منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148146.html)

نيو فراولة 05-09-10 02:00 PM

17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة

الملخص


من أجل سعادة عمتها وأستقرارها قررت تينا أن تخوض مغامرة كان مجرد التفكير فيها يرعبها , الأشتراك في بعثة ذاهبة الى أدغال الأمازون منتحلة أسم عمتها وصفتها , وعمتها عالمة نباتات شهيرة ! وعانت تينا الكثير في هذه الرحلة المحفوفة بالأخطار , لا سيما أنها غريبة وسط هذه المجموعة من علماء وباحثين تألف منهم الفريق الذي يقوده رجل غريب الأطوار يدعى رامون فيغاس المعروف بالرجل الناري بسبب مزاجه الصعب وعناده وقسوته وتعاليه , وخلال الأيام الطويلة التي أمضتها تينا في أدغال الأمازون بين الوحوش المفترسة والحشرات السامة والقبيلة الأقرب الى الحيوان منها الى الأنسان, أستطاعت أن منتديات ليلاستحقق عدة مكاسب , فماذا حققت تينا وكيف أنتهت العلاقة المتوترة بينها وبين رامون فيغاس وما هي المفاجأة التي أعدتها لعمتها؟

نيو فراولة 05-09-10 02:02 PM

1- العمة كريس


ترنحت تيا دونيللي تحت ثقل المشتريات التي تحملها , وأغلقت وراءها الباب قبل أن تلقي بالرزم العديدة على أحد المقاعد القريبة.
وتنهدت وهي تحمد الله لأن عمتها كريس أصرت على عدم الأنتقال الى هذا البيت الجديد ألا بعدما تأكدت من تركيب التدفئة المركزية فيه , وبدأ الدفء يذيب الجليد الذي علق بشعرها الذهبي المائل الى الأحمرار , والذي أبى أن يستقر تحت قبعتها المصنوعة من الفراء , مرة أخرى , ألقت نظرة على مشترياتها قبل أن تحملها وتسرع بها الى المطبخ , لتعد العشاء لها ولعمتها.
وأخذت تترنم بقطعة موسيقية وهي تقوم بعملها , فهي تحب منزلهما المريح , وتشعر بالأعجاب والتقدير لهذه الآلآت الحديثة التي توفر عليها الوقت......... وبالسلام والراحة وسط هذا الديكور الرائع الذي يحيط بها , وقبل أن تنتقلا الى هذا المنزل , تركت لها عمتها حرية الأختيار لتنظيم المطبخ بالطريقة التي تعجبها , بينما أنهمكت هي في رسم وتنفيذ الديكور لما تبقى من غرف البيت , الذي يتكون من غرفة جلوس كبيرة ,وغرفتي نوم.
وغرقت تينا في أكوام الكعيبات والأعلانات الخاصة بأدوات المطبخ , حتى أذا أنتهت وعمتها من تأثيث البيت , كانت كل منهما معجبة تماما بالمجهود المبذول.
أجالت تينا بصرها في غرفة الجلوس التي تغير شكلها بعدما غطيت أرضيتها بسجادة خضراء بلون الغابات زينتها عمتها في الوسط بجلد نمر وصاحت مبهورة:
" صدقيني يا عمتي , لو لم تكوني متعلقة بوظيفتك , لتمكنت من جمع ثروة ضخمة من تصميم الديكورات , لقد أحسنت عرض كنوزك وتحفك بطريقة رائعة!".
وأبتسمت عمتها سعيدة بهذا الأطراء , بينما أخذت تينا تشير الى التحف الغريبة التي أحضرتها عمتها كريس دونللي من البعثات المتكررة التي أشتركت فيها , هذان شمعدان من النحاس الأصفر , تحولا ببراعة الى مصباحين حديثين غاية في الروعة على منضدة صغيرة من الخشب الهندي تجمعت تحتهما في تنظيم دقيق مجموعة عناقيد كريستال وقواقع غريبة , أكتشفتها العمة في جزيرة من جزر المرجان في البحار الجنوبية.
وعلى أحد الجدران علقا مرآة في أطار ذهبي , تعكس صورة لأحد المساجد , وعلى الحائط الآخر بعض اللوحات المرسومة بيد مشاهير الفنانين , وبعض التماثيل الدقيقة- وكلها من البرازيل- توزعت بطريقة فنية تنعكس عليها الأضواء التي تدخل من النوافذ الطويلة المكسوة بالمخمل , والتي تنسدل عليها ستائر من حرير تايلاند , وفي فجوة في الجدار وضعت تمثالا نصفيا من الخشب أحضرته من النمسا , الى جوار شجرة على شكل تنين من الوبر المنقوش مثبتة الى نموذج مصغر لأحدى قدور ساحرات الغابات.
غرفة مثيرة , غريبة , لكنها تعبر عن حق عن شخصية هذه المرأة التي صممتها , والتي تعيش حياة تتبدل بأستمرار.
كانت كريس دونللي معجبة جدا بنجاح أبنة أخيها في تصميم المطبخ وتنظيمه عكس تينا التي تعجب به للوهلة الأولى , لكنها عادت ووجدت أن أرضيته الرخامية البيضاء تتلاءم مع هذا القرميد الذي يكسو الجدار فوق الحوض , وأن صف القدور النحاسية ,وفرن الطهي الذي تعلوم أيضا قبة من النحاس أضفيا لمسة جمال مميزة على الغرفة.
لكن , وبعد مرور ستة أشهر على أنتقال المرأتين الى المنزل أنتهتبهجة الأثارة التي نتجت عن هذا التغيير الجديد , وأصبحت المناظر مألوفة وعادية , لاحظت تينا بدء دلائل الحيرة التي تصيب كريس كلما حثتها ساقاها على الرحيل , أبتسمت وهي تضع طبقين على المائدة , ففي كل مرة كانت عمتها ترتجف وهي تحدثها بخجل عن مشروع رحلتها المقبلة ,لكن تينا كانت تقابل كلماتها بهمهمات الأعجاب , لدرجة أن كريس لم تتصور أبدا أن الحديث لم يكن مفاجأة لها , ولم يخطر لها أنه خلال أسابيع القلق التي كانت تعانيفيها من تأنيب الضمير لتركها أبنة شقيقها الصغرة وحيدة في لندن , بينما هي تتجول في غابات أفريقيا , أو تتسلق جبلا في البيرو , تكون تينا في تلك الفترة تعد لها معدات الرحلة لتتأكد من أن كل ما تحتاجه في رحلتها سيكون جاهزا في لحظة الأعتراف ,التي تأتي غالبا قبل أيام قليلة من موعد الرحيل , تينا تعرفها جيدا لدرجة أنها تتوقع تحركاتها قبل حدوثها بأسابيع , بل ربما قبل أن تكون كريس نفسها أتخذت قرارها النهائي بعدّ

نيو فراولة 05-09-10 02:03 PM

وبالفعل , كانت تينا تعرفها جيدا..... تعرفها وتحبها , بل أنها فخورة بهذه العمة النحيلة الرقيقة ,التي ما زالت تحتفظ بشبابها كاملا , برغم أقترابها من الأربعين , والتي أستطاعت بكفاءتها العظيمة أن تحتل مكانة عالية في ميدان علم النبات , بعدما تخصصت في أكتشاف النباتات الغريبة في الأماكنالبعيدة والمجهولة من بقاع العالم , وكريس تعمل حاليا في حدائق كبو الملكية , وتشترك في بعثات علمية الى أماكن خطيرة وصعبة , متحدية الأخطار , بحثا عن نبات جديد تكتشفه , أو تضيفه الى المجموعة النادرة في كبو.
وكانت ينا المساعدة الأولى لها في العمل , لكنها على عكسها تحب الأستقرار وتكره السفر , وأستطاعت عمتها أن تحسن تدريبها وتعليمها كل ما أكتسبته من خبرة , حتى بدأت تينا تثير الأعجاب في محيط العمل , وتشق طريقها في الدوائر العلمية الكبرى.
تركت تينا المطبخ , وألقت نظرة فاحصة على غرفة الجلوس المريحة الدافئة , وقبل أن تعبر الغرفة الى النافذة لتلقي نظرة الى الخارج , محاولة أختراق برودة تلك الليلة من ليالي شهر مارس( آذار) , رأت الباصات المضيئة تزدحم بركاب يرتدون الملابس الثقيلة , ورأت تينا أيضا رذاذ المياه القذرة التي نثرتها السيارات المسرعة على ملابس سيئي الحظ من المساكين العائدين سيرا على الأقدام الى منازلهم , ألقت نظرة سريعة على ساعتها , وبدا عليها القلق , فكثيرا ما تدعى عمتها الى الأشتراك في لجنة من لجان العمل في اللحظة الأخيرة قبل عودتها , لكنها أعتادت أن تتصل بها لتنبئها بتأخرها عن موعد العشاء , ولم يكن من عادة تينا أن تعود مع عمتها الى المنزل , بل كانت تسبقها دائما بنحو ساعة حتى تتمكن من أعداد طعام العشاء , وعندما وصلتا الى كبو هذا الصباح , أستدعى الرئيس كريس لمقابلته , وكانت هي المرة الأخيرة التي رأتها فيها اليوم , وقطبت حاجبيها , فكريس دونيللي تستطيع أن تتسلق الجبال , وتصطاد الوحوش , وتواجه الكجهول في الأرض التي لم تكتشف بعد , لكنها تصبح طفلة عاجزة في خضم حركة المرور في شوارع لندن , عضت تينا شفتيها وهي تتذكر حيرة عمتها وترددها لدى عبور الطرق المزدحمة , مدت يدها الى الهاتف , وقبل أن ترفع السماعه , مزق رنينه المفاجىء سكون الغرفة .
ردت بلهفة:
" هالو , هنا تينا دونيللي.".
" تينا".
وعرفت الصوت على الفور , صوت رجل واثق النبرات أنه الدكتور أليكس ماكسويل صديق عمتها , وسألته بسرعة :
" أليكس , هل تعرف أين عمتي كريس؟ أنا قلقة عليها , تأخرت عن موعدها , وأنت تعرف خوفها من حركة المرور!".
أجاب أليكس ماكسويل غاضبا:
" طبعا أعرف , حاولت مرارا أن أحذرها لكنها تضحك دائما من حرصي على سلامتها , ولعلها تعترف الآن بأنني كنت على صواب!".
وصاحت تينا بصوت قلق:
" لعلها تعرف الآن؟ أليكس ماذا تقصد؟ هل تحاول أن تخبرني أن عمتي أصابها مكروه؟".
وأجاب بسرعة محاولا تهدئتها:
" أطمئني , لا داعي للقلق , أنه حادث بسيط , صدمتها سيارة على باب المستشفى تقريبا , ومن حسن الحظ أنني كنت في مناوبتي , طبيب الطوارىء يعرف أنها صديقتي , فأتصل بي وأخبرني".
صاحت تينا بخوف:
" أرجوك أخبرني ماذا حدث بالضبط , وما مدى أصابتها؟".
" كسرت يدها , ولكن حظها من السماء , على هذه المرأة أن تجد شخصا يعتني بها ويحميها من نفسها , عليه أولا أن يحطم عنادها!".
وأبتسمت تينا برغم أضطرابها عندما شعرت بالغضب والقلق في صوت أليكس ,عرفت منذ سنوات أنه يحب عمتها ,لكن كريس كانت تعلن دائما أنه ليس من العدل أن تتزوج رجلا سيجد نفسه وحيدا بعد فترة وجيزة من الحياة المشتركة , فهي أمرأة مستقلة ترفض التقيد بالزوج والبيت.
وشعرت تينا بالعطف عليه , وقالت مؤكدة :
" أعرف ما تشعر به يا أليكس , وأنا أوافقك على طول الخط! ربما في يوم ما , وأذا لم تتع من الأنتظار , تشعر كريس أنك على حق , لكنها الآن في حاجة الى الراحة والهدوء , هل أستطيع أن أحضر الى المستشفى لأعود بها , أم أن الصدمة شديدة عليها , ولن تستطيع الحركة؟".
وأنتظرت الرد بقلق , فبالرغم من أن أصابة عمتها خفيفة كما يقول , ألا أنها لا تطيق أن تراها ملقاة جريحة ووحيدة في المستشفى!

نيو فراولة 05-09-10 02:04 PM

زمجر الدكتور أليكس قائلا:
" صدمة ؟ ........ راحة ؟ هدوء ؟ حولت المستشفى الى دار للمجانين خلال الوقت القليل الذي مكثت فيه هناك , أقترحت عليها أن تبقى ليلة تحت المراقبة , لكن زئيرها المتواصل كان كافيا ليقنعني بضرورة عودتها الى البيت , من أجل راحة المرضى الآخرين".
وتنهد وهو يواصل كلامه :
" عمتك يا عزيزتي أمرأة في غاية العناد!".
وضحكت تينا ضحكة ناعمة , وواصل كلامه بعد قليل منهيا الحديث :
" تينا , سنصل اليك بعد ربع ساعة , أنتهت فترة عملي الآن , سأحضر عمتك معي في سيارتي الى المنزل".
شكرته بحرارة وأكدت له قبل أن ينهي المكالمة أنه سيجد عشاء فاخرا في أنتظاره.
كان الثلاثة يجلسون في أسترخاء , بعد عشاء شهي , في غرفة الجلوس المريحة , يحتسون القهوة , بدت كريس شاحبة اللون لكنها محتفظة بحيويتها التامة , جلست تينا الى جوارها على الأريكة البنية , وأمامها أليكس على مقعد وثير ,وعلى شفتيه أبتسامة رجل يشعر بالأكتفاء بعد عشاء فاخر , أخذ ينظر اليهما في كسل من فوق حافة نظارته :
" من يراكما يعتقد أنكما توأمان!".
منتديات ليلاس
فضحكت كريس وقالت:
" هذه كلمات مؤثرة يا عزيزي , هل تعرف أنني أحب فيك هذه الشهامة ؟!".
" أنا جاد في قولي ! لكما البشرة الصافية ذاتها , ولون الشعر الأحمر الذهبي الفريد ذاته , برغم أنكما تصففانه بطريقة مختلفة , والعيون الخضراء غير العادية ذاتها , المنحرفة بجاذبية طاغية حتى الطول والقوام متطابقان تماما!".
وأنتقل بعينيه من واحدة الى أخرى , ثم نظر , برقة الى كريس وقال:
" الأختلاف الوحيد بينكما , يكمن في طبيعة كل منكما , تينا تبدو كطفل مشرق لحظة أستيقاظه من النوم , أما أنت يا عزيزتي فتجمعين كل أغراء الأنثى الناضجة وغموضها".
زجرته كريس بحدة بعدما أحمر وجه تينا خجلا:
" كف عن هذه المداعبات يا أليكس , أخجلت الطفلة , أذا لم تتصرف بأدب فعليك بالعودة الى بيتك , هل نسيت أنني مريضة , كطبيب أنت تعرف جيدا أن عليك ألا تضايقني!".
تبادل أليكس وتينا النظرات , وأغرقا في الضحك , فمنذ ساعة واحدة , ثارت كريس لأن تينا تجرأت وطلبت منها الأستكانة والراحة , فأصرت أنها ليست مريضة , ولا تشعر حتى بأن ذراعها كسرت , ورفضت بشدة أن تعامل معاملة المرضى.
أحمر وجه كريس خجلا لما تعنيه ضحكاتهما وحاولت أن تجد مخرجا من هذا المأزق فقالت:
" في أي حال هناك أمور يجب أن نناقشها , لقد غيّر الحادث خططي تماما!".
ونظرت اليهما لتتأكد من أصغائهما وأضافت :
" بحق السماء , كيف يمكن أن أرحل بعد أسبوع الى الأمازون بهذه اليد المكسورة؟".
وخيم صمت مفاجىء بعد هذا السؤال , ثم , صرخ أليكس وتينا في وقت واحد:
" ولكن...... هذا مستحيل".
زمجر أليكس ,ورددت تينا:
" الأمازون .......كريس؟".
شعرت كريس بالسرور للأثر الذي أحدثته , وقالت:
" أنها آخر رحلة عظيمة على الأرض , وقد وقع عليّ الأختيار لأشترك فيها!".
وقبل أن يلتقط أحدهما أنفاسه ليقاطعها , واصلت كلامها بحماسة:
" أحدى الصحف اليومية الكبرى تمول رحلة الى نهري النيغرو .وأورينوكو لتختبر السفينة الطائرة في تلك البقاع , ويضم المشروع بعض الجغرافيين والمصورين , وأحد علماء الطبيعة والنبات , كاد يغمى علي من الأنفعال عندما عرضوا علي هذه الفرصة , تصوروا رحلة طولها ألفا ميل في أرض لم يطأها رجل أبيض حتى الآن ,فضلا عن أنواع من النباتات الغريبة سنجمعها , ثم أفسدت كل هذا بكسر ذراعي".
ونظرت بأحتقار الى الضمادة التي تربط بها ذراعها , قبل أن تتجه الى أليكس وتسأله بصوت ضعيف , بحثا عن بصيص من الأمل:
" هل هناك أي أحتمال في أن أستطيع القيام بهذه الرحلة؟!".
وأذا كانت تينا شعرت في وقت من الأوقات بأي شك في مشاعر أليكس أتجاه كريس , فقد تبدد تماما وهي تنظر الى وجهه الهادىء لترى تأثير كلمات عمتها عليه , ورأت الغضب يتصارع في نفسه مع العطف , قبل أن يجيب بحزم مغلف بقلق حقيقي:
" لا أمل يا كريس...... لا أمل!".
وكانت كريس تعرف هذه الأجابة مسبقا , لكنها كانت تبحث عن شعاع أمل , فظللت وجهها الجميل سحابة من الحزن وخيبة الأمل عندما سمعت رده , رأى أليكس هذا , فأمتلأ صوته بالحنان والعطف وقال مخففا عنها:
" كريس يا حبي لا تحزني , لا بد وأن تأتي فرص أخرى , هذه الرحلة التي تسمينها آخر رحلة عظيمة على الأرض , لا بد وأن تأتي أفضل منها خلال الأشهر المقبلة".
فقالت كريس بصوت ضعيف:
" ربما..... ولكن لن يكون هناك القائد كارامورو , الرجل الذي تمنيت دائما أن أصحبه في أحدى رحلاته , وهل هي الفرصة تهرب مني بعدما حصلت عليها !".
وصاح أليكس في دهشة:
" ومن هو كارومورو هذا؟".

نيو فراولة 05-09-10 02:05 PM

أنحنت كريس الى الأمام , وتحدثت بصوت أذهل تينا , كانت نبراتها تحمل من الأحترام والتقدير , ما لم تتصور تينا أن تحمله كريس لأي رجل في العالم .
قالت:
" أنه السنيور رامون فيغاس , برازيلي من أصل أسباني وله خبرة واسعة في ميدان أكتشاف الغابات , كما أنه أكثر الرجال جرأة في قيادة البعثات في الأدغال , ومن الأشخاص المعروفين في العالم , كانت عائلته واحدة من أولى العائلات الأسبانية التي أستقرت في البرازيل منذ أجيال عديدة , أكتسب أكثر معلوماته عن الأدغال من أبيه الذي كان مستكشفا شهيرا هو الآخر , وأعتقد أن رامون أنصرف الى شؤون أسرته بعد وفاة والده , أصبح هو كبير العائلة , فندرت رحلاته , هذه واحدة من الرحلات النادرة , وكم كنت أتوق للأشتراك فيها!".
ورد أليكس:
" يبدو أنه رجل عظيم حقا , ولكن هذا الكلام لا يفسر لنا حتى الآن معنى أسم كارامورو!".
" لا , أن له تفسيرا , فكلمة كارامورو تصور شخصية رامون فيغاس أكثر من أي كلام أستطيع أن أصفه به , أطلق عليه سكان الأدغال أسم كارامورو , ومعناه الرجل الناري , أو رجل من نار , أنا أصدق تماما ما تصفه به أساطير الوطننين هناك , أن له بالفعل شخصية بركانية!".
منتديات ليلاس
وقاطعها أليكس:
" أذن........ ربما كان من حسن الحظ أنك لن تشتركي في هذه الرحلة , فوجود أثنين بهذا الطبع الناري في مكان واحد مثير للمتاعب , ولذلك يا قطتي العزيزة, من الأفضل أن تمكثي في المنزل!".
ورمقته كريس بنظرة غاضبة , ثم تنهدت بائسة وقالت:
" حسنا , كلما أسرعت في الأتصال بالمدير لأخبره بما حدث , كان ذلك أفضل , لا شك في أنه سيصاب بخيبة أمل شديدة , قضيت معه طوال اليوم نضع الخطوط النهائية لخطة البحث عن حقيقة الأشاعات التي تدور حول طبيب وطني يعالج الناس بالأعشاب في الأمازون , وقد نجح في شفاء الوطنيين من مرض النقرس بمرهم مستخرج من نبات مجهول , وكنت مكلفة بأحضار هذا النبات , لذا علي أن أسارع لأخباره بما حدث حتى يستطيع أن يجد شخصا آخر يحل مكاني!".
وخيم عليهم سكوت عميق , فقد كانت كريس برغم كل شيء تشعر بالضيق والألم لفكرة نقل الحادث الى السير هانيمان , عالم النبات الشهير الذي ساعدها في الوصول الى مكانتها العلمية الحالية.

نيو فراولة 05-09-10 02:07 PM

أما أليكس فقد صمت , تعبيرا عن تم*** برأيه بعدم قدرتها على السفر , وأن كان ضيقه وأكتئابه واضحين لأضطراره الى أرغامها على البقاء في لندن , جلست تينا تنظر اليهما وهي تتمنى لو كان في أمكانها أن تجد طريقة لمساعدة عمتها .
وفجأة قطع أليكس الصمت , فسأل كريس:
" لماذا لا ترسلين تينا بدى منك! أنك تقولين دائما أنها بارعة في عملها , وأنه لم يعد لديك ما تضيفينه الى معلوماتها , ستكون فرصة رائعة لها لأكتساب خبرة جديدة , حتى لو كانت غير قادرة على البحث عن أطباء الأعشاب".
وكان رد فعل تينا غريبا , أرتعشت بخوف ظاهر , ونظرت الى عمتها وقد أصفر وجهها ,وأنطفأت لمعة عينيها , وربتت كريس على يدها مطمئنة وقالت لأليكس بصوت هادىء:
" تينا لا تحب السفر بل أنها تكرهه , لا أتصور أبدا أنه يمكنني أن أطلب منها الذهاب الى الأدغال , مجرد التفكير في شكل العنكبوت يجعلها مريضة".
ونظرت كريس الى جلد النمر في وسط الغرفة , وأبتسمت وهي تمد ساقيها لتضع قدمها على رأسه بأطمئنان :
" أعتقد بأنها ترمي جلد الحيوان هذا الى الخارج أذا تأكدت أن أحدا لن يراها , أليس كذلك يا عزيزتي؟".
قالت هذه الكلمات , وهي تنظر الى تينا بحب شديد , لكن هذه الأخيرة هبت واقفة ,وقالت بصوت واضح الرعشة:
" سأعد بعض القهوة".
وأندفعت تحمل الصينية الى المطبخ!
وبعدما أغلقت الباب وراء خيالها النحيل , رفع أليكس حاجبيه بدهشة , وكأنه يطلب مزيدا من الأيضاح , فرفع أليكس حاجبيه بدهشة , وكأنه يطلب مزيدا من الأيضاح , فرفعت كريس يديها , وقالت بصوت يائس ردا على تساؤله الصامت:
" أنا أيضا لا أفهم , لا بد أن يسكون للأمر صلة بطفولتها غير العادية ".
فقال أليكس وهو يبحث عن سيكارة:
" أخبريني بما تعرفين عنها!".
منتديات ليلاس
" حسنا , أنت تعرف طبعا أن والدها هو شقيقي دين , كان أحد علماء النبات الشهيرين الى جانب حصوله على الزمالة من المعهد الملكي لعلوم النبات , وتوليه أرفع المناصب العلمية".
هز أليكس موافقا , بينما واصلت كريس كلامها:
" كانت زوجته مويرا ترافقه الى أي مكام يذهب اليه ,كان يصر على ذلك , ولم تكن هي في حاجة الى تشجيع , كانت تحبه كثيرا ,وعندما ولدت تينا أعتقدت بأن دين وزوجته سيتوقفان عن الترحال , ويستقران في منزل يجمعهما , أو على الأقل أن تبقى مويرا مع أبنتها , ويكتفي دين برحلات قصيرة يعود بعدها اليهما , ولكن لدهشتها الشديدة لم يتغير شيء في طريقة حياتهما , وارا يحملان الطفلة معهما الى أماكن غريبة وخطرة في كل أنحاء العالم حتى بلغت السن التي يجب أن تذهب فيها الى المدرسة!".
وأطلق أليكس صيحة تعجب , بينما أومأت كريس برأسها مؤكدة ومواصلة كلامها:
" ومن الطبيعي أنها تتلقى بعض المعلومات وثقافة علمية وهي تتجول معهما حول العالم , طبعا لمتهما على أصطحابهما الدائم للطفلة , ولكنهما لم يريا أي غرابة في ذلك , وكانت أجابتهما على كل مناقشة وأعتراض: ( الأطفال يعيشون في كل مكان , وفي كل الأحوال والظروف وطفلتنا في حماية كاملة".
وأبتسمت كريس بمرارة وأستطردت:
" وفعلا كانت الطفلة تعيش , بل تنمو , كانت طفلة جميلة وباسمة , سعيدة ومرحة , لكنها تحولت فجأة وقبل أن تفترق عن والديها بقليل لتذهب الى المدرسة الداخلية الى شبح هادىء منطو , وحاولت بكل جهدي أن أجعل أيامها الدراسية سعيدة , كنت أزورها وأصطحبها معي كلما يسمح لها بالخروج , لكنني لم أستطع أن أحل مكان دين ومويرا , فقد كانت تتوق شوقا اليهما , ثم............".
وفجأة أنخفض صوت كريس ليصبح همسا , وأنتقل أليكس الى جوارها , ووضع يده حول كتفيها , عرف الأفكار التي تزعجها حين رفع وجهها ورأى الدموع في عينيها , وفي صمت أخذ يحاول تهدئتها.
ثم قال:
" أعلم الباقي يا حبيبتي , لست في حاجة الى الأستمرار , توفي شقيقك وزوجته بالحمى في أحدى القرى الهندية ,وهكذا أصبحت وحدك المسؤولة عن رعاية تينا".
تنهدت كريس , وتركت رأسها تميل على كتف أليكس العريضة فربت على رأسها بحنان وهمس:
" يا حبيبتي , لو كنت تسمحين لي برعايتك ......... برعايتكما معا , تينا الآن في العشرين من عمرها , أمرأة تقريبا , فألى متى تعتقدين أنه عليّ الأنتظار حتى توافقي على الزواج مني؟".
وفي اللحظة ذاتها , ودون أي صوت , دفعت تينا باب المطبخ خلفها حاملة صينية القهوة , رأت الرأسين المتقاربين , وتوقفت مكانها , كانت على وشك أن تسعل سعلة خفيفة لتنبههما الى وجودها , عندما سمعت عمتها تتكلم بحزن يائس أضطرها الى الصمت والأستماع:
" أليكس...... لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال , تينا في حاجة اليّ , أنها متعلقة بحياتنا المشتركة , أنا وهي , أنها تحب هذا البيت , ولا تحلم بالرحيل مثلي , أو مثل والدها ,منزلنا هو المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالأمان الذي لم تعرفه , لا أستطيع أن أتخلى عنها , هل تفهمني يا أليكس , ببساطة لا أستطيع أن أهجرها!".
وأمتلأ صوتها بالدموع وهي تقول:
" أنتظر قليلا يا حبيبي , حتى تقرر تينا ما تريد أن تفعله في حياتها , وعندئذ , وأذا كنت ما زلت تريدني , أتزوجك وأنا في منتهى السعادة".
لم تصدق تينا أذنيها , وخرجت كالمتخدرة من الغرفة , عائدة الى المطبخ.

نيو فراولة 05-09-10 02:08 PM



2- بداية الرحلة



أرتفع صوت الطائرة مدويا ! وهي تدير محركاتها لتجري على مدرج مطار لندن,وكان دوي المحركات النفاثة يصرخ في أذني تينا : غبية , عمياء , أنانية , بلهاء , وملأت الدموع عينيها وهي ترسل نظرة أخيرة الى الشخصين اللذين تشعر نحوهما بكل هذا الحب , وبتأنيب الضمير , لكن الطائرة أستدارت فجأة لتعترض نظراتها , وتستقر في طريقها الى ميامي , ومنها الى البرازيل , لتهبط في مطار مدينة مانوس حيث كان من المقرر أن تلتقي مع أعضاء الفريق الذي يشترك في ما أسمته عمتها ( آخر رحلة عظيمة على الأرض).
أسترخت تينا تماما في مقعدها , وأراحت رأسها على الوسادة الصغيرة , أغمضت عينيها , وأسترجعت مرة أخرى تلك الأيام الأليمة التي سبقت رحيلها , تداعت الصور أمام عينيها وهي تسترجع الأحداث التي أخرجتها من حياتها الهادئة , وكادت تكذب نفسها : هل صحيح أن كل هذا حدث في أسبوع واحد , فقط منذ سمعت كريس تفضي بحبها الى أليكس؟
وأهتزت الطائرة أهتزازة عنيفة أثر سقوطها في أحد المطبات الهوائية , وأرتفع الضجيج حولها , ولكن ذلك لم يستطع أن يطغى على آلامها النفسية التي كانت ترهقها , كان رد فعلها الأول عندما أستمعت الى صوت عمتها الهامس وهي تناجي أليكس , أن تراجعت بهدوء الى المطبخ , وهناك نظرت حولها في ذهول , أمتلأ قلبها بالأسى ثم بالأحتقار لنفسها , ولأنانيتها , هذه الأنانية التي جعلتها تتعلق بالمرأة التي بقيت طوال سنوات تمثل لها طوق النجاة , مضحية بسعادتها وسعادة الرجل الذي تحب وبالمستقبل العائلي والبيت والأولاد , وأخذت تينا تلوم نفسها , أنها السبب في التفريق بين أثنين هما أحب الناس الى قلبها , ووضعت رأسها الملتهب على حائط المطبخ الرخامي البارد , لتهدىء الحمى التي تلهب عقلها , وترغمها على مواجهة الحقيقة المرة , أن حل مشكلتها بين يديها , صحيح أنها لا تستطيع أن تنكر أنها كانت تتمنى لو تبقى سنوات طويلة مع عمتها , شريكتين في العمل , سعيدتين معا , طالما أعتقدت أن كريس وهبت حياتها لعملها الذي أحبته , لكن يبدو انها كانت مخطئة وواهمة , وشيئا فشيئا , كان عليها أن تتخلى أحلامها , وأن ترغم نفسها على خطة جديدة , خطة بلغت من النجاح حدا أوصلها الى هذه الطائرة المتجهة الى مكان تعرف مسبقا أنها ستكرهه , ولكن...... لا يهم , لا شيء يهمها ألا النتيجة التي حققتها , وهي أجبار كريس وأليكس على تحديد موعد زفافهما بعد أسبوع واحد من عودتها.
وقطعت المضيفة عليها سيل خواطرها , قائلة:
" آنسة دونيللي , هل تريدين بعض القهوة؟".
"لا".
منتديات ليلاس
ردت بصوت بارد , صدم الفتاة في الحال , وبرغم شعورها بخشونة الرد ألا أنها لم تستطيع أن تعذر لها , أدارت وجهها الى النافذة , ومرة أخرى عادت الذكريات تطاردها , وأخترقت الطائرة سحابة قاتلة , جعلت الغيوم حولها تتحول الى شاشة سوداء تستعيد عليها ذكرياتها , وكأنها ترى أحد الأفلام السينمائية تعرض أمامها , أنها تشاهد الآن رأس كريس بتاجه الذهبي الأحمر , معتمدا على كتف أليكس , ونظرة الذنب في عيونهما عندما عادت الى الغرفة في المرة الثانية , بصوت مسموع , ورأت نفسها في ردائها الأزرق , وقد نجحت في رسم أبتسامة عريضة على شفتيها , وسمعت صوت عمتها مرحبا:
" أهلا عزيزتي تينا , هل أعددت قهوة , أنني في حاجة شديدة الى فنجان منها!ّ".
ووضعت تينا القهوة في الفناجين الثلاثة ,قبل أن تتجه الى عمتها قائلة:
" كريس , هل يمكن حقا أن أذهب بدلا منك الى تلك البقاع؟!".
وأمسكت أنفاسها قليلا قبل أن تواصل كذبتها:
" كم أتمنى لو أذهب الى هناك؟".
وساد الصمت , وأنتابت الجميع دهشة كاملة , ثم قالت كريس:
" ماذا؟ ذلك ممكن طبعا , لكنني أعتقد أنك تكرهين السفر كما كنت تقولين..........".
فقاطعتها تينا وهي تحاول أن تتصنع اللباقة:
" نعم أعرف ما كنت أقول , غيرت رأيي الآن , وفي أي حال فهذه تقاليد العائلة , أليس من الطبيعي أن يكون كل آل دونيللي من المكتشفين ؟ عشت مستقرة في مكاني مدة كافية".
ورفعت يديها أمامها محاولة أن تزيد من أقناعهما , ونجحت في أن تكتم أنينا صامتا في صوتها وهي تستطرد:
" أنا الآن في مرحلة الشباب , وأشتاق الى أن أرى مزيدا من العالم , وأعتقد أنك تفهمين شعوري يا عمتي , أليس كذلك ؟ لعل اللهفة الى المغامرة والحنين الى الترحال يجريان في دمائنا , هل يمكن أن تساعديني على القيام بهذه الرحلة!".
وفي الحال , بدت الحماسة الشديدة على وجه كريس وقالت:
" بكل سرور يا عزيزتي , أذا كانت هذه حقا رغبتك , كنت دائما أتمنى أن يأتي هذا اليوم , كنت أعتقد أنك تكرهين فكرة السفر".
وتحول تعبير وجهها الى الدهشة وهي تردف:
" ولكن كيف حدث هذا التغيير المفاجىء ؟ منذ لحظات عندما أقترح أليكس الفكرة , خيّل ألي أنك ترفضينها بشدة , والآن تخبرينني أنك في غاية الحماسة للأشتراك في الوفد!".
ورأت تعبيرا على وجه تينا , جعلها تنقل نظرها الى باب المطبخ , الذي كان ما يزال يهتز , ولكن قبل أن تصل الى الربط بينه وبين ما حدث , أسرعت تينا الى النافذة , وجذبت الستائر التي تحجب الجو القارس في الخارج وأشارت قائلة بحماسة:
" أنظري الى الطقس".
ثم أضافت بصوت مسرحي أخاذ:
" من لا يرفض أن يترك هذا الجو الى شمس البرازيل الساطعة , أذا سنحت له الفرصة؟".
ونجحت الخدعة , منذ تلك اللحظة بدأ التخطيط أو التحايل كما أطلق عليه الدكتور أليكس , فقد صدم بتجاهل كريس لقواعد الأخلاقيات وهي تعد تينا لتحل محلها لدرجة أدهشته , فقد رفضت أن تخبر السير هارفي هانيمان بهذا التبديل , وعندما أعترض أليكس قالت بصوت صارم:
" لا , لن نخبره الآن , أنه راحل في الصباح الباكر الى الولايات المتحدة الأميركية , وهذا هو السبب في أنني قضيت اليوم كله معه لأنهي كل تنظيمات الرحلة , وسأشرح له ما حدث بعد عودته !".
وعاد أليكس يعترض:
" وماذا عن بقية أعضاء الفريق , ألن تكون مفاجأة لهم أن يجدوا شخصا غريبا عنهم تماما ينضم اليهم ؟".
فأجابته كريس بصوت منتصر:
" لن يعرفوا فأنا لم أقابل أحدا منهم , وتينا وأنا نحمل الأسم نفسه كريستينا دونللي , لن ينتبه أحد للتغيير , وكل ما يمكن أن أطلبه من تينا هو الصمت والأبتعاد قدر الأمكان عن أعضاء الفريق".

نيو فراولة 05-09-10 02:10 PM

وعبثا حاول أليكس أن يظهر الخطأ في سفر فتاة غير خبيرة في رحلة مثل هذه في قلب غابات الأمازون , وهي تحتل مكان مكتشفة لها سابق خبرة عالمية , ويبين لهما خطورة هذه الرحلة دون عين حارسة ترعاها , وأنه ليس من العدل أن تشترك في مغامرة يعتقد كل من فيها أنها محفوفة بالأخطار التي يمكن أن تصادفها في هذه الأماكن الغريبة , لكن أعتراضاته كلها ذهبت عبثا , فقد تمسكت المرأتان بمواقفهما بأصرار وعناد.
وقطع على تينا حبل تخيلاتها صوت قائد الطائرة وهو يقدم بصوته المرح فكرة للمسافرين عن أرتفاع الطائرة , وعن السرعة والطريق الذي تسير فيه , وشعرت تينا بالغضب الشديد وبالكراهية أتجاه ذلك الطيار الذي يسرع بها الى محنة جعلت حلقها يجف ودموعها تتدفق لمجرد التفكير فيها.
منتديات ليلاس
لم يعرف أحد أبدا الأحلام المزعجة التي كانت تهاجمها في طفولتها , كان قلبها مغلقا بأحكام على ذكريات طفولتها القاسية , على الأحداث المؤلمة التي ظلت منحوتة في عقلها حتى الآن , وعلى الأحداث التي دمرت سنوات طفولتها الأولى , فهي ما زالت تذكر عندما كانت ملقاة في مهدها الصغير , المغطى بشبكة كبيرة تبعد عنها الحشرات , هذه الحشرات الهائلة التي تظل تحوم حولها بأصرار , وتبذل كل طاقتها بحثا عن منفذ تتسرب منه اليها وفي مكان آخر وربما بلد آخر تماما كانت تجد نفسها مرة أخرى تحت مظلة بيضاء تحميها , لكنها لم تكن تجرؤ على أن تغلق عينيهامن الخوف من هذا العنكبوت الأسود , ذي الشعر الكثيف , الذي يتدلى من أحد الأركان بالسقف , محملقا فيها , وكأنه يتوعدها ويهددها , كانت تستطيع الصراخ , لكن أمها كانت مشغولة عنها دائما لدرجة تمنعها من الحضور لأنقاذها , الوحيد الذي كان يدركها , شخص مجهول اللون , وكانت تعرف بخبرتها أن ذوي الوجوه السوداء , لن يفهموا صرخاتها , ولن يقدروا مخاوفها.
أصوات الحيوانات أيضا تحتل جزءا كبيرا من كوابيس طفولتها , زئير الأسد , وأصوات النمور العميقة الصادرة من أعماق حناجرها , حفيف الثعابين الزاحفة المتوعدة , والمتحركة حولها دائما , كل هذه الأشياء تعرفها , وتعرف أكثر منها , كلها تتجمع وراء الشبكة التي تحميها من الحشرات , في أنتظار اللحظة التي تنقض عليها!
أما خوفها الأعظم , فقد كان على والديها , هذان السعيدان اللذان يسيران , يضحكان ويثرثران في قلب المنظر الأسود خارج شبكاتها , يبتسمان لها ويربتان على رأسها في الأيام الباردة التي كانت تحاول فيها أن تعبر لهما عن مخاوفها الطفولية , لكنها كانت تعرف أنه ذات يوم سيتغلب عليهما هؤلاء الأعداء المتربصون! وبعد سنوات , عندما أنهارت عمتها وهي تنبئها بموتهما في مكان ما في قلب الأحراش , لم يكن ذلك غريبا عليها , بدا كأنه نهاية متوقعة , فقد كانت تعرف أنه بطريقة أو بأخرى ستتغلب عليهما قسوة الأدغال الوحشية ,تماما كما سيحدث لها, فهذا هو المصير الذي ينتظرها أذا ما عادت مرة أخرى الى الغابات!
وأرتعدت , تجمدت الدماء في عروقها , فمنذ اللحظة التي قررت فيها أن تأخذ مكان عمتها في الرحلة , حطمت الحساسية أعصابها , وتسلط الخوف الشديد والبرودة على قلبها لكنها أخفت مخاوفها بمهارة , فأن أي سقطة تظهر الحقيقة جديرة بأن تحطم كريس وأليكس , ربما الى الأبد , وهكذا نجحت في أن تمنع الشك من أن يتطرق اليها , فلم يكتشفا أبدا أنه تحت ستار السعادة والأثارة التي تظرها , تخفي كل هذا الخوف الذي يدمر عقلها ويقتل أحاسيسها , حتى أنها عندما خطت أولى خطولتها من الطائرة في مطار مانوس , شعرت وكأنها تحولت الى قوقعة أغلقت أبوابها على عقلها تماما!
وردت على وداع المضيفة بهزة صامتة من رأسها , ونزلت من الطائرة ,ففوجئت بدرجة الحرارة العالية , وجمعت حقائبها , وأستقلت تاكسيا , أعطته عنوان الفندق الذي ستقابل فيه بقية طاقم الرحلة , ولم تفارقها ذكرياتها , أخذت تثقل عليها أكثر فأكثر .
عندما كانت الظايرة تدور حول المدينة أستعدادا للهبوط ,ألقت تينا نظرة الى أسفل , رأت الأدغال الكثيفة الخضراء التي لا تنتهي , تحتضن المدينة تماما في آحراشها الخضراء , وأيقظ ذلك بكل قسوة ما أختفى في أعماقها من مخاوف طفولتها الأولى.

نيو فراولة 05-09-10 02:11 PM

بعد ساعة , وبتأثير تكييف الهواء في غرفتها الفاخرة في الفندق , بدأت تشعر بالأنتعاش , خصوصا بعد حمام بالماء البارد , أرتدت ثوبا من القطن الأبيض بلا أكمام , وأتخذت طريقها هابطة السلم الى قاعة , وأسرع اليها الساقي وهو يرى ترددها في أختيار المكان الذي تريده , فحاولت أن ترسم أبتسامة على وجهها لكن شفتيها كانتا جافتين , وخرج صوتها باردا وقاسيا ,وقالت للساقي:
" أود أن أقابل السيد فيغاس وجماعته!".
ولمعت عيناه بالسرور وهو ينحني أمامها قبل أن يطلب منها أن تتبعه , وقادها مباشرة عبر الغرفة الى مائدة بجوار النافذة العريضة يجلس حولها مجموعة من الرجال يبدو عليهم أنهم من الشخصيات الراقية كانوا ينتظرون الطبق الأول من طعامهم وهم يتحدثون ,وخيم عليهم صمت مفاجىء عندما وصلت تينا اليهم , وقفوا جميعا , بنصف أبتسامة , ينتظرون أن تتكلم:
قالت بلا تردد:
" تينا دونللي , عالمة نبات , أنا مدعوة الى الأنضمام الى جماعة السيد فيغاس!".
وفي الحال أمتدت الأيدي لتقدم لها مقعدا وبدأ سيل من كلمات الترحيب ينهال عليها وللحظة بدأ الجميع يقدمون أنفسهم لها في وقت واحد , ثم تقدم الرجل الذي يقف الى يمينها ليسيطر على الموقف , وقدم لها نفسه , ثم بدأ يقدم الآخرين , أخبرها بلهجة أميركية أصيلة أن أسمه فيلكس كريللي وأنه عالم طبيعة , وأعجبها وجهه النشيط المريح , ونظراته الحارة المرحبة بها , والتي تطلب منها أن تبتسم , ثم قدم لها شابين عملاقين , صغيري السن , كانا يبتسمان مرحبين بها عبر المائدة:
" لارس وأندرز يكلنغ , مصوران من أسكندنافيا , ولسوء الحظ أنهما لا يجيدان الأنكليزية".
وأحنت رأسها للشقيقين صاحبي الأبتسامة الواسعة بينما واصل فليكس كريللي قوله :
" وهذا زميل أنكليزي ,مواطن لك , مايلز ديبريت عالم في الجغرافيا , أحنى الرجل الطويل , ذو المظهر المدرسي , رأسه بتحية وقورة , وأنتقلت عيناها الى الرجل الذي يجاوره , كان له شعر رمادي , وعيناه أليفتان فريدتان وحياها بصوت يدل على أنه أسكتلندي أصيل , وعرفت أسمه : جوك ساندرز.

نيو فراولة 05-09-10 02:12 PM

خلال هذا التعارف , كانت تشعر بالقلق أزاء نظرة محملقة من رجل , كان هو الأخير في اللقاء , وأصابتها الدهشة عندما رأت حجمه الهائل وكتفيه العريضتين , وقد أنحنى بطوله الذي يزيد على مترين ليهز يدها , نظر اليها فاحصا , وكان عليها أن تستجمع كل قوتها حتى لا ترتعد وهو يغلق يده على يديها بأصابعه الضخمة التي يغطيها الشعر الأشقر , وشعرت كأنه يغوص في جلدها!
قال بثقة :
" أما أنا فأستطيع أن أقدم نفسي , أسمي ثيو برانستون , أميركي كما لا بد لاحظت من لهجتي , متمرس في ما يزيد على العشرات من رحلات الغابة هذه , يمكنك أن تبقي الى جواري , فأنا أعرف كل ما يجب أن يعرف عن مناطق الغابات وأخطارها , أضافة ال أنه سيكون من دواعي سروري أن أرعاك!".
ونجحت في أن تخلص يدها من قبضته دون أن تظهر التغيير الذي أصابها نتيجة تأثير هذا لكن صوتها كان ثابتا عندما أعلنت ببرود:
" أعتقد أنني لن أحتاج الى عرضك يا سيد برانستون , وفي أي حال أنا لست غريبة عن الأدغال ,ولم أحضر الى هذه البعثة وفي نيتي أن أجعل من أي شخص حارسا لي".
وكانت كلماتها متعمدة تماما , تهدف الى أيهام مرافقيها بأنها خبيرة مجبرة في الرحلات والمغامرات , ونجحت خطتها بطريقة باهرة , في الحال , تغير مسلكهم من الرقة والمجاملة , الذي نبع من شعورهم بوجود أنثى جميلة بينهم , وظهرت عليهم علامات تعجب أختلفت درجتها .... فلو أن قطة صغيرة أظهرت فجأة مخالب دامية , وأظافر مدمرة , ما أنتابهم الحيرة أكثر مما حدث لهم عندما فوجئوا بهذه الفتاة البريئة المظهر , الرقيقة مثل صورة على حائط , الجميلة بطريقة باهرة , وهي تتكلم بصوت لاذع كالسوط , رافضة عروضهم الطيبة , وتأملتهم وهي ترى خيبة أملهم , لم تكن ترغب حقيقة في أكثر من أن تنال ثقتهم وترتبط بهم بشهامتهم , فهم من القوة بحيث يستطيعون حمايتها , لكن كان عليها أن تحتفظ بسرها , لم تجرؤ على البوم بأنها مزيفة , لذلك لم يكن لديها خيار , يجب أن تبني جدارا من التحفظ بينها وبين زملائها خوفا من أن يوجهوا اليها ولو الحد الأدنى من الأسئلة , وبذلك تضمن بقاءها وحيدة , ترتكب أخطاءها بعيدا فلا يكتشفها أحد!
منتديات ليلاس
كان ثيو برانستون الذي أستعاد حالته الطبيعية أول المتكلمين :
" رائع , رائع.....هذه هي الروح المطلوبة!".
وصفق بيده على ركبته بشدة , وأردف بصوت عال:
" أنني أحب الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الروح , نعم , نعم!".
وأقترب الساقي ومعه الطبق الأول من الطعام , وقوبل بالترحاب , فقد ساعد ظهور الساقي على كسر الصمت الحرج الذي خيّم عليهم ...... وأخفت تينا قلقها وراع قناع من اللامبالاة , أما ثيو برانستون فأن عينيه اللامعتين لم تجد أي تعبير على وجهها الصامت يدل على أهتمامها بكلامه , أما بقية الرجال فقد كانوا جائعين , وتشاغلوا بألتهام الطعام , وبالتدريج أعادوا تنظيم أنفسهم حول المائدة , وواصلوا أحاديثهم التي أنقطعت ...... وجلست تينا بين ثيو برانستون وزميله الأميركي فيلكس كريللي , ولم تظهر أي رغبة حقيقية في الأشتراك في أي حديث معهم , لكنها لم تستطع أن تتجاهل السؤال المباشر الذي وجّهه اليها فيلكس كريللي :
" آنسة دونللي , هل هذه هي المرة الأولى التي تخرجين فيها في رحلة مع قائد بعثتنا السيد فيغاس أم أنك كنت سعيدة الحظ , وأشتركت معه في رحلة سابقة؟".
وهزت تينا رأسها بهدوء , وقالت بمظهرها الواثق :
" كلا .....لم يحدث لي هذا الشرف من قبل يا سيد كريللي , ربما أمكنك أن تقدم لي بعض المعلومات عنه!".
أمتلأ وجه فيلكس كريللي الهادىء بالحماسة وقال:
" الحقيقة أننا لم نقابله بعد.. لم يقابله أي منا حتى الآن , لكننا جميعا نعرف الكثير عن الأساطير التي تحكى عن قدرته على قيادة البعثات العلمية خلال الأراضي التي يفشل فيها كثير من الرجال الأقل منه خبرة..... أننا , ويمكنني أن أتحدث بالنيابة عن زملائي – نعتقد أنه شرف كبير لنا أن يختارنا بنفسه لنصحبه في هذه الرحلة!".
أختارهم ؟ وضعت تينا ملعقتها في الطبق , وأمسكت بفوطتها لتخفي فيها رعشة يديها , وتساءلت : هل معنى ذلك أن رامون فيغاس يعرف عمتها كريس؟ وأن كريس في غمرة أعمالها المحفوفة بالمخاطر والتي تجعلها تنسى كثيرا من الناس عندما تكون مستغرقة في أبحاثها , أستطاعت بسوء حظ لا يصدق أن توقعها في ورطة من رامون فيغاس؟!
ولاحظ برانستون أضطرابها , وأحتفظ بذكائه الماكر بهذا الحادث في ذاكرته , فقد يحتاج اليه في المستقبل..... وفكر في أن الأمور لا تسير على ما يرام مع الآنسة جبل الجليد ! لقد أنطبعت في نفسه الآن صورتها التي تبدو وكأنها لا تبالي بأي شيء , وأرتفع صوته بحدة , وهو يقتحم الحديث , معارضا رأي فيلكس كريللي حول رامون فيغاس الغائب؟
" ليس صحيحا أنه أختارنا , فقد أرسلتني المنظمة التي أعمل فيها الى هذه البعثة , لأنها أعتبرتني أفضل رجل لديها يقوم بهذه المهمة , بدأت أشعر بالأشمئزاز من سماع ( قصائدكم , في مدح فيغاس , أسمع يا كريللي , أنني أعتقد أنه مجرد برازيلي آخر شق طريقه في هذه الأنحاء , وهو يتشابه مع كل الرجال المتغطرسين من مواطنيه , أنني لا أحتاج الى أي شخص يقودني وسط الأدغال , كلنا ذهبنا في بعثات أخرى بغير وجوده أو قيادته , أحسب أن رجلا يحمل لقب كاراميرو سيحتاج الى أن يكون قادرا على أثبات جدارته به ولسوف أنتظر بأشتياق لأرى كيف يفعل ذلك!".
ومسح بنظراته المقاتلة المائدة , منتظرا أن يعارضه أحد لكن شيئا من ذلك لم يحدث , بل واصل الشقيقان بريكلينغ طعامهما – متجاهلين تماما المبارزة التي أعلنها زميلهما , وظل مايلز ديبريت محتفظا بوقاره الأنكليزي وهو يتحدث مع الأسكتلندي جوك سوندرز الوحيد الذي أنبرى للمعارضة كان فيلكس كريللي , الذي قال بصوت حاد ينطق بثقته في كل كلمة يقولها:
" أنا لا أوافقك يا زانستون! السيد فيغاس مشهور جدا بخبرته , ويجب أن نكون جميعا شاكرين له قيادتنا في أخطر رحلة في العالم!".
رد عليه برانستون بأبتسامة غاضبة:
" سنرى , فقريبا ينبغي عليه أن يثبت لنا جدارته , سيعود اليوم من وراء النهر , حيث كان يعد المؤونة والوقود , وينتظر أن يصل الى الفندق الليلة , وغدا في الموعد نفسه سنكون في مكان ما في وادي الأمازون ...... وسنرى أذا كان السنيور فيغاس يستحق حقا لقب ( رجل من نار) أم أن شهرته تعيش فقط في خيال بعض البسطاء من الهنود الذين أطلقوا عليه هذا اللقب".
وبوجه متجهم , دفع طبقه بعيدا , وترك المائدة ...... تاركا وراءه صمتا حرجا.

نيو فراولة 05-09-10 02:13 PM

أستيقظت تينا مبكرة صباح اليوم التالي , بعد ليلة مضنية قضتها نصف نائمة , وكانت سعيدة لأنها ستترك الفراش وتسرع لتستعيد حيويتها بحمام بارد , ثم أرتدت ثوبا بلا أكمام من القطن , ذا لون أزرق ثلجي ليتلاءم مع المظهر الذي تريد أن تظهر به , وجلست أمام المرآة تصفف شعرها , وزمجرت بغيظ وهي تنظر الى صورتها : هذا الصباح ستواجه محنة مقابلة رامون فيغاس وهي تحمل الأكذوبة الكبرى التي بدت لها بسيطة وهي في أنكلترا , ولكنها الآن في مانوس بدت وكأنها تمثل مشهدا يحتاج الى أتقان ....... فأمام الأسئلة التي تتوقع أن توجه اليها , لن يكون أمامها ألا الكذب , وبعزيمة قوية , أبعدت عن فكرها تأنيب الضمير الذي يعذبها , مستعينة على ذلك بتذكر وجه عمتها الضاحك ونظرات أليكس المندهشة , لقد كانت سعادتهما كافية في نظرها كي تقدم على أية أكاذيب ستضطر الى ذكرها لرامون فيغاس!
كانت غرفة الطعام خالية , لكن الساقي أسرع يعد لها مقعدا مقعدا أمام مائدة بجوار النافذة , وقدم لها قائمة الطعام , طلبت قهوة وساندويشا مع عصير الكريب فروت , وفي اللحظة التي بدأت فيها تناول الطعام لمحت قائمة ثيو برانستون الضخمة في مدخل الباب وشعرت بخوف يدفعها الى أن تنهض وتهرب , ولكنه كان أسرع منها , وألقى بجسمه العملاق على المقعد المجاور لها.
" صباح الخير يا آنسة دونللي , أنا سعيد جدا , لم أكن أتوقع أن أجدك هنا في هذا الصباح الباكر ....... هل تسمحين لي بأن أشاركك المائدة؟".
" يبدو أنه ليس لي الخيار!".
لكنه كان محصنا ضد الأهانة فطلب فطوره بكل ثقة , وكان منظره , وهو يبتلع الطعام بسرعة كافيا كي يفقدها شهيتها فدفعت الصحف جانبا ,وحاولت النهوض , وقبل أن تستأذنه منصرفة , رفع ذراعه بأصرار:
" هل سمعت آخر الأخبار ؟".
" أية أخبار؟".
منتديات ليلاس
أشار لها بيده الى الكرسي وقال:
" أجلسي سأخبرك كل شيء!".
لم تكن متأكدة أذا كان ذلك مجرد خطة منه ليؤخر رحيلها لكنها لم تجرؤ على أن تترك أية تفاصيل تبعدها عن الأحداث ..... أستجابت وهي تشعر بالأشمئزاز منه , بينما أطلق هو ضحكة سعيدة , ورشف رشفة أخرى من القهوة قبل أن يقول:
" وصل السيد فيغاس مساء أمس في وقت متأخر ...وكان الجميع بمن فيهم أنت قد آووا الى فراشهم , وهكذا لم يجد غيري , فألقى الي بتعليماته لأبلاغها اليكم : ( أنه يريدنا أن نجتمع به في الصالون الخاص به في الساعة التاسعة والثلث تماما , كي يقدم الينا ملخصا للرحلة , على أن تكون الساعة الثانية عشرة ظهرا هي ساعة التحرك , وعلى ذلك يجب أن تكون كل المعدات والأدوات جاهزة وموجودة عند بوابة الفندق في الساعة الحادية عشرة , كي تنقل الى السفينة".
وشعرت تينا بالخوف : أن محنتها الحقيقية على وشك أن تبدأ , وبعدما رمقها ثيو بنظرة ماكرة أضاف:
" لكن ذلك ليس كل شيء".
قالت تينا وهي تضرب الأرض بقدمها بصبر نافذ :
" حسنا , وماذا بعد أيضا؟".
" لم يصل السيد فيغاس وحده فقد أصطحب معه سيدة أخرى , أسمها السيدة أنيز غارسيا – برازيلية رائعة , وصدقي أة لا تصدقي أنها طبيبة! وأنا أتوقع موجة من المرض تجتاح أعضاء الرحلة خلال الأسابيع القليلة القادمة , أذا كان علاج السيدة أنيز لهم سيكون هو المكافأة لذلك عليك أن تنتبهي جيدا يا آنسة دونللي , فقد أصبحت لك الآن منافسة خطيرة".
ولم تهتم تينا بالرد , بل حدجته بنظرة أحتقار , ووقفت وتركته يضحك وحده على فكاهته التي أللقاها وكانت كلماته لا تزال ترن في أذنها وهي تسرع الى غرفتها : أن الساعة التاسعة والثلث , هي اللحظةالت يقرر فيها القدر متمثلا في رامون فيغاس مصير خطتها .... يجب أن تبدو معلوماتها على درجة من الكفاية تقمعه بأنها قادرة تماما على المشاركة في الرحلة.
ربطت معداتها في أصغر حجم ممكن , وتركت كل شيء غير ضروري , ثم أتصلت تلفونيا بأدارة الفندق لترسل خادما يحمل حقائبها الى أسفل , حيث تكون معدة في الساعة الحادية عشرة , كما أخبرها ثيو , ولم تكن الساعة قد بلغت التاسعة , فقررت أن تكتب رسالة الى عمتها قبل أن تبدأ الرحلة , ووجدت صعوبة في كتابة الرسالة ,كانت تنوي أن تعبر عن شوقها ولهفتها وتوقعاتها للرحلة التي ستبدأ اليوم , لكنها شعرت بالكلمات تخونها .
وأمتلأت الأرض حولها بالأوراق التي مزقتها قبل أن تكتب الرسالة أخيرا , وحملقت في ساعتها .. أن وقت اللقاء الحاسم أزف , وبتردد وضعت الخطاب المحتوى على القليل الذي أستطاعت أن تكتبه , في ظرف ودسته في جيبها لترسله بالبريد , لم يعد هناك وقت تضيعه في أكثر من ذلك , فقد دقت ساعة الصفر.
عندما وصلت الى الغرفة التي دلوها اليها , وقفت مترددة فوق السجادة الثقيلة التي تكسو الممر , تتساءل هل تطرق هذا الباب الخشبي الأسود , أو تدلف بهدوء عندما سمعت همهمة أصوات من داخل الغرفة عرفت منها أن الجميع حضروا فعلا , فأبتلعت خوفها , وأستجمعت شجاعتها , متوقعة أن يحدث دخولها ضجة بأعتبارها آخر الحاضرين.
لكن دخولها لم يحظ بأي أهتمام , ما عدا نظرة سريعة ذكية من الرجل الذي كان واقفا يشير الى خريطة تغطي تقريبا الحائط كله خلفه , وجلست في أول مقعد صادفها , وراء الموجودين جميعا , وتنهدت بعمق وراحة , لأن دخولها المتأخر لم يسبب أي أرتباك للمجتمعين والمستغرقين في الأستماع ...... وتابع المتحدث كلامه بصوت واضح :
" ستكون رحلتنا خلال أخطر المناطق وأكثرها رعبا في البرازيل وفنزويللا , وسننتقل اليها في أحدث وسائل المواصلات سنغزو أماكن لم يسبق أقتحامها , ومساقط مياه غير ظاهرة على خرائط حتى الآن في العالم كله أماكن لم تعرف المدنية.......".
لم تكن تينا تتبابع كلماته بفقدر ما كانت تحكم على شخصيته....... وسقط قلبها بين ضلوعها , فلو أنها كانت تضع بعض الآمال على أن رامون فيغاس سيكون شخصية متعاطفة , يمكن أستمالته بحديث ناعم , فأن آمالها كلها أنهارت الآن بعد النظرة الأولى....... كان شكله دل على شخصية الرحالة القاسي , خصوصا شكل الفك بخطوطه المستقيمة وكلما تحدث ألقى بمهارة شديدة بتلميحه براقة تسقط على كل واحد من المستمعين على حدة , فيشعر كل منهم بأنه المقصود بالحديث , فينتبه اليه بلا مجهود..... ولاحظت تينا أنه قادر على تحريك الناس أمامه وكأنهم قطع في لعبة الشطرنج دون أن يشعروا : وكانت عيناه زرقاوين مدهشتين , وأشعة الشمس تسقط من خلال النافذة فوق رأسه الأسمر , ذي الشعر الأسود اللامع ........وبدت منه حركة مفاجئة رشيقة وهو يشير بعصا الى الخريطة الموجودة خلفه , مبينا خط سير البعثة.........

نيو فراولة 05-09-10 02:14 PM

كان ما يزال يتكلم , ولكن تينا لم تكن منتبهة الى كلامه , وقد جذبتها عضلاته القوية البارزة تحت قميصه الحريري , وتلميحاته السريعة الذكية التي لا يفوتها شيء , والتي تخلق حوله جوا يفوح بالثقة في قدراته , والتي تخونها نظراته الملولة الشاردة أحيانا الى خارج النافذة , وكأنه بوجوده في الغرفة أبتعد كثيرا عن الحرية , كل هذه المميزات كانت ترسم شخصية حيوان يائس من أمكان الهرب من قفص مغلق!
شرح فيغاس مراحل الرحلة وما يحف بها من أخطار وأنتظر قليلا , ليرى تأثير كلماته عليهم ...... وعندما شعر بأنهم تواقون لمعرفة المخاطر التي سيواجهونها , قال بأصرار:
" أذا كان بينكم شخص يريد أن ينسحب , أو أنه يشك في قدرته على القيام بالرحلة , أرجو منه بكل أمانة أن يعلن ذلك الآن , وأرجو ألا يشعر بالخجل من أعترافه بالخوف , والواقع أن هذا الأعتراف يحتاج الى شجاعة لكن يجب أن أؤكد أنه بمجرد أن تقلع السفينة المحلقة فلن تكون هناك عودة مهما كانت الظروف , كل شخص في هذه الرحلة يجب أن يكون قادرا على الأستمرار , حتى أذا أضطر الى البقاء وحيدا في قلب الأدغال , فأنا لا أنوي أن أحمل معي سياحا , وأنما كل فرد ستكون له وظيفة يقوم بها , وأذا كان هناك من لا يستطيع القيام بالمهمة التي ستوكل اليه .......فليقل ذلك الآن !".
منتديات ليلاس
وبدأ أعضاء الوفد يتناقشون , وقرر فيغاس أن يترك لهم فرصة لأستيعاب كلماته , فترك المسطرة على المنضدة وسار وعلى فمه أبتسامة مريحة في أتجاه أمرأة كانت تجلس بعيدة عن الباقين ولم تكن تينا قد وجدت الوقت لتفحص تلك المرأة , وأن أدركت أنها لا بد أن تكون السيدة أنيز غاريسا .... كما أنها لم تجد وقتا لتلاحظ شعرها الأسود المنقسم الى قسمين , والمنسدل على خديها الناعمين , ولا فمها القرمزي الذي ترفعه في أغراء وأستدارت لتندمج في الحوارات التي دارت حولها.
وأكتشفت أن بقية أفراد البعثة تقابلوا مع الأشخاص الذين قابلتهم بالأمس , وقام فيلكس كاريللي مرة أخرى بمهمة التعريف لكن في غمرة الضجيج ضاعت الأسماء وعرفت أن الوفد يضم 18 شخصا , سألها القبطان جوزف روجرز:
" هل أستطاع رامون أن يخيفك , بتحذيره المبالغ فيه يا آنسة دونيللي؟".
كانت ستعترف بذلك , لكن عقلها الواعد أدركها بسرعة فنطقت بطريقة خالية من الحرارة:
" لا , طبعا لا من شيء يجعلني أخاف هذه الرحلة وأعتقد أن السيد فيغاس , أحب أن يقدم نفسه الينا بطريقة مسرحية بعض الشيء , لكن أجد له عذرا من أصله اللاتيني , الذي يترك أثره على أحكامه بوضوح , ونحن جميعا هنا في كل حال أناس لنا خبرتنا , ومن الأفضل للسيد فيغاس أن يركز أهتمامه على من كانوا غرباء عن الغابات".
" هل هذا صحيح؟".
جاء الصوت من مكان ما حولها , وألتفتت تينا بحثا عن صاحب الصوت..... فوجدت نفسها أمام رامون فيغاس , وفتح فمه الصارم ليوجه كلمة أحتقار غاضبة , لكنه عاد فأغلقه , وأستدار يوجه كلامه الى المجموعة التي أحتشدت وراءه:
" أعتقد أيها السادة أنكم أعددتم كل التجهيزات الضرورية , فأذا كان كل منكم على أستعداد لأتباع تعليماتب , فهل لكم أن تتوجهوا الى غرفكم , وتحضروا معداتكم لنقلها الى السفينة المحلقة؟ أن لديكم وقتا لغداء سريع قبل أن نبدأ رحلتنا أرجوكم ألا تتأخروا".
وبعدما خرجوا أمسك بذراع تينا , فوقفت وهي تعاني من النظرات التي وجهت اليها , أنتظرت في صمت حتى خرج الرجال من الغرفة , ولكن عندما أغلق الباب بعد آخر رجل , خلصت ذراعها من يده بنظرة أستنكار , وقبل أن تنطق , أذا بعاصفة من الضحك الساخر تذكرها بوجود أنيز غارسيا في الغرفة!
قالت أنيز:
" رائع يا سينيوريتا ".
وصفقت بيديها , ثم أستطردت:
" طوال حياتي لم أجد الشجاعة لأتحدى رامون بالطريقة التي أقدمت عليها , مع أنني تمنيت أن أفعل ذلك هل تسمحين لي بأن أبدي أعجابي بجرأتك!".
وظل صدى ضحكات أنيز غارسيا يتردد طويلا في الغرفة بعدما أغلقت الباب وراءها , تاركة تينا وحدها مع الرجل الذي كان في هذه اللحظة ينطبق عليه تماما لقب كارامورو , فقد كانت النار تشتعل فيه , بينما أشعلت الشمس التي تلمع من خلال النافذة خصلات شعره , وجعلتها بلون الكهرمان.

نيو فراولة 05-09-10 02:16 PM

وأرتفعت ذقن تينا , وأغلقت فمها لكنها أخفت الخو في عينيها بأصطناع البرود, وبدا هو وهي كمقاتلين في الحلبة , النار في مواجهة الجليد ..... ومرت دقيقة مشحونة بالغضب الصامت , دون أن يحرك رامون عينيه عن عينيها , ثم لوح بمجموعة من الأوراق أمامها , وكانت فرصة لتجد العذر لتحويل نظراتها عنه , ثم قال :
" أعتقد من الأوراق الموجودة معي , أنك الآنسة كريستينا دونيللي".
وكان كلامه عاما , لا يحمل صيغة السؤال , لكنها أجابت:
" أعتقادك صحيح".
وضاقت عيناه , لكنها لم تسمح لنفسها بأن ترتعد وهو يراجع أوراقها , كان قناع الثقة يبدو وكأنه ألتصق بها , في الوقت الذي أنتهى هو من التدقيق وكانت حذرة وهي ترى الحيرة في وجهه تحل محل الغضب وما لبث أن سألها مدققا:
" أنت كريستينا دونيللي عالمة النبات المشهورة؟".
وشعرت أنها لا تكذب تماما وهي تجيبه:
" هل من الصعب أن تصدق هذا يا سيد؟".
وكان قلبها يدق بشدة فتريث لحظات , ثم قال ببطء ولكن بصوت عال:
" لقد سمعت طويلا عن كريستينا دونيللي , وعن نجاحها في مختلف البعثات التي أشتركمت فيها , وكنت في غاية الشوق الى الألتقاء بها , لكنني لم أسمع أبدا ما يدفعني ألى الأعتقاد بأنها متغطرسة أو غبية!".
منتديات ليلاس
وفتحت تينا فمها لتعترض , لكنه منعها :
" ومن بين العديد من المكتشفين الخبراء الذين عملت معهم , وقاسمتهم رحلاتهم ,لم يظهر واحد منهم حتى الآن أستهانته بالأخطار التي نقابلها في عملنا , فأما أنك أمرأة خارقة الشجاعة بدرجة غير عادية , يا آنسة دونيللي , أو أنك أمرأة عديمة الأحساس , الى درجة الأستهتار!
في كل حال , الأسابيع القليلة القادمة ستكون كفيلة بالأجابة عن أسألتي , وأنا أتمنى بأخلاص أن تكون فكرتي عنك عندما تنتهي الرحلة , فكرة عظيمة كما كانت قبل أن أقابلك!".
رفعت تينا رأسها , وردت على نظراته الغاضبة بنظرة لا مبالاة وقالت:
"أن رأيك في شخصيتي لا يهمني أطلاقا , وحياتي سوف تستمر بغير تقديرك , ولكن لمجرد أن تعرف......".
وسارت في أتجاه الباب , لكنها توقفت لحظة ويدها على المقبض , أضافت:
" ستكون أنت أيضا موضع الأختبار كارامورو , فهناك غير عضو في هذه البعثة يهمه التأكد من أستحقاقك لهذا اللقب ,وربما في نهاية الرحلة يحتاج كل منا الى أعادة النظر في رأيه ".
وأنطلقت مسرعة قبل أن ينطلق من فمه سيل من الشتائم.

نيو فراولة 05-09-10 02:17 PM

3- الرسالة


ضغطت تينا قبضتها بشدة وتوتر , وهي تشعر بالأهتزازة الأولى للمحرك الآلي القوي للسفينة المحلقة وهو يهدر في داخلها , وكانت اللحظات التي سبقت تحرك السفينة مشحونة بالقلق , هل ستعمل بكفاءة؟ هل يستطيع ربانها تحريكها بنجاح , وهل ستتحمل هذه الكمية الكبيرة من الآلآت , والأدوية والمعدات , وأجهزة صيد السمك , والكبريت والذخيرة الحية , والحصى , التي سيتعاملون بها مع الهنود الحمر ؟ هل يتحمل كل ذلك , هذا الزورق الأسود الهائل الذي يشبه الضفدعة , والذي سيكون مسكنا لهم على مدى أربع أسابيع , تركت تينا عينيها تلتصقان بالنافذة والآلات تهدر متصاعدة الى قوتها القصوى , وشعرت وكأن الزورق محمول على وسادة هوائية , ثم أنزلق في ممر أملس الى الماء محاطا بسحابة كثيفة من الرذاذ , ودهشت لهذه الكمية الهائلة من أصوات الطيور التي أرتفعت صارخة في الفضاء تدور حولهم غاضبة وهم يشقون عباب النهر الأسود..... وأنتشرت موجة من الفرح بين الرجال عندما أعطى القبطان جوزيف روجرز علامة النصر من غرفة القيادة , وأندفعت عبارات التهاني عندما أستقرت السفينة نهائيا في طريقها الى منطقة كازكوير في أعالي أورينوكو.
وكان الزورق مزدحما بالمعدات وكل عضو في البعثة قد أختارا بصعوبة مكانا صغيرا ليقوم فيه بالعمل في أبحاثه , وها هي تينا الآن تمي في طريقها المحتوم , وقد وجدت أن العمل هو وسيلتها الوحيدة للنجاة , وجمعت نماذجها الأولى وقررت أن تدفن نفسها في دراستها لتنسى مخاوفها من المخاطر التي تكمن لها في المناطق الواسعة من الأدغال , التي ترحل اليها الآن , وحاولت أن تتغلب على العقد الكامنة فيها , لكن القلق كان يغمرها وهي تشاهد مدينة مانوس تختفي خلف الأفق بعيدا عن أنظارها , وكان عزاؤها أنها أصبحت الآن فعلا وسط المعركة , وكان القلق يسيطر عليها منذ تركت رامون فيغاس في الصباح الباكر من هذا اليوم , وعندما وصلت الى غرفتها ذكّرتها الأوراق المتناثرة بالرسالة التي كتبتها الى عمتها , وتحركت يدها آليا الى جيبها حيث وضعتها قبل الأجتماع , لكنها خرجت خالية! كان الخاطر الأول الذي داهمها أن يكون رامون فيغاس وجد الرسالة على الأرض قرب المقعد الذي كانت تجلس فيه ,فأندفعت تنزل السلم , لكن الغرفة كانت خالية تماما , وبعد بحث فاشل , أيقنت أن شخصا ما وجدها ولكن من يكون هذا الشخص؟
منتديات ليلاس
أحتمال واحد أصبح مؤكدا الآن : أن رامون فيغاس لا يمكن أن يكون الشخص الذي عثر عليها , فقد كان من المنطقي في هذه الحالة أن يستدعيها ويواجهها فورا بسؤال : لماذا تبعث برسالة من رسائل الفندق الى نفسها , وقد وضعت عليه عنوانها هناك في لندن؟
وسمعت صوت أنيز غارسيا أعلى من صوت الآلات :
" آنسة دونيللي هل أنت صماء؟وجهت اليك السؤال نفسه ثلاث مرات حتى الآن!".
" آسفة , ماذا تريدين أن تعرفي؟".
" أنني أعد ملفا لكل عضو في البعثة , وأريد بعض المعلومات عنك , فأنت تعرفين طبعا أنني طبيبة".
وأومأت تينا برأسها , دونا أنيز لا تبدو أبدا كطبيبة , كانت ترتدي بلوزة من النايلون بيضاء اللون , مع تنورة ناعمة متطايرة من اللون الأخضر الباهت , وحزام عريض من الجلد مشغول بالمعدن , وقد أمسك خصرها بشدة حتى بدت شديدة النحافة , مما جعل منظرها يبدو أقرب الى الغانية منه الى الطبيبة , لكنها شعرت بالرضى عندما فكرت في ما ستعانيه دونا أنيز عندما تشتد حرارة الجو بعد ساعتين على الأكثر , وتصبح البلوزة النايلون مع أنها تسير مع أحدث خطوط الموضة ,وكأنها طبقة أخرى من الجلد , كما أن الحزام الجلدي سوف يلفت الأنظار اليها عندما يصبح أحتكاكه بخصرها غير محتمل .
قالت أنيز:
" ماذا تحملين من الأدوية؟".
أجابت وهي تعد على أصابعها:
" أدوات العلاج الكاملة ضد سموم الثعابين , بما فيها مشرط دقيق لا يزيد طوله عن بوصة واحدة ودواء ضد الحشرات , ومضادا حيويا للملاريا وأقراص فيتامين وأقراصا للملح".
وتحولت نظرات الطبيبة , الى التعجب وسألتها:
" كم عمرك؟".
فرمقتها بعينيها كأنها تقدر عمرها بنفسها , ولاحظت اللون القرمزي الذي يخصب جلدها الجميل وهي تفكر بوحشية وأطلقت تينا أكذوبتها :
" 26 سنة".
وبدت أنيز وكأنها غير مصدقة , ومع أنها لم تعترض ألا أن تينا شعرت بأنها لا تصدقها وغاص لونها عندما ألقت عليها الطبيبة نظرة خبيثة وقالت:
" يا للتشابه العجيب , أننا في سن واحدة".
ودون أنتظار لأي تعليق ,واصلت أسئلتها :
" ماذا أكتب أمام الوظيفة التي تشغلينها : صائدة النبات؟".
وتجمدت تينا أمام لهجة الأحتقار التي تحدثت بها أنيز فكلمة صائد النبات كثيرا ما تطلق على علماء النبات للأنتقاص من قدرهم أكثر من الأعجاب بهم ولم تهتم تينا بمعرفة ما أذا كانت أنيز تبغي السخرية أم الأعجاب ,فقد أنبرت للدفاع عن جميع العلماء المهانين في مهنتها , بحرارة قاسية وقالت:
" قدم علماء النبات الكثير لعالم الطب يا آنسة ولولا العلماء السابقين في مهنتنا لكنتم أنتم أيها الأطباء ما زلتم تعانون من الجهود الفاشلة في سبيل شفاء الملاريا ".
وأضافت بنبرة غاضبة:
" من الذي أكتشف أوراق السبانخ والفلفل الأخضر تستخدم في تحضير فيتامين ( ك) التي تساعد على التلجط وتمنع النزيف هل كان طبيبا , كلا , لقد كان صائد نبات ثم من الذي أكتشف النبات ورعاه وبذل الجهد ليل نهار وأجرى التجارب ليكتشف الخلة التي تشفي الجذام؟ هل كان طبيبا ,كلا , مرة أخرى , بل لقد كان صائد نبات وهناك المطاط والحبال والشمع كل هذه الأشياء أخذت الكثير من عمر صياد النبات , وهو يعيش وحيدا ولأسابيع طويلة بين الأدغال وعلى شواطىء الأنهار والممرات الصخرية العتيقة , وبرودة ضباب الصباح , والليالي الباردة السوداء , والحيوانات المتوحشة ,والزواحف السامة".

نيو فراولة 05-09-10 02:18 PM

لكنها توقفت عندما لاحظت هذه الدائرة من الوجوه المشدوهة التي أحاطت بهما , كان هجومها الذي سببته كلمات أنيز المهينة , قد جذب المتفرجين الذهولين , ليحاولوا التحكيم بين الأثنتين , متعاطفين تماما مع أنيز غارسيا التي كانت قد رسمت على وجهها بقدرة رائعة تعبيرا هو خليط من الخجل والضعف وشعرت تينا بالغباء , فتحولت عنها , لكنها توقفت عندما سمعت صوت رامون فيغاس يفرق الرجال , ووسط جمع من المتعاطفين سارت أنيز الى الجانب الآخر من السفينة , تاركين تينا وحدها مع فغاس وقد قابلت نظراته القاسية بنظرة حادة لكنه لم يتكلم حتى جلس الى جوارها , وعندئذ قال محاولا السيطرة على كلماته بأرادة حديدية :
" آنسة دونيللي , لماذا تجدين من الضروري أن تضايقي كل شخص حاول الأتصال بك؟".
" هذا غير صحيح".
" أسمحي لي أنني أستطيع أن أحكم من الطريقة التي يتجنبك بها الزملاء , أنك تعاملينهم بكبرياء , وأذا حمنا لي المثال الذي شاهدته الآن , فأن الغطرسة فيه تزيد عن الحد , أنني أحمل كل أحترام لكل أعضاء مهنتك ,وأيضا للشهرة العظيمة التي بنيتها أنت لنفسك ,ولكنني أريدك أن تعرفي.......".
وصمت , وأنحنى الى الأمام حتى أصبحت عيناه الزرقاوان , الذكيتان في مواجهة عينيها:
"أن نجاح هذه البعثات يعتمد أساسا على مقدرة أعضائها على التكيف مع بعضهم البعض , تماما كما تعتمد على حسن تخطيط الرحلة ومقدرة القيادة , وقد أستطعت أن أتم بكل تفاصيل النقطتين الأخيرتين , لكن الآن يبدو أنني يجب أن أتأكد من أنسجام الفريق كله خلال الرحلة , لذلك أرجوك يا آنسة أن تراعي في المستقبل أختيار عباراتك , وأن تحاولي حتى لو وجدت صعوبة في ذلك- أن تعاملي زملاءك بطريقة أكثر رقة مما تفعلين".
وأنحنى نحوها متوعدا , منتظرا أجابتها , والغضب الجامح يلمع في عينيه الزرقاوين.
منتديات ليلاس
أفاقت تينا من الجو الساحر البدائي الذي يفوح منه , وكافحت لتخلص صوتها من عقدة الصمت التي أصابتها , شعرت كأن جوانب السفينة تتقارب بتضيق حولها , في الخارج لم تستطع أن ترى غير جدار من الأدغال الموحشة , ومساقط مياه مندفعة , لكنها كانت قد شعرت بأنها تستطيع أن تجد في الداخل على الأقل بعض الأمن والحماية , أما الآن , وشبح رامون فيغاس يخيم عليها فها هو تهديد محنة الأدغال الوشيكة بدأ بالفعل ,وأنكمشت بجسمها النحيف في ركن مقعدها , وقابلت نظراته بعينين واسعتين أمتلأتا بالرعب وأمام منظر تراجعها , أطلق صيحة تعجب مغمغمة , ووضع يده السمراء ذات الأصابع القوية فوق يدها المرتعدة وسألها برقة:
" ماذا حدث يا آنسة ما الذي يضايقك؟".
وأحمر وجهها , وسحبت يدها من تحت يده , وهي تستعيد نظراتها الحادة التي دربت نفسها عليها وقالت:
" أنني أكره العنف يا سيد أرجوك , لا تلمسني!".
وتراجع في الحال , ووقف ينظر اليها غاضبا , ثم غمغم بكلمات أسبانية , وهمس لها في شبه فحيح:
" أنني أكاد لا أصدق ....... كيف يمكن أن يخفي هذا المظهر الفائق كل هذا البارد , أنك تدهشينني يا آنسة".
وتصورت أنه سيتركها , ولكن بعد دقيقة من الصمت , كانت خيبة أملها شديد عندما أكتشفت أنه قرر أن يعيد المحاولة , وبصوت هادىء , حاول أن يستميلها قائلا:
" يجب أن أعترف بأننا مجموعة من الناس مختلفة الأمزجة والمشاعر , وأن الأنسجام بين الجميع ليس بسيطا .....لكن الأمر يكون سهلا لو أننا كنا غير مستبعدين للأحتكاك ببعضنا البعض , ولو حاولنا الأتصال في ما بيننا بنية صافية للوصول الى مجموعة منسجمة راقية ...... ألا توافقينني على ذلك؟".
وعندما رفضت الجواب , بدا صوته أكثر قسوة وهو يستطرد :
" هناك أتجاه قوي للصداقة ينمو بين أفراد الفريق , وكل منا مستعد للمشاركة في الأعمال التي سنقوم بها في المعسكر الذي سنقيمه عندما نتوقف في المساء , فهل تعدينني بأنك ستتخلين عن تسلطك لتسمحي لروح الصداقة بأن تتشر ؟ أنه شيء علينا جميعا أن نفعله , وسوف ننجح فيه و أذا لم يتعمد كل منا أن يصطدم بالآخر في محاولة لتحطيم معنوياته".
كان يتحدث اليها طالبا منها الصداقة وهذا هو الشيء الذي لا تجرؤ على القيام به , وبأندفاع ظاهر قالت:
" أتيت يا سيدي الى هنا للعمل , وليس للقيام بلعبة العائلات السعيدة , أنني سأقوم بالأعمال التي تطلب مني طبعا , ولكن لا طلب مني أن أكون أجتماعية لأن لا وقت لدي لذلك".
" حسنا , الليلة عندما نقيم المعسكر , سيكون عليك القيام بأعمال المطبخ , ستعدين العشاء وتقدمينه , ثم تنظفين الأواني بعد الأنتهاء من الطعام , ويجب أن تكوني قد أنتهيت من أعمالك قبل الساعة العاشرة , لأنك يجب أن تستيقظي في الخامسة صباحا لتعدي طعام الفطور هل هذا واضح؟".
هزت رأسها بالموافقة دون أن تنطق بحرف , فأستدار عنها في حدة وسار مبتعدا , عائدا الى عمله وفجأة لم تستطع أن ترى شيئا , أذ غمرت الدموع عينيها , فحولت رأسها الى النافذة , وأغمضتهما بسرعة لتتخلص من دموعها , لكن الدموع جرت عبى خديها سريعة وكثيفة وحارة , وكانت حقيبتها على الأرض , فأنحنت فوقها لتخرج منديلها , عندما سمعت صوت برانستون الكريه , لقد وقعت في الشرك , لم يكن أمامها وسيلة ألا أن تمسح بيدها الدموع المتدفقة قبل أن ترد عليه , وألقت رأسها بعيدا , متظاهرة بمشاهدة المنظر أمامها , ولكن ها هي الآن مضطرة لمواجهته بعد أن ألقى بجسمه على المقعد المجاور لها , وسألها بقضوله المعتاد:
" هل أستطاع الرئيس أن يضايقك؟ ".
" كلا , لماذا؟".
" لأنك تجرأت وأهنت سيدته المفضلة , ألا تعرفين أن أنيز أرملة وأنها هي والسيد صديقان حميمان وهناك أشاعة أنهما سيتزوجان بعد أنتهاء هذه الرحلة مباشرة؟".
" أنا لا أهتم بحياة الناس الشخصية , فأذا كان هذا هو كل ما تريد أن تخبرني به يا سيد برانستون , فأسمح لي بالأنصراف , لأن عندي بعض الأعمال العاجلة".
وأخرجت مجموعة من الأوراق , أرتفع حفيفها وهي تقلب فيها لكنه لم يظه أي أستعداد للأنصراف , بل على العكس , فقد أراح نفسه أكثر من مقعده وأستدار في أتجاهها , وبادلها نظراتها المتجاهلة بنظرات حافلة بالأهتمام.

نيو فراولة 05-09-10 02:19 PM

[FONT="Arial Black"]" هل تعرفين يا تينا أنك تثيرين فضولي حقا".
وبهدوء واضح أخذ ينظر اليها , منتظرا رد فعلها , الذي تمثل في جمعها لأوراقها وتحركها للأنصراف , لكنه مد اقيه الطويلتين معلقا الطريق أمامها.
" أرجوك , أريد المرور والأنصراف".
تلاشت أبتسامته , وأتسعت عيناه الضيقتان , وأمتلأتا بنظرة مهددة :
" أجلسي يا حبيبتي , أن هناك مواضيع كثيرة يجب أن نبحثها".
" كلا ...... وأعلم يا برانستون أن وجودك يضايقني , وأنني لن أتحمله دقيقة أخرى , فأذا لم تتركني أسير في طريقي فأنني سأصرخ طالبة النجدة".
أحمر وجهه , وأنثنى فمه , وفجأة , مد يده الى جيبه الداخلي ,وسحب منه ظرفا , حركه أمام عينيها وكانت ضربة ,وببطء , جلست مكانها ثانية , وأرتفعت دقات قلبها من الأنزعاج : ليس هنك خطأ , فها هو خطها على الظرف الذي يم*** بيده , ثيو برانستون هو الذي عثر على رسالتها الى عمتها.
" من أين حصلت عليه؟".
" سقط منك يا حبيبتي هذا الصباح بعد الأجتماع , وقد ألتقطته لأعيده اليك , ولكن كنت فضوليا أكثر من اللازم فأختلست نظرة الى الأسم , وأستغربت , أليس ذلك غريبا يا عزيزتي؟".
قالت محاورة:
" ما هو الغريب في أن يكون لعمتي الأسم نفسه الذي أحمله يا سيد برانستون؟".
منتديات ليلاس
" لا شيء يا حبيبتي , ولكن ذلك ليس اللغز كله , أليس كذلك؟".
" لغز....... أي لغز؟".
" أسمعي يا عزيزتي تينا , رامون فيغاس ليس الوحيد الذي سمع عن كريستينا دونيللي , عالمة النبات المشهورة , لقد قمت أيضا ببعض التحريات , وعلمت أن الآنسة دونيللي الحقيقية يقترب عمرها من الأربعين سنة وليس العشرين , هل تعتقدين أنني لم ألاحظ محاولتك أن تظهري أكبر سنا من الحقيقة , قبل أن تقابلي فيغاس؟".
وواصل حديثه في مرح:
" ولكن , حتى تصفيف شعرك بهذه الطريقة, لا يمكن أن يخدع رجلا , ويجعله يعتقد أنك قد خلفت سن المراهقة وراءك منذ زمن بعيد,ولذلك , هيا يا عزيزتي : أخبريني القصة كلها وأعدك بأن سرك في أمان ".
تراجعت في مقعدها , لم تكن تستطيع أن تشعر بالثقة فيه وكان كلامه الناعم الذي يحاول أن يخلطه بالأعزاز يثير أشمئزازها , ولكن ما الذي يمكن أن تفعله الآن , سوى أن تثق فيه , لم يكن لديها شك في أنه سيستفيد من سرها لتحقيق مصالح خاصة به ,ولكن لم يكن لديها خيار , فهم ما زالوا على مقربة من مانوس ولا تستطيع المجازفة بأن تتركه يفضي بسرها الى رامون فيغاس : كانت مهزومة تماما , ومن نظرات الأنتصار في عينيه , عرفت أنه يعلم ذلك , فتنهدت في يأس ,وقالت:
" أخبرك كل شيء أذا وعدتني بكتمان السر".
" هيا يا حبيبتي كلي آذان صاغية.........".
وأرتعش صوت تينا وهي تبدأ قصتها:
" أشتركت في هذه الرحلة متقمصة شخصية أخرى , لأن عمتي وهي كريستينا دونيللي الحقيقية كسرت يدها في اللحظة الأخيرة , وكان علي أن أحل محلها حتى لا تغضب سير هارفي هانيمان , عالم النبات الذي كان يعقد آمالا عريضة على النتائج التي ستعود بها من هذه الرحلة لا سيما وأنني أنا بدوري عالمة نبات متمرنة , وقد عملت قريبة من عمتي , حتى أنني أعرف تماما ما الذي تبحث عنه , ولا يعرف هذا السر ألا عمتي وأنا فقط , ولذلك فأنني مضطرة للأحتفاظ بشخصيتي الحقيقية حتى نهاية الرحلة , لأن السيد فيغاس سيعيدني أذا عرف الحقيقة , ولذلك أرجوك يا سيد برانستون أن تحتفظ بما صارحتك به لنفسك, أن وجودي هنا ضروري ,وتنكري لن يضير أي شخص , أرجوك أن تعدني بألا يعيدوني من حيث جئت".
القى برأسه الى الخلف وأنطلق ضاحكا وضرب على ركبتيه وقال:
" هل هذا هو كل شيء ؟ تمخض الجبل فولد فأرا ,كنت أعتقد أنك على الأقل هاربة من جريمة ما... ..........سأحتفظ بسرك فلا تقلقي وسأكون حارسك طوال الرحلة وهذا يسعدني جدا".
وليؤكد سعادته , جذب ذراعه حولها محتضنا , ومن الركن الضيق الذي وجدت تينا نفسها فيه , رأت فيغاس يستدير غاضبا ,وأنقذت نفسها من ذراعي ثيو وقالت:
" سيد برانستون , أذا كررت هذا التصرف مرة أخرى , فسأخبر الجميع القصة كلها بنفسي!".
ومن الوميض الذي لمع في عينيها الخضراوين أيقن أنها تعني كل كلمة تقولها , فقرر أن يعيد الهدوء الى الموقف , سحب ذراعه من حول كتفها ,وقال بلهجة البريء المظلوم:
" حسنا يا عزيزتي , سأفعل ما تريدين , لم يحدث أي ضرر".
أستلقت في مقعدها , وأغمضت عينيها , تاركة اليأس الذي كانت تشعر به يغمرها : هل حقا لم يحدث أي ضرر؟
ولسبب ما لاحقت في خيالها نظرة رامون فيغاس الغاضبة وكأنها تكذب هذه الكلمات!

نيو فراولة 05-09-10 02:21 PM

4- المواجهة


كان الغروب قد بدأ يلقي ظلاله الأولى , عندما وصلوا الى ثيوبوروكوارا , أول أستراحة لهم في رحلتهم , وكان الزورق المحلق قد سار بهم بسرعة هائلة بفضل القيادة الماهرة للكابتن جوزيف روجرز , الذي نجح في عبور المنحدرات الهائلة , والمناطق التي أمتلأت بالحشائش الذي تغلق أمامهم أبواب النهر , حتى وصل بهم الى أستراحتهم الأولى.
وبمجرد أن أرتفع صوت أزيز المحرك وهو يتوقف , تدافع الجميع للخروج من الزورق في لهفة تخلصا من الجو الخانق الحار الذي عانوا منه طوال الساعات الأخيرة من الرحلة.
ووقفت تينا على سياج الزورق , وجاهدت لأستنشاق بعض النسمات , ونظرت حولها , كان المكان متسعا , أختاره رامون فيغاس بنفسه في أحدى رحلاته السابقة , وقد أحاطت به الأدغال من جهات ثلاث , وعادت بها رائحة النبات , ونسيم الأدغال , والمناظر المألوفة , الى الماضي ,ووقفت مترددة , عازفة عن ترك الزورق الذي شعرت فيه بالأمان , حتى أستدعى الأمر صرخة آمرة من رامون فيغاس لتخرجها من خوفها.
" تحركي بسرعة يا آنسة , سنكون في أنتظار الطعام بعد نصف ساعة".
وقفزت من مكانها , وقد أحمر وجهها , وجميع من حولها يبدو عليهم الرضى بما أنيط بهم من أعمال , والمكان حولها يموج بالعمل , أما هي فلم تكن تعرف كيف تعد الطعام , أو حتى نوعية هذا الطعام الذي يجب أن تصنعه , ولم تكن تتصور أبدا أنها ستسعد بسماع صوت برانستون قريبا منها , مثلما حدث الآن عندما سمعت صوته , فقد قفزت لمواجهته بأرتياح واضح.
قال لها عارضا خدماته:
" سأشعل النيران , بينما تجمعين أنت الأطباق وأدوات الطهي ستجدينها جميعا في هذه الكومة هناك!".
منتديات ليلاس
" هل تعرفين كيف تصنعين البوردج والقهوة؟".
" بوردج وقهوة ؟ هل هذا هو كل شيء؟".
" هذا المساء فقط , ولكن لا تنتظري هذه الرفاهية كل يوم يا دميتي , سوف نعيش على الأرض , بضعة أسابيع قادمة ..... وهذا معناه أننا سنأكل بعض الحيوانات , وذيل التماسيح المسلوق , أو الأسماك الوحشية".
وأطلق ضحكة ساخرة وأستطرد:
" كل ما أستطيع أن أعدك به , أنني لن أتركك تأكلين طعام الوطنيين المصنوع من الديدان والثعابين! خلال أي يوم من أيام الرحلة".
وشعرت تينا بالأرتياح بعد أن أستطاعت خلال نصف ساعة من العمل السرسع المكثف , أن تنتهي من أعداد الطعام , وألقت نظرة أخيرة على القدر الموضوع فوق نيران المعسكر , ثم راجعت عدد الأطباق لتتأكد من وجود العدد الكافي لكل هؤلاء الرجال الذي أنتهوا من أعداد المعسكر ,وبدا المكان ساحرا على أضواء النيران , والمصابيح التي أحضرها الرجال لأستعمالها في مناطق عملهم , حيث كانوا يعملون , تنفيذا لآوامر رامون فيغاس بتنظيف الأرض من أي حشرات تتناثر حولهم , وأقامة الأسّرة المعلقة بين الشجر ليناموا عليها.
وحاولت تينا أن تبعد عن ذهنها الساعات الطويلة التي ستقضيها فوق سريرها المعلق منتظرة أخطارا داهمة لا تعرف عنها شيئا.......... وركزت تفكيرها في العمل الذي تقوم به , قائلة لنفسها أنها يجب أن تعيش الحياة لحظة بلحظة.
وضاعت كل مخاوفها , عندما أحاطت بها قبيلة من الرجال الجائعين ,طالبين الطعام , وبسرعة ,ملأت الأطباق البوردج والأكواب بالقهوة ذات الرائحة الشهية , وفي لحظات كانت نيران المعسكر قد أحيطت بدائرة من الرجال يتحدثون في كل شيء , مسرورين بهذه الوجبة البسيطة الشهية.
وكانت أميز غارسيا تجلس قرب رامون فيغاس , أما تينا فقد أخذت طبقها وأقتربت من المجموعة لتجد برانستون حجز لها مكانا بجواره , فأتجهت نحوه , وقد أعجبها أنه أختار مكانا بعيدا عن الباقين , برغم أنها كانت راغبة في صحبته , ويبدو أن أنيز أيضا شعرت بالأرتياح لبعدهم عنها , فعندها ألقت تينا عليها نظرة سريعة , لمحت بريق الأنتصار.
والرضى الخبيث , واضحا في أبتسامتها , وأشاحت تينا بوجهها بسرعة , فقد كان ملطخا من البخار والمجهود الذي بذلته في أعداد الطعام , بينما أنيز غارسيا تلمع بالراحة والنظافة , وهي تأكل بشهية من الطعام الذي بذلت الجهد والعرق في أعداده , وشعرت تينا بالظلم , فمهما كان العمل الذي كلفت به أنيز , فأنه لا شك لا يستدعي منها القيام بأي مجهود فهي جميلة ورائعة كالعادة.

نيو فراولة 05-09-10 02:23 PM

أرتفع صوت جوك سوندرز الأسكتلندي مخاطبا القائد:
" هل أنت راض عن الرحلة التي قطعناها يا سيد؟ هل سنبقى هنا لنبدأ في دراسة مشاريعنا أم سنتحرك غدا؟".
وصمت الجميع أنتظارا لرد رامون فيغاس الذي قطع محادثته مع جزيف روجرز ليرد على سوندرز:
" كان هذا ما أناقشه مع جوزيف روجرز , وقررنا ألا نبقى هنا مدة أطول من الضروري , خاصة وأننا جميعا نشعر براحة أكثر عندما نعبر دوامات سانغابريل الرهيبة ونتركها وراءنا".
وردد فليكس كريللي الكلمة متسائلا:
" هل هي رهيبة بالفعل؟".
" نعم , أنها تبدأ بعد أميال قليلة من هنا , وخطورتها في أنها تمتد مسافة طويلة , فهي تسعة عشر دوامة سريعة رهيبة , وعندما يضيق نهر النيغرو , ويمتلىء بالصخور الضخمة والحادة تتناثر هذه الدوامات بينها , وهي ليست أخطر ما سنقابله في طريقنا , فهناك ما هو أخطر منها ينتظرنا في نهر أورينوكو , لكنها تمثل العقبة الخطيرة الأولى في رحلتنا ,وهي تتحدى شجاعة كل فرد هنا".
ورفع يده طالبا الصمت من الجميع .
وبطريقة تلقائية , شعرت تينا بالتوتر ,فخلال الصمت سمعت صوتا كأنه هدير الرعد يرتفع فوق الأشجار العملاقة , وعرفت الصوت , أنه أندفاع المياه الرهيب وتوقف قلبها عن الخفقان , ترى , ما هي المخاطر التي يمثلها هذا الصوت؟
قالت أنيز:
" لكننا سنكون في أمان طبعا ونحن في الزورق يا رامون؟".
وتعلقت عيناها بوجهه وهي تنتظر الجواب , وبقي فمه صارما ,لكنه وضع يده على يدها وضغط عليها مطمئنا ثم قال:
" أعتقد أن جوزيف يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال أكثر مني , مصيرنا مرهون بمهارته وحكمته!".
وتحرك جوزيف قلقا , وعيناه تلمعان وهما تحومان حول دائرة الوجوه القلقة:
" قد ينقلب بنا الزورق في وسط الدوامات ,وسوف تكون الصخور وبقايا الجزر الخطرة خطرا رهيبا أذا سقطت فوقنا , وهذا خطر يقلقني ولكن أنا متأكد أننا سننجح".
منتديات ليلاس
وأشاع شعوره بالثقة أرتياحا بين الجميع , وأستراح جسد تينا المتوتر وبطريقة غريبة أستطاع روجرز بصوته الواثق الهادىء المتفائل أن يجعل كلا منهم يشعر بأن هذه الكوارث التي تحدثوا عنها , لن تحدث أبدا.
وبدأت الأحاديث تتقطع أثناء تناول الطعام , فقد كان الرجال مرهقين وبدأوا ينسحبون واحدا بعد الآخر الى أسرتهم لينالوا أكبر قسط من الراحة قبل اليوم التالي الذي ينتظرون فيه الكثير من الأحداث , حتى لم يبق ير رامون ومعه أنيز , وبرينستون مع تينا يواجهون بعضهم البعض عبر النيران , وتجاهل برانستون أعراض التعب والأرهاق التي بدت واضحة على وجهها , وحجتها الشديدة الى النوم , حتى أن رأسها كاد يسقط على صدرها أكثر من مرة , وأصر على أن يواصل أحاديثه وبينما كانت هي تفكر في أكوام الأطباق والأواني التي كان عليها أن تنظفها قبل النوم , كان برانستون ما زال مصرا على أن يستمر في أستعراض مغامراته وتجاربه في رحلاته المختلفة , وأصبح متعذرا على تينا أن تفتح عينيها , ويبدو أن السيد رامون كان مشغولا عن رفيقته بملاحظة برانستون وتينا , لدرجة أن صوته عندما تسلل عبر المسافة التي تفصلهما أرتعدت , وكأن سهما جيد التصويب أنطلق اليها.
" يا آنسة هل يجب أن أذكّرك بأن عليك عملا يجب أن تؤديه؟".
وقفزت بطريقة لا أرادية عندما سمعت صوته الآمر , لكن الأرهاق منعها من أن تجيب فورا , ومرت لحظات قبل أن تجمع أفكارها لترد , ولكن وبطريقة مستاءة , تولى ثيو الرد:
" سأساعدها , فأنا لن أسمح لتينا بأن تقوم بكل هذا العمل وحدها!".
وبوجه متجهم أشار الى أكوام الأطباق والأواني المتناثرة وبعينين ضيقتين مصوبتين بكل أصرار الى برانستون , قال رامون:
" يبدو أنك لم تسمع ما قلت يا برانستون , لقد أصدرت أمرا مشددا , بأن على كل فرد منا أن يقوم بواجباته بنفسه , قلت أنني لن أحمل معي سياحا هل تذكر؟ أنني أعني ما أقول , أن لدى الآنسة دونللي وقتا كافيا للقيام بأعمالها , ولكن بما أنها تفضل قضاء الوقت في الثرثرة معك , فعليها أن تتحمل ذلك".
وأسود وجه برانستون غضبا , وأرتعدت تينا وهي تراه وقد أحكم قبضته وكأنه يستعد للهجوم على الرجل ! وهمست بسرعة:
" أرجوك يا ثيو... أنا لا أحتاج الى مساعدتك , الحقيقة أنني مصرة على القيام بواجباتي بنفسي!".
ورفعت رأسها ناظرة الى أنيز التي لم تكن تخفي سرورها لما تشاهده وقالت:
"يكفي وجود شخص واحد مدلل في الرحلة!".
وذهلت أنيز لهذا النقد ,وقبل أن ترد بادر فيغاس الى التدخل وقال :
" يبدو أن دونيللي متعبة , وبما أنه من السهل أثارة غضبها حتى في الظروف العادية , فمن الأفضل يا أنيز – أنت والسيد برانستون – أن تأويا الى فراشكما الآن".
ونقل بصره بينها وبين برانستون , ومع أن كلامه كان يبدو وكأنه طلب , ألا أن لهجته كانت كالأمر الصارم , وبادرت أنيز بأطاعة أمره فقالت:
" حسنا , أيها العزيز رامون......".
وأحنت رأسها نحوه , وهمست بجملة ناعمة باللغة الأسبانية:
" طابت ليلتك كارامورو".
ولاح شبح أبتسامة رقيقة على فم رامون المتوتر , لكنه عندما أستدار ليواجه برانستون , كان تعبير وجهه قاسيا كالحجر.

نيو فراولة 05-09-10 02:24 PM

وأنت يا برنستون؟".
وتكهرب الجو وواحدهما يواجة الآخر في صمت وأنهمر العرق غزيرا يغرق وجه تينا وهي ترى عيونهما تلتقي في تحد , ولم تعد تحتمل الأنفعال أكثر من ذلك , فهمست :
" أرجوك يا ثيو...... أفعل ما طلبه منك!".
وغضب ثيو, وألقى نظرة تفيض بالكراهية على رامون , ثم أستدار على عقبيه وتركهما وحدهما.
كانت يدا تينا ترتعشان وهي تجمع الأطباق , وكان فيغاس يقف في الظلام , خارج مجال الضوء الذي ينبعث من المصابيح الصغيرة , وهو يراقبها , وكان الموت أفضل عندها من أن يرى تعاستها وضعفها بعد ما حدث.
ولم تصدق نفسها وهي تستمع الى صوته الذي يفيض بالرقة, فليس هذا أبدا هو صوت هذا الرجل القاسي , قال:
" يا آنسة يبدو عليك الأرهاق , دعيني أساعدك".
ومنعتها المفاجأة من الكلام , وحتى عندما أمتدت يده السمراء القوية لتأخذ الطبق من يديها المرتعشتين , بقيت لا تصدق نفسها , وظلت وهي مبعدة رأسها , بشعرها الذهبي المرفوع الى أعلى , تعمل وهو الى جانبها , حتى أنتهى تنظيف آخر طبق دون أن تنطق بحرف واحد , أو تلقي نظرة اليه , ثم أستدارت لتذهب , وأمتدت يده لتقبض على ذراعها بقوة وألتقت عيناه المتساءلتان بنظراته الرقيقة وسألها:
" آنسة دونيللي , هل تغفرين لي؟".
" ما الذي أغفره لك يا سيد؟".
" هذا العقاب طبعا ! لقد أستثارتني طريقتك الأنكليزية المتعالية , فوضعت على كتفيك الرقيقتين هذا الحمل الثقيل!".
وتوقفت أنفاسها بتأثير هذا السحر غير المتوقع الذي يصدر منه , وعندما أبتسم , شعرت بشيء ما في داخلها يدفع قلبها بسرعة الى الأحساس بجاذبيته , وشعرت فجأة بالأضطراب , وبأنها مفعمة بأحاسيس حارة تتدفق من تأثير لمسة أصابعه على ذراعها , ولم يكن هو يشعر أبدا بهذا التأثير الخطير الذي يحدثه في نفسها ,كانت نظراته الآن كنظرات طفل صغير بريء يطلب الغفران , فقد فجأة سلطته , أصبحت لمساته رقيقة وحانية , كما تكون لمسات القوي عندما يحنو على الضعيف.
منتديات ليلاس
لكن تينا كانت تشعر أن قوته هائلة , يجب أن تهرب منها كما تهرب من كل خطر مجهول , فتخلصت من قبضته , وأخذت تخطو الى الوراء بسرعة , حتى أنتهى الطريق بشجرة ضخمة , فنظرت حولها يائسة تبحث عن طريق للهرب , بينما تحرك هو اليها وسحابة من الدهشة الحقيقية تغطي وجهه ,وقال لها بهدوء:
" هذه هي المرة الثانية التي تهربين فيها بعيدا عني يا آنسة , ما الذي يضايقك مني؟".
كان قد تحرك بعيدا عن مجال الضوء , ولذلك أنحنى عليها ليتأمل جيدا هذا الحزن الثقيل الذي يلقي ظلاله على وجهها الأبيض وعندها أقترب منها , ضغطت على جذع الشجرة الضخم , وكأنها تنحت في كتلتها الصلبة طريقا للهرب , ولكن , ليس هناك مهرب من نظراته الفاحصة , وحتى هذا الظلام الأسطوري الكثيف , في الليل الأستوائي , لم يستطع أن يخفي الخوف والرعب في عينيها الواسعتين.
" هل أنت خائفة مني؟".
وصدمتها لهجته , وسارعت الى الأنكار:
" لا , طبعا لا...........".
أقترب منها ووضع يديه القويتين على كتفيها فشعرت بالنار تندلع في جسمها من لمسته , خلال القميص الخفيف الذي ترتديه , بينما الأنفعال يدفعها الى الحذر.
" أذن لماذا أشعر كلما نظرت اليّ كما لو أن أحد الحيوانات الأسطورية ظهر لطفل في أحلامه , لماذا تعكس عيناك كل هذا الخوف ؟ ما زلت الى الآن تريدين أنكار هذه الحقيقة".
نظرت اليه بجذع وفجأة سألها وقد أكتأب وجهه:
" كم تبلغين من العمر؟".
" هذا ليس من شأنك يا سيد".
" أنت مخطئة , فهذا من صميم عملي , يجب أن أعرف أذا كان من يرحل معي خبيرا في الرحلات أم لا , وأنت يا آنسة دونيللي , لا يبدو أنك في سن تسمح لك بالذهاب حتى الآن الى أكثر من صفوف المدرسة".
كان يتحدث بقوة , لكن نظراته عكست عدم تأكده مما يقول , وألقت تينا برأسها الى الخلف , ونظرت اليه بترفع بارد , ثم قالت:
" قمت برحلات عديدة يا سيد ,الى معظم أقطار العالم ,وخلال كل أنواع المخاطر والأحوال المختلفة , وفوق العديد من المناطق الصعبة".
وشعرت بالثقة , فقد كان كلامها صادقا وتابعت كلامها لتزيد من أقناعه:
"أعتقد أنه ينبغي أن أحمل كلامك عن سني على محمل المجاملة ,ولكن , أرجوك..........".
أحتد صوتها , في محاولة للدفاع عن نفسها , والهجوم على ثقته الهائلة في نفسه :
" لا تحاول أن تقوم بتجاربك لتؤثر علي بسحرك اللاتيني , فسوف تجدني محصنة ضده تماما , وأقترح عليك.......".
وهنا تحولت لهجتها الى البرود الكامل لتنهي كلامها :
" أذا كنت تشعر بأنك في حاجة دائمة الى وجود العنصر النسائي معك , فيجب أن تركز جهودك على الآنسة أنيز وحدها........".
أصفر وجهه , وأن لم يظهر شحوبه في الظلام ,ولكن ضغط أصابعه على كتفيها عكس الغضب الذي يموج في نفسه ,بينما تحملت هي الألم وكأنه عقاب على وقاحتها , وأغمضت عينيها , وهي تمنع نفسها بصعوبة من أطلاق صرخة تحطم بها السكون الذي يحيط بهما ............

نيو فراولة 05-09-10 02:25 PM

كانت تعرف أنه أذا تكلم , فسوف تكون كلماته كلها شتائم ولعنات ........ ولكن كان أسهل أن تحتمل أحتقاره , من أن تدعه يكتشف مبلغ الأضطراب الذي يثيره في كيانها , فأن رجلا قبله لم يكن له هذا القدر من الجاذبية الذي تحسه نحو رامون فيغاس , سبق لها الخروج مع بعض الرجال , ولكن لم يكن لأي منهم أي تأثير عليها أذا قورن بهذه المشاعر التي تنتابها بمجرد أن يلمسها.
منتديات ليلاس
وأرتعدت , وعندما تكلم , تداعى قلبها حزنا وألما لهذه الهزيمة البادية في كلماته القاسية:
" يا آنسة , لقد أقنعتني , لم يعد مظهر شبابك الخادع يقلقني , أن لسانك الحاد كفيل بتهيئة الحماية الكاملة لك , ولن يعاني من أي مشكلة مع أحد من الرجال , وأذا كنت قد سافرت كثيرا فأعتقد أنه لم يعد عندي شك من أنك ستحسنين التصرف , وأعتقد أنك لن تجدي في كلامي لك أي مديح أو تملق , ولتكوني على ثقة من أنني أنفذ ملاحظاتك بكل دقة , وأعدك بأنك لن تشعري بعد اليوم بأنني شخص جذاب.
ثم تركها وأختفى في الظلام , وعندما أستلقت في سريرها المعلق , وقد ألتفت حولها شبكة من القماش الخفيف تحميها من البعوض , لم تكن تفكر ألا في شخص واحد : رامون فيغاس , الرجل الذي يخفي وراء قسوته كل هذه الرقة وهذا الحنان ,ولمساته التي أشعلت نيرانا في عواطفها , ما تصورت يوما أنها ستوقظها بمثل هذا العنف , هذه العواطف التي يجب أن تختفي تماما قبل أن تصبح موضعا للسخرية , سواء من رامون نفسه أو من أنيز والتي سيسعدها أن تعرف هذه الحقيقة ! مهما حدث , يجب أن تبتعد دائما عن طريق فيغاس , أذا أرادت أن تحتفظ لنفسها بهذا الوقار الذي تتظاهر به.
في اليوم التالي شعر أعضاء الفريق بشوق لبداية المرحلة الثانية من رحلتهم , ولم تكن تينا في حاجة لمن يدعوها الى اليقظة , والى ترك هذا السرير المعلق , بعد ليلة أخرى من النوم المتقطع , الذي صاحبه أعتقادها بأن العمل , أي عمل , هو راحة بالنسبة اليها , ولذلك , فعندما أستيقظ الجميع فوجئوا بهذه الرائحة الجميلة للقهوة , وبرغم أن شهيتهم كانت أقل من الأمس , ألا أنهم رحبوا بحرارة بهذه الأطباق الشهية من البوردج.....
وأمتلأت بالفخر لعبارات الأعجاب التي أغدقوها عليها , أمتداحا لطعامها الشهي , وهم الذين كانوا في دهشة من ميلها الى الوحدة , مع أنهم ما زالوا يرحبون بها لتنضم الى هذه المجموعة التي توطدت بين أفرادها روح الصداقة والألفة.
لقد أصبحت معروفة بينهم الآن بأسم ( العروس الثلجية) , وهو تعبير من كثير من التعبيرات والملاحظتت التي تعبر عن رأي الرجال فيها , والتي كانت تستمع اليها في ألم , في بداية الأمر فكرت في أنه لن تهمها ما يساورهم من ظنون فهم مجرد مجموعة من الأفراد لن تراهم مرة أخرى بعد نهاية الرحلة ,ولكنها الآن تشعر بأنها ضائعة , غير مرغوب فيها , وأبنها وحيدة تماما , ومع أنها كانت تعرف أنها هي التي فعلت كل هذا , وأن الخطأ خطأها هي , فهي التي رفضت كل صداقة عرضت عليها , ولكن ذلك لم يحل دون أن تشعر بالألم وقسوة الوحدة.
وبعد الفطور , خلا المكان مرة أخرى تماما , ولم يعد هناك أثر يدل على أن القوم كانوا فيه والمعدات القليلة التي أنزلوها من القارب عادت مرة أخرى اليه , وبدأ زورقهم الطائر في الأنزلاق الى الماء وهم في داخله ,وساد الصمت تماما , وأختنقت الأصوات في صدورهم , بمجرد دخول الكابتن روجرز الى غرفة القيادة , وتشبثت تينا بذراع مقعدها وهي تشعر بأصوات المحركات ترتفع , وكانت كل لحظة تحمل معها خوفا جديدا , وشكوكا متزايدة حول الأخطار المحتملة لكنها تنفست بأرتياح , وأرتخى جسدها عندما أستقر المركب مرة أخرى في الماء , وسمعت صوت هديره !
وشعرت بكل متاعبها تثقل كاهلها , وتحت وطأة أعصابها المتوترة , والنوم الذي قاطعها في الليالي السابقة , سقط رأسها على ظهر المقعد وهي تراقب الأحراش التي لا تنتهي , حتى أصبحت كتلة خضراء بلا نهاية ,وصمت الجميع ,وهم يتصورون الأخطار التي سيواجهونها بعد ساعات قليلة , فعندما يقام المعسكر , يكون لكل منهم عمل كاف يشغله , أما الآن فليس هناك ما يفعلونه سوى الأنتظار.
وتحولت أفكارها الى عمتها , كانت تعرف أنها تنوي أن تتابع تقدم البعثة يوميا على خريطتها , فقد حفظت خطة سيرهم عن ظهر قلب , وشعرت تينا بالحرارة وهي تحس أنه بالرغم من البعد عنها , فأن عمتها معها في كل خطوة تخطوها في رحلتها.
وكانت الأيام الأخيرة التي سبقت رحيلها ثم وصولها الى مانوس مشحونة بالقلق , لدرجة أنها لم تستطع أن تستوعب كل التعليمات التي كانت عمتها توجهها اليها , وكان الخوف يشغلها حتى أنها لم تعرف حقيقة ما تحتويه هذه التعليمات , لكنها الآن وهي تسير فعلا في قلب الأمازون , في أتجاه مخاطر( كازيكوير) , بدأت الذكريات تضغط عليها ......فأغلقت عينيها في محاولة لأستعادة ما قالته لها عمتها وشيئا فشيئا بدأت الصور تتداعى في مخيلتها , حتى أستطاعت وبالتدريج أن تسترجع كل ما قيل لها.
" وصلت الى كيو وبطريقة غير معقولة , ومن بين آلاف الأميال من الكروم الكثيفة أشاعة تقول أنه في مكان ما في أعالي نهر أورينوكو يعيش واحد من المواطنين الذين لم يتلقوا أي قسط من التعليم , ويعرف بأنه أحد أطباء الأعشاب , وأنه يعالج المرضى بمرض النقرس بدواء مصنع من الأعشاب ,وبخاصة من نبات ( الكاسيا) الذي يطلق عليه المواطنون أسم ( سارانغوندين).".
كان من الأحلام الخاصة للعلامائ , بما فيهم عمتها كريس , أن يعثروا على علاج لواحد من أكثر الأمراض أيلاما للأنسان وهو مرض النقرس , ومع أنهم كانوا يتوقعون أكتشاف هذا النبات ,ألا أن الأمر بالنسبة الى تينا لم يكن يعني أنها تبذل جهدا لتعثر على هذا الطبيب , لقد كانت المغامرات والرحلات لا تعني بالنسبة اليها هذه الأهداف التي كانت مهمة بالنسبة لعمتها , أو كما كانت بالنسبة الى عائلتها ولكن تينا وجدت فجأة أن فكرة تحقيق الشفاء للأنسانية بالعثور على علاج لهؤلاء المساكين الذين يشفيهم من المرض , تنبثق فجأة أمام عينيها لتصبح هدفا مثيرا , وفجأة , وجدت نفسها قلقة على هذه السمعة العظيمة التي حققتها عائلتها في حربها ضد الأمراض........ وتركز الضوء عليها ليظهر أنانيتها وعدم فهمها للدور الكبير الذي قامت به عائلتها نحو هؤلاء الذين كانوا في حاجة الى المساعدة , وغمرها شعور بالخجل من هذه الأحاسيس التي أجتاحتها في طفولتها والتي صورت لها أن عائلتها كانت تفضل المغامرات والرحلات على تهيئة الجو العائلي والأستقرار في طفولتها , وكأنها فراشة تحاول الطيران للمرة الأولى! وقد جاهدت للخروج من عقدها الخاصة لتكتشف عائلة جديدة عظيمة , كانت فخورة بهذا الأكتشاف , وشعرت بدافع قوي لأن تتبع خطواتها , وفجأة تبدد كل التعب والأرهاق الذي كان ينتابها , عندما فكرت في الفائدة التي ستعود على آلاف المرضى الذين يعانون من آلآلآم المبرحة .

نيو فراولة 05-09-10 02:26 PM

كانت عمتها كريس تشكو دائما من عدم أهتمامها بأكتشاف النباتات , وكانت تستغرب أختفاء هذا النوع من الأهتمام في فرد من أفراد العائلة التي أقترن أسمها بالمغامرات ولكن تينا , أدركت أنها كانت قادرة على هذا العطاء , الذي كان كامنا في نفسها , وربما كان خافيا عنها نتيجة لهذه الطفولة التعسة , ولأحلامها الرهيبة , والحذر الذي كانت تشعر به , ولكنه كان دائما موجودا في باطنها , وأدهشها هذا الأكتشاف : هل هو نوع من الأتصال الروحي ؟ هل كانت كريس برغم هذه الأميال التي تفصلها عنها تشجعها لتأخذ الخيط الذي تركته عائلتها , وتتابعه؟ وأثناء البحث عن أجابة لهذا السؤال , تولد تصميم في داخلها , تصميم يجثها على بذل كل جهد للعثور على طبيب الأعشاب.
وتذكرت جيدا , لقد أخبرتها كريس أن هذا الطبيب يعيش مع قبيلة تدعى ( جواهاربيوس) وبما أنه ليس هناك دليل قاطع على حقيقة هذه الأشاعة , فقد كان عليها أن ترجو رامون فيغاس أن يغير من طريقه المرسوم ,وأرتعدت تينا , عندما فكرت في أنها ستحتاج الى طلب المساعدة من رامون الذي يبدو شديد الغضب منذ ليلة الأمس , وهو يتجاهل وجودها تماما , والذي كانت تصرفاته وتعبيرات وجهه الغاضبة والصارمة مثار تعليق الرجال طوال اليوم , لقد علّق فليكس كريللي على ذلك بأن فيغاس يعيش حالة منن القلق خوفا عليهم من أخطار الدوامات القادمة , لكن تينا كانت تشعر بالذنب والمسؤولية عن هذه الحالة النفسية السيئة التي يعاني منها منذ الصباح , وكانت هي في حاجة شديدة الى الشجاعة للتقرب اليه , ولكنها كانت متأكدة أنها ستقدم على ذلك أذا ما واتتها الفرصة , فأن الكرامة الجريحة يجب ألا تقف حائلا أمام خير الأنسانية.
منتديات ليلاس
وألقى برانستون بجسمه الضخم على المقعد المجاور لها , وقال:
" هل بدأت تشعرين بالخوف يا دميتي , أنك تبدين كما لو كنت في أنتظار كارثة".
وألقى بيده الخشنة المغطاة بالشعر الأسود الكثيف على كتفها , وواصل كلامه:
"لا تدعي تهديدات رامون تخيفك أو تضايقك , فأنا هنا يا عزيزتي".
وأستعادت تينا وعيها , تاركة خططها وأفكارها , وكانت نظراتها اليه نظرة المذهول الذي لا يعرف شيئا , ولم تفهم السبب الذي من أجله يحاول أعادة الطمأنينة اليها ألا في لحظة ألتفاتها الى جانب الزورق , ورؤيتها للنشاط المتزايد حولها , لقد عاشت طوال الساعات السابقة ونظراتها معلقة بهذه الكروم التي تمتد الى ما لا نهاية في بعض الأحيان , كانت قريبة لدرجة أنها تستطيع لو مدت يدها أن تصل اليها , وفي أحيان أخرى كان النهر يتسع حتى أنها لا ترى أي ظل أخضر على الأطلاق , ولكن , في كل الأحوال , سواء كان النهر متسعا أو ضيقا , فقد كان يجري في هدوء خامل , متجها بهم الى هدفهم , أما الآن , فقد نظرت حولها مضطرة , لترى القلق يسيطر على كل الوجوه حولها حتى على هذا الوجه القاسي وجه ( كارامورو) , فقد كانوا يقتربون بسرعة من منطقة الدوامات الرهيبة , وملأ الرعب عينيها وهي تنظر بعيدا الى النهر الذي تحول الى كتلة من الزبد الأبيض تهدر مندفعة في طريقها بين حافتين من الصخور الحادة كالموس, أو كتل الصخر الضخم الرهيب التي تعترض طريق الأمواج الرهيبة التي ترتفع ثلاثة أمتار وأربعة لتصطدم بالصخور في عنف وتعود لتصطدم بزورقهم وكأنها تسلمهم من عائق في النهر الى آخر , ولم تتصور تينا أبدا أن زورقهم المسكين يمكن أن ينجو من هذه المياه الرهيبة , وتضاعفت مخاوفها عندما أقتحم القارب الصغير أول كتلة من المياه المندفعة والتي ألتفت حوله في قوة رهيبة.
وفجأة ,توقفت أصوات المحرك, وقبل أن يتكلم أحد , أهتز الزورق هزة عنيفة , جعلتهم جميعا يترنحون فوق كراسيهم قبل أن يتوقف تماما , وكأنه قد سقط بين براثن شلال خطر , والغريب أن أحدا لم ينطق بكلمة ,ولم يصدر عنهم أي صوت , وأنما أمسكوا جميعا بمقاعدهم , وتعلقت أنظارهم بجوزيف روجرز وفيغاس , وهما في غرفة القيادة يجاهدان حتلا لا ينقلب بهم الزورق , وبعد ثوان طويلة من الأنزعاج , بدأ صوت المحرك يعود الى الحياة , وعاد هديره يرتفع بهم فوق زبد الموج الأبيض , وعندما شعر البحارة بأن الطريق أصبح واضحا أمامهم الآن , أدركوا أنهم تجاوزوا فعلا دوامات سنغابريل وراءهم , فأندفعوا جميعا الى غرفة القيادة ووجهوا التهاني الحارة الى جوزيف روجرز الذي وقف سعيدا الآن ومعه رامون فيغاس , الذي بدا مرتاحا.
وقامت تينا بحركة لتشاركهم التهنئة , وتبلغهم شكرها وأعجابها بهذه الطريقة التي أستطاع بها الرجلان أن يعبرا ما تصور أنه المستحيل , لكن ثيو برانستون مد يده ليمنعها , وعبر صوته عن الغيرة والحقد وهو يقول:
" أنت أيضا تخضعين لسحر هذا البرازيلي".
ولم يذكر أبدا ما حدث بالأمس , وتصورت تينا أنه قرر تجاهله , لكنها عرفت الآن أنه لم ينس أبدا , وأنه أغلق قلبه على ذروة الحقد والكراهية , للرجل الذي أجبره على الأنسحاب!

نيو فراولة 05-09-10 02:28 PM

وتمتمت وقد أرتفعت الدماء الى وجهها :
" لست أدري ماذا تقصد".
" أذن سأقول لك بكل وضوح".
قالها بصوت ساخر , وأدار لسنه حول شفتيه المكتنزتين كالصياد عندما يواجه فريسته التي لا حول لها ولا قوة , لدرجة أنها أرتعدت من الخوف :
" في المستقبل , أتوقع منك أن تعامليني بطريقة تجعل رامون وعصابته يعتقدون أننا أكثر من أصدقاء!".
وأمتقع وجهه غضبا , عندما لاحظ أنها تستعد للأعتراض, فأشتد صوته قسوة وقال مهددا:
" أذا لم تخضعي لهذا الأتفاق , فلن أتردد أبدا في أعلان حقيقتك أمام فيغاس أنك زائفة , وغشاشة ومحتالة صغيرة".
ورفعت تيتا رأسها , ولم يبد على صوتها أي دليل على الأضطراب الذي تعانيه , وقالت:
" أنني متأكدة من أنك تستطيع أن تفعل ذلك , وأنك ستكون سعيدا أيضا وأنت تقوم به , فليس هناك شك في أنك معتاد على التجسس على الناس , ولكن ما رأيك أذا طلبت اليك أن تقوم الآن وتفعل ما يحلو لك؟ وما الذي أخاف منه الآن؟ لقد أبحرنا بعيدا ,وليس هناك طريق للعودة الآن ,ولا أظن أن رامون فيغاس يغامر بالعودة بي فوق الدوامات الرهيبة , خصوصا أذا عرف أن بقائي معكم هو في الواقع عقوبة لي , أشد من العودة!".
وضيق برانستون عينيه وهو ينظر اليها , بينما واصلت هي المقاومة:
" وما رأيك في صورتك أنت في نظر الباقين عندما يعرفون أنك تبتزني وتهددني ؟".
منتديات ليلاس
وألقت بسهمها الأخير , مستطردة :
" سيبعدونك عن أية رحلة طوال حياتك , خاصة عندما يصبح عملك هذا معروفا من الجميع".
" أنت تمزحين يا دميتي , لماذا لا تعترفين بالهزيمة وتخضعين لشروطي ؟ لن تتحملي أبدا أن يشك رامون في حقيقة شخصيتك , في كل حال , أنا لا أطلب منك أكثر من أن تسعديني بصحبتك , وأبتسامة أو أثنتين فما المانع من قبول هذه الرغبة , كثيرا من السيدات يتمنين ذلك؟".
وبينما كان هو يمجد نفسه , كانت تينا تحاول جمع أفكارها المشوشة! أنها تكره الرجل وتشمئز لمجرد لمسة منه , ولكن أذا كان كل ما يطلبه منها هو مجرد الصداقة , فمن الغباء أن ترفض ذلك , وأخذت تذكر نفسها , كيف كان وجوده بالأمس مفيدا لها , ربما أحتاجت اليه والى خبرته خلال الأسابيع القادمة في قلب الأدغال , حتى يمكنها أن تتجنب الأخطاء , وأن تستمر دون أن يظهر منها ما يفضح عدم خبرتها , والأهم من ذلك , يجب أن يظل صامتا , فكيف يمكن أن تقنع رامون فيغاس بمساعدتها في العثور على طبيب الأعشاب , أذا عرف حقيقة شخصيتها المزيفة , وأيضا فأن الدوافع الجديدة التي ولدت في نفسها أخيرا ليست كافيه كي تطرد مخاوفها تماما , وعلى ذلك فأن صحبة ثيو برانستون برغم من أنها لا ترحب بها قد تكون خيرا في بعض الأحوال , وأتخذت قرارها , وشعرت بأنها في حاجة الى شيء من الدبلوماسية كي تتحدث اليه ,أبتسمت وقالت:
" حسنا , أنني أقبل أقتراحك مقابل عدم التحدث عن حقيقتي الى رامون فيغاس , ولكن...".
وأضافت بعنف عندما لاحظت أبتسامة الأنتصار على وجهه , ومحاولته للأمساك بيدها:
" سيد برانستون , ليس في نيتي أطلاقا أن أسمح لك بأن تأخذ حريتك في التصرف معي , يجب أن تذكر ذلك جيدا".
" أذا كنت قد وافقت على صداقتي , فما رأيك في أن نبدأ بأن تناديني بأسمي الأول ثيو".
وأحنت رأسها موافقة , أن كل أعضاء البعثة رفعوا الكلفة في ما بينهم , حتى رامون صار يتعامل معهم بالطريقة نفسها , ويناديهم جميعا بأسمهم , ما عداها هي , فقد كان تصرفها البعيد عن التجاوب مع المجموعة لا يشجع أحدا على الأقتراب منها , بل بالعكس , كان يسبب لهم الأضطراب.

نيو فراولة 05-09-10 02:29 PM

وفجأة سمعت صوت الآنسة أنيز , فرفعت رأسها مسرعة , لتراها واقفة تنظر اليها , وبجوارها رامون فيغاس:
قالت أنيز بلهجة هازئة:
" ما رأيك يا رامون , ألا يبدو عليهما الأنسجام ؟ لن تكون مفاجأة لو أننا أنهينا هذه الرحلة بحفلة زفاف".
وأطلق ثيو ضحكة صاخبة , وأنحنى ليمسك بيد تينا , ويضغط عليها , فشعرت بالضغط ,وأضطرت الى الصمت , والى أحتمال نظرة التجاهل الباردة التي ألقاها عليها رامون وهو يقول:
"هل شعرت بأية متاعب ونحن نعبر الدوامات ؟ أرجو ألا يكون ذلك قد حدث يا آنسة ".
" طبعا لا".
كان هذا هو الرد السريع الذي صدر عن ثيو .....وهو يشعر بالثقة وهي بين يديه , مما دعاه الى أن يستطرد:
" ألم أقل أنني وعدت بحمايتها!".
فقال رامون بصوت حزين :
" أنا متأكد أنك قمت بواجبك خير قيام".
فقالت أنيو وهي تتعلق بذراع رامون في دلال:
" هيا يا رامون ....يجب ألا نضايق العصفورين العاشقين أكثر من ذلك!".
وفي غضب ظاهر قالت تينا:
" يبدو يا آنسة أنيز , أنه من المستحيل أن تقوم صداقة بين الجنسين في بلادكم , كما يحدث في بلادنا , فأذا كانت هذه هي الحقيقة ,فسأكون من الكرم بحيث أغفر لك ضيق تفكيرك ,بدلا من أن يضايقني كلامك!".
منتديات ليلاس
وساد جو من الصمت والدهشة , وسمعت ثيو يضحك ضحكة صغيرة مكتومة , ثم أستدارت لتواجه الغضب الجامح في عيني فيغاس , كانت تينا تعرف أنها واجهتهما بوقاحة لكنها لم تكن مستعدة للأعتذار لأنيز التي دل لون وجهها على مقدار الغضب الذي لحقها من الأهانة , وضغطت تينا على أسنانها وهي تراقب تحركاتها الغاضبة في أتجاه رامون , وكأنها تطلب منه الحماية , وضغطت على شفتيها بشدة حتى تمنع نفسها من الأندفاع في مواصلة كلماتها المتأثرة وهنا تحدث رامون فيغاس فقال:
" أنيز : أنا متأكد أن الآنسة دونيللي لا تقصد أهانتك , وستخبرك بذلك بنفسها عندما تعد أعتذارها في وقت آخر".
ولم يستمع الى تينا وهي تقول :
" مستحيل ........".
لكن تعابير وجهه أصبحت قاسية وجادة , حتى أنها أدارت وجهها بعيدا , وهي تشعر بالتعاطف مع ثيو لموقفه المشابه لموقفها , والذي وقع له في الليلة السابقة.
وهزت رأسها في حركة سخرية , وهو يساعد أنيز على الجلوس في مقعدها , ولكن , لقد كان هناك شعور غامض في أعماقها يؤكد لها أن رامون لم يقل كلمته الأخيرة بعد في ما حدث , لكن المؤكد أنه لم يكن أبدا من النوع الذي يسمح لأحد بأن يتجاهل أوامره.

نيو فراولة 05-09-10 02:30 PM

5- لقاء على ضفة النهر


أستقر المقام بالجماعة في قاعدة المعسكر التي أقاموها , في قلب الأمازون تماما , في منطقة كازيكوير , وكانت تينا تشعر بمعاناتها تتزايد يوما بعد يوم , ومع تزايد الأدغال الكثيفة التي أصبحت وحدها كل شيء يحيط بهم , حتى أنها تصورت أنه لم يعد هناك شيء في العالم سوى الأدغال الخضراء , والمياه الراكدة السوداء , فالأشجار تتعالى الى السماء وتتشابك قممها العالية لتكون ستارة سوداء تمنع أشعة الشمس من أحتراقها على ضفتي النهر , بينما الأغصان المنخفضة الكثيفة تتمايل في تثاقل جول جذوع الشجر الضخمة , وكأنها عباءة سوداء تخفي وراءها رعبا على وشك الأنطلاق.
وكان عليهم أن يبقوا في مكانهم مدة أسبوعين , حتى يتمكن العلماء والجغرافيون من معرفة أنواع النباتات والحياة عند قاعدة النهر , وفي هذا الوقت قررت تينا أن تسأل رامون فيغاس أن يسمح لها بتكوين فريق صغير للتوغل في المنطقة , بحثا عن طبيب الأعشاب , ولكن , كيف يمكنها أن تسأله؟
منذ الصدام الذي وقع بينها وبين أنيز , تركها الجميع وحيدة , ما عدا ثيو , ولكن في كل مرة كانت عيناها تلتقي بعيني رامون , كانت تقرأ فيهما أمرا لها بأن تعتذر الى أنيز , التي بقيت متعالية في برود , وكانت تعلم أنها يجب أن تحقق طلبه أذا أرادت أن يحقق لها طلبها.
لكن الأمر كان يزداد صعوبة كلما فكرت فيه , كيف يمكن لها أن تذل كرامتها أمام أمرأة متخصصة في الظهور أمام الرجال في أجمل صورة ممكنة كي تجذبهم ,كل شيء ممكن في سبيل العلم.
وسنحت لها الفرصة عندما توقف الزورق , فقد كان كل أعضاء البعثة مشغولين في تفريغه من متاعهم ومعداتهم حتى يمكن لجوزيف روجرز وبحارته أن يفحصوه ويتأكدوا من سلامته بعد الرحلة الشاقة..... ونظرت حولها ورأت أنيز تقف وقفة مرسومة تراقب بكسب الحركة التي تدور حولها , ولاحظت تينا أنها تمسك في يدها مبسما طويلا أنيقا فيه سيكارة لم تشتعل بعد , وهي تنظر الى الرجال المشغولين طلبا لمن يشعلها لها , ورسمت تينا أبتسامة على شفتيها , في غمرة أنشغال الجميع بتنظيم أمورهم , لم يكن لدى أي واحد منهم لحظة يلقي فيها نظرة الى النهر التي أستدارت يائسة وضجرة لتبحث في جيوبها عن علبة كبريت !
وقاومت تينا كبرياءها ومدت يدها بولاعتها اليها وقالت لها ببرود:
" هل يمكن أن أساعدك؟".
وحملقت أنيز فيها وتراجعت تينا الى الوراء وهي ترى اللهب البرتغالي يعكس هذه الكراهية العميقة في نظرات أنيز ...... وتنفست تينا في فزع بينما ضحكت أنيز ضحكة صفراء وهي تطلق سحابة من الدخان بينهما , وكانت كل ذرة في جسمها تدعوها للفرار بعيدا عن المرأة التي تركت مظاهر الكراهية واضحة عليها , وقاومت نفسها بضراوة وهي تتذكر الهدف الذي تسعى اليه , وقالت:
" يا آنسة ".
منتديات ليلاس
رفعت أنيز حاجبيها في دهشة وأجابت:
" نعم؟".
أرتعش صوت أنيز وهي تقول:
" أنني مدينة لك بلأعتذار , خرجت عن حدودي تماما معك وأود أن تعرفي أنني آسفة جدا".
رفعت أنيز كتفيها بأزدراء , وعدم أهتمام , وعيناها تبحثان بين الرجال لترى ما أذا كان واحد منهم أنتهى من عمله وأصبح مستعدا لتسليتها , كل الرجال كانوا في قمة نشاطهم عندئذ أستدارت الى تينا وقالت:
" آنسة دونيللي ..... هل تتصورين أنني أهتم لحظة واحدة بما تقولين؟".
وحدجتها بنظرة أحتقار , قبل أن تواصل كلامها:
" أنني لا أهتم أطلاقا بتفاهات أمرأة أنكليزية معقدة , خائفة من الحياة ومن الرجال , أمرأة باردة تضع نفسها في قوقعة ثلجية , وترتعد كلما وجهت اليها كلمة أعجاب عادية".
وأطلقت ضحكة عالية تنطق بالأحتقار , أشد في قسوتها من الكلمات المهينة التي وجهتها الى تينا التي جمعت أصابع يديها في قبضة عندما شعرت بهما ترتعدان .
باردة ..........معقدة .......آه لو تعرف أنيز مقدار الحرارة التي في فلبها , أذن لغيّرت رأيها في الحال ... وضغطت تينا على أسنانها الصغيرة وهي تستعد للمعركة , أنها لم تشعر طوال حياتها بالظلم والأضطهاد كما شعرت بهما منذ بداية هذه الرحلة , لكنها في الطريق أكتشفت وجوها أخرى خفية في طبيعتها لم تكن تعرفها , لقد كانت تخفي تحت ستار الوقار الذي حملته سنوات طويلة , مشاعر فياضة ناعمة , أنعم من شعرها , وفي اللحظة التي فتحت فمها لتنطق بالرد على أنيز , أرتفع صوت فيغاس حولهما وبصوت رقيق , وبطريقة غير عادية , قال مخاطبا الأثنتين:
" أنني سعيد لأنني أراكما معا , وقد أصبحتما صديقتين , وتغلبتما على الخلافات بينكما".
وأستدارت الأثنتان معا , كانت عيناه تتجولان بينهما , بنظرة أستفسار رقيقة أرسلها أرسلها الى أنيز , بينما نظراته الى تينا ما تحمل الشك واللوم ووجهها ما زال مشدودا بالغضب , مما دفعها الى الضغط على أعصابها بسرعة لتزيل كل شك في ذهنه , في هذه اللحظة, مدفوعة بحاسة الأنثى , شعرت بأنها يجب أن تقتصر على أنيز في هذه اللعبة أذا أرادت ألا تبقى في قائمة رامون السوداء الى الأبد , وأستدارت لتبتسم لغريمتها بأبتهاج , متجاهلة دهشتها التي قطعت منها الأنفاس وأتسعت أبتسامتها وهي تقول:
" أعتقد أن الآنسة وأنا قادرتان على تخطي بعض المشكلات الصغيرة بغير تشجيع منك يا فيغاس , طبعا نحن صديقتان , وأنا متأكدة أنه عند نهاية الرحلة سنجد بيننا أشياء كثيرة مشتركة أليس كذلك يا أنيز؟".
كانت سعيدة وهي تراقب المعركة الدائرة في نفس أنيز قبل أن تتخذ قرارها , فقد أدركت الأخيرة أنها سوف تبدو مخطئة من نظر رامون أذا رفضت هذه الصداقة , ومن ثم يجب أن تتغلب على هذه المواقف , حتى لو كانت ترى هذه النظرات الضاحكة الخبيثة في عيني تينا التي تخفيها تحت ستار من الأبتسامات الكاذبة.

نيو فراولة 05-09-10 02:31 PM

وبمجهود خارق نجحت في أن تبتسم ردا على أبتسامات تينا وأن تطلق ضحكة صغيرة مغرية , أستطاعت أن تخدع بها رامون.
" رامون ......طبعا نحن صديقتان , كف يمكن أن تتصور شيئا آخر".
" في هذه الحالة , هيا لنرى كل منكما المكان المخصص لها , قبل أن نجلس للعشاء".
طوال فترة العشاء , تغيرت أحوال تينا تماما , للمرة الأولى تسير الأمور كما تشتهي , والأنتصار الرائع الذي شعرت بأنها قد حققته في مواجهة أنيز أعطاها ثقة قوية قوية للحديث مع الرجال كما لم تجرؤ من قبل وحين جلسوا حول نيران المعسكر , في دائرة واسعة , يأكلون ( الكاري) الذي أعدّه لهم فيلكس كريللي الذي كان مسؤولا عن الطبخ في ذلك المساء , أستطاعت أن تشق طريقها وسط الأحاديث الدائرة , بسهولة أدهشت زملاءها الذين كانوا جميعا سعداء بها , ما عدا ثيو الذي كان متضايقا من هذا الأنطلاق الجديد فيها , والذي تمثل أنتقاصا من أهتمامها الخاص به , أنه لا يستطيع أن يشكة من تجاهلها له فقد أعطته من أهتمامها قدر ما أعطت الباقين ,ولكنه كان شعور من يملك شيئا , وفجأة , وجد كثيرين غيره يشاركونه فيه.
وقام ثيو , بأصطحاب تينا الى سريرها المعلق ,ولكن قبل أن تستدير لتتركه , جذبها من كتفيها , وأخطرها الى مواجهته , قاومت عنفه بحدة وهي تهتف به:
" ثيو أنك تسبب لي الألم".
وأجتاحتها موجة من الخوف , وهي ترى عينيه تلمعان في الظلام , وحاولت التملص لكنه أنقض عليها وحاول أن يطوقها بذراعيه , فأنتفضت مذعورة وقالت:
" أياك أن تلمسني ثانية , هل تسمعني , أذا حاولت أن تقترب خطوة احدة فسأصرخ طالبة النجدة".
"أعتقد أنك تفضلين جذب أنتباه هذا الرجل البرازيلي , هل تعتقدين أنني لم ألاحظ الطريقة التي تنظرين اليه في اللحظات التي تصورت فيها أن أحدا لا يراقبك والطريقة التي تلمع بها عيناك عندما تلتقيان بنظراته؟".
" لا تكن غبيا , أنك تترك خيالك...".
وقاطعها بعنف :
" أذن لماذا كنت تهتمين بكل كلماته وحركاته ؟".
منتديات ليلاس
وفكرت بسرعة في أن تجد عذرا وتمتمت:
" ذكرت لي بنفسك أن رامون قد عقد خطبته على أنيز , فلماذا أضيع وقتي مع رجل هو خطيب أمرأة أخرى؟".
وضاقت عيناه , وترددت أبتسامة على شفتيه ولدهشتها الشديدة , أذا هو يتنهد من أعماقه , ثم راح يضحك بسعادة واضحة:
" ماذا أنت أيتها الشيطانة الصغيرة الماكرة , تفعلين ذلك لتضايقي أنيز , أنك تكرهينها , وتحاولين الحصول على صديقها لتلقينها درسا".
وشعرت بصدمة ,أن ثيو وحده في هذا العالم يمكن أن يتصور هذا التصور , ولكن أذا كان ذلك سيسعده عن متابعة ما يحدث بينها وبين فيغاس فلتدعه يعتقد بصحته وأبتلعت ريقها بصعوبة , وأحنت رأسها بالموافقة , وشعرت براحة يصاحبها الأحساس بالعار وهو يطلق ضحكتين , معبرا عن فهمه , ثم أستدار عائدا الى سريره.
وعندما أختفى في الظلام , شعرت تينا بالتوتر والأرق , قررت أن تتجول حول المعسكر , الى أن تسترد هدوءها ونزلت الى شاطىء النهر وأستندت الى شجرة.
كان النهر رائقا وناعما تحت غلالة من الظلام , تخترقها أشعة الشمس المتلألئة , والموج الرقيق يهمس للشاطئين , وركعت على ركبتيها لتدلي أصابعها في الماء بحثا عن بعض الترويح في مياهه المنعشة الباردة , وفجأة سمعت صوتا يدوي في أذنيها بغضب:
" هل أنت مجنونة ؟هل أنت معتوهة تماما!".
ولدهشتها الشديدة , شعرت به يهزها هزة جعلت أسنانها تصطك , ورأسها يتحرك الى الأمام والى الخلف في مقاومة ضعيفة وكأنها دمية من القماش , كان الهجوم سريعا , وعندما أستطاع أخيرا أن يسيطر على أعصابه لدرجة تسمح له بالكلام , وجه رامون فيغاس اليها الحديث بصوت حاول بكل طاقته أن يسيطر عليه:
" حسنا , دافهي أذا أستطعت , عن جريمتك الخرقاء".
وأفاقت فجأة وتراجعت الى الخلف , وحملقت في وجهه غير واعية بما حدث , كانت نظراتها الخانقة تحدق في وجهه الغاضب الوحشي , وكأنها طفل عوقب لغير سبب , وأرتعدت يداها وهي ترفعهما لتعيد تثبيت المشابك في شعرها , وقالت :
" أنا لا أفهم شيئا ما هو الخطأ الذي ارتكبته؟".
" تتساءلين عن الخطأ الذي أرتكبته؟ هل تقصدين أنك نسيت كل شيء عن البيراناس؟".
" قرأت طبعا وسمعت أيضا عن هذه الأسماك الصغيرة الرهيبة , آكلة لحوم البشر , التي تستطيع أن تحول الرجل الى هيكل في لحظات , وجعلها رد الفعل ترفع يديها الى أعلى أمام عينيها , وكأنها تبحث عن أصابعها لترى ما أذا كانت لا تزال في مكانها.
وقال بضيق وغضب:
" كنت محظوظة يا آنسة دونللي فمن المعروف الرجل أذا وضع يده في هذه المياه , فأنه عادة يخرجها بلا أصابعه , ما الذي جعلك بحق السماء تقدمين على هذا التصرف؟ لو كان في يدك جرح صغير جدا , لأندفعت اليك جماعات الأسماك المتوحشة- وقد جذبتها رائحة الدماء – لتخلص لحمك من عظمك".
وأرتعدت , ومادت الأرض تحت قدميها , وهي تتصور لو أن هذا حدث بالفعل وكان من المستحيل أن تشرح له أنها كانت تحاول نسيان مخاوفها وسط هذا الجمال الذي يحيط بها ,ولم يكن ممكنا أن تقول له أن الأسماك لا تهاجم شخصا ليس فيه أي جرح بدليل هؤلاء الزنوج الذين يسبحون وسطها دون أن يحدث لهم أي ضرر.

نيو فراولة 05-09-10 02:32 PM

وجذبها خارج الظلال الى ضوء القمر الساطع وقال:
" كما ذكرت من قبل يا آنسة دونيللي , أنك أما عظيمة أو غبية , ولكن في كلا الحالتين لا يمكن أن تكوني قادرة على تحمل مسؤولية بقائك وحدك في الأدغال ولو لحظة واحدة".
وأفقدتها الصدمة الوعي , لم تستطع أن تفعل شيئا ألا أن تتراجع وهي تحدق فيه بعينين ملأهما الخوف , وكان شعرها الطويل الكثيف , أخجله أن يظهر جمله في وجه هذا الأحتقار البالغ , فسقط آخر مشبك فيه ليسدل على كتفيها , وشعرت بقبضته تتراخى على كتفيها , ورفعت رأسها بتوسل ليغفر لها وشعرت بأنه نجح فقط في أن يتماسك , وأنه يقاوم صراعا في نفسه لأدراكه أنه أمام أنثى , وأحست مرة أخرى أنه الوحش الكاسر الذي يحوم في قفصه بحثا عن حريته , وهربت من الشيطان الذي يقبع في عينيه , لكنها لم تنجح في الهروب من قبضته , فقد جذبها اليه بشدة , لتلتصق بصدره القوي , وأمسك خصلة من شعرها , ولفها حول ذراعه الأسمر , ولتكون تناقضا بين يده بلونها القاتم وشعرها اللامع الرائع وكأنه سوار من الذهب الطبيعي حول يده , وحمل اليها صوته نشوة كتلك التي شعرت بها عندما ضمها ,وقال برقة:
" كنت أشك في أن الجليد يمكن أن يستمر في هذا المناخ الحار".
وأفاقت من غيبوبتها على صوت ضحكة جافة خالية تماما من المرح , يرن صداها في المنطقة الخالية , وملأها شعور بالأشمئزاز عندما أستدارت لتجد ثيو واقفا وسط الفضاء يحدق فيهما , كان فمه يطلق ضحكة خبيثة , تتناقض بضراوة مع الغيرة الوحشية التي تنطلق من نظراته , وأنتبهت , كان من الواضح أن ثيو يستعد للهجوم , وشعرت بالرعب وهي تتوقع السلاح الذي يستعمله لينتقم من رامون.
منتديات ليلاس
" رائع يا تينا , نجحت في تنفيذ كل ما خططت له , قد كانت فكرة جريئة أن تعاقبي أنيز بأختطاف صديقها المقرب".
كان قلبها يدق كالطبل في الصمت السائد , كانت تريد أن تصرخ مستنكرة , ولكن ذلك لن يجدي في وجود ثيو ربما يمكنها أن تجعله يفهم في وقت لاحق عندما يكونان وحدهما , ولكن هل ستجد هذه الفرصة؟
مرة أخرى- قبض رامون على كتفيها بقبضتيه , وأجبرها على مواجهته , وسأل:
" هل ما قاله صحيح؟".
وترددت وهي تحاول أن تشرح له:
" لا , ليس تماما , على الأقل....".
لكنه قاطعها بقوة :
" أجيبي , هل ناقشت هذه الخطة مع برانستون نعم أم لا؟".
وأستجمعت كل ما تملكه من قوة لتتمكن من الأجابة وهمست :
" نعم ولكن........".
وأستحال وجهه الأسمر الجميل , الى خطوط شرسة من الأحتقار ( أحتقار حاد ) لا يمكن أن يصدر ألا عن رجل يملك قدرا عظيما من الكبرياء ورثه عن أجيال متعاقبة من الأسلاف المتعجرفين.
وبعد ثوان دار على عقبيه بهدوء وأختفى في الظلام!

نيو فراولة 05-09-10 02:33 PM

6- قرار مفاجىء!

خلال الأيام القليلة التالية , أغرقت تينا نفسها في العمل , تجوب الأدغال القريبة بحثا عن النباتات الغريبة والمفيدة تصنفها وتكتب ملاحظاتها , في شأنها وتحققها , ولكن الأستغراق في هذا العمل وملاحظة ما حولها , لم يستطع أبدا أن يمحو الحقيقة التي تحيط بها , وكانت أكتشافاتها في هذا الصدد حقيقة بأن تكون مثيرة للغاية بالنسبة اليها في هذا الصدد , سواء في ما يتعلق بالنباتات التي لم ترها من قبل الى كأمثلة بلا حياة مرصوصة في المتاحف ,أو في ما يتعلق بهذه الأشياء الجديدة المثيرة التي تعثر عليها في كل خطوة من خطواتها المترددة في الأدغال مالمجهولة , لكن حتى هذا الجمال الذي يبهر الأنفاس لزهور الأوركيد المتوحشة , بأغصانها ذات الأشواك الرائعة وهي تمتد وتتجمع فيما يزيد على عشرات الآلآف فوق الغصون الخضراء , لم يستطع أن يجذبها بعيدا عما حدث لها أخيرا.
أنها كلما أسترجعت ذكرياتها , شعرت بفيض من الخجل والعار يغمرها , وساءلت نفسها آلاف المرات كيف أمكنني أن أفعل ذلك ؟ ما الذي دفعني الى أن ألقي بنفسي بين أحضان رجل لم يفعل أكثر من التظاهر بقليل من التجاوب معي , لينقذني من الخجل , ولم تستطع أبدا أن تجد عذرا مقنعا , كانت تستطيع أن تتظاهر بأن عنف الصدمة التي عانت منها عندما جذبها بعنف لينقذها من الأسماك القاتلة المخيفة , أخمد عقلها وسلبها أدراكها , لكنها كانت أمينة لدرجة لا يمكنها معها أن تخدع نفسها , لقد تجمع حولها خليط من سحر الليالي الأستوائية , وشعورها بالسعادة , وقربه الشديد منها , فساعد ذلك كله على خلق المناخ الذي دفعها الى ما حدث , وشعرت بقليل من الشكر لتدخل ثيو في الوقت المناسب , لميكن رامون مهتما بأن تكون مشاعرها في تلك الليلة نابعة من قلبها , وها هو يتصور الآن أنها لم تكن ألا مجرد مشاعر تظاهرت بها لتضايق أنيز.
منتديات ليلاس
وبعد ثلاثة أيام من الأفكار المتضاربة , ومن العمل الشاق , وجدت نفسها ما تزال بعيدة عن تحقيق خطتها بسؤاله أن يسمح لها بالبحث عن طبيب الأعشاب ,فأنها لم تكن قادرة على الأقتراب من رامون فيغاس أو أتخاذ قرارها في هذا الشأن , كانت نظراته الجامدة تمنعها من مجرد التفكير في الأقتراب منه , عشرات المرات حاولت أن تذهب اليه ,ولكنها كانت تتردد , الى أن تضيع منها الفرصة , وأستمر الحال كذلك حتى الليلة الثالثة , وخلال الأجتماع الذي يعقب العشاء فهناك أستطاعت أن تجمع قدرا كافيا من الشجاعة لتعرض موضوعها.
كان الجميع يلتقون حول نيران المعسكر يستريحون , ويتحدثون عن التقدم الذي أحرزوه خلال أعمالهم اليومية.
وكان رأس رامون الأسمر منحنيا على أنيز , عندما أنطلق سؤال تينا بلا وعي منها:
" سيد رامون هل يمكن أن تسمح لي بتكوين فريق صغيرللبحث عن ( الجواهاريبوز) ؟".
وتوقفت أنفاسها مع توقف الأحاديث بين الجميع , وأستدار رامون ليوجه اليها نظراته , وواجهت قسوته بهدوء يخفي دقات قلبها الذي توقف عن التنفس.
" الجواهاريبوز ؟ ألا تعرفين أن هؤلاء الناس ينحدرون من قبائل متوحشة آكلة للبشر , وهم لم يتحضروا ألا منذ وقت قصير ,وربما عادوا الى عاداتهم أذا دخل غريب أراضيهم ؟ أنني أريد أن أعرف سببا هاما يدعوك الى هذا الطلب الغريب يا آنسة دونيللي؟".
أندفعت فورا تشرح السبب , نسيت تماما عصبيتها وخوفها , رفعت رأسها الذي تصاعدت اليه الدماء , وردت على نظراته القاسية بتوسل طالبة منه أن يقدر ويدرك , وهي تشرح له رغبتها في العثور على طبيب الأعشاب وأستمع هو صامتا , حتى لم يعد لديها مزيد من الكلام , وعندما تصورت أنها لمحت شعلة من الأهتمام تومض في وجهه الذي يرتدي قناع اللامبالاة , أرتفعت روحها المعنوية , ولكن قبل أن تتزايد آمالها , أرتفعت ضحكة سخرية من أنيز ,وهي تعلق في مرح:
" يا لها من رغبة غبية , أنني لم أسمع أبدا عن أي شيء أكثر غرابة من ذلك".
ثم سخرت من تينا قائلة:
" يبدو أنك ساذجة تماما , هل تعتقدين أن طبيبا بدائيا قذرا يعرف عن معالجة الأمراض أكثر مما نعرف نحن الأطباء والجراحين؟".
وردت تينا بهدوء:
" هل أخترع الأطباء أدويتهم يا آنسة؟ لقد أنتجت النباتات الدواء أولا وما زالوا يصنعون الأدوية المشابهة مثل الكينين والبنسلين , أنني أعترف بأن المعامل الهائلة للكيمائيين في جميع أنحاء العالم تتفوق على الأنتاج النباتي , لكنهم يعتمدون دائما على القليل من النباتات التي يدرسونها لولا مثل هذا الطبيب الذي يعترض طريقهم أحيانا بالصدفة , أو أولئك العلماء وجامعي النبات , الذين يتبعون أي خيط ولو كان ضعيفا من أجل الوصول الى مثل هذا النبات والتحقق من فوائده.
" رائع يا تينا , رائع".
وكشف صوت ثيو عن ضحكة خبيثة , وهو يتدخل في الحديث.

نيو فراولة 05-09-10 02:34 PM


" عرضت موضوعك بطريقة واضحة في الحقيقة , وأؤكد لك أنه بعد ذلك لن يسع أي رجل أن يرفض مساعدتك في بحثك , ألا أذا.......".
وأبتسم بتحد لرامون , واصل كلامه:
" ألا أذا كنت خائفا من التعامل مع المواطنين وأسلحتهم السامة , في هذه الحالة سأكون سعيدا بأصطحابك الى القرية بنفسي".
قاطعه رامون فيغاس قائلا:
" برانستون , أنك لن تفعل شيئا من ذلك فأنا المسؤول عن أتخاذ القرارات هنا , وبما أنني مسؤول عن كل حركة من حركاتكن , فأنني لن أسمح لأحد بأرتكاب الحماقات ".
وزمجر ثيو محتجا , لا شيء يمكن أن يوقفه الآن , لقد أستطاع أن يقلب المائدة على الرجل الذي أستطاع أن يقلل من شأنه للمرة الأولى في حياته , كان طعم الأنتقام حلوا , وذكرى أنتصاره تعيش مرحة في أعماقه وتعطيه قدرا من الثقة والأمان , في حال وجود الرجل المهزوم.
لكن نظرات رامون الباردة أنتقلت من وجه ثيو المنتصر لتتسمر على وجه تينا المنحني الذي رفعته بسرعة عند ما سمعته يخاطبها :
" يا آنسة , أنني أحترم دوافعك الى أبداء , هذه الرغبة , كما أنني أقدر أحترامك لما فعله علماء النبات , لكن طلبك مرفوض تماما حتى ولو كان الرجال يرغبون في الذهاب معك أنني لن أسمح لهم بذلك فالمخاطر عظيمة جدا".
وأرتفع همس متعاطف في صفوف الرجال وقد لاحظوا خيبة الأمل الواضحة التي ظهرت على وجه تينا وعبر فيلكس كريللي عن شعور الجميع بقوله:
" سيد رامون , هل هذا هو قرارك الأخير , من العار أن تكون بالقرب من الهدف الذي تسعى اليه , ومع ذلك نقف عاجزين عن تحقيقه , أنني شخصيا على أستعداد للتطوع بالذهاب معها الى القرية , أذا رسمت لنا الطريق".
وأرتفعت الأصوات مؤيدة , فأنتعشت آمال تينا , تصورت أنه لن يرفض الطلب , بعد هذه الموجة من مشاعر البطولة , لكن آمالها لم تلبث أن تبددت وهي تستمع اليه يتحدث!
" أن الجوهانسبرغ لن يصيبونا بالضرر أذا بقينا جميعا معا ولكن أذا سمحنا لمجموعة منا بالأنقسام والرحيل فسوف تكون المخاطر رهيبة جدا".
منتديات ليلاس
ورد فيلكس:
"ولكن يا سيد, أننا لم نر واحدا من هؤلاء الوطنيين منذ وصلنا الى هنا , ما الذي يجعلك متأكدا من أننا أذا قابلناهم فأنهم سيعاملوننا بغداء؟".
زوى رامون ما بين حاجبيه في تقطيبة غاضبة ,وتحولت لهجته الى الشدة والعنف وهو يجيب:
"نحن لا نتعامل مع قبيلة من الأطفال الأبرياء , أن الجوهابيوز متوحشون من آكلة البشر , وأن أتصالهم بأول رجل أبيض لا يزيد عن شهور قليلة مضت , أما بالنسبة لرؤيتك لواحد منهم حتى الآن".
وحمل صوته رنة التحذير , وهو يستطرد :
" قد يسعدك أن تعرف أن عيونهم تتبعنا في كل مكان نذهب اليه منذ وصلنا الى هنا , منذ وصلنا الى هنا , منذ اللحظة التي وضعنا أرجلنا فيها على أرضهم!".
ولم يسمح لهم بأكثر من التحديق فيه وهو يواصل:
" لو كنت قوي الملاحظة بعض الشيء , لاحظت أضواء معسكرهم في الليل , كما أن بعض الحلى التي علقتها على الأغصان حول المعسكر لم تمس حتى الآن , ولكن في كل صباح أجد الدليل الذي يثبت أنهم توقفوا على بعد أمتار قليلة منها".
وتحطمت آمال تينا عندما نظرت حولها لتجد الرجال غير قادرين على مواجهة نظراتها المتوسلة , وحركت نظراتها بسرعة بعيدا عن هذه العيون الزرقاء الحديدية التي بدا فيها أنها تغتبط بهزيمتها , وبحركة آلية رفعت كتفيها في أستسلام ولكن قبل أن تترك دائرة الضوء , سمعت أمرا صادرا اليها:
" آنسة دونيللي , أريد التحدث معك في الصباح فأرجو أن تأتي الي بعد الفطور مباشرة".
أشارت برأسها بعلامة الموافقة , ودون أن تنظر الى الجهة التي صدر منها صوته , ثم سارت وقد غامت المناظر في عينيها فلم تعد ترى شيئا حتى وصلت الى سريرها , وتعذبت كثيرا قبل أن تستسلم الى النوم.
وبعد الفطور مباشرة , أسرعت تقف بوجهها المتعب , وفمها المرهق , وعينيها المتورمتين من السهر أمام رامون فيغاس , كان الرجال جميعا قد تركوا المعسكر الى أعمالهم , حتى أنيز أصطحبت الأخوين بريكلنغ لتقف أمامهما في عدة أوضاع للتصوير بين المناظر البدائية الباهرة , لتوضح التناقض بين الطبيعة والصنعة , وهكذا بقيا وحدهما,وكانت كلمته الأولى لها:
" ماذا حدث لك هل أنت مريضة؟".
وفوجئت بالخشونة غير المتوقعة في تحيته , وهزت رأسها :
" لا, طبعا لا.......".
فضغط على أصابعه بصبر فارغ , وأشار الى صندوق مقلوب قائلا:
" أجلسي , أريد أن أتحدث معك ".
وأضاف:
" الى أي درجة ترغبين في العثور على طبيب الأعشاب , هل الى الدرجة التي تجعلك تنفذين كل ما يطلب منك دون سؤال , وبدرجة كافية لأن تعدي بتنفيذ كل التعليمات التي أصدرها اليك عند الضرورة , لا تجيبي عن السؤال الأخير دون تفكير".
وأضاف بحدة , بعد أن لاحظ أنها فتحت فمها لتجيب بموافقة سريعة :
" ينبغي أن أتأكد من أنك فهمت أهمية طلبي حتى قبل أن أفكر في أن آخذك الى قرية الجوهاربيور".

نيو فراولة 05-09-10 02:35 PM

وأعترتها الدهشة , وتصورت أن آذنها خدعتها , فسألته ببطء:
" أتقصد أنك ستصحبني الى القرية؟".
" أفكر في ذلك , أذا أستطعت أن تعديني بأنك لن تتجولي بعيدا عني ولو لحظة واحدة خلال الرحلة ".
ثم أستطرد مؤكدا :
" وأن تنفذي بدقة كل ما أقوله لك دون سؤال أو تردد , منذ اللحظة التي نغادر فيها هذا المعسكر حتى نعود اليه , عانيت كثيرا من حماقتك , ومحاولاتك لأقناعي بأنك جديرة بالسير وحيدة في هذه المناطق وبما أنني سأحتاج الى البحث عن الأثر في كل خطوة , أذا كنا نريد أن نصل سالمين الى القرية , فيجب أن أتأكد من أنك لن تصارعي غوريللا , أو تشتبكي مع فهد وراء ظهري , أذا أدرته لك".
أندفعت دماء الغضب تصبغ وجهها , وأشتعلت عيناها بالثورة فقد أغضبتها كلماته الساحرة , وأوشكت أن ترفض العرض الذي يقدمه اليها , لكنها أستردت توازنها وأدركت أنه يمنحها الفرصة لتسير في الطريق الذي بدأه والدها وعليها ألا تترك شيئا يعوق بينها وبين التعلق بهذه الفرصة.
سألته:
" لماذا غيرت رأيك؟ بالأمس رفضت أن تسمح لأحد من الرجال بأن يرافقني في هذه المهمة , خوفا من الأخطار الرهيبة , والآن تعرض أن تذهب أنت معي , فهل تبددت هذه المخاطر؟ ".
" بل ما زالت موجودة , ولكن أذا ذهبنا وحدنا فأن الخطر سيكون أقل كثيرا مما لو ذهبنا في مجموعة , أنني أعرف أفراد هذه القبيلة , وهم أيضا يعرفونني , ولن يحدث لك أي ضرر ما دمت معي".
ثم أنتصب واقفا وقال آمرا:
" أذا كنت ترغبين في تنفيذ كل ما عرضته عليك , فينبغي أن تكوني مستعدة في خلال عشر دقائق , خذي معك كل ما ترينه ضروريا لأحتياجاتك , أعددت الأشياء الضرورية التي سنحتاج اليها في هذه الرحلة".
" عشر دقائق؟ وماذا عن الباقين , أية أفكار ستراودهم حين يعلمون أننا رحلنا؟".
" ناقشت هذه الخطة فعلا مع فيلكس وجوزيف روجرز , أنني لا أريد أية مناقشات , لا من صديقك برانستون , ولا من أنيز وكلاهما يرغب في الذهاب معنا وقد أصدرت أوامري الى فيلكس ليشرح لهما كل شيء حين يعودان".
وأصبح صوته هامسا وهو يقول:
" أطمئني يا آنسة , لن تفارقي برانستون لمدة طويلة , أتوقع أن نعود مساء غد على أبعد تقدير".
وأسرعت تينا والأنفعال يطغى عليها , تملأ جيوبها بما تصورت أنه ضروري لها , ولم تمض سوى خمس دقائق حتى كانت تضرب الأرض بقدميها أمامه في وقفة الأستعداد , منتظرة أوامره وبدا عليه الرضى , وأستدار مشيرا الى قارب صغير في النهر , قائلا:
" هذا القارب سيكون مفيدا لنا في رحلتنا ما دمنا نسير في النهر , فهو أسرع من السير على الأقدام , هيا أصعدي اليه ولكن لا تضعي أصابعك في الماء".
وأستدارت اليه بوجه شاحب وهمست بتردد:
" يا سيد رامون لا أستطيع أن أعبر لك عن أهمية هذه الفرصة بالنسبة الي , أشكرك من كل قلبي لأنك حققت هذه الأمنية العزيزة عليّ".
وبرغم أنها لاحظت أن وجهه المتصلب أخذ يلين بعض الشيء , ألا أن عينيه ضاقتا وهو يرد:
" لا تخدعي نفسك , أنني لا أقوم بهذه الرحلة من أجلك , دوافعي شخصية بحتة , فأنا بدوري أريد أن أقدم خدمة للعلم".
حاولت تينا بكل قواها أن تخفي عنه ألمها العميق الذي شعرت به طوال رحلتهما في الطريق قاصدين قرية الجواهاربيور , وتمنت لو أنها لم تبدأ الرحلة على الأطلاق , كان الجو المحيط بها لا يطاق , وهي مع شريك صامت ,يتعمد تجاهلها , جاءت معه وفي يدها غصن زيتون تتمنى أن تقدمه له , لكنه تحطم عند هذه الفجوة العميقة التي أصبحت تفصل بينهما , وكان بتجاهله وجودها ينسف أية جسور يمكن أن تعبرها اليه , ونظرة واحدة منها الى وجهه المتجهم , أقنعتها بأن أية محاولة منها لتفسير ما حدث لن تقابل ألا بالرفض أو عدم التصديق.
وشد أنتباهها انحراف القارب في أتجاه واحدة من القنوات المائية العديدة التي تتفرع من النهر , ولم يحاول رامون تقديم أي تفسير لها , وأيقنت أنهما يتجهان الى قلب المنطقة التي لم تذكرها خريطة من قبل والتي تسكنها قبيلة طبيب الأعشاب , وأستمر القارب يسير في المجرى المائي طوال ساعات عديدة وبدأ التوتر يصيب تينا بالخوف , ولم يكن هناك ما يخفف توترها ,فلم يبد رامون أي أستعداد أو رغبة في الحديث معها , بينما هو سائر بثبات الى أعماق الأعماق وأستغرقت في أفكارها : تصورت أن وراء كل كتلة من الأشجار الكثيفة يختفي وحش كاسر , وأن على كل فرع من فروع الأشجار مجموعة من الحشرات تنتظر لتنقض عليها , وأن كل غصن رقيق ليس ألا أنبوبة رقيقة ستنطلق منها السهام السامة , ومع أنها لم تر في الحقيقة غير هذه الفراشات الرقيقة المسالمة والطيور ذات الألوان الرائعة , ألا أنها كانت تشعر بشعور غريب جعلها متأكدة من أن هناك عيونا متلصصة تراقبهما من خلال الأغصان المتشابكة على طول الطريق.
وفجأة قاد رامون القارب الصغير الى شاطىء النهر , ومد يده اليها ليساعدها على الأنتقال الى الشاطىء , وأرتعشت يدها وهي تلامس يده , وقالت:
" ما أجمل هذه الأدغال , أنظر.........".
وأشارت الى مجموعة رائعة من زهور الأوركيد بألوانها التي في لون اللهب ,وقد ظهر جمالها واضحا أزاء هذه الخلفية من الأغصان القاتمة الخضرة.
" أليست في غاية الروعة؟".
وتابعت بأصابعها طائرا متعدد الألوان يحلق في الفضاء , مستطردة:
" وهذا لكم يبدو جميلا الى درجة لا تصدق".
وأطلقت زفرة أرتياح , وهي ترى ظل أبتسامة يتلاعب على شفتيه , لقد نجحت في شد أنتباهه ,ولكن عينيه كانتا شديدتي الخطر , يجب أن تأخذ منهما الحذر , وعندما أستطاع أن يثبت القارب في أرض ثابتة , أستدار اليها قائلا:
" يا آنسة أتبعيني كالظل , سيري فوق آثار خطواتي ومهما حدث لا تحاولي النظر وراءك , هل تفهمين؟".

نيو فراولة 05-09-10 02:36 PM

أبتلعت خوفها , وأومأت برأسها مؤكدة موافقتها دون أن تنطق بكلمة , بينما أستدار هو الى طريقه ,وبدأ يخترق الأدغال , وأدارت تينا حولها نظرة ودعت بها هذا الجمال الخيالي , وأسرعت خلفه بأسرع ما يمكنها , وهي متأكدة من أنه خليق بأن يتركها وحيدة لينقذ نفسه أن هي خالفت أوامره , وفي لحظة كانت تحتمي بظهره العريض سائرة وراءه.
ونظرت خلفها , وتعجبت: الى متى يمكنها الأستمرار؟ بالتأكيد كان الشيء الذي يدفعها الى مواصلة الرحلة وهو أقتناعها بأن رامون فيغاس كان يدفعها الى أقصى التعب ليراها وهي تستسلم , لكنها خيّبت أمله فضغطت على أسنانها , وواصلت معركتها بعد أن عرفت أنه لن يحاول أن يسمح لنفسه بالتفكير في ضعف قدراتها لكونها أمرأة , العناد وحده هو الذي دفعها للسير في هذا العالم المملوء بالأشجار والأدغال التي لا تنتهي وهكذا عبرت البرك والمستنقعات , وتسلقت التلال , ومرت فوق قنوات ......... بل أنها واجهت ما هو أقسى , هذا البعوض الجائع الذي دفعته شراهته اليها وحدها , وقد سارت على أرض ناعمة أحيانا , وشائكة أحيانا أخرى , بل مليئة بالأشواك لدرجة أن رامون كان يضطر الى أن يمهد لنفسه طريقا بعصاه , وكانت الأغصان الكثيفة تضرب وجهها وكم لعنت هذه الخفافيش الطائرة التي تنطلق فجأة صارخة وهي تحوم وسط الغابات كالأرواح الهائمة.
وكانت على وشك السقوط والأنهيار , عندما ألتفت وراءه فجأة فتوقف وهو ينظر في وجهها الغارق في العرق , وقال ساخرا وبلهجة مرحة كأنه يتمتع بعذابها:
" يا آنسة , هل أنت على أستعداد لتناول الطعام الآن , أم تستطيعين السير الى مسافة أبعد؟".
" أترك لك أتخاذ القرار , أنني أرغب في الأستمرار أذا كانت هذه هي رغبتك".
منتديات ليلاس
ولمعت في عينيه نظرة أعجاب أخفاها بسرعة.
" سنستريح قليلا ,ثم نتناول الطعام".
وشعرت براحة لا متناهية , وكأنه أراد أن يعوضها عن قسوته في معاملتها فأضاف ببساطة:
" نحن على بعد ساعة واحدة من القرية , أنتهينا من أصعب مرحلة من الرحلة".
كانت الوجبة مؤلفة من البسكويت والسردين والبلح الجاف , قدمه من حقيبته , فتناولته بشهية وأخذت تأكل بلهفة , وهي لا تشعر أنه يراقب كل حركة من أصابعها الصغيرة , وطريقتها التي تشبه طريقة الأطفال , وعندما أنتهت تمددت على الأرض , وأطلقت زفرة عميقة , وأرتفع حاجباه من الدهشة , وفجأة ودون أن تشعر , فتحت عينا واحدة كسولة لتبحث عنه , وكانت صورته هي آخر شيء تراه قبل أن تستسلم الى النوم.
لكنها أستيقظت فجأة عندما شعرت بقطرة مياه قوية تسقط على وجهها , وطار النوم من عينيها عندما شق شعاع البرق هذه السحب الكثيفة وهز الرعد الأرض تحتها , وفي رعب بحثت حولها عن رامون فأذا هو يعيد ربط الحقيبة , أستدار اليها عندما شعر بحركتها , وقال لها مطمئنا:
" لا تخافي , ستكون العاصفة شديدة , ولكنها ستنتهي بسرعة, هيا.....".
أطاعته , وتبعته في الحال ,ولكن , بعد فترة وجدت نفسها عمياء تماما , فقد فتحت السماء أبوابها , وسقطت عليها كتلة من المياه منعت الرؤية وحاولت أن تفتح عينيها ,ووضعت يديها عليهما محاولة أن تزيح كتل المياه التي تمنع عنها الرؤية , وشعرت بالجنون وهي تفكر في أن رامون يسير دون أن يلقي نظرة اليها تاركا أياها وحيدة ولم تستطع أن تمنع صرخة هائلة من الأنطلاق ولم تر شيئا , ولكنها أحست بشيء غريب يلتف على ذراعها , هل هو ثعبان؟

نيو فراولة 05-09-10 02:38 PM

وأنقطعت صرختها الثانية عندما سمعت صوت رامون يعلو على صوت الهدير الذي يصدره المطر:
" ماذا حدث , هل أصبت؟".
ورن السؤال كالصرخة في أذنها , فأعاد اليها الوعي , وأدركت أن يده هي التي تلتف على ذراعها وليست أفعى سامة من ثعابين الغابات فأجابته:
" لقد تعثرت , وأصيب كاحلي".
وتراجعت الى الوراء عندما لاحظت أنه ينحني ليفحص قدمها :
" كان الألم وقتيا , أستطيع أن أسير الآن".
ونظر الى وجهها القلق , وكان المطر ينحدر من رأسه الى وجهه , وأستدارت بسرعة لتبتعد عن مواجهته بقلب كسير , وتساءلت : هل خانتها أعصابها وفضحت سرّها؟ أما هو فأكتفى بأن قال في حزم:
" حسنا , هيا بنا!".
وكما بدأ المطر بسرعة , أنقطع فجأة , ولاحظت تينا للمرة الأولى في حياتها كيف تكون الأدغال بعد المطر , الخضرة الناضجة الرائعة تكسو كل ما حولها , وكادت تصرخ وهي تلاحظ عودة المزروعات للحياة بعد أن كانت تبدو ميتة منذ لحظات , ولكن كان عليها أن تتناسى هذا الشعور وتسير صامتة وراء رامون , ومع أنقطاع المطر خفت الحرارة التي كانت تجتاح الغابة , وحل محلها نسين بارد ورطب , وكأنه سحر مس روحها وأعاد اليها الحياة.
كان رامون يركز أهتمامه على الطريق الذي يسلكان , ولاحظت تينا أنه يسير بحرص شديد في الأدغال , يفحص بسرعة كل شجرة يمران بها , ويتوقف بين لحظة وأخرى ليختبر الأرض قبل أن يقرر أي طريق يسلكان فيه , وأنشغل تماما في أختبار كل شيء حوله بدقة , وعرفت تينا أنه يجب عليها ألا تقطع عليه تركيزه.
منتديات ليلاس
وبعد نصف ساعة من الصمت المركز , توقف وأخذ نفسا عميقا من الهواء معبرا عن الرضى , ونظرت تينا الى جوارها لتعرف السبب , وشعرت بالفل عندما رأت ممرا مطروقا ممتدا الى الأمام وسط الأرض , لقد أوشكوا على الوصول.
وحملقت فيه بشدة عندما لاحظت أنه يرسل رسالة بلغة ما , في أتجاه مجموعة من الأحراش المتشابكة المحيطة بهما , ثم أرتعشت خوفا عندما ظهر أربعة من الرجال , أكثر وحشية من أي أشخاص رأتهم في حياتها , وأطلقت صرخة خافتة وأسرعت تحتمي برامون , الذي همس:
" لا شيء يدعو للقلق , كانوا يستطيعون أيذاءنا منذ ساعات طويلة مضت لو أرادوا , أحتفظي بهدوئك , وأياك أن تشعريهم بأنك تخافيم منهم".
ساعات مضت ؟ ماذا يقصد؟هل كانوا يتعقبونهما منذ اللحظة التي غادرا فيها القارب , وربما قبل ذلك؟ كانت حاستها صادقة عندما شعرت بأن هناك عيونا تتلصص عليهما , وأرتعشت من الخوف وهم يقتربون ولاحظت أن كل شيء غريب فيهم , شعرهم المجعد الكثيف , مظهرهم القوي , أسنانهم القوية التي تبرز من بين شفاههم وترسم على وجوههم شكل الأنتصار الخبيث , وكان مما أرسل الرعب الى جسدها المرتعش طريقتهم في المشي التي تشبه القفز وهم يقتربون , ومظهرهم البدائي الذي تؤكده هذه الحلى التي يرتدونها والمصنوعة من عظام الموتى حول أجسادهم العارية والتي تصنع أصواتها عندما يصطدم بعضها بالبعض الآخر صدى يزيد تينا شعورا بالفزع وأخيرا هذه الأصوات التي يصدرونها والتي يتفاهمون بها , والتي ليس لها أي معنى بالنسبة اليها.
لكن هل كانت هذه اللغة غريبة حقا؟ أنتبهت عندما سمعت شيئا مألوفا صادرا عنهم فنظرت الى رامون , ولدهشتها الشديدة رأته يبتسم , أذن فكل شيء على ما يرام , أما الكلمات المألوفة التي سمعتهم ينطقون بها , فلم تكن سوى ترديد لكلمة ( كارامورو) , لقد كان المتوحشون يحيون رامون بلقبه.
وأستندت بجسدها المرتعش الى شجرة , وراقبت هذا الأستقبال الحار , كان رامون يربت على ظهورهم ,ويتبادل معهم الكلام بلغتهم الغريبة , كان شيئا بعيدا تماما عن الحياة العادية التي تعرفها , وتعلقت بالشجرة ودموع الضحكات تملأ عينيها وتنحدر على وجنتيها , وشعرت فجأة بلطمة على وجهها أعادتها فورا الى وعيها , وحملقت في وجه رامون الذي كان يقف في مواجهتها , ويدة مرفوعة أستعدادا لأن يلطمها مرة أخرى........وفرت الدماء من جسمها حتى أنها شعرت بصدمة عندما حاولت أن تتتكلم فلم يصدر منها صوت مفهوم , كانت عيناها فقط تعبران عما شعرت به نتيجة لتصرفه , ثم بعد تردد قالت:
"كيف تجرؤ على ذلك؟".
ورد عليها بأن هزها هزة جعلت الخوف الذي أصابها يزول كله تماما ويحل محله غضب جامح ورفعت يدها لتضرب بقبضتها هذا الصدر العريض الصخري لكن يده أمتدت لتقبض على معصمها في قوة جعلتها تتوسل اليه.
" أرجوك , أرجوك أنك تؤلمني".
" أذن توقفي عن هذه الأفعال الصبيانية الحمقاء , ستدمرين كل ما نفعل , هؤلاء الناس سيكونون بمثابة المضيفين بالنسبة الينا , وهم ينتظرون منك أحتراما , مماثلا تماما للأحترام الذي تقدمينه لأبناء قومك , فأرجوك أن تذكري هذا".
" أنا لست أمرأة من أهل هذا البلد ,وأنت لست رجلي".
" من أجل مصلحتك ستكونين أمرأتي , وسأكون رجلك , ما دمنا في هذه المنطقة".
ودفعها الى الأمام , وقال:
" أذا كنت مستعدة , يجب أن نتقدم للبحث عمن أتينا من أجله عن طبيب الأعشاب".
وكان الوطنيون الأربعة قد أختفوا وسار رامون في طريقه دون تردد وتبعته تينا , سارا مسافة بسيطة قبل أن تنفرج الأدغال فجأة عن ساحة واسعة جدا , في واجهتها كوخان كبيران من القش , وعلى الجانبين صفوف من الأكواخ الصغيرة , وكان من الواضح أن القرية كانت في أنتظارهم , فقد خرج كل من فيها من الرجال والنساء والأطفال وأسرعوا اليهم وهم يهتفون:
" كارامورو, كارامورو".
وألتصقت تينا برامون وهم يتقدمون ليحيطوا بهما لكن لفرط دهتها توقفوا على بعد خطوات قليلة , ثم ركضوا وهم ينظرون اليها , وضغطت بيدها على ذراع رامون وهي تسأل:
" ماذا حدث لماذا يحملقون فيّ هكذا؟".
وكانت أجابته الوحيدة زمجرة زادت من وعيها , وظل كل شيء متوقفا لمدة دقائق قبل أن يتقدم من خلال الجموع الراكعة أحد الشيوخ وقد بدا من مظهره وملابسه أنه رجل مهم فقال لها رامون :
" أنه رئيس القبيلة".

نيو فراولة 05-09-10 02:39 PM

وبقيت تينا في مكانها مرتعبة من هذه العيون المحدقة فيها وبعد أن أنتهى رامون من حديثه مع الرئيس , أستدار عائدا اليها وقال:
" آنسة دونيللي , يبدو أنهم أختاروك أمرأة لي , سواء رضيت أم لا".
وردا على نظرتها التي عبرت فيها عن عدم فهمها لمعنى كلامه , قال ساخرا:
" لون شعرك هو الذي جعلهم يتخذون هذا القرار , فقد ربطوا بيني وبينك بسبب لون الشعر , أن مفهومهم بسيط , وقد سبق أن أختاروني وأطلقوا علي أسم كارامورو( رجل النار) لأنني أول رجل رأوه يطلق النار من بندقيته".
" ولكن , ماذا بالنسبة الي؟".
فأمسك بخصلة من شعرها , أغرق فيها أصابعه وقال:
" أمر بسيط جدا أنا رجل النار , وأنت , بشعرك الأصفر الناري , أمرأتي , أذن , أنت أمرأة من نار".
" أمر مضحك بالفعل ".
" لا شيء مضحك في ذلك , هؤلاء الناس يعبدون النار , ومن الآن لن تخافي من الجواهابيوز أطلاقا يا آنسة دونيللي , لأنك ( مهمة) بالنسبة اليهم.
كانت على وشك البكاء والهنود ينظرون اليها ,كل شيء حولها كان يدفعها الى الأنهيار العصبي , وتفكيرها في أنها ستشاطرهم هذا الطعام الذي يعدونه كان يبعث في نفسها الأشمئزاز ونظرت حولها بحثا عن مهرب ولم تتصور أنها تستطيع أن تصارح رامون بما في نفسها , لقد طالبها بأن تعاملهم بأدب وأحترام.
الحقيقة أن رائحة الشواء على النيران كانت شهية , ورأت تينا واحدة من نساء القبيلة تقف تحت الشواء وتفتح يديها لتتساقط فيها الدهون ثم تدلك بها جسمها العاري ويبدو أنها كانت عادة مألوفة عندهم فقد هرعت النساء لتجمعن كل نقطة دهن تتساقط من الشواء , ثم يدلكن أجسمهن بطريقة فنية يحسدهن عليها أشهر الفنانين من محترفي فن التجميل.
ولاحظت أن أعداد الطعام أنتهى , ووقفت أمرأة عجوز تقطع الثور الكبير المشوي بيديها ,وتقدم قطعة الى كل أمرأة من الواقفات , وتصورت تينا أنهن سيقدمنها الى عائلاتهم , لكن المرأة الأولى تقدمت بقطعة الشواء الى رئيس القبيلة وضيوفه , وشعرت تينا بالغثيان , لن تستطيع أن تذوق هذا الطعام أطلاقا , وأنحنى الرئيس على زوجته الضاحكة ليتسلم منها قطعة اللحم الضخمة , وأنتهزت تينا الفرصة فألقت نظرة سريعة من وراء ظهره الى رامون :
" أرجوك , لن أستطيع أن أتذوق الطعام ".
" هل ستسمحين للغثيان بأن يفسد فرصتك في الوصول الى طبيب الأعشاب؟ أن رفضك الطعام سوف يلحق بزعيم القبيلة أهانة شديدة , لذلك أقترح عليك أن تتغلبي على مشاعرك وتأكلي كل ما يقدم اليك".
وظهر تعبير ضاحك في عينيه ثم أستطرد:
" أن الطعام الذي معي لا يكاد يكفي لرحلة العودة , فأذا لم تأكلي الآن فسوف تموتين جوعا قبل موعد العاء".
وعندما أنتهى الطعام كان الظلام قد حل وبدأ الرقص حول نيران المعسكر , مصحوبا بموسيقى غير منسجمة تصدر من طبول جوفاء , مصنوعة من جذوع الأشجار , كان العازفوت يدقون عليها بعنف , ومعها غناء من شباب القرية الذين جلسوا في نصف دائرة حول نيران المعسكر مع الرئيس وفيغاس وتينا , الذين أكملوا الدائرة , وفوقهم قمر كبير ساطع يسبح في السماء ,ويرسل ضوءا كافيا فوق المكان , وتثاءبت تينا , كان يوما مرهقا حافلا بالأحداث , وأدركت بأنه يجب الأكتفاء بذلك , بالنسبة اليها على الأقل , وحاولت أن تنظر الى رامون لكنه كان غارقا في الحديث مع الرئيس , ولم ينتبه اليها حتى عندما سعلت سعلة عالية ذات معنى , كي تلفت أهتمامه وتحركت غير مرة , بأمل أن يلتفت اليها , لكن ساعة أخرى كاملة مرت قبل أن يقف الحاضرون أستعدادا للتوجه الى أكواخهم.
أوصل رامون تينا الى كوخ بسيط ليس فيه أي سرير لينام الأنسان عليه , كانت الأرض مكسوة بخشب الخيزران , أستدارت تينا نحو رامون وقالت:
" أسعدت مساء يا رامون , أشكرك أصطحابي الى هنا".
وزادها التعب عصبية فأردفت:
" أنني متعبة , هل تتفضل بالخروج؟".
أستدار على عقبيه , ناظرا اليها ومواجها غضبها ببرود:
" يبدو أن الأمر ليس بهذه البساطة , أن هذا هو الكوخ الوحيد الموجود والصالح للنوم , وأذا لم تكوني راغبة في مشاركة نساء القبيلة في كوخ واحد , فأخشى أن أقول لك أنه ليس أمامك خيار سوى ماركتي هذا الكوخ".
" أشاركك؟ لكن هذا كوخي أنا..... أنت الذي يجب أن تبحث عن مأوى آخر".
فقال ساخرا :
" أن مضيفنا سيصاب بدهشة شديدة ,ألا أشارك أمرأتي كوخها وكما قلت لك أيضا ليس هناك كوخ آخر صالح للأستعمال ".
وهز كتفيه , وسار عبر الكوخ الى كومة من الحشائش الجافة , فحمل نصفها وأتجه به الى ركن وضعه فيه وأخذ يرتبه ليصنع لنفسه فراشا , وهي تراقب غير مصدقة ثم قال :
" ها أنذا أعددت فراشي , وأعتقد أنك أقتنعت الآن بأنني باق".

نيو فراولة 05-09-10 02:40 PM

ورمقها بنظرة خبيثة وهو يتكلم بسرعة لم تستطع معها أن تجد الرد المناسب بينما أستطرد هو :
" لا أعتقد أنك تعتبرين حقيقة أن النوم في كوخ واحد معي هو أمر مناف للتقاليد , أرفض أن أصدق أن خبيرة مثلك في الأدغال تفكر مثل هذا التفكير وهي التي أعتادت النوم في الخلاء وسط الأدغال بين الرجال , أن لنا نحن الرحالة كما تعلمين قانونا خاصا للأخلاق , لا يهتم بما يفكر فيه ضيقو الأفق من أهل المجتمع".
وفي اللحظة المناسبة , أدركت الفخ الذي ينصبه لها : أنه يشك فيها ولكنه لا يستطيع الأتهام دون دليل ..... وكأنه أراد بسؤاله دفعها الى الأعترافبأنها ليست خبيرة , ذلك أن مشاركة رجل في كوخ واحد هو أحد المآزق التي يقع فيها دائما المشاركون في مثل هذه الرحلات , كان ماكرا , لكنها كانت أيضا حسنة الحظ , فأدركت الخدعة في الوقت المناسب , ثم قررت أن تتجاهل الأمر , وتغير موضوع الحديث بعيدا عن هذا المأزق , أنها حتى الآن لم تكن تتصور أنه جاد في عزمه على البقاء معها , ألا أذا قصد بذلك أن يكون نوعا من العقاب , وبعد فترة سألت:
" ما رأي رئيس القبيلة , هل ينوي أن يسمح لنا بمقابلة الطبيب غدا؟".
كانت متأكدة أنه خلال الصمت الذي أعقب سؤالها , راح ينظر اليها مدققا وهو يقدر تماما موقفها ويعرف كل المشاعر المضطربة التي تحاول أن تخيفها , كان يراها , ويتمتع بها , ومع ذلك فأنه لم يضطرها الى العودة الى الحديث الذي تخلت عنه لكنه عندما أجاب على سؤالها , كانت لهجته تحمل سخرية عميقة:
" وعدني بأن يرسل أحد رجاله لأحضاره , كان توقيت حضورنا ممتازا , لأن الطبيب حاليا يجمع الأعشاب ليحضر الدواء لمعالجة الزعيم من هذا المرض , كل شيء على ما يرام , سيكون هنا بعد الفجر بقليل".
" هذه أخبار رائعة!".
تبددت السحابة من عيني تينا , بعد أن شعرت بأن النجاح أصبع على قاب قاب أو قوسين أو أدنى , وزايلتها كل الآلآم والمخاوف بعد أن أدركت أنها أصبحت قريبة من الهدف:
" في هذه الحال , أعتقد أننا نحتاج الى بعض النوم , فهل لك أن تذهب؟".
وسارت في أتجاه الباب , وكأنها مضيفة تقف لتنتظر من ضيفها أن يغادر الدار , لكنه بدلا من تلبية دعوتها , سار بهدوء الى فراشه وتمدد عليه :
" لن أستطيع الجدال أكثر من ذلك ,كان يومنا شاقا ومتعبا".
وأشار الى القش الملقى في الجهة الأخرى من الكوخ , وقال :
" أنصحك بشدة أن تأخذي أكبر قسط من الراحة , فستكون رحلة العودة غدا أكثر مشقة من رحلة الحضور , أذا لم تستريحي!".
" كنت أظن أنني في صحبة رجل مهذب".
منتديات ليلاس
ونهض من فراشه غاضبا وقال:
" هل كل واحد منا يبدو على حقيقته؟ أجيبي عن هذا السؤال".
وأمتلأ قلبها رعبا من العنف الذي بدا على وجهه , وزاد خوفها وفاض , عندما همس :
" لست أدري لماذا تملكين القوة التي تثير غضبي دائما ؟ منذ اللحظة الأولى التي قابلتك فيها وأنت تستمتعين بأستخدام قوتك ضدي , لقد وجهت الي غطرستك وأغضبتني وأهنتني , بل أنك حاولت أغرائي لمجرد مضايقة أنيز".
وأضطربت تينا لدرجة لم تسمح لها بالرد , لكن عينيها عكستا كل الخوف الذي شعرت به عندما سمعت كلمته بينما زمجر هو بقسوة:
" أن الأمر يبدو رخيصا وقذرا , أذا أردنا وصفه لكنه مع ذلك يطابق مقتضى الحال , أليس كذلك يا آنسة؟".
ثم أطلق ضحكة خشنة , وأتجه اليها مستطردا:
" ولكن ماذا لو أنني قررت ألا أترك الموضوع بلا نهاية يا آنسة ".
وفي الحال أدركت قصده , وكما يفعل الطفل الخائف , أسرعت تحاول الهرب لكنه كان يقف أمامها ويسد الطريق وأرتعشت وهو يجذبها من كتفيها الى صدره العريض , أرغمها على أن تنظر اليه , وقال :
" أنت تحفة فنية , هل تتصورين أنني سأسمح لك بالهرب مني مرتين؟".
وقاومته بشدة , لتبعده ولوت رأسها لتتجنبه , وقد ندت منها صرخة خافتة:
" لا , أرجوك لا ".
لكنها كانت تعرف أنها تقاوم بلا أمل فقد قرر أن ينفذ أنتقامه كاملا.
وفجأة , دفعها بعيدا عنه , وهو ينتظر رد فعلها , كانت عيناها خضراوان تفيضان بالألم , لكنها لم تعلق , وأرتفعت الدماء الى وجهه , وخفض ذراعيه الى جانبه , وتراجع خطوتين الى الوراء , ولم تعد تراه في الظلام الكئيب , لكن صوته عكس غضبه , حين قال:
"تحتاجين الى الكثير لتتعلمي الأغراء يا آنسة أن جاذبيتك تشبه جاذبية الطفل الذي لم يستيقظ بعد".
وتحولت عنه بعيدا , أسرعت الى فراشها , وأستلقت , تاركة لدموعها اعنان , فنظر اليها وتمتم :
" أصبح الموقف واضح بيننا الآن , أصبحت متأكدة أن مشاركتي لك في هذا الكوخ لا تنطوي على أي خطر , أنني سعيد الآن لأن بعض التقدم تحقق".
أدارت تينا ظهرها لرامون محاولة أن تبحث عن مكان مريح لجسمها المرهق وكان صوت أستهزائه وسخريته يرن في رأسها وظلت فترة ممختنقة في الظلام , تعاني من خشونة الفراش , وتفكر في غرابة الوضع الذي وجدت نفسها فيه , كان صوت تنفس رامون العالي يملأ الكوخ , وقد هدأ النوم من ثورته , لكنها ظلت تشعر بقسوة وحدتها ووطأة الشعور بالهجر الذي كانت تعاني منه في طفولتها وبدأت مخاوف الماضي تتسرب الى نفسها شيئا فشيئا , حتى بدأت دقات قلبها ترتفع بتأثير الخوف.
أستغرقت في نوم سيطرت عليه الكوابيس التي كانت نسيتها , العنكبوت المعلق يحملق فيها وسمعت نفسها تصرخ خائفة لوالدها , تتوسل اليه أن يأخذها بعيدا عن الأدغال , يا للمعجزة ..... في هذه المرة , أتى والدها , أخذ يربت على رأسها وهي تتوسل اليه أن يسمح لها بالعودة الى المدرسة في أنكلترا أو الى أي مكان وأن يبعدها عن الأدغال , وسمعت صوته الحلو يطمئنها , وشعرت بيده تربت على جبينها , ثم أنحسرت الأحلام القاسية , وأستغرقت في نوم هادىء , وهي تشعر بشعور مريح , ووالدها يربت على خدها ثم ينحني ليضع قبلة على جبينها.

نيو فراولة 05-09-10 02:41 PM

7- مع طبيب الأعشاب


بدا طبيب الأعشاب وكأنه من المعمرين , والندوب والتجاعيد التي تملأ وجهه تجعله أشبه ما يكون ببطل أسطوري لكنه كان سريع الحركة , نشيطا كأنه لا يزال في ريعان الشباب.
ظلت تينا أكثر من نصف ساعة تنتظر نهاية الحديث بين الطبيب ورامون , وكان الوقت بعد شروق الشمس بقليل ,وساحة القرية كلها خالية ألا منهم هم الثلاثة , فقد أستيقظت على صوت شخص يدعوهم الى لقاء الطبيب الذي ينتظرهم والذي يرجوهم أن يذهبوا اليه قبل أن يعود الى عمله بأسرع ما يمكن.
ويبدو أن سير المحادثات لم كن مرضيا , فقد كان الطبيب يهز رأسه بالرفض مرات ومرات , ورامون يواصل محاولاته , ولكن العجوز كان يواصل رفضه وهو ينظر الى تينا بين لحظة وأخرى , وكأنها هي العقبة الرئيسية التي تدعوه الى الرفض , أخيرا هز كتفيه يائسا , وعاد اليها وهي تنتظره بمزيد من القلق.
" يبدو أن الأمر مستحيل".
قال لها ذلك بلهجة ناعمة ورقيقة , جعلتها تنتفض من المفاجأة وتراجعت الى الوراء وهي لا تتصور هذا العطف الفجائي , وكانت كل نبضة في عروقها تدعوها الى الأحتراس , فأخشى ما تخشاه أن يصيبها الضعف , وتأسرها لهجته الحانية فتسلبها المقاومة , وتصبح لعبة بين يديه .
" مستحيل لماذا؟ هل هناك سبب وجيه لذلك؟".
وتجنبت النظر الى عينيه , فأن لمحة واحدة كانت كافية لأن تدرك أن القسوة التي كانت تملأ عينيه الزرقاوين ذهبت الى الأبد وهي ان تتحمل أبدا هذا التأثير الذي ينبع من تعاطفه الجديد والذي تعرف جيدا تأثيره عليها.
أجابها بطء:
" ليس للطبيب أي أعتراض على وجودي معه أثناء تحضيره هذا المرهم الطبي , لكن أعتراضه ينصب على وجودك أنت فهو يعتقد أن حضور أية أمرأة عملية الأعداد وتركيب الدواء ستفسده وتجعله عديم الفائدة , أن هؤلاء القوم يعتبرون عقيدتهم وما يؤمنون به أهم شيء في حياتهم وفي عقيدته أن تكوين الدواء نصف النجاح , والنصف الآخر يعتمد على هذه الطقوس التي يقومون بها , فهو يعتقد أنه أذا كانت النباتات التي يستعملها تماما كما يريد , فأن ذلك كله لا يساوي شيئا أذا لم يتبع القواعد الموروثة التي أنتقلت اليه عبر قرون طويلة , قبل أن يبدأ في عمله , فهو دائما يتأكد من أن هناك أشخاصا معيين يجب أن يكونوا لحظة أعداد الدواء , فهل تقدرين الآن الموقف الذي نواجهه؟".
منتديات ليلاس
ونظر اليها صامتا , بينما أنعكست خيبة الأمل المريرة التي شعرت بها على نظراتها , كانت تتمنى أن تعود الى عمتها منتصرة , وهي تحمل هذا الدواء الجديد , لتعلن له أنتصارها ونجاحها , كان ذلك نوعا من التوصية الذاتية , ومن أسعاد عمتها التي خاب أملها في الرحلة , لكن , أذا كان ما يوله رامون حقيقيا , فلم يكن هناك سبيل للتغلب على هذه العقبة , وتملكها اليأس , والشعور بالفشل , وأهتز صوتها , وكأنها على وشك البكاء وهي تسأله:
" هل هذا هو رأيه النهائي والأخير؟ أليس هناك سبيل الى أقناعه؟".
وأخترقتها عيناه كأنه يقرأ أسرارها , كل سر , وكل أمل , وكل خوف ينتابها , عرفه بقوة بصيرته , فهز رأسه , وتردد قليلا , ثم عاد الى الطبيب.
وبدأ الحديث مع الطبيب هذه المرة بعنف , وتصميم وقوة , حتى أن تينا بدأت تشعر بالعطف على الطبيب المسكين الذي وقف حائرا , وعكس ما توقعت , بدا وكأن الرجل غير متأكد تماما من قراره , فقد نجحت كلمات رامون العنيفة في تحقيق التأثير المطلوب , وكم كانت دهشة تينا وهي ترى رامون يرفع بندقية ملوحا بها أمام وجه الطبيب الشاحب , وبعد الجدال العنيف بدأ الطبيب يتراجع , ثم أستدار على عقبيه , وأسرع الى الكوخ العام الكبير الذي بدأت تظهر فيه بعض مظاهر العمل .
وعاد رامون الى تينا مبتسما , ليشرح لها ما يشبع فضولها , قال:
" هددته بالقوة التي تحملها العصا النارية التي أملكها , لكننني أكدت له في الوقت نفسه أنها سوف تسبغ عليه حمايتها أن هو نفذ كل ما طلبناه منه , وقد رفض في أول الأمر , وأصر على أن زوجته التي دخلت معمل الولادة اليوم , سيصيبها مكروه هي أو طفلها الذي تنتظره أذا هو عصى أوامر أجداده.
وقد أكدت له أنني أعده بعدم حدوث أي ضرر للطفل أو لزوجته , ولكن لأن المخاطرة ستكون كبيرة , فقد أقترحت عليه أن يذهب الى رئيس القبيلة لأستشارته فيما أذا كانت قوتي هي الأقوى أم قوة أجداده , فأذا وقف الرئيس في صفنا فستنالين ما تريدين , كل ما أرجوه أذا أطاع أوامرنا أن يأتي طفله في ولادة سهلة , وألا.......".
لكن تينا رفضت أن تضع أي أحتمال آخر في أعتبارها , فالحصول على الدواء الآن هو كل ما تحلم به وتتمنى الحصول عليه وهو يعني بالنسبة اليها أشياء كثيرة , فأذا نجحت , فسيكون جزاء عادلا على كل هذه المعاناة في هذه الرحلة , وسيهون بالنسبة اليها كل ما حدث لها في الأسابيع الأليمة التي عاشتها , ستصبح آلامها لا تساوي شيئا الى جوار هذا الأنتصار , ولهذا قالت بأصرار:
" هذه أخبار رائعة , ولكن متى نعرف قرار الرئيس؟".
مرة أخرى زمجر رامون مترددا ثم قال لها:
" هناك شيء آخر يجب أن تعرفيه , أن المسألة ليست بالبساطة التي تتصورينها , فأذا كنت تريدين الحصول على الدواء , فيجب أن تعرفي أن هذا لن يحدث بالسرعة التي تتوقعينها وأنما سيكون علينا أن ننتظر ساعات وساعات وهو يقوم بطقوسه الدينية الطويلة , قبل أن يبدأ تحضير دوائه , ولسوء الحظ فأن هذه الأستعدادات لن تقل عن ثلاثة أيام".
وساد الصمت وتينا تحاول أستيعاب هذه المعاني التي تحتوي عليها كلماته : ثلاثة أيام , كيف تستطيع أن تتحمل الحياة ثلاثة أيام ولياليها بالقرب من رجل تحبه , بينما هو يعاملها بكل القسوة التي أشتهر بها الفاتحون من فرسان الأسبان ؟ هل تستطيع أن تقاوم هذه الأحاسيس التي تعصف بها , وأن تتظاهر بالقوة والكراهية , أم أنه يستطيع أن يكتشف ضعفها؟ وكيف يمكنها أن تتحمل العذاب الذي ستعانيه لو أنه أستمر في رقته المفاجئة , والنظرات الساحرة التي سوف تسلبها دون شك آخر قطرة من كرامتها , ولكن؟ هل تضحي بالهدف الذي تحملت كل ما تحملت من أجله بعد أن أصبح قريبا؟ هل تيأس والحلم أوشك أن يتحقق؟
رفعت كتفيها ,وقالت:
" أنني راغبة في البقاء , أذا وافقت أنت".

نيو فراولة 05-09-10 02:42 PM

بعد ساعة كاملة , رضخ الطبيب لنصيحة رئيسه , وقادهم وراءه الى قلب الأدغال , وأختار بقعة ليبدأ فيها عمله , قريبة من القرية , حتى يسهل وصول رسول ينقل اليه أخبار طفله الذي ينتظره من يوم الى يوم , وأخبار زوجته التي تنتظر المولود , وشعرت تينا بالقلق , فقد كان يرمقها طوال الرحلة بين لحظة وأخرى بنظرات عدائية , وفكرت في ما يمكن أن يحدث لو وقع مكروه للطفل أو لأمه , وحاولت أن تمحو أية صورة للتوقعات المخيفة , وركزت نظراتها على البندقية التي حرص رامون على أن يحملها معه , وشعرت بالأطمئنان وهي تسير في حماها.
كانا يحملان معهما من الطعام ما يكفيهما ليومين أو ثلاثة , وبما أنهما لم يكونا قادرين على العودة الى القرية يوميا , فقد حمل رامون معه في حقيبته الأسرة المعلقة , والشباك التي تحميهم من الحشرات ........وبعد أن سار ثلاثتهم في الغابة مدة ساعة وصلوا الى ساحة صغيرة , كان من الواضح أنها هي المعمل الذي أختاره الطبيب , فقد كان فيها بعض الأدوات والبقايا التي يستعملها العجوز , وكوخ صغير ينام فيه أختفى في داخله بمجرد وصولهم ,وظل هناك مدة طويلة من الوقت , كانت كافية لأعداد أسرتهم المعلقة التي بقيت تنتظر من يشغلها , بينما ظل الطبيب في داخل كوخه في أنتظار الظلام.
منتديات ليلاس
وكاد صبر تينا يفرغ , كانت قلقة تريد البدء في الحال , ويبدو أن الطبيب كان ما يزال معارضا لوجودها , ولكن أخيرا , أمسك ورقة شجر في يده , وبسطها , ووضعها أمامه , وأدركت أنه يريد منها أن تجمع من الغابة , أكبر عدد ممكن منها , وأبتسمت له لكنه واجهها بوجه متجهم غاضب وبكلمات لم تفهمها , ونظرت الى رامون تطلب منه تفسير ما حدث , فقال لها مهدئا:
" لا تدعي الرجل ينجح في أستفزازك يجب أن تقدري مشاعره , فهو يعتقد أنه أول رجل في قبيلته يضطر الى خيانة تقليد أجداده ويفشي أسرارهم , وهذا يجلب له العار مدى الحياة , وهو يعتقد أعتقادا جازما الآن أنه سيصاب بمحنة كبيرة , عقابا له على ضعفه فينبغي أذن أن تعذره , ونتمنى ألا تخونه شجاعته".
وسارا في الغابة المحيطة بالساحة صامتين , يجمعان الأوراق التي طلبها الطبيب , وكانت تينا سعيدة بهذا الصمت الذي لازمهم , وكانت أية حركة صغيرة بين الأشجار , كفيلة بدفعها لأن تقفز مندفعة الى جواره , ولكنه برغم ملاحظته لما بدر منها , فأنه لم يعلق على ذلك , وظلا يجمعان الأشجار حتى غابت الشمس , ثم قفلا راجعين الى الساحة , حيث كان الطبيب يجلس ساكنا كالتمثال , محملقا بتركيز في كومة من الأعشاب , ورفع رامون يده داعيا تينا الى الصمت , ثم قادها في سكون الى الجانب الآخر من الساحة حيث أقام الأسرة المعلقة , وقال لها محذرا:
" يجب ألا نقطع عليه تركيزه".
وبعد أن وضع أوراق الشجر على الأرض أتجه الى تينا وقال:
" لماذا لا تستريحين , سأحضر لك طعامك !؟".
" شكرا , أفضل أن أحضره بنفسي , أذا كان ذلك لا يضايقك".
أختفت النظرات الرقيقة من عينيه , وعاد الى وجهه الجمود ثم قال :
" حسنا , بما أنك ترفضين أن نكون صديقين , فلا شيء آخر يمكن أن أفعله ".
وتهالك قربها جالسا على جذع شجرة ,ومد لها يده ببعض البلح الجاف , قائلا:
" آسف , ليس أمامنا خيار , ولكنني غدا سأجوب الغابة بحثا عن طعام لنا وسأجد فاكهة , وجوز الهند , وربما عثرت على عسل أيضا".
" أشكرك".
" نحن هنا المتحضران الوحيدان في هذه البقعة المهجورة وعلينا أن نقدم مثلا طيبا أمام هؤلاء المتوحشين الذين يستضيفوننا , فنحاول أن نتناسى كل المشاحنات والحساسيات التي بيننا , على الأقل خلال أقامتنا هنا".
وقفزت واقفة , ودفعت يده بعيدا عنها ليتناثر البلح الجاف على الحشائش , وكان عليها أن تقول أي شيء لتخفي هذه المشاعر التي تجتاحها والتي تصرخ في أعماقها شوقا اليه ........ وخرج صوتها غريبا وهي تقول:
" أنا لا أريد صداقتك , لا الآن , ولا غدا , ولا الى الأبد , الحقيقة أنه بعدما حدث بالأمس فأنني أتمنى ألا أراك مرة أخرى في حياتي , أنني أعرف.........".
أختلج صوتها وأكملت :
" أنك تفتقد صديقتك الجذابة دونا أنيز ,ولكن لن يكون هذا سببا لأن تعاملني كبديلة لها".
" ولكن ألم تكن هذه فكرتك في الأصل؟".
وأستعادت عيناه الزرقاوان نظراتهما الباردة العميقة ,وعندما أحمر وجهها , ضحك ضحكة خالية من المرح وكم كانت دهشتها أذ واصل قائلا:
" تعالي نعلن هدنة بيننا , يكفي هذه البقعة من الأرض وما فيها من مظاهر العداء والحروب والوحشية , هيا تعالي".
ومد يده اليها , قائلا:
" أنني أعتذر اليك عن كل ما سببته لك من مضايقات تعالي نتصافح , ونتعاهد على أننا أذا لم نكن صديقين قادرين على أن نكون فعلى الأقل لنمتنع عن أن يضايق كل منا الآخر , أرجوك قولي أنك موافقة".
وأرتفعت دماء الخجل الى وجنتيها ,وضاعت في حيرة , أما هو فأبتسم ومد يده الى آخرها فأحست كأنها مسحورة تماما , رفعت يدها ببطء حتى أصبحت في متناول يده , وأرتعشت وهي تشعر بقبضته القوية بينما همس هو في رقة:
" تيننا , أشكرك على كرمك..... هل تسمحين بأن أسمع صوتك ينطق بأسمي؟ ستعطيني أملا في أننا قد نصبح يوما صديقين".
في هذه اللحظة ضاعت كل شكوكها , وأدركت أنه يطلب منها أمرا بسيطا جدا , فهتفت:
" حسنا يا رامون".
نطقتها بسعادة وخفة , فرفع يدها الى شفتيه , وأنتظر قليلا , قبل أن يلثمها ثم تنهد معبرا عن أرتياه العميق , وأخذ يراقبها بعينيه نصف المغمضتين وهي تتناول طعامها.
ولم تعد تشعر بالجوع , أكتفت بما أكلت لكن الفترة التي قضتها في مضغ الطعام كانت فرصة لأن تحاول أن تجمع أفكارها , وتسيطر على أعصابها , وتخرج من هذه الحالة السحرية التي جذبتها اليه وأفقدتها وعيها وأستطاعت أن تسيطر على مشاعرها بعض الشيء , بينما كان رامون بجسمه الضخم متمددا على الأرض وهو يدرك تماما كل العواطف التي تعتمل في صدرها.

نيو فراولة 05-09-10 02:43 PM

وأستغرقت في الأستماع الى أحاديثه المسلية المثيرة وهو ينتقل من موضوع الى آخر في سهولة وطلاقة : من الحديث عن جمال الأدغال ووحشيتها , الى الأماكن الغامضة والغريبة التي زارها , ثم الى هؤلاء الناس المتوحشين الذين يحاول جاهدا أن يساعدهم , وأدهشتها رغبته الملحة في مساعدة الناس وحساسيته الرقيقة , وروحه الشفافة , وتأكدت أن ذلك هو الوجه الآخر لهذا الرجل القاسي الصعب المراس , وأن هذه هي الشخصية المثالية لما يجب أن يكون عليه المستكشف الحقيقي , وتحدث عن منزله وأهله الذين يعيشون في الأراضي الخصبة التي تمتلىء بالخير , تحدث عن أشجار الموز وحوز الهند وقصب السكر وكل المزروعات الأستوائية , وعن البن الذي يسمو في بلاده , وقطعان الماشية التي تمرح على سفوح الجبال.......... وهنا قاطعته:
" لماذا ترحل كثيرا برغم أمك سعيد في وطنك؟".
" ربما لأنني أريد أن أمحو من تفكير هؤلاء المواطنين البسطاء الفكرة التي رسخت في أذهانهم عن وحشية الرجل الأبيض , فمن سوء الحظ أن أول من غزا أرضهم كانوا مجموعة من الباحثين عن المطاط , وقد عاملوهم بقسوة , ربما لخوفهم منهم , فلم يفرقوا بينهم أطلاقا وبين الحيوانات , ولم يراعوا تقاليدهم ولا معتقداتهم , وقد أوفدتني الحكومة البرازيلية على رأس بعثة لأقامة علاقات مع هؤلاء البسطاء الطيبين , ومحاولة تحريرهم من قسوة الجهل الذي يعيشون فيه , وحتى يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه الحياة مثل سائر البشر , ويتعاملون معهم بالطريقة المتمدنة نفسها , تماما مثل ما حدث مع الهنود الحمر في أميركا الجنوبية".
منتديات ليلاس
" رامون , أرجوك أن تستمر , أريد أن أستمع الى المزيد".
وقفز واقفا بخفة ورشاقة وأبتسم لها قائلا:
" ولكنني تحدثت عن نفسي ما فيه الكفاية , أريد أن أعرف عنك أنت الكثير , كل ما أعرفه أنك أنكليزية , أنكليزية جدا , وأنني في شوق لأن أعرف كل شيء عن كل ما يحيط بك , العالمة الشهيرة في علم النبات , العروس الثلجية ,ذات القلب الوحشي".
" ليس هناك الكثير الذي يمكن أن تعرفه عني , فليس هناك ما يثير الفضول , أنني أقضي وقتي بين العمل في حدائق النبات في كيو , وأدرس خلال أوقات فراغي , وأعيش مع عمتي في لندن , وبين حين وآخر نقيم بعض مآدب الغداء لأصدقائنا المقربين وهم غالبا من العلماء وأحيانا نخرج الى المسرح , أو نتناول العشاء في مكان عام , وبالمقارنة مع حياتك , فنحن نعيش حياة روتينية".
" أن هذا يدهشني!".
وكانت كلماته كرنين الأنذار في أذنيها , عرفت الآن أنها في غمرة هذه الجلسة الشاعرية نسيت حذرها وتورطت في أعتراف لم تكن تود أبدا أن تكشفه , كان حديثه قد بعث الثقة في نفسها , فوجدت نفسها تتحدث بصدق وصراحة , وأستطاعت بكل قوة أن تنبه نفسها الى أنها يجب أن تكون حذرة , فقالت مستدركة ,وهي تقذف بأكذوبتها:
" طبعا هذه هي حياتي في الأيام التي أكون فيها في لندن , ولكن من حسن الحظ أن هذه الأوقات تكون قليلة عادة ولولا الرحلات التي أقوم بها وتغير من سير الحياة الروتينية هذه لما أستطعت أن أتحملها".
" آه , فهمت".
لكن صوته كان خاليا من أي تعبير ,وشعرت بأنها خيبت أمله بطريقة لم تدركها ,وحولت وجهه الى الجمود , ولم تستطع أن تدرك شيئا من نظراته , فقد أرخى أهدابه السوداء الطويلة , فلم تستطع أن تقرأ فها شيئا , ثم أستدار بعيدا عنها , حتى لم تعد ترى وجهه وفي صوت هادىء قال:
" أن الوقت متأخر , وقد حان موعد الرقاد , تصبحين على خير".
وأحنى رأسه وأستدار بعيدا.....
وغاص قلبها وهي تراه يعود الى قسوته , وعندما رأته يذهب , ضاع صوتها الذي أرادت أن ترد به على تحيته , ضاع تماما في الصمت الشامل الذي يحيط بالمكان.

نيو فراولة 05-09-10 02:45 PM

8- الهدية

في الصباح التالي , كان من الواضح أن طبيب القبيلة قرر أن يتراجع عن وعوده , وهو لم يعلن ذلك صراحة , لكن تصرفاته كانت تدل بوضوح على نيته , فقد أستمر في تجهيز معداته , وبعد أن جمع جذور النبات والأعشاب المطلوبة كلها , ووضعها فوق أوراق الشجر التي جمعها رامون وتينا في اليوم السابق , لم يبد أي رغبة في الأستمرار , وأنما توقف تماما عن العمل , وجلس صامتا يحدق في أتجاه الأدغال , وكأنه ينتظر حدثا معينا ثم يعود ليرفع بصره نحو السماء التي بدأت الشمس تتوسطها , وتشتد حرارتها , ولم يحاول أن يهتم أطلاقا بكلمات رامون الحادة , ولا محاولاته لحثه على الأستمرار في العمل , بل تجاهله تماما , وظل ينتظر أشارة تدل على أنه ليس مغصوبا عليه نتيجة تصرفاته.
بعد لحظات , سمعوا صوت خطوات فوق العشب الجاف تخترق الدغل القريب , المحيط بهم , ثم ظهر رجل يحمل رسالة الى الطبيب , وأتجه اليه فورا , كان الرسول يلهث في أضطراب ويبدو أن الرسالة كانت تحمل مزيدا من المشاكل , فأذا رامون نفسه لم يستطع أن يهدىء من القلق الذي أعترى وجه الطبيب , وظهر واضحا على حركاته وأشاراته وهو يجادل رامون فيغاس.......
ظلت تينا تنتظر , حتى نفذ صبرها , فأسرعت الى حيث وقف الرجال لثلاثة وجذبت رامون من ذراعه وسألته:
" أرجوك أخبرني ماذا حدث , ما هذا الموضوع المثير الذي أثار الجدل؟".
منتديات ليلاس
" وضعت زوجة الطبيب ظفلا ذكرا".
" خبر عظيم , رائع أذن , سيمكننا أن نواصل العمل..........".
" كلا , لقد أعلن الطبيب بأصرار أنه لن يكمل العمل فهو يقول أنه أذا أتمه كما وعدنا فسيمرض طفله ويموت , ويجب أن ينتظر ستة أشهر أخرى قبل أن يجرؤ على مواجهة الأمر ولأن المولود ذكر فهو يخشى أن يضحي به".
" أذن , لن نستطيع أن نفعل شيئا أذا كان قانون الغابة يحرم عليهم هذا".
ولكن يبدو أن رامون لم يكن في نيته أن ييأس أذ قال:
" أن قوانين الغابة هي الحجة التي يحتمون وراءها دائما عندما يريدون أن يمتنعوا عن تقديم عمل لا يرغبون فيه , وأعتقد أنه آن الآوان للتحايل على الطبيب".
وأسرع يستدير الى الطبيب الرافض ويتحدث اليه , وأزدادت دهشة تينا وهي تراه يخرج من جيبه علبة فيها أقراص من النعناع , وضع قرصا أبيض منها في يد الطبيب المفتوحة , وكان طوال الوقت يتحدث بسرعة , وأمسك الطبيب الطبيب القرص بين أصابعه وأداره عدة مرات , بينما كان رامون يواصل حديثه ثم وضع القرص في فمه.
ظل وجه الطبيب فترة جامدا تماما بلا تعبير , ثم تحول شيئا فشيئا الى دهشة شديدة ممزوجة بالخوف , وفتح فمه ليسمح للحرارة التي ألهبت فمه أن تهدأ , وتصارع في نفسه الخوف والسرور , وبدت المعركة على ملامح وجهه واضحة , بينما وقفت تينا مع رامون في صمت تام في أنتظار قراره الأخير , وبعد لحظات مشحونة بالقلق , أنحنى فجأة وركع أمام قدمي رامون , ثم قفز واقفا وأسرع الى كوخه وفي هذه اللحظة , عرفت تينا أنهما أنتصرا في معركتهما مع الطبيب , فأستدارت الى رامون وسألته:
" أرجوك , هل يمكن أن تشبع فضولي , وتشرح لي ماذا قلت له".
" هل تريدين أن أشرح لك التفاصيل, أم تريدين الخطوط العريضة؟".
" أي شيء , فقط أخبرني".
" ذكرته بأن أشهرا عديدة مرت , وقومه يعلمون أن كلامي معهم دائما هو الصدق والخير , وأن البضائع التي أحضرتها اليهم لم تكن فاسدة ,والسكاكين التي قدمتها اليهم تعمل أفضل من أي شيء قاطع لديهم ,وذكرته أيضا باليوم الذي أستعملت فيه عصاي النارية ضد القوى الشريرة في الغابة , وأخيرا قلت له أنه لو وضع أحد أقراصي اللاذعة على لسانه , فلن يحدث أي مكروه لولده الذكر , بأذن الله".
وأشار بيده جهة الطبيب الذي كان مشغولا في العمل , وأردف :
" أنني أحمل أقراص النعناع معي بأعتبارها الورقة الأخيرة الرابحة , ولو أنها فشلت في أقناعه لما أستطاعت أية قوة في الوجود أن تقنعه".
وأنقضى اليوم وهما يراقبان عمل الطبيب ..... كان يضع قطعة مسطحة من الحجر في مكان معين ومعها قطعة كعينة من الخشب , يدق ببها النباتات التي جمعها , وبين لحظة وأخرى كان يسرع الى كوخه ليستريح قليلا , ثم يعود منتعشا ليواصل عمله , وبعد أن أنتهى من هذا الجزء من العمل , أسرع الى الأدغال يبحث عن نوع معين من الأغصان يوقد بها نيرانه , وبعد أن أشتعلت النيران وأرتفع لهيبها , وضع القدر عليها في زاوية معينة , ثم وضع فيها بعض الماء أستعدادا لأضافة النبات المطحون الذي كان قد أعده.
والى هنا كان العمل يسير كما تريد تينا , ولكن عندما بدأ في الأستعداد لأضافة النباتات المطحونة , صاحت بصوت مرتفع:
" لا, ليس الآن............".
فقفز من مكانه خائفا , بعيدا عن النار , وأحست أنها تكاد تموت خوفا , ونظرت الى رامون مستنجدة وقالت:
" يجب أن أزن هذه النباتات المسحوقة التي سيضيفها , فبدون الميزان لن يكون لملاحظاتي أية فائدة , أرجوك أشرح له هذا".
وأستدار بعد أن أومأ برأسه موافقا , وبدأت مناقشة حارة بينه وبين الطبيب المذعور , وراقبتهما تينا وهي تحاول جاهدة أن تفهم شيئا , وشعرت باليأس يغمر قلبها عندما أشار الطبيب أشارة رفض قاطعة وثمة كلمات أخرى شديدة قيلت , وردةد غاضبة أرتفعت , قبل أن يجلس طبيب الأعشاب مرة أخرى ,وهو يرمقها بنظرة كراهية – ثم قدم مجموعة المساحيق التي معه الى رامون الذي نظرت اليه تينا مستفهمة , فقال لها بلهجة شديدة الجدية:
" رفض أن تلمسي عقاقيره ولكنه سمح لي أخيرا بأن أقوم بما تريدين , بنفسي , أشرحي لي بسرعة ما يجب أن أقوم به قبل أن يغير رأيه".
وسارت تينا تشرح له طريقة أستعمال الميزان الدقيق الصغير الذي أحضرته معها , وكان ينفذ تعليماتها بدقة شديدة , وفي اللحظة التي كان هو يقوم فيها بمراقبة الميزان , كانت هي تقيد ملاحظاتها بالأرقام , كل وزن على حدة , قبل أن يعيده الى الطبيب الذي يضيفه الى مياه القدر.

نيو فراولة 05-09-10 02:46 PM

وكانت أعصابها تزداد توترا ,وهي تراقب كل حركة من حركاته فقد كانت تخشى أن يضيف نوعا مجهولا من النبات دون أن تراه , يكون له تأثير فعال في العقار , يتعمد أن يخفيه عنها , فظلت مشدودة اليه , وكان تصميمها على ملاحظة مراحل العمل بدقة كفيلا بأن يجعلها تلتصق الى جواره , حتى بعد أن خرج رامون الى الغابة بحثا عن الطعام.
وساد صمت ثقيل , بعد أن خرج رامون , وشعرت بالخوف يخنق قلبها , والعرق بالبارد يغمر جسدها , وبرغم أن الطبيب كان يتجاهل وجودها تجاهلا تاما , ألا أنها كانت تشعر بكل حواسها , أن هناك رائحة قوية تملأ المكان حولها رائحة الكلااهية , العنيفة التي تصدر عن هذا الشخص الصامت الساكن الذي يقبع بجوارها.
وعندما دخل رامون ومعه رسول الى الطبيب , وجدت نفسها ترتمي بين أحضانه , وهي تلقي بكل خوفها بين يديه.
وأنتقلت نظراته الحادة بين وجهها الشاحب , ووجه الطبيب الجامد كالقناع:
" ماذا حدث لماذا ترتعدين هل أخافك؟".
وهزت رأسها نفيا , كانت مرهقة لدرجة لا تسمح لها بأن تشرح له الخوف الذي أنتابها , ولم تقل غير كلمات متقطعة:
" أرجوك , لا تتركني وحدي معه مرة أخرى".
" حاولي ألا تضايقي نفسك , وأعدك أنني لن أتركك وحدك مرة أخرى".
وعندما نظرت اليه , وجدت نظراته تتجه الى الرسول الذي حضر معه , كانت المناقشة حادة بحيث جعلتها تشعر أن هناك عائقا آخر ظهر في الأفق ولا سيما عندما لاحظت أنه قطب بشدة ما بين حاجبيه , وقال لها بغضب:
" الرسول يخبره بأن أبنه أصابه المرض والضعف , وزوجته تتوسل اليه أن يعود سريعا الى القرية , قبل أن يفوت الأوان".
" هل يتوقعون موت الطفل؟".
منتديات ليلاس
" أنني غير متأكد أذا كانت هذه المزاعم حقيقية , أم أنها خطة أخرى رسمها الطبيب حتى يتمكن من التملص".
وتابعت عيناها عزة رأسه وهو يشير الى الطبيب الذي أندفع اليه , وقد بدا القلق والحزن في عينيه ثم تحدث الى رامون فورا , وعرفت تينا أنه قرر نهائيا أن يرحل , كان يتحدث ويهمس بصوت كالفحيح , وبغضب واضح , وهو يبلغه الأنباء التي نقلت اليه حالة أبنه الصحية , ثم أستدار اليها وقفز تحت قدميها بشراسة , وفهمت أنه يحملها تبعة ما أصاب طفله!
وأمر رامون الطبيب بأن يتوقف عن حركاته فورا , وطلبت تينا أن تراقب وتستمع وهي تلوم نفسها على جهلها التام بهذه اللغة التي يتجادلان بها , فهي لا تفهم كلمة واحدة مما يقال , لكنها لاحظت رد فعل الطبيب , وشعرت بالراحة , فقد تحولت مشاعر الطبيب من الغضب الى القلق بعد أن وجه اليه رامون ما يبدو أنه سؤال حاد , وهز رأسه في يأس ثم عاد مسرعا الى قدوره.
قال رامون وعيناه الزرقاوان تلمعان:
" كانت حيلة كما توقعت , دبرها ليتخلص من وعوده لنا بدون أن يثير غضب عصاي النارية ....... وعندما عرضت عليه أن أعود معه لمساعدة عائلته , حاول أن يتملص بأعذار واهية أقنعتني بكذبه , لكننا على الأقل أستطعنا أن ننتهي من هذه الحيل الى غير رجعة , هددته بأن سحر عصاي السحرية سوف تنقله في الزورق الأبدي الى الأبد , أذا حاول أن يكرر أكاذيبه أو حيله , وأنا متأكد أننا لن نعاني من ذلك بعد الآن , والأهم من ذلك أنه وعدني بأن الدواء سيكون معدا في الصباح , أطمئني , لن يقوم بأي حيلة بعد ذلك , ويمكنك أن تستريحي حاليا , وأنت مطمئنة".
وكان محقا ففي فجر اليوم التالي , وضع الطبيب بين يدي تينا علبة من الخشب الصلب فيها دواء يشبه المرهم , رمادي اللون فحملته بعناية وأسرعت به الى رامون وكأنها تحمل أكسير الحياة , قالت وهي لا تصدق نفسها:
" حصلت عليه.... أخيرا حصلت عليه".
وأنفرجت شفتاه عن أبتسامة واسعة وأمسك بذقنها ورفعها عاليا ليبعد عينيها عن الكتلة الرمادية , وقال مهنئا:
" صحيح , أن قلبي يرقص فرحا من أجلك , أن التضحيات التي قدمتيها لتحصلي عليه , تجعلك تستحقين مكافأة ".

نيو فراولة 05-09-10 02:47 PM

أخذت تراقب رامون وهو يعيد ربط الأسرة ووضعها في حقيبته , وكان ينظر اليها بين لحظة وأخرى وكأنه يتمتع بمنظرها وهي تضم علبة الدواء الى صدرها لكن هذه النظرات كانت تدفع القلق ألى عينيها الواسعتين , فما لا شك فيه أن له دورا كبيرا في الوصول الى هذا النجاح , فمن دونه ما كان يمكن أن تصل اليه , وأرادت أن تعبر له بالأعتراف بالجميل , ولكن , كيف؟
لم تستغرق رحلة العودة الى القرية وقتا طويلا......
وقابلهما أهل القرية بالترحاب , حتى أنها لدهشتها الشديدة شعرت بالأسف عندما فكرت في أنها ستغادهم , لكنه كان شعورا مؤقتا , فهي تتمنى لو تنبت لها أجنحة , أذن لطارت بها فورا الى لندن الى عمتها لتقدم لها هديتها.
وفي غمرة الأنفعال الذي أصاب الجميع بعودتهما , لاحظت أن الطبيب تسلل مسرعا الى الكوخ الذي تقيم فيه زوجته , ليطمئن اليها والى طفله وما لبث أن عاد ,غارقا في الأبتسام ولم تجد حاجة لمطالبة رامون بأن يفسر لها ما يقوله الطبيب , فقد كان في وجهه المبتسم وصوته الضاحك دليلا واضحا على أن كل شيء على ما يرام.
وأستمع اليه رامون بأهتمام , وأبتسم وهو يستدير اليها ليقول:
" أن الطفل وأمه في حالة جيدة , والطبيب في غاية الدهشة لأن سحري أقوى من سحر أجداده , وقد كان يعتقد أن شيئا من هذا هو في حكم المستحيل ,وهو يقول أنه سيطيع أوامري منذ الآن في كل ما أريد , ويقول أيضا أن طعم الأقراص التي تناولها كان لذيذا جدا".
منتديات ليلاس
" هذا شيء رائع , أن معتقداته سوف تنشر الآن بين جميع مواطنيه سيؤمن الجميع بك وستنتشر الأخبار في كل مكان : في الغابات والطرق والأحراج والأدغال وفي أي مكان ستذهب اليه سيقابلونك بالترحاب , أنني سعيدة جدا".
ووضعت يدها على ذراعه , وواصلت بحماسة:
" أستطعت وأنت تساعدني في الوصول الى هدفي , أن تقطع شوطا بعيدا الى أهدافك أنت أيضا , فمنذ الآن , وفي كل مكان في الأمازون , سيعرف المواطنون أن أسم ( كارامورو ) يمثل لهم الصدق والأخلاص والمساعدة لكل محتاج".
وأضطرت الى التوقف , وشعرت بحاجتها الى الحذر وهي تتأمل نظراته , ماذا فعلت هل تجاوزت الحدود ؟ هل أستطاعت الحماسة المتزايدة أن تفشى سر هذه المشاعر وهذا الحب الذي تشعر به نحوه؟ حاولت أن تنظر بعيدا , لكنها لم تستطع , فقد كانت احاديث المواطنين وضحكاتهم تملأ المكان ولكنهما كانا في عالم وحدهما , وتوترت أعصابها وهي تنتظر منه أن يكسر هذا الصمت , وطغى سوء الظن على عقلها , ودفع الألم وجهها الى الأحمرار , حين قرأت في أبتسامته البطيئة علامات الأنتصار والرضى , أنه يعرف , وكان ذلك واضحا عندما وصلت أبتسامته الى عينيه , فقد ضحك وجهه كله وهو يأخذ يدها بين يديه , ويسألها:
" وماذا عنك أنت, أعني بالنسبة اليك؟".
" هل هذا مهم لك؟".
" أريد أن أعرف أذا كنت غيرت فكرتك عني ,نعم , هل تذكرين ما قلت لي قبل أن نغادر مانوس أنني سأكون موضع أختبار خلال هذه الرحلة , فهل تلوميني على شوقي لمعرفة ما أذا كنت قد أصبحت مقبولا أم متهما؟".
" أستطيع أن أقدر أشياء كثيرة تمتاز بها , أنك بلا شك صادق في تحقيق رغبتك وفي مساعدة مواطنيك , ولا أستطيع تجاهل مقدرتك في القيام بمهمتك بكفاءة , لكن أعتراضي الةحيد هو ضعف ذاكرتك!".
" ذاكرتي؟".
" نعم وكان من الممكن أن أغفر لك محاولات الأغراء التي تقوم بها دائما , لو لم يكن هناك أنسان آخر , ولكنني أعتقد أن هذه حقارة منك أن تحاول خيانة شخص آخر".
كانت سعيدة لأنها أستطاعت أن تذكّره بأنيز , فأنه يستحق أن تؤلمه , تماما مثلما تشعر هي بالألم , فهي لا تستطيع أن تتحمل كلامه الحالم ,وهذا الجو السحري الذي يحيطها به بحكم أنه يستطيع أن يذيب قلبها في دفئه ,لكنها الآن ستكون بعيدة عنه لدرجة لن يحاول أن يصل اليها , ستكون قادرة على تحمل الصمت والغربة والوحدة التي تنتظرها في الأيام القادمة.
وكان من الواضح أنه لم يفهم أنها تشير الى دونا أنيز , لكنه فهم بقية الكلمات , فظهر الغضب البارد في صوته , وقال:
" يا آنسة دونيللي , لم يعد هناك شيء نقوله".
وأنبعث من عينيه لهيب أزرق , وهو يستطرد:
" للمرة الثالثة تلصقين بي التهم جزافا وأنني أعتبر كلامك هذا أهانة لي ولأبناء وطني جميعا , فأذا كنت تعتقدين أن عرض صداقتي عليك يتعارض مع أحلاصك وولائك لبرانستون فأسمحي لي أن أقدم لك أعتذاري , ولكن........".
ورفع يده ليمنعها من الأعتراض ثم أردف:
ط أؤكد لك , أنني لم أكن أعلم أن علاقتك به حميمة الى هذا الحد".
وحملقت في وجهه مضطربة ....... وفي الوقت المناسب توقفت عن الأعتراض , فأذا كان تصوره أنها تحب برانستون سيصون كرامتها , فينبغي أن تتركه يواصل هذا التصور , وبكبرياء قاسية , رفعت رأسها متحدية نظراته وأحتاج ذلك منها الى مجهود جبار ,وهي تشعره بأنها تفقده الى الأبد , وقالت :
" الآن وقد عرفت ؟ أعتقد أنه يمكننا أن نواصل الرحلة".

نيو فراولة 05-09-10 02:49 PM

9- العودة


لم يترك رئيس القبيلة ورجاله رامون وتينا ألا بعد أن أوصلوهما الى القارب الصغير عند النهر , وساروا معهما في طريق عبر الأدغال أختصر المسافة.
وصافح الأثنان الزعيم وقبيلته مودعين أياهم , قبل أن يساعدوهما في النزول الى القارب وراحوا يلوحون لهما من الشاطىء طوال أنزلاق زورقهما في النهر , حتى غابا عن أبصارهم عند أحد المنحيات ,وأنتهت مرحلة من مراحل الرحلة الشاقة.
جلست تينا عند نهاية القارب ,وهي تضم صندوق الدواء الى صدرها متشبثة به ,وكأنه تعويذة تحميها من شر رامون وغضبه , راحت تحملق في ظهره العريض صامتة , وهو يجذف عبر النهر بأقصى سرعة ممكنة , وكانت ضربات المجذاف في جوف المياه تعبر عن قوة الغضب الكامن في نفسه , ولم تعد له بتينا أدنى ثقة , حتى لتبادل الحديث , وحاولت أن تتناسى هذا الموقف , بالتفكير في اللحظة التي ستدفع فيها الى عمتها وتطلعها على أكتشافها العظيم وأنتصارها الساحق ولكن حتى هذا الخاطر لم ينجح في أنتشالها من أفكارها , لم يستطع أن يمحو من ذهنها المرارة التي تشعر بها منذ المشهد الأخير في الليلة الماضية , فمنذ اللحظة التي أطلقت فيها كلماتها القاسية المعبرة عن الأحتقار , أنقطع حبل الود الذي كان قد بدأ ينمو بينهما خلال الأيام القليلة الماضية , ولم يوجه هو اليها أي كلمة , ولا حتى نظرة سريعة تشعرها بوجوده.
ومرت ساعات طويلة , كئيبة ,ولم تعد تينا تتحمل الصمت الذي غدا ثقيل الوطأة , مرهقا لأعصابها , أكثر حتى من تلك اللحظات الرهيبة التي مرت عليها مع طبيب العائلة الذي حاول السيطرة عليها وتحطيم أعصابها , خلال أنفرادهما في ظل الصمت الثقيل.
كانت تريد أن تتكلم , أن تصرخ لكن في اللحظة التي حركت فيها شفتيها , أذ بالقارب يستدير ليدخل أحد المنحنيات ولمحت على شاطئه بكل حواسها وعينيها , السفينة المحلقة تقف بعيدا بعيدا , على الشاطىء , وأستراح قلبها وبدأت نهاية رحلة العذاب تقترب , ولأنها لم تكن تعرف الطريق ,كان ظهور السفينة مفاجأة لها , فلم تكن مستعدة حتى الآن لمواجهة أفراد المعسكر , وأرتفعت صيحة ترحيب من القبطان جوزيف روجرز وفي الحال , كان الشاطىء يعج بالمرحبين وصيحاتهم تتعالى , ووسط الضجيج ,والأنفعال والترحيب , وبعد أن ساعدهما البحارة في النزول من القارب , قابلتهما دونا أنيز , وقد وقفت جامدة منتصبة في مكانها , وصاح رامون ود علا صوته فوق كل الأصوات المليئة بالحماسة والفضول:
"أرجوكم وقبل كل شيء , نريد طعاما سريعا , وبعد أن نأكل نجيب عن كل أسئلتكم , ونشبع فضولكم".
منتديات ليلاس
وبعد موجة أخرى من الترحيب والتهاني , أنسحبوا مسرعين لأعداد الطعام , وعندما أصبحت الساحة خالية ألا منهم هم الثلاثة , تحركت أنيز ,وأندفعت وقد فتحت يديها وأطبقتهما على كتفي رامون لتضمه الى صدرها , محتضنة اياه في شوق ولهفة , بينما أستدارت تينا بحدة , واثقة من أن غيرتها الشديدة أنعكست على نظراتها , ولاحظها ثيو فورا , وقد ظهر من حيث لا تدري , وأمسك بها , وأطبق عليها ذراعيه بقوة لم تستطع أن تقاومها , ولكنها نجحت في الخلاص من يديه اللتين أمسكتا خصرها بقسوة...... وحركت رأسها بعيدا في اللحظة المناسبة , وعندما حركت رأسها , وجدت عينيها تلتقيان بعيني رامون , كان يقف محتضنا أنيز , لكن نظراته الحادة كانت تراقب لقاءها برانستون , وتلاحظ رد فعلها أزاء حرارة أندفاعه , وبدأت أعصابها تهدأ .
" ثيو , أليس رائعا أن نلتقي مرة أخرى , هل أشتقت اليّ؟".
" طبعا , لقد أفتقدتك بجنون .....والحقيقة التي يجب أن أصارحك بها , أننا لو كنا نعرف طريق القرية التي ذهبت اليها , لكنا خرجنا للبحث عنك".
ونظر الى أنيز وقال:
" أليس كذلك يا آنسة أنيز؟".
فتهالكت نظرات أنيز المشحونة بالكراهية وعلى وجه تينا ,وقالت:
" هذا صحيح".
ثم أستدارت بتعبير آخر , كله أغراء , الى رامون وقالت:
" أنت لا تعرف مقدار القلق والألم الذي شعرت بهما عندما عرفت أنك رحلت دون أن تأخذني معك , طبعا , أنا متأكدة أن هذه هي فكرة الآنسة دونيللي , فالمرأة الأنكليزية هي الوحيدة القادرة على البقاء ثلاثة أيام بلباسها وسط الأدغال مع رجل هو قبل كل شيء غريب عنها".
وأشتعل غضب تينا ووصل الى درجة الغليان , لكن أندفاعها للرد العنيف أوقفه هذا الغضب الذي أرتسم على وجه رامون وهو يواجهها.
" أنيز هذه الملاحظة غير حقيقية , وغير عادلة على الأطلاق , ذهبنا الى الأدغال للعمل ولن أذكرك بأن وظيفة الآنسة دونيللي دقيقة جدا وتحتاج الى مجهود شاق لا يسمح بتضييع الوقت , أن هدفها الرئيسي هو مساعدة البشرية للتغلب على آلامها , وقد نجحت في ذلك , ولهذا فأن أي شك يجب ألا يقوم في مثل هذه الظروف , وأقترح عليك أن تكفي عن مثل هذه التلميحات ,وعن الخوض في حديث حول هذا الموضوع مرة أخرى , هل فهمت؟".
وأضطربت أنيز , فلم تكن ترغب أطلاقا في أثارة غضبه ولم يعجبها دفاعه السريع وأضفاء كل هذه البطولة على الفتاة التي أصبحت تمثل بالنسبة اليها في الواقع غريما خطيرا , وأرخت أهدابها السوداء الطويلة على عينيها , وأبتلعت المرارة التي غمرت قلبها بسبب كلماته , وكانت تينا تنظر اليها وقد أفعمت مشاعرها غضبا وقسوة.
قالت أنيز معتذرة وقد تمالكت أعصابها:
"آنسة دونيللي أرجو أن تقبلي أعتذاري – يبدو أن دعابتي لم تكن في محلها".
وأومأت تينا برأسها معبرة عن قبولها الأعتذار.

نيو فراولة 05-09-10 02:50 PM

وخلال العشاء , أنهال عليهما سيل الأسئلة من كل جانب وكان الفضوليون لا يتركون صغيرة ولا كبيرة ألا سألوا عنها كل التفاصيل أستفسروا عنها , وشعر الجميع بالفخر والأعجاب وهم يشبعون فضولهم حول هذه الرحلة الناجحة , وأشبع الجميع فضولهم , وبدوا يتفرقون وهم ستحدثون فيما بينهم عن هذه المغامرة , وشعرت تينا بالضيق عندما غادر آخر رجل الساحة الواسعة , تاركا أياها وحيدة مع برانستون , وكانت منذ لحظات قليلة لاحظت أن رامون أصطحب دونا أنيز ليوصلها الى غرفة نومها وهنا شعرت تينا بموجة من الخوف تطغى عليها وكانت في شوق شديد الى النوم المريح , فأدارت عينيها اللتين أغمضهما الأرهاق في أتجاه ثيو , الذي قال:
" تعالي لنجول قليلا حول المعسكر قبل النوم يا لعبتي , هناك أشياء كثيرة يجب أن نفعلها , وكلام أكثر يجب أن تسمعيه".
" ثيو , أنا آسفة جدا , أرجو أن تنتظر حتى الصباح فأنني متعبة ".
" لا بأس يا حبيبتي ........ ولكن ما أريد أن أقوله لك مهم جدا , ولن يأخذ من وقتك سوى دقائق قليلة".
" حسنا ,ولكن بسرعة".
منتديات ليلاس
ولم تستطع أن ترى تعبير وجهه في ضوء القمر , ولكنها شعرت به يطلق زفرة أرتياح وهو يقودها في أتجاه الغابة , وتبعته دون تذمر كانت تشعر في قرارة نفسها بالشكر له لأنه لم يختر شاطىء النهر مكانا للقاء ,هناك حيث ذكرياتها المؤلمة ولكن عندما حاول أن يتجاوز الصف الأول من أشجار الغابة , متوغلا بها الى الداخل , أعترضت قائلة:
" أن هذا المكان بعيد بما فيه الكفاية , والآن أخبرني بما تريد".
ونظرت اليه , محاولة أن تخترق هذا الغموض الكئيب الذي يحيط به ,وشعرت بالخوف يتسلل اليها عندما رفض أن يجيب عن سؤالها , كان الصمت مشحونا بالخبث , صمت له معنى بعث الرعب في أطرافها , ودفعها الى القول:
" ثيو......لماذا لا ترد؟".
وعندما أمتدت يداه ليجذبها بقسوة أكتشفت غباءها وأخذت تلوم نفسها , ولكن بعد فوات الأوان , فقد صمم ثيو على أن ينال ما يريد ودارت معركة طاحنة بين الطرفين حاولت خلالها تينا أن تبعد ثيو لكنها ما لبثت أن سقطت أرضا وغابت عن الوعي.
وحاولت أن تتنفس بعمق , نفسا عميقا من خلال شفتيها الرقيقتين المتألمتين , وكأنها تسمع أصواتا آتية من بعيد , سمعت صوت حركة عنيفة وسقوط رأس وأصطدامها بالأرض , وحملقت بعينيها المذهولتين , ولم يستطع عقلها أن يدرك ما يحدث , أن يستوعب هذا المشهد الذي يأخذ مكانا أمامها .....كان ثيو ممددا , نصف واع , جانبها بينما وقف رامون فيغاس مستعدا ناظرا اليه , حتى خلال هذا الضباب الذي يدور في رأسها ... كانت تينا خائفة من العراك الوحشي الذي يمكن أن ينشب , والذي كان واضحا من الطريقة التي وقف فيها رامون متأهب القبضة بقوة , وكأنه يشتاق الى الألتحام ,منتظرا حركة من برانستون.
وتناست تينا آلامها وهي تنظر اليه , مذهولة من هذا الغضب الجامح الذي يجتاحه , والذي لم يحاول أن يبذل مجهودا في أخفائه ,والسيطرة عليه , ولم يكن هناك شك في رضائه التام وهو ينظر متوعدا في صمت الى ثيو راغبا في أن يراه واقفا على قدميه , ومستعدا بكل وضوح لأن يمارس معه كل قوانين الغابة القديمة ,قوانين الأدغال , والقتال الدامي بلا رحمة , للقد تبدل تماما هذا الرجل الأستقراطي حفيد الأنسان , وحل محله رجل مستعد تماما لأن يحارب بسرعة وضراوة على نهج القبائل البدائية الأولى.

نيو فراولة 05-09-10 02:51 PM

ورأت تينا الرعب يكاد يقتلها , أصابعه وهي تلتوي على رقبة ثيو في أصرار , فحاولت أن تطلق صرخة لكنها لم تنجح ألا في أخافة مجموعة ضخمة منن الطيور , أطلقت صرخاتها وهي تطير مبتعدة عن المكان , وصيحاتها تدوي في الفضاء لتزيد من حراجة الموقف وخلال هذه الأحداث الدامية , خرج صوت تينا لتزيد من غضب رامون:
" رامون , لا تفعل ذلك أنك ستقتله".
وأندفعت اليه , تغرس أظافرها في ظهره , وهي تتوسل اليه أن يهدأ وأن يترك ثيو الذي جحظت عيناه في محجريهما , وكان ذلك الدليل الواضح على هزيمته , ووقفت تينا وأتجهت الى رامون تهتف به:
" أرجوك , أرجوك , لا..".
وأرتعدت ركبتاها , عندما ترك ثيو ,وأستدار اليها بعد أن عرف صوتها , حاولت يائسة أن تبحث عن قوة لتقاوم بها هذا الأتهام الغريب الذي لاح في عينيه , لكنها برغم ذلك شعرت بالسعادة , فمن الأفضل لها أن تعاني من أتهامه الظالم لها , عن أن تسمح له بالخضوع لعاطفة مدمرة قد تحطمه.
" تتوسلين الي من أجله بعد كل ما فعله , ما زلت تكنين له المودة؟".
منتديات ليلاس
ليست حياة ثيو التي تهمها , أنها تريد أن تعترف بذلك , لكنها تراجعت , أدركت أنه لو عرف أنها تكره ثيو , وأنها تخافه , لأفلتت أعصابه , وأزدادت وحشيته ورغبته في الأنتقام , من أجل رامون فقط يجب ألا تعترف , وأرتعدت وهي تقول:
" كان هناك سوء تفاهم ,أرجوك , أرجوك , أتركه , أتوسل اليك".
وتلاشى غضبه , ورأت شفتيه ترتعدان وهو يصارع غضبه حتى يتمكن من السيطرة على أعصابه , وأدارت عينيها بعيدا عن الأتهام المركز في عينيه ,وساد الصمت , لم يقطعه سوى صوت تنفس ثيو الثقيل , وترك رامون رقبته .وركله بقدمه بأحتقار شديد , صائحا به , :
" أنهض".
وأطاع ثيو في الحال وواجهه رامون بأحتقار قائلا:
" يجب أن تشكر الآنسة دونيللي لأنها أنقذت حياتك , أنقذتك من شر كان يمكن أن يحدث لك , لكنني أعدك بشرفي أنني سأسعى بكل جهدي حتى تكون هذه هي رحلتك الأخيرة , لن تشترك في أي بعثة علمية أخرى طوال حياتك ,والآن أغرب عن وجهي , بسرعة , قبل أن أغير رأيي وأعود لأنقض عليك".
ولملم ثيو نفسه , وكالشبح أختفى في الظلام.
وشعرت تينا بالأرتياح بعدما أنتهت المعركة الرهيبة , وكادت زفرات الراحة تنطلق من بين شفتيها وهي تحاول مبارحة المكان , غير أن رامون تحول اليها مسرعا ليقبض على كتفيها وهو طلق لعنات بلغته الأسبانية ثم أجبرها على مواجهته , وأقترب أكثر من أذنها , وهمس لها:
" أرجوك , أخبريني , قولي أنني مخطىء في أحساسي بشعورك نحوه , قولي وسترين ما أفعله أنتقاما لما فعله بك".
" لا, لا تفعل شيئا".
وشعرت به يتجمد في مكانه , وأنحنى يرمقها بنظراته الحادة , باحثا في وجهها الشاحب عن تعبير يكذب ما يقول , وواجهت نظراته بشجاعة , برغم صرخة الألم التي كانت تمزق قلبها والتي كادت تفلت من بين شفتيها , لكنها أستطاعت أن تستعيد قناع البرود وترسمه على وجهها ليخفي مشاعرها الحقيقية أتجاه صمته المتسائل , وبعد لحظات ثقيلة طويلة , سقطت يداه الى جانبه وخطا خطوة مبتعدا عنها , وكان هيكله المتوتر وهو يتحرك مبتعدا يكاد يختفي عن ناظريها وراء الدموع التي ملأت عينيها , وكادت تسقط على الأرض , لم تعد تحتمل جسمها أزاء آلآم قلبها الذي يتمزق شوقا اليه وخوفا عليه , حتى أن صوت أنيز عندما أخترق الصمت شعرت أزاءه بفرحة الغريق الذي ألقى اليه بطوق النجاة .

نيو فراولة 05-09-10 02:52 PM

" رامون , هل تعلم ؟ لقد جعلت من نفسك غبيا كبيرا , نعم في منتهى الغباء!".
" كيف ؟ ومن الذي جعلني غبيا؟".
" علمت أخيرا أن الآنسة دونيللي خدعتك , أنها ليست كما تعتقد كريستينا دونيللي المكتشفة المعروفة وأنما هي أبنة شقيقتها , متنكرة بأسم عمتها , وأنا لم أهتم بأن أعرف السبب لكنني أعتقد أنك ستهتم بذلك طبعا , أليس كذلك يا رامون؟".
أنه ثيو ولا أحد غيره يمكن أن يفشي سرها , أنه الوحيد الذي يعرفه , لقد كانت من الغباء والجهل بحيث أطلعته على حقيقتها , وهو لم يكن في أي وقت من الأوقات جديرا بثقتها ,ووقفت في مكانها بلا حركة , وأبعدت عينيها بعيدا عن رامون الغاضب ,وأنتظرت رد الفعل وشعرت بالأسف لأنها لم تستطع أن تثق به عندما كانت الفرصة سانحة , ولأن الظروف أضطرتها الى خداعه , هو بالذات , والأسف الأكبر والأعمق , لأن أنيز هي التي أمدته بهذه المعلومات وكشفت سرها أمامه , وشعرت بأنها على وشك الأغماء , وأرتعدت تحت نظرات أنيز الحافلة بالكراهية والأحتقار التي تصبها عليها ,وهي تقف في عظمة تنتظر نتيجة أنتصارها.
وفقدت أنيز صبرها ,وقالت:
" رامون ....... هل سمعت ما قلته لك أنها ليست كريستينا دونيللي , وربما لم تضع قدمها في الأدغال من قبل , بأختصار أنها كاذبة , ومزيفة".
منتديات ليلاس
وفجأة تحدث رامون , بصوت ناعم ,غير متوقع:
" أنيز من أين حصلت على هذه المعلومات , هل يمكن أن تخبريني!".
" هل هذا أمر مهم ؟".
" نعم , أعتقد ذلك !".
" أخبرني ثيو بذلك ,وفي الحقيقة أنا مندهشة من سؤالك , أنك تعرف أنه الوحيد الذي نال ثقة الآنسة فهل كنت في حاجة الى السؤال ؟".
" هل أفهم من ذلك أنكما أصبحتما صديقين خلال غيابنا؟".
وظهر القلق واضحا على أنيز , فرمته بنظرة غاضبة وقالت:
" شبه صداقة فقط , ولكن ليس الى الدرجة التي تدعوك الى الغيرة , كنا طبعا نشعر بالوحدة ,والهجر , فكان طبيعيا أن نتقارب قليلا".
" أذن , أرجوك أن تبلغي صديقك أن هذه المعلومات الثمينة التي أتيت لتنقليها اليّ لم تكن مفاجأة , لقد كنت أعرفها معرفة تامة أنني لست غبيا , ولا جاهلا وأذا كان برانستون فضوليا ويريد أن يعرف المصدر الذي أستقيت منه معلوماتي , فأرجوك أن تخبريه أن مصدري كان الآنسة دونيللي شخصيا!".

نيو فراولة 05-09-10 02:53 PM


10- الليلة الأخيرة


جلست تينا في مقعدها ,وقد أتخذت وضعا مريحا في السفينة المحلقة التي بدأت المرحلة الأخيرة من رحلة العودة , وكانت قد بأت تستريح من المعاناة التي واجهتها خلال الأيام القليلة الماضية , فها هي تقترب من نهاية الرحلة , وبدأت أعصابها تهدأ كلما فكرت في أن الحرب التي خاضتها أنتهت ,ولعل نهايتها كانت في اللحظة التي أعلن فيها رامون أنه يعرف حقيقة شخصيتها , حاولت تينا مرارا أن تقترب منه , أن تقدم له تفسيرا , لكنه كان يرفض الأستماع اليها , وعندما كانت تقف في مكان واحد معه , وتبدأ في الحديث , كان يعتذر برقة ولطف بأضطراره للأنسحاب لأنشغاله بأمور أخرى وبالتدريج أقتنعت تينا بأنه يرفض أن يستمع الى أي دفاع تحاول أن تبديه أمامه.
وكثيرا ما تساءلت تينا عن السبب الذي دعاه الى الوقوف بجانبها ضد دونا أنز في تلك الليلة , لكنها لم تستطع , وأدركت أنها لن تتمكن حتى في المستقبل أن تشبع فضولها وتعرف لماذا أطلق هذه الأكذوبة الواضحة , وتذكرت تينا كيف واجهت أنيز هذا الموقف , لم تكن الدهشة هي التي أنطبعت على وجهها , وأنما سلسلة من المشاعر والأنفعالات ولعل أكثرها وضوحا تعبير الشك الأكيد.
منتديات ليلاس
ولولا أن الأخوين بريكلنغ أقتحما حياة تينا ,وحاولا أن يملآ فراغها ولا سيما بعد أن أختفى برانستون عن أنظارها لولا ذلك لشعرت بالبؤس والوحدة ,وقد ساعدها على الأندماج في صحبتهما أنها لم تكن في حاجة الى تبادل الحديث الكثير معهما , فقد كان عدم ألمامهما باللغة الأنكليزية سببا في أن يكتفيا منها بأبتسامة أو أيماءة من رأسها , تشعرهما بأنهما نجحا في تسليتها ... ولم يكن غيرهما يصلح لأن تكون رفيقة له خلال هذه الفترة , فالأخوان بريلكلنغ لم يعرفا أن صمتها وسكوتها سببهما تلك الأحزان العميقة التي ترست في أعماقها , وأنما تصورا أن ذلك راجع الى عدم قدرتها على تبادل الحديث معهما أما الأفراد الباقون فكانوا يشعرون بكل تأكيد أن هناك شيئا غير عادي حدث وكان كل منهم يحاول بكل طاقته أن يتجاهل ما حدث , وأن يغرق نفسه في العمل , ويتظاهر عندما يتحدث اليها أنه لا يلاحظ هذا الأسى الجامح الذي يرتسم على فمها الحزين.
لم يعد يفصلها عن مانوس المحطة النهائية في رحلتها سوى ساعات معدودة ساعات قليلة باتت تفصلها عن الحرية وبدأت الأحاديث تهدأ شيئا فشيئا كلما سارت السفينة في رحلتها وقد جلس أعضاء البعثة جميعا في أماكنهم , كل منهم يناقش بينه وبين نفسه , النتائج الطيبة التي توصلوا اليها في أبحاثهم.
ويبدو أن تينا كانت قد أستغرقت في النوم , عندما شعرت بيد تهزها من كتفها , فأستيقظت في الحال لكنها لم تسترد وعيها كاملا , طافت بعينيها في ما حولها وهي تشعر بأن هناك شيئا ما ناقصا في الجو المحيط بها.... وأخذت تفحص المكان باحثة عن هذا النقص الذي تشعر به الى أن أشار لارس بريكلنغ برأسه الأشقر الى الشاطىء وهو يبتسم وهنا أدركت أن ما كانت تشعر به أنما هو صوت هدير السفينة الذي صمت : لقد وصلوا وأرتفعت الضحكات , وتبادل الجميع التهاني , وهم يسارعون في النزول الى الميناء , ولكن قبل أن يتحركوا في طريقهم الى الفندق , وقف رامون على سور السفينة وأشار اليهم بيده طالبا منهم الأنتظار ,وأبتسم وهو يخاطبهم:
" لا أريد أن أعيقكم عن التمتع بالمدينة لكنني أريد أن أذكركم بأن الفندق يقيم هذا المساء حفلا خاصا للعشاء أحتفالا بنا , أرجو ألا ينسى أحدكم نفسه في الفراش المريح ويتخلف عن الحضور , وبما أن جميع الرجال الرسميين في المدينة تقريبا سوف يحضرون الحفل فأرجو الحضور بملابس السهرة".
وشعرت تينا بالخوف , من هذه الفترة التي ما زالت باقية أمامها , والتي ستكون مضطرة فيها الى رؤيته ولقائه , أنها لم تكن تريد هذه الدعوة , أنها تشعر بالقلق وتتوقع مزيدا من الأحداث , لقد تصورت أنها نالت حريتها أخيرا وأنها لن تشعر ثانية بوجوده , ولكن ها هي ذي مضطرة للجلوس معه في حفل واحد , وسوف يكون عشاء طويلا وعذابا آخر تعانيه , كل نظرة منها سوف تلتقي بنظراته العميقة الزرقاء , وسوف تجد قلبها يذوب في مكانه , سيعصره الألم والأسى ......يجب أن تجد حلا , لماذا لا تدّعي الأصابة بالصداع , نعم الصداع هو الذي سيخلصها من هذا المأزق ولن تكون كاذبة فهي تشعر بالفعل بآلام حادة في رأسها , وبأن معدتها تتقلب لمجرد التفكير في الطعام.

نيو فراولة 05-09-10 02:55 PM

وعندما وصلت الى الفندق , كان الصداع قد وصل الى درجة لا تحتمل , وكانت غرفتها في الفندق ,بما تحتويه من تكييف الهواء , والنوافذ الخضراء الهادئة والفراش المريح , هل الأمل الذي ترجو أن تصل اليه في هذه اللحظة....... وعندما أغلقت عليها الباب , نظرت الى حذائها الصغير القذر , قبل أن تتمدد على الفراش وأغمض عينيها طلبا للنوم , لكن النوم رفض أن يستجيب لها , وحاولت أن تزيح كل الأفكار الكئيبة من ذهنها , لكنها , وبرغم كل محاولاتها , وجدت نفسها تتوه مع أفكارها مسترجعة أسعد يوم من أيام حياتها , تلك الليلة الخيالية في قلب غابات الأمازون ورامون يروي لها بصوته الجذاب كل شيء عن حياته , عن آماله وأحلامه وطار بها الخيال ليتركز على اللحظات التي دعاها فيها الى أن تقص عليه حياتها وطفولتها وكل ما يحيط بها , وكيف كذبت عليه , رغبة منها في أن تبعد عن نفسه أي شك في حقيقتها , ترى كيف كان رامون يستقبل منها الحقيقة لو أنها صارحته بها في تلك اللحظات ؟ هل من المعقول أنه كان يعرف أنها ليست كريستينا دونيللي الحقيقية , وأنه أنما كان يستدرجها ليقودها الى الأعتراف , ولكن , لا , وقاومت هذه الفكرة بشدة , لم يكن ذلك معقولا أنه كذب على أنيز فمن أين كان له أن يعرف السبب الحقيقي , أنه حاول أن يظهر أمام أنيز بمظهر الرجلالواثق من نفسه الذي يعرف كل شيء وليس الشخص الذي يمكن لأحد أن يخدعه , ما من رجل على الأطلاق يرضى لنفسه بأن يظهر في صورة من كان غبيا , ولا سيما أمام المرأة التي ينوي أن يتزوجها.
وشعرت بالضيق من نفسها , فهي تحن الى رجل لا يكاد يشعر بوجودها , وقررت أن تهرب من أحزانها بأن تشغل نفسها بأي عمل أيجابي , أن تأخذ حماما لعله يساعدها على النوم.
لكن بدلا من أن يجلب لها هذا الحمام الفاخر الدافىء النوم , أذ به يكفل لها درجة من الراحة لا يمكن بعدها أن تطلب المزيد فأخذت تدور في غرفته ثم عبرت الغرفة لتقف أمام الخزانة التي تضم ثوب السهرة الوحيد الذي أحضرته معها , والذي أصرت عمتها كريس على أن تأخذه في رحلتها مع ملابسها , كان ثوبها فاخرا جميلا , يصلح لحفلات الكوكتيل والسهرة.
منتديات ليلاس
وذهلت عندما سمعت نفسها تضحك , لقد كان الصوت غريبا , بحيث شعرت بأنها لم تسمع هذا الصوت يتردد في داخلها منذ مدة , أن منظر رامون مع أنيز , وطريقته في رعايتها ومداعبتها , وضع حجرا ثقيلا على قلبها , وقتل المرح في روحها لكنها كانت ما زالت في العشرين من عمرها , في عنفوان الشباب , وبدأت طبيعة هذه الرحلة المرحة من العمر تعاودها , الآن ذهبت عنها آلام الصداع وذهبت معه رغبتها في النوم ,والى جانب هذا بدأ نداء غامض في أعماقها يجذبها لتقضي الليلة الأخيرة- ليلتها الوحيدة الباقية , في صحبته فستكون ذخيرتها في ذكرياتها الى آخر العمر وغمرتها الفرحة , يجب أن تجعل هذه الليلة ليلتها الأخيرة حقا , مع الرجل الوحيد الذي أحبته , يجب أن تذهب وأن تترك كل شيء للقدر.
قبل الساعة الثامنة , وهو الموعد المحدد لعشاء , كانت تينا مستعد تماما لكنها لم تستطع أن تواجه المجتمعين , وتنزل وحدها الى القاعة لتتناول المرطبات قبل العشاء , ثم سمعت طرقا على الباب ,وصوتا يقول:
" تينا ,هل أنت مستعدة ؟ أسرعي الجميع في أنتظارك".
وبسرعة أمسكت حقيبة السهرة في يدها , وأسرعت تفتح باب غرفتها فوجدت فيلكس كريللي واقفا وقد أمسك في يده صندوقا صغيرا فيه بعض الورود ولكن عندما مد يده بحرارة اليها مقدما الباقة , تدلى فمه من الدهشة وحتى الكلمات التي كان قد أعدها ليحييها ويرحب بها , أبتلعها وسط دهشته بينما وقفت تينا صامتة حتى تتبدد دهشته وأحست بالرضى الآن ,فقد تأكدت أن تأثيرها سيكون كما تريد تماما , ولم تشعر بالقلق للدهشة التي أصابت فيلكس كما تريد تماما , فمن الطبيعي أن يحدث له هذا وقد أعتاد أن يراها في ملابس الرجال الخشنة , طوال الأسابيع الماضية , ثم بدأ ينتقل بعينيه من شعرها الى جسمها الرشيق وثوبها الرقيق , حتى أستقر على حذائها الذهبي , وسألته منفعلة:
" ما رأيك , هل أبدو جميلة؟".
" عزيزتي تينا , أنك ساحرة أنني أموت شوقا للنزول معك الى السهرة لأرى الرجال جميعا وهم يرتمون تحت قدميك".

نيو فراولة 05-09-10 02:56 PM

وكانت سعادة فيلكس لا توصف , بعدما قابلته بهذه العاصفة من الدهشة والأعجاب , كان الرجال يجلسون , وهم يتحدثون بكسل وأسترخاء , عندما شد أنتباههم منظر تينا وهي تقف في الباب متعلقة بذراع فيلكس كريللي , وأرتفعت صيحات الأعجاب , كل بطريقته لكنها كلها كانت تعبر عن الدهشة الممزوجة بالفرحة , وخلال حرارة اللقاء أجالت تينا نظراتها في القاعة , وعندما تأكدت أن رامون وأنيز لم يظهرا بعد , بدأت تستريح ,وأندمجت تماما مع الجميع في التمتع بعبارات الأعجاب التي لم تكن مألوفة منهم , وأستطاع الأعجاب أن يعيد ثقتها بنفسها الى درجة كبيرة , حتى أنها عندما ظهر رامون ورفيقته , قابلت ظهورهما بأعصاب هادئة تماما , أكثر مما توقعت.
كانت أنيز متألقة بثيابها الرائعة , لكن دخولها لم يحدث الأثر الذي أحدثه دخول تينا , وعندما وقعت عيناها على تينا لمعتا أكثر من أي شيء آخر , فرمفتها بنظرة من أعلى رأسها الى أسفل قدميها , بغضب جعل شفتيها تتقلصان كالخيط الرفيع , قبل أن تستدير وهي تلعنها في سرها.
وأزدادت ثقة تينا في نفسها , وأستدارت تبحث عن رامون , نظرت اليه لكنها كادت تجري هاربة من الغرفة , عندما قابلها بنظرة باردة ثم أستدار بظهره اليها ليستمع بأنتباه الى الحديث الذي كانت أنيز تردده , وطبيعي أنها أبتلعت أساها في حلقها , ولم تحاول
منتديات ليلاس
أن تظهر الألم الذي يعصر قلبها , لكن الرجال- الذين لم يكونوا بالجهل الذي تتخيله- أحاطوا بها , بتعاطف صامت وبدأوا يتنافسون في محاولات للتغلب على الحزن الذي يبدو في عينيها , بدأت أحاديثهم وتعليقاتهم المرحة تمنع أي حزن من التغلغل في أعماقها طوال العشاء والفترة التي سبقته.
كانت تينا تراقب حلبة الرقص بعين وترمق رامون فيغاس وأنيز بين الفينة والأخرى بالعين الأخري , عندما سمعت صوت ثيو يفح :
" أخيرا .......وصلت اليك , تعالي أريد أن أرقص معك".
كان يترنح حتى وهو يتحدث , وجذبت تينا نفسها بعيدا وقالت بأحتقار:
" لكنني لا أريد أن أرقص معك , لا أريد حتى أن أتحدث معك , أذهب بعيدا , أرجوك وأتركني وحدي".
لكن كلامها جاء متأخرا , لقد أثاره حديثها , وكأنما ذكرته كلماتها بهذه المشاعر المهينة التي يعانيها منذ هاجمه رامون , وكرجل في مثل ظروفه ومكانته , رجل يعرف أنه هزم وأنه أصبح معروفا بالجبن , كان ذلك كله عذرا كافيا لتلمس معركة يسترد فيها كرامته وتصور أنه يستطيع أن يستميل تينا , ويستعيد مكانته عندها , ببعض الكلمات الهادئة ولكن نظرة الأحتقار التي حدجته بها , وأعراضها الحاد على الرقص معه , حوله فجأة الى وحش كاسر فجذبها بعنف الى حلبة الرقص , وقبض بشدة على جسدها بين يديه ...... ولم تستطع أن تفعل شيئا , أكتفت بأن أخذت ترسل بنظراتها الى المنضدة التي يجلس اليها الرجال , في طلب النجدة , وهم لا يعرفون بما حدث لها , أذ كان بعض الغرباء يفصلون بينها وبينهم , فلم يتمكن أحد من رؤيتها , فلم تجد أمامها من سبيل غير أن تضغط على شفتيها بقوة حتى لا تنطلق منها صرخة , ولكنهما لم يرقصا أكثر من خطوتين , عندما سمعت صوتا ثلجيا غير متوقع يتجه الى ثيو:
" برانستون , سآخذ مكانك , الآنسة دونيللي ستكمل هذه الرقصة معي".

نيو فراولة 05-09-10 02:57 PM

ولم تستطع تينا أن تفهم أبدا كيف حدث هذا , لكن في لحظة خاطفة وجد ثيو نفسه محاصرا بمجموعة من الرجال الغاضبين , قرروا أن يخلصوها من صحبته ,ولم يشعر بنفسه ألا وهو ينسحب , قبل أن يرد أو يشعر أحد من الراقصين بما حدث ! أقتاد رامون تينا الى ركن منعزل في حلبة الرقص وقال:
" هل يجب أن تلعبي بالنار دائما ؟ ألم تتعلمي أن برانستون ليس هو بالرجل الجدير بالثقة؟".
ورفعت رأسها اليه:
" هل يتصور أنها هي التي تبحث عن صحبة برانستون, لقد ظهر منها بوضوح أنها لم تكن تريد أكثر من أن تبتعد عنه , أنها تحتقره وتخاف منه , وفتحت فمها لتعترض على تصوراته لكن كلماتها ماتت على شفتيها عندما ألتقت عيناها بعينيه , ورأت هذا الغضب المتفجر , أنها لم تره أبدا من قبل في مثل هذا الغضب.
وأنتهت الموسيقى فجأة , بمعزوفة جميلة , وكالمخدرة , لم تبد أي أستعداد للمقاومة عندما قادها بأصرار عبر باب النافذة الفرنسية في طريقه الى الحدائق الخالية , ولم يتوقف حتى أصبحا بعيدين عن الفندق , ولم تعد الموسيقى تسمع ألا من بعيد , وفي الظلام , وبين الأشجار الكثيفة التي تصنع دغلا أسود لا تظهر فيه غير السترة البيضاء التي يرتديها , وقفت بأنفاس متقطعة في أنتظار غضبه الجامح أن يندلع , ولم تنتظر طويلا , فقد قال لها آمرا , بصوت غاضب:
منتديات ليلاس
" أعتقد أنك تعرفين الآن النتائج السيئة لتصرفاتك الحمقاء , يجب أن تتصرفي بحكمة أكثر , وأن تتجنبي أغراء كل رجل يقابلك , تعبت من المحاولات الدائمة لأنقاذك من المآزق الحرجة التي توقعين نفسك فيها , ولا تستطيعن النجاة منها , وأقترح عليك , أن تتركي فن الأغراء للنساء الأكبر سنا اللواتي يستطعن كبح جماح العاطفة في الوقت المناسب".
" أغراء؟ ولكن أنا لم أكن......... أو كيف تجرؤ!؟".
ووقفت على أطراف أصابعها , لا جد كلاما تعبر به لتقول أن تصرفات الرجال هذا المساء كانت تحمل رقة طبيعية ,كانت متأكدة من أن أتهاماته لها ليست ألا نوعا من الأنتقام من الأتهام المماثل الذي سبق لها أن وجهته اليه , وعندما أدركت ذلك هدأت قليلا , وهي تستطرد:
" أن أشاراتك لها مغزى عميق يا سيد , الآن أستطيع أن أفهم العلاقة القائمة بينك وبين أنيز , أنك تشعر بالأمان معها , فأنت متأكد أن تصرفاتك كلها مقبولة ومفهومة ونتائجها لا خوف منها".
وعندما أنتهت من الكلام , شعرت بالخجل فوقفت في أنفعال وشوق لمعرفة رد الفعل القاسي لكلماتها الجارحة.
لكن الذي أركها أنه أجابها برقة شديدة , حتى أن التهكم الذي صوبه في كلماته , لم تستطع أن تدركه ألا بعد قليل.
" أنيز؟ طبعا؟ أوافقك على ذلك..........".
ثم أحنى رأسه نحوها , وأردف :
" أنها ليست طفلة تتخفى في ثياب أمرأة ".
وقفزت روحها في حلقها , كان ظله يغمرها وأنعكس الألم الذي تعانيه في اكلمات التي صدرت منها في الظلام.
" حاولت أن أخبرك لكنك لك تكن تريد أن تستمع.....".
" كان يجب أن تخبريني في الغابة عندما حاولت أن أجعل الأعتراف سهلا بالنسبة اليك".
" هل كنت تعرف حقا , وكنت تقول الحقيقة لأنيز , ولكن كيف؟".
" أنا لا أكذب أبدا , أنني أترك الكذب لك , فأنت خبيرة فيه".
" لكنك كذبت فعلا , أخبرت أنيز أنني أنا أطلعتك على الحقيقة , وهذا ليس صحيحا".
" ألا تعرفين شيئا عن هذه الكوابيس التي تهاجمك في نومك".
وشعرت بالحيرة أزاء هذا السؤال اغامض , وأنتظر ردها صامتا ولكن عندما بادلته نظرته بنظرة حائرة بدأن عاصفة الغضب في نفسه تهدأ قليلا , وقال:
" في الليلة التي كنا فيها في قرية جواهاريبوز , هاجمك كابوس في نومك , وقد أستيقظت على صراخك , كنت تستنجدين بأبيك , وعندما حاولت أن أعيد اليك الهدوء , بدأت تتحدثين عن طفولتك وخوفك من الأدغال وقلت لي كل شيء والأسباب التي دفعتك للقيام بهذه الرحلة والأسباب التي دفعتك الى خداعي".
ووقفت جامدة وتذكرت الطمأنينة التي غمرتها في تلك الليلة من الصوت الرقيق , اليدين الحانيتين , كانت تتصور أنه مجرد حلم ... وتذكرت القبلة التي تلقتها على رأسها ,والتي عاشت في ذاكرتها , الآن فقط أدركت كل شيء لقد كانت قبلته هو التي أنطبعت على جبينها!

نيو فراولة 05-09-10 02:58 PM

وأضاف رامون :
" من أجل هذا , قررت أن أحترم قرارك لكنني كنت أتمنى أكثر من أي شيء آخر , أن تخبريني بأرادتك وحريتك مما أخبرتني به وأنت في غير وعيك , كنت أريد أن أشاركك في حمل هذا العبء , وأن أساعدك في محنتك التي كنت بلا شك تعانين منها ,ولكن , بدلا من ذلك , فضلت أن تغلقي الباب في وجهي , بل وأتهمتني بأنني أحاول أن أحتل مكان رجل غائب".
ونظرت اليه فجأة , وأستغربت نظرات الحزن هذه التي تغمر عينيه الزرقاوين ودون أن تشعر , وبغير تفكير ,قالت وهي لا تستطيع أن تواصل التنفس:
" رامون..........لا..........لا.........".
ورفعت يدها , لتزيح برقة هذا الألم الذي تجمع على شفتيه , وكانت لحظة مثيرة فقد وقف مكانه بلا حراك , وعندما أفاقت الى نفسها فجأة , أحمر وجهها , وحركت يدها بعيدا ,ورد عليها بأن جذبها بين ذراعيه.
وأحست بأنها يجب أن تقاوم , ولكن من أين لها الأرادة , تذكرت بأن هذا الرجل سيتزوج دونا أنيز , وأنها لن يكون لها في حياته غير مجرد دور ثانوي , ولكن التحذير لم يصادف صدى في نفسها وبرغم أنه جرح قلبها فأنها كانت تفكر في أن هذه هي ليلتها الأخيرة ويجب أن تستمتع بها الى آخر دقيقة ,وهكذا تعلقت به , وكانت تتمنى بكل جوارحها , لو أن العالم ينتهي قبل أن تفارقه , ولكن بعد فترة قصيرة أبعدها عنه , ونظر اليها بوجه شاحب مرتعد وقال:
" يجب أن نتكلم:
منتديات ليلاس
وكان يرتعد بعنف ظاهر وهي تواجهه:
" أنني لا أستحق العقاب مرة أخرى ,يجب أن أعرف أين أقف بالضبط؟ لقد تبادلنا التحديات مدة طويلة , والآن يجب أن أعرف حقيقة شعورك لبرانستون , أخبريني بصدق أرجوك يا تينا , حقيقة أنني أحبك بعنف , ولكن ذلك ليس معناه أن أتنافس من أجلك".
" أنت تحبني؟".
"| ولماذا – في رأيك- سمحت لك بالأشتراك في هذه الرحلة ؟ لم أكن أؤمن أبدا في هذا الذي يسمى بالحب من النظرة الأولى , لكن منذ لاحظت أنك تحاولين أخفاء بساطتك وقلقك , وراء محاولتك الظهور بمظهر الشخص الشديد الثقة في نفسه , وعندما سمعتك تتحدثين بغطرسة عن موضوع كان من الواضح أنك لا تعرفين عنه أي شيء , وحتى عندما حاولت تشويه سمعتي وتنتقصين منها , كنت قد وقعت أسيرا لشجاعتك , وروحك المشاغبة , وحاولت أن أقنع نفسي بأن هذا غباء مني , ولكن كان يجب أن أعرفك أكثر , ولذلك تركتك تعتقدين أنك أستطعت خداعي , لأحتفظ بك قريبة مني ولكن...".
وتغير صوته وهو يستطرد :
" لقد تحولت الرحلة لتصبح جحيما , أعلنت عن شخصيتك الحقيقية لبرانستون , وفضلت صحبته , حتى عندما كنا في يومنا الأخير عند طبيب الأعشاب ,وعندما بدأن أشعر أنني أستطعت الحصول أخيرا على جزء من ثقتك , أتهمتني بأنني أحاول أحتلال مكان برانستون".
وصرخت تينا صرخة ألم , وهي تستنكر كلامه:
"رامون لا , حاولت فقط تذكيرك بأنيز".
" أنيز ,وما دخل أنيز بيننا؟".
" أخبرني ثيو أنها خطيبتك , وأنكما ستتزوجان بعد العودة من الرحلة".
وساد الصمت بينهما , وكل منهما يحاول أن يدرك سوء التفاهم الذي فرق بينهما ....... وعندما نظر رامون الى وجه تينا , أندفع شعاع من الضوء يشق السحاب الأسود الذي ملأ قلبه وطغى على عينيه , وقفز قلبها فرحا وهو يقول بحنان:
" قررت ألا أتزوج غيركأذا كنت تريدينني".
ولم تتردد:
" أنني أكره ثيو .......كرهته دائما لكنني كنت أخاف منه , كان يهددني وكنت أخشى أن أراك تحتقرني , أنني أحبك يا رامون ولم أحب سواك".
وفجأة , أخذت الآلآم والأحزان تذوب في فيضان من لهيب المشاعر الذي أجتاحهما وحولهما الى شخص واحد , وذابت كل الشكوك , بعد أن أنفتحت أبواب الأشواق المغلقة لتنطلق من عقالها , عارمة تزيح كل شيء أمامها .
وبعد فترة ,رفع رأسها لينظر الى وجهها , ويسمعها تقول:
" كارامورو , أنني أحبك الى الأبد".




تمت

dalia cool 05-09-10 04:06 PM

يعطيكي العافية امل الرواية كتير حلوة:flowers2::flowers2:

زهورحسين 05-09-10 11:19 PM

:flowers2:يعطيك العافية:flowers2:
:flowers2: نورتي المنتدى:flowers2:
:flowers2: بحضورك المميز:flowers2:
Thanks

بنوتهـ عسل 07-09-10 03:21 PM

الله يعطيك العافية ع الروايات المميزة ،،

تسلمي حبيبتي ،،

:flowers2:

Rehana 08-09-10 01:56 AM

يعيطك العافية ..امولة

أحاااسيس مجنووونة 08-09-10 03:45 AM

يعطيك الف عافية..........

رواية رائعة ومشوقة.........

تسلم ايديك...........




:dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8:

mezooooooooo 23-10-10 11:23 PM

شكرا لمجهودك الكبير

عسى لقياك بالجنة 17-12-10 08:59 AM

مشكوووورة ياقلبو يعطك ألف عآآآآآآفية

الجبل الاخضر 17-12-10 12:38 PM

برافو :55:برافو برافو :55:برافو :55:اختيار ممتاز :friends:والروايه ررررررررررررررررررررررررررررررررررروعه :flowers2:تسلمين وشكرا :mod195lr: وست مياة بوسه :flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2: :flowers2::flowers2::flowers2::flowers2:لمجهودك الرائع :flowers2:وننتظر جديدك ياحلوه:mod195lr::

hoob 17-12-10 07:23 PM

شكرا على الروايه الحلوه

فجر الكون 23-12-10 11:19 PM

روعــــــــــــــــة الرواية ,,,
يعطيــك العافية

قماري طيبة 24-12-10 12:06 PM

رواية رائعة جدا تشكري عليها

زهرة منسية 18-03-11 10:47 PM

روعه روعه رووووووووعه انا قريتها قبل كده بس ماقدرتش اقاومها مشكوره

سومه كاتمة الاسرار 18-03-11 11:54 PM

روووووووووووووووووووووعه مشكوووووووووووووووووووووره ياقمر
:liilase:

hamesha 03-10-11 12:53 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير

ندى ندى 06-10-11 02:08 AM

جميله جدا جدا

فرحــــــــــة 08-07-16 11:04 AM

رد: 17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
نيو فراولة
كم احب هذه النوعية من القصص
والتى ترسم لنا بالالوان جمال الطبيعة
ومغامرات الامازون والحب الذى يتسلل
ليغزو النفس البشرية
سلمت يداكى على الاختيار الرائع
دمتى بكل الخير
فيض ودى

Queen Alison 10-07-16 12:57 PM

رد: 17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يعطيك ألف عافيه على هالروايه الجميلة , أستمتعت وانا أقرأها , تسلم هالانامل .

ريما مبارك 24-06-22 02:18 AM

رد: 17- رجل من نار – مارغريت روم – روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلمين ع جهدك

للأسف عندي تعلق

دائما مارغريت روم رواياتها ، مثل الطبخه اللي ناقصه بهار .، او شيء ثاني

مافيه ترابط بسطورها ومتسرعه ،
قرأت لها روايه وحده كامله < وكان لي نقد عليها بهالشكل
باقي رواياتها عجزت اكملها لنفس الأمر


الساعة الآن 05:40 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية