يعطيكي العافية نحن في الانتظار
|
ونزلا بالمصعد في صمت كما ظلا صامتين طوال الطريق ألى شارع فولكنر , وعندما توقفت السيارة , ألتفت أليها مانويل وهو يضع يده خلف مقعدها , وقال ببساطة وبرود: "عودي وألعبي مع الصبية الصغار , فأنت ما زلت طفلة". ضغطت جولي على شفتيها حتى لا ترتعدان وأحست بأنها صغيرة على نحو لا يصدق وغبية على نحو لا يصدق , وقالت بصوت مخنوق: " أعتقد أنك كريه! هل تتصور أن كل فتاة تخرج معك تكون متلهفة على مطارحتك الغرام؟". وأبتسم مانويل بسخرية وقال: "عزيزتي جولي , أنك واضحة وضوح النهار! هل تتصورين أنني لا أقرأ الأفكار التي تدور في رأسك الجميل , كل ما في الأمر أنك ...... كيف أعبر عما أريد قوله , أنك ذات عقلية عتيقة , ثم أنني لا أحب المرأة التي تغيظني". وأحتجت جولي في فزع: "لم أكن أغيظك !". هز كتفيه وقال : " صحيح؟ حسنا! لنترك الموضوع عند هذا الحد , كانت تجربة في كل حال". وضعت جولي يدها على مقبض الباب وكأنه نادم : " لو طلبت أليك الخروج معي ثانية , هل تقبلين الدعوة؟". وأرتبكت جولي وقالت: " لا أدري , هل تطلب مني الخروج معك؟". منتديات ليلاس هزّ كتفيه وقال: " ربما لن يتسع وقتي في هذا الأسبوع , ولكن قد نستطيع الألتقاء في الأسبوع المقبل في عشاء وداع , لأنني سأعود ألى الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع القادم ". " أحقا؟". وشرد بفكره دقيقة ثم قال : " ما رأيك في يوم الثلاثاء المقبل؟ يمكنني أن أمر عليك في المتجر , كما فعلت هذا المساء , ثم نتناول العشاء في مطعم هوايت دراغون". أومأت جولي برأسها وخرجت من السيارة قائلة: " حسنا". ورغم هذا الموعد أحست بالغثيان كما أحست بالتعاسة وكادت تجهش بالبكاء . وأختفت السيارة , وسارت جولي بخطوات بطيئة حتى منزلها , وعندما لم تجد المفتاح طرقا الباب وفتحته لها أمها , بينما لم تجد أثرا لأبيها. قالت أمها توضح الأمور: " أن السيدة كولنز في حالة ولادة , جولي ! ما بك؟ وجهك شاحب! هل أنت مريضة؟ ما الذي حدث؟". " لا شيء ! أعتقد أنني مريضة!". ثم ضغطت جولي على معدتها وقالت: " أعتقد أنني سوف أتقيأ". وأنحنت مرهقة فوق الحوض في الحمام وتقيأت ووتساءلت ماذا حدث للفتاة التي كانت خالية منذ أسبوعين , وشعرت جولي بالتعاسة ولم ترغب ألا أن تأوي ألى فراشها لتغرق همومها في النوم , غير أنها لم تستطع النوم من كثرة التفكير ألا عندما كان ضوء الفجر الخافت يلمس السماء في حوالي الساعة الخامسة صباحا. |
4- قناع الرطوبة
وفي الصباح كان الجو رطبا والأمطار تتساقط عندما دخلت أمها ألى غرفتها حاملة فنجان الشاي , وقالت: " هل تشعرين بأنك في حالة جيدة تسمح لك بالذهاب ألى العمل اليوم , أم تفضلين البقاء ! أستطيع الأتصال تلفونيا بالآنسة فترستون وأبلغها بمرضك؟". فهزت جولي رأسها وشربت الشاي وسرها أن ذهبت ألى العمل , فقد تغيبت دونا عن الحضور لأصابتها ببرد شديد , ولولا حضورها لكان على مارلين القيام بمهام الثلاثة. ومر اليوم ببطء , وشعرت بسعادة كبيرة عندما حل موعد الخروج , فبول يحضر مساء كل يوم خميس , وهما يلعبان البريدج مع والدها أذا كان مودودا بالمنزل , كانت جولي تجد متعة في هذه الأمسيات , وهي تحب لعبة البريدج وتتقنها , وفي مساء يوم الجمعة غسلت جولي شعرها بينما خرك الدكتور كيندي وزوجته لتناول العشاء عند أصدقاء لهما , ثم خرجت في يوم السبت بصحبة بول , وذهبا ألى حفل في منزل سامنتا , كان أصدقاء أسرة باولو من أهل الفن , فهم رسامون أو نحاتون أو ممثلون وكان الذهاب ألى أسرة باولو شيئا مثيرا أذ لا يعرف المرء من سيلقاه عندهم. وعند وصولهما وجدا المكان غاصا بالناس , غير أن سامنتا رحبت بجولي وكأنها قريبة لها أفتقدتها منذ وقت طويل , فقالت: " أين كنت طوال الأسبوع يا عزيزتي؟ أنتظرتك كالمعتاد يوم الأربعاء ,ولكنك لم تحضري , ثم خطر لي أنك قد تتصلين بي تلفونيا , ولكنك لم تفعلي!". وكان بنديكت قد أصطحب بول ليعرفه على مغن ناشىء أكتشفه مؤخرا , لذلك قالت جولي لصديقتها: " يا عزيزت سام؟ هل لي أن أحدثك على أنفراد ؟ أنني في حاجة لأن أتحدث مع أحد وألا أصبت بالجنون". ورمقت سامنتا صديقتها بقلق وقالت: " بالطبع يا عزيزتي , بن أرجو أن تعتني بالضيوف , لأنني أريد أن أتحدث مع جولي قليلا في غرفة النوم". منتديات ليلاس وأومأ زوجها بن ذو الجسم الضخم والشارب الذي على طراز فان دايك , وصاح قائلا: " حسنا يا حبيبتي". وذهبت الصديقتان ألى غرفة النوم. وجلست الأثنتان على السرير وقالت سامنتا بحرارة: " هيا يا عزيزتي , أفتحي قلبك لأمك". وتنهدت جولي وروت لسامنتا كل شيء بالتحديد وبكل صدق منذ لقائهما الأخير , وأستمعت سامنتا ألى جولي , وبدت الدهشة ثم الأرتياب على وجهها , وحدقت في جولي وقالت: " كيف يا حبيبتي؟ مانويل كورتيز! يا له من شيء مذهل ! غير أنك شديدة الجاذبية يا حبيبت وأنا أعلم أن مانويل يتحيز جدا للنساء الجميلات". وقالت جولي بشيء من المرارة: " أعرف ذلك , في أية حال لقد بحت لك بما في صدري , كدت أفقد صوابي في الأيام الأخيرة". " هل ستلتقين به يوم الثلاثاء؟". " أعتقد ذلك , لو حضر في الموعد المحدد وأذا لم يفعل فلن أنتظره طويلا كما فعلت يوم الأربعاء , بل أنني متأكدة من أنني أتصرف تصرفا سليما بالذهاب لمقابلته". وقالت سامنتا وهي تتنهد: " يا حبيبتي ! لا أدري ما أقوله لك! فهو طبق شهي ولكنه شديد السخونة". ثم هزت كتفيها وأستطردت تقول: " أنه كما تقولين لا يحترم الجنس الناعم , ولماذا يحترم أذا كانت كل أنثى في كل مدينة في العالم المتحضر تجن به جنونا". ووضعت يدها في جيب قميصها وأخرجت علبة السكائر وقدمت سيكارة ألى جولي وقالت: " لقد أخفق زواجه أخفاقا ذريعا بطبيعة الحال.........". وقاطعتها جولي التي أمتقع وجهها فجأة : " زواجه؟". " نعم زواجه يا جولي , قرأت تاريخ حياته في أحدى المجلات في وقت ما , ربما في مجلة لايف , تزوج وهو في السادسة عشرة من عمره بفتاة مكسيكية , وأنجبا طفلة لا أذكر أسمها الآن , غير أنه أنفصل عن زوجته بعد فترة وجيزة وذهب ألى سان فرانسيسكو وعندما ذاع صيته طلقها". قالت جولي بصوت مكتوم: " وماذا عن الطفلة؟". " أعتقد أنها في حضانته , فله من الأمكانيات المادية ما يمكّنه من ذلك , وهي في السادسة عشرة من عمرها الآن , أما كورتيز فأظن أنه قد بلغ من العمر الثالثة أو الرابعة والثلاثين". وهزّت كتفيها وواصلت حديثها قائلة: " أظن أنه أضطر ألى الزواج , تعرفين ما يحدث في هذه الحالات ..... الحمل وما ألى ذلك........ وهذه الزيجات لا تنجح أبدا ....... أو على الأقل , قلّما تنجح". |
شكرا ننتظر التكملة
|
وبلعت جولي ريقها وقالت:
" بالفعل , لم أكن أعرف أنه تزوج أو أن له أبنة بالطبع". " قليلون هم الذين يعرفون ذلك , فهو يبتعد بحياته الخاصة عن الأضواء بقدر ما يستطيع , ولا يسعى ألى الأعلان عن نفسه كغيره من النجوم". وتذكرت جولي عشاءهما في مطعم وايت دراغون وقالت: " أعرف ذلك , فهو لا يحب ألأماكن المزدحمة , وشقته رائعة وهي في أعلى عمارة سكنية , وتطل على منظر بديع". وربتت سامنتا على كتفها بحنان وقالت: "جولي , لو كنت مكانك لحاولت أن أنسى مانويل كورتيز , فهو لا يصلح لك ,وأن تصورت عكس ذلك أنت تعلمين تماما , من معاملته لك , أنه ليس جادا في علاقته بك , فلا يسعى ألى التغرير بفتاة أذا كان يحبها بأخلاص , ويحترمها ". وتنهدت جولي وقالت: " أعلم أن ما تقولينه صحيح يا سامنتا , غير أنني لا أستطيع أن أنساه , ويبدو أن حياته كانت قاسية جدا قبل أن يصل ألى مكانته الحالية , ولا يسعني ألا أن أعتقد أن هذا هو سبب قلة أحترامه للنساء , ثم هذا الزواج أيضا........". وهزّت رأسها وواصلت حديثها قائلة: " من الذي يعلم حقيقة هذا الزواج ؟ من الغريب يا سامنتا ,أشعر بأنه وحيد برغم كل ثروته وذيوع صيته!". وصاحت سامنتا بدهشة : " ماذا تقولين ؟ قد يكون مانويل كورتيز أشياء كثيرة , ولكنه بكل تأكيد لا يثير الشفقة". منتديات ليلاس ووقفت جولي وسارت في أتجاه النافذة , ونظرت ألى الخارج بدون أن ترى شيئا , أن سامنتا قد تكون أكثر فهما للرجال , ولكنها لا تعرف مانويل , فهي لم تر الرجل خلف القناع الأجتماعي . ورفعت سامنتا حاجبيها وقالت: " الأمر متروك لك يا جولي , ولكن أعتقد بأنني أكثر منك معرفة بالرجال ". وأبتسمت جولي قائلة: " حسنا يا سام , أصدقك , ولكن ليت لي خطة واضحة أتبعها ". ولم تستطع سامنتا معاونتها في هذا الموضوع , فقد عبّرت لها عن رأيها , وهو أن مانويل لا يناسبها , ولا أخلاق له وقد سبق له الزواج والطلاق , وله أبنة في سن المراهقة لا تصغرها بكثير , غير أن ذلك كله لم يساعدها في شيء , فقد ظل بنفس الجاذبية ونفس الخطورة على راحة بالها . وكانت النتيجة أن بول بدأ يزعجها بسلوكه المهذب , فكرهت قيادته المتزنة والحريصة للسيارة , وطريقة وضعه للسيكارة بين أصبعيه , ورفضه أي شراب , يا له من شعور فظيع , أن يدي بول الناعمتين تختلفان تماما عن أصابع مانويل الخشنة , كما أن جسم بول البدين يختلف أيضا عن جسم مانويل النحيف بحيث لم يعد فمه الرقيقي سوى مبعث لأشمئزازها . وفي يوم الأحد أعتذرت عن الغداء عند والدي بول وتظاهرت بالمرض وقضت اليوم بأكمله بالمنزل , وأحست بالملل والكآبة , ولكنها لم تكن تستطيع أحتمال تبادل الحديث في منزل بول. وخرج أبواها في المساء , فقرأت كتابا وشاهدت وبدت كل حياتها موجهة نحو يوم الثلاثاء .......... ورفضت التفكير فيما بعد ذلك . وبحلول يوم الثلاثاء أصبحت قلقة كالنهر , وعجزت عن الأكل أو التفكير في أي شيء آخر ألا مانويل , وأدركت أنها تقترب من حالة لا تهتم فيها بشيء ألا بالحاضر , وأنها يجب أن تأخذ ما يقدم لها , وتقبض عليه بكلتا يديها قبل أن يتسلل بعيدا عنها ألى الأبد. |
الساعة الآن 12:54 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية