منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   [قصة مكتملة] أنت ملكي وحدي .. (https://www.liilas.com/vb3/t151744.html)

أم ساجد 26-11-10 05:27 AM

أنت ملكي وحدي ..
 


لتحميل الروايه كاملة

http://www.liilas.com/vb3/t174654-35.html#post3092140

http://www.liilas.com/vb3/t147664-37.html

~ 1 ~
صاحب القصر





توقفت أنفاسى فى انبهار تام وأنا أدلف إلى ذلك القصر العظيم الذى يحمل أسم { معاذ بهاء الدين } صاحب أكبر سلسلة شركات سياحية فى الشرق الأوسط كله...
وكدتُ أقسم من شدّة أنبهارى بما حولى من مظاهر العز والترف أننى بطريقة ما - لا أدرى ما كنهها ؟ - قد غادرتُ الدنيا بكل متابعها وهمومها لأنتقل مباشرة إلى الجنة ؛ حيث الحياه الرغدة بلا متاعب أو هموم !


قادنى الخادم إلى غرفة واسعة زادتنى انبهارا ً فوق انبهارى ، بأثاثها الحديث الطراز ، وكل مظاهر النعيم والرفاهيه التى تزخر بهما...
أفقت من تأملاتى على صوت الخادم وهو يحثنى على الجلوس والأنتظار حتى يحضر سيده...
كنتُ بالفعل مُتعبة للغاية ، فتهالكتُ على أقرب مقعد لى ، وشعرتُ براحة وأسترخاء لا أحظى بهما فى منزلى حيث المقاعد البالية المُتحجرة ، التى تؤلم لا تُريح...
وبدون أن أشعر وجدتُ نفسى أقارن بين هذا القصر العظيم ، وبين منزلى الصغير ، بجدرانه المُتصدعة ، وطلاءه المُتشقق ، وأثاثه البالى القديم ، فشعرتُ بمرارة لا مثيل لها...


هل لابد أن يتمتع الأنسان بكل هذه الرفاهية ؟
هل لابد أن يمتلك الأنسان شمعدانا ًمن الذهب الخالص ، وأوانى من الفضهة، وكؤوس من الكريستال النقى لكى يشعر بالراحة فى منزله ؟
لماذا لا يتبرع الأغنياء بجزء من ثروتهم لأعالة أسرة فقيرة كأسرتى ؟
ألن يكتمل المظهر الجمالى بدون كل هذا البذخ ؟ !


أطلقتُ تنهيدة مريرة وأنا أنهض من مكانى وأخطو عدة خطوات نحو الواجهة الزجاجية للغرفة لأتأمل الحديقة المُمتلئة بالزهور الجميلة ، وأعض على شفتاى ألماً وحسرة...


" مرحبا ً . "


أنتزعنى هذا الصوت الرجولى الهادئ من أفكارى ، فأستدرتُ ببطئ لأتطلع إلى صاحبه و.......
وخفق قلبى بكل قوته !


لم يكن صاحب هذه العبارة رجلا ً فى العقد الخامس أو السادس كما تخيلته ، أنما كان شاباً فى بداية الثلاثينيات من عمره... طويل القامة... عريض المنكبين... حاد الملامح والقسمات... له عينان بُنيتان فاتحتان.... ونظرات مُتفحصة وجريئة ، تنفذ إلى الأعماق مباشرة ً... وتوحى بمدى ثقته بنفسه وغروره !


تقدم الرجل بضع خطوات منى ، وجلس فوق إحدى المقاعد الأسفنجيه واضعا ً إحدى ساقيه فوق الأخرى ، وراح يتأملنى بهدوء كما لو كان يتأمل لوحه فنيه ، أو تمثالاً من رخام ، مما أربكنى بشدّه وجعلنى عاجزة عن النطق لفترة من الزمن !


وبينما كنتُ فى ذلك أتانى صوته وهو يقول فى ضجر :
" لا أظنكِ سعيتِ لمقابلتى ، لكى تتأملينى وتقيمينى فقط . "


عضضتُ على شفتاى ، وأنتبهتُ إلى أننى قد صار لى فترة طويلة أتأمله دون أن أنطق ببنتُ شفه ، فنفضتُ عن نفسى توترى وأنبهارى بالقصر وصاحبه وقررتُ أن أبدأ فى الحديث مُباشرة ً ؛ فأنا هنا فقط لغرض مُعين...
وسأفعل أى شئ... وكل شئ لتحقيقه...


" هل لا أخبرتِنى يا أنسه بسبب طلبك لمقابلتى شخصياً ؛ فهناك أعمالاً مُهمه تنتظرنى ؟ "


أخذتُ نفساً عميقاً ، وحاولتُ أن أتغلب على قلقى وخجلى ، وأنا أقول :
" أننى أريد التحدث إليك بشأن مُنير حسين . "


مط الرجل شفتيه بضجر ثم قال :
" ومن هو مُنير حسين هذا ؟ هل من المًفترض أننى أعرفه ؟ "


تعجبتُ كثيراً من رده واستنكرته فى آنً واحد... ألا يعرف من هو مُنير حسين ؟
ألهذه الدرجه لا يشغل باله بأى شئ ؟
ألا يهتم أبداً بمشاكل العاملين لديه ؟
آه... كم أنا بلهاء لأظن أن رجلاً مثل هذا قد يشغل نفسه بأمور كهذه ؛ فلابد أن لديه عشرات المديرين الذين يتولون عنه هذه الأمور التافهة
فماذا يعنى له أن يختلس شخصتً من خزانته تسعة آلاف جنيه ، وهو الذى تذخر خزانته بالملايين من الأوراق الخضراء ؟ !
وماذا يعنى له أن يُلقى رجلا ً فى الخمسين من عمره ، فى زنزانة رطبة ، فى مثل هذا الطقس البارد ، وهو الذى يملك مثل هذا القصر الفخم ، الذى يزخر بالمكيفات التى لا تكاد تشعره بالفرق بين فصول السنة الأربعة ؟


حاولتُ التحلى بالصبر بقدر الأمكان وأنا أقول بهدوء نسبى :
" إنه أمين الخزانة بشركة من سلسلة شركاتك . "


ظل صامتا ً لفترة من الزمن وقد ضاقت عيناه بشكل يوحى بأنه يجاهد لتذكره ، قبل أن يهز رأسه ويقول :
" نعم نعم تذكرته... إنه ذلك الذى أختلس مبلغا ً ما من خزانتى . "


عضضتُ على شفتاى بأسى وقلتُ :
" نعم إنه هو . "


تأملنى الرجل مليا ً، ثم قال :
" وما شأنكِ به ؟ "


قلتُ :
" إنه أبى . "


تطلع الرجل إلىّ بحيره ثم قال :
" لم أفهم بعد سبب زيارتك لى يا أنسة...... "


قلتُ بسرعة :
" أسمى أروى . "


قال :
" حسنا ً أخبرينى يا أنسة أروى عن سبب تشريفك لى بهذه الزيارة . "


رغم أننى شممتُ رائحة السخرية فى جُملته الأخيرة إلا أننى لم أكترث لها ، وأخرجتُ من حقيبتى مظروفا ً يحتوى مبلغا ً من المال ، قدمته له قائله :
" لقد أتيتُ لأعطائك هذا المبلغ . "


تناول الرجل منى المظروف ، ونظر إلى محتواه بحيرة ثم قال :
" لكن... لماذا أتيتِ إلى هنا ؟ كان بأمكانك أن تسلمى المبلغ إلى قسم الشرطة ، ومن ثم سيفرجون عن والدكِ . "


تنهدتُ وقلتُ :
" لكن هذا المبلغ غير كامل... إنهم خمسة آلاف لا غير... "


وأضفتُ بتعاسة :
" لم أتمكن من الحصول على المبلغ كاملا ً... أرجو أن تعتبر الأربعة آلاف المُتبقيه دينـّا ً فى عنقى ، وأن تسمح بأن يتم الأفراج عن والدى . "


هز الرجل رأسه مُتفهماً ، ثم قال :
" نعم... فهمت الأن . "


قال جُملته تلك وأخرج من جيب سترته سيجارة ودسها بفمه ثم أشعلها قائلاً :
" ومن أين لفتاة صغيرة مثلكِ بأن تأتى بهذا المبلغ ؟ "


أحنقتنى جُملته كثيرا ً ، إلا أننى جاهدتُ لكى لا أفقد صبرى وأنا اقول :
" إننى فى الثامنة عشر من عمرى ولستُ صغيرة ، ثم أننى بأمكانى تدبر أمرى جيداً . "


ضاقت عيناه وراح يتأملنى ملياً عبر الدخان المُتصاعد من سيجارته...
قلت :
" أرجو أن تقبل عرضى هذا... وأعدك بأننى فى خلال شهر واحد سأجلب لك الأربعة آلاف المُتبقية بإذن الله . "


هذه المرّه ظل الرجل صامتا ً لفترة أطول ، قبل أن يطفئ سيجارته فى منفضدة قريبة ثم ينهض فجأه من مقعده ويناولنى المظروف الذى يحوى المبلغ ، قائلا ً :
" أسف يا أنسة... لن أستطيع قبول عرضكِ هذا . "


قال جُملته هذه وولانى ظهره هاماً بالأنصراف...
قلتُ :
" لكن أبى رجل كبير فى الستين من عمره ، وهو أيضا ً مريض بالروماتيزم ، والطقس بارد جدا ً والزنزانة كما تعرف عالية الرطوبة . "


توقف عن السير وألتفت إلىّ ثم قال بصرامة :
" كان لابد أن يحسب والدكِ حساب كل هذا قبل أن يمد يده ويسرق من خزانتى . "


وأضاف بغضب :
" وكان لابد أن يراعى قبل هذا كله أنه لديه فتاة صغيرة ، لا يجب أن يحملها عبئه ، بدلا ًمن أن يتحمل هو عبئها . "


قلتُ بتعاسة وألم :
" لكنه فعل هذا من أجلى أنا . "


نظر إلىّ بعمق كأنما يحاول أن يخترق رأسى بنظراته وينفذ منها إلى أعماقى ، ثم قال :
" من أجلكِ أنت ؟ كيف هذا ؟ "


تنهدتُ ببطئ وقلتُ :
" كنت سأتزوج ، وكنتُ فى حاجة لبعض الأشياء من أجل الزواج . "


رفع الرجل حاجبيه فى دهشة وقال مُستهجنا ً :
" أنكِ لازلتِ صغيره جدا ً على الزواج . "


قلتُ مُحنقه :
" أخبرتك مُسبقا ً أننى لستُ صغيرة . "


قال الرجل بإصرار :
" بل إنكِ صغيره جداً ، ولا تعرفين مصلحتكِ ، وكان لابد أن يرفض والدك زواجكِ وأنتِ فى هذا العمر... أو على الأقل حتى تنهين جامعتكِ . "


قلتُ :
" لكنى لستُ فى الجامعة... لقد أكتفيتُ بدراستى الثانوية . "


عقد الرجل حاجبيه فى شدّه وقال :
" كان لابد أن يرغمكِ والدك على دخول الجامعة . "


أستفزتنى جُملته كثيرا ً... إنه يتصور أن العالم بأكمله يحيا فى مثل هذا الترف الذى يحيا فيه . . أو رُبما يظن أن المرتب الضخم الذى يتقاضاه والدى من عمله لديه يكفى لأن يعيل أسرتى ، ويتبقى منه ما يكفى لمصاريف الجامعة أيضا ً !


قلتُ مُنفعله :
" ومن أين له أن يأتى له بمصاريف الجامعة ؟ يبدو أنك لا تدرى كم المُرتب الذى يتقاضاه والدى من عمله لديك ؟ "


نظر الرجل بعينان تقدحان شررا ً، وبدا كأنه يحاول السيطرة على أعصابه وهو يقول بصوت هادئ نسبيا ً:
" ليس لدى وقتا ً لأناقش أموركِ المالية يا أنسه . "


قلتُ بعصبية :
" وأنا أيضا ً لم أتِ إلى هنا لكى تعطينى رأيك فى أمور حياتى... لقد أتيتُ لغرض معين ، ولك الحق فى أن ترفضه أو تقبله . "


قال الرجل وقد فذ صبره تماما ً :
" وها أنا أخبركِ للمره الثانيه برفضى لطلبكِ... وأعتذر لكِ بشدّه لأننى ليس لدى وقتا ً لأضيعه فى مثل هذه التفهات . "


وولانى ظهره هاما ً مغادرة الحجرة...
لم أستطع السيطره على غضبى ، فقلتُ له بغضب :
" أنا التى أعتذر لكِ بشدّة على مجيئى إلى هنا ومقابلتكِ... لكنى كنتُ أظنك تملك قلبا ً بين ضلوعك ، لا حجرا ً كالذى تبين لى أنه يحتل موضع القلب لديك . "


توقف الرجل فى مكانه ، وألتفت لينظر إلىّ قائلا ً بصرامه :
" أخرجى من هنا . "


صدمنى ما قاله ، إلا أننى أفقتُ من صدمتى بسرعة وغادرتُ قصره...
وكم شعرتُ وقتها بكره شديد لهذا الرجل المُتكبر الأجوف القلب !
لم أكن أتصور أبدا ً أن هناك فى هذه الدنيا من هم مُتعجرفين وأنانيين بهذا الشكل !
تباً لكل من ظن نفسه قد أمتلك العالم بأمواله...
سحقاً لكل من ظن الناس عبيداً لديه...


توجهتُ نحو قسم الشرطه لزيارة أبى ، وأخيرا ً وبعد عدة محاولات سمحوا لى بمقابلة أبى... وحين رأيته هالنى ما رأيته على وجهه من شحوب ، وشعرتُ كأن عمره قد أزداد عشرون سنه كامله فى هذان اليومين !


" كيف حالك يا أبى ؟ "


ابتسم أبى ابتسامه مريره ، ثم قال :
" الحمد لله على كل شئ . "


وصمت لبرهه ثم أستطرد :
" كيف حال أمكِ وأشقاءكِ ؟ "


قلتُ :
" جميعنا بخير . . لا ينقصنا سواك . "


أبى أطلق تنهيدة حزينة وطأطأ برأسه أرضا ً بقلة حيلة ، ثم قال :
" أعرف أننى خذلتكم جميعا ً... لكنى لم أملك حلا ًسوى هذا لأتمام زواجكِ . "


قلتُ أعاتبه :
" وهل كنت تظن أننى كنتُ سأقبل الزواج بينما أنت فى هذه الظروف ؟ "


أبى قال :
" هل تم تأجيل الزواج ؟ "


قلتُ :
" طبعا ً... لكننا سنتمه حينما تخرج بإذن الله . "


أبى ظل صامتا ً لفترة ثم قال بأسى :
" يخيل لى أننى لن أخرج من هنا ثانيه يا أروى . "


ربتُ على كتفه وقلتُ له :
" ستخرج من هنا بإذن الله يا أبى... "


أبى أطرق هنيهه ثم قال بقلة حيلة :
" ومن أين لى أن أتى بذلك المبلغ ؟ لقد أنفقتُ كل المبلغ الذى أخذته من الخذانة . "


قلتُ :
" لا تقلق بهذا الشأن يا أبى... لقد أستطعتُ الحصول على خمسة آلاف... وبإذن الله سأتمكن من الحصول على الأربعة آلاف المُتبقية قريبا ً . "


أبى عقد حاجبيه بشدّة قائلا ً :
" ومن أين لكِ بهذا المبلغ يا أروى ؟ "


قلتُ :
" لقد تدبرت الأمر يا أبى . "


أبى نظر إلىّ لفتره ثم قال :
" هل بعتِ شيئا ً ؟ "


قلتُ :
" فداك كل شئ يا أبى.. المهم أن تعود لنا سالما ً . "


أطرق أبى برأسه فى حزن لفترة من الزمن ، قبل أن يعود لينظر إلىّ ويقول :
" أسمعى يا أروى... سأطلب منك طلبا ً إذا قمتِ به رُبما يفرجون عنى . "


أنتبهت حواسى حينئذ وقلتُ متشبثه بالأمل :
" كيف يا أبى ؟ أخبرنى ."


أبى صمت لبرهة ثم قال :
" صاحب الشركه رجلا ً معروف بطيبة قلبه وكرمه... إذا ذهبتِ إليه رُبما يسمح بإخراجى من السجن . "


نظرتُ إلى أبى بخيبة أمل كبيره وقلتُ :
" لقد ذهبت إليه بالفعل يا أبى . "


أبى نظر إلىّ بلهفة وسألنى :
" هل رفض ؟ "


زفرتُ بضيق وأنا أتذكر لقائى معه ، ثم أومأت برأسى إيجاباً وأنا أقول :
" إنه رجل متكبر ومغرور... أبى أن يأخذ منى المبلغ بل وطردنى من منزله . "


أبى نظر إلىّ بدهشة ثم قال :
" كيف هذا ؟ إنه يعامل كل العاملين لديه معامله حسنه... "


قلتُ :
" هذا ما حدث يا أبى . . "


وأضفتُ بسرعه حين رأيت ذلك الحزن الذى أطل واضحا ً من عينىّ أبى :
" لكن لا تقلق . . أنا سأتدبر الأمر بإذن الله و . . . "


بترتُ عبارتى لدى دخول ذلك الشرطى الذى أخبرنا بأنتهاء الزيارة ، ثم وضع الأغلال بيد أبى وقاده إلى الزنزانة !
حاولتُ التماسك وأنا أغادر قسم الشرطة لكن الدموع خنقتنى ولم أستطع الأحتمال ، فأطلقتُ العنان لها وتركتها تغمر وجهى . .
لماذا يا ربى يحدث لى كل هذا ؟ لمـــاذا ؟




~ ~ ~ ~



تتبع

احلى من الشهد 26-11-10 05:54 AM

ألف شكر ننتظر أبداعك,,,

ŜăƦƌ 26-11-10 08:39 AM

يعطيش الف عافيه
بداية كثير حلوه واستمتعت بقراءتها
ننتظر التكمله
مشكوووره

الهاله 26-11-10 03:20 PM

بدايه موفقه يالغاليه ،،،
باين فيه احداث حماسية ف الطريق !!!

ننتظر ابداعك وبالتوفيق،،،

زارا 26-11-10 03:57 PM

السلاام عليكم..
منووره ام ساجد المنتدى الف مبروك هالبتووته الجديده..وباذن الله تستاانسين معنا هنا

بداايه تجنن ذكرتني بروايات عبير..وبانتظار الاحداث اللي بتصير لاروى بسبب سجن ابوها.. واللي اتووقع انها بتكون مع معاذ بهاء الدين الشاب..
وبعد اتووقع ان زواجهاخلااص فركش وان خطيبها مافيه خير ولا هو ولد اصل ومن عرف عن موضوع ابوها تنكر لها وفسخ الخطوبه وهالخمسة الاف هي الفلوس اللي لها عنده..
عموما بانتظااار الاجزاء الجايه اذا الله احيانا بكل شوووووق.. فلاا تطولين علينا..وياليت لو تحددين اوقات التنزيل..

همسه / ام ساجدممكن لو سمحتي تغيرين الخط لان هالخط هذا بالذات يسووي لي مشكله في التصفح لو تكرمتي تغيرين نوع الخط عشان استمتع بقراائه الاجزاء واسمحي لي لو تعبتس >>فيسي الذرب..

بنت المطــر 26-11-10 04:20 PM

بدايه مشوقه جدا
اتوقع ان خطيب اروى يتنكر لها بعدما سجن والدها
وان يتنازل صاحب القصر عن سجن والدها لكن بشرط هي من
تقوم بتنفيذ الشرط

ons_ons 26-11-10 05:01 PM

بداية رائعة ام ساجد مستنبن التكملة

وقار الصمت 26-11-10 06:13 PM

نحن معك فلا تتاخري

لكم حقدت ع هذا الشخص
ولكم حزنت ع الرجل العجوز

أحاااسيس مجنووونة 27-11-10 06:21 PM

بداية موفقة و مشوقة

اتوقع ان تكون اروى ملك بهاء وحده فقط

بانتظارك على نار وارجو ان لا يطول الغياب

ملكة القلوب 28-11-10 04:02 PM

تجنن يسلموا ايدك
وما تتأخرى علينا مستنينك

ماسات 30-11-10 08:00 AM

السلام عليكم
جميل جدا البداية لكن كتير صغير البارت يا ريت في المرات القادمة يكون اطول
رجعتينا لعهد الرومنسية وزمن البيه والبنت الفلاحة والحب الشريف اللي شكلو راح ينشأ بين أروى وصاحب القصر
يا ريت لو توصفيلنا شكل أروى ولبسها
بس استغربت ليش ما رضي ياخذ المصاري هل يعتبر الاختلاس جريمة لازم يعاقب فاعلها ولا من اول ما شافها حطها براسه
يا حبيبتي لا تنسينا نزليلنا بارت مشبعععععععععععععععععععععععع
تحياتي

ملكة القلوب 26-06-11 10:13 PM

فينك أم ساجد و الله كده حرام تعلقينا بيكى و تنسينا
منتظرينك كفاية غياب

فديتني جنوبية 27-06-11 05:11 AM

بداية رائعة
واحداث مشوقة
ننتظرك في البارت القادم

تقبلي مروري

أم ساجد 18-07-11 06:51 AM

السلام عليكم

شكراً لردودكمـ الرائعة

أخجلتم تواضعنا

^_^

أعتذر بشدة عن التأخير

المنتدي مش بيفتح معايا بقالو فترة

يلا نكمل

أم ساجد 18-07-11 06:53 AM

2
: : : أصعب قـرار : : :


كعادتى فى صباح كل يوم أغادر منزلى لأحاول بيع الأشياء الذى أشتراها لى أبى من أجل الزواج ... وكعادة البائعين استغلوا حاجتى للنقود وأرادوا شراء الأغراض بثمن ٍ بخس لم يكن ليسهم بنسبة واحد فى المائة فى الأربعة آلاف المُتبقية ..!
تعبت من كثرة السير على قدمى وشعرت بتهالك شديد ...
توقفت على جانب الطريق وأزحتُ عن جبينى زخات العرق ورفعت بصرى إلى السماء التى أسدلت ستائرها بعد مغيب الشمس ...
ها قد انتهى اليوم أيضاً ولم أبع شيئاً ...
أصابنى اليأس أخيراً وقررت العودة إلى منزلى ونيل قسط من الراحة ... وعدت إلى منزلى أجر أذيال الخيبة ككل ليلة ...وأذرف دموع الذل والهوان ...

لاحظتُ قبل دخولى إلى المنزل تلك السيارة الفارهة التى لم أر ِ مثلها تقف فى هذا الحى الفقير ، الذى لا يمتلك سكانها سوى قوت يومهم ... هذا لو أمتلكوه ..!

برغم ما كنتُ فيه أثار هذا الأمر أنتباهى ودهشتى ، إلا أننى لم ألبث أن أبعدت هذا الأمر عن رأسى وأنا أدخل إلى البناية ذات الطابقين التى أقيم فيها ...

وحين وصلتُ إلى شقتى أستقبلتنى أمى قائله :
" هل جئتِ أخيراً يا أروى ..؟ مُعاذ بك ينتظرك منذ أكثر من نصف ساعة . "

سألتها بحيرة :
" مُعاذ بك من ..؟! "

قالت :
" صاحب الشركة التى يعمل بها والدكِ . "

تعجبتُ ... لا لم أتعجب فقط ... لقد صُعقت ..!
توجهتُ إلى غرفة الجلوس حيث يجلس مُعاذ بك على إحدى المقاعد القديمة البالية ، وكان يرتدى حلة أنيقه لم أجدها مُناسبة للغرفة ذات الجدران المُتشققه التى يجلس بها ..!

" مساء الخير . "

ألقيتُ عليه التحيه فأجاب تحيتى بصوته الرخيم الهادئ ، ثم قال بطريقته المُتعالية :
" أنتظرتكِ طويلاً ... أين كنتِ حتى هذا الوقت المُتأخر ؟ "

ضايقنى سؤاله واستفزنى كثيراً .. فقلتُ له :

" لو كنتُ أعلم أنك قادم لكنتُ عدتُ باكراً ... لكنك أتيت دون موعدا ً... "

وأتممتُ جُملتى :
" تماماً كـ الموت . "

رفع مُعاذ بك حاجبيه فى دهشة كبيرة ، بينما قالت أمى تعاتبنى :
" ما هذا الكلام يا أروى ..؟ "

ونظرت إلى مُعاذ قائلة :
" لا تأخذ على كلامها ... إنها متوتره بسبب ما أصاب والدها فقط . "

وأضافت :
" لقد كانت أروى تحاول بيع بعض الأغراض لكى تتمكن من الحصول على الأربعة آلاف المُتبقية . "

هز رأسه مُتفهماً ثم قال موجهاً حديثه إلىّ :
" وهل تمكنتِ من الحصول عليهم ..؟ "

أجبته مُحنقة :
" ليس بعد ... لكنى سأحصل عليهم قريبا ًبإذن الله . "

قال :
" أرجو أن يكون ذلك فى خلال يومين فقط ؛ لأنه بعد ذلك سيكون الأفراج عن والدكِ أمراً صعب للغاية . "

وأضاف :
" بعد يومين سيتم عرض والدكِ على النيابة العامة ... ومنها إلى المحكمة بالطبع ليتم الحكم عليه ..."

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" وحينئذ يكون من الصعب أن يخرج من السجن حتى بعد دفع المبلغ . "

تبادلتُ أنا وأمى النظرات وهممتُ بقول شيئاً ما إلا إنه سبقنى قائلاً :
" إلا إذا تم دفع المبلغ قبل يومين ... أو إذا ...... "

ظل صامتاً لفترة من الزمن ، وراح ينقل بصره بينى وبين أمى قبل أن يتم جملته قائلاً :
" أو إذا تنازلتُ أنا عن المحضر . "

ران صمتُ ثقيل على الغرفة لدقائق ، قبل أن يقطعه مُعاذ قائلا ً:
" ما رأيكما ..؟ "

قلتُ :
" سأحاول بقدر الأمكان الحصول على الأربعة آلاف المُتبقية فى خلال يومين . "

هز كتفيه قائلا ً:
" وماذا لو لم تتمكنى من الحصول عليه ..؟ "

قلتُ بأسى شديد :
" ستكون هذه هى إرادة الله . "

قال :
" تعنين أنكِ ستتركين والدك يُسجن ..؟ "

قلتُ بقلة حيلة :
" وهل أملك حلاً أخر ؟"


ظل صامتاً للحظه قبل أن يقول :
"بلى . . هناك حلاً أخر . "

سألته وقد بلغت حيرتى ذروتها :
" وما هو ..؟ "

أجاب ببساطة شديدة :
" أن أتنازل عن المحضر . "

لم أصدق نفسى وقلتُ بتردد :
" وهل ... ستتنازل عن المحضر ..؟ "

قال :
" نعم ولكن بشرط . "

سألته :
" وما هو ..؟ "


ظل صامتاً هذه المرّة لفترة تجازوت الدقائق الخمس ... قبل أن ينقل بصره بينى وبين أمى ... ويأخذ نفساً عميقاً ثم يقول :
" أن تقبلى الزواج منى . "


~ ~ ~ ~


لفترة من الزمن ظللتُ أحدق بوجهه فى دهشة قد تصل إلى حد الذهول ... قبل أن نتبادل أنا وأمى النظرات فى الوقت ذاته ... دون أن تقوى إحدانا على النطق بكلمة ..!

عدت أنظر إليه مجدداً بحيرة شديدة ... أليس هذا الرجل هو الذى رفض أن يخرج أبى من السجن بل وطردنى من قصره ؟
إنه أمرا ً من أثنين ... أما أنه يمزح معى وهذا أمراً مُستبعد ..
وأما أنه يهذى وهذا أمراً مُستبعد أيضاً...

قال :
" ما رأيكما ؟ "

أنتزعنى صوته من أفكارى بغتة ، وحين نظرتُ إليه وجدته ينظر لى وينتظر إجابتى التى تعثرت فى حلقى وأبت أن تخرج من بين شفتىّ ..!

أجابته أمى :
" وهل هذا كلام يعقل ..؟ "

قال ببساطة :
" ولِم لا ..؟ "

استطعت أن أنطق أخيراً :
" لماذا أنا بالذات ..؟ أقصد أننى ... وأنت.... "

قاطعنى قائلا ً :
" هذا لا يعنينى فى شئ . "

قلتُ :
" رُبما لا يعنيك أنت فى شئ لكنه سيعنى الكثير لكل من حولك ؛ فأنا لستُ سوى أبنة أمين الخذانة المُختلــ..... "

قاطعنى قائلا ً للمرّة الثانية :
" قلتُ أن هذا لا يعنينى . "

واستطرد بسرعة :
" أريد رداً سريعاً إذا سمحتِ . "

ظللتُ صامتة لفترة من الزمن ، لا أدرى ماذا أقول له ..؟
لقد أخبرته فى المرّة السابقه أننى مخطوبه لشخص ما ... ألا يعنى له هذا شيئاً ..؟
أيظن أننى سألقى بكل شئ خلفى حينما يتكرم ويتعطف ويطلب منى الزواج ..؟!

قاطع صوته أفكارى وهو يقول فى ضجر :
" هل يحتاج الأمر لكل هذا التفكير ..؟ "

هززتُ رأسى نافيه وأنا أقول :
" كلا ... الأمر لا يحتاج أى تفكير. "

وأضفتُ :
" لا أنكر أنه عرض كريم منك أن تطلبنى للزواج ... لكن .... أنا فعلاً أسفة ... لقد أخبرتك مُسبقا ً أننى مخطوبه لشخص ما و..... "

قاطعنى حين قال بهدوء أدهشنى :
" أفهم من هذا أنك ِ ترفضيننى ..؟ "

أومأتُ برأسى إيجابا ً ثم قلتُ بسخرية :
" طبعاً ردى هذا لم يكن ليخطر ببالك أبدا ً . "

قال بسخرية مُماثلة :
" بل لقد كنتُ أتوقع هذا بالفعل ... فأنا واثقا ً من أنكِ لا تعرفين أين مصلحتكِ ... "

وأضاف بهدوء :
" ولا تدرين أياً منا سيضمن لكِ حياة كريمة ... أنا أم ذلك المعلم التافه ..؟ "

على الرغم من دهشتى بمعرفته مهنة خطيبى ، إلا أننى أنتزعتُ نفسى من دهشتى وقلتُ له بحدة :
" شكراً على نصحيتكَ الغالية لكنى لا أفكر بالأرقام والحسابات كما تفكر أنت ... إننى أحب خطيبى وسأكون سعيدة معه للغاية . "

يبدو أننى أستطعتُ أن أشعل فتيل غضه أخيراً... فقد رمقنى بنظرة طويلة غاضبة قبل أن يقول بهدوء نسبى :
" قبل أن تجيبى علىّ فكرى جيدا ً فى الأمر ..... وفى مصير والدكِ . "

قلت غاضبة :
" هل تهددنى ..؟ "

فقال مُبتسماً :
" هل يوجد بجُملتى ما يوحى بهذا ..؟ "

وصمت لبرهة ثم قال :
" أسمعى يا أروى ... أنا لن أعتبر هذا ردكِ الأخير و ..... "

قاطعته قائلة بحدة :
" بل إن هذا هو ردى الأخير ... ولا تأمل فى أن أغير رأيى هذا ولو بعد مائة عام ؛ فأنا مخطوبة لشخص أخر وسأتزوجه حينما يخرج أبى من السجن . "

قال :
" هذا لو خرج من السجن . "

ووقف قائلا ً :
" سأمهلكِ يومين للتفكير .... "

ثم ولانى ظهره وغادر الشقة بخطوات واسعة وسريعة ....
وتلا هذا صمتُ تام ....
بقيتُ متسمره فى مكانى وكأننى تمثالاً من رخام ... حتى نظراتى ظلت مُثبته على الباب الذى عبره مُعاذ منذ لحظات دون أن تقوى على الأشاحة عنه ..!
ولم تكن حالة أمى أفضل من حالتى بأى شكل من الأشكال ..!
كانت هى الأخرى مصدومة ولا تدرى ماذا تقول ..؟

فكرت فى عرضه هذا كثيراً بعدما أنصرف مُعاذ ؛ فلقد فشلت كل محاولاتى فى جمع الأربعة آلاف المُتبقية ، ولا أظن أننى سأتمكن من الحصول على رُبعها فى يومين ..!
لكن لا .... لن أقبل الزواج من ذلك المُتعجرف ... هذا غير أننى مخطوبة وأحب خطيبى ...
لكن ......
ماذا عن أبى ..؟ هل أتركه يسجن ..؟
هل يكون بيدى إخراجه من السجن وأرفض هذا ..؟
هل أستطيع أن أفعل هذا ..؟


~ ~ ~ ~

تتبـــع

أم ساجد 18-07-11 06:55 AM

3
: : : قدرى المشؤوم : : :



وقفتُ مُترددة أمام ذلك القصر العظيم بأسواره العالية وبابه الحديدى المُغلق ...
أردتُ أن أتقدم نحوه ولكن شيئاً ما بداخلى يجبرنى على الوقوف ويمنعنى من المضى فى طريقى ...
أعتقد أنه الخوف من المجهول ... أو رُبما الخوف من المعلوم ...
؛ فأنا أعلم مصيرى بعد دخول هذا القصر ...
وأعلم أن ما قاسيته طوال حياتى لن يكون أقل مما سأقاسيه بهذا المكان ..!
أجبرتُ قدمىّ على المضى فى طريقى ، فأنتابتنى قشعريرة غريبة وفكرتُ فى العودة من حيث أتيتُ ولكن .....
لقد أتيتُ بالفعل ولا يمكن أن أتراجع عما قررته مهما كانت الظروف والأسباب ..!
أخذتُ نفساً عميقاً ثم دفعتُ قدمىّ دفعاً ودلفتُ إلى القصر ...
هذه المرة لم أشعر بالأنبهار كما شعرتُ أوّل مرة ... أنما شعرتُ بالمرارة ...
شعرتُ بنفس شعور الشاه التى تساق إلى المذبح .. وإلى الموت ..!

جلستُ بنفس الغرفة أنتظر مصيرى المحتوم ... وقدرى المشؤوم ... والدموع تكاد تفر من عينى وتنساب على وجنتىّ بألم ...

وهنا أتانى صوته من خلفى :
" ها قد أتيتِ أخيراً ... لقد كنتُ أنتظركِ . "

رفعتُ عينىّ ببطئ ونظرتُ إليه ...
كان يقف مرفوع الرأس وشامخاً كعادته ...
ورأيتُ ابتسامة ساخرة على شفتيه ... وكأنه يؤكد لى أنتصاره علىّ ..!
لحظتها شعرتُ بالذل والهوان وكأننى إحدى الجوارى التى يعاينها المشترى ... شعرتُ بوخر شديد بقلبى ولم أحتمل أكثر من هذا...
نهضتُ من مكانى وقلتُ :
" نعم أتيت ... "

ثم أضفت بحسم :
" وسأرحل حالاً . "

وتوجهتُ نحو الباب بخطوات سريعة ... كنتُ أريد الفرار منه بأى ثمن ...
حتى لو كان الثمن هو أبى ..!

فوجئتُ به يعترض طريقى ويرمقنى بنظرة حادة قائلا ً :
" إلى أين أنتِ ذاهبة ..؟ هل تظنين أننى سأترككِ تذهبين بهذه السهولة ..؟ "

صحت به غاضبة :
" لا شأن لك بى . "

وكدتُ أواصل طريقى لولا أنه أمسك بيدى وقال بحدة :
" ولماذا أتيتِ أصلاً ..؟ "

قلتُ :
" لقد غيرتُ رأيى . "

قال :
" بهذه السهولة . "

قلتُ بحدة :
" أنا حرة . "

أومأ برأسه إيجاباً وقال :
" صدقتِ ... أنتِ حرة بالفعل ... تقبلين زواجى أو ترفضينه ... لكِ مطلق الحرية فى هذا . "

وأضاف مُبتسماً :
" أنتِ حرة لكن أباكِ ليس كذلك كما تعلمين . "

شعرتُ بقلة حيلة وضعف شديد فأرسلتُ نظراتى إلى الأرض ...
وسمعته حينئذ يقول :
" كنتُ واثقاً من أنك لن تتردى للحظة بالتضحية من أجل أباكِ . "

رفعتُ بصرى إليه وقلتُ بصوت مختنق :
" لماذا تفعل بى هذا ..؟ "

قال بهدوء :
" وماذا فعلتُ بكِ ..؟ هل الزواج منى أمر سئ لهذا الحد ..؟ هل ترينى شخصا ًسيئا ًيا أروى ..؟ "

قلتُ :
" بل على العكس ... إن جميع الفتيات يحلمن برجلا ً مثلك لكن ...... "

قاطعنى قائلا ً بسخرية :
" وأنتِ بأى رجلا ً تحلمين ..؟ بذلك المعلم التافه ..؟! "

حينما قال ذلك أنفعلتُ كثيراً وصحتُ به :
" لا تنعته بالتافه لأنه ليس كذلك أبداً . "

لزم الصمت فقلتُ :
" إنه أفضل شخص عرفته على الأطلاق ... وأنا لن أسمح لك بأهانته أمامى مرة أخرى ... هل سمعت ..؟ "

فوجئت به يقول بهدوء :
" نعم سمعت... أهناك ما تريدين قوله بعد ..؟ "

أجبتُ عليه بحدة :
" نعم ... أريدك أن تعلم بأننى ما كنتُ لأقبل الزواج منك لولا أنك وضعتنى قاب قوسين ... وأننى إذا كنتُ مضطرة للزواج منك فعليك أحترام مشاعرى قبل أى شئ . "

مُعاذ أغلق عينيه بقوة ، وبدا كما لو كان يجاهد للتحكم بغضبه ..!
ثم قال :
" أهناك شيئاً أخر ..؟ "

تعجبتُ من صبره وتحمله لكل ما قلته ...
لماذا لم يثور علىّ ..؟ لماذا لم يقابل غضبى بغضب مماثل ..؟

عاد مُعاذ يسألنى بضجر :
" أهناك شيئاً أخر تريدين قوله ..؟ "

هززتُ رأسى نافية وقلتُ :
" كلا ... هذا كل ما لدى . "

قال بعد فترة :
" حسناً ... وأنا موافق على كل ما قلتِه . "

وأضاف :
" هل نحن مخطوبان الأن ..؟ "

نظرتُ إليه بتحد وقلتُ :
" فلتتنازل عن المحضر أولا ً . "



~ ~ ~ ~


كانت سعادتى بلا حدود وأنا أرى أبى وهو يغادر قسم الشرطة بجانب مُعاذ الذى توجه مُباشرة إلى سيارته الفارهة وأنطلق سائقه بها على الفور ...
أتجه أبى نحوى وعانقنى بشوق ٍ بالغ ...

قلت بسعادة :
" حمداً لله على خروجك سالماً يا أبى . "

ابتسم أبى وقال :
" الحمد لله . "

وأضاف :
" أنا مُدين لمعاذ بك هذا بالكثير ... إنه أنبل رجل عرفته طوال حياتى . "

تنهدتُ وقلتُ :
" صدقت ... إنه بالفعل أنبل رجل ..! "

لم ينتبه أبى إلى رنة السخرية التى بصوتى ، وظل يتحدث عنه طوال الطريق ويثنى عليه إلى أن وصلنا المنزل ...
كانت سعادة الجميع بلا حدود ... أمى وأشقائى كانوا فى قمة سعادتهم ...
أنا فقط من كنتُ أشعر بضيق شديد ...
لقد وفى مُعاذ بوعده لى ... وعلىّ أن أفى بوعدى له أنا أيضاً ..!

تركتُ أبى ينعم بحمام طويل وشاركتُ أمى فى إعداد الطعام له ... ثم فرشتُ بساطاً بالى ومُمزق من عدة مواضع شتى على الأرض ، وجلسنا نتناول طعامنا جميعاً فى حلقة شبه مستديرة ...

فيما مضى كنتُ أشعر بالأسى على حالنا وأتمنى أن يحدث أمراً ما ينتشلنا جميعاً من بؤسنا ...
لكنى الأن أشعر بنعمة الله علينا ... فمجلسنا هذا بالدنيا وما فيها ... وليتها دامت لنا ..!

فى المساء انتهزتُ أوّل فرصة سنحت لى وأخبرتُ أبى بأمر خطبتى لمُعاذ ...
كان أبى يجلس بغرفته بعد المغرب يتناول الشاى ... ويريح جسدة المنهك على السرير ...
وما أن أخبرته بذلك الأمر حتى أتسعت عيناه بذهول ... ونظر إلىّ بدهشة كبيرة ...
ثم قال وهو لازال عاجزا ً عن استيعاب الأمر :
" مُعاذ بك تقدم لخطبتكِ ..! "

أومأتُ برأسى إيجابا ً ، فقال بحيرة :
" لكن ... أقصد ... أنه ... صاحب الشركة ... بل إنه صاحب أكبر سلسلة شركات فى مصر كلها ..! "

قلتُ :
" هذا ما حدث يا أبى . "

قال :
" لكن لماذا ..؟ "

قلت :
" لا علم لى . "

ران الصمت علينا لفترة قبل أن يقطعه أبى قائلاً :
" وهل قبلتِ ..؟ "

تنفست بعمق وبعثرت نظراتى على الأرض وأنا أجيب :
" بلى . "

ظل أبى صامتا ً لفترة من الزمن ، قبل أن ينتبه لأمراً كان غائبا ً عن باله ... أو رُبما أنسته الصدمة أياه ... وهو أننى مخطوبة لشخصا ً أخر ..!

قال فجأة :
" وماذا عن خطيبك ..؟ "

تنهدتُ وقلتُ :
" سأتركه . "

أبى قال مُستهجنا ً :
" بهذه السهولة ..؟ "

قلتُ :
" أبى ... لقد حدث ما حدث ووافقتُ على الزواج منه . "

أبى قال بعد فترة :
" لهذا أذن تنازل عن المحضر . "

أومأتُ برأسى إيجاباً ، فقال أبى بحدة مُفاجئة :
" لن أسمح بهذا أبدا ً... فليعيدنى إلى السجن أكرم لى من أبيعكِ له . "

قلتُ :
" لكنه سيتزوجنى على سنة الله ورسوله . "

قال بعصبية :
" وأى زواج هذا ..؟ لا يا أروى ... سأذهب إليه غداً لأخبره برفضى للأمر. "

قلتُ :
" أبى أرجوك ... لا تهدم كل ما فعلته فى لحظة غضب . "

قال أبى بغضب :
" بل لا تهدمى أنتِ ما فعلته من أجلكِ... أنا لن أدعكِ تضحين بحياتكِ من أجلى أبدا ً . "

قلتُ :
" وهل تظن هذه تضحية ...؟ إن مُعاذ بك رجلا ً تحلم به جميع الفتيات ... وسأكون حمقاء إذا رفضته . "

نظر إلىّ أبى بشك وقال :
" حقا ً ..؟ "

أكدتُ له قائلة :
" طبعاً... إنه سيقيم لى حفل زفاف لم أكن لأحلم بمثله ... وسيحضر لى فستان الزفاف من باريس ... وسأقيم معه بقصره العظيم ... وقبل هذا كله سأكون زوجة صاحب أكبر سلسلة شركات فى الشرق الأوسط ... أتسمى هذا تضحية يا أبى ...؟ سأكون مخبولة فعلاً إذا رفضت هذا العرض . "

قلتُ ذلك وشعرتُ بالدموع تتجمع بعينى وتكاد تنسكب على وجنتى ، فسارعتُ بمغادرة الغرفة وأنا أجاهد لكى لا تنهمر دموعى أمام أبى ...
وما أن غادرتُ الغرفة حتى أطلقتُ العنان لدموعى وتركتها تنهمر كالشلالات على وجهى ..!
كنتُ أشعر بحزن شديد لأننى أجبرتُ على الزواج من رجل بينما أنا مخطوبة لأخر ..!
لكنى ما كنتُ لأقبل بأن يلقى أبى فى السجن ...
لقد عانى أبى الأمرين طوال حياته ... وآن له أن يستريح ...
آن له أن يقضى ما تبقى من عمره معززاً مُكرماً ... لا مهاناً فى السجون ..!


~ ~ ~ ~

تتبــع إن شاء الله

ΑĽžαεяαђ 03-07-12 02:21 AM

تنقل للقسم العام لتوقف الكاتبة عن التنزيل

-

-

مشرفات القسم

الجُودْ ؛ 17-07-12 04:41 AM

4
: : : الواقع المرير : : :






وقفتُ أمام المرآة أجرب إرتداء فستان الزفاف الذى أشتراه لى مُعاذ من باريس ..!
كان الفستان أنيق جدا ً.. ويبدو باهظ الثمن للغاية ..
حقيقة أنا لم أحلم بإرتداء مثل هذا الفستان الرائع .. وكذلك لم أحلم بأن يقام حفل زفافى فى مثل هذا القصر العظيم .. بل وأن أقيم بجناح فاخر به وأصير سيدة هذا القصر ..!
لكن .. برغم كل هذا .. أنا لم أشعر بالسعادة قط .. لم أشعر إلا بالأسى والعجب من حال الأيام .. وأنطلقت فى أعماقى ضحكة ساخرة مريرة كمرارة الواقع الذى أعاصره .. وكمرارة الأيام التى راحت تتقاذفنى كقارب شراعى صغير تتقازفه الأمواج وتعصف بشراعه الريح ..!
من كان يصدق أن تلك الفتاه البسيطة .. التى كان أكبر حلمها هو الزواج من خطيبها ذلك المعلم الفقير .. الذى لم تكن حالتة المادية أفضل من حالتها بشئ يذكر .. فجأة يشاء القدر أن تصير خطيبة صاحب أكبر سلسلة شركات فى مصر والشرق الأوسط كله ..؟
من كان يصدق هذا ..؟!
ومن يدرى ماذا تخبئ الأيام لى فى جعبتها ؟ !

" تبدين فى غاية الجمال والأناقة . "

انتزعنى صوت الوصيفة من أفكارى ، فألتفتُ لأنظر إليها وقلتُ بلا حماس :
" حقاً ..؟ "

أكدت لى قائلة :
" طبعاً .. إنكِ تبدين أجمل مائة مرة من السيدة تولان .. رغم أن السيدة تولان والحق يقال كانت جُميلة جداً . "

سألتها بشرود :
" ومن تكون السيدة تولان هذه ..؟ "

نظرت إلىّ الوصيفة بحيرة وقالت بدهشة كبيرة :
" ألا تعرفين من تكون السيدة تولان ..؟ "

قلتُ :
" لم يحدث لى الشرف فى الحقيقة . "

ألزمت الوصيفة الصمت لفترة أطول مما ينبغى ..
فقلتُ :

" ألن تخبرينى من تكون ..؟ "

ابتلعت الوصيفة ريقها بصعوبة ثم قالت بتردد :
" لقد كنتُ أظنكِ تعرفين من هى ولم أقصد أن أكون السبب فى أى خلاف بينكِ وبين السيد مُعاذ . "

زادنى كلامها حيرة فوق حيرتى وعجبا ً فوق عجبى ..!

سألتها بعصبية :
" ومن تكون هذه الـ تولان يا تُرى ..؟ أكانت خطيبته مثلا ً ..؟ "

أرتبكت الوصيفة أكثر وأبتلعت ريقها مرة ثانية بصعوبة ..
ثم قالت :

" كلا .. إنها ليست خطيبته .. "

وصمتت لبرهة ثم قالت بتردد :
" إنها .. إنها .. زوجته السابقة . "

نظرتُ إلى الفتاة بدهشة كبيرة وقد جمدتنى الصدمة بمكانى وجعلتنى عاجزة عن الحركة ..!
زوجته ..! هل كان مُعاذ مُتزوج من أخرى ؟ ..!
لا .. لا .. لو كان سبق له الزواج من أخرى لكان نبهنى لهذا الأمر على الأقل ..
هذه الفتاة أما أنها تهذى .. أو أننى أنا من صرتُ أتوهم أشياءاً لا أساس لها من الصحة ..!

سألتها بصوت ضعيف مبحوح :
" هل .. هل قلتِ .. زوجته ..؟ "

أومأت الفتاة برأسها إيجاباً ..
شعرتُ بدوار خفيف .. وحاولتُ أن أبدو مُتماسكة وأنا أقول بصوت بالكاد خرج من حلقى :

" هل .. كان مُعاذ .. مُتزوج من أخرى ..؟ "

حينما أومأت الفتاة برأسها إيجابا ً وقالت بتردد :
" نعم .. كان متزوجاً من السيدة تولان وأنفصلا منذ ثلاثة أعوام. "

ما أن أنتهت الوصيفة من جُملتها حتى شعرتُ بمزيج غريب من الأستياء والغضب والحيرة والدهشة ..!
لماذا لم يطلعنى على هذا الأمر من قبل ..؟ ولماذا وضعنى فى هذا الوضع السخيف ..؟

عدتُ أنظر إلى الوصيفة وسألتها بصوت متحشرج :
" ولماذا أنفصلا ..؟ "

بدت الوصيفة مُترددة ، فقلتُ لها أحثها على الحديث :
" أخبرينى ولا تخافى من أى شئ ... "

قالت الوصيفة :
" أنا لم أقصد شيئاً بهذا .. لكنى لم أكن أعلم بأنكِ تجهلين هذا الأمر. "

قلتُ محاولة تبرير الموقف :
" طبعا ً مُعاذ كان سيطلعنى على الأمر .. رُبما كان فقط ينتظر الوقت المناسب . "

لم يقنعنى تبريرى لذلك الموقف السخيف الذى وضعنى مُعاذ فيه .. وكذلك لم يبدُ لى أن الوصيفة نفسها قد أقتنعت به ..!

قلتُ :
" أخبرينى لماذا أنفصلا من فضلك ..؟ "

ظلت الفتاة صامتة لبعض الوقت ، ثم قالت :
" إنهما لم يتفقا منذ البداية .. كانت السيدة تولان من بلد غريبة .. وطباعهها مُختلفة تماما ً عنا .. وسيدى لم يحتمل طباعها هذه و ..... وأنفصلا . "

سألتها :
" من أى بلد كانت ..؟ لا تبدو لى مصرية ..؟ أسمها غريب ..! "

فكرت للحظة ثم قالت :
" أعتقد إنها كانت من تركيا .. نعم تذكرتُ لقد كانت من تركيا بالفعل ؛ فقد كان سيدى يدرس بتركيا وتعرف عليها هناك وتزوجا . "

قلتُ أحثها على المواصلة :
" ثم ماذا ..؟ "

قالت :
" ثم أنفصلا بعد عام واحد تقريباً .. "

وفكرت للحظة ثم أضافت :
" نعم .. أنفصلا بعد عام واحد .. حتى أن سيدى الصغير كان عمره أيام وقتها . "

هنا شعرتُ بدوار قوى مفاجئ من شدة الصدمة .. فأستندتُ على أقرب مقعد ورحتُ أجاهد لألتقاط أنفاسى ..!
أقتربت منى الوصيفة وساعدتنى على الجلوس على المقعد الذى كنتُ أستند عليه ..
ثم قالت بقلق شديد :
" سيدتى .. هل أنتِ بخير ..؟ اللعنة علىّ ... ما هذا الذى فعلته ..؟ "

أومأتُ لها برأسى إيجابا ً لأطمئنها ، بينما كنتُ أشعر بتعب شديد فى الحقيقة ..!

سألتها بصوت واهن ضعيف :
" هل .. هل لديهما .. طفل ..؟ "

ظلت الوصيفة تنظر إلىّ بتردد ، وكأنها تخشى أن يصيبنى مكروها ً فيما لو أكدت لى الخبر ..!
قلتُ :

" لا تخافى علىّ .. فقط أخبرينى بالحقيقة لأستريح . "

تنهد الفتاة ثم قالت بوجل :
" بلى .. لديهما طفلا ً عمره ثلاثة أعوام . "

سألتها :
" وأين هو الأن ..؟ "

قالت :
" سافر تركيا مع السيدة تولان منذ ثلاثة أعوام ولم يعودا حتى الأن . "

وصمتت لبرهة ثم قالت :
" هذا الأمر يحزن سيدى كثيرا ً ؛ فهو يريد تربية سيدى الصغير بمصر وقد حاول مراراً أن يعيده وسافر له عدة مرات لكن السيدة تولان رفضت ذلك ، وكذلك تم الحكم بقضية الحضانة لصالحها ؛ لأن سيدى غير متزوج على ما أظن . "

سألتها باستغراب :
" وما شأن الزواج فى هذا الأمر ..؟ "

قالت :
" لا علم لى .. كل ما أعرفه هو أنه لابد أن يكون سيدى مُتزوجاً ولديه عائلة ليتم الحكم فى القضية لصالحه .. هكذا هو القانون بتركيا ..! "

الأن فهمت كل شئ .. وفهمتُ لِم طلب منى مُعاذ بك الزواج ..
يا لى من غبية ..! كيف أقبل هذا الوضع السخيف ..؟
لا .. أنا لن أقبل بهذا أبداً .. لن أكون مجرد وسيلة لنيل ما يريد ..!
نزعتُ عنى فستان الزفاف وأبدلته بإحدى الأثواب التى أشتراها لى مُعاذ مُؤخراً وأتجهتُ إلى الطابق السفلى حيث ينظرنى مُعاذ بغرفة المكتب ..
حينما دلفتُ إلى الغرفة كان يقف عند المكتبه وبيده كتابا ً يتصفحه ..
ألقى علىّ نظرة عابرة ثم قال :

" هل نال الفستان إعجابكِ يا تُرى ..؟ "

قلتُ بحدة :
" إنه رائع .. لكنه للأسف لا يليق بأمثالى . "

عقد حاجبيه بشدّة ثم قال :
" ما معنى هذا ..؟ "

قلتُ :
" معناه أنه كان الأجدر أن تجد لكِ زوجة تليق بكِ بدلاً من أبنة أمين الخذانة المُختلس . "

أعاد مُعاذ الكتاب إلى المكتبه وألتفت لينظر إلىّ قائلا ً باستغراب :
" أروى .. ما هذه النبرة الغريبة ..؟ "

قلتُ بأنفعال :
" وبأى نبرة ت حب أن أتحدث بها إلى رجل مخادع مثلك ..؟ "

قال بنفاذ صبر وغضب :
" أخبرينى ماذا حدث يا أروى ولا تقولى كلاما ً قد تندمين عليه ..؟ "

قلتُ مُنفعلة :
" ألم يكن الأجدر بك أن تخبرنى بأنك كنت مُتزوجاً بدلاً من أن أصدم بهذا الخبر أمام الوصيفة ..؟ "

هز مُعاذ رأسه مُتفهما ً وبدا كما لو كان قد فهم الأمر فقال بهدوء :
" أذن فقد عرفتِ هذا الأمر . "

وأضاف وقد ضاقت عيناه :
" وما مشكلتكِ الأن ..؟ "

قلتُ بعصبية :
" لماذا لم تخبرنى بهذا من قبل ..؟ "

قال :
" وهل كان هذا ليغير أتفاقنا ..؟ "

قلتُ :
" أتفاقنا لم يكن على أساس أن أكون مجرد أسم فى البطاقة العائلية لكى تستطيع ضم أبنك لحضانتك . "

قال مُعاذ بهدوء :
" أذن فقد عرفتِ هذا أيضاً .. يبدو أن الوصيفة أخبرتكِ بكل شئ . "

قلتُ بعصبية وأنفعال :
" دعك من الوصيفة الأن ورد علىّ .. "

قال معاذ بحدة :
" نعم كان أتفاقنا هو أن نتزوج وأن يكون أسمك فى البطاقة العائلية .. ولا أظنكِ كنتِ تعتقدين أننى طلبتُ الزواج منكِ لأننى مُتيما ً بك ِمثلا ً. "

قلتُ بعصبية أشد :
" أنا لم أقل هذا ولم أعتقد هذا الأعتقاد الساذج .. لقد كنتُ أعلم أنكِ تريد الزواج لغرض معين لا أعلمه .. لكنى لم أكن أتخيل أن يكون هذا هو السبب وراء زواجك منى .. "

قال :
" هل يؤلمكِ السبب إلى هذه الدرجة ..؟ "

قلتُ :
" نعم يؤلمنى كثيراً .. ويؤلمنى أكثر الوضع السخيف الذى وضعتنى فيه أمام الوصيفة .. "

قال بهدوء :
" إذا كان مظهركِ يهمكِ أمام الوصيفة إلى هذا الحد فسأطردها وآتيكِ بأخرى . "

قلتُ بأستياء شديد :
" بهذه البساطة تريد طردها ..؟ طبعاً ولِم لا ..؟ شخصاً مثلك كيف يتسنى له أن يشعر بأولئك الناس الذين يجاهدون للحصول على قوت يومهم ..؟ كيف ستشعر بهم وأنت طوال حياتك لم يقرصك الجوع ولم تشعر بالبرد وتتمنى لحظة دفء واحدة .. كيف ستشعر بهم وقد ولدت وبفمك ملعقة ذهب كما يقولون ..؟ "

قال بغضب :
" إنكِ لا تعرفين شيئاً عنى لتحكمى علىّ مثل هذا الحكم يا أروى . "

قلتُ بحدة :
" ما أعرفه عنك حتى الأن يكفى لأن يجعلنى أفكر فى التراجع عن فكرة الزواج منك .. حتى لو كان زواجنا مقتصر على شهادة الزواج . "

ظل صامتاً لفترة من الزمن ثم قال :
" وما معنى هذا ؟؟؟ "

قلتُ بحسم :
" معناه أننى أرفض تماماً أن أكون مُجرد سلم تصل من خلاله إلى ما تريد . "

ران صمت تام على الغرفة بعدما أنتهيتُ من جُملتى ، وبدا لى كما لو أن مُعاذ قد تجمد بمكانه بعد جُملتى تلك ..
رُبما صدمه تراجعى عن أتفقنا بهذا النحو .. أو رُبما لم يستوعب الأمر بعد ..!
الشئ الوحيد الذى كنتُ مُتأكدة منه فى هذه اللحظة هو أن جُملتى أثارت غضبه وجنونه ..!
فقد رأيته يتحرك من مكانه بعد فترة ويقترب منى ببطئ شديد .. والشرر يتطاير من عينيه .. وأسنانه تصطك ببعضها من شدة غضبه ..
وأتانى صوته بعد ذلك وهو يقول بنبرة هادئة إلى حد ما :
" أفهم من هذا أنكِ لن تتزوجيننى ..؟ "


أردتُ أن أجيبه لكن صوتى تعرقل بحلقى ولم يخرج واضحاً .. وحين أومأتُ برأسى إيجاباً رأيتُ وجهه يتقد إحمراراً .. وسمعته يقول بنبرة حادة :
" لكنى وفيتُ بوعدى لكِ وتنازلتُ عن المحضر . "

أبتلعتُ ريقى بصعوبة وقلتُ :
" بأمكانك أن تقدم بلاغاً أخر ضد أبى وتزعم أنه أختلس مرة أخرى وتعيده إلى السجن . "

قال بغضب :
" طبعاً يمكننى ذلك .. بل ويمكننى ما هو أكثر من ذلك .. لكنى لا أظنك ستقبلين بأن يلقى أباكِ فى السجن مجدداً .. والله أعلم أى تهمة سألفقها له ..! "

قلتُ مُنفعلة :
" هل أعتبر هذا تهديداً ..؟ "

قال بصوت أجش :
" أعتبريه كما تشائين . "

قلتُ بأنفعال وغضب :
" فلتذهب أنت وتهديداتك كلها إلى الجحيم . "

وكانت جُملتى هذه هى القشة التى قسمت ظهر البعير ، فتحول وجه مُعاذ إلى اللون الأحمر القانى من شدة غضبه وأنتفخت أوداجه بشدة وضرب بقبضته باب الغرفة بقوة ..
ثم قال بغضب :

" فات الأوان على هذا الحديث يا أروى .. وهذا الزواج سيتم يعنى سيتم .. شأتِ أم أبيتِ سيتم .. هل تسمعين ..؟ "




~ ~ ~ ~ ~




كان حفل الزفاف بعد أيام قليلة .. وبطبيعة الحال رضختُ للأمر الواقع ..
لكن بشرط .. أن يتم طلاقنا بمجرد أن يحصل مُعاذ على حضانة أبنه ..!
وتزوجنا فى حفل زفاف رائع .. أروع مما تتخيلون ..
لن أنكر أننى أنبهرت بالحفل وبكم الحضور ..
الجميع كان آتياً لمشاهدة العروس الجديدة .. الزوجة الثانية لرجل الأعمال الشهير ..!
ولو أنهم يعلمون الحقيقة ..

لو أنهم فقط يعلمون ..!

حاولتُ بقدر الأمكان أن أكون مرحبة بالضيوف وبكل من أتى إلىّ لمصافحتى والتعرف على ّ ..!
أقارب مُعاذ كثيرون للغاية وأصدقائه – من الفتيات والرجال - لا حصر لهم ..

وهذا الأمر أثار عجبى وحيرتى ..!
فلماذا أنا بالذات الذى تزوجها ..؟ لماذا لم يتزوج من إحدى صديقاته ، رغم أنهم جميعا ًً على ما يبدو من الطبقة الراقية المُشرفة التى تليق به كثيراً ..؟
وطبعا ً لم أجد جوابا ً لهذا السؤال ..

لكن رُبما كانت الأيام القادمة تحمل لى أجابة مُقنعة لكل التساؤلات التى تدور برأسى .. ورُبما كانت تحمل لى المزيد من الغموض ..!

حقيقة لا أدرى ..!

بعدما أنتهى الحفل ، توجهنا إلى الجناح الخاص بنا .. والذى كان يحتوى على غرفتى نوم مُنفصلتين وغرفة معيشة ومطبخ وحمامين ..
ألقيتُ بجسدى على أقرب مقعد للباب بتعب شديد ..
لقد كان يوما ً حافلا ً بالفعل .. وقد نال التعب منى وبلغ مبلغه ..!
أنتهى مُعاذ من إغلاق الباب خلفه وألتفت لينظر إلى ّ ..

كان يرتدى بذلة حالكة السواد .. وكان يبدو جذاباً جداً ..!

قال :
" هل أنتِ مُتعبة ..؟ "

أجبته بصوت خافت :
" نعم .. لم أرتاح منذ الصباح . "

ظل مُعاذ صامتا ً لبعض الوقت ثم قال :
" تبدين رائعة الجمال . "

نظرتُ إليه باستغراب وقلت :
" شكراً لك . "

قال :
" الجميع انبهروا بكِ اليوم . "

تنهدتُ وقلتُ بسخرية :
" الجميع انبهروا بالزوجة الثانية لرجل الأعمال الشهير وليس بى . "

قال بحيرة :
" وهل هناك فرق ..؟ "

قلتُ :
" طبعاً .. هناك فارق كبير .. فلو أنهم يعلمون أن تلك العروس ليست سوى زوجة فى البطاقة العائلية وصورة مؤقته لنيل ما تريد لأختلف رأيهم بدرجة مائة فى المائة ..! "

لستُ أدرى لِم أثارت جُملتى غضب مُعاذ بذلك الشكل الغريب ..؟ فقد رمقنى بنظرة مُخيفة ، وعينان يتطاير منهما الشرر ، قبل أن يقول بصوت جاف :
" تصبحين على خير يا أروى . "

وتوجه إلى غرفته وأغلق بابها خلفه ..
ظللتُ لفترة من الزمن أنظر إلى الباب الذى أغلقه خلفه ، قبل أن أتوجه بدورى إلى غرفتى وأغلق بابها خلفى .. بل وأوصده أيضاً ..!

نزعتُ عنى فستان الزفاف وألقيته على أقرب مقعد بإهمال .. ثم أزلتُ مستحضرات التجميل عن وجهى .. وبدأتُ أنزع الأكسسوارات التى بشعرى ..
وحينما انتهيتُ من ذلك نظرتُ لصورتى المنعكسة بالمرآة وأطلقتُ تنهيدة طويلة ..
إننى الأن زوجة مُعاذ .. والمفترض أن أكون الأن أسعد فتيات العالم ؛ لأن رجلاً مثل مُعاذ بك فضلنى أنا عن الكثيرات ..
ولأننى أنا من فزتُ به ..!
ولأننى من أقيم لها حفل زفاف رائع كهذا ..!
لم أتمالك نفسى عند هذا الحد .. وضحكتُ بشدة ..
ضحكتُ من الواقع المرير ..
ضحكتُ من سخرية الأيام بى ..
ضحكتُ من حظى السئ .. ومن أحلامى التى انهارت ..
ضحكتُ حتى أدمعت عينى ..

ثم بدأتُ فى البكاء ..
بكاء مرير أليم ..

وعبرات ساخنة الواحدة تلو الأخرى ..

وقلب بائس حزين ..
ونفس مُحطمة ..
وكرامة مهدورة ..
هذا هو اليوم الذى تحلم به كل فتاة ..!

وهذا أيضا ً هو اليوم الذى سأجاهد لكى أمحوه من ذاكرتى تماماً ..!




~ ~ ~ ~ ~



الجُودْ ؛ 17-07-12 04:44 AM

5
: : : لمـاذا أنا ..؟ : : :


استيقظتُ فى صباح اليوم التالى على صوت شقشقة العصافير .. واقتحمت إلى أنفى رائحة الزهور العليلة ..
فتحتُ عينىّ ببطئ وتأملتُ الغرفة الجميلة التى أنام بها ..

كانت غرفة واسعة ذات أثاث حديث الطراز ، وكانت لها واجهة زجاجية كبيرة تطل على الحديقة التى تزخر بالأزهار الجميلة ..!

غادرتُ الفراش وأتجهتُ لأقف أمام النافذة وأتأمل الحديقة التى كان منظرها يبعث بالنفس السرور والراحة ..
لكنه لم يبعث بنفسى إلا مزيداً من الأكتئاب والضيق ..!
أخذتُ حماماً بارداً وجلستُ أمام المرآة أمشط شعرى الطويل الناعم ثم أرفعه بشريط على هيئة ذيل حصان بلا أهتمام ..!

نظرتُ إلى صورتى المنعكسة ودققت النظر بوجهى ..

أبدو شاحبة مُصفرة الوجه ..!

عيناى تلمعان بعبرات مُختنقة تأبى أن تنسكب على وجنتىّ مُخلفة وراءها أثرٍ لا يُُمحى بقلبى ..!

لقد ذرفتُ الكثير من الدموع الأيام الماضية ولم أعد قادرة على ذرف المزيد .. لأول مرّة أشعر أن دموعي قد جفت وأننى لم أعد قادرة على البكاء أو أى شئ أخر ..

لقد أستنزفتُ الأيام الماضية كل قواى وصرتً بلا حول ولا قوة ..

وكل هذا بسببه هو ..

هو من أحال حياتى إلى جحيم .. ودمّر مُستقبلى وحاضرى وماضىّ ..

وهذا لو كنتم تعلمون لم يزدنى إلا كرها ً وحقداً عليه ..

ولن يتدبل شعورى هذا نحوه أبداً ..
مهما طالت الأيام ..

قطع أفكارى صوت طرقات مُترددة على باب غرفتى ..
أقتربتُ من باب الغرفة وقلتُ :

" من بالباب ..؟ "


أتانى صوت مُعاذ وهو يقول :
" إنه أنا يا أروى .. هلا فتحتِ ..؟ "


ترددتُ قليلاً .. كنتُ أرتدى ثياب منزلية خفيفة ..!
قلتُ :

" لحظة واحدة . "


وجلبتُ رداءاً واسعاً وحجاباً ثم أرتديتهم على عجلٍ وفتحت الباب ..
كان واقفاً عند الباب وحينما رأنى ألقى علىّ نظرة مُبهمة المعانى .. رُبما كان مُستنكرا ً ردائى الطويل الساتر ..!


سألته :

" أهناك شئ ..؟ "


فقال :
" لقد جلبت الخادمة لنا الفطور . "


قلتُ مُباشرة :
" ليس لدى شهية لتناول أى شئ . "


وكدتُ أغلق الباب لولا أنه حال دون ذلك وسألنى بنبرة لم ترق لى :
" هل تنوين الأضراب عن الطعام يا أروى ..؟ "


قلتُ بسخرية :
" وهل يهمك هذا ..؟ "


قال :
" بالتأكيد . "


قلتُ :
" آه صحيح .. يهمك ألا أموت الأن .. فبموتى لن يكون لديك زوجة فى البطاقة وبالتالى لن تستطيع ضم أبنك إلى حضانتك . "


رمقتنى مُعاذ بنظرة مُرعبة توحى بمدى غضبة وأستياءه ..!
ثم أستدار وأنصرف ..


أغلقتُ باب الغرفة وبقيتُ جالسة بالغرفة لبعض الوقت ، حتى أصابنى الملل ..
الوقت طويل ومضجر ..

ألا يوجد أى شئ هنا لقتل الوقت ..؟ ألا يوجد أى شئ ينقذنى من جحيم أفكاري ..؟

تذكرتُ المكتبة التى بالطابق الأرضى ..

رُبما أجد فيها كتابا ً شيقا ًيقتل هذا الملل ..!


أرتديتُ إحدى الملابس التى أشتراها لى مُعاذ .. والتى تمتلئ الخذانة بها .. ثم غادرتُ الغرفة وأتجهتُ إلى حيث يجلس معاذ بغرفة المعيشة يشاهد إحدى المباريات المُعادة ..!
حينما رأنى ألقى علىّ نظرة عابرة ثم عاد لينظر إلى شاشة التليفاز قائلاً بسخرية :

" أخيراً غادرتِ الغرفة ..! ظننتكِ نمتِ ثانية . "


تجاهلتُ سخريته وقلتُ :
" هل تسمح لى بالذهاب إلى غرفة المكتب ..؟ "


هنا ألتفت لينظر إلىّ بأهتمام مُتسائلا ً :
" لماذا ..؟ "


هززتُ كتفاى وقلتُ :
" رُبما أجد بها كتاباً يسلينى .. "


ابتسم وقال :
" لدى إقتراح قد يسليكِ أكثر . "


سألته بحيرة :
" وما هو ..؟ "


قال :
" ما رأيك برحلة إلى باريس ..؟ "


نظرتُ إليه بمزيج من الدهشة والحيرة وعدم التصديق ..
رحلة إلى باريس ..! يبدو لى ذلك أشبه بالأحلام ..

بل إنه يفوق أحلامى بكثير ..!


قلتُ :
" ألا يعتبر هذا تضييعاً للوقت ..؟ "


تلاشت ابتسامته تماماً وحل محلها حيرة وعدم فهم ..
ثم قال :

" أى وقت تقصدين ..؟ "


قلتُ :
" أليس من الأفضل أن تبدأ فى إجراءات الحضانة ..؟ "


ولستُ أدرى لِم شعرتُ بأن جُملتى أزعجته هكذا ..؟ !
وقال بعد فترة :

" ولِم العجلة ..؟ القضية الأن تعتبر مضمونة . "


وصمت لبرهة ثم قال :
" لكنى سأبدأ فى الأجراءات بمجرد عودتنا .. "


قلتُ مُكتئبة :
" لا أريد الذهاب إلى مكان . "


رمقنى مُعاذ بنظرة مُبهمة المعانى ثم قال :
" الجميع يتوقع أن أذهب بعروسى فى رحلة لشهر العسل .. ولا أنوى أن أخيب أملهم . "


وصمت لبرهة ثم أضاف :
" أستعدى لأننا سنسافر بعد يومين إلى باريس . "




~ ~ ~ ~ ~



اليوم ستجتمع عائلة مُعاذ للترحيب بى مجدداً ولوداعنا أيضاً ..
فسوف نسافر إلى باريس غداً بإذن الله ..

لم أكن مُتحمسة جدا ً لتلك الرحلة إلا أننى لم أملك سوى الأنصياع لرغبة مُعاذ وأكمال ذلك المسلسل السخيف الذى نؤديه لكى نظهر للجميع بمظهر الزوجان السعيدان ..!

كنتُ واقفة أمام المرآة أضبط حجابى وأضع اللمسات الأخيرة لمكياجى حينما أقبل مُعاذ مُرتدياً بذلة سوداء قاتمة زادته وسامة وجاذبية ..!


وقف مُستنداً إلى الباب وراح يتأملنى من قمة رأسى وحتى أخمص قدماى ، وبدا على وجهه الأستحسان ..
وقال :
" تبدين جميلة . "


تمتمت بخجل :
" شكراً لك . "


أخرج علبة مجوهرات صغيرة من جيب بنطاله قائلا ً :
" لا ينقصكِ سوى شيئاً بسيطاً للغاية . "


وفتح العلبة ليرينى الخاتم الألماس الرائع الذى تحويه مُتابعاً :
" أتمنى أن ينال إعجابك . "


نظرتُ إلى الخاتم بمزيج من الدهشة والأعجاب ، وقد حبستُ أنفاسى من شدة ذهولى ..
وقلتُ :

" أهذا الخاتم لى ..؟ "


ابتسم وقال :
" إنه أقل ما يمكننى تقديمه لكِ . "


وأخرج الخاتم من العلبة وأمسك بيدى وألبسنى أياه ثم قبل طرف يدى برقة وقال وهو يتأملنى مُبتسما ً :
" هكذا صار أجمل . "


غادرنا معاً الغرفة وتوجهنا إلى حيث يجلس الجميع ، فأمسك مُعاذ بيدى برقة وجعلنى أتأبط زراعه قبل أن ندخل إلي حيث يجلسون ..!
صافحنا الجميع وعادوا يرحبون بى من جديد ..

وبالرغم من أنهم جميعاً كانوا حاضرين بحفل الزفاف إلا أننى لم أتذكر الكثير منهم ..

فعاد معاذ يعرفنى عليهم من جديد ..

وأكتشفت اليوم فقط أن والدىّ معاذ متوفيان وأنه لديه شقيقة واحدة تدعى " سالى " وهى فى منتصف العشرينات على ما أعتقد .. وهى لم يسبق لها الزواج حتى الأن ..

كما أنه قدمنى إلى جميع أقاربه ثم بدأ يقدمنى إلى أصدقاءه ..

ومن بين أصدقاءه فتاة تدعى " ميار " وهذه الفتاة جميلة للغاية ، وترتدى فستاناً رائع أحمر اللونً ، ضيق وعارى الأكمام ، وتبالغ فى وضع مستحضرات التجميل لدرجة أنها تبدو كعروس فى ليلة زفافها ..!


" متى تعرفتِ إلى أخى يا أروى ؟ "

سألتنى سالى فيما كنا نجلس بالشرفة برفقة ميار ، التى راحت تنظر إلىّ بأهتمام فى أنتظار ردى ..
قلتُ :

" تعرفنا منذ فترة قصيرة .. حوالى ثلاثة أشهر . "


رفعت ميار حاجبيها وقالت مُستهجنة :
" ثلاثة أشهر فقط ..! "


وقالت سالى :
" أخبرينا يا أروى كيف تعرفتما ..؟ ومتى طلب منك مُعاذ الزواج ..؟ "


أرتبكتُ قليلا ً وقلتُ :
" أ... أأ... لقد ألتقينا بإحدى شركاته ؛ فإبى يعمل لديه بالشركة و..... لم نتبادل سوى بضع كلمات ، ثم ألتقينا مرة ثانية بالشركة أيضا ً فطلب منى الزواج وفاجأنى . "


ابتسمت سالى وهمت بقول شيئا ً ما لولا أن سبقتها ميار التى قالت باستياء واضح :
" لقد تسرعتما كثيراً .. كان الأجدر بكما ألا تتعجلا الأمور بهذا الشكل . "


نظرت سالى إليها باستنكار ورمقتها بنظرة حادة ، إلا أنها تابعت كلامها وقالت بخبث :
" أم أنه تعجل هكذا لكى يتسنى له ضم أبنه إلى حضانته ..؟ "


هذه المرة لم تكتفِ سالى بالنظر إليها أنما قالت بحدة :
" ميار ..! ما هذا الكلام ..؟ "


فقالت ميار بهدوء :
" وماذا فى هذا يا عزيزتى ..؟ جميعنا نعلم أن هذا هو الهدف من زواج مُعاذ بها . "


وأضافت بأستياء :
" الشئ الذى لا أعلمه ولا أستطيع إيجاد تفسير له هو .. لماذا هى بالذات ..؟ كان أمامه الكثيرات .. لماذا أختارها هى دوناً عنا جميعاً ..؟ "


صدمتنى صراحتها ووقاحتها ، وأحمر وجهى بشدّة من شدّة غضبى ، وكدتُ أنهض وأنصرف لولا أن شعرتُ بيد سالى تضغط على يدى بقوة وهى تقول موجهة حديثها إلى ميار :
" هذا يثبتِ أنه أحبها بالفعل ، ولذلك تزوجها هى دون سواها . "


أمتقع وجه ميار بشدّة ، ونهضت من مكانها كمن لغتها أفعى قائلة :
" هكذا أذن ..؟ "


وأضافت :
" على أى حال هذه ليست النهاية .. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً ..؟ "


قالت ذلك ثم أتجهت لتغادر الشرفة بخطوات سريعة ، فرحتُ أتابعها ببصرى حتى أختفت بداخل الغرفة الكبيرة ..
ثم سمعت سالى حينئذ تقول :

" لا تبالى بها يا أروى .. لقد كانت ميار تأمل فى أن يتزوجها أخى لكنه رفضها وخيب أمالها . "


ألتفتُ لأنظر إليها فتابعت :
" صدقينى أنا أعرف أخى جيداً .. وأؤكد لكِ أن أمر حضانة أبنه لا يخطر له بال ، وأنه لم يتزوجكِ لهذا السبب . "


كدتُ أقول :
" لماذا أذن تزوجنى لو لم يكن تزوجنى من أجل حضانة أبنه ..؟ "


لكنى أبتلعتُ جُملتى وأبتلعتُ معها تلك الغصة بحلقى ، وحاولتُ أن أرسم ابتسامة على شفتى لكى أؤكد لها أننى أصدقها ، وأن كلام هذه الفتاة لم يؤثر علىّ ..
وإن كنتُ فى أعماقى أشعر بالأسى والحزن ؛ لأننى أعلم كل العلم أنه ما تزوجنى إلا لأكون طريقا ً لنيل ما يريد ..!


فى هذه اللحظة أقبل مُعاذ وأمسك بيدى ثم قال موجها ً حديثه لسالى :
" ألم تكتفيا من الحديث بعد ..؟ لقد حان وقت العشاء . "


قادنى معاذ إلى غرفة المائدة وأجلسنى بجانبه على المائدة ، وظل مُمسكا ً بيدى إلى أن أحضر الخدم العشاء ، فبدأنا فى تناول الطعام ..
رغم أننى لم أكن أشعر برغبة فى تناول أى شئ .. بل ورغم أننى كنتُ أشعر برغبة قوية فى التقيؤ .. إلا أننى لم أملك إلا أن أشاركهم وجبتهم .. بل وابتسم كلما قال أحدهم دعابة ..!

انتهينا من تناول الطعام وعدنا إلى الغرفة ثانية لنشرب العصير .. وميار لا تفتأ تضايقنى وترمينى بتعليق ساخر من حين لأخر ..!



~ ~ ~ ~ ~ ~



" أريد أن أعرف الأن بالضبط لِم تزوجتنى ؟ "

ألتفت مُعاذ لينظر إلىّ بدهشة ، فيما كنا ندلف إلى الجناح فى ذلك اليوم ..
وقال :

" ماذا ..؟ "


كررتُ بنفاذ صبر :
" أريد أن أعرف لماذا تزوجتنى ..؟ "


قال باستغراب :
" ألم نتحدث فى هذا الأمر مُسبقا ً ..؟ "


قلتُ مُنفعلة :
" نعم تحدثنا لكنى لم أقتنع بحديثك ؛ فقد كان بأمكانك أن تتزوج أى فتاة أخرى طالما غرضك هو حضانة أبنك . "


قال مُعاذ بحدة :
" فعلا ً .. كان بأمكانى أن أتزوج من أى فتاة أخرى .. وأن أخبرها بأننى ما أريد الزواج منها إلا لضم أبنى إلى حضانتى دون أن تستاء من هذا .. بل وتكون فى غاية السعادة لأننى تزوجتها . "


أستفزنى كلامه جداً ، فقلتُ بسخرية :
" طبعاً .. المال يمكن أن يشترى الكثير من صاحبات النفوس الضعيفة . "


مُعاذ نظر إلىّ بغضب وقال :
" ألن ننتهى من هذا الموضوع أبدا ً ..؟ "


قلتُ بأصرار :
" دعنى أعرف السبب أولاً ثم نغلقه بعد ذلك . "


ظل صامتا ً لفترة ثم قال :
" لقد تزوجتك لأننى أريد ضم حضانة أبنى إلى ّ . "


قلتُ مُباشرة :
" ولِم لم تتزوج أى فتاة أخرى ..؟ "


تنهد وقال :
" لقد وقع أختيارى عليكِ أنتِ يا أروى .. ولا تسألين عن السبب . "


قلتُ بحدة :
" لماذا أنا ..؟ لماذا ..؟ كان أمامك الكثير من الفتيات .. لم دمرت حياتى بهذا الشكل . "


زفر مُعاذ بضيق وقال :
" أتعتبرين الزواج منى تدميرا ً لحياتك ؟! "


قلتُ بغضب :
" بل أكثر من هذا .. إننى أتمنى الموت على أن أظل زوجتك ليوم أخر . "


أتسعت عينا مُعاذ بدهشة لم تلبث أن تحولت إلى غضب هادر ، وأقترب منى بسرعة ثم أمسك زراعى قائلا ً بأنفعال وغضب شديدين :
" فتيات كثيرات يحلمن بما أنتِ فيه الأن وأنت تتمنين الموت .. كان الأجدر بك ألا تكفى عن السجود لله لأنه أنتشلكِ من بؤسك وأرسلك إلى طريقى لتكونى سيدة هذا المكان الذى لم تكونى تحلمين بمثله . "


صحتُ به :
" إننى أتمنى العودة إلى بؤسى بدلاً من الحياة مع رجل مثلك يستغل ضعف الناس وحاجتهم ليحقق أغراضه . "


أصطكت أسنانه ببعضهما فى غضب وأغلق عينيه بقوة فى محاولة لكظم عيظه ، ثم حرر زراعى من يده وقال :
" أنتِ لا تعرفين أى شئ عنى لتحكمين على ّ بهذا .. "


قال جُملته ثم ولانى ظهره ودخل إلى غرفته صافعاً بابها خلفه بقوة أرتجت لها جدران القصر بأكمله ..
ظللتُ لفترة من الزمن أحدق فى باب الغرفة الذى أغلقه مُعاذ خلفه ، قبل أن أتجه إلى غرفتى بدورى بخطوات بطيئة ، ثم ألقى بنفسى على السرير وأجهش فى البكاء ..

كنتُ أعرف أن حياتى بهذا القصر العظيم لن تكون أقل بؤسا ً من حياتى قبل أن أدخله بقدمىّ ..

آه .. ما أتسعنى ..!



~ ~ ~ ~ ~ ~



تتبع

الجُودْ ؛ 17-07-12 04:47 AM







6
: : : مصادفة : : :




هبت نسمات الهواء البارده فجأة حينما فتحتُ نافذة الغرفة على مصرعيها...
استنتشقتُ الهواء العليل وتركته يعبث بخصلات شعرى ويبعثرها حول وجهى دون أن أهتم بترتيبها خاصة وقد أسرنى ذلك المشهد الخلاب لبرج إيفل من ذلك الطابق المرتفع الذى يجعلك ترى الناس والسيارات كما لو كانت بعض النقاط الصغيرة...
إنه اليوم العاشر والأخير لنا بباريس...
فى الحقيقه أستمتعتُ كثيرا ً بكل دقيقة فى اليومين الماضيين ؛ فباريس مدينة رائعة وساحرة ...
ومُعاذ يقوم بدور المرشد السياحى خير قيام ؛ فهو على ما يبدو قد زار باريس من قبل مرارا ً...
ألتفتُ لألقى نظرة على مُعاذ الذى كان يغط فى سبات عميق... وشعرتُ نحوه بشعور غريب لا أستطيع الجزم بأنه كرهاً ؛ فالأيام الماضية أثبتت لى أنه عكس ما تصورته... فهو ليس مُتعجرفاً على الأطلاق بل على العكس أحياناً كثيرة يخيل لى أنه ليس رجل الأعمال الشهير من خلال طريقة تعامله مع عمال النظافة بالفندق الذى نقيم بجناح فاخر به...
هذا غير أنه يعاملنى معاملة حسنة بالرغم من تعليقاتى الساخرة عليه من حين لأخر ..!
وهذا الأمر لن أقول أنه يسعدنى بقدر ما يثير حيرتى وجنونى .!
أطلقتُ تنهيدة حارة وعدتُ أتطلع من النافذة بضجر...
لِم لا أقوم بجوله فى الأحياء القريبة من هنا حتى يستقيظ مُعاذ ..؟ فهو لا يبد لى عازماً على الاستيقاظ قبل الرابعة عصراً خاصة وأنه ظل ساهراً طوال الليل لكى يدير أعماله من خلال الحاسب الألى الخاص به...
أم أنه لابد أن أستأذن من مُعاذ بصفته زوجى قبل مُغادرتى للجناح ..؟
ضحكتُ من الفكرة على الرغم من منطقيتها... وأقنعتُ نفسى بأنه لن يغضب لو خرجت دون أذنه بل ورُبما يضحك منى هو الأخر إذا ما أيقظته لأستأذن منه ؛ لأننى أخذ أمر زواجنا بجديه بينما هو فى الحقيقه ليس زواجا ً بالأمر المعروف ..!
أرتديتُ ملابسى وأنتعلتُ حذائى ثم حملتُ حقيبتى وغادرتُ الفندق...
كانت هذه هى أول مرة أغادر فيها الفندق وحدى منذ أتيتُ إلى هنا ، لكنى وعلى الرغم من هذا لم أشعر بالخوف أو القلق من نسيان الطريق خاصة وأنا لا أتحدث باللغة الفرنسية ولن أستطيع السؤال عن مكان الفندق ..!
بقيتُ لبعض الوقت أتجول فى المناطق المحيطة بالفندق بلا هدف... فقط أتأمل البنايات والمتاجر والطرق ، حتى توقفتُ أمام إحدى محلات القهوة وشعرتُ برغبة شديدة فى تناول فنجان قهوة...
تذكرتُ ذلك المبلغ الذى أستبدله مُعاذ بالعمله الفرنسية بمجرد وصولنا إلى باريس والذى أعطانى جزءاً كبيراً منه...
ففتحتُ حقيبتى وأخرجتُ منها حافظة النقود ونظرتُ إلى الأوراق المالية التى تزخر بها ، ثم عدتُ لأنظر إلى المتجر بتردد ؛ فأنا لا أعرف إلا بعض الكلمات القليلة جداً بالفرنسية ، ولستُ أتوقع أن يكون هناك من يعرف التحدث بالعربية...
تنهدتُ بأسف وأعدتُ حافظة النقود إلى الحقيبة ثم أستدرتُ لأغادر المكان وأنا أغلق حقيبتى...
ورأيتُ فى هذه اللحظة رجلاً كان يقف على بُعد أمتار قليلة منى ويراقبنى بعينين مُتفحصتين ..!
أرتبكتُ قليلا ً من جراء نظراته المُتفحصة فتوقفتُ بمكانى وتأملته للحظة قصيرة ثم أشحتُ بنظراتى عنه ومضيتُ فى طريقى ، وإن ظلت صورته عالقه بعقلى وأبت أن تفارقنى...
كان طويل القامة ، عريض المنكبين ، عيناه زرقاوتان فاتحتان ، وأنفه مُستقيم وحاد ، وفمه عريض ، أما بشرته فبدا أن الشمس قد لوحتها من كثرة تعرضه لها ، فأكسبتها سمره خفيفه مشوبة ببعض الحمرة ، وشعره الأسود الناعم تتبعثر خصلاته حول وجهه بفعل نسمات الهواء...
وكان يرتدى سروالا ًمن الجينز الباهت وقميص فى لون عينيه أبرز عضلاته المفتولة...
بأختصار... كان شديد الوسامة والجاذبيه ..!
فى هذه اللحظة سمعتُ صوت رجولى يتحدث بالفرنسية ويأتى من خلفى مُباشرة ، فأستدرتُ لأنظر إلى صاحبه ، وإذا بى أحدق للمرة الثانية بنفس العينان الزرقاوتان ..!
نظرتُ له بدهشة تمتزج بالحيرة ، وأردتُ أن أسأله عن سبب استوقافه لى ، لكنى بطبيعة الحال لم أتكلم لجهلى بالفرنسيه...
وحينئذ وجدته يمد لى يده بعلبة مجوهرات صغيرة قائلاً جُملة ما بالفرنسية لم أفهمها...
استدركتُ الأمر بسرعه ومددتُ يدى لألتقط علبة الخاتم الألماس التى أهدانى أياها مُعاذ ، والتى على ما يبدو أنها سقطت من حقيبتى أثناء إخراجى لحافظة النقود...
ابتسمت له بأمتنان وشكرته بالفرنسيه ، فإذا به يبتسم بدوره ثم يقول بالعربية :
" العفو يا أنسة . "


تعجبتُ كثيرا ً ورفعتُ حاجباى وأنا أتأمل ذلك الشاب بمزيج من الدهشة والحيرة...
ثم سألته فى شك :
" أأنت عربى ..؟ "


قال :
" نعم... مصرى . "


وأضاف :
" وأنتِ أيضا ً مصرية... أليس كذلك ..؟ "


أومأتُ برأسى إيجابا ً ، فإذا به يقول :
" فى البداية ظننتكِ فرنسية فملامحكِ تشبه إلى حد كبير ملامح الفرنسيات... لكنك حينما تحدثتِ فقد عرفت على الفور أنكِ عربية من لكنتكِ . "


ابتسمت بخجل وقلتُ :
" فى الحقيقه أنا لا أتحدث الفرنسية... لا أعرف منها سوى بضع كلمات قليلة للغايه . "


أنتبهتُ إلى العلبة التى كنتُ لازلتُ أمسكها ، فوضعتها بحقيبة يدى ، ثم عدتُ أنظر إليه من جديد...


قال :
" أهذه هى أول مره تزورين فيها باريس ؟ "


أومأتُ برأسى إيجابا ً فقال :
" أنصحك أذن بتناول فنجان قهوة من هذا المتجر ؛ فهو يقدم قهوة رائعة . "


قلتُ :
" كنتُ سأفعل ذلك لولا أننى لا أجيد الفرنسية . "


أتسعت ابتسامة الشاب وهو يقول :
" لاحظت ذلك . "


تعجبتُ من جُملته... أيعنى هذا أنه كان يراقبنى طوال فترة وقوفى أمام المقهى ..؟!


كدتُ أشكره مرة ثانية وأمضى فى طريقى ، لولا أنه قال :
" على أى حال أنا أجيد التحدث بالفرنسية وبأمكانى مساعدتكِ لو أردتِ . "


هممتُ بالأعتراض لولا أنه سبقنى قائلا ً:
" لا تخافى لن أتقاضى أجراً على هذا . "

وأضاف بلطف حينما لاحظ ترددي :
" رجاءً لا ترفضى... إننى أتوق للتحدث إلى أحداً بهذه البلاد . "


ترددتُ قليلاً ثم حسمتُ أمرى ووافقتُ...
ابتهج الشاب كثيراً وقادنى إلى مقعدين مُتقابلين تفصلهما منضدة صغيرة بالمقهى ، فجلسنا عليهما ثم تولى هو التحدث إلى النادل...
وحينما ذهب النادل ليحضر الطلبات ألتفت الشاب إلى وابتسم قائلا ً:
" نحن لم نتعارف حتى الأن . "


وأضاف :
" اسمى محمود . "


ترددتُ قليلا ً... ثم قلتُ :
" وأنا أروى . "


قال محمود بصدق :
" أنا سعيد للغاية بمقابلتكِ يا أروى... "




" وأنا أيضا ً. "


فى هذه اللحظة أحضر النادل القهوة ثم أنصرف ، فأمسكتُ بفنجان القهوه الخاص بى وأرتشفت القليل منه...

" هل أعجبك ..؟ "

سألنى فقلتُ :
" أعجبنى جدا ً . "

ورفعتُ الفنجان من جديد لأرتشف منه...

" ماذا تفعلين هنا بباريس ..؟ "

أعدتُ الفنجان إلى المنضدة وقلتُ :
" لا شئ... فقط أتنزه فى الطرقات بحثاً عن أى شئ لقتل الملل . "

قال :
" أذن فأنتِ تقضين عطلتكِ هنا ..؟ "

" شئ مثل هذا . "

وأضفتُ بعد برهة :
" ماذا عنك ..؟ "

تنهد وقال :
" أنا فى رحلة عمل . "

رفعتُ حاجباى بدهشة وقلتُ :
" أتعمل هنا ..؟ "

أجاب :
" كلا... أننى فقط أستورد بعض السلع من هنا ومن ثم أعود إلى مصر... "

" نعم... فهمت الأن . "

قلتُ ذلك وأمسكتُ بفنجان القهوة وعدتُ أرتشف منه...
وحينما أعدته إلى مكانه على المنضدة ، وجدت محمود يحدق بيدى اليسرى ، أو بالأدق إلى دبلة الزواج التى أرتديها بأصبعى البنصر...

" متزوجه ..؟ "

تنهدتُ وقلتُ : " نعم . "

فقال :
" تبدين صغيرة... كم عمرك ..؟ "

" إننى فى الثامنة عشر . "

هز كتفيه وقال :
" أنتِ صغيرة جداً... ما كان يجب أن تتزوجى فى هذا العمر . "

ضحكتُ بسخرية وقلتُ :
" لم يكن لدى رأى فى هذا . "

عقد حاجبيه بشدة ودقق النظر إلىّ ثم قال :
" أرغموكى على الزواج منه ..؟ "

قلتُ :
" بل تزوجته بمحض أرادتى . "

وأضفتُ ضاحكة بتهكم :
" وأنا بكامل قواى العقليه . "

ظل صامتا ً لفترة ثم سألنى :
" تبدين غير سعيدة فى حياتك الزوجية . "

نظرتُ إلى السقف وقلتُ :
" السعادة أبعد ما يكون عن حياتى . "

قال :
" هل يزعجكِ لو قلتُ لك أننى لاحظت هذا بمجرد أن وقع بصرى عليكِ ..؟ "

عدتُ أنظر إليه بأمعان ثم قلتُ ضاحكة :
" هل تعلم أنك تصلح أن تكون طبيباً نفسياً ..؟ "

رأيتُ ابتسامة خفيفة على زواية فمه قبل أن يقول :
" وهل تعلمين أنتِ أننى طبيب نفسي بالفعل ..؟ "


قلتُ :
" لكنك قلتُ أنك تستورد بعض السلع من هنا . "

أومأ برأسه إيجابا ً وقال :
" نعم... أستورد الأجهزة الطبية... فوالدى – رحمه الله - كان أكبر مستورد أجهزة طبية فى الشرق الأوسط بأكمله . "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" وكان علىّ أما أن أصير طبيباً كما كنتُ أحلم... أو أكمل تجارة أبى . "

قلتُ :
" وطبعا ً أكملتُ تجارة والدك . "

أومأ برأسه إيجابا ً ثم قال :
" نعم . "

قلتُ :
" لكن الطبيب النفسى لازال كامنا ً بداخلك... ينتظر فقط أن تستفزه حالة مرضية لكى يعلن عن نفسه . "

أتسعت ابتسامته ثم قال :
" أنتِ أيضا ً تصلحين لأن تكونى طبيبة نفسية . "

تنهدتُ وقلتُ :
" لا... حلمى أصغر من هذا بكثير... فأنا طالما حلمت بأن أكون محاميه أدافع عن حقوق الناس . "

قال :
" وهل أخذت خطوة إيجابيه فى سبيل تحقيق هذا الحلم ..؟ "

قلتُ :
" كلا للأسف... الظروف أحيانا ً ترغم الناس على التخلى عن أحلامهم... "

وأضفتُ :
" الأهم فالمهم . "

ظل محمود يتأملنى لفترة ، قبل أن يميل نحوى قليلاً مُرتكزاً بمرفقيه على المنضده ، ثم يقول :
" أنتِ من عائلة بسيطة يا أروى... أليس كذلك ..؟ "

أومأتُ برأسى إيجاباً فتابع :
" لكن زوجكِ ثرى على ما أظن... فهذا واضح من ثيابك وقضاءك للعطلة بباريس طبعا ً. "

رفعتُ يدى إلى العقد الذى أرتديه ورحتُ ألفه حول أصبعى ، ثم قلتُ :
" نعم... استنتاج موفق . "

أسبلت جفوني قليلاً وخفضت بصري فوقعت نظراتى على فنجان القهوة...
تحسسته بيدى ثم قلتُ :
" صار بارداً... "

قال :
" سأطلب لكِ فنجاناً أخر . "

قلتُ :
" لا داعى... لابد أن أنصرف الأن . "

وأبعدتُ يدى عن العقد فأنفرطت حباته وسقطت على الأرض...
هم محمود بجمع حبات العقد لكنى أثنيته عن ذلك قائله :
" لا داعى لهذا... أتركه... إنه عقد رخيص على أى حال . "

ونهضتُ من مكانى حاملة حقيبتى...

" هل سأراكِ مرة ثانيه ..؟ "

قلتُ :
" لا أظن . "

وغادرتُ المقهى بسرعة قبل أن أسمح له بقول المزيد ، وأتجهتُ إلى الفندق...
كان مُعاذ يتحدث إلى موظف الأستقبال ، وحينما رأنى أتجه نحوى قائلا ً :
" أين كنتِ يا أروى ..؟ بحثتُ عنك كثيرا ً ولم أجدك . "

قلتُ :
" كنتُ أسير قليلا ً فى الجوار . "

رمقنى مُعاذ بنظرة مُستاءة ثم قال :
" ألم يكن من الأفضل أن تخبرينى بهذا قبل ذهابك لكى لا أقلق عليكِ ..؟ "

قلتُ :
" كنت نائما ً فلم أشأ إزعاجك . "

صمت لبرهة ثم قال :
" رجاءً لا تكررى هذا مرة ثانية يا أروى . "

فتحتُ فمى وهممتُ بالرد عليه ، لولا أن رأيت ذلك الشخص الطويل القامة ، صاحب العينين الزرقاوتين يدلف إلى الفندق ويتوجه نحو الأستقبال ..!
تفاجأتُ وأرتبكتُ فى آن واحد... وأبتلعتُ جُملتى دفعة واحدة ..!

" أروى... ماذا دهاكِ ؟ "

عدتُ أنظر إلى مُعاذ ثم قلتُ :
" لا شئ... "

وأضفتُ :
" لن أكرر هذا مرة ثانية . "





~ ~ ~ ~ ~




تتبـــع





الجُودْ ؛ 17-07-12 04:50 AM







7
: : : العُقد : : :



ألقيتُ نظرة أخيرة من نافذة الطائرة أودع تلك المدينة الساحرة وأتسأل فى نفسى تُرى هل سأزورها مرة أخرى أم هذه ستكون المرة الأخيرة ...
كم أحببتُ هذه المدينة ..! وكم أشعر بالأسى لمغادرتها ..!
فبهذه المدينة شعرت لأول مرّة بأن الفوارق التى بينى وبين معاذ قد سقطت نهائياً ... ونسيت أنه صاحب أكبر سلسلة شركات ... وأنه يعد من أثرى الأثرياء ..!

اغمضتُ عينى وأرحتُ ظهرى على المقعد المُريح ، وشعرتُ برغبة فى النوم ؛ فأنا لم أنال قسطاً كافياً من النوم بالأمس وأمل فى أن يزحف النعاس إلى عينىّ أثناء الرحلة...
وبالفعل رحتُ فى سباتٍ عميق رغم أننى لستُ مُعتاده على النوم خارج فراشى بسهولة ..!
وحينما أفقتُ من نومى ، وفتحتُ عينىّ إذا بوجه مُعاذ يطالعنى... كان باسم الثغر... وكان يحدقنى بنظرات حرت فى تفسيرها... وخيل إلىّ للحظة قصيرة أنها تحمل لى بعض المشاعر ، لكنى لم ألبث أن شعرتُ بسخافة فكرتى حينما رأيته يشيح بوجهه عنى ويتطلع إلى الطرقة الضيقة للطائرة ، كأنما يريد أن يبتعد بنظراته عنى...


تثاءبتُ بكسل وتمطيتُ فى مكانى ، ثم سألته :
" هل أقتربنا من القاهرة ..؟ "


ألتفت وألقى نظرة عابرة علىّ ثم قال :
" نعم... لم يتبق لنا على الوصول سوى دقائق . "


نهضتُ من مكانى قائلة :
" أذن سأذهب لدورة المياة لأغسل وجهى . "


وتوجهتُ نحو دورة المياة فى أخر الرواق...
غسلتُ وجهى بالماء ونفضتُ آثار عن النوم عن وجهى ثم ضبطتُ حجابى وغادرتُ دورة المياة مُتجهة إلى مقعدى...
وفجأة لفت نظرى شخص ما يطالع الجريده ، ويختفى وجهه كله خلفها...
لستُ أدرى لِم لفت نظرى هذا الشخص ..؟ أو ما الذى لفت نظرى به ..؟
لكنى على أى حال لم أهتم وواصلتُ طريقى ، فإذا بذلك الشخص يبعد الجريدة عن وجهه فيكشف عن وجهه... وأتسمر أنا فى مكانى بذهول ..!
نعم... كان ذلك الشخص هو نفسه صاحب العينين الزرقاويين ..!
ابتلعت ريقى بصعوبة وواصلت طريقى فيما كانت عيناه تتبعاني وعلى شفتيه ابتسامة ساحرة ..!
أرتبكتُ للحظة... وتوقفتُ بمكانى ثم أنتزعتُ نفسى من دهشتى وأشحتُ ببصرى عنه وواصلتُ طريقى...
فى تلك اللحظة سمعتُ صوت المضيفة وهى تحث الركاب على ربط الأحزمة ولزم أمكانهم لحين هبوط الطائرة...
جلستُ بمقعدى وألزمتُ التعليمات حتى هبطت الطائرة بسلام ، وغادرتها برفقة مُعاذ...
وبالطبع قضينا وقت لا بأس به فى الجمرك حتى سُمح لنا لمغادرة المطار...
كان ذلك الشخص المدعو محمود لا يفتأ يراقبنى بعينيه ويلاحقنى بنظراته أينما ذهبت ، كأنما يريد أن يقتنص الفرصة ليتحدث إلىّ بعيدا ً عن زوجى... لكن هذه الفرصة لم تسنح له وغادرنا المطار بسلام وأتجهنا إلى سيارة مُعاذ التى كانت بانتظارنا ثم أستقليناها سوياً وتوجهنا إلى قصره..
كنتُ أشعر بشوق شديد إلى عائلتى لكنى لم أجرؤ على التصريح بالأمر لمُعاذ فلزمتُ الصمتُ وتركته يقود السيارة مُتجها ً إلى القصر...
وما أن لاح القصر من بعيد حتى شعرتُ بصدرى ينقبض وبالشعيرات الدمويه فى وجهى تضيق ..!
كم أشعر بضيق لا حدود له حينما ألمح ذلك القصر العظيم ..!
صحيح أن هذا القصر أكثر مما حلمت به... وصحيح أنه فارق كبير بينه وبين منزل والدىّ... وصحيح أننى أنبهرت برؤيتة لأول مرة...
لكن هناك شعور ما يسيطر علىّ ويأبى أن يفارقنى ألا وهو أنه لا مكان لى وسط كل هذا البذخ...
وبرغم ضخامة القصر دائماً أشعر به يضيق علىّ ويتضاءل حجمه من حولى حتى لم يعد ليساع حجمى...
كم أتمنى أن ينتهى هذا الجحيم المُسمى بالزواج سريعاً ..!


" لِم أنت واقفه هكذا ..؟ "


أنتبهتُ على صوت مُعاذ إلى أننى أقف منذ فترة أحدق فى باب القصر دون أن أجروء على الدخول إليه...
نظرتُ إليه بأسى ، فقابلنى بنظرات مُستعجبة ومُستفهمة فى آنٍ واحد...

ترددتُ قليلا ً ثم قلتُ :

" أنا........ "


وصمتُ... ذ أدركت أن طلبي مرفوض مُسبقاً ..!


أطرقتُ برأسى أرضاً فى أسى وحزن شديدين وكدت أواصل طريقى لولا أنه قال :

" تريدين الذهاب إلى عائلتكِ ..؟ "


انتشلنى سؤاله من حيرتى وضياعى... رفعتُ بصرى إليه مُتشبثه بالأمل...
وسألته فى خفوت :
" هل تسمح لى ..؟ "


تعجبتُ كثيراً حينما راح يحدجنى بنظرة طويله وكأنه يريد أن يقول لى : لِم أنتِ خائفة منى إلى هذا الحد ..؟
ثم قال :
" طبعاً... "


وأضاف بضيق :
" أكنتِ تظنين أننى سأمنعكِ عن زيارتهم ..؟ أروى بالله عليكِ ما الذى تظنينه بى ..؟ "


حرت كثيرا ً... ولم أدرى بم أجيبه ..؟
فى الحقيقه لقد توقعت أن يسجننى بقصره العظيم... وتوقعت ألا أرى ضوء الشمس بعد ذلك...
سألته مُتشككة :
" ألن تمنعنى عنهم ..؟ "


قال :
" طبعاً لا . "


وابتسم ثم قال :
" أصعدى إلى غرفتك وأغتسلى لكى نذهب لزيارة عائلتكِ . "


قال مُعاذ ذلك وفتح باب القصر ثم دلف إليه وتركنى غارقة فى حيرتى وأفكارى ..!
نذهب ..؟!
هل قال نذهب ولم يقل تذهبين ..؟
أتظنون أنه يقصد الجمع بالفعل أم أنها كانت ذلة لسان ..؟
لم أدقق كثيرا ً فى الأمر... بالتأكيد كانت ذلة لسان... فلستُ أتوقع من مُعاذ بك أن يتواضع ويتنازل ويزور أسرتى الفقيرة منزلهم المتواضع ..!
أغتسلتُ وابدلتُ ثيابى ، ثم ذهبتُ إلى غرفة مُعاذ وطرقتُ بابها... وبعد لحظة قصيرة فُتح باب غرفته وأطل مُعاذ من خلفه رافعاً حاجبيه فى دهشة ، ثم قال :
" هل أنتهيتِ من إرتداء ملابسكِ ..؟ "


قلتُ :
" نعم... هل أذهب الأن ..؟ "


ظل مُعاذ صامتاً لبعض الوقت ثم قال :
" أمُشتاقة إليهم إلى هذا الحد ..؟ "


قلتُ :
" نعم... مُشتاقة إليهم كثيراً . "


ابتسم وقال :
" أذن هيا بنا . "


وغادر الغرفة فى طريقة إلى باب الجناح ، فيما بقيتُ أنا بمكانى أنظر إليه فى حيرة ..!
قال :
" لِم واقفه بمكانكِ هكذا ..؟ هيا أروى تحركى "


سألته :
" هل تقصد أنك ستوصلنى إلى منزل أبى ..؟ "


قال باستغراب :
" بل سنزورهم معاً... ظننتكِ فهمتِ هذا . "


وأمسك بيدى يقودنى إلى الخارج ..!


استقلينا سيارة مُعاذ الذى يقودها بنفسه مُتجهين إلى منزل والدىّ...
وفجأة توقف مُعاذ عند إحدى محلات الحلوى ، وهم بمغادرة السيارة لولا أننى أستوقفته قائله :
" إلى أين ..؟ "


قال :
" سأشترى بعض الحلوى لعائلتكِ... "


وأضاف :
" لا يجب علينا أن نزورهم دون أن نجلب لهم هدية . "


شعرتُ بضيق لا أدرى سببه وقلتُ له :
" لا داعى لهذا يا مُعاذ... عائلتى لا ينتظرون أن تأتيهم الصدقة من أحد . "


ندمتُ على جُملتى بعدما تفوهتُ بها حينما رأيت علامات الأسى التى أرتسمت على وجه مُعاذ وهو يحدقنى بنظرات مُستهجبنة ، قبل أن يقول :
" أعرف هذا... ولم يكن فى نيتى أن أتصدق عليهم يا أروى... لو كنت ذاهب لزيارة أحد من عائلتى لكنت أشتريتُ له هدية أيضاً . "


شعرتُ بخجل شديد من نفسى ، فقلتُ مُعتذرة :
" أنا أسفة . "


أطال مُعاذ النظر إلىّ ثم قال :
" لا عليكِ... هل أذهب لشراء الحلوى أم أن هذا يجرحكِ ..؟ "


قلتُ بخجل :
" لا بأس... فلتذهب كما تشاء . "


أحضر مُعاذ علبة الحلوى ثم توجهنا بعد ذلك إلى منزل والدىّ...
لن أصف لكم مدى سعادة عائلتى بزيارتنا هذه...
ومدى سعادتهم بزيارة مُعاذ...

فقد ساهمت زيارته شيئاً ما فى تصديق تلك الكذبة المُسماه بزواجنا ..!

عدنا إلى القصر فى مساء ذلك اليوم وتوجهنا إلى الجناح الخاص بنا...

ألقيتُ جسدى على أقرب مقعد بتهالك... لقد كان اليوم حافلاً ومُرهقاً...
أنتبهتُ إلى مُعاذ الواقف بالقرب منى يتأملنى ، فأعتدلت فى جلستى وضبطتُ حجابى حول شعرى ثم قلتُ :
" أهناك شيئاً ..؟ "


رأيتُ شبه إبتسامة على زواية فمه وهو يقول :
" كان وقتاً جميلاً هذا الذى قضيناه فى منزل والديك . "


سألته بتشكك :
" حقاً ..؟ "


فأومأ برأسه إيجاباً ولزم الصمت لبعض الوقت...
كان يبدو مُتردداً وكأنما يريد أن يقول شيئاً ما دون أن يجرؤ على ذلك...
تعجبتُ كثيراً وهممتُ بسؤاله عن ذلك ، لولا أن قال :
" تصبحين على خير يا أروى . "


وتوجه إلى غرفته ودلف إليها ثم أغلق بابها خلفه فى هدوء ..!
..~
فى صباح اليوم التالى ، بينما كنا جالسين حول مائدة الطعام نتناول فطورنا أنا ومُعاذ وتشاركنا أياه شقيقته سالى التى لا تفتأ تسألنا عن تفاصيل رحلتنا إلى باريس ، حضر إحدى الخدم وتوجه نحوى وأعطانى ظرفاً قائلاً :

" وصلكِ هذا الظرف بالبريد اليوم . "


تعجبتُ كثيراً وضربتُ أخماساً بأسداس...
من هذا الذى أرسل إل هذا الظرف ..؟ ولماذا ..؟
مُعاذ نظر إلىّ فى تساؤل ثم نقل نظراته إلى الظرف فى فضول ثم قال :
" من أرسل لكِ هذا ..؟ "


قلتُ :
" لا أدرى ..! رُبما كان أبى . "


وحقيقة لم أصدق عبارتى أو أقتنع بها... وقررت تأجيل فض الظرف إلى بعد تناولى للفضول ، لولا أن قال مُعاذ يحثنى على فضه :
" دعينا نرى من أرسله . "


لم أجد مفراً من فضه ، فمزقتُ الظرف من طرفه وأفرغته و.....
واتسعت عيناى فى دهشة وأنا أرى حبات العقد المُنفرطة التى كان الظرف يحويها...
هل تذكرون هذا العقد ..؟
نظرتُ إلى مُعاذ فوجدته يشاركنى دهشتى... ثم وجهت نظراتى إلى سالى فإذا بها مُنهمكة فى تقطيع الطعام ولا تنتبه إلينا...
عدتُ بنظراتى إلى حبات العقد وتأملتها فى حيرة لا تضاهيها حيرة ..!
تُرى من أين عرف صاحب العينين الزرقاويين منزلى ..؟!


~ ~ ~ ~ ~


تتبــع



الجُودْ ؛ 17-07-12 04:55 AM







8
: : : الحفل : : :




أعدتُ حبات العقد المُنفرطة إلى المظروف ودقات قلبى تكاد تسمع الجميع من شدتها... وببطئ شديد رفعت نظراتى الحائرة فأصطدمت مُباشرة بنظرات مُعاذ التى لازالت تتابعنى فى تساؤل ، بل وتكاد تنفز إلى أعماقى من شدة فضوله لمعرفة أمر ذلك العقد ..!
أبتعدتُ بنظراتى عنه ووجهتها إلى سالى فإذا بها تبتسم لى ببساطة مُتناهية ، دون أن تبدو كأنها لاحظت هذا الأضطراب الذى يسود الأجواء ..!

" متى تنوى الذهاب لمباشرة العمل يا مُعاذ ؟ "

كانت سالى هى أول من قطعت ذلك الصمت المخيم على الأجواء حينما طرحت هذا السؤال الذى ولد مزيداً من التوتر فى أعماقنا...

تبادلتُ نظرة طويلة مع مُعاذ قبل أن يلتفت معاذ إلى شقيقته ويجيبها قائلاً:
" اليوم سأذهب إلى العمل . "

وعاد لينظر إلىّ مُتابعاً بسخرية :
" هذا لو لم يكن لعروسي رأياً أخر فى هذا الشأن . "

حينما قال مُعاذ جُملته الأخيرة ، كنتُ أرفع أرتشف أول رشفة من كأس العصير ، فتوقف العصير بحلقى وسعلت بقوة حتى أدمعت عيناى...
ما هذا السؤال يا مُعاذ ..؟
تعرف أننى لا شأن لى فى هذا الأمر... فلتذهب أو لا هذا لا يعنينى بتاتاً لو كنت لا تعلم ..!

نظرتُ إلى معاذ وقلتُ مُرتبكة :
" فى الحقيقه ..... "

صمتُ لبعض الوقت ثم أتممت :
" هذا الأمر يعود لك وحدك . "

لم يرق ردى لكلاً من سالى ومُعاذ ؛ فنظر لى مُعاذ مُعاتباً... أما سالى فكانت نظراته توحى بمدى حيرتها ودهشتها لردى ..!

عدتُ أقول :
" أقصد أننى بالطبع سأشتاق إليك... لكن... لا أريد أن أكون سبباً فى تعطيل مجرى العمل . "

لم يبد على سالى أنها قد أقتنعت بجُملتى ، رغم تلك الابتسامة الصغيرة المُرتسمة على شفتيها...

قالت :
" لو كنتُ بمكانكِ لكنت رفضت هذا قطعاً... "

وران الصمت لبرهة قبل أن يقول معاذ :
" حسناً... أظننى سأذهب الأن . "


وتوجه إلى باب الغرفة عازماً الخروج... لكنه توقف عند بابها وألتفت إلىّ قائلاً :

" نسيتُ أن أخبرك بأننا اليوم مدعويين عند إحد أصدقائى... يجب أن تكونى جاهزة فى الساعة الثامنه مساءً . "

وألتفت إلى سالى قائلاً :
" طبعاً ستأتين يا سالى... أليس كذلك ..؟ "

خُيل إ
لىّ أننى رأيتُ إحمراراً خفيفاً بوجنتى سالى قبل أن تقول :
" نعم بالتأكيد . "

أنصرف مُعاذ بعد ذلك فى حين تبادلت نظرة صامته مع سالى ، قبل أن تقول :
" لقد أكتفيت... حمدا ً لله . "

وصمتت لبرهة وبدت عليها خلالها علامات التفكير قبل أن تقول :
" ما رأيك فى الذهاب اليوم إلى السوق ..؟ أريد أن أشترى فستاناً لهذه المُناسبة . "

فكرت قليلاً ثم قلت :
" لا بأس... "

ابتسمت سالى ابتسامة خفيفة وشردت ببصرها بعيداً ..!
تأملتها لبرهة قبل أن أنهض وأتجه إلى الجناح الخاص بى...
وهناك أعدت فض حبات العقد ورحتُ أتأملها بحيرة شديدة...
ترى كيف عرف صاحب العينان الزرقاون عنوانى ..؟
ولم أكن أدرى أن إجابة هذا السؤال ستكون أقرب مما أتخيل ..!


~ ~ ~ ~


فى تمام الساعة الثامنة كنتُ قد أرتديتُ ثيابى كامله إستعداداً للذهاب إلى الحفل...
ترددتُ قليلا ً قبل أن أطرق باب غرفة مُعاذ لأخبره بإننى صرتُ جاهزة...
فتح مُعاذ باب الغرفة وأطل من خلفه ثم راح يتأملنى مُتفحصاً بإعجاب ..!
شعرتُ بالحراره فى وجهى وكنتُ واثقه من أن وجنتىّ متوهجتين من جراء نظراته المُتفحصة ..!
أطرقتُ برأسى أرضاً فى خجل وسألته :
" هل صرت مستعد ..؟ "

ظل مُعاذ صامتاً لبرهه قبل أن يقول :
" تبدين رائعة . "

ولم أجد إجابته مُناسبة للسؤال بأى حال من الأحوال ..!
رفعتُ بصرى إليه ورمقته شزراً ثم عدتُ أطرق برأسى أرضاً وقلتُ :
" لقد صرتُ جاهزه... هل ننصرف الأن ..؟ "

ظهر أستياء واضح على وجه مُعاذ الذى ظل صامتاً لبرهة قبل أن يقول :
" نعم... أظننا تأخرنا قليلاً . "

قال هذا وولانى ظهره مُتقدماً من باب الجناح ، وحينما فتح باب الجناح توقف وألتفت إلىّ ثم مد يده ويلتقط كفى ليجعلنى أتأبط ذراعه ..!
توجهنا إلى ردهة القصر حيث كانت سالى تنتظرنا مرتدية ذلك الفستان الجميل الذى أشترته اليوم ، وكانت تبدو فى غاية الجمال والأناقة...
لم يكن منزل صديق بعيداً عن قصر إياد ؛ فلم نستغرق فى طريقنا للذهاب إليه سوى عشر دقائق فقط لا غير...
كان منزل صديقة لا يقل جمالاً وبذخاً عن منزله... وكما هو متوقع كان يعج بالحاضرين...
حينما دلفنا إلى المنزل وقع بصرى مباشرة على تلك الفتاة التى قابلتها فى قصر مُعاذ والتى تدعى ميار...
رمقتنى ميار بنظرة باردة قبل أن تتجه نحنونا لتصافح سالى ثم مُعاذ ، مُتجاهلة وجودى تماماً ..!

قالت :
" كيف حالك مُعاذ ..؟ أشتقتُ إليك كثيرا ً . "

ورمقتنى بنظرة لم ترق لى بتاتاً ..!

ثم قالت وكأنها للتو أنتبهت لوجودى :
" آه... أروى... مرحباً... كيف لم أنتبه لوجودك ..؟ "

زفرتُ بضيق وهممتُ بالرد عليها لولا سبقنى مُعاذ قائلاً بضيق :
" تحتاجين إلى نظاره طبية سميكة يا ميار . "

أحمر وجه ميار بشدة ورمقت مُعاذ بنظرة حاده وهمت بالرد عليه لولا أمسكت سالى بيدها قائله :
" أخبرينى من حضر إلى الحفل من أصدقاءنا . "

ظلت ميار صامته لبعض الوقت فيما كانت نظراتها مثبته على مُعاذ... ولم تبد لى أبدا ً عازمه على الأجابة ، غير أنها أجابت أخيرا ً :
" لقد وصلتُ لتوى ولم أقابل أحداً سواكم و.......... "

قالت سالى مقاطعه أياها :
" أذن تعالى لنبحث عن الجميع . "

وأبتعدتا عنا فى غضون ثوانى...
ران الصمت علينا بعد أنصرافهما لفترة من الزمن ،، قبل أن يقطع مُعاذ الصمت قائلا ً :
" لا تبالى بها... إنها فقط...... "

قلت ببرود :
" ولماذا أبالى بها ..؟ أعلم أنها تحبك ولا يعنينى هذا فى شئ . "

ألجمت جُملتى مُعاذ فنظر إلىّ مصدوماً وهم بقول شيئاً ما لولا أن قاطعه ذلك الصوت الرجولى الذى قال مازحاً :
" مُعاذ بك بنفسه يشرفنى بمنزلى المُتواضع . "

أشحتُ ببصرى عن مُعاذ الذى ألتفت لينظر إلى صديقه وترك زراعى ليصافح صديقه قائلاً :
" مرحباً محمود... "

سمعتُ صوت صديقه يقول :
" كيف حالك معاذ ؟ آه... نسيتُ أن أهنئك على الزواج... مبارك لك . "

ثم أضاف :
"
كان لابد أن أعاقبك بسبب زواجك المفاجئ ... ألم تستطع الانتظار حتى عودتي من باريس لأحضر عرسك ..؟ "

شعرتُ بأن صوت صديقه هذا مألوفاً لى ، فألتفتُ قليلاً لأنظر إليه و...........
تسمرت نظراتى على وجهه فى دهشة لا تضاهيها دهشة حتى أننى لم اسمع صوت معاذ وهو يجيبه ..!
كنت أتطلع شبه ذاهلة إلى صديقه الذى لم يبد أنه قد انتبه لوجودى وتابع حديثه مع معاذ بهدوء ، قبل أن ينقل معاذ نظراته إلىّ ويفعل صديقه مثلة وتستقر عينيه الزرقاوتين على وجهى بلا أى تعبير ..!


~ ~ ~ ~ ~

تتبـــع



الجُودْ ؛ 17-07-12 04:57 AM

9


: : : شئ ما يجذبنى إليه... وينفر منه ! : : :








اتسعت عينىّ فى دهشة كبيرة وأنا أحدق فى وجه صديق مُعاذ... بشعره الأسود الناعم وملامحه الغربية وعينيه الزرقاوتين...

كانت علامات الدهشة صارخه على وجهى وعلى كل لمحة من ملامحى وتكاد عيناى تنطق بها !

أما صديق مُعاذ فقد كان ينظر إلّ بلا أى تعبير ودون أن يبد على ملامحه أنه قد تفاجئ برؤيتى مثلما تفاجئتُ برؤيته ..!

نعم صحيح... لا أظنه تفاجئ برؤيتى... لابد أنه كان يعرف أننى زوجته وإلا فكيف أمكنه أن يرسل لى العقد المنفرط على منزل مُعاذ ..؟!

تذكرت أوّل مرة قابلت فيها هذا الرجل ، وتذكرت كيف أننى أخبرته ببساطة عن حقيقة حياتى مع مُعاذ ، وكلما تذكرت هذا عضضتُ على شفتى أسفاً وندماً ..!


" أروى... عزيزتى... هل أنتِ بخير ..؟ "


أفقتُ على صوت مُعاذ وشعرتُ بيده تلامس يدى...

رفعتُ بصرى ونظرت إليه ؛ فلم أتبين ملامحه بوضوح...

أغلقتُ عينى وعدتُ أفتحهما مجددا ً... لازالت الصورة تهتز أمام عينى وتتداخل ببعضها...

شعرتُ بالأرض تهتز تحت قدمىّ وبرأسى تدور ، فأطبقتُ على يد مُعاذ مستعينه به كى لا أسقط أرضا ً...


" أروى... أروى... ما بكِ ..؟ "


ضغطتُ برفق على يده وقلتُ مطمئنة :

" أنا بخير... "


وأضفتُ :

" فقط أشعر بالأختناق من رائحة السجائر . "


قادنى مُعاذ مباشرة إلى الشرفة لنتنفس الهواء العليل...

نظرتُ فيما حولى فلم أجد محمود فتنفست ملء رئتى... وتركتُ الهواء يعبث بحجابى وأنا أتأمل الحديقة الكبيرة للمنزل...


سألنى مُعاذ :

" هل صرتِ أفضل الأن ..؟ "


ألتفتُ لأنظر إليه... كان ينظر لى بـ قلق شديد أثار عجبى وحيرتى...

قلتُ :

" نعم... الحمد لله . "


تنهد براحة وقال :

" الحمد لله . "


عدتُ أنظر إليه باستغراب ، فقال :

" لماذا تنظرين إلىّ هكذا ..؟ "


أطرقت برأسى وقلتُ :

" لا شئ . "


فى هذه اللحظة دلف محمود إلى الشرفة وقال :

" آه... أنتما هنا ..؟ كنتُ أبحث عنكما . "


ونظر إلىّ مُتابعا ً:

" كيف صرتِ الأن ..؟ هل تحسنتِ ..؟ "


سمحت لنظراتى بأن تلتقى بنظراته للحظة قبل أن أطرق برأسى وأبعثر نظراتى أرضاً ثم أقول :

" نعم... الحمد لله . "


حينئذ ألتفت محمود إلى مُعاذ قائلا ً :

" سالى تبحث عنك بالداخل . "


قال مُعاذ :

" حسناً... سأذهب إليها . "


وألتفت إلىّ مُتابعاً :

" أبقى هنا حتى أعود... لن أتأخر عليكِ . "


فتحت فمى وهممت بالأعتراض لكنه كان غاب عن نظرى وأختفى بالداخل...

رفعتُ بصرى قليلا ً فألتقت نظراتى مباشرة بنظرات محمود...

حاولت أن أهرب بنظراتى بعيدا ً لكن هذه العينان الرزقاوتان تقيدنانى وتمنعانى من الهرب...

حثثت قدمىّ على السير لكنهما كانتا أثقل من أن أقوى على تحريكهما ..!

ضممتُ شفتىّ وحركت لسانى لأقول أى شئ... لكن صوتى خاننى ولم يخرج من حنجرتى ..!

أستسلمت للوضع الحالى وقابلت نظراته المبهمة المعانى بنظرات حائرة... مشتتة ..!


وأخيراً سمعته يقول :

" الدنيا صغيرة للغاية ... أليس كذلك ..؟ "


أومأتُ برأسى ولم أنطق فقال :

" حينما تقابلنا بباريس لم أكن أعلم أن مُعاذ تزوج... ولو كنت أعلم ما كان ليخطر ببالى أن تكون زوجته هى تلك الزوجة التعيسة التى قابلتها هناك . "


أبتلعت ريقى بصعوبة... وبعثرت نظراتى هنا وهناك وراح عقلى يبحث عن كلمات مُناسبة أقولها له...


قلتُ :

" أرجو... أن تنسى كل ما أخبرتك به هذا اليوم . "


نظرت إليه وانتظرت أن أسمع رده... لكنه هز رأسه علامة الرفض وقال :

" مستحيل أن أنسى ما قلته . "


لم أفهم ما يعنيه بجملته... إلا أننى لم أستسيغها بأى حال من الأحوال ..!

نظرتُ إليه مستفسرة فأشاح بوجهه عنى ونظر إلى حديقة منزله وظل شارداً ببصره لفترة طويلة...


نفذ صبرى وضاق صدرى ، فقلتُ :

" تقصد أنك... ستخبر مُعاذ بما قلته لك ذلك اليوم . "


ألتفت إلىّ بدهشة ونظر إلى عينى مباشرة وقال :

" كلا بالطبع . "


سألته فى حيرة وتشتت :

" أذن ماذا كنت تقصد ..؟ "


قال :

" أقصد أن ما قلته سيظل محفوراً بذاكرتى... ومحال أن أنساه فى يوم ."


تنهدت وقلت :

" بل من الأفضل أن تنساه... "


رفع محمود حاجبيه ورمقنى بنظرة طويلة ، فتابعتُ :

" أعتبرنى كنت أهذى يومها... أعتبرنى كأننى لم أقل شيئاً على الأطلاق . "


أبعد محمود نظراته عنى وعاد مجدداً لشروده ، فقلتُ :

" لو كنتُ أعلم أنك... صديق مُعاذ... ما كنت أخبرتك بأى شئ ذلك اليوم . "


قال محمود بدون أن ينظر إلىّ :

" أعلم . "


وأضاف :

" لكنك أخبرتِنى... وحدث ما حدث . "


ران علينا الصمت لبرهة قبل أن يلتفت محمود لينظر إلىّ بعينيه الزرقاوتان فى عمق قبل أن يقول :

" بقى شيئاً واحداً لم أعرفه... ولا أخفى عليكِ أن هذا السؤال يروادنى بشدة منذ قابلتكِ... "


نظرتُ إليه بتساؤل فقال :

" لقد أخبرتِنى من قبل بأنكِ تزوجته بمحض أرادتك... لكنى لم أعلم بعد لماذا ..؟ لماذا تزوجتِه يا أروى ..؟ "


أطرقتُ برأسى أرضا ً وقلتُ :

" الظروف أحياناً تكون أقوى من الأنسان . "


قال محمود بإصرار :

" لا يا أروى... لا تهربى من الأجابة... "


قلت :

" مهما كانت الأسباب لن يفيد كل هذا الأن... مُعاذ الأن زوجى وأنتهى الأمر . "


صمت محمود لبرهة وعاد لينظر إلى الحديقة ثم قال دون أن يلتفت إلىّ :

" لماذا أصابكِ الدوار يا أروى ..؟ هل أنتِ..... حامل ..؟ "


صدمتُ لسؤاله وقلتُ نافيه بسرعة :

" كلا... لا... أنا............. "


ولم أتم جُملتى... كيف أخبره بالحقيقة ..؟ بل وكيف له أن يصدق أننى أحيا تحت سقفٍ واحد مع مُعاذ الذى من المفترض أنه زوجى ، دون حتى أن أكشف له شعرى ..؟!


ألتفت محمود إلىّ وقال يحثنى على المواصله :

" أنتِ ماذا ..؟ "


فى هذه اللحظة أقبل مُعاذ برفقة سالى ، فابتلعت جُملتى قبل أن أنطق بها ونظرت إلى مُعاذ الذى باردنى بالسؤال عن حالى وراح يحثنى على الجلوس والأسترخاء ، فيما وقفت سالى مع محمود وراحا يتحدثان...

لم أستطع منع نظراتى من التسلل من خلف مُعاذ إلى صاحب العينان الزرقاوان الذى لازال يتابعنى بنظراته فى إلحاح...

هناك شئ ما - لا أدرى كنهه - يجذبنى إليه وينفر منه بنفس الوقت ..؟!




~ ~ ~ ~ ~


تتبـــع

الجُودْ ؛ 17-07-12 08:36 PM





~ 10 ~
لماذا تزوجتنى ؟



ألقيت جسدى على أقرب مقعد ما أن عدنا إلى منزل مُعاذ ، وأطلقت آهة قصيرة ثم قلت :
" أخيرا ً عدنا . "

أبتسمت سالى وقالت :
" يبدو أنكِ لم تعتادي بعد على تلك الحياة يا أروى . "

نظرتُ إلى سالى وقلت :
" فى الحقيقة... لا أظننى سأعتاد عليها أبدا ً. "

هزت سالى كتفيها ثم قالت :
" هذا بالضبط ما كانت تقوله تولـ........ "

بترت سالى جُملتها وأنتبهت لما تقوله بعد فوات الأوان...
نظرت إلى مُعاذ الذى علاه التجهم ثم أطرقت برأسى أرضا ً لأجنبها الحرج !

قالت سالى بعد برهة :
" أنا أسفه أروى... "

رفعت رأسى وأبتسمت لها ثم قلت :
" لا عليك . "

ونظرت إلى مُعاذ فيما تابعت سالى :
" كنت أقصد أن أقول أنكِ لن تلبثى أن تعتادى على تلك الحفلات... "

وصمتت لبرهة ثم أضافت بغموض :
" وتحبينها . "

كلمتها الأخيرة أثارت أنتباهى ، فوجهت نظراتى إليها... ودققت النظر بها بأهتمام...
كانت تبدو متوردة الوجه... باسمة الثغر... شاردة العينين... والنظرات...
شيئا ً ما بها اليوم يثير فى نفسى تساؤلات عديدة...
ترى أتكون سالى........... ؟

قاطع تأملاتى صوت مُعاذ يقول :
" ألن نصعد إلى غرفتنا ؟ "

رفعت بصرى إليه وقلت :
" نعم . "

ونهضت من مكانى فتوجهنا معا ً إلى الطابق الأول حيث غرفة سالى وجناحنا الخاص...
ودعنا سالى ودلفنا إلى الجناح بعد ذلك...
ألقيت حقيبتى على أقرب مقعد وبقيت واقفه أراقب مُعاذ وهو يغلق الباب ومن ثم يتوجه إلى الردهة...
ألقى مُعاذ نظرة طويله علىّ قبل أن يقول :
" ألازلتِ متعبه ؟ "

هززت رأسى وقلت :
" كلا . "

لمحت شبه إبتسامة على زواية فمه وهو يقول :
" أذن... هل نجلس لنتحدث قليلا ً ؟ "

تعجبت وعلتنى الدهشة... ترى أى شئ يريد التحدث إلىّ عنه ؟
قلت :
" لا مانع لدى . "

وأنتقيت لى مقعدا ً أرحت جسدى المنهك عليه وأنتظرت أن يجلس مُعاذ ويبادر بالحديث...
وبالفعل جلس معاذ... لكنه بقى صامتا ً لفترة طويلة... وبدا لى مترددا ً...

" الجو جميل اليوم... أليس كذلك ؟ "

نظرت إلى مُعاذ الذى قال الجملة السابقة...
فعلا ً الجو جميل اليوم بل ولا يحتاج لمكيف أيضا ً... لكن أظنه أخر شئ أتوقع أن يتحدث مُعاذ عنه !

قلت :
" نعم... صحيح . "

وران علينا الصمت لفترة أخرى...
أستنتجت ما يريد معاذ التحدث بشأنه وقررت أن أحثه على التحدث...

قلت :
" كيف تسير القضية ؟ "

نظر معاذ إلىّ لفترة متسائلا ً وبدا كأنما لم يستوعب سؤالى ، فتابعت :
" أقصد قضية الحضانة . "

وأضفت :
" أظنك بدأت بالأجراءات القانونية للقضية . "

قال معاذ :
" فى الحقيقة... لم نبدأ بها بعد... لكن المحامى سيبدأ بها على الفور . "

وأضاف :
" وكل شئ بإذن الله سيصير على ما يرام . "

قلت :
" عظيم... أتمنى هذا . "

نظر إلىّ معاذ نظرة مبهمة المعانى وقال :
" أحقا ً تتمنين هذا ؟ "

قلت :
" طبعا ً . "

أطال مُعاذ النظر إلىّ ثم قال بأسى :
" ألهذه الدرجة تريدين الخلاص منى ؟ "

عضضت على شفتاى بقوة...
لقد أساء مُعاذ فهمى ؛ فهذا الأمر لم يعد يمرؤ بمخليتى حتى...
وفى الحقيقة إننى لا أدرى كيف سيأتى يوما ً يختفى مُعاذ من حياتى ؟
لكن... أليس هذا هو الهدف من زواجه منى ؟
ألم يتزوجنى لهذا السبب فقط ؟
ألم يستغل حجاتى إليه ليجبرنى على الزواج منه ؟
لماذا أذن سأحزن على شخص مثله ؟

" أروى... لِم أنتِ صامتة ؟ "

رفعت نظراتى إليه فأضاف :
" لهذه الدرجة لا تطيقين الحياة معى ؟ "

تنهدت وقلت :
" أظننا أتفقنا من البداية على هذا... ولا أظن أن المشاعر كان لها أى دور فى علاقتنا مُعاذ... لقد تزوجتى لأجل هذا السبب فقط و........... "

قال مُعاذ مقاطعا ً :
" لا يا أروى... أنا......... "

لم يتم جُملته...
نظرت إليه بتساؤل وقلت :
" أنت ماذا ؟ "

ظل صامتا ً لفترة قبل أن يقول بتردد :
" أنا.... أنا لم أتزوجكِ لهذا السبب . "

نظرت إليه بحيرة بالغة...
لم يتزوجنى لهذا السبب... أذن لماذا تزوجنى ؟ لماذا ؟
نهضت من مكانى وجثوت على ركبتاى بجانيه وأنا أقول بتشتت :
" ما... ما معنى هذا ؟ لماذا تزوجتى أذن ؟ "

أطرق مُعاذ برأسه ولاذ بالصمت التام...
عدت أقول :
" مُعاذ رد علىّ... لماذا تزوجتنى أذن لو لم يكن هذا هو السبب ؟ "

رفع مُعاذ نظراته إلىّ وتطلع إلىّ عينىّ مباشرة لبعض الوقت ثم هز رأسه قائلا ً :
" لن تفهمينى يا أروى... ولن تصدقينى . "

قلت بصدق :
" بل سأصدقك... فقط أخبرنى لماذا ؟ "

أنتظرت أن يجيبى لكنه لاذ بالصمت مجددا ً...
قلت :
" أرجوك يا مُعاذ أخبرنى . "

فتح مُعاذ شفتيه وهم بقول شيئا ً ما....
تمنيت لو يخبرنى بأنه تزوجنى لأنه...... يحبنى...
تمنيت أن أسمع منه ما يبدد حيرتى... ويرسينى على مرسى...
لكن هذا المستحيل... هذا الرجل لا يملك قلبا ً يمكنه أن يخفق بالحب...
أصحاب الملايين لا يتحدثون إلا بلغة الأرقام ولا وجود للحب بقلوبهم...
وهذا ما أكده مُعاذ لى حينما هب واقفا ً وقال :
" تصبحين على خير يا أروى . "

بقيت جالسه على نفس الوضع أشيعه بنظراتى حتى أختفى بداخل غرفته وأغلق بابها خلفه...

 
~ ~ ~ ~

 
أستيقظت باليوم التالى على صوت طرقات على باب الغرفة...
نهضت من فراشى بكسل وأنا أقول :
" من الطارق ؟ "

أتانى صوت سالى تقول :
" أنا يا أروى... هل أستطيع الدخول ؟ "

تذكرت أننى أوصد الباب بالمفتاح فسارعت لأفتح الباب لها...
أطلت سالى من خلفه مبتسمة وهى تقول :
" صباح الخير أروى... تأخرت اليوم فى الأستيقاظ . "

تثاءبت بكسل وأنا أقول :
" كم الساعة الأن ؟ "

قالت :
" الساعة الواحدة ظهرا ً . "

تفاجأت وقلت :
" يا ألهى ! هل نمت كل هذا الوقت ؟ "

ابتسمت سالى قائلة :
" كان مُعاذ يريد إيقاظك قبل ذهابه إلى العمل لكنه لم يشأ إزعاجك . "

قلت :
" هل ذهب مُعاذ ؟ "

قالت :
" بلى... ذهب منذ العاشرة . "

وأضافت :
" ما رأيك بالذهاب إلى النادى اليوم ؟ "

فكرت قليلا ً...
وما المانع ؟ إننى لم أرتاد هذه الأماكن من قبل... ولم أحلم بأرتيادها حتى !
قلت :
" لا مانع ؟ "

قالت :
" أذن أستعدى للذهاب فى تمام الثالثة ظهرا ً . "

وفى تمام الثالثة ظهرا ً أرتديت ملابسى وغادرت الجناح متوجهة إلى الردهة حيث تنتظرنى سالى...
ثم أستقلينا سيارة سالى وتوجهنا إلى النادى...
كانت صديقات سالى فى إنتظارها هناك بإحدى المقاهى... وطبعا ً كانت ميار واحده منهن...
تعرفت على صديقات سالى ورحبن بى جميعا ً وأبدين سرورهن بمعرفتى وجاء دور ميار...
قلت لها ببرود :
" مرحبا ً ميار . "

قلتها بشكل ٍ عابر ولم أنتظر حتى أن تجيب تحيتى...
هكذا قررت أخيرا ً أن أعامل تلك الفتاة السخيفة...
لكن أتظنون أننى برغم هذا سأنجو من لسانها ؟!

" لماذا أنتِ صامتة هكذا أروى ؟ "

سألتنى ميار فنظرت إليها وقلت :
" لا شئ... فقط أستمع لحديثكم . "

أخذت تتلاعب بخصلات شعرها وهى تقول :
" أظنك مرتبكة قليلا ً... رُبما كانت أوّل مرة ترتادين فيها مثل هذه الأماكن . "

وأضافت بخبث :
" لا يدخل هذا النادى إلا أرقى طبقات المجتمع... ولا أظن أن مرتب أباكِ أمين الخزن فى عام كامل تصل إلى إشتراك النادى بشهر ٍ واحد . "

أحتقنت الدماء بوجهى وشعرت بحرج شديد... ومن شدّة غضبى لم أستطع الرد عليها...
وهنا أتانى ذلك الصوت الرجولى يقول :
" نعم صحيح يا ميار ؛ فإن أمين الخزن لا يتاجر فى السلع الفاسدة كبعض التجار الذين أعرفهم . "

أحتقن وجه ميار بشدة حتى صار لونها أحمر قانى ووجهت نظراتها الغاضبة إلى ذلك الشخص الذى كان يقف خلفى تماما ً...
وحينما أستدرت لأنظر إلى صاحبه رأيت صاحب العينان الرزقاوان يواجهنى بنظراته متجاهلا ً نظرات ميار...
ورأيت إبتسامة خفيفة تشق طريقها إلى شفتيه !



~ ~ ~ ~

تتبع



الجُودْ ؛ 17-07-12 08:38 PM







~ 11 ~
لن أكون مجرد نزوة فى حياتك





وقفت أتطلع إلى محمود - الذى ظهر من حيث لا أحتسب - وأنا أقاوم تلك الابتسامة التى طفت فوق شفتى رغما ً عنى لتخبره بمدى سعادتى برؤيته...
بل إننى لم أشعر بالسعاده قط لرؤيته مثلما شعرت بها الأن !
عدت أنظر إلى ميار التى أحتقن وجهها بشدّة وراحت ترمق محمود بنظرات غاضبة ، فى حين تهللت أسارير سالى وهى تهب واقفه لتصافحه قائله :
" محمود... هل أتيت أخيرا ً ؟ "


راقبتها وهى تصافحه وكل لمحه بملامحها تنطق بسعادة بالغة وعلتنى الدهشة... هل تواعدت سالى على اللقاء مع محمود ؟
أنتزعنى صوت سالى من دهشتى وهى تقول :
" تعالى أروى لتسلمى على محمود . "


نهضت من مكانى وأتجهت إليهما...
قلت :
" مرحبا ً . "


ابتسم محمود ومد يده مصافحا ً...
ترددت قليلا ً قبل أن أمد يدى لأصافحه ، فإذا به يضغط على يدى برفق ويقول :
" مرحبا ً أروى . "


غضضت بصرى وقلت :
" مرحبا ً . "


أنضممنا بعد ذلك إلى أصدقاء سالى وجلسنا نتبادل أطراف الحديث... أو لنقل أننى أكتفيت بالأستماع إليهم... وإلى محمود الذى سيطر بحضوره القوى على المجلس... وأنتبه الجميع إليه وراحوا يسمتعون إليه بأذان مُصغية...
من حين لأخر كان محمود يلقى نظرة علىّ ، فتتورد وجنتى من جراء نظراته ، وأشيح بنظراتى عنه...
وحاولت طوال الوقت أن أتجنب بقائى معه بمفردى لكن... ذهبت سالى برفقة ميار لتودعان إحدى صديقاتهما ، فيما بقيت وحدى مع محمود الذى بادرنى قائلا ً:
" كيف حالك أروى ؟ "


قلت :
" بخير حال . "


وافتعلت الأنشغال بمتابعة بعض الصغار الذين يلعبون حولنا...
قال :
" هل تحبين الأطفال ؟ "


قلت بدون أن أنظر إليه :
" طبعا ً... "


صمت لبرهة ثم قال مباشرة :
" لا أظنك تتمنين إنجاب طفلا ً من مُعاذ . "


ألتفت لأنظر إليه فى دهشة ، ولم أستطع الرد...
تابع هو :
" كما أعتقد أن مُعاذ ليس فى حاجه لأنجاب طفلا ً أخر... خاصة بعد تجربته مع تولان . "


أستأت كثيرا ً وقلت مُنفعلة :
" ماذا تريد أن تقول بالضبط ؟ "


أطال محمود النظر إلىّ ثم قال :
" أريد أن أحذرك من خطورة إنجاب طفل من رجل مثل مُعاذ... فهو حينما يمل ويسأم لن يبالى بأمر هذا الطفل بتاتا ً. "


قلت :
" غريب كلامك ! ظننت أن مُعاذ تزوجنى لكى يضم أبنه إلى حضانته . "


رفع محمود حاجبيه وعلته الدهشة !
وقال :
" هل أقنعكِ بهذا ؟ "


قلت بحيرة وتشتت :
" لا يوجد أى سبب لكى يتزوجنى من أجله سوى هذا... "


تأملنى مُعاذ مليا ً ثم قال :
" بل هناك سببا ً واضحا ً كوضوح الشمس . "


نظرت إليه فى أهتمام فأضاف :
" أنتِ فتاة رائعة الجمال يا أروى... لا أحدا ً بأمكانه أن ينكر هذا . "


أطلت النظر إليه فى شك ثم قلت :
" مجاملة رقيقه . "


هز محمود رأسه نافيا ً ثم قال :
" ليست مجاملة... إنها الحقيقة يا أروى . "


قلبت كفى فى حيرة ثم قلت بتشتت فكر :
" لا يوجد أكثر من الفتيات الجميلات... كان بأمكانه أن يشير إلى أجمل فتاة بالدنيا وكانت ستأتيه على طبق ٍ من فضة . "


قال :
" لا تقللين من نفسكِ يا أروى... "


قلت متشتتة :
" لماذا أذن تزوجنى فى رأيك ؟ "


هز كتفيه قائلا ً :
" لنفس السبب الذى تزوج من أجله تولان... مجرد نزوة عابرة فى حياته . "


وصمت لبرهة ثم قال :
" وحين يمل منكِ سيسعى لكى يتم الطلاق بأسرع وقت... "


وأضاف :
" ولن يكترث لكِ ولطفلك . "


قلت :
" لكن... لكن...... "


لم أتم جُملتى وصمتُ لبعض الوقت...
ماذا أقول له ؟ كيف أخبره بأن ما يقوله هذا مجرد أوهام ؟
فلو أن مُعاذ تزوجنى ليتسلى قليلا ً ما كان سيقبل أن تكون علاقتنا بهذا الشكل... أبعد ما يكون عن علاقة زوج وزوجه !


قال :
" لكن ماذا ؟ "


قلت :
" لكنى أظنك أخطأت فى أستنتاجك ؛ فمعاذ ما تزوجنى إلا ليستطيع ضم أبنه إلى حضانته وبأمكانك أن تتأكد من هذا بنفسك . "


نظر إلىّ فى أهتمام وقال :
" وكيف هذا ؟ "


قلت :
" أسأله عن إجراءات الحضانة... "


هز كتفيه وشرد ببصره لفترة قصيرة بدت عليه خلالها علامات التفكير قبل أن يقول :
" بل سأسل المحامى نفسه عن ذلك ولنر من منا على حق ؟ "

عدت إلى المنزل ذلك اليوم وكلمات محمود تلعب برأسى وتتقاذفنى كما تتقاذف الأيدى الكرة... وما أن عاد مُعاذ حتى أنتهزت الفرصة وسألته :
" ألم تبدأ فى إجراءات الحضانة بعد ؟ "


نظر مُعاذ إلىّ فى دهشة وقال مُرتبكا ً :
" لا... أقصد نعم... "


نظرت إليه فى حيرة وقلت :
" نعم أم لا ؟ "


صمت لبرهة ثم قال :
" أعباء العمل كثيرة... لم يسعنى مُتابعة الأجراءات لدى المحامى . "


قلت :
" أيعنى هذا أن المحامى قد بدأ فى الأجراءات ؟ "


قال :
" بالتأكيد... "


وابتسم ثم أضاف :
" وأظننا بعد فترة قصيرة سنستقبل ضيفا ً عزيزا ً . "


أذن... كل ما قاله محمود كان خطأ... ومُعاذ ما تزوجنى إلا ليضم أبنه إلى حضانته...
وكل تفكيره منحصر فى هذه الدائرة...
لست أدرى لِم شعرت وقتها بكل هذا القدر من الخيبة ، فقلت :
" حينئذ تكون مهمتى قد أنتهت . "


كان مُعاذ مُتجها ً إلى غرفته ليبدل ملابسه حينما سمع جُملتى فتوقف بمكانه وأستدار لينظر إلىّ بدهشة !
وتسأل فى حيرة :
" أى مهمة تلك التى تتحدثين عنها يا أروى ؟ "


أطرقت برأسى وقلت فى أسى :
" المهمة التى تزوجتنى من أجلها . "


ثم أضفت :
" وأرجو أن تعجل بإجراءات الطلاق حينئذ ؛ فلم أعد أحتمل هذا الوضع . "



~ ~ ~ ~ ~ ~


لم أعد أحتمل هذا الوضع... هى جُملة قتلتنى حين سمعتها من أروى...
كانت هذه أوّل مره أشعر فيها بمدى الكراهية والبغض اللتان تكنهما أروى لى...
وهذا الأمر ألمنى بشدّة... صحيح أن ظروف زواجنا كانت غريبة شيئا ًما... بل غريبة جدا ً...
لكن أروى عاجزه تماما ً عن فهم أسبابى ولازالت حتى الأن تعتقد أن سبب زواجى منها هو ضم أبنى لحضانتى... صحيح أن هذا الأمر كان يشغلنى ؛ فأنا ككل رجل وأب أتمنى أن ينشأ أبنى فى نفس المجتمع الذى نشأت فيه لكنى لم أكن لأقبل الزواج من أى فتاة لهذا الغرض فقط رغم أننى كان بأمكانى أن أتزوج من أى فتاة أشير إليها... وكانت ستأتينى على طبق من فضة...
لكنى لم أشأ الزواج من أى فتاة... هى وحدها تمنيتها زوجة لى منذ أن وقعت نظراتى عليها...
لن أقول أننى أحببتها ؛ فأنا لم ولن أؤمن بالحب من أوّ نظرة... لكن... شئ ما - لا أدرى كنهه _ جذبنى إليها...
شئ ما بها تجد نفسك عاجز عن مقاومته...
رُبما كان كبرياءها... أو أعتزازها بنفسها... أو نضج تفكيرها وتحملها المسئولية...
لست أدرى بالضبط... حقيقة لست أدرى !
كل ما أعمله أن حياتى أختلفت بدرجة مائة بالمائة حين رأيتها لأوّل مرة...
كانت تبدو حزينة... يائسة... وهذا أكثر ما شدنى إليها... ذلك الحزن العميق بها... والأسى بعينيها ونظراتها !
حاولت كثيرا ً التقرب إليها لكنى كنت أجد منها نفورا ً شديدا ً...
كانت تعتقد أننى استغليت الظروف لأتزوجها... لكنها لا تعلم الحقيقة... لا تعلمها أبدا ً !

بعدما قالت أروى ما قالته أتجهت إلى غرفتها مُغلقة بابها خلفها بعصبية...
كانت أوّل مرّة أراها فيها عصبية هكذا ولا أدرى ما الذى أثارها هكذا ؟
وقفت لفترة مشتت الفكر... أنظر إلى باب غرفتها بحيرة وتردد... أريد أن أطرق بابها لكنى أخشى أن أزيد الأمور تعقيدا ً...
قررت أخيرا ً أن أتوجه إلى غرفتى ونؤجل الحديث إلى الصباح تكون قد هدأت قليلا ً... لكنى لم أكد أدلف إلى غرفتى حتى شعرت بأننى لن أحتمل الأنتظار حتى الصباح !
توجهت إلى غرفتها وطرقت بابها عدة طرقات... وحينما لم أجد منها أى رد استنتجت أنها نامت فأستدرت هاما ً العودة إلى غرفتى قبل أن أتوقف فى مكانى حينما سمعت صوتها من خلف الباب مُباشرة وهى تقول :
" من بالباب ؟ "

نظرت حولى فى حيرة... ومن سيدلف إلى جناحنا فى هذا الوقت يا أروى ؟
قلت :
" إنه أنا يا أروى . "

بقيت صامته لبعض الوقت قبل أن تقول :
" أهناك شئ ؟ "

قلت :
" نعم... أريد التحدث إليكِ... هلا فتحتِ الباب ؟ "

ذهبت لأجلس على مقعد قريب وأنتظرت لفترة حتى سمعت صوت مقبض الباب وهو يدار قبل أن يفتح الباب وتظهر من خلفه أروى فى رداء الصلاة !
فى كل مرّة كنت أراها فيها مُرتديه هذه الثياب فيما نكون وحدنا كنت أشعر بالحنق لكنى كنت أتجاهل هذا ولا أشير إليه... أما فى ذلك الوقت فلم أحتمل...
قلت لها :
" هل كنتِ تصلين ؟ "

أرتبكت قليلا ً ثم قالت :
" كلا . "

سألتها :
" أذن لماذا ترتدين هذه الثياب ؟ "

أطرقت أروى برأسها ولم ترد...
أخذت نفسا ً عميقا ً ثم قلت :
" تعالى يا أروى... أجلسى هنا . "

وأشرت إلى المقعد المجاور لى...
رفعت أروى رأسها قليلا ً... ونظرت إلىّ نظرة خاطفة ثم تقدمت منى بضع خطوات ببطئ وتردد وجلست فوق المقعد الذى أشرت إليه ولازالت مُطرقة الرأس...
حاولت أن استجمع أفكارى المشتتة لفترة ثم قلت :
" أروى أنا... أنا زوجكِ... "

وما أن قلت ذلك حتى رفعت وجهها ونظراتها إلىّ ثم قالت :
" هراء ! "

نظرت إليها مأخوذا ً بما قالته ومندهشا ً...
وقلت متعجبا ً :
" هراء ؟! "

قالت فى حدة :
" نعم... فأنت لست زوجى... أنا لا أعتبرك هكذا . "

حاولت السيطره على أنفعالى وكبت غضبى وأنا أقول :
" لكنها الحقيقة يا أروى... أنتِ زوجتى أمام الله وأمام الناس جميعا ً... "

قالت :
" أنا زوجتكِ فى العقد ليس إلا . "




وتابعت مُنفعلة :
" ولن أقبل أبدا ً أن أكون مجرد نزوة عابرة فى حياتك . " !


~ ~ ~ ~ ~ ~


تتبع


الجُودْ ؛ 17-07-12 08:40 PM







~ 12 ~
مشاعر مُتقلبة





الساعة الواحدة مساءً... أجلس فى غرفتى... أذرف الدموع بلا توقف... وأشعر بضيق شديد وشئ ثقيل يجثم على صدرى ويكتم على أنفاسى... وكلما أتذكر حديثى مع مُعاذ يتفاقم ضيقى وأشعر بألم حاد بقلبى...
لقد تأكدت اليوم بأنه ما تزوجنى إلا ليضم أبنه إلى حضانته... وليس كما قال محمود... وأنه لن يتردد فى الأنفصال عنى إذا ما حقق غايته تلك...

لستُ أدرى لِم أشعر بكل هذا الحزن والضيق ؟!

لقد كنتُ أعرف من البداية أنه ما تزوجنى حبا ً فىّ...

ولقد وافقت رغم علمى بهذا... لكن......

لكن هذا يؤلمنى بشدّة... ويجعلنى أشعر كأننى سلعة تباع وتشترى...

نعم... هذا صحيح... لقد أشترانى مُعاذ بماله !

وكنتُ بالفعل مُجرد سلعة تباع...

سلعة أشتراها لغرض ما... وسيبيعها فى أقرب فرصة تسنح له !

لم أحتمل عن هذا الحد وشعرت بالعبرات تختنق بمقلتاى ، ثم تتحرر من مكمنها وتسيل على وجنتى فى صمتٍ مرير...

لكن لِم أنا حزينة بهذا الشكل ؟

أليس هذا ما أتمناه ؟ أن ننفصل ويكون لكلا ً منا طريق وحياة أخرى...

أظن أن هذا هو أفضل الحلول بالفعل...

وليته يعجل بأنفصالنا... فما عدتُ أحتمل هذه الحياة...

وما عدتُ أحتمل أن أكون فى نظره مجرد سلعة أشتراها بماله !

أفقتُ من أفكارى على صوت رنين هاتفى المحمول الذى أشتراه لى مُعاذ...

نظرت إلى الهاتف ببغض وكراهية...

أريد أن ألقيه على الأرض وأحطمه إلى قطع صغيرة لكى أشفى غليلى وغيظى منه... بل أريد أن أتخلص من أى شئ يمت لهذا الشخص بأى صلة...

وبالفعل أمسكت بالهاتف وكدتُ ألقيه لولا أن تراجعت فى أخر لحظة... وأستعدتُ سيطرتى على نفسى...

رُبما كان أبى أو أمى...

نعم بالتأكيد إنه أحدهما ؛ فما من أحدا ً يتصل بى سواهما...

شعرتُ بشوقٍ شديد إليهما...

إلى أحضان أمى الدافئة...

إلى عبارات المواساة منها...

وإلى كل شئ منهما... كل شئ...

آه... كم أشتاق إلى كل شبر بالمنزل...

إلى الجدران المتصدعة...

والأثاث البالى المتحجر...

والسجاد المهترئ...

ليت الزمن يعود ولو للحظة واحدة للخلف !

جففت دموعى بمنديلى فى سرعة وأجبت الأتصال قائله :

" مرحبا ً. "


أتانى صوتا ً رجوليا ً على الطرف الأخر يقول :

" مرحبا ً أروى . "


تلعثمتُ بشدّة ومن شدّة أرتباكى وتلعثمى كاد الهاتف أن يسقط من يدى ، حينما تعرفت على صوت المُتصل !

قلت :

" محمود ! "


قال :

" نعم يا أروى... إنه أنا . "


وأضاف :

"مُعاذ بجانبك ؟ "


قلت :

" كلا... لا... ولكن لماذا تسأل ؟ "


قال مُباشرة :

" لقد قابلت المحامى الخاص بمُعاذ اليوم . "


توقفت دقات قلبى عن الخفقان وسألته فى وجل :

" و ماذا ؟ "


قال :

" سألته عن إجراءات الحضانة فأخبرنى بأنه بالفعل بدأ فيها . "


عضضت على شفتى السفلى بقوة حتى أدميتها ، فيما تابع هو حديثه :

" لقد أسأتُ التقدير يا أروى ؛ يبدو أن مُعاذ قد أنتبه أخيرا ً إلى أنه لديه طفلا ً لابد أن ينشأ تحت كنف أبوه . "


عادت الدموع تتدفق من عينىّ وأرتعش صوتى وأنا أجيبه فى ألم :

" نعم... يبدو هذا . "


ظل محمود صامتا ً لفترة قبل أن يقول :

" هل... تبكين ؟ "


أتته إجابتى على هيئة نحيب يمزق نياط القلوب فما كان منه إلا أن قال :

" أروى... أرجوكِ لا تبكين... لا شئ بهذه الدنيا كلها يستحق دموعكِ هذه . "


قلت :

" أنا لا أبكى إلا على نفسى . "


سمعته يطلق زفرة حانقة قبل أن يقول :

" لو فقط أعرف لماذا تزوجتِه ؟ "


قلت :

" قدرى أن أتزوجه . "


وأضفتُ فى مرارة :

" وليتنى ما فعلت . "


~ ~ ~ ~ ~ ~



قضيتُ ليلتى أتقلب على الفراش كما لو كنت أتقلب على جمرٍ مُتقد من النار... دون أن يزحف النوم إلى جفنىّ أو يعرف طريقه إليهما...
وأنّى له ذلك وتلك الأفكار تتلاعب برأسى وتقذف به...

كلما تذكرت عبارة أروى أشعر بضيق شديد بصدرى...

لماذا يا أروى تفعلين بى هذا ؟

ألهذه الدرجة تكرهيننى ؟

ألهذه الدرجة صرتِ لا تحتمليننى وتريدين الخلاص منى بأسرع وقت ؟

إننى ولأوّل مرّة فى حياتى أقابل فتاة تغير نظرتى لكل الفتيات...

ولم أكن جاداً بعلاقتى بأحد بقدر ما كنت جادا ً بعلاقتى بكِ...

حتى زوجتى الأولى... لم أكن جادا ً بعلاقتى بها... ولم أشعر نحوها بما أشعر به نحوكِ أنتِ... فهل هذا هو جزائى يا أروى ؟

أهذا ما استحقه منكِ ؟

ليتك تدخلين إلى قلبى لتعرفين ما به !

كم أشعر بالألم لهذا !

غادرتُ الفراش وتوجهت إلى الشرفة ورحتُ أدخن السيجارة تلو الأخرى... حتى أخنقنى دخانها وكتم على أنفاسى...

ألقيت أخر سيجارة من النافذة ووقفت أراقب السماء وهى تتلون... وقرص الشمس وهو يعلو معلنا ً عن بداية يوم جديد... وأمل جديد...

وتساءلت فى نفسى :

ترى ماذا يخبئ لى القدر ؟!

وماذا تحمل لى الأيام فى جعبتها ؟

بعد فترة من الزمن غادرت غرفتى... كنت متوجها ً إلى المطبخ الخاص بالجناح عازما ً على إعداد فنجان قهوة فتسلل إلى سمعى صوت التليفاز بغرفة أروى...

تعجبتُ كثيرا ً... أتكون أروى قد استيقظت باكرا ً هكذا ؟

قررت أن أعرف الأجابة بنفسى فغيرتُ وجهتى وأتجهتُ إلى غرفتها وطرقت بابها عدة مرّات دون أن أسمع أى أجابة !

أتظنون أنها لا تريد الأجابة علىّ ؟

أو رُبما كانت مُتعبه !

أصابنى القلق عليها وتفاقمت الفكرة برأسى... رُبما كانت مُتعبه بالفعل...

فكرت أن أذهب لأوقظ سالى لتدخل إلى غرفتها للأطمئنان عليها لكن...

ألست بهذا التصرف سأثير تساؤلاتها وشكوكها ؟!

قررت أخيرا ً أن أدلف بنفسى إلى الغرفة...

إنها زوجتى حتى ولو كانت تنكر هذه الحقيقة وتستنكرها !

وضعتُ يدى على مقبض الباب وحركته فوجدته مفتوحا ً غير موصد...

أطللت برأسى من فتحته فوقع بصرى على أروى مُباشرة... كانت جالسه فى وضع استرخاء على إحدى المقاعد وتبدو مُستغرقة فى النوم...

تجرأت قليلا ً وأقتربتُ منها...

تأملتها مليا ً... كانت مُستغرقه فى النوم فى رداء النوم الفضفاض... شعرها الطويل الأملس ينسدل على كتفيها كشلالات مظلمة... ووجهها الخالى من أى مستحضرات تجميلية يجعلها تبدو كالملائكة...

دققت النظر إليها وتساءلتُ فى نفسى :

أهذه الفاتنة هى زوجتى ؟

كم هى جميلة وبريئة !

كم أنا محظوظ بها !

تحركت قليلا ً أثناء نومها فسقط منها شيئا ً ما وأصدر جلبة... وحينما نظرت إلى هذا الشئ وجدته هاتفها...

أنحنيتُ لألتقطه مُتعجباً من تشبثها به أثناء نومها... وحينما عدت أنظر إليها وجدتها تفتح عينيها الناعستين وتنظر إلىّ فى عجب !


~ ~ ~ ~ ~

~... تتبـ ... { أنتِ ملكى وحدى } ... ـع ...~




الجُودْ ؛ 17-07-12 08:42 PM






13
~ قلب لا ينبض إلا للمال ~








للحظة ظلت أروى تنظر إلىّ بعينان ناعستان دون أن تنطق بكلمة ، وبدت لى كأنما لم تفق من نومها بعد... كانت بين النوم والصحوة ، لكنها لم تلبث أن فتحت عينيها على أخرها وراحت تحدق بى فى دهشة لا مثيل لها ، قبل أن تنظر إلى ملابسها وشعرها الطويل المنسدل على كتفيها ثم تعض على شفتها السفلى وتبحث ببصرها عن شيئ تتوارى خلفه عن أنظارى...

وبالفعل عثرت ببصرها على رداء الصلاة الخاص بها مُلقى على مقعد قريب بأهمال فما كان منها إلا أن هبت واقفه وأتجهت نحوه غير أننى أعترضت طريقها ومنعتها من الوصول إليه ، فما كان منها إلا أن أطرقت برأسها فى خجل وقالت :

" لو سمحت . "



وأيضا ً لم أفسح لها الطريق فرفعت رأسها وألقت علىّ نظرة مُستعجبة أكثر منها غاضبة !

فى لحظة جنون ،، مددت يدى وألتقطتُ كفها الرقيق بين كفىّ ، فأزدادت نظراتها تعجبا ً فوق تعجبها وتوردت وجنتيها فى خجل !

وفى مزيد من الجنون جذبتها نحوى وضممتها إلى صدرى...

ولدهشتى لم أجد منها أى أعتراض... إلا مزيدا ً من العجب لجراءتى تلك !

لفترة ما لا أعلمها ظللت فى هذا الوضع... أشعر بدقات قلبى تتسارع... وبأنفاسى تتلاحق...

تجرأت قليلا ً ورفعت يدى ومررتها فوق شعرها الأملس... وشيئا ً فشيئا ً تخللت بأصابعى خصلات شعرها...

أردت أن أنظر إليها... أن أعرف ردة فعلها على حماقاتى تلك غير أنى لم أجروء على ذلك... خشيت أن أنظر إلى عينيها فترى كل ما أجاهد لأخفاءه عنها...

كانت لحظة من أجمل ما يكون... لأوّل مرّة فى حياتى أعرف مثل هذا الأحساس...

شعرت كأننى أحلق بالسماء وأكاد ألمسها بأصبعى... بل وأكاد أقتطف إحدى النجوم مثلما تُقطف الثمار !

أفقتُ فجأة مما كنتُ فيه على صوت نحبيها وشعرت بدموعها تبلل ثيابى !

وكأنما ألقت بى إلى أعماق الأرض السحقية بعدما رفعتنى بيديها إلى السماء !

أبعدتها عنى قليلا ً ونظرت إليها ، فإذا بها ترفع كفيها لتخبئ وجهها خلفهما وتجهش فى البكاء...



" ما بكِ أروى ؟ لِم تبكين ؟ "



قلت ذلك فى حيرة شديدة فلم يأتِنى منها ردا ً غير مزيدا ً من البكاء...

علتنى الحيرة لما أراه منها...

مددت يدى نحوها غير أنها تراجعت إلى الخلف كمن لدغتها أفعى ثم رمقتنى بنظرة تقطر حزنا ً ، وسمعتها تقول بصوت مُنتحب من آثر البكاء :

" أبتعد عنى... لا تلمسنى... "



تراجعت يدى وعادت إلىّ خائبة...

تطلعت إليها فى صمتٍ... نظراتى لها تعكس مدى حزنى وألمى...

ونظراتها لى تعكس مدى كرهها لى...

تراجعت إلى الخلف خطوة...

ثم خطوة أخرى...



قلت :

" أنا حقا ً أسف . "



وغادرت الغرفة بخطوات سريعة... وصوت بكاءها يخترق مسامعى ويمزق نياط قلبى !



~ ~ ~ ~



ولم أتوقف عن البكاء حتى بعدما أنصرف...

لم يكتفى مُعاذ بمغادرة الغرفة أنما غادر الجناح والمنزل بأكمله... كأنما يريد أن يبتعد عنى أكبر مسافة ممكنة...

شعرت بإهانة لم يسبق لى أن شعرت بمثلها من قبل لتجرأه على فعل شيئا ً كهذا...

لكن... ألست السلعة التى أشتراها بماله ويحق له أن يفعل بها ما يشاء دون أن يلقى منها أى أعتراض ؟

يحق له أن يدلف إلى غرفتى بلا استأذان...

وأن يرانى بلا حجاب ساتر...

بل وأن يضمنى إلى صدره...

نعم... كل هذا حقه... ألم يدفع فىّ تسعة آلاف جنيه ؟

أذن ليفعل ما يشاء بى دون مرعاة لمشاعرى !

لو كان لدى شك ولو لواحد بالمائة بأنه ما ضمنى لصدره إلا من باب الملكية وتأكيد إنتمائى له ، رُبما ما كنتُ فعلت ما فعلت !

لكنى كنتُ مُتأكدة من أن هذا الرجل لا يملك قلباً بين ضلوعه يمكن أن ينبض بأى عاطفة... قلبا ً لا يعرف إلا لغة الأرقام والحسابات ،، لا لغة المشاعر والأحاسيس !

قضيتُ وقتا ً عصيبا ً ذلك اليوم... وبكيت حتى جفت دموعى... وشعرت بألم شديد برأسى من كثرة البكاء...

وفى المساء ، أوصدت غرفتى بالمفتاح من الداخل وأنتظرت عودته من العمل...

ظللت مُستيقظه لساعات طويلة فى أنتظار عودته حتى غلبنى النوم ورحت فى سباتٍ عميق...

حينما استيقظتُ فى صباح اليوم كانت الساعة تناهز التاسعة صباحاً...

كنتُ أشعر بضعف ٍ شديد إذ أننى لم أتناول شيئا ً منذ أوّل أمس... ولم أعد أحتمل الجوع !

قررت أن أذهب إلى المطبخ لأعد إحدى الشطائر لكى تسد جوعى ، وفيما كنتُ فى طريقى إلى المطبخ لفت نظرى باب غرفة مُعاذ المفتوح !

أيكون قد أنصرف فى هذا الوقت الباكر ؟

توجهت إلى غرفته ببطئ وحذر...

أطللت برأسى من فتحته فإذا بى أجد الغرفة خالية تماما ً والفراش مُرتب !

تعجبتُ كثيرا ً... ألم يعود مُعاذ منذ الأمس ؟

هل بات ليلته فى الخارج ؟

ألهذه الدرجة لا يطيق رؤيتى ؟!

غيرت وجهتى وعدت إلى غرفتى مجدداً ، وقد فقدت شهيتى لتناول أى شئ...

حسنا ً يا مُعاذ... أنت الذى بدأت... والبادئ أظلم !



~ ~ ~ ~


أفقتُ من نومى فى حوالى التاسعة صباحا ً...

لم يقع بصرى كالعادة على غرفتى أنما وقع بصرى مُباشرة على صديقى محمود والذى يحتل السرير المجاور لى ، والذى لازال مُستغرقا ً فى النوم !

تثاءبت بكسل وأرسلتُ نظراتى إلى السقف... فلم تلبث الذكريات أن تدفقت إلى رأسى كالشلالات المُنهمرة دون أن أقوى على صدها...

تذكرت ما حدث الليلة الماضية... تذكرت بكاء أروى على صدرى... أنفاسها اللاهثة... صوت نحيبها... الحزن الذى كان يقطر من ملامحها... فشعرت بالضيق يتسلل إلى نفسى... وبالشعب الهوائية بصدرى تنقبض... حتى لم تعد ذرات الهواء الموجوده بالغرفة تكفينى...

دلفت إلى الشرفة ووقفت أدخن بشراهة لم أعدها فى نفسى من قبل...

قطع علىّ خلوتى محمود الذى استيقظ لتوه وأتجه نحوى قائلا ً:

" صباح الخير . "



حاولت أن أرسم ابتسامة فوق شفتاى وأنا أجيب تحيته ، فجاءت ابتسامتى شاحبة حزينة !



قال مُتجاهلا ً هذا :

" كيف حالك اليوم ؟ هل صرتَ أفضل ؟ "



سحبتُ دخانا ً عميقا ً من السيجارة وأطلقته مع تنهيدة قوية ثم قلت :

" الحمد لله . "



ران الصمت علينا فترة قبل أن يقطعها محمود قائلا ً:

" ألن تخبرنى ماذا حدثَ ؟ "



ألقيتُ نظرة قصيرة عليه ثم أطرقت برأسى أرضا ً ولذتُ بالصمت التام...

أخر شئ كنت أرغب فى التحدث عنه هو أمر أروى... ويبدو أن محمود قد أدرك هذا فقال :

" حسنا ً... سنتحدث لاحقا ً عن هذا الأمر . "



وأضاف :

" دعنا الأن نذهب لتناول الفطور... أظن أن أمى أعدت لنا أطباقا ً رائعة . "



قلت :

" لا أظننى قادرا ً على تناول أى شئ . "



قال محمود مُستنكرا ً :

" كيف هذا ؟ إنكَ لم تتناول شيئا ً منذ الأمس... "



قلت :

" سأتناول الطعام فى وقتٍ لاحق... أما الأن فلابد أن أذهب لأباشر العمل . "



وأضفت :

" شكرا ً على استضافتك لى بمنزلى هذه الليلة . "



ارتديتُ ثيابى على عجل وغادرتُ منزل محمود غير آبها ً بأعتراضه !

استقليتُ سيارتى وتوجهت إلى عملى...

مررت فى طريقى بإحدى المفترقات وكان إحداهما يؤدى إلى عملى والأخر يؤدى إلى منزلى...

لا شعوريا ً أتخذت الطريق المؤدى إلى منزلى...

ثمة شئ ما يجبرنى على الذهاب إلى أروى والأطمئنان عليها... كأننى مسلوب الأرادة !

برغم كل شئ لازلت أشعر بحاجتى إليها وإلى البقاء بقربها...

وصلت إلى المنزل وتوجهت إلى جناحنا... كان باب غرفتها مُغلقا ً...

توقفت بالخارج مُتردداً... أريد أن أطرق الباب لأطمئن عليها وأحاول أن أثنى نفسى عن ذلك...

أخيرا ً حركت يدى ومددتها إلى الباب وطرقته عدة طرقات...

أنتظرت أن تجيب علىّ لكنى لم أجد أى بادرة تشير إلى أنها عازمه على ذلك...

عدت أطرق الباب مجددا ً وأيضا ً بلا جدوى...

كنتُ واثقا ً من أنها مُستيقظة وتترفع عن إجابتى !

قلت :

" أعرف إنكِ مُستيقظة أروى... هلا فتحتِ الباب لنتحدث قليلاً ؟ "



وأيضا ً لم تصلنى منها إى إجابة....



قلت :

" أريد أن أعتذر لكِ عما حدث بالأمس... "



وأضفت :

" ما حدث كان رغما ً عنى... كان جنونا ً منى أن أدع مشاعرى تتحكم فى تصرفاتى بهذه الطريقة... أنا فعلاً أسف... لم أقصد أن أسبب لكِ أى حزن... سامحينى أروى . "





وهذه المرّة أيضا ً أجابنى الصمت التام...

عدت أطرق الباب مجدداً...

غير معقول أن تتجاهلنى كل هذا الوقت... وبعد قائمة الأعتذارات التى قدمتها لها !

ناديتها :

" أروى... ردى علىّ أرجوكِ... فقط ردى علىّ لكى أطمئن عليكِ وسأنصرف . "



تفاقم قلقى أكثر وأكثر لمّا لم أجد منها أى أجابة... أو أى بادرة تشير إلى أنها بخير... قررت أن أدلف إلى الغرفة لاستطلع الأمر...

مددت يدى إلى مقبض الباب وأدرته... أطللت برأسى من فتحة صغيرة بالباب...

أوّل ما وقع بصرى عليه بالغرفة كان صوان ملابسها الخالى من الثياب والمفتوح على مصرعيه...

تفاجأت... لا بل صُعقت... رُحتُ أفتش عنها كالمجنون...

" أروى... عزيزتى... أين أنتِ ؟ أين ذهبتِ وتركتِنى ؟ "

وما من مجيب !



~ ~ ~ ~ ~ ~

~... تتبـ ... { أنتِ ملكى وحدى } ... ـع ...~


الجُودْ ؛ 18-07-12 04:01 AM







14

~ نفحات الماضى الأليم ~




تسارعت خفقات قلبى وأنا أتطلع إلى منزل والداىّ... ذلك المنزل العتيق الذى تصدعت جدرانه وتشقق طلاءه وعف عليه الزمن فصار آيلا ً للسقوط...
نظرت إليه نوافذة الخشبية التى تأكلت وأزيل طلاؤها... ثم إلى الأنوار الخافتة بداخله... الشئ الوحيد الذى يُمكن أن يوحى للناظر بأنه ثمة حياة فى هذا المكان !
ابتلعتُ ريقى بصعوبة وابتلعتُ معها تلك الغصة المريرة بحلقى...
تمنيتُ من كل قلبى يأتى أحدا ً من المسؤولين إلى هذا المكان ويحاولون قضاء ليلة واحدة فقط به حتى يشعرون بسكان هذا الحى والأحياء الفقيرة التى تزخر بها مصرنا !
أطلقتُ تنهيدة قصيرة مصحوبة بآهة يائسة...
للأسف هذا لن يتعدى كونه حلم جميل صعب التحقيق ! بل رُبما مُستحيل أيضا ً !
عدت بنظراتى إلى منزلنا وحاولت أن أقارن بينه وبين قصر مُعاذ... لكن شتان بين الأثنين !
إنه لفرق واضح كوضوح الشمس فى كبد السماء...
تقدمت عدة خطوات نحو المنزل ثم توقفتُ بمكانى ورحت أتأمله عن كثب...
تسللت رائحة الماضى إلى أنفى فابتسمت ابتسامة واسعة...
رغم كل ما أخبرتكم عنه... ورغم كل شئ... فإن هذا المنزل... وهذا الحى الفقير... وغرفتى الصغيرة التى بالكاد تتسع لسريرى الصغير... فى نظرى أفضل من قصر مُعاذ بكل وسائل الرفاهية التى يزخر بها !
ليتنى استطيع محو تلك الفترة من ذاكرتى ومن حياتى بأكملها !
ما أن تذكرت مُعاذ حتى شعرت بدمعة ساخنة تتسلل إلى مُقلتاى ، فما كان منى إلا أن قاومتها فى استماته...
لا... لن أسمح لنفسى بالبكاء على شخصٍ لا يستحق دموعى...
ولا يستحق حتى لحظة أقضيها فى التفكير فيه !
فلا دموع ولا حزن ولا إهانة بعد اليوم...
أنا الأن حرّة بمنزلى... كما كنت قبل أن أراه...
عدت أواصل تقدمى نحو المنزل بخطوات واسعة... لا أكاد أصدق أننى قد عدت أخيرا ً إلى حيث أنتمى... إلى ذلك الحى الفقير... بمنازله القديمة... وسكانه البسطاء... وليس ذلك القصر المُترف... الذى قد يكفى بحجراته العديدة سكان هذا الحى عوضا ً عن منازلهم الآيلة للسقوط !
فيما أنا مُتجهه إلى المنزل لفت نظرى شخص ما يقف على مقربه منى ويتأملنى بنظرات تتأرجح بين الحب والكراهية فى آنٍ واحد...
لم أستطع أن أمر من أمامه مرور الكرام... دون أن أتوقف عنده...
تسللت بنظراتى إليه فقابل نظراتى تلك بنظرات جامدة... تحمل فى طياتها ما يعجز اللسان عن قوله !
شئ ما أجبرنى على التوقف أمامه... مُطرقة الرأس... وقد تدفقت الدماء إلى وجهى فى خجل !
لحظات طويلة مرت دون أن أقوى على قول أى شئ... حتى كلمة إعتذار لم استطع نطقها والتفوه بها...
كان هو من بادر بالتحدث فقال بسخرية لاذعة :
" جميل إنكِ لم تغيرى جلدك تماما ً كالثعابين... ولازال لديك بعض الأنتماء لأهلكِ على الأقل . "

شعرت بالأهانة لكلماته... والأسى لها...
أحنيتُ رأسى أكثر وأكثر ودفنت نظراتى تحت طبقات التراب...
كم أتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعنى لأختفى من أمامه !
كنتٌ أشعر بالخجل من مجرد النظر فى عينيه... بعدما كان أحب شئ إلى قلبى أن أفعل ذلك !
حينئذ ٍسمعته يكمل حديثه بنبرة جافة :
" لا تصطنعين الخجل ؛ فلو كان لديك قطرة حياء واحدة ما كنتِ تركتـِنى من أجل المال . "

شعرت بالدموع تتدفق إلى عينىّ وتنهمر ملء عنانها دون أن أقوى على صدها...
رأيته من خلال دموعى المُنهمرة يخرج شيئا ً ما من جيب سترته أتضح لى أنه منديلا ً حين مد لى يده به قائلا ً:
" جففى تلك الدموع ؛ فلم تعد تؤثر بى . "

رفعت عينىّ المغرورقتان بالدموع ولم أره من غزارة دموعى...
استطعت أخيراً أن أنطق بكلمتين فقط وهما...
" أنا أسفة . "

وأى أسف ؟ وأى أعتذار ذلك الذى قد يصلح ما أفسدته ؟! أو ما قد أفسدته الأيام ؟
حاولت أن أشرح له الأسباب الذى جعلتنى أفعل ما فعلته غير أن الكلمات تحشرجت وانحبست بحلقى ولم تقوَ عل الخروج...
كيف أخبره بأن ما حدث كان رغما ً عنى دون أن أكشف له سر أختلاس أبى لخزانة الشركة التى يعمل بها ؟
وإذا فعلت ماذا سأستفيد ؟
لقد أنتهى كل شئ يربط بيننا ولم يعد يجدى الحديث عنه !
رأيته يرمقنى بنظرة طويلة لا تخلو من البغض قبل أن أسمعه يقول :
" فات أوان الأعتذار للأسف . "

قالها وولانى ظهره ثم ابتعد عنى بخطوات واسعة...
شيعته بنظرات مختلطة بالعبرات حتى غاب عن بصرى...
وبمجهود شاق حركت قدمىّ وتقدمت خطوتان غير أننى لم ألبث أن توقفت فى مكانى قبل أن أخطو الخطوة الثالثة ، ثم بدأت فى التراجع إلى الخلف بضع خطوات وعيناى مُثبتتان على ذلك الشخص الذى ظهر فجأة وراح يرمقنى بنظرات مُبهمة المعانى...
فلم ألبث أن وليته ظهرى وأطلقت ساقىّ للريح !




~ ~ ~ ~ ~



" أروى . "
استوقفتها قبل أن تستطع الهرب منى مجددا ً...
رأيتها تتوقف بمكانها دون أن تستدير لتنظر إلىّ... حثثت الخطى نحوها... أمسكت بزراعها بقوة أحول دون هربها منى ثانية !
" إلى أين تريدين الذهاب ؟ "

لم تعلق أروى على جُملتى وراحت ترمقنى بنظرات طويلة غير مفهومة...
كانت بعض الدموع عالقة برموشها... وجفونها متورمة كثيرا ًويغلب عليها الأحمرار !
شعرتُ بحزنٍ شديد لرؤية آثار البكاء المحفورة على وجهها... خاصة وأننى السبب فى إراقة هذه الدموع...
أنتزعتنى أروى من افكارى بغتة حينما قالت بعصبية :
" ماذا تريد منى ؟ لماذا أنت هنا ؟ "

فاجاءتنى طريقتها الجافة الغليظة... نظرت إليها مُعاتبا ًوقلت :
" أتيتُ لأصطحبكِ معى . "

قفزت نظراتها المُستنكرة إلىّ وقالت بسرعة وصرامة :
" كلا... "

نظرت إليها مُستغربا ً...
قلت :
" مكانكِ الطبيعى هو منزلى يا أروى . "

خاطبتنى بنبرة من أتخذ قرارا ً لا رجوع فيه :
" مكانى الطبيعى هنا... فى ذلك الحى الفقير ذلك المنزل المُتصدع جدرانه... حيث ولدت ونشأت.... "

وصمتت لبرهة ثم تابعت بسخرية :
" وليس قصرك العظيم بكل خدمه وجواريه والبذخ الذى يزخر به بلا داع ٍ . "

نجح كلامها فى إثارة غضبى... وسخريتها فى الوصول بى إلى قمة الثورة والجنون !
قلت بنبرة حاولت أن أجعلها هادئة ، غير أنها لم تكن كذلك حين تفوهتُ بها :
" أنا زوجكِ يا أروى ويجب عليكِ أن ترافقينى حيث أكون... إلى السماء السابعة... أو حتى إلى سابع أرض . "

وأضفتُ بصرامة :
" لن أقبل بأن تحيا زوجتى بعيداً عنى... لن أسمح لكِ بهذا... "

هذه المرّة حملت نظراتها بعض الخوف... وراحت تحملق بى دون أن تقوى على الرد...
لانت نبرتى شيئا ً ما حينما رأيت الذعر المُرتسم على وجهها...
قلت :
" أنتِ زوجتى أروى ولا أريدك أن تبتعدى عنى . "

ومضت الدموع بعينيها وأوشكت على الانهمار...
تحولت نظراتها إلى التوسل والاستعطاف ،، بل والانكسار أيضاً...
وخاطبتنى بنبرة شديدة الضعف والأسى :
" لماذا تفعل بى هذا مُعاذ ؟ لماذا تتعمد إذلالى بهذا الشكل ؟ "



~ ~ ~ ~ ~



أدركنى الندم بمجرد أن رأيت وقع جُملتى على مُعاذ والتعبيرات الحزينة التى أنبثقت على وجهه...
عضضتُ على شفتى السفلى بقوة... أردت أن أعتذر عما قلته... غير أن الكلمات انحبست بحلقى ولم تقوى على الخروج...
راقبت علامات الأسى المُرتسمة على وجهه... نظراته الحزينة... وسمعته يقول :
" أنا أتعمد إذلالكِ أروى ؟ "

حاولت أن أخفف من وطأة الجُملة عليه ، قلت :
" إذا كان غرضك من الزواج منى هو الحضانة ، فأنا زوجتكِ فى الأوراق الرسمية وبأمكانك أن تثبت هذا دون أن أحيا معك بنفس المنزل . "

وأضفت :
" وبهذا أخلصك من مسؤوليتى التى تثقل كاهلك . "

ولم تزده جُملتى تلك إلا غضبا ً فوق غضبه...
قال :
" أنا قادر على تحمل مسؤوليتك أروى وأريدك بجانبى... وليس لمجرد إثبات زواجى منكِ . "

تفاجأت بجُملته ورحت أحدق به فى حيرة...
انتظرت أن يسترسل فى حديثه عله ينطق بكلمة ما قد تسهم فى شرح جُملته السابقة ، غير أنه قال مُغيرا ً مجرى الحديث :
" دعينا نعود إلى المنزل أروى لنتحدث... "

قلت بسرعة :
" لا يا مُعاذ... أرجوك لا ترغمنى على الذهاب معك... أنا مُتعبة وفى صدرى ضيق شديد... "

أطال مُعاذ النظر إلىّ... كانت نظراته توحى بمدى إعتراضه ورفضة لمجرد مُناقشة الأمر...
نظرت إليه مُستعطفة ومُتوسلة... أومض الدمع بعينىّ فى يأس وأطرقت برأسى أرضا ً...
سمعته يقول :
" حسنا ً يا أروى... سأترككِ تذهبين... "

رفعت رأسى ونظراتى إليه بسعادة... فاستطرد بسرعة :
" لفترة قصيرة... وليس بصفة دائمة . "

ما كدت أصدق أنه وافق ، قلت :
" حسنا ً... حسنا ً... "

ووليته ظهرى هامه الدخول إلى منزل والداىّ ، غير أنه استوقفنى قائلا ً :
" أروى . "

تجمدت فى مكانى للحظة ، وببطء ألتفتُ نحوه...
خشيت أن يكون قد غير رأيه بشأن بقائى فى منزل والداىّ ، غير أن نظرة واحدة إليه كانت كافيه لأن أدرك أننى مُخطأة !
كان يفصل بيننا عدة خطوات قليلة ، أختصرها مُعاذ فى خطوتين وصار مواجها ً لى...
نظرت إليه فى حيرة وتساؤل... كانت نظراته لى غريبة... تخفى فى طياتها مشاعر شتى... لا أميز سوى الحزن الغالب عليها !
نظرت إليه فى حيرة وأنتابنى للحظة قصيرة الشعور بالضياع فى بحر تلك العينين...
أحياناً تروادنى رغبة قوية فى الغوص بعينيه وسبر أغوار نفسه ،، غير أننى أتراجع عن رغبتى تلك وأكبتها فى نفسى... فعيناه بلا شطان... لا ينجو منهما أحداً !
أفقت من أفكارى على صوته...
كانت نبرته مُختلفة لم يسبق لى أن سمعته يتحدث بها... نبرة مست وتراً عميقاً وحساسا ً بقلبى !

" أنتبهى لنفسكِ أروى . "

نظرت إليه وقد تفاقمت حيرتى وتحولت إلى ذهول...
ألقى علىّ نظرة طويلة... ولمحت على زواية فمه ابتسامة حزينة...
للحظة مجنونة ، وددت لو أتراجع عن قرارى هذا وأن أخبره بكل ما يعتمل بصدرى... فأما أن ينفيه ويريح قلبى... أو يؤكدة ويقضى علىّ !
فتحت فمى وهممت بالحديث... ولأننى خشيت أن تأتينى الطعنة منه مُباشرة ومُهلكة ؛ فقد ابتلعت جُملتى ووأدتها فى مهدها ، بل وكدت أوليه ظهرى وأنصرف لولا وجدته يدس يده فى جيب سترته ويخرج مبلغاً من المال ثم يمد لى يده بهم...
شعرت بحرج شديد وأحمرت وجنتىّ فى خجل...
قال مشجعاً :
" لا تخجلى منى وخذيهم أروى... فرُبما تحتاجين شيئاً... "

قلت :
" لا أظننى سأحتاجهم . "

قال مُعاتباً :
" أذن خذيهم ليرتاح بالى على الأقل . "

لمّا رأى ترددى ورفضى للأمر قال :
" أنتِ زوجتى أروى وواجب علىّ أن أعيلكِ . "

نظرت إلى رزمة الأوراق المالية بيده وقلت :
" لكن هذا كثير جداً . "

ومددت يدى وتناولت ورقة واحدة منهم غير أنه أمسك بيدى وأجبرنى على تناول الأوراق كاملة ثم قال :
" الأن سيرتاح بالى قليلاً... "

وابتسم شبه ابتسامة ثم تابع :
" حتى تعودين ويرتاح بالى كلياً . "

نظرت إليه فى خجل وقلت :
" شكراً لك . "

أطال النظر إلىّ ولم يبد لى عازماً على الأنصراف....
قال :
" أتصلى بى يومياً لأطمئن عليكِ . "

وأضاف :
" معكِ هاتفكِ أليس كذلك ؟ "

أطرقت برأسى أرضاً لكى لا يرى الحقيقة جالية بوجهى وأنا أقول :
" أظننى نسيته بالمنزل . "

غير أننى فى الحقيقة تركته عمداً هو وكل شئ أشتراه مُعاذ لى بعد زواجنا !
رأيته يخرج هاتفه من جيب سترته ويناولنى أياه قائلا ً:
" أذن خذى هذا وأتصلى بى على هاتفكِ . "

وأضاف :
" وأنا سأتدبر أمرى حتى تعودى . "

تناولت منه الهاتف وشكرته ؛ ولأنه لم يبد لى عازماً على الانصراف فقد قررت أن أبادر أنا بالانصراف فودعته ووليته ظهرى وابتعدت عنه بخطوات واسعة وسريعة...
كنتُ واثقة أنه الأن يشيعنى بنظراته وينتظر أن أغيب عن بصره لكى ينصرف...
روادتنى فى تلك اللحظة رغبة عارمة فى إلقاء نظرة أخيرة عليه... غير أننى لم ألبث أن كبتُ رغبتى تلك وواصلت طريقى إلى المنزل ثم أختفيتُ بداخله !



~ ~ ~ ~ ~ ~



أدركنى الشعور بالندم بمجرد إختفاءها عن بصرى...
كيف طاوعنى قلبى على موافقتها على هذا الأمر ؟ وكيف سأتحمل أن تمضى عدة أيام دون أن أراها ؟
راودتنى فى تلك اللحظة رغبة قوية بالذهاب إلى منزل والديها وأصطحابها معى إلى منزلى... بل و إرغامها على هذا لو لزم الأمر... غير أننى كبتُ رغبتى تلك وتوجهت إلى سيارتى وقدتها متوجهاً إلى عملى...
لقد وعدتنى بأن تتصل بى كل يوم لتطمئننى على حالها... وهذا الأمر أراحنى قليلاً...
ليت الأيام تمر بسرعة لتعود أروى إلى منزلى مجدداً !
بل ليتنى ما وافقت على تركها !
لكن... كان هذا هو الحل الوحيد ؛ فأروى تبدو حزينة للغاية ، خاصة بعد الموقف الأخير...
إنها كعادتها تسئ الظن بى... وأنا واثق أنها بررت فعلتى هذه على أنه تملكاً ليس إلا...
ليتكِ تدخلين إلى قلبى يا أروى لتعرفين ما به !
رُبما كان هذا ليرضى غروركِ قليلاً ويريحنى من مشاعركِ المُتقلبة هذه !
حينما وصلتُ إلى مكتبى تلقيتُ أتصالاً من المحامى يخبرنى فيه بأن القضية تم قبولها لدى المحكمة التركية وبأنه جارى النظر فى الأمر ، وقريباً جداً سنلتقى استدعاء منهم لكى نأتى لحضور الجلسة...
شئ ساهم فى رفع نفسيتى المُتدهورة قليلاً ، وأراح قلبى إلى حد ما...
فقلبى لن يهدأ كلياً حتى تعود أروى إلى منزل مجدداً !
آه يا أروى... ماذا فعلتِ بى فى تلك الفترة القصيرة ؟!
لقد صرتِ كما لو كنتِ جزءاً لا يتجزء منى... ولا أتحمل أبتعادكِ عنى للحظات قليلة...
ليتكِ تغيرين رأيك وتعودين الأن !
بل ليتكِ تشعرين بى وبالنيران المُتأججة بصدرى وقلبى !



~ ~ ~ ~ ~ ~


~... تتبـ ... { أنتِ ملكى وحدى } ... ـع ...~


الجُودْ ؛ 18-07-12 04:03 AM

15
~ مرارة الشك ~




كانت الساعة تناهز العاشرة مساءً حينما عدتُ إلى المنزل بعد يوم ٍ طويل وحافل بالعمل...
فى طريقى إلى الجناح قابلتنى سالى وبادرتنى بالسؤال عن أروى ، فأخبرتها بأنها ستقضى عدّة أيام لدى والديها...
رغم أننى لمحت فى عينيها تساؤلات عديدة غير انها لم تطرح علىّ أى سؤال وأكتفت بالسؤال عن موعد عودتها فحسب... وكانت أجابتى هى " لا علم لى " .
دلفت أخيراً إلى الجناح وتوجهت إلى غرفتى فى أخر الجناح... آه كم أشعر بالرغبة فى النوم !
مررت فى طريقى بغرفة أروى فتوقفت أمام بابها المُغلق لفترة ما...
كان الصمت والهدوء يسودا الأجواء حتى أنه يخيل إلىّ أن لا أحداً يقطن هذا القصر رغم كونه يعج بالخدم !
ترددتُ قليلاً قبل أن أمد يدى إلى مقبض الباب وأديره...
الأن ستظهر أروى من خلفه فى ردائها الواسع وحجابها الساتر....
أو رُبما كانت نائمة على المقعد كما رأيتها بالأمس...
ولدى تذكرى لهذا قفز إلى رأسى ألف سؤال وسؤال... ترى ما الذى يدعوها إلى النوم على المقعد فى هذا الوضع الغير مريح ؟
ولماذا كنت متشبثه بالهاتف هكذا ؟
تُرى إلى من كانت تتحدث قبل نومها ؟ أم أنها كانت تنتظر أتصال من شخص ما ؟!
حقيقة لا أدرى... ولا أجد فى نفسى الجرأة للسؤال عن هذا... فأروى تعتبرنى شخصاً غريباً عنها... وتضع ألف حاجز وحاجز بيننا...
والحقيقة أننى مللت هذا الوضع... إنها زوجتى رغم كل شئ... زوجتى أمام الله والجميع... ولن أقبل بأن تظل علاقتى بها سطحية هكذا...
لن أقبل أن أكون مجرد زوج فى البطاقة العائلية... لكن.... ألم يكن هذا أتفاقنا من البداية ؟
دفعت باب الغرفة لينفتح وتقدمت عدة خطوات إلى الداخل...
وقع بصرى مباشرة على خزانة الثياب المفتوحة وغرفتها الخالية فشعرتُ بألم حاد بقلبى...
ماذا دهانى ؟ أكنت أتوقع أن أجدها بالفعل ؟
ألم أسمح لها بنفسى أن تقضى عدة أيام لدى والديها ؟
آه... كم أنا نادم ! ليتنى أذهب إليها الأن وأرجوها أن تعود لى ؛ فما عدت أقدر على الحياة بدونها ولو للحظة واحدة...
تقدمت عدة خطوات بداخل الغرفة...
كان الصمت الموحش يغلف الغرفة بغلاف سميك ، والذكريات تعبق المكان برائحتها النفاذة...
وقع بصرى أثناء تقدمى على بعض الثياب التى اشتريتها لها من باريس ملقاه على السرير بلا أهتمام...
تقدمت من السرير بضع خطوات وجلست على طرفه...
تحسست ثيابها بيدى وأغلقت عينى فتراءت لى صورتها أمامى...
آه يا أروى ! كم أنا مشتاق إليكِ !
تُــرى هل أشتاقت إلىّ ؟!
أمسكت بإحدى ثيابها وضممته إلى صدرى بقوة فتسلل إلى أنفى رائحة عطرها الهادئ الرقيق...
حركت يدى على الثوب كما لو كنت أمسح على شعرها ، فتدفقت الذكرى إلى رأسى...
تذكرتها وأنا أضمها إلى صدرى... كم كانت ترتجف بين زراعى كقطة مذعورة !
وكم كانت رائحتها جميلة وعطرة ! أظنها كانت تضع نفس العطر الذى لازال عالقاً بثيابها...
أخذتنى الذكرى إلى اللحظة التى راحت تبكى فيها... فشعرت بغصة مؤلمة بحلقى !
تذكرت رغبتى وقتها فى أن أجفف هذه الدموع بيدى... أن أربت على ظهرها وأهدأ من حالها... أن أعود لأضمها إلى صدرى مجدداً... غير أننى لم أملك سوى الأنسحاب...
أكثر ما ألمنى لحظة بكاءها هو أننى شعرت بمدى كرهها لى...
أو رُبما تذكرت خطيبها السابق الذى لم أتركهما يهنئا ببعضهما...
أبعدت ثيابها وأعدتها إلى مكانها على السرير ، وجلست فى مكانى للحظة فراحت الهواجس والطنون تعصف بى كما تعصف الرياح بأوراق الشجر !
وبينما كنتُ أدور بعينىّ فى أرجاء الغرفة وقع بصرى على هاتفها المحمول والذى كان يستقر فوق طاولة الزينة بهدوء !
نهضتُ من مكانى وتقدمت منه عدة خطوات ثم مددتُ يدى لألتقطه غير أن يدى توقفت قبل أن تصل إليه وأنحرفت عنه قليلاً لتلتقط تلك العلبة الصغيرة بجانبه...
رفعت العلبة قليلاً لأتأملها عن كثب قبل أن أفتحها ليلتمع أمام عينىّ ذلك الخاتم الذهبى المرصع بالألماس...
أخرجتُ الخاتم من العلبه ورحتُ أتأمله قليلاً... كم هو رائع وباهظ الثمن !
لقد قدمته لأروى بعد مرور أسبوع على زواجنا...
لكن... أتكون أروى قد غفلت عنه ونسيته ؟ أم تكون تركته عمداً مع تلك الثياب ؟
ألهذه الدرجة لم تكن تريد أن تحمل معها أى شئ يمكن أن يذكرها بى ؟
أعدت الخاتم إلى العلبة ووضعته بمكانه على الطاولة ثم مددت يدى لألتقط الهاتف وأبحث فى قائمة الأتصالات عن مكالمة منها... لقد وعدتنى بالأتصال بى كل يوم لتطمئننى عليها ، غير أننى لم أعثر على أى أتصال منها !
فقط وجدتُ رقماً مجهولاً أتصل بها عدة مرات... ترى من يكون المُتصل ؟؟!
أيكون خطيبها السابق ؟
أمن الممكن أن تكون أروى قد عادت لتحادثه مجدداً ؟
تراءت لى بعض الصور والمشاهد المُتتالية أمام عينى كما لو كانت شريط سينمائى...
تراءت لى صورتها وهى نائمة ومتشبثة بالهاتف... ثم بكاءها حين ضممتها إلى صدرتها... إصرارها على قضاء بعض الأيام لدى والديها... المكالمات الواردة التى وجدتها بهاتفها... كرهها لى وابتعادها عنى !
رباه ! هذا الخاطر يضع فى رأسى إجابات لكل الأسئلة التى تروادنى !



~~~~~~~~~~~~~



ألقيتُ جسدى المُنهك أخيراً على سريرى المُتحجر... شعرت ببعض الألم فى عامودى الفقرى غير أنى كنت أشعر بالسعادة والراحة لتواجدى فى منزلى أخيراً... حيث عائلتى التى تحبنى وأحبها !
كم أشعر بالرغبة فى النوم ! فأنا لم أذق للنوم طعماً بالأمس... هذا غير أننى منذ زواجى من مُعاذ وأنا لا استطيع النوم بعمق ؛ فالأفكار عادة ترهق تفكيرى وتنفض النوم عن عينىّ ؛ فأسبح فى بحر لا نهائى من الأفكار حتى بزوغ الفجر فتغفل عينىّ لبعض الوقت ، ثم استيقظ مع نسمات الصباح الأولى...
لدى تذكرى لهذا مرت أمامى عينىّ بعض المشاهد والصور ، غير أننى أزحتها جانباً بسرعة قبل أن تستطيع السيطرة على أفكارى ؛ فلست أريد اليوم مزيداً من الأحزان... يكفينى كل ما لاقيته حتى الأن !
تقلبت فى الفراش هرباً من الأفكار فوقع بصرى مباشرة على هاتف مُعاذ الموضوع فوق المنضدة الصغيرة بجانب السرير...
تذكرت وصياه لى ووعدى له بالأتصال به كل يوم... لكن لا أظنه ينتظر منى أتصالاً اليوم...
أم تظنون أنه ينتظرنى الأن ؟
على أى حال أنا لا أنوى الأتصال به...
تقلبتُ على الفراش وحاولت أن أنسى الأمر برمته غير أننى لم استطع ولم تكد تمضى عدة دقائق حتى كنت أتقلب ثانية وأمد يدى لألتقط الهاتف...
هل تظنون أنه بأمكانى أن أنام قبل أن استمع إلى صوته وأطمئن عليه ؟
ترى كيف حاله الأن ؟
تراءت لى صورته الأخيرة قبل أن أدلف إلى منزل والداى فشعرت بقبضة مؤلمة بقلبى...
تذكرت نظراته لى... عيناه الغارقتان فى الحزن...
شئ ما فى تلك العينان يحيرنى ويثير فى نفسى تساؤلات عديدة...
لماذا تلك النظرة التى كان يرمقنى بها ؟ لماذا كانت نظراته مختلطة بالحزن ؟
ولماذا شعرت أن ثمة مشاعر شتى فى نظراته لى ؟
لماذا يا مُعاذ ؟ لماذا ؟
أتظنون أنه يكترث لأبتعادى عنه لبعض الوقت ؟
أتظنون أنه قد يشتاق إلىّ ؟
مهما كانت الأجابة على سؤالى ؛ فإن الحقيقة التى أنا واثقة منها الأن هى أننى أشتقتُ إليه !
وثمة حقيقة أخرى وهى أننى لن استطيع قبل أن استمع إلى صوته...
حسمتُ أمرى وتغلبتُ على ترددى وطلبت رقم هاتفى وأتانى صوت رنينه... وما هى غير لحظات إلا وكان مُعاذ يجيب الأتصال...
" مرحباً أروى . "

لدى سماعى لصوته شعرت بالأرتباك كأننى فتاة مُراهقة تستمع إلى صوت حبيبها لأول مرّة على الهاتف ، وتتحدث إليه خلسة !
حاولت أن أتغلب على أرتباكى وقلت بصوت مُرتعش :
" مرحباً... كيف حالك ؟ "

ولم أجرؤ على نطق أسمه !

" أنا بخير... كيف حالكِ أنتِ ؟ أأمل أنتى تكونى بخير ، وأن تكون نفسيتكِ قد أرتاحت قليلاً . "

قلت :
" نعم... بالفعل أشعر أننى أفضل . "

قال مباشرة :
" عظيم... أظنكِ تنوين العودة إلى منزلكِ قريباً . "

انتبهتُ حينئذ فقط إلى طريقة الجافة ،، وزادنى هذا حيرة وعجباً !

" قلت أنك لا تمانع لو قضيت عدة أيام و.................... "

أتانى صوته مُقاطعاً :
" لكنكِ قلتِ أنكِ صرتِ أفضل أروى ولا أجد داعياً لأن تظلى هناك أكثر من هذا . "

وأضاف حاسماً الأمر :
" غداً مساء سأتى لأصطحابكِ أروى... "

أعترضت : " لكن............. "

غير أنه قاطعنى ثانية وقال :
" أرجو أن تكونى جاهزة فى تمام الساعة التاسعة... سأصطحبكِ أثناء عودتى من العمل... أرجو ألا تجعلينى أقضى وقتاً طويلاً بمنزلكِ . "

شعرت بالأهانة لكلماته فقلت مُنفعلة :
" نعم نعم... لست فى حاجه لأن تذكرنى بأن منزلنا لا يليق بصاحب السمو . "

ظل مُعاذ صامتاً لبعض الوقت وبدا أن جُملتى قد أثارت غضبه ، غير أنه صوته أتانى أخيراً وهو يجاهد للسيطرة على غضبة :
" لا تحاولى إثارة غضبى يا أروى . "

وأضاف :
" رجاءً لا تذهبى إلى أى مكان أو تتحدثى إلى أى شخص حتى أصل إليكِ غداً . "

قلت وقد أثارتنى جُملته :
" ولمن تظننى سأتحدث أو أذهب ؟ "

قال بحدة مُفاجئة :
" أى شخص أروى ؟ لا أريدكِ أن تذهبى إلى أى مكان حتى لو كان برفقة أباكِ أو أمكِ... كلامى مفهوم وواضح يا أروى . "

قلت بغضب :
" من تظن نفسك لتلقى علىّ أوامرك هكذا ؟ "

قال بأنفعال :
" أنا زوجكِ يا أروى... ولستُ فى حاجه لأن أذكركِ بهذا الأمر كل يوم . "

وأضاف :
" خلاصة الكلام سأمر عليكِ غداً... إلى اللقاء . "

هممت بقول شيئاً ما غير أنه أغلق الخط وأنهى الأتصال قبل حتى أن تنفرج شفتاى !
شعرتُ بنوبة غضب شديدة تجتاحنى... وددتُ لو أتصل به ثانية وأصب عليه جام غضبى ، غير أننى جاهدتُ لتمالك أعصابى والسيطرة على غضبى...
لماذا هذا التحوّل الغريب فى شخصيته ؟
لماذا كلما أشعر بقربه منى يبعدنى عنه بهذه الطريقه ؟ لماذا ؟



~~~~~~~~~~~~~~

تتبـــــ ؛*؛ ( أنتِ ملكى وحدى ) ؛*؛ ــــع



الجُودْ ؛ 18-07-12 04:07 AM








16
~ أنتِ ملكى أنا وحدى ~



لم تمضى ليلتى بسلام...
طوال الليل والشكوك ترافقنى وتأبى أن تفارقنى ،، وما هى إلا ساعات قليلة ومُتقطعة تلك التى أغمضت عينىّ فيها واستسلمتُ للنوم...
وليتنى ما فعلت فقد تزاحمت الكوابيس إلى رأسى وزادت من جحيم أفكارى...
تـُرى هل يمكن أن تكون أروى تخوننى بالفعل ؟!
حاولت أن أنفض الأفكار السوداء عن رأسى وتوجهت إلى عملى فى الصباح ؛؛ كنت أشعر برغبة شديدة فى النوم غير أننى كنتُ واثقاً من أن النوم لن يعرف طريقة إلى مُقلتاى حتى تعود أروى إلى منزلى مجدداً...
ألقيتُ التحية على سكرتيرتى قبل أن أتوجه إلى الغرفة ، غير أنها بدت لى مُرتبكة لدرجة أنها لم تجب تحيتى وأخبرتنى بأن ثمة فتاة ما تنتظرنى بالداخل !
تعجبتُ كثيراً وقلت :
" وكيف سمحتِ لها بالدخول ؟ "

قالت مُتلعثمة :
" إنها لم تستمع إلىّ... رفضت التفاهم معى... وقالت أنها زوجتكَ . "

أزدادت حيرتى حتى بلغت ذروتها ورددت فى دهشة :
" أروى بالداخل ؟! "

ولم انتظر حتى لأستمع إلى جوابها فقد توجهت مباشرة إلى الغرفة وما كدت ألجها حتى توقفت بمكانى فى دهشة !
" تولان ! "

نطقتُ اسمها فى دهشة كبيرة وأنا لا أكاد أصدق عينىّ من هول المُفاجأة...
كانت تجلس على مقعد وثير واضعه إحدى ساقيها فوق الأخرى وفى إحدى يديها سيجارة مُشتعلة ، وما أن رأتنى حتى سارعت بأطفاء السيجارة ثم هرعت إلىّ فاتحة زراعيها لتضمنى قائلة :
" حبيبى... "

غير إننى تراجعت رافضاً مجرد الاقتراب منها وقلت ببرود :
" ما الذى أتى بكِ إلى هنا ؟ "

رفعت حاجبيها بدهشة وقالت :
" ألن تصافحنى أولاً ؟ "

قلت بنفاذ صبر :
" ماذا تفعلين هنا تولان ؟ "

هزت كتفيها ودفعت شعرها الأشقر الطويل إلى الخلف ثم قالت :
" أتيتُ لأتحدث إليك حول حضانة أحمد و......... "

قاطعتها قائلاً فى حسم :
" لا داعى لذلك ؛ فأنا لست عازماً على التنازل عن القضية مهما حدث... "

أطلقت تولان ضحكة قصيرة وقالت :
" لست هنا لأطلب منك التنازل... "

وأضافت ببساطة :
" إذا كنت تريد أحمد فهو لكَ . "

نظرت إليها فى دهشة كبيرة وقد أدهشنى أن تتخلى عن أبنها بمثل هذه البساطة... أردت النظر فى عينيها غير أنها ولتنى ظهرها ثم توجهت ببطئ إلى حيث كانت تجلس وعادت لتجلس واضعه إحدى ساقيها فوق الأخرى...
أنتظرتُ أن تخبرنى بالغرض من زيارتها غير أنها لم تبد عازمه على هذا...
قلت :
" أذن لماذا أتيتِ ؟ "

أطلقت تنهيدة قصيرة ونهضت من مكانها ببطئ ثم توقف أمامى ونظرت إلى عينى مباشرة ثم قالت :
" هل ستصدقنى لو قلت لك أننى أشتقتُ إليكَ ؟ "

قلت مباشرة :
" طبعاً لا... وأنصحكِ بعدم جدوى هذا . "

وأضفت بحدة :
" إذا كنت بالفعل عازمه على التخلى عن حضانة أحمد فسأكون شاكراً لك . "

قالت بهدوء :
" حسناً... غداً صباحاً سيكون أحمد فى منزلك... أرجو أن تبلغ زوجتكَ بهذا حتى لا تتفاجئ . "

أنهيتُ عملى فى العاشرة مساءً ثم توجهت إلى منزل والد أروى...
تلقيتُ أتصالاً منها بينما كنتُ فى الطريق... وكانت تخبرنى بأنها فى انتظارى !
ما أن وصلت إلى منزلها حتى استقبلنى والدها استقبالاً لم يرق لى مُطلقاً... أعتقد أنه بدوره متحاملاً علىّ ظناً منه أننى انتهزت الفرصة لأتزوج من أبنته...
غير أن أمها كانت لها نظرة مُختلفة بى...
قالت لى :
" تفضل بنى... لقد أعددت لك طعام العشاء... "

شعرت بحرج شديد منها فقلت :
" شكراً لكِ أماه... لا أظننى لدى رغبة فى تناول أى شئ... لقد أتيت فقط لكى أصطحب أروى معى . "

غير أنها قالت بأصرار :
" لن أتقبل أى عذر... "

نظرت إلى أروى أنشد دعمها غير أنها قالت :
" لقد أعدت أمى طعاماً خصيصاً من أجلكَ ."

وأمام إصرارهما لم أجد مفراً... وما هى إلا دقائق وكنا نلتف حول طاولة الطعام الصغيرة...
وفى الحقيقة كان الطعام شهياً ولذيذاً... وأكتشفت أن حماتى طاهية ممتازة...
أظننى بدأت ألف هذه العائلة الصغيرة وأحبها !
أروى كانت تجلس بجانبى أثناء تناولنا للطعام وتملأ أطباقى بالطعام... ومن حين لأخر تتبادل معى الحديث ومع أفراد أسرتها...
أشقاء أروى وشقيقاتها كانوا أطفالاً صغار... وكانت هى أكبرهم سناً... وكانت تتعامل معهم برقة وحب شديدين... وتساعد أصغرهم وكان صبى فى تناول طعامه...
أظن أن أروى ستكون أماً عطوفاً... وأظنها ستحب أبنى كثيراً...
بعد إنتهاءنا من تناول الطعام شكرت والدة أروى كثيراً على الطعام الرائع ثم اصطحبتُ أروى وتوجهنا إلى منزلى...
أثناء توجهنا إلى المنزل كانت أروى صامته طوال الوقت...
أردت أن أخفف من توتر الجو وأن أقول أى شئ غير أن لسانى كان مربوطاً ولم أجرؤ على التحدث إليها !
حينما وصلنا إلى المنزل توجهت أروى مباشرة إلى الجناح فتبعتها... كنت أريد أن أخبرها بما قالته لى تولان حول بقاء أحمد هنا...
أنتظرت حتى دلفنا إلى الجناح وأغلقت بابه ثم توجهت إلى الردهة... وكانت أروى حينئذ تهم بالدخول إلى غرفتها...
استوقفتها بسرعة قائلاً :
" أروى . "

توقفت أروى بمكانها دون أن تنظر إلىّ... توجهتُ إليها بضع خطوات وقلت :
" أريد أن أتحدث معكِ قليلاً . "

غير أنها قالت بدون أن تلتفت إلىّ :
" أنا متعبة وسأخلد إلى النوم . "

قلت :
" أنا لن أخذ من وقتكِ الكثير... "

ألتفتت أروى قليلاً لتنظر إلىّ فقلت :
" هناك أموراً يجب علينا مناقشتها . "

فاجأتنى أروى حين قالت مُنفعلة :
" لم أذهب إلى أى مكان منذ أوّل أمس... هل يريحك أن تسمع هذا ؟ هل يضع حداً للشكوك والهواجس التى تملأ رأسك ؟ "

قلت :
" جميل منكِ أن تطوعتِ بأخبارى... لكن ليس هذا ما أردت أن أتحدث معكِ بشأنه . "

قالت أروى :
" أسفه... لا أظن أن بيننا أى شئ يمكن أن نتحدث عنه أكثر من هذا . "

أصابتنى كلماتها وطريقتها بالحنق فصحتُ بها :
" أروى كفـــى... "

أنتفض جسدها الضئيل بذعر ونظرت إلىّ بدهشة كبيرة تمتزج بالخوف...
شعرت بالندم على ثورتى تلك... قلت بصوت هادئ نسبياً :
" تعالى أروى . "

وأمسكت بيدها لأحثها على التوجه معى إلى الردهة لنجلس...
قالت أروى ما أن جلسنا :
" أخبرنى ماذا لديك ؟ "

أخذتُ نفساً عميقاً ثم قلت :
" ثمة أمراً يهمكِ أن تعرفيه . "

نظرت إلىّ أروى بأهتمام شديد وتساؤل فتابعت :
" لقد حضرت تولان إلى مصر اليوم و........... "

عقدت أروى حاجبيها وقالت :
" زوجتك السابقة ؟ "

قلت :
" نعم... وقد أخبرتنى بأنها مستعدة للتخلى عن أحمد دون الحاجة إلى القضية . "

تعجبت أروى كثيراً وقالت :
" بهذه البساطة ؟! "

قلت :
" هذا ما حدث... "

ران الصمت علينا لبرهة قبل أن تقطعه أروى قائله :
" لماذا لا تبد لى سعيداً بهذا ؟ "

قلت :
" بل أنا سعيداً بالفعل... لكن.... "

كنت أريد أن أخبرها بأننى متوتر قليلاً وقلقاً من رد فعلها حيال هذا الأمر... غير أن الكلمات انحبست فى حقلى ولم تخرج من بين شفتى !
أتانى صوت أروى تقول :
" نعم فهمت . "

نظرت إليها فى حيرة وأنا أتسأل عما يمكن أن يكون خطر ببالها غير أنها قالت مجيبه تساؤلاتى :
" على أى حال كان أتفاقنا من البداية أن تحصل على أبنك... وها قد حصلت عليه... "

وأضافت بنبرة يغلب عليها الأسى :
" بأمكانك أن تفك رباطنا وقتما تشاء . "

~ ~ ~ ~


شعرت بالأهانة لكلماته وبجرحٍ عميق وغائراً بقلبى...
لقد أنتهت حاجته إلىّ... ولم يعد لوجودى بمنزله أى داعى...
كنت أعرف أن هذا كان أتفاقنا من البداية غير أننى لم أتوقع أن يصيبنى كل هذا الأسى لعزمه على التخلى عنى...
قاومت العبرات المختنقة بعينىّ وأردت الانسحاب بهدوء إلى غرفتى بعدما أخبرته بأن يفك رباطنا وقتما يشاء... غير أنه أمسك بيدى بقوة وأعترض طريقى هاتفاً :
" بالله عليكِ أروى ما الذى أوحى لكِ أننى عازماً على تركك ِ ؟ "

نظرت إليه فى حيرة شديدة... وقلت :
" كان هذا أتفاقنا.. ألم يكن كذلك ؟ "

فوجئتُ به يقول مُنفعلاً :
" فليذهب هذا الأتفاق إلى الجحيم... "

وأضاف :
" أنتِ زوجتى ولن أتخلى عنكِ مهما حدث . "

شعرتُ بدقات قلبى تتسارع وتكاد تسبق بعضها البعض من سرعتها ،، نظرت إليه ولم أره من غزارة العبرات المُختنقة بعينىّ...
رأيته يجذبنى إليه ويضمنى...
شعرت بعجزٍ شديد وبقواى تنهار دفعة واحدة...
سمعته يغمغم :
" أيتها الغبية... أنتِ ملكى وحدى ولن أترككِ لغيرى أبداً . "

وكما لو كان قذفنى من أرتفاع شاهق إلى أرضٍ صلبة مُتحجرة !
شعرت بأننى أتحطم وأتحول إلى فتات صغيرة مع كلماته...
أنتِ ملكى وحدى ،، جُملة لو سمعتها من أى شخص أخر فى الدنيا لكنت أسعد الناس بها... غير أن سماعها منه هو كانت فى نظرى تأكيداً لملكيته لى وليس أكثر...
كأنما يريد تذكيرى بأنه أشترانى بماله... كأى قطعة أثاث بمنزله !
ابتعدتُ عنه فجأة فوجدته يحملق بى فى دهشة كبيرة وتساؤل... لم استطع مقاومة العبرات وشعرت بها تنساب على وجنتىّ بغزارة...
ابتعدت عنه وسارعت بالدخول إلى غرفتى... ومن شدّة تفاجئه برد فعلى لم يعترض طريقى !
أغلقتُ باب الغرقة وأوصدته خلفى... وحينئذ فقط أطلقت العنان لكل ما أكبته بصدرى ينطلق على هيئة آهة طويلة تنفطر لها القلوب...
توجهت إلى السرير وألقيتُ جسدى عليه وأجهشتُ فى البكاء... ويبدو أن صوت نحيبى قد جذب مُعاذ فراح يطرق بابى عدة مرات غير أننى لم أجيبه...
سمعته يصيح بى فى ثورة عارمة :
" لماذا تفعلين بى وبنفسكِ هذا ؟ أنتِ زوجتى أروى شئتِ أم أبيتِ... وإذا كنتِ تظنين أننى سأترككِ لغيرى فأنتِ واهمة... "

سمعت خطواته وهو يتجه إلى غرفته ثم يصفع بابها خلفه بقوّة !
أمضيت ليلتى تلك أسيرة الأفكار والهواجس... ولم استطع النوم إلا ساعات قليلة بعد بزوغ الفجر...
استيقظتُ فى حوالى الثانية عشر ظهراً... ولعلمى أن مُعاذ يذهب إلى عمله باكراً فقد فتحت باب غرفتى وكدت أذهب إلى المطبخ لأعد لى فنجان قهوة ، غير أننى توقفت فى مُنتصف الطريق حينما فوجئت بمعاذ يغادر غرفته متوجهاً إلى الخارج...
حثثتُ الخطى مُبتعدة عنه ودلفت إلى المطبخ بسرعة قبل أن ألتقى به ، غير أنه لحق بى بالمطبخ !

" صباح الخير أروى . "

نظرت إلى ساعة الحائط والتى كانت تشير إلى الثانية عشر ظهراً وقلت :
" صباح الخير . "

قال مُعاذ مباشرة :
" ألم تستعدى بعد ؟ "

نظرت إليه بحيرة وقلت :
" لم استعد لأى شئ ؟! "

قال :
" أحمد سيحضر بعد قليل برفقة والدته . "

وليته ظهرى وبدأت فى إعداد القهوة ثم قلت ساخرة :
" وهل يجب علىّ أن أكون فى شرف استقبالهما ؟ "

قال متجاهلاً سخريتى :
" نعم... أرجو أن تعجلى فى أرتداء ثيابكِ أروى . "

ألتفت إليه فى حدة وكدت أعترض لولا أن نظراته أخرست لسانى !
قال :
" هيا أروى أرتدى ثيابك . "

قال مُعاذ جُملته وأتجه مغادراً الغرفة...
توجهت إلى غرفتى بدورى وأرتديت ثيابى على عجل ودون أهتمام ثم هبطت إلى الطابق الأرضى حيث غرفة الضيوف...
وما أن دلفت إلى الغرفة ووقعت أنظارى على الشقراء الجميلة التى كانت تجلس برفقة مُعاذ حتى شعرتُ بنيران متأججة بصدرى...
ابتسم مُعاذ لدى دخولى إلى الغرفة ونهض قائلاً :
" أقدم لكِ زوجتى أروى . "

توجهت إلى السيدة وصافحتها فبدت لى نظراتها تتفحصنى وتقيمنى !
قالت بلغة عربية ركيكة :
" مرحباً بكِ أروى . "

أنتبهت حينئذ إلى الصغير الذى كان يجلس بجانبها...
كانت أشقراً مثل والدته ، غير أن ملاحه كانت تشبه مُعاذ إلى حد كبير...
ألتفتُ إليه وصافحته قائله :
" مرحباً عزيزى . "

غير أن تولان قالت :
" إنه لا يفهم لغتكِ... لم أعلمه بعد العربية . "

لكن مُعاذ سرعان ما قال :
" سأجعله يتعلمها فى غضون أشهر قليلة... "

أتخذنا جميعاً مقاعدنا وراحت تولان تتبادل الحديث مع مُعاذ حول أمور الصغير وتوصينى به...
فى هذه اللحظة دلفت إحدى الخادمات تخبرنا بأن غرفة أحمد قد صارت جاهزة لاستقباله وأنها قد وضعت ثيابه فى خزانة الثياب...
حينئذٍ ألتفت تولان إلىّ قائلة :
" ها قد جاء وقت قيلولة أحمد... هل لا ذهبتى به إلى غرفته يا أروى ؟ "

رغم أننى شعرت بأنها ترسلنى بعيداً لكى يتسنى لها الأنفراد بحديثها مع مُعاذ... غير أن نظرة الرجاء التى بعينىّ مُعاذ كانت كفيله بأن تجعلنى ألبى طلبها بهدوء...
أمسكت بالصغير وقدته إلى غرفته التى أعدها مُعاذ من أجله والتى كانت بالقرب من جناحنا...
رأيت إحدى الخادمات تغادر الغرفة حامل حقيبة ثقيلة معها...
سألتها فى دهشة :
" ألم تضعوا ثيابه بعد فى الخزانة ؟ "

قالت :
" بلى فعلنا . "

سألتها فى حيرة :
" أذن ما هذه الحقيبة ؟ "

قالت الخادمة :
" إنها ثياب السيدة تولان ؛ فهى ستقضى لدينا عدة أيام . " !

~ ~ ~ ~ ~

تتبـــع


الجُودْ ؛ 18-07-12 04:09 AM







17
~ لن تكونى لسواى ~




دلفتُ إلى غرفتى وأحكمتُ إغلاق بابها خلفى...
كنتُ ثائرة جداً وأشعر بغضبٍ شديد يعصف بى منذ علمت بالخبر التعيس...
رباه ! كيف سأحتمل وجود تلك الشقراء بمنزلى ؟
كيف سأقبل أن تحيا معى ومع معاذ تحت سقفٍ واحد ؟!
بل السؤال هو... كيف يخدعنى معاذ هكذا ؟ ألم يكن الأجدر به أن يخبرنى بعزمها على البقاء لعدة أيام أخرى دون أن أتفاجئ هكذا ؟
لكن هذه ليست أوّل مرّة... ألم يخف عنى من قبل زواجه منها ؟ والله وحده يعلم ماذا يخفى عنى غير ذلك...
رُبما لازال فى جعبته الكثير وينتظر أن يفاجئنى به !
بدلت ملابسى برداء منزلى خفيف وأرتديتُ فوقه رداء الصلاة تحسباً لمجئ معاذ فى أى لحظة ، ولم تكد تمضى عدة دقائق إلا وكان معاذ يطرق باب غرفتى...
كنت أشعر أننى سأنفجر من فرط غضبى فقررت أن يكون معاذ هو الشخص الذى سأنفجر بوجهه !
نقل معاذ بصره بين ثيابى ووجهى المحتقن من شدّة الغضب ثم قال :
" هل كنتِ تصلين ؟ "

قلت بحدة :
" لم أكن أصلى ولست عازمه على الصلاة الأن . "

قال بحيرة :
" أذن لماذا ترتدين رداء الصلاة ؟ "

قلت :
لأننى أرتدى رداءاً خفيف غير ساتر . "

تنفس معاذ بعمق ثم قال :
" سنتحدث عن هذا الأمر لاحقاً... أما الأن فأخبرينى لِم بدلتِ ثيابكِ ؟ "

قلت منفعلة :
" لأترككما تتحدثان بحرية... أليس هذا ما كنتما ترغبان فيه ؟ "

قال مستنكراً :
" كلا بالطبع... كيف تتخلين هذا ؟ "

قلت وقد أثارتنى جُملته أكثر :
" أتخيل ؟! لماذا أتظننى مجنونة أتوهم الأشياء ؟ "

قال محنقاً :
" بل إنكِ عاقلة جداً ولهذا أتيتُ لأتحدث معكِ بهدوء . "

قلت بحدة وغضب :
" بل أتيت لكى تجبرنى على الذهاب لضيفتك الشقراء . "

قال معاذ وقد نفذ صبره تماماً :
" ومتى أجبرتكِ على شئ أروى ؟ "

نظرت إليه نظرة ذات معنى وقلت :
" لا أظنك نسيت متى . "

لم يسبق لى أن أرى معاذ غاضباً وثائراً بعدما أنتهيتُ من نطق جُملتى الأخيرة...
بدا لى معاذ كقنبلة مُشتعلة ستنفجر فى أى لحظة وفى أى مكان !
راح معاذ يتلفت حوله فى ثائراً بحثاً عن أى شئ يفرغ به جام غضبه...
شعرت بالخوف وتراجعت إلى الخلف خطوتان غير أنه أدركنى قبل أن أخطو الخطوة الثالثة ، وقبض على رسغى بقبضة من فولاذ...
كانت عيناه كجمرتين مُشتعلتين من النيران المُتأججة... وكانت أسنانه تصطك ببعضها فى غضب... وأتانى حينئذ صوته قاسياً وهو يقول :
" أنا لم أجبركِ على شئ أروى... كل شئ كان برغبتكِ من البداية . "

قلت بصوت أجش من فرط الانفعال والخوف :
" لكنك ضغطتً علىّ . "

قال بسرعة وحدة :
"ورغم هذا كان بأمكانكِ أن ترفضى عرضى.. هذا لو كان يتعارض مع رغبتكِ . "

قلت بحدة :
" لا تتخيل أوهاماً برأسك وتصدقها... كلانا يعلم أن هذه لم تكن رغبتى . "

قال معاذ ناهياً الحديث :
" سنتحدث عن هذا أيضاً لاحقاً ؛ فالوقت غير مناسباً للخوض فى أمور شخصية فيما تنتظرنا تولان بالأسفل... هيا أرتدى ملابسكِ مجدداً وألحقى بى . "

قال جُملته وحرر رسغى بحركة عنيفة ثم اتجه ليغادر الغرفة بخطوات واسعة :
قلت استفزه :
" لا تنتظرنى لأننى لا أنوى اللحاق بك إلى أى مكان . "

توقف معاذ بمكانه وألتفت ليرشقنى بنظرة جمدت الدماء بعروقى ،، وجاءنى صوته هادئاً إلى حد ما وهو يقول :
" لماذا ؟ "

قلت مُفرغة غضبى دفعة واحدة :
" لأنك كاذب مخادع ، تركتنى أظن أنها ستزورنا اليوم فقط فى حين أنها تخطط للبقاء لعدة أيام والله وحده يعلم ماذا تخططان له غير ذلك ؟ "

تنفس معاذ بعمق ثم قال:
" أذن هذا ما يغضبكِ ؟ "

قلت :
" وهل تراه بالأمر الهين ؟ "

وأضفتُ مستاءة :
" كيف لى أن أتحمل وجود تلك الشقراء معى ومعك تحت سقفٍ واحد ؟

فوجئت بابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيه وسمعته يقول :
" هل أعتبر هذا نوعاً من الغيرة ؟ "

قلت مستنكرة :
" أنا أغار عليك أنت ؟ أنت واهم لو ظننت هذا . "

وأضفت بسرعة :
" لا تغير الموضوع وأخبرنى كيف سأحتمل وجود طليقتك فى هذا المنزل ؟ "

بدا الأسى الشديد على وجه معاذ وهو يقول :
" كان الأجدر بكِ أن تقولى منزلى... وليس هذا المنزل ."

نظرت إليه فى حيرة شديدة... هل كا يتصور أننى أعتبر هذا المنزل منزلى ؟
إننى لم أجد بهذا راحة ولم أشعر نحوة بالألفة أبداً...
وكيف لى ذلك ولم يربطنى به سوى الدموع والحزن ؟ كيف لى هذا وقد لاقيتُ به أياماً مريرة ؟
رفعت نظراتى إليه وقلت :
" لكن هذا ليس منزلى . "

ضاقت عينا معاذ بشكل يوحى بالخطر وقال :
" لكنكِ زوجتى ومنزلى هو منزلك . "

وأضاف بنبرة مبهمة :
" كل ما أملكه يا أروى هو ملككِ أنتِ أيضاً بل وتحت قدميكِ . "

قلت :
" لكن هذا يناقض أتفاقنا . "

قال معاذ غاضباً :
" اللعنة على هذا الأتفاق... فليذهب إلى الحجيم... أنا لستُ مُستعداً لتنفيذه ولن أترككِ لتكونى لسواى أبداً... أخبرتكِ بهذا مُسبقاً كما أظن . "

قلت بغضب مماثل :
" لكنى لم أوافق عليه وأنت تعلم هذا . "

أقترب معاذ منى بضع خطوات حتى صار وجهه مقابلاً لى فرفع يديه إلى كتفىّ ونظر إلى عينىّ مباشرة ثم قال بنبرة باردة كالثلج :
" فى حالة واحدة فقط ستصبحين حرة مجدداً . "

وأضاف وعيناه تضيقان من شدّة غضبه :
" عند موتى . "

ابتعد معاذ بعد ذلك وتوجه إلى خزانة ثيابى وفتحها ثم أختار منها ثوباً وحجاباً وألقاهما فوق السرير ثم قال :
" أرتدى هذه الثياب وألحقى بى . "

ثم ولانى ظهره وأتجه ليغادر الغرفة قائلاً :
" سانتظركِ بالأسفل . "



~ ~ ~ ~ ~



أخبرتنى إحدى الخادمات أن تولان تجلس بغرفة المعيشة لذا فقد توجهت مباشرة إلى حيث تجلس فوجدتها جالسة باسترخاء وتتصفح إحدى مجلات الأزياء وأمامها كأس عصير لم ترشف منه رشفة واحدة بعد...
ألقت تولان علىّ نظرة عابرة بمجرد دخولى إلى الغرفة ثم عادت لتتصفح المجلة مجدداً... أما أنا فتوجهت إلى التليفاز ورحت أقلب قنواته بحثاً عن قنوات الأخبار ، وحينئذ أتانى صوت تولان تقول :
" يبدو أن زوجتك مزاجهها متعكر اليوم . "

نظرت إليها متسائلاً فقالت :
" كنت ذاهبه لأبدل ثيابى بغرفتى فخيل إلىّ أننى أسمع شجاركما . "

قلت :
" لم نكن نتشاجر... كنا نتناقش . "

ابتسمت وقالت بسخرية :
" حقاً ! ولماذا لم تأتِ معك أذن ؟! "

قلت بنفاذ صبر :
" كانت متعبة قليلاً وستلحق بى بعد قليل . "

رفعت حاجبيها قائله :
" أذن فالعروس تنوى ربطك سريعاً بطفلٍ صغير . "

وأضافت ضاحكة :
" رجاءً أخبرها عن لسانى بأن هذا لن يربطكب ها برباط من حديد كما تتصور ؛ فوقتما توى هجرها لن يمعنك عن هذا شئ . "

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" لو كنت أنوى هجرها ما كنت لأكرر زواجى ثانية بعد تجربتنا الفاشلة . "

عدت لمتابعة الأخبار فيما أمسكت تولان بالمجله وراحت تتصفحها ثم قالت :
" زوجتك رائعة الجمال... أنت محظوظ جداً . "

أوقفت العرض وألتفت لأنظر إليها محاولاً أن استشف مغزى جُملتها لكن بلا جدوى !
عادت تولان تقول :
" تبدو صغيرة... رُبما لم تبلغ العشرين بعد . "

قلت :
" هى كذلك بالفعل . "

هزت تولان كتفيها ثم قالت :
" كما توقعت تماماً... على أى حال مبارك لك . "

وأضافت :
" لكن... هل تحبها ؟ "

فى هذه اللحظة أقبلت أروى فنهضت لاستقبلها قائلاً :
" مرحباً حبيبتى... هل صرتِ أفضل الأن ؟ "

ابتسمت أروى وقالت :
" نعم... الحمد لله . "

لمحت بطرف عينى ابتسامة ساخرة تشق طريقها إلى فم تولان كأنها تخبرنى بأننى ممثل فاشل !
بعد ذلك أنضمت سالى إلينا وخففت من توتر الجوء ، فقررت أن أتركهم وأذهب للعمل ببال مطمئن...
تقريباً ببال مُطمئن !



~ ~ ~ ~ ~

تتبــــع




الجُودْ ؛ 18-07-12 04:12 AM







18
~ من أجلك أنتَ ~



استقليتُ سيارتي مُتجهاً إلى شركتي ورأسى يعج بالآف الأفكار والهواجس طوال الطريق حتى أننى كدت أصدم شخصاً فى طريقي ... بل لقد صدمته بالفعل لكن صدمة خفيفة لم تصبه بأذي ورغم هذا قدمت له قائمة إعتذارات وعرضت عليه توصيله غير أنه رفض وأنصرف ، فيما ظللت طوال الطريق أعاتب نفسى على شرودى وتسببى فى مثل هذا الحادث البسيط .. وما كدت أصل إلى الشركة حتى وجدت محمود فى إنتظارى بغرفة مكتبى ...
كانت زيارة غير متوقعة أبهجتني كثيراً خاصة وأننى كنتُ فى حاجة لشخصٍ ما أتحدث إليه ...
وبالطبع لن أجد أفضل من محمود لكى أتحدث إليه بحرية دون خجل ..!

بادرنى محمود قائلاً :
" وصلت متأخراً اليوم على غير عادتك ... "

ابتسمت وقلت :
" لم أكن أنوي الحضور ... "

قرأت فى عينيه عدة تساؤلات غير أنها لم تخرج من بين شفتيه ..
قلت :
" حضرت تولان اليوم من تركيا . "

قال بهدوء :
" كنت أتوقع أن تأتى بمجرد أن تبدأ بالقضية لكى ترجوكَ أن تتراجع عنها وتترك لها حضانة أبنكما ."

ابتسمت وقلت :
" بل لقد جاءت لتسلمنى أحمد على طبق من فضة ..! "

تفاقمت دهشته أكثر وأكثر وهو يقول :
" ماذا ..؟ هل جننت ..؟ أى أم تلك ..؟"

قلت :
" هذا ما حدث ... لكن هذه ليست مشكلة على الأطلاق ... المشكلة الحقيقية هى أن تولان تنوى البقاء بمنزلى لفترة حتى يعتاد أحمد على المنزل وعلينا . "

قال :
" أمر طبيعى ... الأطفال لا يعتادون على الأشخاص بسهولة ."

وصمت لبرهة ثم قال :
" بالطبع هذا الوضع يضايق أروى ... أليس كذلك ..؟ "

قلت :
" طبعاً ؛؛ فهى لا تتقبل فكرة أن تظل تولان معنا ليوم أخر ... إنها مستاءة للغاية . "

قال محمود بهدوء :
" إنها تغار عليك ... "

رفعت حاجباى بدهشة وكسا وجهى الذهول وأنا أردد خلفة :
" تغار علىّ ...! "

تعجب محمود من دهشتى وقال :
" طبعاً ... ولماذا كل هذا القدر من الدهشة ؟ أليست زوجتكَ ومن حقها أن تغار عليك ؟ "

قلت مندفعاً :
" لكن أروى ... إنها ... "

ولم أتم حديثى ... لم أكن أدرى ماذا علىّ أن أقوله ...
إننى لا أعتبر محمود صديقى فحسب ... إنه أخى ... لكن أن أطلعه على أمورى الخاصة بعلاقتىب زوجتى فهذا ما لم استطعه برغم صلتنا القريبة ..!

قال محمود يحثنى على المواصلة لمّا استبطأ ردى :
" إنها ماذا ..؟ "

قلت بعد برهة :
" لا أظنها تغار علىّ ... هذا كل ما فى الأمر . "

قال محمود :
" ألم تقل أنها مستاءة ..؟ أذن فهى تغار ... وهذه ليست مشكلة على الأطلاق ... بأمكانك أن تكسب رضاها بهدية مثلاً ... النساء يحبون الهداية كما تعرف . "

وابتسم مُتابعاً :
" أعتقد أنك لديك سابق خبرة فى هذه الأمور . "

يقصد بذلك زواجى من تولان ...!
لم أرد عليه ورُبما لم أسمعه أيضاً ؛ فقد كان تفكيرى كله مُنصباً على الجُملة التى قالها للتو ..
" إنها تغار عليك ..! "
هل يمكن أن يكون استياءها من وجود تولان بدافع الغيرة ..؟
لكن ... لماذا تغار علىّ ..؟ ما الذى يدفع المرأة للغيرة من أمرأة أخري ..؟!



~ ~ ~ ~ ~ ~



توجهت إلى غرفتى مباشرة بعدما أنصرف مُعاذ وتوجه إلى عمله ...
لم أكن أرغب فى قضاء مزيداً من الوقت برفقة تلك الشقراء لذا فقد انسحبت مُتحججة برغبتى فى الأطمئنان على الصغير ...
ألقيتُ نظرة عابرة عليه فوجدته يغط فى النوم بهدوء ، فما كان منى إلا أن توجهت إلى غرفتى وأغلقت بابها خلفى ...
كنت أشعر بضيق شديد لأن مُعاذ وضعنى فى هذا الموقف وأنصرف ليتركنى مع طليقته ..!
ألقيت جسدى على فراشي الوثير وأنا ألهث بشدة كأننى قطعت مسافة طويلة ركضاً على قدميّ ..
نظرت إلى صورتي المُنعكسة بالمرآة فوجدت وجهى متوهجاً من شدّة الغضب ...
بل لقد كان بداخلى بركان ثائر لا يخمد أبداً ...
فكرت بالأتصال به ومعاتبته على تركى مع تلك الشقراء غير أننى تراجعت فى أخر لحظة ودققت بصورتي المُنعكسة بالمرآة ...
لأول مرّة أرى نفسى بهذا الحالة ... لم أكن أبداً فى يوم سريعة الغضب ... بل على العكس كنت دائماً هادئة إلى حد كبير ... فماذا دهانى الأن ..؟
لماذا أشعر بكل هذا الغضب ..؟

سألت نفسى هذا السؤال ألف مرّة وعبثاً حاولت أن أجد له إجابة ..!
كل ما أعرفه أننى غاضبة أكثر من أى وقت مضي ... وجود تلك المرآة بنفس المنزل يثير حنقى إلى أبعد الحدود ...
لكن لماذا ..؟ لا أدرى ..!
أو فى الحقيقة كانت الأجابة واضحة أمام عينىّ للغاية لكنى أرفض مجرد التفكير بها ...
إن زواجى من معاذ لا يعتبر زواجاً ... وعلاقتنا هى أسوأ علاقة قد تنشأ بين الرجل وأمرأته ... فكيف يراودني مثل هذا الشعور ..؟!
بعد فترة من الزمن سمعت طرقات على باب غرفتى ...
كانت سالى تجلس بالأسفل برفقة تولان ولا يوجد بالمنزل كله سوى الخدم ، فاستنتجت أن الطارق هو أحدهم ...
ُتوجهت إلى باب الغرفة لأفتحه فطالعنى وجه معاذ ...
تعجبت كثيراً حينما رأيته أمامى وقلت :
" لم تذهب إلى العمل ..؟! "

ظل معاذ صامتاً لبعض الوقت ... كان نظراته لى غريبة ومُبهمة المعاني ... لم يكن مُستاء بل مُنفعلاً ..!
قلت :
" ما الأمر ..؟ أهناك شئ ما ..؟ "

هز رأسه نافياً وقال :
" لا ... لا شئ ... فقط فكرت فى أنكِ قد لا يعجبك ذهابى خاصة فى وجود تولان . "

وأضاف بطريقة غامضة وهو يتأملنى ملياً :
" أعرف كم أنتِ مُستاءة من وجودها ..! "

أبتلعت ريقي بصعوبة وقلت محاولة إخفاء مشاعري :
" ولماذا أستاء من وجودها ..؟ "

أطال النظر إلىّ ثم قال :
" لا أدرى ... هذا ما استنتجته من رد فعلك على بقاءها .. "

قلت مباشرة :
" غير صحيح ... وجودها لا يعنينى فى شئ ولا يثير بنفسى أى مشاعر ... "

وأضفت بتحدِ :
" هذا الذى يصوره لك عقلك ليس صحيحاً على الأطلاق ... لا تتخيل أشياءً غير موجودة فى الواقع . "

قلت هذا الكلام السخيف الذى لا أدرى لماذا قلته وتركته واقفاً بمكانه وأنصرفت بخطوات هادئة ...
كنت أريد أن أثير غضبه وأظننى نجحت بتفوق ...


~~~~~~~~~



فى الحقيقة لم أقتنع بما قالته مُطلقاً ...
بل لقد كنت واثقاً من أنها تشعر بضيق شديد من وجود تولان وقد ظهر هذا واضحاً فى حديثها السابق معى ...
لقد قالت أنها لا تحتمل وجودها فكيف هى الأن مرحبة بها ..؟
ولماذا تنكر أستياءها الشديد من بقاء تولان لدينا بالمنزل ..؟!
لم أجد إجابة لتساؤلاتى وقررت أن أؤجل الحديث فى هذا الشأن حتى المساء ...
رأيت أروى تهبط السلم متوجهة إلى حيث تجلس تولان برفقة سالى فلم أشأ أن ألحق بها وأتجهت بهدوء إلى غرفة أحمد والذى كان مُستغرقاً فى النوم ...
دلفت إلى غرفته على أطراف أصابعى وجلست على طرف الفراش بجانبه ورحت أتأمله وهو نائماً بهدوء ...
مددت يدى إلى شعره الناعم وداعبت خصلاته برفق ثم خاطبته هامساً :
ها قد حصلت على حضانتك أخيراً يا صغيري ...
كيف استطعت الابتعاد عنك طوال هذه السنوات ..؟!
وكيف أحرم نفسى من متعة مراقبتك وأنت تكبر أمام عينىّ ..؟!
أعدك يا صغيري بألا يفرقنى عنك أى شئ فى المستقبل ...
وأعدك بأن أعوضك عن الفترة الطويلة التى تفرقنا فيها ...
لقد أعددت كل شئ لكى نبقى معاً دائماً ... وستكون أروى أماً ثانية لك بهذا البيت ... وسأخطط لكى يكون لك أشقاء وشقيقات لتلعبون وتكبرون معاً ...
كل هذا من أجلك أنت يا صغيري ...
لتعلم كم أحبك ..!
أنحنيتُ لأطبع قبلة صغيرة على جبهته قبل أن أستدير ببطئ وهدوء متوجهاً إلى باب الغرفة لأغادره ، غير أننى توقفت عند عتبة الباب لأحدق بأروى والتى كان تقف على مقربة ... تحدق بى بنظرات غريبة يغلب عليها الاستياء ...!
أرتبكت بشدّة وأنا أراها ترمقنى بتلك النظرات الغريبة ... وأدركت أنها سمعت حديثى وترجمته كما يحلو لها ..!
قلت :
" أروى أنا .... هذا الكلام لا يعنى أن .......... "

غير أنها قالت مقاطعة بحزن :
" لا تبرر شيئاً ... لست مضطراً لأن تفعل ... أعلم أنك ما تزوجتى إلا لأجل طفلك ... لكن ... إذا كنت تظن أنك ستحتفظ بى ضمن ممتلكاتك فأنت مخطئ تماماً ... "

وأضافت :
" سأنتظر حتى ترحل تولان لألملم أشيائى وأرحل بدورى ... فلم يعد لى مكان هنا بهذا المنزل .. "


~~~~~~~~~

تتبع




الجُودْ ؛ 18-07-12 04:14 AM







19
: : : أبـي العزيز : : :





عند منتصف الليل انتهت السهرة أخيراً وقررنا جميعاً الذهاب للنوم ...
أمسكت بيد أروى أحثها على الذهاب معى إلى الطابق العلوى وتبعتنا كلاً من تولان وسالى والصغير أحمد الذى كان يمسك بيد تولان ...
توقفنا أخيراً عند الطابق العلوى حيث غرف النوم وقلت موجهاً حديثى لسالى وتولان :
" تصبحان على خير . "

فأجابتنى سالى وهى تتثاءب فى حين قالت تولان بلغتها الركيكة :
" لماذا لا تذهب برفقة أحمد إلى الفراش ..؟ أظنه سيحب أن تحكى له إحدى الحكايات . "

نظرت إلى الصغير وخاطبته باللغة التركية :
" أتحب أن أحكى لك حكايا يا صغيرى ..؟ "

فإذا به يبتسم ... أى أنه موافق ..!
ابتهجت كثيراً ورحبت بالفكرة فقلت لـ أروى :
" أذهبى إلى فراشك وسألحق بكِ سريعاً . "

وحملت الصغير فوق زراعى ثم ودعت الجميع ورأيت أروى وهى تتجه نحو الجناح وتختفى بداخله وكذلك فعلت سالى ..
أما تولان فقد تبعتنى إلى غرفة أحمد ..!

أستدرت لأنظر إليها وقلت :
" ماذا الأن ..؟ "

أعنى بذلك أن تنصرف وتتركنا وحدنا ، غير أنها قالت ببساطة :
" سأبقى قليلاً حتى لا يشعر أحمد بالخوف . "

نظرت إليها بضيق وقلت :
" ولماذا يشعر بالخوف ..؟ إننى والده . "

قالت ساخرة :
" وهل ستطلب من طفل فى الثالثة من عمرة أن يفهم فى ليلة وضحاها أنك والده الذى لم يره منذ ولادته . "

زفرت بضيق ولم أعلق عليها ... وتركتها تجلس تراقبنى وأنا أحكى للصغير إحدى الحكايات ... والذى لم يلبث أن راح فى النوم سريعاً وبقيت أنا وتولان وحدنا ..!
أحكمت وضع الغطاء عليه وطبعت قبلة على جبينه ثم استدرت إلى تولان وقلت :
" لقد نام .. "

ابتسمت تولان وبدت شاردة إلى حد ما وهى تقول :
" أتقنت دور الأب ... أظنه سيعتاد عليك بسرعة ... "

وأضافت :
" لن أكون قلقة عليه بعدما أسافر ... إننى واثقة أنكَ ستحبه كثيراً وتهتم به ... "


نظرت إليها بمزيج من الدهشة والحيرة ... أحاول أن أفهم المغزي الحقيقى وراء جملتها ... هل تعنى حقاً ما تقول أم أنها تسخر منى ..؟
وهنا أدركت الأجابة فوراً حينما أرتعش صوتها قليلاً وأومضت الدموع بعينيها قبل أن تتابع :
" أننى فقط أخاف ... أخاف أن ينسانى فى يوم ... "

شعرت بالدهشة لتلك العاطفة المفاجئة ..!
حقاً لم أكن أتوقع منها أن تبدى أى عاطفة نحوه ... لقد قدمته لى على طبق من فضة فكيف تعتقد أننى سأصدق دموعها الأن ..؟

أتانى صوتها لينتزعنى من شرودى :
" أنتِ قاسى القلب ... كيف تحرم أم من طفلها ..؟! "

نظرت إليها مُتعجباً وقلت :
" لقد أتيت بنفسك لتعطينى أياه . "

قالت مُنفعلة :
" وما الفائدة ..؟ ستأخذة أجلاً أو عاجلاً ... القضاء كان سيحكم لصالحك خاصة وأن ظروفي المادية هذه الفترة سيئة ... "

وأضافت بأسى :
" أنا لم أتى لأعطيك أحمد كما تتصور ... لقد أتيت لأتفاهم معك ... ولأرجوك بأن تتركه لى ... إنه ما تبقى لي منك ... هل تريد حرمانى من أخر شئ بقى لى منكَ ..؟ "

قالت تولان جملتها الأخيرة ولم تستطع منع دموعها فأجهشت فى البكاء فجأة بصوت مرتفع ..!
شعرت بالتوتر وخشيت أن يسمع أحداً صوت بكاءها ...
قلت لها بصوت خافت :
" أرجوكِ تولان ... كفى ... لا أريد أن يسمعنا أحد الخدم ... "

قالت تولان بإنهيار :
" أنا لا أهتم ... كل ما يهمنى هو طفلى ... "

وصمتت لبرهة لتلقط أنفاسها ثم تابعت :
"لقد صارت لك حياتك ... وزوجتكَ ... لماذا أنت مصمم على سلبى طفلى ..؟ لماذا لا تتركه لى ..؟ فى المستقبل سيصير لك أطفال ولن تكون بحاجة لأحمد ... أما أنا فلن يصير لى أحد بعد أن تأخذه ... تعلم لا عائلة لى ولا أحد ... "

قلت :
" لكنه أبنى ... ولا استطيع أن أتخلى عنه ... لابد أن يربى معى ... "

جففت تولان دموعها وقالت :
" وهو أبنى أيضاً ولا يمكننى التخلى عنه ... لابد أن يكون معى أنا ... "

قلت :
" أنا أسف ... لابد أن تقدرى موقفى تولان . "

قالت تولان بنبرة حزينة :
" أذن لا فائدة ... لن تتركه لي ... "

قلت :
" أنا فعلاً أسف ... أعرف أن هذا الأمر صعب عليكِ ولكن ... ليس بيدي حيلة ... "

تركتها وانصرفت بعد أن أنتهيت من قول جملتى السابقة ...
كنت أشعر بالحزن من أجلها حقاً وأخشى أن تؤثر علىّ وتستعطفنى لأترك لها الصغير ... وهذا ما لا أرغبه ..!
توجهت إلى الجناح الخاص بى وبأروى بعد ذلك ... وكما توقعت كانت أروى بغرفتها وبابها مُغلق كما هى العادة ...
نظرت للساعة ... كانت عقاربها تشير إلى الواحدة بعد مُنتصف الليل ...
رُبما استغرقت فى النوم بالفعل ... لا بأس فلأتحدث إليها فى الصباح ...
أغلقت باب الجناح وهممت بالتوجه إلى غرفتى لأنام غير أننى تعديت غرفتى وأنحرفت تلقائياً إلى غرفتها ...
رُبما لم تنم بعد ..!
طرقت بابها برفق وانتظرت أن أسمع لها أى صوت وهى تتحرك ...
لكن قابلنى صمتٍ تام ...
رُبما لم تسمع طرقاتى الخافتة ... أو رًبما نامت بالفعل ..!

حسناً ... على أى حال سانتظر حتى الصباح لأتحدث إليها قبل ذهابي إلى العمل ... لابد أن أعرف حقيقة مشاعرها نحوى ...
رُبما كانت بالفعل تكن لى بعض المشاعر ... رُبما كانت تبادلنى مشاعري ...
ثم ما الذى يدفعها للشعور بالضيق من وجود تولان ..؟
إنها الغيرة بالتأكيد ... لابد أنها تغار علىّ منها ..!
كررت تلك الكلمة برأسي مرات عديدة ولست أدرى لماذا لم أقتنع بها ..؟
لقد كانت أروى تكرهنى يوم أتت إلى هذا المنزل ... فهل يمكن أن يتحول كرهها لـ حب ..؟!

بينما كنت مُستغرقاً فى أفكاري أصدر باب غرفتها صوتاً انتزعنى عنوة من أفكارى لتتجه نظراتى إلى باب غرفتها مباشرة ...
كانت تقف أمامى فى رداء النوم الخفيف ... وشعرها الطويل منسدلاً حول وجهها ..!
تفاجأت حينما فتحت الباب بهذه الثياب ودون حجاب ... ويبدو أنها لم تتوقع رؤيتى فأجفلت وقالت :
" معاذ ..! أنت هنا ..؟ كنت ذاهبة إليك .. "

تفاقمت حيرتي أكثر وأكثر وقلت :
" ما الأمر ..؟ "

أجهشت أروى فى البكاء حينئذ وقالت :
" أبى مريض للغاية ... أرجوك دعنى أذهب إليه الأن لأصطحبه إلى المستشفى ... أرجوك معاذ . "

قلت :
" حسناً حسناً ... أهدأى قليلاً وأذهبى لترتدي ملابسك بسرعة . "

ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة كأنها تعرب عن شكرها لى بهذه البسمة ، ثم سارعت بدخول غرفتها وتبديل ثيابها ..!
ولأننى لم أبدل ثيابى بعد فقد أنطلقنا فوراً بسيارتي إلى منزل والد أروى ...
ظلت أروى صامتة طوال الطريق لا تنطق بكلمة ... فقط تبسط راحة يدها وتقبضها فى توتر وما أن وصلنا إلى منزل والدها حتى سارعت بمغادرة السيارة وسبقتنى إلى الداخل بلهفة ..!

~ ~ ~ ~ ~ ~


تمنيتُ وقتها لو كنت استطيع الطيران والذهاب للأطمئنان على أبى ...
آه كم كنت أشعر بالقلق عليه ..!
كلما تذكرت مخابرة أمى لى وبكاءها المتواصل إزداد قلقي عليه وشعرت بخطورة حالته ...
وحينما وصلت إلى المنزل ورأيتُ أبى أدركت أنه يمر بأزمة صدرية ... ولم تكن هذه هى أول مرة تصيبه فيها ، لكنها كانت أشدها خطورة ..!
لم أعرف كيف أتصرف كل ما فعلته وقتها هو مشاركة أمى وأشقائي البكاء ..!
وهنا فوجئتُ بمعاذ يعطينى مفاتيح السيارة ويأمرني بالمسارعة بفتحها ثم أنحنى ليحمل أبى ببساطة وهرع به إلى السيارة ثم أتجه إلى المستشفي ..!
وما كدنا نصل حتى استقبلنا فريق الاسعاف ومن بينهم وقف شخص مألوف لي ما كدت أقترب منه حتى توقفت بمكاني حينما أدركت أنه محمود صديقه ..!
قلت لمعاذ :
" ما هذه المصادفة ..؟ "

غير أن معاذ قال :
" ليست مصادفة ... إنها هذه المستشفى ملكه وقد خابرته ليسعتد لوصولنا . "

عضضت عل شفتي السفلي فيما أقترب معاذ من صديقة وصافحه ... وهنا ألتفت محمود إلىّ وقال :
" مرحباً أروى . "

حاولت أن ابتسم وأنا أجيب تحيته غير أن الابتسامة أبت أن ترتسم على شفتي ...
قال محمود :
" بإذن الله سيطيب والدكِ قريباً ... لدينا هنا أطباء من أمهر الأطباء بالعالم كله . "

غمغمت :
" إن شاء الله . "

وأتجهت لأجلس بجانب والدتي على أقرب مقعد مُنتظرين أن يغادر الأطباء غرفة الطوارئ لنطمئن على أبي ... فيما بقى معاذ برفقة محمود وراحا يتحدثان ..!
تساءلتُ فى نفسي :
" ترى ماذا يقولان الأن ..؟ أى حوار قد يدور بينهما فى مثل هذه الظروف ..؟ "

بعد فترة من الزمن انصرف محمود فأقترب معاذ منى وجلس بجواري صامتاً ...
نظرت إلى ساعة الحائط وكانت تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل ... أى أن أبى قضى بغرفة الطوارئ ما يقرب من ساعة كاملة ..!
أطلقت تنهيدة قصيرة وقلت :
" ألم يتأخروا بالداخل ..؟ أليس من الأفضل أن يخرج أحد الأطباء ليطمئننا على حالته ..؟ "

أطرقت أمى بأسي وراح لسانها يلهج بالدعاء فيما شعرت بيد معاذ تربت على يدي وسمعته يقول هامساً :
" لا تخافي عزيزتي ... سيصير بخير إن شاء الله . "

ألتفت لأنظر إلى معاذ الذى كان ينظر إليه مُبتسماً ،، فقلت بخجل شديد :
" شكراً لك ... على ما فعلته اليوم ... حقاً أنا شاكرة لك .. "

ابتسم معاذ وقال :
" أى شخص بمكاني كان سيفعل ما فعلته ... لستِ بحاجة إلى شكري على أى حال .. "

فى تلك اللحظة أقبل محمود مُشرق الوجه وقال :
" لقد تم نقله إلى إحدى الغرف ... إنه بحالٍ أفضل الأن .. حمداً لله على سلامته . "


~ ~ ~ ~ ~ ~



ما أن دلفنا إلى غرفته حتى سارعت أروى إلي والدها المُستلقى على الفراش وأنحنت عليه تقبله وهى تحمد الله على سلامته ...
وقالت :
" كدت أموت قلقاً عليكَ ... الحمد لله أنك صرت بخير . "

ظللت واقفا عند باب الغرفة بجانب محمود الذى قال :
" سيبقى اليوم بالمستشفى للعناية ... يجب ألا يتحرك سوي للضرورة القصوي حتى لا تحدث مضاعفات ... "

وأضاف هامساً :
" لن أخفي عليكَ ... الطبيب أخبرنى أن حالته ليست مستقرة تماماً ... وأن صدره بحالة سيئة ... "

نظرت إلى والد أروى وقلت هامساً أيضاً :
" أأمل أن يصير بخير وألا يلحق مكروهاً به ... فأروى شديدة التعلق بوالدها ... أدركت هذا منذ أول لقاء لنا . "

دقق محمود النظر إلىّ وقال :
" كيف ألتقيت بأروى ..؟ إننى حتى الأن لا أعرف كيف تعرفتما ..؟ "

نظرت إليه بإرتباك ولم أدري بم أجيبه ... فيما كان محمود ينظر إلىّ بأهتمام شديد وينتظر أجابتي ...
قلت أخيراً :
" والد أروي يعمل لدي بإحدي الشركات و ....... "

بترتُ جملتى حينما قالت أروي موجهه حديثها إلىّ :
" ألا يجب أن نغادر الأن يا معاذ ..؟ "

تبادلت النظر مع محمود الذى قال مُسرعاً :
" سنحتجز والدكِ لدينا يومين حتى نطمئن على حالته ... "

أقتربت أورى منا وقالت بقلق :
" لماذا ..؟ هل هناك خطراً عليه ..؟ "

قال محمود نافياً :
" لا يوجد أى خطر ... فقط الأطباء يريدون الأطمئنان عليه ومتابعة حالته عن كثب . "

أطرقت أروى برأسها قائلة :
" أرجو أن يكون الأمر كذلك . "

ورفعت رأسها بعد برهة ثم قالت لي :
" هل تسمح بأن أكون رفيقة لأبي ..؟ إذ أن أمى يجب عليها أن تعود إلى المنزل لتطمئن أشقائي وتبقى معهم ... "

لم أكن أرغب فى العودة بمفردي خاصة وأن هناك حديثاً لم ننته منه بعد وكنت أريد الانتهاء منه اليوم غير أننى لم أملك سوي الموافقة ...
قلت :
" حسناً أروى ... سأرسل إليكِ السائق بما تحتاجينه من ملابس بعد قليل . "

ابتسمت أروى بسعادة وقالت :
" شكراً لكَ معاذ ... "

ابتهجت كثيراً حينما لاحظت التغير الشديد فى معاملة أروى لي ...
قلت :
" من الأفضل أن أنصرف الأن ... "

ونظرت إلى والدة أروى وقلت لها :
" سأصطحبكِ فى طريقي ... هيا بنا . "

استدرات والدة أروى إلى زوجها وراحت تودعه فيما نظرت أنا إلى أروى وقلت لها :
" أنتبهى لنفسك أروى ... "

ابتسمت أروى وأومأت برأسها فقلت :
" سأمر لأطمئن عليكم غداً . "

ثم غادرت المستشفى برفقة أم أروى وعدت وحيداً إلى منزلي ..!


~ ~ ~ ~ ~ ~


تتبع

الجُودْ ؛ 18-07-12 04:21 AM







20
: : : بقايا عطرها : : :





عدت إلى المنزل وحيداً بعدما أوصلت والدة أروى فى طريقي ..
كان الجميع نيام بطبيعة الحال والمنزل ساكناً لحد الكآبة .. مررت فى طريقى بغرفة رئيس الخدم وطلبت منه أن يوقظ إحدى الخادمات ويرسلها إلى غرفة أروى لتضب لها بعض ثيابها وترسلها إلى المستشفى .. ومن ثم توجهت إلى الجناح الخاس بى وبأروى ..
كنت أشعر بإرهاق شديد وبدأ النعاس يتسلل إلى جفوني فهممت بدخول غرفتي لكن شئ ما أجبرني على التوقف .. إذ أننى لمحت بطرف عينى باب غرفة أروى المفتوح ..
إنها أول ليلة أبات فيها وحيداً بالجناح منذ تزوجت أروى ..
إنه فراغ هائل ذلك الذى أشعر به الأن .. على الأقل وجودها بجانبي يريحنى قليلاً ..
تُرى ماذا تفعلين الأن يا أروي ..؟

توقفت عند باب الغرفة فأقتحمت أنفي رائحة عطرها التى تعبق الغرفة ... أغلقت عينىّ واستنشقت نفساً عميقاً فتسلل الهواء إلى أنفي مصحوباً بعطرها الرقيق الهادئ ..
آه .. كم أشتاق إليك الأن يا أروى ..!
كيف طاوعنى قلبي على تركها تبات بالمستشفي ..؟ ألم أكن قادراً على ملازمتها بالمستشفي بأى حجة ..؟!
ترددت قليلاً قبل أن أخطو أول خطوة بداخل الغرفة .. قد يكون ما أفعله تطفلاً مني وأقتحاماً لخصوصيتها .. لكن .. أليست زوجتي ..؟!
ألا يحق لي حتى أن أتفقد أشياءها ولو من بعيد ..؟

دلفت إلى الغرفة ببطئ ووقفت فى منتصفها أتأمل كل شئ بها .. جدرانها الوردية .. طاولة الزينة .. خزانة الملابس .. فراشها الغير مرتب والذى يوحى بأنها كانت على وشك النوم ..
أتجهت إلى الفراش وجلست على طرفه ثم مددت يدي إلى الغطاء المخملى المُلقى عليه وتحسسته برفق .. ثم رفعته إلى أنفي واستنشقت بقايا عطرها العالقة به ..
قد يكون الذى أفعله فى هذا هو الوقت هو درب من الجنون .. لكن .. لم استطيع مقاومته بطبيعة الحال ..!
لمحت بطرف عينى ذلك الكتاب الذى كان مندثراً تحت الغطاء بأهمال .. وما أثار دهشتى هو أنه كان كتاباً فى القانون ..!
عجباً ..! على حد معرفتى بالفتيات فهن جميعاً مغرمات بالروايات .. ومن العجيب أن تكون إحداهم لديها إهتمام خاص بالقانون ودراسته المعقدة ..!
على الأقل علمت عن زوجتي شيئاً .. يا للسخرية ..!

أفقت فجأة مما أنا فيه حينما دلفت إحدي الخادمات إلى الغرفة .. نهضت من مكاني فجأة فأجفلت الفتاة وتراجعت وقالت :
" أتيتُ لأضب أغراض سيدتي كما أمرت . "

قلت :
" حسناً .. "

وسارعتُ بمغادرة الغرفة والتوجه إلى غرفتي شاعراً بخجل شديد من نفسي ..
استلقيتُ أخيراً علي فراشي بعدما بدلت ملابسي وجلست لفترة أحملق فى السقف الفاتح وقد أبى النوم أن يعرف طريقه إلى عينىّ فبقيتُ فريسة للأفكار التي لا ترحم ...
وراح ذاك السؤال يتردد على عقلي بلا كلل : إلى متي سيظل وضعنا هكذا ..؟
متى ستشعر أروى بتلك النيران المُتأججة بصدري ..؟
لابد أن أصارحها بمشاعري حين تعود ..
فقط حين تعود ..


~ ~ ~ ~ ~



بعدما انصرف الجميع غط أبى فى النوم فجلست عند قدميه ورحت أتأمله وأحمد الله فى سري على أنه تجاوز تلك الأزمة على خير ..
آه .. كم أشعر بالراحة الأن ..!
لم يكن مبعث راحتي مُقتصراً على سلامة أبى فحسب .. فما يشعرني بالراحة أيضاً هو موقف معاذ اليوم معنا ..
لم أكن أتوقع أن يفعل ما فعله .. لقد أنقذ حياة أبى ؛ فلولاه ما كنا لنستطيع نقله إلى المستشفى بسرعة كما فعل .. كما أننا لم نكن لندخله مستشفى باهظة التكاليف كالتى نحن بها الأن ..
كلما تذكرت هذا شعرت بالخجل من نفسي ..
يبدو أننى أسأت فهم معاذ .. وأننى حكمت عليه حكماً خاطئاً ..
لكن .. ألم يكن هذا رداً طبيعياً على عجرفته ومعاملته الغليظة معى فى أول لقاء لنا ..؟!
كلما تذكرت هذا أشعر بالتشتت والحيرة ..
شتان بين معاذ المتعجرف الذى طردني من قصره .. ومعاذ زوجي الذى يحاول التودد إلىّ بشتى الطرق ..!

أويتُ إلى فراشى بعدما أطفأت الأنوار إلا من ضوء خفيف يبدد عتمة الغرفة ثم استلقيتُ على فراشي ووضعت ذلك الغطاء الأبيض على جسدي ثم أغلقت عينىّ فتراءت لي صورة معاذ ...
تذكرت لمسته ليدي اليوم ... آه ... ما أجمله من شعور ..!
لأول مرّة أشعر بأن لي شخص أعتمد عليه وأغلق عينىّ تماماً بأطمئنان وهو بجانبي ... ولأول مرّة أجد من يأزرني ويواسيني فى أوقات حزني ...
ابتسمت بسعادة وتنهدت براحة لم أذق لها طعماً طوال حياتي ... ورحتُ فى النوم ببساطة ...

فى تمام الثامنة استيقظت من نومي على صوت سعال شديد ..
قفزت من فوق فراشي قفزاً وهرولت إلى سرير أبى والذى كان يسعل بشدة فيما كان وجهه شاحباً يحاكي وجوه الموتي ..
أصابنى الهلع عليه خاصة حين رأيت تلك الدماء التى تلوث الشراشف وأدركت أن مرض أبى خطيراً بحق ..!

وضعت حجابي فوق رأسي كيفما أتفق وهرعت إلى الخارج لأستدعي الطبيب المناوب الذى سارع إلى أبي برفقة إحدي الممرضات ..
وأخيراً هدأ أبى وخفت سعاله واسترخى فى سريرة وتراخت جفونه بهدوء وراح فى النوم ..
نظرت إلى الطبيب بوجل وقلت :
" ما الأمر ..؟ هل هو مريض لهذه الدرجة ..؟ ألن يشفي من هذا الألتهاب الرئوي أبداً ..؟ "

لست أدرى لِم بدت لي نظرات الطبيب مقلقة .. بدا لي كأنه يشك بأن يكون مرضه غير ما نظن ..
قال :
" يبدو أن حالته خطرة فعلاً .. لست أريد أن أقلقكِ ولكن رُبما تجاوز الأمر الألتهاب الرئوي .. سنقوم بالتحليلات اللازمة لأتأكد من شكوكي أولاً . "

ولم أجرؤ على سؤاله عن تلك الشكوك ..!
شعرت بضعف شديد ينتابني فجأة .. وأصطبغت الدنيا أمامى باللون الأسود ..
أنزويت بإحدي أركان الغرفة أبكى كـ طفلة صغيرة .. تمنيتُ من كل قلبي أن يشفى أبى .. دعوت الله وتضرعت إليه ألا يكون الأمر خطيراً ..
يا رب استجب لي ..


~ ~ ~ ~ ~



أفقت من نومي متأخراً فى الساعة الثانية عشر ظهراً ..
سمعت أصوات كلاً من سالى وتولان فنهضتُ من فراشي وأرتديتُ ملابسي مسرعاً ..
لابد أن أروي استيقظت باكراً ورُبما كانت تنتظرني الأن ..
أسكت بهاتفي وطلبت رقمها فتعالى صوت هاتفها من الغرفة المجاورة ..!
يبدو أنها نسيت هاتفها هنا بالأمس ..
توجهت إلى غرفتها وحملت هاتفها ووضعته بجيب سترتي ثم غادرت الجناح فطالعني وجه تولان مباشرة ..
قالت :
" كنت آتية لأيقاظك .. فقدنا الأمل فى أن تستيقظ من نفسك .. "

استدرت متجهاً إلى السلم وأنا أقول :
" يبدو أننى استغرقت فى النوم ولم أشعر بمرور الوقت . "

قالت تولان بسخرية وهى تتبعنى :
" وماذا عن عزيزتك أروي ..؟ هل استغرقت فى النوم هى أيضاً ..؟

تجاهلت جملتها وهبطت إلى أسفل ووجدت سالي تنتظرنا برفقة أحمد لنتناول فطورنا جميعاً ..
أعتذرت لها وقلت :
" سأتناول طعامي برفقة أروي اليوم . "

وأخبرتها عن مرض والد أروي المفاجئ فأبدت أسفها لذلك فيما بدت السعادة على تولان وقالت :
" ومتى ستعود من المستشفي ..؟ "

قلت :
" ستعود وقتما يشفى والدها .. أرجو أن يكون هذا قريباً .. "

ابتسمت وقالت بنبرة ساخرة :
" لا تقل أنك أشتقت إلي عروسكَ الجميلة .. "

وأضافت بخفوت :
" على حد علمي لقد انتزعت قلبك واستبدلته بقالب ثلج . "

تجاهلت حديثها تماماً وأنصرفت متجهاً إلى المستشفي ..
مررت بطريقي إلى غرفة أروي بغرفة محمود فلم أجده فتوجهت مباشرة إلى غرفة أروي ..
وبالغرفة وجدت محمود جالساً برفقة أروي التى كانت عيناها متورمتين من البكاء ..
لم أفهم ما الذى كان يبكيها ولكني حينما ألقيت نظرة على والدها استوعبت أن حالته كما هى .. دون تحسن ..!
استأذن محمود منا وأنصرف فيما بقيت أنا وأروي وحدنا ..
سألتها :
" ما الأمر ..؟ لماذا تبكين ..؟ "

قالت أروى :
" يبدو أن مرض أبى خطير .. لقد انتابته نوبة أشد خطورة اليوم .. والطبيب قال أنه لابد أن يتم عمل بعض التحليلات حتى يتم تشخيص حالته . "

سألتها :
" ألم تقولي لى أنه مصاب بألتهاب رئوي ..؟ "

قالت بنبرة تقطر حزناً :
" رُبما تجاوز الأمر ذلك . "

قلت :
" لا أرجو ذلك .. بإذن الله سيصير بخير .. لا تقلقي .. "

نظرت إلىّ أروى برجاء كالغريق الذى يتعلق بأى شئ يبقيه على سطح الماء ..
كررت :
" سيكون بخير إن شاء الله .. وستمر هذه الأزمة ككل مرة .. "

لكن ما أخبرنا به الطبيب فى المساء بعد ظهور نتائج التحاليل جعل الأمل يخفت بقلوبنا ..
فالأمر ليس مجرد إلتهاب رئوي .. بل هى خلايا سرطانية بالرئة مُنتشرة وخطيرة ..!


~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبــع




الجُودْ ؛ 18-07-12 04:41 AM







21
: : : حائرة : : :






حينما وصلت إلى المستشفى ودلقت إلى الجناح الخاص بوالد أروى رأيتها - كـ المعتاد فى الأونة الأخيرة - تغوص بإحدي المقاعد الوثيرة ، تغلفها هالة من الصمت والحزن ..
نظراتها الشاردة تهيم بأرجاء الغرفة فى وجل وتستقر فى النهاية على ذلك الكهل النحيل الذى لا يكاد المرء يميز بين صحوته ونومه ،، فهو فى الحالتين مُسبل العينين شاحب الوجه لا يقوى على التكلم ..!
مرت عشرة أيام على دخول والد أروى المستشفى وبدأت حالته فى التدهور رغم العلاج المكثف الذى يخضع له والذى يقول عنه الأطباء أنه لا جدوى له بالنسبة لحالته وأن رحمة الله به هى وحدها القادرة على شفاءه .. فقط رحمة الله به ،، ونعم بالله العلى العظيم ..
أقتربت بخطوات بطيئة من أروى التى لم تبد كأنها تشعر بوجودى وأتجهت لأجلس بجانبها فى هدوء .. دون أن تلتفت لتنظر إلىّ ..
قلت :
" كيف حاله اليوم ..؟ "

أطلقت أروى تنهيدة مريرة وقالت بأسي :
" كـ كل يوم .. لا تحسن ولا أمل فى ذلك . "

قالت ذلك وأراحت ظهرها على المقعد ثم أطبقت جفونها على عينيها وأطالت الصمت ..
قلت :
" إنها إرادة الله على كل حال .. "

تمتمت بصوت يكاد يكون مسموع وهى لازالت على ذات الوضع :
" ونعم بالله .. "

كانت ترتدى رداً واسعاً قطنياً ينسدل من فوق رأسها حتى قدميها ،، لا يظهر منه سوى وجهها الغارق فى الحزن وكفيها النحيلين كجسدها ..
مددت يدي إلى يدها وربتُ عليها قائلاً :
" لابد أن تكوني أكثر تماسكاً أروى .. من أجل والدتكِ وأشقائك الصغار .. "

قالت بصوت خافت :
" أحاول بكل جهدي أن أفعل .. "

وأضافت :
" وما أصعب ذلك ..! "

فتحت عينينها وأتجهت بنظراتها إلى والدها وبدت كأنها تود أن تملأ عينيها بصورته وتختزنها بداخلها ..
ثم قالت :
" لا أتخيل أن أفقده هكذا .. لا أتخيل أن استيقظ ذات لأجدني يتيمة .. "

وألتفتت لتنظر إلىّ فجأة ثم قالت :
" أظنك تعلم صعوبة أن تكون يتيمياً ؛ فأنت جربت هذا الأمر .. "

هزتني جملتها وأصابتنى فى الصميم ..
لقد فقدت والداىّ فى حادث وأنا بعد فى العشرين من عمري ..
كنت مُتعلقاً بهما بشدّة وجاء نبأ وفاتهما بمثابة صدمة إلىّ ولشقيقتي .. خاصة حينما بدأت مطامع كل من حولي تتضح شيئاً فشيئاً ..
وبدأ الجميع يطالب بحقه فى الميراث بعدما عدنا مباشرة من المقابر .. كأن الجميع كانو ينتظرون ذلك الحدث بفارغ الصبر ..
وفى غضون أسابيع تم تقسيم الميراث على الجميع ولم يبق لنا سوي شركة واحدة فقط ،، مهددة بالأفلاس فى أى وقت ،، فما كان مني سوى أن عملت ليلاً ونهاراً حتى استطعت الوقوف على قدميّ مجدداً وأنشأت فروعاً عديدة لشركتنا التى هى الأن من أكبر الشركات فى الشرق الأوسط كله ..
ولكن .. كل هذه الأموال لا تغني عن لحظة واحدة أقضيها فى كنف والداىّ .. إنه اليتم .. فما أقساه من شعور ..!

أنتزعت نفسي من أفكاري بغتة ونظرت إليه قائلاً :
" حينما توفي والداىّ كنت وحيداً .. لكنكِ لست وحيدة أروى .. ولن أسمح أبداً بأن يتسلل إليكِ هذا الشعور طالما أنا حي أرزق .. "

حدقت بى بنظرات يغلب عليها الحيرة والشك قبل أن تهز رأسها رافضة لكلامي وتقول :
" غير صحيح .. أننى وحيدة .. بل إننى لم يسبق لى الشعور بالوحدة سوي فى وجودك بجانبي . "

صدمني حديثها كثيراً .. لم أكن أتخيل أن هذا هو شعور أروى نحوي .. لهذه الدرجة تكرهيننى يا أروى ..؟!

تابعت أروى حديثها :
" دعنى أكون صريحة معك ؛ إن زواجنا مجرد مسرحية بمجرد أن يسدل الستار تنتهى ولا يعود لها وجود .. "

وأضافت :
" كل ما بيننا محكوم عليه بالفشل إن أجلاً أو عاجلاً .. كان هذا أتفاقنا منذ البداية .. ألا تذكر ..؟ "



~ ~ ~ ~ ~



بعد انتهائي من حديثى أختلست نظرة إلى وجه معاذ المحمر ،، ونظراته الغاضبة ..!
رأيته يبسط كفه ويقبضة محاولاً السيطرة على غضبة وأعتقد أنه نجح فى ذلك فقد خرج صوته هادئاً إلى حد ما وهو يقول :
" دعينا نؤجل الحديث عن هذا لوقتٍ أخر . "

كنت أريد من حديثى السابق أن أفهم وضعي بالنسبة له .. أن أسمع منه كلمة تطمأننى .. أردت أن أسمعه يقول أنه لن يتخلى عني .. وأنه ما تزوجني لذلك السبب ..
لكنه لم يتكلم ولم يبعث بقلبي إلا بمزيداً من القلق ..
رُبما لازال يحب زوجته التركية .. ورُبما كانت عودتها سبباً فى صحوة مشاعره نحوه .. بل ورُبما تواجدي بالمستشفي أتاح له الفرصة لكي يتفقان على كل شئ ..
رُبما ..!

فى المساء أنصرف معاذ وكعادته أصطحب والدتى وأشقائى معه .. فيما بقيتُ أنا مع والدي .. أراقب أنفاسه طوال اليوم وأخشى أن أغفو للحظة فاستيقظ على فاجعة موته ..
كانت الساعة العاشرة مساء حينما مرت إحدي الممرضات على الغرفة لتعطي أبى الدواء ..
ساعدتها فى إنهاضه لكى يتسنى له شرب الدواء ثم انصرفت وبقيت أنا جالسه بجواره ،، أراقب نظراته الشاردة وشحوب وجهه وأقاوم العبرات المُختنقة بعينىّ ..
وهنا أتاني صوت أبى خافتاً وهو يقول :
" لا أريد أن أري كل هذا الحزن بعينيكِ .. أظنني سأرتاح بالموت .. فالموت راحة لي من كل شئ . "

حاولت ألا يكون صوتي مُرتعشاً وأنا أقول :
" لا تقول هذا أبي .. بإذن الله ستتحسن صحتك وتصير بخير .. إن رحمة الله واسعة . "

قال أبى :
" والموت رحمة لي أيضاً .. "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" أظننى فقط خائف من عقاب الله لأننى مددت يدي ذات يوم وأختلست .. ولأننى أضطريتكِ لأن تتزوجي من معاذ .. "

أطرقت برأسي أرضاً وتركت دموعي تتساقط على الأرض فى صمت فيما تابع أبي :
" لكن زواجكِ منه لم يكن خطأ كبيراً .. أظنه يحبكِ أروى .. "

رفعت نظراتي المُتفاجئة إليه فابتسم ابتسامة شاحبة وقال :
" كان كريماً معنا جداً .. لا أظنه يبعثر نقوده هباء .. هذا أكبر دليل على حبه لكِ .. "

صمت أبى لبرهة وتلاحقت أنفاسه وراح يسعل وهو يقول :
" لا تفرطي بزوجكِ وحافظى عليه .. "

هنا راح سعاله يقوي وأنفاسة تختنق فقلت بخوف :
" لا تقل شيئاً أرجوك .. أنت معتب للغاية . "

لكنه واصح حديثه بصعوبة وقال بصوت مُتقطع خافت :
" والدتكِ وأشقائكِ أمانة فى عنقك أروى .. لدي ثقة بأنكِ ستصونين أمانتي .. طالما كنت جديرة بالمسؤولية .. "

توقف أبى عن الحديث وقد انتابته حالة من السعال المتواصل ..
كنت لازلت أرتدي ثيابى الساترة فهرولت إلى الخارج لأستدعي الطبيب وكالمعتاد وقفت أراقبهم وهم يحاولون إنعاشة ويعيدون له هدوء أنفاسة ..
لكن .. هذه المرة بدت النوبة أكثر صعوبة .. وطالت مدتها أكثر من اللازم ..
وأخيراً هدأ سعاله واسترخي أبى فى نومته واسدل خفونه على عينيه .. وران الصمت التام ..!

قلت :
" ماذا ..؟ هل انتهت النوبة ..؟! "

فقابلتنى نظرات الطبيب والممرضات بنظرات يائسة وأعلن الطبيب :
" البقاء لله .. لقد توفي المريض .. "


~ ~ ~ ~ ~ ~



عدتُ فى المساء مُنهكاً فاستلقيتُ إلى إحدى المقاعد الوثيرة بغرفة المعيشة وراحت نظراتي ستسبح فى الغرفة الواسعة والأثاث .. وكان تفكيري أبعد ما يكون عن ذلك ..!
كنت محبطاً للغاية بعد حديث أروى اليوم .. وبعد ما أبدته نحوي من شكوك ومخاوف وعدم ثقة ..
كنت أتمني أن يكون رأيها بي مختلفاً وأن تكون هذه الأيام قد أعطتها ولو نفحة ثقة بي .. ولكن يبدو أنني كنت مخطئاً فى البداية حين قررت أن أضغط على أروى لكى تتزوجني ..
ولكن .. لم يكن لدي خيار أخر .. كانت ستتزوج بمجرد أن يخرج والدها من السجن .. ولو لم أضغط عليها ما قبلت الزواج وصارت زوجتي ..
هى لازالت متوهمة أننى ما تزوجتها إلا لضم أبنى إلى حضانتي .. رغم أن هذا ليس السبب على الأطلاق ..
لست أدرى كيف لم تسأل نفسها فى يوم ..؟ لماذا لم أتزوج أى فتاة أخري رغم مقدرتي على ذلك ..؟ لو فقط طرحت هذا السؤال على نفسها رُبما استطاعت أن تصل إلى السبب الحقيقى .. وهو حبي لها ..!
رغم أننى لست ممن يقعون فى الحب بسهولة ولكن شيئاً ما جذبنى إليها كما لم أنجذب لفتاة قبلها .. شئ ما أجبرني على أن أفعل ما فعلت لكى تصير زوجتي .. كل ما حدث لم يكن لدي فيه أى خيار .. كنت مأموراً من قلبي على ما أفعل وليتنى ما فعلت ..!
لدي شعور قوي بأنى دمرت حياة أروى ؛ فأنا سلبتها خطيبها الذى كانت تحبه وأجبرتها على الزواج مني ..
ترى هل أخطأت فى هذا بالفعل ..؟
وهل بأمكاني أن أعيد تصحيح الخطأ ..؟ وكيف السبيل إلى ذلك ..؟

أفقت من أفكاري على صوت تولان تقول :
" مساء الخير .. هل حضرت أخيراً ..؟ "

أعتدلت فى جلستي وقلت :
" كما ترين . "

قالت :
" كيف حال والد أروى ..؟ "

قلت :
" على ما هو عليه .. "

ران الصمت لفترة قبل أن تقطعه قائله :
" ومتى تنوي أروى العودة إلى المنزل ..؟ "

قلت :
" لا علم لي .. لا استطيع أن أطلب منها ألا ترافق والدها .. طالما كانت متعلقة به للغاية .. أرجو أن يشفي قريباً . "

قالت :
" أرجو ذلك ؛ فالجميع هنا متأثرون بمرض والد أروى .. فأروى متغيبة عن المنزل وسالي حزينة لأجله وأنت تعود من عملك إلى المستشفي يومياً ثم تعود إلى المنزل متعباً .. حتى أنك صرت لا ترى أحمد سوى فى المساء وهو نائم . "

قلت :
" إنه مجرد ظرف طارئ ولن يلبث أن ينتهي ذات يوم . "

ونهضت من مكاني قائلاً :
" سأذهب لأنام .. لي عملاً باكراً فى الغد . "

قالت تولان :
" لن يضيرك لو انتظرت خمس دقائق أخري .. أريد أن نتحدث قليلاً .. وأن نتوصل لحل .. "

توقفت بمكاني وقلت :
" حل لأى شئ ..؟ "

قالت :
" لهذا الوضع الذى نحن به .. "

قلت :
" تقصدين حضانة أحمد ..؟ "

قالت :
" بل أقصد وضعنا نحن .. "

فاجئنى حديثها وقلت :
" لو كان بيننا شئ يمكن أن نتحدث عنه فهو أحمد .. وغير ذلك لا أظن أنه يهمني فى شئ . "

قالت بأسى :
" لهذه الدرجة صرت تكرهني ..؟ "

قلت بنفاذ صبر :
" لست أكرهك ولا أحبكِ .. ليس لدي أى مشاعر نحوك سواء بالحب أو الكره .. "

قالت ثائرة :
" وماذا عني أنا ..؟ ماذا عن مشاعري وحياتي ..؟ لقد تقبلت فكرة أن تموت مشاعري فى ابتعادك عني لكتك بسلبك لطفلي تنهي حياتي تماماً . "

قلت :
" هل ستعودين لهذا الحديث مجدداً ..؟ لقد ظننت أننا انتهينا منه .. "

قالت :
" أنا لم أتي إلى هنا إلا لأطلب منك أن تترك لي حضانة أحمد .. هذا هو السبب الوحيد الذى أتى بى إلى هنا .. ولكني بمجرد أن رأيتك أكتشفت أننى لن استطيع أن أبتعد عنك ثانية .. "

قالت ذلك وسرعان ما أنخرطت فى البكاء ..!

قلت :
" لا تعودي للبكاء ثانية .. رجاء كفي تولان . "

قالت تولان مُنتحية :
" لم أعد استطيع الأحتمال .. أنا لازلت أحبك معاذ .. لا أتخيل فكرة زواجك .. مكانك معي أنا وليس معها هى .. إننى أم طفلك . "

قلت :
" فات أوان الحديث بهذا الأمر .. أنا لست مستعداً للتخلى عن أروى . "

كفت تولان عن البكاء وراحت تجفف دموعها وهى تقول :
" لم أطلب منك أن تتخلى عنها .. "

نظرت إليها مندهشاً وحائراً ..
قلت :
" أذن ..؟ "

فقالت :
" تظل هى زوجتك وتردني لعصمتك . "

لم أتفاجئ فقط .. لا بل صُعقت هذه المرة ..
نظرت إليه فى انتظار أن تتراجع عما قالته أو تعيده لأتأكد مما قالته ، ويبدو أنها قد قرأت أفكاري فقالت :
" دعنا نتزوج من جديد وهى لازالت بعصمتك .. بأمكاننا أن لا نخبرها .. أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

لم أدرى بماذا أجيبها ..؟ وماذا يجب أن أقول ..؟
نظرت إليه .. كانت تنظر إلى بأمل وخوف .. تتوسل إلىّ بنظراتها ألا أخذلها ..
بعثرت نظراتي بالغرفة وغرقت فى التفكير .. لم يكن تفكيرى بما قالته بتاتاً .. فأنا لا يمكن أن أفعل هذا بأروى وبنفسي .. لا يمكن أن أخدع تولان وأتزوجها فى حين أن حب أروى قد ملأ قلبى بأكمله وفاض منه فلم يعد لها مكاناً شاغراً به .. لكنى كنت أفكر بطريقة أخبرها بها برفضى دون أصدمها .. ولكن لا جدوى ..!
يبدو أننى لزمت الصمت لفترة أطول مما ينبغى .. ويبدو أن تولان قد فسرت صمتي على أنه قبول فإذا بها تتجه إلى فجأة وتغمرني بزراعيها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبــع





الجُودْ ؛ 18-07-12 05:26 AM

22

أفقت من نومي على صوت الرنين المتواصل لهاتفي المحمول ..كانت الساعة تناهز الحادية عشر ولم أكن معتاداً على تلقي إتصالات فى هذا الوقت المتأخر .. خاصة من المستشفي ..!
فركت عينىّ بقوة لأنفض عنهما آثار النوم ثم مددت يدى إلى الهاتف وأجبتُ الأتصال فأتانى صوت الطبيب المسؤول عن علاج والد أروى والذى قال مباشرة :
" لقد توفي المريض . "

ولم أكن بحاجة لسؤاله عن شخصية المريض ؛ فقد أتجه عقلى مباشرة إلى والد أروى ..!
قضيت فترة من الزمن صامتاً أحاول استيعاب الأمر .. فيما راح الطبيب يتمتم بعبارات التعزية ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..!

ارتديت ثيابى وتوجهت إلى منزل معاذ لأصطحبه معي إلى المستشفي ..
رُبما لم يصله الخبر بعد ..
لكن ماذا عن أروى ..؟
رُبما لم تبات معه اليوم وعادت إلى منزلها .. إنها لم تفارقه للحظة واحدة منذ دخوله المستشفى ورُبما قررت أن تعود إلى المنزل لتستريح قليلاً دون أن تدرى بأن هذه المرّة ستكون أخر مرة تراه فيها ..!

شعرت بمدى صعوبة نقل الخبر حينما وصلت إلى المنزل ..
لقد ذكر لى معاذ ذات مرّة أن أروى شديدة التعلق بوالدها .. رُبما لن تتحمل هذا الخبر الذى أحمله لها ..!

فتح لى أحد الخدم الباب فسألته مباشرة عن أروى فأخبرني بأنها لازالت بالمستشفى وفهمت منه أن خبر وفاة والدها لم يصلهم بعد ..
توجهت بعد ذلك إلى غرفة الجلوس حيث أخبرني الخادم بأن معاذ وتولان يجلسان بها ..
وبينما كنت أقترب من الغرفة وصلنى صوت تولان وهى تقول بتضرع :
" أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

صُعقت لما سمعت وألجمتنى المفاجأة فتوقفت بمكاني وصرت عاجزاً عن السير ..
تلفتُ حولى بتوتر لأتأكد أن أحداً لم يسمع ما سمعت فلم أجد أحداً على مقربة منى ..
كان كلامها خطيراً للغاية ولم استطع أن أغض سمعي عن جملتها وأتغاضى عنها ..

أقتربت قليلاً من الغرفة وأرهفت السمع .. كنت أريد أن اسمع رد معاذ عليها ..
كان لابد أن أعرف مشاعره نحو أروى ..
رُبما هذا ليس من حقي .. لكني استبحت ذلك ووقفت لاستمع وطالت فترة الصمت بعد ذلك ..
رُبما كان يفكر بعرضها .. ورُبما سيقبل ذلك ..
لم أكن واثقاً من موافقته أو رفضه .. كنت متأرجحاً بين الأثنين .. وصدمني صوتها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~



" محمود هنا ..؟ هل أنتِ متأكدة ..؟ "

تسألت فى دهشة حينما أقلبت الخادمة لتخبرني بحضوره والتى لم تلبث أن أكدت لى ذلك ..!
سارعت إلى داخل غرفتى وأرتديتُ ملابسي بسرعة وعناية ثم توجهت إلى غرفة المعيشة حيث أخبرتنى الخادمة أنه يجلس بها ..
وما أن دلفت إليها حتى رأيت كلاً من معاذ وتولان وحدهما .. ولا أثر لمحمود في أرجاء الغرفة بأكملها ..!

قلت بدهشة :
" أين ذهب ..؟ "

نظر إلىّ معاذ بحيرة وقال :
" من تقصدين ..؟ "

فقلت :
" محمود .. هل أنصرف ..؟ "

قلب معاذ كفيه بحيرة وقال :
" وهل أتى لينصرف ..؟! "

قلت مؤكدة :
" أجل .. أخبرتنى الخادمة أنه هنا .. "

رأيت الدهشة ترتسم على وجه معاذ وهو يقول :
" غريب هذا الأمر .. كيف يكون هنا ولم أره ..؟ رُبما كانت الخادمة مخطأة .. "

قلت وأنا أتوجه إلى المطبخ :
" سأتأكد بنفسي . "

وتوجهت إلى المطبخ حيث تلك الخادمة وحينما سألتها عن محمود قالت أنها أخبرته بأن معاذ يجلس بغرفة المعيشة وأنه طلب منها أن تنصرف وتوجه أمامها إلى غرفة المعيشة وأكثر من ذلك فهى لا تعرف ..!

تعجبت كثيراً .. ما الذى أتى به فى هذا الوقت ..؟
ولماذا أنصرف فجأة هكذا بدون سبب ..؟


فى تلك اللحظة وبينما أنا فى ذروة حيرتي أقبل معاذ نحوي وقد بدا على وجهه الحزن ثم قال لى :
" أتصلوا بى من المستشفى الأن .. "

وضعت يدى بحركة تلقائية على صدري كمن يستعد لتلقى صدمة ما ..
بينما تابع معاذ :
" البقاء لله .. توفي والد أروى .. "



~ ~ ~ ~ ~ ~



حينما وصلت إلى المستشفى كانت أروى تجلس فى الممر المؤدى إلى غرفة والدها وبجانبها يجلس معاذ ..
كانت ترتدى حجابها القطني الساتر وتجلس فى هدوء فيما كانت العبرات المُختنقة بعينيها تومض وتنذر بالبكاء ..
أقتربت منها بخطوات متباطئة ثقيلة وقد شعرت بقبضة مؤلمة بقلبي لدى رؤيتها على هذا الحال ..
لمحتنى أروى فيما كنت أقترب منها فأسرعت نحوي وهوت على صدرى باكية بحرقة .. كأنما كانت تحبس دموعها بعينيها ولم تلبث أن أطلقتها عنوة على صدري ..!
ربتت على ظهرها وحاولت أن أهدأ من حالها ثم أمسكت بيدها وأتجهت بها إلى أقرب مقعد لتجلس عليه ..
وفيما كنت أجلس بجانبها وقع بصري على محمود والذى كان يراقبنا بنظرات يغلب عليها الاستياء ..
أقتربت منه ومددت يدى إليه مصافحاً فظل يحدق بوجهى دون أن يبدو عازماً على مصافحتي ..
قلت :
" ما الأمر ..؟ "

فإذا بزفرة حانقة تنطلق من أعماق صدره ,..
تسألت مندهشاً :
" ألن تصافحني ..؟ "

أجابني بأن حرك عينيه إلى يدى الممدوة ثم عاد لينظر إلى وجهى بنظرات ثابتة خالية من أى تعبير قبل أن يمد يديه ليصافحني بفتور ..
قلت :
" هل كنت عندي بالمنزل ..؟ "

أجابنى بعد فترة :
" بلى . "

قلت :
" أتيت لتنقل إلىّ خبر وفاة والد أروى ..؟ "

فهز رأسه موافقاً ،، قلت :
" ولماذا أنصرفت أذن ..؟ "

حرك رأسه نحوى وحدق بى طويلاً ثم قال :
" كنت مشغولاً ؛ فلم أشأ أن أعطلك . "

اللعنة .. الأن أدركت كل شئ ..!
قلت :
" سمعت حديثى أنا وتولان . "

قال :
" لم تكلف تولان نفسها عناء خفض صوتها . "

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" الأمر ليس كما فهمت على الأطلاق . "

رفع حاجبيه بما يوحى بعدم تصديقه لي فقلت :
" لقد أسأت تولان فهمى .. لم أكن موافقاً على ....... "

قاطعني قائلاً :
" لست مضطراً لأن تبرر لي موقفك . "

شعرت بالدماء تغلى بعروقي وحاولت أن أتحكم بنبرة صوتي وأنا أقول :
" بالفعل أنا لست مضطراً لأفعل . "

وأضفت :
" ولا يعنينى إن كنت أسأت الفهم أم لا .. لا يعنينى أبداً .. "

قال محمود بإنفعال شديد :
" رُبما لا يعنيك هذا .. لكنه قد يعنى لأروى الكثير .. "

ألجمتنى المفاجأة ، فأخذت بعض الوقت لاستوعب حديثه..
وأخيراً قلت بصوت هادئ إلى حد ما :
" هل تهددنى ..؟ "

زفر محمود بقوة وأتجه بنظراته إلى أروى ثم جذبنى لنبتعد عنها قليلاً ثم قال غاضباً :
" لا يجب عليك أن تفعل هذا بزوجتك .. ألا يكفى ما هى فيه ..؟! "

نظرت إليه بحيرة ورددت عليه بغصب مماثل :
" وماذا ترانى فاعلاً بها ..؟ قلت لك أنك أسأت الفهم .. لماذا لا تصدقنى ..؟ "

قال مُنفعلاً :
" لأننى أصدق أُذنىّ .. لقد سمعت كل شئ بهما .. سمعتك وأنت تتفق مع تولان على الزواج .. "

تلفت حولى لأتأكد أن أروى لا تسمعنا ثم قلت :
" لم أرد عليها ففهمت أننى أوافق على هذا العبث .. إننى أبداً لن أقبل أن أعود إليها .. تولان كانت الماضى الذ أجاهد لأقتلاع جذوره .. "

قال مباشرة :
" وأروى ..؟ "

قلت :
" أروى هى الحاضر والمستقبل .. هى عالمي الذى أحيا له وبه .. لا توجد أى مقارنة بين أروى وتولان .. المقارنة بينهما قد تكون كالمقارنة بين السماء والأرض .. إننى أحبها بالفعل .. أحبها أكثر مما تتصور .. يجب أن تصدقنى محمود .. طالما كنت تفهمنى وتشعر بى .. "

أطرق محمود برأسه لبعض الوقت ثم لم يلبث أن رفعها ونظر إلىّ مباشرة ثم قال :
" وماذا عنها ..؟ "

نظرت إليه بحيرة شديدة وقلت :
" ماذا تقصد ..؟ "

قال مباشرة :
" أقصد مشاعرها نحوك .. هل تحبك هى أيضاً ..؟ "

أشحتُ بنظراتى عنه وبعثرتها على الأرض وعلى أى شئ يجنبنى نظراته المحاصرة ، فوقع بصرى على أروى الغارقة فى الحزن وقلت :
" دعنا نؤجل هذا الحديث ؛ فالوقت كما ترى ليس مناسباً على الاطلاق .. "

وبهذا استطعت الهرب من تلك المناقشة وأتخذت مكانى بجانب أروى فيما راح محمود يحدجنى بنظرات مبهمة أعجز عن فهمها ..!




~~~~~~~


انتهت فترة العزاء واستقر الوضع بمنزل والداىّ أروى وبدأ الجميع يتقبلون فكرة رحيله عن الدنيا ويسلمون بها ..
أروى كانت تقيم لدى والدتها الفترة السابقة وكنت بالطبع أزورها يومياً لأطمئن على حالها .. واليوم حينما حضرت إليها وأدخلتنى والدتها إلى حيث تجلس ..
عادة تقابلنى أروى ببحر من الدموع لكنها اليوم قابلتنى بابتسامة صغيرة .. وكم أراحتنى ابتسامتها ..!
مرّ وقتٍ طويل على تواجد أروى بمنزل والديها واليوم أظن أن الوقت حان لكى أطلب منها العودة .. فأنا لم أعد أحتمل غيابها ببساطة ..
انتهزت أول فرصة سنحت لي وخاطبتها قائلاً :
" ألم يأن وقت العودة إلى منزلكِ بعد ..؟ "

أكتسح وجهها تعبيراً غريب ؛ كأن فكرة العودة إلى منزلنا مستهجنة تماماً .. أو كأننى سأرغمها على ذلك ..!
قلت مبرراً :
" الجميع هنا صاروا أفضل الحمد لله .. "

قالت بعد برهة :
" لكن أمى ......... لن استطيع تركها وحدها .. لا أظنها تجاوزت الأزمة بعد .. "

قلت :
" لكنها صارت بخير يا أروى فعلاً .. "

بدا الاعتراض على وجهها فقلت :
" أروى أرجوكِ لا ترفضى .. أريد أن أطمئن عليكِ وأرتاح قليلاً .. "

قالت بحيرة :
" وهل يقلقك وجودى هنا ..؟ "

قلت مباشرة :
" يقلقنى ألا تكوني معى بنفس المنزل .. "

أطرقت برأسها لبعض الوقت ثم لم تلبث أن رفعت بصرها لتنظر إلى عينيّ مباشرة ثم تقول :
" وماذا عن تولان ..؟ "

تفاجأت من سؤالها ولم أدر بماذا أجيبها ..؟
قالت :
" ألازالت بالمنزل ..؟ "

قلت :
" بلى . "

فقالت :
" أذن لن أعود .. "

استعجبتُ من رفضها الحاسم لفكرة العودة فى وجود تولان وقلت :
" وهل يضايقكِ وجودها لهذا الحد ..؟ "

قالت :
" نعم .. يضايقنى كثيراً .. "


قلت :
" لكنى لن استطيع شيئاً حيال هذا الأمر .. لن أتمكن من طردها .. "

قالت منفعلة :
" لماذا لا تنصرف هى من تلقاء نفسها ..؟ لقد طالت زيارتها أكثر مما ينبغى .. "

قلت :
" أعتبريها غير موجودة أذن .. "

قالت :
" لماذا أنت مصمم على عودتى إلى منزلك ..؟ "

قلبت كفى فى حيرة وقلت :
" لأنه المكان الذى يجب أن تكونى به .. منزلى هو منزلك يا أروى .. "

قالت :
" وتولان ..؟ "

ابتسمت وقلت :
" سنتدبر أمرها .. لا تقلقى .. "



~~~~~~

تتبع

الجُودْ ؛ 18-07-12 05:29 AM

23




فكرة العودة إلى المنزل كانت تؤرقنى فى الأونة الأخيرة خاصة لأننى كنت واثقة أن معاذ سيتحدث بشأنها قريباً جداً.. ولم يخب ظني بطبيعة الحال واضطريتُ مُرغمة وكارهة على العودة إلى المنزل.. وودعت عائلتى فى صباح اليوم التالي بفيض غزير من الدموع..
كانت هذه هى أول مرة أبتعد عنهم منذ وفاة أبى.. وكم كان فراقهم مضنياً..!

استقلينا سيارة معاذ ودموعي لازالت تومض بعينىّ وتوشك على النزول فى أى لحظة ,

معاذ كان غارقاً فى الصمت حتى أننى ظننت للحظة أنه لا يشعر بوجودى بجانبه , لكننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً حينما وجدته يتوقف بسيارته ثم يلتفت إلىّ قائلاً :

" ما رأيك بأن نذهب لنتناول فطورنا بإحدى المقاهي..؟ "


رفعت بصرى إليه بشئ من الاستغراب لأقتراحه هذا بينما أنا فى هذه الحالة..!

قال بمرح :

" أعرف مقهى يقدم شطاثر رائعة.. ستعجبكِ كثيراً.. "


ولما رأى ترددى قال بنبرة جادة :

" أريد أن نتحدث قليلاً أروى.. لا أظن أننى سأتمكن من هذا بعد عودتنا.. "


وأضاف :

" رغم أن المنزل كبير غير أنه أحياناً يضيق علينا.. "


قلت بإندفاع :

" رُبما وجود تولان هو سبب هذا.. فهى لا تفتأ تتنقل بين الغرف وكأنها صاحبة المنزل.. "


شعرت بالندم بعد تفوهى بتلك الجملة وأعتقد أن معاذ سيستاء منها غير أننى فوجئتُ به يبتسم ابتسامة واسعة..!

وقال :

" رُبما أنتِ محقة فى هذا الشأن.. لكن لا تقلقي.. لقد آن لها أن ترحل وتتركنا لشأننا.. ولو لزم الأمر فسوف أخبرها بهذا مباشرة.. "


وصمت لبرهة ثم أضاف :

" والأن هل نذهب لتناول الفطور..؟ "


كان المقهى الذى أختاره معاذ يطل على شاطئ البحر وكان يبدو باهظاً كما هو متوقع ,

انتقى معاذ طاولة منعزلة إلى حد ما بجانب إحدى النوافذ الزجاجية الكبيرة وراح يملى طلباته إلى النادل الذى سرعان ما انصرف ملبياً طلباته..

حينئذ ألتفت معاذ نحوى وقال :

" هل أعجبكِ المكان ..؟ "


نظرت إلى ما حولي منبهرة وقلت :

" وهل يمكن ألا يعجبنى ..؟ إنه رائع.. "


ابتسم معاذ بسعادة وقال :

" كذلك الشطائر ستعجبكِ كثيراً.. "


صمت لبرهة واسترخى بمقعده ثم راح ينظر إلى القاعة الكبيرة وأضاف :

" إننى أحب هذا المكان كثيراً.. كلما أتيتُ إلى هنا أشعر بالذكريات تكاد تنبثق من كل ركن فيه.. "


نظرت إليه بعمق.. كان يبدو حالماً وكأن تلك الذكريات التى يتحدث عنها تبعث السرور إلى نفسه..!

تسألت فى نفسي عن ماهية هذه الذكريات.. تُرى هل تكون لذكراه تلك علاقة ب تولان ..؟

انتابنى الضياع لمجرد التفكير بهذا وتدفقت الأسئلة المؤرقة إلى رأسي..

تُرى ألازال حتى الأن يحبها ..؟


أفقت من شرودى حينما انتبهت إلى أن معاذ يحدق بي.. كانت نظراته إلىّ مبهمة كالمعتاد.. أغرقتنى فى مزيد من الحيرة والضياع..

ترى بماذا تفكر الأن يا معاذ ..؟ وما معنى نظراتكَ تلك ..؟ أتحاول أن تضعنى بمقارنة مع تولان ..؟

أرجو ألا تفعل ذلك لأن هذا لن يكون عادلاً بأى حال ؛ فإن كفة تلك الشقراء الجميلة ستكون الراجحة على أى حال ..!

أتانى صوت معاذ لينتشلني من غياهب أفكاري فى تلك اللحظة ..
قال :

" ما لون عينيكِ بالضبط ..؟ "


ارتبكتُ لسؤاله الغير متوقع وبعثرت نظراتي على كل شئ فيما تابع هو :

" حتى نصف ساعة مضت كنت أعتقد أن عينيكِ بنية.. لكنها تبدو لي الأن خضراء قاتمة كلون الأنهار الضحلة فى الغابات الأستوائية.. إنه لون ساحر لم يسبق لى أن رأيت مثله من قبل.."


شعرت بوجنتىّ تتوهجان وعجز لساني عن قول أى شئ.. فإذا به يبتسم ويقول :

" تبدين رائعة الجمال وأنتِ متوردة الوجنتين.. "


وأضاف بنبرة غريبة :

" إننى أحسد نفسي على أنكِ زوجتي.."


رفعت نظراتي إليه فوجدته يحدق من النافذة وقد شرد ببصره وأفكاره بعيداً..!


بعدما انتهينا من تناول الفطور غادرنا المقهى وتوجهنا إلى السيارة فجلس معاذ خلف القيادة ثم ألتفت إلىّ وقال :

" لم يسبق أن قمت بنزهة على ظهر يخت..؟ "


فاجئنى سؤاله فقلت بعد برهة صمت :

" فى الحلم فقط.. "


أطال معاذ النظر إلىّ ثم ابتسم وقال :

" أذن لنحقق لكِ حلمكِ.. "





~ ~ ~ ~ ~ ~

اطلقت أروى شهقة انبهار حينما وقع بصرها على اليخت ثم ألتفتت لتنظر إلىّ قائلة بغير تصديق :

" هذا اليخت ملكك..؟! "


ابتسمت وقلت :

" إنه ملكنا.. هل يعجبكِ ..؟ "


قالت أروى منبهرة :

" إنه رائع.. "


أمسكت بيدها وحثثتها على الدخول إليه وأنا أقول :

" أذن هيا لنقوم بنزهة قصيرة.. أنا وأنتِ فقط.. "


نظرت إلىّ بتعجب وقالت :

" هل بأمكانك قيادته ..؟ "


ابتسمت وقلت مازحاً :

" سأجرب.. أرجو ألا نضيع وسط البحر .. "


كانت الشمس تتوسط السماء ومياة البحر تتلألأ كقطع الماس ، وكان الموج هادئاً يضرب اليخت برفق كأنما يداعبه.. وكانت أروى بحجابها وثيابها المتشحة بالسواد تضاهى كل هذا فى سحره وجماله.. فلم استطع أن أرفع بصرى عنها..

كانت هذه هى أول مرة منذ عدنا من باريس نخرج فى نزهة.. وكانت هذه هى أول مرّة منذ معرفتى بها أراها سعيدة هكذا..

تمنيتُ أن تظل أروى سعيدة هكذا طوال عمرها.. وأقسمت وقتها أن أفعل كل شئ يجعلها سعيدة.. وأن أوفر لها كل ما يبعث السرور إلى نفسها لأعوضها عما لاقته طوال عمرها من الفقر..

أفقت من شرودي على صوت أروى وهى تقول حالمة فيما كانت تتطلع إلى مياه البحر الممتدة عبر الأفق :

" يبدو كل شئ كـ الحلم.. "


نهضت من مكانى واقتربتُ منها عدة خطوات لأقف بجانبها ، ثم قلت :

" حان الوقت لتحقيق الأحلام.. "


وأضفت :

" أى شئ قد يخطر ببالك أخبرينى به وأعتبريه تحقق.. عليكِ بأن تخبرينى بكل ما تشتهيه نفسكِ وسترين أننى سأبذل قصارى جهدي لتحقيقه.. "


ابتسمت أروى ابتسامة حزينة ثم قالت :

" وماذا الذى يمكن أن أتمناه أكثر من هذا..؟ "


وأضافت بتعاسة :

" أحلام أبنة أمين الخزن قد تكون بسيطة أكثر مما تتصور معاذ.. كان كل حلمى قبل أن ألقاك هو أن أكمل تعليمى ولكن الفرصة لم تسنح لي.. "


قلت :

" أذن.. غداً سأقوم بتقديم أوراقك بالجامعة.. "


نظرت أروى إلىّ بعدم تصديق ثم قالت :

" حقاً ستفعل..؟! "


ابتسمت وقلت :

" سأفعل أى شئ تريدينه أروى.. لن أدعكِ تحلمين من الأن فصاعدا.. بل سأعمل على تحقيق كل ما تحلمين به.. "


ألتفتت أروى قليلاً لتنظر إلىّ بعمق كأنما تريد أن تنفذ بنظراتها إلى أعمق أعماقي.. ثم قالت :

" لماذا..؟ "


نظرت إليها مستعجباً ومستفهماً فقالت :

" لماذا تفعل هذا معى..؟ "


قلت :

" وماذا أفعل أنا..؟ "


نظرت إلى البحر بشرود وقالت :

" كرمك.. طيبتك.. حسن معاملتك لي.."


قلت :

" ولماذا أكون عكس ذلك..؟ "


ألتفتت لتنظر إلىّ بحركة سريعة وحادة ثم قالت :

" كنت عكس ذلك تماماً فى أول لقاء لنا.. "


أغلقت عينىّ متألماً فتابعت بحيرة :

" إننى أتسأل أى وجه فى هذين هو الوجه الحقيقى لكَ معاذ..؟ "


عدت أفتح عينىّ فوجدتها تنظر إلى البحر بشرود وحزن..

قلت :

" ألن تنسى هذا اللقاء أبداً..؟ "


فقالت ونظراتها تحلق بعيداً :

" إننى أحاول ولكن... نسيانه أصعب مما تتخيل.. "


قلت :

" أعدكِ بأننى سأفعل كل شئ لكى تتمكنى من نسيانه.. "


هزت أروى رأسها متفهمة وأشاحت بوجهها وراحت تنظر إلى البحر لبرهة من الوقت ثم حركت بصرها إلى قدميها وأخيراً رفعت نظراتها إلىّ وراحت تنظر مباشرة إلى عينىّ كما لو كانت تبحث

فيهما عن شئ ما..


قابلت نظراتها الحائرة بنظرات أشد حيرة.. حاولت بنظراتي أن أنفذ إلى أعماقها واسبر أغوراها.. ولكن.. الأفكار حصن حصين لا يمكن إختراقها بأى وسيلة ممكنة.. أو رُبما كان الحديث هو الوسيلة

الوحيدة..


رغم أننى خشيتُ أن يأتينى ردها مدمراً بالرفض غير أننى لم أملك سوي أن أقول باندفاع :

" أروى.. ما هى مشاعركِ نحوى..؟ "





~ ~ ~ ~ ~ ~

جفلت ، وقفز قلبي من مكانه هلعاً بمجرد أن سمعت سؤاله..


كان سؤاله مفاجئاً ومُربكاً وخشيتُ أن تفضحنى نظراتي فورايتها تحت الأرض وغلفت نفسي بهالة من الصمت.. وماذا عساى أقول..؟ هل أخبره بمشاعرى ليسخر مني..؟

هل أصارحه بحبى له ليسخر من مشاعر أبنة أمين الخزانة المراهقة..؟


لا.. لن أحتمل رؤيته يسخر منى.. لن أحتمل هذا أبداً..


مضى وقت طويل والصمت هو سيد الموقف وأخيراً سمعته يهذى ببضع كلمات ويقول :

" سؤال سخيف.. أليس كذلك..؟ أعتبرينى لم أسأله.."


رفعت نظراتي إليه فهالني ذلك الحزن المنبثق من عينيه.. والأسي المرتسم على ملامحه..!

وبقدر ما هالني بقدر ما أثار دهشتى وحيرتي..


فى الحقيقة إننى لم أشعر فى حياتي كلها بالحيرة بقدر حيرتي تجاهه.. كل شئ منه يصيبنى بالحيرة.. حديثه.. صمته.. نظراته.. وحتى ابتسامته تصيبنى بالحيرة..!


قال :

" أعتقد أنه يتوجب علينا أن نعود.."


وقبل أن أنطق بكلمة كان قد اختفى بداخل الكابينة وتركني فرسية لأفكاري كالمعتاد..


كان يوماً رائعاً فعلاً..


وانتهى..!





~ ~ ~ ~ ~


تتبع


الجُودْ ؛ 18-07-12 05:32 AM





~ 24 ~




شقت السيارة طريق العودة بينما كانت الشمس توشك على المغيب وقد خيم الصمت المهيب علينا فلم يقطعه سوى صوت التلاوة العذبة المنسابة من مذياع السيارة والتى خففت قليلاً من حدة التوتر ..!
حينما وصلنا إلى منزل معاذ أوقف سيارته بداخل الحديقة وألتفت لينظر إلىّ قائلاً :
" سأضع السيارة فى المرآب وألحق بكِ .. "

غادرت السيارة بخطوات متباطئة كأنما أحاول بهذا أن أؤجل لقائى المحتوم بتولان..
تمنيتُ من كل قلبى وأنا أقف عند الباب ألا أقابلها فى طريقى إلى غرفتى ؛ فقد كنت فى أمس الحاجة لأن أرتاح قليلاً وأرتب أفكاري المبعثرة ولكنها كانت أمنية مبتورة كتب لها ألا تتحقق.. وكانت تولان هى أول من صادفت بطريقى..
كانت فى طريقها إلى إحدى الغرف وكانت ترتدي سروالاً قصيراً وقمصياً عارى الأكمام مما أثار غضبي وزادني حنقاً..
توقفت تولان عن السير ورمقتنى بنظرة يغلب عليها الاستياء ثم قائلة بنبرة ساخرة :
" ها قد أتيتِ أخيراً.. كنا ننتظر قدومكِ منذ الصباح.."

رددتُ عليها :
" نعم.. كنا سنحضر فى الصباح ولكن قررنا أن نقوم بنزهة باليخت وأن نستمتع بالهدوء الذى نفتقده هنا.. "

أعتلاها الغضب بشكل واضح وهمت بقول شيئاً ما غير أننى سبقتها قائلة :
" تعلمين أن المنزل يضج بالخدم ومن الصعب أن نحصل على بعض الخصوصية بمنزلنا.."

أحتقن وجهها بالدماء وراحت ترشقنى بنظرات حادة غاضبة وشعرت بأن ثورتها تكاد أن تنفجر بوجهى فى أى لحظة غير أنها لم تلبث أن ابتلعت غضبها دفعة واحدة ورسمت على شفتيها ابتسامة واسعة حينما دلف معاذ إلى المنزل وقالت :
" أذن فقد قضيتم وقت طيب باليخت.. كم يسعدني هذا..! لكن كان يجب أن تخبرونا بهذا لكى لا نقلق عليكما.. أتصلت بكما مراراً وكان هاتفكما مغلقاً.."

رد عليها معاذ بحدة :
" لم نشأ أن يزعجنا أحداً.. كان يوم خاص بي أنا وزوجتي وحدنا.."

قالت تولان بنبرة خافتة :
" شئ جميل.. على أى حال أعتقد أنه من الأفضل أن تصعدا لترتاحوا قليلاً ؛ فبعد عدة ساعات قليلة سيحضر محمود وميار وبعض الأصدقاء ليقومون بتعزية أروى.."

هتف معاذ محنقاً :
" ومن أخبرهم بأن أروى ستعود إلى المنزل اليوم ..؟ "

قالت :
" لقد سألوني عنها فأخبرتهم بهذا و........ "

قاطعها معاذ ثائراً :
" ما كان يجب أن تحددى معهم موعداً دون الرجوع إلىّ تولان.. ألا ترين أننا بحاجة لأن نرتاح اليوم عوضاً عن استقبال الضيوف..؟"

ارتبكت تولان وقالت :
" لكن... أقصد... كنت أظن أنكما ستعودان باكراً.. "

قال معاذ غاضباً :
" ومع هذا كان يجب عليكِ أن ترجعى إلىّ قبل أن تقررى هذا من تلقاء نفسكِ.."

أطرقت تولان برأسها أرضاً وقالت :
" على أى حال فات الوقت على هذا النقاش.. "

رشقها معاذ بنظرة غاضبة ثم أمسك بيدى وقال وهو لازال يحدقها بنظرات غاصبة :
" هيا بنا أروى.."

وبمجرد أن دلفنا إلى الجناح حتى أغلق معاذ الباب وأتجه مباشرة إلى غرفته دون أن يتبادل معى كلمة واحدة.. كان يبدو غاضباً للغاية لذا فقررت اجتنابه وتوجهت بدورى إلى غرفتى وبدأتُ فى الاستعتاد لتلك الزيارة..
كان أخر ما أرغب به فى ذلك اليوم هو أن اضطر لاستقبال أصدقاء معاذ وخاصة فى وجود ميار ، ولكني رغماً عني اضطررتُ لذلك كارهة واستقبلت الجميع بابتسامة زائفة تحمل فى طياتها كثيراً من القلق والتوتر.. وفى أول فرصة سنحت لي تسللت إلى الحديقة الغارقة فى الظلام والسكينة.. بعيداً عن صخب حديثهم وزيفه..!
بالرغم من كل تلك المشاعر المبعثرة بداخلي وبرغم الضيق الذى يجثم على صدري بسبب وجود تولان.. وبرغم حيرتى تجاة تقلبات معاذ المزاجية.. وجدت الهدوء والراحة يتسللان برفق إلى نفسي بينما كنت اسير على العشب النادي واستمتع بعبير البنفسج الذى تزخر به الحديقة..
كم أعشق زهور البنفسج المخملية وكم يأسرني شذاها العطر..!
انحنيتُ لأقتطف بعض الزهور لأصنع منها باقة وأحملها إلى غرفتي ، وما كدت انتهى منها حتى استدرت عازمة الصعود إلى غرفتي لأضعها بإحدى المزهريات غير أننى لم ألبث أن توقفت بمكاني حينما لاحظت أننى لم أكن وحدي بالحديقة ؛ إذ أن تولان كان تقف على مقربة مني.. وذلك الظلام المخيم يحول دون رؤية تقاسيم وجهها واستنباط غرضها من تتبعى ..!

قالت :
" زهور البنفسج من أجمل الزهور.. طالما عشقت رائحتها ولونها.. "

وتقدمت نحوى خطوتين ثم تابعت :
" هل أخبرك معاذ من قبل إننى من طلبت زراعتها بالحديقة..؟ وكما ترين فهى لازالت تحتل أكبر بقعة فى الحديقة.. "

رددت عليها بحدة :
" لكننى أفضل زهور الياسمين ورُبما أعمل على استبدال زهور البنفسج بها.. "

سمعتها تطلق ضحكة قصيرة ثم تمد إحدي يديها لتتلاعب بخصلات شعرها بعصبية ثم تقول :
" حاولي.. رُبما استطعتِ بالفعل استبدالها.. على الأقل ستكون هذه هى بصمتكِ الوحيدة هنا.. ورُبما تكون الأخيرة.."

وليتها ظهرى وقلت :
" أعلم أنكِ تحقدين علىّ لأننى من تزوجت معاذ.. لذلك فلن أرهق نفسي بالرد عليكِ.."

قلت جملتى تلك وابتعدت عنها بضع خطوات ، غير أن الريح أتتنى محملة بصوتها وهى تقول بحدة :
" أذن فأنتِ صدقتِ تلك الكذبة وتظنين أن زواجكِ من معاذ سيستمر طويلاً.."

أثارتنى جملتها ولم استطع تجاهلها فألتفت إليها بحدة وصحت بها :
" بل إننى أوقن بأن زواجى منه سيستمر رغم أنف الجميع.."

فوجئت بها تضحك وكأننى ألقيت على سمعها نكتة طريفة قبل أن تقترب مني بخطوات بطيئة ثم تتوقف أخيراً على مقربة مني وتضع يدها على كتفى قائلة :
" غريب أن تقولى هذا وأنتِ تعلمين أنه تزوجكِ ليضم أبنه إلى حضانته.. "

قلت بحدة وغضب :
" هذا ما يصوره لكِ عقلك.. "

قالت مباشرة :
" أذن أخبرينى ما الذى يدفع رجل ثري مثل معاذ للزواج من أبنة أمين الخزانة المختلس..؟"

شعرت بطعنة قوية بصدري وبحثت عن أى شئ يمكننى أن ألقيه بوجهها فلم أجد إلا باقة الزهور الذى اقتطفتها والتى ألقيتها بوجهها مباشرة فما كان منها سوى أن هزت كتفيها وقالت :
" لن أعاقبكِ على هذا.. على أى حال الزهور ليست شئ مهين لأستاء إذا قذفتُ بها.. لكن مهلاً فلازال فى جعبتى الكثير لأخبركِ به.."

صحت بها :
" لن اسمعكِ.. أتركينى وشأني.."

غير أنها قالت :
" بل لابد أن تعرفي لكى لا تنخدعي أكثر من هذا بمعاذ.."

وليتها ظهرى واتجهت بخطوات واسعة إلى المنزل غير أن صوتها وصلنى رغماً عنى وهى تقول :
" لقد قرر معاذ أن يسحب دعوة حضانة أحمد وأن يرجعني إلى عصمته مجدداً.."

هزتنى جملتها وأجبرتني على التوقف بمكاني كما لو مخزون الطاقة بجسدى قد نفذ بغتة..
تابعت :
" سيشترى لى معاذ منزلاً جديداً يضمنا ثلاثتنا.. أنا ومعاذ وأحمد.. هذا بالطبع سيكون مؤقتاً.. إلى أن يتم إنفصالكما واسترجع مكاني بمنزلي.."

سمعت جملتها بوضوح غير أننى لم استطع فك طلاسمها وكأنها تتحدث بلغة غريبة عنى..
تابعت :
" لو كنت بمكانك لقررت أن أنسحب بكرامتي قبل أن أطرد.. أنصحك بأن تفكري بحديثى وأن تفعلى بنصيحتى.."

سمعت صوت حذائها يدهس العشب والأزهار المنثورة عليه وشعرت بكتفها يصطدم بكتفي بقوة وحقد ثم رأيتها من خلف دموعي المغرورقة بعينىّ وهى تتجه إلى الداخل بخطوات واثقة.. كأنها قد حققت غايتها وحطمت قلبي إلى إشلاء متناثرة..
وانتهى كل شئ..!

~ ~ ~ ~ ~


شعرت بسخافة قدومي مع هؤلاء حينما وصلنا إلى منزل معاذ ورأيت كيف الجميع يتعاملون وكأن شيئاً لم يكن.. وكأننا لم نأتي من أجل المشاركة فى العزاء وليس للأحتفال..
معاذ لم يبذل جهداً لأخفاء ضيقه بتلك الزيارة.. وأروى والتى حاولت أن تساير الجميع كان الحزن ينبثق من عينيها دون أن تقوى على إخفاءه.. واختلطت الأصوات ببعضها ودخان السجائر حتى لم يعد لدي القدرة على التنفس والتركيز.. وكعادتي انسليت منهم وتوجهت إلى الحديقة لاستنشق بعض الهواء النقي..
كان الظلام يشمل كل شئ إلا من ذلك المصباح الصغير بواجهة المنزل والذى بدد العتمة إلى حد ما فاستطعت أن أتبين تلك الخيالات بمنتصف الحديقة والتى لم أدرى ماهييتها سوى بعدما أقتربت منها.. لأفاجئ برؤية أروى برفقة تولان والتى راحت تصوب لها عبارات جارحة وتخبرها بذلك الحوار الذى سمعته مصادفة يوم وفاة والد أروى والذى أنكره معاذ أنذاك..
اختبأت خلف إحدى الاشجار التى تزخر بها الحديقة حينما رأيت تولان تتوجه بخطوات واسعة نحو المنزل ، فيما ظلت أروى واقفة بمكانها يغلفها الظلام ويحجبها عن الرؤية..
أقتربتُ منها قليلاً وتوقفت أمامها فرأيتُ الدموع تومض بعينيها وتوشك على الانهمار..
كانت فى حالة يصعب عليها وصفها.. كانت مصدومة وشاحبة كالموتي.. أو رُبما تلك الاضاءة الخافتة هى التى أوحت لى بهذا..
قالت بصوت مرتعش :
" سمعت ما قالته..؟ "

أطرقت برأسي وقلت : " أجل.."

قالت بتشتت فكر :
" هل كانت تكذب..؟ هل ستعود لمعاذ ثانية..؟ وهل سينفصل عنى لأجلها..؟"

أطرقت برأسي ولم يجد لساني ما ينطق به..
قالت :
" أجيبنى.. هل كنت غبية لهذه الدرجة..؟ لقد أرغمني معاذ على التزوج منه فى الوقت الذى كنت أعتزم الزواج بأخر لكنه أجبرني على الأنفصال عنه لكى نتزوج ويتسنى له ضم أبنه إلى حضانته.. كل حياتنا معاً ليست سوى مجرد مسرحية سخيفة.. تباً له.. لقد دمر حياتي.."

استمعت إلى حديثها مشدوهاً.. لا أكاد أصدق ما اسمع.. وكأنها تتحدث عن رجل أخر غير معاذ..
رُبما تلك الفترة التى قضتها معه بمنزله لم تكن كافية لتعرف معاذ.. أو رُبما تلك السنوات الطويلة التى مرت علينا لم تكن كافية لكى أعرفه..!

أفقت من أفكارى على صوت نحيبها ورأيتها تسقط أمامى على ركبتيها وتدفن وجهها بكلتا راحتيها وتجهش فى البكاء المرير..!
بقدر حبي السابق لصديق طفولتي.. الذى كنت أعتبره أكثر من أخى.. بقدر كرهى له فى تلك اللحظة التى سالت فيها دموع أروى بهذه الطريقة.. أردت أن أفعل أى شئ لتخفيف حزنها فقلت :
" أنهضى أروى.. لا تجعليها تحقق ما تسعى إليه وتغرقكِ فى الحزن والشك.. أنظرى لقد حطمت كل ثقتكِ بمعاذ فى لحظات لكى تدمر حياتكما وتجعلكِ خارج الساحة لتظفر بزوجكِ.. "

رفعت أروى عينيها المختنقتين بالعبرات وتسألت فى شك :
" هل كانت تكذب علىّ ..؟ "

قلت مؤكداً :
" طبعاً.. إن حالة تولان المادية ليست على ما يرام.. أظن أنها خسرت كل أموالها التى جنتها من معاذ ولهذا فإنها تريد العودة إليه بشدة ؛ فهى لا يهمها سوى أموال معاذ.. صديقنى أنا أعرفها جيداً.."

أطرقت أروى برأسها لبعض الوقت وبدت غارقة فى التفكير وليست واثقة من المستقبل.. كأنها فقدت الثقة فى كل شئ حولها..
قلت :
" هيا أروى أنهضى.. لا تدعيها تنتصر عليكِ.. أذهبى إلى الداخل وكأن شيئاً لم يكن.. وكما تحاربكِ بكل أسلحتها حاربيها أنتِ أيضاً وانتصرى عليها.."

نظرت إلى بيأس وضعف ثم قالت :
" لكني لا أملك أسلحة.. ولا شئ لدى أرد به عليها.."

قلت :
" ثقتكِ بنفسك وبزوجكِ أقوى سلاح أروى.. لا تجعلينها تشعر بأنها هزت ثقتكِ بزوجكِ.. هذه الطريقة التى يمكن أن تنتصرى بها عليها.."

بدأت أروى تكفكف دموعها فشجعتها قائلاً :
" عظيم ..! هيا أذهبى لتعدلى من وضع حجابكِ وثيابك.."

ومددت لها يدي لتستند علىّ وتنهض من مكانها فبدا عليها التردد للحظة ثم حسمت أمرها وأمسكت بيدى ونهضت..
وببطئ شديد اتجهت إلى داخل المنزل فيما ظللت واقفاً بمكانى ، فتوقفت بدورها وألتفت لتنظر إلى فى عجب ثم قالت :
" ألن تدخل أنت أيضاً ..؟"

ابتسمت وقلت :
" سألحق بكِ بعد قليل.. "

فما كان منها إلا أن استدارت وخطت خطوة نحو المنزل ثم خطوة أخرى ولم تلبث أن توقفت قبل أن تخطو الثالثة وألتفت لتنظر إلىّ..
نظرت إليها مستعجباً ومستفهماً فرأيت ابتسامة صغيرة على زواية فمها ثم قالت :
" شكراً لك.. "

وقبل أن أجيبها كان قد استدارت واختفت بداخل المنزل ..!


~ ~ ~ ~ ~




بينما كنت أدلف إلى داخل المنزل كانت سالى تهم بمغادرته متجهة إلى الحديقة وما أن رأتنى حتى بادرتنى قائلة :
" هل كنتِ فى الحديقة..؟ "

ارتبكت وألقيت نظرة على ثيابى المسخة ثم قلت :
" أجل.. لقد كنت....... "

غير أنها قاطعتنى قائلة :
" هل رأيتى محمود أذن..؟ لقد بحثتُ عنه بجميع أرجاء المنزل.. أخشى أن يكون قد أختفى كالمرة السابقة.. "

ثم اضافت قبل أن أعلق على حديثها :
" سأذهب لأبحث عنه فى الحديقة.."

حمدت الله فى سرى أنها لم تلاحظ ذلك الاضطراب بصوتي وعينىّ المحمرتين من البكاء..!
تسللت بعد ذلك إلى غرفتى بدون أن يشعر بي أحد وعدلت من وضع حجابى ومظهرى..
كنت أريد ألا أجعل تولان تشعر بأن كلامها قد أثر بي.. وقد فعلت..!
حينما عدت إلى غرفة الجلوس وبحثت بنظراتي عنها لم أجدها فأتخذت مكاني بجانب معاذ الذى منحنى ابتسامة صغيرة وقال :
" أين كنتِ ..؟ بحثتُ عنكِ طويلاً.."

قلت :
" شعرت ببعض الصداع فصعدت إلى غرفتى لأرتاح قليلاً.."

دقق معاذ النظر إلىّ ومد يده لتربت على يدى ثم قال بقلق شغوف :
" وهل صرت أفضل الأن..؟ أم تودين استشارة طبيب..؟ "

فى تلك اللحظة دلفت تولان إلى الغرفة واكتسح وجهها ضيق شديد حينما رأت يد معاذ الممسكة بيدي..
أشحت بوجهى عنها وعدت لأنظر إلى معاذ قائلة :
" طبعاً لا.. لست مريضة جداً.. أظننى أفضل كثيراً الأن.."

أطلق تنهيدة ارتياح قصيرة وشعرت بيده تنسحب من يدى.. فأمسكت بيده بحركة تلقائية لأمنعه عن سحبها لكى لا تتخيل تولان أنه سحب يدى من يدها مراعاة لشعورها..
تسللت بنظراتي إلى تولان فوجدت وجهها محمراً واوداجها منتفخة وتكاد تنفجر من فرط غضبها..
تولان ذات بشرة فاتحة وردية.. وحينما تغضب فإن وجهها يتحول إلى اللون الأحمر القاني.. كم هذا مضحك..!
ألتفت بعد ذلك إلى معاذ فوجدته ينظر إلىّ باسماً وسعيداً..!
شعرت بالخجل والتوهج معاً فهممت بسحب يدى غير أنه أطبق عليها بيده الأخرى وحال دون ذلك..!

بعد فترة قصيرة عاد محمود وبرفقته سالي وانضما إلينا فأقترح محمود المغادرة ووافقه الجميع..
واكتسح وجه سالي ضيق شديد ..!

~ ~ ~ ~ ~



الجُودْ ؛ 18-07-12 05:34 AM








25




وقفنا جميعاً نودع ضيوفنا فى الباحة الأمامية للمنزل.. وجميعاً هذه أعنى بها أنا وأروى وسالي فقط ؛ فتولان كانت مختفية بمكان ما.. ولا أعلم ماذا تفعل وحدها بالضبط ..؟ وكذلك لست مهتماً بأن أعرف..!
بعدما انصرف الجميع قالت سالى وهى تدلف إلى داخل المنزل :
" أشعر بالنعاس.. سأذهب إلى غرفتي لأنام على الفور.."

كانت الساعة تناهز الحادية عشر فقلت بدورى :
" ونحن كذلك سنذهب للنوم.."

وبينما كنا متوجهين إلى السلم خرجت تولان من غرفة الجلوس تترنح قائلة :
" إلى أين ستذهبون..؟ "

أجابتها سالى وهى تتثائب :
" سنذهب للنوم.. تصبحين على خير.."

قالت تولان مستنكرة :
" فى هذا الوقت المبكر.. إن الساعة لم تتجاوز الحادية عشر.. سهرتنا ستبدأ الأن.."

لم أتمالك نفسي وصحت بها :
" أى سهرة تلك التى تتحدثين عنها..؟ ألا تلاحظين أن أروى حزينة لوفاة والدها..؟"

ألتفتت تولان لتنظر إلى أروى ورمقتها بنظرة ضيق ثم قالت :
" فلتصعد هى إلى غرفتها إن شاءت ونكمل نحن سهرتنا.."

فقدت السيطرة على نفسي تماماً وتركت يد أروى ثم توجهت إليها صارخاً :
" اسمعى تولان.. إذا كان يجب عليكِ أن تبقى بهذا المنزل فيجب عليك أن تحترمي صاحبته وأن تراعي مشاعرها قبل أى شـئ و............."

بترت جملتى فجأة حينما أقتربت من تولان وشممت رائحة الخمر التى تفوح منها..
شعرت بنيران الغضب تضرم بصدري ومددت يدى لأقبض على زراعها وأعصره بين يدي بقوة وأنا أصيح بها :
" اللعنة عليكِ.. كيف تجرؤين على إدخال الخمر إلى منزلي..؟ أخبرتك مراراً أننا لا نتحمل عاداتك القبيحة تلك.. "

همت تولان بقول شيئاً ما غير أنها راحت تسهل بقوة فلم تستطع الكلام..
صرخت بها غاضباً :
" لقد صرتِ فعلاً لا تطاقين.. ولست مضطراً لأن أحتملكِ أكثر من هذا.. فلتعودي من حيث جئتِ أو تذهبين إلى الجحيم نفسه.. المهم أن تتركى منزلي هذا وأن تغربي عن وجهى.."

تقدمت سالى منى عدة خطوات تناشدنى أن أتركها قائلة :
" أتركها الأن.. إنها ليست بوعيها وأخشى أن يستيقظ أحمد على صوتكما ليراها بهذا الشكل.."

أفلتت زراعها من قبضتى فراحت تترنح فى وقفتها فتقدمت سالي لتدعمها وتمسك بها قبل أن تسقط..
قلت موجهاً حديثي لتولان :
" حسناً.. لنا حديث طويل غداً.."

ثم نظرت إلى سالى قائلاً :
" ساعديها فى الذهاب إلى غرفتها.."

توجهت بعد ذلك إلى الجناح فتبعتنى أروى إلى الداخل صامتة..
ألقيتُ بنفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث بقوة وأجاهد لألتقاط أنفاسي فيما راحت عينىّ ترقبان أروى التى كانت منشغلة فى إغلاق باب الجناح ثم راحت تتقدم منى بخطوات بطيئة مترددة إلى أن توقفت أمامى..
كانت تشبك يديها بتوتر وتنظر إلىّ مترددة ووجلة..!
مددت يدى وأمسكت بإحدى يديها فما كان منها إلا أن جثت على ركبتيها بجانبى ورفعت رأسها لتنظر إلىّ قائلة :
" هل أنت غاضب منى..؟ "

تعجبت وقلت :
" ولماذا أغضب منكِ..؟ "

قالت بتردد :
" لأننى صرت حملاً عليك ولأن وجودى هو السبب في.......... "

قاطعتها قبل أن تكمل جملتها :
" أنتِ لست حملاً علىّ قط.. تولان هى التى تثقل كاهلي.. لقد صارت غير محتملة على الأطلاق.."

أطرقت برأسي أرضاً لبعض الوقت ثم تابعت :
" لابد أن أضع حداً لوجودها هنا.. لقد طالت زيارتها أكثر مما ينبغى.."

اكفهر وجه أروى وحدقت بى بنظرة مبهمة ثم قالت :
" هل حقاً تريدها أن ترحل ..؟"

تعجبت من سؤالها ودققت النظر إليها محاولاً استباط ما وراء سؤالها فحلقت بنظراتها بعيداً..
ترى هل تراني أروى أكاد أطير من فرط سعادتى لوجود تولان بمنزلي..؟ ألم تلاحظ قط مدى ضيقى بوجودها..؟
قالت أروى لما استبطأت ردي :
" لماذا لا تجيب..؟"

قلت :
" لأن سؤالكِ غريب فعلاً.."

قالت بضيق :
" إذا كنت لا تريد الأجابة فأعتبرنى لم أسألك.."

قلت مستعجباً :
" ولماذا لن أريد الأجابة..؟ ظننت فقط أنكِ تعرفين.... "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" أنا لا أعرف أى شئ.. ولست واثقة من أى شئ.."

قلت :
" أذن.. هل ستصدقينني إذا أخبرتكِ ..؟"

بعثرت نظراتها هنا وهناك كأنما تبحث عن شئ ما ، ثم قالت :
" أجل.. "

قلت :
" إننى لا أكاد أطيق وجودها بمنزلي.. "

قفزت نظرات أروى لتقع على وجهى مباشرة ، مستنكرة وغير مصدقة فى آنٍ واحد كأنما كانت تنتظر جواباً أخر غير هذا..!
تابعت :
" بل إننى انتظر يوم رحيلها بفارغ الصبر.. وأتمنى أن ترحل اليوم قبل غداً.."

أطرقت أروى برأسها بعد ذلك ولاذت بالصمت لبعض الوقت..
قلت :
" هل تصدقيننى ..؟"

فلم يأتِنى رداً على سؤالي..
قلت :
" أقسم لكِ أن هذه هى الحقيقة.. إننى فعلاً لا أريدها بمنزلي.. إنها ذات طباع سيئة وعادات أسوأ.. لقد أخطأت خطأ كبيراً بزواجى منها.. وللأسف فهو خطأ غير قابل للإصلاح ؛ فنحن يربطنا طفل صغير.. وسيظل يربطنا طوال العمر.."

أعتقد أن ردى هذا لم يعجب أروى ؛ فقد بدا عليها الاستياء الشديد بعدما انتهيتُ من جملتى ، وإذا بها تنهض فجأة من مكانها وتقول بثورة عارمة :
" إذن ما رأيك بأن تعيدها إلى عصمتك مجدداً طالما أنك لن تستطيع التخلص منها بجميع الأحوال.. على الأقل لكى يتسنى لكما تربية أبنكما معاً.. "

تفاجأت من كلامها وحدقت بها مندهشاً وغير مصدقاً.. ولم يجد لساني ما ينطق به على أى حال..!

قالت أروى فجأة :
" سأذهب للنوم.. تصبح على خير.."

وقبل أن أعترض على ذهابها أو حتى أجيب تحيتها كانت قد دلفت إلى غرفتها واغلقت بابها.. بل وأصدته أيضاً.. وهو أمراً زادني غضباً فوق غضبي..!
أعدتُ التفكير فى جملتى مراراً وقلبتها فى عقلي من جميع الجهات لأعرف ما الذى سبب لها الضيق هكذا غير أننى لم أتوصل لحل على الأطلاق..؟!


~ ~ ~ ~ ~ ~


مجرد أن يقرن معاذ اسمه بتلك الشقراء يسبب لى ضيق شديد.. فما بالكم به وهو يقول لى أن ثمة طفل يربطهما معاً إلى الأبد..؟
بعيداً عن ماهية تلك الرابطة.. فإن أى أشارة لأن هناك رابط ما بينهما يكاد يرسلني إلى الجنون..
أعتقد أننى بالغت كثيراً فى استيائى.. وأننى تسرعت كثيراً فيما قلته لمعاذ لكننى لم استطع السيطرة على إنفعالاتي بطبيعة الحال..!

حاولت النوم تلك الليلة لكننى كالمعتاد ظللت أتقلب فى فراشي طويلاً دون أن يطرق النعاس بابي واستسلم له..
كانت أفكارى مشوشة وعاصفة.. وكنت مكبلة اليدين أمامها فراحت تتلاعب بي وتتقاذفني طوال الليل.. حتى الساعات القليلة التى قضيتها فى النوم كانت أحلامى تمتزج بأفكاري.. وكانت كلها تدور حول تولان..
تباً لها.. لقد أقتحمت المنزل وأقحمت أنفها في كل كبيرة وصغيرة فيه كأنها هى صاحبته.. حتى إنه وصلت بها الجرأة لأن تقتحم أحلامى أيضاً..!
استيقظت باكراً جداً فى اليوم التالي ورغم هذا فقد وجدت أن معاذ قد سبقنى فى الاستيقاظ وهبط إلى الأسفل..
مررت فى طريقى بغرفة الجلوس فوجدتها خالية إلا من إحدى الخادمات والتى كانت منهمكة فى تنظيفها..
سألتها عن معاذ فأخبرتنى بأنه بغرفة المكتب.. شئ طبيعى أن يكون بغرفة المكتب لكن الغير طبيعى أن تكون تولان معه أيضاً وهذا ما أخبرتنى به الخادمة.. وهذا أيضاً ما جعلنى أسارع بالذهاب إليهم..
كان الباب مغلق حينما وصلت إلى المكتب فجن جنوني وسارعت بإقتحام الغرفة دون إستئذان وما كدت أفعل حتى أدركنى الندم ؛ فقد كان معاذ وحيداً بالغرفة يطالع إحدى الكتب ولا أثر لتولان بالغرفة على الأطلاق ..!
قال معاذ باسماً :
" صباح الخير.."

شعرت بالخجل من نفسي وتوهجت وجنتىّ خجلاً ثم أجبتُ تحيته بصوت خافت وقلت :
" أخبرتنى الخادمة أنك هنا وأن.......... "

أزدردت ريقى ثم تابعت :
" وأن تولان برفقتك.."

أغلق معاذ الكتاب الذى كان يطالعه ثم قال :
" أجل.. كانت هنا وأنصرفت لتوها.. "

ونهض من مكانه وأقترب منى بضع خطوات ثم قال :
" إنها بغرفتها تضب أغراضها.."

تفاجأت وابتهجت فى آن واحد وصحت فرحة :
" حقاً..؟ هل ستعود بلدها..؟"

صمت لبرهة ثم قال :
" أجل.. سنتخلص منها أخيراً.. "

وأضاف :
" أتفقنا أن تأخذ معها أحمد وسنستمر فى القضية ونرى ماذا يمكن أن يحدث..؟"

تعجبت كثيراً وقلت :
" هل ستتركها تأخذه ثانية ..؟ "

قال :
" مؤقتاً.. إلى أن يحكم القاضي لى.. المهم أنها ستذهب الأن.. هذا ما يهمني.."

بعد فترة من الزمن أقبلت تولان وبرفقتها الصغير وقالت لمعاذ :
" لقد صرنا جاهزين.. هل ستطلب من السائق أن يقوم بتوصلينا أم..... ؟"

قاطعها معاذ قائلاً :
" سأقوم بتوصيلكما فى طريقى إلى الشركة.."


~ ~ ~ ~ ~


أخيراً تخلصت من الشقراء وصار المنزل خالياً.. ياله من خبر رائع استهل به صباحى..!
أردت أن أذهب لأخبر سالى بهذا الخبر العظيم لكنها كانت لاتزال نائمة ، فقررت أن أجلس لأشاهد فيلماً حتى تستيقظ من نومها.. ولم تكد تمر نصف ساعة حتى وجدت سالى تدلف إلى الغرفة قائلة :
" هل ما سمعته صحيح..؟ هل قررت تولان العودة إلى بلدها حقاً..؟ لقد كدت أفقد الأمل فى هذا.."

ابتسمت وقلت مازحة :
" أطمئنى.. إنه خبر صحيح بدرجة مائة فى المائة.. لقد تخصلنا منها أخيراً وذهب معاذ ليوصلها ويطمئن على ذهابها وأنها لن تعود ثانية.."

أعدت تشغيل الفيلم فيما راحت سالي تتصفح إحدى مجالات الأزياء التى كانت تولان تتابعها بشغف حتى أصابها الضجر فألقت بها جانباً وقالت :
" ما رأيك بالذهاب إلى النادي..؟ اليوم ستقام مباراة لكرة القدم بالنادي.. "

وصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" وبالتأكيد فإن محمود سيحضر المباراة حتى لو كان لديه أعمالاً مهمة.. "

وابتسمت ثم تابعت :
" إنه شغوف بكرة القدم.. لا يستطيع أن يفوت إحدى المباريات بالنادي.. إننى أتعجب لماذا لم يفكر باللعب طالما هو يحبها هكذا..؟ إنه أحياناً يثير جنوني وليس حيرتى فحسب..!"

قلت :
" رُبما يفضل المشاهدة عن بعد أكثر من اللعب.."

قالت بشرود :
" رُبما.."

ثم اسندت رأسها إلى يديها ومرفقيها إلى قدميها وتابعت :
" على أى حال ليس سهلاً أبداً أن تعرفي ما يدور برأس محمود.. إنه يمتلك من الغموض ما يكفى لبلدة كاملة لو وزع عليها.. فهو لا يكاد يتحدث عن نفسه إلا نادراً.. بل إنه لا يتحدث عن نفسه إطلاقاً.."

تذكرت لقائنا الأول بذلك المقهى بباريس وتعجبت كثيراً حينما تذكرت حديثه معي وكيف أنه أخبرني يومها بأشياء كثيرة عن نفسه رغم أنه لم يكن يعرفنى بعد..
رُبما كان ما جعله يخبرنى بتلك الأشياء هو إعتقاده بأننا لن نلتقى ثانية.. هكذا يكون لقاء الغرباء.. فكلاهما على يقين بأنهما لن يلتقيا ثانية ولذلك فإن كلاهما إذا تحدث فالأمر يكون أشبه بمن يلقى بأسراره إلى البحر ليبتلعها بجوفه ولا يلفظها إلى الأبد..!

تابعت سالى بشرود :
" أحياناً أتمني لو يولينى بعض الأهتمام ويتحدث إلىّ قليلاً.. لكنه لا يكاد يشعر بوجودى.. إننى مجرد خيال بالنسبة له رغم إننا أصدقاء منذ الطفولة.. لقد تربينا معاً تقريباً ومع هذا فهو غامض معى أيضاً.."

قلت :
" أغلبية الأطباء النفسيين يفضلون الاستماع إلى الناس وهم يتحدثون عن أنفسهم وليس العكس.."

قالت :
" يقولون أن أغلبية الأطباء النفسيين هم أنفسهم مرضى نفسيين.. وأظننى أميل لهذا الإعتقاد رغم ثقتى بأنه خاطئ تماماً.."

ابتسمت وقلت :
" جملة متناقضة تماماً.."

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ألم أقل لكِ أنه أحياناً يثير جنوني..؟!"

أطرقت برأسها أرضاً وراحت تحدق فى اللاشئ لبرهة من الوقت..
هممت بالأنسحاب إلى غرفتى غير أنها رفعت رأسها ونظرت إلىّ بتردد ثم قالت :
" أريد أن أخبركِ بشئ ما........ لكننى مترددة إلى حد ما.. ليس لعدم ثقتى بكِ.. ولكني أحياناً أشعر بأن هذا الأمر مستحيل تماماً.."

كنت أعرف تقريباً عن أى شئ تريد التحدث ؛ فقررت أن أبادر أنا لكى أشجعها على الحديث فقلت :
" تقصدين مشاعركِ نحو محمود.."

سقطت أنظارها فجأة على الأرض وتوردت وجنتاها خجلاً ثم قالت :
" هل كنتِ تعرفين..؟"

أومأتُ برأسى قائلة :
" كل شئ بكِ يتغير بمجرد حضوره.. نظراتكِ.. ابتسامتكِ.. حديثك.. وحتى صمتكِ.. تبدين مضطربة فى وجودة.. ومنبهرة به كثيراً.."

قالت وهى لازالت مطرقة برأسها :
" هذا بالضبط ما أشعر به.. إنه ذو شخصية قوية وعقلية رائعة تبهرني كثيراً.. وتربكني أكثر.. "

وصمتت لبرهة ثم أضافت بأسي :
" لكنه لا يشعر بى على أى حال.. ولا أظن أن قلبه هذا قد خفق لفتاة قط.. أو سيخفق يوماً ما.. إنه حب بائس أتمني التخلص منه سريعاً.."

قلت :
" أذن لا تستسلمى وقاومى مشاعركِ نحوه بكل قواكِ.. "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ليتنى استطيع.."

قلت مُشجعة :
" ستستطيعين.. فقط أبدأى من الأن ولا تلتقى به ولو مصادفة.. هذه هى أول خطوة وستكون أصعب خطوة كذلك.. وبمرور الوقت ستكتشفين أن مشاعركِ نحوه خبت وماتت.."

بدا عليها التفكير العميق فلم أشأ أن أقطع تفكيرها وتسللت عائدة إلى غرفتى وكلى ثقة بأنها لم تشعر بغيابي..!




~ ~ ~ ~ ~

تتبـــــع

http://rewayat2.com/vb/images/yahoo_smilies/1.gif




الجُودْ ؛ 19-07-12 05:59 AM







26



لم أكن بحاجة لأن تخبرني سالى عن مشاعرها نحو محمود ؛ فقد كانت مشاعرها تكاد تنبثق من عينيها ، وتمتزج بكل لمحة من ملامحها ..؛
فالمرأة - أى مرأة - مستحيل أن تنجح فى إخفاء مشاهرها تجاه من تحب ، وإن فعلت فبمجرد أن تلتقي بمن تحب تنخلع عنها قوتها دفعة واحدة ولا يعد هناك مجال سوى للضعف الأنثوي المعروف ..!

رغم أن ما قلته لها كان قاسياً بعض الشئ غير أننى كنت بداخلي أشعر بعطف شديد عليها وعلى حالها التعس..؛ فأنا أعرف صعوبة أن تكون مشاعرك كلها تتجه إلى شخصاً لا يبادلك مشاعرك.. وكيف لا أعرف ذلك وأنا غارقة به حتى أُذنيّ..؟
ليتنى استطيع تطبيق نصيحتى لسالى والابتعاد عن معاذ بدوري.. ليتنى أتمكن من إنتزاع حبه من قلبى ومن كل خلية حية بجسدي.. ليتنى أنساه..!

تركت سالي فى زوبعة أفكارها وتناقضات مشاعرها وانسليت عائدة إلى غرفتى ثم استلقيت على الفراش وحدقت بالسقف فهاجمتنى الأفكار ببراثنها وراحت تلقينى وتلقفنى دون أن أملك شيئاً حيالها..!
فى الأونة الأخيرة عرفت معاذ أخر غير ذلك الذى طردني من منزله وأرغمني على الزواج منه..؛ فهذا الذى أراه الأن هو شخص يختلف عنه تماماً.. أو رُبما هو لم يختلف وأنا التى أختلفت كثيراً عن ذى قبل..؛ فتلك العينين لم تعد تبصره ذلك القاسي المتعجرف.. بل لقد صرت أراه متواضعاً وطيب القلب إلى درجة كبيرة..!
لكن.. تُرى كيف يبصرني هو..؟ ألازال يجد بي الوسيلة التى ستجعل أبنه يربي تحت كنفه..؟
ألازال عازماً على التخلى عنى بمجرد أن يضمن وجود أبنه معه..؟
أم أن لمشاعري له صدى بقلبه..؟
نهضت من فراشي بغتة ودفنت وجهى بين كفي بحنق..؛
أى هراء هذا الذى أفكر به الأن..؟ بالطبع نظرته لى لم ولن تتغير.. كم أنا ساذجة لأتصور أنه يمكن أن يكون يبادلني مشاعري..! كم أنا غبية..!
لقد كان يحب الجميلة التركية التى تملك كل شئ ينقصنى فكيف له أن يحبنى أنا..؟ كيف له أن يحب فتاة فقيرة لا تمتلك أى شئ على الأطلاق..؟
يبدو أن تواجدى فى هذا المنزل وإرتدائى لهذه الثياب اللعينة جعلنى أنسى من أكون..؟ إننى لست سوى أبنة أمين الخزانة.. ذلك الرجل الفقير الذى لا يملك سوى قوت يومه.. وهو صاحب هذا القصر العظيم ورجل من عائلة راقية لا تحلم بمصافحته أجمل الفتيات وأكثرها ثراءاً..!

غادرت غرفتى بحثاً عن سالي.. وهرباً من غياهب أفكاري التى تكاد ترسلني إلى الجنون ، ومن ذلك الجرح الغائر بقلبي والذى لا شفاء له على ما يبدو..!
رباه ما الذى أتى بى إلى هذا القصر..؟ ليت قدميّ شلتا قبل أن أخطو أول خطوة بهذا المنزل..! ليتنى لم أقبل بعرض معاذ ذلك اليوم..! ليت معاذ يتركني أمضى إلى حال سبيلي ويكمل هو حياته كما يشاء..! بل ليت القضية اللعينة تنتهى حتى يتسني لى الأنفصال عنه..!
أدركني خوف شديد بمجرد تفكيرى بالأنفصال عنه.. ترى هل سأستطيع أن ابتعد عنه..؟ وهل سأنساه..؟
سحقاً.. كيف استطاع أن يتغلغل حبه بقلبى إلى هذه الدرجة..؟
أشعر أننى بدونه سأكون كالسمكة التى أخرجت من المياة وباتت عاجزة عن التنفس..!

أفقت من أفكاري حينما وصلت إلى غرفة الجلوس ورأيت سالي جالسه بها وتتحدث بالهاتف.. ومن تورد وجنتاها أيقنت أنها تحادث محمود.. وأنها مثلي تصارع قلبها بلا أمل فى أن تتلقى طوق النجاة..!

قالت بعدما انتهت من المكالمة :
" هو من أتصل بي.. أنا لم أحادثه..! "

كانت خجلة ومضطربة ، فصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" إنه يؤكد علىّ الحضور إلى المباراة.. "

ومطت شفتيها ثم بعثرت نظراتها على الأرض وأتمت جملتها :
" لم استطع الرفض بطبيعة الحال.. كان مُصرّاً على أن أحضر.. لقد تحججت بأنكِ ستكونين وحدكِ بالمنزل فقال لي دعيها تأتي معكِ.."

قلت باندفاع :
" لِم لا..؟ إننى بحاجة لاستنشاق هواء نقي.."

ذهبت سالي لتحضر السيارة من المرآب فيما وقفت بانتظارها بالحديقة.. كانت أشعة الشمس دافئة ورائحة الزهور والعشب النادي تعبق المكان غير أننى شعرت بها تخنق أنفاسي أكثر وأكثر.. وكلما تذكرت ذلك اليوم المشؤوم ووجه تلك الشقراء الذى كان يختفي تحت الظلام كلما شعرت بخنجر حاد ومسنون ينغرس بقلبي يؤلمني..

بينما كنت غارقة بأفكاري إذا بسيارة معاذ تتوقف أمام المنزل وإذا به يغادرها متجهاً نحوى بخطوات واسعة..
قال وهو ينقل بصره إلى حقيبتى :
" كنتِ على وشك المغادرة..؟"

حاولت أن أجيبه ولكن صوتي أختنق بحلقى من المفاجأة ومن فرط إرتباكي ، فأكتفيت بالإيماء برأسي وحرت فى تفسير نظراته.. أهى نظرة غضب أم أننى توهمت ذلك..؟
قال :
" إلى أين تنوين الذهاب..؟ "

قلت :
" إلى النادي.. سأذهب برفقة سالي.."

قال بنبرة غريبة :
" عظيم.. أتمني لكِ يوماً سعيداً.. "

واستدار وخطا خطوتين ثم توقف قبل أن يخطو الثالثة واستدار عائداً إلىّ..
دققت النظر إليه فى انتظار ما سيقوله ، غير أن سالي تقدمت منا بسيارتها ولوحت لنا فأتجهت نظراته إليها وقال :
" حسناً.. إنها فى انتظاركِ.."

وليته ظهرى واتجهت نحوها بضع خطوات فاستوقفنى نداءه ، وحينما استدرت لأنظر إليه قال :
" انتبهوا لأنفسكم جيداً.."

وكالمعتاد تعثر صوتي بحلقى ولم أملك سوى الإيماء برأسي..

~ ~ ~ ~ ~


دلفت إلى الساحة لمتابعة المباراة بعدما وقفت طويلاً فى انتظار حضور سالي وأروى ويأست من حضورهما..
كانت المباراة فى بدايتها فرحت أتابعها بشغف كعادتي ، ومن حين لأخر ألتفت لأنظر حولي وأترقب حضورهما.. وأخيراً حضرا ودلفا إلى الساحة وسرعان ما أنضما إلىّ ورحنا نتابع المباراة سوياً ،،
بعدما انتهت المباراة سرناً قليلاً بالنادي بلا هدف واستقرينا على طاولة صغيرة بالمقهى ؛
وبينما كانت سالي تهم بالجلوس إذا بميار تقبل نحوها وتغرقان فى حديث طويل انتهى بأن انضمت سالي إلى طاولة تضم أصدقاءها.. فيما بقيت وحدي أنا وأروى.. وكالمعتاد كان الصمت هو سيد الموقف..
لست أدرى لِم بدت لي أروى مختلفة تماماً عن أخر لقاء لنا..؟!
أتذكر أنها ذلك اليوم بعدما قالته تولان لها وبعد حديثي معها ، بدأت تستعيد ثقتها بنفسها وبمعاذ وتحارب تولان بكل قواها..؟!
لكن تلك الفتاة الجالسة أمامي الأن والتى يطغو الشحوب على وجهها والحزن على قسماتها تختلف بدرجة مائة بالمائة عن تلك الأخري..
لم يبد لي أن أروى تشعر حتى بوجودي بجانبها ؛ وكأننى مجرد طيف أو ظل لأحد الأشخاص.. فقد حلقت بنظراتها بعيداً جداً ، إلى تلك الطيور التى تعانق السماء.. وإلى السحب الهشة المتقطعة والسماء الزرقاء..!
قررت أن أبادر بالتحدث إليها وأن ألتقطها من السماء فقلت :
" لازالت تولان تثير غضبك..؟ "

وكأنما صوتي قد جعلها تسقط من السماء إلى الأرض بدون مظلة تقيها السقوط من ذلك الأرتفاع الشاهق..
ألقت علىّ نظرة كحد السكين ، وكأنني لمست وتراً حساساً بداخلها ، ثم لم تلبث أن حادت عنها إلى الأرضية الرخامية اللامعة.. بل أسفلها..!
قالت أخيراً :
" لقد ذهبت تولان.. عادت إلى بلدها.."

لم تكن دهشتى بسبب ما خبرتنى به للتو بقدر ما كانت بسبب ذلك الحزن الذى يعتريها ، والذى برأيى لم يعد له سبباً.. لقد ذهبت تولان.. ومن المفترض أن يذهب معها ما يؤرق أروى..!
قلت :
" أذن فقد عادت تولان.."

أومأت برأسها ونظراتها لا تزال مبعثرة فى الأرجاء.. وكأنما تبحث عمن ينتشلها من بحر الضياع الذى فقدت بأعماقه ،،
قلت :
" عظيم..! أظن أنكِ سعيدة بهذا.. "

فابتسمت.. وكانت ابتسامتها أبعد ما يكون عن السعادة والمرح ؛
قالت بألم :
" ولماذا يجب أن أسعد..؟ ما الذى يدعو للسعادة..؟ لقد ذهبت تولان.. لكن الذكريات الأليمة تلاحقني باستمرار.. ذكريات بداية لقائي بمعاذ وزواجى منه.. بداية المسرحية السخيفة التى لا تريد أن تنتهى.. "

قلت بتردد :
" وهل تريدين لها أن تنتهى..؟ "

لم تكن بحاجة لتجيبني فقد أطل جوابها واضحاً من عينيها ونظراتها..
قالت :
" هذه سخافة.. فكل شئ بالدنيا مصيره الانتهاء.. لا شئ سيبقى أبداً.. لا شئ.. "

وعادت بنظراتها إلى السماء كأنها تشكو إلى الله وتتضرع له..
كأنها تسأله أن يعاونها على النسيان ومقاومة حبها البائس..؛
قلت :
" ما الذى يعجلكِ يائسة هكذا..؟ لماذا لا تفكرين بأن مشاعركِ هذه رُبما يكون لها صدى بداخله..؟ "

فقالت مباشرة :
" مستحيل..، فبيننا بحر عميق لا يمكن تجاوزه قط.."

وأضافت :
" ليس شرطاً أن يكون الحب متبادلاً.. وأن تنتهى الرواية بزواج البطلة من البطل..؛ بل إن النهاية الدارجة لقصص الحب هى الفراق.. هذا هو الواقع الذى لم أبصره بعينىّ سوي مؤخراً..؛ "

لمحت بطرف عينى سالي وهى تغادر طاولة صديقاتها وتتجه نحونا وألتفت أروى لتنظر إليها بنفس اللحظة ثم تابعت :
"اليوم اكتشفت أننى لست وحدي من أعاني من ذاك الحب التعس.. بل إن حتى من يملكون كل شئ يقفون أمام الحب مكتوفي الأيدي..،"

لم افهم بالضبط إلى ماذا كانت أروى تلمح بحديثها..؟ لكن كان لدي يقين بأن جملتها الأخيرة لم تكن عبثاً..!
قلت :
" المشاعر ليست سلعة تملك بالمال..، وليس شرطاً أن يكون الإنسان ثرياً لكي يكون محبوباً.."


~ ~ ~ ~ ~


بمجرد أن دلفت إلى الجناح ألقيتُ بجسدي على أقرب مقعد بتهالك ونزعت عن قدمىّ حذائي ذو الكعب العالي لأريح قدميّ المنهكتين..،
وبينما كنت أهم بوصع الحذاء على الأرض شعرت بحركة ما بالداخل.. وتحديداً من غرفة معاذ..!
أتجهت بدون تفكير نحو غرفته وطرقت بابها عدة طرقات خفيفة ، ولمّا لم يأتِني جواباً مددت يدىّ إلى المقبض وأدرته ثم فتحت الباب فتحت صغيرة وأطللت برأسي منه فوجدت الغرفة خالية ولا أثر لمعاذ بها..!
أعتقدت أنه قد يكون بالشرفة أو بدورة المياة فناديتُ عليه بصوت خرج رغماً عني مبحوحاً خافتاً ، وأيضاً لم أتلق منه رداً..!
مددت يدى ثانية إلى مقبض الباب وهممت بإغلاقه غير أننى لم ألبث أن تراجعت فى اللحظة الأخيرة..
طالما كان لدي فضول نحو تلك الغرفة ، وقررت أخيراً أن أشبع فضولي نحوها ودلفت إليها بخطوات مُرتبكة مترددة ، كأننى مجرم على وشك إرتكاب جريمة..
كانت الغرفة مؤسسة على أحدث طراز وكانت تشبه غرفتي إلى حد كبير عدا عن ألوان الحائط الغامقة وشراشف السرير التى تماثل ألوان الحائط وتعكس ذوق صاحبها..!
تقدمت بضع خطوات من السرير والذى كان يوحي بأن شخصاً ما كان مستلقياً عليه دون أن يندس تحت الأغطية..
رُبما صعد معاذ إلى غرفته بعد إنصرافنا وأراح جسده لبعض الوقت ثم انصرف قبل حضوري.. ورُبما كان لازال بالمنزل وسيعود فى أى لحظة..
استدرت عازمة الانصراف قبل أن يعود معاذ فلمحت أثناء مرورى زجاجات العطر المصفوفة على الطاولة فتوقفت أمامها ومددت يدى لألتقط إحدى الزجاجات ورششتُ قليلاً منها فأقتحمت أنفي رائحة العطر الرجولي المميز..
فى تلك اللحظة انبعث صوت سعال من خلفي جعلني انتفض بشدة وتسقطت من يدي زجاجة العطر لتتحطم على الأرضية الملساء ويتناثر الزجاج فى الأرجاء..!
وهنا سمعت صوت معاذ من خلفي يقول :
" أسف.. لم أقصد أن أفزعكِ.. كنت فقط أنبهكِ لوجودي.."

ألتفت بسرعة إليه وقلت متلعثمة :
" ظننتكَ لست هنا.."

أدركتُ بندم ما تنطوي عليه جملتى من معاني فاستدركت مسرعة :
" أقصد أننى ظننتكَ بالداخل ولهذا طرقت الباب ولمّا لم أجدك............."

لم أتم جملتي وشعرت بالحرارة تتصاعد إلى رأسي من شدة خجلي ، بينما قال معاذ :
" ولمّا لم تجدينى انتهزتِها فرصة لتعبثي بأشيائى.. وها هى نتيجة فضولكِ..."

نظر إلى الزجاج المثتناثر ثم أتم جملته :
" تحطمت بسببكِ زجاجة العطر المفضلة لدي.."

إزداد توهج وجهى أكثر وغمغمت بأسف :
" أنا حقاً أسفة.."

ابتسم معاذ قائلاً :
" لا عليكِ.. إننى مُمتن لكِ فى الحقيقة ؛ فأنا أكره هذا العطر للغاية.. فقط كنت احتفظ به لأنه هدية من تولان.."

رفعت نظراتي المستنكرة إليه وصحت بغضب واندفاع :
" أذن فمن الجيد أنه تحطم.."

قال معاذ :
" لكن رائحته القوية تعبق الغرفة مما سيذكرني بتولان رغماً عني.."

شعرت بغضب شديد من حديثه فإستدرت لأعود إلى غرفتي وأفجر غضبى بأى شئ بها غير أن معاذ اعترض طريقي وسد فتحة الباب بجسده..
قلت :
" أرجوك دعني انصرف من هنا.."

وأرسلتُ نظراتي إلى الأرض فى حين كنت واثقة أن عينيه تتأملانني بتفحص..،
قال :
" لماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟"

نظرت إليه وصحت بغضب :
" لا تجعل خيالك يصورلك أشياء غير موجودة.."

اكتسح وجهه ضيق شديد وقال :
" خيالي ليس خصباً لهذه الدرجة.. أعلم إلى أى درجة تكرهينني.."

ثم أضاف :
" على أى حال لقد كنت أمزح..؛ فهذا العطر ليس هدية من تولان أو من أى شخص أخر.."

قلت محنقة :
" حسناً.. والأن هل تسمح لي بالانصراف..؟"

تنحي جانباً ليتسنى لي الخروج من الغرفة ثم قال :
" لم تخبريني كيف كانت نزهتكِ..؟"

قلت : " كانت جيدة.."

وسارعت بمغادرة الغرفة والتوجه نحو غرفتي ،، وبينما كنت فى منتصف الطريق وصلني نداء معاذ فتوقفت بمكاني فى حين راح صوت خطواته يقترب مني مبدداً الصمت الرهيب المخيم على الأجواء..،
ولمّا صار أمامي توقف لينظر إلىّ بنظرات مبهمة فقلت : " ماذا هناك..؟"

فقال بصوت أجش :
" لماذا لم تخابريني لتخبرينى بوجهتكِ..؟"

لم أتوقع أن يسألني هذا السؤال بالذات فأرتبكت ولم أدري ما أقول..؟ فما كان منه إلا أن أعاد السؤال بنفاذ صبر وضيق صدر ، فقلت :
" لأننى لم أتوقع أن هذا قد يهمك فى شئ.."

ندمت على جملتي بمجرد أن تفوهت بها فقد أحتقن وجهه بغضب وهتف محنقاً :
" رُبما نسيتِ أنكِ زوجتي وأن أمركِ يهمني.."

جملته تلك أثارت غضبي فقلت بإندفاع :
" رُبما نسيت أنت أننا الأن وحدنا وما من داع للإستمرار فى تلك المسرحية السخيقة..؛ فلا أنا زوجتك ولا أنت زوجي.. ووجودي هنا ليس إلا لسبب معين بمجرد أن ينتهي سننفصل.."

أدركني الهلع حينما حدجني معاذ بنظرة صارمة وعينين تطل منهما ألسنة النيران وتكاد تلفح وجهي ، وإذ به يدور حول نفسه بغضب ويصر على أسنانة بقوة ثم يكور قبضته كأنما يتأهب لضربي ..،
تراجعت إلى الخلف عدة خطوات بفزع ، غير أنه صاح بي :
" انتظري.."

أتاني صوته بارداً كالثلج مما جعلني أتجمد بمكاني مذعورة وعاجزه عن الحراك..
قال بصوت أجش :
" لم انتهي بعد من كلامي.."

وأضاف :
" فى المرة المقبلة أرجو أن تخابرينى إذا قررتِ الخروج ، ولي كامل الحرية فى الموافقة أو الرفض ، وعليكِ أنتِ أن تنصاعي لرغبتي مهما أياً كانت.. أفهمتِ ما قلت أم أكرره لكِ..؟"

ازدردتُ ريقى بصعوبة وقلت :
" فهمت.. أهناك شئ بعد..؟"

فقال :
" إذا سمعتكِ مرة تكررين هذا الكلام الفارغ فسوف لن تكون العواقب حميدة أبداً.. أنتِ زوجتي.. وأنا زوجكِ رغماً عنكِ.. ولن أتخلى عنكِ قط.. لا شئ بالدنيا سيجعلني أنفصل عنكِ أبداً.."

حينما انتهى من جملته استدرا عائداً إلى غرفته وأغلق بابها بقوة انتفض لها جسدي..
رفعت يدى برحكة تلقائية وتحسست ضربات قلبي المتتابعة ، فى حين كانت جملته الأخيرة لاتزال تتردد بأذنيّ وتصم أُذنيّ..
"لا شئ بالدنيا سيجعلني أنفصل عنكِ أبداً.."
رغم أنه قالها بصوت يخلو من الرقة والعاطفة غير أنها تركت أثراً عميقاً بقلبي رغماً عني.. لم تنجح الأيام فى محوه..!

~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبع





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:02 AM










27



كانت الساعة تناهز الحادية عشر حينما سمعت هذا الطرق الخفيف على باب غرفتي..،
توقعت أن يطالعني وجه معاذ فيما كنت أفتح الباب لكن خاب توقعي..؛ فالطارق لم يكن سوى سالي والتى بادرتنى قائلة :
" ننتظر قدومكِ منذ وقت طويل.. ألن تهبطي لتناول العشاء..؟ "

لدى ذكر سالي للطعام تحركت أمعائي وصدرت عنها صرخة جوع ، فتذكرت أننى لم أتناول طعام الغداء إلى الأن..!

سألتها :
" هل معاذ بالأسفل..؟ "

أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت :
" طبعاً.. إنه ينتظرنا الأن.. "

قلتُ :
" أذن سأضع حجابي وألحق بكِ.. رجاء لا تنتظروني وتناولوا طعامكم لحين حضوري.."

ارتديت حجابي على عجل ووضعته على رأسي كيفما أتفق ثم سارعت إلى الأسفل..
كنت أخشى أن يذهب معاذ إلى أى مكان قبل أن ألتقى به.. وكان متوقعاً أن يختفي كما هو الحال منذ حديثنا الأخير..!

حينما دلفت إلى غرفة الطعام أرسل معاذ نظرة خاطفة تجاهي ثم حاد عنها بسرعة وأنشغل فى تناول الطعام..
ألقيتُ التحية فلم يأتِنى سوي صوت سالي تجيب تحيتي..!

اتجهت لأجلس بهدوء فى مكاني المعتاد بالمقعد المقابل لمعاذ والذى كان يتحاشى النظر إلىّ متعمداً..
نظرت إلى أطباق الطعام الخاصة بي والتى كانت تمتلئ بالأصناف التى أحبها غير أن إهمال معاذ صرفني عن الطعام.. ومعدتي التى كانت تصرخ منذ قليل انقبضت وأعلنت رفضها لأى طعام..!

وكمحاولة لاستدراج الحديث معه قلت :
" بحثت عنك طويلاً اليوم.. هل كنت بالخارج..؟ "

فقال بإقتضاب :
" أجل.. وعدت لتوى.."

قالت سالي حينئذ :
" بالمناسبة.. لقد اتصل محمود منذ ساعة تقريباً.. كان يسأل عنك.."

وجه معاذ نظراته إلى سالي وسألها بإهتمام :
" ولماذا لم يتصل على هاتفي..؟"

قلت بإندفاع :
" لقد كان هاتفك مُغلقاً.."

وحينما وجه كلاهما النظر إلىّ استطردت موجهة حديثى لمعاذ :
" اتصلت بكَ مراراً اليوم ولكن دون جدوى.."

أشاح بوجهه ونظراته عني ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن سبب اتصالي ، أنما قال موجهاً حديثه لسالي :
" يبدو أن الإرسال ضعيف بمكتبي.."

قالت سالي بحيرة :
" لكنه كان يتصل من الشركة.. لقد أتى ليزورك فلم يجدكَ بالمكتب..! "

هز معاذ كتفيه قائلاً :
" أذن فقد وصل إلى الشركة بعد إنصرافي.."

قالت سالي بإهتمام :
" وما الذى جعلك تذهب إلى الشركة فى المساء..؟ أهناك مشكلة ما..؟"

قال معاذ وهو منهمكاً فى تقطيع الطعام :
" كلا.. كان لدى بعض الاعمال المتراكمة فذهبت لأنهيها.. "

وأضاف مغيراً مجرى الحديث :
" بالمناسبة.. كيف كانت المباراة اليوم..؟ "

ابتسمت سالي قائلة :
" عليك بسؤال محمود فهو من يستطيع أن يخبرك بأدق التفاصيل..؛ فأنا فكما تعلم لا أهتم كثيراً بكرة القدم ومتابعتي لها ليست سوى تحت ضغط شديد منه.."

تساءل معاذ فى دهشة :
" هل كان محمود هناك اليوم..؟"

تلاشت ابتسامة سالى وطغى عليها الارتباك فيما كانت تجيبه :
" طبعاً كالمعتاد.."

انشغلت سالى بعد ذلك فى تناول طعامها بينما راح معاذ يراقبها وفى عينيه نظرة حرتُ فى تفسيرها..
لوهلة قصيرة جال بخاطري أن معاذ قد يكون على علم بمشاعر سالي نحو محمود غير أننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً..؛ فلو كان يعرف بمشاعرها ما كان ليدعوه إلى بيته فى كل مناسبة لكى لا تتمادى أخته فى مشاعرها أكثر من هذا..

انتهت سالى من تناول طعامها وانصرفت إلى غرفة المعيشة فى حين بقيتُ وحدى مع معاذ الذى لم يلبث أن أزاح أطابقه جانباً وهم باللحاق بها غير أننى استوقفته قائلة :
" هل انتهيت من تناول طعامكَ هكذا سريعاً..؟ "

فقال :
" الحمد لله.."

قلت وأنا احدق بأطباقه الممتلئة :
" أنك لم تأكل شئ تقريباً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لقد شبعت على أى حال.."

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" لو كان وجودي يزعجك لهذه الدرجة فسأنهض لكى يتسنى لك إكمال طعامك.."

رماني بنظرة غاضبة وقال :
" ولماذا يزعجني وجودكِ..؟ أكملى طعامك ولا تتفوهى بهذا الكلام السخيف ثانية.."

شعرت بالإهانة لجملته فنهضت من مكاني وانصرفت إلى غرفتي وعكفت على قراءة إحدى الروايات ، وأشك فى أننى استوعبت حرفاً واحداً منها فقد كان عقلي منشغلاً ب معاذ..
لست أدري إلى متى سيظل غاضباً مني..؟

انتظرت عودته إلى الجناح لا لشئ سوى لأطمن بأنه بالغرفة المجاورة لي.. كنت انتظر سماع باب الجناح يفتح غير أن الصوت الذى سمعته كان صوته مكابح السيارة بالأسفل فسارعت بالنظر من النافذة لأرى سيارة معاذ تنطلق بسرعة إلى حيث لا أدري..!
تُرى أين ذهب فى هذا الوقت..؟ لقد انتصف الليل وعم السكون وشمل كل شئ تحت كنفه وصارت الطرقات شبه خالية من المارة..!
رُبما كان يتجول فى الطرقات بلا هدف.. أو رُبما سيلجأ إلى البحر ليشكو له ضيق صدره..
أو رُبما كان هدفه فقط الابتعاد عني.. ليستنشق أكبر قدر من الهواء النقي ، الخالي من أنفاسي..!
شعرت بضيق شديد يجثم على صدري وقررت أن انتظر عودته ليكون أول من أفرغ عليه جام غضبي..
لقد أتى بى إلى منزله واحتجزني بين جدرانه رغماً عني والأن صار لا يطيق وجودى معه بنفس المكان..!
لكن لا.. لن أفوت هذا الأمر ، واليوم سأضع حداً رادعاً لهذا الوضع..
أرتديت ملابسي كاملة ووضعت حجابي فوق رأسي ثم حملت الرواية معي وجلست بردهة الجناح لأقرأها..
سانتظره ها هنا حتى لو تأخرت عودته إلى الصباح.. فلن يعرف النوم طريقه إلىّ قبل أن تخمد ألسنة النيران المستعرة بصدري..!


~ ~ ~ ~ ~ ~

كانت الساعة تناهز الرابعة فجراً عند عودتي إلى المنزل ..، وكان المنزل يغرق فى الصمت والظلام كما هو معهود ..؛ فالجميع هنا ينام ويستيقظ باكراً..
حينما دلفت إلي الجناح كان يغرق فى الظلام إلا من ضوء خفيف ينساب من إحدي القناديل بالردهة.. وبالمقعد الملاصق له كانت أروى تجلس وقد غلبها النعاس فنامت وهى فى وضع الجلوس..!
كانت ترتدي رداء الصلاة كالمعتاد وتغطى رأسها بالحجاب غير أن خصلات شعرها الطويل الأملس تمردت عليها وتسللت من أسفله بإصرار..!

اقتربت منها قليلاً ووقفت أتأملها وقد طفت ابتسامتي على شفتي رغماً عني..؛
كان وجهها الجميل يخلو تماماً من مستحضرات التجميل فبدت لي أصغر من عمرها..
كم هى جميلة وبريئة..!
ترى ما الذى جعلها تنام فى هذا الوضع الغير مريح..؟!
هل كانت تنتظرني فغلبها النوم دن أن تشعر..؟
كنت أعرف استحالة ما أفكر به غير أننى لم استطع أن أمنع شعوري من تصديقه..!

أفقت من تأملاتي حينما رأيتها تحرك رأسها ومن تعبيرات وجهها استطعت أن أشعر بألمها بسبب نومها فى هذا الوضع الغير مريح..
ناديتها لأوقظها حتى تذهب إلى غرفتها فلم تفيق.. كانت تنام بعمق وهدوء..!
أقتربت منها أكثر وقلت :
" أروى.. هيا أفيقى لتذهبي إلى غرفتكِ.."

وأيضاً لم تفيق أو تتحرك..!
مددت يدي إلى كتفها وهززتها برفق فانتفضت وتراجعت فى ذُعر شديد وقد فتحت عينيها على وسعهما وحدقت بي بشكل غريب ثم قالت :
" ماذا هناك..؟ لماذا أنت بغرفتي..؟"

ارتبكت بشدة وتراجعت إلى الخلف وقلت متلعثماً وأنا أشير لما حولي :
" إنكِ لستِ بغرفتكِ.. "

تلفت حولها لتتأكد من صدق قولي ثم عضت على شفتها السفلى بأسف قبل أن تنهض من مكانها وتتجه رأساً نحو غرفتها دون أن تتفوه بحرف..
لمحت ذلك الكتاب الملقى على الأرض والذى تركته سهواً وانصرفت فاستوقفتها قبل أن تغلق الباب قائلاً :
" أروى انتظري.. "

وانحنيتُ لألتقط الكتاب ثم توجهت إليها لأعطيها أياه..
شكرتني بصوت خافت وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها للمرة الثانية قائلاً :
" لماذا كنت تنامين هكذا بهذا الوضع الغير مريح..؟"

أطرقت برأسها أرضاً وقالت :
" لا لشئ.. غلبني النعاس بينما كنت أقرأ.."

وأضافت :
" تصبح على خير.."

وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها قائلاً :
" انتظري.."

توقفت يدها التى كانت تهم بإغلاق الباب فى منتصف الطريق ،، وكذلك توقفت عينيها على وجهي فى انتظار ما سأقوله ،، وللحظة بدا لي أن عقارب الساعة أيضاً توقفت عن الدوران..!
لم يكن لدي ما أقوله لها.. فقط أردت أن استبقيها لأطول فترة ممكنة.. أردت أن أرى عينيها تحدقان بي بتلك النظرة الناعسة..
أردت أن أشعر بوجودها بجانبي ليتلاشى شعوري بالوحدة القاتلة التى تهاجمني ببراثنها كل ليلة كلما أويت إلى فراشي وحيداً..
كان عزائي الوحيد فى هذا الوضع الغريب أنها تنام فى الغرفة المجاورة لي ولا يفصلني عنها سوى حائط واحد..، صحيح أننى لا يمكن أن أحطم ذلك الحاجز الفاصل بيننا فى أى وقت كأى زوج..، غير أننى كان لدي يقين بأن هذا الوضع لن يستمر طويلاً..
ولدي أمل قوي في أن تتغير نظرات أروى لي ، ومشاعرها نحوي ذات يوم..

أفقت على صوت أروى تسألني :
" ما الأمر..؟ "

شعرت بالخجل وتراجعت للخلف وأنا أقول :
" لا شئ.. تصبحين على خير.."

هممت العودة إلى غرفتي..، غير أن صوتها استوقفني بنداء خافت جعل كياني كله ينتفض..
قالت :
" هل نجلس لنتحدث قليلاً..؟ "

اندهشت وابتهجتُ فى آنٍ واحد لتلك المبادرة الغير متوقعة..!
قلت وقد تهللت أساريري فرحاً :
" طبعاً.."

توجهت إلى الردهة لأجلس فتبعتني إليها وجلست على المقعد الكبير فى مواجهتي..
كانت تبدو متجهمة الوجه وحزينة إلى حد كبير.. وبدأت أشعر أن الأمر ليس كما تصورت.. فهى لا ترغب فى الجلوس معي لبعض الوقت بل تريد أن تعاتبني..
انتظرت أن تبادر هى بالحديث غير أنها لاذت بالصمت لفترة أطول مما ينبغي فما كان مني سوى أن قلت :
" ما الأمر..؟ "

وكأنني بسؤالي هذا لمست وتراً حساساً بنفسها ،، وبدون أى سابق إنذار غطت وجهها بكلتا يديها وأجهشت فى البكاء المرير..!
ارتبكت بشدة ولم أدرى ماذا أفعل..،
قلت :
" ما الأمر..؟ لماذا تبكين..؟"

ولم يجيبني سوى صوت نحيبها كنصل حاد ينغرس بقلبي ويدميه..!
انتقلت لأجلس على بجانبها على المقعد الكبير وأنا أقول :
" أروى.. أرجوكِ لا تبكي وأخبريني ما الأمر..؟ "

أبعدت أروى كفيها عن وجهها وجففت دموعها بطرف كمها ثم قالت بصوت يشوبه النحيب :
" لا شئ.. فقط أشتقت لأمي وأريد رؤيتها.."

تفاجأت من ردها.. فهل أمنعها من الذهاب لزيارة عائلتها..؟
قلت :
" أذن فلتذهبي لرؤيتها غداً.."

نظرت إلىّ نظرة لم أفهمها وقالت :
" ألا تمانع..؟"

قلت :
" بالطبع لا.. ولِم سأمانع..؟"

هذه المرة نظرت لي نظرة ذات معني فاستطردت :
" كلامي ذلك اليوم لم يعني قط أننى سأمنعكِ من الذهاب إلى أى مكان.. إننى أثق بكِ قبل أى شئ.. فقط أريد أن يكون لي علم بوجهتكِ.. وأعتقد أن هذا أبسط حقوقي.."

ران علينا فترة صمت أمتزجت خلالها نظراتنا معاً..
كانت نظراتها غير واثقة من حديثي..، وكأنما كانت تتصور أننى سأسجنها خلف أسوار منزلي وأمنعها من الخروج لأى مكان..!
قلت :
" أذن غداً صباحاً سأصطحبكِ بسيارتي إلى منزل عائلتكِ.. وبأمكانكِ أن تقضي معهم اليوم بأكمله وسأمر عليكِ فى المساء لنعود معاً.."

قالت :
" حسناً.. سأذهب لأنام كى استيقظ باكراً.."

قلت :
" جيد.. وأنا أيضاً سأنام.."

ونهضت من مكاني متجهاً إلى غرفتي.. وبينما كنت فى منتصف الطريق وصلني نداءها واستوقفني..
وحينما استدرت لأنظر إليها لمحت ابتسامة ترتسم على زواية فمها ثم قالت :
" شكراً لكَ.."

وسرعان ما توجهت إلى غرفتها وتورات بداخلها ورُبما أوت إلى فراشها واستغرقت فى النوم على الفور..
أما أنا فقد طار النوم من عينى وأبى أن يزورني كالمعتاد..
آه أروى.. ماذا فعلتِ بي بالضبط..؟!

~ ~ ~ ~ ~



تتبــــــــع



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:04 AM








28





انتهيتُ من إرتداء ملابسي ووقفت ارتشف قهوتي بالشرفة واستنشق الهواء العليل المُحمل برائحة الزهور العطرة ، وأتأمل زهور البنفسج التى تزخر بها الحديقة كما كانت تولان تحب..!
شعرت بضيق شديد بمجرد تذكري لتلك المرأة..، وبدأت الشعب الهوائية بصدري تنقبض وتعرقل عملية التنفس وكأنما تريد أن تمنع تلك الرائحة من التغلغل بداخلي..
فكرت أنه قد آن الأوان لكي نستبدل هذه الزهور بزهور أخري.. وقررت قراراً مفاجئ بأن أذهب للبحث عمن يعتني بالحديقة لأطلب منه أن يعمل على قطف تلك الزهور واستبدالها بزهور الياسمين مثلاً..؛ فهى بيضاء جميلة اللون..، رقيقة الشكل..، عطرها أخاذ..، والأهم من هذا أنها ستحتل مكان زهور البنفسج..، وأننى أنا من أخترتها وليست تولان..!
غادرت غرفتي بالفعل وهممت بالتوجه إلى الأسفل غير أنني قابلتُ معاذ بالردهة ، والذى ابتسم لدى رؤيتي ثم قال :
" صباح الخير.. من الجيد أنكِ أرتديتِ ثيابكِ باكراً.."

قلت :
" لم أشأ تأخيركَ عن عملكَ.."

ابتسم وقال :
" حسناً لنتناول فطورنا أولاً ثم نغادر على الفور.."

قلت بسرعة :
" لن أتناول فطوري.. أقصد أن أمي تنتظرني لنتناول جميعاً فطورنا معاً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لا بأس.. "

وأضاف بسرعة :
" أذن فلتجلسين معي بينما أتناول فطوري لكى تفتحين شهيتي.."

ارتبكت وقلت :
" فى الحقيقة.. كنت ذاهبة للحديقة.. أقصد.. لمقابلة المسؤول عن الحديقة..؛ فإن بعض الزهور لا تروقني وأريد استبدالها بزهور أخرى.."

وأضفتُ بتردد :
"هذا لو لم يكن لديكَ أى إعتراض..؟"

لست أدري لم أسعدت جملتي معاذ بهذا القدر ..؛ فقد تهللت أساريره فرحاً وقال :
" بالطبع لا.. أنا نفسي لا أحب زهور البنفسج وكنت أريد التخلص منها منذ وقتٍ طويل لكني لم أجد الوقت لذلك.."

هل قلت أننى أريد استبدال زهور البنفسج بعينها..؟ لا أظنني فعلت ذلك..!
شعرت بالدماء تتصاعد إلى وجهي وتحاشيتُ بقدر الأمكان النظر إلى معاذ بينما أقول :
" أظن أنا يجب أن نعمل على تجهيز غرفة للصغير لحين عودته إلى المنزل.. كما يجب مرعاة أن تكون الغرفة قريبة من الجناح الخاص بنا.."

قال معقباً :
" على أى حال أفعلي ما يروق لكِ.. وإذا كانت هناك أشياء أخري تريدين تعديلها فلا ترجعي إلىّ.. إنه منزلكِ أنتِ تفعلين به ما يروقكِ.. كما أننى لا أفهم بهذه الأمور.."

توجهت إلى الحديقة وبحثت عن المسؤول عنها وطلبت منه أن يستبدل زهور البنفسج بأكملها وأننى حتى لا أريد أن ألمح واحدة منها بالحديقة.. إنه منزلي أفعل به ما يروقني.. ألم يقل معاذ هذا..؟
بعد ذلك استقلينا سيارة معاذ وتوجهنا إلى منزل عائلتي.. كنت مشتاقة كثيراً إلى أمي فلم يكد معاذ يتوقف بسيارته حتى أمتدت يدى إلى مقبض الباب لأفتحة وما كدت أغادرها حتى وجدت معاذ بدوره قد غادرها وتوجه نحوي قائلاً:
" سألقى التحية عليهم أولاً.."

ابتسمت وقلت : " طبعاً تفضل.."

وتوجهنا معاً إلى الداخل دون أن نتبادل كلمة أخري.. وكالمعتاد لقى معاذ ترحيب حار من الجميع.. خاصة أشقائي الصغار..!
لم يطل مكوثه بمنزلنا.. فقط بقى هناك لدقائق قليلة واستطاع أن يرفض دعوة أمي بالمكوث معنا لنتاول الفطور بتهذيب ثم أشار لي بأن أرافقه إلى الباب بينما جلست أمي وأنهمكت فى إعداد المائدة..
توقف معاذ عند عتبة الباب واستدار لينظر إلىّ قائلاً:
" ما رأيكِ بنزهة ليلية فى اليخت..؟ "

قلت :
" اليوم..؟! "

قال :
" بلي.. سأمر عليكِ فى السابعة.. ما رأيكِ..؟"

ابتسمت وقلت :
" وهل أرفض عرضاً كهذا..؟ "

قال :
" عظيم.. إلى اللقاء.. "

واستدار لينصرف غير أنه لم يلبث أن توقف ثانية وألتفت إلىّ قائلاً :
" أريدك أن تحضرى جميع أوراقكِ اليوم لكى يتسني لى إدخالكِ إلى الجامعة.. فلم يتبق على بدء العام الدراسي سوى أيام.."

تفاجئتُ وابتهجت فى آنٍ واحد وقلت :
" حقاً..؟ ستقوم بتقديم أوراقي إلى الجامعة..؟"

قال مازحاً :
" بلي.. على شرط أن تكوني طالبة مجتهدة.."

ثم أضاف :
" أعتني بنفسكِ جيداً.. أراكِ فى المساء.."

~ ~ ~ ~ ~

ذهبت لأصطحاب أروى فى تمام السابعة كما أتفقنا مسبقاً.. وبينما كانت تودع عائلتها كنت أتأمل ذلك المنزل المتهالك الذى قضت أروى طفولتها به والتى لم أتخيل يوماً أن ثمة أشخاص يتحملون العيش تحت تلك الأسقف المتشققة وبين تلك الجدران المتصدعة..
تذكرت أول مرة دخلت فيها إلى هذا المنزل.. لكم شعرت بالعطف الشديد على تلك العائلة الفقيرة وذلك الرجل الذى تم سجنه بسبب مبغ تافه كهذا..!
قاطعت أرو أفكاري حينما ألتفت إلىّ وقالت :
" هيا بنا.."

قررنا أن نحضر طعاماً جاهز من إحدي المطاعم ثم نذهب لنتناوله باليخت..
وللمرة الثانية أكون وحدي مع أروى فى عرض البحر.. لا يرافقنا سوى أحلامنا.. ولا يقطع الصمت المخيم علينا سوى أمواج البحر المتلاطمة..
كانت أروى تبدو سعيدة للغاية..؛ لأول مرّة أراها مبتهجة هكذا..
وكم أسعدني هذا..!

قالت أروى بعدما انتهينا من تناول الغداء :
" أحضرت أوراقي كاملة.."

قلت :
" عظيم.. غداً سأبعث بمن يقدم أوراقكِ إلى الجامعة.."

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وقالت :
" أريد أن أقوم بدراسة القانون.. "

قلت :
" أذن.. لكِ ما تشائين.. فقط أشيري بأصبعكِ لكل ما تشتهيه وأنا علىّ التنفيذ.."

اتسعت ابتسامتها أكثر.. تلك الابتسامة التى طالما تمنيتُ أن أراها ترتسم على شفتيها.. والتي عاهدت الله يوم زواجنا ألا أجعلها تفارق شتفيها قط..!
قالت بخجل :
" لا أدري ماذا أقول لكَ..؟ فكل الكلمات لن تكفي لشكرك.. لقد حققت لي حلم عمري.. حقاً أنا ممتنة لكَ.."

أثلجت صدري كلماتها وبعثت السرور إلى نفسي ، قلت :
" لا داعي لقول أى شئ.. إننى لم أفعل شئ يذكر.."

قالت أروى بإصرار :
" بل فعلت الكثير من أجلي.. فى الوقت الذى كنت أسئ معاملتكَ به كنت تعمل جاهداً لتسعدني.."

وصمتت لبرهة بدت خلالها مترددة مشتتة ، وراحت نظراتها ترتفع إلى وجهي تارة وتارة أخرى تنخفض إلى مستوي البحر..
وأخيراً قالت :
" كان الخطأ من البداية.. أقصد فى الطريقة التى تعرفنا بها.. "

وأضافت بتشتت فكر :
" لو كنا ألتقينا فى وقتٍ أخر.. وفى مكان مختلف.. أعتقد أن الأمور كانت ستختلف كلياً.."

وصمتت لبرهة أخري ثم أضافت بصوت هامس بالكاد ألتقطه أذنىّ :
" فقط لو لم ترغمني على الزواج منكَ.. لو كنت طلبتها بشكل مختلف.."

~ ~ ~ ~ ~

أدركني الندم حينما تلاشت ابتسامة معاذ وحل محلها استياء شديد..
أى هراء هذا الذى أتفوه به الأن..؟ ما الذى دفعني لأفسد تلك اللحظات الجميلة التى نقضيها معاً.. كم أنا غبية..!
أطرقت برأسي أرضاً وقلت معتذرة :
" أنا حقاً أسفة.. أرجوك أنسى ما قلته لتوي.."

رفعت نظراتي إليه فوجدته ينظر إلى وجهي بجدية.. وقال :
" أروى.."

ومن نبرة صوته شعرت بأهمية ما سيقوله.. وانتبهت حواسي كلها..
قال بعد برهة صمت قصيرة :
" يوم جئتُ إلى منزلكِ وعرضتُ عليكِ الزواج.. أو أرغمتكِ على الزواج كما تقولين.. لم يكن لدي خيار أخر.. كنت واثق أنِ سترفضينني لذا قلت لكِ هذا لكى تقبلين الزواج مني.. "

هتفت لا شعورياً :
" ولماذا أنا بالذات..؟ لقد قلت لي ذات يوم أن آلاف الفتيات تحلمن بالزواج منكَ وأنا واثقة من هذا بالطبع.. فلماذا لم تتزوج ميار مثلاً.. أو تعود لتولان.. أو تتزوج أى فتاة أخري..؟ "

قال معاذ مباشرة :
" كان بأمكاني لكني لم أريد الزواج بأى فتاة.. "

هنا.. توقف قلبي تماماً وكذلك توقفت عينىّ وأمتزجت نظراتي بنظراته ولم أقدر على الأشاحة عنه..
قال بصوت كالهمس :
" الفتاة الوحيدة بهذا العالم التى أردتها زوجة لي.. كانت على وشك الزواج من شخص أخر يوم قابلتها لأول مرة.. "

لم يتوقف قلبي فقط بعد جملته.. لقد توقفت حواسي كلها وكأن لكلامته وقع المخدر على جسدي..
شعرت كأن أطرافي قد شلت فلم أعد قادرة على تحركيها.. أما عينىّ فلاتزال تنظران إليه ولا أجد القوة لتحريكهما..

تابع معاذ حديثه :
" لأول مرّة أشعر بالعجز.. فأنا ولدت وحولي كل شئ يحلم به أى شخص.. تعودت أن أحصل على ما أريد وما لا أريد.. لن أنكر أن هذا جعلني أنانياً بعض الشئ.. أرفض الهزيمة والتخلي عما أرغب به.."

ثم أضاف بأكتئاب وضيق شديد :
" هذا من أسوأ عيوبي ولم أدرك هذا إلا الأن..؛ فقد أكتشفت مؤخراً أن تحقيقي لما أريد يدفع ثمنه شخص أخر.. ولكي لا يتحطم قلبي أنا حطمت قلبكِ أنتِ.. سامحيني أروى.. فأنا لم أكن عادلاً معكِ قط.. ولو كان بيديّ لأرجعت الزمن وأصلحتُ الأخطاء التى أرتكبتها بحقكِ.."

معاذ نظر إلىّ ينتظر ردى.. وأيضاً لم أقوى على الحديث.. حتى لساني بات عاجزاً عن النطق..!
بعدما فقد معاذ الأمل فى أن يسمع أجابتى وجدته ينتقل ليجلس بجانبي وقبل أن استوعب أى شئ وجدته يمسك بيدي ويحتضنها بين راحتيه ويقول بتردد وخوف :
" أروى.. أنا لست طامعاً فى أن تبادليني مشاعري تلك.. على الأقل فى الوقت الحالي.. ما أرجوه منكِ الأن هو أن تجيبني على سؤال واحد فقط.. وأرجوكِ أجيبيني بصدق.. ألازلتِ تشعرين بشئ نحو ذلك الشخص..؟ أقصد ذلك الذى كنتِ ستتزوجين منه..؟ "

أنطلق لساني فجأة يجيبه دون شعور :
" لا..! "

تغيرت قسمات وجهه من الخوف والتردد إلى الرحة والاطمئنان.. بل والسعادة أيضاً..!
شعرت بيديه تضغطان على كفي مما جعلني أفيق فجأة مما أنا فيه فسحبتُ يدى من يديه ولففت ذراعي حول جسدي ثم رحت أنظر إلى أى شئ وكل شئ عداه..
قال :
" هل تشعرين بالبرد..؟"

" أجل.. قليلاً.."

" هل ترغبين بالعودة أذن..؟ "

" لا..!"

وحينما نظرت إليه وجدته يبتسم ثم ينهض ويدلف إلى الكابينة ثم يعود حاملاً بطانية..
قال :
" نضع هذه باليخت للطوارئ.."

وأقترب مني ولفها حول جسدى ودثرني بها جيداً ثم جلس بجانبي..
رفعت رأسي إلى القمر الفضى الذى كان يرسل أشعته الفضية ويضئ اليخت وشردت بأفكاري بعيداً..
من كان يتخيل أن حياتي ستتبدل هكذا فى غضون أشهر قليلة..؛ من كان يتخيل أن معاذ الذى كنت أظنه سيسئ معاملتي سيكون سبباً فى إدخال البهجة لحياتي..؟
من كان يتخيل أن كرهي له سيتحول حباً..؟ وحياتي معه ستكون سعيدة هكذا..!
أذن فمن الممكن أن يبدأ المرء حياته تعيساً ثم يصبح سعيداً بعد ذلك..
الحمد لله..

~ ~ ~ ~ ~

تتبع


الجُودْ ؛ 19-07-12 06:06 AM






29



اليوم هو بداية العام الدراسي..
لن أخبركم مدى أنفعالي وسعادتي بهذا الحدث..؛ لأنني أعتقد أنكم تشعرون بما يعتمل بصدري الأن..
قضيتُ ساعة أو أكثر أمام خزانة ملابسي المكتظة عن أخرها بالملابس الباهظة والتى أشتراها لي معاذ بالطبع ، وأخيراً وقع أختياري على ثوب ما فأرتديته ووقفت أمام المرآة أتأمل نفسي من جميع الجهات والزوايا لأتأكد أن مظهري يبدو جيداً..
" أروى.. "

وصلني صوت معاذ من الخارج يناديني.. إنه ينتظرني منذ وقتٍ طويل ؛ فهو سيقوم بتوصيلي إلى الجامعة اليوم وكل يوم..!
اتجهت إلى الباب وبينما كنت أفتحه كان معاذ يتعجلني قائلاً :
" ألم تنتهي بعد..؟ تأخرنا كثيراً.."

انتهيتُ من فتح الباب وخرجت إلى الردهة لأجد معاذ واقفاً فى انتظاري ينظر فى ساعته بملل.. ولم يكد يراني حتى قال :
" وأخيراً.. ما كل هذا التأخير..؟ "

شعرت بالدماء تتصاعد إلى وجهي.. لقد تأخرت كثيراً جداً بالفعل رغم أنه أخبرني بالأمس أن لديه عملاً هاماً فى الصباح الباكر..!
هممت بالاعتذار له غير أنه سبقني قائلاً :
" تبدين فى غاية الجمال والأناقة.."

إزداد إضطرابي وتوتري.. وبدأت أتنفس بصعوبة وأتصبب عرقاً..!
قلت مغيرة الحديث :
" أسفة على التأخير.. استيقظت متأخرة اليوم.."

فقال :
" لا عليكِ.. إنكِ تستحقين أن ينتظركِ الجميع على أى حال..! "

ثم أضاف :
" هيا بنا.."

مررنا بالحديقة أثناء توجهنا نحو السيارة وكان المسؤول عنها قد انتهي من استبدال زهور البنفسج بزهور الياسمين فبدت الحديقة مشرقة وجميلة.. وكان الجو جميلاً والعصافير تغرد على أغصان الاشجار بسعادة..
كل شئ اليوم يوحي بالتفاؤل..!
عقب معاذ :
" الحديقة غدت أكثر بهجة وإشراقة.. لديكِ ذوق رائع فى انتقاء الزهور.. "

ابتسمت بسعادة لهذا المدح الجميع.. وابتسم معاذ أيضاً ثم قال :
" إنها اللمسة النسائية التى كنت أفتقدها بمنزلي..؛ فسالي لا تحب أبداً الأهتمام بالحديقة أو أى شئ بالمنزل.. أما تولان فكان لها ذوق كئيب طالما فرضته علىّ.."

تلاشت ابتسامتي بغتة وكذلك تلاشت ابتسامة معاذ.. وتلاقت نظراتنا الحادة العميقة للحظات..
قال معتذراً :
" أنا أسف.. لم أقصد إزعاجكِ.."

هززت كتفي وحاولت أن أرتدي ثوب اللامبالاة رغم أن ذكر تلك المخلوقة أفسد علىّ بهجتي..!
استقلينا السيارة بعد ذلك وتوجهنا رأساً إلى الجامعة.. وطوال الطريق لم يتبادل أحدنا كلمة مع الأخر إلى أن توقف معاذ أمام سور الجامعة..!
منذ نصف ساعة تقريباً كنت متحمسة جداً لدخول الجامعة ، أما الأن فأشعر بتوتر شديد..
ما هذا الحشد العظيم..؟ كم أشعر أننى شئ ضئيل للغاية..! كيف بأمكاني أن أتأقلم مع هذا المكان ، وأندمج مع هذا الحشد..؟!
أتاني صوت معاذ ينتزعني من شرودي :
" ألن تنزلي..؟ "

استجمعت شجاعتي وقلت :
" أجل.."

وفيما كنت أغادر السيارة كان معاذ بدوره يغادرها ثم يدور حولها ليتجه نحوى قائلاً :
"هيا بنا.."

تفاجئتُ وقلت :
" هل ستذهب معي..؟"

" لو لم يكن لديكِ مانع.. "

" طبعاً لا.. فقط ظننتُ أنكَ متعجل.."

" أجل ولكن لا يمكنني ترككِ وحيدة.. سأبقى معكِ حتى تألفي الجو قليلاً.."

ومد يده ليمسك بيدي ويقودني إلى الداخل..!
بعد فترة استطعنا أن نحصل على جدول المحاضرات وكانت إحدى المحاضرات على وشك البدء فأوصلني معاذ إلى قاعة المحاضرات وهم بالانصراف..

" انتبهي لنفسكِ جيداً أروى.."

" حسناً.. "

" لا تغادرين الجامعة وحدكِ مهما حدث.. أتصلى بي وفى غضون دقائق سأتي لأصطحابكِ.."

" حسناً.. لا تقلق.."

تنهد معاذ ووقف لفترة وقد بدا غير عازماً على الذهاب..
قلت أطمئنه :
" سأكون بخير.. لا تقلق علىّ..؛ لطالما كنت أذهب لكل الأماكن وحدي فى السابق.."

رد مباشرة :
" لكنكِ لستِ وحدكِ الأن.. أنتِ مسؤولة مني ولن اسمح أبداً بأن يمسك أى ضرر ولو بسيط.."
جملته تلك أثلجت صدري وبعثت السرور إلى نفسي..؛ فلم استطع منع تلك الابتسامة الواسعة التى شقت طريقها إلى فمي رغماً عني..!
بدأت تلك الجموع تنفض من حولنا وتتجه إلى القاعة استعداداً لبدء المحاضرة.. وقتها فقط قال معاذ :
" حسناً.. فلتدخلين إلى القاعة حتى لا تفوتكِ المحاضرة.."

وأضاف :
" والأن أتحتاجين لأى شئ..؟"
هززت رأسي نافية.. إنها عدة ساعات قليلة.. ماذا تظنني سأحتاج خلالها يا معاذ..؟!

قال :
" حسناً.. استودعكِ الله.."


~ ~ ~ ~ ~


لو كان الأمر بيدي لما تركتها وحيدة ولبقيتُ معها لحين انتهاء محاضراتها لنعود معاً إلى المنزل ويطمئن بالي..
أعلم أننى أبالغ قليلاً فى إهتمامي بها.. ولكني لا أشعر بالأطمئنان قط إذا ابتعدتُ عنها بضعة أمتار قليلة.. وكان صعب جداً علىّ أن أتركها وحيدة وسط تلك الجموع المحتشدة..!
ظللت واقفاً بمكاني أرقبها بينما كانت تتوجه إلى قاعة المحاضرات حتى غابت عن بصري وأختفت وسط الزحام..
هنا فقط استطعت أن أحرك قدمىّ بصعوبة لانصرف.. بينما ظل عقلي مربوطاً معها..!

قضيتُ يوماً لا بأس به فى الشركة.. أطالع الملفات بلا أهتمام يذكر وأوقع العقود دون مراجعتها.. وبين الفينة والأخرى أطالع ساعتي وأحصى الدقائق..
لماذا يبدو لي اليوم طويل وممل هكذا..؟ أما آن للوقت أن ينتهي لأذهب إلى الجامعة واصطحب أروى إلى المنزل..
بعد فترة قصيرة كنت قد انتهيتُ من عملي فقررت أن أذهب إلى الجامعة وانتظر أروى هناك ؛ فلم يبق على موعد انتهاء أخر محاضرة لها سوى نصف ساعة تقريباً..!
بينما كنت فى طريقى لمغادرة مكتبي صادفت محمود والذى كان يوشك على الدخول إلى غرفتي..
تفاجئتُ وقلت :
" مرحباً محمود.. أى ريح طيبة أتت بكَ إلى هنا..؟ "

قال :
" تعطلت سيارتي فيما كنت ماراً من هنا ففكرت بزيارتكَ حتى ينتهي عامل الاصلاح منها.. لكن يبدو أننى أتيتُ فى الوقت الغير مناسب.. كنت ستنصرف أليس كذلك..؟"

نظرت إلى ساعة يدي وقلت :
" أجل.. كنت ذهاب لأصطحاب أروى من الجامعة.. إنه أول يوم لها فى الجامعة وأشعر بالقلق عليها.. ما رأيك فى أن ترافقني ثم تعود معنا للمنزل ونتناول الغداء سوياً..؟"

قال :
" لا أظن أننى ساستطيع مرافقتك.. أذهب أنتَ على أى حال لكى لا تتأخر على زوجتكَ.."

هنا فقط لاحظت ذلك الضيق والاكتئاب المحفور على وجه محمود مما أثار دهشتي وأهتمامي..؛ فمحمود يتقن إخفاء انفعالاته وعادة فإننى لا أكاد ألحظ تغيير يُذكر فى مزاجه..؛ فهو كتوم إلى أقصى حد ولا يفضى بسره لأحد قط..!
قلت :
" ما الأمر..؟ لا تبدو على ما يرام.. أقلقتني.."

قال :
" لا عليك.. سنتحدث لاحقاً.."

قلتُ مصراً :
" لن أتركك تذهب.. فلتأتي معي إلى المنزل لنتحدث وتخبرني بكل شئ.."

وأمام إصراري لم يملك الرفض..!
بعد ذلك بحوالي ساعة كنا نجلس جميعاً حول المائدة نتناول غدائنا.. ونتبادل الاحاديث العابرة من حين لأخر..
محمود كان أكثرنا صمتاً وأقلنا شهية فى تناول الطعام..
بينما أروى فكانت حالتها على النقيض تماماً ؛ كانت شهيتها مفتوحة للطعام وللحديث.. كانت تبدو سعيدة جداً ومنفعلة كثيراً.. وتقريباً لم يكن هناك من يشاركها سعادتها سواى..؛ فقد كانت سالي ترمقنا بنظرات صامتة يغلب عليها الاكتئاب..!
حينما انتهينا من تناول طعامنا خرجتُ برفقة محمود إلى الحديقة لنتناول قهوتنا.. وما كدت أنفرد به حتى بادرته بالسؤال عما يزعجه وهذه المرة لم يراوغني كما هو معهود أنما قال :
" البنك سيسحب عني الضمان ولا سبيل لتسديد ديوني.. يبدو أننى سأضطر لأن أعلن إفلاسي عما قريب.."

وكان رده كافياً جداً ليجيب تساؤلاتي ويبدد حيرتي بحيرة أكبر..
بعد ذلك حاولنا سوياً أن نجد له مخرجاً من تلك الديون غير أن كل الطرق كانت مسدودة أمامنا.. ولا يوجد حل سوى بيع كل ما يملكه محمود وما ورثه عن أبيه..!


~ ~ ~ ~ ~


بينما كان معاذ ومحمود بالحديقة كنت أجلس أمام التليفاز أشاهد إحدى الأفلام بينما كانت سالي تقف أمام النافذة الزجاجية تتطلع إلي الحديقة وترقب معاذ ومحمود وقد علا وجهها وجوماً غريب..
كان يبدو كأن رؤيتها لمحمود تعذبها كثيراً.. ليت معاذ يدرك مشاعرها نحو صديقه لكي يبعده عن محور نظرها بقدر الأمكان..!
حاولت أن أحثها على متابعة الفيلم معي غير أنها قالت :
" لا أريد مشاهدة أى شئ.. تابعيه أنتِ إن شئتِ.."

أمسكت جهاز التحكم عن بُعد وأوقفت العرض ثم استدرت لأنظر إليها قائلة :
" ماذا دهاكِ سالي..؟ ألستِ أنتِ من أشترى هذا الشريط..؟ هيا فلنشاهده معاً.. إنه فيلم جميل.."

قالت بأكتئاب :
" سأشاهده فى وقتٍ أخر.."

اطلقت زفرة ضيق ولذت بالصمت لبرهة قصيرة قطعتها سالي حينما قالت بشرود وضيق :
" إنه لا يكترث بي إطلاقاً.. "

وكانت تعني بذلك محمود..!
وبالفعل هذا ما الاحظه دائماً..؛ فهو بالفعل لا يكترث لها إطلاقاً بل ولا يكاد يشعر بوجودها حتى..!
لم أعلق على جملتها ولم أدر بماذا أجيبها فلذت بالصمت أيضاً بينما تابعت هي بأسى شديد :
" إنه لم يصافحني حتى.. لم يتبادل معى كلمة واحدة.. "

قلت :
" إنه يبدو مستاءً.. بالتأكيد هناك أمر ما يزعجه.."

هزت رأسها نافية وقالت :
" لا.. هو ليس مستاء.. هو فقط لا يعيرني أهتمام.. أنه يعني لي كل شئ.. بينما أنا لا أعني له أى شئ.. ولا أدري ماذا يجب أفعل له لكى ينتبه إلىّ..؟ وماذا أفعل لكي أثير أهتمامه..؟"
ختمت جملتها بأن أجهشت فى البكاء فجأة دون سابق إنذار..
شعرت بالأسى على حالها وحاولت مواستها وأنا أدرك جيداً أن كلماتي لم تكن لتخفف عنها ضيقها..
بعد أن انتهت من نوبة بكاءها قالت :
" سأصعد إلى غرفتي.. "

وحينما لاحظت إعتراضي قالت :
" استيقظت باكراً جداً اليوم.. رُبما سأنام لبعض الوقت.."

وانصرفت إلى غرفتها بينما بقيت أنا وحدي بالغرفة وقد خبت رغبتي فى متابعة ذلك الفيلم فأغلقت التليفاز وكدت أذهب إلى غرفتي لاستذكر بعض دروسي غير أننى صادفت معاذ بطريقى والذى كان فى طريقه إلى غرفة المكتب..
قلت :
" هل غادر صديقك..؟"

قال :
" كلا.. إنه يجلس بالصالون.. سأذهب للأتصال بصديق لي.."

وأضاف :
" هلا أعددتِ له فنجان قهوة أخر..؟"

كان هذا الوقت هو وقت راحة العاملين بالمطبخ.. حيث يتناولون طعامهم ويسترحيون لبعض الوقت فكان لابد أن أذهب بنفسي لأعد القهوة وأجلبها له..
حينما انتهيتُ من القهوة لم يكن معاذ قد غادر مكتبه بعد فذهبت لأقدم القهوة لمحمود..
كان جالساً بنفس المقعد الذى جلست عليه يوم قدمت إلى هذا المنزل لأول مرة.. وكان يتطلع إلى الحديقة عبر الواجهة الزجاجية الكبير..
قدمت له القهوة وهممت بالانصراف غير أنه قال :
" تلك الورود البيضاء جعلت الحديقة أكثر جمالاً وإشراقاً.. أهنئكِ على ذوقكِ.."

قلت بدون تفكير :
" كان قراراً سريعاً.. أردت فقط استبدال زهور البنفسج ولو بنبات الصبار..! "

ابتسم شبه ابتسامة وقال :
" على أى حال.. هنيئاً لكِ بالحديقة الجميلة.. والجامعة.. وبمعاذ.."

وأضاف :
" أنكِ تقفين الأن على أعتاب تحقيق أحلامكِ.. فأعملي جاهدة على تحقيقها.. ولا تجعلي أحداً يعترض طريقكِ قط.. "

قلت :
" لن أسمح لأحد بأن يعرقلني عن تحقيق أحلامي.. ولن أعود تلك الفتاة البائسة التى قابلتها يوماً ما بباريس.."

استدرت بعد ذلك لأنصرف فطالعني وجه معاذ ومن خلال نظراته المصدومة وتعبيرات وجهه أدركت أنه سمع كل شئ..!

~ ~ ~ ~ ~

تتبــــــــــــــــــــــــــع

،
،



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:09 AM









30




كالمعتاد ، انصرف معاذ فى المساء وذهب إلى حيث لا أعلم..
وكالمعتاد أيضاً تأخر فى العودة إلى ما بعد منتصف الليل ، وبينما كنتُ انتظره بغرفتي استغرقت في النوم حتى ظُهر اليوم التالي وبالطبع كان قد انصرف إلى عمله ؛ فلم تسنح لي الفرصة بلقاءه والتحدث إليه..
لم تكن لي شهية لتناول أى شئ فجلست بغرفتي وعكفت على استذكار دروسي حتى حان وقت الغداء فهبطت إلى غرفة المائدة وكان الطعام قد أعد لشخص واحد فقط وعلمت من الخدم أن معاذ لن يحضر لتناول الغداء وكذلك سالي ستظل قابعة بغرفتها مُعرضة عن أى طعام ..!
شعرت بإنقباض بمعدتي وبصدري بينما أرى أطباقى وحيدة على المائدة لا ترافقها أطباق معاذ ، فطلبت من الخدم أن يرفعوا أطباقى ثم توجهت إلى غرفة سالي والتى لم تكن حالتها أفضل من الأمس..!
كانت تجلس أمام المرآة تمشط شعرها وتتطلع إلى صورتها المنعكسة بشرود.. وحينما دخلت إلى غرفتها ألتفت قليلاً وطالعتني بنظرة كئيبة ثم قالت :
" لن أتناول أى شئ.. أرجوكِ أروى لا تلحين علىّ.."

قلت :
" كما تشائين.. على أى حال أنا أيضاً لست جائعة.. ولم أتي لهذا السبب.. أتيت فقط لأطمئن أنكِ بخير.."

قالت بنبرة مبهمة :
" أطمئني.. إننى بخير.."

وألتفتت ثانية إلى المرآة وتابعت تمشيط شعرها بصمت..

شعرت أنه لا جدوى من الحديث إليها فقلت :
" حسناً.. على أى حال سأذهب لاستذكار دروسي.."

واستدرت هامة الانصراف غير أنها استوقفتني قائلة :
" هل علمتِ بما حدث لمحمود..؟"

ألتفت لأنظر إليها وقد استرعت انتباهي جملتها الأخيرة..
دققت النظر إليها فى انتظار ما ستقول غير أنها أخرجت علبة مستحضرات التجميل وانهمكت فى اختيار لون لظلال الجفون..
قلت أحثها على المواصلة :
" ماذا حدث لمحمود..؟ "

رفعت نظراتها وتطلعت إلىّ عبر المرآة ثم قالت بهدوء :
" سيعلن إفلاسه قريباً.. سيبيع كل شئ.. حتى منزله.. لن يبق له أى شئ على الأطلاق.. "


~ ~ ~ ~ ~ ~

قضيت اليوم التالي بأكمله فى غرفتي الغارقة فى الظلام..
لم أكن أفكر بأى شئ أو أتأمل إحدى الحلول التى قد تنقذني من الافلاس.. كنت فقط أريد الجلوس وحدي.. حتى أمى لم اسمح لها بالدخول.. أغلقت باب غرفتي وأوصدته كما أغلقت هاتفي..
فقط كنت أريد بعض الهدوء.. وأريد أن استوعب أننى خسرت كل شئ..
وعدت إلى الصفر..
أفقت من شرودي على صوت طرقات على باب غرفتي.. كانت أمى تأتي لتتفقدني كل فترة وتسأل إذا كنت بحاجة لطعام أو أى شئ وبالطبع كنت أقابلها بالرفض..
قلت :
" أمى أرجوكِ دعيني وحدي.. أنا بخير ولست بحاجة لأى شئ على الأطلاق.. فقط دعيني وحدى.."

أتانى صوت معاذ يقول :
" أفتح الباب يا محمود.. إنه أنا.."

رغم أننى لم أكن فى حالة تسمح لي بمقابلة أى شخص ، غير أننى لم أملك سوى أن أجر أطرافي جراً وأتوجه لأفتح له الباب.. ومن خلال بصيص النور المتسرب من فرجة ما بالنافذة رأيته يدلف إلى الغرفة فتوجهت إلى سريرى وجلستُ على طرفه واسندت مرفقى إلى ركبتى ودفنتُ وجهى بين كفي.. بينما توجه معاذ ليشعل النور ويبدد الظلام المُعتم الذى كان يخيم على الغرفة.. وتلا هذا صمت تام..

قال أخيراً :
" ماذا تظن نفسك فاعلاً..؟ أبهذه الطريقة تحل مشاكلك..؟"

وفوجئتُ بأن صوته كان فوق رأسي مباشرة.. وحينما أبعدت كفي عن وجهى وجدته يقف أمامى وقد عقد ساعديه أمام صدره وراح يرمقنى بنظرات محنقة..
قلت :
" أنا لا أحل أى شئ.. فلا حل لتلك المشكلة على الأطلاق.."

قال :
" لابد أن يوجد مخرج ما.. لقد تحدثت إلى المحامي وهو أخبرني بأنه سيبحث فى هذا الأمر.. رُبما يقبل البنك أن يقرضك مبلغ ما تسدد به ديونكَ.."

قلت بيأس :
" ورُبما لا يقبل.. وأكون أنا قد انتهيت تماماً.."

صاح معاذ ثائراً :
" أى تشاؤم هذا..؟ إنك لا تصلح لأن تكون طبيباً نفسياً بقدر ما تصلح لأن تكون المريض.."

وأضاف بضيق :
" هيا أنهض وأرتدى ثيابك لنذهب معاً إلى الخارج.. إننى لم أتناول أى طعام منذ الصباح.."

قلت :
" لا أشتهى أى طعام.."

أطلق معاذ زفرة حانقة ثم قال :
" لابد أن تأكل شيئاً.. أمك قلقة عليك جداً.. على الأقل أفعل هذا من أجلها..؛ يكفى ما تشعر به من ضيق من جراء ما تمرون به.. لا تحملها همك أنت أيضاً.. هيا انهض وأرتدى ثيابك وسأنتظرك بالاسفل لنذهب معاَّ.."

~ ~ ~ ~ ~

فى الموعد المحدد لتناول العشاء توجهت إلى غرفة المائدة ؛ فوجدتُ الطعام قد أعد لشخص واحد فقط..!
وحينما سألت عن معاذ قيل لى أنه لم يعد بعد.. أما سالى فقد خرجت منذ فترة ولم تعد إلى الأن.. وهذا ما بعث بالقلق إلى نفسي.. لقد كانت فى حالة سيئة.. ترى إلى أين ذهبت..؟
حاولت أن أتصل بها مراراً لكنها لم تجيب أتصالاتي مما زادني قلقاً عليها.. وقررت أخيراً أن أتصل بمعاذ لعله يعلم أين هى..؟
ولكن حتى معاذ لم يجيب أتصالاتي..
شعرت بالحنق وطغى علىّ الاحساس بالوحدة وكلما تطلعت إلى الأسقف العالية والمنزل الكبير كلما أزداد شعورى بضآلتي..
بعد فترة من الزمن عادت سالي إلى المنزل.. وحينما سألتها عن سبب خروجها قالت أنها كانت تزور صديقتها ثم توجهت إلى غرفتها واختفت بداخلها.. وعدت للوحدة مجدداً..!
قررت أخيراً أن اختار إحدى الأفلام لاشاهدها.. اليوم سانتظر معاذ حتى وإن عاد فى الصباح.. لابد أن أتحدث إليه وإلا سأجن..!
أمسكت بصندوق الشرائط ورحت أبحث به عن فيلم أتابعه ، وأخيراً استقريت على إحدى الأفلام الكوميدية وبينما كنت أضعه فى جهاز الفيديو أتانى صوت معاذ من الخلف يقول :
" ماذا تفعلين..؟ "

انتفض جسدى بشدة وألتفت إليه مذعورة فابتسم وقال :
" آه.. يبدو أن الطالبة المجتهدة ملت استذكار دروسها وقررت أن تبدأ بالعبث من أول يوم.."

قلت بضيق :
" إننى استذكر دروسي منذ الصباح.. "

قال مصححاً :
" بل تقصدين منذ الظهيرة.. فعلى حد علمي أنكِ استيقظت متأخرة اليوم.. "

شعرت بالخجل وتسربت إلى وجنتيّ بعض الحمرة فقال معاتباً:
" يبدو أنكِ لن تكوني طالبة مجتهدة كما وعدتِني.. ورُبما سأضطر لإتخاذ قرار حاسم بشأنكِ.."

وأضاف مازحاً :
" لست أدرى أى عقاب سيجدى معكِ..؟ إنني بالطبع لن أجعلكِ تقفين أمام الحائط مرفوعة الزراعين.. ولن استطيع ضربكِ بالعصا.. رُبما أجعلكِ تقومين بعشر دورات فى الحديقة.. أو رُبما أجعلكِ تعيدين زراعة البنفسج مرة أخرى.. "

لست أدرى لِم شعرت بكل هذا الضيق من جراء كلماته فقلت محنقة :
" لن تكون بحاجة لأى شئ لأننى لن اتقاعس عن دروسي.. وبالمناسبة.. إذا كنت تريد زراعة البنفسج مرة أخرى فلتفعل.. هذا لا يعنيني بتاتاً.. "

فوجئت بابتسامة معاذ التى اتسعت ونظراته التى أطل منهما الخبث وهو يقول :
" حسناً.. ولماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟ "

قلت محاولة أن أبدو غير مبالية به :
" لست غاضبة.. كل ما فى الأمر أننى أريد أن أنام.."

قال :
" أذن لن تتابعين الفيلم..؟ إنه فيلم رائع.. "

قلت :
" تابعه أنت إن شئت.. "

وتوجهت إلى باب الغرفة هامة الانصراف غير أنه اعترض طريقى وحال دون خروجى قائلاً :
" لماذا أنتِ غاضبة هكذا..؟ "

هتفت محنقة :
" لأنكَ تتظاهر بأنه لم يحدث أى شئ.. "

قال معاذ فى حيرة :
" وماذا حدث ..؟ "

هتفت به فى حدة :
" لقد سمعت حديثنا أنا ومحمود.. لا تنكر ذلك.. لقد رأيتك ولاحظت من تعبيرات وجهكَ أنكَ سمعت كل شئ.. ورُبما صور لك عقلك أشياء لم تحدث.. "

قال بهدوء :
" لم يصور لي عقلي شئ قط ، لقد فهمت من حديثكَ أنكِ ألتقيتِ به فى باريس.. ولم أجد الأمر يحتاج إلى شرح.. لقد ألتقيتم مصادفة وتحدثتم.. أليس كذلك..؟ "

قلت مدافعة عن نفسي :
" أجل ولكن الأمر لم يكن كما صورلك خيالك.. لقد كنت أريد تناول فنجان من القهوة ، ذلك اليوم الذى خرجت فيه وحدي ، وهو ساعدني وقام بشراء القهوة لي.. وحينما ألتقينا ذلك اليوم فى منزله لم أشأ أن أخبرك بهذا لكي لا تسئ الظن بنا.. هذا كل شئ.."

انتظرت أن أرى ردة فعله على حديثي غير أنه ظل صامتاً ولم يعقب بكلمة ، بينما بقيت ملامحه ظلت جامدة دون أى تعبير..
قلت بصوت خافت :
" ألن تقل أى شئ..؟"

كان رده بأن مد يده وأمسك بيدى وحثنى على الجلوس.. ثم قال :
" لم أكن بحاجة لأن تشرحي لي أى شئ.. أننى أعرفكِ جيداً وأثق بكِ.."

شعرت بوجهي يتوهج من جراء كلماته وشعرت بمدى سخافة ما أفعل وما أقول..
قلت بخجل :
" هذا يعنى أنكَ لست غاضباً منى.."

هز رأسه نافياً ثم قال :
" كلا بالطبع.."

قلت :
" ظننتكَ تتهرب من لقائي لهذا لم تعد إلى المنزل إلا الأن.."

أخذ نفساً عميق وزفره ببطئ ثم قال :
" لقد كنت مشغولاً طوال اليوم ولم تسنح لي الفرصة سوي الأن.. "

قلت :
" أيعنى هذا أنكَ كنت بالشركة طوال اليوم..؟"

قال :
" فى الصباح ذهبت إلى الشركة وانهيت بعض الأعمال ، ثم ذهبت بعد ذلك لمحمود وخرجنا لتناول العشاء ثم عدت مباشرة إلى زوجتي الجميلة.. "
وأضاف مازحاً :
" أرأيتِ كم أنا زوج مخلص..؟ "

ابتسمت رغماً عني وقلت :
" من قال هذا..؟ رُبما كان لمحمود شقيقات ..؟ "

هز معاذ رأسه نافياً ثم قال :
" كلا.. إنه وحيد تماماً.. لا يوجد لديه أشقاء وشقيقات.. أو زوجة.. أو حتى حبيبة.. كل ما لديه هى أمه.. وهو كل ما لديها.."
وأضاف بخبث :
" إنه حر تماماً.. من حسن حظه بالطبع..! "

قلت باسمة :
" إذا كنت اشتقت إلى الحرية فبأمكانكَ أن تعود إليها بكلمة واحدة فقط.."

أغمض عينيه لبرهة ثم عاد ليفتحهما قائلاً :
" هذه الكلمة لن أنطقها أبداً يا حلوتي.."

ومد يده إلى وجنتي وتحسسها برفق ثم قال :
" لقد أنفلت زمام قلبي من بين يدي ولم أعد قادراً على ردعه.. "

شعرت بدغدغة تسري بأطرافي لدى سماعي لجملته.. وتدفقت الدماء إلى رأسي.. ورغم محاولاتي المستميتة لمنع تلك الابتسامة غير أنها أفلتت مني رغماً وارتسمت على شفتيّ رغماً عني..!
قلت :
" أظن أن برودة الطقس أثرت على عقلكَ.. ما رأيك أن تذهب للنوم..؟ "

قال :
" ليس قبل أن تذهبي أنتِ للنوم.. فغداً لديكِ محاضرة باكراً ولن اسمح بأن تتقاعسي من البداية.."

قلت وأنا أنهض متجهة إلى غرفتي :
" حسناً سأذهب للنوم فقط لكى أبطلكَ حجتكَ.."

وأضفت :
" تصبح على خير.."

~ ~ ~ ~





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:11 AM






31




استيقظت باكراً استعداداً لتوصيل أروى إلى جامعتها.. وبما أن الخدم لا يستيقظون باكراً جداً هكذا فقد اقترحت أروى أن تقوم بإعداد الفطور.. وبعدما انتهت منه جلست اتناوله فيما أكتفت هى بإحتساء قهوتها..


قالت أروى بعدما فرغت من تحضير الطعام :


" لست بارعة فى الطهو.. لكن أعتقد أن البيض المقلي سيكون مستساغ الطعم ؛ فهو لا يحتاج لفن على أى حال ..! "




قلت لها مشجعاً :

" أى شئ تصنعيه بيديك سيكون له مذاق أخر.."


ردت بشئ من الخجل :

" بأمكاني أن أتعلم الطهو.. لو كنت تحب أن أطهو لك الطعام بنفسي.. "


قلت مازحاً :

" هل وجدتِها فرصة جيدة لتتهربي من المذاكرة..؟ "


وأضفت :

" فى العطلات فقط سأجعلكِ تطهين لي.. أو بالأحرى.. تجربين بي..!"


حينما انتهيتُ من تناول الطعام غادرنا المنزل فى طريقنا إلى الجامعة..

كان الطقس بارداً والسماء ملبدة بالغيوم وكأنها على أهبة الاستعداد لتفاجئنا بسيل متدفق من الأمطار فى أى لحظة..!

توقفت أخيراً عند جامعة أروى فألتفت لتنظر إلىّ قائلة :

" ستأتي لتصطحبنى فى طريق العودة..؟"


نظرت إلى السماء قائلاً :

" بالطبع.. لن أترككِ تعودين وحدكِ فى هذا الطقس الغريب.."


قالت :

" أذن لا تجعلني انتظركَ طويلاً.. إلى اللقاء.."


قلت :

" انتبهى لنفسكِ جيداً.. "


قالت مازحة :

" ها قد بدأت مجدداً فى تلك الوصايا التى لا تنتهى.. "


" على الأقل أجيبني لكى يطمئن بالي.."


" كن مطمئن البال.. سأنتبه لنفسي جيداً.."


" استودعكِ الله عزيزتي.."


ذهبت إلى العمل بعد ذلك وأنجزت كل الأعمال اللازمة وقبل الموعد المحدد لانتهاء أخر محاضرة لها كنت أقف أمام الجامعة مُنتظراً حضور أروى..

اليوم لن يكون لدي عملاً فى المساء ورُبما نذهب إلى السينما أو إلى أى مكان تريده أروى.. أريد أن أعوضها عن الفترة الماضية بأى شكل..

قاطع أفكاري رنين الهاتف ، وكان المتصل هو محمود.. وعلى غير المتوقع كان مبتهج للغاية وهو يقول فى سعادة :

" لن تصدق ما حدث.."


وقبل أن أسأله استطرد قائلاً :

" هناك من يريد أن يشاركني بالشركة وسيشتري النصف بثمن رائع.. سيكفى لتسديد كل ديوني دون أن اضطر لإعلان إفلاسي ولأن ابيع كل ما أملك.."


فاجأني الخبر وأسرني كثيراً ، فأطلقت ضحكة طويلة ثم قلت :

" حقاً ..؟ مبارك عليكَ.. ألم أخبرك أنكَ ستجد حلاً قريباً..؟ "


فى تلك اللحظة أقبلت أروى ودلفت إلى السيارة ، فى حين قال محمود :

" لقد كدت أيأس من هذا.. الحمد لله.."


رددت خلفه :

" الحمد لله.. أذن لابد أن نحتفل بالخبر السعيد.."


قال مباشرة :

" لهذا أتصلت بكَ.. ما رأيك بأن تأتي لتتناول معى طعام العشاء اليوم..؟ أنتَ وزوجتكَ وشقيقتكَ بالطبع.."


قلت بسرعة :

" بالتأكيد.. حسناً نتقابل فى المساء أذن.."


أغلقت الخط وألتفت لأنظر إلى أروى التى بادرتني قائلة بتأفف :

" ستتقابلان اليوم أيضاً..؟"


قلت :

" إنه يدعونا جميعاً لتناول طعام العشاء لديه.."


أروى حدقت بي باستغراب ثم قالت :

" لماذا..؟ أهناك مناسبة ما..؟ سمعتكَ تقول هذا.. خيراً..؟"


قلت :

" لقد مرت أزمته بخير ولن يضطر لاشهار افلاسه.. ولهذا السبب فهو يدعونا لتناول العشاء.. "

" تقصد أنه يدعوني معكَ..؟"

" طبعاً.. بل وقبل مني.. ما رأيكِ..؟"

" لِم لا..؟ "

" وكذلك ستأتي سالي بالطبع.. لقد دعاها هى أيضاً.. ستكون فرصة جيدة لأن نجتمع ثلاثتنا اليوم على العشاء.."


قالت أروى وقد غيرت رأيها فوراً :

" لا أظن ذلك.. رُبما من الأفضل أن تذهب وحدكَ ، فيم نبقى أنا وسالي بالمنزل..؟"


لم أفهم سبب رفضها المفاجئ فقلت :

" ولكن لماذا..؟"


ظلت صامتة لبرهة وقد بدت عليها علامات التفكير العميق قبل أن تقول :

" هذه الفترة لا تبدو سالي على ما يرام.. رُبما هناك ما يضايقها.. وأعتقد أنها سترفض الذهاب لذا فمن الأفضل أن أبقى معها.."


هتفت بحماس :

" بل ستكون فرصة لتتحسن نفسيتها قليلاً.. سأخبرها أنا بنفسي ولا أظنها سترفض.."


~ ~ ~ ~ ~


فشلت كل محاولاتي لإقناع معاذ بالعدول عن فكرة الذهاب إلى منزل محمود ، لم أكن أريد لسالي بأن تقابله لكى لا تزداد تعلقاً به غير أنه معاذ أفسد علىّ كل شئ حينما أخبرها بالأمر وأقنعها بالذهاب معنا..!

وفى المساء توجهنا جميعاً إلى منزل محمود.. ولأول مرّة قابلت والدة محمود التى رحبت بنا ترحيبٍ شديد وأبدت سعادتها بالتعرف علىّ ، وأمطرتني بالتهاني القلبية على الزواج..!

قالت :

" مبارك لكما على الزواج.. لم تسنح لي الفرصة لأبارك لكما على الزواج سوى الأن.. أعذراني فقد كان الأمر مفاجئاً لنا جميعاً.."


ألتفتُ لأنظر إلى معاذ وتشابكت نظراتنا للحظات قبل أن تعود نظراته إلى والدة محمود ثم يقول :

" أجل.. حدث كل شئ بسرعة.. "


وابتسم مضيفاً :

" حينما رأيت أروى لأول مرّة قلت فى نفسي : هذه الفتاة ستكون لي ! ولم أشأ أن أضيع ولو لحظة واحدة.."


تسارعت خفقات قلبي وتوهج وجهي لدى سماعي لكلمات معاذ.. وللمرة ثانية ألتقت نظراتنا للحظة قبل أن أشيح بنظراتي عنه وأحلق بعيداً إلى حديقة الغناء الرائعة التى تطل عليها النافذة الكبيرة والتى تتيح لمن يجلس الاستمتاع بذلك المنظر الرائع.. فيما قال معاذ لمحمود :

" وأنتَ..؟ ألن نفرح بكَ قريباً..؟ "


ألتفت لأنظر إلى محمود الذى ابتسم قائلاً :

" إذا وجدت الفتاة المناسبة فسأفعل مثلكَ تماماً.. لن أضيع لحظة واحدة.. " !


وضحك الجميع فيما عداى أنا وسالي..!

عاد محمود يقول :

" أمى.. لقد تضورنا جوعاً.. ماذا عن الطعام..؟"


نهضت والدته على الفور لتطلب من الخدم التعجيل بتقديم العشاء ، فأنزوى كلاً من محمود ومعاذ إلى حديث جانبي ، فيما نهضت سالى قائلة :

" سأذهب إلى الحديقة لاستنشق بعض الهواء.. "


قلت بسرعة :

" أذن سأتي معكِ.. "


غير أنها قالت :

" لا داعِ.. سأكون بخير.. فقط أريد أن أتمشى قليلاً وأن أعيد التفكير ببعض الأمور.."


لم أشأ أن أزعجها فتركتها تذهب فيما بقيت أنا جالسة استمع إلى أحاديث كلاً من معاذ ومحمود..

قال معاذ :

" لم تخبرني كيف تم الأمر..؟ أقصد ذلك الذى يريد شراء نصف حصتكَ من الشركة..؟ "


هز محمود كتفيه قائلاً :

" أنا لم استوعب الأمر بعد.. لقد أتصل بي المحامي وأخبرني أن ثمة من يريد مشاركتي بالشركة.. وتم البيع والشراء فى غضون ساعات.. كان الأمر أشبه بحلم بعيد المنال.. ولكنه تحقق..! "


قال معاذ وقد تفاقمت دهشته :

" ومن يكون هذا الشخص..؟ لابد أن رجل أعمال كبير.."


قال محمود :

" إننى حتى الأن لم أعرفه.. لقد اشترى حصته عن طريق وسيط.. وفى الحقيقة يروادني الفضول لرؤيته كثيراً.. إننى مدين له بالكثير.."


فى تلك اللحظة أقبلت والدة محمود لتخبرنا بأن العشاء صار جاهزاً.. فذهب معاذ لاحضار سالي من الحديقة فيما توجهت برفقة محمود إلى غرفة المائدة..

قال محمود بينما كنا نسير :

" ماذا أعددتِ من أجل معاذ..؟ أقصد من أجل عيد ميلاده.. لم يتبق سوى يومين على ذلك.."


تفاجأتُ كثيراً ؛ فلم أكن أعلم أن عيد ميلاده قد أقترب إلى هذا الحد..

قال محمود بدهشة :

" لم تكوني على علم بهذا..؟! "


قلت مرتبكة :

" لا..! أقصد رُبما لم تسنح الفرصة لأن يخبرني معاذ بهذا.."


قال محمود باسماً :

" رُبما كان هذا من حسن الحظ.. بأمكانكِ أن تعدى لى مفاجأة غير متوقعة.. ورُبما استطيع مساعدتكِ فى هذا.. سأدعو جميع أصدقاتنا ذلك اليوم.. لابد أن يكون يوم مميزاً.."


ابتسمت وقد تفاقمت الفكرة برأسي أكثر..

أعتقد أن معاذ سيحب هذا كثيراً..! ورُبما يجب أن أشترى له قارورة عطر بدلاً من تلك التى كسرتها يومئذٍ..!

أتخذنا أمكاننا على طاولة الطعام وانتظرنا لحين حضور معاذ والذى عاد وحيداً بعد فترة.. ومن تعبيرات وجهه فهمت أن هناك شيئاً ما.. حتى قبل أن يقول :

" لقد انصرفت سالي.. أتصلت بها فقالت أنها شعرت ببعض التعب وعادت إلى المنزل.. "


~ ~ ~ ~ ~

شعرت بحرج شديد لهذا الموقف السخيف الذى وضعتنا فيه سالي.. ورغم محاولاتي لتبرير موقفها أمام الجميع غير أننى كنت أحوج لمن يبرر لى فعلتها.. وبقدر الأمكان حاولت أن أبدو طبيعياً طوال اليوم وألا أفسد الليلة على الجميع.. وقبل مغادرتنا شكرت محمود ووالدته على حسن ضيافتهما ثم توجهت برفقة أروى إلى السيارة..

وفى طريق العودة كانت كان الصمت المطبق يغلفنا.. وكانت أروى طوال الطريق تنظر من النافذة دون أن تبس بكلمة فى حين كنت حائراً من تصرف سالي الغريب وأتعجل العودة إلى المنزل لأتحدث إليها وأفهم سبب مغادرتها بهذه الطريقة الغير لائقة..!

قالت أروى فور وصولنا للمنزل :

" لا تتحدث معها الأن.. انتظر حتى الصباح وتحدثا كيفما شئتم.."


غير أننى قلت بطريقة لا تقبل الجدل :

" بل سأتحدث إليها على الفور.. لابد أن أفهم الأمر.."


وحثثتُ الخطى مسرعاً إلى غرفتها فى حين ذهبت أروى إلى غرفتها دون أن ترافقنى..

كانت سالي تستعد للنوم غير أننى لم آبه بذلك وسألتها على الفور :

" هلا فسرتِ لي سبب ذهابكِ المفاجئ..؟"


هزت سالى كتفيها بلا مبالاة وعدم إهتمام ثم قالت :

" لكني أخبرتكَ بالفعل.. لقد شعرت ببعض التعب فعدت إلى المنزل.."


قلت منفعلاً :

" على الأقل كان يجب أن تلقى التحية على أصحاب المنزل.. لا أن تغادرى منزلهم دون حتى أن تودعيهم.."


أطلقت تنهيدة طويلة ولاذت بالصمت فى حين تابعت أنا :

" لقد وضعتِني فى موقف حرج.. حاولت أن أبرر للجميع سبب مغادرتكِ لكني نفسي لم أقتنع بالمبررات.."


قالت :

" لم أقصد فعلاً أن أضعكَ بموقف محرج.. لقد كنت متعبة حقاً ولست أدرى كيف أجعلك تصدقني.. وعلى أى حال فبأمكاني أن أتصل غداً بوالدة محمود لأعتذر لها لو كان هذا يرضيكَ.."


قلت :

" أجل يرضيني جداً.. "


قالت ببساطة :

" أذن سأتصل بها فى الصباح الباكر.. أهناكَ شئ بعد..؟"


قلت :

" لا.. تصبحين على خير.."


وتوجهت إلى باب الغرفة وكدت أغادرها لولا أنها استوقفتني قائلة :

" انتظر لحظة.."


توقفت بمكاني وألتفت لأنظر إليها فلاذت بالصمت وقد بدا عليها التردد..

سألتها :

" أهناكَ شئ ما ..؟"


أطرقت برأسها لبرهة ثم لم تلبث أن رفعت رأسها ونظراتها نحوى وقد حسمت أمرها فقالت :

" ألازال مكتبي بالشركة كما هو..؟"


أدهشني طرحها لهذا السؤال فى هذا الوقت بالذات ، غير أننى أجبتها :

" بالطبع.. لم يشغله أحداً كما أوصى أبى قبل موته.. سيكون لكِ وقتما تنهين دراساتكِ العليا وتقررين العمل معي.. "


قالت :

" لقد قررت.. سأبدأ العمل معكَ منذ غداً.. "


وأضاف :

" لقد نلت شهادات عديدة وأظن أن هذا يكفيني على الأقل فى الوقت الحالي.. إننى فى حاجة لشئ أشغل به وقتي.. وأظن أن العمل هو أنسب حل لقتل الملل.."


~ ~ ~ ~




يتبع

الجُودْ ؛ 19-07-12 06:13 AM







32


اليوم سأجتمع لأول مرة مع شريكي الذى لم أعرف اسمه حتى الأن..
كم أنا متشوق للقاء ذلك الشخص الذى أنقذني من الأفلاس..! إنني مدين له بالكثير ؛ فهو لم يقتنص الفرصة ليعلن رغبته فى شراء نصف الأسهم بثمن بخس.. بل على العكس كان عادلاً ونبيلاً إلى أقصى حد..
استعديت للقاءه وذهبت باكراً إلى الشركة واتخذت مكاني بقاعة الاجتماعات مُنتظراً قدومه..
وطال انتظاري دون جدوى..!
وأخيراً حضر المحامي الخاص به ليعتذر لي ويخبرني بأنه لن يتمكن من الحضور اليوم لأصابته بوعكة صحية..
أصبتُ بخيبة أمل شديدة غير أننى لم ألبث أن تداركت شعوري هذا قبل أن يسيطر علىّ وقلت له :
" لا مشكلة.. أذن أبلغه سلامي وتمنياتي له بالشفاء العاجل.."

وكانت أجابته كالتالي :
" حسناً سأخبرها بذلكَ.."

شعرت بدهشة شديدة لما قاله.. ورددت خلفه :
" ستخبرها..! تقصد ستخبره..!"

غير أنه بدا لي مُرتبكاً بشدة وهو يقول :
" أجل أجل.. "

ولم أدرى سبب ارتباكه الشديد وتلعثمه.. غير أن هذا أثار فضولي مما جعلني أصرُ على معرفة اسم ذلك الشخص " شريكي "..
واستعنتُ بصديق ما لي ليساعدني على معرفة اسم شريكي.. ولم يكن الأمر سهلاً غير أنني حصلت عليه بالفعل..
وكانت مفاجأة رهيبة بكل المقاييس ..!

~ ~ ~ ~


كنت عازمة على انتظار عودة معاذ إلى الغرفة لأطمئن منه على أحوال سالي غير أننى لم أكد أُبدل ملابسي واستلقي على الفراش حتى رحتُ فى نوم عميق لم أفق منه سوى فى اليوم التالي..
وكما هو معتاد انتظرت حتى انتهى معاذ من ارتداء ملابسه لنذهب معاً ، غير أننا لم نكن وحدنا هذا الصباح..
أحزروا من استيقظ باكراً هذا اليوم.. ولماذا..؟
أجل.. إنها سالي.. لقد قررت أن تبدأ فى العمل وتؤجل دراستها العليا لحين اشعار أخر..
هذا الخبر اسعدني كثيراً وأيقنتُ وقتها أنها قد وضعت قدميها على أول عتبات النسيان..
ولكن تُرى ستصل إلى مرأبها ذات يوم ؟ أم ستظل حائرة بين حبها المبتور ورغبتها فى النسيان ، ولن ترجح إحدى الكفتين أبداً ؟
كم أتمني أن اخط بقلمي نهاية هذا الحب فى نهاية تلك الرواية ..!
وأخيراً انتهي اليوم الدراسي وعدتُ إلى المنزل برفقة سالي.. أما معاذ فقد انصرف إلى حيث لا أعلم كما هو معتاد فى الأونة الأخيرة..
لم يكن لدي الوقت الشاغر لأفكر فى سبب خروج معاذ المتكرر.. أو سؤاله عن ذلك ، لكني أنوى معرفة ذلك فى المستقبل القريب.. أما اليوم فقد انشغلت كثيراً فى التحضير لحفلة عيد ميلاد معاذ.. وساعدتني سالي كثيراً فى هذا.. حتى أنه لم يعد يتبق سوى أن اشتري هديته.. وهذه الأخيرة أمرها بسيط كما تعلمون..!

فى اليوم التالي طلبت من معاذ ألا يأتي ليصطحبني فى ذلك اليوم وزعمت بأن إحدى المحاضرات قد ألغيت وأننى سأستقل سيارة أجرة وأعود وحدي..
وبعد جدال ما يقرب من الساعتين حول هذا الأمر وافق أخيراً على هذا..!
كنت أريد بالطبع أن أشتري له هديته وبالفعل اشريت قارورة عطر رائعة.. أجمل كثيراً من تلك القارورة التى حطمتها والتى كانت هدية من تولان..
برأيكم ،، هل ستعجبه هديتي ..؟!

كانت الساعة تناهز الثالثة عصراً ، وكان الطقس مشمساً والهواء دافئ ومنعش على عكس الأيام السابقة ، مما شجعني على الذهاب إلى شركة معاذ سيراً على الأقدام..
سأفاجئه بزيارة غير متوقعة ؛ فأنا لدي فضول لأن أراه أثناء عمله..!
حينما وصلت إلى الشركة رأيت سيارة محمود تقف أمام بابها.. بالتأكيد لقد أتى لزيارة معاذ.. أرجو ألا يفسد المفاجأة ويخبره بخططي للحفل..!
حثثتُ الخطا إلى غرفة معاذ.. كنت أريد أن أطمئن إلى أنه لم يعلم شئ عن الحفل.. إننى أعتزم أن يكون الحفل رائعاً ومفاجئ له.. إنه أول عيد ميلاد له منذ تزوجنا وأريد أن أجعله شيئاً مميزاً..
وبيني وبينكم أننى أعتزم اليوم أن أصارحه بمشاعري نحوه ؛ فلم أعد قادرة على أخفاء حبى له أكثر من هذا..!
لابد أن تنتهي تلك المسرحية السخيفة.. أريد أن أشعر أننى زوجته ولست تلك السلعة التى أشتراها بماله..

بينما كنت أنعطف إلى الرواق المؤدي لغرفة معاذ اصطدم جسدي بسيدة ما..
كنت أسير بخطوات مُسرعة فلم انتبه لها.. وبينما كنت أرفع بصري لأعتذر منها ، سمعتها تطلق ضحكة ساخرة ، وحينما رفعت رأسي لأنظر إلى صاحبتها أصابني شلل مؤقت من هول الصدمة.. ووقفت أحدق بها بعينين مفتوحتان على وسعهما..
كنت أقف وجهاً لوجه مع أخر أمرأة فى الكون أتمنى رؤيتها فى هذا الوقت بالذات.. ألا وهى تولان..!

~ ~ ~ ~


لم أصدق نفسي وأنا أقرأ اسم شريكتي بالشركة..
كان الأمر مفاجئاً ومُربكاً لي حتى أننى لم ألقِ نظرة على صديقي والذى ساعدني كثيراً فى معرفة اسم شريكي أو لنقل شريكتي والتى لم تكن سوى سالي..
سالي بهاء الدين.. شقيقة معاذ..!
أصابني الأمر بصدمة فى بادئ الأمر ، غير أن صدمتي لم تلبث أن تحولت إلى غضب هادر ، ولم استطع تمالك نفسي فمزقت الورقة التى تحمل اسمها وتركت صديقى مصدوماً واستقليتُ سيارتي مُسرعاً إلى منزل معاذ.. وهناك أخبروني أن سالي ذهبت إلى الشركة فاتجهت مباشرة إلى الشركة.. ولم أكد أصل إليها حتى ذهبت إلى غرفتها ودلفت إليها دون حتى أن أطرق بابها..
كنت فى حالة غضب شديدة لم استطع التحكم بها.. ولم اشعر من قبل بمثل هذا الغضب الشديد..
كانت سالي تجلس خلف مكتبها وبرفقتها السكرتيرة الخاصة بها وكانتا منهمكتان فى العمل ، غير أن دخولي المفاجئ واقتحامي للغرفة بهذا الشكل جعلهما تتوقفان وتلتفتان نحوى بحيرة وترقب..
قلت ثائراً وغير آبهاً بوجود تلك السكرتيرة :
" أريد أن أعرف ماذا يعنى ما فعلته هذا..؟"

نظرت إلىّ سالي مُرتبكة ، ثم وجهت نظراتها إلى السكرتيرة وقالت :
" هلا تركتِنا وحدنا الأن من فضلكِ..؟ "

ولم تلبث السكرتيرة أن غادرت الغرفة على عجل بينما كانت الحيرة تكاد تنبثق من عينينها ونظراتها..
قالت سالي بمجرد أن أغلقت الفتاة الباب خلفها :
" رجاء أهدأ قليلاً وأجلس لنستطيع التحدث.. "

غير أنني صحت بها :
" لن أهدأ ولن أجلس.. أريد أن أفهم حالاً أى هراء هذا الذى فعلتِه..؟ كيف تجرؤين على شراء نصف الاسهم الخاصة بشركتي..؟ كيــــف..؟"

قالت سالي مُرتبكة :
" كيف علمت هذا..؟ من أخبركَ بأنني من فعلت..؟"

صرخت منفعلاً :
" لا يهم من أخبرني.. ولا تحاولين الهرب من سؤالي.. "

وأضفت بثورة عارمة :
" كيف تفعلين هذا يا سالي..؟ ولماذا..؟"

قالت بنبرة خافتة :
" كنت فقط أريد مساعدتكَ.. لم أشأ أن أشاهدكَ دون أن أفعل شيئاً من أجلكَ.."

كلماتها اشعلت فتيل غضبي بدلاً من أن تخمده فضربت بقبضتي سطح مكتبها فى ثورة عارمة وصحت بها :
" تساعديني..!! ومن طلب منكِ المساعدة..؟ كيف تجرؤين على إقحام نفسكِ فى شئوني..؟ كيف تجرؤين..؟ اللعنة عليكِ.. إننى أفضل أن أعلن افلاسي بدلاً من أن تساعديني بهذا الطريقة.."

وأضفت بغضب :
" ألم تسألين نفسكِ قط لماذا لم يحاول معاذ أن يفعل ما فعلته..؟ ألم تدركي قط أنكِ تهنين كرامتي بفعلتكِ هذه..؟ ألم يخطر ببالكِ قط أننى سأرفض ما فعلته واستنكره..؟"

قالت سالي وقد امتلأت عينيها بالدموع :
"طبعاً كنت أتوقع أن تغضب لهذا جعلت الشراء يتم عن طريق وسيط.. ولكني لم أتوقع أبداً أن يكون غضبكَ عارماً لهذا الحد.. وعلى أى حال أنا حقاً أسفة.. لم اقصد أن أغضبكَ هكذا.. كنت فعلاً أريد مساعدتكَ.. لم استطع أن أراك حزيناً دون أن أفعل شيئاً.."

قلت :
" إذا كنتِ حقاً تريدين مساعدتي فبإمكانكِ أن تستعيدي نقودك فيما استعيد أنا حصصي.. وأنا قادر على تدبر أموري وحدي.."

اعترضت قائلة :
" ولكن................ "

غير أننى صرخت بها مقاطعاً :
" لا يوجد لكن.. ستفعلين ما طلبته منكِ شئتِ أم أبيتِ.. لن اسمح لكِ بأن تتمادي في هذا.. اسمعتِ..؟ اليوم ستذهبين لتستعيدين نقودكِ وتعيدين لي حصصي.. اليوم وليس غداً.."

اطرقت برأسها قائلة :
" حسناً.. كما تريد.."

اتجهت لأغادر غرفتها عازماً على مغادرة الشركة ولكن مشهد ما أثار انتباهي فى تلك اللحظة وجعلني عاجز عن المغادرة..
كانت أروى تقف على مقربة من غرفة سالي وأمامها كانت تقف تولان.. وقبل أن أفيق من دهشتي إذا بسالي تغادر غرفتها بدورها ويقع بصرها على نفس المشهد الذى استرعي انتباهي فتلجمها المفاجأة هى الأخري وتقف بجانبي فى دهشة لا تقل أبداً عن دهشتي..!

~ ~ ~ ~


افلتت من بين شفتي شهقة خافتة بينما كنت أتراجع إلى الخلف وعينىّ مُسمرتين على وجه تولان.. فيما كانت هي ترمقني بنظرات ساخرة وفوق شفتيها تتراقص ابتسامة شامتة..
قالت :
" ما بكِ ..؟ أرأيتِ شبحاً ..؟"

وأضافت بسخرية :
" وأنا التي كنت أظنكِ قد اشتقتِ إلىّ ..! "

تلعثمت قائلة وقد أبت الكلمات أن تخرج واضحة من بين شفتي :
" أنتِ.. أنتِ.. عدتِ ثانية..؟"

قالت :
" عدتُ من أين بالضبط..؟"

حاولت أن استجمع قواي وألا أبدو كالمصعوقة أمامها ، فقلت :
" من تركيا..؟"

وهذه المرة كانت صدمتي أقوى وأعنف حينما قالت :
" هكذا أذن..؟ أهذا ما أخبركِ به معاذ..؟ ياللأسف عليكِ.. إننى حقاً أرثو لحالكِ التعس.. لكم أنتِ ساذجة يا عزيزتي..! أنا لم أسافر ولم أبرح مصر ولست عازمة على ذلك قط.. "

وكأن جبلاً جليدياً قد اصطدم برأسي فى تلك اللحظة ، فلم أعد قادرة على استيعاب أى شئ..!
قلت بتشتت فكر :
" كيف هذا..؟ ألم تعودي إلى تركيا ذلك اليوم..؟"

هزت رأسها نافية وقالت مبتسمة :
" بالطبع لا.. أنا لا أقبل الهزيمة قط ولا أتنازل عما يخصني بهذه السهولة.. وانظري.. ها قد ربحت الجولة الأولي وسأتزوج معاذ قريباً.. والجولة الأخيرة ستكون حينما يعيدكِ إلى حيث انتشلكِ.."

وأضافت باحتقار :
" من قاع المجتمع الذى أتيتِ منه أيتها الغبية.."

قالت ما قالته وواصلت سيرها لتدفعني فى طريقها بعنف ثم تواصل سيرها مبتعدة عني.. بينما ظللت أنا واقفة بمكاني.. مشلولة الارادة.. وقد حجبت دموعي الرؤية أمامي وباتت قدميّ ثقيلتان فجأة فصرتُ عاجزة عن الحراك..!
هل كانت تولان هنا.. أم أنني من فرط تفكيري بها فقد جسدها عقلي أمامي فتوهمت وجودها..؟
من السهل أن أتوهم وجودها ولكن ماذا عن عطرها النفاذ الذى لازال عالقاً بأنفي..؟ هل أتوهمه أيضاً..؟
وهل أتوهم أنها قالت بأنها ستتزوج من معاذ..؟
هل ممكن أن يكون كل هذا وهماً..؟

فى تلك اللحظة رأيت محمود يقترب مني فيما كانت سالي تقف من خلفه وترقبنا مصدومة..
قال :
" أنتِ بخير ..؟"

ولم أدرِ بماذا أجيبه..؟ لم أكن بخير أبداً.. بل إننى بأسوأ حال على الأطلاق..
قلت :
" أريد أن أذهب من هنا.. "

غير أن سالي تدخلت قائلة :
" انتظرى أروى.. إنها كاذبة بلا شك.. لابد أن هناك أمر ما خطأ.."

قلت صارخة :
" أى خطأ هذا..؟ الأمر واضح كوضوح الشمس فى كبد السماء.. لقد خدعني أخاكِ.. كذب علىّ.. تباً له.."

ويبدو أن صوتي قد جذب معاذ فغادر غرفته ليستطلع الأمر ولم يكن يغادرها ويرانا مجتمعين بالرواق حتى اصابته الدهشة.. وبينما كان يدير عينيه فى وجوهنا ألتقت نظراتنا لوهلة ولم استطع كبت العبرات التى انهمرت على وجنتىّ دفعة واحدة..
قال معاذ مشدوهاً :
" أروى..! "

غير أننى صحت به ثائرة :
" لا تنطق اسمي هذا ثانية.. من اليوم لا توجد أروى.. وأنت أيضاً انتهيت بالنسبة إلىّ.. لا أريد أن أكون زوجة لرجل خائن مثلكَ.."

هتف معاذ بألم :
" أروى..!"

فزاد نطقه لأسمي من جنوني وصحت به :
" قلت لا تنطق اسمى.. اللعنة عليكَ.."

واستدرت عازمة المغادرة غير أنه لحق بي ومنعني من الذهاب قائلاً :
" انتظرى أروى رجاء.. لابد أن نتحدث.."

غير أننى صحت به قائلة :
" نتحدث..! أى حديث هذا يمكن أن يكون بيننا..؟ أيصور لكَ عقلكَ أننى سأصدقك بعد اليوم..؟ لقد خدعتني وأخبرتني بأن تولان رحلت بينما هى لاتزال هنا وبالتالي كنتما تلتقيان خلسة.. كيف تفعل هذا بي..؟ اللعنة عليكَ معاذ.."

قال معاذ محاولاً تبرير موقفه :
" الأمر ليس كما يبدو لكِ.. لم تعد تولان تعني لي شيئاً أقسم لكِ.. مشاعري كلها لكِ أنتِ.."

صرخت به :
" ولهذا السبب ستتزوجها هى أليس كذلك..؟"

تفاجئ معاذ ولم يتمكن من إخفاء دهشته ، فتراخت قبضته على زراعي ، ولاذ بالصمت..!
صحت به ثانية :
" رد علىّ.. لماذا صمت الأن..؟ هل أصابكَ الصمم..؟"

فى تلك اللحظة تدخلت سالي قائلة :
" معاذ قل شيئاً.. أما قالته تلك المرأة صحيح..؟ هل تنوي الزواج منها..؟"

ولم يكن فى حاجة لجواب..!
عادت سالي تقول :
" ماذا دهاكَ..؟ قل أى شئ.. لا تصمت هكذا.."

قال معاذ موجههاً حديثه إلىّ :
" أروى الأمر ليس كما تظنين.."

هتفت صارخة :
" كيف ليس كما أظن..؟ هل ستتزوجها أم لا..؟ أريد جواباً.."

أطلق زفرة طويلة ولم يجب فقال محمود :
" رد عليها يا معاذ.. لا تتركنا وتصمت ثانية.. هل ستتزوج من تولان فعلاً..؟"

وأخيراً جاءنا رد معاذ.. قال :
" لا أريدكِ أن تكرهيني أروى.. أحياناً يكون الانسان مجبر على فعل ما يكره.. وأنا بالفعل مضطر لفعل هذا و......."

لم أعد احتمل سماع المزيد فصرخت به مقاطعة :
" كفى.. لست فى حاجة لأن تكمل حديثكَ.."

مددت يدى لأنزع دبلته ورميته بها قائلة :
" أنت حر.. أفعل ما تشاء.. وما بيننا قد انتهي منذ الأن.."

وبسرعة ألتفت لأغادر الشركة فى حين وصلني صوت محمود يصرخ بكلاً من سالي ومعاذ :
" أنتما الأثنان مثيران للشفقة.. كم أرثو لحالكما..! من الأن فصاعدا ليس لي صديق وأخ اسمه معاذ.. وليس لي أخت اسمها سالي.. اللعنة عليكما..! "

حينما وصلت إلى باب الشركة وجدت محمود يعدو خلفي منادياً علىّ..
لم أتوقف أو أعيره أهتماماً.. كنت أجفف دموعي المنهمرة على وجنتىّ وأكاد أعجز عن الرؤية فما كان منه إلا أن اعترض طريقى قائلاً :
" أروى انتظرى.. لا تذهبي وحدكِ وأنتِ فى هذا الحال.."

قلت :
" أرجوك دعني وحدي.. لا أريد مساعدة من أحد.. أتركني وشأني.."

وعدت لأكمل سيرى غير أنه اعترض طريقي ثانية وقال :
" سأوصلكِ إلى حيث تريدين.. أرجوكِ لا ترفضي.. لن أترككِ وحدكِ أبداً"

غير أننى صحتُ به :
" لا.. لا أريد.. أقصد أنني لا وجه لديّ.. أرجوك دعني وحدي.."

غير أنه قال مُصراً :
" لا تحاولين فلن أترككِ وحدكِ بهذا الحال.."

ولأن ركبتيّ كانتا متخاذلتان من جراء صدمتي التي لم أفق منها بعد فقد ذهبت لاجلس بسيارته كما لو كنتُ مسلوبة الارادة بالفعل..
كنت فى حالة غريبة لم يسبق لي أن مررت بمثلها..
كانت صدمتي تمتزج بحزني وخيبة أملي..
ولوهلة مرت أمامي ترتيباتي لهذا اليوم فشعرت بوخز حاد بقلمي..
أهذا هو اليوم الذى كنت أرتب له وأعتزم أن يكون مميزاً..؟
أهذا هو اليوم الذى كنت أريد لمعاذ ألا ينساه قط..؟
ليتني أمحو ذلك اليوم من عقلي تماماً..
بل ليت حياتي تنتهي عند هذه اللحظة..
ليتني أغلق عينىّ الأن ولا أفتحهما مجدداً أبداً..
يااااارب خذني إليكَ..

~~~~~


تتبـــع



،

،


الجُودْ ؛ 19-07-12 06:14 AM







33




بقيتُ واقفاً بمكاني لدقائق طويلة بعد اختفاء كلا من محمود وأروى فى نهاية الرواق.. ولا تزال لعنات محمود الأخيرة تتردد بأذنيّ وتطغو على كل الأصوات من حولي..

وبصعوبة ببطئ شديدين استطعت أن أحرك عينىّ إلي سالي والتى لا تقل صدمتها عن صدمتي.. واشتبكت نظراتنا للحظات أخري..
وحان دورها هى أيضاً لتصب على جام غضبها ولعانتها..
قالت بتشتت وعدم تصديق :
" كيف تفعل هذا..؟ أى جنون ما فعلت..؟ لا.. لا أصدق أبداً.. أتريد العودة إلى تولان ثانية..؟ هل نسيت ما فعلته بكَ..؟ كيف تقبل كرامتكَ هذا الشئ..؟ وأى ذنب اقترفته أروى لتفعل بها هذا..؟"

زمجرت قائلاً وقد نفذ صبري :
" يكفى سالي.. لا تتحدثي.."

وكأنني قلت لها العكس فقد راحت تصيح بي :
" أنت شخص عديم الاحساس.. ومتبلد المشاعر.. ألا تدرك قط أن أروى تحبك بجنون..؟ لقد قتلتها بفعلتكَ هذه وليتك على الأقل تشعر بما فعلته يداك..
من الأن فصاعدا لا أريد أن أراك.. أنت لست أخى.. فلتتزوج من تلك الغبية كما تشاء.. أنا لا يعنيني أمركَ على الأطلاق.."

اطلقت زفرة طويلة وحاولت أن اسيطر على غضبي واستعيد هدوئي فتوجهت إلى غرفة مكتبي دون أن انطق بكلمة أو أجيب عليها ، وانهرت على أقرب مقعد لي وقد دفنت رأسي بين كفيّ وتجمدتُ لدقائق أو رُبما ساعات..

لم أفق من غيبوتي تلك إلا على صوت باب غرفتي يفتح بعنف وحينما رفعت رأسي رأيت سالي تقتحم غرفتي بانفعال..
كانت فى حالة يصعب علىّ وصفها..
كانت مذعورة وجسدها بأكمله يرتعش وانفاسها تتلاحق وهى تقول لاهثة :
" معاذ.. معاذ.. "

تجمدت انفاسي وانتقل ذعرها إلىّ وأنا أسألها صارخاً :
" ماذا حدث..؟ سالي.. انطقي.."

اقتربت منها وقبضت على زراعيها بقوة ورحت أهزها بعنف قائلاً :
" تكلمي أرجوكِ.. ما الذى حدث..؟ "

أفلتت زراعيها من قبضتي ووضعت إحدى يديها على حلقها وعبثاً حاولت التقاط أنفاسها..
وبضعف شديد مدت يدها وامسكت بيدى تنشد دعمي ، غير أن قواها قد انهارت دفعة واحدة وإذا بها تسقط على الأرض فاقدة الوعي ..!

~ ~ ~ ~ ~


لم يكن لدى أى منا وجهة محددة..
فقط كان كل ما يسيطر على تفكير أروى هو أن تبتعد بأكبر مسافة ممكنة عن معاذ.. وكان كل ما يسيطر على فكري هو أن أبعدها عنه وأبعده عنه..
كنت مازلت مصدوماً برفيق طفولتي وصديقي الوحيد وكانت أروى لا تقل عني صدمة..!
تذكرت ذلك اليوم الذى رأيت فيه تولان تخاطب أروى بالحديقة وتخبرها بأن معاذ عازماً على إعادتها إلى عصمته مجدداً وترك أروى..
للأسف وقتها لم أكن أدرك فعلاً أن ما تقوله تولان صحيح.. بل وأنا من جعلت أروى لا تعبأ بحديثها.. كم أنا مُغفل..!

وكما لو أن أروى قد قرأت أفكاري حينها فقالت بشرود :
" أذن فقد كانت صادقة يومئذ.. "

أطلقت زفرة حانقة ولم أجد تعقيباً ملائماً فلذت بالصمت فى حين تابعت هى :
" نحن فقط الغبيين.. لم نصدقها ووثقنا به.. "

قلت :
" من كان يتوقع أن يفعل معاذ هذا..؟"

فقالت بألم :
" بل قُل : من كان يتوقع ألا يفعل معاذ هذا..؟ "

وأضافت بأسي :
" لقد سامحته برغم كل ما فعل بي منذ بداية معرفتي به.. نسيت أنه طردني من منزله وارغمني على الزواج منه.. وبكل سذاجة ألقيت بالماضى وراء ظهري وبدأت معه صفحة جديدة.. كم أنا غبية..! "

اجهشت فى البكاء فجأة بدون مقدمات وراحت دموعها تفيض على وجنتيها بغزارة.. أما أنا فلذتُ بالصمت مجدداً.. وتركتها تفرغ حزنها فى البكاء..
لم أكن أدرى أى طريق أسلك وإلى متى سأظل أمضى بسيارتي دون هدف.. كان صوت نحيبها يمزق نياط قلبي ويشتت فكري..
وطال الوقت بنا وهى لاتزال على نفس الحال.. دموعها لا تجف وجرحها لا يندمل..

قلت :
" يكفيكِ بكاء أروى.. إنه لا يستحق دموعكِ هذه.. "

رفعت أروى وجهها وقالت بما يشبه الهذيان :
" كيف فعل بي هذا..؟ كيف يضعني بهذا الموقف..؟ لماذا قابلته ذلك اليوم..؟ ولماذا تزوجته..؟ أى غباء ذلك الذى فعلت..؟ اللعنة علىّ وعليه..! اللعنة علينا نحن الأثنين..! "

شعرت بألم حاد ومؤلم بقلبي عجزت معه عن أى كلام..
بينما تابعت أروى :
" من الأن فصاعدا لن يكون هناك بحياتي رجل اسمه معاذ.. من الأن فصاعدا سأكون وحيدة لا يرافقني سوى الألم الذى لن يطيب أبداً..
رباه..! كيف سأحيا بعد ذلك..؟ أى جحيم ستكون حياتي بدونه..؟ "

جففت دموعها بكلتا يديها ثم أضافت بصوت أجش :
" لا لن أكمل حياتي بدونه قط.. إلى هنا لابد أن تنتهي حياتي.. إلى هنا لابد أن أموت لأرتاح.."

وقبل أن أدرك ما كانت عازمة عليه إذا بها تفتح باب السيارة عازمة إلقاء نفسها منها..!

~ ~ ~ ~ ~

كانت لحظة يأس وضعف تلك التى انتباتني فى ذلك الوقت..
رأيت الحياة من خلال منظار أسود فاصطبغ كل شئ أمامي بالسواد.. وبينما كانت السيارة تسير مسرعة على ذلك الطريق الاسفلتي.. وجدت الحل يبرق فى رأسي فجأة..
لابد أن أضع حداً لهذا.. لابد أن تنتهى معاناتي و.... وحياتي..

لم أرى بديلاً وحلاً سوى الموت.. فقط الموت هو ما سيريحني من عذابي..
وفى أقل من لحظة فكرت ودبرت ولم أعيد التفكير ثانية بتروِ.. بل فتحت الباب المجاور لي وهممت بإلقاء نفسي من السيارة.. لكن محمود أمسك بيدى ليمنعني فى أخر لحظة..!

قاومته وضربته بقوة وحاولت التملص من يده غير أنه إزداد تمسكاً بي وهو يصرخ :
" أروى.. ماذا تفعلين بربكِ..؟ عودي إلى رشدكِ..؟ "

وبيده الأخرى كان يمسك بعجلة القيادة ويحاول التحكم بالسيارة التى بدأ زمامها ينفلت منه..!

صحت به فى ثورة :
" دعني.. اترك يدى.. أريد أن أمــــــوت.."


وقبل أن أتم جملتي كان زمام السيارة قد انفلت من بين يدىّ محمود لالفعل وانحرفت السيارة عن مسارها وراحت تدور حول نفسها بجنون فتعالى صريرعجلاتها مختلطاً بصراخ المارة وصراخي قبل أن يعلو صوت اصطدام السيارة بشاحنة نقل..
ثم يسكن كل شئ بغتة.. ويخمد عن أى حركة..

لوهلة شعرت بصدمة قوية برأسي جعلتني أعجز عن الرؤية بوضوح.. ومن خلال ذلك الضباب المتكاثف على عينىّ والذى يعيق الرؤية أمامي استطعت أن أرى محمود والدماء تنبثق من رأسه بغزارة.. فاقداً الوعي ولا يكاد يشعر بشئ مما حوله..

أردت أن انهض وأن احاول افاقته غير أنني عجزت عن ذلك..
وانهارت قواى دفعة واحدة..
ولم اشعر بشئ بعد ذلك..!




~ ~ ~ ~ ~


تتبـــع

الجُودْ ؛ 19-07-12 06:16 AM








34




هتاف بعض الاشخاص يأتي من مكان ما.. وصوت بوق الاسعاف المميز يدوي فى رأسي..
اشعر بجسدي يطير فى الهواء ويتأرجح برفق ثم يستقر فوق مكان ما مريح.. ولازالت الاصوات والجلبة من حولي مستمرة..
حاولتُ جاهدة فتح عينىّ دون جدوى.. كنت اشعر بضعف شديد يسري بجسدي كله.. بت عاجزة معه عن أى شئ..
حاولت أن أصرخ بأعلى صوتي فلم يتجاوز صراخي عقلي.. كنت أريد أن اطمئن على محمود وأكاد أموت قلقاً عليه..
وبينما كنت فى ذلك إذا بحقنة ما تنغرس فى زراعي انهارت معها مقاومتي كلها دفعة واحدة.. وغرقت فى دوامة مظلمة لا نهاية لها.. ولا قرار.. ثم لم أعد أاشعر بشئ من حولي قط..!

افقت بعد ذلك على أصوات ما قريبة وضوء قوى يتسرب عبر جفني ولا أكاد اتحمله..
حاولت مجدداً فتح عينىّ وهذه المرة استجاب جفنىّ لمحاولتي وفتحت عينىّ لأرى الصور متداخلة تمتزج ببعضها البعض ويغلب عليها اللون الابيض..
دققت النظر وحاولت تمييز تلك الاشياء غير أنها بدأت تنفصل عن بعضها البعض ليقترب مني إحداها.. ويأتِني صوت ما يقول :
" حمد لله على سلامتكَ.. "

اغلقت عينىّ وفتحتهما مجدداً فتلاشي الضباب إلى حد ما واستطعت أن أميز الفتاة التى تقف أمامي والتى من ثيابها البيضاء ادركتُ أنها ممرضة أو طبيبة..!
وبمجرد أن افقت تدفقت الذكريات إلى رأسي فصرخت مذعورة :
" محمود.. ماذا أصابه..؟ "

قالت الفتاة تطمئنني :
" اطمئني.. إن رفيقكِ بخير.."

دفعت الاغطية جانباً وحاولت النهوض قائلة :
" سأذهب لرؤيته.."

غير أن تلك الآلام بزراعي جعلتني اتوقف بغتة لانتبه لذل الجبس المحيط بزراعي..
قالت الفتاة :
" رجاء اهدئي.. إنكِ لازلتِ متعبة.. لقد فقدتِ الكثير من الدماء بالأمس وتمت إجراء جراحة على زراعكِ أيضاً.. "

قلت وأنا مستمرة فى محاولة النهوض :
" لا يهم كل هذا.. لن يهدأ لي بال قبل أن اطمئن عليه.. لو أصابه مكروه لن اسامح نفسي.."

قالت الفتاة :
" إنه ليس بهذا القسم.. غرفته بعيدة عن هنا.. "

قلت حاسمة :
" سأذهب إليه أينما كان.. "

وأمام إصراري لم تملك الفتاة سوى أن تعاونني على النهوض والسير..
كنت اشعر بضعف شديد غير أننى لم احتمل ألا اطمئن على محمود وتوجهت برفقة الممرضة إلى خارج الغرفة.. وما كدت أفعل حتى طالعني وجه معاذ والذى كان يقف عند باب غرفتي وما لبث أن اسرع نحوى قائلاً :
" أروى.. ما الذى جعلكِ تنهضين وأنتِ بهذا الحال..؟ "

وألتفت إلى الممرضة متابعاً فى حدة :
" كيف تسمحين لها بالنهوض وهى متعبة هكذا..؟ "

قالت الممرضة مبررة :
" إنها عنيدة للغاية.. لم تستمع إلىّ و........ "

قاطعتها قائلة :
" لماذا تدس أنفك فى شؤوني..؟ كيف تجرؤ..؟ "

تراجع معاذ مصدوماً غير أننى تابعت :
" لقد انتهى كل ما بيننا ولا أريد رؤيتكَ ثانية.. أنت السبب فيما حدث.. أنت السبب فى كل المصائب التى تحدث لي ولن اسامحكَ قط.. "

قال معاذ متألماً :
" أروى... "

غير أننى تابعت :
" لا أريد عطفكَ علىّ أو شفقتكَ.. لست بحاجة لتلك المشاعر المزيفة.. كل ما احتاجه هو أن تغرب عن وجهي وعن حياتي بأكملها.. لم أعد أطيق رؤيتكَ.. أكرهكَ.. أكرهكَ.. أكرهـــــــــــــكَ.."

بعد أن افرغت جل غضبي به استدرت عازمة مواصلة طريقى برفقة الممرضة بينما وقف معاذ يشيعنا بنظراته..
وصلت أخيراً إلى غرفة محمود والتى اتضح لي أنه بغرفة العناية المركزة.. ومن خلال تلك النافذة الزجاجية بباب الغرفة استطعت رؤيته.. وليتني ما فعلت..
كانت حالته كأسوأ ما يكون.. كان وجهه ملئ بالكدمات والجروح الغائرة وآلاف الألات الدقيقة تتصل بجسده النحيل..
شعرت بغصة مؤلمة بحلقي وانتهزت فرصة مغادرة الدكتور المعالج له غرفته فبادرته بالسؤال :
" كيف حاله..؟ هل هناك خطورة على حياته..؟ "

ومن خلال نظراته ادركت جوابه قبل حتى أن يتفوه به..
قال :
" لقد كسرت إحدى قدميه وهناك شرخ فى الحوض.. وهناك أيضاً كسر خطي بجمجمته يصاحبه ارتجاج بالمخ ونزييف استطاعنا السيطرة عليه بصعوبة بعد أن فقد الكثير من الدماء.. لن أخفى عليه فحالته بالفعل خطرة.. غير أننا نأمل جميعاً أن يتجاوزها ويتعافي قريباً.. "

شعرت بالدنيا تسود أمام عينىّ وتظلم.. وكأن قبضة ما مؤلمة تمسك بقلبي وتعصره.. ولم أعد قادرة على كبت دموعي التى راحت تنهمر مُتدفقة من عينىّ..
حاولت الممرضة أن تجعلني أعود إلى غرفتي غير أننى لم استجب لها وقلت :
" لن أبرح مكاني هذا حتى يفيق ويتعافي.. "

فى تلك اللحظة رأيت سالي تقترب مني فاتجهت إليها وتعانقنا عناقاً طويلاً.. ودموعنا الغزيزة تحجب عنا الرؤية..
قلت :
" أنا السبب فيما حدث لمحمود.. أنا السبب فيما صار إليه ولن اسامح نفسي قط.."

قالت سالي محاولة التخفيف عني :
" لا تقولي هذا.. إنه حادث قضاء وقدر.. "

قلت مُنتحبة :
" الطبيب يقول أن حالته خطرة.. أخشى أن يصيبه مكروه.."

لم تخف علىّ تلك الارتجافة التى حلت بجسدها مع قولي هذا.. غير أنها حاولت التظاهر بالثبات وقالت :
" بإذن الله سينجو وسيصير بخير.."

ثم أضافت :
" لقد جئت لتوى من غرفتكِ.. كان الطبيب يسأل عنكِ.. لا تستهيني بحالتكِ أروى.. أنتِ مازلت متعبة ولابد أن ترتاحي.. هيا عودي لغرفتكِ معي لتستريحي.."

لم أجد بداً من الرفض خاصة واننى كنت بدأت اشعر بدوخة خفيفة فعدت معها إلى غرفتي.. وكان معاذ مازال واقفاً فى نهاية الرواق ينظر لي دون أن يحاول التحدث إلىّ فدلفت إلى غرفتي متجاهلة أياه تماماً..!

~ ~ ~ ~ ~ ~




لم أكن أتوقع بالطبع أن تهرول أروى نحوى بمجرد رؤيتي ؛ فقد كنت ادرك فداحة ما فعلت ، لكني فى الوقت ذاته لم اتصور قط أن تقول ما قالته.. لم اتخيل قط أن أروى ستعود مرة أخرى لتكرهني وتعاملني بهذه المعاملة.. ولكم ألمني هذا..!
وقفت اتنظرها فى نهاية الرواق لأراها وهى عائدة واطمئن إلي أنها بخير.. و كانت سالي قد ذهبت هذا الصباح إلى المنزل لتبدل ملابسها ؛ فقد قضت الليل بأكمله بالمستشفى ولم تغادرها للحظة واحدة ، وبعد مغادرة أروى حضرت سالي فطلبت منها أن تلحق بها وتعيدها إلى غرفتها..
وسالي والتى بدت متماسة إلى حد ما اليوم ، قد كانت بالأمس فى حالة سيئة يرثى لها.. فبعد أن فقدت وعيها نقلناها إلى المستشفى القريبة من الشركة وحينما افاقت علمت منها بأن هناك من أتصل بها ليخبرها بذلك الحادث الأليم ولم يقوّ قلبها الضعيف على تحمل الصدمة وصارت تهذى وتبكى طوال الليل حتى غادر محمود غرفة العمليات فى الصباح الباكر بعد أن أجريت له جراحة بالغة الدقة برأسه استطاع الأطباء خلالها وقف النزييف بأعجوبة.. وحمد لله تم وضعه فى غرفة العناية المشددة لكى يلاقي الرعاية المناسبة.. وبدأت حالته تستقر إلى حد ما وأرجو من كل قلبي أن يصير بخير فى أقرب وقت..

إلى الأن لم استوعب الاحداث الغريبة التى حدثت مؤخراً.. بداية بلقاء أروى بتولان.. ومروراً بذلك الحادث.. ونهاية بحديث أروى اللاذع..!
لست ألومها على كل ما قالته.. فأى فتاة أخري فى مكانها كان سيكون لها رد الفعل العنيف والحاد الذى لاقيته منها.. ما يؤلمني فقط هو أن أراها متعبة هكذا دون أن أكون بقربها.. دون أن أوزرها فى مرضها وأخفف عنها..
وما يشغل تفكيري هو كيف يمكنني استعادة ثقتها بي..؟ تلك الثقة التى جاهدت لاشهر طويلة لكي أكسبها.. والتى لم تعد موجودة على الأطلاق..!

بعد ما يقرب من ساعتين غادرت سالي غرفة أروى فسارعت إليها وسألتها عن حالها فقالت :
" لقد نامت الأن.. إنها متعبة جداً وضعيفة للغاية.. وحالتها النفسية سيئة.. إنها تحمل نفسها الذنب فى ذلك الحادث.. "

وأضافت :
" سأذهب لأتفقد حال محمود.. "

قلت :
" أذن بما أنها نامت.. هل يمكنني فقط أن ألقى نظرة عليها..؟ "

أطل الاعتراض من عينيها غير أننى قلت مصراً :
" أريد أن اطمئن عليها.. لن أجعلها تشعر بي قط ولن أفعل أى شئ يضايقها.. "

وأمام ذلك الاصرار قبلت سالي بدخولي على مضض فى حين ذهبت هى إلى محمود..
فتحت باب غرفة أروى بهدوء ودلفت إليها محاولاً ألا أحدث جلبة أثناء دخولي.. ورأيتها نائمة على إحدى الاسرّة بالغرفة.. ترتدي تلك الملابس الخضراء الخاصة بالعمليات.. ويدها المضمدة موضوعة فوق صدرها.. وقد تناثر شعرها الطويل حول وجهها الشاحب وبدت مُستغرقة فى نومٍ عميق..
سامحيني يا أروى.. أنا السبب فيما حدث.. ليت الزمن يعود للخلف لأصحح الأوضاع.. بل ليتني أنا من أصيب بالحادث ولم تمس شعرة منكِ أو من محمود..
سامحيني يا أغلى وأحب الناس إلى قلبي..

~ ~ ~ ~ ~ ~



تتبع





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:18 AM






35



استغرقت فى النوم لبضع ساعات قليلة..
كان زراعي المكسور يؤلمني بشدة خاصة مع وجود ذلك الجبس الثقيل الذى يعوق حركتي وبالتالي كان نومي متقطع يشوبه أحلام غريبة ومتداخلة.. وكلها تدور حول معاذ..!
كان يقف بجوار تولان والتى تأبطت زراعه فى سعادة وفى يدها تلتمع دبلة الزواج الذهبية.. فى حين كان يقف معاذ حزيناً ولم يلبث أن لمحني وأنا أرقبهما فتركها وتوجه نحوى ، وفجأة تحول وجه معاذ إلى وجه تولان وامتدت يديها إلى عنقي وراحت تضغط عليها بقوة وتعصرها بين يديها..
صرخت بقوة وفتحت عينىّ لأكتشف أن كل هذا ليس سوى حلم سئ داهمني اثناء نومي..!
كانت الغرفة غارقة فى الظلام فحاولت النهوض لأضغط زر الأضاءة غير أننى لم أقو على النهوض مما احبطني واشعرني بالعجز فاجهشت فى البكاء فجأة بدون سبب..
وبينما كنت فى ذلك إذا بالنور يسطع فجأة فى الغرفة وتظهر سالي والتى كانت تنام بالسرير المجاور لي كمرافقة ، وحجبها الظلام عني..!
قالت سالي بقلق :
" ما بكِ..؟ هل أنتِ بخير..؟"

قلت منتحبة :
" أنا تعيسة ووحيدة.."

عانقتني سالي قائلة :
" لا تفعلين هذا.. كل شئ سيتحسن.. وسيعود إلى ما كان عليه.."

قلت :
" لا شئ سيعود إلى سابقه.. لا يمكن.. مستحيل..!"

قالت :
" لن يلومكِ أحداً على ذلك.. أنت محقة فى كل الغضب الذى تكنيه له.."

قلت :
" بل لم أعد أكترث له حتى أنني لا أجده يستحق أن أخصه بكرهي وغضبي.. كل ما يؤلمني هو ما أصاب محمود بلا ذنب.. "

قالت :
" سيتحسن بإذن الله قريباً.. لقد اخبرني الطبيب بأن حالته بدأت تستقر.."

وأضافت :
" وأنتِ أيضاً ستتحسنين وستصير زراعكِ أفضل عن ذى قبل.. لقد اخبرني الطبيب أنه سيصرح لكِ بالخروج غداً.."

قلت مُكتئبة :
" رُبما يطيب زراعي فى يوم.. لكن تلك الجراح الغائرة بلقبي لن تندمل ما حييت.."

~ ~ ~ ~ ~



بصعوبة شديدة استطعت أن أقنع أروى بالخلود إلى النوم ثانية..
كان الليل قد انتصف وكانت تبدو متعبة للغاية.. واعتقد أنها تتعرض لكوابيس اثناء نومها.. ما حدث لها فى خلال اليومين الماضيين ليس بقليل وآثاره لن تندمل ما بين ليلة وضحاها..
بعد ما نامت أروى وهدأت انفاسها شعرت بالنعاس يطير من عينىّ ففكرت فى الذهاب إلى غرفة العناية المشددة..
لن يعرف النوم طريقه إلى جفنىّ ما لم ألقى نظرة على محمود وأطمئن لأنه بخير..
ارتديت شالاً فوق ثيابي واتجهت إلى العناية المشددة.. وهناك وجدت معاذ واقفاً أمام بابها.. يتأمل محمود النائم والذى لا يشعر بأى شئ من حوله..
حتى الأمس كنتُ ناقمة على معاذ ولا أطيق محادثته.. لكنه الأن فى وضع سئ جداً..
إنني أعرف أخي جيداً وأعرف أنه يحمل نفسه ذنب ما حدث.. وهذا يشعرني بشفقة وعطف عليه.. فهو لم يغمض له جفن منذ الأمس ولن يهدأ ويرتاح حتى يفيق محمود من غيبوبته ويتحسن..

قال معاذ بمجرد أن رأني :
" لم تنامي بعد.."

قلت :
" نمت قليلاً.. ثم طار النوم ثانية..! "

قال :
" كيف هى أروى..؟"

قلت :
" حزينة ومحبطة.."

فأطرق برأسه فى أسي وقلة حيلة..!
قلت :
" لماذا لم تخبر عائلتها إلى الأن..؟ أظنها بحاجة إليهم أكثر من أى وقت مضى.. إنها مريضة ومجروحة ورؤيتهم ستجعل نفسيتها تتحسن إلى حد كبير وسيعود هذا بالإيجاب على حالتها الجسدية بالتأكيد.."

قال :
" أعلم كل هذا لكني لا أريد أن يعلموا بما حدث ويتدخلون بالأمر.."

قلت :
" لكن الطبيب سيصرح بخروجها غداً.. ولا أظنها ستقبل العودة معنا إلى المنزل.. "

قال رافضاً وحاسماً :
" أذن فلا يجب أن أجعلها تخرج من هنا فى هذه الفترة على الأقل.. أريد أن أصلح الأمور بينى وبينها أولاً.."

قلت :
" لا أظن أن ما بينكما سيمكن إصلاحه قط.. قلم تعد أروى تثق بكَ كالسابق.. ولن تسامحك أبداً على ما فعلت.."

أطلق تنهيدة قوية ثم قال :
" رُبما تعفو عني.. لن افقد الأمل قط.."

قلت :
" وهل مازلتُ عازماً على الزواج من تولان..؟ "

فقال :
" الأمر ليس عائداً لي.. إننى مُجبر على هذا.."

اشحت بوجهي عنه وقلت :
" أذن فلتنسي أن تصفح أروى عنكَ فى يوم.. افقد الأمل تماماً.."

وتركته عائدة إلى غرفة أروى وقد أصابني حديثه بالحنق الشديد..
لماذا هو مُصرً على الزواج منها ثانية..؟ وما الذى يجعله مُجبر على هذا..؟

~ ~ ~ ~ ~

فى صباح اليوم التالي طلبت من سالي أن تساعدني فى الذهاب إلى غرفة محمود..
وما كدت أغادر غرفتي حتى طالعني وجه معاذ والذى لا يبرح مكانه ولا ينصرف قط..
حينما وقع بصره علينا نهض من فوق مقعده فأشارت له سالي بألا يتقدم وأن يلزم مكانه.. فظل واقفاً بمكانه يرقبنا بنظراته دون أن يجرؤ على الاقتراب..
وكالعادة لم أعيره اهتماماً وتوجهت برفقة سالي إلى محمود والذى مازال غائباً عن الوعي..
وحينما سألت الطبيب المعالج له عن حالته أجابني بما أحبطني ، فقال :
" كما هو عليه.. "

وسألته سالي :
" متى يفيق من تلك الغيبوبة..؟ "

وجاءت إجابته أكثر إحباطاً :
" كان يجب أن يفيق بالأمس.. ولا نعلم سبباً لاستغراقه فى تلك الغيبوبة إلى الأن.."

شعرت بالاحباط كثيراً وعدتُ ثانية إلى غرفتي.. وقبل أن ألجها رشقت معاذ بنظرة غضب ونفاذ صبر ثم اغلقت باب الغرفة خلفي.. حتى سالي لم اسمح لها بالدخول..!
وبقيت جالسه بغرفتي أذرف العبرة تلو الأخرى وأبلل المناديل بدموعي الحارة..
وفى تلك الأثناء أقبلت سالي لتتفقدني فبادرتها قائلة :
" ألم تخبريني بالأمس بأن الطبيب سيصرح لي بالخروج..؟ "

قالت :
" أجل.. "

فقلت :
" أذن هيا دعيه يصرح لي.. اشتقت كثيراً إلى أمى وأريد رؤيتها.. "

وانتظرت أن يصرح الطبيب بخروجي حتى المساء غير أنه لم يسمح بذلك رغم أنني اشعر بتحسن كبير ..!
ومرُ اليوم التالي وأيضاً لم يصرح الطبيب بخروجى من المستشفي.. ولم يفيق محمود من غيبويته مما زاد من احباطي وتدهور نفسيتي أكثر وأكثر..

~ ~ ~ ~ ~


فى اليوم التالي فوجئتُ بمجئ تولان إلى المستشفى.. ولم أكن تحدثتُ إليها قط منذ ذلك اليوم..
ولم اكد أراها حتى صحت بها :
" ما الذى أتى بكِ إلى هنا..؟ وكيف عرفتِ أننى هنا..؟"

قالت :
" سألت عنكَ بالشركة فأخبروني بالحادث الأليم.. كيف حالهما..؟ "

هتفت بها فى حدة :
" لا أظن أن هذا يخصكِ فى شئ.. رجاء أذهبي الأن قبل أن تراكِ أروى.."

قالت :
" فلتراني.. بل إننى لقد جئتُ لرؤيتها.. أليس من الذوق أن أزورها واطمئن على حالها..؟ "

قلت :
" بل إن كل ما يحدث لنا سببه أنتِ.. أذهبي الأن قبل أن تعود.. لقد ذهبت لزيارة محمود وتوشك أن تعود.. "

جلست تولان على إحدى المقاعد قائلة :
" أذن سأنتظرها هنا حتى تعود.."

روادتني رغبة قوية فى أن أجذبها من شعرها وأجعلها تغادر المستشفى بالقوة غير أن مجئ أروى جعلت رغبتي تلك تخفت تماماً..
وإذا بتولان تنهض لدى رؤيتها وتتجه نحوها.. فيما أقف أنا على مقربة منهما أراقب نظراتهما العدائية نحو بعضهما.. وأتوجس خيفة مما قد يحدث..!

~ ~ ~ ~ ~



تتبــــــــــع





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:19 AM





36

وقفت أحدق بتولان وقد طغت المفاجأة علىّ فبقيت لدقائق عاجزة عن أى شئ عدا النظر إليها..
واشتبكت نظراتنا طويلاً..
كانت نظراتها إلىّ تقطر بغضاً وكراهية واشمئزاز.. غير أن ابتسامتها المقيته كانت مُرتسمة على شفتيها كالمعتاد.. وكأنما مظهرى بذلك الجبس السخيف يروق لها..
دققت النظر إليها ، وكانت كعادتها متأنقة فى حلة رائعة وكأنها ذاهبة إلى حفل راقص.. نظرت إلى مظهرها وقارنت نفسي بها بينما أنا فى رداء المستشفي السخيف وحول زراعي يلتف الجبس ووجهي الشاحب خالي يزخر بالكدمات ويخلو من أى مستحضرات تجميل مما احبطني كثيراً وأثار حنقي وغيظي..!
وأخيراً قالت سالي مبددة الصمت :
" ما الذى أتي بكِ إلى هنا..؟ ألا يكفيكِ ما فعلت..؟ "

قالت تولان دون أن تشيح بنظراتها عن وجهي وعينىّ :
" جئتُ لأطمئن على حالها.. "

وأضافت :
" سلامتكِ أروى.. "

لم أتمالك نفسي وصحتُ بها :
" بكل بساطة تقولين سلامتكِ..؟ أيتها الحقيرة.. كيف تجرؤين على الحديث إلىّ..؟ أغربي عن وجهي.. لا أريد رؤيتكِ هنا.."

قالت :
" أهكذا تقابلين ضيوفكِ.. لم أعهدكِ جاحدة هكذا.."

صرخت بها :
" لستِ ضيفتي ولا يشرفني أن تكوني كذلك.. أذهبي من هنا وخذى هذا معكِ.."

واشرت إلى معاذ ثم تابعت :
" فلتخلصيني منه فهو لا يفتأ يتركني للحظة واحدة ووجوده هنا يزعجني كثيراً.. أهذبا إلى الجحيم أنتما الأثنين.. إلى قعر الجحيم.."

حررت زراعي من سالي والتى كانت تمسك بي وتحاول أن تهدأ من حالي ، ثم توجهتُ إلى غرفتي وصفعت بابها خلفي بقوه واجهشت فى البكاء فى حين كان يصلني صوت شجار سالي مع تولان ومعاذ..!

~ ~ ~ ~ ~


بمجرد أن اختفت أروى بداخل غرفتها انفجرت ثورة سالي بوجهي ووجه تولان..!
صاحت بي :
" أنتَ..؟ كيف تفعل هذا..؟ ألا يكفيكِ ما هى فيه..؟ كيف تأتي بتلك الحقيرة إلى هنا..؟"

اعترضت تولان وصاحت بها بحدة :
" كيف تجرؤين على سبي..؟"

غير أن سالي دفعتها بقوة صائحة :
" بل كيف تجرؤين أنتِ على المجئ إلى هنا..؟ هيا أذهبي من هنا.. أذهبي من حياتنا جميعاً.. ألا ترين أن وجودكِ هنا غير مرغوب به..؟ ألا تملكين ذرة واحدة من الكرامة قط..؟"

اتسعت عينا تولان وهى تحدق بسالي فى غضب وقالت :
" لن أبرح هنا قط.. ولن أخذ الأوامر منكِ أنتِ.."

جملتها هذه كانت القشة الأخيرة ولم استطع الأحتمال فصرخت بها :
" بل ستذهبين من هنا رغماً عنكِ.. يكفي هذا تولان.. لن اسمح لكِ بأن تتمادي أكثر من هذا.. هيا أذهبي من هنا قبل أن افقد السيطرة على نفسي تماماً وأفعل ما لا يُحمد عقباه.. "

ألتفتت تولان نحوى مصعوقة وقالت :
" هكذا أذن..؟ أتريدني أن أذهب..؟ أتفضل علىّ زوجتكَ الغبية وتطردني من أجلها..؟"

وأضافت بحدة وغضب :
"حسناً سأذهب من هنا.. ولكني سأجعلكَ تتجرع الندم.. بل سأجعلكم جميعاً تندمون.. اقسم بذلك.."

وسرعان ما غادرت المستشفي مسرعة فخيم الصمت مجدداً.. ولم يبق سواى أنا وسالي والتى لم تلبث أن اتجهت إلى غرفة أروى واختفت بداخلها.. فلم ألبث أنا الأخر سوى أن أذهب إلى غرفة العناية المشددة لأرى محمود.. واشكو له حالي التعس..!

~ ~ ~ ~ ~


كما توقعت كانت أروى غارقة فى دموعها حينما ذهبت إليها..
حاولت أن أخفف عنها فقلت :
" لا تعيرها إهتماماً.. إنها تحقد عليكِ وتغار منكِ.."

غير أنها صاحت بي :
" ولماذا تحقد علىّ أو تغار مني..؟ إننى لا أملك ربع ما تملكه هى..؟ حتى معاذ استطاعت أن تضمه لممتلكاتها ولهذا جاءت اليوم.. لتشهد انتصارها علىّ.. لعنة الله عليها.. لعنة الله عليهما.. فليجازيهما الله كما يستحقان.."

قلت :
" لقد ذهبت على أى حال.. معاذ طردها.. "

ولم تزدها جملتي إلا غضباً :
" ولماذا..؟ هل استوعب الأن فقط مدى حقارتها.. فليذهب إليها فهما يليقان لبعض كثيراً وإن وجودهما معاً لهو الأصح.. أنا لا اكترث له أو لها.. بل كل ما اتمناه هو أن يختفيان من حياتي.. أو.. اختفي أنا من حياتهما.."

وأضافت حاسمة :
" نعم أنا من سأختفي من حياتهما.. أنا من سأرحل لأتركهما يهنئان ببعض.."

وبسرعة اتجهت إلى حقيبة ثيابها التى احضرتها لها واخرجت ثيابها قائلة :
" سأغادر المستشفي الأن ولن يمنعني عن هذا شئ قط.."

صحت بها :
" إلى أين ستذهبين وأنتِ بهذه الحالة..؟ "

غير أنها قالت :
" أنا بخير حال وبصحة جيدة الحمد لله.. رجاء دعيني أذهب.. إذا كنتِ تريدين راحتي فلا تمنعيني.. "

وفى غضون دقائق كانت قد انتهت من ارتداء ملابسها وحملت حقيبتها وتوجهت لتغادر الغرفة غير آبهة بحديثي وتوسلاتي لها..
ولم يكن معاذ جالساً بالخارج مما يسر لها المغادرة..
قالت بأسى :
" يبدو أن معاذ ذهب خلفها.. على أى حال لقد سهل لي مغادرتي كثيراً.. "

وألتفتت لتنظر إلىّ متابعة :
" انتبهي لنفسكِ جيداً.. ولمحمود.. سأخابركِ من حين لأخر لأطمئن عليكما.."

قلت :
" بل إننى سأرافقك حيث تذهبين.. لن اسمح لكِ بأن تذهبي وحدكِ.. إنكِ لازلتِ مريضة.."

قالت :
" عودي لتبقى برفقة محمود.. إنه بحاجة إليكِ.. ولا تقلقي علىّ.. سأتدبر أمورى جيداً.. اطمئني سأكون بخير.. "

وعانقتني قائلة :
"فى كل ما حدث لن يؤسفني سوى أننى خسرت أخت رائعة مثلكِ.. "

وأضافت :
" استودعكِ الله.. "

وقبل أن أقول أى شئ كانت قد انصرفت دون أن أملك منعها..
اخرجت هاتفي المحمول بسرعة واتصلت بمعاذ.. رُبما كان بالقرب من هنا ويستطيع أن يمنعها غير أن هاتفه كان مغلقاً..!
وبينما كنت أحاول الاتصال إذا به يظهر أمامي فجأة ونظراته موجهة نحو غرفة أروى المفتوحة والخالية..!
قال مُندهشاً :
" أين أروى ..؟ لقد عدتُ لتوى من غرفة محمود وهى ليست هناك..! "

اطرقت برأسي ولم أجيبه فصاح بي :
" ردي علىّ سالي.. أين ذهبت أروى..؟ "

وهذه المرة لم أملك سوى أن أجيبه :
" لقد ذهبت.. قررت أن تتركك لتهنأ بمن اختارها قلبكَ.. "

~ ~ ~ ~ ~

تتبـــــــــــــع


،
،

لي عودة مع الردود
شكراً للجميع على المتابعة والتشجيع




الجُودْ ؛ 19-07-12 06:20 AM


37




كالمعتاد فى الأونة الأخيرة ،، اسندتُ ظهري إلى حائط الرواق ووقفتُ فى مقابل غرفة العناية المشددة.. ومن خلال نافذة بابها الصغيرة رحتُ اتطلع إلى محمود والذى لازال غائباً عن الوعي لا حول له ولا قوة.. وكلما تطلعت إليه وهو على هذا الحال كلما إزداد شعورى بأثمي وذنبي.. وكلما شعرتُ بقبضة مؤلمة تعصر قلبي وتكاد تقف حيال خفقاته وتتسبب فى موتي..
فى تلك الأثناء حضر الطبيب ليفحصه وأغلق ستار النافذة وحجب عني الرؤية فبقيتُ واقفاً فى انتظار مغادرته عساه يطمئنني على حال صديقي.. وحينما غادر الغرفة بعد فترة كانت نظراته كافية لأدرك أن حالته مازالت على ما هي عليه.. لا جديد فى حالته.. ورُبما لا يوجد أمل أيضاً..
أصابني هذا باحباط بالغ كادت معه الدموع أن تقفز من عينى رغماً عني.. غير أن حضور سالي جعلها تنحبس وترفض أن تسيل أمامها..
قالت :
" كيف هو..؟ "

اطرقت برأسي وخرجت من صدرى تنهيدة قوية جعلتها تدرك الأجابة.. وإذا بيدها تمتد لتربت على كتفي برفق يصلني صوتها يشوبه البكاء وهى تقول :
" سيكون بخير قريباً.. أشعر بذلك.. صدقني.."

قلت :
" ليتني أملك هذا اليقين أنا أيضاً.. "

قالت :
" الأمل دائماً موجود.. إننى لا أفتأ أدعو له بالشفاء.. وأعلم أن الله لن يخذلني أبداً.."

غمغمتُ :
" ونعم بالله.."

وران الصمت لفترة قبل أن أعود لأقول :
" مر على وقوعه بتلك الغيبوبة ثمانية أيام بالضبط.."

قالت :
" وعلى غياب أروى خمسة أيام..!"

نظرت إليها معاتباً.. أكان ينقصني أن تذكريني بهذا أيضاً..؟
تابعت :
" ألم تعثر عليها بعد..؟"

هززت رأسي بأسف وقلت :
" ليس بعد.. وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتها.. لا يوجد لها أى أثر بأى مكان.."

هنا سقط قناع القوة وانهارت قائلة وقد اطلقت سراح دموعها عنوة :
" تُرى أين ذهبت الأن..؟ وكيف صارت..؟ كم أنا قلقة عليها..! "

وأضافت بانهيار شديد :
"رباه ما هذا الذى يحدث لنا..؟ انظر كيف صرنا فى غضون أيام قليلة..؟ لقد غرق محمود فى غيبوبة طويلة والله أعلم متى يفيق منها.. أو حتى إن كان سيفيق منها يوماً ما أم لا.. كما أصيبت والدته بنوبة قلبية منذ علمت بالحادث وها هى تلازم الفراش حتى لم تعد قادرة على زيارته.. وأخيراً تركتنا أروى ورحلت والله أعلم أين هي الأن..؟"

قلت وقد استسلمت معها لحالة اليأس والانهيار :
" أين كان يخبئ لنا القدر كل هذا..؟ لقد اتهمت بالخيانة وفقدت صديقى الذى كنت اعتبره أخي الذى لم تلده أمي ، وفقدت معه زوجتي التى لم أحب مثلها طوال عمري.. وليت الأمر مقتصراً على هذا فقط.. لقد اختفت تولان هى أيضاً.. وأخشى أن تكون قد سافرت وتركتني.. وأخشى أن تكون قد ضاعت هى الأخرى.. "

تجمدت سالي فى مكانها بعد جملتي تلك وارتسم الغضب على محياها وبدت على أهبة الانفجار بوجهي بين لحظة وأخرى..
وإذا بها تجفف دموعها بيديها ثم تصيح بي غاضبة :
" أمازلتَ تذكر تلك اللعينة..؟! ألا يكفيك ما صرنا إليه بسببها..؟ "

وأضافت بحدة :
" أنت حقاً ميؤوس منكَ.. "

وسرعان ما ذهبت وتركتني وحيداً بائساً..!
وبينما أنا واقفاً على هذا الحال.. اتطلع إلى شاشة رسم القلب واستمع إلى صوت نبضات قلب محمود ، إذ بي ألحظ إضطراب ملحوظ فى نبضات قلبه.. مما أثار قلقي الشديد فسارعت بالذهاب إلى الطبيب أسأله أن يذهب لتفقده..
وما أن دلف الطبيب إلى غرفته حتى اسدل الستار مجدداً وتركني فى حالة يرثى لها.. وقد تملكني الفزع والخوف على محمود..
وفى توتر لا مثيل له رحتُ أرزع أرض الرواق جيئة وذهاباً.. ولساني يلهج بالدعاء له..
يااارب اشفه وأكتب له النجاة.. يارب لا تعاقبني على ما اقترفت بحق أروى بهذه الطريقة ؛ فأنا لم أعد حملاً لأى مصائب جديدة.. ولست حملاً لأن افقد أعز أصدقائي.. واللهم لا إعتراض على حكمتكَ وقضاءكَ..!
بينما كنت فى ذلك اقبلت سالي ونظرت إلى غرفة محمود فى وجل قائلة :
" ما الأمر..؟ ألم يفحصه الطبيب منذ دقائق..؟ "

تملصت من نظراتها المتسائلة والتى راحت تحاصرني ورفعت عينىّ إلى السقف كما لو كنت أريد أن اخترقه بنظري إلى السماء..
قالت سالي وقد رفعت يدها لتضعها فوق قلبها كمن يخشى تلقى صدمة ما :
" معاذ لا تصمت هكذا.. قل لي ماذا حدث..؟ "

اطلقت تنهيدة حارة ومنعتني تلك الغصة بحلقى من النطق بأى شئ..
أما سالي فقد بلغ قلقها ذروته وإذا بها تضع يدها على فمها لتمنع شهقة كادت أن تفلت من بين شفتيها قبل أن تقول :
" هل... أصابه مكروه..؟! "

وقبل أن تترك العنان لأفكارها السوداء وتغرق فى بحر دموعها غادر الطبيب الغرفة وقبل أن يتوجه إلينا ركضت سالي نحوه مذعورة تحاول أن تجد على ملامحه أجوبة لكل تساؤلاتها.. فيما وقفت أنا فى مكاني وقد تخاذلت ركبتيّ واصابني الخوف بحالة شلل مؤقتة حالت دون حركتي..!
وبينما كنت فى ذلك وصلني صوت الطبيب قائلاً :
" لقد أفاق المريض.. حمداً لله على سلامته.. "

~ ~ ~ ~ ~


كنتُ فى حالة غريبة لم يسبق لي أن مررت بمثلها.. فبرغم سعادتي الفائقة بافاقة محمود من غيبوبته غير أننى كنت أخشى أن يرفض مقابلتي بسبب تلك المشاحنة التى حدثت بيننا فى الشركة قبل الحادث..
وأظن أن معاذ أيضاً كان يخشى ذلك مثلي تماماً.. غير أنه كان يفوقني شجاعة ؛ فقد دلف إلى غرفة محمود على الفور.. أما أنا فاكتفيت بمراقبته من خلال النافذة.. بينما كان الأطباء يقومون بتجهيزه لينتقل إلى غرفة عادية..
كان معاذ فى قمة سعادته وهو يعاون الأطباء على حمل محمود ونقله إلى السرير المتحرك ، ومن حين لأخر كان يلقى بتعليق ما ويوجه حديثه إلى محمود والذى كان يكتفي بالنظر إليه دون أن يجيبه..
وبينما كانت الممرضات يدفعون السرير المتحرك خارح الغرفة كان معاذ يسير بجوار الطبيب ويتحدث إليه واستطعت سماعه بينما كان يسأله :
" هل هو بخير الأن..؟ أقصد هل عاد كل شئ إلى ما كان عليه..؟ "

وكانت إجابة الطبيب كالأتى :
" بالنسبة للكسور فلم تلتحم بعد.. عدا ذلك فكل شئ على ما يرام.. إنه الأن يتمتع بصحة جيدة وبعد مرور ثلاثة اسابيع تقريباً سيستطيع السير على قدميه مجدداً وسيعود كل شئ كالسابق.."

حمدت الله فى سرى وكدت أواصل سيري وألحق بالممرضات غير أن معاذ عاد ليطرح سؤال جديد على الطبيب مما استرعى انتباهي..
قال :
" لماذا أذن لم يجيبني بينما كنت أتحدث إليه..؟ ألم يفق كلياً بعد..؟ "

وقال الطبيب :
" بل لقد أفاق تماماً.. حتى أننى سألته عدة اسئلة وكانت اجوبته دقيقة للغاية.. بل إنه حينما أفاق بادر بالسؤال عن الأنسة أروى.. وقد بدا قلقاً عليها للغاية.."

ولم يعد معاذ فى حاجة لأن يخبره الطبيب بأنه يخصه هو فقط بتلك المعاملة.. وأنه لا يرغب قط فى التحدث إليه هو بالذات..!
لحقت بعد ذلك بالممرضات وتبعتهن إلى الغرفة الجديدة التى تم نقل محمود إليها.. ووقفت أرقبهن حتى انتهوا من كل شئ وغادروا الغرفة.. وأيضاً كدت ألحق بهن غير أن صوت محمود استوقفني قائلاً :
" سالي.. "

شعرت بركبتايّ تتضعفان لدي سماعي لصوته وتسارعت خفقات قلبي فى حين تابع هو :
" إلى أين تنوين الفرار..؟ "

ألتفت إليه ووجهت نظراتي إليه كما لو كنت تلميذة بليدة تقف أمام أستاذها وتخشاه..
قال :
" تعالى هنا.. "

وبخطوات متثاقلة توجهت إليه ووقفت أمام فراشه مطأطأة الرأس..
كم كنت أخشى هذا اللقاء كثيراً..! بل إن يدي ترتجفان بشدة.. ترى هل يشعر بارتباكي..؟
قال برأسه إلى مقعد قريب :
" أجلسي هنا.. ولا تقفين هكذا.. "

وابتسم متابعاً :
" لا تخافي مني.. لن أضربكِ ؛ كما ترين فإنني لم استعيد بعد قواى كاملة لأفعل ذلك..! "

قلت بلا تفكير :
" بإذن الله ستفعل وستعود كالسابق وأفضل.. لقد كنت على ثقة تامة بأنكَ ستتجاوز هذا.. لقد اخبرت معاذ وأروى بذلك و...."

قاطعني محمود قائلاً بشغف :
" كيف صارت أروى الأن..؟ لماذا لا أراها بينكم..؟ "

قلت :
" لقد صارت بخير.. إصابتها لم تكن خطيرة كمثل اصابتكَ.. "

قال بحيرة :
" لماذا هى ليست هنا أذن..؟ "

قلت :
" كما تعلم فإن الأمور بينها وبين معاذ متوترة و..... "

قاطعني محمود للمرة الثانية قائلاً :
" سالي لا تراوغينى.. أين هى أروى الأن..؟ "

اطرقت برأسي أرضاً وقلت بأسف :
" لا أدرى..! "

صاح مذعوراً :
" ماذا تعنين بهذا..؟ ردى علىّ.."

قلت :
" لقد غادرت المستشفى ولا ندرى أين ذهبت.. بحثنا عنها بكل مكان يمكن أن تذهب إليه.. حتى أننا اضطرينا لأبلاغ الشرطة عن غيابها.. وأيضاً دون جدوى..! "

صاح بي :
" كيف هذا..؟ أين يمكن أن تكون قد ذهبت..؟ اللعنة.. أخشى أن تكون قد فعلت بنفسها شئ.. لقد كادت أن تلقى بنفسها من السيارة يوم الحادث.. كانت تريد أن تنتحر بسبب ما قالته لها تولان ذلك اليوم.."

أصابني حديثه بصدمة عنيفة وبلا وعي افلتتت مني شهقة مرتفعة وقفزت من فوق مقعدي كمن لدغته أفعى بينما كانت نظراتي مثبتة على محمود والذى اتجهت نظراته الغاضبة إلى باب الغرفة حيث يقف معاذ فى حالة شبيهة بحالتي من الصدمة والهلع..!

~ ~ ~ ~ ~

تتبع



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:21 AM









38


كانت مفاجأة رهيبة هزت كياننا وبثت بقلوبنا مزيد من الهلع..
لم أفكر أبداً أن اليأس قد يصل أروى حد الانتحار.. ولو أننى فكرت بهذا أو خطر لي هذا على بال ما كنت تركتها تنصرف أبداً ذلك اليوم..
شعرت بالندم يتسلل إلىّ وكاد وخز الضمير أن يتملكني ويغرقني فى دوامة الندم العميقة ، غير أن معاذ قطع حبل أفكاري بغتة حين قال ما بين التصديق والتكذيب :
" أروى حاولت الانتحار ..؟ "

على الفور وجهت نظراتي إلى محمود والذى لازال يحدق بمعاذ بنظرات قاسية تقطر بغضاً.. وانتظرت أن اسمع اجابته غير أنه ظل صامتاً فيما راح يصوب النظرات الحادة والغاضبة إلى معاذ والذى عاد يقول بأسى :
" كانت تريد أن تلقى بنفسها من السيارة..؟! "

عقب محمود منفعلاً :
" بسببكَ وبسبب خيانتكَ أرادت انهاء حياتها.. فضلت الموت على أن تحيا بدونكَ.. "

ولم تزده جملة محمود إلا حزناً وألماً..
قال غير مصدقاً :
" لا استطيع استيعاب الأمر أو تصديقه.. "

رد عليه بحدة :
" هذا لأنكَ غبي ولا تقدر النعمة التى بين يديكَ.. لم تقدر حب أروى لكَ وذهبت خلف من تركتكَ فيما سبق من أجل رجلاً أخر.. لم تحسب حساب لكرامتكَ التى أهانتها من قبل.. أو لزوجتكَ التى تحبك بحنون.. "

أطرق معاذ برأسه وردد بتشتت فكر :
" أروى تحبني..؟! "

وقال محمود مباشرة :
" للأسف.. لقد وضعت كل حبها وثقتها بشخص لا يستحق الحب وليس أهلاً للثقة على الأطلاق.. "

رفع معاذ عينيه المحمرتين إلى محمود ونظر إليه معاتباً فتابع محمود بغضب :
" أنا أيضاً وضعت كل ثقتي بكَ حتى أننى كذبت تولان كالأحمق حين قالت لأروى أنك عازم على الزواج منها..؛ فلم أكن أتصور قط أنك من الممكن أن تفعل هذا بزوجتكَ.. لم أتخيل أبداً أن تخونها.."

بدت كلمات محمود كقذائف موجهة إلى صدر معاذ والذى لم يحتمل عند هذا الحد ولم يضع بإعتباره مرض صديقة فانفجر بوجهه صائحاً :
" أنا لم أخن أروى قط.. حتى بتفكيرى لم أخنها.. بل أنتم من فعلتم هذا بي حين صدقتم أن مشاعرى نحو تولان تجددت رغم أنها ماتت ووراتها الرمال منذ سنوات طويلة.. أنتم من اتهمني بالخيانة رغم أننى كنت مخلصاً لزوجتي حتى أخر لحظة وكنت أظن أنكما تعرفونني أفضل من هذا وستدركون أننى ما رغبت بتلك الزيجة وانما اضطررتُ لها اضطراراً.. وإن كان عقلكما قد عجز عن الوصول إلى سبب ذلك فكان يجب على الأقل أن يسألني أحدكما عن السبب..؟ كيف تصدقون زعم تولان وتكذبونني..؟ كيف..؟ "

قال جملته وأعقبها بتنهية مريرة ثم استطرد بسخرية لاذعة :
" بل والأن تتحدثون أمامي عن الثقة.. تباً لكما.. أى ثقة تلك التى تتحدثون عنها..؟! أى ثقة..؟! لو كان لدى أحدكم ذرة واحدة فقط من الثقة بي ما كان حدث كل هذا..! "

لم يكد ينتهى من جملته حتى استدار وابتعد عن الغرفة بخطوات واسعة فيما بقيت وحدى مع محمود والذى عقب ساخراً :
" كان أداءه رائعاً بالفعل.. كادت الدموع أن تفر من عينىّ..! "

شعرت بضيق شديد فى صدرى.. ولم أدرى من أصدق ومن أكذب..!
قال محمود حين لاحظ وجوم وجهي :
" لا تقولي أنكَ تأثرتِ بما قاله.. "

اطلقتُ تنهيدة طويلة وقلت :
" رُبما كان على حق.. لقد تركنا الشيطان يسيطر على عقولنا.. حتى أننا لم نفكر - كما قال - أن نسأله عن سبب رغبته فى العودة إلى تولان.. "

تجلى الاستياء على وجه محمود وقال بحدة :
" إذا أردتِ فلتسأليه بنفسكِ.. أما أنا فلم أعد أصدقه.. على الأقل كان أخبرني أنا بذلك قبل أن تفعل تولان وتفسد كل شئ.. ثم أنه ألم يخدعنا وقال أن تولان قد سافرت إلى بلدها..؟ أليس هو من كذب علينا..؟ أينتظر منا الأن أن نصدقه..؟ "

قلت بحيرة :
" أنا حقاً مشتتة الفكر ولست أدرى من الصادق ومن الكاذب.. لقد فقدت الثقة فى كل من حولي.. فقدتها تماماً.. "

قال محمود :
" ليس مهماً كل ما ذلك الأن.. بل إنني لم أعد مهتماً بمعرفة الحقيقة.. ما يهمني الأن هو أن نطمئن على أروى.. تُرى كيف حالها الأن..؟ أهى بخير أم أن مكروهاً قد لحق بها..؟ "

بعد فترة من الزمن جاء الطبيب مجدداً لفحص محمود والاطمئنان عليه فغادرت الغرفة حتى ينتهى من ذلك ، وما كدت أفعل حتى وجدت معاذ واقفاً بالخارج..
قلت :
" ظننتكَ غادرت المستشفى.. "

قال :
" لن أفعل حتى أطمئن إلى أنه قد صار بخير.."

تذكرت حينئذ أمراً نسيته سهواً ، فهتفت :
" رباه..! لقد نسينا أن نخبر والدة محمود.. لابد أن هذا الخبر سيجعل حالتها النفسية والجسدية تتحسن.. "

وأضفت :
" سأذهب إليها الأن على الفور لأنقل إليها الخبر.. "

غير أننى لم ألبث أن تذكرت وضع محمود ومعاذ وخشيت أن يعودا ليتشاجرا مجدداً فى غيابي فاستدركت قائلة :
" أو.. رُبما من الأفضل أن أخابرها على الهاتف.. "

قال معاذ وقد فهم سبب تراجعي :
" أطمئني.. لن نتشاجر مجدداً ولن أؤذيه فى غيابكِ.. "

اسرعت إلى القول :
" لا.. ليس هذا ما جعلني أتراجع.. إننى فقط أفكر فى وسيلة أسرع لأخبارها بالأمر.. "

وبحثت عن هاتفى فى جيب سترتي لكنى لم ألبث أن أدركتُ أننى تركته بداخل غرفة محمود.. وحينما لاحظ معاذ هذا أخرج هاتفه قائلاً :
" خذى وأتصلى بها.. "

ولم أكد أمسك بهاتفه حتى ارتفع رنينه بغتة.. فما كان مني إلا أن أعدته إلى معاذ والذى تناول مني الهاتف وأجاب الأتصال على الفور.. ومن التغيرات التى طرأت على وجهه استطعت أن أدرك خطورة الأمر حتى قبل أن يصيح بالمتصل :
" ماذا ؟ متى حدث هذا..؟ "

توقفت نبضات قلبي حينما تحجرت نظرات معاذ على وجهي واضطربت أنفاسه بشكل ملحوظ.. وإذ بيده الممسكة بالهاتف تتراخي عن أذنه فيقع الهاتف من يده ويتحطم على الأرضية الملساء..
ولم يعد لدى شك بأن ما حدث أمراً رهيباً بحق ..!

صحت به فى ذعر :
" ماذا حدث معاذ..؟ بماذا أخبركَ المتصل..؟ "

نظر معاذ إلى الهاتف الملقى على الأرض وقال مصدوماً :
" تلك اللعينة.. نفذت وعيدها و.... "

وقبل أن استوعب أى شئ أو أبادر بسؤاله تابع بأسي شديد :
" و فقدت أبني إلى الأبد.. "

~ ~ ~ ~ ~


كانت تلك الليلة غير مقمرة.. توراى فيها القمر عن الأنظار وترك الساحة للنجوم الفضية فتلألأت على غير عادتها وبدت كقطع من الماس المنثور على بساط قاتم..
وراحت أمواج البحر تضرب الشاطئ ثائرة ولا تلبث أن تتكسر عن الصخور المتناثرة وتنحسر عائدة مجدداً..
وفى وسط كل هذا كنت أجلس كعادتي أشكو للبحر حالي.. ويشاركني ثورتي وغضبى بأمواجه الهائجة..
وكأى شخص حاصرته الأحزان وعصفت به المصائب تلو الأخرى.. أطلقتُ عنان دموعي وتركتها تنساب على وجهي وتبلل لحيتى التى نمت ولم أهتم بحلقها..
وكلما تذكرت تلك المخابرة التى جائتني من قسم الشرطة كلما تدفقت الدموع أكثر إلى عينىّ.. وكلما إزداد ضيق صدري..
كانت هذه هى القشة الأخيرة.. فبداية كان ما حدث مع تولان.. ثم حادث أروى ومحمود.. ثم غيبوبة محمود وفرار أروى.. وأخيراً فقدت أبني الوحيد إلى الأبد.. وبسبب انشغالي الأيام الماضية بسبب ما حدث لأروى ومحمود اقتنصت تولان الفرصة وهربت بأبني إلى حيث لا أعلم.. نفذت وعيدها لي وسافرت إلى إحدى البلاد الأوروبية وضاعت وسط زحامها.. وصرت وحيداً مجدداً.. حتى أروى رحلت عني وتركتني وأنا فى أمس الحاجة إلي وجودها بجانبي..
ارتفع رنين هاتفى فى تلك اللحظة ، وللمرة الألف ظهر رقم سالي على شاشتها.. وأيضاً لم أجيبها..!
كنت فى حاجة لأن أبقى وحيداً لبعض الوقت..
ولست أدرى كم مضى من الوقت وأنا جالس على هذا الوضع..؟!
لقد وصلت إلى هنا قبيل أذان العشاء.. ورُبما لم يبق إلا دقائق قليلة على بزوغ الفجر.. حتى أن الشاطئ والذى كان يعج بالناس عند وصولي صار خالياً تماماً..
نهضت من فوق الرمال ولم أضبط من وضع ثيابي وأنفض عنها ما علق بها من رمال وتوجهت عائداً إلى سيارتي بخطوات ثقيلة حتى وصلت إليها وقدتها إلى المنزل..
وعلى غير العادة كانت سالي تنتظرني بقلق وما كادت تراني حتى هرعت إلىّ قائلة :
" أين كنت طوال هذا الوقت..؟ أقلقتني عليكَ كثيراً.. ثم لماذا لم تجيب على أتصالاتي..؟ وما هذه الحالة التى أنتَ عليها..؟ أين كنت بالضبط..؟ "

قلت :
" فلنتحدث فى الصباح.. تصبحين على خير.."

تركتها واقفة وسرت متوجهاً إلى الجناح وأغلقت بابه خلفي..
وكالمعتاد منذ رحلت أروى ، تجاوزت غرفتي ودلفت إلى الغرفة التى تليها والتى كانت لأروى.. واستلقيت على فراشها الوثير ولست أدرى كيف استغرقت فى النوم هكذا..؟
كل ما أتذكره أننى أفقت فجأة لأجدها بجانبي.. كانت تنام كالملاك.. وجهها البرئ خالي من مستحضرات التجميل وبشرتها نقية كالأطفال.. وشعرها الأملس يتناثر حولها ويشكل لوحة رائعة.. وعطرها الأخاذ يعبق كل شئ من حولها..
مددت يدى إلى شعرها وتحسسته برفق شديد.. ويبدو أن لمساتي قد أيقظتها ففتحت عينيها وتطلعت إلىّ باسمة.. وسرعان ما نهضت وتوجهت إلى طاولة الزينة وجلست تمشط شعرها بينما كانت تنظر لى من خلال المرآة ولا تزال تبتسم..
ناديتها لتأتي فاستدارت إلىّ وكانت دهشتى بلا حدود حينما رأيت وجه تولان أمامي بدلاً من وجه أروى..
وإذا بها تبتسم بسخرية وتقول :
" لقد نفذت وعيدى حتى تعلم أننى لم أكن أهدد فقط.. لن ترى أبنكَ مجدداً.. وإلى الأبد.. "

وارتفعت ضحكاتها لتملأ الأجواء وراحت تتعالي تدريجياً حتى صارت تصج وتدوى بإذني كآلاف من الطبول والمطارق ، وإذا بي أفيق فجأة لأكتشف أن كل هذا لم يكن سوى حلماً..
نظرت إلى ساعة الحائط والتى كانت تناهز السابعة صباحاً.. أى أننى لم أنم سوى ساعتين فقط..!
حاولت مواصلة نومي بعد ذلك غير أن الأمر بدا لي مستحيلاً فنهضت عازماً على الاستحمام ثم الذهاب إلى المستشفى..
وبينما كنت أتجه إلى دورة المياة سمعت هاتفي يرن فغيرت وجهتي وعدت إليه.. وكان رقماً مجهولاً..
حين أجبت الأتصال أتاني صوت المتصل وكانت أمرأة.. قالت :
" مرحباً.. أهذا هو هاتف معاذ بهاء الدين..؟ "

قلت : " أجل سيدتي.. إنه أنا.. من معي..؟ "

صمتت لبرهة ثم قالت بتردد وبصوت خافت :
" هل أنت... زوج السيدة أروى..؟ "

شعرت بدوار مفاجئ لدى ذكرها لأسم أروى وهتفت بسرعة :
" أجل أنا زوجها.. ماذا هناك..؟ من أنتِ..؟ "

ولما لم ترد عدت أقول صارخاً :
" سيدتي.. رجاء ردى علىّ.. من أنتِ..؟ هل تعرفين مكان أروى..؟ "

وقبل أن تجيبني قطع الأتصال بغتة.. وانتهي كل شئ..!

~ ~ ~ ~ ~


تتبــع


،

،



الجُودْ ؛ 19-07-12 06:23 AM









39




اسودت الدنيا بعينى بمجرد أن انقطع الأتصال.. وخبا الأمل بقلبي سريعاً مثلما اشتعل..
نظرت إلى الهاتف بقلة حيلة لم تلبث أن تحولت إلى غضب فكدت ألقيه على الأرض لأحطمه لولا تذكرت أن رقم ذلك الهاتف مسجل عليه..
وقبل أن ارتكب تلك الحماقة أمسكت بالهاتف وبحثت عن أخر رقم متصل - وكان الرقم لهاتف أرضى - أعدت الأتصال به مرات عديدة دون أن يجيب أحداً على أتصالي.. وانتهى أخر أمل لي..
كان بداخلي شئ يؤكد لى أن ثمة مكروهاً ما قد لحق بها.. وإلا لماذا تتصل بي تلك السيدة..؟
ترى من تكون..؟ ولماذا لا تجيب أتصالاتي..؟ بل إن السؤال هو لماذا أتصلت بي من البداية..؟ وماذا كانت تريد أن تقول بالضبط..؟
شعرت بالقلق الشديد على أروى.. وكلما فكرت أكثر كلما أوصلني تفكيري إلى بؤرة سوداء قاتمة..
وأخيراً برق الحل فى رأسي بغتة وأصاب عقلي..
لقد كان لي صديق ما يعمل فى شركة الأتصالات ورُبما استطاع مساعدتي فى إيجاد عنوان صاحبة هذا الهاتف..
فى غضون دقائق كنت قد ارتديتُ ثيابي وقدت سيارتي مسرعاً إلى شركة الأتصالات حيث أخبرت صديقى هذا بخطورة الأمر وضرورة حصولي على عنوان هذا الهاتف.. ورغم أن ذلك محظور غير أن صديقى استطاع الحصول عليه بطريقة ما.. وعرفت أن هذا الهاتف لسيدة تدعي زينب وتمكنتُ من الحصول على عنوانها.. وحين وصلت إليه اكتشفت أن منزلها ما هو إلا فندق صغير - لو صح تسميته - بإحدى الأحياء المتوسطة..
دلفت إلى ذلك الفندق فاستقبلتني - سيدة فى العقد الخامس من العمر - بترحاب شديد ظناً منها أننى إحدى النزلاء..
وقالت :
" هل تريد غرفة أم جناح..؟ وكم ستكون مدة بقائك..؟ "

قلت :
" فى الحقيقة أنا أبحث عن السيدة زينب صاحبة هذا الفندق.."

عدلت السيدة من وضع منظارها ودققت النظر إلىّ ثم قالت بإرتياب :
" أنا هى.. أهناكَ شيئاً ما..؟ من تكون أنتَ..؟ "

قلت على الفور :
" أنا معاذ بهاء الدين.. لقد أتصلتِ بي اليوم وسألتِني عن زوجتي و....... "

قاطعتني قائلة :
" أجل.. لقد تعطل الهاتف فيما كنت أتحدث إليكَ.. ذلك الهاتف اللعين لا يفتأ يحرجني مع الجميع حتى أن بعض الناس يعتقدون أننى أغلق الهاتف فى وجههم.. هل تتصور هذا..؟ "

قلت :
" هذا ما تصورته أنا أيضاً لهذا أتيتِ إليكَ لأفهم الأمر.. "

قالت :
" على أى حال كنتُ سأعاود الأتصال بكَ مجدداً.. لكن يبدو أنكَ لم تستطع الانتظار..! "

قلت :
" أجل.. إنني أبحث عن زوجتي منذ فترة وأعتقد أنكِ رأيت ذلك الأعلان الذى وضعته بإحدى الجرائد لذلك أتصلتِ بي.. "

قالت :
" فى الحقيقة لم أره ولم أعلم بهذا الأمر.. لكني أعتقد أنه فى مثل تلك الأعلانات تكون هناك مكافأة أو شئ من هذا القبيل.. "

قلت بسرعة ولهفة :
" بالطبع هناك مكافأة سخية لمن يدلني على مكان زوجتي.. هذا لو كنتِ بالفعل تعرفين أين هي..؟ "

هتفت بحماس وقد شجعها ذكر المكافأة على الحديث :
" إنها نزيلة عندي بالفندق منذ ستة أيام تقريباً و..... "

قاطعتها صائحاً ما بين التصديق والتكذيب :
" أروى هنا عندكِ..؟ هل هى بخير..؟ هل هى من طلبت منكِ أن تتصلي بى.؟ "

قالت نافية :
" لا.. إنها لم تطلب أن أخابركَ ولم تعرف حتى أننى فعلت.. بل إنها لا تغادر غرفتها منذ أتت إلى هنا ولا تتحدث إلى أحد تقريباً.. "

وأضافت بتعاطف شديد :
" إنها مسكينة ووحيدة.. منذ أن رأيتها وقد لاحظت أن ثمة ما يحزنها لكنها لم تطلعنى على هذا الأمر قط رغم محاولاتي المستمرة للتحدث إليها.. "

وصمتت لبرهة لتلقتط خلالها أنفاسها ثم تابعت :
" لكني بخبرتي فهمت أنكما تمران ببعض المشاكل الزوجية.. إنها أمور تحدث بين كل الأزواج عادة.. وإن كنتُ لا أدرى بالضبط ما الذى يمكن أن يجعل أى رجل يُغضب تلك الفتاة الرقيقة..؟ "

ونظرت إلىّ شزراً ثم قالت :
" على أى حال لم أخابركَ لأتحدث عن هذا.. فتلك الأمور الخاصة لا أحب الخوض فيها.."

قلت بلهفة شديدة :
" أذن أخبريني بأى غرفة تقيم زوجتي ..؟ أريد رؤيتها على الفور.. "

قالت معترضة :
" لست أدرى إن كان هذا ممكناً أم لا..؟ على أى حال دعنا نكمل حديثنا أولاً.. "

وأضافت :
" إننى لست فضولية ولا أحب التدخل فى حياة الناس.. غير أن أحوال زوجتكَ هى ما أجبرتني على فعل ذلك.. لقد وجدت أثناء تنظيفي لغرفتها عقد زواجكما وعرفت اسمك كاملاً ثم أتصلت على الفور بشركة الأتصالات واستطعت الحصول على رقم هاتفك.. وكل هذا دون أن تدرى هى بالطبع.. وقررت أن أخابركَ لأخبركَ بما آلت إليه صحة زوجتكَ.. إنها على ما يبدو قد تعرضت لحادث ما.. فزراعها مضمدة وتبدو على وجهها بعض الكدمات.. ويبدو أنها أهملت فى صحتها بعد ذلك الحادث ولم تتناول الأدوية اللازمة لشفاءها ، بالأضافة لحالتها النفسية السيئة مما جعل حالتها الصحية تتدهور.."

قلت وقد تملكني القلق عليها :
" رجاء أخبريني أين هى غرفتها..؟ لابد أن أراها الأن لأطمئن عليها.."

قالت :
" لقد أخبرتكَ أنني لن استطيع أن أجعلكَ تراها.. طبعاً حتى تسمح هى بذلك.. لقد طلبت منكَ أن تأتي حتى تطمئن عليها وإذا كان فى الأمكان حل تلك المشكلة.. أو على الأقل إذا كان يمكن أن تضعا مشكلاتكما جانباً حتى تتعافي زوجتكَ.. إنها بحاجة لرعاية طبية ولدعم نفسي كما سبق وأخبرتكَ.. "

قلت :
" أعدكِ أننى لن أتسبب لها بأى ضرر.. إنها زوجتي ولابد أن أكون بجانبها.."

قالت بتردد :
" على الأقل دعني أدخل إليها أولاً لأخبرها بقدومكَ.. "

ونهضت من مكانها ثم توجهت إلى إحدى الغرف.. وبلا تفكير تبعتها إلى الغرفة ودلفت إليها فراحت تلك السيدة تمطرني بسيل من التوبيخ وتلوم نفسها على ثقتها بي..
لم أكن فى وضع يسمح لي حتى بأن أجيبها أو حتى استمع لها.. كنت أحدق بتلك الفتاة الهزيلة النائمة على السرير وقد هالني مظهرها وشحوب وجهها..
كانت نائمة على سرير صغير ، تلتحف بطانية خفيفة وتغرق فى النوم دون شعور بأى شئ..
شعرت بألم حاد ومؤلم بقلبي وأنا أراها فى هذا الحال.. واقتربتُ منها بضع خطوات ثم جلست إلى جانبها على الفراش ومددت يدى إلى شعرها الطويل لأمسح عليه بعطف.. بينما تقف تلك السيدة وترقبني بمقت ولا تزال توبخني..
ويبدو أن صوتها الحاد قد جعل أروى تفيق من نومها وتفتح عينيها لتحدق إلىّ بدهشة كبيرة..!

~ ~ ~ ~ ~



ككل يوم أجبرني التعب على السهر طوال الليل.. لم يرافقني خلاله سوى أحزاني الملبدة بسماءي.. وكالمعتاد عكفت على تقلب صفحات الماضي المؤلم.. وتأمل حاضري التعس.. والتطلع إلى مستقبلي المبهم..!
وبعد بزوغ الفجر استطعت النوم وقد كان نومي أشبه بالغيبوبة.. سقطت خلالها فى دوامات عميقة ولم أدرِ كيف استطعت النوم بعمق هكذا لأول مرّة منذ الحادث المشؤوم.. وحين أفقت من نومي داهمني دوار شديد وضعف بكل أنحاء جسدي.. وشعرت بمغص شديد يصحبه رغبة فى التقيؤ..
وما كدت أفتح عينىّ حتى انتفضت فى مكاني حين طالعني وجه معاذ والذى كان يجلس بقربي..!
أنا أيضاً أصبتُ بالدهشة مثلكم تماماً ولم أصدق عينىّ.. وفى البداية ظننته حلماً.. غير أن لمسة يديه والتى تمسح على شعرى كانت حقيقة وكنت أشعر برجفة يديه وبرودتها.. وتلك النظرة العميقة التى تفيض عطفاً والتى شملتني بدفئها جعلتنى أتأكد أن هذا ليس حلماً وأنما واقع ملموس..
أردت لوهلة أن استسلم لذلك الأحساس الجميل والذى يغمرني لأول مرّة بحياتي.. وكدت أغلق عينىّ على وجهه وأواصل نومي الهادئ غير أن شئ ما بداخل عقلي استيقظ فجأة وايقظني عنوة من غفوتي القصيرة.. وبكل جهدي - أو بالأحرى بكل ما تبقى بي من جهد - دفعت يده بعيداً وقلت بحدة :
" لا تلمسني.. "

نظر إلىّ معاذ مُرتبكاً وأعاد يده إلى جانبه مختلساً النظر إلى صاحبة الفندق والتى لاحظت وجودها فى تلك اللحظة لأول مرة ، غير أننى لم أعيرها أهتماماً وعدت أنظر إلى معاذ صائحة :
" كيف وجدتني..؟ ومن أين عرفت مكاني..؟ "

عاد معاذ ينظر إلى صاحبة الفندق والتى علاها الارتباك وقالت :
" سأترككما لتتحدثان بحرية.. "

وسرعان ما انصرفت.. وحينئذ حاولت أن انهض من مكاني فداهمني الدوار مجدداً وعجزت عن ذلك.. أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عينىّ لأمنع احساسي بالدوخة وإذا بصوت معاذ يصلني قائلاً :
" هل كنت تظنين أنكِ ستهربين مني إلى الأبد..؟ "

فتحت عينىّ وبدت لي الرؤية مشوشة قليلاً.. وخرج صوتي ضعيفاً لكن حاداً وأنا أقول :
" أنا لم أهرب منكَ.. أعتقد أن كل ما بيننا قد انتهى ولم يعد لي مكان فى منزلكَ.. "

ظل معاذ صامتاً لبرهة ، ذلك الصمت الذى يحتاجه المرء ليستوعب أمراً مستهجناً ، ولم يلبث أن قال :
" ما بيننا لا يمكن أن ينتهي بمثل هذه السهولة.. ولو كان انتهي فى نظركِ.. فمن المستحيل أن أعتبره هكذا أبداً.. "

شعرت بالدنيا تسود وتظلم أمام عينىّ وقلت :
" هل تقصد أنكَ ترفض أن ننفصل..؟ "

قال مباشرة :
" أرفض بشدة.."

بدأت دموعي تنهمر فى تلك اللحظة وقد بدا لي أن ذلك الطريق المقفر الذى نسلكه لا نهاية له قط..!
قال وقد رق قلبه قليلاً لرؤية دموعي :
" أروى رجاء.. لا تبكي فأنا لا أحتمل رؤية دموعكَ.. "

وأضاف :
" إنكِ تسيئين فهم الأمور.. وسأشرح لكِ كل شئ حين نصل إلى منزلنا.. "

هززت رأسي رافضة وقلت :
" مستحيل.. لن أعود إلى منزلكَ.. لم يعد لي مكان به.. ولا مكان لي به من البداية.. "

قال برجاء :
" على الأقل عودي معي حتى تتعافي.. أنظري إلى أين أوصلكِ الأهمال وكيف صارت حالتكِ..؟ "

قلت بحنق :
" إننى بخير جداً.. وسأكون بخير طالما أنتَ بعيد عني.."

حدق بي فى أسي شديد وقال :
" أعلم جيداً أنكِ تكرهينني وأن أى حديث لن يغير مشاعركِ تلك و.... "

لم أتجاوب معه وقاطعته قائلة :
" من الجيد أنكَ تعلم هذا.. ليتكَ تعلم أيضاً أننى بالفعل لم أعد أريدكَ فى حياتي.. "

قال :
" هذا لأنكِ توهمتِ أشياء لم تحدث ولأنكِ لا تعلمين الحقائق.. "

قلت بحدة :
" لا أعلم ولا أريد أن أعلم.. إنكَ تضيع وقتكَ عبثاً.. فأنا لن أتي معكَ إلى منزلكَ.. لن أعود إلا فى حالة واحدة فقط.. على جثتي..! "

قال :
" أذن تنوين العيش طوال عمركِ فى هذا الفندق..؟ "

قلت :
" سأعيش فى أى مكان بعيد عنكَ.. "

قال وقد بدأ صبره ينفذ :
" وهل تعتقدين أننى سأسمح بهذا..؟ "

هتفت غاضبة :
" ومن طلب منكَ السماح بهذا..؟ "

صاح بغضب مماثل :
" إنكِ زوجتي لو كنتِ قد نسيتِ.. "

قلت مُنفعلة :
" بل يبدو أنكَ أنت من نسيت وصدقت تلك الكذبة المُسماة بزواجنا.. للمرة المائة سأقول لكَ أننى لستُ زوجتكَ وكل ما تفعله لا جدوى منه ؛ فأنا لن أذهب معكَ أبداً.. أبداً.."

وقال معاذ بإصرار شديد :
" وأنا لن أتحرك من هنا ولو خطوة واحدة بدونكِ.. "

ولبرهة من الوقت ران الصمت علينا وراح كلينا ينظر إلى الأخر بتحد إلى أن قال معاذ بتردد وحزن :
" لقد سافرت تولان.. هربت إلى إحدي البلاد الأوروبية.. هذه المرة أنا صادق معكِ.."

لدى ذكره لتلك المخلوقة ثارت ثائرتي وجن جنوني وقفزت عن سريري صائحة :
" فلتذهب إلى الجحيم نفسه.. لا يهمني أمرها أو أمركَ فى شئ.. ولم أعد أريد سماع اسمها أو أى شئ عنها.. يكفى ما حدث لي بسببها.. يكفي.. يكفي.. يكفي.. "

آنذاك داهمني دوار عنيف وإذا باطرافي ترتجف وصار كل شئ من حولي يهتز ويتراقص أمام عينىّ بقوة.. وشعرت بالغرفة تدور من حولي وبالأرض تميد بي..
وفى تلك اللحظة تلقفتني أيدي معاذ ينشد دعمي فرحت أقاومه وأدفعه بعيداً إلى أن انهارت قوتي وضعفت مقاومتي تماماً.. فأظلمت الدنيا بعينىّ..

~ ~ ~ ~ ~


أصابني الفزع حينما راحت أروى تترنح فى وقفتها وبدت كأنها على أهبة السقوط بين لحظة وأخرى.. وعلى الفور هرولت نحوها وامسكت بها غير أنها راحت تقاومني بشدة إلى وتهزى ببعض الكلمات لم يستوعبها عقلي آنذاك إلى أن انهارت قواها دفعة واحدة وسقط زراعاها بجانبها وانسدلت جفونها على عينيها..
وتوقف قلبي تماماً جراء الموقف.. كنت مذهولاً ولا أدرى كيف اتصرف..؟
حاولت أنعاشها بشتى الطرق ورحت أهزها وأضع أذنى على صدرها لأستمع إلى دقات قلبها غير أنها بدت لي فجأة فاقدة للحياة..
فى تلك اللحظة دلفت صاحبة الفندق إلى الغرفة وهالها ما رأته فصاحت بي :
" رباه..! ماذا فعلت بها..؟ "

ألتفتُ إليها وصرخت بها :
" الأسعاف.. أطلبي الأسعاف.. "

لستُ أدرى كيف تذكرت وسط ما أنا فيه أن هاتفها معطلاً فما كان منى سوى أن حملت أروى بحرص وسارعت بمغادرة الفندق وإذا بصاحبة الفندق تتبعني وتساعدني فى حملها حتى وصلنا إلى المستشفى وسلمناها لفريق الطوارئ..
ووقفت فى الاستقبال غير مستوعباً لأى شئ.. لا أصدق كل ما حدث فى مطلع هذا اليوم..
لم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً بعد.. غير أن تلك الساعات الأولي من الصباح كانت زاخرة بالأحداث الغريبة والمؤلمة..!
وطال الوقت بنا ونحن فى الانتظار وراح القلق يعصف بي ويصور لي وقوع أحداثاً رهيبة..
صرخت منفعلاً :
" ألن يخرج أحداً ليخبرنا بأى شئ..؟ هل سيتركوننا فى الخارج دون أن يطمئنونا عليها ..؟ "

ولم يجيبني إلا الصمت المطبق..
بعد برهة من الوقت حضرت سالي إلى المستشفي لزيارة محمود وحين رأتنى أقبلت نحوى قائلة :
" معاذ.. أنتَ هنا..؟ متى نمت ومتى استيقظت..؟ لماذا لم تخبرني أنكَ آتٍ إلى المستشفى لكي نأتي معاً.. "

راحت صاحبة الفندق تنظر إلينا بفضول فيما تابعت سالي :
" لماذا تقف هنا..؟ لماذا لم تصعد إلى محمود..؟ هل تشاجرتما مجدداً أم ماذا..؟ "

نظرت إليها وأنا فى حيرة من أمرى.. ولا أدرى بماذا وكيف أخبرها..؟
قلت :
" أنا لم أتِ من أجل محمود.. "

ولم تزدها جملتي تلك إلا حيرة فوق حيرتها..
قالت مستفهمة :
" أذن لماذا أتيت..؟ "

أخذت نفساً عميقاً وأطلقته مع زفرة قوية من أعماق صدري ، ثم قلت :
" لقد وجدت أروى.. "

تفاجأت سالي وهتفت بلهفة :
" كيف وجدتها وأين؟ ولماذا أنت هنا؟ لم أفهم أى شئ بعد !.."

قلت :
" إنها بالداخل.. لست أدرى ماذا أصابها؟ كنا نتحدث وفجأة سقطت على الأرض.. "

اطلقت سالي شهقة فزع فى حين تدخلت صاحبة الفندق قائلة :
" كانت شهيتها ضعيفة للغاية الأيام الماضية.. بل إنها بالكاد كانت تأكل.. رُبما كان هذا السبب.. "

انتبهت سالي فى تلك اللحظة فقط إلى وجود صاحبة الفندق وألتفتت نحوها متسائلة فى أهتمام :
" هل كانت عندكِ كل الأيام السابقة..؟ "

وقبل أن تجيبها السيدة خرج إحدى الأطباء فهرولت إليه وسألته عن حالها فقال :
" لديها هبوط حاد بالدورة الدموية.. لقد قمنا لها بالأسعافات اللازمة وبعد دقائق ستفيق وتتحسن بإذن الله.."

وبعد فترة زمنية قصيرة افاقت أروى وبدأت تتحسن شيئاً فشيئاً..
وكما هو متوقع رفضت وبشدة البقاء فى المستشفى أو العودة إلى المنزل رغم تدخل سالي ومحاولتها لتغيير رأيها..
ولأول مرة منذ تزوجت من أروى ، أُدرك كم هى صلبة الرأس وصعبة المراس حتى أنها وبصعوبة اقتنعت بأن تبقى لليلة واحدة بالمستشفى تحت الملاحظة..
وبالطبع كان محظوراً علىّ الاقتراب منها والتحدث إليها.. غير أننى لم أبرح باب غرفتها قط.. هذه المرة لن أتركها تهرب مني..
عند حلول المساء خرجت سالي من الغرفة بعدما نامت أروى وقالت لي :
" لماذا لا تعد إلى المنزل لتستريح..؟ إنكَ بحاجة للنوم ولحلاقة ذقنكَ.."

شعرت بالخجل الشديد.. لابد أن مظهرى مزرى الأن..
لكني لن استطيع ترك أروى مهما حدث..!
عادت تقول :
" لا تخاف هذه المرة لن أسمح لها بالأنصراف.. هذا بالأضافة لأنها متعبة للغاية ومن المستحيل أن تفيق من نومها بسهولة.. لقد حقنها الطبيب بدواء ثقيل وأخبرني أنه سيجعلها تنام بعمق حتى الصباح.."

ظهر الإعتراض على وجهى فقالت مشجعة :
" هيا معاذ فلتعد إلى المنزل.. إنكَ تحتاج إلى الراحة لبعض الوقت.. لا تتردد.."

أخيراً اقتنعت برأيها وعدت إلى المنزل لأسحتم ولأنعم بحلاقة ذقني الملتحية.. وشيئاً ما استعدت شكلي الأدميّ..!
وغفوت على سرير أروى لساعاتٍ قليلة ولم ألبث أن استيقظت عند بزوغ الفجر وارتديت ثيابي متوجهاً ثم المستشفى.. وانتظرت حتى أفاقت سالي ثم سألتها عن حال أروى فقالت :
" كان نومها مقلق ومضطرب رغم الأدوية الثقيلة التى تناولتها.. لستَ أدرى ماذا دهاها بالضبط..؟ حالتها النفسية أسوأ مما كانت عليه.. كلما يمضى الوقت تنتكس أكثر عن ذى قبل.."

قلت :
" الطبيب يقول أنها ستتحسن.. وأنا أمل فى ذلك.. "

عقبت على قولي :
" فلنأمل ذلك جميعاً.."

وصمتت لبرهة ثم استطردت :
" لم تخبرني ماذا ستفعل معها..؟ أقصد.. اليوم سيكتب لها على الخروج.. هل ستتركها تذهب إلى منزل عائلتها..؟"

هززت رأسي رافضاً وقلت :
" مستحيل.. سنعود جميعاً إلى منزلنا.."

قالت سالي :
" لا أظنها ستسمح بذلك.. "

وقلت :
" ولا أظنني سأسمح بغير ذلك..! "

أطلقت سالي تنهيدة قوية ثم قالت بتردد :
" لماذا لا تتركها على حريتها..؟! "

نظرت إليها بإهتمام شديد فيما تابعت هي منفعلة :
" لقد أذيتها بما فيه الكفاية الفترة الماضية وأنظر كيف صار حالها..؟ لماذا لا تتركها تذهب حيث تشاء..؟ إن ما حدث.. أقصد.. بشأن تولان.. هذا الأمر أفقدها الثقة بكَ.. ولا أظنها ستصفح عنكَ أبداً.. "

قلت :
" سأستعيد ثقتها بي كما استعدتها قبل ذلكَ.. "

نظرت إليّ وفى عينيها بدا الاعتراض على حديثى غير أننى تابعت :
" لا شئ قط سيجعلني انفصل عن أروى.. "

قالت سالي مباشرة :
" حتى لو كانت هذه هى رغبتها ؟ "

قلت حاسماً :
" أجل.. حتى لو كانت هذه هى رغبتها..! "

~ ~ ~ ~ ~


تتبع

،

،





الجُودْ ؛ 19-07-12 06:24 AM






40



وقع الطبيب على موافقة لخروج أروى من المستشفى.. وحضرت والدتها لاصطحابها إلى منزلها.. وكان بادياً على وجهها أنها لن تقبل ذهاب أروى إلى منزلي أو حتى مناقشة الأمر.. وفهمت أنها على علم بكل ما حدث مما جعلني أشعر بخجل شديد منها وحمدت الله فى سري على أنها تتحاشى الحديث معي والخوض فى أى حديث عابر..
طلبت من سالي أن تجعلني أتحدث إلى أروى بغرفتها قبل أن تغادر ولو لدقائق.. ورغم صعوبة الأمر غير أنها استطاعت أن تجعلني أدلف إلي غرفتها على شرط أن ترافقني..
كانت أروى قد ارتدت ثيابها كاملة واستعدت لمغادرة المستشفى ولم يكن الوقت فى صالحي على الأطلاق..
سألتها عن أحوالها وكانت ردودها مقتضبة وحادة.. ولم تبد مستعدة للخوض فى أى نقاش أخر.. غير أننى كنتُ مصرّاً على الحديث إليها ومتشبثاً بالأمل الأخير..
بدأت حديثى قائلاً :
" هل تشعرين بتحسن..؟ "

ردت بحدة :
" أجل.. وكما رأيت لقد صرح لي الطبيب بالخروج وسأذهب إلى منزل والداىّ على الفور.. "

أصابتني جملتها بخيبة أمل شديدة وكدت أنطق بكلمة " لا " غير أننى تذكرت نقاشنا بالأمس وما اسفر عنه فابتلعت إعتراضى دفعة واحدة وقلت :
" هذا أخر قرار..؟ "

قالت بتحدٍ :
" أجل.. ولن أتراجع عنه.."

أطرقت برأسي أرضاً وقلت :
" حسناً أروى.. كما تشائين.. سأفعل كل ما تطلبينه مني على شرط أن تستمعي لي.. فقط دعينى أشرح لكِ الحقائق.. رُبما صدقتِها واستعدت ثقتكَ بي.. "

هزت رأسها رافضة وقالت :
" كلا.. لا أريد سماع أى شئ.. "

ونظرت إلى سالي تستنجد بها..
قلت راجياً :
" فقط للمرة الأخيرة.. وإذا شئتِ بعدها أن تذهبي إلى منزل والدتكَ فلكِ حرية الأختيار.."

قالت بغضب :
" بل سأذهب إلى منزل والدتي شئت أم أبيت.. لن تستطيع إرغامي على العودة معكَ إلى منزلكَ.."

حملقنا ببعضنا لفترة ما.. كانت نظراتها متحدية وغاضبة.. وكانت نظراتي حزينة وراجية..!
ولم تلبث سالي أن قالت لتلطف الأجواء قليلاً :
" دعها على حريتها.. لن يجدى النقاش الأن.. انتظر حتى تهدأن لفترة ما ثم يعيد كل منكما التفكير فى الأمر بتروٍ.. "

أطلقت تنهيدة عميقة وقلت :
" حسناً أروى.. سأترككِ تذهبين إلى منزل والدتكَ.. لكني سأقوم بتوصيلك إلى هناك.. "

بدا على وجهها الاعتراض فقلت بصوت راجٍ :
" رجاء لا ترفضي.. هذا هو رجائي الوحيد.. والأخير.."

قبلت أروى اقتراحي على مضض فغادرنا الغرفة معاً.. وعاونتها على حمل حقيبتها فيما أمسكت سالي بيديها تساعدها على السير.. غير أنها توقفت فجأة عن السير وقالت :
" سأذهب لزيارة محمود.. "

كدت أن اعترض غير أنها لم تترك لي الفرصة لذلك وأنما توجهت على الفور إلى غرفته وسالي ترافقها ، فى حين اقترحت والدتها قائلة :
" فلننتظرها نحن بالسيارة.. "

تمنيتُ أن أرفض وأتبع أروى إلى حيث تذهب غير أن والدتها لم تكن فى حاجة لشئ أخر يزيد من ضيقها بأمرى.. ولم أملك سوى أن أتوجه إلى السيارة وانتظر حضورها !.

~ ~ ~ ~ ~



وصلت إلى غرفة محمود برفقة سالي والتى لم تلبث أن تركتني لأدخل إليه فيما ذهبت هى إلى دورة المياة..
كان محمود نائماً على السرير.. وكان يبدو عليه التعب الشديد غير أنه كان يبدو فى حالة نفسية جيدة..
دلفت إلى غرفته وأنا ألقى التحية.. ونظراتي موجهة على وجهه الزاخر بالكدمات والخدوش..
وقلت :
" حمداً لله على سلامتكَ.. كيف صرتَ الأن..؟ "

ابتسم ابتسامة مطمئنة وقال :
" الحمد لله.. أنا فى خير حال.. عدا عن بعض الكسور والشروخ فى معظم أنحاء جسدي تقريباً.."

شعرت بخجل شديد وتدفقت الدماء إلى وجهي بغزارة ، وقلت :
" أنا حقاً أسفة.. كل ما أصابكَ بسببي.. لست أدرى كيف أعتذر منكَ..؟ وإن كان الاعتذار لن يكفي أبداً.. "

ووجهت نظراتي إلى الأرضية ثم تابعت بخجل :
" ذلك اليوم لم أكن فى حالتي الطبيعية.. لستَ أدرى كيف قادني تفكيري إلى الانتحار..؟ وكيف فعلت ما فعلت..؟ "

قال :
" كنتِ يائسة وحزينة.. أرجو ألا تتكرر هذه الحالة معكِ ثانية.. "

وأضاف مازحاً :
" هذه المرة كدتِ تقضين فيها على حياتي والله أعلم المرة القادمة على حياة كم شخص ستقضين..؟! "

ابتسمت رغم خجلي الشديد بينما قال محمود بجدية :
" رجاء أروى أضطبي أعصابكِ قليلاً.. لا تجعلي اليأس يتملكك بسهولة عند أى مشكلة تقابلينها.. "

رفعت نظراتي إليه وقلت بأسي شديد :
" لم تكن هذه كأى مشكلة.. كانت صدمة وخيبة أمل فى الشخص الوحيد الذى أحببته.. "

صمت لبرهة ورفع نظراته إلى السقف الفاتح ، ثم قال :
" لقد حاول معاذ أن يشرح لي الأمر عدة مرات لكني اعرضت عن ذلك.. ولست أدرى لماذا أشعر الأن بالندم على ذلك..؟ رُبما كانت سالي على حق.. لقد تسرعنا جميعاً بالحكم عليه.. ولم نعطه الفرصة ليبرر لنا دوافعه.."

وأضاف برجاء :
" أعطه ولو فرصة أخيرة.. رجاء أروى.. "

غير أننى هززت رأسي رافضة وقلت :
" أأنتَ من تقول هذا ..؟ بعد كل ما حدث أمامكَ لازلت تدافع عنه.. "

قال نافياً :
" لست أدافع عنه.. بل إننى حتى الأن أرفض محادثته.. لكني حين أعدت التفكير فى الأمر وجدت أنه كان يجب علينا أن نعطه فرصة.. كان يجب أن نسأله عن السبب.. إننى أعرف معاذ منذ كنا أطفالاً ويمكنني أن أؤكد لكِ أنه لم يكن ليقدم على ما فعله لولا أن كان مضطراً فعلاً.. "

صمتُ ووقفت فى حيرة من أمرى ثم لم ألبث أن قلت :
" سبق ووثقتُ به قبل ذلك مرّة ،، وأنظر كيف كانت النتيجة..؟ "

وأضفت حاسمة :
" لقد انتهي معاذ بالنسبة إلىّ.. وسأبدأ حياتي من جديد وكأنه لم يكن بحياتي شخص يدعى معاذ.. إننى عائدة اليوم إلى منزل والداىّ.. هذا قراري الأخير.. "

قال :
" وماذا عن جامعتكِ..؟ "

فكرت لبرهة قصيرة ثم قلت :
" رُبما سأبحث عن عمل حتى يتسنى لي تحمل نفقات الدراسة.. لن يكون الأمر صعباً جداً.. "

وأضفت مغيرة مجرى الحديث :
" وأنت أيضاً يجب ألا تنظر خلفكَ أبداً.. لا تدع عنادكَ يفسد كل شئ.. إن سالي فتاة طيبة وحسنة النية.. وما فعلته كان لأنها أرادت مساعدتكَ.. ولا أظنها تستحق العقاب على ذلك.."

عقب على جملتى قائلاً :
" رُبما أنتِ على حق.. لقد تسرعت فى غضبى منها ذلك اليوم.."

قلت بحماس وقد اسعدني تجوابه معي :
" أجل.. تسرعت كثيراً.. وليتكَ تدرك كم أنت شخص غالي عليها حتى أنه يصعب عليها أن تكون فى محنة ولا تمد يديها إليكَ بالمساعدة.. على أى حال لن يضيركَ فى شئ أن تكون شريكتكَ فتاة رائعة الجمال.."

وأضفت باسمة :
" لدى شعور قوى بأن تلك الشراكة ستكون فاتحة خير عليكما.. ورُبما استطعت بسببها أن تدرك ما كان غائباً عنكَ.. وما حجبه غضبكَ عنكَ.. "

دقق النظر إلىّ محاولاً فهم مغزى جملتي الأخير ، وقال :
" ماذا تقصدين بالضبط..؟! "

قلت بغموض :
" سيكون لديكَ فترة طويلة للتفكير العميق وفهم ما أقصده.. أما أنا فليس لدي وقت على الأطلاق والجميع ينتظروني بالسيارة.."

ونهضت قائلة :
" سأطمئن علي صحتكَ من سالي.. أرجو أن تصير بخير فى أقرب وقت.. "

واستدرت متوجهة نحو الباب غير أنه قال ما استوقفني وجعل كل أطرافي تتجمد :
" برغم كل شئ لازلت على ثقة أن معاذ يحبكِ.. "

ببطئ شديد استدرت إليه وتلاقت نظراتنا لبرهة قبل أن يتابع :
" رجاء أروى.. أعطه فرصة أخيرة.. لا تغلقى قلبكِ وأذنيكِ عنه تماماً.. "

ازدردتُ ريقى بصعوبة وخرج صوتي ضعيفاً وأنا أقول :
" ليتني استطيع أن أعدكَ بذلك.. "

وسرعان ما غادرت غرفته وقابلت سالي والتى كانت تنظرني بالخارج ثم ذهبنا إلى سيارة معاذ وتوجهنا إلى منزل والدتي..

~ ~ ~ ~ ~


حاولت أن أبطئ السيارة بقدر الأمكان ، لكى تبقى أروى معي لأطول وقت ممكن..
كان الصمت المغدق يغلفنا منذ أن غادرنا المستشفى وحتى وصولنا إلى منزل أروى..
غادرت السيارة لدى توقفها وذهبت لأحمل حقيبة أروى وأدخلها إلى المنزل فيما وقفت أروى تودع سالي أمام السيارة ولم تلبث أن لحقت بي برفقة والدتها..
كنت قد انتهيتُ من وضع الحقيبة بالداخل ولم يعد هناك داعي لوجودي.. غير أننى لم أنصرف مباشرة وانتظرت عند الباب حتى دلفت والدة أروى إلى المنزل وقبل أن تتبعها أروى ناديتها :
" أروى "

وقفت أروى على مضض وقالت :
" ما الأمر..؟ "

لم أدرِ بماذا أبدأ حديثى.. أو ماذا عساىّ أقول فى ذلك الوقت بالذات..؟
كنت أنظر إليها بأسي شديد وأكاد أن أتراجع عن موقفى وأسألها أن تعود معي إلى منزلي غير أن نظراتها لم تكن مشجعة على الأطلاق.. كانت تنظر إلىّ بضيق شديد مما جعلني اتراجع عما أود قوله واستبداله بحديث أخر..
وأخيراً تحرك لساني قائلاً :
" لقد نفذتُ لكِ طلبكِ واحضرتك إلى هنا.. رغم أننى لم أكن راغباً فى ذلك قط.. لكني لم أشأ أن أضغط عليكِ أكثر من هذا.."

لم تعلق على جملتى ونظرت إلىّ فى انتظار ما سأقول بعد ذلك ، فتابعت :
" الأن لن أكون بجانبكِ ولن أؤثر علي قراركِ بالسلب.. وسيكون بأمكانكِ أن تفكري جيداً بكل شئ.. وأن ترى ما حجبه عنكِ غضبكِ مني.. "

أروى بدأت تململ فى وقفتها وراحت تنظر إلىّ بنفاذ صبر..
قلت متعلقاً بأخر أمل :
" لقد أخطأتُ بحقكِ حين أخفيتُ عنكِ الأمر.. ولازلت أأمل فى أن تسامحيني يوماً ما.. ليتكَ تعطيني الفرصة لأشرح لكِ ما حدث.. "

لم تتجاوب معي ، فقلت :
" على أى حال إذا أردتِ أن تسمعين مبرراتي فى أى وقت.. فلا تترددى فى الأتصال بي.. وسوف أحضر إليكِ على الفور.."

عقبت على قولي مباشرة :
" لاتحلم بذلك.. "

كالخنجر طعنتني كلماتها القاسية فى صميم قلبي.. واعترف أنه كان يجب علىّ أن أفقد أخر أمل لي مع كلماتها تلك ، غير أننى ظللت متشبثاً به وقلت :
" ومع هذا أيضاً.. فلن أفقد الأمل.. وسانتظر أتصالكِ بشغف.."

قالت ضجرة :
" أنتَ حر !.. فلتعش مع أوهامكَ كيفما شئت.. "

فى تلك اللحظة ظهرت والدتها من داخل المنزل ووقفت تحدق بي بنفاذ صبر..
هل يجب علىّ أن أرحل الأن..؟

عدت بنظراتي إلى أروى وقلت أوصيها على صحتها :
" انتبهي لنفسكِ جيداً.. ولا تهملي فى تناول العلاج.. "

قالت بتحدٍ لاذع :
" لا تقلق علىّ.. بأمكانكَ أن ترحل ببال مطمئن.. وفى أمان الله.. "

قالت ما قالته واستدارت عازمة الدخول إلى المنزل ، وتركتني وحيداً مخلوع القلب واتجهت بخطوات ثابتة إلى داخل المنزل.. وقبل أن تغلق الباب فى وجهي تحركت قدميّ بصعوبة واستدرت عائداً إلى سيارتي..
أوصلت سالي إلى المنزل ثم تركتها هناك وعدت إلى المستشفي..
كان فى صدري ضيق شديد ولم أجد من أأتمنه على سري وأبوح له بما فى صدري سوى محمود..
وعلى غير المتوقع رأيت منه مقابلة جيدة.. وكأنما أشفق على حالي ورق قلبه لي..
وكأن شيئاً لم يحدث رحت أتحدث إليه وأشكو له وأخبره بما كبته بصدري ولم أبح به لأحد قط.. وراح يسمعني بإذانٍ مصغية..

~ ~ ~ ~ ~


وقفت عند باب الشقة ، أرقب معاذ الذى استدار وهبط السلم ببطئ شديد ثم أختفي عن نظري بعد ذلك..
وببطئ مماثل أغلقتُ باب الشقة ولذت بجدارن غرفتي وقد تخليت عن ذلك القناع الجليدي الذى يغلفني ، واطلقتُ سراح عبراتي المكبوتة بصدري لتنهمر على وجهي بغزارة..
هل أنتهي كل شئ الأن..؟ أهذه هى أخر مرّة سنلتقي بها..؟
رباه.. كيف أطاعني قلبى على التحدث إليه بتلك القسوة.. وكيف استطعت أن أتخلى عن حبي الأول والوحيد بمثل هذه السهولة..؟ أكان يجب علىّ أن أتخلى عن كرامتي وأغفر له خطأه..؟
رُبما يجب علىّ أن استمع لمبرراته لألتمس له أى عذرٍ وإن كان واهياً حتى يتسنى لقلبي أن يلين ويغفر..
بل إن ما فعلته كان الصواب.. كان لابد أن ينتهى هذا الزواج.. أو بالأحرى ما كان يجب أن يبدأ من البداية !..

مددت يدى إلى وجهي وجففت دموعي ثم نهضت وفتحت حقيبة ثيابي ورحتُ أقلب فيها..
كل تلك الثياب الكثيرة والتى اشتراها لي معاذ كانت تحمل لي ذكرى يصعب تجاهلها..
وفى لحظة جنون مددت يدى إلى الحقيبة ورحت أفرغها بثورة وأمزق الثياب وكل ما تقع عليه يدي..
كنت أريد أن أتخلص من كل شئ له صلة به.. وبينما كنت فى حالتي تلك إذا بيدي تصطدم بشئ زجاجي.. أو بالأحري قارورة العطر الذى اشتريتها من أجل معاذ والتى بقيت بداخل حقيبتي إلى هذا اليوم..
وبلا شعور امتدت يدي إلى تلك القارورة وأمسكتها برفق ثم قربتها من أنفي واستنشقت أريجها الأخاذ وما كدت أفعل حتى عاودتني نوبة اليأس وغرقت فى دموعي مجدداً..
تُرى هل كان ذلك العطر سيعجبه مثلما أعجبني..؟
وهل كان سينسيه ذلك العطر الذى أهدته له تولان قبل ذلك..؟
كنت واثقة ذلك اليوم أنه سينال إعجابة وأنه سيكون المفضل لديه.. كنت بلهاء غبية.. كنت ساذجة..
وفى جنون أشد ألقيت بالقارورة على الأرض وحطمتها إلى أشلاء ، فإذا بعطرها يعبق غرفتي !..
لماذا يا معاذ فعلت بي هذا..؟ لماذا..؟ لماذا..؟!


~ ~ ~ ~ ~







بعد مغادرة أروى بما يقرب من نصف ساعة ، عاد معاذ إلى المستشفى حزيناً شارداً..
كان من الممكن أن أتجاهله وأرفض التجاوب معه ، غير أن ذلك الحزن المنبثق من عينيه أجبرني على العكس..
شعرت بحزن شديد لما آل إليه مؤخراً.. إنه صديق عمري وأخى الذى لم تلده أمي وإن كان اقترف ذنوباً بحجم الجبال فإن سعة صدري ستشمله رغماً عني..
قال معاذ لدى دخوله :
" أتيتُ إليكَ رغم ثقتي بأنكَ لا ترغب فى مقابلتي.. "

ثم أضاف بأسي :
" ضاقت الدنيا بي وليس لدى سواكَ لأبثه همي.. "

وأطال النظر إلىّ مُنتظراً مني أى بادرة تشير إلى رغبتي فى الاستماع إليه..
قلت أخيراً :
" تفضل.. "

أبهجه تجاوبي معه وابتسم رغم حزنه ثم أتجه ليجلس على أقرب مقعد إلىّ قائلاً :
" شكراً لكَ.. كنت أعلم أنكَ لن تخذلني.. رغم كل ما فعلت.. "

وصمت لبرهة ثم قال :
" صرت مكروهاً من الجميع بسبب ما فعلت.. لكني كنت مضطراً لفعل هذا.. ولكم يؤلمني أن يسئ الجميع فهمي بهذا الشكل..لكن.. إذا علمتم بالحقائق رُبما ألتمستم لي عذراً.. رُبما.."

وبدون أن أسأله انطلق لسانه من هذه النقطة وراح يحكي لي كل شئ.. وكلما مضى فى سرده كلما شعرت بضيق فى صدري وبوخز الضمير..
قال :
" حينما ضاقت أروى بـأمر تولان قررت أن أرغم هذه الأخيرة على مغادرة منزلي.. وقد فعلتُ وأخبرتها بضرورة مغادرتها للمنزل والعودة إلى بلدها غير أنها أخبرتني بأنها قد حجزت تذاكر الطائرة بعد اسبوعين واتفقنا أن تذهب للإقامة فى فندق إلى أن يحين موعد سفرها.. وذهبت معها إلى إحدى الفنادق واكتشفت وقتها أن ذلك الفندق لصديق لي ولم أكن على علم بهذا قبل ذلك.. وكنت أتردد عليها لرؤية أبني فقط وكانت تشاركنا الجلوس بالمطعم الخاص بالفندق.. ولن أنكر أنها كانت تحاول استمالتي كالمعتاد غير أننى لم استجب لها.. فحب أروى لم يترك أى مساحة شاغرة بقلبي لأخرى.. هذا غير أننى لم أنس ما فعلته بي تولان ولن يعرف العفو عنها طريقه إلى قلبي أبداً.. ويبدو أن تولان قد أدركت هذا أخيراً.. "

توقف هنا لبرهة قصيرة وألتقط نفساً عميقاً وزفره ببطء ثم تابع :
" وقبل انتهاء الاسبوعين وبينما كنت اتحدث إلى صديقي صاحب الفندق مصادفة أخبرني بأن تولان غادرت الفندق هذا اليوم وأنها قد طلبت سيارة تقلها إلى المطار.. وعلى الفور توجهت إلى المطار وفوجئت بأنه لا توجد رحلات إلى تركيا.. وفهمت كل شئ حينها.. "

هنا تغير صوته واكتسحه حزناً شديداً وهو يتابع :
" بما أني كنت على الأغلب سأربح القضية فلم تجد أمامها حلاً أخر سوى الهرب.. وكانت يومئذ تريد الهرب إلى إحدى البلدان الأروبية.. وفى أخر لحظة استطعت منعها من ذلك وقد اشترطت علىّ أن نتزوج لكى تمتنع عن السفر.. واتفقنا كحل أوسط أن يتم زواجنا سراً وعلى الورق فقط لأضمن أنها لن تستطع الهرب به مرة أخرى.. ويوم أتت إلى المستشفى بعد الحادث تشاجرت معها وانشغلت عنها فى وسط زوبعة مشكلتي مع أروى ، لكنها اقتنصت الفرصة واستطاعت الهرب به.. "

وأضاف بأسى شديد وقد أومض الدمع بعينيه وأوشك على الانهمار :
" وهكذا فقدت أبنى.. وفقدتُ معه الفتاة الوحيدة التى أحببتها.. ومهما طال الوقت بي.. ومهما حدث.. لن استطيع تعويض خسارتي تلك قط.. لقد انتهيا من حياتي.. وانتهيتُ بانتهاءهما..! "

حينما انتهى من سرد تلك الأحداث أطرق برأسه أرضاً وبدا على أهبة البكاء..
لم يسبق لي أن رأيته حزيناً بهذا الشكل.. ولم يسبق كذلك أن وقفت عاجزاً أمامه دون أن استطع مد يدى له بالمساعدة.. ودون أن أواسيه فى محنته.. وأخفف عنه..
فالكلمات فى ذلك الوقت بالذات لا معنى لها على الأطلاق.. لقد خسرهما ما من شك فى هذا.. ولن يستطيع استعادتهما مجدداً إلا بمعجزة..
فهل يا تُرى ستحدث تلك المعجزة ذات يوم..؟!

~ ~ ~ ~ ~


تتبع


الجُودْ ؛ 19-07-12 06:26 AM


تكملة الفصل الـ 40


~ ~ ~ ~ ~


بعد مغادرة أروى بما يقرب من نصف ساعة ، عاد معاذ إلى المستشفى حزيناً شارداً..
كان من الممكن أن أتجاهله وأرفض التجاوب معه ، غير أن ذلك الحزن المنبثق من عينيه أجبرني على العكس..
شعرت بحزن شديد لما آل إليه مؤخراً.. إنه صديق عمري وأخى الذى لم تلده أمي وإن كان اقترف ذنوباً بحجم الجبال فإن سعة صدري ستشمله رغماً عني..
قال معاذ لدى دخوله :
" أتيتُ إليكَ رغم ثقتي بأنكَ لا ترغب فى مقابلتي.. "

ثم أضاف بأسي :
" ضاقت الدنيا بي وليس لدى سواكَ لأبثه همي.. "

وأطال النظر إلىّ مُنتظراً مني أى بادرة تشير إلى رغبتي فى الاستماع إليه..
قلت أخيراً :
" تفضل.. "

أبهجه تجاوبي معه وابتسم رغم حزنه ثم أتجه ليجلس على أقرب مقعد إلىّ قائلاً :
" شكراً لكَ.. كنت أعلم أنكَ لن تخذلني.. رغم كل ما فعلت.. "

وصمت لبرهة ثم قال :
" صرت مكروهاً من الجميع بسبب ما فعلت.. لكني كنت مضطراً لفعل هذا.. ولكم يؤلمني أن يسئ الجميع فهمي بهذا الشكل..لكن.. إذا علمتم بالحقائق رُبما ألتمستم لي عذراً.. رُبما.."

وبدون أن أسأله انطلق لسانه من هذه النقطة وراح يحكي لي كل شئ.. وكلما مضى فى سرده كلما شعرت بضيق فى صدري وبوخز الضمير..
قال :
" حينما ضاقت أروى بـأمر تولان قررت أن أرغم هذه الأخيرة على مغادرة منزلي.. وقد فعلتُ وأخبرتها بضرورة مغادرتها للمنزل والعودة إلى بلدها غير أنها أخبرتني بأنها قد حجزت تذاكر الطائرة بعد اسبوعين واتفقنا أن تذهب للإقامة فى فندق إلى أن يحين موعد سفرها.. وذهبت معها إلى إحدى الفنادق واكتشفت وقتها أن ذلك الفندق لصديق لي ولم أكن على علم بهذا قبل ذلك.. وكنت أتردد عليها لرؤية أبني فقط وكانت تشاركنا الجلوس بالمطعم الخاص بالفندق.. ولن أنكر أنها كانت تحاول استمالتي كالمعتاد غير أننى لم استجب لها.. فحب أروى لم يترك أى مساحة شاغرة بقلبي لأخرى.. هذا غير أننى لم أنس ما فعلته بي تولان ولن يعرف العفو عنها طريقه إلى قلبي أبداً.. ويبدو أن تولان قد أدركت هذا أخيراً.. "

توقف هنا لبرهة قصيرة وألتقط نفساً عميقاً وزفره ببطء ثم تابع :
" وقبل انتهاء الاسبوعين وبينما كنت اتحدث إلى صديقي صاحب الفندق مصادفة أخبرني بأن تولان غادرت الفندق هذا اليوم وأنها قد طلبت سيارة تقلها إلى المطار.. وعلى الفور توجهت إلى المطار وفوجئت بأنه لا توجد رحلات إلى تركيا.. وفهمت كل شئ حينها.. "

هنا تغير صوته واكتسحه حزناً شديداً وهو يتابع :
" بما أني كنت على الأغلب سأربح القضية فلم تجد أمامها حلاً أخر سوى الهرب.. وكانت يومئذ تريد الهرب إلى إحدى البلدان الأروبية.. وفى أخر لحظة استطعت منعها من ذلك وقد اشترطت علىّ أن نتزوج لكى تمتنع عن السفر.. واتفقنا كحل أوسط أن يتم زواجنا سراً وعلى الورق فقط لأضمن أنها لن تستطع الهرب به مرة أخرى.. ويوم أتت إلى المستشفى بعد الحادث تشاجرت معها وانشغلت عنها فى وسط زوبعة مشكلتي مع أروى ، لكنها اقتنصت الفرصة واستطاعت الهرب به.. "

وأضاف بأسى شديد وقد أومض الدمع بعينيه وأوشك على الانهمار :
" وهكذا فقدت أبنى.. وفقدتُ معه الفتاة الوحيدة التى أحببتها.. ومهما طال الوقت بي.. ومهما حدث.. لن استطيع تعويض خسارتي تلك قط.. لقد انتهيا من حياتي.. وانتهيتُ بانتهاءهما..! "

حينما انتهى من سرد تلك الأحداث أطرق برأسه أرضاً وبدا على أهبة البكاء..
لم يسبق لي أن رأيته حزيناً بهذا الشكل.. ولم يسبق كذلك أن وقفت عاجزاً أمامه دون أن استطع مد يدى له بالمساعدة.. ودون أن أواسيه فى محنته.. وأخفف عنه..
فالكلمات فى ذلك الوقت بالذات لا معنى لها على الأطلاق.. لقد خسرهما ما من شك فى هذا.. ولن يستطيع استعادتهما مجدداً إلا بمعجزة..
فهل يا تُرى ستحدث تلك المعجزة ذات يوم..؟!

~ ~ ~ ~ ~

تتبــع

الجُودْ ؛ 19-07-12 06:28 AM






41



قضينا عدة ساعات فى التسوق.. وبصعوبة شديدة استطعت أن أقنع سالي بالاكتفاء عند هذا الحد اليوم على شرط أن أرافقها غداً أيضاً فى رحلة التسوق المُملة..
اشترينا أغراض كثيرة.. وبالطبع حملتُ أنا القسم الأكبر والأثقل منها ،، بينما حملت سالي بعض الأكياس الخفيفة وراحت تتأوه وتشكو من ثقل حمولتها ،، وكأنها من تحمل أغراضى أنا وليس العكس !
وبينما كنا فى الطريق لمغارة ذلك المجمع التجاري الكبير ، إذا بسالي تتوقف فجأة أمام إحدى الواجهات الزجاجية وتصيح :
" ما أروع هذا الفستان !. "

نظرت إليها بضجر وقلت :
" تحملين عشرات الفساتين فى تلك الحقائب.. وجميعهم يشبهون ذلك الفستان.. "

رمقتني بنظرة حادة وقالت بضيق :
" أهذا هو رأيكَ..؟ ألا يعجبك أى شئ مما اشتريته..؟ "

استدركتُ خطأى مُسرعاً قبل أن تشن هجومها علىّ وقلت :
" بل على العكس.. لديكِ ذوق رائع فى كل شئ.. إننى فقط أقول.. لا داعِ لأن تشترى المزيد اليوم و.... "

قاطعتني قائلة :
" فقط هذا الفستان.. رجاءً لا ترفض.."

قلت :
" بأمكاننا أن نمر غداً على ذلك المتجر لشراءه.."

قالت بنبرة راجية :
" رُبما تسبقني أخرى فى شراءه.. رجاء دعنى أشتريه الأن.. لن استغرق وقتاً طويلاً.. أعدكَ.."

اطلقت تنهيدة قصيرة ورفعت الراية البيضاء كالعادة ، وقلت :
" حسناً.. ولكن تعجلي قليلاً فى الشراء.. لدى بعض الأعمال ولابد أن أعود إلى مكتبي.. "

ابتسمت بسعادة وتوجهت إلى داخل المتجر لتشترى ذلك الفستان فى حين وقفت فى انتظارها حتى غادرته حامله معها حقيبة جديدة لم تلبث أن أعطتني أياها لأحملها قائلة برقة :
" لا استطيع حمل المزيد.. أحملها أنتَ عني رجاءً.. "

قلت وقد بدأ صبري ينفذ :
" حسناً.. ولكن لا مزيد من الشراء اليوم.. سنغادر المجمع على الفور.. "

قالت موافقة :
" لا بأس.. سأكمل التسوق غداً.. "

فى تلك اللحظة ارتفع رنين هاتفها المحمول ، فألقت بكل ما تحمله إلىّ دفعة واحدة فيما امسكت هى بحقيبة يدها لتخرج منها الهاتف وتنظر إلى رقم المتصل ثم تبتسم بسعادة بالغة وتقول :
" إنه معاذ.. "

وحينما أجابت الأتصال تجهم وجهها بشكل ملحوظ بينما كانت تستمع إليه ولم تلبث أن أنهت الأتصال ونظرت إلىّ وقد اغرورقت عينيها بدموع غزيرة ثم قالت :
" لن يحضر الزفاف.. يقول أن لديه أعمال هامة وضرورية.. لست أدرى إلى متى سيظل خارج البلاد.."

وأضافت بأسى :
" حتى أخي الوحيد.. وما تبقى من عائلتي لن يكون بجانبي يوم زفافي.. سأكون وحيدة كما أنا دائماً.. "

قلت محاولاً تلطيف الأجواء :
" أنا واثق أنه مشغول للغاية.. وما يمنعه من الحضور هو سبب قهري لا محال.. وعلى أى حال فأنكِ لن تكوني وحدكِ.. بل سأكون بجانبكِ دائماً وأبداً.. "

ابتسمت شبه ابتسامة ونظرت إلىّ بامتنان مما شجعني على المواصلة فقلت :
" ورُبما تقبل أروى فى تلك الحالة الحضور إلى الحفل.. بما أن معاذ لن يكون هناك.. "

قالت سالي وقد راقتها الفكرة :
" أجل.. بالتأكيد لن تعتذر عن الحضور فيما لو علمت أن معاذ لن يحضر.. كان هذا فقط هو ما يمنعها من الحضور.."

وأضافت :
" سأذهب اليوم لزيارتها فى العمل وأخبارها بالأمر.. "

لابد أنكم متشوقون لمعرفة الأحداث التى وقعت فى الشهور الماضية.. وثمة اسئلة كثيرة تودون طرحها علىّ الأن.. ومما لا شك فيه أن أهم تلك الاسئلة هو : هل أنفصل معاذ عن أروى..؟ وهل انتهت قصتهما عند هذا الحد..؟ وإلى أين سافر معاذ..؟ ولماذا..؟
وبالنسبة للسؤال الأول فإجابته هى كلا.. فمعاذ حتى الأن يرفض بشدة الانفصال عنها.. وأروى ترفض العودة إليه.. ولازال كلايهما على عناده حتى لحظة كتابة هذه السطور..
أما بالنسبة للسؤال الثاني فإجابته لا يعلمها إلا الله.. لكن لدي شعور قوى بأن تلك النهاية ستكون قريبة جداً..
وأرجو ألا تكون تلك النهاية مؤلمة.. أظنكم أكتفيتم من الأحداث الحزينة !.
أما عن السؤال الثالث فسوف اخبركم عنه الأن باستفاضة وبأدق التفاصيل..
لقد سافر معاذ منذ ستة أشهر إلى حيث سافرت تولان.. ومنذ ذلك الحين وهو فى الخارج يبحث عنهما.. وقد استغل فرصة وجوده بتلك البلاد وتعاقد مع إحدى الشركات لاستيراد بعض السلع وتوسيع نشاط شركاته.. وبهذا جمع بين الأمرين فى آنٍ واحد..
أتمني أن يعثر على أبنه عما قريب ، وأن ينتهى أعماله تلك ويعودا إلينا سوياً..
ولكن.. ألا تتساءلون عن ذلك الزفاف المنتظر والذى كنا نتحدث عنه أنا وسالي..؟
أظنكم هذه المرة قد استطعتم التخمين..
أجل.. لقد ارتبطنا أنا وسالي قبل سفر معاذ بأيام قليلة.. أى بمجرد أن تعافيتُ من الحادث وألتأمت الكسور والشروخ العديدة بجسدى ،، ونحن الأن نستعد للزفاف..
والفضل فى هذا - كما تعلمون - يعود إلى أروى.. فهى من لفتت نظرى إلى مشاعر سالي تجاهي.. وهى أيضاً من جعلتني انتبه لمشاعري تجاهها.. وإن كنتُ لا أعلم كيف كنتُ غافلاً عنها طوال هذه السنوات..؟!
أظنني أشبعت فضولكم وأجبت كل تساؤلاتكم.. أما عن باقى الأسئلة التى تدور فى رؤوسكم ؛ فالقدر وحده سيجيب عليها يوماً ما..!

~ ~ ~ ~ ~


انهيتُ أخر أمتحان لهذا العام قبل قليل..
كانت هذه المادة هى الأصعب علىّ.. وكنت أهمل مذاكرتها وأتوقع الرسوب بها غير أننى على غير توقعي أبليتُ حسناً بها..!
كنتُ قد استأذنتُ من عملي للذهاب إلى الأمتحان ، وما كدت أنتهى منه حتى ألقيت بنفسي داخل أول حافلة وعدت إلى مكتب السياحة الذى أعمل به كسكرتيرة..
وفور دخولي إلى غرفة مكتبي طالعني وجه سالي.. كانت زيارة مفاجئة وغير متوقعة ابهجتني كثيراً..
بالمناسبة.. لقد أرتبطت سالي بمحمود.. وهما الأن يستعدان للزفاف..
لا أظن أحداً سبقني بنقل ذلك الخبر السار إليكم .. هل يمكن أن يكون محمود قد فعلها قبلي..؟!
جلست برفقة سالي لبعض الوقت وتبادلنا بعض الأحاديث العادية.. واطمئننت على حالها وحال محمود.. وتحاشيتُ بقدر الأمكان ذكر اسم معاذ.. وإن كنت متلهفة لمعرفة أخباره !..
تُرى كيف حاله الأن..؟ ألازال فى الخارج يبحث عن أبنه..؟ ألا ينوى العودة لحضور زفاف سالي..؟

قالت سالي وكأنما قد قرأت أفكاري :
" لن يحضر معاذ إلى الحفل.. إنه منشغل كثيراً ولا يملك الوقت الكافى للسفر.. "

ولدى ذكر اسم معاذ اضطربت خفقات قلبي وتثلجت أطرافي ، فى حين تابعت سالي بنبرة حزينة :
" سأكون وحيدة فى زفافي.. هل هناك ما هو أسوأ من هذا..؟ "

رغم أن هذا الخبر ادهشني كثيراً غير أننى لم أعلق عليه ، فقط كل ما فعلته هو أن أطرقتُ برأسي أرضاً وارتديتُ ثوب اللامبالاة..
قالت :
" أعرف أنكِ لا تريدين سماع اسمه وأنا لم أتِ لهذا السبب.. "

وصمتت لبرهة ثم أضافت بتردد :
" بما أن معاذ لن يحضر الحفل.. ظننتُ أنكِ لن تمانعين الحضور.. "

رفعت نظراتي إليها بسرعة وقلت :
" لا.. رُبما يقرر الحضور فى أخر لحظة.."

غير أنها قالت :
" لن يحضر.. هذا أكيد.. لم يبق على الزفاف سوى خمسة أيام.. إذا قرر تغيير رأيه رُبما لن يجد طائرة عائدة إلى مصر.."

وأضافت راجية :
" رجاء أروى لا ترفضي.. لن يكون هناكَ أحداً بجانبي على الأطلاق وأريدكِ أن تدعمينني.. أرجوكِ أروى.."

ولم يكن هناك مفر من الموافقة بأى حال..!

~ ~ ~ ~ ~

بعد خمسة أيام..
وقفت أمام المرآة بعدما ارتديتُ فستاني الجديد والذى اشتريته بالأمس بنصف مرتبي لحضور حفل زفاف سالي..
وكانت أمي تجلس من خلفي ترقبني وفى عينيها نظرة اعتراض وضيق لم تخل علىّ ، رغم محاولاتها للتظاهر بالعكس..
ألتفت إليها وسألتها :
" هل أعجبكِ فستاني..؟"

فابتسمت وقالت :
" إنه رائع.. يليق عليكِ كثيراً.."

ألتفتُ ثانية إلى المرآة وبدأت فى وضع مستحضرات التجميل على وجهى بعناية.. وأيضاً لا تزال أمى تراقبني !
قالت بعد برهة :
" هل أنتِ متأكدة أن معاذ لن يحضر ؟ "

نظرت إليها عبر المرآة وقلت :
" أجل متأكدة.. لا تقلقي أبداً بهذا الشأن.."

فقالت :
" أخشى أن يحضر فجأة دون أن يخبر أحداً.."

قلت :
" أحتمال بعيد جداً.. لن يحضر بإذن الله.."

صمتت لبرهة لم تتجاوز نصف دقيقة ثم عادت تقول :
" رُبما من الأفضل ألا تحضرى هذا الحفل..؟ فالجميع يعلم بالمشكلات التى واجهتكما وعزمكما على الطلاق وستضطرين للإجابة عن اسئلة الفضوليين من أصدقاءه وعائلته.. "

كان هذا الأمر يقلقني أيضاً غير أننى كنت قد قررت ألا أجيب أحداً بشئ على الأطلاق.. وأن أترك الجميع يفكرون كما يحلو لهم.. دون أن أكترث لأحد قط..
قلت :
" لن استطيع التراجع.. لقد وعدت سالي ولن أنكث وعدي.. "

كنت قد انتهيتُ من التزين وبدأتُ فى وضع حجابي فوق رأسي وضطبه فغادرت أمى الغرفة وقد بدا لها أن النقاش غير مجدى بأى حال ففضلت الانسحاب !!
وقبل أن تمر نصف ساعة ،، كنتُ أدلف إلى ذلك الفندق حيث يوجد قاعة فخمة للأفراح..
كنت بالفعل أشعر بخوف شديد وثمة شئ ما بداخلي يحثني على العودة من حيث أتيت.. لكني كنتُ أقابل هذا الشئ بالرفض الحاسم.. لقد أكدت لي سالي أنه لن يحضر وأنا أثق بكلامها.. ولن أتركها وحيدة فى مثل هذا اليوم..
أفقتُ من أفكاري عند وصولي للقاعة.. كنتُ قد وصلت متأخرة وحضر العروسان وبدأ الحفل بأول رقصة للعروسين على الأنغام الهادئة.. فانتقيتُ مقعداً بإحدى الطاولات القريبة من سالي وجلست عليه ورحت أرقبهما بسعادة بالغة..
كانت سالي تبدو فى قمة الجمال والأناقة.. بل إنها أجمل عروس وقع عليها بصري حتى الأن..
كم أشعر بالسعادة من أجلهما ! وكم أشعر بالحزن الشديد على حالي التعس !
قبل عامين من الأن كنتُ أزف على معاذ.. والأن أنا وحيدة وتعيسة.. وقريباً سأصبح مطلقة وأنا لازلتُ فى بداية العشرين..كم أنا حظي سئ !
قطع علىّ أفكاري العقيمة أخر صوت أتمنى سماعه الأن..
صوت ميار ! أمازلتم تذكرونها ؟!
ألتفتُ ببطء شديد إلى مصدر الصوت وبجهد بالغ رسمت ابتسامة فوق شفتي وأنا أنظر إليها..
كانت كعادتها جميلة وبالغة الأناقة.. غير أنها لم تكن تنظر لي بحقد وبغض كعادتها وأنما كانت تبتسم ببساطة..
قالت :
" كيف حالكِ أروى..؟ لم أركِ منذ فترة طويلة..؟! "

قلت :
" أنا بخير حال.. كيف حالك أنتِ..؟ "

رفعت يدها اليمني لتضبط إحدى خصلات شعرها والتى انسدلت على جبهتها ، فألتمعت بأصبعها تلك الدبلة الذهبية وقالت :
" أنا بخير كما ترين.. "

وحينما لاحظت نظراتي إلى الخاتم ابتسمت بخجل وقالت :
" لقد تمت خطبتي منذ ستة أشهر.. أى بعد خطبة سالي مباشرة.. "

وأضافت :
" لقد سافر خطيبي بعد الخطبة مباشرة لكنه سيعود قريباً جداً لنتم الزواج.. "

صُعقتُ للمفاجأة واضطربت خفقات قلبي..
أردتُ أن أنطق بكلمة " مبارك " غير أن لساني أنعقد ولم استطع النطق.. وارحت عينىّ تدور بين الخاتم وبين وجهها الباسم حتى كاد الدوار أن يصيبني..
وهنا توقفت الموسيقى عند العزف وانتهت الرقصة فما كان منها سوى قالت :
" سأذهب لأسلم على العروسين.. "

وانصرفت بخطوات واثقة فى حين وقفت أنا بمكاني أرتجف من المفاجأة كورقة فى مهب الريح..
هل يمكن أن تكون مصادفة أن يتم خطبة ميار قبل سفر معاذ وأن يسافر خطيبها بعد الخطبة..؟
ترى هل معاذ هو خطيبها الذى كانت تتحدث عنه..؟
ولأنني تذكرت معاذ فى تلك اللحظة وركزت تفكيرى عليه فقد خرج من عقلي وتجسدت صورته أمامي..
رُبما كان مجرد خداع بصر.. أو وهم صوره لي عقلي.. أو رُبما كان ما يقف أمامي الأن ويحدق بي بتلك النظرات العميقة هو أى شخص أخر وأنا من يهيأ لي أنه معاذ..
لقد سمعنا كثيراً عن خداع البصر والوهم.. لكننا لم نسمع خداع الأذن ولم يسبق قط أن تكلم الوهم..
أتاني صوته يقول :
" مفاجأة غير متوقعة.. أليس كذلك..؟ "

شعرت ببرودة تسرى بأطرافي.. وبحلقى يجف فجأة..
ورفعت أنظاري إلى حيث تقف سالي ورأيتها رغم الحشود الملتفة حولنا تنظر إلىّ وتنحصر نظراتها حيث أقف أنا ومعاذ ! وكأنما تخشى ردة فعلي !
هل يمكن أن تكون قد تآمرت علىّ لتجعلني ألتقى بأخيها..؟ هل يمكن أن تفعل هذا بي..؟ كم أنا غبية !
شعرت بالغضب الشديد وعدت أنظر إلى معاذ وقلت محنقة :
" مفاجأة غير متوقعة.. وغير مرغوبة.. "

واستدرت بسرعة عازمة على مغادرة القاعة قبل أن تخونني العبرات ووتتساقط على وجنتىّ رغماً عني.. وحينما وصلت إلى باب الفندق شعرت بيد تمسك بزراعي وبصوت حازم يقول :
" لن اسمح لكِ بالهرب ثانية.. "

حاولت أن أجذب زراعي من يده غير أنه كان يتشبث بها بقوة حالت دون ذلك.. فلم أملك سوى أن أصرخ به فى ثورة عارمة :
" ومن طلب منكَ السماح..؟ كيف تجرؤ..؟ من تظن نفسكَ..؟ أترك زراعي وابتعد عن طريقي حالاً.. هيا دعني.."

تراخت يده عن زراعي وقال بحدة :
" بأمكانكِ أن تذهبي.. لكن ليكن بعلمكِ هذه ليست أخر مرة سترينني بها.. لن تظلي هاربة مني إلى الأبد.. ولن أنفصل عنكِ قبل أن نتواجه ونتحدث..لابد أن نتكلم قبل نقدم على خطوة كبيرة مثل الطلاق.. "

ثم أضاف وقد لانت نبرة صوته قليلاً :
" أرجوكِ أروى لا تفعلي هذا بنا.. لا تغلقي قلبكِ أمامي بهذا الشكل.. فقط اسمعين ما أريد قوله ودعيني أدافع عن نفسي.. ولك حرية الأختيار بعدها.. أقسم لكِ إننى لن أجبركِ على شئ.. وإذا أردتِ الأنفصال عني فسأفعل ذلك رغم كرهي الشديد لهذا.."

صحت به :
" بأى وجه تأتي الأن وتريد أن تبررلي.. بأى وجه تريد أن تشرح لي.. وماذا تريد أن تشرح لي..؟ بل إن ما تريد قوله أحفظه عن ظهر قلب ولا أجده مبرر لما فعلت.. لقد جعلتني موضع سخرية لتولان.. جعلتني أبدو كالغبية أمامها.. ولم تكلف نفسك عناء شرح الأمر لي.. لم تشركني فى مشكلتكَ وأردت حلها وحدكَ.. فأنظر ماذا كانت النتيجة ؟ أنظر ما فعلته بنفسك وبأبنكَ وبي.. "

قال بصوت منكسر :
" كنت سأشرح لكِ.. لكني كنتُ انتظر الوقت المناسب فقط.. "

قلتُ بحدة :
" وترى أى وقت سيكون مناسب فى رأيكَ.. بعد أن تتزوجا بالفعل.. أليس هذا هو الوقت المناسب..؟ "

ثم أضفت بتهور :
" الحديث ليس مجدى الأن.. لقد صار لكل منا حياة مختلفة.. وأنتَ كما أرى حذفتني من حياتكَ وأسست حياة جديدة.. "

رفع معاذ يده وتخلل بأصابعه خصلات شعره الناعم وقال بضيق :
" لقد سافرت بحثاً عن أبنى ليس إلا.. ولم أعثر عليه حتى الأن كما ترين.. "

قلت :
" لا أعنى هذا.. بل أعني ما تعرفه جيداً.. وأؤكد لكَ أن هذا الأمر لا يعنينى ولم يؤثر بي قط.. لقد انتهيت بالنسبة إلىّ يوم الحادث.. "

زفر معاذ بضيق وقال :
" أروى لا تثيرين جنوني.. تحدثي بشكل مباشر.. "

قلت :
" أعنى خطبتك لميار.. أم تظنني لم أعلم بهذا.. "

وأضفت بعصبية :
" للمرة الثانية جعلتني أبدو كالغبية.. للمرة الثانية جعلتني موضع سخرية.. "

كان أخر ما توقعته من معاذ هو أن بيتسم ! وتلك الابتسامة أثارت حنقى أكثر فصحت به :
" أنتَ أيضاً صرت تسخر مني.. تباً لي.. كم أنا غبية ولا أتعلم قط ! "

واستدرت عازمة على الانصراف غير أن معاذ اعترض طريقى وحال دون ذلك ثانية..
قلت محنقة :
" ابتعد عن طريقى حالاً.. هيــــــــا.."

فقال :
" لقد أعمتكِ الغيرة حتى أنكِ صرت تتخيلين أشياء لم تحدث قط ولن تحدث.. فأنا لست خطيب ميار أو أى فتاة غيرها.. "

وأضاف :
" الفتاة الوحيدة التى عشقتها منذ أن وقع بصرى عليها هى أنتِ.. فمنذ أن رأيتكِ بمنزلي ذلك اليوم قررتُ ألا أدعكِ تكوني لرجل أخر سواى.. قررت أنكِ ملكي أنا وحدي وأننى سأفعل المستحيل لتكوني لي.. حتى لو كان هذا ضد رغبتكِ.. أنتِ فقط من أردتها ولازلت أريدها.. أنتِ فقط من أريد أن أقضى عمري كله معها وأن أشيب بجوارها.. "

توقفت أنفاسي عن الشهيق والزفير وراح قلبي يركض بجنون.. وتشابكت نظراتنا لبرهة من الزمن..
كانت نظراته راجية ونادمة.. وكانت نظراتي حائرة ما بين التصديق والتكذيب..
ويبدو أنه قد أدرك حيرتي فقال :
" رجاء سامحيني وأعدكِ أننى سأعوضكِ عن كل دمعة ذرفتِها وعن كل لحظة حزن تسببتُ بها.. أنا حقاً نادم لأننى لم أكن صريح معكِ ولم أشرككِ معي فى الأمر.. أرجوكِ سامحيني.. فقط سامحيني.. "


شعرت بغصة بحلقى وبقبضة مؤلمة بقلبي.. ووقفت أمامه تائهة.. وقد غرقت فى جحيم أفكاري اللانهائية وغياهب حيرتي..
كم أنا راغبة فى مسامحتكَ ونسيان ما مضى.. أريد ذلك فعلاً أكثر من أى شئ أخر.. ولكن.. هل يمكنني ذلك..؟
هل استطيع نسيان الماضى وبدء حياة جديدة..؟ أم أن الماضى الأليم سيظل يلاحقني وسيقف حيال سعادتي..؟
كان بداخلي شئ ما يحثني على الانصراف ويؤكد لي استحالة النسيان وصعوبة مسامحته..
ورغم مقاومتي له غير أننى استجبتُ له وقلت أخيراً :
" فات أوان ذلك.. "

واستدرت عازمة على العودة إلى منزلي..
خطوت خطوتين مبتعدة عنه.. وقبل أن أخطو الثالثة توقفت قدميّ عن السير.. وثقلتا فجأة.. وباءت كل محاولاتي للسير بالفشل..
ألتفتُ قليلاً إلى معاذ فوجدته لازال واقفاً على نفس الوضع يرقبني بنظرات تفيض حباً وشوقاً.. وتبرق بالأمل !
وراح ذلك السؤال يتردد بعقلي : " هل يمكنني الصفح عنه ونسيان الماضي ؟ "

~ ~ ~ ~ ~


تتبع




الجُودْ ؛ 19-07-12 06:30 AM






( الخاتمة )


فى هذا الصباح الجميل.. وفى هذا الطقس الدافئ من فصل الربيع تألقت زهور الياسمين والفل تحت أشعة الشمس وفاح أريجها العطر ليملأ الأجواء.. وراحت العصافير تطير فى الهواء وتتنقل من غصن إلى أخر فى سعادة وبهجة لتطربنا بصوتها الجميل..
ومثل هذا الطقس لا استطع مقاومته عادة ؛ لذا فقد جلست فى حديقة منزلي مُريحاً ظهري على ذلك المقعد القماشي المريح وأسندت رأسى إلى زراعي المعقودين خلفها ثم أغمضت عينىّ عن كل شئ وأطلقت عنان أفكاري..
بالأمس فقط ودعت الماضي التعس والألم والعذاب.. من اليوم فصاعدا سأكون شخصاً أخر مختلف عن معاذ الذى تعرفتم عليه قبل ذلك..
من اليوم سأجبر أى ذكري حزينة على مغادرة رأسي والتحكم فى مسار حياتي والوقوف حيال سعادتي.. من اليوم سأصير سعيداً.. ومن اليوم لا تولان ولا ميار.. فقط ستنحصر كل حياتي فى فتاة واحدة.. هى فى نظرى أجمل وأرق فتاة فى العالم.. وهى وحدها تكفيني..
تعرفون من أقصد أليس كذلك ؟
أجل.. حبيبتــى أروى.. الفتاة الوحيدة التى أحببتها وسأظل أحبها طالما بي عرق ينبض بالحياة..
ابتسمت بسعادة لدى تذكري أياها وفتحت عينىّ لأراها تغادر المنزل حاملة مع صينية تحوى طعاماً وتتجه بها نحوى..
نهضت على الفور من مكاني وسارعت بتناول الصينية منها ، ووضعتها على الطاولة أمامي ثم نظرت إلى الأصناف العديدة التى تزخر بها وقلت :
" هل أعددتِ كل هذا بنفسكِ ؟ "

قالت باسمة :
" أجل.. أعددت كل شئ بنفسي.. لأثبت لكَ أننى سيدة منزل رائعة.."

وأضافت مازحة :
" ولو أنك تركت خادم واحد بالمنزل لكان الأمر أسهل علىّ كثيراً.. "

قلت :
" لا أريد لأحد بأن يشاركني فى زوجتي الجميلة.. إننى لم أكد أصدق أنها سامحتني أخيراً وعادت إلىّ.."

ابتسمت وتوردت وجنتاها خجلاً ، وهبت نسمة هواء حركت خصلات شعرها الطويل فبدت كلوحة رائعة..
دققت النظر إليها وابتسمت بدوري.. أهذه الفتاة الجميلة التى تجلس أمامي هى زوجتي ؟
كم أنا شخص محظوظ !
لقد لعبت الأقدار دورها معي.. وألقت بي يميناً ويساراً وأسفل وأعلى حتى كدت أفقد الأمل فى الحصول على أكثر ما تمنيته فى هذه الحياة.. على زوجة محبة ومخلصة ومتسامحة.. وها قد حصلت على أكثر مما تمنيت.. الحمد لله..
تناولنا فطورنا الذى أعدته أروى.. وكان الطعام لذيذاً للغاية..
وحينما انتهينا من تناول الطعام حثثت أروى على التحضر لنزهة طويلة.. وفى الواقع كانت مجرد خدعة لكى تأتي معي.. وما كدنا نستقل السيارة حتى ذهبت رأساً إلى المطار.. مما جعل أروى تتعجب كثيراً..
وقالت فى عجب :
" هل ستعود سالي اليوم من شهر العسل ؟ لقد سافرت بالأمس فقط !"

قلت :
" بل نحن من سيذهب إليها.. "

تفاجئت وقالت :
" كيف ؟! لسنا مستعدين للسفر وليس معنا ثياب.. أو حتى جوزات للسفر.. "

أخرجت من جيب سترتي جوزات السفر الخاصة بنا وقلت :
" ها هى الجوزات.. وكل ما نحتاج إليه من ثياب فى الحقيبة الخلفية.. "

اتسعت عينيها فى دهشة وهتفت باسمة :
" أيها الخبيث ! لقد أعددت لكل شئ.. "

وصمتت لبرهة ثم قالت بسعادة بالغة وحماس :
" سأذهب إلى باريس للمرة الثانية.. ما أجملها من مفاجأة ! "

ابتسمت وقلت :
" اليوم سيبدأ شهر عسلنا الحقيقى.. بل من اليوم فصاعدا ستكون كل أيامنا كذلك.. وسنمضى معاً عمرنا بأكمله لنتقاسم ونتشارك كل شئ.. ومعاً سنعثر على أبني ليربى وسط أبنائنا.."

وأمسكت بإحدي يديها وضممتها إلى صدري ثم تابعت :
" أعدكِ بأن حياتنا ستكون أجمل.. وبأن الأيام التالية ستكون زاخرة بالأحداث السعيدة.. سأعوضكِ عن كل ما سبق وعن كل الأحزان التى مررنا بها.. وطالما بصدري نفس يدخل ويخرج سأعمل على راحتكِ وسعادتكِ.. وطالما قلبي يخفق بالحياة سأظل أحبكِ.. وستظلين أنتِ ملكي وحدي.. وأنا ملككِ وحدكِ.. وإلى الأبد.. "

~ ~ ~ ~ ~


تمــــــــــــت


،

،


وأخيراً خلصنا من أنتِ ملكي وحدي

يااارب النهاية تكون عجبتكم





,,,,,,,





تمّت

لـ الكاتبه :: أم سآجد ,

lily12 07-08-12 03:24 AM

thank youuuuuuuuuuuuuuuuuuuuu

وردة الحمراء 21-09-12 06:20 AM

جميلة الرواية شكرا كثيرااااااااااااااااااااااا

aiv 07-02-13 03:46 AM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
روااااااااااااااااااية تجنن وجامدة قووووووووووووووي

القلب الحرالناعم 08-05-13 01:54 AM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
ميييييييييييرسيييييييييييييي

نجمة ساطعة 05-08-13 03:02 PM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
مشكوووووووووووووووووووووووووووووورة والله يعطيكي العااااااااافية

العمر الماضى 06-08-13 05:22 PM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
شكرا على القصة ياجميل استمتعت بها شكرا للمرة التانية

lossil 09-08-13 05:54 PM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
الرواية بصراحة جميلة جدا بس ياارت لو كنت رجعت أحمد وموتي تولان مثلا في حادثة سيارة ههههههههههههه،...كرهتها وكان نفسي فنهاية ليها سم زيها......هههههههههههه ،

محمود وسالي كنت أتمنى يحبو بعض شوية على رواق قبل ما يتجوزو،....يالله خير،....مبروك حبيبتي نهاية رائعتك وعقبال المزيد وموفقة يااارب.

Hagar Ali 25-08-16 10:04 AM

روايه رااااااااااااااااائعه ابدعتى

fatma m on 26-02-17 06:58 PM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
رررررررررررررررررررررررروععععععععه

نور ضاوي 29-07-19 02:24 PM

رد: أنت ملكي وحدي ..
 
رواية رائعة جدا ام ساجدة امتعتينا

دمعة الغزال 02-09-19 10:22 PM

شكراًكتيركتير


الساعة الآن 10:41 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية