مر بعض الوقت وهما في السيارة يخترقان تلاتا وسهولا في طريق يبدو أن لا نهاية لها , وأخيرا أختار جيرارد طريقا فرعية تطل على واد فسيح , أوقف السيارة على جانب الطريق , وأشعل سيكارتين له ولفانيسا وقال:
" أمس أنتظرتك طويلا , كنت أرغب في دعوتك الى السهر معي في المدينة ,ولكن لم أتمكن من التحدث معك خلال النهار , أين أخذك برانت بعد الظهر؟". " ذهبنا لجلب توبر". " هل أنضم الكلب الى العائلة أيضا؟". وراح ينفث الدخان ويقول: " أذن أكتمل عقد العائلة". ثم سألها: " ما رأيك بمويا؟". " أنها فتاة ناعمة جدا , هي التي أقترحت ركوب الأحصنة اليوم , ولكنني لم أستطع مجاراة حماسهما". " ومن يستطيع؟ هي وبرانت يركبان الخيل كل نهاية أسبوع منذ زمن بعيد , كلاهما مغرم بالخيل". " كم عمر مويا؟". " عشرون سنة , أحيانا أظن أنها أصغر من ذلك بكثير أنها فتاة خلقت وملعقة الذهب في فمها , أي شيء تريده تجده على الأطباق , لم تفكر يوما أن تفعل أي شيء غير أختيار ملابسها أو تصفيف شعرها , أظن أنه من المفيد أن تعمل يوما كاملا من الأشغال التي نجبر على القيام بها نحن , أن هذه الفتاة تحتاج للنضوج". زوجة لبرانت لن تحتاج الى العمل , فكرت فانيسا أنه زوج متطلب , والمرأة التي سيتزوجها ستكون معه في دوام كامل, ولكن هل مويا قادرة على العطاء ؟ تساءلت وهي تشك في الأمر , ومع ذلك , عاطفة مويا نحو برانت لا شك فيها , خصوصا بعد حديثهما معا في الصباح , ولكن أين بلغا في العلاقة ؟ أن جيرارد كان مصيبا عندما قال أن مويا تحتاج الى نضج , بالطبع برانت يعرف هذا الواقع أيضا. قطع جيرارد شريط أفكارها قائلا: " عدت هذا المساء لسبب واحد , أمس لم أتمكن من دعوتك للسهرة , هل تذهبين هذه الليلة ؟ أن أحد أصدقائي يقيم حفلة راقصة , أظن أنه يفيدك أن تكوني بعيدة عن رالينغز بعض الوقت".منتديات ليلاس " أحب ذلك , ولكن..... يجب أن أسأل برانت أولا , فقد قال أن لدينا بعض العمل بعد موعد الشاي , ولا أعرف أذا كان العمل يستمر الى ما بعد العشاء". " ماذا؟ حتى يوم الأحد؟ قولي له أنك لن تعملي يوم الأحد". " لا أستطيع , أن الموضوع متفق عليه في العقد , في كل حال أنا لا أظن أنه يرغب في العمل خلال الليل , ولكن سؤاله ضروري من زاوية اللياقة". " أرجو أن لا تخبريه أين سنذهب , أنه لا يوافق على صحبتي مع بوب فارو". " هل لديه أسبابه الموجبة؟". " أن أي شخص أصاحبه يجب أن يلائم مستوى أبن خالي العظيم , أظن أن يوما ما سيأتي وسيواجه صدمة حياته , وكل ما آمله أن أكون حاضرا كي أشهد النهاية". " ولماذا لا تثبت شخصيتك أمامه يا جيرارد؟ لماذا لا تعبّر عن رغباتك وتؤكد مواقفك , ربما أذا فعلت تصبح علاقتكما أفضل مما هي عليه الآن". " لأنني جبان يا عزيزتي , ولأنني عندما أخوض وبرانت معركة كلامية فأنه الأقوى على كيل السياط من دون جهد يذكر". " لماذا تعمل معه ؟ لا بد أن ثمة مجالات عمل أخرى؟". " طبعا أستطيع أن أعمل في مصنع حديد مثلا أو مساعدا في دكان , ولكن لسوء الحظ أمي تضع يدها على أموالنا , وتظن أن برانت هو الأجدر في أدارتها , هي تدعمني فقط أن كنت في شراكة مع برانت". صمت جيرارد قليلا وبد متضايقا , ثم قال بمرارة: " يا ألهي كم أكرهه! أن وجودي معه طيلة الأسبوع يشبه وجودي في سجن!". " ماذا كنت تفعل يا جيرارد لو كنت تملك حرية التصرف؟". " الأمر سهل جدا , كنت أصبح سائق سباق". " هل تعني أنك تعمل سائقا لدى أحدى شركات سيارات السباق؟". " كلا , بل أصنع سيارتي الخاصة , أنني رسمتها على الورق مع كامل التفاصيل الميكانيكية , تحتاج فقط الى تنفيذ , بعدها أنا متأكد أنها ستفوز في أي سابق". " أن المشروع مكلف جدا أليس كذلك؟". " أجل , ولكنني أحتطت للأمر , أشتري أولا مرآبا لتصليح السيارات , فأنا أهتم في كل شيء له علاقة بالسيارات , ثم أمضي في بناء سيارتي خلال سنة من أوقات الفراغ , ثم أقتحم بها أي سباق وتبدأ أيام التحدي الحقيقية ,ولكن ثمة مشكلة صغيرة , المشكلة التقليدية , المال , حاولت الحصول على قرض من برانت ولكنه رفض , قال أن المشروع في رأسي سينتهي الى أن أهمل العمل في المرآب وألهو بسيارتي وينتهي المشروع الى أفلاسي". شعرت فانيسا أنها تلوم برانت , جيرارد كان يتحدث في جد عن مشروعه, ربما هذا هو مجاله , عمل ملموس يؤمن به , الخطة لا تبدو خيالية , بل واقعية وممكنة. نظرت الى ساعتها وصرخت: " جيرارد أنها الرابعة والنصف , الآخرون لا بد ينتظرونا". " ليس مهما أمرهم , أتوقع أن يكونوا تركوا لنا بعض الشاي". " ليس هذا ما قصدت , قلت لك أن برانت يريدني أن أعمل بعد موعد الشاي , أي الآن , أرجوك لنعد الى البيت ,وبسرعة". |
تجاوبا مع رغباتها أنطلق جيرارد بالسيارة في أقصى سرعة , ونحو الخامسة وعشر دقائق دخل الأثنان غرفة المكتبة ,برانت كان مستندا ال النافذة مغطيا بكتفيه العريضين أشعة الشمس الغاربة , سأل : " أين كنتما؟". أجاب جيرارد : " أنا المسؤول عن التأخير , أقنعت فانيسا لتأتي معي في جولة في السيارة ثم نسيا الوقت , أرجو أن لا تظن السوء". ولمح مويا تجلس الى جانب أمه فأبتسم قائلا: " فانيسا أخبرتني أنك عدت , ألم يقنعك النمساويون بالبقاء؟". ولم ينتظر الجواب بل سأل أن كان في الأبريق بعض الشاي له ولفانيسا , وأجابته أمه: " سيحضر الخدم أبريقا أضافيا ". لاحظت فانيسا نظرات برانت الباردة , أعتذرت عن التأخير ". فقال : " لا بأس , أنا أنتظرك في المكتب". وخرج من الغرفة , وتبعته فانيسا , شعرت أنها في حضوره مثل تلميذة أرتكبت سلوكا سيئا وتستعد لسماع التأنيب من المدير . " هل نسيت أننا كنا سنعمل بعد الظهر؟". " لا , لم أنس , تأخرت قليلا , كنت وجيرارد نتحدث و.......". " أرجوك أحتفظي بالتفاصيل , أستطيع أن أترك لمخيلتي تصور ماذا حدث؟ أنا أعرف أبن عمتي جيدا , كنت أظنك أكثر نضجا من الأنجراف وراء كلمات معسولة من شاب متهور , لا سيما أنني سمعتك صبيحة اليوم الأول من وجودك هنا تقولين له أن ثمة سلوكا يعرف بالتهذيب , وأعجبت بكلماتك , عندها ظننت أنك فهمت جيرارد على حقيقته في نظرته للمرأة بأنها جبل ينبغي تسلقه لينتصر !".منتديات ليلاس شعرت أنه يسيء اليها ويترجم ظنونه وكأنها وقائع , أشتعلت غيظا ولكنها كتمت مشاعرها وقالت: " أعتذر أن تأخرت نصف ساعة , سأعوض عن ذلك في أي وقت آخر". " التأخير ليس ما أبحث معك , أنت تعرفين ذلك , أنا أخترتك للعمل عكس قناعتي في توظيف المرأة لأنني ظننت أن الأهتمام والمعرفة عندك سيعطلان أي لهو جانبي , حتى اليوم كنت مقتنعا تماما بحسن أختياري , ولكنني الآن لم أعد متأكدا , هل خطر ببالك أن لا أحد سيعرف أين كنت أو مع من؟ أريدك أن تعرفي أن أي حياة خاصة لك تأتي بعد طلباتي الوظيفية , هذا كل شيء الآن". قال كل ما أراد قوله ولم يترك لها مجالا للرد , لم تناقشه بل سألت: " ماذا عن العمل الذي أردت أن نقوم به بعد الظهر؟". " لا أظن أنه من المفيد أن نبدأ الآن , الساعة تجاوزت الخامسة والنصف". شعرت أنه يبالغ في أنزعاجه , أذ أمامهما أكثر من ساعتين حتى موعد العشاء , وجدت نفسها مطعونة في كبريائها ومع ذلك لم تتردد في القول : " أذن أنت لا تمانع أن ذهبت للسهرة هذا المساء , جيرارد سألني أن أسهر معه". " أين؟". " حفلة عند صديق". " من هو هذا الصديق". شعرت أن أسئلته تنهال عليها على الرغم من أن حياتها الخاصة خارج رالينغز لا يجوز أن يتدخل فيها ,ومع ذلك أجابت: " بوب فارو". " أنت لن تذهبي". قالها بهدوء جعلها تظن أنه يمزح , وعندما وجدته جادا قالت : " لا تستطيع أن تمنعني". " طبعا أستطيع ,أنا أريدك هنا بين التاسعة والعاشرة من أجل العمل". " لماذا؟". " لتعوضي الوقت الضائع الذي هدرته مع أبن عمتي الطائش". ثم أضاف: " أن العقد بيننا واضح , ألا أذا كنت تعتبرينه مجرد ورقة". " كلا , أن العقد واضح تماما , وهو بالنسبة الي مجرد ورقة , ولكنك تبدو ظالما". |
فكرت أن تقول له أنه يسيء الظن بها , وأن تشرح له بصدق كل ما حدث بينها وبين جيرارد بعد الظهر وكذلك عن السهرة التي لم يكن متفقا عليها سلفا ,ولكنها لم تشرح بل وجدت نفسها تسأله:
" عندي فضول أن أعرف لماذا تعترض على صديق جيرارد؟". " أعترض لسبب بسيط , ولكنني لا أستطيع التعبير عنه في شكل لا يؤذي أذنيك , أن بوب فارو وسائر شلته ليسوا من الناس الذين أعتدت مرافقتهم". " ولكنك لا تعرف أي نوع من الناس أعتدت مرافقتهم". قالت ذلك وغادرت الغرفة من دون أن تسنح له فرصة للرد . كان جيرارد ينتظر في القاعة الكبرى , مستندا الى حائط ينفث سيكارة , من دون أن يبالي بضرر الدخان على اللوحات الأثرية , وعندما رآها أقترب منها وسأل: " ماذا ؟". " أعتذر لا أستطيع الذهاب معك". " تبا له!". قال مغتاظا ورمى عقب السيكارة على الأرض وأطفأها تحت حذائه , ثم قال: " آسف لأنك لن تستطيعي المجيء , أرجو أن تتمكني في مرة مقبلة". فور أنتهاء العشاء شعرت فانيسا أن الساعات المقبلة لن تكون سهلة , نورا قالت لها وهما تشربان القهوة: " أن كان يوجد بين الرجال شيء مشترك فهو التجهم والعبوس عندما يضايقهم شيء بسيط ,ومحاولة التخفيف عنهم تجعلهم أسوأ".منتديات ليلاس لم ترغب فانيسا أطلاقا في التخفيف عنه , أن ملاحظاته القاسية كانت كافية لتجرحها , كانت تراقب يديه تقلبان الأوراق التي راجعاها معا في اليوم الفائت وتجيب على أسئلته في عبارات سريعة ومقتضبة , وبعد عشر دقائق ما عاد الجو محتملا , فوضع الأوراق على المكتب أمامه ونظر اليها قائلا: " أن جو التوتر لا ينفع , كنت غاضبا بعد الظهر وربما تفوهت بكلمات أكثر مما يجب, أرجو أن تكوني متفهمة وتتوقفي عن العبوس". " أنا لست غاضبة". قالت بغضب وما لبثت أن لاحظته يبتسم فأبتسمت . " الآن أنت أفضل , لنبدأ مجددا بصفاء". أختياره للكلمات من أجل أرضائها أراحها , شعرت أنه كاد أن تعتذر ولكنه لم يفعل , تناول علبة سكائر وقرّبها منها قائلا: " دخّني علّها تنجلي". ثم قرّب ولاعته ليشعل سيكارتها فلاحظت يديه القويتين والقليل من الشعيرات من كمي القميص وكذلك زرين ذهبيين ربما من عصر النهضة , كم هو غريب هذا الرجل أمامها , فكرت فانيسا , وهو ينفث سيكارته , يبدو قاسيا كالحديد ومع ذلك يجمع ذوقا وفنا رفيعين. عادت تتحدث عن العمل بحماس , أقترحت أن يطلق على الغرفة الصينية أسم كونفوشيوس , وقالت: " لا أظن أن أحدا لم يسمع بهذا الأسم , ولا يعرف شيئا من أقواله". " تقصدين أدانته لممارسة دفن النساء والخدم أحياء مع سادتهم الرجال!". أبتسمت فانيسا لأنه فهم عليها بسرعة , وقالت: " أنه أقترح دفن الأواني والخزف عوضا عن الأحياء , وعبر كونفوشيوس وصلتنا عادات المعيشة في تلك الفترة من الصين القديمة ,دفنوا مختلف الأواني والخزف التي تستعمل في البيوت وهي بالغة الذوق في الزخرفة , وأنت يا برانت عندك مجموعة مهمة جدا منها في الغرفة الصينية ". " تبدين أهتماما شديدا في الأعمال الصينية , أنا أعرف مجموعة على بعد خمسة أميال من هنا أهم بكثير من المجموعة التي عندي , هل تودين رؤيتها في يوم ما؟". " أتمنى ذلك , أرجو أن تعطيني العنوان وأنا أذهب في أقرب فرصة". " يجب أن ترافقيني أن رغبت في الدخول , فالمجموعة ليست مفتوحة للجمهور , ولكن جوردن بانكس لا يمانع في أستقبال زوار طارئين شرط أن يأتوا مع شخص يعرفه , لأن المجموعة لا تقدر بثمن , وهو لا يتحمل حصول أي حادث لها يسببه أشخاص لا يعرفون كيف يمسكون القطع الصينية الهشة , سنذهب يوم الأربعاء بعد الغداء , العمل في المقلع لا يكون متعبا , وأظن جيرارد يمكن أن يتولاه وحده". شكرته على العرض , فقال: " أنا على كل حال أحذرك من صراحة جوردن , وأنصحك ان وجدت معلوماته تفوق معلوماتك أن تلزمي الصمت وتستمعي , لأنه يكره الجدال". |
6- قراءة في كف القلب
الأثنين والثلاثاء مرا بهدوء , وجاء يوم الأربعاء , وفيما كانت فانيسا تقوم بنزهتها الصباحية في الحديقة فكرت أنه بالكاد مر أسبوع على وجودها في رالينغز , ومع ذلك تشعر أنها منذ زمن بعيد في القصر الجميل والحدائق الغنّاء. " أنتظري حتى تثلج هنا". قال لها جيرارد عندما عبّرت له عن شعورها أتجاه المكان الذي يمقته. : تشعرين وكأنك معزولة عن العالم , لا بريد يصل بأنتظام , والسيارات تحتاج أن تحفر الطريق أمامها لأن الجرافات بطيئة في الوصول ,والقصر كله يتحول الى صندوق كبير مثلج , أنا أتنازل لك عن مكاني هنا , أذ أفضل مكانا عصريا يلائم الناس المتمدننين". " تعني أنك تحب البيت – العلبة في شقق المدينة ؟". " لا بأس , لكل منا ذوقه". " في كل حال أنا أوافق معك على نقطة واحدة وهي أن يكون عندك بيتك الخاص يا جيرارد". " هل أفهم من كلامك أنك تطلبيت يدي؟ أنت أصبحت فتاة تعبر عن رغباتها مباشرة". قال مازحا ثم نظر الى ساعته: " سأتأخر أن لم أتحرك الآن , لا بد أن برانت سبقني , أرجو أن تخبري والدتي بأنني لن أكون حاضرا على العشاء الليلة , نسيت أن أخبرها ذلك خلال الفطور".منتديات ليلاس لوّح بيده وغادر المكان , ودخلت فانيسا غرفة المكتب لتجد رزمة البريد الكبيرة في أنتظارها , جلست الى مكتبها وراحت تفتح رسائل العمل وتضع رسائل برانت الشخصية على مكتبه , وجدت ثلاث رسائل لنورا فحملتها اليها في غرفة المكتبة. كانت نورا تجلس في مقعدها المعتاد قرب المدفأة , مشغولة في وضع لائحة المدعوين والمدعوات الى حفلة عشاء تنظمها في القصر الأسبوع المقبل , تناولت الرسائل من فانيسا شاكرة وقالت: " أظن أنك وبمفيد جدا أن تغيّري أجواء العمل , الى أين أنتما ذاهبان؟". " برانت سيأخذني لأرى مجموعة التحف لدى بانكس". " كان يجب أن أحزر فأن رجال الأعمال مثلكما لا تخرجان ألا في مشاوير عمل, هل تحلمين بالتحف يا فانيسا ؟ ليس من الطبيعي لفتاة مثلك وفي عمرك أن تنغمس في العمل كما تفعلين". " نيفيل كان يقول لي أنه سيأتي يوم تتشتت فيه أفكاري فلا أستطيع فعل ما أقوم به اليوم , لذلك أنا أستفيد من كل فرصة قبل أن يأتي اليوم الذي تتشتت فيه أفكاري فلا أستطيع التمتع بالتحف". " وماذا فهمت من كلامه عن تشتت الأفكار؟ يا عزيزتي ألا تفكرين أبدا بالأشياء التي تفكر فيها كل فتاة مثل أن تكوني زوجة وأم؟". " أحيانا أفكر في الموضوع , ولكن أمامي وقت طويل لهذه الأمور". عادت فانيسا الى مكتبها تتابع العمل , ولكنها لم تتمكن من التركيز , وجدت أنها تستعمل الممحاة مرارا لأخطاء ترتكبها , فتوقفت عن العمل وجالت بنظرها عبر النافذة تحاول وضع ترتيب لأفكارها المتضاربة. عاد برانت الى القصر من المقلع بعد الظهر , غيّر ثيابه وأرتدى ما أعتبره مريحا أكثر ,وبعد الغداء كانت فانيسا الى جانب برانت في السيارة , في الطريق قال: " أن الطقس في مثل هذه الأيام لا يكون مشمسا عادة , ويجب أن نستفيد منه , لأن بينيت يتوقع تغيّرا قريبا في الطقس , ولا أظن أنه يخطىء , أن الرجل ظريف". " ألهذا السبب تحتفظ به في رالينغز؟". " بينيت يعمل مع آل مالوري من قبل أن أولد , أنه أقدم عامل في القصر , أقدم من أيمي , ورالينغز بيته وسيكون كذلك حتى آخر لحظة من حياته , اللانسانية ليست من طبعي كما يمكن أن تظني يا آنسة!". " أنا لا أظن ذلك أبدا". قال وهي تشعر أنها بدأت مشوارهما بداية سيئة وأنها توقعت معاملة أفضل , وأضافت: "ليس الآن في كل حال". أضحكته ملاحظتها , وشعرت بأرتياح بعد أرتباك , وخيّم المرح عليهما حتى وصلا الى منزل جوردن بانكس , صاحب البيت نفسه فتح لهما الباب , بدا في منتصف الخمسين من العمر , نحيل الجسم يضع نظارات سميكة على أرنبة أنفه الطويل , طابع سلالة عريقة. قدّم برانت رفيقته الى جوردن بانكس الذي رحب بهما ببرودوقادهما الى قاعة خلفية حيث التحف , شعرت أن الرجل من جامعي التحف الذين لا يتمتعون بأستعمال تحفهم , لا بد أنه يأكل ويشرب بالأواني الزجاجية البسيطة فلا يغامر بأستعمال القطع الصينية الغالية التي يملكها , وفكرت أن الوضع في رالينغز يختلف تماما , أذ ليس من أشياء لا يجوز لمسها , أواني الطعام من التحف التي تعود الى أكثر من مئة سنة الى الوراء , ومفروشات غرف الأستعمال لا تقل أهمية عن تلك التي تعرض للجمهور , ولا شعوريا وجدت أنها تجري مقارنة بين الرجلين أمامها. لاحظت أن في القاعة ثلاث خزانات صينية , لا بد أنها من عصر تانغ ,فكرت فانيسا , في الأولى , حصان مع فارسه في وضع متراجع , في الثانية حصان من دون فارس متأهب وينفث لهبا , وفي الثالثة فتاة ترقص, بدت القطع الثلاث بالغة الأتقان والروعة. |
" من عصر تانغ بين القرنين السابع والعاشر".
قال جوردون في نبرة مهنية جافة: " الحصانان أخذا من قبر واحد , والفتاة من قبر مختلف في وقت متأخر عن الأول". وتحرك نحو خزانة أخرى من دون أن ينتظر رد فعل زائريه , دلّهما على أناء وقال: " أعتبر هذا الأناء تحفة مجموعاتي , أتساءل أن كنت تعرفين الى أي عصر ينتمي يا آنسة بيدج؟". دؤست فانيسا القطعة من خلف الزجاج وراحت تدقق في الخطوط المتوازية والألوان الحالمة , وأجابت من دون عناء: " أنه عصر سانغ , بين العام 960 و1279 , أذ أن الخوف في تلك الفترة وصل الى مستوى الكمال". أبتسم برانت , وبدا الأهتمام في عيني صاحب البيت الذي قال : " تبدين مطّلعة على تاريخ الصين , هل غصت بعيدا في دراسة تحف الشرق الأقصى؟". " الى البعد الذي كان يسمح به وقتي , أمامي الكثير للتعلّم". " كلنا نحتاج الكثير للتعلّم , ولكن الفتوة في مصلحتك يا عزيزتي , تعالي , أريد أن اعرف كمية معرفتك للأشغال الصينية". وجدته يغيّر تصرفه من البرود الى الأهتمام , وخلال ساعة غيّرت فانيسا رأيها بالرجل ووجدته مثيرا , فتح لها الخزائن وسمح لها بلمس أي قطعة تريدها , مستمعا الى أي شيء تقوله بأهتمام وأحترام , صبره في الأجابة على أسئلتها المتعددة فاجأ برانت , الأخير لم يتحدث الا قليلا , وكانت فانيسا تلاحظ نظراته عليها وهي تنطلق في الحديث , وشعرت لأول مرة أنها لا تنزعج من هذه النظرات. المجموعة كانت رائعة , سمعت بها فانيسا من قبل ولكنها لم تتوقع أن تسمح لها الظروف برؤيتها , فيها قطع من كل عصر تقريبا من تاريخ الصين , الكثير منها مزين بالرسم التقليدي للتنين وطائر الفينيق وتمثل الأمبراطور والأمبراكورة. بعدما أنتهوا من الجولة في القاعة , سحب جوردن كوبين من أحد الرفوف وقدمهما لزائريه وهو يقول: " الأكواب نفيسة أنها من عصر ميغ".منتديات ليلاس دققت فانيسا فيهما لتدرس تفاصيل العمل اليدوي , في الوهلة الأولى بدا الكوبان وكأنهما نسخة طبق الأصل من الخزف الأبيض وعليهما رسوم لتنين أحمر بين أمواج البحر الأزرق , ولكن بعد التدقيق لاحظت القليل من الفوارق , أحد الكوبين يميل لونه الأبيض الى الأزرق , والنسيج يكاد يختلف , فقالت معجبة بأكتشافها: " هذه نسخة يابانية". أبتسم جوردن وقال: " نعم , هي كذلك , اليابان كانوا أذكياء ولكنهم كانوا يفتقدون الى الكمال الموجود في الأشغال الصينية". وهنا ربت برانت على كتف فانيسا مهنئا وقال: " أنني لم ألاحظ الفرق في المرة الأولى التي أراني فيها القطعتين , أنت ذكية جدا يا فانيسا". وسألها جوردن: " كم سنة أشتغلت في التحف؟". أجابت: " أثنتا عشرة سنة". أرتفع حاجبا جوردن في تعجب ظاهر وقال: " أذن كنت طفلة معجزة , لا بد أنك تعلمت على يد أستاذ أستثنائي !". وعندما ودّعها على الباب قال لها: " تعالي مرة ثانية كلما رغبت في المجيء , وأذا أحتجت الى عمل في أي يوم من الأيام أرجو أن تبلغيني الأمر". داخل السيارة قال برانت: " أثرت أعجاب الرجل , قليلون جدا يحظون بدعوة لزيارة ثانية , ومعدودون يحظون بدعوة في أي وقت يرغبون , مثلك". وبعد قليل سألها: "هل أنت نادمة لأنك لست قادرة على قبول عرض العمل معه؟". هزت رأسها بالنفي وقالت : " كلا , أبدا , المجموعة رائعة , وجودن بانكس رجل أستثنلئي , ولكنني لست راغبة في التخصص في مجال واحد من مجالات التحف المتعددة". أبتسم برانت وقال: " هذا يبدو مناسبا جدا , لأني لا أرغب أطلاقا في تحريرك من الأتفاق بيننا". وسألته : " هل يعيش السيد بانكس وحده؟". " عدا عن مدبرة البيت , نعم هو يعيش وحده , لا يشعر بحاجة الى رفيقة , مجموعته ,والأضافة عليها , أهتمامه الوحيد في الحياة". " ولكن هناك أشياء مهمة في الحياة غير التحف". قالت فانيسا وهي تفكر في كلام نورا في الصباح , وأذ به يفاجئها بالقول: " أذن أنت تدركين ذلك؟ كنت بدأت أتساءل". وبعد قليل أقترح: " لنجعل خروجنا اليوم مليء بغير زيارة جوردن , هل سمعت بمغاور بلوجون ؟". " طبعا سمعت , هل هي قريبة؟". " ميلين فقط , أظن أننا نستطيع زيارة واحدة منها , ستسرّين بالزيارة". |
الساعة الآن 05:51 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية