أبتسم جوناثان عندما أخبرته في غضب لماذا لا يريدها المالك الجديد , وقال لها: " أنظري الى نفسك في المرآة". أتجهت بأفكارها نحو جوناثان , أنها هنا بسببه هو! يكفي هذا النهار المرهق ولا تريد أرهاق نفسها أكثر بالتفكير فيه. أبتعدت السيارة عن المزرعة ثم دخلت ممرا يصل بهما الى المنزل , أنه كناية عن مزرعة كبيرة تربى فيها المواشي وتحيط بها حديقة واسعة. العشب الأخضر الذي يكسو الأرض والشجيرات وأحواض الزهور , كلها تشكل ديكورا رائعا , لم تكن هذه المزرعة كبيرة كمزرعة ريك هاتون. فتح الباب في الوقت الذي توقفت السيارة , وظهر أمام الباب رجل طويل القامة في الخمسين من عمره , أقترب منها وعلى وجهه أمارات القلق. قال داني: " مرحبا جيمي , هذه هي سكرتيرتك , فقد حصل التباس عند ريك هاتون الذي وبّخها بعنف". حدقت تامي في داني بنظرة عتاب ثم تنبهت للرجل الذي كان يمد لها يده , فصافحته بعدما شعرت بأرتياح , أنه لا يشبه ريك هاتون في شيء. " آنسة دانتون أنني سعيد جدا لرؤيتك , أن الخادمة التي طلبها ريك جاءت الى هنا , وأرسلتها اليه منذ نصف ساعة , كما أرسلت برقية الى أدبيلاند وجاءني الرد بأنك في طريقك الينا , فبدأت أقلق عليك". قال هذا ثم دخل معها. وأضاف وهو يدخلها الى غرفة تبدو كأنها قاعة جلوس : " لا تلومي ريك على ما فعل , أن بعض النساء عنيدات جدا , يخترعن الأعذار من أجل اللجوء اليه , بعضهن يفتعلن الحوادث وبعضهن الآخر يدخلن في سيارتهن ويتذرعن بأنها فارغة من البنزين , الى ما هنالك من مشاكل لغاية منها فقط البقاء قرب أكبر وقت ممكن , قلت له مرات عدة أن الوقت حان كي يتزوج ويضع حدا لهذه المهزلة". طلب من تامي أن تجلس في مقعد واسع من الخيزران وألقى اليها نظرة ثاقبة . " أنت متعبة, سأطلب من بولا أن تأخذك الى غرفتك , أرجو أن ترتاحي حتى يحين موعد العشاء . بولا ستهتم بك". أبتعد قليلا ليناديها , وبعد قليل دخلت القاعة فتاة شابة , شعرها الأشقر مرفوع بشكل ذنب حصان , كانت ترتدي بنطلونا من الجينز وقميصا قطنية , لا شك في أنها أبنته. قال السيد هامتون لأبنته: " رافقي الآنسة دانتون الى غرفتها وقولي لأدبي أن تحضر العشاء في الساعة السادسة .... تماما". منتدى ليلاس قالت بولا: " من هنا من فضلك". تبعتها تامي , فدخلت غرفة كبيرة للجلوس ,منيرة , ثم مرّتا بغرفة الطعام وأخذتا بعد ذلك ممرا وفي آخره توقفت بولا وفتحت الباب: " هذه هي غرفتك , أما غرفتي فهي هنا , قرب غرفتك , وأما الحمام فهو هنا". دخلت تامي الغرفة وتبعتها بولا , كانت حقيبتها موضوعة على البساط قرب السرير , الغرفة كانت بسيطة لكنها مريحة , الأثاث قديم داكن , وغطاء السرير الملون وحده يعطي رونقا للغرفة ,فقط منضدة الزينة من الطراز الحديث تبدو غريبة مع بقية الأثاث . ألتفتت تامي وأذا بعيني بولا البنيتين تحدقان فيها , فأبتسمت لها تامي وقالت: "أنها غرفة رائعة!". " أنها قديمة العهد , لكن والدي لا يريد أدخال أي تغييرات على الأثاث والديكور". ثم أشارت الى منضدة الزينة : " لقد أشتراها فقط عندما علم بمجيئك , أنت أنكليزية , أليس كذلك؟". |
ثم جلست على السرير وحدقت بتامي في نظرة مليئة بالأهتمام : " كيف هي أنكلترا؟ غادرها والدي عندما كان صبيا , وهو يقول أنه يحب العودة الى هناك ولو لمرة واحدة , أذا أسعفه الحظ , لكنني أعتقد أنه لن يعود الى هناك , ما دام منهمكا بأعماله". جلست تامي بقربها: " أن أنكلترا لا تختلف كثيرا عن هنا , هناك مناطق خضراء شاسعة ومدن , لكنني لم أصل الى أستراليا ألا منذ ستة أسابيع وأمضيت معظم وقتي في أدلابيد , أذا طرحت علي السؤال نفسه بعد أن يمضي على وقت أطول هنا , فسأكون قادرة على أن أقول لك ما هو الفرق بين البلدين". أبتسمت بولا أبتسامة أنارت وجهها : " هل ينبغي أن أناديك آنسة دانتون؟ هنا نكتفي بذكر أسمائنا الآولى , ما هو أسمك الأول؟". أجابت في نظرة ساخرة : " تابيتا". فوجئت بولا وقالت: " صحيح؟". وافقت تامي في نظرة داكنة. " لكن أرجوك أن تناديني تامي كما تعود الجميع أن ينادوني هكذا". " أن هذا الأسم يليق بك كثيرا". ألقت بولا نظرة ألى ساعتها : " يا ألهي! تأخرت عن العشاء , وسيغضب والدي , أنه يحب تناول الطعام في الوقت المحدد". أسرعت نحو الباب وأضافت: " أمامك عشر دقائق لتستعدي وسأحضر لأرافقك الى العشاء". أسرعت تامي في أخراج أدوات الزينة من حقيبتها , وأخذت حماما سريعا , وأرتدت فستانا من الكتان الأخضر كان في حاجة الى تمليس , لكنها لم تعط أهمية لذلك بسبب ضيق الوقت. وفي الوقت الذي كانت تامي تسرح شعرها , دخلت بولا وهي ترتدي فستانا من القطن الأزرق , بسيطا وجميلا في آن واحد , أرخت شعرها على كتفيها وبدت أصغر مما كانت تبدو. " هل أنت مستعدة؟". " نعم". منتدى ليلاس خرجتا معا الى قاعة الجلوس , كان السيد هامتون في أنتظارهما ومعه رجل طويل القامة , أسمر ذو وجه نحيف وحساس , يرتدي سروالا كاكيا وقميصا بيضاء , فقدم السيد هامتون الرجل: " تلميذي , جيري تالر , جيري هذه الآنسة دانتون". قهقهت تامي ضاحكة وقالت وهي تنظر الى بولا لترى ردة فعلها. " أرجوك , أنني أدعى تامي دانتون". لكن بولا ردت عليها الأبتسام وظلت ساكتة. نظر اليها جيري بأعجاب ومد يده يصافحها . " تشرفنا يا تامي". وبعد قليل جلس الجميع الى مائدة الطعام , وقدمت الطعام أمرأة نشيطة تدعى آدمى , وهي متقدمة في السن شعرها الرمادي مرفوع بكعكة , أبتسمت لتامي كأنها تريد أن تقول لا : أهلا وسهلا , فهي تقوم بالأمور المنزلية بشكل عام , أما الخادمات اللواتي يقمن بالأعمال الكبيرة فهن من الأبورينالز ( السكان الأصليون) , كان العشاء مؤلفا من روستو الحمل والبطاطا المقلية والبازلاء , والصحن الأخير كان مؤلفا من قالب حلوى محشو باللوز والمربى والقشدة السميكة , بالنسبة الى تامي , كان الطعام شهيا ودسما , ولم تتمكن من أنهاء الوجبة , ولم تجد الكلمات المناسبة لتعبر عن أعجابها بكل ما أعدته أدمى أحتفاء بها. |
طلب السيد هامتون من تامي أن تأتي بالحلوى أذ قال: " لا بأس أذا سمنت قليلا, وأعتقد أنك بحاجة الى ذلك بعض الشيء". فوجئت تامي بأبتسامة جيري الساخرة الذي قال في صوت مرح: " أنتبه يا جيم! الفتيات في أيامنا هذه يحافظن على نحافتهن ورشاقتهن". فقالت تامي: " آه , ليس هذا هو الموضوع , يمكنني أن آكل ما يطيب لي , من دون أن أسمن , أذا كنتم تريدون مني أن أسمن فأن آمالكم ستخيب". أشار جين هامتون الى أبنته بحركة من رأسه: " وأبنتي أيضا كذلك , تأكل أحيانا أكثر مني , أنظري اليها , أنها نحيفة مثل والدتها ". جيري الذي ظل صامتا , أبتسم في خجل وقال موجها كلامه الى تامي: " لا تخافي فسوف تجذبين الآخرين من دون شك ". فتحت بولا عينيها الواسعتين ثم حدقت من جديد في صحنها . تناول الجميع القهوة في الشرفة حيث كان الطقس منعشا. منتدى ليلاس جلس جيري قرب تامي وقدم اليها سيجارة , لم يكن يتكلم كثيرا ,وفهمت أنه غير ثرثار. طرح عليها السيد هامتون أسئلة حول بلدها أنكلترا , حدثته تامي عن القضايا السياسية والوضع في البلاد , وأستمر الحديث أكثر من ساعة وهم ما يزالون مسترخين في الشرفة , وفجأة دخلت سيارة في الممر وتوقفت أمام المنزل , كان الظلام حل والنجوم تلمع , صفق الباب , وسمعت تامي صوتا تنساه: " مساء الخير جيم , هل يمكنني أحتساء القهوة معكم؟". " طبعا , يا ريك , أدخل". نهضت تامي بسرعة : " المعذرة يا سيد هامتون , أنني أشعر بالتعب , فالنهار كان طويلا وأود أن أعود الى غرفتي وأرتاح , تصبحين على خير يا بولا , تصبح على خير , يا جيري". توجهت نحو الباب بسرعة , فقال ريك هاتون: " أود أن أقول لك كلمة واحدة , يا آنسة دانتون , لو سمحت". كان ذلك أمرا أكثر مما كان طلبا. جمدت تامي وألتفتت ببطء , كان قد أقترب منها , فلم يعد في أمكانها أن تتحاشاه , فراحت تتفرس فيه في هدوء: " ماذا عندك؟". كان وجه ريك هاتون غير واضح في العتمة , لكن خيل اليها أنه كان يبتسم , نعم , كان يبتسم! فقد شاهدت بريق أسنانه البيضاء الناصعة. |
قال في بطء وسخرية : "يبدو أن عليّ أن أعتذر منك". لم يبد لتامي أنه نادم بالفعل. " صحيح ؟ ولماذا؟". سمعته يتنفس بعمق , تقدم منها وتقلص: " لنقل أنني لم أستقبلك بحرارة كما يجب". أجابت: " آه , لا تشغل بالك , فقد أعتذر عنك السيد هامتون , أعتقد أن حظي كبير لأنه مديري , يبدو أنه سيعاملني معاملة جيدة". أستدارت نحو الآخرين وتجاهلت كليا الرجل الواقف قربها . وقالت: " ليلة سعيدة , تصبحون على خير". ودخلت الى غرفتها بعد أن عبرت المنزل في خطى هادئة . كانت تنفجر غضبا وهي تخلع ملابسها وترمي حذاءها , أستحمت وسرحت شعرها وما لبثت أن سمعت خطوات , ثم فتح الباب ودخلت بولا فجأة : " تامي! هل تعرفين ما قمت به؟ لقد أعلنت الحرب على الزعيم الأبيض الكبير". " آه , صحيح". منتدى ليلاس أنفجرت بولا بالضحك ثم بدت جدية . " أعتقد أنك لا تعرفين أي ورطة أدخلت نفسك فيها , أن أحدا لا يستطيع أن يغضب ريك". " أنها الطريقة الفضلى ليتعلم أنه ليس وحده في هذه الدنيا , لا تخافي سيشعر بالراحة , فهو في حاجة من وقت الى آخر لأن يتحداه أحدهم وينبهه الى أخطائه ". " تامي ! أنك تتكلمين مثل أستاذي في مدرسة في أدبلابيد". بدّلا الموضوع وراحا يتكلمان بصداقة , وعرفت تامي أن بولا في السابعة عشرة من العمر وأنها طالبة جامعية , وهي تمضي خمسة أيام في الأسبوع في المدينة , وتأسف لعدم أستطاعتها قضاء الأسبوع كله في المزرعة وذلك لأن جامعتها بعيدة , كما أنها تعيش مع قريبة لها تسكن في المدينة. " سأكون هنا في عطلة نهاية الأسبوع , أنني أحضر دائما السهرات الراقصة التي تقام مساء كل يوم سبت , في الغد ستقام سهرة ويجب أن تحضريها ". قبل النوم ظلت تامي تفكر بالسهرة التي ستصحبها بولا اليها , وقالت لنفسها : " قد أذهب , شرط ألا يحضر ( الرئيس الأبيض الكبير!). **********نهاية الفصل الاول********** |
2-شيء كالحلم المستحيل *************************** أستيقظت تامي باكرا صباح اليوم التالي , دخلت الشمس غرفتها من كل الجهات , بقيت ممددة لبرهة لتتذكر أين هي وسرعان ما أستعادت حوادث الأمس , وهي الآن تنتظر بفارغ الصبر أن تبدأ العمل , لقد تدربت لمدة أسبوعين , في مدينة أدلابيد , أستعدادا للقيام بكل المهمات التي يمكن أن توكل اليها , سواء في المكتب أو في المزرعة , وكان عليها أن تختار بين ثلاثة مراكز , لكنها فضلت المزرعة التي تقع على بعد مئة كيلومتر من أدلابيد في أقصى وادي باروما الشهير. وهمست لنفسها: " سأفرح لوجودي هنا , أنني أشعر بذلك". وتحولت أفكارها ألى أنكلترا , أنه شهر شباط (فبراير) , ولا شك في أن الثلج ينهمر هناك , وراحت تفكر في جوناثان, أنها لا تزال غاضبة لما حدث في المطار , فقد كان موافقا على أن تسافر لفترة معينة , فهي في حاجة الى أقامة صلات مع الحياة ... بعد وفاة والدها , كان جوناثان يعتني بها , وهي بكت على كتفه وفي منزله أستعادت صحتها لتستأنف الحياة من جديد , يتيمة الأم والأب . جاء جوناثان الى القرية التي كانت تعيش فيها تامي قبل ثلاث سنوات , وهي قرية والدته , وأشترى قصرا ريفيا قديما كان يملكه سيد المكان وبعد مرور وقت قليل على وجوده في القرية تعرف الى تامي , عندما جاء الى عيادة والدها الطبيب البيطري ومعه كلبه من أجل أن يحقنه بالطعم المطلوب , ومنذ ذلك الوقت وهو يبدي أعجابه بها بصورة متواصلة , وتامي الفتاة المتواضعة فوجئت بتصرفه بحوها , أذ كان جوناثان وسيما وغنيا , ورقيقا ولطيفا ولهذا يمكنه أن يختار أغنى الفتيات وأفضلهن جمالا , لم تكن تامي تتأمل نفسها في المرآة مليا , شعرها أسود طويل ووجهها بشكل القلب وعيناها زرقاوان وكبيرتان , كلها أشارات الى الجمال المتناسق أحب والدها جوناثان كثيرا , الذي كان يزوره بأستمرار , كان سهلا على تامي أن تقع في غرامه , لكنها لم تفكر في الأمر لحظة , القرية كلها كانت تتوقع أن يتزوجا وخصوصا والدة جوناثان أما هو فكان يعتبر أنه ما زال مبكرا على الزواج وأمامه متسع من الوقت لذلك , في الظاهر كان مرحا ومحبا , لكن تامي أكتشفت فيه عنادا خفيا , كان يدير عملية أستيراد وتصدير مهمة ولا يسمح لأحد بأن يسيطر عليه ويفرض رأيه . منتدى ليلاس بعد وفاة والدها وجدت تامي نفسها وحيدة , فقد مات أمها عندما كانت صغيرة , في البداية , كانت مرهقة وحزينة , مما أتاح لجوناثان أن يسيطر عليها , لكنها بدأت تكتشف تدريجيا الى أي درجة راح يتحكم في حياتها , وفهمت بسرعة أن عليها , أما التحرر منه , وأما الأستسلام لضغطه التي كان يمارسها عليه , وقررت في النهاية أستعادة حريتها , فهي ما تزال في سن تجعلها قادرة على التصرف كما يحلو لها. وتذكرت الأحساس بالأرتياح الذي شعرت به وهي تحلق في الطائرة بعيدة عنه , لقد فهم جوناثان ذلك وهو لا يلومها على أي شيء , كان كل شيء سيتم على ما يرام لولا أن تامي أكتشفت وجود مجهولا , وهنا بدأت ترى بوضوح أكثر , أن في نية جوناثان أن يراقبها ولو ذهبت الى آخر العالم , ولما وصلت الطائرة الى مطار سيدني , توجهت الى المكان الذي نصحها أن تنزل فيه , أذ أن لجوناثان أتصالات في معظم بلدان العالم ولا سيما في أستراليا. وبعدما فكرت مليا بالأمر , قررت مغادرة سيدني فجأة وأختارت مدينة أدلابيد محطتها الثانية , وألقت جانبا بكل العناوين التي أعطاها أياها جوناثان قبل مغادرتها بلدها , حيث يمكنها أن تجد عملا ما , ولم يفهم عندما أصرت بأنها لا تريد مساعدة أحد وخاصة هو وأنها تنوي الأتكال على نفسها , وكان جوابه بعد أن ألقى اليها نظرة ساخرة: " عندما تشعرين بالملل من وحدتك , أتصلي بي , فأنا في أنتظارك". |
الساعة الآن 07:45 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية