منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148774.html)

نيو فراولة 20-09-10 10:50 PM

31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
31 -هاربة! مارغريت روم – روايات عبير القديمة

الملخص



رحلة العذاب عادة تبدأ بخطوة صغيرة تدفع الأنسان الى متاهات مجهولة , مارييل بدأت رحلتها من بلدها الضبابي بريطانيا بجواز سفر صديقتها شارون للقاء خالتها صوفي في بولونيا , فأنتهت في عربة زعيم الغجز المدعو روم بورو الذي خلصها من قبضة الشرطة ,ولم يستطع أنقاذها من شعورها بالمذلة حين دفع ثمنها بضع قطع ذهبية ليتزوجها حسب تقاليد قبيلته.منتديات ليلاس
ترى هل تستطيع مارييل الهروب من روم بورو كما هربت بجواز سفر مزور؟ أم أن الوقوع في حب هذا الغجري أفضل من وقوفها وراء قضبان السجن؟

نيو فراولة 20-09-10 10:53 PM

1- لقاء الجذور


توقفت مارييل على الرصيف الأوسط للشارع تعزلها عن الجانب الآخر حركة المرور المسرعة وأبواق السيارات الصاحبة , ونظرت الى المباني المحيطة بها : أذا هذه هي وارسو المدينة التي وصلت اليها بعد مشاق ومخاطر عديدة , أعصابها كانت لا تزال تهتز كلما أطلقت لنفسها عنان التفكير في الأحتمالات التي يمكن حدوثها.
كانت الخدعة أو ل الأمر تبدو بسيطة , لا ضرر منها , حين عثرت شارون , زميلتها في السكن , وأعز صديقة لها , على وظيفة مع فريق من الراقصات يعمل في النوادي الليلة في جميع أنحاء أوروبا , وصلت مارييل متأخرة على موعد المقابلة المخصصة لأختيار الراقصات , وبرغم أعذارها لم تنجح في تغيير الواقع , وهو أن جميع الأماكن الخالية في الفرقة شغلت , وأن الأدارة لم تعد تهتم بمزيد من المقابلات رغم تشوّق المتقدمات لزيارة أوروبا , وقبل مضي 24 ساعة على موعد سفرها , أنزلقت شارون في الشارع وسقطت , مما تسبب بكسر عدة عظام في قدمها , وعندما زارتها مارييل في المستشفى نظرت اليها بأبتسامة ضعيفة وهي تحمل لها حقيبة بما ستحتاج اليه في المدة التي علمت أنها ستطول في المستشفى.
وتنهدت شارون وقد تغلب القلق على آلامها وهي تقول:
" من الذي سيحل محلي في فترة وجيزة كهذه؟".
فطمأنتها مارييل وهي تقول:
" سيعثرون على غيرك , فكثيرا ما تقع الحوادث للراقصات أكثر من سواهن هكذا يخيّل اليّ , فأهدأي يا عزيزتي , فلا بد أن لديهم أسماء أحتياطية في سجلاتهم".
منتدى ليلاس
وحاولت أن تصرف ذهن شارون عن هذه المشكلة بتغيير الموضوع ألا أن جبين صديقتها ظل مقطبا من القلق بالرغم من ردها على أستفسار مارييل عن كيفية وقوع الحادث.
وفجأة قالت شارون بطريقة تلقائية وهي تقاطع كلام مارييل , التي كانت تستنكر أهمال الناس بتركهم الشحم يتسرب من ساراتهم على الأرض , معرّضين بذلك المشاة للخطر , مما أدى الى أنزلاقها :
" لماذا لا تحلين محلي؟".
وفتحت مارييل فمها من الدهشة , ولكن الصمت الذي تبع ذلك كان مليئا بالأسئلة , وأخيرا تمتمت قائلة:
" كيف أستطيع أن أفعل ذلك؟".
كانت عيناها تنمان عن حاجتها الى أن يطمئنها أحد ويرشدها الى طريقة تمكنها من الوصول الى ما تصبو اليه.
فجلست شارون فجأة وقد نسيت ضرورة الحذر من الحركة نظرا لحالة قدمها وقالت:
" تستطيعين بكل سهولة , أن السيدة غلوري المسؤولة عن الفرقة تعرفنا جيدا ,لكنك تعرفين أيضا كيف تنسى الأسماء والأشخاص بسرعة , فكثيرا ما خلطت بيننا عندما عملنا معها في الماضي ,ولن تكون مشكلة بالنسبة الينا أذا خدعنا تلك السيدة العجوز".
فأومأت مارييل برأسها للدلالة على موافقتها على فكرة صديقتها , ألا أن تعبير وجهها حمل معنى التردد وهي تعترض على رأيها.
" لكن هناك أنطوني جيمس , سيعرفني وسيفهم أنني غريبة عن الفرقة ".
أستخفت شارون بتعليق صديقتها وقالت:
" أنطوني جيمس! أن كل أهتمامه منصب على سيقان الراقصات , فبرغم أنه قام بمهمة الأختبار وله الرأي الأخير في الأختيار لكنه لا يعرف الوجوه أبدا".
فضحكت الفتاتان من هذا الوصف الذي ينطبق على ذلك الرجل المعروف بشغفه بالسيقان الطويلة , وأستمرت الفتاتان في مزاحهما بحيث لم يكن في وسعهما التفكير السليم أو الجاد ,فكثيرا ما سمعتا جيمس يقول أن اللاتي تقبلهن الفرقة هن الفتيات الأنكليزيات الشقراوات ذوات السيقان الطويلة .

وفجأة تلاشى الضحك وتلاشى الأمل المتصاعد عندما تذكرت مارييل أن ليس عندها جواز سفر , وأخذت الفتاتان تفكران بقلق في هذه المشكلة الجديدة ,وبدا الأمر وكأنه بسيط مجرد جواز سفر , يمكن الحصول عليه بسهولة , لكن لم يكن هناك متسع من الوقت , وتملّك الفتاتين عناد وتحد , وتبرمتا من القيود الروتينية الرسمية وقد عبرت شارون عن ذلك قائلة لصديقتها:
" تبا للقيود! , أستخدمي جواز سفري فنحن متشابهتان بحيث يمكننا أستعمال نفس الصورة ويمكن التأثير على السيدة غلوري لتقديمك على أنك شارون شين , هيا أفعلي هذا وأراهنك على نجاح الفكرة , طالما كنت تتمنين زيارة خالتك في وارسو".
وهكذا وجدت مارييل نفسها في الدولة التي علمتها أمها أن تحبها عن طريق وصفها لها , فكانت كطفلة تتخيل نفسها وهي تصحب والدتها في زيارتها لمنزل الأسرة الكبير في الميدان الذي قضت فيه طفولة سعيدة مع والديها وأختها الصغرى صوفي , التي كانت والدتها تؤكد بأنها تتصف بالحيوية الجامحة , وبينما كانت مارييل تتجول في الشارع بدون أن تلتفت للمرور أطلاقا , كانت تذكر ملامح أمها الحبيبة , فحتى تلك اللحظة , أي بعد أنقضاء ستة أشهر على وفاتها , لم تتقبل مارييل فكرة عدم سماع ذلك الصوت العذب الهادىء وعدم أمكانها تبادل الذكريات الحلوة والمرة معها عن تلك المدينة التي أحبتها , وعن والد مارييل الذي أحبته الأم , منذ أول قلاء لهما , ومما زاد من أرتباطها به وقوع الحرب وكان تشارلز مور قد درس الحقوق في جامعة أنكلترا وأتاحت له المنحة الدراسية التي حصل عليها أن يتابع دراسته في أوروبا , ولما كان مهتما أهتماما خاصا بالنظام القانوني في بولندا , قرر أن يقضي كل المدة المحددة لبعثته الدراسية في وارسو , وبمجرد وصوله اليها تعرّف على أيفا , الفتاة التي أصبحت فيما بعد زوجته , وفي غضون ستة أشهر من السعادة والهنا نما حبهما وأزدهر في المدينة التي كانت تردد ألحان شوبان العاطفية معتبرة موسيقاه نبضا للشاعرية الهادئة في ألحان أعظم أبنهائها ,وفجأة وقعت بولندا فريسة للغزاة , وحاول تشارلز أن يهوّن من مخاوف أيفا التي شعرت بعدم قدرتها على التكيف في وطن جديد وأحتمالها لفراق أسرتها , ولما كان ولاؤه مرتبطا بوطنه وولاؤها مرتبطا به هو , أصرّ على أن تبقى بجواره لتوفر له الراحة والحب , اللازمين للرجل الذي يخوض غمار الحرب , وبطريقة لا تعرفها مارييل , فرّالزوجان الى أنكلترا حيث أنضم تشارلز الى السلاح الجوي في وطنه , ألا أن زواجهما السعيد لم يطل به الأمد فأنتهى بعد سنة واحدة بوفاة الزوج في العمليات الحربية تاركا وراءه أرملة شابة في بلد غريب ومعها طفلة رضيعة.
وفجأة صحت مارييل من تأملاتها وذكرياتها على صوت آلة تنبيه سيارة يقودها شخص عصبي , فأسرعت خطاها لتبتعد عن طريقه , وبينما هي سائرة أنتابتها نوبة من خيبة الأمل , ألم يبق شيء من المدينة الساحرة التي أحبها والدها؟ بدا لها أن الموسيقى الوحيدة الباقية هي وقع الأقدام على الأسفلت الصلب , أما أقرب شيء للشعر فكان السجع المكتوب على اللافتات المهملة , وأدركت الحقيقة وهي عدم وجود أي شيء ساحر في تلك المدينة على الأطلاق , وهزت كتفيها ونظرت الى الورقة التي كانت تطبق يدها عليها , وحسب الوصف الذي أعطي لها , كان العنوان المكتوب في الورقة على مسيرة عشرة دقائق من حيث كانت.
ومما أثار دهشة مارييل أكتشافها أن العنوان الذي معها كان عنوانا لمصنع , ومع ذلك أجتازت البوابة ومشت بين جموع النساء اللاتي كن في طريقهن الى الكانتين لتناول وجبتهن , وأخيرا لمحت مكتبا بدا لها وكأنه مخصص للأستقبال , فدخلته وهي ما زالت مم*** بالورقة المدوّن عليها العنوان وكأنها وثيقة مرور تبيح لها الدخول , فسألها شاب باللغة البولندية وهو ينظر اليها بدهشة:
" هل من خدمة أسديها أليك؟".
فردت عليه قائلة وهي تحمد الله على بعد نظر والدتها وأصرارها على تعليمها تلك اللغة التي أتقنت الكلام بها بطلاقة:
" نعم ........ أريد خالتي صوفي باروسكا , وقد أعطي لي هذا العنوان فأذا كانت تعمل هنا , أرجو أن تسأل لي عن الموعد الذي تنتهي فيه من عملها حتى أنتظرها في الخارج".
فأرتجفت شفتا الشاب وهو يقول لها:
" لا داعي لذلك , فخالتك هي أحدى مديرات المصنع ويسيئها أن تترك أبنة شقيفتها تنتظر في الخارج , فأذا تبعتني سأصحبك الى مكتبها".
وتبعته الفتاة وهي مشدوهة في صمت صاعدة وراءه السلم , كانت والدتها قد أعطتها فكرة عن صلابة رأي خالتها , أما أن تكتشف أن شقيقة والدتها الرقيقة اللطيفة هي رئيسة لقطاع صناعي فهذا ما لم تتوقعه أطلاقا , ومع ذلك تمالكت مشاعرها المضطربة وقالت للشاب وهو يمد يده ليفتح مقبض الباب.
" أرجو ألا تعلن حضوري فأنني أريد أن أفاجئها بزيارتي".
وبالأدب البولندي المعروف أحترم رغبتها وصك كعبي حذائه معا وأنحنى لها قائلا بأبتسامة تنم عن فهمه لموقفها:
" كما تريدين".

نيو فراولة 20-09-10 10:54 PM

أنتظرت مارييل وقد أطبقت يديها بشدة من القلق , وأخذت مارييل تتأمل تلك السيدة وتحاول أن تجد تشابها بين والدتها الرقيقة ذات العينين الهادئتين وبين تلك السيدة التي تجلس أمامها.
وقالت في نفسها أن أمها لا تستطيع أبدا القيام بهذا العمل الذي تقوم خالتها بالكفاءة البادية عليها , والغريب أن وظيفة أدارة المصنع كانت تلائمها أكثر من ملاءمتها لأي رجل يقوم بالعمل نفسه.
وتنبهت من تأملاتها على صوت خالتها وهي تقول لها:
" الآن وقد أنتهيت من التأمل في شخصي بهذه الدقة , هلا أخبرتني عما تريدين؟".
ووقفت السيدة لتدور حول المكتب ثم أستندت الى أحد أركانه بينما أخذت تبحث عن الثقاب لتشعل سيكارتها.
وكان ثوبها الصيفي الرمادي يصل الى حافة حذائها الطويل المصنوع من الجلد الرقيق الناعم , وكان يلتف حول خصرها الدقيق حزام أحمر يضاهي لون الغلالة الحريرية المعقودة تحت ياقة ثوبها بأناقة وحنكة ,وقد أشارت ملابسها الى أنوثتها الراقية التي لم يسلب نجاحها في العمل شيئا منها.
ولما حانت ساعة التعارف وجدت مارييل صعوبة كبيرة في النطق , ومع ذلك سعلت قليلا لتساعد صوتها على الخروج من حلقها وقالت بعد أن رأت خالتها وهي تقطب جبينها تبرما بموقفها:
" أنا مارييل مور , أبنة أختك , قادمة من أنكلترا , وسبق لي أن أرسلت لك خطابا عندما توفيت والدتي لكنك لم تردي عليّ".
منتدى ليلاس
وجاء دور خالتها في البحث عن كلمات تقولها , فبدت عليها الدهشة والشك بينما أنتظرت مارييل بقلق شديد رد فعلها الذي جاء فجأة , أذ أنبعثت منها شهقة عميقة مشحونة بالمشاعر القوية ومدّت اليها ذراعيها لتحتضنها بلهفة وهي تقول:
" أبنة أيفا! أبنة أختي الحبيبة!".
وجرت مارييل الى ذراعي خالتها الممتدتين نحوها , ولفترة دقائق , أختلطت الضحكات بالدموع وجمعت بينهما روابط الحب الأسرية .
حينئذ أختفى تماما قناع صوفي المتغطرس , عندما أمسكت بمارييل على بعد ذراعيها لتتأمل ملامحها بنهم باحثة عن التشابه الموجود بينها وبين أختها الكبرى التي أحبتها حبا كبيرا , وتمتمت تقول :
" نعم , أراها فيك , ورثت عنها شعرها الفاتح وعينيها الرماديتين وملامح وجهها الدقيقة , كما تشبهينها في قوامك الممشوق الرشيق".
ثم أمالت ذقنها بأصابعها الرقيقة وقالت:
" ومع ذلك أرى في هذا الفم أثرا للعناد الذي لا بد ورثته عن والدك ,أذ لم يستطع غير والدك بأرادته القوية أن ينجح في أبعاد شقيقتي العزيزة عن كل ما أعتادت عليه وأحبته لتواجه الحياة في بلد غريب عليها ".
فقالت لها مارييل وقد لاحظت عنف كلمات خالتها , محاولة الوقوف موقف المدافع عن سمعة أبيها :
" لقد ربط بينهما حب شديد".

وردت عليها خالتها بسرعة قائلة :
" أعلم ذلك , كما يعلم الجميع أن كلا منهما كان ملائما للأخر , وكان حبهما كالمصباح الذي أضاء تلك الأيام التعيسة وألقى نورا على المحيطين بهما , لذلك كان الجميع على أستعداد لمساعدتهما على الفرار , وعندما تسرّب الينا خبر وصولهما سالمين الى أنكلترا , أقيم أحتفال أذهل الألمان فتحيروا من أمرنا وحاموا حولنا يحاولون معرفة سبب هذه الأفراح".
وضحكت الخالة عندما أستعادت هذه الذكريات وشاركتها مارييل في ضحكها ولكنها شعرت بغصة في حلقها , لقد كان سلوك خالتها لطيفا ألا أنها شعرت بغصة في حلقها , لقد كان سلوك خالتها لطيفا ألا أنها شعرت بأنه مفتعل , وكأن الذكريات التي تستعيدها لم تكن كلها سعيدة.

نيو فراولة 20-09-10 10:56 PM

وأنتظرت مارييل حتى وصل الرجل الى نهاية السلم قبل أن تقرع على زجاج الباب المؤدي الى المكتب , وعندما سمعت الأذن لها بالدخول عبرت عتبة الحجرة وأغلقت الباب وراءها بحذر ,ورأت سيدة جالسة وراء مكتب كبير وهي منهمكة في أكداس الأوراق التي أمامها ,ولما لم تلتفت اليها بمجرد دخولها , أ.
وأخيرا قالت مارييل :
" لماذا لم تردي على خطابي يا خالة صوفي؟ كتبت اليك بمجرد وفاة والدتي لشعوري بأن هذه رغبتها , ولما لم أتلق منك ردا بدأت أقلق , وأفترضت أنه ربما أعترضت الرسالة ظروف منعتها من الوصول اليك , مثل تغيير العنوان أو ضياعها في الطريق , ولم أتحمل فكرة جهل الفرد الوحيد الباقي على قيد الحياة من أسرة أمي بخبر وفاتها".
وكانت يدا صوفي ترتجفان من الأنفعال وهي تمد يدها لتأخذ سيكارة أخرى من علبتها , محاولة تفادي نظرة مارييل المتسائلة , ولم يفلح الدخان المتصاعد من فمها في أخفاء نظرتها التي تدل على الخجل والقلق , وأخيرا قالت وهي تحاول الأعتذار عن تصرفها وتبريره:
" آسفة لعدم ردي عليك , والواقع كنت أنوي الرد , لكن الخبر أزعجني في بادىء الأمر فبقيت أياما لا أقوى على شيء غير أسترجاع الأشياء الصغيرة التي أذكرها عنها , طريقة بريق عينيها عندما تبتسم , وروحها المرحة , وخفة ظلها , وحرصها على مساعدة المتعبين , كنت في طور المراهقة عندما غادرت الوطن الى أنكلترا , ألا أن روابط العاطفة بيننا ظلت قوية حتى صدمني موتها صدمة شديدة".
منتدى ليلاس
وأرتجفت شفتا مارييل من التأثر , وكانت على أستعداد لقبول شرح خالتها وأعتذارها بدون الحاجة الى المزيد من الكلام , ألا أن صوفي رأت أن تسترسل في كلامها , فأمتقع لون وجنتيها وهي تضغط على نفسها لتكون صريحة مع الفتاة ذات العينين الرماديتين اللتين تشبهان عيني شقيقتها , لذا تلعثمت في كلماتها وأعترفت قائلة بصوت خافت:
" غضبت في قرارة نفسي من والدك لقيامه بما أعتبرته في ذلك الوقت عملية أختطاف لشقيقتي , ومرت عليّ أوقات لمته بمرارة على الوحدة القاسية , والأسى القاتل اللذين عانيت منهما , وأشتد شعوري هذا فكرهت ذكراه حتى بعد موته".
وشهقت مارييل من الكلمات المؤلمة , وأخيرا أعترفت الخالة قائلة :
" كنت مخطئة وعرفت ذلك الآن , كان في وسع أيفا العودة الى وارسو بعد الحرب لكنها رفضت ذلك قائلة أنها وجدت في أنكلترا عزاء في المنزل حيث أقاما , حينئذ فقط بدأت أدرك شيئا عن مدى حبهما لبعضهما".
وتراجعت مارييل خطوة الى الوراء وحدقت بعينين ملأهما الألم وقالت تدين خالتها:
" كنت تشعرين بالغيرة من أختك ولم تهتمي بالكتابة اليّ لأنك شعرت بأنني أنا أيضا أستحوذت على مكانك في حب والدتي , ظللت سنوات أتمنى مقابلتك , خاصة بعد موت والدتي لأنني ظننت بسذاجتي أن وجودك قد يساعدني على تحمل فراقها , ولكن الآن ......".
وسكتت مارييل عما كانت تود أن تضيفه من عتاب لخالتها وأستدارت متجهة نحو الباب , ثم توقفت عند عتبته عندما توسلت اليها خالتها قائلة والدموع واضحة في عباراتها:
" أنني أستحق الأزدراء يا مارييل وأعترف بكل الكلمات التي صدرت منك , فأرجو أن تصدقيني عندما أقول أنني آسفة , وأن تحاولي العفو عني".
ولو لم تكن مارييل أبنة أمها لما أستسلمت لهذا النداء الصادر من القلب , فقد آلمها أستعداد خالتها لتجاهل وجودها , لكنها كانت تشعر بالوحدة , فلم تستطع الأستغناء بسهولة عن حاجتها للحب الذي أظهرته خالتها نحوها في تلك اللحظة.
وببطء تراجعت مارييل من الباب , وأدارت وجهها نحو خالتها , ثم أرتمت في أحضانها مبدية بذلك عفوها عنها.

نيو فراولة 20-09-10 10:58 PM

2_- بداية الهرب

كان منظر نادي عقد الورد حيث ستفتتح الفرقة عملها , متواضعا عاديا في وضح النهار , ألا أن مارييل لم تلحظ منظر واجهته الكئيبة عند دخولها بسرعة من الباب الخلفي وهي مشغولة الباب بمشكلة تأخيرها في الحضور , فبالرغم من بساطة السيدة غلوري في بعض الأمور ألا أنها حاسمة فيما يتعلق بالعمل , أما بخصوص الأعذار بسبب التأخير فكانت تقابلها بأستياء شديد , بل توقع الغرامات في بعض الأحيان.
ولحسن الحظ كان الموعد المحدد لظهور فريق الراقصات هو في الليلة التالية , أما في تلك الليلة , فكانت للفتيات الحرية في التصرف في وقتهن واليقيام بأي شيء يحلو لهن , في حدود المعقول طبعا , وبالرغم من نصح السيدة غلوري لهن بالنوم المبكر ألا أنهن صممن على حضور الحفل النهائي لنجم الفرقة الذي كان يجذب الى المسرح جموعا كبيرة من المتفرجين في الستة أسابيع السابقة.
وكانت غرفة تغيير الملابس خاوية حين وصلت مارييل اليها , وعندما سمعت صوت البيانو آتيا من جهة المسرح تأكدت مخاوفها وعرفت أن التمرين قد بدأ بدونها , وبسرعة فائقة بدأت في أرتداء ملابس التمرين ثم قطبت جبينها حين تذكرت أن هناك مواضيع كثيرة يجب بحثها مع خالتها وذكريات تحتاج الى مراجعتها معها , أذا لماذا صممت خالتها على عودتها الى النادي الليلي بدلا من البقاء معها والتحدث اليها؟
" أخيرا قررت أن تشرفينا بحضورك؟".
هكذا قالت السيدة غلوري , فأنتفضت مارييل من الدهشة عندما أنفتح الباب فجأة وظهرت فيه تلك السيدة , ووقفت بعصبية على العتبة وبسرعة قدمت لها مارييل أعتذارها قائلة:
" أنني جد آسفة يا سيدتي , حاولت الحضور في الموعد المحدد لكنني ضللت الطريق , أعدك ألا أكرر ذلك مرة أخرى , ومع ذلك فقد تأخرت دقائق معدودة".
وصدرت منها تنهدة تنم عن أرتياحها عندما لاحظت أن ملامح السيدة غلوري لانت بعض الشيء , فقد كانت السيدة غلوري نفسها عضوا في فريق دولي للرقص , وكانت تعرف مدى أنبهار الراقصة المبتدئة بالمدن الجديدة.
" لا بأس يا شارون , سأسامحك هذه المرة بشرط ألا يتكرر ذلك مرة أخرى , أتفهمين؟".
وبحرج أومأت مارييل رأسها للتعبير عن موافقتها , وكعادتها دائما كانت ترتجف من الداخل كلما ناداها أحد بأسم شارون , فكان الخداع الذي تمارسه على رئيستها الجديدة الطيبة كريها على نفسها.
وأمتدت التمرينات طيلة بعد الظهر , وكانت السيدة غلوري في أثنائها بادية التذمر من آداء الراقصات , كما كانت حريصة على ضرورة أتباعهن للحركات المطلوبة , لذا كان الأجهاد باديا على الفتيات عندما أنتهت فترة التمرين وأشتدت رغبتهن في الوصول الى غرفهن في الفندق القريب لأراحة أقدامهن المتعبة قبل الخروج ثانية في المساء للترفيه والنزهة.
منتدى ليلاس
وكانت مارييل محظوظة , فبينما هي تخلع حذاءها وتستلقي على سريرها للأسترخاء حمدت ظروفها التي لم تعطها زميلة في الغرفة تضايقها بثرثرتها الدائمة , لأنها في حاجة الى التفكير في مسائل كثيرة تدور في ذهنها وتحتاج حتى تقدمها الى خالتها حسب تسلسل أهميتها.
وأفاقت منزعجة على مظهر غرفتها وقد أخذ الليل يرخي عليها سدوله وخافت أن تكون قد تأخرت في النوم , وبسرعة نظرت الى ساعتها وأدركت أن لديها عشرين دقيقة فقط تستعد فيها , فجرت مارييل الى الحمام وفتحت الدوش وأختطفت بعض الملابس الداخلية من أحد الأدراج وأخذت تعقص شعرها وتضعه تحت طاقية الحمام ثم قلبت خزانتها لأختيار الملابس التي سترتديها في الخارج , وأخيرا وصلت الى النادي الليلي قبل الموعد المحدد بدقائق وقد بدت عليها الأناقة والمظهر الجميل فمشت بخطوات متمايلة بغير كلفة أو تصنع , ووقفت سيارة خالتها أمام الباب في نفس الوقت الذي وصلت هي فيه اليه , ونزلتا معا الدرجات الحجرية المؤدية الى القبو الكبير الذي جرى تطويره الى ناد ليلي.
وعندما دخلتا الى النادي أستاءتا من الضوضاء الصادرة من الطاولات المزدحمة بالرواد والملتفة حول حلبة الرقص الصغيرة.
وكانت اللوحات الزاهية تغطي الجدران بينما ألتفت عقود النباتات حول زجاجات الشراب الحمراء والخضراء المعلقة على الجدران بطريقة تعكس ضوء الكرة السحرية الدائرة والمعلقة في سقف القاعة , وكان الخدم , يدورون بمهارة وخفة حول الموائد التي يجلس حولها الضيوف وعيونهم مثبتة على حلبة الرقص وهم يحتسون شرابا يكفيهم مدة طويلة , وكانت الموسيقى تعزف وتهيء خلفية ملائمة للمكان بألحان خافتة تتفق وروح الترقب المخيمة على الجمهور.

وفجأة أطقئت الأنوار تاركة حلقة من النور مسلطة على منتصف حلبة الرقص , وهدأ الجمهور والتزم الصمت ثم أنفجر في تصفيق عصبيّ عندما أنسل رجل من الظلال المحيطة بالحلبة وظهر في وسط حلقة النور , ولم تكن هناك مقاعد خالية في القاعة , وكان مكان الوقوف مكتظا بالناس لذا كان من حظ مارييل وخالتها أن يسمح لهما بالوقوف في مقدمة الدائرة الخارجية للمتفرجين , وحتى من تلك المسافة شعرت مارييل بقوة شخصية الرجل , فمن قمة رأسه ذات الشعر الأسود الفاحم حتى قدميه , ومن كل عضلة قوية في جسمه كانت تشع جاذبية فطرية بوهيمية.
وبدون مبالاة بالأعين المتعلقة بكل حركة من حركاته سحب كرسيا صغيرا ووضع قدمه عليه ثم أسند منكبه فوق ركبته المرفوعة , وببساطة أخذت أنامله الدقيقة تداعب أوتار الغيتار المعلق في رقبته برباط أحمر زاه من الشاموا , وكان نفس اللون يتكرر في الغلالة التي يلبسها الغجز حول رقابهم القوية ,وكان يلبس قميصا أبيض من الحرير له أكمام منفوخة ومزمومة عند المعصمين ,وللقميص فتحة مدببة من أسفلها تصل الى الحزام الأحمر العريض الذي يطوق خصره , ويكمل ملبسه بنطلون أسود ضيق قد يبدو على غيره كأنه بدعة تمثيلية لكنه يجعله يبدو غجريا أصيلا ذا كبرياء وشمم.
وأخذت أنامله الرقيقة تعزف الألحان , وبعد أن جال بنظرته الساخرة بعض الشيء حول جمهوره المتحمس له , بدأ في عزف لحن عاصف جميل أثار به المشاعر , ولمدة ثلاثين دقيقة لا تنسى أستجاب لرغبات المستمعين ,وبدأ أثر غنائه على المستمعات فأثارهن بسحره ودفعهن الى الأنفعال لدرجة االبكاء , كما أثر على الرجال ودفع الدماء في عروقهم , والذكريات الحلوة تجول في مخيلتهم عن مواقف وغزوات كلها قوة ومجد , وعندما بلغ بهم الأنفعال ذروته حرمهم من سحر فرحتهم , وسلبهم نشوتهم , بالأنتهاء فجأة من أغانيه والأنسحاب من حلقة النور.
ووقف الجمهور على أقدامه مطالبا بمزيد من الأغاني , وبلغ الحماس الذروة عندما عاد الرجل للظهور ثانية , وتوقف برهة وقد رفع حاجبه بكبرياء وبدت حركة مرتجفة حول شفتيه وأنتظر حتى هدأ الصخب وخيّم السكون على المكان , ثم أنحنى من خصره وحيا الجمهور مودعا أياه بلغة الغجر قائلا:
" والآن أترككم في رعاية الله".

نيو فراولة 20-09-10 11:02 PM

.
ولم تهدأ عاصفة التصفيق ألا بعد بضعة دقائق أستطاع الجمهور بعدها أن يتابع الحديث فيما بينه , وأنتظرت مارييل وكلها تساؤلات , ومع ذلك ضغطت على مشاعرها بشدة بحيث بدت اللهفة في صوتها عندما سألت خالتها قائلة:
" من هو يا خالتي صوفي؟".
وأبتسمت الخالة وقالت:
" أسمه روم بورو وهو نجم دولي من نجوم النوادي الليلية المشهورين والمحبوبين من الملايين في جميع أنحاء أوروبا".
وقطبت مارييل جبينها وقالت:
" ولماذا لم أسمع به قبل الآن؟ فلندن هي مركز أصحاب المواهب من أمثاله , وحسب معلوماتي لم يظهر هناك مطلقا".
" لا أظن أنه يريد الذهاب الى هناك ألا أذا شعر برغبة أكيدة في ذلك , فه يعمل فقط في الزمان والمكان اللذين يحلوان له , أنه غجري أصيل من الذين لا يعرفون حدودا , كل دولة هي دولتهم وهم يحتقرون فكرة الحدود التي تفصل بين الدول , قد يظهر في باريس أسبوعا ثم ينتقل الى بودابست لمدة أسبوع آخر , وبعدها بقليل يظهر في روما , حاول مديرو النوادي الليلية في أوروبا أن يأخذوا منه الوعود للظهور لديهم في تواريخ محددة , لكنه يرفض كل هذه العوارض , فالغجر دائمو الترحال وروم وفي لقبيلته مائة في المائة , وأفراد قبيلته أوفياء له , كما يدل على ذلك معنى أسمه روم بورو أي الرجل العظيم , وهو تكريم من جنس يؤمن بأن كل أنسان حر ويعترف بصفات الرجال العظماء ويمدح البارزين منهم".
منتدى ليلاس
وأنتظرت الخالة لحظة لتعطي أبنة أختها الفرصة كي تستوعب ما قالته قبل أن تضيف قائلة:
" هل تريدين التعرف اليه؟".
وأنتاب مارييل ذهول من شدة السعادة التي تركها البرنامج المثير في نفسها , وأحتاجت لبعض الوقت لتتمالك نفسها وتستوعب معنى سؤال خالتها , وعندما ردت عليها كان أحمرار وجهها ولهفتها للقائه أكبر دليل على رغبتها في الأستجابة لخالتها التي أبتسمت وقالت:
" تعالي!".
ومشت أمامها في طريقهما الى الكواليس , ومرّتا بين المناضد المكتظة بالمشاهدين الذين تباطأوا في ترك ذلك الجو المفعم بالنشوة والحماس , وكادتا تصلان الى الباب المؤدي الى غرفة ملابس الفنان عندما سمعتا صوتا ينادي صوفي , وكان عاليا متمشيا مع مظهر صاحبه , وهو رجل طويل القامة يلبس زي ضابط روسي ذي رتبة عالية , أنتصب واقفا وأنحنى أحتراما لهما بينما أخذت عيناه تلتهمان كل تفاصيل مظهر مارييل ......
أرتبكت صوفي لوجوده وقالت:
" لم أتوقع أن أراك هنا الليلة يا سيرجي".
وبدا الحرج في صوت صوفي عندما واصلت كلامها قائلة:
" أقدم لك يا مارييل صديقا حميما هو الرفيق أيفانوف الذي سبق أن عاونني كثيرا في الماضي وحلّ لي كثيرا من المشاكل المتعلقة بالقوانين الصارمة الخاصة بأدارة المصنع".
وكانت كلمات المجاملة التي قالتها صوفي توحي لمارييل بالحذر الذي لم يفت عليها , أذ بدت صوفي خائفة من ذلك الرجل الذي تشبه نظراته الحية , كما كانت نظرة صوفي تحذّر مارييل بألا يكون رد فعلها مجافيا له.
وللأسف تجمع طيش الشباب مع التربية المتحررة التي أعتادت عليها مارييل , ولم تعجبها غطرسة الرجل , لذا كانت التحية بينهما باردة ومختصرة , فبدت على ملامحه علامات عدم الرضى أذ أعتبر أن كرامته قد أهينت , ولم يخفف الموقف قول صوفي وهي تبدد الصمت الذي ساد بينهما :
" هذه هي مارييل أبنة أختي وهي أنكليزية ".
وعضت اخالة على شفتيها عندما شعرت , من الدهشة التي أرتسمت على وجه مارييل , أن عبارتها بدت وكأنها أعتذار.
" الآن وقد أنتهى العرض يا عزيزتي , شارون , أرجو أن تنصرفي وتأوي الى فراشك مبكرة".
قالت ذلك السيدة غلوري وهي تجمع فريق راقصاتها وتحرص على مصلحتهن ولم تلحظ وقع القنبلة التي فجرتها بدون قصد.
وتساءل سيرجي بيقظة وأهتمام يعتبر أكثر من حب أستطلاع:
" شارون".
" أنه أسمي المسرحي".

نيو فراولة 20-09-10 11:04 PM

هكذا أسرعت مارييل في تصحيح الخطأ الذي أحرجها وفضح سرها , لكنها لم تفلح في أخفاء خوفها الذي بعش قشعريرة باردة في كل أنحاء جسمها , وقبل أن تضيف اسيدة غلوريشيئا الى كلامها وتفصح عن المزيد من سرها قالت مارييل :
" أعطني مجرد عشر دقائق أنصرف بعدها".
ووافقت السيدة العجوز على طلبها فأومأت برأسها وأنصرفت باحثة عن غيرها من الراقصات وتبعتها مارييل وهي تقول لخالتها :
" لا تتأخري يا خالة صوفي , فليس لديّ وقت طويل".
وعندما لحقت بها الخالة بعد ذلك بثوان كانت ترتجف من الخوف والغضب.
وكان باب أحدى غرف الملابس الخالية مفتوحا فدفعته صوفي داخل الغرفة وقالت:
" والآن أرجو أن تشرحي لي موقفك ".
وأسندت الخالة ظهرها الى الباب المغلق وقالت وقد تملكها الغضب:
" تكلمي!".
ألا أن مارييل هزت كتفيها , أذ شعرت أن الحقيقة ليست بالفظاعة التي تصوّرها خالتها نفسها , ولم تر مانعا من أطلاع خاتها على القصة التي دبرتها الصديقتان معا كمخرج لموقفهما من العمل في الفرقة.
منتدى ليلاس
وعندما أنتهت من سرد قصتها أمتقع وجه الخالة بشكل جعل الخوف يسيطر على ماريل خاصة عندما قالت خالتها:
" أيتها البلهاء المتهورة , عديمة التفكير!".
وبدأ الخوف يتملك قلب مارييل حتى وهي تعترض على هجوم خالتها:
" أنت شديدة القسوة عليّ , فكل ما فعلته أنني أستعرت جواز صديقتي ولم أتسبب في أي ضرر لأحد ".
" في البلاد التي تحتلها روسيا لا يجوز أن يستعير أحد جواز سفر غيره , ولا بد أنك تجهلين طريقة معيشتنا , فأذا ظننت أن هذه المغامرة ستقتصر على التأنيب , ونصحك بعدم تكرار الحادث مرة أخرى فأنت مخطئة , ففي هذه اللحظة بالذات لا بد وأن سيرجي أيفانوف يحقق مع الذين تعاقدوا معك للعمل , وأذا ظهر أي أثر للشك في ظروفك سيستجوبونك لفترة طويلة".
وضحكت مارييل بعصبية , كانت الصورة التي أعطتها خالتها مبالغا فيها , بحيث بدت لها وكأنها تمثل على المسرح ولا تستحق أن تؤخذ مأخذ الجد , ألا أن ضحكها كان له وقع سيء على خالتها , فظهر على وجهها تعبير لم تستطع مارييل تفسيره , وبعصبية دفعت الخالى مارييل دفعا خارج غرفة الملابس ومشيتا في الممر الذي تقع فيه الغرفة الخاصة بنجم الملهى والتي يتجمهر الناس حول بابها أملا في رؤية نجمهم المحبوب.

ورأت مارييل رجلا قويا يقف بالباب ليحرسه , وقد ضمّ ذراعيه على صدره العريض , وعبرت عيناه عن تبرمه بالمتفرجين المتجمهرين حول الباب , ولدهشة مارييل لاحظت أن الحاس أبتسم مرحبا عندما وقع نظره على خالتها صوفي , وعندما أومأت برأسها نحو غرفة روم بورو متسائلة عما أذا كان في الداخل , تقدم الحارس وأدخلها الغرفة بعدما تأكد أن أحدا من المعجبين لم يتسلل من تحت ذراعه .
كانت الغرفة خالية لكنهما سمعتا صوت أدراج تصفق وصوت صفارة بلا نغم تتخللها أصوات تنم عن التبرم والرغبة في السرعة في اللبس وكانت الخالة تحاول أن تكبت عصبيتها وأهتمامها الشديدين عندما قالت لمارييل :
" أعطني عشر دقائق معه بمفردي , وسأقدمك له فيما بعد...... هناك شيئا هاما يجب أن نبحثه معا".
ولم تنتظر جوابا من مارييل بل طرقت بشدة الباب الذي أنفتح فورا وجاء صوت يقول:
" حبيبتي!".
ولما صدرت هذه الكلمة التلقائي من شفتي الرجل , أنتابت مارييل نوبة من الدهشة , أذ لم يظهر على خالتها أنها على مثل تلك العلاقة الحميمة مع الرجل كي يناديها بأسم حبيبتي.
وبعد ثوان دخلت خالتها الى الغرفة الداخلية , وبالرغم من محاولة مارييل عدم أستراق السمع , لم يفتها بأن لهجة الحديث الذي بدأ بفرحة كبيرة , أخذ الآن طابع النقاش الحاد , فأخذت مارييل تروح وتجيء في الغرفة الخارجية محاولة ألا تسمع لصوت خالتها المستعطف , وفي الوقت نفسه كانت تتساءل عن تلك الخدمة التي كان الرجل يرفض تقديمها اليها , ولاحظت أن صوت خالتها أخذ في الأرتفاع التدريجي وهي تصر على مساعدته أياها في مشكلتها , ألا أن نبرة صوته ظلت ثابتة , ومما زاد في أنتباه مارييل وجعل أذنيها تسترقان السمع , أنة مكتومة صدرت عن خالتها وصلت الى مسمعها بوضوح لا ريب فيه , لقد كانت خالتهال عظيمة , تبكي ! وكانت دهشة مارييل عظيمة , بحيث تسمرت في مكانها لا تستطيع حراكا ,ولكن عندما سمعت تلك الأنة , قررت أن تتصرف وتتدخل في الأمر , فسواء كان روم بورو مشهورا أم لا , فلا بد أن يحاسب على تصرفاته.
وبلغ بها الغضب درجة لم تجعلها تتردد في فتح الباب دون أستئذان في اللحظة التي رأته فيها يمسح دموع خالتها بمنديل كبير , ويقول لها وهو يرفع ذقنها بأصابعه , وينظر في عينيها الممتلئتين بالدموع:
" لا بأس يا حبيبتي , سأفعل ما تريدينه , لكن تذكري أنني أؤدي هذه الخدمة من أجلك فقط, وليس لأنني أشعر بالعطف نحو تلك البلهاء التي تتوسلين من أجلها".
منتدى ليلاس
حينئذ تراجعت مارييل بدون أن يلحظ وجودها ولم تفهم شيئا من كلماته , ألا أن النظرة التي بدت في عيني خالتها أوضحت لها كل شيء , فقد شع الحب الشديد في عينيها وعلى شفتيها اللتين تتصفان في الظروف العادية بالجمود , أما الآن فقد كانتا ترتجفان أنتظارا لقبلاته , ولم تشأ مارييل أن تنتظر حتى ترى أذا كانت دعوة خالتها نالت أستجابة الرجل الواقف معها.
وأثناء أنسحابها بسرعة تعثّرت بكرسي كبير أحدث صوتا مدويا بوقوعه على الأرض ,فركضت عبر الغرفة محاولة الهرب لكن عندما وصلت الى الباب نادتها خالتها قائلة:
" لا تذهبي يا مارييل , أريد أن أقدمك الى صديق عزيز وحميم جدا لي".
أضطرت مارييل أن تصرف النظر عن فكرة الهروب وأستدارت بضجر لتتعرف بالرجل الذي أتضح أن له مكانة كبيرة في حياة خالتها.
" هذه , يا عزيزي روم , مارييل مور أبنة أختي , وهي قادمة من أنكلترا , فبعد أن حضرت حفلا واحدا لك أصبحت أحدى المعجبات بك , أليس كذلك يا أبنتي؟".
فبلعت مارييل ريقها بصعوبة وردت على خالتها بعد أن فهمت منها نوع الأجابة التي تريد سماعها:
" بالطبع ...... لقد كان عرضك رائعا جدا".
فأنحنى لها وقال بلهجة أنكليزية سليمة لكنها جافة الى درجة التهكم :
" أشكرك يا آنسة مور ......ز أنك حقا كريمة".
وعندما جال بنظره في وجهها , شعرت وكأنها تلاشت من الوجود فحتى لو كانت ذبابة أو بعوضة لتركت في نفسه أثرا أكبر , ولظهر بعض التعبير على ملامح الغجري الذي بدا عليه الملل.

نيو فراولة 20-09-10 11:06 PM

".
وضحكت خالتها معلقة على كلامه:
" آنسة مور؟ كلا.... لن أسمح لك بهذا النداء , فلا يجوز لقريبتي الوحيدة أن تعاملها بهذه الطريقة الرسمية المتكلفة , وأنا أصر على أن تناديها مارييل".
ثم وجهت الكلام لأبنة أختها قائلة :
" وأنت كذلك ..... يجب أن تناديه بأسم روم".
وتعجبت مارييل من نظرة خالتها للأمور , فأن معارضة روم بورو كانت واضحة وشعرت هي بأنه يبذل مجهودا كبيرا ليبدو مهتما بها , وبالرغم من عدم شعورها بالغرور , هالها أن تصادف لأول مرة في حياتها أهمالا تاما بشخصها وجمالها الذي لا ينكره أحد.
غير أن رقة رده كانت دليلا على نفوذ خالتها عليه أذ قال:
" أذا كان هذا يسعدك سأناديها مارييل بشرط ألا تعترض أبنة أختك على ذلك".
وبسبب النظرات التي تحولت اليها , أضطرت مارييل الى أن تستسلم لكلامه بهدوء , وقالت متعجبة من المرح السريع الذي أظهره .
" طبعا لا أعتراض لديّ".
منتدى ليلاس
وأظهرت الخالة رضاها عن أبنة أختها , خاصة وقد لاحظت وجنتيها اللتين صبغتهما حمرة الخجل , كما لاحظت أبتسامة روم الغامضة لذا أعطت الأثنين أهمية مبالغا فيها , وتصورت تطورات سابقة لأوانها , فأقترحت عليهما قائلة:
" الآن وقد تم التعارف بينكما دعونا نذهب لمكان نتناول فيه الطعام ويعطيكما الفرصة لزيادة تعارفكما".
وفي الحال تمتمت مارييل بكلمات الأعتذار رافضة أقتراح خالتها :
" آسفة يا خالتي , كنت أود أن أكون معكما لكن يجب أن أعود الى الفندق".
ولم تكن مارييل تبحث عن عذر للرفض , فقد تسببت في ذلك اليوم في غضب السيدة غلوري بما فيه الكفاية , كما أزداد أعتقادها بأن محاولة الغجري لمجاملتها والتأدب معها لا بد سيفتر أذا فرضتها خالتها عليه أكثر من ذلك , لكنه فاجأها بأصراره قائلا:
"أعرف مطعما مختلفا عن غيره في المدينة وهو لا يبعد كثيرا عن هنا , لكن يجب أن نذهب بالسيارة وستجدان بعد الأكل أن جودة الطعام تبرر الذهاب الى ذلك المطهم".
وفي الحال عبر الغرفة وأصدر تعليماته الى حارس غرفته قائلا:
" أحضر السيارة الى المدخل الخلفي للمسرح يا روبا ".
كما أصدر اليه بعض التعليمات الأخرى بلغة لم تفهمها مارييل ثم عاد ونظر الى صوفي قائلا :
" لقد نفذت طلباتك , فهل أنت راضية الآن؟".
فأومأت برأسها وبدا عليها وكأنها ستنفجر ثانية بالبكاء في أية لحظة , لكنها تمالكت أعصابها وبادلته الأبتسامة بأخرى.
أما مارييل فأرتجفت بدون سبب واضح , وشعرت بخوف لم تستطع تفسيره , لا شك بأن في الجو شيئا من الخداع والتآمر , وما معنى هذه النظرات الصامتة المتبادلة بين خالتها وبين هذا الصديق الغامض ؟ وتبرمت من نفسها لهذه الشكوك وحاولت أن تبدد مخاوفها ,ولكن ........ يا ترى ما هو الدافع الخفي لدعوته لها على العشاء؟

نيو فراولة 20-09-10 11:08 PM

كان الممر مظلما مليئا بالظلال , وكادت مارييل أن تتعثر على الدرج وهي تتبع خالتها التي يمكن وصف حركاتها الحذرة بأنها كانت غامضة , وهمست مؤنبة مارييل بغضب على أرتطام حذائها بالدرج الحجري:
" ألا يمكنك ألتزام الصمت ؟ وهل يجب أن يعرف الحي كله أننا هنا؟".
وعقدت الدهشة لسان مارييل ولم تعلق على كلام خالتها , فلم تر مبررا لأن تتسلل بهدوء من السلم الخلفي لأحد النوادي الليلية , ألا أن طلب خالتها كان مطابقا لتصرفها الغامض , وأصبح الجو متوترا بحيث أنهم عندما وصلوا الى الممر الضيق , وجدت مارييل نفسها تقلد تلقائيا طريقة مشي خالتها في الأماكن التي يخيم عليها الظلام ,وبدلا من أن تستفسر من خالتها عن سر تحذيراتها الهامسة , وجدت نفسها تطيعها بقلب يسرع في دقاته وهي تأمرها بأن تصحب روم بورو في سيارته بينما تقود هي سيارتها وتأخذ معها الحارس روبا.
ولاحظت مارييل أن روم بورو يضم شفتيه بأصرار وهو ينتظر حتى وصلت سيارة صوفي الى الممر لتنحرف نحو الطريق العام ,ومع ذلك لم يبدأ في تشغيل محرك سيارته , ولكن عندما مرت سيارة أخرى قادمة من جهة مجهولة لتتبع سيارة خالتها مباشرة , بدأت مارييل تشك في عدم بدء روم في تحريك السيارة , توتر صوفي وأصرارها على عدم أحداث أي صوت , وعلى الذهاب للمطعم منفصلين , كل هذا جعلها تشعر بفطرتها أن سيرجي أيفانوف أعطى تعليماته لتعقبهم , وفجأة أعتدلت مارييل في جلستها عندما فهمت الموقف بحذافيره , ومن خلال صوت محرك سيارة روم بورو كانت تستعيد في ذهنها الكلمات التي سبق أن وجهها الى خالتها والتي وصلت الى آذانها عفوا , لكن في هذه المرة كانت تفهم معناها:
" لا بأس يا حبيبتي , سأفعل ما تريدينه لكن تذكري أنني أسدي هذه الخدمة من أجلك فقط وليس لأنني أشعر بالعطف نحو تلك البلهاء التي تتوسلين من أجلها".
أذا كانت هي السبب في أستعطاف خالتها له ومطالبته بمعاونتها , يا لها من غبية لأنها لم تفهم هذه الحقيقة من قبل.
وكانت السيارة قد تركت ضواحي المدينة وأخذت تسرع في طريقها عبر الأراضي الشاسعة , بينما كانت هي تجمع شتات أفكارها الحائرة , وأخيرا سألت روم:
" الى أين تأخذني؟".
منتدى ليلاس
وكان روم منهمكا في قيادة السيارة والأنحراف بها في منحنى خطر فلم يرد عليها مباشرة:
" هل يهمك هذا؟".
وردت عليه بحدة ظهرت في نبرات صوتها:
" بالطبع يهمني , فأنا مرتبطة بالأشتراك في عرض غدا, وسواء رضيت خالتي أو لم ترض لا بد أن أكون في حفل أفتتاح النادي الليلي , فلا تظن أنني لا أفهم خططكما , أن عدم وجود جواز سفري يسبب لها حرجا مع صديقها , لذا قررت أن تبعدني عن طريقه حتى تهدأ هذه العاصفة , فهي ترى ضرورة الأحتفاظ بالتفاهم الموجود بينها وبين ذلك الشخص المسؤول , حتى ولو كان ذلك على حساب الولاء لأحد أفراد أسرتها".
وأخذت نفسا عميقا من شدة التأثر وقالت:
" كيف يمكنها أن تفعل ذلك؟ وكيف تستطيع أية أمرأة أن تتعاون مع رجل كهذا؟".
وفجأة أدار روم عجلة القيادة بعنف تسبب في أرتطام كتفها بجسم السيارة , ولكن غضبها تغلب على مشاعرها بحيث أنها لم تشعر بالألم ,وبعد أن توقفت السيارة على حافة جزء مزروع من الطريق قال لها:
" أهذا ما تظنينه؟ لقد مضى عليك في هذه البلاد ساعات معدودة فقط ,ومع ذلك تتجرأين وتعارضين آراء الذين يعرفون من تجاربهم المريرة ماذا سيحدث , أن تصرفك هذا مثل تصرف الطفل العنيد يا آنسة مور , فبدلا من تكليفي بمسؤولية تهريبك , يسعدني الآن أن يقع عليّ الأختيار للتخلص منك".
ووقع الصمت بينهما كالسيف الحاد , بينما أخذت السيارة تنهب الأرض متابعة سيرها زمخترقة عددا من القرى الصغيرة والمزارع التي تظهر عن بعد في الظلام بنوافذها التي يشع منها النور , وبدأت عينا مارييل تطرفان بينما أخذ التعب ينال منها , وشعرت بتوتر شديد بسبب الأحداث المثيرة التي مرت بها أثناء النهار , ألا أن دفء السيارة وحركتها الرتيبة جعلاها تشعر بالرغبة في النوم بحيث لم تستطع مقاومته , وأفاقت فجأة عندما تركت السيارة الطريق العام ودخلت في طريق وعر جعلها تهتز بشدة وهي في طريقها الى الغابة , ولم يبذل روم أي جهد لحمايها محاولا التخفيف من سرعة السيارة , بل أستمر في طريقه فوق الأرض الوعرة وعلى وجهه تعبير بالأرتياح والتشفي , أما مارييل فحاولت أن تحتفظ بتوازنها وصممت على عدم الأعتراض , ولكن عندما داس فجأة على فرامل السيارة شعرت كأن كل عضلات جسمها قد قفزت من أماكنها , وأخيرا قال لها بلهجة آمرة:
" سنمشي من هنا ".

وتركها تتلمس خطاها بنفسها بين أشواك الزراعة الكثيفة التي أوقف السيارة فيها , وشعرت أنها لو أتهمته بتدبير الموقف الذي وجدت نفسها فيه لأشار بلا شك الى ضرورة التضليل والتمويه , لذا سارت بمفردها وخرجت من بين الأغصان التي تغلغلت في كل قطعة من ملابسها وشعرها كما تعثرت ووقعت وهي تمشي وراء روم وقد أختفى عن نظرها بين الأغصان , وأخذت تسائل نفسها بمرارة عن سبب ملازمتها لرجل من هذا النوع في بلد عرف رجاله بالشهامة , ثم أسرعت في خطاها عندما سمعت نباحا شرسا لعدد من الكلاب , وبعد دقائق قادها الطريق الى مساحة صفت حولها في دائرة ما يقرب من خمس عشرة عربة من عربات الغجر المغلقة ,ورأت عددا من نساء الغجر جلسن حول النار الموقدة وهن يشرفن على طهو الطعام في قدور تنبعث منها رائحة شهية , وكان المكان موقعا مسرحيا جمي يلائم النساء الجالسات فيه , وكان شعر النساء طويلا أسود لامعا مصففا في ضفائر طويلة , أما ملابسهن فكانت طويلة ذات طيات وصدور عارية , فتحاتها واسعة , وكانت ألوان ملابسهن زاهية متناقضة مع لون أجسامهن السمراء وعيونهن السوداء المعبرة , كما رأت عددا من الرجال مضطجعين في ظل شجرة كبيرة وهم يتبادلون الأخبار أنتظارا لأن تقدم نساؤهم الطعام , وكانوا يلبسون ثيابا رثة قديمة من نفس طراز الملابس التي كان روم بورو يلبسها أثناء عزفه , وقد أثار المنظر خيال مارييل حتى كادت تتصور أن صوت قارعي الدفوف والمغنين سيتصاعد من الدخان المنبعث من النيران.
وعندما حيا روم الموجودين ألتفت الجميع اليه , وفي لحظة كان محاطا بالرجال الذين أبدوا فرحهم بلقائه وهم يحيونه ويربتون على ظهره , كما حيته النساء اللاتي بلغ بهن الحماس ذروته للقائه , ودار الحديث بينهم جميعا بلغة تتخللها الكلمات البولندية لكنها أساسا لغة لم تفهمها مارييل , وللمرة الثانية في ذلك اليوم شعرت بعدم أهتمام الناس بها , بينما أخذ الغجر ذوو المشاعر الملتهبة يتجمعون لتحية روم بورو بدون الأعتراف ولو بنظرة واحدة بوجود الفتاة النحيلة التي تصحبه ةالتي وقفت بينهم مثل الزهرة الصفراء الهادئة في حفل مليء بزهر الخشخاش الأحمر , وأستراحت عندما شرح لهم باللغة البولندية قائلا:
" لقد أصطحبت معي يا أصدقائي زميلة ستشاركنا رحلتنا , وستكون في حمايتي دائما , لذا لا تساوركم الشكوك من جهتها , فأرجو ان ترحبوا بها وتتحملوا عدم درايتها بطباعنا وعاداتنا".
فألتفتت العيون الحذرة تتفقدها , ولم يظهر الموجودون شيئا مما كان يدور في ذهنهم من أرتياب , ومع ذلك أشعروها بوجود عداء نحوها بعث في نفسه الخوف , ودفعت شابة جموع الملتفين حولها وتقدمت منها لتنظر اليها عن قرب بجرأة وقحة , وبدا عليها أنها تعرف جمال نفسها وهي تقف أمام مارييل بخصرها المتمايل وعينيها البراقتين تلتهم كل تفاصيل مظهرها ,وفجأة زمت شفتيها وقالت:
" لا نريد أمرأة غريبة هنا".
وترددت همهمة بين الغجر تعبر عن موافقتهم على قولها , كفاهم تضليل البوليس وغيره من المسؤولين الصغار الذين يتدخلون في حياتهم , وقال روم ببرود:
" قلت أنني سأكون مسؤولا عنها تماما , ألم تعد كلمتي تكفيكم؟".

نيو فراولة 20-09-10 11:11 PM


وأستطرد يقول وقد رقت نبرته وهو ينظر الى الرجال الغاضبين:
" يبدو أن هذه القبيلة أصبحت تحت حكم النساء في غيابي , بحيث تأتي أوامري في المرتبة الثانية بعد أوامر الفتاة لالا!".
ولم يتحمل الرجال كلامه المهين فدفعوا لالا بعيدا حتى ترنحت بين جموع الواقفين الذين قالوا كرجل واحد:
" ما زلت زعيمنا يا روم بورو وتستطيع الفتاة أن تبقى بيننا".
وتفرفت النساء وبقي الرجال لمناقشة شؤونهم الخاصة , وقبل أن ينضم اليهم روم بورو أخذ مارييل جانبا وأمرها قائلا:
" من الآن فصاعدا عليك أن تطيعي أية تعليمات أوجهها لك , وبمجرد شرح ظروفك لمجلس القبيلة سيوافق بلا شك على بقائك شرط أن أكون أنا المسؤول عن كل تصرفاتك , فأن سلامتك أنت وأفراد القبيلة سوف تتوقف على طاعتك العمياء , فهل تفهمين ما أقوله؟".
ألا أنها مالت برأسها وهي تقول معترضة على كلامه:
" لكنك تتناسى أنني لا أريد البقاء هنا , الفرار لم يكن فكرتي , لذلك فأن كل هذه العملية المثيرة لا داعي لها , فلو لم تتدخل أنت وخالتي في شؤوني لأمكن حل المشكلة بشرح بسيط لظروفي , فأنا لم أخطىء , أن كل ما فعلته هو أنني خالفت القانون بعض الشيء , لكن حتى الروس لا يستطيعون تحويل خدعة بسيطة الى جريمة شنعاء".
وحاول روم جاهدا أن يحتفظ بهدوء نبراته ألا أن الغضب كان باديا بوضوح في كلماته وهو يقول من بين أسنانه المطبقة:
" لولا خالتك لسلّمتك الى سيرجي أيفانوف شخصيا حتى أتشفى فيك وأنت تندمين على كلماتك هذه".
منتدى ليلاس
وكانت كلماته تدل على صعوبة فكرة تقبل القبيلة لها , بحيث وهنت ثقتها وتزعزعت , ويبدو أن شيئا من ترددها ظهر عليها لأنه توقع منها ردا أيجابيا على سؤاله:
" هل أنت مستعدة للتعاون معنا؟".
فقالت وهي تعترف بهزيمتها:
" لا بأس , سأفعل ما تطلبه مني ولو مؤقتا".
وأستراحت مارييل عندما لم يحاول أن يستغل أنتصاره عليها , لكن قلبها أخذ يدق بقلق عندما أشار لأحدى الغجريات التي تقدمت منه بتثاقل , ألا أن مارييل لم تلمس فيها روح العداء التي أبدتها الفتاة لالا عندما قدمهما روم لبعضهما قائلا:
" مارييل , هذه هي كوري زوجة صديقي الحميم روبا وسوف نسافر معهم كجزء من أسرتهم".
ثم تابع الحديث قائلا:
" بما أن مارييل تتكلم البولندية بدرجة لا بأس بها , سيكون في أستطاعتكما التفاهم معا".
وجالت كوري بنظراتها البرّاقة فوق وجه مارييل , وعندما لم تجد ترددا أو تراخيا ظهرت على وجهها أبتسامة بطيئة , فأستراح روم وأنصرف وهو راض لينضم الى أعضاء مجلس القبيلة الذين كانوا في أنتظاره.
وقالت كوري بخجل وهي تتوقع رفضا محرجا من مارييل:
" هل أنت جائعة؟".
فتنهدت مارييل بأرتياح لسؤالها وقالت:
" أشعر بجوع شديد وكأنني لم آكل من مدة طويلة , كما أن رائحة طعامكم رائحة ".
وبدا الحرج على وجه كوري وهي تقول :
" يجب ألا نأكل قبل الرجال , لكنني سأحجز لك كمية من الطعام تشبع جوعك".
ثم أبتسمت وقالت تداعب مارييل:
" تعالي...... سأعطيك شيئا قليلا من القدر , فأذا أشتدت حدة المناقشة سينسى الرجال حاجتهم الى الطعام , لذا يجب ألا نتركك تعانين من الجوع أطول من ذلك".
وضحكتا كالأطفال وهما تلتقطان من القدر قطعا صغيرة من اللحم لأشباع الجوع الذي كان يؤلم معدة مارييل ,وفي نفس الوقت تجاهلت كوري نظرات الغضب المصوبة اليها من بقية النساء وهن منهمكات في طهيهن , وجلست الصديقتان تتبادلان الحديث وتتعارفان.وأستجابت كوري لرغبة مارييل في معرفة كل شيء عن حياة الغجر الذين يعيشون في حركة مستمرة كالغصون المتمايلة والمياه المتدفقة , فسألت زميلتها قائلة:
"هل لديك أطفال يا كوري؟".
وعكست عينا كوري عاطفة الأمومة وهي تشير بيدها ناحية شيء يبدو كغطاء كبير موضوع على الأرض بين عربات الغجر وقالت بفخر:
"لدي طفلان ,أبن أسمه بونزي وأبنة أسمها موزول وهو في لغتكم أسم قاكهة".

نيو فراولة 20-09-10 11:13 PM

وعندما نظرت اليها مارييل بدهشة ضحكت كوري وتابعت كلامها قائلة:
" أننا نسافر كقبيلة واحدة ولكل أسرة منا عربتها الخاصة , وتقوم كل زوجة بالطهو والغسيل والتنظيف لأسرتها , فبالرغم من سفرنا المشترك ألا أن كلا منا يحترم حرية الآخر ورغبته في العزلة , لكن أذا أحتاجت أية أسرة الى مساعدة ما نقدمها لها , أما الأطفال فلا يتّبعون هذه القاعدة فهم ليسوا في حاجة الى العزلة , فهم يختلطون طوال النهار وطوال الليل أيضا".
ثم أشارت الى الغطاء الكبير الذي لاحظت مارييل حركة تحته وكأن بركانا صغيرا يثور بداخله , وتابعت كوري كلامها قائلة:
" ينام كل الأطفال معا كما ترين تحت غطاء واحد , ويبدو أن أحدهم قلق الليلة وسوف تحدث ضجة وضحك ومرح من الآخرين حتى يهدأ وينام أخيرا".
وسألتها مارييل وهي تتعجب من طريقة حياتهم :
" ألا تتعبين من نفس الصحبة طوال الوقت , وتتمنين رؤية وجه جديد والأستماع لأراء جديدة من آن لآخر؟".
" نحن نختلط مع الآخرين , ولسنا دائما في قبيلة واحدة , فقريبا قد يقرر زوجي أو غيره من الرجال ترك هذه القبيلة والأنضمام الى غيرها , فمثلا قد نجد عند مفترق الطرق أعلانا نعرف منه أن قبيلة شقيق أو قريب موجودة في المنطقة فنترك هذه القبيلة ونبحث عن الآخرين , وهكذا يستمر أرتباطنا بأسرنا ونعرف منها جميع الأخبار , من مات ومن ولد ومن سيتزوج".
أستولى الحديث على أنتباه مارييل حتى أنها أعتبرت عودة الرجال شيئا غير هام , وعندما ظهر روم بورو وروبا زوج كوري من ظلام الليل ,ودخلا الى حلقة النور طلبا الطعام , بدا التبرم على وجهها وسأل روم مارييل قائلا وهو يسرع في ألتهام الطعا الذي قدمته له كوري:
" ألا تريدين معرفة القرار الذيي أتخذه المجلس بخصوصك؟".فردت عليه مارييل بوقاحة قائلة:
" بما أن آرائي لا قيمة لها , فلا فائدة من السؤال".
فوافق على أقوالها بغضب وقال:
" معك حق , ومع ذلك أجد لزاما عليّ أن أوضح لك بأن المجلس أتخذ قرارات في صالحك , فأكراما لي , قرروا السماح ببقائك , وأكراما لخالتك ستكونين ضيفة مكرمة طيلة بقائك هنا , لكن بشرط ألا يحرج وجودك أحدا , فالغجر يعتبرون تصرفات الأغراب غريبة , فيجب أن تعذريهم أذا أبدوا مخاوفهم من قدرتك على معايشة نسائهم بنجاح".
منتدى ليلاس
وكانت مارييل على وشك الأحتجاج على وضعها تحت الأختبار عندما أنسل شخص الى الجزء المضيء في وسط المعسكر ليفضي برسالة هامة في أذن روم , وفجأة رأته يثور مثل الحيوان المطارد ويصمت ثم ينتفض واقفا ويختطفها بين ذراعيه ويرفعها عن الأرض قائلا لها وهي تحاول الأفلات من قبضته:
" لا تتحركي ولا تنطقي بكلمة واحدة".
وبينما هو يحملها الى المنطقة المظلمة من المعسكر سمعت أصواتا آتية من حدود المعسكر تجادل بجلبة واضحة , ألا أن هذه الأصوات خمدت فجأة عندما أنزلها روم الى الأرض ودفع بها تحت الغطاءالضخم الذي يرقد تحته الأطفال النائمون , وأخيرا أتضحت لها خطورة الموقف حين سمعت صوت سيرجي أيفانوف يدوي في أرجاء المعسكر :
" تعلمون جميعا عقاب الذي يؤوي مجرما , فأذا وجد جنودي تلك الفتاة الأنكليزية في معسكركم فلا داعي لأن أخبركم بما سوف يحدث لكم , فالفتاة جاسوسة ويجب القبض عليها".
وأصدر أوامره المشددة الى رجاله بتفتيش عربات الغجر , فأرتجفت مارييل تحت الغطاء عندما سمعت تكسير الأخشاب وتحطيم الأواني مما يدل على عنف الجنود أثناء قيامهم بعملية التفتيش , ولفت نظر أحد الجنود الروس أنين أحد الأطفال في نومه فسأل بحدة :
" ما هذا؟".
فردت عليه كوري قائلة:
" أنه طفل قلق يئن في نومه فأرجو ألا تزعجه".
وسمعت مارييل صوت الأعشاب تتحطم تحت حذائه الكبير وهو يقترب من الأطفال النائمين , وتصببت عرقا من الخوف وهي تنتظر محبوسة الأنفاس بينما وقف الروسي قريبا من رأسها يفكر هل يرفع الغطاء عن الأطفال أم لا , وكاد يغمى عليها من رد الفعل عندما قرر ألا يرفعه وأبتعد عنه ,وبعد نصف ساعة تم خلالها تفتيش جميع العربات ونزع كل شيء عنها , أمر سيرجي أيفانوف رجاله أن يتوقفوا عن التفتيش ويتركوا المعسكر.

نيو فراولة 20-09-10 11:16 PM

3_- عداء الحب

كانت عربة الغجر متينة البناء تقف على عجلات عالية , وفي كل جانب منها ثلاث نوافذ تغطيها ستائر باهتة كانت في يوم من الأيام زاهية اللون , وفي مقدمة العربة باب مزدوج أمامه عتبة عريضة مثل الشرفة , أما جدران العربة فمن الخشب الزان الطبيعي المصقول , وسقفها أبيض اللون , وظهر لحاف زاهي اللون فوق أريكة منجدة تستخدم كسرير , وفي العربة كرسيان بدون ظهر وعدد من المساند المحشوة بالريش , هذا هو كل الأثاث الموجود في الغرفة التي تستخدمها مارييل كمنزل لها.
أستلقت مارييل على السرير , وأطبقت بيديها على اللحاف بدون وعي وهي لا تزال تحت تأثير اللحظات المخيفة التي مرت بها , ورأت على الحائط العاري ظل روم , وقد طال بسبب ضوء المصباح المدلى من سقف الغرفة ,وشعرت , بوجوده في كل شبر من العربة يهيمن عليها من مكان ويوجه اليها سؤاله:
" أما زولت تعتقدين أن جهدنا لأبعادك عن طريق سيرجي أيفانوف عملية مسرحية لا ضرورة لها؟".
فنظرت اليه وهي تمقت تعاليه عليها ووقاحته في عدم الأهتمام بمشاعرها , فجاءت كلماتها مريرة عندما ردت عليه معترفة بالواقع وقالت:
" لقد أخطأت , وأعرف الآن أن أملي الوحيد في الحرية هو في يديك , وأيدي عشيرتك , لذا سأبذل كل ما في وسعي حتى أكون محبوبة لديهم".
" كم أنت عاقلة!".
قالها روم وقد شعر بخيبة أمل من عدم ردها بعصبية كعادتها معه حتى الآن.
ومما زاد في شكه من موقفها الجديد هو أعتياده على مقابلة الناس له بحرارة سواء كانوا من أفراد جمهوره أو أفراد قبيلته , لذا وجد في موقفها الجديد شيئا غريبا , وقالت مارييل في نفسها: أذا كان هذا هو شعوره فأنه سيصاب بمزيد من خيبة الأمل لأنها تعتزم في المستقبل أن توقف روم الجبار عند حده.
منتدى ليلاس
كانت سلامتها تتوقف على هذا الرجل الذي ينتعش من تبرمها الغريزي , ولكن بما أنها تفضل عدم المجازفة في البقاء مع القبيلة , قررت أن تكون على وئام مع ذلك الغجري المتعجرف.
لذلك راقبته وهو يصب الشراب الأحمر كالياقوت في الكؤوس الرشيقة وتغلبت على أشمئزازها , وقررت أن هذه الفرصة مؤاتية خطتها الجديدة , لذا قبلت منه الشراب بنظرة دلال صوبتها نحوه من بين أهدابها الثقيلة و ورشفت قليلا ثم همست:
" أشكرك , أنه لذيذ , هل هو من أنتاج مزارع كرومك في أسبانيا؟".
وعندما رفع حاجبيه من الدهشة لسؤالها هذا , شعرت أنها أرتكبت خطأ جسيما لكنه قال:
"ولماذا مزارعي أنا بأسبانيا على وجه التحديد؟".
وأثار تساؤله أحمرار وجنتيها وأجابته بتردد:
" لا أدري , فأنني أقرن الغجر دائما بالأندلس وموسيقى الفلامنغو والرقص والشمس".
" أنك تفكرين في غجر أسبانيا الذين يعتبرون نصف رحل , وغالبا ما يكونون مستقرين مثل الغجر الموجودين لديكم في أنكلترا أو في ألمانيا أو رومانيا , أما هم فرحل أصليون يقتصر ترحالهم على حدود بلد واحد أو حتى دولة واحدة , أذ توجد قبائل روسيا وأمريكا كما تجدينهم في أي مكان في العالم , من أوسلو حتى أسطنبول ومن الملايو حتى أفريقيا الجنوبية والبرازيل , فهل هذه الحقائق تدهشك؟".
فقطبت جبينها وقالت معلقة على كلامه , وقد بدا التساؤل في عينيها الرماديتين الواسعتين :
" تقول هم كما لو لم تكن واحدا منهم ".
وتملكت روم الدهشت لتعليقها , وبعد تردد بسيط سحب كرسيا وجلس عليه في مقابلتها وقد وقع ضوء المصباح على شعره الأسود الفاحم وجعل فمه الصارم يبدو أكثر سماحة , وعندما بدأ في الكلام جاء حديثه بطيئا في بادىء الأمر , ثم زادت سرعته وكأنه يجد الراحة في التخفيف من العبء الذي يحمله في قلبه من ذكريات دفنها منذ زمن طويل , فقال وقد أذهلها كشفه لها عن أسراره.
" بدأت حياتي مع الغجر في ليلة مقمرة من ليالي شهر مايو سنة 1940 وكنت في الثالثة من عمري , لكنني أذكر بوضوح أنني أستيقظت في سريري تلك الليلة على صوت قادم من السماء , وتلاه صوت ظننته لأول وهلة رعدا , ومع ذلك لم أشعر بالخوف , فقد كان والدي نائمين في الغرفة المجاورة , لذا بقيت في سريري أنصت بأهتمام للصوت , حتى أخذ في الأرتفاع , فجريت الى النافذة وقد تملكني الخوف الممزوج بالدهشة والأنبهار فرأيت مجموعات من الطائرات الحربية تحمل علامة النازي أي الصليب المعقوف وهي تحوم حول أسقف المنازل , ومن آن لآخر كانت أحداها تخفض جناحيها وتسقط من السماء كالنسر الجريح ثم تنفجر حين ترتطم بالأرض محدثة خزابا كبيرا , ومن شدة خوفي أردت أن أجري الى غرفة والدي ولكنني وجدت نفسي متسمرا في مكاني ,وفجأة شعرت كأن المنزل بأكمله قد أنفجر وأنهار ببطء حولي في كوم من التراب والحجارة والأخشاب المحطمة".

نيو فراولة 20-09-10 11:18 PM


وحبست مارييل شهقة تنم عن ألمها , وبالرغم من سماعها القصة كما رواها لها صاحبها بلا مبالغة , ألا أنها رسمت في مخيلتها صورة واضحة لما حدث , وهمست قائلة :
" ووالداك؟".
فرد عليها قائلا :
" لقد قتلا ..... والشيء الوحيد الذي أذكره بعد ذلك هو تخبطي بين جموع الناس وهم يسرعون في سيرهم هاربين من الدمار , وكان الطريق مزدحما بعربات النقل والأوتوبيسات وأعداد هائلة من الدراجات بعضها عليه ركاب , وبعضها محمل بالبطاطين والمراتب والحقائب المحطمة وكلها تسير على الأرصفة هربا من الطريق المزدحم بالمرور , ولم يلحظ وجودي أحد , وبعد عجزي عن السير من شدة التعب , تسللت الى أحد الحقول ورقدت لأنان قليلا".
وبدت في عينيه ومضة تعبر عن ذكرى أسعدته وبددت النظرة التائهة من عينيه .

لكنه أستمر في الحديث فقال متابعا قصته:
" صحوت لأتناول أفطارا من الحساء الساخن المقدم اليّ من وعاء كبير كان يغلي على نار موقدة بالقرب من قدمي , وشجعتني الوجوه السمراء الباسمة على شرب الحساء ونسيان شعوري بالضياع وبالفرع , أنهم الغجر الذين تقبلوني بحنانهم كواحد منهم".
ظلت مارييل صامته عندما أنتهت كلماته وأخذت تفكر في هول ما سمعته , وشعرت بضآلتها بأعتبارها الشخص الذي يفضي اليه ذلك الرجل المتعجرف بسر حياته , ثم أوحى لها عقلها ألا تفرح بهذه الثقة فهي بالنسبة له لا وجود لها , بل هي مبعث مضايقة له كما لو كانت ذبابة على ذراعه , أما غير ذلك فهي لا شيء , كان في أمكانه توجيه كلامه الى أشباح بدلا منها , ألا أنه بوعي أو بغير وعي قد كشف عن وحدته , لقد كان قائد الغجر وليس رئيسهم , لأن ذلك الجنس الحر يخضع لسلطة شخص واحد , ولكنهم يشعرون فيما بينهم وفي قرارة أنفسهم بأن دماءه ليست من دامائهم , وهذه الحقيقة لم يبوحوا بها أبدا بل يفضلون تجاهلها , فبالرغم من الأحتفال به وأحترامه لم يكن من بين أصدقائه الكثيرين والمعجبين به من يعتبره من أهله.
منتدى ليلاس
ثم وقف وتمطى بتكاسل كما لو كان ينفي نظريتها بأنه وحيد ,ثم مشى الى الباب وكأنه ضيّع وقتا كثيرا في حديث عابر :
" أرجو أن يكون سريرك مريحا ,وأذا أحتجت الى أي شيء سأكون قريبا منك".
ودفعها الفضول الى الأقتراب من النافذة بعد أن تركها وخرج , فكان المعسكر ساكنا والأجسام الهادئة ممدة تحت الأغطية الثقيلة داخل الحلقة المحيطة بالنار الخامدة , وسمعت نعيق بومة أرتجف لها جسمها متوقعة منها شرا , لكنها أطمأنت عندما رأت روم الطويل ممددا على الأرض عند نهاية السلم المؤدي الى عربتها , وعندما أخذت تخلع ملابسها دارت أسئلة حائرة عديدة في ذهنها تبحث عن ردود لها , وتأكدت وهي تدخل تحت لحافها الدافىء أنها لن تستطيع النوم , ألا أن جفنيها أطبقا قبل أن تفكر في أحداث ذلك اليوم المثير.......
وأستيقظت على صوت ضحك وصراخ جموع الأطفال وهم يجرون بين العربات , وتحت أرجل الخيل , وعلى حدود المعسكر , يمرحون ويرتعون في أستمتاع ظاهر وصحة جيدة , ولم تجد أثرا لروم أو غيره من الرجال عندما خرجت من عربتها لتبحث عن ماء تغتسل به وما زال النوم يداعب عينيها , ألا أنها رأت كوري التي كانت في طريقها لمغادرة المعسكر وقد علقت دلوين في ذراعيها , وعندما نادت عليها مارييل , أنتظرت مبتسمة حتى لحقت بها وقالت لها:
" أنني ذاهبة لأحضار ماء لغسل الملابس ,ويحسن بك أن تأتي معي لأن هناك عادات يجب أن أشرحها لك لأتباعها أذا كنت ستبقين مع قبيلتنا".
فردت عليها مارييل قائلة:
" أولا أنا بحاجة الى الأغتسال , وبعد ذلك سأستمع بسرور لتعليماتك ".
ألا أن كوري هزت رأسها وقالت:
" بل أستمعي اليها قبل الأغتسال , وألا خالفت تعليمات القبيلة ووقعت تحت طائل عقاب مجلسها".
ووصلتا الى النهر قبل أن تسأل مارييل المزيد من الأسئلة , وبلغت دهشتها منهاها عندما بدأت كوري في تقسيم النهر الى أقسام مختلفة بخطوط وهمية , وبكل جدية شرحت لها كوري عاداتهم قائلة:
" تؤخذ مياه الشرب والطهي من أقصى شمال النهر , وتليها مياه غسيل الأواني والأستحمام , وبعدها جنوبا تأتي المياه اللازمة لشرب الخيول وغسيل الملابس ,ويجب أستعمال دلو مختلف لكل غرض من هذه الأغراض , وألا أصبحت المياه نجسة , ويحرّم على الغجر لمس أي شيء نجس".
وفي الحال غيّرت مارييل فكرتها عن الغجر , وشعرت بأنهم يتمسكون بشدة بالعادات والتقاليد , وأحست بالخنوع وهي تشرع في تنفيذ تعليمات كوري .
وأعجبها المشي حافية القدمين في المياه الضحلة لملء الدلو الذي أعطتها أياه كوري , وكان للمياه بريق كالشمس , وأنسابت برودتها حول أصابع قدميها وهي تحاول أن تحافظ على توازنها فوق الحجارة المغطاة بالطحالب الخضراء في محاولة لملء دلوها من مكان بعيد.

نيو فراولة 20-09-10 11:20 PM

وضحكت كوري من حركتها وقالت لها:
" خذي حذرك يا مارييل".
ولم تتم كلماتها حتى أنزلقت قدما مارييل ووقعت في البركة العميقة ووصل الماء حتى رقبتها , وسمعت صوت ضحكات تأتي من ناحية الشاطىء , بينما أخذت كوري تعاونها على الخروج وقد ألتصق شعرها الأشقر برأسها وجعلها تبدو كالصبي الخائف.
وشعرت كأن حلتها المبتلة تزن طنا وهي تلتف جول جسدها المرتعد من البرد , وحاولت كوري أن تغالب الضحك , أما لالا الواقفة ترقب الموقف , فكانت ضحكاتها تحمل معنى التشفي السافر وهي تقف على الشاطىء دون أن تحاول تقديم أية مساعدة لمارييل ,وأخذت ترقب كوري أثناء محاولتها جذب مارييل من المياه ,وقالت لالا وهي تضحك متشفية وتمر بيديها على جسدها الذي يتفجر أنوثة:
" أن فتاة روم الأجنبية تبدو كالصبيان أكثر من ذي قبل , كم أود لو كان روم هنا ليرى بنفسه ما أظهرته المياه , أن ملابس الرجال تخفي تحتها جسم صبي لم يكتمل نموه بعد.
وكادت المياه أن تتحول الى بخار من شدة غضب مارييل لهذا الهجوم الوقح , فطبقا للمقاييس الغربية يعتبر مقاسها مثاليا , أما بالنسبة لقوام لالا المكتنزة , فتعتبر نحيلة , وآلمها هذا , لذلك جاء ردها عنيفا في شكل مثل تعلمته من والدتها:
" أن الجمال لا يمكن أن يؤكل بملعقة".
ولشدة دهشتها أصطبغ وجه لالا بالأحمرار وأستدارت بنظرة حانقة وأنصرفت , وسمعت كوري بجوارها وهي تشهق من الدهشة , ثم تنفجر في نوبة من الضحك وتقول:
"كيف عرفت ذلك؟ أن عيب لالا الأكبر هو جهلها بطهو أبسط الوجبات , وقد أصابتها كلماتك في صميم كبريائها فلا غرابة ألا يتقدم لها أحد من رجال القبيلة ليتزوجها , لقد كسبت حقا هذه الجولة لكنني أخشى أن تزيد كلماتك من طبع لالا الحقود وهو الأنتقام لأقل أساءة توجه اليها".
ثم نصحتها قائلة:
" أحذريها يا عزيزتي , فقد جعلت منها عدوا".
ولما كانت خطط صوفي لم تشمل نقل أمتعة أبنة أختها معها , لذا أضطرت مارييل الى قبول الملابس الجافة التي عرضتها عليها كوري لأن كل ما تملكه من ملابس كان مبتلا على جسمها البارد , فدخلت عربة كوري وخلعت ملابسها ودلكت جسمها بمنشفة خشنة حتى عادت الدماء تجري في عروقها , ثم لبست التنورة المتعددة الطيات والبلوزة ذات الفتحة الواسعة التي أخرجتها لها كوري من صندوق ملابسها , وشعرت مارييل بملابسها الجديدة كأنها بطلة رواية موسيقية كوميدية , خاصة عندما ربطت مشبك الحزام العريض الذي جعل خصرها قطر دائرة اليد , وأستدارت اليها كوري وهي ما تزال تنبش في أعماق صندوقها وقالت لها:
" هذه الملابس تلائمك تماما , ولن يجد روم صعوبة في تفريقك عن صبي , كما لا بد أن لالا ستعترف بهذا الآن".
منتدى ليلاس
وضحكت كوري عندما أحمرت وجنتا مارييل من الخجل ثم عبرت عن رضاها عندما وقعت يداها على الشيء الذي كانت تبحث عنه في الصندوق ,فقالت لمارييل وقد أخرجت يدها من صندوقها بقبضة من المصاغ المصنوع من العملات الذهبية وقالت لها:
" بهذه ستتم زينتك".
فأحتجت مارييل قائلة:
" لا أستطيع أن آخذها , تبدو ثمينة وأخشى أن أفقدها".
فتعجبت كوري وقالت بتردد , وقد أحزنها رفض مارييل:
" أنني أقدمها لك هدية لا ترد , فمن عاداتنا تقديم أحسن ما لدينا لمن نعجب بهم".
وقفز قلب مارييل لضخامة خطئها , بدا على كوري الأستياء مما أعتقدت أنه رفض لصداقتها , ورأت مارييل أن تهدىء من مشاعر كوري الجريحة بأن تقبل الهدية المقدمة لها ,بنفس الروح التي قدمتها بها صديقتها , ولما شعرت بالأألم الذي سببته لكوري ,خرّت على ركبتيها بجانب الفتاة وأعتذرت لها قائلة:
" آسفة يا كوري ..... أرجو أن تسامحيني , فلم أكن أفهم تقاليدكم".
وفي الحال غيّرت الأبتسامة من مظهر كوري وقالت وهي تدفع بالمصاغ الى أيدي مارييل :
" أذا هل تلبسينها؟".
" أشكرك..... سألبسها بكل سرور بشرط أن تضمني لي أن روبا لن يغضب لأنك أعطيتني أياها".

نيو فراولة 20-09-10 11:22 PM

لكن كوري طمأنتها قائلة:
" بل سيكون فخورا بذلك , فنحن نتقاسم الثروات التي تأتي لنا بفضل كرم قائدنا روم , من سنوات قليلة كانت قبيلتنا من أفقر قبائل الغجر , عانينا من الفقر والمتاعب الكثيرة , ولم يكن لنا بارقة أمل في طريقة لنغير بها حظنا العثر , لكن روم صمم على أن يبحث لنا عن مصدر للمال , ليس لنفسه بل لنا نحن عشيرته".
ثم أتمت كلامها قائلة بفخر وأعتزاز:
" والآن لدينا بطون مليئة , وأطفال أصحاء , وعربات وماشية ممتازة , أن روم رجل غني جدا , أو مليونير".
فأستغرب مارييل لهذا النبأ , وبالرغم من أن كوري لم تذكر نوعية ثروة روم , ألا أن أشارتها الى الثراء الكبير أدهش مارييل كثيرا فسألت صديقتها قائلة:
" أذا كان روم قد أنفق كل نقوده عليكم فكيف يكون غنيا؟".
فبدت على كوري الدهشة وهي ترد قائلة:
" أن المليونير وحده هو الذي يستطيع أن ينفق مليونا".
قالت ذلك بمنطق بسيط حتى أن مارييل لم تحر جوابا , ثم أستطردت تقول وهي تثبت الأساور والعقود حول معصم مارييل ورقبتها:
" روبا يحصل على قسط أكبر من ثروة روم لأنه يصحبه الى كل مكان يذهب اليه , ويتقاسم معه متاعب العالم الغربي , فبعد أن يفي بجميع أحتياجاتنا , يحول المبالغ المتبقية الى قطع ذهبية للضمان ضد الحاجة والعوز".
لم تندهش مارييل من حب عشيرة روم له وأعترافهم له بالجميل , فأن اليتيم الخائف الذي ألتقطه الغجر من بين جموع اللاجئين الهاربين , قد جازاهم على صنيعهم الأنساني نحوه خير جزاء.

وبمرور ساعات النهار أعتادت مارييل ملابسها المستعارة من صديقتها , ونسيت تدريجيا أنها لم تكن في بادىء الأمر مريحة , وقضت معظم وقتها في مساعدة كوري في أعمالها , كما حاولت أن توطد علاقتها ببقية النساء , ففي بادىء الأمر كم حذرات في تعاملهن معها والأستجابة لمحاولتها التقرب منهن , ألا أن رغبتها الأكيدة في أقامة صداقات معهن , بالأضافة الى محاولاتها المتعثرة المضحكة في التخاطب معهن بلغتهن سرعان ما أذابت التحفظ الموجود بينهن.
منتدى ليلاس
وعندما عاد الرجال الى المعسكر في آخر النهار بعد يوم قضوه في المقايضة في سوق للخيل , لم يكن مستغربا ألا يلتفت أحد لمارييل في بادىء الأمر وهي بين جموع النساء المتهكمات في الطهو والمرهقات بسبب مشاغبة الأطفال المحيطين بهن , فعندما تقدم روم الى الجزء المضيءمن المعسكر , لم يلحظ مارييل بالرغم من كونها قريبة جدا منه , أقترب من النار ووقف يرقبها وهي تحرك محتويات آنية حديدية بمغرفة كبيرة ,وبدون أن تلحظ وجوده مرت بأصبعها على حافة المغرفة لتلعق شيئا من الصلصة العالقة بها , وكانت النيران المهتزة تضيف الفضة , أما الظلال فقد ضمت قوامها وأخفت تفاصيله بلال يثير لرجال , وكانت تضع الملح على الطعام عندما قال لها مازحا:
" أذا كنت تتنكرين في زي شخصية مجهولة , فهل أخمن من هي؟".
ووقعت المغرفة من يدها في الأناء , كما شلت المفاجأة حركتها , وأثار وجوده الضاحك خجلا بدد رقتها وسلب كل الرشاقة من حركاتها , وأخيرا زاد من حرجها وخجلها بعبارته القاسية وهو يقول:
" لقد حرمت المرأة الغربية نفسها من أنوثتها بسبب كفاحها في سبيل التحرر , لذا يجب التمسك بأرتداء البنطلون".
وأندلعت شرارة وأنعكس ضوؤها في أعماق العينين الرماديتين الباردتين فقالت:
" هل تتكلم عن ثقة , أم هذا مجرد أستنتاج؟".
فضحك وأقترب منها وقال:
" لديّ عينان ولديّ بعض التجارب , فأن مغازلة المرأة الغجرية مثير مثل أصطياد النمور , أما أنت فصيدك هين مثل صيد الغزال الصغير".
فقالت بحدة وأعتداد:
" أنني أعرف كل شيء عن العلاقة بين الجنسين".
" ربما..... لكن ما زلت في حاجة الى تعلم كل شيء عن الحب , فالعلاقة بين الجنسين كلمة عملية باردة لا محل لها عندما تستخدم لوصف عملية صهر قلبين وجسدين وفكرين معا , لذا يجب التخلي عن كل فكرة للتحرر أذا أردت الأندماج في الوحدة الكاملة التي تعتبرها نساؤنا حقا لهن , فأن الرونق الخارجي الذي يرضي الرجل لا يهمنا نحن رجال الغجر , فلا حاجة بنا لشمعة بدون لهب".
وفي ساعة متأخرة من تلك الليلة , وتحت جنح الليل والمطر , تحركت ناقلات عربات الغجر من مكانها , وسارت في سكون وقد غطيت حوافر الخيل بالقش ,وربطت بقطع من القماش الملون , وسارت وهي تتجنب الطرق العامة مخترقة البلاد عبر الطرق الوعرة التي لا تستطيع السير عليها غير العربات ذات العجل الكبير, وشعرت ماريلل بوخز الضمير لأنها كانت مستريحة في عربتها الوثيرة وهي تتمتع بالدفء , بينما جلس روم في الجزء الخارجي منها تحت المطر المنهمر وهو يحث الخيول على التقدم للأمام , وأحيانا كانت القافلة تبطىء في سيرها فيضطر روم للقفز من مكانه الى الأرض وقد غطى الطين قدميه حتى كاحليه ليدفع العجلات المتعثرة بكتفه , وأحيانا تندفع العربة الى الأمام وتطيح بمارييل لتترنح بين الأواني والحلل التي تحدث بها كدمات لم تشعر بها في بادىء الأمر , وكان شباب القبيلة منهمكين في مساعدة المتعثرين في الوحل الكثيف.
وبعد ساعات من السفر الشاق سمعت مارييل صوتا متكررا لصفارة منبعثة من العربة الأولى للقافلة ,وكان صوت الصفارة مطمئنا وهي تسمعه مختلطا بصوت وقع حوافر الخيول على الوحل , وصوت بكاء الأطفال أحيانا , من العربات القريبة , وبعد ذلك مباشرة أدهش مارييل صوت وهي تسرع في سيرها على أرض صلبة مرة أخرى , وكانت حوافر الخيول قد فقدت القش المربوط بها من مدة طويلة.
وفتح باب الغرفة ودخل روم كما دخلت معه لفحة من الهواء البارد , وظهرت أبتسامته العريضة وهو سعيد لأنتصاره على الطبيعة القاسية , ولمعت عيناه من بين خصلات شعره الأسود المدلى على جبينه , وقال بأرتياح ظاهر:
"عبرنا الحدود ودخلنا تشيكوسلوفاكيا , فمع أننا ما زلنا في أرض روسية , ألا أن أميالا كثيرة تفصلنا عن سيؤجي أيفانوف , وغدا , أذا لازمنا الحظ سنبتعد عند أكثر".
وزادت أبتسامته أشراقا وهو يقول:
" بعد قليل يا عزيزتي سنفترق الى الأبد".
يا عزيزتي....... لقد سبق لمارييل أن سمعت هذه العبارة الحانية باللغة البولندية من والدتها , لذا لم يكن مستغربا أن تلقى تلك العبارة صدى في قلبها , وبدت لها العربة صغيرة عندما أخذ روم يتقدم منها , لكنها أخذت تتراجع وتبتعد عنه , وقد طغى ظله الكبير على الحائط على ظلها الدقيق , ألا أنها شعرت بالحرج لخجلها منه ,فألتفتت اليه بتحد , ومع ذلك لم تستطع أخفاء الرجفة التي ظهرت في صوتها.
" أنا أيضا تواقة للعودة الى وطني , فسعادتك لا تفوق سعادتي بذلك".
ومما زاد من وطأة السكون الذي ساد بينهما , صوت دقات ساعة كبيرة معلقة في العربة , ولبرهة قصيرة تلاقت نظرته الواعية السوداء بنظرتها الغامضة الرمادية , وسألها روم فجأة وكأنه يدرك لأول أنها ذات شخصية مستقلة.
" هل لديك أقارب في أنكلترا؟".

نيو فراولة 20-09-10 11:24 PM

وشعرت بغصة في حلقها وحاولت أن تفهم سر أهتمامه بها فردت :
" القريبة الوحيدة هي صوفي , لكن لي أصدقاء".
" أصدقاء.......؟ هل ترين أن الصداقة رابطة كافية لأشباع أحتياجاتك الشخصية ؟ أو ربما لك بين هؤلاء الأصدقاء شخص خاص تودين أن توطدين علاقتك به".
ولفت نظره أصطباغ وجنتيها بحمرة الخجل , ومما زاد من حرجها التغيير الذي ظهر على وجهه والذي دل على أنه أستنتج شيئا معينا من خجلها , وردّت عليه قائلة:
" كلا , لا يوجد شخص معين ,لكنني أرجو الحصول على وظيفة جيدة , وهي طبعا أمنية تعتبرها لائقة بأحدة بنات جنسي".
وأستاءت مارييل عندما لم يظهر أي تعبير على وجهه لعبارتها .
"لا يهمني ما تفعلينه بحياتك , فبمجرد وصولنا الى النمسا سيكون من السهل تدبير أمر أنتقالك الى أنكلترا , وبعد ذلك أشك أذا كنا سنلتقي ثانية".

ثم مشى نحو الباب وقال:
" حاولي أن تنامي قليلا فسنسافر طيلة الليل , الطرقات ممهدة وستسرع العربة في سيرها".
وكما تكلم بسرعة خرج بسرعة بدون أن يتيح لها فرصة الرد عليه بطريقة تحفظ بها ماء وجهها .
ونامت حتى تخلل الحر جدران الغرفة , ثم دفعها الفضول وحاجتها الى الهواء النقي للخروج والأنضمام الى روم الذي ترك التعب أثره على عينيه , وعندما رآها مر بيده على وجهه , حيث لم يتسع الوقت لحلاقة ذقنه , وعبرت نظرته عن أعتذاره لمظهره , بينما صعدت مارييل على المقعد الخشبي للعربة وجلست بجواره , وكانت القافلة تسير ببطء صاعدة التل , وكان المطر قد غسل الأرض ونظفها , ولمعت أشعة الشمس على كل ورقة في الأشجار , وكانت جداول المياه تنساب الى أسفل التل بحيوية براقة , ولم تعرف مارييل سببا لشعورها بالحيوية والسعادة وهي تجلس على المقعد المرتفع وترنح من حركة العربة وتشم عبير الهواء المشبع بشذى الزهور , وتستمتع بصحبة روم , بصورة لم يسبق أن شعرت بها من قبل.
أما روم نفسه فبدت عليه السعادة وهو يدخن غليونه, ويدعها تشاركه صحبته بدون أن يوجه اليها نقدا أو تهكما كعادته , وفجأة مدّت مارييل ذراعيها وكأنها تحتضن الطبيعة الجميلة بأكملها وقالت:
" يا لها من طريقة حياة ممتعة , كيف تطيق أن تترك كل هذا الجمال لتدخل النوادي الليلية المغلقة وتعيش في المدن المكتظة بالناس؟".
منتدى ليلاس
فعضّ على مبسم غليونه بأسنانه وقال:
" تعلمت من الغجر أن أعيش في الحاضر وليس في المستقبل , فكل الذكريات والأماني والرغبات والدوافع الخاصة بالغد ,كلها متأصلة في الحاضر , فبدون الآن لا يوجد ما قبل , كما لا يوجد ما بعد".
وتأملت مارييل في معنى كلماته وفلسفتها , وأستعادتها لنفسها وحمدت الله على أتاحة الفرصة لها لكي تشاركه لحظة الحاضر التي كانت تعيش فيها , حتى ولو لم يكن لها مستقبل.
وفجأة سمعت صوت صفارة مرحة , أنتصبت لها آذان الخيول وفردت ظهور السائقين المقوسة من التعب , وكأن موجة منشطة سرت في القافلة باسرها ,وقف سائق العربة الأولى أمام مقعده وأصدر صيحة الفرح وهو يدفع بجواده فوق قمة التل , وحذا حذوه بقية الرجال , وترددت في الجو أناشيد الطيور المختلطة بأصوات العجلات وحوافر الخيول , ورغم خوفها شعرت مارييل بالسعادة وتشبثت بالعربة وهي تتقدم بسرعة وتميل بشدة وكأنها ستنقلب , وكانت الأبخرة تتصاعد من أجساد الخيول المتصببة بالعرق , ألا أن صوت السلاسل والأواني كان يزيد من الشعور بالسرعة , هكذا تقدمت القافلة فوق قمة التل ثم هبطت وأتجهت نحو دائرة من عربات الغجر المعسكرة من قبل في ذلك المكان , وجرت النساء والأطفال الى الأمام , وهم يتعرفون على الشخصيات المألوفة لديهم , ويتبادلون معهم التحيات قبل أن تستقر القافلة الجديدة في مكانها , وبينما كانت المجموعتان تندمجان , تبينت مارييل تشابها واضحا بين أفراد الأسر , فحيا القريب قريبه ,والأخ أخاه بروح مرحة سعيدة , وبسرعة وضعت آنية الطهو على النار التي أعيد أضرامها بينما تولى الشباب أمر الخيول , وتبادل الرجال الأخبار وأخذت النساء بأعداد طعام الأفطار للضيوف.
وتسللت مارييل داخل العربة ولم يلتفت اليها أحد , أذ لم يكن لها مكان أو مجال في هذا التلاقي بين القبيلتين , شعرت بالخجل من مقابلة الأغراب ولم ترغب أن تفرض نفسها عليهم , فجلست وحيدة أمام النافذة تسلي نفسها بالتخمين عن القرابة الموجودة بين الأفراد.
وسرعان ما فترت تسليتها وأنتابتها كآبة طاغية , تذكرت خالتها وكيف أفترقت عنها فجأة وفي ظروف غير ودية , فشعرت لأول مرة بمرارة الوحدة التي تنتاب اليتامى الذين لا قريب لهم , فتمددت على سريرها وأغمضت عينيها , كما تعمدت شغل تفكيرها بعيدا عن الأفكار التي تدور حول الأسرة والأصدقاء , ألا أن الحزن تمكن منها , ولم تستطع مسح آثار دموعها من فوق خديها في الوقت المناسب عندما سمعت صوتا داخل العربة , نظر اليها روم وهي تتظاهر بالتثاؤب ثم تتمطى وكأنها أستيقظت لتوها من النوم , ورغم أن فمه لم ينم عن أية مشاعر ألا أنه عندما وضع يده على كتفها وأشار اليها أن تتبعه , تبعته بدون أي تعليق أو سؤال.
في تلك الليلة أقامت القبيلة المقيمة حفل سمر للقبيلة الزائرة فجلس الرجال حول النار على الطريقة الغجرية يتسامرون بحرية وأنطلاق وأستمتاع ودارت النساء حولهن يقدمن من الطعام لأشباع الشهية التي شحّها الأستمتاع بجمال الصحبة , وحلاوة الحديث , وبعد أن آوى الأطفال الى فراشهم أنضمت النساء لمجلس الرجال حول النار لسماع الأغاني التي تحكي تاريخ الغجر ينشدها تروكا وهو رجل مسن , محترم من رجال القبيلة كلها , وكما لو كان ذلك من حقها , وجدت مارييل أنهم أجلسوها بجوار روم الذي راح يترجم لها الكلمات المنشدة ,وقد قرّب فمه منها وأخذ يهمس بالكلمات في أذنها , وأعجبت مارييل بشاعرية كلمات الأغاني , وكلما سمعت المزيد منها زادت نشوتها بما تحمله من مشاعر عاطفية جيّاشة , وعندما أنتهى الغناء كان المجهود قد أضنى الرجل المسن فجلس متكئا على سواعد أولاده وقد خارت قواه , وساد صمت رهيب بين الجالسين كما لو كان الوقت توقف تحت تأثير سحر الأغاني وجمالها.

ثم بدأ روم يدندن بنغم راقص من أنغام الغجر , الأمر الذي بدد التوتر والوجوم وأستولى أيقاع النغم على الشباب فأشتركوا تلقائيا في ترديده , أما الفتيات فقد أخذن يصفقن على الأيقاع ووثبت أحداهن من وسط الدائرة متأثرة بالنغم وأخذت ترقص وتدور في مرح ونشوة , وأتسعت عينا مارييل عندما أدركت أنها لالا وتضاربت في نفسها مشاعر الكراهية والأعجاب معا عندما بدأت الفتاة تلف وتدور أمام المتفرجين , وكان تعبير وجهها ينم عن الكبرياء وقد بدا التهكم في عينيها وهي تدق الأرض بقدميها الصغيرتين العصبيتين , وشجعها تصفيق الأيدي على الأسراع في حركة قدميها وهي تلف حول الدائرة وقد أنفردت طيات ملابسها بينما كانت نظراتها تجول بين أوجه الحاضرين بحثا عن شخص معين , ولدهشة الجميع توقفت فجأة أمام روم وبدأت تقوم بحركات متماوجة بطيئة متحدية أياه أن يرفض الدعوة الصريحة التي كانت تقدمها بكل وضوح.
وشعرت مارييل وهي بجواره بتوتره وبالغضب المتصاعد من قرارة نفسه , وبعد فترة من التردد قفز الى الحلبة لينضم الى لالا في الرقص , وعندما أحاط بيده خصرها هلّل الحاضرون وصفروا معبرين عن رضاهم , ثم أنضم اليهما أثنان من الراقصين وتلاهما آخران حتى أصبح كل ما تراه مارييل من روم هو وجهه الضاحك كلما ظهر لها من بين الراقصين , وكان الرقص بالنسبة لهم جميعا تحديا شخصيا يتبارون فيه فيما بينهم , وقد تقدم شباب الغجر ودخلوا الحلبة وأخذوا يدقون على ركبهم ويصكون بكعوب أحذيتهم معا في تتالع رتيب على الأرض وهم يدورون بزميلاتهم بحماس شديد بعث الصيحات المرحة من أفواه الفتيات.
وكانت مارييل سابحة في تأملاتها حتى أنها فوجئت بصوت هادىء يقول لها:
" أتقبل الفتاة الأجنبية مشاركتي الرقص؟".
ورفعت رأسها ورأت شابا جادا لم يخف صوته اللطيف حيويته التي حاول أخفاءها , لكنها ظهرت في عينيه الجريئتين .
وفلتت منها الألفاظ قبل أن تتيح لنفسها وقتا للتفكير:
" لا أستطيع..........".
وتابعت نظراته نظراتها التي كانت توجهها نحو روم , وسألها الشاب بتهكم ورأة :
"لا تستطيعين ؟ أو لا تجرؤين؟".
وأسعفها الغضب الذي كانت تحاول كبته , وأخمد النار التي أراد أثارتها بها , وشعرت بدون سبب تعرفه بالأهانة أمام جميع أهل المعسكر عندما هجر روم مجلسها أكراما للالا والرقص معها , وقد أثبت تلميح الشاب الغجري صحة شكوكها لذلك أستدارت بحرارة لم يتوقعها في بنات جنسها وأستجابت لدعوته , مما بعث الأبتسامة المشرقة الى وجهه :
" نعم , سأرقص معك ".
" أسمي كاليا".
" شكرا يا كاليا...... هيا بنا".

نيو فراولة 20-09-10 11:27 PM

.
وأعجبها طريقة رقص الغجر حيث يمسك الراقص بالراقصة بشدة حتى لا تستطيع التنفس ,ويقرب وجهه من وجهها حتى تضطر الى تقويس ظهرها الى الخلف محاولة الأفلات من قبضته , ومما زاد في حجة ضمها اليه الأزدحام الشديد من حولها , وقد طال الرقص بلا أنقطاع ,وبعد حوالي نصف ساعة من الحرج تمنت لو أمكنها أن تضحي بأي شيء لتتخلص من قبضة مراقصته وعواطفه الجياشة , وسنحت لها تلك الفرصة عندما أصطدم كاليا براقصين آخرين , فأرتطمت أقدام الراقصين المسرعين بكاحل مارييل التي صرخت من الألم وأنهارت في تراخ , وأرتمت اليه وهي تقاوم موجات من الألم الشديد.
وشتم كاليا الراقصين اللذين أرتطما بهما بكلمات لاذعة , وعندما ألتفت الى مارييل للعناية بأصابتها هجم الراقص , الذي تسبب في الحادث على كاليا , مما أضطره الى ترك ماريل قبل أن يترنح من أثر اللطمة التي أطاحت به مرتطما ببقية الراقصين , وسرعان ما أثار الغضب الذي أشعله كثرة الشراب هياج الجميع وأنقسم الرجال على بعضهم , وتحيز كل منهم لأحد المتشاجرين مما دعا النساء الى الصراخ والجري طلبا للأحتماء في مكان أمين , وأطاح الرجال بعضهم بعضا في معركة أستخدمت فيها الأواني والصحون وكل ما توصل اليه المتشاجرون , كما أستخدمت فيها الأيدي والأرجل والرؤوس كالأغنام المتناطحة , فكان منظرا مقززا لمارييل , تحاملت على نفسها وبجهد جهيد وصلت الى أحدى العربات وقد أغمضت عينيها حتى لا ترى مجون الوحشية!
منتدى ليلاس
وسمعت صوت صفارة يعلو فوق صوت المعركة , ألا أن أحدا لم يلتفت اليها , وتلتها صفارة أخرى طويلة تخللت الجلبة الشاملة التي عمّت الجموع المحتشدة , ونجحت في تهدئة المشاعر الملتهبة والحد من اللكمات المتبادلة , وعندما سمعت صوت روم من بين الأصوات التي سمعتها عن بعد , فتحت عينيها ورأت قامته الطويلة تسيطر على جموع الرجال , وخرجت من فمه كالسيف كلمات التأنيب والتعنيف لتهورهم وتصرفهم الطائش معبرا عن أحتقاره لهم بكلمات بعثت حمرة الخجل الى وجوههم وجعلتهم يستديرون ليتجهوا نحو عرباتهم , وعندئذ رفعت نبرات صوت لالا الواضح رؤوسهم المحنية , كانت كلماتها عنيفة , وعيناها ممتلئتين بالكراهية , مدت لالا أصبع الأتهام نحو مارييل وصرخت:
" أنها هي تلك المرأة الأجنبية التي أثارت المتاعب , أننا لم نحبذ وجودها بيننا في بادىء الأمر , لكنك أنت يا روم الذي صممت على بقائها , لذلك يجب أن تتقاسم معها اللوم وتنال نصيبك منه".
ثم أستدارت نحو الجموع الغاضبة وقالت وهي تتعمد أثارة غضبهم :
" يجب أبعاد تأثير هذه المرأة السيءعن قبيلتنا , فأذا لم يطردها روم بورو ورؤساء القبيلة الذين وافقوا على وجودها , يجب أن نتقدم لمجلس القبيلة ليدلي برأي العدالة , هل توافقون كلكم على ذلك؟".
ووصل صوت هدير الموافقة الى أذني مارييل وهي ترتعد وقد أستندت الى جانب العربة , ترامى اليها الصوت مخيفا مثل صوت حشد تجمع حول المقصلة متعطشا للأنتقام.....

نيو فراولة 20-09-10 11:28 PM

4- مفاجأة المحاكمة........

شرح روم لمارييل بتبرم وألفاظ رتيبة , التشكيل القانوني لمجلس القبيلة القضائي الذي يرأسه عدد من القضاة أكتسبت حكمتهم على مر السنين مركزا أسطوريا , وقد ساعدت قراراتهم عبر أجيال لا تحصى على كبح جماح المجموعات الأقوى من الغجر التي تفرض أرادتها على المجموعات الأضعف , ولولا أحترام الغجر لمجلسهم القضائي لهبطوا الى مستوى مجتمع يسوده الفساد , وأدركت مارييل من كلامه مدى أستيائه من الموقف الذي وضعته فيه الفتاة لالا بندائها الذي أثارت به المشاعر , كان شيئا مهينا لكرامته وكبريائه أن يقف هكذا متهما.
وكانت مارييل تروح وتجيء في عربتها وهي تشعر بنظراته تتابعها بغضب وأستياء , ولما لم تعد تحتمل الصمت بينهما قالت له مستعطفة:
" أنا لم أخطىء أبدا.....فكيف لي أن أعرف أن مراقصة كاليا ستكون لها هذه الأصداء؟ وفي أي حال كرهت كل دقيقة من الرقص معه ولو أنك لم تتركني وحدي كما فعلت , لما حدث شيء من هذا".
وكان روم يستند الى الباب بدون أهتمام بها , لكن أتهامها أياه بأهمالها أشعل مشاعره وجعله يتصرف بعنف , فبخفة حركته المعهودة تقدم نحوها وأقترب منها فأضطرت أن تشيح بوجهها بعيدا عنه وأنتظرت هبوب العاصفة , واثقة أنها أمدته بالعذر الذي كان يبحث عنه ليمطرها بكلماته اللاذعة , ألا أنه لم ينطق بكلمة ,بدلا من ثورته بدد الجو المتوتر بينهما بأبتعاده عنها ليصب لنفسه شيئا من الشراب , جلس على السرير وأستند على منكبه ليشرب بتلذذ واضح , وبعد أن أنتهى من الشراب أذهلها بأعترافه قائلا:
" أنت على حق , وضعتك تحت حمايتي ونسيت واجبي نحوك ونحو رفاقي , لذا أستحق العقاب , لكن الله وحده يعلم كم سيكلفني تصحيح وضعي في عيون عشيرتي وأسترداد مكانتي بينهم".
ثم عبر عن غضبه وضيقه بألقاء الكأس من يده على الأرض فتحولت الى قطع صغيرة تبعثرت في جميع أرجاء العربة , فأنهارت مارييل وأرتمت على السرير , وقد خانتها شجاعتها , بينما صفق روم الباب وراءه خارجا من العربة تاركا أياها ترتعد وكلماته الغامضة تجول في ذهنها , ترى ما هو العقاب الذي ينتظره من هذه القبيلة الهمجية ؟ وجالت بخاطرها أهوال كثيرة لكنها أستبعدتها بأعتبارها أوهاما لا أكثر , ولكنها لم تستطع أن تمحو ذكرى ثورته عليها , وأوحت لها غريزتها أن هناك كارثة قد تسببت في القلق الذي أبداه روم بورو , وهو الشخص الذي يطلق عليه الغجر القساو أسم الرجل العظيم.
ولعدة أيام , وبينما القافلة تسير , ظل الحادث يراود ذهن مارييل رغم محاولة روم تغاضيه , كان القلق يلازمها طيلة الوقت ويمنعها من أستيعاب شبكة أتصالات الغجر , ففي كل نقطة من الطريق توجد أشارات عديدة تركها الغجر الذين مروا قبلهم , كما كانت هناك قطع من القماش الملون معلقة على غصون الأشجار لترشد القوافل التي تأتي بعدها.
منتدى ليلاس
وبدلا من أن تخرج القافلة عن الطريق كما توقعت مارييل , تقدم الركب ببطء وثبات وأنضمت اليه عربات أخرى عند مفترق الطريق حتى أمتد طابور العربات الى مسافة عدة أميال , ولدهشتها أكتشفت أن الأتصال التلفوني الحضاري , أجراء يقره الغجر , أما الأغراب من الأصدقاء فأستخدمهم الغجر كنقاط للأتصال , وكانت الرسائل الهاتفية والبردية من شتى البلاد ترسل اليهم ويقومون هم بتوصيلها الى الغجر , وعلمت مارييل أن لروم أتصالاته الشخصية , شأنه في ذلك شأن أعضاء القبائل الأخرى , ومقابل هذه الخدمات كانت نقاط الأتصال هذه تمنح ولاء خاصا لا يتمتع به الا القليلون.
وشعرت مارييل أن المجلس القضائي يزداد أهمية كلما أقتربت القافلة الزاحفة من مكان تجمعها مع غيرها , وكان الجميع يلتزمون الصمت في حضورها وحضور روم , ثم يهمهمون هامسين فيما بينهم بأصوات خافتة عندما يكونان بعيدين عن سمعهم , ولم يعلق روم على تغيير معاملتهم , كما لم يبد أهتماما بذلك , ولكن عندما أنطوت الأميال تحت عجلات القافلة , ظهرت المرارة على ملامح وجهه وجاءت الكلمات التي كان يوجهها اليها مقتضبة حتى أنها تمنت , وعيناها تدمعان , أن تصل سريعا الى نهاية رحلتها , فكلما أقتربت من النهاية زادت راحتها , وعندما لمحت في الأفق تجمعا كبيرا من القوافل , لم تشعر بأي خوف , بل شعرت براحة جارفة تطمئنها بأن محنتها ستنتهي قريبا , أما بالخير أو بالشر.
وكان مقر المعسكر الجديد واسعا ومحطا لقوافل عديدة مبعثرة على مساحة شاسعة ,ورأت شبانا يدفعون بعربات الأمتعة وهي تهتز يمينا ويسارا محملة بالمؤن التي تكفي لمدة طويلة, وحتى الأطفال كانوا منهمكين في جمع الحظب اللازم لأيقاد النار , ودخلت كوري العربة في اللحظة التي أستدارت فيها مارييل مبتعدة عن النافذة , وقد تعبت من التدقيق في الظلال الغامضة التي تتحرك في ضوء النهار البعيد , فبعد وصول القافلة بقليل كان روم قد أختفى مؤكدا عليها قبل أنصرافه بقوله:
" أبقي داخل العربة حتى عودتي , فأختفاؤك عن نظر القبيلة أفضل لك حتى تنتهي المحاكمة".

الجبل الاخضر 21-09-10 05:24 AM

ننتظرررررررررررررررررررررررررروشكرا

نيو فراولة 21-09-10 04:35 PM

وكان المفروض أن تغضب من معاملتها كسجينة , ألا أن تفكيرها كان مشوشا حتى أن أوامره المشددة لم تثر فيها شيئا غير الأذعان وذلك بأيماءة من رأسها , وجاءت أليها كوري تحمل بطيخة كبيرة وقالت لها :
" أتيت لك بهدية ".
وكانت تحاول أن تبدو عادية منشرحة الصدر , ألا أن القلق تغلب عليها وبدا في عينيها , ومع ذلك أخذت تقطع البطيخة بسكين حادة , وتقسم قلبها الأحمر الذي تتخلله البذور السوداء اللامعة ألى قطع صغيرة , وعندما قدمت لها كوري قطعة لتغريعها على أكلها قالت لها :
" لا أشعر بالجوع".
وفعلا رفضت قطعة البطيخ التي قدمتها كوري التي نسيت أمر الفاكهة وناشدت مارييل قائلة:
"لا تحزني هكذا يا مارييل , فليست القبيلة ضدك , فهناك كثيرون مثلي ومثل روبا يعلمون بفكرهم الصائب أن الحقد هو الدافع لأتهامات لالا و فقد سبق أن نبهتك ألى أن لالا هي عدوك اللدود ".
وظهر الألم على مارييل وهي تجيب هامسة :
" بالنسبة أليّ , لا أهتم بأمر القبيلة , لكنني لا أريد لروم أن يتألم , فأذا قرر المجلس القضائي أن يسلمني ألى سيرجي أيفانوف فأنني لن أعترض على قراره أو أشكو منه طالما سيقع العقاب عليّ أنا وحدي , لكن ماذا سيفعلون بروم يا كوري؟".
قالت ذلك وعيناها تعبران عن كل معاني الخوف , وعندما أخذت في البكاء طوقتها كوري بذراعيها محاولة تهدئتها وقالت لها:
" أن رجال المجلس قضاة عادلون , فلا تخافي من حكمهم كما أن روم معروف ومحترم بين عشائر الغجر بحيث لن تؤثر فيه أتهامات لالا وأمثالها , بل ستنزل عليه بردا وسلاما , ولسوء الحظ أن روم قد أعلن أنه ولي أمرك , وحسب تقاليدنا يعتبر هو المسؤول عن تصرفاتك , ولا بد سيقدر المجلس العبء الذي أخذه على عاتقه".
وكان لكلمات كوري التي قالتها بثقة وأيمان وقع حسن في نفس مارييل التي توقفت عن البكاء وقالت لكوري:
" أرجو أن تكوني على حق في تأكيداتك , فحتى لو جاء حكم المحكمة هينا فهل سيصفح روم عني؟".
وطافت أبتسامة على فم كوري عندما قامت لتنصرف وقالت:
" أذا كان شعوره مثل شعورك فلن يكون عفوه مشكلة على الأطلاق ".
منتدى ليلاس
فرددت مارييل كلامها بدهشة قائلة:
".........شعوره مثل شعوري؟".
مشت كوري نحو الباب وقالت تداعبها :
" طبعا .....لا بد أنك تحبين ذلك الذي يسبب لك الغضب , كما يسبب لك البكاء ".
وأجتمع مجلس القبيلة القضائي بعد ظهر اليوم التالي , مبتعدا عن جموع الغجر الذين عبروا أميالا كثيرة لحل مشاكلهم , وزادت رهبة الموقف عندما أتخذ القضاة أماكنهم في نصف دائرة وعقدوا جلستهم بوقار لكن بلا خيلاء , وأنتظرت مارييل وروم حتى يأتي دور قضيتهم في جدول أعمال المجلس , وكانت هناك عدة شكاوى مقدمة للنظر فيها قبل قضيتها , وقد أجل المجلس بعضهما بينما بت في الأخرى بطريقة أرضت أصحابها , وبعد ساعة كاملة من عذاب لا يحتمل , سمعت أسمها ينادى عليه , ومن لهفتها بدأت تتقدم نحو أعضاء المجلس ألا أن روم أمسكها من ذراعها مشيرا بحركة من رأسه ألى أن لالا ماثلة أمام القضاة , وقد أخذت تعرض قضيتها بطلاقة فائقة وهي ترمي أعضاء المجلس بسهام لحظها الفتاك معبرة عن تهور روم ومعارضته له في فرض فتاة أجنبية ذات تأثير سيء على أفراد القبيلة , أخذ قلب مارييل يدق بشدة عندما شعرت أن توسلات لالا قد لاقت عطفا من مستمعيها.
ولم تجرؤ مارييل على النظر ألى روم , فمنذ سمعت تعليق كوري , أصبحت أية كلمة عادية أو أية حركة تصدر منها تعطيها شعورا بالخجل , يحوّل كل أتصال بينهما ألى سكون مطبق , ترى ماذا كانت كوري تعني بكلامها؟ هذا هو ما دار في خلدها وهي تسمع صوت لالا , لقد أغضبها روم مرارا في مناسبات عدة , أما أن يكون السبب في دموعها فهذا ما لم تصدقه أبدا .وقطع عليها روم أفكارها قائلا:
" أنهم ينتظرون و وأنت تختارين أحرج الأوقات للأسترسال في أحلام اليقظة التي تنتابك أحيانا".
ودهشت لكلماته وأصطبغت وجنتاها باللون الأحمر ,وعندما سارت خلفه وهي تتعثر في خطاها عبر المسافة المغطاة بالأعشاب بدا لها أعضاء المحكمة وكأنهم شرسون مثل حد السيف.

نيو فراولة 21-09-10 04:50 PM

وواجه روم القضاة بكبرياء وشمم وهو يبدي أستياءه من الأجراءات التي يتخذها المجلس , وعندما أخذ أعضاؤه الصامتون ينظرون ألى مارييل بنظرات فاحصة , أقتربت من روم طلبا للحماية من العداء الذي شعرت به من جميع المحيطين بها ووجّه أكبر أعضاء المحكمة سنا كلامه ألى روم قائلا:
" لقد سمعنا من مجلس قبيلتكم السبب الذي دعى لقبولكم الفتاة معكم ونحن موافقون على قرارهم".
فتنفست مارييل الصعداء , ألا أنها دهشت عندما أستأنف كلامه قائلا :
" أننا جميعا ندين للرفيقة صوفي بالولاء ولا يمكن أغفال أي طلب تقتقدم به , ولكن علينا في الوقت نفسه مراعاة صالح القبيلة , لذلك يجب , قبل أن نصدر حكمنا يا روم أن نتأكد من أنه لن يسمح أطلاقا للفتاة التي تحت رعايتك بأن تفلت من رقلبتك ثانية ".
وسعل روم قبل أن يجيب ألا أن مارييل أوقفته , فبعينين رماديتين كلها جدية , نظرت ألى هيئة المحكمة وقالت لهم مؤكدة موقفها :
"أعدكم ألا أفعل شيئا بعد الآن وأن أطيع أي أمر يصدر ألي بشرط أن.......".
غير أن روم نهرها بعنف وأسكتها , أخرس كلماتها على لسانها , وبدهشة حملقت في وجهه الغاضب وأخذت تشك في نفسها خشية أن تكون قد أقترفت ذنبا جديدا , وسمعت همهمة من الغجر أكدت مخاوفها حتى قبل أن يقول لها روم من بين أسنانه المطبقة من الغيظ :
" لا يوجه الكلام المباشر للمحكمة ألا عن طريق الرجال , وأذا أرادت أمرأة الكلام يجب أن يكون ذلك عن طريق وسيط".
منتدى ليلاس
فهالها ضخامة جريمتها وقالت بخوف :
" أنني آسفة.......... لقد فكرت .......".
فقاطعها روم قائلا:
" لا تفكري ولا تتكلمي ولا حتى تتحركي ".
وشعرت مارييل بالمهانة وهي تقف ساكنة لتستمع أليه وهو يعتذر نيابة عنها , وبجهد جهيد , وبعينين مسبلتين , بدت ذليلة بحيث هدأت من روع القضاة , ووجه روم كلامه للمحكمة .
" أنني أطلب سماحكم بالنسبة لتصرفات الفتاة التي تحت وصايتي , فهي ألى جانب جهلها بعاداتنا , عنيدة وتعتد بما تعتبره تصرفا متحررا".
فذهلت المحكمة لفكرة تطلع المرأة ألى الحرية , وأغتاظت مارييل عندما تبددت دهشتهم وبانت على شفاههم أبتسامات التعجب والأستهزاء , وشعرت أن نظرات الأأستهجان لن تحيدها عن الدفاع عن موقفها ....... وكادت فعلا أن تتكلم لو لم يلحظ روم وجهها المتجهم ويقرر أن يتدخل في الأمر , مد يده وضغط بها على ذراعها مسببا لها ألاما مبرحة جعلت الدموع تطفر ألى عينيها , لكنه أرغمها على الطاعة بتصرفه هذا , ولم يترك ذراعها ألا بعد أن هزت رأسها علامة على الأستسلام .
وبدون أنتباه ألى تضارب أرادة كل من مارييل وروم , أخذ المحلفون في التشاور وهم ينظرون حولهم من آن لأخر كما لو كانوا يستلهمون الأطمئنان ألى قرارهم , وكان روم يرقب مارييل بأبتسامة على فمه وهما في أنتظار حكم المحكمة , ولاحظت مارييل أن روم كان يشعر في تلك اللحظة بأرتياح لم يشعر به طيلة اليوم , وأستشفت من ذلك أن الأمور تسير سيرا حسنا , وحمدت الله أنه لن يضطر ألى تقديم أية تضحية بسبب تصرفها كما كان يتوقع , وبعد كثير من المداولة وتبادل الآراء الهامسة رفع أكبر القضاة سنا رأسه , وشعرت مارييل بتوتر أعصاب روم والرجل ينظر أليه مليا , ولسبب لم تفهمه , أحست بأن الرجل الكهل كان متعاطفا مع روم عندما قال موجها كلامه أليه .
" يوجد تصرف واحد يبدد شكوك أفراد قبيلتك في قدرتك السيطرة على هذه المرأة , فهل تقبل الموافقة على هذا التصرف؟".

نيو فراولة 21-09-10 05:07 PM


ولم يحرك روم ساكنا ألا أن أضطراب تنفسه كان دليلا على خوفه , ولفترة وجيزة جال بعينيه في وجه مارييل الذي علته الدهشة وخرج الرد متعثرا من بين شفتيه :
" نعم أوافق".
وساد الهرج بين جموع الناس مثلما يعصف الريح بأشجا الغابة , ولكن أحدا لم ينطق حرفا .
" الفتاة ..... هل توافق على ذلك؟".
وأتجهت الأنظار نحو مارييل وهي تحاول أن تفهم معنى السؤال الغامض , ترى ما هو الشيء الذي يطلبون موافقتها عليه ؟ وأقترب الناس منها وهم يتوقون ألى سماع ردها , وأتضح لها أن هناك قرارا يجب أن تتخذه , وقد فرض عليها فرضا , ولم تعرف الشيء الذي تتعهد بأن تلتزم به , لكنها شعرت بواجبها نحو روم , فأذا كانت هي السبب في المأزق الذي وضعته فيه , وأذا كانت تريد أن تساعده فليس أمامها ألا أن تتبعه , لذا قالت موجهة كلماتها للهواء أحتراما ( لبروتوكول) عدم توجيه كلام المرأة ألى المحكمة مباشرة:
" نعم أوافق".
وفجأة شعرت كأن السماء قد أنشقت من أثر هدير الهتاف الذي خرج من حناجر مئات الواقفين حولها.
منتدى ليلاس
ومنذ تلك اللحظة لم تفهم مارييل شيئا مما حدث حولها , أحست بأنها جزء من تمثيلية صامتة , حركة كثيرة ولكن كلمات قليلة , وأصطف نصف أعضاء المحكمة بجوارها , بينما أنضم الباقون ألى روم , ثم بدأت عملية المقايضة , قدم مؤيدو روم العملات الذهبية التي رفضها مؤيدوها بأزدراء , وأعيد تقديم مزيد من العملات التي قبلها فريقها لكنه عاد وردها بأعتبارها غير كافية , ودار الجدل حول المبلغ المقدم , وهل يليق بها , وهي محاطة بمؤيديها , تحاول أن تلفت نظر روم أليها , لكنه أما كان منهمكا في اللعبة التي تدور حولها , أو كان يتعمد عدم النظر أليها .
وأخيرا أنتهت المقايضة وقدم أحد الحاضرين زجاجة من الشراب المعتق ألى روم , الذي شرب منها بنهم حتى نصفها , وعندما أقترب من ماريل شعرت بشيء من الخوف , ألا أن يديه كانتا حانيتين عندما قدم لها الزجاجة , وأفهمها أن عليها أن تشرب هي أيضا , وعندما أنساب الشراب في حلقها سعلت ثم شعرت كأن نارا تحرق كل شريان فيها وتملؤها بوهج ساخن , وفجأة هتف الجمهور و وأنحنى روم ورفعها بين ذراعيه , وتملكتها الدهشة لسرعة تصرفه , ألا أن تأثير الشراب منعها من المقاومة عندما تقدم بها ألى باب عربتها يتبعهما جموع الغجر وهم يغنون , وعندما دفع الباب بقدمه ودخل العربة لم تحتج , ولكن عندما خرج الجمهور الضاحك وتركهما بمفردهما في فراغ من السكون بدأت تساورها الشكوك والمخاوف.
وأنزلها روم على السرير , وعندما بقي معها بدلا من أن ينصرف , وأخذ ينظر أليها بدأت ترتعد , لكنه ضحك منها بلا رحمة ثم مد يده ليداعب كتفها العاري الذي كشف أنحسار البلوزة عنه , وأبتعدت عنه غير مرحبة بمداعبته , بينما أخذ الدم يتجمد في عروقها , وتوسلت أليه قائلة:
" أرجوك أن تنصرف ".
" ماذا ؟ وأخيّب ظن جميع أصدقائي فينا؟".
" تخيّب ظنّهم ......؟ أنني لا أفهم شيئا مما تقوله.........".
فأقترب منها أكثر وقال متمتما:
" لا...... بالطبع لا ....... كيف تستطيعين أن تفهمي؟".
ثم تابع ساخرا بعينين متقدتين كالفحم المشتعل:
" لقد أشتركنا لتونا في عرس على الطريقة الغجرية ...... فأليك يا زوجتي , زوجك الجديد.........".

نيو فراولة 21-09-10 05:09 PM

5- أختطاف العروس!

كانت مارييل تحملق في روم , بعينين شرستين لا تصدقان شيئا , عندما دخلت كوري الى العربة وهي تحمل ثوبا ما الساتان الأبيض ودفعت بروم نحو الباب وهي تداعبه قائلة:
"أفهم سبب تلهفك , لكنك تعلم أن العروس دائما تتمنع , ويجب أن تصبر وتناضل لتأسرها".
وبعد أن حياهما روم مستسلما وخرج , ألتفتت كوري الى وجه مارييل الشاحب وعينيها الخائفتين وسحبتها من السرير لتوقفها على قدميها قائلة لها:
" من الأفضل أن يبدو عليك الخوف , وتكفي أفراد القبيلة نظرة واحدة اليك ليعرفوا أنك عذراء تهاب زوجها الجديد.
".
زوجها! لقد وخزت الكلمة كيانها وحواسها وأعادتها الى صوابها , لكنها أستدارت بحدة نحو كوري قائلة:
" أنه ليس زوجي , خدعوني وجعلوني أشترك في تمثيلية لا تحصني ولا تعني لي شيئا ولست ملتزمة بها".
" ولكنك وافقت عليها وقد سمعتك بأذني".
قالت ذلك كوري مترددة وقد بان عليها الغضب.
" أن السؤال لم يحدد لي , ولم أعرف الشيء الذي وافقت عليه ,فكيف لي أن أتنبأ أن المقصود هو الزواج , في حين أنني لم أتلق طلبا للزواج أو حتى أهتماما من الرجل المشترك معي في هذا الموضوع؟ فالموقف أذا أتفه من أن يستحق البحث والجدال".
وتوقعت مارييل من كوري أن تجادلها أو تطلب منها الألتزام بحكم المحكمة , لكنها لم تفعل شيئا من ذلك , وسرعان ما قالت محاولة أن تهدىء من ثورة مارييل:
" نحن نساء الغجر لا يحاول أزواجنا مغازلتنا وكسب ودنا ألا بعد الزواج ,ولا يحق للرجل أن يتقدم مباشرة لطلب يد الفتاة التي أختارها , بل عليه أن ينتظر حتى تتفق أسرته وأسرتها على مبلغ معين يدفع مقابل الزواج , لذلك أضطرت المحكمة أن تتدخل في حالتكما , بما أنه ليس لروم ولا لك أسرة أو أقارب يقررون مصيركما , أنقسم أعضاء المحكمة الى فريقين , أحدهما يحدد ثمن العروس والآخر يحاول أن يخفض الثمن , وقد دفع فيك ثمنا غاليا بالرغم من أنك عنيدة , فأن روم مدين لك بمبلغ كبير لكسب ودك".
منتدى ليلاس
وسألتها مارييل بمهانة:
" أتعنين أنهم أشتروني؟ وهل تتوقعين أن أعتبر تبادل العملات والمشاركة في شرب زجاجة شراب أجراءا قانونيا ملزما للزواج؟".
ومالت برأسها في كبرياء وأستطردت تقول:
" أنني فتاة غريبة متعلمة يا كوري , وعندما أتزوج سيكون ذلك من رجل يحترم أحتياجاتي الفكرية والجسمانية , وبالتأكيد لن أقبل أن أباع مثل السلعة التي تعرض للبيع في المحال التجارية ".
فهزت كوري كتفيها وأنزلق منها الثوب الحريري الذي كانت تحمله الى الأرض .
" فات أوان الأعتراض , فأن الجزء الأهم من الزواج قد تم فعلا , فأنت الآن ملك لزوجك ولسانه يتكلم بأسمكما , وتصرفاتك محسوبة عليه , فلا تحاولي أن تتخطي حدودك , غضب الزوج الغجري لسوء تصرفات زوجته يجب أن يظهره للجميع حتى يحتفظ بأحترامه في أعين قبيلته , لذا فأن مبادئك الغريبة لن تجدي في مواجهة يد الزوج الغاضب".
فضحكت مارييل بأستخفاف , وقالت وهي تعلم أن في أستطاعته أيذاءها.
" أنه لا يجرؤ على ذلك".
وعندما أخذت تراقب كوري وهي تحاول فرد ثوب الزفاف الذي ألتقطته من الأرض , كان ذهنها يحاول أستيعاب المأزق الذي لا تصدق أنها وقعت فيه , فبالنسبة للغجر أصبحت الآن زوجة لأحد قادتهم , أي لشخص لا يتوقع الناس منه أية أخطاء , وبدون قصد أفلتت منها تنهيدة عندما تذكرت فجأة مظاهر الضجر التي ظهرت على روم عندما سمع حكم امحكمة , فبينما كانت هي تخشى أن ينال عقابل تجهله , كان هو يتوقع , وهو على حق , أن النتيجة ستكون ربطهما برباط الزوجية , ولكن ما هو موقف صوفي التي جاء أسمها جون أن تتوقعه على ألسنة الغجر؟ ولم يستطع أحد ,ولا حتى كوري , أن يناقش معها سبب الولاء الذي يدينون به لخالتها , لكن أتضح لها أنها محبوبة منهم جميعا , حتى أن روم فضّل أن يتحمل التضحية بالزواج من أمرأة يحتقرها على أن يضر بسيدة يحبها , عندئذ أرتعدت من هول الموقف , وبهدوء توصلت الى قرار, أن وجودها لم يجلب ألا المشاكل لخالتها ولروم ولقبيلة الغجر بأكملها , لذا شعرت أن من واجبها الأبتعاد عنهم والعودة بطريقتها الخاصة الى أنكلترا قبل أن تتورط أكثر من ذلك في حياتهم.
كانت أستعدادات الزفاف على أشدها عندما سمعت طرقا على باب العربة ولم تهتم مارييل بالتقدم لفتحه , فقد ظلت طيلة بعد الظهر بمفردها تخطط لهربها , ثم تعود وتستبعد الخطط من ذهنها المتعب لصعوبة تنفيذها , فلم تكن لديها نقود , كما لم تكن لها وسيلة أنتقال , الى جانب أن الملابس التي ترتديها ستلفت اليها الأنظار حتى في مدينة مزدحمة بالناس , وكان رأسها يعج بالأفكار عندما سمعت الطرق على الباب للمرة الثانية , وبتثاقل جرّت قدميها وتعثرت في مشيتها نحو الباب , وفجأة تذكرت أن كوري وروم لا يهتمان بالطرق على بابها عند دخولهما , لذا هيأت نفسها لأن يكون الطارق غريبا عنها , وعندما رأته شهقت من المفاجأة وقالت:
" كاليا!".

نيو فراولة 21-09-10 05:11 PM

ودهشت مارييل من جرأته على مخالفة تقاليد القبيلة بالمجيء الى بابها , ففي عرف القبيلة لا تجرؤ زوجة قائدهم على أستضافة شاب أعزب , لذا همست اليه قائلة وهي تنظر حولها في الظلام خشية أن يكون هناك من يتجسس عليها :
" أنصرف- أنصرف في هذه اللحظة , هل تسمعني؟".
وبخفة غزلان الغابة , أنس من ورائها وأغلق الباب خلفه , فقالت له بتوسل:

" هل جننت ؟ قد يرجع روم في أية لحظة".
فأبدى كاليا دهشته , أذ كان من قبيلة فقيرة متخلفة لم يحاول أفرادها رفع مستواهم مما تسبب عنه تربية أفرادها الجياع على مبدأ الغش والدهاء الذي يظهرونه في قالب من المداهنة الماكرة والكلام المعسول , أخذ كاليا في ممارسة هذه الصفات معها فأضفى على صوته أهتماما مفتعلا بها , جعل قلبها الجريح يشعر نحوه بالشكر والتقدير ,وقال لها:
" كنت قلقا عليك , لالا تنشر أشاعات في المعسكر بأن زواجك من روم كان مصلحة فرضت عليك بسبب تصرفي , ولا أطيق أن أكون بغبائي قد دفعت بك الى أحضانرجل آخر , قولي لي يا زهرتي الجميلة أن لالا , كاذبة حتى أجعلها تدفع ثمن فعلتها".
وفعلا نجح قلقه عليها في تخفيف بعض الألم الذي كان يعصر قلبها فردت عليه بسعادة الطفل الضائع الذي يبحث عن مأوى في عالم كبير.
" لالا لم تكذب يا كاليا و ويجب أن أهرب من هنا , هل تساعدني ؟".
وطمأنها قائلا وهو يخفي فرحته بأنتصار خطته:
" سنهرب الليلة ,لدي خطة مضمونة , ألا أن توقيتها شديد الأهمية , أطلب منك أن تثقي بي وتنفذي تعليماتي بدون أسئلة".
أنتظر حتى أومأت برأسها موافقة , وقال لها شارحا خطته بسرعة :
" أشتركي في أحتفالات الزفاف , وتظاهري بأنك عروس سعيدة , وهكذا لن يشك أحد في شيء وسيكون لخطتي حظ أوفر في النجاح , وعندما يتقدم الليل وينهمك الجميع في المرح والشراب , سيطلب الحاضرون من روم أن يقوم بطقو العرس , وحينئذ سأقوم أنا بدوري وسنكون على بعد أميال قبل أن ينتبه الغافلون ويعدّوا جيادهم للحاق بنا".
منتدى ليلاس
وداخل مارييل الشك عندما بدت على فمه أبتسامة فيها دهاء وخبث , لاحظ كاليا ترددها فقال لها:
"أما هذه الليلة أولا ...... ولا داعي لأن أذكرك أن غدا ستكون الفرصة قد فاتت....".
وبدا عليه الرضى عندما عاد اللون الى وجهها مؤكدا له فهمها للموقف , أستعد للأنصراف وقال عندما وصل للباب:
" أبذلي قصارى جهدك ,وتظاهري بالمرح أتجاه روم , فالأسد الشبعان سيستخدم طاقته في الهدير , لذا أحرصي على أن تظل مخالبه حلوة كالعسل! ".
وسرعان ما أنبعثت في الجو رائحة الطعام اللذيذ الذي كانت النساء منهمكات في طهوه , فكان الدجاج والأوز يكتسب لونا محمرا وقد عطر بالزعتر والتوابل ,ووضع بداخله حشو من التفاح والزبيب , ووضعت أكوام البصل والبطاطا المحمرة ززرق الكرنب المسلوق والمحشو باللحم المفروم والأرز المتبل , وكلها معدة لتقدم مع قطع اللحم الكبيرة المحمرة والمتبلة باليانسون , وكانت الموائد ممدودة وعليها صحون كبيرة مملؤة بالخس والبندورة والخيار والملح , واللوبيا المخلوطة بالفلفل الأحمر , وصحون من سلطة البطاطا وقطع الجبن , أما الخبز والزبد فقد وضعا في أكوام متراصة كلها معدة لأشباع شهية الناس الذين كانوا يشحذونها بالشراب.
وحسب التقاليد التي شرحها لها روم , لا يأكل العروسان حتى يتم تقديم الطعام للضيوف , وعملا بهذه التقاليد عاونته مارييل في تقديم الطعام للمدعوين , فكانت تطوف برشاقة بثوب زفافها الأبيض الذي كان يبدو في ضوء القمر وكأنه يذوب في نوره , ولم يترك روم مجلسها طيلة السهرة تقريبا , ورغم أنها كانت تعلم أنه يلازمها تمشيا مع التقاليد ألا أن تقاطيع وجهه شجعتها على أن تسأله:
" لماذا لم تستخدم الزهور في الحفل؟ فأن الموائد تنقصها هذه اللمسة الجمالية الأخيرة".
فأجابها بطريقة جعلت قلبها يسرع في دقاته:
" يرى الغجر أنه يجب ترك الزهور وشأنها كجزء من الطبيعة , كما أن الزهور المقطوفة رمز للموت , ألسنا نحتفل الآن بأستمرار الحياة ؟".
أستمرار الحياة؟ ولفترة كاد الأنفعال يتغلب عليها , لكنها سرعان ما ضغطت على نفسها حتى عادت لعالم الواقع , وكادت تتهمه بتلفيق هذه الأكذوبة الكبيرة , أكذوبة الزواج , عندما تذكرت تحذيرات كاليا لها وتذكرت رغبتها في الرحيل والأبتعاد عن روم وقبيلته.

نيو فراولة 21-09-10 05:13 PM

وأصبح من السهل كلما أرخى الليل سدوله أن تتلاقى نظرات روم بنظراتها من فوق رؤوس ضيوفهما المرحين , وكلما تباعدت نظراتهما كانت تبحث عنه من فوق رؤوس الحشد الذي يفصلهما فتعود الى جانبه كما يعود الحمام الذي يلجأ لعشه ,وأخيرا , وبالرغم من مطالبة الناس ببقائهم معهم , وضع ذراعه على كتفيها وجذبها الى جانيه , بحركة تملّك هزت أيمانها الراسخ بحريةالمرأة , وبينما كانا يرقصان ويضحكان يأكلان معا كانت تنتظر حتى تهدأ مشاعرها , ولكن لمساته ظلت تثير أعصابها , كما شعرت أن صوته الهادىء الخافت يبدو في أذنها كأنغام القيثارة.
كان يحتضنها بقوة أثناء الرقص , وكانت الموسيقة تنسجم مع مزاجه الذي تحول فجأة الى عاطفة متأججة , وفي خلفية المكان وبينما كانت تنساب الى آذانهما أنغام حالمة من كمان بعيد , أقتربت شفتا روم من أذنها قبل أن تستقرا برفق على خدها المتورد وقال لها ضاحكا:
" جلدك مثل الخوخة , ترى ماذا تفعلين لو خطر لي أن أعضك؟".
وضم جسمها المرتعش اليه بقوة وضحك بحنان عندما دفنت وجهها في كتفه , وأخذا يتمايلان في ضوء القمر , ويقدمان للمتفرجين من الغجر صورة جميلة لعريس وسيم مبتسم غارق في سحر جمال عروسه الشابة الخجول.
نسيت مارييل خطة كاليا وهي تستسلم تماما لعواطف روم , فأسندت رأسها على نبض قلبه الذي يدق بثبات وثقة , وأنتابها شعور جارف جعلها تؤمن بأنها ستعيش سعيدة الى الأبد بين هلتين الذراعين اللتين تحتضناها بحنان زائد , كانت تحت سحر تلك اللحظة السعيدة بحيث جاءت الصدمة عنيفة عندما أنتزعتها من بين أحضان روم أذرع قوية في مداعبة سخيفة أذ أندست بينهما جماعة من الصبية يضحكون وأبعدوهما عن بعضهما تماما , وعندما ألتف حولها الصبية في حلقة متماسكة الأيدي شعرت
منتدى ليلاسبحرمانها من روم , ثم تذكرت ما سبق أن قالته كوري لروم من أن عليه أن يناضل لينال عروسه .....فبالرغم من أتمام مراسم الزواج ودفع ثمن العروس والأحتفال بالرباط المقدس بينهما ألا أن على العريس أن يناضل من أجل أستسلام عروسه له.
وفي بداية المناوشات التمهيدية المرحة , أنتظرت مارييل وقد أنعكس وهج المعسكر عليها وأظهر جمال قوامها الممشوق , وفي تلك اللحظة القصيرة بحثت عيناها عن روم ووجدته يبعث لها بأبتسامة حلوة وفي الحال أخذ قلبها يغني رغم تحملها لدفع الصبية لها وجذبها.
وكلما أزدادت محاولات الأبعاد زاد الهرج , وفي ظلام الليل لم يعد في أستطاعة أحد التعرف على غيره ,لكنها شعرت بأن أنكماش حلقة أعوانها حولها أكثر فأكثر معناه تغلب فريق روم عليهم , وزاد الحماس لدرجة أنها لم تستطع حبس صيحتها عندما خرجت يدان من الظلام تبحثان عنها , وكان الصوت الذي وصل الى أذنيها جادا وهو يقول :
" أتبعيني بسرع وأجري بأقصى ما عندك".
لكنها حاولت الأفلات منه وهي تقول:
" كلا يا كاليا .,.......لقد غيرت رأيي ولا أريد الرحيل ".
ورغم أنها لم تستطع رؤية وجهه ألا أن غضبه ظهر في أشتداد قبضة يده عليها , ومع ذلك صمم قائلا قبل أن تنزل يده على رأسها لتلقي بها أرضا وسط الألم والظلام ".
" بل يجب أن ترحلي ؟".
وساعدت برودة هواء الليل على أعادتها لرشدها وأخراجها من هوة الألم التي سقطت فيها لتواجه كابوسا آخرا ,وأدركت مارييل أن أية محاولة للكلام بصوت يعلو على صوت العنان ووقع الحوافر لن تأتي بنتيجة : تشبثت بجانب العربة وقد تغلب عليها ألم آخر أقوى من ألم رأسها النابض وهو حسرة قلبها وقد أخذت أضواء المعسكر بناره الموقدة تتباعد تدريجيا حتى أختفت تماما.

نيو فراولة 21-09-10 05:14 PM

ورغم أن عينيها لم تدمعا , ألا أن العبرات خنقتها بينما أخذ كاليا يضرب الحصان ويدفعه بلا رحمة , وعندما أصطبغت سماء الليل باللون البرتقالي الذي ينبيء ببزوغ الشمس أنحرف عن الطريق العام ودخل مساحة بالأشجار حيث أوقف الحصان وقال لمارييل آمرا :
" أنزلي ......توجد مؤن في العربة , لكننا لا نستطيع أن نكشف عن مكاننا بأيقاد النار , سنكتفي بأكل الخبز واللحم البارد".
فنظرت اليه مليا قبل أن تجيب ببرود:
" أذا كنت في حاجة الى طعام , أعده لنفسك , قلت لك أنني غيرت رأيي وأنني أريد البقاء حيث كنت , ومع ذلك ضربتني ".
وبدون وعي مرت بأناملها على الجزء المؤلم في رأسها وقد أستعادت في ذهنها اللحظات المخيفة المذهلة التي مرت بها , لم يسبق أن ضربها أحد حتى في طفولتها ,وكانت هذه المعاملة الوحشية التي تعرضت لها من ذلك الرجل أكثر مما تحتملها.
وفتح كاليا فمه غاضبا مثل حيوان ثائر وأمسك بذراعها وسحبها من العربة وألقى بها أرضا ثم قال لها:
" أذا غيرت رأيك !".
وأستطرد يقول وهو يتشفى فيها بصورة جعلتها ترتعد:
" أنني أرثي لحالك , فأن خطتي لمساعدتك كانت أثمن مما تستحقين ,لكن روم بورو رجل غني بحيث يستطيع أن يدفع الثمن الذي سأطلبه منه لأسترداد عروسه سالمة".
وجال بنظره الصارم على وجهها ثم أضاف بحدة:
" بالطبع , أذا أتعبنا ورفض دفع المبلغ فلن أكون مسؤولا عن سلمتك".
منتدى ليلاس
ثم تظاهر بالرثاء لحالهاوهو يستمتع بخوفها وقال:
" لقبيلتي مثل يقولونه وهو : كلما كلن لون ثمرة التوت داكنا أكثر كلما كان طعمها أحلى , أن قوامك نحيل ولونك شاحب أكثر مما أحب , ولكن أذا لم يدفع روم فلا بد أن أرغم نفسي على.......".
وكان يعني ما يقول ........ فقد كان شريرا بدون رحمة , وهتف بها هاتف ألا تستهين بعبارته التي يشير بها الى قدرة روم على أن يدقع مقابل أعادتها اليه ,أن كاليا قد يرغمها وهو في حمأة غضبه على أن تدفع ثمنا غاليا لتشبع رغبته , لذا ألتزمت بالصمت وهي تتضرع الى الله أن يوحي اليها بالحل , وتساءلت كيف توقعت أن يراعي مثل هذا الغجري الشرس مشاعرها أو كبرياءها.
ضغطت مارييل على نفسها وأعدت له الطعام بينما أخذ يعنى بأمر الحصان , وكان عصبيا ومتيقظا لأي صوت يأتي من حوله حتى ولو كان وهميا ,وعيناه الزائفتان تفتشان بقلق بين الأشجار وكأنه يتوقع ظهور أحد في أية لحظة , ولكن عندما أمتد النهار بدأ يهدأ وقال لها أنه يعرف مخبأ يمكنهما الأختفاء فيه , ألا أنه بعيد عن مكانهما ولا يريد أن يجازف بالسير نهارا , لذا رأي أن يستقرا حيث هما حتى يأتي الليل قبل أن يستأنفا رحلتهما.
وكانت عينا مارييل مثقلتين بالتعب لكنها صممت على أن تظل مستيقظة أملا في أن يتغلب تعب كاليا , على مقاومته للنوم , ولاحظت وهما جالسان أن رأسه أخذ يسقط على صدره من شدة النعاس , وعندما تحولت أنفاسه الى شخير بدأت تتسلل مبتعدة عنه وهي تمشي بخطوات حذرة قصيرة نحو الأشجار المحيطة بالمكان , وكان تسللها بطيئا بحيث بدا لها الوقت وكأنه ساعات طويلة قد مرت قبل أن تصل الى بداية الغابة المحيطة بهما ,وشعرت بالدم ينبض في رأسها ويطغى على صوت شخير كاليا , وتوقفت برهة لتلتقط أنفاسها ثم بنظرة أخيرة نحوه هربت من خلال الأشجار التي تغطي المكان وجرت بأقصى سرعتها في أتجاه الطريق العام .
شعرت كأن رئتيها تحترقان من التعب وتجعل من تنفسها جحيما عندما وصلت الى حافة الغابة ونظرت الى الطريق , وكان وجهها ويداها دامية من الجروح وثوبها الحريري ممزقا ,ألا أن منظر الطريق رفع من معنوياتها وخفف من وقع خطاها وجدد قواها ومشت وهي تترنح , وشعرت مارييل بالأرتياح ونظرت حولها باحثة عن أثر لأية حياة لكنها لم تر شيئا يتحرك ولا حتى بارقة أمل في دخان يتصاعد من مدخنة منزل بعيد , وفجأة سمعت عن بعد خطوات غاضبة مسرعة نحوها من بين الأشجار وأطلقت شهقة , وبجهد جهيد أخذت تجري , ألا أن تقدم كاليا كان سريعا كما كان تعبها شديدا لدرجة أنها أرتاحت عندما قبض بشدة على كتفها , وأدارها لتواجهه وكأنها دمية لا أرادة لها ,ثم أغمي عليها قبل أن ينزل بيده على رأسها بضربة لو تمت , لقضت عليها نهائيا.

نيو فراولة 21-09-10 05:17 PM


6-عقاب الغجر


وعندما عادت الى رشدها كانت ممددة بين الأشجار , تحز في معصميها وكاحليها الحبال , بينما دست في فمها قطعة قماش خشنة عليها لثام ليثبتها في مكانها , أما كاليا فكان ممددا أمامها مباشرة تحت شجرة وقد علا شخيره دون أن يأبه بآلآم سجينته , وهي ملقتة تحت وهج الشمس في منتصف النهار.
وعندما أستيقظ من النوم كانت مارييل في حالة هذيان وأعياء شديدين من آلام الحبال المكبلة بها , وحرارة الشمس واللثم الخانق الذي على فمها , ولم يبد لها أية رحمة حين أنحنى ليحل القيود التي بدأت تؤلمها وكأنها قيود حديدية , وسألها متلمسا اللثام وهو يفكر , هل يرفعه أو يتركه.
" هل أفهم أنك مستعدة للطاعة الآن؟".
فأجابته من بين شفتيها المتورمتين وبعينيها المتوسلتين :
" نعم".
ولاحظت على فمه حركة أستهزاء بها , ألا أنه فك الحبال وتركها تدلك معصميها وكاحليها لتنشيط الدورة الدموية ,ومع ذلك لم تلمه أو تنهره حتى عندما قال:
" هذه مجرد عينة لما سيحدث أذا حاولت الهرب ثانية , فأن وجودك معي معناه الثروة في جيبي , وسيكون غضبي شديدا أذا كانت هناك محاولات أخرى تعرقل خططي , أنني أرثي لرغبتك في العودة لزوجك , وأرجو أن تكون لهفته عليك مماثلة للهفتك عليه".
منتدى ليلاس
وتردد صدى ضحكاته في أرجاء المكان ,بينما أخذ يبتعد عنها ليعدّ جواده , وحاولت جاهدة أن تكتم رغبتها الجامحة في الرد عليه بالأهانات التي يستخدمها والتي تضطرم على شفتيها.
وبقي على حلول الليل ساعتان قضتهما في أصلاح ما أفسدته القيود من مظهرها , فأغتسلت بالماء البارد لتساعد على تخفيف الورم من شفتيها وذراعيها , كما حاولت بأصابعها المبتلة , أصلاح شعرها المشعث وتركته أملس ملتصقا برأسها , أما ثوبها فكان مشكلتها الكبرى , فقد تمزق الى قطع مستطيلة تمتد من ركبتيها حتى الأرض , فبدأت في قطع الأجزاء الممزقة منه مراعية أن يكون ذيل الفستان متساويا بقدر الأمكان , وبعد أن رفعت من معنوياتها كأمرأة , عادت ثانية الى المكان الفسيح فوجدت كاليا قد ربط الحصان بالعربة ووقف ينتظر ووجهه متجهم , وبدون كلمة ركبت ماريل العربة وقد أفزعتها فرقعة السوط وهو يربط به ظهر الحصان ,وبقفزة فجائية كادت تلقي بها أرضا , تحركت العربة ثم توقفت فجأة وتراجع الحصان الى الوراء فاتحا خياشيمه وباسطا أذنيه دلالة على الخوف من شيء ظهر في طريقه , فأخذ كاليا يشتم وهبّ واقفا , وراح يشد العنان ليحث الحصان على التقدم ,ولم يستطع أن يرى شيئا في ظلام الليل , لذا كان جزعه كبيرا عندما سمع صوتا آتيا من جهة الأشجار وهو يأمره قائلا:
" أنزل يا كاليا , أنزل لتنال عقابك".
وخرجت من فم مارييل كلمة واحدة:
" روم!ّ".
وفي لحظة كان المكان يعجّ بعدد كبير من الغجر الذين خرجوا من بين الأشجار وقد تجهمت وجوههم وتحفزوا للأنتقام وهم يطالبون بأقرارالعدل وأنزال الجزاء , وصاحت مارييل وأنسلت من جانب كاليا الذي سمّره الخوف في مكانه , وجرت نحو روم فدفعها خلفه لتنضم الى مجموعة المتفرجين الذين كانوا ينتظرون بأنفاس محبوسة أول خطوة يتخذها قائدهم لينتقم من خصمه.
وأرخى الخوف قبضته على حبال كاليا الصوتية , فتمتم قائلا:
" لقد رجتني المرأة أن أساعدها , فهي تكرهك يا روم بورو حتى أنها عرضت عليّ رشوة لكي أعاونها على الهرب ,أن قبيلتي فقيرة وحاجتها شديدة الى المال فلا تلمني على فعلتي".
أما أحتجاجات مارييل على أتهامات كاليا وأدعاءاته فقد أخمدتها همهمة الرثاء التي تصاعدت من الغجر المحيطين بها , وظل روم الوحيد الذي لم يتأثر ولم تظهر عيناه أية دلالة على اللين , بل تجاهل توسلات كاليا وكرر أوامره :
" أنزل يا كاليا وأحضر سوطك معك ".
وردد الرجال بغضب وفي همس مخيف , عبارة واحدة هي : نزال بالسياط ! فتجمدت مارييل من الخوف وضغطت على نفسها لتشاهد نوعا آخر من الطقوس الهمجية , كان روم قد تحدّى الرجل الآخر , وأذا تراجع الآن , فأنه سيبدو للغجر وكأنه أرغم على قبول الأهانة بدون الرد عليها.

نيو فراولة 21-09-10 05:19 PM

وفي الحال تظاهر كاليا بأنه المغلوب على أمره فبتراخ أطاع أوامر روم , ومد يده الى سوطه الذي كان حتى الدقائق القليلة الماضية يلهب به ظهر حصانه , وتظاهر كاليا بالمذلة عندما نزل من العربة ,ألا أن روم لم يسمح لذهنه أن ينصرف عنه لحظة ,وبينما هو يعد قبضة سوطه أنهال كاليا بالضرب , وتلت ذلك شهقة هامسة تبعتها ضربة السوط وأمام عيني مارييل أرتفعت يد روم لتغطي خده الدامي الذي هوى عليه سوط كاليا , وأظهر الحاضرون أستنكارهم وأستياءهم لتصرف كاليا , لكن سرعان مت جاء رد فعل روم , فببطء فرد سوطه الجلدي الذي يشبه الثعبان , وركز نظره على وجه كاليا الماكر , ودار حوله بدهاء معبرا عن غضبه حتى أن مارييل شعرت برعدة خوف نيابة عن خصمه , وأبتعد الغجر المتفرجون , وتركوا مسافة كافية يتفادون بها وصول أطراف السياط اليهم , وكانت أنفاسهم هي الوحيدة المسموعة.
ومرة أخرى ضرب كاليا بسوطه ألا أن روم قفز الى الخلف وتفادى السوط وبغضب شديد بدأ روم يناقش غريمه , ويضطره الى تصويب ضربات طائشة أستطاع تفاديها , وبكبرياء شديدة دار حول كاليا الذي أخذ يتصبب عرقا ويتقهقر الى الوراء بحيث وضحت أهانته للجميع , وأخيرا أثارته نداءات الأستهزاء التي وجهها اليه الرجال فبصق كاليا نحو روم بأزدراء , قبل أن يتلوى من الألم الذي أحدثته ضربة سوط على فمه , فبحركة سريعة من الرسغ أنتقم روم منه.
وكادت مارييل أن تصاب بالغثيان عندما سقط كاليا عل الأرض وهو يمسك بفمه المقطوع بأصابعه الدامية , وتراجعت مترنحة ودموع الخجل تسيل على خديها , كانت حواسها منهارة حين قال لها روم:
" وفّري دموعك , فستحتاجين اليها فيما بعد لأثبات تهمتك , فأذا شعرت أن عقاب كاليا صارم فأحمدي الله أنك لم تتزوجي غجريا أصيلا , فأن العقاب الذي يوقعونه بالزوجة الخاطئة وحشي لكنه رادع جدا".
وأستدارت ببطء لتواجه روم وقالت هامسة:
" ماذا سيفعلون بي؟".
منتدى ليلاس
" أنهم سيتفرجون فقط بينما أعاقبك , وأنا على أستعداد للتنازل عن هذه الطقوس , لولا أنهم يتوقعون مني بأعتباري قائدهم خيانة زوجتي بالطريقة التي تقبلها القبيلة ,وهي الطريقة الجسمانية ".
وبينما هي تحملق فيه بعينين زائغتين , أرتجف فمه متأثرا بألم عميق.
وبدا عليه ضيق لا يحتمل فجذبها وقال لها بمرارة:
" لماذا فعلت هذا ؟ لماذا؟ لم أكن في حاجة لأشرح لك أن طقوس الزواج لم تكن لها أهمية بالنسبة لي أو لك ,وأنها ليست ملزمة قانونيا أو أدبيا , بل هي مجرد نزوة أصدرتها المحكمة ويمكن نسيانها بمجرد سفرك".
وتأمل وجهها الشاحب وتمهّل عند عينيها اللتين يحيط بهما الكدمات , نظر الى فمها الذي لم تعد تستطيع السيطرة على أرتجافه وقال:
" ليس هناك ما يخيفك مني , فكل ما أريده هو أن أفي بوعودي لصوفي وأخرجك بسلام من هذه البلاد , ربما كان يتعين عليّ أن أطمئنك من هذه الناحية , لكنني أعتقدت أن دوافعي واضحة لا تحتاج لمزيد من التفسير".
وقالت مارييل بتردد وهي تحاول أن تسيطر على أعصابها :
"لست متأكدة مما تشير اليه , لكن أذا كان هو ما يدور بخلدي , فأسمح لي بالقول أن غرورك كبير , لقد طلبت من كاليا مساعدتي لأنني سئمت السفر مع قبيلة من المتوحشين الذين تقززني خيامهم".
ولم يكن روم بحاجة للتظاهر بالغضب عندما قاد العربة بسرعة طائشة الى داخل المعسكر , وكان الرجال الذين رافقوه في البحث عن كاليا قد عادوا قبله , ودلت نظرات النساء وشفاهن المطبقة على أن القصة التي وصلت الى المعسكر يدنّ مارييل و وأندمج روم في دور الزوج الغاضب , فقفز من العربة وأنتزع مارييل بقسوة من مقعدها وأوقفها على الأرض بعنف , شعرت بألم في فقرات ظهرها , وكظم غيظه عندما صاحت لالا من بين جموع الناس:
" أنها عنيدة يا روم بورو , فيا لعارك....... أذ بلوتنا بمخلوقة لا تستطيع ترويضها".

نيو فراولة 21-09-10 05:23 PM

وكانت مارييل منهكة لا تقوى على المجادلة والشجار , فقد غطت مخاوفها على ثقتها بأن غضب القبيلة لن يهدأ حتى تهان وتضرب علنا , وأشفقت على روم لأضطراره لمواجهة موقف يتطلب تصرفا كانت تعرف بغريزتها أنه كريه على نفسه , وأخذت ترقبه بهدوء ولكن بلهفة لترى نتيجة صراعه ضد ولائه لشيئين منقسمين , ما تنتظره قبيلته منه , وكراهيته المتأصلة للعدوان الجسدي على أمرأة , ولم يتوقع أحد غيرها أنه قرر أخيرا أتباع الحل الوسط فعندما مد يده ليمسكها من كتفيها ليهزها لتذعن لأرادته همس من بين شفتيه المطبقتين:
" تظاهري بالألم ...... أصرخي وصيحي وأفعلي أي شيء يرضي تعطشهم للأنتقام!".
لكنها لم تقو على ذلك وشعرت كأن حواسها مشلولة بسبب العذاب الذهني الذي عانت منه , ولما يئس من رفضها التعاون معه , عاد وهزها بعنف ثم ألقى بها بوحشية فوق كتفه وأخذ يخطو بها نحو العربة ,وحينئذ سمع صوت تبرم الحاضرين وهم يقولون:
" أن الحياة بين الأغراب جعلت قائدنا ضعيفا".
ورد بعضهم قائلا:
"لن يظل روم الى الأبد راضيا عن مشاركتنا حياتنا ,ويجب أن نستعد لليوم الذي يقرر فيه أن يعود نهائيا الى أهله وعشيرته".
وكانت تلرن في أذنه عبارات اللوم المشابهة , عندما خطا داخل العربة ودفع الباب ليغلقه بقدمه وقال لمارييل وهو ينزلها الى الأرض:
" أيتها الحمقاء الصغيرة , هل كان من اصعب عليك التمثيل لترضيهم؟ ألم تشعري بتعطشهم الى رؤية دموعك وسماع تضرعاتك وتوسلاتك أو أية دلائل أخرى على العذاب الذي يتوقعون أن تعاني منه الزوجة النادمة؟ لا شك كان في مقدورك أختلاق شيء أكثر أقناعا من نظرة القطة الخائفة التي بدت على وجهك".
منتدى ليلاس
وكان يقول ذلك ممسكا بذقنها بيد قلقة حتى أنعكس غضبه في العينين الرماديتين وأخيرا أرتجفت عندما قال لها آمرا:
" أنهم ينتظرون في الخارج , ويأملون أن تكون شكوكهم في غير محلها , وأن يكون قائدهم المختار قادرا على كبح جماح أمرأة متمردة".
ثم تابع كلامه بنعومة خطيرة:
" سواء تعا
ونت أم لم تتعاوني فأنني أنوي ألا أسبب شيئا من خيب
ة الأمل للقبيلة".
فحملقت مارييل فيه وتنبهت الى معنى خفي في كلماته ثم تراجعت وقد أنتابها الخوف لأول مرة , ليس من غضبه ولكن من الأبتسمة الغريبة التي بدت على فمه فأستعطفته بوجهها الشاحب:
"كلا ...... أرجوك , كلا".
لكنه تقدم منها ووجهه يعبر عن تصميم أثار الرعب في نفسها وهو يقول :
" بل نعم!".
ولم تسعفها حواسها المتجمدة من الخوف لترد على مطالبه الملحة , لقد أنتهى من التمثيل , فلم يكن تصرفه هذا من أجل أرضاء عروسه بل ليرضي رغبة أثترتها فيه وجعلته يود الأنتقام منها بأن يراها تتلوى وتطلب عفوه ورحمته.
لقد كانت الضربات في نظرها أهون من شفتيه اللتين حاولتا الأنتقام منها بطريقة أخرى , قتلت فيها القدرة الهائلة على الحب الذي كانت مستعدة لأن تقدمه له طواعية في وقت من الأوقات , وعندما أبتعد عنها ليتمتع بجمال كتفيها قاومته بكلمات غاضبة خرجت من حنجرة ضاقت بالأنفعالات ,وعندما دفن وجهه في رقبتها , ضحك متهكما مما أثار روح العدوان المكبوتة بفعل العاصفة العاطفية التي كانت قد تحلتها.
وأخيرا أبعدته عنها وصرخت صرخة عالية أخترقت جدران العربة وخرجت الى آذان جميع سكان المعسكر , وبغضب شديد أنشبت أظافرها في وجهه وركلته وداست على أصابع قدميه بكعب حذائها , وثار عليها وعاقبها بأن أمسك بذراعيها وضمها الى جنبيها مما تسبب في أختلال توازنهما وسقوطهما معا فوق صوان صغير تطايرت منه الصحون وكسرت على الأرض بصوت دوى في أرجاء العربة ,وبمجهود كبير أفلتت منه وتراجعت لآخر العربة وهي تقابله بعاصفة عاتية من الغضب , ألا أن روم كان مشغولا عنها بشيء آخر فقد أخذ ينزع قطع الصيني العالقة بملابسه ثم قال لها بهدوء:
" ستنطلي عليهم هذه الخدعة , فكل ما علينا الآن هو أن نلزم الهدوء ونترك الباقي لمستمعينا الذين سيتصورون أن المرأة المتمردة قد روّضت وأننا الآن في طور المصالحة".
ونزلت ذراعاها الى جانبيها وقد صبغ مضمون كلامه وجنتيها بحمرة الخجل والأذلال معا , وهي تلحظ على وجهه تعبيرا ينم عن تسليته بهذا الموقف.

نيو فراولة 21-09-10 05:25 PM

ولم يكن هناك بد من بقائه في العربة تلك الليلة أذ أن المبيت خارجها قد يثير الشكوك في أذهان رجاله , لذا فرد بطانيته على الأرض وتمدد عليها ,وبعد أن تمنى لها ليلة طيبة أستغرق في النوم , ولمدة ساعات طويلة ظلت مارييل مستيقظة في سريرها وهي في حالة حذر لا تصدق أنه قد عاد الى حالته الطبيعية , وبأمتداد الليل وأنتظام نفسه بعد أستغراقه في النوم و سمحت لأطرافها المتوترة بالأسترخاء رغم أستمرار تضارب الأفكار في ذهنها , ورفعت أصبعها لتتلمس شفتيها الساخنتين وكأنه قد تركهما توا , ذلك الموقف الذي خدرها لدرجة الأستسلام , جعلها تخوض حربين , واحدة ضده والأخرى ضد صوت داخلي دفعها الى الأنسياق لأغراء اللحظة , ترى ماذا ستكون النتيجة أذا أستمعت لذلك الصوت؟ هل كانت ستتعرض للصد؟ ثم أنتابتها نوبة من الخجل جعلتها تستسلم لنوم عميق.
وأستقبلت اليوم الجديد برائحة القهوة الطازجة وهي تنساب في أرجاء العربة , وكان روم قد حلق ذقنه وبدا عليه النشاط وهو ينحني عليها عندما فتحت عينيها وأبتسم لها قائلا:
" هل أفزعتك؟ أشربي هذا , فستساعد القهوة على أفاقتك , وأبعاد الأحلام عن عينيك".
وشربت القهوة بأرتياح وتقابلت أعينهما في جدية كالأطفال من فوق حافة الفنجان ثم قطب جبينه وأستدار قائلا:
" عندما تنتهين سأغير فراش السرير".
وقال مفسرا عبارته وقد بدا التساؤل في عينيها .
" هذاما يتوقعه الغجر مني ,وهي عادة أخرى غريبة يجب أن أتحملها".
ونظرت اليه مارييل بدهشة وقد حيرتها لهجة القلق البادية على صوته , ألا أن وجهه كان لا يعبر عن شيء , فأطاعت وشربت القهوة وغيرت ملابسها بعد أن أدار ظهره لها ثم جمعت الملاءات وأعطتها له , فقال لها بأدب ,وهو يحاول أن يتفادى نظراتها الحائرة:
" ربما تودين الأغتسال بينما أتولى أنا أمر الفراش".
وعندما شعرت أنه يريد التخلص منها حملت منشفتها وخرجت من العربة ,ثم عادت ثانية مدفوعة بفضول لم تستطع مقاومته ,وعندما وصلت الى العربة ,بدأت تسير بطء وهدوء ولم تفضح وقع أقدامها الصامتة أمر عودتها , كان روم قد وضع الملاءات على السرير وأنحنى عليها يحاول عبثا أن يسيل خطا من الدم فوقها من جرح في أصبعه وعندئذ نسيت مارييل حذرها وأندفعت اليه قائلة:
" أنك تنزف يا روم".
منتدى ليلاس
وأستدار اليها بغضب وأسقط في جيبه المطواة التي كان يمسكها وقال بأقتضاب:
" أنه لا شيء ..........مجرد جرح بسيط".
شعرت أنها كانت تتجسس عليه وهو ذنب لا يغتفر في أعين الغجر , لذا أستدارت وهي تحاول ألا تستجيب لرغبتها الطبيعيوة في تغيير الملاءة التي جفت عليها نقطة الدم , وعندما أتجهت نحو الباب سمعت صوتا من الخارج شل حركتها ,أنها لالا تصيح قائلة والحقد يخلل كلماتها:
" حضرنا لنرى فراش العرس يا روم بورو !".
وقالت شيئا بصوت خفيض أثار الضحك بين زملائها , وأستدارت مارييل بهدوء مطالبة بشرح لكلامها , ولم تتوقع أن ترى روم محرجا , فقد كان سيد المواقف كلها حتى تلك اللحظة , فبعد أن هز كتفيه بأستسلام ونظر اليها نظرة يائسة , رفع الملاءات الملوثة بالدم وخرج من العربة وأسقطها عند أقدام النساء , وفي الحال أمسكت لالا أحداها وفردتها في ضوء النهار وكانت هي الملاءة التي لوثها روم بدمه , وعندما رأتها لالا قطبت جبينها من الغيظ وبحقد بالغ قالت لمارييل :
" ليس غريبا أن تأخذ المرأة المشكوك في عذريتها حمامة معها في ليلة زفافها".
وعندما أستدارت لالا للأنصراف , بدأت مارييل تفهم مقصدها , وشعرت بمهانة أفقدتها القدرة على الكلام كما لم تستطع أن تواجه عيني روم , فرغم أنه حاول جاهدا أن يجنبها هذه الأهانة الأخيرة ألا أنها شعرت نحوه بكراهية ولامته على العار الذي نزل بها وجعلها لا تجرؤ على رفع عينيها الى هؤلاء الذين شاهدوا أهانتها.
ورغم حزنها فقد وجدت مارييل أنه من الصعب عليها في الأيام التالية أن تتجاهل التغيير الذي طرأ على تصرف نساء القبيلة أتجاهها , فقد غمرنها بالأحترام الواجب تقديمه الى عروس قائدهن , وحاولن بشتى الطرق أن يشعرنها بأنها أصبحت واحدة منهن , ومما طمأن مشاعرها أستعداد كل واحدة من نساء القديمة لتقديم الخدمات الصغيرة لها أو توجيه الدعوات لتناول الطعام مع أسرتها , أما أسم كاليا فلم يرد على لسان أحد ولكن قبيلته لم ترحل عند أنفضاض المؤتمر الذي عقد لمحاكمته ألا بعد أن حكمت المحكمة عليه وعلى قبيلته بأن يتجولوا الى الأبد في وحدة قاتلة , ألا أن الحادث تك شيئا واحدا في ذهن القبيلة وهو أنهم أطلقوا على مارييل أسم ( الأوزة المتوحشة ) أشارة الى أسطورة غجرية قديمة تقول أنه كان من المستحيل ترويض تلك الأوزة , ورغم أنها كانت تفلت من صاحبها ,ألا أنها كانت دائما تعود اليه!

نيو فراولة 21-09-10 05:26 PM

وبدأت القافلة تسير , تقربها بمرور الأيام من نقطة رحيلها عن روم , ألا أن أنكلترا ما زالت بعيدة , ورغم أنهم كانوا يسيرون في طريق غير مباشر تفاديا لأجراءات الأمن المفروضة ألا أنهم أضطروا لعبور حدود النمسا قبل التأكد من الوصول الى بر الأمان , وسألت مارييل روم قائلة:
" لماذا يعتبر السفر عن طريق تشيكوسلوفاكيا أسهل من السفر عبر ألمانيا الشرقية؟".
فمد قدميه بطريقة تدل على تبرمه بجمود حركته مدة طويلة , فقد هطل المطر طيلة اليوم وغمر الأرض بحيث لم يستطع أي غجري أن يبيت في العراء في تلك الليلة ,وهي فكرة شغلتها طيلة الساعات التي قضاها روم في دراسة الخرائط العديدة الممدودة أمامه ورسم خطة السير , وأخيرا أزاح الخرائط ووجه لها أهتمامه وقال :
" لدينا أصدقاء كثيرون في تشيكوسلوفاكيا , كما أن أجراءات الأمن هناك , ليست مشددة , فمثلا يوجد قليلون مثل سيرجي أيفانون ولذلك تفضل القبيلة الأبتعاد عن الخطر الموجود دائما".
وكان ذكر سيرجي أيقانوف كافيا لأزعاجها , فقامت مارييل وسارت نحو النافذة الصغيرة ووجدت أن المطر قد توقف ألا أن السماء كانت ملبدة بسحب أكسبها القمر جمالا ,وقفزت من الذعر عندما قال روم وهو واقف خلفها وصوته قريب منها بحيث شعرت أن في أستطاعتها لمسه أذا أرادت :
" كان يجب ألا أذكر أسمه أو أذكرك به".
منتدى ليلاس
ولقربه منها حركت أنفاسه خصلة من شعرها , وشجعه جمالها على تكرار الحركة وضحك عندما رآها ترتبك وتتورد وجنتاها خجلا , وفي تلك اللحظة رأيا نجما يهوي الى الأرض , ولتلفت نظره بعيدا عنها , أشارت الى النجم وقالت:
" أنظر! هذا نجم يهوي".
فأمرها بحدة قائلا وقد تحول من مزاح الى جدية :
" لا تفعلي هذا".
وعندما رأى تغيير تعبير وجهها قال شارحا :
" يعتقد الغجر أن كل نجم في السماء يمثل رجلا على الأرض , وأن أختفاء النجم معناه هروب لص , فأذا أشرنا اليه بأصبعنا فأن الرجل الذي يمثله ذلك النجم يقبض عليه , وقد خرج بعض رجال القبيلة الليلة ولم يعودوا بعد , والعادات كما تعلمين لا تندثر بسهولة , فبالرغم من أننا الآن في مركز يؤهلنا لشراء ما نحتاج اليه من طعام ألا أن البعض يصمم على الحصول على بعض مطالبنا بسرقتها ".
وأقترب منها بحيث كاد فمه أن يلامس خدها وقال:
" لا يرضي الرجل شيء أكثر من التغلب على نزوات المتمردين سواء كان غزالا شاردا أو أمرأة , فكلاهما يضيف لذة الى المطاردة ".
وشعرت بضعف عام ينتاب جسمها , فأن جاذبيته الطاغية كانت قوية بحيث كان دفاعها الوحيد هو السخرية , فتشبثت بها بنفس الذعر الذي ينتاب الغريق وأرادت أن تتحرر من سحر جاذبيته فقالت:
"وماذا عن صوفي ؟ وكيف يثير جمودها تعطشك للأثارة ؟ لا تقل لي أن مظهرها الهادىء يخفي وراءه سحرا خالصا".
وضحكت بأنطلاق على مفارقات شخصية خالتها لكنه لم يشاركها ضحكها بل أجابها بأستياء قائلا:
" أن خالتك سيدة نادرة , فكيف تتعجبين من حب كل رجل في المعسكر لها؟ فهي ساحرة لا مثيل لها , سيدة يسعد كل جل أن يموت من أجلها".
وتساءلت مارييل لماذا آلمتها أعترافاته الى هذا الحد رغم أنها أكدت فقط ما كانت تشك فيه ؟ وبينما كانت تجفف دموعا مفاجئة سمعا طرقا شديدا على الباب جعل روم يستدير اليه ويفتحه ليجد غجريا مضطربا واقفا يقول:
" البوليس! لقد ألقوا القبض على بعض الناس , لكنني هربت منهم أنهم يقتربون من هنا وسيصلون الى المعسكر في أية دقيقة".
وبسرعة لبس روم ستنرته وهو يشتم من الغيظ وقد سمع صراخ النساء الذي سبق وصول رجال البوليس
.

نيو فراولة 21-09-10 05:28 PM

ودفع الفضول مارييل الى الباب لترى ما حدث لكن روم كان قد ركله بقدمه عند خروجه بعد أن وضع معطفا حول كتفي مارييل وأعطى تعليماته الى الغجري الذي حمل اليها الخبر:
" عندما أنصرف أنتظر بضعة ثوان خذ زوجتي و أخفها فلن نجازف بعثورهم عليها هنا , فبالرغم من بعدنا عن وارسو , أراهن أن أوصافها قد وزعت على كل الدول المجاورة , أسرع وكن حذرا".
وأنصرف قبل أن تحتج مارييل تاركا أياها تحملق في الغجري الذي فاق أحترامه لقائدة خوفه مالبوليس , وأنتظر ثوان قليلة كما أمره ثم طلب منها أن تتبعه وسمعت مارييل أصوات نباح الكلاب مع صياح الأطفال وصراخ الأمهات الغاضبات وصفير رجال البوليس وثورة الغجر وهرج المعسكر , سمعت مارييل ذلك كله بينما كانت تخرج من العربة مع حارسها ويختبئان في الأحراش المحيطة بها .
ورغم أختفائهما ألا أنهما سمعا صوت روم وهو يهدىء من روع المعسكر حتى أصبح في الأمكان تمييز الأصوات المختلفة , وهدأ كذلك رجال الشرطة الذين كانوا يفتشون المعسكر بأضواء كشافاتهم بينما أخذ روم يكلم رئيسهم بأدب ولكن بكبرياء , قائلا لهم:
" أنني مستعد للأستماع لك أذا تفضلت وشرحت لي سبب تهجمكم علينا".
وأبتسم مارييل في الظلام عندما أحرج الضابط ورد بعصبية :
" فاجأنا أربعة رجال وهم يسرقون الدجاج وقد قبض الرجال على ثلاثة منهم , أما الرابع فقد هرب ونعتقد أنه أتجه نحو معسكركم ".
منتدى ليلاس
فقاطعه روم قائلا:
" لقد أنزعج الأطفال والنساء , وحتى الحيوانات حاولت الهرب من حظائرها لمجرد أنك تصورت أن لصا جرى في أتجاهنا , أنظر حولك , وقل لي أذا كنت تعتقد أن قبيلتي في حاجة الى تلك الدجاجات الهزيلة ".
وضحكت مارييل ولكن رفيقها أمسكها وهما يتصوران كيف حاولت النساء الذكيات أقناع الضابط بكلام روم بالكشف عن حليهن الذهبية من أساور وأقراط وعقود لا تستطيع أن تحلم بها زوجة ذلك الضابط في حياتها , وهكذا أقنع أهل المعسكر الضابط بخطئه بأسرع مما كانوا يتوقعون ,وعندما جاء رده مليئا بالأعتذار والشك , أستغرقت مارييل في الضحك عندما قال الضابط:
" لقد ضايقنا منذ أشهر غجر رعاع وأردنا أن نخمد نشاطهم , لكن يبدو أننا تسرعنا بعض الشيء معكم أنهم لا ينتمون الى قبيلتكم ".
فقال روم بصوت باسم:
" شكرا يا صديقي ! عندما أقابل رئيسك سأنقل له أعجابي بحكمتك وهي صفة أعتبرها هامة بالنسبة لشخص في موقع المسؤولية مثلك".
وكما كان متوقعا , تأثر الضابط ولبى دعوة روم ليشاركه زجاجة الشراب , بينما أستقبل رجاله بأرتياح حسن ضيافة القبيلة التي أعتبروها من عداد الأصدقاء , ولفترة طويلة ظلت مارييل قابعة في الظلام في أنتظار رحيل الضابط ورجاله , وبمض الوقت تحول أنتظارها الى قلق وكادت تبكي عندما سمعت الضابط يودع الحاضرين ويقود رجاله بعيدا عن المعسكر , وقالت ردا على صوت حارسها عندما رأى يظهر يظهر لهما من الظلام :
" حمدا لله!".
"حاولت أن أتخلص منه قبل ذلك لكنه كان مصمما على البقاء , أنتظري!".

نيو فراولة 21-09-10 05:38 PM

لكنها أتجهت نحوه وكادت تتعثر في خطاها فرفعها بين ذراعيه , وحملها ألى داخل العربة ووضعها على السرير وخلع حذاءها وأخذ يدلك قدميها بمنشفة خشنة ليساعد على سريان الدم في عروقها , وكانت ترتجف بشدة لدرجة أنه تركها لأعداد قهوة ساخنة بالسكر وسقاها أياها من بين أسنانها المصطكة , وأنسابت حرارة القهوة كالنار المذابة في عروقها وأعاد الدفء أليها .
وحينما أستأنف تدليك قدميها والمرور بأصابعه على آخر آثار قيود كاليا في قدميها سألته والنعاس يغلب عليها :
" ماذا سيحدث للرجال الذين تم القبض عليهم؟".
" سيوضعون في السجن".
" وهل سيتقبلون هذا العقاب كشيء يستحقونه !".
ولم يعجبها ما بدا عليه من ألم وهو يقول:
" ولماذا يتقبلونه ؟ أنهم لا يعتبرون سرقة الأشياء الضرورية جريمة , فمثلا جمع الأخشاب من الغابة يجب أن يكون مباحا للجميع , وترك المواشي لترعى في أرض الغير يجب ألا تعتبر مخافة طالما تنمو الحشائش فيها بدون مجهود من المالك! أن الجشع هو الذي يحول الأخذ ألى سرقة , وأذا كان كل الناس أمناء يحبون غيرهم مثل الغجر لما أصبح لدينا خوف من المجاعة أو التلوث أو الحرب".
ونظرت مارييل أليه وساءلت بينها وبين نفسها:
" هل الحكمة في السكوت أم في الكلام ؟".
منتدى ليلاس
ثم أستراحت عندما غابت النظرة الصارمة من عينيه وسمعته قائلا:
" لا بأس , سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه مدة عقوبتهم وسنتقابل معهم ثانية , لكنهم لن يفصحوا للبوليس عن علاقتهم بمعسكرنا , ولذلك تستطيعين أن تطمئني وتنعمي بالأمن والسلام".
وبادلته أبتسامته المشجعة التي وجّهها أليها , لكنها في قرارة نفسها لم تكن ترغب في الأمن , أما بالنسبة للسلام فقد تساءلت عما أذا كانت ستعرف ثانية المعنى الحقيقي لتلك الكلمة.

نيو فراولة 22-09-10 04:40 PM

7- حب أم كراهية؟

أحيانا كان الجنود في عربات الجيش يسرعون بجوار القافلة , وفي أول الأمر كانت ماريل تموت خوفا وهي تتصور نفسها وقد سحبها الجنود من العربة وأدخلوها السجن , لكن مخاوفها هدأت تدريجيا وهي تطمئن نفسها بأن سيرجي أيفانوف لا يعرف شيئا عن علاقتها بالغجر , كان روم معروفا بأختفائه المتكرر المعتاد من المجتمع , ومصادفة أختفاها من وارسو في الوقت نفسه مع أختفاء روم قد يحتاج ألى بعض الوقت حتى يصل ألى فهم سيرجي الذي يتصف بالقسوة وليس بالذكاء , وتضايقت كعادتها دائما عندما تفكر في ذلك الرجل الروسي وبدأت تراودها الشكوك والحيرة من جهة خالتها .
رفض روم أن يتكلم عن الأحداث التي أدّت ألى قرارها , ولكن كلما ذكر أسم الخالة لاح على جبينه عبوس ظاهر , وبان على فمه الغضب مما يدل على أنه هو الآخر كان قلقا على صوفي التي لولا مجهوداتها لصالح أبنة أختها لأضطرت أن تشرح الكثير لذلك الروسي ذي العيينين النفاذتين .
وبدا على روم كأنه يقرأ أفكارها , لذا أشار أليها أن تجلس بجانبه في المقعد الأمامي الذي يقود منه العربة , وبعد تردد أطاعته وهي تتساءل أذا كان سيصب عليها جام غضبه لخطأ أرتكبته ,أم سيسلط عليها مزيدا من جاذبيته , التي تؤثر في أعصابها أكثر من كلماته الصارمة.
وأشار ألى شيء بعيد , وعندما تابعت أشارته بعينيها رأت قصرا بعيدا وقال لها روم بأختصار شارحا ما رأته :
" هذا هو قصر براتيسلافا الذي يشرف على المدينة التي تحمل أسمه وسنذهب أليها الليلة".
ولم يفته ملاحظة البريق الذي بدا في عينيها , وعلق على ذلك قائلا:
" بالرغم من أنك لا تجرؤين على مقابلة أهل المدينة أو التحدث أليهم ألا أنك ستشعرين على الأقل بأنك قريبة من المثقفين الذين تتوقين لصحبتهم ".
منتدى ليلاس
وكانت مارييل قد نسيت محاولاتها اليائسة في أخفاء مشاعرها وراء تظاهرها بأحتقار عشيرته , لكن الواضح أنها لم تفلح في ذلك ".
فقالت :
" أنني لم أقصد شيئا يا روم".
غير أنه قرر الذهاب , فقال مقاطعا محاولاتها الأعتذار :
" سنذهب بمفردنا , فأن براتيسلافا هي آخر مدينة نمر عليها قبل أن نعبر الحدود وندخل النمسا , يجب أن نغتنم الفرصة لنعرف الأخبار , قد تكون هناك أخبار عن صوفي".
أذا سيدخلان المدينة خلسة ويعرضان نفسيهما لأعين البوليس الساهرة لأنه لا يستطيع الصبر على جهله بأخبار صوفي! برزت لها كل النقائص التي نسيتها وأستنتجتها مارييل غن خالتها .وهي أنانيتها وغيرتها وأستخفافها بالعلاقات الأسرية ,والأكثر من ذلك كله صداقتها الخائنة لسيرجي أيفانوف , ودفعت مشاعرها الدم ألى وجنتيها وأرتعدت يداها ومنعت نفسها من توجيه عبارات الأتهام التي أرادت بها أن ترفع الغشاوة عن عيني روم ليرى مساوىء خالتها فهي لا تستحقه بل تستحق من هي أفضل منها , لكنها لم تجرؤ على التصريح برأيها , فبالرغم من أضطرابها وغضبها فأنها شعرت بغريزتها أن من يسمعها تقول ذلك سيتهمها بالغيرة.
وكان قلبها يدق عندما أقتربت عربتهما من المدينة في ساعة متأخرة من تلك الليلة , أما بقية أفراد القبيلة فكانوا يتجهون نحو الحدود , تاركين وراءهم أشارات وعلامات ليلتقطها روم بعد الأنتهاء من مهمته في المدينة ويلحق بالقافلة في محطتها التالية , وكانت هناك نقطة تفتيش عند حدود المدينة , فعندما وصل بثقة وثبات ألى الحاجز الممدود عبرها , طلب الحارس الواقف عليها أن يرى أوراقهما , فأستجاب روم وجلس في هدوء وهو يصفر بينما أخذ الحارس الروسي يقلب صفحات البطاقة التي قدمها له روم , ولا بد أن مظهر مارييل الأشعث كان مقنعا للحارس , فقد كان لونها المسمر من الشمس وتنورتها الزاهية وبلوزتها المفتوحة تضفي عليها شكل الغجريات الأصيلات , أما شعرها الأشقر فكانت تغطيه تماما بعصبة سوداء , كما خبأت بأهدابها المسبلة عينيها الرماديتين اللتين لا يمكن أن تظهر فيهما جرأة الغجر أما روم المرتدي ملابس رجال الغجر كانت أسنانه البيضاء تلمع في أبتسامة كلها ثقة وجرأة وهو يقول للحارس :
" لا بد يا صديقي أنك رأيت جواز سفر دوليا قبل الآن!".
وقبل أن ينتظر جوابا أستطرد يقول وهو يتعمد شغل الرجل بكثرة كلامه:
" أنا وزوجتي من الغجر ويتيح لنا جواز السفر هذا , المرور في جميع بلاد أوروبا , ولا شك أن كل دولة لها نظامها الخاص , ففي فرنسا مثلا يطالبوننا بتسجيل أسمائنا في قسم البوليس كل أربع وعشرين ساعة , ومع ذلك ستجد هذه الأوراق سليمة , أما أذا كنت تشك في شيء , فنحن على أستعداد للأنتظار حتى ترجع في الأمر ألى رؤسائك".
وشعرت مارييل أن الدهشة بدت على الحارس لفترة وجيزة ثم قال :
" غجر! لا أفهم لماذا يسمحون لأمثالكما بالتجول في أوروبا! هيا مرا وحذار من تفوهكما بألفاظ بذيئة".
وأشار بيده ليرفع الحارس الحاجز عن طريقهما , وأندفع روم في طريقه في زوبعة من التراب الذي أثارته العربة والحصان.

snow whight 22-09-10 04:43 PM

تحفه تسلمى يا عسل على المجهود الرائع

نيو فراولة 23-09-10 08:02 PM

كانت شوارع المدينة هادئة لذا أحدثت عربتهما وهي تسير عليها دويا كبيرا , وحتى شاطىء النهر بأوناشه الساكنة المصطفة عليه ما يدل على أهمية هذا المرفأ الذي يصدر عنه يوميا أطنان عديدة من القمح والذرة والشمندر , وكلها تنمو في تربة خصبة عند وادي نهر الدانوب , وخاب ظن مارييل في الدانوب نفسه فلم يكن أزرق بل كان رماديا بلون التراب , ألا أن الشوارع التي أخترقاها كانت جذابة , وعندما رأي روم غبطة مارييل تمهل قليلا ليتيح لها فرصة مشاهدة كنيسة من طراز الباروك يرجع تاريخها ألى القرن الثامن عشر وتشرف على حديقة تتوسطها نافورة من الحديد .
وكان المنزل الذي سيقضيان فيه ليلتهما يقع في الحي الفقير المزدحم من المدينة , الحوانت مصطفة على ثلاثة جوانب من ميدان فهمت مارييل أنه يتحول في النهار ألى سوق , وفوق الحوانيت تقع مساكن أصحابها وأسرهم , وقاد روم العربة في شارع صغير ضيق يؤدي ألى ساحة واقعة خلف الحوانيت , ومن الساحة يصعد الدرج ألى المنازل , ورأيا رجلا طويلا يسرع نحوهما من أحد المنازل ويحييهما بلغة الغجر التي رد عليه روم بمثلها , ونظر الرجل الذي قدمه روم بأسم جان بيلسكي ألى مارييل وقال :
" أذا لم تكذب الأشاعات! فعلا تزوج صديقي القديم!".
وأبتسم الرجل عندما أرخت مارييل أهدابها من الخجل .
" لقد أنتظرنا طويلا هذه البشرى يا روم , ألا أن حسن أختيارك كان يستحق الأنتظار , هيا نشرب نخب الزواج".
وتقدمهما ألى مسكنه الذي بدا لهما لأول وهلة كأنه يعج بالأطفال , ولكن بكلمة منه تركوا لعبهم , وبعد أن سمح لهم بتحية الزائرين أنصرفوا بهدوء ألى فراشهم , وعندما صبت آنا , زوجة جان الجميلة ذات العينين الحزينتين , الشراب في الكؤوس دس جان عملة ذهبية في يد روم وشرب نخبه قائلا :
" هذا مبلغ بسيط أقدمه لك , لكنني أدعو الله أن يمنحكما الكثير!".
منتدى ليلاس
وأضافت الزوجة ألى كلماته عبارة بلغة الغجر المتعثرة كما لو كانت تتكلم لغة غريبة عنها , وسرعان ما ذاب خجل مارييل بفعل الشراب والجو العائلي وترحيب الزوجين لهما , وأنساب الحديث العذب بينهم ليضيف ألى لذة الطعام بأصنافه الشهية جوا حميما .
وكانت لمناظر المدينة فعل السحر في مارييل , جذبها منظر الصنابير , والمياه التي تجري في المواسير , وصوت الصحون وهي ترتطم بحافة الحوض ,وفهمت آنا مشاعرها الفطرية التي جعلتها تعرض أستعدادها لمساعدتها في غسل الصحون .
" طبعا أرحب بمساعدتك , فلنترك الرجلين يستعيدان ذكرياتهما بينما ننعم ننحن بالغسيل والكلام ما شئنا".
وأغلقت آنا باب المطبخ الصغير حتى لا يفسد صوت غسيل الصحون حديث الرجلين وحتى لا يسمعهما أحد .
وكانت نبرة صوت آنا يائسة عندما سألت مارييل أثناء الحديث قائلة :
" أرجو أن تفهمي تلهفي , فأن غبطتك الواضحة بما حولك يشجعني على سؤالك , هل أنت سعيدة لأنك أصبحت غجرية رحّالة , عليها أن تقضي بقية حياتها في الترحال المستمر عبر أوروبا في صحبة أناس ,بالرغم من طيبتهم , لا يحترمون الأغراب ولا يتعاطفون معهم ؟".
وعندما أبدت مارييل دهشتها لتدخلها في شؤونها الخاصة قالت :
" ما كنت لأسأل لو لم أكن أنا أيضا أجنبية , حاولت في أول زواجنا أن أكيف نفسي لحياة أهل جان لكنني فشلت , فقد كرهتها كلها بشدة , وحتى على الرغم من حبي الشديد لجان , فعندما أكتشفت أنني حامل في طفلنا الأول تركته للعودة ألة والديّ , هنا حيث نشأت وسعدت بحياتي , حتى أقنعني جان بأن مكان أقامتنا ليس مهما طالما نحن معا".
ووضعت الصحن الذي ظلت تمسحه في غضبها حتى لمع , وحاولت أن تغالب الدموع وهي تقول :
" أكره نفسي أحيانا لما فعلته له , تبعني ألىهنا لكنه ظل معي بجسده فقط أما روحه فكانت تحوم في أوروبا مع قبيلته , هل لاحظت السعادة التي لاحت على وجهه عندما رحّب بروم ؟ فهو عادة ليس بالأنشراح الذي غمره الليلة , ماذا ستفعلين يا ماريل ؟ هل حبك لروم يفوق حبي لجان ؟ وهل ستتنازلين طواعية عن أسلوب حياتك وعقائدك وسعادتك أذا كان في ذلك أملك الوحيد في البقاء بجانبه؟".
وبسرعة جففت مارييل يديها ومدتهما لتهدئة الفتاة المطربة التي أثارتها أسئلتها , غير أن مارييل لم تحاول الرد على هذه الأأسئلة لأنها شعرت أن آنا تدرك أجوبتها , ولكن عندما تكلمت لتهدىء من روعها ظهرت الجدية في عينيها الرماديتين وهي تدرك لفرط دهشتها أنها تواجه الحقيقة التي حاولت أن تتحاشاها حتى الآن , كانت توقن بكل خلجة من نفسها , وعن أيمان راسخ , بأنها أذا وضعت في نفس الموقف لتنازلت عن كل شيء وتبعت روم ألى آخر العالم .
وكان أثر الصدمة ما زال باديا على وجهها الشاحب عندما أنضمت ألى مجلس الرجلين , وحين دخلت مارييل الغرفة لاحظ روم على وجهها علامات القلق , وفي الحال وقف وقطع حبل حديث صديقه بقوله :
" أن زوجتي متعبة , لذا أرجو أن تسمحا لنا بالأعتكاف في غرفتنا , وفي الصباح سأكون قد تذكرت الكثير من أنباء أقاربك وأصدقائك".
فدق جان على جينه وقال :
" كم أنا عديم التفكير ! أنك تعرف مدى لهفتي على شؤون أسرتي وقبيلتي , كان يجب عليك أن تنبهني ألى واجبي كمضيف لكما ".
وألتفت ألى مارييل وأستطرد يقول :
" أرجو المعذرة يا عزيزتي فأنك تبدين متعبة , أن غرفة النوم التي نخصصها لكما صغيرة لكنها مريحة ".

نيو فراولة 23-09-10 08:24 PM

وكانت الغرفة فعلا صغيرة جعلت مارييل تصيح مندهشة وهي تفتح الباب بصعوبة بسبب السرير الكبير الذي يملأ الغرفة كلها تقريبا ولاحت أبتسامة على وجه روم عندما رأى الفرحة بادية على وجه مارييل وهي تنظر أليه بأستغراب , وسرعان ما حولت نظرها عن وجهه وتسلقت السرير ذا المراتب الهشة المحشوة بالريش بكل الثبات الذي تستطيع السيطرة عليه , وعندما أغلق روم الباب وأنفجر ضاحكا همست :
" أخفض صوتك , ستقلق الأطفال في نومهم ".
وحاول أن يسيطر على ضحكه قائلا :
" ليتك ترين تعبير وجهك , فشكلك مثل العانس الغاضبة التي تواجه لأول مرة في حياتها , فكرة السماح لرجل بمقاسمتها فراشها , أن مساحة العربة أقل من مساحة هذه الغرفة , أذا لماذا هذا الخجل والتدلل فجأة؟".
وكان يعرف تماما أن سريرها في العربة يختلف تماما عن السرير الوثير الذي سيقتسمانه , والذي مهما حاول فيه النائمان أن يظلا بعيدين عن بعضهما , فأن ليونته سرعان ما تجعلهما يتدحرجان ويستقران معا في وسطه.
وأستاءت لمزاحه ألا أن ردها جاء خاليا من مظاهر الهيبة والكبرياء , وحاولت أن تظل جالسة عندما ألقى بنفسه متمددا على السرير , لكنها هبت بغضب من جلستها وجثت على ركبتيها وحملقت فيه قائلة:
" يجب أن تبحث لنفسك عن مكان آخر تنام فيه فأنت لا تنوي طبعا أن تنام هنا؟".
" ماذا ؟ وأترك أصدقائي يظنون أن هناك خلافا بيننا؟".
وأبتسم بدهاء وقال مؤنبا أياها :
" كلا يا حبيبتي , فمهما تضايقنا من قربنا من بعضنا يجب علينا أن نتحمله بروح طيبة فلا أحب أن نبدو غير راضيين عن ضيافة أصدقائنا ".
وكان يرقبها وعيناه نصف مغمضتين وفمه جاد , ومع ذلك شعرت أنه يتلذذ من أغاظتها ويحاول أخفاء ذلك , وأنتابها الخوف عندما أطفأ النور بحركة سريعة وجذبها ألى جانبه , وأخذت يداه تداعبانها محاولا تهدئتها , لكن عضلاتها ظلت متوترة فهمس قائلا:
" من الذي سيعلم أننا أستمتعنا ولو ليلة واحدة بحقنا في الظروف التي فرضت علينا؟".
منتدى ليلاس
وسرعان ما أسكت ردها بحركة منه سلبت مارييل أي تفكير في المقاومة , ولم تنطق بكلمة عندما ضمها أليه بحنان , وجعلها تشعر أنها في سجن جميل مبطن بالريش الناعم نعومة خلجات قلبها.
ثم نظر أليها متعجبا من هدوئها , وحاول أن يفهم غموض رد فعلها , ولوهلة قصيرة قاومت مارييل خجلها فلم تكن قد تخلصت بعد من التحفظ الذي ورثته عن أبيها الأنكليزي , لكنها بتنهيدة مدت يديها وجذبت رأسه أليها , وفجأة شعرت من أنفاسه مدى الدهشة التي أنتابته , ألا أنها أبتسمت في سرها , وبعد فترة قصيرة من السكون أبتعد عنها وبحركة رشيقة نهض من السرير , ووقف بجواره ينظر أليها ف الظلام ويقول :
" آسف يا مارييل ,جرفني المزاج وتغلّب عليّ ولن يحدث ذلك مرة أخرى".
وكان هذا الأعتذار الجاف مثل السكين الذي يطعن الحب الوليد , الذي شعرت به نحوه لكنه لم يفلح في أخماد نار الندم التي أشتعلت في ثوان , ثم خمدت تاركة حواسها هامدة, ولحسن حظها أنها لم تضىء النور , مجنبة نفسها آلام رؤية وقع الأفصاح عن مشاعرها على وجه روم , خاصة وأنها كانت تسخر من مشاعره من قبل , وتعجبت كيف أن السخرية تؤلم أكثر من الصد , وقالت لنفسها أن كبرياءها هي التي تثير لها هذه المشاعر المتضاربة .
" مارييل؟".
وأرتعدت من الصوت المشبوب بالخجل , ثم ضغطت على مشاعرها لتضحك وتقول :
" أنا التي يجب أن تعتذر يا روم , فأن الأغراء بمجاراتك في تمثيليتك كان أقوى مني , مرة قارنت بيني وبين فتيات قبيلتك , ولم تكن المقارنة في صالحي , فلا تلومني لأنني حاولت أن أدافع عن سمعتي عندما سنحت لي الفرصة".
وفي فترة السكون التي تلت كلامها شعرت بحدة الغضب التي لا يمكن أن يضاهيها غير لطمة السوط على الفم , ولأول مرة في حياتها أحتمت وراء درعها الحقيقي وهو جنسها , أذ لا يستطيع أن يؤذيها جسمانيا ألا أنه لن ينسى أبدا كلامها , وسوف يصل يفكر كما فكر في آثار الجروح التي أحدثتها قسوة كاليا عليها و حتى أنه الآن وبعد أن ألتأمت آثار الجروح يستطيع أن يتلمس مكانها .
وشعرت ببعض الراحة لأنها على الأقل حفظت كرامتها , حتى ولو كان ثمن ذلك أحتقارا ملموسا أمتد عبر الهوة التي تفصل بينهما , لن تكون هناك فترات أخرى من الحنان الذي يصل ألى حد التعذيب , لن تكون هناك نظرات سريعة متبادلة تنتزع قلبها من بين ضلوعها , فمخالب الأسد تنهش حتى ولو كانت مدهونة بالعسل , أما الجروح التي تحدث من الغضب فيكون تلاقيها أسهل من الأهانات لأنها تجيء مسترة بالرقة , وتحرك روم نحو الباب وحبست مارييل أنفاسها متوقعة منه لسعة وداع , لكنه أختفى بدون كلمة تاركا لها الفرصة لتبكي بمرارة وحدها.

snow whight 23-09-10 09:33 PM

تسلمى يا عسل بس كده ساسبنس عالى قوى احنا مش قده يا ريت تكمليها بسرعه

نيو فراولة 24-09-10 06:36 PM

8- رصاص ودماء

تحت بيت جان مقهى أستعمله مصدرا لقوته هو وزوجته , وكانت آنا تعد فيه الطعام ويقوم جان على خدمة الزبائن , وفي اليوم التالي عندما أقترح جان لأصطحاب روم لمعرفة الأخبار في المدينة , تدخلت آنا وذكرته بأن أصغر أولادها يحتاج لرعاية أثناء عملها , وأحتار جان ونظر ألى الوجه الصغير الملوث بالمربى وقال :
" نسيت أمر بيشا الصغيرة".
وأقترح روم قائلا :
" سترعى مارييل الطفلة , فمن الخطر عليها أن تصحبني في الشوارع نهارا".
وعندما أتجهت الأنظار نحو مارييل , توردت وجنتاها لكنها هزت رأسها موافقة على الفكرة , فهي ترحب بأي أقتراح يبعدها عن روم , ودلت نظرته على أنه قرأ أفكارها فألقى عليها تحية مقتضبة عبر الغرف وخرج مع صديقه.
وأرتاحت مارييل عندما تركها روم وحيدة مع بيشا الصغيرة , بينما أنشغلت آنا في خدمة زبائن المقهى الذين يطلبون القهوة والكعك حتى يحضر رواد الغداء من المكاتب والحوانيت المجاورة ويشغلوت جميع المقاعد ويملأوا الغرفة بحديثهم المرح , وتاقت مارييل ألى الأنضمام أليهم , والأستماع لحديث الطلبة أو لحوار رجال الأعمال الجالسين حول المائدة وكأنهم يتكلمون عن حدث هام, لكنها أخذت تحوم في الخارج وهي لا تجرؤ على الظهور أمام أحد , وأزدادت الطفلة عصبية كلما طال بعدها عن أمها , فحملتها مارييل ألى الفناء لتغريها على اللعب , ووجدت كرة أنشغلتا بها لمدة نصف ساعة وكانت آنا تطل برأسها من النافذة من آن لآخر لتشترك في مرح الطفلة وتطمئنها بوجودها , وحدث أن شتتت الأم أنتباه مارييل فلم تلحظ أن الطفلة أخذت تلعب بالكرة وهي تتبعها نحو المقهى المليء بالرواد.
وكانت كل الأبواب مفتوحة على الفناء , فعندما لاحظت غياب الطفلة أخذت تبحث عنها , لمحتها وهي تقف على عتبة باب المقهى , فنادته قائلة :
" أرجعي يا عزيزتي بيشا".
لكن الطفلة ترددت وبأبتسامة ماكرة دفعت بالكرة وأدخلتها بين رواد المقهى , فضحكت مارييل وأسرعت نحوها وهي تقول :
" أيتها الشيطانة!".
وبدون تفكير حملت الطفلة وأسرعت بألتقاط الكرة , ألا أنها تنبهت ألى غلطتها بعد فوات الأوان , وبعد أن تحولت جميع الأنظار ألى وجهها المصطبغ بحمرة الخجل , وألى الطفلة وهي تحاول التخلص من ذراعيها , وأخذت تتراجع وهي تحمل الطفلة بينما تركت فكرة أستعادة الكرة , وقام رجل من مقعده المجاور للكرة فألتقطها وأقترب من مارييل والطفلة , وعندما سقطت أشعة الشمس على أزرار زيّه العسكري وعلى جلد حذائه الطويل , شعرت بالخوف والأضطراب فقد تعرفت على الزي العسكري الذي رأته لأول مرة على سيرجي أيفانوف , وقدم الكرة قائلا وهو يصك حذاءه معا دون أن ينظر ألى وجهها :
" كرتك أيتها الرفيقة".
منتدى ليلاس
تمتمت بكلمات الشكر وفرت هاربة بمجرد أن أخذتها , وأستدار ليجلس عندما جذبت بيشا من فرحتها رباط رأس مارييل تاركة شقرها الأشقر يتهدل على كتفيها , ورفع الضابط رأسه ودقّق فيها النظر , ولكن قبل أن يستجوبها رفعت مارييل أطراف ثوبها وهربت ألى المنزل ووقفت ترتعد وراء الباب متوقعة أن تسمع وقع أقدام تتبعها.......
وعندما عاد روم وجان أكلت معهما وأستمعت ألى حديثهما وفكرت هل تخبرهما بالحادث؟. وبأنها عصت تعليما روم حين أمرها بألا تظهر للناس , ولم تشجعها الجدية البادية على وجهه على الأعتراف , وبعد فترة من الصراع قررت أن تلزم الصمت , وجاء صوت جان مبددا لتفكيرها:
" لدينا أخبار سارة يا مارييل , ذهبنا ألى مكتب البريد لتسلم بريد الغجر , ووجدنا عددا كبيرا من الخطابات بأسم روم ,وبالنظر ألى خاتم البريد عرفنا أن معظمه مرت عليه شهور وهو في المكتب".
وتوقف برهة متوقعا أن يكمل روم القصة , ولكن عندما وجده مستمرا في الأكل لم يأبه بل تابع كلامه قائلا:
" ثم ذهبنا ألى بعض مراكز الأتصال , وقيل لنا أن شخصا منّا يحاول الأتصال بروم تلفونيا لمدة أسابيع , لذا أتفقنا أن يتكلم عصر اليوم ونحن متأكدون أنها أخبار صوفي".
وتنهدت ماريل وقالت:
" هذه فعلا أخبار سارة ولا بد أنك تتوق يا روم لتلقي هذه المكالمة".
وأرخت أهدابها وأنتظرت رده وتضايقت من سكوته , وحتى جان لاحظ أنه لم يوجه أليها ألا عبارات مقتضبة منذ الليلة السابقة كما لاحظت هي أن الجو بينهما أصبح متوترا بحيث تمنت لو كلمها ولو بألفاظ اللوم , وأنتفضت عندما سمعت أبعاده مقعده عن المائدة لكنه تجاهل سؤالها وأشار للساعة وقال لجان:
" ستأتي المكالمة الساعة الواحدة والنصف ,والآن الواحدة , يجب أن أذهب , فشكرا يا صديقي على حسن ضيافتك , وللأسف يجب أن نرحل بمجرد مجيء المكالمة وأرجو ألا تطول مدة فراقنا , وأن تقنع آنا بالأنضمام ألى قبائلنا ولو لفترة قصيرة حتى تستطيع أن تجدد صداقتك وتسعد أقاربك بحضورك".
وأخفى جان أشتياقه ألى هذه الزيارة وقال:
" تعلم يا صديقي أنني أعتدت عل حياة المنازل فلا أستسيغ فكرة كسر طبقة الثلج من المياه قبل أن أغتسل بها , كما لا تتحمل عظامي التي أعتادت الفراش الوثير النوم على الأرض بعد نومي على المراتي المحشوة بالريش ".
وأستمر روم في محاولاته مع أهتمامه برد صديقه:
" هل أفهم أنك راض عن حياتك؟".
وحبست مارييل أنفاسا لتستمع للرد الذي تتوق آنا ألى سماعه لكنه قال :
" لا الفقر ولا الثراء يتركان الأنسان سعيدا , أما تحت سقف هذا البيت فتوجد السعادة التي أصبحت من نصيبي".
وكانت أجابته حلا وسطا لموقفه , ألا أن روم صافحه وتبادلا نظرة تحمل الكثير في طياتها وأفترقا دون تعليق.

امل السنين 25-09-10 09:15 AM

{ تسلمين ع المجهود الرائع ..

نيو فراولة 25-09-10 11:55 AM

وظل جان في المقهى فيما عاد روم ألى مكان الأجتماع أنتظارا لمالكة صوفي , وقررت آنا أن تستريح في المنزل مع مارييل , وكانتا تتبادلان الحديث وتتناولان القهوة عندما سمعتا أصواتا آتية من المقهى , فأنتفضت آنا ونظرت لمارييل بينما سمعتا جان وكأنه ينذرهما :
" نعم أيها الرفيق , كان لدينا غريبان حضرا ليلة أمس يستجديان طعاما فعطفت عليهما زوجتي وقدمت لهما وجبة وسريرا مقابل قيام الزوجة برعاية طفلتنا بينما عمل الزوج في المطبخ , وقد رحلا من ساعة وقالا أنهما سيعودان ألى قبيلتهما وأجهل وجهتهما.
وعندما وجه أليه مستجوبوه سؤالا رد جان بصوت أكثر أرتفاعا:
" سيدة أنكليزية؟ لا بد أنك مخطىء , هل رأيتها هنا في المقهى؟ ألم تكن سمراء؟".
فأرتاعت مارييل ورفعت يدها تلمس العصابة التي تغطي شعرها الأشقر , كم هي غبية لأخفاء مقابلتها للضابط الروسي ! فلو ذكرت الحادث لأستعد جان بردود مقنعة ؟ ماذا لو دخل المقهى وأثبت كذب جان وطرأت الفكرة نفسها لآنا فأمسكت مارييل وناشدتها أيجاد حل للمأزق.
حينئذ وكأن الله أستجاب لدعائهما , سمعتا روم يقود العربة داخل الفناء , فلحقت به مارييل وهي تلهث:
" جنود ........ بالقهى!".
وبسرعة أنتزعها من الأرض وأجلسها بجانبه وضرب الحصان بالسوط , وأنطلقا نحو حدود المدينة , ولم يتسع الوقت لتوديع آنا وهي واقفة ترقب ما يحدث من وراء الستار , وعندما ألتفتت مارييل ألى الوراء رأى الجنديان العربة وهي تسرع مبتعدة عن المنزل , لكنها لم تشعر بالخوف لأنهما قد أبتعدا بمسافة كافية ليتفاديا أيقاع الشك بأصدقائهما .
وكان الكلام مستحيلا بينهما بسبب أصوات حوافر الحصان وسرعة العجلات , لذا تشبثت بالعربة متحملة ميلها ومطبات الطريق , حتى أن أسنانها ضغطت على لسانها فأدمته .
وعندما جاءت الطلقة الأولى كانا قريبين من الأشجار , فشعرت بخوف سمّرها في مكانها بدون حركة , حتى أن روم مد ذراعه وجذبها ضاحكا :
" أثبتي ولا تخافي , كدنا نصل ألى بر الأمان".
منتدى ليلاس
وعندما مرت رصاصة أخرى بجوار رأسه جزعت مارييل , ألا أن روم قاد الحصان بأقصى سرعة محاولا الدخول ألى الأشجار ليحتمي فيها , وتنفست مارييل الصعداء عندما دخلا بين الأشجار وأصبحا في أمان , وظل يتوغل في الغابة ألا أن كثافة الأعشاب جعلت التقدم مستحيلا , لذا قفز من العربة وأشار أليها أن تتبعه , ثم ربت على الحصان وتركه يعود من حيث أتى.
أمسك روم بذراع مارييل وأخذا في العدو , وسمعا أصداء أصوات بين الأشجار عرفا أن هناك من يتبعهما عن قرب , ولمدة ساعات حاولا أختراق الأشجار الكثيفة فكانا يتعثران ويتعرضان لوخز الأشواك التي تشبه الأفاعي في لدغها , وأخيرا شعرا أن المطاردين قد أبتعدوا عنهما , وكانت دراية روم بالغابة وحدّة نظره وحكمته خير عون لها ,وفجأة توقف روم عن جريه ونصح مارييل بالراحة , فأطاعته وهي مطمئنة ألى أنهما في أمان .
ثم أرتمت على الأرض المغطاة بالحشائش وراحت تدلك وجنتيها بالأوراق النادية , شعرت بدقات قلبها وهو يلامس الأرض , وعندما هدأ الصوت وأسترخت عضلاتها قالت :
" هذه غلطتي يا روم , شعرت وأنا في المقهى هذا الصباح أنني أثرت شك أحد الضباط لكنه ترك المكان دون أن يقول شيئا ولم أظن أن الحادثة بالأهمية التي تجعلني أذكرها لأحد".
فصوب نظراته ألى وجهها وقال :
" لم تظني أن الحادث هام؟".
وجاءت كلماته بطيئة معبّرة عن غضبه ودهشته , فأرتبكت وتوسلت أليه بألا يقسو عليها , وتوقعت أن يثور عليها , لكنه من فرط تعبه تنهد وترك جسده يستريح قائلا:
" بعد بضعة أميال سنكون في أمان , هذه الغابة تقع عبر الحدود , دخلناها في تشيكوسلوفاكيا وأستطرد يقول:
" بمجرد وصولنا ألى فيينا سأعيدك ألى خالتك الموجودة هناك منذ أسابيع بأنتظار أخبارك".
فرددت كلماته بدهشة وقالت:
" خالتي في فيينا ؟ لكن....... كيف؟ ........ ولماذا؟".
" كيف..... بالطائرة..... ولماذا ..... لأنه بمجرد معرفة سيرجي أيفانوف بتحركاتها لم يعد لها أمان في وارسو".
" أتعني أنها أضطرت ألى ترك بيتها وعملها وأصدقائها بسبب تدبيرها لفراري؟".
قال:
" لقد ظلمت خالتك كما ظلمها الكثيرون".
وأثارت الدهشة التي بدت عليها غضبه وحفزته على الأستطراد في كلامه.
" أنها أكبر مني بقليل , ولكنها لم تكن قد تعدت مرحلة الطفولة , بعد عندما أندمجت في منظمة , هيأت الهرب ألى الحرية أمام آلاف اللاجئين , وجاءتها فرصة الهرب مرارا لكنها فضّلت البقاء حيث أعتقدت أن الناس في حاجة أليها , أي في وارسو , وخالتك تناهض العنف , وأستطاعت بالصداقة القائمة بينها وبين سيرجي أيفانوف وأمثاله , أدخال تعديلات خففت العبء عن كاهل الذين تتعاطف معهم , وهو الطبقة العاملة الذين أصبحت حياتهم جرداء , لا تختلف عن حياة الحيوانات ".
فجخلت وسألته :
" هل فعلت خالتي هذا؟".
فرد عليها وقد أثارت غضبه :
" وأكثر من ذلك , صوفي ساعدت على قيام ثورة بيضاء , جعلت بعض الذين كانوا يفكرون في الهرب يعدلون عنه , ويبقون لمعاونتها في النضال من أجل أبقاء العادات القديمة أستعدادا ليوم التحرر الحقيقي ".
وأتضح لها كل شيء, فقالت:
" وأنت الذي عاونتها ! أنت وقبيلتك كنتم طريق الهرب الذي ذكرته , الآن فهمت سبب ولاء عشيرتك لخالتي , كما فهمت نتيجة عنادي !لقد أفسدت كل ما عملته من أجل تحقيق رسالتها ".
وودت مارييل لو دفنت نفسها من الخجل, ولم تفلح نظرته القاسية في التخفيف عنها , أستمر يمعن في أيلامها غير آبه بعينيها المعذبتين.

نيو فراولة 25-09-10 04:26 PM

" أليست صدفة غريبة أن سبيل الهروب وجد لفرار والديك أساسا قد حطمته أبنتهما ؟".
ولم يرحمها روم ولم يكتف بتعذيبها , فشعرت أن لا شيء يمحو الضرر الذي ألحقته بخالتها , وحتى أعتذارها وما يحمله من ندم لن يكون غير الأمعان في آلامها.
ولم يلحظ أنه هب واقفا ورفع رأسه وكل حواسه منتبهة ألى رائحة الدخان وأصوات الفرقعة في العشب والسحب الزرقاء التي ألتفت حولهما وقال :
" حريق! أنهم مصممون على شيّنا أحياء ".
وجذبها وأوقفها وهو يبعدها عن الخطر المحيط بها وأخذا يجريان عبر الأشجار مبتعدين عن ألسنة اللهب .
وخرجت أفواج من الحيوانت والطيور الخائفة من وسط الحشائش وهي تصرخ وتطير بتثقل , مثلما تطير عندما تسمع الرعد الذي يسبق العاصفة , وكانت النيران تنتشر بسرعة , وأخذت تسبق خطاهما في أماكن لم يتوقعاها , وصاح روم وهو يجذبها عبر الغابة التي تحولت بسرعة ألى فخ محكم.
" يجب أن نتبع الحيوانات فهي متجهة نحو المياه , يوجد نهر هنا ونرجو اله أن نصل أليه في الوقت المناسب".
وكانت مارييل متعبة تحاول ملاحقة خطواته السريعة , وهي تسمع النار تقترب منهم وتلتهم كل شيء في طريقها وكانت الحرارة عنيفة , والهواء خانقا يحمل رائحة الأحتراق , وفجأة تعثرت مارييل ووقعت على الأرض , لكن سرعان ما جذبها روم ثانية لتقف على قدميها وأخذ ينهرها ويدفعها للأمام فهمست قائلة:
" أنني لا أستطيع يا روم ......... أستمر في طريقك بدوني".
وأحتجت عندما رفعها من الأرض بين ذراعيه وأستعطفته قائلة:
" كلا.........".
منتدى ليلاس
وأنسابت دموعها على خديها وحاولت أن ترغم روم على تركها وناشدته أن ينقذ نفسه دون تحمل عبئها , ألا أن الدخان غمر رئتيها فلم يخرج من حلقها الجاف وشفتيها المشققتين عندما داهمها ظلام الأغماء.
وأفاقت على الماء الذي كان روم ينثره على وجهها , وعلى صوته القلق وهو ينساب ألى هدوء غيبوبتها كان ملحا وقلقا حتى أنها فتحت عينيها رغم أرادتها لتتأكد من سبب غياب غضبه المعتاد , ورأت في الوجه المنحني عليها علامات القلق , وأرتاحت عيناه عندما نادت أسمه , وهمست قائلة:
" هل نجونا ؟ وهل خمدت النيران؟".
" لا تقلقي يا عزيزتي عثرنا على النهر وأرجو أن تنطفىء النار عندما نصل ألى الشاطىء , لكننا لا نجرؤ على العبور خوفا من أن يحمل الهواء شررا ألى مسافة تسمح بأنتشار النار , يجب العثور على مكان في النهر يغطينا بالماء وننتظر فيه حتى نتأكد من سلامتنا قبل المجازفة بخوض الجزء الأخير من رحلتنا".
وفكرت: هل يوجد شيء آخر مسؤول عن المشاعر المتضاربة التي تتنازع روم وتبدو على فمه الخالي من الغضب؟ لذا بدت عليها الدهشة وهي تنظر أليه.
" وماذا عن الجنود؟ هل سيعطيهم تأخرنا فرصة اللحاق بنا ؟".
عاد العبوس ألى ملامحه وهز رأسه وقال:
"كان قرارا حكيما , فلن يصدقوا أننا ما زلنا أحياء ولا بد أنهم يحتفلون الآن بنجاح عمليتهم".
ومما أكد خطورة موقفهما وقوع جذع جذع شجرة بالقرب منها فجذبها روم وقال :
" تعالي , لقد تمادينا في التفاؤل بنجاحنا! وآن الآن وقت السباحة".
وأمسكها وقادها فوق الصخور حتى وصلا ألى بركة في أعمق جزء بالنهر , وعندما غاصا فيها , تصاعدت الفقاقيع ووصلت المياه ألى رقبتيهما , وفجأة أصطبغت المياه بالأحمرار حينا أشتعلت النيران في الصف الأول من الأشجار على الضفة المقابلة , وأندلع اللهب بلونه الأصفر والبرتقالي.
أخذا يرقبان النار والماء حولهما كالدم لمراق ورأيا الطبيعة تلفهما بألسنة النار في ثوان : فبالسرعة التي يوقد بها عود الثقاب أنهارت عمالقة الغابة وأصبحت عصيا قصيرة من الرماد , أما وهج الحريق فأخذ يقترب منهما ويحاول ألتهامهما , وبخوف شديد راقبها اللهب عن بعد وهو يلتهم الأشجار على الشاطىء الآخر , ودخل الدخان في أعينهما وحلقيهما وأضطرا أن يغوصا في الماء حتى وصل فمهما ألى سطحها.
وعندما هدأت حدّة الحريق كانت مارييل قد أستنذفت قواها , ولم يبق لديها ألا قدر بسيط من قوة الأرادة لتطيع بها روم عندما أمرها قائلا:
"هيا بنا , فلم تصل النار للضفة الأخرى بعد".
ورغم معارضته لها, سحبت قدميها بصعوبة , فملابسها المبتلة كانت تعوق حركتها , وعبرت ألى صفة النهر الأخرى , وعندما وصلا ألى هناك أرتمت على الأرض طلبا للراحة , لكن روم لم يسمح لها بذلك , فركع بجوارها وشجعها على الأستمرار في السير واضعا أصبعه تحت ذقنها وهو يقول:
" كنت شجاعة يا عزيزتي , لكنني مضطر أن أطلب منك بذل جهد أخير و فعلى بعد أميال قليلة تقع حدود النمسا , والحراسة الروسية تنشط على الحدود , لكنني متأكد أننا سنتفاداها أذا بقينا في الغابة , ألا أنه من الخطر أن نتأخر هنا , أرجوك محاولة المشي لفترة قصيرة".
كان صوته من النوع الآمر , فرغم وجود رغبة تدفعه ألى الوصول أليها , ورغبة يتمنى بها التخلص منها لأنها سببت له المشاكل , ألا أن أبتسامته شلت أرادتها ورفعتها ألى قدميها , وأعترتها نوبة من المشاعر الطاغية عندما دس يدها في يده , فبمعجزة أختفت صرامته , وشعرت بالندم على الأساءة أليه , وحمدت الله أن النار قد طّهرت الحقد والكراهية في نفسه.

نيو فراولة 25-09-10 06:50 PM

وأخذا يمشيان بين الحشائش الطويلة التي تخفي في طياتها كتيبة كاملة , وعثرا على ممر دكته الأقدام , بحيث فتحت طريقا في الأتجاه الذي يريدانه , لكنهما لم يجرؤا على المشب فيه خوفا من مقابلة دورية الأستكشاف عند أحد المنحنيات , وتبعته وهي تضع قدمها في موقع قدمه وتتعثر على الجذور المخبأة في الأرض خائفة من أصوات الحيوانات وحركاتها المفاجئة , أنها تجمدت في مكانها عندما وصلت ألى الأعشاب التي تصل ألى كتفيها , وأخذت تنصت لصوت تكسر جذوع الأشجار ,وزقزقة بعض الطيور وهي عائدة تنذر بالخطر .
ولا بد أنهما قطعا أميالا كثيرة عندما طلب روم منها التوقف لأطمئنانه للمكان الذي كانا فيه , وكان الليل قد بدأ يرخي سدوله ويضفي على الأشجار منظرا رهيبا , أرتعدت مارييل وهي تتصور أن أعينا خفية تنظر أليها , ثم أقتربت من روم الذي كان ينصت لصوت أية حركة حولهما ,ولما أطمأن لعدم وجود شيء جلس على الأرض وربت على مكان بجواره لتجلس عليه وقال :
" أجلسي هنا وأستريحي فأن أسلاك الحدود على بعد ياردات قليلة من هنا , ولكن بما أنه مكشوف من الناحيتين بأرض فضاء فيجب أن ننتظر حتى حل الليل قبل أن نجازف بالعبور".
وقال لها بهدوء ردا على دهشتها:
" الروس يفتشون هذه المنطقة ليل نهار ,ولا بد من مجازفتنا بالعبور, فهذه هي الطريقة الوحيدة أمامنا".
وفجأة أخذت أسنانها تصطك , فجذبها للأرض وأحاط كتفيها بذراعه وراح يطمئنها و وفي أول الأمر لم تع كلماته , ألا أن صوته كان رقيقا , كما كانت ذراعه مريحة وسرعان ما شعرت بالدفء والهوء.
منتدى ليلاس
وشجعها أهتمامه فسألته:
" هل تظن يا روم أن آنا وجان سيكونان سعيدين في يوم من الأيام؟".
وشعرت بعلامات ضيقه وعرفت أنه كان قلقا على صديقه وأن جوابه سيكون دليلا على زواج الغجر بأجنبية , وهو رأي له في نظرها أهمية كبيرة , فأنها لم تتصور كيف تستطيع خالتها , ربيبة المدينة أن تكيف نفسها لتلائم أي زوج حتى ولو كان مثل روم , فأن أستعداده لتغيير أسلوب حياته يدل على مدى الحب الذي سيضفيه على زوجته , وبعد فترة قال :
" رأيي أن على الزوجة أن تتكيّف مع زوجها , لكنني الآن لست واثقا من هذا".
وعندما أبدت دهشتها قال:
" أن تضحية جان ترجّح كفة آنا والأطفال , فقد يتنازل برضاه عن الراحة التي يشعر بها في منزل مستقر ويتنازل عن المال , ولكن حياة الغجر الحرة وصحبة أهله لا تعوضه عن حرمانه من أسرته أو حنان زوجته , فأن الرجل يهتم بذلك التفاهم وتلك الروابط التي تجمع بين الرجل والمرأة بحيث يتعاونان أمام الصعاب , وهناك رجال لا يصلون ألى الأرتباط ومنهم من يستعدون لقضاء حياتهم وحيدين بدلا من قبول شيء لا يرتضونه , ولكن أذا عثر رجل على شريكة ممتازة لحياته مثل جن , فلا شيء يفرقه عن التي أختارها لتكون والدة لأبنائه".
وكانت مارييل تتوقع ردا أمينا ,لأن روم يتصف بالأمانة , لكن الجدية التي تكلم بها أحيت الأمل في نفسها , وشعرت بغيرة وحقد يصلان ألى حد الكراهية نحو خالتها , التي أثارت هذا الشعور في الرجل الذي أحبته بقوة و وأنحبست العبرات في حلقها وهي تواجه حقيقة حبها لروم , محاولة أن تكون بمثل أمانته في الأفصاح عن شعوره , ترى منذ متى أحبته ؟ وشعرت أنها أحبته طول حياتها , فعندما دخل في عملية المقايضة لينالها كعروس له , حصل على صفقة رابحة , لكنه لن يعرف أن قطع الذهب القليلة التي أستبدلها بها قد جلبت له حبا يفوق كل شيء.
وفرحت بالظلام عندما جاء , فقد أخفى رجفة شفتيها , كما منع روم من فهم النظرة التي رآها مرارا في أعين المخلوقات الحبيسة في الغابة .
وعندما قلق عل سكوتها قال هامسا:
" هل أنت نائمة؟".
فهزت رأسها وهي تخشى أن تفضح مشاعرها بصوتها, وشعرت بالحرج عندما سألها :
" وماذا عن وجهة نظر آنا ؟ هل تميلين ألى التعاطف مع حاجتها للأستقرار , أو تعتبرين سعادة زوجها في المكان الأول لو كنت في مكانها؟".
ونسي أهمية الحذر في كلامه وقال بصوت خشن :
" طبعا هذا سؤال أحمق أوجهه ألى شابة أنكليزية متحررة , تعتبر الحرية أمرا هاما , أليس كذلك ؟".

نيو فراولة 25-09-10 07:06 PM

ثم ضحك بهدوء وقال ساخرا:
" ماذا أفعل بك أيتها العفورة التي أحتفلت بحريتها الجديدة فطارت ألى عش النسور؟ كيف أراك تناضلين في عالمنا المقعد دون أن أرغب في حمايتك؟".
وساد السكون ولم تسمع زقزقة طائر أو حفيف ورقة , وحتى القمر كاد يتوقف في محاولته الأختفاء وراء السحب خشية سماع ردها ,وبسرعة أنطفأ نوره تاركا الغابة في حالة أنذار , سمعت من خلالها وقع أقدام فهمت أنها لجنود ولم تكن مارييل بحاجة ألى أن تنطق بأية كلمة تخرج من حلقها الذي توترت عضلاته , وظهرت قطرات العرق على جبينها بينما أنتظرا أقتراب الأقدام منهما , وسمعا صوتا يقول :
" أننا نضيع وقتنا , لا يمكن أن يخرج أحد من هذا الفرن حيا , أنظروا كيف تعكس السماء حمرة الأشجار المحترقة".
ورد عليه زميله بحدة :
" ومع ذلك سننفذ تعليماتنا , فأن الأثنين اللذين نبحث عنهما غجريان يجيدان فن البقاء على قيد الحياة".
وتوقفت الأقدام عند مفترق الطريق .
" أتجه أنت ألى اليسار وسأمشي أنا في هذا الطريق , أفتح عينيك وأطلق الرصاص عند سماع أية حركة".
وسمعا صوت وقع أقدام أحد الجنديين وهو ي
تعد ولم يجرؤا على التحرك وهما قابعان على الأرض بين الأعشاب , فأن أية حركة من أنسان أو حيوان كانت كفيلة بأن ينهال عليها الرصاص من بندقية الحارس القريب , وسمعا صوت ثقاب يحتك بعلبته , وأزاح روم الأعشاب ونظر من خلالها فرأى رجلا أدار له ظهره , وأحنى رأسه وأخذ ينفخ في كفيه , ولم تلحظ مارييل أن روم قد تحرك حتى وقف خلف الرجل ويداه ممدودتان أستعدادا للأطباق على عنقه , وأخذت ترقب في صمت المنظر الذي يدل على أنه متمرن على ممارسته , وأنقض روم على الجندي وضغط بأصابعه الفولاذية على قصبته الهوائية حتى هوى ألى الأرض فاقدا الوعي.
وجذب مارييل من بين الحشائش وأتجها نحو السور مسرعين , وبفم جاف من الذعر أبعدت من ذهنها تصرف روم الجرىء وأطاعته وهي ترتعد من الخوف.
كان السور بأرتفاع ثمانية أقدام , وثبتت فوقه الأسلاك الشائكة , وعلقت بها هناك قطع من قماش ثوب كدليل على محاولة شخص لم يسعفه الحظ بالفرار , ومال روم على أحد الحواجز , وبدّد صمت الليل صوت المقص الذي أستخدمه في قص الحاجز , وفجأة صاح جندي من ورائه ائلا:
" توقف!".
أستدارت مارييل لترة ضوء القمر يسطع على البندقية المصوبة نحوهما , كان الجندي الثاني قد عاد وأثار غضبه أختفاء زميله , وزاد من أصراره الوحشي على الأنتقام , وبهدوء وقف روم وكأنه يستسلم للقبض عليه وهو على وشك الهرب و لكنه واجه الجندي وأدار ظهره للفتحة التي أحدثها في السور , وأخذ يرفع يديه فوق رأسه , حينئذ أطمأن الجندي , وفي تلك اللحظة بالذات , رفع روم المقص وصوبه بسرعة الصاروخ نحو رأس الجندي , فضغط الجندي بأصبعه على زناد البندقية في الوقت الذي سقط فيه على الأرض , وأخترقت الطلقة كتف مارييل .
وكانت الدهشة هي الغالبة على أنفعالاتها العديدة وهي ترقب الدم يسيل من جرحها وهمست قائلة لروم وعيناه المشدوهتان تمران على وجهها الحزين:
" أصبت بالرصاص يا روم".
وفي خلال الساعة التالية أفاقت مرارا على أحاسيس مختلفة تركتها في حالة أسترخاء تامة , فمن خلال أغمائها شعرت بذراعين تضمانها في حنان كبير وتحملانها بسرعة عبر الأرض الوعرة , وبعد ذلك سمعت أصواتا كثيرة تتكلم بأهمام , وشعرت بلمسة سحرية تمس شفتيها قبل أن تسلمها الذراعان اللتان كانتا تحملانها ألى يدي شخص غريب , وكانت تسمع صفيرا مستمرا في أذنيها مصحوبا بعجلات تدور مسرعة وهي تنقلها ألى أماكن مجهولة , وقبل أن يطبق عليها الظلام تماما , رأت أشخاصا بزي أبيض وشمت رائحة المخدر وسمعت صوتا يقول لها صاحبة ليطمئنا :
" أهدأي يا عزيزتي , فلم يعد هناك ما يخيفك لقد وصلت ألى النمسا".

نيو فراولة 25-09-10 08:04 PM

9- الشك القاتل

كانت صوفي موجودة لتحيي مارييل , عندما فتحت عينيها في غرفة صغيرة فيها سرير واحد , ومقعد , وصوان قصير فوقه مزهرية مليئة بورد ناعم وقرنفل نفاذ الرائحة , ولفتت الألوان الزاهية نظرها , ولثوان قنعت بعدم التفكير , بل سعدت بمشاعرها الجديدة التي تجول في خاطرها مثل الأطمئنان والحرية.
" كيف حالك يا مارييل ؟".
وبدّد صوت خالتها شعورها بالراحة والرضى , ودفع بالعبوس ألى جبينها وملامحها ,وكان المفروض أن تسعد لرؤيتها , لمذا أذا أرتجف قلبها , كما يستدل ذلك من ردها المضطرب ؟
" أنا بخير ...... أين روم ؟ هل هو بخير؟".
وأبتسمت خالتها وقالت :
" ذهب ليستريح ويصلح من هندامه ".
وأنحنت الخالة على السرير لتصلح الوسائد , وأعطت ذلك أهتماما كبيرا كما لو كانت تبحث عن شيء يشغل يديها المرتعشتين .
" ظل بجوار فراشك طيلة الليل وكان قلقا عليك , كنا نحن الأثنين قلقين عليك".
منتدى ليلاس
وأغمضت مارييل عينيها لكنها قاومت رغبتها في النعاس لتسأل:
" هل سيعود ؟".
وطمأنتها صوفي وهي تربت على يديها الممسكتين بالغطاء :
" طبعا يا حبيبتي , أقنعاه بأخذ قسط من الراحة بعد تأكيد الطبيب له بأن منظره الذي يشبه منظر الشريد الملتحي ذي العينين الحمراوين لن يساعد على شفاء أي مريض , لذا عودي ألى نومك وأضمن لك أنك ستجدينه بجوار سريرك عند أستيقاظك ".
كانت مارييل تعرف أن خالتها كريمة لكنها كانت دائما كذلك , ولكن عندما أنقشع ضباب الهذيان الذي يربك تفكيرها , أستطاعت أن تطمئن بال صوفي بأنها تفهم الموقف بينها وبين روم , وتقنعها بأنها لا تعتزم أن تسبب لها أحراجا , ولكنها ودت لو رأته مرة أخرى لتطمئن عليه , وبعد ذلك غلبها النعاس قبل أن تصل ألى قرار محدد , وتركت صوفي التي أنحنت على سريرها تفكر في سبب الأبتسامة المرتسمة على شفتي أبنة أختها .
أفاقت مارييل بعد ذلك بمدة ووجدت الغرفة يغلفها الظلام وكان بها مصباح يرسل نوره على غطاء السرير وعندما تحركت ظهر لها شبح شخص كان يجلس بجوار الحائط وأقترب منها وأنحنى فوقها بقلق ظاهر , ولما عرفته أبتسمت وقالت :
" روم......!".
ورأت فيه تغييرا حيرها لكنها أبعدته غن ذهنها , ولم تفكر ألا في وجوده بجانبها بوجهه الشاحب وجاذبيته الطاغية شأنه في ذلك شأن كل سكان الحياة الطبيعية المفتوحة.
وابتسم لها معبرا عن أرتياحه وكأن عبئا ضخما قد ألقي عن كاهله , وأمسك بيدها بحنان وجال بنظره على عينيها المندهشتين وفمها المضطرب .
أرخت مارييل نظرها وبدت وكأنها طفلة معاقبة مغلوبة على أمرها , قال روم الشيء نفسه في الليلة السابقة لكن بصورة أقل جدية , قالها بطريقة تدل على التبرم الذي حاول أخفاءه , لكن مارييل شعرت به بالرغم من محاولته , فقد حضر سريعا ليراها وهو في طريقه ألى مقابلة بعض أصدقائه , الأمر الذي كان يتكرر كثيرا كلما تحسّنت صحتها , وكان في زيه الحضري يظهر أناقة باردة , مما أبرز بوضوح الحاجز الذي أقامه خجلها , وعندما ردت على تحيته بهمس مضطرب قطب جبينه وظهر الفرق كبيرا بين ملامحه السمراء ولون قميصه الفاتح.
وعندما سحب كرسيا ليجلس بجوار سريرها سألها :
" هل من شيء يقلقك؟".
شعرت بعينيه تتركزان على فمها الذي أخذ يرتجف , ثم أخذ ياعبها بقوله :
" تعاني العصفورة الصغيرة من نوبة غضب لأن جناحيها قد قصا مؤقتا , أليس كذلك ؟ يجب ألا تشعري بالغيرة لأن أصدقاءنا يحتفلون بي وبصوفي , أنتظري حتى نصل ألى فينا وهي مدينة خلقت من الحب , حب الموسيقى , وحب الفن وحب المحبين , هناك سأعوضك كل ما تتوقين أليه".
وأنتظر متوقعا أن تعود لطبيعتها الثائرة , ألا أن قلبها الحزين رفض فكرة الحوار اللفظي , وأقتصرت على الردود المقتضبة الباردة , فقالت وعيناها مسليتان :
" أنني لست حاقدة قط".
وبخفة حركته المعهودة هب واقفا .
" أذا ما هو السبب في تصرفك مثل الطفلة الغاضبة؟".
قال ذلك وقد أمسك بذقنها بين أصابعه القوية أضطرت أن تقابل نظراته الثاقبة بعينيها وقالت وهي خائفة من نبض أصابعه على جلدها :
" أشعر بالحنين ألى الوطن , أريد العودة ألى نكلترا حيث الحياة المنطقية وراحة البال".
وأنفصم الأتصال بينهما عندما ترك ذقنها تاركا هوة من الصمت لا يمكن ملؤها :
" هل تكرهيننا جميعا لهذه الدرجة ؟".
ولفترة طويلة ساد الصمت بينهما و ثم بدون أي تعليق أخر , خرج من الغرفة تاركا أياها لتدفن وجهها في الوسادة ,وتبكي وهي تواجه وحدها آلام نضجها الجديد.

نيو فراولة 25-09-10 08:31 PM

وقلقت صوفي من الصمت الطويل , ورأت أن العلاج هو أن تتظاهر بالوجه البشوش والتصرف المرح وهي تزف ألى مارييل ما أعتبرته خبرا سارا:
" أن الطبيب يوافق على سفرك ألى فينا غدا".
وراقبت صوفي بقلق رد فعل مارييل , وعندما لم تسمع تعليقا على عبارتها عضت على شفتيها وأعادت الكرة قائلة:
" وعدنا روم بأعطائنا شقته في فينا , فكما تعلمين كان المفروض أن نقيم مع بعض أصدقائنا , ولكن بما أن منزلهم صغير صمم روم على أن نستخدم شقته حتى نكون مستريحين , أنها لا بد ستعجبك , فهي مريحة وكاملة وقريبة من المحلات التجارية".
فرحت صوفي عندما لاحظت في عيني مارييل حيوية تنم عن حب أستطلاع يقرب من عدم تصديق ما سمعته وقالت :
" هل لروم شقة في فينا؟".
" نعم , أتخذ فينا مدينة مختارة له , فينا هي التي أختضنته , يقول أنها المكان الوحيد الذي يرتاح أليه أذا قرر أن تكون له جذور ويستقر , وأذا ترك الأمر لأهل فينا فلا بد أنه يبقى في مدينتهم ألى الأبد , ولكنهم ينتظرون حفلاته النادرة كما لو كان بطلا مغوارا و فمن من الناس لا يفرح بأن يضع يده على نبض جمهور ذواقة مثل أهل فينا ؟".
وهزت مارييل رأسها وهي لا تستطيع أن توفق بين الصور التي تعرفها عن روم وتلك التي رسمتها خالتها له , فعندما كانا في القبيلة تساءلت لماذا لم يتحف عشيرته بحفلاته الغنائية , لكنهم أفهموها بأنه كقائد لهم لا يستطيع أن يكون تحت تصرف نزواتهم , فالظروف وحدها هي التي أضطرته لأن يقوم بهذا الدور أمام الأجانب , أما هنا فهو ملك نفسه , وأخيرا قالت صوفي وكأنها تتذكر شيئا عابرا:
" أستدعي روم فجأة ألى فينا وطلب مني أن أعتذر لك نيابة عنه لعدم مروره عليك , وأكد لي أنه سيعد الشقة لتكون جاهزة لأستعمالنا عندما نلحق به غدا".
منتدى ليلاس
وخرجت الكلمات من بين شفتي مارييل المطبقتين قائلة:
" أريد العودة ألى وطني".
أكدت مارييل أنها لن تجد في فينا غير التعاسة , وهي تعاسة وجودها مع روم الجديد , روم الغريب ذي القدرة على الأندماج في أي مجتمع يجد نفسه فيه , أما روم القديم الذي عرفته وأحبته فقد تغير , بينما تعاني هي من وعوده التي أكدها لها حين قال : سأعوضك عن كل ما تفتقدينه , بدون أن يدري أن كلامه هذا يدمي الجرح الذي أحدثه لها بأعترافه بحب صوفي , فلا شيء في الدنيا يعوض فقدانها أياها , أنه الرجل الذي أعتبرته في نوبات هذيانها وأحلامها , زوجا لها!
" ما زلت ضعيفة يا عزيزتي , تحتاجين لتمريض جيد ونقاهة طويلة قبل أن تفكري في السفر ألى أنكلترا , هذا ألى جانب ما يترتب على ذلك من وحدتك هناك , في وسعي أن أصحبك ألى هناك لولا أن لي عملا في فينا , لا يمكن تأجيله , أرجوك يا ماريل لا تتخذي قرارات حمقاء".
ولم تغب عن مارييل الرجفة التي بدت في صوت خالتها ولا نعومة نظراتها الحالمة وهي تتكلم عن العمل الذي ينتظرها في فينا , ولا شك أن روم كان المقصود بذلك , أنه هو العمل الذي تحدثت عنه , وضغطت على نفسها لتواجه الواقع , وهكذا وجدت القوة لتقرر أن تمضي مع المهزلة ألى آخر مداها المرير.
وحفاظا على سمعتها وكبريائها رأت أنها لا تستطيع أن تهرب ألى أنكلترا بمشاعر جريحة , وعندما شعرت أن صوفي تكاد تكشف سرها بلعت ريقها بصعوبة وقالت:
" أنت على صواب كعادتك دائما يا خالة صوفي , يجب أن أبقى هنا لفترة على الأقل , فأرجو أن يكون حسابك في البنك بخير , فأنني بحاجة ألى ملابس داخلية وخارجية , وبما أنني مفلسة فعليك أن تعاونيني أذا أردت ألا تخجلي من ظهورك في فينا مع أبنة أخت معدمة".
وردت عليها ضاحكة وهي تقول:
"ليست هذه المشكلة , فكل ما لدي هو ملكك يا عزيزتي , فأنني أتوق ألى مرافقتك في رحلة الشراء التي ستقومين بها".
مرّ أسبوعان قبل أن تقرر صوفي أن صحة أبنة أختها قد تحسنت بالقدر الذي يسمح لها بالخروج لشراء لوازمها , وفي تلك الأثناء كانتا قد أستقرتا في الشقة التي أعدها روم لهما , وفيها توثقت الصداقة بينهما , ففي أثناء النهار أعتادتا الخروج لرياضة المشي على الأقدام في المنتزه القريب , وفي المساء كانتا تتجاذبان أطراف الحديث وتضحكان , أو تسمعان الموسيقى في هدوء وألفة ,وعلى مر الأيام فهمت كل منهما الأخرى تماما , وحاولت مارييل أن تعتذر على أفسادها خطط التنظيم التي وضعتها خالتها , لكن الخالة لم تحب أن تلوم مارييل نفسها على ذلك فقالت وهي تبعد هذا الموضوع عن تفكيرها .
" ربما كان الأمر لا مفر منه , فلا يستطيع الأنسان أن يحيا ألى الأبد في حالة عدم أتخاذ قرار , ولم يكن لي حيلة في ذلك".
وأصرت مارييل على الوصول ألى المزيد من الأيضاح , لكن صوفي لم تشجع على أن تستدرجها مارييل في الحديث , فبأبتسامة هادئة قالت:
" لعلك أسديت لي خدمة كبيرة , ولكن الوقت وحده هو الذي سيثبت رأيي , لذا لن أقول أكثر من ذلك".

نيو فراولة 25-09-10 08:59 PM

ولم يريا روم كثيرا سواء أكان ذلك عمدا من جانبه أو بسبب كثرة أعماله , ولم تعرف مارييل الحقيقة , وكان في غيابه راحة لمارييل التي لم تتحمل وجودها في نفس الغرفة التي هو فيها مع صوفي وهما يبتسمان لبعضهما , وكأن بينهما أسرارا , كما كان حديثهما تتخلله كلمات التدليل التي تدل على مشاعر مكبوتة حرصا على التقاليد , وكانت مقابلتهما محرجة بالنسبة لها ومؤلمة , خاصة وأن روم كان يدفع حمرة الخجل ألى وجنتيها عندما يحاول أن يكون لطيفا معها ويوليها هي الأخرى جزءا من أهتمامه.
وكانت أعصابها متوترة ألى أقصى حد عندما وجه أليها كلاما أشعرها بأنه يعتبرها كالطفلة الصغيرة , وكانت صوفي قد أستأذنت لتدخل ألى المطبخ لأعداد القهوة وبدّد سؤاله الذي ساد بينهما .
" والآن وقد تحسنت صحتك يا عزيزتي , هل تشعرين بالرغبة في الخروج للعب قليلا؟".
منتدى ليلاس
وشعرت كأنه يقارنها بخالتها ذات المظهر الشاب الذي يثير قوامها وحركاتها الرشيقة تعليقات الناس , فبجانبها تشعر بضآلتها وحرجها وعدم نضجها , أو بعبارة أخرة تشعر أنها لا تستحق ألا الرثاء , لذا رفعت رأسها معبرة عن غضبها وقالت:
" أنني لست طفلة".
فرفع حاجبيه من الدهشة , لكنه تمهل حتى أنتفى سيكارا ليدخنه ثم قال ببرود:
" لم أعتبرك طفلة حتى الآن!".
وتزايد غضبها ولم تستطع السيطرة عليه ,وهبت واقفة للهرب من الغرفة , لكنها لم تفعل رغبة منها في أيلامه , وكان ينظر أليها عندما أستدارت على عقبها وقالت :
" أنني أكرهك فأنت أكثر الرجال الذين صادفتهم عجرفة , ورأيي أن خالتي أفضل منك وأنك لا تستحقها".
بالرغم من جودة لمحلات التجارية في فينا , ألا أن صوفي كانت تعرف خيّاطة متقاعدة تحب أن تمارس مهنتها بتصميم الملابس وحياكتها لعدد من الزبائن, وبما أن كل الأبواب كانت مفتوحة أمام صوفي فلم يكن من الصعب عليها أن تحدد موعدا مع كريستا التي يقع محلها في شارع قريب من شقتها وبالطبع كانت مارييل تقوم بشراء معظم لوازمها الداخلية من المحال القريبة , لكن حماسها كان كبيرا عندما صحبت خالتها ألى منزل السيدة العجوز التي أعتادت أن تتفحص قوام التي ستحيك لها عندما تصافحها , وقالت كريستا بجدية:
" لا أستطيع مقاومة تحدي كل منكما للأخرى , فأحداكما الساذجة والأخرى المتحذلقة".
وأبتسمت صوفي وقالت :
" حسنا , طالما أن حماسك يفيدنا ! كما تعرفين تحضر حفل الأوبرا أكثر نساء العالم أناقة ولديّ سبب وجيه أريد من أجله أن نبدو على أحسن وجه , أتستطيعين أعداد ملابس لنا؟".
فضحكت الخياطة وقالت:
" بكل سرور......".
ثم دقت الجرس لتستدعي مساعدتها وقالت لها :
" أرشدي السيدتين ألى الغرفة التي نحتفظ فيها بالأقمشة , ثم سأحضر بعد ذلك لأرى أختيارهما ".
وأخذتهما الفتاة ألى الغرفة , حيث كانت هناك أمتار من القماش , معلقة على مشاجب لتظهر جمالها ولتعطي الزبائن الفرصة للمسها والأعجاب بها , ولما كانت مارييل متضايقة بسبب أرغامها على شراء ثوب لمناسبة قررت ألا تحضرها , لذا تراجعت عندما عرضتعليها خالتها قطعة من الحرير الخام.
"ألا ترين أن هذا القماش رائع يا مارييل ؟ أننا مرغمتان , حسب التقاليد, على أرتداء اللون الأبيض , لكن لا تقلقي, فاللون يناسب لون بشرتك , أما أنا بشعري الفاتح ولوني الشاحب فسأبدو فيه كالشبح الكالح".
وحاولت مارييل أن تغير الموضوع فقالت :
" هل تتضايقين أذا........".
" أذا قررت عدم الذهاب ألى الحفل؟ نعم بلا شك سأتضايق .... أولا أرفض الأستماع لأي أعذار تقدمينها, فقد تقت سنوات طويلة لمثل هذه الفرصة ,وستفسدين ليلتي بلا شك أذا رفضت الحضور , كما أن روم هو الذي سيأتي لنا بالتذاكر , ليس من الذوق تركهما له , خاصة وأنها مطلوبة جدا ".
وأخيرا أعترفت بهزيمتها فقد كانت خالتها سيدة صلبة الرأي , ومع ذلك كانت في تلك المناسبة بالذات أكثر ألحاحا عن عادتها في تنفيذ رغبتها.

نيو فراولة 25-09-10 10:37 PM

10- أنتصار الماضي


أخذت مارييل تجول في الشقة وهي تتعجب من عدم وجود ليلي فيها عن عمل روم , وشعرت أن الغرف تندب , كما تندب هي , غياب شخصيته القوية عنها , وأمسكت بأحدى التحف القليلة الموجودة بالشقة , وأخذت تتأملها وهي تنتظر خالتها حتى تخلاج من غرفتها , حيث كانت ترتدي ملابسها أستعدادا لحضور الحفل , أما هي فأنتهت من زينتها وشعرت من صورتها في المرآة أنها أجمل مما بدت من قبل , كان ثوبها من الحرير الذي يهمس بطياته لحنا حزينا حول كاحليها عندما تخطو و أما نصفه العلوي , فترك ذراعيها عاريتين , وألتف حول كتفيها يغطي أثر الجرح الذي سببته الرصاصة , لكنها كانت تعاني من جروح أعمق منه , جروح قلبها المرهق من كثرة التمثيل والخداع , وكان شعر مارييل مصففا بطريقة جميلة ومثبتا بمشابك من اللؤلؤ مثل لون بشرتها , لكن عينيها كان ينقصهما البريق.
وضعت التحفة من يدها وقطبت جبينها , وكان هناك موضوع تريد مناقشته مع خالتها قبل وصول روم, فبدت متضايقة من أيصال الملابس الذي عثرت عليه ملقى بجوار سلة المهملات , وعندما قرأت ما فيه هالها الرقم المذكور , أما ما أقلقها أكثر تلك العبارة المكتوبة على الأيصال وتفيد أن المبلغ قد سدد بمعرفة روم , كانت خالتها عند الكوافير عندما عثرت على الأيصال وعند عودتها دخلت ألى غرفتها لتستعد للحفل ولم تسنح لها الفرصة لمناقشتها .
سمعت مارييل صوت الباب يفتح , فألتفتت وهي متحفزة بأسئلتها ألا أن الكلمات تعثرت على شفتيها بسبب أعجابها بخالتها ,وضعت كريستا يدها على الصفات التي تفتقر أليها صوفي , وبينما وجّهت أهتمامها ألى أناقة ثوب مارييل , عكست القاعدة في ثوب صوفي وجعلتها تبدو متألقة , كان مصنوعا من الدانتيل الأبيض وله أكمام طويلة محبوكة على ذراعيها وخصر نحيل يعلو تنورة متسعة , أما الياقة فكانت توحي بالبراءة لآرتفاعها نحو قسماتها الجادة مثل ياقة الراهبات , وشعرها خاليا من المشابك ومصقولا كالحرير , وكانت السعادة تشع من عينيها مثل الطفلة التي تحضر أولى حفلاتها , أو كالشابة التي تستعد لأول موعد غرام أو كأمرأة في قمة الحب , وسألت مارييل :
" ما رأيك فييّ؟".
" رائعة!".
منتدى ليلاس
ودق الجرس فضحكت صوفي وأتجهت ألى الباب واثقة أن القادم روم , لكن مارييل قاطعتها :
" أنتظري".
ولم يكن هناك وقت لنقاش طويل ألا أنها كانت تتوق لمعرفة الحقيقة , فقالت:
" عثرت على هذا ....... وعليه أسم روم , ولا أفهم شيئا ".
وبالكاد نظرت صوفي في الأيصال , ولم ترد أن تؤجل السعادة المرتقبة فقالت:
" كنت أعتزم أن أخبرك بأمر الأيصال لكنني نسيت .... صمّم روم على الدفع , لكنني لم أفهم ما يعنيه بلفظة الدوطة , أي بعض العملات الذهبية الخاصة بك والتي يحتفظ بها عنده بأسمك".
وبحركة سريعة فتحت الباب وأدخلت روم , وفي لهفتها عليه نسيت روح العداء التي قابلته بها ماريل عندما ألتت نظراتهما , وأنتبهت ألى أن كل ملابسها قد سدّدت بالنقود التي كانت ثمنا لها.
ساعدهما روم في ركوب السيارة ووصف للسائق المطعم الذي سيتعشون فيه , وعندما تحركت السيارة أخذ يتفحصهما في تمهل , فنظر ألى وجه مارييل الثائر , ثم ألى وجه صوفي السعيد وأناملها المرتعدة وهي تحاول تثبيت الوردة التي قدمها لها روم.
" دعيني أساعدك".
وثبّت الوردة بحنكة المجرب الخبير , ثم ألتفت ألى ماريييل بنظرة تساؤل , لكنها كانت قد ثبّتت زهورها بنفسها , وهي زهور البرتقال التي تذكرها بحفلات العرس , رفضت أستعداده لمساعدتها وألتقت نظراتهما ألا أن العينين الرماديتين أنخفضتا أمام نظرة الحيرة التي في عينيه , وبدا الضيق في صوته عندما تجاهلها وأخذ يتحدث مع صوفي :
" جاء اليوم يا عزيزتي الذي طالما أنتظرته , فلا داعي لسؤالك أذا كنت سعيدة".
ضحكت صوفي ضحكة رنانة وقالت :
" نعم أنا سعيدة , فهناك سحر في الجو الليلة , ألا تشعر به ؟ فستتألق النجوم ببريق ساطع , وستطوف الموسيقى بأجنحة الملائكة , وستفرح فينا كما لم تفعل من قبل".
ومدت يدها لتغطي يد روم وقالت:
" أرجو لك السعادة أيضا يا عزيزي روم".
ونظرت مارييل من النافذة دون أن ترى شيئا , وكان باعة الورود يعرضون سلعتهم الجميلة والناس يصطفون خارج المسارح أنتظارا للدخول , وساءلت نفسها كيف ستقضي السهرة التي تحمل الكثير في طياتها بالنسبة للأثنين الذين معها , وكأن أتفاقا قد تم بينهما على المقابلة في فينا في ليلة الحفل , لقد أنتهى فراقهما منذ أسابيع , ولكنهما فضلا لأسباب عاطفية أن يتقابلا بهذه الصورة الخيالية حتى تظل تلك الليلة راسخة في ذاكرتهما , وأغتاظت مارييل وضغطت على عواطفها وكأن الأمر لا يهمها.

نيو فراولة 25-09-10 11:02 PM

ولم تذكر شيئا من الحديث الذي دار في المطعم ,مع أنها أشتركت فيه , ألا أن ردودها الآلية قد أثارت روم حتى سألها:
" هل حديثنا يثير مللك يا مارييل ؟ أم أنك على وشك الدخول في أحدى نوباتك التي أعتدنا عليها".
دهشت لقوله حتى أن الملعقة سقطت من يدها, وكادت ترد عليه عندما ظهر شخص بجانبها يلبس نفس ملابس السهرة التي يرتديها روم , حلة سوداء ورباط عنق أبيض , وأنحنى وألتقط الملعقة قائلا:
" أسمحي لي يا عزيزتي!".
ثم أستقام ببطء وأبتسم لصوفي التي همست , وقد أمتقع لونها :
" ستيفان! أحقا أنت يا عزيزي ؟".
وهب روم واقفا وأبتسم وألح على الرجل بالجلوس معهم , فجلس لكنه لم يتكلم مكتفيا بسعادة النظر ألى الجمال الذي بجواره , وسأله روم:
"هل تناولت طعامك ؟".
فقال ونظراته عالقة بصوفي :
" كلا ..... حجزت مائدة وطلبت طعاما لشخصين".
وجالتالدموع في عيني صوفي؟ عندما مد يده وأمسك بيدها ثم سألته :
" هل جئت ألى هنا بعد كل هذه السنين؟".
وأومأ برأسه وقال:
" جئت ألى فينا كل عام , لمدة عشرين سنة , لأنتظر فتاة في هذا المطعم , وعلى نفس المائدة , لكنها لم تحضر , أن الخدم ينظرون أليّ ويظنونن مجنونا خانته تخيلاته حتى أعتقد أنه سيقابل المرأة التي يحبها في يوم من الأيام , فهلا أصطحبتني ألى مائدتنا لأثبت لهم خطأهم؟".
وافقته والأنفعال يخنقها , كما كانت شاردة الفكر بحيث لم تحييهما بكلمة قبل أن تتركهما وتختفي من أمامهما .
زادت دهشة مارييل عندما أبتسم روم وجلس على المقعد الذي تركته صوفي , وقالت له متسائلة:
" أنني لا أفهم شيئا , ألا يهمك أنصرافها مع غريب؟".
فرد عليها قائلا:
" هل ستيفان غريب ؟ لقد كان الأثنان حبيبين عندما كانت صوفي يافعة , وقبل أن يفر ستيفان ألى أنكلترا لينضم ألى سلاح الطيران رجاها أن تتزوجه و لكنها رفضت أن تترك والديها بمفردهما في وارسو , وهكذا أفترقا على وعد أتفقا عليه , وهو أن يلتقيا في هذا المطعم بد الأوبرا بعد الحرب , وأذا لم يستطع أحدهما الحضور يحضر الآخر حتى ينجحا في الألتقاء , ولكن لم تسر الأمور كما يشتهيان , فعندما أنتهت الحرب كانت صوفي تساعد الناس ولم تستطع مغادرة البلاد بالرغم من تيسير سبل الهرب أمامها , وهكذا حضر ستيفان ألى فينا كل عام على أمل رؤيتها".
منتدى ليلاس
وفهمت ماريييل رد خالتها عند أعتذارها لأفسادها مشاريع المنظمة بقولها :
" ترين أنه ليس لدي أي أختيار..............."
فكم يسها عليها الآن أن تفهم حيرة خالتها أذ كان الأختيار بين سعادتها وسعادة أنصارها , فعندما تذكرت ظلمها لخالتها غمرها الخجل.
ثم خرجت من صومعتها بحواسها متنبهة , وكان العازفون يعزفون لحنا راقصا , والمطعم يعج بالناس وكلهم على أستعداد للأستمتاع بليلتهم , وداعب النور الخافت ملامح روم وأظهر فيه مرح عينيه , وتصاعد دخان السيكار ولفهما في ألفة تنذر بوعود جعلتها ترتعد , كما شعرت أن روم مستمتع بصحبتها حين قال لها :
" يحسن أن نتم كلامنا خلال العشاء لأن هناك أشياء كثيرة تريدين السؤال عنها , لكنني لا أرغب في قضاء السهرة في الحديث".
أما ماذا يريد بدلا من الكلام فلم يفصح عنه , ولكن كانت لهفتها على ألقاء أسئلتها كبيرة فقالت لروم:
" قلت أنك تحب صوفي ومع ذلك لا تعترض على أحقية ستيفان فيها , فمن المحتمل أن تتحول ماعرها ألى غيرك , وكما تعلم فالناس يفعلون هذا أحيانا".
أهتزّت شفتاه وقال:
" عبّرت عن رأيك منذ بضعة أيام وقلت أنني لا أستحق خالتك لأنها أحسن مني , وأعترف أنني دهشت لتعليقك وقتئذ ولكن بعد قليل بدأت أفهم أن...".
وتوقف وهو يدرس وجهها , وكأنه يستطيع الوصول ألى أسرارها , ثم تابع لامه:
"أنني أحب صوفي ولكنني لم ولا أعشقها".
وعندما أرخت أهدابها , أمتدت يده لتمسك بيدها وقال:
" لا تخفي نفسك عني يا مارييل ,أريد أن نتحرر الليلة من كل أثر لسوء التفاهم بيننا , يجب أن يكون كل منا صريحا أليس كذلك؟".
وأراد جانب منها أن يهرب من نظرته الجارفة , أما الجانب الآخر فقد كان غارقا في أهتمامها به , وتمتمت قائلة:
" نعم , يدين كل منا بذلك للآخر:
" حسنا...... أذا أخبريني لماذا عندما حضرت لمصاحبتك الليلة قابلتني بنظرة أزدراء؟".
وشعرت بالحرج عندما أرغمتها نظرته على الأعتراف:
" لأن صوفي أخبرتني عن مصدر النقود التي دفعت ثمنا لثوبينا , وكنت تعرف وأنت تدفع دوطتي , كما تسميها , مدى شعوري بالمذلة".

basbosa007 26-09-10 12:29 AM

i hope u 'll complete it soon
thanxxxxxxxxxxx

فداك الروح يا غاليها 26-09-10 01:36 AM

نيوووووووووووو الحقيناااااااااااااااااا بالتكملة بلييييييييييييييييييز

بجد بجد روووووووووووووووعة خياااااااااااال جنااااااااااااااااااان روووووايتك يا عسسسسسل

ماطرة 26-09-10 08:11 AM

بليـــــــــــــــــــــــــــــــــز كمليها بليييييييييييييييز مشكورة

نيو فراولة 26-09-10 01:06 PM

فأندهش وقال :
"ولكن النقود هي ملكك , وأحتفظ بها لك , فلماذا تشعرين بالمهانة ؟ أليس من حق المرأة أن يدفع زوجها ثمن ملابسها ؟".
فردت عليه وقد تولاها الغضب :
" كلا....... أذا كان لا يطالب بحقوقه !".
ولم يحاول أن يدّعي جهله بما تريد قوله :
" لن تغفري لي أذا طالبت بحقوقي , ما حدث تلك الليلة في منزل جان كان تجربة لا أريد تكرارها , تركي لك تلك الليلة كان من أصعب الأمور ".
وحملقت فيه وهي تخشى أن تصدق ما قاله , فقد صمم أن يكون صادقا حتى أنها لم تجرؤ على توجيه السؤال الذي كانت تتمنى أن تسأله خوفا من رده , لكنها كانت تتوق لمعرفة شيء بالذات , هل كانت رغبته فيها تلك الليلة بدافع الحب أم كانت تعطشا مصدره غريزة الرجل؟
ألاّ أن حديثهما قطع قبل أن تجمع شجاعتها لألقاء السؤال , وتلاشت لحظة قول الحق , وتمنت مارييل لو أبعدت صوفي وستيفان عندما عادا أليهما والسعادة بادية عليهما , ولم يرحب روم بعودتهما أيضا, لكنه وقف لهما أحتراما دون أن يبدو الضيق على ملامحه.
وكانت السعادة تشع من عيني صوفي عندما أقترحت قائلة:
" يجب أن نذهب ألى دار الأوبرا حتى نصل قبل بدء العرض".
نظر روم في ساعته ووافقها على رأيها , وسرعان ما كانوا في طريقهم ألى دار الأوبرا.
منتدى ليلاس
كان السؤال الحائر ما زال حائما بينهما مثل السحابة .
وعند وصولهم ألى دار الأوبرا كان المكان يعج بالأضواء والموسيقى والضحكات , وكانت فينا زاهية الألوان تتأرجح بالمشاعر الفياضة , كما كانت المنازل القديمة تعج بالشباب والمرح اللذين ترحب بهما بزوار المدينة , تركت مارييل وصوفي الرجلين في المدخل وذهبتا لتضعا وشاحيهما في غرفة حفظ الملابس , وكان الجو مفعما بالأثارة والحماس الشديدين حتى أن الكلمات لم تعد لها ضرورة , وشعرتا بأنهما على حافة حدث كبير ومناسبة لا تحدث ألا مرة في العمر , وودت مارييل لو أنضمت للرجلين فورا , أذ كانت تتوق لصحبتهما , أما صوفي فتلكأت أمام المرآة لتصلح من زينتها , وتلاقت نظرتها بنظرة مارييل في المرآة وهي على وشك وضع أحمر الشفاه على شفتيها وسألتها:
"هل تأكدت من كل شكوك يا عزيزتي ؟".
فأرتعدت مارييل , كانت تشك دائما في أن صوفي قد أستنتجت أمر حبها لروم , لذا ردّت عليها قائلة:
" كلا لم أتأكد منها كلها ".
وألحت صوفي قائلة :
" أيمكنني مساعدتك ؟".
فردّت عليها مارييل وهي تتفادى عينيها :
" لا أظن ذلك".
" جربيني ولا تخشي من الأعتراف بحبك لروم , فهو شخص رائع , لكنني أفهم سبب مخاوفك من الحياة التي سيحياها أذا أصبحت زوجته".
فضحكت بدهشة وقالت :
" زوجته! لا أتصور أن يعترف روم بمثل هذه الحاجة , فهو رحالة أعتاد حياة الوحدة , والزوجة لن تضيف شيئا أليه ".
ثم وضعت صوفي أحمر الشفاه في مكانه وأغلقت حقيبتها قائلة :
" تفكيرك خاطىء , ظننتك تعرفين روم , ولكنني أراك مخطئة , فروم أعترف لي منذ سنتين بسر لا يعرفه غير القليلين , وقد يكون أستنتجه بعض المقربين من أفراد القبيلة لكنهم غير متأكدين ".
وأسترسلت قائلة وهي تغالب نفسها للكشف عن السر:
"يعتقد أنه ولد وعليه لعنة معينة , وهي أن يكون طريدا وشريدا ومحكوما عليه أن يعيش بقية حياته والسماء لحافه والعجلات تحت قدميه , ألا ترين يا مارييل أنه يتوق ألى بيت يستقر فيه وأسرة يعيش بينها ؟ وهو شيء لا يتوقع أن يجده في القبيلة! فقد يكون شكله كالغجر وسحره كسحرهم , لكنه ليس معتادا غرائزهم , وأنني واثقة من أنه مع واحدة مثلك يستطيع أن يمد لنفسه جذورا هنا في فينا ويعيش كما قدر الله أن يعيش , أي بين أمثاله من الناس".
فألتفتت أليها مارييل ونظرة ألم في عينيها وغالبت دموعها قائلة :
" هذه مجرد أماني تعبرين عنها يا خالة صوفي ".
وأستطردت تقول :
" أنه كرم منك أن تتمني لي نفس السعادة التي عبرت أنت عنها , لكن للأسف لا يمكن التحكم في القدر مهما حاولت ذلك , فأنا بالنسبة لروم مصدر مضايقة يريد الخلاص منه , نعم أنني واثقة من أن أهتمامه بي قد زاد في المدة الأخيرة , لكنني لم أسمح لنفسي أن أنسى أن هذا التغيير هو جزء من الأسترضاء الذي يشعر بأنه يدين به لي".
ثم أبتعدت عن خالتها وعندما وصلت ألى الباب أستدارت وألقت أليها بعبارة أخرى مريرة :
" بما أن هذه الليلية تعتبر أخر فرصة لهذا الأسترضاء , فأرجو أن تسمحي لي بألا أضيع أية دقيقة فيها ........".

نيو فراولة 26-09-10 01:25 PM


11- الليلة الخالدة


كانت دار الأوبرا من الداخل مثل قصور الروايات الخرافية , ومكان الأوركسترا مغطى بألواح خشبية تعطي أتساعا للمسرح , المقصورات وحافة الصفوف العليا مزينة بعقود من زهور القرنفل الحمراء , كما كانت تزينها الشابات بملابسهن البيضاء , ويصحبهن رجال بملابسهم السوداء , وهم يخطون كالدمى تحت الثريات البراقة.
وكانت الأوركسترا تتهيأ أستعدادا للعزف عندما وصلت مارييل ألى جوار روم , وأدار رأسه نحوها بطريقة غريزية , أبتسامته التي وجهها أليها دافئة بددت شكوكها , نظر أليها بدون أن يتكلم وقد نسي كل الجمال الذي حوله , وتعبيرا عن رضاه بما قرأ في وجهها , لف ذراعه حول خصرها وأخذ يرقص معها .
سعدت مارييل بحضنه الذي كان خليطا من الحلو والمر , ولم تدع تفكيرها يدور حول الغد بما يحمل من شعور بالوحدة والعذاب , بل قررت أن تنعم بكل دقيقة من الذكريات الحلوة التي تهيئها لها تلك الليلة , فأذا لاحت في نظرها سحابة من اليأس , فأنه لم يلحظها , أن الفم المرتعد والوجنتين الورديتين قد تكون علامات السعادة أو الألم , وأخذ قلبها يدق مع وقع الموسيقى وبدأ هادئا , ثم أشتد تدريجيا حتى أستسلم عندما أشتد ضغط ساعديه وأمتزج قده القوي برشاقتها الرقيقة وأصبحا واحدا عندما أخذا يتحركان , ولم تخطىء خطاها مرة واحدة بفضل رقصه المتقن , وبعد عدّة رقصات كانت تنساب كنور القمر على حلبة الرقص , ترك روم خصرها عندما سكتت الموسيقى , لكنه ظل يداعبها وهو يقود
منتدى ليلاسخطواتها نحو مائدة عليها دلو مملوء بالثلج وتتوسطه زجاجة شراب , ولم يكن ستيفان وصوفي موجودين عندما أخذ روم يصب السائل الذهبي في الكؤوس , ولم يسمع أحد غير مارييل النخب الذي قاله :
" في صحة الحب , يا عزيزتي , والوفاء والتفاهم".
والكأس بيده ينتظر ردها , وكأنه يطلب منها منحه الصفات الثلاثة , الحب والوفاء والتفاهم ,ولكنه لم يتضايق عندما تمتمت بشيء لم يسمعه تماما , بل شربت ما في الكأس بقلق جعلها تسعل , مما أقلق روم فأخذ يقترب منها ويقدم لها منديله الكبير المشبع برائحة التبغ وماء الكولونيا وأخذ الناس يتحركون حولهما , لكن مائدتهما كانت كقارب وسط بحر مضطرب عندما قرّب شفتيه من أذنها وقال :
" دعينا نذهب حيث تكون بمفردنا .........".
وللوهلة الأولى كادت ترفض , لكن تعبير وجهه أشعرها بأنه لن يقبل الرفض , لذا سمحت له وأعصابها مرهفة , أن يصحبها ألى الخارج , وبجوار الأوبرا يوجد منتزه كانت مقاعده مغلفة بظلام الليل ,وعندما أخذا يتجولان في الحديقة خفت الموسيقى حتى صمت تماما , وكان صوت حفيف ثوبها هو الوحيد المسموع في سكون الليل , ولما تذكر أنها لا تتحمل جميع أنواع الأجواء قال :
" ليس معك وشاح , دعيني أعطيك سترتي ".
لكنها رفضت وقالت :
" كلا ........ أشكرك , أشعر بالدفء".

نيو فراولة 26-09-10 01:46 PM

وشعر بالغضب لرفضها وقال بحدة:
"هل وصلت كراهيتك ألى حد كراهية ملابسي .؟ أن سترتي لن تعضك وأكمامها الخالية لا ضرر منها , لماذا تتصرفين هكذا ؟ قضيت أسابيع أحاول أن أكسر جمودك , لكنك تتباعدين من تقرّبي وتتهربين من مفاتحتي لك..... هل يجري في عروقك دم أم ثلج؟".
وكان الأسهل أن تعتمد على الغضب لتستخدمه ضد جاذبيته الجارفة , ورغم أنها كانت مستعدة للأستمتاع بكل دقيقة من هذه الليلة , ألا أن عواطفها كانت تقاوم سيطرته , وشعرت أن القسوة هي الطريقة الوحيدة التي تثبت بها سيادتها عليه وعلى نفسها , فقالت برود :
" أتضح أن الصداقة بيننا أصبحت مستحيلة , لذلك أنساني وأتركني وشأني , فبعد بضعة أيام سأرحل وستنساني سريعا بمجرد سفري ".
" أنساك؟".
وبسرعة أحتضنها بين ذراعيه بغضب وكأنه يعاقبها , فلم تعد مخالب الأسد معسولة , كما لم تكن كلماته حانية بل قاسية .
" أتريدين أن أنسى أنك عروسي ؟ أنسى الليالي التي قضيتها أنصت ألى همسك وأنت نائمة , وألى صوت تنفسك , وأنا أكبح جماح مشاعري خوفا من أن تكون رغبتي سببا في تعاستي؟".
وأخذ يهزها حتى بدأت تلهث , وأستمر في كلامه قائلا :
" أنني أحبك أيتها المجنونة الثائرة , صورتك محفورة في قلبي , ومع ذلك تتكلمين عن نسياني لك؟".
وترك كتفيها ليضم جسدها الرقيق المرتجف بين أحضانه ويقول :
" أنساك ! بل أسمحي لي أن أحصل على شيء سأذكره طول طول حياتي".
منتدى ليلاس
وكان تصرفه تصرف الغجري الجرىء الذي أنتزع أستجابتها من قرارة نفسها , وأنسابت المشاعر بينهما وأرسلت هزات في عروقها تؤكد الأستجابة لجاذبيته الطاغية , ففي أول الأمر كان غاضبا ومندفعا برغبته في الأنتقام منها , بحيث لم يفطن ألى يقظة أستجابتها له , وعندما لم تبد أعتراضا , أعترته الدهشة , وحين لم يجد أي أثر للمقاومة , بل ظلت مستسلمة له , تمتم بكلمات هامسة تنم عن سعادته المشوبة بالدهشة , وأقبل عليها بعاطفة قوية يثبت بها أنتظاره له , وكان يشعر بقلبها وقد أخذ يرتجف كالطائر الحبيس , وعندما أستجابت له , شعرت بحرارة تنساب في داخلها وتطمئن حواسها بأنه لن يجدها أقل منه لهفة عليه , لذا سعدت بحنانه وذراعيه اللتين كان في أمكانهما القسوة عليها , لكنهما كانتا تترفقان بها , وقال بصوت عميق هادىء:
" أنت لي لآخر يوم في حياتي.........".
ةترك أصابعه تتغلغل في شعرها وتنثر المشابك منه حتى أنساب كالزئبق بين أصابعه , ولما أرتاح لهذه المداعبة ضحك ودفن وجهه في خصلات شعرها , فشعرت بالأرض تميل من تحت قدميها والفكر يتوه منها , وتركزت حواسها في ضمة ذراعيه وعمق صوته وكلها مشاعر أكدت لها أن الحلم الذي كانت تعتبره مستحي , والرغبة التي لم تجرؤ على التفكير فيها , أصبحت حقيقة.

نيو فراولة 26-09-10 01:57 PM

وكانت طيّعة بين ذراعيه , وسعيدة , عندما وجدا أخيرا وقتا لكلام , فقالت بدهشة :
" أنني لا أصدق هذا......".
وكان يقف وراءها يطوق خصرها بذراعيه حين قال وهو يكشف عن عقيدة عشيرته المتبناة:
" أننا لا نستجوب القدر , فبالنسبة أليّ أكتفي بوجودك بين ذراعي أيتها الأوزة البرية الصغيرة , فقد صدقت أسطورة الغجر , فمهما فرت من صائدها فأنها تعود أليه".
أن روم هو صائدها الذي أستحوذ على قلبها , وأستدارت بين ذراعيه لتداعب خديه بكفيها , وتأثر عندما أعترفت ببساطة وصدق :
منتدى ليلاس
" أنني أحبك جدا يا حبيبي , فمنذ لقائنا الأول أردت أن أقاوم هذا الحب , ولكن في ليلة زفافنا تأكدت....".
" هل حدثت حقا ليلة الزفاف هذه ؟".
قال ذلك وقد أمسك كل أصبع من أصابعها ولمسه بشفتيه .
" عروس متمنعة تعترف بحبها متأخرا , وعريس يصمم ألا يصبح زوجا وألا يتعمّد أن يعادي عروسه ".
ثم همس مستطردا كلامه :
" أنني أعدك بشيء يا حبيبتي ........".
" ما هو ؟".
" أعدك أن تكون ليلة زواجنا الثانية مختلفة تماما".
وكانت ما تزال تشعر بالخجل منه , فلم تستطع النظر أليه , لذا تمادى في مداعبتها وقال :
" سيكون لنا أطفال كثيرون ....... أولاد سمر يلعبون في الغابات مع أصدقائهم الغجر, كما ستكون لنا بنات جميلات تسحرن قلوب أهل فينا بحسنهن الأنكليزي ".
وشعرت بأنه يريد منها أن تسأله سؤالا خاصا :
" وأين ستقيم أسرتنا هذه يا روم ؟".
مالت عليه وأنتظرت رده , فسواء أقاما في الشرق أو الغرب أو في عربة غجر أو قصر , فكل ما تتمناه هو مكان بجوار قلبه .
وقال حالما :
" في فينا , وفي بيت لا يتحرك , وأبواب يمكن قفلها , ونزافذ تطل على منظر لا يتغير ألا بأختلاف الفصول".
ثم أستطرد يقول بتنهيدة تبين شوقه الذي لم تره فيه من قبل :
" سيضم بيتنا كل ما أعتز به في العالم , وهو أنت يا حبيبتي ........".
وأنحنى عليها يعانقها بحنان , فلاذت به وهي تعرف تماما ما يريد , وكانت راضية بمبادلته نفس الشعور , فأن أبن الطبيعة هذا لن يرضى أن ينتظر طويلا , وستكون مستعدة عندما يحتاج أليها لتطمئنه بأنه لن يندم على الثمن الذي دفعه في عروسه.




تمت

زهورحسين 28-09-10 11:29 PM


رووووووووووووووووووووعة000
والله الرواية مثل الافلام الرومانسية العالمية000
الف:flowers2:الف:flowers2:شكرا لمجهودك وذوقك الرائع:flowers2:
:flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2:
:flowers2::flowers2::flowers2:
:flowers2::flowers
:flowers
:flower

قماري طيبة 08-11-10 09:38 PM

رواية جدا جميلة سلمت يداك عليها

samahss 09-11-10 05:30 AM

الروايه رائعه تسلمى على هذا المجهود

Rehana 09-11-10 02:22 PM

تسلمى اناملك الحلووة الى تعبت في كتابة الرواية الى بحبها كثيررر
ماننحرم منك ابداً

http://2.bp.blogspot.com/_X1QzuRcro5...s400/thank.jpg

(غموض) 10-11-10 12:56 PM


شوشو2 12-11-10 12:58 AM

روايه رائعه اختىىىىى تسلم اديكي مشكوره

nadafha 30-11-10 10:30 PM

:friends:تسلم الأيادي على الرواية الجميلةhttp://www.liilas.com/vb3/images/smilies/55.gif

طيف السما 24-01-11 05:40 AM

تسلمى على الروايه الرائعه واواحداثها جميله ومشوقه شكراااااااااااااااااااااااااااااااااا

ساكنه 24-01-11 11:57 AM

:dancingmonkeyff8::8_4_134::friends:منتظرين التكملة بشوووووووووق وحماااااااااااااااس والف شكر ودمتي النافي قلوب الجميع سكنة

ساكنه 25-01-11 02:28 PM

:flowers2::hR604426::0041::0041::0041::0041::0041::f63::rdd2 lq9:صراحة مذهلة اووووووووووووووووووي كاني اتفرج عليهم قدام عيوني الف شكر خاص الك ياقمر والف شكر منالاعماااااق الى الموئلفها وتحياتي الك والى الكاتب والى المنتدي الغالي ودمتملي في قلبي سكنة

manshe 12-03-11 07:09 PM

شكرا جدا على الرواية الحلوة قوى قوى

الجبل الاخضر 15-03-11 07:18 AM

:55::55::55::55::55:برافو :55::55::55::55::55:برافو:55::55::55::55::55:برافو :55::55::55::55:برافو:55::55::55::55::55: برافو :55::55::55::55::55:
:dancingmonkeyff8:ووووو:dancingmonkeyff8:ووووووووواااااااووو وو:dancingmonkeyff8:وووو:dancingmonkeyff8:وو :55:
:Welcome Pills4:والله:7_5_129: حماس:party0033: الاختيار مره:friends: روعه :flowers2:تجنن:friends: تسلم الانامل:flowers2: الذهبيه الي الي كتبت:flowers2: وشكرا لك:8_4_134: على:dancingmonkeyff8: مجهودك:flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flo wers2::flowers2::flowers2::flowers2
:

fadi azar 10-05-11 08:35 AM

روووووووووووووووووووووووووووووووووعة مشكورة على مجهودك

ندى ندى 01-10-11 09:03 PM

روووووووووووووووووووعه

hamesha 03-10-11 12:24 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير

منه_حسام 12-12-11 02:33 PM

بجد ما قريت في حياتى روايه بالكمال والجمال ده وما شاء الله عليكى تسلم ايدك

عصافير الجنة 13-12-11 02:19 AM

:55::55::55:

نهاد الخولى 05-09-12 06:46 PM

يسلموووووووووا
على المجهود رائعه

hoob 09-09-12 02:55 AM

vروعه بجدددددددددددددددددددددد جميله جدااااااااااااااااااااااااااا

black star 14-09-12 08:49 PM

يسلمووووو :55:

جودي جاد 16-01-15 05:51 PM

رد: 31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
الروايه راااااااااااااااااااااااااااااااااأااااااائعه جدا جدا

antheia 20-02-16 03:16 PM

رد: 31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرااااااا جزيلاااااا :55:

ارين الراج 13-04-16 12:08 PM

رد: 31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا علي الرواية يسلمو

نجلاء عبد الوهاب 25-08-22 11:32 PM

رد: 31 - هاربة - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55:


الساعة الآن 10:26 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية