منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   15 - ليالي الغجر - آن ميثر - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t149461.html)

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:19 PM

15 - ليالي الغجر - آن ميثر - عبير القديمة ( كاملة )
 
ليالي الغجر ـ آن ميثر ـ م . ز ( كتابة )
منقولة

الملخص

المجموعات الغجرية في كافة أقطار العالم معروفة بفرحها اللانهائي بالطبيعة ، وبتجوالها الدائم من مكان الى آخر ، من قارة الى اخرى وهي في ترحالها هذا تقيم الاحتفالات الصاخبة التي تدعو إلى المشاهدة والدهشة عددا كبيرا من الناس حيثما حل الغجر . هكذا كان لابد للمعلمة الانكليزية المسافرة في رحلة سياحية دابون ، أن تلتقي الغجري مانويل في فرنسا وسط منطقة الكامارغ الرائعة
منتديات ليلاسالجمال . إلا أن اقارب مانويل يتدخلون من كل جهة ، امه تبارك العلاقة لكن صديقتة ايفون ـ وهي رفيقة طفولتةـ تحاول تخريبها وتنجح الى حد بعيد ... ويرافق هذه الاحداث المضطربة الطفل السعيد جوناثان ..... لكن من هو جوناثان ؟ وهل تتكمن المعلمة الانكليزية السائحة من التغلب على القدر الغجري؟

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:20 PM

ا
اللقاء المفاجئ


على السهول المنخفضة من وادي الرون بجنوب فرنسا، وفي أوائل شهر ابريل / نيسان من كل عام تقريبا ، تهب رياح المسترال ، وقد استجمعت لفحاتها الباردة من منحدرات البروفنس العليا التى يكسوها الجليد عادة في ذلك لوقت من السنة. لتملأ طريقها العاصف عبر مستنقعات الكامارغ بعواء ، كأنه صراخ يطالب بالثأر . عند ئذ لا يحاول انسان أو حيوان أن يعترض سطوة المسترال ولكن أزهار النرجس والسوسن البرية الشجاعة التي تنمو بين أدغال القصب أو الغاب وحدها تجرؤ على أن تعلو برؤوسها لتعلن مجيء الربيع الى مصب النهر . وتتوقف الرياح الهائجة بطريقة مفاجئة مثيرة .
ويعود دفء الشمس بدرجة تفوق التوقعات ، فيمحو ذكرى الأراضي اليباب التي كان الجليد يغطيها منذ أيام ، حين كانت الطيور البحرية تسعى يائسة في طلب الرزق ، وهي تتعقب اثار الخيول البرية البيضاء التي تجولت أحيانا في هذه المناطق ، فتفتت بحوافرها كتل الجليد المتراكم .
وتعود الحياة الى الدلتا بأكملها ، فتكتسي بالبهجة التي لا تعرف لها مثيلا ، حتى في ذرة الصيف عندما تجف المستنقعات بفعل حرارة الشمس ، وتتحول الى مساحات من الأراضي الموحلة المتشققة ويدب النشاط في كل مكان ، وتزخر البحيرات الساكنة والمستنقعات الزرقاء بالحياة البرية ويظهر العصفور الشادي الممتليء الوجنتين الذي يحاول أن يتشبث بالأعشاب الطويلة ، ويلمع ريش آكل النحل بألوانة الزاهية وهو يندفع الى اسفل ليصطاد بعض الحشرات التي تسبح فوق سطح الماء ويسير طائر الفلا برشاقتة الغريبة في المستنقعات بخطى تعبر عن الأبهة .منتديات ليلاس
كانت دابون تعرف هذا الوقت من السنة معرفة جيدة . ففي مثل هذا الوقت جاءت الى البروفنس، هذه البقعة المميزة من فرنسا . والتي أصبح لها مغزى كبير في حياتها الشابة فيما بعد ، والآن تجد نفسها في طريق العودة من جديد ، تعاني من المشاعر نفسها المصطرعة مرة أخرى . أنه الشعور الذي أصابها عندما غادرت المكان نفسه في نوبة مندفعة منذ ثلاث سنوات .
ولكن كيف كان يمكن لها أن تتفادى ذلك ؟ وفي مثل تلك الظروف؟
وبدات الطائرة تهبط فجاة ، ومالت دابون في مقعدها الى الخلف ، تضم ذراعيها باحكام وتحس بالدوار الناشيء عن هبوط الطائرة . كان عليها ان تتذكر أنها مازالت في الطائرة وانها على وشك الهبوط في مارينيان . ورغم أن دابون كانت تتذكر جيدا مستنقعات كامارغ الجميلة ، فأنها كانت تعلم أن لا أحد سيرحب بمقدمها .
وكان هناك شاب يجلس على الجانب الآخر المقابل لمقعدها من ممشى الطائرة ، بدا أنه لاحظ حيرتها ، فأنثنى نحوها ، وهو يستند الى مقعده . كانت دابون قد احست بنظراته . يختلسها اليها من وقت لآخر أثناء الرحلة ، ولكنها لم تشجعه في التعارف بها ، لأنها كانت حريصة على ألا تتورط مع أي رجل .
وبد أن الشاب لاحظ القلق الذي ينتابها في شكل هستيرى شامل كلما راودها التفكير فيما كانت مقدمة عليه .
وتشجع الشاب ، فلمس ذراعها برفق ن وبدأ حديثه بالفرنسية قائلا :
"عفوا يا آنسة "
وأكمل بالانكليزية "هل بك سوء"؟
[/SIZE]

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:21 PM


كانت نبراته تدل على أنه فرنسي ، ولكن كيف تسنى له أن يعرف أنها انكليزية ؟ ولم تجد دابون تفسير لذلك سوى أنه ربما سمعها تتحدث الى مضيفة الطائرة .
وحاولت أن تعتدل في جلستها ، برغم حزام الأمان الذي يقيد حركتها ، وتصنعت ابتسامة باهتة ، واجابت:
أشكرك ياسيدي ، انني بخير ، ولكن هبوط الطائرة يثير أعصابي دائما ."
وأوما الشاب براسه قائلا:
" أستطيع أن أفهم ذلك "
ولفتت ملامح وجهة البارزة المحدودة نظر دابون ... اذ كان شابا وسيما ، ولو كانت صديقتها كلاري معها لأتهمتها بالغباء لصدها أي شاب يبدي اهتماما بها ، لكن كلاري ليست معها الآن ، فهى هنا وحدها ، وأمامها الآن الكثير مما ينبغى أن تستعد له في هذه اللحظة . وهكذا حولت نظرها الى النافذة لتقطع اية محاولة لاستئناف الحديث معها ، وبدات ترى الأسفلت على ممر الهبوط يبدو وكانه يندفع الى أعلى ليقابل الطائرة على أرض المطار .
كان الهواء خارج الطائرة دافئا، ولم يستطيع ازيز محركات طائرة فوق رأسها ان يبدد ما كانت تثيره اللحظة من مشاعر مختلفة في اعماقها .
وأخذت دابون تهبط درج سلم الطائرة بعدما تمالكت مشاعرها ، واتجهت الى مبنى الجمرك.
تم كل شيء في الحال ، وكان الموظفون يحيونها بابتسامة دافئة ، فسرتها بافتتان الرجل الفرنسي باية امرأة جذابة، وخرجت من المطار تعلو وجهها الخجل ، ولكنها كانت على الأقل اكثر ثقة بقدرتها على مواجهة ما ينتظرها .
منتديات ليلاس
ونظرت دابون حولها ، ولم تستطيع أن تبدد احساسا طفيفا بالارتياح كان الهواء معطرا بأريج الأزهار ، ممتزجا برائحة البحر النفاذة ، في حين كانت تحس بشيء من الدفء نتيجة لحرارة الشمس . وبدات تسائل نفسها أين تجد السيارة التي سيق لها أن رتبت إستجارها ، وتوقعت أن تجدها في انتظارها في المطار . كان هناك حشد من السيارات والأتوبيسات تتنتظر المسافرين لتحملهم الى مدينة مرسيليا .
وبرز الشاب رفيق الطائرة مرة أخرى . وكانه كان هنا بالصدفة ، واتجه اليها ، وبدات دابون تعض على شفتها بشيء من القلق.
كانت تأمل في ألا بسبب لها الشاب شيئا من المتاعب . وعندما بدأ يتحدث اليها من جديد التفتت اليه بشيء من ا لغضب يعلو جبهتها الملساء فوق عينين لهما طيف من لون خضرة البحر ، وسألته:
"نعم ياسيدي"
ورد متسائلا:
"هل ينتظرك أحد ياآنسة؟"
وترددت دابون لحظة قبل أن توميء بالايجاب . لم تكن هذه الاجابة ـ رغم كل شيءـ أكثر من تحوير بسيط للحقيقة. وسأل الشاب مرة ثانية "لست بحاجة أذن الى من يوصلك بالسيارة "
وأجابت دابون على الفور :
"لاشكرا"
ووضعت دابون يدها في حقيبتها تتحسس شيئا ، ثم أخرجت منظارا قاتما ، ووضعته على عينيها . كانت عدسات المنظار مربعة الشكل كبيرة الحجم . نجح المنظار في اخفاء ملامحها . كانت تأمل في أن يفهم الشاب مغزى حركاتها ، وأن يمضي في حال سبيله ، واكن ها هو الآن يتقدم نحوها مرة ثانية ، يقول:
"أعتقد أن هذا قد سقط منك ياآنسة!"

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:24 PM


واستدارت دابون بسرعة تتاهب لرفض الفكرة ببرود ، ولكنها لهثت في دهشة عندما وجدت أوراقها الخاصة بالحجز في الفندق بين يدية .
ولم تملك الا أن تجيب في حرج :
"أوه ، اوه شكرا ربد أنها سقطت مني عندما كنت أخرج منظاري ، شكرا "
وابتسم الشاب وهو يقول:
"أن ذلك من حسن حظي يا آنسة "
وأضاف :
"سامحيني ، فلقد عرفت أنك تنوين الاقامة في آرل . أنها مدينة جميلة . أنني أسكن قريبا من هناك "
وحبست دابون أنفاسها ، ثم صاحت :
"حقا"
ونظرت حولها بسرعة ، ثم أضافت : أنني أوافق ، فهي حقا مدينة جميلة .."
وبدا على الشاب شيء من الحيرة وهو يقول :
"هل أنت متاكدة أنك لا تحتاجين الى أن أوصلك بسيارتي ، ياآنسة "
وأجابت دابون وهي تحرك يدها مستنكرة :
" أوه ،لا ! أنني حسنا ، استاجرة سيارة بالفعل . أنها ينبغي أن تكون هنا ، في مكان ما "
كان الشاب يصغي بانتباه . وبدا بعين فاحصة ينعم النظر في السيارات الواقفة ، ثم قال:
"هيا أعتقد أنني أعرف أين نجد سيارتك "
منتديات ليلاس
وعندما همت بشكره ووداعه ، أخذ يعلق بمرح :
" أنني أمضي معظم وقتي في آرل سوف اكون سعيدا للغاية لوقبلت دعوتي الى العشاء في احدى الأمسيات .وابتسمت دابون ابتسامة غامضة لا تعني القبول أو الرفض ، وهي تعتقد أنه سوف يقنع نفسه بأنها مجرد سائحة ، وأنه لن يقحم نفسه ليتوصل الى الأسباب الحقيقية لزيارتها .
وأنطلقت دابون بالسيارة غرب مرسيليا ثم الى الشمال متجهة صوب آرل عبر سهل لاكرو العظيم . كانت المنطقة تبدو موحشة ، ومع ذلك كان هناك محاولات للاستزراع تظهر بين الفنية والفنية . وتذكرت أسطورة كان مانويل قد قصها عليها . تقول الأسطورة " أن هرقل الجبار قابل ذات مرة شعبا من المردة العمالقة كان يعيش على السهل الذي تمر به الآن . واضطر هرقل الى أن يستنجدةبزيوس كيبر آلهة اليونان ، واستجاب الاله بأن أسقط كسفا من الحجارة على اولئك المردة ، وبذلك أنقذ هرقل من الموت ." ومن يومها ترقد كسارة الحجارة المتبقية من المعركة في المكان رغم السنين والحقب . أنها تذكر مانويل !
وسرت رعشة في عروقها . فلأول مرة منذ غادرت لندن سمحت لنفسها أن تتذكره ، وكانت الذكرى تعني آلام غائرة في أعماقها . وتحسست حقيبة يدها ، فوجدتها وأخرجت منها علبة السجائر ، واشعلت واحدة بأصابع مرتعشة . لم يكن من عدتها أن تدخن كثيرا . كانت تدخن فقط عندما تحس بالتوتر ، وهي لآن بحاجة الى شيء ما .
كانت الساعة بعد السادسة عندما بلغت آرل ، وكانت تحس بآثار السفر وبالاجهاد . واتجهت مباشرة الى الفندق ، وسجلت اسمها ، ثم صعدت الى حجرتها لتأخذ حماما سريعا بعد أن رفضت أن تتناول الإبعض الشطائر وافقت الادارة أن ترسلها اليها في حجرتها .
وعقب ذلك ارتدت ثوبا طويلا من الحرير وجلست الى جوار النافذة ، تطل على أحد الميادين الصغيرة ، وهي تتناول الشطائر ، وتشرب فنجانا من القهوة الفاخرة التي أعدتها صاحبة الفندق بعناية

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:25 PM


وألقت دابون ببقية الشطائر جانبا عندما بدات الذكريات تتوارد الى ذهنها لتعكر هدؤها . ماذا يحدث لو أن مانويل رفض مقابلتها ؟ له أن يفعل ذلك أذا شاء ، ولكنه لن يعلم الحقيقة لأنها مصرة على ذلك .
وغاصت في مقعدها بعد أن وضعت فنجان القهوة الفارغ فوق الطبق وتحسست حقيبة يدها ، فأخرجت منها بعض الصور الفوتوغرافية ، وأخذت تنظر اليها بحب وحنو . لقد مس الصغير الذي كان في الصورة مشاعر قلبها ، وبدات تحس بدموع في مقلتيها . لقد مضى عليها زمن طويل لم تعرف فية البكاء . وأخذت تفكر فيما يشغل جوناثان به نفسه الآن ، كيف حاله ، وكيف يعامل كلارى التي تعهدت برعايتة خلال غيابها في هذا السفر ؟ ومالت براسها على الصورة وهي تهمس بصوت ضعيف :
" لتسعد مساء يا جوناثان "
وأعادت الصورة الى الحافظة الجلدية ن ثم وضعت هذه في الحقيبة الكبيرة من حقيبتي السفر .
أستيقظت دابون في الصباح على وهج الشمس تخترق بأشعها ستائر الغرفة ، وظلت لحظة تعجز عن ان تتذكر أين هي . وهلعت عندما لم تجد فراش جوناثان هناك بجوار فراشها ، ولكنها في الحال تذكرت قصة سفرها الى هذا المكان الجديد .
كانت دابون قد قررت أن تتصل هاتفيا ببيت سان سلفادور حول وقت الغداء ، لتتحدث الى مانويل ولم تكن ترغب في الحديث الى أمه أو أبيه حول الموضوع ، اذ أنه يخصها هي ومانويل ، يخصهما دون غيرهما .
منتديات ليلاس
وبعد أن وضعت بطاقة بريدية معنونة الى الخالة كلارى في صندوق البريد تطمئنها على سلامة الوصول ، وجدت نفسها في حالة قلق بينما كان الصباح يمضي في بطء وتثاقل . أن الشعور بالانفعال حول الموضوع كان يثير الضيق ، ولابد لها بطريقة ما أن تهدىء من هذا الانفعال قبل أن تقابل مانويل .
وتوقفت عن التفكير في ردود فعله حين سيراها . لابد انه متزوج من إيفون الآن ، له مسؤولية الخاصة التي يتحملها ، وقد يرفض مقابلتها . انه بالتأكيد سوف يرفض المقابلة لوعلمت بها إيفون . ثم لماذا تظن أنه سوف يقرضها النقود على أساس علاقة كانت بينه وبينها منذ ثلاث سنوات علاقة اتضح أنه لم يكن يعتبرها ملزمة .
وعادت دابون بالسيارة الى الفندق بعد الثانية عشرة بقليل ، ودخلت الى غرفة الاستقبال على مضض . كانت قد لاحظت أن هناك حجرة للهاتف في الردهة يستخدمها النزلاء ، فاتجهت اليه ، كانت تريد أن تطلب المكالمة قبل أن تفقد شجاعتها ، وكان بوسعها أن تتذكر الرقم ولكنها كانت تحتفظ به مكتوبا . ورفعت السماعة بأصابعها المرتعشة ، وطلبت من عاملة الهاتف أن توافيها بالمكالمة . كان الجرس يدق على الطرف الآخر من الخط ، وكانت يداها قد ابتلتا بالعرق ، كما صارت حباته تتجمع على جبينها .
ورفعت سماعة الهاتف أخيرا على الطرف الآخر .. وسمع صوت امرأة تقول بالفرنسية:
"نعم ، هذا بيت سان سلفادور ! من المتكلم "
وأنهار صوت دابون فجأة ، واكنها تمكنت أخيرا من أن تسال في صوت خافت بالفرنسية :
"هل أنت مدام سان سلفادور ؟"
وأجاب الصوت :
" لا، أنني جين هل تريدين مدام سان سلفادور ؟"


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:26 PM


وردت دابون مسرعة :
"لا،لا، هل السيد سان سلفادور أقصد السيد مانويل سان سلفادور موجود ؟" وترددت جين لحظة ثم أجابت :
" لا ، إنه في أفينون "
وسقط قلب دابون في أعماقها الداخلية اذا مانويل الآن في أفينون ؟
أنهت المكالمة ، وانصرفت وهي تحس برعدة تنتاب جسمها .
وعندما خرجت من حجرة الهاتف ، كان مدير الفندق في الردهة ، وأخذ ينظر اليها بقلق وهو يلاحظ شحوب وجنتيها وابيضاض عينيها ، ولم يتردد في أن يسالها بجزع:
"هل كل شيء بخير ياآنسة؟ "
وهزت دابون رأسها ، وهي ألا تفاريقها شجاعتها . أجابت بسرعة :
"لا،لا،لاشيء "
وأضافت :
"الجو جميل ، اليس كذلك "
ولم يملك مدير الفندق الا أن يردد:
"نعم ، جميل "
وأوما برأسه ، بينما هي ترقي الدرج الى غرفتها .
في الوقت الذي كانت تستعد فيه للغداء بملابس قطنية جذابة بلون الليمون صنعتها لها كلارى ، حاولت دابون أن تتفهم موقفها جيدا . وأخذت تمشط شعرها ، وتصلح منه من جديد ليحتفظ بوضعه .
ونزات الى حجرة الطعام تعاني شعور واضح بالخواء في معدتها ، ولكنه لم يكن خواء الجوع على أية حال .
وأكلت قليلا ، رغم أن حساء السمك كان لذيذا ، رافضة أن تتناول شيئا آخر سوى بعض الفاكهة الطازجة . واستمتعت بشرب القهوة المنشطة . وخلال ذلك كانت تفكر في تبرير مقنع لكي تذهب الى المزرعة نفسها .
وتركت قاعة الطعام ، واخترقت الاستقبال الى الفندق الواسع ، وأخذت تتفحص الميدان الظليل بأعين ساهمة . لم يكن في الفندق نزلاء كثيرون ، فموسم السياح في آرل لم يحن بعد . ولكنهم سوف يكثرون خلال شهرى مايو ويونيو / أيار وحزيران . عندما تبدأ الأعياد ويتجمع الغجر ليحتفلوا بمناسباتهم الخاصة .
تحسست أصابعها شفتيها وهي تعود بذكراتها الى الوراء وتحس كانها في المطعم تتناول طعاما من الخبز الجاف المملح وكوبا من مرطبات منعشة ، وتسمع من جديد صوت الضوضاء والموسيقى واالاثارة التي لاتقاوم عندما يشعر الانسان بانه يشارك في طقوس قديمة كانت تمارس قبل آلاف السنسن .
وعادت الى الفندق وقد اطبقت يديها بقوة . لم يكن كا ذلك مفيدا . كان عليها ان تتجلد وتثابر مهما كان الالم ومهما كانت القسوة وذلك من اجل جوناثان .
وأمضت بعد الظهر في الفندق ، مما أثار دهشة المدير . كان قد سجلها كسائحة ، وكان يحيره أنها لم تخرج لتزور الأماكن السياحية مثل الباقية . ولاحظت أنه يختلس النظر اليها من مدخل قاعة الانتظار ، وتظاهرت بأنها لم تلاحظه لكي تتفادى اي حرج .
وعندما بدات الشمس تميل قليلا واخذت الظلال تستطيل في الميدان خارج الفندق ، تركت قاعة الأنتظار واتجهت الى حجرة الهاتف مرة اخرى . كانت ركبتاها ترتعدان قليلا ، ووجدت صعوبة في الاحتفاظ بتوازنها . وصلت أخيرا الى حجرة الهاتف .
رفعت السماعة ، وردة عليها صوت نسائي للمرة الثانية . وكادت قواها تخوانها

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:29 PM


ولكنها لم تكن جين هذه المرة . كان الصوت صوت فتاة ، وظنت دابون أنها تعرف ذلك الصوت منذ امد بعيد . كانت لمانويل أخت صغيرة أسمها لويزا .....
حاولت دابون أن تخفي لهجتها الأنكليزية ، ونطقت بفرنسية واضحة :
"معذرة ، ولكنني أريد التحدث الى السيد مانويل سان سلفادور"

و واستفسر الصوت الآخر بدهشة :
" مانويل ، من الذي يطلبة "
ترددت دابون ، إذ كيف يمكن لها أن تجيب على السؤال دون أن تتورط في موقف تريد أن تتجنبه ، وأجابت في مراوغة :
"أنني صديقة للسيد سان سلفادور "
وردة الفتاة بدهشة تسأل:
"هل أنت انكليزية"
وضمت دابون شفتيها ، لم تكن تظن أن لهجتها الفرنسية سيئة الى هذا الحد ، ولكن سنوات عدة مضت لم تستخدم فيها الفرنسية .
ووقعت في حيرة ، ماذا عساها أن تجيب ؟ لو انها أنكرت أنها أنكليزية ، فسوف تدرك الفتاة كذبها ، ولو أنها اعترفت فأن موقفها يزداد سوءا . ووجدت دابون نفسها ترد:
" أن ذلك ليس مهما "
وللمرة الثانية وضعت سماعة الهاتف وهي تحتقر جبنها .
تركت حجرة الهاتف وصعدت الدرج الى غرفتها ، وحملقت في المرآة . كانت عيناها مكدودتين ، وكان القلق واضحا في خضرتهما . كيف يمكن أن تتصرف ؟
وبينما كانت تبدل ملابسها استعداد لتناول طعام العشاء ، سمعت نقرا خفيفا على الباب وصوتا ينادي :
"آنسة ، ياآنسة "
منتديات ليلاس
كان صوتا نسائيا . وعبرت دابون الحجرة الى الباب وهي تحكم ازارها حولها . كانت الخادمة أمام الباب تقول بابتسام :
" مكالمة هاتفية لك ياآنسة ، لسوء الحظ عليك أن تنزلي الى الردهة للرد عليها "
أمسكت دابون بمقبض الباب باحكام ، وهي تسأل في صوت خافت :
" أأنت متكدة بأن المكالمة لي "
وأجابت الخادمة :
" نعم بكل تأكيد ياآنسة ، أنه صوت رجل "
وهزت دابون رأسها بارتباك ، وهي تقول:
"رجل! أوه، أوه، حسنا جدا سوف أنزل ، أعطني دقيقة لأرتدي ملابسي"
كانت رجلاها ترتعشان وهي تجري هابطة الدرج الى الهاتف ، ورفعت السماعة ووجدت الصوت يقول :
" اأنسة كنج "
لم يكن ذلك صوت مانويل . كان أكثر خفة وأكثر شبابا ، وأقل اثارة .
وسألت بعصبية :
" من ، من المتكلم "
"هنري مارتن ، ياآنسة . لعلك تذكرينني . لقد تقابلنا بالأمس في الطائرة "
وأسندت دابون نفسها على حائط حجرة الهاتف بارتخاء ، وهي تجيب :
" أوه ، ياسيد مارتن "
وتنفست بعمق ، ثم أضافت :
" آسفة ، لم أكن أذكر الاسم "
وأجاب مارتن :
"أفهم ذلك ، ولكنني كنت محظوظا بالفعل اذ عرفت أسمك . أخبريني هل أنت مرتاحة في الفندق ، وهل كل شيء على ما يرام "


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:30 PM


وتنهدت دابون وهي تجيب باكتئاب :
" أوه ، نعم ، نعم . كل شيء على مايرام . خيرا ، لماذا طلبتني "
وبدا أنه شعر بالضيق ، وتسأل وهو يضحك في خفوت :
" لماذا أطلبك ياآنسة ؟ انك تعرفين طبعا . أريد أن أعرف رأيك في قبول دعوتي للعشاء هذا المساء "
وبسطت دابون قامتها ، وهي تقول :
" آسفة ، مستحيل "
وسألها مصرا:
" لماذا ؟ لماذا مستحيل "
وهزت دابون كتفيها النحيلتين ، وهي تقول :
" أشعر بالتعب، ولا أفكر بالعشاء على الأطلاق ياسيدي "
ورد متعجبا :
" آه ، ولكنني أشعر بالوحشة ياآنسة ، ولابد أنك تقبلين دعوتي للعشاء بالتاكيد "
وكزت دابون على شفتيها وهي تقول:
" آسفة "
وعاود الالحاح :
"اذن ، ليكن غدا"
وأجابت :
" لا أعرف غدا "
منتديات ليلاس
وكانت اجابتها هذه حقيقية فعلق ببساطة :
" انك تجرحين شعوري ، أرجوك أن تقبلي دعوتي "
وردت دابون بحزم :
"ربما يكون ذلك في وقت آخر "
ووضعت سماعة الهاتف .
وتركت المكان ، وعادت متباطئة تصعد الدرج الى حجرتها ، ولم تكلف نفسها عناء تغير ملابسها ، وأكتفت بأن طرحت نفسها على الفراش ، كانت تشعر بالوحدة ، ولم تستطع التفكير في كلارى وجوناثان اللذين ينتظرانها في انكلترا .
وجمعت حقيبة يدها ، وهبطت الدرج ، واتجهت الى الميدان بعد أن قررت ألا تقبل الدعوة للعشاء في المطعم . كانت أضواء المصبابيح في الطريق تلقي سيلا من الضوء على الشوارع المعتمة ، وكان الجو دافئا في شكل واضح ، واكتشفت أن الضوء الخفيف الذي يذيب الظلام كان بلسما لقلبها وعقلها المهمومين . وأرتاحت الى تذكر القول المأثور " الغد يوم آخر "
تذكرت دابون انها كانت قد شاهدت مانويل أكثر من مرة في الحضيرة في مزرعتة مع الثيران ، وكم من مرة كانت تقف ساكنة عندما يقوم ببعض الحركات أمام الثيران ، والتي لو كان قام بها أمام المشاهدين في الحلبة لا ستحوذ على صيحات الأعجاب . كان ذلك يحدث أحيانا ، وكانت تكرهة في تلك المواقف لأنه كان يسبب لها القلق والألم . كانت تجري هارية منها ويجري خلفها .
وشعرت بالالم في معدتها . لقد مضت تلك الشهور سراعا مضى كل يوم من ايامها كأعذب ما تمضي الأحلام الجميلة ، ولكن كم كان الفراق معذبا في النهاية .
وعادت من مسيراتها في حوالي التاسعة ، وقد هدات أعصابها المشدودة بعد أن استمتعت بالسير وحدها ، وبالارتياح ... وأزالت عن نفسها القلق فيما يكون من أمر الغد ، فالغد شيء في علم الغيب .
ودخلت متباطئة الى الردهة الاستقبال في الفندق وحقبية يدها تتدلى فوق كتفها ، بينما يده تمتد لتسوي جديله من شعرها الأسود الحريري خلف أذنها . كانت في أول الأمر تظن أن الردهة خالية . ولكن ما كادت تجتاز المساحة العريضة المغطاة بالسجاد الأخضر حتى وجدت رجلا ينهض من كرسي بجوار قاعدة الدرج ، وجدته يخطو ليعترض طريقها .
توقفت دابون وصارت تحدق في ذلك الرجل .
ونطق الرجل :
دابون ! قالها بنبرته المعروفة ، وكأنه يريد أن يعذبها :
" هل لي أن أسأل : لماذا جئت الى هنا ؟ وعن ماذا تريدين التحدث معي " ؟



سفيرة الاحزان 06-10-10 12:32 PM


وبدات دابون تذرع الحجرة بقلق . لم تستطع أن تقف ساكنة تحت نظراته الفاحصة ، ولم يسعفها الكلام بما تقول . والان ، وقد بدا علية التعب من كثرة تضجرها ، صار يقول بالحاح :
"أنني رجل لا يعرف الصبر ، أستحلفك بالله قولي ما تريدين ، ولا تخشي شيئا . ماذا تريدين ؟ هل هي النقود؟"
وتعلثمت دابون فجأة ويدات تحدق النظر فيه وشفتاها ترتعشان وهي تقول :
"لماذا تخيلت أنني في حاجة الى النقود ؟"
نطقت بذلك حين أحست بلهجته الساخرة .
ورد بشيء من عدم المبالاة :
" أليست النقود هي ما يسعى اليه كل أنسان ؟ وأضاف :
" اذا كانت هذه التمثلية المحبوكة كلها من أجل النقود ، فأرجوك أن تكفي . أن هذا التمثيل يسبب لي الضجر "
ونظر اليها باشمئزاز وهو يكمل :
" أنني أتعجب حقا . لماذا تخيلت أنني يمكن أن أقدم لك النقود؟"
وحدقت دابون اليه واستفسرة بايجاز ، وهي تحاول أن تستجمع هدؤها أمامه :
" هل يعني ذلك أنك ترفض مساعدتي "
وتكور في وقفته ، ووضع اصبعي ابهامه في حزام البنطلون . وبدلامن أن يجيب على سؤالها ، بدأ يقول :
" أخبريني لماذا تريدين النقود ؟"
واستعادت قوتها، وقالت :
" مسألة شخصية ، ثم مادمت لا تريد أن تساعدني ، كما هو واضح فلا أرى أن ذلك أمر يعنيك ."
منتديات ليلاس
ورد مانويل وهو يتفحصها بعينية :
" لا اذكر أنني قلت بالضبظ أنني لا أريد مساعدتك . أنك تتسرعين في اتهامي يا دابون . ليس لك الحق في أن تظني أنك بعد غياب ثلاث سنوات تعودين وتجدين الأشياء والناس كما تركتهم عند ذاك "
وضمت دابون كفيها وضغطتهما ، وقالت :
" لا أنتظر سيئا من هذا القبيل . أعرف أن الحياة تمضي ، ولاشيء يبقى كما كان . أريد فقط أن أتجنب التعقيدات التي لامبرر لها ، ولا أحب أن أجعل هذا الموضوع يمس حياتك الخاصة "
وأخذ مانويل يلعن يعنف ، واتجه اليها مهددا وهو يقول :
" هل كنت تتصورين أن تحضري الى هنا دون أن تمسي حياتي الخاصة كما تقولين "
وارتعدت دابون بسبب انفعاله المفاجىء ، وقالت بألفاظ مكبوته :
"أنك لا تفهمني . لم يكن بد من مجيىء اليك . لم يكن هناك شخص آخر أستطيع أن ألجأ اليه "
واحدودبت كتفاه ، وحاول أن يسيطر على نفسه بصعوبة وهو يقول :
"وهل أنت بحاجة الى النقود "
وتمكنت دابون من أن ترد بصعوبة:
"نعم "
وسأل:
" كم تريدين"
وبلعت دابون ريقها بصعوبة ، وقالت وهي تتلعثم:

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:33 PM


" خمسة ... خمسمائة جنيه "
وقطب حاجبية . وهو يعلق :
"خمسمائة جنيه ؟ ماهذا ؟ مايقارب أربعة آلاف فرنك ؟"
واومات دابون :
" شيء قريب من ذلك "
ولاك مانويل شفته السفلى بلسانه لمدة دقيقة ثم قال :
" خمسمائة جنية . آه . وبدات عيناه تهيم عبر قامتها النحيلة .
"لاي شيء تحتاجين هذه النقود يا دابون ؟ هل أنت حامل ، مثلا "
وحدقت دابون اليه في اشمئزاز وهي تقول :
"لالا ، كيف تجرؤ ان تقول شيئا كهذا ؟ وتكسر صوتها من الالم ، وكان عليها أن تتنفس بعمق مرات عدة حتى عاد الهدؤ اليها "
ونظر اليها نظرة خاطفة وهويقول :
"لكن لماذا لا يحق لي أن أظن هكذا ؟"
وانطلقت يد دابون بقوة ، وصفعته على وجهه قبل ان يتحرك من مكانه وهرولت أمامه الى الباب وهي تصرخ ، وفتحته ، وأخذت تجري وكأن الشيطان يطاردها . وصعدت الدرج مسرعة الى حجرتها ، وغلقت الباب خلفها ، واوصدته بالمفتاح وأسندت ظهرها اليه وهي ترتعش ، ولكن ام يكن هتاك صوت يدل على أن شخصا ما يتابعها . ولم يكن هناك طرق شديد على الباب . كان هناك صوت أنفاسها هي ، والتي استغرقت دقائق عديدة اتعود الى وضعها الطبيعي . وعندما تأكدت أن لا أحد وراءها ، طرحت نفسها على الفراش ووجهها الى أسفل وعيناها جافتان وهي تكاد تشعر انها فقدت كل شيء في الحياة .
منتديات ليلاس
وقامت دابون من الفراش في الصباح التالي على غير رغبة ولم تكن قد نعمت بنوم هادىء . وكانت هناك خطوط قاتمة على حافة عينيها . نزلت لتناول الافطار ، وقد ارتدت منظارا قاتما لتتجنب الملاحظات الودية التي لن يمكن تفاديها من مدير الفندق .
كان افطارها يتألف فقط من عدة فناجين من القهوة ، وخلال ذلك حاولت أن تستعيد الثقة بنفسها . كانت تتمنى لو أن كلارى كانت معها ، ومع ذلك فأن كلارى لم تكن لتوافق على طريقتها في مسايسة الأمور . وكلارى من أنصار أن يقول الأنسان الحقيقة وليحدث ما يحدث ولكن ، في هذا الموضوع بالذات ، لم تستطيع دابون أنتوافقها . اذ كيف تعترف لمانويل سان سلفادور بالسبب الحقيقي وراء حاجتها للنقود ؟ وماذا كان يمكن ان يكون رد فعله اذا ما أعترفت له بالحقيقة .
وبأ هاجس يعنفها من الداخل ، ولكن ماذا عساك أن تفعلية اذا لم يعد ؟ كيف تتصرفين ، أتضحين بفرصة جوناثان في الشفاء من أجل كبريائك ؟
واعتمل شعور بالوهن في نفسها ولكن ، هل كان بوسعها أن تلجظا الى شخص آخر ؟ لم يكن لديها اي أحد عدا الخالة كلارى .
ووخزت الدموع عينيها . أن خمسمائة جنية لم تكن تعني شيئا بالنسبة لآل سلفادور بل ان ألفي جنية لم تكن بالنسبة لهم سوى مجرد نقطة ماء في المحيط عندما كانوا يعرضون عليها النقود في وقت مضى ، كانوا حريصين على أن يدفعوا لها أكثر من هذا المبلغ قبل ثلاث سنوات ، فلماذا لايعطونها ما هو أقل بكثير الآن ؟
وأزمات يائسة . ما كان يجوز لها ان تمزق ذلك الشيك ، ولكن هل كانت تعلم أنها سوف تحتاج اليهم في أي يوم من الأيام ؟
وأوأطلقت تنهيدة ، ثم خرجت الى درج الفندق . كان الصباح جميلا آخر ، وكانت أشعة الشمس تتلألأ على برج الكنيسة الذي يقع على مراى النظر . وكانت مجموعة من راكبي الخيل تعبر الميدان وحوافر الخيل تصطدم بأحجار الطريق ، وكان بينهم أطفال يظهرون براعة في الركوب . لم تكن أحصنة بيضاء بل رمادية لها كتل الشعر الكثيف في الذيل التي عرفت بها احصنة الكامارغ ....


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:34 PM


ولم يكن من الممكن أن تبقى طوال النهار فب الفندق تنتظر . وكانت أعصابها مشدودة الى حد الارهاق . كان الدواء الوحيد لها أن تتصرف ، وبأية طريقة .
واتخذات القرار فرجعت الفندق وبدات على الفور تبدل ملابسها ولبست بنطلونا ضيقا وقميصا جذابا لونه احمر مزرق ، اما شعرها فكان ممشطا كالعدة كانت حريصة على أنتبدو وكانها ذاهبة الى العمل . لم تكن تحرص على أن تتزين ، فلا أحد في مزرعة سان سلفادور يعنية مظهرها .
وملأت خزان السيارة بالوقود واتجهت الى خارج المدينة ، تقود سيارتها على الطريق الترابي الذي يمتد حلزونيا بين النهر والمستنقعات . كانت باستمرار ترى وتسمع صوت الماء يتدفق وأخذت ممجموعة من الطيور المائية والبط البري تحلق وهي تطلق صياحا عاليا حين أفزعها صوت محرك السيارة ، وكان الريش الأحمر القرنفلي لمجموعة من طيور الفلامنغو يومض بعيدا عنها كأنه سراب في مستوى المياه . كانت هذه الطيور تخوض في المياه الضحلة في احدى البحيرات التي تعج بالأحياء المائية من كل نوع والتي تتغدى عليها آلاف الطيور التي تسكن في مصب النهر . أما تلك المساحات الملونة بين سيقان القصب أو الغاب فقد اتضحت أنها مجموعات من نباتات المستنقعات المائية بينها أزهار البنفسج الصغيرة الرقيقة وكأنها تصارع الحياة في هذه المنطقة . رأت النظر الذي سبق أن اثارها ، ذلك هومنظر ثيران كامارغ . كان هناك أكثر من عشرة رؤوس منها ترعى على الروابي المشبعة التي تنمو في تربة المستنقعات .رفعت الحيوانات رؤوسها عندما سمعت صوت السيارة ، ولكنها لم تكترث لاقترابها منها . كانت قرونها تنثني منذرة بالخطر وأمسكت دابون بعجلة القيادة باحكام . وكانت ترى العلامة المميزة لها (س. س) الخاصة بقطعان سان سلفادور على خاصرة كل ثور من ذلك القطيع .
منتديات ليلاس
أدركت انها ليست بعيدة الآن . من الواضح انها كانت في أراضي سان سلفادور ن وبعد قليل اخذت مجموعة من الأحصنة تختفي من الطريق امامها وسط أيكة من شجر البلانترى ولمحت دابون بين الأشجار شيئا لايمكن أن تخطئه ، رغم أن الصورة كانت لاتزال باهتة عربة كبيرة من عربات الغجر .
وضغطت دابون على فرامل سيارتها ، واقفتهاوصارت تحدق تجاه العربة . كان مظهرها يكشف عن الأهمال ، ومع ذلك كانت عربة مميزة ، وعرفتها أنها عربة جيما ، وهي التي سبق أن ركبتها مع مانويل .
وكبحت دابون الأفكار التي جاءتها من وحي الطريق ، وشدت الفرامل وانسلت من السيارة ما الذي جاء بعربة جيما الى هذا المكان ، ولماذا اعتراها الاهمال الى هذا الحد ؟
كانت الفكرة التي خطرت لها فكرة عفوية ، ولكنها كانت مقنعة . أيعقل ان ذلك قد حدث ؟ كانت جيما امراة كبيرة السن فعلا ، ولكنها كانت نشطة . هل يمكن أن تكون قدماتت . ؟
وتوقفت دابون على حافة الطريق . كانت الأرض حول العربة شبه مستنقع ولم يكن حذاؤها مناسبا للسير في الطين . كان المكان يبدو مهجورا وكانت الستائر المسدلة على النوافذ مغبرة ولم يبد ان في المكان بادرة حياة .
هزت دابون راسها ورجعت الى السيارة ، وجلست شارة خلف عجلة القيادة . كانت عربة جيما بيتها الذي طالما كانت تزهو به وتحرص على أن يكون شفافا نظيفا ، ولكن ها هي الن يصيبها الصدأ .
وعاودت النظر الى العربة من جديد واحتبس حلقها . هل يعقل ان تكون جيما قد ماتت ؟ وهل يكون ذلك سببا من أسباب المرارة التي يعانيها مانويل .
ونظرت حولها في ياس ، ماذا يمكن ان تفعل ؟ اتعود من حيث اتت ؟ ام توصل وتخاطر بمقابلة زوجة مانويل ، وهي التي لم تخف كراهيتها لهذه الفتاة الانكليزية ؟ بل هي الزوجة التي اختارتها أم مانويل لابنها علىاساس أن ثروة أبيهاتناظر ثروة آل سان سلفادور .

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:36 PM


وأدارت محرك السيارة فجأة ، ووجدت نفسها تركز أفكارها حول جوناثان . لقد حضرت من أجله الى هذا المكان، وان كان حضورها يعني شيئا من المذلة فأن عليها ان تتحمل كل شيء وحدها .
وأوقفت السيارة مرة آخرى ، ونزلت متجهة ناحية غطاء المحرك . وضعت يده على جبهتها تحمي عينيها من الشمس وهي تحدق الى المدى البعيد . كان هناك شيء غامض يتحرك على مدى الأفق ، وحاولت أن تتنتبه ، وتجسدت الحركة القادمة من بعد في جماعة من الرجال والأحصنة . كان الرجال هم الحراس في كامارغ يرعون قطعان الخيل والماشية .
وعندما بداوا يقتربون من المكان ، استطاعت دابون أن تميز أنهم كانوا يسوقون قطيعا من الماشية أمامهم ، بهائم قوية سوداء جعلت دابون تنظر نحو سيارتها وهي تحاول أن تجد وجها للشبه بينها وبين تلك الحيوانات المخيفة .
كانت مزرعة سان سلفادور تربي الثيران الأسبانية التي تشترك في حلبات المصارعة دون الأنواع الأخرى التي تستوطن كامارغ والتي تعتبر أقل قوة ، وتستخدم فقط في رياضة المباريات الحرة .
ورغم كل شيئ ، كانت الثيران الأسبانية هي التي تحظي بالتقدير الكبر باعتبار مظهرا للثروة ، وكان والد مانويل هو رئيس الأسرة ، وقد استحق عن جدارة لقب رئيس الفرسان الذي كان من أعظم الألقاب في المنطقة .
واندفع القطيع مارا بها دون أن يعيرها أي أهتمام ، ولكن الحراس كانوا يرمقونها بنظرات الاستغراب ، وكانهم يسالون : من هي ، ولمذا دخلت الى مزرعة سان سلفادور ؟
وتقدم أحد الرجال الأكبر سنا بفرسه نحوها ، وخلع قبعته التي تشبه قبعات رعاة البقر في غرب الولايات التحدة ورفعها محييا .
لم تكن دابون قد تعرفت على اي من الرجال ، وكانت مفاجاة لها أن يتقدم أحدهم لمخاطبتها . وقال الرجل بادب :
" صباح الخير ياآنسة هل يمكنني مساعدتك ؟"
وابتسمت دابون ابتسامة تدل على الثقة وسألت بطريقة عارضة :
"أين السيد مانويل ؟"
وعبس الرجل ن وهويصحح :
"تقصدين المالك ياآنسة ؟ أنه ليس هنا "
وعضت دابون شفتها ، وقالت:
" لا ، انني لااقصد المالك ، يسيدي ، ولكنني أقصد السيد مانويل "
ورد الرجل بأحترام :
" أن السيد مانويل هو المالك "
وحدقت دابون في الرجل وهي تكاد لا تصدق لقد عرفت أن مانويل هو المالك وهوصاحب العمل ، لكن اين اذن مانويل الأب ؟
بالطبع لم يكن في مقدورها ان تسأل مثل هذا السؤال المباشر ، واكتفت بأن ابدت اشارة يائسة وهي تقول :
"معذرة ، فانني لا اعرف الأسرة جيدا "
وازداد غيظ الرجل وهو يسألها:
" أنك من أصل انكليزي يا آنسة ن أليس كذلك "
وخفضت دابون راسها ن واجابت :
"نعم . هل تتكلم الانكليزية ؟"
وفغرت شفتا الرجل عن ابتسامة عريضة ، وهو يقول
" قليلا ياآنسة ، اتكلمها قليلا"




سفيرة الاحزان 06-10-10 12:38 PM

وبعد لحظة ، قالت دابون :
" حسنا ياسيدي ن هل تعرف اين اجد السيد مانويل "
" من الممكن أن يكون في اي مكان ياىنسة . تعرفين أن العمل كثير في هذا الوقت من السنة . هل ترغبين في ان خبرة بأنك تنتظرينه في المزرعة ؟"
وهزت دابون راسها بسرعة ن وهي تقول :
"أوه ، لا، مماجعل الحرس الشيخ ينظر اليها بشك وريبة . كان من الواضح الآن أنه قد بدا يشك في أنها شخص غريب دخل الى المزرعة دون أذن ، خاصة عندما اتضح له انها لاتريد أن يعرف صاحب المزرعة بوجودها . واضافت دابون بتعثر وبطريقة غير مقنعة :
"علي أن أعود ثانية الى آرل ، يمكنك أن تخبره بأن بامكانه ان يجدني هناك "
وأحنى الرجل رأسه وهو يقول ك
"بكل تـاكيد يا آنسة "
وعندما لاحظت أنه ينتظر منها أن تتأهب للرحيل ، أدارت دابون محرك السيارة مرة ثانية وحركت ناقل الحركة الى الاتجاه الخلفي ، الى حد أن السيارة الصغيرة اندفعت الى الخلف ، وبدات عجلاتها تنزلق على الأرض غيرالمستوية ، وسقطت على جانب الطريق ، في القناة التي تحف به .
وضغظت دابون شفتيها باحكام وهي تحاول أن تتخلص من الذعر المفاجىء . وفتحت باب السيارة ، ونزلت منها لتعرف مدى الضرر .
كان الأمر بسيطا ، فالعجلة الخلفية فقط قد غرست في الطين . ومع ذلك كان من الصعب الخروج من هذا المازق دون مساعدة . ونظرت الى الحارس الذي بدأ يربت على ظهر حصانه . وتحرك الحصان خطوات قصير الى الأمام ، وسأل الحارس :
"هل معك حبل ياآنسة "
منتديات ليلاس
وترجل الحارس من فوق صهوة جوادة ببطء بطريقة تنم عن عدم الاكتراث . كان ذلك في حد ذاته أمرا مخيفا ، وربما كان عذره أنه كان قد أمضى ساعات طوال في أراضي المستنقعات الممتدة بين الأرض والسماء .
وقال الرجل بهدؤ ، وهو يفك حزمة صغيرة من الحبال أخرجها من سرج حصانه :
" معي الحبل ياآنسة "
وارتاحت دابون لهذا الخبر وابتسمت ثم قالت :
"أين يمكن أن تربطه في السيارة ؟"
ورفع الحارس حاجيبة ، ثم انحنى ليربط الحبل في الحاجز الأمامي للسيارة وبسط قامته بعد أن اتم ذلك ، ثم قال :
" أما عجلة القيادة ياآنسة ، فعليك أن توجهيها هكذا "
وشرح لها ما ينبغي أن تفعله
وأبدت موافقتها وهي تقول " بالطبع "
فتحت باب السيارة ، بينما كان هو يثبت الحبل على الحصان ، ويمتطي السرج ، وبدات في تشغيل السيارة . كانت مهمة شاقة . وعندما بدات السيارة تستعيد وضعها على الطريق الصحيح ، كان العرق يتصبب منها ، وما كادت المهمة تنتهي حتى سمعت صوت حوافر حصان على الطريق نظرت حولها باضطراب ولمحت شخصا قادما نحوها يمتطي حصانا . كانت تظن في أول الأمر أن القادم صبي ، ولكن عندما اقتربت تبينت أن الراكب فتاة . كانت صغيرة من الشعر البني المذهب تتدلى على أحد كتفيها . توقفت الفتاة بفراسها الى جوراها ، ولم تكون دابون تتوقع أن تسمع صوتا مألوفا عندها . سألت الفتاة :
"دابون ،دابون ، أنت ! يا للعجب ! ماذا تفعلين هنا "

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:39 PM

وحدقت دابون في دهشة في الفتاة ، وقدبدأت تطمئن الى البهجة في صوتها ، وقالت ببطء :
"لويزا ! ياللسماء ،! لم أكد أعرفك . كنت طفلة عند... عندما غادرت هذا المكان "
وضحكت الفتاة بحرج :
" كنت في الرابعة عشر يادابون ، وعمري الآن سبعة عشر عاما . ماذا تعملين هنا؟ ها أنت قادمة الى المزرعة لزيارة جدتي "
شعرت دابون بالدوار . كان اللقاء مع لويزا أمرا لم تستعد له ، وكان حماس لويزا حقيقيا ، ولم تعرف دابون كيف تجيبها .
ونظرت الى الحارس ، وهو يمتطي صهوة جواده بعد أن قام بفك الحبل ، فشكرته وهي تفكر تبرير يمكن أن تعتذر به عن مقابلة جدة لويزا . وبينما كان الشيخ يمضي في طريقه ... تنبهت الى شيء لفت نظرها بصفة خاصة فيما قالت لويزا وسالت في دهشة : "هل قلت جدتك ، هل تعنين جيما "
واختفت الابتسامة من ثغر لويزا وهي تقول :
" من غير المعقول أن تنصرفي دون أن تريها "
وهزت دابون راسها في ياس ، وتمتمت :
" لقد رايت العربة ن هزت كتفها ، ثم قالت :
" لاتشغلي بالك ، أنظري لويزا ، هذه ليست زيارة عائلية . وأشارت اشارة يأسة ، ثم قالت : " بالتاكيد ، أنك لست صغيرة الى حد لاتدركين فية أن زيارتي لن تلقى الترحيب في المزرعة "
وظهرت الكابة في عيني لويزا ، وهي تقول بحزن :
" ان جدتي لا يزورها في الوقت الحاضر زوار كثيرون ، لكن لماذا جئت أذن يادابون ؟ كنت أظن أن مانويل ذهب لزيارتك في الليلة الماضية "
منتديات ليلاس
وأغتاظت دابون ، وسألت :
" هل تعلمين بذلك "
وهزت لويزا كتفيها ، وهي تقول :
" بالطبع عرفت صوتك من الهاتف ن فأخبرت مانويل بأنك لابد أن تكوني هنا "
وضغطت دابون براحتيها على جانبيها ، وسالت :
" وهل يعرف الجميع "
رفست لويزا الشجيرات العشبية على الأرض وهي تقول :
" لا ليس كل شخص . أنا ومانويل فقط نعلم ذلك "
وعضت دابون شفتها ، وقالت :
" أخبرني يالويزا ، هل ترك أبوك المزرعة ؟"
وأجابت لويزا بصوت يدل على العرفان بالجميل :
" والدي توفي منذ عامين ، والآن مانويل يحمل لقب رئيس الفرسان وهذه مزرعته وتلك ثيرانه "
وهزت دابون راسها في دهشة ، وتمتمت :
" لم أكن أتوقع ، ثم أضافت :
" أذن ، هل مازالت امك تعيش مع مانويل "
وأمات لويزا برأسها ، وقالت :
" بالطبع ، ومع إيفون "
وردت دابون وكأنها قد أصيبت بطعنة مفاجئة :
" آه ... نعم ، إيفون "

"

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:40 PM


قالتها بتوتر وحدقت لويزا فيها لحظة وقالت :
" أنك تبدين أكثر نحافة يادابون . كيف تسير الأمور معك ، أما زلت تشتغلين بالتدريس ؟"
وضمت دابون شفتيها ، وقالت بتجهم :
"أوه ، نعم ، مازلت أشتغل في التدريس "
,أضافت :
" أنت ، هل أتممت دراستك ؟"
وأجابت لويزا أن مانويل يريد أن يرسلني الى مدرسة في سويسرا ، ولكنني لا أريد . أحب هذا المكان ، ولست مقتنعة بذلك لماذا يريد اخي أن يرسلني الى هناك "
واختلست النظر تجاه دابون ثم سألت :
" أنت طبعا تعرفين الحادث الذي وقع لايفون "
وشدت الملاحظة انتباه دابون التي أنكرت معرفتها بالحادث ، وأخذت تستفسر بسرعة :
" لا، أي حادث "
وهزت لويزا كتفيها ، وقالت :
" لقد جرحها أحد الثيران بقرنه وهي الان مصابة بالشلل من الخصر الى القدم "
ولهثت دابون في فزع . لقد نطقت لويزا النبأ ببرود وعدم أكتراث وكانت تنظر اليه على أنه دين على إيفون شاء القدر أن تؤديه هكذا .
وأطلقت دابون يديها ، وهي تقول :
" ولكن ياللفظاعة ! متى ، متى وقع ذلك "
وهزت لويزا كتفيها ثتنية ، وهي تقول :
" بعد أن تركتينا مباشرة على ما أعتقد ، ولكن هل هذا شيء هام "
وعلقت دابون في فزع :
" ألا تعتقدين أنه كذلك ؟"
وأخذت لويزا تعبث بمقود الحصان ، ثم قالت ببرود :
" لقد حصلت إيفون على كل شيء طلبته ، ثم تشاجرت مع مانويل وكانت تظن أنها تضايقه بمعاكستها ثيرانه "
وهزت لويزا كتفيها بطريقتها المعهودة ثم أضافت :
" هل يمكن للانسان أن يعبث مع الثيران ؟"
منتديات ليلاس
وربتت لويزا على ذراعها برفق وهي تقول :
" يسعدني أن أراك مرة ثانية يادابون . اوكد لك ذلك ، ولكن لماذا تردين رؤية مانويل ؟ كنت أظن ، كنا نظن "
ثم توقفت فجأة ، وهي تعض شفتيها ، وأضافت :
" هل تعتزمين الاقامة طويلا في كامارغ "
كانت دابون تعبث بأصابعها في افريز باب السيارة بلا مبالاة وهي تقول :
" لاأعرف يا لويزا ، وهي تسأل :
" هل جئت الى هنا لرؤية مانويل ؟"
وترددت دابون ، ثم أومات برأسها موافقة :
" نعم أين هو "
وأجابت لويزا عابسة :
" في الوقع انه في مكان بعيد اليوم ، عند أشجار الكروم "
وحدقت في المرأة الأخرى للحظة ، ثم سالتها :
" ماذا حدث بينكما في الليلة الماضية ؟"
واستفسرت دابون وهي تتجاهل كل شيء :
"ماذا تعنين "
واكملت لويزا :
" بينك وبين أخي يا دابون أنك تعرفين ما أعني . لقد رجع الى البيت في حالة سيئة للغاية ، وحتى إيفون لم تستطع أن تسأله عن سبب غضبه ، لقد فكرت في أنكما لابد ان تشاجرتما "
وتقطب وجه دابون تعبيرا عن الاستياء ، وقالت :
"لا بد أن أنصرف يالويزا اذا لم يكن مانويل هنا ، أعني لاداعي لأن اذهب الى المزرعة "
وألحت لويزا :
" وماذا عن جدتي ؟ هل أخبرها بأنني رايتك "
وجلست دابون في مقعده خلف عجلة القيادة وهي تقول :
" ليس بوسعي أن أمنعك من ذلك ، ولكنني أعتقد أن ذلك ربما يزيد الأمر سؤا في هذه الظروف "
وأطبقت لويزا أصابع يديها في قوة ، واستندت على مقدمة السيارة وسالت :
" لماذا أنت صامته ؟ لماذا حضرت ثانية بعد كل هذا الوقت الطويل ؟ أنك بالتأكيد تعرفين ما يعنية حضورك الآن لـ مانويل في هذه الظروف ؟"
وأدارت دابون محرك السيارة ، وهي تقول :
" انني أسفة يا لويزا اذا كنت تظنين أنني كتومة . كم كنت أتمنى أن أرى جيما "
وتهدج صوتها ، وهزت رأسها ، وهي تقول :
" الى الملتقي "
" الى الملتقي يادابون . وانتصبت لويزا ، ثم جرت لتلحق بها من جديد ، وهي تسأل :
" هل تسمحين لي بزيارتك في الفندق قبل أن ترحلي ؟"
وتشبثت دابون بعجلة القيادة وهي تجيب :
" لا أعتقد ان ذلك يكون مناسبا ثم "
ثم قالت :
" الى الملتقي "
ثم قادت السيارة مسرعة . وأنفاسها المحتبسة تكاد تخنقها .

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:42 PM


القمر يضيء النوافذ

صعدت دابون الى حجرتها بعد تناول طعام العشاء اتكتب رسالة الى كلارى . كانت بحاجة الى أن تشغل نفسها بشيء ما ينسيها مزرعة سان سلفادور وما يرتبط بها من ذكريات اليمة .
احضرت دابون الورق والقلم ، ولكنها لم تستطع أن تكتب شيئا . بدات الهواجس ووالأفكار تترى عن مانويل وعن اليأس من موقفه . كان مانويل في رايها رجلا مكتمل الرجولة ، قويا ونشيطا ، ولكن هل صارت إيفون تنفس عن غيظها وحنقها فيه ؟ أيكون ذلك هو السبب فيما بدا علية انفعال أثر على قلب دابون ؟ ايكون ذلك هو السبب في ما ظهر فيه من الانهاك والتعب ؟
صارت دابون تتحسس وجهها بأصابعها ، وتضغط علية وهي تأمل أن تزيح بعيدا تلك الدموع التي كانت تؤلم عينيها . ما كان لها أن تحضر الى هنا !
ونهضت دابون من مقعدها ، وانفاسها تكاد تخنقها ، وسارت الى النافذة التي تطل على الميدان الهادىء . كانت الظلال تستطيل بينما الشمس تختفي وراء الأفق ، وأحست بأنها بحاجة الى الخروج من الفندق لتتحرر من حجرتها الصغيرة الضيقة .
منتديات ليلاس
واتجهت مباشرة الى باب الحجرة ، وهبطت الدرج ، وخرجت الى الهواء المساء اللطيف ! كانت تلبس عباءة بسيطة من الجريسية الأرجواني زادت من جمال الأشكال البنفسجية التي تحوطها منكل جانب . وكنت كلارى صنعت لها تلك العباءة في أمسية واحدة لتحضر بها حفلا من حفلات عيد الميلاد .
وما كادت تخرج خارج الفندق حتى وقفت حائرة في أي اتجاه تسير ز كان الناس القليلون في الطريق يسيرون جماعات من أثنين أو ثلاثه وكانت هي فقط التي تسير وحيدة . واتجهت نحو شارع السوق الرئيسي وهي تنوي أن تشرب فنجانا من القهوة في أحد المقاهي الصغيرة على الطريق .
واعترى دابون شيء من الاضطراب . كان الشارع مهجورا في ذلك المكان .
وخطت دابون بسرعة الى الخلف ن وقد اصابها الخوف ولكنها فوجئت بأنها تصطدم برجل في الحال تملكها الذعر ، واستدارت نحو الرجل ، وأخذت تسدد قبضة يديها الصغيرتين الى صدره وهي تعتقد انه احد الشبان . ولكنه لم يكن شابا ، لقد أزاح جسدها المرتعش جانبا . حينئذ فقط استدار الرجل اليها . كان طويل القامة ، نحيفا وعنيفا . وخارت ركبتاها عندما اكتشفت من هو ذلك الرجل .
أخذ مانويل ينظر اليها بازدراء لحظة ، ثم قال :
" أوه ، هيا أريد فقط أن أعرف ماذا كنت تفعلين في الشارع وحدك في هذا الوقت من المساء "
واستعادت دابوان توازنها وهي تقول :
"أردت الخروج اانزهة . هذا كل ما حدث . ألا يمكن للانسان أن يخرج للنزهة"
وبسطت يدها المرتعشة الى شعرها تزيح حمله الثقيل من على رقبتها وهي تضيف:
" أ...أ.. أشكرك على ما صنعت "
وأما مانويل ايماءة تدل على القلق ، ونظر اليها بما يشبه الغضب :
"هذه ليست انكلترا يادابون "



سفيرة الاحزان 06-10-10 12:44 PM


وتوقف فجاة ، وصار يبحث في جيبة عن علبة السكائر ، وأخرج واحدة منها وأشعلها بشيء من عدم الاكتراث ، وقال :
" تعالي . جئت لأتحدث معك "
نظرت اليه دابون بارتعاد ، وقالت :
" لابد أن لويزا أخبرتك بأنني كنت في المزرعة "
وأحنى رأسه ،وسأل :
"ولم لا؟"
وضاقت عيناه ، وهو يقول : ولكنك لم تدخلي الى البيت !
ورفعت دابون كتفيها ، وهي تقول :
" وكيفكان من اممكن أن يحدث ذلك"
وأخذا مانويل يتفحص وجهها البيضوي الشاحب لحظة ، ثم مشى أمامها دون أن يعلق بشيء . وأضطرت دابون أن تسير وراءه ، وهي تتعجب الى أين سوف يأخذها .
ولم يطل بها التفكير ، فقد كانت هناك في الميدان المواجه للفندق سيارة ضخمة مغطاة بالتراب جعلت كل السيارات التي حولها . تتضاءل الى جوارها . كانت السيارة على هيئة حافلة .
وفتح مانويل باب السيارة الجانبي ، وهو يقول لها :
" تفضلي "
منتديات ليلاس
واستجابت دابون لأن رجليها لم تعودا قادرتين على حملها بعد ما عانته . تحركت الحافلة الثقيلة من حاجز الأنتظار ، ودابون تريد أت تسأله عن وجهته ولكنها كبحت رغبتها . كان يكفيها في تلك اللحظة أنها مع مانويل ...
واجتازا قرية فونتفيل الناعسة ، ولم يمل بالسيارة الى جانب الطريق الا بعد أن وصل الى التلال المستقرة عند سفوح السلسة الصخرية التي تعتبر ليبو بقلعتها الرمادية المتهالكة ، وأبراجها الآيلة للسقوط . وهنا توقفت السيارة
وسألها : " حسنا . ما الذي يدور في رأسك الآن ؟"
وهزت دابون رأسها بالنفي ، وهي تجيب :
" لا شيء "
قالتها بصدق ، وهي تعجز في تلك اللحظة عن أي جواب آخر . كان قربه منها مؤرقا ، ومدت يدها تتحسس باب السيارة ، وفتحته وانسلت الى الخارج وهي ترتعش قليلا ، وقد أحاط بها النسيم البارد . كان الجو هنا أكثر برودة من مدينة آرل . الرياح تصفر بطريقة مخيفة عبر السهول ، وكنت منعشة مشبعة برائحة الملح .
وخرج مانويل من السيارة كذلك . وقفا لحظة يتأملان كتلة الجبال الصخرية السوداء وأضواء النجوم تتألق فتخترق السماء . ونظر اليها ، فتحولت رعشتها الى خشية وتوجس :
وسألها بصوت مختنق :
"لماذا جئت الي ؟ لماذا اضطررت الى أن تعودي هنا الآن ؟ ولمعت عيناه بطريقة غريبة ، فخطت بعيدا عنه وقدماها تنزلقان على الطريق غير المستوي ، وهي تقول بصوت هادىء :
" أنت تعرف لماذا؟ "
ورمقته دابون وهي تقول :

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:46 PM

"لا تصعب الأمور الى هذا الحد . ثم قالت بيأس :
" ألم تكن مستعدا في يوم من الأيام أن تقدم لي النقود ؟"
" ماذا تقصدين بهذا الكلام ؟"
وهزت دابون رأسها ، وهي تقول :
" هل يهم "
ورفست بقدمها حجرا على الأرض بشدة ، وسألت :
" لماذا أحضرتني الى هنا ؟ ولماذا رجعت لي اليوم . هل تنوي أن تساعدني "
وحدق فيها مانويل بقلق ، ثم مد يده الى شعره الثيف الأسمر وهو يقول :
" لقد جئت لأن معي لك دعوة "
قالها وهو يتمتم بتجهم :
"أن جيما تريد أن تراك "
" ماذا ؟ ولكن ؟ كيف عرفت جيما أني هنا ؟"
واقتمت عيناه ، وهويقول :
" كيف تعرف جيما أي شيء ؟ أوه ... يالله . أعتقد أن لويزا أخبرتها ، ولكن هل هذا يهم ؟ هل تقبلين الدعوة ؟"
وتنفست دابون بعمق ، وهي تجيب :
" أعتقد ، أعتقد لا . أن أمك لاتريدني هناك ، وما الفائدة اذن ؟ فضلا عن أن زوجتك "
وأمسك مانويل بمعصمها بطريقة قاسية ، وهو يقول :
" زوجتي ؟ أية زوجة ؟ ليس لي زوجة بعد "
" لويزا هي التي أخبرتني عن أيفون وعن الحادث . وهي قالت أن إيفون تعيش معكم في المزرعة "
ونظر مانويل الى أسفل . ثم تجاهها محملقا بأعين باردة متفحصة :
" أن إيفون تعيش فعلا بالمزرعة . أنها مسكينة ، كسيحة ماتت أمها . أين كان يمكن لها أن تعيش أذن ؟ ولكنها ليست زوجتي ؟"
وارتجفت دابون وهي تهز رأسها من جانب الى آخر ، بينما قبضته تشتد على معصمها. ثم أخذت تئن بصوت خافت :
" معصمي ، معصمي ، أنك تكسر معصمي "
ونظر مانويل الى أسفل الى البشرة التي يتحول لونها الى الأرجواني في يده وهو يكاد يشعر بدوار ثم قال :
"يالله ، انني أسف يا دابون "
منتديات ليلاس
قالها بصوت أجش ، ورفع يده عن معصمها لكي يتفحص آثار الألم . وصارت يدها تقاوم يده ، وكأنها طائر صغير . وبلهثة معذبة بدات تسحب نفسها بعيدا عنه، وجعلت السيارة بينها وبينه ، ومسحت على وجهها وكأنها تزيل الخطر بعيدا عنها .
وجلس ما نويل أمام عجلة القيادة دون أن ينظر تجاهها . وخطت دابون خطوات قليلة مرتعشة أوصلتها الى السيارة ، وجلست في مقعدها .
كان صوته يتوتر بسرعة :
" اذا وافقت على أن تحضري الى المزرعة لتري جيما فسوف أعطيك النقود التي تحتاجين اليها للغرض الذي تحتفظين به سرا "
وتنفست دابون نفسا متقطعا :
" لايمكن أن تكون جادا "
وأجاب :
"ولم لا "


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:47 PM


وتحركت دابون بوهن ، وصوتها يتضاءل بأسا :
" أن ذلك يخلق المتاعب . أنت تعرف أن أمك تكرهني . وأما عن إيفون ..."
والتفت تجاهها وعينياه تومضان داخل هيكل السيارة المظلل ، وعلق ببرود :
"أنك تتحدينني بالاشارة الى أمي وإيفون "
وضغطت دابون بيدها على معدتها ، وهي تقول :
" لايمكن أن تكون قاسيا الى هذا الحد . وهز كتفيه العريضتين ، وهويرد :
" ريمكن أن أكون ؟ سوف تندهشين لما يمكن أن أفعله "
وناشدته بأعين مضيئة :
" أرجوك يامانويل أن ما تفعله لا يسبب غير الألم والمعاناة لكل شخص ، وأنت لاتريد ذلك بالتأكيد "
وأشعل الضوء الداخلي للسيارة فجأة ... فأضاة الخطوط الدقيقة لوجهها المفعم بالجمال وهو يقول :
"ولم لا ؟ ربما يكون ذلك من باب التسلية "
لم تحاول دابون أن تتكلم وبعد قليل سألها :
" قولي لي ... هل هذا الرجل الذي تحتاجين الى النقود من أجله ، يحبك "
نطقت دابون لاهثة :
" ليس هناك رجل ما "
وأصبحت عينا مانويل تنطقان بالشك :
" اذن فأنت تحتاجين الى هذه النقود لنفسك "
قالت دابون بخجل :
"نعم "
وأخذ يسأل :
" لماذا ؟ لأي سبب ؟ أنت تقولين أنك لست حاملا ، ولست في مشكلة من هذا النوع ... اذن ما السبب ؟"
تهدج صوتها ، وهي تقول :
" أوه ، مانويل ! أرجوك كف عن تعذيبي هكذا "
وبدات أصابعها عبر وجنتيها تمسح بعيدا الدموع التي تبلل وجهها . وأطبق مانويل فمه وأطفأ ضوء السيارة ، وأدار محرك دون أن يتفوه بكلمة أخرى .
وعادا بالسيارة الى الفندق ، وقد أطبق عليهما الصمت . وعندما توقفت السيارة أمام باب الفندق قطعت دابون ذلك الصمت ، فقد كان عليها أن تقول شيئا ، وكانت تعرف انه يفكر في المأزق الذي يعاني منه بالقدر الذي تعاني هي منه .
وسالته بصوت غير مستقر :
" ما الذي تنوي أن تفعله ؟"
والتوت شفتا مانويل وهو يجيب :
" أن ذلك يتوقف عليك أنت ، اليس كذلك "
وأخذت دابون تسوى من شعرها وهي تقول :
" أنت مصر على أن تنفذ ماقلت ؟ أنت تضطرني الى قبول فكرة الذهاب الى المزرعة "
كان يجلس على مقعده باسترخاء ، وأصابعه النحيفة تنقر نغمة على عجلة القيادة ، وهو يرد :
" أن كنت تريدين مساعدتي ... نعم "


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:49 PM


وحدبت دابون كتفيها ، وهي تقول :
" حسنا جدا ، اذن ، متى "
وضاقت عيناه وهو يسأل :
" سوف تأتين "
وتفرست في وجهه ، وهي تقول :
" هل لي خيار آخر "
فقال بهدوء :
"لايبدو ذلك . لابد أنك بحاجة ماسة الى النقود يادابون . انني لا أصدق أنك تحتاجين هذه النقود لنفسك . لاشك أن هناك أسبابا آخرة "
وفتحت دابون باب السيارة ، وهي تقول :
"هل لي أن أنصرف الآن "
منتديات ليلاس
وحدق فيها وهو يقول :
" لحظة ! سوف أحضر اليك بعد غد لانني سأذهب الى نيمر غدا ، ولكنك بلا شك تستطيعين الانتظار لانك مهتمة بالأمر "
وفتحت السيارة ، ونسلت منها قبل أن يتفوه بشيء آخر ، وانحنى ليغلق الباب وراءها . ودخات دابون الفندق متباطئة وهي تشعر بالانهاك . كنت مشغولة بعواطفها الكئيبة وتفكر بروح يائسة كيف تمضي اليومين المقبلين حتى تراه من جديد .
ولم يكن اليوم التالي ممللا . كانت شمس الربيع دافئة ، والشجيرات مزهرة وأحواض الأزهار مزدهرة بالألون ... وتحسنت حالة دابون الى حد ما .
وكتبت دابون رسالة الى كلارى وخرجت لتضعها في صندوق البريد وذكرت في رسالتها أنها قد أتصلت بمانويل وأنها تتوقع بعض الأخبار المطمئنة . خلال أيام قليلة ، ولم تزد على ذلك . لو تسنطع أن تخبر كلارى أن مانويل لم يعرف شيئا عن حقيقة الموضوع ، أ, أنها تنوي أن تخبره بتلك الحقيقية . كانت تعتقد أن مانويل لو حصل على دليل ثابت بأن طفلا اسمه جوناثان كان قد ظهر الى الوجود فأنه قد يجد سعادة بالغة في أن يحرم أمه منه . أماكون جوناثان هذا ابنه فلم يكن موضوعا ذا بال ، ومع ذلك فان صوت ضميرها كان يناديها بأن مانويل ينبغي أن يعرف الحقيقية ، وخاصة في مثل هذه الظروف.
كان هناك زائر غير متوقع ينتظرها عندما عادت الى الفندق . أحست بنوع من الارتياح عندما رأت وجه هنري مارتن الذي كان يعكس الهدوء والطمأنينة .
كان يجلس في قاعة الاستقبال منتظرا وصولها ، وبدا وجهه شعور بالقلق عندما رآها تعبر الردهة تجاه الدرج . أربكها صوته الفجائي ، وهوينادي :
ياآنسة كنج "
فاستدارت في دهشة وأجابت :
" اهلا ياسيد مارتن ؟ ماذا تفعل هنا ؟"
منتديات ليلاس
ومد هنري مارتن يديه وهو يقول :
"جئت لأكون في مرافقتك ، ولتناول طعام الغذاء سويا . وأعترف أنني قد تجرات بقدومي الى هنا ، ولكنني أعتقد أنك ستسامحينني "
وأجابته :
" هذا لطف منك للغاية ياسيد مارتن . أود أن أقبل دعوتك لو كان لي ذلك ، ولكن سيكون عليك أن تنتظر بضع لحظات حتى أغير ثيابي "
وأشارت الى بنطلونها وقميصها .

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:51 PM


وعكس وجه هنري مارتن فرحا كبيرا . كانت تراه شابا وسيما دون أي أعتبار آخر ، وكان ببدلته الرمادية الغالية ، وملابسه البيضاء الناصعة فريدا في تلك البقعة من العالم ، حيث كان الباقون يلبسون الملابس العادية تفسها التي كان يلبسها مانويل سان سلفادور في الليلة الماضية ، ولكن مانويل كان يبدو ملائما لذلك النوع من الثياب . ورغم أنها في بعض المناسبات القليلة كانت تراه يلبس لباس الماساء الرسمي فأن منظره عندذاك كان يبدو مدمرا . كانت قتامة بشرته التي ورثها عن جدته تجعله قريب الشبة بالغجر ، وكانت تلائمة ملابس الحراس التي يرتديها أحيانا .
وأجاب هنري مؤكدا :
"ساكون سعيدا أن أنتظر حتى تعودي "
وتبادلت دابون معه الابتسام قبل أن تصعد مسرعة الى غرقتها . وعادت في رداء من الكتان له خضرة التفاح ، تبدو فية أكثر شبابا وسعادة لأن تصفيفة شعرها كانت شيئا علديا لم تحول انتباهه اليها .
وتناولا طعام الغداء في مطعم كبير في مركز مدينة آرل ، وبدا أن هنري كان رجلا معروفا في المدينة . صمتت دابون لحظة تفكر فيما عسى أن يكون عمل هنري . ورغم أن دابون كانت ترفض الاكثار من الطلبات بحجة أنها لاتشعر بجوع كبير ، فقد أكلت بشهية كاملة . كانت صغيرة وشابة برغم كل سيء وكانت صحبة هنري بريئة اذا ما قورنت بصحبة مانويل .
وأحست دابون بالزهو لأنه اهتم بها ذلك الاهتمام الكبير . ولم تتحدث دابون كثيرا عن نفسها ، وتركت هنري يعنقد أنها كانت في آرل من أجل السياحة فقط . ولكن تبين لها مع انقضاء اليوم أن الاحتمال كبير في أن هنري ربما يعرف مانويل وأسرته . كنت مزرعة سان سلفادور مؤسسة كبيرة معروفة ، وليس بعيدا أن مزارع الكروم في وادي الرون تعرض انتاجها في متاجر والد هنري .
منتديات ليلاس
وبدا أن دابون لم تكن تبالي سواء عرف مانويل بعلاقتها بهنري أم عرف هنري بالأسباب الحقيقة وراء زيارتها لآرل . كل ما كانت تفكر فية ، أنها كانت تستمتع بهذه الصحبة . لم تكن قد استمتعت بصحبة أي رجل بذلك القدر من الحرية منذ سنتين ، ولكن هنري كان رقيقا وساحرا بدرجة جعلتها ترتاح اليه وتندمج معه في الحديث . وتحدثا حول الكتب وحول اللوحات الفنية ، وحول الاتجاهات الحديثة في المسرح وذهلت عندما أخبرها بأن الساعة قد قاربت الخامسة .
وقفلا عائدين الى آرل في سيارة هنري الخفيفة . وعندما توقفت السيارة أمام الفندق سالها بحماس :
" متى ساراك مرة آخرى ؟ هذا المساء "
زثنت دابون عروة من الشريط الجلدي المثبت في حقيبة يدها الجلدية حول أصابعها وأجابت متباطئة :
" لا ! ليس الليلة ياهنري وليس غدا كذلك ... فأنا مرتبطة بموعد "
وفقد وجه هنري بعض حيويته ، وسالها :
" متى اذن "
وتنهدت دابون . كيف يتسنى لها أن ترتبط وهي لاتعلم كم من الوقت ستبقى هنا ؟ وترددت ، وهي تقترح :
" الأفضل أن تتصل بي بالهاتف . نعم . أعتقد أن ذلك يكون أنسب "
وحدب هنري كتفية ، وهو يقول :
" أوه ، حسنا جدا أذا كنت تعتقدين أن ذلك هو الأنسب ، ولكن سوف تحضرين لتجيبي الهاتف ، اليس كذلك ؟"


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:52 PM


وانفرجت شفتاها ، وهي تقول :
" لقد استمتعت كثيرا بهذا المساء . أرجوك ألا تظن أنني أصطنع الأعذار . أنني لا أفعل ذلك "
وبدأ على هنري شيء من الارتياح ن وعلق :
" حسنا ..حسنا.. سوف أطلبك هاتفيا . بعد غدا . هل توافقين "
وأومأت برأسها موافقة ، ثم انسلت من السيارة وحيته بسرعة :
" إلى اللقاء "
ورد عليها بالفرنسية ، وهو يرفع يده :
" إلى اللقاء يا دابون "
وانطلقت السيارة الخفيفة وصوت محركها يئز عبر الطريق . وألقت دابون بحقيبة يدها بإهمال ، وتمددت في حجرتها .
وخلعت ملابسها ، وأخذت حماما ملطفا ، ولبست ازارا حريريا وتمددت في فراشها . كانت تحس بالتعب وكان ذلك شيئا طبيعيا . لم تهنأ بالنوم منذ أن وصلت إلى الفندق . كان عقلها مهموما بدرجة لم تتح لها أن تهنأ باسترخاء كامل ، ولكن هواء البحر في تلك الأمسية جعلها تشعر بالنعاس . أغلقت عينيها على مضض مستسلمة لما عانته من اجهاد .
وذهبت في نوم عميق ، وعندما استيقظت كان الظلام كاملا ، وأحست بالبرد ونهضت من الفراش تبحث عن ساعة يدها ، ووجدتها أمام المرآة حيث تركتها قبل أن تدخل الحمام . انزعجت بعض الشيء عندما وجدت أن عقارب الساعة تشير الى منتصف الليل ، وهزت رأسها ، وهي لا تكاد تصدق .
وفتحت باب حجرة نومها ، وصارت تسترق السمع لحظة . لم يكن هناك صوت ما في الطابق الأرضي . وهزت كتفيها ، وأغلقت باب الحجرة وقررت أن تعود الى الفراش من جديد . لم يكن هناك سبيل الى الخروج الآن . وما كادت تتدثر بالفراش حتى أحست بأن النوم قد هرب من جفونها . كانت أشعة القمر تضيء من خلال النوافذ ، وقد غمرت الحجرة بالضياء بينما كان صوت أوتار الغيتار ناعسة يأتي من بعيد بموسيقى حزينة تثير المشاعر .
منتديات ليلاس
ونهضت من الفراش . وهي تتنهد قليلا ، واتكأت على النافذة ، تطل على الميدان المغطى بالظلال . كانت النسمات الخفيفة تداعب أوراق أشجار البلانتري وأشعة القمر تحيل جذوعها الى أطياف رمادية اللون.
كانت هناك سيارة كبيرة تنتظر في الميدان رمادية اللون مغبرة على هيئة حافلة وكانت تستتر تحت بعض الأشجار . وبينما دابون تراقب ذلك المنظر ، وجدت رجلا ينسلخ عن ظلال الأشجار . كان طويلا وأسمر ، شعره يتلألأ في الضؤ الباهت ، يلبس ملابس قاتمة ، ملابس حارس . وكانت صدريته مفتوحة وأكمام قميصه مثنية حتى ساعديه . ونظر فجأة الى أعلى وعيناه تتفحصان نوافذ الفندق وارتعدت دابون وتراجعت لتستند الى الحائط واحدى يديها تضغط على حلقها . كان مانويل ! مانويل هنا خارج الفندق يقطع الطريق جيئة وذهابا .
ثم عودت النظر . كان الرجل يستند الى غطاء محرك السيارة الآن وهويشعل سيكارا ، وعود الثقاب يضيء للحظة ملامح وجهه القاسي وترك السيكار في فمه وأراح كفيه على مقدمة المركبة المغطاة بالغبار وقد انحنت كتفاه بما ينبىء عن الاستسلام التام .
وحبست دابون أنفاسها ، وتصلب حلقها . لماذا هو هنا في هذا الوقت من الليل ؟ ما الذي جعله يغامر للحضور بسيارته هذه المسافة الطويل . فقط من أجل أن ينتظر بالسيارة خارج الفندق ؟ ما الدوافع الرهيبة التي جعلته ينهض من فراشه ، ويأتي الى هذا الميدان الموحش .
وضغطت ذراعيها الى جسدها وهي تشعر بدوار يشبه دوار البحر . وأخذت تسأئل نفسها " ما الذي جعلها تنام مبكرة في تلك الأمسية ، ولماذا لم تنم في الوقت المعتاد وبذلك كانت وفرت على نفسها منظرا لا تود أن تراه "
ورجعت الى النافذة ، ونظرت مسرعة بعين طارفة . لقد مضت الحافلة . كان الميدان خاليا ، وكنت هي غارقة في تفكيرها لدرجة أنها لو تنتبه لصوت السيارة وهي تنصرف


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:53 PM

لماذا تعدو الفرس نحو الاكواخ
وفي الصباح التالي استيقظت دابون في وقت مبكر . وشربت القهوة في قاعة الطعام قبل أن يستيقظ سائر نزلاء الفندق ، كانت شارة الذهن ويبدو عليها الانفعال ، وأصبح من العسير عليها أن تبقى في الفراش . وارتدت رداء قطنيا بسيطا أزرق اللون كانت قد أمضت به قبل أياما أكثر سعادة . وكان هذا الرداء في رأيها هو الأنسب لزيارة بيت سان سلفادور ن وكانت في قرارة نفسها تود ألا يخطر ببال إيفون أم مدام سلفادور أنها تحرص ولو قليلا على أن تجذب الاهتمام اليها ، ولم تكن تدري أنها تبدو غاية في الأناقة رغم بساطة الملبس .
واقترب منها السيد مدير الفندق يستفسر بطريقة تنم عن عنايته بالنزلاء:
" هل ثمة ما يشغلك ياآنسة "
وأجابت باستنكار :
" لا! لا! لاشيء يا سيد ليون . أنني فقط أنتظر شخصا ما "
ثم سأل :
" هل أحضر لك فنجانا من القهوة ؟"
وترددت دابون بعض الشيء . ثم قالت بحماس :
" حسنا ، لا بأس أذن "
كانت تريد شيئا يهديء أعصابها :
" ورد السيد ليون
" ساعدها في الحال "
وابتسمت دابون وهي تقول :
"شكرا"
منتديات ليلاس
وانصرف المدير مسرعا ، وعاد بعد دقائق قليلة يحمل الصينية ، وأشار الى دابون لتجلس في قاعة الإنتظار ، ودخلتها ، ثم وضع الصينية على المنضدة صغيرة أمامها
قال بالفرنسية :"هاهي القهوة يا آنسة "
ونظرت اليه نظرة مرتعشة ، ووقعت عيناها على عيني مانويل الرماديتين ، وخفق قلبها لحظة ، بينما أخذ فنجانها يحدث صوتا فوق الطبق الصغير .
وتقدم مانويل الى داخل القاعة ، وهو يقول ها أنذا ! هل أنت مستعدة ؟
وتنفست بعمق وقالت :
" أولا تعلم أن الساعة قد قاربت الحادية عشرة "
وهز كتفيه ، وهو يقول :
" ماذا حدث "
وردت دابون بقسوة :
" لقد ظللت أنتظرك منذ التاسعة . كنت أظن انك ستاخذني الى بيت الأسرة هذا الصباح "
ورد بغير اكتراث لدرجة تثير الحنق :
" أنني أعتزم ذلك "

سفيرة الاحزان 06-10-10 12:55 PM


وعلقت دابون :
" ولكن الوقت قد قارب الظهيرة "
وأجابها :
" هكذا ؟ اذن سنتناول الغداء عندنا في البيت "
وبدت شفتاها ترتعشان ، وكان عليها أن تكز عليها بقوة :
" أوه مانويل لا تضطرني الى هذا "
وبدت ملامحه قاسية ، وهو يتجاهل رجاءها قائلا :
" أقترح أن تصعدي لتغير ملابسك فردائك لا يناسب ما أعددته لك . أرجو أن تلبسي بنطلونا "
ونهضت دابون وقد بدات تلاحظ كم يبدو جذابا . كان يلبس بنطلونا جلديا رمادي اللون ، وصدرية رمادية من الجلد مطرزة بخيط أسود فوق قميص من الحرير الأحمر فبدا كأحدا النبلاء الفرنسين . كان هناك شيء من العجرفة في ملامح وجهه القوية ونوع من الكبرياء في بزاته القصيرة ، ولم يكن هنري ببذلته الأنيقة المحددة قادرا على أن يحدث ذلك التأثير . وشعرت أن خصومتها تذوب تحت سطوة شخصيته القوية المؤثرة .
كان مانويل يستعد ليرشف الفنجان الثاني من القهوة ، ومدير الفندق يتجاذب معه الحديث في احترام . كانت دابون قد كبحت جماح غضبها وهي تتامل مانويل الذي بيدو علية شيء من الهدوء وهو جالس هكذا يرتشف القهوة الخاصة بها ، بينما أمرها بأن تذهب لتغير ملابسها .
وعندما عادت الى قاعة الأنتظار التفت اليها مدير الفندق ذو الجسم الصغير قائلا :
" يخبرني السيد سان سلفادور انك ذاهبة الى مزرعته اليوم يا آنسة . أنني واثق من أنها ستكون زيارة ممتعة .
وأجابت دابون بنبرة من عدم الثقة :
" نعم "
وعندما دخلت نهض مانويل ، وكان يلاحظها بعينين مسبلتين تركزتا عليها لحظة ، ثم أكمل قهوته ، وأعد الفنجان فوق طبقه الصغير ومشى اليها ، وأبدى ملاحظة الاستحسان لثيابها وهو يقول :
" هكذا ..... أحسن بكثير "
وكان هناك حصانان ينتظران بجوار الحاجز الخشبي الخارجي للفندق ، ولم يكن هناك اثر للسيارة الستروين ونظرت الى مانويل بشيء من الاستفسار والتساؤل ، وأحنى راسه متباطئا وسألها بشي من التراخي
" هل خيبت ظنك ؟ أكنت تودين أن تركبي الحافلة الصغيرة "
وأجابت دابون بقسوة :
" أنت تعرف أنني كنت أريد ذلك ، مضى وقت طويل منذ أن ركبت الحصان لآخر مرة "
وعلق مانويل :
" ثلاث سنوات تماما"
فنظرت بعيدا . لم يكن الحصانان متشابهين ، كان احدهما فرسا بيضاء من خيل كامارغ ، كانت قصيرة وممتلئة وكانت الأخرى فرسا سوداء مشوبة بالحمرة . ولم تكن دابون بحاجة الى التفكير طويلا لتستنتج أن هذه الأخيرة كانت من السلالة التي يفضلها مانويل في الركوب . منذ ثلاث سنوات كان لديه فحل أسود وبدأ مانويل يتحدث وكانه قد أدرك السؤال الذي كان يساورها:
" هذه كونسيلو . كان كاسبار الذي رأيت من قبل أباها "


سفيرة الاحزان 06-10-10 12:58 PM

ولم تعلق دابون بشيء . وأخذ مانويل يحل سير اللجام للفرس البيضاء وصار يربت على مقدمة الحصان وهو يقول :
" هذه ميلودي "
ومد يده ليساعدها على أن تمتطى صهوة هذه الفرس . ولكن دابون كانت حريصة على ألا تمس يدها يده ، وأمسكت هي بمقعد السرج ورفعت نفسها دون مساعدة على ظهر الفرس ، وأخذ مانويل يتأمل رشاقتها في القفز ثم هز كتفية كعادته وامتطى فرسته السوداء بمهارة وقدرة.
ومضت الفرسان دون أن يحفل بهما أحد ،سائرين في شارع ظليل تحف بهما الأشجار من الجانبين . ثم سألها بسخرية:
" حسنا ؟ هل تجدين صعوبة ما "
وهزت دابون رأسها :
" لا صعوبة على الاطلاق "
ومالت عيناه بتهكم ، وهو يقول :
" حسنا أذن ربما تسرعين في الركوب لتلحقي بي . لست ممن يشترطون أن تسير نساؤهم وراءهم كالأتباع "
منتديات ليلاس
وأشارت دابون بالموافقة ، وبدات تستحث ميلودي لتجد في السير . ثم نظر اليها مانويل بقلق ، وهو يقول :
" أتظنين أنه يمكننا أن نزيد في السرعة ؟"
واستدارت تنظر اليه . كان قد سمح لكونسيلو أن تسير ببطء وراءها ولكنه الآن ، بعد أن قابلت عيناه عيناها . بدا عمد يحث الفرس السوداء على أن تجد في السير ، وفقز بسرعة عبر المستنقع مارا بدابون الى البحيرة الضحلة القريبة .




سفيرة الاحزان 06-10-10 01:00 PM


وترددت دابون لحظة قصيرة ثم ثنت رأسها تجاه ميلودي تحثها على الجري الى الأمام . وقفزت الفرس الصغيرة بطريقة مدهشة في أثر الفرس الأخرى القوية . كانت تجربة مثيرة أن تقفز عبر مساحة كأنها فضاء لانهائي ، دون أن يكون هناك أي اثر للحياة على مرأى البصر .
وبدأ على البعد قطيع من البهائم السوداء ، وكان هو الرفقة الوحيدة لهم على الطريق في ذلك الوقت ، ولم يكن هذا القطيع ليحفل بهم . وانتثر بعض رذاذ الماء المالح الى أعلا ، فبلغ وجه دابون وبلل ذراعيها وشعرت بالسرور لأنها لبست حذاء طويلا برقبة كان يحمي ساقيها من البلل .
منتديات ليلاس
وبدأت الفرسان تبطئان السير عندما دخلتا الى مستنقع أكثر عمقا ، وصارتا تخوضان في مياهه دون أن تبديا أي اكتراث بالراكبين فوق ظهرهما وخطر لدابون أن ترفع ساقيها الى أعلى لتتفادى البلل ، ولكن مانويل لم يفعل ذلك ، فقررت أن تحذو حذوه ، اذكانت تخشى أن تفقد توازنها وتسقط في البحيرة . وأبطأ مانويل فرسه ، واستدار لينظر الى وجهها المفعم بالبهجة ، وانحنى ليصلح من ركاب فرسه انتظارا لوصولها الى جانبه، وسألها:
" هل لازلت تشعرين بألياس؟ "
وهزت دابون رأسها ، وهي عاجزة عن أن تخفي سرورها بالصباح الجميل ونظر اليها مانويل لحظة متفحصا . وقبل أن يمد يدة ويتحسس جيبه ليبحث عن السيكار . أخرج واحدة ثم اشعلها . وقال:
" أمل ألا تكوني قد صادفت كثيرا من المتاعب ؟"
وضاقت عيناه أمام وهج الشمس الذي ينعكس على صفحة الماء ، ونظر اليها من جديد نظرة خاطفة وأضاف :
" هل تشعرين بأي تعب "
وهزت دابون رأسها من جديد :
" يهيأ لي أن جسمي لن يستطيع التحرك غدا ، ولكن ..."
وتنفست بعمق ثم تنهدت وهي تكمل :
" أن كل شيء جميل للغاية . لم أجد وقتا للتفكير في نفسي "
وأخذ مانويل يشد أنفاس السيكارة بقوة ، وهو يرسل زفرات الدخان الأزراق الباهت عاليا في الهواء ، فوق رأسيهما ، ثم سألها بحدة :
" لماذا فعلت كل هذا يا دابون ؟"
وحبست دابون أنفاسها:
" لماذا ؟ لماذا فعلت ماذا؟"
وأجاب :
" لماذا سافرت بعيدا دون أن تخبريني على الأقل بأنك ماضية ؟ أما كان ينبغي لي أن أعرف ؟"
ونظرت عيناه اليها نظرة خاطفة أربكت دابون . كانت قد أحست بالأمان لأول مرة منذ أن وصلت الى كامارغ . وجاءت تلك الجملة من مانويل بطريقة حاذقة ولكنها صريحة ، لتدمر شعورها بالأمان الذي أحست به . حاولت أن تجد كلمات ترد بها علية ، وقالت بتوتر :
" لا شك أن أمك قد شرحت لك كا شيء "
ورد مانويل بسرعة :
" أنا لا أتحدث عن أمي . أنني أتحدث عنك أنت ! أريد أن أعرف لماذا تحاولين أن تسخري مني . أريد أن أعرف خطأي . لماذا بعد ما حدث بيننا في تلك الليلة الأخيرة حاولت .... "
وأمسك مانويل بلجام فرسها ، وكنت على وشك أن تستحث ميلودي على السير ، وهو يقول :
" لا، لا ، أنني أوافق على أنه لا شيء يستطيع أن يغير الماضي ، ولكن أريد أن أعرف لماذا وافقت على أن تشاركي في الطقوس ، وكنت تعرفين بالضرورة ..."
وحاولت أن تسحب اللجام من قبضته ، وأن تزيح أصابعه بعيدا ولكنها بدلا من ذلك وجدت أصابعها تقع أسيرة بين أصابعه ، وأحست أن بشرته الرطبة وهي تلمس بشرتها الساخنة كانت قوة حقيقية بل شرارة شديدة الحساسية تشدهما بعضهما الى بعض في جو لم يكن فيه سوى الشمس ، والماء والسماء .
ونطق باسمها :
"دابون "
وأثارها الحاح صوته بشكل رهيب ، وعيناه تأسرانها بنظرة اخترقت أعماقها. وتوقفت أنفاسها.
وبقوة استطاعت أن تنزع أصابعها من قبضته ، ووخزت ميلودي بمؤخرة قدميها ، فأهاجتها ، وانطلقت الفرس مندفعة خارج مياه البحيرة العميقة الساكنة. وعندما اصطدمت حوافرها بالأرض بدات تجري مسرعة ، وصارت دابون تتعلق يائسة بعرف الفرس الكثة .
وقبل أن يستولي عليها الفزع الحقيقي ، كانت الفرس السوداء بجانبها . واستطاع مانويل أن يمد يد ذراعه ويمسك بلجام فرسها بقوة . وبدات ميلودي تستجيب لقوة الجذب المتزايدة ، وأخذت تبطىء من سرعتها ، واستطاع مانويل أن يوقف الفرسين . وعندئذ فقط بدات دابون ترتعش ، لابسبب ما حدث لها على ظهر الفرس فقط ، وأنما من النظرة التي كان يرمقها بها مانويل .
وترجل من على سرجه . وظنت دابون للحظة انه ينوي أن يشدها بالقوة الى أسفل ولكنه اتجه الى الفرس التي كانت تتصبب عرقا . وبدا يهدئها بكلمات لطيفة وهو يربت على مقدمة رأسها حتى خضعت وبدأت تمرغ أنفها في يده .
وترك مانويل الفرس البيضاء ، وبدأ يربت بيده على خاصرة كونسيلو . ثم قفز ثانية الى السرج ونظر الى دابون ، وهو يقول :
"لو أنك تسببت في أحداث عرج بالفرس."
وترك الجملة معلقة في الهواء دون ان يكملها:
" نعم ؟ ماذا كنت تفعل ؟.."
التوت شفتاه ، وهو يقول :
" أعتقد أنك تعرفين "
وارتعشت دابون ، وقد استولي عليها شعور بالغضب ، ثم انطلقت بطريقة طفولية غير مكترثة :
" أنك تعتقد أن قوتك شيء عظيم ، اليس كذلك "
وهز مانويل كتفيه ، ويده تمسد شعره الكثيف الملىء بالحيويه لتستقر أخيرا على مؤخرة رقبته ، وقال لها بلهجة متسامحة تحمل معنى النصح
" لا تتصوري انني صبور الى هذا الحد "
وزاد من حنقها أنه كان يؤكد على أنها مخطئة . ولوح بلجام لوكسيلو فاستدارت الفرس السوداء طائعة ، ولم تقم دابون بأية محاولة لتساعد ميلودي ، ولكنها بدلا من ذلك ظلت جالسة في سكون تحدق في الفضاء بنظرة تنم عن الرفض و العناد .
وسألها وحواجبه السوداء ترتفع بشيء من التهكم :
" هل تحبين أن أقوم بتثبيت اللجام في فرسي لأقودك على الطريق ؟"
" لن يكون ذلك ضروريا"
وهز مانويل كتفيه ، وضغط بمؤخرة قدميه على الفرس ، وبدأ يجري بعيدا عنها وتبعته دابون على نحو اكثر بطئا ، وجعلت الفرس تسير خلال البرك التي تغص بالقصب وهي تلاحظ ادغال من نبات حصى البان البري يفوح عطره مختلطا مع عطر نبات العرعر الأكثر نفاذا . كان كل شيء نائيا وجميلا ، ومع ذلك لم تكن تستطيع أن تحصر تفكيرها فيما يحيط بها . فخلال دقائق قليلة مضت كان الشعور بالأمان قد تحطم وصارت تدرك تماما كنة الرجل الذي يرافقها على بعد مسافة قليلة منها . كان قويا ومتغطرسا على ظهر فرسه ولم يكن شابا متقدا بحب الحياة ، لكنه كان صلبا ومجربا ، وكان يحس بأنه السيد على ما حوله .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:02 PM


كان الكوخ شبيها بالاكواخ التي يسكنها الحراس العاملون في مزرعة سان سلفادور ، ولو أن هذه الآن كانت تعتبر أرقي بكثير من الأكواخ القديمة ذات الحجرة الواحدة التي كانت تصنع من القصب ..
وعندما وصل مانويل الى الأرض الساحة الممتدة أمام الكوخ ترجل وصار يربت على رقبة كونسيلو ، ثم اخذ يبسط قامته ببطء ورشاقة ، والتفت الى دابون التي كانت قد وصلت الى المكان نفسه ، وقال لها :
" ترجلي ! أنني أشعر بالعطش . أعتقد أن كلينا يحتاج الى شيء من الراحة "
وبقيت دابون في مكانها ، ووضع مانويل يديه بشيء من الغطرسة على فخذيه وسألها بتجهم :
" هل تريدين أن أجذبك بالقوة الى أسفل . أم أنك تنفذين ما أطلبه منك ؟"
وضمت دابون شفتيها ، وهي تقول :
" ليس هذا منزل سان سلفادور . لقد أخبرتني بأنك ستأخذني الى هناك "
وأشار مانويل اليها بقلق :
" أننا ذاهبان الى المنزل ،ولكن فيما بعد ، أما الآن فانني أشعر الجوع . ألا تشعرين أنت بالجوع ؟"
ونظرت دابون الى الكوخ المهجور بخوف وذعر ، وأستمرت وهي تحس بقلبها يخفق بسرعة ، وقالت :
" لن نجد شيئا يؤكل هنا "
منتديات ليلاس
وأمسك مانويل بطاقم السرج فوق ظهر ميلودي ، وهو يحدق في دابون بشدة ويقسم بصوت مختنق :
" يا لله ! هل تظنين أنني أغرر بك "
واقتمت عيناه ، وهو يقول انزلي سوف نأكل معا . وترك الفرس ، واستدار بعيدا ، وترجلت دابون بأرجل مرتعشة . وانطلقت الفرسان تأكلان العشب جنبا الى جنب في الرج المعشب ، واتجهت دابون صوب مانويل .
كان الكوخ مظلما من الداخل ، وخاصة بالنسبة للقادم من الخارج وعندما بدأت عيناها تألف الظلام أمكنها أن تتبين مانويل جالسا الى منضدة خشبية يقطع رغيفا سميكا من الخبز الفرنسي . كان الكوخ مهجورا ، ولكنه كان يبدو بالغ النظافة ، وخمنت أنه كان يستخدم فقط للزوار الذين يأتون عرضا في مثل تلك المناسبة .
ورفع مانويل بصره ورأها تستند الى عمود الباب ، وكأنها تحتمي به . ولم تحتمل كانت السخرية البادية في عينية ، كانت يده تمسكان بالسكين ، وبدت بشرتهما بنية قاتمة بينما ظهرت أصابعه دقيقة قوية . وسرى فيها شعور لم تستطع الخلاص منه .
والى جانب الخبز ، كان هناك بعض الجبن ، وشريحة من الزبد ، وأشار اليها مانويل بأن تدخل لتشارك في الطعام والشراب . كان الكوخ حجرة واحدة فقط وصارت تفكر مليا كيف أن أناسا يعيشون بالفعل في مثل ذلك الكوخ ، وينشئون فية أطفالهم كذلك .
وأكمل مانويل تقطيع الخبز والقى بالسكين جانبا ، وأوما برأسه عندما شاهد بئر الماء خلف المبنى ، وعلق قائلا :
" أنها مياه حلوة ، ولكنها تقرب الى الملوحة قليلا . أنها رطبة . اذا أردت أن تغتسلي . وأضاف : انني لا أنصحك بأن تشربي منها الأ اذا كنت تريدين أن تصاب معدتك . ومع ذلك فأن افضل أن تقرري ذلك بنفسك "
كانت نبرته ساخرة ، وضغطت دابون أصابعها وتكورت قبضة يديها . كان يحاول أن يغيظها عن قصد .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:04 PM


وعندما كانت تخرج من الكوخ كان مانويل يهم بالدخول ، فتقابلا عند الباب، لكنه وقف جانبا يفسح لها الطريق . وسارت بنشاط حول المبنى من الخارج حتى وصلت الى الجانب الخلفي منه ، وهنا وجدت دلوا رفعت به بعض الماء ، وصارت ترطب به وجهها ، وأدركت وهي تجفف وجهها بالمنديل أنها كانت على صواب عندما استخدمت أقل قدر من الماكياج ففي مثل تلك الظروف لا ينبغي أن يهتم الشخص كثيرا بمواد التجميل .
وأحست بعد ذلك بأنتعاش كان الجو رغم ذلك شديد الحرارة ، وبدأت تفك زرا آخر من أزرار القميص ، وترفع لفافة الشعر الكثيفة بعيدا عن رقبتها بحركة تنم عن الضيق ، وأحست عند ذاك بأن مانويل كان قد خرج من الكوخ مرة ثانية . كان يراقبها ، وتركت يداها تتدليان جانبا ووقفت في الحال تنظر اليه بغير حذر وأنفاسها تخرج متقطعة .
وأخذت دابون تزرر قميصها ثانية ، وهي تقول :
" أرجوك يا مانويل لا داعي لأن نبدأ مشاحنة أخرى ..."
وتصلبت ملامحه ، وهو يرد عليها :
" هل هذا ماتحبين أن تنعتي به لقاءنا السابق ؟ مشاحنة ؟ وأخذ يهز رأسه مستنكرا"
وتنهدت دابون ، وهي تقول :
" أصفف شعري بهذه الطريقة باعتباري معلمة لحوالي خمسة وثلاثين طفلا ، ولكي ابدو كبيرة السن نوعا وحتى يبدو أنني أكثر خبرة وتجربة . قالتها وهي تأمل أن تنال منه شيئا من القبول حتى تتفادى انزعاجه .
منتديات ليلاس
وحدق في عينيها ، وهو يقول :
" ولكنك لست في حجرة الدراسة الآن ، يا دابون ؟"
استدارت دابون الى الجهة الأخرى وقالت :
" أرجوك ، ينبغي أن نواصل السير ، أليس كذلك ؟"
وبدأ أن مانويل كان قد بدأ يضجر ، وسمعته يتحرك بعيدا عنها ويصفر لفرسه . ارتخت في الحال .كانت تحس بذلك الهبوط المفاجىء دائما عندما تصل الى الاخفاق العاطفي مع مانويل . وصارت تمسح براحتيها الرطبتين على جانبي البنطلون بشيء من الضعف .
كان قد امتطى صهوة فرسه الآن ، واخذ ينتظرها . واستجمعت قواها ، وأتجهت الى فرسها . لم يكن من السهل عليها الآن أن تمتطي ظهر الفرس . فالرحلة الشاقة والاسترخاء الذي تبعها . ساعدا على تصلب عضلاتها .
وشد مانويل لجام كونسيلو ، واتجهت الفرس نحوها برقة ، وسألها :
" هل أنت بخير"
كانت عيناه أقل تساؤلا عن ذي قبل ، حين كان وجهه يعكس اهتماما حقيقيا بها .
ونظرت دابون اليه باذعان :
" بالطبع!"
ثم تساءلت ولم لا اكون كذلك ؟
والتوت شفتا مانويل وهو يقول :
" كفي عن مجادلتي يا دابون "
وبدأ وكانه يقدم اليها النصح :
" وعلى الأقل حاولي أن تسلكي كما يسلك الإنسان المهذب في منزل سان سلفادور"
وحملقت فيه دابون بغضب وهي تسأل :
" ماذا تعني بذلك "
وحدقها مانويل بنظرة خاطفة :
" سوف تحرص أمي وإيفون على مراقبتنا ، ومراقبة رد فعل كل منا للآخر ولا أريد أن أقدم لهما مادة للتخمين والأستنتاج "
وشعرت دابون بريقها يجف ، وعلقت :
"اذن ، كان من الأفضل ألا تحضرني هنا "
وضاقت عينا مانويل ، وهو يقول :
" لا تحاولي أن تتخذي من كلامي سلاحا تحاربينني به "
وأضاف :
" عليك فقط أن تتذكري ما أقوله لك "
وبحركة من معصمه بدأت الفرس السوداء تتحرك بعيدا ، وكان على دابون ان تتجه في اثره .
كانت التربة أكثر جفافا الآن ، وبدأ أنهما يقتربان من المنزل . وعلى مدى النظر كانت دابون ترى حزام الأشجار الواقية المحيطة بالمنزل ، وأمامها سياج من العربات والمباني الخارجية . ورأيا قطيعا من الماشية معظمه من الثيران الصغيرة يسوقه عدد من الحراس . صاروا يرفعون قبعاتهم لتحيتهما . وكانوا يتجهون بالقطيع الى منطقة رعي أخرى .
واخذوا يرقبون دابون بأهتمام لم يستطيعوا اخفاءه . ارتعدت عندما وجدت عددا من تلك الثيران ينحرف بعيدا عن القطيع متجها نحوهما ولكن مانويل أشار اليها بأن تبقى حيث كانت ، ونفر بجواده متصديا لها ودفعها مرة أخرى الى قطيعها.
كان فارسا صغيرا ، ولكن قلب دابون كان قد بلغ فاها عندما خفضت الحيوانات الثقيلة قرونها ووجهتها بشيء من التهديد نحوهما قبل أن تطمئن .
وعندما رجع اليها مانويل بعد ذلك بدقائق حاولت دابون أن تتجنب عينيه . لم تكن تود أن يرى مدى الانزعاج الذي اعتراها .
وكان ببساطة مثالا آخر للآلام التي كان عليها أن تعانيها عندما تركت كامارغ مرة ثانية ...


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:06 PM


المخاوف التي تحققت
واقتربا من منزل سان سلفادور ، وكان قائما بين سياج من الحظائر ، وحلبة صغيرة غير ممهدة لمصارعة الثيران . كانت دابون قد شاهدت مانويل يتدرب فيها ذات مرة مع ثيرانه ، وكانت أشجار البلانيرة المائية تنشر أوراقها العريضة على حافة الطريق كأنها مظلات تقى من حرارة الشمس في فترة ما بعد الظهير ، بينما كانت تحف بالمنزل أشجار الطرفاء وأشجار السرو ، وبسبب خصوبة التربة حول المنزل استطاعت مدام سان سلفادور أن تقيم حديقة صغيرة كانت تزرع فيها الخضر ونباتات أخرى ، فقد كانت تحسن رعاية الحدائق . كانت دابون تذكر ذلك جيدا رغم أن ذكرياتها عن أم مانويل كانت دائما تمتزج بالمرارة .
ونظرت دابون الى مانويل ، وكان قد جذب الفرسين الى حوض ماء في الطرف البعيد من الساحة ، وبدأ يعود تجاهها بخطو واسع متكاسل ، ووقف الى جوارها يتفحصها بعين ثاقبة ، وسألها:
" حسنا ؟ هل تجدين المكان كما عرفته من قبل ؟"
وأومأت برأسها بالموافقة ، وكانها لا تجد في نفسها قدرة الكلام ، ومد مانويل يده يقودها الى المسطبة المنبسطة المؤدية الى الممر الضيق الذي كان يمتد من مقدمة البيت الى مؤخرته .
لم يمض وقت طويل حتى كانت عيناها قد اعتادتا على الظلام داخل الممر بعد وهج الشمس المنتشر في الخارج ، وأحست بشيء من البرودة يسري في أوصالها ، وفتح مانويل بابا على يساره ودفع بها في شيء من الخشونه الى الداخل ، الى المطبخ الكبير الضخم . كانت نار تشتعل في حاملة الوقود برغم سخونة الجو ، وكان ذلك أول ما جذب نظر دابون ، وأدركت أن هناك شخصا آخر داخل المكان ، وكان ذلك الشخص امرأة في أواخر العقد الخامس من عمرها والى جوارها كانت فتاة صغيرة تساعدها ، وكان عمر هذه الأخيرة يزيد قليلا عن الخامة عشرة .
منتديات ليلاس
وتعرفت دابون على مدان سان سلفادور في الحال على الرغم من أنها مثل مانويل كانت تبدو أكبر بكثير مما عرفتها .
واندفعت عينا المرأة العجوز مكرهة الى دابون عندما أدخلها مانويل الى المطبخ وقالت بصوت يعبر عن القلق الزائد :
" هكذا ؟ أحضرتها اذن ؟"
تحدثت مدام سان سلفادور بالإنكليزية ووسوست دابون لنفسها أن المرأة العجوز تكلمت بالإنكليزية لتجعلها تسمع وتفهم كل مايدور بينها وبين ابنها . وأبدى مانويل اشارة تدل على عدم الآكتراث ، وهو يقول بجفاف:
" هذا هو الذي حدث "
ومسحت مدام سلفادور يديها في خرقة رطبة من القماش ، وأمرت الفتاة الصغيرة بالأنصراف ، ثم اقتربت من دابون وعيناها تلمعان بالغيظ ، وهي تقول :
" لماذا جئت هنا ؟"
"أنك يا أمي تعرفين لماذا جاءت هنا "
ونظرت اليه أمه نظرة تنم عن الآحتقار ، وهي تقول :
" آه نعم ، انني أعرف لماذا هي هنا في البيت ، ولكنني أريد أن أعرف لماذا رجعت ثانية الى كامارغ ، أريد أن أعرف لماذا اعتقدت لمجرد صداقة كانت بينكما ،أن لها الحق في أن ...."
وخاطبها مانويل بالفرنسية :
" أهدئي!"

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:08 PM


كان مانويل قد قال ذلك بشيء من الحدة ولكن بوضوح في نفس الوقت ، وعاودت أمه مشاعر الغضب الصامته فقطع مانويل صمتها متسائلا :
" والآن ، أين ايفون "
ونظر حوله ثم أضاف :
" هل هي مضطجعة ؟"
وبدأ أنها لا تريد أن تجيب على السؤال ، ولكن النظرة التي ارتسمت على وجهها دلت على أنها قد غيرت رأيها ، وقالت بشيء من التحدي :
" بالطبع ، أنها مضطجعة . أنت تعرف أنها دائما تضطجع بعد الغداء ، لقد تأخرت أكثر مما كنا ننتظر ، وأنت تعرف ذلك طبعا "
واتجه مانويل الى الباب بشيء من التراخي ، وهو يقول :
" أذن ، سنذهب لنرى الجدة جيما"
قالها وهو ينظر نظرة خاطفة الى وجه دابون الشاحب . وهزت مدام سلفادور كتفيها ذاتي العظام البارزة . كانت كما تبدو دائما امرأة نحيلة ، وكان شعرها الرمادي يبرز كآبة ملامحها ويجعلها تبدو أكثر نحولا ، وعلقت بقولها :
" كما تريد "
ونادى دابون أن تتبعه :
" هيا بنا "
منتديات ليلاس
وتبعته مندفعة تجاه الباب فرحه بأن تتخلص من وجه مدام سلفادور . واتجه مانويل صوب باب آخر يقع عن بعد على طول الممر الضيق ، ولكن دابون أمسكت بكم ثيابه بشيء من التهور ، وهي تلحف في الرجاء:
" أرجوك يامانويل ، أرجوك أن تعفيني من هذا "
وتردد مانويل ، ثم قال :
" لماذا ؟ وماذا كنت تتوقعين من أمي ؟ أن تقدم لك تمنياتها الطيبة ، وأن ترحب بك ترحيبا حارا؟"
وخفضت دابون رأسها ، وهي تقول :
" لا، لا شيء من هذا "
ثم رفعت بصرها ، وهي تقول :
" ألا ترى كيف تكرهني ؟ كل شخص هنا يكرهني "
ولم يحاول مانويل أن يجادلها فيما قالت رغم أنها كانت تنتظر منه أن يفعل ذلك . وحدثت نفسها بأنه لو كان يكرهها لما أبدى استعدادا لكي يقدم لها النقود . وأخذ مانويل على باب الحجرة نقرا خفيفا ، وجاء صوت ضعيف من الداخل ينطق بالفرنسية :
"أجل "
وفتح مانويل الباب ، وخطا الى الداخل ، وقد ارتسمت على وجهه ملامح مختلفة تماما عن ملامحه عند مغادرة الحجرة السابقة ، وسمعت دابون صوتا ألفته وعرفته ، ولكنه كان أكثر ضعفا مما تعودت ، كان الصوت يقول بالفرنسية :
" آه ، مانويل ، أنه أنت ، هل أحضرت دابون "
وأومأ مانويل مؤكدا ، وهو يحنى رأسه ليمر أسفل المدخل المنخفض ، وأجاب بالفرنسية :
"أنها هنا، ادخلي يا دابون "
وتلكأت دابون عند الباب ، واتجهت العينان اللامعتان اللتان تشبهان عينى الطائر اليها بقلق ، وأشارت جيما اليها بأن تأتي الى جوارها بالفراش ، وتحركت دابون تجاهها بشيء من الإرتباك .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:09 PM

وبادرتها دابون في تردد :
" أهلا جيما ، كيف حالك "
وظلت العجوز تحدق فيها النظر لبضع دقائق جعلت دابون تتملل بقلق ثم التفتت الى حفيدها تومىء برأسها بشيء من الرضى ، وقالت :
" حسنا ! انني ممتنة لك مانويل . يمكنك أن تتركنا وحدنا لحظة "
وحاولت دابون أن تستدرك قائلة :
" آه ، ولكني.... "
ولكن نظرة من عيني مانويل الرماديتين كانت كافية لتسكتها . وذرع الحجرة بخطوات سريعة الى الباب ، وخرج وهو يحي جدته بطريقة تخلو من الكلفة .
نظرت جيما اليها بقلق ، ثم قالت :
" اجلسي هنا على السرير بجانبي "
وأشارت بأصبعها اشارة خاطفة الى وجنتي دابون الشاحبتين ، وهي تقول :
" هكذا . ها قد رجعت الينا "
ورفعت دابون كتفيها بطريقة لا شعورية ، وعلقت على ملاحظة جيما قائلة :
" لفترة قصيرة "
واستفسرت جيما :
" لترى مانويل "
وأجابت دابون :
"نعم"
ولم ترفع بصرها الذي كان قد تركز على رسم لورقة شجر ، كانت تكون نوعا من الزخرفة على المضربة التي تغطي الفراش .
وسألت جيما مرة ثانية :
كانت جيما على غرار مانويل حادة تتجه الى الموضوع بطريقة مباشرة تماما كما كانت امه ، ولكن مدام سلفادور كانت تختلف بعض الشيء .
وأجابت دابون بصدق :
" أنني بحاجة الى بعض النقود "
كانت جيما تضطجع على وسائدها ، وعيناها تضيقان ، وهي تفكر بعمق:
" لقد فهمت، ولكن لماذا تحضرين الى مانويل ؟ لقد كنت اعتقد أنه آخر شخص يمكن ان تلجأي اليه بعد ما حدث "
وتنهدت دابون ، وهي تجيب:
" لم يكن هناك شخص آخر أستطيع أن أطلب منه هذا الطلب "
وسألت جيما :
" وهل أنت مقتنعة بما تفعلين ؟"
وهزت دابون كتفيها ، وهي تقول :
" لاأدري "
وعاودتها السؤال:
" لماذا تحتاجين الى النقود ؟ هل أنت في ورطة ؟"
وأجابت دابون :
" لا! ليس كذلك بالضبط "
منتديات ليلاس
ورفعت دابون بصرها الى وجه العجوز ، وكانت تبدو عليه بعض العقد الجلدية ، قائلة :
" أنظري جيما هذا سر بيني وبين مانويل ، ولا أحد يعرف به . انني آسفة ، ولكن الأمر ينبغي أن يكون كذلك . وأذا كان مانويل يظن أنه عندما يحضرني اليك هنا يمكنه "
وقاطعتها جيما بحرارة ، وعيناها القاتمتان تومضان الشرر :
" أنا الذي طلبت أن تحضري الى هنا عندما أخبرتني لويزا أنك في آرل "
وسألت دابون :
" اذا هي لويزا التي أخبرتك "
وردت جيما :
" بالطبع ، أنك لا تعرفين مانويل "
وأظهرت اشارة تنم عن القلق ، ثم أكملت :
" لا ، كانت لويزا هي المسؤولة عن ذلك . بالتأكيد أنت تعرفين مانويل أفضل من ذلك يا دابون ينبغي عليك ...."
وأشتعلت وجنتا دابون بحرارة ، ونهضت من الفراش فجأة ، وسارت عبر الحجرة الى النافذة الضيقة بطريقة فيها شيء من التشنج ، وسألت جيما :
" أنت لم تخبريني لماذا جئت لتعيشي هنا في البيت ، لماذا تركت العربة"
وأخذت جيما ترمقها لدقائق قليلة ، ثم تكلمت :
" لقد وقع لي حادث سقوط منذ عدة شهور . هؤلاء الأطباء أنهم أنفسهم يخشون الموت . ولذلك يصممون على أن يحموا أي إنسان منه رغم أنه ترياق . لقد صمموا على أن يحضروني الى البيت ، وأن أظل تحت الملاحظة .
ولوت جيما شفتيها ، وهي تبدو قريبة الشبه بحفيدها الى حد كبير ، وهي تقول :
" البرت ؟ أنت تعرفين أنني وألبرت كنا دائما مختلفين . كيف كان من الممكن أذن أن يحدث الأتفاق بيني وبين أرملته ؟ تلك المرأة الباردة ذات الشفاة الضيقة التي لم تفعل من الأشياء الصالحة طوال حياتها غير شيء واحد فقط "
وسألت دابون بفضول :
"وما هو ذاك "
وأجابت جيما ، وهي تجذب غطاء السرير بأحكام :
" لقد ولدت مانويل ، الذي كان ينبغي أن يكون لي أنا ، الثمرة الحقيقية لي ..آه .. نعم ، انني على استعداد لأن أبذل كل شيء من أجل مانويل "
" لقد حدثتني لويزا عن إيفون "
وعلقت جيما بطريقة تنم عن عدم الاهتمام :
" هل فعلت "
واستدارت دابون وهي تستند الى المرآة :
" نعم . لابد أنه كان أمرا فظيعا "
ووافقت جيما ، وقالت بغير أكتراث :
" بالنسبة لا يفون ... نعم "
وهزت دابون رأسها ، وهي تقول :
" ولكنها كانت دائما نشيطة الى حد كبير ، كانت مليئة بالحيوية ، لا بد انها كانت ضربة مروعة "
واضجعت جيما بتثاقل على وسادتها ، وهي تعلق :
" أعتقد أنها كانت كذلك "
وألحت دابون :
" ولكن كيف حدث ذلك ؟ أخبرتني لويزا أنها كانت تشاكس الثيران لأنها هي ومانويل كانا قد تشاجرا "
وأغلقت جيما عينيها ، وهي تقول وقد بدا عليها شعور بالتعب :
" أعتقد أن تلك هي الكيفية التي وقع بها الحادث "
وتساءلت دابون:
" ولكن ، ولكن لماذا فعلت ذلك ؟ ان الجدل مع مانويل بالتأكيد ..."
ورفعت جيما احدى يديها ببطء ، وعيناها مغلقتان وهمست :
" أحس احساسا مفاجئا بالتعب . اتركني من فضلك "
ثم قالت بشيء من الحدة :
" أريد أن أراك مرة ثانية . متى تحضرين؟"
وأحست دابون أن جيما لم تحس احساسا تاما بالتعب ، وأنما كانت تتظاهر بذلك . وقالت دابون ، وهي تلهث :
" ولكن علي أن أعود الى اتكلترا...."
وسألت جيما:
" لماذا ؟ ما الذي يدعوك الى العودة بهذه السرعة"
وأجابت دابون ، وهي تثني خصلة من الشعر خلف أذنيها :
" ان لي عملا "
وعلقت جيما :
" هراء . أنك تختلقين الأعذار ، سوف يعنى مانويل بذلك . أرسليه الي قبل أن تنصرفي "
وهزت دابون رأسها بيأس ، وعندما بدأت عين جيما تنغلقان من جديد ، خرجت من الباب ، وأغلقته خلفها بهدوء .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:10 PM


وشعرت دابون بالتردد عندما خرجت الى الممر ،وسمعت اصواتا من المطبخ .وعرفت أن مانويل كان هناك . وفتحت الباب بشيء من التردد ، ودخلت ورغم أن مانويل كان هناك مع أمه ، فقد تسمرت عينها على الشخص الجالس على الكرسي المتحرك ذي العجلات الذي كان يستقر في وسط المطبخ على الأرض المغطاة بألواح من الخشب . كانت الفتاة التي أ ن تصبح عروسا لابنها ، والشيء الذي كان يثير الدهشة أن إيفون لم تتغير كثيرا بالرغم من الحادث .
كانت دابون تتعجب من قوة شخصية إيفون وكان من الواضح أن أيا من المرآتين اللتين أمامها لم تكن ترغب في تواجدها ، ولكن آراءهما كانت تحكمها تلك العجوز المستبدة التي تعلو كلمتها فوق كلمة أي شخص آخر ما عدا مانويل ذلك الصمت المفروض وهو يستفسر بسخرية :
"هل طلبت اليك أن تنصرفي "
وأومات دابون بالموافقة وهي تقول :
" يمكنك أن تقول هذا "
وعضت شفتيها ، ونظرت الى الفتاة الأخرى وهي تقول :
" أهلا ! إيفون . لقد أسفت للغاية عندما سمعت بالحادث الذي وقع لك ، ولكن أراك بخير "
ورفعت إيفون حاجبيها المقطبين ، ونظرت نظرة قصيرة تجاه أم مانويل
وسألت ببرود:
" وما الذي يجعلك تشعرين بالأسف، يا آنسة ؟ أكاد أكون متأكدة أن خبر اصابتي قد أسعدك "
وامتقع الدم في وجه دابون ، وهي تقول :
"أنك مخطئة تماما ، أن أي شخص لا يسعه الا أن يشعر بالحزن عندما يسمع بمثل هذا الحادث "
ثم أضافت بشيء من الحماس :
" على أي حال أنني سعيدة أن الحادث لم يخرس لسانك الحاد يا إيفون "
وردت إيفون مغضبة :
" كيف تجروين أن تقدمي الى هنا ، وتتحدثي الي بهذه الوقاحة . أنت !"
ورفع مانويل عينيه تجاه السماء ، وهو ينطق بالفرنسية :
"اذاكنتم تحبون الله "
ونظر الى دابون ، وهو يقول :
" كفي عن هذا التشاحن ، لا أقبل بالذي يحدث أمامي "
ثم أضاف :
" أجلسي ! لقد أعدت أمي بعض القهوة وسوف نشرب منها قبل أن ننصرف ... حسنا "
منتديات ليلاس
وراقبت دابون ما يجري بين مانويل وإيفون وهي تعجب لماذا لم تتم مراسم الزواج بينهما من قبل ماداما ينتويان الزواج ، كانت قد علمت من لويزا أن ثلاث سنوات كانت قد مضت منذ وقع حادث إيفون ، ولم يبد لدابون أن ثمة شيئا من هذا القبيل تم ترتيبه .
وبدأ قلبها يدق . ما فرص إيفون في الشفاء ؟ هل يمكن أن تتاح لها الفرصة لتعيش حياة عادية من جديد ، هل يكون بامكانها أن تلد لمانويل طفلا يحمل لقب آل سان سلفادور ، وتنهدت دابون ، لو كان لديها من قبل أي شك في ألا تخبر مانويل عن جوناثان فأن الموقف هنا يجعلها تغير رأيها . كانت حالة إيفون هي الشيء الذي يمكن أن يحول بينهما ، وبصرف النظر عن قسوة إيفون معها في الماضي فأن دابون لم تكن لتحطم آمال إيفون في المستقبل .
تذكرت دابون ما قالته جيما فخاطبت مانويل قائلة بشيء من الغلظة :
" أن جدتك تريد أن تراك قبل أن ترحل . لقد نسيت أن أخبرك بذلك "
وتردد مانويل لحظة ثم خرج من المطبخ ، واعترى دابون شيء من الخوف عندما وجدت نفسها وحيدة في مكان واحد مع إيفون ومع مدام سلفادور .
وقدمت مدام سلفادور فنجان القهوة الى إيفون ثم نظرت الى دابون وسألتها بطريقة مفاجئة :
" متى ستنصرفين "
واستفسرت دابون :
" تعنين متر أرحل الى انكلترا "
" بالطبع"
وجرى لسان دابون فوق شفتيها الجافتين :
"أنني غير واثقة ، ولكن ربما يكون ذلك خلال أيام قليلة "
ونظرت إيفون الى أصابع دابون العارية من أية حلى ثم الى الماسة الطبيعية البراقة على أصابعها ، وسألت :
" اذن ، أنت لم تتزوجي بعد ولم تخطبي؟ "
وهزت دابون رأسها ، وأجابت :
"لا"
واقتربت منها مدام سلفادور ، وهي تسأل :
" هل جئت الى هنا لتسببي المتاعب يا آنسة "
قالتها بحدة وغضب ، كان السؤال صدمة فاجئت بها دابون على غرة ، وأجابت على الفور :
" لا ، لا، بالطبع لا"
وعضت شفتيها قبل أن تواصل :
" لم أكن أود أن أتي الى هنا الى المنزل ، ولكن جيما هي التي رتبت كل ذلك أنكم تعرفون ذلك بلا شك "
ونطقت أم مانويل باستخفاف :
" جيما ، هذه المرأة كانت اساس جميع المتاعب بين مانويل وأسرته . لقد بذلت كل ما في وسعها لتدمر حياته "
وردت دابون بهدوء :
" لكن جيما من أسرته أيضا"
ورفعت مدام سلفادور رأسها وهي تقول :
" هي ليست من الأسرة ، أنها من الغجر ، أنها امرأة كسول لاتصلح الا للخطف وسرقة الخيل ، أنها عجوز شمطاء لا تقدر المسؤولية . تظن أن في مقدورها أن تتحكم في حياتنا بقوانينها الخاصة "
وضمت قبضة يديها بقوة واستطردت :
" أنها تشيخ ، أتسمعين ؟ سوف تموت سريعا ، وعندئذ نخلص جميعا منها ومن سحرها وتعويذاتها ، ومن معتقداتها السخيفة التي أقامت حجابا من البؤس حول هذا البيت "
وابتعدت دابون عنها باشمئزاز ، وهي ترد بنبرة واضحة :
" أنها حقا عجوز ، لكنها لا يمكن أن تكون غير مسؤولة ! ينبغي أن تتذكري أنها كانت أميرة في قبيلتها ، ولولا أن جد مانويل وقع في حبها وأحضرها لتعيش هنا في المنزل لكانت قد تزوجت رئيس القبيلة "
وعلقت مدام سلفادور ساخرة :
" ما هذا الهراء ؟ أهذا ما كانت تقصه عليك ؟ اذن هي تزوجت والد زوجي ولكن ولاءها كان لأسرتها ، وبمجرد أن مات زوجها تركتهم وخرجت تعيش حياة متحررة "
ونهضت دابون على قدميها ، هي تقول :
" أنت تفهمين . لقد كانت تكره أن تعيش في بيت ترى فيه نفس المناظر من نافذة مسكنها يوما بعد يوم وسنة بعد سنه ، ثم أنها عندما مات زوجها كان أبنها قد تزوجك بالفعل "
واقتربت مدام سلفادور بوجهها من وجه دابون ، وهي تقول :
" كيف تجرئين على ذلك ؟ أنت يا من تخلقين المتاعب . تحضرين الى هنا وتتظاهرين أنك تبحثين في ثقافة الغجر ومعارفهم ، وتحاولين أن تغوي ابني بحديثك عن المعرفة والثقافة . تلك الكلبة العجوز الخرفة شجعتك أيتها المغفلة . ألا تعرفين أنها ترغب في عمل أي شيء يغيظني ، ولو كان اقامة حفل عرس بينكما أنتما الاثنان لتجعل ما ترتكبانه يبدو وكأنه عمل سليم شريف في نظر ابني "
استمرت تقول ذلك وأيفون عن بعد تتحفز على مقعدها المتحرك وعيناها تلمعان من فرط السرور والتشفي وصارت دابون تلهث وهي تضم فتحة رقبة قميصها بأصابع مرتعشة ، ووجدت نفسها تصرخ قائلة :
" أنك حقود كاذبة "
وسقطت الى الخلف مذعورة عندما امتدت يد مدام سلفادور تصفع وجهها صفعة مؤلمة، ودخل مانويل غاضبا يصيح :
" ما الذي يحدث هنا؟ "
وحملق في دابون التي كانت تقف في فزع ، ويدها على خدها الملتهب من أثر الصفعة ، ثم حملق في أمه التي كانت تتشبت بطرف المنضدة الخشبية المغطاة بالطلاء تحاول أن تتماسك عليها وهي تصرخ :
" أطردها من البيت .... لقد سبتني بأفظع السباب ، كيف تحضرها هنا وأنت تعرف شعورها نحوي ، ونحو كل شيء ؟"
وصرخت دابون قائلة :
" هذا ليس صحيحا....."
وأخذت دابون تحملق في الأشخاص الثلاثة ، في مدام سلفادور التي كانت تجهش بالبكاء ، وفي ايفون التي تحاول عبثا أن تسري عنها وفي مانويل الذي كانت تبدو على وجهه ملامح الغضب ، وهو لا يعرف من يصدق . وانطلقت من أمامهم جميعا ، وهي تتعلثم ، انطلقت من المطبخ الى الساحة الخارجية لتصبح أكثر وحدة مع الدجاج ومع طائر الباشق .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:11 PM


وقفت دابون أمام المبنى مباشرة تتنفس تنفسا عميقا ، وتحاول أن تهدىء من خفقات قلبها التي تدق بعنف . لم تكن في حياتها من قبل قد أحست بأنها أهينت مثل تلك الآهانة ، حتى في تلك المناسبة منذ ثلاث سنوات مضت عندما أخبرتها مدام سلفادور بطريقة حاسمة مؤكدة بالتزامات مانويل . عند ذلك كان لديها بصيص من ألأمل الذي كان يساعدها على أن تتحصن ضد ليالي الوحدة المقبلة ، أما الآن فلم يكن هناك شيء كانت تشعر بأنها قد أصبحت وحيدة يأسة .
كانت دابون مهمومة حول حالتها البائسة الى حد أنها لم تلحظ أن شخصا ما قد خرج من البيت ، وعبر الساحة المجاورة لها ، وأخذت بعنف عندما نادها مانويل :
"دابون"
وكان صوته يختلف تماما عن الصوت الذي كان يتحدث به داخل البيت . وتحركت بعيدا عنه بشيء من الخوف ، وصار يتمم بطريقة تدل على أنه قد فقد صبره ـ وناداها مرة ثانية :
" دابون ، أرجوك "
كانت عيناه قاتمتين من الأنفعال وهو يقول :
" كفي عن النظر الي هكذا كما لو كنت تخشين أن أضربك ! أنني لا أنوي ذلك أنني أسف لأنك واجهت ما حدث "
وخرجت أنفاس دابون في قفزات مسرعة ، وهي تستفسر بتردد:
" هل تعتبر هذا اعتذار عما حدث في الداخل ؟"
وضاقت عينا مانويل ، وهويردد:
"أنني لا اعتذر لأي شخص ، أنني فقط أعبر عما أشعر به "
منتديات ليلاس
وهزت دابون رأسها هزة خفيفة ، وهي تتساءل :
" أنتم ، أنتم يا آل سلفادور ماذا تظنون أنفسكم "
واستطعت أن تقمع رغبة في البكاء كانت تعتمل في نفسها ، وأكملت :
" لم أكن أرغب في الحضور الى هنا ، ولم أكن أرغب في هذه المواجهة مع أمك ، ومع ذلك فأن أحدا لن يعفيني من اللوم "
ولمعت عينا مانويل ، وهو يسألها :
" هل تعتقدين أنني ألومك "
وأومات برأسها :
" نعم ، نعم . لقد عاملتني كدمية منذ وصولي ، وجعلتني أرقص على نغمتك لأنك الأقوى . حسنا ، كفى , لقد قررت أن أنهي هذا الموضوع كله. يمكنك أن تحتفظ بنقودك ، لا أريدها "
وناداها بحدة :
" دابون"
ولكنها استدارت بعيدا ، وجرت عبر الساحة الى حيث كانت ميلودي واقفة تنتظرها ، وقفزت الى السرج ، وهي تتجاهل أوامره بأن تترك الفرس ، ثم وكزت الحصان بمؤخرة قدميها ، وبدأ الحيوان يقفز بسرعة الى خارج الساحة قبل أن يتمكن مانويل من اللحاق بها . قفز مانويل على سرج حصانه ، وأحست دابون برعشة من الخوف تسري في جسدها ، فقد كانت تعلم أن هذا هو آخر ما يمكن أن تصل اليه في عنادها لمانويل الذي كان قد نفذ صبره معها .
ولم تتوقف لتقدير نتائج سلوكها معه ، بل اتحنت برأسها على جسد ميلودي تستحثها على الاسراع وهي تقفز بسرعة عبر السهل الممتد من الأراضي العشبية التي تواجه مزرعة سان سلفادور ، وصارت الفرس تعدو عبر المرج ، ولكن دابون كانت في هذه المرة تسيطر تماما على المقود ، وكانت الريح وهي تتخلل شعرها تبعث فيها شعور بالصحة والقوة بعد أن تخطت حدود المزرعة الضيقة وما يصاحبها من جو الشك والكراهية .




سفيرة الاحزان 06-10-10 01:13 PM


كانت هي وفرسها تخوضان في أحدى البحيرات الضحلة عندما وجدت فرس مانويل الأسود قد لحق بها ، ووجدت مانويل الى جوارها يحاول أن يصل الى لجام حصانها ، ولكنها انحرفت بعيدا بالفرس حتى كاد مانويل أن يسقط من حصانه ، وعندما أدارت رأسها الى الخلف لتنظر ما أصابه كانت ميلودي قد استدارت بطريقة مفاجئة وألقت بدابون جانبا من فوق سرجها ... لقد طارت في الفضاء ثم بدات تهوي بنعومة في ماء المستنقع الموحل ، وصاحت ، ولم تكن تعبيرا عن الألم أو الشعور بالالتواء ، ولكن كانت أسفا على ما أصاب بنطلونها القشدى وقميصها الأرجواني ، فقد تلوثا تماما .
وظلت ساكنه هناك للحظات ، لا تود أن تنهض شعورا بالضيق لما وقع لثيابها ، ولكن مانويل كان قد ترجل من ظهر فرسه الأسود ، ووقف الى جانبها . وانحنى على عجزه ، وصار يحدق فيها بقلق ، وصاح بصوت مبحوح :
" دابون ! هل أنت بخير ، وهل أسأت اليك "
ورفعت دابون بصرها اليه بارتباك ، واسنتدت الى مرفقها ، وهي تقول بيأس :
" لقد اتسخت ملابسي ، هذا ما حدث "
أخذ عنادها يذوب تحت نظرته التي تعبر عن الاهتمام بسلامتها ، وكانت ستارة من شعرها تتدلى على وجهها ، وهزت رأسها وهي تقول :
" أسفة يا مانويل . لقد كان سفها مني أن أسلك هكذا "
ونهض مانويل على قدميه ، ومد يديه الى شعره يمشطه بها ، وهو يقول: " أوه ، دابون ، بالله عليك قومي "
ورفعت دابون بصرها اليه وهي تحس بوجوده وبقوته وبشخصيته المثيره ، وبحاجتها الماسة اليه . كانت تحس احساسا قويا بكل ذلك ، وقالت له بشيء من الاصرار:
" ساعدني على النهوض يا مانويل ، الا اذا كنت تخشى أن تتسخ يداك "
منتديات ليلاس
والتفت مانويل ومد اليها يده على الفور وهو يحاول أن يسيطر على تعبيرات وجهه ووضعت دابون يدها في يده وهي تحس ببشرته تلفح بشرتها رغم أن جلده كان رطبا ، وجذبها الى أعلى بسهولة ويسر ثم أطلق يدها ، واستدار ليمسك بسير لجام كونسيلو بحركة آلية .
ونقبض حلق دابون وبدا انفعالها واضحا ، وكان مجرد النظر الى رأسه من الخلف يسبب لها قدرا من الاثارة ، وبدات تفكر في جوناثان وفي المخاطر الكبيرة التي جازفت بها لمجرد وجودها بالقرب من مانويل ، وأدركت أنها كادت تخاطر في لحظات قصيرة بأن تجعله يفعل شيئا ربما أدى الى أن يحتقرها أكثر مما كان يفعل من قبل ، ومن أجل ماذا ؟ مجرد نزوة ! نزوة طارئة لا تدوم غيرلحظه تختفي معها كل الاعتبارات الأخرى.
ورجع اليها ملنويل بعينين متوترتين وقد استعاد سيطرته على نفسه ، وهو يسأل :
" هل أنت مستعدة ؟"
وأومات متباطئة ـ فأكمل :
" حسنا اذن سنعود الى البيت ؟"
وذعرت دابون :
" الى البيت ؟ لا، لا أريد أن أعود ثانية الى هناك "
ورد بصوت بارد غير مكترث :
" هل تعتزمين أذن أن تدخلي المدينة هكذا "
ونظرت دابون الى ثيابها الملوثة بالطين ثم مدت يدها الى شعرها الأشعث وصارت تتعلثم :
" وماذا ؟ لا مفر من ذلك ، أليس كذلك ؟"
وتردد مانويل ، ثم تنهد بعمق وقال بحسم :
" سوف نذهب الى الكوخ "
وارتعشت دابون وهي تقول :
" لا بأس "
وأجاب مانويل بالفرنسية :
" أذن ، هيا بنا "

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:15 PM


وامتطى مانويل ظهر كونسيلو ، وأمسك بسير لجام ميلودي بينما كانت دابون تتسلق الى مقعدها في السرج ، ودون أن ينطق بكلمة أخرى وخز فرسه بمؤخرة قدميه ، وبدات الفرس السوداء تجري برشاقة عبر المستنقع ، ولم يمض وقت طويل حتى كانا قد وصلا الى الكوخ ، ولكن دابون لم تكن تشعر بمرور الوقت ، ثم بدات تغتسل بمياه البئر خارج الكوخ المسقوف بالقش ، بينما دخل مانويل الى الكوخ ليحضر شيئا من الشراب . وبدأ الطمي يختفي سريعا من يديها وذراعيها ، وتمنت لو كان بوسعها أن تخلع قميصها لتبلل رقبتها وكتفيها بالماء ، ولكنها لم تستطع بالطبع أن تفعل ذلك ، واكتفت بأن حلت أزرار القميص ، وبدأت تبلل رقبتها بالماء الذي أخذ ينساب ببرودة على جسدها الدافيء.
وصارت تحملق بطريقة مركزة في الفضاء مستغرقة في أفكارها ، عندما خرج مانويل من الكوخ وصار يسير نحوها بخطى قوية . وعراها الاضطراب في الحال ، وبدات تشد القميص الى جسدها في صمت وارتباك ، بينما صار مانويل ينظر نحوها بافتراس وسألها في خشونه:
" بالله ، ماذا تفعلين الآن "
وأخذت عيناه تستقران في تثاقل عليها :
" وردت دفاعا عن نفسها :
" لقد شعرت بالحرارة ، فحاولت أن أرطب نفسي "
وصار مانويل يتفحص بطريقة مكثفة وجنتيها اللتين علتهما حمرة الخجل ، وهويعلق :
" من غير المعقول أن تتخذي من السهل المنبسط مكانا للاستحمام ، فلربما فاجأك شخص هنا . عندئذ كيف تتصرفين "
منتديات ليلاس
وارتعشت أصابع دابون ، وهي تحاول عبثا أن تغلق أزرار القميص ، وقالت في شيء من التردد ، وكأنها توجه اليه الاتهام :
" بالطبع من حقك أن تقول ذلك ، حسنا ، ها أنت قد فاجأتني فماذا يمكن أن يحدث في مثل هذا الموقف ؟"
واكتست عينا مانويل فجأة بلون قاتم وصار يقول :
" ماذا تنتظرين أت يحدث في مثل هذا الموقف ؟"
وتسمرت أصابع دابون أمام نظرة عينيه ، وأدركت أنها تجاوزت الحد بدرجة كبيرة في تلك اللحظة ، وأنها قد خطت تجاه المجهول . حاولت أن تبدد التوتر الذي أخذ يحوطهما فتحركت بسرعة بأمل أن تقف عند الطرف الأخر من البئر ولكنه كان أسرع منها .
وعاودت أخيرا وكان مانويل لازال يوليها ظهره وظلت تنظر اليه وأخذ يتحرك تجاه البئر وانحنى يتناول بعض الماء بيده ليرطب به وجهه ورقبته ، ومد يده المبللة بالماء الى شعره ، ثم بسط قامته ، وأخذ يثني عضلاته بشيء من التراخي قبل أن يستدير تجاهها وملامح وجهه تكاد تمزق عواطفها ، كان وجهه مفعما بالمرارة وبمظاهر الوحدة القاتمة .
واتجه الى فرسه السوداء دون أن ينطق بكلمة ثم قفز الى السرج وعاد الى حيث تقف دابون يرمقها بنظرة تنم عن الاحتقار ، ووجه اليها كلامه بشيء من القسوة :
" اركبي "
واستسلمت دابون للأمر الصادر اليها بشيء من التردد ، ووخز حصانه بمؤخرة قدميه دون أن ينطق بكلمة ، وانطلق تاركا اياها وراءه لتتبعه . كان يسبقها بمسافة كبيرة طول الطريق الى ضواحي آرل ، وطلب اليها أن تترجل قبل الفندق بمسافة ، ونظرت اليه بارتباك ، فقال لها بشيء من البرود :
" لا أريد أن أدخل المدينة ، وأنا واثق من أنك لن تجدي صعوبة في العودة الى الفندق ، واذا حدث ذلك فبامكانك أن تسألي أي انسان يسير على الطريق ، وسيكون من دواعي السرور لأي رجل أن يوقوم بارشادك"
وقفل راجعا دون أن ينتظر الاجابة ، وتركها في حالة أسوأ بكثير مما كانت تعاني طوال حياتها .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:16 PM


تلك الاحتفالات الغجرية
ولم تستطع دابون أن تتفهم حقيقية موقفها قبل أن تحل صباح اليوم التالي . ظلت طوال الليلة الماضية مغمورة بالحزن ، ولم تكن تحس بشيء سرى أنها كانت فاقدة الحركة ، ورغم أن النعاس غلبها في النهاية كانت تقطع نومها أحلام مفزعة ، رأت مانويل يجذب جوناثان منها بقوة ويذهب به بعيدا حيث لا تجد سبيلا للوصول اليه .
وجلست في الصباح وعيناها أضناهما القلق تحدق بصورتها في المرآة ، تحاول أن تجد الايحاء من وجهها الذي كانت تبدو علية الكآبة . كان كل ما يلح على ذاكرتها هو وجه مانويل عندما التفت اليها في الكوخ ونظرات الاحتقار والمرارة تبدو على وجهه . كانت بالنسبة اليها أقسى من الأتهام الصريح . وصارت تفكر : لماذا يلومها لأنها تصرفت كما فعلت ؟ هل كان يظنها المرأة التي تستثير الرجل بمكر وسخرية ثم تنسحب بصلابة استهتارا بمشاعره ؟ ألم يكن يشعر بأن ما حدث آلمها كما آلمه ؟
ووضعت رأسها بين يديها ، واستقر مرفقاها على الحافة الخشبية الملساء ، وبدات نظرات خاطفة من الماضي تنطلق بسرعة الى الذاكرة لتزيد من آلامها .
منتديات ليلاس
وبدات تسترجع صورتها عندما حضرت لأول مرة الى كامارغ منذ ثلاث سنوات كانت فتاة لا تجربة لها ، على وشك أن تكمل برنامج اعدادها وتدربيها كمعلمة ، تذكرت كيف أتيحت لها الفرصة لزيارة فرنسا لمدة ثلاثة شهور ، وكيف انتهى بها الأمر الى أن تقضي معظم هذه الشهور الثلاثة في أقليم البروفنس .
كانت قد أمضت فترة تدريب أساسية في باريس ، واستأجرت بعد ذلك سيارة قديمة خرجت بها في نزهه الى الجنوب ، وأمضت عشرة أيام تستكشف فيها قلاع وادي اللوار . كان الوقت هو شهر مايو ، وكان الجو منعشا بدرجة تجتذب جيوش البعض التي كثيرا ما تتواجد في تلك المنطقة .
كانت المنطقة حول آرل وحول سانت مارى مزدحمة بالغجر والسياح حضروا جميعا بمناسبة الاحتفالات السنوية تخليدا لذكرى قدوم القديسات الثلاثة اللاتي أعطين اسمهن للمكان ، وبذلك أصبح يعرف باسم سانت مارى . ولكن الغجر قدموا بيعتهم الى سارة الخادم السمراء للقديسات الثلاث ، ورغم أن البابوية في روما لم تعترف لسارة بهذه القداسة في أي يوم من الأيام فقد ظلت الشعوب الغجرية تقدسها ، وحيكت كثير من الأساطير حولها .
وعرفت دابون شيئا كثيرا من هذه الأساطير ، ولكن الذي كان يشدها الى السكان في ذلك الوقت كان مجرد الأجتماع الكبير بذلك الحشد من الناس. ولم يكن معها سوى آلة تصوير ، وبعض المذكرات لتسجيل انطباعاتها عما تراه عندما قدمت في صباح مشمس لأول مرة الى سانت مارى ، ومع مجيئها قابلت قدرها . لم تكن السيارة القديمة التي استأجرتها سيارة يعتمد عليها ، وعندما لم تستجب السيارة للتوجية واندفعت في احدى القنوات ، ولكن كتبت لها الحياة ، حين وجدت نفسها على أطراف مخيم الغجر . كان هناك شاب وسيم ساعدها على الخروج من القناة ، واصطحبها لتقابل جدته بعد أن صمم على أن تقبل دعوته .
كان الشاب هو مانويل وكانت الجدة هي جيما ، ولم تكتشف ، الا بطريقة عارضة فيما بعد ، أن مانويل كان ينتسب الى الغجر بنسبة الربع فقط ، وأما ثلاثة أرباع نسبه فكان الى الطبقة الأستقراطية في أقليم البروفنس .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:18 PM


وبدات دابون تدرك مدى حرج موقفها وحدود علاقتها بمانويل عندما عاد السيد سلفادور وزوجته . ومع ذلك فقد رفض مانويل أن يحول بينه وبينها أي شيء أو أي إنسان وظل يزورها باستمرار ، وكانت دابون قد قابلت أبوية وشقيقته لويزا ذات الأربعة عشر ربيعا وأذهلتها المشاعر الباردة التي كان الأبوان يظهرانها تجاه نجلهما الوحيد .
واتيحت لها الفرصة بعد ذلك لمقابلة ايفون ديماريس ، وكانت مدام سان سلفادور وايفون فيما بينهما قد جعلتا دابون تفهم أن مانويل يعتزم الزواج من ايفون ، وأن ذلك الأمر كان قد تم الاتفاق علية منذ طفولتهما، وأن لا شيء ولا إنسان بستطيع أن يحول دون ذلك الزواج .
أما جيما بمكرها الفطري فقد كانت تفهم موقفهما أكثر من أي شخص آخر ، وكانت قد لاحظت علاقتهما تنمو وتتطور ، وكانت تعرف بالضبط ما سيصير من أمرهما .
وفي شهر يوليو/ تموز عندما أقيم الاحتفال بعيد مصارعة الثيران في آرل ، دعت جيما أعضاء قبيلتهما من الغجر ليجتمعوا في مزرعة سان سلفادور ، وحضر منهم العشرات مما أثار ثائرة والدي مانويل ، ولكن لم يكن بامكانهما أن يوقفا ذلك أو يحولا دونه ، كان جد مانويل لأبيه قد ترك لابنه مسؤولية أدارة المزرعة ولكن الملكية كانت لزوجته طوال حياتها .
منتديات ليلاس
وعندما حلت الأمسية المخصصة لموكب مدينة آرل ، صحب دابون لحضور مصارعة الثيران في الحلبة ، وكانت حرارة ما بعد الظهيرة شديدة تلفح البشرة ، وكانت رائحة الموت تفوح في الهواء مختلطة برائحة العرق من الأجسام الكثيرة المحترة .
وبدأ أن مانويل هو الآخر كان يحس بذلك ، وقد اظهر من الطيش وعدم المبالاة في تلك الأمسية مالم تعهده من قبل ، فعندما تحول زئير الناس في حلبة المصارعة الى ملاحظات تهكمية ساخرة بسبب عدم كفاءة أحد المصارعين هب فجأة من مقعده ، وقفز الى الحلبة ليأخذ مكان المصارع وأخذ رداءه ، ولم تملك دابون الا أن ترقبه في صمت يخيم علية الفزع . كان يقوم بحركات ألهبت حماس المشاهدين الى نوع من الجنون فصاروا يصيحون ويشجعونه على أن يطعن الثور الطعنة القاضية .
ولكن مانويل لم يقتل الثور بل ظل يقامر مع الموت لدقائق عديدة طويلة، وعندما ترك الحلبة لم يكن ملطخا بالدم القاني السائل على الرمال ، ووقف الثور حائرا يخفق قلبه باضطراب .
كانت دابون هي الأخرى تعاني من الأضطراب ، وقبل أن يتمكن مانويل من العودة الى مقعده انطلقت مندفعة ووجدها في الخارج ترتعش ةتعاني من الدوار وعندما حاول أن يؤاسيها ابتعدت عنه ، وهي تأبى أن تسامحه على ما سببلها من ذعر .
وعادا الى مخيم الغجر رغم اعتراض دابون ، وقص مانويل على جيما ما حدث ، ولكن جيما أكتفت بالضحك وأخذت توبخ دابون على نقص شجاعتها وكيف أنها أخطأت عندما تصورت أن مانويل لم يكن يعرف ما كان يعمله ، وكانت دابون قد اهتزت بعنف لما وقع وأصبحت مقتنعة أن الحياة دون مانويل حياة بلا معنى .
كانت تلك الأمسية ذروة الأعياد في المخيم ، وكانت الموسيقى أكثر صخبا ومع ذلك أكثر تأثيرا عما سبق لدابون أن سمعته من قبل وهيىء لها أن آلات الكمان كادت تصل اليها وتمزق عواطفها . ولم تكد تشعر بالناس من حولها وهم يرمقونها بنظرات الاستغراب ويلمسون ثيابها وبريق شعرها الأسود الحريري وهم يتمتمون لأنفسهم بلغة فيها شيء من الموسيقى .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:20 PM


لقد أكتشفت ذلك سريعا ، فعندما بدأت ألسنة النار في المخيم تلقي بعض الظلال على التراب الأسمر ظهرت جيما في ثوب القيادة النسائية أي الأم القائدة لقبيلة ، وكان يطلق على ذلك الرداء اسم فيوري داي في لغة الغجر ، وأطبق على المجتمعين في المخيم سكون أدركت معه دابون بشيء من التوتر فنظرت الى مانويل الذي كان يقف الى جوارها لعله يفسر لها ما يحدث .
وبدت عينا مانويل ناعمتين تشع منهما الرقة والملاطفة ، رغم أن مهج العاطفة كان يتأجج في أعماقهما .
لم يكن بوسع دابون أن تتذكر بالتفصيل ما وقع بعد ذلك ، فقد كان مشوشا في ذهنها ، وبدأت الأحداث تتابع في سرعة ، ولم تستطع أن تتبين أن ماكان يجرى في تلك اللحظات كأن طقوسا للزواج تربطها هي ومانويل الا عندما تقاسما كسرة من الخبز المملح ، كانت خائفة في أول الأمر وقد تشوش ذهنها بسبب الصياح وبسبب الموسيقى التي بدأت من جديد بطريقة أكثر حدة وأكثر اثارة للحواس فضلا عن الحشد الكبير من الغجر الذين كانوا جميعا متحمسين ليروا ما يجري من طقوس .
واستمر الأحتفال والرقص الى ساعة متأخرة من الليل ، ولكن دابون ومانويل انصرفا قبل ذلك بكثير ، وكانت جيما قد أعدت لهما العربة الخاصة بها .
منتديات ليلاس
وعندما بدأت دابون الآن تستعرض الأحداث ، أدركت أنها هي ومانويل كانا قد سايرا مد الحماس والبهجة التي صنعها الغجر ، ولكن ذلك كان تطورا طبيعيا لما كان بينهما من علاقة . وكانت مجرد ذكراها لتلك الليلة التي أمضياها سويا تجعل الدماء تندفع الى وجنتيها .
ودفنت وجهها في كفيها ، وبدأت تشعر بنوع من تأنيب الذات ، لو أنها كانت قد فكرت فقط في عاقبة ما حدث ، لو أنها تبينت أن كل ما حدث لم يكن الا مشهدا تمثيليا أريد به أن تتاح لمانويل الفرصة لاشباع رغباته بطريقة تبدو شريفة وجميلة . وعندما تركها مانويل في الصباح التالي قبل أن تستيقظ ليعود الى منزل أسرته كان ذلك آخر عهدها به ، كانت تتوقع أن يعود اليها خلال اليوم الطويل ، ربما ليأخذها معه ، وليقدمها الى أبويه مع توضيح لما حدث ، ولكن مانويل لم يعد ثانية ، وعندما حل المساء كانت دابون في حالة من الهياج ولم يكن معها من تبثه شكواها . كانت جيما الحليف الوحيد الذي ربما يقدم لها المساعدة قد رحلت مع باقي أفراد القبيلة في الصباح الباكر ، لتترك لهما العربة .
وبدات الشكوك الآن تساور دابون .. ماذا يكون الحال لو اتضح أن جيما كانت تعلم منذ البداية أن كل الذي حدث كان خدعة ؟ ماذا لو اكتشفت أن اختفاء جيما في ذلك الصباح الباكر كان بقصد أن تتجنب عواقب ما حدث؟
وسمعت صوت حوافر الحصان جعلتها تسرع الى النافذة وتحدق في الظلام الذي تخترقه أشعة القمر ، ولكن الراكب لم يكن رجلا ، بل كان مدام سان سلفادور وطلبت أن يسمح لها بالدخول .
ولم تكن دابون تملك الا أن تقف الى جوار الباب وتسمح بدخولها ، رغم أن مظهرها لم يكن يحمل معه سوى الخراب ، ونظرت باحتقار الى وجنتي دابون المبللتين بالدموع ثم أعلنت أنها قد حضرت بالنيابة عن مانويل ، وأوضحت أن أبنها يشعر بالخجل من فعلته ، وأنه لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يعبر بها عن الأسف الذي يشعر به ، وكان من الواضح أنه أخبر أبويه بكل شيء ، وبالرغم من أنهما لم يستطيعا أن يغفرا له ما وقع منه ، فقد كانا يشعران بأنه مادام قد رجع اليها يطلب الصفح ، فأن ذلك يكفي في نظرهما للدلالة على أنه قد عرف واجبه طفولتهما ، وأما تورطه مع دابون فأن ذلك كان أمرا يمكن أن ينسى ويغتفر ، ولابد أن دابون قد أدركت أن طقوس الزواج تلك كانت مجرد استعراضات للترفية والمرح ، وأن المشاركين فيها لا ينبغي أن يأخذها بجدية .



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:21 PM


وكان مع أم مانويل الدليل الحاسم على صدق دعواها ، الدليل الذي قطع عليها كل شك في أن ما حدث كان هوانا وتحقيرا لها فقد أبرزت مدام سلفادور أذنا للدفع شيك بخط مانويل يدفع لها بمقتضاه خمسة آلاف جنيه من حسابه المصرفي بانكلترا . ولم تملك دابون الا أن تمزق ذلك الأذن المصرفي وتلقي به في وجه أم مانويل . كان ذلك شفاء لغليلها رغم أنها كانت تعرف تماما أن مدام سلفادور كانت تتمنى أن يكون مصير أذن الدفع هكذا .
لم يكن أمام دابون بعد ذلك الا أن تتصرف ، وتأخذ الطائرة في اليوم التالي في رحلة ما بعد الظهيرة من مارسيليا . كانت فاقدة الحس تماما بسبب ما كانت فيه من حزن ، ولم تكن نقيصة مانويل التي وقعت منه بقادرة على أن تخلصها من الذكريات التي تقاسماها سويا . لقد كان عاشقا ولهانا ، كان مجرد الخاطر بأنها لن تراه من جديد مؤرقا لها .
وبعد أن رجعت الى أنكلترا ، وبدأت آلام الشعور بالتحقير تهدأ كان من الطبيعي أن تظن أنه ربما يتبعها الى هناك ، فقد كلن بوسعه أن يتعرف على عنوانها من الفندق وأن يبحث عنها في انكلترا ، وكانت تظن أنه ربما يندم على انهائه العلاقة بينهما بتلك الطريقة المختصرة ، ولكن ذلك لم يحدث ، وبدت تلك الفترة التي قضتها في فرنسا وكأنها لم تكن جزا من حياتها ، وحق للعمة كلارى أن تتساءل كيف يتأتي لابنة أخيها التي كانت تكتب بكا حماس عن فرنسا وعن البروفنس أن يتحول لديها كا ذلك فجأة الى بغض وكراهية .
منتديات ليلاس
وعندما اكتشفت دابون أنها كانت حاملا اعتراها الذهول ، وكانت حالتها العقلية توحي لها بأنه لا مكان في هذا العالم لها أو للطفل ، ولو لا تدخل كلارى لا قترفت سيئا رهيبا ، والذي حدث أن عمتها عرفت الحقيقية منها ، وبذلك استطاعت دابون من خلالها أن تستعيد قدرتها على التفكير السليم ، ورغم كل شيء فقد كانت شابة وأمامها حياة رحبة ، ولم تكن وحدها التي حدث لها ذلك الذي وقع ، فكم من امرأة عانت من نفس المعاناة ، واستقر رأيها على ألا تخبر مانويل بحملها .
وكانت العمة كلارى امرأة عظيمة حقا ، فقد وافقت على أن تحتفظ دابون بالطفل ، وعندما ولد جوناثان ن لقى من الحب ومن التدليل ما يلقاه أي طفل آخر ، وحصلت دابون على وظيفة في التدريس ، وأخذت عمتها مسؤولية رعاية الطفل خلال فترة عملها وكانتا تعيشان عيشة راضية ، لم يكن لديهما الشيء الكثير من النقود ولكنهما لم تكونا معدمتين ولكن عندما مرضى جوناثان ، ادركت دابون أن بامكان مانويل أن يقدم له الشيء الكثير لو أنه عرف بخروجه الى قيد الحياة .
والذي حدث أنه منذ أسابيع قليلة كان الطبيب قد أخبرها أن الطفل بحاجة الى الاستجمام من مناخ بريطانيا الرطب ، واخذت كلارى تقول لها دوما برفق أنها ينبغي أن تفعل شيئا لمعالجت ذلك الطفل .
ونهضت دابون من أمام المرآة وهي تجفف عينيها بيد متهالكة . ما الذي كان عليها أن تفعله ؟ لم يكن بمقدورها أن تبقى هنا الآن وخاصة بعد أن ألقت بالنقود التي عرضها عليها مانويل ثانية في وجه أمه ، وكان من السفة أن تبقى بعد الذي وقع في الكوخ ، وجعلت تفكر ..... لقد أثبت لها بطريقة بارعة أنه قادر على تحطيم ارادتها الآن كما كان دائما من قبل .
وأخذ قلبها يدق بسرعة عندما سمعت نقرا على الباب ، وصارت تستفسر:
" من بالباب ؟ ماذا هناك ؟"
وجاء صوت الخادم من الخارج تقول بالفرنسية:
" أنه الهاتف يا آنسة ! هل تنزلين لتردي على الهاتف"





سفيرة الاحزان 06-10-10 01:22 PM


وقفز قلب دابون فقد خمنت أنه لابد أن يكون هنري ... وكان هنري قد أخبرها أنه سيتصل بها هاتفيا اليوم . وكانت سعيدة في قرارة نفسها لأنه كان متحمسا للقائها . كانت الساعة لم تتجاوز التاسعة صباحا ، ومع ذلك فقد طلبها بالهاتف .
" سوف أنزل خلال دقيقة "
وبدأت ترتدي بنطلونها .
كان صوت هنري رقيقا ولكنه كان يعبر عن سرعة الانفعال ، وكان يقول:
" دابون ! أوه ، أنني سعيد للغاية اذ أسمع صوتك مرة أخرى . كيف حالك "
منتديات ليلاس
وأجابت دابون بأدب ، واستفسر منها هنري بصوت ينم عن الاستغراب:
" أن صوتك يدل على أنك غاضبة ، هل هذا بسبب مكالمتي أو ماذا أقول؟ هل هو شيء من الانقباض "
" لا ، بالطبع ، لا ، يا هنري أنه لطف منك أن تطلبني ولكنني أسفة ، لأن على أن أرحل حالا .... "
ورد عليها بصوت ينم عن خيبة الأمل يسألها:
" ماذا! ترحلين عن البروفنس "
وأجابته :
" نعم ، من الضرورى أن أ... عود الى انكلترا"
وعاد يسألها:
" ولكن لماذا ؟ لم يمض عليك هنا أسبوع كامل ؟"
وأجابته:
" صحيح ولكن علي أن أعود "
فسألها هنري:
" متى تعتزمين الرحيل "
" انني لست متاكدة ، يكون اليوم، أوغدا ، ذلك يرتبط بامكان الحجز " وألح عليها قائلا:
" أجلي السفر الى الغد يا دابون ! اسمحي لي على الأقل بيوم آخر في صحبتك "
وترددت دابون ، فبالرغم من حرصها على أن تباعد بينها وبين مزرعة سان سلفادور بأقصى ما تستطيع ، كان قلبها من الضعف بحيث قبلت الاستسلام لفكرة قضاء يوم آخر في المنطقة التي لا يفصل بينها وبين مانويل سوى أميال قليلة . كان ذلك الاستسلام تصرفا غبيا يدل على عدم تقدير المسؤولية ، ولكن فكرة السفر المتعجل كانت تجعلها تحس بألم حقيقي .
وأجابت على الدعوة هنري الراهنة بقولها:
" حسنا ، حسنا سأحاول حجز تذكرتي على طائرة الغد . وأحست بشيء من وخز الضمير لما اعتراها من ضعف ، ولكن لم تكن لها حيلة بعد أن جابت بالموافقة، "
وأحس هنري بالأبتهاج وسألها بحماس:
" ما البرنامج الذي تقترحينه؟ انني غير مرتبط بأي شيء طوال اليوم . هل تحبين الخروج للسياحة ؟ لزيارة مزارع الكروم مثلا ؟ أم لنذهب الى ليبو أو نيمز؟"
وارتعدت دابون وهي تقول :
" لا، لا ، ليس الى هناك "
وأضافت على عجل :
" ألا يمكن ،أعني من الممكن أن نذهب الى سانت مارى ؟ أقترح أن نتغدى هناك "
وبدأ أن هنري تحمس للفكرة ، ورد يقول :
" بالطبع اذا كان هذا هو ما تحبين يا دابون . لم يدر بخلدي أن أقترح شيئا بديعا هكذا . متى تكوني على أهبة الاستعداد؟ "
وردت عليه :
" أعطني ساعة منذ الآن ، انني لم أتناول طعام الأفطار بعد، كما أريد الاتصال بالمطار .."




سفيرة الاحزان 06-10-10 01:23 PM



ووافق هنري ثم وضع سماعة الهاتف . وخرجت دابون من حجرة الهاتف ، وهي تشعر أنها أفضل حالا بقليل ، فلقد تأجل موعد رحيلها الفعلي الى يوم آخر ، وكان بوسعها أن تستمتع ببعض الاسترخاء ، وتناولت طعام الأفطار ، ثم صعدت الى حجرتها اترتدي زيا مناسبا ، واستقر رأيها على أن البنطلون يكون أكثر ملائمة .
كانت هناك تذكرة سفر ملغاة على رحلة ما بعد الظهيرة في اليوم التالي ، واستطاعت حجزها ، وعندما خرجت من حجرة الهاتف وجدت نفسها وجها لوجه مع مدير الفندق ، واخبرته بعزمها على الرحيل في اليوم التالي على الأرجح .
وأبد مدير الفندق يستفسر منها قائلا :
" أوه ، يا آنسة ! أرجو ألا تكون هناك أخبار قد أزعجتك من الوطن . هل حدث شيء ؟"
وهزت دابون رأسها ، وهي تقول:
" لا، ولكن علي أن أعود "
وأضافت وهي تبتسم :
" لقد أستمتعت للغاية باقامتي هنا ، وأنني سوف أمتدح هذا الفندق لأصدقائي "
ووصل هنري الى الفندق بعد العاشرة بقليل ، واستقلا السيارة الى سانت مارى . كان هناك سياح وصلوا الى المكان ليزوروا الكنيسة الأثرية من القرن الثاني عشر وكانت قصة القديسات مارى مسجلة في مقصورة الكنيسة . واحست دابون بالأسف عندما وجدت أن المدينة الصغيرة كانت تتحول بسرعة الى مدينة تجارية حديثة . ورات احدى عربات الغجر التي لم تكن موجودة من قبل ، كما كان هناك العديد من الفنادق التي بدأت تطغي على الطابع التاريخي للمدينة .
منتديات ليلاس
وكانت الوجبة التي استمتعا بها في احد المطاعم الشعبية وجبة لذيذة بالفعل ، وتركا السيارة ، وجعلا يسيران على الشاطئ ما دين بعد قليل من الزوار الذين جاؤا يمضون العطلة ويستمتعون بدفء في فترة ما بعد الظهيرة .
سألها هنري:
" هل أنت مضطرة فعلا أن تعودي الى انكلترا غدا "
وجذبت دابون يدها بعيد برفق ، ورفعت رأسها مستندة على مرفقيها ، وأجابت وهي تنظر اليه :
" أعتقد ذلك "
ثم حولت انتباها الى غمامة من الدخان كانت تتصاعد من احدى السفن على مدى الأفق .
وتنهد هنري ، ثم سألها:
" ولكن لماذا ؟ ألست في اجازة ؟ لابد أنك تستطعين البقاء ولو لأيام قليلة أخرى "
وضمت دابون شفتيها ، وقالت :
" ليس الأمر بهذه البساطة ، فان على التزامات في بلدي "
وسألها في ملاحظة ساخرة مترفقة:
" أية التزامات يمكن أن تكون عليك "
وشعرت دابون أنه يستفزها بالتدخل في شؤونها ، فحاولت أن تقطع علية الطريق بقولها :
" أنك لا تعرف شيئا على الاطلاق عني يا هنري ، وقد أكون متزوجة "
ورد عليها:
" ولكنك لا تلبسين خاتما ؟"

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:24 PM

وردت قائلة :
" ليس ذلك قاطعا ، فكثير من الفتيات في انكلترا لا يلبسن خاتم الزواج طوال الوقت ، ولا يوجد قانون يلزم بذلك "
وصار هنري يحدق في وجهها النحيل ، وسألها:
" ولكن هل أنت فعلا متزوجة "
وترددت دابون ، وهي تقول :
" لا"
واسترخى هنري ، ثم بدأ يميل نحوها ، وهو يقول :
" ها أنت قد اعترفت اذن . والآن ألا يمكن أن تطيلي أقامتك هنا ؟ فقط اتسعديني؟"
وهزت دابون رأسها بحزم ، وهي تقول:
" لا ، لاأستطيع"
وأحست دابون بالخطر فنهضت مسرعة لتجلس ولتتجنب النظرة العاشقة من عينية ، وقالت له بشيء من التوتر :
" أرجوك يا هنري ! أرجوك ألا تفسد كل شيء "
ورد هنري :
" لماذا أفسد كل شيء ؟ كنت أظن أنك تستلطفيني "
وأجابت دابون وهي تشبك أصابعها حول ركبيتيها المرفوعتين الى أعلى:
" أنني فعلا أستلطفك يا هنري ، ولكنني لا أريد أن تورط "
وعندئذ سمعته يقول:
" وما الذي تريدينه منى أذن "
وبدات تدرك أنه لم يكن ناضجا بالقدر الذي أراد أن يعبر به عن نفسه ، اذاستمر يقول:
" لقد سمحت لي أن أدعوك الى الغداء ، وسمحت لي بأن أحضرك هنا حيث نكون وحيدين ، ثم تقولين أنك لا تريدين أن تتورطي الى هذا الحد؟"
منتديات ليلاس
حملقت فيه دابون بشيء من الكآبة ، وبدات تشعر بخوف حقيقي حاولت أن توضح له قائلة :
" هنري أرجوك "
وفجأة انتبه هنري الى وجود مانويل واقفا يحدق فيهما ، فحدثه بالفرنسية بشيء من التأنيب :
" مانويل ! ألا تعرفني ؟ أنا هنري "
وتصلب فك مانويل وهو يقول :
" ليس الآن ، يا هنري انني لست على استعداد للهزل الآن "
وتمتم هنري بالفرنسية ، وهو يمسح خده بيده:
" واضح "
وأضاف بالانكليزية:
" لا أكاد أفهمك يا مانويل ، ما الخطأ الذي ارتكبته أنا ، هل تعرف الأنسة كنج"
كانت عينا مانويل كئيبتين ، وأجاب ببرود :
" نعم ، أعرف الآنسة كنج "
وصار هنري يهز رأسه بطريقة مرتبكة ، وهو ينظر في دهشة تجاه دابون ، ولكن دابون كانت مشغولة بارتداء سترتها وبنطلونها فوق رداء البحر المبتل ، ولم تلتفت اليه .
وعندما أكملت لباسها ، قبض مانويل على ذراعها كما لو كانت آثمة ، ثم أومأ ايماءة قصيرة تجاه هنري ، ودفعها أمامه بسرعة على طول الطريق الرملي الى حيث كانت الحافلة الصغيرة تنتظر ، وفتح الباب ودفع دابون بقوة الى الداخل قبل أن يصعد خلفها ويدير المحرك في الحال ، وبدات المركبة الثقيلة تدور على هيئة شبه دائرة وتجري بارتطام على الشاطئ غير الممهد حتى وصلت الى الطريق . وكانت دابون تجلس في مقعدها متصلبة تسرح بفكرها تحاول أن تعرف من أين جاء ؟ ولماذا جاء الى هذا المكان ؟


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:25 PM


وانكشفت الحقيقية
نظرت دابون اليه بشيء من الرفض ، وبعدما كانت تحس له بالجميل لأنه تدخل في الوقت المناسب وأنقذها من هنري ، تحول شعورها الى نوع من الامتعاض ، وأخذت تسأل نفسها ، بأي حق أباح لنفسه أن يتدخل في شؤونها ؟ وكانت قد وصلت الى قناعه بأنها لن تراه ثانية بعد ما حدث بينهما امس ، فما الذي جاء به خلفها ؟ ولماذا بحث عنها ؟ وماذا يريد منها الآن ؟ واستمدت من شعورها بالضيق بعض الشجاعة، وسألته:
" أين تذهب بي الآن؟"
وألقى تجاهها نظرة تنم عن الاستنكاف ، ثم أجاب بوضوح :
" لم أفكر في هذا بعد ، لكنني أظن أنه من الأفضل أن تتخلصي من رداء البحر وأن تجففي نفسك جيدا ، اليس كذلك "
واتسعت حدقتا عينيها وسألته:
" ماذا تعني ؟"
وضاقت عيناه ، وهو يقول :
" لا تتعجلي الاستنتاج ، يا دابون ، ولا تحسبي أني أبله لأنك تبدين على استعداد لتكوني لعبة سهلة في يد أي رجل كان ، فان ذلك يعني ..."
واستثير سخط دابون ، وجعلت تقول :
" كيف تجرؤ على ذلك ؟ كيف تجرؤ على أن توجه مثل هذا الكلام لي "
منتديات ليلاس
وتهدج صوتها وقد شعرت بالمذلة . وقالت :
" أوه ، أنني أكرهك ، يا مانويل "
ولم يتحرك مانويل فقد بقى حيث هو ، وأحست وهي تقف وحيدة على حافة المياة الزرقاء الضحلة أنه قد جعل منها مثارا للسخرية . كان الجو ساخنا ، وبدأت الشمس تلفح رأسها ، واضطرت آخر الأمر أن تعود لتستطل بشجرة البلانيرة المائية .
وخرج مانويل من السيارة وفي فمه سيجار ، وبين يديه منشفة خشنه ، وألقى بها نحوها ، وهو يقول :
" اليك هذه . أنها ليست مغرية ، ولكنها نظيفة على الأقل ، أحتفظ بها للمناسبات التي أحس فيها رغبة للاستحمام بعد يوم مجهد يستنزف العرق ، هيا خذيها . أنها ليست ملوثة "
وصارت ترشش بالماء لبضع دقائق وهي تنظر تجاه الحافلة الصغيرة من بعد ، وبدأ أن مانويل لم يكن يكترث بما تفعل وأضطرت في النهاية أن تخرج من الماء ، وبينما هي تخوض في الماء نحو سيقان الغاب والبوص التي كانت تحدد حافة المستنقع ، سمعت صوت رشاش من خلفها جعلها تلتفت وراءها في رعب ، وعلى بعد أقدام منها كان أحد ثيران كامارغ القوية السوداء يضرب الأرض بحوافره ويخفض قرونه بطريقة تنم عن التهديد .
وبدت دابون للحظة ، وكانها قد تحجرت ، وتعجز عنأن تفكر فيما ينبغي أن تفعل ، كان الثور وحيدا ، وهذا في حد ذاته كان شيئا غريبا، ولم يكن في وسعها الا أن تفترض أنه قد شرد عن القطيع دون أن يلحظ الحراس ذلك ، وكان ثورا أسبانيا ضخما وقويا من الثيران التي تربى لرياضة المصارعة ، وهيئ لها أنها ستصبح طريحة على الأرض وقد ضربها الثور بقرنه فجرحها وشوهها وسالت بقع من دمائها تلطخ مياه المستنقع ، وسيطر عليها شعور بأن ذلك سيكون أمرا حتميا خلال لحظات فقط .




سفيرة الاحزان 06-10-10 01:27 PM



وبدأت دابون تتراجع ببطء بعيدا عن الحيوان ، وهي تحرص تماما على ألا تصدر عنها أية حركة غير منضبطة قد تثير الحيوان فيندفع في هجوم عليها ، وكان الحيوان بدوره يرقبها بعينيه اللتين تشبهان حبات الخرز وهو يصدر صوتا يشبه الشخير ويضرب بذيله ليطرد الحشرات التي كانت تستثيره ، وخطا بضع خطوات في المستنقع وهو يهز رأسه من جانب الى آخر ، وبدات دابون تفقد أعصابها .
وسمعت أصوات الطرطشة المزعجة خلفها ، وأدركت أن الثور كان يخوض في الماء عبر المستنقع وراءها ، ولم تكن تجرؤ على أن تنظر الى الوراء ورأت مانويل يسرع اليها من الحافلة الصغيرة وبيده عصا ثقيلة ، وصار يخوض مياه المستنقع دون أن يكترث بحذائه الجلدي الرقيق ، واجتاز دابون وهو يصيح :
" اصعدي الى مؤخرة السيارة "
وأذعنت دابون فتسلقت من خلال الباب الخلفي للسيارة الى سطح خشبي خشن تنتثر عليه كمية من الحبال والبكرات تنبعث منها رائحة الأحصنة بطريقة نفاذة .
وتنحى الثور جانبا عندما ظهر مانويل ، وتوقف على مسافة من الحافلة الصغيرة يواصل الشخير ويضرب الأرض بحوافره تعبيرا عن الغضب ، وادركت دابون أنه كان يستعد للهجوم ، ولم يكن مع مانويل ما يدفع به عن نفسه سوى يلك العصا التي بيده ، وصارت دابون ترقب المشهد بيأس وهي تتمنى أن يستدير مانويل وأن يجري مهرولا الى السيارة .
وأخيرا بدأ مانويل يتراجع عن الثور ، وعندما بلغ مؤخرة الحافلة الصغيرة دفعت دابون الباب لينفتح وليسمح له بأن يتسلق الى داخل العربة ، كانت الآن ترتعش بعنف ، ونظر الى وجهها المرتعد قبل أن يمسك بكتفيها ويسحبها بقوة . وتراجع مانويل الى الوراء ، وجاس في وضع محدودب ، رجلاه مضمومتان ، ومرفقاه يستندان على ركبتيه ، ورأسه محنية الى أسفل ، ويداه تحيطان بمؤخرة رقبته ، وأخذ يقول في نبرة معذبة :
" يا الهي ، يا الهي ، أنني أريدك يا دابون "
منتديات ليلاس
كانت دابون تضطجع على أرض العربة حيث تركها ، وشفتاها ملتهبتان ، وشعرها يتدلى كأنه غمامة قاتمة تلفها ، وتمتمت بصوت فيه ألم :
" مانويل "
استدار مانويل فجأة الى باب الحافلة الصغيرة ودفعه فانفتح ، وقفز الى الخارج ، وهويلعن بعنف ، وصار يأخذ شهقات طويلة من الهواء الدافئ الحلو وأجبرت دابون نفسها أخيرا على التحرك ، وبدأت تحس بالحبال أسفل جسدها ، وكانت بشرة ظهرها قد أصبحت مشدودة ملتهبة ، وأخذت تجفف نفسها بالمنشفة ، وخلعت رداء البحر ولبست بنطلونها وقميصها، وشعرت بأنها قد أصبحت في حالة أفضل ، وخرجت من المركبة ، وأخذت تعصر المياه الزائدة من الرداء القطني الليموني .
وعندما أحس بها مانويل وهي عند الباب الخلفي للسيارة التفت ورجع اليها متباطئا بعد أن ألقى بعقب السيجارة الى الأرض وضغط عليه بكعب حذائه ، وومضت عيناه عليها عن عمد ، ثم أخذ يسير بخطى مسرعة الى مقعد القيادة ،وجلس خلف العجلة ، وضمت دابون شفتيها سويا وهزت كتفيها وفعلت بالمثل فتسلقت الى السيارة وجلست الى جواره بشيء من عدم الاستقرار


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:29 PM


ولم يدر مانويل المحرك في الحال ، بل اسند مرفقه الى عجلة القيادة ، وصار يحملق في الفضاء الى المجهول ثم قال بنبرة عادية تماما :
" كان بوسعي ان اقتلك "
ولهثت دابون ، ووضعت ظهر يدها على فمها ، واخذ ينظر اليها شزرا ، وعيناه تضيقان وهو غارق في التأمل ، وسألها بشيء من الاحتقار :
" ماذا كنت تنتظرين ؟ تعودين الى هنا في الوقت الذي كنت فيه قد بدأت أتقبل مصيري المحتوم ، وتحطمين ما بقى لي من اطمئنان نفسي ، وهو قليل "
وهزت دابون رأسها ، وهي تقول:
" آسفة ، ولكنني لم أكن أعرف أن الأمور كانت ستصل الى هذا الحد "
والتوت شفتاه ، وهو يقول :
" حقا لم تكوني تعرفين ! ومتى تعرفين بالضبط كيف يكون رد فعلي عندما أراك ثانية "
واحمر وجهها بشدة ، وهي تقول :
" كيف كان بامكاني أن أعرف ذلك "
وحملق فيها مانويل يغضب :
" كيف جاز لك أن تجهلي ذلك بعد كل ماكان بيننا ؟"
منتديات ليلاس
وطأطأت دابون رأسها ، كانت تكابد الألم ، وكانت تريد أن تخبره بالسبب الحقيقي الذي جعلها تأتي الى هنا ، ولكن كانت هذه في نظرها هي اللحظات الخطيرة ، اللحظات التي ينبغي فيها أن تأخذ حذرها حتى لا تعترف بشيء ربما جلب لها الدمار . ورغم كل شيء فقد كان يعتزم الزواج من ايفون بصرف النظر عن فرط انجذابه اليها ، ولم يكن لجوناثان مكان في ذلك البيت حتى لو اقتنعت هي بالتنازل عنه . وأخذت تقول له :
" أرجوك ، أرجوك أن تأخذني الى الفندق ، لازال أمامي حزم أمتعتي ، فأني أعتزم الرحيل في الصباح "
وعندما سمعها تذكر خبر رحيلها بهدؤ ، قال وكأنه قد صعق :
" تعتزمين ماذا ؟ ولكنك لا تستطعين؟"
وعندما كررت العبارة ، اضاف بتجهم :
" لا يمكنك ذلك فانك لم تأخذي النقود وفضلا عن ذلك فأن جيما تريد أن تراك مرة ثانية "
وردت دابون بشفتين مضمومتين :
" آسفة ، لن أستطيع أن أحقق طلبها ، لقد حجزت تذكرة السفر "
ولولا أن دابون كانت تعرفه جيدا لقالت أن الألم المبرح كان ينبعث من أعماق عينيه الرماديتين ، وهو يقول :
" ألغي الحجز "
وبللت دابون شفتيها الجافتين بلسانها ، وهي تقول :
" لا لا لاأستطيع "
" لا يمكن أن تفعلي هذا في يا دابون "
وتعثرت دابون وهي تنطق في صعوبة :
" أفعل ماذا؟"
وأجاب وهو يتأوه :
" أنت تعرفين أرجوك ، أنني أتوسل اليك ، لا تذهبي "
وبلعت دابون ريقها بطريقة ملحوظة ، ثم قالت :
" أنا مضطرة للرحيل "



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:30 PM


واقتمت عيناه ،وهو يلح في السؤال ك
" لماذا ؟ من الذي ينتظرك في انكلترا ؟ هناك رجل آخر ؟ أنك تكذبين علي "
وصارت عينا دابون تتوسلان اليه لكي يصدقها ، وهي تقول :
" أنك مخطئ ، ايس هناك رجل اخر "
وحدق مانويل في وجهها ، وأصابعه لاتزال حول مؤخرة رقبتها ، وصار يسأل :
" أذن أين تسكنين ؟ لقد أخبرتني ذات مرة أنك تسكنين مع عمتك في بيتها ؟ هل لازلت هناك ؟"
وأخذت دابون تتنفس أنفاسا قصيرة ، وهي تقول :
" أوه ، نعم ، نعم "
كان مانويل يتفحصها في صمت وهو يحاول أن يعرف أذا ما كنت صادقة أم كاذبة ، ثم قال بصوت مبحوح :
" وهذه الجنيهات الخمسمائة ؟ هل هي لعمتك ؟"
وسحبت دابون نفسها بعيدا عنه ، ثم قالت :
" أذا كان يسعدك أن أقول نعم ، حسنا ، نعم أريدها لعمتي "
وأمسك مانويل بحفنة من شعرها ، وجعلها تجفل وهو يلوي الشعر حول أصابعه وهو يقول :
" أوه دابون "
" قل لي ، لماذا أنت وايفون أجلتما الزواج هذه الفترة الطويلة "
وتقطب حاجباه في عبوس عميق .
واقتمت ملامح مانويل فجأة فأطلقها كما لو كانت ذكرى خطيبته قد أرجعته الى وعيه وظنت دابون لفترة لحظة أنه لن يكلف نفسه عناء الاجابة ، ولكنه بدأ يقول :
" أن ايفون مصابة بالشلل ، ولقد حدثت هذه الاصابة بعد رحيلك بثلاثة أشهر ، ثم أجريت لها عدة عمليات جراحية ، واستغرقت هذه العمليات وقتا طويلا ، وسوف تجري لها عملية جراحية أخرى خلال أسابيع قليلة ، ولقد أظهرت بالفعل بعض بوادر التحسن ، ويعتقد الجراحون أن العملية القادمة والأخيرة سوف تعطيها الفرصة لتستعيد قدرتها على المشي "
منتديات ليلاس
وكانت دابون قد فهمت ما يرمي اليه ، كانت ايفون ستصبح من جديد امرأة عادية ، تستطيع أن تحيا حياة زوجية وأن تلد له الأطفال الذين هو بحاجة اليهم ليحافظوا على سلالة سان سلفادور .
وأخذ مانويل الآن يسألها بصوت معذب :
" احقا تفهمين ؟ اترين وراء تصرفك أي شيء غير اهتمامك الفردية والأنانية ؟"
وحبست دابون أنفاسها ، وقالت :
" لن يؤدي بنا هذا الحوار الى شيء يا مانويل ، ومن الأفضل أن تأخذني الى الفندق "
وأطبق مانويل قبضة يده لحظة ، وأدار المحرك السيارة دون أن ينبث بكلمة ، وقاد السيارة قيادة ناعمه الى آرل ، ولم يتبادلا الحديث طوال الرحلة ، فقد كان كل منهما مشغولا بأفكاره الخاصة وعندما توقف مانويل أمام الفندق كانت دابون تحتاج الى قدر عظيم من قوة الأعصاب لتواجهه قائلة :
" أشكرك والى اللقاء "
وبدأ مانويل ، وكأنه يتأهب ليقول شيئا ، ثم غير رأيه ولم يتكلم ، واكتفى بأن فتح لها باب العربة بقوة ، وبعد أن ترجلت أخذ يقود السيارة بسرعة شديدة بعيدا عن المكان .


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:31 PM



وحوالي التاسعة والنصف مساء كان هناك طرق خفيف على باب الغرفة ، وشعرت دابون بالدهشة مع شيء من الخوف ، ولم تستطع أن تخمن من القادم ، وكانت لا ترغب في الحديث الى أي شخص آخر ماعدا مانويل ، ورغم ذلك فلم يكن القادم هو مانويل ، وسمعت صوتا نسائيا من الخارج ينادي :
" دابون ، دابون ، هل تسمحين لي بالدخول "
واتجهت دابون الى الباب ن وفتحته ، وصاحت في دهشة :
" لويزا ! ماذا تفعلين هنا في هذه الساعة من الليل "
وابتسمت لويزا ابتسامة عريضة ، وقالت ببساطة ، وهي تبرز مظروفا :
" لقد جئت في مهمة اتسليم رسالة ، لقد طلب مني مانويل أن أعطيك هذا"
ونظرت عبر حجرة النوم الخالية ، وهي تقول :
" هل يمكنني الدخول "
وأخذت دابون المظروف بأصابع مرتعشة ، مالبثت أن استعادت هدؤها ، وقالت :
" أوه ، بالطبع ، ادخلي ، ولو أنني ليس لدي شيء أقدمه لك "
وابتسمت لويزا ، وهي تقول :
" هذا غير مهم ، أنني فقط أريد فرصة للتحدث معك برهة "
وأضافت بشيء من العبوس :
" هل تعدين حقائبك ؟ وهل يعلم مانويل بذلك ؟"
منتديات ليلاس
وأجابت دابون ، وهي تتظاهر بالابتهاج وقد ألقت المظروف في جيب بنطلونها لتفتحه فيما بعد :
" نعم ، لكلا من السؤالين ، أرجوك أن تجلسي "
" هل جئت وحدك الى المدينة كل هذه المسافة "
واومات لويزا ، وقالت :
" حسنا أنني أستطيع القيادة ، كما تعرفين ، فضلا عن أن مانويل يحرص على أن تكون جميع السيارات في حالة ممتازة حتى لا تتعرض لخطر العطل على الطريق "
وتنهدت ، وقالت :
" والآن ، لماذا ترحلين بهذه السرعة ؟ ألا تستطيعين البقاء لأيام قليلة أخرى ؟ لقد سمعت أن جدتي تود أن تراك مرة ثانية "
واجابة دابون :
" نعم ، أنني أيضا أعرف ذلك ، ولكنني آسفة ، أن ذلك غير ممكن ، وعلى أن أعود "
وعضت دابون شفتيها وهي تبحث عن موضع آخر للكلام ، ثم قالت :
" لقد كبرت بالفعل ، كنت تبدين طفلة من قبل "
وضحكت لويزا ، وهي تقول :
" أشكرك ، ولكن دعيني أقول لك بجدية ، أنني لم أحضر الى هنا للحديث عن نفسي ، ولكنني جئت لأتحدث معك عن مانويل "
واحمر وجه دابون ، وهي تقول بأكتئاب :
" من الأفضل ألا تتحدثي في هذا الموضوع "
وسـألت لويزا :
" لماذا ؟ ألا يهمك هذا الموضوع ؟"
سألت هذا السؤال وهي ترقبها باهتمام :
واقتم وجه دابون ، وتمتمت بارتباك :
" ربما...."


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:33 PM

وسألتها دابون :
" هل أخبرك ، لماذا هو وايفون لم يتزوجا حتى الآن ؟"
وهزت لويزا كتفيها ، وقالت :
" ألمح فقط الى ذلك "
واستمرت لويزا تلح :
" لقد ذهب اليوم يقتفي أثرك اليوم ، اليس كذلك ؟"
وقطبت دابون ، وهي تقول :
" ماذا تعنين "
وصارت لويزا تشرح ما حدث :
" لقد حضرت اليوم الى هنا في فترة ما بعد الظهيرة لأراك ، وأخبرني مدير الفندق أنك خرجت مع أحد الشبان الى سانت مارى على الأغلب ، وعندما رجعت الى مانويل أخبرته بهذا خرج غاضبا "
وبدأت دابون تفهم لماذا ذهب مانويل الى سانت مارى ، وهي تقول :
" أنني أفهم الآن "
وأكملت بشفاه مرتعشه :
" كنت أتعجب ، هذا هو ، نعم ، وجدني "
واستمرت لويزا :
" ولو سألتني ، كان مانويل في حالة من الغيرة كأنها الجحيم "
ولكن دابون التفتت في اتجاه آخر وهي تتظاهر بأنها منشغلة بوضع السترات الصوفية في حقيبة السفر ، واحست دابون بشيء من الضيق عندما ساد بينهما الصمت ، فقطعت ذلك الصمت قائلة :
" كان الجو اليوم دافئا للغاية "
وعلقت لويزا :
" نعم ! "
منتديات ليلاس
ثم اقتربت من الفراش وجثمت على حافته ، وهي تقول :
" أخبرني هل أخبرك مانويل كيف وقع الحادث لايفون "
وتنهدت لويزا وهي تفكر بامعان ، ثم استمرت تقول :
" الذي حدث أن مانويل سقط من فوق ظهر الحصان ، وكسرت فخذه ، وظل يعاني بعض الوقت ، واقتضى ذلك بالطبع أن يلزم الفراش وكان ذلك على عكس طبيعته "
كانت دابون خلال ذلك تحملق في الفتاة بعينين تعكسان الأهتمام البالغ ، وأخذت تستحثها على الكلام .
" استمري ، ماذا حدث عندئذ "
وأرادت لويزا أن تغيظها ، فقالت :
" أراك قد بدأت تهتمين الآن ، أليس كذلك "
وعندما رات لويزا أن علامات القلق الحقيقي قد ظهرت على وجه دابون النحيل المتوتر ، توقفت عن الاغاظة ، واستمرت تقول :
" آسفة ، سأكمل . كما قلت لك ، كان ذلك بعد أن شفى مانويل وغادر الفراش . حدث بينه وبين ايفون شجار عنيف حول شيء لم أكتشفه بعد . والذي حدث بعد ذلك أن ايفون خرجت الى الزرائب ومعها سوط "
وحملقت دابون تجاهها في رعب ، وهي تقول :
" أوه ، لا "
واستمرت لويزا :
" أوه ، نعم ، أن ايفون يمكن أن تصبح غاية في القسوة عندما تريد . ولسوء الحظ فان الثيران التي كانت في الزرائب في ذلك الوقت كانت ثيرانا هائجة . تنتظر أن يبتاعها أحدى الزبائن ، وكان اثنان منها قد هربا "
وهنا كزت لويزا سفتها :
" ولا يمكنك أن تتصوري كيف كان المشهد ، الصراخ ، وخوار الثيران"
وهزت لوبزا رأسها:
" لقد أنقذ مانويل حياتها ، ولكنها لم تكن تستحق أن تعيش "
وقاطعتها دابون :
" لويزا "
واستمرت لويزا تقول :
" أنني أقول الصدق ، لو أنك رأيت الضرب على ظهر تلك الحيوانات المسكينة "



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:35 PM


وتهدج صوتها من الانفعال ، وشعرت دابون بالدوار . كانت القصة كما روتها لويزا أسوأ بكثير مما كانت تتصور ، ووضعت ذراعها حول الفتاة المرتعشة ، وهي تقول :
" لقد مضى هذا الآن يا لويزا ، ولقد دفعت ايفون ثمن ما اقترفته "
ورفعت لويزا بصرها بسرعة ، وهي تقول :
" هل تعتقدين ذلك ؟ هل تعتقدين حقا أنها قد دفعت الثمن ؟"
وسألت دابون :
" ألا تعتقدين أنت ذلك ؟"
وأجابت لويزا ووجهها الدقيق يعبر عن المعاناة :
" لا ، أنني لا أعتقد ذلك . على العكس ، لقد حصلت على كل ما أرادت ، أنها تعيش الآن في بيت سان سلفادور "
وسألتها دابون :
" ماذا تعنين ؟"
واستمرت لويزا تكمل القصة .
وطأطأت دابون رأسها ، ثم قالت :
" لا اعتقد أن مانويل يتخلى عن ايفون لهذا السبب"
وردت لويزا :
" ولا أنا أيضا ولكن ذلك لا ينفي أنه ينبغي ان يصحح تفكيره في الموضوع "
وهنا ارتفع صوت لويزا الرقيق المفعم بالانفعال ، وهي تقول :
" ألا ترين يا دابون أن مانويل لا ينبغي أن يتزوج ايفون . أنها شريرة. أنها أكثر مكرا من ذلك ، وكل شيء ينتهي الى النتيجة نفسها .. ألا ترين أنها تحمل نتيجة ما حدث ولكنها تلومه عليه قائلة أنهما لو لم يتشاجرا ما كان ذلك الحادث ليقع "
وأمسكت بيد دابون وهي تواصل :
" أرجوك ألا تذهبي يا دابون ! وأبقي ودافعي عن مانويل . انسي الماضي وفكري في المستقبل "
وهزت دابون راسها ، وهي تقول :
" كان لطفا منك أن تخبرني بذلك ، يا لويزا ، ولا تظني انني لا أقدر لك ذلك "
منتديات ليلاس
أطلقت لويزا تنهيدة ، ثم خطرت لها فكرة ، فقالت :
" أقول دابون ، تعرفين كما أخبرتك ـ أن مانويل كان يريدني أن أذهب الى سويسرا لمدة سنه ، ما رايك لو طلبت منه أن يرسلني الى انكلترا بدلا من سويسرا . لا أقصد بالطبع أن أعيش معك ، فأني لا أستطيع أن أتجرا على مثل هذا الطلب ، ولكن ربما لأكون قريبه لكي نرى بعضنا بعضا "
وكاد قلب دابون أن يتوقف ، وقالت :
" أ ، أعتقد أن هذه الفكرة ليست سليمة تماما ، ليس على الأقل الآن "
وردت لويزا :
" ولكن ذلك لن يكون طوال الوقت بالتأكيد ؟ أقصد ستكون هناك بعض الأمسيات نستطيع فيها أن نتقابل ، وستكون هناك بين حين وآخر عطلة آخر الأسبوع . أوه ، أنني أدرك أن لك أصدقاءك الخواص بالطبع ، ولكني أحب أن أراك أحيانا "
وهزت دابون رأسها وقالت :
" لا! لا أعتقد أن ذلك بالامكان ، يالويزا "
وحدبت لويزا كتفيها ، وقالت :
" كنت أظن أنك تحبينني "
وأسرعت دابون تؤكد :
" أنني بالفعل أحبك يا لويزا . أحبك ولكن بأمانه فأن الموضوع ليس هكذا أنني عندما أرحل من هنا ، لا أريد علاقات تطول أكثر مما ينبغي مع أسرتك "
واستفسرت لويزا :
" تقصدين علاقات مع مانويل "
ووافقت دابون :
" حسنا ، مع مانويل "
ونهضت لويزا على قدميها ، وهي تقول :
" لا أكاد أفهم ، لماذا ، واذا شئت فأنني أعدك بألا وفتحت لويزا الباب ، وهي تقول :
" آسفة أذا كنت قد سببت لك بعض الارتباك "
وأمسكت دابون بيد لويزا بشعور لا يقاوم ، وهي تقول :
" على العكس ، أنك لو تربكيني بالمرة . أنني أيضا أشعر بالأسف "
وهزت لويزا كتفيها ، وقالت :
" ليس على الاطلاق . الى اللقاء يا دابون "
وردت دابون وهي تبتسم :
" الى اللقاء "
وما أن خرجت لويزا وأغلقت الباب خلفها حتى بدأت الدموع الحبيسة تنهمر على وجنتيها .



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:37 PM


وعندما عادت دابون لتحزم حقائبها من جديد ، أحست المظروف في جيبها ، يذكرها بأنه لا يزال هناك . وفتحته بأصابع مرتعشة ، فسقطت منه جذاذة من الورق استقرت على أرض الحجرة ، وانحنت لتلتقطها على مضض . كانت أذن دفع ( شيك ) قابل للسحب بمبلغ خمسمائة جنيه على أحد المصارف الأنكليزية . وبينما كانت تحمل حقائبها الى السيارة في الصباح التالي ، دق جرس الهاتف في الكشك الواقع في الردهة محدثا بعض الضوضاء ، واتجه السيد ليون ليرد على الهاتف ثم ناداها على الفور :
" أنه مكالمة لك يا آنسه ، من انجلترا"
ومست قلبها قشعريرة من شر منتظر ، وجذبت الهاتف من السيد ليون ، وقالت لاهثة :
" نعم ، نعم ، أنا دابون من المتكلم "
وجاءت الاجاية :
" دابون ! أنت التي تتكلمين ؟ أنا السيدة رينولدز "
كانت السيدة رينولدز . أحى جارات العمة كلارى ، وبدات وساوس دابون تتحول الى خوف حقيقي ، واستفسرت :
" نعم يا سيدة رينولدز ؟ ما الخبر ؟ هل حدث شيء ؟"
كان صوت السيدة رينولدز يحاول أن يهدئ من روعها ، وواصلت تقول:
أرجو ألا تهلعي ، يا دابون . أن الأمر ليس خطير يا حبيبتي . لكن عمتك زلت قدمها في الحديقة فسقطت ، وكسرت ساقها . لا تقلقي ، هي ليست في المستشفى ، ولكن بالطبع هي تعجز الآن عن أن ترعى الطفل "
كان خبرا مزعجا أن تصاب ساق العمة كلارى ، ولكن دابون شعرت شعورا غامرا بأن القدر كان رحيما ، وأجابت على ملاحظة السيدة رينولدز ، بقولها :
" بالطبع أنها لا تستطيع ذلك الآن "
منتديات ليلاس
وبدأ صوتها يعبر عن شعورها بالامتنان لرحمة القدر :
" ولكن اطمئني يا رينولدز أخبريها أنني عائدة الليلة . لقد بدأت استعد فعلا للرحيل ، وسيكون بوسعي أن أرعى جوناثان بنفسي "
وعبرت السيدة رينولدز عن رضاها بضحكة خافته ، وهي تقول :
ستكون مطمئنة تماما ، يا دابون ، حسنا سوف أذهب أذن . الى اللقاء "
وردت دابون :
" نعم ، نعم ، بالطبع ، أشكرك على الأتصال بي "
وجاء صزت السيدة رينولدز :
" هذا حسن يا دابون . الى اللقاء "
وأجابت دابون :
" الى اللقاء "
وأعادت دابون السماعة ، وبينما هي تفعل ذلك أحست بشبح يظلل الكشك الصغير ، ولم تكد تحس بذلك الاحساس حتى كانت يد صلبة قد امتدت الى بشرتها الطرية في كتفها تجذبها بما يشبه العنف خارج الكشك لتقابل الرجل في الخارج ، ولهثت عندما قرب مانويل وجهه الأسمر الوسيم الى وجهها ، وجعل يسألها بقسوة :
" من يكون ، جوناثان أيتها الكذبة الصغيرة ؟"



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:38 PM


طفل مريض ورغبة لا تطاق
تراجعت دابون الى الخلف خطوة ، واضطر مانويل أن يرخي قبضته عليها ، وكان هناك أشخاص في الردهة بدأوا يرمقونهما بنظرات الفضول ، وبدأ مانويل . يخاطبها بلهجة تنم عن حرصه على اقناعها :
" من الضروري أن تحدث اليك . ليس هنا ، وانما في حجرتك "
ونظرت دابون حولها وهي ترتعد ثم قالت :
" ليس لدي وقت مانويل ، وعلي أن أتجه الى المطار "
وألح مانويل في أقناعها :
" سأوصلك الى المطار "
واعترضت موضحة :
" لا، لا، أن على أن أخذ السيارة ، وتركها هناك "
ورد مانويل :
" لتذهب السيارة الى الجحيم ، أنني أحذرك يادابون "
وحولت دابون وجهها بعيدا عنه ، وهي ترتعش :
" لماذا جئت ؟ كنت أظن أنك بعد أن أرسلت أذن الدفع ...."
ولمس أصابعه رقبتها ، وصارت ييلكأ على بشرتها دون أن يكترث بالمشاهدين الذين بدأوا يتتبعون ما يدور بينهما ، وصار يقول:
" أنت السبب . لو أستطع أن تخلف . أرجوك يا دابون ، لا تصري على أن تفعلي ذلك في "
وبللت دابون شفتيها الجافتين ، ثم قالت :
" لا بد من الرحيل ، يا مانويل "
منتديات ليلاس
وتصلبت أصابع مانويل على رقبتها ، وهو يقول :
" أعرف ، نعم ، تريدين أن تعودي الى انكلترا الى جوناثان . لن أتركك تذهبين "
وحبست دابون أنفاسها ، وهمست في رهبة :
" ماذا تنوي أن تفعل ؟ تبقيني هنا في آرل بنفس الطريقة التقليدية التي يسلك بها الفرنسيون "
وضغطت أصابعه بوحشية على رقبتها لحظة ، وكادت أن تصرخ من الألم ولكنه أرخى يده وهو يتمتم بشدة :
" أنني لا أستحق ذلك منك"
واستفسرت دابون وهي لا تجرؤ على النظر في عينيه :
" ألا تستحق ذلك بالفعل "
كان مجرد النظر اليه كافيا بأن ينتهي بها الى كارثة . ولم يكن بوسعها أن تصمد أمام الآلام المبرحة التي كانت تنتظر أن تراها على وجهه . وعاد يسألها :
" أرجوك يا دابون ، أنني أسألك لآخر مرة ، هل جوناثان هذا هو الذي من أجله تحتاجين الى النقود ؟"
وترددت دابون ثم طأطأت رأسها ، وأخيرا قالت :
" نعم أنها لجوناثان "
ومد مانويل يدا متويرة الى رأسه ، وجعل أصابعه تتخلل شعره ، وهو يقول :
" يالهي "
وشدت دابون كتفيها ، وقالت :
" هل بامكاني أن أنصرف الآن "
وكظم مانويل لعنه كاد ينطق بها ، ثم قال بوقاحة :
" نعم ، أذهبي ، أذهبي ، عليك اللعنة "
وتركها وسار الى باب الفندق دون أن ينبث بكلمة .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:40 PM


كان الجو مطيرا عندما هبطت الطائرة في مطار لندن ، وكانت دابون ترتعش وهي تجتاز الأسفلت الى مباني المطار ، واستقلت الحافلة العامة الى المحطة النهائية ثم استقلت حافلة أخرى . وكان بيت العمة كلارى في صف صاعد من البيوت المتدرجة ، ورغم أن واجهة المنزل كانت عادية الا أنه كان يطل من الخلف على ملعب المدرسة وكانت هذه ميزة خاصة .
ونزلت دابون من الحافلة عند نهاية الطريق ، واتجهت مصعدة الى المنزل رقم 53 وكانت ترقب الستائر المزركشة على النوافذ تهتز بخفة، وخطر لها أنه من الأفضل ألا يعرف أحد بعودتها حتى لا تدع فرصة للتساؤل حول أين كانت ، ولماذا ذهبت ؟
وأخرجت المفتاح ، وفتحت باب منزل العمة كلارى وتبع ذلك وقع صوت خطواتها ، وفتح باب في نهاية الدهليز وبدا طفل صغير جميل يلبس بنطلونا أزرق وصديريا أبيض مشوبا بزرقة , كان شديد الشبه بمانويل ، الأعين الرمادية ، الأنف ، الفم وشعر مانويل الأسود بفارق بسيط أن شعر جوناثان كان يميل الى التجعد . وكان ذلك الشبه الوثيق مما جعل قلبها يتفطر . وصاح جوناثان :
" ماما"
قالها بصوت مضطرب يشبه صرير الباب ، وكاد يرقص وهو يحاول أن يجتاز الردهة ليصل اليها.
وانفرج فمها الجميل عن ابتسامة ، واحدودب جسمها وهي تنحني عليه لترفعه بين ذراعيها ، وهي تقول :
" أهلا ، حبيبي "
وظلت تعانقه ، وهي سعيدة بيديه الصغيرتين تمسان شعرها وتحيطان برقبتها ، وهو يلتصق بها بحب وثقة . وداعبته بقولها :
" هل كنت طفلا مطيعا للعمة كلارى؟ "
واتسعت حدقتا عينيه بشيء من الجدية، وهويقول :
" العمة كلارى لها رجل .... مسكينة . تعالي لتري "
وأمسك جوناثان بأمه ، وصار يجذبها تجاه الصالون حيث كانت كلارى ميدوز تجلس على أريكة ورجلها المربوطة بأحكام بشريط لاصق تستقر على كرسي صغير أمامها . ونظرت اليها دابون تحاول أن تخفف من الموقف ، وقالت وهي تقبل وجنتيها بحرارة :
" كيف حدث ذلك ؟ أشعر بأمانه أنني لا أستطيع أن أتركك وحدك ولو لخمس دقائق "
منتديات ليلاس
وبدت على وجه كلارى ابتسامة تدل على الخجل ، وهي تقول :
" أنني أعرف . أنني امرأة عجوز حمقاء ، اليس كذلك يا جوناثان "
وتسلق جوناثان الأريكة ليجلس الى جوارها ، وواصلت الحديث :
" كيف حالك يا دابون ؟ هذا هو المهم . أنني أسفة اذا كنت اضطررتك للتعجيل بالرحيل "
وحاولت دابون أن تزيل شعورا باليأس كان قد بدأ يعتلج في نفسها بعد أن بدأ أحساسها بسلامة الوصول يخمد تدريجيا وأجابت :
" لا أنك لم تفعلي ذلك . لقد كنت عازمة على الرحيل "
واقتم وجه كلارى ، وأخذت تقول :
" لا يبدو أنك في حالة طيبة . أنا ألا حظ ذلك الآن . هل قابلت مانويل ؟
" نعم ، نعم، قابلت مانويل ،وحصلت على النقود "
وضمت كلارى شفتيها ، وهي تعلق :
" ولكن يبدو انك عانيت كثيرا "
وأومات دابون ثم قالت وشفتاها لا تكادان تنفرجان :
" نعم ، لقد عانيت الكثير "
وتنهدت كلارى ، وقالت :
" حسنا ، لا تكترثي الآن . لقد عدت الى بيتك ، وسوف تقصين ما حدث عندما تودين ذلك ، أذهبي وضعي الغلاية على النار . لقد كانت السيدة رينولدز هنا منذ لحظات وعندما لمحتك قادمة على الطريق تسللت من الممر الخلفي ، وربما ظنت أننا نفضل أن نكون وحيدين بعض الوقت . كانت قد أعدت كل شيء لعمل الشاي "
وأومأت دابون بالموافقة ، واستطاعت أن تنتزع نفسها من الكرسي بمشقة . كانت كلارى على صواب ، لقد عادت الى بيتها الآن ، ولم يكن هناك داع من أن تشغل فكرها الى حد اليأس ، ووجدت أن من الأفضل أن تشغل نفسها بقضاء أعمالها اليومية وتترك للزمن أن يدمل الجراح التي كانت لا تطاق في تلك اللحظة .
وكان يكفي في هذه الفترة أن تدبر حياتها يوما بيوم وهي تأمل أنها أن عاجلا أو آجلا سوف تنسى تلك الأيام المؤلمة التي أمضتها في البروفنس.
وتحسنت حال جوناثان بعض الشيء ، وكان لايزال بعاني من السعال الحاد ولكنه أخذ يتحسن مع مجيء الأيام الدافئة ، أنه يكبر سريعا وأحست دابون أنها سوف تفتقد فيه الطفل الذي عرفته . سوف يكون قادرا على أن يمشي معتمدا على نفسه الى أي مكان يذهبان اليه بدلا من استخدام عربة الطفل ، وانه بالضرورة سوف يسأل لماذا يسعد الأطفال الآخرين بأن لهم أبا في حين لا أب له .
كانت ساق كلارى تتماثل للشفاء ببطء ، وكان بمكانها أن تتحرك مستندة على عكازين بعد أن مضى بعض الوقت ، وعلى الرغم من أنها لم تكن قادرة على الاسهام في رعاية جوناثان ، فقد كانت تصمم على أن تجلس على الكرسي في المطبخ لتعاون في تقشير الخضر أو غسل الصحون .
وذات عشية خرجا الى أحد المنتزهات التي تقع على مسافة بعيدة نوعا، وفي طريق العودة الى المنزل كان جوناثان يرقد في عربة الطفل التي كانت دابون تدفعها أمامها ، عندما أحست بمقدمة أحدى السيارات تهدئ من السرعة وتسير محاذية لها بعض الوقت ، كانت سيارة من نوع المرسيدس الليموزين وكانت أجزاؤها المعدنية المصنوعة من الكروم المطلي تومض بطريقة تضفي على السيارة رونقا وفخامة .




سفيرة الاحزان 06-10-10 01:41 PM



وأخذت دابون تستحث السير ، وتحاول أن تتجاهل السيارة ولكن السيارة زادت من سرعتها لتواكبها ، ونظرت دابون حولها بسرعة واطمأنت عندما وجدت المكان آهلا بالناس . وربما خطر لها أن خيالها فقط يجعلها تظن أن السيارة تتبعها فألقت نظرة تستطلع داخلها ولم تكن هناك غير السائق فرمقته بنظرة قاسية قبل أن تدخل الى ممر صغير ، وبذلك نجحت في التخلص من محاولته اقتفاء أثرها . وكانت هذه التجربة أيضا مما أثار ضجرها بعض الشيء فقررت ألا تخرج لعدة أيام بعيدا عن المحال التجارية ، ومن وقت لآخر تشرد بفكرها تناقش احتمال ما أذا كان مانويل قد علم بموضوع جوناثان وما أذا كان بالفعل يخطط لاختطاف الطفل ، وكانت تلك اللحظات يغلب عليها الخيال ولكنها قررت أن تزيح تلك الأفكار جانبا وأقنعت نفسها بأنها ترجع الى أوهام مخيلتها التأثرة ببرامج التلفزيون .
كان الطقس آخذا في الدفء ، وفي عشية أحد الأيام اصطحبت جوناثان الى حديقة الحيوان ، وكان قد بلغ من العمر مرحلة بدأ فيها يحب الحيوانات ويولع برويتها ، كان يجري بشغف يبدي أعجابه بالسلالات المختلفة ويتناول المثلجات اللبنية ويتصرف مثل أي طفل آخر تتاح له الفرصة للخروج واللهو ، ولم يعاوده السعال الا في الحافلة في طريق العودة فالتوت قسمات وجهه من صعوبة التنفس .
منتديات ليلاس
كانت غارقة في أفكارها ومخاوفها حول جوناثان ، وهي تدفع عربة الطفل في ساحة بلدرم لدرجة أنها لم تلحظ سيارة الليموزين الرماديةواقفة أمام المنزل رقم 53 الا عندما وصلت هناك ، وبدأ قلبها عندئذ يدق بضربات مكتومه وملأها شعور مخيف بالعجز ، من يكون الشخص الذي حضر بهذه السيارة غير مانويل ؟ كيف عرف مسكنها ولماذا حضر ؟
دخلت دابون البيت بحذر وسمعت أصواتا آتية من الصالون ، وبينما كانت تتشاغل بخلع ملابس جوناثان الخارجية عنه خرجت العمة كلارى من تلك الحجرة وأغلقت الباب خلفها ونظرت دابون اليها بعينين تعبران عن الألم المبرح ، وهزت كلارى رأسها وهي تستند متثاقلة على عكازيها ، وقالت :
" ربما ظننت أنه مانويل ، أنه ليس هو ، ولكنه في لندن ، يريد أن يقابلك "
ونهضت دابون وجوناثان في يدها تضمه في حماية الى جسمها ونسيت أنها كانت لا تزال تعنى بتغير ملابسه ، وسألت :
" من هنا أذن ؟"
وأجابت كلارى :
" أعتقد أنه سائق السيد سان سلفادور "
ورددت دابون :
" سائق ، وتذكرة في الحال حدث السيارة الليموزين في الشارع ، وتوترت أعصابها. لو أن الرجل كان قد رآها مع جوناثان ـ فماذا أخبر مانويل عنهما ؟ ولماذا حضر مانويل الى لندن أصلا ؟ ونظرت الى الطفل الناعس وهي تبلل شفتيها الجافتين ، وواصلت الكلام :
" أنه متعب يا كلارى . وقد حان وقت نومه . هل يمكن أن أصعد به الى الطابق العلوي ، وأترك لك أن تتصرفي هذه الليلة "
وأومأت كلارى ، وهي تقول :
" بالطبع ، أنني أفهم ، هيا أصعدي الآن ، بامكانك أن تعدي له مشروبا فيما بعد ، وأستطيع أن أقول أنه لا يحتاج الى شيء آخر . هل عاوده السعال "
وأجابت دابون :
" نعم ، ولكن ليس كثيرا . أنه متعب فقط ، لقد استمتع بنزهة المساء للغاية .... بل لقد استمتعنا نحن الاثنين كثرا "


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:42 PM


وصار صوتها يخرج متثاقلا ، وقد مسها شيء من الخزف ، ومدت كلارى يدها تربت على ذراعها ، وقالت معاتبة في رفق :
" كفي عن القلق "
فقالت :
" ولكن ما العمل لو أن مانويل عرف بوجود جوناثان ؟"
ونظرت اليها كلارى فتوقفت عن الحديث فجأة ، وسألتها كلارى في دهشة :
" ولكن لماذا يضم الطفل اليه ؟ هل تقبل زوجته أن تربي طفلا من امرأة أخرى ؟"
وعلقت دابون :
" أنه لم يتزوج بعد "
وتنهدت دابون بطريقة تدل على القنوط ، وقالت :
" لم أتحدث اليك عن هذا الموضوع يا كلارى ، لأنني لم أستطع ، والآن يبدو أن الوقت قد صار متأخرا "
وهزت كلارى رأسها ، وهي تقول :
" لا أعرف ماذا أقول يا دابون ؟ كنت أظن أنك تعتزمين أن تخبريه عن الطفل "
واستمرت في شيء من الغضب:
" ولكن ، قولي لي كيف حصلت أذن على النقود ما لم ، ما لم .... "
" لا يمكننا أن نتحدث الآن ، أنك بالتأكيد تقدرين ذلك "
وأصدرت كلارى ايماءة تدل على الانفعال ، وقالت :
" لا أريد أن أتدخل في شؤونك الخاصة يا دابون ، ولكن يبدو لي أن لديك الكثير من التوضيح لو أنك طلبت من مانويل النقود دون أن تخبريه عن الطفل ، فعلى أي أساس أعطاك النقود ؟"
ومدت دابون أصابعها المتوترة تمشط بها شعرها لأسود الحريري في عصبية ظاهرة ، وقالت :
" ليس الآن يا كلارى "
وأدارت دابون وجهها في تجاه آخر ، وقالت :
" هل تعتزمين أن تخبريه أذن "
وصاحت كلارى بأستغرب :
" أوه ، يا دابون ، هل اهتزت ثقتك بي الى حد تظنين أنني أفعل مثل هذا الشيء دون طلب منك ؟"
وبدا وجه كلارى وقد تضغن من الهجوم ، وأدارت دابون وجهها المعبر عن الندم ناحية عمتها ، وهي تقول :
" لا ، لا، بالطبع . أنني آسفة ، أنني فقط مضطربة ومتعبة . لم أقصد أبدا أن أكون قاسية "
وابتسمت كلارى ابتسامة طفيفة ، وهي تقول :
" يبدو لي أن كلتينا متعبتان ، ولا ينبغي لك أن تضيعي وقتا أكثر في الحديث الي ، يمكننا أن نتكلم فيما بعد ، انزلي وقابلي هذا السائق ، اذ لا شك أنه قد بدأ يقلق الآن "
وسألت دابون :
" وماذا علي أن أفعل ؟"
واستفسرت كلارى :
" بخصوص مقابلة مانويل "
وأجابت دابون :
" نعم "
وسألت كلارى :
" هل تحبين أن يحضر الى هنا "
وأجابت دابون :
" لا "
ورفعت كلارى حاجبيها : وهي تقول :
" أذن معك الإجابة ، سوف ينام الطفل الآن ، اذهبي . أذا كان هذا ما يريده "
منتديات ليلاس
وردت دابون :
" ولكنني لا أستطيع الذهاب هكذا ، ينبغي أن أبدل ثيابي "
وردت كلارى :
" حسنا ، اذهبي وقابلي السائق أولا ، ثم أطلبي منه أن ينتظر "
وأجابت دابون :
" حسنا "
ونزلت دابون الى الطابق الاسفل ببطء ، ثم سارت عبر الممر الى الصالون ، وكان الرجل الذي نهض عند دخولها أكبر في السن مما كانت تعتقد ولكنه كان الرجل الذي رأته من قبل في السيارة الليموزين ، وقال بأدب :
" مساء الخير يا آنسة . لابد أنك الآنسة كنج ، اليس كذلك ؟"
وجابت دابون :
" نعم "
وأخذت تبلع ريقها بصعوبة وهو تقول :
" لقد علمت أن السيد سلفادور يريد أن يراني ؟"
وأجاب السائق :
" نعم ، أنه يقيم في فندق سافوى ، وقد طلب الي أن أوصلك الى هناك.."
وعلقت دابون :
" لقد فهمت "
وترددت لحظة ثم واصلت الحديث:
" هل تعرف لماذا حضر السيد سلفادور الى لندن ؟"
وأجاب السائق :
" بالطبع يا آنسة أنه هنا مع الآنسة يماريس "
مع ايفون ؟ صاحت دابون بهاتين الكلمتين ولكن في صوت مختنق ، ثم تمكنت من أن تسيطر على نفسها ، ونظرت بعيدا تحاول أن تستجمع حواسها ، وخطر لها كم كان شيئا مهينا أن يكون مانويل في لندن ومعه ايفون ، ومع ذلك لا زال ينتظر أن يكون علاقته معها ، وجعلت تفكر ... الا يكن لها أي أحترام ؟ وبعد كل ماحدث ، ألم يكن قد عرف بالتأكيد أن ذلك موقف مستحيل ؟
والتفتت الى الرجل ، وقالت بهدؤ :
" ارجو أن تحمل رسالة الى سيدك "
واغبر وجه السائق ، وقال وهو يكاد لا يصدق ما سمع .
وتحرك السائق بقلق ، وهو يبعث بقبعته ذات القمة المدببة :
" أنه في المستشفى مع الآنسة ديماريس "
وشهقت دابون ، وهي تقول :
" في المستشفى "
وقالت وقد أدركت أن الرجل ليس ملاما على ذلك :
" أنني آسفة ، ولكنه مستحيل "
وتحرك السائق نحو الباب وقال :
" أذا كنت تقولين هكذا يا آنسة ، فان على أن أنصرف . الى اللقاء"
وردت دابون ، وهي تودعه عند الباب :
" الى اللقاء "
وعندما بسطت قامتها ، وجدت كلارى آتية نحوها تهبط الدرج ، واتجهت دابون نحوها لتأخذ بيدها ، وكانت تبدو في عيني كلارى نظرة غضب وحيرة ، وتنهدت دابون وقالت قبل أن تسألها كلارى :
" لقد رفضت أن أذهب لمقابلة مانويل . أنه مع ايفون ، المرأة التي كان يزمع الزواج بها . كانت قد وقعت لها حادثة منذ نحو سنتين أدت الى أصابة عمودها الفقري ولكن هناك أمل أن تستعيد قدرتها على المشي من جديد "
كانت كلارى تستند بثقل على دابون ، وهما يجتازان الردهة ، واستفسرت كلارى :
" ألهذا لم يتزوجا ؟"
وأجابت دابون ، وهي تساعدها على الجلوس في أحدى كراسي الصالون
وهزت كلارى رأسها ، وهي تقول :
" يبدو لي أنه لا زال هناك الكثير لم تخبريني به بعد ، وأذا لم يكن مانويل سعيدا برويتك ، فلماذا أعطاك النقود ؟ ليتخلص منك ؟"
وغاض الدم في وجه دابون ، وهي تقول :
" أ ، أ ، نعم أعتقد ذلك "
وسألت كلارى مرة آخرى:
" ولماذا حضر أذن الى هنا ؟ ولماذا يريد أن يراك ؟ أن هذا يناقض مع ما ذكرته من قبل "
وضغطت دابون راحتي يديها معا ، ثم قالت :
" أنها قصة طويلة يا كلارى ، ألا يمكن أن نتركها الآن ؟ فقط الآن ؟"
وردت كلارى :
" لقد تركناها لمدة خمسة أسابيع ، يا دابون ! ألا تعتقدين أن هذا الوقت يكفي ؟ "
" حسنا أعتقد ذلك "
وعلقت كلارى :
" لماذا أذن لا تجلسين ، وتقصين على ماحدث بالضبط ؟"
وترددت دابون ، ثم هزت رأسها بيثاقل وهي تجلس على الكرسي المقابل وشرعت تقول :
" حسنا ، سأقص عليك بالضبط ما حدث ، لقد قابلت مانويل ، وأخبرته أنني بحاجة الى خمسمائة جنيه ، ولقد تعجل في الاستنتاج بأنه اما أنني كنت أحتاج الى النقود لأنني حامل ، وأما أنني أحتاج اليها بسبب رجل آخر "
وعلقت كلارى :
" في رأي أن ذلك الفرض لم يكن فرضا مستبعدا "
وردت دابون :
" قد لا يكون ذلك ، وعلى أي حال فقد رفضت أن أخبره لماذا كنت أحتاج الى النقود ، وقد وافق في النهاية على أن يعطيني اياها أذا ما قبلت أن أذهب الى بيت الأسرة لمقابلة جيما "
وأستفسرة كلارى :
" جدته "
وأجابت دابون :
" نعم "


سفيرة الاحزان 06-10-10 01:43 PM


واستفسر ت كلارى مرة آخرى :
" لكنني كنت أعتقد أنها تعيش في عربة "
وأوضحت دابون :
" كانت تفعل ذلك في ما مضى ، ولكن يبدو أنها كانت قد أصيبت بأزمة صحية ، وألح الأطباء ، كما ألح مانويل على أن تعيش مع الأسرة في المنزل ، وعلى أية حال ، فقد ذهبت معه لمقابلتها ، وقابلت أمه وكذلك ايفون "
واستفسرت كلارى :
" لقد قلت أن ايفون كان قد وقع لها حادث ، ما هو ؟"
وأجابت دابون بصوت يكاد يشبه الصوت الصغير الذي كانت لويزا تحكي لها به القصة لأول مرة ، وكانت تعبر بنبرة تخلو من الانفعال وهي تقول:
" لقد طعنها ثور بقرنه فأصابها "
وأحست كلارى بالصدمة ، وصاحت :
" يا ألهي ! يا للفظاعة "
وترددت دابون لحظة ثم غادرت الحجرة ، لم تكن أحس حالا ، ولم يكن بوسعها أن تتحدث عن عواطفها نحو مانويل حتى مع العمة كلارى ، فلم يكن من سبيل للتعبير عن الحالة النفسية التي تعانيها في كل مرة كانت تسمح لذكرياتها معه بأن تطفو الى ذاكرتها .
استيقظت دابون من نعاس قلق على صوت طرق مستمر على باب المسكن في حوالي الثانية عشر من تلك الليلة ، حاولت وهي تستند الى الفراش بعين طارفة أن تتعرف على الوقت ، وعندما استمر الطرق على الباب نهضت من الفراش مسرعة ، ولبست رداء ، فقد بدا واضحا أن الطارق على الباب كان مصمما ، وكانت دابون حريصة على ألا يستيقظ جوناثان في تلك الساعة من الليل .
ظهر شبح رجل يقف أمام الباب ، وكادت دابون أن تغلق الباب من جديد ، ولكن مانويل خطا الى شعاع الضؤ النافذ من الفتحة ، فلهثت في دهشة . كان وجه مانويل قاتما ومتجهما ، وصار ينظر بقلق ، واستفسر في خشونه:
" هل تأذنين لي بدخول ؟"
منتديات ليلاس
وكانت دابون تعرف أن هذا الاستذان كان مجرد تعبير تقليدي ، وكانت تدرك أنها أن رفضت أن تفتح له فقد يكسر الباب .
وقررت ألا تزيد من الآمه ، فأومأت في صمت ، ودفعت الباب دفعة خفيفة الى الأمام من جديد ، ثم فتحت الباب على مصراعيه وخطا مانويل الى الأمام فجأة ، ومد يده الى مقبض الباب ، وحلت يده محل أصابعها المستسلمة ، وأغلق الباب باحكام خلفه .
وبدأ بطريقة تعبر عن الغضب :
" والآن ......"
ولكنها هزت رأسها ورفعت أصبعها الى شفتيها ، وهمست :
" هيا بنا الى الصالون "
وتبعها عبر الردهة الى الحجرة التي تقع عند منتهاها بعد أن أصدر صوتا يعبر عن القلق .
كانت الحجرة مريحة ، وتجولت عينا دابون في الحجرة في هلع تبحث عن أي أثر يدل على وجود جوناثان . أما مانويل فأمسك بها من كتفيها ، وأدراها بخشونة لتواجهه ، وسألها في قسوة :
" لماذا لم تحضري لمقابلتي ؟"
وخطت دابون بضع خطوات الى الخلف بعيدا عنه ، وهي تقول في نبرة غير منتظمة :
" أذا كنت تقصد الاستدعاء الذي بعثت به الى اليوم ، فلقد كان علي أن أدرك أنه كان من الواضح ...."
وقاطعها مانويل :
" لماذا من الواضح "

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:44 PM



ولهثت دابون ، وقالت :
" أنت في لندن مع ايفون . أخبرني السائق بذلك ، ماذا تظنني ؟ هل أنا نوع من البديل المؤقت ؟ ومد يده الى شعره الكثيف يمشطه به ، ونطق ينعتها :
" لماذا أيتها الـ ......... "
وتوقف عن الكلام ، وأخذ يحل أزرار سترته ، ومد يده الى مؤخرة رقبته ، وبذلك ضاق قميصه الحريري فالتصق بعضلات صدره العريضة ، وأصدرت دابون اشارة يائسة وهي تقول :
" لا ارى لي علاقة بهذا ، ومشاغلك الشخصية لا تعنيني "
وتمتم بصوت مبحوح :
" لقد بدأت أدرك ذلك ، يا ألهي ، أنك لا تدركين مدى الألم الذي عانيته يا دابون خلال الأسابيع الأخيرة منذ أن رحلت "
" لا أعتقد أن من حقك أن تتحدث الي بهذه الطريقة "
ووقف مانويل أمامها ، وقد صارت كل حركة من جسده تمتلئ بالاثارة.
يقول لها :
" ولم لا ، أنها الحقيقية "
وأمالت دابون رأسها ، وهي تقول :
" أرجوك يا مانويل . لماذا جئت الى هنا في هذا الوقت من الليل ؟"
وانحنى مانويل الى الأمام واضعا احدى يديه على كل من يدي الكرسي
منتديات ليلاس
بطريقة جعلت دابون تتراجع لتستند الى ظهر الكرسي تماما لتتجنب ملمسه ، وامن على كلامها بقوله :
" نعم ، أنه جنون "
وكانت عيناه تتفحصان جسدها بنوع من التقدير المشوب بالاسفاف وهو يضيف :
" كان الأمر هكذا دائما بيننا ، أليس كذلك ؟"
وأحست دابون بأنفاسها تخرج بصعوبة ، وقالت :
" ماذا تريد مني ؟"
وخلال ذلك الترقب القلق الذي يحوط بهما في ذلك الوقت من الليل ، بدأ جوناثان يبكي فجأة . كان صوته حزينا . كان ذات الصوت يصدر عنه في حالات الفزع ، وقد بدأ أن صوتهما قد ايقظه رغم أنه كان خفيضا .
" من الذي يبكي "
وترددت دابون لحظة ، ثم قالت بهدؤ :
" جوناثان "
وأخذ مانويل يمشط شعره بيده بعنف ، وهويقول :
يا ألهي ، ياذا القدرة ! هذه الصرخة ، وهذا الطفل "
وأومأت دابون ببطء علامة الموافقة ، والتوت شفتا مانويل بطريقة متعرجة ، وهو يقول :
" تقصدين أن ذلك طفلا صغيرا "
وحاولت دابون أن تستنشق نفسا مرتعشا ، وأومأت من جديد ، ونطق مانويل بلعنة مكبوتة ، ثم تمتم بصوت مخنوق :
" أنت أيتها الجاحدة "
وخرج يتعثر من الحجرة دون أن ينبث بكلمة أخرى .
وسمعت صوت الباب الخارجي ينغلق بصرير يتردد صداه بطريقة مخيفة في أرجاء البيت .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:46 PM


واجتمع شمل العائلة
كانت دابون في الأيام التالية تعاني من حالة كآبة ، لا تدري ماذا تفعل ، وبدأ لها أن أي أمل في المستقبل قد انتهى ، وما كانت نصائح كلارى لتزيح عنها شعور اليأس الذي استولى عليها . لقد مضى مانويل هذه المرة وما كان ليعود .
ولكنها بدأت تستعيد ثقتها بنفسها بالتدريج وببطء مع مضي الأيام . كلن جوناثان معها ولم يكن له ذنب في الخطأ الذي وقع فيه أبواه وجعل من حياتهما مأزقا مروعا .
كانت قد مضت ثلاثة أسابيع تقريبا بعد تلك الليلة المشؤومة التي زارها فيها مانويل عندما جاء الى دابون زائر غير منتظر وكانت كلارى قد رفعت الشرائط اللاصقة من على ساقيها قبل ذلك بيومين ، وفي الجو اللطيف في هذه العشية صحبت جوناثان معها بزيارة الى صديقة تسكن على بعد مسافة قصيرة بالحافلة ، كانت دابون تقوم بتنظيف بعض الخزانات في الطابق العلوي ، عندما سمعت طرقا على الباب الأمامي تنهدت بقلق ، ونزلت لترى من بالباب ، ولكنها خطت الى الخلف مشدوهه عندما وجدت أن الواقف على عتبة الباب كان ايفون ديماريس.
لم تكن ايفون في هذه المرة الفتاة المقعدة على الكرسي المتحرك التي رأتها دابون في زيارتها للبروفنس ، وأنما كانت ايفون أخرى تسير على ساقيها ، نحيلة أنيقة ، تنم ثيابها عن ذوق .
وتقوست شفتا ايفون باحتقار عندما رأت دابون ملابسها الرثة الملطخة بالغبار ، وخاطبتها تقول :
" أريد أن أتحدث اليك يا دابون ! هل تسمحين لي بالدخول ؟"
ولم تتزحزح دابون ، وردت بنبرة أكثر هدؤا عما كانت تتوقع :
" ليس ثمة حديث بيننا ، يا ايفون "
وضاقت عينا ايفون ، وهي تقول :
" ولكن أعتقد أننا ينبغي أن نتحدث ، سوف تجدين أن ما لدي من حديث يهمك "
وهزت دابون رأسها ، وقالت :
" لدي عمل اريد أن أنجزه "
وخطت ايفون الى المدخل ، وهي تقول :
" يمكن للعمل أن ينتظر . ألا يهمك أن تسمعي أن مانويل في حالة مرضية خطيرة ، وربما يموت ؟"
وأبيض وجه دابون عندما صدمتها ايفون بالنبأ ، وقالت لاهثة :
" أنك تكذبين "
ورفعت ايفون حاجبيها في سخرية وقالت :
" اكذب ، أأنت متأكدة ؟"
وصارت دابون تبلع ريقها في صعوبة وهي تقول :
" لو أن مانويل على وشك الموت ، فلماذا أنت هنا ؟ ولماذا لم تبقي الى جواره ؟"
وأخذت ايفون تنشق برقة ، ثم قالت:
" لا أحب أن أبقى هكذا في المدخل يا دابون ؟ هل تعتزمين أن تسمحي لي بالدخول أم لا "
وترددت دابون أول الأمر ثم أفسحت لها الطريق فدخلت ايفون وقد علت وجهها ابتسامة خفيفة تنم عن شعورها بالانتصار ، ودلفت الى داخل الردهة ولا حظت دابون أن خطوها كان بطيئا ولكن لا أثر للعرج وأدركت أن الجراحين قد أجروا العملية لايفون بنجاح .
وصارت ايفون تجيل النظر في الصالون حولها بشيء من الاشمئزاز ، وسألت دابون بوقاحة :
" هل تعيشين هنا ؟"
وتوتر وجه دابون ، وظهرت عليها أمارات القلق ، وقالت:
" أرجوك ، ما الغرض من قدومك الى هنا ؟ ما الذي حدث لمانويل ؟"
التفتت الى دابون في ذهول تقول :
" تلك اللعب ، هل هي لطفل في هذا المنزل؟ "
وفكرت دابون بسرعة هل تجيبها أم لا ولكنها كانت تعرف أن ايفون لن تقنع ما لم تحصل على اجابة شافية ، لذلك أجابتها بصوت فيه شيء من التوتر:
" نعم "
واستغرقت ايفون تفكر بامعان ، ثم قالت :
" كنت أظنك تعيشين وحيدة ، مع عمتك "
وأجابت دابون :
" كنت، أقصد أنني أعيش كذلك ، أي ...."
ومسحت ايفون بلسانها علة شفتيها وظهرت على وجهها ابتسامة ، ولكنها لم تكن ابتسامة الرضى ، وقالت :
" أذن أنت لديك طفل "
وغاض الدم في وجنتي دابون ، وأجابت :
"نعم "

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:49 PM


وأخذت ايفون تهز رأسها ، وهي تكاد لا تصدق ثم ضحكت ساخرة وأطلقت تعبيرا يدل على الانتصار ن وقالت :
" أذن هذا هو السر ، السر الذي اكتشفه مانويل في تلك الليلة وجعله يعود فورا الى فرنسا ويندفع الى حلبة المصارعة حتى كاد يقتل نفسه . هكذا بعد كل ما حدث ، لديك طفل ! أوه ! أن هذه سخرية يا دابون ، الا تعتقدين ذلك ؟"
كانت دابون ترتعد تحت وطأة انفعالات قاسية ما كانت تدرك بوجودها في أعماق نفسها ، وكادت هذه الانفعالات تدفعها الى أن تمسك بايفون من شعرها لتقتلع عينيها بسبب سخريتها منها .
وأجابت بصوت مبحوح :
" أنا لا أعرف عن أي شيء تتحدثين ؟"
وهزت ايفون رأسها ، وقالت :
" لا تحاولي أن تحجبي عني الحقيقية يا دابون . أنني أعرف مانويل جيدا . أنه شخص مثالي ، قليل الاحتمال . لا يرضى بأقل من الكمال التام في المرأة التي يحبها "
واضطربت دابون ، وأخذت تسأل :
" ماذا تعنين ؟ أين مانويل ؟ تقولين أنه أصيب في حلبة المصارعة ؟"
منتديات ليلاس
وتقوس حاجبا ايفون ، وهي تقول :
" نعم ، هذا ما قلت "
واستمرت دابون تسألها :
" ولكن كيف ؟ مانويل يعرف الثيران جيدا ، كيف قام بهذه المخاطرة !"
وهزت ايفون كتفيها بشيء من عدم الاكتراث ، وقالت :
" أنا لايهمني مانويل بصفة خاصة "
وردت دابون بشيء كبير من القلق :
" ولكن أنا يهمني ! كيف تتكلمين بهذه اللامبالاة ؟ لقد كنت أظن أنك ولهه بحبه "
وتوترت شفتا ايفون :
" كنت ذات يوم ، ولكنني الآن أكثر نضجا ومن التي تقبل أن تتزوج رجلا كتب عليه أن يبقى مقعدا طوال حياته "
وظهر الألم المبرح في عيني دابون ، وهي تعلق وانفاسها تخرج متقطعة:
" يا ألهي "
وانتزعت دابون الكلمات بصعوبة من بين شفتيها ، وهي ترد :
" أنك لا تعرفين شيئا ، أنط مجرد شريرة لا تهتمين بأي شخص سوى نفسك ، وعندما كنت أنت مقعدة فان مانويل لم يتخل عنك "
وبدا الحقد في عيني ايفون ، وهي تقول :
" لم يتركني ؟ أنت تعرفين يا عزيزتي أنه كان قد تخلى عني تماما يوم أن وقع لي الحادث ، ولكنك لا تعرفين ذلك بالطبع . أنك تعرفين ماأخبرتك به لويزا . أنني أنا ومانويل تشاجرنا ، وحاولت أن أثار لنفسي منه بتعذيب الثيران العزيزة عليه "
ولم تستطع دابون أن تقمع فضولها ، فسألت :
" تقصدين انكما كنتما تتنازعان لأن مانويل كان يهدد بتركك"
وتظاهرت ايفون بأنها لم تسمع تلك الملاحظة ن وصارت تهندم نفسها أمام المرآة الموضوعة فوق المدفاة ، ثم قالت :
" أن مانويل ينتمي بنسب الى الغجر ، وكانت جدته تلك الساحرة العجوز تكرر ذلك دائما ، وقد جعلته يعتقد أنه لا يمكن أن يتزوج من أية امرأة أخرى لو رغب في ذلك لأنه تزوج بك أنت بالفعل من وجهة نظرها ، وهولم يكن يعرف أن أمه تخلصت منك . وكان لايزال وقت قريب يفكر في أن يحضر الى انكلترا ليعثر عليك ويصطحبك معه الى البيت ، وكاد يجن من الغيرة عندما اختفيت "



سفيرة الاحزان 06-10-10 01:50 PM


وعلقت دابون ، وهي لا تصدق ما سمعته :
" ماذا ؟ ولكن مانويل لم يعد في ذلك اليوم الذي تلا المراسم ، أمه فقط هي التي جاءت . كيف لم يمنعها أذا كان أحساسه هكذا نحوي ؟"
وردت ايفون :
" وكيف كان يستطيع ذلك ؟ لقد كان طريح الفراش في المستشفى بسبب كسر في فخذه ، كنت أظن أن لويزا أخبرتك بذلك "
وبلعت دابون ريقها بصعوبة ، وتذكرت :
" الحادث ، تعنين أن الحادث وقع في ذلك اليوم ؟"
وبدأ على ايفون أنها قد بدأت تضيق بالموقف ، وقالت :
" بالطبع ، لقد عاد الى المنزل في ذلك اليوم ، ليخبر أبويه بما حدث ، وكنت هناك ، وقد غضب والداه بالطبع ، وبعد ذلك بقليل سقط من فوق حصانه على مسافة لا تزيد عن مائة ياردة من البيت ، وقال أحد الحراس أن السرج لم يكن محكما "
وتقوست شفتاها في ابتسامة ، كأنها قد تذكرت شيئا يرتبط بذلك الموقف، وأحست دابون أن ايفون كان لها يد في ذلك الحادث .
كان فيما مضى ، ولكن الذي يهم الآن هو الحاضر ، وادركت دابون أن ايفون قد غيرت مجرى حياتها بطريقة غير ذكية .
والتفتت ايفون ، وهي في طريقها الى الباب تقول :
" ها أنت عرفت كل شيء ، يا دابون . كل هذه الأحدث المثيرة ، من المؤسف أن النهاية لم تكن سعيده ، وتعرفين أن وجود طفل معك قد عاق تلك النهاية ، وأليس كذلك ؟"
وتكورت قبضتا دابون ، وقالت بفطنه :
" أن ذلك يتوقف على من هما الأبوان لهذا الطفل ، يا ايفون ؟ ألا توافقين على ذلك ؟"
منتديات ليلاس
وتوقفت ايفون ، وسألت :
" ماذا تعنين ؟"
وهزت دابون رأسها ، وقالت :
" أوه ، لا شيء ، هل أنت راحلة ؟"
وترددت ايفون بعض الشيء ، وبدأ أنها أحست بصدمة عندما لاحظت اشراقة تتلألأ في عيني دابون ، وأخيرا خطت الى الباب الخارجي ، وفتحت لها دابون الباب بأدب واجتازته ايفون . وكانت السيارة التي استاجرتها تنتظرها عند المدخل ، ولكن دابون لم تنتظر لتراها تركب ، وغلقت الباب ، وأسندت ظهرها اليه ، وهي ترتعش . وخطر لها أنه لوكان ما قالته ايفون صحيحا فأن ذلك يفتح العديد من الفرص أمامها .
وعندما رجعت كلارى مع جوناثان ، كانت دابون قد اتصلت هاتفيا بالمطار ، وحجزت انفسها مقعدا على الرحلو الجوية الى ماريجنان في اليوم التالي ، وبدأت بالفعل تحزم بعض ملابسها وملابس جوناثان في حقيبة السفر . كانت قد قررت أن تصطحب جوناثان معها في هذه الرحلة، وعزمت على ألا تقع في أخطاء أخرى في هذه المرة .
وحجزت دابون في نفس الفندق الذي كانت تقيم فيه في مدينة آرل ، ورات عيني السيد ليون تتسعان باهتمام عندما رأى جوناثان ، ولكنه قمع رغبته واكتفى بأن رحب بعودتها دون أن يثقل عليها بأي سؤال ، وأكد لها أنه وزوجته يرحبان بالاهتمام برعاية الطفل أذا أرادت الخروج في أحدى الأمسيات .
وحاولت أن تسأل عن تفاصيل اصابة مانويل من المستشفى ، ولكن احدا لم يجبها في هذا الشأن ، وربما ظن المسؤولون في المستشفى أنها صحفية تبحث عن قصة ، وأيا كانت الأسباب وراء رفضهم الادلاء بأية معلومات ، فقد رفضوا أن يناقشوا شيئا يتعلق بحالة نزيل بالمستشفى ، واكتفت مؤقتا بأن اطمأنت بأنه لم يعد على حافة الموت .
وقررت آخر الآمر أن تستاجر سيارة تقودها الى منزل سان سلفادور في عشية اليوم التالي ، وأن تأخذ معها جوناثان ، وصارت تصلي من أجل ألا تؤذي هذه المغامرة الى تحطيم قلبها .
وأخير وصلت الى منزل سان سلفادور ، وكان المكان يبدو قفرا وصارت الكلاب تنبح تعلن مقدم الوافدين ومع ذلك لم يكن هناك ما يشير الى وجود أي انسان وخطر لها أنها ينبغي أن تشعر بالشكران لأن ايفون لم تكن هناك لتنغصها ، ولكن نبضها كان يدق بسرعة غير عادية ، وكانت ركبتاها ترتعدان دون أن تستطيع السيطرة عليهما ، وهي تهبط من السيارة .
وقررت أن تترك جوناثان في السيارة ، وكانت مطمئنة أنه لا يمكن أن يصيبه أي مكروه في هذا المكان من الساحة ، وخطر لها أن ذلك قد يجعل مقابلة مدام سان سلفادور أيسر مما لوكان معها جوناثان .
وأخذت دابون تدق على الباب بشدة ، لفترة طويلة ، ولكن أحدا لم يجب ، وأخيرا اضطرت الى أن تجرب مقبض الباب ، وعندما انفتح الباب دخلت تساورها بعض الشكوك ، كانت الآن تجتاز نفس الدهليز الذي كانت تجتازه مع مانويل وعن يسارها يقبع المطبخ الذي أدخلها اليه .

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:55 PM


كان مانويل يهم بالنهوض من الفراش ، وأحس بها تدلف الى الحجرة فجذب الأغطية سريعا ليغطي بها عريه ، وصار يحدق فيها النظر وكأنه لا يصدق عينيه ... وتمتمت بشيء من الانفعال :
" أهلا مانويل ، كيف حالك ؟ "
ومد مانويل يده الى شعره الأشعث الذي أصبح الآن أكثر كثافة وأكثر طولا منذ مرضه بحيث أخذ يتجعد على مؤخرة رقبته ، وتمتم وهو يكاد لا يصدق عينيه :
" يا ألهي ، ما الذي جاء بك الى هنا ؟"
وأغلقت دابون الباب خلفها ، وأسندت ظهرها اليه ، وأخذت تستفسر بطريقة مضطربة :
" لقد حضرت فعلا لأني عرفت أنك أصبت في حادث . كيف حالك ؟"
كانت عيناه الرماديتان تنظران في برود وغضب ، وقال :
" هل تريدين أن تعرفي كيف حالي ؟ أنني بخير لولا أولئك الأطباء السفهاء الذين أصروا على أن تجرع تلك الكمية من العقاقير لكنت قد شفيت الآن تماما "
وهزت دابون رأسها ، وسألت :
" ولكن ما الذي حدث ؟ وكيف وقع لك ذلك ؟"
وتصلب فك مانويل وهو يقول :
" كل ما حدث هو أنني أصبت بقرن الثور "
وحملقت فيه دابون في فزع ، وهي تتخيل منظر الجرح عندما وقع الحادث حينما كانت البشرة تدمي وهي ممزقة ، وصاحت :
" أوه ، مانويل !"
ولم تستطع دابون أن تتحمل الموقف أكثر من ذلك ، وبحركة يائسة هزت كتفيها ، ثم اندفعت عبر الخطوات التي تفصل بينها وبين الفراش ، وركعت على ركبتيها بجانبه ، وتركت وجهها يتمرغ على كتفه ذى البشرة البنية ، وأحست به وهو يتصلب ، وأحست بيديه وهي ترتفع لتدفعها بعيدا عنه ..
" لماذا جئت "
منتديات ليلاس
وظلت لبضع دقائق لا تستطيع أن تجيب ، واكتفت بأن التصقت به كما لو كانت لا تحتمل أن تراه يبتعد عنها مرة آخرى ، وأحس مانويل بأن قدرته على السيطرة على نفسه كانت ضعيفة وكان الجو داخل الحجرة الظليلة يوحي بالألفة والدفء ، ولم يكن فيما قبل يريدها أن تعرف بحاجته الشديدة اليها
قال لها في شيء من الحدة :
" ينبغي أن نبسط الأمر سويا "
وبدت تعبير وجهه أكثر صلابة ، وهو يقول :
" أنك بالتأكيد تعرفين لماذا ؟"
وعلقت على ذلك قائلة :
" لا ، أنني لا أعرف السبب ، كنت أظن ، أعني ظللت لثلاث سنوات أعتقد أنك تخليت عني "
ورد مانويل :
" نعم ، أعرف ذلك فأن ايفون عرفتني به وأعتدل في جلسته ، وحدب كتفيه "
واستمر يقول :
" بالطبع كنت سأخبرك في تلك الليلة لولا ، لولا أن قطعت علينا اللقاء "
وردت دابون :
" أنني أعرف ذلك جيدا الآن ، فقد أخبرتني ايفون منذ يومين أنك قد حسمت علاقتك بها ، وهذا هو السبب في أنني هنا "
ومد مانويل يده الى رأسه يمشط بها شعره ، وهو يقول :
" أنني لو أعد أعرف ما أريد ، لقد ظننت أنه بوسعي أن أحتمل عندما اكتشفت أمر الطفل ، ولكن الآن ، وأنت هنا ، أفكر كيف يتأني لي أن احتمل لو تركتك تذهبين "
والتوت شفتاه واستمر يقول :
" يا له من اعتراف ، أليس كذلك ؟ خاصة أنك لم تقومي من قبل بأية محاولة لترينني الا عندما وجدت نفسك تحتاجين الى شيء ما "
وترددت دابون لحظة ، ثم قالت :
" هل تتريث لحظة ؟ لدي سيئا أريد أن تراه "
وصمت مانويل ، وهو يقول :
" وما هو ؟"
وردت دابون :
" انتظر "
كان جوناثان لا يزال في مؤخرة السيارة حيث تركته ، ولكنه كان قد استيقظ وأخذ يتملل بعض الشيء ، فأشرق وجهه عندما رأى دابون التي سرعان ما رفعته بين ذراعيها برفق .
وحملته الى داخل المنزل . كانت قدرة على المشي لا زالت محدودة ، وكانت هي متعطشة لكي تري مانويل أبنه . وعندما دعت باب حجرة مانويل وجدته قد نهض من الفراش وارتدى بنطلونا جلديا باللون القاتم ، وكان يحكم أزرار القميص الأبيض المصنوع من الحرير .
واستدار مانويل تجاهها عندما دخلت الحجرة ، وحالما وقعت عيناه على الطفل بين ذراعيها صاح في غلظة :
" بالله يا دابون ، ماذا تظنينني "
ووضعت دابون جوناثان على أرض الحجرة ، ووقف الطفل ينظر حوله بطريقة تأملية تستدر الحب ، وقالت :
" أنظر اليه يا مانويل ، أرجوك أن تنظر اليه . هل يذكرك بشخص آخر "
والتفت مانويل ببطء ، ونظر الى الطفل ، وحدق فيه لحظة طويلة ، ثم نظر الى دابون ، وأحست دابون بأعصابها تتوتر تحت وطأة نظرته لدرجة كادت أن تطلق صرخة ، عندئذ احدودب جسم مانويل أمام جوناثان ، وأخرج علبة فضية من جيبه يجتذب ببريقها الطفل الصغير .
وتمكن من أن يحتفظ باهتمام جوناثان لعدة دقائق ، وأن يجعل وجهه الصغير يبتسم ويكشف عن اسنانه البيضاء ووجنته البارزة ، والتحركات الماكرة في عينيه .
وبسط قامته ، وعندما نظر الى دابون كانت تحس كما لو كان قلبها ينضغط بألم شديد وسألها بانفعال :
" لماذا لم تخبرني

سفيرة الاحزان 06-10-10 01:59 PM



وامتدت احدى يديه لتمسك بمؤخرة رقبتها وتجذبها نحوه ، وقالت وهي تتنفس بطريقة متقطعة :
" كنت أريد أن أخبرك "
ولم تكن قد تأكدت بعد من أن كل شيء سوف يسير في الطريق الصحيح، وأضافت :
" أنك تعرف من يكون هذا الطفل ؟ أليس كذلك "
وأجاب مانويل بعاطفة جياشة :
" نعم ، أنه أبني "
ومست دابون وجنته بأصابعها الرقيقة ، وقالت :
" كيف كان بوسعي أن أخبرك ؟"
وكان جوناثان يمشي بخطى قصيرة يستكشف الحجرة وهو مطمئن تماما طالما كانت دابون بالقرب منه . واستمرت دابون تقول :
" لقد كنت نائيا عني تماما "
وأجاب مانويل :
" أوه ، نعم ، أن على أمي مسؤولية كبيرة في هذا الشأن "
وارتعش مانويل رعشة طفيفة وهو يستند عليها وأسرعت تقول :
" لا ينبغي أن تترك الفراش "
" سوف أتحسن ، وسوف ترين ، ولكنك لم تخبريني عن الطفل عندما حضرت الى بيت عمتك ؟"
وعضت دابون شفتها ن وقالت :
" لم أكن أعلم أنك قد حسمت علاقتك بايفون ، وكنت أخشى لو أنك عرفت بجوناثان فربما أخذته منى عنوة وحرمتني منه "
وهز مانويل رأسه بعنف ، وتمتم بهدؤ :
" وكان البديل لذلك ان ضاعت منى السنتان الأوليان من حياة أبني "
وجعلت دابون شفتيها تلتصقان برقبته ، وهي تقول :
" بالامكان أن يكون لنا أبناء آخرون "
وأخذ مانويل جوناثان بين ذراعيه ، وصار الطفل ينظر اليه باستغراب ، وكان من الواضح أنه يتعجب من يكون ذلك الغريب ، وقال مانويل :
" أنني أفهم "
كانت دابون وهي ترقب مانويل وجوناثان تحس بالدموع في عينيها ، وتمتمت في هدؤ ، بينما كان مانويل يشد خصلة من شعرها بقوة .
منتديات ليلاس
واستانف مانويل حديثه ، وصوته يغلظ قليلا :
" أنني أريد زوجتي وطفلي في الحال "
وكان جوناثان يبعث بالسلسلة الرقيقة حول رقبة مانويل ، وتمكن مانويل من أن يرفع السلسلة ويخلعها ، ووضعها بعناية حول رقبة دابون . وحولت دابون وجهها بعيدا . كان الموقف يتطلب أكثر مما تستطيع احتماله ، وخامرها احساس بأنها على وشك أن تجهش بالبكاء ، وبدا أن مانويل أحس بما اعتراها من انفعال ، وانحنت ذراعاه بجوناثان الى الأرض ، وأمسك بدابون من كتفيها ، بينما كان جوناثان يتحرك بخطى قصيرة مبتعدا عنها .
وقالت وهي تتنفس بطريقة متقطعة :
" أنني لا أستطيع أن أحتمل لو أن شيء وقع بيننا الآن "
فقال بحماس :
" لا شيء يمكن أن يفرق بيننا الآن ، هذا وعد "
واستفسرت منه :
" ولكن ايفون "
وقاطعها :
" ما الذي يعنيك من أمر ايفون "
وسألته :
" هل تعود الى كامارغ "
وأجاب :
" من المحتمل ، لماذا ؟ انك لا تغارين منها بكل تأكيد ؟"
وصدرت عنها ابتسامة ، وهي تهز رأسها قائلة :
" أوه ، لا ، الواقع أنني يجب أن أشكرها ، فلولا تدخلها ما حضرت الى هنا "
وأدار مانويل وجهها تجاهه ، وسألها :
" ماذا تعنين ؟"
وأخذت دابون في جمل مضطربة تخبره عن زيارة ايفون لها في منزل عمتها .
وعلق في النهاية :
" ياللمسكينة ايفون ! لو أنها كانت تعلم ما كانت تسببه لي "
وسألته في رقه :
" هل لاتزال جيما هنا ؟"
وابتسم مانويل في لطف ، وأومأ برأسه مؤكدا ، وقال :
" أعتقد أنها تنعم ببعض النعاس في فترة ما بعد الظهيرة ، كما تعودت أن تفعل . سوف تكون سعيده جدا برويتك ، لقد كانت مصممة على أن يجتمع شملنا من جديد ، وأنت تعرفين أنها قد حاولت أن تبقيك معنا هنا من قبل "
وقالت دابون ، وهي تتنهد :
" أنني أعرف أشيئا كثيرة الآن "
وخفضت عينيها لترمق جوناثان الذي كان يبعث بردائها وسألت مانويل :
" هل تظن أن بامكان لويزا أن تدبر مكانا ينام فيه جوناثان الليلة أذا قررنا ألا نعود الى الفندق "
وتقوست شفتا مانويل بطريقة تنم بعض الشيء عن الحزم :
" أعتقد أنه سوف يكون عليها ذلك "
قالها وعيناه تتركزان عليها ، وأضاف :
" لأنني بالتأكيد ان أسمح لكما بأن تذهبا "

تمت بحمد لله
قراءة ممتعه


نجمة33 06-10-10 09:56 PM

رووووووعه مشكوره علي الجهد المبذول

سلمت يداك

فتاة 86 08-10-10 02:09 PM

شكراً سفيرة الأحزان على المجهود
وعم نستنى جديدك
مع كل الحب

زهورحسين 08-10-10 11:20 PM

كثير حلوووووووووووووووووة:toot:
تسلمييييييييييييييييييين:toot:

Rehana 09-10-10 09:26 PM

شكرا لك على جهدك في نقل الرواية

ahooood 12-12-10 08:41 AM

مشكووووووووووورة على الرواية الروووووووووووووعة تجنن تسلموووووووووووووووو

hoob 12-12-10 06:41 PM

روايه حلوة قوى شكرا سفيرة الاحزان ونتمنى لكى كل الافراح

فجر الكون 17-12-10 04:57 PM

مشكورة علي الرواية الرائعة ,,,,

الجبل الاخضر 25-12-10 11:41 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :flowers2:تسلمين وشكرالك على الروايه الروعه :flowers2:وعلى مجهودك :flowers2:وننتظر جديدك:7_5_129:

hamesha 03-10-11 12:32 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير

ندى ندى 13-12-11 05:36 PM

جميله جدا جدا

راية الاحزان 08-10-15 07:52 PM

رد: 15 - ليالي الغجر- آن ميثر- عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموووووو

منى على سيد 09-10-15 01:30 AM

رد: 15 - ليالي الغجر- آن ميثر- عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلم ايديك رواية رووووووعة

Rahmoucha 16-10-15 08:45 AM

رد: 15 - ليالي الغجر- آن ميثر- عبير القديمة ( كاملة )
 
رووووووعة :55::peace:

نجلاء عبد الوهاب 19-09-22 11:47 PM

رد: 15 - ليالي الغجر - آن ميثر - عبير القديمة ( كاملة )
 
:55::55::55:


الساعة الآن 03:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية