منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   السلاسل الأخرى (https://www.liilas.com/vb3/f210/)
-   -   القادم .....رواية لد.نبيل فاروق (https://www.liilas.com/vb3/t147906.html)

amedo_dolaviga 30-08-10 07:33 AM

القادم .....رواية لد.نبيل فاروق
 
فجأة، دوت تلك الفرقعة القوية، في سماء مدينة (الرحاب) المصرية، ومعهما ارتجَّت البنايات، لأوَّل مرة منذ فترة طويلة، ارتجاجة عنيفة نسبياً، حتى أن (جو) وثب من فراشه منزعجاً، هاتفاً:
- ما هذا؟!
التفتت إليه زوجته (إيناس)، في هدوء لا يتفق مع انفعاله، وهي تبتسم قائلة:
- إنها تلك الدوريات الجوية المعتادة.... المفترض أنك قد ألفتها.

اعتدل جالساً على فراشه، وهو يقول، في صوت يوحي بأنه لم يستيقظ كلية بعد:
- دوريات جوية؟!
واجهته، قائلة:
- تلك الطلعات الجوَّية، التي تقوم بها المقاتلات المصرية؛ لحماية سماء (مصر)... ألم تخبرني بهذا أكثر من مرة.
قال في ضيق:
- لم تكن أبداً بمثل هذه القوة.
غمغمت:
- هذا صحيح...

ثم أضافت في اهتمام:
- ألم تخبرني من قبل -باعتبارك خبير صوتيات- أن هذه الفرقعة تحدث، عندما تخترق المقاتلات حاجز الصوت؟!
أجابها، وهو ينهض من الفراش:
- هذا صحيح:

ثم أضاف: في مصر، وهو يدس قدميه في شبشب منزلي بسيط:
-ولكنها لم تكن بهذه القوة.
ابتسمت هذه المرة، دون أن تجيب، في حين أضاف هو في صرامة:
- ثم إنني لست خبير صوتيات.... أنا خبير في لهفة الأصوات.
سألته في دهشة:
- وما الفارق؟!

أجابها، متجهاً نحو الحمام الملحق بحجرة النوم:
- فارق كبير.. رسالة الدكتوراه التي قدمتها، وكل الأبحاث التي قمت بها، كانت تستهدف تحديد ما يرغب أي كائن في قوله، من دراسة صوت فحسب.

ابتسمت، وهي تقول معابثة:
- أي كائن؟!
أجاب في صرامة أكثر:
- نعم.. أي كائن... حتى الكلاب والقطط... كلها تعبَّر عن نفسها وعما تريد، باستخدام أصوات ذات نغمات خاصة، ودراستي تعتمد على تحديد تلك النغمات، وربطها ببعضها البعض؛ لتحديد متطلباتها.

بدا عليها اهتمام حقيقي، وهي تقول:
- أمر شيق بالفعل.

بدت عليه السعادة لقولها، وقال في لهجة، تحمل شيئاً من الزهو:
- هذا يختلف كثيراً، عن خبراء الصوتيات العاديين.

غمغمت، وهي تلتقط قطتها، وتداعبها في حنان:
- بالتأكيد.

كان يهم بدخول الحمام، عندما دوت فجأة فرقعة أخرى، أكثر عنفاً من سابقتها، حتى أن المنزل كله ارتج في قوة، وأطلقت القطة مواء مذعوراً، وهي تثب من بين يدي (إيناس)، وتعدو لتختفي أسفل الفراش، في حين تشبَّث (جو) بقائم الباب، خشية السقوط، وشهقت (إيناس) هاتفة:
- رباه!..... إنها قوية للغاية.

انعقد حاجبا (جو)، وهو يغمغم، في قلق شديد:
- هذا يتجاوز كل المعتاد.
امتزجت غمغمة بصوت طائرات تنطلق، محلَّقة على ارتفاع منخفض، فقالت (إيناس)
مذعورة:
-ماذا حدث؟!... هل يشن الإسرائيليون علينا حرباً مفاجئة؟!

تنازل (جو) عن فكرة دخول الحمام، وهو يسرع نحو النافذة، قائلاً في توتر:
- وفقاً لمعلوماتي الفيزيائية، لا يمكن حدوث هذا؛ إلا إذا....

لم يكن قد أتم عبارته بعد، عندما تراجع فجأة بحركة حادة، وهو يطلق شهقة قوية، جعلت (إيناس) تثب من مكانها، هاتفة:
-ماذا حدث؟!

فوجئت بعينيه متسعتين، على نحو لم تعهده من قبل، وبصوته يرتجف، في انفعال غامر، وهو يشير إلى النافذة بأصابع مرتجفة، هاتفاً:
- هناك... هناك...

كان من الواضح أن انفعاله يعرقل خروج كلماته من بين شفتيه، فاندفعت (إيناس) بدورها نحو النافذة، محاولة رؤية ما أثار انفعاله إلى هذا الحد، ولكنها لم تلمح في السماء سوى مجموعة من المقاتلات، تبتعد عند الأفق، على ارتفاع منخفض، لم تشهد مثله من قبل، فالتفتت إليه، تسأله في حيرة:
-هل كانت قريبة للغاية؟!
ظلَّ لحظات يلوَّح بذراعه في انفعال، قبل أن يهتف:
-لقد كانت تطارد ذلك الشيء.
http://boswtol.com/sites/default/fil...48/comer02.jpgأكشن: القادم (1).. دوي





عادت تلقي نظرة مندهشة عبر النافذة؛ ولكن حتى تلك المقاتلات كانت قد اختفت في الأفق، فسألته، وقد شملتها حيرة كبيرة:
- أي شيء؟!

ارتجف صوته هذه المرة، من فرط الانفعال، وهو يقول:
-الطبق.
غمغمت، ودهشتها تتصاعد:
- طبق؟!

التفت إليها، وقد حملت ذعراَ حقيقياً، وهو يجيب مفسراً:
- طبق طائر.

لم تصدَّق أذنيها في البداية؛ فهتفت به:
- طبق ماذا؟!... هذا مستحيل!

بدا شديد العصبية، وهو يلَّوح بسبابته نحو النافذة، كما لو أنه هناك شبح يقف عندها، وهتف:
- لقد رأيته... طبق طائر، كالذي تتحدَّث عنه الروايات الخيالية:

ثم حملت ملامحه حيرة شديدة، وهو يكمل، في لهجة شخص، ارتبكت كل المعارف في ذهنه:
- ولكنه يختلف.

كانت عاجزة عن مناقشته، في أمر لم تؤمن بوجوده يوماً، ولكن تلك الحالة الانفعالية التي كان عليها، جعلتها تغمغم، وقد انتقل إليها انفعاله:
-فيم؟!

راح يلَّوح بذراعيه؛ وكأنما يحاول رسم صورة لذلك الشيء في الهواء، قبل أن يجيب، ولم يفارقه انفعاله بعد:
- إنه يبدو في البداية مستديراً، تماماً كما يرسمونه في الكتب الهزلية، ولكنه عندما اقترب، بدا شكله مختلفاً.... لم يكن مستديراً؛ وإنما كان عبارة عن مجموعة من الأضلاع، بينها فراغات، وتندفع بسرعة كبيرة؛ بحيث تبدو بالفعل أشبه بـــ.... بــ...

صمت دفعة واحدة؛ فأومأت برأسها، تستحثه على الاستمرار؛ فغمغم، في لهجة أشبه بيأس ذاهل:
- بطبق.
لم يكن بوسعها أبداً استيعاب هذا....
ولم تحاول حتى فيما مضى...
تلك الروايات الخيالية عن الفضاء، ومخلوقاته، والأطباق الطائرة، والأجسام عديمة الهوية، كانت دوماً بالنسبة لها أشبه بنكتة كبيرة...
نكتة سخيفة جداً....
نكتة لم تصدَّقها أبداً، ولم تمنح نفسها، ولو لحظة، فرصة التفكير فيها، أو الشك في احتمال كونها حقيقية...
ولكن ها هي ذي الحقيقة تصل إلى بيتها....إلى زوجها... وإلى عقلها....

وفي محاولة منها للدفاع عما تؤمن به، قالت في حذر:
- ربما هي طائرة جديدة، مازالت في طور التجريب.
هزّ رأسه في قوة، قائلاً:
- ليست طائرة.
سألته في سرعة، وبنفس اللهجة الدفاعية:
- ومن أدراك؟!..

بدا حائراً لحظة، قبل أن يجيب، في تردَّد شديد:
- تلك الذبذبة....
لم يكمل عبارته... ولم يحاول حتى إكمالها...

ربما لأنه لم يستطع شرح الأمر لها بالتحديد، حتى مع خبراته في الفيزياء وذبذبات الصوت....
لقد مرَّ ذلك الشيء أمامه، وسرت مع مروره قشعريرة قوية في جسده، في اتجاه اندفاع ذلك الشيء...
لم تكن قشعريرة خوف، أو من أثر المفاجأة، بل كانت أشبه بما شعر به، وهو يجري تجاربه الأولى، عندما أخضع معمله كله لموجات كهرومغنطيسية قوية....
نفس الشعور مرَّ بجسده، مع مرور ذلك الشيء أمامه، ثم ذهب مع ابتعاده....
وهذا قد يعني أن ذلك الشيء ينطلق باستخدام طاقة كهرومغنطيسية قوية، لم تستخدم بعد في عالمنا....
حتى آخر معرفته على الأقل...
"ما تلك الذبذبة يا (جو)؟!..."

ألقت (إيناس) سؤالها في توتر بالغ، فالتفت إليها في حيرة كبيرة، دون أن يدري ماذا يقول، فبدت عصبية، وهي تضيف:
- لا تتركني دون تفسير.
أراد أن يخبرها..... أراد حقاً أن يفعل، ولكن قبل أن يقدم على هذا، دوت فرقعة أخرى...
فرقعة أكثر قوة، امتزجت بدوي آخر عنيف....
دوي انفجار....
رهيب.


**********

القـــــادم (2).. الشائعة
http://boswtol.com/sites/default/fil...9/comer-01.jpg





"هل سمعت ما يرددونه؟!....."
همس (أشرف) بالعبارة، في أذن (جو)، وهما يجلسان في مقهى شهير، في سوق المدينة؛ فسأله (جو) في توتر لم يفارقه بعد:
- وما الذي يرددَّونه؟!

مال (أشرف) نحوه أكثر، وخفت المزيد من صوته، وهو يهمس:
-طائرة مقاتلة سقطت صباح اليوم، بالقرب من (الرحاب).
حدَّق (جو) في وجهه، بنظرة خاوية، قبل أن يرددَّ:
- مقاتلة:

أومأ (أشرف) برأسه تأكيداً، وقال في حماس:
- كانت دورية نمطية، ثم أصيبت مقاتلة منها بعطب مفاجئ، فهوت.
ثم تراجع، متسائلاً في اهتمام:
- ألم تسمع دويّ سقوطها؟!

التقط (جو) نفساً عميقاً، قبل أن يقول: في لهجة شابتها العصبية:
- بالتأكيد.
ثم استطرد في سرعة:
- ومن أدراك أنها مقاتلة؟!
هزَّ (أشرف) كتفيه، وقال في ثقة:
- هذا أمر واضح....

أراد (جو) أن يصرخ في وجهه بأنه أحمق، ولا يعلم شيئاً عما حدث؛ إلا أن هذا كان سيستلزم منه وصف ما رآه في الفجر، وما يستتبعه هذا من سخرية (أشرف) والباقين منه؛ فاكتفى بأن يغمغم مكررَّاً:
- بالتأكيد.

ابتسم (أشرف)، وكأنما حققَّ انتصاراً، وراح يصف في حماس موقفاً لم يشهده، ويبالغ في وصف ما فعلته القوات الجوية؛ لانتشال المقاتلة، وما أحاطت به المنطقة كلها من إجراءات أمنية مشددَّة، بلغت حد منع السيارات من السير، ومنع المارة من المرور، بالإضافة إلى عدد السيارات الكبير، الذي وصل إلى المنطقة، وبينه سيارة هائلة، تكفي لحمل مقاتلة كاملة على متنها، كما امتلأ المكان بضباط القوات الجوية، وضباط الجيش، وحتى بعدد كبير من الرجال، الذين يرتدون ثياباً مدنية، ويخفون وجوههم بمناظير شمسية داكنة، و.....

ولم يسمع (جو) نصف حوار (أشرف) هذا....
كان ذهنه منشغلاً طوال الوقت بالتفكير فيما حدث فعلياً....
لقد شاهد بنفسه ذلك الطبق الطائر.....
شاهده، وشاهد المقاتلات تطارده.....
ثم دوى الانفجار.....
وحدث ما وصفه (أشرف)....
فما الذي يمكن أن يعنيه هذا، سوى أمر واحد.....
لقد سقط ذلك الطبق الطائر، كما يحدث في أفلام الخيال العلمي، التي لم ترق إليه يوماً....
سقط، وأحاطته القوات الجوية بالسرية التامة، وطوَّقت المنطقة كلها بنطاق أمني قوي، حتى لا يتسرب الخبر....
وأولئك الذين يرتدون الثياب المدنية، هم من رجال المخابرات حتماً....

أما تلك السيارة هائلة الحجم؛ فقد حملت ذلك الطبق الطائر على متنها، وذهبت به إلى مكان ما....
ولسبب ما، شعر بشيء من الغضب في أعماقه.....

لماذا تخفي الحكومات دوماً مثل هذه الأمور؟!..
لماذا ترفض أن تعلم شعوبها بوجود مخلوقات غيرها، في هذا الكون الفسيح؟!....
لماذا؟!...

تضاعف غضبه؛ ولكن من نفسه هذه المرة، وليس من الموقف نفسه....
ما الذي أصابه!!....
لماذا يفكَّر بأسلوب لم يؤمن به قط من قبل؟!...
مخلوقات أخرى في الكون بخلاف البشر؟!...
وقادرة على الوصول إلينا؟!...

يا للسخافة!...
" (أشرف).... هل تؤمن بوجود كائنات غيرنا في الكون؟!...."
غضب أكثر، عندما انطلق السؤال من بين شفتيه، دون أن يدري، وبخاصة عندما التفت إليه أشرف في دهشة، قائلاً:
- كائنات ماذا؟!...

ثم تضاعف ذلك الغضب، عندما انفجر (أشرف) ضاحكاً عقب سؤاله، وهو يقول:
- من أين جاءتك هذه الفكرة؟!..
انعقد حاجبا (جو) في توتر، وأشاح بوجهه، وهو يغمغم في عصبية:
- لقد شاهدت فيلماً، و....
قاطعه (أشرف) بدهشة مستنكرة:
- فيلم؟!..

ثم عاد يطلق ضحكة أكثر، قبل أن يضيف:
- حاول ألا تشاهد هذه النوعية من الأفلام الهزلية – إنها تستخف بعقول المشاهدين.
وأشار إلى رأسه بسبابته، مستطرداً:
- أعقلها يا رجل... كيف يمكن أن تكون هناك مخلوقات غيرنا، في هذا الكون؟!.... كيف يمكن أن يخلق الله (سبحانه وتعالى) غيرنا؟.

قال (جو) في عصبية:
- الخالق يمكنه أن يخلق ملايين غيرنا، في كل أنحاء الكون... لقد خلق في البحار والمحيطات وحدها آلاف، بل عشرات الألوف من المخلوقات، من الكائنات الدقيقة، وحتى الحيتان الهائلة، والحبَّار العملاق.

سأله (أشرف) في تحد:
- وأين هم إذن؟!
أجابه في سرعة:
- وأين كان الهنود الحمر، قبل أن يصل إليهم (كولومبوس)
قال (أشرف) في دهشة:
- من (كولومبوس)؟!

أجابه في عنف:
http://boswtol.com/sites/default/fil...comer-02_1.jpg





- (كريستوفر كولومبوس)، ذلك البحَّار الإيطالي المولد، البرتغالي الجنسية، الذي كشف قارة (أمريكا)..... أيامها أيضاً كانوا يصرَّون على أنه لا يوجد بشر خلف المحيط.

بدت دهشة أكثر على (أشرف)، وهو يغمغم:
- رباه !.... أنت مثقف بحق.
ثم عاد يسأله متحدياً:
- ولكن لو أن هناك مخلوقات أخرى في الكون؛ فلماذا لم نصل إليهم نحن.

أجابه في تحد أكبر:
- ولماذا لم يصل الهنود الحمر إلى (أوروبا)؟!

تراجع (أشرف)، وبدا وكأنه يعمل السؤال في رأسه، إلا أنه لم يلبث أن هزَّ هذا الرأس، وكأنما ينفض عنه تلك الأفكار والتساؤلات، قبل أن يقول في حدة:
- أي عبث نناقشه؟!..
التقط (جو) نفساً عميقاً، انتهى بزفرة استعاد معها عصبيته، قبل أن يغمغم:
- صدقت... هذا عبث بالفعل.

كان العبث بالنسبة إليه أن يناقش أمراً كهذا، مع شخص لا يؤمن بأية أمور عقلانية، وليس مستعداً لتغيير أفكاره ومعتقداته، مهما بدت أمامه أدلة أو براهين...
شخص عنيد..... وأحمق...
نهض على نحو متوتر، وقال بنفس العصبية:
- سأنصرف.

سأله (أشرف) في دهشة:
- في هذا الوقت المبكر؟!..
أجابه، في شيء من الحدة:
- أشعر ببعض التعب.

لم ينتظر سماع إجابة (أشرف)؛ ولكنه ابتعد بخطوات مسرعة، وهو يشعر بتوتر بالغ في أعمق أعماقه....
ما حاول إقناع (أشرف) به، هو في الواقع ما يحاول إقناع نفسه هو به......
أن تكون هناك كائنات عاقلة غيرنا، في هذا الكون الشاسع.....

أمر يبدو مخيفاً، إذا ما أمعنت التفكير فيه.....
مخلوقات غيرنا.... تصل إلينا..... وتطاردها مقاتلاتنا....
أي رعب هذا؟!..

وجود مخلوقات عاقلة، قادرة على الوصول إلينا، أمر مخيف بحق؛ فهذا يعني أنها أقوى منا، وأنها لو أرادت، لكانت قادرة على احتلالنا....

اتسعت عيناه في رعب، عندما جالت بخاطره فكرة الاحتلال، وبحركة غريزية، راح يتلفَّت حوله، وكأنما يتوقع أن تهاجمه مخلوقات فضائية، في أية لحظة، وبأسلوب غير أرضي....

استعاد ذهنه عدة مشاهد، من أفلام سينمائية خيالية، وقع بصره عليها مصادفة....
مخلوقات مخيفة، وقدرات خارقة، وأحداث رهيبة....
ولأوَّل مرة، منذ أقام بمدينة (الرحاب)، يبدو له هذا السكوت عجيباً ومخيفاً، مع تلك الإضاءة الخافتة.....

كانت هذه الصورة تبدو له قديماً رومانسية، حتى أنه كان يعشق السير وسط الحدائق، تحت هذه الإضاءة الخافتة، مع زوجته (إيناس).....
وكانا يسيران دوماً الهوينا....
أما الآن، فها هو ذا يسرع الخطى؛ لتجاوز هذه المنطقة، والوصول إلى منزله، في أسرع وقت ممكن....

وكمحاولة لتهدئة نفسه، أخرج هاتفه المحمول؛ ليجري اتصالاً مع زوجته....
ولكن هاتفه لم يستجب....
لم يستقبل أية إشارات، وكأنما أصابه عطب ما، أو.....
توقَّفت أفكاره دفعة واحدة، واتسعت عيناه في رعب، عندما وقع بصره على ثلاثة أجسام، تقترب منه، وتقترب منه، وزادت سرعة الأجسام الثلاثة....
ثم انقضت عليه.....
مباشرة.


amedo_dolaviga 30-08-10 07:36 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...0/comer-01.jpgصارت تسمع تلك الرسالة الآلية المزعجة، التي تخبرها أن الهاتف قد يكون مغلقاً




لم تشعر (إيناس) في حياتها كلها بالقلق، مثلما شعرت بهما في ذلك اليوم، عندما استيقظت في الصباح الباكر؛ فلم تجد (جو) إلى جوارها....
لقد انتظرته طويلاً في الليلة السابقة؛ ولكنها لم تشعر بالقلق؛ ربما لأنه اعتاد السهر مع أصدقائه، في ليالي صيف (الرحاب) الهادئة.....
ولكنه أبداً، ومنذ زواجهما، وحتى قبل هذا، لم يبت خارج منزله.....
ولقد اتصلت على هاتفه عشرات المرات....
وما من مجيب....
في البداية، كانت تسمع رنين الهاتف، عند الطرف الآخر.....
ثم صارت تسمع تلك الرسالة الآلية المزعجة، التي تخبرها أن الهاتف قد يكون مغلقاً.....
وبعدها صمت تام....
لا إجابة......
ولا رنين......
ولا حتى رسائل إليكترونية....
فقط صمت.....
صمت مخيف.....
صمت لم يعد يمنحها أي جواب؛ بل ويتجاوز حتى سياسة شركات الهاتف المحمول الثلاث.....
صمت حوَّل قلقها إلى رعب شديد، جعلها تجري اتصالها بكل من يعرفهما؛ لتسأله عن زوجها...
الجميع استيقظوا على رنين الهاتف، على غير عادتهم....
والجميع أجابوها....
والجميع أبدوا دهشتهم من غياب (جو).....

وقبل أن تبلغ الساعة العاشرة صباحاً، كان عدد من أصدقائهما ينتشر في مدينة (الرحاب) كلها..
لم تكن المدينة كبيرة، ولم يكن بها سوى نقطة شرطة واحدة، ومركز طبي واحد....
وكلاهما لم يسجل أية حوادث في الليلة السابقة.....
أو أية أحداث عجيبة....
"أين ذهب إذن؟!..."
هتفت (إيناس) بالسؤال في ارتياع، وبلهجة أقرب إلى البكاء؛ فقال (أشرف) في توتر، على الرغم من محاولة تهدئتها:
- ربما خرج لتفقَّد شيء ما.... أنت تعرفين (جو)... الرغبة في المعرفة هاجسه الأول.
هزَّت رأسها نفياً في قوة، وهي تقول:
- لا... الأمر ليس طبيعياً... لو أراد هذا؛ لأرسل لي رسالة على هاتفي المحمول على الأقل.
غمغم (عماد) في حيرة قلقة:
- أين يمكن أن يذهب إذن؟!...
بكت (إيناس) بالفعل، وهي تقول:
- ليتني أعلم.... ليتني أعلم.

ران عليهم صمت شديد، قبل أن يتنحنح (أشرف) في توتر، قائلاً: في مزيج من الحذر والحرج:
http://boswtol.com/sites/default/fil...0/comer-02.jpgارتبك أمين الشرطة وهو يقول: إنهم يتحدثون بأسلوب فظ يا سيدي




- أظن أنه ينبغي أن نحررَّ محضرا بالواقعة..
هتفت (إيناس) في ارتياع:
- أية واقعة؟!
تمتم، في حذر أكثر:
-واقعة الاختفاء.
رددَّت في ذهول مذعور:
- اختفاء.
تنحنح (عماد) بدوره، وقال في تردُد:
- نعم.... ينبغي أن نشرك الشرطة معنا في البحث رسمياً.

بدت ذاهلة، غير مصدّقة لما يقولانه.... بل ولا حتى للموقف نفسه؛ فقال (أشرف) في حسم:
- هيا.... نقطة الشرطة قريبة.
قالت من وسط دموعها:
- وبم سنخبرهم؟!...
صمت الاثنان لحظات، ثم أجاب (عماد) في بطء متوتر:
- بأنه مفقود.

تفجرَّت دموعها في غزارة وحرقة، منذ نطق (عماد) عبارته، وحتى وصلوا إلى قسم الشرطة، وجلسوا أمام أمين الشرطة، الذي استقبلهما ببرود من اعتاد مثل هذه الأمور، وهو يسألهم:
- متى وأين اختفى المذكور؟!.
أجابته (إيناس) في حدة:
- لو أننا نعرف إجابة سؤالك، لما أتينا إليك...
زمجر أمين الشرطة في شراسة، هاتفاً:
- أجيبي سؤالي فحسب.
صرخت فيه، من فرط انفعالها:
- أجب أنت سؤالي أوَّلاً.... من وضعك على هذا المقعد، وجعلك مسئولاً عن التعامل مع المواطنين، وأنت تمتلك كل هذا الصلف والغرور.

احمرَّت عيناه، وكاد يصرخ في وجهها؛ ولكنه تراجع فجأة، وانكمش في مقعده على نحو أدهش ثلاثتهم، ولكن دهشتهم سرعان ما تلاشت، عندما ارتفع صوت ضابط شاب، يقول في صرامة:
- ماذا يحدث هنا؟!...
ارتبك أمين الشرطة في شدة، وهو يقول:
- إنهم يتحدثون بأسلوب فظ يا سيدي....
استدارت (إيناس) إلى الضابط الشاب، هاتفة في انفعال:
- كاذب.... لقد أتيت أبلغ عن اختفاء زوجي، فراح يلقي علي الأسئلة في عجرفة، وكأنني متهمة ولست مبلغة.

تراجع (أشرف) و(عماد) في مقعديهما، وامتقع وجههما، وتصوَّرا أن الضابط الشاب سيثور في وجه (إيناس)؛ بسبب الأسلوب الذي هتفت به في وجهه، ولكنهما فوجئا به يتطلَّع إليها لحظات في هدوء، قبل أن يقول في صرامة، تختلف كثيراً عن صرامته الأولى:
- سيدتي...... اصحبيني إلى مكتبي.... أريد أن أسمع منك القصة كلها.
قالت في مرارة، وقد عادت دموعها تغرق وجهها:
- لا توجد قصة من الأساس.... (جو) لم يعد إلى المنزل منذ أمس، ولا يجيب اتصالاتي... بل إن هاتفه لا يعطي أية استجابة، وكأنه.... وكأنه....
لم تستطع إكمال عبارتها، فقال يستحثَّها:
- وكأنه مغلق، أو خارج نطاق الخدمة؟!
هزت رأسها نفياً في قوة، وقالت:
- كلا.... وهذا هو العجيب... ففي كل الأحوال، لو كان الهاتف مغلقاً، أو خارج نطاق الخدمة، أو حتى غير موجود بالخدمة، نتلَّقى رسالة ما، تخبرك عن موقفه، أما هاتف (جو)، فكل ما يعطيه هو الصمت..... الصمت التام.
انعقد حاجبا الضابط الشاب، وهو ينظر إليهما في حيرة، قبل أن يمد يده إليها، قائلاً:
- هل يمكنني تجربة هذا؟!
أسرعت تناوله هاتفها، وهي تقول في لهفة:
- بالتأكيد.... (جو) هو أوَّل اسم في القائمة.

ضغط الضابط الشاب أزرار الهاتف، وانتقى اسم (جو)، ثم ضغط زر الاتصال.... وانتظر....
انتظر لحظات طوال، دون أن يتلقى أي جواب، تماماً كما أخبرته (إيناس) من قبل.... وهنا، التقط هاتفه هو، وطلب عبره رقم هاتف (جو)....
وحصل على النتيجة نفسها...
الصمت.... صمت مطبق، تام، عجيب..... ومخيف....
ولثوان، وقف الضابط صامتاً شارداً، وكأنما يحاول دراسة الأمر كله، قبل أن يقول في حزم:
- الأمر عجيب بالفعل.... سنسجل محضراً رسمياً بهذا، ثم نبدأ البحث فوراً...
توتر صوت أمين الشرطة، وهو يقول:
- المفترض أن ننتظر أربعا وعشرين ساعة، قبل بدء البحث، ولابد لنا من سؤال المرأة عن مشكلاتها مع زوجها، فربما....
قاطعه الضابط الشاب في صرامة حادة:
- ربما قتلته، ورَشَت شركات الهاتف الثلاث؛ لتضع هاتفه في هذه الحالة الغامضة؟!...
تراجع أمين الشرطة منكمشاً، على نحو يوحي بقوة الضابط الشاب ومهابته، وغمغم:
- إنه القانون.
قال الضابط الشاب في قوة:
- بل هي القواعد وليس القانون، ورجل الأمن العاقل لا يسجن نفسه داخل القانون، متجاهلاً الحقائق.
ثم مال نحوه، صائحاً بمنتهى الصرامة:
- قم بعمل المحضر.

انكمش أمين الشرطة أكثر، وسحب دفتره؛ ليبدأ في كتابة المحضر الرسمي، في حين التفت الضابط الشاب إلى (إيناس)، وقال في لهجة مهذبة، تخلو تماماً من الصرامة:
- سآمر بإعداد فريق البحث فوراً.

قبل أن يستدير، متجهاً إلى مكتبه، ارتفع رنين هاتفه المحمول فجأة، فالتقطه بحركة غريزية، قائلاً:
- النقيب (أحمد عبد العال).... من المتحدَّث؟!..

اعتدل بحركة عسكرية، عندما سمع الجواب، مما يوحي بأنه يتحدَّث إلى شخص يفوقه رتبة بكثير، وبدا عليه التوتر، وهو يستمع إليه في اهتمام مندهش، عبَّر عنه بغمغمة:
- نعم... (جوزيف).... (جو) كما يسمونه... وكيف علمت أنهم هنا يا سيدي.

اعتدلت (إيناس) في توتر شديد، وهي تحدَّق في وجهه مذعورة، قبل أن يسقط قلبها بين قدميها، مع الذهول الذي ارتسم على وجه الضابط الشاب، وكأن ما يسمعه مفاجأة مذهلة....
للغاية.



********************


http://boswtol.com/sites/default/fil...51/comer01.jpgأضواء بهرت بصره لحظات




أضواء ساطعة، ضربت عيني (جو)، وهو يعبر تلك الحدائق، المحيطة بمنزله في مدينة (الرحاب)....
أضواء بهرت بصره لحظات؛ فأغلق عينيه في قوة، وهو يتراجع، محاولاً الفرار من عدو مجهول....
وقبل أن يغلقهما بلحظة واحدة، شاهد أولئك الذين انقضوا عليه في سرعة....
تحت ذلك الضوء الساطع، لم يتبين ملامحهم جيداً....
ولكن أجسادهم كانت تشبه أجساد البشر....
تقريباً....
أو ربما كانوا بشراً....
ولكن الوقت لم يمهله للتيقَّن...

لقد انقض عليه ثلاثة منهم، وشعر بأحدهم ينتزع منه هاتفه المحمول، وبآخر يمسك معصمه في قوة، فصرخ:
- ماذا تريدون مني؟!..
مع صرخته، اندفع ذلك الرزاز القوي في وجهه...
وعلى الرغم منه، استنشقه في قوة...
ودار رأسه في عنف...
ثم راحت الدنيا تظلم من حوله، وبدت تلك الأجساد أكثر تشوهاً، وهو يهتف في ضعف:
- من أنتم؟!..

وضع أحدهم يده على رأسه، وتمتم بكلمات لم يفهمها....
أو أنها بدت مشوَّشة تماماً....
مثل صورتهم...
وبعدها، أظلمت الدنيا في سرعة....
ثم غاب عن الوعي...

من الواضح أنه لم يفقد وعيه تماماً؛ فقد شعر بهم يحملونه، ويضعونه في مركبة ما....
وانطلقت بهم تلك المركبة....
ومع انطلاقها، اكتمل الظلام...
وفقد وعيه... تماماً....
ثم فجأة، وبلا مقدمات، استعاده....
استعاده بانتفاضة قوية، شملت جسده كله، مع قشعريرة باردة، شملت كيانه، من أقصاه إلى أقصاه، مع تلك البرودة المحيطة به....

وبلا مقدمات أيضاً، فتح عينيه....
وحدَّق فيما حوله...
في ذعر....
وذهول.....
للوهلة الأولى، بدا له أنه ليس في مكان مألوف...
كان تكوين المكان كله يشبه تكوينات الأثاث المعتادة....
ولكنه كان يتكوَّن كله من كتلة واحدة...

فراش صغير، ومقعد، ومنضدة، وشاشة كبيرة، كلها بدت وكأنها مصنوعة من قطعة واحدة، من معدن لامع للغاية....
ومصقول إلى أقصى درجة....
ذلك المشهد ذكَّره مرة أخرى بروايات الخيال العلمي....
وبمشاهد سكان الفضاء....
ومشاهد الرعب أيضاً.....
تماماً، مثلما يحدث في تلك النوعية من الأفلام....
سكان كواكب أخرى، جاءوا في ذلك الطبق الطائر الذي رآه ورصده بنفسه...
ولأنه رآه ورصده..... اختطفوه...
وها هو ذا الآن بين أيديهم....

داخل مركبتهم الفضائية، أو سفينتهم الأم، كما يقولون في تلك الأفلام، التي طالما رأى أنها مغرقة في الخيال....
سرى خوف شديد في ذهنه، مع مرور الفكرة في كيانه....
هل اختطفه سكان كوكب آخر بالفعل؟....
أيعني هذا أنهم سيأخذونه معهم إلى كوكبهم؟!....
ألن يرى زوجته (إيناس) مرة أخرى؟!....
ألن يعود إلى بيته في (الرحاب)؟!...
بل ألن يعود ثانية إلى كوكب الأرض؟!.....

كان هذا فحسب ما يدور في ذهنه؛ حتى قفزت إليه فجأة فكرة أخرى مرعبة، جعلت عيناه تتسعان عن آخرهما....
http://boswtol.com/sites/default/fil...51/comer02.jpgوراح يتحرَّك في تلك الحجرة المعدنية الضيقة في عصبية




ماذا لو أنهم لا يفكرون أبداً في حمله إلى كوكبهم؟!....
وماذا لو أنهم سيجرون تجاربهم عليه هنا؟!...
على الأرض؟!....

انتفض جسده مرة أخرى في رعب، وهو يتصوَّر نفسه فأر تجارب، في يد مخلوقات عجيبة، تجري عليه اختباراتها وتجاربها.....
أو ربما تسعى لفحص سماته التشريحية....
وهذا يعني تشريحه!!....

اتسعت عيناه في ارتياع بالغ، وقفز من فوق ذلك الفراش المعدني، الذي يرقد عليه، وراح يتحرَّك في تلك الحجرة المعدنية الضيقة في عصبية، بحثاً عن مهرب ما....

لم يكن هناك، في الحجرة كلها، سوى باب واحد، أشبه بأبواب الغوَّاصات القديمة، التي يراها في السينما، له رتاج من نفس مادة الحجرة، وغير مزوَّد بأية فتحات لأية مفاتيح....

حاول أن يفحص الرتاج في سرعة، بأصابعه شديدة الارتجاف، ولكن حتى هذا لم يكن بالأمر اليسير....
كما لم تكن هناك أية فتحات في هذا الرتاج، لم تكن هناك أيضاً وسيلة لفحصه.... أية وسيلة!!....
كان وكأنه صنع مع باقي أثاث الحجرة....
من كتلة واحدة....
هو إذن رتاج إليكتروني على الأرجح....
أو هو رتاج بلازمي، أو هولوجرافي، أو أي من تلك المسميات، التي يغرقون بها قصص وأفلام الخيال العلمي....

المهم أنه يسجنه، داخل تلك الحجرة.....
ولقد تراجع مبتعداً عن الباب، واستدار إلى الشاشة الكبيرة المظلمة، وصرخ بكل قوته:
- من أنتم؟!...
صمت لحظة، وكأنما يتوقع جواباً، ثم صرخ مرة أخرى:
- ماذا تريدون مني؟!...
جاوبه في هذه المرة أيضاً صمت مطبق، أثار أعصابه أكثر؛ فراح يصرخ، على نحو هيستيري:
- لماذا تخفون أنفسكم؟!... أأنتم بشعون إلى هذا الحد؟!.... لماذا تخفون أنفسكم؟!...

كان ذلك الصمت العجيب مستفزاً للغاية، ولكنه فجأة تحطَّم بأزيز مباغت قوي....
أزيز جعل (جو) يقفز من مكانه مذعوراً، ثم يلتفت في حركة حادة إلى الشاشة الكبيرة، التي انبعث من عندها ذلك الأزيز....

ثم فجأة، ظهرت صورة على الشاشة الكبيرة....
وارتد (جو) في عنف....
فتلك الصورة لم تكن صورة تلك المخلوقات الفضائية...
بل صورته هو....
آلة تصوير خفية كلنت ترصده، وتنقل ملامحه إلى الشاشة، بكل ما عليها من انفعالات....
وعلى نحو مكَّبر للغاية....

ولثوان، حدَّق في صورته ذاهلاً، قبل أن يصرخ، في مزيج من الغضب والخوف والعصبية:
- ماذا تريدون مني؟!....
رددَّ صوت آلي عبارته بالضبط، مع إيقاع معدني عجيب، جعله يستعيد مرة أخرى ذكرى تلك الأفلام الخيالية....

إنهم يدرسونه....
يدرسون طبيعته وانفعالاته....
ويدرسون أيضاً كلماته....
حاول أن يختبر هذا، فهتف:
- اسمي (جوزيف صبحي)...... مهندس صوتيات.
رددَّ ذلك الصوت الآلي عبارته، بنفس الإيقاع المعدني، فقال في عصبية:
- أعلم ماذا تفعلون.
رددَّ الصوت الآلي عبارته مرة أخرى، فتابع في عصبية أكثر:
-إنه نفس تخصَّصي.... تحديد ما يريده كائن ما، عبر الأصوات التي يستخدمها.

هذه المرة، لم يردد الصوت الآلي عبارته؛ وإنما ساد صمت شديد، حتى صورته المكبَّرة على الشاشة، لم تعكس أية أصوات....
ولثوان صمت (جو) بدوره...
ولكن عصبيته تضاعفت....
وتضاعفت....
وتضاعفت....
ولكنه لاذ بالصمت الحائر القلق هذه المرة....
لقد تصوَّر لحظة، أنه يفهم ما يسعون إليه، ولكنهم أفسدوا تصوَّره هذا تماماً، في اللحظة التالية...
فماذا يريدون منه؟!...
ماذا؟!...

مع آخر خاطر جال بذهنه، انفتح رتاج الباب فجأة بصوت مسموع....
والتفت (جو) بحركة حادة إلى الباب، الذي انزلق في نعومة لينفتح...
وخفق قلب (جو) بقوة...
بمنتهى القوة....

ثم فجأة، عبر جسد ما الباب...
وشهق (جو) بكل قوته....
فذلك الجسد، الذي عبر الباب، كان آخر شيء يمكنه توقَّعه.....
على الإطلاق.

amedo_dolaviga 30-08-10 07:39 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...2/comer-01.jpg





"ماذا حدث؟!.. أين (جو)"....
ألقت (إيناس) سؤالها في لهجة عجيبة، جمعت بين القلق والخوف والتوتر، مع شيء من الشراسة، وعلى الرغم من هذا، لم يلتفت الضابط الشاب إليها، ولم يبد حتى أنه يسمعها، وهو يغلق هاتفه، ويحدَّق أمامه في الفراغ، ووجهه يحمل كل الذهول....


وفي عنف، كررَّت (إيناس) سؤالها، فانتفض الضابط، وكأنها قد انتزعته من حلم ما، والتفت إليها في عصبية، قائلاً:
- هذا لا يخص زوجك.
نطقها في خشونة شديدة؛ ولكن هذا لم يوقفها، وهي تقول في عنف أكثر:
- بل يخصه.... لقد كنت تتحدَّث عنه، مع....
قاطعها في حدة:
- مع من؟!..
تراجعت في حركة حادة، وهي تقول:
- من اتصل بك؟!
انعقد حاجبا الضابط الشاب، وقال في شراسة عصبية:
-قلت لك: هذا لا يخص زوجك.

لم تبال (إيناس) بثورته أو شراسته؛ في حين انكمش (أشرف) و(عماد)؛ خشية رد فعله، وهي تقول في حدة:
- بل يخصه... ما الذي تخفونه؟!... وما شأن محدثك بزوجي؟!.... ومن هو؟!..
قال الضابط الشاب في عصبية أكثر:
- سيدَّتي.... لا يمكنك الحصول على أجوبة لأسئلتك هذه.
هتفت في شبه انهيار:
- لماذا؟!
صرخ، وقد انفلتت أعصابه:
- لأنه أمر يخص الأمن القومي.

اتسعت عينا (أشرف) و(عماد)، مع سماع الكلمة، وكادا يسقطان فاقدي الوعي، من شدة الرعب، في حين تراجعت (إيناس) كالمصعوقة، وهي تغمغم بوجه وصوت شاحبين:
- أمن قومي؟!
بدا الضابط الشاب وكأنه نادم على ما أفلت من لسانه، فراح يهز رأسه في عصبية، هاتفاً:
- غادري يا سيدتي.... أرجوك.... غادري فوراً..

كاد (أشرف) و(عماد) يعدوان خارجين، مع قوله هذا، وهتف الأول في صوت مرتجف:
- أظن هذا أفضل ما يمكن فعله
وغمغم (عماد)، بصوت يشارف الانهيار:
- سأرحل.

ولكن (إيناس) كانت أول من استعادت رباط جأشها، وهي تهتف، في عصبية شديدة:
- لن يرحل أحد من هنا.
كانت فرصة مثالية لأمين الشرطة، الذي نهض يقول في صرامة:
- هل أطردهم سيادتك؟!..
التفت إليه الضابط الشاب بنظرة عصبية، دون أن يقول شيئاً، في حين استطردت (إيناس) بنفس العصبية:
- لن يرحل أحد، حتى أعرف مصير زوجي.
أشار الضابط إلى أمين الشرطة، وقال في حدة:
- كل ما يمكن أن نفعله لك، هو عمل محضر رسمي، وبدء البحث، بعد مرور أربع وعشرين ساعة، و...
قاطعته في حدة شديدة:
- أنت تعرف...

ثم انهار صوتها فجأة، وهي تضيف، في مرارة باكية:
- فلماذا لا تخبرني؟!..
حملت ملامح الضابط الشاب اضطراباً واضحاَ، وهو يجيب في خفوت، أدهش الجميع بانكساره:
- صدقيني يا سيدتي... لست أعلم شيئاً.
اتسعت عيناها في دهشة مذعورة، وهي تقول:
- وماذا عن تلك المحادثة؟!..
قلب كفيه، مجيباً:
- علمت منها فقط أنه أمر يخص الأمن القومي، وهذا يعني أنه لم يعد من شأن الشرطة، بأي حال من الأحوال.
سألته ذاهلة:
- وما علاقة (جو) بالأمن القومي.

هز رأسه في قوة، وجذب مقعداً قريباً، جلس عليه وهو يقول، في توتر شديد:
- هذا ما أحاول فهمه!... فلو أنه من العناصر المعادية، أو حتى من المتطرفين، لصدر أمر باعتقاله، أو لتوَّلت أجهزة أمن الدولة التعامل معه.... أما الأمن القومي.....
لم يكمل عبارته، ولكن الجميع فهموا ما يعنيه، فامتقع وجه (إيناس) في شدة، وغمغم (أشرف) مذعوراً:
- أهو جاسوس؟!..
وهتف (عماد) في خفوت، وهو يتراجع إلى الخلف في توتر:
- سأرحل
ولكن الضابط الشاب أجاب بنفس الحيرة المتوترة:
- ليس جاسوساً بالتأكيد.
سأله (أشرف)، في صوت شاحب:
- ولم لا؟!
أشار بيده، قائلاً:
- لو أنه كذلك، لألقوا القبض عليه في منزله، ولبحثوا عن أدلة اتهام.... إنهم دوماً يفعلون هذا.
رفع (أشرف) سبابته، وقال بنفس الشحوب:
- ربما أرادوا أن....

التفتت إليه (إيناس) بحركة حادة، وقاطعته في عصبية:
- شكراً على ثقتك في (جو) يا (أشرف).
انكمش أمام نظراتها الغاضبة، وهمس في توتر:
- لماذا يسعى الأمن القومي خلفه إذن.
بدت(إيناس) شديدة التوتر، وهي تقول:
- ربما بسبب ما رآه.


http://boswtol.com/sites/default/fil...2/comer-02.jpgكل ما يمكن أن نفعله هو عمل محضر رسمي وبدء البحث




التفت الجميع بأبصارهم المتوترة إليها، حتى أمين الشرطة، فأضافت في صوت شديد الارتجاف:
- ذلك الطبق الطائر....
اتسعت العيون، وارتجفت الأجساد، وحدَّق فيها الكل، وأمين الشرطة يتراجع، قائلاً:
- سلام قول من رب رحيم...

تابعت هي في عصبية، وبنفس الصوت المرتجف:
- هو أخبرني.... (جو) قال هذا.... الحكومات تحاول دوماً إخفاء مثل هذه الأمور، حتى لا تثير فزع العامة، أو حتى تحتفظ لنفسها بأية تكنولوجيا مفيدة، قد تجدها هناك.
غمغم الضابط الشاب ذاهلاً:
- هناك أين؟!..
أجابته؛ مشيرة بسبابتها المرتجفة:
- حيث سقط ذلك الطبق الطائر.... لقد رأى (جو) المقاتلات تطارده في ذلك الصباح... عندما دوت الفرقعات القوية.... هل تصدقون أن طائرة سقطت هنا، تستحق كل ما فعلوه؟!... أنه ذلك الطبق الطائر..
نهض الضابط الشاب، قائلاً في توتر:
- سيدتي.... أرجوك.

تراجعت مبتعدة عن يده، وهي تصرخ في عصبية:
- لقد أخذوا (جو)؛ لأنه رأى ما لا يريدون أن يعلم به أحد... أنا واثقة من هذا.
كان الضابط الشاب يهم بقول شيء ما، عندما جاء من مدخل المكان صوت صارم، يقول:
- لا تكوني بهذه الثقة يا سيدتي.

التفت الكل إلى مصدر الصوت، ووقع بصرهم على رجل قوى البنية، متين البنيان، يرتدي حلة كاملة ورباط عنق، على الرغم من دفء الجو، ويخفي عينيه خلف منظار داكن، لم يتناسب مع دخوله إلى المكان....
وفي صرامة عصبية، سأله الضابط الشاب:
- من أنت بالضبط؟!..
أجابه الرجل في هدوء:
- أظنهم أخبروك منذ قليل، أنني قادم إليك.
امتقع وجه الضابط الشاب، واعتدل في وقفة عسكرية، قائلاً:
- سيدي.
لم يلتفت إليه الرجل، وهو يدير عينيه إلى (إيناس)، التي هتفت، في شيء من الشراسة:
- أين زوجي؟!... أين (جو)؟!..

تجاهل الرجل سؤالها تماماً، وهو يتفحص الموجودين، متسائلاً بنفس ذلك الهدوء:
- من غيركم هنا؟!...
أجابه أمين الشرطة في سرعة:
- نحن فقط... مازلنا في أول النهار، و....
قاطعه في صرامة:
- أعدّ أوراقك، فسيأتي زميل لك ؛ ليتسلم العمل هنا، بعد عشر دقائق.
اتسعت عينا أمين الشرطة، وهو يقول:
- ولكن...
قاطعه الرجل بإشارة من يده، وهو يلتفت إلى الضابط الشاب، قائلاُ:
- هذا ينطبق عليك أيضاً.

هتف (عماد) في ذعر، في نفس اللحظة التي اتسعت فيها الضابط الشاب دهشة:
- سأرحل.
التفت إليه الرجل في حركة حادة صارمة، قائلاً:
- لن يرحل أحد.

ظهر عدد من الرجال، يرتدون زياً مماثلاً، عند مدخل نقطة الشرطة، وهو يضيف، في صرامة شديدة:
- نحن مضطرون لاحتجازكم جميعاً... بلا استثناء.

وشهقت (إيناس) في قوة، واتسعت عينا الضابط الشاب أكثر، وكاد (أشرف) و( عماد) بفقدان وعيهما، في حين سقط أمين الشرطة بالفعل، على مقعد قريب...
فقد كانت المفاجأة مفزعة...
إلى أقصى حد...



*******************





http://boswtol.com/sites/default/fil...3/comer-01.jpgفقد اتسعت عيناه عن آخرهما، عندما وجده شديد الشبه بنا....




لثوان، حدَّق (جو) ذاهلاً، في ذلك الواقف أمامه....
كان ذهنه، في الثانية التي مضت، بين تحرّك رتاج الباب، ودخوله، قد رسم له ألف صورة وصورة....
رسمها خياله المذعور....
ورسمتها عشرات من أفلام الخيال العلمي، التي تجعل كائنات الفضاء تبدو دوماً في صورة مخيفة....

تصوره أشبه بحشرة هائلة....
أو بديناصور مفترس.....
أو كشيء أشبه بالبشر....
شيء أزرق.....
أو أحمر....
أو أخضر.....

له ثلاثة أرجل.....
أو ست عيون....
أو مخالب وأنياب....

لذا؛ فقد اتسعت عيناه عن آخرهما، عندما وجده شديد الشبه بنا....
بالبشر....

كان رجلاً هادئ الملامح، قوي البنية، له رأس أصلع، إلا من شريط من الشعر، يمتد من منتصف رأسه المستديرة إلى ما خلفها......

وكان يرتدي حلة سوداء أنيقة، على ياقتها بطاقة، تحمل صورته، مع رقم بحروف كبيرة، وفي ركنها شريط أحمر قان....
باختصار، كان يبدو كرجل رسمي، يلتقي به في مكتب من مكاتب الأمن....

ولثوان، وقف ذلك الرجل صامتاً، و(جو) يحدَّق فيه ذاهلاً؛ حتى بدأ هو الحديث، هاتفاً بصوت مبحوح:
- ماذا تريدون مني؟!..
أجابه الرجل في صرامة:
- اهدأ يا (جوزيف).

حدَّق فيه (جو) بذهول أكثر...
لقد كان يتوقع منه أية لغة؛ إلا تلك اللغة، التي نطق بها عبارته....
كان يتوقع صوتاً كالصفير....
أو كفحيح الثعابين....
أو زمجرة الوحوش....

كان يتوقع لغة غير أرضية....
ولكن ما جاءه وما سمعه كان لغة أرضية تماماً.....
لغته....
اللغة العربية....
وبلهجة مصرية خالصة....

ولقد تراجع (جو) بحركة حادة، عندما سمع الكلمة؛ فاستطرد الرجل في هدوء، حاول أن يخفف فيه من صرامته:
- أصدقاؤك يخاطبونك بـ (جو).... أليس كذلك؟!..
شحب وجه (جو)، وهو يسـأله:
- هل تعرفني؟!..
أجابه الرجل في سرعة:
- بالتأكيد.

ازدرد (جو) القليل من لعابه في صعوبة، قبل أن يقول، في صوت أشد شحوباً من وجهه:
- كنتم تراقبون كوكبنا منذ زمن طويل إذن.

حدَّق الرجل فيه لحظة، ثم انفجر ضاحكاً.....
ومع ضحكاته، انتفض جسد (جو)...
انتفض....
وانتفض....
وانتفض....

أما الرجل؛ فقد أنهى ضحكاته، وهو يردد:
http://boswtol.com/sites/default/fil...3/comer-02.jpgنعم.... كانت مركبة فضائية بحق




- كوكبكم؟!... ألست من كوكب الأرض مثلنا يا (جو).

ارتجف صوت (جو)، وهو يغمغم:
- مثلكم؟!... هل تعني؟!..

قاطعه الرجل، وهو يتجه نحوه، في خطوات رصينة:
- نعم... مثلنا.... ما الذي تصوَّرته بالضبط؟!.. هل تدمن مشاهدة الأفلام الخيالية أم ماذا؟!..

تراجع (جو)، في حركة غريزية، وهو يغمغم:
- على العكس..

مرة أخرى قاطعه الرجل، وهو يواصل اتجاهه نحوه:
- آه.... نسيت.... ملفك يقول: إنك واقعي للغاية.
اتسعت عينا (جو)، وهو يغمغم:
- واقعي.

كان يواصل تراجعه، حتى التصق بالجدار البارد، فابتسم الرجل، وتوٌّقف لحظة، ثم جلس على طرف الفراش، قائلاً:
- لدينا ملف كامل عنك... وعن كل الشخصيات المتميزَّة مثلك.
غمغم (جو) في دهشة مذعورة:
- مثلي أنا؟!..

أشار إليه الرجل، قائلاً:
- أنت خبير في التوجيه الصوتي.... أليس كذلك؟!..
قال(جو)، في بطء حذر:
- ليس هذا اسمه العلمي.

هزَّ الرجل كتفيه، وهو يقول:
- المهم أنه كيفية تحديد مطلب أي كائن، من خلال ما يصدره من أصوات... أليس هذا هو المعنى؟!...

غمغم (جو)، في حذر أكثر:
- إلى حد ما....

التقط الرجل نفساً عميقاً، وقال في ارتياح:
- عظيم.

حدَّق فيه (جو)، دون أن يجرؤ على سؤاله عمَّا يعنيه؛ ولكن جسده انتفض مرة أخرى، عندما عاد الرجل ينهض واقفاً، وهو يسأله، وقد استعادت لهجته صرامتها:
- أخبروني أنك قد رأيت ذلك الشيء يا (جو)

واتسعت عينا (جو) عن آخرهما....
وسقط قلبه بين قدميه....
إذن فلهذا اختطفوه....
لقد رآهم....
وأدرك وجودهم.....

استعاد مرة أخرى ثقته، في أن الواقف أمامه ليس أرضياً....
إنه كائن من كوكب آخر....
كائن يتخذ هيئة البشر....

لقد رأى هذا كثيراً، في أفلام الخيال العلمي الهزلية.....
دوماً ما تنتحل الكائنات الفضائية هيئة البشر؛ حتى يمكنها خداعهم، والسيطرة عليهم....
دوماً....

وكمحاولة للدفاع عن كيانه، تمتم (جو)، في صوت نافس وجهه شحوباً:
- لم أر شيئاً.
عاد الرجل يقترب منه، قائلاً بنفس الصرامة:
- بل رأيت...

حاول (جو) أن يتراجع؛ ولكن هذا كان شبه مستحيل؛ لأنه يلتصق بالجدار بالفعل؛ لذا فقد انكمش في مكانه، والرجل يواصل الاقتراب منه، حتى صار أمامه مباشرة، وتطلَّع إليه، مضيفاً:
- رأيت المركبة الفضائية.

واتسعت عينا (جو) أكثر وأكثر....
مركبة فضائية!!.... إذاً لقد كان ما رآه صحيحاً...
هناك مركبة فضائية، أو طبق طائر، طاردته القوات الجوية في سماء مدينة (الرحاب)، وأسقطته....

لقد كان ما رآه صحيحاً تماماً....
ودون أن يدري، وجد نفسه ينقل ما يدور في ذهنه إلى لسانه، وهو يغمغم:
- إذن فهي مركبة فضائية بحق!

ابتسم الرجل ابتسامة ظافرة، توحي بأنه قد حصل على ما أراد، ومد يديه نحو (جو)، فازداد هذا الأخير انكماشاً؛ ولكن الرجل ألصق راحتيه بالجدار، على يمين ويسار رأس (جو)، ومال نحوه أكثر، حتى كاد يلتصق به، وهو يتطلَّع إلى عينيه مباشرة، قائلاً:
- نعم.... كانت مركبة فضائية بحق.... وقد سقطت على مسافة ثلاثة كيلو مترات فحسب، من مدينة (الرحاب) حيث تقيم، ولكننا نجحنا في السيطرة على الموقف في سرعة

غمغم (جو) في شحوب:
- قالوا: إنها طائرة سقطت و.....
قاطعه الرجل:
- أنت تعلم ما يحدث، في مثل هذه الأمور.... الحكومات دوماً تخفي ما يحدث....
وصمت لحظة، ثم عاد يكررَّ، في صوت صارم:
- أنت تعلم هذا.... أليس كذلك؟!..
غمغم (جو):
- بلى.

تراجع الرجل، وعيناه تتألقان، ثم أدار ظهره، وهو يقول:
- ولكننا نحتاج إليك.
سأله (جو) في سرعة، ودون تفكير:
- أنتم من؟!..

صمت الرجل لحظات، وهو يوليه ظهره، ثم أخرج من جيبه شيئاً صغيراً، في حجم أصبع اليد، ضغط عليه، وهو يلتفت إلى (جو) قائلاً:
- نحن... ألم تدرك بعد من نحن؟!..

واتسعت عينا (جو) عن آخرهما....
فما حدث بعدها، كان هو الدهشة.....
بعينها.

amedo_dolaviga 30-08-10 07:41 AM

Jan 6 2010
http://boswtol.com/sites/default/fil...1/comer-01.jpgانكمش عماد وأشرف على نحو مثير للشفقة




انكمش (عماد) و(أشرف) على نحو مثير للشفقة، في مقعدين كبيرين، داخل تلك الحجرة الواسعة، في مبنى يجهلان ماهيته بالضبط، وبدا وجهاهما شاحبين ممتقعين، وهما يحدقان بعيون متسعة في الرجال الصامتين الذين وقفوا داخل الحجرة جامدين، كما لو أنهم تماثيل من الصلب، ترتدي حللاً سوداء متشابهة، ومناظير شمسية داكنة، على الرغم من وجودهم داخل حجرة مغلقة، بعيداً عن الشمس تماماً.....

ثم انتفض جسداهما في شدة، عندما انفتح الباب فجأة، ودخل منه ذلك الرجل، الذي اعتقلهم جميعاً في نقطة شرطة (الرحاب)....


كان هادئ الملامح، كما ظل طوال الوقت، يتحرك في ثقة واعتداد، وينظر إليهما بنظرة خاوية، لا تحمل أية انفعالات واضحة....


وعندما تحدَّث، كانت لهجته هادئة كملامحه، وهو يقول:
- هل أحضر لكما ما تتناولاه؟!...


حدَّقا فيه في شيء من الذعر، وبدا لهما الموقف كله غير متناسب مع عبارته، وخاصة عندما أردف، مع ابتسامة هادئة:
- الساعة شارفت على الثالثة، ولا ريب في أنكما جائعان، ولدينا هنا مطعم صغير؛ ولكنه يقدم وجبات شهية.
غمغم (أشرف)، في لهجة أقرب إلى البكاء:
- هنا؟..


تجاهل الرجل تعليقه هذا تماماً، والتفت إلى (عماد)، يسأله:
- ما رأيكما؟!..


غمغم (عماد) في صوت مرتجف:
- أريد العودة إلى منزلي...
لم تبد على الرجل أية انطباعات للكلمة، واتجه في هدوء إلى مقعد يواجههما، وجلس عليه قائلاً:
-هل أساء إليكما أحد هنا؟!.
غمغم (عماد):
- وجودنا هنا، في حد ذاته، إساءة..
اندفع (أشرف) يضيف في توتر:
- إننا محتجزان على الرغم من إرادتنا..


أومأ الرجل برأسه متفقاً ومتفهماً، وهو يقول:
- للأسف..
لم يفهما بالطبع ما يعنيه أسفه، ولكن (عماد) استجمع شجاعته، وسأله في حذر:
-هل تعني أنه باستطاعتنا الرحيل؟!..


استدار إليه الرجل، بنفس النظرة الخاوية، وتطلَّع إليه بضع لحظات، ثم قال في هدوء:
- بالتأكيد...


انفرجت أساريرهما في فرحة لهفة؛ ولكنه استدرك في صرامة:
- ولكن ليس الآن..
عادا ينكمشان، و(أشرف) يقول، وقد ترقرقت عيناه بالدمع فعلياً:
- متى إذن؟!..


صمت لحظات طوال هذه المرة، ثم بدا صوته شديد الصرامة، وهو يجيب:
- عندما أتلقى الأوامر بهذا..
" أوامر من بالضبط؟!....."


هتفت (إيناس) بالسؤال في عصبية، عندما كررَّ الأمر عليها، في الحجرة التي يحتجزونها فيها وحدها، بعد دقائق قليلة؛ فعقد ساعديه أمام صدره، وبدا شديد الصرامة، وهو يجيب:
- حتى هذا، لا يمكنني أن أخبرك به.


شعرت (إيناس) بغضب شديد في أعماقها، إلى الحد الذي جعلها تصرخ في وجهه:
- ماذا تخفون بالضبط؟!...


من الواضح أن سؤالها أتى في الصميم مباشرة؛ فقد اتسعت عينا الرجل، وتخلى عن ملامحه الجامدة فجأة، وهو يقول:
- نخفي؟!...
صاحت فيه:
- من الواضح أنكم تفعلون كل هذا ؛ لإخفاء شيء ما.... شيء يتعلق بــ.....
بترت عبارتها دفعة واحدة، في توتر بالغ، فمال الرجل نحوها، يسألها في غلظة:
- بماذا؟!...


http://boswtol.com/sites/default/fil...1/comer-02.jpgإيناس: هل رأيت ذلك الشيء بنفسك؟!..




ترددَّت لحظة، ثم اندفعت قائلة:
- بالطبق الطائر...
تراجع في حركة حادة، وهو يرددَّ مندهشاً:
- طبق طائر؟!..


أدركت أنها قد بلغت نقطة اللاعودة، وأنه لا جدوى من محاولة التراجع، فتابعت في توتر شديد:
- ذلك الشيء، الذي رآه (جو)، والذي طاردته المقاتلات الحربية فوق (الرحاب)، والذي صنع هذه الفرقعة القوية، التي تجاوزت المعتاد....


انعقد حاجباه، وهو يتراجع محدَّقاً فيها، مما ضاعف من توترها، فأردفت في عصبية:
- لقد اعتقلتم كل من وصله الأمر، حتى ضابط الشرطة نفسه..


خفض الرجل عينيه، وبدا لحظات وكأنه يدرس الأمر كله، قبل أن يرفع بصره إليها في حركة حادة، قائلاً:
- ماذا تعرفين أيضاً؟!...


نظرته هذه المرة حبست الكلمات في حلقها، وعقدت لسانها، فتمتمت في خفوت متوتر:
- لا شيء...
مال نحوها، على نحو جعلها تتراجع في خوف، وهو يسألها في صرامة:
- من أخبرت أيضاً بهذا؟!... والديْك، أم والديْ(جو)؟!...


ارتجفت بشدة، وهي تهتف:
- لم نخبر أحداً.... أقسم لك.


بدا الشك المطلَّ من عينيه واضحاً، وهو يحدَّق في عينيها مباشرة، قبل أن يتراجع، ويهدأ صوته، وهو يقول:
- هل رأيت ذلك الشيء بنفسك؟!..


ارتبكت في توتر، وهي تجيب في حذر:
- (جو) رآه.
كررَّ في حزم:
- هل رأيته بنفسك؟


صمتت لحظات، ثم أجابت في إصرار:
- لو قال (جو) إنه رآه، فقد رآه.
هزَّ رأسه في بطء، قائلاً:
- أو توهَّم أنه رآه..


غمغمت، وقد تضاعف حذرها:
- توهَّم؟!...
أشار بيده، قائلاً:
- سأخبرك بالحقيقة.... كلها.


أدهشها قوله هذا، فتمتمت، وحذرها يتزايد:
- هل ستخبرني بها حقاً؟!..
هزَّ كتفيه، قائلاً:
- لن يحدث هذا فارقاً.


وصمت لحظة، ثم أضاف في صرامة:
- فلن تغادروا هذا المكان، حتى ينتهي الأمر...


اتسعت عيناها في ذعر، لم يلبث أن تحوَّل، إلى غضب شديد، جعلها تهتف في حدة:
- ماذا فعلتم بـ (جو)؟!...
تجاهل الرجل سؤالها تماماً، وهو يقول:
- ما رآه (جو) في الواقع هو طائرة تجريبية جديدة، نجري تجاربنا عليها في سرية بالغة.


هتفت في حدة مكررة:
- ماذا فعلتم به؟!..
مرة أخرى، تجاهل سؤالها تماماً، وواصل، وكأنه لم يسمعها:
- إنها طائرة تسير بخمسة أضعاف سرعة الصوت، وهذا يعني أن تخترق حاجز الصوت في عنف، يصنع هذه الفرقعة القوية.


قالت في حدة شديدة:
- هذا لا يجيب سؤالي..


أحنقها أن تجاهل عبارتها على نحو تام، وواصل:
- ومن الخطر أن نعلن عن هذه الطائرة الآن، و....


صاحت تقاطعه في غضب:
- هراء... كل ما تقوله كذب.... الأقمار الصناعية تراقب (مصر) طوال الوقت، وطائرة كهذه لا يمكن صنعها أو اختبارها، دون أن يشعر أحد.


توقَّف يلتفت إليها في صرامة، فتابعت، وهي تتراجع بحركة غريزية متوترة:
-ومن المؤكد أن (جو) ليس الوحيد الذي رصد ما حدث، ولا أحد يجري تجاربه على طائرة سرية، فوق مدينة سكنية كبيرة.... ربما فوق الصحراء، أو....


قاطعها ذلك البريق الذي تألق في عينيه فجأة، وذلك الصوت شديد الاختلاف، الذي خرج من بين شفتيه، وهو يتجه نحوها، قائلاً:
- من الواضح أنك شديدة الذكاء.... وهذا خطر كبير.


واكتسبت لهجته قساوة مخيفة، وهو يضيف:
- كبير جداً...
وبكل رعبها وذعرها، أطلقت (إيناس) صرخة مدوية....
صرخة هزَّت كيانها كله....
ولم يسمعها أحد....
على الإطلاق.

************

Jan 13 2010
http://boswtol.com/sites/default/fil...02/comer01.jpgاتبعني




فجأة، وبلا مقدمات، ومع التفاتة ذلك الرجل، اختفت تلك الشاشة الكبيرة....
وشهق (جو)، وهو يتراجع في حركة حادة....
واتسعت عيناه في ذهول....
وبكل ما تفجَّر في أعماقه من انفعالات، حدَّق (جو) في ذلك الممر الطويل، الذي انكشف خلف الشاشة الكبيرة، فور اختفائها...
كان ممراً طويلاً، يبدو وكأنه بلا نهاية.....

وفي ذهول مذعور، التفت (جو) إلى ذلك الرجل، بنظرة ملؤها التساؤلات والتوتر؛ فأشار الرجل إلى الممر، وهو يقول:
-من بعدك يا سيد (جو)..
هز (جو) رأسه نفياً في قوة، وقال:
-أنت أولاً يا سيد....
تردَّد منتظراً أن يجيبه الرجل، إلا أن هذا الأخير تجاهل هذا التلميح تماماً، وهو يقول:
- لا بأس..
اتجه في خطوات واثقة إلى الممر، وهو يقول في حزم:
- اتبعني..

تردَّد (جو) بضع لحظات؛ إلا أنه لم يبد له هناك أي مخرج من الأمر؛ فتبع الرجل في خطوات متردَّدة، وما إن وضع قدمه على أرضية الممر، حتى انتفض جسده في قوة....
لقد كانت أرضية متحركة....
أرضية حملتهما عبر الممر، و(جو) يقول في توتر:
-أين نحن بالضبط؟!...
أجابه الرجل في بساطة، دون أن يلتفت إليه:
- في (مصر)..
هتف في توتر:
- (مصر).... أهذه (مصر)؟!..

لم يشاهد ملامح الرجل، وهو يجيب في هدوء:
- ولماذا لا تكون كذلك؟!...
أجابه (جو)، في شيء من الحدة:
- ألدينا أشياء مثل هذه في (مصر)؟!..
أومأ الرجل برأسه إيجاباً، دون أن يلتفت إليه، وأجاب:
- أنها ليست تكنولوجيا متقدَّمة.... والمفترض أن مثلك يمكنه استيعاب هذا في سهولة.
غمغم (جو):
- حقاً!!...

حملت غمغمته من الاستنكار، أكثر مما حملته من التساؤل، فتابع الرجل بنفس الهدوء:
- الحجرة التي كنت بها، مصنوعة من معدن مصقول ومضغوط؛ لتفادي تلوث أساسها بالبكتريا، وهذا مجرَّد سير متحرك، و.....


قاطعه (جو)، في شيء من العصبية:
- والشاشة الكبيرة التي اختفت، دون أن تترك أي أثر؟!...
أجابه في بساطة:

- إنها شاشة هولوجرامية جديدة، أنتجتها شركة (سوني)، ولو تابعت موقع (يوتيوب) بضعة أيام في تركيز، ستجد ما هو أكثر غرابة.

غمغم (جو) في تردّد:
- إذن فتلك الشاشة...
قاطعه الرجل، مجيباً:
- لم تكن موجودة أبداً.... إنها مبتكرة؛ لإخفاء مدخل الممر فحسب.

سأله (جو)، وتوتره يتزايد:
- وإلى أين يقودنا هذا الممر؟!...
أجابه في حزم:
- إلى القاعة.
سأله (جو) في سرعة:
- أية قاعة؟!..
سكت الرجل طويلاً، قبل أن يجيب في صرامة:
- ستعرف بعد قليل.

http://boswtol.com/sites/default/fil.../comer02_0.jpgكان جيش من العلماء يحاول فحص ذلك أو فهمه على الأقل





عقد (جو) حاجبيه في شدة، ولم يرق له هذه الجواب الصارم أبداً، ولكنه كتم غضبه هذا في أعماقه، واكتفى بتأمل ذلك الممر الطويل، الذي تحمله الأرضية المتحركة مع الرجل عبره...

كان ممراً مصنوعاً من ذلك المعدن المصقول ذاته، توَّزعت فيه مصابيح صغيرة على امتداده، بحيث تضيئه إضاءة متوسطة، لا هي بالهادئة، ولا هي بالشديدة، وباستثناء هذه المصابيح الصغيرة، لم تكن جدران الممر تحوي أي شيء آخر....
أي شيء على الإطلاق...
ولقد كان الممر طويلاً بحق....
طويل، حتى أنه استغرق منهما اثنتي عشرة دقيقة كاملة، قبل أن تتوقَّف أرضيته فجأة، وهما يقفان أمام باب كبير، مصنوع من المعدن نفسه....

وفي هدوء، مال الرجل، وحدَّق في دائرة صغيرة، انطلق منها شعاع ليزر دقيق، فحص قزحية عينه، قبل أن ينفتح الباب في بطء....
كان (جو) ينوي سؤاله عن تلك التكنولوجيا أيضاً، ولكن ما رآه خلف هذا الباب الكبير، جعل عينيه تتسعان في شدة....
لقد كان على حق....
كان على حق تماماً....

وذلك المشهد أمامه، كان يثبت هذا....
فهناك، وفي منتصف القاعة تماماً، ووسط جمع كبير من العلماء، الذين يتحركون في نشاط واهتمام كبيرين، ولم ينتبهوا حتى لدخولهما، كان ذلك الشيء يستقر....
ذلك الطبق الطائر، الذي رآه بنفسه....

الطبق الذي أسقطته المقاتلات المصرية، على مقربة من مدينة (الرحاب)....
وكان أثر إصابته واضحاً، في الجزء الأيسر الخلفي منه...
المدهش أنه لم يكن، على الرغم من إصابته، يستقر على أرضية القاعة....
بل كان يسبح فوقها.....

بوسيلة تكنولوجية ما، كان الطبق يسبح على نحو مضاد للجاذبية، على ارتفاع متر ونصف المتر من الأرضية.....
وكان من الواضح أن ذلك الجيش من العلماء، كان يحاول فحص ذلك، أو فهمه على الأقل.....
وبكل انفعاله، هتف (جو):
- إذن، فقد كنت على حق..
أجابه الرجل في هدوء، لم يخل من الحزم:
- أنت على حق منذ البداية..

التفت إليه (جو) في دهشة، هاتفاً:
- لماذا إذن...
لم يمنحه الرجل فرصة لإتمام تساؤله، وهو يقول:
- كان لابد من منعك من نشر الخبر..

اتسعت عينا (جو)، وهو يقول:
- ماذا تعني؟!...
جلس الرجل في هدوء، على مقعد قريب، وقال:
- اطمئن.... رؤيتك لتلك المركبة الفضائية العجيبة، ليست سبب إحضارنا لك هنا..
سأله (جو)، في تردَّد وتوتر:
- لماذا إذن؟!...

ظل الرجل يتطلَّع إليه لحظات في صمت، قبل أن يجيب في حزم:
-لست أنا من سيخبرك بهذا.
سأله في عصبية:
- من إذن؟!...
أجابه في صرامة:
- انتظر.

التقط (جو) نفساً عميقاً في عصبية، وأشاح بوجهه؛ ليراقب ذلك الطبق الطائر العجيب....
المفترض علمياً، ألا يطلق عليه ذلك الاسم البدائي، الذي بطل استخدامه منذ عقود من الزمن.....
إنه ليس طبقاً طائراً، بل جسم مجهول الهوية....
جسم وصل إلى كوكبنا....
وطاردته مقاتلاتنا.....
وأسقطته.....

كان يشك في هذا في البداية، والآن هو واثق....
واثق تماماً مما رآه....
ومما يراه أمام عينيه الآن....
لكن حتى هذا لا يجيب تساؤله الأساسي...
لماذا أحضروه إلى هنا؟!....
لماذا؟!...
السيد (جو).....

أتى الصوت من خلفه حازماً، فالتفت إلى صاحبه في حركة حادة، وللوهلة الأولى بدا له الرجل مألوفاً بشدة، ثم تذكر أنه رآه أكثر من مرة، في برامج تليفزيونية علمية عديدة....
إنه مستشار رئيس الجمهورية.....
المستشار العلمي للرئيس....

كان يتطلَّع إلى عينيه مباشرة، وهو يقول في هدوء رصين، وفي صوت قوي، أضفى عليه مهابة عميقة:
- مرحباً بك خنا.
سأله (جو) في توتر:
- وما هو هنا هذا بالضبط؟!..
أشار الرجل بيده حوله، وهو يقول:
- إنه مقر خاص للطوارئ، لم يخطر ببالنا قط، أن نستخدمه في أمر كهذا.
سأله (جو) بفراغ صبر:
- ولم أحضرتموني إليه بالضبط؟!..
أجابه الرجل في بساطة:
- لأننا نحتاج إليك.
سأله في سرعة متوترة:
- فيم؟!..

ولم يجب المستشار العلمي؛ وإنما أشار بيده إلى ركن بعيد، فأدار (جو) بصره معه، إلى الركن نفسه.....
واتسعت عيناه عن آخرهما في ذهول، أقرب إلى الصدمة.....
فما رآه هناك، في ذلك الركن، كان أمراً مذهلاً.....
وبكل المقاييس.

amedo_dolaviga 30-08-10 07:43 AM





http://boswtol.com/sites/default/fil...3/comer-01.jpgسيدة (إيناس)... من الواضح أنك قد أسأت فهم ما يحدث هنا




لماذا أطلقت هذه الصرخة؟!...
ألقى الرجل سؤاله، في صراحة غاضبة، على (إيناس) التي واصلت تراجعها بعينين متسعتين، وهي تقول في خوف عصبي:
- ملامحك
سألها، وقد غلب غضبه صرامته:
- ماذا عنها؟!
ارتجف صوتها في شدة، وهي تقول:
- تصورت أنك... أنك...
صاح فيها:
- أنني ماذا؟!
صرخت في عصبية:
- أنك ستقتلني...


اتسعت عينا الرجل، في دهشة كبيرة، وحدق فيها لحظات غير مصدق،

وهو يغمغم مستنكراً:
- أقتلك!!
واصلت تراجعها في خوف، في حين خفض هو عينيه، وبدا مستغرقاً في التفكير لحظات، قبل أن يقولا في لهجة، استعادت الكثير من الهدوء والحزم:
- سيدة (إيناس)... من الواضح أنك قد أسأت فهم ما يحدث هنا.
قالت في حدة:
وهل حاول أحدكم تفسيره لي؟!
- هز رأسه لحظات، وتمتم:
- أنت على حق.

ثم رفع عينيه إليها مرة أخرى، وقال متابعاً:
- أظن أن ما ننشده في زوجك، يعطيك الحق في معرفة الحقيقة... أو جزءاً منها على الأقل.
سألها في توتر شديد:
- وماذا تريدون حقاً في (جو)؟!

صمت لحظات، وكأنه يجري بعض الحسابات في ذهنه، ثم لم يلبث أن قال في حزم:
- سأخبرك..
"لست أصدق هذا!!! ..."
غمغم (جو) بالعبارة في اللحظة نفسها، في تلك القاعة التي حوت المركبة الفضائية الطائرة، وهو يحدق فيما بدا أنه حجرة زجاجية كبيرة، وضع بها ما يشبه بعض الأثاث، واستقر فيها ذلك الكائن...
وكان أشبه كثيراً بالبشر...

ولكنه لم يكن حتماً بشرياً...
وكانت له ملامح عجيبة، أشبه بملامح إنسان نايندرثال*، مع عينين واسعتين، وجبهة عريضة بارزة...
وكان يبدو يائساً بائساً، يرتدي شيئاً، أشبه بحلة فضائية من قطعة واحدة، ذات لون برتقال زاهٍ، ولقد استدار إليه في بطء، وحدق فيه وفي ذلك الرجل لحظات، قبل أن تتحرك شفتاه بشيء ما...

شيء لم يسمعه (جو)، ولم يهتم حتى بمعرفته، وهو يسأل الرجل في دهشة شديدة التوتر:
- ما هذا؟!
أشار الرجل بيده، مجيباً:
الناجي الوحيد من الحادث.

غمغم (جو) وكأنه لم يفهم ما قيل:
- الحادث؟!...
أشار الرجل بيده مرة أخرى، وقال:
- الحادث الذي شاهدته أنت... أو الذي شاهدت بداياته على الأصح.

* هامش: اسم يطلق على إنسان ما قبل التاريخ، والذي تمت العثور على بقاياه وجمجمة وبعض أدواته، منذ أكثر من قرن من الزمان، لتشير إلى ما كان عليه التكوين البشري، في عصور ما قبل التاريخ.


http://boswtol.com/sites/default/fil...3/comer-02.jpgإنهم حتى لا يعلمون بوجود هذا الكائن أو حتى مركبته الفضائية




غمغم (جون) في لهجة تجمع بين الذهول واللهفة:
- أتقصد ذلك الـ...
قاطعه الرجل قبل أن يكمل، وقال في حزم:
- لقد طاردته قواتنا، ونجحت في إسقاطه على الرغم من مناوراته المدهشة، وعند سقوطه لقي اثنان من طاقم الثلاثي مصرعهما، وبقي هذا.

اتسعت عينا (جو) وهو يقول:
- أتعني أن هذا...
قاطعه الرجل مرة أخرى:
- كائن من الفضاء الخارجي... أجل.

مرة أخرى، حدق (جو) في ذلك الكائن، غير مصدق ما تراه عيناه...
أهذه حقيقة؟!
أما رفض طيلة عمره تصديقه، هو حقيقة فعلية؟!...
أتوجد بالفعل كائنات عاقلة أخرى في الكون؟!...
كائنات ذكية...
متقدمة...
تستطيع الوصول إلينا...
أهذه حقيقة؟!

ظل يردد ذلك التساؤل الأخير في أعماقه، وهو يواصل التحديق في ذلك الكائن، الذي نهض من مكانه والتصق بالجدار الزجاجي لغرفته، مسنداً راحتيه شبه البشريتين عليه، وهو يواصل تحريك شفتيه بكلمات، لم يسمح بها الجدار الزجاجي بالعبور...
"لهذا نحتاج إليك"...

قالها الرجل، فانتفض (جو) وكأنما أيقظته العبارة من غيبوبة ما، وقال في توتر:
تحتاجون إليّ؟!
أجابه الرجل:
نعم... نحتاج إلى تخصصك النادر، ودراساتك المتميزة في عالم الصوتيات.
غمغم (جو)، ولم يستوعب عقله الأمر بعد:
- ولماذا؟!
عاد الرجل يشير إلى ذلك الكائن، قائلاً:
- حتى يمكننا التفاعل معه، وفهم ما يحاول قوله طوال الوقت.
غمغم (جو):
- هل تعني...

مرة أخرى قاطعه الرجل، وكأنما يعرف كل أسئلته مسبقاً، وقال:
- دراساتك حول كيفية استخدام الأصوات، التي يصدرها أي كائن، لمعرفة متطلباته، جعلتنا ندرك أنك الشخص الوحيد هنا الذي يستطيع مساعدتنا في هذا.

بدا ذاهلاً غير مصدق لحظات، وهو ينقل تحديقه من ذلك الكائن إلى الرجل، قبل أن يغمغم:
- وهل تعلمون عنها؟!
أجابه الرجل في حسم:
- بالتأكيد... دراسات هامة كهذه، لا يمكنها أن تمضي مرور الكرام... إننا نتابع عملك منذ البداية.
ثم ابتسم، قائلاً:
- ولكنني أصدقك القول، إننا لم نتوقع قط أن نستخدمها في أمر كهذا.
وصمت لحظة، ثم لوح بذراعه كلها، مضيفاً:
- بل لم نتوقع قط حدوث الأمر نفسه.

ظل (جو) يحدق فيه لحظات، في صمت ذاهل، ثم لم يلبث أن أدار عينيه إلى ذلك الكائن مرة أخرى، قائلاً:
- وأين الأمريكيون؟!
سأله الرجل في دهشة:
- وما شأن الأمريكيين بهذا؟!
هز (جو) كتفه، قائلاً في تردد وتوتر:
- المفترض أن لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال.
سأله الرجل في اهتمام:
- مجال علم التمييز الصوتي؟!

هز (جو) رأسه نفياً في بطء، وهو يقول في خفوت:
- بل في التعامل مع الكائنات الفضائية.
بدت دهشة كبيرة على وجه الرجل، قبل أن تتحول إلى ضحكة رصينة، وهو يقول:
- من أين جئت بهذا؟!
أجابه (جو)، في تردد أكثر:
- من ...من أفلامهم.

أطلق الرجل ضحكة صاخبة، قبل أن يميل نحوه، قائلاً:
- أستاذ(جوزيف)... إنها مجرد أفلام.
غمغم (جو) وكأن المعلومة أدهشته:
- حقاً؟!

اعتدل الرجل، وهو يقول مبتسماً:
- حقاً... إنهم حتى لا يعلمون بوجود هذا الكائن هنا، أو حتى مركبته الفضائية.
قالها بكل الثقة، دون أن يدري أن عبارته لم تكن حقيقية في الواقع...
وأن تطورات الأمور ستفوق كل توقعاته...
كلها...
على الإطلاق
****************



http://boswtol.com/sites/default/fil...comer-10-1.jpgجلست إيناس على أول شيء صادفها وهي تحدق في وجه الرجل في ذهول....




على الرغم من تصوّرها، أنها قادرة على استيعاب أية مفاجآت، بعدما حدث، عجزت ساقا (إيناس) عن احتمال ثقلها، فتراجعت؛ لتجلس على أول شيء صادفها، وهي تحدق في وجه الرجل في ذهول....
لقد شاهدت آلاف من أفلام الخيال العلمي في حياتها، وقرأت أعداداً هائلة من رواياته، وعلى الرغم من هذا، فلم يدر بخلدها لحظة، طوال عمرها، أنها يمكن أن تواجه شيئاً من هذا.... أبداً...
مركبة فضائية...
كائن فضائي....
رباه... إذن فهي حقيقة....
توجد بالفعل مخلوقات عاقلة أخرى غيرنا، في هذا الكون الفسيح...
مخلوقات قادرة على الوصول إلينا...
تماماً كأفلام الخيال العلمي....
ولكنها في هذه المرة، جزء من الفيلم...
واحدة من بطلاته...
وهذا ما بدا لها دوماً، من رابع المستحيلات...

جلست صامتة، تحدق ذاهلة في الفراغ، والرجل يقف أمامها، محترماً صمتها، متطلعاً إليها في اهتمام، قبل أن يقطع حبل الصمت هذا، مغمغماً:
- الحقائق دوماً أغرب من الخيال.
غمغمت، وهي ترفع بصرها إليه:
- الحقائق؟!
أومأ برأسه إيجاباً، وقال:
- صدقيني يا سيدتي... نحن أيضاً لم نتصوَّر حدوث شيء كهذا أبداً..
تمتمت في شيء من الحذر:
- ولكنكم استعديتم له.
قال في دهشة:
- مطلقاً... من وضع هذه الفكرة العجيبة في رأسك!..
أشارت إلى ما حولها، متمتمة في توتر، لم تحاول حتى السيطرة عليه:
- لقد أعددتم كل هذا.
جلس على مسافة قريبة منها، وهو يقول:
- إنه مقر للطوارئ، لم يخطر ببال مخلوق واحد استخدامه في هذا المضمار.
صمتت لحظات، قبل أن تسأله:
- أين نحن بالضبط؟!
صمت هو أيضاً لحظات، ثم قال في صرامة:
- في مكان ما من أرض (مصر).
همَّت بإلقاء سؤال آخر، فأضاف في صرامة أكثر:
- لقد عرفت كل ما يمكنك معرفته.
ونهض من المقعد، الذي لم يستقر عليه طويلاً، وهو يردف:
- وهو أكثر مما ينبغي.
بدا وكأنه يهَّم بالانصراف، فهتفت في حدة:
- وماذا عن (جو)؟!
ثبت في مكانه لحظات، ثم التفت إليها، قائلاً في صرامة:
- ماذا عنه؟!

في نفس اللحظة، التي نطق فيها عبارته، كان مدير المخابرات العامة المصرية يستقبل مندوباً خاصاً، من السفارة الأمريكية في (القاهرة)، طلب مقابلته على نحو عاجل، وكان يصافحه، قائلاً في حذر هادئ:
- ترى ما سر إلحاح السفارة على هذه المقابلة العاجلة؟!..
جلس مندوب السفارة أمامه، وفتح حقيبته الدبلوماسية الأنيقة، وهو يقول:
- دولتي تطلب تفسيراً لأمور تتجاوز المألوف هنا.
تراجع مدير المخابرات في مقعده، وهو يقول في صرامة حازمة:
- أظن أن ما يحدث هنا، أياً ما كان، هو شأن مصري خالص.
أشار مندوب السفارة بسبَّابته، قائلاً:
- هذا لو أنه شأن مصري.
ثم أخرج من حقيبته الأنيقة مجموعة من الصور، وضعها أمام مدير المخابرات، وهو يضيف:
- ولكنه يبدو لنا شأناً عالمياً.

في صمت تام، وبوجه خال من الانفعالات تماماً، تطلَّع مدير المخابرات إلى الصور في اهتمام..
كان من الواضح أنها مجموعة من صور الأقمار الصناعية، تم التقاطها لمنطقة مدينة (الرحاب)، في توقيت سابق...
صور تنقل، وبكل وضوح، تلك المطاردة، التي دارت في سماء المدينة الجيدة، بين المقاتلات المصرية، وتلك المركبة الفضائية...
ثم تنقل مشهد سقوطها...
ومحاصرة المنطقة، بواسطة قوات الجيش...
ومرحلة نقل المركبة...
و....
" أين أخفيتموها يا سيادة الوزير؟!..."*
قطع مندوب السفارة انتباه مدير المخابرات بالسؤال، فرفع المدير عينيه إليه في صمت، دام بضع لحظات، قبل أن يقول في صرامة:
- أترى ما يدور على أرض (مصر) شأناً عالمياً؟!..
حاول مندوب السفارة أن يبادله صرامة بصرامة، وهو يقول:
- عندما يأتي جسم ما من الفضاء، فهو شأن عالمي.
مال مدير المخابرات نحوه، وهو يقول بمنتهى الصرامة:
- بالنسبة لأي قانون؟!..
تراجع الرجل بحركة حادة مصدومة، وهو يرددَّ مستنكراً:
- قانون؟!
أجابه مدير المخابرات، بنفس الصرامة:
- تدَّعون دوماً أنكم دولة تحترم القانون، ومادمتم قد جرؤتم على دس أنفكم في أمور مصرية بحتة، فلا ريب أنكم تستندون إلى قانون ما... قانون دولي، أو حتى مصري..

http://boswtol.com/sites/default/fil...comer-10-2.jpgلسنا مجرَّد دولة عظمى يا سيادة الوزير... إننا الدولة العظمى الأولى في العالم






وزاد من ميله نحوه، وصرامته تكتسب رنة خطيرة، وهو يضيف، متطلَّعاً بعينين قاسيتين إلى الرجل:
- وإلا فسيعنى هذا أنكم تتدخلون بلا أي سند، ومن غير الممكن طبعاً أن تتصوَّروا أننا سنخضع، أو نقبل بهذا، على أي نحو كان، فقط لأنكم دولة عظمى.
احتقن وجه مندوب السفارة، وهو يقول في عصبية:
- لسنا مجرَّد دولة عظمى يا سيادة الوزير... إننا الدولة العظمى الأولى في العالم... نحن زعماء العالم الجديد.
تراجع المدير قائلاً في حزم:

- هذا لا يعطيكم أي حق، في دس أنفكم في شئوننا.
ازداد احتقان وجه المندوب، وهو يقول:
- اسمعني جيداً يا سيادة الوزير... ما حدث لم يكن مفاجأة تامة لنا... لقد رصدت أقمارنا الصناعية تلك المركبة الفضائية، منذ اقترابها من كوكب الأرض، ولكننا كنا نتوقَّع هبوطها في الولايات المتحدة.
قال المدير، في لهجة صارمة، تحمل رنة ساخرة:
- لأنها زعيمة العالم الجديد..
قال المندوب في حدة:
- كَّلا، ولكن لأن أية مخلوقات عاقلة، تقترب من كوكب الأرض، سترصد حتماً أننا أكثر مناطق الأرض توتراً وتحضراً، وهذا سيدفعها للهبوط لدينا حتماً.
واصل المدير لهجته الساخرة، وهو يقول:
- من الواضح أنها كانت تبحث عن أمر آخر..
بدا وجه المندوب وكأنه سينفجر، من فرط الاحتقان، وهو يقول:
- دعنا نكون صرحاء يا سيادة الوزير.... بغض النظر عن هبوط تلك المركبة هنا؛ فكلانا يعلم جيداً أن (أمريكا) وحدها تملك المعرفة والتكنولوجيا اللازمتين؛ للتعامل مع أمر كهذا.
غمغم مدير المخابرات في هدوء:
- حقاً؟!..
بدت الكلمة ساخرة تماماً، بالنسبة لمندوب السفارة؛ فقال في عصبية شديدة:
- هل يمكنكم إنكار هذا؟!..

طال الصمت هذه المرة، وكلاهما يتطلَّع إلى عيني الآخر في تحد، قبل أن يقول مدير المخابرات في صرامة:
- عندما سقطت مركبة فضائية، عام 1947 م، في بلدة (روزويل) في (نيو مكسيكو)، تكتّمت الأمر تماماً، وحاولت، طوال ما يزيد عن نصف القرن، إنكار حدوثه من الأساس **
هل تعلم لماذا؟!..

لم ينطق مندوب السفارة بحرف واحد، وهو يتطلَّع إلى المدير في عصبية، فتابع هذا الأخير في حزم:
- لأن التكنولوجيا التي حوتها المركبة الفضائية، كانت تفوق كل التكنولوجيا المعروفة في كوكب الأرض بقرن كامل على الأقل... صحيح أنكم لم تستطيعوا فهم معظمها حتى الآن، ولكن ما كشفتم ألغازه، ساعدكم على ربح سباق الوصول إلى القمر قبل السوفيت، الذين سبقوكم في الدوران حوله.
قال المندوب، في عصبية شديدة:
- ما الذي ترمى إليه بالضبط يا سيادة الوزير؟!..
أجابه الوزير في صرامة:
- إن السبب نفسه هو الذي دعاكم إلى هذا التدخَّل السافر... التكنولوجيا... تخشون لو استأثرنا بهذا، أن نتطور تكنولوجياً، أو نمتلك شيئاً لم تتوصلوا إليه، ولا يملكه الإسرائيليون....
كان من الواضح أن استنتاجه، وخاصة الجزء الأخير منه، قد أصاب كبد الحقيقة مباشرة، لذا فقد انتفض المندوب في عنف، وهو يقول في حدة:
- مادمنا قد بلغنا هذا الحد، فاسمح لي أن أنقل الجزء التالي من رسالتنا إليكم، والذي كنت أدخره للنهاية.
ثم نهض بحركة حادة، واستند براحتيه على سطح مكتب المدير، وهو يضيف، بكل ما أمكنه من صرامة:
إننا سنبذل كل جهودنا، للحصول على تلك المركبة الفضائية، حتى لو اضطررنا للحصول عليها...
واشتعلت عيناه، وهو يضيف في غلظة:
- بالقوة.

وضاقت عينا مدير المخابرات في شدة...
وانعقد حاجباه في غضب...
فقد كان هذا يعني أن الأمور تتطوَّر على نحو خطير...
خطير للغاية....
وإلى أقصى حد.

*مدير المخابرات العامة فى منصب وزير سيادي
**واقعة حقيقية..

amedo_dolaviga 30-08-10 07:48 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...comer11-01.jpg(جو).... اسمي (جو)




تماماً كما طلب (جو)، تم نقل ذلك الكائن إلى حجرة خاصة، مجَّهزة بكل الأجهزة السمعية المتطوًّرة...
أجهزة يعرفها، ويقرأ عنها...
ولكنه لم يتصور، حتى أن يلمسها أبداً...
أجهزة يتجاوز ثمن الواحد منها مقدار ما ربحه، في السنوات الخمس الأخيرة....
على الأقل...

وعلى مقعد صغير، في الركن البعيد، جلس صاحب الحلة السوداء يراقبه في صمت، وهو عاقد ساعديه أمام صدره؛ فتطلَّع إليه (جو) لحظات، ثم التفت إلى ذلك الكائن، وتطلًّع إليه لحظات في صمت مماثل....
كان من الواضح أنه يألف الأجهزة التكنولوجية، ويدرك أنهم يحاولون إيجاد وسيلة ما للاتصال معه...
كان يقف في اهتمام، متطلعاً إلى (جو)، وناقلاً بصره، كل بضع لحظات، بينه وبين ذلك الجالس في الركن...
وفي بطء وتركيز، أشار (جو) إلى صدره، قائلاً، دون أن يرفع بصره عنه لحظة:
- (جو).... اسمي (جو).
انتبه الكائن، وقال على الفور، ودون لحظة تفكير:
- (موجال).

قالها، وضرب على صدره براحته، واعتدل في حزم، مكرراً:
- (موجال).... (ميروز).
انعقد حاجبا (جو)، وهو يسأله في اهتمام، وبنفس البطء:
- اسمك (موجال ميروز).

هزَّ الكائن رأسه نفياً، وكأنما فهم العبارة تماماً، وعاد يشير إلى صدره قائلاً:
- (موجال)
ثم رفع يده وبصره إلى أعلى، مردفاً:
- (ميروز).
اعتدل (جو)، مغمغماً في اهتمام:
- فهمت.

بدا الرجل متوتراً متحفزاً، وهو ينهض من مقعده، متسائلاً، في لهجة حملت من الصرامة، أكثر مما حملته من التساؤل:
- ماذا فهمت بالضبط؟!..
أجابه (جو)، دون أن يلتفت إليه، ودون أن يرفع عينيه عن ذلك الكائن:
- أظنه شديد الوضوح.

وأشار إلى الكائن، مكملاً:
- يقول إن اسمه (موجال).
ثم رفع يده إلى أعلى، مضيفاً:
- وجاء من كوكب يدعى (ميروز).

تألقت عينا الكائن، عندما فعل (جو) هذا، وقال في حماس، وهو يرفع يده إلى أعلى:
- (ميروز).... (ميروز).

ثم تبع هذا بكلمات حماسية سريعة، لم يفهم الرجل منها حرفاً واحداً، وإن رصدها (جو) كلها على أجهزته، ثم راح يتابع المؤشرات في اهتمام بالغ، والرجل يكَّرر في توتر:
- ماذا فهمت؟!

التفت إليه (جو)، في حدة لا تناسب طبيعته، وهتف في غضب:
- اصمت.

تراجع الرجل كالمصعوق، وانقلبت دهشته، بعد لحظة واحدة إلى حالة من غضب عارم، وهو يهَّم بقول شيء ما، ولكن (جو) صاح مكملاً:
- إنك تفسد كل ما ينبغي عمله هنا.... لو أنك تريد المراقبة، فاجلس صامتاً في الركن، أو راقب من الخارج.
انتفض الرجل في غضب، وهو يقول:
- إنها مسألة أمن قومي.

صاح فيه (جو):
- هذا بالضبط ما قصدته.... إنك تخيفه بأسلوبك السخيف هذا، ولو شعر بالخوف أكثر، سيتوقف عن التجاوب، وسنخسر كل شيء... ألا يتعارض هذا، مع ما تسميه بالأمن القومي؟

صمت الرجل لحظات، ثم عاد إلى مقعده، وجلس عليه، وعقد ساعديه أمام صدره في قوة، وإن لم تفارق علامات الغضب ملامحه...

عندئذ فقط، التفت (جو) إلى شاشة أحد الأجهزة...
ثم انعقد حاجباه في شدة....

فما نقله إليه الجهاز على الشاشة، كان حقاً مدهشاً....
وإلى أقصى حد....


http://boswtol.com/sites/default/fil...comer11-02.jpg لقد تجاوز هؤلاء الأمريكيون كل مدى ممكن




بدا الغضب الشديد على وجه رئيس الجمهورية، وهو يستمع إلى مدير المخابرات، قبل أن يقول:
- أية وقاحة هذه.... لقد تجاوز هؤلاء الأمريكيون كل مدى ممكن.

قال مدير المخابرات في اهتمام:
- من الواضح أن الأمر شديد الأهمية والخطورة، بالنسبة لهم، ثم إن الحادثة كلها أثبتت أنهم يراقبوننا طوال الوقت، عبر أقمارهم الصناعية...

قال الرئيس في ضيق عصبي:
- هذا صحيح.

وصمت لحظة، ثم أضاف في حزم:
- ولكنني سأتقدم باعتراض مباشر على ما حدث.

قال مدير المخابرات في تردّد:
- لقد أبلغت مندوبهم أن هذا ما سنفعله، ولكن....
صمت قبل أن يتم عبارته؛ فسأله الرئيس في صرامة:
- ولكن ماذا؟!..
أجابه في حذر:
- ولكنه قال: إن هذا لن يوقفهم.

انعقد حاجبا الرئيس في غضب، ولكنه لم يعلق بحرف واحد، وهو يتجه نحو مكتبه، ويجلس خلفه مفكراً، ثم يقول:
- ما الذي تعتقد أن يعنيه هذا؟!...

أجابه مدير المخابرات على الفور:
- أنه لا شيء سيمنعهم، من الحصول على تلك التكنولوجيا القادمة من الفضاء.

تراجع الرئيس في مقعده، مغمغماً في قلق:
- هل تعتقد هذا حقا؟!
أومأ مدير المخابرات برأسه إيجاباً، وقال:
- ليس هذا فحسب يا سيادة الرئيس؛ بل أعتقد أن الأمر لن يقتصر على الأمريكيين وحدهم
اعتدل الرئيس في انفعال، متسائلاً:
- ماذا تعني؟!
أجابه في قلق واضح:
- قوى كثيرة في العالم، تسعى الآن لقهر الزعامة الأمريكية، وتبحث عن قوة ما، ترفعها درجة في سلم السيطرة، ولو أنها علمت بأمر المركبة الفضائية، فستتحول مصرنا إلى ساحة قتال رهيبة.

انعقد حاجبا الرئيس مرة أخرى، ونهض من خلف مكتبه، وعقد كفيه خلف ظهره، وهو يتحرَّك في عصبية مفكراً، قبل أن يسأل مدير المخابرات:
- هل تم تأمين مقر استمرار الحكومة جيداً؟!

اعتدل مدير المخابرات، في وقفة عسكرية، وهو يجيب في حزم:
- على نحو تام يا سيادة الرئيس.
ظل الرئيس معقود الحاجبين بضع لحظات، قبل أن يسأل:
- وماذا عن المقر الآخر.

أجابه مدير المخابرات في سرعة:
- اطمئن يا سيادة الرئيس.
التقط الرئيس نفساً عميقاً، قبل أن يقول:
- في هذه الحالة، يتعين عليكم، وعلى جهاز مباحث أمن الدولة، تأمين البلاد من الداخل، و....

قبل أن يتم عبارته، ارتفع رنين هاتف أحمر خاص، على سطح مكتبه، فالتفت إليه في حركة سريعة متوترة، وغمغم في قلق عارم:
- إنه وزير الدفاع.
أسرع يلتقط سماعة الهاتف، ويسأل في توتر:
- ماذا هناك يا سيادة الوزير؟!..

أجابه الوزير في لهجة عسكرية، حملت الكثير من التوتر:
- سيدي الرئيس.... إنهم الإسرائيليون.
سأله الرئيس، وقد تضاعف توتره:
- ماذا عنهم؟!
أجابه الوزير في سرعة:
- قواتهم يا سيادة الرئيس.... قواتهم تتحرَّك في تشكيل هجومي.... نحو حدودنا في (سيناء).

وفي هذه المرة، انعقد حاجبا الرئيس في منتهى الشدة....
فقد كان هذا تطوراً خطيراً...
إلى أقصى حد.

****************





http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-12-01.jpgلم يتمالك (جو) نفسه من الدهشة وهو يحدَّق في تلك الشاشات




لثوان، لم يتمالك (جو) نفسه من الدهشة، وهو يحدَّق في تلك الشاشات عالية التكنولوجيا أمامه....
لقد درس علم التعريف الصوتي لسنوات... درسه نظرياً.... وحاول جاهداً تطبيقه علمياً...
حاول مع حيوانات بسيطة... وثدييات أكثر تعقيداً...

بل لقد أجرى بعض تجاربه على بعض الصم والبكم، لمحاولة لبدء اللعبة...
وفي كل مرة، كان يحصل على نتائج محدودة...
محدودة للغاية...

نتائج كانت تحتاج منه إلى ساعات من الفحص والتمحيص والدراسة والتحليل، قبل أن يتوصل إلى ما يعنيه أي شيء من الأصوات التي يصدرها...
ثم فجأة، يجد نفسه أمام هذه الحالة...

كائن قادم من الفضاء، من كوكب آخر... وربما مجرَّة أخرى، ولكنه يستجيب بشكل مدهش...
بل بشكل مذهل!!..

الإشارات التي أمامه تقول هذا...
"أنا كائن عاقل مثلكم؛ فلماذا تسجنونني في قفص من الزجاج، كالحيوانات الدنيا؟!."
هذا ما نقلته الشاشة في وضوح...
هذا ما قاله الكائن، بلغته غير المعروفة، بين كل لغات الأرض، القديمة أو الحديثة... الحية أو الميتة...
هذا ما قاله...
أو ما فهمته الأجهزة...
وبكل وضوح...
" ماذا قال؟!.."

ألقى الصارم الجالس في الركن السؤال، في شيء من العصبية، ولكن (جو) لم يلتفت إليه، مع شدة انتباهه لما رسمته الشاشة؛ فكرَّر سؤاله في عصبية أكثر، وهو ينهض من مقعده بحركة شبه حادة...

حركة جعلت ذلك الكائن يتراجع في توتر، وهو يطلق غمغمة عصبية، جعلت (جو) يلتفت إلى الرجل، قائلاً في حدة وصرامة:
- عد إلى مقعدك.
قالها (جو)، دون أن يهتم بكون ذلك الرجل هو حارسه...
بل دون حتى أن يشعر بهذا....

كانت تلك اللحظة، التي يحقَّق فيها ما بدا له أشبه بالمعجزة، في علم التعريف الصوتي، تطلق رجفة علمية قوية، في كل ذرة من كيانه، حتى أنه لم يكن مستعداً للتخلي عنها...
مهما كان الثمن...

ولكن أسلوبه هذا أغضب الرجل...
أغضبه، وجعله يندفع أكثر نحو (جو)، وجعل ذلك الكائن يتراجع أكثر، وجعل (جو) يصرخ في عصبية:
- قلت: عد إلى مقعدك.

وللعجب، توقف الرجل دفعة واحدة، وهو يتطلَّع إليه بعينين مشتعلتين... توقَّف، وبدا شديد الانتباه والاهتمام...
توقَّف في الواقع؛ لأنه تلقى تعليمات بهذا...


http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-12-02.jpgقال محاولاً تهدئته: لن يحدث هذا ثانية.. أعدك




ليس عبر صرخة (جو) أو عصبيته؛ ولكن عبر سمَّاعة دقيقة للغاية، مغروسة في فراغ أذنه اليسرى...

تعليمات صارمة، أتته من مصدر ما، وجعلته يتراجع، ويجلس مرة أخرى على مقعده...
وهنا فقط، استدار (جو) إلى ذلك الكائن، وقال محاولاً تهدئته:
- لن يحدث هذا ثانية.... أعدك.

تطلَّع إليه ذلك الكائن في شك واضح؛ ولكنه كررَّ عبارته، وهو يرسم على وجهه ابتسامة ما...
ابتسامة بدت مضطربة متوترة، ولكنها جعلت ذلك الكائن يعتدل، ويلقى نظرة حذرة على الرجل، الذي عقد ساعديه أمام صدره، وزم شفتيه، ولاذ بالصمت التام، قبل أن يشير إليه، ويهمهم بلغته غير المعروفة...

وبسرعة، نقل (جو) بصره إلى شاشة الجهاز...
" أهو القائد؟!..."
بدت العبارة واضحة للغاية، فأسرع (جو) بدفع برنامج الأجهزة لدراستها وتخزين مفرداتها، قبل أن يرفع عينيه إلى الكائن، مغمغماً:
- إنه مجرد حارس.

لم يرق هذا للرجل بالتأكيد؛ إلا أنه اكتفى بعقد حاجبيه، وزم شفتيه أكثر، ودون أن ينطق بحرف واحد...

وفي قلق، نظر إليه ذلك الكائن لحظة، ثم لم يلبث أن عاد ببصره إلى (جو)، وبدأ يتحدَّث بلسانه وذراعيه، في سرعة كبيرة، أربكت الأجهزة تماماً، فهتف به (جو):
- أبطأ أرجوك.... أبطأ
ولكن الكائن واصل حديثه في حماس، وكأنه لم يسمعه، فهتف (جو):
- أبطأ يا هذا.

التفت إليه الكائن بحركة حادة، وحدَّق فيه لحظة، أجبر (جو) خلالها شفتيه على الابتسام، وهو يقول:
- لا أستطيع متابعتك.
قالها، وهو يشير إلى شفتيه، ويحرَّك أصابع كفيه أمامهما، محاولاً أن يقرن قوله بحركات تحمل المعنى نفسه....

ولثوان، ظل ذلك الكائن يحدَّق فيه، ثم لم يلبث أن اقترب من الجدار الزجاجي، حتى كاد يلتصق به، ثم رفع يده، مشيراً إلى أعلى، وهو يتحدَّث ببطء...
بمنتهى البطء...

وفي هذه المرة، سجَّلت الأجهزة كلماته...
وحللَّتها...
ونقلتها إلى الشاشة...
وانعقد حاجبا (جو) بشدة...
" ماذا طلب بالضبط؟!...."

ألقى المسئول الأوّل هذا السؤال على (جو)، في اهتمام بالغ؛ فبدأ هذه الأخير شديد الحماس، وهو يجيب:
- خريطة فلكية.... يريد أن يحدد لنا موقع كوكبه.
تطلَّع المسئول، في شك وحذر، إلى المنحنيات التي طبعها (جو) عن شاشة أجهزته، وهو يتساءل:
- وأين هذا بالضبط؟!..

أشار (جو) إلى سطر من المنحنيات، وهو يقول بنفس الحماس:
- هنا.
نظر المسئول، في شك وحذر أكثر، إلى المنحنى المعقَّد، وانعقد حاجباه في شدة، وهو يحاول فهمه، قبل أن يعتدل، قائلاً في صرامة:
- لست أرى سوى منحنيات غير منتظمة.


حدَّق (جو) فيه، في دهشة مستنكرة، قبل أن يقول:
- ليست مجرد منحنيات.... إنها كلمات.
سأله الرجل في صرامة:
- بأية لغة؟..

شعر (جو) بصدمة علمية، جعلته يجيب في عصبية:
- بلغة العلم
تراجع الرجل، وهو يغمغم في توتر:
- لغة ماذا؟!..


أجابه في حدة:
- اللغة التي أحضرتموني هنا من أجلها... اللغة القادرة على تحويل أية أصوات مسموعة، إلى معان واضحة، بغض النظر عن مصدرها... اللغة الوحيدة، التي مكَّنتنا من فهم ما يقوله ذلك الكائن الـ....

قاطعه المسئول في صرامة:
- هذا ما تقوله أنت.
توقَّف (جو) ليحدَّق فيه بدهشة أكبر، قبل أن يرددَّ مستنكراً:
- ما أقوله أنا؟!..

هــزَّ المسئول كتفيه، وقال:
- ما أراه أنا، وما سيراه رؤسائي، مجَّرد منحنيات، لا توجد أية مراجع لترجمتها، وأنت المرجع الوحيد لها، وتتعامل معنا بصفتك الممثل لذلك الكائن، وليس لنا.
بدا (جو) شديد الدهشة والاستنكار، وهو يقول:
- أي قول هذا؟!...

شد المسئول قامته، وهو يجيب في صرامة:
- القول الأمني... مهمتي الأولى، هي الحفاظ على أمن (مصر) القومي، وهذا يتعارض مع اتخاذ أي إجراء، دون دراسته جيداً.

قال (جو) في حدة:
- وما الذي يتعارض مع الأمن القومي، في محاولة ذلك الكائن، تحديد موقع الكوكب الذي أتى منه!!

مال المسئول نحوه بحركة مباغتة، جعلت (جو) يتراجع في حدة، والمسئول يقول في صرامة:
- ومن أدراك أن هذا ما يستهدفه؟!..
حدَّق فيه (جو) لحظة أخرى، وقال حائراً، متوتراً:
- وما الذي يمكن أن يستهدفه سوى هذا؟!

أجابه في صرامة:
- تحديد موقع كوكبنا نحن
بدا الجواب سخيفاً للغاية، حتى أن (جو) عجز عن الكلام لحظات، قبل أن يقول في توتر:
- لقد وصل إلينا... أليس كذلك؟!

هــز المسئول كتفيه، وقال:
- ربما هو مجرد طليعة استكشافية، وسيرسل الآن موقع الكوكب، الذي وجد عليه مخلوقات عاقلة لقيادة كوكبه.

غمغم (جو) ذاهلاً:
- طليعة استكشافية؟!... هل تتصور أن مركبة فضائية بهذا الحجم، يمكن أن تقطع الفضاء، من كوكب مأهول إلى هنا بمفردها؟!

انعقد حاجبا المسئول، وهمّ بقول شيء ما، لولا أن اندفع مساعده إلى الحجرة، هاتفاً:
- الإسرائيليون يا سيدَّي.

التفت إليه الاثنان، وكان (جو) أوَّل من هتف في انزعاج:
- ماذا عنهم؟
شهق الرجل لسبب ما، قبل أن يهتف، في صوت ارتجف كل حرف منه:
- إنهم يهاجموننا.

واتسعت عينا (جو) في ذعر وذهول...
بلا حدود.

amedo_dolaviga 30-08-10 07:50 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...0/Feb/07/1.jpgلماذا يهاجم الإسرائيليون في رأيك يا سيادة الرئيس؟!




على عكس ما اعتاده، وصل السفير الأمريكي إلى قصر الرياسة منتفخ الأوداج، ودخل مكتب الرئيس مشدود القامة، ومدَّ يده يصافح الرئيس، قائلاً:
- يسعدني أن أبلغك في البداية تحيات الرئيس الأمريكي، يا سيادة الرئيس.

تجاهل رئيس الجمهورية اليد الممدودة إليه، وهو يقول في صرامة:
- أقماركم الصناعية رصدت ما يحدث في (سيناء) بالتأكيد.

رفع السفير رأسه، وأعاد يده إلى جواره، وهو يجيب:
- أمر طبيعي.

سأله الرئيس في صرامة، دون أن يدعوه للجلوس:
- أي أمر هو الطبيعي... ما يحدث في (سيناء)، أم رصد أقماركم الصناعية له؟!..

صمت السفير لحظات، قبل أن يجيب، وهو يضغط كل حرف من حروف كلماته:
- ربما كليهما.

رددَّ الرئيس في غضب:
- ربما؟!..

اكتسب صوت السفير بعض الصرامة، وهو يقول:
- أقمارنا الصناعية تراقب المنطقة كلها طوال الوقت؛ باعتبارها من أكثر المناطق سخونة في العالم، والإسرائيليون، عندما يهاجمون، فهم يحاولون دوماً حماية حدودهم، و...

قاطعه الرئيس بضربة قوية من قبضته على سطح مكتبه، قبل أن يهتف في غضب شديد:
- كفى.

تراجع السفير في دهشة مصدومة، وحدَّق في الرئيس، الذي واصل بنفس الغضب:
- لسنا هنا أمام مؤتمر صحفي، حتى تتلاعب على هذا النحو... كلانا يعرف جيداً حقيقة ما يحدث هناك... في (سيناء).... الإسرائيليون لا يهاجمون لحماية حدودهم... وعلى الرغم من اتفاقية السلام، بيننا وبينهم؛ فجيشنا مستعد دوماً لصد هجومهم، والتعامل معهم، على نحو مناسب، وأنتم تعلمون أن ما حدث عام 1967م، لا يمكن أن يتكرَّر أبداً..

انعقد حاجبا السفير الأمريكي، وهو يقول في عصبية:
- لماذا إذن يهاجم الإسرائيليون في رأيك، يا سيادة الرئيس؟!..

أجابه الرئيس في صرامة:
- محاولة للضغط علينا.
قال السفير في سرعة:
- من أجل ماذا؟!..

تراجع الرئيس في مقعده، وهو يقول بنفس الصرامة:
- من أجل ما تزعمونه، عن وجود مركبة فضائية غير أرضية هنا.
صمت السفير لحظات، ثم قال في بطء:
- ما نزعمه، أم ما رصدناه يا سيادة الرئيس؟!..

عاد الرئيس يضرب سطح مكتبه بقبضته، وهو يقول:
- أياً كان الأمر، فأنتم تدسون أنفكم في شئون داخلية..

صمت السفير لحظات أطول هذه المرة، ثم مال نحو الرئيس، وقال في حزم، يتنافى مع أصول اللياقة والدبلوماسية:
- هبوط مركبة فضائية على الأرض، ليس من الشئون الداخلية يا سيادة الرئيس... إنها مسألة أمن قومي أمريكي.

قال الرئيس في صرامة غاضبة:
- وماذا عن الأمن القومي المصري؟!..

اعتدل السفير بحركة حادة، وقال في صرامة:
- أظنكم تتعرضون لهجوم إسرائيلي، يهدد أمنكم القومي يا سيادة الرئيس.

قال الرئيس صارماً:
- وأنتم تستطيعون إيقاف هذا الهجوم.

هزّ السفير كتفيه، وقال في ثقة:
- ليس لديّ أدنى شك في هذا يا سيادة الرئيس.
قال الرئيس:
- والثمن طبعاً أن نسلمكم تلك المركبة الفضائية؟!..

أجابه في سرعة وحزم:
- والكائنات التي كانت داخلها.

بدا الرئيس أكثر غضباً، وهو يقول:
- وماذا لو رفضنا... رسمياً؟!..

أجابه السفير في صلف:
- سيتعرض أمنكم القومي للخطر.

قال الرئيس في صرامة شديدة:
- وماذا عن السيادة؟!..

رددَّ السفير في حذر، وكأنه لم يفهم ما تعنيه الكلمة:
- السيادة؟!..


http://boswtol.com/sites/default/fil...Feb/07/2_0.jpgأصدرت أوامري للجيش بالالتحام مع الإسرائيليين فوراً




نهض الرئيس بحركة حادة، وقال بمنتهى الصرامة:
- سيادتنا على أرضنا أيها السفير.... أمننا القومي نحن أهل لحمايته والذود عنه، وسيادتنا هي أساس وجودنا، ولن نسمح لأية قوى، مهما كانت، أن تهددها... لو أراد الإسرائيليون الحرب، فهي الحرب.... سنخوضها بكل قوتنا، وكل قطرة دم في عروقنا، وسندافع عن وجودنا وكياننا وسيادتنا على أرضنا، مهما كان الثمن.... أنتم والإسرائيليون فقط ستخسرون.

أنتم ستخسرون حليفاً قوياً، وهم سيخسرون اتفاقية سلام، ساعدتهم على الاستقرار لسنوات.... فلتكن الحرب أيها السفير.... أبلغ رئيس الولايات المتحدة بهذا... وليندم الخاسرون في النهاية...

احتقن وجه السفير، وهو يقول في عصبية:
- أهذا جواب نهائي؟!..

شدَّ الرئيس قامته، وعقد كفيه خلف ظهره، وهو يقول في صرامة شديدة، وحزم بلا حدود:
- دون ذرة من التردد.

ازداد احتقان وجه السفير، على نحو يوحي بأنه قد تلقى جواباً يخالف كل ما توقَّع الحصول عليه، وتراجع وهو يقول، في صوت محتقن كوجهه:
- سأخبر الرئيس بهذا.... فوراً.

ظلًّ الرئيس على وقفته، حتى غادر السفير الأمريكي المكان، ثم التفت إلى باب جانبي، مغمغماً:
- لقد سمعت كل شيء.

خرج مدير المخابرات من خلف الباب، وهو يغمغم في قلق:
- هذا ما توقعناه يا سيادة الرئيس.

أومأ الرئيس برأسه، قائلاً:
- لهذا أصدرت أوامري للجيش، بالالتحام مع الإسرائيليين فوراً.

صمت مدير المخابرات لحظات، ثم غمغم:
- وهل تعتقد أن الأمر يستحق إشعال حرب يا سيادة الرئيس؟!..

أجابه الرئيس في حزم:
- نحن ندافع عن سيادتنا على أرضنا، وليس عن مركبة أتت من الفضاء يا مدير المخابرات..

عاد مدير المخابرات إلى صمته بضع لحظات، قبل أن يهزَّ رأسه، قائلاً:
- كجزء من عملنا، وضعنا أكثر من تصوَّر، عن انتهاك الإسرائيليين لاتفاقية السلام، ومبادرتهم بالهجوم، ووضعنا عدة سيناريوهات محتملة لكل تصوَّر، ولكننا في الواقع لم نتخيَّل لحظة واحدة، ذلك الذي حدث.

تنهد الرئيس، قائلاً:
- ومن كان يتوقعَّه؟!...
ران الصمت على كليهما بعد عبارته، وطال بعض الوقت، قبل أن يقول الرئيس في حزم:
- متى يصل وزير الدفاع؟!..
أجابه مدير المخابرات:
- إنه في الطريق إلى هنا... كان عليه أن يتواجد في غرفة العمليات الرئيسية، فور وقوع الهجوم.

صمت الرئيس لحظات أخرى، ثم قال في صرامة:
- لقد كنت أعني كل كلمة قلتها للسفير.... هم الذين سيخسرون بسبب هذا.
غمغم مدير المخابرات:
- بالتأكيد.

ثم أضاف، وهو يلتفت إلى الرئيس:
- ولكن خبرتنا مع الأمريكيين، تؤكد أنهم لن يكتفوا بهذا، ولن يتوقَّفوا عن التهديد.
التفت إليه الرئيس بدوره، يسأله في اهتمام وقلق:
- ماذا تتوقَّع أن يفعلوا؟!..

أجابه في حزم:
- عملية مخابرات.

انعقد حاجبا الرئيس، وهو يقول مرددَّاً:
- عملية مخابرات.


واصل مدير المخابرات في حزم:
- سيسعون بكل السبل، لمعرفة موقع المركبة الفضائية، ثم سيعدون خطة انتحارية للاستيلاء عليها.
تساءل الرئيس:
- من داخل حدودنا؟!..

أومأ مدير المخابرات برأسه إيجاباً، وقال:
- ربما كان الهجوم الإسرائيلي مجرَّد تحويل انتباه، عن الهدف الفعلي، أو ....
ارتفع رنين هاتفه الخاص في هذه اللحظة،
فبتر عبارته، وقال:
- هل تأذن لي يا سيادة الرئيس.... هذا الهاتف لا يتصل به أحد، إلا عند حدوث أمر جلل.

أشار إليه الرئيس أن يجيب الهاتف؛ فالتقطه في سرعة، واستمع إلى محدَّثه في اهتمام، قبل أن ينعقد حاجباه في شدة وتوتر، سرعان ما انتقلا إلى الرئيس نفسه...
هذا لأن انفعاله كان يعني أن ما يتلقاه أمر بالغ الخطورة....
إلى أقصى حد.

******************


http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-14-01.jpg
لم يشعر (جو)، في حياته كلها بالغضب، مثلما شعر به في تلك اللحظة، وهو يجلس أمام رجل الأمن، الذي يرفض -وبإصرار- فكرة إحضار الخريطة الفلكية لذلك الكائن، القادم من أعماق الكون....

وبكل غضبه هذا، وجد نفسه يهتف في حدة:
- ما تفعله يتعارض تماماً مع الأمن القومي.

ارتسمت على شفتي الرجل ابتسامة ساخرة، وتراجع في مقعده، قائلاً في لهجة، حملت الكثير من ابتسامته:
- وما أدراك أنت بالأمن القومي؟!..

أجابه بنفس الحدة:
- ما أعلمه هو أن ضرورات الأمن القومي... أي أمن قومي، هي حماية المجتمع، وتأمين الأفضل له.
مطّ الرجل شفتيه، وقال:
- مفهوم ساذج محدود.

تابع (جو)، متجاهلاً تعليقه المستفز:
- وعدم تعريض البلاد للخطر.

انعقد حاجبا الرجل، وزالت ابتسامته الساخرة، واعتدل مائلاً نحو (جو)، في حركة حادة، وهو يقول في غلظة:
- ما تطلبه أنت، هو ما يعرض البلاد للخطر.

هتف (جو) في ثورة:
- هذا ما تراه بعيون الأمن العمياء.

بدا الرجل لحظة، وكأنه سينفجر في وجهه، إلا أنه لم يلبث أن تراجع في بطء، وهو يقول في صرامة:
- دعني أتفق معك على أن عيون الأمن عمياء؛ لأنها لا ترى سوى الحقيقة، ولا شيء سواها... تماماً مثل ذلك الرمز الأمريكي للعدالة العمياء، وهو يعني لديهم أن القانون لا يفرق بين البشر.... كلهم عنده سواء.

واصل (جو) حديثه بنفس الحدة:
- أما أنتم فعيونكم عمياء؛ لأنكم لا ترون الدنيا إلا بمنظور أمني بحت... وحتى في هذا، لا تحسنون منظوركم؛ فالأمن ليس قوة وسيطرة فحسب... الأمن هو خدمة وحماية أيضاً كما يقول الأمريكيون، وكما يؤكَّد دستورنا هنا في (مصر)، ولكنكم مصابون بلوثة أمنية، تجعلكم في حالة دائمة من الوسواس القهري، تكاد تبلغ حد الهلوسة.

قال الرجل في صرامة شديدة:
- احترس لما تقوله يا هذا.

ولكن (جو) واصل على النحو نفسه، غير مبال بما سمعه:
- لقد أخرستم داخلكم صوت العلم والمنطق تماماً، وصرتم تتعاملون بتشنج عجيب، وكأن كل من يحيطون بكم من الأعداء حتى نسيتم أنكم جزء من هذا الشعب، و....
قاطعه الرجل بمنتهي الصرامة، وهو يرفع راحته في وجهه:
- كفى.

ثم تراجع في مقعده أكثر، وظل يحدَّق في وجهه لحظات، قبل أن يسأله في صرامة:
- لماذا في رأيك يطلب هذا الشيء خريطة كونية؟!..

أجابه في سرعة ولهفة:
- ليحدد لنا موقع كوكبه على الأرجح.

عاد حاجبا الرجل ينعقدان بعض الوقت، في تفكير عميق هذه المرة، قبل أن يعتدل، قائلاً في حزم:
- لابد من تأكيد هذا الرأي.

قال (جو) في حماس:
- أنا واثق منه تماماً، وما سجله الجهاز يقول:
قاطعه الرجل في صرامة:
- نحتاج إلى تأكيد آخر.

تراجع (جو) في توتر، وهو يقول:
- يمكنني أن أطرح عليه السؤال مرة أخرى.
مال الرجل نحوه كثيراً هذه المرة، وقال في صرامة أكبر:
- عندما قلت: إننا نحتاج إلى تأكيد آخر، كنت أعني مصدراً آخر.

سأله (جو)، وقد بدأ يستعيد عصبيته:
- مثل ماذا؟!..

ضرب الرجل سطح المكتب الذي يفصلهما بقبضته، وهو يجيب في حزم:
- بل مثل من..
ثم عاد يعتدل، مضيفاً في قوة:
- نحتاج إلى مصدر علمي موثوق به.



http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-14-02.jpgإنذار عام.... المكان يتعرض للهجوم




شعر (جو) بشيء من الإهانة في العبارة، ولكنه ابتلعها، وهو يقول في توتر:
- من تقترح؟!..

أجابه في سرعة، توحي بأن الجواب حاضر لديه منذ البداية:
- دكتور (أحمد زهير)... المستشار العلمي لسيادة الرئيس
تضاعف توتر (جو)، وهو يقول:
- الدكتور (زهير) شخصية عالمية معروفة، ولكنه ليس عالماً فلكياً.
أجابه الرجل في صرامة:
- ولا أنت كذلك.

ثم عاد يميل، مضيفاً في حزم:
- ولكنه المستشار العلمي للرئيس، وهو الذي اقترح اسمك في البداية، وقراره وحده، يمكن أن يحسم هذا الأمر.
وعلى الرغم من التوتر الشديد، الذي يشعر به (جو)، أو بسببه، صمت بضع لحظات طوال، وهو يتطلَّع إلى الرجل، قبل أن يقول في خفوت، وهو يبذل جهداً خارقاً، للسيطرة على توتره:
- ومتى يمكن هذا؟!..

هزَّ الرجل كتفيه، قائلاً:
- وما وجه السرعة.
جاء الدور على حاجبي ( جو )، لينعقدا في قوة، وهو يقول في صرامة:
- وتقول إن أقصى ما يهمك هو الأمن القومي؟!

تراجع الرجل في حركة عجيبة، وكأنه تلقى إهانة عنيفة، في حين واصل (جو) غاضباً:
- إنك حتى لا تتبع أبسط قواعد الحفاظ على الأمن القومي، الذي تدَّعى فهمك له.
هتف الرجل في غضب:
- احترس يا هذا.

ولكن (جو) تابع، وغضبه يتزايد حدة:
- هل تعتقد أيها العبقري، أن مكاناً كهذا يمكن أن يخفي سراً بالغ الخطورة، مثل سقوط مركبة فضائية، وأسر مخلوق حي منها؟!... هل تعتقد أن هذا قد يحدث طويلاً، بما يكفي لإضاعة الوقت؟!..
قال الرجل في صرامة غاضبة حادة:
- أنت لا تعرف أي مكان هذا؟!..

صاح فيه (جو) في غضب:
- وأنت لا تعلم ما الذي يمكن أن تفعله أية دولة، للفوز بما تحتفظون به هنا؟!..
لوَّح الرجل بقبضته في وجه (جو)، هاتفاً:
- أتحداك أن...


قبل أن يتم عبارته، دوت فجأة صفارات إنذار قوية في المكان، وأضيئت حواف السقف كلها بلون أحمر، على نحو متقطع، وارتفع صوت خشن، يهتف:
- إنذار عام... إنذار عام.... المكان يتعرض للهجوم.... إنذار عام...
بدا (جو) شديد الغضب والانفعال، وهو يهتف:
- في أي شيء كنت تتحداني.

هب الرجل من مقعده، وألقى عليه نظرة عصبية، ثم وثب نحوه، وجذبه من مقعده، هاتفاً:
- أسرع.

راح (جو) يعدو خلفه، دون أن يعلم ماذا سيحدث، ولكنه هتف في جزع:
- وماذا عن (موجال)؟!..

هتف الرجل، دون أن يلتفت إليه:
- من؟!..

أجابه في ارتياع:
- ذلك الكائن القادم من (ميروز)... هل سنتركه هنا خلفنا؟!..
صاح الرجل، وهو يجذبه إلى ما بدا أشبه بمصعد كبير:
- كلا بالطبع... سيلحق بنا.

صرخ (جو)، وهو يدلف معه إلى المصعد:
- كيف؟!

صاح الرجل، في لهجة تشف عن شدة توتر وحساسية الموقف:
- اترك هذا لنا.

ومع آخر كلماته، سمع (جو) دوي الانفجار...
وارتجفت كل خلية في جسده...
بمنتهى العنف.

amedo_dolaviga 30-08-10 07:52 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...comer15-01.jpgسيدي الرئيس إنني أتقدم باستقالتي فوراً




بدا وجه مدير المخابرات شاحباً للغاية، وهو يمسك سماعة الهاتف في قوة تشفّ عن مدى خطورة ما تلقاه عبرها...
وبكل التوتر، هتف به الرئيس:
- ماذا هناك يا رجل؟!

استدار مدير المخابرات محدقاً فيه لحظة، قبل أن ينتفض وكأنه ينتزع نفسه من صدمة عنيفة شفت عن نفسها في صوته الشديد التوتر وهو يقول:
- مقر الطوارئ السري

خَفَت صوت الرئيس وهو يسأله:
- ماذا عنه؟!

ازدرد مدير المخابرات لعابه في صعوبة قبل أن يجيب:
- إنهم يقتحمونه.

ارتد الرئيس المصدوم وهو يهتف مستنكراً: يقتحمونه؟!.. من؟!.. وكيف؟!
أجابه مدير المخابرات في سرعة:
- الإسرائيليون.

ثم تراجع في سرعة أكبر مستدركاً:
- وربما الأمريكيون.
اتسعت عينا الرئيس، وهو يغمغم:
- مستحيل!

ثم استحالت دهشته إلى غضب شديد، وهو يستطرد هاتفاً:
- أيا كانت ماهيتهم؛ فهذا أمر شديد الخطورة إلى أقصى حد يا مدير المخابرات...

غمغم مدير المخابرات في توتر شديد:
- أعلم هذا ياسيادة الرئيس.

ولكن الرئيس واصل وكأنه لم يسمعه:
- إننا نتحدث عن مقر الطوارئ السري.. أعظم سر في أي دولة.. المقر الذي ينبغي أن يلجأ إليه النظام كله، في حالات الطوارئ القصوى.. المقر الذي كان يمكن أن أكون فيه أنا الآن، لو حدث هجوم شامل على (مصر).

اعتدل مدير المخابرات وهو يقول في حزم:
- هناك حل بديل يا سيادة الرئيس.

صاح الرئيس في غضب:
- ليست هذه هي المشكلة.. المشكلة الرئيسية والأساسية والأكثر خطورة هي أنهم يعلمون أين هو المقر السري.. هذا يعني أن هناك اختراقاً داخلياً، وعلى أعلى المستويات يا مدير المخابرات.. اختراق كشف أدق وأخطر أسرار الدولة كلها.

انعقدا حاجبا مدير المخابرات في شدة، وشد قامته في وقفة عسكرية صارمة اعتادها منذ زمن طويل وهو يقول في حزم عسكري:
- سيدي الرئيس إنني أتقدم باستقالتي فوراً و...

صاح فيه الرئيس في غضب:
- ليس في مثل هذا الموقف

ازداد انعقاد حاجبي مدير المخابرات، ومط شفتيه في توتر وأسف؛ في حين عقد المدير كفيه خلف ظهره وشد قامته بدوره وقال في صرامة قائد يقود معركة شديدة الخطورة:
- إننا نواجه حرباً مزدوجة الآن تقودها أكبر دولة في العالم، مستعينة بترسانتها العسكرية الجبارة وتكنولوجيتها التي لا ينافسها فيها أحد ومخلبها المتمثل في (إسرائيل)، وكل من يتعاون معها، وعلينا أن نواجه هذه الحرب التي امتدت على الرغم منا، وربما منهم أيضاً إلى الجبهة الداخلية.

غمغم مدير المخابرات:
- مقر الطوارئ خارج الحدود السكنية يا سيادة الرئيس.
أجابه الرئيس في صرامة:
- ولكنه في عمق (مصر)

وصمت لحظات بعدها فلاذ مدير المخابرات بالصمت بدوره ليمنح الرئيس فرصة التفكير واتخاذ القرار، وطال صمتهما قرابة الدقيقتين قبل أن يلتفت إليه الرئيس، قائلاً في حزم:
- مادامت الحرب فسننتقل حالاً وفوراً إلى غرفة العمليات، وسننضم إلى وزير الدفاع والقادة لنواجه معهم ذلك الخطر الذي يواجه مصرنا.

قال مدير المخابرات في سرعة وحزم:
- فوراً يا سيادة الرئيس

ثم تردد لحظة قبل أن يستطرد:
- ولكنني ما زلت أطرح السؤال نفسه

واقترب خطوتين من الرئيس قبل أن يضيف:
هل يستحق الأمر كل هذا؟!
"بالطبع.."..


http://boswtol.com/sites/default/fil...comer15-02.jpgدوى انفجار قوي




هتف رجل الأمن بالكلمة وهو يعدو مع (جو) عبر ممر طويل، ثم أضاف وقد بدأ يلهث من فرط الانفعال:
- صحيح أن هذا المكان يعد من أخطر أسرار الدولة؛ ولكنه ليس آخر محطة سرية هنا.

هتف (جو) في انفعال أكثر ولهث أكثر:
- ولكنهم يقتحمونه، وهذا يعني أنهم توصلوا إليه فكيف يكون أخطر أسرار الدولة؟!

انعقد حاجبا الرجل في توتر وهو يقول:
- لديهم حتماً تكنولوجيا شديدة التطور يمكنها عبر أقمارهم الصناعية سبر أغوار الأرض

توقف (جو) دفعه واحدة حتى أنه كاد يسقط على وجهه ويقول:
- أغوار الأرض؟! ..هل تعني أننا هنا في..

قاطعه الرجل في صرامة وهو يجذبه إلى ممر جانبي آخر:
- إنك تلقي الكثير من الأسئلة.

قال (جو):
- لست العدو.. العدو هناك.. يقتحم المكان.

بدا صوت الرجل شديد الغضب وهو يقول:
- إنه يسعى خلف ذلك الكائن الفضائي.

اتسعت عينا (جو) وعاد يتوقف دفعة واحدة وهو يهتف في عصبية ملتاعة:
- وتركناه خلفنا؟!

صاح به الرجل وهو يجذبه مرة أخرى نحو ذلك الممر الجانبي:
- لا تقلق نفسك بشأنه.

جذب (جو) يده في حدة وهو يصرخ:
- هل جننت؟

ثم استدار يعدو عائداً وهو يواصل صراخه:
- لن نتركه خلفنا أبداً... أبداً.

صرخ الرجل خلفه في صرامة غاضبة:
- إياك أن تفعلها.

كان (جو) يعدو بكل قوته عبر الممر ولكن رجلان قويان اعترضا طريقه وحاول هو تفاديهما ولكنهما كبلا حركته في قوة وهتف الرجل الأول في غضب صارم:
- أعيداه إلى هنا.

راح (جو) يقاومهما في عنف وهو يصرخ: لا.. لا ينبغي أن نتخلى عنه.. إنه أكبر اكتشاف علمي في التاريخ.
أجابه الرجل في صرامة وهو يستقل عربة أشبه بعربات ملاعب رياضة الجولف:
- إنه أكبر كارثة عرفتها مصر.

قال (جو) وهم يضعونه داخل العربة بالقوة:
- وهل تعتقد أنهم سيفعلون كل هذا للفوز بكارثة؟!.. إنه يحمل لنا من التكنولوجيا ما يسمح لنا بالتفوق عليهم يا هذا، وهذا بالضبط ما يسعون لمنعنا من الوصول إليه.

انطلق الرجال بالعربة ورجل الأمن يقول في صرامة:
- يمكنهم الحصول عليه.

اتسعت عينا (جو) في ذهول وهو يهتف:
- ماذا تقول يا هذا؟!

صمت الرجل لحظات وهو ينطلق بالعربة في سرعة تفوق ضعف سرعة مثيلاتها عبر الممر الطويل ثم لم يلبث أن قال في حزم:
- ولكنهم لن يحصلوا على أي شيء منه.

وانعقد حاجباه في شده مع إضافته الصارمة:
- أي شيء

اتسعت عينا (جو) أكثر للعبارة فهتف وهو يرتجف انفعالاً:
- لماذا؟!.. لماذا لن يحصلوا منه على أي شيء؟!

تجاهل الرجل سؤاله تماماً وهو يضغط أزرار شاشة صغيرة في لوحة قيادة العربة فهتف (جو) بكل توتر الدنيا:
- لماذا يا هذا؟!

مع آخر حروف كلمته الأخيرة دوى من خلفه انفجار قوي...
انفجار دفع العربة كلها إلى الأمام لتتجاوز الممر إلى ساحة واسعة لها نفس تكوين تلك القاعة القديمة...
وبكل ذعره التفت (جو) خلفه..
ورأى..
وانتفض في قوة ..

لقد كان الممر الذي تجاوزوه على التو ينهار ويحترق...
وعلى نحو بشع مخيف..

ولقد واصل الرجل انطلاقه بالعربة متجاوزاً تلك الساحة الواسعة إلى ممر آخر أغلق خلفهم فور عبورهم فاتسعت عينا (جو) مرة أخرى وهو يغمغم في ذهول:
- أأنت واثق في أنه لدينا هذا في (مصر)؟!

أجابه الرجل في صرامة وهو يخفض سرعة العربة:
- التكنولوجيا متاحة لكل من يمكنه دفع ثمنها.

حدق فيه (جو) لحظة محاولاً استيعاب الأمر ثم لم يلبث أن هز رأسه في قوة، ثم عاد يسأل في إلحاح:
- لماذا لن يحصلوا منه على شيء؟!

أوقف الرجل السيارة والتفت إليه قائلاً في حزم:
- لا أحد يمكنه الحصول على شيء.
ثم مال نحو (جو) مضيفاً:
من جثة.

وانتفض جسد (جو) انتفاضه قوية عنيفة، وهو يحدق فيه بعينين بلغتا أقصى اتساعهما..
فما سمعه كان صدمة..
صدمة مدمرة..
جداً.



******************





http://boswtol.com/sites/default/fil...comer16-01.jpgماذا حدث؟!... ماذا أصاب (جو)؟!




انتفض جسد (إيناس) في عنف شديد، مع دوي الانفجار الثاني، وتضاعف انهمار الدموع من عينيها، وهي تسأل الرجل، الذي يقود عربتهما الصغيرة، عبر ممر طويل:
- ماذا حدث؟!... ماذا أصاب (جو)؟!..

كان الرجل يبدو متوتراً، وهو يجيب:
- اطمئن... كل شيء تحت السيطرة.
هتفت منهارة:
- أية سيطرة؟!... إنه الانفجار الثاني، والكل يعدو مبتعداً، والخطر يحفر ملامحه في وضوح على وجوه الجميع، وأوّلهم أنت؛ فكيف يتفق هذا مع كلمة سيطرة؟!..

بدا أكثر صرامة، وهو يقول:
- لا تجعلي المظاهر تخدعك يا سيدتي... الأمور بالفعل تحت السيطرة.
سألته، في لهجة أشبه بالضراعة:
- وماذا عن (جو)؟!

سألها، مستعيداً توتره:
- ماذا عنه؟!
انهمرت الدموع من عينيها، وهي تسأله، وقد خَفَت صوتها، وكأنها تخشى الإفصاح عما بها:
- أهو بخير؟!..

صمت الرجل لحظات، قبل أن يجيب في حزم:
- أنا واثق من أنه كذلك.
سألته بلهجة باكية:
- ومن أين تستمد ثقتك هذه؟!

أجاب في سرعة هذه المرة:
- لأنه يمثل أهمية كبيرة لنا، وفي هذه الحالة، تكون الأولوية لحمايته، والحفاظ على حياته.
غمغمت مرتجفة:
- ولكنهم يقتحمون المكان.

أجاب في صرامة:
- هذا لا يهم.
قالت في توتر أكثر:
- ولكنك أخبرتني أنه أكثر الأماكن أمناً في (مصر)
أجاب في حزم وحسم وثقة:
- إنه كذلك.

رمقته بنظرة شك كبيرة؛ فلم يزد عن أنه قال في حزم أكبر:
- اطمئني.
" وكيف أطمئن؟!... "

ألقى رئيس الجمهورية السؤال؛ فشد مدير المخابرات قامته، وقال:
- على الرغم من أن ما حدث كان مفاجأة يا سيادة الرئيس، وعلى الرغم من أن ذلك الهجوم يخالف كل القوانين والأعراف الدولية؛ إلا أنه من العسير القول بأنه لم يكن متوقعاً.

التقى حاجبا الرئيس، وهو يسأله:
- وهل كنتم تتوقعونه؟!
هز الرجل كتفيه، مجيباً:
- لم يكن احتمالاً قريباً؛ إلا أننا، وكعادتنا في جهاز المخابرات، نضع دوماً سيناريوهات مسبقة، لكل الاحتمالات، حتى النادر والضعيف منها.


http://boswtol.com/sites/default/fil...comer16-02.jpgواضح أنه كائن غير أرضي




سأله الرئيس في توتر:
- كنتم تضعون سيناريو لهذا إذن؟!
أومأ مدير المخابرات برأسه، قائلاً:
- بالتأكيد يا سيادة الرئيس... سيناريو الهجوم على المقر السري الاحتياطي موضوع من أيام الرئيس السابق.
تطلع إليه الرئيس لحظات في صمت، ثم اتجه إلى مكتبه، وجلس خلفه، يسأله في صرامة:
- ولماذا لم يتم إطلاعي عليه مسبقاً؟!...

أجابه مدير المخابرات في سرعة:

- لقد أكدنا لفاخمتكم أن المقر السري آمن تماماً، ولم نرد إرهاق ذهنكم بالتفاصيل، فنحن نعرف مدى مشغولياتكم الدائمة.

صمت الرئيس لحظات؛ لاستيعاب الأمر، ثم عاد يسأل في اهتمام صارم:

- ماذا سيحدث الآن إذن؟!..

أجابه في حزم، وهو يشد قامته أكثر:

- سيتم الانتقال إلى مقر سري بديل فوراً.
مال الرئيس إلى الأمام، وسأل:
- وماذا عنه؟!..

مال مدير المخابرات برأسه جانباً، وعيناه تحملان نظرة متسائلة، فتابع الرئيس في صرامة:

- ماذا عن ذلك الكائن؟!..

قال مدير المخابرات في حذر:

- لقد شنوا الهجوم من أجله.
سأله الرئيس، في صرامة أكثر:
- وهل سيحصلون عليه؟!..
أومأ مدير المخابرات برأسه، مجيباً:
- بالتأكيد.

تراجع الرئيس بحركة حادة مستنكرة، فاستدرك مدير المخابرات في سرعة كبيرة:

- ولكن جثة هامدة.

اتسعت عينا الرئيس، وهتف مستنكراً:

- بعد كل هذا؟!

تراقصت ابتسامة باهتة، على ركن شفتي مدير المخابرات، وهو يقول:

- اطمئن يا سيادة الرئيس.

وصمت لحظة، ثم أردف في حسم:

- كل شيء تحت السيطرة.

"إذن فقد نجحتم..."

ألقى الرئيس الأمريكي السؤال في اهتمام بالغ، عبر جهاز اتصال فائق التطور، فأجابه رئيس فريق الاقتحام، من داخل المقر السري:
- بالطبع يا سيادة الرئيس... تكنولوجيتنا تفوق كل ما لديهم من تكنولوجيا ألف مرة على الأقل... أقمارنا الصناعية الاستكشافية حددت الفراغ تحت رمال الصحراء في وضوح، وأساليب التعمية والشوشرة جعلتنا نفاجئهم بالهجوم، وأسلحتنا....

قاطعه الرئيس الأمريكي بنفاذ صبر:

- أعرف كل هذه التفاصيل يا رجل... السؤال هو: هل حصلتم على ما نبتغيه من وراء كل هذا.

وقف رئيس فريق الاقتحام يتأمل الشظايا الكبيرة، التي انتشرت على مساحة واسعة، داخل تلك القاعة نصف المتهدمة، وقال في غضب واضح:

- من الجليّ أنهم قد نسفوا المركبة الفضائية مع الاقتحام... حماقتهم جعلتهم يفضلون تدميرها، على وقوعها في قبضتنا.

هتف الرئيس الأمريكي في حنق:

- أغبياء.

ثم حاول تمالك أعصابه، وهو يستطرد:

- وماذا عن ذلك الكائن الفضائي؟!..
أدار رئيس الفريق عينيه في المكان، توقف بصره عند كومة شبه بشرية، داخل ما بدا وكأنه بقايا قفص زجاجي، وغمغم في توتر:
- إنه هنا.

ثم تقدم نحو بقايا القفص الزجاجي في خطوات سريعة، قبل أن ينعقد حاجباه في شدة، ويقول في عصبية:

- ولكنه...
لم يتم عبارته، فهتف به الرئيس الأمريكي، عبر جهاز الاتصال الفائق:
- ولكنه ماذا؟!..

مضت لحظات من الصمت، ثم أجاب الرجل، في مرارة عصبية:

- ولكنه جثة هامدة.

بدا الرئيس الأمريكي كالمصعوق، وهو يهتف:

- جثة ماذا؟!..

انحنى رئيس فريق الاقتحام يفحص جثة الكائن الفضائي، وهو يقول في غضب:

- واضح أنه كائن غير أرضي، ومن الواضح أن ذلك الانفجار، الذي نسف المركبة الفضائية، قد أطاح به أيضاً.


بدا الرئيس الأمريكي شديد الغضب، وهو يقول:
- أية حماقة هذه؟!... يدمرون أعظم اكتشافات القرن، خوفاً من وقوعها في أيدينا؟!..

غمغم رئيس فريق الاقتحام، وهو يلتقط بضعة صور لجثة الكائن الفضائي، ويرسلها عبر جهاز الاتصال نفسه إلى الرئيس:

- كان ينبغي أن نتوقع هذا، من قوم يجهلون قيمة التكنولوجيا والكشوف الحديثة، و...
لم يستطع إتمام عبارته، مع ذلك الدوار الذي شعر به، فصمت لحظات، قبل أن يقول في عصبية:
- شيء ما يحدث هنا يا رجل.

قالها، وهو يستدير إلى رجاله، قبل أن ينتفض جسده، وتتسع عيناه عن آخرهما...

فما رآه أمامه، لم يكن أبداً مل يتوقعه، أو حتى يتخيله....
أبداً..

amedo_dolaviga 30-08-10 07:55 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-17-01.jpgانتظر حتى يأمر فخامة الرئيس بدخولك (رسوم: فواز)




على عكس موقفه السابق، بدا السفير الأمريكي شديد التوتر والعصبية، وهو يجلس في انتظار مقابلة الرئيس هذه المرة...
ولقد طال انتظاره لساعة كاملة، بلغ خلالها توتر أعصابه مبلغه؛ حتى أنه تجاوز حدوده الدبلوماسية، وسأل مدير مكتب الرئيس في عصبية:
- هل سأنتظر طويلاً؟!..
أجابه مدير مكتب الرئيس في صرامة:
- حتى يأمر فخامة الرئيس بدخولك.

سأله السفير في عصبية:
- ومتى يفترض أن يحدث هذا؟!..
أجابه مدير المكتب، في صرامة أكثر مكرراً:
- عندما يأمر فخامة الرئيس.

فقد السفير أعصابه، على عكس ما تقتضيه الدبلوماسية، وقال في شيء من الحدة والتوتر:
- لقد طلب مني الرئيس الأمريكي..
قاطعه مدير مكتب الرئيس، في صرامة قاسية هذه المرة:
- أنت هنا في مكتب الرئيس المصري.

أطبق السفير شفتيه، فور سماعه العبارة، وغمغم في خفوت:
- مع احترامي لفخامة الرئيس، ولكنكم تعلمون أن الأمر عاجل.
أبعد مدير المكتب بصره عنه، وقال بنفس الصرامة:
- عليك أن تصبر، حتى يأمر فخامة الرئيس.

عض السفير الأمريكي شفتيه، في محاولة للسيطرة على توتره، وهو يغمغم:
- فليكن... سأصبر.

مضت سبع دقائق أخرى، قبل أن يرتفع أزيز جهاز الاتصال الخاص، أمام مدير المكتب، الذي التقطه في سرعة، وهو يقول:
- أوامرك يا فخامة الرئيس.

انتبه السفير في توتر، في حين استمع مدير المكتب لحظات، ثم أشار إليه، قائلاً:
- تفضل... سيستقبلك فخامة الرئيس الآن.

نهض السفير في سرعة، وعدل ملابسه في عجالة، وهو يندفع نحو مكتب الرئيس، ولم يكد يعبر بابه، حتى توقف في توتر مضاعف، يتطلع إلى مدير المخابرات في قلق، فابتسم هذا الأخير، وقال:
- تفضل يا سيادة السفير.

رفع الرئيس عينيه إلى السفير، وقال في صرامة:
- أتيت بشأن رجالكم...أليس كذلك؟!..
كان السفير يشعر بتوتر شديد، وهو يقول:
- لا يوجد -رسمياً- ما يثبت أنهم رجالنا يا سيادة الرئيس.

تراجع الرئيس في مقعده، وهو يقول:
- حقاً؟!..
قال السفير، في توتر أكبر:
- لست أظنهم يرتدون الزيّ الرسمي لقواتنا، ولا يحملون أية أوراق، تثبت أنهم...

- قاطعه الرئيس في صرامة:
فليكن... لقد هاجمونا، وأمكننا أسرهم، وربما قضوا نحبهم، أثناء محاولة إلقاء القبض عليهم.
هتف السفير مذعوراً:
- هل أعدمتموهم؟!..
أجابه مدير المخابرات هذه المرة:
- ماداموا ليسوا رجالكم؛ فلا شأن لكم بهذا.
قال السفير في عصبية:
- ولكن معاهدة (جينيف) للأسرى، تحتم ألا....
قاطعه الرئيس في صرامة قاسية:
- لا يوجد ما يثبت أنهم قد وصلوا إلى أرضنا.
ثم مال إلى الأمام في حركة حادة، مستطرداً:
- أليس كذلك أيها السفير؟!..

نقل السفير بصره، في توتر بالغ، بين الرئيس ومدير المخابرات، قبل أن يقول، في انكسار واضح:
- لقد أوقفنا الهجوم الإسرائيلي، دلالة على حسن النوايا.
أشار الرئيس إلى مدير المخابرات، الذي قال في صرامة:
- قدرتكم على إيقاف الهجوم، تعني قدرتكم على إشعاله، وكان ينبغي أن تدركوا أن (مصر) قادرة على صد هجوم الإسرائيليين، وأن شعبها ليس مستعداً لفقدان شبر واحد من أرضه مرة أخرى، وسيدافع عن كيانه، مهما كانت التضحيات.

نظر إليه السفير لحظات في مقت، ثم التفت إلى الرئيس، قائلاً بكل توتر الدنيا:
- سيادة الرئيس... لقد فهمت الرسالة، وسأعاود الحوار بأوراق مكشوفة ودون مواربة هذه المرة.
أشار إليه الرئيس، قائلاً:
- هات ما عندك.
سأله السفير في توتر:
- دعني أطمئن أولاً على أحوال رجالنا.

انعقد حاجبا الرئيس في صرامة، وهو يقول:
- تعترف إذن أنهم رجالكم.
شد السفير قامته وقال، دون أن يفارقه توتره:
- وعدْتُ أن أتعامل بأوراق مكشوفة يا سيادة الرئيس.


http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-17-02.jpgلم تتركوا لنا سبيلاً سوى هذا (رسوم: فواز)




ابتسم مدير المخابرات في ظفر، وشد قامته على نحو عسكري، وقال في حزم:
- رجالكم بخير... لقد اقتحموا أحد مواقعنا السرية، وحاولوا العبث بأمننا القومي؛ ولكننا، على عكس توقعاتهم، كنا نتوقع هذا؛ بل وننتظر حدوثه..

سأله السفير، بنفاد صبر:
- ماذا أصابهم؟!..
صمت مدير المخابرات لحظة، قبل أن يجيب في حزم ظافر:
- فقدوا وعيهم.
تراجع السفير كالمصعوق، وهو يهتف مستنكراً:
- رجالنا؟!..

تابع مدير المخابرات، وكأنه لم يسمعه:
- خدرناهم داخل المقر، بغاز عديم اللون والرائحة... غاز استنشقوه، دون حتى أن يشعروا بهذا.
أشار إليه الرئيس، فابتسم، متابعاً:
- ومازلنا نحتفظ بذلك الفيلم، الذي نقل لنا ذهول قائدهم، عندما استدار؛ ليجدهم فاقدي الوعي... ومن حسن حظه أن ذهوله لم يستغرق كثيراً؛ فقد لحق بهم بعد لحظات قليلة.

مال السفير الأمريكي، محاولاً بث شيء من الحزم في صوته:
- ليس قبل أن يخبرنا بما فعلتموه.
صمت مدير المخابرات والرئيس لحظات، ثم كان الرئيس هو من تحدث، قائلاً:
- ربما لم نحسب قدراته جيداً
استعاد السفير شيئاً من الحزم، وهو يقول:
- هذا مؤكد.

ثم شد قامته، مستطرداً:
- ولقد علمنا أنكم قررتم ألا يحصل أحد على ذلك الكنز الفضائي، بعد أن عجزتم عن حمايته، و... ونسفتموه.
غمغم مدير المخابرات:
- لم يكن أمامنا سوى هذا.

لم يستطع السفير كتمان غضبه، وهو يقول:
- لا تدركون أية حم....
بتر عبارته دفعة واحدة، قبل أن يستطرد:
- أية خسارة خسرتموها... ذلك الشيء كان سيدفع بالعالم عشر خطوات إلى الأمام على الأقل.
تمتم مدير المخابرات:
- العالم أم أنتم؟!..

هتف السفير في عصبية:
- ومن سوانا يمكن أن يستوعب تكنولوجيا متقدمة كهذه؟!... من سوانا كان يمكنه استخدامها؛ لتطوير برنامج فضائي، تكلّف مليارات المليارات؟!..
قال الرئيس في صرامة:
- وبرنامج تسليح، تكلّف أكثر من هذا.

قال السفير، في شيء من الحدة:
- وماذا في هذا؟!... حتى القانون الدولي لا يمنع أية دولة، من السعي لتقوية تسليحها.
ضرب الرئيس سطح مكتبه بقبضته، وهو يقول في غضب:
- باحتلال أراضي الغير؟!..

احتقن وجه السفير، وأشاح به، وهو يجيب في عصبية:
- لم تتركوا لنا سبيلاً سوى هذا.
قال الرئيس في صرامة:
- وكذلك أنتم.

التقط السفير نفساً عميقاً؛ في محاولة للسيطرة على أعصابه، قبل أن يتساءل في خفوت:
- والآن، ماذا سنفعل؟!..
"ستواصل عملك..."
قالها رجل الأمن في حزم، عندما ألقى (جو) سؤالاً مماثلاً؛ فسأله هذا الأخير في توتر:
- كيف؟!... قلت لي إن الأمريكيين يعلمون أنكم نسفتم المركبة الفضائية، وقتلتم الكائن الــ..
قاطعه الرجل في صرامة:
- هذا ما يعلمونه.

سأله في توتر أكثر:
- ما الذي تشير إليه بالضبط؟!..
أخرج الرجل بطاقة معدنية، دسها في تجويف جدار آخر لامع، وهو يقول:
- الأمر ليس صعباً كما تتصوّر.

انفتح الجدار منزلقاً في نعومة، وتعلق بصر (جو) بما خلفه، و...
وعلى الرغم منه، انتفض جسده كله، واتسعت عيناه عن آخرهما....
فخلف هذا الجدار اللامع، كانت تنتظره مفاجأة...
مذهلة.



******************





http://boswtol.com/sites/default/fil...omer18-01-.jpgوكيف سيتم تبرير الأمر للمصريين؟! (رسوم: فواز)




استمع الرئيس الأمريكي إلى سفير بلاده في القاهرة، في اهتمام، عبر جهاز اتصال رقمي خاص مؤمَّن، قبل أن يتنهد في توتر، قائلاً:
- من الواضح أننا قد أسأنا إدارة هذه الأزمة، على نحو كبير.

أجابه سفيره من (القاهرة):
- هذا صحيح يا سيادة الرئيس... منطق القوة لم يفلح هذه المرة مع المصريين... لقد دفعنا الإسرائيليين إلى اقتحام (سيناء) بالقوة، وكسر معاهدة (كامب ديفيد)، وتجاوزنا كل المواثيق الدولية، وهاجمنا الأراضي المصرية، واقتحمنا مقارّهم السرية، واستخدمنا أحدث أسلحتنا وتكنولوجيتنا، ووسائلنا للرصد الجوي والفضائي؛ حتى يمكننا الاستيلاء على المركبة الفضائية وذلك الكائن؛ ولكن المصريين كانوا أكثر حنكة وخبثاً.

زفر الرئيس الأمريكي في توتر، وغمغم:
- نسفوا المركبة، وقتلوا الكائن، وخدروا وأسروا رجالنا.

أضاف السفير، في شيء من العصبية:
- وأجبرونا على إيقاف القتال، ودفع الإسرائيليين للانسحاب الفوري، وتقديم اعتذار رسمي أيضاً.

قال الرئيس الأمريكي بنفس التوتر:
- الإسرائيليون أنفسهم كانوا يتمنون حدوث هذا.

وصمت لحظات، قبل أن يسأل، في توتر أكثر:
- وماذا عن رجالنا؟!..
أجابه السفير محنقاً:
- سيعيدونهم إلى الديار، فور اكتمال انسحاب الإسرائيليين، وإعلان اعتذارهم الرسمي.

غمغم الرئيس الأمريكي:
- وكيف سيتم تبرير الأمر للمصريين؟!... أقصد الشعب وليس الحكومة.

صمت السفير لحظات، ثم أجاب في خفوت:
- حكومتهم لديها أساليب عديدة لطمس الحقائق.

بدا صوت الرئيس الأمريكي أشبه بالزمجرة، وهو يجيب:
- كل الحكومات لديها وسائل مشابهة.

وصمت لحظة، ثم أضاف:
- تختلف في سبلها فحسب.

تمتم السفير في توتر:
- بالضبط يا سيادة الرئيس.... بالضبط.

جمعت بينهما لحظة من الصمت، وكأن كلاً منهما يعيد ترتيب أفكاره، أو كأنهما يبحثان عن وسيلة لإدارة دفة الحديث، قبل أن يقول الرئيس، في لهجة حملت الكثير من الغضب والغيظ:
- ما يدهشني حقاً هو ما فعلوه... كيف يدمرون كشفاً علمياً عظيماً كهذا؟!... كيف؟!..

"سنكون حمقي حقاً، لو كنا قد فعلنا..."
نطق رجل الأمن العبارة في ثقة، مع ابتسامة كبيرة، جعلت (جو) يهتف في انبهار:
- إذن فقد كان الأمر كله...

قاطعه رجل الأمن، مكملاً عبارته:
- خدعة... بالضبط... لقد رتبنا الأمر منذ البداية... كنا نعلم أنهم لن يتورّعوا عن فعل أي شيء في سبيل الحصول على تلك الطفرة التكنولوجية الهائلة، الهابطة من الفضاء؛ لذا فقد وضعنا أحد أكثر سيناريوهاتنا تعقيداً... نقلنا ذلك الكائن ومركبته إلى هنا، وسرّبنا إليهم هذا؛ بل وجازفنا بتسريب موقع مقر الطوارئ السرّي إليهم، على نحو جعلهم يتصورون أن شراء ذمم رجال الأمن هنا، ليس بالأمر العسير، ولأنهم يعيشون غطرسة القوة، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي؛ فقد راحوا يرصدون الموقع الذي أخبرناهم به، أو سربناه إليهم، بأقمارهم الصناعية، المختصة بالأبحاث الجيولوجية، والتي نعلم أنها قادرة على كشف ما في أعماق الأرض، ولكي نقودهم إلينا في سهولة، رفعنا الحاجز المانع للاختراق، من سطح المقر، وهكذا أمكنهم رصده.

ارتفع حاجبا (جو) في انبهار، وهو يقول:
- وخاطرتم بجلبهم إلى هنا؟!...

رفع الرجل سبابته، قائلاً في حزم:
- عندما أكمل، ستدرك أنه سيناريو عبقري.

أشار إليه (جو) في لهفة، قائلاً:
- أكمل.

تنحنح الرجل، وقال، مواصلاً حديثه السابق:
- في نفس الوقت، استعدينا لاستقبالهم، ولنقل كل شيء إلى المقر الاحتياطي، الذي تربطه بالمقر الأوَّل شبكة من ممرات تحت أرضية معقدة؛ معدة بحيث يتم نسفها، وإخفاء معالمها تماماً، عقب مرور آخر شخص منها، وهذا ما شاهدته بنفسك.

سأله (جو) بأنفاس مبهورة:
- إذن فقد كنتم قادرين على منعهم؟!..

أشار الرجل بسبابته مرة أخرى، قائلاً:
- ومنذ اللحظة الأولى.

بدت دهشة عارمة على وجه (جو)، وهو يسأله:
- لماذا تركتموهم ينسفون كل شيء إذن؟!...

اتسعت ابتسامة الرجل، وهو يجيبه:
- هذا هو الجزء الأساسي من الخطة.

http://boswtol.com/sites/default/fil...omer18-02-.jpgلعبة... ما فعلتموه ليس لعبة (رسوم: فواز)




ثم مال نحو (جو)، متابعاً في نشوة ظافرة:
- لقد اقتحموا المكان، وكلهم ثقة في قوتهم وبأسهم وتكنولوجيتهم، وسمعوا بعد اقتحامهم انفجارات مدوّية، ثم عثروا على شظايا المركبة المنفجرة، وجثة الكائن، فما المفترض أن ينقلوه إلى قيادتهم فوراً؟!..

تألقت عينا (جو) في انبهار، وهو يهتف في حماس:
- أنكم، في غمرة إحساسكم بالهزيمة، نسفتم كل شيء، واتخذتم خيار (شمشون)[1]

هتف الرجل، مشيراً إليه:
- بالضبط... ولقد انتظرنا هذه اللحظة بالتحديد، التي أبلغوا فيها قيادتهم، بأننا قد ضحينا بكل شيء وبعدها أفقدناهم وعيهم، وأسقطناهم في أسرنا... هل فهمت اللعبة؟!..

ظل (جو) يحدّق فيه بضع لحظات مبهوراً، قبل أن يغمغم في صوت مبحوح، من فرط الانبهار:
- لعبة... ما فعلتموه ليس لعبة.

ثم ارتفع صوته، وهو يكمل هاتفاً:
- إنها عبقرية!..

ابتسم الرجل ثانية، وهو يقول:
- ألم أقل لك؟!..

ظل (جو) يهز رأسه لحظات، عاجزاً عن النطق، قبل أن يهتف:
- الشظايا يمكنني فهمها؛ فهي مجرد شظايا؛ ولكن كيف يمكنكم خداعهم بشأن كائن غير أرضي؟!...

أشار رجل الأمن، إلى القاعة، التي هي نسخة طِبق الأصل من القاعة السابقة، حيث تسبح مركبة الفضاء في منتصفها، وحولها طاقم العلماء نفسه، في حين يوجد ذلك الكائن الفضائي، داخل قفص زجاجي مماثل في نهايتها، وقال مفسراً:
- عندما سقطت المركبة، كان فيها ثلاث كائنات، اثنان لقيا حتفهما مع الاصطدام، والثالث هو ما كنت تتحدث إليه منذ البداية.

انعقد حاجبا (جو)، وهو يندفع نحو الكائن، قائلاً:
- من كنت أتحدث إليه يا رجل.... من وليس ما... إنه عاقل مثلي ومثلك.

وتوقف عندما بلغ جدار ذلك القفص الزجاجي، وهو يلهث من فرط الانفعال، مكملاً:
- بل ربما كان أكثر عقلاً منا.

اعتدل الكائن في لهفة واضحة، عندما رآه، واتجه في سرعة إلى الجدار الزجاجي من ناحيته، ولمسه بأطراف أصابعه، و(جو) يضيف، ولهاثه يتصاعد مع انفعاله:
- بكثير.

بدت نظرة مودة وارتياح واضحة، في عيني الكائن، وغمغم بكلمات خافتة، فابتسم (جو)، وقال في حنان عجيب، وكأنه يحدث ابنه.
- (موجال).. كم أصابني القلق والحزن بشأنك.

كان من الواضح أن الكائن لم يستطع فهم كلماته، ولكنه استوعب ملامحه وانفعاله، وذلك الدفء في صوته، فلم يزد عن أن قال:
- (جو)... (جو)...

انعقد حاجبا رجل الأمن، وقال في توتر:
- لقد تعرّفك!...

أجابه (جو)، دون أن يلتفت إليه:
- إنه كائن عاقل... وذكي... للغاية.

لم يحاول رجل الأمن التعليق على العبارة؛ وخاصة عندما أشار (موجال) إلى أجهزة، تشبه تماماً الأجهزة السابقة، وكأنه يطلب من (جو) استخدامها؛ فابتسم (جو) وأضاف في خفوت:
- ألم أقل لك... إنه يفهمنا.

واتجه نحو الأجهزة البديلة، وهو يسأل في اهتمام:
- ماذا عن الخريطة الفلكية؟!..

تنحنح رجل الأمن، وقال في حزم:
- هذا يتوقف على رأي الخبير الثاني.

التفت إليه (جو) في دهشة، متسائلاً:
- أي خبير ثان؟!...

وعندما أخبره رجل الأمن، ارتفع حاجباه، واتسعت عيناه عن آخرهما...
فهذا آخر ما يمكنه أن يتوقعه...
على الإطلاق.
يتبع

amedo_dolaviga 30-08-10 07:57 AM





http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-19-01.jpgجو يؤدي واجبه (رسوم: فواز)




اتسعت عينا (إيناس) في دهشة بالغة، وهي تحدّق في وجه الرجل الواقف أمامها، قبل أن تسأله في انفعال:
- أتعني أن كل ما حدث لم...

قاطعها في حزم:
- ثقي يا سيدتي في أن (مصر) مازالت تُحكم قبضتها على الموقف، على عكس ما يتراءى خارجياً.

غمغمت ذاهلة:
- إذن فكل هذا كان مجرد خدعة!!..

أومأ برأسه إيجاباً، وقال:
- وكل شيء يسير على ما يرام.

هتفت:
- ولماذا كل هذا؟!..

صمت طويلاً هذه المرة، قبل أن يجيب في صرامة:
- سيدتي... أنت تعلمين الكثير بالفعل، حتى هذه اللحظة... وربما أكثر مما ينبغي...

ارتجفت شفتاها، ولاذت بالصمت بضع لحظات، قبل أن تتساءل في خفوت، وفي لهجة عالية التأثر:
- هل لي على الأقل أن أطمئن إلى أن (جو)...

قاطعها مرة أخرى، قبل أن تكمل سؤالها:
- بخير حال... الجميع على ما يرام.

تنهَّدت في ارتياح، وأغمضت عينيها، متمتمة:
- شكراً للرب.

ثم عادت تفتحهما، وهي تتساءل في حذر:
- وأين هو الآن؟!...

شدّ الرجل قامته، وصمت لحظة، ثم أجاب في حزم وصرامة:
- يؤدي واجبه.

سرت في جسدها ارتجافة سريعة، عندما سمعت إجابته، وعادت تغمض عينيها.
ولم تعلق بحرف واحد...
أي حرف...

http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-19-02.jpgإنه عبقري، كما يبدو واضحاً (رسوم: فواز)





"خطتكم كانت عبقرية"

نقلت الأجهزة الحديثة العبارة، أو ترجمتها عن كلمات (موجال)؛ فحدَّق (جو) في الشاشة ذاهلاً، على نحو جعل رجل الأمن يتجه إليه في سرعة، متسائلاً:
- ماذا يقول؟!..

أجابه (جو)، في صوت خافت منفعل:
- يتحدَّث عن خطتكم..

سرى توتر عنيف في جسد الرجل، وسأل في عصبية:
- وماذا يعرف عن خطتنا؟!..

نقل (جو) التساؤل في سرعة، عبر الأجهزة نفسها، إلى الكائن؛ فبدت على شفتي هذا الأخير ابتسامة باهتة، وراح يتحدَّث في لهجة شبه حماسية، دون أن يرفع عينيه عن رجل الأمن، وكأنه يوجه حديثه إليه مباشرة، في حين راح (جو) يبذل جهداً مضاعفاً، في محاولة لتفسير وترجمة تلك الإشارات والترددَّات، التي راحت تتراص على الشاشة في سرعة؛ مما جعل لهجته مضطربة، وهو ينقلها إلى رجل الأمن:
- الأمر كان واضحاً... أعداؤكم هاجموكم... خدعتموهم... نقلتم كل شيء... مركبتنا... أنا... خدعتموهم.

اتسعت عينا رجل الأمن في صدمة، ثم انعقد حاجباه فوقهما، وهو يتمتم في عصبية شديدة الوضوح:
- يعرف كل هذا؟!..

غمغم (جو) في توتر، وهو مازال يحاول فهم الإشارات، التي راحت تتوالى في سرعة أكبر، وتتشابك على نحو فاق قدرته على استيعابها، و(موجال)، الكائن الفضائي يواصل حديثه في حماس، ملوَّحاً بيديه معاً:
- إنه عبقري، كما يبدو واضحاً.

ازداد انعقاد حاجب رجل الأمن، وهو يغمغم في عصبية أكثر:
- بل هو شديد الخطورة.

التفت إليه (جو) في دهشة مستنكرة، قائلاً:
- الخطورة؟!...

أجابه الرجل في حدة:
- بالطبع... كيف تصف كائناً، يجهل كل اللغات الأرضية المعروفة...القديمة منها والحديثة، ويمكنه استيعاب خطة معقدّة بهذا الوضوح؟!...

قال (جو) في حدة:
- بالعبقرية!..

هزّ الرجل رأسه نفياً في حدة، وقال في صرامة عصبية:
- العبقرية وحدها لا تكفي، في مثل هذه الأمور... لابد له من خبرة طويلة وعميقة...

ثم ألقى نظرة حذرة على الكائن، قبل أن يميل على أذن (جو)، مستطرداً في همس:
- خبرة أمنية.

تراجع (جو) في دهشة مصدومة، وهتف مستنكراً:
- لعلك لا تتصور أن...

قاطعه الرجل في قسوة صارمة:
- لست أتصور شيئاً.

انعقد حاجبا (جو) في غضب متوتر، وانعقدت الكلمات على لسانه بضع لحظات، قبل أن يقول في حدة:
- أظننا بحاجة إلى عالم آخر بالفعل.

وصمت لحظة قصيرة، ثم أضاف في حدة أكثر:
- عالم عربي.

ألقى عليه رجل الأمن نظرة صارمة، وقال:
- مازلت ترفض ذلك الروسي... أليس كذلك؟!

أجابه (جو) في عصبية:
- بل أعجز عن استيعابه... أو بمعنى أدق، أعجز عن استيعاب أنكم قد استعنتم به.

أوْلاه الرجل ظهره، وابتعد عن القفص الزجاجي، وهو يجيب في صرامة:
- ماذا كنت تتوقع إذن؟!... (مصر) لم تدخل أبداً عصر الفضاء، ومحاولتها الوحيدة لإنتاج الصواريخ لم يكتب لها الاستمرار؛ بسبب تحالف القوى العالمية، والمخابرات الإسرائيلية ضدها، وليست لدينا أية خبرة عالمية في مجال ارتياد الفضاء أو علومه... حتى قمر الاتصالات (نايل سات)، استعنا فيه بخبرة فرنسية؛ فكيف لنا أن نتعامل مع موقف كهذا، على الوجه الأمثل، دون الاستعانة بالخبرات اللازمة؛ وخاصة بعد أن اتضح موقف الأمريكيين من الأمر؟!.

قال (جو) في توتر:
- ولماذا ليست خبرة فرنسية، كما فعلنا مع (نايل سات)؟!..

بدا رجل الأمن شديد العصبية، وهو يقول:
- وما عيب (تروتسكي)؟!..

لوَّح (جو) بذراعه كلها، وهو يحاول اللحاق به، هاتفاً:
- لست أعرف (إيفان تروتسكي) هذا إلى حد انتقاده، أو حتى الاعتراض على علمه... إنني مندهش من الاستعانة بسوفيتي، في أمر شديد الحساسية والسرّيّة كهذا.

قال رجل الأمن في خشونة، وهو يواصل الابتعاد:
- لم يعد هناك سوفيت، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي يا رجل... إنه روسي... عالم فضاء روسي، أوْلى اهتماماً كبيراً لدراسة كيفية إجراء اتصالات، مع مخلوقات في كواكب أخرى، لا تتحدث اللغات الأرضية، وأظن هذا يتفق مع عملك... أما بخصوص الحساسية والسرية، فاترك الأمر لنا...

وزاد من سرعته لحظات، انحرف خلالها خلف جهاز كبير، وهو يكمل، في خشونة أكثر، وصرامة أقسى:
- إنه عملنا.

دار(جو) حول ذلك الجهاز الكبير ليلحق به، و...

وفجأة، التفت إليه رجل الأمن، وبدا شديد الغضب والصرامة، إلى حد مخيف، وهو يمسك معصمه، ويجذبه إليه في قوة، جعلت (جو) يطلق شهقة مكتومة، وخاصة عندما وجد وجهه على قيد سنتيمترات من وجه رجل الأمن، الذي انعقد حاجباه في شدة لم يشهدها من قبل قط، وهو يقول في عنف قاس:
- اسمعني جيداً... أنت هنا فقط لتجد وسيلة تواصل مع ذلك الكائن، الذي لم تتضح نواياه، ولا نوايا من أرسلوه إلينا بعد، حتى هذه اللحظة، وليس لكي تناقش وتنتقد أساليب عملنا، ولا إجراءات حفظ الأمن التي نتخذها هنا، على الأخص ليس أمام هذا الشيء.

امتقع وجه (جو) وصوته، وهو يغمغم:
- هذا الشيء له اسم.

جذبه رجل الأمن، في عنف أكثر، وهو يقول في شراسة، بلغت أوجاً يوحي بنفاد الصبر:
- هذا الشيء، وفقاً لقواعدنا نحن، سيعتبر شديد الخطورة حتى يثبت العكس.

كان (جو) يرتجف؛ إلا أنه قال في عصبية:
- ومن سيثبت هذا؟!... الروسي؟!

أتاه الجواب من خلفه، بصوت بارد، ولغة عربية، ذات لكنة شديدة القوة:
- معذرة لمقاطعتي حديثكما الودّي هذا، ولكن يبدو أن أحدكما يشير إليَّ، على نحو ما.

جذب (جو) نفسه من قبضة رجل الأمن في حدة، والتفت إلى صاحب الصوت البارد واللكنة، وارتطم بصراهما...
وتجمد الموقف كله...
تماماً.

*************


http://boswtol.com/sites/default/fil.../Apr/14/1_.jpgخبراؤنا يتصوّرون أن المصريين قد خدعونا (رسوم: فواز)




رفع الرئيسي الأمريكي رأسه، يستقبل مدير مخابراته في مكتبه، وانعقد حاجباه على الرغم منه، وهو يسأله في شيء من التوتر:
- ما الجديد؟!...

وضع مدير المخابرات ملفاً صغيراً، أمام الرئيس الأمريكي، وهو يقول:
- الرجال وضعوا نظرية جديدة، بشأن ما حدث في (مصر) يا سيادة الرئيس.

ازداد انعقاد حاجبي الرئيس الأمريكي، وهو يقول في عصبية:
- ألن تنتهي هذه القصة أبداً؟!...

انتقل توتّره إلى مدير مخابراته، وهو يجيب:
- خبراؤنا يتصوّرون أنه من المحتمل أن المصريين قد خدعونا.

هتف الرئيس الأمريكي في حدة واستنكار:
- خدعونا؟!... نحن؟!...

أومأ مدير المخابرات الأمريكية برأسه إيجاباً، ثم عاد يشير إلى الملف، وهو يندفع قائلاً:
- قبل سقوط رجالنا في قبضة المصريين بدقائق قليلة، أبلغونا أنهم قد رصدوا شظايا المركبة الفضائية، بعد سماعهم دوي انفجار عنيف، ثم فحصوا جثة كائن غير أرضي؛ فلماذا هذا التوقيت بالتحديد؟!

أجابه الرئيس الأمريكي في عصبية:
- لأن المصريين لم يمنحوهم دقيقة أخرى.
أشار مدير المخابرات بيده، متسائلاً:
- ولماذا ليس قبل أن يرصدوا كل هذا؟!...

تطلَّع إليه الرئيس الأمريكي لحظات في توتر، قبل أن يسأله:
- ما الذي ترمي إليه يا رجل؟!...

عاد مدير المخابرات الأمريكية يشير إلى الملف، قائلاً:
- خبراؤنا يقولون إنه من المحتمل أن تكون كل هذه مجرَّد خدعة...

هتف الرئيس الأمريكي في استنكار:
- خدعة؟!... هل يتصور خبراؤك أن المصريين سيضحّون بأعظم أسرارهم؛ من أجل خدعة

مال مدير المخابرات نحوه، حتى استند براحتيه على سطح مكتبه؛ مجيباً:
- سيفعلونها... لو أن الأمر يستحق.
حدَّق الرئيس الأمريكي في عينيه، قائلاً:
- وهل يستحق هذا؟!...

اعتدل مدير المخابرات في حركة حادة، مجيباً في حزم:
- بالتأكيد.

عاد حاجبا الرئيس الأمريكي ينعقدان في توتر، وهو يستغرق في التفكير بضع لحظات، قبل أن يقول في شك:
- لست أعتقد أن المصريين قد بلغوا هذا الحد من الذكاء والبراعة.
حان دور مدير المخابرات ليعقد حاجبيه، وهو يقول:
- هذا بالضبط ما قاله الإسرائيليون، قبيل أكتوبر 1973م.

مباشرة حدَّق فيه الرئيس الأمريكي كالمصدوم لحظات، ثم تنحنح في توتر، وسأله في صرامة، أراد بها أن يخفي عصبيته:
- ألديكم أية أدلة على هذا؟!...

أجابه مدير المخابرات في سرعة:
- بالتأكيد.
ثم عاد يميل على مكتب الرئيس الأمريكي، مكملاً في لهجة خاصة:
- (إيفان تروتسكي).

سأله الرئيس الأمريكي في عصبية:
- من (تروتسكي) هذا؟!..

اعتدل مدير المخابرات، وقال بلهجة من ربح المعركة:
- عالم فضاء وفلك روسي، تخصّص في احتمالات الحياة على كواكب أخرى، ولديه شهادة خاصة، في علم اللغات النادرة والقديمة.

سأله الرئيس الأمريكي، في عصبية أكثر:
- وماذا عنه؟!

انعقد حاجبا مدير المخابرات، وهو يجيب في صرامة حازمة:
- لقد أحضروه إلى (مصر)... وبطائرة خاصة.

اتسعت عينا الرئيس الأمريكي، وكأنه قد استوعب الأمر، ثم عاد حاجباه ينعقدان في شدة، وهو يقول:
- وماذا يقترح خبراؤك، في هذا الشأن؟!

تنفّس مدير المخابرات الأمريكية الصعداء، قبل أن يقول في حزم:
- السيطرة.

كانت كلمة موجزة؛ ولكنه استغرق في شرح مضمونها ما يقرب من ساعة كاملة...

والواقع أنها كانت تعني الكثير...

والخطير...

جداً...


http://boswtol.com/sites/default/fil.../Apr/14/2_.jpgإنه ذكي كما ترى (رسوم: فواز)




"أظن أنه من الأفضل أن نتفق..."

قالها العالم الروسي في برود، جعل (جو) يقول في توتر:
- إننا لم نختلف.

ابتسم الروسي ابتسامة باهتة باردة، والتفت يتطلَّع إلى (موجال)، داخل قفصه الزجاجي، قبل أن يقول بلكنته المستفزة:
- ما أقصى ما توصَّلت إليه معه؟!

راقب رجل الأمن حوارهما في اهتمام، و(جو) يجيب، في لهجة أشبه بالتحدي:
- إننا نتحاور.

ارتفع حاجبا الروسي في دهشة، وهو يقول:
- تتحاوران؟!... هل يتحدث إحدى اللغات المعروفة؟!

التقط (جو) نفساً عميقاً، وقال في زهو:
- ليست مسألة لغات.

ثم راح يشرح له ما يفعله، من تحويل أصوات الفضائي وحركات جسده، إلى معان لغوية واضحة، واستمع إليه الروسي في اهتمام شديد؛ في حين راح الفضائي (موجال) يتابع حديثهما في قلق واضح، وهو يرمق الروسي بنظرات لا تشف عن أيّ ارتياح، ثم لم يلبث أن يتراجع إلى الجدار، و(جو) ينهي حديثه، قائلاً:
- إنه ذكي كما ترى.

التفت الروسي إلى (موجال)، وحدجه بنظرة طويلة، قبل أن يغمغم:
- هذا يبدو واضحاً.

تبادل معه (موجال) نظرة عصبية، قبل أن يشير إليه، ثم ينظر إلى (جو)، ويتحدث على نحو عصبي، جعل (جو) يلتفت في لهفة إلى شاشات جهازه، ورجل الأمن يسأله في اهتمام شديد:
- ماذا يقول؟!

ترجم (جو) تلك الإشارات، وهو يقول:
- قال إنه لا يشعر بالارتياح تجاهه.

قالها، وهو يشير إلى الروسي، الذي لم يُبد أي اهتمام للأمر؛ على الرغم من فهمه للعربية؛ وإنما هتف:
- دعه يقولها مرة أخرى.

التفت إليه (جو) في استنكار، قائلاً:
-إنه ليس مهرجاً في سيرك فقير.

هتف به الروسي، مكَّرراً في انفعال:
- دعه يقولها مرة أخرى.

انعقد حاجبا (جو) في غضب، والتفت إلى رجل الأمن بنظرة مستاءة؛ ولكن هذا الأخير قال في اهتمام متوتر:
- دعه يكررها... لن نخسر شيئاً.

أشار (جو) إلى (موجال)، وطلب منه أن يعيد ما قاله، فنقل الفضائي بصره، بين الرجال الثلاثة في حذر، قبل أن يكرر ما قاله في بطء؛ فاتسعت عينا الروسي، على نحو عجيب، وهو يحدَّق في الفضائي بنظرة مخيفة؛ حتى أن هذا الأخير تراجع بحركة أشبه بحيوان مذعور، والتصق بالجدار، وهو يدير عينيه إلى (جو) بنظرة مستنجدة؛ فقال هذا الأخير في عصبية:
- لم يضف شيئاً.

هتف به الروسي، في انفعال جارف:
- خطأ.

ثم عاد يحدَّق في الفضائي، بتلك النظرة العجيبة، مردفاً:
- لقد أضاف الكثير... والكثير جداً.

اللهجة التي نطق بها عبارته، أثارت دهشة وقلق (جو)، ورجل الأمن معاً؛ ولكن الأخير وحده ترجم مشاعره إلى لغة مسموعة، وهو يقول:
- ماذا أضاف بالضبط؟!

أجاب الروسي بنفس الانفعال، دون أن يرفع عينيه عن الفضائي:
- اللغة.

تبادل (جو) ورجل الأمن نظرة دهشة كبيرة، ثم قال الأوَّل في تردد:
- إنها لغة كوكبه، و...

قاطعه الروسي، في انفعال حاد:
- هراء..

ارتد (جو) في دهشة، في حين هتف رجل الأمن، في توتر بالغ:
- ماذا تعني يا رجل؟!... أفصح عما لديك؟!..

التفت إليهما الروسي، وقال دون أن يفارقه انفعاله:
- تلك اللغة، التي تحدّث بها، ليست لغة فضائية.

جفّ حلق رجل الأمن، وهو يسأله:
- كيف؟!..

ألقى (جو) السؤال، في الثانية التالية، وكأنه لم يسمع رجل الأمن؛ فتضاعف انفعال الروسي، وهو يجيبهما:
- إنها لغة أرضية بالغة الندرة... لغة أرضية، وليست فضائية... على الإطلاق.

واتسعت عيون (جو) ورجل الأمن عن آخرهما...
فالمفاجأة كانت قاسية...
للغاية.

amedo_dolaviga 30-08-10 08:01 AM





http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-21-01.jpgالهيئة التي أراها أمامي ليست فضائية (رسوم: فواز)




لما يقرب من دقيقة كاملة، ران على تلك القاعة صمت رهيب، على الأقل في ذلك الجزء منها، و (جو) مع رجل الأمن يحدّقان في وجه (تروتسكي)، الذي لم يبد أقل منهما صدمة وذهولاً، ثم لم يلبث رجل الأمن أن اخترق هذه الصورة الصامتة، وهو يهتف في انزعاج:

- هو ليس فضائياً إذن؟!...

التفت الثلاثة مع قوله إلى (موجال)، الذي تراجع في توتر، وراح ينقل بصره بين ثلاثتهم في عصبية، والروسي يجيب في انفعال:
- الهيئة التي أراها أمامي ليست فضائية... ولكنها ليست أرضية أيضاً... إنه يبدو أشبه بـ... بـ...

اندفع (جو) يكمل عبارته:
- بالإنسان القديم.

استدار إليه (تروتسكي)، وهتف في حماس، مشيراً بسبَّابته:
- بالضبط.

ثم راح يحرك ذراعيه كلهما في انفعال جارف، وهو يكمل:
- إنه أشبه بما يطلق عليه الجيولوجيون اسم (إنسان نايندرثال) وهو أول مخلوق يمشي على قدميه، تمّ العثور على بقاياه، بعد انقراض الديناصورات.

انعقد حاجبا (جو)، وهو يقول، في لهجة شبه حادة:
- التشابه لا يعني أنه ليس فضائياً.

أجابه (تروتسكي) بنفس الانفعال:
- هذا صحيح... ذلك الرداء الذي يرتديه لا يشبه أردية أرضية معروفة... إنه يبدو لي معدنياً؛ ولكنه يتحرك على جسده في مرونة شديدة... أخبرني: هل يحوى أية أسلحة، أو وسائل اتصال متطورة؟!..

انعقد حاجبا رجل الأمن في توتر، والتفت إلى (موجال) بحركة حادة، وحدّق في زيّه اللامع في عصبية، وهو يتساءل:
- أهذا ممكن؟!

أجابه الروسي في سرعة وانفعال:
- ولم لا؟!..

ازداد انعقاد حاجبي رجل الأمن، والتقط جهاز اتصاله في عصبية بالغة، وهو يقول عبره في صرامة:
- كود (ج)

مع قوله، أو بعد ثوان قليلة منه، انبعث غاز من فتحات خاصة، داخل القفص الزجاجي، فانتفض (موجال) في شدة، وتلفّت حوله في ذعر، ثم اندفع نحو الحاجز الزجاجي، وراح يضربه بكفيه في انفعال، وهو يهتف بكلمات واضحة الانزعاج، موجهاً حديثه إلى (جو) مباشرة؛ فاندفع هذا الأخير نحو أجهزته، وهو يهتف برجل الأمن:
- ماذا فعلتم به؟!..

أجابه الرجل في صرامة:
- مجرَّد إجراء وقائي.

ألقى (جو) نظرة عصبية على شاشات الأجهزة، ثم هتف في غضب:
- أهو غاز قاتل؟!

أجابه الرجل بنفس الصرامة:
- بل غاز مخدر... لابد من فحص ذلك الزي، بواسطة خبرائنا.

قال الروسي في حماس:
- إجراء سليم.

رمقه (جو) بنظرة غاضبة، وهو يهتف في مرارة:
- ولماذا لم تطلب منه نزعه فحسب؟!..

أجابه رجل الأمن في حزم صارم:
- وماذا لو استخدم أسلحته عندئذ؟!

التفت إليه (جو) غاضباً:
- أية أسلحة؟!... لو أنه يمتلك أسلحة؛ فلم لم يستخدمها؛ حتى هذه اللحظة، على الرغم من كل ما واجهه؟!

أجابه الروسي في حسم:
- لا يمكنك المخاطرة.

هتف (جو) محتداً:
- وإفقاده الوعي.... أليس مخاطرة؟!... هل نعلم تأثير هذا الغاز على أجهزته الحيوية؟!... هل سيثق في تعاونه معنا بعدها؟!... فليجب أكثركما عبقرية... هل سيفعل؟!..

تبادل الرجلان نظرة متوترة، وغمغم:
- لست أعتقد أن...

قاطعه رجل الأمن في صرامة شديدة:
- كما سمعت من قبل... لا يمكننا المخاطرة... سيتم تجريده من هذا الزي؛ ليتم فحصه بمنتهى الدقة، وبعدها سيعود رهن إشارتك؛ ولكن في زي أرضي آمن.

قال (جو) في مقت:
- هل تعتقد هذا؟!

ولم يجب رجل الأمن...
بل لم يجب أيهما...
ولا حتى بحرف واحد...


http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-21-02.jpgلا تحدثني كل مرة عن حرب (كيبور) هذه




لم ينطق الرئيس الأمريكي بحرف واحد، وهو يستمع إلى خبراء المخابرات الأمريكية، الذين يشرحون وجهة نظرهم، بشأن الخدعة المصرية، ويحاولون طرح كافة الأدلة عليها...

وعندما انتهى الشرح، ساد المكان صمت طويل، بدا خلاله الرئيس الأمريكي شديد الاستغراق في التفكير، والكل يتطلَّع إليه؛ حتى تنحنح مدير المخابرات وسأله في خفوت:

- والآن ماذا يا سيادة الرئيس؟!

بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يستيقظ من حلم ما، وهو يرفع عينيه إليه، متسائلاً:

- ماذا تقترح أنت؟!

أجابه مدير المخابرات في حماس:
- سننتظر عودة رجالنا، ثم...

قاطعه الرئيس الأمريكي في حزم صارم:
- ثم ماذا؟!

صدمت لهجته مدير مخابراته، فانخفض صوته مرة أخرى، وقال:
- نضرب ضربتنا.

بدا الرئيس الأمريكي شديد العصبية، وهو يقول:
- أية ضربة؟!

بدا لحظة وكأنه سيكتفي بالعبارة؛ إلا أنه انتفض بعدها في غضب، وهبَّ من مقعده، وهو يقول في حدة:

- ما أخبرتموني به لم يتعدّ استنتاجات محضة، ممتزجة بغضب شخصي من انتصار المصريين في الجولة الأولى؛ ولكن القليل مما عرفته وخبرته، عن نظم الأمن الرياسية، في فترة رئاستي، جعلني اندهش من تصوّركم أن المصريين يمكن أن يجازفوا بكشف أخطر أسرارهم الأمنية، فقط من أجل خدعة.

قال مدير مخابراته، محاولاً تهدئته:
- ليست مجرد خدعة، إنها سيطرة على تكنولوجيا حديثة.

صاح الرئيس الأمريكي في غضب:

- وكيف سيمكنهم الإفادة منها، حتى لو بذلوا كل حياتهم، من أجل الاحتفاظ بها؟!... أليست تقاريركم نفسها هي التي أكّدت، منذ شهور قليلة، أن العرب سيعجزون عن استخدام التكنولوجيا، حتى لو توافرت لديهم؛ بسبب غياب القاعدة العلمية في عالمهم، وابتعادهم عن المنطق العلمي في التفكير؟!...

ألم تذكر لي أنت شخصياً، يا مدير المخابرات، أنك تعلم أن المصريين قد حصلوا على ثلاث قنابل ذرية، من الاتحاد السوفيتي المنهار؛ ولكنك لا تخشى شيئاً منها؛ لأنهم لا يمتلكون وسيلة لإطلاقها؟!...

ألم يكن مصدر ثقتك هذه، كما أخبرتني، أنهم انفعاليون، يفتقرون إلى الفكر العلمي المنظّم؟!... كيف تعود فتخبرني بعدها أنهم قد خدعونا بأكثر خدع التاريخ مهارة؟!... كيف؟!

أجابه مدير مخابراته في توتر:

- لا تنسَ يا سيادة الرئيس، أن الخدعة التي استخدموها، في حرب (كيبور) كانت..

قاطعه الرئيس الأمريكي في غضب:
- لا تحدثني كل مرة عن حرب (كيبور) هذه؛ فحديثك عنها يذكرني دوماً بأنك تنتمي إلى قومك، بأكثر مما تنتمي إلينا...

احتقن وجه مدير المخابرات في شدة، وهو يقول:
- سيدي الرئيس... ربما كنت يهودي الديانة، ولكنني أمريكي الجنسية، وانتمائي دوماً لوطني.

مال الرئيس الأمريكي نحوه، وهو يقول في صرامة قاسية:
- أي وطن منهما؟!

ازداد احتقان وجه مدير المخابرات الأمريكية، وانطبقت شفتاه في توتر شديد، في نفس اللحظة التي ارتفع فيها رنين هاتف الرئيس الأمريكي المؤمَّن؛ فالتقطه قائلاً، ولم تفارقه لهجته الصارمة بعد:
- ما الجديد؟

انعقد حاجباه في شدة، وهو يستمع إلى محدِّثه، وانقلبت ملامحه على نحو عجيب، يوحي بأن ما يسمعه أمر خطير...
وربما لأقصى حد.
**********************





http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-22-01.jpgلدى حكومتي مطلب خاص يا سيادة الرئيس (رسوم: فواز)




لم يشعر الرئيس المصري بالارتياح على الإطلاق، وهو يستقبل السفير الأمريكي في مكتبه مرة أخرى، ولقد بدا هذا واضحاً، في صوته ولهجته وأسلوبه، وهو يقول في جفاف شديد الوضوح:
- ماذا هناك هذه المرة؟!

بدا السفير واثقاً إلى حد الغرور، وهو يقول:
- لدى حكومتي مطلب خاص يا سيادة الرئيس.

ثم مال نحو الرئيس، مضيفاً بلهجة لا تثير أدنى قدر من الارتياح:
- لتأكيد الصداقة بين حكومتينا.

أجابه الرئيس في صرامة:
- الصداقة التي دفعتكم لمهاجمة بلدنا؟!

اعتدل السفير بحركة حادة، وقال في سرعة:
- الصداقة التي ستعود أقوى مما كانت، يا فخامة الرئيس.

صمت الرئيس بضع لحظات، وتأمله خلالها في صرامة واضحة، قبل أن يقول:
- وما مطلب حكومتك بالضبط؟!..

التقط السفير نفساً عميقاً، قبل أن يجيب في حزم:
- قطعة.

تبادل الرئيس المصري نظرة مع مدير مخابراته، قبل أن يسأل هذا الأخير، وهو يعرف الجواب مسبقاً:
- قطعة من ماذا؟!

أجاب السفير في سرعة، وكأنه كان ينتظر السؤال بالفعل:
- قطعة من مركبة الفضاء التي نسفتموها.

عاد الرئيس ومدير مخابراته يتبادلان النظر، وإن حملت نظراتهما معنى شديد الاختلاف هذه المرة، قبل أن يقول الرئيس في صرامة شديدة:
- أي مطلب هذا؟!

أجابه السفير، بالسرعة نفسها:
- مطلب علمي يا فخامة الرئيس...

والتقط نفساً عميقاً؛ للسيطرة على انفعاله، قبل أن يتابع في رصانة، بذل جهداً كبيراً لتصنّعها:

- تلك المركبة قادمة من الفضاء السحيق على الأرجح؛ وهذا يعني رحلة فضائية طويلة، وطاقة لا حصر لها، ومن أجل القيام برحلة كهذه، لابد من صنع مركبة فضائية، تجمع بين أمرين أساسيين...

متانة هيكلها، وخفة وزنه، وهذا حتماً يحتاج: إما إلى سبيكة معدنية من نوع خاص جداً، أو معدن غير معروف على الأرض، وكلاهما أمر يمكن أن يصنع فارقاً كبيراً، في صناعة الطائرات والصواريخ.
صمت الرئيس لحظات، ثم مال نحوه، متسائلاً في حزم:
- لو أن هذا صحيح؛ فلماذا نسلّمكم قطعة من المركبة؟!

بدا السفير وقحاً إلى حد ما، وهو يجيب:
- لأننا الدولة التي تمنحكم طائراتكم، يا فخامة الرئيس.

انعقد حاجبا مدير المخابرات في غضب، في حين قال الرئيس في صرامة:
- تقصد تبيعوننا إياها.

اعتدل السفير في حركة حادة، مجيباً:
- لا يوجد فارق كبير يا فخامة الرئيس... أنتم تحصلون على طائراتكم منا في كل الأحوال.

قال الرئيس في صرامة أكثر:
- وكذلك الإسرائيليون.

انعقد حاجبا السفير، وهو يقول في عصبية:
- ماذا تعني بالضبط يا فخامة الرئيس؟!

مال الرئيس نحوه هذه المرة، وبدا شديد الحزم والصرامة، وهو يقول:

- أعني أنكم المصدر الوحيد لطائرات الطرفين حتى هذه اللحظة؛ ولكن الأمر المدهش أنكم شديدو الحرص على أن يسبقنا الإسرائيليون دوماً بخطوة أو خطوتين، في مقياس التسلّح، وكأنكم تحرصون على تفوّقهم عسكرياً طوال الوقت.

اندفع مدير المخابرات، يقول في صرامة مماثلة:
- ولعلكم لاحظتم، في هجومهم الأخير هذا، أن قوة السلاح ليست المقياس الوحيد للتفوق العسكري؛ فالرجال خلف السلاح هم المعيار الحقيقي.

ثم انتبه إلى اندفاعه؛ فتراجع مغمغماً:
- معذرة يا فخامة الرئيس.


http://boswtol.com/sites/default/fil...comer22-02.jpgإنه أشبه بإعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية




- ابتسم الرئيس، وأشار بيده، قائلاً:
لا عليك... إنهم يعلمون... حروبنا معهم جعلتهم يدركون هذا، منذ زمن طويل

وهزَّ كتفيه، وهو يشير بيده مرة أخرى، مضيفاً:
- ولعل هذا ما يخيفهم منا.

بدا السفير الأمريكي عصبياً، وهو يقول:
- مازلت عاجزاً عن فهم ما ترمون إليه، يا فخامة الرئيس.

اعتدل الرئيس في مقعده، وقال في صرامة:
- باختصار... أية دولة في العالم مستعدة لمنحنا كل ما نبتغيه من سلاح وطائرات، مقابل تلك القطعة التي تطالبون بها..

احتقن وجه السفير، وهو يقول في حدة:
- أتعلم ما يعنيه أن تفعلوا هذا، يا فخامة الرئيس؟!

أجابه الرئيس بنفس الصرامة:
- بكل تأكيد.

هتف في حدة أكثر:
- إنه أشبه بإعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية.

ضرب الرئيس المصري سطح مكتبه براحته في قوة، وهو يقول في غضب:
- أهذا تهديد رسمي أيها السفير؟!


تراجع السفير في سرعة، وهو يقول في توتر:
- بل تحذير غير رسمي فحسب يا فخامة الرئيس.... ولكنني أؤكد لفخامتكم، أن كل حرف قيل هنا، سيتم نقله إلى الرئيس الأمريكي، خلال دقائق قليلة، من مغادرتي مكتب فخامتكم.

أجابه الرئيس في صرامة:
- سأنتظر رد فعله.

وصمت لحظة، وكأنه سيكتفي بالقول؛ إلا أنه أضاف، في صرامة أكثر:
- وأخبِره أن التكنولوجيا، التي تتباهون بها، قد أوجدت وسائل عديدة للاتصال المباشر، وأنني لن أقبل بالاتصال عبر السفراء، في شأن شديد الحيوية والأهمية كهذا.

تمتم السفير، في عصبية واضحة:
- سأفعل...

وعندما غادر مكتب الرئيس، كان وجهه شديد الاحتقان...
إلى أقصى حد...

"إنك لم تتحدث، منذ ما يقرب من الساعة..."

نطقها الروسي في هدوء بارد، وهو يبتسم ابتسامة أكثر بروداً؛ فالتفت إليه (جو) في غضب، قائلاً:
- وماذا تنشد من حديثي؟!

هزَّ (تروتسكي) كتفيه، وقال:
- أن نتشاور علمياً على الأقل.

قال (جو) في غضب:
- علمياً أم أمنياً..

واصل الروسي ابتسامته الباردة، وهو يقول:
- في حالتنا هذه، لا يوجد فارق كبير.

هتف (جو) في حدة:
- من وجهة نظر من؟!

صمت الروسي بضع لحظات، قبل أن يميل نحوه، قائلاً في جدّية:
- اسمع أيها المصري... من الواضح أنك قد قضيت عمرك كله في حياة مدنية خالصة، لم تواجه فيها من المخاطر؛ إلا ما يهدد أمنك الشخصي فحسب، أما أنا؛ فقد نشأت في الاتحاد السوفيتي، قبل انهيار الشيوعية، وتحوَّلنا إلى تابع غير صريح لأمريكا، ومنذ حداثتي، تعاملت مع مشكلات أمنية عديدة...

حتى عندما اتجهت للعلم، كنا نتعامل معه كأمر أمني بحت؛ لأننا كنا دوماً في صراع معلومات لا ينتهي، مع أمريكا، التي كانوا يصفونها لنا باعتبارها رمزاً للإمبريالية العالمية.

سأله (جو) في عصبية:
- وما علاقة كل هذا بما نحن بصدده.

أجابه، في شيء من الصرامة تجاوز بروده التقليدي:
- علاقته أنك عاجز عن رؤية الموقف على نحو كامل أو متكامل؛ على الرغم مما يحدث حولك؛ فحتى هذه اللحظة، مازلت تتعامل مع الموقف، باعتباره أمراً علمياً محضاً.

سأله (جو) بنفس العصبية:
- أوليس كذلك؟!

تراجع الروسي في بطء، وهو يهز رأسه نفياً، قائلاً:
- لا... ليس كذلك.

ثم استطرد في حزم:
- ذلك الكائن، صار سلاحاً تكنولوجياً، يتنافس الجميع للفوز به، وهذا يعني أنه لم يعد مجرَّد لغز علميّ فحسب؛ بل مشكلة أمنية، ينبغي التعامل معها بمنتهى الحذر.

قال (جو) في غضب:
- وهل سيحلّ تخديره المشكلة؟!


هزَّ (تروتسكي) كتفيه، وأجاب:
ربما لا؛ ولكنه سيوضح بعض الأمور فحسب.


" هذا صحيح..."

لم ينطق أيهما العبارة، وإنما جاءت على لسان رجل الأمن، الذي دخل إلى المكان، وملامحه توحي بخطورة وأهمية ما أتى من أجله؛ فالتفت إليه كلاهما، وسأله الروسي في لهفة:

- هل من جديد؟!

لوَّح رجل الأمن بملفّ في يده، وهو يقول في حزم متوتر:
- بل هناك مفاجأة... مفاجأة لن تتوقعاها أبداً... أبداً...
والواقع أنه كان على حق..
فالمفاجأة غير متوقعة...
مطلقاً.


amedo_dolaviga 30-08-10 08:04 AM

http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-23-01.jpg
هذا الوغد كان يجمع المعلومات عنا طوال الوقت (رسوم: فواز)




لأكثر من خمس دقائق كاملة، لم يستطع (جو)، أو (تروتسكي) النطق بكلمة واحدة، بعد أنهى رجل الأمن قراءة التقرير، الذي أصدره الخبراء، ثم لم يلبث الأوَّل أن هزَّ رأسه في توتر شديد، وكأنما يحاول أن ينفض عنه ما سمعه منذ لحظات، وقال في شيء من العصبية:

- هل يمكنك أن تعيد ما قلته مرة أخرى؟!...

أزاح رجل الأمن التقرير جانباً، وهو يقول في حزم:


- الأمر واضح، إلى الحد الذي تعجزان معه عن استيعابه... ذلك الزي، الذي كان يرتديه الكائن، يحوي بالفعل أكثر بكثير مما أمكننا أن نكشفه في المرة الأولى...


إنه ليس مجرَّد زي فضائي، يمده بالهواء والغذاء، ويضبط معدلات الضغط وقياساته الحيوية...

إنه يحوى أيضاً شبكة من وسائل الاتصال؛ موزّعة عبر نسيجه غير التقليدي، والذي تم تصنيعه على نحو يصعب حتى أن تتوصَّل إليه أرقى تكنولوجيا، قبل ثلاثين عاماً من العمل الدءوب على الأقل، ثم إنه يقوم بتخزين كل هذا داخل ما يشبه قرص التخزين المعروف لدينا؛ ولكنه رخو ونسيجي؛ بحيث يكون جزءاً من الزي نفسه.

ثم هزَّ رأسه في غضب، مستطرداً:

- هذا الوغد كان يجمع المعلومات عنا طوال الوقت.

همَّ الروسي بقول شيء ما؛ ولكن (جو) اندفع يقول في حدة:

- ليس بالضرورة.

التفت إليه رجل الأمن في غضب شديد، وكاد ينفجر في وجهه، بمحاضرة طويلة قاسية، عن خطأ النظر إلى كل الأمور، من منطلق حسن النوايا، وعن ضرورة وضع الأمن فوق كل اعتبار، و....

ولكن الروسي أجهض المحاضرة قبل أن تبدأ، وهو يقول في صرامة:

- وأنا أتفق معك تماماً.

التفت إليه رجل الأمن في دهشة مستنكرة؛ فأضاف بنفس الصرامة:


- لو أنك رائد فضاء، وتنطلق في مهمة كونية طويلة؛ فمن الطبيعي أن يحوي زيك أو مركبتك وسيلة لتسجيل كلّ ما تمرّ به، وحفظ كل لمحة، يمكن دراستها وتحليلها، والإفادة منها بعد عودته إلى كوكبه الأم.

اندفع (جو) يكمل في انفعال:

- ثم إننا لو افترضنا أنه يرتدي هذا الزي للتجسس علينا؛ فهذا سيعني أن سقوطه في قبضتنا كان متعمداً، حتى يمكنه القيام بمهمته.

بدا رجل الأمن شديد الصرامة والقسوة، وهو يجيب:

- ولا يمكننا استبعاد هذا الاحتمال أيضاً.

تبادل (جو) و(تروتسكي) نظرة مستنكرة، قبل أن يقول (جو) في غضب واضح:

- اسمع يا هذا... أنا كنت طيلة عمري، أكثر تزمتاً منك، في هذه الأمور، ولم أكن أؤمن، ولو لحظة واحدة، باحتمال وجود أية مخلوقات عاقلة غيرنا في الكون، وكنت أستنكر بشدة أية محاولة لإقناعي بالعكس... حتى أفلام الخيال العلمي، التي أشارت إلى هذا، كنت أراها مجرد أفلام هزلية سخيفة؛ ولكن ها أنا ذا أقف في مواجهة كائن من عالم آخر، كائن ذكي، أكثر تطوراً وتقدماً منا، من الناحية التكنولوجية على الأقل، وهذا يعني صدمة عنيفة، لكل ما آمنت به طيلة عمري، ربما لأنني أدركت أنني أمام أعظم كشف علمي، منذ بدء الخليقة، وكان هذا يحتّم علىَّ، أن أطرح أفكاري القديمة جانباً، وأن أتعامل مع الأمور بفكر جديد، وروح جديدة.

هزَّ رجل الأمن رأسه في عناد، قائلاً بنفس الصرامة:

- هذا يتعارض تماماً مع الأمن، والفكر الأمني.

قال الروسي في برود مستفز:


- هراء.

التفت إله الرجل مرة أخرى، على نحو حاد؛ ولكنه استطرد بلا مبالاة:

- الأمن الجامد هو أمن فاشل وعاجز، ويسهل للغاية تحطيمه واختراقه، وإزاحته من الساحة... الأمن الحقيقي هو من التغيير، والتطوير، والتعامل مع كل أمر جديد بمفهوم جديد، وفكر جديد.

هتف به رجل الأمن، في لهجة اكتسبت شيئاً من الشراسة هذه المرة:


- إنك تتحدث عن أمن قومي يا رجل.

جاء دور (جو) ليقول في غضب:

- هراء أيضاً

بدا رجل الأمن شديد العصبية والغضب والاستنكار، وهو ينقل بصره إليه؛ ولكن (جو) تابع بنفس اللهجة:

- لو أن هذا القادم من كوكب آخر، هو جاسوس، قطع ملايين الأميال، عبر فضاء سرمدي لا نهائي، فقط ليتجسس علينا، أو ليجمع معلومات عنا، بغرض الاستعمار أو الاحتلال، أو أياً من تلك الأفكار الخزعبلية، التي ملأت بها قصص الخيال العلمي رؤوسكم؛ فنحن حتماً لسنا أمام مشكلة أمن قومي، أو حتى أمن إقليمي... إننا أمام مشكلة أمن عالمي... أمن يحمي البشرية كلها، وليس مصر أو العالم العربي فحسب.


http://boswtol.com/sites/default/fil...comer23-02.jpg
إنه لا سبيل لكم لبلوغ الحقائق سوى من خلالنا




قال (تروتسكي) مكملاً:

- ولو أن الأمر كذلك؛ فمن واجبكم أن تتعاونوا مع الأمريكيين، ومع كل دولة في العالم؛ لأن الخطر يشملها كلها.

هزَّ رجل الأمن رأسه في عنف، وقال في حدة:

- لم نتيقن من هذا بعد.

سأله (جو) مندفعاً كعادته:

- وكيف ستتيقنون؟!... هل ستستجوبون (موجال)؟!...

انعقد حاجبا رجل الأمن، وهو يجيب في شراسة:
- ولم لا؟!

سأله (تروتسكي):


- وكيف ستفعلونها؟!..

نقل رجل الأمن بصره في عصبية، دون أن يجيب؛ فمال (جو) نحوه، وأجاب بكل صرامة:

- بالعلم.

بدا واضحاً، من خلجات الرجل، أن الموقف كله قد أصابه بتوتر شديد، جعله يقول في عصبية:

- ما الذي ترميان إليه بالضبط؟!

كان الروسي هو من أجابه، ببروده المستفز:

- إنه لا سبيل لكم، لبلوغ الحقائق، سوى من خلالنا.

وأضاف (جو) مندفعاً:


- أم أنكم ستبحثون عن عالم ثالث، يخبركم بما تريدون سماعه بالضبط؟!

كان من الواضح أنها مواجهة صريحة، لم تحدث على نحو مباشر من قبل...

مواجهة بين فكرين...
فكر أمني...
وفكر علمي...
الفكر الأمني، كان يبحث حتماً عن أسلوب السيطرة على الموقف..
أياً كان هذا الموقف...

والفكر العلمي، كان يبحث عن ما هو أرقى...
عن المعرفة...
والحقيقة...
عن العلم...

فكر يسعى للسيطرة...
وفكر يسعى للمعرفة...

والسؤال في مثل هذه المواجهة، لا يكون: مَن الأفضل؟...
ولكن من الأقوى؟!...
من يملك السلطة؟!..
والقرار؟!...
والاتجاه؟!...

لذا؛ فقد اعتدل رجل الأمن، وفرد صدره، وشد قامته، واتخذ وقفة عسكرية صارمة، وهو يقول بكل الغلظة:

- ستؤديان عملكما، كما يطلب منكما.

عقد (تروتسكي) ساعديه أمام صدره، وهو يقول:

- وماذا لو لم نفعل؟!..

ساد الصمت على ثلاثتهم لحظات، تبادلوا خلالها نظرات حادة، ملئوها الصرامة والتحدي، قبل أن يقول رجل الأمن، في لهجة عسكرية، توحي بأنها غير قابلة للنقاش:

- ستنفذان الأوامر؛ لأنكما تجهلان كافة تعقيدات الأمر.

قال (جو)، وهو يعقد ساعديه أمام صدره بدوره:

- المشكلة أننا لكي ننفذها، لابد لنا من معرفة وفهم كافة تعقيدات الأمور.

نطق الجزء الأخير من العبارة، مقلداً أسلوب رجل الأمن ولهجته؛ فاحتقن وجه هذا الأخير في غضب، في حين ابتسم (تروتسكي) ابتسامة باردة، وقال في هدوء مستفز:

- يبدو أننا سنتفق على أمور كثيرة هذا المساء يا صديقي.

نقل رجل الأمن بصره بينهما في غضب بضع لحظات، ثم لم تلبث نظراته أن تحوّلت إلى صرامة شديدة، وهو يقول في تحدّ:

- هل تعلمان إذن، أن كافة الخبراء، يتفقون على أنه من المحتمل، والمحتمل جداً، أن يكون كل هذا مجرد خدعة؟!..

ابتسم (جو) في سخرية عصبية، وقال:


- إذن فقد قطع (موجال) كل هذه الأميال في الفضاء، لكي...

قاطعه في صرامة غاضبة:


- هنا تكمن الخدعة.

انعقد حاجبا (تروتسكي) وهو يسأله في قلق:

- ماذا تعني بالخدعة يا رجل؟!

التقط رجل الأمن نفساً عميقاً، وبدا شديد الثقة والقوة، وهو يجيب في صرامة:


- لقد فحصنا أنسجة هذا المدَّعي، وجاءت النتيجة حاسمة.


ثم مال نحوهما، في لهجة بدت أشبه بالتشفي:

- هذا المخادع بشري... مجرد بشري.


وتراجع الاثنان كالمصعوقين.
لقد كانت بالفعل مفاجأة كبرى...
جداً.
*******************
ران صمت مهيب على حجرة مدير المخابرات العامة المصرية، وهو يتطلع -مع عدد من كبار معاونيه- إلى شاشة كبيرة، تنقل إليه ما التقطته كاميرات المراقبة الثابتة، في صالة الوصول بمطار (القاهرة)، ثم لم يلبث أحد معاونيه أن أشار إلى رجل غربي الملامح، وهو يقول:

- (إيتان كرينهال)... أسترالي، ويعمل سراً لحساب المخابرات المركزية الأمريكية، وصل على متن الطائرة، القادمة من (بلغاريا)، حاملاً جواز سفره الأسترالي، وفحص حقائبه يؤكد أنه لا يحمل أية أسلحة.

ثم أشار إلى آخر، مكملاً:

- (ريكاردو لوبيز)... برازيلي، قاتل محترف لحساب قسم التصفيات، بالمخابرات الإسرائيلية، وصل على متن الطائرة القادمة من (النرويج)...

قال مدير المخابرات، في تفكير عميق:

- هذا يجعلهم خمسة أفراد.

أومأ معاون آخر برأسه، قائلاً:

- بالضبط، وملفاتهم كلهم تشير إلى أنهم يعملون من خلف الستار؛ إما لحساب المخابرات الأمريكية، أو الإسرائيلية، وكلهم لم يحملوا أية أسلحة.

أشار مدير المخابرات بيده، قائلاً:

- الأسلحة ليست مشكلة؛ فكل سفارة تقريباً تنقل إليها بعض الأسلحة للحماية، عبر الحقائب الديبلوماسية، التي لا يجوز تفتيشها... حتى نحن نفعل هذا، ورجالنا في عملياتهم الخارجية، يحصلون على أسلحتهم، عبر هذا السبيل.

قال معاون ثالث في اهتمام:

- وصولهم على هذا النسق المتزامن، يؤكد أنهم هنا لأمر ما.

وافقه مدير المخابرات بإيماءة من رأسه، وقال:

- ووصولهم في هذا التوقيت بالتحديد، يجعلنا نتوقع هذا الأمر.

سأله المعاون الأول:

- ولكن ماذا يستطيعون فعله، في أمر نحيطه بكل هذه السرية، وبكل وسائل الأمن والتأمين الممكنة.


صمت مدير المخابرات بضع لحظات، قبل أن يقول في حزم:

- هم سيحملون الجواب إلينا.

ثم اعتدل في مقعده، واستطرد بلهجة قائد حاسم:

- سنضع خمستهم تحت رقابة دائمة، وسنتبعهم كظلهم... أريد تسجيل كل محادثاتهم، وحواراتهم، وحتى همسات نومهم... والأهم ألا ينتبه أحدهم لحظة واحدة، إلى أننا نفعل هذا.

وعاد يتراجع في مقعده، ويحك ذقنه بأصابعه، مكملاً، وكأنه يحادث نفسه:

- لابد وأن نعلم لماذا أتوا، ولأي شيء يخططون.. لابد.

ولم ينطق أحد معاونيه بحرف واحد...

على الإطلاق...

ساعة كاملة، قضاها (جو) و(تروتسكي)، يفحصان نتائج تلك الفحوص المدهشة...
ساعة كاملة، راجعا فيها كل ما درساه في حياتهما...
وكل ما عرفاه منذ مولدهما...
راجعا الدراسات التشريحية...
والبيولوجية...
وعلوم الإنسان...
وعلم الخلايا...
والجينات...
وحتى أمراض الدم...

وطوال تلك الساعة، لم يتفوه رجل الأمن بحرف واحد...
لقد لاذ بصمت عجيب...
صمت كامل تام، لم ينبس خلاله ببنت شفة...
ولكن عيناه تابعتهما، بمنتهى الدقة...
وأذناه أنصتتا لكل حرف نطقاه...
ولم يحاول مقاطعتهما قط...
ولا حتى بحرف واحد...

وفي النهاية، أطلق (تروتسكي) زفرة طويلة، وهو يقول:

- إنه بشري بالفعل.

وهنا فقط، حلّ رجل الأمن عقدة ساعديه، وهو يسأل متوتراً:

- حقاً؟!...

أشار (جو) بسبابته، قائلاً:

- مع فارق جوهري.

نهض رجل الأمن، يسأله في صرامة:

- أي فارق؟!..

أجابه الروسي في اندفاع:

- إنه لا يتفق مع بشر هذا الزمان.

انعقد حاجبا رجل الأمن في شدة، وهو ينقل بصره بينهما في عصبية، قبل أن يقول في حدة:

- ما الذي يعنيه هذا؟!...


http://boswtol.com/sites/default/fil...er-24-01_0.jpg
إنه بشري بالفعل




أجابه الروسي في حماس:

- حتى الجينات الوراثية تتطور مع الزمن؛ فهناك صفات تكتسب، وتنتقل إلى الأجيال التالية، بحكم سلسلة التطور الطبيعية، وجينات هذا الكائن بشرية بالفعل؛ ولكنها تبدو أشبه بجينات الإنسان الأول، من حيث سماتها الوراثية.

سأله رجل الأمن، في توتر ملحوظ:

- من أي جانب؟!

تبادلا نظرة صامتة، ثم أجاب (جو) في خفوت:

- نفضّل أن نضع هذا في تقرير رسمي؛ لأنه ليس أمراً سهل الاستيعاب.

بدا الغضب على وجه رجل الأمن، وهو ينقل بصره بينهما مرة أخرى، قبل أن يقول في صرامة، لم تنجح في إخفاء غضبه:

- لن تقولا إنه جاء عبر الزمن، أليس كذلك؟!

تبادل (جو) و(تروتسكي) نظرة أخرى، قبل أن يقول الأخير:

- إنه احتمال ليس مستبعداً، نظراً للتشابه الوراثي، والتشابه الشكلي أيضاً.

همّ رجل الأمن بقول شيء ما، ولكن (جو) اندفع يضيف:

- ولكنه ليس ما نعتقده.

سأله رجل الأمن في عصبية:

- وما الذي تعتقدونه؟!

قال (جو) في حزم:

- الأمر لا يتوقف على ما نعتقده؛ وإنما على ما نريده.

سأله في عصبية أكثر:

- وماذا تريدان؟!..

أجابه (تروتسكي) هذه المرة في حزم:

- خريطة فلكية.

ابتسم (جو) ابتسامة شاحبة؛ في حين احتقن وجه رجل الأمن، بمزيج من الدهشة والغضب والاستنكار، وقال في حدة:

- هل سنعود إلى هذا الحديث؟!

أجابه (جو) في تحد:

- إننا لم نتجاوزه أبداً.

شعر الروسي أن الأمور ستتوتر؛ فضغط على يد (جو)، محاولاً تهدئته، وقال لرجل الأمن:

- مهما كانت تصوراتكم؛ فذلك الكائن، أياً كانت ماهيته، لن يحتاج إلى الخريطة لتحديد موقعنا، ببساطة لأنه هنا بالفعل، وكان يمكنه إرسال إشارة تحديد موقع، عبر زيه شديد التطور، والذي يحوي كل ما أشرت إليه.

بدت علامات التفكير على وجه رجل الأمن؛ في حين أضاف (جو) ولهجته مازالت تحمل تلك الرنة العصبية:

- إنه يحتاج إليها حتماً، ليرشدنا إلى المكان الذي جاء منه.

عاد حاجبا رجل الأمن ينعقدان، في تفكير عميق، و(تروتسكي) يقول:

- وهذا حتماً سيصنع فارقاً كبيراً.

نقل رجل الأمن بصره بينهما، في شك حذر، ثم قال في بطء:

- الأمر يحتاج إلى قرار، من جهة أكبر:

سأله (جو):

- هل ستعود إلى رؤسائك؟!

أجابه في سرعة:

- بالتأكيد.

قال (جو) في بطء:

- عظيم... لديّ في هذه الحالة رسالة، أريدك أن تبلغهم إياها.

سأله رجل الأمن في اهتمام:

- وما هي؟!

مال (جو) نحوه، وقال في حدة:

- أخبرهم أن أفضل وسيلة، لضمان فشل أية دراسة علمية، هي أن تضعها في يد الأمن.

احتقن وجه رجل الأمن، وهو يتراجع بحركة حادة كالمصعوق، وتابع (جو)، وحدّته تتصاعد:

- وأن الولايات المتحدة نفسها، كادت تفقد تفوّقها النووي، عندما وضعت أحد جنرالاتها على رأس المشروع*


ازداد احتقان وجه رجل الأمن، وكاد يهمّ بالهجوم على (جو)، لولا ما حدث ...

لقد ألصق (موجال) وجهه بالزجاج، وقال شيئاً ما، وهو ينقل بصره بين ثلاثتهم...
ونقلت الأجهزة المتطورة ما قاله إلى الشاشات...
واتسعت عينا (جو) في ذهول، وهو يقرأ ما تعنيه الكلمات...
والواقع أن الأمر كان يستحق منه هذا الذهول...
بكل معنى الكلمة.


amedo_dolaviga 30-08-10 08:07 AM



May 12 2010
http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-25-02.jpgسأطلق عليه النار لو اقتضى الأمر (رسوم: فواز)




على الرغم من حالة التوتّر، التي سادت المكان، مع انفعال (جو)، لم يستطع هذا الأخير، لأكثر من دقيقة كاملة، إجابة تساؤلات (تروتسكي) ورجل الأمن، حول ما شاهده على الشاشة...
كان الأمر بالنسبة إليه مذهلاً...
بحق...

وعندما نجح أخيراً، في تجاوز هذه الحالة، التفت إليهما بوجه شاحب، وهو يغمغم:

- لن تصدقا هذا!

زادتهما عبارته انفعالاً؛ فتساءل (تروتسكي) في لهفة:

- ماذا قال بالضبط؟!..

أما رجل الأمن، فقد بدا عصبياً، على نحو يخالف المعتاد منه، وهو يمسك ذراع (جو) في قسوة، قائلاً في عصبية صارمة:

– ما الذي أذهلك إلى هذا الحد؟!.

عاد (جو) يلتفت إلى (موجال)، الذي تراجع في ثقة عجيبة؛ فعاد (جو) بعينيه إلى الرجلين، قائلاً:

- كان يتحدَّث عنا.

انعقد حاجبا رجل الأمن في شراسة، وأمسك مسدسه على نحو غريزي، قائلاً في عصبية:

- عنا؟!

أومأ (جو) برأسه إيجاباً، وقال بصوت متهدج:

- لقد سألني: أأنت رجل أمن، ونحن عالمان؟!

اتسعت عينا الروسي في انبهار، والتفت إلى (موجال) بحركة حادة، مغمغماً في دهشة:

- حقاً؟!

أما رجل الأمن، فقد ازداد انعقاد حاجبيه، وبدا أكثر شراسة، وهو يسحب مسدسه، قائلاً في حدة:

- قال: إنني رجل أمن؟!

بدا (جو) غاضباً، وهو يهتف به:

- هل ستطلق عليه النار؟!..

- صوَّب رجل الأمن مسدسه إلى الحاجز الزجاجي، مجيباً في قسوة:

– لو اقتضى الأمر...

أمسك الروسي معصم رجل الأمن، وهو يقول:


- لست أظنّك سترتكب هذه الحماقة.

ولكن رد فعل رجل الأمن جاء سريعاً..

وعنيفاً...

لقد سحب معصمه من يد (تروتسكي) في عنف، ثم دفع هذا الأخير في صدره بمنتهى القوة، ووثب إلى الخلف، مصوَّباً مسدسه إليه، وصارخاً:

- إياك أن تفعلها مرة أخرى.

سقط الروسي أرضاً، وحدَّق فيه لحظات في دهشة، ثم نهض، قائلاً في غضب:

- إياك أنت أن تكررَّها.

بدا الأمر لحظة، وكأنهما سيشتبكان معاً، لولا أن حدث أمر عجيب...
لقد تحدَّث ذلك الفضائي مرة أخرى...
تحدَّث في هدوء عجيب، وهو يشير إلى مسدس رجل الأمن...
وعلى شفتيه بدت ابتسامة...
أو هو شبح ابتسامة...

وبكل عصبية الدنيا، التفت إليه رجل الأمن...

أما (جو) و(تروتسكي)، فقد اندفعا نحو الشاشات في لهفة...

وبينما يصوَّب رجل الأمن مسدسه إلى الكائن في غضب، ترجم (جو) الرسالة، وهو يقول في انفعال:

- أهذا السلاح البدائي ما يستخدم رجال الأمن هنا؟!..

لم يكد رجل الأمن يسمع العبارة، حتى قال في غضب:

- بدائي؟!... هل يصف مسدسي بأنه بدائي؟!..

لم يبد على (موجال) أدنى تأثّر، من المسدس المصوَّب إليه، في حين قال (جو) في توتر:

- ربما هو كذلك، من حيث أتى!

لوَّح رجل الأمن بالمسدس، وهو يقول في غضب:

- أخبره أن هذا السلاح البدائي، قادر على قتله في لحظة واحدة، برصاصة بدائية بسيطة.

قال (تروتسكي) في قلق، وهو ينقل بصره بين الفضائي ورجل الأمن:

- من المؤكد أنه لا يقصد السخرية منك.

صاح به رجل الأمن في حدة:

- انقل إليه ما قلته.

قال (جو) في عناد:

- اخفض مسدسك أوَّلاً.

صاح رجل الأمن في غضب صارم، وهو يجذب إبرة مسدسه:

- انقل إليه ما قلته... الآن.


http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-25-01.jpgجملة قصيرة قالها في حزم صارم ثم تراجع إلى الجدار في بطء




بذل (جو) جهداً حقيقياً؛ للسيطرة على توتره، وهو ينقل العبارة للكائن...
ولدهشة الجميع، ابتسم (موجال)...
ابتسم وكأنه يسخر مما سمعه...

وبنظرة تنافس ابتسامة سخرية، تطلَّع إلى المسدس، ثم رفع بصره إلى رجل الأمن، الذي احتقن وجهه بشدة، وغمغم في غضب:

- أيها الوغد..

نطق (موجال) شيئاً آخر، ترجمه (جو) في سرعة وتوتر:

- هذا حال رجال الأمن دوماً... حتى في وطني كانوا كذلك.

غمغم (تروتسكي) في اهتمام:

- كانوا؟!..

أجاب(موجال)، عبر شاشات الترجمة:

- كانوا مغترّين بقوّتهم، متغطرسين بسطوتهم، متعالين بأسلحتهم، ولكن الشعب طوَّر وسيلة للقضاء على كل هذا.

لم يكد (جو) ينقل العبارة، حتى قال رجل الأمن في غضب حاد:

- أخبره أنني سأطلق النار على فمه، لو نطق بحرف آخر.

قال (جو) في حدة:

- وتخسر كل ما فعله رؤساؤك، للحفاظ عليه؟!

لم يجبه رجل الأمن، ولكنه صوَّب مسدسه إلى (موجال) في إحكام شديد، في حين واصل هذا الأخير نظرته اللا مبالية، وإن بدا بصره شديد التركيز على زناد المسدس...
وفجأة، احتقن وجه رجل الأمن...
احتقن على نحو مباغت...
وراح يحتقن...
ويحتقن...
ويحتقن...

أما يده الممسكة بالمسدس، فقد ارتجفت على نحو عجيب...
ارتجفت مرة...
وثانية...
ثالثة...
وفي كل مرة، كانت الارتجافة أكثر عنفاً....
وقوة...
وسرعة...

ثم أخيراً، أفلت مسدسه، وكأنه لم يعد قادراً على الإمساك به، وهو يهتف في عصبية بالغة:

- أيها الوغد.

سقط مسدسه أرضاً، فتألقت عينا (موجال) لحظة، ثم خبتا، وهو يتراجع في هدوء، مع ابتسامة ظافرة، في حين بدت دهشة عارمة، على وجهي (جو) و(تروتسكي)، قبل أن يهتف الأخير برجل الأمن:

- ماذا حدث؟!..

صرخ رجل الأمن، في عصبية شديدة، وهو ينحني ليلتقط سلاحه:

- أخبرني أنت

كان يلمس سلاحه في حذر شديد، وكأنه يخشى شيئاً ما به، ثم لم يلبث أن اطمئن إليه لسبب ما، فالتقطه بحركة حادة، و(جو) يسأله:

- ماذا أصاب سلاحك؟!...

قال رجل الأمن، وهو يعتدل في تحفز:

- ذلك الوغد فعل به شيئاً ما.

سأله (جو):

- مثل ماذا؟!..

أجابه في حدة:

- أشعله.

تساءل (تروتسكي) مندهشاً:

- أشعله... أشعل ماذا؟!...

بدا رجل الأمن شديد العصبية، وهو يجيب:

- لقد ارتفعت درجة حرارته، حتى لم أعد قادراً على الإمساك به.

ثم هتف مستطرداً:

- لقد فعلها بوسيلة ما.

هتف (جو) مبهوراً:

- كيف؟!..

صرخ رجل الأمن، وهو يلَّوح بمسدسه في وجه (موجال):

- سله.

حدَّق فيه (جو) لحظات في دهشة، ثم أدار عينيه إلى موجال، الذي بدا شديد الصرامة، وهو يقول شيئاً ما...


جملة قصيرة، قالها في حزم صارم، ثم تراجع إلى الجدار في بطء...
وبسرعة، نقل (جو) بصره إلى الشاشات...

ثم ارتجف جسده في عنف...
فقد كانت الترجمة تعني عبارة قصيرة...
ومخيفة...

"سيفنى كوكبكم..."
وكانت العبارة تكفي ليرتجف الثلاثة على الرغم منهم...
في عنف.

****************

May 19 2010
http://boswtol.com/sites/default/fil...ay/20/5_11.jpgبدا الغضب واضح على وجه رئيس الجمهورية (رسوم: فواز)




بدا الغضب واضح، على وجه رئيس الجمهورية، وهو يتابع تلك الأفلام والصور التي التقطتها كاميرات المخابرات العامة المصرية سراً، ومدير المخابرات إلى جواره، يقول:

- ذلك الذي يسلّمهم الأسلحة، موظف في السفارة الأمريكية في (مصر)، ويحمل جواز سفر ديبلوماسي.

غمغم الرئيس، وصوته مع لهجته يشفان عن ذلك الغضب في أعماقه:

- كلهم كذلك.

ثم اعتدل في مجلسه، وسأل مدير المخابرات في حزم:

- هل تبيّنتم هدفهم؟!..

أومأ مدير المخابرات برأسه مجيباً:

- بالتأكيد يا سيادة الرئيس.

ثم اتخذ وقفة عسكرية، على نحو غريزي، اعتاده من عمله السابق، وهو يضيف في اهتمام:

- إنهم يستهدفون ذلك الفضائي.

انعقد حاجبا الرئيس في شدة، وهو يتساءل في توتر:

- وكيف يمكنهم معرفة مكانه، أو حتى أنه على قيد الحياة؟!..

قال مدير المخابرات في سرعة:

- الأمريكيون ليسوا هيّنين يا سيادة الرئيس.

أومأ الرئيس برأسه، وغمغم في خفوت، شفَّ عن الاستغراق في التفكير:

- نحن أيضاً لسنا كذلك.

استغرق في التفكير بضع لحظات، لاذ خلالها مدير المخابرات بالصمت التام، ثم لم يلبث أن تمتم في حذر:

- إننا نتابع خطواتهم، ونُحكم سيطرتنا عليهم، و...

رفع الرئيس عينيه إليه فجأة، وهو يقول في حزم:

- كلاّ.


تراجع مدير المخابرات خطوة في دهشة، فمال الرئيس نحوه، مكملاً في حزم أكبر:

- لن نسمح لهم بالعمل على أرضنا على هذا النحو.

تردد مدير المخابرات، قبل أن يقول:

- لابد لنا من أدلة كافية يا سيادة الرئيس، قبل أن نوقفهم، فكما يعلم سيادتكم، توجيه الاتهام إلى جهاز مخابرات، يعني توجيه الاتهام بالتبعية إلى دولة كاملة، يعمل جهاز المخابرات عبرها، واتهام دولي كهذا يحتاج إلى أدلة قوية حاسمة.

سأله الرئيس:

- وماذا عن حملهم أسلحة غير شرعية؟!

تردد مدير المخابرات لحظة أخرى، ثم أجاب في حذر:

- ليست بالتهمة الكافية.

أشار الرئيس بسبَّابته، مجيباً:

- يمكننا أن نعتبرها مجرَّد بداية.

غمغم مدير المخابرات:

- بداية؟!

أجابه الرئيس في صرامة:

- عندما يصبحون في قبضتنا، سأجري اتصالي بالرئيس الأمريكي.

ثم انعقد حاجباه في شدة، وهو يضيف في صرامة، امتزجت بالكثير من الغضب:

- وسيكون اتصالاً حاسماً... للغاية.

واعتدل مدير المخابرات مرة أخرى...

وتألقت عيناه...

في شدة...


لدقيقة كاملة أو يزيد، ران على تلك القاعة صمت رهيب، والرجال الثلاثة يحدّقون في ذلك الفضائي، بعيون اتسعت عن آخرها...
عين تحمل ذلك المزيج العجيب من الدهشة...

والفزع...
والخوف...
والتوتر...
وبشدة...

أما (موجال) نفسه، فقد بدا هادئاً أكثر مما ينبغي، وهو ينقل بصره بين ثلاثتهم في هدوء، كما لو أنه قد ألقى عبارة عادية للغاية...


" إنه جاسوس... تماماً كما توقَّعت..."

هتف رجل الأمن بالعبارة، وهو يلَّوح بمسدسه في وجه (موجال) في عصبية شديدة، فقال الروسي في توتر:

- اخفض هذا السلاح... إنك تزيد من توتر الموقف كله.

وهمّ (جو) بقول شيء ما، ولكن الفضائي أشار إلى رجل الأمن، وهو يقول عبارة أخرى صارمة، جعلت (جو) يبقي كلماته في حلقه، ويلتفت في لهفة إلى شاشات الأجهزة، وهو يقول في انفعال، مترجماً العبارة:

- هكذا سيفنى كوكبكم.

قال رجل الأمن في عصبية، وهو يواصل التلويح بمسدسه:

- ماذا يقصد بقوله هذا؟!... ماذا؟!...

لم يبال (جو)، وهو يسأل (موجال)، عبر الأجهزة:

- ماذا تقصد بقولك هذا؟!..

بدا الفضائي صارماً، وهو يشير إلى رجل الأمن، قائلاً:

- أمثاله أفنوا كوكبي.

ثم التفت إلى (جو)، مستطرداً في لهجة، بدت مريرة للغاية:

- وسيُفنون كوكبكم أيضاً.

ترجم (جو) العبارات، فاتسعت عينا (تروتسكي) في انبهار، في حين قال رجل الأمن في عصبية:

- ماذا يعني بأمثالنا؟!... ماذا يعني؟!

غمغم (تروتسكي)، وصوته مازال يحمل ذلك الانبهار:

- رجال الأمن.

التفت إليه رجل الأمن بحركة حادة، وارتفع حاجباه في لحظة، ثم عادا ينخفضان مع مسدسه، وهو يتمتم، وقد انكسر صوته، على نحو ملحوظ:

- نحن... نحن سنفني كوكبنا.

تابع (موجال) حديثه في حزم عجيب، يمتزج برنة غضب، وراح (جو) يترجم كلماته في انفعال:


http://boswtol.com/sites/default/fil...ay/20/5_12.jpgتابع (موجال) حديثه في حزم عجيب يمتزج برنة غضب




- إنهم يبدءون بفكرة الحفاظ على الأمن، تماماً كما فعلوا في عالمي.

ثم يصابون بعدها بحالة من الوسواس القهري، فيتعاملون مع كل ما حولهم باعتباره مسألة أمنية، ويبالغون في هذا المنظور رويداً رويداً، حتى يصابوا بلوثة أمنية، تجعلهم يسعون لمنع أي شيء وكل شيء، خشية أن يكون فيه خطر ما.

ومع هذه اللوثة تتوقف كل معايير الحياة، أو تسير في بطء قاتل، حتى المشكلات الكبيرة، لا يتم حسمها بالسرعة الكافية؛ لأن الأمن يحكم كل شيء.

صمت ليلتقط أنفاسه، ولهث (جو) بدوره، مع شدة انفعاله، في حين غمغم (تروتسكي)، وانبهاره يتصاعد:

- رباه!... إنه صاحب فكر ثوري.

أدار الفضائي عينيه إلى رجل الأمن في مقت، قبل أن يتابع:

- على كوكبي، تفاقمت لوثتهم الأمنية يوماً بعد يوم، وصار كل شيء بالنسبة لهم عدواً، حتى الهواء الذي نتنفسه، حتى لم يعد قومي يحتملون هذه اللوثة، فبدأت الإضرابات والثورات والانقلابات، وأريقت الدماء أنهاراً، وسادت الفوضى العالم كله، وصار العدو الأول هو رجال الأمن، الذين لم يستوعبوا الموقف كعادتهم، وتعاملوا معه بنفس المنظور الأمني الهستيري، ثم انتبهوا، بعد فوات الأوان، إلى أنهم وفقاً للتعداد، أقلية، مهما كان لديها من وسائل القمع والبطش...


وقبل أن يستوعبوا الدرس، كانوا قد انسحقوا وبادوا، وتصاعدت الفوضى إلى حد يستحيل قمعه أو السيطرة عليه، في غياب الأمن.

صمت (موجال) لحظات أخرى، فهتف الروسي في حماس وانفعال:

- إنه ثوري بحق... رباه!... يا لها من نظرية اجتماعية مدهشة.

أما رجل الأمن، فلم ينطق بحرف واحد، وإن خفض يده أكثر، حتى صار مسدسه محاذياً لامتداد ذراعه وساقيه، وبدا مصدوماً، وهو يغمغم:

- الأمن؟!

بدا (جو) شديد الانفعال، وهو يواصل ترجمة كلمات (موجال)، الذي عاود حديثه، في مرارة واضحة:

- من تبقُوا على كوكبي، أدركوا أنها النهاية، فموَّلوا هذه الرحلة، حتى يعثروا على كوكب آخر، يمكن الحياة على سطحه، وخاصة بعد أن بدأ الفوضويون في استخدام أسلحة شاملة، تدَّمر كل شيء.

سأله (تروتسكي) في انفعال:

- وهل كان هذا الكوكب قريباً؟!..

زفر الفضائي في توتر، عندما ترجم له (جو) العبارة، وأجاب في مرارة شديدة:

- كان المفترض أنه أقرب كوكب إلينا، ولم تنشأ الحياة عليه بعد، وكان المفترض أن نصل إليه خلال شهور قليلة... كنا سبع مركبات، وفور خروجنا من كوكبي، شاهدنا انفجارات رهيبة على سطحه...

وخفض عينيه، وحمل صوته كل مرارة الدنيا، وهو يتابع:

- انفجارات تكفي لإفناء الحياة على سطحه تماماً.

ران على الجميع صمت مهيب بعد أن ترجم (جو) العبارة الأخيرة، وعلى عكس كل التوقعات، كان رجل الأمن هو أوَّل من تحدّث، متمتماً في صوت كسير وكأنما أصابته قصة الفضائي بطعنة مؤلمة:

- ألم تجدوا ذلك الكوكب صالحاً للحياة؟!..

ترجم (جو) العبارة، فهز (موجال) رأسه، وأجاب في أسى:

- لست أدري... لقد كانت مركبتنا الأخيرة في الركب، وذلك الانفجار أحدث ظاهرة عجيبة...

راح يحَّرك كفيه وذراعيه على نحو انفعالي، وكأنه يصف أمراً مخيفاً، ويقول في انفعال شديد:


- فقاعة كبيرة، بدت وكأنها تطارد الركب الفضائي، ولقد حاولنا الفرار منها، ولكنها أحاطت بنا، و...


صمت، ولهث معه الجميع تقريباً، قبل أن يكمل في مرارة:

- ووجدنا أنفسنا هنا... وأنتم تطاردوننا.

غمغم (تروتسكي) في انبهار شديد:

- فجوة زمنية مكانية.

تمتم (جو):


- أو فجوة بين الأبعاد.

لم يستوعب رجل الأمن هذا أو ذاك، فنقل بصره بينهما، قبل أن يسأل في خفوت، لا يتناسب مع شخصيته:

- ما تفسير ما قاله بالضبط؟!

تمتم (تروتسكي) مبهوراً:

- من الصعب حسم الأمر.


وأضاف (جو):


- إلا إذا اتخذنا خطوة حاسمة.

سأله رجل الأمن في اهتمام:

- وما هي؟!

أجابه (جو) في حزم:

- أحضر خريطة فلكية

وفي هذه المرة، لم يعترض رجل الأمن...

على الإطلاق.

amedo_dolaviga 30-08-10 08:09 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...1/comer-01.jpgأخبروني أين نحن وماذا تفعلون بنا بالضبط؟! (رسوم: فواز)




فركت (إيناس) كفيها بمنتهى التوتر، وهي تتحرَّك في عصبية داخل تلك الحجرة، التي وضعوها داخلها، منذ انتقلت إلى هذا المكان...

كانت الحجرة شديدة الأناقة، جيّدة التهوية والتأثيث، وعلى الرغم من هذا لم تشعر داخلها بأدنى قدر من الارتياح...

هذا لأنها، من وجهة نظرها، مجرّد محبس...

سجن...

وبالنسبة لامرأة مثلها؛ فالسجن، حتى ولو كان من ذهب خالص، هو سجن...

مكان لا يمكنها أن تغادره...
أو تتجاوز حدوده...
أضف إلى هذا أنه مكان مجهول تماماً...
بالنسبة إليها على الأقل...
مكان لا تدري أين هو بالضبط؟!...
أين يقع، على خارطة (مصر)؟!..
بل وهل يقع بالفعل، ضمن حدودها؟!..

كان هذا الغموض يزيدها عصبية؛ حتى أنها توَّقفت بحركة حادة، وصرخت وسط الحجرة:

- ماذا تفعلون بنا؟!

لم تتلق جواباً بالطبع، فكررَّت في عصبية شديدة:

- أخبروني أين نحن، وماذا تفعلون بنا بالضبط؟!

لم يمض على تكرار صرختها دقيقة واحدة، حتى انفتح الباب، ودخل منه ذلك الهادئ، وهو يقول:

- ماذا أصابك سيدتي؟!

صرخت في وجهه بكل عصبيتها:

- لماذا تسجنوننا هنا؟!

ارتفع حاجباه في دهشة حقيقية، وهو يقول:

- نسجنكم؟!... من أعطاك هذه الفكرة العجيبة؟!

هتفت في عصبية أكثر:

- أية فكرة عجيبة؟!... إنني محتجزة هنا؛ فماذا تسمي هذا، إن لم يكن سجناً؟!

استمرت دهشته تغمر ملامحه، وهو يجلس على مقعد مجاور للباب، قائلاً:

- أسمّيه أسلوب حماية.

صرخت:

- من ماذا؟!..

تطلَّع إليها الرجل لحظات في صمت، دون أن يفارق هدوءه، ثم قال:

- سيدتي... هل يمكنك الجلوس قليلاً؟!

أجابته في عناد، وهي تعقد ساعديها أمام صدرها:

- ليس قبل أن تشرح لي ما يحدث.

أشار بيده، قائلاً بنفس الهدوء:

- ليس بإمكاني أن أشرح لك كافة التفاصيل يا سيدتي؛ فمعظمها يندرج تحت قائمة "سري للغاية"، وهي سرّية مطلقة؛ لأنها تتعلَّق بالأمن القومي المصري.

صرخت وتوترها يتضاعف:

- لقد سئمت هذه العبارات.

انعقد حاجباه فجأة، وهو يقول في صرامة شديدة:

- اجلسي يا سيدتي.

وعلى الرغم من توتّرها الشديد، وجدت نفسها تطيعه بلا مناقشة، وتجلس على مقعد في مواجهته، وأدهشها أن انخفض صوتها، واكتسب نبرة أشبه بالضراعة، وهي تقول:

- أخبرني... أرجوك.

ابتسم الرجل ابتسامة هادئة، أزالت الكثير من صرامته، واستعادت ملامحه هدوء صوته، وهو يقول:


- سأخبرك يا سيدتي... سأخبرك كل ما في استطاعتي.

التقطت أنفاسها، محاولة السيطرة على مشاعرها؛ في حين مال نحوها، وراح يخبرها...
بكل ما في استطاعته...


بدا الرئيس الأمريكي شديد التوتر والعصبية، وهو يستقبل مدير مخابراته في مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض، ويشير إليه، قائلاً:

- لقد أنهيت لِتَوّي محادثة سرّية خاصة، مع الرئيس المصري، ولم يرُق لي معظم ما تبادلناه خلالها.

انعقد حاجبا مدير المخابرات الأمريكي، وهو يقول في صرامة:

- كيف يجرءون؟!... يمكننا أن نوقف صفقات الأسلحة الجديدة لهم، و...

قاطعه الرئيس الأمريكي، في عصبية أكثر:

- لقد ألقوا القبض على فريقك.


http://boswtol.com/sites/default/fil...1/comer-02.jpgيبدو أنه من الضروري أن تراجعوا ما لديكم من معلومات





احتقن وجه مدير المخابرات، وارتجفت الكلمات على شفتيه، وهو يهتف في صوت مختنق:

- ماذا؟!... مستحيل؟!... ومتى حدث هذا؟!... لقد أرسلوا تقريراً عبر الأقمار الصناعية، منذ أقل من...


قاطعه الرئيس الأمريكي، مكملاً:

- اثنتي عشرة دقيقة.

غمغم مدير المخابرات الأمريكية، وقد عقدت الدهشة لسانه:

- بالضبط.

مال الرئيس الأمريكي نحوه، وقال في غضب:

- يبدو أنه من الضروري أن تراجعوا ما لديكم من معلومات، عن قدرات المصريين، وعن قدراتكم أيضاً؛ ففي الأيام الأخيرة، بدا لي أن (مصر) أشبه بفخ جرذان كبير، كلما أرسلنا إليها رجالنا، وحتى أفضل العناصر منهم، كان علينا أن نتفاوض ونتنازل لاستعادتهم.

لم تحتمل ساقا مدير المخابرات الأمريكي حمله؛ فترك جسده يسقط على أقرب مقعد إليه، وهو يسأل في صوت مختنق:

- ماذا طلب المصريون؟!

أجابه الرئيس الأمريكي في عصبية:


- أن نكفّ عن التدخّل في شئونهم.

غمغم مدير المخابرات:

- فقط؟!..

هتف الرئيس الأمريكي في حدة:

- أكنت تريد ما هو أكثر من هذا.

صمت مدير المخابرات الأمريكي لحظات، ثم غمغم في توتر:

- لو أننا في مكانهم لفعلنا.

غمغم الرئيس الأمريكي في إحباط:

- بالتأكيد.

حاول مدير المخابرات الأمريكية أن يستعيد حبل الثقة، وهو يقول:

- مازال بإمكاننا أن نمنع صفقات الأسلحة الجديدة عنهم.

أشار الرئيس الأمريكي بيده، قائلاً في حدة:

- هراء.

احتقن وجه مدير المخابرات، وهو يقول:

- ولمَ لا؟!..

أجابه الرئيس في حدة:

- لأن الصينيين ينتظرون هذه الفرصة، ويطمحون لها، ولو توقّفنا مرة واحدة عن تزويد (مصر) بصفقات الأسلحة المتّفق عليها، سيُهرع الصينيون لمنحهم أضعافها، وربما بلا مقابل أيضاً، فقط ليربحوا ما سنخسره نحن بحركة حمقاء كهذه.

تراجع مدير المخابرات الأمريكي كالمصعوق، وهو يقول:

- حمقاء؟!


أجابه الرئيس الأمريكي في صرامة غاضبة:

- بالتأكيد... فعلناها مرة، عندما سحبنا تمويل مشروع السد العالي؛ فانقضّ السوفيت متلهّفين، وغاصوا في المجتمع المصري لسنوات، ربحوا خلالها المنطقة كلها تقريباً. *

وانعقد حاجباه في شدة، وهو يميل نحو مدير المخابرات، مستطرداً:

- هل ترغب في تكرار هذا مع الصينيين؟!

أجابه مدير مخابراته في عصبية:

- مطلقاً بالتأكيد.

صمت لحظات في إحباط، ثم عاد يرفع عينيه إلى الرئيس، قائلاً:

- لكن، أيعني هذا أننا سنتخلى عن تلك العملية.

زفر الرئيس الأمريكي في ضيق، وقال:

- يبدو أننا قد أسأنا التصرّف في هذا الموقف كله منذ البداية.

سأله مدير مخابراته في دهشة:

- وكيف هذا؟!

لوَّح الرئيس الأمريكي بيده، مجيباً:

- لقد استخدمنا غطرسة القوة، منذ اللحظة الأولى، ولم نحاول استخدام لغة العقل والتفاهم لحظة واحدة... المصريون لا خبرة لديهم بشئون الفضاء؛ ولكن تلك المركبة سقطت عندهم، ونحن خبراء في هذا المضمار، ولكن المركبة لم تسقط عندنا، وفي موقف كهذا، كان ينبغي أن نلجأ إلى وسيلة واحدة.

ومال نحو مدير مخابراته أكثر، وهو يضيف في حزم:

- التعاون... التعاون السلمي الإيجابي.

مضت لحظات من التعنٌت، قبل أن يومئ مدير المخابرات الأمريكي برأسه موافقاً، وهو يغمغم:

- هذا صحيح.

تراجع الرئيس الأمريكي في ضيق، في حين تمتم مدير مخابراته مكملاً:

- ولكن السؤال الآن هو: ماذا يفعل المصريون الآن بما لديهم؟!

وكان هذا هو السؤال بالفعل...
ماذا يفعلون الآن؟!...
ماذا؟!

يتبع



* السد العالي: أكبر سدود (إفريقيا) يوجد جنوبي (أسوان)؛ لتخزين الماء، وموازنة الفيضانات المرتفعة والمنخفضة، وتوليد الكهرباء، وتحسين الملاحة فى النيل، وضع الرئيس (جمال عبد الناصر) حجر الأساس له في 9 يناير 1960م، وبلغت تكاليف بنائه 213 مليون جنيه، والتكاليف الإجمالية لما يترتب عليه 415 مليون جنيه.

******************



http://boswtol.com/sites/default/fil.../22/dwdfwf.jpgإنه حتماً لا يفهم أجهزة الكمبيوتر في عالمنا فكيف سيتعامل معها?!




لم يتمالك (جو) نفسه من الارتجاف في انفعال، عندما أحضر رجل الأمن تلك الأسطوانة، التي تحوي الخريطة الفلكية الرقمية...

كانت خريطة ثلاثية الأبعاد، يمكنك أن تتجوَّل عبرها، باستخدام منظار خاص، وكأنك داخل مركبة فضائية، تجوب عُباب الكون...

والأهم، أنك تستطيع رؤية كل ما فيها، من أية زاوية تشاء...

وفي حالتهم هذه، كان هذا شديد الأهمية...
إلى حد لا يمكن تصوّره...
فذلك الفضائي جاء من كوكب آخر...
وربما من مجرّة أخرى...

ووفقاً لما رواه، هناك احتمال أن يكون قد أتى من بُعد آخر...
أو ربما حتى من زمن آخر!!..
والوسيلة الوحيدة، لحسم هذا الأمر، هي تلك الخريطة...

وفي انفعال، هتف (جو):

- دعنا نريه إياها فوراً.

غمغم (تروتسكي):

- لست أظن هذا سهلاً.

التفت إليه (جو)، يسأله في انفعال:

- ولم لا؟!

أجابه في حزم بارد:

- لأنه حتماً لا يفهم أجهزة الكمبيوتر في عالمنا، فكيف سيمكنه التعامل معها.

انعقد حاجبا رجل الأمن، وهو يقول في عصبية:

- ولم تنتبها إلى هذا سوى الآن؟!..

غمغم (جو) في توتر:

- هناك حتماً وسيلة ما.

قال رجل الأمن، وعصبيته تتزايد:

- اسمعا... لقد اتخذت هذا الإجراء على مسئوليتي الخاصة، و...

قبل أن يكمل عبارته، قاطعه (موجال) بعبارة ما...
عبارة بدت هادئة...
حاسمة...
وحازمة...
وفي عصبية، هتف رجل الأمن:

- ماذا يريد هذا الشيء؟!

انتقل (جو) في سرعة إلى الشاشات، وترجم في دهشة:

- لماذا لا تشركونني فيما تتجادلون فيه؟!..

هتف (تروتسكي)، في دهشة وانفعال:

- هل يريد أن يشترك معنا؟!

وهتف رجل الأمن في حدة:

- مستحيل!

أحنقه أن تجاهله (جو) و(تروتسكي) تماماً، والأوَّل يقول، عبر الأجهزة المتطوَّرة:

- لدينا مشكلة خاصة بنُظم التشغيل.

أشار الفضائي إلى الأسطوانة، التي يحملها (جو)، وتساءل في اهتمام:

- أهذه الأسطوانة البدائية، تحوي المعلومات المطلوبة.

قال (تروتسكي) في دهشة:

- بدائية؟!

ثم بدا شديد اللهفة والحماس، وهو يستطرد:

- ما الذي يستخدمونه إذن في كوكبه؟!

نقل (جو) السؤال إلى (موجال)، الذي أجاب في سرعة:

- نوع من الجيلاتين الحيوي... علماؤنا كشفوا أن سرعة انتقال البيانات، عبر الخلايا الحيوية، أسرع بألفي ضعف على الأقل، من انتقالها عبر الجوامد.

كان الانبهار يبدو واضحاً، على وجهي (جو) و (تروتسكي)، فهتف رجل الأمن في توتر غاضب:

- هل سيستخدم البرنامج الفلكي أم لا؟!

http://boswtol.com/sites/default/fil...n/22/erwrw.jpgلا توجد أية حياة عاقلة على ذلك الكوكب





لم يترجم (جو) هذه العبارة، أو لم يمهله (موجال) وقتاً لترجمتها، وهو ينظر إلى رجل الأمن، قائلاً:

- أخبر رجل أمنك أنني قد درست كيفية التعامل مع تلك الأشياء البدائية.

ثم استطرد، وملامحه تحمل لمحة ساخرة:

- رجال الأمن لا يختلفون في طبيعتهم، مهما اختلفت عوالمهم.

لم يحاول (جو) ترجمة العبارة، وهو يعاون بعض الرجال في المكان، على نقل شاشة كبيرة، مع جهاز كمبيوتر حديث، إلى قفص (موجال) الزجاجي، وترك الأسطوانة أمامه، وهو يقول:

- أتعشّم أن تفيدنا.

ربما لم يفهم الفضائي العبارة جيداً...
أو لم يستوعبها...
أو ربما تجاهلها تماماً...

ولكنه، وفي كل الأحوال، تحسَّس الأسطوانة في حذر، ثم التقطها، ووقف يتأمَّل جهاز الكمبيوتر قليلاً، في شيء من الامتعاض، قبل أن يسأل:

- أيها زرّ التشغيل بالضبط؟!

أرشده (جو) إلى كيفية ومكان وضع الأسطوانة، وهو يغمغم:

- بعد إدخالها، سيقوم الكمبيوتر بالعمل كله.

بدأ البرنامج عمله تلقائياً بالفعل، وارتسمت الخريطة الفلكية الرقمية على شاشة الكمبيوتر الكبيرة...

ولثوان، بدا الفضائي مندهشاَ لرؤيتها، ثم لم يلبث أن تحسَّس أزرار الكمبيوتر في حذر، ثم راح يستخدمها لتحريك المشهد، والغوص عبره...

ولقد بدا، في تلك اللحظات، شديد الذكاء بالفعل...

فعلى الرغم من أنه يتعامل مع جهاز ينتمي إلى كوكب آخر، وحضارة أخرى؛ فقد نجح في فهمه واستيعابه، في سرعة كبيرة

وبسرعة، اكتسبت أصابعه الثقة...
والمهارة...

وفي صمت تام، راح الرجال الثلاثة يتابعونه، ويتابعون شاشة الكمبيوتر الكبيرة، وحركة الفضائي عبر الكواكب...
والمجرّات...
والفضاء...

ولقد بدا، وهو يفعل هذا، شديد التوتر...
شديد الارتباك...
وشديد العصبية...|

ثم فجأة، وبكل انفعاله، التفت إلى (جو)، متسائلاً:

- أين كوكبك هنا؟!

ترجم (جو) العبارة، فهتف رجل الأمن في صرامة:

- إياك أن تخبره.

ولكن (تروتسكي) قال في سرعة:

- هل ترى ذلك النجم في الركن؟!... إننا ثالث كوكب يدور حوله

هتف رجل الأمن في غضب:

- أيها الأحمق!

قال (جو) في عصبية:

- أتظنه يجهل هذا؟!

صاح رجل الأمن في حدة:

- لقد سأل أيها العبقريان.

كانت صيحته مثيرة للاهتمام بالفعل...

لقد سأل (موجال) عن موضع الأرض، وكأنه يجهله...
أو كأنه يريد التيقّن من شيء ما...
وهذا بالفعل مثير للاهتمام...
إلى أقصى حد...

ولكن المثير للاهتمام أكثر، هو ردّ فعل الفضائي...

لقد حدَّق في الأرض، على تلك الخريطة الرقمية الفضائية، لبضع لحظات، حملت ملامحه خلالها مزيجاً عجيباً، من الدهشة والاستنكار، قبل أن يهزَّ رأسه في قوة، هاتفاً:

- مستحيل!

بدا (تروتسكي) شديد الاهتمام، وهو يسأل:

- ولماذا مستحيل؟!

واصل الفضائي دهشته واستنكاره لبضع لحظات، قبل أن يقول في عصبية واضحة:

- إنني أحفظ تلك الخريطة عن ظهر قلب.

سأله (جو):

- وماذا في هذا؟!

عاد (موجال) يهزَّ رأسه في حدة، وهو يقول:

- لا توجد أية حياة عاقلة على ذلك الكوكب الذي تشيرون إليه.

قال (جو) في دهشة:

- بمَ تصفنا إذن؟!


التفت إليه الفضائي في اضطراب شديد، وعاد يحدَّق في الخريطة الفلكية على الشاشة، ويقول، وكأنما يحادث نفسه:

- إنني أعرفه جيداً... أعرفه منذ طفولتي... هناك فقط مخلوقات ضخمة، وطبيعة ثائرة غير مستقرة.

غمغم رجل الأمن، في عصبية شديدة:

- أي قول أحمق هذا؟!

أجاب (جو)، ما بين الدهشة والانبهار:

- إنه يصف كوكب الأرض، كما كان منذ ملايين السنين!

قال رجل الأمن، في عصبية أشد:

- هذا مستحيل!

وهنا قال (تروتسكي):

- بل إنه منطقي تماماً... ولديّ تفسير علمي له أيضاً.

والتفت إليه (جو) ورجل الأمن في سرعة...
فقد كانت عبارته مدهشة...
بكل الحق


amedo_dolaviga 30-08-10 08:12 AM



http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-29-01.jpgيبدو أننا نوشك على تلقي مفاجأة يا سيادة الرئيس




علت ابتسامة واثقة شفتي مدير المخابرات المصرية، وهو يقول لرئيس الجمهورية:

- أظنّها أسرع عملية كبيرة في تاريخنا، يا سيادة الرئيس.

وافقه الرئيس المصري بإيماءة من رأسه، وأشار بيده، قائلاً:

- لم يكن ذلك سهلاً.

ابتسم مدير المخابرات، وقال:

- يالتأكيد يا سيادة الرئيس... أحداث عديدة توالت، في وقت قصير للغاية، حتى أن معظم المواطنين قد لا يشعرون حتى بحدوثها، ولقد أصدرنا بيانات رسمية، تتوافق مع الأحداث، وعلى نحو قادر على خداع الصحافة نفسها.

سأله الرئيس في اهتمام:

- وماذا عن الهجوم الإسرائيلي؟!

أجابه مدير المخابرات في سرعة:

- البيان الرسمي قال إنها تحرّكات إسرائيلية محدودة؛ لمطاردة بعض الفدائيين الفلسطينيين، وحدث خلالها تجاوز للحدود المصرية الفاصلة.

قال الرئيس:

- ولقد أرسلنا برقية احتجاج رسمية للإسرائيليين.

أومأ مدير المخابرات برأسه، قائلاً:

- هذ ا ما تضمنّه البيان الرسمي أيضاً يا سيادة الرئيس.

هزَّ الرئيس رأسه في ارتياح، ثم استعاد شيئاً من توتره، وهو يقول:

- في حديثي مع الرئيس الأمريكي، أخبرني أن مخابراته قد أبلغته معلومة مؤكّدة، تقول: إننا لم نتخلص من الفضائي والمركبة الفضائية حقاً، ولكننا مازلنا نحتفظ بهما.

سأله مدير المخابرات في قلق:

- وبم أجبته يا سيادة الرئيس؟!

أجابه الرئيس، مشيراً بيده:

- لم أُجب بأي شيء... فقط طلبت منه في غضب أن يكفوا عن دسّ أنفهم في شئوننا.

قال مدير المخابرات:

- هذا قد يعني رداً بالإيجاب.

أجابه الرئيس في صرامة:

- أو رداً بالسلب أيضاً.

غمغم مدير المخابرات:

- بالتأكيد.

ثم شدّ قامته، وهو يضيف في حزم:

- ولكن هذا يعني إغلاق الموقف... مؤقتاً على الأقل.


اعتدل الرئيس، ومال نحوه، يسأله:

- ولكن ماذا عن رجالنا؟!... ما الذي توصلوا إليه، بشأن تلك المشكلة الفضائية؟!..

التقط مدير المخابرات نفساً عميقاً، وأجاب:

- وفقاً لآخر ما بلغني من معلومات، يبدو أننا نوشك على تلقي مفاجأة يا سيادة الرئيس... مفاجأة لم نتوقعها... أبداً.

http://boswtol.com/sites/default/fil...omer-29-02.jpgلقد أخبرك زميلي أنه من المفترض ألا يوجد خصوم هنا





"هذا الفضائي أتى إلينا، من كوكب يبعد عنا ملايين السنوات الضوئية...".

ألقى (تروتسكي) العبارة في ثقة، في تلك اللحظة نفسها، فحدَّق فيه (جو) ورجل الأمن في دهشة، وقال الأوَّل:

- أي قول عجيب هذا؟!... السنة الضوئية هي مقدار ما يقطعه الضوء في سنة كاملة، ولو عَلِمنا أن المسافة التي يقطعها الضوء، في الدقيقة الواحدة هي 299792458 متراً؛ فما بالك بما يقطعه في الساعة الواحدة، أو اليوم الواحد... هل يمكنك والحال هكذا، أن تتخيل المسافة التي يقطعها خلال عام كامل؟!

أجابه (تروتسكي)، في لهجة تفوح برائحة التحدَّي:

- وهل يمكنك أنت أن تتخيل، أن تلك الفقاعة، التي تحدَّث عنها هذا الكائن، قد نقلته عبر الزمان والمكان إلينا.

قال (جو)، في تحدّ مماثل:

- وحتى لو افترضنا هذا؛ فكيف تفسر رصده لكوكبنا، ووصفه له على نحو، انتهى منذ ملايين السنين؟!

هزَّ (تروتسكي) رأسه في وقار، وقال:

- لاحظ أنهم على كوكبه، كانوا يرصدون الصور التي تصلهم، عبر عدة سنولت ضوئية، أي أنهم في الواقع، يرون عندهم ما خرج من الأرض منذ ملايين السنين، ومن الطبيعي أن هذا ما يرصدونه، في هذه الحالة.

كان التفسير علمياً تماماً، ولكن رجل الأمن عجز عن استيعابه؛ فقال في عصبية:

- أريد تفسيراً يمكنني أن أورده في تقريري.

التفت إليه الاثنان في آن واحد، وهتفا في حدة:

- هذا ما ينبغي أن تورده في تقريرك.

قال رجل الأمن في صرامة:

- تقاريرنا لا تحوي استنباطات واستنتاجات... إنها تحوي الحقائق فقط.

أشار (جو) بسبابته، قائلاً:

- وهذا ما نحاول التوَّصل إليه.

عقد (تروتسكي) كفيه خلف ظهره، وقال في حزم:

- إنه الحقيقة... خذها مني واثقاً.

كان الفضائي ينقل بصره بينهما طوال حديثهما، في توتر ملحوظ، ثم لم يلبث أن تدخّل قائلاً في حزم:

- لماذا لا تشركونني في محاوراتكم؟!..


ترجم (جو) العبارة، ثم قال في توتر:

- أظنّه على حق.

بدا رجل الأمن شديد التوتر والعصبية، وهو يقول:

- هل سنستعين به؟!

سأله (تروتسكي):

-ولم لا؟!

أجابه في سرعة:

- لأنه الـ...


بتر عبارته دفعة واحدة، وانعقد حاجباه في شدة، فأكمل (جو) في عصبية وضيق:

- لأنه الخصم... أليس كذلك؟!


أشاح رجل الأمن بوجهه في عصبية، في حين قال (تروتسكي) في دهشة:

- خصم؟!... المفترض أنه لا خصوم هنا.

أجابه (جو)، وهو يرمق رجل الأمن بنظرة مقت:

- هكذا رجال الأمن دوماً... من لا يعمل لحسابهم فهو خصم، فما بالك بكائن قادم من الفضاء الخارجي.


قال (تروتسكي) في حدة:

- هذا تفكير مرضي.


بدا رجل الأمن محنقاً، وهو يلتفت إليهما، قائلاً في حدة:

- هل سنواصل الحديث فحسب، أم سنفعل شيئاً في هذا الشأن؟!


تبادل (جو) و(تروتسكي) نظرة صامتة، ثم قال الأوَّل في حزم:

- لقد أخبرك زميلي أنه من المفترض ألا يوجد خصوم هنا.

سأله رجل الأمن في توتر:

- ماذا تعني بهذا؟!

أجابه بنفس الحزم:

- أن نستعين بصديق.

وقبل أن يستوعب الرجل ما يعنيه (جو)، كان هذا الأخير يقول للفضائي، عبر وسائل الاتصال:

- زميلي لديه تفسير لموقفك، أردت أن أعرضه عليك.

والعجيب أن رجل الأمن لم يعترض، و(جو) يشرح للفضائي نظرية (تروتسكي)، و(موجال) يستمع إليه في انتباه واهتمام شديدين، ثم لم يلبث أن هزّ رأسه نفياً، في قوة وعصبية؛ فغمغم رجل الأمن، في لهجة أقرب إلى الشماتة والسخرية:

- يبدو أنه يرفض نظريتك.

قال الروسى في عصبية:

- إنها التفسير الوحيد.

ولكن (موجال) كان يتحدث على نحو عجيب في هذه اللحظة...
كان يتحدث في انفعال...
وفي عصبية...

وكان من الواضح أن ما سمعه قد أثاره بشدة...
وأنه ينفيه أيضاً...
وبمنتهي الشدة...

وفي اهتمام قلق، سأله (جو):

- ما تفسير ما رصدته في كوكبك البعيد إذن؟!

هزَّ الفضائي رأسه نفياً في قوة، وهتف:

- كوكبى ليس بعيداً كما تتصورون.

انعقد حاجبا (تروتسكي) في شدة، وتساءل في شيء من العصبية:

- هل تعني أن كوكبك قريب منا؟!


ترجم (جو) الكلمات للفضائي، فأجاب في عصبية:

- لقد أثارني هذا وأدهشني، مثلما أثاركم وأدهشكم؛ فقد كنت مثلكم، أتصور أن كوكبي بعيد للغاية عنكم؛ خاصة وأنكم أول وجود عاقل نرصده، ولكن تلك الخريطة أصابتني بارتباك شديد، فكوكبي في الواقع هو هذا.

قالها، وهو يشير بسبابته إلى كوكب ما...

وبمنتهي اللهفة، اتجهت كل العيون إلى حيث أشار...
ثم اتسعت عن آخرها في ذهول...

فقد كان من المستحيل تماما أن يأتي من ذلك الكوكب، الذي أشار إليه...
من المستحيل تماماً...
تماماً...

**************



http://boswtol.com/sites/default/fil...4/comer-01.jpgهتف (تروتسكي) بالعبارة في ذهول مستنكر




هتف (تروتسكي) بالعبارة في ذهول مستنكر، وهو يحدَّق في ذلك الكوكب، الذي أشار إليه (موجال)، في حين اتّسعت عينا (جو) عن آخرهما، وهو يغمغم في انبهار:

- المريخ؟!..

هزَّ رجل الأمن رأسه نفياً في عصبية، وهو يقول:

- كاذب... لا توجد حياة عاقلة على المريخ... هذا ما أثبتته كل الدراسات.

غمغم (تروتسكي)، ولم يفارقه ذهوله بعد:

- في أي زمن؟!..

التفت إليه رجل الأمن في حركة حادة، ولكن (جو) قال، وكأنه يحدّث نفسه الذاهلة:

- المريخ... "مارس" كما يسميه القدامى... أو (ميروز) كما أسماه هو... المريخ الذي رصدوا تمثالاً لوجه شبه بشري على سطحه، والذي تشير قنواته إلى أنه كان يوماً مأهولاً بمخلوقات عاقلة، لم يكتب لها الاستمرار.
. *حقيقة علمية*

غمغم (تروتسكي) مضيفاً:

- أقرب الكواكب إلينا، في مجموعتنا الشمسية.

كان من الواضح أن (موجال) يتابع حديثهما، ويستوعب جزءاً كبيراً منه، فقد قال عبر أجهزة الاتصال:

- عندما خرجت بعثة الإعمار من كوكبي، كانت تستهدف كوكبكم، باعتباره أقرب الكواكب إلينا، وكانت لدينا خطة لجعله صالحاً لحياتنا؛ خاصة وأنه كان يبرد تدريجياً، ويحوي غلافاً جوياً مناسباً.


قال (تروتسكي) يحاوره:

- ولكن تلك الفقاعة الزمنية المكانية، قفزت بكم ملايين السنين إلى المستقبل.

تمتم (جو) مضيفاً:

- إلى حاضرنا.

أشار (تروتسكي) بيده مكملاً:

- ولكن المركبات الباقية وصلت إلى الأرض.

بدا (جو) محتقن الوجه، وراح عرق بارد يتصبب على وجهه، وهو يقول، في كلمات مرتجفة:

- من هنا كان التشابه، بينك وبين ما وصفناه بالإنسان الأوَّل على الأرض... وتشابه صفاتك الجينية، مع الصفات البشرية القديمة.

بدا رجل الأمن شديد الاضطراب، وهو يقول:

- مستحيل!... ما تقولانه مستحيل!... الحياة على الأرض لم تأت من كواكب أخرى.


أجابه (جو) كالحالم:

- ولكنها امتزجت بحياة من كواكب أخرى.

هتف رجل الأمن في عصبية:

- لا يوجد دليل واحد على هذا.

أشار (تروتسكي) إلى (موجال)، وقال:

- وماذا عن هذا الواقف أمامك؟!

تضاعف اضطراب رجل الأمن وتوتره، وهو يحدَّق في (موجال)، قائلاً:

- لا يمكنني أن أورد هذا في تقريري.

قال (جو) في خفوت:

- أهذا كل ما يهمّك؟!..


تمتم رجل الأمن، وقد بدا كرجل بائس ضائع:

- لن يصدّقني أحد.

غمغم (تروتسكي):

- هذه مشكلتهم.

ولم يجب رجل الأمن هذه المرة...
فقط اتسعت عيناه عن آخرهما...
وجفّ حلقه في شدة...
وسرت برودة قاسية في أطرافه...

ولما يزيد عن دقيقة كاملة، بدا كالتمثال الرخامي البارد، وهو يحدّق في (موجال)، ويتساءل في أعماقه:

- أهذا ممكن؟!...

وظل تساؤله حائراً في أعماقه طويلاً...
بلا جواب...

* * *

http://boswtol.com/sites/default/fil...4/comer-02.jpgمن الواضح أن الحياة لن تكُفّ عن إدهاشنا أبداً يا سيادة الرئيس





" ومن يمكن أن يصدق هذا..."

غمغم بها مدير المخابرات المصرية، في حضرة رئيس الجمهورية، الذي هزَّ رأسه، قائلاً:

- وأنا الذي كنت أتصوَّر أنني قد واجهت كل عجائب الحياة.

أشار مدير المخابرات بيده، قائلاً:

- من الواضح أن الحياة لن تكُفّ عن إدهاشنا أبداً يا سيادة الرئيس.

أومأ الرئيس برأسه إيجاباً، وقال:

- هذا صحيح.

ثم اعتدل يسأل مدير المخابرات في اهتمام:

- ولكن ماذا سنفعل بذلك الفضائي؟!

أجابه مدير المخابرات في سرعة، وكأنه أعدّ الجواب مسبقاً:

- من الواضح، شئنا أم أبينا، أنه أحد أسلافنا، وعلى الرغم من هذا؛ فنحن مضطرون إلى إخفاء هذه الحقيقة، وكتمانها عن الجميع بلا استثناء.

قال الرئيس في حزم:

- هذا لا يجيب سؤالي... ماذا سنفعل به؟!..

صمت مدير المخابرات لحظة، ثم أجاب في بطء:

- سنحتفظ به.

اعتدل الرئيس، يسأله في صرامة:

- أتعني أن نعتقله؟!..

تردد مدير المخابرات لحظة، ثم قال:

- ليس اعتقالاً بالمعنى المعروف؛ ولكنه سيتعاون مع فريق من كبار العلماء؛ لينقل إليهم كل معلوماته، وكل ما يعرفه عن زمنه، وتاريخه، وتكنولوجيا عصره... وحتى عن كوكبه، قبل أن يصيبه ما أصابه.

لوَّح الرئيس بيده، قائلاً:

- وما سيصيبنا، لو واصلنا التفكير بهذا الأسلوب.

ثم مال إلى الأمام، مضيفاً في صرامة:

- أليس هذا ما حذّرنا منه؟!..

صمت مدير المخابرات طويلاً، قبل أن يجيب في بطء:

- حتى لو علمنا يا سيادة الرئيس؛ فمع التحدّيات والمخاطر، التي تحيط بنا، لست أظننا نمتلك الخيار... لا سبيل أمامنا سوى مواصلة أسلوبنا، بغضّ النظر عما قد يقودنا إليه.

زفر الرئيس في توتر، وهزَّ رأسه، وكأنه مضطر لقبول هذا الجواب، ثم عاد يسأل في اهتمام:

- وماذا عن أولئك المدنيّين الذين استعنّا بهم؟!..

أجابه مدير المخابرات في حسم:

- لقد وقّعوا إقراراً، يمنعهم من البوح بحرف واحد يا سيادة الرئيس.

قال الرئيس في ضيق:

- المدنيّون لا يُجيدون كتمان الأسرار.

قال مدير المخابرات في حزم:

- وحتى لو باحوا يا سيادة الرئيس.

صمت لحظة، ثم أضاف بابتسامة هادئة واثقة:

- فمن سيصدقهم؟!..


قالها، واتسعت ابتسامته...
كثيراً...

* * *

ثلاثة شهور مرّت على ذلك اليوم، عندما سارت (إيناس) مع (جو) في شوارع مدينة (الرحاب)، وهي تتأبّط ذراعه، وتتشبث به في قوة، وكأنها تخشى أن تفقده، ولاذ هو بصمت تام، وهو يسير معها إلى منطقة المطاعم؛ حيث جلس لفيف من أصدقائهما يتسامرون...

وفور رؤيتهما، هتف أحد الأصدقاء في ترحاب:

- (جو)...(إيناس)... أين انتما؟!... افتقدناكما كثيراً في الفترة الماضية... هل سافرتما إلى مكان ما أم ماذا؟!...

لم تُجِب (ايناس)، وهي تزداد تشبّثاً بـ(جو) الذي غمغم:

- تقريباً.


كانت أوَّل مرة ينضمّان فيها إلى أصدقائهما، في تلك النزهات الليلية، منذ عادا من ذلك الموقف، ولقد لاذ كلاهما بصمت تام، حتى بعد حضور (عماد) و(أشرف)، اللذيْن شاركاهما صمتهما، في حين راح الآخرون يضحكون ويتسامرون كالمعتاد، حتى هتفت إحدى الصديقات في حماس:

- انظروا... إنه شهاب كبير... والدتي أخبرتني أن أتمنى أمنية، كلما رأيت واحداً.

أطلق صديق آخر ضحكة كبيرة، وقال:

-وماذا لو أنهم غزاة من كوكب آخر؟!... ألم تشاهدي فيلم "يوم الاستقلال"... أو "حرب الكواكب".

انفجر الجميع ضاحكين لدعابته؛ فيما عدا (جو) و(ايناس)، و(عماد) و(أشرف).

فقط أربعتهم تبادلوا نظرة صامتة متوتّرة، وفي عقل كل منهم يدور سؤال واحد في إلحاح...
تُرى هل هناك من يمكن أن يصدّق روايتهم؟!...
هل؟!...


تمت بحمد الله




awad200 30-08-10 11:09 AM

جميله جدا القصه دى
أان قرأتها قبل كده

بس حبيت أشكرك على تنزيلها فى المنتدى تسلم أيدك

jen 31-08-10 03:27 PM

ما شاء الله
ايه المفاجآت الجميلة دى
لاحظت وجود اكثر من قصة قمت بتنزيلها فى المنتدى يا اميدو
الف شكر يا جامد
لى عودة طبعا بقراءتهم وابداء الراى
جزاك الله كل خييييييييييييييييييييييييييييييير

عهد Amsdsei 31-08-10 03:59 PM

السلام عليكم
شكرا لك amedo_dolaviga أنا القصة دي معي منذ فترة
لكن لم أقراها بعد
لكني سوف أفعل و أقول رأيي بعد كده
الحمد لله قصة جديدة لنبيل فاروق
عقبال المزيد
شكرا لك
:7_5_129:عهد:7_5_129:

مين هناك 01-09-10 01:51 AM

الف شكر على القصة الرائعة

amedo_dolaviga 01-09-10 10:02 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة awad200 (المشاركة 2430295)
جميله جدا القصه دى
أان قرأتها قبل كده

بس حبيت أشكرك على تنزيلها فى المنتدى تسلم أيدك

شكراً ليك انت يا عوض على مرورك الرائع

ودايما منور كل مواضيعي
شكراً ليك ودمت بخير دائماً

amedo_dolaviga 01-09-10 10:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenhoud (المشاركة 2431334)
ما شاء الله
ايه المفاجآت الجميلة دى
لاحظت وجود اكثر من قصة قمت بتنزيلها فى المنتدى يا اميدو
الف شكر يا جامد
لى عودة طبعا بقراءتهم وابداء الراى
جزاك الله كل خييييييييييييييييييييييييييييييير


جيييييييييييييييييييييييييييييييين

شكرا على كلامك الجميل أوي ده
وان شاء الله القصص تعجبك
نورتيني بجد يا جين وسعيد جداً انك نورتي الموضوع بمشاركتك الجميلة

amedo_dolaviga 01-09-10 10:06 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عهد amsdsei (المشاركة 2431346)
السلام عليكم
شكرا لك amedo_dolaviga أنا القصة دي معي منذ فترة
لكن لم أقراها بعد
لكني سوف أفعل و أقول رأيي بعد كده
الحمد لله قصة جديدة لنبيل فاروق
عقبال المزيد
شكرا لك
:7_5_129:عهد:7_5_129:


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ان شاء الله القصة تعجبك يا عهد
شكراً ليكي
نورتي بمشاركتك الجميلة

amedo_dolaviga 01-09-10 10:08 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مين هناك (المشاركة 2431860)
الف شكر على القصة الرائعة


شكراً يا مين هناك على ردك ومرورك الجميل
ويارب تكون القصة أعجبتك

سنديان 15-09-10 03:38 PM

:flowers2::flowers2:


الساعة الآن 05:28 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية