منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   42 - الغيمة أصلها ماء - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148050.html)

نيو فراولة 09-09-10 04:32 PM

8- شوق تحت الصفر

أفضل وقت لزيارة كاليفورنيا يكون في الربيع أو الخريف , كان الجو هادئا والسماء صافية , وأمتلأت الحدائق بالأزهار الزاهية الألوان , وكان البيت الذي خصص لبن يواجه المحيط الهادىء , وصوت الأمواج المتواصل أشبه بخلفية لأيامهم , وأمتد الشاطىء أسفل ممر صخري شاهق يبدأ من البيت , وأرتطمت الأمواج العارمة بالشاطىء الذي كان يبدو ناصع البياض وقد أنتشرت فيه الكهوف.
أما الجامعة التي عمل بها بن فكانت في مدينة صغيرة أسمها سانتا بربارا تبعد حوال خمسة وثلاثين ميلا من سان فرانسيسكو , أما البيت على مشارف المدينة بشارع رئيسي بدت البيوت فيه كالقصور , وكان ما طابق واحد له سقف منحدر وتحيط به شرفة مسقوفة يتوسطها رواق فيه أثاث من البامبو المطلي , وكان الرواق يطل على المحيط مما أغراهم يتناول معظم وجباتهم هناك.
ولم يبدأ بن العمل ألا بعد يومين من وصولهم , وفي هذين اليومين أصطحب سامنتا وجولي والطفل توني ألى سان فرانسيكسو في السيارة الكاديلاك التي خصصتها الجامعة لبن.
وعندما بدأ بن مباشرة مهامه , قضت الفتاتان معظم الوقت في المنزل , راقدتين على الشاطىء أو سابحتين في البحر , وتولت تنظيف المنزل سيدة متوسطة العمر تدعى سركس عاشت في سانتا مارتا وأبدت أستعدادها للعناية بتوني عندما تذهب الفتاتان للسباحة , ويبدو أن توني أحب السيدة سراكس فقد كان يبكي كلما أخذته جولي منها لترضعه أو تحمله .
وعند نهاية الأسبوع الأول بدأت جولي تشعر أن وضعها غير سليم , فلم يكن هناك شيء تفعله فيما عدا الأشتراك مع سامنتا في غسيل ملابس توني والعناية به كلما صحبت سامنتا بن ألى حفلات العشاء التي يقيمها أعضاء هيئة التدريس بالجامعة , كان توني طفلا مريحا , لا يتجاوز شهرين من عمره , وكان ينام معظم الوقت , ولا يصحو ألا لتناول وجباته , وكانت سامنتا تجد متعة في العناية به ,و ولذلك بدأت جولي تحس أنها غير مفيدة لسامنتا.
وقالت لسامنتا في عصر أحد الأيام:
" أعتقد أنك لم تكوني في حاجة لي عندما أحضرتني معك ألى الولايات المتحدة , وأنا لا أسمح لنفسي بأن أتقاضى أجرا بلا عمل .....".
وضحكت سامنتا وقالت:
" يا لك من فتاة حية الضمير ! يا ألهي ألا تعتقدين أني كنت سأشعر بالملل لو أنني لم أجد من أحدثه ".
منتديات ليلاس
" حسنا , غير أنني واثقة من أنك تستطيعين عقد صلات مع سكان هذه المنطقة وتبادل الزيارات معهم , أقصد ما هو عملي؟ أنني أرضع توني في بعض الأحيان وأحمله كل ليلة , وفيما عدا هذا لا أفعل شيئا , لقد فهمت أنك تريدين أن يتسع وقتك لتفعلي ما تشائين , ولكنك تلازمينه دائما وتؤدين كل ما يطلبه".
وقهقهت سامنتا وقالت:
" حسنا لم أكن أدرك يا جولي مدى المتعة التي أجدها في العناية بتوني , صدقيني عندما دعوتك ألى الحضور معي , تصورت أنني سوف أضيق ذرعا بالعناية بتوني , ولكنني أكتشفت أن هذا غير صحيح".
" ما العمل أذا!".
" لا شيء , أسترخي يا حبيبتي , وأستمتعي بوقتك , لم لا تذهبين ألى سان فرانسيسكو في أحد الأيام؟ وأنا أستطيع البقاء وحدي هنا , فأنك لم تشاهدي سان فرانسيسكو جيدا عندما ذهبنا مع بن , فقد كنت مشغولة برعاية توني , أنني واثقة أنك سوف تقضين وقتال ممتعا أذا زرت المدينة بمفردك".
وهزّت جولي كتفيها وقالت:
" لا أدري , أعني أنك تتصرفين وكأنني في أجازة , بينما أنت التي يجب أن تكوني في أجازة".
" حسنا يا حبيبتي , لقد زالت الظلال السوداء من تحت عينيك , أعتقد أنك تستفيدين من هذه الرحلة".
وأومأت جولي برأسها وقالت:
" أنت على صواب بالطبع أشعر بتحسن ملحوظ ولكنني لاى أزال أشعر بالذنب لحضوري".
" لا داعي لذلك , فأنني سعيدة بوجودك".
وأبتسمت جولي وضغطت على يد سامنتا وقالت:
" شكرا يا سام".
وعندما عاد بن في ذلك المساء بدا وجهه محتقنا مضطربا ,وتساءلت جولي ترى هل حدث شيء ضايقه في الجامعة؟ وتركته مع سامنتا , ولم تعرف السبب ألا بعد تناول العشاء عندما تركهما بن ليعد المحاضرة التي يلقيها في اليوم التالي , وأخبرت سامنتا جولي بما حدث , قالت وهي غاضبة بعض الشيء لأنها أضطرت ألى ذكر أسم ذلك الرجل من جديد:
"لقد قابل بن مانويل؟".
وعقدت جولي حاجبيها وقالت بصوت مكتوم:
" مانويل .كيف ؟ .........أعني...... لم أكن أعرف أن بن يعرقه".
" لم يكن يعرفه أو على الأصح أنه يعرف شكله فقط وذكر لزملائه أن وجه مانويل يثير أهتمامه , كما قال لنا ذلك أيضا ....منذ مدة ".
وأومأت جولي رأسها فتنهدت سامنتا وأستطردت قائلة:
" يبدو أن أحد الأساتذة صديق لشقيق مانويل , فيليب فذكر الموضوع له فقام هو بدوره بذكره لمانويل , في أي حال لقد تناول بن الغداء مع فيليب اليوم لمجرد الحديث عن عمله وأذا بمانويل ينضم أليهما".
وقالت جولي بصوت خافت أقرب ألى الهمس:
" أذا فقد عاد ألى الولايات المتحدة".
وأومأت سامنتا برأسها وقالت:
" لقد دهش بن عندما وجد مانويل لطيفا , لقد توقع أن يرى وحشا ضاريا نظرا لما سمع عنه , ولكنه أنهر به , كانت نتيجة المقابلة أن مانويل وافق على أن يرسمه بن وأن يعرض رسمه بالمعرض المقبل لصوره , وسوف يذهب بن ألى منزل مانويل ليرسمه".
ومدّت سامنتا يديها ألى الأمام وقالت:
" كان لا بد أن أخبرك يا حبيبتي ......فلا فائدة من الكذب.....".
وهزت جولي رأسها وقالت بجمود:
" بالطبع لا , ولكن صديقيني يا سامنتا أن هذا يجعلني أسوأ حالا !".
" لماذا ؟ أنك لن تقابليه , يا ألهي , أن كاليفورنيا مكان فسيح للغاية , ثم أن مانويل لا يعيش في سان فرانسيسكو بل في مونتري ولكنني لم أستطع أن أجعل بن يذهب ألى هناك بدون أن أقول لك الحقيقة".
وقالت جولي وقد بدا عليها الأرتباك:
"أن ما يضايقني هو أحتمال أن يعرف أنني هنا , فقد يتصوّر أنني أتعقبه".

نيو فراولة 09-09-10 07:20 PM

وسخرت سامنتا من جولي وقالت:
" أن هذا سخف , غادرنا أنكلترا وهو بها , ثم أنك لم تعرفي أنه سيتوجه ألى الولايات المتحدة , كان من المحتمل أن يقوم بجولته في أوروبا قبل العودة ألى هنا , في كل حال أنك تعرفين مكان سكنه أليس كذلك؟".
" ذكر أنه يعيش في كاليفورنيا , غير أنني بكل صدق لم أتوقع أبدا أن أراه هنا".
" أعرف ذلك يا حبيبتي , في أية حال لن يذكر شيئا عنك , فعليك أن تسترخي , وأذا فكرنا في هذا بطريقة منطقية لوجدنا أنها فرصة رائعة لبن".
وأبتسمت جولي وقالت:
" أعرف ذلك يا سام ويؤسفني أن أشغلكما بمشكلاتي الخاصة ".
وهزّت سامنتا رأسها برفق وقالت:
" لا تكوني حمقاء , هيا نفّّي ما أقترحته عليك , أن تذهبي غدا ألى سان فرانسيسكو وأن تنسي كل شيء عن كورتيز".
وفي الصباح أوصل بن جولي ألى المدينة وهو في طريقه ألى الجامعة , ورغب في شراء بعض المواد التي لم يجدها في سانتا مارتا , فتركها وسط المدينة .
منتديات ليلاس
وبعد أنصراف بن شعرت جولي أنها تسير بغير هدف , كانت الموافقة على الأستكشاف وحدها شيئا , وتنفيذ الفكرة شيئا آخر , وأخيرا ركبت الترام ألى فيشرمان دورف , وقضت بعض الوقت في الميناء , ولم تعجبها المتاجر السياحية التي تبيع الهدايا التذكارية , فأخذت تقرأ في الدليل السياحي باحثة عن مكان تذهب أليه بعد ذلك....... وتركت جسر أوكلانده وراءها وسارت في أحد الشوارع الجانبية , كان هناك جزء من سان فرانسيسكو بدا وكأنه لم يتغير منذ سنوات عديدة , فكثرت فيه الحانات والمقاهي التي يتردد عليها البحارة.
وكادت أن تعود ألى الشارع الرئيسي عندما أسترعى أنتباهها سلّما يؤدي ألى مبنى كتب أسمه بأحرف باهتة وهو مستشفى الأرسالية للبحارة , وأبتسمت وتساءلت عن تاريخ المبنى , ترى هل كان موجودا في منتصف القرن الثامن عشر وقت أكتشاف الذهب وتدفق الرجال من جميع أنحاء البلاد على كاليفورنيا بحثا عن الثروة.
وفيما كانت واقفة , ظهرت أحدى الراهبات باباب وأخذت تنظر ألى الشارع وكأنها تبحث عن شخص أو عن شيء , وعندما رأت جولي قطبت جبينها وكأنها تدهش من وجود أي سائح في هذا الجزء من المدينة , ثم نزلت السلم وتقدمت نحوها وقالت وهي تحييها بحرارة:
" صباح الخير".
" صباح الخير , أن الطقس جميل , أليس كذلك؟".
وأومأت الراهبة برأسها وهي شاردة الذهن ثم قالت:
" هل تتكلمين اللغة البولندية ؟".
" آسفة , لا أتحدث بهذه اللغة".
وضغطت الراهبة على شفتيها وقالت :
" بالطبع! فلم يكن معقولا أن أجد ما أبحث عنه , غير أنني عندما رأيتك تقفين أمامي فكرت أنه ربما ....... في كل حال يستحسن أن تعودي ألى الطريق الرئيسي يا عزيزتي , لأن هذه المنطقة خطيرة بالنسبة ألى فتاة تسير بمفردها , هل ضللت الطريق؟".
" كلا , كنت أستكشف المدينة , آسفة , أستطيع مساعدتك , أنني لا أتحدث سوى الفرنسية والألمانية ألى جانب الأنكليزية بالطبع".
وعقدت الراهبة حاجبيها وقالت:
" تتحدثين اللغة الألمانية , الألمانية؟"
" جائز".
وحملقت جولي في وجهها بفضول ,وأبتسمت الراهبة ثم قالت:
" قد تظنين أنني مجنونة , ولكن هناك بجارا بولنديا أحضروه ألى المستشفى أمس , وحدوه يئن في الشارع , وهو لا يتحدث الأنكليزية , وقد أوضح الكشف الطبي عليه أنه يعاني من ألتهاب حاد في المصران الأعور ,ومن الضروري أن يفهم أنه في حاجة ألى عملية جراحية عاجلة وقد ينفجر المصران في أي وقت , ولم نستطع التفاهم معه ولا أدري ماذا أفعل , أن وصولك يعتبر نعمة أذا أستطعت التفاهم معه".
وصاحت جولي على الفور:
" بالطبع , أرجو فقط أن يفهم لهجتي".
وسارت جولي خلف الراهبة التي أجتازت عنبرا طويلا , مزدحما بالأسرة والمرضى المصابين بكسور وجروح , وبرجال ينظرون بجمود أمامهم وكأنهم لا يشعرون بمن حولهم , وقد أسترعى أنتباه الحاضرين دخول جولي العنبر , فحاولت أن تتجاهل العيون التي حملقت فيها.
وبدت حالة البحار البولندي سيئة للغاية , وقد وضعت ستائر عالية حوله لتفصله عن بقية المرضى , وجلست راهبة أخرى ألى جوار السرير , نهضت واقفة عندما رأتهما وخطت ألى الخلف , كان وجه البحار شاحبا محتقنا , ونظر أليهما وهو لا يفهم ما تريدانه بينما بدا الألم في عينيه.
جلست جولي ألى جواره وقالت باللغة الألمانية :
" هل تتحدثين الألمانية ؟".
وبرقت عينا البحار قليلا , وقال بسرعة وبصوت رتجف وقد بدت عليه الراحة لأنه وجد من يفهمه:
" يا , يا ".
وأوضحت له جولي الموقف بسرعة , وظهر من حركاته وصيحاته أنه لم يكن يعرف خطورة حالته , ووقفت جولي وقالت للراهبة:
" ظن أنه يعاني من التسمم , الطعام على السفينة كان سيئا للغاية ,ولكنه يعرف حقيقة الموقف الآن , ويرغب في أجراء العملية الجراحية , وقد أوضحت له سبب وجوده هنا , وهو مرتاح أكثر الآن".
وتنهدت الراهبة وقالت:
" أرأيت زحمة العمل هنا ؟ أننا لا نجد من يقبل العمل في المستشفى , ولن تتحسن الأمور حتى يتم بناء المستشفى الجديد".
وسألتها جولي:
" هل تشيدون مستشفى جديدا؟".
" سيتم قريبا بمشيئة الله , تمت الموافقة على الرسومات الهندسية وسوف توضع الأساسات قريبا ,وسوف تكون الأوضاع أفضل حينئذ".
وأقرّت جولي قول الراهبة وقالت:
" أنني واثقة من ذلك ".
ونظرت جولي ألى العنبر المزدحم وشعرت بالنظرات التي وجّهها المرضى أليها , وقالت الراهبة وهي تتجه ألى الباب:
" أخذنا الكثير من وقتك , أرجو ألا نكون قد أزعجناك أذا طلبنا منك الترجمة".
" بالطبع لا , هل تعتقدين أنها ستكون فكرة طيبة أذا حضرت في الصباح , فقد يحتاج البحار ألى شيء بعد العملية فأتولى الترجمة له".

نيو فراولة 09-09-10 11:38 PM

وبدت الدهشة على وجه الراهبة وقالت:
" نعم , أعتقد أنها فكرة طيبة جدا , أذا رغبت في ذلك , وأتسع وقتك , فأنت في أجازة أهذا صحيح؟".
" ألى حد ما , أنا متأكدة من أنني أستطيع الحضور أذا رأيت أن هذا مفيد ......".
وتساءلت جولي وهي تقول ذلك ترى ماذا سيكون رأي سامنتا في هذا الموضوع ؟ سامنتا سوف يسعدها أن جولي وجدت تسلية بعيدة كل البعد عن مانويل كورتيز.
وأبتسمت الراهبة وقالت:
" أنت أنكليزية أليس كذلك؟ نعم , ظننت ذلك , لماذاتستكشفين الشوارع الخلفية في سان فرانسيسكو ؟ توجد أماكن سياحية أخرى جديرة بأجتذاب أهتمامك".
وهزت جولي كتفيها وقالت:
" لا أشعر بالرغبة في مشاهدة الأماكن السياحية في الوقت الحالي , هل أحضر ألى المستشفى غدا؟".
" حسنا , سوف أنتظرك غدايا آنسة ...".
" كيندي , جولي كيندي ".
" حسنا يا آنسة كيندي , أنا أسمي الأخت موران , أسألي عني أذا لم تجديني عند وصولك".
" حسنا".
وودعتها جولي وأنصرفت , وسارت في الشارع وهي تفكر في البحار البولندي ,وسرها أن تشعر من جديد أنها مفيدة .
غير أن الشكوك عاودتها وهي تركب سيارة التاكسي التي أقلتها ألى سانتا مارتا , ماذا لو أن سامنتا أحتاجت أليها للعناية بتوني؟ وماذا لو أعترضت على ترتيب مثل هذه الأمور بدون أستشارتها , أن الراهبة بالطبع لا تعرف عنوان مسكنها , ولن تستطيع الوصول أليها أذا لم تعد ألى المستشفى , ولكنها سوف تعود لأن شيئا مجهولا يرغمها على العودة ألى المستشفى , ولم تكن ترغب في مقاومته .
منتديات ليلاس
ولم تغضب سامنتا عندما قصّت جولي عليها ما حدث , غير أنها أعربت عن قلقها بشأن سلامة جولي وصاحت قائلة:
" جولي! ما الذي دفعك للقول بأنك سوف تعودين غدا , يا ألهي , سوف تجري للرجل العملية الجراحية وهو لا يحتاج أليك".
" لا يمكنه التحدث أليهم , يستعمل الأشارات ليعبر عما يريده , أعتقد أنه أمر طبيعي أن أعرض خدماتي".
" هل يعني ذلك أنه لا يوجد من يتحدث باللغة الألمانية سواك في سان فرانسيسكو؟".
" بالطبع لا , ولكن العمل منهك بالمستشفى , فالعنابر مزدحمة بالمرضى , ووقتهم لا يتسع للبحث عن مترجم , في أية حال ما دمت لا تحتاجين أليّ فسوف أذهب , حتى أستطيع أن أقوم بعمل ما , يتعين عليّ أن أشغل وقتي كما قلت أمس".
وأعترفت سامنتا بهزيمتها وقالت:
" حسنا يا عزيزتي , أذهبي لكن لا تلومينني أذا أستغلت الأخت موران وجودك وطلبت منك تقديم الطعام للمرضى , وأعتقد أنها سوف تتصور من سلوكك أنك في حاجة ملحة للعمل".
وضحكت جولي وقالت:
" علاج بالعمل!".
وأومأت سامنتا برأسها وقالت وهي تشعل سيكارة:
" على فكرة , كيف ستصلين ألى سان فرانسيسكو ؟ أن بن لن يستطيع أن يصطحبك , فهو ذاهب ألى مونتري".
وجف فم جولي وسألتها:
" هل هو ذاهب ألى مانويل؟".
" نعم , تم الأتفاق على ذلك بالأمس , فيبدو أن مانويل وكلود كريستيان كاتب الأغاني , هل تعرفينه ؟ يشتركان في تأليف أوبريت غنائية , فيضع مانويل الموسيقى بينما يكتب كلود كريستيان الأغاني , هل فهمت؟".
" نعم , وماذا عن بن؟".
" دعا مانويل بن لقضاء بعض الوقت معهما , هو يرسم وهما يعملان , أنه ترتيب مثالي!".
" مثالي .....".
وتنهدت سامنتا وقالت:
" والآن كيف تصلين ألى المدينة؟".
" سوف أطلب سيارة أجرة , فأذا غادرت المنزل في الساعة الثامنة أستطيع العودة في الساعة الثامنة عشرة".
" أسترخي , ولا تتسرعي بالعودة من أجل توني , فأنني هنا وسوف أرعاه , تناولي الغداء بسان فرانسيسكو ثم عودي في الوقت الذي يروق لك".
وضمّتها جولي وقبّلتها وقالت:
" سام! أنت لطيفة في معاملتك لي!".
" نعم أنا كذلك ".

نيو فراولة 10-09-10 12:02 AM

وأثناء تناولهم العشاء كان لا بد لبن أن يذكر بشكل عرضي اليوم التالي , ولاحظت جولي أن سامنتا رمقت زوجها بنظرة أستياء فقالت:
" أرجوك لا تعاملني وكأنني قطعة زجاج , فلن أتحطم , لا تتكلّف يا بن , تصرّف بشكل طبيعي , تحدث عن مانويل كورتيز أذا شئت , فمن الواضح أن الأمر مثير بالنسب لك , ولا أتوقع منك أن تختزن الكلام في هذا الموضوع , فلم تكن لتفعل ذلك لو لم أكن أنا هنا , ثم أن الموضوع يهمني , يهمني حقيقة".
وقال بن:
" حسنا , سوف أغادر المنزل في الصباح ولن أعود ألا بعد موعد العشاء , ولن أجد صعوبة في التعرف على المنزل , فسوف أسلك الطريق ألى كرميل , ويبدو أن المنازل فخمة على هذا الطريق , وسأبحث عن بيت مانويل , سايبروس ليك ".
وردّت سامنتا قائلة:
" هائل".
ولم تستطع جولي أن تعرف أذا كانت سامنتا ساخرة أم جادة , وتركتهما جولي بعد العشاء وهما يناقشان أفكار بن بشأن معرضه الجديد الذي قرر أقامته في الخريف ,وسوف يتركز الفكر أساسا على موضوع مصارعة الثيران التي أستلهمها من شكل مانويل الأسمر الأسباني .
ذهبت جولي في وقت مبكر ألى فراشها غير أنها لم تنم , فقد أنطبعت في ذهنها صورة مانويل ولم ترغب في محوها.
وفي اليوم التالي أرتدت سروالا كحليا وقميصا أبيض , لزيارتها المزمعة للمستشفى ,ووضعت على كتفيها سترة قاتمة اللون ,وأنتظرت وصول سيارة الأجرة.
منتديات ليلاس
وبدا المستشفى في ضوء الصباح كئيبا مهيبا , بينما غطى الميناء ضباب أثلج الجو , وأتجهت جولي ألى داخل المستشفى حتى لا تغير رأيها وتنصرف , غير أنها وجدت المدخل مهجورا تماما ونظرت حولها وهي تتساءل أين تذهب , وشاهدت رجلا يمشي في أتجاهها , كان يرتدي معطفا أبيض مما يشير ألى أنه طبيب , غير أن وجهه بدا مألوفا في ضوء المدخل المظلم , وخفق قلبها أعتقدت لبرهة أنها قد فقدت صوابها , فالرجل الذي وقف أمامها يشبه مانويل كورتيز تماما , ولولا أنه كان أقل نحافة وأقصر قامة من المغنى لأعتقدت أنه هو نفسه.
وتمالكت جولي نفسها , فذلك الرجل ليس مانويل وهي تتصرف ببلاهة , وسألها الرجل بأدب وبصوت جاد :
" هل من شيء تريدينه؟".
" أنا......نعم , أنا جولي كيندي , كنت هنا بالأمس , جئت لأزور البحار البولندي الذي لم يجد من يفهم لغته".
وأبتسم الرجل وقال:
" نعم , فولينسكي , حالة المصران , أجريت العملية الجراحية له , وحالته تحسنت كثيرا".
وأبتسمت جولي وقد تمالكت نفسها تماما وقالت:
" حسنا..... أين هو؟ هل أستطيع أن أراه؟".
" بالطبع".
وعاد بها ألى الممر وهو يتفحصها بفضول , ولعله كان يتساءل عن سبب شحوب وجهها , وسبب اضطرابها الشديد عند أقترابه منها.
وقال ببساطة:
" أسمي كورتيز , فيليب كورتيز , وأنا الطبيب المقيم بهذه المستشفى".
وحملقت جولي في وجهه , وتساءلت : ترى هل هو الذي قدم بن ألى مانويل؟ أن هذا شقيق مانويل فهو يشبهه ألى حد كبير وخفق قلبها وتساءلت , هل هذا هو الذي جذبها ألى المستشفى؟ هل كان هذا هو سبب شعورها بضرورة العودة ألى المستشفى . هل أحس عقلها الباطن بوجود هذا الرجل وبقرابته لمانوي؟
ورأت عند باب العنبر الأخت موران وقالت :
" وهكذا عدت ألينا يا آنسة كيندي , أنني في غاية السعادة لقدومك , خشيت أن تفقدي الرغبة في العودة ألى المستشفى بعد مغادرته".
وهزت جولي رأسها وقالت ببساطة:
" كنت أريد العودة".
ثم جلست ألى جوار سرير البحار البولندي المريض.
وبدا أيغور فولينسكي أحسن حالا في هذا الصباح , حلق لحيته , ومشط شعره , وبدا مختلفا عن الرجل المضطرب الذي شاهدته سابقا.
وتحدثت أليه بعض الوقت وهي تراقب فيليب كورتيز الذي أنتقل بين المرضى وهو يعاملهم برفق , وكان واضحا أن المرضى يرتاحون أليه , فهو جذاب مثل مانويل , ويسعى ألى كسب ثقة المرضى مستخدما جاذبيته لتحقيق هذا الهدف , فغالبا ما يشعر المرضى بالوحدة بعيدا عن زملائهم من البحارة .
وعند مغادرتها العنبر ألتقت صدفة بالأخت موران التي دعتها ألى تناول القهوة في مكتبها حيث قدمتها ألى الأختين دوتاهو وجيسون , ثم أنضم أليهن فيليب بعد فترة.
وساد الغرفة جو وردي , وجلست جولي تحتسي القهوة في المكتب الضيق وتستمع ألى الراهبات اللواتي تحدثن عن المرضى , وأخذن يشرحن المهام المزعجة التي يقمن بها , وحالات السرطان المتأخرة التي لا علاج لها , والتي عادة ما تستكشف صدفة , كما تناولت الراهبات أيضا موضوع العمل المضني في العنابر , وخدمة رجال لا يقدّرون ما يقدّم لهم , بل يحاولون مخالفة القوانين في كل فرصة.

نيو فراولة 10-09-10 12:16 AM


وبعد أنتهاء فترة أستراحة القهوة تركت الراهبات المكتب في الساعة التاسعة , وأحست جولي بالفراغ في حياتها , وقالت بدون تفكير :
" هل أستطيع أن أعمل أي شيء؟ أعني , أنني أستطيع المساعدة طالما أنني هنا....".
وهزت الأخت موران رأسها في دهشة :
" هل أنت جادة فيما تقولينه يا أبنتي ؟".
" بالطبع أريد أن أساعد , أذا أستطعت".
ولم تعترض الأخت موران , بل أعطت جولي رداء وممسحة وجردلا ,وطلبت منها مسح العنابر .
وأخذت جولي تعمل بهمة ونشاط فهي تؤدي عملا مفيدا , وتجاهلت الملاحظات البذيئة من المرضى , ووجدت في أحد العنابر الجانبية فتاة في الثانية عشرة من عمرها ترقد وهي تقرأ امجلات وتأكل الشوكولاتة , أبتسمت الفتاة لجولي وقدّمت أليها الشوكولاتة , حاولت جولي أخفاء فضولها معتبرة أنه ليس من شأنها التدخل فيما لا يعنيها , وقبلت الشوكولاتة من الفتاة وشكرتها وهي تبتسم.
وبعد أن أنتهت من مسح العنابر , قامت بفرش الملاءات , كما وضعت ميزان الحرارة في أفواه المرضى أنتظارا لقدوم الراهبات لتسجيل درجة الحرارة.
منتديات ليلاس
بأستثناء الراهبات الثلاثة والدكتور كورتيز , لم يكن يعمل بالمستشفى سوى مستخدمين يقومان بعمل مماثل لعملها , وطباخ يعد الوجبات , وحيث أن المستشفى تضم ثلاثة عنابر رئيسية وعنبرا جانبيا وأمتلأت جميعها بالمرضى , فقد كان هناك نقص واضح في العاملين.
وشعرت جولي بالأرهاق عند حلول وقت الغداء , وقامت بتقديمه ألى المرضى , وكان يتكون من الحساء والكفتة والحلوى والشاي ولاحظت الأخت موران شحوب وجهها وقالت بحزم:
" حان وقت مغادرتك المكان يا آنسة كيندي , قمت بمجهود كبير غير أنه لا داعي لأرهاق نفسك , شكرا جزيلا ووداعا".
خلعت جولي الرداء وقالت للأخت موران:
" هل يزعجك أن أحضر غدا ؟ لقد وجدت متعة في العمل معكم".
وضحكت الأخت موران وقالت:
" يا عزيزتي , أحضري كلما رغبت في ذلك , فنحن لا نرفض أية مساعدة, أليس كذلك يا دكتور فيليب؟".
وحملق فيليب في جولي وقال بصوت رقيق:
" هل ستحضرين ثانية؟".
" أذا سمحتم".
وهز رأسه وقال:
" ولكن لماذا؟".
وربّتت الأخت موران على كتف جولي وقالت:
" لا توجه أسئلة يا دكتور فيليب , فالفتاة ترغب في الحضور , فلتحضر أذا كانت خير معين لي اليوم".
ورمق فيليب جولي بعينيه وهو يفكّر , وخلع معطفه الأبيض وقال:
" حسنا , هيا بنا سوف أصطحبك ألى فندقك".
وأحمر وجه جولي وقالت:
" لا ضرورة لذلك , فأنا لا أقيم هنا...... أعني أقيم في سانتا مارتا".
وقال فيليب بحزم:
"حسنا فسوف أجد متعة في جولة بالسيارة".


الساعة الآن 05:20 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية