منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   36_رمال في الاصابع _فلوراكيد _روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t151212.html)

اماريج 14-11-10 01:15 AM

36_رمال في الاصابع _فلوراكيد _روايات عبير القديمة ( كاملة )
 


مساء الورد الفل والياسمين على الحلوين:flowers2:
راح انزل اليوم رواية حلوة كتيرر ورووعة هي من روايات عبير القديمة
وكلي امل تنال اااااااااااااااعجابكم ياحلوين
:flowers2:
للامانة الرواية منقولة

اسم الرواية :رمال في الاصابع
اسم الكاتبة:فلورا كيد

الملخص

يعيش الأنسان حياته يتساءل أهو مسير أم مخير ؟ كالسفينة تتلاعب بأشرعتها رياح الأقدار , ديليا الجميلة ضرب لها القدر موعدا مع الحب , أعتقدت أن سعادتها ستدوم , ولم تكن تعلم أن عذابها سيكون طويلا ومريرا
وسيتركها حبيبها الدكتور الثري أدموند بعد أشهر من زواجهما ليسافر في بعثة طبية بحثا عن الأمراض الأستوائية , ألا أن يد القدر تدخلت مرة ثانية لتسقط الطائرة في أدغال البرازيل قبل أن تخبره ديليا بأنها حامل ...

منتديات ليلاس
ترى هل تتدخل الأقدار من جديد لتجمع بين القلبين صدفة كما فعلت في السابق؟ وهل تقبل ديليا الزواج من بيتر صديق زوجها الذي سبّب فراقهما , أم تبحث عن أدموند في مناطق منعزلة وبدائية تقطنها قبائل متوحشة معرضة حياتها للخطر والمرض؟

:liilas:
قراءة ممتعة للجميع


اماريج 14-11-10 01:17 AM


1- فراق الأصابع

أقتربت السيارة السبور الخضراء من المنزل الريفي , وقال بريان كولينز وهو يقف بها خلف سيارة بيضاء جاغوار:
" يبدو أن خالتك وعمك لديهما زائر".
فردّت ديليا الجالسة في المقعد الخلفي :
" ربما يكون أحد من الجامعة , أو ربما يكون أحد طلبة العم روي , لقد سمعته يقول أن أحدهم يقوم بزيارة في الوقت الحاضر لأحدى الضواحي القريبة , وأنه قد يأتي للزيارة في عطلة نهاية الأسبوع ".
منتديات ليلاس
وألتقطت ديليا مضرب التنس الخاص بها وحقيبتها الرياضية , ونزلت من السيارة وهي تقول:
" شكرا يا برايان لتوصيلي بالسيارة".
وسألتها سومارتن الجالسة في تامقعد الأمامي الى جانب برايان :
" ألن نراك في المساء؟ سنذهب جميعا الى أحد الملاهي الذي أفتتح حديثا وأعتقد أنه رائع , هل ترغبين في الذهاب معنا؟".

وقفت ديليا خارج السيارة تنظر الى برايان وسو وقد بدا عليها التردد أنها حقا ترغب في الذهاب معهما , ولكنها تشعر بالحرج لأنها الفتاة الوحيدة في المجموعة التي تخرج بدون رفيق.
وردّت ديليا قائلة وهي تبتسم:
" شكرا للدعوة ولكنني أعتقد أنه من الأفضل البقاء في المنزل للترحيب بالزائر".

فقالت سو تستحثها الذهاب معهما :
" تعالي معنا , فربما يكون هذا الزائر رجلا مسنا جاء ليقضي عطلة نهاية الأسبوع مع العم روي , أو ربما كان متزوجا ولديه أطفال وستشعرين بالملل وأنت تجلسين معه".
فأجابت ديليا ضاحكة:
" سأجرب حظي ... في أي حال سأراكما الشهر القادم عندما أحضر لقضاء أجازتي".
وأنطلقت السيارة , ووقفت ديليا تراقبها وهي تبتعد وعلى وجهها أبتسامة. ثم أتجهت الى الباب الأمامي للمنزل وقد تدلّت حقيبتها الرياضية من كتفها.
كانت ديليا ترتدي زيا قصيرا للتنس أظهر رشاقتها ودقّة تكوينها , وكان شعرها البني الداكن يلمع تحت أشعة الشمس وهو ينسدل على كتفها.

وسمعت ديليا صوت خالتها وهي تتحدث مع أحد الأشخاص في البهو, ففضّلت التوجه اليها قبل الذهاب الى غرفتها.
أعتادت ديليا على حضور أصدقاء خالتها مارشا وزوجها العم روي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معهما.
وكان معظمهم من أساتذة الجامعة الواقعة بالقرب منهم , حيث كان العم روي يعمل كأستاذ لعلم وظائف الأعضاء في كلية الطب , وتعمل زوجته مارشا مدرسة لعلم الأجتماع في قسم العلوم الأجتماعية.
منتديات ليلاس
دفعت ديليا باب البهو برفق , ونظرت الى الداخل ثم تسمرت في مكانها وهي تحملق في الزائر الجالس على الأريكة.
كان يبدو في الثلاثينات من عمره , يرتدي سروالا وقميصا من اللون الأزرق الداكن, وقد فتح القميص من الأمام الى منتصف صدره تقريبا , وبدا وجهه نحيفا وحليقا لوّحته الشمس ليصطبغ باللون البرونزي الجذاب , وبدت جبهته عريضة ووجنتاه بارزتين , أما أنفه فكان طويلا مستقيما.



اماريج 14-11-10 01:19 AM

كانت مارشا تجلس في مواجهته وهي تتحدث اليه في حماس , والعم روي يجلس في مقعده كالمعتاد يهز رأسه بين آونة وأخرى مستمعا الى حديث زوجته .
أما الضيف فلم يبد عليه أنه ينصت الى حديث مارشا وظهر الملل واضحا على وجهه وهو ينظر الى الكأس التي يمسك بها , ووجهت اليه مارشا أحد الأسئلة , فلم يرد الضيف فورا , بل صمت قليلا ثم نظر الى أعلى.
منتديات ليلاس
ورأت ديليا عينيه الزرقاوين تبرقان تحت رموشه الكثيفة , وكتمت ضحكة كادت تفلت منها , فكان من الواضح أنه لم يسمع حتى السؤال الذي وجه اليه .
وبدا عليه الأرتباك للحظة , ولكن سرعان ما أرتسمت أبتسامة على شفتيه فبدا وجهه جذابا , وشعرت ديليا بما يشبه الدوار وهي تنظر اليه
وقال الرجل موجها كلامه الى مارشا في صوت عميق هادىء:
" من الطبيعي أنني أتفق معك يا سيدة هالتون , أن الغابة ليست مكانا مناسبا لفتاة أعتادت الحياة السهلة".

وضحك روي هالتون بصوت عال وهو يقول:
" ما أبرعك يا أدموند , كنت أعتقد دائما أنك لم تختر المهنة المناسبة لك , وأنك تصلح لأن تكون دبلوماسيا وليس طبيبا".
أستمرت مارشا في حديثها , ورفع الرجل كأسه الى فمه ولكنه أنتبه لوجود ديليا داخل الغرفة , فأنزل يده بالكأس وألتفت اليها , تلاحقت أنفاسها عندما ألتقت نظراتهما , شعرت كأن قوة مغناطيسية تجذبها اليه .

قام روي وهو يقول:
" أهلا... ها قد حضرت أخيرا يا عزيزتي".
ونهض الضيف ووقف في تأدب والعم روي يقدمه الى ديليا التي رحّبت به , وقد تولاها شعور مفاجىء بالخجل, حيث جلست الى جانب مارشا.
قال روي موجها حديثه الى ديليا:
" أدموند تالبوت , كان أبرز طلبتي منذ عدة سنين".
ونهضت مارشا عن مقعدها وهي تسأله:
" هل تريد كأسا أخرى يا أدموند؟".

وأتجهت الى أدموند حيث أخذت كأسه الفارغة , ثم عادت تحمل اليه كأسا أخرى , جلست الى جواره على الأريكة ومالت الى الأمام ناحيته لتناوله الكأس فكشف الثوب عن جزء كبير من صدرها .
تجهّم وجه ديليا , لأنها تفهم مارشا جيدا , وتعرف أنها تحب التودد وأغراء الرجال , وخاصة الشباب منهم.
كانت مارشا تجد الحياة مع زوجها الذي يكبرها بحوالي عشرين عاما مملة , ولذلك فأنها تعمد بين آونة وأخرى الى أنعاش حياتها بأقامة علاقات مع رجال آخرين.
منتديات ليلاس
ولم يخامر ديليا أدنى شك في أن خالتها كانت ترى في أدموند شخصا مناسبا.
وبينما كان يدور الحديث حول الأمراض الأستوائية التي يهتم بها أدموند
ألتفت الى مارشا يسألها فجأة:
" هل يمكن السباحة في أمان على الشاطىء القريب من منزلكم؟".
فردّمارشا مبتسمة:
" بالطبع ,هل تحب السباحة يا أدموند؟".
" نعم , ألى درجة كبيرة وخاصة في البحر , هل تسمحين لي بالذهاب الى الشاطىء الآن؟".



اماريج 14-11-10 01:20 AM

ورد روي بحماس:
" بالطبع يا أدموند يمكنك ذلك , وأعتبر نفسك في منزلك, ديليا ستصحبك الى الشاطىء الذي لا يبعد كثيرا عن هنا".

وقالت مارشا وهي تقف:
" أعتقد أنك تريد أن تبدّل ثيابك ,. تعال معي لأريك الغرفة وستنتظرك ديليا عند الباب الأمامي".
وتبع أدموند مارشا , وصعدت ديليا الى غرفتها لترتدي ملابس الأستحمام في دقائق أسرعت بعدها الى أسفل, وفي طريقها الى البهو , مرّت بغرفة الأستقبال فسمعت صوت خالتها مارشا تتحدث مع أدموند , وشعرت ديليا بضيق في دخول مارشا الى الغرفة مع الضيف.
منتديات ليلاس
أنتظرت ديليا خروج أدموند ما يقرب من عشرين دقيقة , ثم سارت معه في الطريق الضيق الذي تحف به الصخور بأتجاه الشاطىء.
وما أن وصلا حتى ألقى أدموند بمنشفته فوق الرمال , وخلع ملابسه بدون الأهتمام بوجودها معه , وأنطلق ليلقي بنفسه في الماء.
تبعته ديليا وهي تشعر بالأستياء لأنه لم ينتظرها , وكان أدموند سباحا ماهرا, حاولت ديليا مجاراته في السباحة لتثبت له أنها ليست أقل منه مهارة , ولكنه أستمر في تجاهل وجودها الى جانبه , فخرجت من الماء , وجلست على الرمال تراقبه.

وبعد فترة خرج أدموند من المياه , وألقى بنفسه فوق منشفته أمامها , وقال وهو ينفض المياه عن شعره:
" أشعر بتحسن الآن , خالتك قدّمت لي شرابا قويا وأنا غير معتاد على تناول هذا النوع , وبدأت بالفعل أفقد أتزاني وأنا أجلس في المنزل".
ثم نظر اليها قائلا:
"أذا فأنت أبنة فرانك فيتويك , أكاد لا أصدق ذلك !".
فسألته بأندهاش شديد:
" لماذا؟".
" لأنني لم أتصور أبدا أن فرانك يتزوج , فما بالك بأن يكون له أولاد".
" هل قابلته؟".

" نعم , حضرت عددا من المحاضرات التي ألقاها منذ عشر سنوات , حول ضرورة حماية الشعوب البدائية , والقبائل التي تعيش في المناطق المتطرفة في أندونيسيا وجنوب أميكا , وقد تأثرت بهذه المحاضرات الى درجة دفعتني للتخصص في الطب الأستوائي بعد تخرجي , حتى يمكنني مساعدة هذه الشعوب".
" وهل تمكنت بالفعل من زيارة هذه الشعوب؟".
" نعم , وقد رجعت لتوي من أفريقيا , حيث كنت أعمل لحساب أحدى منظمات الصحة العالمية".

" ومتى تعود الى هناك مرة أخرى؟".
" أذا طلب مني ذلك , أو عندما أشعر بالرغبة في العودة, أما الآن فكل ما أريده هو قضاء فترة طيبة حيث أقيم في لندن".
ثم نظر اليها أدموند نظرة ذات معنى , وهو يضيف:
" وأفضل أن أقضي هذا الوقت مع فتاة جذابة , ما رأيك في ذلك؟".
منتديات ليلاس
ودون أن ينتظر ردها أنقلب أدموند من جديد ليستلقي على ظهره , وكان الشاطىء في ذلك الوقت مهجورا تقريبا , ولم يكن يسمع سوى صوت أرتطام الأمواج الخفيف بالشاطىء , وأصوات طيور النورس.
وأصطبغ وجه ديليا بالدماء وهي تستمع الى ما قاله أدموند , وأخذت تعبث بالرمال وهي لا تدري بماذا تجيبه , كانت ترغب بالفعل في أن تكون هذه الفتاة الجذابة التي يرغب في صحبتها , ولكنها كانت تشعر بخجل , ولم تكن قد مرّت بتجارب مماثلة من قبل , ففضّلت ألا تظهر لهفتها على قبول دعوته
فتجاهلت أقتراحه وسألته:
" هل تعتقد أن خالتي مارشا جذابة؟".

نظرت ديليا اليه بطرف عينها تتفحص صدره العاري وقد ألتصقت به بعض حبات الرمل , وشعرت لأول مرة بأن حواسها تتيقظ.
أجابها أدموند بطريقة دبلوماسية:
" أن مارشا تبدو في مظهر رائع بالنسبة لعمرها".
فقالت ديليا :
" أنها تبلغ الحادية والأربعين من عمرها تقريبا ".
" هذا يعني أنها تكبرني بعشر سنوات , وأنت كم عمرك؟".
" أنني أبلغ الواحدة والعشرين".
فقال أدموند بلهجة ساخرة:
" الحمد لله , أعتقدت أنك ما زلت تلميذة صغيرة في المدرسة".



اماريج 14-11-10 01:21 AM

فردّت ديليا في تهكم:
" ربما كنت تفضل من هنّ أكبر سنا".
كانت ديليا تدرك أنها تقوم بلعبة خطرة , ولكنها كانت تتوق الى معرفة ما حدث بين مارشا وأدموند عندما صحبته الى غرفته.
وقال أدموند في صوت ضاحك وكأنه يجد الأمر مسليا:
" أعترف أنه في بعض الأحيان تعوّض خبرة المرأة في أرضاء الرجل عن أفتقارها الى الشباب".
" وهل أرضتك خالتي مارشا عندما صحبتك الى غرفتك؟ لقد سمعتها تتحدث معك داخل الغرفة".
منتديات ليلاس
ولم يرد أدموند على تساؤلها , ولكنها فوجئت به يعتدل أمامها , ثم أمسك وجهها بيديه , وأداره ناحيته
ونظر اليها وقد بدت نظرة تساؤل في عينيه الزرقاوين وهو يقول:
" ما الذي تحاولين الوصول اليه؟".
وشعرت ديليا بدقات قلبها تتسارع , لكنها تماسكت وواجهت نظراته, وقالت في لهجة حاولت أن تبدو باردة:
" أنها معجبة بك , وأعتقد أنها تريد أن تقيم علاقة معك , ولست أول شاب تفعل معه ذلك , رأيتها تفعل ذلك من قبل , وقد قدّمت لك شرابا قويا لتسلبك أرادتك ولتنفذ لها رغباتها عندما صحبتك الى غرفتك".

فرد أدموند في لهجة عنيفة جعلتها تتوقف عن الكلام:
" هذا يكفي!".
وأضاف في لهجة هادئة وهو يمر بأصابعه على وجنتها ثم شعرها المبلل :
" لم يحدث شيء بيني وبين خالتك عندما صحبتني الى الغرفة فأنا لست شابا قليل الخبرة بأساليب النساء , أو غير قادر على مقاومة أغراء أمرأة تحاول الأيقاع بي , أنني أنصحك بألا تتمادي في هذه التخيلات حتى لا تجرّي على نفسك المتاعب , هل تشعرين بالغيرة يا قطتي الصغيرة؟".
فردّت ديليا في نبرة أحتجاج:
" أنا لا أغار".

وحاولت الأبتعاد عنه , ولكنها لم تتمكن فقد كان يمسك شعرها بقوة!
وأستطرد أدموند يسألها:
" أذا كنت لا تشعرين بالغيرة كما تقولين , فلماذا أذا تهتمين بما حدث بيني وبين مارشا؟".
" أنني ... أنني لا أحب أن أراها تتصرف بهذه الطريقة أمام العم روي , فأنه يعاملها معاملة حسنة".
فقال أدموند في تحد:
" هل أنت واثقة أنه السبب الحقيقي؟ أليس صحيحا أنك لم تتحملي فكرة وجودها معي لأنك تريدين أن تكوني مكانها؟".

أجتاح الغضب ديليا لأنه أكتشف الحقيقة التي حاولت أن تخفيها وقالت:
"لا , ليس هذا صحيحا , كم أنت مغرور لتعتقد ذلك".
وشعرت ديليا بأنه يسخر منها , فرفعت يدها لتصفعه على وجهه , ولكنها لم تتمكن من ذلك
وعندما حاولت الأبتعاد عنه صرخت من الألم لأنه كان ممسكا بشعرها وصاحت قائلة:
" دعني أذهب .... أرجوك دعني أذهب".
" الان وقد أمسكت بك , فلا أريد أن أتركك أيتها الحورية".
ثم أقترب منها وهو يهمس قائلا:
" أن رائحة البحر تفوح منك ".
" وأنت تفوح منك رائحة الشراب!".

فضحك أدموند وأقترب بشفتيه من وجنتها وهو يهمس قائلا:
" ربما يكون ذلك , ولكنني أجدك أروع من أي شراب تقدمه ألي مارشا!".
ولمس وجنتها بشفتيه وهو يضمها بين ذراعيه بقوة.
حاولت ديليا التخلص منه وهي تحرك رأسها بعيدا عنه , ولكن مقاومتها له أشعلت رغباته , فأمسك برأسها بقوة ودفعها الى الخلف لتستلقي على الرمال وهو يعانقها بعنف.
منتديات ليلاس
ووجدت ديليا نفسها تستكين لدفئه , فأغمضت عينيها ولم تعد تشعر بشيء من حولها.
وبدأت شفتاها ترتعشان , ومدّت يدها لتتخلل بأصابعها شعره المبتل , وأطراف كتفيه.
وشعرت به يسترخي بين ذراعيها وهو يمر بشفتيه على جلدها هامسا:
" أنك جميلة".
ثم رفع نظره لينظر في عينيها
وهو يضيف:
" وأنت رقيقة ولطيفة مثل نسيم الربيع , عيناك خضراوان وجميلتان فكيف يمكن لأي شخص أن ينظر الى مارشا في وجودك؟ والآن هل ألقاك مرة أخرى؟ هل ستحضرين الى لندن لرؤيتي؟".



اماريج 14-11-10 01:22 AM

شعرت ديليا بالسعادة تغمرها وهي تفكر في الرجل الجذاب الذي دخل حياتها , فقالت وهي تمر بأصابعها على شفتيه:
" أنني أقيم في لندن حيث أعمل".
" حسنا , هذا يعني أننا سنلتقي كل يوم , أين تعملين؟".
" أعمل في أحدى شركات النشر , في مجلة الجغرافيا المصورة".
" وأين تقيمين؟".
" أقيم مع أحدى صديقاتي في كنسنغتون".
" وهل تبعد كثيرا عن نايتس بريدج؟".
" لا , ليس كثيرا و لكن لماذا؟".
منتديات ليلاس
" أقيم في شقة مفروشة لأحد أصدقائي في نايتس بريدج فهو يقضي عطلته لمدة ستة أسابيع في البحر المتوسط , أنا سعيد لأنها لا تبعد كثيرا عن مكان أقامتك , أليس لك أقارب غير مارشا؟".
" لا , فهي الشقيقة الصغرى لوالدتي التي توفيت وأنا في الثانية عشرة من عمري, ولما كان أبي يتغيّب كثيرا , فقد أرسلني الى أحدى المدارس الداخلية القريبة من هنا , أحضر الى منزل خالتي دائما في الأجازات , لا بد أنك سمعت بما حدث لوالدي الذي قتل في حادث سقوط طائرة في أثيوبيا منذ خمس سنوات".
" نعم , قرأت عن الحادث".
" وأنت , هل لديك عائلة؟".

فأجاب أدموند في تحفظ شديد:
" مات أبي منذ بضع سنوات , أما والدتي فتزوجت بعد وفاته وتقيم في أيطاليا".
" أليست لك أخوات أو أخوة؟".
" لا , ولكن يوجد العشرات من الأقارب".
ثم قبّلها في أنفها
وهو يقول:
" هل يمكنني أصطحابك في سيارتي الى لندن غدا , أريد أن نتقابل بعيدا عن خالتك التي تقف الآن تراقبنا من خلال المنظار المكبّر؟".

وأنتفضت ديليا واقفة , وألتفتت ناحية المنزل , فلمحت خالتها تقف في أحدى النوافذ العلوية وقد وضعت أمام عينيها منظار العم روي المكبّر.
وفي المساء أتجهت ديليا الى فراشها وهي تشعر أنها تعيش في حلم جميل , وبينما كانت تستعد للنوم , دخلت مارشا الى الغرفة
وقالت:
" يبدو أن الأمور تسير على ما يرام بينك وبين أدموند , وكل ما أرجوه ألا يغرّك أهتمامه المفاجىء بك , وتندفعي وراء عواطفك".
" هل تظنين ذلك حقا؟".

فتقدمت مارشا وجلست على حافة السرير قائلة:
" حاولت منذ وفاة والدتك أن أعوّضك عنها وأرشدك الى ما فيه مصلحتك ,. ولكن ربما لم أكن صريحة معك بالنسبة لبعض المسائل".
فقالت ديليا ضاحكة:
" أذا كنت تقصدين أنك لم تحدثيني عن حقائق الحياة , فأن هذا صحيح ,ولكن هذا لا يهم , فأنني أعرف هذه الحقائق ويمكنني المحافظة على نفسي".

فتنهدت مارشا وهي تقول:
"أعرف ذلك يا عزيزتي , ولكنك ما زلت تجهلين الناس , ويمكنك أرتكاب خطأ فظيع مع هذا الطبيب , أنه ليس كما يبدو لك , فهو يخفي تحت هذا المظهر الدافىء برودة وخشونة".
وشعرت ديليا بالغضب فأندفعت قائلة:
" تقولين هذا فقط لأنك لم تتمكني من التأثير عليه , وليس معنى فشلك أنه شخص سيء !".

ولمع الغضب في عيني مارشا وه تقول في لهجة باردة:
" لا أعرف عما تتحدثين ؟ أنني أحاول أن أوضح لك أن أدموند من الطراز الذي يفضّل عمله على أية فتاة في العالم , كما أنه يفضل الحياة البدائية والذهاب الى الأحراش والعيش مع القبائل , وأنا لا أعتقد أنك تريدين التورط مع رجل من هذا الطراز".
فقالت ديليا في لهجة حالمة:
" أنا لا يهمني من يكون أدموند أو ماذا يفعل , المهم أنه يعجبني , وغدا سأذهب معه الى لندن حيث يمكننا أن نلتقي كل يوم".
وأنتفضت مارشا واقفة , وأتجهت نحو الباب , ثم ألتفتت الى ديليا وقالت في حدّة:
" أنك غبية مثل والدتك تماما , وستندمين يوما لأنك لم تستمعي الى نصيحتي وعندما يحدث ذلك , أرجو ألا تسرعي بالحضور اليّ طلبا للمساعدة".
منتديات ليلاس
وتجاهلت ديليا تحذيرات خالتها , فقد كانت مقتنعة بأنها هاجمت أدموند لأنه لم يخضع لرغباتها وبعد عودتها ال لندن كانت تقضي كل أوقات فراغها مع أدموند
وكان قد أنقضى أسبوع عندما كانت تجلس الى جانبه في شقة صديقه حيث أعترفت له بأنها تحبه.
فهمس في أذنها:
"أذن ستقضين الليل معي هنا".
وعلى الرغم من أن ديليا كانت تتلهف الى ذلك بكل ذرّة في كيانها الا أنها قالت:
" أنني ... أنني ... لا أستطيع".
فسألها أدموند وهو يقبلها في عنقها:
" ولكن... لماذا؟".



اماريج 14-11-10 01:23 AM


" لا أدري .. أن شيئا داخلي يمنعني من ذلك".
فأنتفض أدموند واقفا وأتجه الى النافذة وهو يقول في غضب:
" أذا كنت تكذبين عندما أعترفت لي بحبك".
فصاحت ديليا قائلة:
"لا , ليس هذا صحيحا , أنني أحبك. ولكنني لا أستطيع البقاء معك , لا أستطيع العيش معك ألا .. ألا".
فقاطعها أدموند قائلا:
" ألا بعد أن تضعي خاتما حول أصبعك , ويصبح من حقك أستخدام أسمي , أليس كذلك؟".
منتديات ليلاس
وشعرت ديليا بأنه مستاء منها , ولما لم يكن بمقدورها أن تلبي طلبه
وقفت وأتجهت الى حيث وضعت حقيبتها فأخذتها ثم قالت وهي تتجه الى الباب:
" أذا .. أذا .... كنت تحبني فعلا كما أحبك , كان يجب أن تطلب مني الزواج أولا".
ولكن أدموند سبقها الى الباب
وأستند اليه بظهره وهو يسألها في هدوء:
"الى أين تذهبين؟".
فأنفجرت في البكاء وهي تقول:
" لا أدري!".

فتقدم نحوها وأمسك بوجهها بين يديه
وأخذ ينظر اليها مليا ثم أبتسم وهو يقول:
" حسنا... سأفعل ما تريدين يا حبيبتي ... سنتزوج في أسرع وقت وفي هدوء تام , لأنني أريدك أن تعيشي معي هنا".

فأندفعت ديليا بين أحضانه وظلا متلاصقين لفترة كطفلين صغيرين خائفين من الظلام ثم همس أدموند وهو يقبّلها في شعرها:
" لا أدري ما حدث لي , أن حبي لك وحاجتي الى وجودك قد أفقداني صوابي , ولم أعد أعرف ما أفعله, لقد وقفت بيني وبين عقلي".
وعجبت ديليا بينها وبين نفسها لهذه الجملة الأخيرة , ولكنها لم تحاول الأستفسار منه عما يعني ذلك , فقد ألهتها السعادة التي كانت تشعر بها في تلك اللحظة عن التفكير في أي شيء آخر.

وتمّ الزواج في هدوء... وتركت ديليا صديقتها لتعيش مع أدموند في شقة صديقه الى أن يتمكنا من العثور على شقة خاصة بهما , ومضى أسبوعان على زواجهما , كانت ديليا تشعر خلالهما بسعادة غامرة , فقد أثبتت لها الأيام أن أدموند هو أمير أحلامها , وقد منحها من الحب ما كانت تتوق اليه.
وكان متفهما تماما لرغباتها ومشاعرها التي كانت تمنحها له بسخاء , ولم يكن بدوره يحاول أن يأخذ من أحاسيسها أكثر مما كانت ترغب في منحه له.

وفي اليوم الذي كان مقررا أن يعود فيه بيتر مانسون الى شقته , توجه أدموند الى جامعة أكسفورد لحضور أجتماع لأحدى منظمات الصحة.
وبينما كانت ديليا تحزم الأمتعة أستعدادا للرحيل سمعت الباب يفتح, فأعتقدت أنه أدموند ولكنها فوجئت بشاب في مثل عمر زوجها , طويل القامة أسود الشعر , لطيف المظهر , ودهش بدوره لرؤية ديليا التي أسرعت تشرح له سبب وجودها في شقته.
وفغر الشاب فاه دهشة
ثم صاح قائلا:
" أدموند يتزوج! لا ليس معقولا , أنني لا أصدق ذلك!".
وبعد أن أفاق من دهشته , أمسك بشاربه يعبث به وقد بدا عليه التفكير ثم قال:
" تعالي الآن ... لا داعي لأن تكذبي عليّ , فأنني أعرف أدموند جيدا , وأعرف أنه لا يفكر في الزواج على الأطلاق , في أي حال لست مستاء لوجودك معه في شقتي, كنت أتوقع شيئا من هذا القبيل".
فقاطعته ديليا في أحتجاج:
" ولكننا لسنا... كما تعتقد".
منتديات ليلاس
ثم رفعت يدها اليسرى ليرى خاتم الزواج يلمع في أصبعها وهي تقول:
" هل أقتنعت الآن بصدق كلامي؟".
وظهرت على بيتر الدهشة الشديدة , وأخذ يعبث بشعره وهو ينظر اليها بعينين بدت فيهما الحيرة
ثم قال بصوت خافت:
" يا ألهي!".
ثم جلس فجأة على أحد المقاعد وهو يضيف:
" أعذريني , ولكنني مندهش للغاية , فأن أدموند لا يهتم بشيء في الحياة سوى بالطب الأستوائي , كم مر على زواجكما؟".
" ستة أسابيع".
فأنتفض بيتر واقفا , وهو يقول:
" يا ألهي...".



اماريج 14-11-10 01:26 AM

ثم وضع يديه في جيبه , وأخذ يسير في الغرفة جيئة وذهابا , وهو يقول:
" لن يدهشني أن أعلم أنك لم تعرفي عنه شيئا على الأطلاق".
فرفعت ديليا وجهها اليه فيما يشبه التحدي وهي تقول:
" أنني أعرف عنه كل ما يهمني معرفته , أعرف عمره وكل ما يحب أن يفعله , ماذا أريد أكثر من ذلك؟ أنني أحبه... وهذا يكفيني".
" أنت عاطفية , هيه , أذا لم يخبرك أدموند".
ثم توقف بيتر عن الحديث , وبدأ يسير في الغرفة من جديد
فسألته ديليا في قلق بالغ:
" لم يخبرني بماذا؟".

" لم يخبرك بأنه ورث عن أبيه منذ بضع سنوات".
" حسنا , أنني أعرف أن لديه ما يكفي من المال , على الرغم من أنه لا يبدو عليه أنه يمتلك شيئا بخلاف سيارته الجاغوار".
وضحك بيتر في سخرية , وهو يقول:
" لديه ما يكفي من المال! أنه يمتلك مئات الآلاف من الجنيهات , جمعت كلها من صناعة الحلوى , ألم تسمعي من قبل عن حلوى تالبوت؟".

وكانت ديليا قد سمعت بهذه الحلوى , ولطالما أبتاعت منها الكثير , ولكنها لم تكن تعتقد أبدا أن هناك أرتباطا بين أسم تالبوت وزوجها أدموند تالبوت , فقالت بطريقة طفولية:
" ولكن أدموند لا يبدو عليه أنه صانع حلوى".
" بالطبع لا , ليست له أي صلة بهذا العمل الذي يمتلكه كلية الآن بعض أقاربه , أنه لم يهتم بمثل هذا العمل طوال حياته مما أحزن والده , فقد كان أدموند يرغب دائما في أن يكون طبيبا ليساعد المحتاجين , حتى أنه يحاول أن يغري والده بأن يترك ثروته كلها لأحدى المنظمات الخيرية بدلا من أن يتركها له , ولكن والده ماثيو تالبوت رفض ذلك , وبعد وفاته , أخذ أدموند ينفق هذه الثروة على دراساته في الطب الأستوائي في الجامعة وعلى تمويل رحلاته العديدة الى مناطق الأدغال".

وتوقف بيتر عن الحديث قليلا وبدا عليه التفكير
ثم سألها:
" ماذا ستفعلين عندما يذهب أدموند في رحلاته الى بعض المناطق المنعزلة أو الموبوءة بالمالاريا في أفريقيا أو البرازيل ؟ ألم تفكري في ذلك؟".
" سأذهب معه بالطبع".
فنظر اليها بيتر في شفقة وهو يقول:
" أنني أشك في ذلك, لأنني أعرف أدموند جيدا , وأعرف أنه يعمل طبقا للمثل القائل من يسافر وحيدا يسافر سريعا".

" لقد كنت مخطئا عندما أعتقدت من قبل أنه لن يتزوج أبدا , وربما تكون مخطئا هذه المرة أيضا!".
فتنهد بيتر قائلا:
" لذلك أشعر بالقلق عليك".
ثم نظر اليها وأضاف:
" أستطيع أن أدرك السبب الذي دفعه للزواج منك وهو يقيم في لندن , ولكن أقامته هنا لن تدوم , كما أنه ليس من الطراز الذي يصلح كرجل بيت".

يبدو أن بيتر لاحظ تجهم وجه ديليا الذي بدا عليه القلق ,
فهز رأسه وهو يعتذر لها قائلا:
" آسف يا ديليا لأنني أقول لك هذه الأشياء في الوقت الذي يجب أن أهنئك بزواجك".
حاولت ديليا أن تنسى ما قاله بيتر , ولكنها كانت تشعر بالقلق , وسرعان ما زال قلقها بعد أن أنتقلا الى الشقة الجديدة , وبدأت تشعر من جديد بسعادة الحب بين أحضان أدموند.
ومضت ثلاثة أشهر وهما ينعمان معا بالسعادة.

وأستمرت ديليا تمارس عملها في المجلة الجغرافية , أما أدموند كان مشغولا بأبحاثه في جامعة أكسفورد وقد لاحظت ديليا خلال هذه الفترة أنه على الرغم من أن أدموند كان يحب الحياة البسيطة , ألا أنه كان ينفق عليها بسخاء , كما لاحظت أنه يشعر بحساسية أتجاه موضوع الثروة التي ورثها عن والده والتي تنازل عن قدر كبير منها لأعمال الخير.
وعندما سألته ديليا في أحدى المرات لماذا لم يخبرها بأن والده كان يمتلك مصانع للحلوى , أجابها بأنه كان يريدها أن تتزوجه لشخصه وليس طمعا في ثروته.
منتديات ليلاس

عرفت منه أنه كان على وشك الزواج من قبل بفتاة , ولكنه أكتشف في اللحظة الأخيرة أنها تسعى وراء ماله.
وعندما سألته ديليا أن كان قد أحب تلك الفتاة , أجابها بأنه لم يحبها بالقدر الذي يشعر به نحوها هي.
وذات يوم عاد أدموند الى المنزل ليخبر ديليا بأنه سيذهب ضمن بعثة للصليب الأحمر الى أحدى المناطق التي تعرضت لزلزال في أندونيسيا حيث يعاني ألآلاف من السكان من المرض والجوع.

فسألته ديليا أن كانت تستطيع الذهاب معه , ولكنه أجابها بالنفي , ولما سألته عن السبب
أجابها قائلا:
" لعدة أسباب , أولا أن الأطباء والممرضات والعاملين في الخدمة الأجتماعية هم وحدهم الذين يمكنهم الذهاب , وثانيا لأنني لا أريدك أن تذهبي الى مثل هذه الأماكن وسأكون أكثر سعادة وأنت تقمين هنا في أمان من دون متاعب , تنتظرين عودتي اليك".



اماريج 14-11-10 01:30 AM

ولم يكن أمام ديليا سوى الأذعان لرغبته , وسافر أدموند ,وبدأت تشعر بالوحدة , ولكن بيتر لم يتركها , فقد كان يتردد عليها دائما , ويدعوها للخروج معه في بعض الأحيان قائلا أن أدموند طلب منه العناية بها أثناء غيابه.
ومضت الأيام طويلة , وأنقضت سبعة أشهر على غياب أدموند , وأخيرا عاد وقد أزداد نحولا , سعدت ديليا بعودته , وبدا عليه أنه لا يريد التحدث كثيرا عن رحلته وأنه مصمم على التمتع بكل دقيقة من وقته مع زوجته وبين أحضانها.

فذهب الى رئيسها في العمل , وأستأذنه في منحها أجازة لمدة أسبوعين تقضيهما معه.
ومضت حوال ستة أسابيع على عودة أدموند الى لندن , ثم عاد مرة ليبلغها من جديد بأنه سيسافر ضمن بعثة الى وسط أميركا حيث تعرضت منطقة أدغال لزلزال مدمر.
وطلبت منه ديليا من جديد أن تذهب معه , ولكنه كرر رفضه , وحدثت بينهما لأول مرة منذ زواجهما مشادة عنيفة , وعلى الرغم من أنهما حاولا التغلب على هذا الموقف , ألا أن موقفه حيالها كان يتسم بالبرودة عندما سافر في مهمته.
منتديات ليلاس
وخلال تغيبه هذه المرة , قلقت ديليا مرارا من ألا يعود اليها أدموند , وعاد بيتر يتردد عليها , ولكم شكرته في أعماقها , ولكنها كانت تفتقد أدموند بشدة , وكانت لا تتوقع عودته قبل شهر.
وفي عطلة نهاية الأسبوع , أقترح بيتر أن يصحبها الى الشاطىء , وفي المساء , وكان الوقت ما زال مبكرا , عادا الى منزلها ودخل معها بيتر الى الشقة , كما تعود أن يفعل بعض الأحيان حيث تقدم له ديليا كأسا.
جلس بيتر على الأريكة , وجلست ديليا الى جانبه
فألتفت اليها بيتر فجأة وهو يقول:
" في مثل هذه الأوقات , أتمنى لو أنك لم تكوني زوجة لأدموند".

ولم تدهش ديليا لقول بيتر , فقد لاحظت أهتمامه الزائد بها في القترة الأخيرة , وخطر لها أكثر من مرة أن ترفض دعوته الى الخروج , وفكّرت في هذه اللحظة أن تقوم من جانبه , ولكنها ما كادت تهم بالوقوف
حتى أمسك بيدها قائلا:
" تعرفين أنني وقعت في المحظور يا عزيزتي , أحببتك وأنت زوجة أعز صديق لي , وسأنتهز فرصة غيابه , لأنني لم أعد أحتمل الأبتعاد عنك!".
فهمست ديليا وهي تحاول أبعاده عنها:
" لا يا بيتر .... لا أرجوك".

ولكنه لم يستمع اليها, وأحاطها بذراعيه فأحست بأنفاسه المضطربة , وأشاحت بوجهها بعيدا , وفي هذه اللحظة لمحت ديليا شبح شخص يقف بالباب المؤدي الى غرفة النوم , وشهقت وهي تحملق في أتجاه الباب فأختفى الشبح , ولم تدر ديليا أذا كان ما رأته حقيقة أم أنه من نسج خيالها
وعندما سمعها بيتر تشهق أبتعد عنها قليلا وهو يعتذر قائلا:
" أنا آسف يا ديليا , لقد تماديت معك , ولكنك جميلة جدا وحزينة وفي حاجة الى من يؤنس وحدتك , فهل تسمحين لي بالبقاء معك؟".

" لا ... أرجوك يا بيتر , أرجوك ألا تعود الى مثل هذا القول , وأذا حدث , فأنني لن أقابلك بعد ذلك أو أخرج معك ... والآن أرجوك أن تذهب".
ووقف بيتر وهو يقول:
" حسنا ... سأذهب , ولكنني سأعود لرؤيتك , وفي أي حال هناك مثل يقول أن كل شيء مباح في الحب والحرب , وأنا أحبك يا ديليا ".
نظرت ديليا في قلق الى الباب المؤدي الى غرفة النوم وقالت:
" أرجوك يا بيتر , لا فائدة من الكلام لأنك تضيّع وقتك , فأنا سيدة متزوجة".
منتديات ليلاس

فألتفت اليها قائلا:
" هذه مشكلة يمكن التغلب عليها , أن زواجك من أدموند ليس زواجا بمعنى الكلمة".
وقالت ديليا في صوت خافت:
" أرجوك يا بيتر أن تتوقف عن هذا الكلام , وأن تخرج الآن".
وفتحت الباب , فقال بيتر وهو يخرج:
" أنك غبية يا ديليا , لتظلي على أخلاصك لزوجك , أنني أشك في أنه سيكون مثلك على هذه الدرجة من الأخلاص".
فردت ديليا في أقتضاب:
" مع السلامة يا بيتر , وأشكرك على أصطحابي الى الشاطىء".
وأغلقت ديليا الباب خلفه , وقد أمتلأت نفسها بالشك من أحتمال أن يكون أدموند غير مخلص.
منتديات ليلاس
وأسرعت متجهة الى غرفة النوم التي كان بابها مغلقا , وفتحت الباب ببطء , وكانت الغرفة تسبح في الظلام.
ونظرت ديليا الى داخل الغرفة وسقط قلبها بين ضلوعها أذ رأت شبح أدموند يقف أمام النافذة.
فهتفت بأسمه وهي تضيء النور , فألتفت اليها وكان يرتدي روبا منزليا قصيرا وبدا صدره عاريا وكذلك ساقاه.



اماريج 14-11-10 01:36 AM

ولمحت ديليا الشرر يتطاير من عينيه الزرقاوين , لكنه لم يتحرك من مكانه وأدركت ديليا أنه رأى بيتر وهو يقبّلها , فوقفت في مكانها مترددة وهي لا تدري كيف تتصرف . ولم تندفع اليه لتحيطه بذراعيها وتقبّله كما أعتادت أن تفعل عند عودته اليها
وقالت تسأله في صوت لاهث:
" متى عدت من السفر؟".
" منذساعة تقريبا , ولقد أخذت حماما لأنفض عن نفسي أقذار المكان الذي جئت منه ,ولم أكن أعرف أنك عدت الى الشقة الا عندما سمعت صوت بيتر وأنا أغادر الحمام".
منتديات ليلاس
فتقدمت ديليا الى داخل الغرفة وهي تقول بعصبية:
"آسفة , لأنني لم أكن بالمنزل, فأنا لم أكن أتوقع حضورك اليوم , ولذلك خرجت مع بيتر الى الشاطىء حيث قضينا يوما ممتعا".
وقاطعها أدموند في خشونة:
" وهل ذهب الآن؟ أم أعتاد على قضاء الليل هنا بعد عودتكما من الخارج؟".
وشهقت ديليا وهي لا تكاد تصدق ما تسمعه , وأندفعت لتقف أمام أدموند , فلمحت في عينيه غضبا مدمرا مما جعلها تشعر بالخوف
فقالت وهي تحاول ألتقاط أنفاسها:
" نعم , لقد ذهب".

ومدّت ديليا يدها لتلمس ذراعه في محاولة لتهدئته وقالت:
" أرجوك يا أدموند , لا تنفعل هكذا , وسأشرح لك الأمر , أن المسألة ليست كما تبادر الى ذهنك .. أن هذا لم يحدث من قبل , ولا يعني ما رأيته شيئا بالنسبة لي".
فقاطعها أدموند من جديد:
" وكيف لي أن أعرف ذلك , وكيف يمكنني أن أعرف ماذا تفعلين أثناء غيابي؟".

وتراجعت ديليا الى الخلف وهي لا تدري كيف تتعامل مع أدموند الذي بدا غريبا تماما عنها وهو في قمة أنفعاله
وقالت بصوت منخفض:
"أنني لا أفعل شيئا , أذهب الى عملي وأعود لأنتظرك هنا , أوه يا أدموند لو عرفت كم أشعر بالوحدة وأنت بعيد عني".
فرفع أدموند حاجبيه في سخرية وهو يقول:
" تشعرين بالوحدة؟ وهل توقعين أن أصدقك بعدما رأيته يحدث في بيتي؟".
فردت ديليا في محاولة للدفاع عن نفسها:
" حسنا , أنت طلبت منه أن يهتم بي أثناء غيابك".

فرد أدموند في مرارة :
" أن هناك أختلافا كبيرا بين أن يعتني الأنسان بشخص ما وبين أن يحاول أمتلاكه".
وأندفعت ديليا تقول في غضب:
" أنه لم يمتلكني .. كيف يمكنك أن تقول ذلك؟ أنت تقول أنك لا تعرف ماذا أفعل أثناء غيابك, حسنا أنا أيضا أسألك نفس السؤال , أذ كيف لي أن أعرف ماذا تفعل وأنت تبعد آلاف الأميال , أنني حتى لا أعرف أذا كنت ما زلت على قيد الحياة".
وتوقفت قليلا ثم أستطردت في صوت يخنقه البكاء:
"وكيف لي أن أعرف أنك لا تتصل بأمرأة غيري!".
وما كادت ديليا تنطق بهذه الجملة الأخيرة حتى بدا وكأن بركانا من الغضب قد أنفجر فجأة داخل أدموند..

ونظرت اليه وشعرت بالخوف وهي ترى رغبة مجنونة تطل من عينيه , فتراجعت الى الخلف , ولكنه أسرع نحوها وأحتواها بين ذراعيه ثم حملها وألقى بها فوق الفراش
وشعرت ديليا بالخوف , فقد بدا لها أدموند شخصا آخر متوحشا غير أدموند المهذب الذي عرفته دائما , وحاولت الأبتعاد عنه , لكنه لم يمكنها من ذلك , فقد أمسك برأسها بين يديه بقسوة وأخذ يعانقها في نهم ووحشية حتى أنها لم تستطع الأستجابة له .
وحاولت دفعه بعيدا عنها , ولكن محاولتها للتخلص منه أشعلت رغبته , ولأول مرة منذ زواجهما , شعرت ديليا بأن زوجها يقسو عليها بدون أي أعتبار لرغباتها.
وبعد أن أنتهى , تركها وهو يهمس في أذنها :
" لقد فعلت ذلك لتعرفي من أنا , أنا زوجك , وعندما أعود في المرة القادمة من سفري , أرجو أن أجدك أكثر حبا وترحيبا بي".
وترك أدموند الفراش , ووضع روبه فوق جسده وغادر الغرفة وهو يغلق الباب في هدوء.

وأستلقت ديليا فوق الفراش لفترة قصيرة , ثم غادرته متجهة الى الحمام , حيث غسلت وجهها , ثم عادرت غرفتها وأرتدت ملابسها وجلست تمشط شعرها أمام المرآة وتبكي في صمت , أنها شعرت في تلك اللحظة بأنها فقدت أدموند الذي أحبته.
عاد أدموند بعد قليل وهو يحمل قدحا من الشاي وضعه أمامها وهو ينظر اليها , ولكن ديليا لم تحاول النظر اليه , وأخذت تنظر الى القدح الموضوع أمامها
فجلس أدموند بجانبها وأمسك بذقنها وأضطرّها للنظر اليه
ومر بأصبعه برفق على شفتيها وهو يقول:
" أنني آسف".



اماريج 14-11-10 01:36 AM

ولكن ديليا كانت لا تزال منفعلة ومستاءة , فتراجعت الى الخلف وأنتفضت واقفة , وهي تحاول الأبتعاد عنه
ثم صاحت قائلة:
" أبتعد عني .... لا تلمسني!".
فأنتفض أدموند واقفا وقد عقد يديه على صدره وهو يقول:
" لم أقصد أيذاءك".
ورفع يده الى جبهته وهو يقول في صوته العميق الهادىء:
" لا أعرف ماذا حدث , ربما أكون أستأت لأنني عدت ولم أجدك , لقد جئت قبل موعدي لأنني كنت في شوق اليك , وأعتقدت أنها ستكون مفاجأة سارة لك".

ثم أخذ نفسا عميقا
وقال في صوت أجش:
" يا ألهي , لا تنظري اليّ هكذا يا ديليا وكأنني وحش , أنني لم أقصد ايذاءك ولقد أعتذرت لك , ماذا أفعل لأجعلك تصدقين ذلك؟".
وتقدّم نحوها ولكنها تراجعت الى الخلف وهي تقول باكية:
" لا يمكنك أن تقول أو تفعل شيئا , لماذا عدت اليوم ؟ لماذا أفسدت كل شيء بعودتك غير المتوقعة؟".
وشحب وجه أدموند , وأدركت ديليا أنها أخطأت بقولها ذلك لأن قد يسيء فهمها
فوضعت يديها على وجهها وهي تنتحب قائلة:
" أنني لم أقصد أن أقول ذلك , لا أستطيع أن أتحمّل أكثر من هذا . ماذا أفعل؟".

وأندفعت ديليا الى خزانة ملابسها وأخذت معطفا وضعته فوق كتفيها ثم أخذت حقيبة يدها من فوق المائدة فأسقطت قدح الشاي , أن كل ما كانت تشعر به في تلك اللحظة هو حاجتها أن تنفرد بنفسها قليلا.
وسألها أدموند:
" الى أين أن ذاهبة يا ديليا؟".
فردت وهي تبكي بحرقة:
" لا أعرف , لا أريد أن أراك , لقد أفسدت كل شيء ".
منتديات ليلاس
وأندفعت ديليا خارجة من الشقة , ولم يحاول أدموند أن يتبعها أو يمنعها من الخروج , خرجت الى الشارع وحين لفح هواء الليل وجهها , أفاقت الى نفسها وتساءلت لماذا غادرت المنزل , وكانت على وشك العودة , لكنها لمحت عربة أوتوبيس قادمة فأستوقفتها
وقفزت بداخلها وظلّت بداخلها حتى نهاية الخط ثم عادت بنفس العربة , وعندما وصلت الى الشارع الذي يقع به منزلها , كانت نفسها قد هدأت , وكانت تشعر أنها على أستعداد للأعتذار من أدموند.

ولكنها عندما فتحت باب الشقة , أدركت أن أدموند ليس بالداخل , وظلّت جالسة طوال الليل في غرفتها بأنتظاره ولكنه لم يعد .
وفي الصباح ذهبت الى عملها , وأخذت تنتظر محادثة تلفونية من أدموند ليدعوها الى مقابلته ولكنه لم يفعل, وفي طريقها الى المنزل أشترت له الأطعمة التي يحبها وزجاجتين من الشراب وفتحت باب الشقة وهي تناديه ولكن ليس من يجيب , وعندما دخلت لغرفة النوم أكتشفت أنه لم يعد مطلقا الى البيت في غيابها.

شعرت ديليا باليأس , فأتصلت ببيتر تسأله أن كان قد رأى أدموند , فجاءها صوته قائلا:
" نعم , لقد رأيته , ولكنه رحل لتوه".
فشعرت بالراحة وقالت:
" أذا سيكون عندي هنا خلال دقائق".
وبدا لها وكأن بيتر يحاول التقاط أنفاسه , ثم سمعته يقول:
" لا أعتقد , أنه لن يحضر الى المنزل . لقد غادر لندن وترك لك رسالة معي , هل تحبين يا عزيزتي أن أحضر اليك أتحدث معك قليلا؟ فأنني لا أستطيع بحث هذا الموضوع في التلفون".

نهاية الفصل الاول



Tiger_m 15-11-10 12:55 AM

روووووووووووووووووووووووووعة تسلم إيدك يا امورة
دائماً متميزه باختياراتك الرائعه يا عسل

الله لا يحرمنا من تواجدك العطر يا أماريج

دمتِ بحفظ الرحمن
تايغر
:lol::9jP05261::LgN05096:

اماريج 15-11-10 06:30 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Tiger_m (المشاركة 2527579)
روووووووووووووووووووووووووعة تسلم إيدك يا امورة
دائماً متميزه باختياراتك الرائعه يا عسل

الله لا يحرمنا من تواجدك العطر يا أماريج

دمتِ بحفظ الرحمن
تايغر
:lol::9jP05261::LgN05096:



ياهلا وغلا بالامورة
بعد زمان ياعسل الرواية منورة فيك حبيبتي
والله يسلمك يالغلا كله وانا كمان ربي ماانحرم من هالطلة الحلوة ابدا
وتسلميلي ياعسل كلك ذوق يالغلا
:flowers2:
:liilas:

اماريج 15-11-10 06:31 AM


2_ سقوط الطائرة

كانت الشمس ساطعة والسماء صافية , وديليا تجلس في مقعدها في الطائرة الصغيرة المحلقة فوق الأرض البرازيلية , نظرت ديليا من نافذة الطائرة , فرأت الأدغال تمتد الى مساحات شاسعة , وبدت مثل عباءة خضراء تغلف الأرض كلها على أمتداد البصر.

ولما كانت زيارتها للبرازيل رسمية , فقد وجدت في أستقبالها في مطار ريو دي جانيرو عددا من المسؤولين في قسم الشؤون الهندية في الحكومة البرازيلية , أقتادوها الى فندق فخم يطل على ساحل كوبا كابانا , ولم تتمكن من النوم طيلة الليل بسبب صوت مرور السيارات الذي لم يتوقف لحظة واحدة.

وفي اليوم التالي سافرت مع الأستاذ كلوديو رودريغيز أستاذ التاريخ الطبيعي , الذي جاء معها على نفس الطائرة ويعمل كضابط أتصال في أدارة رعاية القبائل في البرازيل.
وأتجهت الطائة الى بوستو أورلاندوفي وسط منطقة الأدغال الضخمة حيث يقع مركز رعاية القبائل البدائية للهنود البرازيليين.
وعلى الرغم من أن ديليا كانت متشوقة لرؤية هذه المناطق التي لم ترها من قبل , ألا أنها شعرت بالخوف من الثعابين والزواحف التي تنتشر في مثل هذه المناطق.

وقطع على ديليا أفكارها صوت الأستاذ رودريغز وهو يقول:
" سنصل خلال دقائق , أربطي حزامك".
وبعد دقائق هبطت الطائرة على ممر بدائي يمتد وسط الغابة , ونزلت ديليا من الطائرة , وكان أول ما وقعت عليه عيناها الأكواخ التي تشبه في شكلها خلية النحل وقد صنعت أسقفها من جذوع النخيل , ووجدت في أنتظارهم جماعة من الهنود الذين لا يستر أجسادهم شيء , معهم رجل مسن يرتدي شورتا وقميصا من القطن , بالأضافة الى شاب لطيف المظهر طويل القامة , وسيدة برازيلية شعرها أسود طويل عقصته خلف عنقها , وقد أكتسبت بشرتها بلون برونزي رائع .

تقدم الرجل المسن من ديليا وحيّاها على الطريقة البرازيلية , فقبّلها على وجنتيها وهو يقول بالأنكليزية:
" أهلا , أهلا , شيء جميل أن أرى أبنة أعز صديق لي فرانك فينويك , أنا أدعى لويز سانتوس".
وأشار الى الشاب متابعا كلامه:
" هذا أبن أخي مانويل سانتوس الذي يعمل كخبير أجتماعي في المركز , وهذه زوجته ريتا".
صافحت ديليا مانويل وزوجته وهي تجول بعينيها في حذر لترى أدموند من بين مجموعة المستقبلين , ولكنها لم تجده.
منتديات ليلاس
سألها لويز:
" هل تبحثين عن أدموند؟ أعتقد أنه في المستشفى للكشف على بعض المرضى , لقد أحتفظت بالسر كما وعدتك ولم أخبره بأن الصحفية التي ستحضر على هذه الطائرة هي زوجته , كما أنني لم أخبر ريتا ومانويل بذلك".
والتفت لويز الى مانويل وريتا , يوضح باللغة البرازيلية أن ديليا هي زوجة أدموند , فنظرا اليها بدهشة شديدة
هتفت ريتا بلهجة أميركية :
" ولكن أدموند سيفاجأ بحضورك , كنا نتحدث عن الصحفية التي سنحضر لعمل تحقيق صحفي عن الوضع هنا , وضحكنا كثيرا حين قال أدموند أنها ستكون سيدة خشنة تتحدث بسرعة , ولم يتوقع أحد أن تكون هذه الصحفية سيدة جميلة ورقيقة مثلك , ولم يكن لدينا فكرة عن أن أدموند متزوج ".

وسألت ديليا:
" وكيف حاله؟".
فرد لويز:
" سأتحدث معك عن ذلك في طريقنا الى القرية".
وبعد أن أصدر تعليماته الى الهنود لنقل الأمدادات التي حملتها الطائرة , أمسك بذراعها وقادها الى ممر تحيط يه الحشائش الطويلة الحادة , وسارا خلف عربة الجيب التي وضعت عليها أمتعتها وصناديق الأمدادات الطبية.
وفي الطريق قال لويز يحدثها عن أدموند:
" أدموند أحسن كثيرا عما كان عليه في الوقت الذي بعثت لك بأول خطاب , لكنه ما زال هزيلا للغاية ويشعر بالأرهاق سريعا , أنه يحتاج الى فترة راحة, ولكنه مصمم على أتمام العمل الذي جاء من أجله , لقد حاولت أغراءه على التوجه الى برازيليا أو ريو دي جنيرو لفترة من قبيل التغيير , لكنه رفض , تستطيعين أقناعه بذلك , خاصة أنك زوجته وعلى هذا القدر من الجمال".



اماريج 15-11-10 06:32 AM

نظرت اليه بطرف عينها وهي تحدث نفسها : ليته يعرف طبيعة العلاقة بيني وبين أدموند.
وسألته ديليا:
" كيف عرفت أنني زوجته وهو لم يخبر أحدا بذلك؟".
" المسألة لم تكن صعبة , فعندما وصل الى المركز بعد سقوط الطائرة , كان مريضا للغاية ومصابا بالحمّى , ووجدت أنه من الضروري أبلاغ أقاربه , بحثت في أمتعته فوجدت جواز سفره الذي كتب في نهايته قائمة بأسماء وعناوين الأشخاص الذين يمكن الأتصال بهم في حالة الطوارىء , وكان أسمك على رأس هذه القائمة , لذلك كتبت اليك لأبلغك بالأمر".
كان الخطاب الذي بعث به لويز الى ديليا أو شيء يصلها عن أدموند بعد رحيله عن لندن منذ ستة عشر شهرا وأول ما فكّرت فيه هو السفر على أول طائرة متجهة الى البرازيل , كانت تشعر بشوق شديد الى لقاء أدموند والعناية به , ولكنها ترددت حين تذكّرت الأحداث التي أدّت الى رحيله, فبالرغم من أنها ما زالت زوجته , ألا أنهما يعتبران في حكم المنفصلين.

ظلت في دوامة وهي لا تدري ماذا تفعل , وقد أثّر ذلك على أعصابها , وأصابتها حالة من الأكتئاب النفسي, أثّرت على عملها حتى أن رئيسها لاحظ ذلك.
وذات يوم أستدعاها الى مكتبه لمراجعتها في بعض الأخطاء فوجدت نفسها تقص عليه مخاوفها أتجاه دايموند ورغبتها في التوجه لزيارته.
وأستمع اليها بن ديفيز رئيسها في صبر وقد بدا عليه التفكير
ثم سألها:
" هل تريدين الذهاب لرؤيته يا أبنتي؟".
منتديات ليلاس
" نعم , أريد ذلك , ولكنني لا أدري كيف أسافر كل هذه المسافة وحدي , وربما يختفي مرة أخرى لو عرف بأنني سأذهب للقائه".
ولكن ديفيز قاطعها قائلا:
" ولكنه لن يعرف بأمر ذهابك الى بوستو أورلاندو".
فحملقت في وجهه بدهشة وهي تسأل:
"ولكن كيف؟".
فأبتسم ديفيز وهو يقول:
" ستذهبين الى هناك للقاء لويز سانتوس وليس أدموند , سأرسلك في مهمة صحفية كمحررة للمجلة , وستكون هذه أول فرصة لتقومي بالعمل الذي قام به والدك ككاتب للمقالات الجغرافية , كل ما يجب عليك فعله هو أن ترسلي ألى لويز وتطلبي منه الأحتفاظ بأمر ذهابك سرا , وسأكتب اليه بنفسي لأبلغه أنك ستقومين بأعداد بعض المقالات عن المركز الذي يديره , وأعتقد أنه سيهتم بك الى حد كبير أذا عرف أنك أبنة صديقه فرانك فينويك".
توقف ديفيز قليلا ليشعل غليونه , ثم سألها:
"هل لديك فكرة عن عمل زوجك هناك؟".
" طبقا لما عرفته من السيد سانتوس , كان أدموند يقوم بجولة كمبعوث لأحدى المنظمات الدولية لجمع الأموال لشراء الأدوية والمعدات الضرورية للقبائل البدائية , حين سقطت الطائرة التي كان يستقلها مع بعض الأشخاص الآخرين فوق منطقة الأدغال , وكان هو الوحيد الذي نجا من الحادث,وقد ظلّ لبضعة أسابيع ولكنه تمكن من الوصول الى المركز في حالة يرثى لها".

حاول ديفيز أن يطمئنها , وطلب منها الأسراع بأعداد نفسها للسفر,
وفعلا تم أعداد كل شيء , وه هي الآن وصلت الى بوستو أورلاندو تسير بين الأكواخ البدائية وقد تلاحقت دقات قلبها ترقبا للحظة التي سترى فيها أدموند., وكأن وصول طائرة الأمدادات حدث أجتماعي هام في هذه المنطقة المنعزلة.

وبعد الأنتهاء من تناول لقهوة , صحب لويز الطيارين والمضيف والأستاذ رودريغز الى الطائرة , وصحبت ريتا ديليا الى غرفتها وسألتها وهما تتجهان الى أحد المباني الواقعة في ظل أشجار الكافور والموز.
" هل تتحدثين البرتغالية؟"., ولكن لم يكن لديّ الوقت الكافي لأتعلم الا بعض العبارات البسيطة , لذلك لم أستطع فهم ما وجه اليّ من عبارات بالبرتغالية , ولولا أن البعض يتحدث الأنكليزية , لوجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه , وأنت أين تعلمت الأنكليزية؟".

" في المنزل, أمي أميركية , وكانت تتحدث الينا دائما بالأنكليزية , ولكن لا تنزعجي , سيمكنك تعلم اللغة البرتغالية بالأستماع الينا , وسأتولى مساعدتك على ذلك قدر الأمكان , أن أدموند يتحدث هذه اللغة بطلاقة الآن".
ووصلتا أخيرا الى حيث توجد غرف الأقامة , وكانت أبوابها تفتح على شرفة طويلة ترتفع عن الأرض ببضع درجات خشبية
وأتجهتا الى نهاية الشرفة حيث فتحت ريتا باب الغرفة الأخيرة وهي تقولأ:
" هذه هي غرفة أدموند , كان من المقرر أن تشاركيني غرفتي على أن ينزل مانويل في غرفة أدموند , ولكن لا داعي لذلك الآن فأنت زوجته".

ثم ابتسمت ريتا وهي تنظر الى ديليا قائلة:
" أعتقد أنه ليس لديك مانع من مشاركة زوجك غرفته؟".
فردت ديليا بسرعة:
" بالطبع لا".
ولكنها كانت تساءل نفسها أذا كان أدموند سيعترض على ذلك.



اماريج 15-11-10 06:33 AM

كانت الغرفة معتمة غير متجددة الهواء , ولكنها كانت نظيفة للغاية , وكان فيها سريران أحاطت بهما شباك للوقاية من الناموس , وفي أحد أركان الغرفة باب يؤدي الى حمام صغير ولم يكن هناك أي شيء خلاف ذلك سوى حقيبة سفر وضع عليها قفل.
قالت ريتا وقد لاحظت دهشة ديليا لوجود القفل على الحقيبة.
" أننا هنا لا نترك شيئا دونأن نوصده وليس لأن الناس يسرقون , ولكن لأنهم أعتادوا أن يتقاسموا كل شيء فيما بينهم , لذلك فهم يفترضون أن ما نمتلكه نحن يعتبر أيضا ملكا لهم".
وألتفتت ديليا خلفها لتجد عددا من الهنود وقد تبعوها الى الغرفة , ووقفوا يحملقون في حقائبها التي وصلت قبلها , وتقدم بعضهم ليلمسها , فشعرت ديليا بالخوف وهي تقاوم رغبتها في الفرار منهم وهم يتلمسون شعرها ورداءها والميدالية التي تتدلى من عنقها.
منتديات ليلاس
فقالت ريتا باسمة :
" يتوقعون أن تقدمي لهم بعض الهدايا , هل أحضرت شيئا معك؟".
وفتحت ديليا أحدى حقائبها , فتجمعوا حولها في ترقب , أخرجت بعض الحلوى ووزعتها عليهم , فأخذوها فرحين وخرجوا من الغرفة.
وقالت ريتا وهي تخرج:
" أعتقد أنك تريدين الأغتسال , وتغيير ثيابك , غرفتي ملاصقة لك , وعندما تستعدين , سأكون في أنتظارك".
وبعد أن أغتسلت ديليا وبدّلت ثيابها , أتجهت مع ريتا الى مبنى كبير يشبه المخزن , له سقف ولكن ليست له جدران.

وعندما وصلتا الى المكان , كان لويز ومانويل يستلقيان فوق بعض الشباك يدخنان السيكار ويتحدثان
نزل لويز من فوق شبكة النوم ندما رأى ديليا ورحّب بها قائلا:
" سنقوم بجولة في أنحاء المكان , تعتبر بوستو أورلاندو أحد أهم المواقع التي يتكوّن منها المركز العام لرعاية القبائل الممتد الى الداخل لآلاف الكيلومترات , وفيه المستشفى المعد لأستقبال المرضى من القرى النائية حيث يمكن أيضا أجراء بعض الجراحات البسيطة .

وتوجها الى المستشفى التي كانت تقع في مبنى حجري , جدرانه سميكة تمنع تسرب الحرارة الى الداخل ,وفي مدخل المستشفى حيث كانوا يحتفظون بالمعدّات والأمدادات الطبية , قدّمها لويز الى الممرضة التي سألها بعض الأسئلة بالبرتغالية , فأشارت الى أحد الأبواب في الطرف الآخر من المدخل.
وقال لويز محدّثا ديليا:
" أدموند هنا كما توقعت , لقد سعدنا جدا بحضوره الى المركز , لأن الطبيب الذي يعمل معنا عاد الى بلاده في أجازة , ومعظم الأطباء هنا من المتطوعين".
شعرت ديليا بالأضطراب وهما يتجهان الى عنبر المرضى , وكانت حبات العرق تتساقط على جبهتها , ولكنها حاولت التماسك لتبدو طبيعية.
وعندما دخلا الى العنبر , رأت ديليا رجلا ينحني فوق أحد الأسرّة في نهاية العنبر ووقفت الى جانبه مريضة متقدمة في العمر.

عرفت ديليا أنه أدموند برغم أنها لم تر وجهه, كان شعره يلمع تحت أشعة الشمس البسيطة التي تسللت الى العنبر وقد تركه يطول , وأحاطه من فوق جبهته بشريط ملون كما يفعل الهنود.
وعندما أقتربت ديليا , كان أدموند يتحدث بصوت هادىء بالبرتغالية , رفع وجهه فجأة فرآها , برقت عيناه الزرقاوان وأتسعتا من الدهشة وهو يجول ببصره بينها وبين لويز , ولكنه لم ينطق بحرف واحد.
فصاح لويز قائلا:
" يا ألهي ! ما هذا يا أدموند؟ أتعرف هذه المرأة الصغيرة؟".

وأستعاد أدموند حالته الطبيعية سريعا , ونظر الى ديليا بثبات وقد أرتسمت على فم أبتسامة سخرية خفيفة , وحاولت ديليا أن ترسم أبتسامة على شفتيها وهي تقاوم رغبة عنيفة في الأرتماء بين أحضانه.
وقال أدموند يحييها في صوت هادىء:
" أهلا؟ يا ديليا أنها حقا مفاجأة لي".
ثم نظر الى لويز وهو يضيف:
"كنت أعتقد أنك تتوقع وصول صحفية".
" هذا صحيح . أنها زوجتك التي حضرت بصفة صحفية لعقد لقاءات معنا تساعدها في كتابة بعض المقالات".
فتساءل أدموند في دهشة وهو ينظر الى ديليا :
" هل حقا ما يقول؟".
منتديات ليلاس
فهزت ديليا رأسها بالأيجاب , وهي تخشى أن يفضح صوتها ما يعتمل داخلها من مشاعر
فأضاف أدموند:
" أن هذا سيفيدك كثيرا , أهنئك على هذه الوظيفة الجديدة".
فشكرته ديليا بصوت منخفض , ولاحظت أن لويز يراقبهما بأهتمام
فقالت:
" كيف حالك؟".
وكان أدموند قد فقد الكثير من وزنه , وبدا أكثر نحولا , ولكن عينيه أحتفظتا ببريقهما , ورد بعدم أكتراث:
" بخير".
ثم ألتفت الى لويز يسأله :
" لماذا لم تخبرني بأن ديليا ستحضر الى المركز؟".



اماريج 15-11-10 06:34 AM

فردت ديليا متلعثمة :
" أنا ... أنا طلبت منه ذلك .... وسأشرح لك الأمر فيما بعد".
فقال لويز:
" نعم . نعم , يمكنكما أن تؤجلا الحديث لحين عودتكما الى غرفتكما , والآن نتركك لتنتهي من عملك وسأصحب ديليا في أنحاء المكان".
لم تحاول ديليا النظر الى الخلف وهما يغادران المبنى حتى لا تفضح مشاعرها أمام أدموند".
وعندما خرجا من المستشفى , سألها لويز وهو يهز رأسه بدهشة:
" لا أستطيع التصور أنت وأدموند تتقابلان بدون أي عناق! أن أي واحد يراكما يعتقد أنكما لستما سعيدين بهذا اللقاء , ألست سعيدة بلقاء أدموند؟".
" بالطبع , سعيدة جدا".
منتديات ليلاس
كانت ديليا صادقة في هذا القول , بل كانت أكثر من سعيدة بلقاء أدموند من جديد , ولكنها حاولت كل جهدها لتكتم هذه الفرحة.
ورأت أنها يجب أن تعطي تفسيرا للّقاء البارد بينها وبين أدموند , فأضافت:
" ولكن أنت تعرف أننا لم نتعود أظهار عواطفنا أمام الغرباء".
" آه, الآن وضح الأمر لي , لقد نسيت أن الأنكليز يخجلون من أظهار عواطفهم في الأماكن العامة , أن اللقاء الحقيقي سيتم في غرفتكما , وربما يكون هذا أفضل , والآن تعالي, سأصحبك داخل أحد أكواخ قبيلة كورو وهي أحدى القبائل التي تقيم الآن بالمركز".

وكان المكان معتما ورطبا بالداخل , وهناك رجل وأمرأة يطهوان السمك فوق أرض الكوخ , والدخان الناجم عن نيران الطبخ يخرج من فتحة في السقف.
وبعد أن خرجا من الكوخ , سارا ببطء عائدين الى المبنى , وكان لويز يشرح لديليا خلال الطريق كيف تسير الأمور في المركز.
لم تكن في حالة تسمح لها بأستيعاب كل ما يقوله , كانت في حالة يرثى لها بسبب الرطوبة الشديدة وحرارة الشمس , أقترح عليها لويز أن تستريح قوق أحدى الشباك المعلقة في المبنى حتى يعود اليها.

ولم تكن ديليا تعرف كيف تتسلق الشبكة المعلقة , المتسعة الى الحد الذي يمكن لشخصين الأستلقاء عليها معا , فجلست على حافتها بحذر وهي تخشى السقوط منها .
وفجأة سمعت صوت أدموند يقول لها:
" أخلعي حذاءك قبل الأستلقاء فوق الشبكة".
ونظرت الى أعلى بدهشة فرأت أدموند يمر بها متجها الى الشبكة الأخرى , وقفز اليها بسهولة بعد أن خلع حذاءه.
أنحنت ديليا تخلع حذاءها , وألقت بنفسها فوق الشبكة كما فعل أدموند , وبالرغم من ذلك فأن ديليا لم يمكنها الشعور بالراحة , فقد أخذ الناموس في مهاجمتها وهي تحاول أن تبعده عنها.
وقذف اليها أدموند بعلبة سكائر , فألتفتت اليه وكان يستلقي في أسترخاء تام وقد تدلت أحدى ساقيه من فوق الشبكة
نظر اليها في سخرية من خلال دخان سيكارته وهو يقول :
" التدخين هو الوسيلة الوحيدة لأبعاد الحشرات , ما لم تكوني ترغبين في طلاء جلدك بالسائل الذي يستخدمه الهنود , ألم تحضري معك كمية من السكائر؟".
منتديات ليلاس
" بلى , ولكنها في الحقيبة ".
أخرجت ديليا سيكارة وأشعلتها , ولم تكن قد دخنت من قبل , فأخذت تسعل عندما دخل الدخان الى حلقها , ودمعت عيناها , وسمعت أدموند وهو يضحك عليها , فتولاها شعور بالحزن , كم هو قاس معها , كيف يكون بهذه القسوة في الوقت الذي تمتلىء نفسه بالمشاعر أتجاه الشعوب البائسة المحتاجة الى مساعدة! ولكن ربما لا يحبها ولم يحبها أبدا.
وبعد أن هدأ سعالها
سألها أدموند:
" هل كنت تعرفين أنني في هذا المكان؟".
" تسلمت خطابا عرفت منه أنك وصلت الى هذا المكان بعد حادث الطائرة في حالة يرثى لها , أوه يا أدموند لماذا لم تتصل بي؟ لماذا لم تخبرني بأنك ستذهب الى البرازيل؟".

نظر اليها أدموند في حيرة , وسكت قليلا ثم قال:
" في الحقيقة , لم أكن أظن أنك تهتمين بمعرفة مكاني , أنني أتذكر تماما أنك كنت آسفة في آخر لقاء لنا لأنني عدت وأفسدت عليك كل شيء, ثم خرجت من المنزل , ولما لم تعودي أعتقدت أنك لا ترغبين في رؤيتي كما قلت , فتركت المنزل وسافرت".
وكانت ديليا تشعر بالندم لأنها تسببت في هذا الفراق الذي وقع بينها وبين أدموند بعد ثلاثة عشر شهر من الزواج.



اماريج 15-11-10 06:35 AM

وأضاف أدموند في برود:
" أنني مندهش لأننا ما زلنا زوجين, أعتقدت أنك حصلت على الطلاق, وأنك تزوجت بيتر".
" ولكن كيف يحدث ذلك؟ أنني لم أكن أعرف مكان".
" أن هذا لا يهم , فأن محاميا ماهرا مثل بيتر يمكنه التغلب على هذه العقبة والحصول على الطلاق".
" نعم, كان يمكنه ذلك بالفعل.. ولكن... ولكن أنا طلبت منه ألا يفعل ذلك".
فسألها في برود:
" ولماذا؟".
" لأن .. لأنني لم أكن متأكدة , لم أكن أعرف".

وتوقفت ديليا عن الحديث . فأن موقف أدموند العدائي منها جعلها تكتم حقيقة مشاعرها.
وأنتبهت ديليا الى صوت ضحكات , فألتفتت لترى عائلة هندية تسير في طريقها الى الشاطىء بسعادة واضحة, وتمنت في هذه اللحظ لو أنها تشعر بمثل هذه السعادة التي لا يعكر صفوها شيء.
ثم رأت أدموند يقفز من فراشه المعلّق , ينحني ليضع حذاءه , فبدا لها كأي شخص بدائي , وتذكّرت قول خالتها مارشا بأنه يحب الحياة البدائية والذهاب الى الأدغال والعيش مع القبائل, وقالت ديليا تحدّث نفسها : لا بد أنه سعيد في هذا المكان حيث يعيش حياته كما يحلوله.
تقدّم أدموند , فوقف أمامها وأخذ ينظر اليها وهي مستلقية فوق فراشها المعلّق ثم قال:
" يبدو أنك تشعرين بالحر , هل تشعرين برغبة في السباحة؟".

" أليست هناك خطورة من السباحة في هذا النهر؟".
" لا , أنني أرتدي ملابس الأستحمام تحت الشورت , أذا كنت تريدين الأستحمام في النهر , فأذهبي لتغيير ثيابك وسأكون في أنتظارك هنا بعد عشر دقائق , هل تعرفين مكان حقائبك؟".
" نعم, في غرفتك , لقد طلبت مني ريتا مشاركتك غرفتك , أرجو ألا يضايقك هذا".
فردّ بعدم أكتراث:
" ولماذا يضايقني . أذهبي وبدّلي ثيابك ولا تنسي أن تلبسي حذاءك , فأن المكان مليء بالحشرات الصغيرة".

عندما وصلت ديليا الى غرفتها , رأت جماعة من الهنود يجلسون في الشرفة , وعندما رأوها وقفوا وتبعوها الى الغرفة , وشعرت ديليا بالخوف , ولكنها رأتهم يشيرون الى حقيبتها , فتذكّرت الحلوى أخرجت بعضها ووزّعتها عليهم , فغادروا الغرفة على الفور.
منتديات ليلاس
أغلقت الباب وأوصدته من الداخل , ولكنها لمحت الهنود وهم يتلصصون من خلف شقوق النافذة المغلقة لينظروا اليها.
وعندما خرجت وهي ترتدي ثوب الأستحمام , تبعوها الى حيث كان أدموند في أنتظارها
وعندما رآها أبتدرها قائلا في سخرية:
"أرى أن لك جمهورا من المعجبين".
فقالت وهما يتجهان الى الشاطىء الرملي:
" أنهم معجبون بالحلوى التي أحضرتها معي ".
فسألها وهو يخلع قميصه وبنطلونه القصير:
" أي نوع من الحلوى؟".
" أنه من حلوى تالبوت , ولكن لماذا يحب الهنود الحلوى الى هذه الدرجة؟".

" لأنهم لا يتناولون الحلوى ولا يستعملون السكر , ليست لديهم فاكهة طازجة , أرجو أن تستبقي لي بعضا من الحلوى التي أحضرتها معك".
وجرى أدموند لينزل الى النهر , وتبعته ديليا وهي تشعر بالسعادة لأنها معه.

أستلقت ديليا على ظهرها فوق الماء , وفوجئت بعدد من الأطفال الهنود يتصايحون وهم يتقاذفون الكرة في الماء, وقد أحاطوا بها , وألقى أحدهم بالكرة اليها ووجدت نفسها تشترك معهم في اللعب , ثم أنضم اليهم أدموند , وأستمروا يلعبون لفترة من الوقت ثم خرجت ديليا من النهر وهي تشعر بالسعادة, وأستلقت فوق منشفتها وهي تراقب أدموند الذي تبعها ,جلس الى جانبها وقد مد ساقيه الطويلتين وأستند الى ذراعيه
وقال متأملا في الأفق:
"السباحة هنا ليست مثل السباحة في البحر, ولكنها أحسن من لا شيء , كنت أتخيّل نفسي أسبح في البحر عندما فقدت في الأدغال".
" هل تألمت كثيرا؟".
" أن أسوأ ما مر بي هو سقوط الطائرة وأكتشافي أنني الشخص الوحيد من الركاب الذي كان لا يزال على قيد الحياة , وبعد ذلك تسلطت على تفكيري فكرة واحدة, هي الوصول الى المركز في أسرع وقت ممكن, وقد أستعنت ببوصلة الطائرة التي لم تدمر في الحادث لمعرفة طريقي".

" كم أستغرقت من الوقت لتصل الى هنا؟".
" أخبرني لويز أنني أمضيت ثلاثة أسابيع في الأدغال قبل الوصول الى المركز".
" ومن كان معك على الطائرة؟".
" الطيار وشخصان آخران تابعان لأحدى المنظمات الدولية , وكنا في طريق عودتنا من فيتينال بعد الأنتهاء من بعض البحوث , المؤسف حقا أننا لم نكن نرغب في مغادرة فيتينال فقد قضينا وقتا ممتعا فيها".
وتوقف أدموند عن الحديث وهو يستلقي على المنشفة ويرفع يده ليحجب أشعة الشمس عن عينيه
وأضاف:
"وبعد موت أنغريد وبيل أصبحت الشخص الوحيد المتبقّي من الفريق".

نظرت ديليا اليه بطرف عينها وقد شعرت برنة أسى في صوته , فسألته في حذر:
" وهل كانت أنغريد وبيل أيضا متخصصين في الطب الأستوائي؟".
" لا , بيل كان متخصصا في التاريخ الطبيعي وأنغريد على ما أعتقد كانت متخصصة في علم الأجتماع , لقد كانت اروع من قابلت في حياتي".
ثم توقف لحظة قبل أن يضيف بصوت هامس كمن يحدث نفسه:
"لا أستطيع أن أصدق حتى الآن أنني لن أراها مرة أخرى".

وأرتجفت ديليا وهي تستمع الى هذه الصرخة التي خرجت من أعماق أدموند وتولاها الفضول لتعرف المزيد عن هذه المرأة , ونظرت الى أدموند المستلقي بجوارها , وشعرت برغبة شديدة في أن تمد يدها لتلمس صدره العاري ولكنها أفاقت الى نفسها وأنتفضت واقفة فرفع أدموند يده عن عينيه ونظر اليها بدهشة متسائلا:
" ماذا حدث؟".
" لا شيء ... أنني ... أنني أريد العودة الى الغرفة لأضع بعض الثياب , الشمس حارقة هنا , هل يمكنني أخذ منشفتي؟".



اماريج 15-11-10 06:35 AM

فنهض أدموند واقفا وهو يسحب المنشفة ويسلمها لها قائلا:
" سأذهب معك . فأنني أريد أن أرتدي قميصا نظيفا".
وفي طريقهما الى غرفتهما , قابلا ريتا التي أبلغتهما بأن طعام الغداء قد أعد.
وقالت تحدّث أدموند:
" لماذا لم تقل لنا أن لك زوجة على هذا القدر من الجمال؟".
ولكن أدموند تجاهل حديثها , ومضى الى الغرفة بدون أن يلتفت اليها.

وتبعته ديليا الى الغرفة , ولم تجد أحدا من الهنود في الشرفة هذه المرة , وخلع أدموند ثوب أستحمامه في الغرفة بدون أي حرج ووضع قميصا وشورتا نظيفا , أما ديليا فبدّلت ثيابها في الحمام , وعندما خرجت كان أدموند يجلس على حافة الفراش يقرأ في صحيفة أحضرتها معها , وأدركت على الفور أنه فتح حقائبها
فتولاها الغضب للحظة , وكانت على وشك أن تقول له أنه لا يحق له التفتيش في حقائبها بدون أذن منها , ولكنها تراجعت وهي تفكر بأن أدموند لم يفعل ذلك عن قصد , وأنه مثل الهنود يعتقد أن من حقه مشاركتها في كل شيء.
منتديات ليلاس
نظر أدموند اليها وأخذ يتفحصها بعينيه ببطء , ثم قال:
"ريتا على حق فأنت جميلة , لقد نسيت كم أنت جميلة".
وأرتبكت ديليا , وشعرت بالسعادة لأنه ما زال يراها جميلة , ولكنها أستاءت لأنه نسي ذلك".
ثم أضاف أدموند:
" ولكن لا بد أن يكون بن ديفيز فقد عقله ليرسلك الى هذا المكان لتكتبي له مقالات".
كانت تود لو تقول له أنها حضرت الى هذا المكان من أجله فقط , ولكنها تراجعت , كانت تشعر أنه ما زال يتخذ حيالها موقفا عدائيا , فقالت:
" ولماذا لا يرسلني بن ديفيز , لقد عملت معه لفترة طويلة , وكان عليه أن يتيح لي مثل هذه الفرصة لأثبت كفاءتي".

" أعرف ذلك , وأنا سعيد لأنه أتاح لك الفرصة أخيرا , ولكن كان يمكنه أن يرسلك الى أي مكان آخر أكثر ملائمة لك, فأن مثل هذه الأدغال ليست المكان المناسب لك".
فقالت محتجة:
" أنني لا أرى سببا لذلك , فنساء كثيرات غيري حضرن الى هذا المكان وأقمن فيه , لقد أخبرتني بنفسك عن السيدة التي كانت تعمل معك في فيتينال , وأذا كان بأمكان هذه السيدة السفر الى الأدغال والعيش بين القبائل البدائية , فيمكنني أنا أيضا أن أفعل ذلك".

فردّ أدموند بصوت هادىء وهو ينظر من جديد الى الصحيفة:
" أن أنغريد كانت شخصية لا مثيل لها".
فقالت ديليا وقد بدأت تشعر بالغيرة:
" تعني أنني لست مثلها؟".
" ليس تماما".
" أعتقد أنك لا تريد وجودي في مثل هذا المكان , ليس لأنه غير مناسب لي , ولكن لأنك لا تريدني معك ".

فقال بأنفعال:
" أن ما أريده لا دخل له في هذه المسألة , ما كان يجب أن تحضري الى هنا".
وشعرت ديليا بالأستياء , فبدل أن ينعما بلقائهما ها هما يتشاجران من جديد , وهل هي تغار من أمرأة لم تعد على قيد الحياة
فأنفجرت قائلة:
" أنك ما زلت كما أنت ولم تتغير , أنت لم تردني أبدا الى جانبك , مانويل سانتوس أحضر زوجته معه, أما أنت فتريدني بعيدة عنك , كان عليّ أن أبقى وحيدة في لندن أنتظرك , لم أكن بالنسبة لك سوى فتاة تشاركها الفراش عندما تعود الى لندن , ثم لا تلبث أن يعاودك الحنين الى الأدغال فتتركها من جديد, أنك لم تكن تريد زوجة, ولذلك ترددت كثيرا قبل أن تقدم على الزواج".

توقفت ديليا عن الحديث وقد شعرت بالدموع تتجمع في عينيها , ونهض أدموند في حركة مفاجئة , ووجدت ديليا نفسها تتراجع الى الخلف رغما عنها
ولاحظ أدموند ذلك فقال لها:
" لا تخافي فأنني لن ألمسك , ربما أكون قد نسيت بعض الأشياء ولكنني لم أنس ما حدث في آخر لقاء لنا عندما لمستك , كما أنني لم أنسى السبب الذي دفعني للزواج منك , وأن كان يبدو أنك قد نسيته , والآن , أذا كنت على أستعداد فلنذهب لتناول الغداء".

وأتجه أدموند الى الباب وخرج من الغرفة , وتبعته ديليا مسرعة لأنها لم تكن تعرف المكان الذي يقدّم فيه الطعام.
دخلا الى أحد المباني حيث وجدا لويز ومانويل وريتا والممرضتين يجلسون الى أحدى الموائد , ونظرت اليهما ريتا وهي تبتسم , وأشارت الى مقعد خال بجوارها , وقالت ليديليا:
" تعالي أجلسي بجانبي , يبدو عليك الأرهاق بسبب الجو الحار والرطوبة".
منتديات ليلاس
وجلست ديليا تتناول الطعام المكوّن من الأرز والفاصوليا ونبات أستوائي يطلق عليه التبيوكا , تناول الجميع طعامهم بسرعة , ثم بدأوا في تناول القهوة وتدخين السكائر لأبعاد الناموس عنهم , فقالت ريتا:
" والآن يمكنك أن تأخذي قسطا من الراحة في غرفتك , وبعد ذلك, ستذهبين معنا أنا وأدموند ومانويل الى أحدى القرى القريبة لزيارة رجل مريض".

كانت ديليا بحاجة الى الراحة فعلا , ألا أنها لم تتمكن من النوم على الفور بسبب الأنفعالات النفسية التي كانت تتصارع داخلها.
ولم يحضر أدموند لينال قسطا من الراحة, فظنّت ديليا أنه لا يريد أن يبقى معها , وأخذت تحدث نفسها قائلة: لماذا حضرت الى هذا المكان وماذا أتوقع؟ هل كنت أتوقع عودة المياه الى مجاريها مع أدموند بنفس السرعة التي دخل بها الحب الى قلبينا؟.
أخذت ديليا تعتقد أن أدموند تغيّر , فقد بدا لها أنسانا غريبا وباردا متحفظا , وفكرت في أنه ربما يعتقد أنها قد تغيّرت أيضا , لقد باعدت الأيام بينهما فترة طويلة.

نهاية الفصل الثاني



اماريج 15-11-10 06:37 AM


3- دعي كل شيء للقدر

أستغرقت ديليا في النوم أخيرا , وعندما فتحت عينيا من جديد , نظرت حولها بدهشة وهي لا تكاد تذكر أين هي , وفجأة تنبهت الى صوت الباب يفتح برفق, فتذكرت أنها لم توصده من الداخل
ورأت وجه ريتا يطل من فتحته وهي تهمس قائلة:
" هل أخذت قسطا من الراحة؟ أن الوقت قد حان لذهابنا".
فقفزت ديليا من الفراش وهي تسأل ريتا:
" هل يمكنني الذهاب بهذه الملابس؟".

" بالطبع, يمكنك أرتداء أي شيء مريح , نحن هنا في الأدغال ولسنا في نيويورك أو لندن , ولا تنسي أن تحضري معك دفترك وآلة التصوير , كما لا تنسي أحضار بعض الهدايا لرجال القبيلة التي سنقوم بزيارتها , لأنهم يحبون الحلوى والسكائر والصابون أيضا".
وسألت ديليا ريتا وهما تتجهان الى الجيب:
" كم مضى عليك في بوستو أورلاندو؟".

" حوالي ستة أشهر , مانويل يفضّل العمل هنا في الأدال مع عمه , ولكنني أشعر بالتمزق , وأنا حائرة بين رغبتي في البقاء في جواره هنا , وبين لهفتي للبقاء بجانب أطفالي".
" أطفالك؟ كم طفلا لديك؟".
فتنهدت ريتا وهي تقول:
"ثلاثة , كلهم أولاد ثمانية أعوام وستة وأربعة".

" ومن يعتني بهم الآن؟".
" أمي وأخواتي , أنا مطمئنة لعنايتهن الفائقة بهم , ولكنني أفتقدهم بشدة".
" ألا يمكنهم المجيء أثناء العطلة؟".
" مانويل يريد ذلك , ولكن لا يمكنني المجازفة بأحضارهم لأن الملاريا منتشرة هنا ولم يسلم منها أحد , لويز يصاب بها كل شهر مما أثّر على صحته , ومانويل أصيب بها أكثر من مرة , كما أصبت بها أنا أيضا , أما بالنسبة للأطفال , فأن الأصابة قد تكون مميتة".
منتديات ليلاس
" ولكن من الممكن الوقائة منها الآن , لقد أحضرت بعض الحبوب التي تقيني من الأصابة".
" هذا حقيقي ,ولكن يجب المواظبة على تناول هذه الحبوب , وهذا يحتاج الى مال كثير , وهو السبب الذي أتى بزوجك الى هنا, فهو يقوم بأعداد تقرير عن الأموال اللازمة للأمدادت الطبية , وسيقدم هذا التقرير الى المسؤولين لدى عودته الى لندن , قدمت تقارير بشأن هذه المسألة من قبل , ولكن أحدا لم يتحرك".

فقالت ديليا مؤكدة:
" أنا على ثقة بأن أدموند سيدفعهم للقيام بأي عمل".
وكان مانويل يتولى قيادة السيارة , فجلست ريتا بجانبه , وجلست ديليا مع أدموند في المقعد الخلفي , كما جلس معهما شاب هندي يدعى جيكارو يحمل معه بندقية , ويرتدي قبعة عريضة من القش يتدلى من تحتها شعره الأسود الطويل.
كان أدموند يضع قبعة مماثلة , وقد بدا أنيقا ساعده على ذلك قوامه النحيل المتناسق وملامحه الدقيقة .

وتمنّت ديليا وهي تنظر اليه أن تمد يدها لتلمسه , لم تعد تقوى على كتمان حبها له أكثر من ذلك , ولكنها تماسكت , وسألته والسيارة تشق طريقها وسط الأدغال...
لماذا يحمل الرجل الهندي بندقية؟".
" من أهم الأشياء التي يعرفها من يعيش في الغابة , هو ألا يذهب الى أي مكان من غير بندقية أو سلاح, لأنه من السهل أن يضل الأنسان طريقه بين الأدغال , وعندئذ يصطاد أي حيوان للحصول على غذائه".
" وهل كانت معك بندقية عندما ضللت طريقك في الأدغال".
" نعم, أخذت البندقية التي كانت موجودة في الطائرة".



اماريج 15-11-10 06:38 AM

ثم نظر أدموند الى القبعة التي كانت ديليا تمسك بها وقال:
" يجب أن تضعي القبعة لحماية رأسك من الحشرات التي قد تسقط من فوق الشجرة".
وأسرعت ديليا بوضع القبعة فوق رأسها , وفجأة سقطت على ركبتها حشرة كبيرة عليها شعر غزير , فصرخت فزعة وهي تحاول أبعادها بيدها
ولكن أدموند نهرها قائلا:
" لا تلمسيها بيدك , أن شعرها سام".
ثم أخرج سكينه , وأزاح بها الحشرة بعيدا , وهو يقول:
" قلت لك مرار بأنك لا تصلحين للعيش في الأدغال".
ثم أضاف يؤنبها:
" أكان من الضروري صراخك هذا؟".

وضحكت ريتا ومانويل , وشعرت ديليا بالخجل , فقالت بأرتباك:
" أنني , أنني لم أستطع أن أمنع نفسي , فأنا لا أطيق رؤية الحشرات أو الثعابين".
فرد أدموند:
" أنا أيضا لا أطيق رؤيتها , ولكنني لا أصرخ أو أبالغ في أظهار خوفي أذا صادفني بعض منها".
فقالت محتجة:
"هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها الأدغال , ولم تتح لي الفرصة بعد لأرى ما أذا كنت أستطيع العيش فيها أم لا".
منتديات ليلاس
" لن تتاح لك الفرصة لذلك , لأنك ستعودين الى برازيليا غدا , وعندما أعود الى المركز سأطلب من لويز ذلك , لأن صحتك لا تساعدك على البقاء في مثل هذه الأجواء".
فأجابت ديليا بحدّة:
" ولكن هذا ليس صحيحا , فأنا قوية مثلك تماما , وكلنا نعرف أن النساء لهن قدرة على التحمل أكثر من الرجال".
فقال أدموند ببرود:
" بعض النساء لديهن مثل هذه القدرة , ولكن ليس من الضروري أن تكوني واحدة منهن, قد تصابين بالملاريا بالرغم من أية أحتياطات".

فقالت ديليا بصوت مختنق بالبكاء:
" وهل يهمك هذا؟".
" بالطبع يهمني , الأطباء لديهم ما يكفيهم من متاعب العناية بالمرضى الهنود".
" حسنا , يمكنك أن تفعل ما تريد , ولكنني لن أعود الى برازيليا ألا بعد أن أنتهي من العمل الذي حضرت من أجله".
ثم نظرت اليه في تحد وهي تضيف:
" أنك لن تستطيع التخلص مني بهذه السهولة , فأن لويز يؤيدني في موقفي".
ولم يرد أدموند بل رمقها بنظرة تهكمية قبل أن يشيح بوجهه بعيدا.

وبعد أن وصلت السيارة الى منحنى في الممر , دخلت الى منطقة متسعة رأت فيها ديليا ثلاثة أكواخ كبيرة أسقفها على هيئة القباب تحيط بكوخ آخر مستطيل الشكل.
وما أن أقتربت السيارة , حتى خرج عدد من الكلاب الهزيلة من الأكواخ ينبح بشدة , كما جرى عدد من الأطفال العراة يختبؤون ولكن ما أن توقفت السيارة حتى توقف نباح الكلاب وبدأ الأطفال يعودون وهم يحملقون بالسيارة وبالأشخاص الذين نزلوا منها.

وتجمع عدد من الرجال الهنود , وكانوا طوال القامة يطلون وجوههم باللون الأحمر , ويحيطون أيديهم بشرائط من الريش زاهية الألوان , وأخذ الجميع يتحدثون بصوت واحد وبلهجة غريبة , فقالت ريتا تشرح الأمر لديليا:
" أنهم يشعرون بقلق شديد لمرض الرجل العجوز , ويريدون من أدموند ومانويل أن يتوجها فورا اليه , أما نحن فأن جيكارو سيصحبنا في جولة داخل القرية".

وأخرجت ديليا من حقيبتها الهدايا التي أحضرتها معها , ووزعتها على الهنود الذين تقبلوها بفرح بالغ , وتقدّمت سيدة مسنة , وأخذت بيد ديليا تقودها الى مدخل أحد الأكواخ وهي تشير لها بالدخول.
وكان الجو رطبا ومنعشا داخل المكان , وقد جلست بعض النساء على الأرض يصنعن السلال , وتدلت في جانبي المكان بعض شباك النوم وقد أستلقت عليها سيدتان تحملان طفلين صغيرين.
وقالت ريتا تترجم لديليا حديث جيكارو:
" أن حوالي عشرين شخصا يعيشون في كل كوخ , وكل عائلة لها ركن خاص بها , وتقوم بتخزين غذائها ومعدات الصد الخاصة بها فوق أحدى المنصات المقامة في وسط المكان".

وقالت ديليا بدهشة:
" أن الأطفال في منتهى الهدوء , ألا يبكي أحدهم أبدا؟".
فقالت ريتا:
" أنني لم أسمع بكاء طفل منذ حضوري الى الأدغال , أعتقد أن السبب يعود للحياة البسيطة التي يعيشها الوالدان , مما يتيح لهما الوقت لللازم لرعاية الأطفال ومنحهم الحب والحنان... لويز يقول يمكننا أن نتعلم منهم فن الحياة, وأعتقد أنه على حق".
ثم أضافت ريتا بلهجة يشوبها الحزن:
" كم أفتقد أولادي , وأتمنى البقاء معهم , لا أدري ماذا أفعل يا ديليا , هل أترك مانويل وأعود اليهم , أو أحضرهم ليعيشوا هنا ويتعرضوا لخطر الأصابة بالملاريا أنني في دوامة".
منتديات ليلاس
وخرجوا من الكوخ يمشون بحذر بين الببغاوات والدجاج الذي كان يلتقط الطعام من الأرض , وقدمت السيدة المسنة أحدى السلال هدية لديليا , وعندما وصلتا الى السيارة كان مانويل وأدموند قد سبقاهما اليها, ووقفا الى جانبها يتحدثان مع شاب هندي قوي البنية زيّن شعره بالريش الملون, قالت ريتا أن الشاب زعيم القبيلة.
ثم أستطردت تكمل حديثها الذي بدأته في الكوخ:
"أعتقد يا ديليا أنك أيضا تعيشين في دوّامة مثلي تماما".

فنظرت اليها ديليا بدهشة , وهي تتساءل:
" ماذا تعنين بذلك؟ فأنا ليس لديّ أطفال؟".
" أعرف ذلك , ولكن زوجك مثل مانويل يحب العمل والعيش مع القبائل البدائية , وسمعت أن الأستاذ رودريغز طلب من أدموند البقاء في بوستو أورلاندو لأن مراكز رعاية القبائل تفتقر الى الأطباء دوي الخبرة , وأذا قرّر أدموند البقاء هنا , فسيكون عليك أن تقرري البقاء معه أو العودة الى أنكلترا".
وردت ديليا بصوت هامس:
" فعلا سيكون عليّ أن أقرر ذلك".




اماريج 15-11-10 06:39 AM

ولكنها كانت تشعر في قرارة نفسها بأن أدموند لا يريدها حتى في زيارة قصيرة, ولذلك من غير المحتمل أن يطلب اليها البقاء معه أذا قرر الأستمرار في عمله.
تأكدت لها هذه الحقيقة أكثر عندما أتخذ أدموند مقعده في السيارة الى جانب مانويل حتى لا يجلس الى جانبها في طريق العودة , أنه لا يريدها وهي التي حضرت الى هذه المنطقة النائية على أمل أحياء شعلى الحب التي خبت, ولكن أصبح واضحا لها الآن أن هذه الشعلة قد أنطفأت ولم تخلف سوى الرماد!
جلست ديليا صامتة في طريق العودة الى المركز, وكانت تشعر بحزن عميق لما وصلت اليه العلاقة بينها وبين أدموند.

وعندما وصلوا الى المركز , كان طعام العشاء معدا, فجلست تتناول بنهم شديد الأرز والفاصوليا , بينما أخذ لويز يحدثها عن البرنامج الذي أعدّه لها خلال الأيام القادمة , أنصتت اليه وهي تراقب وجه أدموند بأنتظار أن يفعل ما هدّدها به, وأن يطلب من لويز أعادتها الى برازيليا غدا.
وقال لويز:
" سنذهب الى بينوروس عن طريق النهر غدا , وسيكون بأمكانك التمتع بجمال المناظر الطبيعية , ولن نصل الى الموقع الذي نقصده قبل يومين , وفي الطريق سنقضي ليلة في العراء ., ويمكنك قضاء يومين في بينوروس قبل العودة الى بوستو أورلاندو للحاق بطائرة الأمدادات العائدة الى برازيليا".
منتديات ليلاس
ثم أضاف وهو ينظر الى أدموند مبتسما:
" وأثناء أقامتنا في بينوروس سيمكنكما الذهاب الى أحدى القرى المنعزلة حيث تعيش قبيلة من أغرب القبائل وأكثرها أثارة , وبعد ذلك يمكنك يا أدموند أن تعود الى المدينة من جديد , وتقدّم تقريرك الذي تأمل الكثير من ورائه".
فقال أدموند وهو ينفث دخان سيكارته بقوة ليطرد الناموس:
" أعترف بأنني لا أريد مغادرة بوستو أورلاندو والعودة الى المدينة , فأن حياتي هنا وزيارتي الى فيتينال والأماكل الأخرى كانت تجربة رائعة بالنسبة اليّ , فلأول مرة في حياتي عشت أيامي كما أردت دائما أن أعيشها , حياة بسيطة لا تعقيد فيها".

ثم سحب نفسا عميقا من سيكارته وهو يضيف:
" لقد شعرت في بعض الأحيان , وخاصة أثناء وجودي في فيتينال بأنني أعيش في الجنة".
فضحك لويز وهو يقول:
" لا , ليس الى هذه الدرجة , لقد أحتفظنا بها لتدخلها مع زوجتك الجميلة , فأن الرحلة الى بينوروس والقرية الأخرى ستكون بمثابة شهر عسل جديد لكما".
ثم التفت لويز الى ديليا قائلا:
" أعتقد يا ديليا أنك بحاجة الى النوم الآن , وسنغادر الى بينوروس قبل طلوع النهار , تصبحين على خير".

كانت ديليا لا ترغب في الذهاب قبل أن يغادر أدموند المائدة خوفا من أن يطلب من لويز ترحيلها , ولكنها شعرت بالأرهاق الشديد , فأنسحبت من المكان وأتجهت الى غرفتها.
كان الجو حارا في الغرفة , والناموس يتجمع حول المصباح الصغير الذي يضيئها , فأستخدمت ديليا مبيد الحشرات الذي أحضرته معها , وبينما كانت تعد فراشها للنوم أنطفأ النور فجأة.

تسللت ديليا الى فراشها , ووضعت فوقها الغطاء , ولكنها لم تستطع التخلص من مضايقات الناموس , فأستلقت على ظهرها وهي تسترجع قول لويز ( شهر عسل ثان) كيف يكون هناك شهر عسل ثان بينها وبين أدموند بعد أتساع الهوة بينهما الى هذه الدرجة؟ وأخذت تحسب الأيام التي قضياها معا منذ زواجهما قبل حوالي عامين ونصف العام , ووجدت أنها لم تمض مع أدموند بالفعل سوى أربعة أشهر فقط طوال فترة زواجهما , ولذلك فكّرت أنه ليس غريبا ألا تعرف عنه الكثير أو تفهم طباعه , فأنها لم تحاول أن تفهمه خلال الأوقات القليلة التي كان يمضيها معها , وأعترفت لنفسها بأنها لم تحاول ذلك بالفعل , كل ما كان يهمها هو أن يعود اليها بعد سفره ويعوّضها الحب الذي كانت تفتقده في غيابه.

وفي المرة الوحيدة التي عاملها فيها بعنف ودون أعتبار لرغباتها , ثارت وتصرفت بطريقة طفولية , أنها حتى لم تحاول الأستماع اليه وهو يشرح لها الأسباب التي دفعته الى هذا التصرف.
وتنبّهت ديليا فجأة على صوت الباب يفتح برفق ثم يغلق , وتراقص ضوء مصباح في ظلام الغرفة , وبدا وكأن أدموند تعثّر في حقيبتها الموضوعة بجانب الفراش.

ثم أتجه بعد ذلك الى الحمام حيث سمعته يغتسل , وبعد أن أقترب من فراشها وضع المصباح على المائدة بين السريرين , وسمعت ديليا صوت حذائه وهو يقذف به فوق الأرض , وسمعته وهو يخلع ملابسه , ثم صوت صرير الفراش وهو يستلقي فوقه.
وأطفأ أدموند المصباح
وساد الصمت فترة
ثم سمعت أدموند يهمس قائلا:
" ديليا , هل أنت مستيقظة؟".
" نعم".
" أريد أن عرف لماذا طلبت من لويز ألا يخبرني بمجيئك الى هنا؟ قلت أنك ستشرين لي الأمر فيما بعد".

وشعرت ديليا بحلقها يجف فجأة , وأضطربت وودّت لو أن لديها الشجاعة لتخبره بالسبب الحقيقي لمجيئها الى بوستو أورلاندو
ولكنها كانت تخشى أن يصدها من جديد فقالت:
" أنني , أنني كنت أعتقد أنك لو عرفت بأمر حضوري , ستغادر المكان".
" وهل يهمك هذا؟".
" حسنا, نعم , أن هذه المسألة تهم الناس الذين بحاجة الى وجودك معهم , والذين يهمهم أن يصل تقريرك الى المسؤولين في المنظمة التي تعمل معها".
وسألها أدموند بصوت يشوبه اليأس:
" أذلك هو السبب الوحيد؟".

فردت بلهجة حاولت أن تكون باردة:
" نعم , فأن المنظمة التي تعمل معها تريد أن تحصل على هذا التقرير في أقرب وقت ممكن".
" أعرف ذلك وسأعمل على أن يصلهم التقرير في الوقت المحدد".
" وهل ستعود الى أنكلترا؟".
" لا , ألا أذا أضطررت".
" ولكن يا أدموند يجب أن تعود".
" ولماذا أعود؟".
" لتقديم التقرير!"
" يمكنني أن أرسله , بينما أبقى أنا هنا".

فأسرعت ديليا تقول وهي تجلس في فراشها:
" ذلك لن يكون مثل تقديم التقرير بنفسك , فمن المؤكد أن ذلك سيدفعهم للأهتمام به أكثر وقد طلب مني السيد لويز أبلاغك ذلك".
" هس , أخفضي صوتك , الجدران هنا رقيقة , ويمكن لمانويل وريتا أن يسمعا حديثنا".
فقالت ديليا وهي تخفض صوتها قليلا:
" ولكنني لا أهتم بذلك , لماذا لا تريد العودة الى أنكلترا؟".
" لأنه ليس لي هناك شيء أعود اليه , أما هنا فلديّ ما أقوم به ومن يحتاج الى وجودي , وكما تعرفيت لديّ دخلي الخاص ولست في حاجةالى أي أجر".
منتديات ليلاس
وشعرت ديليا وكأن خنجرا قد أنغرس في قلبها, وسكتت لفترة وهي تحاول التغلب على مشاعر الألم التي أجتاحتها وهي تستمع الى قول أدموند , وأندفعت الدموع تتساقط من عينيها وهي تفكر بأنه ربما لا يفك أبدا في العودة اليها.
ثم قال أدموند وقد بدا عليه أنه يقاوم النعاس:
" على فكرة, طلبت من لويز أعادتك الى برازيليا غدا ولكنه رفض, لا أعرف لماذا؟".
ثم سمعته ديليا يتثاءب وهو يتقلب في فراشه ويقول لها:
" تصبحين على خير".
لم ترد ديليا, كانت تخشى أن يعرف أدموند ببكائها , وبعد فترة أستغرق أدموند في النوم , أما هي فلم تنم نتيجة لأضطرابها النفسي والحرار الشديدة في الغرفة ومضايقات الناموس.



اماريج 15-11-10 06:40 AM

وأخذت تتقلب في فراشها , ولما لم تتمكن من النوم , مدت يدها الى المصباح فأضاءته , وسارت على أطراف أصابعها حيث أتجهت الى المقعد الوحيد الموجود في الغرفة وأخذت حقيبة يدها وأخذت منها شريطا من الحبوب المهدئة ,وفي طريقها الى فراشها , قرّبت المصباح من فراش أدموند فرأته ينام شبه عار , فتخلّصت بدورها من ثيابها للتغلب على حرارة الجو ثم تناولت واحدة من الحبوب وأستلقت في فراشها , وسرعان ما راحت في سبات عميق.
وأستيقظت ديليا فجأة , وهي تشعر بيد توضع فوق كتفها وتهزها برفق , وسمعت صوتا يناديها , ثم شعرت بالغطاء يسحب من فوقها ففتحت عينيها في فزع , وجذبت الغطاء لتلفه حول جسدها العاري.
منتديات ليلاس
ونظرت حولها فوجدت الغرفة تسبح في ضوء النهار , وقف أدموند الى جانب فراشها ينظر اليها وقد أرتدى ثيابه كاملة.
فسألته في خشونة:
" لماذا سحبت الغطاء عني؟".
" لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لأيقاظك فورا , لدينا موعد هذا الصباح للذهاب الى بينوروس , وقد حان الوقت لتستيقظي وتعدّي حقيبتك".
ثم أنحنى فوقها وهو يتفحص عينيها وقال:
"تبدين كأنك أفرطت في الشراب ,ولم تستيقظي على الفور عندما حاولت أيقاظك , أنك تبدين كالمخدرة".
ثم سألها بحدة وهو ينظر الى المائدة:
" هل تناولت شيئا من هذه الحبوب الليلة الماضية؟".
" نعم, كنت أشعر بالصداع ولم أتمكن من النوم".

" هل أعتدت على تناولها؟".
" لا , أنني أتناولها فقط عندما ينتابني القلق".
وجلس أدموند الى جوارها فجأة , وأمسك برسغها ليكشف على نبضها وهو ينظر في ساعته.
شعرت ديليا بما يشبه الدوار وهي تحس بملمس أصابعه على رسغها , ورائحته التي طالما أشتاقت اليها تنفذ الى أنفها , وصدره البرونزي من فتحة قميصه الأزرق الباهت , ثم تنبّهت فجأة الى أنها عارية , فأحكمت الغطاء حول صدرها وهي تقاوم رغبة عنيفة في أزاحته جانبا والأرتماء في أحضان زوجها.
وجعلها ذلك ترتجف , فسألها:
" ماذا بك الآن؟".
" لا , لا شيء , واياك أن تقول غير ذلك يا دكتور تالبوت".

فقال أدموند بسخرية وهو يترك رسغها
"أن من يرى الطريقة التي ترتجفين بها وأنا أكشف عليك , يعتقد أنك لم تذهبي الى عيادة طبيب طيلة حياتك , نبضك مضطرب وهذا
طبيعي بعد تناول هذه الحبوب التي لن تتناولينها بعد الآن".
ثم وقف أدموند وتناول الحبوب من فوق المائدة , وهو يقول:
" أن أمرأة في سنك لا تتناول مثل هذه الحبوب لتتمكن من النوم , من وصفها لك؟".
" طبيب في لندن".
" لماذا هل كنت مريضة؟".


ثم جلس بجانبها من جديد وهو ينظر اليها بقلق , فجاهدت لتمنع نفسها من ألقاء رأسها على كتفه لتقول له ما حدث لها.
وقالت بصوت منخفض:
" الى حد ما".
" ماذا تعنين بذلك؟".
" لن أخبرك بشيء , أنه ... أنه شيء لا يهمك".
" بل يهمني , أرجو أن تخبريني".
ودفعت ديليا رأسها الى الخلف وهي تقول:
" ولماذا أخبرك؟ أنك لا تخبرني بأي شيء عن نفسك, وبأية صفة تريد أن تعرف بوصفك طبيبا أم بوصفك زوجي؟".
منتديات ليلاس
وبرقت عيناه كأنه تلقى صفعة على وجهه , ولكنه عاد يسألها:
" هل شعرت بالمرض في الفترة الأخيرة؟".
فأجابت بعناد:
" لن أقول لك شيئا".
وساد التوتر بينهما , وجلسا يحدّقان أحدهما في الآخر
ثم نهض أدموند فجأة وأبتعد عنها وهو يقول:
" حسنا , كما تشائين , ولكنك لن تأخذي هذه الحبوب بعد الآن".
وقبل أن تتمكن من الأعتراض , أسرع الى الحمام حيث ألقى بالحبوب في الحوض وأطلق عليها الماء.
فنهضت ديليا مسرعة , ووضعت رداءها , وجرت خلفه تحاول منعه , ولكنها لم تتمكن , فقالت بعصبية:
" ليس من حقك أن تفعل هذا".
" بالطبع من حقي أن أفعل لسببين : أولا كطبيب وثانيا كزوجك".
ثم خرج من الغرفة وهو يقول:
" سأتأكد من أنه ليس لديك المزيد من هذه الحبوب".
فأندفعت خلفه من جديد , ولكنه كان قد سبقها الى حقيبة يدها التي قلب محتوياتها على المائدة
حاولت جذب الحقيبة من يده وهي تقول بتوتر:
" أنك ... أنك كيف تجرؤ؟".



اماريج 15-11-10 06:43 AM

ولم تتمكن من الكلام بسبب أنفعالها , فتركها وأتجه الى حقائب سفرها التي أفرغ محتوياتها
فصرخت قائلة:
" ليس لديّ المزيد من الحبوب المنومة , أرجوك أن تترك حقائبي".
وتجاهلها أدموند ومضى في تفتيش الحقائب , ولما تأكد من عدم وجود شيء بها , وضع الأشياء فيها من جديد من دون أن يهتم بترتيبها.
فصرخت ديليا قائلة:
" أنظر الى الفوضى التي أحدثتها".

وأنحنت على ركبتيها لترتيب الحقائب , ولكن أدموند نظر اليها قائلا:
" يمكنك أن تفعلي ذلك بعد تناول الأفطار , ولا تنسي أن تلبسي حذاءك الطويل".

وأنحنت ديليا لتلبس حذاءها وهي تقول:
" ما كنت أعرف أنك بمثل هذه السطوة".
فألتفت اليها قائلا ببرود:
" حسنا , أنك تعرفين ذلك الآن , أنا أيضا لا أعرف عنك أشياء كثيرة , ولذلك فأن الأيام القليلة القادمة ستكون مثيرة , لأننا سنتعرف الى بعضنا بعضا , أليس كذلك؟ والآن تعالي لنأخذ قدحا من القهوة".
وتغلّبت عليها رغبتها في تناول القهوة على رغبتها في تحدي أدموند فتبعته الى خارج الغرفة , وكانت أشعة الشمس قد بدأت تملأ الكون , وبدا كأن السماء قد أمطرت أثناء الليل , ونظرت ديليا فلم تر أحدا , فقالت:
" أعتقدت أننا سنبدأ الرحلة في الفجر , والساعة الآن قد جاوزت الثامنة".

فقال أدموند وهو يبتسم أبتسامة خفيفة:
" أن لويز يعني بالفجر مرور أربع أو خمس ساعات على البزوغ , الوقت هنا لا يعني شيئا لأننا لسنا مقيدين بمواعيد قطارات أو عربات".
ثم نظر اليها متفحصا وهو يضيف:
"ربما أفادك البقاء هنا بضعة أيام لتتخلصي من هذا التوتر الشديد الذي تعانين منه".

وفكّرت ديليا فيما يمكن أن يقوله أدموند لو عرف أن هذا التوتر سببه قلقها الشديد عليه , وحزنها على هذه النهاية التي وصلت اليها علاقتهما.
فقالت في تحد:
" أعتقدت أنك لا تريدني أن أبقى".
" كان ذلك بالأمس , أما اليوم فالمسألة تختلف , فأنت هنا بالفعل وسنذهب الى الرحلة معا , وليس الأمر بيدي لأغير هذا البرنامج".
وهزّ أدموند كتفيه, وأبتسم لها أبتسامة خفيفة لأول مرة منذ حضورها الى بوستو أورلاندو
ثم أضاف:
" دعي كل شيء للقدر , وعلى فكرة , هل أحضرت معك غطاء يغطي ذراعيك لأنك ستكونين في حاجة اليه لحمايتك من أشعة الشمس الحارقة فوق المركب".

لديليا التناقض واضحا في كل ما يقوله أدموند فكيف يريد منها ألا تبقى معه , في الوقت الذي يظهر فيه قلقه عليها كما لو كان مسؤولا عنها.
ونظرت اليه ديليا خلسة , لقد تغير وجهه قليلا خلال العام الذي قضاه في الأدغال , وظهرت التجاعيد فبدا وكأنه تقدم في العمر , ورأت وجهه أكثر حزنا وهدوءا , أنها لم تر وجهه حزينا من قبل , فماذا حدث؟
هل يعود هذا الحزن الذي تراه مرتسما أيضا عل وجه لويز الى حياتهم وسط هذه القبائل البدائية التي تعاني من الظروف المعيشية الصعبة؟ أو ربما تعود مسحة الحزن على وجه ـدموند الى حادث الطائرة الذي راحت ضحيته أنغريد.
منتديات ليلاس
ووجدت ديليا نفسها تسأل أدموند:
" أين فيتينال؟".
" أنها الى الغرب من هنا , وهي جزيرة في وسط نهر متسع وتعتبر جزيرة عذراء في غاية الجمال , تم أكتشافها منذ بضع سنوات فقط".
" لماذا وصفتها بالجنة؟".
" لأن الحياة عليها بسيطة للغاية , كنا منعزلين تماما عن العالم الخارجي , ولم يعد الوقت له معنى بالنسبة الينا".
ثم تنهد أدموند وهو ينظر الى بعيد وكأنه يرى شيئا لا يمكنها رؤيته .
فسألته ديليا وقد بدأت تشعر بالغيرة من جديد:
" هل كانت أنغريد تشاركك هذا الشعور؟".

" ربما".
ثم نظر اليها في حيرة وهو يضيف:
" على الرغم من أنني لم أسمعها أبدا تقول ذلك".
" كيف كانت تبدو؟".
فرفع أدموند حاجبيه وهو يتساءل :
" ما هذا ؟ هل هو تحقيق صحفي للمجلة؟ وهل تفيدك أية معلومات عن أنغريد في كتابة مقالاتك عن الأدغال؟".
فشعرت ديليا بالحرج , وتصاعدت الدماء الى وجنتيها لتفضح سر أهتمامها بأنغريد.

وضاقت عينا أدموند , ثم نظر الى أسفل وتنهد وهو يقول:
" حسنا , سأقول لك كل شيء عنها , كانت صغيرة الحجم ورقيقة للغاية , وشعرها أشقر وقصير يتهدّل على جبينها , وكانت تتخلله بأصابعها وتدفعه الى الخلف عندما تكون منفعلة".
ثم أسند أدموند مرفقه الى المائدة , ووضع يده على عينيه وهو يقول:
" كانت جميلة من كل النواحي , ولقد أحببتها أنا ونيل".

وصدمت ديليا لدى سماعها ذلك
ولم تدر ماذا تفعل فمدت يدها في عصبية لتأخذ سيكارة أشعلها لها أدموند وهو ينظر اليها فيما يشبه العتاب:
" أليس هذا ما أردت معرفته , أليس كذلك؟ تماما كما أردت أن تعرفي ما حدث بيني وبين مارشا وما أذا كنت أراها جذابة أم لا , حسنا أنت تعرفين الآن أنني أحببت أتغريد كما أحبها كل شخص عرفها , ولكن ذلك لا يعني أنني ذهبت معهاالى الفراش أو كانت تربطني بها قصة حب , لقد كنا أصدقاء , نعمل معا ونعيش في نفس المكان , وأذا كنت تريدين معرفة المزيد من التفصيلات , فأعرّفك أن أنغريد كانت تكبرني بحوالي أثنتي عشر عاما , والآن هل تريدين معرفة شيء آخر أم يمكن لخيالك الخصب تصور الباقي؟".



اماريج 15-11-10 06:47 AM

وشعرت ديليا بأنها تنهار وهي تستمع الى أدموند , وأحست بمهانة لم تشعر بها من قبل
ولكنها قالت في تحد:
" أن خيالي ليس خصبا مثل خيالك الذي صوّر لك مرة وجود علاقة بيني وبين بيتر".
" من الممكن أن تكون هذه العلاقة موجودة الآن أيضا, أنسيت أنني كنت أستند الى حقيقة ملموسة , لقد رأيتكما بعيني تتبادلان الحب".
" لم نكن نتبادل الحب".
" أذا ماذا كنتما تفعلان بحق الجحيم؟".

" لقد حاولت أن أشرح لك الأمر , ولكنك لم تنصت الي".
" وبعد أن تركتني وخرجت من المنزل , سمعت القصة كلها من حبيبك شخصيا".
" من بيتر؟".
" نعم من بيتر , ذهبت اليه في المساء لأرى ما أذا كنت قد ذهبت اليه".
ثم توقف أدموند ليشعل سيكارة أخرى, فقالت ديليا تستحثه على الحديث:
" وماذا قال لك؟".
" بدت عليه الدهشة وأنا أسأله عنك , ولكنه كان لطيفا معي , ودعاني للدخول لأنه كان يريد التحدث معي بوصفنا صديقين متحضرين , وأفهمني بطريقة هادئة وعملية بأنه كان من الجنون لشخص غير مستقر مثلي أن يتزوج".
ثم أمسك أدموند بذقنها ونظر أليها في تهكم وهو يقول:
" وافقته على ذلك بالفعل, لقد كنت مجنونا حقا عندما تزوجتك".

فسألته ديليا:
" هل هذا هو كل ما قاله؟".
" لا , قال لي بصراحة أنك غير سعيدة".
" وأنت, هل صدقته , كيف يمكنك ذلك يا أدموند؟".
" لم يكن من الصعب علي أن أصدقه بعد ما حدث بيننا في غرفة النوم , لقد قاومتني وكأنني شخص غريب عنك وليس زوجك الذي عاد بعد غياب عدة أسابيع قضاها في عزوبية مريرة".

نظرت اليه ديليا بأسى فأبتسم وهو يضيف:
" نعم , كنت دائما مخلصا لك وأنا بعيد عنك".
" كنت خائفة, وكنت غاضبا , ولم أرك من قبل في مثل هذه الحالة".
توقفت ديليا عن الحديث وفكرت لو تصارحا هذكذا منذ خمسة عشر شهرا , ما حدثت هذه القطيعة بينهما.
ثم أنتبهت لصوت أدموند قائلا:
" كنت أعتقد في ذلك الوقت, أن من حقي الغضب".
ثم ضحك متهكما وأضاف:
" لقد تصرفت بالطريقة التقليدية لأول مرة في حياتي , كرجل في الأزمنة البعيدة يعود الى منزله ليفاجأ بزوجته بين ذراعي عشيقها".

فصاحت ديليا مؤكدة:
" بيتر لم يكن عشيقي".
" بالنسبة له , كان الوضع مختلف".
" كان يكذب عليك , صدقني يا أدموند , قبلت الخروج معه لأنه أكّد لي أنك طلبت منه ذلك , هل طلبت اليه ذلك بالفعل؟".
" ربما قلت له ذلك بطريقة عارضة , ولكنني لم أطلب منه أن يقوم بدور الزوج , كانت هذه فكرته هو , ولم تضايقني في البداية , ولكن بعد أن رأيتكما معا وجدت نفسي فجأة في موقف كنت قد قررت دائما أن أتحاشاه".

ثم نظر اليها نظرة جامدة
وهو يضيف بمرارة:
" نفس الموقف الذي رأيت أبي يقفه مرتين!".
فشهقت ديليا وقالت:
" تعني أن والدتك".
ثم وضعت يدها على فمها وهي تضيف:
" لم أكن أعرف".
" بالطبع لم تعرفي لأنني لم أخبرك بذلك".

" ليتني عرفت ذلك من قبل , لو كنت عرفت , فربما فهمت سبب غضبك الشديد , ولكن كيف يخبرك بيتر بأنني لم أكن سعيدة ؟ وهل أخبرك لماذا؟".
" قال أنك تتوقعين شيئا أكثر من زواجك بي , وقال أنك في حاجة الى زوج مثله يعود الى البيت في الخامسة من كل مساء ويشتري لك منزلا جميلا , ويمنحك أطفالا".
ثم أنفجر ضاحكا وهو يتابع:
" يا للجحيم , لقد ألقى عليّ محاضرة عّد لي فيها كل ما أفتقر اليه , حتى أنني بعد الأستماع اليه أقتنعت بأنني أرتكبت خطأ بزواجي منك , وقررت الخروج من حياتك بأسرع وقت ممكن , وهذا ما فعلته".

وقالت ديليا بتعاسة:
"ما كان يحق لبيتر أن يقول لك ذلك , وأنت , أنت كيف تصدقه تذهب هكذا بدون أن تقول لي شيئا , أوه يا أدموند لماذا فعلت ذلك؟".
فقال بلهجة ساخرة:
" هجرتك يا عزيزتي , لكي أسهّل لك الحصول على الطلاق, ألم يخبرك بيتر بذلك؟".
ثم نهض أدموند واقفا وهو يقول:
" سأذهب الآن لأمر على المرضى , فأذهبي الى الغرفة لتعدّي حقائبك".
منتديات ليلاس
وخرج أدموند, وجلست ديليا تحتسي ما تبقى في قدح القهوة وهي تفكر في كل ما قاله, الآن وضح لها السبب الذي دفع أدموند الى هجرها , لقد أقنعه بيتر أعز أصدقائه , بأنها لا تريده , ولكنه ما كان ليصدق ذلك لولا موقفها منه في غرفة النوم.
ووضعت ديليا رأسها بين يديها في أسف وحسرة وهي تتذكر الطريقة التي تصرفت بها مع أدموند.
ولكن ماذا يمكنها أن تفعل الآن ؟ وكيف تثبت لأدموند أسفها على ما حدث؟ وكيف تقرب اليه وقد بدا أنه لم يعد يحبها؟ وكيف يمكنها أصلاح ما أفسده بيتر؟
ثم رددت كلمات أدموند لها: دعي كل شيء للقدر , أنا أيضا لا أعرف عنك أشياء كثيرة , ستكون الأيام القادمة مناسبة لنتعرف على بعضنا أكثر , وفجأة أبتسمت ديليا بثقة وذهبت لأعداد حقائبها.

نهاية الفصل الثالث


اماريج 16-11-10 06:31 AM

4_الليل في الغابة

بدأت الرحلة الى بيتوروس وأستقل الجميع قاربا طويلا , وضع المحرك في المنطقة الوسطى منه , وغطي بسقف أستند الى قوائم خشبية.
ووضعت الأمتعة والأمدادات الطبية في المنطقة المسقوفة التي وضع فيها أيضا مقعدان خشبيان طويلان لجلوس الركاب.

جلس لويز وأدموند على المقعدين يتحدثان , وقد بدا عليهما الأهتمام الشديد , فيما توجّهت ريتا وديليا الى السطح العلوي للمركب حيث جلستا تحت أشعة الشمس , أما مانويل وجيكارو وميجاي وكلاهما من بيتوروس فكانوا يتبادلون قيادة المركب.
كان النهر متسعا , وبدت مياهه داكنة , ولكن سرعان ما تغيّر لونها الى اللون الأخضر بعد أن ألتقى النهر بنهر آخر.
وسألت ديليا ريتا عن السر في تغير لون المياه.
فقالت ريتا توضح لها الأمر:
" يوجد في الأدغال نوعان من الأنهار , النوع الأول يطلق عليه النهر الأسود , والنوع الثاني يطلق عليه النهر الأبيض , وهذا النوع الأخير تسبب مياهه الأمراض , لأن فيه حشرات كثيرة , ومن المحتمل جدا أن تصابي بالملاريا أذا لدغتك بعوضة وأنت تمرين بهذا النهر , وأرجو ألا تكوني نسيت تناول الحبوب اليوم".

كانا ديليا قد نسيت تناول حبوب الملاريا بالفعل , فبحثت في حقيبتها وأخرجت بعضا منها , ولكنها لم تجد ماء لتتناولها فقالت لها ريتا أن جيكارو سيعد القهوة حالا ويمكنها أن تبتلع معها الحبوب.
كان المنظر رائعا من حولهم وقد أنساب المركب في رفق فوق سطح الماء ,. وأحاطت بهم من الجانبين الأشجار الكثيفة , وأمتدت الخضرة على طول ضفتي النهر, وكانت بعض المناطق تتكون من الصخور الحمراء.

وفي المناطق المتسعة من النهر , كانت الشواطىء تبدو رملية وكان يمكن رؤية التماسيح وهي ترقد تحت أشعة الشمس , ثم تهرب عائدة الى الماء عند أقتراب المركب.
وفي هذه اللحظة , توقف محرك المركب , وأخذ مانويل في أصلاحه , ونظرت ديليا في رجاء الى أدموند الذي صعد الى السطح ليجلس بجانبها
وسألته:
" هل يمكننا السباحة في هذه المياه؟".
فقال لويز:
" لا , لأنها مليئة بأسماك البيرانا المتوحشة".

فرد أدموند:
" ولكننا في فيتينال كنا نسبح في الأنهار التي تكثر بها هذه الأسماك".
فقال لويز:
" لكنني لن أسمح لكما بالسباحة هنا".
فردت ديليا بسرعة وقد أفزعتها فكرة وجود مثل هذه الأسماك المتوحشة :
" المسألة لا تهم , فهل هناك من وسيلة أخرى لتخفيف حدة الحرارة؟".
فقالت ريتا:
" يمكنك أرتداء لباس السباحة ونملأ دلو بمياه النهر نرطب به أجسامنا".
فصاحت ديليا مستحسنة هذه الفكرة , وسرعان ما خلعت ثيابها التي كانت ترتدي تحتها لباس البحر.

وأخذت هي وريتا تتبادلان صب الماء فوق جسديهما وهما تضحكان وتتمازحان , وبدأت ديليا تشعر بالأنتعاش , وأقبلت في شهية على تناول الطعام الذي كان مكونا من المعلبات والشطائر والقهوة.
وبدأ المحرك في العمل من جديد , وأنطلق المركب , وأستلقت ديليا تحت أشعة الشمس واضعة فوق بشرتها طبقة من الزيت الخاص بحمام الشمس على أمل أكتساب اللون البرونزي الجذاب مثل ريتا.
وفجأة شعرت ديليا بحركة الى جانبها , فرفعت رأسها لترى أدموند يجلس بقربها ويدلي بساقيه في مياه النهر.
منتديات ليلاس
ثم قال بصوت منخفض حتى لا يسمعه الآخرون:
" بشرتك ستحترق وقد تصابين بضربة شمس".
ثم ألقى بثوبها اليها
وهو يضيف:
"أمن الضروري أن أرشدك دائما الى ما يجب عليك عمله كما لو كنت طفلة صغيرة؟".
ونظرت ديليا اليه وقد بدت في عينيه نظرة قاسية , ومرة أخرى شعرت بموقفه العدائي منها , فأنتابها شعور باليأس بعد أن كانت معنوياتها قد أرتفعت الى درجة كبيرة.
فردت بغضب وهي ترتدي رداءها:
" لا , ليس من الضروري ذلك , لست ملزما بأن تفعل أي شيء من أجلي , يمكنني العناية بنفسي لأنني أعرف تماما أنك لا تحب المسؤولية , على الأقل مسؤوليتي , وهذا هو السبب بعدم رغبتك في الزواج , أليس هذا صحيحا؟ أنت تخشى أن تخضع لأي ألتزام أو أن تهتم بشخص آخر بخلاف شخصك".

" حسنا , حسنا , لقد فهمت أخيرا كل شيء , ومن المؤسف حقا أنك لم تفهمي ذلك قبل أرتباطك بي , لقد أسأت الأختيار يا ديليا فأنني لست من الطراز المطلوب , ولكنني عندما تزوجتك حاولت فعلا أن أهتم بك".
فقاطعته ديليا ساخرة:
"بسفرك وحيدا لعدة أشهر بدون أن تحاول حتى الأتصال بي".
" يا ديليا كنت أعتقد بل كنت آمل أن تفهمي أنت , وأنت بالذات عملي خاصة أن والدك كان يؤدي بدوره هذه الرسالة".

" ولكنه كان يأخذ والدتي معه أينما ذهب حتى بعد ولادتي".
" وقد توفيت والدتك بعد أصابتها بحمى غامضة عندما كانت في الأدغال في الكونغو".




اماريج 16-11-10 06:32 AM

فألتفتت ديليا اليه بعصبية تسأله:
" من قال لك هذا؟".
" مارشا في اليوم الذي ألتقيتك لأول مرة , وهي تعتقد أن والدك مسؤول عن وفاة والدتك".
" أعرف ذلك, وأعرف أنها تكره والدي , وكانت دائما تردد أنه ضحى بوالدتي في سبيل مثاليته".


" هذا ما قالته لي بالفعل , وأنا لا أريد أن يوجه الي مثل هذا الأتهام في يوم من الأيام".
وصمتت ديليا قليلا وهي تنظر الى النهر , وقد أنعكست عليه أشعة الشمس القرمزية وهي تغرب
ثم قالت:
" على الأقل أتاح والدي لوالدتي فرصة الأختيار لأنه كان يحبها , وأنت لم تمنحني مثل هذه الفرصة".
فسألها أدموند بأنفعال:
" هل تعنين أنني لا أحبك , وأنني لم أحبك أبدا".
فهمست بالأيجاب وهي تنتظر في رجاء أن ينفي ذلك
ولكنه سألها:
" أذا كنت تعتقدين ذلك , فلماذا أنت متمسكة بزواجنا , ولماذا لم تطلبي الطلاق ولماذا بحق الجحيم حضرت الى هنا لتفرضي وجودك على حياتي من جديد؟".

ثم أضاف بأنفعال شديد:
" يا ألهي, كم أتمنى لو أنك لم تحضري".
وشعرت ديليا في هذه اللحظة وكأنه وجه اليها صفعة قاسية , وأنطلقت رغما عنها صيحة , ولكن أحدا لم ينتبه اليها , فقد التفت الجميع في هذه اللحظة الى ميكاي الذي صاح مشيرا الى الشاطىء الرملي المحيط بخليج ضيّق , ووجه جيكارو المركب بأتجاه الشاطىء.
وألتفتت ديليا من جديد الى أدموند قائلة:
" لقد حضرت الى هنا بناء على رغبة بنديفيز".
منتديات ليلاس
وأضافت وهي تغالب الدموع التي بدأت تتجمع في عينيها والتي أخفتها نظارة الشمس.
" وكما ترى لا يمكنني تغيير شيء , أذا كنت تشعر أن وجودي يضايقك , ولكن الأمر لن يطول وأرجوك ألا تكلف نفسك عناء أمر العناية بي , فأنني أعرف كيف أعتني بنفسي بدون الحاجة الى مساعدتك , ولقد تعودت على ذلك منذ فترة طويلة".
وتركته ديليا وأنسحبت , وكانت الشمس قد غربت ,وبدأ الظلام يعم المكان بالتدريج , وبدأ القمر يظهر من بين الأشجار.
ودخل جيكارو بالمركب الى الخليج , وهبط ميجاي لربط المركب في أحدى الأشجار الضخمة حتى لا تجرفه المياه.

ونزل الجميع الى الشاطىء في قارب صغير يتسع لثلاثة أشخاص فقط على دفعتين , وقد حملوا معهم ما سيحتاجون اليه لقضاء ليلتهم على الشاطىء.
وقاد جيكارو وميجاي الجمع في الطريق وسط الأشجار الكثيفة حتى وصلوا الى منطقة متسعة قليلا توجد على أرضها كتلة كبيرة من الخشب تصلح للجلوس عليها.

وبينما أخذ جيكارو وميجاي يجمعان الخشب لأشعال النيران , أخذ أدموند ومانويل في وضع شباك النوم بين الأشجار , وبعد أن أنتهى جيكارو من أشعال النيران , أستقل القارب الصغير ليصطاد السمك.
وتبعته ديليا لتراقبه وهو يصطاد , ورأته يلقي بحبل طويل تدلى في نهايته طعم الى الماء وما هو الا قليل حتى تعلقت سمكة كبيرة بالطعم , عرفت ديليا أنها من نوع البيرانا.

وذهب أدموند بدوره للصيد , وطلبت ريتا من ديليا أحضار بعض الماء من النهر لأستخدامه في الطهي.
ولاحظت ديليا أجساما طويلة تطفو في هدوء تام في الماء , متجهة الى الشاطىء , وأكتشفت أنها تماسيح, فألقت بالدلو وهي تبتعد في ذعر.
ثم عادت من جديد لألتقاط الدلو , ولكن أحد التماسيح أقترب من الشاطىء , فتراجعت بسرعة في الوقت الذي عاد فيه جيكارو وأدموند بالقارب الصغير.
وأسرعا بألقاء صيدهما من السمك , وألتقط أدموند بندقيته وأتجه الى الشاطىء , فصاحت ديليا تسأله عما ينوي فعله.

فقال لها:
" سأحاول أصطياد التمساح الذي كان يريد ألتهامك , تعالي لتري كيف أصطاده".
ولم تكن ديليا تريد أن تذهب معه , ولكنها تبعته قائلة أن ذلك قد يفيدها في كتابة مقالاتها.
ووقفت ديليا في القارب تمسك بيدها المصباح الذي وجّهت ضوءهالى حيث يرجد التمساح وما أن ظهر رأسه فوق الماء حتى أطلق أدموند الرصاص عليه , وأسرع بمساعدة جيكارو بسحبه الى القارب قبل أن يغوص في القاع , وأتجهوا الى الشاطىء بصيدهم الثمين.
وقطع ميجاي ذيل التمساح ونزع جلده وأعدّه للطهي.

وجلست ديليا فوق كتلة الخشب , فصاح أدموند بها قائلا:
" لا تجلسي عليها , فأنها مليئة بالنمل".
فقفزت مذعورة وهي تقرب المصباح من كتلة الخشب , فوجدتها مليئة بالنمل الأسود الكبير.
وتقدم أدموند منها حاملا زجاجة مبيد الحشرا وهو يقول:
" أذا كنت تريدين الجلوس عليها , رشيها أولا بالمبيد ويجب أن تحركي قدميك طوال الوقت حتى تبعدي النمل عنهما لأنه يلدغ".

وأطاعته ديليا وهي تشعر أنها لا بد أن تتعلم الكثير عن الحياة في الأدغال قبل أن تعيش فيها , وكانت مصممة على أن تثبت لأدموند أنه يمكنها ذلك مثله تماما ما دامت هذه هي الوسيلة الوحيدة لأثبات مقدار حبها له ورغبتها في البقاء معه.



اماريج 16-11-10 06:34 AM

وجلس الجميع يتناولون طعام العشاء , وبعد أن أنتهوا منه سريعا , صعد لويز الى فراشع المعلق وأستغرق في النوم فورا , أما ريتا ومانويل فسارا معا الى الشاطىء , وقد لفّ مانويل ذراعه حول خصرها.

وشعرت ديليا بالألم وهي تنظر اليهما , وألتفتت تبحث عن أدموند ولكنها لم تجده , فأعتقدت أنه يريد الأختلاء بنفسه خاصة بعد أن تعوّد البعد عنها.
ولم يكن أمام ديليا ما تفعله سوى الصعود الى فراشها المعلق , ولكنها لم تستطع النوم قبل أن تغتسل , فألتقطت منشفتها وقطعة صابون من حقيبتها وأتجهت الى النهر.
منتديات ليلاس
سارت ديليا في حذر تلمس خطواتها خوفا من الثعابين , تزيح النباتات المتسلقة التي تعترض طريقها , وهي تستمع الى سمفونية الليل في الغابة من حولها , وقد أختلطت صيحات الطيور بأصوات الحشرات ونقيق الضفادع الى جانب أصولت أخرى كثيرة لم تستطع تمييزها.

ووصلت الى الشاطىء , فتنفست ديليا بعمق وهي تشعر بالسعادة وتلاشى خوفها تماما حين نظرت الى أنعكاس ضوء القمر الذهبي فوق النهر
ووقفت على رمال الشاطىء وهي تخلع ثيابها ومحتفظة بحذائها , ترددت قليلا وهي تنظر الى النهر , ثم خلعت رداء أستحمامها أيضا مطمئنة الى أن أحدا لن يراها , وأنطلقت في أتجاه النهر عارية تماما حيث غمرت جسدها بالماء ثم بدأت في الأغتسال بالصابون , وبعد أن أنتهت من ذلك توغلت في النهر قليلا لتغمر المياه جسدها , وأخذت تقفز ثم تغطس في الماء بسعادة.

ووقفت للحظات تنظر الى القمر وقد راعها منظره , ألا أنها شعرت بنوع من الحزن لأن أدموند لم يكن معها يشاركها الأحساس بجمال هذا المنظر المحيط بها.
وأنتبهت ديليا الى أشياء تتحرك على ساقيها وذراعيها فنظرت لترى في ضوء القمر مئات من الأسماك الدقيقة المتعلقة بأطرافها , فأسرعت تحرك ساقيها وذراعيها بعنف لتتخلص منها وبسرعة أتجهت الى الشاطىء , ولكن قدمها وطأت شيئا لزجا فسقطت في الماء.

وجاهدت لتقف على قدميها من جديد , وفي هذه اللحظة رأت جسما طويلا يسبح في الماء متجها اليها شكله مرعبا في ضوء القمر , فصرخت وهي تبتعد مسرعة ولكنها سقطت من جديد فوق الشاطىء.
وعندما تمكنت من الوقوف على قدميها , رأت شبحا طويلا يقف أمامها فسقط قلبها بين قدميها
وصاحت قائلة:
" من هناك؟".
فجا ءها و أدموند غاضبا:
" أنا , ما هذا الذي تفعلينه؟".
منتديات ليلاس
وبالرغم من رنة الغضب الواضحة في صوته , ألا أن ديليا شعرت بالراحة لأن أحد غير أدموند لم يرها وهي تغتسل عارية تماما
وأتجها ناحيته حذرة وهي تقول:
" كنت أغتسل ولكن قدمي تعثرت في شيء فسقطت".
ونظرت ديليا خلفها فرأت تمساحا آخر يتجه اليها فصرخت قائلة:
" أن واحدا آخر يطاردني من جديد".

فمد لها أدموند يده يساعدها للأبتعاد عن الماء وأمسك برسغها بقوة ووقفت أمامه والماء يتساقط من جسدها فوق رمال الشاطىء.
وهمس قائلا وهو ما زال ممسكا بيدها :
" يا لك من غبية , كيف تخلعين ثيابك هكذا وتنزلين الى النهر؟".



اماريج 16-11-10 06:34 AM

" كنت أريد الأغتسال , ولم أكن أنوي البقاء طويلا , شعرت بالسعادة لولا هذه الأسماك الصغيرة".
فسألها بأهتمام:
" أية أسماك؟ وأين هي؟ أنت متأكدة أنها أسماك وليست دود علق؟".
" على ساقي".

ووضع أدموند يده فوق ساقها لأزاحة دود العلق عنها , فأحست ديليا بالرعشة تسري في كيانها , لم تكن خائفة ولكنها أرتجفت للمسات يده التي كانت في أشد الحنين اليها.
ووقف أدموند وهو يقول:
" لم يعد هناك دود علق على ساقك الآن , لقد رأيتك وأنت تسقطين".

" رأيتني؟ منذ متى وأنت تقف هنا؟".
" منذ فترة طويلة , رأيتك تغادرين المعسكر وعندما تغيبت لفترة طويلة قرر البحث عنك , كان يجب أن تعرفي أنه ليس من المفروض أن تتجولي وحدك في مثل هذا المكان , ولماذا لا تذهبي الى فراشك من دون الأغتسال ولو لمرة واحدة؟ ألا تستطيعين التخلي عن عاداتك؟".
وشعرت ديليا بيأس , لأن محاولاتها لأظهار قدرتها على العيش في الأدغال لم يكتب لها النجاح
فنظرت الى أدموند وهي تقول بصوت هامس:
"أنني آسفة".

وأحست فجأة بأنها لا تستطيع مقاومة رغبتها في الأرتماء بين أحضان أدموند ومبادلته الحب , وتملكتها رغبة عنيفة في أن تلتصق بجسده , فأندفعت ناحيته وقد غاب عن ذهنها أنها تقف عارية تماما , لكنه تراجع الى الخلف وسلط ضوء المصباح على ملابسها الملقاة على الشاطىء
وأنحنى فألتقط قميصها وقدمه لها قائلا:
" خذي ! أرتدي هذا".
وقبل أن تتمكن من أخذه , وضعه فوق رأسها بعنف ليساعدها على أرتدائه, ولكنها فقدت توازنها فأمسكت بقميصه حتى لا تقع على الأرض , فأسقط أدموند المصباح من يده , وأسرع بوضع يديه حول خصرها لمساعدتها على الوقوف.

لم تستطع ديليا مقاومة رغبتها في الأقتراب منه , فألتصقت به وشعرت بقبضة يديه حول خصرها تسترخي , ثم أخذ يحرك يديه برفق يتحسس ظهرها وهو يضمها اليه لتلتصق به , وأمتدت يدها بشوق تتحسس صدره وعنقه , ورفعت اليه وجهها وأغلقت عينيها وأنفرجت شفتاها في نداء صامت فهمس قائلا:
" هذا جنون!".
وكان لقاء عنيفا , صنعته الظروف المحيطة بهما , ولكنه أنتهى سريعا حين أبتعد عنها أدموند فجأة وهو يرتجف ويتنفس بصوت مسموع .

وترنحت ديليا وتعثرت قدمها وهي تطأ شيئا لزجا , فصرخت في رعب وهي تندفع للأحتماء به , ولكنه في هذه المرة ساعدها على أستعادة توازنها ثم تركها بعد ذلك وهو يقول بصوت مخنوق:
" أرجوك, أرتدي ثابك".
ثم أنحنى فوق الأرض يلتقط المصباح
وأضاءه وهو يقول:
" ألم يكن ممكنا أختيار مكان أفضل من هذا لنتبادل الحب؟ هذا المكان مليء بالبعوض والثعابين".

وأكتشفت ديليا أن العديد من الحشرات قد علقت بجسدها المبتل , فأخذت تزيلها بيد مرتعشة , ولبست ثيابها بعد أن نفضتها جيدا.
قالت وهي تدفع بشعرها المبتل الى الخلف:
" لست الوحيدة التي أردت مبادلتك الحب , كنت أنت أيضا تريد ذلك".
فقال بلهجة عنيفة:
" حسنا , أعترف أنني أردت ذلك , ولكنني أتحدى أي رجل تجري في عروقه الدماء أن يفعل غير ما فعلت عندما يجد سيدة عارية بين يديه".
فقالت بتردد:
" أنني ... أنني أردت فقط أن .... أن ".
ثم قالت بصوت يخنقه البكاء:
" أوه ... لماذا تعاملني بهذه القسوة؟".
منتديات ليلاس
فضحك وهو يرد قائلا:
" دفاعا عن نفسي , وقد ألجأ في سبيل ذلك الى أستخدام أي سلاح وأرجو ألا تعتقدي أن ما حدث الآن بيننا يعني أي شيء , وأنني على يقين من أنك عندما تعودين الى رشدك وتتخلصين من تأثير ضوء القمر على عواطفك , ستشعرين بالسعادة لأنني أستطعت التحكم في نفسي ولم أنتهز الفرصة".
وشعرت ديليا وهو يقول هذا بأنه يفجر جرحا متقيحا
فأنتفضت وهي تسأله:
" ولكن لماذا , لماذا تفعل ذلك؟".

ثم همست تقول راجية:
" أوه يا أدموند , لماذا لا نعود كما كنا في بدء زواجنا , لقد كنا في منتهى السعادة".
" لا يمكن أن نعود كما كنا , فقد أرتكب كل منا خطأ كبيرا في حق الآخر , وسيلزمنا الوقت الطويل لكي ننسى ونغفر , وقد لا نستطيع ذلك".
" أعتقد أن هنا ليس المكان المناسب لمناقشة العلاقة بيننا , هيا نعود الى المعسكر لننام , سنمضي في طريقنا صباحا , تعالي أتبعيني وسأضيء لك الطريق , وتحركي بهدوء فأن الجميع ينام".



اماريج 16-11-10 06:35 AM

وأنحنت ديليا لتلتقط ثوب أستحمامها من فوق الأرض , وجاهدت وهي تسير بجانب أدموند لتمنع دموعها من السقوط محتفظة بما تبقى لها من كرامة .
وعندما وصلا الى المعسكر , كانت النيران ما زالت مشتعلة وقال لها أدموند :
" حاولي أن تدخلي الى الفراش والأختباء وراء الشباك التي تمنع دخول البعوض بأسرع ما يمكن حتى لا تتيحي الفرصة للبعوض بالدخول".

فسألته:
" هل يمكنني أن أضع رداء نومي؟".
" هل هو معك؟".
" أنه في الفراش المعلق".
" حسنا , يمكنك ذلك , وسأعود اليك لمساعدتك على التسلق الى فراشك".
وبعد أن بدّلت ثيابها , أخذها أدموند ووضعها في الفراش المعلق وهو يقول:
" لا تتركي أي ثياب على الأرض, هل لديك غطاء؟".
فشكرته وهي ترد بالأيجاب , فقال:
" ستحتاجين اليه , تصبحين على خير".

فقالت من بين دموعها :
" تصبح على خير , وشكرا".
ولم يكن من السهل على ديليا أول الأمر أن تنام في مثل هذا الفراش المعلّق , ولكنها أستلقت في نهاية الأمر فوق ظهرها , وأخذت تنظر في السماء فوقها وقد أنتشر ضوء القمر الأصفر الباهت ليضيء المكان .

حاولت الأستغراق في النوم , ولكنها لم تستطع , فقد كانت مضطربة للغاية , وتذكّرت موقفها مع أدموند على الشاطىء النهري وعواطفها ورغبتها التي تفجّرت بعنف لمبادلته الحب , هذه الرغبة التي لم تكتمل بسبب أعراضه عنها , ولكن ألم تعرض عنه هي منذ ستة عشر شهرا؟
وتذكّرت قوله لها : لقد أرتكب كل منا خطأ كبيرا في حق الآخر , وأدركت ديليا في هذه اللحظة ألى أي حد أذت مشاعر أدموند في تلك الليلة في لندن, عندما غادرت المنزل وتركته وحيدا , ولكن لماذا لم يمنعها من الخروج ؟ لقد كان بأمكانه أن يفعل ذلك.

وتمنت ديليا لو أنه لم يذهب الى بيتر في تلك الليلة أو لم يصدق حديثه, ولكن كيف وهي تعرف تماما مقدرة بيتر على أقناع أي شخص بما يريده , ولا بد أن أدموند في ذلك الوقت كان يشعر بأذلال شديد لموقفها منه , وكان على أستعداد لأن يصدق أي شيء يقال له وخاصة من أعز أصدقائه.
لقد صدّقت هي بيتر أيضا في وقت من الأوقات عندما أخبرها بأنه من الأفضل لها أن تطلق أدموند لأنه حضر اليه وطلب المضي في أجراءات الطلاق , وكاد أن يقنعها بذلك بالفعل على أساس أن هذه هي رغبة أدموند , ولكن حدث ما دفعها الى التمسك بأدموند وعدم محاولة الحصول على الطلاق.
منتديات ليلاس
وتذكّرت ديليا حديث بيتر معها وهو يستحثها على طلب الطلاق من أدموند حين قال لها:
" عندما ينتهي كل شيء , سيكون بأمكانك التخلص من أدموند والزواج بي , فصاحت به قائلة: ولكنني لا أريد الزواج منك , أنني لا أريد الزواج من أي رجل آخر غير أدموند لأنني أحبه , وربما أوافق على الطلاق ولكنني لن أتزوج بك , وبدا على بيتر في ذلك الوقت أنه صدم , ولكنه تمالك نفسه , وجلس الى جانبها بهدوء وأمسك بيدها قائلا: من الطبيعي أن يكون هذا شعورك الآن, الطلاق تجربة قاسية بالنسبة لأية أمرأة , أعرف تماما الصراع الذي يدور بداخلك وأنت تحاولين أتخاذ قرارك ولكن صدقيني ستشعرين بالراحة بمجرد أتخاذك هذا القرار, ثم تنهد مضيفا: لقد مرّت عليّ قضايا كثيرة من هذا النوع , لقد أتخذ أدموند قراره ولن يعود اليك بأي حال من الأحوال ,وسألته ديليا برجاء : هل تعرف مكانه؟ نعم, ولكنه طلب مني الأحتفاظ بذلك سرا , وأنا لن أخون ثقته بي , وأعتقد أنه سيذهب برحلة أخرى قد تستغرق منه أكثر من عام.

ثم ألتفت بيتر اليها قائلا: ألا ترين يا ديليا , أنه لن يستقر أبدا , وسيتركك دائما تعيشين وحيدة؟ فأجابته: لو أتأكد من أنه يريد الطلاق فعلا! لو أستطيع التحدث معه أو حتى الكتابة اليه , أنني متأكد من أنه يريد الطلاق, فأنا لست صديقه فقط , ولكنني محاميه , وقد قال لي بالحرف الواحد أنه أرتكب غلطة كبيرة بزواجه منك , وأنه يريد أصلاح هذه الغلطة بأسرع ما يمكن , فهو كما تعرفين لا يستطيع أن يرى شخصا يتألم , وهو يعتقد أنك تتألمين , أرجوك يا ديليا , أتخذي قرارك لمصلحتك الشخصية ولراحتك.



اماريج 16-11-10 06:36 AM

ولكن ديليا لم تتخذ قرارها كما يريد بيتر لأنها بدأت تلاحظ حينئذ وجود تغييرات في جسدها , وكان قد مضى ثلاثة أشهر منذ عودة أدموند من أندونيسيا ثم رحيله من جديد الى وسط أميركا , وهناك أحتمال كبير أن يكون قد حدث حمل , وتأكد لها ذلك بالفعل عندما ذهبت الى الطبيب , فطردت من ذهنها تماما فكرة الطلاق.
وشعرت ديليا بسعادة غامرة وهي تدرك أنها تحمل طفلا من أدموند وحاولت الأتصال به بأية وسيلة أو معرفة مكانه لتبلغه بذلك , ولم تبلغ بيتر بأنها حامل لأنها لم تعد تثق به , وحاولت أن تعرف منه من جديد مكان أدموند ولكنه رفض قائلا أنه لا يعرف مكانه فأمتنعت عن لقائه منذ ذلك الوقت.

ولم تترك ديليا منظمة من منظمات الصحة أو الأغاثة ألا أتجهت اليها لتسأل عن أدموند , وذهبت الى معهد الأبحاث الذي كان أدموند يعمل به, فأعطوها عنوان عمه الذي لم تكن تعرف عنه شيئا , وعندما ذهبت اليه , أبدى دهشته الشديدة لأنه لم يعرف أن أدموند له زوجة , وقال لها أنه لا يعرف عنه شيئا.
وتقلّبت ديليا في فراشها وهي لا تستطيع النوم.

وودّت في هذه اللحظة لو أن معها الحبوب المنومة , وتمنت لو أنها في غرفتها في بوستو أورلاندو مع أدموند لتقول له عن السبب الحقيقي الذي دفعها الى تناول هذه الحبوب , وهو أنها أصيبت بأنهيار عصبي بعد فقدها للطفل الذي ولد قبل موعده وتوفي بعد ذلك , كم تود الآن أن تهمس لأدموند بآلامها ليشاركها التجربة القاسية التي كانت تحطمها.
وأثارت هذه الذكرى الحزينة عواطفها , ولكن رويدا رويدا بدأت أعصابها تهدأ , وأخيرا أستغرقت في نوم عميق.

وجلست ديليا في المركب الى جانب لويز وهي تدون المعلومات التي تعرفها منه عن عمله مع القبائل , وكفاحه لتأهيلهم التأقلم مع المدنية الحديثة , مع الأحتفاظ بتقاليدهم.
وقال لويز يحدثها:
" أنني أزود رجال القبائل بمعدات حديثة مثل الفؤوس المعدنية والسكاكين بدلا من الأدوات الحجرية التي يستعملونا , كما أزودهم بالبنادق وبعض معدات صيد الأسماك , هذا بالأضافة الى الطعام والملابس التي يحتاجون اليها في بعض الأحيان, ولا أحاول أطلاقا أن أفرض عليهم طريقة حياتنا كما يفعل المستعمر الأبيض, بل أترك لهم مطلق الحرية لممارسة حياتهم بكل تقاليدها وطقوسها كما يحلو لهم.
منتديات ليلاس
ولم تستطع ديليا منع نفسها من الأعجاب به , فقد كان مخلصا في كل كلمة نطق بها , وتحدث معها لويز عن والدها , وكيف كان يساعده في عمله
ثم تطرّق بهما الحديث الى أدموند فقال لويز:
" كم أود أن يقرر أدموند البقاء معنا في بوستو أورلاندو , ألم يتحدث معك بشأن هذه المسألة؟".
" لا ... ليس بعد".

" لن يكون قرارا سهلا بالنسبة اليه , أعرف ذلك خاصة بعد أن قابلتك , فعندما يكون الرجل أعزب مثلي فأن أتخاذ مثل هذا القرار لا يكون صعبا , ولكنني آمل أن تتوصلي مع أدموند الى حل وسط كما هو الحال مع ريتا ومانويل , وكما عرفت منهما فأن الزواج الحقيقي يعني أن يتغلب الحب على أية مشكلة تعترض طريق الزوجين ليصلا معا الى حل يرضي كليهما".

ولما كان الجو حار, فأن ديليا فضّلت البقاء في المنطقة التي يوجد بها المحرك , وجلست تدوّن ملاحظاتها , وأنضمت اليها ريتا لبعض الوقت , ولكن أدموند لم يقترب من مكانها , وفضّل البقاء تحت أشعة الشمس.
وفي منتصف النهار سقطت الأمطار بغزارة مما حجب عنهم الرؤية تقريبا , وما أن توقفت الأمطار حتى تمكنت ديليا من رؤية أحد الشواطىء التي كان المركب قد أقترب منها , وبدت لها في وسط الغابة منطقة متسعة خضراء تناثرت فوقها بعض الأكواخ الخشبية , وبدا منظرها رائعا وسط الأشجار الكثيفة التي أحاطت بها من كل جانب , وكانت هذه هي بينوروس.

هبط أدموند ومانويل يساعدان جيكارو في سحب المركب الى الشاطىء , حيث وقفت مجموعة من الهنود يرتدي معظمهم ثابا عادية ,وكانوا يقفون في صمت تام.
وسرعان ما أندفعت سيدة من وسطهم وهي تصيح بصوت عال , وتخبط بيدها على صدرها وقد أنسابت الدموع من عينيها.
وهبط جيكارو من المركب , وتقدّم الى الشاطىء , فتوقفت السيدة فجأة عن الصياح , وأمسكت بذراعه وهي تبتسم بسعادة وأتجهت معه الى منطقة الأكواخ .

وما أن أنتهى هذا المشهد , حتى أندفع الهنود يتصايحون ويضحكون وهم يحييون لويز ويعانقونه.
ولم تفهم ديليا شيئا مما يدور حولها
فأوضحت لها ريتا الأمر قائلة:
" هذه السيدة هي والدة جيكارو , كانت تبكي لأنه تغيّب عن القرية لفترة طويلة , وتقضي التقاليد بأن يلتزم الجميع الصمت حتى تنتهي من الترحيب بولدها العائد , والآن هيا بنا ننزل الى الشاطىء".
وشعرت ديليا بسعادة وهي تنزل من المركب , ولكنها ترنّحت وكادت تسقط لولا أن أمتدت يد لتساعدها.




اماريج 16-11-10 06:38 AM


ونظرت ديليا فرأت أمامها شابا برازيليا وسيما في حوالي الثلاثين من عمره يبتسم لها وهو يحدثها بالبرتغالية ولم تفهم ديليا شيئا من حديثه ولكنها ردّت تحييه بالبرتغالية , فأضاء وجهه وهو يرد عليها بالأنكليزية الركيكة.
ووصل لويز في هذه اللحظة يحيط به الهنود وعندما رأى الشاب هتف قائلا:
" كارلو, لم أكن أتوقع لقاءك هنا".
ثم عانقه وقبّله على الطريقة البرازيلية مشيرا الى ديليا يقدمها له قائلا :
" هذه ديليا تالبوت , صحفية تعمل معنا".

ثم قدّم لويز الشاب اليها قائلا:
" وهذا كارلو سيلفيريا أبن أحد المستكشفين العظام , ويعمل كطيّار تابع لمنظمة حماية الحياة القبلية".
وتساءل كارلو وهو يصافح ديليا:
" تالبوت , هل هذا الأسم له صلة بالدكتور تالبوت؟".
فأجاب لويز وهو يتجه الى الأكواخ:
"نعم , أنها زوجته".
فصاح كارلو متعجبا:
" هل هذا معقول , كم مضى على زواجك من أدموند؟".
فأجابت ديليا وهما يسيران خلف لويز:
" عامان ونصف".
فصاح كارلو من جديد :
" لا أكاد أصدق هذا , لقد أجتمعت بأدموند مرارا خلال العام الماضي , ولم يخبرني أبدا أن له زوجة".

ورأت ديليا أمرأة طويلة القامة , نحيلة , تهبط التل متجهة اليهم , وكانت تبدو في حوالي السادسة والعشرين من عمرها , شعرها أسود طويل , ولون بشرتها برونزي جذاب للغاية, وكانت ترتدي سروالا من القطن الفاتح وقميصا مناسبا .
وتحدثت الى كارلو بالبرتغالية بلهجة سريعة وهي تشير الى ديليا , ورد عليها بنفس اللغة , ورأت ديليا أبتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه وهو يردد اسمها.

وألتفتت المرأة الى ديليا وقد أتسعت عيناها من الدهشة وقالت بالأنكليزية:
" لم أكن أعرف أن أدموند متزوج".
ثم قدمت نفسها قائلة:
" أنا الدكتورة زانيتا ميريللي , وقد أعتنيت بزوجك أثناء أصابته بالملاريا بعد أن ضل طريقه في الغابة".
فمدت ديليا يدها لتصافح المرأة , ولكنها تركتها فجأة نازلة التل مسرعة , ونظرت ديليا وراءها فرأت أدموند يصعد التل وهو يحمل حقيبته.
منتديات ليلاس
ورأت زانيتا تندفع ناحيته , وتوقف أدموند ونظر اليها مبتسما فأندفعت اليه وأحاطته بذراعيها وقبّلته على وجنتيه لأكثر من مرة فضحك أدموند ووضع الحقيبة على الأرض ليبادلها التحية.
وأشاحت ديليا بوجهها سريعا , فرأت كارلو ينظر اليها بأهتمام شديد وكأنه يجد المشهد مسليا , ولكنه لم يعلق بشيء , وسار الى جانبها في الطريق الى الأكواخ.

وقال لويز يحدثها:
" ستتقاسمين أنت وأدموند أحد الأكواخ مع مانويل وريتا , فليس في القرية هنا التسهيلات الموجودة في بوستو أورلاندو , أما نحن فسنبيت فوق الشباك المعلقة في العراء وأذا أردت الأغتسال فيوجد حمام في هذا الكوخ الذي يتوسط المنطقة".
وصحبها لويز الى أحد الأكواخ , وكان متسعا من الداخل وقد ترك نصفه مكشوفا أما النصف الآخر فكان مسقوفا , ووضعت لمبة تضاء بالوقود فوق أحد جذوع الأشجار التي يستند اليها السقف , وعلى ضوئها الضعيف أمكن لديليا أن ترى الهنود وهم يعلقون شباك النوم التي أحضروها معهم في المركب.

وما أن رأى الهنود ديليا تدخل الى الكوخ , حتى نقدموا منها وهم يشيرون الى حقيبتها , وفهمت ديليا ما يريدون ففتحت حقيبتها , وأخرجت بعض الحلوى والسكاكر وأعطتها لهم فغادروا الكوخ مع لويز.
ودخل بعد ذلك مانويل وريتا وأتجها الى الركن الخاص بهما في الكوخ , وجلست ديليا تمشط شعرها بعد أن بدلت ثيابها , وهي تسائل نفسها عن أدموند وأين هو الآن.

بعد ذلك أتجهت ديليا مع مانويل وريتا الى حيث يقدم الطعام , وكان القمر مكتملا , وضوءه يملأ المكان الذي فاحت في أنحائه رائحة زهر الليمون .
ودخلا الى أحد الأكواخ القريبة من النهر حيث وجدا أحد الهنود يقوم بأعداد الطعام
ووقفت ديليا تراقبه للحظة وقالت ريتا:
" يبدو أن الطعام سيكون دسما الليلة , فقد سمعت أن صيادي القبيلة تمكنوا من أصطياد عد من الغزلان البرية".

وفي الغرفة الطويلة التي خصّصت لتناول الطعام, رأت ديليا لويز يجلس وقد أحاط به الهنود يصفون له كيف تمكنوا من أصطياد الغزلان , كما رأت أدموند يجلس الى مائدة مستطيلة مع زانيتا.
وهمست ريتا قائلة لديليا:
" هل تعرّفت بالدكتورة زانيتا ميريللي؟".
فقالت ديليا وهي تجلس الى المائدة:
" نعم, قدمني كارلو اليها , ولكن يبدو أنها صغيرة على كونها طبيبة , هل هي متطوعة؟".

" نعم, أنها في كلية طب سان باولو , وتريد أن تتخصص في الطب الأستوائي , وهي تنحدر من عائلة غنية جدا".
وشعرت ديليا بتعاسة وهي تقول لنفسها : مثل أدموند تماما ولكن ألى أي مدى يتفق أدموند مع هذه الطبيبة الجذّابة المرحة!
وأقتربت ريتا من ديليا وهي تقول بصوت هامس:
" أرجو ألا يضايقك كلامي , ولكنني سأقول لك ما أقول لأنني أشعر بميل اليك وكأنني أعرفك منذ فترة طويلة , أنني أعتقد أن زانيتا تحب أدموند , وقد تعلّقت به أثناء الفترة التي قضتها معنا في بوستو أورلاندو للعناية به".

وقفز سؤال الى ذهن ديليا , ودّت لو نطق به لسانها , وهو: هل هو أيضا يحبها؟ ولكنها لم تحاول أن تحرج ريتا بتوجيه هذا السؤال اليها.
ونظرت خلسة عبر المائدة , وكان أدموند يجلس مستندا بذراعيه الى المائدة , يدخّن سيكارته ويبتسم وهو يستمع بأهتمام شديد الى حديث زانيتا التي كانت تتحدث بأنفعال وهي تلوّح بيدها بين وقت وآخر.

ووجدت ديليا نفسها تتساءا عم يتحدثان , ربما كانت تحدثه بشأن بعض المسائل الطبية , ولكن من يدري ماذا تقول له هذه الطبيبة وما هو رأيه فيها.
وتوقفت زانيتا عن الحديث وهي تنظر اليه فيما يبدو أنتظارا لأجابة منه , فأجابها على الفور بلغة برتغالية سليمة ,وبدا عليهما الأستغراق التام في الحديث لدرجة أن ديليا شعرت أنهما أنفصلا تماما عن أي شيء آخر وأنهما يعيشان في عالم خاص بهما.

وشعرت ديليا بنيران الغيرة تشتعل في صدرها وهي تفكر كيف أن أدموند تجاهل وجودها تماما وهما على المركب , في الوقت الذي يظهر فيه كل الأهتمام بهذه المرأة البرازيلية التي عانقته وكأنه حبيبها.
وأشاحت ديليا بنظرها الى الناحية الأخرى لترى كارلو وقد جلس على يمينها
فأبتسمت له وبادلها الأبتسام.
وقال كارلو:
" ما زلت مندهشا , كيف يحضر أدموند الى بوستو أورلاندو ويقضي طوال هذه المدة بعيدا عنك, لا بد أن يكون , ماذا يقولون مجنون ؟ لا يمكن لرجل عاقل أن يترك زوجة جميلة مثلك وحيدة ليسرقها رجل آخر منه , ولكن لماذا تركته يسافر؟

" لم يكن بأمكاني منعه".
" كيف ذلك؟ ؟ لا أصدق أن أمرأة مثلك لا يمكنها أن تفعل ذلك , لو أنك أردت فعلا بقاءه الى جانبك أو ربما كان زواجكما من النوع الحديث الذي يعيش فيه كل من الزوجين حياته الخاصة ولا يجتمعان ألا أذا سمحت لهما الظروف بذلك".
" تبدو وكأنك لا تؤيد مثل هذا الزواج".
" بالطبع لا , عندما أتزوج , ولا أعتقد أنني سأفعل ذلك الآن , أريد أن تبقى زوجتي في المنزل للعناية بي وبالمنزل وبالأطفال بعد ذلك".

" ولكن لنفترض أنك لم تستطع البقاء معها, أو دعتك ظروفك الى التغيب عنها معظم الوقت؟".
" في هذه الحالة أتوقّع منها أن تبقى في أنتظاري لترحب بي عند عودتي".
ثم نظر كارلو عبر المائدة الى حيث يجلس أدموند وزانيتا وأقترب من ديليا ووضع يده على فمه وهو يهمس قائلا:
" أنني لا أهتم بهذا الطراز من النساء على شاكلة الدكتورة زانيتا فأنها باردة تحب الحديث عن نفسها وعن مهارتها كطبيبة طوال الوقت , ومع كل هذا الحديث , لن يكون هناك وقت لتبادل القبلات؟".

ضحكت ديليا , وأخذت في تناول الطعام وهي تشعر بالسعادة لأنها تجلس الى جانب كارلو الذي أخذ يحدثها طوال الوقت وجذب أنتباهها بعيدا عن زانيتا وأدموند , وجعلها تنسى متاعبها.
وبعد الأنتهاء من تناول الطعم , توجهوا الى الخارج حيث جلسوا في الهواء الطلق على المقاعد الخشبية يراقبون الهنود وهم يقدمون رقصاتهم الشعبية وقد أرتدوا ثيابا من الريش زاهية الألوان.

وجلس كارلو الى جانب ديليا يشرح لها معنى الرقصة التي كانت تقدم , قائلا أنها تعبر عن الغضب, الغضب على المستعمر الأبيض الذي يريد أن يشق طريقا وسط الغابة.
وبعد الأنتهاء من مشاهدة الرقص , أتجهت ديليا بصحبة كارلو الى الكوخ , وكان النسيمم عليلا وضوء القمر ينتش في المكان ويبدو أن هذا الجو الشاعري أثار عواطف كارلو
ذلك أنه أمسك بيد ديليا وهو يودعها على باب الكوخ ورفعها الى شفتيه يقبّلها وهو يهمس قائلا:
"تصبحين على خير , أنني سعيد بوجودك معنا وسأراك غدا".
ثم تركها وأختفى في الظلام.
منتديات ليلاس
دخلت ديليا الى الكوخ , وتحسست طريقها في ضوء المصباح الخافت الى الركن المخصص لها ولأدموند , وخلعت ثيابها ولبست رداء نومها وتمكنت من التسلق الى الفراش المعلق بدون مساعدة أحد وأغمضت عينيها وهي تستمع الى ريتا ومانويل وهما يتهامسان ولكنها لم تستطع النوم فأستلقت بأنتظار عودة أدموند.
عاد أدموند أخيرا الى الكوخ , وسمعته يتحرك ليخلع ملابسه ويستلقي في فراشه , وتمنت ديليا لو واتتها الشجاعة للتحدث اليه لتعرف منه أين كان حتى الآن وماذا كان يفعل.

وفتحت عينيها , فرأت الكوخ يسبح في الظلام بعد أن أطفأ أدموند المصباح.
وعلى الرغم من أن الليل كان يقرّب بينهما لأنهما كانا يجتمعان في مكان واحد , ألا أن ديليا كانت تشعر في ذلك الوقت أنهما بعيدان تماما عن بعضهما البعض , وبدا لها وكأن الهوة التي تفصل بينهما تزداد كل يوم أتساعا, وأستغرقت في النوم وهي تعتقد أنها توصلت الى السبب الحقيقي وراء رغبة أدموند في البقاء في البرازيا , أنه يريد البقاء الى جانب الدكتورة زانيتا ميريللي!

نهاية الفصل الرابع


اماريج 16-11-10 06:39 AM


5_عناق في الأدغال

قال أدموند محدثا ديليا:
" يوجد رجل مريض للغاية في أحدى القرى المنعزلة وسط الأدغال , وقد تلقينا رسالة من قبيلته تطلب طبيبا على وجه السرعة , وسيأخذنا كارلو الى هناك هذا الصباح , فهل ترغبين في الذهاب معنا؟".
وكانت ديليا وقد نزلت لتوها من فراشها المعلق , تبحث عن منشفتها والصابونة لتذهب الى حيث يمكنها الأغتسال , فوقفت جامدة للحظة وظهرها اليه وهي لا تكاد تصدق أذنيها , هل يطلب منها أدموند حقا الذهاب معه الى أي مكان؟

وألتفتت اليه , فرأت شعره مبتلا كأنه أغتسل بالفعل , وبدا وجهه حليقا جذابا وقد تناثرت خصلات شعره المجعد المبتل حول أذنيه وعلى عنقه , وعلى الرغم من أنه يبدو منتعشا , ألا أنها لاحظت وجود بقع سوداء حول عينيه تشير ألى أنه لم يأخذ قسطا وافيا من النوم.
وترددت ديليا قليلا قبل أن تسأله برجاء:
" هل تريدني أن أذهب معك؟".
منتديات ليلاس
فقال بعصبية واضحة:
"بماذا تريدينني أن أجيبك؟ أنني أوجه اليك سؤالا بسيطا وأنت تجيبين بسؤال آخر , كارلو يقول أن الطائرة يمكنها أن تحمل أربعة أشخاص , ويعتقد لويز أن زيارتك لمثل هذه القرية سيفيدك في عملك , وعلى هذا فأن أمامك فرصة للذهاب , أما أن تقبليها أو ترفضيها , فهو أمر يتعلق بك وحدك".

وبالرغم من أنها شعرت بالألم لهذه اللهجة العنيفة التي يحدثها بها , وبالرغم أيضا من أنها كانت تشعر بصداع وألم في معدتها ورغبة شديدة في النوم , ألا أنها كانت تريد أن تذهب معه لتثبت له أنه يمكنها الذهاب الى أي مكان يذهب اليه
فقالت بسرعة:
" أنني ... أنني أريد أن أذهب معك لو سمحت , ولكن من هو الشخص الرابع الذي سيذهب معنا؟".
فأجاب بأقتضاب:
" الدكتورة ميريللي , ستكون فرصة طيبة لها أيضا".

وأضاف وهو يتجه الى الخارج :
" حسنا, سأذهب لأبلغ كارلو أنك ستذهبين معنا , وأذا كانت لديك أية هدايا , فأحضريها معك لأعطائها لرجال القبيلة وسأراك على مائدة الأفطار بعد حوال ربع ساعة".
وخرج أدموند من الكوخ وكانت ديليا تود لو تسأله عما أذا كان يشعر بالقلق لأنه سيضطر الى ركوب مثل هذه الطائرة الصغيرة لأول مرة بعد تعرضه لحادث سقوط الطائرة من قبل , ولكن حتى لو كان يشعر بالقلق , فهل يعترف لها بذلك, في أية حال لم يتح لها فرصة لتوجيه هذا السؤال اليه.

ووضعت ديليا ثيابها , وأسرعت الى حيث أغتسلت في الكوخ القريب , وشعرت بالأنتعاش قليلا , وأمكنها أن تقبل على طعام الأفطار الذي كان يتكوّن من البيض , والفطائر المصنوع من دقيق الذرة, وبالرغم من أنها كانت لا تزال تشعر بآلام في معدتها , ألا أنها كانت تحس بالسعادة لأنها ذاهبة مع أدموند في هذه الرحلة.
وحياها كارلو وهو يظهر لها سعادته لأنها ستشاركهم الرحلة, ووضع ذراعه في ذراعها وهو يسير الى جانبها في الممر الذي تربض فوقه الطائرة , وكان يرتدي سروالا كاكي اللون وحذاء عاليا , ووضع حول وسطه حزاما جلديا عريضا يتدلى منه جراب مسدس , وأمسك بيده الأخرى بندقية.

وقال كارلو وهو يساعدها للصعود الى الطائرة:
" أنني أحتفظ بمثل هذه الأسلحة معي دائما تحسبا للطوارىء , فربما أضطر الى الهبوط وسط الأدغال , وفي هذه الحالة يجب أن يكون معي سلاح لأحصل على الطعام , والآن أتجهي الى المقعد الأمامي فأنني أريدك أن تجلسي بجانبي لأن هذا سيكون أفضل لك وستكون لديك فرصة أفضل للمشاهدة".
منتديات ليلاس
ووصل أدموند وزانيتا بصحبة لويز الذي حضر لتوديعهم وقد ألتف حوله بعض الهنود.
ونظر أدموند الى ديليا وقطّب جبينه وهو يسألها:
" لماذا تجلسين في المقعد الأمامي؟".



اماريج 16-11-10 06:40 AM

فقال كارلو مبتسما:
" لأنني طلبت منها ذلك يا صديقي , لا تقلق عليها فأنها ستكون في أمان وهي تجلس بجانبي , ويمكنك أن تجلس أنت في المقعد الخلفي حيث تستطيع الحديث مع الدكتورة زانيتا".
وألتفت أدموند الى زانيتا التي جلست في المقعد الخلفي وهو يهز كتفيه قائلا:
" حسنا , كما تريد".
وأقفل باب الطائرة , وبدأت محركاتها في العمل , ثم بدأت تسير فوق الممر حتى وصلت الى سرعتها اللازمة فأرتفعت في السماء , ونظرت ديليا الى أسفل تلوح بيدها للويز وريتا ومانويل بينما كانت الطائرة تدور حول القرية.
منتديات ليلاس
وكان كارلو يتولى قيادة الطائرة بسهولة , وقد تعمّد أن يطير على أرتفاع منخفض فوق النهر حتى تتمكن ديليا من مشاهدة التماسيح وهي تستلقي تحت أشعة الشمس على الشاطىء الرملي , وكان شكلها مخيفا للغاية , كما أمكنهامشاهدة قطيع من الغزلان ترعى في أحدى مناطق السافانا , وكانت الخضرة تمتد أسفل الطائرة كبحر واسع لا نهاية له, تخترق في بعض الأحيان خطوط تبرق تحت أشعة الشمس تمثل الأنهار ومجاري المياه , كما كانت أسراب من الطيور الزاهية الألوان تحلّق في تناقض غريب مع لون الخضرة الداكن الممتد على مرمى النظر.

وصاحت ديليا ليسمعها كارلو وهي تسأله:
" كيف يمكنك أن تعرف طريقك الى القرية؟".
ونظر اليها مبتسما وهو يقترب منها:
" هذه مشكلة من السهل حلها , فأنني حيث أذهب أراقب البوصلة , حتى أرى في النهاية عامودا من الدخان , وحيث يتصاعد لا بد أن تكون هناك حياة ".
ثم أقترب كارلو منها أكثر وقال بصوت منخفض:
" هذه هي أول رحلة يقوم بها أدموند منذ الحادث الذي تعرض له , وأريد أن أعرف شعوره".

فنظرت ديليا بحذر الى المقعد الخلفي حيث يجلس , فرأته جالسا في صمت ينظرأمامه , ولم يكن يلتفت الى زانيتا التي كانت تنظر من النافذة , وعندما ألتقت نظراتهما شعرت بالقلق , فقد كانت عيناه مليئتين بالغضب.
ونظرت ديليا أمامها من جديد ,ولكنها لم تحاول أن تقترب من كارلو لتتحدث اليه , كانت تعرف أن أدموند يراقبها
ولكن كارلو أنحنى نحوها وهو يسألها:
" هه , كيف حاله؟".
" يبدو في حالة طيبة".
" أنني سعيد بذلك ,كنت أخشى أن يؤثر الحادث عليه , والآن أنظري الى أسفل , هل ترين هذا الدخان؟ هذه هي القرية التي نقصدها".

وهبطت الطائرة , ورأت ديليا مكانا منبسطا وسط الأشجار الكثيفة , وبدأ كارلو يدور بالطائرة فوق أسطح الأكواخ التي أمتلأت بالقش , وخرج الأهالي منها وهم يصيحون ويلوحون بأيديهم للطائرة.
وأخيرا أستقرت اطائرة فوق الأرض , أمتدت الأيادي الداكنة اللون لتساعد كارلو على الهبوط منها , ثم ساعد الأهالي ديليا وأدموند وزانيتا على الهبوط بعد ذلك , وأتجه الجميع في خطى سريعة الى وسط القرية , وكان الجو حارا ومشبعا بالرطوبة , وأستمر الأهالي يتصايحون ويلوحون بأيديهم
فتوقف أدموند وهو يتساءل:
" ماذا حدث؟ ولماذا يتصايحون هكذا؟ أنني لن أمضي في طريقي قبل أن أعرف ماذا يريدون؟".

وبدأت ديليا تشعر بدوار , فقد كانت الحرارة شديدة , وبدا لها كل شيء وكأنه يدور حولها , ولكنها تماسكت.
وتقدم أحد الرجال الأشداء من كارلو , وتحدث اليه قليلا , فألتفت هذا الى أدموند يفس له ما يقول:
" الأهالي سعداء لحضورنا, وهذا الرجل هو زعيم القبيلة ويريدك أن تتوجه معه فورا الى كوخ الرجل المريض".
فسأله أدموند:
" وأين هو؟".
" أعتقد أنه في ذلك الكوخ , ما عليك ألا أن تتبعه".

" ولكنني لا أفهم حديثهم وسأحتاج الى من يترجمه لي".
فقال كارلو وهو يبتسم بخبث:
" أنني متأكد أن الدكتورة ميريللي على أستعداد للقيام بهذا الدور , أليس كذلك يا زانيتا؟".
وألتفت اليها , وحدثها بالبرتغالية
فرفعت حاجبيها في حركة عصبية وهي تقول:
" بالطبع يمكنني ذلك".
والتفت أدموند الى ديليا, فحاولت أن تبدو في حالة طبيعية حتى لا يلاحظ أنها تشكو من أي ألم.
وقال أدموند يحدثها برقة:
" هل يمكنك البقاء وحدك؟ ألن يزعجك ذلك".
منتديات ليلاس
وشعرت ديليا بشعاعمن الأمل ينفذ الى نفسها , فقد أعتقدت في هذه اللحظة أنه أذا كان يشعر بالقلق من ناحيتها الى هذه الدرجة ويهتم براحتها , فأنه من الممكن أن تثير أهتمامه من جديد كأمرأة وزوجة.
وردت ديليا قائلة:
" شكرا , سأكوم بخير , ربما أتجول لألتقاط بعض الصور".
وقال كارلو:
" لا تقلق , سأعتني بها , ,سآخذك في جولة داخل القرية".
فنظر اليه أدموند نظرة غريبة , ثم هز رأسه موافقا وهو يقول:
" حسنا... سأسرع في العودة قدر الأمكان".



اماريج 16-11-10 06:41 AM

ثم التفت الى زعيم القبيلة , وقال له شيئا بالبرتغالية , فربت هذا على كتفه وأمسك بذراعه وصحبه الى أحد الأكواخ الذي كانت تنبعث منه أصوات عويل .
وألتفت كارلو الى زانيتا التي لم تتحرك من مكانها , وقال لها شيئا بالبرتغالية , فنظرت اليه بغضب شديد وهي تتمتم ببعض الكلمات, ثم تبعت أدموند الى الكوخ حاملة حقيبتها الطبية في يدها.

وبعد أن ذهبت زانيتا قال كارلو وهو يمسك بذراع ديليا مشيرا الى شرة كبيرة:
" سنجلس في ظل هذه الشجرة الكبيرة لبعض الوقت".
وجلسا معا على أحد المقاعد الخشبية , وسرعان ما تجمهر حولهما الهنود ينظرون الى ديليا بفضول , وتذكرت ديليا الهدايا التي أحضرتها معها , ففتحت حقيبتها وأخرجت منها الحلوى والسكائر لتقدمها لهم.

كان أهالي هذه القبيلة يختلفون عن القبائل الأخرى التي قابلتها ديليا , كانت بشرتهم تميل الى السواد , ووضع معظمهم طبقة سميكة من الطلاء فوق جلودهم , وكان الرجال يحيطون أذرعتهم بشرائط من جلود الحيوانات.
تقدم منها الهنود يلمسونها ويمسكون بذراعها وشعرها , ويرفعون يدها ليروا خاتم الزواج الذي تضعه في أصبعها , ويتفحصون القلادة التي وضعتها حول عنقها.

وجلست ديليا بهدوء وصبر لأنها كانت تدرك مدى أهمية هذه الأشياء بالنسبة اليهم, فأبتسمت لهم , وأبتسموا لها بخجل ثم تقدمت أحدى السيدات وبدا أنها أصدرت أمرا , فأندفع شاب يجري أتجاه الأكواخ ثم عاد وهو يحمل ملء يده من المكسرات وقدمها لديليا.
ولم تكن ديليا تشعر برغبة في تناول أي شيء , ولكنها تناولت واحدة حتى لا تؤذي مشاعرهم.
وهمس كارلو قائلا:
" أنهم معجبون بك , وهذا شيء رائع لأن هذه القبيلة لا تألف الغرباء بسرع , كما أنها من أمهر القبائل في الأشغال اليدوية , وسترين هذا بنفسك".

ثم صاح كارلو وهو يقف فجأة:
" يا ألهي, لقد خرجت من الكوخ!".
ونظرت ديليا الى حيث كان كارلو ينظر , فرأت زانيتا تجري مندفعة من الكوخ , فأندفع كارلو يعترض طريقها وتحدث اليها , بلهجة عنيفة , ولكن زانيتا التي بدا وجهها شاحبا ردت عليه بحدة , وأندفعت وقد وضعت يدها على فمها تجري حيث أختفت وراء أحد الأكواخ.
وصاحت ديليا تسأل كارلو:
" ماذا حدث؟".
" أنها لم تستطع تحمل رؤية الرجل المريض , لا أدري ما فائدة كونها طبيبة ما دامت تصاب بالغثيان عنما تشاهد شخصا مريضا؟ لا يمكن أن تصلح للعمل في الأدغال , فهي غير مؤهلة لذلك كما هو الحال مع أدموند".

ثم نظر الى ديليا وهو يضيف:
" هل تعرفين يا ديليا أنني معجب جدا بزوجك , في أول الأمر لم أكن كذلك , فقد بدا لي بشعره المجعد وعينيه الزرقاوين الباردتين وصوته الهادىء الرقيق كما لو كان شابا من الطراز الذي سئم الحياة الرغدة التي يعيشها فحضر الى هذه المناطق لمجرد التغيير , ولكنني كنت مخطئا , لأنني وجدته بعد ذلك رجلا مهذبا يهتم بالآخرين ويعمل على مساعدتهم كنا أن لديه قدرة كبيرة على التحمل , وقد ثبت لي هذا بعد أن تمكن من شق طريقه في الأدغال التي ضل بها لما يقرب من أسبوعين".
منتديات ليلاس
ونظرت ديليا الى باب الكوخ الذي يوجد بداخله الرجل المريض , وقالت:
" أن أدموند يقف بالباب وهو يلوح لنا".
وأتجها معا الى حيث يقف أدموند الذي بدا عليه الشحوب الشديد وكان العرق يتصبب من وجهه وسأل بحدة:
" أين ذهبت الدكتورة ميريللي؟".
فرد كارلو بلهجة ساخرة:
" أنها خلف الكوخ, شعرت بغثيان ,هل أنت بحاجة الى مساعدة؟".
" نعم , فأنني لا أفهم حديثهم , كل ما فهمته أن مرض الرجل له دخل بأحد الطيور".
ثم ألتفت الى ديليا قائلا:
" لا داعي لدخولك يا ديليا".
ولكنها أصرت على الدخول , فقال لها:
" أن المنظر بالداخل لن يعجبك".

فقالت:
" هذا شيء طبيعي , أريد الدخول الى الكوخ , فربما يفيدني ذلك في كتابة مقالاتي".
وكان داخل الكوخ معتما , وسمعت ديليا أصوات نسوة ينتحبن ويولولن , ورأت فراشا معلقا تلتف حوله النسوة فنظرت داخله فرأت شبحا هزيلا للغاية ظنته لأول وهلة طفلا صغيرا ولكنها عندما دققت النظر أكتشفت أنه رجل أشبه بالهيكل العظمي.
وأخذ الزعيم يتحدث الى كارلو وهو يشير بيديه , أشارات كثيرة , وأخيرا تولى كارلو تفسير كلامه , فقال:
" الشاب المريض ذهب يوما ليصطاد وفقد سلاحه , وذهب ليبحث عن الماء فضلّ طريقه في الغابة , ولم يكن معه أي طعام أو شراب , فألتقطه طائر الأناقو ووضعه في عشه , ثم عاد به الى القرية أمس".

فهمس أدموند متسائلا وهو ينظر الى المريض :
" وما هو هذا الطائر؟".
" يعتقد الهنود أنه عندما يضل أحدهم الطريق في الغابة فأن مخلوقا نصفه رجل ونصفه طائر ينقذه ويحتفظ به في عشه لحين , ثم يحمله فوق منقاره ليعود به الى أهله".
" هيه.... مجرد أعتقاد يحاول الهنود أن يفسروا ما يستعصي عليهم فهمه أحيانا".
ثم أضاف أدموند:
" أن هذا الشاب يعاني من الأنيميا الحادة وفقر الدم , ويجب أن ينقل فورا الى بوستو أورلاندو , وستكون أنت يا كارلو طائر الأناقو الذي يحمله بعيدا ليعود به الى أهله بعد ذلك معافى".



اماريج 16-11-10 06:52 AM

" أن هذه فكرة رائعة يا صديقي , ولكنني لا أستطيع أن أحمله معنا على هذه الطائرة الصغيرة , فأنها لا تتسع لأكثر من أربعة أشخاص , وأذا خاطرت فربما تسقط الطائرة لأنها ليست في حالة جيدة".
فأعترض أدموند قائلا:
" ولكن هذا الشاب لا يكاد يزن شيئا".
" أعرف ذلك , ولكن أخاه ووالدته لن يتركاه يذهب وحيدا , فأنت تعرف مدى أرتباط الأهالي هنا ببعضهم بعضا وخاصة في حالات المرض , وحسب تقديري فأن أخاه لا يقل وزنه عن مائة وخمسين كيلوغراما".

ونظر اليه أدموند وبدا عليه التفكير , ثم رفع يده يمسح العرق عن وجهه قائلا:
" هيا نخرج ونناقش هذه المسألة , أريد أن أشرب شيئا".
وألتفت كارلو الى الزعيم وقال له شيئا , ثم خرجوا جميعا من الكوخ وجلسوا تحت ظل الشجرة , وكانت زانيتا تجلس على المقعد الخشبي , فأتجه أدموند أليها مباشرة وجلس بجانبها وتحدث معها برفق , فشعرت ديليا بنيران الغيرة تشتعل من جديد في صدرها , فجلست على الطرف الآخر من المقعد وقد أدارت لهما ظهرها.

وبعد قليل خرج الزعيم من الكوخ تتبعه بعض النسوة , اللاتي قدمن لهم في حياء عصير الفواكه الطازجة الذي تناولوه بنهم شديد.
وقال أدموند بلهجة آمرة:
" سيضطر أثنان منا للبقاء في القرية حتى نتمكن من نقل الشاب المريض وبالطبع ستضطر أنت يا كارلو للذهاب معه , فأنت قائد الطائرة , ويجب أن تقرر من الذي سيتخلف".
فقال كارلو:
" زانيتا وديليا أو أنت وواحدة منهما".
وأعقب هذا الأقتراح من كارلو فترة صمت , وأعتقدت ديليا أن الرجلين ينتظران رأيها ورأي زانيتا بالنسبة لهذه المسألة فقالت بهدوء:
" أنني لا أمانع في البقاء هنا , ربما يكون هذا أفضل لي".
فقال أدموند بسرعة:
" أذا سأبقى معك".

وفي الحال أنفجرت زانيتا في حديث عاصف لم تفهم منه ديليا حرفا واحدا وهي تلوح بيدها في ثورة , فهمست ديليا تسأل كارلو الذي كان يجلس بجانبها.
" ماذا حدث الآن؟".
" أنها تريد أن تذهبي أنت معنا على الطائرة لتبقى هي مع أدموند , يا لها من أمرأة غبية".
فقالت ديليا وهي تشعر بالتعاسة:
" أخبرها أنني سأذهب معك ويمكنها هي البقاء , فأن الأمر سيان بالنسبة لي".
فقال كارلو بغضب:
" لن أفعل شيئا من هذا القبيل , أن أدموند هو الذي يمكنه وحده أن يقرر".

ثم ألتفت الى زانيتا , وتحدث اليها بلهجة عنيفة
وألتفت من جديد الى أدموند قائلا:
" أن الأمر متروك لك يا صديقي , ربما يكون الأمر أسهل بالنسبة لك أذا ذهبت أنت معي وتركت ديليا وزانيتا معا هنا".
فقال أدموند بلهجة قاطعة:
" لا , من الأفضل أن أبقى أنا هنا , فأن وزني أثقل , أما زانيتا فستذهب معك , من الضروري أن تلازم الشاب المريض , فقد يحتاج الى مساعدتها".

فقال كارلو متسائلا بسخرية:
" ومن سيقول لزانيتا هذا؟".
" سأفعل أنا ذلك , المفروض أنني رئيسها وستطيع أوامري , ولكن , هل تعتقد أنك ستتمكن من العودة الينا قبل حلول الظلام؟".
" أنني أشك في ذلك, ربما أضطررت أنت وديليا لقضاء الليلة هنا , وسأتحدث الى الزعيم ليعد لكما مكانا تقضيان فيه ليلتكما".
فقال أدموند:
" حسنا , ليس علينا الآن ألا أن ننقل الشاب المريض الى الطائرة".

فنهض كارلو وأتجه الى الكوخ حيث يوجد الرجل المريض , وألتفت أدموند الى زانيتا وأخذ يتحدث اليها بالبرتغالية , ولم تفهم ديليا شيئا من الحديث , فشغلت نفسها بمشاهدة الأطفال وهم يلعبون وسط الأكواخ وهي تعجب في نفسها من هذا الوضع الشاذ , فهذا هو أدموند زوجها يحاول أن يشرح لزانيتا كيف أنه من الضروري أن تعود هي مع كارلو ليبقى هو معها ... هي زوجته!
وبعد قليل عاد كارلو بصحبة زعيم القبيلة وأم الشاب المريض وأخيه وقال يحدث أدموند:
" لقد تم الأتفاق على أن تبقى أنت وديليا هنا الليلة , وتم أعداد كوخ لكما".
منتديات ليلاس
فوقف أدموند وهو يقول:
"حسنا".
ووقفت ديليا بدورها , وعرضت مساعداتها , وهنا ألتفت اليها أدموند قائلا بلهجة آمرة :
" بل ستبقين أنت هنا في الظل".
فنظرت اليه وهي تتساءل:
" ألست بحاجة الى مساعدتي؟".
فنظر اليها ومد يده كما لو كان يريد أن يلمس وجهها , ولكنه سحبها سريعا
وأدار لها ظهره وأبتعد عنها وهو يقول:
" لا , لست بحاجة الى مساعدتك الآن".

وجلست ديليا من جديد على طرف المقعد الخشبي , وجلست زانيتا على طرفه الآخر , ولكنها قامت فجأة لتتمشى قليلا ثم جلست بجانب ديليا , وأبتدرتها قائلة بلهجة أنكليزية ركيكة:
" لماذا حضرت الى البرازيل ؟ ولماذا تبعت أدموند الى هنا؟".
فأنفجرت ديليا معترضة وهي تقول:
" أنني لم أتبعه , لقد حضرت لأكون بجانب أدموند , لأنني زوجته ولأنني أحبه".

وأتسعت عينا زانيتا ثم لوت شفتيها وهي تشيح بوجهها بعيا أتجاه الكوخ
ثم قالت وهي تحاول تأكيد كلامها:
" أنه لا يبك, وأذا كان يحبك حقا , فلماذا لم يحدث أحدأ بأمر زواجه منك , أن المرة الوحيدة التي تحدث فيها عنك , كانت عندما أصيب بالمرض بعد عودته من الأدغال , فقط كان يهذي بأسمك وهو يعاني من الحمى".
" ماذا تقولين؟".
" أجل سمعته مرارا يهذي بأسمك وبأسم شخص يدعى بيتر ولم أفهم كلامه , وكل ما أستنتجته من هذيانه أن بيتر هذا ربما كان عشيقك!".

ثم تنهدت وهي تقول:
" مسكين أدموند , لقد عاني كثيرا , ولولا وجودي بجانبه لما أستطاع التغلب على مرضه".



اماريج 16-11-10 06:53 AM

وشعرت ديليا في هذه اللحظة بغضب شديد لم تشعر بمثله من قبل, وأدركت أن كل شيء يدور حولها , وجاهدت طويلا حتى لا تلتفت الى هذه المرأة وتصفعها بكل قوتها على وجهها وتنشب فيها مخالبها للقضاء عليها.
وتملكتها غيرة رهيبة لشعورها أن هذه المرأة فعلت مع أدموند ما كان من وأجبها هي كزوجة أن تفعله أثناء مرضه.
منتديات ليلاس
وبعد أن تمالكت نفسها , أحست بأرهاق شديد وبرأسها يؤلمها
ولكنها تماسكت وقالت لزانيتا بصوت خافت:
" أشكرك في أية حال للعناية به حتى تماثل للشفاء".
فضحكت زانيتا بسخرية وهي تقول:
" ها... أنني لم أفعل ذلك من أجلك, بل من أجل نفسي فقد قابلت أدموند مرتين من قبل , مرة في ريو دي جانيرو وسرنا معا على الشاطىء الصخري بينما كان في زيارة لمنزل عائلتي , والأخرى في برازيليا وأنا معجبة به جدا , ولذلك تطوعت للعمل في بيتوروس على أمل لقائه مرة أخرى , وقد حدث هذا بالفعل , أنني أحبه أكثر مما تحبينه وهو أيضا يحبني , ولذلك يجب أن أبقى معه هنا هذه الليلة ولست أنت".

فصرخت ديليا قائلة:
" يمكنك البقاء , فأن هذا لا يهمني في شيء".
ثم قالت وهي تقف:
" ولكن لا تتوقعي مني أن أذهب , فأن من حقي البقاء مع أدموند هنا , بينما أنت لا تملكين هذا الحق".
وأندفعت ديليا تبتعد عن زانيتا لأنها لم تعد تطيق البقاء معها أكثر , وسارت لا تلوي على شيء ولا تعرف ألى أين تتجه , وشعرت بكلمات زانيتا وكأنها ضربات مطرقة تهوي فوق رأسها , ربما تكون على حق في قولها أن أدموند يحبها , وربما كان ذلك هو السبب الحقيقي فعلا في رغبته للبقاء في البرازيل.

وشعرت بالعرق يتصبب على ظهرها وساقيها , ولكنها أستمرت في السير وهي لا تدري الى أين, ولكن هل يهم هذا؟ وهل يهم أي شيء ما دام أدموند لا يحبها بل يحب أمرأة أخرى ؟ ربما كان هذا هو السبب في موقفه الرافض لها منذ حضورها الى بوستو أورلندو ومحاولته أعادتها الى البرازيل.
وتعثرت قدمها في كتلة من الخشب , وسقطت فوق الأرض وفي الحال أمتدت اليها الأيادي تساعدها على القيام , ونظرت ديليا فوجدت مجموعة من الفتيات وقد ألتففن حولها , وكان بعضهن عاريا تماما , وكن جميعا يحدقن وقد بدا عليهن القلق.

تقدمت منها أحداهن ولمست ذراعها وأشارت لها الى الطريق وسط الأشجار , نظرت ديليا الى حيث تشير الفتاة فرأت أحد الأنهار , وأخذت الفتاة تحرك ذراعيها كما لو كانت تسبح , ثم أشارت الى ديليا قم الى النهر من جديد.
وفهمت ديليا أن الفتاة تريدها أن تذهب معهن للأستحمام وحتى تتأكد من ذلك , أشارت ديليا الى نفسها ثم الى النهر وأخذت تحرك ذراعيها كما لو كانت تسبح , فأبتسمت الفتاة وهزت رأسها بالأيجاب.

فرحت ديليا بهذه الفكرة, فصحبتها الفتيات الى الشاطىء , حيث وجدت المزيد من الفتيات والأطفال , وما أن رأوا ديليا حتى تجمعوا حولها يبدون أعجابهم بملابسها ومجوهراتها , ثم أشارت لها الفتيات بخلع ملابسها لتصبح عارية مثلهن , فخلعت قميصها وسروالها , ونزلت الى النهر , وكانت المياه صافية , وأنطلقت ديليا تغوص في الماء تارة وتسبح تارة أخرى وقد بدأت تشعر بالأنتعاش.
ونسيت لفترة جميع همومها ومضت تمرح مع الفتيات.
منتديات ليلاس
وخرجت من النهر وجلست على الشاطىء مع الفتيات تعلمهن كيف يبنين القلاع من الرمال , وأخذت ترسم لهم صورا للقطارات والعربات والطائرات والفتيات يضحكن بسعادة.
وشعرت ديليا بالصداع , فعادت الى مياه النهر للسباحة من جديد , وتبعها عدد من الصبية وهم يتصايحون.
وسمعت ديليا أصواتا عالية , فنظرت الى الشاطىء ورأت مجموعة من رجال القبيلة يتحدثون مع الفتيات.

وغطست ديليا في الماء وهي تسبح مبتعدة عن الشاطىء , ولاحظت أن بعض الصبية يتبعونها وهم يضحكون ويشيرون اليها ثم الى الماء , فنظرت حولها فرأت شيئا غامضا يسبح في المياه
فنظرت في حيرة وفجأة وجدت أدموند أمامها.
فصاحت ديليا تسأله:
" ماذا تفعل هنا؟".
" أبحث عنك , أنك حقا مجنونة , لماذا ذهبت هكذا دون ان تبلغي أحدا بذلك . لقد بحثت عنك في كل مكان , لماذا تركت القرية؟".
" لأنني ... لأنني ... لم أستطع البقاء مع زانيتا والأستماع اليها أكثر من ذلك , أدموند أنني سأعود الى بوستو أورلاندو مع كارلو , ويمكنها البقاءمعك أذا كان هذا ما تريده أنت".



اماريج 16-11-10 06:54 AM

ونظر اليها أدموند وقد بدت الحيرة على وجهه , وقال:
" ما هذا الذي تقولينه ؟ لقد أقلعت الطائرة منذ ساعة تقريبا , كارلو لم يستطع الأنتظار أكثر من ذلك ليتمكن من الوصول الى بوستو أورلاندو قبل أن يحل الظلام".
ثم نظر اليها بدهشة وهو يسألها:
"ماذا قالت لك زانيتا؟".
" قالت من المفروض أن تبقى معك بدلا مني ... وقلت لها بأمكانها أن تفعل ذلك , فهل بقيت هنا؟".
منتديات ليلاس
" بالطبع لا , طلبت منها الرحيل وهي تعرف جيدا كيف تطيع الأوامر , لقد رحلت منذ ساعة , وظللت أبحث عنك وأنا أغتقدك قد ضللت طريقك في الأدغال".
ثم نظر اليها نظرة غريبة وهو ينفجر فيها قائلا:
" أياك أن تفعلي هذا مرة أخرى , هل تسمعين؟".
فقالت ديليا بغضب:
" تعتقد أنه من حقك أنت الأختفاء لعدة أسابيع أو شهر أو ربما لأكثر من عام بدون أن أعرف عنك شيئا , ثم تحاسبني لأنني أختفيت عن نظرك لفترة قصيرة ؟".

وغطست في الماء من جديد , وعندما طفت رأته ما زال يقف بجانبها وهو ينظر اليها بنوع من التهكم , وقال:
" أنك دائما تختارين الأماكن الغريبة لنناقش فيها أمورنا".
" أنني لم أفعل هذا , لقد أخترت أنت المكان, وأنت الذي سبحت خلفي الى هنا, كما أنني لم أكن أتناقش , ولكنني كنت أعبر عن رأيي , والآن أنت تعرف شعوري , وكيف كنت أشعر بالقلق عندما رحلت وغبت عني لمدة ستة عشر شهرا بدون أن أعرف مكانك".
" كان بيتر يعرف مكاني , وما كان عليك ألا أن تسأليه!".

" فعلت ذلك ولعدة مرات , ولكنه قال لي أنك طلبت منه ألا يعرّفني بمكانك , ثم بعد ذلك قال أنه لا يعرف عنك شيئا على الأطلاق".
وأخذت ديليا تسبح عائدة الى الشاطىء , وتبعها أدموند وتقدمت الفتيات اليها وهن يتحدثن ثم صحبنها معهن بعيدا عن أدموند خلف شجرة كبيرة , وقدمت لها أحداهن وشاحا طويلا من النسيج القطني وأشارت لها بأن تضعه فوق جسدها , فأخذت ديليا الوشاح ولفته حول جسدها على هيئة الساري الهندي , فصفقت الفتيات بسعادة ونزعت أحداهن زهرة حمراء كبيرة من شعرها , رشقتها في شعر ديليا خلف أذنها , فصفقت الفتيات من جديد وهن يضحكن.

ثم أخذتها أحدى الفتيات من يدها , وصحبتها الى حيث كان يقف أدموند الذي كان قد أرتدى ثيابه , وأمسكت الفتاة بأحدى يديه , فوضعتها في يد ديليا , وفجأة وقف الجميع في صمت تام
فجذب أدموند ديليا اليه وهو يهمس قائلا:
" أعتقد أنهم يتوقعون مني أن أبدي أعجابي بك , ولو أنني لا أبدو مناسبا لك وأنا أرتدي هذه الثياب".
" ربما يكون من الأفضل لك أن تضع مثلهم بعض الريش في شعرك وتطلي وجهك بالطلاء الأحمر!".
" وهل أعجبك لو فعلت هذا؟".

ودهشت ديليا لقوله , فهمست قائلة:
" لا , فأنت تعجبني كما أنت , وكان هذا شعوري نحوك دائما".
فأحنى أدموند رأسه وعانقها.
وظلت ديليا لفترة طويلة تسير وكأنها في حلم جميل وهي تستعيد مشهد عناقها , وسارت مع أدموند ووراءهما مجموعة الفتيات الى القرية.
وبعد أن ولا الى القرية , صحبهما أحد كبار رجال القبيلة في جولة بين الأكواخ , وكان يتحدث القليل من البرتغالية.

وقال لهم أن قبيلته مشهورة بصناعة الأواني الفخارية , وقادهما الى أحد الأكواخ حيث وجدوا بداخله رجلا مسنا يصنع وعاء من الفخار , وقد تناثرت حوله الكثير من الأواني الجميلة الصنع من جميع الأشكال والأحجام.
وأبدت ديليا أعجابها الشديد بمهارة الرجل , وأشترت بعض الهدايا , كما أشترى أدموند بعضا منها.
وعندما خرجوا من الكوخ , كان قرص الشمس يكاد يختفي وراء الأفق , وقد أكتست السماء لونا جميلا وهو خليط من البرتقالي والقرمزي والذهبي.
منتديات ليلاس
وتناولا الطعام في منزل الدليل الذي يرافقهما , وكان مكونا من السمك والأرز والفاصوليا وعصير الفواكه الطازجة.
وبعد أن أنتهوا من تناول الطعام , خرجوا جميعا ليشاهدوا الرقص الذي يقدمه رجال القبيلة , وكان القمر قد بزغ وبدأ ضوءه ينتشر في المكان.
وبدأ الرقص على قرع الطبول المدوية , وأشترك فيها ستة من رجال القبيلة يضعون حول وسطهم أحزمة يتدلى منها ما يشبه الحشائش الصفراء , وقد أرتدوا أغطية رأس من الريش الطويل الزاهي اللون , ووضعوا أجنحة من أوراق الشجر العريضة الخضراء.

كان المنظر رائعا وشاعريا , وشعرت ديليا بحواسها تتيقظ وهي تجلس بجانب أدموند على كتلة خشبية , وبدأ الرقص ودقات الطبول أيقظت حواسه هو أيضا , فشعرت بذراعه العارية تلامس ذراعها , وكان ملاصقا لها , ثم أمتدت ذراعه لتحيط بخصرها , وأصابعه تتحرك برقة فوق ظهرها.



اماريج 16-11-10 06:55 AM

وبدأ قلبها يدق بشدة وقد أثارتها الطبول الصاخبة وشعرت بأدموند يضغط بأصابعه على خصرها وهو يقربها منه
وأحست بأنفاسه وهو يقترب منها ليهمس في أذنها قائلا:
" هيا بنا نذهب للنوم".
" أين؟".
" في الكوخ الذي أعد لنا".

" ألا يجدر بنا أن ننتظر قليلا , فقد يشعرون بالأستياء أذا نحن غادرنا المكان قبل أنتهاء الرقصة؟".
" لا أعتقد ذلك , أبلغت الرجل الذي كان يصحبنا أننا لن نمكث طويلا , وقد بدا متفهما تماما ... تعالي".
وأمسك أدموند بيدها , وقادها بين الأعشاب الطويلة الى حيث توجد الأكواخ , وكان الجو دافئا ومشبعا برائحة الغابة والسكون يلف المكان الذي بدا حالما في ضوء القمر.

ولم تكن ديليا تسمع سوى دقات الطبول المثيرة التي أشعلت حواسها .
وداخل الكوخ كان يوجد مصباح معلق في أحد القوائم الخشبية التي يستند اليها السقف
ونظرت ديليا حولها وصاحت قائلة:
"أوه , لا يوجد سوى فراش واحد معلق".
ثم توقفت أمام الفراش الذي بدا عريضا , وقالت:
" الأفضل أن نذهب ونطلب منهم فراشا آخر".
فقال أدموند بعدم أكتراث وهو يخلع قميصه:
" ولكننا لسنا بحاجة ألى فراش آخر , هذا الفراش كبير ويكفي لنا".
منتديات ليلاس
ووقفت ديليا في مكانها يتنازعا شعوران , شعور بالخوف وشعور بالرجاء , وهي لا تفهم تماما ماذا يقصد أدموند.
ثم خلع أدموند سرواله وعلقه مع القميص في أربطة الفراش المعلق , وتقدم نحو ديليا التي وقفت تنظر اليه وقد بدا لون صدره وكتفيه العاريتين بونزيا جذابا في الضوء الخافت وأرتسمت أبتسامة غامضة على شفتيه
وقال لها دموند:
" هل ستذهبين الى الفراش وأنت تلفين حول جسدك هذا الوشاح أم تريدين أن أساعدك على خلعه؟".
فرفعت يديها لتحل عقدة الوشاح
وهمست وهي تنظر الى أدموند:
" هل أنت متأكد؟".

" متأكد من ماذا؟".
فسألته بصوت مرتجف:
" هل أنت متأكد من أنك تريدني أن أشاركك هذا الفراش , لم يبدو عليك ذلك من قبل".
فقال وهو يأخذ منها الوشاح ليعلقه:
" أنسي كل شيء عن الماضي".
ثم قال وهو يتجه الى الفراش:
" المشكلة الآن هي كالمعتاد : كيف ندخل الى الفراش بدون أن نتيح فرصة للبعوض بالدخول معنا".
ثم ألتفت اليها يسألها:
"هيه , هل أنت على أستعداد للصعود الى الفراش؟".
ومد أدموند يده لها , فأمسكت بها وهي تشعر كما لو كانت مسلوبة الأرادة , وصعدت الى الفراش ودخلت تحت الشباك الواقية من البعوض
وقال لها أدموند بصوت آمر:
" أخلعي حذاءك وناوليه لي".
فأطاعته , وبعد أن أعطته الحذاء , أستلقت على ظهرها في الفراش وقد تلاحقت ضربات قلبها, وكان يتهيأ لها أن صدى الضربات يتردد في جنبات الكوخ.

كان الفراش يتسع بالفعل لشخصين ملتصقين ببعضهما البعض, وأثارتها فكرة نومها بين ذراعي أدموند وشعرت بنيران تشتعل في داخلها , وأطفأ أدموند المصباح , ثم سمعته يضحك وهو يمسك بحافة الفراش ليصعد اليه وهو يقول:
" أرجو ألا يسقط بنا".
وتأرجح الفراش بينما كان أدموند ينزلق الى جانبها , وأحست ديليا بدفء قدميه وساقيه العاريتين وهما تلتصقان بها , ثم دفع بذراعه تحت كتفها , فأسندت رأسها على صدره وهي تستمع الى دقات قلبه.
وهمس أدموند يسألها:
" هل تشعرين براحة هكذا؟".
" نعم , شكرا".

وشعرت بصدره يعلو ويهبط وهو يضحك
ثم قال وهو يحاول أن يقلّد كلامها :
" نعم , شكرا , أنك دائما مهذبة للغاية وأنت تستخدمين مثل هذه الكلمات ".
" لقد تعودت على ذلك منذ كنت طفلة صغيرة في المدرسة وعندما كنت أذهب عند خالتي مارشا".
" هل ألتقيت بها مؤخرا؟".
" لا , ولكنها أرسلت أليّ خطابا تعاتبني فيه لأنني لم أستمع الى نصيحتها وتحذيرها لي بشأنك".

فصاح بدهشة:
" وهل حذرتك مني؟ ومتى حدث هذا؟".
" كان ذلك بعد أول لقاء لي معك, نصحتني في ذلك الوقت بعدم التورط في علاقة معك , وعندما رفضت الأستماع اليها , وصفتني بأنني غبية".
وأعقب ذلك فترة صمت , قطعها أدموند قائلا بصوت خافت:
" ربما كانت على حق , لقد كان من الأفضل لك أن تتزوجي شخصا مثل بيتر , فأنه كان سيسعدك ويبقى الى جانبك ويوفر لك منزلا مريحا , أنني لا أزال لا أفهم لماذا لم تحاولي الحصول على الطلاق مني!".

" لم أكن أستطيع فعل ذلك , من دون أن أراك أولا".
" لقد فهمت من بيتر أن هذا لا يهم في شيء , طالما أنني أبلغته بوصفه المحامي الموكل عني بموافقتي على الطلاق وقال أنه سيبلغني بتطورات الأمور , ولكنه لم يفعل ذلك أبدا".
" وهل كتبت اليه؟".
" مرتين".
" ولماذا لم تكتب اليّ؟".
وسادت فترة أخرى من الصمت , ثم شعرت بأصابعه تتخلل شعرها وتعبث به
وهو يهمس قائلا:
" لم أعتقد أنك تريدين أن تسمعي أي شيء عني بعدما حدث بيننا , يا ألهي لو عرفت مقدار ما شعرت به من ألم!".

وأحست ديليا وكأن هذه الكلمات تخرج من أعماقه , فشعرت برغبة شديدة في التخفيف عنه , فرفعت يدها ولمست وجنته بأصابعها وهي تربت عليه برفق
وهمست قائلة:
"لقد كانت غلطتي".
وأضاف وهي تشعر بالراحة لأنها أعترفت له أخيرابأنها أخطأت .
" لم يكن من اللائق أن أتصرف بتلك الطريقة ولكنني كنت خائفة ولم أفهمك , فقد كنا نعرف القليل عن بعضنا , وكان بيتر قد أخبرني أنك ربما تكون غير مخلص لي وأنت بعيد عني".
منتديات ليلاس
فقال أدموند بحدة:
" بيتر , بيتر , يبدو أن كل شيء يدور حوله , لقد كنا حتى نتصل ببعضنا عن طريق بيتر!".
" أنني أعرف ذلك , ولقد حاولت الأتصال بك , ولكنه كان دائما بيننا , وفي تلك الليلة , عندما عدت الى المنزل ولم أجدك , أنتظرت طوال الليل وكنت أود أن أعتذر اليك ., ولكنك لم تحضر وأنتظرت أن تتصل بي في الصباح ولكنك كنت قد رحلت , يا أدموند كم كان الأمر فظيعا!".

وتساقطت الدموع من عينيها على صدره , فرفع وجهها اليه وهو يجفف دموعا , ثم طبع قبلة رقيقة على خدها.
وشعرت ديليا بشفتيه دافئتين , فأستجابت له وأحاطت عنقه بذراعها وهي تضغط عليه وتقربه منها كما لو كانت تقول له أنها لا تريده أن يبتعد عنها , وشعرت بأصابعه تلمس كل جزء من جسدها بحنان
ورفع أدموند رأسه وهو يقول هامسا:
" ديليا, أنت تعرفين ما الذي أريده منك الآن ؟ ولكن , هل تريدين أنت ذلك أيضا ؟ أنني لن أحاول أن أخيفك مرة أخرى".

فأحتضنته ديليا بقوة وهي تشعر بسعادة كبيرة وجسدها يلتصق بجسده وهمست قائلة:
" نعم يا أدموند , أرجوك , لقد أشتقت اليك كثيرا , وأنتظرت هذا اللقاء منذ فترة طويلة وكنت أتوق اليه , كنت في شوق الى حبك , ولهذا جئت الى البرازيل لأكون الى جانبك".
وأندفع أدموند يحتضنها بحب وأستجابت له ديليا وتأرجح الفراش وهما يتعانقان وصوت الطبول يدوي في الخارج بعنف.

نهاية الفصل الخامس



فتاة 86 16-11-10 02:51 PM

أماريج إنت بحر لا ينضب
عن جد إنت رائعة
شكراً على المجهود

اماريج 17-11-10 09:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2529498)
أماريج إنت بحر لا ينضب
عن جد إنت رائعة
شكراً على المجهود


ياهلا وغلا بالحلوة
الرواية منورة فيك ياعسل
والاروع هو مرورك فيها وتواجدك العطر يالغلا كله
والعفووووو حبيبتي دمت بكل الود :flowers2:
:liilas:

اماريج 17-11-10 09:55 PM


6-خذني معك

أستيقظت ديليا في الليل على صوت الرعد وعلى آلام فظيعة في معدتها , وكان أدموند يضع رأسه على صدرها وهو مستغرق في نوم عميق وعلى الرغم من آلامها , نظرت اليه ديليا في الظلام وهي تبتسم , فقد كان لقاؤهما ممتعا , برغم ضيق الفراش , وعجبت دليا من نفسيهما , كيف أن هذا اللقاء لم يتم من أول ليلة قضتها مع أدموند في بوستو أورلاندو
ولكنها تذكرت قوله لها: يلزمنا الوقت لننسى ونغفر , وأدركت في تلك اللحظة أنه على حق , وأن الزمن كفيل بأصلاح ما أفسده بيتر الذي كانا يثقان به , ولكنه , وهو الصديق المخلص , كان يشعر بالغيرة منهما.
منتديات ليلاس
وأضاء الكوخ ضوء البرق الذي نفذ من فتحة الدخان الموجودة بالسقف ورعدت السماء, وشعرت ديليا من جديد بألم يكاد يمزق معدتها وأصابها الغثيان
فهمست قائلة لأدموند:
" يجب أن أقوم".
ولكن أدموند لم يسمعها , وكان مستغرقا تماما في النوم , فسحبت ذراعها برفق من تحت كتفه , وهبطت مسرعة من الفراش , وأندفعت خارج الكوخ بدون أن تتمكن من وضع أي ثياب عليها , وجرت مسرعة داخل الغابة لتستند الى أحدى الأشجار وتفرغ ما في جوفها , وأخذت ديليا ترتجف وهي لا تكاد تقوى على الوقوف.

وما كادت تتمالك نفسها قليلا , وتتجه للعودة الى الكوخ , حتى شعرت بالغثيان من جديد , وأستمرت على هذه الحالة عدة مرات شعرت بعدها بأرهاق شديد , ولم تكن تقوى حتى على السير , ولكنها بذلت كل ما تبقى لها من جهد لتزحف في بطء شديد عائدة الى الكوخ , وكانت الأمطار قد بدأت في السقوط بغزارة.
وأخيرا وصلت الى الكوخ وقد أبتل شعرها وجسدها , ووصلت الى حيث يوجد الفراش , وأستندت الى حافته وهي لا تكاد تقوى على الوقوف على قدميها.
وشعر أدموند بها فهبط من الفراش مسرعا , ونظر اليها بخوف وقد وقفت ترتجف والمياه تتساقط من جسدها.

وأمسك بها وهي تترنح
وسألها بقلق:
" ماذا حدث؟ وأين كنت؟".
فأجابته وهي لا تكاد تقوى على الحديث:
" أشعر بتعب شديد , وأعتقد أنني أصبت بالدوسنتاريا , أشعر بالغثيان وقد أفرغت ما في جوفي".
وفاجأتها موجة جديدة من الألم , فتلوت وهي تضغط على معدتها بقوة , فجذب أدموند الغطاء من داخل الفراش , ولفه حول جسدها بأحكام , ثم حملها ووضعها فوق الفراش , وصعد حيث أستلقى الى جوارها وقد ضمها اليه بقوة في محاولة لتدفئتها
وهو يسألها:
" لقد كنت تشعرين بالتعب طوال اليوم , أليس هذا صحيحا؟".
فأجابت بصوت ضعيف:
" نعم , أستيقظت صباحا وأنا أشعر بصداع شديد وغثيان ".

فسألها:
" أذا , لماذا وافقت على الحضور معنا في هذه الرحلة؟".
فقالت وهي ما زالت ترتجف:
" لأنني , لأنني أردت أن.. أن أكون معك , وأن أذهب معك الى أي مكان تذهب اليه , كانت هذه هي أول مرة تسألني فيها الذهاب معك , ولم يكن بأستطاعتي أن أرفض وأضيّع فرصة وجودي معك , لمجرد أنني أشعر بالصداع".
قال بغضب:
" ما كان عليك الحضور , وأنت تشعرين بالتعب , لقد أخطأت لأنني سمحت لك بالحضور , لقد طلبت منك المجيء فقط لأنني أذا لم أفعل ذلك , فأن كارلو كان سيفعله , وقد حاولت جعلك ترفضين بأن تظاهرت بعدم الأهتمام بحضورك معنا , كنت أخشى عليك , وكنت أعرف أنه سيحدث شيء لك".
منتديات ليلاس
" ولكن لو لم أحضر معك , لما تمكنا من ..".
وتوقفت ديليا فجأة , وأخذت تتلوى وتتأوه وهي تضغط على معدتها , فضمها اليه أدموند بقوة وكأنه يريد أن يخفف عنها الألم وهو يزمجر قائلا:
" كان يجب عليّ أن أرسلك مع كارلو في الطائرة بدلا من زانيتا".
فهمست ديليا من بين آلامها قائلة:
" أن زانيتا تحبك".
فسألها بدهشة:
" وكيق عرفت ذلك؟".
" هي قالت لي , كما أنني لاحظت الطريقة التي أستقبلتك بها عند وصولنا الى بينوروس , وكيف عانقتك وقبلتك بأشتياق".
" كان عناقها لي شيئا طبيعيا , فأن هذه هي الطريقة التي يحيي بها البرازيليون معارفهم , ولا شيء أكثر من ذلك"



اماريج 17-11-10 09:56 PM

وكان التعب قد أشتد على ديليا , وأرتفعت حرارتها , ولم تعد قادرة على التحكم في حديثها
فقالت بصوت ضعيف:
" وقالت لي زانيتا أيضا أنك مشيت معها تحت ضوء القمر عنما كنت في زيارة لمنزل أسرتها , وقد راقبتها وهي تتحدث معك على مائدة العشاء . ورأيت كيف أنها لم تكن تشعر بوجود أحد غيرك , وكيف كنت تنصت اليها بأهتمام ".
منتديات ليلاس
" كان الأدب يقتضي مني ذلك , ولكنني لم أكن أنصت اليها , فقد كنت مشغولا بمراقبتك وأنت تتحدثين وتضحكن مع كارلو , أن أي شخص يراكما تتحدثان بهذه الطريقة , يعتقد أنكما تعرفان بعضكما منذ فترة طويلة , فقد أستحوذ كارلو على كل أهتمامك في تلك الليلة , بل أنه حتى تجرأ وقبل يدك وهو يودعك على باب الكوخ".

" وكيف عرفت ذلك , وأنت لم تكن موجودا في ذلك الوقت؟".
" بل كنت موجودا , وقد سرت خلفك".
" كنا أعتقد أنك ذهبت مع زانيتا".
" لا , لم أذهب معها , بل وقفت لأتحدث قليلا مع كارلو بعد دخولك الى الكوخ".
" أن كارلو شخص لطيف للغاية".
" وأنا , ألست كذلك؟".
" أنك لطيف مع أي شخص آخر , ولكن ليس معي".
ثم رفعت وجهها اليه في اعياء شديد
وهي تسأله:
" هل زانيتا هي السبب , هل هي السبب في رفضك العودة الى لندن؟ أذا كان الأمر كذلك , فأنني على أستعداد لأفعل كل ما تريده , هل تريد ذلك حقا؟ هل تريد ذلك؟".

فقال أدموند وهو يضع يده على جبهتها:
" أنك تهذين يا حبيبتي , أرتفعت حرارتك ولا تدرين ما تقولين".
" لا , ليس هذا صحيحا , أنني أشعر بالحرارة الشديدة , وأريد أن أشرب , أرجوك يا أدموند أن تقول لي هل تريدني أن أبتعد عنك ؟ هل تريد ذلك فعلا؟".
" أنك تهذين!".
" لا , أنني أعرف تماما ما أقول , وأريد أن أعرف الآن , ومن الضروري أن أعرف قبل أن أعود الى لندن أرجوك يا أدموند ... أرجوك".

" ماذا تريدين أن تعرفي؟".
" أريد أن أعرف ما أذا كنت تريدني فعلا أن أمضي في أجراءات الطلاق حتى يمكنك الزواج من زانيتا أوه يا أدموند أين تتركني لتذهب؟".
وكان أدموند قد تحرك لينزل من الفراش , فقال:
" سأذهب لأحضر لك شيئا ليسكّن آلامك , ولن أغيب طويلا".

وبدأت ديليا تشعر بالدوار , وبدا كل شيء وكأنه يدور ويتراقص من حولها , ووشعرت كأن الظلام بدأ يزحف ليغلف كل ما حولها , ثم شعرت بأصابع تلمس ذراعها , فرفعت رأسها لترى من يقف بجانبها ولكن رأسها سقط وهي تغيب عن الوعي.
وعندما أفاقت ديليا بعد ذلك , كان ضوء النهار قد ملأ المكان ووجدت نفسها وقد وضعت فوق محفة بعد أن لفت بعناية بملاءة نظيفة وهي تحمل خارج الكوخ ورأت وجها ينحني لينظر اليها
عرفت فيه وجه كارلو الذي ما أن رآها تفتح عينيها حتى أبتدرها قائلا وهو يتمتم:
" كيف حالك يا ديليا ؟ كم أنا حزين لمرضك ولكن شكرا لله فقد بدأت تستردين وعيك , والآن , هل تعتقدين أنه يمكنك مساعدتي على الصعود الى الطائرة؟".
منتديات ليلاس
فسألته بصوت واهن:
" أين أدموند؟".
فجاءها صوت أدموند يطمئنها , وهو يقول:
" أنني هنا يا ديليا بجانبك".
ثم أمسك أدموند بيدها, فنظرت الى وجهه , ولاحظت أنه يبدو عليه الأرهاق الشديد وقد ظهرت الهالات السوداء تحت عينيه الزرقاوين فتذكرت في هذه اللحظة قول لويز أن أدموند في حاجة الى الراحة , فهو يشعر بالتعب سريعا
فهمست تقول:
" أدموند يجب أن تأخذ قسطا من الراحة , فأنت مرهق للغاية".
" سأفعل ذلك عندما أنتهي مما أقوم به , أما الآن فأننا سنذهب رأسا الى بوستو أورلاندو حيث أضعك في سريرك لتأخذي كفايتك من النوم , هيا دعيني أساعدك على الجلوس".

ومد أدموند يده ليساعدها على الجلوس , فقالت:
" أنني أشعر بتعب شديد , وكل شيء يدور من حولي".
فقال أدموند يطمئنها :
" لا تخشي شيئا , أعطيتك حقنة مخدرة لأخفف آلامك , وستكونين بخير بعد أن يزول مفعول المخدر , والآن سأحاول مساعدتك لكي تصعدي الى الطائرة".



اماريج 17-11-10 09:57 PM

ورفعها أدموند بمساعدة كارلو الذي سبقهما في الصعود ووضعها أدموند فوق المقعد في الطائرة وجلس بجانبها وبعد قليل أقلعت الطائرة ووقف الأهالي يلوحون لها , وكانت ديليا في حالة من الأرهاق الشديد لم تتمكن معها حتى من رفع يدها لترد تحيتهم , وما أن مضى وقت قصير حتى أغمضت ديليا عينيها لتروح من جديد في غيبوبة.
ولم تستيقظ ديليا الا بعد بضع ساعات لتجد نفسها فوق سريرها في غرفة أدموند في بوستو أورلاندو , وكان الوقت ليلا , وأزاحت الغطاء وهي تنظر حولها , فرأت أدموند يجلس الى المائدة الصغيرة يكتب وقد بدا عليه التركيز الشديد وهو يدخن السيكار
وسألته ديليا بصوت ضعيف:
" ماذا تفعل؟".
منتديات ليلاس
فأنتبه أدموند وألتفت اليها قائلا وهو يبتسم:
"أهلا , ها قد عدت الى وعيك , أنني أكتب التقرير , وأنت كيف تشعرين؟".
ثم قام من فوق مقعده وأتجه الى الفراش حيث ترقد ديلا وجلس على حافته ونظر اليها نظرة متفحصة
فقالت ديليا وهي ما زالت في حالة من عدم الأتزان:
" أنني أشعر بضعف شديد".
ثم وضعت يدها على معدتها وهي تضيف:
" أشعر كما لو كان بداخلي فراغ كبير مثل ما حدث لي بعد أن فقدت طفلي ".
فظهرت الدهشة الشديدة على أدموند ,وسألها في حدة:
" أي طفل هذا؟".

فرفت اليه عينين يثقلهما النوم , ورأته ينحني فوقها وقد بدت في عينيه نظرة شك رهيبة , وأيقنت ديليا في هذه اللحظة أنها أخطأت بالحديث عن الطفل , ولكن لم يكن أمامها مجال للتراجع فقد خرج الأمر من يدها .
وأمسك أدموند بكتفيها وهو يقول في صوت آخر:
" ديليا , أي طفل؟ يجب أن تقولي لي".
فهمست قائلة :
" طفلنا يا أدموند".
فرأت وجهه وقد شحب شحوبا شديدا , فرفعت يدها تربّت على وجهه في حنان
وهي تقول:
" أوه يا أدموند , كم أنا آسفة لأنني فقدته , ولكنه ولد قبل موعده , ومات بعد ولادته ببضع دقائق".

فقاطعها أدموند بصوت غاضب والشرر يتطاير من عينيه:
" لماذا لم تخبريني بذلك؟ كان من الضروري أن أعرف كل شيء , كان من حقي أن أعرف".
" ولكنني حاولت ذلك بالفعل".
ثم صاحت قائلة:
" صدقني يا أدموند , أقسم لك حاولت أن أخبرك , لقد حاولت بالفعل وكنت أريدك أن تعرف , أوه يا أدموند أرجوك أن تصدقني , أنني لم أستطع معرفة مكانك , ولم يكن أحد يعرف أين ذهبت , فأن الصليب الأحمر لم يستطع أن يخبرني بمكان وجودك , وذهبت الى معهد الأبحاث الذي كنت تعمل به , وكل ما أستطعت أن أحصل عليه هو عنوان عمك الكبير في هامشاير , وقد كتبت له على الفور أسأله , أوه أدموند لقد حاولت كثيرا وأرجوك أن تصدقني".

فبدا على وجهه التجهم وهو يقول:
"بيتر كان يعرف مكاني".
" أعرف ذلك , ولكنه كما أخبرتك من قبل لم يشأ أن يخبرني بمكانك لأنه لا يستطيع أن يخون ثقتك به , وبعد أن تأكد لي أنه يريدني أن أحصل على الطلاق , حتى يتمكن من الزواج مني , لم أعد أثق به , وتوقفت عن لقائه , ولم أخبره حتى بأنني حامل , هل طلبت منه يا أدموند حقا ألا يخبرني عن مكانك؟".
فهز أدموند رأسه بالنفي ببطء , وقال بصوت حزين:
" لا , أنني لم أطلب منه ذلك , كل ما طلبته منه هو أجابتك الى طلبك أذا كنت ترغبين في الحصول على الطلاق".

وبدا الألم واضحا على وجهه , فترك كتفيها وأخذ يسير في الغرفة جيئة وذهابا
ثم توقف وظهره الى ديليا وقال:
" لقد طلبت منه أن يكتب اليّ بأي تطور يحدث".
ثم ألتفت اليها فجأة:
"لو أنني عرفت بأمر الطفل , لو أن أحدا أبلغني بذلك , لعدت لأكون الى جانبك وأعتني بك , وربما أمكن أنقاذ الطفل من الموت , أهذا ما كنت تقصدينه تلك الليلة عندما كنت تتناولين الحبوب المنومة , وسألتك عما أذا كنت قد أصبت بالمرض حديثا , فقلت تقريبا , أليس هذا صحيحا؟".
فهزت ديليا رأسها بالأيجاب وهي لا تقوى على الحديث فقد كان غضبه عنيفا , ولم تكن تتوقع أن يصل به الغضب الى هذا الحد عندما يعرف بأمر الطفل الذي فقدته.
منتديات ليلاس
ثم تنفس أدموند بعمق, ونظر اليها في لوم وهو يقول:
" قلت لي في تلك الليلة أن المسألة لا تعنيني , كيف تتجرأين على مثل هذا القول وأنت تعرفين أن الطفل أبني , جزء مني , فلماذا لم تخبريني عندما سألتك؟"
" لم أستطع في ذلك الوقت , كان موقفك مني في اليوم السابق غير مشجع , ولم أكن أريدك أن تظن أنني أستغل هذه المسألة لأحاول أستعادتك الى حبي , ولم أكن أعرف أيضا أنك ستهتم بمسألة الطفل الى هذه الدرجة".
فصاح أدموند قائلا:
" كيف لا أهتم؟ ماذا تظنينني؟ حجر؟ أنني أنسان ولديّ مشاعر مثلك تماما , لقد تجاهلتيني يا ديليا في مسألة لا تهمك وحدك , بل تهمني أنا أيضا , أنك لم تثقي بي الى الدرجة الكافية لتبلغيني بأمر الطفل".



اماريج 17-11-10 09:57 PM


ثم أضاف بلهجة يشوبها التهكم:
" ربما كان هذا الأمر غير مهم بالنسبة لك , وربما كنت لا تريدين الطفل وترغبين في التخلص منه".
ثم أستدار أدموند وأتجه الى الباب , وخرج من الغرفة وأغلق الباب وراءه بعنف.
وبقيت ديليا في فراشها لبعض الوقت تنظر في سقف الغرفة بذهول ودموعها تتساقط على وجهها , وبعد قليل أدركها النوم من جديد ليريحها من عذابها.
ولم تستيقظ ألا في الصباح وكانت قد أستيقظت على صوت أدموند يغتسل في الحمام , ونظرت حولها فرأت حقيبة ملابسه وضعت فوق فراشه وتناثرت بعض الملابس من حولها وكانت تبدو في حالة غير لائقة ,وشعرت ديليا برغبة شديدة في القيام بدور الزوجة , وتمنت لو أخذت ملابس أدموند لتغسلها في النهر كما رأت النسوة يفعلن في القرية التي ذهبت اليها , وأزاحت الغطاء ونزلت من الفراش , وكانت لا تزال تشعر ببعض التعب ولكن الدوار كان قد زال.
منتديات ليلاس
وأتجهت الى فراش أدموند , فجلست على حافته , وبدأت بأخراج ملابسه من الحقيبة , وكان معظمها ممزقا وفي حاجة الى النظافة.
وفجأة سمعت صوت أدموند يقول في غضب:
" يبدو أنني لا أستطيع تركك بمفردك لحظة واحدة, دون أن تفعلي ما لا يجب عليك فعله!".
فنظرت اليه في ضعف, ولكنه أضاف بحدة:
" عودي الى فراشك فورا , فلست في حالة تسمح لك بالتحرك الآن".
فرفعت اليه وجهها وهي تقول:
" ولكنني أشعر بتحسن , ثم أن ملابسك في حالة يرثى لها".
فنظر اليها في تحد وقال:
" وماذا في ذلك؟".
ثم أندفع ناحيتها وجذب الملابس من يدها بعنف وقذف بها داخل الحقيبة
وهو يقول:
" أتركي ملابسي على حالها , ليس لك شأن بها".

فأعترضت ديليا قائلة:
" ولكنني زوجتك , وبصفتي هذه , فأنه يجب عليّ العناية بها وغسلها".
" وأنت بوصفك زوجتي , كان يجب عليك أن ترحبي بعودتي اليك في لندن منذ ستة عشر شهرا , وبوصفك زوجتي أيضا , كان يجب عليك أن تخبريني بأمر الطفل , والآن , هيا عودي الى فراشك يا سيدة تالبوت".
فصاحت ديليا في أستياء قائلة :
" أوه , ليتني لم أخبرك بأمر الطفل , أنني لم أقصد أن أسيء اليك أنني حقا آسفة".
فقال أدموند بلهجة تشوبها السخرية:
" أنني أتذكر الآن موقفا مشابها حاولت فيه الأعتذار اليك , ولكنك لم تستمعي اليّ , والآن عودي فورا الى فراشك".

فقالت وهي تتجه الى فراشها:
" حسنا, ولكن هذا القميص ليست به أزرار".
" هذا شيء طبيعي بعد تشبثك به عندما كدت تسقطين على الشاطىء!".
وأستلقت ديليا على الفراش وهي تشعر بالحزن, وجذبت الغطاء فوقها وأخذت تراقبه وهو يخرج قميصا من الحقيبة ويرتديه وقالت مستفسرة:
" هل تعرف سبب أصابتي بالمرض؟".
" ربما كان ذلك بسبب تسمم غذائي مصحوب بالدوينتاريا , أو ربما بسبب تناولك طعاما لم تتمكن معدتك من هضمه , وعلى فكرة , هل تشعرين بالجوع؟".
" لا , ليس بعد".

وتذكرت ديليا وهي تستمع الى لهجته الفاترة موقفه العنيف منها في تلك الليلة التي قضياها معا في القرية عندما شاركته الفراش , وأخذت تسائل نفسها في أسى : هل كان ما حدث بينهما مجرد أتصال أمنته الغريزة والظروف التي أحاطت بهما ؟ ألم يكن يعني هذا اللقاء شيئا بالنسبة لأدموند؟ وهل كانت عواطفه نحوها في ذلك الوقت مجرد عواطف أثارها نداء الغريزة وتلاشت بمجرد أشباع رغبته.
وتمنت ديليا وهي تراقبه أن يأتي ويجلس الى جانبها , ويمسك يدها في حنان ليقبلها , وبدا لها وكأنه يجهّز حقيبته أستعدادا للسفر, وأخذ ,يقذف داخلها بجميع حاجياته , وبعد أن أنتهى من ذلك , أغلقها وأتجه الى الفراش حيث ترقد ديليا وجلس على حافته وأمسك بيدها كما تمنت من قبل , ولكنه لم يقبلها بل كان يريد قياس نبضها , وبعد أن أنتهى من ذلك
نهض واقفا وهو يقول كطبيب :
" أنك تبدين في حالة طيبة الآن , ولكن حالتك لن تتحسن تماما قبل أن تتناولي بعض الطعام , ويمكنك أن تبدأي بتناول أطعمة خفيفة حتى لا يعادوك المرض".
منتديات ليلاس
ثم توقف قليلا , وأستطرد يقول:
" في أي حال , ستعودين الى ريو دي جانيرو غدا , حيث يمكنك تناول الأطعمة الجيدة".
فجلست في فراشها وقد بدأ شعور بالخوف يزحف الى نفسها , وسألته:
"وأنت , ألن تذهب معي؟".
فأجابها بالنفي وهو يبتعد عنها , ثم أخذ حقيبة ملابسه من فوق الفراش
وأمسك بيده الأخرى حقيبته الطبية وقال:
" أنني سأتجه الى فيتينال بصحبة مانويل , وسينقلنا كارلو بالطائرة الى هناك بعد حوال خمس دقائق".
فصاحت تسأله:
" ولكن لماذا تعود الى هناك من جديد؟".
" لقد وصلت رسالة الى لويز تقول أن وباء الأنفلوانزا قد تفشى بين الأهالي بصورة خطيرة , طلب لويز منا التوجه الى هناك للقيام بواجبنا".



اماريج 17-11-10 09:58 PM

فقالت ديليا وهي تغادر الفراش:
" أذا خذني معك, أرجوك يا أدموند".
فقال بلهجة قاطعة:
" لا , ستعودين في طائرة الأمدادات غدا الى ريو دي جانيرو ولقد أعدّ كل شيء, وستذهب ريتا معك على نفس الطائرة فهي تريد زيارة أطفالها , وقد دعتك للبقاء معها بضعة أيام ريثما تستردين صحتك تماما , فأنت في حاجة الى الراحة والطعام الجيد".
" ولكنك أنت أيضا في حاجة الى الراحة.أليس هناك أطباء غيرك؟ وماذا عن الدكتورة ميريللي , ألا يمكنها هي الذهاب".
" أنها ستذهب معنا أيضا , وهي موجودة هنا , والجميع في أنتظاري , أما أنت فأنه من الأفضل لك الذهاب مع ريتا".
منتديات ليلاس
وشعرت بالغيرة تتأجج في صدرها , وقد عرفت أن زانيتا ستذهب مع أدموند , فقالت في أصرار:
"ولكنني أريد الذهاب معك".
فقال في جفاء وهو يدفعها بعيدا عنه:
" حسنا , أنا لا أريدك معي , والآن عودي الى فراشك".
وترنحت ديليا قليلا , فألقى بحقيبته على الأرض وأسرع اليها يسندها , وأمسك بذراعيها وهو ينظر اليها قائلا
فيما يشبه الأعتذار:
" لقد أسأت اليك من جديد , أليس كذلك؟ أسمعي يا ديليا , أنت تعرفين أنه يجب عليّ الذهاب, فأنا طبيب ألبي نداء واجبي سواء هنا أو في لندن".
" ولكن الأمر يختلف هنا , بأمكانك أن تأخذني معك , ولكنك لا تحبني ولم تحبني في يوم من الأيام , أوه , يا أدموند أذا كنت تحبني حقا فخذني معك".

فترك أدموند ذراعيها
وقال وهو يبتعد عنها:
" الوقت لا يتسع الآن لمناقشة هذه المسألة , وأنا لا يمكنني المخاطرة بأخذك معي , فأنت ما زلت ضعيفة وسيكون من السهل في حالتك هذه أصابتك بالمرض , وأنا لا أستطيع تحمل هذه المسؤولية , أما بالنسبة لأتهامك لي بأنني لا أحبك , فأنني أقول لك أيضا , أذا كنت تحبينني حقا , فيجب أن تتركيني أذهب بدون المزيد من المتاعب".
ثم ضحك وهو يضيف:
" ألا تذكرين يا ديليا موقفا مشابها لهذا الموقف , عندما طلبت مني أن أتزوجك؟".
ثم أخذ أدموند حقيبته وأتجه الى لباب , فتبعته ديليا وهي تسأله:
" متى أراك مرة أخرى؟".

" لا أدري , ربما الأسبوع القادم , سأحاول في أية حال العودة الى ريو دي جانيرو بأسرع ما يمكن".
"علي العودة الى لندن يوم الأربعاء القادم فأنني مرتبطة بالعمل".
" سأحاول الوصول الى ريو دي جانيرو قبل هذا الموعد , ولكنني لا أعدك بشيء , فكما تعرفين لا يمكن الجزم بشيء هنا".
وفتح أدموند الباب ليخرج , ونظر اليها وهو يغادر الغرفة نظرة طويلة ثم قال:
" أذا كنت تحبينني فعلا يا ديليا , فأنني سأجدك في أنتظاري في ريو دي جانيرو".

أستلقت ديليا في فراشها وهي تستمع في تعاسة الى صوت محركات الطائرة وهي ترتفع في الجو لتبتعد عن القرية , ثم سمعت صوت أقدام , وفتح باب الغرفة ببطء , ودخلت ريتا وأتجهت الى الفراش, وجلست الى جانب ديليا وقد أمتلأت عيناها بالدموع
ونظرت الى ديليا وهي تقول:
" أنك تبدين شاحبة الوجه يا ديليا وحزينة , ولكن ألا تبكين وأنت تودعين أدموند؟ أنني أبكي بحرقة دائما عندما يتركني مانويل ويرحل".

فهزت ديليا برأسها وهي تحاول الأبتسام , وقالت بصوت حزين :
" طلبت منه أن يأخذني ولكنه رفض , وقال أنه لا يريدني معه , وأنا أعرف السبب في ذلك , لأن زانيتا معه".
وتوقفت ريتا عن البكاء فجأة , وهي تقول:
" ما هذا الذي تقولينه يا ديليا؟".
ثم وضعت يدها على جبهتها وقالت:
" حرارتك ليست مرتفعة , فلماذا تهذين؟".
" أنني لا أهذي , أدموند لا يحبني و...".

فقاطعتها ريتا قائلة:
" أنت تقولين هذا بعد قلقه الشديد عليك أثناء مرضك , كان يشعر بتعاسة شديدة لأنه سمح لك بالذهاب الى تلك القرية , وهو لا يريدك أن تذهبي معه اليوم , لأنه يهتم بك الى درجة كبيرة , ويخشى أن تصابي بالمرض وأنت في هذه الحالة من الضعف".
" أنه يهتم بأي شخص مريض بنفس هذا القدر , أنه لا يحبني , ولم يحبني في يوم من الأيام , فهو يحب عمله أكثر مني".
فهزت ريتا رأسها بحزن , وهي تقول:
" أنني أفهم تماما ما تعنين , ولكن مانويل أيضا يحب عمله , ومن من الرجال لا يحب عمله وخاصة من كان على شاكلة أدموند ومانويل؟ أن الرجال يعتقدون أننا نفهم ذلك ونقدره , فهو يرحلون وما علينا سوى الأنتظار لحين عودتهم ربما بعد أسبوع أو شهر , أليس كذلك يا ديليا؟".
منتديات ليلاس
" نعم , ولكن...".
فقاطعتها ريتا وهي تضع أصبعها على فمها:
" لن أسمح لك بالحديث حتى نتناول بعض الطعام , فأنت تشعرين بالحزن الآن لأن أدموند رحل وأنت مريضة , ولكنك ستشعرين بالتحسن بعد أن تنالي قسطا من الراحة , وغدا سنرحل معا الى ريو د ي جانيرو حيث نستمتع بوقتنا بأنتظار عودة أدموند ومانويل الينا".

وأتجهت ريتا الى الباب , ولكنها توقفت وقد بدا عليها التفكير ثم نظرت الى ديليا وقالت:
" يجب ألا يساورك القلق يا ديليا بشأن زانيتا فهي تفتقر الى كل ما يريده أدموند في المرأة , أنها على عكسك تماما , والآن سأذهب لأحضر لك بعض الطعام".



اماريج 17-11-10 10:00 PM

وعلى الرغم من أن ديليا شعرت ببعض الراحة بعد الذي سمعته من ريتا ألا أنها كانت تشعر بالقلق لأن أدموند رحل عنها وهو غاضب بعد أن سمع بأمر فقدها الطفل.
وتذكرت ديليا موقف بيتر وهي تشعر بالأسف لأنهما سمحا له بالتدخل بينهما وأفساد كل شيء , ولكن القدر أتاح لهما فرصة لقاء أخرى وقضاء شهر عسل جديد, فهل تترك غيرتها من زانيتا تقضي على هذا الأمل الجديد في عودة أدموند اليها ؟ وهل تتيح الفرصة من جديد لشخص آخر بالتدخل بينهما؟

وصممت ديليا على الأستفادة من دروس الماضي , وألا تسمح لما حدث من بيتر أن يتكرر مرة أخرى , فيجب عليها أن تثق بأدموند , لقد قال لها وهو يرحل أنه سيراها في ريو دي جانيرو , أذا هي أنتظرت عودته , وهي ستنتظره مهما طالت المدة.

وفي صباح اليوم التالي وصلت طائرة الأمدادات وأستقلتها هي وريتا في طريق عودتهما الى ريو دي جانيرو.
وحبست ديليا دموعها , كانت تشعر بالحزن لفراق بوستو أورلاندو وأهالي القبيلة الذين عاشت معهم لفترة , ونظرت الى أسفل , فرأت القرية فرأت القرية تبتعد عن نظرها لتختفي بعد ذلك , وتنتهي بذلك رحلتها بين الأدغال وهي لا تدري بعد ما أذا كانت قد وفّقت فيها.

حقا , أنها ألتقت بأدموند ولكن الوضع بينهما ما زال كما هو , كما أنها لم تتأكد بعد من حبه لها , وما عليها ألا أن تنتظر من جديد لتتأكد من ذلك , ولكن كيف لها وهي لا تستطيع أن تجزم حتى بعودته بعد موقفه منها حين علم بأمر الطفل.
ووصلت الطائرة في الموعد المحدد لها الى برازيليا , لتستقل ديليا وريتا طائرة كبيرة في طريقهما الى ريو دي جانيرو.

وعندما وصلت الطائرة الى المطار , وجدتا في أستقبالهما ماريا مارتينيز شقيقة ريتا وأطفالها الثلاثة , وكان لقاء ريتا بأطفالها مؤثرا للغاية , ثم أستقل الجميع سيارة ماريا الصغيرة التي أنطلقت بهم مسرعة في الطريق المتسع الذي يصل المطار بالمدينة الجميلة , التي بدت بروجها البيضاء الطويلة وهي تطل من بين الجبال الخضراء المرتفعة , كما بت على البعد مياه المحيط الزمردية.
وعندما أقتربوا من المدينة , كان زحام العربات شديدا حيث كانت تسود بينها فوضى عجيبة , وأندفعت ماريا بالسيارة غير مبالية بما حولها من سيارات بصورة أفزعت ديليا , ولاحظت ريتا أنزعاجها
فقالت وهي تبتسم:
" هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنك بها السير في طرقات ريو دي جانيرو ".
منتديات ليلاس
" أنني أشعر بفزع".
فضحكت ريتا وهي تقول:
" أذا ماذا يكون شعورك عندما تسيرين في هذه الطرقات وقت أختناق المرور , هل عندكم في لندن فوضى مرور كما هو الحال هنا؟ وهل تقودون سياراتكم بهذه الطريقة؟".
فردت ديليا بدبلوماسية وهي تحاول ألا تظهر أنتقادها:
" يمكن القول بأننا أكثر تحكما في أعصابنا , ولكن لماذا تستخدم سيارات الأوتوبيس هذه الأبواق المزعجة؟".

" لتفسح لها باقي السيارات الطريق , فأن سائقي سيارات الأوتوبيس يعتقدون أنهم يمتلكون الطريق!".
وأخيرا وصلوا الى المدينة , وسارت السيارة في طريق مستقيم تحيط به المباني العالية , وكانت الأرصفة مزدحمة بالمشاة , ثم وصلوا الى طريق ضيق بجوار ساحل المحيط وتحيط به من الناحية الأخرى ملاعب الغولف الخضراء المترامية , وهدأت ماريا من سرعة سيارتها وهي تدخل الى ضاحية ظهر فيها عدد من المنازل الكبيرة الفخمة التي تحيط بها الحدائق الواسعة , وأوقفت ماريا السيارة أمام منزل أبيض جميل خلف سيارة كاديلاك".
وألتفتت ريتا الى ديليا قائلة:
" هذا هو منزل عائلتي حيث سنبقى بأنتظار عودة الرجال من فيتينال , وهو كما ترين كبير ويتسع لعدد من العائلات.

وتبعت ديليا ريتا وأطفالها الى داخل المنزل الي كان يؤكد كل ركن فيه مدى ثراء أصحابه , وعندما دخلوا الى البهو , وجدوا سيدة بدينة ترتدي ثوبا يجمع بين الأبيض والأسود وقفت في أنتظارهم وعلى وجهها أبتسامة مرحبة
وقالت ريتا تقدمها الى ديليا:
" هذه دولفا مدبرة المنزل".

وبعد حديث قصير بالبرتغالية مع دولفا أضافت ريتا:
" والديّ ليسا موجودين بالمنزل في الوقت الحاضر , ولكنهما سيعودان في نهاية الأسبوع قبل أحتفالات الكرنفال , كم أتمنى أن تبقي معنا لمساهدة الأستعراضات الجميلة التي تقام بهذه المناسبة , ربما أمكنك ذلك أذا عاد أدموند قبل يوم الأربعاء وبقيتما معنا لفترة".

وصحبت ريتا ديليا الى الغرفة المخصصة للضيوف في الطابق العلوي , وكانت غرفة جميلة يتوسطها سرير متسع وقد أثنت على الطراز البرتغالي القديم.
وغادرت ريتا الغرفة وهي تقول:
" أرجو أن تستريحي قليلا ريثما يتم أعداد طعام العشاء".
ودخلت ديليا الى الحمام, وكان فخما للغاية , وتذكرت وهي تغطس في مياه البانيو المعطرة , كانت تشعر بالأسف لأن أدموند موجود الآن في الأدغال تتساقط حبات العرق على وجهه , ويتعرض لمضايقات البعوض والحشرات الأخرى.

وبعد أن أنتهت من الأستحمام , وضعت ثوبا نظيفا.
ونظرت الى نفسها في المرآة , فرأت وجهها شاحبا للغاية , وبدت عليه آثار المرض.
وكان العشاء يتكون من أصناف راقية للغاية , وبينما كانوا يتناولون الطعام
قالت ريتا وهي تنظر الى ديليا:
" تبدين متعبة ,ولكنك ستشعرين بتحسن بعد قضاء بضعة أيام هنا , وما عليك ألا الأسترخاء والتمتع بأشعة الشمس وسآخذك في بعض الجولات في أنحاء المدينة , والى قمة الجبل , والى كل مكان يمكن لأنسان أن يراه خلال زيارته لريو دي جانيرو , سنحاول بأختصار أن نسلي أنفسنا ونقتل الوقت حتى يعود أدموند ومانويل.
ونفّذت ريتا ما وعدت به , فقضت ديليا أوقاتا ممتعة للغاية في المدينة الجميلة , وبدأت تعود الى حالتها الطبيعية , وأخذ قوامها يمتلىء من جديد .




اماريج 17-11-10 10:01 PM

ومضى أسبوع , وبدأت ديليا تشعر بالتوتر من جديد فقد أقترب موعد عودتها الى لندن , وهي لم تعد تدري ما أذا كان أدموند سيعود قبل هذا الموعد أم لا , ومضى يوم الأثنين ثم الثلاثاء ثم حل يوم الأربعاء.
وفي الصباح , ذهبت ريتا وديليا الى المدينة لشراء بعض اللوازم , وتناولتا الغداء في أحد المطاعم الكبرى وسط المدينة ثم عادتا الى المنزل لتنالا قسطا من الراحة.

وحاولت ديليا الأسترخاء فوق فراشها قليلا , ولكنها لم تستطع فقد كانت تشعر بالقلق الشديد , فأتجهت الى الشاطىء حيث أنضمت الى أطفال ريتا الذين كانوا يمرحون على رمال الشاطىء , وعادت الى المنزل يراودها بعض الأمل في أن تجد أدموند في أنتظارها ولكنها لم تجد أحدا.
وحل المساء , وجلست ديليا في الصالون الفخم مع أصدقاء ريتا الذين حضروا لزيارتها , وهي تحاول التغلب على القلق واليأس الذي بدأ يتسلل الى نفسها.
وعندما دخلت ديليا الى فراشها في المساء , أخذت تسترجع في ذهنها كلمات أغنية سمعتها تقول : أن أيامي تمضي في حزن وأمل.
وتذكرت أن هذا هو حالها تماما مع أدموند , فأنها تقضي أيامها في حزن لفراقه وأمل في أحتمال عودته , ولكن ها هو يوم الأربعاء قد مضى دون أن يعود اليها , لقد تخلفت عن اللحاق بطائرتها في أنتظاره , ويجب أن ترسل برقية الى بن ديفيز رئيسها لتبلغه بسبب تأخرها , فقد قررت البقاء بأنتظار أدموند.

وكان اليوم التالي حارا للغاية , فأقترحت ريتا الذهاب لزيارة والديّ مانويل الذين يقيمان في منزل فوق قمة الجبل
فقالت ديليا في قلق:
" ولكن لنفرض أن أدموند ومانويل عادا بينما نحن بالخارج قد يعتقد أدموند أنني عدت الى لندن".
" أن دولفا ستخبره بمكاننا وبموعد عودتنا , ويمكنهما أنتظارنا ولو لمرة واحدة في حياتهما".
وحاولت ديليا التغلب على قلقها والأستمتاع بقدر الأمكان برحلتها وبجمال الطبيعة حولها.
وقضت الأثنتان الليلة مع والديّ مانويل , ثم عادت بعد ظهر اليوم التالي , وبعد أن وصلتا الى منزل أسرة ريتا أتجهت ديليا الى غرفها حيث أغتسلت وأرتدت ثوبا مميزا للمساء , وقد راودها الأمل من جديد في أحتمال عودة أدموند.
منتديات ليلاس
وبينما كانت تهبط الى البهو , سمعت أصواتا مألوفة لديها تتحدث بالبرتغالية , وتسارعت دقات قلبها , وأندفعت الى غرفة الصالون
فأصطدمت بأندفاعها بريتا التي ما أن رأتها حتى صاحت قائلة:
" كنت في طريقي اليك, تعالي يا ديليا وأنظري من بالداخل".
ونظرت ديليا فوجدت مانويل وكارلو يقفان وسط الغرفة ,ولكنها لم تر أدموند فسقط قلبها بين ضلوعها وسألت بخوف:
" أين أدموند؟".

وما أن رآها كارلو حتى وضع كأسه على المائدة , وأندفع يعانقها ويقبلها على الطريقة البرتغالية وهو يقول مازحا:
" كم كنت أتمنى لو لم تكوني زوجة لهذا الطبيب البارد لأتزوجك أنا , الحقيقة أننا لا نعرف أين أدموند الآن , وكنا نعتقد أنه قد سبقنا الى هنا , فقد تركنا وزانيتا صباح الأربعاء ليستقلا الطائرة الى برازيليا ثم الى ريو دي جانيرو ,وقد كان قلقا لسبب لا ندريه , وكان يريد الوصول الى ريو دي جانيرو قبل المساء , أنني لا أستطيع أن أفهم ما حدث , وحتى لو أنه لم يتمكن من اللحاق بالطائرة يوم الأربعاء , فكان من المفروض أن يصل الى هنا بالأمس".

وألتفت ديليا الى ريتا تسألها في خوف:
" هل حضر أحد بالأمس أثناء غيابنا؟".
" لقد سألت دولفا فقالت أن أحدا لم يحضر , ولكن سيدة أتصلت بك أمس , فقالت لها دولفا أنك ستتغيبين لمدة يومين".
وصاحت ديليا:
" ولكنني لا أعرف سيدة في ريو دي جانيرو غيرك!".

وقال مانويل:
" ربما تكون المكالمة من مكتب شركة الطيران بشأن حجز التذكرة".
" لو أن هذا صحيح , لتركوا رسالة لديليا".
ثم بدا عليه التفكير للحظة وسأل:
" هل السيدة التي تحدثت في التلفون كانت تتحدث الأنكليزية أم البرتغالية؟".
فقالت ريتا:
" بالطبع تتحدث البرتغالية وألا ما كانت دولفا فهمت شيئا".
" وهل لهجتها أجنبية؟".
" وكيف لي أن أعرف؟".
فقال كارلو:
" أسألي دولف أذا كانت لهجتها أجنبية أم كانت برازيلية من ريو دي جانيرو , فلا بد أن تكون زانيتا هي التي أتصلت بليديا".
فنظر الجميع اليه في دهشة يتساءلون:
" زانيتا".

فهز رأسه بالأيجاب وهو يقول:
" نعم زانيتا, فهذه المرأة واسعة الحيلة , وأنا أقترح أن تتصل بها في منزلها لنتأكد من وجودها , فقد غادرت فيتينال مع أدموند ,وربما يكون أدموند معها حتى الآن ,ثم نظر الى ديليا وهو يقول:
" آسف يا ديليا لأنني أقول ذلك , ولكن لا تخشي شيئا , فأنا على يقين من أن كل شيء سيكون على ما يرام , ولا بد أن هناك سببا قويا منع أدموند من الحضور , ويجب أن نتصل بزانيتا لنعرف كل شيء".
فنهضت ريتا واقفة وهي تقول:
" سأذهب للأتصال بها فورا".
ثم ألتفتت الى مانويل قائلة:
" أرجو أن تقدم شرابا لديليا , فأنها تبدو شاحبة".

وخرجت ريتا من الغرفة وتبعها كارلو قائلا:
" من الأفضل أن أذهب معك , فأنني أعرف كيف أتعامل مع زانيتا".
وجلست ديليا على أحد المقاعد وهي لا تكاد تعي شيئا مما يدور حولها .
وكان كل تفكيرها في هذه اللحظة منحصرا في شيء واحد , وهو أن أدموند قد رحل مع زانيتا يوم الأربعاء , ولم يحضر حتى الآن , مما يعني أنه فضّل الذهاب معها على العودة اليها.
وبعد قليا عاد كارلو وريتا التي بدا على وجهها القلق , فقفزت ديليا على قدميها وهي تسأل في خوف:
" ماذا حدث؟هل تحدثت مع زانيتا ؟ وهل وجدتها في المنزل؟".

فتنهدت ريتا وهي تجلس على المقعد قائلة :
" نعم, أنها موجودة بالمنزل , ولكنها لا تعرف مكان أدموند لأنها لم تره منذ صباح أمس , ويبدو أنهما لم يتمكنا من اللحاق بالطائرة المتجهة الى ريو دي جانيرو يوم الأربعاء ووصلا صباح الخميس".
" وهل كانت زانيتا هي التي أتصلت بديليا؟".
فقال كارلو:
" نعم , وقالت أنها تطوعت بالأتصال بديليا بناء على رغبة أدموند الذي حاول مرتين الأتصال بها ولم يوفق , وكان يريد معرفة ما أذا كانت موجودة أم عادت الى لندن".



اماريج 17-11-10 10:01 PM

ثم أضاف كارلو بسخرية:
" وقد أبلغته زانيتا طبعا بما تريده هي أن يعرفه , وهو أن ديليا قد رحلت".
فقالت ديلي في خوف:
" لا بد أنه أعتقد أنني عدت الى لندن يوم الأربعاء وأنني لم أنتظره".
فقالت ريتا :
" لقد دعته زانيتا للبقاء معها في منزلها , ولكنه رفض , وقالت زانيتا أنها لا تعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت , فأين يمكن أن يذهب؟ وا الذي يمكن أن يفعله؟".

فقال مانويل في بساطة:
" سيحاول في هذه اللحظة العودة فورا الى لندن , وهذا ما كنت أفعله لو أنني مكانه , وقد يكون أدموند وصل الآن بالفعل الى لندن لو كانت هناك طائرة متجهة اليها بالأمس".
فقال كارلو:
" وأذا لم يتمكن من اللحاق بها!".
فقالت ديليا وهي تجول ببصرها بينهم:
" حسنا , وكيف يمكننا التأكد من ذلك؟".
فقال كارلو:
"يجب أن نتصل بجميع شركات الطيران الدولية التي لها خطوط مباشرة أو غير مباشرة مع لندن,أو ربما من الأفضل الذهاب الى المطار".
ثم التفت الى ريتا متسائلا:
" هل يمكنني أستعمال سيارتك؟ فسأصحب ديليا معي الى المطار؟".

فنظرت ديليا الى ساعتها , وقالت:
" هناك طائرة من المفروض أن تقلع بعد حوالي خمس وأربعون دقيقة".
فقال كارلو:
" أذا , هيا بنا , فم المستحسن أن نسرع الى المطار".
وجلست ديليا الى جانب كارلو في السيارة التي أنطلقت بهما مسرعة وسط الطرقات المزدحمة في طريقهما الى المطار.
وألتفتت ديليا الى كارلو تسأله:
" ولكن لماذا تعتقد أن زانيتا فعلت ذلك؟".
" أن النساء عندما يقعن في الحب وتدخل الغيرة الى قلوبهن , فأنهن يتصرفن بطريقة غريبة , وزانيتا تحب أدموند وتشعر بالغيرة منك , وقد أتيحت لها فجأة فرصة للتخلص منك , وكانت تعرف أن أدموند يريد الوصول الى ريو دي جانيرو قبل مغادرتك لها, وبهذا أعتقدت أنه لو عرف أنك غادرت المدينة قبل وصوله ولم تهتمي بأنتظاره , فأنه سيتركك وبهذا تحقق هدفها وهو التفريق بينكما الى الأبد , لأن أدموند كان قد قال قبل وصولك الى بوستو أورلاندو أنه قد يبقى في البرازيل , وقد عرضت عليه زانيتا أن يبقى معها ولكنه رفض , وهذا يثبت لك شيئا يا ديليا وهو أنه لا يحبها".

فتنهدت ديليا وهي تقول:
" أعتقد ذلك".
وكان الزحام شديدا , وعلى الرغم من أن كارلو كان يقود السيارة بسرعة ألا أنهما وصلا في الوقت الذي كانت الطائرة توشك فيه على الأقلاع , فأندفعت ديليا الى داخل المطار , بينما كان كارلو يبحث عن مكان ليترك فيه السيارة , وأتجهت الى مكتب شركة الخطوط البريطانية , وسألت عما أذا كان أدموند على الطائرة , ولكن الموظف المختص هز رأسه بالنفي بعد أن نظر في قائمة الركاب الموضوعة أمامه , ونفى أيضا أنه أستقل طائرة الأمس.
منتديات ليلاس
وأعطاها أسماء شركات أخرى ربما يكون قد سافر على طائراتها ولحق بها كارلو بعد ذلك , وظلا يبحثان معا حتى أكتشفا في النهاية أن أدموند أستقل الطائرة مساء الخميس متوجها الى لندن.
فصاحت ديليا في يأس:
" والآن , ماذا أفعل؟".
فأبتسم كارلو وهو يقول مداعبا:
" يمكنك البقاء معي هنا لمشاهدة الكرنفال والأستعراضات , ولكنني أعتقد أنه من الأفضل أن تسرعي الى لندن على أول طائرة".


نهاية الفصل السادس



اماريج 17-11-10 10:34 PM


7_ كيف يكون الحب

غادرت ديليا مدينة ريو دي جانيرو اليوم التالي , في أول يوم من أيام الكرنفال , كان وداعها لأصدقائها مؤثرا , وفي الطريق الى المطار كانت الشوارع غاصّة بالأهالي الذين خرجوا لمشاهدة الأستعراضات الجميلة , وفي الطائرة حاولت النوم , ولكنها لم تستطع برغم أن الرحلة أستغرقت عدة ساعات.
وأخيرا وصلت الى لندن , وكان الجو باردا , وجدت مطار هيثرو مزدحما كالعادة وقد أستاءت بشدة عندما لم تجد أحدا في أنتظارها , فأتجهت الى أقرب تلفون وبحثت عن رقم بن ديفيز.
منتديات ليلاس
كانت ديليا تعتقد أنها ستجد أدموند في أنتظارها , لأن بن ديفيز كان يعرف موعد وصولها ,ولكن يبدو أن أدموند لم يتصل به , أو أن بن ديفيز لم يعثر عليه أو ربما أدموند عرف بموعد وصولها , ولكنه لا يريد لقاءها .
وأتصلت ببن ديفيز , وسألته أن كانت برقيتها وصلته , فأجابها بالأيجاب
وسألها:
" ماذا حدث بينك وبين أدموند؟".
" لم يحدث شيء ,ولكننا فقدنا الأتصال ببعضنا بسبب سوء تفاهم , وأنا لا أعرف أين هو الآن , ألم يتصل بك ليعرف ما أذا عدت أم لا؟".

" لا لم يفعل , ولكنني أعرف أنه عاد الى أنكلترا , أتصلت بالمنظمة التي يعمل معها بمجرد وصول برقيتك صباح أمس , وقالوا لي أنه زارهم بعد وصوله يوم الجمعة الماضي , وأخبرهم أنه سيقدم لهم التقرير في أسرع وقت ممكن".
" ألم يخبرهم بمكانه؟".
" نعم , قال أن لديه بعض المسائل العائلية , ثم ترك لهم عنوانا , أنتظري لحظة لأبحث عنه".

وبعد فترة قصيرة
قال بن ديفيز:
" هذا هو العنوان , أنه شاس كورت , هامبشاير , هل يعني ذلك شيئا بالنسبة اليك؟".
" نعم , فأن عمه الكبير يقيم هناك , سأذهب على الفور".
" أنتظري لحظة يا فتاتي, هل تعرفين الطريق الى هناك؟".
" سأحاول أن أجد طريقي , وربما أستقل القطار الى وينشستر ثم سيارة أوتوبيس بعد ذلك".

" سيكون صعبا للغاية , خاصة في مثل هذا الجو , أنني أفضل ذهابك بالسيارة , لماذا لا تنتظرين حيث أنت فأمر بك بسيارتي , لأصحبك الى منزلي حيث نتناول العشاء معا , ويمكنك بعد ذلك أقتراض سيارة زوجتي للذهاب الى هامبشاير , ولكن يجب أن تتصلي بأدموند أولا لتعرفي ما أذا كان هناك أم لا".
وافقت ديليا على هذا العرض , لأنها في حاجة الى بعض الراحة , وجلست في المقهى تتناول فنجان قهوة في أنتظار بن ديفيز الذي وصل بعد أقل من ساعة.

وصحبته الى الموقف حيث أستقلت معه سيارته.
وفي الطريق قال لها بن ديفيز:
" لقد وجدت خريطة لشانس كورت قبل أن أحضر اليك , وعرفت منها أقصر الطرق للوصول الى المنطقة".
ونظرت ديليا من نافذة السيارة الى الطريق , كان الجو ممطرا وتساقطت أوراق الأشجار وبدا الطريق معتما.
وأخذت تتعجب من الأختلاف الكبير بين لندن وبوستو أورلاندو وهي لا تصدق أن هذه القرى تنتمي الى نفس العالم الذي تنتمي اليه لندن.

وقال بن ديفيز:
" أن شانس كورت من المنازل الكبيرة الهامة في أنكلترا , وتحيط به حديقة غناء تفتح أمام الجمهور في أوقات الصيف , كما أن بعض غرف المنزل تفتح أمام الجمهور أيضا, هل تعرفين ذلك؟".
" لا , فأن أدموند لم يحدثني عنه أبدا".
" أنه شاب عجيب , لا يمكنك أن تعرفي منه شيئا , ولكن كيف كان الحال بينكما في الأدغال؟".
" كان كل شيء يمضي بيننا على ما يرام , الى أن عرف بأمر الطفل".
" هل حزن كثيرا لفقده؟".
منتديات ليلاس
فقالت ديليا كأنها تحدث نفسها:
" أستاء جدا لذلك".
وعندما وصلا الى المنزل , كانت أودري زوجة بن ديفيز في أنتظارهما عند الباب
وما أن رأت ديليا حتى صاحت قائلة:
" أوه , أن لون بشرتك رائع , أنني على يقين من أنك كنت تودين البقاء في البرازيل , كان الجو هنا فظيعا".
ثم أضافت وهم يدخلون الى المنزل:
" هل تريدين كأسا من الشراب قبل الطعام؟".
وعلى مائدة العشاء , كان الطعام رائعا كالمعتاد , وأكلت ديليا كثيرا , كانت تشعر بالجوع , وبعد الأنتهاء من الطعام , بحثت ديليا في الدليل عن قم تلفون شانس كورت , وعندما رد عليها رجل قال لها عندما سألته عن أدموند أنه موجود في شانس كورت , ولكنه ليس بالمنزل في الوقت الحاضر
وسألها أن كانت تريد أن تترك له رسالة فقالت له:
" أرجوك أن تخبره فقط بأن ديليا أتصلت به".




اماريج 17-11-10 10:35 PM

وضعت السماعة, وألتفتت الى بن ديفيز والسعادة تطل من عينيها وهي تقول:
" لقد وجدته هناك بالفعل".
فقال بن ديفيز:
" حسنا , أن المكان ليس بعيدا , ولكن المسافة قد تستغرق منك حوالي ساعتين ونصف الساعة و ويستحسن أن تبدأي الآن حتى يمكنك الوصول الى هناك قبل حلول الظلام".
وأستقلت ديليا سيارة أودري الصغيرة , وقبل أن تمضي في طريقها
قال بن ديفيز وهو يودعها:
" يمكنك العودة الى هنا أذا لم تتمكني من المبيت هناك , وأرجو ألا تسرعي فأن الطريق خطر بسبب الأمطار".

وعلى الرغم من هذا التحذير , فقد أنطلقت ديليا بالسيارة بأقصى سرعة لها , وكان الطريق يكاد يكون خاليا بسبب سوء الأحوال الجوية , وبعد حوال ساعة وصلت الى مفترق طرق , فأتجهت الى الطريق المؤدي الى ستورتون وكان طريقا ضيقا يخترق الجبال ثم يعود ليخترق الوديان , ومرت بعدد من القرى الصغيرة , أستمرت ديليا تسير لعدة أميال , وأخيرا وصلت الى ستوتورن , وكانت تشعر بأرهاق شديد , فوضعت سيارتها في الموقف , وأتجهت الى أحد الفنادق الصغيرة حيث تناولت قدحا من الشاي , وقالت لها الخادمة عندما سألتها عن شانس كورت أنها لا تبعد سوى خمسة عشر ميلا.
أستقلت ديليا السيارة ومضت في طريقها من جديد حيث وصلت بعد عشرة أميال الى أحدى القرى الصغيرة.
منتديات ليلاس
وأتجهت بعد ذلك الى اليسار حسب تعليمات الخادمة , فرأت لافتة مكتوبا عليها شانس كورت , فشعرت ديليا بالسعادة فق أوشكت على الوصول.
وما أن أتجهت الى الطريق الموصل الى شانس كورت حتى أزدادت حدة الأمطار حتى أنها لم تتمكن من تبين الطريق.
وأضاءت مصابيح السيارة , ولكنها وجدت بعد فترة وجيزة أنها الطريق الخطأ , فعادت بالسيارة الى الوراء ولم تنتبه الى وجود حفرة في الخلف , نزلت بها أحدى عجلات السيارة الخلفية.

وحاولت ديليا الخروج بالسيارة من الحفرة , ولكنها لم تتمكن فقررت أن تتركها في مكانها وتسير ما تبقى من الطريق الذي كان من المفروض أن تسلكه فوجدت لافتة كتب عليها شانس كورت.
وسارت ديليا وهي تحاول أن تحتمي من المطر الى جوار جدار حجري , وبينما هي تسير تحت المطر , سمعت صوت سيارة قادمة من خلفها , وتوقفت ديليا , ولكن السيارة مرت بها بدون توقف وتطايرت المياه لتغرق ديليا.
ثم توقفت السيارة فجأة , وبدأت في الرجوع الى الخلف , وتوقفت بجانب ديليا
وسمعت صوتا عرفته على الفور يقول:
"هل تريدين الذهاب الى كورت؟ هل تسمحين لي بتوصيلك الى هناك؟".
وتسارعت دقات قلبها , فقد كان صوت أدموند الذي لا يمكن أبدا أن تخطئه , ونظرت الى سائق السيارة , فرأته ينظر اليها بعينيه الزرقاوين , أنه أدموند
قفز قلبها من فرط فرحتها وهي تقول:
" نعم يا أدموند , من فضلك أريدك أن توصلني , فأنني ذاهبة الى كورت لرؤيتك " وأخذ أدموند ينظر وكأنه لا يصدق عينيه
فقالت ديليا:
" نعم يا أدموند , أنها أنا ديليا فعلا , أوه يا أدموند أفتح الباب , ودعني أدخل الى السيارة , فأنني لا أقوى على لوقوف في هذا المطر".

وأنحنى أدموند وفتح باب السيارة , ودخلت ديليا لتجلس الى جانبه , وشعرت بالدفء فخلعت الوشاح من فوق رأسها وألتفتت اليه وهي تبتسم
فقال لها وهو ما زال في دهشته وقد أستند بأحد مرفقيه على عجلة القيادة:
" كيف جئت الى هنا؟".
" بالسيارة , ولكنها تعطلت معي بالطريق".
ونظرت اليه ديليا , وكان مختلفا تماما عن المرة الأخيرة التي رأته فيها , يرتدي ملابس فاخرة وقد قص شعره وحلق ذقنه , فبدا مختلفا.



اماريج 17-11-10 10:35 PM

ومدّ يده فأغلق راديو السيارة , ثم نظر اليها من جديد وبدا عليه وكأنه تغلب على ردة الفعل الأولى التي أحدثتها المفاجأة
ونظر اليها في برود وهو يقول:
" لا أريد أن أبدو فضوليا , ولكن هل يمكنك أن تخبريني أين كنت منذ غادرت بوستو أورلاندو ؟".
" ذهبت مع ريتا الى ريو دي جانيرو كما كان متفقا عليه , وبقيت معها في منزل أسرتها".
" ولكنك لم تكوني موجودة هناك يوم الخميس الماضي".
منتديات ليلاس
ثم بدأ أدموند في التحرك بالسيارة من جديد وبدأت تشعر بالغصبية , فأن القاء بينهما لم يكن كما توقعته , أدموند لا يبدو سعيدا بلقائها.
وقالت ترد على سؤاله:
" كنت مع ريتا في بيتروبوليس".
" وأين تكون بيتروبوليس؟".
" على التلال بالقرب من ريو دي جانيرو".
" ولكنك غادرت ريو دي جانيرو يوم الأربعاء الماضي".
فقالت توضح له الأمر:
" لا , لم أفعل ذلك , أنتظرت عودتك ولكنك لم تعد".

فسألها بجفاء:
" ألم يكن بأستطاعتك البقاء لفترة أطول؟".
" لقد كان الجو حارا , وأقترحت ريتا الذهاب لزيارة والديّ مانويل , أنك لا يمكن أن تتخيل قسوة الأنتظار والقلق من ألا يعود الشخص الذي تحبه".
ثم توقفت للحظة لتلتقط أنفاسها , وأضافت:
" لقد تركنا لك رسالة مع مدبرة المنزل نخبرك فيها أنت ومانويل بأننا سنعود ويجب أن تنتظرانا".
وصمت أدموند قليلا وكانت السيارة قد وصلت الى بوابة كبيرة ودخلت منها ببطء لتجد ديليا أمامها منزلا فخما يرتفع فوق أحد التلال التي تطل على السهول المترامية.

وصاحت ديليا قائلة:
" ما أجمل هذا المكان".
ولم يرد أدموند على تعليقها , وأستمر في قيادة السيارة حتى وصل الى فناء متسع ودخل بها الى الكاراج الموجود به , وبعد أن أوقف السيارة
ألتفت اليها في نظرة قاسية وقال:
" والآن وقد وصلنا, من الأفضل أن تدخلي معي الى المنزل لتوضحي لي بعض الأمور".
فشكرته ديليا وفتحت باب السيارة ونزلت منها مسرعة , كانت تشعر أنها على وشك البكاء , وسارا معا الى باب المنزل الأمامي الذي فتح , ورأت ديليا رجلا طويلا رمادي الشعر يرتدي بذة سوداء وقميصا ابيضا , وما أن رأى أدموند
حتى أبتدره بالتحية وهو يقول:
" مساء الخير يا سيدي".

ثم وجه الى ديليا نظرة تنطوي على الفضول.
فقال أدموند:
" مساء الخير يا جانوس".
ثم أمسك ديليا من ذراعها وصحبها الى داخل البهو الفخم , وقال جان:
" لقد أتصلت بك سيدة شابة يا دكتور تالبوت , ولكنها لم تترك رسالة كل ما قالته أن أخبرك بأن ديليا أتصلت بك".
فقال أدموند:
"هذه هي ديليا زوجتي".
ثم قال موجها حديثه الى ديليا:
" وهذا جانوس رئيس الخدم هنا يا ديليا, وقد مضى عليه هنا ثلاثون عاما".

فقال جانوس:
" أنني سعيد بلقائك يا سيدتي , هل تسمحين لي بمعطفك؟".
فسلمته ديليا المعطف وهي تشكره , فسألها أن كانت تريد بعض الشاي فأجابته بالأيجاب وهي تشكره , فعاد يسألها من جديد أذا كانت تريد تناول الشاي في الصالون , فأجابت ديليا وقد شعرت بالضيق للهجته الباردة:
" هل , هل يكون هذا مناسبا؟".
فقال أدموند في غضب:
" لا لن يكون مناسبا , أنني أفضل تناول الشاي في غرفة الجلوس , هل تركت المدفأة موقدة كما طلبت منك يا جانوس؟ أوف , أن هذه الغرفة فظيعة".

وظهر الأستياء على وجه جانوس وأنحنى لديليا ثم غادر البهو.
فهمست ديليا لأدموند قائلة:
" أعتقد أنك قد آذيت شعوره".
" أنني لا أهتم بذلك , فأنني لا أعجبه ولم أعجبه في يوم من الأيام , فهو يعتقد أنني لا أتصرف بالطريقة التي تليق بسليل عائلة شانس , تعالي لندخل الى هذه الغرفة ونجلس بجوار المدفأة , لا بد أنك تشعرين بالبرد".
وتبعته ديليا الى داخل غرفة متسعة تتوسطها مائدة بيضاوية الشكل , وسحب أدموند مقعدا مريحا وقرّبه من المدفأة وطلب منها أن تجلس , ثم أخذ يدفىء يديه فوق النار
وسألته ديليا:
" هل أنت حقا من سلالة عائلة شانس؟".
منتديات ليلاس
" نعم , فأن جدتي الكبيرة كانت من عائلة شانس وقد توفي والدها بعد أن ترك لها هذا المكان , وتزوجت جدتي من مورتمور تالبوت صاحب مصانع الحلوى لأنه كان ثريا ولأنها كانت في حاجة الى المال , فأن والدها لم يترك لها سوى هذا المنزل , وساعدتها أمواله للحفاظ على هذا المكان".
ولما ماتت تركت المنزل لأبنها الأصغر جوستان , كان الوحيد الذي يهتم بهذا المكان , وما لم أتخذ أجراء سريعا
فأنه سيتركه لي لأنني وريثه الوحيد".
ثم أبتسم بسخرية وهو يضيف:
" أليس هذا عجيبا , فأنا الذي لا أهتم بشيء في هذا الدنيا أرث هذا المنزل؟".
فسألته ديليا:
" أليس عنده أبناء أو أحفاد؟".



اماريج 17-11-10 10:37 PM

" لا , فأنه لم يتزوج , ولكنه كان يظهر تعلقه بي عندما كنت أزوره مع والدي وأنا طفل صغير".
وأخذ أدموند ينظر الى النيران التي تتأجج في المدفأة وبدا على وجهه الحزن وهو يقول:
" مسكين العم جوستون , أنه بالمستشفى الآن حيث كنت أزوره بعد ظهر اليوم , ولا أعتقد أنه سيمكنه التغلب على الأزمة التي هاجمته , ولقد عرفت بأمر مرضه عندما ذهبت الى مقر المنظمة التي أعمل معها بعد عودتي الى لندن يوم الجمعة الماضي".

وأعربت ديليا عن أسفها لمرض العم جوستون , وتقدمت بدورها الى جوار نيران المدفأة , وجذب أدموند مقعدا صغيرا جلس عليه بجانب المدفأة , وسأل ديليا:
"ولكن كيف عرفت أنني هنا؟".
" عرفت من بن ديفيز , لقد أتصل بالمنظمة بعد أن تلقى مني برقية بموعد عودتي , وقد عرف منهم عنوان شانس كورت , ولكنني أريد أن أعرف يا أدموند لماذا طلبت من زانيتا أن تتصل بي في ريو دي جانيرو ؟ ولماذا لم تفعل ذلك بنفسك؟".

ونظر اليها أدموند في حدة , ثم قال:
"لقد فعلت ذلك , فقد تحدثت الى مدبرة المنزل في بيت أسرة ريتا مرتين , كل ما أستطيع أن أقوله أنني لم أستطع فهم حديثها جيدا وفي النهاية تطوعت زانيتا بالأتصال بها نيابة عني , ولكن م قالته لزانيتا أنك رحلت , وأن ريتا ليست في المنزل هي الأخرى , فأعتقدت أنك...".
ثم توقف أدموند عن الحديث فجأة
ووضع يده على وجهه وهو يهمهم قائلا:
" يا ألهي , لا أعرف ماذا ظننت في ذلك الوقت , حاولت كل جهدي لأصل الى ريو دي جانيرو قبل موعد مغادرتك لها , ولكن صادفني الكثير من المتاعب في الطريق , ثم بعد كل ذلك أعرف أنك قد رحلت ولم تنتظريني , لقد تأكد لي في تلك اللحظة ما كنت أتوقعه".

" تعني أنك لم تتوقع مني أن أنتظرك؟".
" كان يراودني الأمل في أن أجدك في أنتظاري , ولكنني لم أكن أتوقع ذلك". وسرح بنظره من جديد الى النار ثم قال:
" عندما سمعت أنك رحلت , سرت وحدي وتركت زانيتا واقفة!".
ثم ضحك وهو يضيف:
" لا أدري ماذا أعتقدت , هذا لا يهم الآن , ولكن الذي لا أفهمه هو لماذا لم تخبر مدبرة المنزل زانيتا بالرسالة التي تركتها أنت وريتا لي أنا ومانويل؟".
" كانت على وشك أن تفعل ذلك , ولكن زانيتا أكتفت بسماع كلمة أنني رحلت , ولم تستمع الى باقي الحديث".
وتساءل أدموند في دهشة:
" ولكن لماذا , لماذا تفعل ذلك؟".
منتديات ليلاس
وقبل أن تتمكن ديليا من الأجابة عاد جوناس وقد تبعته سيدة طويلة القامة وتحمل صينية وضعت عليها أقداح الشاي وبعض الأطعمة.
ووضعت السيدة الصينية فوق المائدة , ووقفت تنظر في فضول الى ديليا , فنهض أدموند على قدميه وقدمها لديليا قائلا:
" هذه هي السيدة فيل مدبرة المنزل".
ثم أشار الى ديليا قائلا:
" سيدة فيل , أريد أن أقدم لك زوجتي".
فرحت السيدة بها وقد أرتسمت على وجهها أبتسامة عريضة وقالت:
" لقد أحضرت لكما بعض الشطاء الخفيفة وكعكة الفواكه , فلا بد أنكما تشعران بالجوع , هل تريد أن نوقد المدفأة في غرفة النوم يا دكتور تالبوت؟".

فسأل أدموند في دهشة:
" وهل هذا ممكن؟".
" بالطبع".
" أذا , فأنني أرجو أن تفعلي ذلك".
ثم ألتفت الى جانوس قائلا:
" أما أنت يا جانوس , فأرجو العمل على أخراج سيارة السيدة تالبوت من الحفرة التي وقعت بها وأحضارها الى هنا , ما نوع السيارة يا ديليا؟".
" أنها أوستن صفراء اللون , وهي ليست بعيدة عن هنا , وها هي المفاتيح".
فأخذ جانوس المفاتيح منها وهو يقول:
" شكرا يا سيدتي , هل هناك خدمة أخرى؟".
فرد أدموند في برود:
" لا , ما عدا أنني والسيدة تالبوت نريد أن نتناول الشاي بدون أي أزعاد, هل هذا واضح؟".

" نعم يا سيدي".
وخرج جانوس والسيدة فيل وأغاقا الباب ورائهما .

أتجهت ديليا الى المائدة لتصب الشاي في الأقداح وقالت وهي تناول أحدها لأدموند:
" أذا فأن جانوس يعتقد أنك لا تعرف كيف تتصرف كسلسل لعائلة شانس , مع أنني أعتقد أنك تقوم بدورك بأتقان كأي لورد".
" لو أنني لم أفعل ذلك , فأن جانوس سيصبح هو الآمر في هذا المنزل كما كان يفعل مع العم جوستون من قبل , كما أنه فضولي للغاية ويريد أن يعرف كل شيء , وأنا متأكد من أنه سيعود الى الغرفة مرة أخرى بعد أن ينتحل أي عذر ليستمع الى ما نقول
ثم تنهد في عمق وهو يقول:
" لا أدري ماذا أفعل بمثل هذا المكان في حال وفاة العم جوستون فأنه سيؤول أليّ بوصفي وريثه الوحيد ولكنني لا أريده".
" يمكنك أن تقيم فيه , أو على الأقل في جزء منه كما كان يفعل العم جوستون".
" تخيّلي أنني أعيش في مثل هذا المنزل , أنه كبير جدا حتى لو..".
وتوقف أدموند عن الكلام فجأة , وبدأ في تناول بعض الساندويشات , فقالت ديليا تستحثه على الحديث:
" حتى لو ماذا يا أدموند؟".



اماريج 17-11-10 10:38 PM


" لا تهتمي بما قلت , ولكن لماذا تعتقدين يا ديليا أن زانيتا وضعت سماعة التلفون قبل أن تستمع الى بقية حديث مدبرة منزل ريتا؟".
" قالت زانيتا لريتا عندما سألتها عن ذلك أنها أعتقدت أن هذا هو كل ما في الأمر , ولكن كارلو يعتقد أنها تعمدت أن تفعل ذلك".
" كارلو , أذا ذهب هو أيضا الى ريو دي جانيرو , ألم يوضح لماذا يعتقد ذلك؟".

" نعم , قال أن زانيتا تشعر بالغيرة مني كما كان يشعر بيتر بالغيرة منك , ولهذا أرادت أن تفرق بيننا , وكانت تعرف أنك تريد العودة سريعا الى ريو دي جانيرو لتلحق بي , فأرادت أن تقنعك بأنني لم أهتم بأنتظارك , وأنني رحلت , لتدفعك على البقاء معها في البرازيل , وبهذا تفرّق بيننا الى الأبد".
وتوقفت ديليا عن الحديث , ولما لم يعلق أدموند بشيء سألته:
" هل تريد المزيد من الشطائر؟".
فسرح أدموند ببصره بعيدا وهو يردد كلامها:
" بعض الشطاءر , أوه , نعم".
ثم أتجه الى المائدة ووضع بعض الشطائر في صحنه , ثم عاد ليجلس الى جانبها من جديد , وأخذ يهز رأسه كمن لا يصدق , ثم قال:
" لا أدري كيف أعتقدت زانيتا أنني مهتم بها , فلم أكن أفكر فيها أبدا كأمرأة , وأهتمامي بها كان بسبب كونها طبيبة ليس الا".

" قالت لي أنها تطوعت للعمل في هذه المناطق لتكون بالقرب منك فقط بعد أن أعجبت بك , وأنها أنقذت حياتك".
" هي قالت لك ذلك؟ ما هذا الهراء؟ أنها لم تفعل لي شيئا سوى أنها كانت تقيس حرارتي كل بضع دقائق , لقد كانت مصدر مضايقة لي أثناء مرضي , وكنت أطلب منها دائما أن تتركني لحالي , كم كنت غبيا لأنني صدقتها عندما قالت لي أنك رحلت".
فقالت ديليا في تعاسة:
" لقد كرّرت ما حدث مع بيتر , صدقت كلامه أيضا , ولكن أين ذهبن بعد أن تركت زانيتا؟".
" لقد أخذت أسير على غير هدى , ثم أتجهت الى المطار لأحجز تذكرة على الطائرة المتجهة الى لندن , وكان حظي سعيدا , وعندما عدت الى لندن , أتجهت فورا الى منزلنا ,حيثأكتشفت أنك لم تعودي اليه لأنه كان واضحا أن قدما لم تطأه منذ مدة , فأتجهت الى مقر المنظمة , وعدت من جديد الى المنزل على أمل لقائك ولكنني لم أجدك أيضا , فطلبت بن ديفيز في مكتبه ولكن الوقت كان متأخرا , فلم أجد أحدا , ولما لم أكن أعرف عنوانه , أتجهت الى شانس كورت".
منتديات ليلاس
ثم توقف أدموند عن الحديث وأتجه ليضع صحنه الفارغ وسألته ديليا في دلال:
" ولكن لماذا كنت تريد رؤيتي؟".
فأجابها أدموند في برود:
" لأنني كنت أريد أن أعرف لماذا لم تنتظريني؟".
فأنفجرت ديليا تبكي وهي تقول:
" أوه يا أدموند , لو أنك كنت تثق بي , لما حدث أي شيء من هذا , لو أنك أتجهت الى منزل ريتا في ريو دي جانيرو بدلا من أن تتجه الى المطار , لعرفت أنني في أنتظارك ولكنك كنت تثق بزانيتا أكثر مما تثق بي , وكنت تثق ببيتر أيضا أكثر من ثقتك بي".

وتوقفت قليلا قبل أن تستجمع شجاعتها لتقول:
"لاأعتقد أنك تحبني , لأنك لو كنت تحبني حقا لوثقت بي , أوه يا أدموند لا تنظر اليّ بهذه الطريقة , ماذا تنوي أن تفعل؟".
وكان أدموند قد مدّ يده وأمسك بعنقها بقوة وهو ينظر اليها في غضب شديد ثم قال:
" من حقك أن تخافي يا عزيزتي , فأنني على وشك أن أحطم عنقك".
" ولماذا ؟ وماذا فعلت الآن؟".
" فعلت ما تعودت أن تفعليه دائما , وهو أتهامي بأنني لا أحبك".

ثم أضاف وقد خفّف من قبضته حول عنقها
وأخذ يتحسس وجهها في حنان:
" تزوجتك لأنني أحببتك , رحلت عنك لأنني أيضا أحبك , ولأنني لم أتحمل فكرة كونك تعيسة بسبب زواجك مني , وأردت أن أمنحك فرصة الحصول على الطلاي , ورحلت بعيدا جدا على أمل النسيان , وكنت أعتقد أنني نجحت في ذلك , ولكنك لحقت بي الى بوستو أورلاندو وفي بداية الأمر حاولت التماسك , ولكن حبي لك أستيقظ من جديد , وبدأت أشعر أنني مجنون بحبك".
وتوقف أدموند عن الحديث , حين دخل جانوس الى الغرفة وهو يسعل لتنبيههما الى وجوده
فزفر أدموند في غيظ وهو يقول:
" أعتقد أنني طلبت منك يا جانوس ألا يزعجنا أحد , ماذا تريد الآن؟".
" لقد أحضر سائق السيد جوستون سيارة السيدة تالبوت وهي موجودة الآن في الكاراج".

وعندما شكرته ديليا لمحت شبح أبتسامة لى شفتيه وهو يسألها أن كانت تريد خدمة أخرى.
فقال أدموند في ضيق:
"لا , شكرا يا جانوس ., وأرجو ألا تعود مرة أخرى لأزعاجنا".
وخرج جانوس بعد أن حمل الصينية معه , وترك باب الغرفة مواربا , وأنتظر أدموند الى أن أبتعد صوت خطواته
فنظر الى ديليا من جديد ورأى عنقها وقد بدت عليه آثار أصابعه وقال:
" يا ألهي , لقد أذيتك مرة أخرى , ولكنني أحبك ولا أحب أحدا غيرك , ولذلك تركت فيتينال قبل الموعد المقرر لألحق بك في ريو دي جانيرو قبل رحيلك ولهذا أيضا تبعتك كما كنت أعتقد الى لندن بأسرع ما يمكن ولهذا أيضا لا أريدك أن تعيشي معي في الأدغال حتى لا تصابي بأي مرض خطير , أنني أحبك يا ديليا , وحبك يسري في دمي ولا أستطيع التخلص منه".



اماريج 17-11-10 10:40 PM

ثم وضع يده فوق جبهته وهو يعترف:
" عشت في نار من القلق خلال الأيام الماضية وأنا لا أعرف مكانك , كنت أعتقد بأنني فقدتك مرة أخرى , ولأنني أحبك فأنني أصاب بالجنون عندما أراك مع رجل آخر , يا ألهي , ماذا تريدين مني أن أقول أكثر من ذلك يا ديليا لأقنعك بحبي؟".
فقالت ديليا وهي تضحك من بين دموعها:
" لا شيء , لا شيء يا أدموند , فأنني مقتنعة بأنك تحبني , أوه أدموند أنني أيضا أحبك , ولهذا أريد أن أكون معك في أي مكان تذهب اليه , أرجوك يا أدموند , هل أستطيع قضاء الليلة معك هنا؟".
منتديات ليلاس
فهمس أدموند قائلا وهو يمسك بوجهها بين يديه:
" وهل تعتقدين غير ذلك يا ديليا؟ هل نستطيع أن نبدأ من جديد؟".
فهمست تقول:
" أعتقد أننا قد بدأنا بالفعل , في لقائنا في الأدغال".
فضحك وأنحنى يعانقها وهو يقول:
" تعنين خلال شهر العسل الثاني؟".
وألتقت الشفاه وأحاطها أدموند بذراعيه , ولكنهما أنتبها فجأة الى صوت جانوس من جديد
فأبتعد أدموند وهو يسأل جانوس في غضب:
" ماذا تريد الآن؟".

" أننا , أعني أنا وبرايس نتساءل عما أذا كانت السيدة تالبوت تريد أستخدام سيارتها الليلة حتى نضعها في الكاراج مع سيارتك , لأن الليلة باردة للغاية والمطر ينهمر بغزارة".
دفع اليه أدموند بمفاتيح السيارة وهو يقول:
" السيدة تالبوت ستقضي الليلة هنا , وستظل معي في المنزل طوال فترة أقامتي , هل هناك شيء آخر يا جانوس؟".
" لا , شكرا يا سيدي".
" أذا تصبح على خير".
" تصبح على خير يا سيدي".
وخرج جانوس , فأمسك أدموند بيد ديليا وجذبها الى البهو فسألته ديليا:
" الى أين نذهب؟".

" الى غرفة النوم , فأنها المكان الوحيد الذي يمكن أن نتحدث فيه معا دون أي أزعاج , على الأقل يمكننا أن نوصد الباب من الداخل".
ودخلا غرفة النوم , وكانت متسعة وأنيقة للغاية , وصاحت ديليا قائلة:
" يا له من فراش رائع وكبير".
فرد أدموند:
" أنه يتسع لستة أشخاص , وهو يختلف الى حد ما عن الفراش المعلق في الكوخ وأصوات الطبول تدوي في الخارج".
وقال ديليا:
" لم أحضر معي رداء للنوم".
فقال أدموند:
"وأنا أيضا , فأن الوقت لم يسمح لي بشراء الكثير من الملابس , المهم هو أن تخلعي ملابسك وتندسي في الفراش بأسرع ما يمكن حتى لا تشعري بالبرد , سأفعل أنا ذلك أولا وأسبقك الى الفراش لأدفئه لك".
منتديات ليلاس
وعلى الفراش الوثير أستلقت ديليا بين ذراعي زوجها وهي تشعر بالسعادة وهمس أدموند قائلا:
" لا أكاد أصدق أننا ألتقينا من جديد".
فسألته ديليا:
"كم من الوقت سنقضيه هنا في شانس كورت؟".
" لا أدري , هذا يتوقف على ما يحدث للعم جوستون , دعينا الآن من هذا الحديث , فأن لدينا ما هو أهم من ذلك , هناك شيء واحد أريد أن أعرفه يا ديليا قبل أن نبدأ من جديد , وهو هل تريدين طفلا آخر؟".
" هل تريد أنت ذلك؟ وأذا حدث وكان لنا طفل , فهل تغفر لي فقداني للطفل الأول؟".

فدفن أدموند وجهه في صدرها وهو يقول:
" ليس هناك ما أغفره لك , أنني لم أغضب لفقد الطفل , ولكن لأنني لم أعلم بذلك في وقته , فقد تحملت الكثير بمفردك ولم أكن بجانبك , ولن أدعك تمرين بهذه التجربة من جديد وحدك".
" ولكن لنفرض أنك عدت من جديد الى بوستو أورلاندو".
" أنني لم أقرر ذلك بعد , وأذا حدث أي حمل , فأنني لن أبتعد عنك بأي حال من الأحوال الى أن تضعي الطفل , والآن كفانا حديثا".
وضمها أدموند اليه في قوة , وشعرت ديليا بأن زوجها قد عاد من جديد أدموند الرقيق الحنون الذي أحبته دائما .
فهمست قائلة:
" أوه , يا أدموند كم أحبك".
" على الرغم من أنني قد أسأت اليك , وربما أفعل ذلك مرة أخرى".
" لقد أسأت اليك أنا أيضا في أية حال , كانت تجربة علمتنا كيف يكون الحب".
وسادت غرفة النوم ظلال المدفأة وهي تخبو شيئا فشيئا.

النهاية


اماريج 17-11-10 10:41 PM

تمت والحمدلله
قراءة متعة للجميع للاعضاء وللزائرين:flowers2:
:liilas:

lomboks 18-11-10 01:00 AM

كل عام و انتي بخير و الر واية رائعة كالعادة
و مشكورة جدا

Rehana 18-11-10 11:40 AM

يعطيك العافية يالغلا
على نقل الرواية وباين انها حلووة .. لأنها من اختيارك :flowers2:
دمتي بكل الوود

http://s3.amazonaws.com/bzzagent-bzz...-cards-lrg.png

فتاة 86 18-11-10 12:11 PM

رواية ممتعة
شكراً أماريج
بس بلعادة ما بتخلصي من رواية لتكوني أعلنتي عن رواية جديدة
هيك عودتينا
بعرف أنو عم بتثاقل عليكي بس انت كريمة ونحنا منستاهل

أحاااسيس مجنووونة 18-11-10 06:12 PM

يعطيك الف عافية

الرواية كتير حلوة تسلم ايديك :flowers2::flowers2::flowers2:

اماريج 18-11-10 06:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lomboks (المشاركة 2530458)
كل عام و انتي بخير و الر واية رائعة كالعادة
و مشكورة جدا


العفووووو يالغلا
وسعيدة كتير انها عجبتك ياعسل ومشكورة على هالمرور الحلو ياحلوة
وانتي كمان بالف خير ياحلوة :flowers2:
:liilas:

اماريج 18-11-10 06:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2531132)
يعطيك العافية يالغلا
على نقل الرواية وباين انها حلووة .. لأنها من اختيارك :flowers2:
دمتي بكل الوود

http://s3.amazonaws.com/bzzagent-bzz...-cards-lrg.png


الله يعافيك ياقمورة
الاحلى ياحلوة هو مرورك العطر فيها وشاكرة لك ثقتك فيا
وربي يسعدك ويحفظك ومااتحرم من هالطلة الحلوة ابدااااااااا
لك مني كل الود ياغالية:flowers2:
:liilas:


اماريج 18-11-10 07:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2531139)
رواية ممتعة
شكراً أماريج
بس بلعادة ما بتخلصي من رواية لتكوني أعلنتي عن رواية جديدة
هيك عودتينا
بعرف أنو عم بتثاقل عليكي بس انت كريمة ونحنا منستاهل



ياهلا فيك ياعسل
والعفوووحبيبتي الرواية زادت نور على نور بهالطلة الحلوة يالغلا
وسعيدة انها عجبتك ^_* وان شاءالله بحاول انزل رواية تانيةلعيون احلى ليلاسية ولايهمك حبيبتي منورة ياعسل غالي والطلب رخيص عذري ياعسل انو نحن في العيد ههههههه:lol:
وكل عام وانت بالف خير ياقلبي:flowers2:
:liilas:


اماريج 18-11-10 07:10 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام مريم 2010 (المشاركة 2531315)
يعطيك الف عافية

الرواية كتير حلوة تسلم ايديك :flowers2::flowers2::flowers2:


الله يعافيك يامريومة
الرواية منورة فيك يالغلا والاحلى مرورك فيها حبيبتي
والله يسلمك ومشكورة على هالوردات الحلوين ياحلوة وماتحرمنا هالطلة الحلوة ابداااااااااا ياعسل:flowers2:
:liilas:

ممووووو 19-11-10 10:08 PM

:8_4_134: DSSSSSSSSSSSSSSSSSSSSSS

نادينه 20-11-10 12:27 PM

رائععععععععععععععععععععععععععععععععه

زهور العراق 20-11-10 06:06 PM

هاي اماريج000
كل عام وانت بألف خير000
الرواية روعة000
(انا زهور حسين000اضطريت اسجل باسم جديد لان عندي مشكلة بpass لت wordارجو منك ان تحليها لان ارسلت عدة رسائل لحلها وما في نتيجة اي كلمة مرور ما تعمل)

اماريج 21-11-10 04:31 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممووووو (المشاركة 2532698)
:8_4_134: DSSSSSSSSSSSSSSSSSSSSSS

شاكرة لك مرورك وتواجدك فيها ياعسل:flowers2:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادينه (المشاركة 2533332)
رائععععععععععععععععععععععععععععععععه



الاروع هو مرورك غيها يالغلا منورة ياحلوة:flowers2:
:liilas:

اماريج 21-11-10 04:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهور العراق (المشاركة 2533554)
هاي اماريج000
كل عام وانت بألف خير000
الرواية روعة000
(انا زهور حسين000اضطريت اسجل باسم جديد لان عندي مشكلة بpass لت wordارجو منك ان تحليها لان ارسلت عدة رسائل لحلها وما في نتيجة اي كلمة مرور ما تعمل)



ياهلا وغلا بالحلوة :flowers2:
وانت يارب بالف خير يالغلا
والاروع ياعسل مرورك العطروتواجدك فيها حبيبتي
حبيبتي بالنسبة للمشكلة صراحة مافهمت عليك؟؟؟ فيك تراسل الادارة من خلال اسمك الان زهور العراق على هذا الرابط وتوضح الفكرة لهم وهنن ان شاءالله راح يساعدونك ماشي ياحلوة
منتدى الاستفسارات / الشكاوي / الطلبات / الاقتراحات / الملاحظات

نجمة33 22-11-10 03:16 AM

تسلم الايادي

اماريج 22-11-10 01:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجمة33 (المشاركة 2535315)
تسلم الايادي


الله يسلمك حبيبتي وشاكر لك مرورك العطر فيها يالغلا كله
وربي ماانحرم من هالطلة الحلوة ابدااااااااااا :flowers2:
:liilas:


قماري طيبة 04-01-11 05:50 AM

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaan ks

ندى ندى 05-01-11 03:38 AM

حلوه اكتير

سومه كاتمة الاسرار 06-01-11 09:12 PM

روووووووووووووووووعه

اماريج 07-01-11 05:25 AM

ياهلا وغلا بالحلوين
الرواية صدقا نورت فيكم حبيباتي
وسعيدة كتيررررررررانو اختياري لها نال وحاز على رضاكم ياامورات
دمتم بكل الحب والود ياغوالي:flowers2:
:liilase::liilas:

فجر الكون 07-01-11 08:13 PM

روايـــــــــــة جميــلة ,,
يسلموااا ,,,,

الجبل الاخضر 09-01-11 01:14 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو ب:55:رافو :55:برافو :liilase::flowers2:تسسسسسسسسسسسلمين الراوايه روعة واختيار ممتاز وننتظر جيددك :7_5_129::flowers2:وشكرا لك على المجهودك :liilase::flowers2:

ساكنه 10-01-11 07:39 PM

حلوة حلوة كثير الرواية مرسي خالص والف شكر ومنتضرين التكملة بشوووووووووووق يااحلا وارق واخت اماااااااااريجودمتي لي في قلبي سكنة:liilas::flowers2:

hamesha 06-02-11 11:32 PM

rewayaa raw3aaa chokrann laki amarej

لوشة العزاوي 17-12-11 04:05 PM

رواية ولا اروع تسلم الايادي

جوهرة الدانة 15-12-13 07:53 PM

رد: 36_رمال في الاصابع _فلوراكيد _روايات عبير القديمة (كاملة)
 
حلو كتير قرأتها كذا مرة وما مليت منها

صفاء القلوب الحزينه 01-03-15 08:04 AM

رد: 36_رمال في الاصابع _فلوراكيد _روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
واضح ان الرواية راااااائعة والان ساقوم بالقراءة شكراااااااااااااااااااااا للمجهود الرائع غاليتي

ماهرميار 16-06-21 10:05 PM

رد: 36_رمال في الاصابع _فلوراكيد _روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
تحميل رواية رمال في الاصابع


الساعة الآن 09:26 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية