ربما لأن مساعدته بدأت بطريقة بريئة . بدأ العرض بسيطا ، ولم يحاول أن يلمس كبرياءها مطلقا . قال لها مرة بعد ان انتهت من عملها فى إحدى الليالى : " مرحبا ، روزى ! اخترت لك عددا من الكتب من المكتبة ، وأعتقد أنك سوف تستمتعين بها " رفعت نظرها وهى تستعد لتجده يبتسم لها ابتسامة قاسية ، إلا أن ملامح وجهه بدت جدية وهادئة . - أعلم أنك لا تجيدين القراءة . لدى ابن عم عانى من المشكلة نفسها عندما كان فى المدرسة ، ونصح بقراءة هذه الكتب . فكرت فى أن نطالعها معا فى وقت ما . رفعت روز كتفيها ولم تعلق . لكن فى الاسابيع التالية راحا يجلسان معا وراء مكتبه لمدة ساعة قبل البدء بعملهما . لم تشعر بالحماقة وهى تردد الكلمات وراءه أو تكتبها على الورقة . وكمكافأة على مجهودها الكبير ، كان مايسون يقرأ لها عدة صفحات من أحد الكتب السميكة لديه . إنه يملك صوتا رائعا ، قويا وواثقا ، ما جعل القصة تنبض بالحياة . إنهما يقرأن الآن قصته المفضلة " آخر الهنود الحمر " التى كتبها جايمس فينمور كوبر . منتديات ليلاس أرخت روز ذقنها على راحتى يديها وهى تضع مرفقيها على المكتب ، وسألته : " هذه الحادثة وقعت فى نيويورك . أليس كذلك ؟ " - أجل ، لكن بريطانيا بنت حصونا فى ميتشيغن أيضا . هل ذهبت يوما إلى حصن ماكيناك ؟ عندما هزت رأسها بالنقى ، قال : " سنذهب إلى هناك فى وقت ما" قال مايسون ذلك ببساطة بنبرة توحى بالصداقة الحقيقية . احتاجت روز إلى كل ما لديها من إرادة وقوة كى لا تفتح فمها مستغربة كالبلهاء . تساءلت متعجبة كيف يمكنه أن يفعل ذلك ؟ لدية مقدرة وبراعة فى أن يجعلها تبدو مميزة ، وهى تعلم أنها ليست كذلك . مع ذلك ، عندما يتكلم ينظر مباشرة إلى عينيها ، وعندما تتكلم ، تعلم أنه يصغى إليها بالفعل . أمضت روز معظم حياتها غير مرئية ، فلا ينتبه الاخرون لوجودها إلا عندما يعتقدون أنها تسبب مشكلة ما . كما أنها مجهولة الهوية أيضا ، فهى مجرد رقم فى سجلات مؤسسات رعاية الأيتام . لكن مايسون يراها ، وهويجعل الوقت الذى يمضيانه معا ممتعا ومريحا ، هذا إذا لم تحسب تسارع دقات قلبها عندما يضع يده بلا قصد منه على كتفها او عندما يبتسم لها . كما أنها تستمتع برفقته ، تماما كما يحصل أثناء تعلم القراءة وهى مهمة يفترض أن تشعرها بالملل . مع تحسنها الواضح فى القراءة وتصالحها مع ماضيها ، شعرت روز أنها غدت أكثر قدرة على تبادل الأحاديث والمناقشة . من جهة أخرى ، وبغض النظر عن وسامته التى تجعله شبيها بممثلى هوليوود وماضيه المثير وولعه بالموسيقى الرومنسية ، يبدو مايسون كموسوعة من المعارف متنقلة ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالطبيعة . إنه كريم جدا بالمشاركة فى معلوماته ، فهو يعرف أنواع الأشجار من لحائها ، ويخبرها عن نوع الحيوان الذى مر على الثلج ، كما انه مجنون بحب الطيور . فبين الحين والآخر يقف فجأة فيما هما يتزلجان ويميل برأسه إلى ناحية ما ليضعى إلى زقزقة عصفور أو صفير خافت لمخلوق ذى جناحين . وجدت تلك الصفة محببة جدا ، كما أنها معدية . بينما كانا يتزلجان هذا الصباح فكرت بذلك وهما يقطعان طريقا يبعد قرابة الميل عن المنزل ، فقررت أن تفاجئه بمعلوماتها المحدودة . - أصغ ! أسمعت هذا ؟ توقف تماما أمامها ، واستدار لينظر إليها . سألها : " ماذا ؟ " انتظرت حتى سمعت الصرخة العالية مجددا . أشارت نحو غراب أسود كالليل طار من فوق رأسيهما عبر السماء الواسعة . - إنه غراب . هو يقتات على النفايات والحيوانات الميتة . هذا النوع من الطيور موجود فى كل أنحاء البلاد ، ويمكن معرفته من خلال صوته الغريب وطريقه أكله المزعجة . حاولت أن تبقى ملامحها جدية ، لكن ارتجاف شفتيها فضحها . - ملاحظة ذكية ً! رفعت كتفيها وعلقت : " لست الوحيد الذى يعرف عن الطيور " - توقعت أن تكونى خبيرة بيمام الصخور . - يمام الصخور . ابتسم مايسون ، وعلمت أنها ستضيع فى ابتسامته من جديد . - ربما يعرف أكثر بالحمام . ديترويت مليئة به . يقال إنه جالب الحظ للمدينة . كو ! كو ! استقر الغراب على رأس شجرة قريبة منهما ، وعلا صياحه فى البرية الهادئة الباردة . منتديات ليلاس علقت روز باستياء وهى تشير بعصا التزلج : " الريف لا يختلف كثيرا عن المدينة ، فهنا أيضا يثير هذا الطائر الضجيج " - هذا صحيح . سمعت أحدهم يقول اننا لو استطعنا ترجمة نداء الطيور ، لعلمنا أن معظمها ينشد الأشعار باستثناء الغراب فهو يطلق اللعنات . زعق الطائر الاسود الكبير بقوة مرة ثانية ، فقررت روز أن مايسون على حق . * * * * سالتها مارنى وهما تنظفان الطاولة الكبيرة بعد الانتهاء من العمل فى احدى الليالى : " هل فكرت مرة فى البحث عن والديك ؟ " رفعت روز كتفيها بلا اكتراث وأجابت : " لا " لكنها كاذبة فى الواقع . ربما أصابها اليأس من إمكانية العثور على والديها ، لكنها تعلم أنها ما زالت تبحث عنهما باستمرار فى كل مكان جديد تزوره . إنها تحدق فى الوجوه الغريبة باحثة عن شئ ما مألوف ، أى شئ يعطيها هوية مختلفة عن الاسم الذى أعطتها إياه المؤسسة . |
علقت مارنى : " لوكنت مكانك لما توقفت عن البحث حتى أجدهما وأعرف لماذا تخليا عنى " قال مايسون من ورائهما : " كفى كلاما ، مارنى " لكن بالطبع ، نبرته الآمرة لم تدفع شقيقته إلى التراجع مطلقا . - بإمكانك مساعدتها ، مايس . استدارت لتواجه روز وهى تتابع : " مايسون كالكلاب المعدة لمطاردة اللصوص . بإمكانه إيجاد إبرة فى كومة من القش . هل أخبرك أنه عمل لفترة تحريا خاصا ؟ " منتديات ليلاس - ذكر ذلك لى . قالت روز ذلك ، ثم ألقت لمحة سريعة على رئيسها فوجدته يحدق بتجهم فى وجه شقيقته " - ما زال لديك علاقات فى ديترويت مايسون ، وكل ما تحتاجه عدة اتصالات هاتفية لتصل إلى طرف القضية الأساسي . - مارنى ! حملت نبرة صوته تحذيرا واضحا . - إن كنت ستختبئ فى تشينس هاربور يمكنك أن تقوم بعمل مفيد فى وقتك الضائع هذا ، مثل إيجاد عائلة روزى . - تبا ، مارنى ! لماذا تحاولين دائما أن تدفعى الأمور بقوة ؟ ربما لا تريد روزى إيجاد عائلتها ، وربما لا أريد أنا أن أتذكر . توقف عن الكلام ليحف كتفه كأنها تؤلمه ، وكأن الرصاصة التى تلقاها ما زالت هناك . - غادرت ديترويت نهائيا لسبب واضح ، كما تعلمين . وأنا لست أختبئ هنا . عدت إلى هنا لأننى أردت أن أعيش بين الناس الحقيقيين الذين يمكنك الوثوق بهم لأنهم يقولون فقط ما يقصدون. وافقته مارنى قائلة : " هذه ميزة رائعة " لكنها لم تتراجع مطلقا بسبب سوء طبع أخيها ، بل تابعت : " الصدق والنزاهة صفتان قديمتا الطراز لكنهما لا تفقدان رونقهما مطلقا " ابتسمت لنفسها ، وبدا من الواضح أنها سعيدة بما قالته لأنهما أكملت : " هذه الجملة تصلح لأن تكون شعار حملتك " قال مايسون بصوت كالرعد : " يا إلهى ! مارنى ، أنت لا تتراجعين مطلقا . اولا تحاولين إجبارى على التدخل فى ماضى روزى ، والآن أنت تخططين للحملة الانتخابية " منتديات ليلاس قالت شقيقته بهدوء : " تعتقد دينا سوترلاند رئيسة الحزب الديمقراطى فى ميتشيغن أنك الشخص المطلوب للنجاح " - وكيف تعرفين ما الذى تفكر فيه دينا سوترلاند ؟ رفعت مارنى كتفيها ، وأجابت : " تحدثت إليها الليلة الماضية بينما كنت منشغلا بسكب الشراب للزبائن " تبدلت ملامح وجه مايسون وأصبحت جامدة كالحجر ، وقال : " أنا لم ادعها إلى هنا . أنا صاحب مقهى ، ولدى عمل أقوم به ، لست . . . " أكملت مارنى : - . . . موظفا حكوميا ؟ قال مايسون بسخرية : " إنهم مجرد مجموعة من الأوغاد ، وأنت تعلمين ذلك . السياسة لعبة ، وهى ترتبط باهتمامات معينة وبالمال الذى يستطيعون تأمينه للحملة الانتخابية التى تهدف إلى إعادة انتخاب مرشحهم . حتى الحزب يصبح فى المرتبة الثانية بعد المصالح الشخصية . أما الناخبون فانسى أمرهم . هؤلاء لا أهمية لهم غلا يوم الانتخاب ، ولا علاقة مطلقا لذلك كله بمساعدة الناس " قالت مارنى باصرار : " لكن يجب أن يكون كذلك . هذا هو معنى التشريع الذى يجب أن تسعى إليه . ستكون مشرعا بكل معنى الكلمة مايسون . لن تكون مجرد سياسى " - هل يمكنك أن تتوقفى الآن ؟ قلت لك كفاك دفعا للاخرين . - حسنا ! على أحدهم ان يدفعك قليلا . قالت ذلك بنبرة حادة ، ثم استدارت لتقول لروز : " وأنت أيضا يجب دفعك " عندما فشلت فى جر روز نحو الطعم ، تابعت مارنى : " لابد أنك ستنتخبينه . اليس كذلك ، روزى ؟ " آه ، لا ! لا يمكن أن تجرها إلى مثل هذا الموضوع . - أنا لست مسجلة كناخبة . فلم أمكث فى مكان ما المدة الكافية لأفكر فى الأمر . - أرايت ، مايس ؟ يمكنك أن تكون نصيرا لأشخاص أمثال روزى . . . للناس الذين لا صوت لهم فى مجتمعنا . تمتم مايسون شتيمة ، ثم رمى المنشفة التى كان يستعملها لمسح الطاولة أمامه ، وسار مبتعدا نحو مكتبه . بعد أن سمع صوت صفق الباب بقوة ، استدارت مارنى نحو روز وغمزتها . قالت : " سيبدل رأيه ، ويوافق . أنا متأكدة أنه سيوافق على مساعدتك أيضا " منتديات ليلاس قالت روز وهى تتنهد بقوة : " لا أريد مساعدته ، ولا أريد ايجاد أى شخص " لم تترك لالمجال لمارنى كى تجيب على ما قالتنه ، بل خطفت الممسحة والدلو وغادرت إلى المطبخ ، مفضلة البلاط الوسخ واهانات بارغن غير الخبيثة على مضايقة مارنى المتعمدة . * * * * فى تلك الليلة ، فكرت روز بكل ما قالته مارنى . بقيت مستيقظة على الفراش المتكتل الموضوع فوق الأريكة تراقب أنوار المنارة فى السماء الداكنة ، وتتساءل ما الذى ستقوله إن وجدت حقا والدتها . اتتذكريننى ؟ ما الذى كنت تفعلينه فى السنوات العشرين الماضية ؟ هل اشتقت إلى ؟ أما السؤال الأهم الذى يحرق فؤادها فهو : لماذا لم تريدينى فى حياتك ؟ نهاية الفصل الخامس |
6_ لحظة انسجام بدت السماء مكفهرة فيما رقائق الثلج تتساقط ، لكن مايسون طرق باب روز صباح يوم الاحد الاخير من شهر شباط ليرى ان انت ترغب فى الذهاب للتزلج . وافقت روز بشوق وحماس ، ففكرة الجلوس فى شقتها طوال النهار حيث لا جهاز تلفزيون ولا راديو ليست فكرة جذابة . بعد مرور ساعة عادا ، لأن الثلج المنهمر قضى على كل أمل لهما فى قضاء الوقت فى الهواء الطلق . راح مايسون يتكلم باقتضاب وإيجاز طوال الرحلة ، لهذا شعرت روز بالدهشة عندما وصلا إلى باحة منزله ودعاها لشرب الشوكولا الساخن . كادت ترفض دعوته ، لكن بدت لها شقتها فارغة وموحشة بالمقارنة مع المنارة بأجوائها المريحة . منتديات ليلاس ما إن وضعا جانبا عدة التزلج ، حتى جلست على كرسى فى مطبخه واخذت تراقبه وهو يعد الشراب بالطريقة الصحيحة ، الطريقة القديمة التى تحتاج إلى الصبر . احضر مايسون قدرا صغيرة من احدى الخزائن ، وسخن شراب الشوكولا على حرارة معتدلة . وبعد البحث فى خزانة أخرى ، أحضر كوبين كبيرين وكيسا من الحلوى الجاهزة و خطفت روز ملء قبضتها من المقرمشات ، وبدأت بالتهامها بينما راح هو يحرك الحليب . - هل أنت جائعة ؟ استدار ما إن قال ذلك ، فتوقفت روز عن المضغ وهزت رأسها نفيا ، قال بنعومة : " كاذبة " سار باتجاه البراد وهو يتحرك برشاقة . بالطبع ، رجل يعيش بمفرده عليه أن يعرف كيف يجيد العمل فى المطبخ . أخرج وعاء من البلاستيك ونزع الغطاء عنه ثم شم رائحة محتوياته . بعدئذ قال : " ما زالت المعكرونة جيدة ، حضرتها للغداء منذ عدة أيام " رمقها بنظرة استفهام عندما رفعت حاجبيها . - ليس عليك أن تطعمنى . - هناك ما يكفى لشخصين ، فأنا عادة أعد الكثير من الطعام . كما أن أمى تقول من الوقاحة أن يأكل المرء بمفرده أمام الناس ، وأنا حقا أرغب فى تناول الطعام الآن روزى ، لكننى لا أريد ان أبدو وقحا . - حسنا ! موافقة . لا سيما عندما تتحدث بهذه الطريقة . عندما بدأ بتسخين المعكرونة فوق الموقد وليس فى المايكروويف سكبت روز الشوكولا ، وأضافت قبضة من المقرمشات إلى كوبها . رشفت القليل من الشراب عندما برد قليلا فشعرت بشفتها العليا دبقة . استدار مايسون في اللحظة التي كانت تمرر لسانها فوق شفتها . التمع شئ ما في عينيه , واستمر ذلك اللمعان عندما جلس قربها إلي الطاولة . رشف رشفة من شرابه الحار وحدق بها من فوق حافة كوبه للحظة , لكنها بدت كافية لتجعلها تتساءل ما الذى يراه فيها . هل يعتقد أن شعري قصير جدا ؟ أم انه صبياني وغير مصفف بطريقة جميلة ؟ منتديات ليلاس كرهت نفسها لأنها تهتم برأيه في مظهرها , لكن هذا لم يبدل حقيقة أنها تهتم فعلا . أخيرا قال : " أظن ان المعكرونة أصبحت جاهزة . يمكننا تناولها الآن " ابتسمت روز وقالت : " لم لا ؟ " وضع جبنة البارميزان على سطح المعكرونة , وسكب صحنين لهما وضعهما على الطاولة الصغيرة . تناولا الطعام بصمت لعدة لحظات . بعد ذلك وضع شوكته جانبا ليعطيها كامل انتباهه . - فكرت بما قالته مارني عن مساعدتك في البحث عن والديك . هي علي حق . صحيح أنها مزعجة , لكنها على حق . يمكنني القيام ببعض الاتصالات الهاتفية والتحرى عن الموضوع , هذا إذا كنت تريدين أن تجديهما . - لا أريد ! أجابت روز بصورة آلية , وكأن رفضها هو طريقة فعالة للدفاع عن نفسها , لكنها لم تنجح في إخفاء ألمها , والآن هي تدرك ذلك بوضوح . هز مايسون رأسه ومد يده ليمسك بشوكته , لكنها ألقت يدها فوق يده قبل أن يحظي بفرصة لإمساكها . - بل أريد . أريد أن ابحث عنهما . خرجت الكلمات من فمها همسا بسرعة , ثم نظرت بعيدا بعد أن تفوهت بها . لسبب ما لم تستطع أن تفهمه , شعرت بوخز الدموع في عينيها . أدار مايسون يده تحت يدها , وأمسك بأصابعها , قال ببساطة : " لا بأس بذلك " . - لكنهما لم يريداني . منتديات ليلاس قالت تلك الكلمات , وشعرت بالرعب منها . هي تكره هذا الضعف الذي تمثله تلك الكلمات . - أنا أريدك , روزي . قال مايسون متفاجئا بعد أن قال ذلك , لكنه لم يتراجع عن قوله . إنه رئيسها وهي عاملة لديه . هو مالك وهي مستأجرة . لديه جذور عميقة وممتدة تماما كالأشجار التي تحيط بالشاطئ , وهي أشبه بالأوراق المرمية على الأرض , لا جذور لها على الإطلاق . من الخطأ جمع العمل مع العلاقات العاطفية . هو يحفظ هذه القاعدة عن ظهر قلب . - أنت جميلة , روزي - لا ! لست جميلة . سألها بنعومة : " أتقولين إنني كاذب ؟ " وقف وهو لايزال يمسك بيدها , وشدها لتقف على قدميها . قالت روز وهي تبتسم لتبقى الجو بينهما هادئا : " أعتقد أن الطقس البارد أثر على رأسك " لم يبتسم لها , بل قال بجدية : " أعتقد أنك تخافين أن أعانقك من جديد " - وهل ستفعل ؟ |
تقدم نحوها , ومد يده ليمسك بيدها الأخرى ويضعها حول عنقه . ما إن أصبحت يداه خاليتين حتى أحاط بهما وجهها بحنان . - من الأفضل ان تصدقى ذلك . فكرت روز أنه يجدر بها أن تقدم له أي عذر وتغادر , لكنها بدلا من ذلك مالت نحوه . من المحتمل أن ما يجري معها فى هذه الفترة هو مجرد خيال , لكن من الرائع أن تشعر أن هذا هو المكان وأن مايسون هو ذلك الشخص ... مرت بضع لحظات وهما متقاربان , لكنهما لم يبتعدا عن بعضهما . روز لا تعرف مطلقا بأساليب الإغواء بين الرجل والمرأة , لكنها قررت أن تترك الأمور تجري بصورة طبيعية . - الجو حار هنا . انتظرت لحظة قبل أن تخلع سترتها لتبقى مرتدية القميص القطنية التي أعطاها إياها . إنها قميص فضفاضة ليس فيها شئ من الجاذبية . أجابها مايسون : " أجل . حار جدا " بعد أن قال ذلك , سحب الكنزة التي يرتديها من فوق رأسه . تحتها كان يرتدي قميصا قطنية قصيرة الكمين مثل تلك التي قدمها لها قبل البدء بدروس التزلج . بعدئذ ساد الصمت بينهما لبرهة , إلى أن قطعت روز الصمت قائلة : " ألن تحضر بعض الحلوي . مايسون ؟ " - بماذا ترغبين ؟ منتديات ليلاس فكرت روز أن بإمكانها التقاذف بحذر بالكلام ذهابا وإيابا بهذه الطريقة في الدقائق القليلة التالية , لكن ... - حسنا ! أعجبني ذلك العناق , يمكننا أن نحاول مرة أخرى ونرى إلى أين سنصل . لم تنتظره ليفكر بالأمر بل عانقته . سمحت ليديها بالتسلل فوق قميصه فشعرت بحرارة بشرته تحتها . تنهدت روز بحرارة : " آه ! " فتنهد مايسون بدوره . أنفاسه الحارة جعلتها ترتجف من الشوق , شعرت روز بالسعادة لمعرفتها أنها تستطيع التأثير به إلى هذا الحد , لكنها لم تشك للحظة واحدة أن ما يحدث بينهما ليس جنونا . فكر مايسون لابد أنه فقد عقله . لم يرقب في عناق روزي عندما طلب منها الدخول إلى شقته . لكن يبدو أن جسده لايهتم مطلقا لما خطط له . تراجع إلى الوراء محاولا أن يستعيد توازنه , فحدقت روزي به بعينين واسعتين وحذرتين . رفع يده , ومرر أصابعه عبر شعرها الأجعد القصير . قالت بنعومة : - إنه عادة .. طويل جدا . حاول مايسون أن يتصوره , قال بصوت منخفض : " إلى أين يصل ؟ " رفعت إصبعها لتضعه عند منتصف الجزء الأعلى من ذراعها , وقالت : " كان جميلا جدا " - إنه جميل الآن . ابتسمت له ابتسامة خجولة عصرت قلبه وهي تقول : " لا , إنه عملي الآن " - حسنا ! لكنني أحبه هكذا . - أحقا ؟ أجاب : " بالطبع ! إنه يشبه شعر ميغ رايان , وأنا دائما أحمل الكثير من الاعجاب لها " وعانقها من جديد . فى العناق السابق ترك لها الحرية , أما الآن فهو مصمم على أن يظهر لها أنها جميلة ومحبوبة وانه يعشقها . لم يقابل مايسون في حياته امرأة تتجاوب معه لمجرد لمسة بسيطة , ما جعل خياله يطير به إلى عالم جديد من الشوق . سألها وهو يطوق خصرها بيديه : " أيعجبك هذا ؟ " لم تجبه , لكن كل ما استطاعت القيام به هو أن تهز رأسها بتوتر. تمتم هامسا : " لم لا تبقين هنا ؟ " لم تحظ روزي بالفرصة لتجيب , إذ فتح الباب بقوة ودخلت مارني كالعاصفة . قالت مارني وهي تستدير لتدخل إلى المطبخ : " هل هناك أحد ما في المنزل " أبعد مايسون وجهه قليلا عن روزي . كل ما استطاعت مارني قوله : " آه , يا إلهي ! " حاولت روزي أن تبتعد , لكن مايسون منعها . أبقاها فى دائرة ذراعيه , إلا ان وجهه بدا متقدا من الغضب والذنب معا . هو ليس بحاجة لينظر إلى مارني التى ستظهر على وجهها بلا شك ابتسامة الهرة التي ابتلعت العصفور ليعلم أنها تستمع بما تراه . منتديات ليلاس قالت : "يبدو أننى قاطعت شيئا ما " جالت بعينيها على الكوبين الفارغين وعلى سترة روز المرمية على احد الكراسي قبل أن تنظر من جديد إلى وجه مايسون . قال مايسون بصوت غاضب ملئ بالتوتر : " أجل , وربما فى المرة المقبلة ستفكرين بالاتصال أولا " دخل صهره الذي يدعو له دائما بالخير . - آه ! يبدو أننا جئنا فى وقت غير مناسب . تعالى مارني , سنأتي فى مرة أخري . تراجع هال نحو الباب , لكن مارني أمسكت بيده وشدته ليعود أدراجه ويصبح من جديد داخل المطبخ . - نحن هنا الآن , ولحظة الانسجام بينهما دمرت . أليس كذلك , مايسون ؟ ابتسمت بمكر قبل أن تتابع : " وهكذا يمكننا البقاء لنخبرهما لماذا أتينا " تنهد مايسون , وأخذ يصلى فى أعماقه كي يتحلي بالصبر . سأل هال : " ألا تستطيع أن تفعل شيئا بشأنها ؟ " هز هال رأسه , لكنه ابتسم عندما أجاب : " أنت تعرف أختك أكثر مني " بالطبع ! هو يعرفها جيدا , وها هو يخطط ليجعلها تدفع ثمن فعلتها هذه . لكنها على حق , لحظة الانسجام مع روزي دمرت وتحولت إلى شظايا , مع انه لا يزال يشعر بشوق كبير إلى معانقتها . قال من بين أسنانه المطبقة : " هل يمكنكما على الأقل أن تتركانا بمفردنا لدقيقة فقط فتذهبان لانتظارنا في غرفة الجلوس ؟ " على الأقل وافقت مارني على المغادرة . عندما أصبحا بمفردهما فى المطبخ مرر مايسون يده برقة على رأس روزي , وتنهد بقوة. - آسف لما حدث . منتديات ليلاس قالت : " توقيت أختك بمنتهى السوء " سألها : " هل أنت نادمة على ما حدث ؟ " - لا ! وأنت ؟ - لا . - لكنك تعتقد أن ما حدث ليس بالعمل الذكي . فهذا .. ولوحت بيديها بينهما . - ربما لا . فأنا فعلا معجب بك , روزي . ابتسمت له , لكنه لم يرها مطلقا ضعيفة وحائرة هكذا من قبل . - لكن هناك " غير أن " أليس كذلك ؟ - أخشى قول ذلك . أنا فعلا أشعر بالانجذاب نحوك , ومن الحماقة نكران ذلك بعد ما حدث بيننا الآن . لكن هناك الكثير من الامور غير المستقرة في حياتك الآن , و انا لا أريد أن أستغلك أو أستغل هذا الوضع . |
- فهمت ! - كل ما فى الأمر أنني أفكر في ما جري .. توقف عن الكلام ليشير بيده , وهو يجهل بالتحديد كيف سيعرف ما جري , لذا تابع قائلا : " ... هذا ليس بالعمل الصائب لأي مننا إذا كنت سترحلين " قالت توافقه الرأي : " هذه هي خطتي منذ البداية " أما زالت كذلك ؟ أنتظرت أن يسألها , لكنه لم يفعل , وهي لم تدر ما سيكون عليه جوابها إن فعل . - أنا أسبب جلبة مما جري , أليس كذلك ؟ كل ما في الأمر أنني أحاول أن أكون لطيفا . وهو رجل لطيف حقا , بل مثالي . مع ذلك ما زالت روز تشعر بالألم , وبانها رفضت . هذا الألم القوي الحاد يفاجئها , فبعد أن هجرتها أمها الطبيعية , وابعدها عدد من العائلات التي تبنتها , ورميت بين براثن الحياة من قبل الدولة عندما بلغت سن الرشد , ماذا بإمكان أي إنسان أن يفعل ليؤذيها ؟ لكن قلبها الملئ بتلك المآسي لم يتحطم مرة بسبب رجل ما , أما الآن فبدا كأنه يتمزق إلى أشلاء . منتديات ليلاس - فقط لمعلوماتك , أنا لست من النساء اللواتي يرضين بإقامة علاقات عابرة , ولاهم كيف بدا الأمر لك منذ دقائق . - أعلم ذلك روزي , وانا ايضا لست كذلك . لا أحد منا من النوع الذى يتحذ الحياة ببساطة ويرضي بالأمور كيفما تيسر الحال . لهذا السبب أعتقد أننا بحاجة إلى التراجع عما حدث , لنتمكن من رؤية الأشياء بالمنظور الصحيح . - المنظور الصحيح ؟ قالت الكلمة الأولي ببطء وكسل كأنها تحاول التفكير كيف تكتب كلمة الم... نظو .. ر . - هذه الكلمة تعني .. قاطعته بحدة : " أعرف ما الذى تعنيه , مايسون " محاولته تعليمها أضاءت بقوة على الهوة السحيقة ما بين وضعيهما الاجتماعيين والفرق الواضح ما بين حياتيهما . رجل مثل مايسون ما كان لينظر نظرة ثانية إليها من قبل . هي متأكدة من أنه لم يكن ليهتم لامرأة تشبهها , امرأة شبه أمية لا تعرف اسمها الحقيقي ولا تاريخ ميلادها . لابد أن هذا هو المنظور الذى يتحدث عنه والذي يعني رؤية الأشياء بحسب موقعها الصحيح والدقيق في الحياة . رفعت كوبها وشربت ما تبقي منه برشفة كبيرة , لكن شراب الشوكولا لم يبد كافيا ليخفف من هذا الألم القوي المفاجئ الذي شعرت به في حنجرتها . - من المؤسف أنك أضعت وقتك على فتاة مثلي . - لماذا تقولين ذلك , روزي ؟ رفعت روز كتفيها وأجابت : " فقط لمجرد الفضول ، أخبرنى منذ متى لم تقم أية علاقة جسدية مع امرأة ؟ " - ما علاقة ذلك بما يجرى بيننا ؟ سألته من جديد : " منذ متى ؟ " - منذ سنة . - آه ! بسبب المرأة التى تلقيت رصاصة لأجلها . لا عجب أنك متحفظ هكذا . إنها ليست عادلة فى ما تقوله ، لكن من الصعب أن تكون عملية الدفاع عن النفس عادلة ومنصفة . تابعت : " مع ذلك أرى انها مدة طويلة جدا بالنسبة إلى رجل مثلك . أعتقد أننى أفهم الآن لماذا وجدتنى جميلة " - أنت تعلمين أن القضية ليست كذلك . لمع الغضب الحقيقى فى عينيه وهويتابع : " التقشف ليس المشكلة هنا ، وما يحدث بيننا بعيد عن العلاقات العابرة " منتديات ليلاس بدا متفاجئا من نفسه ، ولم يعجبه ما قاله . نادت مارنى من الغرفة الأخرى : " مايسون . . . روزى . . . هل ستأتيان ؟ " أغمض مايسون عينيه ، وشعرت روز أنه يصلى من أجل الحفاظ على صبره . علمت أنها على وشك أن تفقد هدوءها هى أيضا . قالت : " لنذهب ونر ما الذى تريد مارنى أن تخبرنا به بكل هذا الشوق والاندفاع " - لكن ما بيننا لم ينته . سيطر عليها الاحساس القديم بضرورة الدفاع عن النفس . عليها أن ترفض وتبتعد قبل ان يتم رفضها وابعادها . |
الساعة الآن 10:01 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية