منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   153 - لا شيء يهم ! – روزميري كارتر – روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t150074.html)

نيو فراولة 24-10-10 12:09 PM

أرتاحت قليلاُ عندما عادت الشاحنة الكبيرة ألى التحرك ، ولكن توتر أعصابها لا يزال على أشده . هل يحتمل أنه لا يشعر بهذا التوتر ؟ ألا يعقل أن يكون هذا الشعور بالأنفعال والتشنج مقتصراً على أفكارها ...وخيالها ؟ صرخ بها عقلها ، مطالباً اياها بالتعقل ..وبطرد هذه الأفكار الشريرة . ستصل بعد قليل ألى المخيم ، وعليها التأكد مسبقاُ من عدم قدرة جون على اكتشاف ما يجول في خاطرها من أفكار سوداء . كيف سيكون رد فعله إذا علم بمدى تأثير رجل آخر ، وألى هذه الدرجة المذهلة ، على خطيبته التي سيتزوجها خلال أيام معدودة ؟ ألن يشعر بصدمة رهيبة ، إذا تبين له أن مجرد وجود أندريه كونورز قربها ..يحرقها ويذيبها ؟
حللت الموضوع بموضوعية وعقلانية ، فلم تجد أي سبب لتخريب الصداقة بين جون وأندريه .
من المؤكد أن لهذا الرجل اللعين القوة والقدرة على أثارتها ، ولكن ذلك يقتصر على الناحية العاطفية . ألتقته قبل يومين فقط، إلا أن تسللها ألى شاحنته هو الذي أشعل الفتيل . هل كان ممكناً تصور كافة هذه الأحداث المتلاحقة ؟ هل كانت تتخيل قبلاً مدى أمكانية تجاوبها مع رجل كأندريه كونورز ..أو أي رجل على الإطلاق ؟
منتدى ليلاس
ولكن رحلة المصير بدأت تشرف على نهايتها ! ولولأ تحديد السرعة القصوى في هذه المناطق بخمسة وثلاثين كيلومتراً في الساعة ، لكانت الآن مع جون تنعم بحبه وحنانه ... بعيداً عن هذا الشرير . ستركز أهتمامها على المستقبل الذي ينتظرها وخطيبها ، وسوف تزول بالتالي ذكريات هذه الرحلة المشؤومة .... وتفاصيلها وحتى لو ألتقت أندريه مستقبلاً وفي مناسبات اجتماعية ،
فأنها ستتصرف معه بطريقة طبيعية للغاية .....ولن تدع جاذبيته تؤثر فيها أو تهمها . وأذا أشارا إلى الرحلة من قريب أو من بعيد ، فسوف يفعلان ذلك بروح مرحة .... وعلى سيبل الترفية والتسلية . لن تكون هناك ذكريات أليمة حزينة ، أو أحلام مزعجة ....حتى أحلام يقظة .
لا تحدث هذه الأمور عادة ألا مع الذين يحبون.... ..فيكف يمكنها هي بالذات الوقوع بحب رجل تحتقر جميع صفاته وتصرفاته !
تحليل منطقي ! أذن ، فلماذا العذاب والألم ؟ ظهر المخيم المنشود في فسحة من الارض تشرف على النهر . كانت صغيرة جداً عندما زرات الحديقة الوطنية ، ولكن بعض الذكريات القليلة لا تزال عالقة في ذهنها . قرأت مرات عديدة وصف جون التفصيلي لمخيم حوض التماسيح ، فصورته في عقلها على شاكلة المخيمين اللذين أقامت فيهما مع والديها عندما حضر الثلاثة لتمضية أسبوعين في أدغال أفريقيا . تخيلته مجموعة من القرى الصغيرة ، تضم مخزناً ومطعماً ومرآيا للسيارات . توقعت أن يكون مخيم حوض التماسيح آخر موقع للمدينة في هذه المناطق النائية !
تطلعت حولها بما يشبه الصدمة ، وأخذت تتأمل بذهول رهيب المكان الذي سيصبح بيتها ....
وقد تضطر للعيش فيه طوال عمرها . كانت تنتظر مخيماً صغيراً ....ولكن .....ليس إلى هذه الدرجة المزرية . شاهدت المبنى الأساسي ، فأعجبها إلى حد ما شكله المستطيل الجميل ونوافذه الكبيرة ... التي تراقب منها الحيوانات عندما تقصد النهر القريب للشرب أو الأغتسال ، أنه
بالتأكيد مخصص للسياح الذين يقصدون هذا المكان . لم يكن حوله أو قريباً منه إلا ثلاثة بيوت أصغر حجماً ، لا بد وأن يكون احدهما مخصصاً للأعمال الأدراية ..والثاني لنوم العمال ..والثالث ......
لا ، لم تتوقع عزلة مرعبة كهذه ! هي المخطئة في تصويرها مخيم حوض التماسيح كنسخة مصغرة عن المخيمين الآخرين ، اللذين زارتهما منذ سنوات عديدة . لم يحاول جون أبداً حملها على الأعتقاد بأن مخيمه يختلف عما هو عليه الآن ، وبأن الحياة ستكون أقل صعوبة مما تبدو لها في هذه اللحظات . لم يرغمها أحد على الحضور ، ولم يخدعها جون بأتخاذه قرارات مفاجئة . كانت تعرف تماماً أن هذا هو الخط الذي اختاره لنفسه منذ الصغر ، ونه لم يكن لديها أي مانع أو أعتراض على ذلك . حضرت بملء أرادتها ، وبناء على تصميم سابق ، لأنها تحب جون ولا يمكنها تحمل الحياة وهي بعيدة عنه .وأذا كانت لهذه الوحدة أو العزلة سيئات كثيرة ، فحسنتها الوحيدة تمحو جميع سلبياتها وعيوبها ، ستعمق العلاقة القائمة بينهما ، وتجعلها أكثر متأنة وديمومة .
أ

نيو فراولة 24-10-10 12:27 PM

أحست بأن أندريه يحدق بها ، فرفعت رأسها نحوه لتقابل نظراته .كان يتأملها بطريقة حنونة توحي بالتعاطف معها .. ..وكأنه شعر بصدمتها وانقباض نفسها . سارعت لأفهامه بأنه واهم في تفكيره وتصوراته ، فسـألته ببهجة وهي تشير ألى الكوخ الصغير الذي صنع سقفه من القش :
" هل هذه هو المكان المخصص لإقامة جــون ؟".
" نعــم".
" إذن .....".
ترددت لحظة ، ثم أضافت :
" سأنزل أمتعتي وأضعها هناك " .
لم تخبره أن معنوياتها أصبحت في الحضيض بسبب الصدمة المزدوجة ، لأنه سيسخر منها ويودعها بمثل ما أستقبلها من عنجهية وأذلال . يا لسخافتها وجهلها ! أنتظرت أن يهرع جون لأستقبالها ، لترتاح قليلاً .....وتثبت لهذا الوغد فداحة الخطأ الذي أرتبكه عندما أوحى لها بأن خطيبها لا يريدها . ولكن .....كيف يمكنها توقع ذلك ، وهذا هو وقت العمل بالنسبة ألى جون ؟
مدت يدها نحو أندريه ، وقالت :
" أشكرك جداً لأنك أوصلتني ألى هنا . سيكون جون أيضاً ممتناً لك " .
منتدى ليلاس
لم يصافح أندريه اليد التي مدتها نحوه بصدق وأخلاص ، فأعادتها ألى مكانها وهي تشعر بالمذلة والأهانة . لاحظت أنه لا يزال يتأملها ، ولكن بطريقة مختلفة . لو كان هذا الرجل أي شخص آخر غير أندريه كونورز ، لأعتبرت هذه النظرات دليلاً على الرضى .....أو حتى الأعجاب ,ألا أنه ليس شخصا آخر , وبالتالي فهو لا يعرف كلمة أعجاب أو معناها . في أي حال ، كيف تسمح لنفسها بتوقع الأعجاب من رجلا لا ينظر أليها ألا بأحتقار وشماتة ؟ أبعدت نظراتها عنه كيلا يكتشف مشاعرها أ و يقرأ أفكارها ، وقالت له بلهجة حاولت أظهارها عاديةألى أبعد الحدود :
" سأنزل امتعتي " .
همت بفتح الباب ، فمنعها قائلاُ :
" لنعرف أولا ً أين هو جون " .
أرادت مطالبته بعدم الأهتمام بها وبشؤونها الخاصة ، لأنها قدارة تماماً على معالجة أمورها بنفسها . ولكن عزلة المخيم الرهيبة منعتها من ذلك ، وحملتها على السير معه نحو ذلك الكوخ الصغير . وجدا الباب مفتوحاً ، فتن أندريه جانباً ليدعها تدخل قبله .
يا لسخرية الأقدار ! هذه هي اللحظة التي تحلم بها منذ فترة طويلة.. .. لحظة عبورها ألى بيتها الزوجي . كانت تمضي لياليها بكاملها ، وهي تتصور اللقاء الرائع وترسم تفاصيله السعيدة في مخيلتها . دهشة جون ، فرحته العارمة ، استعجاله بالذهاب إلى أقرب رجل دين لمباركة زواجهما ، وعودتهما على جناح السرعة إلى جنة الأحلام والسعادة ، كان سيحملها بين ذراعيه ، ويعبر بها عتبة بيت المستقبل بحب وحنان . تباً لهذه الظروف !
فعوضاً عن أن تكون الآن مع جون ، تجد نفسها واقفه قرب رجل غريب يتفجر رجولة وجاذبيه .
وبدلاً من أن تبدأ منذ هذه اللحظات بنسيانه وتركيز أهتمامها على بيتها الزوجي هاهي تشعر مرة أخرى بتلك النار المتأججه في داخلها... .. بماذا يقيدها هذا الرجل ، ويكف يتمكن من أزعاجها على هذا الشكل ؟ أستدارت نحوه لتعرف ردّ فعله على مشاعرها ، فلم تشاهد في نظراته أو تعابير وجهه ما يشير إلى أنه مهتم بما يجول في راسها من أفكار متصارعه وآراء متضاربة .
تعمدت ألهاء نفسها بالتطلع حولها ، علّها تجد في هذا البيت الصغير السلوى والعزاء ...
منتدى ليلاس
والقليل من راحة البال . لاحظت وجود غرفتين ، فدخلتهما الواحدة تلو الأخرى ،أعجبتها نظافتهما ، ولكن الفوضى ......آه ما أروع هذه الفوضى ، لأنها ذكرتها به .... ونقلتها من الخيال ألى الواقع ، ومن مجرد التصور ألى الحقيقة الثابته . أوه ، كم تحبه ! كادت تنسى كل شيء خلال اليومين الماضيين ، بسبب هذا العملاق المتعجرف ....أندريه كونورز ! ولكن وجودها الآن في بيت جون ....في بيتها أيضاُ، جعلها تدرك فجأة مدى تعلقها بخطيبها وشوقها أليه . تقزم أندريه أمامها ، فابتسمت بأرتياح وقالت :
" يمكنك أن تتركي الآن . سأنتظر جون هنا لحين عودته " .
"سأتركك عندما أجد الفرصة مناسبة لذلك " .
غادر الكوخ الصغير ليبحث على مايبدو عن جون أو أحد الرجل الذين يعملون معه .أراحها غيابه المؤقت قليلاً ، فقررت ألقاء نظرة هادئة على بيتها الزوجي . كوخ صغير يضم غرفيتن فقط ، وليس فيه إلا المفروشات الأساسية والضرورية... .. لايناسب إلا عازباً ليست لديه متطلبات كثيرة ومتعددة .

نيو فراولة 24-10-10 04:29 PM

تساءلت للمرة الأولى بجدية عما إذا كان وصولها هكذا بشكل مفاجئ ، خطوة حكيمة أو عاقلة ،
أليس من المحتمل أن جون يخطط لبناء بيت كبير لهما ، قبل أقدامهما على الزواج ؟ربما ... ولكن صغر هذا المكان لن يشكل عائقاً في وجه سعادتهما . ستحوله إلى بيت حقيقي .....
ستطلب كمية كبيرة من الأقمشة الجيدة لأعداد ستائر جديدة ، ستضع سجاد ملونة على الارض ، وستستبدل السرير الصغير بآخر مزدوج . أما في غضون ذلك .....ماذا يهمها أكثر من الزواج ، والعيش معاً بسعادة وهناء !
ولكن العزلة القاتلة ....آه منها ! أنها المشكلة الكبرى ! ماذا ستفعل طوال النهار ، أثناء وجود جون في العمل ؟ ستنتظر عودته على أحر من الجمر ، وستعوض أثناء الليل عما يفوتها خلال النهار ! ماذا عن الآن ؟ هل تبدأ بإفراغ حقيبتها وكيسها ؟ سمعت حركة قرب الباب ، فألتفتت بسرعة لتشاهد رجلاً طويل القامة عريض المنكبين ....يتأملها بتمعن وإغراء .سألته بلهفة :
" هل وجدت جون ؟".
منتدى ليلاس
" لا ، ولكني أعرف مكان وجوده . "
أفزعتها البرودة الجافة في نبرة صوته ، ولكنها سيطرت على أعصابها ، وقالت :
" عظيم ، رائع ! إذن .....الوداع ، يا أندريه " .
" لا ، يبدو أنني مضطر لأبقائك معي فترة إضافية " .
" مـاذا ؟".
" ستأتين معي " .
حدّقت به مذهولة ....لا تصدق عينيها أو أذنيها ، ولم تعد تسمع سوى نبضات قلبها ،
وأنفاسها المتقطعة .سألته بصوت مرتجف :
" هل ......هل حدث شيء ......لجون ؟".
" لا ، إنه يقوم برحلة تفقديه أستطلاعية " .
تنفست الصعداء ، ثم تنهدت وقالت :
"أوه ........، لا بأس إذن . سأنتظره هنا لحين عودته " .
" لن يعود هذه الليلة . هيا ، يا سالي ، تحركي " .
" هل ستأخذني إلى فندق ؟".
بدأ أندريه ، وكأنه متضايق من تصرفات هذه الفتاة الصغيرة . نظر إليها وقد عيل صبره ، ثم قال بمزيج من الحدة والسخرية :
" فندق ! سآخذك إلى مزرعتي " .
" لا ! لا ،لن أذهب معك!".
" بل ستأتين يا صغيرتي " .
أن لم يكن معتاداً من قبل على العصيان والتمرد ، فهذا ما ستفعله معه الآن . رفعت رأسها بعنفوان بالغ ، وقالت :
" لا يمكنك ارغامي على ذلك . "
" متأكـدة " .
كان صوته ناعما! .....ولكن اليدين اللتين أنقضتا بسرعة رهيبة على ذراعيها وأمسكتا بهما ، كانتا بعيدتين كل البعد عن الرقة والحنان والشفقة .جذبها نحوه كفراشة صغيرة ، وبدون أ ي عناء أو كلل وقال لها :
" ستفعلين ما أقوله لك ".
حاولت عبثاً التملص منه ، وهي تقول بصوت مرتعش :
"لا ! لا أقدر على ذلك!".
" يا لك من مزيج غريب عجيب ، لا يهلك أبداً التسلل ألى شاحنة أنسان لا تعرفينه .....وبعد ساعات طويلة معه . تتراجعين بغضب عارم لمجرد التفكير لتمضية ليلة واحدة داخل منزله ".
همست بصوت يفيض كرهاً وحقداً :
" لماذا تتحدث بمثل هذه البشاعة عن كل شيء ؟ أنك أخبث وأحط انسان عرفته في حياتي !".
منتدى ليلاس
" وأنت بالتأكيد أكثر الناس سخافة وغباء . "
"أعتقد أنني تصرفت بغباء ، ولكني لست مضطرة أبداً لزيادة الأمور سوء ا". !
" صحيح ، ولهذا فعليك أخذ امتعتك والتوقف عن أضاعة وقتي " .
هزت رأسها بعزة وأباء قائلة :
"لن أتحرك من هنا شبراً وحدا " .
" سأمنحك دقيقة واحدة لا غير " .
ماذا سيفعل فيها لو تحدته وتمردت عليه ؟أعجبتها الفكرة إلى حد ما ، فقالت له :
" لا يمكنك إرغامي على الذهاب معك !".
" هل ترمين قفاز التحدي والمبارزة في وجهي ؟".
ضمها نحوه بسهولة فائقة, على الرغم من محاولاتها الفاشلة للتملص منه ، ثم قال لها بلهجة ساخرة :
" استغرب إذا كانت لدى جون أي فكرة على الأطلاق عما سيواجهه معك ".

نيو فراولة 24-10-10 04:48 PM

لقسوته ..وتعجرفه ! أنه يعاقبها.... ويحاول أذلالها ....ليثبت لها من هو السيد المطاع !
ولكن قربها منه على هذا النحو . جعلها تنسى كرهها له .....وعندما أبعدها عنه قليلا , نظرت أليه كمتوسلة تطلب المزيد من الصدقة والأحسان , أحست بأن الدماء نبضت في عروقها . وحاولت دراسة وجهه والدخول إلى أعماق عقله وتفكيرة . ولكن قناعا غريبا أفشل محاولاتها ورد نظراتها على أعقابها . تطلعت ألى عينيه فلم تفهم منهما شيئاً . بسبب تلك البرودة الرهيبة التي تغطيهما . نظرت ألى فمه ، فرأته يتحرك بطريقة مرعبة .....وسمعت صوتاً ساخراً يخرج منه كخنجر حاد :
" أظن أنك أصبحت مستعدة الآن للذهاب ، أليس كذلك ؟".
ثارت ثأئرتها بشكل لم تعرف له مثيلا في اي وقت مضى ، واحست برغبة جامحة لتوجيه صفعة قاسية إليه . كيف يجرء على معاملتها هكذا ! كأنها قطة صغيرة لا حول لها .... يلعب بها ويغيظها متى شاء . ثم يرميها بلامبالاة .أنه يعرف بالتأكيد أن لديه القدرة على أغاظتها وأزعاجها . ويستغل هذه القدرة لتحطيمها .....لمعاقبتها على التسلل ألى شاحنته والتجرؤ على الحضور ألى شخص يعتقد أنها لا تناسبه . ستذيقة لأول مرة في حياته طعم الرفض والتحدي . قالت له بلهجة باردة :
" لا ! لا ، لن أذهب معك ! هل تظن أن هذا العرض الصغير التافه الذي قدمته لتوك ، سيغير موقفي ؟".
نظر إليها بعينين تشتعلان ناراً ، ثم اقترب منها مجدداً وقال :
" يبدو أنك تفضلين أساليب العنف ,ولكنك لا تعرفين تماماً ماذا تعرفين يا صغيرتي ".
منتدى ليلاس
فشلت جميع محاولاتها لمقاومته ، فهو يتمتع بقوة هائلة ، جرها إلى خارج الكوخ بطريقة تخلو من أي رقة أو شفقة ، ثم رماها داخل الشاحنة بعنف بالغ . قذف أمتعتها ألى الصندوق الكبير ، وقفز بسرعة إلى مكان السائق . أدارت وجهها عنه ، كيلا يرى الدموع الحارة التي تترقرق من عينيها . كانت دموع سخط وغضب ، وليس دموع ألم وأشفاق على الذات . أغضبتها قساوته ووحشيته .....وأغضبتها أكثر من ذلك نفسها ومشاعرها الضعيفة الخائنة . فمع أنها تكرهه بسبب معاملته الفظة والخشنة لها ، إلا أنها مطيعة وصاغرة له . لقد حدث لها شيء ما في اليومين الأخيرين ..... . شيء لا تعرفه أو تقدر على تخيله وتفسيره ....شيء تحتقر نفسها بسببه . ولكن ....لماذا هذا الضعف الشديد أمامه ؟
سألته بعد تجفيف دموعها وألتقاط أنفاسها :
" إلى أين تأخذني الآن ؟".
" إلى بيتي . ألم أقل لك ذلك ؟".
" ماذا سيقول جون عن هذا الأمر ؟".
" هل تسألين عما إذا كان سيدعوني ألى المبارزة والقتال ، لأنني أخذتك إلى عريني ؟
لا يا عزيزتي لن يفعل ذلك . سيكون سعيداً لأنني قمت بالشيء الوحيد المحتمل في مثل هذه الظروف " .
سألته بصوت هامس حزين :
" لماذا ؟ لماذا لم تتركني في حوض التماسيح ؟".
" لأن ما من أنسان ، حتى أنا ، يمكنه السماح لطفلة غبية بالبقاء وحيدة في مخيم منعزل داخل منطقة تعج بالحيوانات الضارية ، هذا هو السبب " .
" أنا قادرة على الإهتمام بنفسي " .
"هل تعرفين أوضاع هذه المناطق على حقيقتها ؟".
هزت رأسها نفياً ، وقالت :
" ولكنني متأكدة من قدرتي على معالجة مشاكلي بدون الأستعانة
بأحد ...أنا مضطرة لتعلم ذلك ، عاجلاً أم آجلاً . ثم .....لاشك في أن المنطقة ليست خالية تماماً " .
" ليس فيها الآن أي انسان على الأطلاق " .
"ضيوف ....سياح ....عمال .... .".
" لا أحد أبداً ، أنها منطقة يحافظ عليها مالكها حباً بها وبحيوناتها ، وليس بسبب الأرباح الضئيلة التي يحصل عليها من السياح " .
دهشت وأحتارت فيما يقوله لها هذا الرجل . علقت بصوت متردد :
" ولكنني تصورت.. ..قال لي جون في رسائله أن السياح يحضرون إلى هنا
لمشاهدة الحيوانات وتصويرها " .
" صحيح ، ولكن بأعداد قليلة وفي فترات متقطعة .ثمة فرق كبير بين حوض التماسيح والحديقة الوطنية ، يا سالي " .
اوه ، كم يؤثر عليها أستخدامه أسمها على هذا النحو ! قالت له :
" أعرف ذلك . ولكن ، أين بقية الحراس ؟".
" مع جـون " .
أذن ....كان تصرفه معها بداعي القلق عليها والأهتمام بها . أنه قادر احياناً على تطعيم وحشيته وقساوته ، بشيء من الليونة والحنان . قالت له :
" كنت تفكر بي ...".
ضحك بأنفعال ، وقاطعها قائلاُ :
" بك ؟ أي شيء قد يحدث لك ، لا يكون ألا بسبب تصرفاتك ,,..وأنت مسؤولة عنه ،
لا ، كنت أفكر بجون " .
سألته بحدة وعصبية :
" ألا يهمك أبداً إذا افترسني أسد ؟".
تأملها بعينين قاسيتين ، ثم قال لها بلهجة خالية من أي عطف أو حنان :
"جون هو الذي سيهمه الأمر. !".

نيو فراولة 24-10-10 07:18 PM

7- سأقتلعك من الجذور

كان بأمكانها الرد عليه بقسوة جارحة , ولكنها سيطرت على أعصابها أنقاذا لماء الوجه . فما من معركة تخوضها ضد أندريه كونورز , ألا وتنتهي بفوزه ... وخسارتها . مهما بلغت حدة جوابها , فلن تكون كلماتها كافية لمواجهة تلك الملاحظات الشريرة الاخيرة . فضلت الرد على تعليقه الخبيث بالأحتقار الصامت الذي يستحقه .
أنها في الوقت الحاضر رهينة هذا الرجل الفظ , والذي يبدو من تصرفاته القاسية المتعجرفة أنه لا يعرف معنى المدنية المتحضرة. ستبوء جميع محاولات التصدي له بالفشل الذريع , لأنه سيقتلعها من جذورها كما تفعل الرياح العاتية مع شجيرة صغيرة ضعيفة . لم يعد أمامها الآن الا أن تأمل في عودة جون المبكرة , كي تتمكن من نسيان هذا الكابوس المزعج وتبدأ في التأقلم مع حياتها بهدوء وسكينه .
الصمت التام ! يا له من دواء ناجح في مثل هذه الحالات المزعجة ! لم يقل لها أندريه شيئا عن المسافه التي تفصلهما عن مزرعته , ولا هي سألته . ماذا ينفع السؤال , عندما يكون الأنسان مجبرا على أطاعة الأوامر دونما أعتراض أو مناقشة . أنها الأن بين يديه ..... بالمعنى المجازي فقط . ولكنها لن تسمح له أبدا بعد اليوم بأي شيء اخر . ستقف له بالمرصاد , حتى ولو كلفتها المقاومة الضارية حياتها ... ومهما طالبت عواطفها بالاستسلام له !
ركزت نظراتها وأهتمامها على المناظر الطبيعية الخلابة , فأنستها بعض أحزانها وجعلتها تفهم ألى حد كبير هذا الجمال الساحر الذي جذب جون الى منطقة كحوض التماسيح .أنه ليس جمالا عاديا بالمعنى التقليدي , أو كما يظهر في البطاقات السياحية الملونه , ولكنه وحشي مثير يسلب العقل ويفعم الخيال والنفس بالحيوية والبهجة .هذه هي أدغال أفريقيا كما كانت منذ مئات السنين , وقبل أقتحام المدنية لمعاقلها وأسوارها . لا حياة هنا ألا للقوي القادر ... أنها معركة البقاء !
منتدى ليلاس
تعهدت سالي لنفسها بأنها ستكون من الأقوياء . وستثبت لأندريه أنه مخطئ تماما في أعتبارها فتاة ضعيفة مدللة .ولكنها تساءلت بأنفعال شديد عن سبب هذه الرغبة الجامحة , طالما أنها تريد طرده من حياتها وأفكارها ... وطالما أنها تحتقره وتزدريه ! ألم تعد قادرة على التفكير بهدوء وروية , وبأمور لاعلاقة لها أطلاقا بهذا الرجل اللعين ؟
تحولت الشاحنة ألى الطريق العام , فشعرت سالي أنها تدخل عالما آخر . عادت مناظر الحقول والبساتين , وغابات الاشجار المخصصه لصناعة الاخشاب .لاشك في أنهما أصبحا الآن على مقربة من منزل أندريه , ومكان عمله . لم يقل لها شيئا عندما أنعطف عن الطريق الرئيسية الى أخرى ترابية . وتؤدي ألى بوابة حديدية ضخمة تحمل الأسم الجميل ... أرض الصنوبر .
تأملته سالي وهو ينزل من الشاحنة ويفتح البوابة على مصراعيها , فتأكد لها عندئذ بوضوح تام انه يعمل في مجالي التشجير وصناعة الاخشاب . تأملت طريقة مشيته القوية , التي توحي بثقة كبيرة في النفس ,وبقدرة فائقة على تحمل الصعاب ومجابهة الأخطار.
أدخل الشاحنة ألى أرض الصنوبر , ثم أقفل البوابة الكبيرة وتابع طريقة نحو المنزل ..... دونما أي تعليق أو كلمة , أحست سالي برغبة قوية لتوجيه عدد كبير من الاسئلة , ولكن عزة نفسها منعتها من ذلك ... مع أنها لم تمنعها من مراقبة هذه المنطقة التي تضج بالنشاط والحركة .
هنا شاحنات مختلفة الأحجام والأوزان محملة بكميات ضخمة من جذوع الاشجار , وهنامجموعة من الحطابين والحمالين يشربون الشاي . وهنالك كلاب حراسة تقوم بدوريات منتظمة للمحافظة على المنطقة والمقيمين فيها . ولاحظت سالي كيف يلوح الرجال بأيديهم ويرفعون قبعاتهم تحية وأحتراما ... للسيد كونورز .أتضح لها أن تلك الابتسامات العريضة التي ترحب بوصوله , أن أندريه رجل يعرف كيف يجمع بين المقدرة والأنصاف .... وكيف يمسك بزمام الأمور بطريقة تضمن له نتائج باهرة , وطاعة عمياء مبنية على المحبة وليس على الخوف .
تساءلت مرة أخرى عما أذا كان بأمكان النساء أيضا التمتع بأطاعة أوامره . شأنهن في ذلك شأن الرجال ! ربما .... ولكنها لن تكون أحداهن ! لن تعيش مرتاحه على الأطلاق , أذا أضطرتها ظروف معينة للعمل بموجب أوامره أو تعليماته ! ما بالها تعود الى التفكير به وبأوامره !
فلديها جون الذي تعرف أن حياتها معه ستكون سهله وهادئة ومفعمة بالحب والحنان ... تماما كما كانت عليه منذ ايام الطفولة .


الساعة الآن 12:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية