منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148252.html)

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:00 AM

560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 

( زواج بالقــوة )

( 560 )
عبير دار ميوزيك

للكاتبة فلورنس كامبل

للأمانة منقولة


الملخص


أطلقت "آنى" زفرة طويلة وقالت لـ "جونى" :
- ولكن "شيز" لا يتذكرنى . ولا يتذكر ما حدث بيننا . . إنه يريد إلغاء الزواج .
- وأنت لا تريدين ذلك . أليس كذلك ؟
قالت وقد زاد نشيجها وارتفع عويلها :
- أنا أحبه . . أعتقد أن هذا واضح . . أليس كذلك ؟
منتديات ليلاس
- بلى هذا واضح يا "أنى" . . فى كل مرة تنطقين فيها اسمه يظن المرء أنك تتلين صلاة . هيا . . احكى لى ما الذى حدث؟
انطلقت "أنى" فى سرد حكايتها الحزينة أمام نظرات "جونى" المذهولة وانهت الحكاية قائلة :
- أنا كارثة حقيقية . . هذا ما يقوله .

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:02 AM



الغلاف الأمامى

يعمل "شيز" فى المهام السرية التى تكلفه بها المخابرات الحربية الأمريكية . وفى إحدى المهام فى "كوستاريكا" بـ "أمريكا الوسطى" كلف بإنقاذ مجموعة من العلماء الأمريكيين . ولكنه ورفاقه يفشلون عندما يقتل المتمردون هؤلاء العلماء . وينجح هو فى إنقاذ صبية فى السادسة عشرة من عمرها ولكن يقع له حادث انقلاب سيارة وهو فى طريق الهروب ويفقد الذاكرة . وفى المستشفى يخبره زملاؤه بأن الفتاة قتلت أيضا . ويصاب بصدمة نفسية تجعله يعتزل العالم والعاصمة بعد هجوم الصحافة عليه . بعد خمس سنوات يفاجأ بوصول امرأة تدعى أنها زوجته التى زوجها له قس فى "كوستاريكا" حتى تكتسب الجنسية الأمريكية ، وتستطيع الهروب من الشرطة والمتمردين وهذه الزوجة هى الفتاة التى أنقذها وأدعى زملاؤه أنها قتلت . . .
منتديات ليلاس

شخصيات الرواية :


- "تشارلز بودين " "شيز" : رجل كان يعمل فى الخدمات السرية بالبحرية الأمريكية ثم صائدا للجوائز باصطياد المطاردين من سارقى الماشية .
- "آنى ويلز" : شابة أمريكية كان والداها الطبيبان يعملان فى أحراش " كوستاريكا" وقتل المتمردون والديها وأنقذتها الأخوات الصالحات فى الدير .
- "جيوف دياز " : مساعد "شيز " .

- " جونى ستارهوك" : مساعد "شيز"

- الاخت " ماريا أتوسينتا " : رئيسة الدير فى "كوستاريكا" والتى أنقذت "آنى"

- "جاك لابواز" : مجرم كثير الهروب من السجن

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:04 AM

الفصل الأول
مزق السكون صوت طلقة مسدس وأطارت إلى السماء الخالية سربا من النسور . وأمام هذا الضجيج المفاجئ تجمدت "آنى ويلز" . أحاطت دوامة من الغبار حذاءها الرياضى المستهلك عندما استدارت لتفحص الطريق الحجرى الذى قطعته . أرادت أن تعرف من أين أت هذه الضجة ، وتساءلت كم عدد الرجل الذين باستطاعتهم استخدام المسدس كسلاح ؟ لايوجد سوى واحد فقط وهى تعرفه . أخذ العرق الذى سال من جبينها يحرق عينيها . استيقظت كل حواسها وآلمتها .
كان من الأفضل أن تفحص الأفق . . لم تر سوى الأراضى الصخرية لـ "وايومنج" على امتداد البصر والسماء بلون أزرق ومسحوق الذهب الذى ارتفع من طيران النسور . أصاخت السمع ولم تسمع سوى صوت تكتكة السوط الذى تردد صداه فى الصخور.
انتظرت "آنى" وهى تغامر فقط بالتنفس حتى تستعيد الطبيعة هدوءها . لقد قطعت بالفعل عدة كيلومترات منذ أن أنزلتها الحافلة فى بلدة "بينتر بونى " وهى أقرب بلدة من وسط الجبال التى كانت متجهة إليها . وهبت نسمة حارة واعدة بالأمل . إنها تحسه بوضوح مثل الحيوان الذى يحس بتغير الجو . سمعت عن بعد فى مكان ما كلبا ينبح وصهيل جواد خفيفا . بدأ قلبها ينبض بلا انتظام .
وقف رجل عند حافة النهر الجاف . كان ظهره إليها وقد ظهرت كتفاه العريضتان ضد الأفق الأزرق والأبيض ، وكان شعره طويلا وأسود مجعدا ، وكان معطفه الخفيف الطويل الذى يكاد يلمس الأرض يشبه ذلك الذى كان يرتديه قطاع الطرق ليخفوا أسلحتهم ، ولكن الرجل استبدل السلاح النارى بسوط طويل مجدول .
كانت "آنى" تعرفه ، لقد سبق أن رأته وسط حمى العمل بسوطه الذى يستخدمه مع الماشية سمعت صوت صفير حاد أدار انتباهها نحو غريم الرجل الذى يواجهه . . على بعد مترين منه حية ضخمة ذات أجراس بلون الماس وقد ووجهت بكلب ، كانت الحية مستعدة للهجوم على مقتحمى ملجئها وقد نفشت أجراسها . كان الكلب ينبح وهو يرتجف ويزمجر .
وجه الرجل ضربة ساحقة للحية رفعتها إلى الهواء ، حيث سقطت عند ملتقى الجبلين حيث وقفت "آنى" . كتمت صرختها بينما كانت الحية تزحف نحوها ، وبالغريزة انتصبت وهى مستعدة للفرار ، صاح الرجل :
- لا تتحركى
وكان الأحرى أن يطلب منها ألا تتنفس . عندما استدارت بحثت عن الحية بعينيها ورمقتها تزحف مثل نهر فضى داخل الرمال .
أحست الشابة بالخلاص وأوشك أن يغمى عليها ، وعندما صارعت
لتحتفظ بتوازنها انزلقت الاحجار من تحت قدميها . . لم يكن لديها اي فرصة للنجاة حيث استقرت على الارض مغطاة بالتراب عند قدمى الرجل . سالته بعد فترة بصوت هامس وهى تنظر فى عينيه مباشرة :
- انت "تشارلز بودين" . . . اليس كذلك ؟
كان له نفس الوجه النحيل القاسى ، والجمال الوحشى ، والفم الواسع والذى احتفظت بصورته فى ذكرياتها . . إنه لم يتغير . . حتى حاجبيه الكثيفين الأسودين . .
رد :
- ربما . . ولكن من أنت ؟
منتديات ليلاس
وجدت "آنى" صعوبة فى استرداد أنفاسها :
- أنا زوجتك !
* * * * *
نادى "شيز" على جواده وساعدها على امتطائه ، قال الرجل فى نفسه لابد أنها مخبولة أصيبت بضربة شمس أثرت على حواسها . . أحس نحوها بالعطف وهو يحيط وسطها بذراعه حتى تثبت على ظهر الجواد . . إنها لم تكد تنطق بهذه الحماة حتى فقدت الوعى . اصبح من المستحيل إذن أن يطرح عليها أسئلة . إنه لا يفهم حقا من أين هى أتت إلا من "بينتر بونى" ولكن لابد أنها فقدت صوابها حتى تقوم بالرحلة وسط النهار تحت شمس فى عنفوانها ، همس وهو غير مصدق :
- زوجتى !
إنه لم يفكر أبدا فى الزواج ما لم يكن قد حدث فى مراهقته عندما أولع هياما ببهلوانة ذهب لمقابلتها فى مقطورتها الرحالة ، ولكن غرامهما لم يستمر بعد رحيل السيرك وليس معنى هذا أنه ضد الزواج . بل بالعكس لقد كان يعشق حفلات الزفاف . ولكن حدث كرهه للزواج بعد ان بدأت متاعبه .
لكز "شيز" جواده وألصق المرأة به . كانت الرحلة للوصول لقمة الجبل قصيرة ولكنها محفوفة بالمخاطر القاتلة ، وتطلب الأمر من "شيز" أن يركز كل انتباهه للوصول إلى وجهته .
وعندما وصل "تشيز" إلى السطح المستوى أدرك أن راحة يدخ مشغولة بشئ طرى وشديد النعومة والحرارة وكان جمالها يفقد الرجل عقله . لقد خلقت هذه المرأة من أجل الرجل .
تساءل : ما الذى يجرى له ؟ . . إنه راعى بقر وعليه ان يترك المرأة فى حالها . . عندما خطرت هذه الفكرة على باله وجد المرأة لا تتحرك ، لقد مضى وقت طويل لم يقترب فيها من امرأة وبدا أن ذهنه يريد أن يعوض هذا الحرمان بهذه الفرصة الذهبية .
سمع تنفس المرأة المضطرب الذى يدل على إثارتها . وكانت تفاحة آدم تتصاعد وتنخفض مع كل نفس . . أخذ يحلم ولكن همسا خفيفا انتزعه من أحلامه . كانت المرأة ملتصقة به كالطفل .
كان "شيز" لا يزال غارقا فى أحلامه عندما وصلا إلى وجهتهما . كان كلبه "شادو" ينبح ويهز ذيله عندما وضع الرجل قدمه على الأرض وحمل المرأة بين ذراعيه . كانت خفيفة مثل الريش ونحيفة لدرجة مخيفة . وعندما حملها إلى البيت ساوره إحساس بأن هذه المخلوقة تشبه المرأة التى عبرت من قبل حجيم حياته . ولم يعرف من أين جاءه ذلك الاحساس .
إنه يلزمه وقت طويل ليفكر . من هى ؟ تساءل وهو يحاول التذكر إن كان قد التقى بها فى مكان ما ، أو سبق أن رآها . . . إنها لا تذكره بشئ محدد . . وبالتأكيد ليس بالزواج . ابتسم ابتسامة خفيفة وليس واثقا تماما بأن المرأة هى سبب ابتسامته . إنها نسخة مصغرة من المرأة وإن كانت تقاسيم جسدها رائعة فضلا عن تقاطيعها الفاتنة . طبعا ضيفته لا تصلح للدخول فى مسابقة ملكات الجمال بشعرها الأشعث وكأنها خرجت من معركة شرسة مع امرأة أخرى ، ولكن ملامحها الفريدة لا ينقصها السحر .
سأل "شيز" كلبه الذى مد نحوه رقبته :
- ما رأيك ؟ ما الذى تنتظره منا ؟
أخذ يربت على الكلب وواتته فكرة مفاجئة ومزعجة . ربما كانت صحفية تريد عمل تحقيق صحفى حول "تشارلز بودين" البطل رغم أنفه , إنها لن تكون المرة الأولى . . ولكن الصحفى لن يخاطر أبدا بأن يصاب بضربة شمس أو مقابلة الحيات الرقط ذوات الأجراس من أجل كتابة مقال .
تأمل "شيز" البنطلون الجينز المستهلك الخاص بالشابة عندام تحركت وهمهمت بكلمة شبه مسموعة . . . سألها :
- ماذا ؟
- ماء . . .
- فى الحال .
مد "شيز" ذراعه وأخذ كوبا من الدولاب البدائى . . إنه لم يفكر فى الفخامة عندما اشترى هذا البيت . . . لقد بحث فقط عن ملجأ يحوى مجرد الضروريات فقط ، حجرة وحمام وحجرة معيشة ومطبخ . . لا شئ يمكن أن يغرى أى امرأة بالحياة فيه .
ملأ الكوب بالماء الذى يحضره من النهر ثم جلس بجوارها وقال وهو يرفع الكوب لشفتيها :
- ها هو ذا !
فهم "شيز" فى الحال أنها فى حاجة إلى المساعدة . فأجلسها ليساعدها على احتساء الماء وجدها . . . لأسباب لا يفهمها شدية الجاذبية وهى ضعيفة وهشة وهى ترتشف الماء فى أحد أكوابه ، يا إلهى ! إنه فى حاجة إلى شئ قوى يهدئه لو استمرت مشاعره على هذا الحال ز وما الذى عليه أن يفعله حتى يتأكد من أنها لم تصب بالحمى ، شكرته الشابة بهزة خفيفة من رأسها وهى تنظر إليه بإمعان بعينيها الزرقاوين شديدتى العمق حتى إنه إضطر إلى أن يشيح بعينيه يعيدا عنها .
تساءل "شيز" بأى سؤال يبدأ استجوابه لهذه المرأة التى ضلت طريقها ؟ من أين أتت ؟ إن لديه سؤالين آخرين شديدتى الصلة بالموضوع لابد أن يطرحهما عليها ، وبدلا من أن يفعل قال لها مقترحا :
- هل تريدين أن أغسل لك وجهك ؟
- نعم من فضلك .
إن لها طريقة ساحرة للغاية فى قول ذلك . أحضر وشاحا أحمر لفه حول عنقها ثم غمس طرفه فى كوب الماء وأخذ ينظف وجهها . أغمضت عينيها تحت تأثير تدليكه لوجهها . ولدت هذه الحركة البريئة لديه رغبة غريبة .
تنهد . . . يا إلهى ! أرجو ألا تفتح فمها قبل أن أنتهى من عملى وألا تنطق بكلمة . نظر إلى بلوزتها . لقد كانت ضيقة جدا لدرجة أنه عرف السبب فى عدم تمكنها من التنفس بارتياح وأدى ذلك إلى فقدانها الوعى . . سألها وهو يلمس ياقة البلوزة :
- هل تحبين أن أخف ضغط البلوزة عليك ؟
قالت وهى لا تزال تغمض عينيها :
- نعم .
وضع "شيز" الكوب على المائدة وأخذ نفسا وبدأ يفك أزرار البلوزة . فك ثلاثة أزرار ثم تساءل إلى أى مدى سيستمر فى هذا العمل المضنى لأعصابه . . . عندما فتحت عينيها . . بدا وكأنها تراه لأول مرة . سألته :
- هل تظل محتفظا بقبعتك وسترتك فى البيت !
لم يكن هذا هو السؤال الذى كان ينتظره ، لم يعد يعرف أى مسلك يسلكه وترك نفسه تخاف منها بطريقة غريبة .
قال وهو يخلع سترته :
- هذا يعتمد على الظروف ؟
- أية ظروف ؟
- الجو .
كان وهو يرد بلهجة خشنة – يأمل أن يجعلها تشعر باليأس من الحديث فى هذا الموضوع ، ولكن بعض النساء لا يعرفن أبدا كيف يتوقفن .
__________________

تذكر ذلك وهى تجدحه بعينيها الزرقاون فى إلحاح وعمق متسائلة . لقد بدت هشة مثل الطفل المهجور ، وعنايته بها تضطره إلى إلى استخدام الرقة التى لم يتعود عليها وهو السريع الغضب فى العادة . ثم إنه يحس الآن بهذه الرغبة العفوية التى تدفعه إلى الثرثرة التى قد تعرضه للخطر . منتديات روايتى . وحاول جاهدا ألا يلعب دور الأم الحانية وأن يستعيد سيطرته على نفسه . قالت له :
- ولكن الجو ممتاز هنا .
- إنك قد تدفعينى إلى خلع ملابسى يا صغيرتى هل تفضلين أن أفعل ذلك ؟
احمر وجهها خفيفا ولكن اهتزاز رموشها الخفيف هو الذى أسعد "شيز" .
هناك فى مكان ما من المراكز المنطقية فى مخه ، أخذت إشارة عاطفية تومض بانتظام : الحذر . . . الحذر !
مال نحوها وحاول دون جدوى أن يعيد ربط الزر الثالث من البلوزة ثم انتفض واقفا فجأة وألفقى بقبضته التى سقطت فوق مائدة المطبخ ثم قال – وهو يسترد أنفاسه مع تجنب النظر إليها :
- حسنا ! أريد أن أعرف ماذا كنت تفعلين هنا ؟ . . من أنت ؟
أجابته دون أى تردد :
- " آنى ويلز" .
لم يخبره ذلك بشئ ولكنها كانت تنظر إليه برباطة جأش لدرجة أنه وجد نفسه يسألها :
- وهل هذا يعنى شيئا ؟
- آه . . بالتأكيد . . بالتأكيد . لقد تزوجتنى منذ خمس سنوات .
- انا تزوجتك ؟ هذا لا معنى له .
من الواضح أنها تمادت فى الأمر . . . ولكن كان من الصعب أن يراهن على الجزء الأخير من تأكيدها .
- وهل كان ذلك مند خمس سنوات ؟ لم أكن أعيش فى هذه البلاد منذ خمس سنوات لقد كنت . . .
- فى "أمريكا الوسطى "
ثم أضافت بلهجة مرحة :
- لقد كنت فى مهمة إنقاذ خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" وكنت أنا جزءا من الأمريكيين الذين قمت بإنقاذهم .
دهش "شيز" تماما . . . لقد أعادت ذاكرته بقسوة إلى فترة ومكان من المستحيل أن ينساهما . . تلك المهمة إلى "كوستاريكا" والتى كانت بالنسبة له كابوسا حقيقيا . . . لقد أرسلوه وفريقه لتحرير علماء أمريكيين أسرم المتمردون . . وكانوا قد تفرقوا حتى يعثروا على الأمريكيين . . والأسيرة التى تم العثور عليها حية كانت فتاة مراهقة مختبئة فى دير هدمته القنابل .
وكانت مأساته أنه لم ينجح فى إعادتها سليمة معافاة . فقد لقيت حتفها فى حادثة سيارة على الطريق المؤدى إلى الجبهة . وهو نفسه خرج سليما بأعجوبة .
قاطعها بخشونة وهو يحاول إيقاف سيل الذكريات وهو ممزق ما بين الغضب وعدم التصديق : من هذه المرأة بحق السماؤ ؟ ردت :
- لا . . بل إنه أنت . . " تشارلز بودين" . إن الرجل الذى أنقذنى كانت له نفس سحنتك . وكان يدعة "شيز" وكان يستخدم أيضا سوطا ، آه . . أرجوك أن تتذكر ! لقد كنت مختبئة فى دير فى ضواحى "سان لويس" عندما عثرت على – لقد كنت هناك من شهر منذ أن قتل الارهابيون والدى .
انقطع صوتها فجأة وكأنها تجد صعوبة فى الاستمرار ، ثم استطردت :
- إننى أتذكر أدق التفاصيل . . لقد جرحك احد المتمردين ، وكان موجها سلاحه نحوى وقمت بنزعه منه بسوطك . فأخرج مدية هل تتذكر ؟
أحس "شيز" بألم ممض فى المكان الذى انغرس فيه سلاح المدية عند ساقه .
أخذ قلبه ينتفض داخل صدره عندما خرج بسرعة للخارج حتى يستطيع أن يسترد أنفاسه وسيطرته على نفسه . لابد من وجود تفسير منطقى ومن الأفضل أن يجد حلا . ز ولكن قد تكون إحدى الصحفيات الدؤوبات كالنحلة والتى تهتم بالتحقيق حول بعثة "كوستاريكا" ؟ ومن غيرها يعرف هذه التفاصيل ؟ لابد أنها حصلت على هذه المعلومات من التحقيقات الصحفية وقتها والتى كانت غنية بالمبالغات .
سألته – وقد أحست ببعض الاهانة والجرح لكرامتها :
- ولكن لماذا لا تصدقنى ؟ إننى أقول الحقيقة .
استدار يتأملها واكتشف أنها جلست بصعوبة وأسندت إحدى كتفيها على الجدار ، قرأ فى عينيها الأمل والخوف وكذلك عاطفة جعلته يحس بالعذاب . . واليأس . إنها تطلب – يائسة – شيئا ما . . ولكن ما هو ؟ الاعتراف ؟ ما الذى تنتظره منه ؟ بذل جهدا خارقا ومؤلما حتى يبدو قاسيا من أجل ألا يغرق فى سحر عينيها . قال :
- وأنا أقول الحقيقة يا "آنى ويلز" . . واثق تمام الثقة أننى لم أرك فى حياتى أبدا .
فكر "شيز" أنها لا يمكن أن تكون تلك المرأة التى تدعيها . . وليأخذ الله روحه ! لقد أغرق دم تلك المراهقة يديه . وكان هو وراء عجلة القيادة عندما انحرفت عن طريقها .
أخذ يبحث فى ذاكرته عن مراهقة وأى دليل يثبت أن تلك المرأة هى نفسها . ولكن لم يكن لديه سوى ذكريات مبهمة .
إن اصابته بالحمى التى عانى منها خلال مهمته قد أثرت على ذاكرته ، وبالتالى على حسن حكمه على الأمور . . لقد أدى الحادث إلى إسدال ستارة من الضباب على ذكرياته . . وهو لا يستعيد سوى ذكريات نادرة وقليلة جدا .
لقد قال لـ"آنى ويلز" الحقيقة ولكن ليست كل الحقيقة . ليس لديه أى ذكرى عن الشابة التى أنقذها قبل ان تلقى حتفها بعد ذلك ، إنه لا يستطيع حتى أن يتذكر اسمها .
قالت له فى تحد واضح :
منتديات ليلاس
- إجراء رسمى ووسيلة للخروج من المأزق . ولقد كنا مدركين لذلك نحن الاثنان .
قال ردا عليها بصوت قاطع :
- ربما أنت . ولكن بالنسبة لى فان ذلك لم يحدث ابدا . ان الوعد الوحيد الذى اقسمته كان فى اليوم الذى اوشك فيه والدى ان يقتل كل منهما بزجاجة الشراب القوى بعد ان ابتلعا محتوياتها . فى هذا اليوم اقسمت الا اتزوج ابدا . اذن اخبرينى يا "آنى ويلز" لماذا احنث بقسمى ذلك من اجلك ؟
ارتجفت "آنى" انها لا تعرف بماذا تجيب على سؤاله ولكنها تمكنت بصعوبة من ان تجيبه قائلة :
- لست ادرى لماذا . ربما كان بدافع العرفان بالجميل .
- ولماذا بحق السماء ؟
أحست بالاحباط . كانت لديها رغبة فى ان تقول له : ان ذلك العرفان بسبب انها انتزعته من بين براثن الموت .
لقد ظلت بجانبه وهو فى حالة من الهذيان وفقدان الذاكرة . . كيف امكنه ان ينسى ذلك ؟
- لقد أعطاك القس الأدوية . ولكن كان يلزمك شخص يظل بجوارك ليل نهار .
أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهى تعلم أنها لا تستطيع ان تدخل فى تفاصيل تلك المحنة الآن .
لقد كان من المؤلم للغاية بالنسبة لها أن تحكى ما عانته وما اضطرت إلى فعله .
لقد كان التعب قد هدها ! فتركت نفسها تسقط على الفراش مرة ثانية وتغمض عينيها . لقد كان عذابا ان تشاطره نفس الحجرة بعد كل تلك السنوات الطوال . ان قربه منها يعيدها الى زمن كانت عواطفها نحوه وحشية وقوية وحلوة .
كانت قد وقعت صريعة حبه فى الحال مثل فتاة مرعوبة تغرم بالرجل الذى يغامر بحياته من أجل انقاذها . . ربما كان شغفها بالبطل المغوار ! ولم تكن تعرف ان كان يحبها ام لا ، ولا تستطيع ان تحكم على وضعها بالنسبة له ولم تجد امامها سوى ان تفعل الشئ الوحيد فى مثل هذه الحالة وهو ان تنتظر ان يعود اليها .
اجبرت نفسها على فتح عينيها مرة ثانية وتشابكت نظراتهما وتساءلت : كيف امكن ان تكون ساذجة لهذه الدرجة ؟ انه لم يعد ابدا اليا ولم تكن لديه ابدا نية العودة . غمرتها موجة من المرارة وهى تحاول ان تطرد الذكريات من ذهنها . . انها ذكريات مؤلمة . سالها:
- ما الذى تنتظرينه منى ؟
- اجابات صادقة .
تحملت نظراته وهى تدعو الله الا تعكس ما يدور بخلدها من افكار . هل يعرف من هى ؟ الا تذكره اذن باى شئ ؟
لم يكن هناك سوى اجابة صادقة على هذا السؤال ، ولكن "شيز" ليس لديه اى نية فى ان يقولها . ان تعرف كل تفاصيل مهمته وبعثته أمر جعله يهتز ويرتج ، ولكن طالما لا يعرف بالضبط من هى ؟ وماذا تريد ؟ فلا مجال هنا لأن تقول له المزيد . انه يتذكر انه افاق فى مستشفى امريكى بعد الحادثة وكان مساعداه "جيوف دياز" و "جونى ستارهوك " وقد اعدا تقريرهما وذكرا فيه انه لم يعثر ابدا على جسد الفتاة والاثر الوحيد كان فردة حذاء وسط الاحراش .
لقد تبعته تلك الحادثة ربما لانه لم يصل الى تذكر ما هو سببها . ولكن الذى يطارده الآن ويلح على ذهنه هو حكاية الفتاة .
إنها تعرف عنه الكثير من الامور التى لم تستطع الفتاة ان تقرا عنها فى الصحف .
انتزعه صوت تحطم كوب زجاجى من افكاره ، من الواضح ان "آنى ويلز" هى التى اسقطته وهى تحاول ان تستخدمه . قال "شيز" – وهو يشعر بعدم ارتياح واضح :
- هيا . . اهدئى ! ساعطيك كوب اخر .
بينما يملا الكوب بالماء عبرت راسه صورة ساحرة وغريبة . . فتاة صغيرة ذات شعر احمر ورقيق تهمس فى اذنه بكلام غير مفهوم . اوشك الكوب ان يفلت من بين اصابعه . قد تكون صورة اى امراة ممن عبرن حياته على مر السنين .
عندما فتح صنبور الماء أحس ببرودة الفولاذ تسرى بين مفاصل أصابعه . . تذكر صوت طلقة مسدس . قالت له " آنى ويلز" :
- لا تتحرك والا اطحت براسك .
- ما الذى تفعلينه ؟
قالت بصوت منخفض بلهجة تهديد :
- اننى امراة يائسة يا سيد "بودين" . . لقد مرت اسابيع وانا ابحث عنك وقطعت الاف الكيلومترات حتى اعثر عليك مرة ثانية . . اذن عليك ان تنصت الى ، وعندما انتهى ستعطينى ما اريده .
وضع "شيز" كوب الماء ورفع يديه عاليا .
( نهاية الفصل الأول )

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:06 AM


الفصل الثانى


كان السلاح معبأ وقال :
- حسنا . . انا منصت اليك . . ماذا تريدين ؟
- ليست لدى اى وسيلة لاثبات اننى امريكية . وانت الشخص الوحيد الذى يستطيع مساعدتى .
فى تلك الساعة والظروف لم يكن لدى "شيز" أى رغبة فى مناقشتها ، ولكن لم تكن لديه اى فكرة عما تتحدث عنه لابد ان الشمس اثرت على راسها . انه الان واثق بذلك .
- ولماذا انا بالذات ؟
- لأن فى جيبى قصاصة من الورق تقول انك زوجى . ولا يوجد غير ذلك . وهى غير ذات قيمة مالم تؤكد انت صحتها .
اراد "شيز" ان يستدير ولكن ماسورة المسدس كانت مصوبة نحوه
سالها :
- أية ورقة ؟
- الشهادة التى اعطاها لنا القس .
- شهادة زواج ؟ انها غير ذات قيمة . . لقد كنت غارقا فى الهذيان ، وانت لم تكونى سوى صبية .
- لقد كان عندى وقتها ستة عشر عاما والسن القانونية التى تسمح للزواج فى "كوستاريكا" هى اربعة عشر عاما . واذا كان الزواج شرعيا هناك فهو كذلك هنا .
- شرعيا ؟
اصبح الآن "شيز" مدركا تماما ان ماسورة المسدس موجهة اليه ، مما اعطاه احساسا بمعنى كلمة الزواج تحت تهديد السلاح .
سالها :
- هل انت متاكدة ؟
منتديات ليلاس
فزع وهو يسال هذا السؤال . . انه يتحدث وكانه يصدق حكايتها ! اجتاحته موجة من الخوف وهو يفكر انها ربما تقول الحقيقة البحتة . لقد قالوا له : ان الفتاة ماتت وانها لم تستطع ان تتبعه . ولكن على اية حال فان هذه الفتاة – التى تلزمه بقوة السلاح على احترام كلامها – لديها مشكلة . ومشكلتها اصبحت الان مشكلته هو .
- وهل لديك مستخرج رسمى لشهادة الميلاد ؟
لقد كان يحاول ان يجد حلا اخر . ردت عليه :
- ليس عندى هذا المستخرج ولا جواز السفر ولا بطاقة اثبات الهوية
- لابد من وجود اى اثبات فى مكان ما .
اراد ان يستدير نحوها ولكنها غرست السلاح فى ظهره بعد ان كانت توجهه الى راسه من الخلف . ان الامر يزداد سوءا . قالت :
- كونى اصبحت مشردة بدون جنسية لم يعد له اية اهمية يا سيد "بودين" والنتيجة ها هى ؟
لم يدهش "شيز" باى درجة . ان مساعديه فى وزارة الحربية الامريكية المعروفة باسم "البنتاجون" لم يعثروا على اى اثر للفتاة التى لقيت حتفها اثناء مهمته الرسمية .
- الا يوجد لك اسرة ؟
- من ناحية ابى فانهم جميعا ماتوا بالامراض المتفشية فى المناطق الاستوائية ، اما من ناحية امى فقد ذهبوا الى جزر "الانتيل" على ما اظن . ولم يعرف احد على الاطلاق اين ذهبوا بالضبط ، ولا اعرف احدا غير ذلك .
- انت تقولين ان لديك دليلا . هل يمكننى ان اراه ؟
امرته قائلة :
- استدر . . ببطء ولا داعى للحركات المباغتة .
ظل "شيز" رافعا ذراعيه فى الهواء واستدار وهو يسوده شعور غريب :
اولا لم يحدث له ان اجبرته امراة على احترامها بواسطة السلاح . وثانيا فان التجربة لم تكن سيئة على الاطلاق بل مثيرة حقا . خاصة والمراة تبدو كملاك برئ غاضب بعض الشئ وكلها حرارة ولهب .
ان التغيير فى ملامحها كان مثيرا ولافتا للانتباه . كانت تضئ كنيران معسكر مرح وسط ظلام الليل فى الصيف .
قالت له – وهى تناوله المستند – "
- ها هو ذا ، يمكنك ان تقراه ولكن لا تات باى حركة
كانت الورقة المجعدة مكتوبة بالاسبانية وتحمل توقيعين احدهما توقيعه دون ادنى شك . وكان يعرف من الاسبانية مايكفيه لأن يعرف ان ما بها حقيقى وان ما قالته صادق . . انها شهادة زواج . سب "بودين" ولعن نفسه . سالها :
- والان ماذا تنوين ان تفعلى ؟
لمعت نظراتها لحظة وفهم "شيز" الرسالة . . لنه محاصر وهى تعرف ذلك . واذا كان هناك ما يرعبه فهو ما فيه الان . اجابها ونظراته تنتقل من السلاح الى يدها :
- لا شئ ذو قيمة الان ما دمت مصوبة سلاحك نحوى .
كان وضعها مثيرا واشعل نار الرغبة عنده وهو يتاملها ، سالها :
- وهل تم تنفيذ عقد زواجنا ؟
بدت لا تفهم وكانها مخلوق وقع من السماء
- تنفيذه ؟
- نعم تنفيذه . . هل انتقلنا من مرحلة العقد الرسمى الى ممارسة الحياة الزوجية يا "آنى " ؟
تردد – وهو يراها تفتح عينيها على اتساعهما - :
- هل تزوجتك فعلا يا "آنى" ؟
بدا عليها الرعب . ثم انهت بان قالت ووجهها اصبح ارجوانيا :
- نعم .
قال لها – وهو يحدجها بامعان وتهكم - :
- واعتقد ان الزواج كان جميلا . . اليس كذلك ؟ للاسف اننى لم اعد اتذكر التفاصيل . . هيا اخبرينى . . هل كان جميلا ؟
هزت راسها علامة الايجاب وهى تتجنب نظراته :
- لقد نسيت ذلك بمرور الوقت .
تحت تاثير الانفعال انزلق السلاح من بين يدها ، ولم يتح لها الوقت لتسترد جاشها . وامسك رسغها بقوة ، لم يكن يريد ان يؤلمها ، ولكن لم تكن لديه وسيلة اخرى غير ذلك .
قال لها – وهو يقربها منه - :
- هل تقولين لى . . اننى تزوجت من فتاة فى السادسة عشرة من عمرها وعشنا حياة الازواج ؟
كان يعرف الرد مسبقا ، ولكنه اراد ان يسمعه من فمها الصغير الجميل والكذاب .
وجدت "آنى" صعوبة فى التنفس وقلبها يدق بلا انتظام ، ووجدت جسدها يرتجف ، بسبب لا تدرى كنهه وكانها على وشك الانهيار والاستسلام ، انها تعرف انه يحاول ان يخيفها ولكن لا يهمها ما يهدد بفعله . انها لا تستطيع ان تخبره بالحقيقة . قال لها بصوت خشن واجش :
- ومتى مارسنا حياتنا الزوجية ؟ اخبرينى بكل شئ ... اننى اريد ان اتاكد من اننى كنت نعم الزوج .
- ان الامر لم يحدث كما تتخيل ... لقد كنت مريضا وتهذى ولكن كان بيننا شئ قوى ... نعم ، انه لم يكن مجرد انجذاب ... لقد حدثتنى عن احلامك ، بل حدثتنى حتى عن هذا البيت عندما اخبرتنى بانك تنوى ان تستقر فيه .
قال "شيز" وهو لا يزال مصدوما من الانفعال الذى جعل صوته منقطعا :
- ان الرجل يقول اشياء عندما يعانى من الهذيان .
كانت تشعر بالعاطفة الجامحة تغرقها ، عاطفة من الغيظ الشديد منه ، لان لا يريد ان يصدقها والا يتذكر شيئا ، وكان مظهرها كملاك وحشى يحرك مشاعره بطريقة لا يستطيع ان يحددها ، وايقظت بداخله فضولا غريبا . واحس برغبة عارمة نحوها لكنه تركها واستدار وهو يحاول ان يركز عينيه على عينيها .
سألها مرة ثانية – وهو مندهش من مدى اهتزازها تحت تأثير الانفعال والاثارة - :
- وما الذى جرى بيننا ؟
- وهل ستصدقنى ؟
- أجيبى على بكل شئ .
قالت بصوت منخفض وكأنها تبحث عن الكلمات :
- كل شئ . . السماء والجحيم . لقد أوشكنا أن نموت أنا وأنت .. لقد عرفنا معا أياما رهيبة ورائعة .
رد عليها :
- ولكنك لم تكونى إلا فى السادسة عشرة من عمرك ، اننى لم أكن أستطيع أبدا أن ...
- لا .. لم يكن لدى ستة عشر عاما ... عندما يعيش الانسان فى المنفى تحسب السنوات مضاعفة .
كان ثمة ما فى صوتها يحيره . استطردت :
- إنها ليست الفتاة التى أنقذتك .
ولكن "شيز" كان يستمع اليها باذن شاردة ، لقد كانت عيناها هما اللتان تحدثانه وكان حديثهما أبلغ من أى كلام . لقد فهم فى الحال أنها مستعدة لأن تفعل أى شئ وهذا يثبت مدى صدق كلامها .
إنها ملاك حقا فى صورة جنية ، وقد اشتعلت عيناها بلهيب غريب . سألها :
- إذا كان حقا ما تقولينه من أننا تزوجنا فأثبتى لى ذلك وأرينى ماذا فعلنا .
غامت تعبيرات وجهها لحظات ولكن سرعان ما ذهب تجهمها مثل سحابة صيف .. إنها تعانى مزيجا من الخوف والرغبة ، إنه خليط متفجر .. مرر "شيز" يده فى شعرها الحريرى .
لم يكن "شيز" يريد أن يتأثر هكذا بسرعة ولكن لم يسبق له أن رأى امرأة فى مثل سحرها وفتنتها .
هناك أمور يعرفها الرجل حتى ولو أن العقل ينصحه بأن يظل حريصا وحذرا . . إنه لا يستطيع أن يقاوم . وأحست هى بانفعالاته . . وشكرت السماء لأن هذا ما كانت تنتظره حتى يساعده ذلك على التذكر .
منتديات ليلاس
استسلما لعاطفتهما وأخذ كل منهما يهمس باسم الآخر فى حنان وحب . أخذ يسألها عم إذا كان هذا ما جرى بينهما بعد زواجهما الذى لا يتذكره . أضاءت عيناها ثم غاصتا ثانية وقالت عيناها نعم ولا فى وقت واحد . . لقد بدأ "شيز" يفقد سيطرته على الموقف . وسمع صوتا فى أعماقه يقول له : ان يتماسك قبل فوات الأوان . أراد أن يتوقف عن اندفاعه العاطفى ولكنه لم يستطيع . قالت له بصوت مرتجف بطريقة غريبة :
- لابد أننى أحلم .
إنها تتصرف كأمرأة تحب زوجها ، وهى تتعلق به مثل المرأة التى تتشبث برجل لم تره منذ وقت طويل . ولكن الصوت المنخفض فى أعماقه أصبح عاليا الآن ، ويقول له بالحاح إنه يرتكب الآن أكبر غلطة فى حياته وسواء كانت "آنى" تقول الحقيقة أم لا فإن ذلك لن يزيد الأمور إلا تعقيدا لو استسلم لعواطفه الجامحة نحوها .
إنها قد تفهم من ذلك أنه اعتراف منه بأمر لا يزال غير مقتنع به . قال لها فى النهاية بصوت أجش :
- ألا ترين يا "آنى" . . اننا نتعجل الأمور ؟
- كيف ؟
بدا عليها بعض خيبة الأمل وهى لا تعرف أى مسلك تتخذه .
- هل تعتقد هذا ؟ يمكننا أن نمنح نفسينا بعض الوقت إذا كانت هذه رغبتك .
- إذا كانت هذه رغبتى ؟
وجد "تشيز" صعوبة فى أن يمنع نفسه من الانفجار فى الضحك وقال لها :
- انظرى إلى نفسك . . إن وجهك أحمر شديد الاحمرار وأنت ترتجفين من رأسك لقدميك .
- لاشك أن ذلك بسبب التعب . . لقد مر دهر منذ آخر مرة نمت فيها وأكلت .
هناك شئ ما لا يسير على ما يرام ولكن ما هو ؟ من الواضح تماما أنها مرعوبة ومنهكة وربما تموت جوعا ، ومع ذلك يبدو عليها الرغبة الشديدة فى أن يتبادلا الحب . قال – وهو يتراجع - :
- إننى لا أحس بأننى بخير . ربما عضتنى الحية دون أن أدرى.
ردت عليه بصوت بدا جادا فجأة :
- أوه . . إن هذا يدهشنى . . ربما كان ذلك بسبب الدورة الدموية وكل شئ سيعود إلى خير حال عندما يصل الأكسجين جيدا إلى مخك .
__________________
ابتسم "شيز" ابتسامة مغتصبة وقال لها :
- أرجو المعذرة .
إنها السبب فى اضطراب دورته الدموية . سألها :
- وكيف لك أن تعرفى الدورة الدموية للرجال ؟
جعل سؤاله "آنى" تبتسم . . إنها تعتبره رجلا لا يقاوم . . إنه يشع رجولة وجاذبية يمكن أن تصرعا أى امرأة عن بعد ، أحست بأن كل الامور الجميلة بدأت تعود .
سألها وهو يعبر الحجرة :
- هل أطمع فى إجابات ؟
- أوه . . نعم . . لقد كان والداى طبيبين . . ألم أقل لك ذلك ؟ وكانا يريدان منى أن أصبح مثلهما .
سألها "شيز" فى دهشة :
- هل كنت ستصبحين طبيبة ؟
كانت تحس بالدوار ولم تفهم سؤاله ، ثم حلت ابتسامة محل مظهر الحزن الذى ساد وجهها :
- آه . . نعم . . لقد أراد والداى إرسالى إلى كلية الطب فى الولايات المتحدة الأمريكية . . حتى يستمر التقليد المتبع فى الأسرة . لقد كان هذا هو حلمهما أكثر منه حلمى ، وكان من المحتمل أن اكون قد أتممت دراستى الطبية لولا وفاتهما .
قال "شيز" بطريقة آلية :
- لابد أن ذلك كان قاسيا .
- ولكن هذا كان منذ خمس سنوات ، وقد استطعت التغلب على ذلك .
أصدر لوح خشبى صريرا تحت قدمى "شيز" فخفضت "آنى" صوتها بطريقة آلية . . إنه رد فعل طبيعى لما عانته ولا تستطيع التغلب عليه .
سألته وهى تريد أن تعرف لماذا ينظر إليها "شيز" بهذه الطريقة الغريبة :
- هل هناك شئ لا يسير على ما يرام ؟
- لماذا تتكلمين بصوت منخفض ؟
- إنها العادة على ما أظن ، عندما يعيش الانسان فى الدير يتعلم أن يهمس وأن يتنقل بخطوات الفهد .
- دير ؟ فى "كوستاريكا" ؟
- لقد قضيت فيه خمس سنوات .
- ولكن لماذا لم تذهبى إلى الولايات المتحدة ؟
- لأسباب عديدة لا حصر لها .
فكرت فعلا أن تحكى له تاريخ حياتها المؤلم ثم قالت فى نفسها : إن ذلك يمكن أن ينتظر ، إنها لم تختر حياتها . قالت له :
- أنا لم أختر الذهاب إلى الدير فى البداية ، ثم أدركت أن ذلك هو ما أحتاج إليه . لقد قمت بتعليم صغار الهنود القراءة والكتابة . وفى بلد غزته الحروب فإن معلوماتى الطبية كانت ذات فائدة .
قال "شيز" مؤكدا دهشته :
- فى الدير ؟ وفى سن صغيرة ؟ ولكنك لم تكونى سوى صبية صغيرة . . ما الذى يعلمونه للفتيات فى مثل تلك الأماكن ؟
اعترفت "آنى" :
- أولا أن أبقى على قيد الحياة ، ولكن الأخت "ماريا أنوسنتشيا" – وهى الأم الكبرى – كانت متم*** جدا بالطاعة والخضوع
احمر وجهها قليلا وهى تقول فى نفسها : إن هذا ليس ربما أول شئ عليها أن تبوح به ، ولم يستطع "شيز" أن يمنع نفسه من الابتسام . . لاشك أنه يحاول أن يهضم ما قالته . سألته :
- وأنت ؟ هل تربى الماشية ؟
- لا على الاطلاق . إنما أقوم بتأمين سلامة المزارع .
لم يجد "شيز" أى سبب يمنعه من أن يخبرها بما يفعله فى "وايومنج" بعد ان تأكد تماما من أنها ليست صحفية . وإذا كانت فعلا هى ما تقوله عن نفسها فإنه سيستفيد جدا من محادثتها عن مخاطر المهنة التى يمارسها . إنه لم يعرف أبدا امرأة مستعدة لأن تشارك حياة رجل يطارد لصوص الماشية .
استطرد قائلا :
- إننى أقضى وقتى فى تتبع آثار الخارجين على القانون ، الرجال الذين رصدت أموال من أجل رؤوسهم وهو ما يسمى صائد الجوائز .
بدت عليها الدهشة الحقيقية وسألته :
- ألا يزال هناك لصوص مواش فى "وايومنج" ؟ وهل قبضت على الكثيرين منهم ؟
رد عليها وهو يرتدى قبعته مرة أخرى :
- بعضهم ؟
- هل أنت ذاهب إلى مكان ما ؟
هز "شيز" كتفيه :
- لقد قضيت أربعة أيام فى التجول وأنا الآن تنقصنى المؤونة ، ولابد أن أقوم بجولة فى المدينة .
- هل يمكننى الحضور معك ؟
كانت تتحرق شوقا لأن تصحبه وأوشك "شيز" أن يجيبها بنعم
- لا ليس هذا من العقل والصواب . إن أهل البلد فضوليون فعلا وهذا سينشر الأقاويل وماذا لو أخذت حماما ؟
- حماما ؟ إن هذا سيكون الفردوس !
تخيلها "شيز" وهى تحت الحمام قال لها :
- هيا خذى الحمام ويمكنك ان تخلعى ملابسك فى الحمام .
نظرت إليه فى دهشة وهلع وقالت :
- ولكن لماذا أخلع ملابسى . . لقد كنت أخذ حماما فى الدير بملابس كاملة .
نظر إليها وكأنها مخلوق من عالم آخر ، وأخيرات هز كتفيه بلا اكتراث وقال لها :
- افعلى ما تشائين .
منتديات ليلاس
سألته – وهى مرتعبة – ونظرت إليه وكأنها تنظر إلى مختل عقليا أو مغتصب :
- وماذا ستفعل ؟
- لا شئ مما تتصورينه . . كل ما أريده هو أن أتاكد من أن أجدك هنا عندما أعود .
- إننى لن أتحرك من مكانى . . إننى أعدك بذلك .
لم يكن "شيز" من النوع الذى يكتفى بالقليل و"آنى" اثبتت أنها من النوع الملئ بالمفاجأت غير المتوقعة .
لم يكن لديه أى رغبة فى أن يراها تفلت من بين أصابعه طالما لا يعرف بالضبط من هى .
إنه يتصور مقدما عناوين الصحف الكبيرة لو أن أسماك القرش هذه نشبت أسنانها فيه . حتى النشرات المحلية ستجد لها فرصة لتصول وتجول ، تخيل عناوين مثل "بطل البنتاجون" السابق يخفى المرأة الطفلة . منذ مغامراته فى أمريكا الوسطى لم تكف الصحف الصفراء ومجلات الفضائح عن مطاردته ، وليس لديه أى نية أن يكون طعما سهلا لها . هكذا قالت له بصوت مخنوق وكأنها تهمس وسط القداس فى الدير :
- "شيز" لدى فكرة . . ماذا لو اتصلت بشركائك القدامى ؟ إنهم سيقولون لك من أنا
شركائه ؟ إنها تقصد "جونى " و "جيوف"
- كيف تعرفينهم ؟
لمعت عبناها الزرقاوان . . لقد عثرت على الحل لكل مشاكلهما . قالت :
- لقد التقينا بهما فى الطريق إلى الجبهة . . ألا تتذكر ؟ لقد كان ذلك فى الخطة . لقدعثروا على العلماء وأنت الفتاة .. وأتذكر حتى أن "جونى" كان يمزح . لقد قال : إنك أنت الذى قمت بأحسن عمل .
تساءل "شيز" لماذا لم يفكر فى ذلك من قبل إنه لا يتذكر موعد اللقاء ولكنهما أتيا لزيارته فى المستشفى . ومع ذلك لم يستطيعا أن يعثرا على أى أثر للفتاة .
إن العملية كلها تركت فى حلقه مرارة العلقم ودفعته للتقاعد والانسحاب . لقد حنق عليه شركاؤه ولم يرهم منذ أربع سنوات أيا كان الأمر فإنه سيتاكد . تذكر قائمة الفضائل التى ذكرتها الفتاة ومن بينها الطاعة والخضوع . . قال لها :
- هيا يا آنسة . . اخلعى ملابسك وخذى حمامك ولا تضطرينى إلى أن أقوم بخلعها بدلا منك .
__________________

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:07 AM

الفصل الثالث


- هيا أفعلها إذن ! ما الذى تنتظره ؟ لا تظن على أية حال أننى سأخلع ملابسى تحت التهديد ؟ لن أفعلها لك أو لأى رجل آخر.
كانت تتحدث برابطة جأش وهى واثقة بعملها ، ولكنها سرعان ما لاحظت احتقاره إنها لم تكن قد حسبت رد فعله هذا . كانت نظرته التى اشتبكت مع نظرتها كفيلة بأن تجعل الميت يرتجف ، بدت عيناه فاحمتا السواد أكثر لهيبا حارقا من نار جهنم . قال :
- أنت لم تفهمى ما قلته يا ذات الشعر الأحمر . أنا لم أترك لك حرة الخيار ، إما أن تنفذى أو أقوم أنا بالتنفيذ .
نظرت إليه دون أن يطرف لها رمش ثم قالت – وهى ترفع يديها - :
- هيا مزقنى إربا . ولننته من هذا العذاب .
- هل أنت واثقة بما تقولين ؟ هل تريدن حقا أن تموتى ؟
وجهت له نظرة يستطيع أى راعى بقر أن يفهمها .
- هل تأملين أن تتلقى البركات الأخيرة ؟ أنا لست قسا ، ولكننى أستطيع ان أفعل شيئا . . أن أرشك بالماء أو أى شئ ما .
أحست "آنى" بالارتياح من لهجته الساخرة ، على الأقل لم يمزقها كما طلبت . قالت وهى تخفض يديها فى هدوء :
- إننى أستغنى عن البركات الأخيرة . فلست كاثوليكية .
قال لها أمرا :
- "آنى" ؟ هل ستنزعين تلك الملابس اللعينة ؟ نعم أم عليك اللعنة ؟
- لا . . ولا تحت تهديد المسدس !
فهمت أنه ليس من السهل أن تثنى "شيز بودين" ، ولم يضايقها أن يتمادى الرجل فى اصراره إلى أقصى الحدود . .انتهى بها الأمر إلى أن قالت له :
- حسنا . . لقد انتصرت على مبادئى ولكن لا جدوى على الإطلاق من أن أصر على التمسك برأيى وإلا أين أستطيع أن أذهب بعد أن قطعت آلاف الأميال حتى أقابلك ؟
بدأت فى خلع حذاء التنس والبنطلون الجينز ، ثم سألته وهى تشير إلى الباب :
- هل يمكن أن تخرج ؟ما دمت ستذهب على أية حال فإننى سأناولك ملابسى من وراء الباب عندما انتهى .
منتديات ليلاس
دهش "شيز" عندما وجد نفسه يعبر الباب ، اللعنة عليها .. كم هى متسلطة وآمرة ! من بين كل الفضائل التى حاولوا أن يعلموها له كانت الطاعة آخر ما يمكنه أن يفعلها نظر إليها وهى تفك حزام البنطلون إن هذه اللعينة لها طريقة خاصة تجعله يخرج عن شعوره . قال لها فى تهكم :
- هل تحبين أن أساعدك ؟
تجاهلته وأخذت تواصل عملية خلع ملابسها ، ولم يجد أمامه سوى أن ينتظر خلف الباب حتى تعطيه ملابسها ، وعندما تأخرت صاح فيها فى غضب :
- يجب أن أذهب . . فلم أعد أطيق الانتظار .
نظرت "آنى" فى ذهول إلى الباب الذى صفقه بعنف قبل أن يرحل ، كانت تتحرق فضولا لتعرف أين سيذهب . . ثم لماذا هذا الغضب المفاجئ ؟ هل كان يخشى أن يغرق ويرتكب حماقة تهز صورته فى عينيها ؟ هل هذا ممكن ؟ ثم ما هذا التغيير المفاجئ فى مسلكه ؟ ما هى مشكلة هذا الرجل ؟ النساء ؟ أم "آنى ويلز" ؟ أم كليهما ؟
أخذ "شيز" فى الخارج يتنفس فى صعوبة . . إن مشكلته الان أن يجد الأكسجين الكافى ليعود إلى صوابه .
عاد وطرق الباب بعنف :
- إننى لا زلت فى انتظار ملابسك حتى أنشرها لتجف .
قالت له وهى تناوله الملابس :
- لقد فعلت ما تريد . . هل أنت راض ؟
راض ؟ انها ليست الكلمة المناسبة لحالته .
نادت "آنى" ك
- تعال هنا يا "شادو"
منذ أن غادر صاحب الكلب المنزل لم يترك مكانه أمام الباب . نظر إليها كلب الرعى الاسكتلندى من نوع "كولى" نظرة متعبة وغير راضية وكأنه يحملها المسؤولية عن رحيل سيده ، وربما لأسباب أخرى .
شملت "آنى" الغرفة بنظراتها ، كانت حجرة فقيرة وعارية جعلت الرجفة تسرى فى اعضائها ، لم يكن على الجدار سوى بندقيتين معلقتين . . لا يوجد لوحات ولا ستائر ولا لمسة ألوان تعطى بهجة للمكان .
لقد كان التقشف باديا على المكان وكأنه دير أو مكان عبادة لناسك .
لسبب ما اختار "شادو" تلك اللحظة حتى يترك موقعه . وعندما عبرت الحجرة لتفحص ركن المطبخ عن قرب سار الكلب بجوارها خطوة خطوة ، وأحست بأنفاسه تصطدم بقدميها الحافيتين ، تركته "آنى" يتبعها وبدا الكلب يحتك بها وكأنه يحاول جذب انتباهها قالت له وهى تحد رأسه :
- إنك ظرف أيها الكلب .
مالت عليه لتداعبه واجتاحتها موجة من العواطف والانفعالات عندما بدأ الكلب يلعق وجهها ، هذه أول مرة يظهر لها أحد بعض الحرارة والحفاوة منذ بدأت رحلتها الطويلة . كم هو رائع أن تجد مخلوقا حيا بجوارها ، إنها تحس بأنها فى بيتها أو هذا على الأقل ما تخيلته لأنها فى الحقيقة لم تعش حياة عادية .
تمنت فقط لو أن هذا البيت أقل برودة مما هو عليه وأقل تقشفا .. إنه ليس على الاطلاق المنزل الذى تخيلته ، لقد تصورته فى صورة شاليه صغير ، وظريف ، وبه ستائر على النوافذ ، وبالتأكيد تصورت نفسها واقفة فى المطبخ تعد إفطارا شهيا ودسما . ثم ماذا عن رجل البيت ؟ هل هو حبيبها راعى البقر ؟ تصورته وصدره عار يقطع الخشب من أجل نيران المدفأة .
توقع الكلب مداعباتها . وقالت له فى حزن وكأنها تتقبل منه العزاء فى مصاب جلل ك
- شكرا .. اخشى ألا يتذكرنى سيدك إذ أنه ليست لديه الرغبة فى ذلك .
أحست بموجة من الخوف تغمرها ، وجذبت الكلب الاسكتلندى نحوها . تساءلت فى رعب ماذا سيكون الحال فيما لو رفض "شيز" مساعدتها ؟ إنها ستجد نفسها مقيدة اليدين والقدمين تحت رحمة رجال الهجرة .
ولقد سمعت الكثير حول هذا الموضوع . سرت رجفة كالثلج فى جسدها .. إنهم سيعيدونها إلى "كوستاريكا" هل هذا ما سيحدث لها بعد السنوات الخمس الأخيرة التى كانت عبارة عن كابوس مستمر ؟
أحست بعظامها مثلجة حتى النخاع ، لفت نفسها فى بطانية .. كم من الوقت مضى بدون ان تتناول شيئا من الطعام ؟ ربما بضعة أيام . إنها بدأت تفقد إحساسها بالوقت والأشياء بدأت تختلط فى ذهنها وتزداد موضا وكأنها وسط غمامة ، ثم أمامها نوم عميق وطويل لابد أن تعوض به سهر الايام والليالى .. إنها منهكة ، ولكن لا مجال أمامها لأن تستسلم ، ما دامت لم تعثر بعد على حل لمشكلتها . قالت لتسأل نفسها – بينما أخذ الكلب مكانه بجوارها - :
- ما الذى سأفعله ؟
نظر إليها الكلب بعينين بنيتين واسعتين مليئتين بالتعاطف والحزن على اليأس الذى غمرها وأغرقها ثم أراح رأسه على ركبتها .
التعاطف ؟ إن تلك الكلمة جعلتها ترتجف حتى أعماق نفسها ، وجسدها ، وكأن الكلمة أرسلت إليها بواسطة تدخل سماوى غامض
أخذت تردد بصوت عال :
- إنها نهاية الزمان .
وفجأة عرفت ما الذى عليها أن تفعله ، إنها تعرف .. قالت لـ "شادو" وابتسامة واسعة تعلو شفتيها :
- شكرا .. أنت تعرف كذلك يا "شادو" .. أليس كذلك ؟ أنت تفهم ! سأقوم بإغراء سيدك . ولا يوجد حل آخر .
أخذ قلبها يدق بسرعة مضاعفة داخل صدرها وهى تدرس السؤال من جميع نواحيه . أن تغوى "شيز بودين" ؟ ولكن كيف تفعل ذلك ؟ وهل توجد امرأة فى العالم قادرة على إخضاع ذلك الرجل المصنوع من الفولاذ ؟ هل تستطيع أن تجعل نفسها مرغوبة لدرجة إخضاعه ؟ ربما تعتبر رغبتها هذه حقيقة وواقعا ، ولكن بداخلها شئ ما يؤمن بأنها لو أغوت "شيز" فستعود إليه الذاكرة . عندئذ لن يدعى أنها ليست ذات أهمية لديه ... أليس كذلك ؟ إنه لن يستطيع وقتها أن يدعى أنها غير موجودة . قالت فى نفسها : إن ذلك لن يكون هينا ، كيف يمكنها أن تغوى رجلا لا يريد أن يقيم معها فى بيت واحد ؟
رغم تحفظ "شيز" الواضح هى لا تعرف شيئا عن الاغواء ، ومحاولة إجباره على الاعتراف بالزواج بها ، إنها لا تعرف شيئا عن الرجال ! لا شئ على الاطلاق ، فهى فى الوقت الذى كانت الفتيات الشابات يتلقين مغازلاتهن الاولى كانت تقوم بتعليم القراءة والكتابة لصغار الهنود الحمر فى الدير ، وإذا كانت قد أحست بأنها أثارت "شيز" أثناء عملية إجبارها على خلع ملابسها فإن ذلك كان مجرد مصادفة سعيدة ، إنها لا تعرف كيف تفعل ما لم يساعدها الرجل على اتخاذ الخطوات اللازمة والمناسبة ، ومن الواضح الجلى أن "شيز" مصمم على عدم إتخاذ أى خطوة فى هذا الشأن .
تذكرت قول الأم الكبرى فى الدير فى "كوستاريكا" :
- يجب أن تعرفى كيف تنتقلين إلى الفعل إذا رغبت فى تحقيق أهدافك .
فتحت "آنى" فجأة عينيها على اتساعهما .. لقد تحدث "شيز" عن الحمام .. أليس كذلك ؟ وجدت ما كانت تبحث عنه فى حمام ضيق ، لا يزيد حجمه عن دوب ملابس ، إنه ليس ما كانت تأمله وتهفو إليه ، ولكن هذا لم يحبطها ويمنعها من ان تقوم ببعض الزينة .
قالت فى نفسها ، وهى تدعك جسدها بقوة حتى تشعر ببعض الحرارة حيث كان الماء باردا . حتى بعد كل تلك السنوات من الحياة الجافة داخل الدير فى معاناة ومحنة وحرمان ، أحست ببعض الذنب عندما وجدت سعادة فى أخذها حماما ، تساءلت وهى تتأمل مدى بساطة ملابسها وخلوها من أى تطريز أو أى قطعة حريرية .. هل الفضيلة هى أحسن مكافأة لها حقا ؟ أخذت تدعك شعرها بقوة .. تساءلت أيضا أى فرصة أمام امرأة زرية الملابس مثلها فى إغواء رجل عنيد مثل "شيز بودين" .

انتهز "شيز" فرصة مروره بالمدينة ، ليحاول الانضمام إلى رفاقه القدامى ، ولكن دون جدوى لقد كان "جونى" يشهد أمام المحكمة الاستئنافية ، بينما رحل "جيوف" فى مهمة سرية للغاية إلى مكان ما فى الشرق الاقصى .
ترك لهما "شيز" رسالتين عاجلتين ، بل إنه استخدم شفرة قديمة خاصة حتى يجعلهما يفهمان أن هناك أمرا عاجلا ، أمرا عليه يعتمد حياته .. ربما لن يستسيغا طريقته وتكتيكاته عندما يعرفان نهاية الأمر ، ولكن عليهما اللعنة ، فإن حياته هى التى تتعرض للخطر !
هناك امرأة تقيم تحت سقف بيته وتدعى لها حقوقا زوجية عليه وعلى بيته وحياته ! إن هذا الوضع لا يسعده على الاطلاق ، ثم إنه لا يحب تلك الرغبة التى تدفعه إلى محاولة أن يعود إليها بسرعة . فى الحقيقة لم تكن "آنى" هى التى يتحرق شوقا للقائها ، إنها ليست المرأة التى وضعته فى هذا الوضع المثير والمضطرب ، وإنما كل تلك المجموعة من الانفعالات والعواطف التى أحضرتها معها . إنها تمثل تهديدا لنمط حياته ولسلام روحه .
لابد أن يمسك بزمام الأمور بين يديه . استعاد – للحظات – المنظر الذى شاهده قبل أن يغادر البيت .
يا له من أحمق شرير ! قال فى نفسه : إنه لا يجب أن يخدع نفسه فهو فعلا يتحرق شوقا لأن يعود إليها ويراها .
لم ينتبه إلى جمال السماء الأرجوانية واستدار وحمل أكياس المؤونة ، وعندما عبر عتبة الباب أعتقد أنه مستعد لتلقى أى مفاجأة ، تخيلها نائمة فى السرير وقد تكومت مثل الهرة الصغيرة ، أو طارت هاربة ومعها كل ثروته ، أو ربما توجه نحوه ماسورة مسدسها ، ولكن لم يخطر على باله أن يجدها لا تزال فى الحمام .
وقف "شيز" مذهولا تحت تأثير الصدمة ، إن العواطف التى أثارتها فيه كانت مزيجا من البراءة والمكر . أعادته إلى فترة سن المراهقة بما فيها من ممنوعات ... كان يسعى دائما للحصول عليها مثله مثل أترابه ، وتذكر الأفلام والصور التى كان يشاهدها خلسة مع رفاقه فى مخزن الغلال أو أسفل الدرج ، أخذ يعنف نفسه : عليك أن تتعقل يا راعى البقر قبل أن تسقط أكياس المؤونة من يديك !
وضع أكياس البقالة والتموين على مائدة البوفيه ثم سألها من وراء باب الحمام :
- "آنى" ... ولكن أخبرينى ماذا يجرى ؟
ردت عليه وهى ترتدى ملابسها الداخلية التى لم تعطها له لينشرها حتى تجف :
- إننى آخذ حماما .
عندما خرجت من الحمام وعليها القليل من الملابس ذهل من التباين الواضح بين بشرتها العاجية بلون اللبن واحمرار شعرها الطويل . أسعده الحظ وتمالك نفسه حتى لا يأتى بعمل يندم عليه فيما بعد .
منتديات ليلاس
لقد أحس بنبضه يتسارع والدماء تندفع داخل شرايينه بعنف وهو يراقبها ، إنها جنية البحر التى طالما قرأ عنها فى طفولته ، والتى تظهر لتخطف الرجال وتذهب بهم إلى أعماق البحر .
كانت الشابة واقفة عند نهاية الحجرة ، وكان من الواضح أنها لا تشعر بالخجل او الضيق من مفاجأته لها وهى فى تلك الحالة التى لم يسبق أن وجدت نفسها فيها أيام الدير ، وما بعد الدير . ومع ذلك إذا كان ما قالته عن الحياة فى الدير صحيحا فلابد أنها لم تشاهد رجالا كثيرين ، بل إنها لم يكن لها الحق فى أن تأخذ حماما وهى عارية .
هكذا علمتها الأخوات الصالحات . فالجسد عورة وخطيئة يجب أن تسترها وألا تعرضها للرؤية حتى لنفسها . قال لها بلهجة جافة :
- جففى نفسك .. وارتدى بقية ملابسك .
قالت له فى هدوء :
- ولكن ليس لدى ما أرتديه ... لقد انتزعت منى ملابسى .
خلع "شيز" قميصه وناوله لها وقال لها :
- ليس أمامك سوى أن ترتدى هذا القميص وسأقوم بترتيب المؤونة والتموين .
تركت القميص يسقط عند قدميها ، وجدحته طويلا دون أن تأتى بأى حركة لتستعيده قالت له بصوت مرتجف ورقيق :
- لدى فكرة أفضل .. لماذا لا نرتب تلك الأشياء معا ؟ ...


( نهاية الفصل الثالث )
__________________


الساعة الآن 10:46 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية