبدا للكشف لها عن كل شيء يتعلق به؟ لم يتزوجها بدافع الحب ,ولكن نتيجة رشوة من خالها... الذي أراد تحقيق حلمه المجنون بولادة طفل يجمع بين دماء سان فيران وحبيبته مارجريت دوروشيه!
طفل! توقفت أيلاين فجأة في طريق عودتها الى القصر, ووضعت يدها على بطنها ... وكأنها توقعت أكتشاف أنتفاج مفاجىء فوري ! تسارعت ضربات قلبها وجف اللعاب في فمها , فيما خيم عليها شعور غريب من الهلع والرعب.
لم يكن لديها! وقت كاف للتفكير بالنتائج المحتملة والمضاعفات المرتقبة! تصرفا كحبيبين ,دونما أي تفكير بالتطورات اللاحقة , هل ستفي بوعدها لخالها , رغما عن أرادتها ورغبتها؟ هل ستلد في الربيع المقبل؟
توترت أعصابها كثيرا , بحيث لم تعد قادرة على تحمل الضغوطات النفسية والعاطفية.... فأخذت تركض نحو القصر بأقصى سرعتها , صعدت الى الشرفة , صعدت الى الشرفة على مهل , وهي تحاول ألتقاط أنفاسها وتجفيف العرق المتصبب من جبينها , سمعت رنين الهاتف في قاعة المكتبة فأندفعت نحو تلك الحجرة القريبة بسرعة فائقة , رفعت السماعة , وقالت لاهثة من شدة التعب:
"نعم!".
" أسعدت صباحا , يا سيدة دوروشيه, أميل لوجيه هنا , أرجو أولا تقبل تعازيّ الحارة بوفاة السيد سان فيران".
منتديات ليلاس
شكرته أيلاين , فمضى الى القول:
" أتصور أنك حاولت الأتصال بي في وقت سابق, أليس كذلك؟".
"نعم, أقترحت علي حماتي , السيدة سان فيران , أن أتصل بك لأنك المسؤول قانونيا عن وصية خالي".
" صحيح يا سيدتي , أمامي الآن نسخة من الوصية... ومع أنني لست معتادا على قراءة محتويات وصية ألا وجها لوجه , ولكنني أعتقد أنك تودين معرفة ما أذا كانت تنص على أي تدابير معينة بالنسبة للجنازة".
أرتبكت أيلاين ,وقالت له متلعثمة:
" أوه.... آه نعم ... أرجوك".
" يفترض بي التوجه الى شامبورتن للقيام بهذه المهمة , ولكن, بما أن اليوم عطلة أسبوعية وعندنا ضيوف سيمضون نهاية الأسبوع بكاملها, فسوف أستميحك عذرا لتأجيل حضوري حتى صباح غد, آمل في مقابلتكم جميعا... أنت والسيدة سان فيران وزوجك وكافة العاملين في القصر , لأن الوصية تنص على ذلك, وقد طلب السيد سان فيران أن يوارى جثمانه في مدافن العائلة , في مقبرة سان أوغسطين , كما طلب عدم أحضار أكاليل زهور , وتحويل ثمنها عوضا عن ذلك الى جمعيات خيرية , هذا كل ما في الأمر, بالنسبة للجنازة , ما هو أفضل وقت لديكم , غدا صباحا , كي أحضر مع الأوراق والوثائق؟".
" الحادية عشرة؟".



اماريج 02-03-11 09:30 PM

" عظيم! على أي حال , لن يستغرق اللقاء طويلا لأن شركة شامبورتن تملك الآن كل شيء تقريبا ... عفوا؟ هل قلت شيئا يا سيدتي؟".
" سألتك عما أذا كانت الشركة تملك القصر أيضا؟".
" نعم, مع أن هذا الأمر ليس معروفا ألا على نطاق ضيق جدا ,لم يكن السيد سان فيران يحب الكشف عن مدى تدهور أوضاعه المادية, وعن أنه لم يعد قادرا حتى على الأحتفاظ بملكية القصر , سمحت له الشركة بالأقامة في القصر للأهتمام به والمحافظة عليه , لأنه بالطبع مثال رائع على الهندسة المعمارية القديمة ذات الطابع التاريخي والحضاري ,ولكن أرتباك خال والدك ومرضه في الآونة الأخيرة , جعلاه يظن أنه لا يزال مالك القصر , أصر كثيرا علىيّ في الأشهر الماضية كي أضيف بندا الى وصيته , ينص على تحويل القصر الى أولادكما ... أنت والسيد دوروشيه".
" هل تعني أن هذا البند لم يضف الى الوصية؟".
" تماما , يا سيدتي , لم يكن هذا البند ضروريا أطلاقا , لأنه فقد ملكية القصر منذ فترة من الزمن , لم يترك خالك شيئا يا سيدتي ,بأستثناء بعض الأسهم القليلة في الشركة وقطع معينة من الأثاث وأشياء أخرى مماثلة , سوف تطّلعين على كافة التفاصيل غدا , بأذن الله, الى اللقاء , يا سيدة دوروشيه".
" الى اللقاء".
وضعت أيلاين سماعة الهاتف في مكانها , ثم أخفت وجهها بين يديها وتذكرت كلام مارجريت عن الوضع المالي المتدهور لأرمون , أحست فجأة برغبة قوية في التحدث مع بيار , ففتحت الكتيب الصغير الذي يضم أسماء الأقرباء والأصدقاء وأرقام الهاتف في منازلهم أو مكاتبهم... ولكنها لم تجد رقما لبلفين , بحثت في دليل الهاتف المحلي عن أسم دوروشيه , فلم تجد بلفين بين العناوين المسجلة فيه, من ستسأل؟ الأفضل لها ألا تزعج مارجريت... أوه ستحصل على المعلومات المطلوبة من جاك.
كان مستلقيا على مقعد خشبي قديم في باحة القصر , يغط في نوم عميق ,نادته بأسمه , فرفع الصحيفة التي كان يغطي بها وجهه وعينيه وهب واقفا ... ثم قال:
" نعم , يا سيدتي".
منتديات ليلاس
" هل يمكنك أعطائي رقم الهاتف في بلفين؟".
" آسف يا سيدتي , أذ لا يوجد أي هاتف هناك.... مع أن السيد بيار يحاول منذ بعض الوقت تأميت خط خاص به".
" أوه , يا لها من مشكلة مزعجة! أنا مضطرة جدا للأتصال به, لأن المحامي لوجيه يتوقع رؤيته هنا في الحادية عشرة من صباح غد".
" هل لي أن أقترح عليك , أذن, التوجه الى بلفين بسيارة السيد سان فيران؟ مفاتيحها موجودة في المطبخ".
" ولكنني لا أعرف الطريق الى بلفين".
" أتبعي الطريق المؤدية الى القرية , ثم أنحرفي يسارا قبل وصولك الى الجسر , وأنطلقي على الطريق الترابية المحاذية للنهر , ستكون رحلة شاقة الى حد ما , ولكنها أفضل بكثير من التوجه الى الطريق الرئيسية ثم التحول جنوبا مرة أخرى , تصلين بعد بضعة كيلومترات الى طريق ضيقة تبعدك عن النهر , وتؤدي بك الى بلفين عبر قرية بليك".
" وكيف سأتمكن من معرفة بلفين؟".
" ستجدين بيتا جميلا أبيض الجدران , وسط مجموعة من أشجار السرو تبعد قليلا عن الطريق , وأعتقد أن أسم دوروشيه مسجل على علبة البريد , الموضوعة في بداية الممر المؤدي الى البيت , هلأحضر لك المفاتيح , يا سيدتي؟".
" نعم , شكرا".
استقلت أيلاين سيارة البيجو الزرقاء ذاتها , التي أستخدمتها العام الماضي في التوجه الى بواتيه , وأحست مرة أخرى كأنها تفر هاربة , ولكن ثمة فرقا شاسعا بين المرتين والشعورين... فهي تهرب الآن الى زوجها ,وليس منه! سوف تتعرف الى بيته... والى طرقة حياته , عندما يكون بعيدا عنها وعن أمه , وقد تتمكن أيضا من التحدث معه بأسلوب مختلف تماما , بعد أكتشافها أنه ليس طامعا بقصر أو ممتلكات , من يدري , فلربما ستسمع أجابات كافية ووافية عن بعض الأسئلة التي تقض مضجعها وترهق أعصابها!
أذا كان يعلم بأنه لن يرث معها سوى حصة ضئيلة تافهة في شركة سان فيران , فلماذا تزوجها؟ كيف قالت لها سولانج أذن أنه تزوجها سعيا وراء تحسين أوضاعه المالية , طالما أنه مطلع على سوء الأحوال المالية لخالها أرمون؟ وهل يطمع ببعض المفروشات القليلة , هو الذي تمكن من شراء نصف ممتلكاته وأراضيه الحالية بعرق جبينه ومن ماله الخاص؟
ولكن, لماذا ستصدق سولانج بعد الآن؟ ألم تثبت لها الوقائع والمعلومات , التي أطلعت عليها منذ وصولها أول أمس , عدم صحة تلك المزاعم كلها؟ أخطأت سولانج في حديثها عن مارجريت... وعن ملكية شامبورتن.... وربما أيضا عن سبب زواج بيار منها.
لاحظت أيلاين فجأة أنها أصبحت على مقربة من الجسر , فأوقفت السيارة بسرعة وتطلعت حولها بحثا عن الطريق الترابية , أوه , لقد تاوزتها ببضعة أمتار! عادت تلك المسافة القصيرة الى الوراء , ثم تحولت الى تلك الطريق الضيقة التي لا تكاد تتسع لأكثر من سيارة واحدة , وصلت بعد دقائق معدودة الى تقاطع الطرق الذي أخبرها عنه جاك , فأنطلقت على تلك الطريق المستقيمة بين حقول القمح وكروم العنب ,وبمجرد تجاوزها قرية بليك الصغيرة , خففت أيلاين من سرعة السيارة وأخذت عيناها تبحثان بشوق عن علبة بريد تحمل أسم دوروشيه.
أوه ! ما هذه الأصوات الغريبة التي تسمعها , ولماذا تهتز بها السيارة على هذا النحو المزعج وكأنها تحتضر , توقفت... قفزت مترين الى الأمام , وتوقفت مرة أخرى , فيما أصبح صوت المحرك أشبه بالحشرجة , تطلعت بسرعة الى مؤشر الوقود , فتبين لها فورا مدى الجفاف الذي يعاني منه المحرك , أستخدمت القطرات القليلة الباقية في الأنابيب , التي تنقل الوقود من الخزان الى المحرك ,ووضعت السيارة الى جانب الطريق.
منتديات ليلاس
ضحكت بصوت عال, وهي تضع المفاتيح في جيبها وتهم بالخروج من السيارة , لماذا التسرع يا أيلاين؟ ولماذا لم تتأكدي قبل أنطلاقك من شامبورتن , من أن كمية الوقود كافية لمثل هذه الرحلة الطويلة؟ ألا يقال أن في العجلة الندامة , وفي التأني السلامة؟ لا شك في أن أقرب محطة للوقود لن تكون ألا في بليك , التي تبعد عنها الآن أكثر من كيلومترين ,ولكن بلفين ستكون أقرب اليها من بليك , وعليه, فالتوجه اليها سيرا أفضل من العودة الى تلك القرية الصغيرة وأضاعة المزيد من الوقت.
لم تشعر أيلاين بالتبدل المفاجيء في الطقس , ألا بعدما خرجت من السيارة وأقفلت بابها , تحولت سحب الصيف الرمادية الخفيفة , التي شاهدتها قبل بعض الوقت , الى غيوم كثيفة سوداء تحجب نور الشمس عن معظم تلك المنطقة , آه من هذا الحر الشديد , ومن هذه الرطوبة المرهقة! لا بأس , ستمشي ببطء كيلا ترهق نفسها كثيرا ... وستحاول الأحتماء قدر الأمكان بظلال الأشجار القريبة , وفجأة... لمع البرق وهدر الرعد , فبدا وكأن عاصفة هوجاء ستهب بين لحظة وأخرى.
أسرعت الخطى بأتجاه بلفين, على أمل الوصول اليها قبل هبوب العاصفة , وما أن وصلت الى بداية الممر وشاهدت علبة البريد الخشبية الخضراء التي تحمل أسم دوروشيه , حتى أرعدت السماء مرة أخرى.... وأنهمر المطر , ركضت بأتجاه البيت الأبيض , الذي بدا أمامها كقلعة صغيرة على بعد مئات من الأمتار , كانت الطريق اليه صعودا , فأضطرت أيلاين للتوقف عن الركض مرات عديدة بهدف ألتقاط أنفاسها , وفي أثناء ذلك , تواصل البرق والرعد وهطول الأمطار الغزيرة ... وكأنما السماء تصب جام غضبها عليها وحدها.



اماريج 02-03-11 09:31 PM

ولما أقتربت من البيت وشاهدت سيارة السيتروين , شعرت ببعض الأرتياح , سيكون بيار الآن أما في الداخل , أو في مكان ما من أرضه يتفقد كرومه وبساتينه , وعندما رأت الباحة الخارجية للبيت التي حولتها المياه الغزيرة الى بركة كبيرة , تذكرت أنها تبدو الآن وكأنها خارجة من بحيرة غطست فيها بكامل ثيابها , دقت على الباب الخشبي وأنتظرت بضع لحظات , ثم دقت مرة أخرى.... ولكن دون جدوى , فتحت الباب ودخلت
وهي تنادي بصوت عال الى حد ما:
" بيار! بيار!".
لم يجبها أحد , ولكنها سمعت صوت ماء يتدفق في مكان ما من الجهة اليمنى , أقتربت من مصدر الصوت بخطى بطيئة حذرة , فوصلت الى باب مفتوح يؤدي الى غرفة كبيرة لا بد وأنها المطبخ , سقفه من خشب السنديان , وجدرانه الحجرية مطلية بلون بني خفيف للاية , وفي أحدى زواياه فرن كبير مبني من القرميد الأحمر الداكن.... فيما يحتل مقعدان خشبيان جانبي الزاوية المقابلة.
منتديات ليلاس
وشاهدت أيلاين على الطاولة الخشبية المستطيلة بقايا وجبة طعام لشخص واحد... بما في ذلك نصف رغيف خبز , وقطعتان من الجبنة الصفراء , وصحن لا تزال عليه آثار اللحم المقلي , وأشلاء كوب مبعثرة هنا وهناك , رفعت نظرها الذي تسمر على قطع الزجاج المتناثرة ,وتطلعت نحو النافذة حيث صوت الماء المتدفق بقوة , أوه ! رأت بيار, الذي لم يشعر بدخولها , واقفا قرب مغسلة المطبخ واضعا يده تحت المياه المندفعة من الحنفية ... كان يشتم بصوت منخفض , ركضت نحوه
وهي تسأله بلهفة:
" بيار! ماذا فعلت بنفسك؟".
قفز من مكانه كمن أصيب بعيار ناري , وأدار وجهه نحوها محدقا بذهول وأستغراب .... فيما أبقى يده الجريحة تحت الماء , سألها بحدة:
" كيف وصلت الى هنا؟".
ثم وضع يده الأخرى على جبينه , وأضاف بلهجة ساخرة:
" رباه! لا تقولي لي أنني بدأت أرى أشياء غير موجودة! هل أنت هنا حقا , أم أن الجرح أعمى بصيرتي وشل تفكيري وقدرتي على أستيعاب الأمور؟".
" لا, أنت لست واهما على الأطلاق , فأنا هنا ,وقد أتيت بسيارة البيجو حتى منتصف الطريق تقريبا بين بليك وبلفين.... ثم سرت بقية المسافة".
" وهل هذا هو الوقت المناسب للرياضة؟".
" لم أكن أفكر قط بالرياضة ,ولكنني أضطررت لمتابعة الطريق سيرا... بسبب نفاذ الوقود من السيارة".

قهقه بيار ضاحكا ,وقال بأستهزاء واضح:
" هذه أنت.... هذه أنت, يا عزيزتي , لا تفكرين أطلاقا".
" ما بك, يا بيار؟ هل تهذي؟".
أشار الى الجرح العميق في راحة يده ,وقال:
" ربما.... الى حد ما... ولكن هذا الجرح اللعين أيقظني من ذهولي وهذياني".
تأملت ذلك الجرح برعب وألم شديدين ,وبدا لها أن دماء حبيبها ستنضب , صرخت به مذعورة:
" أوه , يجب تضميد الجرح فورا , أين صندوق الأسعافات الأولية؟ أين هو؟ أخبرني وأنا أحضره , يجب وقف الدماء التي تسيل بقوة! رباه! أن لم نعمل على تضميد الجرح حالا , فسوف تموت!".
علق على لهفتها وأرتباكها , بسخرية لاذعة مريرة:
" ستتضايقين كثيرا أذا حدث ذلك , أيتها العزيزة!".
" أوه, طبعا ,من المؤكد أنني سأتضايق كثيرا , بيار, ألا تعرف أين يمكنني أيجاد صندوق الأسعافات الأولية ؟ يجب وقف هذا النزيف الحاد فورا , وقبل أن أنقلك الى المستشفى".
تمتم بصوت ضعيف, قائلا:
" لا يهم... لا يهم, كما أنه ليست عندي أشياء من هذا القبيل".
"ولكنها أشياء ضرورية لا بد منها , وأنا متأكدة من أن لديك بعضها في مكان ما ,أوه , ماذا سأفعل يا ربي؟".
تطلعت حولها بهلع واضح , بحثا عن أي شيء يساعدها على لف يده , شاهدت منشفة قطنية على الجدار القريب , فأخذتها بسرعة ومزقت منها رباطا ... ثم قالت له:
" ضع يدك مرة أخرى تحت الحنفية".
وأضافت بعد لحظات وجيزة:
" أهدأ الآن قليلا كي ألف الرباط حولها بأحكام".
منتديات ليلاس
لم تكن العملية سهلة كما تصورت , ولكنها أنهتها بنجاح ,وقالت:
" يا للغباء! لماذا لا توجد أية أسعافات أولية , وبخاصة في بيت بعيد ومنعزل كهذا ؟ماذا كان سيحدث لك , لو لم أصل في الوقت المناسب؟".
وجه اليها سؤالا لا علاقة له البتة بكلامها , وكأنه لم يسمع أقوالها... أو سمعها وقرر تجاهلها, قال لها بهدوء , فيما كان يتأملها بعينين ناعستين:
" ما بالك مبللة هكذا؟".
" هبت الاصفة وأنا في طريقي الى هنا , من المكان الذي تركت فيه السيارة , ألم تسمع الرعد؟".
"بلى".
أغمض عينيه فجأة وتمايل في مكانه حتى كاد يهوي على الأرض , ولكنه أمسك بحافة الطاولة ,وقال:
" رباه, أنني أشعر بضعف شديد!".
" لا أستغرب ذلك أبدا , فقد أرهقت نفسك اليوم بالعمل .... ثم أكلت بنهم.. وفقدت كمية كبيرة من الدك, أجلس الآن لبعض الوقت , حتى أعد القهوة وأحاول أيجاد رباط أفضل من قطعة المنشفة القديمة هذه , هيا , دعني أساعدك , هل تؤلمك يدك كثيرا؟".
جلس على أحد المقعدين الخشبيين وهو يتمتم قائلا:
" أنا... تنتفض , وأشعر كأنها موضوعة في نار حارقة".
ثم نظر اليها , ومضى الى القول:
" أخلعي هذه الثياب المبللة جدا , قبل تعرضك......".
قاطعته بشيء من الحدة:
" وماذا تقترح علي أن أرتدي عوضا عنها ؟ لا شيء أم أنك تحتفظ هنا بكمية لا بأس بها من الثياب النسائية ؟ هل توجد عندك مثلا بعض الثياب ,التي تركتها هنا أحدى.... صديقاتك؟".
أبتسم ,ورد عليها مداعبا:
" هذا ما يسمى بمهاجمة الأنسان بعد وقوعه أرضا , ليست لدي أي ملابس نسائية , ولكن... يمكنك أرتداء أحد قمصاني , فسوف يغطي معظم أنحاء جسمك , ستجدين قميصا في غرفة النوم التي تقع فوق هذا المطبخ , هيا , أذهبي الآن وأفعلي كما أقول لك".
وضعت أبريق الماء على النار , وأحضرت كيس القهوة , ثم بدأت تنظف الطاولة وتجمع قطع الزجاج المتناثرة.



اماريج 02-03-11 09:33 PM

" هيا , يا أيلاين".
"حسنا , سأذهب بعد دقيقتين أخبرني كيف كسرت الكوب".
أفتر ثغره عن أبتسامة خبيثة ماكرة ,وقال :
" كنت أمتحن قوتي ".
ثم هز يده السليمة ,وقال لها مهددا:
" هل ستفعلين كما قلت لك, أم أنني سأضطر للقيام بهذه المهمة ... بنفسي؟".
ردت عليه بلهجة تجمع بين الجدية والمزاح , قبل خروجها من المطبخ على عجل:
" أوه, يا لك من رجل متسلط!".
منتديات ليلاس
صعدت السلالم الضيقة والحادة الأرتفاع , فوصلت الى ممر يؤدي الى غرفتين , دخلت الى غرفة النوم الفسيحة التي تقع فوق المطبخ مباشرة , فأعجبت بها كثيرا , ثمة نافذة واحدة ناتئة من السقف المائل , تمشيا مع شكل سطح البيت, فيما الجدران الحجرية مطلية بلون أصفر شاحب , الأثاث بسيط للغاية ... فهناك سرير مزدوج كبير , وصندوقان خشبيان للثياب والأمتعة, وسجادتان قديمتان تغطيان معظم الأرضية الخشبية وتتناسقان من حيث الألوان مع الستائر.
قالت أيلاين لنفسها ,وهي تغير ثيابها المبللة , أنها قادرة على تحويل هذا المنزل الجميل الى بيت جذاب رائع يكون أكثر دفئا وحنانا من قصر شامبورتن ... الذي يشبه المتاحف المليئة بالتحف القديمة والنادرة , فتحت درجا وهمت بأخذ أحد قمصان بيار الزرقاء , فأنتبهت الى شرود أفكارها نحو أتجاهات بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع, ما بها؟ هل جنت؟ كيف تسمح لمشاعرها وأحاسيسها بالأندفاع الى هذه الدرجة ,وهي ان تعيش هنا في بلفين؟ لم يطلب منها أحد في الأساس أن تقيم هنا , كما أنها لم تكن تعلم من قبل أن بيار يسكن في هذا المنزل!

أعترضت أفكارها على محاولاتها المتكررة للحد منها والسيطرة عليها , وسبحت في بحر من الخيال والأحلام , أوه, كم يسعدها أن تقيم في هذا البيت... وتنام في هذا السرير الكبير , وتستيقظ على زقزقة العصافير ...وتتنشق عطر الطبيعة والحرية! وقفت أمام النافذة ,وبدأت تخطط للحديقة التي تريدها والأزهار التي تحبها , الياسمين هنا , القرنفل هناك ,والورود.... آه ما أروع الورود وأطيب شذاها!
هزت رأسها بعصبية لتستفيق من ذهولها وأحلامها ,وأوعزت الى قلبها بالأبتعاد عن العواطف والخيال... ومواجهة الواقع المر! هل يريدها بيار هنا؟ لا, وألا لكان دعاها الى مرافقته ,لا يريدها... يرفضها , وهذه هي حقيقة ثابتة لا تقبل الشك , لماذا لم يخبرها عن بلفين ,أو عن أنتهاء عمله في شامبورتن؟
وضعت ثيابها المبللة على كرسي لتجف , ثم أخذت أثنين من مناديله البيضاء النظيفة , لتستخدمها كضمادة ... ونزلت الى المطبخ , كان الماء يغلي في الأبريق , فأعدت القهوة... ووقفت أمام بيار النائم, تتأمل وجهه الشاحب بعض الشيء , جاشت عواطفها أتجاهه, وأحست برغبة قوية لتطويقه بذراعيها ... وتسريح شعره بأصابعها.
ولكنه مقطب الحاجبين عاقد الجبين , وكأنه يتألم حتى في نومه , جلست قربه ووضعت يدها على يده السليمة , فخافت وقلقت , لماذا هذه البرودة وهذا الأصفرار ,وأين هي حرارته المعتادة وحيويته الدائمة؟ هل أصابه الجرح العميق والنزيف القوي.... بصدمة؟
همست في أذنه بصوت مرتبك:
" بيار! بيار! هل أنت بخير؟".
لم يفتح عينيه أو يتحرك من مكانه , عندما سألها متمتما:
" ما.... ماذا؟".
" هل تؤلمك يدك كثيرا؟ أليس من الأفضل أن آخذك الى المستشفى لتضميد الجرح بطريقة مناسبة؟".
"لا, لا حاجة لذلك".
لمعت عيناه ببريق ساخر مرح , عندما فتحهما لفترة وجيزة , ثم أبتسم وقال:
" وكيف يمكنك الذهاب الى مستشفى أنجولام , وأنت ترتدين قميصي؟".
أنه على حق .. كعادته, فذهابها يوم أحد على هذا الشكل الى مستشفى في بلدة صغيرة , سيجذب الأنتباه ويثير موجة عرمة من الثرثرة والأنتقاد
قالت له بلهفة:
" ولكنني قلقة عليك, فالجرح كبير وعميق , وجسمك بارد جدا".
" ليس كبيرا كما تعتقدين , فحصته أثناء وجودك فوق ,فتأكد لي توقف النزيف ... وأعتقد أنه سيلتئم بطريقة ملائمة وخلال فترة قصيرة".
منتديات ليلاس
ثم أستوى في جلسته ,وأضاف بلهجة أكثر مرحا وحزما:
" ستساعدني اقهوة بالتأكيد , أكثري السكر في فنجاني , فأنا أحبها حلوة المذاق , ستجدين الفناجين والملاعق في ذلك الجانب من خزانة المطبخ".
حدقت به بضع لحظات , فيما كانت تخيم على نفسها غمامة من شعور غريب بفقدان الأمل والرجاء , أين يوم أمس وليلة البارحة ؟ ماذا حل بهما؟ هل كانا حقيقة أم خيالا؟ أحست وكأنها لم تستلم منه تلك الوردة الحمراء مع فطور الصباح,ولم تركب أمامه على دراجته الهوائية , ولم....
قال لها بصوت هادىء:
" القهوة , يا أيلاين , أن لم يكن لديك أي مانع".
آلمتها كثيرا لهجته الساخرة , التي بدت كخنجر حاد يطعنها به دونما أي داع أو سبب , أسرعت نحو أبريق القهوة ,وهي تتذكر أنها لم تقدم أبدا طوال الأشهر القليلة التي عاشتها في شامبورتن على أعداد قهوته أو طعامه... وهو ما ينتظره الرجل عادة من زوجته, حتى مع وجود الخدم في البيت , ألا توحي كلماته الآن , بأنها كانت تأنف من القيام بمثل هذه الأعمال الزوجية العادية؟
وضعت يدها على فمها, لتمنع نفسها من الرد عليه بلهجة مماثلة , ولكن عينيها أغرورقتا بالدمع , لأنهما يبتعدان عن بعضهما على ما يبدو... عوضا عن ردم الهوة وأعادة الوفاق , صبت القهوة في الفنجانين الكبيرين وهي تلاحظ أنحسار العاصفة وتوقف المطر عن الهطول , قدمت له فنجانه , ثم وضعت الصينية على الطاولة وجلست على الشق الثاني من المقعد , لتشرب قهوتها وتتذكر سبب حضورها الى بلفين
قال لها بيار بعد قليل:
" لا بأس أطلاقا, لم أتوقع من شابة عاشت معظم حياتها في بريطانيا ,أعداد مثل هذه القهوة الفرنسية الجيدة, أريد مزيدا من القهوة , أذا سمحت".
منتديات ليلاس
تطلعت نحوه بأنفعال لتقول له أن يحضر قهوته بنفسه ,لأنها ليست خادمته ,ولكنه كان ينظر عابسا الى يده الجريحة ,ويهز رأسه ,خف غضبها فجأة , وحلت محله رغبة قوية في مساعدته والسهر على راحته , أخذت الفنجان الفارغ ,وتوجهت صامتة الى الجهة المقابلة من المطبخ ,وما أن صبت القهوة وأعادت الفنجان اليه ,حتى تذكرت الهدف من وراء حضورها الى بلفين
قالت له:
طأتيت اليوم لأسألك عن شي ما يا بيار".
" ألم يكن بالأمكان الأنتظار حتى الثلاثاء ؟ سأحضر الجنازة , كما تعلمين ,ولكن... هل قررت عدم الأنتظار الى ما بعد الجنازة؟ هل قررت العودة غدا كما كنت تنوين سابقا لأن خالك لم يعد بيننا.... ولم تعد هناك بالتالي أي حاجة للأدعاء والتظاهر؟".



اماريج 02-03-11 09:33 PM

لم تعد هناك أي...! أرتجفت يدها , فأضطرت لوضع فنجانها على الصينية , لماذا تنسى بأستمرار أن ما حدث بينهما , لم يكن ألا مجرد تظاهر بالمصالحة؟ مصالحة وهمية زائفة... لم تعش سوى ساعات قليلة ,عوضا عن الأيام أو الأسابيع التي أوحى بها أول أمس , مصالحة مزعومة....وافقت عليها بتردد ,نظرا لأقتناعها من صميم قلبها بأنها ستنهار في لحظة مجنونة كهذه... وفي وقت كانت تحلم بتحول الأدعاء الى حقيقة ثابتة , قالت له بصوت ضعيف حزين:
" لا, لن أعود الى لندن غدا كما كنت أنوي سابقا , سأحضر الجنازة , ولكننا لن نجد أثناءها الوقت الكافي للتحدث".
علق على كلامها بحدة وتأفف واضحين:
" فهمت الآن ماذا تعنين ,أنت تريدين الآن جوابا على مطالبتك بالطلاق".
شرب جرعة من قهوته , ثم مضى الى القول:
" فكرت طويلا بهذا الموضوع , وقررت أخيرا أفساح المجال لك للبدء في معاملات الطلاق".
نزلت جملته كالصاعقة على رأسها ,وشعرت بأن الصدمة المذهلة قد تفقدها وعيها بين لحظة وأخرى , أحست بنظراته الحادة والجافةتلسع وجهها الشاحب , وتذيب رباطة الجأش التي حاولت التحلي بها ,كان الطلاق اللعين آخر موضوع يمكنها التفكير به , عندما تحمست للحضور الى بلفين
سألته بصوت متهدج:
" وما هي الأسس التي يمكنني الأعتماد عليها , للمطالبة بهذا الأمر؟".
نظر اليها بعصبية , ثم هز كتفيه وأجابها بلهجة باردة جافة:
" الأسس التي تناسبك , أتصور أنك لن تجدي أي صعوبة تذكر في هذا المجال , أذا أستعنت بمحام قدير , لماذا الدهشة والأستغراب؟ هل بدأت تعتقدين أنني لن أوافق أبدا على الطلاق ,أم أنك غيرت رأيك مرة أخرى؟".
أحنت رأسها قليلا , لأنها لم تعد قادرة على تحمل سهام السخرية المنطلقة من عينيه وشفتيه , أخذت نفسا عميقا , ثم تمتمت قائلة:
" أنها حقا كلمات مثيرة للدهشة , فبعد ليلة أمس.........".
خنق الأمل والذهول المروّعان بقية الجملة في حلقها , فكادت تقفز من مكانها وتفر هاربة من هذا الوضع المرهق للنفس وللأعصاب, لا, لن تفر مرة أخرى... فقد شبعت فرارا وهروبا , وشبعت تهربا من مواجهة المصاعب في حينها! ستبقى لتعرف كل شيء
لما في ذلك النهاية المرة والحزينة التي بدأت تتوقعها , سألها ببرودة:
"ماذا حدث لياة أمس؟".
عصر الألم قلبها , لأنه يسألها عما حدث! قالت له بصوت مرتجف:
" أنت تعرف جيدا ماذا حدث يا بيار".
"حقا؟ لم ألاحظ أو أدرك أن للحب علاقة بما جرى , تصورت أن ما حدث بيننا ليلة أمس , جاء تلبية لرغبات معينة كان كل منا بحاجة اليها , تصادف وجودنا معا في غرفة واحدة , فتمت الأمور اللاحقة بصورة طبيعية ,وكل ما في الأمر , أن زواجنا الذي لا يزال قائما حسب الأوراق والمستندات... أضفى الصيغة القانونية على ما قمنا به".
منتديات ليلاس
أستشاطت أيلاين غضبا وسخطا , من جراء الأهانة الحقيرة التي أوحت بها كلماته القاسية اللاذعة , أنه ينتقم الآن مما قالته له أمس , تبا له! أحست برغبة للأنقضاض عليه ... لصفعه... لغرز أظافرها في وجهه, ولكنها تذكرت ما حل بها في مناسبات مماثلة سابقة, تمكنت بعد قليل من القول له:
" ولكن كيف يمكنك التحدث اليوم عن الطلاق؟".
" لأن هذا ما تريدينه , أيتها الحبيبة , هل نسيت كلامك لي يوم الجمعة؟ ألم تذكري أنك لست بصدد المصالحة معي... وبأنك تريدين الطلاق ...وبأن ما من شيء , بما في ذلك أحتمال حرمانك من أرث خالك, سيثنيك عن رأيك؟ الآن, توفي خالك ولم يعد هناك أي مجال لجرح مشاعره أو تغيير وصيته ,وبناء على ذلك , فأنا أفعل الآن ما يوافقك ويناسبك.... ويرضيك ,ها قد وافقت أخيرا على رغبتك في الطلاق , فلماذا الأستغراب؟".
لم تشعر هذه المرة بسخريته المعتادة , فقد تحدث بصدق وهدوء مذهلين , تأملته أيلاين وهو يسند رأسه ثانية الى حافة المقعد الخشبي , ويغمض عينيه عابسا متوجعا , قالت لها مارجريت أن شيئا يقض مضجعه ويحزنه ,وها هي ملامح وجهه تثبت ذلك بشكل قاطع. بدا حزينا حتى اليأس وكأنه يعكس شعورها عندما سمعت كلام سولانج.... وفرت عائدة الى لندن , أحست بأن حزنه المحتمل يحزنها , والألم الذي ربما يشعر به يؤلمها ويحز في نفسها
سألته بأرتباك واضح:
" ولكن... هل الطلاق هو... هو ما تريده.... أنت؟".
فتح عينيه ببطء شديد , ثم قال لها برقة ونعومة:
" أريده, أذا كان سيسعدك , فكل ما أريده , وأردته دائما ,هو أسعادك".
بصيص أمل .... وشعاع رجاء! عاد الأحمرار تدريجيا الى وجنتيها
وهي تسأله:
" هل هذا يعني..........".
قاطعها صوت نسائي ناعم , ينادي من الممر الداخلي:
" مرحبا يا بيار!بيار؟ أين أنت؟ أرجو أن تكون هنا , وألا فستذهب رحلتي أثناء العاصفة هياء ,أوه, يا لها من عاصفة هوجاء!".
تجمد الدم في عروق أيلاين , وأحست برعشة قوية , وعندما عرفت صاحبة الصوت , أستدارت بسرعة نحو الباب , وحدقت بذهول بالغ, كانت سولانج بورجيه واقفة في الباب بكامل أناقتها ,ووراءها رجل طويل القامة أشقر اللون... وذو لحية حمراء.

نهاية الفصل السادس



اماريج 05-03-11 06:53 PM


7_ أمس, واليوم , وأبدا....

مرت لحظات صمت عصيبة , والشخصان الجالسان يحدقان بالأثنين الواقفين في الباب بطريقة تدل على الأستياء من هذه الزيارة المفاجئة, ثم وقف بيار وقال للزائرة بصوت ناعم عميق
بعد مسارعته الى أخفاء يده الجريحة في جيب سرواله:
" أهلا وسهلا , يا سولانج,لم أتوقع حضورك بمثل هذه السرعة ".
تقدمت نحوه بذراعين مفتوحتين , وأبتسامة مشرقة, ثم وضعت يديها على كتيه وخدها على خده ...حسب الطريقة الفرنسية , وقالت:
"أوه , يا صديقي العزيز , كم أنا مسرورة برؤيتك".
منتديات ليلاس
ثم أستدارت نحو الرجل الذي دخل وراءها ,وقالت له:
" تعال , يا بيورن , لأعرفك على صديقي العزيز جدا....بيار دوروشيه".
حولت نظراتها بسرعة نحو أيلاين , التي ظلت جالسة على المقعد وكأنها قطعة من الجليد , وأضافت بلهجة ساخرة خبيثة:
" وأيضا على من كنت أظنها... حتى الآن ... زوجته ذات الطباع الغريبة , أيلاين".
أحنى العملاق الأشقر رأسه أحتراما ,وقال:
" أنا بيورن بيولينج , ويسرني التعرف عليكما".
رد عليه بيار بتهذيب مماثل:
"على الرحب والسعة , تفضل , أجلس ,أيلاين , هل من الممكن أعداد المزيد من القهوة؟".
" نعم, نعم, طبعا".
حملت الصينية بشيء من الحدة ,بعدما لاحظت أن سولانج تتأملها بأستهزاء ... وحقد , وضعت الماء على النار وأصغت بأنتباه بالغ , كي تسمع كل كلمة يقولها الآخرون , أستهل بيار الحديث بالقول:
" متى عدت من باريس , يا سولانج؟".
" في وقت متأخر من ليلة أمس, أنا آسفة جدا , أيها الصديق العزيز, لعدم تمكني من مقابلتك لك المرة , وآمل في ألا يكون غيابي عن الشقة , قد تسبب لك بأي أزعاج , قالت لي السيدة أولات أنك كنت متضايقا قليلا من شيء ما , فقررت الحضور اليك في أسرع وقت ممكن".
أحست أيلاين بالغيرة تطعنها في الصميم ,وتخلف جرحا عميقا في قلبها وعواطفها وكرامتها , لماذا توحي كل كلمة تقولها سولانج بوجود علاقة حميمة تربطها مع بيار ؟لماذا؟.... سمعت زوجها يعلق بكلام هادىء على تلك الجملة
ثم يحاول أبعاد الحديث عن المواضيع الشخصية:
" لا, لم أشعر بأي أنزعاج على الأطلاق, هل أنت في أجازة هنا , يا سيد بيورلينج؟".
" لا يمكن وصف أقامتي هنا على هذا الوجه بالتحديد, فأنا فنان أيضا ,وأنتقل بين هذا البلد وذاك".
تدخلت سولانج على الفور , عندما أحست بتردد رفيقها الناجم عن عدم طلاقته بالفرنسية , وقالت:
"ألتقينا في العام الماضي ,في أستوكهولم , أتصل بي هذه السنة ليقول أنه آت الى باريس , ويحب مشاهدة بعض المدن الأخرى وأجزاء معينة من الريف الفرنسي , ذهبت الى العاصمة لأستقباله , ودعوته الى الأقامة هنا بعض الوقت , ويأمل بيورن في التوجه الى أسبانيا , في فترة لاحقة".
لاحظت أيلاين , أو هكذا تصورت , أن سولانج تحاول أسترضاء بيار.... وكأنها تريد أقناعه بعدم وجود أي علاقة تربطها بهذا الرجل السويدي, تماما كما تفعل أي أمرأة مع حبيبها الغيور عندما يكتشفها مع رجل آخر , تطلعت بسرعة نحو بيار للتأكد من ردة فعله , فبدا لها غاضبا الى حد ما , حولت نظرها بالسرعة ذاتها الى بيورن , فلاحظت أنه يشعر بشيء من الأحراج والأرتباك , لم يعلق بيار علىالمعلومات المتعلقة باللقاء والدعوة وأحتمالات السفر , فعادت سولانج الى المواضيع الشخصية والخاصة
سألته بغنج ودلال:
" لماذا أتيت لزيارتي أمس؟".
" لأستعيد بعض الأشياء الخاصة بي, والتي أعتقد أنني نسيتها في شقتك".
تظاهرت سولانج بالدهشة , وهي تسأله بهدوء:
"أشياء تخصك؟ وهل توجد عندي أشياء كهذه؟".
منتديات ليلاس
" طبعا! هل نسيت؟ عندما زرتك في أحد أيام الشتاء لشراء أحدى لوحاتك الفنية الجميلة , تركت قفازين وقداحة وعلبة سكائر على طاولة صغيرة في القاعة , وقد شاهدتها أيلاين في وقت لاحق من ذلك اليوم نفسه".
وضعت أيلاين الفناجين الأربعة على الصينية وتطلعت نحو سولانج
التي نظرت اليها بتحد واضح وسألتها:
" حقا, يا أيلاين؟لماذا , أذن , لم تأخذي تلك الأشياء لدى مغادرتك شقتي؟".
سؤال في محله ... ولكن كيف ستتمكن من الأجابة عليه بحضور رجل غريب ؟ لاحظت نظرات الأستهزاء في عيني بيار
فقالت وهي تدير وجهها نحو أبريق الماء:
" لم أفكر حينئذ بهذا الأمر".



اماريج 05-03-11 06:55 PM

ألتفتت سولانج مرة أخرى نحو بيار ,وسألته بصوت دافىء مغر:
" هل كان ذلك حقا السبب الوحيد لزيارتك؟".
"لا! كنت أطلع الى أيضاح مسألة صغيرة تزعجني منذ بعض الوقت ,كنت آمل في سماع شرحك للأسبابالتي حملتك على أبلاغ أيلاين بأني زرتك أمثر من مرة في شقتك بأنجولام".
تظاهرت سولانج مرة ثانية بالدهشة والأستغراب ,وسألته ببرودة:
" هل قالت لك ذلك حقا؟".

أستدارت أيلاين نحوها , فواجهتها سولانج بنظرات التحدي والأنفعال قائلة:
" من المؤكد أنك أسأت فهمي , يا أيلاين".
تطلعت نحو بيار , ومنه الى أيلاين , ثم وضعت يدها على خدها ومضت الى القول هامسة:
" أوه , رباه! ألهذا السبب.... لم تتصوري آنذاك بالتأكيد أن بيار وأنا.... ".
توقفت عن أنهاء جملتها , وغطت وجهها بيديها ... وهي تهز رأسها بكثير من العصبية , تحول أرتباك بيورن وذهوله الى قلق واضح, فأقترب منها وهمس بضع كلمات في أذنها , لم تتحرك من مكانها ولم ترفع يديها عن وجهها , ولكنها هزت كتفيها وكأنها تقول له... دعني وشأني , ظلت أيلاين واقفة دون حراك ,وهي تشعر بالألم والسخط , لقد نجحت سولانج على ما يبدو في أظهارها أندفاعية متهورة , وبأنها تسرعت في أصدار أحكام مبرمة بناء على ما تخيلته حقيقة ثابتة , تطلعت نحو بيار مستنجدة به , فبدت ملامح وجهه بعيدة كل البعد عن الشفقة والرحمة... أو حتى عن الأستعداد للغفران
قالت له بصوت ضعيف حزين:
" لم... لم أكن مخطئة , هكذا قالت لي".
رفعت سولانج وجهها وأبعدت خصلات الشعر التي تغطي قسما منه , ثم نظرت الى بيار وهزت كتفيها قائلة:
" لماذا أكذب في موضوع كهذا؟".
منتديات ليلاس
أجابها بلهجة جافة:
" هذا ما كنت أتساءل عنه".
لم تعد أيلاين قادرة على تحمل المزيد من تصرفات سولانج الخبيثة والماكرة , فصرخت بها فجأة:
" ولكنك كذبت , يا سولانج بورجييه! كذبت في كل شيء , وعن كل موضوع تحدثت عنه , قلت لي أشياء كثيرة , أكتشفت فيما بعد عدم صحتها ,كذبت عن والدة بيار , عندما قلت أنها تزوجت وأباه كذريعة للتقرب من خالي , كذبت عندما أوحيت لي بأنني سأرث شامبورتن , وبأن هذا هو السبب الوحيد لأقدام بيار على الزواج مني أنا أعرف الآن أن مارجريت تزوجت من جان دوروشيه , قبل فترة طويلة من ذهابه للعمل في شامبورتن , وأعرف أيضا أنني لن أرث شيئا يذكر من خالي , لأن شركة سان فيرن تملك كل شيء في شامبورتن .... بما في ذلك القصر , كذلك , فأنا أعرف الآن أن بيار لم يقم بزيارتك في شقتك ألا مرة واحدة .... بهدف شراء لوحة فنية ,كذابة , منافقة ! كذبت علي , وأنا كنت غبية جدا بحيث أنني صدقتك في كل كلمة قلتها لي!".
قالت لها سولانج بنعومة, تكاد تصل الى درجة الرقة والحنان:
" أيلاين, عزيزتي , لا شك في أنك غاليت كثيرا في ردود فعلك وتصرفاتك الغاضبة , هذا كله من نسج خيالك , فأنا لم أقل شيئا عن والدة بيار أو عن شامبورتن , وحتى لو أنني ذكرتهما في معرض حديثنا العام ,فأنا متأكدة من أنك لم تفهمي كلامي على حقيقته ... لأنك لا تستخدمين لغتك , هذا ما يشعر به بيورن أحيانا , عندما نتحدث معا بالفرنسية , أليس ممكنا أذن , أن المشكلة نابعة عن صعوبة في الترجمة أو سوء التفسير؟ كلمة من هنا وأخرى من هناك, ويتغير المعنى لصورة جوهرية , ألا توافقني على ذلك , يا بيار؟".
" نعم , أنه أحتمال وارد".
منتديات ليلاس
شعرت أيلاين بالألم الحاد يعصر قلبها , ويحطم سعادتها وآمالها , أنه يصدق كلام سولانج ويقبل تفسيرها وتبريرها! أنطلقت من فمها صرخة أحتجاج مكبوتة , وفرت هاربة من الغرفة... تماما كما حدث معها في العام الماضي وفي شقة هذه المرأة اللعينة بالذان.
توقفت لحظة في الممر , عندما لاحظت أنها حافية القدمين ولا ترتدي سوى قميص بيار , لن تتمكن من مغادرة بيته على نحو غير لائق كهذا ,مما يعني أضطرارها لأرتداء ملابسها المبللة , ركضت بسرعة نحو الغرفة العليا , ثم دخلتها وأغلقت الباب وراءها بعصبية بالغة , أسندت ظهرها الى الباب لتحد من أرتجاف جسمها , فتذكرت كيفية خروجها من شقة سولانج قبل تسعة أشهر وجلوسها في السيارة... لتفكر بما ستفعل , ها هي الآن , كما في المرة السابقة , تفر من وضع معين ... لعدم قدرتها على مواجهته ومعالجته , ولتألمها البالغ من وجود علاقة ما بين بيار وسولانج.
خلعت قميص بيار وأرتدت ثيابها المبللة , فأحست برجفة البرد وقشعريرته , ستذهب الى بليك , لأحضار بعض الوقود لسيارة البيجو و....! أوه , لقد نسيت , أو بالأحرى أنستها الظروف والتطورات المتلاحقة , أبلاغ بيار أن عليه الذهاب غدا الى شامبورتن لسماع وصية خالها , ولكنها علمت على الأأقل أنه يوافق على منحها الطلاق , لأنه يريد أسعادها ... وليس لأنه هو راغب في ذلك , أوه! لماذا أتت سولانج في تلك اللظة , التي بدأت تستعيد فيها بعض الأمل؟ ولكنها أتت, ولم يعد هناك بالتالي أي داع لوجودها هي...
أنهمرت الدموع من عينيها , وهي تهم بمغادرة الغرفة ,كلما أسرعت في الأبتعاد عن هذا البيت الذي أحبته وتمنت البقاء فيه , كلما كان ذلك أفضل لها ... وكذلك الأمر بالنسبة لمغادرتها فرنسا , لن تعرّض نفسها بعد الآن للألم ,وقلبها للتحطم, ولكنها , مع الأسف الشديد , لن تعرف من الآن فصاعدا معنى السعادة واللذة والهناء!
تسللت من المنزل بحذر تام , وبدأت تجري بأقصى سرعتها على الطريق الطويلة الضيقة ... والموحلة , كانت السماء زرقاء صافية , والعصافير سعيدة فرحة , والأعشاب خضراء نظيفة ,ولكن الغيوم السوداء لم تترك قلب أيلاين الحزين! وما أن أقتربت من نهاية الطريق , حتى شاهدت سيارة تقترب بسرعة والرذاذ يتطاير بعنف من تحت عجلاتها ,تقدمت من حافة الطريق , وهي تلوح بيدها ... مشيرة الى السائق بالتوقف.
" طاب نهارك , يا سيدتي ,هل يمكنني مساعدتك بشيء ؟".
طان السائق مزارعا في منتصف العمر ويبدو طيبا ومهذبا , فأرتاحت أيلاين اليه وشرحت له مشكلتها بأيجاز ثم طلبت منه نقلها ألى أقرب محظة وقود , قال لها وهو يفتح الباب:
" سأقترح عليك حلا أفضل من هذا , توجد معي صفيحة أضافية من الوقو د, ستوصلك بالتأكيد الى بليك .... حيث يمكنك ملء خزان سيارتك".
منتديات ليلاس
جلست قربه , وقالت له بأمتنان ظاهر:
" شكرا لك ,أيها السيد".
وصلا الى سيارة البيجو , فأفرغ المزارع صفيحة الوقود في خزانها وهم بالذهاب , عرضت عليه ثمن الوقود , فلم يقبله ألا بعد أصرار شديد , يا له من رجل طيب! كررت شكرها له , فأحنى رأسه تهذيبا وأحتراما ثم حياها مودعا ومتمنيا لها التوفيق , توجهت الى بليك , حيث ملأت خزان الوقود وتابعت طريقها الى شامبورتن.
ولدى أقترابها من الجسر الذي تعبره السيارات الى قرية شامبورتن , توقفت يضع لحظات لتفكر بما ستفعله , هل تتجه يسارا الى القصر لتسمع محتويات الوصية وتحر جنازة خالها , أم تتحول الى اليمين وتتابع سيرها الى باريس؟ قد تجد طائرة الى لندن هذه الليلة , أو تضطر للأنتظار في المطار كي تستقلفي الصباح أول طائرة متجهة الى العاصمة البريطانية , من سيتضايق في شامبورتن من ذهابها الآن؟ لم يعد هناك خال عجوز يحزنه ذهابها ويحطم قلبه وأحلامه هربها للمرة الثانية ... والأخيرة , مارجريت؟ قد تشعر بأن قرارها دليل على عدم الأحترام لذكرى خالها ,ولكنها لن تصاب بأي دهشة أو أستغراب , ستعتبر هذا التصرف مثلا جديدا على تهور كنتها , وأثباتا آخر بأنها ليست زوجة صالحة لأبنها.
أما بيار , فلن يشعر قطعا بأي أنزعاج أو أنقباض , ألم يوافق , قبل أقل من ساعتين على الطلاق؟ صحيح أنه تحجج بسعادتها وراحة بالها, ولكنها تظن الآن أنه فعل ذلك لتبرير هذا التبدل السريع والمفاجىء في رأيه.
فلماذا لا تذهب الآن أذن , طالما أن الفرصة متاحة لها , لماذا لا تترك وراءها الى الأبد , أحلام السعادة والهناء؟ أنها مجرد أحلام ... أضغاث أحلام ! وهل تدوم الأحلام الى ما لا نهايى؟




اماريج 05-03-11 06:56 PM

قادت السيارة بضعة أمتار الى الأمام لتعبر الجسر , ثم حولتها الى اليمين ,شاهدت مارسيل أمام مرآبه هو يملأ خزان أحدى السيارات بالوقود , وعندما لاحظ سيارة خالها , لوح لها بيده محييا .... فلم ترد التحية بالمثل , بل أطلقت العنان للبيجو لتبتعد عن شامبورتن ... الى الأبد , وصلت بعد دقائق معدودة الى المكان ذاته , الذي أنزلقت فيه سيارة الرينو الصغيرة , فخففت السرعة قليلا وبطريقة لا شعورية , وبعدما تجاوزت ذلك المنعطف , تطلعت في امرآة الصغيرة لتلقي نظرة أخيرة و...
منتديات ليلاس
شهقت بذهول وأستغراب شديدين , عندما لاحظت سيارة السيتروين الرمادية اللون تجدّ في أثرها ... وتحاول تجاوزها ... حتى على الرغم من المنعطف الخطر الذي تقترب منه , ضغطت بقوة على دواسة البنزين , فوثبت البيجو كأحدى سيارات السباق وأنطلقت بسرعة جنونية ... بعد تمايلها قليلا على الطريق المبللة , أمسكت أيلاين جيدا بالمقود , لتضمن عدم أنزلاق سيارتها أثناء عبورها المنعطف القاسي.
برزت فجأة سيارة أخرى من الناحية الثانية , قفز قلبها من مكانه وشعرت بجفاف حاد في فمها , نظرت بسرعة الى المرآة , فأحست بأرتياح بالغ , تفادى السائق الأصطدام بالسيارة الآتية بأتجاهه , ولكن بمسافة قصيرة للغاية , لم تكن السيتروين حينئذ ألا على بعد أمتار معدودة عنها , فلاحظت أن سائقها المجنون ليس سوى .... بيار... وأنه وحده.
أستغلت فرصة ظهور سيارة ثانية من الجهة المقابلة , وعدم تمكن بيار بالتالي من تجاوزها , فزادت الضغط على دواسة البنزين بحيث أوصلت سرعة السيارة الى أقصاها , أستقامت الطريق ثانية , ولم تعد هناك على ما يبدو أي سيارات آتية بأتجاههما , حوّل بيار سيارته الى يسار الطريق , ثم أقترب منه ... دون أن يتجاوزها , بدت السيارتان وكأنهما حصانان يتسابقان ولا يتمكن أي منهما من تجاوز الآخر.
توترت أعصاب أيلاين بطريقة مذهلة ولم تعد قادرة على تركيو كافة أنتباهها على الطريق المبللة الممتدة أمامها , وذلكلأهتمامها بتجنب أي أحتكاك أو تصادم بين السيارتين ,وفجأة , ظهرت سيارة آتية نحوهما , سيضطر بيار الآن أما الى تجاوزها , وهو قادر على ذلك بكل سهولة , وأما الى تخفيف سرعته قليلا والتحول الى يمين الطريق , ولكنه لم يفعل شيئا من هذا القبيل , وحافظ على سرعته ذاتها.
دب الرعب والهلع في قلبها , عندما أدركت أن أصطداما مروعا وهائلا سيقع بين سيارة بيار والسيارة الأخرى .... مما سيؤدي الى مصرعه , لم تفكر بمن قد يكون في السيارة الثانية وبما قد يحصل لهم , لأن همها الوحيد كان.... بيار! حولت سيارتها الى أقصى اليمين , وضغطت على المكبح , أنزلقت البيجو وأستدارت حول نفسها , بحيث تزحلقت العجلتان الخلفيتان نحو القناة المنخفضة وأصبحت مقدمة السيارة بأتجاه شامبورتن.
فتحت عينيها بعد لحظات من الغضب العارم , المشبع بالصدمة والخوف , فلم تشاهد ألا السماء التي تلبدت ثانية بالغيوم السوداء , أطفأت المحرك وحاولت الخروج من السيارة , التي كانت تشكل مع حافة الطريق زاوية من خمس وأربعين درجة , لم تتمكن من فتح الباب بالسهولة التي تصورتها
ففتحته لها بيار وهو يسألهاببرودة تضج سخرية وأستنكارا:
" تحاولين الهرب مرة أخرى؟".
تطلعت نحوه , فلم تجد برودة مماثلة في عينيه ونظراته , كان يحدق بها بسخط بالغ , لا يوازيه سوى غضبها وحنقها , خرجت من السيارة , صارخة:
" ماذا كنت تفعل؟ تحاول تجاوزي في منعطف محفوف بالمخاطر .... حتى على الرغم من أقتراب سيارة أخرى من الناحية المعاكسة؟
"كنت أحاول أدخال الخوف والرعب الى قلبك , ويبدو أنني نجحت تماما في ذلك, الى أين كنت تظنين نفسك ذاهبة؟".
هزت رأسها بعنف لترجع شعرها الى الوراء , وقالت بحدة:
" الى باريس , ومنها الى لندن ,ولن تتمكن من منعي".
أشار الى سيارة البيجو ,وقال لها بلهجة جافة:
" ولكنني منعتك .... ولن أدعك تتابعين رحلتك , ستعودين معي الى شامبورتن".
"لا , يا بيار, فما نفع ذلك؟ لقد قلنا كل شيء ,وأنت وافقت على الطلاق.... وهذا هو كل ما كنت أريد معرفته".
تنهد وقال:
" لم أكن أفكر بالوضع القائم بيننا , بل بأتباع الأمور المتعارف عليها حسب الأصول , لا يمكنك مواصلة الهرب , يا ألاين , لمجرد سماعك كلاما لا يروق لك , ألم يحن الوقت بعد , لتنضجي وتصبحي راشدة؟".
" أنا ناضجة وراشدة!".
" تصرفي أذن حسب ذلك, وهيا معي الى شامبورتن , أنت مدينة لخالك , على الأقل , بسماع وصيته وحضور جنازته".
توقف لحظة , ثم تابع حديثه الهادىء قائلا:
" لا يمكنك أبدا تصور مدى الأنزعاج والضيق الذي أحس به الجميع , عندما هربت في العام الماضي.... ومدى القلق الذي شعر به كل منا , عندما أدركنا أنك لن تعودي في مساء ذلك اليوم الماطر , خافت أمي كثيرا من أحتمال تعرضك لحادث سيارة ... وأنا كذلك , ذهبت أبحث عنك على طول الطريق من هنا حتى أنجولام".
منتديات ليلاس
"حقا؟ ولكنك لم تكن في القصر! كان يفترض بك أن.......".
"قلت لك قبلا أنني تركت المدينة في وقت مبكر , لأشتري هدية عيد ميلادك , وصلت الى لقصر ,ومعي الهدية ,وجلست أنتظر , وعندما لم يظهر لك أي أثر , أصبت كالجميع بقلق عظيم".
ثم هز رأسه , وأضاف بالهدوء ذاته:
" وها أنت الآن تحاولين الأقدام على أرتكاب الخطأ نفسه , وتعذيبنا بطريقة مماثلة , لماذا؟ ألأنك لم تفكري؟ ألأنك تصورت أشياء غريبة عجيبة , كما حدث عندما شاهدت القداحة والقفازين في شقة سولانج ؟ لم تفكري بأحد آخر سوى نفسك , وبمدى الألم الذي أحسست به , لم تفكري بي أطلاقا".
كان المطر ينهمر بقوة في تلك اللحظة , وكذلك... دموعها , قالت له بصوت منخفض مرتجف ,وهي تمسح عينيها ووجهها:
" آسفة , لم أقصد أزعاج أحد أو أقلاق أي كان, لكن ... ولكنني شعرت بألم حاد ينخر عظامي عندما شاهدت تلك الأشياء في شقتها وسمعت ما قالته عن علاقتك بها ... وعندما وافقتها اليوم على كلامها.........".
أمسك بذراعيها وهزها قليلا ,وهو يقاطعها بتحد:
" ماذا تقولين ؟ هل تصورت أنني وقفت الى جانبها؟".
" نعم , فعندما أتهمتني بذكاء خبيث ماكر بأنني أسأت تفسير كلامها نظرا للتعقيدات اللغوية , صدقتها! قلت لها أن سوء التفسير والفهم , محتمل في مثل هذه الحالات , لم تصدق كلامي ,ولكنك قبلت تفسيرها هي لما حصل".
" وعليه ...قررت الهرب مرة أخرى! لم تزعجي نفسك بالأنتظار دقيقة أخرى , لكي تسمعي بقية الأشياء التي قلتها لها , آه , أيتها الحبيبة ,كم من مرة ستحصل هذه الأمور قبل أن تتعلمي؟ هل تريدين معرفة ما قلته لها؟".
"نعم, نعم".

" هيا أذن الى السيارة الأخرى , قبل أن نغرق , سنتصل بمارسيل من القصر ,ونطلب منه أحضار البيجو , أتصور أنه سيجد الموضوع ممتعا للغاية".
وضع ذراعه حول كتفيها , وسارا معا نحو السيارة الرمادية , لم تحتج أو تمانع , عندما أدار المحرك وأنطلق بأتجاه شامبورتن , ها هو اللعين يتولى زمام الأمور مرة أخرى , ولكن شعورها الآن مختلف نوعا ما عن السابق , عاد الأمل يرفرف في قلبها ,ويدغدغ مشاعرها وعواطفها , أنه رجل لعين , ولكنها تحبه كثيرا... وتعرف مدى رغبتها في تملّكه الكامل والتام لها!
" قلت لسولانج أنني أشك كثيرا في أمكانية حدوث سوء تفاهم , بسبب اللغة , لأنها كانت تتحدث مع شخص يعرف اللغة جيدا , عرفت أنها تكذب مجددا , كما فعلت معك في العام الماضي , وأصبحت أدرك الآن سبب كذبها , عرفت السبب فور وصولها الى بلفين , بتلك الصورة المفاجئة".
" أوه ! لماذا كذبت أذن؟".
أجابها بصراحة مطلقة:
" لأنني رفضتها ونبذتها".



اماريج 05-03-11 06:58 PM

"رفضتها ونبذتها؟ولكنني كنت أتصور أنك أبتعت أحدى لوحاتها".
" صحيح , ولكن الرفض كان لها وليس للوحاتها , فعندما ذهبت الى شقتها في تلك المرة الوحيدة لرؤية اللوحة , تظاهرت فجأة بأنها تعاني من شدة الهجر والبؤس ... وبأنها مشتاقة الي كثيرا , ونادمة جدا على عودتها بعد زواجي من أمرأة أخرى".
ثم مضى الى القول , بلهجة أكثر قساوة وسخرية:
" أقترحت علي أقامة علاقة والبدء من حيث أنتهينا , فرفضت رفضا باتا".
تذكرت أيلاين كلام مارجريت عن سولانج , فقالت:
" لم يعجبها ذلك بالطبع, فقررت الأنتقام".
" تماما , وقد تمكنت من تحقيق مآربها والأنتقام لعزة نفسها , خلال وقت قياسي لم تكن لتحلم به".
منتديات ليلاس
وصلا في تلك اللحظة الى المنعطف الذي تعرضت في نهاينه لتلك الحادثة البسيطة , فتنهد بيار ومضى الى القول بلهجة تحمل الألم والمرارة:
" زرتها أنت في وقت لاحق من اليوم ذاته , فأمطرتك وابلا من الأكاذيب عني وعن أمي وخالك والأرث , لو توقفت آنذاك لحظة جدية للتفكير الناضج , وأتيت لأطلاعي على ما حدث , لكان بأمكاني أيضاح كافة هذه الأمور خلال دقائق , كنت سأخبرك جميع المعلومات التي أطلعت عليها بنفسك ,خلال هذين اليومين ,ولكنك لم تفعلي ذلك , ولا أعرف حتى الآن سبب هذا التصرف, لماذا لم تثقي بي , يا أيلاين , لماذا؟".
" تألمت.... تألمت كثيرا , بحيث فقدت السيطرة على أعصابي ولم أعد أعرف ماذا أفعل ,كنا سعيدين جدا , أنت وأنا... هكذا كان شعوري أنا على الأقل ,وتصورت أنك مثلي , أوصلني وجودي معك وقربي منك كل يوم الى السماء السابعة , الى قمة السعادة التي لم أحلم قط بالوصول اليها , ثم قالت لي سولانج أنك تزورها.... وأوحت بأنك لا تزال تحبها ... فثارت أعصابي ولم أعد أتحمل سماع المزيد أنا.... تزوجتك , لأنني... لأنني أحببتك حبا جارفا ,وعندما أكتشفت فجأة أنك لا تحبني , كدت أصاب بأنهيار عصبي , وقررت الهرب".
زاد بيار من سرعة السيارة بشكل جنوني , ثم أوقفها بعد عبورهما الجسر في منطقة هادئة قرب النهر... وأطفأ محركها , وما هي ألا لحظات معدودة , حتى ضرب المقود بيديه
وصرخ:
" الكذابة المنافقة الوضيعة! صممت عمدا على تحطيم زواجنا , بسبب حسدها لك ,ولكن... ولكنك قلت قبل قليل أنك قبلت الزواج مني , لأنك أحببتني , أي حب هو هذا الذي يتضعضع وينهار كليا بمجرد مواجهته أمتحانا... حتى كهذا؟".
منتديات ليلاس
ثم نظر اليها بحدة , وأضاف بلهجة ساخرة تحمل الكثير من المرارة في طياتها:
" يا له من حب بسيط سطحي!".
ردت عليه أيلاين بعصبية مماثلة:
" لم أتزوجك على الأقل الا بسبب الحب , سطحيا كان أم عميقا, أما أنت فقد تزوجتني بناء على رغبة خالي , وهذا أمر لم تكذب به سولانج".
"رغبة خالك؟ أوه, لقد ذكرت لي ذلك من قبل , فقلت لي أيضا أنه أستخدم الرشوة معي, لكي أقبل بالزواج منك, من أين أتتك هذه الفكرة المستهجنة؟".
" أترجع... أتراجع الآن عنا قلته بالنسبة للرشوة , لأنني تأكدت اليوم من أنه لم يكن لديه أي شيء ليستخدمه كرشوة, ولكنني أعرف أنه هو الذي خطط لزواجنا , لأنه أبلغني ذلك بنفسه صباح أمس".
" التخطيط الوحيد الذي أعده خالك, حسبما أعرف, هو دعوتك في الصيف الماضي لتمضية عطلتك الصيفية في شامبورتن, ألتقينا نتيجة لذلك, ولكن التطورات التي تلت اللقاء كانت طبيعية وحتمية , شعر كل منا بأنجذاب نحو الآخر , فخدعنا نفسينا لتقتنعا بأننا نحب بعضنا ...".
توقف عن أتمام جملته وأبعد وجهه عنها
فأحتجت على كلامه بعنف قائلة:
" أنت الذي حاولت الخداع ,وليس أنا , أقنعتني ظهر ذلك اليوم الحار في الغابة, بأنك تحبني ,وبعدما أصبحت أعرف الآن أنك لم تفعل ذلك بدافع مادي أو سعيا وراء مكاسب مالية , لم يعد هناك ألا سؤال لا يزال يحيرني ويزعجني , لماذا تزوجتني.......".
أختنقت بقية سؤالها في حلقها , وجحظت عيناها , عندما شاهدته يدير وجهه القاسي نحوها فجأة ويهز كتفيها بعنف بالغ ...
صارخا بعنف مذهل كأنه بركان ثائر:
"" لا تفهمين ....لا تفهمين ,وهذه هي مشكلتك الكبرى والأساسية منذ البداية , تزوجتك لأنني أحببتك , ولأنني لم أقبل بأن تكون علاقتنا هامشية وعابرة ... والتسلل كاللصوص الى غابة هنا أو مرج هناك , أردتها علاقة عميقة , وطيدة , ودائمة........".
منتديات ليلاس
ترك كتفيها فجأة ووضع مرفقيه على مقود السيارة , ثم غطى وجهه بيديه وتمتم قائلا:
" رباه! أنك ترغمينني , من حيث تدرين أو لا تدرين على التصرف معك بطريقة مجنونة وبعيدة كل البعد عن طبيعتي ووجداني... على أستخدام الوحشية والعنف اللذين لا أقرهما أطلاقا".
ضحك بألم , وأنهى كلامه المطول بالقول:
" وصلت بي مرحلة اليأس الى درجة الموافقة على منحك الطلاق , لأنني أحبك كثيرا ولا يمكنني تحمل رؤيتك حزينة ومتألمة بسبب زواجك مني.....رغما عنك".
هدأ روع أيلاين بصورة تدريجية بطيئة ,لغ ذعرها ذروته أثناء الهجوم العنيف الذي تعرضت له قبل لحظات , بدأت معاني وبعدما بدأت




اماريج 05-03-11 07:00 PM

كلماته الأخيرة تخترق عقلها وقلبها بهدوء وحذر , وظهرت أمام عينيها تلك الأشعة الخافتة من الأمل التي لاحظت مثلها قبل ساعات قليلة في مطبخ بيته , أحبها... ولا يزال يحبها ,وقال لها ذلك بنفسه ... وبصراحة تامة ,ولكن لا تزال هناك بعض الأسئلة التي تحتاج الى أجابة صريحة , قبل الأعتراف أمامه مجددا بحبها الجارف له
سألته بتردد:
" لو أنك أحببتني حقا , فلماذا لم تلحق بي الى لندن وتطلب مني العودة الى البيت؟ لماذا أنتظرت ثلاثة أشهر , ثم كتبت تلك الملاحظة الوجيزة الكريهة ؟ أوه , بيار , لو أنك تدري كم تعذبت وتألمت بأنتظار حضورك الى لندن ...وسماع مطالبتك لي بالعودة وسماع كلمة واحدة أخرى تعيد الحياة الى قلبي ... أحبك!".
لم يعلق على كلامها بشيء ,ولم يتحرك من مكانه , ظل صامتا بضع لحظات , ثم تحولت الثواني الى دقائق , فقررت أيلاين القيام بمحاولة أخرى
قالت له:
" أتصور أن أي خطوة من جانبك لشرح ما حدث , ستكون بمثابة كشف لروحك وشخصيتك , أنك لن تفعل ذلك أمام أي أمرأة... حتى زوجتك , وينطبق الأمر ذاته أيضا , على رفضك الأعتراف بحزنك وتعاستك".
منتديات ليلاس
ثم تنهدت , وتابعت حديثها قائلة بهدوء:
" لا بأس, فلن يهمني ذلك كثيرا ,ولكنني سأظل أتساءل دائما ولا أفهم ... وسأطرح أسئلة على نفسي بأستمرار , دون أن أحظى بأي جواب سوى من صنع خيالي , كيف سيكون شعوري , أذا رفضت مشاركتي أفكارك وعواطفك؟".
تطلع بيار نحوها , وعلى وجهه المتعب أبتسامة ساخرة
ثم قال لها فجأة :
" التفاخر... التفاخر والخوف أوقفاني عن اللحاق بك ,وفرضا علي كتابة ما سميتها أنت بتلك الملاحظة الوجيزة الكريهة , أنا أيضا تألمت كثيرا كما تعلمين , أحسست بأن هربك مني دونما أي تفسير أو تبرير , طعن كرامتي حتى الصميم , وأذلّ عزة نفسي ... ومرغ شرفي بالتراب , لعنت حاضري ومستقبلي , أن أنا ضعفت أمام الحب وحاولت اللحاق بك, تصورت ... كنت شبه مقتنع بأنك ستعودين".
"غطرسة , تكبر , عجرفة".

"ربما! ولكن أمتناعي عن اللحاق بك , قد يكون أيضا بسبب البساطة والسذاجة , فأنا آمنت بالقسم الذي تبادلناه يوم زواجنا , وتصورت أنك أنت أيضا ترمنين به وبقدسيته وديمومته , منحتك بعض الوقت للتفكير , ثم كتبت لك طالبا منك العودة , ولكنني خفت من تضمين رسالتي حقيقة مشاعري نحوك, في حال رفضك دعوتي وطلبي".
مد يده وأبعد خصلات شعرها عن وجهها , ثم سألها بمحبة وحنان:
" هل تفهمين الآن, يا حبيبتي ؟ أنا لست رجلا معقدا جدا , وأتوخى البساطة في كافة أعمالي وتصرفاتي وعاداتي, عرفت الحب لأول مرة في حياتي ... عندما ألتقيتك في الصيف الماضي , وفعلت آنذاك ما فعله والدي قبل خمسة وثلاثين عاما بعدما ألتقى والدتي... طالبتك بالوةاج , لم يكن هناك أي سبب آخر , أو أي ترتيبات من أي نوع من المرحوم خالك , أعرف أنه كان سعيدا جدا بزواجنا , وأنه صور لنفسه أن دعوته وحدها هي التي أدت الى ما يصبو اليه منذ فترة طويلة ,ما بك الآن؟ لماذا تبكين؟".
منتديات ليلاس
" لأنني سعيدة يا بيار, هذه هي دموع الفرح والسرور , أوه, بيار, لماذا لم تقل لي هذه الأشياء كلها من قبل؟".
أقترب منها كثيرا وقال لها برقة:
" لأنك لم تسأليني أبدا من قبل... لأنك لم تهتمي كفاية لكي تسألي".
" أحبك... أحبك منذ البداية , ولم أتوقف أبدا عن هذا الحب".
رفع رأسه , وقال لها عابسا:
" لماذا أذن لم تعودي قبل الآن؟لماذا هربت تسعة أشهر رائعة من حياتنا الزوجية؟".
" لأنني لم أعرف مدى حبي الهائل لك , ألا عندما رأيتك ثانية , ربما كان من الضروري أن أبتعد عنك مرة ثانية".
" أحب أن أعانقك , وألا أدعك تبتعدين عني أبدا... ولكنني أفضل القيام بذلك في مكان أفضل من هنا , من حيث الراحة والبعد عن أعين الفضوليين , الى أين سنذهب؟ بلفين أو القصر؟".
أحست أيلاين بطعم الأثارة الحقيقة , وبشيء من الخجل والأرتباك نتيجة النظرات التي كان يوجهها لها , قالت له بصوت يرتجف عشقا وهياما :
" أحب الذهاب الى بلفين , ولكن... ولكنه يجدر بنا التوجه حالا الى شامبورتن قبل أن يساورهم القلق هناك بسبب هذا التأخير , وعلى أي حال , فأنه يفترض بك حضور الأجتماع الذي سيعقد في تمام الحادية عشرة لقراءة الوصية".
" سنذهب أذن الى شامبورتن , ولكنني أريد أولا...".
رفع رأسها نحوه ونظر في عينيها بتلك الطريقة التي أستخدمها في الليلة الفائتة ... والتي تبدو كمعاقبة لها على تمضية هذه الفترة الطويلة بعيدا عنه , شعرت أيلاين برجفة قوية في جسمها ...وبأنها كانت على وشك الأختناق , تنفست بقوة وأسندت نفسها الى كته, فقال لها:
" لم يعد يهمني كثيرا سبب هروبك مني , لقد عدت , وستبقين معي الى الأبد , وتأكدي بأنك أذا حاولت الفرار ثانية , فسوف ألحق بك الى نهاية العالم... وأعيدك الى هنا".
أبعدها عنه برفق ومحبة , ثم أدار محرك السيارة وأطلق لها العنان بأتجاه شامبورتن , ثم قال لها بعد لحظات:
" أتصور أنك تعرفين الآن, من المحامي لوجيه, بأن شركة سان فيران تملك كل شيء".
تابعت أيلاين تسريح شعرها ,وهي تقول له:
" عرفت بعض المعلومات منه , والبعض الآخر من والدتك , لماذا لم تخبرني بذلك يوم وصولي , عندما أتهمتك بأنك تزوجتني لتشاركني الأرث؟".
"كنت على وشك القيام بذلك, لأنني دهشت كثيرا من أتهاماتك , لم تكن لدي أي فكرة على الأطلاق , أنك لا تعرفين ألا القليل عن شؤون خالك , ثم قررت أستخدام أقتناعك ذاك , لحملك على القبول بتلك المصالحة الزائفة المزعومة".
ضحك بصوت عال , ومضى الى القول:
"لم تكوني بحاجة ألا الى بضع كلمات مختارة بعناية , لكي توافقي على أي شيء يحرمني من التحول الى وريث وحيد ... لا يا حبيبتي ! لا تهاجميني الآن , فقد تواجه السيتروين وضعا مماثلا للبيجو".
"ولكن, كان بأمكانك أطلاعي على ما حدث معك بالنسبة لبلفين".
" لم أتصور أطلاقا أن الأمر يهمك".



اماريج 05-03-11 07:02 PM

" لقد أعجبني البيت كثيرا , وأعتقد أن بأمكاني جعله أكثر جاذبية ... هذا بالطبع أذا سمحت لي بأجراء بعض التعديلات عليه".
أبتسم وقال لها مداعبا:
" هل يعني هذا أنك رفضت عرضي بالطلاق؟ هل يعني هذا أنك على أستعداد للأستقرار هنا, وللتصرف كزوجة هادئة مسالمة لرجل فرنسي عادي ... لمزارع بسيط؟ هل ستعدين الطعام والقهوة , وتنظفين الثياب والمفروشات , وتهتمين بكافة شؤون البيت الداخلية؟".
قالت له بلهجة مرحة ,وهي تشعر معه بأرتياح لم تعرف له مثيلا من قبل:
" سأفعل كل هذه الأمور بسرور , ما دمت لا تسعى وراء أمرأة أخرى".
"ولماذا أريد القيام بأمر كهذا , طالما أنني أجدك في بيتنا كل ليلة... وأعرف أنك ستمنحينني كل السعادة التي أحتاج اليها؟".
" حقا يا بيار؟".
"حقا يا أيلاين".
دخلا باحة القصر وشاهدا سيارتين متوقفتين قرب المدخل , فقال بيار بشيء من العصبية والتأفف:
" اللعنة ! الشقيقتان العزيزتان موجودتان هنا , وهذا يعني أضطرارنا للتصرف بتهذيب ولباقة وعدم الأبتعاد عنهما كثيرا , فهل يمكنك أنتظار ذلك , يا حبيبتي؟".
" أذا تمكنت أنت؟ فسوف أتمكن الى القول:
" أوه, يدك! سوف يسألك عنها الآن جميع الموجودين في المنزل! ".
أوقف السيارة ثم أطفأ محركها , وقال بأنزعاج:
" لن تكون يدي الشيء الوحيد الذي سيسألون عنه! سيريدون معرفة بعض المعلومات عنك , ذلك أنني أخبرت أمي صباح اليوم بأن مصالحتنا كانت وهمية زائفة".
" أعرف, حدثتني هي بنفسها عن هذا الموضوع ,ماذا سنفعل لدى دخولنا ؟ هل سنخبرهم ؟".
أبتسم وقال:
" لا , سأتركهم في حيرة لبعض الوقت , هل تعتقدين أنك قادرة على التظاهر , لبضع ساعات فقط , بأننا لسنا على وفاق ؟ سنمازحهم قليلا".
"سأحاول ,ولكنني سأجد صعوبة بالغة... لأنني أتحرق شوقا يك ".
" أعرف, يا حبيبتي, ولكن تذكري أن الأنتظار سيزيد من متعة اللقاء".
دخلا الى البيت , فقابلهما جاك ليقول لهما أن السيدة مارجريت تنتظرهما في قاعة الجلوس , تطلع بيار نحو أيلاين وقال لها:
" أصعدي الآن لأستبدال ثيابك , فيما أدع جاك يضمد هذا الجرح بطريقة صحيحة , سأراك في الفاعة بعد قليل".
منتديات ليلاس
أستقبلتها مارجريت بعد ربع ساعة بالقول:
" أنا سعيدة بعودتك , أيتها الحبيبة , فقد بدأت أقلق عليك , هل تذكرين أبنتي الكبرى جانيت وزوجها جيل والصغرى ماري وزوجها برنار؟ جيل, أحضر كوبا من العصير لأيلاين... أذا سمحت".
جلست قرب الشقيقتين , وراحت تجيب على أسئلتهما عن صحتها وأحوالها ... وتسألهما بدةورها عن أولادهما , سألتها مارجريت فجأة:
" هل سارت الأمور على ما يرام في بلفين؟".
"نعم , عاد بيار معي , وسينضم الينا خلال دقائق معدودة ".
" أنا سعيدة , سنتناول العشاء معا , فهذه هي أحدى المرات القليلة التي يكون فيها جميع أولادي معي".
دخل بيار بعد قليل , فحدثت ضوضاء قوية لأن الجميع بدأوا يتحدثون في وقت واحد ... بأستثناء أيلاين , اتي كانت تنظر الى زوجها وحبيبها طوال الوقت , وعندما أنتهى العشاء ووزعت القهوة على الموجودين , عادت الشقيقتان الى التحدث وتوجيه الأسئلة , ثم وقفت الأخت الكبرى , وقالت أن الوقت قد حان لتوجهها هي وزوجها الى لاروشيل ... نظرا لبعد المسافة ,وقف الجميع ,فمدت يدها نحو أيلاين قائلة:
" أستودعك الله , لن نتمكن من حضور الجنازة ,كما أنني أتصور أنك ستعودين الى لندن بعدها مباشرة".
أحست أيلاين بالعرق البارد يتصبب من جسمها , فيما صمت الجميع وحولوا أنظارهم اليها... وكأنهم يتهمونها بأرتكاب جريمة فظيعة رهيبة , وهذا حقهم , وبخاصة أنهم يحملونها مسؤولية تعاسة بيار وحزنه , ولكنهم لن يفهموا ذلك أبدا , قالت بصوت ملعثم :
"لا... لا أعرف بعد, يا جانيت, لست... لست متأكدة , سررت برؤيتكما أنت وجيل , شكرا لحضوركما".
غادرت ماري وزوجها برنار القصر , بعد نصف ساعة من ذلك , أعلنت مارجريت أنها ستذهب الى النوم , ثم سألت أبنها:
" هل ستبقى الليلة هنا , أم أنك ستعود الى بلفين؟".
"سأبقى هنا , يا أمي, كي أحضر الأجتماع المقرر مع السيد لوجيه , تصبحين على خير , أيتها الحبيبة".
قطبت مارجريت حاجبيها , وهي تنظر الى يده اليمنى , وقالت:
" أرى أنك جرحت يدك يا بيار ,هل تؤلمك كثيرا , يا بني؟".
"لا , فالجرح عادي وبسيط للغاية ".
" أنا مسرورة بحضورك هذا المساء مع أيلاين, وأتمنى..".
لم تكمل جملتها , وأدارت وجهها عنهما لتصعد الى غرفتها , ولكنها نظرت اليهما ثانية ,وقالت:
" تصبحين على خير يا أيلاين , تصبح على خير يا بني , سأراكما غدا بأذن الله ,وربما ستخبرانني سر هذه السعادة الفائقة التي تشعران بها!".
أنتظرا حتى وصولهما الى غرفتها وسماعهما أغلاق الباب , ثم تحولا الى بعضهما , تشابكت يداهما وصعدا صامتين نحو غرفة النوم في برج القصر , وما أن أغلق بيارباب الحجرة وراءهما , حتى رفع رأسه وقال متمتما:
" أعتقد أن أمي أحست بالموضوع".
" وأنا أعتقد ذلك أيضا".
ثم خلعت حذاءها , وأضافت قائلة:
" أخشى أنني فضحت السر أثناء العشاء".
سألها عن سبب أعتقادها هذا, ضحكت بصوت خافت , ثم أبتعدت عنه قليلا وقالت له:
" كنت أحدق بك طوال الوقت , وعندما ودعتني جانيت وجاءت على ذكر العودة الى لندن , شعرت بالأرتباك الشديد ولم أتمكن من التعليق على كلامها , أردت أفهامها بأن البقاء هنا أو الذهاب الى بريطانيا , ليسا من شأنها أطلاقا".
" أنا مسرور جدا لأنك لم تفعلي ذلك , أذ كان جواب كهذا سيثير بعض الحساسيات والمشاكل التي نحن بغنى عنها ".
تلاقيا قرب النافذة ووقفا هناك بضع لحظات , فيما كان ضوء القمر يغمر معظم أرجاء الغرفة , وفجأة قال لها بتحد رقيق:
" لنكتشف الآن ما أذا كانت رحلة السعادة تستحق كل هذا الأنتظار".
هزت رأسه المتكىء على كتفها وسألته بصوت دافىء:
" هل كانت تستحق الأنتظار؟".
أجابها هامسا بصوت يضج أرتياحا:
" ماذا تعتقدين أنت؟".
" أعتقد أنها كانت ذروة في البهجة والهناء , ولكنني آمل في ألا تزعجك النتائج , التي ستتمخض عنها".
رفع رأسه لكي ينظر الى عينيها , وسألها مستفسرا:
" ماذا تعنين بذلك؟".
"بعد ليلة أمس وهذه الليلة ... قد نرزق أجمل ما في هذه الحياة , هل تفضل صبيا أم بنتا؟".
" رباه! لم أفكر بهذه المسألة أطلاقا!".
منتديات ليلاس
أنفجرا ضاحكين كمن أصابهما مس من الجنون , وقالت له:
"كم أنا سعيدة , يا حبيبي, لأنك أنت أيضا لا تفكر في بعض الأحيان".
ثم طوقته بذراعيها ,وسألته بهدوء:
" هل أخبرك الخال أرمون عن حلمه , في أن يثمر زواجنا عن طفل يصبح الوريث الشرعي لشامبورتن؟".
"نعم , قال لي ذلك ليلة الجمعة, عندما أمضيت معه فترة طويلة".
توقف لحظة , ثم مضى الى القول:
" ولكنني أرجو مخلصا في ألا يجعلك ذلك تتصورين , أن هذا هو سبب حبي لك".
"لا , لا , يا حبيبي , لم تصور ذلك أبدا , على أي حال , فشامبورتن لم تكن له ليترك شيئا منها لأحد".
وأضافت بصوت جدي هامس:
" أرجو أن تغفر لي تصوري جميع هذه الأشياء الفظيعة عنك".
" سأغفر لك , أذا سامحتني أنت عن كافة تصرفاتي الخسيسة معك, لم أتمكن من السيطرة على نفسي وأعصابي , أنتظرتك فترة طويلة للغاية, وفجأة وجدتك قربي... جميلة , رائعة , جذابة , ومغرية.....".
"كفى , فأنا أيضا كنت أتحرق شوقا اليك... حتى على الرغم مما قلته اليوم , من أن الحب لم يكن جزءا مما حدث".
"قلت لك ذلك , لأنني لم أكن متأكدا من كيفية شعورك أنت".
"ولكنك تعرف الآن , أليس كذلك؟ قلها يا بيار, أرجوك, قلها , لأنها حقيقة ثابتة لا غبار عليها , أحببتك أمس , وأحببتك اليوم, وسوف أظل أحبك الى الأبد... ولن أبتعد عنك بتاتا ".
"لن يحدث ذلك أبدا , يا حبي , لأنه لن تسنح لك فرصة ثانية".


تمت والحمدلله
قراءة ممتعة للجميع للزائرين وللاعضاء
وكلي امل انو الرواية نالت رضاكم ياحلوين :liilas:
لكم ودي وحبي اماريج:flowers2:


sonice 05-03-11 07:41 PM

انا عضوة جديدة عليكم لكن كنت زائرة منتظمة لمنتدانا الغالي اشكرك اماريج من كل قلبي على اختياراتك الحلوة موفقة لكل خير يا جميل

زهرة منسية 06-03-11 10:10 PM

يسلموا ايديكى أماريج الروايه رووووووووووووووووووووعه حلوه كتير كتير كتييييييييييييييييييييييييييير زى ما معودنا دايمن اختيارتك اكتر من رائعه

lily12 07-03-11 02:01 AM

مشكورييييييييييييييييييييييييييييييييييييين

وهوبه 08-03-11 08:12 PM

:8_4_134::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2:: flowers2::flowers2:
:friends::friends::friends::friends::friends::friends::frien ds::friends:

قماري طيبة 09-03-11 06:03 PM

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

green pearl 14-03-11 10:37 AM

ماشاء الله
يعطيك الف عافية ويسلم ايديك:55:

ندى ندى 15-03-11 01:05 AM

رووووووووووووووووووعه

fadi azar 09-07-11 02:54 PM

روعة ميرسي على مجهودك

فداني الكون0 09-07-11 07:45 PM

يعطيج العافيه على الروايه

سومه كاتمة الاسرار 09-07-11 09:29 PM

كلمة روووووووووووووعه ما توافيها حقها مشكووووووووووووره كتيييييييير على تعبك معانا ياقمر دومتى دائما بود
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::bouquet2::bouquet 2::bouquet2::bouquet2::bouquet2::342::342::342::342::342::34 2::342::342::342::342::342::342::342::342::342::342:
:8_4_134:

نـخوة 11-07-11 04:01 PM

:55::55::55:
شكرا لك عالرواية الحلوة

faiza531 11-07-11 08:09 PM

شكرا علي الروايه الممتعه واختيار موفق

deema a.y 12-07-11 04:44 PM

يسلمو اديكي اماريج كتير الرواياات اللي بتنزليهم حلويين وبحبهم كتييير

lily12 04-09-11 03:59 AM

MERCIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII

الملآك القاسي 25-12-12 12:38 PM

رد: 164..اطياف بلا وجوه - فلورا كيد -روايات عبير القديمة(كاملة)
 
شكـــرا شكرا شكرا ع الرواية الحلوة

شمعة السماء 25-12-12 08:18 PM

رد: 164..اطياف بلا وجوه - فلورا كيد -روايات عبير القديمة(كاملة)
 
شكرا اماريج كتيرررزوء با ختياراتك ويعطيك الف الف عافية يارب

جوهرة الدانة 10-12-13 08:16 PM

رد: 164..اطياف بلا وجوه - فلورا كيد -روايات عبير القديمة(كاملة)
 
روعة شكرا لمجهودك عزيزتي

محبة القرائة 18-12-13 01:01 PM

رد: 164..اطياف بلا وجوه - فلورا كيد -روايات عبير القديمة(كاملة)
 
القصة روووووعة بل قمة الروعة ربنا يعطيك العافية:55: :8_4_134:

الخنساء الشاعره 09-05-15 10:49 PM

شكرا روعهههههه ❤️❤️❤️❤️❤️

Moubel 22-05-21 12:32 AM

رد: 164 - اطياف بلا وجوه - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
Thank you very much

نجلاء عبد الوهاب 13-03-23 11:44 PM

رد: 164 - اطياف بلا وجوه - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:8_4_134::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:: iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:: iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:

munaahmed 30-10-23 10:50 PM

رد: 164 - اطياف بلا وجوه - فلورا كيد - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية اكثر من رائعه


الساعة الآن 07:50 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية