في أي حال , لم يكن بأمكانها المشاركة في الأحاديث ... حتى ولو أرادت ذلك . فهي تتناول أماكن تجهلها وأشخاصا لا تعرفهم . ولكن العلاقة الحميمة كانت واضحة للغاية .... وضحكات أندريه توحي بأنه يتمتع بأحاديث صديقته المرحة والشيقة .
دخل الـثلاثة الى القاعة , فقدمت لهم ماريا ومساعدتها أطباق الطعام ثم أنسحبتا بهدوء وأنتظام . سألتها بربارة ببرودة : " هل ستطيلين البقاء هنا , يا آنسة ؟". فوجئت سالي باللهجة العدائية التي لم تحاول برباره أخفاءها كثيرا , وتساءلت عما اذا كان أندريه قد تعمد عدم أطلاع صديقته على السبب الحقيقي لمجيئها الى هذه المنطقة . قالت لها : "أوه , لا , سأتزوج من جون لانج . تصورت أنك تعرفين ....". توقفت عن أتمام جملتها , عندما شاهدت النظرة الغريبة التي وجهتها بربارة نحو أندريه , ولكن صوتا في داخلها دفعها الى المضي في القول وبقوة : " أنني الآن بأنتظار عودته " . " أوه , أنه لخبر مثير حقا ! أندريه حبيبي , ألا تعتقد أن متسللتك الصغيرة هي أفضل زوجة لحارس الحيوانات البرية ؟". أحست سالي بوجود مودة في لهجة بربارة , وأستعدت لتحمل أحد تعليقات أندريه اللاذعة , ولكنه رفع حاجبيه بعصبية , ثم أكتفى بالقول : "ألا تريدين مزيدا من الذرة , يا بربارة ؟". منتدى ليلاس ودعتهما بربارة سنكلير بعد فترة قصيرة من أنتهاء الغداء , وبعد توجيه دعوة لأندريه لتناول العشاء معها ... في بيتها ... ليلة الاحد . تأملت سالي صاحبة القد الجميل ,وهي تغادر الساحة الكبيرة أمام منزل أندريه بسيارة سباق حمراء اللون , ثم ألتفتت نحو سيد القصر . بدا متجهم الوجه ومتوتر الملامح والأعصاب , وعادت الى عينيه تلك القساوة المألوفة والعنجهية المعهودة . لم تعد تعرف ماذا تفعل , فقررت الأبتعاد عنه بطريقة مهذبة هادئة . قالت له بعد فتره صمت طويلة : " أعتقد أنني سأقوم بنزهة في الحديقة . هل لديك مانع ؟". " هل تركبين الخيل ؟". " نعم " . " أنا ذاهب الآن الى المعمل . أذا كنت راغبة في مرافقتي فسوف تعد لك ماريا الثياب الضرورية لذلك " . أرتبكت ... وترددت , فقال لها بشيء من الحدة ونفاد الصبر : " هيا , قرري !". لم تتردد هذة المرة . لو لم يكن راغبا في ذهابها معه , لما كان دعاها الى ذلك . أبتسمت وقالت : " بكل سرور " . لم تدرك مدى أتساع عينيه الزرقاوين الجميلتين , والبريق الأخاذ الذي كان ينطلق منهما , ولكنها رأت تلك القساوة المرعبة في عينيه وتعابير وجهه . أختفت أبتسامتها , وشعرت بأنقباض شديد حبس أنفاسها وأرهق أعصابها . رفضت التراجع عن رأيها وقرارها , فثمة دافع قوي في داخلها يصر على معرفة المزيد عن هذا الرجل وحياته ..... قبل مغادرتها أرض الصنوبر . لاحظت سالي أن الملابس المخصصة لركوب الخيل تناسبها تماما . هل هي لبربارة ؟ وأذا كانت فعلا لها , فأي ملابس اخرى تركتها هنا ايضا ؟ آلمها تصورها لأحتمال وجود ثياب هذه المرأة في منزل أندريه ... وربما في غرفة نومه بالذات . سرحت شعرها بأنفعال شديد . بسبب هذه الأفكار المزعجة التي تبرز في رأسها بين الحين والآخر . خرجت من البيت , فوجدت أندريه بأنتظارها قرب جوادين أصليين رائعين . ساعدها على ركوب حصانها , مع أنها لم تكن بحاجة لأي مساعدة . جعلتها اليدان القويتان اللتان رفعتاها ألى ظهر الحصان تشعر بأنها ....أنثى , وتحظى برعاية رجل قوي قادر . نسيت بربارة وكل شيء يتعلق بها , وركزت أهتمامها على الطريق التي تؤدي ألى الغابات . كانت تفصل بينهما بضع خطوات , فتمكنت من مراقبته عن كثب .أحست بسرور دافئ وهي تتأمل هذا الرجل الذي يعرف كيف يمسك بزمام الأمور في كافة المجالات والممارسات . وزاد من أرتياحها ذلك النسيم العليل , والروائح الشذية العطرة , وجمال الطبيعة الساحر , شعرت سالي بسعادة لم تعرف لها مثيلا منذ فترة طويلة . نزلا عن جواديهما أمام المعمل الضخم , فهرع مديره للترحيب بأندريه والتحدث معه ..... فيما راحت سالي تتطلع حولها بأعجاب بالغ . كان المعمل يضج حركة ونشاطا والجو عابقا برائحة الخشب . العمل جار على قدم وساق , وعلى أعلى مستويات الكفاءة والتنظيم .ومع ذلك , كان يخيم على المعمل والعمال شعور بالطمأنينة والسكينة لا تعرفه مصانع المدن . أنها الطبيعة ... والقيادة الحكيمة والعادلة لأندريه كونورز ! |
أنهى صاحب المعمل حديثه وتعليماته , ثم دعاها للقيام بجولة أستطلاعية في الداخل . أعجبت بأسلوبه السلس الممتع , وبطريقة شرحه التفصيلي لطبيعة العمليات والأشغال التي تقوم بها هذه المعامل . لم تكن تعلم شيئا تقريبا عن الجهود الجبارة والمراحل الطويلة , التي تتطلبها وتمر فيها عمليه صناعة الأخشاب , أنه الآن اندريه جديد يختلف تماما عن الرجل الآخر الذي كان يجرحها بسياط كلماته القاسية والسامة أو يفجر في قلبها عواطف مجنونة .أندريه الجديد يحب عمله ويكرس حياته لمهنته . أندريه الذي تراه أمامها الآن يفتخر ويعتز بكل شبر من أرضه وغاباته , وبكل قطعة من معداته ... وأهم منذ لك كله , معاملته لجميع العاملين معه وبخدمته .
منتدى ليلاس لم يتحدثا أبدا أثناء عودتهما الى بيته , ولكن الصمت بدا لأول مرة خاليا من التوتر والأنزعاج ... وكأن كلا منهما غارق في افكاره وتأملاته . ركزت سالي تفكيرها على أحداث اليومين الماضيين ... قرية ستريمز , الرحلة المجنونة , أرض الصنوبر , وحوض التماسيح , شعرت فجأة بعذاب الضمير لأنها لم تفكر بجون منذ ساعات . يالهذه التطورات المثيرة , وسرعة تلاحقها على هذا النحو المذهل ! لو أنها وصلت الى ستريمز قبل يوم واحد , أو بعد يومين , لكانت أستقلت سيارة الركاب الكبيرة وتوجهت مباشرة الى خطيبها . ولكنه القدر ... في أي حال , لم يتغير بالطبع أي شيء أساسي . سوف تتزوج جون , وسيعملان معا على تدعيم علاقتهما وتوطيدها . لن يعرف خطيبها أبدا بالفوضى والأرتباك النفسيين الرهيبيين اللذين تعرضت لهما خلال اليوميين الماضيين . أما فيما يتعلق بها شخصيا فهي تعرف تماما أن نظرتها الى الحياة لن تعود أبدا الى ما كانت عليه ... قبل هذا اللقاء مع اندريه ! |
يعطيك العافيه نيو فراوله
روايه رائعه ومميزه يسلمووووو |
8- تعال أليّ
خرجا من منطقة الغابات ، ليجدا الظلال تغطي مساحات كبيرة من السهول .كان الحصانان متشوقان للعودة ، فأطلق أندريه العنان لجواده ولحقت به سالي بدون تردد . لم تلاحظ أنها ضحكت بصوت مرتفع ، وأن الهواء حمل الصوت ألى الرجل الذي يتقدمها ببضع خطوات. كل ماكانت تعرفه هو أنها مسرورة لوجودها على ظهر حصان سريع ، والهواء يدغدغ شعرها برقة ونعومة . وصلا ألى ساحة الأسطبل ، فنزل أندريه عن حصانه وأقترب منها لمساعدتها على النزول . رفعها برفق وأوقفها على قدميها ، فضحكت له وقالت بلهجة دافئة : " شكراً . كانت رحلة جميلة للغاية " . " هذا يسرني " . كانت الكلمتان بسيطتين ونبرة صوته عادية جداً ، ولكن يديه ظلتا ممسكتين بخصرها ونظراته مركزة على عينيها .أحست فجأة بضعف في رجيليها ، فحبست أنفاسها بأنتظار سماع كلمات أخرى أقل بساطة . ألاّ أن صوت حوافز حصان يعدو بسرعة ، جعلهما يستديران نحو الطريق . أنزل أندريه يديه فوراً ، فيما أوقفت صبية جميلة حصانها قربهما وقفزت على ظهره كخيال متمرس . أبتسم أندريه وقال مرحباً : " أهلا ، ليندي " . ردت له الأبتسامة بالمثل ، وقالت : "كيف حالك ، يا أندريه ؟ علمت ظهراً برجوعك ألى أرض الصنوبر " . " يالسرعة تنقل الأخبار هذه الأيام !". ضحكت الفتاة بطريقة أكسبتها على الفور مودة سالي وأعجابها . قالت لأندريه : " كيف لا ، وبربارة سنكلير هي التي تتول هذه المهمة !". منتدى ليلاس ثم أضافت بلهجة أكثر جدية : " طلب مني أبي أحضار التقرير الخاص بالجياد". أجابها أندريه مداعباً ، وبأسلوب يوحي ببراءة علاقته مع هذه الصبية : " كان بأمكانه الأنتظار حتى يوم غد . في أي حال ، شكراً لك ولوالدك العزيز". ثم أستدار نحو سالي ، وقال : " ليندي ، أعرفك بسالي " . " أهلا ، سالي " . أعجبت بأبتسامتها الرقيقة الودودة ، فتعزز أعتقادها وشعورها بأنها ستحب هذه الفتاة .أرتفعت معنوياتها كثيراً ، لمجرد علمها بأن شابة طيبة في مثل سنها تعيش في هذه المنطقة . تأكد لها قبل ساعات قليلة ، أنها لن تجد في بربارة سنكلير أي خصائص أو صفات قد تعجبها أو تقبل بها .ولكن ليندي ، ذات الأبتسامات الرقيقة الصافية والنفسية النقية الخالية من أي حقد أو تعقيد ، ستكون صديقة مخلصة . حيتها بأبتسامة لاتقل نقاء وأخلاصاً ، فيما كان أندريه يفتح فمه ليقول لها : " هيا معنا إلى ألبيت ، فقهوة ماريا اللذيذة بأنتظارنا " . " بكل سرور . " ثم تطلعت نحو سالي ، وقالت بشيء من الأستغراب : " تحدثت بربارة عن شابة أتت ألى هذه المنطقة عن طريق التسلل . من المؤكد أنها لم تكن تعنيك أنت ، يا سالي !". حاولت سالي قدر المستطاع أخفاء أمتعاضها ، وقالت : " بلى ، ياعزيزتي ، أنا المعنية بهذا الكلام " . أفتر ثغرها عن أبتسامة عريضة ، وقالت بأعجاب واضح : " حقاً ؟ ياله من أمر مثير للغاية !". "لا بدّ لها من الأعتراف ..... ولو بتردد وأيجاز ، وقالت : " لم تخل بالطبع من بعض اللحظات المثيرة " . تطلعت نحو أندريه بطريقة لا شعورية ، فلاحظت انه يتأملها بطريقة لم تتمكن من تحديدها أو تحليلها . سخرية ؟ مداعبة ؟ لا ، ليس تماماً ...وربما بمزيج من هذين الشعورين ومعهما شيء آخر . حز الألم في نفسها وقلبها على حد سواء . هل يتذكر الآن تلك اللحظات التي أمضياها قرب البركة الصغيرة ، عندما لأمس شعرها المبلل وجففه لها بتلك الحركات التي ربما تعمدها أن تكون مثيرة للعواطف ؟ أم انه يتذكر الطريقة التي عانقها بها في حوض التماسيح ، قبل جرها وراءه نحو الشاحنة ؟ توقفت عن الأسترسال في تساؤلاتها المؤلمة ، عندما سمعت ليندي تقول لها : "هل تنوين البقاء هنا ؟ أوه ، إنني أتمنى ذلك من صميم قلبي .....أذ يمكننا أقامة صداقة متينة فيما بيننا " . سبطرت سالي على مشاعرها المتوترة ، وأرغمت نفسها على الأبتسام ثم قالت : " طبعاً ستصبح صديقتين ،يا ليندي ، ولكنني لن أكون هنا في أرض الصنوبر" . " أوه ؟". " سأقيم في حوض التماسيح ، لأنني سأتزوج من جون لانج . " |
لم تعلق ليندي بشيء على هذا التصريح ، الذي بدا مفاجئاً لها . ومع أن سالي لاحظت أختفاء ذلك البريق المنير في عيني صديقتها المحتملة ، ألا أنها هي نفسها كانت لا تزال مصابة بذهول شديد بحيث أنها لم تفهم مغزى ذلك الأستغراب أو معناه . قطع أندريه الصمت المخيم على الشابتين بالقول :
" هيا بنا الآن ألى البيت ،لنشرب القهوة " . قالت له ليندي بصوت يحمل في طياته الكثير من الأرتباك والتوتر : " لا ، شكراً ، يا أندريه . لم أكن أفكر ......بتعقل ...عندما قلت .......". ترددت لحظة ، ثم أضافت : " الوقت متأخر ، ولديّ بعض المهام الأخرى التي يجب القيام بها قبل حلول الظلام " . قال لها أندريه بلهجة رقيقة ناعمة ، لم تسمع سالي مثلها من قبل : " كما تريدين ، يا ليندي : انقلي إلى والدك تحياتي الحارة وشكري الجزيل " . ودعتهما ليندي بأبتسامة مهذبة ، ثم قفزت ألى ظهر حصانها أختفت عن الأنظار خلال لحظات .شعرت سالي ، وهي تمشي قرب هذا الرجل القوي , بعقم كافة محاولاتها الجادة لأبعاده عن تفكيرها . هاهي تقع مجدداً تحت تأثير أحاسيسها وعواطفها . هل يمكن لحديث عابر لا يتعلق بهما ، التخفيف قليلاً من حدة التوتر الجاثم على علاقتهما ؟ قد لا تنفعها هذه المحاولة الجديدة ، ولكنها بالتأكيد لن تضرها . قالت له ، وهي تشير بيدها ألى الجهة التي أختفت فيها ليندي قبل لحظات معدودة : "أنها تعجبني ، وارجو مخلصة أن تقوم بيننا صداقة قوية ومتينة . " منتدى ليلاس أطلق أندريه تلك الضحكة الخفيفة التي تضج سحرا وأغراء . فتطلعت نحوه بأستغراب وقلق . كان ضوء النهار لا يزال كافيا, بحيث سمح لها بمشاهدة نظراته الشاخرة تتأملها وتدرس ملامح وجهها وتعمد التركيز بعض الوقت على عينيها ثم تحاول إلى عنقها وشعرها ..... قالت له ، وهي تحاول أخفاء الأرتعاش في صوتها : "أندريه ! لماذا .....لماذا تضحك ؟". " ألا تعرفين حقاً لماذا ؟". حاولت الرد عليه ، ولكنه أمسك بذقنها ورفع وجهها نحوه قائلاً : " لديك كل صفات المرأة المكتملة ، ألا أنك لا تزالين في بعض الأمور أكثر طفولة مما كنت أعتقد ..... يا سالي الصغيرة " . سالي الصغيرة ! لو قال هاتين الكلمتين شخص آخر غير أندريه كونورز ، لكانتا رقيقتين ناعمتين , ولكن الرقة والنعومة ليستا من صفات هذا الرجل , ذي النظرات الفولاذية القاسية والملامح الشيطانية المزعجة ... ..التي أخذت تبدو أكثر جاذبية وسحراً في عينيها ! قالت له بعصبية : " اتصور انك تقارن بيني وبين بربارة !". ضحك مرة أخرى وقال لها ، فيما كانت نظراته الحادة تتفحص قدها الجميل : " المقارنة غير واردة أطلاقاً ، فما من وجه شبه بينكما ألا من حيث بعض الأشياء الظاهرة " . أدرات وجهها عنه . ثم أبتعدت خطوات قليلة .....وهي مغمضة العينين تأثراً وانفعالاً .لا توجد . على ما يبدو ، أي حدود لسخريته اللاذعه ورغبته القوية في طعن فؤادها بسهام ملاحظاته الجارحة والسامة . فرحت ضمناً لأنه لن يحصل ألا على ما يستحقه ، عندما يتزوج بربارة سنكلير . غطرسة وقساوة من جانبه . جمال بارد وتكبر خال من الشعور من جانبها ...يا لهما من شخصين يناسبان بعضهما بشكل مذهل ! سيجد كل منهما في الآخر ما تصبو إليه النفس... ستكون لأندريه زوجة تساعدها خبرتها وحنكتها على القيام بدور المضيف الناجح للذين سيدعوهم زوجها إلى قصر الصنوبر . فيما ستكتفي هي بكونها زوجة رجل ثري وسيدة هذالمنطقة الكبيرة والرائعة , لن يهمها أنهما لن يعرفا طعم السعادة الحقيقية , الحب والمشاركة والديمومة , هي الصفات التي ستشكل العناصر الأساسية والجوهرية لزوجها من جون . لينعما ببعضهما ، أو ليعمل كل منهما على تحطيم الآخر ...هذا شأنهما وحدهما فقط. وليس لها أي علاقة بالأمر . ولكن ......لماذا تؤلمها إلى هذه الدرجة صورة بربارة سنكلير كزوجة لاأندريه ... كالمرأة التي ستنفرد بحبه وأهتمامه ورعايته. |
الساعة الآن 09:19 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية