منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148403.html)

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:33 AM

527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
 
527 - شرك الظلام - هيلين بروكس

الملخص

لقد أرادت جاني غوردون الانتقام ، ولكن الأمر بالنسبة غلي غريمها كين ستيل، كان أكثر من مجرد لفت نظر، لقد سقطت جاني في شرك العنكبوت الذي كلما جاهدت للإفلات منه، زاد تخبطها فيه، أما متى ينقض عليها ذلك العنكبوت، وهو كين،ليحطمها بنفس الطريقة التي حطم بها والدها، فلم يكن سوي مسألة وقت
.
منتدى ليلاس
الرواية منقولة

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:34 AM


(الملخص الخارجى)
لقد ارادت جانى جووردون الانتقام ولكن الامر بالنسبة الى غريمها كين استيل كان اكثر من مجرد لفت نظر
لقد سقطت جانى فى شرك العنكبوت الذى كلما جاهدت للافلات منه زاد تخبطها فيه اما متى يننقض عليها ذلك العنكبوت وهو كين ليحطمها بنفس الطريقة التى حطم بها والدها فلم يكن الا مسألة وقت

لقد ارادت جانى جووردون الانتقام ولكن الامر بالنسبة الى غريمها كين استيل كان اكثر من مجرد لفت نظر
لقد سقطت جانى فى شرك العنكبوت الذى كلما جاهدت للافلات منه زاد تخبطها فيه اما متى يننقض عليها ذلك العنكبوت وهو كين ليحطمها بنفس الطريقة التى حطم بها والدها فلم يكن الا مسألة وقت
منتدى ليلاس

(الملخص الداخلى)
(انك مجرم يا سيد استيل)
لم تسمع لهمهمه الاستهجان التى شملت انحاء الغرفة فقد كانت عمياء صماء عن كل شى ماعدا ذلك الوجه القاسى الصخرى امامها
(لقد لاحقت ابى لاجل عده آلاف من الجنيهات حتى فقد كل شئ بما فى ذلك الرغبة فى الحياة ما هو كنه شعورك
عندما يتحمل ضميرك تبعه موت انسان يا سيد استيل ام انك لم تفكر فى ذلك قط؟)


سفيرة الاحزان 13-09-10 08:36 AM

(الفصل الاول)
(جو من يكون ذلك الرجل هناك الذى دخل منذو لحظه مع تلك المراه الشقراء)
فاستدار جو ينظر الى حيث كانت تشير لتقع انظاره على مجموعه من الناس تحيط برجل فارغ الطول متين البنية يقف فى ردهة الفندق وقد تعلقت بذراعه شابة رشيقه شقراء ارتسمت على شفتيها ابتسامه ملتويه
وقال (اه انه كين استيل يا حبيبتى الا تعرفين رجل الاعمال الكبير ذاك الذى يملك نصف لندن ؟ اظنه هنا يقيم مؤتمرا صحفيا كما ترين مع كل هؤلاء الصحافين المنتشرين فى كافه الانحاء هنا انه قد نجح لتوه فى ان يضم
اليه احدى اكبر الشركات مما اثار نهم الصحف الى الاطلاع على التفاصيل على كل حال هل نعود الى التركيز على العمل الذى بين يدينا؟)
بينما عاد جو لاهتمامه بالمواد الاعلانيه المنتشرة على الطاوله المنخفضه التى كانت جالسين اليها يتناولان القهوة
استمرت جانى فى التحديق من خلال الزجاج الذى يفصل الردهة عن قاعه عن القاعة التى كانا يتناولان فيها القهوة لقد سبق وعرفته اذ سبق ورات صورته مرة حين كانت تبحث فى حاجيات والدها بعد وفاته باسبوع
منتدى ليلاس
ولكنها كانت تحتفظ بصورة تلك الملامح القاسيه الخشنه فى اعماق ذاكرتها التى كانت تشتعل كراهيه
ولان ها هو ذا هنا بلحمه ودمه فما الذى عليها ان تقوم به الان ؟
نعم ماذا ؟ ولم تستطع ان تحول انظارها عن هذا الجسم الضخم الذى كان يدخل المصعد الان متواريا عن الانظار خلف بابه لقد سبق واقسمت امام جثمان والدها انها ستذيق الراس الاكبر لمؤسسه استيل ما يستحقه عندما تقع نظرها عليه .
ولكنها لم تتوقع ان يكون اجتماعها به سيكون فى احدى افخم فنادق لندن الخاصه حيث كان يعقد ممؤتمرا صحفيا وتساؤلت تحدث نفسها بصمت ومع ذلك ما الذى ساخسره؟ ربما ستخسر وظيفتها وشقتها الصغيرة الى توفرها لها هذه الوظيفه وكذلك اغلب اصدقائها .
حتى جو فلاندورز لن يعجبه هذا العمل كلا ولا اى شخص له علاقه بمؤسسه استيل وليس برئيسها فقط .
هذا ما عداها هى . ومنحها هذا التفكير قوة حديديه كما اشعل النار فى عينيها . انها لن تستطيع الرقاد فى الليل بعد ذلك اذا هى لم تفعل شيئا مما قد صممت عليه فهو قرض عليها نحو ابيها ذلك الرجل الرضى الطبع الذى كان سبب وجودها
ونبهتها من شرودها ذاك لمسه من جو على زراعها مجفلة اليه بينما كان هو يقول (جانى .....ما بك ؟ هل انت مريضة؟)
فاجابت وهى تنهض واقفة (اننى آسفة يا جو ان على ان اقوم بعمل ما وساعود بعد دقيقة)
فقال (اننا سنجتمع مع المدير فى الساعة الخامسة فى مكتبه) ونظر الى ساعته بقلق وهو يتابع (ومازالت اريد ان نتحدث بشكل اوسع عن هذه الصور هيا اسرعى ان مكان استراحة السيدات الى اليمين )
فقالت (حسن) وعندما اجتازت الردهه تقدمت من مكتب الاستعلامات وهى تقول بجد (علمت ان السيد استيل يعقد هنا مؤتمرا صحفيا وقد تاخرت فهل لك ان ترشدينى الى مكانه من فضلك؟)
فقالت الموظفة بضجر (انه فى الطابق الثالث اما غرفة المؤتمر فهى يمين المصعد )
فشكرتها جانى وقد ابتدا قلبها يخفق . ولكنها كانت قد صعدت الى الطابق الثالث قبل ان تشعر بالرجفة فى ساقيها بشكل واضح .
وتناهت الضجة الى مسامعها قبل ان تفتح الباب وتدخل الى غرفة واسعة يكسو ارضها السجاد.
وعلى الفور اتجهت عيناها نحو مجموعة صغيرة من الرجال يجلسون فى الطرف الاقصى من الغرفة تلك خلف مكتب من خشب الجوز بالغ الفخامة قد ارتفع فوق منصة صغيرة.
وكانت فى طريقها الى المنصة وسط اضواء آلات التصوير عندما تناهى الى مسامعها صوت ارتفع من بين ذلك الحشد من الصحافيين يقول (كم يبلغ مقدار التعامل التجارى يا سيد استيل ؟)
وضاع صوته فى اذنيها وهى تجتاز المسافة القصيرة الى المنصة وكان الناظر يرى شابة صغيرة ذات قوام يميل قليلا لامتلاء ووجه صغير بشكل قلب متوسط الجمال وكان شعرها وعيناها اجمل ما فيها .
ولدى رؤية استيل لها وهى تقف امامه بعينين متالقتين فى وجه شاحب تنطق ملامحه بالعداء المر تجمدت الكلمات فى جوابه عن ذلك السؤالعلى شفتيه وضاقت عيناه الزرقاوان عن نظرة باردة كالثلج.
(السيد استيل ؟السيد كين استيل ؟) واخترقت كلماتها هذه واضحه جلية ذلك السكون الذى كان بقيه انحاء الغرفة حيث كان الصحفيون متربصين لاى شئ غير متوقع.
نعم وانا آسف فانا لاواجاب هو وعيناه تقعان على وجهها بنظرة صاعقة اعرفك)
وتقدم واحد من الحرس الى الامام وساد السكون الغرفة الفسيحة بينما مد الصحافيون اعناقهم وقد جهزوا اوراقهم .
واجابته هى بمراره (ليس تماما ولكننى اعرفك يا سيد استيل . ان لدى سببا مهما يجعلنى اعرفك ) وبدا عليها انها تبذل غاية الجهد فى النطق بهذه الكلمات .
فقال بلهجه بارده كالثلج وهو يستدير من حول المكتب نازلا من على المنصة الى الارض فيقف بجانبها وهو يشير الى الاخرين الجالسين هل لك ان توضحى كلامك؟)حول المكتب ان يبقوا فى اماكنهم
فحدقت فيه ثائرة وقد التهبت وجنتاها وهى تجيبه قائلة : (نعم سافعل اسمى هو جانى غوردن . هل يذكرك هذا الاسم بشئ؟)
فاجاب ببرود : (ليس من عاداتى العودة الى الذكريات يا آنسة غوردون كما لم يعجبنى تطرقك الى حديث خاص عنى وسط هذه المشاغل . فاذا كان لديك ما تقولينه فتابعى كلامك والا فاخرجى من هنا)
وكان التحدى واضح عليه وهو يقول ذلك.
وذهلت لحظه للغطرسة البالغة فى قوله ذاك ثم ما لبثت الثورة التى سبقت وتملكتها منذ سنتين ان عادت اليها الان بكل وحشيتها.
وقالت ( انت مجرم يا سيد استيل )
ولم تهتم لهمهمات الاستهجان التى شملت انحاء الغرفة فقد كانت عمياء صماء عن اى شئ ما عدا هذا الوجه الصخرى امامها .
وتابعت تقول (انك وحش حقير لقد لاحقت ابى لاجل عده آلاف من الجنيهات هى قطرة فى محيطك الى ان جعلته يفقد كل شئ بما فى ذلك الرغبة فى الحياة ماهو كنة شعورك عندما تحمل ضميرك تبعة موت انسان يا سيد استيل ام انك لم تفكر فى هذا قط؟)
وكان توهج وجنتيها يكشف الشحوب البالغ الذى كان يكسو بقية ملامحها مما لم يدع الناظرين اقل شك فى انها كانت تعنى كل كلمة نطقت بها .
وبدا فى ملامحه غضب عنيف وهو يقول بصوت منخفض تنبئ لهجته بشر مستطير (لقد خرجت تماما عن حدودك يا آنسة غوردون فانا لم يسبق ان سمعت باسم ابيك.........)
ودفعها شعور خفى مبهم الى ات تشعر برهبة الموقف ولكن من الغريب انها لم تشعر بغير الغضب والالم والارتياح الارتياح للتنفيس اخيرا عن كل ما كان يثقل نفسها طوال تلك المده وقالت (ذلك لانه اطلق على شركته اسم (جيسدون لا بيللى) وهو اسم امى جيسيكا غوردون).
ولمحت لمعة خاطفة من الادراك تعبر عينيه الزرقاوين لترفع كفها فى اللحظه التاليه فى صفعة مدوية على وجهه جعلت راسه يرتد الى الخلف.
وكانما افلتت الثورة من عقاله فتصاعدت صيحات الصحافين خلفها واصوات آلات التصوير .
واندفعت جانى مغتنمه الفوضى التى حدثت تشق طريقها بعنف خاجة نحو المصعد لتقتحمه فى نفس الوقت الذى ابتدات ابوابه تقفل.

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:37 AM

وعندما اصبحت فى داخله انتبهت الى الجلبة التى احدثتها اندفاع الرجال الى الممر تتلاشى الاصوات بهبوط المصعد بها الى الطابق الاسفل.
وعندما اصبحت فى الردهه اندفعت خارجة من المبنى دون ان تنظر يمنة ويسرة متجهه بنظراتها الى الامام وقد اختطف لونها الشحوب.
كانت تحث السير وهى تردد بذهن زائغ وراس تملكه الدوار (لقد نال ما يستحق انه كان اقل من ان يعتبر انسانا حتى ولا حيوانا وهى غير نادمه على ما فعلت مطلقا واعادها الى الواقع لسعة الهواء البارد الذى تخلله صقيع الشتاء لتدرك ان عليها ان تخرج من هذا الشارع العاد الذى يقوم فيه الفندق وتدخل احد الشوارع الفرعية ذلك ان المتعقبين سرعان ما يكونون فى انرها بعد دقائق وهى لا تستطيع مواجهة اى انسان الآن .
ذلك انها كانت ترتجف الى حد لم تكد تستطيع فيه الوقوف بثبات.
وانعطفت فى الشارع الضيق مخلفة الشارع العام باضوائه وازدحام حركة السير فيه حيث وقعت عيناها على حانة صغيرة تكاد تكون مهجورة وحالما رات نظرة الدهشة التى رمقها بها المستخدم الشاب انتبهت ان معطفها وحقيبة يدها ما زالا مع جو فى الفندق فى الرقت الذى كان فيه ثوبها الخفيف هذا لايصلح لمثل هذا الجو فى الخارج.
وعندما دخلت استراحة السيدات استندت على الجدار البارد شاعرة بالدوار .
منتدى ليلاس
ان عليها ان تلتمس من رجل الحانه ان يسمح لها باستعمال الهاتف .
فقد تستطيع الاتصال بصديقها جو فى الفندق لتطلب منه موافاتها باشيائها تلك.
واغمضت عينيها انه سيثور ولكن ليس بامكانها ان تتصرف بغير ذلك حتى مفتاح شقتها كان فى حقيبة يدها.
وكان اتصالها به أسوأمما توقعت .
فقد بدا صوت جو متوترا غريبا وعدها بان يكون عندها بعد دقائق وهذا كل ما كانت تريده.
وجلست مواجهة للباب ترتجف من اضطراب مشاعرها اكثر منها شعورا بالبرد بعد اذ ابتدا ادراكها لما فعلت يعصف بكيانها لا شك ان اباها كان حتما سيتملكه الذعر للمشهد الذى احدثته ابنته الوحيدة .
وهزت راسها بالم وهى تتصور وجهه الوديع . لقد كان من الرقة والثقة بالاخريب بحيث يشكل فريسة سهلة لامثال كين استيل عديمى الرحمة او كما يقول المثل الحمل والجزار.
(الانسة غوردون) وتجمدت فى مكانها لحظة لا نهاية لها قبل ان تدير راسها لتقابل المصير المرعب من وراء ذلك الصوت الكريه عند الباب الذى كان يقول ( انك لن تفلتى بهذه السهولة يا آنسة غوردون).
لم يسبق قط لجانى ان شاهدت من قبل وجها قد اسودمن الغضب بهذا الشكل الذى تراه الان مما غير ملامحه باجمعها.
وصرخت فيه وهو يمسك بذراعها يرغمها على الوقوف على قدميها (ماذا) وبترت جملتها وهى ترى نفسها تدفع بعنف من خلال الباب الى الخارج حيث كان سائق فى ثيابه الرسمية يجلس بصمت وراء عجلة القيادة فى سيارة بنتلى رائعة بلونها الرمادى الفضى
وكانت بزته الانيقة بنفس لون السيارة .وكانت عيناه جامدتين بينما كان كين ستيل يشير الى السيارة وهو يقول غاضبا (اصعدى)
فاخذت تحاول تخليص نفسها من قبضته الحديدية وهى على اهبه الهرب لدى اول فرصة .
وعاد يقول بلهجة بالغة التوتر (قلت لك اصعدى يا آنسة غوردون )
فقالت (لقد سمعتك) وكانت تجاهد لتمنع الخوف الذى كان يسرع بخفقات قلبها من ان يظهر فى وجهها او صوتها ولكنها كانت تدرك ببالغ الذل ان باستطاعته ان يشعر بالرجفة التى تسرى فى جسدها من خلال قبضتة القوية على ذراعها .
لم يكن ثمة انسان فى ذلك الشارع الخفيف الاضاءة .
ونظرت حولها فقشعر جسدها وشعرت براحتيها تتتعرقان من الرعب.
اليس ثمة من ينقذها؟اين هو جو واين الاخرين؟ ان بامكانها ان ترى اضواء اشارة السير وتدفق الحركة فى ملتقى الشارعين ولكن هنا فى هذا الشارع الخلفى الهادئ كان كل شئ يبعث على الرهبة.
وادارها اليه لتجد نفسها تحدق فى وجهه القاسى وهو يقول (اذا كنت تتوقعين ان ياتى جو فلاندرز لانقاذك فانت مخطئة انظرى الى داخل السيارة ).
فنظرت خلال باب السيارة البنتلى المفتوح لترى معطفها وحقيبة يدها على المقعد وهتفت قائلة بصوت ينضج مرارة (كيف تمكنت من احضارهما ؟ هل استعملت شيئا من السلطة والنفوذ ما جعلك تتوقع من وراء ذلك التبجيل والاحترام )
لماذا خذلها جو بهذا الشكل ؟ كيف بامكانه ان يفعل هذا؟
فاجاب ببط (تماما لقد سبق وقابلت السيد فلاندرز فى اكثر من مناسبة .
وقد تفضل بالتقدم الى مساعدىعندما راه يطلب من موظفة الاستعلامات ان تذيع اسمك فى الوقت الذى اتصلت انتى فيه هاتفيا . لقد كان يعرفنى......)
فقاطعتة تترتجف (اننى اعرفك ايضا وهذا هو السبب بالضبط فى اننى ارفض الدخول معك الى السيارة )
فقال متوعدا (اعيدى التفكير فى ذلك)
وارتسمت على شفتيه ابتسامه اشبه بتكشيرة الذئب. مبديا اسنانا قوية بيضاء وهو يتابع قوله والا فستتهمين بالقذف والمهاجمة والتسبب فى عراك فى مكان عام .هل اتابع كلامى اكثر من ذلك ؟)
ونطقت عيناه بالقسوة وهو يتابع قائلا (ان سجن النساء ليس مكانا جميلا لقضاء ليلة فيه يا انسه غوردون ولكن هذا ما سيحدث اذا بقيت على اصرارك هذا )
فاتسعت عيناها البنيتان العميقتان برعب وهى تحملق فى ذلك الوجه القاسى بينما كان هو ينظر اليها بعينين ضيقتين تنطقان بالشر وقالت (انك لن .......هل ستفعل ذلك حقا )
فاجاب وهو يترك ذراعها فجاه (طبعا سافعل )
وصعد الى السيارة تاركا اياها واقفة ترتجف على الرصيف . ثم عاد يقول : ( لك ان تختارى يا انسة غوردون وعندك مهلة عشر ثوانى لذلك فاما ان تصعدى بعدها الى السيارة لكى يمكننا ان نناقش على انفراد اسباب تهجمك على ذاك واما ان ندع القضية كلها بين ايدى المسؤلين فاى امر تختارين ظ)
وانهى كلامه بصوت عميق خال من الشفقة.
فعضت على شفتها السفلى لحظة وهى تقف مرتجفة فى جو المساء البارد ذاك ثم سألته (الى اين ستاخذنى؟)
فمال نحوها مصوبا اليها نظرة ثاقبة وهو يجيب بقولة هذا شانى انا لقد انتهت المهلة يا انسة غوردون وانتهت محاولاتى الرقيقة لاقناعك).
فجفلت وهى تقول بياس (انك لم تترك لى خيارا آخر ).
وافسح لها مجالا لكى تصعد وهو يضحك بخشونة قائلا(هذا صحيح تماما).
وصعدت الى السيارة وقد بانت عليها التعاسة وما ان استقرت فى مقعدها حتى غمرها الشعور بالرفاهية البالغة وقد افعمت انفها رائحة الجلد الممتاز ممزوجة برائحة كولونيا بعد الحلاقة غالية الثمن .
وفى داخل السيارة تجلى لها فجاه كبر حجمه ولاول مرة تلحظ عرض كتفيه غير العادى وصدرة الفسيح الذى يتناسب مع طوله الفارع وقال ( والان هل ستعطينى عنوانك؟)
وارغمت نفسها على النظر الى وجهه المغضن المظلم وهى تجيبه بقولها ( كلا . لن افعل )
فقال (حسنا جدا ) وادار راسه نحو السائق ثم اعطاه عنوانا لم تسمع به قط من قبل قبل ان ينزل بعنف الزجاج الذى يفصلهما عن السائق وهو يقول ببطء وبلهجة كالصقيع ( لقد سالتك فلا تنسى هذا .)
وما لبث الخوف الذى كانت تحاول كبته طيلة الوقت ان تفجر بعنف لتقول ( صبرا لحظة ليس بامكانك ان تختطفنى.)
(اختطفك يا آنسة غوردون؟) وبان الهزء على شفتيه وهو يتابع قائلا ( ولماذا اختطف فتاة كريهة مهزوزة مثلك ان فى حياتى من مشكلات ما يكفى فلماذا اسعى الى المزيد ؟)
وتجاوزت عن هذه الاهانة مؤقتا اذ كان لديها ما هو اهم من ذلك وسألته ( الى اين نحن ذاهبان ؟) فاتكا الى الخلف فى مقعده الوثير وقال وهو يغمض عينيه: (ستعلمين ذلك قريبا جدا لقد نلت الكفاية هذه الليلة فاقفلى فمك الكريه الصغير الى ان نصل الى هدفنا ولا ادرى لماذا اكلف نفسى عناء البحث عن سبب كل هذا لاشك اننى مجنون)
فقالت (انك تعلم ان........)
فقاطعها دون ان يفتح عينيه بلهجه اسكتتها (اسكتى يا آنسة غوردون.)
لقد كان رجلا هائلا وشعرت بخفقات قلبها تتصاعد لدرجة تاكدت معها من انه لابد سنعها كان قويا خطيرا ودفعها الذعر لدى ادراكها فجاه انها سحبت النمر من ذيله دفعها الى تحويل نظرها الى خارج النافذة بيأس وقد اضطرب تفكيرها هل تراها تتمكن من القفز من السيارة لدى توقفها عند الاشارة الضوئية القادمة؟ انه عن ذاك لن يتمكن باللحاق بها فى شوارع لندن وقفزت لدى سماعها صوته عميقا بالغ الرصانة وهو يقول : (لقد اقفل بينز النوافذ اتوماتيكيا بناء على تعليماتى .)
ونظرت الى وجهه بحدة لترى ان عينيه مازالتا مغمضتين تماما وهو يتابع قائلا : ( استريحى فى مقعدك واستمتعى برحلتك هذه يا انسة غوردون . انك فى قبضتى سواء اعجبك هذا ام لا )
فقالت : ( انه لا يعجبنى .)
فقال وهو يغير من جلسته حسنا لكى ان تعتبرى هذا جزء صغير من عقابك عن فعلتك تلك .)
فقالت بحدة غير مصدقة : ( عقابى ؟ اسمع الان اننى لا افهم ما يجول فى ذهنك ولكن ...)
منتدى ليلاس
فقاطعها وقد اتكا فى مقعده دون حراك وكانه هر ضخم خطر : ( لكى ان تفهمى ما تشائين يا آنسة غوردون . ولكن ليكن فى مفهومك ان ليس ثمة من يعترض طريقى ثم يفلت من العقاب .)
وحدقت هى فيه بصمت بينما السيارة تنطلق بسرعة مجتاذة الاشارات الضوئية رغم ان تحديقها ذاك كان لا معنى له وهو مغمض عينيه . كان رجلا ينطق بالرجولة وجالت انظارها بتكاسل بين معالم وجهه الخشنه وشعره الاسود الذى مسه الشيب فوق الاذنين.
وبدا لها قويا مليئا بالحيوية بالغ النشاط والثقة بالنفس.
وتجمدت فى مكانها ذعرا وهى تلمس المدى الذى وصلت اليه افكارها.
وما الذى يهمها حتى ولو كان انشط الرجال على وجه الارض.
انه بالنسبة اليها كين استيل الذى تكرهه وتبغضه فمهما كانت وسامته...ولكن هل هو وسيم حقا ؟ واخذت تتامل مرة اخرى ذلك الوجه المسترخى كلا كلا مطلقا انما هناك فى الحقيقة جاذبية اخاذة تنطق برجولة تفوق اى جمال صبيانى وهزت راسها لخداعها هذا لنفسها اذا ليس ثمه خير فى هذا الرجل مطلقا مهما كان منظره او اى شئ آخر.
كلما طوت السيارة المسافات كان شعورها بالقلق يزداد لقد كان الامر فى منتهى السخرية واذا لم تقف السيارة فستبدا بالصراخ والضرب على الزجاج الفاصل بينه وبين السائق الى ان ينتبه هذا فيقف فهى امراه ناضجه فى الرابعة والعشرين وليست تلميذة لا حول لها ولا قوة .
وقال : (هل اكلت شيئا ؟ )
(ماذا؟) ونظرت اليه بعنف لدا سماعها صوته العميق هذا بحيث لم تستوعب كليا ما قال .
وفتح عينيه الزرقاوين المسييطرتين لتسكتها وهو يقول : (لقد سألتك ان كنتى قد سبق وتناولت طعاما قبل ان تادى ذلك العرض الرائع . )
فقالت : ( اننى لم اكن اؤدى عرضا كان هذا ...) وتلاشى صوتها بعد اذ لم تجد التشبه المناسب وتصلب جسدها وهو يبتسم ببرود وقد كسا وجهه الاحتقار البالغ وهو يقول ساخرا : ( لبا يدهشنى ان ارى عملك ذلك قد الجم لسانك واطمئنك الى ان تاثير ذلك العمل كان له على نفس التاثير .)
فنظرت اليه بحقد وهى تقول : (حسنا...)
فعاد يكرر بلهجه انباتها ان من الافضل لها ان تجيب عن سؤاله حالا : ( لقد قلت هل تناولت طعاما ؟ )
فاجابت بلهجه متوترة وقد نمضحت عيناها بالكراهيه والعداء : ( كلا فى الحقيقة مع اننى لا ادرى مبلغ علاقتك بهذا الامر ...)
فقاطعها باشارة من يده تنبئ عن ضيقه وهو ينظر من النافذة قائلا : ( دعى الحديث عنى ... وها قد وصلنا .)
فقالت بحذر : ( وصلنا ؟ الى اين ؟ )
وما لبثت عيناها ان اتسعتا حين دخلت السيارة الرائعة الجمال خلال بوابة واسعة مفتوحة على مصرعيها قائمة فى جدار من القرميد لتدرج فى ممر فسيح مرصوف بالحصى متجهة الى منزل ضخم

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:39 AM

ونظر اليها وهو يقول متهكما بعد اذ راى شيئا من اللون يزحف الى وجنتيها : ( انه منزلى وهو المكان الذى الذى كلمتى فيه هى قانون مطاع. هل فهمتى ؟ )
وكانت عيناه تنظران بسخرية الى خوفها البادى وقالت وقد بدا الخوف فى لهجتها : ( منزلك "؟ اسمع اننى لا اعرف ما هى اللعبة التى تقوم بها ولكن ...)
فقاطعها بحدة : ( اننى لا العب يا انسة غوردون .) وكان وجهه متحجرا وعيناه فى مثل بروده الثلج وهو يتابع قولة فاللعب هو آخر ما افكر فيه لقد تعرضت لهجوم دون انظار مسبق ولاتهمت بمختلف انواع الجرائم وارغمت على ترك مؤتمر صحفى تحت اسوء الظروف وانا اعلم ان صورتى ستحتل الصفحات الاولى من الصحف صباح الغد مما سيسر منافسى العديدين وذلك بسبب خاطر اهوج عصف براسك فاذا كنت تعتبرين هذا لعبا فانك اشد جنونا مما تصورتك .)
فقال : ( اننى لست مجنونة...)
وسكتت فجاه يبسط جسمه الكبير والسائق يفتح له الباب ليجرها من السيارة جرا حالما اصبح فى الخارج.
وقال ببرود عليك الان ان تدخلى المنزل وتشرحى لى سبب تصرفك ذاك . والافضل ان توقفى فى اقناعى بتبرير ما حدث. )
وعندما اصبحت بجانبه قالت : ( يا لك من مستبد .)
ووقفت تنظر الى ذلك المنزل الذى لا مثيل لضخامته .
ولم تعرف ايهما اكثر ارخابا لها اهو هذا المنزل الجميل بشكل لا يصدق ام هذا الشخص الضخم الواقف بجانبها لقد كانت فى الفندق من السخط والانفعال ما اعماها عن انه لا اطول قامه منها ذات المئة وثمانية وخمسين سنتيمترا وها هو واقف يشرف عليها كثائر ....وتسمرت عيناها فى تللك العينين الثلجيتين.....
منتدى ليلاس
واشار اليها لتصعد الدرجات الحجرية الفسيحة التى تقود الى الباب الامامى المزخرف وهو يقول عابسا : ( انك لا تدركين ما فعلته يا آنسة غوردون لقد جعلتنى افقد اعصابى هذه الليلة وهذا شئ لم يحدث لى منذو سنوات ولا اريده ان يحدث مرة اخرى.)
وحدقت فيه بنظرات متمردة بينما ساقاها ترتجفان وهو تقول (كلا؟)
فاجاب : ( كلا ولكننى اشعر بان هذا ممكن تماما فقط عليكى ان تتصرفى بهدوء .)
فجذبت ذراعها من يده وهى تحدق فيه بعينى تنضحان بالحقد وهى تقول : ( بهدوء انك وقح ...انك حقا...)
فقال بلهجه متوترة فى الوقت الذى كان السائق يتركهما متابعا طريقه الى حيث الكاراج ( هل تنعتيننى بالوقاحة ؟ ولكننى لا انوى البقاء واقفا هنا اتراشق معك الالفاظ اكثر من هذا هيا انك ستدخلين وستجلسين ثم تخبريننى بسبب كل هذا .فهمت ؟)
وعندما فتح الباب ساورها شعور قوى للحظة قصيرة بانها داخله لتشاهد النجمة المشهورة تنزل على السلم الدائرى الذى يطل على نهاية هذا الجدار الشاهق فلن يدهشها هذا المنظر ابدا وشعرت بالسخرية المرة وهى تنظر الى السجاده التى كانت تغوص فيها الى كاحليها والى الخشب الاثرى والثريات المتالقة فوق راسها وهى ضربت صاحب هذا كله لم يحدث انها اصيبت بنوبة عصبية قط من قبل ولكنها شعرت بشئ من هذا وقال لها وهو يوجهها نحو باب ضخم مجتازا بها قاعة فسيحة : ( من هنا ) وقبل ان تدرى ما كان يحدث وجدت نفسها فى غرفه لا تماثلها غرفة فى اى منزل فخم.
( اجلسى ) واطاعته لتتهالك شاكرة على الكرسى سررعان ما كشف باتساعه ضآلة حجمها وكانت ساقاها قد اوشكتا على الانهيار .
وقال لها بملامح خالية من التعبير ( اتريدين ان تشربى شيئا ؟ )
وحولت انظارها عن قطع الاثاث الرائع بصعوبة لتحدق فى ذلك الوجه القاتم وهو تساله : (عفوا )
فعاد يسالها بضيق : ( اتريدين ان تشربى شيئا؟)
فاومات براسها بحذر وهو تقول شيئا من العصير من فضلك ولكننى لن امكث هنا طويلا ساستدعى سيارة اجرة تعيدنى الى منزلى.)
وملا لها كوبا من العصير

________________________________________
[align=center]وملأ لها كوبا من العصير مشى به اليها، ليجلس بعد ذلك على كرسى واسع ذى ذراعين قبالتها، وهو يحمل كوبه بيده، بينما لم يكد هذا الكرسى يستوعب جسمه الضخم.

وتساءلت فجأة بغضب ، هذه الرفاهية وهذا الترف كم منه قد أحرزه صاحبه من وراء تدمير حياة الآخرين كما فعل معهم؟ وذلك بدفع رجال الأعمال الى الحافة لكى يلجئهم الى الدائنين ومن ثم يطالبونهم بالديون رافضين تمديد مهلة سدادها...لقد كانت قائمة أسماء الذين دمرت حياتهم بهذه الوسيلة، لا نهاية لها ولا شك أنه هو على علم بكل هذه الخدع.

قال وهو يرى عينيها البنيتين تعودان الى التألق: (( حسنا، فلنستمع الأن الى كل شئ، ومنذ البداية من فضلك.))

فقالت وهى تحاول تمالك فيض من المشاعر كانت على وشك التغلب عليها وهى تفكر فى أن كل هذا الثراء الهائل الذى يمثله هذا البيت، ما كانت شركة أبيها الصغيرة الا قطرة فى بحره، قالت: (( وما الغاية من ذلك؟))

فقال بعنف: ((الغاية هى اتهامك لى بأشياء خطيرة هذه الليلة، متعمدة قيامك بأقصى حد من الاثارة. وهذا يبدو لى سيئا، يا جميلتى، فما هو هدفك من وراء ذلك؟))

فقالت بازدراء: (( من وراء ذلك؟)) ووضعت الكوب من يدها على المنضدة التى بجانبها، بعنف، وهى تهب واقفة لتخطو بسرعة نحو النار المستعرة فى المدفأة. كانت تشعر بالبرد...بالبرد الشديد الذي لا يمكن أن تشعر بعده بالدفء، وكانت ترتجف بعنف وقد ملأتها الكراهية لهذا الرجل.

ونهض بسرعة وهو يرى الرجفة العنيفة التى أصابتها، وهو يقول: ((اننى لم أعطك معطفك، أليس كذلك؟ انه ما يزال فى السيارة.)) وعندما شعرت بجاكتته الثقيلة على كتفيها، تصلب جسدها احتجاجا. كان القماش مشبعا برائحة عطره، مما جعلها ترفضها قائلة: (( اننى لا أريدها.)) وأزاحت الجاكتة عن كتفيها تعيدها اليه وقد بدت عيناها قاتمتين فى وجهها الشاحب.

وضاقت عيناه وهو يستعيد الجاكته منها، ما جعلها تدرك أنه شعر بتغير شعورها نحو اى اتصال به. لمحت ذلك فى توتر فكه وفى امارات القسوة التى بدت على فمه المطبق. ولاحظت بيأس أن شعورها السابق بالافتنان قد عاد بكامل قوته. لقد بدت قوة كتفيه الآن أكثر وضوحا فى قميصه الحريرى الأزرق. وكان جسمه الصلب مشدودا وهو يحدق فيها بصمت عدة ثوان طويلة متوترة.

وأخيرا قال ببطء: (( انك تدفعيننى الى تجاوز الحد. وهذا ليس تهديدا يا أنسة غوردون. اننى لا أريد أن أؤذيك و لكن...))

(( تؤذينى؟)) وكاد ذلك أن يكون مضحكا لولا الحزن الذي يغمر نفسها، وتملكتها المرارة وهى تنظر اليه بعينين مبللتين بالدمع.
منتدى ليلاس
وعادت تقول وهى تبذل جهدها لتتمالك اعصابها: ((تؤذينى؟ لا يمكنك ان تفعل سيئا نحوى اكثر مما سبق وفعلت سيد ستيل. لقد أفقد جشعك، عديم الرحمة، أبى عمله ومنزله، وفى النهاية حياته، لقد ذهب كل شئ، كل شئ. لقد محا عملك هذا الأثنين و عشرين عاما من حياتى. كيف لك بأن تفهم ذلك؟)) ودفعت الى الخلف بشعرها الحريرى الأسود الكثيف عن كتفيها بيد مرتجفة، وهى تتابع قائلة: ((وأسوأ ما فى الأمر هو أنك لا تتذكرحتى اسمه.))

ولم تعد تستطيع أن تحبس الدموع التى كانت تكبتها طيلة المساء، وعندما حنت رأسها وقد أعمتها تلك الدموع كما بللت وجنتيها، ادركت، وقد تملكها الذعر انها جعلت نفسها تبدو اكثر حماقة مما هى بالفعل. وان لاشئ هناك يمكنها عمله بهذا الشأن، لاشئ مطلقا.

نهاية الفصل الأول


________________________________________

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:40 AM

الفصل التانى

وعندما توقفت العاصفه، واستحال بؤكها الى نشيج متقطع،قال لها بثبات
اذا، فشكواك حقيقيه)
قال هذا بملامح خاليه من التعبير .ورفعت نظرها اليه بسرعه لترى ان العينين الزرقاوين الصارمتين قد اصبحتا
متحفظتين كما لمست فيه تغيرا غامضا لم تستطع ان تتبينه جيدا . كانت القسوه والسخريه مازالتا مرتسمتين على شفتيه ،
وكذلك الخطان المحيطان بفمه .وكانت ملامحه الظاهره ما زالت قاسيه عنيفه . ومع هذا ،كان ثمه شىء ما ....
وقال ببطء بامكانى ان اميز التعاسه الحقيقيه عند رؤيتها، يا انسه غوردون، ولكن عملك مازال لا عذر له .
لقد كان بامكانك ان تطلبى مقابلتى فى اى وقت لكى نضع حدا لسوء التفاهم هذا ...)
ورفعت راسها كنمره صغيرة وهى تقول
سوء تفاهم ؟صدقنى ظن ليس هناك سوء تفاهم .كما انه ليس بامكانك استغفالى بهذا الشكل ،اننى لست غبيه.)
قال ببرود
اننى لن ارد على هذا بشكل صريح ، ذلك ان عملك هو اكثر فعاليه من اى كلمه اقولها ، كم مضى على موت ابيك ؟)
فحدقت فيه بتوتر وهى تجيب سنتان.)
فعاد يسألها متجاهلا توتر جسددها المؤلم وهل بكيت عندما مات ؟)
فابتدأت تقول حسنا ،بالطبع...)وما لبث صوتها ان تلاشى وهى تقطب حاجبيها مفكره،ثم تتابع قائله
كلا، لا اظن اننى بكيت،فى الحقيقه .)
فقال هذا شىء سيىء جدا الى نفسيتك.)
فنظرت اليه بدهشه ، كان هذا اخر ما تتوقعه من شخص قاس عنيف مثله.وتابع قائلا
ذلك انه يخلق ظلاما كالشرك ، يغطى كل شىء .)
فقالت وهى تنتصب واقفه رافعه راسها متحديه
اسمع ، اننى بخير ليس بى شىء.)وكانت كلماتها الاخيرة حافله بالمعانى .
واومأ هو برأسه بخفه وقد بدت الصرامه فى نظراته ، وهو يقول
هل افهم من هذا اننا عدنا الى الاتهامات؟)
فأجابت بفتور وهى تزيح عن وجهها المبلل خصله من شعرها
اوه،انك تعرف ما اعنى ، لا يمكن ان تكون قد نسيت الامر تماما ، لقد شعرت بهذا فى الفندق .)
فأجاب فقط بالنسبه لاسم شركه ابيك .)
هزت برأسها دون ان تتفوه بكلمه . وقال لها
اسمعى ، حدثينى بالأمر منذ البدايه .)
منتدى ليلاس
وعندما مشى الى كرسيه لاحظت شىء من الحذر يشوب مشيته يشبه التردد ، وكان هذا غريبا بالنسبه الى رجل مثله
.ولكن ، عندما جلس ازاحت هذه التصورات جانبا بضيق . لم يكن لها حاجه الى جعله موضع اهتمامها .
وأجابت حسنا ، ليس هناك الكثير ليقال .)
وقاومت عطسه كادت تفاجئها ، فنظرت اليه قائله ببطء بصوت كئيب
هل اجد عندك منديلا ؟)
فقال يجيبها بنفس الصوت الكئيب الفاتر الذى خاطبته به:
(نعم . عندى منديل .)
وصبغ الاحمرار وجهها وهو يتقدم منها بمنديل قطنى كبير ابيض ، هل كانت لهجتها بهذا الشكل الذى قلده هو؟
كان عليها ان تلاحظ نفسها اذ يجب ان لا يعتبرها اقل منه .... كيف يجرؤ على السخريه منها ؟
وابتدأت تتكلم بهدوء بعد ان مسحت انفها ، ثم استقرت فى كرسيها ، قالت :
(لقد اسس والدى الشركه بالاشتراك مع امى فى العام الذى ولدت انا فيه ، وكان نجاحهما جيدا ...
وكان لنا منزل جميل عشنا فيه برفاهيه عاديه . ليس مثل هذه الرفاهيه هنا ، بالطبع .)
ونظرت اليه بسخريه وهى تستطرد ولكننا كنا سعداء )
وتوقفت عن الكلام ،فقال يستحثها وقد شردت نظرتها مع الذكريات نعم ؟)
فتابعت تقول وما لبثت امى ان وقعت مريضه تشكو من قلبها ،عندما كنت فى اولى سنوات المراهقه وكان ابى يمضى اكثر اوقاته معها .ولا اظنها كانت تعلم بانه رهن المنزل لكى يبقى على مسير الشركه . ولكننى لم اعلم بذلك ابدا . وقد توفيت عندما دخلت الجامعه .)
قال اننى اسف لذلك .) وكانت عيناه النفاذتان لا تغادران وجهها وهى تتحدث ، كام ان صوته العميق كان خاليا تماما
من اى مشاعر.
وتابعت تقول وبطبيعه الحال ، اصبح والدى محطما تماما ، ولكنه القى بنفسه فى الشركه محاولا ان يسترد الوقت الذى
وضيعته ، كما اظن ، وقد نجح فى ذلك بشكل جيد . فقد كان عندنا مجموعه مخلصه من الايدى العامله ، كما انه اصبح
بعد رحيل امى ، يمضى فى الشركه مايشاء من الساعات ، وهذا فى الحقيقه ، ساعده تماما اذ شغل ذهنه عن احزانه .
وكان قد حصل على عقد كبير ملأه بهجه ، اذ كان ممكنا معه ، تخليص املنزل المرتهن ، فهو كان يريده لاجلى ولكن ، عند
ذلك ...)وسكتت فجأه رافعه عينيها المتسعتين الى وجهه لتستطرد قائله :
(عند ذاك ، تدخلت مؤسسه ستيل .)
وسألها عابسا كيف ؟)
فحدقت فيه بغضب وهى تجيب الا تتذكر؟ كان هذا منذ سنتين فقط . لا يمكنك ان تنسى التفاصل بمثل بهذه السرعه.)
فسألها متوترا هل عندك فكره عن مدى اتساع مجلس اداره الشركه عندى ؟ ثم هنالك العديد من الفروع للشركه فى مختلف انحاء العالم مما يأخذ الكثير من وقتى واهتمامتى . ليس بامكانى التعامل . شخصيا مع كل شىء .)
فقالت على الفور وقد اتسعت عيناها كلا معك حق لا اظن ذلك .)
لم يكن هذا قد خطر فى بالها من قبل . وتابعت تقول :
(حسنا ، انك ...اعنى شركتك ، كانت قد اشترت بقيه المبنى الذى يقوم فيه مصنعنا الصغير . وكان المكتب فى الداخل وكنتم تريدون الاراضى الملحقه بالمبنى . ولم يكن ثمه مكان ننتقل اليه على الفور ظن فقد كان ما قدمتوه نت مال مبلغا صغيرا ، فقد كان معروفا للجميع ان مصنع ابى يواجه مصاعب . وعندما رفض ابى البيع ، ابتدء الضغط عليه من جانبكم .)
فقال بوجه خالى من التعبير يقرب من عدم الاهتمام فهمت .)
وعادت تقول وفجظاه ابتدأت البنوك تتطالب بديونها وبقيمه الرهن .والغيت العقود .)
وحدقت فيه بغطب وهى تتابع انها طريقه جميله لاداء الاعمال . أليس كذلك يا سيد ستيل ؟ كل شىء جائز مهما كان . ويظهر ان هذا هو مبدأكم حتى ولو لم تكن تشهد انت شخصيا كل هذه الامور . ليس بامكانك ان تخبرنى ان موظفيك يخرجون عن النهج المتبع فى مؤسستكم لتسيير اعمالكم .)
فقال ببرود جعلها تجفل لم اكن اعلم ان على ان اخبرك كل شىء) كان يتكلم معها بينما يبدو ان ذهنه تقريبا فى مكان اخر ، وحدقت فيه بعنف . ما الذى كان يفكر فيه ؟ وعاد يقول وهو يميل للامام قليلا
تابعى كلامك .)
فقالت محاوله تمالك هدوءها وكان الوداع بالنسبه للمصنع . والوداع بالنسبه للمنزل . واستطاع ابى ان يحصل على عمل جزئى براتب زهيد ، وسكن مع بعض اصدقائه ، ليتوفى بعد اربعه اشهر .وقد شخص الطبيب سبب وفاته التهابا رئويا . ولكن الذى قتله هو فقط ،فقدانه الرغبه فى الحياه .) ونضحت نظراتها بالالم وهى تحدق فيه ، متابعه كلامها:
(انه اخبرنى ذلك بنفسه . قال انه يريد ان يموت .)
فقال وتلوميننى انا لذلك ؟ )
فنهضت من مقعدها وهى تجيب قائله تماما ، فقد تصاعدت الرائحه النتنه ،كما يقول المثل ،امام بابك ، يا سيد ستيل ، دون ان تفكر بازالتها . ان الرائحه النتنه هذه تتصاعد من اداره الاعمال فى مؤسستك ، من موظفيك ...منك انت .)
فقال متهكما لقد ادليت بقصتك بشكل نابض بالحياه .)
فأجابت وهى تواجه قائله ،وقد صعد الدم الى وجنتيها ، وبدا شعرها الاسود الكثيف متألقا بلون اقرب للاحمرار فى هذا الضوء الاصطناعى الوهاج وبينما اتسعت عيناها البنيتان
اهذا هو كل جوابك ؟ مجرد التهكم تنقذ به كرامتك الغاليه ؟ فلا اعتذار ، ولا ندم ، ولا شعور بالذنب ؟ )
فوقف بدوره وهو يقول لم افعل شيئا يجعلنى اشعر بالذنب ) ومشى نحو جرس طويل فى زوايه الغرفه فجذبه مرتين ، وعلى الفور فتح الباب لتدخل منه خادمه جميله صغيره تلبس الزى الخاص . وقال لها بلطف
هل بامكانك استدعاء السيده لانغتون لكى تاتى بسرعه ، من فضلك يا جين ؟ اريد ان اكلمها بامر ما .)
فأجابت الخادمه ، وقد اتسعت عيناها الزرقاون الكبيرتان لمرأى جانى، قائله نعم يا سيدى . اننى اسفه ، فنحن لم نعلم بعودتك الى المنزل . كنا نظن انك ستمضى المساء خارجا ...)
فقال بحزم لقد تغيرت خططى .) وحالا، تركت الخادمه الغرفه وهى تومىء برأسها بشكل عصبى بينما كان هو يتابع
اننى سأطلب تجهيز عشاء لنا .) ونظر الى جانى ، لتبادله هذه نظرته بذعر ، قائله بسرعه ليس لاجلى ، يا سيد ستيل لقد سبق وقولت اننى سأعود الى منزلى .)
فقال بحزم لا سبيل الى ذلك ، اننى لم انته منك بعد . هذا الى اننى بحاجه الى ان ادقق فى قصتك .)
فقالت وهى تنظر الى الساعه فى معصمها
الان ؟ ان الوقت بعد السادسه واليوم الجمعه حيث لا يوجد اى انسان فى عمله .)
فقال ببرود ثمه اناس عندما اريدهم انا يحضرون حالا. والحقائق ستكون مسجله . اما التفاصيل فيمكنها ان تنتظر الى ان اعلم من الذى كان مسؤولا عن تلك المعامله فى ذلك الوقت .)
فقالت وهى تخطو نحو الباب اسمع . اننى ذاهبه .)
ولكن النظره الصارمه التى القاها عليها ذلك الرجل الكبير الجسم ، جمدتها فى مكانها وهى تتابع قائله
اننى جاده فيما قلته اريد ان اذهب الى بيتى.)
فقال لا تتصرفى كالاطفال .)
فتوهج وجهها غضبا من كلامه هذا ، بينما كان يتابع قائلا:
(اننى ، فقط اعرض عليك العشاء بينما اقوم بالاتصالات اللازمه ، وهذا هو كل شىء . فانتى محظوظه جدا لكونك لست الان فى المخفر حيث الشرطه تحاسبك على ما فعلت .)
فأجابت وهى تتصور تلك الفتاه الشقراء الطويله القامه التى كانت بصحبته :
( ولكن كان يبدو انك كنت تنوى قضاء المساء خارجا و ...)
فقاطعها قائلا بلطف لقد تاخرت فى الاهتمام بوضعى الخاص ، اليس كذلك . يمكنك ان تسكبى لنفسك كوبا ثانيا من العصير ريثما اقوم ببعض الاتصالات الهاتفيه ، ثم نتناول الطعام بعد ذلك .)
وعندما اوشكت على فتح فمها للمناقشه ، فتح الباب وابتسم السيد ستيل للمرأه المتوسطه فى السن التى دخلت الغرفه مرتديه ثوبا اسود وعاقصه شعرها الذى خطه الشيب الى الخلف ، وقال يخاطبها :
( لقد تغيرت خططى يا سيده لانغتون ، وانا الان اطلب عشاء لشخصين ، فهل هذ ممكن ؟)
فأجابت المرأه وهى تبتسم بأدب :
( طبعا يا سيد ستيل ، وسيكون جاهزا بعد نصف ساعه .)
وعندما خرجت المرأه بعد ان حنت رأسها لجانى تحييها ، حدقت هذه فيه قائله بغضب :
( ما الذى على ان افعل لكى اقنعك باننى لا اريد عشاء ؟)
فأجاب بهدوء لا شىء، فأنا اعرف هذا .)
فقالت : (فلماذا اذن .)
فأجاب لان عليكى ان تفعلى ما يقال لك .)
وكان قوله هذا بمثابه جواب مكتمل ، فى نظره كما يبدو ، وحدقت هى فيه ثائره وقد اثارت غطرسته حنقها ، ثم قالت له بشمئزاز عميق انك رجل عجيب حقا .)
وزاد فى ثورتها ابتسامته الساخره وقد كست ملامحه الداكنه دعابه قاسيه . كان ما يزال غاضبا . وقال معنفا :
(انك لست اول امرأه تقول هذا . ولو على ان اعترف بظروفك التى الجأتك الى هذا ، وعادة يقال لى هذا مصحوبا ... بحماس اكثر .)
فقالت بلهجه حاول ان تضمنها ما تستطيعه من سخريه :
(أحقا ذلك ؟ لقد كنت دوما اظن ان الرجل الحقيقى يجب ان لا يتباهى بجوده ادائه مع النساء .)
فسألها بلطف وبرود مصطنع وهل تحدثت انا عن النساء ؟)
ولكنها لاحظت ان اهانتها هذه قد جعلت عينيه تضيقان وفمه يعتدل وهو يقول :
(اتعلمين انك اذا وضعنا قضيه ابيك جانبا ، انك امرأه سليطه اللسان ؟ الا يعجبك الرجال ، يا انسه جانى غوردون ؟)
كان مايزال يتذكر اسمها الاول منذ سمعه منها فى الفندق رغم كل ما حدث بعد ذلك من تشويش واثاره .و شعرت وهى تنظر الى هذا الوجه الداكن بمثل ضرب المطرقه على ام راسها ، اذ تعلم فجأه ان هذا من اختصاص هذا الرجل . فقد كان ذهنه بمثل حد السيف ، وصلابه المسمار . فهو لا ينسى شيئا ابدا . فلماذا اذا ، ينسى قضيه مصنع ابيها ؟ وهل صدقته هى ؟ وهل اشترك هو بهذا الامر ؟ انه لا يبدو من اولئك الرجال الذين يدعون اى شىء ينساب من بين اصابعهم ، مثل اقتناء المبنى الرئيسى كعقار . لابد انه علم
بالخطوط الرئيسيه لهذا الوضع على الاقل ، خصوصا بالنسبه للمصاعب التى اعترضته . لقد علم بكل ذلك بالتاكيد كما انه سبق وتذكر اسم المصنع كذلك .
وعندما عادت من تصورتها هذه ، الى الواقع كان ما يزال يحدق فيها بعينيه الزرقاوان الحادتين .
وقال حسنا ؟)
وكانت الان قد نسيت موضوع الحديث الذى كان بينهما ، فقالت ماذا ؟)
منتدى ليلاس
فقال بالنسبه الى الرجال ، هل يعجبوك ؟)
وعندما اخذت تحاول استيعاب ما كان يقوله ، تقدم هو خطوه نحوها قائلا :
(هنالك طريقه واحده لمعرفه ذلك ...)
اما الطريقه الخبيره التى ام***ا بها ، فلم تتذكرها جانى الا بعد وقت طويل ، اما فى هذه اللحظه القصيره ، فقد شغلت بمقاومه قوته المسيطره هذه .
لقد ارغمت نفسها على الجمود التام ، فقد كانا يعلمان هما الاثنين ، ان اى حركه منها لم يكن من ورائها طائل ، ولقد احست اثناء ذلك بالكرهيه لنفسها ، شاعره انها تخون بذللك نفسها وذكرى ابيها . ولكن هذا كان يرغمها ، فقد كان رجلا غير عادى .
وما لبثت ان وجدت نفسها طليقه ، بينما هو قد تراجع الى الخلف ، حيث وقف عاقد الذراعين فوق صدره ، ومضى ينظر اليها بعينين ضيقتين . وقال بصوت عميق رقيق هذا حسن جدا .)
ولكنها لم تستطع ان تتفوه بكلمه وهى تنظر فى ذلك الوجه القوى الخشن . وعاد هو يقول :
(هذا ، فى الاوقع ، حسن جدا ، اما الان فسأسكب لكى كوب شراب بارد ، بينما اقوم انا ببعض الاتصالات الهاتفيه .)
وكانت ما تزال واقفه بصمت ذاهل ، عندما ترك هو الغرفه بعد ذلك بثوان بعد ان ملأ كوبها ثم وضعه على الطاوله الصغيره بجانب كرسيها ، وكانت ساقاها قد ابتدأتا بالاهتزاز حتى كادت تنهار على كرسيها وقد اصابها الدوار ، عندما أيقظها من تلك الغيبوبه صوت انصفاق الباب خلفه ، انها لم تشك فى لحظه واحده فى ان تصرفه هذا كان الهدف منه معاقبتها . وتصاعد انينها فى تلك الغرفه الخاليه . كان عليها ان تصرخ فى وجهه عندما حررها . وتخبره بالضبط رايها فيه ، ثم تصفع وجهه ... ولكنها سبق وفعلت ذلك هذا اليوم . وأغمضت عينيها لحظه بشده . كل هذا كان حلما ... لا بد انه كذلك ...

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:44 AM

واخذت جرعه من العصير وهى تلقى بنظرها حولها فى انحاء الغرفه الفخمه ، مره اخرى . ولاحظت صوره فوتغرافيه لرجلين ، موضوعه على رف المدفأة ونهضت لكى تنظر اليها جيدا . اكنت تمثل كين ستيل و أخاه او ابن عم له ... فقد كان الشبه غير عادى ، بالرغم من ان الرجل الاصغر كان اصغر حجما وشعره فاتح اللون .ومع هذا فقد كان الوجهان ينطقان بقرابه دم لا سبيل الى نكرانها ، ولابد انها اخذت منذ سنوات فقد كان وجه كين ستيل الذى كان يبتسم ، يبدو اصغر سنا ولم يكن ثمه اثر لهذه الاخاديد العميقه فى وجهه الموجوده الان ولا لوحظ الشيب ذاك فى سالفيه ، هذا الى وقفته المتوتره قليلا .
وفكرت فجأه فى انه يبدو الان اكبر سنا ، وكان هذا هو السبب فى انها لم تكن متأكده من شخصيته فى الفندق ، فقد كانت الصوره التى كانت عثرت عليها بين أوراق ابيها ، تمثل رجلا اصغر منه بكثير ، مع التسليم بانها من الصور التى تدفع للنشر فى الصحف ، ولهذه تبدو بعيده عن الواقع والشبه لصاحبها . ان عليها ان تعود للنظر فى تلك الاوراق مرة اخرى ، ذلك انها بعد ان تصفحتها باكيه جمعتها فى صندوق وضعته فى خزانه ، ومنذ ذلك الوقت ، كان التفكير فى العوده الى تصفحها ، تثير فيها الالم .
وعندما عاد، بعد عشر دقائق ، كان يبدو عليها الاتزان وضبط النفس ، ظاهريا على الاقل . اما فى داخلها ، فقد كانت مشاعرها تغلى كبركان على اهبه الانفجار
منتدى ليلاس
وقال هازلا وهو يدخل الغرفه هل يعجبك لحم البفتيك والسلطه ؟ وسلطه الفواكه فى الختام ؟)منتدى ليلاس
ونظر اليها بعينين ضيقتين وقد كسا ملامحه العبوس.
فأومأت برأسها وهى ترتجف ، قائله ممتاز .) وحدثت نفسها بانها سرعان ما ستنتهى من هاتين الساعتين اللتين امامها لتصبح ، بعد ذلك حره فلا تراه بعد ذلك ابدا . الا اذا طبعا كان ذلك فى المحكمه . اذ لا شك ان القسود الى الحقد ، ولكن ان يدمر باسم القانون كل ما سبق وبناه ابوها فى سنوات ، كل هذا يجب ايضاحه بهدوء ومنطق ، بوجود مؤسسه ستيل . ولم تعرف لماذا يقوم بهذه المسرحيه ، ولكن هذا ما يحدث ، دون شك بالعمالقه اذا اتحدو هم عاده قساه ولا يعترفون بالخطأ ابدا . هذه هى القاعده الاولى . وذكرت نفسها مره اخرى ، ان فعلتهم تلك كانت قانونيه مهما بدا فيها من قسوه واثم وبشاعه ...
وعندما عاد يجلس امامها اشارت الى الصوره قائله أهو أخوك ؟)
فنظر الى حيث اشارت وهو يجيب نعم ، انه كايث .)
فعادت تسأله أهو اصغر منك ؟)
فأجاب بأربع سنوات . وقد اخذت هذه الصوره منذ ثلاث سنوات عندما كنا فى اجازه فى اليونان .)
فنظرت اليه بدهشه وهى تقول ثلاث سنوات ؟)
وحدثت نفسها ان تلك الصوره تبدو منذ عشر سنوات على الاقل .وقرأ هو على وجهها ما يدور فى ذهنها ،
فقال بتوتر اننى فى الرابعه والثلاثين من عمرى ، انسه غوردون ، وقد مات اخى السنه الماضيه . هل بامكننا ان نترك هذا الموضوع الان ؟)
فأومأت برأسها بسرعه بينما شعرت بتوهج وجنتيها وهى تقول بالطبع ) وكيف كان لها ان تعلم ان اخاه قد ما ؟ كانت تظن ان كين ستيل لابد ان يكون اكبر من اخيه بثمانى او تسع سنوات رغم جسمه القوى الفتى . وذلك الوجه ذو الجاذبيه الذى افقدها اتزنها ، ما الذى جعل فيه هذه الخطوط حول فمه وعينيه ؟ لابد ان كارثه عظمه قد احدثت فيه كل هذا التغيير فى ثلاث سنوات . ايمك ان يكون ذلك بسبب موت اخيه ؟ اما ان هناك سبب اخر ؟.
كان العشاء ممتازا لكن الغرفه الزخرفه بالغه الاتساع ، ليتناولا فيها الطعام اكن اقل وصف لها انها مخيفه تثبط الهمه ، وعندما دخلتها اخذت نفسا عميقا عله يساعدها على تمالك رباطه جأشها . فالمائده الثقيله الداكنه اللون ، والسجاده البيضاء السميكه ، والجدران التبنيه اللون ، هذا الى الستائر المخمليه ... كل ذلك كان هائلا مخيفا .
منتدى ليلاس
وبينما كانت جين الخادمه ترفع الاطباق المستعمله لكى تحضر الحلوى ، سألته جانى :
(هل تتناول طعامك هنا دائما ؟ )
ذلك ان وجبه الطعام كان يسودها التوتر و الصمت المؤلم .
فنظر اليها بامعان وقال عندما يكون لدى ضيوف فقط ، ألم تعجبك هذه الغرفه ؟)
فقالت مرواغه بسرعه واين تأكل عندما لا يكون عندك ضيوف ؟ )
فقال باقتضاب فى مكتبى ، وفى الحقيقه انا امضى فيه أكثر اوقاتى فى هذا البيت .)
وسألها فجأه اتحبين ان نتناول الحلوى فى المكتب ؟)
فأجابت على الفور نعم من فضلك .)
فنظر اليها باستغراب ثم اجال النظر حوله فى انحاء الغرفه وهو يقول بارتباك :
( ولكن ، ما العيب فى هذه الغرفه ؟)
فأجابت بسرعه لا شىء . انها رائعه الجمال ، ولكنها كبيره . حسنا ، فلنكن صريحين ، هائله .)
فعاد يجيل بنظره فى الغرفه قائلا أحقا ؟ نعم ، اظنها كذلك فى الحقيقه . اننى لم أنتبه الى ذلك مطلقا .)
وتبعته وهى تفكر فى الطريقه التى يعيش فيها البعض . واجتازا القاعه الكبرى الى غرفه اصغر بكثير من الاخريات ، ولكنها مع هذا تتساوى بمساحتها مع شقتها هى الصغيره باجمعها . ولكنها كانت تبدو مريحه ، وكانت النار تشتعل فى المدفأه بينما احد جدرانها كان مغطى بالكتب التى كانت تتألق فى ذلك الضوى الخفيف الذى يظهر من مصابيح نحاسيه مثبته على الجدران . وكانت الستائر الثقيله ذهبيه اللون مسدله على النوافذ تصد برودة الجو ، وكان هذا يطفى على الغرفه جوا بيتيا يزيده وجود هر كبير راقد على مقعد جلدى قرب المدفأه .
وقالت وهى لا تتصوره محبا للحيونات :
( هل تقتنى هر ؟)
فأجاب بلهجه غامضه :
( بل هرره ، هذا هو جونيبر وثمه اخر يدعى كوزموس .)
هذا بينما السيده لانغتون وجين تنصبان المنضده التى كانت مطويه فى احدى زوايا الغرفه ، وأخذت جانى تمر بيدها على فراء الهر الناعم وهى تراقب كين ستيل من تحت اهدابها . ان له جمالا رائعا حقا . وجعلت هذه الافكار وجهها يتوهج خجلا ، فخفضت نظرها بسرعه . انها كلما اسرعت فى الخروج من هنا كان ذلك افضل . والافضل فى ان تفكر فى ان ما حدث بينهما انما كان عقابا منه لها لما قامت به اثناء المؤتمر الصحفى ، وفكرت بتوتر ، فى انه ككل رجل اخر لابد قد صدمه ان يرى ثيابه القذره تغسل امام الناس .
وكان الدراق المغطى بالقشده ، لذيذا ولكن الشعور بانها ربما كانت تحلم والذى كان يساورها طيله المساء قد اشتد الان بعد ان انتهيا من تناول الحلوى ، وسألها :
( أتردين قهوه ؟)
وبدا لناظريها فى هذه الغرفه الصغيره ، اكبر حجما واشد سمره . وكانت عيناه الزرقاوان النافذتان تبدوان شاذتين فى وجهه الداكن . ومره اخرى شعرت نحوه بافتتان قوى عميق مما اسرع بدقات قلبها .
وقالت فجأه وهى تنهض واقفه لتسير نحو المدفأه :
(كلا . كلا ، اشكرك فأنا يجب انا اذهب فى الحقيقه )
فقال بلهجه لاذعه : ( ولماذا ؟ كنت اظن اننا نمضى وقتا رائعا .)
وكانت السخريه تنطق من كلماته .
وهنا ، شعرت بثوره فقدت معها اعصبها ، فقالت بعنف :
( لا ادرى ما هو قصدك من كل هذا ؟ ان جو فلاندرز الان يعلم ما فعلته ، وربما قد خسرت الان عملى وبالتالى شقتى ، دع عنك ثقتهم بى . بينما انت هنا جالس دون ان يمسك شىء ، أليس كذلك ؟ اننى انا من سيكون كبش المحرقه .)
فقال بارتياب وهو ينظر الى وجهها المتضرج :
( انتى كبش المحرقه ؟ لا اصدق اننى اسمع هذا . هل عندك فكره عما فعلته هذه الليله ؟ ايتها المرأه الشابه ؟ فى وسط المؤتمر الصحفى ؟ مؤتمر صحفى ؟) وكرر هذا ثائرا وهو يتابع لقد اتهمتنى بالاجرام والاحتيال ، ليس ثمه صحافى فى لندن ستفوته مثل هذه الخبطه الصحفيه ، وانا لا اشك فى ان بعض منهم استطاع ان يظفر بصوره حلوه ليدك ملتصقه بوجهى كالقشده على الكعك ، انك تستحقين كل ما قد ينالك من جو فلاندرز . وان تخطيطك لعمل مثل هذا ...)
فقاطعته ساخطه اننى لم اخطط لهذا . لقد كنت مع جو فى ردهه الفندق نتناول القهوه ، اذ كان لدينا موعد مع المدير للقيام ببعض الاعلانات . فرأيتك داخلا ، فدفعتنى رؤيتك الى ذلك .)
وأغمض عينيه لحظه وهو يشتم بطلاقه بصوت منخفض ، ثم قال :
( لا ادرى اذا كان ما تقولينه يجعل الامور اسؤ او افضل . الم تقفى لحظه لتفكرى فى ما قد يحصل نتيجه لذلك ؟ )
فنظرت فى العينين الزرقاوين مباشرة وهى تقول كلا . ولكن لو فعلت ذلك لما عدت عن نيتى تلك .)
فاسود وجهه من الغضب وهو يسألها :
( احقا ؟ انك فى الواقع فى حاجه الى جلد بالسياط يعيدك الى رشدك ، ايتها السيده الشابه .)
فقالت غاضبه حاول ان تلمسنى مره اخرى فترى ما يكون منى . أفهمت ؟ )
منتدى ليلاس
فهز رأسه قائلا ان كبرياءك زائده عن اللزوم .)
فقالت بعنف وهى تقبض يديها وماذا كنت تتوقع ، لقد كان ابى ، وليس احد المعارف ، ماذا سيكون شعورك لو ان احدا عامل اباك هذه المعامله ؟ )
فقال بجفاء : ( كالاجرام ، ولكن كل شىء ما يزال الان مجرد افتراض ، أليس كذلك ؟ ليس لدى شىء ثابت الان ويبدو لى انك فسرت الامور حسب اجتهادك . انك غير متأكده تماما مما على الصعيد العملى . واكرر ان فعلتك هذه ، لا تنسى .)
فواجهته قائله بلهجه متصلبه ان ما اعرفه هو فوق الكفايه . وانا اريد ان اذهب الان .)
منتدى ليلاس
فوقف ببطء قريب من الحذر وهو يقول حسنا ، حسنا .)
ومره اخرى ساورها شعور بان فى تحركه صعوبه بينما كان هو يتابع قائلا اننى فى انتظار مكالمه هاتفيه خلال نصف ساعه . الا تريدين ان تبقى هنا لمعرفه ما سيأتى ؟)
فقالت ببرود كلا ، لا اريد . فانا اعلم ان الحق معى ، يا سيد ستيل و انا ايضا اعلم ما ستكشف عنه استعلاماتك .)
فقال متهكما هل تصدقيننى اذا قلت لك اننى اكتفيت هذه الليله من فتنتك المميزه .)
فقالت بلهجه لاذعه وعيناها تقدحان شررا ولماذا تغير نهج حياتك فتكون صادقا الان ؟)
فأجاب اننى السبب فى جعلك تقولين لى مثل هذا الكلام . انك لا تدعين فرصه تفوتك ؟ على ان اتذكر ذلك فى المستقبل .)
فسألته ببرود ساخر المستقبل ؟ لا اظن طريقينا سيتلاقيان مرة اخرى ، ان نمضى حياتنا غير متماثلين اليس كذلك ؟)
فأجاب ببرود قاتل انك لن تفلتى منى بهذه السهوله . انتى مخطئه يا انسه غوردون وسأبرهن لكى على ذلك ، وعندما يثبت ان اقترفت خطأ كبيرا ...)
فقالت بحزم هذا لن يكون . لقد سبق واخبرتك ما حدث فى الماضى ، وما زلت غير متأكده من تفهمك للوضع بأيه حال . ولا يهمنى اقتناعك بما قلته لك وانا متيقنه مما حدث. والان اريد ان اذهب .)
فقال كما تشائين .) وضغط على زر ذهبى صغير بجانب المدفأه ، وبعد ثوان اطلت الخادمه برأسها من الباب .
وتسألت جانى متهكمه ، وهى تراه يلقى بأوامره الى الفتاه الصغيره ، تسألت عما اذا كان يقوم بعمل بنفسه مطلقا . فالازرار فى كل مكان ، والاوامر تلقى هنا وهناك ، وكل شخص يقفز بانتباه . وكان وجهها ينطق بهذه الافكار عندما استدار ينظر اليها مكتسحا بنظراته النفائه ملامحها التى سارعت هى فى تغييرها الى شكل مقبول .
وقال ما اشد ما ألمح من الكراهيه فى وجهك هذا .)
وكان صوته عميقا رقيقا ، ولسبب ما شعرت هى بالنار تسرى فى اوصالها وهى تراه يقترب منها ، بينما كان يحدق فى اعماق عينيها البنتين ، وهو يقول ساخرا ببرود انك تعلمين ان هذا شىء سىء جدا بالنسبه لك .)
فأجابت وهى تبعد رأسها عنه بحده هذا ما سبق وقولته لى مره . كنت فهمت انك أمرت بسياره تاخذنى الى بيتى ، والا فبامكانى ان اطلب سياره اجره لذلك .)
فقال اظن ان بامكانك القيام بأى شىء .) كان فى صوته معنى لم تستطع فهمه تماما . وتابع هو قائلا :
(على كل حال فاننى افضل ان اخذك الى بيتك بنفسى اذ اننى انا الذى سبق واحضرتك الى هنا ؟)
فسألته بذعر واضح هل ستصحبنى الى البيت ؟)
ولاح شبه ابتسامه على ذلك الوجه الجليدى للحظه واحده ، وهو يقول : ( منذ ايام ، قلت لاحد زملائى اننى اتمنى ان اقابل فتاه لا يدير رأسها اسم ستيل .) وكانت السخريه واضحه فى كلامه وهو يعود الى مكانه بجانب المدفأه ، ليتابع قائلا :
(كنت قد نسيت ما يقال من اننا يجب ان ننتبه الى ما نتمناه ، احيانا اذ ربما يتحقق .)
فحدقت فيه دون ان تقول شيئا ... وبعد ، فماذا كان بأمكانها ان تقول ؟ وفى خلال دقيقه واحده كانت الخادمه تعود لتعلن ان السياره بالانتظار عند المدخل .
وعندما تركا المنزل الجميل الدافىء الى جو الليل البارد فى الخارج ، أخذت الريح تلفح وجه جانى مصحوبه برقائق من الثلج ، وعندما اصبحت فى السياره تناولت معطفها من حيث كان فى السياره مع حقيبه يدها ، لترتديه مسروره . وسألها وهو يجلس بجانبها بينما عيناه تراقبنها هل تشعرين بالبرد ؟ )
فأجابت قليلا ) وألقت بنظرها الى الخارج مفتشه عن موضوع غير شخصى تتحدث فيه ثم قالت اين نحن ؟ )
فأجاب ببرود فى ميدل سيكس ، حيث السفر سهل منها ومع ذلك تحتفظ بالطابع الريفى بمزارعها واكواخها المسقوفه بالقش التى بامكانها ان تنافس اى قريه فى يوركشاير .)
فسألته ساخره وهى مازالت تجذب اطراف معطفها حولها أتراك ، فى اعماقك صبيا ريفيا ؟)
فأجاب بوجه خالى من التعبير هل تجدين من الصعب تصديق هذا ؟ وهل كنت تتصورينى نشأت فى المدن الشماليه حيث المبانى تمتد اميالا وحيث القطارات تحت الارض وما اشبه ؟ ام ربما فى قلب لندن مثل مناطق تشيلسى او وست اند ؟)
فأجابت بجفاء اظن الاماكن الاخيره التى ذكرتها اكثر ملائمه لك ، كما اننى كنت اظن ان القرى لا يهمك فيها الا قدر ما تنتجه)
فقال وعيناه الزرقاوان بصلابه الماس اهذا ما كنت تظنينه ؟ من المؤسف ان تقترن جاذبيتك هذه بمثل هذا القدر من الجهل .)
فقالت تهاجمه مشبه نفسها بهره صغيره تواجه نمرا مفترسا كيف تجرؤ على هذا القول ؟)
فأجاب بصوت لم تكن رقته لتتناسب مع توتر فكه الفولاذى كيف اجرؤ ؟ ان جميع معلوماتك خاطئه ، يا انسه غوردون . انه انا الذى كان يجب ان اوجه هذا السؤال اليك . فأنت لا تعرفين عنى شيئا ، لا شى مطلقا عدا عن تلك الفكره الغامضه عن مسؤليتى فى التسبب بشىء من الاسى لابيك ....)
فصرخت فيه بصوت ثاقب اسى ؟) واجفل هو قليلا لهذا ولكنه تابع يقول وكأنها لم تعترض بشىء بينما انتى تملأك الكراهيه رافضه ان تستمعى الى اى منطق وتتصرفين كطفله وليس كامرأه سنها ....) وتبادلا النظرات وقد اقفلت هى فمها بعناد . ولكنه تابع قوله سائلا بالحاح ثلاثه وعشرون ، اربعه وعشرون ؟)
فردت عليه بقوه اربعه وعشرون وان يكن هذا ليس من شأنك ، وماذا تقول انت عن تصرفاتك ؟)
فرفع حاجبيه بغطرسه كادت لاجلها تهم بضربه وقال ( تصرفاتى ؟ اننى حسب ما اذكر اجلستك فى سيارتى عندما كنت دون معطف ولا قبعه ، وكذلك قدمت اليك وجبه كامله . هل تعدين ذلك اثما ؟)
فأجابت بغضب وقد شعرت بالحراره تلهب وجنتيها اننى لم اقصد هذا . انما اعنى عندما ....) وسكتت فجأه ثم اردفت عندما امسكتنى بخشونه )
فهتف وقد بدت عليه الحيره امسكتك بخشونه ؟ ان راسى مازال يدور بسبب لمستى ليدك يا انسه ، فمتى كنت خشنا معك ؟ )
فأجابت بفتور عندما كنا جالسين فى غرفه جلوسك .)
( اه ...) اطلق هذه الاهه بلهجه حافله بالمعانى ، فرفعت وجهها بحده لتراه ينظر اليها ساخرا ، وهو يقول هل ستقولين الان انك لم تكونى مرتاحه ؟)
فنظرت اليه قائله كلا ، اننى لم اكن كذلك . كنت اشعر بالغثيان التام . لم يعاملنى احدا من قبل مثل هذه المعامله .)
فقال وهو يميل بجلسته الى الخلف وقد عقد زراعيه فوق صدره وقد ضاقت عيناه النافذتان احقا ؟) وادركت هى فجأه انه يلاعبها كما تلاعب القطه الفأره الصغيره . وتابع يقول اذا كان الرجال اعقل من ان يتعاملوا معك ، فمازال هناك امل فى هذا الكون .)
فقالت ثائره اننى لا اعنى ما تفكر فيه ، وانت لا تعرف هذا ، انما عنيت ...) وسكتت . ماذا تراها كانت تعنى ؟ وتابعت تقول انك ارغمتنى ...)
منتدى ليلاس
فقاطعها قائلا وهو يبتسم ماذا ؟ ربما كان هذا فى اللحظات الاولى ، ولكن بعد ذلك ....) وكسا البرود وجهه وهو يتابع تذكرى ... فانا كنت هناك ...)
فقالت بضعف يا لك من وقح ، اننى لن اتحدث عن اى شىء معك بعد الان .) واغمضت عينيها وهى تجذب اطراف معطفها حولها .
ومضت فتره صمت قال بعدها لشد ما كانت بهجتى عارمه تلك اللحظه . لقد كانت سعاده حقيقيه .) وبعد ان اجتازت بهما السياره مسافه ، قال الا تتكرمين علينا بعنوانك ؟)
ففتحت عينيها بسرعه ونظرت من النافذه وهى تقول :
(اه ، يمكنك ان تنزلنى فى اى مكان )
وبدا لها العالم خارج هذه السياره المرفهه ، بعيدا عنها ملايين الاميال .
وقال ببرود حسنا ، وتظنين اننى سأوافقك على ذلك . ان جاوبك ذاك يتمشى مع كل الهراء الذى تحدثت به طيله الليله ، اذ تريدين ان تنزلى هنا وانت ترتدين هذا الثوب الصوفى الرقيق والمعطف . والان الى بالعنوان من فضلك .)
فسكتت طويلا ، ثم قالت اباردين غاردنز .)
فسألها والرقم ؟)
فأجابت اثنان وستون .) لقد كان شارع اباردين غاردنز بعيدا عن المكان الذى تقطنه . ولكنها لم تشأ ان تخبره بعنوانها الحقيقى لم تكن تعرف تعرف السبب فى ذلك . ولكنها كانت مقتنعه بانه كلما قل ما يعرفه عنها كان ذلك افضل . لقد كان يشكل تهديدا لشعورها بالامن والاستقرار . وليس بالنسبه للماضى فقط . لقد اعتادت فى عملها كسكرتيره لجو فلاندرز ، ان تتعامل مع كل انواع الرجال وكان بامكانها ان توقف من قد يحاول تعدى حدوده معها ، عند حده . ولكن هذا الرجل ... واختلست نظره اليه فى الضوء المنير من مصابيح الشارع متأمله فكه المربع القوى وجسمه الرائع . كان هذا الرجل شيئا جديدا غير عادى .
وبعد ان اعطى عنوانها الى السائق بينز ، اعاد الحاجز الزجاجى بينهما وبين السائق باحكام . ليعودا الى جوهما الخاص المزعج مره اخرى ، وسألها هل تسكنين وحدك ؟.) وأجفلت لحظه لسؤاله هذا و أجابت راجيه ان لا يكون قد لاحظ ذلك نعم .)
فعاد يسألها اهى شقه بغرفه واحده ؟)
فأجابت وهى تنظر من النافذه هربا من نظره عينيه الحاده نعم . انها فى منزل يملكه جو . وهو ملحق بالوظيفه .)
فأومأ برأسه ببطء وهو يقول فهمت . ومن هنا خسارتك لشقتك . هل تعملين عنده منذ مده طويله ؟)
فأجابت منذ تركت الجامعه منذ اكثر من سنتين .) وحدقت فى وجهه وهى تتابع قائله لقد مات ابى بعد اسبوعين من نيلى شهادتى .)
فقال : ( فهمت .) وتساءلت هى بمراره عما اذا كان قد فهم حقا ...ومن اين له ان يفهم ؟ فقد كانت تعد الايام لكى تنتهى من الجامعه وتستأجر شقه صغيره لهما هما الاثنين ، لتعتنى به وتدللة قليلا ، ولكنه ...
( ها قد وصلنا الى اباردين غاردنز . وابتدأت السياره تسير ببطء بين المنازل الصغيره . وتنافست جانى بارتياح . وتابع هو يقول اثنان وستون ؟)
فابتسمت ببرود وهى تجيب ( نعم ، ان باستطاعتك الان ان تتخلص منى ، اليس كذلك ؟)
فأجاب لحظه واحده يا انسه غوردون ، لحظه واحده .) ذلك انها كانت قد جلست على حافه المقعد متأهبه للحظه يمكنها فيها الهرب . يا لها من ليله .
منتدى ليلاس
واوقف بينز السياره دون ان يطفىء المحرك ، وانزل الحاجز الزجاجى وهو يقول اسف يا سيدى ، ان ارقام الشارع تنتهى عند الرقم ستين فقط .)
فأجاب كين بضيق هذا غير ممكن ) ولكن لمحه منه الى وجهها جعلته يعود فيقول انتظر لحظه ...) واستدار اليها بنظرات كالثلج وهو يقول هذا جميل ... هذا جميل فى الحقيقه ، والان هاتى العنوان الحقيقى ، فانا اكبر من ان تجوز على مثل هذه الالعاب الصبيانيه ، يا انسه غوردون وغلطه اخرى منك مثل هذه ، تجعلك تعرفين مذاق الضرب على قفاك ، افهمت ؟)
فحملقت فيه ثائره وهى تجيب انك لا تجرؤ .)
فقال اتراهنين ؟ ) ولم يكن ثمه مزاح فى وجهه وانما غضب عنيف وهو يتابع يلزمك الانضباط يا فتاتى ، والان هاتى العنوان .)
فقالت بعناد يمكننى ان اسير الى بيتى من هنا .) ثم حاولت القفز فى الوقت الذى ضرب هو فيه المقعد بقبضته وهو يزمجر وقد قدحت عيناه شررا صبرا ، فانا لن ادخل معك الى بيتك ، يا انسه غوردون ، بل اريد ان اوصلك الى باب منزلك ، وكلما اسرعنا بذلك كان هذا افضل كما ارى . انك حقا اكثر النساء اللاتى تعاملت معهن ، ازعاجا وذلك منذ زمن طويل . وانا لا اريد ان اطيل من امد هذه المواجهه المؤلمه بيننا اكثر من اللازم . والان ، الى بعنوانك .)
وكان بامكانها ان ترى بينز يجلس متصلبا امامهما وهو يسمع كل كلمه تدور ، وعندما فتحت فمها لتناقشه عادت فادركت عدم جدوى ذلك . فهو سيستمر فى الالحاح الى ان يحصل على العنوان وكانت تشعر ان ارادته اقوى من ارادتها رغم كرهها الاعتراف بذلك .
وقالت بفتور وقد توهجت وجنتاها انه على بعد شارعين من هنا ... فيلدون كورت الرقم اثنان وستون .)
فقال متهكما هل انتى واثقه ؟)
منتدى ليلاس
فأومأت بسرعه قائله نعم .) والقى هو عليها نظره شامله ، قبل ان يقول لبينز هل سمعت العنوان ؟)
فأجاب هذا نعم يا سيدى .)
فقال سر فى طريقك اذن ، فكلما اسرعنا فى التخلص من هذه كان ذلك افضل .) ورمق الزجاج الذى بينه وبين السائق بنظره كانت من العنف بحيث ما كانت لتدهش لو انها حطمت الزجاج وتناثرت شظايا فى كل مكان .)
وبعد ذلك بدقيقه واحده ، كانو يسيرون بمحاذاه صف طويل من المنازل حيث كان منزل جانى بينها . وما ان فتح بينز باب السياره ، حتى انطلقت هى منها كالرصاصه . وعندما تبعها كين الى الشارع ، مدت اليه يدها وقد التهبت عيناها ، وهى تقول :
( الوداع ، لا يمكننى ان اقول ان اجتماعى بك كان مناسبه ساره .)
فقال وكذلك بالنسبه الى ) وامسك يدها الصغيره بيده السمراء الضخمه وهو يتابع قائلا بلهجه تحوى التهديد :
( وارجو لمصلحتك ، ان لا تظهر عناوين صحف صباح الغد ، بالشكل الذى اتوقعه .)
وكانت ان تتوقع منه ان يهز يدها مصافحا ، ولكنها وقفت متصلبه الجسم ، وهى تراه يرفع يدها تلك الى شفتيه ، وذلك رغم توتر الاعصاب الذى شعرت به ، وعندما رفع عينيه الزرقاوان اللامعتين الى عينيها البنيتين المصعوقتين ، رأت انه لم يكن يبتسم .
وقال دون ان يظهر على وجهه اى تعبير الوداع ، يا جانى .)
وأجابت الوداع يا سيد ستيل ) ولم يكن صوتها كما كانت تريده من البرود . وشعرت لهذا ، بالمذله وهى تتحسس مكان المفتاح من قفل باب المبنى ، وقد سادها الارتباك . ودخلت ، ثم اغلقت الباب دون ان تنظر الى الخلف . استندت الى الجدار البارد لحظه قبل ان تقفز الدرجات الصاعده الى شقتها ، وعندما حاولت ان تفتح الباب ، سقط المفتاح من يدها مرتين قبل ان تدخل اخيرا ، صافقه الباب خلفها وقد شعرت بالامان .
نهايه الفصل التانى

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:46 AM

الفصل الثالث


و عندما فتحت جاني عينيها ، صباح السبت ، ساورها شعور بتغيير مفاجئ سبب لها
عدم الارتياح . وكانت قد أمضت قسما كبيرا من الليل ، أخذ اثناءه ، ذهنها المتعب
يعيد إلي ذاكرتها كل كلمة و كل إشارة تبادلاها ، إلي أن شعرت بأنها تكاد تجن .

لقد كانت مسرورة لمواجهتها له . وكانت تحدث نفسها بذلك مرة بعد مرة و قد تملكتها الوحشة .
آن كل ما تريده الآن ، هو إن تنتهي من هذه المسألة برمتها ، ولكن ذلك لم يكن في إمكانها .
و ضربت وسادتها بيدها وقد ساورها اليأس ، قبل أن تسقط نائمة عند تباشر الفجر .
و عندما تصاعد رنين جرس الهاتف ، شعرت بقلبها يثب بين أضلعها .

و تمتمت غاضبة تعنف نفسها لهذا الغباء وهى تخطى نحو الهاتف و الأفكار تراودها ... كلا
لا يمكن أن تكون هذه المكالمة منه ... طبعا ليس هو ... كلا
و جاءها صوت جو فلاندرز بأشد ما يمكن من الثورة وهو
يقول :
جاني ؟ هل رأيت صحف الصباح ؟ ما الذي تملكك لتفعلي ، هذا يا فتاة ؟
منتدى ليلاس
و غاص قلبها بين أضلعها و هي تجيب بصوت ضعيف : الصحف ؟ هل هي سيئة إلي هذا الحد ؟
فأجابها بعنف : و أسوأ مما تتصورين . هل ستوضحين لي كل شيء ؟
فتنفست بعمق وهى تقول : طبعا ، إنها قصة طويلة .
فرد عليها بجفاء : لا بد أنها كذلك ، ويدهشني انك ما زلت موجودة بيننا بعد الذي حدث ، فتخبريننا بها .
فقالت بضعف : إن القضية تنطبق عليها جملة ( ظروف مخفقة ) يا جو . و أنا آسفة جدا لكوني تركتك بهذا الشكل .
فقال جو بشيء من الهدوء : لقد كنت قلقا عليك إلي أقصي حد . ولم أكن متأكداً من أنني كنت علي صواب في تسليمه أشيائك . ولكنه بدا مصراً علي ذلك .
فقالت بجفاء : يمكنني تصور ذلك . أسمع ، هل من الممكن أرجاء شرحي للقصة إلي أن أراك صباح الاثنين ؟ و صدقني أنى آسفة ، يا جو . و أرجوك أن لا تحذف اسمي من العمل .
فأجاب هدوء : لن افعل ذلك . و سأراك في المكتب إذن ، ولكن إذا شعرت بحاجة إلي قبل ذلك فرقم هاتفي عندك .
فقالت : أعلم ذلك ، شكراً
و مضت العطلة الأسبوعية بطيئة برغم ليلة السبت و دعوة للغداء يوم الأحد في بيت صديقة من عهد الدراسة و كان سروها ، صبيحة الاثنين ، لوصولها إلي مكتب جو الصاخب ذي الجو المحموم بجلبة الإعلانات ، كان سرورها ذاك لا يحد ، رغم ما ينتظرها من عقاب .
و حدثت جو باختصار عن قصتها قبل إن يبدأ عمل اليوم ، وشعرت بالارتياح و هي تراه يعلق علي القصة هذه بتحفظ رافعا حاجبيه وهو يهز رأسه الذي خطه الشيب . ومر ذلك النهار كالعادة . ولكن ، حتى في أشد اللحظات انشغالا
كان هناك جزء خفي من ذهنها يفكر في رجل أسمر البشرة فارع الطول مما كان يثير حنقها . هل يا ترى سيتصل بها مرة أخرى ؟ و هذه الفكرة التى كانت تحتل ذهنها طيلة العطلة الأسبوعية ، قد انطلقت من عقالها أثناء عودتها إلي منزلها ، و تمنت أن لا يفعل . و لكنه لابد أن يفعل ذلك بعد تلك العناوين التي ظهرت في الصحف .
و كانت تحضر عشاؤها ذلك المساء ، عندما داخلها الفزع لسماعها نقرات علي الباب . و أخذت تهدئ من مشاعرها . لا بد أنها جارتها تأتي لتطلب المفتاح الاحتياطي لشقتها هي و الذي اعتادت أن تستودعها إياه بعد إذ اعتادت إن تجد نفسها خارجها و قد انغلق الباب و المفتاح في الداخل .
و لكن ، عندما فتحت الباب ، ورفعت أنظارها أكثر وأكثر لتتلاقي بأنظار كين ستيل الباردة الساخرة ، عند ذلك أدركت أنها ليست مدهوشة مطلقا . فقد كان يساورها شعور بأنه لن يدع الأمور تستمر طويلا ، فهو ليس من ذلك النوع من الرجال . انه يريد إن يضع النقاط علي الحروف علي النحو الذي يريده .
و قالت بحذر بينما قلبها يخفق بعنف : لقد كنت أتوقع قدومك . فقد رأيت الصحف أنا أيضاً . هل أنت بمفردك ؟
ذلك أنها كانت شبه متوقعة أن ترى محاميا خلفه .
قال و هو يومئ برأسه إلي الداخل : أتسمحين لي بالدخول ؟

فأجابت : طبعا . و تساءلت ، كيف يا ترى سيكون شعوره إزاء شقتها الصغيرة هذه ؟

و أشارت له نحو غرفة جلوسها الضيقة . و استجمعت هي شجاعتها لتنظر في وجهه و هي تشتم الرائحة المألوفة للكولونيا بعد الحلاقة التي يستعملها ، و بدا أمامها رائعاً بوجهه الخشن المغضن . و حاولت أن تنبذ هذه التصورات من ذهنها . لم تكن تريد أن تفكر فيه علي هذا النحو في الوقت الذي كانت تعرف فيه أن حضوره إلى بيتها ربما كان سببه توقيع عقوبة ما عليها .
و قال لها ، حالما تلاقت أنظارهما : لقد جئت لأقول انك كنت علي حق ، جزئياً . و أنا أعترف بأن ثمة أخطاء اقترفتها مؤسسة ستيل أثناء التعامل مع أبيك .
فقالت : أوه
ولم تستطع أن تنطق بغير ذلك فقد كان هذا أخر ما توقعت أن تسمعه .
و تابع هو يقول بتوتر : ولكن هذا لا يبرر فعلتك تلك مساء الجمعة الماضية ، و التي كانت نتيجة هذه الأخطاء التي ستشغلني مدة طويلة جداً .
فقالت متهكمة : حسنا ، أرجو المعذرة . و لكنك لا شك ستفهم عندما ترى أن هذه التفاصيل الصغيرة لا تهمنى كثيرا بالنسبة لكونك موجودا علي الأقل ، لكي تتصرف معهم ، بعكس والدي .
و أنهت حديثها هذا و هي تحدق فيه غاضبة .
منتدى ليلاس
فسألها ببرود و هو يرى نظراتها تلك : أتدركين إن ما جرى كان قانونياً تماماً ؟
فردت عليه : قانونياً ؟ و هل يجعل هذا من الأمور صواباً ؟ و كان الاشمئزاز يبدو عليها بجلاء .
فأجاب بحدة : كلا بالطبع ، إنما أقصد بخصوص المستقبل .

فجلست علي مقعد بعد أن شعرت بقدميها تهتزان ، و هي تقول : ما هذه البهجة العنيفة التي تتحدث بها ؟ انك لست في اجتماع عمل ، فهلا تكلمت بلهجة عادية ؟

فحدق فيها لحظة طويلة ، ثم أطلق نفسا طويلا وهو يقول : إن أعصابي متوترة ، فالأمر غير عادي بالنسبة إلي ، فأنا لم أتعود الاعتراف بأننا كنا على خطأ .

فقالت و قد خف العنف من لهجتها : اننى أصدقك الآن في هذا .
و لكن أليس من الممكن أن يكون هذا قصده من وراء ما قال ؟ انه ثري كبير اعتاد علي جذب الآخرين بمناوراته ، فالي أي حد بإمكانها أن تواجه عقلاً كهذا ؟ إنها لا تختلف في ذلك عن أبيها .
و فجأة ، امسك بذقنها بقوة ، يرفع وجهها إليه، محدقا في أعماق عينيها ، ثم هز رأسه ببطء قائلا : انك لا تقبلين التنازل انشآ واحداً ، أليس كذلك ؟ إن عينيك كبيرتان قاتمتان ومليئتان بالكراهية . كنت أظن النساء هن الجنس الأضعف .

كانت شفتاها جافتين بحيث لم تستطع أن تنطق من خلالهما بكلمة .

و سألته بلهجة متمردة و هي تتملص من قبضته : ما الذي ستقوم به . اننى اعرف أنك غاضب مني ، فقد كان ما كتبته الصحف بنفس السوء الذي سبق لك أن توقعت . فما هي إذن ، خطوتك التالية ؟
و كانت ، أثناء حديثها ، قد تراجعت خطوة إلي الوراء شاعرة بأمان أكثر لابتعادها عنه ، وهى تتابع قائلة : أريد أن أعرف الآن ، إذا لم يكن لديك مانع . أنى لا أحب لعبة الهر و الفأر التي يبدو أنها تعجبك .

فقال بعنف : و هل هذا صحيح ؟

و بدا عليه أنه يحاول تمالك أعصابه . وانبسطت أساريره و هو يعاود النظر إليها قائلاً : إن المسألة هي أنه ، كما أرى قد وقعت غلطة واضحة من الناحية الأخلاقية . هل تفهمين ؟

فقالت بفتور : آه ، نعم ، لقد فهمت طبعا .

فقال : لمعلوماتك الخاصة ، نحن لا نتعامل في القضايا بهذا الشكل ، و لكن البعض يكون أحياناً متحمساً أكثر من اللازم .

فردت علي كلامه ببرود : متحمساً أكثر من اللازم ؟ حسنا إذا كنت تعتبر إن الضغط علي البنوك لرفض تمديد فترة الدين ، ثم التسبب في إلغاء العقود قبل البدء بها ، إذا كنت تعتبر ذلك حماساً ، فان أخلاقك من السوء أكثر مما أتصور . لقد أفقدت مؤسستك أبي عمله بفعل القانون طبعا . و نطقت بالجملة الأخيرة بتهكم و هي تتابع : إن المافيا نفسها لا تفعل أكثر من ذلك .

فقال بشدة : كان في الأمر شيء من المبالغة .

فسألته فجأة : هل تعرف من كان مسئولاً في ذلك الحين ؟

فأجاب بإشارة غامضة : ربما .

فسألته غاضبة : ربما ؟ و ما الذي تفعله إزاء ذلك ؟
فألقي نظرة من عينيه الزرقاوين علي وجهها المتوهج و هو يقول بجمود : دعي هذا لي ، هل تحبين أن نتناقش في مسألة مصيرك أثناء تناولنا العشاء ؟

فحدقت فيه بحيرة بالغة و هي تقول : ماذا ؟ أتريدني أن أتناول العشاء معك ؟
فقال بلطف : و أي خطأ في هذا ؟

فأجابت : اننى لن أتناول عشاء أخر معك و لو كنت أخر رجل في العالم . فانا غير متأكدة على الإطلاق ، من أنك لم تكن رأس الحربة منذ البداية ، حتى و لو لم تكن كذلك ، فأنا لا أصدق أنك لم تكن علي علم بشيء من الأمر في ذلك الوقت ، و يمكنك إن تخبرني بمصيري الآن .

فقال بصوت بالغ البرودة ، رغم رقته الزائدة ، ما أرسل القشعريرة في جسدها : هل تعتبرينني ، بكلامك هذا كاذباً .

فقالت بحزم : نعم ، أظن هذا ما كنت أعنيه ، و أنا شاكرة لك قدومك إلي هنا .

فقاطعها قائلاً : حسناً ، إنها بداية علي الأقل .

و بخطوة واحدة أصبح بجانبها حيث وقف يحدق فيها و قد بدا لها ، في معطفه القاتم ، أكثر طولاً ، وهو يتابع قائلاً : ما الذي علي أن أفعل لأجعل مخك الصغير هذا يعمل ؟
و أخذت عيناه تجولان فوق وجهها ببطء ، بينما تنفست هي بعمق ، شاعرة بالفزع من رباطة جأشه الرهيبة ، و السلطة العنيفة التي كانت تبدو في كل نظرة منه و كل حركة ، والتي يرافقها علي الدوام طيف الهيمنة . وكان هو يسير بحيوية فائقة دون أن يكون لديها فكرة عما سيحدث .

و قالت له : و لماذا تكلف نفسك هذا العناء سيد ستيل ؟ ما أنا إلا فتاة عادية كأي من فتياتك العاملات و لاشيء غير عادى بالنسبة إلي .

و تحولت الغطرسة الباردة فيه إلي عنف لا يصدق و هو يقول : هذا غير صحيح .
منتدى ليلاس
فهزت كتفيها مظهرة عدم الاهتمام و هي تقول : إن أكثر الناس لا يوافقونك علي هذا .

فقال : إذن ، فإن أكثر الناس هم حمقي . و كان من المستحيل سبر غوره و هو يقول ذلك . وحدقت فيه لحظة ، بصمت محاولة أن تفهم ما في أعماقه . لقد سبق و سألت جو ، أثناء تناولها سندوتش الغداء علي مكتبها ، عن كين ستيل ومن أي نوعية هو ، و تذكرت نظرة الاهتمام الحادة النافذة التي بدت علي جو و هو يقول : إنه ليس من نوعيتك أنت . مع أنه يدهشني أن أراه قد تعامل مع أمرك بهذا المقدار الضئيل الذي ذكرته لي . فهذا ليس من عادته في التصرف في الأمور . فهو خشن جداً و عديم الشفقة ، لا يساوره أي ندم أو ارتياب في نفسه ، و لكن الذي كنت أعلمه أنه مستقيم . و ضاقت عينا مخدومها
و هو ينظر إليها ويتابع قائلاً : لا تهتمى كثيراً به ، يا جاني ، و اكرر أنه ليس من نوعيتك . إذ أنه عن ثروته وسيطرته ، فإن للرجل شهية قوية ، هل فهمت ما أعنى ؟
فسألته بهدوء : هل تعنى النساء ؟
فأجاب بجفاء : كل النساء . و هن أيضا يعجبن به . إنني لم أره قط مرتين مع نفس المرأة .
فقالت وهى تلقي نظرة علي الأوراق بين يديها ، ملقية السندوتش غير مستساغ الطعم ، جانبا ، وهى تقول : آه ... كنت أتساءل فقط .
فقال منبهاً بشدة : دعي عنك التساؤل هذا . و قد انقطع ذلك الحديث عند ذاك . والآن ، و هي تحدق في ملامحه الفولاذية ، تساءلت عن السبب . إنها لم تعرفه ، و لم تشأ أن تعرفه ، ولا يهمها سواء جر خلفه خمس نساء أم خمسين.

و ابتدأت تقول مرة أخرى : حسنا ، إنني شاكرة لك حضورك ، يا سيد ستيل .. . و لكنه قاطعها قائلا :
لقد سبق و قلت هذا الكلام من قبل .

و استحال هنا صوته في غاية الرقة و هو يقول : إنك تدركين ، طبعا ، أن أمامنا حديثاً طويلاً ، هذا بجانب العقاب الذي عليك أن تؤديه .

فنظرت إليه قائلة وهى تتراجع خطوتين إلي الخلف : إن هذا لا يعنى أنني أدرك ذلك ، ليس في استطاعتي أن أفكر في شيء .

فقال وهو يركز أنظاره عليها : حسنا ، فلنبدأ بذكر المبلغ الذي كان مصنع أبيك يساويه . هل عندك فكرة عنه ؟
فأجابت ببطء : كلا في الحقيقة . إن الأوراق هي عندي في مكان ما ، بالطبع ، و لكنني لم أطالعها منذ وفاة أبي ، لقد لاحظت ، فقط ، أنه شيئا قد انتهى أمره . ولكنني أظن أنه كان مسرورا لأنه لم يكن معرضا لإشهار إفلاسه ، لقد ساءت الأمور بشكل كبير لفترة من الوقت .
منتدى ليلاس
و هنا كانت عيناها مليئتين بالاتهام .
فقال بهدوء : إن الموظفين عندي يعالجون الموضوع بواقعية . و بما أنك ابنته ، فسيسلمونك المبلغ .
فتوهج وجهها بعد أن أدركت إلي أين انتهى بها الحديث ، وبان الذعر في عينيها و هما تقابلان أنظاره الباردة ، وردت عليه بحدة : إنني لا أريد أموالكم ز إنني لم أفعل ما فعلته ، لأجل المال . هل هذا ما ظننته أنت ؟ لقد أردت أن أعلمك فقط برأيي فيك ، و هذا كل شيء . إنني لن أستلم من نقودك قرشاً واحداً .

فقال : إذا كان المبلغ هو الثمن العادل للمصنع ، فهو لا يخصني إذن ، أليس كذلك ؟ لقد كنا نتحدث عما كان أبوك يستحق .

فقالت بعنف : و لكن ليس بإمكانك أن تدفع له ما كان يستحقه ، لقد فات الأوان لذلك . إنني لا أريد نقوداً . أريد أبي حياً ومعافى ، و لكن هذا مستحيل .

فقال : إنني أعلم أن هذا الموضوع عاطفي ، و لكن ، أليس بإمكانك أن تكوني أكثر عقلانية ؟ وبدا التوتر في صوته و هو يراها تحدق فيه بعينين ملتهبتين ، و قال : تذكري أنه أنت التي جعلتني موضع سخرية .

فقالت بمرارة : إن هذا لا يقاس بما كنت أتمنى فعله ، و أنا لا أريد أموالك القذرة . ألا يمكن أن تفهم هذا ؟ إنك لا يمكن أن تتخلص من الشعور بالذنب بهذه الطريقة . إن عليك أن تعيش مع ما اقترفته يداك .

فوضع يده علي رأسه ، واستدار غاضبا ، ليسير نحو النافذة الصغيرة التي تشرف علي الشارع المعتم ، ثم قال : لقد سبق و قلت إنني لم أفعل شيئاً .

فقالت : نعم . لقد قلت ذلك . إنها لم تعرف ، بالضبط ، ما الذي يدفعها إلي التصرف بهذا الشكل ... و لكنها كانت تعرف أن المسألة هى أكثر من مجرد حزنها القديم لأجل أبيها . ولكن عقلها رفض أن يحلل السبب . وقالت : إنني أريدك أن ترحل الآن ، سيد ستيل .

فاستدار قائلا : بالأكيد . و لكنه في حركته تلك ، تعثر قليلاً و كأنما تلك الحركة أفقدته توازنه . و مرة أخرى ، لاحظت أنه سرعان ما استرد توازنه و هو يجتاز الغرفة وقد اسود وجهه من الغضب ، ليخرج إلي الردهة الصغيرة و هو يقول : يا لك من فتاة تثير السخط ، يا آنسة جاني غوردون .


سفيرة الاحزان 13-09-10 08:50 AM

فقالت باستخفاف وقد نضح وجهها ازدراء : أما أنا ، فلن أخبرك برأيي فيك ، و لكنه ليس بالحسن .
و علي الفور تحولت أنظاره إلي ذلك الشعر الأسود الحريري الذي يصل إلي كتفيها ، والفم الأحمر الغاضب و العينين البنيتين الملتهبتين ، وضاقت عيناه و هو يقول ساخراً : إنك لست بحاجة إلي ذلك ، و حتى لو اعتبرتني أسفل السافلين ، فإنني سأظل أتصرف تبعا لشخصيتي الحقيقة .

و عندما أمسك معصميها النحيلين بيده الضخمة ، أدركت مبلغ قوته الحقيقة التي يسيطر عليها جسمه الكبير كما أدركت أنه لم يفقد أعصابه و إنما كان يجعلها تدفع ثمن كل ما فعلت بكل دم بارد . و حاولت أن تقاومه ، و لكنها ، وقد سبق و شعرت بقوة ذراعيه من قبل ، علمت أن محاولتها تلك دون جدوى ، وقال لها : إنك أكبر عدوة لنفسك . هل سبق لأحد أن أخبرك بذلك من قبل ؟

منتدى ليلاس
و بينما امتلأت غضباً لهذه الحرية التي يستعملها معها ، كان ثمة شعور أخر يخيفها ، يحتل مكانه . شعور جعل كل مقاومة أبدتها نحوه ، تتلاشي . لقد كان رجلا خبيراً بالنساء ، يعرف كيف يخضعهن لإرادته .
و عندما أطلقها من بين يديه ، تملكها شعور غريب بالدوار . و مضت لحظة قبل أن تتمكن من استعادة توازنها ، لتبتعد عنه و هي تصرخ فيه بصوت خشن مرتجف : إنني أكرهك .

و عندما رفعت نظرها إلي وجهه ، متوقعة أن تري السخرية علي ملامحه ، خصوصاً بالسهولة التي أمكنه بها التغلب علي مقاومتها ، إذا بوجهه الخشن الغامض جامداً لا ينطق بشيء و هو يجيبها قائلاً : ربما هذا صحيح ، وربما لا .

فقالت : بل هذا صحيح .

وتمنت لو أمكنها أن تريح نفسها بذرف الدموع التي كادت تختنق بها ، ولكن كلا ... لن يكون هذا أمامه ، وعضت شفتها بشدة حتى شعرت بطعم الدم في فمها و هي تقول :
لا أريد أن أراك مرة أخرى في حياتي .

فأجاب بتعجرف و هو يفتح الباب الخارجي : لا يمكنني أن أعدك بذلك . وعليك أن تعيشي بالأمل ، أليس كذلك ؟

و عندما أغلق الباب خلفه ، قفزت إلي الباب لتدفع المزلاج في مكانه بقوة ، بيدين مرتجفتين . إنه رجل حقير أسوأ كثيراً مما كانت تظن ، إنه رجل رهيب بارد المشاعر لا يحوي ذرة من دفء الإنسانية ... و أخذت تتمشي في أنحاء الحجرة و هي تضع يديها علي وجهها الساخن ، و ما لبثت أن انهارت علي الأرض تطلق صرخة مرتجفة ، أنها تكرهه ، تكرهه حقيقة . لقد كان يمثل في شخصه ، كل الصفات التي تكرهها في الرجل .

و مرت الأيام القليلة التالية جالبة إلي نفسها السلوان بتتابعها المعتاد و عندما كاد الأسبوع أن ينصرم ، كانت هي قد استعادت هدوئها النفسي . إنه لم يحاول الاتصال بها مرة أخرى ، و أخذت تظمئن نفسها بذلك مرة بعد مرة ، إثناء جلوسها لكتابة بطاقات المعايدة علي وهج مدفأة الغاز ، بينما الرياح تصفع زجاج النافذة برقائق الثلج في عصر يوم الأحد الشتوي ، ذاك . لقد انتهي كل شيء ، انتهي ذلك الحادث الصغير الصعب المذل في حياتها و الذي واجهته بعصبية بدلاً من الحكمة ، ولكنه كان درساً عليها أن تتعلم منه ، و أومأت برأسها و هي تقفل أخر مغلف بين يديها ، و لكن ، لماذا يتملكها مثل هذا الشعور الغريب ... ؟
و دخلت إلي المطبخ الصغير ، يتملكها شعور بعدم الارتياح ، ثم صنعت لنفسها كوباً من القهوة السوداء الثقيلة . إنها لن تسمح لنفسها بالاستسلام لهواجسها هذه التي تدفعها إلي الرغبة في البكاء حتى ولو لدقيقة واحدة . وعادت إلي غرفة جلوسها حيث فتحت التلفزيون ثم جلست تنظر إليه دون هدف معين ، و سرعان ما امتلأت الغرفة بأعين الأطفال التي أخذت تحملق فيها من خلال الشاشة الصغيرة .

________________________________________
[align=center]ما زال ثمة أسبوعان للعيد . و ألقت نظرة علي كومة البطاقات مفكرة . لقد أمضت العيدين الماضيين ، بعد وفاة والدها ، مع أسرة خالتها . فكانت تصل إلي هناك في اليوم السابق للعيد وتبقي إلي ما بعد ظهر يوم العيد ، فكانت تستمع بالعي مع خالتها و زوجها و أولادهما إلي أقصي حد . و قد دعوها مرة أخري هذه السنة . وكانت هي الآن تتطلع بشوق إلي الذهاب . و كان أحد أولاد خالتها قد ولد له توأمان ، فكانت لا تكاد تستقر من الشوق لرؤيتهما ، وبعد عودتها إلي هنا ، كانت تنتظرها عدة دعوات إلي حفلات . لقد كانت محظوظة حقا و أومأت مرة أخري بحدة . منذ الآن فصاعداً ، ينبغي عليها أن تنبذ من ذهنها كل الأفكار المتعلقة بذلك الرجل ، و من ثم تتابع حياتها العادية .
منتدى ليلاس
و بانتشار عدوى الأنفلونزا في المكتب ، في الأسبوع التالي ، تقلص عدد الموظفين إلي النصف .

و تمتم جو بيأس : قبل عطلة العيد بالضبط . و كان قد وصل لتوه بعد ظهر يوم الجمعة بعد اجتماع عمل كان فاشلاً تماماً ليجد موظفاً أخر عنده قد ذهب . ونظر حوله إلي المكاتب الخالية و هو يقول : هل بإمكانك أن تعملي في عطلة هذه الأسبوع يا جاني ؟

فأجابت بوجه مشرق : يمكنك أن تفترض أن العمل قد أنجز .

و ساورها الذنب إزاء شكر جو المتدفق لها . وفي الواقع ، أشعرها جوَ الشقة الخالية بكآبة لم تعرف سببها . فالعمل المتواصل يشغلها عن مثل هذه المشاعر ، ثم أنها تحب عملها . كما أن العمل مع جو كان ممتعاً علي الدوام ، و هو أيضا صديق جيد لها و ليس رئيساً فقط ، و هكذا عملت في الأسبوعين التاليين من الساعة الثامنة صباحاً حتى التاسعة ليلاً دون توقف، مما أجهدها إلي حد بالغ و جعل حركاتها محمومة قلقة ، و مع أن بعض الموظفين عادوا إلي أعمالهم ، فإن آخرين من الموجودين قد عطلهم المرض ، هم أيضاً . ويوم السبت ، أبقتها الضرورة الملحة في المكتب إلي منتصف الليل تقريباً ، لتعود في الصباح التالي السابعة صباحاً . و عندما استيقظت صباح الاثنين شاعرة بصداع ثقيل و ألم في عينيها ، اعتبرت ذلك ناشئاً من الإرهاق ، وهكذا تابعت العمل بساقين ترتجفان و عضلات هشة كما لم تشعر بذلك من قبل . و كانت تتطلع إلي يوم الأربعاء القادم ، وهو اليوم الذي يسبق يوم العيد ، كواحة في قلب صحراء . و حاولت أن تقنع نفسها أن متابعتها العمل لثماني و أربعين ساعة أخرى ، لن يكون فوق مقدروها .

و عصر ذلك اليوم ، اعترفت بينها وبين نفسها ، بأن ما تشعر به إن هو إلا أعراض الأنفلونزا ، و عندما عادت إلي بيتها في سيارة جو الرياضية ، كانت تشعر بما يشبه الموت .

ووقف جو في الردهة الصغيرة يسألها ، وقد بدا عليه بجلاء اللهفة للعودة إلي جوَ مكتبه الصاخب ، إن كانت تشعر ببعض التحسن ، وأومأت برأسها بحزم و هي تجيب : سأتناول بعض الأسبرين ، ومن ثم آوى إلي الفراش .

فقال وهو يتجه نحو الباب : حسناً ، لازمي فراشك إلي أن تشعري بالتحسن . و أنا لا أتوقع ، رؤيتك مرة أخري قبل عطلة العيد . أما هدية العيد لك مني فهي بطاقة المعايدة هذه . ووضع مغلفا عريضا علي الطاولة في الردهة ، ثم خرج .

و ساءت حالتها في اليوم التالي . و تحاملت علي نفسها لتتناول بعض الأسبرين مع شراب ساخن ، لتعود بعدها إلي فراشها متلهفة و هي تشعر بالدوار .

و ابتدأ اليوم السابق للعيد بمطر مثلج يتساقط علي نافذتها ، لتعلم أن ليس ثمة طريقة تستطيع معها فرض نفسها علي أسرة خالتها ، خاصة وثمة توأمان حديثا الولادة . و أبلغت خالتها بذلك هاتفيا في الوقت الذي كان فيه العالم كله مستيقظا ، لتمضي بقية اليوم في شبه غيبوبة ، شاعرة بالآسي لنفسها كلما عادت إلي الوعي .
منتدى ليلاس
و عندما ألجأها ألم في ظهرها ، في المساء ، إلي ترك فراشها و الجلوس علي كرسي كبير أمام المدفأة ، ملتفة بدثار كبير و إلي جانبها صندوق مناديل ورقية و سندوتش لم تجد الشهية الكافية لتناوله ، عند ذلك تمتمت قائلة وهى تمد يدها لتشغل التلفزيون : يا له من عيد .

و عندما قرع جرس الباب، لم تستطع الحراك ، فتجاهلت ذلك ، ولكن ، عندما تواصل قرع الجرس ، فلا بد من أن تفتح الباب إذ كان واضحاً أن الطارق سمع صوت التلفزيون ، وبالتالي لن يفكر بالذهاب .

ووقفت تترنح وهى ما زالت ملتفة بالدثار و في يدها منديل ورقي ، ومشت نحو الباب بعد إن ألقت نظرة علي نفسها في المرآة المستطيلة في القاعة . كان شكلها في منتهي الفوضى بشعرها الأشعث ووجها الشاحب و أنفها الأحمر ... هل هذه هي مظاهر العيد ؟ وعبست فيما الأفكار تراودها و هي ترى صورتها هذه في المرآة بأجفانها الحمراء ... ليعود ذلك الشعور بالدوار فيمتلكها و هى تفتح الباب .

" لقد أحضرت بعض الأوراق . "

جاءها ذلك الصوت العميق المألوف من مكان ما في الوقت الذي تراءي أمامها جسم ضخم في معطف قاتم و مكتمل بحقيبة أوراق ، واقفاً عند الباب و هو يهتف : " جاني "
و سرعان ما كانت سحابة سوداء تحتويها ، لتتهاوى فاقدة القوي علي الأرض ، و مازال في ذهنها شبه وعي مكنها من أن تلمح وجه كين ستيل منحنياً عليها يكسو وجهه الفزع ، مما بعث في نفسها الشماتة وهي تدرك أنها قد استطاعت أخيرا ، أن تفاجئه و قد بدا عليه الضياع التام ، تماما ً مثل أي إنسان عادى .

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:54 AM

الفصل الرابع
عادت جانى الى وعيها لترى نفسها على الكرسى الكبير ؛ملتفة بالدثار ؛ ووجه كين ستيل الأسمر على بعد مسافة قليلة من وجهها .

وجاءها صوته العميق يقول برقة : ((لاتخافى كل شئ على ما يرام ))وتملكتها مشاعر السخرية وهى تفكر فى أنه اذا كان ثمة من تخاف منه ؛ فانه هو نفسه . وعاد يسألها وهى مازالت تحدق فى وجهه ، شاعرة بالدوار: (( كيف تشعرين الأن؟))

فهمست : (( أشعربنفسى فى فرن حار )) وذلك فى الوقت الذى انفجرت فيه عاصفة من الضحك من شاشة التلفزيون ملأت جو الغرفة ، وأشار هو بيده نحو التلفزيون قائلا بحدة : ((هل أقفله ؟))

فقالت : ((نعم أفعل .))

وأخذت تنظر اليه وهو يتحول اليه يدير مفتاحه ، متأملة شعره القاتم المتألق بالحيوية تلتمع عليه قطرات من ماء المطر وجسمه الكبير القوي ووجهه الخشن الجذاب ، لقد ملأت حيويته وقوته تلك الغرفة الصغيرة . وخامرها للحظة الذعر و التعاسة . انها بحاجة الى أن تكون قوية على الدوام أمام هذا الرجل الذى سرعان ما سيستغل أى بادرة ضعف منها للتغلب عليها. انها تعلم جيدا أن الشفقة هى شئ غريب عنه . أتراها نسيت ما قاله جو عنه ، وما فعله هو بأبيها ، وكل شئ ؟
وقطع عليها أفكارها المحمومة هذه بامساك يدها الصغيرة فى يده و هو يسألها : ((منذ متى و أنت على هذه الحال ؟ ))

لقد كانت نسيت تأثير عينيه الزرقاوين و هى تحاول استجماع ذهنها المتلبد لتجيبه عن سؤاله ، انهما قطعا أجمل عينين رأتهما فى حياتها .

وعاد هو يقول وهو يضغط على يدها : ((منذ متى وأنت على هذه الحال ؟ ))

فقالت وهى ترتجف : ((منذ يوم الأثنين. انها انفلونزا فقط ، وقد أصيب بها كل شخص فى العمل . ))

فقال وهو يقف ناظرا اليها : ((هكذا اذن.)) ومشى نحو المطبخ وهو يسألها : ((أتريدين شاىا أم قهمة ؟ ))

فقالت : ((لاضرورة لذلك ...)) ولكنها أسرعت تقول بعد اذ رأته واقفا عند الباب رافعا حاجبيه الأسودين وقد بدا فى عينيه التصميم : ((شاي ، من فضلك ...))

وسألها وهو يعود بفنجانين من الشاي يتصاعد منهما البخار : ((هل استشرت الطبيب ؟ )) وعندما أخذت ترشف الشاى شاكرة ، شعرت بالدموع تتجمع فى مآقيها دونما سبب واضح ، وأزعجها أن تبدى ضعفا فى الوقت الذى كانت تريد فيه أن تظهر القوة .
منتدى ليلاس
ودفعت بيدها خصلة من شعرها الأسود الى الخلف وهى تجيبه قائلة : (( كلا طبعا ، لقد أخبرتك أنه لا يعدو أن يكون انفلونزا.))

فقال بحدة : ((ليس ثمة ما يقال له (لايعدو أن يكون ) فمن الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير . هل يؤلمك صدرك ؟ أذناك ؟))

فنظرت اليه بضجر قائلة : (( آه ...هل تهتم كل هذا القدر اذا كنت أنت مريضا؟ انها أيام قليلة أتعافى.حتى أننى أبتدأت الآن فى التحسن . ))ونطقت بجملتها الأخيرة دون اقتناع منها .

فقال بفتور : ((حسنا ، أنت منظرك يبدو مخيفا .))

وازداد وجهها المتوهج احمرارا وهى تقول : ((ما أحسن كلامك هذا. أنه ما أنا بحاجة حقا الى سماعه . ))

وسألها ونظره يجول فى أنحاء الغرفة الصغيرة و كأنه يتوقع أن يرى أحدا فى الغرفة : ((ومن يعتنى بك هنا ؟ ان ثلاجتك فارغة تماما...وقد وضعت لك فى الشاى آخر قطرة من اللبن وجدتها .))

فأجابت : ((أنا من أعتنى بنفسى . ويمكنك أن تذهب الآن .أننى فى الحقيقة لا يمكننى أن أنظر فى أىة أوراق الآن .))ونظرت الى حقيبته وهى تضيف قائلة : ((أهي أوراق عدائية أم متعاطفة ؟ ))

وقال متجاهلا الجزء الأخيرمن كلامها : ((هل تعنين أنه ليس ثمة من يتردد عليك لقضاء حاجياتك وما أشبه ؟ وهل ستمضين فترة العيد مع أي من أقربائك ؟))

فأجابت وهى تعبث بطرف الدثار دون أن تنظر اليه : ((لقد كنت سأذهب الى بيت خالتى لولا اصابتى بهذه الأنفلونزا . وبما أن ابنة خالتى قد أنجبت توأمين حديثا ، فلم أشأ أن أغامر فى التسبب لهما بالعدوى .))

فقال : ((فهمت .)) ووقف ببطء وهو يتابع قائلا : (( النتيجة هى أنك الآن بمفردك دون أي طعام بالمنزل و الساعة الآن السادسة من ليلة العيد . من تتوقعين أن يأتى لك بالطعام فى اليومين التاليين ؟ عابر سبيل ؟ ))

فقالت بحدة شاعرة بالغضب الذى يلهبه هو فى نفسها على الدوام : ((لا لزوم للتهكم . اننى لا أشعر بأية شهية للطعام .))

فهز رأسه بسرعة وهو واقف ينظر اليها وفى عينيه نظرة لم تفهم معناها وهو يقول : ((لا أظن أننى قابلت مثلك فى حياتى . هل ياترى ولدت بمثل هذه الشخصية الصعبة المستقلة ، أم أنك أخذت دروسا فيها ؟ ))

فأجابت متوترة : ((أسمع ، أنا لم أطلب منك القدوم الى هنا هذه الليلة، أما كيف اسير بحياتى فهذا شأني أنا . وأنا لا أظنك فى وضع يجعلك أهلا لانتقاد نقائص الآخرين . خاصة بالنسبة الى وضعى أنا معك . ))

فقال باقتضاب : ((ليس ثمة طريقة تجعلنى أذهب و أتركك فى هذه الحالة .))

فقالت حانقة : ((ان حالتى ليست سيئة، على الأقل لم تكن كذلك قبل حضورك .))وكان كلامها هذا أكذوبة صارخة ولكنها لم تكن لتهتم فى هذه اللحظة ، وتابعت تقول : ((اننى فى حالة حسنة تمام ، فالدفء يغمرنى كما أن التلفزيون ...))

فقاطعها قائلا بلهجة متبلدة : ((ودون طعام أو أحد معك . وهذا بالطبع ، سيكون عيدا لاينسى . أليس كذلك ؟))

فأغمضت عينيها لحظة وقد غمرتها موجة من الدوار وفكرت بضيق أن عليها أن ترفع بصرها للنظر اليه . كان حقا أكثر الأشخاص الذين قابلتهم فى حياتها غطرسة . انه يكاد يدفعها الى الجنون . وحدقت فيه لحظة بعينين متسعتين ملأهما الضيق ، ثم قالت بضعف : ((اسمع . هل لك أن تخرج من هنا ؟))

فنظر اليها مبتسما دون اكتراث وهو يقول : ((لا يمكننى هذا . والآن أين هى فرشاة أسنانك ؟))
منتدى ليلاس
فسألته : ((فرشاة أسنانى ؟)) هل تراها دخلت فى نوبة الهذيان و التصورات ؟ وداخلها اليأس وهى تفكر فى ذلك . ولكنه كان يبدو فعلا يسألها عن فرشاة أسنانها .

وأجاب هو بصبر واضح : ((نعم فرشاة أسنانك وكذلك كل أدوات زينتك . وكذلك الأفضل أن تحضرى قمصان نوم نظيفة . وأظن أن ثمة حقيبة ثياب فى مكان ما من غرفة النوم .))

وبينما أخذ يجول بعينيه حوله ، قالت بحدة : ((انتظر لحظة ماذا معنى اقتراحك هذا ؟))

فأجاب بجفاء وهو يبادلها النظر بذلك الهدوء المثير للأعصاب : ((اننى لا (اقترح) شيئا يا جانى ، ولكنى سآخذك معى بالطبع.))

فقالت بحدة فبها نوع من ذاتها المقاتلة القديمة : ((انك لن تفعل ذلك لأن ما أشكومنه هو انفلونزا وليس خللا فى الدماغ . فأنا لن أذهب معك الى أى مكان.))

فقال ببطء وهو يشير نحو باب يؤدى الى غرفة الجلوس : ((اننى أتذكر حدوث مناقشة مثل هذه بيننا من قبل ، هل هذه غرفة نومك ؟))

فنهضت بجهد بالغ نظرا لالتفاف الدثار حولها، ثم تقدمت لتقف أمامه رافعة وجهها الى وجهه الذي تكسوه السخرية، وهى تقول : ((ألا تستمع الي ؟ يمكننى العناية بنفسى هنا جيدا. وليس فى نيتى الذهاب معك الى بيتك مرة أخرى، خصوصا يوم العيد حيث أنك سبق وخططت لكل شئ . واذا كنت تريد حقا أن تقدم لي خدمة، فان بعض اللبن وا أشبه تحضره الي من الحانوت القائم فى منعطف الشارع، هو كاف جدا بالنسبة الي . أيمكنك هذا ؟))

فأجاب دون أن تتغير ملامح وجهه : ((لقد سمعت ، والآن أين هي حقيبة ثيابك؟ أم أنه يسرك ان تأتى معى بثيابك هذه فقط؟ اجلسى الآن فقط سبق وأن لممتك من على الأرض، وكان وزنك ثقيلا جدا.)) وقال جملته الأخيرة بطريقة خالية من الشهامة.

فقالت : ((آه ، انك ...انك....))

فابتسم ساخرا وهو يقول : ((أعرف أعرف انك تكرهين وتتقززين من الأرض التى أسير عليها... ومع ذلك فأنت ستأتين معى فى خلال دقيقة واحدة ، سواء شئت أم أبيت .))

فردت ثائرة : ((سيكون هذا دون ارادتى .)) فأومأ هوبرأسه ببطء وعيناه تلتهبان كالنار الزرقاء وهو يقول : ((هذا حسن .))وانحنى يرفعها بذراعيه قبل أن تجد وقتا للأحتجاج وأذهلها امتزاج المفاجأة بالدوار، فلم تستطع النطق . والتقط حقيبة يدها من على المنضدة باصبعه وهو يتجه بها نحو الباب قائلا : (( هل مفاتيحك فى هذه الحقيبة ؟))

فأجابت : ((نعم ولكن ...))

فقاطعها وهو ينظر اليها بجد : ((لا أرين أن أسمع كلمة (ولكن) هذه بعد الآن .)) وفجأة ، انتبهت الى تصاعد خفقات قلبها ، ليس غضبا وانما لشعورها الطاغى بقوته المتدفقة . لقد انتابها شعور رائع و هى ترى نفسها محط العناية و الأهتمام . وامتزجت فى نفسها مشاعر التعب والمرض والتشوش ، لتدفعها الى التماس الاستناد الى شخص آخر، ولو لفترة قصيرة .[/align]
________________________________________
[align=center]ولم تنطق بكلمة قبل أن يضعها فى المقعد الخلفى من سيارته البنتلى ، رغم ما لمحته على وجه السائق بينز أثناء ذلك من امارات التعجب . وقال كين بهدوء وهو يضع حقيبة يدها على ركبتها : ((اننى بحاجة الى المفاتيح لاطفاء أنوار شقتك . هل تريديننى أن أمر على أحد تجار الرقيق الأبيض أوما أشبه ؟))

وأجابته دون تفكير : ((لايوجد فى البناية أحد .))

هز رأسه ببطء وهو يقول معاتبا : ((ومع هذا كنت ستمضين فترة العيد بمفردك تماما ؟))

فأجابت بسرعة : ((حسنا لم تكن هذه خطتى فى البداية . لقد سبق و أخبرتك عن التوأمين وخوفى من أن أنقل اليهما العدوى.)) وأحكمت الدثار حول نفسها وهى تتابع قائلة: (( ان فى استطاعتى على كل حال العناية ينفسى .))

فقال وهو يتناول من يدها المفاتيح : ((نعم ، بدليل أننى لممتك من على الأرض عندما فتحت لي الباب.)) واستدار ليبتعد بعد أن اغلق باب السيارة خلفه ، عندما نادته وهى تضرب النافذة بيدها تستثير انتباهه : ((كين )) فعاد يفتح الباب لتتابع هى قائلة بصوت ضعيف : ((ان فرشاة أسنانى وبقية الأشياء هى على عتبة نافذة الحمام . وهناك بعض الثياب وحقيبة للملابس فى الخزانة فى غرفة النوم .))

فقال وقد بانت على ملامحه علامات الرضى لرضوخها هذا : (( هذا حسن .)) وبقى واقفا ينظر الى داخل السيارة . فنظرت اليه بارتباك وهى تسأله : ((ماذا ؟))

فنظر اليها بمكر وهو يقول : ((كين. اننا لن نعود الى (السيد ستيل) ...أليس كذلك ؟))

فتبادلت معه النظرات لحظة طويلة قبل أن تسمح لبسمة خفيفة بأن تبدو على جانب فمها وهى تقول مرغمة : ((كلا . انك الآن كين.))

فقال ساخرا ببطء : ((لقد ظننت نفسى أكبر سنا من أن أكتب الى رسالة سرية بما أرغب. ولكنه مع هذا وصلتنى هديتى .))وقبل أن تجيب كان هو أغلق باب السيارة وابتعد وعلى وجهه معنى لم تستطع هى ادراك كنهه.

وقفزت جفلة عندما أنزل السائق بينز الحاجز الزجاجى الذى بينهما فجاة وقال وهو يومئ برأسه معتذرا : ((آسف يا أنسة. لم أقصد أن أجعلك تجفلين . انك اذن مريضة .))

فقالت مبتسمة : ((انها الأنفلونزا ، كانت صحتى جيدة طوال العام . ولكن ما ان أتى العيد ...))

فقال : ((هذه هى العادة يا أنسة هذه هى العادة .)) ونظر الى وجهها الشاحب بامعان ثم قال : ((ليس أمامك الا أن تريحى ظهرك الى الخلف وتغمضى عينيك الآن يا أنسة .)) ففعلت حسب اقتراحه و بقيت تستمع الى صوت تساقط المطر على زجاج السيارة بينام كانت تزيد من احكام الدثار حولها مستمتعة بالدفء والاسترخاء. ولابد أنها نامت عدة دقائق قبل أن يعود كين بحقيبتها القديمة ، لتستيقظ وقد انتابها شعور غريب وهى تراه يصعد الى السيارة وقد تعلقت رقائق الثلج بشعره وكتفيه .

واستقر فى مجلسه بجانبها مشيرا الى بينز للتحرك بالسيارة وهو يقول : ((يالها من ليلة . انظرى عصف الرياح .)) كان فى صوته معنى عميق وعيناه النفاذاتان تجولان فوق وجهها ، بينما جلست تنظر اليه بهدوء. وبعد دقيقة قالت له ووجنتاها تتوهجان: ((ان هذا من كرم أخلاقك .))

فسألها برقة : ((أتظنين ذلك ؟ هذا ليس صحيحا، وهل بامكانى ان أتركك فى هذه الحالة ، لأعود فأتناول عشاء العيد ؟ هل بامكانى ذلك ؟)) وارتسمت على ملامحه الجذابة ابتسامة كاد معها قلبها يتوقف عن الخفقان . هل هذا هو الوجه الذي يقابل به نساءه؟ كان هذا هو تسا}لها عندما هدأ خفقان قلبها. اذا كان الأمر كذلك فالحق مع جو عندما قال ان النساء يعجبن به، ذلك أن امزاج عنف الرجولة مع الرقة الدافئة فى شخصه كان مخيفا . ولكنها هى قد عرفت الجانب الآخر منه. وأغمضت عينيها وهى تفكر فى قسوته التى سبق أن عانى منها أبوها ، سواء منه مباسرة أو من أتباعه الذين دون شك كانوا ينوبون عنه فى أعماله.

عليها أن لا تنسى الماضى. وكانت هذه الأفكار تعتمل فى نفسها بينما السيارة تضوى المسافات بسهولة. كل هذه العناية والأهتمام لاشك صادران عن ضمير متعب . وهذا نفسه كان فيه الادانة له، فاذا هى نسيت كل ما سبق وقيل لها عنه والأهم من ذلك ماعرفته ، فان عليها أن تتحمل العواقب.
منتدى ليلاس
ولكن هل هو حقا من القسوة كما سبق وظنته؟ لقد كان مجرد التفكير فى هذا الرجل أثناء العامين الماضيين يجعل جسدها يضطرب، ولكن الآن ... ورمقته من تحت أهدابها الكثيفة، ما كان لها أن تدعه يقنعها بمرافقته الى منزله. وأدركها الهلع وهى تفكر فى أنها انما تلعب بالنار .

وسألها : ((ها انك تعودين الى العبوس .))

فنظرت اليه بحدة لترى وجهه تكسوه السخرية وسألته : ((ماذا ؟))

فأجاب بجفاء : ((لقد كنت تفكرين بى. أليس كذلك ؟ هل كنت تثيرين نيران الاتهامات؟ ألا يمكنك الأسترخاء فى مرضك هذا وترك أحمل عنك هذا العبء؟ انن أعرض عليك أن أستضيفك فى منزلى الى أن تصبحى قادرة على الوقوف على قدميك مرة أخرى. وهذا كل شئ، وأنا أعدك بذلك. أننى أقوم بمثل هذا لأى كان.))

فسألته بارتياب : ((أحقا ؟))

وأحمر وجهها بعنف وهى تراه ينفجر بعاصفة من الضحك وهو يقول : ((هل تعلمين أنك لا تثمنين بشئ؟اننى لم أر امرأة من قبل لها مثل وجهك المعبر . هل أنت دوما بهذه الصراحة ؟))

فأجابت وهى تواجهه الآن مباشرة وقد بدت عيناها كبيرة فى تلك العتمة الخفيفة : ((نعم . دائما . لقد كان أبى بالغ الصراحة سواء فى عمله أم حياته الشخصية . كان دوما يقول ذلك، رغم ما كانت صراحته تلك تكلفه أحيانا . وعلى المدى الطويل، كان عليه أن يدفع ثمن صراحته تلك.))

وبدا الجد علي وجهه للمرارة التى تدفقت بها عيناها وهى تتابع قائلة : ((ولكن طبعا ما كان بامكانك أن تفهم ذلك .))

فرد عليها بحدة : ((طبعا .))

وكانت قد توقعت منه أن يدافع عن نفسه. أن يكرر برائته ، ولكن عينيه المسمرتين على وجهها كانتا فى صلابة الحجر.واستند فى مقعده الى الخلف وهو يتنهد قائلا : ((استريحى يا جانى .))

وكان وجهه وهو يقول ذلك جامد الملامح خاليا من أي تعبير، وتابع يقول : ((اننى أعرف تماما رأيك فى شخصى، لكننى أحب فى المرأة انفتاحها العقلى وان كانت تعارضنى فى بعض المفاهيم انك فى أمان تام، فلا تدعى الوساوس تداخلك . ))

ولم يتبادلا بعد ذلك أى حديث الى أن وقفت السيارة أمام سلم واسع من الحجر ينتهى بباب ضخم.ولم يسمح لجانى شعورها بالمرض بأن تتحرك حين استدار كين حول السيارة ليفتح الباب الذى بجانبها ثم يساعدها على الترجل. كان الصداع يكاد يقتلها وشعورها بالارهاق لايصدق. فقد كانت الحركات البسيطة التى قامت بها قد أرهقتاها الى درجة لم تشعر بمثلها من قبل .

وقال لها بهدوء : (( سآخذك الى غرفة الضيوف مباشرة حيث السيدة لانغتون ستعتنى بك .)) وكان السائق بينز قد فتح فى هذه الأثناء الباب الأمامى لهما .

وأومأت هى برأسها موافقة لتشحق باستغراب عندما دخل كين بها الى المنزل الدافئ . فقد صافحت أنظارها زينة ضخمة. فوقف ينظر اليها بوجهه الأسمر الخالى من التعبير ، وهو يقول بلطف: ((آه ، هل أعجبتك ؟))

فأجابت : ((أنها رائعة .)) ولأول مرة تشعر هى بأنه عيد حقا فمن جراء الأرهاق فى العمل خلال الأسبوعين الأخيرين، ثم مهاجمة المرض لها بعد ذلك أفقداها فتنة الشعور بالعيد. وتابعت تقول: ((انها رائعة تماما.)) ورفعت نظرها الى وجهه لترى عليه شبه ابتسامة لابتهاجها الواضح هذا .

وتنهد فائلا: ((اننا نحاول أن نبلغ الفرحة فى الأحتفال بالعيد ، أليس هو يوم الفرح، والسعادة والتوبة؟)) وكانت الكلمة الأخيرة التى نطق بها وعيناه معلقتان فى عينيها ، كانت سؤالا ليس باستطاعتها أن ترد عليه. وعندما بادلته النظرات شعرت وكأنها غرقت فى زرقة عينيه تلك. كانت امارات وجهه جامدة ومبهمة للغاية. بينما رائحة كولونيا الحلاقة التى يضعها، قد شدتها اليه أكثر فأكثر. وهمس قائلا: ((عيد سعيد، يا جانى.)) ونفرت هي مبتعدة برأسها عنه. وتوترفمه لحركتها هذه، وفى هذه الأثناء برزت السيدة لانغتون وجانى لتهتفا متعجبتين لمنظرهما غير المتوفع هذا وهما صاعدين على السلالم.

وقال هو مخاطبا السيدة لانغتون من وراء كتفيه: ((هل غرف الضيوف جاهزة ،يا سيدة لانغتون ؟))

وأجابته مدبرة المنزل من وراءه: ((نعم، يا سيد ستيل وثمة أثنتان خاليتان . واقترح أن تضع الأنسةغوردون فى الغرفة البنفسجية الأثاث خيث أنها تطل على الحدائق كما أنها أكثر هدوءا من الباقيات.))
منتدى ليلاس
فأجاب: ((نعم، انها فكرة حسنة.)) ووصلا الى عدد كبير من الغرف تمتد فى ممر كبير يكسو أرضه السجاد سميك. وتابعا صعود مزيد من السلالم، وفى الطابق التالى استدار كين الى اليمين وانتظر وصول السيدة لانغتون لتفتح له بابا محفورا من خشب السنديان كان أمامه حيث دخل منه الى غرفة جلوس رائعة الجمال مزخرفة بظلال مختلفة من اللون البنفسجى ويقوم فى احدى زواياها تلفزيون ضخم، وتابع هو طريقه من خلال هذه الغرفة الى غرفة أخرى للنوم قام فيها سريران. وأسرعت السيدة لانغتون فى اسدال الستائرالمخملية الثقيلة غلى النوافذ ليشيع فى الغرفة جو دافئ مريح بالغ الرفاهية لم تعرف جانى مثله من قبل .
جلست جانى على كرسى كبير من الخيزران ، بينما أخذت مدبرة المنزل والخادمة الصغيرة تجهزان أحد السريرين بسرعة بعد أن أوصلا التيار الكهربائى ببطانية السرير، بينما كان هو يقول لها: ((ان السيدة لانغتون ستتولى أمر راحتك، وبعدذلك ننظر فى أمر الطعام.)) ومن ثم تركها وخرج من الغرفة.

وعندما رقدت جانى بين الأغطية الدافئة شاعرة بعرفان الجميل ، قالت لها الخادمة الصغيرة: ((ياللحظ السئ ، اذ تمرضين عشية العيد يا أنسة.)) وكانت كل هذه الأحداث تمر بجانى وكأنها فى حلم. كانت الغرفة الواسعة بالغة الحد فى الرفاهية والراحة. ودار رأسها وهى تفكر فى أن مثل هذا الجو المترف هو عادى تماما بالنسبة اليه.

ما الذى جعلها تفكر فى أن تحتك به أثناء ذلك المؤتمر؟ وغمرها طوفان من الارهاق. لماذا لم تقنع بمجرد الشعور بالكراهية نحوه عن بعد؟ أما كان ذلك أفضل لها؟ أفضل كثيرا ...؟ ولم تشعر بالنوم يهبط عليها حين أخذت السيدة لانغتون تسألها عما تريد أن تأكل، ولا عندما خرجت المرأتان بهدوء من الغرفة بعد أن أغلقتا الباب خلفهما بلطف...لم تشعر بشئ أبدا...

سفيرة الاحزان 13-09-10 08:58 AM

أنسة غوردون.))

واستيقظت جانى من نومها العميق شاعرة بأطرافها ثقيلة كالرصاص وبرأسها يدور وقد تبلد ذهنها. وتابعت السيدة لانغتون: ((عليك أن تحاولى تناول شئ من الطعام ثم نتركك بعد ذلك بسلام.)) كانت المرأتان تقفان الى جانب السرير وقد حملت الخادمة الصغيرة صينية طعام تحوى طبف حساء يتصاعد منه البخار. وقطعتي خبز الى كوب من عصير البرتقال الطازج. وجاهدت جانى لكى تجلس وهى تنظر حولها زائغة العينين بينما رأسها ينبض بالألم، ثم سألت: ((كم الساعة الآن؟))

وأجابتها مدبرة المنزل بهدوء: ((الساعة التاسعة و قد رقدت ساعة أو نحوذلك، ولكن السيد ستيل يريد منك أن تأكلى شيئا قبل أن تستقرى هذه الليلة.))

ولم يسبق لجانى فى حياتها أن شعرت بانعدام فى شهيتها كما تشعر الأن، ولكن تحت نظرات السيدة لانغتون الصارمة، جاهدت فى ابتلاع عدة جرعات من الحساء ونصف قطعة خبز. ولكنها شربت كوب العصير.
منتدى ليلاس
وابعدت السيدة لانغتون الصينية عنها ثم ساعدتها على الأستلقاء بين الوسائد مما شعرتمعه جان أنها عادة طفلة من جديد. كانت مدبرة المنزل امرأة يصعب قهرها حقا.

وما أن خرجت تلك المرأة الطويلة القامة القوية الشخصية من الغرفة حتى دخل كين، ما جعل جانى تشعر بتوتر فى أعصابها. كان يرتدى ملابس عادية مما جعله يبدو أكثر طولا وجاذبية ببنطاله التبنى اللون وكنزته السميكة بنفس اللون وهذا ما أظهر لون بشرته البرونزي أكثر سمرة.

وقال مسرورا: ((هل تمكنت من تناول شئ من الطعام؟ لقد فكرت فى أن ارسال الطعام مع السيدة لانغتون قد يأتى بفائدة. اذ ليس كل شخص بامكانه رفض ما تعرضه عليه اذا كانت هى مصممة على ذلك.))

فقالت جانى بضعف: ((هذا ما رأيته.))

فتابع يقول: ((ومع هذا فان لها قلبا من ذهب .)) وكان بتكلم بهدوء وهو يدنى كرسيا الى السرير ثم يجلس عليه، واضعا ساقا فوق ساق، وهو يسترد قائلا: ((لقد قامت بتربية ستة أولاد بنفسها بعد أن مات زوجها تاركا اياها أرملة فى الثانية والثلاثين. وجميعهم الآن يعولون أنفسهم بشكل جيد.))

فقالت: ((آه )) وأحست فى جسدها بحرارة جعلت وجنتيها وأنفها يتوهجان احمرارا بشكل غير جذاب.

وقال فجأة بعد أن أمعن فيها النظر: ((تبدين صغيرة الحجم جدا وهشة ضعيفة ....ورائعة الجمال.))
قنظرت اليه غير مصدقة وهى تقول: ((رائعة الجمال؟ اننى أبدو غاية فى بشاعة الهيئة.))

فقال: ((بشاعة جميلة.)) وكان صوته عميقا دافئا وبالغ الرقة. وتابع يقول: ((من كان يظن أننى سأمضى ليلة العيد جالسا غلى كرسى بجانب سريرك؟)) وكان يتكلم بمكروعيناه لا تفارقان شعرها الذى كان يتألق فى نور الغرفة.

فقالت بتهكم: ((من كان يظن؟ ولكننى أظن أن هذا الوضع يناسب طبيعة حياتك أكثر من غيره.))

فقال وهو يميل بظهره الى الخلف رامقا اياها بعينين باردتين ضيقتين وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة: (( هل ظنك هذا نتيجة القصص السيئة التى تسمعينها عن الذئب الكبير السيئ الذي لابد قد جعل عندك فكرة عنى بأننى أغوي العازبات؟))
منتدى ليلاس
فقالت: ((لاتكن سخيفا.)) وكان حديثهما قد ابتدأ يخرج عن سيطرتهما وكانت هي تفتش عن طريقة تنهاه بها، فتابعت تقول: ((ليس بك حاجة الى البقاء هنا على كل حال. فأنا لا أريد أن أفسد عليك الاستمتاع بالعيد.))

فأجاب: ((ولكننى أحب أن أكون هنا.)) ومد يده الباردة يلامس جبينها الملتهب، مستطردا: ((ولكننى لست متأكدا أبدا من عدم ضرورة استدعاء الطبيب.))

فأبعدت يده عنها بضيق وهى تقول: ((اياك أن تفعل . فهذا المرض لا يستمر فى العادة أكثر من ثماني وأربعون ساعة. ولكننى كنت متعبة قليلا فبل اصابتى بالعدوى وغدا سأكون معافاة تماما.))

فقال: ((أشك فى هذا.)) ومد يده الى رف للكتب بجانب السرير، فتناول رواية ثم عاد الى كرسيه مرة أخرى مستطردا وهو يفتح الكتاب: ((كونى فتاة طيبة اذن وعودى الى النوم.))

فقالت حائرة: (( ولكننى لا أستطيع النوم وأنت جالس هنا.))

فنظر اليها بعينين شبه مغمضتين وهو يسألها: ((وما هو المانع ؟))

فأجابت: ((لأن ذلك لا...لا أستطيع...)) وسكتت فجأة ثم قالت متلعثمة: ((فقط لا أستطيع وهذا كل شئ.)) ثم سكتتز

فقال بلطف وعيناه مثبتتان على وجهها: ((لاتكونى متزمتة. ماذا نظنين سأفعل؟ أثب اليك حالما يتملكك النوم؟))

فقالت بحدة: ((كلا طبعا.)) وزاد توهج وجهها الى درجة لمتكن تظنها ممكنة، واستطردت تقول: ((كل ما فى الأمر أننى لا أظن وجودك هنا ضروريا.))

فقال بهدوء: ((ولكننى أنا أجده كذلك. لقد أغمى عليك مرة ، كما أن لديك حرارة، ولن أترك مكانى قبل أطمئن الى أنك بخير. والآن ،حاولى أن تنامى.))

فقالت باستياء وهى تراه يعود الى النظر فى كتابه: ((هل أنت عنيد دوما بهذا الشكل ؟))

فأجاب دون أن يرفع رأسه: ((دوما بهذا الشكل.)) وأخذت تنظر اليه لحظة لا تعرف ماذا عليها أن تقول . كان شعره الكثيف شديد السواد مما كان يتعارض مع زرفة عينيه.

وسألته فجأة لخاطر طرأ على بالها: ((هل والداك أرلنديان؟)) وسرها أن رأته يجفل لسؤالها هذا،

وسألها بدهشة: ((والداي؟ لا أفهم.))

فقالت بسرعة: (( ذلك لأن من العادى جدا أن تجد فى ارلندا أجتماع الشعر الأسود مع العينين الزرقاوين .))

فقال بعد لحظة طويلة: (( ان أمى ارلندية، فعليها يقع اللوم ولكن أبى انكليزى.))

فسألته بفضول: ((وهل مازالا حيين؟))

فأبتسم تلك الابتسامة الحلوة النى استولت مرة على لبها، وأجاب قائلا: ((انهما حيان متعافيان، وهما يعيشان الآن فى فرنسا لأن أبى يعانى من مرض جلدى لا يلائمه سوى جو(بروفانس )المعتدل وقد تتعرفين اليهما غدا، فهما سيمكثان عندى عدة أيام.))

فسألته: ((انك اذن لم ترث عنهما كل هذا؟)) ولو أنها كانت فى كامل وعيها لما جرؤت على توجيه مثل هذا السؤال الذى لا يخصها. ولكن النعاس الذي كان يزحف اليها، هذا الى جانب الوضع العجيب الذى وجدت نفسها فيه، كل هذا جعل مثل هذا السؤال ينطلق من فمها دون وعي منها.
منتدى ليلاس
ولكنه لم يظهر أى ضيق لفضولها هذا بل أجابها: ((جزئيا. لقد كان جداي لأمى بالغى الثراء، وقد تركا كل شئ ليقسم بالتساوى بينى وبين أخى. وذلك فى نفس الوقت الذى أكتشفت فيه ميلى الى التعامل مع الناس، وذلك رغم دراستى الجامعية التى تجاهلتها. وهكذا سارت بى الحياة كما يقولون.))

وأومأت برأسها وقد ثقلت أجفانها الآن تماما. فأغمضتها عدة ثوان . عند ذلك نهض هو فأطفئ النور وأضاء مصباحا صغيرا الى جانب الفراش، موجها اياه نحو كرسيه فقط.

وشعرت بأصابعه تلامس جبينها وشعرها بخفة وهو يهمس: ((ليلة سعيدة يا جانى .)) لكنها
تصنعت النوم بينما كان قلبها يخفق بشدة. وسادت لحظة صمت طويلة قبل أن تشعر به يتحول عنها ليعود الى كرسيه يجلس عليه. وما لبثت أن استغرقت فى النوم.
نهاية الفصل الرابع

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:00 AM


الفصل الخامس

وفي الصباح التالي استيقظت جاني لتجد الغرفه خاليه وقد تحسنت حالتها الى درجه كبيره واستكانت لحظه الى دفء ذلك الفراش الوثير وعندما تحركت اخيرا بحذر وجدت تلك الالام التي كانت تطحن عظامها قد اصبحت مجرد ذكرى سيئه
وقرع الباب بادب لتدخل الخادمه الصغيره في نفس الوقت الذي كانت جاني تجاهد فيه لكي تستقيم جالسه
وسط السرير الوثير وابتسمت جين وقد اشرق وجهها وهي تقول بمرح بينما كانت تضع كوب الشاي على المنضده بجانب السرير ثم تسير نحو الستائر تزيحها عن النافذه
-ها انك قد استيقظت يا انسه لقد قال السيد ستيل ان حرارتك كانت قد انخفظت حين ترك غرفتك ليله امس وانك كنت نائمه كالطفل ان امي تقول دوما ان النوم هو افضل دواء
-احقا ؟
وابتسمت جاني للفتاه الصغيره التي عات لتقف بجانب سريرها ثم تابعت قائله
-ظننتك لا بد ذهبت الى منزلك لقضاء عطله العيد ولكن ربما لم يستغن عنك السيد ستيل
فاجابت جين بسرعه
-كلا يا انسه لقد قال ان بامكاني ان اخذ اجازه اسبوع اذا شئت ولكننا في المنزل عشره اشخاص في شقه مؤلفه من ثلاث غرف نوم وهذا اجرام
فانا افضل البقاء هنا ان على في المنزل ان انام في الغرفه مع اخواتي الثلاثه الصغيرات وانت تعرفين تصرفات الاطفال بينما انا هنا اسكن في غرفه خاصه ولدي جهاز تلفزيون وحمام خاص انني احبها كثيرا
منتدى ليلاس
وبان عليها الشعور بالذنب وهي تبتسم قائله بلهجه اعتذار
-ماكان لي ان اقول هذا اليس كذلك؟ فانا احب كثيرا امي وابي
فقالت جاني مواسيه
-انني متاكده من ذلك
وتابعت
تقول وهي تسوي الوسائد من خلف جاني ثم تناولها كوب الشاي
-عندما ينتهي عشاء العيد يصبح على افراد الاسره ان يعتنوا بانفسهم ونصبح نحن احرار في الذهاب الى حيث نريد ان صديقتي تسكن في المدينه القريبه وانا ساذهب اليها فيما بعد
فسالتها جاني بهدوء
-يبدو انك تحبين حياتك هنا
فاجابت جين بحراره
-اه انني احبها جدا يا انسه فالعمل عند السيد ستيل رائع وهذا المنزل هو مكان سعيد حقا ولييس كبقيه الامكنه لتي تعمل فيها بعض زميلاتي ماذا استطيع ان اخبرك ...
ورفعت عينيها الى السقف بحركه ذات معنى ...وشعرت جاني بشئ من الانزعاج ازاء هذا الفيض من المديح فهي لم تعرف في نفسها الغباء من قبل لكي يدفعها بحقد الى ان تشعر بالسرور لو عرفت عن كين على العكس مما تقوله هذه الصغيره هو اشبه بالغول في بيته
مالذي حدث لها؟ وكانت هذه الافكار تضايقها في الوقت الذي خرجت من الغرفه لاحضار صينيه الفطور اليها لم يكن سوء الخلق او التذمر من طباعها
طبعا لابد ان تكون لهذا الرجل بعض الصفات الحسنه حتى ان اعظم مجرمي التاريخ كانوا لايخلون من صفات جيده تروى عنهم
وكانما اخافها اقتناعها بانه رقيق من بعض الجوانب فنبذت هذه الفكره من راسها بعنف وهي ترشف الشاي الساخن اذ ان هذا قد يفتح ابوابا اخرى تفضلها ان تبقى مغلقه طبعا هذا ليس صحيحا وقاومت هذه الفكره بعنف فهي اذا لم تتوقف عن مثل هذا التدقيق اذا ما توجهت افكارها اليه فهي ستجن حتما ويبدو انها هنا لقضاء هذ اليوم على الاقل نظرا للظروف الخارجه عن ارادتها وفي هذه الحال من الافضل ان تتقبل كل دقيقه وساعه تمر عليها كما هي وذلك لكي تتمكن من الخروج بسلام
-صباح الخير
لقد كان ملك الوحوش بنفسه وتوهج وجهها احمرارا وهي تراه يقف عند الباب متكاسلا وكان يبدو حليقا جذابا الى درجه بالغه وتابع يقول
-جئت لرؤيتك قبل الان فوجدتك نائمه
كان يتكلم بلهجه عفويه وهو يدخل الى الغرفه ببطء وقد ضاقت عيناه قليلا ازاء اشعه شمس الشتاء المتدفقه من النافذه وهو يستطرد
-ان الجو رائع في الخارج لقد هدات العواصف
فقالت
-حقا؟
بينماكانت تفكر في ان العواصف في اعماقها هي لم تهدأ وهي تراه وقد انحبست انفاسها يقف الى جانب النافذه وقد بدا وجهه الداكن غامضا كان يبدو رائع البساطه في بنطلون الجينز والكنزه البيضاء
المقفله ولاشك انه لو ظهر بهذا الشكل في اي اعلان لارتفعت كميه المبيعات الى اكبر نسبه وسالته
-كم ساعه مرت علي وان نائمه ؟
فاجاب
-حسنا انها العاشره صباحا الان وهذا يعني انك نمت حوالي الثلاث عشره ساعه يبدو عليك التحسن كثيرا كيف تشعرين بنفسك؟
فاجابت وهي تبتسم بحذر
-اشعر بصحتي ممتازه في الواقع مازلت لا اصدق انني هنا
فقال بصوت عميق هادئ ودون اثر للفكاهه على وجهه المغضن
-وكذلك انا غير مصدق هذا هل يؤسفك ذلك؟
ونظرت اليه بصمت لاتدري بما تجيب نعم انها تاسف لذلك بكل احاسيسها فهي الان في خضم شئ خارج عن سيطرتها وهذا كان يخيفها لقد كانت تشعر نحوه بجاذبيه لم تعرفها من قبل وام تكن تتصورها خارج نطاق القصص هذا بينما هي تعتبر كل خفقه قلب نحوه وكل رجفه مسببه عن تاثيرها به هي خيانه لابيها واسوأ انواع الغدر له
منتدى ليلاس
وقالت
-كين...
فقاطعها رافعا يده الكبيره بينما احتلت عينيه نظره ساخره
-كلا لا تنطقي بايه كلمه لا اريدك ان تكذبي علي كما ان الحقيقه ستكون مدمره وعلى كل حال فقد نطقت ملامحك بكل شئ وقد نلت من العقاب ما يكفي
ولم تفهم هي تماما السخريه الجافه المقتضبهتلك وحدقت فيه بعينين متسعتين وهو يجلس على المقعد الذي سبق وجلس عليه الليله الماضيه وتابع يقول
-ولا تظهري كل هذا التفجع فان من حسن التغيير احيانا ان يكون المرء صائدا بدلا من ان يكون هو الفريسه
وسالته
-ماذا تقول؟
كانت قد فقدت التركيز على ما يقول وهي تحالو ان تتمالك عواطفها ازاء التاثير الذي احدثه فيها قربه منها
واوما هو نحو كوب الشاي الذي مازال ممتلئا الى منتصفه
-اشربي شايك لقد احضرت جين لك الان فطورا خفيفا اذ ان الغداء سيكون عند الساعه الواحده هل تظنين ان باستطاعتك النزول لتناول الغداء معنا؟
__________________


فاجابت
-طبعا استطيع
وكانت اناقته الظاهره تشعرها بمنظرها المزري ورفعت يدها الى شعرها الاشعث وهي تستطرد
-ساحاول ان احسن من مظهري هذا
ووضعت كوبها الفارغ على المنضده بجانبها
فقال
- ان مظهرك ممتاز كما هو الام
ومال نحوها فجاه يلامس جبينها بانامله وهو يقول
-يا اسيرتي الصغيره
سمع صوتا يناديه من الطابق الاسفل فتوقف فجاه ثم مشى خارجا من الغرفه دون ان يقول شيئا ونظرت هي في ارثه ببلاده وقد تملكها شعور هو مزيج من الذل والعار واخذت تتساءل بذهور وحيره عما دعاها الى مثل هذه التصرفات التى لم تقم بها من قبل مع رجل اخر قط
هذا الى انه لن يصدق ذلك مطلقا الان
وساورها الاكتئاب وهي تفكر في ان الثلاث سنوات التي امضتها في جو الجامعه الحر قد جعلها تتخذ لنفسها مبادئ اخلاقيه لا تحيد عنها ومع ان بعض صديقاتها الحميمات كن
يتورطن مع اصدقائهن منذ اول لقاء فانها كانت تعلم ان مثل هذا السلوك ليس لها فهي ماكان بامكانها ان تبذل شرفها ثم تتابع حياتها بابتسامه لا اثر فيها للندم انها لم تخلق بهذا الشكل واذا حدث وشعرت بعاطفه صادقه ترتضيها فهي ستكرس لها حياتها ثم انها لم تقابل رجلا مثله قط من قبل ولم يخطر ببالها يوما ما ان ثمه رجل يملك هذه القوه من المشاعر
وجاءها صوت جين الصغيره يهتف بها وهي تدخل الغرفه مرحه مشرقه
-ها انذا يا انسه
وارغمت جاني نفسها على الابتسام وهي تتناول منها صينيه الفطور التي كانت تحتوي الخبز المحمص والبيض وعصير البرتقال الطازج وهي تقول
-ما اجمل هذا شكرا لك
فقالت جين بسرعه
-لم تشا السيده لانغتون ان تفسد شهيتك للغداء ولهذا ارسلت اليك فطورا خفيفا هل تريدينني ان املا لك الحوض للاستحمام ام انك تفضلين الدوش؟
فاجابت جاني مسروره
-اظن الاستحمام افضل من فضلك
وفكرت في ان الاستحمام بالمياه المعطره بعد ايام المرض تلك هو شئ لايقاوم
وعندما دخلت الخادمه الى الحمام الملحق بالغرفه ابتدات جاني بتناول فطورها وهي تفكر في جمال هذه الحياه المرفهه خاصه عند تماثل المرء للشفاء من الانفلونزا ولكن عليها ان تنتبه لنفسها ذلك ان كل ما يحدث لها هنا لابد انه شرك لاغواء فتاه عامله عاديه مثلها فهي لاتخرج عن هذه الصفه ومهما كان الداعي الذ ي دفع كين ستيل الى زيارتها ليله امس سواء كان الرغبه في الانتقام ام العاطفه والشفقه عليها فان ايه روابط لايمكن ان تقوم بينهما حتى الصداقه ذلك ان الماضي مازال
مؤلما للغايه وهو ليس من الرجال الذين تحب فتاه مثلها ان تتورط معهم انها تعلم هذا جيدا وعادت الى مخيلتها صوره الفتاه الفائقه الجمال التي سبق وراتها معه في تلك الليله اثناء المؤتمر الصحافي وهي جاني لاتملك من الجمال ولا الثروه ولا الوضع الاجتماعي الذي يؤهلها لمنافسه مثل تلك المراه كما انها على كل حال ليست مستعده لذلك اما بالنسبه اليه فقد يكون حقا اكثر الرجال الذين قابلتهم في حياتها جاذبيه ولكن الناحيه المظلمه في شخصيته تحجب فتنته تلك كليا وهذا ما عليها هي ان تضعه غي اعتبارها
وتابعت التفكير بعد ذلك وهي مستلقيه في ماء حوض الحمام الدافئ المعطر عما يدفعه الى الاهتمام بها بهذا الشكل بعد ان سددت تلك الطعنه الى صميم كبرياء الرجوله فيه تلك التي هي جزء لايتجزء من كل رجل فقد عقد الصلح بينهما منذ اللحظه التي اجتمعا فيها...ولكن
هل من الممكن ان يكون ذلك الاهتمام الذي يبديه نحوها ما هو الا محاوله منه لاخضاعها لارادته ومن ثم ينشئ بينهما رباطا يكون باستطاعته استعماله لترويضها والتغلب عليها ؟نعم هذه هي المساله وجلست فجاه في الماء المعطر وهي تردد قائله نعم بالطبع هذه هي المساله وقالت بصوت عال في ذلك الحمام الخالي
-حسنا انك لن تنجح في هذه سيد ستيل فانا لايمكن ان يستغفلني
احد وهذا التقرب الرقيق والملاطفه لن يخدعاني مطلقا
وعندما خرجت من الحوض بعد دقائق قليله القت نظره انتقاديه على وجهها في مراه الحمام المستطيله لتحدث نفسها بانها ليست سيئه المظهر في الحقيقه ولكن ليس ثمه شئ غير عادي فيها ليدير راس اي رجل
... وخصوصا رجل بالغ الثراء عنيف قاس ملاحق من النساء وتتصدر اخبار حياته الصحف
وارتدت ثيابها ببء وهي ترتجف بشكل يفوق ماكانت تظن ثم جلست الى منضده الزينه تجفف شعرها بعنايه جاعله اياه ينساب بنعومه على كنتيفيها وكان الثوب الذي كان كين قد احضره لها من بيتها من الصوف الناعم المشغول بخيوط القصب كانت قد ابتاعته حديثا وكان يظهرها اقرب الى الطول والنحافه من حقيقتها وقالت تخاطب الثوب وهي تتمايل به امام المراه
-لقد كلفتني الكثير ولكنك تستحق كل قرش دفعته فيل
واغمضت عينيها لحظه بعد اذ شعرت بدوار في راسها سرعان ما تلاشى وفكرت في انهاء عندما تعود الى منزلها هذه الليله فسترقد في فراشها يومين كاملين لتعود مره اخرى طبيعيه تماما هذا اذا مرت الساعات القادمه على خير
وبدت لها المده التي استهلكتها في الوصول الى الطابق الاسفل وكانها دهر بكامله كانت اثناءه تقاوم مشاعر الرهبه التي تمتلكها وذلك بالايحاء الى نفسها بان هذا المكان ماهو الا منزل وكين سيتل ماهو الا رجل وعائلته مؤلفه من افراد من لحم ودم....
وهتف كين وهو يستقبلها فور دخولها المتردد الى غرفه الجلوس الفسيحه حيث كانت ضيقه غير مرغوب بها في اول ليله اجتمعا فيها
منتدى ليلاس
-جاني...انني مسرور لنزولك الينا ولكنك تبدين شاحبه جدا تعالي الى قرب المدفاه وساقدمك الى كل الموجودين
بدت لها غرفه الجلوس تلك لاول وهله مليئه بالاشخاص تبعا لتوتر اعصابها ولكنها عندما جلست وفي يدها كوب من العصير وكين يجلس على ذراع مقعدها ادركت انه كان هناك عدا كين ثلاثه اشخاص وولدين صغيرين
وقال كين مشيرا الى شخصين حسني المنظر كبيرين في السن يجلسان معا
-انهما امي وابي اما الملكان الصغيران الجالسان في الزاويه هناك فعندما تعرفينهما لن تجدي فيهما ايه براءه
وابتسم للولدين الذين ردا على ابتسامته عل الفور وتابع هو قائلا
-كريستوفر وشارلوت وامهما تينا اسره اخي كايث واومات تينا براسها دون ان تبتسم وقد بدا البرود على ملامحها وكانها تذكر جاني بانها عضو غريب بينهم
وكان والدا كين رقيقين عطوفين هما الاثنين سرعان ما انخرطا معها في حديث عام وكاناهما يعرفانها منذ سنوات ثم اخذا يلاعبان الطفلين اللذين كان تصرفهما غايه في التهذيب بالنسبه الى صغر سنهما
وتدخلت تينا في وسط الحديث تخاطبها قائله
-هل تعرفت الى كين منذ مده طويله؟
وكانت تنظر اليها مباشره لاول مره نظرات حاده كالفولاذ من عينين
زرقاوين كحيلتين وفوجئت حاني بهذا السؤال وعندما نظرت الى ذلك الوجه الاستقراطي الخالي من العيوب والذي تحيط به هاله من الشعر الاشقر المقصوص قصيرا بشكل رائع عند ذلك ادركت حالا ان زوجه كايث قد اتخذت منها على الفور موقفا عدائيا
واجابتها بهدوء
-كلا ليس منذ مده طويله
واستمرت تحدق في تلك العينين الزرقاوين حتى خفضت المراه الاخرى نظراتها الى الكوب الذي تحمله باصابعها المنمقه ولكنها سرعان ما رفعت راسها فتمايل القرطان في اذنها يعكسان اشعه الشمس المتدفقه من النافذه بينما ثوبها الانيق المصنوع من الحرير الخالص ينبئ بثمنه الغالي
وعادت تسال جاني
- واين تقابلتما؟ان كين يكثر التجوال في الاماكن الغريبه اليس كذلك ياعزيزي؟
ولم تكن في نظراتها اكثر رقه وهي تستقر على وجه اخ زوجها
وتساءلت جاني بفضول عما وراء هذا كله وذلك بعد ان شعرت بكين يتوتر بجانبها وما ان فتحت فما لتجيب حتى اسرع كين ينوب عنها بالرد قائلا بهدوء
-لقد اجتمعنا اثناء مؤتمر منذ حوالي الثلاثه اسابيع اليس كذلكيا عزيزتي؟
وحول نظره اليها لتتلاقى بعينيها الحائرتين...
عزيزتي؟ عزيزيتي! وتابع قائلا
-وعندما داهم جاني المرض بدا لها ان من المعقول ان تمضي بعض الوقت هنا
ونبهتها اشتداد قبضته على ذراعها الى ان تلتزم الهدوء وقال الام
-لو كنت مكانها لفكرت بهذا انا ايضا ها تعيشين بمفردك جاني؟
فابتسمت جاني للوجه السمين والذي ما زال يحتفظ بجماله امامها واجابت وهي تشعر نحوها بالامتنان لتحويل الحديث
-نعم
منتدى ليلاس
اما بخصوص كلمه (عزيزيتي) فهي ستبحث هذا الامر مع كين فيما بعد وكذلك بالنسبه الى الانطباع الذي يبدو انه اسبغه على علاقته بها امام عائلته كيف جرؤ على التصرف وكانها حبيبته؟
وبينما اتخذ الحديث مواضيع اقل توترا بقيت جاني شاعره بنظرات تينا الملتهبه تحرق جانب راسها وعندما ادارت راسها اليها جابهتها هذه بنظرات تطفح بالعداءتقيسها بها من اعلى الى اسفل تقيم في ذهنها قيمه ما تلبس وتكلفه طراز شعرها وعندما انتهت من ذلك باشاره احتقار واضحه من شفتيها شعرت جاني بدمائها تلتهب ف يعروقها واستولى عليها الغضب وهي تفكر في هذه المراه كم هي كريهه والتفتت الى والده كين تجيبها عن سؤال قد وجهته هذه اليها بينما تفكيرها مازال متعلقا بتلك المراه البغيضه حقا كلما كان رحيلها قريبا عن هذا المنزل كان ذلك افضل ولم تنتبه الى ان عينين زرقاوين اخريين كانتا تراقبانها في بروده الثلج مايدور بينها وبين تلم المراه
وبعد مرور عده دقائق قال كين بلطف
-هل نتوجه الى غرفه الطعام؟

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:04 AM

وعندما نهضوا للخروج من غرفه الجلوس لاحظت جاني ان كين انحنى ليتمتم هدوء شيئا في اذن تينا جعل ملامح وجهها البارده الجامده تظلم بشكل بشع وذلك قبل ان يتحول الى جاني ليمسك بذراعها لكي يتبعها الاخرين
وعندما توقفا قليلا في القاعه الكبيره وقد سبقهما الاخرون الى غرفهالطعام التتفت جاني اليه تساله بشكل مباشر
-ماذا قلت لها؟ انه شئ بخوصي اليس كذلك؟
فاجاب بوجه جامد
-يالعينيك الحادتين هاتين هيا ندخل
__________________


واشار بيده الى غرفه الطعام
فقالت بعناد دون ان تتحرك وهي تراه يحاول متابعه السير
-اريد ان اعلم مالذي قلته لها
فنظر اليها بمزيج من السخط والفكاهه ثم تنهد مظهر صبرا مبالغا فيه ثم هز راسه ببطء قائلا
-يالك من صغيره عنيده ياعزيزتي
واحالت الرقه والدفء في صوته كلماته المهينه تلك الى مجامله حلوه وتابع قائلا
-معنى هذا انني لن افلت باي شئ يخك
ولم تجب انما بقيت واقفه تحدق بوجهه الداكن الى ان انحنى بخضوع ساخر وهو يقول ببطء
-نعم كان الحديث بخصوصك هل انت مروره الان ؟
فاجابت بنظره متمرده
-كلا فانت لم تخبرني عن نوعيه الحديث بعد
فقال بلونه
-لاشئ سوى انني نبهتها الى ان تلجم لسانها من ناحيتك وانذرتها ان ارغامي على طردها الى بيتها قد يسبغ الكابه على فتره العيد هذه هذا هو كل شئ
فقالت
- اهذا هو كل شئ؟
وتذكرت وجه تينا البارد المتكبر وعينها الرائعتي الجمال وشعرت للحظه بالاحترام لقوه اعصاب كين وتابعت تقول
- ان فيه ما يكفي لان يصيبها بالاحباط اليس كذكل؟
فاجاب بذهول واضح
-تينا؟مدلله ابيتها تلك والتي مازال عليها ان تعرف الحياه بالرغم من انها ارمله وام لولدين امراه مثل هذه تصاب بالاحباط؟ان العالم ملئ بالقطط القذره السافله امثلها يا جاني ومن سوء الحظ ان اختيار اخي لم يقع الا عليها ومن ثم...
وهز كتفيه
وقالت
-فهمت
منتدى ليلاس
ولم تعرف ما تقول اكثر من هذا وسالها
-هل انتهينا من هذه المساله.
وعندما وامت براسها بسرعه تابع قائلا
-حسنا هيا بنا اذن اذ لاشك ان السيده لانغتون تتململ الان ضجره من تاخرنا فهي الان سيده محبطه

وقع نظرهما حال دخولهما غرفه الطعام منظر العيد على المائده الفخمه الفسيحه بالزينات الرائعه ذات الالوان الخضراء والذهبيه وفكرت جاني مره اخرى
بمبلغ الدهاء والفطنه الذي يتمتع به هذا الرجل ففي الوقت الذي لم يلاحظ فيه احد شيئا من ذلك العداء الذي شعرت به تينا نحوها شعر هو به بسرعه ليعالجه بمثل تلك السرعه فكيف لها ان تصدق انه لم يكن له علاقه بالطريقه القاسيه التي عومل بها؟ ان كل ما يملكونه قد اصبح ملكا لمؤسسه ستيل التي احالتها الى مشاريع في غايه الاهميه هذه الاهميه التي كلفت اباهاحياته فهل تراه بعد كل هذا يكذب عليها بكل صفاقه؟
لم تكن تعلم انها فقط لاتعلم ونظرت اليه من تحت اهدابها وهو يجلس ثمه حركه غريبه بدرت منه وكانه يعاني صعوبه ما في جلوسه هذا الى شئ المه زاد من تغضن وجهه لحظه قصيره ووضعت امه التي كانت جالسه الى
يمينه يدهل على ذراعه بسؤال صامت فابتسم هو لها بعد ان استقر في مقعده مربتا على يدها وهو يهز راسه بخفه
اهو غموض اخر؟ وشعرت بشئ من الضيق اليس ثمه من يخبرها عما يدور في هذا المنزل.
-جاني؟ وادركت فجاه والد كين كان يتحد ث اليها دون ان تسمع كلمه واحده
وابتسمت وهي قائله
-انني اسفه
فقال باسما
-انني اسالكعنمقدار نجاحك في التعامل مع ابني هذا ان عليك ان تراقبيه جيدا انك تعرفينه
فاجابت بحزم
-نعم انني اعرفه
وكانت لهجتها تحوي من الصدق اكثر مما كانت تحوي من اللباقه مما جعله يجفل قليلا امام حماستها هذا ولكنه سرعان ماتمالك نفسه وهو يقول
-هذا حسن هذا حسن
وتدخل كين في الحديث ليقول بلهجه تحوي شيئا من الفكاهه الساخره
- يمكنك ان تعتبر انني اخيرا قد وجدت من يناسبني اليس كذلك ياعزيزتي؟
وعندما بادلته النظر عبر المائده رات في عينيه رغم الابتسامه التي تكسو ملامحه رات فيهما نار لاهبه جعلت عينيه صارمتين ابعد ما يكون عن المرح وادكت هي بسرعه انه كان قد سمع ماتبادلته مع ابيه من حديث ولم يعجبه هذا حسن مادام قد فهم ماهدفت اليه بكلامها وهزت كتفيها دون ان تجيب ثم التفتت الى الاب تساله عن عمر الولدين وقد كانا نقلا الى الطابق لاعلى منذ فتره من الوقت مع الخادمه جين ذلك ان تينا كانت قد سبق واعلنت للحاضرين ان اطعامهم مع الكبار هو شئ متعب وانهم على كل حال بحاجه للنوم
كان الطعام لذيذا للغايه مبتدئا بحساء لحم الطيور ومنتهيا بديك الحبش التقليدي تليه كعكه ضخمه مصنوعه من الخوخ والزبيب ومغطاه بالقشده وشعرت جاني بعد انهاء الطعام انها لاتكاد تستطيع الحراك فقد كانت هذه اول وجبه طعام حقيقيه تتناولها منذ ايام مما اشعرها فجاه بتعب بالغ فقد كلفها لسير الى غرفه الجلوس بعد انتهائهم من تناول القهوه جهدا ملحوظا
وكانت تكتم التثاؤب للمره الثالثه عندما مالت والده كين نحوها تلامس يدها برقه وهي تقول
-لماذا لا تصعدين الى غرفتك وتاخذين غفوه قصيره ياعزيزتي؟ان الانفلونزا تتطلب الانتباه التام
فقالت جاني تخاطب الحاضرين
-هل تاذنون لي بذبك؟ انني بتعب كبير
واجاب كين عن الحاضرين مازحا
-كلا ابدا وساتي بعد دققه لاضعك في الفراش واغطيك جيدا
ورمقته بنظره متوتره دون ان تجيب فقد كانت سخريته الخفيفه هذه عقابا منه لحديثها السابع مه والده وضحك والداه لما اعتبراه مزحه صغيره من كين ولكن تينا لم تبتسم بل القت نحو جاني نظره تنفث حقدا ولاحظت جاني وهي تنهض ان تلك المراه تراقب كل حركه منها ولم تتحول نظراتها عنها الا بعد ان اندفع الولدان الى الداخل وما زال وجاههما الصغيران متوهجين من اثر النوم وعيناهما تلتمعان كالنجوم
وتبعها كين الى اسفل السلم وهو يسالها
-هل تعرفين الطريق المؤدي الى غرفتك؟
وعندما التفتت اليه تجيبه وجدته يحمل بيده شيئا ملفوفا بورق جميل مذهب من ورق هدايا العيد وتابع يقول وهو يضعها في يدها قبل ان تدرك ما يفعل
-انها لك لقد تبادلنا جميعا الهدايا مبكرا هذا الصباح وقد اعد الطفلان هذه لك بنفسيهما
وابتسم بحنان فقالت وه يتنظر اليه بارتباك
-ولكن...كيف امكنك ذلك دون ان تعلم مسبقا بحضوري؟ وانا ليس عندي اي شئ اقدمه لاي منكم
فاجاب
-ليس عندك بالطبع وقد صادف ان هذه الهديه تعود الى جدتي وانا اريدها ان تكون لك
فقالت
-جدتك؟
منتدى ليلاس
ونظرت الى اللفافه في يدها لحظه ثم تابعت تقول
-لايمكنني ان اقبل ابدا شيئا يعود لجدتك ياكين انك تعلم انني لا استطيع فانا لا اكاد اعرفك
فقال ببطء وتكاسل وقد بدا التصميم في نظرته
-وهل هذا مهم؟
فهزت ارسها بخفه ازاء هذا الوضع غير المعقول وهي تقول
-انه مهم طبعا ان والديك لن يوافقا
فقال بهدوء يخفي تحته الفولاذ
-ليس لوالدي شان بهذا كما انك لم تعلمي ماهي بعد
وتلاقت
عيناه بعينيها وهي تمزق الورقه ثم تفتح العلبهالمستطيله وعندما رفعت بيدها السلسله الذهبيه الشبيه بنسيج العنكبوت والتي تمسك بنجمه ذهبيه في وسها حصن من الياقوت الاحمر عند ذلك عاد يقول بصوت عميق رقيق
-انها ليست غاليه الثمن فقد كان جدي لامي مزارعا فقيرا عندما قابل جدتي سرا لمده سنه وكان يوفر معظم اجره كل اسبوع لكي يبتاع لها هذه السلسله في ذكرهامولده الثامن عشر وق تسببت هذه في ان يعلم والداها بعلاقتهما وهذا قادهما الى الزواج بعد شهور كثيره من الالام والدموع اذ يبدو ان والديها كانا قد اعداها لزواج من لورد او ايرل فقد كان جدي في نظرهما رجلا فقيرا
فسالته برقه وقد خلبت لبها هذه القصه
-وفي نظر جدتك؟
فاجابها بنفس رقتها
-لقد احب الواحد منهما الاخر الى نهايه حياتهما وكانت تمتلك المجوهرات والاحجار الكريمه والفراء النادر التي كانت الاسر تتوارثها جيلا بعد جيل ولكنني لم اراها تتحلى قط سوى بمحبس ذهبي بسيط في بنصر يدها اليسرى وهذه االسلسله حول عنقها
عند هذا نظرت اليه مبهوته بعينين متسعتين وهي تقول
-ولكن كيف يمكنك ان تعطيني اياها ولها مثل هذا التاريخ؟ انها اثمن منذلك بكثيران امك...
فقاطعها قائلا
-انها ستتفهم الامر تماما عندما اخبرها انني قدمتها اليك هديه
وتركها ليتحول فجاه عائدا الى غرفه الجلوس
ونادته
-ولكن كين...
وضاع صوتها وهو يغلق الباب خلفه باحكام ولكنها عرفت انه قد سمعها وعندها اخذت تحدق بالنجمه الذهبيه الرقيقه في يدها وقد تملكها الذعر انها لا تفهم...لاتفهم شيئا
ماذا يعني هذا كله؟واستغرقت في التفكير وهي تصعد السلم نحو غرفتها هل تعني قصه هذه السلسه شيئا بالنسبه اليه؟
لابد ان الامر كذلك فان الطريقه التي روى بها تلك القصه كانت عاطفيه للغايه ولكن اذا كان الامر كذلك لماذا خصها هي بها من دون الناس جميعا؟ووقفت عند باب غرفتها وهي تهزراسها بخفه او ربما يعتبرها مجرد حليه ليست بذات قيمه كبيره وبالتالي هي هديه مناسبه لفتاه مثلها لايكاد يعرفها ولكن كلا...ليس الامر كذلك انها تدرك جيدا ان الامر ليس كذلك
وعندما اصبحت في غرفتها تهالكت على فراشها وقد تبلد ذهنها من التعب كل هذا ما هو الا حلم ..حلم جنوني غريب يتصرف فيه الناس ويقولن اشياء غامضه سرعان ما يمحوها ضوء النهار وعادت تنظر الى السلسله ولكنها جفلت بعنف عندما قفز فجاه شئ ضخم الى السرير بجانبها وهتفت به
-لقد اخفتني ياجونيور حتى الموت
منتدى ليلاس
ونظر اليها متكاسلا وهو يتكور بجانبها فابتسمت له بعطف بينما لحق به الهر وهو يخرخر بصوت عال ولما كانت اوامر السيده لانغتون الصارمه ان لاحيوانات تصعد الى الطابق الاعلى فقد كان عليها ان تطردهما من الغرفه ولكنها سرعان ما استغرقت في النوم وقد احاطت جونيير بذراعها دون وعي منها بينما رفعت ذراعها الاخرى الى ما فوق راسها ويدها مازالت تقبض على السلسله بشده
ولم تنتبه الى رجل اسمر طويل القامه يدخل الى الغرفه بعد دقائق ليقف طويلا يراقبها وفتح جونيير وكوزموس اعينهما لحظه ليعودا الى الاغفاء بعد اذ ادركا ان سيدهما كان مهتما برفيقتهما اكثر من اهتمامه يهما وقد بدا من خريرهما مدى استمتاعهما بهذا الوضع
وقبل ان يترك كين الغرفه سحب غطاء السرير من على السرير الاخر ثم القاه فوق جاني والهرين معا
وتنهد بعمق وهو يرى السلسله متالقه بين اصابعها المتراخيه والرقيقه

نهايه الفصل الخامس

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:06 AM

الفصل السادس

وعندما فتحت جانى عينيها، كانت الظلال تغمر الغرفة، وكان الهران قد ذهبا منذ وقت طويل. وظلت مستلقية لحظة فى تلك العتمة الدافئة، وهي تتسائل عما ايقظها، الى أن تكرر القرع على بابها.

((نعم؟ أدخل.)) وعندما أنزلت قدميها من جانب السرير، رأت بينز السائق يطل من الباب نصف المفتوح قائلا ((عفوا يا آنسة لايقاظى لك. ولكننى أتساءل عما اذا كنت تريدين هذه هنا.)) ودخل الى الغرفة يحمل حقيبة ملابسها الأخرى، والحقيبة العريضة التى اعتادت استعمالها لقضاء الليل خارج البيت.

ونظرت اليه باستغراب، فقال بوجه بشوش: ((انها حاجياتك يا آنسة، فكرت فى أن أحضرها اليك من السيارة اذ هي ثقيلة عليك أن تحضريها بنفسك.))

فتملكها الغضب وهي تقول: ((وماذا تفعل حاجياتى هنا؟ ومن طلب منك ...))

((أنا فعلت ذلك.)) واستدارت أعينهما الى ذلك الرجل الواقف مسترخيا عند العتبة، بينما وضع بينز الحقائب، ثم خرج بسرعة وهدوء وقد ساد الجمود وجهه.

وحدقت بعينين ملتهبتين الى وجه كين الخالى من التعبير وهي تسأله: (( هل أنت الذى طلب منه ان يحضر ملابسى من شقتى؟ انك تعلم اننى سأذهب هذا المساء؟))

فدخل الى الغرفة متباطئا دون أن يبدو عليه أي تأثر بانفعالها هذا، وهو يجيبها قائلا: ((انك لم تتعافى تماما.))

فقالت بعنف: ((اننى من يقرر ذلك، وبالنسبة الى رجل غريب يدخل الى شقتى ليبعث بأشيائى ...))

فقاطعها قائلا: (( لقد حزمت السيدة لانغتون ثيابك من الخزانة التى سبق وأخبرتني أنت عنها، وليس من عادة الموظفين عندى ان يمروا أيديهم الى ما يملكه الأخرون، اذا كان هذا ما يقلقك.))

فردت بحدة: (( طبعا ليست هذه هي المسألة.)) انها لم تقابل رجلا قط من قبل استطاع أن يدفعها الى الجنون بهذه السرعة مثل هذا الرجل. وأخذت تحدق بغضب، فى تلك العينين الباردتين، قبل أن تتابع قائلة: (( اننى أعرف أنهم جميعا موضع ثقة، كما أنه ليس لدي ما يستحق السرقة.))
منتدى ليلاس
فابتسم ساخرا وهو يقول: ((هذا حسن، لقد انتهت المشكلة اذن.))

فنظرت اليه ثائرة وهى تقول: ((كم أتمنى لو أضربك.))

فرفع يده يلامس وجنته قائلا: ((مرة أخرى؟)) كان مايزال يبتسم ولكن عينيه كانتا فى برودة الثلج وهو يتابع قائلا: ((لا أنصحك بذلك، يا جانى، فالمرة الأولى كانت غلطة، أما الثانية فستكون...ستكون نتيجتها غاية فى السوء...))

وكادت تضرب بقدمها الأرض، كطفلة غاضبة، ولكنها تمالكت نفسها فى الوقت المناسب وهى تقول: (( ليس لك الحق فى أن تحضر أشيائي الى هناز لقد سبق ووافقت على عودتى الى بيتى هذه الليلة...))

فعاد يستند الى الجدار وهو ينظر اليها وقد ضاقت عيناه ازاء ثورتها هذه، وهو يقول: ((اننى لم أفعل شيئا كهذا. ربما كنت قلت لك ان بامكانك ان تخرجى عندما تتحسن صحتك تماما، وهذا لم يحدث، وربما نسيت ما سبق وقلته لى بنفسك، أمس فى مثل هذا الوقت، من أنك لم تتناولى طعاما كافيا ومغذيا منذ أيام, فأنت مرهقة جسديا، وليس ثمة طريقة تجعلنى أسمح لك بالعودة الى بيتك فى تلك البناية الخالية قبل أن تجتازي هذه الأزمة الصحية تماما... فالأفضل أت تستسلمى للواقع.))

فسألته بتهكم عنيف: ((أترى ضميرك يقلقك؟))

بان الجمود فى عينيه وهو يجيب: ((انه شئ كهذا.))

فقالت: ((لاأعتقد أن لديك ضميرا.)) لم يسبق أن شعرت من قبل بمثل هذا العجز، وكانت رغبتها فى الاندفاع عنيفة، وهي تتابع قائلة: ((واذا كان لديك، فما هو الا شئ صغير مطواع بحيث يمكنك، ايقاظه أو اخماده فقط ساعة تشاء.))

فتقدم نحوها، وجذبها لتقف على قدميها وهو يقول: ((لا تكونى مملة، فأنا لا أنوى ان أخوض فى مثل هذا الجدل العقيم فى الوقت الذي يمكننى فيه أن أفكر فى شئ آخر أكثر متعة من هذا بكثير.))

فقالت: (( لقد سبق وحذرتك...))

فأجاب: (( هذا صحيح.)) وهذ المرة، شعرت بأن عليها أن تقاومه.

وتمتم قائلا بلهجة تحوى من التهكم مالا يمكن انكاره: ((لا تتحركى.)) فخلصت يدها من يده بعنف، وأخذت تضربه على صدره تدفعه عنها، وهي تفكر فى جرأته.

وقالت له عندما أمسك بمعصميها بسهولة فى يد واحدة وجعلها خلف ظهرها، قالت غاضبة: ((اننى أكرهك، وانت تدرك هذا. أليس كذلك؟))

فأجاب: ((ربما.)) ولم يكن فى لهجته الآن أى معنى للمزاح. وكان صوته عميقا خشنا جعل القشعريرة تسرى خلال جسدها. وعادت تقول: ((نعم، اننى أكرهك.))

وفجأة، تصلب جسدها وقد شعرت بالذعر وهى ترى الحقيقة الصارخة تنصب عليها كالماء المثلج. مالذى تراها تفعله؟أى شئ فى الكون يجعلها تقبل بوضع مثل هذا؟ هل تراها تخلت عن عقلها لكي تقبل بوضع مثل هذا؟ ومعه هو؟

وشعر هو، على الفور، برفضها هذا، فتركها من بين يديه، وجلس مبتعدا عنها، وهو يتخلل شعره الكث يأصابعه ليقف بعد ذلك ببطء، ثم يسألها بصوت خشن: (( هل ستبقين هنا يوما أو يومين بعد؟))

وللحظة، جعلها النظر الى وجهه، خرساء لا تستطيع الكلام، كانت قد توقعت أن ترى على ملامحه امارات الظفر أو الرضى، أو حتى الانزعاج والضيق لرفضها له، ولكن المعانى التى رأتها على وجهه المغضن، لم تشر الى أى شئ من هذا، بل كان يسود ملامحه معنى لم تتمكن من معرفته أوسبرغوره. وتابع قائلا: (( اننى أعدك بأن لا يتكرر هذا الذى حدث الآن. اننى لم أخطط له يا جانى، مسبقا، فهل تصدقيننى؟))

فهزت رأسها قليلا وقد توردت وجنتاها وهي تجيب: ((لا أدري.)) كان الشئ الوحيد الذى كانت متأكدة منه، فى هذه اللحظة، هو أنها لم تكن متأكدة من شئ. ان بامكانه أن يكون فى منتهى القسوة كما حدث بالنسبة لتعامله مع أبيها. فهذه كلها لعبة منه. لقد كان غنيا بما فيه الكفاية، وربما مدللا أيضا ما جعله يحاول أن يسلى نفسه مع واحدة مثلها، وذلك من باب التغيير من حسناواته الشقراوات الأنيقات.

وقال فجأة بصوت بدت فيه نبرة السيطرة: (( انك ستمكثين هنا حتى يوم الأحد، فان أسرتى ستستغرب الأمر اذا أنت تركت المنزل الآن فجأة. هذا الى أن والدتى تتطلع الى بقائك هنا مدة أطول. فهي لا تنسجم مع تينا.)) وكان يتكلم بينما عيناه متحولتان عنها.

فقالت متهكمة: ((اننى لا أستغرب هذا، ولمعلوماتك، فأنا لست هنا لأصنع معروفا معك بالنسبة الى أمك أو أى شخص آخر. وعندما أتذكر معاملتك لأبى...))

فقال ببرود دون أثر للدفء فى عينيه: (( ان كلامك هذا يتساقط على رأسى كالجمر الحارق.))

فقالت بشئ من الارتباك: (( ألا تكون الأمور أكثر يسرا، اذا أنا رحلت؟ اننى لا أفهم سبب تعلقك ببقائى. لقد كانت تصرفاتك معى فى منتهى الشهامة، ولكن لا حاجة بك الى ...))

فقاطعها قائلا: (( ربما كنت محقة فى قولك ان السبب هو الشعور بالذنل وما أشبه.)) وتحول نحو الباب وقد أظلم وجهه، وللحظة أدركت السبب فى نجاحه فى ارهاب الآخرين. لقد كان مخيفا. وتابع هو قائلا: ((العشاء سيكون فى الساعة الثامنة.))
منتدى ليلاس
وقبل أن تجيب بشئ، كان الباب قد أغلق خلفه. وجالت بنظراتها فى أنحاء الغرفة الخالية بغباء وقد امتزجت فى بفسها مشاعر الغضب والضيق، والعجز والاحباط لهذا الضعف منها، ثم هناك شئ آخر...شئ لا تريد أن تفكر فيه ولو للحظة واحدة، وهو أنها رغم كل ما تعرفه عنه، كانت فى أعماقها ترغب فى البقاء، وهذا ما جعل الفزع يتملكها.[/align]
وعندما دخلت غرفة الجلوس، ذلك المساء، اندفعت والدة كين تقف بجانبها وهي تسألها: (( هل نلت ما يكفى من الراحة، يا جانى؟)) وكان الجميع جلوسا يتناولون الشاي قبل العشاء، وكان الجو بينهم لطيفا مريحا. وكانوا جميعا غاية فى الأناقة، وقد أحاطت بهم مظاهر الرفاهية والجمال، مما جعل جانى تتمنى من كل قلبها لو كانت فى أى مكان آخر.

كانت قد ارتدت ملابسها بكل عناية، شاكرة ظروف عملها فى مجال الاعلام، ةالذي يحتم عليها الظهور بملابس أنيقة غالية الثمن أثناء عملها. والآن، وهي تنظر الى هاتين المرأتين، علمت بأنها أحسنت اختيار ملابسها لهذا المساء، اذ كان ثوبها الأسود يعمق من لون عينيها البنيتين كما كان طراز شعرها الأسود المرفوع بذوائبه المتدلية تظهر بياض بشرتها الناصع.

وابتسمت لوالدة كين وهي تومئ برأسها قائلة بهدوء: ((نعم، وشكرالك. وأنا آسفة اذ أبدو واهنة القوى، مع اننى لم أمرض من قبل قط.))

فابتسم السيد ستيل وهو يقترب منها قائلا: (( ان الانفلونزا لا توفر أحدا. ماذا تريدين أن تشربى؟ اننى أقوم مقام صاحب البيت الآن.))

فأجابت وهي تدير نظرها حولها: (( أليس كين هنا؟))

فأجابت أمه: (( جاءته مكالمة هاتفية من الولايات المتحدة لم يستطع أن يتجاهلها.)) وكان فى صوتها شئ من العنف وهي تستطرد قائلة: ((كما قال.)) ونظرت بعينيها الزرقاوين الرقيقتين فى عيني جانى مباشرة وهي تتابع قائلة: ((انه بحاجة الى من تم*** بشدة يا عزيزتى، وأن يتعلم شيئا من الاسترخاء، فهو لا يحب أن يوكل عنه أحد، رغم أنه يجهد نفسه فى العمل، خصوصا...)) وسكتت فجأة عندما سعل والد كين محذرا. وغيرت مجرى الحديث مستطردة: ((حسنا، هل فهمت ما أعنى؟))

فأجابت جانى وهي تغتصب ابتسامة مليئة بالمرارة المفاجئة: (( نعم، أظننى فهمت، انه لا يحب أن يوكل أحدا فى العمل.)) ها قد سمعت هذا الوصف له من أعرف الناس به. من أمه نفسها. ثم بعد هذا، يتوقع منها أن تصدق أنه لم يشترك بقضية أبيها.

وتابعت الأم دون أن تنتبه الى غضب جانى المكتوم: ((وفى يوم العيد كذلك. هذا ليس حسنا، فى الحقيقة. يجب أن تتحدث الى الولد، يا جورج.))

فأجاب والده بجفاء وقد بدا الحنق فى عينيه: ((أظن كين قد خرج من طور الطفولم منذ سنوات وأنا لا أظن أن جانى تحب سماع هذه الشكاوى، يا عزيزتى.))واستدار نحو جانى يسألها: ((والآن، ماذا بالنسبة الى الشراب؟))

وأجابت جانى بأدب: ((أريد كوبا من عصير الأناناس اذا كان موجودا يا سيد ستيل.))

وقالت زوجته لها باحتجاج: ((ادعينا باسمينا ايليانا وجورج، يا عزيزتى. ولا تتكلفى الرسميات بيننا.))

وما أن أخذت جانى أول رشفة من العصير، مصممة على تجاهل نظرات تينا الخبيثة المنصبة عليها، حتى دخل كين الغرفة. وضايقها ما تملكها من بهجة لرؤيته وعلى الفور، أخذت عيناه تبحثان عنها حتى استقرتا على وجهها لحظة طويلة، قبل أن تتحولا الى الآخرين الموجودين فى الغرفة، قائلاببساطة وهو يسير ليقف بجانب جانى: ((آمل أن تكونوا جميعكم جياعا، اذ يبدو أن السيدة لانغتون قد أبدعت فى عملها.)) وللحظة واحدة، عادت الى محيلتها صورة هذا الرجل البارد الصارم، ذو الثراء الأسطورى والسلطة المخيفة، هذا الرجل كاد أن...وأغمضت عينيها لحظة خاطفة. لم تستطع أن تفكر فى ذلك. لقد كانت غلطة لا ينبغى لها ان تتكرر.

وهمس فى أذنها: ((انك تبدين غاية فى الجمال.)) وأرسل صوته العميق الرقيق الرجفة فى أوصالها.
وأجابت دون أن تنظر فى عينيه: ((شكرا.))

فعاد يهمس: ((بامكانى أن أحبك.))وعندها تحولت تنظر فى عينبه بحدة، لترى على ملامحه تهكما ماكرا، أما ما تضمنته كلماته هذه من عاطفة، فقد بدت فى أعماق عينيه اللامعتين.

وتمالكت نفسها بجهد ملحوظ، لتبتسم ببرود قدر استطاعتها وهي تقول بسخرية: ((يمكنك أن تجرب، ولكننى أؤكد لك أنك لن تذهب بعيدا فى هذا.)) انه يظهر الآن لونه الحقيقى، وأخذ ذهنها يتصور السيد الاقطاعى الذى يطالب بكل فتاة فى أملاكه يرغب فيها، هل ثمة شئ من هذا فيما يقصد اليه؟ انها لا تثق به مقدار ذرة.

ومال الى الأمام قائلا: (( ها انك تفسدين متعة الحديث...)) وقاطعه صوت تينا من أقصى الغرفة حيث كانت جالسة منتصبة القامة متصلبة الجسم والوجه وهي تحدق فى جانى وقد امتلأت عيناها الجميلتان بالحقد، قاطعه صوتها قائلة: ((ان جراثيم الانفلونزا هذه لابد قد أفسدت كل مشاريعك للعيد. وكنت محظوظة اذ أمكنك القاء كل شئ من بين يديك بمجرد أن وصل كين الى عتبة بابك.)) وكانت تتكلن بلهجة باردة وقد التوى جانب فمها بشكل لم تفهم جانى معناه.

فأجابت جانى بشئمن الارتباك: ((نعم، أظن ذلك.)) كان من الواضح أن تلك الشقراء الجميلة كانت بسبيل أن تثير موضوعا ما، ولكنها لم تعرف بالضبط ما هو، فى تلك اللحظة.

فسألتها تينا: ((هل دخل صدفة دون توقع منك؟))

فأجابت جانى: ((نعم.)) وقابلت نظرات المرأة بحزم انما بشعور من يعد نفسه لمواجهة خصم، بعينين معصوبتين.
منتدى ليلاس
فقالت تينا: (( لقد فهمت...)) وفى هذه اللحظة قطع والد كين حديثهما سائلا ابنه بهدوء: (( كيف كانت نتيجة المكالمة؟ هل تحسن الوضع؟))

فأجاب كين باقتضاب: ((كلا.))

فقال والده دون أن ينتبه الى عدم رضى كين عن الخوض فى هذا الموضوع: ((حسنا، لابد أن يدرك كولينز العجوز الوضع عاجلا أم آجلا. ان مصنعه قد انتهى والجميع يدركون ذلك.))
فقال كين بوجه عابس: ((ربما.))

فعاد الأب يقول: ((قد يكون ابنه صديقك يا كين ولك امبراطورية كولينز ستنهار فى خلال أسابيع وليس شهور، فمن الأفضل أن تتدخل أنت بدلا من أن يأتى شخص قد يظلمه. انك على الأقل...))
فقاطع كين أباه بحزم: ((لا أظن أن النساء هنا يهمهن حديثنا هذا فى شؤون العمل يا أبى، دعنا نغير الموضوع.))

قتأففت تينا بطريقة مبالغ فيها، تظهر بذلك كراهيتها لهذا الموضوع، قائلة: ((أوه، من فضلك...ان هذا ممل جدا. فاذا كان هذا الرجل الأحمق من الغباء بحيث يفقد أمواله، فالذنب ذنبه، ولكين كل الحق فى أن يتدخل، أليس كذلك يا عزيزى؟)) وكانت عيناها قاسيتين لامعتين كالماس وهي تتابع قائلة: ((اننى لا أحتمل الأشخاص الذين لا يدركون متى عليهم أن يخضعوا للواقع. ان هذا شئ محير...))
فقاطعها كين: ((تينا.))

فقاطعته أمه وهي تقف مم*** بذراعه: ((الساعة الآن، الثامنة يا عزيزى، واذا لم نكن فى غرفة الطعام فى اللحظات التالية، فاننا لن نخلص من كلمات السيدة لانغتون، هيا بنا.))

ونظركين الى وجه أمه الرقيق والمتوسل، فترة طويلة تبادل معها نظرات صامتة معبرة، بينما بقيت هي قابضة على ذراعه بشدة، ثم تنهد بعمق وهو يشير الى الآخرين بالنهوض قائلا: (( هيا، تفضلوا جميعا.))

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:09 AM

]ولكن جانى بقيت جالسة فى مقعدها تحدق فيه، لقد مست قسوة تينا من نفسها وترا حساسا كان ما يزال ينزف. هل بهذه الطريقة كانوا يتحدثون عن قضية والدها؟ أبهذه البساطة وهذا البرود وكأنها من مقبلات الطعام؟ ما الذى جعله يسمح لتلك المرأة بابداء مثل هذه القسوة والتصلب دون أية كلمة منه؟ وما نوع هذه الأسرة؟ ألا يدركون أنهم يخوضون، يوما بعد يوم، فى معيشة مئات من الناس العاديين الذين عليهم أن يعملوا لكي يأكلوا ويجدوا سقفا يظللهم؟ ولكنهم يعاملون ذوى القلوب المحطمة، بكل عدم اهتمام وغياب ذهن، لأنهم أغنيا آمنون فى قصرهم المبطن بالذهب. حسنا، ان فى هذه الكفاية...الكفاية التامة.

وقالت جانى بصوت واضح حازم وهي تحدق فى وجه كين مباشرة: ((اننى لست جائعة.)) ثم التفتت تحدق فى تينا التى كانت تنهض واقفة، وقالت: ((يبدو أن ثمة ما أفسد شهيتى.))
منتدى ليلاس
وأشار كين الى الباقين بالخروج قائلا: ((سألحق بكم بعد لحظة.)) ثم أغلق الباب خلفهم. وعندما تحول نحو جانى كانت عيناه باردتين غائمتين لا أثر فيهما للمشاعر.

وقالت له: ((أريد أن أرحل الآن يا كين، انكم جميعا هنا كمجموعة آتية من كوكب آخر، وقد نلت منكم الكفاية. ومهما كان هذا((الكولينز)) فلابد أنه فى حالة يرثى لها من اليأس تلك التى دفعته الى الاتصال بك ليلة الميلاد.ما الذى كان يطلبه؟ الشفقة؟))

فأجاب بوجه جامد: ((شئ كهذا؟))

فقالت بمرارة: ((لكن عالم الأعمال لا يعرف معنى لهذه الكلمة. أليس كذلك؟ حسنا، لا يمكننى أن أكون طرفا فى قضية كهذه. ان هذا يشعرنى بالاشمئزاز...بالغثيان.))

فهتف بها: ((اياك والتلفظ بكلمة أخرى.))

وفوجئت بانفجاره هذا. لقد كان منذ لحظة، جامدا خاليا من المشاعر وهو يستمع الى ما تقول، ليقلب كيانها، فى اللحظة التالية، بتعنيفه هذا وعيناه تقدحان شررا. كان عليها أن تعرف قبل هذا الهجوم العنيف ان هذا الوجه الخالى من المشاعر، هو سلاح لا يضاهى فى عالم الأعمال، يستعمله هو فى سبيل المصلحة، بشكل كامل ولكنها سبق ورأت لمحة من هذه الناحية من شخصيته تلك الليلة بعد المؤتمر الصحفى عندما أخذت ثروة كين ستيل تنفث الحمم.

وتابع قائلا وهو يكاد يلقى بها على الكرسى الذى كانت قد تركته واقفة: ((انك الآن ستقفلين فمك وتجلسين بصمت لتستمعى الى كل كلمة أقولها.)) وكان يميل فوقها متوعدا وقد أمسك بذراعي كرسيها، وهو يستطرد قائلا: ((أتقولين أنك تشعرين بالغثيان؟ حسنا، اننى أنا أشعر أيضا بالغثيان...الغثيان من ظهورى بمظهرالنذل، بالغثيان لمرأى تلك النظرة فى عينيك ازاء أى شئ يذكرك بأبيك، الغثيان من عدم استماعك الي.))

وفكرت وقد عقد لسانها الذعر، أنها تستمع الآن، ذلك أنها لم تجرأ على القيام بأى شئ آخر. فقد كانت ثورته العنيفة قد حولت ملامحه الى شكل بالغ الشراسة.

وقال بصوت يهتز من الغضب: ((انك تتحدثين عن ذلك الحديث الذى دار بيننا منذ دقائق، فهل بلغت من الغباء الى هذا الحد؟ اذ تستمعين الى تلك العجوز الحاقدة، أرملة أخى وهى تنفث حقدها فى هذه الغرفة؟ ذلك ما سمعته أنت. ان تينا من ذلك النوع من النساء الائى يستحقن الحرق. فهي الشر بذاته صدقينى. فهي قد أذلت أخى من اليوم الذى تزوجته فيه، وذلك بأسوأ الطرق. لقد كانت تحفر رجولته يوما بعد يوم. لقد كان غنيا انما ليس بما فيه الكفاية وكان ذا سلطة، ولكن ليس الى حد كاف. لقد كانت تتطلب رجلا عنيفا قاسيا يلزمها حدها اذا هي حادت عن الطريق السوي. ولكنها حصلت بدلا من ذلك، على كايث. وكان كل ما فعله، وما هدف اليه هو أن يكون نفس نوع الرجل الذي تريده أن يكون.))

فقاطعته قائلة: (( كين...))

فضاقت عيناه المتألقتان وهو يقاطعها بقوله: ((قلت لك أن تقفلى فمك.)) وأقفلت هي فمها بينما تابع يقول: ((لقد احتقرته، وكان هو يعرف ذلك، ولكنه لم يتركها، فقد كان يحبها.)) وكان فى صوته الخشن وهو يقول ذلك، من الكآبة ما تنطق بألم دفين لا يحتمل. واستطرد قائلا: ((لقد كان منذ طفولته رقيقا عطوفا ودودا، ولو رأيته مع طفليه لأدركت ذلك. لقد كانا شغوفين به. ولكن هذه الصفات كانت تعتبر فى نظر تينا، ضعفا، واهذا أخذ يحاول الظهور بصورة مختلفة، متبنيا مفاهيم حطمته، فى النهاية، جسديا وعقليا، وذلك فى سبيل ارضائها.))

وحدقت جانى به، ثم سألته بصوت يفوق الهمس: (( انك تكرهها، أليس كذلك؟))

فهز كتفيه بما يشبه اليأس، وهو يجيب وقد تلاشى غضبه وهو يعود بذاكرته الى الماضى: ((سبق وقلت لك ان كايث كان يحبها، والآن، وقد ذهب بقى ولداه، ان أمى تعيش لأجلهما. وعندما علمت بموت ابنها، لم تصدق ذلك، فقد مزقها ذلك الخبر اشتاتا، ولكن العناية بطفليه أخذ يشفيها يوما بعد يوم. وغالبا ما يأتيان اليها.))[/align]

ونطق صوته بالمراره وهو يتابع قائلا
-ان تينا تحب الحياه الراقيه والى جانب كونها ارمله ثريه فان والدها ثري جدا وذو نفوذ كبير فاذا خطر لها ان تنتقل الى اي مكان لتمنع والدي من حقهم في رؤيه الطفلين فسيحدث بيننا عند ذاك خصام طويل الامد امام المحاكم لاستعاده هذا الحق
فتسالت جاني بصوت مرتفع
أمن الممكن ان تفعل مثل هذا؟
فاجاب
-نعم ستفعل ذلك دون شك
وفجاه بان عليه التعب الشديد وهو يجلس على الكرسي امامها متابعا قوله
-ومما يدعو الى السخريه المره هو انني انا المسؤول عن تقديم الواحد منهما الى الاخر
وعندما امعنت النظر في وجهه شعرت برغبه قاهره في ان تتقدم اليه وتواسيه وشعرت بغصه لرؤيه الالم السافر في وجهه ولكنها غريزيا كتمت مشاعرها وبقيت صامته
وتابع قائلا
-على كل حال اردتك ان تعرفي كل شئ قبل ان تحكمي على والدي بنفس الطريقه التي تفعل بها تينا
واستدار اليها بعينين كئيبتين غير منتبه الى ترددها وهو يتابع
-ان والدي شخصان طيبان خذيها مني انا
ارغنت نفسها على ان تساله
-هل انت الذي عرفتهما بببعضهما؟
لم تكن تريد ان تنسى الالام اليت عانتها شهورا
طويله ولا الاذى الذي سببه لاسرتها هذا الرجل ومؤسسته ولكنها الان تشعر بكل هذه المشاعر تتلاشى من نفسها وهي تشعر بالحزن الذي كان من شده احساسها به ان تشعر بالم حقيقي في صدرها
فاوما براسه ببطء وهو يريح ظهره الى الخلف وقد اغمض عينيه ثم اجاب
-لقد كنت قابلتها قبل ذلك بشهور اثناء وليمه غداء كان ابوها قد اخذها اليها كانت وليمه عمل ومرح كما تعرفين
ولم تكن جاني تعرف ولكنها لم تظهر ذلك وهو يتابع قائلا
-لقد دعوتها الى فنجان قهوه بعد ذلك مره او مرتين واخذتها مره الى المسرح وانتهى الامر
فقالت وقد ادهشها ان تشعر لما سمعته بما يشبه الغثيان
-لقد فهمت
وتابع قائلا:
منتدى ليلاس
-كنت وكايث نتناول الطعام معا ذات ليله بعد مداوله عمليه طويله كنت اثناءها احاول دمجهفي الشركه معي بعد اذ ابتدات احواله المهنيه في التراجع عندما مرت تينا بمائدتنا صدفه وبدا انهما انسجما معا من اول لحظه فقد كانت تمثل الفتنه نفسها
والتوى فمه بمراره لاذعه وهو يقول ذلك
وسالته بحذر بينما الالم يغزو قلبها
-وانت؟ الم يضايقك ذلك.؟
ففتح عينيه وهو يستقيم في جلسته ببطء وهو يجيب
-ماذا ؟ يضايقني ؟ ومالذي يجعلني اتضايق؟ لقد كانت بالنسبه الي من جمله المعارف العاديين وقد ادهشني ان تكون من النوع الذي يحبه اخي عندما تعرف اليها وقد كان راينا انا وهو في النساء واحدا حتى تعرف الى تينا وقد ظننت انه سيرى...
وسكت
فقالت تستحثه
-يرى ماذا؟
فاجاب وهو يهز كتفيه
-يراها على حقيقتها
فقالت
-كما رايتها انت
وفجاه انقشع امامها كل شئ وهي تحدق في ذلك الوجه المغضن الجذاب امامها شاعره بمنتهى الحيره اذ تفكر في ان هذا الرجل مع دهائه وفطنته البالغين يمكن ان لايشعر بما هو تحت انفه مباشره فقد كانت تينا غارقه في حب كين ستيل .فكان من ثم العداء الذي لم يستطع اخفاءه نحو تلك الفتاه التي احضرها الى منزله ايام العيد بينما كانت هي تتوقع جمعا عائليا دافئا لقد كان عدم رضائهاعن حياتها الزوجيه عموما ومعاملتها تلم لزوجها اثناء حياته كل ذلك يدل على حقيقه واحده وهي انها تزوجت الرجل غير الملائم لها وانها كانت تعلو ذلك فما الذي دفعها الى الزواج من كايث في الوقت الذي كانت تريد فيه اخاه؟ وساور جاني العجب من نفاق البشر هذا هل كان ذلك لكي تتمكن من البقاء بجانب كين؟ ان تبقى على الهامش في حياته بدلا من ان تكون في القلب؟كايث ؟هل كانت لديه ايه فكره عن ان القالب الذي كانت تينا تحاول ان ترغمه على ان يظهر به كان مجرد نسخه كاريكاتوريه عن شخصيه اخيه...المهيمنه القوه والقسوه وهذه الصفات هي التي كانت تخلب لب تينا؟ وفكرت ساخره في وصف كين لها بانها تتخبط في شرك مظلم
وقال فجاه
-حسنا انك تعلمين الان
وظنت للحظه انه قرا افكارها لتدرك بعد ذلك انه كان يشير الى ماكشفه لها عن مساله زواج شقيقه ولما تتسامح الاسره الان مع تينا هل لان كين كان يعرف شعور تينا ذاك؟
ونظرت الى وجهه القاتم بامعان وكان من المستحيل ان تعرف الجواب فقد كان من الهدوء ورباطه الجاش شانه على الدوام
وقال

-ليس هناك من يمكنه ان يقنعني بانها لم تحطمه في النهايه ولكن لم يكن ثمه ما يمكنني القيام به تجاه ذلك انني لا اعرف مقدار ما اخبر كايث امي عن ذلك عندما كان حيا ولكنني لا اظن ان ما اخبرها به كان كثيرا وهو لم يطلعني على سره الا في النهايه عندما تملكه الياس
فقالت بسرعه
-ولكن الم تكن قريبا منه فتشعر بما كان يعاني؟
فاجاب
-لقد كنت..
وسكت فجاه ثم عاد ليقول
-نعم معك حق
فنظرت اليه متفحصه لقد كان على وشك ان يقول شيئا اخر كانت متاكده من ذلك وقال
-انه لم يتوقف عن حبها لحظه واحده
وهز راسه ببطء وهو ينظر في عينيها البنيتينالمنزعجتين قائلا
-هل يمكنك ان تتصور حبا كهذا ؟
فاجابت
-وهل يمكنك انت؟
كانت تعلم ان هذه هي طريقه جبانه في التملص من الجواب ولكنها لسبب ما لم تشا ان تدلي برايها فقد سرى في اوصالها شعور شامل بالذعر اوشكت معه على الاغماء
واجابها هو بلهجه بان فيها التوتر
-نعم انني استطيع تصور ذلك
شعرت جاني بكيانها يتمزق لازاء العواطف المتضاربه التي تملكتها فقد ارادت ان تعتبره رجلا في منتهى القسوه وانعدام الشفقه فقد كان هذا هو الشعور الوحيد الذي يشدها الى الخلف ولكنه كان دوما يصل الى ما يريد وكان التفكير في انشاء علاقه معه ما هو الا قفزه الى المجهول ليس في استطاعتها مواجهه نتائجها بعد ..ماذا لو كانت هي على خطا؟ بل لنفترض انها على خطأ؟
ونهض واقفا وهو يقول
- هل ستتناولين العشاء؟
منتدى ليلاس
ونظرت اليه لتجد ذلك القناع الجامد الذي اعتاد ان يسبغه على ملامحه قد عاد الان الى موضعه ووضعت يدها في يده الممدوده اليها ومشت معه الى غرفه الطعام والدةار يمتلكها لتجد الاخرين مجتمعين حول مائده في غايه الروعه والفخامه وما ان اشتقرت في مقعدها حتى شاهدت للحظه واحده نظره من تينا اليها...كانت نظره مليئه بالحقد والغيره السافره مما اكدت ظنون جاني بها
ولكنها سرعان ما اخفضت بصرها عندما رات تحديق جاني بها وقد انسدل شعرها الاشقر كستار يحجب وجهها الشاحب
كان الطعام لذيذا حسن الطهو ولكن جاني لم تستسغ منه شيئا لقد كانت تاكل وتبتسم وتتحدث كل ذلك بشكل الي فقد كانت افكارها مركزه على ذلك الرجل الاسمر الكبير الجسم والذي كان جالسا على راس المائده كان هذا الشئ الذي عرفته هذه الليله كانه قنبله موقوته او بركان يفور ويغلي لكي ينفجر في النهايه مدمرا الاسره باجمعها كان من الواضح ان كين قد احب اخاه كثيرا

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:11 AM

ونظرت الى وجهه وهو يلقي بابتسامه مجامله لنكته القاها والده مالذي كان سيحدث لو ان تينا كانت قد اعترفت بالدافع الملتوي وراء معاملتها تلك لزوجها ؟كيف كان سيتقبل هذا؟
وزجرت جاني نفسها بغضب لاسترسالها في التفكير بهذا الشكل وهي ترى والده كين تكر على مسامعها شيئا قالته لتلفت انتباهها وحدثت نفسها بان لاشان لها هي بكل هذا فلتكف اذن عن التفكير به اذ لاشئ من هذا يهمها ولكن هو يهمها فعلا فهي لاتريد له الضرر
واتسعت عيناها البنيتان اذ وصات في تفكيرها الى هذا الحد اه لابد لها من ان ترحل عن هذا المكان وفي اسرع وقت ممكن
وقال لها كين ببساطه وهما يسيران خلف الاخرين عائدين الى غرفه الجلوس
-اتحبين الاستمتاع بعض الهواء الطلق؟فقد يعيد الاحمرار الى وجنتيك
فنظرت اليه بذهول قائله
-الان؟ ان الظلام شديد
فابتسم ساخرا وهو يقول
-نعم انه كذلكولكن بامكانك ان تدثري جسمك جيدا منعا للبرد كما ان الحديقه مناره جيد
فقالت موافقه بشئ من التردد
- لاباس
لم تكن تريد ان تسير معه في الظلام ولكنها ايضا لم تكن تريد ان تمضي ساعه او ساعتين في حديث مؤدب تسوده معارضه تينا الجارحه وتابعت تقول
-ولكن..
وسكتت فجاه
منتدى ليلاس
فقاطعها وفي عينيه نظره عتاب
-ولكن ماذا؟ تعنين ان سلوكي يجب ان يكون غايه في الاستقامه اليس كذلك؟
فرفعت نظرها اليه تقول بلهجه دفاعيه
-انه شئ كهذا وانا لا اطلب الكثير اليس كذلك؟
فاجاب بصوته العميق بلهجه تحوي الحسره مما ارسل رعشه في اوصالها
-انك لن تعرفي ابدا ولكن...
وسكت ساخرا ثم اضاف
-انني متاكد من ان هذا امر حسن بالنسبه الى والان اذهبي واحضري معطفك
وعندما عادت اليه في القاعه بعد عده دقائق كان واقفا ينتظرها وكان جسمه كبيرا قاتما يوحي بالسيطره في معطفه الاسود وشعره الكث الذي كان يلمع في النور الذي فوق راسه وناولها وشاحا من الكشمير الرمادي قائلا
- ضعي هذا ايضا فالصقيع شديد
وعندما لفت الشال حول عنقها اشتمت رائحته المميزه فسالته
-أهو يخصك؟
فاجاب وهو ينظر اليها بدهشه
-نعم هل لذلك ايه اهميه ؟
فخفضت نظرها مرتبكه وهي تجيب
-كلا؟


ان ذلك سيقودها الى الجنون ..الى الجنون
وعندما اصبحا خارج المنزل شهقت قليلا لبروده الهواء فوقفا لحظه على قمه السلم يتنفسان الهواء البارد هذا بعد الدفء في الداخل ووقع بصرها على الاشجار والمزروعات وقد غطاها الثلج لتبدو تحت الانوار الحديقه خارقه الجمال وكان الجو رائا والسماء سوداء تمثلت لها غطاء هائل من القطيفه السوداء المرصعه بالنجوم المتلالئه ما اسبغ على الكون سكونا مشحونا بالاسرار
وسالها كين برقه وهو يمسك بذراعها
-اليس هذا افضل من البقاء في الداخل؟
فاجابت وهما يشرعان بالسير
-نعم
وكانت انفاسها تكون غيوما بيضاء في ذلك الهواء البارد وكان وجوده بقربها بقامته المرتفعه ورجولته المتدفقه المسيطره في ذلك السكون الجذاب كان كل ذلك ياخذ بانفاسها ويسارع في خفقان قلبها
كانت الارض امامها مكسوه بالعشب المقصوص تخترقها الممرات الضيقه وتحيط بها الاشجار مما جعلها تبدو رائعه الجمال وبعد دقائق وصلا الى الحديقه التي كانت تقوم فيها شرفه تتسلق عليها الطحالب وتحيط بها شجيرات قصيره مشذبه وقال كين بهدوء وهو يشير الى منزل صيفي فينهايه الحديقه
-ذلك مكان رائع في الصيف
وكان المنزل صغيرا مختفيا بين اشجار الليلك المتدليه وتابع يقول
-اكثر هذه الشجيرات تعبق منها روائح عطريه تجذب اليها النحل والفراشات من اماكن بعيده الى مجموعه طيورنا المعتاده
فسالته بدهشه اذ لم يخطر ببالها انه يمكن ان يتذوق جمال الطبيعه ولو في ابسط مظاهرها
-وهل تاتي انت الى هذا المكان؟
فاجاب
-انك مصممه على عدم قبول ايه فكره حسنه عني اليس كذلك؟
وجعلتها لهجته الفاتره الجامده تظن انها لم تسمع كلامه جيدا
وقالت
-كين؟
فقاطعها بلطف وهو يديرها لتواجهه
-متى ستلقين ولو بجزء من هذا الستار الذي تقيمينه بيننا؟ ان عليك ان تفعلي ذلك ان عاجل ام اجلا
فحدقت به وقد بدت عيناها واسعتين في ظلال الحديقه تلك بينما الهلال يشرف عليها من بين النجوم ثم اجابت
-ولماذا؟
فقال ببساطه
-لانني لا استسلم ابدا انني اريدك يا جاني ويجب ان تدركي ذلك وانا دائما احصل على ما اريد
ولم تستطيع ان تقرا شيئا في تلك العينين اللتين كانتا تحدقان فيها فقالت
-دائما ؟لايمكن هذا
فاجاب بلهجه لا اثر فيها للفكاهه
-دائما
فقالت
-لاعجب اذن ان تبدو بكل هذه الغطرسه
ووضعت في صوتها لهجه عدائيه واستطردت تقول
-لقد حان الوقت لكي تعف انه لايمكنك فعل ما تريد دائما ياكين ستيل
فسالها بهدوء
-اهذا هو السبب في انك لا تتحلين بها ام ان هذا دليل على التمرد؟
فحدقت به لحظه وقد بدا عليها عدم الفهم ثم مالبثت ان ادركت ما يعني فقالت
-ماذا ؟ اه انك تعني السلسله اليس كذلك؟
فاوما براسه وبدا على شفتيه ابتسامه مرح لم تصل الى عينيه وهو يقول
- نعم اني اعني السلسله
فقالت بسرعه وهي تحاول ان تستوعب ما يكمن وراء مظهره البارد هذا
-يجب ان تدرك انني لا استطيع قبولها اذ بالنسبه الي القصه التي رويتها لي عن جدتك وغي ذلك لم يكن لك الحق ابدا ان تعطيني اياها
فقال بلطف
-لقد ابتدات اتعب من هذه التعليمات عما يجب ان افعل ولا افعل انك حقا انثى صغيره متسلطه اليس كذلك؟
وقال كلماته الاخيره بلهجه ادنى الى الملاطفه منها الى الزجر مما جعل قشعريره خفيفه تسري في اوصالها كما زاد في احتقارها لنفسها لهذا الضعف نحوه الذي يبدو منها هل يتملك كل امراه مثل هذا الشعور امامه؟ ان هذا اذا كان صحيحا لايدهشها لايدهشها ابدا فلا عجب في ان تتكون لديه كل هذه الغطرسه
وقال بصوت خشن عميق
-تعالي فليس ثمه سوى طريقه واحده اعرفها هي كفيله باسكاتك
وعندما مد ذراعيه نحوها تراجعت هي الى الخلف حتى كادت تقع وهي تقول
-كلا ياكين لا اريدك ان تلمسني انني اعني ما اقول
فقال
-هذا ليس صحيحا
ونظر اليها مفكرا وقد بدا وجهه القاتم في الظل مغضنا بشكل واضح تتالق في وسه عيناه الزرقاوان بشكل غريب
فاجابت
-انك متاكد من نفسك اليس كذلك ؟
كانت غطرسته هذا الرجل تخطف منها الانفاس وتابعت تقول
-اظن كل نساءك يرتمين بين ذراعيك لدى غمزه واحده من عينيك حسنا ليس هذه المره انني اكره نمط حياتك اخلاقك وكل شئ يتعلق بك هل تسمعني؟ كانت تعرف انها ترغم نفسها على ابداء هذا التمرد والنطق بالكلمات القاسيه لتتغلب على ذلك الضعف المتزايد فيها الذي كان يدفعها الى الاستجابه لما يريده
فاستند الى جذع شجره تفاح قديمه وهو يراقبها بعينين ضيقتين قائلا بعنف
-كلامك واضح تماما هل تعنين انني اذا امسكت يديك فانني لا استطيع ان احملك على الاستجابه خلال خمس دقائق؟
فاجابت بفتور
-انك تتحدث عن الرغبه وانا لا يخامرني الشك لحظه واحده في انك خبير في هذا المجال
فانحنى لها شاكرا وهو يقول بسخريه
-هل هذا مديح؟
فاجابت بوهن
-لم يكن هذا ما قصدته وانت تعرف هذا ولكن مما سمعته ليس فس ذلك اي خطر ولكنني لست النوع الذي يحب العلاقات العابره
فقال
-مما سمعته؟
واقترب منها الى درجه رات فيها فمه كخيط صارم في وجهه وهو يتابع قائلا
-ما الذي سمعته بالضبط يانحلتي النشيطه؟
فاجابت
-هذا وذاك
واخافتها توتر ملامحه فادارت راسها بسرعه نحو المنزل وهو تتابع قائله
-انني عائده فانا اشعر بالبرد
فقال عابسا وهو يديرها نحوه مره اخر
-اخبريني اولا مالذي سمعته وممن؟
فاجابت
-من المعروف انك تحب النساء الكثير من النساء
وكانت قبضته على ذراعها تؤلمها ولكنها لم تشا ان تفصح عن ذلك وتابعت تقول
-هل تنكر هذا ؟
فقال مكشرا بشكل جعله اشبه بذئب يتاهب للانقضاض
-من المعروف؟هل تسمعين الى الشائعات؟ وهل انت من الغباء بحيث تصدقينها؟
فاجابت بلهجه لاذعه وهي ترفع راسها
-هل تنكر انت هذا؟
ولكن الوهن الذي كان يغزو اعضاءها جعلها تتمنى لو يستنكر قولها هذا تماما
وقال باختصار
-انني لن اتنازل حتى اعتبار مثل هذا الهراء واذا انت حاولت ان تصدقي ما يقوله بعض رجال الصحافه ياجاني فسرعان ما سيوسخك الاحتكاك بهم
فقالت
-ولكن هناك شخص ...
وسكتت فجاه ثم تابعت تقول
كان هذا الكلام من مصدر حسن
فقال
-حسنا لو كنت مكانك لكنت اكثر حذرا في اختيار معارفي في المستقبل
واضاف ساخرا
-انني لم اكن ميت الشعور منذ البلوغ بالنسبه للنساء ولكنني لم اكن من محبي النساء كذلك كما تظنين ولكن هذه شؤوني الخاصه على كل حال وهي لا تعنيك بشئ اليس كذلك؟ وهذا ماسبق واوضحته انت بنفسك
كان يتحدث ببرود قاتل
وحدقت فيه لحظه دون ان تستطيع الجواب فقد كانت فكره انها لن تقابل ابدا رجلا مثله هذه الفكره كانت تحتل ذهنها وتفكيرها لقد اتخذت كلمه (غطرسه) بالنسبه اليه بعدا جديدا فهو بارد قاس لايعرف الشفقه كما يبدو اولئك الذي يصطدمون به ثم..وتعود علامه الاستفهام اقوى مما كانت ثمه اوقات يبدو فيها بصوره مختلفه فيكون خلابا عاطفيا دافئا وغايه في الرقه...
وقالت
-كين...
فقاطعها
-لا اريد شيئا اخر هذه الليله ياجاني انني في الحقيقه لا اريد ان اقوم تجاهك باي تصرف قد يتطور الى ما نندم عليه نحن الاثنين ان فيك ميزه غامضه وهي انك المراه الوحيده التي جعلتني اكاد اخرج عن طوري كما انا الان بالضبط وبرغم حراره الجو هي عده درجات تحت الصفر فان الذي يعترضينني اليه هو اقوى من ان استطيع مقاومته ولكن ذلك سيكون خطأ من نواح عديده اذ اريد البرهان اولا على شئ انت غير مستعده بعد للاعتراف به
فقالت
-ولكن...
فقاطعها
-هيا بنا
وامسك بيدها بقوه بعيده عن الرفق واتجه بها صوب المنزل وقد ساد العبوس والتوتر ملامحه وعندما كانت تهرول خلفه بخطوات مهتزه كانت كل طاقتها مركزه على تجنب الانزلاق على الارض المكسوه بالثلج فتجد نفسها في وضع اسوأ من وضعه الحاضر
ولكن بعد ذلك في تلك الليله وهي في السرير امنه دافئه اخذت تستعيد حديثهما في الحديقه الى ان تشوش ذهنها واوشكت على البكاء وعندما جاءها الهر جونيير ليرقد معها في الفراش بجسمه الضخم الدافئ وخريره يبدو وكانه في جوفه نموذجا مصغرا لقطار الاكسبريس تمثل لها كالقشه التي قصمت ظهر البعير كما يقال واذا بالهر المذهول يرها تحتضنه بعنف وقد تبللت فروته في لحظه من دموع جاني التي كانت تذرفها لتنام بعد ذلك بطريقه لم تعهدها منذ كانت طفله صغيره

*****

نهايه الفصل السادس

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:15 AM

الفصل السابع


كان الغداء ، في اليوم التالي للعيد ، بطريقة البوفيه ، وعندما كنت جاني تملأ صحنها من المائدة الحافلة إذا بها تجد تينا بجانبها ، و كانت المراه الشقراء ترمق جاني بعينيها الحادتين ، و هي تقول : ( يبدو أنك تحسنت تماماً . )

و كانت لهجتها بعيدة عن الرضي و هى تستطرد قائلة :
( إننا لم نتعود علي مثل هذه التمثليات المحزنة في العيد ، لقد أخبرتنى الخادمة جين أن منظر كين حين اصطحبك عشية العيد ، كان كأنه مشهد من فيلم قديم ... أشبه ما يكون بمنظر شريدة ضالة أنقذها بطل أحلامها . )

فاستدارات جاني تواجه تينا و تحدق في وجهها الجميل القاسي . وهى تقول : ( هذا ليس صحيحاً . فأنا لست شريدة كما أن كين لم يكن بطلاً في أي من أحلامي ، ونعم إنني اشعر بالتحسن التام في صحتي الان . ) و كان هذا كذباً ، فقد كانت ساقاها تشعران بالضعف بشكل غريب ، وما زالت تشعر برأسها ، أحياناً ، وكأنه يغادر جسدها ، و لكن ، ليس ثمة ما يجعلها تشكو ضعفها لامرأة لها مثل هاتين العينين الوقحتين اللتين لا تفتأن تراقبانها .
و قالت تينا تحدثها وهي تتبعها إلي الأريكة الضخمة بجانب النافذة في الطرف الأقصي من الغرفة ، وصحنها في يدها : ( مثل هذه الأساليب المكررة لاجتذاب الرجل ، هي شيء غاية في الذكاء ، إذ مؤكد أنها تجتذب اهتمام الرجال ... فالرجال ، عادة ، ساذجون يخدعون بسهولة . )
فقالت جاني بصراحة و قد شعرت بالتعب من لعبة الهر و الفأر التى تمارسها هذه المرأة : ( هل أنت دوماً كريهة بهذا الشكل ؟ إن هذا ممل حقاً . )

فقالت تينا بلهجة تشابه برودة الثلج ، رغم الاحمرار الذي علا وجنتيها ، ما أدركت جاني بأن قولها هذا قد أصاب المرأة في الصميم ، قالت : ( أحقا ؟ حسنا ، إنني أعتذر لكوني مملة ، يا عزيزتى ، و لكن ربما أنت غير معتادة علي دقائق الحديث الاجتماعية . لقد فهمت أنك سكرتيرة صغيرة في مكان ما .) ورفعت تينا حاجبها المخطط بعناية مستهزئة .
منتدى ليلاس
فقالت جاني بهدوء : ( إنني أعمل لأعيش ، إذا كان هذا ما تقصدنيه ، وأنا استمتع بكل لحظة من عملي . فهل تمنحك حياتك أي سرور أو إشباع ؟ ) كانت هذه أيضا ضربة في الصميم ، ولكنها كانت تشعر بأن هذه المرأة تستحقها . وعندما تراجعت تينا وقد توترت عيناها الزرقاوان ، رأت جاني يديها تنقبضان في حضنها بشدة .

و فكرت جاني في أن تينا ، لا شك ، تتمني أن يكون عنقها هى ما تقبض عليه هذه المرأة بيديها , و انتابتها رجفة من التهكم و هي ترى المرأة الأخري تميل إلي الأمام بصوت أقرب إلي الهمس : ( لا بد أنك تظنين نفسك في منتهى المهارة إذ تجذبين نظره ليدعوك إلي قضاء العيد معه ، أليس كذلك ؟ حسنا ، لا تدعي الامال تضلك ، أيتها الانسة الذكية . فقد يتصدق عليك انياً ، ولكنك ، في النهاية ، تسلية أخري ، بالنسبة إليه ، سيكون مصيرها نفس مصير الأخريات . فأنت لا تملكين شيئا تتمكنين معه من الاحتفاظ به . )

فردت عليها جاني قائلة : ( و لماذا كل هذا الاهتمام منك ، علي كل حال ؟ ) و كانت جاني تريد أن يكون صوتها بارداً واضحاً ، و لكن حقد تلك المرأة السافر قد أثار غثيانها ، فاستطردت قائلة : ( إن حياة كين الخاصة ليست من شأنك أبداً .)
فأجابت تينا : ( هذا ما تظنينه أنت . ) و كان في اللهجة المتوعدة في صوتها ، والنظرة المتسلطة في عينيها ، ما زاد من القشعريرة في جسد جاني .

وفي تلك اللحظة ، بدا الشخص ، موضوع الحديث عند عتبة الباب . و ضاقت عيناه و هو يلقي بنظرة إلي المرأتين ليري منظر وجه جاني . لقد كان منفرداً في مكتبه منذ الصباح الباكر ، مما أثار اشمئزاز والدته . و قد أوضح والده سيد ستيل رأيه ذاك بصراحة ، في ذلك الصباح ، فقالت له : ( في الحقيقة يا كين إن هذه فترة إجازة . ) و ذلك عندما اعتذر عن مرافقة الأخرين إلي النزهة التى كانوا قد صمموا عليها بعد انتهاء قهوة الصباح . و استطردت تقول : ( هل أنت مرغم علي العمل ؟ )
فأجاب : ( ( أخشي ان يكون الامر كذلك . ) ثم ألقي نظرة جافة حذرة علي جاني ثم سألها : ( هل عندك مانع ؟ )
و أجابت علي الفور : ( أنا ؟ كلا بالطبع . ) و كانت النتيجة نظرة ساخرة طويلة منه جعلت قلبها يخفق بضيق .

و قال بجفاء : ( كلا ، هذا ما ظننته . ) و كان المعني واضحاً لها وحدها ، واستطرد يقول : ( أخشي أن عندي عملا لا يحتمل التأجيل . )

و قال أبوه بصوت متفهم : ( أهي قضية كولينز ؟ )
فأومأ كين برأسه بهدوء ، قائلاً : ( نعم ، ولكن لا تدع انشغالي هذا يفسد عليكم بهجة نهاركم . ) و استقرت نظراته علي رأسي الولدين الصفيرين

________________________________________
اللذين جلسا ينهيان فنجاني اللبن الدافئ ، وتابع قائلاً : ( استمتعوا بالوقت مع الطفلين ، فحوض السباحة قد أدفئ حتي أصبح كحوض الحمام . ولكن ربما تفضل أن تأخذهما بعد الظهر . )

فأومأ أبوه برأسه ببطء قائلاً بهدوء : ( لا يمكنك التخلي عن ذلك ، يا بنى ، اعرض عليه مبلغا جيداً و اترك الأمر علي هذا الشكل ، فليس في إمكانك أن تساعد كولينز إذا لم يوافق جون . )

فقال كين : ( سنرى . ) ورقت عيناه و هو ينظر إلي أبيه قائلا : ( استمتعوا بنزهتكم . )

لقد ضايقت جاني ذكري هذا الحديث ، طيلة الصباح ، والأن ، و هى تنظر في عيني كين من فوق رؤوس الحاضرين رأته قادماً رأساً إلي حيث كانت تجلس.
و سأل تينا وق د استقرت عيناه علي وجه المرأة الشقراء الرائع الجمال الذى كان الان قد عاد إلي طبيعته الباردة المسيطرة ، سألها قائلاً : ( هل تعرفتما إلي بعضكما البعض جيداً الان ؟ )

و أجابته زوجة أخيه بمرح : ( نعم ) و كان علي فمها القاسي شبه ابتسامة وهى تنظر إلي وجهه الداكن سرعان ما تلاشت و هي ترى التعبير الذي بدا في عينيه الزرقاوين ، فتابعت تقول : ( إنني سأذهب لأساعد والدتك إيليان مع الطفلين . )

فقال كين عابساً وهو يقبض علي ذراع تينا حين همت هذه بالنهوض : ( لو كنت مكانك لما كلفت نفسي عناء ذلك ، فقد اعتادت هى رعايتهما بمفردها . فتابعا حديثكما الذى انقطع بتدخلي الثقيل . )

فقالت تينا ببرود وهي تلقي نظرة سريعة علي وجهه : ( لم يكن ثمة شئ مهم مجرد حديث فتيات ، إنك تعرف . )
فقال و هو يشدها إلي مقعدها بشكلعرفت معه أنه يعنى ما يقول : ( ليس تماما إنما قد تتفضلين باعلامي . )

فقالت جاني بعد لحظات : ( كنا نتحدث عن محاسن الصدف إذ عثرت علي عشية عيد الميلاد . ) و احمر وجه تينا ببطيء . و لكن مسارعة جاني إلي الجواب لم يكن نتيجة أي شعور رقيق نحو تلك الشقراء . ذلك أنها سبق و لاحظت أن والدة كين تنظر من بعيد إليهما ، في خلوتهما تلك ، عدة مرات في الدقيقة الأخيرة ، وادركت أن السيدة المسنة قد شعرت بشيء ما غير مستحب بين المرأتين و والدة كين كانت ، دوماً ، في منتهى الانزعاج .

فقال كين : ( فهمت . ) و أرخى قبضته عن ذراع تينا عندما ابتدأ أحد اطفلين بالبكاء ، وتابع يقول : ( حسناً ، بإمكانك ان تغيري برنامجك ، يا تينا ، وتذهبي إلي الأطفال . ) و تراجع إلي الخلف ساخراً ، لتتمكن المرأة الشقراء من النهوض ، وهو يستطرد : ( وربما سنجد الوقت لتبادل الحديث فيما بعد . ) و كان ذلك أمراً و ليس تمنياً . وللحظة واحدة . اشتبكت الأعين الزرقاء في معركة تجلي فيها الحقد .

و عندما ذهبت تينا ، وهي تتمتم باستياء ، و قد توترت ملامحها ، ورفعت جاني نظرها إلي كين بحذر و سألته : ( كيف امضيت هذا الصباح ؟ ) و غاص قلبها بين ضلوعها و هى تري هذا الوجه المغضن الجذاب يراقبها بشدة . لقد دبت الحركة في الغرفة لحظة دخوله إليها ، كما بدا لها . وشعرت بألياس و هى تري نفسها عاجزة عن مواجهة كل هذه المشاعر التي كانت تقلب كيانها رأساً علي عقب .
و قال بعنف و هو يجلس إلي جانبها : ( لقد كانت تضايقك ، أليس كذلك ؟ إنها امرأة خطرة . )
فأجابت مازحة دون أن تتمكن من النظر إلي وجهه : ( إنني بنت كبيرة الان ، و باستطاعتي العناية بنفسي . ) و لا بد أن الرجفة التي سببها وجوده قربها قد ظهرت في عينيها .
فأجاب بصوت أجش : ( ربما أنا لا أريدك أن تعتني بنفسك ، و ربما أريد أن أتولي هذه المهمة أنا بنفسي . )
فأغمضت عينيها لحظة وقد تسارعت دقات قلبها و ه تقول : ( لا تقل أشياء كهذه . )
فأمسك بيدها و أخذ يفرد اصابعها الصغيرة و هو يجيب : ( ولم لا ؟ هل يبدو الأمر بهذا السوء ؟ )

فأجابت : ( إنك تعرف شعورى .. )
منتدى ليلاس
فأسكت صوتها المتهدج بقوله ، و هو يشبك أصابعه بأصابعها : ( كلا ، إنني أعرف ما تحاولين أن تشعري به . ولكنك تناضلين ضد شيء اقوي منا نحن الأثنين . ثقي بي قليلا ، يا جاني . أنيري شمعة لتمحو الظلام . حطمي هذا الشرك الذي تتخبطين فيه . )


فأجابت بلهجة حزينة :/ ( لا أستطيع ، لا بد انك تدرك ما أعنيه . )


فقال: ( بل تستطيعين . )

و لم يكن في صوته رنة ظفر أو عنف . كان فيه تأكيد عميق أثار منها الاعماق من كيانها رغم كل شئ . و شعرت فجاة بدافع جنوني ، كانت قد شعرت به مؤخرا أكثر من مرة ، وهو أن تريح رأسها علي صدره الرحب . ان تخضع لإرادة أقوي من إرادتها . و لكن هذا سيكون نوعا من الإنتحار .

واستعاد ذهنها كلمات تينا ( قد يتصدق عليك أنياً ، ولكنك في النهاية ، تسلية أخري بالنسبة اليه ، يكون مصيرها نفس مصير الأخريات ) لقد صدرت هذه عن امرأة حاقدة ، ولكنها وجدت صدي في قلب جاني الحافل بالمخاوف ، فقد كان رجلا عملاقاً بين الرجال من نواح كثيرة . فهو قوي ذو سلطة ، جذاب إلي درجة لا تصدق ، وهو يريدها لفترة عابرة فقط ، متوقعاً منها ، في النهاية أن تختفي من حياته بكل رشاقة و لطف ، شأن نسائه الأخريات .

و لكنها ليست من هذا النوع ، وكادت تئن بصوت عال . كلا ، اعادها هذا التفكير إلي عقلها ، ما الذي جعلها تفكر بهذا الشكل ؟ إن أباها لم يظهر في معاناتها هذه . كيف أمكنها أن تنسي الماضي ؟

ووقف ببطء دون أن ينتبه إلي اضطرابها ، و هو يقول : ( دعينى أحضر لك كوب عصير . )

وما أن مضي مجتازاً أرض الغرفة ، حتى لاحظت مرة أخري ، عدم ثبات خفيف في خطوته سرعان ما أصلحه . و تذكرت فجأة أنها رأت عدة شواهد كهذه أثناء أيام العيد . مرات عديدة بدا فيها هذا الجسم الكبير و كأنه فقد توازنه للحظة خاطفة . و هزت رأسها بعنف . لا بد أنها كانت تتخيل هذه الأشياء .

و في هذه الأثناء ، كانت إيليان ، والدة كين ، قد أقبلت تجلس بقربها ، تسألها :

( أخبرينى قليلاً عن عملك ، يا جاني . )


سفيرة الاحزان 13-09-10 09:18 AM

و كانت عينا المرأة المسنة تتألقان بالاهتمام الخالص . و بينما كانت جاني تصف لها عملها ، عاد كين ووقف يستمع إلي الحديث .

و مضت ساعة ، و بينما كانت جاني لا تفتأ تذكر نفسها بأن لا تلتقي عيناها بعينه اللتين كان فيهما من السلطة ما يمكنه جذبها بهما إليه بشكل لا فكاك منه ، و هي بهذا تعطي عن نفسها الانطباع بأنها غاية في ضبط النفس ، كانت تشعر في الأعماق بأنها علي العكس تماماً .

و سألتها إيليان و هما يحتسيان القهوة في غرفة الجلوس بينما الجو حولهما كان أكثر راحة بعد توارى تينا في جناحها الخاص ، سألتها :
( هل ستبقين لحضور الحفلة ، يا جاني ؟ )
منتدى ليلاس
فرد كين بهدوء ووضوح و هو يتناول من المرأتين فنجاني القهوة الفارغين ، ثم يضعهما علي الصينية : ( إنها ستبقي بالطبع و لو إنها لم تعرف عنها شيئاً بعد . و سنذهب في جولة بالسيارة حيث أشرح لك الأمر ، إذا كنت تريدين .

قال ذلك وهو يستدير إلي جاني ، متابعاً قوله : ( ستشعرين بدفء كاف داخل السيارة . )

فقالت بسرعة : ( و لكن ، ليس بإمكانك أن تترك الجميع . )

فقالت إيليان بحرارة : ( هذا هراء . لقد سمعت جورج يخطط لاستعمال حوض السباحة بعد الظهر مع الطفلين ، و أنا أنوى أنا أنال غفوة قصيرة في غرفتى . وجولة شيقة مريحة بالسيارة ستريحك جداً ، يا جاني ، و لاحاجة بكما للرجوع بسرعة . فنحن جميعاً ، نأكل ، عادة ، متي شئنا . )

و ابتسمت جاني بحذر للمرأة و هي تردد قولها : ( جولة شيقة مريحة . )
متعمدة أن لا تلتقي عيناها بعيني كين . ليس ثمة شيء مريح في الحلوس وحدها مع كين في مكان ضيق .

و عندما تركتهما الأم ، و هى تمنحها ابتسامة مشرقة قال لجاني ببطء ساخر : ( هيا ... ليس لك أي عذر الان . )

فقالت جاني بهدوء ، وقد تصلبت قليلاً عندما انحني هو يزيح خصلة من الشعر عن وجنتها : ( إنني في الواقع ، لا أريد الخروج . )

فقال هزلاً : ( بل تريدين . إن قضاء بعد الظهر هذا في صحبة تينا لا يطيقه إنسان ، و لهذا فسأحملك إلي السيارة بنفسي بالقوة إذا احتاجنى الأمر . )

فقالت : ( يمكننا أن نذهب للسباحة مع الأخرين . إنني لم أشاهد بعد حوض السباحة في منزلك ... )

فقاطعها قائلاً : ( إن حوض السباحة لن يهرب منا . )

و جفلت وهو يقبض علي يدها يرفعها إلي شفتيه و هو يراقبها من خلال عينين متألقتين مضظربتين و هو يقول :
( إننا سنخرج في جولة بالسيارة ، يا جاني ، فاذهبي و احضري معطفك . )

و لم تكن أشعة الشمس الباهتة ترسل أي دفء و هما يسيران ، بعد دقائق ، نحو الكراج ، ولكن الهوا البارد كان نقيا منعشا حيث أن المنزل كان يقوم في الضاحية في العاصمة .

و عندما رأت المفاتيح في يده ، سألته بدهشة : ( هل ستقود السيارة بنفسك؟ )

فنظر إليها و هو يقول متهكماً : ( و هل في هذا ما يدهشك ؟ لقد كنت أقود بنفسي قبل أن أتخذ بينز في خدمتي ، حتي أنني كنت أمتلك أكثر من دراجة نارية واحدة قبل أن .. )

و سكت فجأة ، ثم عاد يقول بفتور : ( قبل حوالي سنتين . )

فسألته ببساطة : ( أتعني أنك قررت ، في ذلك الحين ، أن سنوات فورة شبابك قد انتهت ؟ )

فأومأ برأسه ببطء قائلاً و قد استقرت عيناه المضربتين علي وجهها المرفوع إليه : ( شيء بهذا المعني . )

و بينما كان هو يفتح باب الكاراج ، كانت هي تفكر بضعف ، بسهولة انجذابها إليه ، لقد جعلها تشعر بالحيتة لأول مرة في حياتها . أتراها تعتقد حقاً أنه كان يعلم بكل ما حدث لوالدها ؟ و هزت رأسها بيأس و هي تسمع هدير السيارة في الكاراج ، إنها لم تشعر قط في حياتها من قبل بمثل هذه الحيرة و الارتباك .

و لسبب ما كانت تتوقع أن تري السيارة "البنتلي" الفخمة تخرج من الكاراج ببطء ، ولكنها لم تتوقع هذه " الجاكوار " الحمراء الأنيقة التي قفزت فجأة إلي جانبها خارجة من الكاراج بأكبر سرعة ممكنة .

و هتفت و هي تجلس بجانب كين : ( ما أروع هذه سيارة ، لابد أنها كلفتك الكثير . )

فأجاب بابتسامة عريضة وكأنه يعتذر : ( عندما تركت الدراجات النارية ، شعرت بأنني بحاجة إلي شيء سريع علي أربع عجلات هذه المرة . انها أسرع سيارة في العالم .
فابتسمت للزهو الذى لاح على وجهه و هى تقول: ((انها تبدو كذلك ، لقد أعجبتنى كثيرا.))
فقال: ((اذن، فهى تستحق ثمنها.)) وكان فى صوته من العمق ما أحدث رجفة فى جسدها، فنظرت من النافذة بسرعة وقد توترت أعصابها، لو سبق لأحد وأخبرها يوما أن مجرد سماع صوت رجل معين يمكن أن يحدث فى نفسها مثل هذا التوتر، لما صدقته، وكانت هذه الأفكار تساورها بينما السيارة كانت تهدر وهى تستقيم فى طريقها، ولم تستغرب اعجابه بهذه السيارة فقد كانا متشابهين. فهما الأثنين متغطرسان، خطران، يأسران اللب ويطلبان من الآخرين الطاعة التامة.

وعندما أصبحا فى الشارع العام، انعطف كين فجأة الى اليمين يسير فى طريق ضيق بين المزارع. وكانت السيارة تهدر اذ يحدد من سرعتها، وكانت السماء قد ابتدأت تستحيل الى ذهب متألق بعد أن ابتدأت نفثات الشفق تنتشر فى الأفق الواسع، وقال كين وهو ينظر اليها: ((ان الوقت متأخر عما ظننت،فها قد ابتدأ الغروب. هنالك مقهى صغير على بعد عشرين دقيقة من هنا. فهل تجبين الذهاب اليه لتناول شيئا؟))

فأومأت برأسها قائلة دون أن تنظراليه: (( هذا حسن.)) كانت لم تتعود بعد على وجودها فى مثل هذه السيارة الرائعة الغالية الثمن. ونظرت اليه خقية من تحت أهدابها. وابتدأ قلبها فى الخفقان وهى ترى جانب وجهه الأسمر. كان مرتديا جاكتة من الجلد الأسود المبطن بالفرو وقفازين أسودين، ما جعل منظر الأثنين الرجل والسيارة فى منتهى الأنسجام .

وعادت الى ذهنها كلمات تينا الساخرة (شريدة ضالة انقذها بطل أحلامها) ربما لم تكن تلك المرأة مخطئة تماما. وداخلتها السخرية من نفسها وهى تفكر فى أنها لا تصادف أبدا عديدا من الرجال مثله أثناء تطوافها فى السوبر ماركت أو مكان غسيل الثياب فى ليالى السبت. وابتسمت لنفسها لهذا التفكير .

قال مازحا: ((بماذا تفكرين؟)) ولم تكن هى تدرك أنه كان ينظر اليها .

فاحمر وجهها وهى تجيب: (( آه، لاشئ .))

فقال: ((جانى، يمكننى أن أعد على أصابع يد واحدة عدد المرات التى رأيتك فيها تبتسمين فى حضورى. فأخبرينى على الأقل السبب فى ذلك هذه المرة .))

فسألته: ((هل تريد حقا أن تعلم؟ ربما لن يعجبك ذلك ؟))

فأجاب بفتور: ((اننى لا أشك لحظة فى أنه لن يعجبنى هيا ، تكلمى .))

فقالت: ((كنت أتساءل كم من المرات سبق لك أن زرت مكان غسيل الثياب، فى حياتك .)) وشعرت لحظة بسرور خفيف للحيرة التى ظهرت على وجهه، وتابعت تقول: ((هذا هو كل شئ، ربما كنت لا تعلم كيف تبدو تلك الأماكن .)) ولم يغفل هو عن السخرية التى تضمنها كلامها .

وأجاب: ((لقد حدث ذلك عدة مرات.)) واستدار بالسيارة فجأة، الى مكان يشرف على قرية صغيرة، وقد أصبحت الشمس كرة ذهبية فى الأفق، ثم أوقف محرك السيارة ليستدير ناظرا اليها وهو يقول: ((لقد درست فى الجامعة مدة ثلاث سنوات، ثم أخذت فى التجوال فى أنحاء أوروبا لعدة سنوات .))

فقالت: ((ولكنك كنت تملك الكثير من المال.))

فنظر اليها بعنف وهو يقول: ((كلا. اننى لم أشأ أن أكون مختلفا عن مجموعة أصدقائى، ولم يكن أى منهم يملك فلسا واحدا. لقد اعتدنا أن ننام على الشواطئ والأماكن العامة.)) وبان فى عينيه المكر وهو يرى حيرتها، ثم استطرد قائلا وقد تاهت الآن أنظاره مع الذكريات: ((لقد امضينا سنوات رائعة .))

فسألته بفضول: ((هل مازلت ترى أحدا منهم الآن؟)) وكان هو ما يزال يحدق شاردا فى منظر الغروب، وقد استغرقته الذكريات.

وانتبه لسؤالها هذا، ونظر اليها مجيبا: ((لقد أصبح تشارلى وبن طبيبين الآن، والأثنان متزوجان، ومازال مايك يتنقل من عمل الى آخر، أما ناتان فقد صار لديه أسرة وله ستة أطفال تبعا لآخر احصاء.))

فنظرت اليه وهى تهتف ضاحكة: ((ستة.))

فأجاب: ((وهم يعيشون فى منزل صغير فى وسط مدينة(نيوكاسل) حيث يعمل بيطريا.)) ثم أردف بهدوء وقد بان فى وجهه معنى لم تستطع أن تفهمه: ((انه يعيش أسعد حياة فى العالم .))

فقالت: ((أحقا؟)) وتلاشت ابتسامتها وهو يومأ برأسه ببطء وعيناه الجذابتان تخترقان اعماقها ثم يستطرد قائلا: ((انهما يعيشان فى حب دائم. ذلك النوع من الحب الذى يأتى مرة واحدة فى الحياة .))

وساد سكون عميق و ارادت هى أن تجد طريقة تبدد بها ما تخلل ذلك السكون من مشاعر، فقالت تسأله: ((هل هؤلاء هم كل أصدقائك .))

فأجاب وهو يدير وجهه عنها وقد توترت ملامحه: (( كلا. هناك أفضل أصدقائى وهو جون، فى أمريكا يكافح مستميتا، بكل امكانياته لكى ينقذ عمل أبيه من الذئاب ، جون كولينز.)) ونظر اليها بعنف وهو يستطرد قائلا: (( المشكلة هى أنه لا يقبل مساعدة لا يستطيع ردها، وبينما والده يستجدى ، يرفض هو أى مساعدة منى. انه وضع غاية فى الصعوبة، أليس كذلك؟)) وهز رأسه ببطء متابعا: ((انها خسارة دون معنى ، اسمعى، هل بامكاننا أن نترك هذا الموضوع الآن؟)) وكان الغضب يكسو ملامحه وقد توتر فمه وهو يستطرد: ((سأخبرك بكل شئ بالتفصيل ، فى وقت آخر وليس الآن .))

فأجابت بهدوء: (( طبعا. اننى آسفة اذ لم أقصد التطفل .))

فهز كتفيه بخفة يجيبها: ((انك لم تفعلى ذلك.)) ونظر اليها برقة وهو يتابع قائلا: ((اننى فقط عديم المهارة فى كشف ما بأعماقى. فهذا ليس من عادتى. فلنتابع طريقنا نحو ذلك المقهى، أليس ذلك أفضل؟)) ومنحها ابتسامة هزتها من الأعماق.
[align=center](لا أريد هذا . لا أريد هذا ) كانت هذه الكلمات تتجاوب فى رأسها كدقات الطبل وهما يدخلان القرية الصغيرة، والتى كانت عبارة عن مجموعة من البيوت تحيط بمبنى البريد وحانوت صغير، بينما ثمة منحدر فى الجانب الآخر، يمر بمنطقة ذات بيوت أكبر، ليستديرا بعد دقائق، مرة أخرى الى طريق زراعى تحف به الحقول على الجانبين حيث كانت الأبقار الوديعة ترمق السيارة الفارهة دون اهتمام وهى لا تكف عن المضغ، وفحأة شعرت برعب هائل. متى يمكنها الهرب من هذا كله؟ وكأنما قرأ هو أفكارها، قال لها بهدوء مخترقا الصمت الذى ساد بينهما: (( ان الحفلة التى ذكرتها أمى هى فقط حفلة صغيرة تنتهى بها أيام العيد . وأنت طبعا ستبقين؟))

وبجهد كبير استطاعت أن ترد بصوت هادئ بارد ووجه خال من التعبير: (( اشكرك فأنا لا أظن أننى سأبقى. ان علي أن أذهب الى بيتى. لقد كنت غاية فى كرم الأخلاق أن ...))

فصرخ بها: ((لا تعاودى ذلك مرة أخرى.))

فاحمر وجهها للهجته هذه، وأجابت ساخطة: ((لا أعاود ماذا ؟))

فأجاب: ((ما يسمونه ( الهرب من مريض الذئب ) . ان الحفلة ستقام يوم الأحد. هل يريدونك للعمل صباح الأثنين ؟))

ولم تكن هى تعرف بالضبط ما اذا كان جو يريدها أن تعود للعمل ذلك الصباح، أم لا. ولكنها أجابت: (( نعم .))

فقال ببرود: ((اننى، اذن، سأعيدك الى البيت بعد انتهاء الحفلة . ))

فقالت: (( ولكننى لا أريد أن ...))

فصرخ بها: ((كفى يا جانى.... وأجفلت لهذه الصرخة المفاجئة بينما تابع هو قائلا: (( ما الذى جرى لك يا فتاة؟ اننى أطلب منك البقاء لحضور حفلة وليس لوضعك على خشبة التعذيب. قولى على الأقل ولو من باب الكياسة، أن ما أعرضه عليك لا يثير اشمئزازك.))

فقالت بضعف وهى ترى مقدار توتر يديه القابضتين على عجلة القيادة: (( ان هذا لايثير الاشمئزاز. ولكن المسألة...)) وسكتت ولم تستطع المتابعة.
منتدى ليلاس
فقال يسألها: ((نعم؟)) ولم يظهر من لهجته أية رغبة فى مواصلة الحديث .

فتنفست بعمق وقد طفحت عيناها بالمشاعر، ثم قالت بتعاسة: (( كل ما فى الأمر اننى لا أعرف ما الذى تتوقعه منى. انك تعرف شعورى نحو أبى و كل شئ . اننى فقط أجد من الصعوبة أن...)) و لم تستطع أن تجد الكلمات المناسبة لتقولها .

فقال بهدوء وعيناه تنظران الى الأمام: (( هل تثقين بى ؟))

فأجابت: (( أظن ذلك .)) ولم تجرأ على النظرفى وجهه وهما يسيران فى عتمة الغروب. وقد صبغ الشفق السماء خلف الأشجار المنتصبة على جانبى الطريق، مظهرا اياها سوداء الحواشى .
وقال برقة وهو يدخل الى موقف السيارات أمام المقهى: (( لم يكن لى معرفة بأى شئ حول قضية أبيك، عند حدوثها، يا جانى. ويمكنك أن تصدقينى فأنا لا أكذب عليك .))

وبعد أن أوقف المحرك، استند الى الخلف مادا ذراعه على مسند مقعدها خلفها، وتسمرت عيناه الزرقاوان على وجهها المضطرب. وتابع يقول برقة بعد مرور عدة دقائق: ((ان عليك، عاجلا أم آجلا. أن تتمسكى ببعض الفرص التى تسنح لك فى الحياة، فلماذا لا تبدأين الآن معى؟ اننى لا أطلب منك أن تعلنى اخلاصك و تفانيك حتى الموت فى هذه اللحظة. يا جانى . وانما أن تحاولى أن تفتحى عقلك قليلا وتتقبلى كل يوم كما هو. هل هذا صعب عليك حقا ؟))

وسألته فجأة: (( ما الذي كان فى تلك الأوراق التى كنت أحضرتها الي الى المنزل، عشية العيد؟))

كان ينتابها شعور ما ، بأن ذكر هذه الأوراق هو مهم بالنسبة لهذا الحديث، دون أن تدرك السبب .
وأجاب بصوت هادئ ثابت وعيناه النفاذتان لا تغادران وجهها: (( كان معظمها يحتوى نتيجة تحرياتى.لقد كان ثمة ظلم وقع، ولكننى لم أدرك فى البداية مقدار خطورته. لقد كانت الأوراق مستندات تثبت هذا، وأيضا تفاصيل المبلغ الذى كان ينبغى أن يتلقاه أبوك. وأنا أريدك أن تأخذى المبلغ يا جانى.)) وسكت فجأة حين بدرت منها حركة احتجاج ورفع يده يسكتها بحركة مسيطرة وهو يقول: (( كلا، دعينى أتابع كلامى. عندما يدفع اليك هذا المبلغ، يمكنك أن تتصرفى به كما تشائين... يمكنك أن تتصدقى به للجمعيات الخيرية اذا كنت ما زلت تعتبرينه دية أبيك... ولكننى أريدك أن تقبليه.))

فسألته بهدوء: (( هل هو ضميرك المتعب ؟))

فأومأ برأسه موافقا وهو يقول: (( كما سبق وقلت أنت فى أول مقابلة بيننا، لقد تصاعدت الرائحة النتنة من أمام بابى. فمهما كانت الظروف، فان المعاملات قد أجريت باسم مؤسسة ستيل، وهذا يعنى أننى أنا المسئول. لم يسبق لى قط أن استعنت بالغش لأسلب شخصا حقه، ولا أريد أن أضع سابقة بذلك مع أبيك ولما كان ليس باستطاعتى اصلاح الدمار الذى نتج عن هذه القضية، فليس أمامى الا أن أكرر أنه لم يكن لى يد بما حدث. وعليك الآن أن تقررى ما اذا كنت تصدقيننى، وكذلك ما اذا كان هذا كافيا لانارة المصباح؟))

فقالت: ((المصباح؟)) وحدقت فيه بجمود فى النور الباهت الذى كان يملأ السيارة. وعاودتها تلك الرجفة التى تشعر بها عادة فى وجوده.

وقال هو برقة: ((النور الذى يبدد الظلمة.))

فقالت: (( ولكن، لماذا ؟)) وسكتت فجأة.

فسألها: ((لماذا؟))

وشعرت بالقوة تجتاحها. ان عليها أن تسأله. وقالت: (( لماذا أنت مهتم بى على كل حال؟ فاذا كنت... أعنى أن كل شئ رهن مشيئتك و أية امرأة تختارها...))

فقاطعها: (( حسنا، اذا كنت مخطئا فقومينى. ولكننى متأكد من أنك امرأة أنت أيضا.)) وابتسم بشئ من السخرية وهو يتابع: ((فلماذا ليست أنت ؟))

فتمتمت بهدوء وقد التهبت وجنتاها لشعورها بالحرج: ((اننى لست النموذج الذى يعجبك. أعنى...))
فقاطعها قائلا: (( ومن يقول أنك لست النموذج الذى يعجبنى ؟)) وكان صوته أجش عميقا وهو يقول ذلك .

اعتدل فى جلسته وهو يسألها قائلا: (( هل لك أن تخبرينى بصدق أنك تشعرين أكثر من مجرد مقبولة بالنسبة الى؟)) ولمعت عيناه الزرقاوان وهو يتابع مازحا يعبث باعصابها المهزوزة: (( ومنذ هذه اللحظة. ستنفذين كل ما تؤمرين به، يا جانى غوردون. اننا سنذهب الى المقهى الآن لنشرب شبئا قبل العشاء، وبعد ذلك ستكرسين نفسك بقية المساء لمرافقتى أنا فقط .)) كان يقول هذه الكلمات مرحا، وقد بانت فى لهجته السخرية من نفسه.

ونظرت هى اليه بغضب بدا وكأنه يمزقها، وذلك اذ اعترفت بينها وبين نفسها، بأن هذا بالضبط ما كانت تخاف أن يحدث لها.
نهاية الفصل السابع

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:20 AM

الفصل الثامن
ومر نهار السبت على جانى وهى فى حالة إنبهار تام يلفها شعور وردى حالم لم تتمكن حتى كلمات تينا الحاقدة المسمومة من أن تفسده . واعترفت لنفسها تلك الليلة ، وهى فى فراشها وجونيير وكوزموس بجانبها ، بأنها تحب كين .
لقد كان ذلك ضد كلمنطق وكل عقلانية . ولم تكن هى تريد ذلك ، ولكن ... واحتضنت وسادتها بشدة . كان ذلك فوق مقدورها ، أيمكنها حقا أن تحب شخصا لا تثق به ؟ أخذت تسأل نفسها هذا السؤال عندما فارق النوم عينيها . هل كانت تثق به ؟ وتقلبت فى فراشها مما أثار ضيق الهرين .
إنها لا تعرف . إنها لم تعد تعرف شيئا . ففى لحظة كانت تتمنى لو لم تعرفه أبدا ، وفى اللحظة التالية ...
وتذكرت تلك النزهة الطويلة سيرا على الأقدام التى قاما بها بعد ظهر ذلك اليوم متنشقين الهواء الطلق المنعش المشبع بعبق الغابة والشتاء ، والابتهاج والمرح اللذين تملكهما ، وضحكاتهما معا ..... وارتجفت فجأة وهى تطلق أنينا خافتا من أعماقها . لابد انها أكبر حمقاء فى العالم . ولكن ـ كيف بإمكانها أن تتأكد ...؟
وأحضرت الخادمة جين لها صينية الفطور صباح الأحد باكرا . وكان يبدو الانشغال على وجهها الفتى ، وهى تقول :
" إن السيدة لانغتون مشغولة بأمور الحفلة منذ الساعة الخامسة ، يا آنسة ، حتى لكأن الملكة ستزورنا "
فسألتها جانى بسرعة : " أيمكننى المساعدة ؟ "
فأجابت جين بذعر : " كلا ، يا آنسة . إن متعهدى الحفلة هنا حاليا يقومون بهذا الشئ وذاك ، ولكن لا شئ يعجب السيدة لانغتون . إن المدعوين هم فقط أربعون شخصا أو نحو ذلك . ولا أدرى لماذا اهتمامها ذاك كله ؟ "
وغاص قلب جانى بين ضلوعها وهى تسالها : " أربعون شخصا أو نحو ذلك ؟ كنت ظننت أنها حفلة صغيرة "
فقالت جين بإرتباك : " حسنا ، إنها كذلك يا آنسة ، فقد سبق وأقام السيد ستيل حفلة كان عدد المدعوين فيها مائتين ، وذلك على شرف بعض الضيوف . وكان ذلك فى الحديقة فى فصل الصيف . إن أربعين شخصا لا شئ "
وما أن أنهت جانى فطورها ، حتى اندفعت إلى خزانة ثيابها تفتحها لتلقى نظرة على ملابسها . لقد سبق وارتدت هنا الثوب الأسود والثوب الحريرى الملون ، فلم يعد لهما فائدة الآن . وأخذت تتمعن فى ملابس المساء القليلة التى كانت السيدة لانغتون أحضرتها إليها من منزلها . ربما هذا الثوب المؤلف من بنطلون حريرى أبيض وقميص والذى اشترته من باريس فى رحلة عمل ليوم واحد ، السنة الماضية ، ربما ينفع . وأخرجته من الخزانة ووضعته على الفراش . كان القميص مؤلفا من اللونين الأبيض والأسود بشكل رائع مثير ، وكان ذلك الثوب يغوى أى شخص لشرائه .
وكانت تفكر بذلك وهى تنظر إلى الثوب بإعجاب. سيكون فى الحفلة هذه الليلة ، دون شك ، عدد من الفتيات النحيلات الرشيقات . وستترك شعرها مسترسلا على كتفيها . وجلست على فراشها تفكر .... هذا جنون . إنها مجنونة حتما .
وقبل موعد الشاى بالضبط ، ابتدأ المدعوون يتوافدون . وكانت جانى قد سلمت نفسها لما تقضى به الأقدار . وانتابها شعور بالعجز وهى ترى أن أول ضيفة تدخل الباب كانت تلك الشقراء التى كانت مع كين أثناء ذلك المؤتمر الصحافى . وفكرت باكتئاب ، فى أن كل شئ سينتهى إلى الأسوأ . لقد كانت مجنونة إذ طنت أنه جاد بالنسبة إليها .
وهتف كين وهو يضع ذراعه حول كتفيها : " ها أنت "
وتابع وهى تنظر إليه بدهشة : " آسف لتأخرى ، فقد جاءتنى مكالمة هاتفية " كان يبدو جذابا إلى حد مدمر فى بنطلونه الرائع التفصيل وقميصه الحريرى المنبسط على صدره العريض وكأنه صورة فى لوحة إعلانية . لم تكن قد رأته معظم بعد الظهر . فقد لازم مكتبه طيلة الوقت ، مرة أخرى ، وعلمت من والده أنه ما زال يكافح فى سبيل اتحاد شركته بشركة كولينز .
وسألته : " هل كانت المكالمة ناجحة ؟ "
فأجاب ببطء : " ربما ، أخيرا . لقد جعلت الأب وابنه يتحدثان معا الآن ، وهكذا ربما يمكننا أن نصل إلى نوع من التسوية والشراكة . إن شعور جون بكرامته فائقة الحد ... "
وابتسم ساخرا وهو يتابع : " إياك ان تنتقدي كبرياء الرجولة "
وأجابت بنعومة وهي ترى المرأة الشقراء تمر من أمامهما دون أي اهتمام منه : " لايمكن أن أفعل حتى فى الحلم "
وقال بعد لحظة : " يبدو عليك الانفعال . إياك " وحدق في وجهها بنظرات دافئة وهو يتابع قائلا : " تبدين رائعة الجمال , يا جاني , ليس ثمة امرأة هنا تنافسك "
منتدى ليلاس
" دع شيئا من اللطف والمودة للباقيات منا , يا كين "
وكان وجه تينا رقيقا باسما وهي تلقى بيدها على ذراعه بخفة , لحظة , وهي تمر بهما , ورفع كين حاجبيه بحركة سافرة بعد إذ انضم اليهما زوجان آخران . ولكن , عندما حدقت جاني في أثر المرأة الشقراء الطويلة القامة , اقشعر جسدها , فقد كانت المرأة تنفث سما ً , بالرغم من ادعائها الرقة والعذوبة .
وبقيت جاني طيلة المساء تشعر بنظرات تينا الحاقدة تتبعها إلى ان وقفت أمام المقصف الحافل بألذ المأكولات تملأ صحنها , فإذا بتينا تتقدم منها لتقف وتهمس في أذنها وعيناها تنفثان بالكراهية , قائلة بلهجة تعمدت أن تكون عفوية : " أظن ان كين لابد قد استولى على قلب كل امرأة فى هذه القاعة , على الأقل من هن تحت الثلاثين , وذلك بمختلف الطرق "
وكانت جاني قد اعدت نفسها لنوع من الهجوم من قبل تينا , ولكن مثل هذا الكلام السوقي تهمسه هذه في أذنها , أذهلها تماما .
وتابعت تينا تقول بنعومة وهي تنظر إلى الطعام الذى كانت تملأ منه طبقها بحذر : " إنه أمر محير حقا , عندما تفكرين فيه , أن يبقى على صداقة معهن بعد أن ينهى علاقته معهن . ومع هذا فهو رجل غير عادي قطعا " وتناولت بشوكتها قطعة من لحم البفتيك وهي تتابع : " ألا تظنين ذلك ؟"
ونظرت الآن الى وجه جاني وقد بانت الضغينة فى عينيها .
وأجابت جاني : " لا أظن أن هذا الحديث .. "
فقاطعتها تينا بصوت أشبه بفولاذ ملفوف بالحرير : " أتعلمين اننى خرجت معه , أنا نفسى عدة مرات قبل أن نتقابل أنا وأخيه كايث ؟ فأنا أتكلم عن خبرة بالطبع " ولاحت على شفتيها ابتسامة ذات معني .
فسألتها جاني ببرود وهي تقابل نظرات تينا اللامعة بمثلها : " أتريدين أن تقولي إنك مررت بأوقات عاطفية معه ؟ "
فأجابت تينا بخبث : " ما أشد صراحتك يا عزيزتي "
فقالت جاني بعنف : " لأنك إذا أنت قلت ذلك , فسأدعوك بالكاذبة . لقد علمت من كين أنكما خرجتما معا ً ثلاث مرات وهذا كل شئ "
وعندما تحولت عينا تينا عنها , تقدمت هي الى الأمام لتقول بهدوء : " هل ستقولين شيئا مختلفا ؟ "
فقالت تينا ببطء بعد فترة صمت : " آه , لقد أصبح كل ذلك قصة قديمة الآن . أليس كذلك يا عزيزتي ؟ " وضاقت عيناها حتى اصبحتا شقين قاسيين وهي تتابع قائلة : " إنك لا تريدين أن تسمعى كل التفاصيل القذرة , أليس كذلك ؟ "
فنظرت إليها جاني بوجه عابس وعينين مليئتين بالكراهية وهي تقول : " إنك ذات نفسية مريضة ملتوية , يا تينا "
" كيف تجرؤين على هذا الكلام ؟ " وكان وجه تينا الجميل مظلما بالحقد والغل وهي تقول لها هذا مما أشعر جاني بالغثيان . وتابعت تينا تقول : " كيف تجرؤين على توجيه هذا الكلام إلي ؟ إننى لا أقبل ذلك .. وأنا أقول لك.. "
فقاطعتها جاني وهي تجاهد لجعل صوتها باردا واضحا : " وأنا لن أستمع إلى أكاذبيك وتعريضاتك المشينة , لا الآن ولا فى المستقبل "
وقالت تينا بصوت يهتز عنفا : " المستقبل ؟ المستقبل ؟ اتظنين حقا انه سيكون لك مستقبل مع كين ؟ إنه لن يبقى معك . إنه لا يبقى مع أية امرأة . ألا ترين هذا ؟ ذلك لأنه رجل . رجل حقيقى ... إنه الرجل الحقيقى الوحيد الذى عرفت . فهو لا يمكنه أن يكون سجين أية امرأة اننى اعرف ذلك وأعرف طريقة تفكيره . كما أعرف ما يحتاجه ..."
وكانت نظرة الذعر التى لاحت في عيني جاني هي التي أسكتت ذلك الصوت المنخفض قبل ثانية واحدة من انطلاق صوت كين العميق البارد يتكلم من خلف تينا قائلا : " اذهبي إلى غرفتك يا تينا "
وعندما استدارت هذه لتواجهه , لم تستطع جاني أن تري النظرة الى ارتسمت في عينيها , ولكن منظر كين كان مخيفا وهو يتابع قائلا : " واحزمي امتعتك لأن بينز سيأخذك الى منزلك "
وهتفت هي : " كين .. "
فقاطعها بهزة عنيفة من رأسه وهو يقول : " الآن . وإلا فلن أكون مسؤولا عما سأفعل "
فقالت تينا : " لايمكنك أن تفعل ذلك بي , يا كين " كان فى صوتها الآن شئ غريب بعث القشعريرة في جسد جاني . كان أشبه ما يكون بتهكم منغم مما جعلها تدرك , لأول مرة , مبلغ فداحة ما تعني الحياة مع مثل هذه المرأة بالنسبة إلى أخيه . فلا عجب إذا كانت حياته تلك قد قتلته . وتابعت تينا تقول : " إننى جزء من أسرتك شئت ذلك أم أبي . فلا يمكنك أن تعاملنى بالطريقة التى تعامل بها الآخرون "
فقال وهو يم***ا من ذراعها : " تعالي معي يا تينا "
وجرها مجتازا بها الغرفة , بوجه جامد , وشعرت جاني بالراحة لذهابها بهدوء , رغم أن آخر نظرة ألقتها تينا عليها كانت تطفح حقدا شرسا , هذا إلى شئ آخر ... شئ هو نوع غريب من الإنحراف العقلي .[/align]

________________________________________
[align=center]ومضى وقت طويل قبل أن يعود كين , وكان واحد أو اثنان من الضيوف قد رحلا . وحال انشغاله بضيوفه وتوديعهم , من أن تكلمه على انفراد .
ولم يتكلم هو إلا بعد أن ودع ووالداه آخر الضيوف عند الباب الخارجي , فقال : " لقد رحلت تينا يا أمي " وكان ذلك وهم راجعون بعد أن اغلقوا الباب الخارجي .
وحدقت أمه فيه بذهول وهي تهتف : " رحلت ؟ هذه الليلة ؟ مع من ؟ وأين الطفلان ؟ "
فأجاب بهدوء : " انهما نائمان فى غرفتهما . لقد حضر والد تينا لأخذها . أظنهم يريدون أن يقوموا برحلة بحرية حول العالم . واقترح هو أنها ربما كانت فكرة حسنة أن تذهب هي معهم لعدة أشهر . إن أباها يشعر أنها بحاجة إلى فرصة للاستجمام بدون الطفلين , وهو يدرك أنهما سيكونان سعيدين آمنين معك . إنه سيتصل بنا هاتفيا غدا ليتحدث عن التفاصيل "
ونظرت أمه إليه وهي تقول : " يا لها من مفاجأة . ولكنني لم أفهم تينا قط . فهي لم تكن أما حنونة . اتظن ان السنة الاخيرة قد أثرت عليها أكثر مما صرحت به ؟ " ووجهت هذا السؤال إلى زوجها وقد ساد وجهها شعور بالذنب .
فأجاب زوجها بجفاء : " لا أظن ذلك . ولكن تينا لا تصارح أحدا بشئ , أليس كذلك ؟ اظن مثل هذه الرحلة يحتاجها كل انسان . فهي تمنحنا فرصة للتفكير وتحليل الأمور " ونطق بجملته الأخيرة بعد نظرة طويلة إلى وجه ابنه العابس .
وعندما ابتعد وزوجته , عاد فنظر من فوق كتفه الى ابنه وفي عينيه نظرة متسائلة , ولكن هذا وضع اصبعه على فمه يطلب منه الصمت وهو يقول : " سأراك غدا يا أبي " وكانت الكلمات تبدو عادية , ولكن الأب اومأ برأسه ببطء . لقد تلقى الرسالة غير المعبرة التى وجهها اليه ابنه وفهمها.
وعندما اختفى والداه متجهين الى غرفتهما , توجه كين نحو جاني وهو يقول وقد تغيرت ملامح وجهه : " جاني ؟ إننى بحاجة إلى الحديث معك . لأن أكون مع إنسان طبيعى . هل تمانعين ؟ "
فأجابت : " كلا بالطبع " لقد مس قلبها الألم السافر البادي في عينيه .
وأمسك بذراعها متجها بها نحو مكتبه . حيث كانت النار تتوهج حمراء في ظلمة المكتب .
وقال : " لا يمكنك ان تتصوري مقدار إعجابي بك يا جاني " واهتزت مشاعرها تجاوبا مع العاطفة المتدفقة في صوته . وأدركت انها قد ضاعت . ضاعت فى دوامة محت من ذهنها كل ما هو عقلاني , ولم يبق سوى كين .
وفجأة , تراجع وهو يقول وقد تألقت عيناه بوهج نيران المدفأة : " إننى أريدك يا جاني ... هل تفهمين ؟ "
وادركت هي , في لحظة واحدة انه يمنحها الفرصة للاختيار . لقد كان رجلا ذا خبرة ومتمكنا من فهم مشاعر المرأة ومقدار تجاوبها . لماذا ؟ لماذا ؟ وفجأة وبدون سبب . شعرت بذعر هائل .
وتهالكت جالسة على الأريكة وهي تقول : "كين .. هذا الكلام ليس الآن وقته "
وتصلب جسده لحظة طويلة سادها التوتر , ليسير بعد ذلك , فيقف أمام النار التى ابتدأت فى الخمود , موليا إياها ظهره . وتنفست بعمق وهي تقول : " إننى أسفة .. فأنا لم أعد ادرك طبيعة مشاعري . وما الذى أريده حقا " وسكتت وهي تطلق آهة خافتة .
فأجاب وهو يستدير إليها ببطء : " لكننى أعلم تماما ما أريد " ولم تستطع أن ترى وجهه في الظلام وانما بدا مخيفا ضخم الحجم وهو يتابع قائلا : " أكثر من اي وقت آخر في حياتي "
ومرت فترة طويلة من الصمت العميق أخذت بعدها تفرك عينيها بعد أن شعرت برغبة قاهرة في البكاء وهمست مرة اخري : " إننى أسفة " وكان صوتها يرتجف رغم كل جهودها فى السيطرة عليه وهي تتابع قائلة : " لم يكن فى نيتى أن أدع الامور تفلت من أيدينا بهذا الشكل "
فقال بصوت خافت رقيق : " ولا أنا . ولكن عندما اكون بقربك , تجري الامور بهذا الشكل . أليس كذلك ؟"
كانت السخرية في صوته يشوبها شئ من الألم . وادركت هي بشئ من الاشمئزاز لشعورها ذاك , انها كانت تريده ان يشعر بنفس ما تشعر هي به في هذه اللحظة , كانت تريده أن يبطل كل اعتراض ومقاومة منها , وأن يؤكد صلتهما بالطريقة المعروفة منذ الأزل . وتوجهت وجنتاها من جراء هذه المشاعر المتناقضة التى كانت تتفاعل في نفسها والتى اشعرتها بالمذلة .
وسألته بصوت خافت : " هل ستأخذني إلي بيتي ؟ "
فأجاب على الفور بصوت دافئ ثابت : "نعم . إنما إذا وعدتني بتناول العشاء معي مساء الغد "
فسألته وقلبها يخفق بعنف : " ألا يمكن تأجيل ذلك إلى مساء الثلاثاء ؟ إن على أن أنظف شقتى وأغسل شعري وما أشبه ذلك "
فأجاب : " فليكن ذلك " وأرسلت الرجولة المتدفقة من صوته العميق الرعدة فى أوصالها .
وكان السائق قد سبق ووضع حقائبها في صندوق السيارة والتى كانت تنتظر بصبر , أمام المنزل فى ضوء البدر المكتمل الذي أحال لونها فضيا خالصا .
وصعد كين إلى مقعد القيادة بعد أن أجلسها فى المقعد الى جانبه . وتمتم ساخرا وهو يشعل المحرك : " إنها ليست مغرية كسيارة الجاكوار , ولكن لا بأس بها لهذه الليلة "
كانت تريد أن تأخذ الأمور بنفس البساطة التى يأخذها هو بها , كما يبدو . ولكن كان فى حلقها غصة خانقة كانت تمنعها من ذلك . لو لم يكن قد توق , لكان الآن شعورها مختلفا . و اغمضت عينيها بشدة لحظة . سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ , فهو فوق إداركها الآن . فإن قربه منها يمنعها من التفكير بشكل سليم .
وانسابت السيارة الكبيرة فى ضوء القمر الرائع , وقد بدت الشوارع خالية , تقريبا فى هذا الوقت من الليل . وعندما تذكرت مجيئها الى هنا منذ أربعة أيام , لم تكد تصدق السرعة التى استولي هو بها على عواطفها وأفكارها كليا . وكيف بدد كل معارضة وممانعة منها . هذا بينما هي ما زالت بعيدة حتى عن فهم السبب الذى جعله ينجذب إليها , وحتى عن إدارك حقيقته كإنسان . هل تراها وثقت بعقلها أم بقلبها حين تعلقت به . ولم تجد فى تلك الشوارع الخالية جوابا يشفى غليلها .
" ها قد وصلنا " قال ذلك وهو يوقف السيارة خارج المنزل . وحدقت به لحظة فى ذلك الضوء الباهت مستوعبة ملامحه الخشنة , وكل خط فى وجهه وكأنها لن تراه مرة أخرى . لقد قلب هذا الرجل حياتها رأسا على عقب فى خلال أيام قليلة , ولكن اشد الامور فظاعة هو أنها لم تكن تستطيع أن تتصور أنها قد لا تراه مرة أخرى أبدا .
وقال وهو يمد يده يلمس السلسلة المتدلية حول عنقها : " إننى مسرور لكونك تتحلين بها هذه الليلة . يبدو أن قوتها على تغيير الأمور لم تتغير "
منتدى ليلاس
فقالت : " لم أفهم " وحدقت به لحظة قبل أن تومئ برأسها قائلة بسرعة : " آه , أتعني تينا ؟ "
فأجاب بجفاء : " ليس تماما "
وفجأة , شعرت أنه من الأفضل أن تركز اهتمامها على زوجة أخيه , فسألته :" هل هي سترحل بعيدا ؟ وهل ستترك طفليها ؟ "
فتنهد بخشونة وهو ينظر إلى خارج النافذة قائلا : " نعم . لقد كان أبوها أكثر تفهما مما كنت ارجو . ويبدو انه يحبها رغم عيوبها ولكن دون أن يأخذ عنها فكرة حسنة . لقد كان يحب كايث وقد أوضح ذلك . واظن انه كان ليده فكرة صائبة عن كيفية تسيير الأمور . فقد خطط لرحلة تستغرق عاما أو اكثر . واثناء ذلك سنقوم نحن بالإجراءات القانونية فى الوقت المناسب بالنسبة للطفلين . ذلك أن تينا لم يكن لديها قط وقت لأجل طفليها . فهي بالكاد تستطيع احتمالهما بجانبها أحيانا . وأمي هي الأم المناسبة لهما "
فسألته بحيرة : " وهل ستوافق تينا على هذا ؟ إنهما ولديها "
فأجاب بصوت خشن يملؤه الألم : " عندما تلد سمكة القرش أولادها , تكون هذه الأولاد فى اكياس خاصة بها ومعلقة بحبل فى داخلها , تماما كالإنسان , ولكن ما أن تصبح فى الخارج حتى تنطلق فى مياه البحر لتعيش بمفردها . أعنى بمفردها تماما وليس للأم أية علاقة بها بعد ذلك . وفي أحيان نادرة الحدوث تولد سمكة قرش بشكل امرأة , مثل تينا تلك " ونظر إليها متنهدا وهو يتابع قوله : " لا شئ فى هذه المرأة طبيعيا , على كل حال يا جاني . لقد أهملت طفليها . تجاهلتهما منذ ولادتهما . وقد جعل هذا كايث يشعر بالجنون إلى أن اضطر لقبوله . اخيرا ككل شئ آخر . وهكذا أصبح لهما بمثابة الأب والأم . وطبعا كانت أمي تساعده فى ذلك "
فسألته : " وكيف مات ، يا كين ؟ " وما كان لها ان تفكر ، قبل الآن ، فى إلقاء هذا السؤال ، ولكن الوقت الآن قد اختلف .
فأجابها بإختصار : " بحادث سيارة . لقد كانت ظروف الحادث غريبة . فقد اصطدم بجدار من القرميد رأسا دون اى دليل على انحراف فى العجلة او ما أشبه . ولكن الوقت كان منتصف الليل والشارع خاليا ولا شهود هناك " وهز كتفيه وهو يتابع : " وكان الأفضل أن نجعل أمر تعتقد أن الأمر كان مجرد حادث سيارة . "
فسألته بفزع : " أتعنى أن الأمر كان انتحارا ؟ "
فأومأ برأسه ببطء وهويقول : " لقد أحالته تينا إلى رجل من النوع الذى كان يكرهه ، يا جانى . لقد اضطرته إلى القيام بأمور ، وقول أشياء لم تكن من طبيعته ، فآلمت روحه وأثقلت ضميره ، وذلك لكى يرضيها ، ولكنها لم تكن لترضى عنه وكان هوضعيفا ، وكان يدرك فى نفسه ذلك ، وفى النهاية ، دفع الثمن . " والتفت إليها فجأة يسألها : " هل أنت متأكدة أن بامكانك التوقف عن رؤيتى ليومين كاملين ؟ "
وقبلت هى تغيير موضوع الحديث دون تعليق . فقد كان الحديث عن أبيها ، ولو بعد زمن طويل ، كان أحيانا يسبب لها غاية الألم ، وخاصة فى الأيام الأولى التى تلت فقده ، عندما كان شعورها بالمرارة يدفعها ، فعلا ، إلى الغثيان . فلا عجب إذا كان يكره تينا والحديث عنها إلى هذا الحد .
وأجابته بصوت خافت وهى تفتح باب السيارة لتخرج إلى الليل القارس : " سأحاول " كانت تخشى ان هى بقيت دقيقة أخرى ،أن تطلب منه إعادتها معه إلى بيته .
وتمتم وهو يتبعها إلى الباب الخارجى : " يا لك من فتاة حمقاء ... افتحى الباب . "
وعندما تبعها إلى الردهة الصغيرة ، قالت له : " لا حاجة بك إلى الدخول "
فأجاب : " لقد غبت عن البيت أربعة أيام ، وكان المنزل خاليا . فأنا سأطمئن عليك أولا ، ثم أخرج ، إلا إذا طلبت منى البقاء لشرب فنجان قهوة . " وبان المكر فى عينيه وهو يقول ذلك .
وعندما خرج أخيرا ، كانت تشعر بأعصابها متوترة وذهنها مشوشا إلى درجة لم تعرفها فى حياتها . وكان شعورها بالارتياح وهى تسمع خطواته تبتعد وهو يغادر الشقة لا يوازيه سوى شعورها بالأسف لرحيله .
وكانت شقتها كصندوق الثلج . وعندما استلقت فى فراشها ، وهى ترتجف من البرد ، افتقدت وجود الهرين ، كوزموس وجونيبر ، بجسميهما الدافئين ، أكثر مما كانت تظن .
نهاية الفصل الثامن

سفيرة الاحزان 13-09-10 09:22 AM

الفصل التاسع


وأثبت العمل فى اليوم التالى أنه كارثة فى أعلى المستويات، فقد أخذت جانى ترتكب الأخطاء فى العمل مرة بعد مرة. وفى آخر النهار أدركت أن ظن جو أنها مازالت تعانى من الأنفلونزا، هو وحده الذى منعه من الخروج عليها بنيران البنادق.

وعندما وضعت عليها معطفها، فى تلك الليلة قال لها جو بهدوء وهو ينظر الى آخر تقرير ملئ بالأخطاء قدمته اليه: ((يمكنك أن تأخذى عطلة يومين، يا جانى، فأنت لم تعودى الى طبيعتك بعد .))

وأومأت هى بالايجاب صامتة، وهى تتناول حقيبتها من على الأرض، مفكرة فى أنها لن تعود أبدا الى طبيعتها مرة أخرى. حتى أنها لم تعود تعرف ماهى طبيعتها أصلا . وأجابته باختصار: (( شكرا يا جو.)) وحيته بيدها باختصار وهى تخرج، قائلة: ((اننى آسفة لما أحدثته من فوضى وأخطاء فى العمل، هذا النهار.))

وعندما أصبحت فى بيتها، أشعلت مدفأة الغاز الصغيرة فى غرفة جلوسها الصغيرة الحجم، وصنعت لنفسها فنجانا من الشاي وخبزا محمصا، ثم جلست تأكل وهى تدفئ قدميها أمام المدفأة، بعدما غسلت شعرها ونظفت شقتها الصغيرة كليا. ولكن قدرتها المهتزة، وارتجاف يديها، والغثيان الذى تشعر به، كل ذلك بقى كما كان، لم يتغير، وهى لن ترى كين قبل الغد.

وبعد أن جلست تقلب فى محطات التلفزيون بضيق، حدثت نفسها بأن عليها أن تجد شيئا تشغل به نفسها، وخطر ببالها أوراق أبيها. وتشبثت بهذه الفكرة. ان اصرار كين بأن يعيد اليها مستحقات أبيها من المال ، جعلها تفكر فى ضرورة اعادة فحصها للناحية المالية فى مسألة أبيها. بعد اذ شعرت بعدم الارتياح لفكرة قبول أي شئ منه. وعلى ضوء تطور الأمور بينهما، بدا لها أن عطاء منه لها قد يبدو تكرما منه عليها ما لم تكن تقبله بأي حال .
منتدى ليلاس
هل تراها تشعر بقوة كافية لاخراج ذلك الصندوق الذى يحوى أوراق أبيها بكل ما تحفل به من ذكريات مؤلمة لأحزان أبيها وكربه، ويأسها هى؟ وجلست على السجادة أمام التلفزيون وهى تفكر فى كل ذلك. والغريب أنها أجابت نفسها أنها تستطيع ذلك. ولأول مرة منذ سنتين تشعر بنوع من السكينة يستقر فى أعماقها ليغطى الألم والأسى بتقبل بطئ لما ليس بامكانها تغييره. عليها ان تنتهى من هذا كله، ان تخرج من هذه القضية، أن تثق بما يوحى به اليها قلبه. لقد اتجهت بها المرارة التى بقيت تعانى منها شهورا طويلة نحو رجل فظ، دكتاتور متسلط قادر على التصرف بقسوة بالغة، ولكن الآن...لقد عرفت حقيقة كين وأحبته.

كم أستمر بها الوقت، فى جلوسها ذاك فى غرفة جلوسها الصغيرة تستوعب المعلومات التى أخذت تحاربه طيلة أيام، هذا لم تدركه، ولكنها عندما وقفت فى النهاية وأحضرت صندوق الأوراق، كان ارتياحها قد أصبح حقيقة واقعة. انها لا تعرف ماذا يخبئ لها المستقبل، فهو لم يذكر لها بعد كلمة واحدة عن الحب، كما أن عالمه هو غير عالمها، ولكنها رغم هذا كله ، تريد ان تبقى معه بقدر ما يريدها ان تبقى.ان الألم الصارخ الذى شعر به لموت أخيه، عطفه وتفهمه لقضية كولينز، صديقه الحميم ولأبيه معا، اهتمامه بأمه، حبه لأولاد أخيه... كل هذا يخبرها أنه ليس بالرجل الذى يسلب بكل قسوة رجل متوسط السن العمل الذى يعيش منه، ثم يبتعد دون أن ينظر الى الخلف. انها تعتقد هذا. ان عليها أن تصدقه.

وأخذت تعود بأفكارها الى الأيام القليلة الأخيرة وهى تدفع بشعرها الى الخلف. ان الرقة والحنان اللذين لمستهما منه، كان كل ما تطلبه فى الرجل. كانت قوته لا تنحصر فى الفظاظة والبرود كما يتوهم أكثر الرجال أنها القوة، ولكنها من النوع الذى يمكنها من اجتياز أي وضع، وأية ظروف معه عالمة بأن فى امكانه أن يحميها ولو على حساب سلامته. كما أنها لم تعد تشك فى نزاهته بعد الآن، ولن تشك أبدا .

وتنفست بعمق فى تلك الغرفة الساكنة. كان يريد قلبها وروحها و كل كيانها. ولقد عرفت هى هذا. ولكن، أين ستصبح عندما ينتهى هذا كله؟ هذا اذا انتهى؟ وكيف ستواجه هى عواقب هذا بقية حياتها؟

وعادت الى ذهنها كلمات سبق وقالها لها، وكأنه معها الآن فى الغرفة: ((سيكون عليك، عاجلا أم آجلا، أن تتمسكى ببعض الفرص التى ستسنح لك فى حياتك، فلماذا لا تبدأين الآن، معى ؟))نعم، لم لا يا كين؟ حدثته بذلك فى صمت وهى تنظر حولها فى الغرفة الخالية. انها لن تخاف المجهول بعد الآن، بل ستواجهه معه برأس مرفوع، وربما...وهزت رأسها ببطء...ربما سينمو شعوره نحوها الى أن يصبح حبا حقيقيا.

وبعد أن نفضت عن الأوراق عنكبوتا ضخمة ميتة، وكثيرا من غزل العنكبوت، أفرغت الأوراق كلها على السجادة، ومن ثم ابتدأت تنظمها حسب تواريخها. وكانت كومة الأوراق تثبط الهمة، ولكن كان عندها المساء كله. ثم جلست وابتدأت تقرأ الأوراق بالتتابع، وهى تكتب ملاحظة عن كل ما تقرأه.
كان أبوها يكافح حقا. لقد أغرقت بعض الأوراق بدموعها عندما وصلت فى قراءتها الى النصف، انه لم يتسول، ولم يهدد بل كان دمثا مؤدبا على الدوام. ولكن الذئب أبرز أنيابه ليغرزها فى ما يملك.

وبعد عدة أكواب من القهوة السوداء، كان مايزال أمامها عدة أوراق. ونظرت الى ورقة الملاحظات، وتنهدت. كان التعويض المالى الذى قدمه كين اليها معتبرا. فهل كان يعلم؟ وهزت رأسها ببطء. ان باستطاعته دفعه طبعا، ولكنها لم تشأ أن تأخذ نقوده. لقد بدا لها فى هذا الرأى شيئا من الانصاف رغم أنه كان بعيدا عن المنطق.

وألقت نظرة على ساعتها لتجد أنها الواحدة صباحا. فصممت على المرور بسرعة على الأوراق القليلة الباقية قبل أن تذهب الى فراشها. شعرت أن بامكانها الآن ان تنام. ولكن الورقة قبل الأخيرة هى التى جعلت رأسها يدور فى الظلام. وهى ورقة لم تكن قد لاحظتها من قبل. وتصفحتها فى البداية بسرعة، ثم عادت تقرأها ببطء وامعان وقلبها يخفق بعنف. وشعرت بأنها على شفا الموت، ثم للمرة الثالثة حتى انطبعت الكلمات فى ذهنها بأحرف من نار. كانت الأحرف المطبوعة بها من الأحرف المائلة الأنيقة الرائعة الجمال والتى توحى بالقوة والثراء.

عزيزى السيد غوردون

من المؤلم، على الدوام، أن تضع وقتا محددا لمعاملة حساسة كمعاملتنا، ولكننى أشعر بأن مؤسسة ستيل لم تعد تقبل أى تأخير. ان تأخيرك هذا قد أفقدك حتى الآن ، مبلغا ماليا معتبرا و أنا أشعر بأن المبلغ الذى نقدمه لك هو مبلغ السخاء بالنسبة الى الظروف اليائسة التى تجد نفسك فيها حاليا. فاذا أنت لم تقبل شروطنا وعرضنا هذا لاستلام مصنعك، فى خلال ثمانى وأربعون ساعة، فان مؤسسة ستيل ستنسحب من الموضوع، وان معلوماتنا عن صعوبة وضعك المالى تجعلنا نعتقد أن وضعك سيصبح فى خطر. ولاشك أن الملاحظات أمام القضاء هى تجربة فيها اذلال لاسم الأسرة على الدوام. وأريدك أن تضع هذا فى اعتبارك عندما تصمم على القرار.

وتلا ذلك، النتيحة العادية لمثل هذه الرسالة القانونية، ولكن التوقيع الذى كان فى أسفل الرسالة هو الذي أحدث فى قلبها كل هذا الألم . (ك.ستيل) وتحته (رئيس ومدير ادارى).
__________________


هكذا اذن. ورفعت رأسها تنظر الى الجدار المقابل بعينين لا تريان. انه كان يعلم. كان يعلم! حتى لو لم يكن مشاركا فى ذلك الضغط المريع الذي أنزل الثمن الى ثلث المبلغ المعروض فى الأصل، وذلك فى مدى الأشهر التى مرت، وكان أبوها فى أثناءها صامدا أمام الضغوط. ثم رشوا أو أرغموا البنوك والمؤسسات الأخرى لكى يسحبوا البساط من تحت قدميه المرتجفتينز حتى و لم يكن كين قد حرض على ذلك، فان هذه الرسالة تثبت أنه فى النهاية، قد وافق على تصرف موظفيه. وهو ما كان ليضع توقيعه أسفل رسالة كهذه دون أن يكون على علم بكل تفاصيل القضية. فليس هو، ليس كين ستيل من يفعل ذلك.

ولم تبك جانى. فقد جهزت نفسها للنوم بحركة آلية، ثم استلقت فى سريرها وعيناها مفتوحتان حتى انتشر ضوء الفجر فى غرفتها ليبدأ يوم جديد. وشعرت بجسمها مشلولا...لقد مات شئ فى أعماقها...انتهى...انها لاشئ الآن. كيف أمكنها أن تكون بمثل هذا الغباء؟ كيف؟

ولم تستطع أن تذهب الى العمل. لم تستطع أن تقوم بأى عمل مطلقا...ومر اليوم ساعة بعد ساعة ودقيقة بعد دقيقة. وأغمضت عينيها بشدة اذ، لثانية واحدة، اندفع الألم الحارق يبرد الثلج الذي غمر قلبها. عليها الا تفكر بشئ الآن أبدا. وحملقت فى الظلام الذى ابتدأ يتسلل الى غرفتها ببطء. انه سيكون هنا بعد ساعة، وبعد ذلك...وانتابتها قشعريرة باردة.

وعندما قرع الباب، مشت تفتحه ببطء كامرأة عجوز. وما أن وقعت عيناه على وجهها الشاحب، حتى تلاشت الابتسامة العريضة عن وجهه. وسألها بعد أن ألقى جانبا باقة الورود التى أحضرها معه، وتبعها الى الداخل ، سألها بعجب: ((ما هذا؟ ما الذى جرى؟))

فأجابت: (( لقد وجدت رسالة.)) وبدا صوتها الذى خرج من خلال الغصة التى كادت أن تخنقها، بدا طبيعيا تقريبا، ووجدت هى ذلك غريبا بعد أن شعرت فى اللحظة التى وقعت عيناها عليه بهزة عنيفة. وقد شعرت للحظة واحدة بما يشبه الاغماء. انما الآن ، ولأول مرة منذ وجدت الرسالة أخذ الغضب الوحشى يضطرم فى أعماقها مانحا لأعضائها قوة مفاجئة جعلها لا تستطيع تنظر اليه دون أن تنهار.
منتدى ليلاس
وسألها بوجه جامد: (( رسالة؟ ما نوع هذه الرسالة يا جانى ؟))

وعندما تقدم منها، تراجعت الى الخلف بحدة وهى تقول بعنف: (( هل لك أن تقرأ الرسالة؟ أظن أن من الأفضل أن تفعل ذلك.))

ووقف دون حراك وهى تسير نحو الصندوق الموضوع فى زاوية الغرفة لتخرج منه رسالة تقدمها اليه قائلة: ((ها هى.))

وأخذها منها، حذرا من أن يمس يدها، ثم ألقى نظرة شاملة على الصفحة، وسرعان ما توترت ملامحه.

وقالت بصوت حاد مرتفع: ((حسنا؟)) وتنفست بعنق ثم عادت تقول: (( أهذا هو توقيعك ؟))

فأجاب: ((يمكننى أن أشرح لك هذا الأمر، يا جانى .)) ونظر اليها، فرأت فى عينيه تعاسة انعكست فجأة فى عينيها.

واندفعت تقول بثورة مفاجئة شعرت معها بالرغبة فى القاء نفسها عليه وتمزيق وجهه بأظافرها: (( كيف تكذب علي بهذا الشكل، يا كين؟ كيف أمكنك أن تدعى البراءة بينما طوال الوقت....))

فقاطعها وهو يتقدم نحوها خطوة أخرى: (( لقد كنت ...)) ولكنها تراجعت مبتعدة عنه وقد التهبت وجنتاها وتابع هو قائلا: ((استمعى الي من فضلك.))

فانفجرت قائلة: (( لا تلمسنى يا كين، سأقتلك اذا أنت لمستنى.))

فقال: (( استمعى الي يا جانى. ))

فصرخت قائلة: (( لا أريد أن استمع اليك بعد الآن.)) كان غضبها عنيفا جعلها ترى أمامه كمثل ضباب أحمر وهى تتابع صراخها: (( لا أريد أن اسمع أكاذيب أخرى، هل تسمعنى؟))

فأجاب بغضب وقد أحمرت وجنتاه: (( أظن البناية كلها تسمعك. اننى أقدر مشاعرك نحو كل هذا، ولكن هناك سببا وجيها لهذا، اذا استمعت الي وقتا كافيا...))

فقاطعته: (( اننى أكرهك. اننى أكرهك.)) وعندما هاجمته استعمل كل قوته ليمسك بها على مدى ذراعيه بينما كانت هي تقاتله و ترفسه بذراعيها وساقيها، وقد منحها الغضب المر الذى أكتسح جسدها قوة بشرية مضاعفة. و بعد دقائق طويلة، انهارت على السجادة .

ووقف ينظر اليها وقد أظلمت عيناه واكتسح وجهه العبوس و هو يقول: ((هل ستستمعين الي الآن؟ امنحينى فرصة أوضح لك فيها الأمر.))

فقالت ببطء: (( لقد سبق و استمعت اليك بما فيه الكفاية. ولا عجب أن تعرض علي مالا... لقد فهمت الآن كل شئ. وعندما أفكر كيف ساورنى شعور بالذنب بالنسبة لقبول أى شئ منك... حسنا، اننى لا أريد نقودا منك، يا كين ستيل. لا أريد منك أى شئ.))

وارتفع صوتها بالصراخ مرة أخرى. وهز هو رأسه ببطء و قد اكمد وجهه، ثم قال بهدوء: ((لا يمكننى التحدث اليك و أنت بهذه الحال ، والآن اهداى.))

فانفجرت قائلة: (( أهدأ.)) لقد كان فى هذه الكلمة وقودا جديدا للنار التى فى جوفها، وتابعت صراخها: (( كيف تجرؤعلى أن تقول هذا؟ انك كاذب مخادع و قد فهمت السبب فى اهتزاز عقل تينا ما دام لها صلة بأسرتك منذ وقت طويل.)) كان هذا كلاما خطرا و كانت هى تعرف ذلك، ما جعلها تندم على التفوه بتلك الكلمات القاسية المغيظة حالما نطقت بها، ولكنها حدقت فيه بتمرد، لا تريد أن تطهر أى ضعف.

فقال ببرود وقد استحالت عيناه الى قطعتين من الفولاذ وهو يسير متجها نحو الباب: (( ان ما تقولينه لا يفيد أيا منا. وسأعود عندما تتمكنين من السيطرة على أعصابك.))

فقالت: (( لاتكلف نفسك عناء ذلك.)) وتوقف هو وقد تصلب جسمه وهى تقذفه بهذه الكلمات، ثم عاد يتابع سيره نحو الباب الأمامى.

وقبل أن يغلق الباب وراءه، قال لها بصوت بارد كالثلج: (( ربما لن أفعل ذلك.))

هل تراه ذهب ؟ ورفعت رأسها ثم زحفت نحو الكرسى المريح أمام المدفأة و رأسها يدور. هل ذهب حقا؟ حسنا، انها مسرورة لذلك. مسرورة ! فهى لا تريد أن تراه مرة أخرى فى حياتها.

و فوجئت بانهمار دموعها بغزارة . وعندما ابتدأت بالبكاء ، وجدت أن من الصعب عليها التوقف . و في كل مرة كانت تظن فيها أنها تمكنت من السيطرة علي نفسها ، كانت الدموع تنهمر من عينيها من جديد . وفي النهاية ، تكورت في سريرها مصطحبة معها فنجاناً من الكاكاو و قربة ماء ساخن ، حيث استلقت في الظلام و قد تملكها الارهاق .

لم تكن تتوقع أن تنام . و لكن الليلة السابقة التي لم يغمض لها فيها جفن ، و الإنفعالات الحادة و ثورة المشاعر التي انتابتها في الأربع وعشرين ساعة الماضية ، كل ذلك جعلها ترتمي في سبات عميق لتفتح عينيها وقد غمرت الغرفة أشعة الشمس التي كانت تتسلل من بين الستائر ، و بقيت مستلقية لحظة ، غافية في دفء الأغطية ، متسائلة عن ذلك الظل الأسود الذي غشي ذهنها ، ثم تذكرت كل شئ .

و عكست لها مراة الحمام وجهاً شاحباً ملطخاً ، وعينين منتفختين جعلتاها تشعر و كأنها تنظر إلي العالم من خلال شقين . و بعد " دوش " دافيء طويل ، شعرت بالتحسن قليلاً . ولكن ، لوقت قصير ، إذ أنها ، وهى تعد فطورها ، ابتدأت دموعها تتدفق من جديد .

و قالت بصوت عال تحدث نفسها في تلك الغرفة الخالية ، تمالكى نفسك ، يا جاني ، لا يمكنك أن تستمري علي هذا الشكل .. إن منظرك غاية في الفوضي … و كان هذا النهار أسوأ من النهار السابق . فقد كانت نهار أمس ، علي الأقل ، في انتظار و لكنها تجد دموعها تعاود التدفق كل عدة دقائق دون أن تستطيع السيطرة عليها و هذا ما أفزعها . إنه لم تشعر بمثل هذا قط في حياتها . حتي عند وفاة والدها ، حين ظنت ، في ذلك الحين ، أنها قد وصلت إلي حافة القبر .

و فكرت ، فيما بعد ، وهى تخرج للتمشي في ذلك الجو القارس ، في أنها تكرهه ، تمقته ، وكانت تتفرج ، دون هدف ، علي واجهات الحوانيت و علي الناس التي تسرع الخطي في الشوارع كعادة سكان لندن ، دون أن ينتبهوا إلي ثمة إنسانا في غاية الألم يسير بينهم . فلماذا ، إذا كانت تشعر بذلك قد أحبته إلي هذا الحد ؟ و جعلها هذا الخاطر تتسمر في وسط الشارع ، كلا ، ليس هذا صحيحاً … ليس هذا صحيحاً . و لكنها كانت تعرف جيداً أن هذا صحيح . فهي قد احبته دون أمل ، وتغيير مشاعرها هو شيء ليس بيدها .

و اتجهت في سيرها نحو إحدى حدائق لندن الصغيرة المحاطة " بالدرابزين " حيث جلست علي المقعد الخشبى المبلل و هي تنظر إلي بساط العشب الأخضر بعينين لا تريان . إنها لم تستمع إليه . لم تسمح له حتي بإبداي عذر ما .. هل من الممكن أن يكون ثمة تفسير لكل هذا ؟ وهزت رأسها ببطء . ثمة شيء واحد ، وهي أنها لا تستطيع أن تعيش املة بشيء أخر . ربما قد سبق و ندم بمرارة علي ما فعل . ربما قد دفن ذلك العمل الشائن بحيث لم يعد بمقدوره إخراجه إلي العلن … و مضي وقت طويل و هي علي هذه الحال ، زجرت نفسهاه بعد ذلك بغضب ، لهذا العبث . لقد كان يعلم ما يفعل . ولكنها لم تستمع إليه . و إذا هو عاد ، فهي ستستمع إليه ، و لو لتتخلص من الأوهام . و لكنها خسرته ، و مهما كان السبب ، فقد خسرته … و ادركت فجأة ، أنها ، بخسارتها كين ، قد ذهب كل ما كانت تتوقعه من المستقبل . الزواج ،
__________________
الأطفال ، أسرة خاصة بها يشاركها فيها رجل تحبه . و لكنه هدم كل ذلك منذ أول يوم تقابلا فيه ، ذلك لان الزواج لم يكن أبداً من مقرراته حتي و لو لم تقع هذه القنبلة . وبعد أن عرفته هي ، لم يعد بغمكان رجل سواه أن يحتل مكانته عندها .

كانت قد فرغت لتوها ، من إلقاء وجبة الطعام في القمامة ، و التي طبختها دون أن تمسها . عندما سمعت قرعاً علي بابها ، فعلمت أنه هو .

و فتحت الباب ببطء ورفعت أنظارها لتراه واقفاً أمامها ينظر إليها بهدوء : ( هل أستطيع الدخول ؟ ) فوقفت جانباً دون أن تتكلم . ثم عادت تدخل شقتها و هي تسمعه يغلق الباب خلفه و هو يتبعها إلي داخل غرفة الجلوس الصغيرة ، وسألها بلطف و هي تجلس علي الكرسي و عيناها مسمرتان علي وجهه ، سألها قائلاً: ( إذا ابتدأت بالكلام ، بالشرح ، فهل تعدينني بعدم التفوه بكلة حتي أنتهي ؟ )

فأجابت و هي تشير بيدها إلي كرسي أخر : ( لا بأس . )

و لكنه هز رأسه ببطء بينما الخطوط الفضية في صدغيه تلمعان في نور المصباح ، مسببة لها ألماً عنيفاً في صدرها . يجب أن لا تبكي الان . يجب أن لا تبكي . و حدثت نفسها ثائرة ، بأن عليها أن تسيطر علي مشاعرها ، إذ ربما ستكون هذه أخر مرة تراه فيها في حياتها ، و يجب أن تنتهي بشيء من الكرامة ، كان كين متوتراً و هو يذرع أرجاء الغرفة واضعا يديه في جيبي بنطاله و قد انحني جسده الكبير و كأنه يعاني ألما دفيناص ، ثم قال : ( إن التوقيع " ك ، ستيل " الذى في أسفل الرسالة هو صحيح . ) و القي عليها نظرة خاطفة ، و قابلت هي نظرته بثبات مع أن كيانها كله كان يصرخ احتجاجاً علي ما يقول ، و عاد هو يقول : ( و لكنه كان كايث ستيل ، يا جاني ، و ليس كين . ) ووجدت جاني نفسها غير قادرة علي استيعاب ما يقول . فقد كانت تستمع بجهد من خلال النبض الذي يعلو في أذنيها .

و تابع يقول : ( منذ سنتين ، دخل أخي معنا في الشركة لرعاية أعمالي لمدة سنة تقريباً ، وقد سلمته أنا السلطة الكاملة في كل النواحي . كنت أعلم أن باستطاعتى الثقة به ، فقد كان يحبني بقدر ما أحبه ، وكان هو الشخص الوحيد ، في ذلك الوقت ، الذى كنت أثق فيه و الذي كان يعرف كل تفاصيل العمل . و كان في ذلك الحين ، يعيش مع تينا حياة قاسية ، وربما كان ذلك الوقت أسوأ وقت لعمل كهذا . و لكنه كان ضرورياً و قد أصر هو علي ذلك . )
منتدى ليلاس
و توقف عن المسير لينظر إليها مباشرة ، وهو يستطرد قائلاً : ( و في الوقت الذى أنا فيه السلطة مرة أخري ، كانت قضايا أخري في المقدمة ، أما مصنع أبيك فقد كان مجرد إسم في القائمة التي تسلمتها و التي تشير إلي الإنجازات الجديدة . أيمكنك تصديق ذلك ؟ ) فأومأت برأسها و قد أخرسها ما تسمع ، و هي تتنفس بارتياح و قد اجتاحتها موجة من البهجة التي شعرت بها بعد هذا الإيضاح .

و تابع هو : ( عندما قابلتك في تلك الليلة الأولي ، لم إعرف في البداية ، بما أفكر ، و عما إذا كنت إداة في يد أحد المنافسين لي عديمي الأخلاق . و ذلك لتشويه سمعتي ، أم أنك تتصرفين لمصلحتك الخاصة لهدف أسوأ ، وحتي لو كان هناك ذرة من الحقيقة في اتهامك المحير ذاك . و قد ثارت ثائرتي و جن جنونى . لقد فكرت في الانتقام و نويت ذلك . و لكن ، منذ اللحظة التي بكيت فيها ، عرفت أنك ، علي الأقل ، مؤمنة بعدالة قضيتك ، وكان في ذلك ، أول بذرة من الشك تنغرس في نفسي ، و قدحققت تحرياتي أسوأ مخاوفي . لقد أحببت أخي يا جاني . )كان في صوته شيء من الارتباك تقريباً . و عندما شرعت بالنهوض لتتقدم نحوه ، أشار إليها بيده لكي تبقي جالسة ، و قدتوترت ملامحه فجاة ، وهو يقول : ( كلا ، إنني لم أنته من حديثي بعد . إنني لم أشأ لك أن تعلمي أن أخى كايث هو الذي دمر عملك أبيك و حياته .. أولا ًلأنه أخي الذي أحبه ، و ثانياً لأنه ما كان ليفعل مثل هذه الأشياء لو لم تدفعه تانيا إلي حد أصبحت معه كل حياته موقوفة لمحاولة اثبات نفسه ، قاسياً عنيفاً ، مليئاً بالحيوية أو ما شئت سميه ، و ثالثاً لأن ...) و سكت فجأة ثم أستدار من أمامها و سار نحو النافذة الضيقة حيث نظر من خلالها إلي الشارع البارد محدقاص في الظلام و قد أولاها ظهره ، ثن استطرد قائلاً : ( لأنني وقعت في حبك منذ أول ليلة ، فكنت أخشي ، إذا علمت أنت أن أسرتي مسؤؤلة عن تدمير أسرتك ، فلن يكون أمامنا فرصة ،بعد ذلك ، أبداً . و عندما اخبرتك أن كايث قد انتحر ، كانت نيتي أن أكمل لك القصة و أخبرك أن ذلك كان بسبب أخطاء أقترفها مثل تلك التي مع أبيك . و لكنني لم أستطع ، شعرت و كأنني أقتل كل ما بقي لي من أخي الأصغر و أخونه . لا يمكنني أن أفسر ذلك ، ثم أنه كان ذنبي أنا ، جزئيا كذلك . )

فقالت و هى تسير إليه ، ثم تنظر في وجهه : ( ذنبك ؟ ) و رأت العينين الزرقاوين ممتلئتين بدموع لا تسيل .

و همست : ( كين . ) و لكنه أوقفها بسرعة ، مبعدأً إياها برقة ، و لكن بثبات ، ثم مشي إلي الطرف الاخر من الغرفة و كأنه يريد أن يترك مسافة بينهما ، وهو يقول : ( إنني لك أكمل حديثي بعد ، يا جاني . ) فحدقت به بعينين مستعتين من الخوف ، بينما كان يتابع كلامه قائلاً : ( نعم ، لقد كان ذنبي أنا ، جزئياً ، فأنا أولاً قد قدمت كايث إلي تينا . لقد كنت أعلم أنها تزوجته لأنها كانت تعتقد بطريقة مريضة ملتوية ، أنها تحبني ، ولكن ، لم يكن في أمكاني أن أخبره بذلك .)

و طفحت عيناه بالألم و هو يستطرد : ( إنني فقط ، لم أستطع . ظننت أنها ستحبه فيما بعد ، بعد أن تعرف أي نوع من الرجال هو . ولكن ، عند ذلك ، كان الأوان قد فات تماماً . إنني لم أخبره لانني لم أستطع أن أفقد حبه ، وكان ذلك خطأ مني سيعذبني بقية حياتي . )

فسألته برقة : ( ولكن ، كيف كان بإمكانك أن تعلم ؟ كيف لأي أنسان طبيعي أن يتصور عقلاً كعقل تينا ؟ أنها مريضة يا كين . مريضة حقاً . )

فسألها فجأة و قد بان اليأس في عينيه : ( جاتي ، هل أنا مخطئ في تصوراتي ؟ أريد أن أعلم الحقيقة . هل بدأت تهتمين بأمرى ؟ )

فأجابت برقة : ( نعم ، إن أمرك يهمني جداً يا كين ، أكثر مما ... )

فقال : ( ثمة شيء أخر يجب أن تعرفيه . ) وبدت منه إشارة وحشية جعلتها تنكمش في مكانها و قد تسارعت دقات قلبها ، بينما استطرد هو قائلاً : ( إن السبب الذى جعل كايث يستلم مني العمل ، كان مساعدتي . ) وحدق فيها بألم و هو يتابع : ( إنه لم ينجح في عمله لأنه كان بالغ الطيبة والرقة و هذا ما كانت تينا تعيره به علي الدوام . كان يجي علي أنا أن أدرك أنه سيحاول ان يبالغ في التعويض عن ذلك ، ولكنها كانت مراهنة منى جعلتنا جميعاً خاسرين . والعذر الوحيد لي هو أنني كنت من شدة المرض بحيث ما كان يمكنني أن أقيم الأمور بشكل صحيح . )

( المرض ؟ ) و حدقت فيه بحيرة هل يمرض كين ؟ هذا الرجل القوي الكبير الحجم و الذى لا يقهر ؟ غيره يمكن أن يمرض ، أما هو ...

و قال بوجه خال من التعبير عدا عينيه اللتين تعبران عن تلك المحادثة المخيفة : ( لقد أصبت في حادث تزلق علي الثلج تركني مشلولاً . وكان ثمة عملية يمكنني اجراؤها نسبة نجاحها خمسون في المائة . وفي حالة نجاحها علي أن أستمر في العلاج الطبيعي لسنوات و أن أعاني من بعض الألم طيلة حياتي

و هتفت : ( كين ... ) و كانت ساقاها ترتجفان بعنف .. وتهالكت علي الكرسي ، وتذكرت هذه الخطوط العميقة في وجهه ، عدم الاتزان في مشيته الذى سبق و لاحظته بين وقت و أخر ...
منتدى ليلاس
و عاد يقول : ( إن ثمة أثراً مريعاً لجرح العملية في ظهري ، يا جاني . فإذا كنت تنفرين من منظر كهذا ، فهذا هو الوقت الملائم لكي تخبريني . ) وكان يقول هذا و عيناه تحدقان في وجهها الشاحب ، ثم تابع : ( و لكن ، قبل أن تفعلي ذلك ، دعيني أخبرك بشيء . تلك الحياة الصاخبة المجنونة التي كنت أعيشها ... قد همدت عندما كان علي أن أستلقي علي سرير المستشفي أياماً و أسابيع دون حراك . و كان علي أن أواجه حقيقة أنني حتى ذلك الحين ن قد عشت حياتي الخاصة بشكل فوضوي كامل . فقد كنت غنياًَ و ناجحاً أحيل كل شيء ألمسه إلي ذهب ، ولكنني ، في النهاية ، لم أحقق أي شيء يجعل للحياة معني . أتعرفين هذا الشعور ؟ لقد رجعت بأفكار إلي جميع النساء اللاتي عرفتهن ، فلم أجد بينهن واحدة يمكنني أن أنتظر منها قضاء أسبوع واحد معي ، و لا أقول الحياة كلها . وأدركت عند ذاك ، أنني بحاجة إلي امرأة نكون لي بكل ما في ذلك من معني ، و أنني كنت أحتاج مثل تلك المرأة علي الدوام ، دون علم مني ، إلي أن حدث ذات ليلة ، منذ أربعة أسابيع ، أن جاءت فتاة سمراء بعينين بنيتين ملتهبتين لتتهمني بقتل أبيها و تصفعنى أمام نصف العالم . )

( كين .. ) و مازالت لا تستطيع الحراك . كان هذا كثيراً . لقد حصلت علي السعادة كلها ، فكان كثيراً عليها . وتابع هو قائلاً : ( ومن السخرية أن الفتاة التي وقعت في حبها تلك الليلة ، كانت تكره الأرض التي أمشي عليها . وكانت هناك العقبات أكثر مما كنت استطيع معالجتها . لم أعرف نوع شعورك الحقيقي نحوي ، يا جاني ، ولكن إذا كان هنالك أي حظ لي منك ، مهما كان ضئيلاً ، فاخبرينى . )

و كانت كلماته الاخيرة أشبه بالأنين ، فتحركت الأن لتمسك بيده و كأنها تواسيه .

و أبعدها عنه ببطء ليتمكن من النظر في وجهها و رأت أنه مازال عنده بعض الشكوك نحوها ، وهو يقول : ( أريد أن أتزوجك ، لكنني سأكون رجلك الوحيد و ليس أحد أخر .. هل تفهمينني ؟ كما أنه لن يكون بإمكاني أبداً أن أرقص في السهرات مرة أخري . )

فقالت برقة و قد تألق وجهها بالحب : ( يمكنني أن أفكر في أشياء أخري أفضل من تمضية السهرات في الرقص . )

و صدرت منه أهة رضي و هو ينظر إليها بعينين تطفحان بالمشاعر : ( إنني أحبك ، يا جاني . لقد أحببتك منذ أول ليلة . وهذا ما كنت أحاول أن أخبرك به عندما أهديتك سلسلة جدتي ، إنني أحبك ، أحبك . إنك كل ما أتمناه وأكثر . )

فرفعت إليه عينين متألقتين كنجمتين ، وهى تبتسم قائلة : ( أرني أولاً ماذا تعني بقولك هذا ، و بعد ذلك أخبرك عن مدي حبي لك . )

تمت

sara00 13-09-10 08:07 PM

مشكـــــــــــــــــورة
 
تسلمى ع هاى الرواية الجميلة

بنوتهـ عسل 13-09-10 09:27 PM

الله يعطيك العافية حبيبتي ،،

يسلموووو ،،

Rehana 14-09-10 11:23 PM

يعطيك العافية ..سفيرة على نقل الرواية

زهورحسين 14-09-10 11:56 PM

: SIZE="5"][/SIZE]
:flowers2: :8_4_134: :flowers2:
:flowers2: :flowers2:
يعطيك الف عافية

البندري* 15-09-10 02:24 PM

شكرا
استمتعت بالقصه

عاشقة الذكريات 15-09-10 04:51 PM

ر
وايه كتير حلوة
تسلم ايديك

صوت البحر 16-09-10 02:35 PM

عاشت ايديك وتسلمين على الاختيار الرائع

elyess 16-09-10 05:21 PM

inaha jamila jida teslame ayady

ليلى3 19-09-10 08:35 PM

رواية رائعة جدا:55::55::55: واختيار موفق

نجمة33 25-09-10 05:53 AM

راااااااائعة شكراالك

الجبل الاخضر 25-09-10 04:00 PM

:lol::8_4_134::flowers2::flowers2:تسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلمين اختيار رائع وننتظر جديدك شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا:8_4_134:

iraq flower 26-09-10 06:35 PM

مرسي حبيبتي على المجهود

ندى ندى 21-12-10 09:08 PM

ما في أروع من هيك نفسي أرجع أقرأها بتجنن

عاشقة القراءة بقوة 23-12-10 03:27 AM

رواية رائعة ودي احملها واحتفظ فيها

زهرة منسية 10-05-11 12:11 AM

حلوه كتير يسلموا ايديكى

دلوعة فلسطينيه 10-05-11 02:43 AM

رووووووووووعة تسلم ايديكي

بنيتي بنيه 10-05-11 04:31 PM

:55: تسلمين الروايه جميله جداااا شكرا لك على المجهود الجميل

فجر الكون 15-05-11 06:20 PM

روايه جميله حقا

و شكرا لمجهودك الرائع ...




سماري كول 13-06-11 06:55 PM

تسلمين ع الروااايه الحلوه

سومه كاتمة الاسرار 18-06-11 02:35 AM

احلى سفيره للافراح الروايه تحفففففففففففففه سلمتى على مجهودك يا قمر
:8_4_134:

ملك محمد 23-02-12 10:14 AM

رواية رااااااااااااااااااااااااااااااائعة جدااااااااااااااااااااااااااااا

ملك فارس 23-09-12 11:20 PM

رووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه

rofidah 26-09-12 01:07 AM

:dancingmonkeyff8::lol::peace:

عصافير الجنة 29-09-12 03:00 PM

[CENTER][/Cيسلموووووووووووووووووو

ايدن 05-10-12 07:57 AM

رد: 527 - شرك الظلام - هيلين بروكس( قلوب عبير ) دار النحاس (كاملة)
 
شكرااااااااااااااااااا:8_4_134:

القرد الازرق 27-02-16 09:13 PM

رد: 527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
 
مشكوووووووووورة

الاميره ناديه 05-03-16 03:18 AM

رد: 527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
 
مشكوووووووووووووووووووووره

Moubel 03-09-20 08:41 AM

رد: 527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
 
رواية مثيرة شكرا

نجلاء عبد الوهاب 16-08-21 06:23 PM

رد: 527 - شرك الظلام - هيلين بروكس ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
 
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55:


الساعة الآن 05:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية