منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   47 - صحراء الثلج - آن مثير - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t140113.html)

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:09 PM

47 - صحراء الثلج - آن مثير - عبير القديمة ( كاملة )
 
47- صحراء الثلج- آن ميثر - روايات عبير القديمة
الملخص

ارادت هيلين ان تفكر في الوضع العائلي الذي تعيشه منذ زواج ابيها بايزابيل ثورب مما جعله طموحا واضاف الى ثروته ثروة جديدة, ارادت ان تخرج من الطوق المضروب حولها وان ترى من بعيد شروط ارتباطها بمايكل فراملي والمستقبل المتوقع لهما كما اراده والدها الا ان هروبها ادى بها الى الضياع في صحراء من الثلج وبالتالي الوقوع بين ايدي رجل محطم جسديا يدعى دومينيك لايول... كان بطل سباق سيارات ووقع له حادث واختفى....وبرغم معاملته القاسية لها تحبه, لكنه يطلب منها الرحيل والعودة الى لندن فهل تنسى هيلين دومينيك لايول بسهولة وتعود الى وتيرة حياتها الاجتماعية, ام تهرع اليه في المستشفى حيث ينتظر عملية جراحية حاسمة ؟
منتديات ليلاس
,

للامانه منقوله

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:12 PM



1- ضائعة في الثلج

السكان المحليون يراقبون وينتظرون رحيل الزائرين وهي تتذكر تلك البقعة من منطقة البحيرات أذ كان والدها يحتفظ بمركب في باونيس عندما كانوا يقطنون في ليدز , وكانوا يتوجهون الى تلك المنطقة بعد أنتهاء العام الدراسي , كان والدها يعلمها قيادة المراكب , وبينما هيلين تستعيد الماضي كانت تبدو لها تلك الفترة من أجمل أيام حياتها , كان ذلك قبل أن يصبح والدها طموحا ويوافق عل أنضمام شركته الصغيرة الى شركة ثورب الهندسية ويتزوج أيزابيل ثورب ,ويصبح رجلا غنيا ذا نفوذ وأهتمامات رياضية أرفع شأنا وأكثر رفاهية من رياضة القوارب.
منتديات ليلاس
لكن الجبال كانت في هذا الوقت بيضاء , مما يعني أن الثلوج كانت تتساقط منذ عدة أيام , وحتى البحيرات كانت مغطاة بطبقة رقيقة ناصعة , وعندما توقفت هيلين عند آخر قرية مرت بها لتسأل عن طريق باونيس , كانت قد أبتعدت كثيرا عن الدرب الأصلي ,ولم يكن هذا بمستغرب لأن كل اللافتات التي توضح الطريق مغطاة بالثلوج ,ولم تحاول الخروج من سيارتها الدافئة لتمسح الجليد عن اللافتات لتستوضح طريقها , أنها تعترف الآن بغلطتها , لكن ذاكرتها لم تستطع أن تساعيد عشرات الطرق الفرعية وخاصة أنها تبدو جميعا متشابهة في ظروف الطقس السيئة , ولا بد أنها أخذت الكثير من المنعطفات الخاطئة.
عند ذلك تذكرت والدها , في الغد سيكتشف أنها ذهبت , فماذ يفعل؟ هل سيكتفي بالرسالة التي كتبتها له شارحة حاجتها للأنفراد بعض الوقت , أم سيحاول البحث عنها؟ أن الأحتمال الأخير هو الأرجح ,والدها ليس ذلك النوع من الرجال الذي يمكن ألذي يمكن أن يقف شيء في طريقه ,وهو بلا شك سيغضب بشدة لأن أبنته الوحيدة تحاول أن تتحداه.
لكن أحتمالات عثوره عليها ضعيفة , أنها تهنىء نفسها بفكرتها في الذهاب شمالا , كانت الأماكن التي تشغل تفكيرها في السنوات الأخيرة جزر الهند الغربية وجنوب فرنسا , فأذا كان والدها سيبحث عنها سيكون ذلك في الأماكن الدافئة , لأنه يعلم أنها تحب الشمس والسباحة , والمراكب الشراعية , ولن يتوقع أبدا أن تتذكر ذلك الفندق الصغير الذي أخذها اليه ,وهي تلميذة في السنوات التي تلت وفاة والدتها ,وهو بالتأكيد لن يتوقع أن تقود سيارتها في هذه العاصفة الثلجية العنيفة.
وقطبت جبينها وقالت لنفسها : أذا كان هذا الطريق يؤدي الى مرعة فيمكنها أن تطرق الباب , وتستفسر عن كيفية الوصول الى أقرب قرية , أنها لا تتوقع الآن أن تصل الى باونيس الليلة بالذات.
وأوقفت السيارة بدون أن توقف المحرك , ونزلت لتزيل الثلج الذي تراكم على المساحات , وألتصق الثلج بأصابعها وشعرت بالبرودة الشديدة , ثم ركبت السيارة مرة أخرى وهي تشعر أنها خاطرت بحضورها في السيارة , ولعله كان من الأفضل أن تسافر بالقطار لكنها لم تكن تريد أن تجازف بأن يتعرف عليها أحد في المحطة ويخبر والدها عندما يكتشف غيابها ويبدأ في السؤال والبحث عنها.
توقفت المساحان مرة أخرى , وكانت مضطرة الى النزول لتنظيفها , كانت في المرة الأولى قد نظفت المساحات وهي مستندة الى الباب لكنها في هذه المرة أخذت تلبس حذاءها الطويل ذا النعل السميك ,وبينما هي تفعل ذلك توقف محرك السيارة.
نزلت من السيارة ووقفت وسط الثلج الكثيف الذيكان يلامس طرف سوالها الأحمر المطوي الى أعلى , والجليد يذوب ويجري على أكتافها وهي تنظف الثلج بسرعة عن الزجاج الأمامي لتطمئن الى أن المساحات ستعمل ولو لفترة قصيرة , أستغرقت بعض لحظات أخرى في خلع حذائها الطويل ثم أدارت مفتاح الأشغال , دار المحرك ولكن السيارة لم تتحرك , جربت مرة أخرى بلا فائدة , شعرت بالخوف يسري في عروقها , ما الخبر؟ هل ستخذلها السيارة , هذا لم يحدث من قبل فالسيارة ليست قديمة ولكنها لم تواجه مثل هذه الظروف من قبل , وبعد محاولات أخرى توقفت , وكان الوقت بدأ يتأخر وبعد قليل سيحل الظلام وهي لا تستطيع المجازفة بالبقاء في هذا المكان على أمل كاذب أن يأتي أحد لأنقاذها , لم تكن هناك أية أشارة الى أن أحدا يمر بهذا الطريق ,وقررت أن التصرف الأسلم بالنسبة اليها هو أن تترك السيارة وتبحث عن المساعدة , لأنها لو بقيت ولم يحضر أحد لمساعدتها من الجائز أن تتراكم الثلوج طوال الليل الى أن تدفنها تماما... سمعت عن أناس تجمدوا حتى االموت في هذه الطريقة , وأخذت ترتدي حذاءها مرة أخرى وهي تقول لنفسها أنها مغامرة مثيرة , محاولة رفع روحها المعنوية , من كان يتصور, عندما تركت لندن هذا الصباح , أنها ستكون ضحية سيارة معطلة في عاصفة ثلجية ؟ أن تهنئتها لنفسها على براعتها في الأختفاء وعدم أمكان والدها العثور عليها ستنقلب ضدها بأسوأ صورة.
خرجت من السيارة وهي ترتدي معطفها الأحمر الدافىء المصنوع من الشاموا والمبطن بالفراء , وأخذت تطمئن نفسها الى أن اللون الأحمر يظهر جيدا بين الثلوج ومن الجائز أن يلفت نظر أحد حتى لو لم تره هي , رفعت قلنسوة المعطف على رأسها وأخفت بداخلها خصلات شعرها الأسود الطويل , ثم لبست قفازها المصنوع من الفراء وطوت سروالها حتى ركبتيها وأخذت حقيبة يدها.
ونظرت الى الطريق المهجور ,كان من غير المجدي أن تعود أدراجها لأنها كانت تعلم أنها لن تقابل أحدا لعدة أميال , أذن فلا مفر من التقدم.
وكانت تقول لنفسها أنه ليس ممكنا أن تسير كل هذه المسافة بدون أن تقابل أي منزل أو أنسان ولكن هذا ما حدث فعلا , هذا الطريق المتعرج حجب السيارة بسرعة عن نظرها ومن الجائز أنه يلتف حول أحد الجبال , أنها تشعر بأنها تصعد جبلا لأن ساقيها تؤلمانها ولكن ليس أمامها طريق آخر .
ثم توقفت ونظرت الى الوراء ولم يكن ممكنا أن تتبين أي شيء , فقدت طريقها تماما وبدا واضحا أن اللون الرمادي الذي بدأ يظهر في السماء لم يكن بسبب ظروف الجو السيئة فقط ولكن عتمة المساء بدأت تحل والأمل في الغثور على مكان تبيت فيه لا يبدو كبيرا ,وشعرت بالذعر , ماذا ستفعل؟ هل ينتقم منها القدر لأنها تحدت حق والدها في أن يختار لها زوجا؟




وأحست أن شيئا ما يتحرك , وبطرف عينها رأت أنه شيء ملون وأجفلت عيناها , ماذا كان ذلك ؟ من المحتمل أنه حيوان يبحث عن طعامه , يا للحيوان المسكين , أي طعام يمكن أن يجده تحت كل هذه الثلج , رفعت يدها لتحمي عينيها من الثلوج المتساقطة وحاولت أن ترى , تأكدن أنه حيوان , وقد يكون معطفها الأحمر لفت نظره , قد يكون كلبا , أنها ترجو ذلك ,وقد يكون صاحبة قريبا , وأخذت تصلي وتأمل.
كان هذا الكائن يقفز نحوها , أنه يبدو ككلب , لونه أصفر غريب وأثناء أقترابه تبينت أن فيه بقعا سوداء أيضا , لا بد أنه نوع من الكلاب الدلماسية الصفراء , وفجأة شعرت بأن ساقيها لا تقويان على حملها والخوف والرعب يمسكان بها , أنه ليس كلبا , أنه ليس حيوانا أليفا, أنه نمر , نمر بين الثلوج , تسمرت في مكانها ولم تستطع حراكل , تلك المشية المتحفزة بلا صوت ترعبها , حركت رأسها يسارا ويمينا , لا نمور في كميرلاند , لا بد أنها تهذي أو تتخيل , لا بد أن بياض الثلج الباهر جعلها تتخيل ذلك , لا يمكن أن يكون حقيقة ... أنه لا يصدر أي صوت.
ولكن بأقترابه أستطاعت أن ترى أكتافه القوية وعضلاته تتحرك تحت شعره الناعم , وتصورت أنها تشعر حتى بحرارة أنفاسه , فشهقت برعب ثم أرتكبت التصرف الخاطىء الذي تعلمت دائما ألا تفعله في مواجهة حيوان مهاجم , أستدارت لتركض...
تعثرت في الثلوج العميقة الى جانب العميق وشقت طريقها خلال الحاجز النباتي وهي تشعر بالأغصان تجذب شعرها وتخدش خديها بعنف ولكن أي ألم أهون من فكرة أن ينشب النمر مخالبه في عنقها , وزادها الخوف قوة فأندفعت للأمام ولكن الثلوج العميقة في الحقل الممتد كانت تعرقل تقدمها , وكانت تتوقع أن تشعر بأنيابالنمر الساخن تنغرز في رقبتها ومخالبه توقع بها , وأحست بالأختناق وصعدت العبرات الى عينيها , وفكرت بمرارة أنها ما كان يجب أن تترك لندن , هذه هي نتيجة التصرف الأناني...
ثم تعثرت قدمها في جحر أرنب ,ففقدت توازنها وسقطت , وحاولت أن تزحف وهي تبكي ,وبينما هي في هذه الحال سمعت صوتا كانت تعتقد أنها لن تسمعه مرة أخرى , صوت أنسان ,صوت أنسان يصرخ آمرا:
" شيبا! شيبا! أيتها الحقيرة!".
أرتخت كتفا هيلين ونظرت بخوف خلفها , توقفت النمرة على بضعت أقدام منها وكانت تنظر اليها بتركيز مخيف ,وكان هناك رجل طويل ونحيل يشق طريقه عبر الحاجز وهو متشح تماما بالسواد , معطف وسروال أسود وحذاء طويل أسود , وكان رأسه عاريا , وبينما كانت هيلين تنهض واقفة لاحظت أن شعره كان فاتحا لدرجة أنه يبدو فضي اللون , لكن جلده كان غامقا بما لا يتناسب مع لون شعره , وكان هناك شيء مألوف في ملامحه الخشنة وعينيه المحفورتين بعمق تحت أجفان ثقيلة وأنفه منحوت بقوة وفم واسع ذي شفتينرقيقتين وقد بدا عليها في هذه اللحظة تعبير بالأزدراء وهو يقترب منها , كما لاحظت أنه يسير بعرج واضح.
أدارت النمرة رأسها عند أقترابه فوضع يده على رأسها الفخور يداعبه قائلا لها بصوته العميق الخفيض:
" أهدأي يا شيبا".
ثم أستدار نحو هيلين معتذرا بدون أن يبدو عليه أي أسف حقيقي.
" أعتذاراتي ! ولكن ما كان يجب عليك أن تركضي لأن شيبا لم تكن ستمسك بسوء".
تضايقت هيلين بشدة من تعبير الأزدراء الذي أبداه لأنها لم تكن معتادة على الركض خوفا على حياتها كما أنها لم تكن معتادة الوقوف بهذه الصورة المنعشة أمام أي رجل , بل بالعكس فأن جمالها وشعرها الأسود الناعم وجسمها الرشيق , كل ذلك يجعل علاقتها بالرجال سلسلة , ورغم أنها لم تكن مغرورة لكنها كانت واثقة من جمالها ومن أنجذاب الجنس الآخر اليها , لكن الطريقة التي كان ينظر بها هذا الرجل جعلتها تشعر كطفل مضحك تخطى حدوده ووجد نفسه في موقف لا يحسد عليه.
قالت وقد ضايقها أن صوتها يرتجف:
" كيف تقول ذلك؟ لو لم توقفها لأفترستني".
هز رأسه ببطء قائلا:
"أن شيبا مدربة على أن تحضر فريستها لا أن تفترسها".
أجابت هيلين وهي تزيح الثلج عن أكمامها:
" لم أكن أعلم أنني فريسة ".
" لقد ركضت!".
حاولت هيلين أن تبدو ساخرة:
" آه... لقد فهمت! وسأحاول أن أتذكر في المستقبل ألا أفعل ذلك".
خفت حدة ملامح الرجل قليلا وهو يقول بسخرية:
" لم نكن نتوقع أن نجد أي شيء يسنحق الصيد اليوم".

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:15 PM



تنفست هيلين بصعوبة:
" ألم تجد؟".
" أنك تقللين من شأن نفسك".
ونظر حوله ثم أستطرد:
" هل تقومين برحلة سيرا على الأقدام حول الجبل؟".
وصعدت الدماء الى وجنتي هيلين وقالت:
" لقد تعطلت سيارتي هناك".
وأشارت بغموض الى الطريق .
" وكنت أحاول البحث عن عون عندما ظهرت نمرتك".
" شيبا؟".
نظر الرجل الى أسفل الى القطة الكبيرة التي وقفت بجانبه وقال:
"شيبا ليست نمرة .... أنها فهد وهي من الفصيلة نفسها ,ويطلق عليها أحيانا أسم الفهد الصياد".
وردت هيلين بصوت مرتعش:
" لا يهمني ما هي .... هل يمكنك ... هل يمكنك أن تدلني الى أقرب هاتف كي يحضر أحد ويأخذني ؟".
ربت الرجل على رأس الفهد وقال:
" للأسف لا يوجد أي هاتف على مقربة من هنا".
" أليس هناك أي منزل فيه هاتف أستطيع أستعماله؟".
" هناك مساكن قليلة في هذه البقعة".
" هل تحاول أعاقتي عن عمد.... أم أن هذه هي طريقتك في معاملة الغرباء؟".
قابل الرجل لهجتها غير المهذبة ببرود مما ضايقها:
" أنني أبيّن لك أنك في منطقة منعزلة بشكل مميز في كل حال أرحب بك في منزلي أذا كنت لا تجدين ذلك أمرا كريها".
وترددت هيلين:
" أنا .... أنا لا أعرف من أنت".
"ولا أنا أعرفك ".
" لا ... ولكن".
" هل أنت متزوج؟ هل تعيش بمفردك؟ فيما عدا هذا.... هذا الكائن؟".
"لا".
ترك في وقفته كأنما الوقوف طويلا في وضع واحد يؤلم ساقه:
" لدي خادم ... ولا يوجد سوانا".
فكرت هيلين في ذلك , يا ألهي .... أي موقف هذا !أمامها أما أن تستمر في المشي في هذه الظروف الجوية المريعة على أمل أن تجد أن عاجلا أو آجلا مرعى أو مزرعة جبلية وهي مجازفة غير مأمونة أو أن تصحب هذا الرجل.... هذا الغريب- الى منزله وتقضي الليل مع أثنين من الغرباء , أية مشكلة!
قال الرجل وقد بدا عليه التعب:
ط أرجو أن تقرري أمرك بسرعة".
" سأقبل ضيافتك أذا كان ذلك ممكنا , هل أعود لأحضار حقائبي؟".
" سيحضرها بولت , هيا تعالي الظلام سيحل قريبا".
وبدآ في السير منحدرا نحو الطريق المسور , وقالت هيلين:
" أليس.... ألا يجب أن نتعارف؟".
نظر اليها الرجل بسخرية وأجاب:
" أظن أن هذا يمكن تأجيله , هل تريدين أن تبتلي تماما؟".


تنهدت هيلين , هذا ليس جوابا هلى سؤالها , ولكنها تبعته على المنحدر الزلق وهي حريصة أن تكون على بعد من الفهدة ,وعندما وصلا الى الطريق الضيق الذي زاد من ضيقه بالثلوج المتراكمة على جانبيه , سارت الفهدة بأعتزاز في المقدمة وأضطرت أن تسير الى جانب الرجل , ورغم عرجه كان يتحرك بنوع من الرشاقة والمرونة مما جعلها تظن أنه من الجائز أنه كان رياضيا في يوم من الأيام , هل كان هو السبب في أن وجهه كان مألوفا لديها لأول وهلة ؟ أم أنه كان يذكرها بشخص تعرفه؟ وحول المنعطف دخلا في طريق أضيق يتفرع من الأول , كانت عليه لافتة مغطاة بالثلوج تبين أن هذا طريق خاص , شعرت هيلين بشيء من الخوف , أنها لا تعرف هذا الشخص وقد يأخذها الى أي مكان , ومن الجائز أنه كذب عليها عندما أخبرها بعدم وجود هاتف عمومي في المنطقة.
وكأنه قرأ أفكارها قال:
" أذا كنت تفضلين العودة يمكنك أن تفعلي ذلك , فأنت حرة ولن أرسل شيبا وراءك أذا كان هذا ما يخيفك".
" أنا.... لماذا أعود؟".
| حقا؟".
نظر اليها نظرة جانبية فلاحظت بالصدفة أن رموشه كثيفة بشكل غير عادي وأنها غامقة وتغطي عينيه بلونهما الأصفر الغريب كلون عيني شيبا , وكعيني شيبا أيضا كان لا يمكن التنبؤ بما تخفيانه.
كان الطريق يصعد ملتفا بشكل غير منتظم , ثم أخترقا بوابة حديدية وسارا على الأرض لينفض الثلج عن حذائه , ونصحها أن تفعل مثله ودفع الباب الخشبي فأنفتح , وأشار اليها بأن تدخل , نظرت هيلين بخوف نحو شيبا , فقد كانت الفهدة تراقبها بنظرة ثابتة لكنها وقفت ساكنة بجانب سيدها ,وتقدمت هيلين وسبقتهما داخل المبنى الى البهو , وغمرها دفء المكان فأحست فقط في تلك اللحظة كم كانت تعاني من البرد , أنتابتها قشعريرة شديدة وأخذت أسنانها تصطك , وبمجرد دخولها ظهر رجل من الباب الخلفي للصالة ورغم حالة الأرتجاف والقشعريرة التي أنتابت هيلين لم تستطع ألا أن تحملق في هذا القادم , كان في مثل طول الرجل الذي أصطحبها لكنه كان ضعفه في العرض وله جسم مصارع ذي كتفين عريضتين ورأس أصلع تماما , وألقى القادم نظرة سريعة على هيلين ثم أنتقلت نظرته الى الرجل الذي أصطحبها .
" تأخرت يا سيدي , بدأت أقلق عليك".
قال ذلك وهو يشد أكمام قميصه التي كانت مطوية فوق مرفقيه .
أخذ الرجل الذي أصطحب هيلين يفك أزرار معطفه وعيناه تنظران بتأمل الى الفتاة المرتجفة ثم علق بصوته المنخفض الجذاب.
" كما ترى يا بولت , لدينا زائرة.... تعطلت سيارة الآنسة في الطريق بالقرب منا , بعد أن تعد لنا الشاي هل يمكنك الذهاب لأحضار حقائبها".
فكرت هيلين أن التعبير على وجه بولت وهو يستمع الى كلام سيده مثل تعبير شيبا , فأن كليهما يتصرفان كأنما راحة الرجل الذي يخدمانه أهم شيء في العالم.
أجاب بولت يا سيدي لا بد أن الآنسة ستقضي ليلتها هنا , سأجهز لها غرفة أليس كذلك؟".
" أشكرك يا بولت؟".
وخلع الرجل معطفه الجلدي فظهر قميصه الأسود الحريري وصدريته من تحته وتناول الخادم المعطف , وأستدار الرجل الى هيلين قائلا:
"يمكنك أعطاء معطفك أيضا لبولت , وأؤكد لك أنه يستطيع أن يجففه بدون أن يصيبه أي تلف".
كانت هيلين ترتجف بشدة حتى أنها لم تستطع أن تفط أزرار معطفها .ولدهشتها تحرك الرجل الأعرج ودفع يديها المثلجتين جانبا وأخذ يفك لها المعطف ثم رفع يديه وسحبه عن كتفيها وتلقاه بولت قبل أن يسقط على الأرض , لم تكن تعرف هذا الرجل ذا الملامح الخشنة واللسان السليط ولم تكن تريد أن تعرفه .... كان فيه شيء يقلقها ويخيفها , ومع ذلك فأن لمسة يده السريعة عندما دفع يديها بعيدا جعلت النار تسري في ذراعها كأنما أحرقتها وشعرت بالنشوة والنفور في الوقت نفسه.
وتحرك بولت وفتح بابا الى اليمين ,ثم تبينت أن الرجلين ينتظران أن تسبقهما فسارت بطريقة مضطربة ودخلت الغرفة وهي تضم نفسها بقوة في محاولة لوقف تلك الرعشة السخيفة.
منتديات ليلاس
ووجدت نفسها في غرفة جلوس فسيحة مضاءة بمصباحين عاديين والنار مشتعلة في المدفأة الضخمة , وكانت قطع الخشب مكومة في النار والغرفة تفوح برائحة خشب الصنوبر والأرض مغطاة ببعض الأبسطة وعلى حدة بعض كراسي المائدة ومكتب وطقم من ثلاث قطع مغطاة بقماش غامق , وأجفلت عندما مرت الفهدة بجانبها وذهبت لتتمطى أمام المدفأة , ونظرت حولها بخوف لترى أذا كانت بمفردها مع هذا الحيوان فأذا الرجل يأتي نحوها وهو يعرج , وقد ذهب بولت الى عمله.
" هلا جلست".
أشار الى الأريكة أمام المدفأة , وبعد لحظة ذهبت هيلين لتجلس على طرف الكرسي بجانب المدفأة ونظر اليها بسخرية ثم جلس على الكرسي المقابل ومد ساقيه أمامه براحة ظاهرة ,وبعد لحظة أستدار ونزع غطاء القارورة وقال بهدوء وهو يلقي عليها نظرة شاملة :
" قليل من الشراب على ما أظن ؟ يبدو عليك الحاجة الى كأس يدفئك".
لم يقم ليقدم المشروب اليها ولكنه مد يده عبر المدفأة وكان على هيلين أن تأخذه , لم يكن ذلك مشروبها المفضل لكنها كانت سعيدة لأنه سيدفئها ويويل عنها البرد , أخذت تشربه ببطء وبالتدريج فذهبت عنها الرعشة ولم يشرب رفيقها شيئا بل أسترخى في كرسيه وبعينين مغلقتين أخذ يتفحصها بتركيز شديد.
وقبل أن تفرغ من الشرب عاد بولت ومعه صينية الشاي , وقال:
" سأذهب الآن لأحضار الحقائب أذا أعطتني السيدة الشابة مفاتيحها".
" آه... نعم ... بالطبع".
أخرجت حلقة من الجلد فيها كل مفاتيحها وناولتها لبولت.
" أنا ممتنة جدا يا بولت , أنها على بعد ميل تقريبا ... أوصد السيارة ".
هز بولت رأسه :
" سأجدها يا آنسة".
" أشكرك".
وأستراحت قليلا في جلستها – لقد بدأ الشراب يأتي بمفعوله ,وبدأت تعود الى حالتها الطبيعية ففي مثل هذا الوقت غدا قد تكون وصلت الى باوتيس وتصبح هذا الواقعة التي حدثت لها مجردذكرى أو شيء مسل تحكيه لأصدقائها عندما تعود الى لندن.


وبعد أن أنصرف بولت أعتدل الرجل في جلسته ونظر الى الصينية قرب أبريق الشاي وملحقاته , كان هناك طبق به بعض الشطائر وفطيرة الفاكهة تبدو لذيذة الطعم – سألها وهو ينظر اليها بعينيه الصفراوين.
" هل تريدين سكرا وحليبا أو ليمونا؟".
" أريده بحليب وبدون سكر مع الشكر".
أجابت وهي ترفض أن تستسلم للخوف بعدما أستعادت ثقتها بنفسها , وبينما كان يسكب الشاي أستمرت قائلة:
" ألا تظن أننا يجب أن نتعارف".
أنتهى الرجل من سكب الشاي وأضاف الحليب ثم ناولها قدح الشاي وهو يقول:
" أذا كان هذا هاما بالنسبة اليك".
شهقت هيلين:
" هل تقصد أنك يمكن أن تدعو شخصا غريبا تماما ليشاركك في منزلك بدون أن تهتم بمعرفة أسم هذا الشخص؟".
" من الجائز أنني أعتبر نوع الشخص أهم من أسمه".
وقال وهو ينظر اليها بعينين ثابتتين :
" على سبيل المثال أنا غير محتاج لمعرفة أسمك لأعرف أنك فتاة عنيدة توعا ما ولا تسمع النصيحة التي تقدم اليها".
أحمر وجهها وردت بأحتقار:
" وكيف يمكنك أن تعرف ذلك؟".
هز كتفيه وأستطرد:
" ليس من المعتاد أن تقوم آنسة مثلك بقيادة سيارتها وحدها في مثل هذه الظروف , ومن الواضح مما ذكرت أن معك حقائب مما يدل على أنك كنت تنوين البقاء في فندق أو ما شابه".
ثم قطب جبينه وقال:
" من الجائز أنك رتبت لمقابلة شخص ما- بالطبع , ولكن لا يبدو عليك الأهتمام لتعطلك هذه الليلة".
رشفت هيلين الشاي وردت :
" السيدات يقمن أحيانا برحلات وحدهن – ألا تعلم ذلك؟".
" في مثل هذه الظروف ليس هذا شيئا معتادا".
" قد أكون أحدى الفتيات العاملات أو ممثلة لهيئة ما وضلت طريقها".
" نعم هذا ممكن ولكن ليس محتملا".
" لماذا؟".
" لأنني لا أظن أنك فتاة عاملة".
صاحت هيلين بنفاذ صبر :
" لماذا؟".
" من الطريقة التي قابلت بها بولت , وكأنك معتادة على وجود خدم حولك".
تنهدت هيلين وشعرت أنها في أية مناقشة معه ستمون الخاسرة , الى جانب أنه يقدم لها ضيافته , قد يكون من الأفضل أن تكون ألطف قليلا في قبولها , فلم يكن من طبيعتها أن تتصرف بهذه الطريقة الحانقة , ولكن شيئا ما فيه جعل أسوأ ما فيها يطفو.
" حسنا".
وافقت أخيرا:
" أنا لست فتاة عاملة , هذا صحيح , وأسمي هيلين جيمس أبنة فيليب جيمس".
قال بسخرية وقد أخذ شطيرة بعد أن رفضت هي:
" وهل من المفروض أن اعرف هذا الأسم؟ للأسف أنا لست على صلة بالناس الآن".
وأبتسم مما جعله يبدو أصغر سنا بكثير , وأنفرجت شفتاها , أن وجهه مألوف... رأته من قبل... أنها متأكدة ولكن أين ومتى؟
أجبرت نفسها أن ترد على سؤاله بينما هي تفكر في هذا اللغز:
" والدي هو سير فيليب جيمس- وقد فازت شركته بجائزة صناعية في العام الماضي , أنها شركة ثورب الهندسية".
وهز الرجل رأسه:
" أصدقك".
قالت بصبر نافذ:
" وأنت لم تخبرني بأسمك؟".
" أخبريني أولا ماذا تفعلين هنا بعيدا عن المجتمع الذي تعتادينه؟".
وعضت هيلين شفتيها وقالت:
" في الحقيقة أنا.... محتاجة للذهاب بعيدا بمفردي لفترة من الوقت, أحتاج لبعض الوقت لأفكر وأنا واثقة أن أبي لن يبحث عني".
وها قطب الرجل وقال:
" هل تعنين أنك هربت؟".
" ليس كذلك, تركت لوالدي كلمة فلا حاجة به للأنشغال عليّ".
: ولكنه سينشغل".
" ممكن".


تحركت هيلين بقلق وقالت:
" في أية حال هذا لا يعنيك , وأنا فقط ممتنة لأنك جئت في الوقت المناسب , ولو لم تحضر لحدثت لي متاعب حقيقية".
" فعلا كان يمكن أن تموتي هناك في الثلج , وكان من الغباء ألا تخبري أحدا الى أين أنت ذاهبة , ألا تعرفين أنه كان من الممكن أن تدفن السيارة لأيام قبل أن يجدها أو يجدك أحد؟ أخبريني لماذا كان من المهم أن تهربي؟".
شعرت هيلين بالسخط:
" لا أظن أن هذا يخصك في شيء!".
" ومع ذلك أنا محب للأستطلاع , أرضي فضول شخص لم يعد من سكان ذلك العالم الذي تأتين منه".
ونظرت اليه هيلين بشدة- ما هذا الكلام الغريب الذي يردده؟ بالتأكيد أن بعد هذه المنطقة في الشتاء لا يعني أنها منقطعة تماما عن العالم الخارجي , ألا أذا أراد الشخص ذلك , هزت رأسها ثم قالت ببطء :
" والدي يريد أن يتحكم في حياتي ولكنني أبلغ الثانية والعشرين , ومن الجائز أن شخصيتي مستقلة كما قلت ,وقد أختلفنا على مشكلة صغيرة".
" لا أظن أنها صغيرة الى هذه الدرجة , أذ دفعتك لأكثر من مائتي ميل في الشتاء القارس يا آنسة جيمس ,ولكن هذا لا يهم فأنا أحترم رغبتك في الأحتفاظ بأسرارك الشخصية".
قلبت شفتيها كان هذا تنازلا بالكاد , وأعادت قدح الشاي الى الصينية وهي تقول:
" وأنت؟ ألا تجد المكان موحشا في هذه المنطقة المنعزلة بعيدا عن كل الناس ولا يؤنسك ألا بولت؟".
أخفت رموشه الثقيلة عينيه :
"أنا لست أنسانا مسليا يا آنسة جيمس , هل أستطيع أن أقدم لك مزيدا من الشاي؟".
رفضت وهي تضغط شفتيها بضيق وسألته:
"لماذا تتفادى الرد على سؤالي؟".
" هل كنت أفعل ذلك؟".
كان صوته هادئا ولكن عينيه كانتا مترقبتين .
" أنت تعلم أنك كنت تفعل".
تنهدت وقطبت جبينها قائلة:
" أنا أعرف وجهك من مكان ما وأنا شبه متأكدة أنني رأيتك من قبل , أما حقيقة أو في الأفلام".
قال ساخرا:
" أنك تطرينني بشدة – أليس هذا دور الرجل؟".
تضايقت هيلين لأنه جعلها تشعر بالحرج وكان ذلك تجربة جديدة بالنسبة اليها :
" أنك تعلم ما أقصد, لقد رأيت وجهك من قبل أليس كذلك؟".
بدا عليه الملل من هذا الأفتراض وفجأة قام من مكانه ووقف يدعك فخذه كأنه يؤلمه ثم سار بخطواته غير المنتظمة نحو النوافذ وسحب الستائر الثقيلة على النوافذ ورأت هيلين قبل أن يختفي المنظر الخارجي عن نظرها أن المساء حل وملأها الثلج المتساقط شعورا بالعزلة.
وأستدار اليها قائلا:
" بولت لن يتأخر في أحضار حقائبك وسيريك المكان الذي ستنامين فيه يا آنسة جيمس , أنا أتناول العشاء الساعة الثامنة تقريبا وآمل أن تصاحبيني".

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:16 PM



وتململت هيلين في مقعدها وهي تشعر بالضيق بدلا من الخوف , واضح أنه مصمم ألا يجيبها عن أسئلتها , وجعلت حركتها المفاجئة الفهدة ترفع رأسها وتحملق.
أجفلت فزعة وخرجت دمدمة منخفضة من حلق الفهدة القوي فجاء الرجل ناحيتها وأخذ يهدئها وعيناه على وجه هيلين المضطرب , سألها بصوت ناعم كالمخمل لكن برنة خفية كالصلب.
" هل يضايقك شيء يا آنسة جيمس؟".
هزت هيلين رأسها وهي تنظر بيأس حول الغرفة المضاءة , كان عليها أن تعترف أن الغرفة جميلة جدا ولا تثير أي شعور بعدم الراحة , ولكن هذا شيء متوقع , على الجدران بعض تذكارات الصيد من سيوف وبنادق عتيقة وعدة قطع من رسومات زخرفية ثمينة , هل هو رسام أم نحات أو فنان من أي نوع؟
وفجأة لفتت نظرها صورة في في أطار معلقة على الحائط خلف المكتب , لم تستطع أن تميز كل تفاصيلها من حيث كانت تجلس في ضوء ضعيف , بل كانت ترى ما يكفي لتفهم أنها صورة تمثل حادث سيارة أذ تجمع الرجال وأجزاء السيارات التي أختلطت في الطريق وأنتشرت القطع المعدنية في الهواء الممتلىء بالغبار , لم تكن صورة ملونة بل تعطي الأحساس الكامل ببشاعة ووحشية الحادث.
أنتقلت نظرتها الفزعة الى الرجل الذي كان يقف الآن جامدا بجانب الأريكة , كانت عيناه الصفراوان جامدتين وضيقتين , ففهمت أنه لاحظ نظرتها المركزة على الصورة وفهمت أيضا لماذا أصبح فجأة متباعدا , فهم أن شكوكها الخاصة بشخصيته في البداية تأكدت , كان واحدا من السائقين الذين حدث لهم هذا الحادث المروع لكنه لم يكن حادثا عاديا.
وقالت ببطء وتعجب وهي تقف على قدميها:
" أنا أعلم من أنت .... أنك .... دو**** لايول بطل السباق".
ذهب التوتر من جسمه النحيل وأستند بيديه على ظهر الأريكة ثم قال بسخرية:
" نعم... أنا دو**** لايول.... ولكنني لستالآن بطل سباق".
وحدقت فيه هيلين :
" ولكنك كنت كذلك .... أنا أتذكر والدي وهو يتكلم عنك0 كان معجبا بك أشد الأعجاب قبل... قبل...".
" قبل الحادث , أعلم ذلك".
قالها بمرارة:
" ولكنني أعتقد... أقصد".
ثم توقفت وقد أنعقد حاجباها في أستغراب :
" كان الجميع يفترض أنك أختفيت .... والدي قال... وكل الناس قالوا....".
وتحركت بضيق ولم تكمل جملتها :
"كانوا يعتقدون أنني مت؟".


كانت لهجته ساخرة وأستطرد:
" نعم أعلم تلك الأشاعة , كانت أصابتي خطيرة وكان يلائمني أن أغذي هذا الأعتقاد فليس هناك شيء أكثر أيلاما من بطل يسقط ومع ذلك يحاول أن يختفظ بالأضواء".
"ولكن الأمر لم يكن كذلك".
وأعترضت هيلين قائلة:
" كان الصدام حادثا مروعا ... ولكن لا يمكن لوم أحد , أن الدعاية....".
قاطعها بصوته الهادىء الساخر:
" وهل قلت أنني ألوم نفسي؟".
" لا ولكن ... والدي كان من أشد المعجبين بك وكان هناك آلاف آخرون مثله , فهل تظن أنه من العدل أن تتركهم يفترضون أنك مت؟".
أعتدل دو**** لايول وأخذ يدلك فخذه بيده السمراء القوية:
" هل تظنين أنه ليس من حقي أن أتمتع بحياتي الخاصة لأنني كنت في يوم من الأيام من المشهورين يا آنسة جيمس؟".
لن تعرف هيلين كيف ترد على كلامه:
" أنا لا أصدر أحكاما يا سيد لايول , ولكن كل ما هنالك أن موهبة كموهبتك من المؤسف أ ، تضيع ولا يتعمل منها المتسابقون الجدد".
فلوى شفتيه ومر بأصابعه في شعره الفاتح قائلا:
" هذا يكفي... لا أظنك ستفهمين يا آنسة جيمس".
رفعت هيلين رأسها وردت :
" أنك تقلل من شأني يا سيد لايول".
فأبتسم ساخرا:
"ممكن... ولكن لسوء حظك أن ذاكرتك قوية ,كنت أظن أن فتاة في السادسة عشر تهتم أكثر بالموسيقى الشعبية وأبطالها".
" أخبرتك أن والدي كان يذهب الى سباق السيارات , وكنت أذهب معه أحيانا".
ضاقت عيناه وهو يفكر:
" أنه أمر شاذ!".
وأقلقتها كلماته :
" ماذا تعني ؟".
هز دومينيك لايول كتفيه بأستنكار :
" واضح ما أقول!".
" ما هو الواضح؟".
نظر اليها بعينين ثابتين جريئتين :
" تعرفك عليّ يا آنسة جيمس , لسوء حظك أخشى أن هذا يعني أنك لن تستطيعي ترك هذا المكان في الصباح!".




سفيرة الاحزان 23-04-10 05:23 PM



2- العشاء المردود
منتديات ليلاس

لعدة دقائق كان هناك سكون تام في الغرفة لم تستطع هيلين أن تصدق أنها سمعت جيدا ما قاله ولكن شيئا ما في وجهه النحيف الخشن أكد لها أنها سمعته جيدا .
قالت أخيرا:
"لا يمكن أن تكون جادا فيما قلت!".
" للأسف أنني جاد يا آنسة جيمس".
" ولكن لماذا.... لماذا؟".
" بالتأكيد هذا واضح أيضا- فأنا لست مستعدا لذلك النوع من الدعابة الذي سيؤدي الى أكتشافي في هذا المكان".
ورفضت هيلين أن تقبل شعور الخوف الذي بدأ يضطرب بداخلها :
" ولكن... ولكني لن أخبر أحدا ".
قالت محتجة وهي تكرر الكلمات نفسها التي سمعتها كثيرا في الأفلام وفي التلفزيون , عندما كان البطل يواجه بعض الهاربين من القانون , ألا أن دو**** لايول لم يكن هاربا من القانون , كان هاربا فقط من المجتمع .
" للأسف لا أستطيع أن أجازف- أخشى ألا يمكنك مقاومة الأغراء بأن تقولي لوالدك أن الرجل الذي كان يظن أنه مات ما زال حيا وبصحة جيدة ويعيش في منطقة البحيرات".
" لا .... لن يحدث".
وضغطت هيلين على يديها :
"" في أي حال لا يمكن أن تبقيني هنا , هذا غير قانوني!".
فأبتسم أبتسامة كريهة :
" حقا؟".
" ولكنه جنون ! أقصد أن والدي سيبحث عني!".
" قلت لي بنفسك أنه لن يخطر بباله أبدا البحث عنك هنا".
" ليس في البداية , ولكن عندما لا يجدني في أي مكان آخر".
" عندئذ ستكونين حرة في العودة اليه".
وأرتعشت :
" ماذا تعني؟".
" ببساطة أنوي ترك هذا البلد- وحتى أفعل ستبقين هنا".
وشهقت هيلين :
" ولكن هذا قد يستغرق شهورا".
ورد موافقا ببرود:
" على الأقل أسابيع".
وأنفتح الباب فجأة خلفها فتحركت بعصبية , كان بولت وهو يقف على العتبة وكتفاه العريضتان يكسوهما الثلج.
" آه بولت لقد عدت".
وحياه دو**** لايول بدفء لم يظهره لهيلين .
" هل وجدت السيارة؟".
فأبتسم بولت وقال:
" نعم يا سيدي , الحقائب في الردهة , سأخلع معطفي في لحظة وآخذ الآنسة الى غرفتها".
وهز دو**** لايول رأسه موافقا:
" نعم أفعل ذلك يا بولت , وبالمناسبة أن أسم ضيفتنا هو الآنسة جيمس , هيلين جيمس وستبقى معنا فترة أطول مما توقعناه".
لا تعرف هيلين ما تناقله الرجلان لكن كل ما أبداه بولت من أندهاش هو تقطيبة من حاجبيه ثم ألقى بمفاتيحها الى سيده وهو يقول:
" نعم يا سيدي ".
" سأخذ هذه المفاتيح".
قال مخدومه هذا وهو يلتقطها عندما ألقاها له بولت.
" سأشرحلك الموقف فيما بعد – هل هذا حسن ؟".
" نعم يا سيدي".
كان بولت مستعدا لأرضاء سيده بطريقة مثيرة – وشعرت هيلين وهي تراقب الرجلين أنها ستنفجر بالبكاء , لا يمكن أن يحدث هذا لها , لا يمكن أن يكون دو**** لايول جادا فيما ينويه من أبقائها هنا حتى يرتب أمر رحيله من البلد , أن هذا غير ممكن.
وأنفجرت قائلة وهي ترتعش:
" لا أريد أن أرى غرفتي , لا تستطيعان أبقائي سجينة هنا , هذا مستحيل!".
لوى دو**** لايول شفتيه بشيء من القسوة وسأل بلهجة تهديد هادئة:
" وكيف تنوين أن تمنعيني ؟".
" أنا.... سأهرب".
" مرة أخرى؟".
" سأذهب الى أقرب مزرعة أو قرية ,سأتصل تلفونيا وأطلب النجدة".
" لا توجد تلفونات هنا يا آنسة جيمس".
" أقصد في القرية ".
سألها دو**** لايول بهدوء:
" وهل تعرفين الطريق الى القرية؟".
"لا أظن أنه يصعب العثور عليه".
" في هذه الظروف؟".
وأمتلأ حلقها بالبكاء :
" أنك مجنون ... مجنون! لا أريد أن أبقى هنا , أريد فقط أن أذهب الى باونيس وأعدك أنني لن أخبر أحدا عنك , فقط دعني أذهب".


" أخشى أن يكون ذلك مستحيلا يا آنسة جيمس".
أتجه معذبها الى بولت قائلا:
"يجب أن ننقل السيارة غدا قبل أن يذوب الثلج".
" سأتولى ذلك في الصباح".
شعرت هيلين بحالة من اليأس الفظيع , وبدا أنه لا حل لهذا الموقف الغريب , لقد وضعت نفسها في هذا المأزق بما قالته , لو لم تخبره عن هروبها من والدها ولو لم تتعرف عليه ولو .... ولو...
" لا تستطيع أن تمنعني من محاولة الهرب".
رد دو**** لايول وهو يحرك عضلات ظهره :
" لا أنصحك بذلك".
كان يدو مرهقا بشكل واضح وتبينت هيلين بوخزة أسى أن الوقوف لمدة طويلة سبب أرهاقه كان من المفروض أن تشعر بالسرور لأنه ليس قويا الى الحد الذي يريدها أن تتخيله , ولكن هذا لم يكن شعورها , كان يتحرك في داخلها شعور خائن بالعطف , وتساءلت عن السبب الذي جعله يلفظ العالم الذي كان يعيش فيه لهذه العزلة الزاهدة.
وشعر بولت أيضا بتعب سيده وبعدم الكلفة التي ولدتها سنوات خدمته معه , قال له بلوم وقلق:
" أنه موعد علاجك يا سيدي- أذا نزلت الى الدور الأرضي سألحق بك على الفور بعد أن أصحب الآنسة جيمس الى غرفتها".
كان تعبير دو**** لايول وهو ينظر الى هيلين ينم عن السخرية من نفسه وسألها بمرارة:
" هل ترين كيف الحال معي؟ أنني مثل آلة مخربة تحتاج للتزييت دائما- أليس كذلك يا بولت؟".
أنفرجت شفتا هيلين ولم تستطع أن تمنع نفسها من أن تقول:
" أنك لست مسنا".
"على الأقل بضعة سنوات أكبر مما كنت سمعت أسمي لأول مرة".
قال ذلك بضيق بينما تقلص وجهه من الألم.
" أرجو أن تعذريني...".
وخرج وهو يعرج بثقل وقد ألتوى فخذه في تشويه بشع , راقبه بولت وعلى وجهه تعبير الأخلاص والحب الكبير مما جعل هيلين تشعر بأنها دخيلة , وقامت أيضا الفهدة وسارت خلف سيدها.
ثم أستدار بولت نحوها وقال وهو يفك أزرار معطفه ويخلعه:
" لحظة واحدة يا آنستي ... هلا أتيت معي ؟".
كانت هيلين تريد أن تحتج- المفروض أن تحتج , يجب أن تكرر أن هذا جنون وأنه ليس من حقهم أن يبقوها برغم أرادتها وأنها ستجد طريقة للهروب , ولكنها بدلا من ذلك راقبت بولت وهو يحمل حقائبها ثم تبعته صاعدة السلم الخشبي الواسع وقدماها تغوصان في السجادة ذات اللونين البني والذهبي التي تغطيه.
كان مطلع السلم كالصالة له نوافذ زجاجية , وفي منتصف الطريق الى أعلى نافذة مستديرة تطل على خلفية المنزل , وكان من غير الممكن رؤية أي شيء من خلال الجليد لكن لمعان الثلوج أعطى للمكان أضاءة خاصة.
وفي أعلى السلم دهليز يؤدي الى أتجاهين وسياج السلم يطل على غرفة الجلوس الواسعة.
وأخذت هيلين تتأمل الثريا الكريستال الرائعة.
وسار بولت في الممر الى يمين السلم مارا بعدة أبواب قبل أن يقف أمام باب الغرفة التي ستكون غرفتها , ففت الباب وأضاء الأنوار وأفسح لهلين لتسبقه داخل الغرفة.
وكانت الأرض مغطاة بسجادة ناعمة بلون الزيتون تتناسب مع لون غطاء السرير الزيتوني والسكري وكذلك لون الستائر الطويلة الحريرية التي تغطي النوافذ , وكان الأثاث المكون من سرير وثلاث مرابا وخزائن كبيرة من خشب الماهوغني القاتم , أضخم قليلا مما يجب لكنه مقبول في هذه الغرفة ذات السقف العالي , وهناك مدفأة تحت الشباك والغرفة دافئة بشكل مريح.


ووضع بولت حقائبها على الأرض وأشار الى باب قرب الخزانة في الطرف القصي للغرفة قائلا:
" هنا الحمام".
ثم نظر حوله ليتأكد أن كل شيء على ما يرام".
" وضعت زجاجات ماء ساخن في السرير , ويمكن أعادة كلئها مرة أخرى أذا أحتجت لذلك".
قالت هيلين وهي تعض شفتيها متعجبة كيف تقبلت الموقف بهدوء:
" أشكرك يا بولت".
ثم أضافت وهي تتجه الى الباب :
" على فكرة...".
نظر اليها بأدب برغم أستعجاله الذهاب لسيده .
" نعم يا آنسة ؟".
" هل تنوي.... أن تغلق الباب علي؟".
أبتسم وخرج وأغلق الباب وحينئذ فقط رأت المفاتيح من الداخل , بعد خروج الخادم ذهبت هيلين نحو النوافذ وجذبت الستائر جانبا لكنها لم تستطع أن ترى ألا بضع أشجار مغطاة بالثلوج , فتركت الستائر تعود الى مكانها وأستدارت لتتفقد غرفتها.


وفكرت بشيء من عدم الأتزان , أن أي غرفة لايمكن أن تكون أكثر راحة , وأي صاحب فندق لا يمكن أن يكون أكثر أهتماما براحة ضيفه من بول , يا للغرابة! كلما فكرت في الأمر كلما بدا خياليا , فكم من المتوقع أن تبقى هنا؟ وكم من الوقت سيستغرق دومينيك لايول ليسوي أموره كما يريد ويترك البلد؟
أخذت تذرع الغرفة بقلق محاولة تهدئة مخاوفها التي عاودتها عندما وجدت نفسها وحيدة , هل يعني حقا ما قاله؟ أم أنها خدعة متعمدة ليخيفها ويتسلى بها , ورجحت الأحتمال الأخير ومع ذلك فهو شخص مهذب ومثقف! كيف يمكن أن يقرر بشكل هادىء أن يحتجزها على غير أرادتها ولا يتركها ألا في الوقت الذي يناسبه هو ؟ ما هي طريقة الحياة التي كان يحياها هذه السنوات الأخيرة والتي جعلت ضميره ينام؟
نظرت الى ساعتها التي تجاوزت السادسة , لقد قال دو**** لايول أنه يتناول عشاءه في الثامنة ولكنها الآن تشك في قابليتها على الطعام ,وأين هو وما هو نوع العلاج الذي يعطيه له بولت؟
نظرت الى نفسها في المرآة , فلم يعجبها منظرها المشوش , كانت ساقا سروالها مجعدتين بسبب طيهما وشعرها غير منسق بفعل الهواء وفي خديها خدوش أحدثها أختراقها الحاجز النباتي على جانب الطريق.
ورفعت يدها المرتعشة ولمست خصلة من شعرها الأسود الناعم ,ماذا ستفعل الآن؟
فحصت الحمام فتأكدت من عدم وجود أي مخارج سوى باب غرفة النوم , أغلقت باب الغرفة بالمفتاح ودخلت لتستحم , كان الحمام فسيحا والمياه الساخنة وفيرة وشعرت بالراحة والأنتعاش وخرجت من الحمام وقد لفت جسمها بمنشفة بيضاء كبيرة وذهبت لتحضر بعض الملابس النظيفة , لكن لشدة ضيقها كانت حقيبتها مغلقة ومفاتيحها في الحلقة التي أخذها دومينيك لايول.
وقفت مترددة وسط الغرفة لا تدري ماذا تفعل , كانت تريد أن تخرج الى الممر وتنادي بولت ليحضر المفاتيح ,ولكن حرج موقفها جعلها تعيد النظر في هذه الفكرة , وبضيق أرتدت ملابسها التي خلعتها للتو , وأكتفت بتصفيف شعرها وبمكياج خفيف , لحسن الحظ أن أدوات الماكياج كانت في حقيبة يدها فلن تبدو غير مرتبة , كما أن ملابسها لا بأس بها وفي أي حال فهي تشك أن كان دو**** لايول سيلاحظ أي شيء , وصممت أن تحصل على مفاتيحها قبل النوم فهي لا تريد أن تنام بدون قميص نومها.
شعرت بشيء من القلق لهذه الفكرة ,ولكن ليس هناك خوف من أن يضايقها أحد خلال الليل , بابها يغلق بأحكام ,وهو متين لدرجة تحبط أي متطفل عنيد , كما أن بولت لا يبدو من ذلك النوع الذي يفرض نفسه على أحد ودو**** لايول... أنها لا تريد أن تفكر في دو**** لايول ,ولكن من المستحيل ألا تفكر فيه , لا تريد أن تتذكر الأرتباك الذي أنتابها عندما لمسها من قبل أو السحر الشديد الذي شعرت به نحوه , تقول لنفسها أنه نفور وأنها تكرهه وتحتقره , ومثل هذا الرل لا يمكن أن يجذبها فهو كسيح , كما أنه لا ضمير له , وقد سمح لنفسه أن يفسدد خططها لمصلحته الخاصة.
ومع ذلك فهي تذكر كل التفاصيل الخاصة به , شعره الفاتح اللون وعينيه الصفراوين وجلده الغامق وجسمه القوي , وعضلات فخذه التي كانت تبدو تحت قماش سرواله الضيق وحذاءه الطويل حتى ركبتيه , والكرب الذي بدا فيه عندما شعر بالألم , أمسكت أنفاسها , ليس من المعقول أن تشعر بالعطف عليه ولكنها تفعل!
هزت رأسها وألتف شعرها الأسود حول وجهها , وفتحت الباب وخرجت , وكان الدهليز معتما وخاليا ,أضاءت نور غرفة النوم وسارت بتصميم نحو السياج على رأس السلم.
ونزلت الى الصالة , ونظرت حولها في حيرة , أي باب يؤدي الى غرفة الجلوس ؟ أنها لا تتذكر , أقتربت من أحد الأبواب وفتحته فوجدته يؤدي الى غرفة ملابس فأغلقته بسرعة وأتجهت الى باب آخر وهي تشعر كأنها ( أليس في بلاد العجائب) كانت هذه غرفة طعام صغيرة فيهامنضدة مستديرة يغطيها مفرش أبيض , هل هذه هي الغرفة التي ستتناول فيها طعام العشاء؟ وتنهدت ثم أستدارت لدى سماع صوت خلفها , كان أحد الأبواب في الصالة قد فتح وظهر دو**** لايول منخلاله والفهدة شيبا وراءه.
" هلا أنضممت الي ؟".
ودعاها بصوته العميق الجذاب الذي يدأت تتعود عليه في هذه الفترة القصيرة , هزت كتفيه بعجز وأطاعته , أفسح لها الطريق لتسبقه الى غرفة الجلوس ثم أغلق الباب خلفهما ,كان قد غيّر ملابسه السوداء الى قميص حريري بنفسجي اللون وسروال بيج فاتح وصدرية بلون أغمق قليلا من السروال , وكان وجهه لا يبدو عليه التعب الذي بدا عليه من قبل , وفكرت هيلين أن بولت لا بد قد قام بعمله , فله جسم مصارع ,ولكنه يمكن أن يكون محترف تدليك.
وأتجهت ناحية المدفأة وهي تراقب بخوف الفهدة التي تبعتهما , وكانت المدفأة قد ملئت بالأخشاب في غيابها , والمنضدة التي تناولا عليها الشاي من قبل غطيت بغطاء جميل.
أشار دو**** الى الكرسي الذي جلست عليه من قبل قائلا:
" تفضلي بالجلوس ... هل أقدم لك مشروبا قبل العشاء ؟".
كان يعاملها كأنها ضيفة منتظرة فشعرت بالأحباط , هل كان يتوقع أن تتصرف على هذا الأساس ؟ هل ستتركه ينفذ خططه بدون مقاومة؟ كيف يجرؤ أن يتصور أنه ليس لها رأي في الموضوع ؟ قالت أول كلام خطر لها:
" في الواقع أنا لم أنزل لأتعشى معك ! أريد مفاتيحي! مفاتيح حقائبي! ليس من حقك الأحتفاظ بها! لم أستطع حتى تغيير ملابسي بعد الحمام!".
عبس دو**** وهو يدفع يده في جيب سرواله ويخرج حلقة مفاتيحها , وفحص المفاتيح بأهتمام ثم قال:
" آسف طبعا تريدين مفاتيح حقائبك , أرجو أن تبينيها لي....".


حدقت فيه هيلين بغضب للحظة ثم بدون أن تفكر في النتائج أندفعت محاولة خطف المفاتيح من يده , لم تكن تعرف بالضبط ماذا يمكن أن تفعل بها لو نجحت في أخذها , الفكرة الجنونية في الركض الى سيارتها ومحاولة أدارتها مع عدم أمكانية ذلك , والهروب بها كانت فكرة غير عملية على الأطلاق ,ولكن كان يجب عليها أن تفعل شيئا , أي شيء لتثبت له أنها ليست عاجزة كما يتصور.
فشلت محاولتها فقد أطبقت أصابعه على حلقة المفاتيح , وباءت محاولاتها لأنتزاعها بالفشل , أذا كانت قد تصورت أنه ضعيف أو أن أصابته أدت الى عجزه عن رد الهجوم فقد تحققت على الفور من أن أعتقادها خاطىء , وعندما هاجمته كانت تتوقع أن يفقد توازنه , لكن هذا لم يحدث وكان جسمه القوي يقاوم بشدة , كما أنها لم تنتبه على الأطلاق للفهدة التي كانت تراقبهما بعينين متحفزتين ذكيتين والتي أمتنعت عن التدخل بأمر من سيدها , وبينما هي مستمرة في محاولة أنتزاع مفاتيحها من يديه لم تستطع ألا أن تشعر بوجود دمينيك لايول , كانت تشعر بسخونة جسمه وبالعطر الذي يفوح منه , ولكن عندما نظرت اليه ورأت الأبتسامة القاسية على وجهه , أنسحبت بعيدا بصرخة خائفة:
"أنت.... أنت متوحش! أنها مفاتيحي وأنا أريدها".
سألها وقد أرتفع حاجباه:
" ألا تظنين أنك تتصرفين بغباء ؟ عرضت أن أعطيك المفاتيح التي تريدينها".
وحركت رأسها يمينا ويسارا بشعور العجز , وقالت بصوت مهزوم:
" لماذا تفعل ذلك ؟ لماذا لا تتركني أذهب؟".
سألها بسخرية:
" الليلة؟".
" لا غدا.... أرجوك".
قال بأزدراء:
" لا تستعطفيني – أنا أحتقر الضعف".
شعرت هيلين كأنه صفعها , ضغطت بيدها على حلقها وأستدارت بعيدا عنه وهي تستند على ظهر الأريكة لتستعيد رباطة جأشها , وكانت تشعر بعينيها تؤلمانها لشدة رغبتها بالبكاء , شعرت بالضياع والوحدة وعدم القدرة على التفكير المتزن وحتى النظرة الشريرة التي كانت شيبا توجهها اليها لأنها تجرأت وتحدت سيدها لم تستطع أن تثيرها.
" خذي أشربي هذا!".
دفع دو**** لايول كوبا في يدها.
نظرت الى الكوب بلا تعبير وسألت:
" ما هذا؟".
" أنه.... سيساعدك على أن تستعيدي تفكيرك السليم".
وأجتاحتها الرغة في ألقاء الكوب بما فيه على الأرض لكنها كانت محتاجة لشيء ينعشها , فرفعت الكوب الى شفتيها المرتعشتين وشربت منه قليلا ثم شربت الباقي دفع واحدة , لسعها الشراب في حلقها فسعلت وصعدت الدموع الى عينيها ولكنها شعرت بالدفء يسري بداخلها.
ودار دومينيك لايول حول الأريكة وبدون أن ينتظرها جلس في الكرسي قرب النار المتقدة ثم سكب لنفسه كأسا من زجاجة على الصينية بجانب كرسيه, أخذ سيكارا وفيعا من صندوق على رف الكتب بجواره , وأشعله بأستمتاع واضح من المدفأة بواسطة شمعة رفيعة , ووقفت هيلين تراقبه من وراء الأريكة وتتعجب لعدم أهتمامه الشديد رغم علمه بلا شك بحالتها.
وبعد أن أشعل سيكاره كما يريد وضعه بين أسنانه وأخرج مفاتيحها من جيبه وفحصها جيدا ثم أستخرج أثنين منها وألقى اليها بالباقي , ولم تكن سريعة بما يكفي لألتقاطها فسقطت المفاتيح على الأرض أمامها, أنحنت لتلتقطها وهي تشعر بالمهانة ولاحظت أنه أخذ مفاتيح السيارة وقال وهو يفرد ساقيه الطويلتين أمامه :
" والآن... ألن تجلسي؟".
" لا سأذهب الى غرفتي , وآمل أن تكون في الصباح قد عدت الى رشدك".
رد بأبتسامته الساخرة التي أصبحت تتوقعها وهو يخرج سيكاره من فمه:
ط لا تشعري بخيبة الأمل أذا لم ألعل!".
" أنت.... حقير!".
" رأيك فيّ لا أهمية له".
وراقبها وهي تسير نحو الباب ثم قال:
" ألم تسمعي أن الحرب تعتمد على بطون قواتها؟ وأذا لم تتناولي عشاءك فستكونين في الصباح جائعة جدا".
وتخشيت هيلين , فعلى الأقل فيما يختص بالطعام , تستطيع أن تقرر لنفسها .
" لا أستطيع أن ألمس طعامك!".
قالت وغضبها يزيد من تصميمها:
" لو أكلته سأمرض".
وقبل أن تخرج بعد هذه الكلمات أنفتح الباب ودخل بولت يحمل صينية- لم تستطع أن ترى كل ما عليها – لكن رائحة صلصة الكاري كانت واضحة , ولاحظت أبريقا من القشدة مع فطيرة فواكه لذيذة على جانب الصينية.
ونظر الخادم الى هيلين بأندهاش ثم قال:
" فكرت في أن أقدم لكما العشاء هنا يا سيدي فالليلة باردو جدا".
قال دومينيك وهو يبتسم بسرور أكثر من العادة:
" أنها فكرة حسنة , هلا أكلت معي يا بولت".
وألقى بولت نظرة على هيلين وهي ما زالت تحوم بجانب الباب وقد خدرتها رائحة الطعام , بدأت الآن تشعر بالجوع الشديد وأسفت لتصرفها المتسرع في رفض الطعام , وقال بولت:
" ولكنني ظننت أن الآنسة :
" ولكنني ظننت أن الآنسة....".
وهز دومينيك رأسه قائلا:
" الآنسة جيمس ليست جائعة يا بولت , قالت أن الطعام سيمرضها ".
ونظر الى وجه هيلين المتردد بعينيه القاسيتين فحركها للرد:
" نعم... هذا صحيح .... أنا أهتم بأختيار الشخص الذي أتناول الطعام معه".
ثم خرجت وصفقت الباب وراءها .
ووقفت لحظة في البهو متوقعة أن يتبعها ليرد على تصرفها لكت كل ما سمعته هو أنفجار بالضحك من دومينيك لايول , وتحققت من أن بولت هو الذي سيستعمل الكوب الآخر على الصينية.

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:26 PM



3- النوبة

كان سرير هيلين مريحا جدا , وذكرتها زجاجات المياه الساخنة بطفولتها عندما كانت والدتها تضعها في السرير وتحكي لها قصة قبل النوم.
لم تكن تتوقع أن تنام , لكن التعب عمل مفعوله! وعندما أستيقظت كانت الغرفة مليئة بضوء الشمس وأنعكاس الثلج , وللحظات لم تستطع أن تتذكر أين هي ولكن على الفور عادت كل الذكريات تتزاحم عليها ,وبرغم ذلك لم تكن تعرف بالضبط أين هي عدا أنها في منزل في منطقة البحيرات وتذكرت مضيفها وكل أحداث الليلة الماضية الغريبة.
ونظرت الى ساعتها " التاسعة والنصف تقريبا , طرقت عيناها بأستغراب ,فقد نامت أكثر من أثنتي عشرة ساعة , ودفعت الأغطية بعيدا وقامت من سريرها وسارت نحو النافذة , فالآن وفي ضوء النهار يمكنها أن ترى المكان وقد ترى منازل أخرى.
منتديات ليلاس
لكن المنظر أمامها كان مخيبا للآمال , فكل ما أستطاعت أن تراه هو حديقة خلفية مغطاة بالثلوج ووراءها حقول بيضاء , أما تحت نافذتها مباشرة فكان هناك فناء قام شخص بتنظيفه ولا شك أنه بولت , وكانت هناك آثار أقدام تدل على أن شخا ما قد خرج , أغلقت الستائر ونظرت الى الغرفة حولها , لم تكن أقل جمالا في ضوء النهار برغم أن الملابس الخارجة من حقيبتها كانت تبدو غير منظمة , كانت متضايقة في اليلة الفائتة ولم تستطع أن تفعل شيئا ألا أن تجد قميص نومها وتدخل في الفراش ,وتجاهلت الفوضى في حقائبها , ودخلت الحمام لتأخذ دوشا ,ولكنها لم تجد دوشا في الحمام فأغتسلت وعادت الى الغرفة لترتدي ملابسها , وبينما كانت تلبس سروالا برتقاليا مضلعا سمعت طرقة خفيفة على الباب , وخفق قلبها بشدة ووقفت ساكنة للحظة تتساءل من الطارق.
ثم سمعت صوت بولت المطمئن:
" آنسة جيمس ؟ أنسة جيمس , هل أستيقظت؟".
" نعم... ماذا تريد؟".
" أحضرت لك أفطارا يا آنسة , فكرت أنك قد تكونين جائعة".
ترددت هيلين , خطر لها أن تأمره بالذهاب وأن يخبر سيده أنها مضربة عن الطعام حتى يتركها تذهب ولكنها فكرت أن هذه الطريقة لن تجدي مع رجل مثل دومينيك لاول , أنه يستطيع أن يتركها حتى تسقط من الأعياء قبل أن يفكر في الأهتمام بها , وحتى في هذه الحالة فهي تشك أنه سيستلم لطلباتها .
فصاحت وهي تسحب بسرعة بلوفر أخضر وتدخله في رأسها:
" لحظة واحدة".
وفتحت الباب وهي تخرج شعرها من فتحة البلوفر , كان بولت أمام الباب بجسمه الضخم الذي أصبح معروفا لها وأكمام قميصه مطوية فوق ذراعيه وقد ظهرت عضلاته البارزة من تحتها , لم يكن يشبه مدبرة منزل ومع ذلك فالصينية التي أحضرها ووضعها على المنضدة قرب سريررها كانت منسقة أحسن تنسيق.
وقال بأبتسامة ساخرة:
" كورنفليكس وبيض وشرائح الخبز والمربى وقهوة , هل هذا يعجبك؟".
نظرت الى الصينية ثم الى بولت وأحمر خدها قليلا ثم قالت بصراحة:
" عظيم- أنني أموت من الجوع!".
قال بولت بلهجة جافة :
" السيد لايول كان يظن ذلك".
أطبقت شفتا هيلين :
" أوه... هو يظن ذلك؟".
وتنهد بول ثم قال:
" الآن هل ستطلبين مني أن آخذ كل شيء ثانية؟".
ترددت هيلين ثم قالت بتمرد:
" ليتني أفعل....".
" هل ستقطعين أنفك لتغيظي وجهك؟ السيد لايول لن يهمه أذا جوّعت نفسك".
وهزت كتفيها قائلة:
" أعلم ذلك".
" أذن لا تكوني عنيدة , تناولي أفطارك وسأحضر لآخذ الصينية فيما بعد".
نظرت هيلين الى الخادم الضخم بشك:
" الى منى يريد...".
ورفضت أن تنطق اسم السيد لايول :
" الى متى ينوي أبقائي هنا؟".
سار بولت نحو الباب وقال ناصحا وهو يخرج:
" تناولي أفطارك يا آنسة".
بعد أن أغلق الباب نظرت هيلين بعجز نحو النوافذ , لماذا أفترضت أن بولت يتعاطف معها؟ كان يجب أن تعرف أنه لا فائدة من كسب ثقته.
وفي أي حال فأن رائحة الطعام في هذه اللحظة كانت أقوى من أن تقاوم , رفعت الأغطية وأندفعت تأكل بنهم , كان أفطارها المعتاد , الخبز المقدد والقهوة , لكنها اليوم أكلت كل ما أحضره بولت وكانت القهوة جيدة فشعرت بالشبع الطيب , بعد أن أنتهت من طعامها قامت وذهبت مرة أخرى الى النافذة , ما المفروض أن تفعل الآن؟ قال بولت أنه سيحضر ليأخذ الصينية فهل هذا يعني أنها يجب أن تبقى في غرفتها؟ كان كل كيانها يتمرد على هذه الفكرة , وبرغم كل الجوانب السيئة في وضعها فأن الصباح كان جميلا , وكانت تتمنى أن تخرج في الهواء الطلق ... فكرت في الفندق الصغير في باونيس الذي كانت تنوي الذهاب اليه , كانت تنوي أن تقضي أيامها في التنزه وقيادة السيارة وتتمتع بالتحرر غير العادي من سيطرة والدها المتزايدة, لكنها الآن تبدو في وضع أسوأوقيود أشد كثيرا مما يمكن أن يتصور والدها.
وجعلها تفكيرها في والدها تتساءل أذا كان قد أستلم الكلمة التي كتبتها له , لقد وضعتها في صندوق البريد في لندن اليوم السابق وهي في طريقها الى الشمال , لم تكن تريد أي أختام بريدية تبين وجهتها , أما الآن فهي تتمنى لو لم تكن قد أخفت آثارها بكل هذه الدقة.
لن يحلم أحد بالبحث عنها هنا , وحتى لو فكروا فكيف سيجدونها ؟ أذا كان دومينيك لايول قد عاش هنا في عزلة السنوات الفائتة فأن أحدا لن يفكر في تعكير عزلته الآن ,وفي الواقع أنها تشك أن أحدا يعلم بوجوده أصلا...
وقطبت جبينها لكن لا بد أن أحدا يعلم بوجوده , لا بد أن هناك من يمدهم بالطعام ,وماذا عن البريد؟ أرتفعت روحها المعنوية قليلا , أذا كانوا سيبقونها هنا فلا بد أنهم سيحتاجون لمؤن أكثر وسيلاحظ من يمولهم بمواد البقالة ذلك.
تنهدت , ولكن بولت يستطيع أن يقول أن لديهم ضيفا ولن يشك أحد في كلامه , أن فرصتها الوحيدة في هذا الأتجاه تبدو في حضور أحد الى المنزل , ساعي البريد على سبيل المثال.


وأخذت تفكر في طرق تلفت النظر اليها , رافضة أن تفقد الأمل , كانت ذكية بما فيه الكفاية لتعرف أن دومينيك لايول لن يسمح لأحد أن يراها , لذلك كان يجب عليها أن تبحث عن المساعدة بطريق آخر , يمكنها مثلا أن تكتب ورقة وتلقيها من النافذة العليا .... لا .... ستختفي تحت الثلوج أو سيطيرها الهواء , وقد تكون هذه فكرة جيدة ..... لكن شعورا باليأس ملأ نفسها فأي عنوان يمكن أن تكتبه؟ أنها لا تعرف أين هي ولا أين يوجد هذا المنزل؟ تفكيرها لا يسفر عن نتيجة , أنها لا تستطيع حتى أن تتذكر أسم القرية التي سألت فيها عن أتجاهها اليوم السابق.
عاودها الأمل مرة أخرى , نعم الناس في تلك القرية , مدير مكتب البريد قد يتذكر سيدة صغيرة غريبة تسأل عن الطريق , بالتأكيد لا يأتي غرباء كثيرون الى هذه المنطقة في هذا الوقت من السنة , نعم أنها متأكدة أنه لو سئل سيتذكر وسيدلهم على الأتجاه الذي ذهبت فيه.
وتقلصت يداها في جيبيها , أنها تبحث عن ذرة أمل في موقف يائس ,ولكنها لا تخدع أحدا ,كل شيء متوقف على بحث والدها عنها , وقد قرر أن ينتظر ليرى الى متى ستتغيب عن المنزل ولكن أذا بحث عنها وأستنفد الأماكن التي قد يتصور أن يجدها فيها , ثم فجأة تذكر الأجازة التي قضياها في منطقة البحيرات وأتجه شمالا ووجد القرية التي سألت فيها...
وسمعت طرقة على الباب مرة ثانية:
ط نعم؟".
فتح بولت الباب وأطل برأسه:
" هل أنتهيت؟".
هزت هيلين رأسها وأشارت الى الصينية :
" نعم أشكرك كان الطعام لذيذا – وقد أكلته بنهم".
وضحك بولت:
" هذا حسن , كل شيء يبدو أكثر أشراقا عندما تكون المعدة مليئة".
" هل تظن ذلك؟".
وفتح بولت الباب ودخل:
" بلا شك- هل ستنزلين الى الطابق الأرضي؟".
" هل مسموح لي بذلك؟".
" يمكنك أن تفعلي ما تريدين يا آنسة".
" هل هذا صحيح؟ أين... أين مخدومك؟".
ورفع بولت الصينية :
" أنه في المكتبة يا آنسة- يستحسن عدم أقلاقه".
ونظرت الى أعلى :
" هل تصورت أنني قد أقلقه؟".
وهز بولت كتفيه ثم نظر الى حقائبها غير المنظمة ثم قال:
" سأتولى أمر أغراضك فيما بعد عندما أرتب السرير".
" لا... لا ... تتعب نفسك".
" أن ذلك لا يتعبني يا آنسة".
" أستطيع أنا أن أرتبها".
لم يرد بولت على ذلك وسار نحو الباب .
" أنه يوم جميل- ألا تحبين الخروج؟".
وحملقت فيه هيلين:
" في الخارج ؟ ماذا يقول الرجل في ذلك , قد أهرب....".
كان تعبير بولت ساخرا:
" لا أنصحك بالمحاولة يا آنسة , أن شيبا مدربة على أصطياد الغزلان ولا أحب أن أراك فريسة لها".
صاحت هيلين رغما عنها:
" أذن من حسن حظي أنك لم تكن معنا بالأمس".
قالت وهي تقشعر عند تذكرها لحوادث الأمس المخيف.
" نعم , لقد سمعت يا آنسة".
قالها بولت وهو ينصرف بأيماءة خفيفة برأسه.
ونظرت هيلين حول الغرفة ثم تبعته على السلالم العريضة الى البهو المشمس في الطابق السفلي , ودخل بولت من باب مغطى بالمخمل الأخضر خلف السلالم فدخلت بدون تفكير وراءه.
ووجدت نفسها في مطبخ فسيح, الأرض مغطاة بالخشب تلمع من كثرة تنظيفها , وبرغم أن المطبخ كان قد تم تجديده بألواح صلب وبحوض من الصلب ألا أن الفرن الضخم الذي كان آداة الطبخ الوحيدة فيما مضى بقي كما هو ., كذلك المدفأة من الرصاص الأسود , والنار تزأر فيها , وكان هناك باب مفتوح يؤدي الى المخزن.
ووضع بولت الصينية على لوح التصفية وبدأ يضع الأطباق المستعملة في الحوض , ونظر الى هيلين وهو يبتسم قائلا:
" لا بد أنك تظنين أن هذا العمل غير معتاد بالنسبة الى الرجل , أليس كذلك؟".
هزت هيلين كتفيها بلا تحديد , وذهبت ناحية المنضدة الخشبية النظيفة التي تتوسط المطبخ , ثم قالت بصراحة:
" لا أظن أنه عمل غريب بالنسبة الى رجل هذه الأيام , ولكنني أعترف أنك لا تبدو الشخص المناسب لهذا العمل".
وضحك بولت قائلا:
" لا... لا أظن أنني كذلك".
ونظرت اليه هيلين:
" ولكن هذا لم يكن عملا دائما.... أقصد أن هذا ليس عملك الوحيد, أليس كذلك؟".
" أنه الآن".
وقال بولت وهو يغمس يديه في صابون الحوض:
" ولكن أظن يمكنك أن تعتبريني صاحب سبع مهن , ففي ابدابة كنت في الجيش وألتحقت به وأنا ما زلت صبيا , ثم عندما تركت الخدمة عملت مصارعا لفترة ,ولكن هذا العمل كان مملا ولم يعجبني , ثم أصبحت ميكانيكي سيارات ".
ثم توقف لحظة وأستطرد:
" والآن أنا مدبر منزل".
وتجرأت هيلين وقالت:
" أنك تحب مخدومك كثيرا... أليس كذلك؟".
قال بهدوء وتأكيد:
"أنه رجل عظيم ".
قالت هيلين:
" نعم . .... ولكن أعذرني أذا أحتفظت بحكمي لنفسي- وهل تعرفه من مدة طويلة؟".
" من حوالي عشرين سنة".
" ولكنك لم تعمل لديه كل هذه المدة؟".
" لديه أو من أجله هذا لا يهم , كان والده هو الضابط الذي أعمل تحت أمرته في الجيش".
" آه.... فهمت".
زذهبت هيلين نحو الحوض , كانت النوافذ العريضة تطل على فناء خلف المنزل وعلى جانبيه بعض السقائف والمباني البسيطة.


وقالت وهي تحاول أن تجعل سؤالها يبدو عاديا:
" أخبرني ... كيف تحضرون المؤن , الأشياء الطازجة مثل اللبن والبيض , وماذا عن الرسائل؟".
" بالنسبة الى الرسائل فأننا نحضرها من صندوق بريد خاص بنا".
هكذا أجاب بولت بهدوء محطما كل آمالها في هذا الأتجاه.
" ولدينا بقرتان وبعض الدجاج ... وفي الصيف تزرع خضرنا وفاكهتنا ونجلدها لنستعملها فيما بعد , لدينا أكتفاء ذاتي , وحنى خبزنا فأنا أقوم بخبزه , لكن لماذا تسألين؟".
" الآنسة جيمس تبحث عن طرق لتتغلب بها علينا يا بولت".
هكذا علق صوت متكاسل ساخر من خلفهما , وأستدارت هيلين فوجدت دومينيك لايول يستند بلا مبالاة على الباب , كان قد عاد الى ملابسه السوداء ,وبرغم لون شعره الفاتح كان مظهره شيطانيا لدرجة مقلقة , وأحنى رأسه بأدب نحو هيلين وأستطرد قائلا:
" صباح الخير يا آنسة جيمس , أظن أنك نمت جيدا , أخبرني بولت أنك كنت مستعدة لتناول أفطارك , هل أستمتعت به؟".
كانت هيلين تتمنى لو أستطاعت أن تقول له أنها لم تذق طعامه ولكن هذا كان مستحيلا بالطبع , وبدلا من ذلك حاولت أن تتخذ موقفا متحديا.
" ماذا تظن أن والدي سيفعل بالضبط , عندما يكتشف بعد حين أنك أستبقتني هنا رغما عني؟".
أعتدل دومينيك وقال:
" أتصور أن هذا سيخلق متاعب لك".
صرخت هيلين بدهشة وأستنكار:
" لي- أنا ! تقصد لك!".
" لماذا يخلق لي متاعب؟ لن أكون موجودا هنا بل أنت".
تحمست هيلين قائلة:
" هل تظن أنه سيترك الموضوع هكذا ببساطة؟ أنه سيجدك أينما كنت".
قال دو**** بسخرية:
" حقا؟ أعذرني أذا كنت أشك بقدرات في مجال البحث والتحري , أذا كان وسط الصحافة بأكمله لم يستطع أكتشاف مكاني منذ عدة سنوات , فلا يمكن أن أشعر بقلق كبير بخصوص جهود والدك".
" يستطيع أن يعطي القصة للصحافة! ويستطيع أن يستأجر أي عدد من المخبرين".
" هل يستطيع ذلك؟".
وقال مفكرا:
" هذا جدير بالأهتمام ,وخاصة أنه يصدر من أنسانة كانت بالأمس فقط تحاول أن تؤكد لي أنني أذا تركتها تذهب فلن تخبر أحدا بمكاني".
أندفع الدم في وجنتيها وردت قائلة:
" كنت أعني ما أقول؟".
" حقا؟ ولكنك الآن غيرت رأيك".
" نعم ... لا ,.... أقصد...".
وبحثت عن الكلمات .
" أحاول فقط أن أبين لك أنك أذا وقفت في طريق والدي فستدفع الثمن".
وهزت هيلين رأسها بعجز:
" لا توقعني في الكلام , أذا تركتني أذهب سأنسى أنك هنا ... أما أذا لم تفعل .... فأنا لست مسؤولة عن النتائج".
ولوى دومينيك شفتيه :
" نعم... هذا طريف جدا , بالتأكيد".
ثم نظر الى بولت قائلا:
" هل تظن أننا نستطيع أن نشرب القهوة ,أود أن أستريح قليلا".
ووافق بولت قائلا:
" بالطبع".
وجرت هيلين قدميها وهي تشعر كطفلة متعبة.
نظر دومينيك الى وجهها العابس وأقترح بهدوء:
" هل تشربين القهوة معي؟".
حملقت فيه وردت بوقاحة:
" لست عطشى!".
" كما تشائين ".
هز دومينيك كتفيه وخرج وترك الباب ينغلق وراءه , وعندما خرج تمنت هيلين لو لم تكن قد تصرفت بهذا التعجل , فرصتها الوحيدة في الهرب تكمن في محاولة أقناعه بتغيير رأيه وطالما أنها تتصرف كتلميذة صغيرة مددلة فلن تتمكن من الوصول الى هدفها.
وجلست بضيق على طرف أحد الكراسي الخشبية أمام المنضدة النظيفة وأخذت تراقب بولت وهو يعد القهوة ويضع فنجانا وحليبا وسكرا على صينية من الفضة


وأتجهت نظرة بولت اليها مرة , ثم كأنه شعر بالشفقة عليها قال:
" هل تريدين تقديمها؟".
نظرت اليه قائلة:
" ماذا تعني؟".
" تعرفين ما أعني , صينية القهوة هل تريدين أخذها للسيد لايول؟".
هزت كتفيها ثم قالت بضيق:
"أن أردت".
نظر بولت الى وجهها المكفهر وقال:
" هل تريدين نصيحة مني؟".
فقطبت جبينها :
" أي نوع من النصيحة؟".
" لا تكثري من التهديدات , السيد لايول ليس ذلك الصنف من الرجال الذي يتقبل هذا الموقف ببساطة".
" آه.... حقا؟".
ورفضت هيلين أقتراحه بأن السد لايول يجب أن يطاع دائما .
" وماذا تريدني أن أفعل؟ هل أجلس وأنتظر حتى يقرر أن يتركني أذهب؟".
" قد يكون هذا أفضل شيء تفعلينه ".
" لا بد أنك تمزح".
وهز بولت كتفيه العريضتين:
" لا تقللي من شأنه يا آنسة جيمس , لا تظني خطأ أن أصابته تنقص من رجولته".
أحمر خداها وقامت واقفة:
" لا أفهم ماذا تعني؟".
" أعتقد أنك تفهمين".
وقال وهو يصب القهوة :
" أن كونه يقضل العيش هنا بمفرده لا يعني أنه لا يشعر بالأحتياجات الطبيعية لأي رجل !".
أحكمت قبضتها وقالت بغبط:
" كنت أظن أنك تستطيع أن تسد جميع أحتياجاته يا بولت!".
نظر اليها بولت نظرة طويلة متفحصة:
" لا يا آنسة جيمس , أن السد لايول ليس ذلك النوع من الرجال".
لم تعرف هيلين أين تخفي وجهها , لم تتصرف بهذه الطريقة السيئة من قبل , وكون بولت الذي عاملها بمنتهى الطيبة والعطف كان هو الذي حمل ثورتها وسوء أدبها تشعر بالخجل الشديد.
وصاحت وهي تضغط يديها على خديها الملتهبين :
" أنني آسفة , أنه خطأ لا يغتفر".
وضع بولت الغطاء على أبريق القهوة ودفع الصينية أمامها عبر المنضدة وقال برقة:
" أعصابك مشدودة , أرجو أن تهدئي نفسك , لا شيء من السوء بالدرجة التي تتوقعها , والآن هل ستدخلين القهوة للسيد لايول؟ ستجدينه في غرفة الجلوس وقد وضعت قدحين من باب الأحتياط".
سقطت يداها الى جانبيها وأبتسمت قليلا:
" أنك لا تستسلم أبدا , أليس كذلك؟".
" لنقل أنني متفائل بطبعي , هل تعرفين من أي باب تدخلين؟".
هزت رأسها بالأيجاب:
" أظن ذلك".
ألتقطت الصينية وسارت الى باب المطبخ ثم أستدارت قائلة:
"أشكرك يا بولت".
" أنه جزء من عملي".
عندما فتحت هيلين باب غرفة المعيشة وجدت دومينيك لايول مستلقيا على الأريكة وعيناه مغلقتان , ولكنه فتحهما عند دخولها وعندما رأى أنها هي التي تحمل صينية القهوة أنزل ساقيه الى الأرض وحاول القيام , ولكن وجهه تقلص من المعاناة وسقط مرة أخرى على الأريكة ويده تضغط على جبهته من الألم.
وحبست هيلين أنفاسها ثم وضعت الصينية وأسرعت اليه قائلة بقلق:
" هل أنت بخير؟".
سقطت يده الى جانبه وأطبق فكه بمرارة وهو ينظر اليها ثم قال بتجهم:
" نعم... أنني على خير ما يرام – أشكرك".
وقفت هيلين بتردد تحدق فيه وتفرك يديها بقلق – كان يبدو شاحبا ومتعبا وتمنت لو أستطاعت أن تفعل شيئا من أجله – أن رؤيتها له في هذه الحال لم تخفف بأي شكل من ضيقها برغم أعتقادها أن ذلك كان المفروض أن يكون شعورها- أنهما عدوان برغم كل شيء وكان المتوقع أن تشعر بالسعادة لأن القدر يقتص منه بطرق أخرى , ولكن هذا لم يكن شعورها , كل ما شعرت به هو أحسا مقلق بالعطف عليه ووعي متزايد بأنجابها اليه .
صاح بخشونة:
" بحق الله لا تحملقي فيّ هكذا كأنك لم تري مثل هذه البشاعة من قبل؟ أنني أعاني من الصداع النصفي- هل تفهمين؟ صمن أشياء أخرى!".
ولوى شفتيه .... ثم تحركت هيلين بقلق تحت نظراته الصفراء مع أنها رأت أنساني عينيه يصبحان كالزجا وحبات العرق تنضح على جبهته بعد المجهود الذي قام به في محاولة القيام.
وقالت محاولة مسادته :
" هل هناك شيء أستطيع عمله؟".
نظر اليها بأحتقار ثم سألها:
" ماذا تقترحين؟ رصاصة في رأسي أم طعنة؟".
أجابت بسرعة وهي تنظر بعجز حول الغرفة:
"لا هذا ولا ذاك- هل لديك دواء تتناوله؟ أأستدعي بولت؟".
وافق أخيرا وهو يغلق عينيه:
" لديّ أقراص".
" أين هي؟".
" لست مضطرة لأن تساعديني – بولت يمكنه أحضرها".
صاحت فيه :
" بحق السماء- سأحضرها- أنني أريد ذلك- فقط أخبرني أين هي".
وفتح عينيه قليلا وهو يسند رأسه على الوسائد- للحظة نظر اليها من خلال رموشه الكثيفة , كانت تجربة مقلقة- جعلت أطرافها تتخاذل والدم يجري بسرعة في عروقها.
ثم أغلق عينيه مرة أخرى وقال:
" أنها في زجاجة في الدرج العلوي لمكتبي".
تحركت هيلين ثم توقفت بتردد : أين مكتبه؟ هل كان يعني ذلك المكتب في ركن الغرفة , المكتب الذي رأت صورة الحادث فوقه؟ عندما بدأت تسير نحوه قال بتعب:
" مكتبي في غرفة المكتب".
" غرفة المكتب!".
ترددت هيلين أين غرفة المكتب؟ فتحت فمها لكنها صمتت , لا بد أنها تفتح على الصالة وقد أصبحت تعرف أغلب الأبواب المطلة على الصالة.


خرجت بسرعة من الغرفة سعيدة لأن الفهدة لم تكن موجودة ثم نظرت حولها , ولاحظت بسرور أنه لم يكن هناك سوى باب واحد عدا الأبواب المعروفة لديها , أدارت المقبض ونظرت الى الداخل , هناك مكتب ضخم من خشب الماهوغني , عليه كثير من الأوراق والكتب , وعلى أحد جوانبه آلة كاتبة , لكن المكتب لم يكن هو الذي أستحوذ أهتمامها ,بل فوق أفريز الشباك – مخبأة تقريبا بالستائر الحمرار الثقيلة – ألة تليفون!
وكان أول رد فعل لها هو أن ترفع السماعة وتستغيث ولكن الأحداث الأخيرة علمتها أن تكون أكثر حذرا , أذ لو تأخرت ولو قليلا لأجراء مكالمة تلفونية فأن دومينيك لايول سيشك فيها وأذا حضر وراءها ... كما أن بولت لا بد سيحضر ليأخذ الصينية فأذا علما أنها تنبهت لوجود التلفون لن يكون لديها الفرصة لأستعماله ولكن أذا أظهرت أنها لم تره...
أبعدت عينيها عن تلك الصلة المغرية بالعالم الخارجي , ثم ذهبت الى المكتب وجلست على الكرسي الجلدي البني خلفه , لا عجب أذن أنه لم يكن يريدها أن تحضر له الأقرا , ولكن من الواضح أن حاجته الشديدة تغلبت على حسن تقديره , وتذكرت وجهه الذي مزقه الألم ففتحت درج المكتب الأعلى على الجانب الأيمن , وبرغم أن مشاعرها كانت ثائرة ضده لموقفه منها لم تستطع تجاهل آلامه.
ونظرة سريعة الى الدرجالذي فتحته أكدت لها عدم وجود زجاجة الأقراص فيه أغلقته ثانية ثم فتحت الدرج الأيسر فوجدته مليئا بالملفات ولكن في أقصى الداخل وجدت ما كانت تبحث عنه , زجاجة بنية فيها أقراص بيضاء.
ونظرت بدون فهم الى الأوراق المكومة على المكتب ثم أغلقت الدرج وقامت لتذهب ,عندما وصلت الى الباب كان بولت خارجا من المطبخ , تخاذلت ركبتاها عندما فكرت أنها لو أستعملت التلفون لضبطها بولت , وقطب جبينه عندما رآها تغلق باب غرفة المكتب وقال:
"هل تبحثين عن شيء يا آنسة؟".
أحمر خداها وبدا عليها الشعور بالذنب , ورفعت يدها بالزجاجة وقالت وهي تشير ناحية غرفة الجلوس متظاهرة بالثبات:
" مخدومك مصاب بصداع نصفي وقد أحضرت له الدواء".
قال بولت وقد بدا عليه الأهتمام:
" آه ... سأحضر بعض الماء".
تحرك كتفاها رغما عنها وقالت برعشة :
" أذا أردت".
وعاد بولت الى المطخ ودخلت هي غرفة الجلوس , كان دومينيك لايول ما زال مستلقيا على الأريكة وعيناه مغلقتان , أجبرت نفسها أن تتذكر أن هذا هو الرجل الذي يبقيها هنا رغما عنها.
وسارت نحو الأريكة ونظرت اليه قائلة بهدوء:
" هل هي الأقراص , بولت سيحضر لك بعض الماء".
وفتح عينيه التعبتين , وقال وهو يرفع نفسه ويأخذ الرزجاجة:
" أشكرك, أنها غلطتي لقد أجهدت نفسي في العمل".
وقطبت هيلين وهي تراقبه يفتح الزجاجة ويخرج منها قرصين.
" في العمل؟"
ونظر الى أعلى ورد:
" نعم – في العمل – هل ظننت أنني أقضي وقتي بالتكاسل؟"".
وهزت كتفيها وسارت بعيدا عن الأريكة , كانت نظراته تتغلغل فيها من ههذه المسافة القريبة حتى وهو في حالة ضعفه.
وأجابت غير صادقة:
" أنا.... لم أفكر في الأمر".
وأنفتح الباب ودخل بولت وهو يحمل أبريقا وكوبا , وسار على الفور الى الأريكة ونظر الى دومينيك برقة ونفاذ صبر .
قال وهو يصب له بعض الماء:
" خذ هذا وأظن أنك يجب أن تستريح في الفراش".
ألقى دومينيك الأقراص في فمه ثم أبتلعها ببعض الماء وأعاد الكوب لبولت قائلا بجفاف وهو يمسح فمه بظهر يده:
ط لا أظن ذلك".
ونظر اليه بولت بلؤم :
" أنت تعرف أنك يجب أن تذهب الى الفراش".
ونظر دومينيك بسخرية في أتجاه هيلين وقال:
" ماذا تقول؟ وأترك ضيفتنا تتناول القهوة بمفردها؟".
وشهقت هيلين بسخط ولكن بولت هز رأسه قبل أن تقول شيئا وقال بحزم:
" أذن بعد القهوة".
ولكن دومينيك أغلق عينيه مرة أخرى كأن مجرد فتحهما يتعبه ثم قال بتسليم:
" حسنا- سأخبرك".


وتنهد بولت وبسط يديه نحو هيلين في حركة عاجزة , أحست بشعور سخيف من التحالف مع بولت في قلقهما المشترك على الرجل , وقال دومينيك فجأة وبعنف كأنه على علم تام بالعلاقات الصامتة بينهما:
" بحق السماء- كفا عن هذه الأشارات التي تخفيانها عني".
وسار بولت فجأة نحو الباب وهو يقول:
" سأحضر بعد خمس عشرة دقيقة".
بعد أنصرافه وقفت هيلين في مكانها تتساءل :
" لماذا لم تذهب هي أيضا ".
فمن الجائز أنه سيذهب الى فراشه لأن هذا في النهاية هو أضمن علاج للصداع , مجرد التفكير فيه في قراشه جعل السخونة تسري في جسمها , كان ضعفه المؤقت مغريا بشكل خطير , وأجبرت نفسها أن تتذكر أنه كالحيوان المفترس الذي يحتفظ به ويدللفهو بلا رحمة , ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته , ومع ذلك كان قميصه مفتوحا حول رقبته , وكانت ترى بدايات الشعر الذي ينمو أسفل عنقه ,وشعرت برغبة قوية في أن تلمسه , وودت لو أستطاعت أن تدلك جانبي رأسه بأطراف أصابعها وترى عضلاته تسترخي تحت يديها.
وفتح عينيه فجأة فوجد عينيها عليه , قال آمرا:
"أجلسي- أنني أستطيع أن أتحمل , لن يغمى علي أو أي شيء سخيف من هذا القبيل".
وأخفت جفونها نظرتها المكشوفة وأنتقلت بصعوبة الى الكرسي الذي يواجه المدفأة وجلست على حافته وهي تدفىء يديها , وفكرت أنه من الأفضل أن تستعمل التلفون بمجرد أن تستطيع ذلك , أذ بدأت تهتم بدومينيم لايول أكثر من اللازم.
وعندما تذكرت التلفون أخذت تفكر في الوقت المناسب لأستعماله , الوقت المضمون يبدو بعد ذهابه للنوم هذه الليلة ألا أن العائق الوحيد قد يكون أنطلاق شيبا في ذلك الوقت.
أيقظها صوته الهادىء من أفكارها فجفلت بعنف:
" ماذا ؟ آه.... أذا أردتني أن أفعل".
وأستدارت ناحية المنضدة المنخفضة ووضعت الأقداح في أطباقها بقرقعة عالية , أنعشتها رائحة القهوة ولكن يديها كانتا ترتعشان وهي تحمل الأبريق.
" حليب وسكر؟".
" لا- كما هي".
أجاب وهو يعتدل في جلسته ليتناول القدح الذي قدمته له.
" أشكرك".
وصبت القهوة لنفسها ووضعت السكر وأخذت تقلبه بشدة.
وسألها فجأة :
" لماذا غيرت رأيك؟".
" غيرت رأيي ؟ عن أي شيء؟".
وللحظة أختلط عليها الأمر .
" بالنسبة لشرب القهوة معي".
" آه.... فهمت".
قالت وهي تتنفس برعشة وهو ت كتفيها:
" كان يبدو من غير المجدي أن أدع أي فرصة لأقناعك بتغيير رأيك".
وضاقت عيناه:
" هل تعنين أنك تستطيعين ذلك؟".
وضعت قدحها الفارغ بحركات مضطربة:
" لا أعلم".
" ولكن ليس لديك مانع من المحاولة ؟".
تنهدت :
" قد آمل أن أحتكم لشعورك بالشرف".
" الشرف؟".
وهز رأسه :
" هذا مفهوم أنقضى زمنه , وكيف تنوين أن تفعلي ذلك , بأن تجعليني أشعر بالأمتنان نحوك؟".
" لا أفهم ماذا تقصد".
" أظن أنك تفهمين أن أهتمامك من لحظات كان يبدو حقيقيا".
كانت هيلين تتفادى عينيه ولكنها الآن نظرت اليه مباشرة:
" يا له من تفكير كريه!".
هز كتفيه:
"أنك تجيدين التمثيل , أنا أشهد لك بذلك ,ولكن من الأفضل أن أخبرك أنني لا أنخدع بسهولة ,ولا أحب أن تضعي نفسك في موقف قد تجدين الخروج منه أصعب من الموقف الأول".
سألت بعدم ثبات:
" وما معنى ذلك؟".
كانت عيناه مغلقتين تقريبا:
"ببساطة لا حاجة بك الى محاولة أغرائي وأستعمال حيلك معي على أمل أن أضعف من ناحيتك".
وهبت واقفة:
" أنك .... أنك تشبع غرورك!".
" لا , أنا لا أفعل".
وقال بجفاف:
" لهذا أنا أحذرك ... أنه أقل خدمة أستطيع تقديمها بعد أهتمامك بي".
كانت سخريته واضحة فأطبقت قبضتيها , كانت ستفشي معرفتها بوجود التلفون في حجرة المكتب وأنها على الأقل ليست كاذبة مثله , ولكنها ظلت صامتة , وما آلمها بشكل خاص أنه شعر بأنجذابها اليه وفسر ذلك تفسيرا خاطئا ,تصور أنها تفكر في أستغلال شبابها وجمالها لتغريه وتثنيه عن هدفه , لكن هذا كان أبعد شيء عن الحقيقة , ففي الواقع مجرد كون هذا الرجل المتجهم القاسي بجسمه المشوه أستطاع أن يحرك أشواقها ورغباتها الدفينة جعلها تشعر بالأشمئزاز من نفسها , أنها لا تريد أن تنجذب الى دومينيك لايول , لا تريد أن تشعر بالأرتباط بشخصيته المقلقة , وعلى الأخص لا تريد أن تفكر في التنفيذ الحسي لهذا الأنجذاب الذي قد يثيره الشعور بيديه القويتين وجسمه النحيل.
قالت وهي ترتعش :
" أظن أنك كريه.... أنك فاسد.... سمحت للتشويه الذي في جسمك أن يشوه روحك!".
فتح عينيه على آخرهما فكانتا قاسيتين كالحجر , ثم قال بخشونة :
" نعم- هذا صحيح ومن الأفضل لك أن تتذكري ذلك دائما!".
نظرت اليه هيلين نظرة أخيرة ثم أتجهت الى الباب , كانت تشعر برغبة في القيء وبصداع في رأسها , للحظة بدا أنسانا , وقد أستجابت بغباء لتلك الشخصية الرقيقة.

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:29 PM



4- يوم أبيض

قضت هيلين بقية اليوم في غرفتها على غير رغبتها , قامت بأفراغ بقية حاجياتها من الحقائب , ووضعتها في أدراج التسريحة وخزانة الملابس الضخم , وكانت تحاول أن تقول لنفسها أنه لا داعي لذلك لأنها ستترك هذا المنزل قريبا ألا أن هذا لم يكن يبدو حقيقيا.
في الساعة الواحدة حضر اليها بولت ليخبرها أن الغداء حاضر , وعندما نزلت بعد بضع دقائق فتح باب المطبخ وقال:
" أرجو ألا يضايقك هذا ولكني جهزت الغداء هنا لأن السيد بولت لن يأكل , ففكرت أنك قد تفضلين الأكل معي".
تبعته هيلين الى المطبخ وكتفاها محنيتان بأكتئاب :
"
" طبعا- وأن كنت لست جائعة كثيرا أنا أيضا"
ولم يرد بولت بل أجلسها أمام المنضدة الخشبية وبدأ يضع أمامها أطباق الخضر , وأيا كان الطعام الذي أعدّه كانت رائحته جميلة مما فتح شهيتها .
وقالت بعد أن أنتهيا من الطعام وأخذ يصب لهما قدحا ثانيا من القهوة :
" كان الطعام لذيذا يا بولت , ستجعلني أزداد وزنا أذا لم أكن حريصة".
ضحك بولت وقال وهو ينظر الى جسمها النحيف:
"أشك في ذلك كثيرا كما أنه لن يضرك أن تسمني بعض الشيء".
أبتسمت هيلين وشعرت بالأسترخاء الكامل لأول مرة منذ أن أستيقظت هذا الصباح , برلت رفيق هادىء ليست له متطلبات مثل سيده.
وعلى ذكر دومينيك لايول ذذهب عنها سرروها , يجب ألا تنسى أبدا أنها هنا بالرغم منها ومهما كان سجّانها ظيفا فهو سجان.
قالت وهي تعبث بملعقتها في الطبق :
"هل ذهب مخدومك للنوم؟".
هز بولت رأسه بالأيجاب:
" نعم منذ أكثر من ساعة".
كان يجب أن تكتفي بهذا ولكنها لم تستطع , سألت بطريقة عرضية:
" ما العمل الذي يقوم به؟".
نظر بولت في قدحه وقال:
" أنه يؤلف كتابا يا آنسة".
أثار هذا أهتمام هيلين على الفور فردت:
" كتاب؟ أي نوع من الكتب؟".
قال بولت معتذرا:
" لا أظن أنني يجب أن أناقش أمور السيد لايول معك يا آنسة ,لماذا لا تسألينه هو؟".
تنهدت هيلين :
" فعلا ولماذا؟".
وضع بولت قدحه ثم قال:
" دعيني الآن أسألك سؤالا , ما الذي حدث بينكما هذا الصباح؟".
ركزت بصرها على بقايا القهوة في قدحه , ثم قالت بخشونة :
" لا شيء يذكر".
قطب بولت جبينه:
" ماذا قلت له؟".
" ماذا قلت له؟".
سألت هيلين بغيظ:
" لم أقل له شيا , فقد أحضرت له أقراصه اللعينة".
" أفهم من ذلك أنه لم يقدر هذه المجاملة؟".
" أن هذا تخفيف كبير لما حدث – أن مخدومك رجل فظ".
قام بولت وبدأ يجمع الأطباق المستعملة وهو يقول:
" يجب أن تفهمي...".
ولكنها قاطعته بحدة:
" لماذا يجب أن أفهم أنا أي شيء؟ لماذا لا يحاول هو أن يفهمني – كيف أشعر؟ أنا لم أطلب أن أحضر هنا , وبالتأكيد لا أريد أن أبقى هنا".
نظر اليها بولت بعطف وقال:
" أنا لا أحب أن أراك تتألمين".
قالت هيلين بغضب:
" أنا أتألم؟ لماذا تفترض أنني أتألم؟ أظن أنه وقح وقليل الأدب وأناني كيف يمكنه أن يؤذيني؟".
رفع بولت حاجبيه قائلا بغموض:
" أخبريني أنت".
حمل الصحون الى المجلى وبرغم أعتراضه أصرت هيلين على مساعدته في غسلها , وبعد أن أنتهيا ووضعا كل شيء في مكانه وأصبح المطبخ لامعا نظيفا مرة ثانية قال:
" السيد لايول سيبقى على الأرجح في فراشه طوال بعد الظهر , هل تريدين أن تأتي معي لرؤية الحيوانات الأخرى؟".
نظرت هيلين الى النافذة , كانت الشمس الساطعة قد أختفت جزئيا وبدا كأنما الثلج سيعود للسقوط مرة أخرى ,ولكن أغراء الخروج في الهواء الطلق كان لا يقاوم , فقالت ببساطة:
" أنا أحب ذلك جدا".
وبدا عليه السرور :
" هل لديك حذاء عال ضد الماء وملابس ثقيلة؟".
" نعم,كنت أتوقع أن أقوم برياضة المشي".
وأبتسمت أبتسامة ساخرة مستهزئة بنفسها:
" وأذا جف معطفي ...".
" بالطبع, أنه في غرفة الملابس , علقته هناك هذا الصباح".
سارت هيلين الى الباب بحماس قائلة:
" أعطني خمس دقائق فقط وسأكون مستعدة".


وهرعت صاعدة السلالم الى غرفتها وهي تتساءل أذا كانت تستطيع أنتهاز هذه الفرصة لتستعمل التلفون ,كان بولت مشغولا في المطبخ بستعد للخروج ودومينيك لايول في الفراش , لكن لا , أن فكرة أفساد العلاقة بينها وبين الخادم الضخم لم ترق لها , وهي لا تود أن يضبطها في ظروف سخيفة , فلتترك ذلك الى المساء , خاصة أن أحدا لن يخرج , نزلت مرة أخرى وقد أدخلت ساقي بنطلونها الجينز في حذائها المطاطي اعالي ولبست كنزة أضافية , ثم أستعادت معطفها الأحمر من غرفة الملابس في الصالة وحمدت الله أنه لم يتأثر من الماء الذي بلله ثم جمعت شعرها داخل قلنسوته وذهبت لتبحث عن بولت.
وكان الجو بعد ظهر ذلك اليوم جميلا , وذكرها بطفولتها , فمنذ أنتقالهم الى لندن بات الشتاء فترات باردة مريعة حيث تمتلىء الأرصفة بوحل قذر وتصبح السيارات أماكن دافئة تنقلك من مبنى مدفأ الى آخر.... حان الوقت للتخطيط لقضاء عطلات الشتاء في أماكن مثل جامايكا وباربادوس حيث الشمس ساطعة دائما لتبعد كآبة الشتاء ,ولكن الأمر مختلف هنا ,كان الثلج أبيض والهواء منعشا ولم تكن تشعر بالبرد على الأطلاق فهي شابة وصحتها جيدة وقد فرغت للتو من وجبة لذيذة وكان كل جسمها يفيض بالصحة والسرور.
كان بولت يعنى بالأبقار في الحظيرة فنظف المكان وقدم لها التبن الطازج ,وهيلن التي كانت تخشى الأبقار , بذلت ما أستطاعت من مساعدة , لكنها كانت تفضل حظيرة الدجاج حيث كانت تجمع البيض الطازج.
ورأت زحافة مسنودة الى الجدار فأشارت اليها سائلة بولت , فأوضح لها أنه كان يستعملها أحيانا في نقل طعام الحيوانات ثم قال:
"وجدتها في سقيفة قديمة , عندما أتينا ومن المحتمل أنها ملك لبعض الأطفال الذين كان آباؤهم يأتون للزراعة".
لمعت عينا هيلين وسألت:
"هل يمكننا أن نستعملها؟".
أستغرب بولت :
" ماذا تعنين؟".
" ألا يوجد منحدر هنا يصلح لأن نستعملها عليه؟".
ضحك بولت قائلا:
" هل تقصدين أن نذهب للتزلج؟".
" نعم- هل نستطيع ؟ أرجوك".
كانت تستعطفه بكل سحرها .
نظر بولت متفحصا المكان حوله ثم قال:
" حسنا, هناك منحدر الى جانب المنزل , ولكنه ينتهي الى الجدول , والجدول مغطى بطبقة رقيقة من الثلج لا تتحمل ثقل أي شخص يجب تفاديه".
" سأكون حريصة , أنا أستطيع أن أوجه الزحافة أرجوك أن توافق".
أخيرا أستسلم بولت وسارا حول المبنى الى جانبه وكان الثلج هنا نقيا لم يلمسه أحد , وكانت هيلين سعيدة سعادة صبيانية بأن تسير فيه وتترك آثار أقدامها , كانت الزحافة كبيرة وتتسع لأثنين , ولكن في البداية أصر بولت أن يقف في أسفل التل بجانب الجدول لئلا يقع لها مكروه , ولكن عندما رأى أنها تستطيع أن تتحكم في الزحافة وافق أن ينضم اليها وأخذا يتزحلقان معا على المنحدر ضاحكين خاصة عندما أنقلبت الزحافة عند القاع وألقت بهما في الثلج , وكانت أصعب مرحلة هي الصعود الى أعلى التل مرة ثانية.
وعندما شعرت هيلين بألم في ساقيها , قرر بولت أن يكتفيا بهذا القدر ,وسارا عائدين الى المنزل في صداقة بريئة ,ولاحظت هيلين أنها لم تفكر مرة واحدة في الهرب خلال هذه الساعات التي قضياها في اللهو.
أخذت حماما قبل وجبة العشاء وبعد شيء من التردد لبست ثوبا طويلا من قماش الصوف الجرسيه الأزرق المشرب بالخضرة وطوله يظهر أستدارة جسمها , برغم أنها لم تكن تريد أن تعترف بذلك لكن رغبتها في أن تبدو بأحسن صورة كان سببها السخرية المهينة التي وجهها اليها دومينيك لايول من قبل , كانت تمنى أن يمتدح مظهرها فتجد الفرصة لأحراجه ورد أعتبارها وكرامتها , ولكن أملها لم يتحقق ,عندما دخلت غرفة الجلوس بعد قليل ووجدتها فارغة , وبينما وقفت وسط الغرفة لا تدري ما تفعل , دخل بولت وقال بأعتذار:
" السيد لايول لن ينزل الى العشاء , وسأحضر لك عشاءك بعد دقائق".
تمنت هيلين لو أنها لم تهتم كل هذا الأهتمام بمظهرها- ثم شبكت يديها وقالت بحركة معبرة:
" هلا أنضمممت اليّ يا بولت؟".
نظر بولت الى سرواله الخشن وأكمام قميصه المطوية قائلا:
" وأنا على هذه الصورة يا آنسة؟".
قالت هيلين بنفاذ صبر:
" بالطبع- لا يهمني كيف يكون مظهرك – أنا لا تعجبني فكرة تناول الطعام بمفردي".
أسترخى بولت:
" حسنا يا آنسة- أجلسي وسأكون معك على الفور".


كان بولت قد أعد هذه الليلة شرائح من اللحم مطبوخة في صلصة البصل وجزرا وكان الحلو فطيرة شوكولاتة , كما شربا عدة كؤوس من زجاجة شراب أحمر ,وبعدما أنتهيا جلست هيلين مسترخية في كرسيها وأبتسمت له بكسل:
" أنك حقا أحسن طباخ! هل كنت طباخا في الجيش".
وهز رأسه بالنفي :
" لا يا آنسة في الأسطول".
" فهمت ,ولكن كيف تعلمت الطهي؟".
هز بولت كتفيه:
"علمت نفسي يا آنسة , كما قلت لك أنا صاحب سبع مهن – أعمل كل شيء".
نظرت هيلين في أعماق النار في المدفأة :
"وأنت الآن تعمل لدى السيد دومينيك لايول".
" نعم".
" هل كنت تعمل عنده قبل الحادث؟".
" نعم".
" أذن كنت الميكانيكي له".
" نعم".
فكرت هيلين في ذلك :
" كان حادثا مروعا – أليس كذلك؟".
قال بولت بأسى:
" مات رجلان على الفور".
" أظن أنك كنت تعرفهما".
" أحدهما كان شقيق السد لايول".
أتسعت عيناها :
" لم أكن أعلم ذلك".
وهز بولت رأسه بانفي:
" لم يكن ذلك معلوما لكثيرين , كان يتسابق بأسم مستعار لئلا يختلط الأمر مع دومينيك".
تحركت مشاعر العطف فيها :
" هذ فظيع".
" نعم".
قال بولت وهو يضع الزجاجة الفارغة على الصينية ويبدأ في جمع الصحون المستعملة :
" أظن أنك كنت ما تزالين تلميذة في ذلك الوقت".
أعتدلت هيلين في جلستها وقالت:
"كنت أبلغ السادسة عشرة على ما أظن , وكان والدي يهتم جدا بسباق السيارات ويحتفظ بكل الصور وكل مقالات الصحف , تأثر كثيرا بالحادث".
قال بولت بصوت يكاد يكون غير مسموع:
" من منا لم يتأثر!".
ثم أستطرد:
" عن شيء آخر , أخبريني عن لندن , لم أزرها منذ سنوات".
قالت هيلين وهي تلمس ذراعي الكرسي:
" لندن ؟ أنها كما هي".
" لا تبدين متحمسة".
أبتسمت قليلا:
" لا- لست متحمسة".
" لماذا ؟ أنها بلدك , أليس كذلك؟".
وصححت على مهل ما قاله:
" أنا أعيش هناك".
" ولكن لديك أهل أليس كذلك؟ على الأقل والدك".
" لدي والد وزوجة أب- زوجة الأب التقليدية1".
" ألا تحبينها ؟".
" أيزابيل؟".
هزت كتفيها :
" ليست سيئة على ما أظن , يمكن أن تقول أننا نتحمل بعضنا".
" هل لديها أولاد آخرون ؟ هل والدك له أولاد آخرون؟".
" للأسف لا – أنا أبنته الوحيدة".
وجعدت أنفها وأضافت :
" وهذا يحزن أيزابيل كثيرا".
" لماذا؟".
" أوه... أنها قصة طويلة لا تهمك".
" بل تهمني".
وقطبت جبينها:
"لماذا؟".
" لأنها لن تهتم- لديها ما يكفيها من أهتماماتها الخاصة مما يصرفها عن أن تشغل بالها بشؤوني أنا".
" ووالدك؟".
" أظن أنه يمكن أن يتركني أتحدث معه ولكنه لا ينصت لما أقول , وخاصة أذا كان هناك شيء لا يريد أن يسمعه".
رفع بولت اصينية وقام وهو يقول:
" أظن أن هذا مؤسف".


عندما كان عمري أثني عشرة عاما تزوج والدي من أيزابيل , كان هذا أول زواج لها وثاني زراج له – كانت والدتي قد توفيت وأنا صغيرة جدا وبالطبع كانت أيزابيل تتوقع أن ترزق بأطفال ولكن هذا لم يحدث ,وقد رفض والدي أن يتبنى أي أطفال".
ضحكت قليلا ثم قالت:
" أظن أنه كان من المفروض أن أشعر بالأمتنان , ولكن هذا ليس شعوري".
سأل بولت:
" والدك يدير تلك الشركة الكبيرة , شركة هندسية أليس كذلك؟".
" نعم ,شركة ثورب الهندسية – أنه المدير المسؤول وقد تحسنت أحواله كثيرا خاصة أنه كاد يكون مفلسا عندما توفيت والدتي".
وكان بولت ينصت بأهتمام:
" وكيف أصبح ناجحا؟".
" تزوج أيزابيل ثورب".
هز بولت رأسه :
" آه فهمت – أنه داهية".
" نعم , أليس كذلك؟".
تجهمت هيلين :
" وأدخلوني مدرسو داخلية حتى كبرت وأصبحت أستطيع الأختلاط بالمجتمع".
كانت نظرة بولت رقيقة:
" أنا متأكد أن والدك فعل ذلك لأنه أعتقد أن ذلك أحسن الحلول".
" أحسن الحلول لمن؟".
" لكم جميعا على ما أظن".
" ابي كان ... كان رجل طموح وأمي وحدها تستطيع أن تكبح جماحه , وهندما توفيت...".
ثم تنهدت هيلين :
" ما وال طموحا , لكنه الآن يحتاج اليّ ليحقق أهدافه".
" ولهذا هربت".
" نعم".
" ماذا يخطط؟ زواج على ما أظن؟".
فأبتسمت أبتسامة حزينة:
" وأنت أيضا ذكي جدا , أليس كذلك؟".
وضحك بولت :
" أظن أن الأمر واضح ومن هو هذا الرجل؟ هل هو من الأرستقراطيين أو من النفعيين".
" خليط من الأثنين على ما أظن , والده يملك حصة هامة في شركة يريد والدي الأندماج معها , وجده من ملاكي الأراضي الأرستقراطيين".
" فهمت ... أنه أختيار عظيم".
قالت هيلين بحركة لا أرادية :
" أوه.... مايك على ما يرام وأنا أستريح اليه , قضينا أوقاتا سعيدة معا ... ولكنني لا أحبه".
" هل أنت متأكدة من ذلك؟".
" نعم يا بولت , تعرفت الى شباب كثيرين , بعضهم صغير السن وبعضهم ناضج ولكنني لم أقابل الشخص الذي يمكنني أن أتصور العيش معه بقية عمري , الى جانب ... أظن أنني لا أهتم كثيرا بالرجال .... أقصد من تلك الناحية...".
ولمعت عينا بوبت:
"حقا؟ هذا كلام غير معقول".
هزت رأسها :
" لا- أنه ليس كذلك , أوه- لقد حل الشراب عقدة لساني ... أنني لست معتادة على الأفضاء بما بداخلي لأحد".
قال بولت مؤكدا بهدوء:
" أذن من الجائز أنه حان الوقت لأن تفعلي , هل تتكلمين مع زوجة أبيك؟".
" أيزابيل؟ بالطبع لا , ليس بالطريقة التي تقصدها".
" لماذا؟".
" لأنها لن تهتم- لديها ما يكفيها من أهتماماتها الخاصة مما يصرفها عن أن تشغل بالها بشؤوني أنا".
" ووالدك؟".
" أظن أنه يمكن أن يتركني أتحدث معه ولكنه لا ينصت لما أقول , وخاصة أذا كان هناك شيء لا يريد أن يسمعه".
رفع بولت اصينية وقام وهو يقول:
" أظن أن هذا مؤسف".


تمطت هيلين بأستمتاع وسألته بتكاسل :

" هل أخبرك أحد أنك منصت جيد؟".
" لا , ولكني مستعد دائما للأستماع الى الأطراء !".
ثم بعد خطوات وقال:
" والآن سأغسل اصحون وأذهب للنوم- أنا متعب".
" نعم وكذلك أنا".
قالت ذلك وهي تتثاءب , ثم تذكرت ماذا عليها أن تفعل!!
قامت وهي تقول:
" على فكرة... أنا لم أر شيبا اليوم".
ونظر بولت حوله :
" لا؟ كانت في الفناء هذا الصباح , ثم ذهبت مع السيد لايول الى غرفة نومه منذ دخل لينام".
" هل تنام في غرفته؟".
هز بولت رأسه بالنفي :
" بالطبع لا سأحضرها الى الدور الأرضي قبل النوم , يجب أن تخرج للفسحة ".
" أذن فهي تنطلق في المنزل ليلا؟".
نظر اليها بولت نظرة تقليدية:
" هل تفكرين في العرب – أم ماذا؟".
أحمرت هيلين :
" لا , كنت أريد فقط أن أعرف".
" حسنا – في الواقع أنها تنام في المطبخ".
" فهمت- أنه أمر غريب أن يحتفظ بهذا الحيوان كأنه أليف أليس كذلك؟".
" ربما- أعطاها أحد الأصدقاء للسيد لايول , ولكن هذا الشخص سيستردها قريبا لهدف الأنجاب".
أستوعبت هيلين هذا الخبر:
" آه حسنا- تصبح على خير".
" تصبحين على خير يا آنسة".
وخرج وتركها – تساءلت ما ستفعل الآن ؟ هل ستبقى هنا حتى يذهب بولت الى حجرة سيده في الطابق العلوي , ويحضر الفهدة ويأخذها الى الخارج ثم يذهب لينام- لا أن هذا قد يثير الشك , أحسن خطة هي أن تذهب الى غرفتها وتنتظر حتى هدأ المنزل.
بعد أن أتخذت قرارها صعدت ببطء الى غرفتها , كانت خائفة لعلمها أن شيبا موجودة في مكان قريب , لكنها وصلت بسلام , وخلعت ثوبها الطويل وأرتدت البنطلون الجينز والفانيلة الصوفية وجلست تنتظر.
لم تكن الغرفة دافئة رغم المدفأة الكهربائية كغرفة الجلوس في الطابق الأرضي ,وبعد قليل شعرت أنه مر وقت طويل جدا قبل أن تسمع صوت بولت وهو يصعد السلالم , ثم سمعت أصواتا في الطرف الآخر من الدهليز فتأكدت أن دومينيك لايول ما زال بقظا أيضا.
فامت وأخذت تذرع الغرفة , لكنها أستمرت تشعر بالبرد , خلعت حذاءها ودلفت الى السرير , وسحبت الغطاء عليها , وشعرت بالدفء والحرارة تشع من زجاجات المياه الساخنة التي وضعها بولت بين الملاءات.
كان الثلج في الخارج يعطي أضاءة غريبة للغرفة وسمعت الريح تصفر تحت النوافذ , وكان السرير دافئا , وتثاءبت والنعاس يداعبها , وأغمضت عينيها....كان بولت لطيفا جدا ,ولكنها هي التي تكلمت طوال الوقت هذا المساء , أنه يعرف كل شيء عنها الآن ,حتى عن مايك .... تثاءبت مرة أخرى , أوه , لا أهمية لذلك أنه ليس سرا.
ثقلت عيناها أكثر فأكثر , ثم أستغرقت في النوم , وعندما فتحت عينيها مرة أخرى كان ضوء النهار يملأ الغرفة ولشدة أسفها أدركت أنه الصباح.

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:31 PM



5- الكتاب

لحسن حظ هيلين أنها أستطاعت غسل وتغيير ملابسها قبل أن يحضر بولت أفطارها , لم تكن تريده أن يرى أنها نامت بكل ملابسها لئلا يأخذ أنطباعا خاطئا عنها , أما الآن , وهي أمام المرآة تمشط شعرها وتبدو ممشوقة وجذابة , أرتدت بنطلونا من التود وبلوزة بنفسجية ذات أكمام طويلة , طرق بولت الباب وحياها باسما:
" صباح الخير , هل نمت جيدا".
أستطاعت أن تخفي شعورها بالذنب :
" نعم أشكرك, وأنت؟".
" نمت ملء جفوني".
قال وهو يضع الصينية التي يحملها على المنضدة بجانب سريرها :
" أعددت لك فطورا .... وبيضا مخفوقا".
" هذا عظيم".
ثم قالت وهي تنظر نحو النافذة :
" هل سقط الثلج مرة أخرى؟".
" نعم- اليوم ليس صحوا كالبارحة , كما أن الجو أشد بردا".
وتنهدت هيلين :
" آه.... ليس مهما".
جلست بجانب الصينية ثم سألت:
"كيف حال مخدومك اليوم؟".
قال بولت بسرور ظاهر:
" أحسن قليلا , سأراك بعد قليل".
أبتسمت له هيلين وترك الغرفة.
أستمتعت بأفطارها ولكن ليس كالأمس , أمس كانت جائعة جدا , لكنها اليوم متضايقة لأنها نامت هذا النوم العميق , كانت الوجبة شهية رغم ذلك وهندما أنتهت حملت الصينية الفارغة الى المطبخ , وكانت شيبا مستلقية على السجادة في الصالة خارج غرفة مكتب دومينيك لايول , وعندما نزلت هيلين السلالم رفعت رأسها- أقشعرت لتلك النظرة المخيفة ولكن الفهدة لم تتحرك ,وسارت هيلين بسرعة الى المطبخ.
لم يكن بولت موجودا , وبدون تفكير وضعت الأطباق في الحوض وفتحت الصنبور ,ولم تكن غسلت أطباقا منذ تركت المدرسة الداخلية.
" صباح الخير يا آنسة جيمس – هل أعطل عملك؟".
" صباح الخير يا سيد لايول , أنك لا تعطل أي شيء , أية خدمة أستطيع أن أقدمها لك؟".
كان يرتدي بنطلون جينز أزرق وقميص جينز مفتوحا عند الرقبة مما جعله يبدو رشيقا جذابا , وكان البنطلون الضيق يزيده طولا , وعرجه لا يبدو ظاهرا طالما هو لا يتحرك ,ولكن حتى عندما سار نحوها لم تجد في عرجه ما يثير أشمئزازها , بل العكس فالطريقة التي كان يتحرك بها كانت جزءا من شخصيته .
وقال بهدوء:
" جئت لأعتذر عن تصرفي البارحة , أنا آسف".
كادت هيلين تشهق – توقعت أشياء كثيرة غضبا ووقاحة ونفاذ صبر , ولكنها لم تتوقع هذا , تمنت أنه لم يفعل ,كان أسهل عليها كثيرا أن تكرهه عندما يعاملها بعدم أحترام.
وقالت بخشونة:
" أنا... لا داعي لذلك".
" أنا لا أوافقك ".
قال وهو يقترب منها , وبينهما مسافة صغيرة ,ونظرة عينيه الصفوارن نافذة أكثر من اللازم.
" عذري الوحيد أنني كنت متألما ومع ذلك لم يكن لي الحق فيما قلته فرغم رأيك فييّ لم أكت دائما على هذه الدرجة من سوء الأخلاق".
سحبت هيلين يديها من الماء المختلط بالصابون وجففتهما , وكانت تشعر بشدة قربه منها , وكانت تشك أنه يعرف ذلك.
" حسنا , أنتهى الأمر , كيف حال الصداع النصفي؟".
" أحسن كثيرا".
كان يسند نفسه بيد واحدة على المصفاة الصلب وتركزت نظراتها على أزرار قميصه الأسفل فوق حزام بنطلونه الجينز.
أستطاعت أن ترد بأقتضاب:
" حسنا".
" لا داعي لأن تقومي بغسل أطباقك".
" أنا أريد ذلك".
أجبرت نفسها على النظر اليه:
" هل تعلم أين ذهب بولت؟".
قال بدون تحديد:
" نعم أعلم, لماذا؟".
نظرت حولها :
" ظننت أنني قد أخرج قليلا , يبدو أن الثلج سيسقط ثانية و...".
قاطعها دومينيك وهو يفحص وجهها المحرج:
" هل تستطيعين عمل القهوة؟".
قالت بأستغراب:
" نعم , أظن ذلك".
قال وهو يعتدل ويدلك فخذه ثانية :
" حسنا , أعدي لنا بعض القهوة أذا سمحت".
ردت هيلين:
" لنا".
قال وهو يعرج صوب الباب:
" بالطبع وأحضريها الى المكتب عندما تنتهين سنشربها هنا".
وأغلق الباب , فوقفت هيلين تحدق في المكان حيث كان يقف منذ لحظة , لم تكن تعرف أذا كان هذا أهانة أو تكريما لها ولم تكن معتادة على تلقي الأوامر , لكنها شعرت أنه يرفع غصن الزيتون.
ولكن المكتب؟ طل منها أن تذهب اليه هناك! وماذا عن التلفون؟".
هزت كتفيها ونظرت محتارة حول المطبخ , كانت تعرف مكان البن أذ راقبت بولت وهو يعد القهوة لهما في اليوم السابق , أما جهاز تحضير القهوة فهو معروف لديها .
وجدت أنها تستمتع بأعداد الصينية بقدحين من الفخار وطبقهما اللذين أستعملهما بولت ,وأكثر من ذلك وجدت السخان الصغير الذي يوضع تحت أبريق القهوة ليبقيها ساخنة , كانت تتوقع كل لحظة أن يعود بولت ويحاسبها على ما تفعله , لكنه لم يعد.


وعندما أنتهت من أعداد القهوة حملت الصينية وذهبت بها الى المكتب , لم تكن شيبا موجودة ولكن سرعان ما علمت بمكانها عندما طرقت باب غرفة المكتب , ففتح لها دومينيك الباب , وكانت الفهدة في أعقابه ,ولكنه أمرها بالخروج فخرجت الى الصالة وجلست في وضعها الأول , تنحى دومينيك عن الباب ليسمح لها بالدخول ,وجدت أنه أفسح مكانا على مكتبه لتضع الصينية , وأنتقلت نظرتها رغما عنها الى أفريز الشباك في الركن , لكن التلفون لم يكن هناك , توف قلبها عن الخفقان لحظة , هل تخيلته؟ أو أدرك لايول أنها أكتشفته فقام برفعه؟ لاحظت أن الستائر الحمراء تخفي أفريز الشباك جزئيا , من الجائز أنها تخفيه ؟ هل يفعلون ذلك عن عمد؟ أنها لا تستطيع أن تأكد من ذلك.
أشار دومينيك الى كرسي على الناحية الأخرى من المكتب لتجلس عليه .وبعد أن جلست عاد الى مقعده ,ولاحظت أنه يتوقع أن تسكب القهوة فسكبت له قدحا وتركته بدون سكر.
قال وهو يتناول القدح ويضعه أمامه:
"أشكرك, كنت بحاجة الى القهوة".
لم تعرف هيلين بماذا ترد عليه , ولكنها حاولت أن تتحدث معه ببساطة :
" بولت أخبرني أنك تؤلف كتابا".
" حقا؟".
جعلتها نظرة عينيه الصفراوين تتساءل أذا كانت أخطأت القول مرة أخرى :
" نعم , ولكنه لم يقل لي شيئا آخر , أعني أنه رفض مناقشة الموضوع معي".
" هل طلبت منه ذلك؟".
قالت هيلين وقد أحمرت خجلا:
"نعم ... أثار ذلك أهتمامي".
أمال دومينيك رأسه وسالها:
" لماذا؟".
" أظن أن تأليف كتاب لا بد أن يكون تحديا ضخما".
فكر في كلامها ثم قال:
" أنه يتوقف على نوع الكتاب الذي يكتبه المرء , أظن أن بعض الكتب أصعب من سواها".
قطبت هيلين جبينها:
" أظن أن كتاب الرواية أسهل من الكتب غير الخيالية".
فهز رأسه بالنفي:
" ليس بالضرورة , أذا كان الشخص يكتب عن قصة حقيقية فالأمر ينحصر في تقديم الحقائق بطريقة مقنعة , أما القصص الخيالية فتحتاج لمعالجة مختلفة بلا حسابات مسبقة".
" لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة".
فقالت وهي ترتشف قهوتها ببطء لتذوقها وقد وجدتها لذيذة كالقهوة التي يعدها بولت :
"ل تكتب رواية؟".
هز رأسه بالنفي:
" أنا؟ لا , كتابي واقعي تماما".
قالت بحذر:
" هل هو عن سباق السيارات؟".
" هذه المرة نعم".
ورفعت حاجبيها:
" هل كتبت كتبا أخرى؟".
" كتابا واحدا".
" وماذا كان موضوعه ؟".
أبتسم بشيء من التسلية الساخرة:
" أنا متأكد أنك لست مهتمة حقيقة".
أحمر وجهها :
" أوه... ولكنني مهتمة فعلا".


تردد ثم قال وهو يدفع قدحه على المكتب:
" كتبت تاريخ حياة والدي".
أثارها ذلك:
" " والدك ؟ كان ضابطا في الأسطول , أليس كذلك؟".
بدأ صبره ينفذ:
" أخبرك بولت بهذا أيضا- على ما أظن".
" نعم ولكن فقط بطريق غير مباشرة , كان يقول لي أنه كان في الجيش , ثم أفلت منه ذلك بدون قصد".
نظرت اليه بأساعطاف :
" لن تغضب منه ,أليس كذلك؟".
تنهد دومينيك:
" لماذا؟ ماذا أخبرك أيضا؟".
هزت كتفيها النحيلتين :
" لا شيء تقريبا , أخبرني عن والدك – هل ما زال حيا؟".
تكلم دومينيك بلا عاطفة:
" لا, مات منذ ست سنوات".
" في الوقت نفسه تقريبا عندما وقع الحادث؟".
قالت ذلك بلا تفكير ثم بعد أن رأت وجهه تمنت لو أنها لم تفعل , وافق بلا شعور:
" نعم في الوقت نفسه تقريبا , هل أستطيع أن آخذ مزيدا من القهوة؟".
" بالطبع".
كانت هيلين سعيدة أنها تستطيع أن تفعل شيئا , تكلمت بلا تفكير وبذلك قطعت الخيط الرفيع الذي بدأ يصل بينهما.
" تفضل".
توقفت وهي تبدو مضطربة :
" ألن تكمل؟ أقصد عن والدك؟".
لم يتكلم دومينيك بضع دقائق فظنت أنه لن يجيبها ولكنه قال ببطء:
" كان يقود قوة هجومية في الشرق الأقصى خلال الحرب , ومنح وسام فيكتوريا لأنه تقدم هجوما على مركز قيادة ياباني في الوقت الذي كان عدد رجاله أقل كثيرا من رجال العدو".
" هذا رائع! لا بد أنك شعرت بالفخر الشديد به".
قال موافقا:
" شعرت أمي بذلك ... لم أكن يافعا الى هذا الحد أما فرانسيس فكان ما زال طفلا".
" لم أقصد ذلك... أي...".
شعرت هيلين بوجهها يحمر مرة أخرى ولحسن الحظ أن خجلها منعها من توجيه الأسئلة الأخرى التي كادت أن تنطق بها ,هل كان فرانسيس شقيقه الوحيد؟ الشقيق الذي قتل في ذلك الحادث المشروم ؟ لو كانت قد أفشت علمها بشخصية شقيقه لأفترض دومينيك أن بولت ناقش الحادث معها بينما هو في الواقع أصر على عدم الكلام في هذا الكلام.
وأنتهى دومينيك من قدحه الثاني ووضعه جانبا , وسحب كمية من الأوراق أمامه ,كان هذا يعني أنه على هيلين أن تنصرف , شعرت بخيبة أمل بلا سبب معقول لكنها كانت مضطرة أن تقوم وتجمع ما أحضرته في الصينية قبل أن تذهب , ورفع دومينيك بصره وهي تضع الأطباق محدثة صوتا عاليا وفهمت أنه شعر بمضايقتها التي لم تستطع أخفاءها , فقال بهدوء:
" سيحضر بولت سريعا , لا حاجة بك للأهتمام بهذه الأشياء".
" أستطيع أن أتصرف".
ألتقطت هيلين الصينية وسارت نحو الباب , لكنه تحرك بخفة وسرعة عجيبتين ووصل الى الباب قبلها وتسارعت أنفاسه نتيجة الجهد المفاجىء ,ونظرت هيلين الى النبض الذي يتحرك عند قاعدة عنقه ثم لمحة من جلده الذي ظهر من بين أزرار قميصه المشدود , وأنتقلت نظرتها آليا الى يده التي تدلك فخذه وشعرت بنبض عنيف في أذنيها , للحظة سرى بينهما شعور ملموس بالأنجذاب ,وكانت متأكدة أنها لو أقتربت قليلا منه لشعرت على الفور بتجاوبه الأكيد ,كانت تجربة مسكرة وقد عبرت عيناها اللتان رفعتهما الى عينيه ببلاغة عن مشاعرها , لكن تعبيره جمّدها , كان يمتلىء بالمرارة وبالرفض الشرس للمشاعر التي كانت متأكدة أنها أثارتها فيه , فتح الباب بعنف وبلا مقدمات , ورغم أنها كانت متأكدة أنه كان سيقول شيئا لكنه بقي صامتا.
منتديات ليلاس

وفي المطبخ أنتابتها رعشة كرد فعل لما حدث , للحظات كان تصرفها غريبا وغير مفهوم مما أخافها ,ما الذي يحدث لها؟ دومينيك لايول لثلاثة أيام فقط ومع ذلك أستطاع في هذه الفترة القصيرة أن يسيطر على عقلها ويفقدها الأدراك السليم لدرجة أنها أصبحت تتخيل علاقات بينهما لم يكن لها وجود ألا في خيالها , ضغطت راحتيها على خديها الملتهبتين , يجب أن تهرب , يجب أن تهرب من هنا قبل أن يحدث شيء لا يمكن علاجه , أغمضت عينيها وهي تشكر القدر الذي منع دومينيك لايول من أن يتصرف بناء على أستفزازها الغبي ,كادتتقفز من جلدها عندما سمعت بولت يقول بأهتمام:
"ماذا بك؟ هيلين ... هل تبكين؟".
فتحت عينيها :
" لا , لا أنا لا أبكي".
هزت رأسها لتدفع عنها ذلك الشعور المنذر بالشر الذي كانت تحس به , طرفت عيناها :
" من أين جئت؟".
أبتسم بولت:
" حضرت من خمس دقائق , كنت أعلق معطفي".
" أين كنت؟".
تنهد بولت :
" ذهبت الى البريد".
حملقت هيلين فيه:
" أين؟".
" في المركز".
" آه... بالطبع, ولم يكن في أستطاعتك أن تصحبني معك".
نظر اليها بولت بصبر نافذ:
" لا".
رأى الصينية على المنضدة أمامها:
" ما هذا؟ هل كنت تصنعين القهوة يا آنسة؟".
هزت هيلين رأسها بالأيجاب:
" دعوتني هيلين منذ لحظات ,يمكنك أن تدعوني كذلك أذا أردت , أنني أفضله على كلمة آنسة".
هز بولت رأسه :
" كنت خائفا عليك , وقد كانت زلة لسان".
قالت هيلين بضيق:
" أنا أيضا زل لساني , أخطأت وذكرت أنني علمت أن والده كان في الجيش ".
" وماذا حدث؟".
" أظن أنه يعتقد أننا كنا نتناقش في أموره".
وتنهدت :
" ماذا ستفعل الآن؟".
" أذا كان السيد لايول قد شرب قهوته أظن أنني أستطيع البدء في أعدادالغداء".
وضعت هيلين يديها في جيبي بنطلونها :
" وماذا عني أنا؟ ماذا أستطيع أن أفعل؟".
" ماذا تريدين أن تفعلي؟".
قالت بسخرية:
" لا بد أنك تمزح !".
" بغض النظر عن ذلك".
" أوه , لا أدري , ألا ترون أحدا هنا ؟ أقصد ألا يأتي اليكم أي زائر؟".
" أحيانا ".
" من؟".
" أصدقاء السيد لايول".
" رجال أم نساء؟".
" النوعان".
أستوعبت هيلين هذا بشكل ما , كانت تظن أن أحدا يزوره , أن الأعتقاد السائد أنه مات أو أنه يعيش خارج البلاد جعلها تفترض أن أحدا لا يعلم بمكانه ,ولكنه بالطيع لا بد أن له أصدقاء – يعلمون أنه يعيش هنا , وكانت تود لو أستطاعت أن تسأل عن زائرين من النساء ,ولكنها شعرت بشكل ما أن بولت لن يتكلم عن هذا الموضوع كما لن يتكلم عن غيره , ومع ذلك فأنها لم تستطع أن تمنع نفسها من أن تتصوره مع أمرأة أخرى ,وقد ضايقتها هذه الصورة.
قالت فجأة :
" سأذهب الى غرفتي".
نظر بولت اليها بأستغراب , ثم قال محتجا وهو يجفف يديه :
" لست مضطرة لذلك".
ولكنها هزت رأسها وأنصرفت.


في غرفتها ألقت بنفسها على السرير غير المرتب , ونظرت بضيق الى السقف ,كانت تشعر بأكتئاب شديد , كل شيء يضايقها , هذا المنزل وظروفها وخاصة دومينيك لايول , أنها لا تفهم ما الذي يجذبها اليه , أنه ليس وسيما ولا جميل الشكل رغم أن بعض النساء قد يجدن في ملامحه الخشنة وعينيه الغائرتين ذات الجفون الثقيلة بعض الجاذبية , ولكن موقفه منها كان دائم السخرية , كما أنه كان يستطيع أن يكون شديد الوقاحة , أذا شاء فلماذا يشغل فكرها الى هذه الدرجة .؟ لماذا لا تفكر في والدها وما قد يكون لهذه العلاقة من تأثر عليه؟ بدلا من أن تنغمس في هذه العاطفة غير المقبولة , أنه تصرف غير طبيعي وغير معتاد وهي تستحق هذا الشعور بالأكتئاب.
حاولت عن عمد أن تسترجع صورة مايك فراملي الى ذهنها , أنه الرجل الذي يريدها والدها أن تتزوجه , أنه شاب غني وجميل , كل صديقاتها يحسدنها عليه ومع ذلك فهو لا يحركها.
أخذت تشد خصلة من شعرها الأسود الناعم وهي تسترجع النفور الذي شعرت به عندما قبلها للمرة الأولى ,وقد قبلها بعد ذلك عدة مرات وه تظن أنها أعتادت على قبلته ولكنها لم تستمتع بها أبدا , فكرت بيأس " لا بد أن هناك شيئا غير طبيعي فيها , لماذا لا تنجذب لمايك؟ لماذا تشعر بالتوتر كلما حاول ان يلمسها؟ ولماذا كانت فكرة الزواج به تملؤها بالنفور؟".
ظنت أن العيب فيها هي , وأن هناك شيئا ينقصها ولكنها الآن ليست متأكدة من ذلك ,تذكرت الطريقة التي أستجابت بها لقرب دومينيك لايول منها , فشعرت بسخونة ترطب جسمها ولاحظت أنها لم تشعر بالأنكماش بداخلها من لمسة يده.
شعرت بالحيرة الشديدة من ردود فعلها المختلفة , هل فقدت التحكم في مشاعرها ؟ هل هو ما يعنيه الناس عندما يتكلمون عن الأنجذاب الجسماني؟ هل هي مشكلتها؟ هل أصبحت مفتونة بهذا الرجل القاسي المدمر؟ لا يبدو ممكنا ولكن هل هناك تفسير آخر؟
أعتدلت جالسة ... أصبحت خيالية أكثر من اللازم , لا بد أن السبب بقاؤها وحيدة أغلب الوقت تفكر وتتخيل الأشياء , قامت من السرير وذهبت الى الحمام ,أنها لا تشعر بالراحة , قررت أن تأخذ حماما يشغلها قليلا ,ويساعد على تمضية الوقت حتى المساء عندما ستستعمل التلفون كما صممت.
خرجت بعد الظهر للتنزه مع بولت.
لقد تناول دومينيك لايول غداءه في مكتبه ,وتناولت هي غداءها مع الخادم في المطبخ , وبعد أن أنتهى من غسل الصحون أقترح بولت أن يخرجها قليلا , شعرت هيلين أنه يحاول أن يعوضها عن عدم أخذها معه في الصباح الى مكتب البريد , لم تستطع ألا أن تتساءل عن بعد مكتب البريد عن المنزل , أذا كان بولت قد أستطاه أن يذهب ويعود في حوالي ساعة أذن فهو ليس على مسافة كبيرة.
عندما خرجت رأت آثار عجلات سيارة وقد سوت الثلج المؤدي الى الدرب الذي سلكته مع دومينيك عندما أحضرها في المرة الأولى وشعرت أنه لا بد أن يكون لديهم عربة من نوع ما.
" هل لديكم سيارة؟".
سالت وهي تقف داخل حظيرة الأبقار تراقب بولت وهو ينظف الروث من الحظائر أذا كان لديهم سيارة – وهذا محتمل- فقد تستطيع أن تهرب بها ,شيبا لا تستطيع أن تؤذيها وهي داخل السيارة.
أستند بولت على الجاروف ونظر اليها قائلا بلطف:
" لدينا عربة جيب".
" آه صحيح".
حاولت هيلين أخفاء سرورها الشديد.
" ولكنني لم أرها هنا".
علق بولت وهو يعود لعمله:
"من الجائز لأنها كانت في الكاراج , هل سبق لك أن قدت سيارة من هذا النوع؟".
أغتصبت هيلين ضحكة مرحة:
" بالطبع لا ... لا أعرف كيف أبدأ".
وبدا على بولت أنه صدقها .
قال وهو يعتدل ليريح ظهره :
" أنها ليست دائما سهلة أذا لم تكوني معتادة عليها ".
غيرت هيلين الموضوع , شعرت أن بولت يحاول أن يقول لها شيئا ما ولكنها لم ترد أن تستمع.


وبعد ذلك أخذها للسير صاعدين التل خلف المنزل وكان الجو كما قال من قبل أبرد كثيرا لكن الحركة جعلت الدم يجري في عروقها , وعادت الى المنزل وهي تشعر أنها أكثر مرحا ولو أنها غير متأكدة أذا كان هذا الخروج أم نتيجة معرفتها بأن تلك العربة تنتظرها في ذلك الكاراج.
وأرتدت ثوبا طويلا آخر ذلك المساء للعشاء , كان أحد ثيابها المفضلة بلون الياقوت الأورق برقبة منخفضة تظهر نقاء جلدها الأبيض وبأكمام طويلة تنتهي بطرف مدبب عند الرسغين , ورفعت شعرها على الجانبين وشبكته بمشبك من الماس عند قمة رأسها وتركت خصلتين صغيرتين قرب أذنيها , وكانت عادة لا تضع الا قليلا من الماكياج وهذه الليلة أظهرت لون عينيها بقليل من الظل الأخضر وطلت شفتيها بأحمر شفاه برتقالي.
كان دومينيك لايول في غرفة الجلوس عندما دخلت وكان يسكب لنفسه كأسا من الشراب بجانبه , نظر اليها بتأمل دون أن يبدي أي أعجاب كانت تنتظره , كما أنه لم يقم لأستقبالها , ترددت قليلا قرب الباب وهي تنظر الى الفهدة أمام المدفأة عند قدميه.
ضغط على الفهدة بقدمه حتى لا تتحرك ثم قال:
" أجلسي , أرجو أن تعذريني أذا لم أقف لأنني هذا المساء أجد من الأفضل أن أبقى جالسا".
شبكت هيلين يديها وتقدمت , تمنت لو أنها لم تهتم الى هذه الدرجة بمظهرها , شعرت أنها متأنقة أكثر من اللازم بينما يرتدي ملابسه السوداء التي أرتداها اليوم السابق ويبدو كشيطان فضي الشعر.
عندما جلست سكب لها قليلا من الشرب وأضاف بعض الصودا وقدمه لها , أخذته هيلين لأنه كان يتوقع ذلك ,ولكنها لم تكن تحب هذا الشراب كثيرا .
قال وهو يتفحصها بوقاحة بعينيه الصفراوين :
" هل هذا من أجل بولت أم نت أجلي؟".
رفضت هيلين أن تتأثر بطريقته وردت ببرود:
" أنا معتادة على أرتداء ملابس خاصة للعشاء ,والدي يقول أن هذا يرفع الروح المعنوية".
هز دومينك رأسه موافقا:
" هل يقول ذلك؟ وكيف حال روحك المعنوية هذا المساء؟".
فاجأها بسؤاله.
" لماذا تسأل؟".
" لماذاترد النساء جميعهن على السؤال بسؤال آخر؟ أنا أريد أن أعرف كيف تستمتعين ببقائك معنا".
ردت هيلين بغضب:
" يجب أن تعرف أنني لا أستمتع على الأطلاق".
" بالعكس0 بولت أخبرني أنك كنت تتمشين وتتزحلقين وتستمتعين بالهواء الطلق , أليس هذا هو ما أتيت للشمال من أجله؟".
فالت بصبر نافذ:
" أتيت الى الشمال لأكون مستقلة وليس لأستبدل عبودية بعبودية أخرى".
" أهو بهذا السوء؟".
وفجأة أختفت السخرية من صوته- وشعرت بأطرافها السفلى تتخاذل , نظرت اليه وهي ترتعش محاولة أن تقرأ التعبير في عينيه اللتين ضاقتا بين رموشه الكثيفة.
كان فمه ينطق بالرغبة وهو يرد نظرتها , فشعرت بأن كل عدائها له يذوب في طيب أشواقها التي لم تشعر بمثلها من قبل , وكان الدم يتدفق بجنون في عروقها وأصبح تنفسها سريعا وسطحيا , كانت تريد أن تذهب اليه وتضع ذراعيها حوله وتقول له أذا كان يريدها فهي لن تذهب أبدا , ولكن هذا جنون مطبق.
أنفرجت شفتاها ولكن قبل أن تنطق قام فجأة ثم أجفل من الألم لأصطدام ساقه .
أنتقل عبر الغرفة ولكن ألمه أنتقل اليها كأنها تشعر به على الفور قامت وذهبت وراءه , كان يقف مستندا بقبضته على طرف المكتب وظهره اليها , وكان وضعه ينم عن شدة تألمه لدرجة أنها وقفت وراءه لا تدري ماذا تفعل وقالت:
" هل... هل أنت بخير؟".
قال من بين أسنانه بدون أن يستدير :
" نعم- أنا على خير ما يرام".
فركت يديها :
" هل أنت متأكد ؟ هل أستطيع أن أحضر لك أي شيء؟ هل تتأمل؟ هل أنادي بولت؟".
أستدار ناحيتها وأستند على المكتب ووجهه يعكس الأزدراء لنفسه الذي أصبحت تتوقعه , ثم قال بخشونة وقد شحب وجهه أكثر من المعتاد.
" أنا أقدر هذا الأهتمام بي وخاصة بعد ما قلته,ولكن لا يا آنسة جيمس – لا يوجد شيء تستطيعين عمله- أشكرك".
كانت ستحتج على ما قاله ولكنها شعرت بأنه مصر على موقفه الجامد ولا فائدة من الكلام ,وكان وصول بولت في هذه اللحظة حاملا العشاء منهيا الحديث بينهما.
لاحظ الخادم قربهما لبعض بجانب المكتب بفضول واضح لكنه هز كتفيه فقط ووضع الصينية على المنضدة المنخفضة بجانب المدفأة .
عاد دومينيك وهو يعرج لمجلسه وفعلت هيلين الشيء نفسه لكنها نظرت بأستغراب عندما قال :
" تعال أنضم الينا في العشاء يا بولت , أنا متأكد أن الآنسة جيمس تجد صحبتك أكثر متعة من صحبتي".
تردد بولت ولكن يبدو أن تفاهما ما تم بينه وبين مخدومه فأبتسم وقبل الدعوة وهو يقول:
" أشكرك يا سيدي , أنا أحب ذلك".
" حسنا , فليكن عشاء ممتعل لثلاثة".
تمدد دومينيك بتراخ هلى كرسيه وأسند ساقه المصابة على السياج الحديدي الذي يحيط بالمدفأة , تساءلت هيلين وهي تنظر اليه عن السبب الذي يجعل كل حركاته تحمل أغراء وسحرا لها , ولكن عندما رأى نظرتها اليه لم تستطع أن تفهم تعبيره.
وبالطبع لم يكن العشاء ممتعا على الأطلاق , شعرت هيلين بشدة أن دعوة دومينيك لبولت كان سببها المشهد الذي حدث بينهما قبل وصول الخادم ,ووجدت نفسها في وضع فخر وهي تشعر أنه يبين لها عن عمد أن تصرفها فيه أحراج له , له هو!
شعرت هيلين بالأهانة والضيق , ما الذي كان ينتابها عندما ينظر اليها بطريقة معينة فتنسى كل عداءها له وتصبح رهن أشارته؟ هل كان يفعل ذلك عن عمد , أم أنه أنجذاب لا أرادي؟ أم أن طبيعته المنحرفة كانت تجد لذة في سذاجتها؟ لم تأكل الا قليلا من الدجاج المحمر الذي أعده بولت ولكن لحسن الحظ أن الرجلين كانت لديهما مواضيع كثيرة للحديث مما جعلهما لا يعلقان على عدم شهيتها للطعام.
عندما أنتهت الوجبة وكان الرجلان يدخنان , نظر دومينيك الى هيلين وقال بتعمد- كما أعتقدت:
" أظن أنني سأعمل بعض الوقت هذا المساء يا بولت – لست متعبا فقد أسترحت بعد الظهر عندما كنتما في الخارج وسأسهر بعض الوقت".
قال بولت بحسم:
"هذا حسن طالما لا تجهد نفسك".
وقال دومينيك وهو يتمطى بكسل وينظر الى وجه هيلين الذي بدت عليه خيبة الأمل فجأة :
" أذا كنا سنترك هذا البلد قريبا يجب أن أحاول الأنتهاء من كتابي".
نظرت هيلين الى يديها المعقودتين , وهي شبه متأكدة الآن أنه يعلم أنها رأت التلفون في المكتب , وكانت هذه طريقته في تحذيرها ألا تأتي وتستعمله هذه الليلة , شعرت بالأختناق في حلقها وغرزت أظافرها في راحتيها , كيف تستطيع في أي وقت أن تشعر بأس شيء غير الكراهية لهذا الشخص الذي يستغلها دائما لأرضاء مزاجه السادي؟




سفيرة الاحزان 23-04-10 05:34 PM



6- القصة كاملة

في الأيام القليلة التي تلت ذلك , لم تسنح الفرصة لهيلين أن تبحث عن أية وسيلة للهرب , أستبقظت بعد حفل العشاء بصداع وحرقة في حلقها ورشح في أنفها ,وعندما أحضر بولت الأفطار أصر على أخذ حرارتها وعدم مغادرتها الفراش.
وعندما أعترضت عن ذلك لئلا تحمله أعباء أضافية , قال مؤنبا :
" هل تريدين أن تصابي بألتهاب رئوي ؟ أظن أنك أصبت ببرد ليلة وصولك وأنت مبتلة تماما , أبقي حيث أنت وسأحضر لك زجاجات ماء ساخن , فأنك لا تستطيعين النزول وأنت تعلمين ذلك".
وكانت تعلم ذلك فعلا , لأنها كانت تشعر بتعب شديد , وقد أراحها أن تترك نفسها في عناية بولت وهي متأكدة أن ذلك لن يضايقه , ولم ترد أن تفكر فيما قد يكون رد فعل دومينيك لايول , كما أنها لم تفكر فيه طوال اليوم وهي مستلقية في الفراش تعاني من الصداع.
منتديات ليلاس
وفي الصباح التالي شعرت ببعض التحسن ولكن ليس لدرجة تسمح لها بترك الفراش , وأحضر بولت لها كل وجباتها في غرفتها بدون أشعارها بأي حرج , كما أحضر لها بعض الكتب ,وأمضت هيلين يومهافي القراءة والنوم ومحاولة أسترداد قواها.
وفي مرة أو مرتين , سمعت وقع أقدام على السلم , فتوترت متوقعة أن يأتي دومينيك لايول ليسأل عنها , لكنه لم يفعل ,ولم يأت أحد الى غرفتها سوى بولت , وفي اليوم الثالث كانت قد شفيت تماما وعندما أحضر لها بولت أفطارها وأكد أنها يجب أن تبقى في السرير رفضت ضاحكة وهي ترجوه أن يسمح لها بالنزول.
" لقد تحسنت كثيرا – حقا ! واريد أن أشكرك على عنايتك بي وأحضار الأدوية وزجاجات الماء الساخن , أنا لا أعرف كيف أشكرك".
هز بولت رأسه قائلا:
" كنت سعيدا بذلك يا آنسة".
" هيلين".
فضحك وقال:
" حسنا- يا هيلين- أرى أنك تحسنت ولكنني أقترح ألا تتركي فراشك حتى بعد الظهر , أعطي نفسك راحة أكبر , فأنك لم تبقي في الفراش ألا يومين".
فقالت وهي تنظر الى الصينية:
" سأفكر في الأمر....ما هذا؟ عش غراب ولحم ... سأستمتع به".
وبعد أنصراف بولت تناولت هيلين أفطارها ثم ذهبت نحو النافذة وكان يوما جميلا- كانت هناك بعض الغيوم لكن على الأقل لم يسقط الثلج منذ مرضها , ونظرت الى غرفتها ثم قررت أن تغتسل وتنظف أسنانها.
ضاقت بوجودها في الغرفة- وهي الآن تحسنت وتريد أن تخرج وتتحرك ,ورفضت أن تفكر في دومينيك لايول , أنه لم يحاول حتى أن يحضر ويسأل عنها , ولم تستطع ألا أن تشعر بالضيق من ذلك.
وأرتدت بنطلون جينز ضيقا وقميصا بيج وأخذت صينيتها ونزلت الى الطابق الأرضي ,ولم يكن بولت في المطبخ فوضعت الصينية ونظرت حولها , تعجبت أن هذا المكان أصبح مألوفا لديها ويثير فيها شعورا بالترابط لم تشعر به أبدا في المنزل حيث يعيش والدها مع أيزابيل.
وأزاحت شعرها وراء أذنيها ,ونظرت من نافذة المطبخ وهي تتساءل أين يمكن أن يكون بولت ,هل ذهب الى المتاجر مرة ثانية أم أنه في الخارج يطعم الحيوانات , كان باب المخزن مفتوحا على مصراعيه ,وصدر صوت من داخله جعلها تستدير بأستغراب .
" بولت؟ بولت... هل هذا أنت؟".
ذهبت الى باب النخزن ونظرت فلاحظت أن هناك بابا آخر في نهاية المخزن من الناحية الأخرى ,وأنه مفتوح أيضا ,فقطبت جبينها ثم سارت ببطء حتى الباب الآخر ونظرت منه فرأت سلالم تنزل الى أسفل.
وشعرت بقشعريرة من الأثارة , أنه كالقصة التي كانت تقرأها أمس- باب سري يؤدي الى سلالم مخبأة , وبعدها ... بدأت تنزل السلالم , أنها متأكدة أن بولت موجود تحت وفي الأغلب أن هذه السلالم تؤدي الى مخازن البيت حيث يحتفظون بالمؤن.
وفي نهاية السلم بدا أن ما خمنته صحيحا , كانت تقف في قبو مضاء بمصباح واحد معلق ,ولكن بولت لم يكن موجودا وكان هناك باب آخر مفتوح , شعرت بأنها تتطفل وهي تسير نحو الباب الداخلي وتفتحه بهدوء , كانت شهقة كادت أن تفلت منها عندما رأت ما وراءه , لم يكن هذا قبوا عاديا وأنما قاعة رياضية مجهزة أحسن تجهيز بأحصنة خشبية للقفز وقضبان حائط وحلقات معلقة في السقف وحبال وكيس ملاكمة وآلات للتمرينات ,وسارت الى منتصف الغرفة تنظر حولها بدهشة , فهمت لماذا لا يوجد أي شحك أو زيادة في الوزن لدى دومينيك رغم عدم الحركة المفروضة عليه.
وفي نهاية الصالة كان هناك باب يفتح على غرفة للملابس مبطنة بالخشب وملحق بها حمام , الغرفة هنا ساخنة والجو رطب ووجدت هيلين نفسها تتصبب عرقا , كانتالسخونة تأتي من خلف باب آخر وبدون تفكير أدارت المقبض ونظرت الى الداخل.
ملأها شعور بالأثارة , كانت الغرفة الداخلية عبارة عن حمام سونا مضاءة بنور برتقالي ضعيف , وجوها شديد الحرارة ,وكان يتوسطها مصطبة ينام عليها رجل على وجهه , وفي اللحظة نفسها التي تحققت أنه دومينيك الذي قال بصبر نافذ:
" بحق السماء يا بولت أسرع ,أن لدي عملا أريد أنجازه".
وحبست هيلين أنفاسها , لقد سمع الباب ينفتح وأفترض أن بولت هو الذي دخل , فأذا أستدار الآن ورآها ماذا ستفعل ؟ أشتعل خداها , لم تر رجلا عاريا من قبل.
وبينما هي نترددة تفكر في أغلاق الباب والهروب تكلم مرة أخرى , وقال وهو يشير الى نقطة في ظهره:
" هنا يؤلمني!".
شعرت هيلين بمعدتها تنقبض بعصبية , أذا لم تحرك بسرع سيستدير ويراها ,يجب أن تذهب الآن بينما الفرصة مؤاتية ولا تجازف لأكتشافها هنا , ولكن شيئا أقوى من رغبتها في الهرب كان يدفعها للبقاء , كانت تعلم أنها تصرف بغباء , وأن هذا الموقف سيعرضها لمزيد من الأذلال , لكنها أغلقت الباب ودخلت الغرفة , خيل اليها أن بولت مدلك , وهي تعرف عن التدليك ما فيه الكفتية لتحل محله.


كانت يداها ترتعشان ,وعندما وضعتهما على ظهره , وبدأت تدلك العضلات التي تسند العمود الفقري ,وبينما هي تفعل , تخشب جسمه لحظة وظنت أنه سيستدير ويواجهها , ولكنه أسترخى مرة أخرى , فأستعادت ثقتها بنفسها , وأخذت تدلكه بقوة أكبر وتنشط الدورة الدموية , كانت الحرارة في الغرفة تجعل جسمه رطبا ولأنها كانت مرتدية كامل ملابسها شعرت بالحرارة الشديدة , أسرع تنفسها وبدأت ذراعاها تؤلمانها وشعرت بأنها لن تستطيع أن تكمل , وفي هذه اللحظة أستدر على ظهره وسحب منشفة غطى بها نفسه.
فتحت هيلين فمها في أنزعاج ولكن عينيه كانت تعبران فقط عن أعجابه ,قال بلا أثر للحرج:
" أنت ماهرة!".
ولكن هيلين كانت خجلة لأنها أستمتعت بعملية تدليكه وقالت:
" كيف علمت أنه أنا؟".
أبتسم دومينيك أبتسامة كسولة أظهرت أسنانه البيضاء المنتظمة :
"لأن يدي بولت أثقل كثيرا , لماذا فعلت ذلك؟".
نظرت هيلين الى يديها المبتلتين وقالت بأمانة:
"لأنني أردت".
ضاقت عينا دومينيك وعلق بهدوء وهو يجلس على المصطبة بحركة واحدة مرنة:
" ما تقولينه مثير جدا".
" هل هو كذلك؟".
كانت سعيدة أن الضوء البرتقالي يخفي أحمرار وجهها .
" أنت تعلمين ذلك".
كان العرق يتصبب من ذراعيه وصدره ولون شعره أغمق بفعل الرطوبة ولكن هيلين لم تذهب , ونظر اليها ولم تكن في نظرته تلك السخرية التي أعتادتها بل بالعكس كانت فيها ونة مقلقة , شعرت بحلقها يجف , مد يده وجذبها نحوه لم تحرك رغم ذلك , ووقفت متسمرة في مكانها , قال بصوت مبحوح:
" آوه يا هيلين!".
سحبها نحوه وأخذ يقبل وجهها ,وقفت في هذا الوضع المنحني ,وركبتيها ترتجفان وهي تنتظر ذلك الشعور بالنفور الذي كانت تشعر به كلما لمسها مايك , لكن هذا الشعور لم بأت بل بالعكس , أخيرا دفعها بعيدا عنه وقام وسار ببطء وهو يعرج ويضع ثقله على ساقه السليمة قائلا:
" هذا جنون".
راقبته هيلين بعجز ثم تمتمت :
" دومينيك ... دومينيك , ماذا بك؟".
ونظر اليها بنفاذ صبر من خلف ظهره ثم قال بعنف:
" بحق السماء يا هيلين.... لا يمكن أن تكوني بهذه السذاجة . أنك تعلمين ماذا بي . هل لديك فكرة عما تفعلينه بي؟".
أجابت:
"أعلم ما تفعله أنت بي".
أستدار ونظر اليها بضيق ثم قال بعنف:
" ما كان يجب أن تنزلي الى هنا ,ما كان يجب أن أتركك..".
توقف فجأة ثم قال:
" أظن أنه من المستحسن أن تذهبي ".
حملقت فيه هيلين غير مصدقة , لم تستطع أن تقبل صرفه لها بهذه الطريقة المقتضبة , كانت تشتعل بعاطفة لا تستطيع فهمها تماما ,ولكنها تعرف أن دومينيك هو محورها.
بدأت تقول:
" دومينيم .... أرجوك لا تغضب".
" أغضب؟ أغضب؟ كيف تتوقعين أن أغضب؟".
ونظر ال فخذه المصاب ومرت بوجهه نوبة من الأألم :
" هيلين , أخرجي من هنا الآن قبل أن أغير رأيي".
ولم تتحرك هيلين , أنفتح الباب ودخل بولت الى الغرفة كما دخل ذلك المساء منذ ثلاثة أيام ولكن ردة فعله هذه المرة كانت أكثر حدة , صاح:
" هيلين... أنك مبتلة تماما".
جاء الى جانبها ووضع يده على جبهتها:
" أنت ساخنة جدا , ماذا بحق السماء كنت تفعلين؟".
تحولت نظراته الى دومينيك فتغير تعبير وجهه.
" هل تريدين أن تمرضي مرة أخرى؟".
أشاحت هيلين بنظراتها بعيدا عن عيني دومينيك:
" أنا بخير ... يا بولت حقا أنا ساخنة لأن الغرفة هنا ساخنة , هذا كل ما في الأمر , وأنا مبتل لأنني عرقت".
قال بخشونة :
" أقترح أن تدخلي الحمام وتستعملي الدوش , وأذا أخبرتني أين ملابسك سأحضر لك غيارا".
" ليس هذا ضروريا حقا".
أجاب بولت وهو يضع زجاجة الزيت التي كان يحملها .
" بالعكس – أظن أنه ضروري جدا- أظن أنك لن تضليق من الأنتظار بضع دقائق أخرى- أليس كذلك يا سيدي؟".
هز دومينيك رأسه وأستدار بعيدا , أخذ بولت ذراع هيلين وجذبها بأصرار خارج السونا الى غرفة الملابس , وقال وهو يشير الى الدوش ويغلق السونا بحزم يعكس مشاعره الحقيقية:
" هذا هو الدوش – والآن أين ملابسك؟".
أحمرت هيلين خجلا ولكنها رأت أنه لا مفر من الموافقة:
" ستجد ملابسي الداخلية في الدرج وبنطلوني الجينز والفانلة التي كنت ألبسها منذ عدة أيام معلقتين في الخزانة".
سر بولت ورد قائلا:
" حسنا , والآن خذي الدوش وسأحضر لك ملابسك قبل أن تنتهي".
كان الدوش الساخن منعشا ولكن أفكارها كانت ما زالت مع دومينيك لايول , عاشت مرة أخرى الدقائق الأخيرة بكل تفصيلاتها وهي تشعر بالأثارة .
أغمضت عينيها وشعرت مرة أخرى بأحتياجها اليه وتساءلت كيف أستطاعت أن تتصور أنها بلا عاطفة ؟ أن أحدا من قبله لم يترها بهذه الطريقة لكنه أستطاع أن يفعل ويتركها وهي أشد أشتياقا له من ذي قبل.
وأشتعل خداها أحمرار , كيف تتمنى الحب مع رجل يحبسها ؟ لا بد أنها مجنونة كما قال.
تمالكت نفسها وبدأ جسمها يهدأ- لقد سمحت له أن يوقعها في شباكه وهي غير منتبهة , ولكن هل هذا صحيح؟ ألم تكن غلطتها تماما أنه لمسها؟ ألم تستثره هي بلمسة يديها له؟


كان هناك طرق على الباب , فقالت وهي ترتجف:
" من هناك؟".
" أنا بولت ملابسك خارج الباب وسأذهب لأعطي السيد لايول علاجه , هل يمكنك أن تتصرفي يمفردك؟".
أجابت بالأيجاب وعندما خرجت من قاعة الرياضة تحمل ملابسها شعرت بالأنتعاش وتساءلت ماذا يمكن أن تفعل بملابسها القذرة , فليس لديها مسحوق للغسيل ,ولكن لا بد أن بولت لديه ويمكن أن تقوم بغسلها بنفسها , وقررت أن تتركها في المطبخ حتى وقت الغداء ,لكن عندما وصلت الى الطابق الأرضي خطرت لها فكرة مذهلة , دومينيك في غرفة السونا وبولت يدلك له فخذه – وهذا يعني أن المكتب فارغ.
تركت ملابسها في ركن المطبخ , وأسرعت الى الصالة وقلبها يدق بعنف ,ولحسن الحظ لم تر أثرا لشيبا أيضا رغم أنها فتحت باب المكتب بحذر شديد خوفا منها , ولكن الغرفة كانت خالية كما تمنت , وأغلقت الباب وراءها بهدوء وأسرعت نحو النافذة حيث رأت التلفون في المرة الأولى , وسحبت الستارة جانبا , كان التلفون مازال موجودا ويدها ترتعش وهي تمتد اليه و بمن ستتصل؟ والدها في لندن أم بالشرطة المحلية؟ لا , ليس الشرطة , قررت ذلك بسرعة ,أنها لا تريد أن تدخل الشرطة في الموضوع.
ووضعت السماعة على أذنها ثم رأت ما لم تكن قد رأته من قبل , كان السلك الذي يخرج من قاعدة التلفون يتدلى منفصلا بعيدا عن الحائط أذا كان قد تم قطعه.
فألقت السماعة كأنها تحرق يدها ووقفت مشدوهة , شعرت بشعور هائل بالخيانة , في أي حال أخبرها دومينيك بعدم وجود تلفون لديه.
كانت سعيدة أن أحدا لم يرها وهي تتصرف بهذه الحماقة , وذهبت ببطء الى غرفتها , أذن أنتهت قصة التلفون ,وليس أمامها ألا سيارة الجيب وهي لا تعرف حتى مكانها.
ولم تستطع النزول مرة أخرى قبل الغداء , وكانت تقول انفسها: أن السبب أنها مريضة ومكتئبة , ولكن الحقيقة أنها لم تكن تستطيع أن تواجه دومينيك مرة أخرى حاليا.
وعندما نزلت أخيرا وجدت بولت في المطبخ يحضر المائدة لأثنين ونظر اليها بمرح وهو يقول:
" ها قد أتيت؟ بدأت أظن أنني سأتناول طعامي بمفردي ,هل عدت الى سريرك".
هزت هيلين رأسها قائلة:
" لا , كنت أستريح".
" هذه فكرة حسنة".
وأستمر بولت في عمله وأخذت هيلين تعبث بعصبية بالسكاكين الموضوعة على المنضدة.
" هل ... هل السد لايول يتناول غداءه؟".
قال بولت وهو يصفي البطاطس:
" أنه سيتناول شطيرة في مكتبه".
" آه".
شعرت هيلين بخيبة أمل عندما علمت أنها لن تراه رغم كل شيء .
ونظر اليها بولت وقال:
" هيلين.... هيلين.... لا تورطي نفسك نفسك هنا! أنني أقول لك ذلك لالحك".
ركزت هيلين بصرها على المنضدة الخشبية وقالت:
" أنا لا اعرف ماذا تقصد".
" أنت تعلمين جيدا , أنا أعلم أنه ليس من شأني , ويمكنك أن تقولي لي ذلك , ولكنني لست أعمى , وأستطيع أن أعرف جيدا ماذا حدث هذا الصباح".


وجلست هيلين فجأة وهي تقول:
" هل تستطيع ذلك؟ لماذا؟ هل حدث مثل هذا هنا من قبل؟".
قال بصبر نافذ:
" لا , لم يحدث مثل هذا من قبل , ولكنني أعرف دومينيك جيدا الآن وآمل أن تكوني على قدر من الحكمة".
ثم توقف عن الكلام وهو يجد صعوبة في التعبير عما يريد قوله وردت هيلين بصراحة:
"أنه لم يغوني أذا كان هذا ما تحاول أن تقوله".
وأحمر وجه بولت قليلا:
" أنا فقط لا أريد لك أن تتألمي".
" أنك تكرر هذا الكلام , كيف سأتألم؟".
" بالتورط مع السيد لايول ".
" ألا يعتبر هذا الكلام عدم أخلاص للسيد لايول!".
فتنهد بولت وجلس في الكرسي المقابل لها:
" هيلين دعيني أخبرك بشيء لا يعرفه الا القليل , دومينيك يحمل نفسه مسؤولية الحادث- الحادث الذي قتل فيه شقيقه".
فحملقت هيلين بأسى:
" لماذا؟".
فتردد بولت وقال:
" لا أستطيع أن أخبرك- الى جانب أنها قصة طويلة".
" ولكنك يجب أن تخبرني – أرجوك يا بولت أريد أن أعرف".
وهز بولت رأسه بشدة:
" أن هذا لن يعجب السيد لايول".
" هل يجب أن يعلم!".
" وماذا سيحدث عندما تذهبين من هنا؟ عندما تعودين الى عائلتك , من أيضا سيعلم الحقيقة؟".
" لا أحد أقسم لك".
هز بولت رأسه :
" لا أستطيع أن أصدق ذلك".
ونظرت اليه هيلين قائلة:
" أنا لا أكذب".
" أنا لا أقول أنك تكذبين ,ولكن قد تقولين شيئا بدون قصد في وقت ما".
" أوه يا بولت".
ونظر الى وجهها المكتئب لحظات ثم قال بتفهم:
"فات الأوان أليس كذلك؟ لقد تورطت فعلا".
فقالت وأصابعها على خدها:
"أعلم".
ثم هزت كتفيها بحدة:
" أنا لا أريد ذلك, ولا أكف عن الترديد لنفسي أنني يجب أن أكرهه لأنه يبقيني هنا رغما عني , ولكنني لا أكرهه عندما أفكر أنني تركت لندن هربا من الرجال؟".
قطب بولت جبينه قائلا:
" هل أنت متأكدة أنك لا تخلطين بين العطف وشيء آخر؟".
ضحكت هيلين بلا مرح :
" لا أعلم- فق أعرف أنه عندما يقترب مني....".
وتوقفت فجأة ثم سألت:
" هل عرجه شيء مستديم؟".
" نعم , أن جزءا من عظام الفخذ تحطم في الحادث وكان على الجراحين أزالة الأجزاء المفتتة".
" آه – فهمت".
" في ذلك الوقت وبعدما شفي من الأصابات الأولى كانوا يريدون أجراء جراحة أخرى ووضع عظمة صناعية مكان العظمة التي تحطمت , ولكن السيد لايول لم يسمح لهم بذلك".
" لماذا؟".
" لا أعلم! حاول الجميع أقناعه ولكنه رفض- كان يبدو وكأنه يريد أن يتذكر الحادث دائما ,وبالطبع فأن فخذه يؤلمه عندما يقف طويلا كما يؤلمه عموده الفقري – لذلك فالتدليك يساعده".
" أفهم".
وأستطردت هيلين وهي تصغي بأهتمام:
" أعرف بعض الشيء عن هذه الأمور , كانت والدتي تعاني من نوبات صداع عنيف ,وكانت تطلب مني أن أدلك جانبي رأسها وظهر عنقها".
ثم ترددت :
"أوه , ألن تخبرني يا بولت لماذا يلوم دومينيك نفسه بخصوص الحادث؟".


فقام بولت واقفا:
" أنه يعتقد أن أخاه حاول قتل نفسه لأنه أكتشف أن زوجته تحب دومينيك".
" ماذا؟".
" لقد أقتفى فرانسيس أثر والده وألتحق بالجيش , وعندما كان في قبرص قابل كريستينا وتزوجها بدون أن يخبر أحدا , ثم أحضر زوجته معه الى البيت , كانت حقيرة , وبمجرد أن قابلت دومينيك ... يحسن عدم ذكر ذلك الجزء , يكفي أن نقول أنها أقنعت فرانسيس بترك الجيش ودخول سباق السيارات كشقيقه , لكن فرانسيس لم يكن يصلح لأن يكون سائقا , لم يكن هذا يهمها ولكنه كان مفتونا بها لدرجة أنه كان مستعدا أن يعمل أي شيء , وأشترك في بعض السباقات ونجح نجاحا متوسطا لكن هذا لم يكفها , وكان دومينيك يكسب في السباق وهي تحب الرابحين!".
شعرت هيلين بفمها يجف:
" و.... دومينيك؟".
أبتسم بولت قليلا:
" لا... أن دومينيك لم يكن مهتما بها , الى جانب أنها كانت زوجة أخيه".
" وماذا حدث بعد ذلك؟".
تنهد بولت تنهيدة كبيرة:
" كانت الليلة قبل سباق نوربرغرانج , وكنا جميعا قد ذهبنا الى ألمانيا منذ بضعة أيام وأقمنا في فندق قرب حلبة السباق , وتلك الليلة تشاجر فرانسيس وكريستينا وكانا دائما يتشاجران , كانت تريده أن يأخذها الى النزهة بينما هو يريد أن يستريح لأن سباق السيارات رياضة شاقة جدا وتحتاج للياقة بدنية كاملة , لكنها خرجت بمفردها وتأخرت في الرجوع فذهب دومينيك وفرانسيس للبحث عنها , فوجدها دومينيك في حانة وبالطبع كانت ثملة وأضطر دومينيك أن يتشاجر مع أثنين من البحارة قبل أن يستطيع أن يأخذها – ولكنها فسرت تصرفه تفسيرا خاطئا , وعندما عاد فرانسيس أخبرته أنها لا تحبه وأنما هي تريد دومينيك وأن دومينيك يشعر الشعور نفسه نحوها ,ورغم أن دومينيك أنك ذلك تماما لكن فرانسيس لم يصدقه".
" أوه يا بولت!".
" شيء كريه- أليس كذلك؟".
" ماذا حدث بعد ذلك؟".
" أنك تعرفين الباقي – أنزلق فرانسيس على الطريق وفقد سيطرته على سيارته وأصطدم به دومينيك ويوهان باراس , وقتل فرانسيس ويوهان وأصيب دومينيك أصابة خطيرة".
" وبعد ذلك ماذا حدث لكريستينا؟".
" عادت- كانت ما تزال تريد دومينيك ولكن هو لم يكن يريدها منذ البداية , أما بعد الحادث فلم يكن يطيق رؤيتها".
" لا بد أنها كانت تحبه".
" من الجائز , بطريقتها الخاصة".
وبدأ بولت يقطع اللحم الى شرائح:
" ولكن السيد لايول لم يكن لديه وقت النساء منذ ذلك الحادث".
وهز رأسه :
" وكانت لتلك المأساة مضاعفات لم نكن نستطيع توقعها فقد أصيب الكولونيل لايول بالشلل عندما سمع بحادثة ولديه ولم يشف تماما , وماتت زوجته بعد وقت قصير".
وشهقت هيلين:
" هذا فظيع".
ونظر بولت الى وجهها المذعور:
" أنت الآن تستطيعين أن تقدري لماذا هذه القصة ليست للنشر".
" بالطبع".
شبكت هيلين يديها:
" ولكن دومينيك ليس مسؤولا عن الحادث , أليس كذلك؟".
" بالطبع لا- كان الطريق مبللا ولم تكن سيارة فرانسيس الوحيدة التي تزحلقت , ولكن عندما يحدث مثل ما حدث وتكون علاقتك بالشخص المصاب ليست على ما يرام , فمن الطبيعي أن يلوم المرء نفسه أذا ما حدث مكروه , كان السيد لايول قريبا جدا من الوقعة بحيث لا يستطيع أن يرى الموضوع من بعيد- الى جانب ما حدث بعد ذلك , أظن أنه كان يريد أن يبتعد عن المجتمع".
" والآن".
" لديه عمله الذي يشغله- فقد ألف كتابا قبل ذلك عن والده ,وقد تحول الى فيلم".
قالت هيلين وقد أثار ذلك أهتمامها:
" لم يخبرني بذلك , وهل كان فيلما ناجحا ".
" جدا وقد در مالا كثيرا , لكنه لم يغير موقف السيد لايول".
" هل تظن أن أي شيء قد يغير موقفه؟".
" أشك في ذلك , لهذا شعرت أنني يجب أن أخبرك".
ونظرت هيلين الى يديها:
" أنا لست طفلة".
" أعلم ذلك ولكن لا تبني أحلامك على الرمال المتحركة , لا تتوقعي شيئا حتى لا تخيب آمالك".
" هذا كلام متشائم جدا ".
" أن السيد لا يول أنسان متشائم يا هيلين وكما قلت فأنا لا أريدك أن تتألمي".

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:36 PM



7-الهرب

في عصر ذلك اليوم بدأ الثلج يتساقط مرة أخرى , وأستدارت عن النافذة وأخذت تعاين المطبخ الفارغ , خرج بولت ليهتم بالحيوانات وأصر أن تبقى في الداخل , لم تعترض لأنها كانت تشعر بالأرهاق وعدم النشاط , كانت تحاول أن تقنع نفسها أن هذا الشعور سببه الأيام التي قضتها في الفراش لكنها كانت تعلم أن هذا غير صحيح , ورغم ما قاله بولت لها فأن تفكيرها ظل يدور حول ما حدث في غرفة السونا.
وكان تنفسها غير منتظم وهي تذرع الغرف بقلق , أنا المسؤولة عما حدث , بدأت هي بلمسه وتدليكه , ولكنه كان أندفاعا لم تستطع مقاومته , وما حدث ما زال يثيرها ويجعلها تشعر بلمساته.
وصعدت الى غرفتها وألقت بنفسها بنفسها على الفراش وهي تنظر الى ندف الثلج يتساقط خلف النافذة , بدأت تفهم أنه كلما طال مقامها هنا كلما أصبح من الصعب عليها أن ترحل , وما بدأ كحبس أجباري تحول الى أسر لذيذ ولكنه أكثر خطورة , وصلت الى الحد الذي تشعر فيه أنها لا تريد أن ترحل , وجعلتها هذه الفكرة تهب جالسة في راشها وهي تلف ذراعيها على ركبتيها وقد قطبت وجهها بقلق , ماذا ستفعل؟ ماذا تستطيع أن تفعل؟ وماذا تريد أن تفعل؟
بقيت في غرفتها حتى المساء , ثم أخذت حماما وأرتدت ثوبا طويلا من الجرسيه الكريب الأسود الذي يظهر بياض جلدها , وتركت شعرها ينسدل على كتفيها , وعندما نظرت الى نفسها في المرآة تأكدت أنها تبدو في أحسن صورة.
ولكن عندما دخلت غرفة الجلوس بعد بضع دقائق وجدتها خالية فأطبقت فمها , هل سيتركها مع بولت؟ هل هذه طريقته ليعرفها أن ما حدث بينهما لن يتكرر؟ ووقفت في وسط الغرفة تعض على شفتيها عندما أنفتح الباب , ولكن القادم لم يكن بولت كما توقعت بل دومينيك لايول.
كان يرتدي هذا المسء قميصا حريريا كحليا وبنطلونا أزرق ,ونظر بوقاحة الى ملامح هيلين المنتظرة فلم تستطع أن ترد نظراته , وعندما أنتقلت نظرته الى أسفل أرخت عينيها بأضطراب.
ثم فتر أهتمامه ودخل الغرفة وهو يعرج , وأغلق الباب وراءه مر بجانبها فلمس طرف ثوبها بقدمه ثم ذهب , ووقف مديرا ظهره الى المدفأة.
" بحق السماء لا تنظري الي هكذا كأنك تخافين مني؟".
قالت هيلين رغما عنها:
" أنا لا....".
ثم تنهدت وأضافت:
" كيف حالك هذا المساء؟".
وضاقت عينا دومينيك:
" تقصدين بعد تدليكك الفتي؟".
أشتعل خداها:
" لا تضايقني".
" هكذا؟ أذن ماذا أفعل بك".
" تستطيع أن تسأل عني ".
ولوى شفتيه :
" هل هذا ضروري وأنت تبدين في أحسن حال؟".
" لم تحاول أن تأتي وتسأل عني وأنا مريضة ".
" هل كنت تريدين ذلك؟".
فأحنت هيلين رأسها:
"التصرف المهذب يقتضي ذلك".
" ولكنك لا تتوقعين التصرف المهذب مني؟ أليس كذلك؟ كما أتذكر , أنت تجدينني منحرفا فاسدا ومشوها عقليا وجسديا".
ونظرت اليه هيلين وهي ترتعش :
" هذا كان في البداية قبل أن أعرفك".
" أنك لا تعرفينني يا آنسة جيمس".
نظرت اليه بأستعطاف:
" أوه – أرجوك- ألا تستطيع أن تتصرف بلطف".
" أذا كنت تقصدين أن نتكلم عن مواضيع غير شخصية فهذا ممكن – عم تريدين أن تتكلمي؟".
ضغطت هيلين قبضتيها في أحباط:
" أنك تسيء فهمي عن عمد".
" بالعكس يا آنسة جيمس , أفهمك جيدا".
ومن الجائز أن دخول بولت في هذه اللحظة وهو يحمل العشاء ذا الرائحة الشهية كان من حسن الحظ ,كانت هيلين تنتظر أن يدعو دومينيك الخادم لينضم اليهما في العشاء كما فعل من قبل , ولكنه لم يفعل مما أثار دهشتها ودهشة بولت على السواء.
وحاول دومينيك أثناء تناولهما الطعام أن ينفذ ما طلبته بالحديث في مواضيع مختلفة , تكلم عن كتب قرأها وأماكن زارها كما شجعها على الكلام عن حياتها مع والدها وزوجة أبيها , ووجدت نفسها تخبره بما أخبرت به بولت , وتنصت الى تفسيره لتصرف والدها , وقد بدأت تفهم من خلال كلامه الشعور بالوحدة الذي شعر به والدها عند وفاة والدتها , والذي دفعه للرغبة في النجاح كنوع من التعويض عن خسارته وقدرت فهمه العميق الشيء الوحيد الذي لم تناقشه معه هو أرتباطها بمايكل فراملي ولكن هذا لم يكن موضوع مناقشة .
شجعتها رقته فقالت:
" أظن أن كلشيء محتاج لرأي موضوعي كي يفهم مشكلته الخاصة , أقصد في حالتك مثلا , كنت متأثرا لدرجة أنك لم تستطع أن تنظر الى حادث شقيقك نظرة واضحة".
على الفور جمدت عينا دومينيك :
" من أخبرك عن حادث شقيقي؟ أوه – لا تتعبي نفسك بالرد – أنا أعلم- أنه بولت , كان يجب أن أعلم أنه لن يستطيع أن يبقي فمه القذر مقفولا".
شعرت هيلين بأحساس مريع:
" أوه أرجوك0 لا تلم بولت , أنا المسؤولة أذ سألته فأجابني- هذا كل ما في الأمر".
" ليس له الحق في مناقشة أموري مع أحد".
" لم نناقش أمورك , أخبرني فقط بالوقائع".
وقام دومينيك واقفا وقد أجفل من الألم الذي سببته له الحركة المفاجئة , وقف لحظة وهو ينظر الى رأسها المنحني ثم ار ببطء عبر الغرفة وكل موقفه يعبر عن العنف المكبوت , ونظرت اليه هيلين قم قامت من كرسيها وركعت على الأريكة وهي تنظر الى ظهره العريض وتحاول أن تخلصه من مرارته التي لا داعي لها.
أستدار ونظر اليها ببرود:
" دومينيك.... ماذا يهم ما قاله لي بولت؟ حدث هذا منذ وقت طويل- لماذا لا نتحدث؟".
وقف وهو يستند بثقل على ساقه غير المصابة:
" بأي حق تعتقدين أنني أريد الطلام عن الحادث معك؟".
رفضت هيلين أن تتركه يخيفها:
" أريد أن أساعدك".
" حقا؟".
عاد يعرج الى الأريكة :
" بأي شكل يمكنك أن تساعديني؟".
وشعرت هيلين بالأحتقار لنفسها لأنه أستطاع أن يثير فيها شعور القهر رغما عنها .
" بمساعدتك على رؤية الحقائق كما هي , بأن ابيّن لك أن الناس ليسوا بدون شعور كما تظن , يجب أن تتعلم أن تعيش مع الناس مرة أخرى".
" وما رأيك أذا قلت لك أنني أفضل حياتي كما هي الآن؟ وليست لدي الرغبة في العيش كما تتكلمين؟".
وشعرت هيلين بالهزيمة لكنها قالت:
" كيف يمكنك أن تعرف ذلك؟ أنك لم تحاول – أظن أنك خائف".


فألتفتت حول الأريكة بحركة واحدة سريعة وأمسك شعرها بيده وهو يلفه حول أصبعه حتى أهتز رأسها بشدة وآلمها وسألها بقسوة:
" ما الذي تعرفينه عن هذا الموضوع؟ أنك تتكلمين عن الموضوعية وعن الفمه- ما الذي تعرفينه عن هذه الأشياء ؟ ما الذي تعرفينه عن الرقاد شهورا في سرير مستشفى وأنت أقرب الى الموت من الحياة تتمنين لو كنت أنت الضحية – هل تستطيعين أن تكوني موضوعية حينئذ ؟ هل تستطيعين أن تفهمي تلك القوة التي تدمر أنسانا وتترك الآخر مشوها مدى الحياة؟".
فقالت بأحتجاج وهي ترفع يدها الى رأسها الذي يرلمها:
" لماذا رفضت أجراء العملية الجراحية؟".
" كنت أفضل أن أتذكر الحادث الى جانب أنني لا أريد أي تركيبة غريبة في جسمي, فخذي قد يكون ملتويا , ولكنه فخذي وليس صورة محسنة منه".
" دومينيك أنك تؤلمني".
" هكذا ؟ أذن كوني موضوعية".
قال ذلك وهو يصدر صوتا منكرا ساخرا.
وأتسعت هينا هيلين بألم وعدم تصديق وقالت بصوت مبحوح:
" أنك لا تعني ذلك؟".
فأسود وجهه وصدرت عنه آهة تعبر عن لوعة لنفسه ثم جلس بجانبها على الأريكة وأخذ بيدها بين يديه ورفع راحتيها الى شفتيه – ثم قال بصعوبة:
" أرجوك لا تنظري الي هكذا – لا أريد أن أؤذيك ولكنه رغما عني".
نظرت هيلين الى رأسه المنحني وضغط فمه على راحتيها يثيرها , أرتعشت فنظر اليها وعيناه تعبران عن عواطفه , وضع يده خلف عنقها ثم لمس جسمها الناعم.
لم تستطع هيلين أن تتحرك وحتى لو أرادت ذلك- كان تأثيره عليها قويا لدرجة أنها كان يمكن أن تستسلم وأقترب منها أكثر وضمها اليه.
" أوه هيلين أنت لا تعلمين ماذا تفعلين بي".
أصبحت لا تهتم بشيء ولفت ذراعيها حوله , شعرت بأطرافها تتخدر وتمنت لو أستطاعت أن تقضي الليل كله هنا في هذه الغرفة الدافئة المضاءة- همست تحت فمه:
" أنني أحبك يا دومينيك".
تخشب جسمه على الفور وأبتعد عنها وهو ينظر الى السقف وقد تجمدت ملامحه.
وقالت مرة أخرى وهي تعتدل مستندة على مرفقها:
" دومينيك؟ ماذا حدث؟ قلت أنني أحبك- أنا فعلا أحبك".
رد بعنف وهو يقوم عن الأريكة:
" لا تقولي هذه الأشياء لي , أنك لا تعرفين عما تتكلمين".
" أعرف- ما الأمر؟ ماذا حدث؟".
تظر اليها ببرود وهو يصلح ملابسه ثم قال بصراحة:
" أنا لا أحبك و بالنسبة اليّ الحب لا يدخل في هذا..."".
لم تستطه هيلين أن تكتم الشهقة التي أفلتت منها :
"ولكن .... ولكن الآن...".
قال بقسوة:
" كنت أريد أن..... ظننت أنك كنت تريدين الشيء نفسه".
" فعلا...".
" أنني أتساءل ؟ هل كنت مستعدة أن تنسي كل شيء عن الموضوع بمجرد أنتهائه".
" أنسى كل شيء عن الموضوع؟".
قالت هيلين وهي تعتدل وتضم فتحة ثوبها:
" دومينيك – أنا لا أصدق أنك لا تحبني".
نظر اليها بوجوم للحظة ثم عرج نحو كرسيه وجلس عليه ومد يده وسحب زجاجة الشراب.
" أتساءل لماذا لا تستطيع النساء أن تفهم أن الرجال يمكن أثارتهم بدون أن يكون لديهم أكثر من الرغبة البحتة".
فظهر شهور هيلين بالغثيان من تعبيراته , على وجهها ثم قالت:
" أظن أن كلامك هذا مقزز".
" ماذا تتوقعين من شخص منحرف ومشوه مثلي؟".
" أوه يا دومينيك!".
" أسمتي!".
تمتم بذلك وهو يرفع الكأس الملأى الى شفتيه:
" لا أريد أن أتكلم ثانية عن هذا الموضوع , ولا أريد أن أتكلم معك ثانية , أنك تجعلني أشعر بالتقزز".
وكتمت هيلين بكاءها .
" كفى! كفى ترديد هذا الكلام أنا اعرف أنك لا تعنيه , أنا لا أصدقك".
" لم لا؟ هل فكرتك عن نفسك عالية الى هذه الدرجة؟ أؤكد لك أن ما حدث بيننا الآن وقع بيني وبين أخريات من قبل ,بل وبأستمتاع أكثر".
كان هذا أكثر مما تستطيع سماعه فوقفت محاولة المحافظة على كرامتها قدر أستطاعتها وقالت وهي تنظر اليه بعينين معذبتين:
" أظن أنك كريه! كريه! لا أعرف كيف تخيلت أنك رجل محترم؟ وكيف تركتك تلمسني , أنك حقير , حقير , أنا أحتقرك بشدة!".
" حسنا".
قال وهو يستلقي في كرسيه بلا أهتمام:
" هذه هي الطريقة التي أحبها- والآن بما أن هذا منزلي أرجو أن تخرجي من الغرفة لأنني أنوي أن أشرب حتى الثمالة".
وجرت هيلين أ ذيالها وهي تصعد الى غرفتها ,كانت تخشى أن يظهر بولت ويسألها أذا كان كل شيء على ما يرام , لأنه لو حدث هذا لأنهارت تماما أمامه , لكنه لم يظهر ووصلت بسلام وبمجرد وصولها أنهارت على السرير وأخذت تبكي بحرقة أستمرت بضع دقائق وعندما أنتهت العاصفة ظلت راقدة تشعر أن كل قوتها خارت.

منتديات ليلاس
قامت وخلعت ثوبها الأسود بغيظ وهي تشعر أنها لا تريد أن تراه ثانية وألقته تحت الخزانة ثم وقفت بملابسها الداخلية تتساءل: كيف ستقضي يوما آخر في منزل دومينيك لايول.
لم تكن هناك فائدة من أن تكرر لنفسها ما قالته من أنه كريه وحقير وتقنع نفسها بأن تكرهه , لأنها تعلم أن هذا غير صحيح وأنها تحبه , نعم أنها تحبه حقا وهذه الحقيقة أقسى على نفسها من الغضب والأحباط الذي شعرت به الأيام الأولى.
أذن كان بولت محقا فيما قال وعليها أن تتصرف الآن , بالطبع لم تكن تستطيع أن تلجأ الى بولت ليساعدها ولكن ما زال هناك أمكانية أستخدام سيارة الجيب , وكلما فكرت في الأمر كلما تأكد لها أنها يجب أن تهرب من هنا قبل أن تحدث كارثة أكبر.
تنهدت وسألت نفسها : ماذا يمكن أن يحدث أكثر مما حدث , وردت على نفسها : أن البقاء هنا مع دومينيك لايول يؤثر عليها تأثيرا غريبا وتخشى أن يأتي اليوم الذي لا تستطيع فيه أن تمنع نفسها من الأنزلاق الى تلك العلاقة المحرمة , أنها تعلم أن هذا يمكن أن يحدث , ورغم ما قاله فهي تعلم أنه يجدها جذابة ولكن دوافعه ليست مخلصة كدواقعها.
وهزت رأسها ثم أخرجت بنطلونها الجينز وفانلة وأرتدتهما و وأخذت تفكر في موقفها: الساعة تجاوزت العاشرة وسيذهب بولت بعد قليل لينام , وأذا نفّذ دومينيك ما قاله وشرب حتى الثمالة فلن تكون هناك مشكلة معه , أذن لم يبق ألا شيبا , قال بولت أنها تنام في المطبخ , هذا يعني أنها يجب أن تخرج من الباب الأمامي ,ولكن لسوء الحظ الباب الأمامي قريب جدا من باب غرفة الجلوس ولكن هذا أم لا مفر منه , وفكرت بتشاؤم أن عليها التصرف الآن وألا فلن تكون أمامها فرصة أخرى.
وعندما أصبحت الساعة الحادية عشرة والنصف كان المنزل هادئا كالقبو, ونظرت من خلال النافذة فوجدت الثلج ما زال يتساقط ولكن هذا لا يهم! ولكن مع كل هذا الثلج فأن آثارها ستبقى واضحة ,ونزلت بهدوء ثم أحضرت معطفها من غرفة الملابس بالصالة , أنها لن تأخذ سوى حقيبة يدها , أما باقي ثيابها فلا تهمها.
كان هناك مزلاج على الباب الأمامي ,قرب القفل العادي ,ولحسن الحظ أن بياض الثلج كان يضيء الغرفة . فسحبت المزلاج بسهولة ثم أدارت القفل فأنفتح الباب ونظرت حولها هواء الليل بارد ولكن ليس لدرجة التجمد , وتساقط الثلج بخفة على وجهها فشدت تفسها بتصميم وسارت حول المبنى , ولكن كان عليها أن تكتشف الكاراج.
كان الأمر أسهل مما تصورت , كانت آثار عجلات السيارة ما تزال واضحة فتتبعتها بثقة الى مبنى كالجون خلف حظيرة الأبقار , لم يكن الباب المزدوج مغلقا بالقفل فقط بل مقفلا أيضا بلوح خشبي وكادت تسقطه وهي ترفعه من مكانه , عندما أنفلت بجانبها جسم أسود أملس فأرتعبت , ولكنه لم يكن الا أحدى القطط البرية التي تعيش في المباني الملحقة بالمنزل .
جعلها هذا الحادث الصغير عصبية ,وعندما أرتفع صرير الباب لدى فتحه أجفلت ,نظرت في الداخل وهي تركز عينيها لتعتاد الظلام , وشهقت عندما رأت أن العربة لم تكن سيارة جيب كما توقعت بل سيارتها السبور الصغيرة , التي كانت تتخيلها مدفونة في الثلج , لكنها الآن تذكرت أن دومينيك قد طلب من بولت أن ينقلها ومن الواضح أنه نجح, فتنهدت وتمنت لو معها المفاتيح ولو أنها أستطاعت أن تديرها.
ثم أغلقت الباب بلا فائدة , في أي حال لا بد أن السيارة لا تعمل ,ولو حاولت أدارتها فستصدر ضجيجا عاليا بلا فائدة.
ونظرت حولها في الفناء ,كانت هناك آثار عجلات كثيرة , أخذت تتفحصها فوجدتها كلها تتقاطع , ولكن لم يكن هناك سوى مبنى واحد يتسع لسيارة جيب , أقتربت منه بحرص , وكانت محظوظة هذه المرة , فالجيب موجودة بداخله , ومن العجيب أن المفاتيح في مكانها , لم تستطع أن تصدق هذا.
كانت يداها ترتعشان وهي تركب السيارة وتغلق بابها بهدوء , أدوات القيادة فيها لا تختلف عن السيارات الأخرى , قوست ظهرها أستعدادا للصوت الذي ستصدره عند تشغيلها , وضغطت على بدال البنزين , ودبت فيها الحياة فأرتفع صوت محركها , من الآن ستكون قد أفلتت.
بعد لحظات تحركت السيارى خارجة من الكاراج وأستدارت الى اليمين حول المنزل ,وتذكرت في الوقت المناسب أن تضيء الكشافات قبل أن تصطدم بشيء ثم سارت عبر الفناء المرصوف بالحصى أمام الواجهة الأمامية , ما الذي قاله بولت من أن قيادة هذه السيارة صعب؟ الثلج المتراكم لا يمثل أية مشكلة بالنسبة اليها! لو كانت تقود سيارتها لكانت توقفت الآن , ولكن الجيب تسير بسهولة , كانت تتبع الآثار التي لا بد أنها آثار بولت عند ذهابه لمكتب البريد وكانت منفعلة بما يكفي لأسكات الشعور بالخيانة الذي بدأت تحسه , لن تفكر في الصدمة التي سيصاب بها دومينيك لايول عندما يكتشف أنها ذهبت أو لوم وخيبة أمل بولت لأنها بعد كل ما حدث لم تكن جديرة بالثقة , أنها تهرب وهذا كل ما ستفكر به , حققت المستحيل , كان أمامها مرتفع من الثلوج وبطريقة آلية ضغطت على البنزين قفزت السيارة الى الأمام متخطية الثلج , وزادت سرعتها وهي تنحدر بعد ذلك , شعرت هيلين بالأنزعاج ,رفعت قدميها على الفور عن البنزين , فقد كانت تسير بسرعة كبيرة ويجب أن تخفف حتى تستطيع أن تلف المنعطف المقبل , ضغطت قليلا هلى الكابح رغم أنها تعلم أن هذا تصرف خطر , فأنحرفت السيارة وهي تلتف في نصف دائرة ,ولكن هيلين حاولت السيطرة على أعصابها , وأستمرت في القيادة على الطريق الزلق, لكن الطريق كان ضيقا بفعل تراكم الثلج على الجانبين حتى أن مؤخرة السيارة أصطدمت بكتلة من الثلج وأرتدت مرة أخرى الى الطريق ,وضغطت على أسنانها في محاولتها للتركيز وعدم الأضطراب , ولكن دولاب السيارة أنحرف جانبا وأصطدمت بجسر الجليد على الجانب الآخر من الطريق.


كانت تجربة مخيفة , خاصة أن السيارة تسير بسرعة كبيرة في الممر الضيق , وترتطم في هذا الجانب ثم في الجانب الآخر , ورأت المنعطف أمامها , وحاولت أن تدير عجلة القيادة لكنها فقدت السيطرة عليها تماما , فأصطدمت في الكتلة أمامها وألقتها للأمام فأرتطم رأسها بشدة على عجلة القيادة , عندما فتحت عينيها وجدت نفسها راقدة في الطريق وصوت ظنت أنها لن تسمعه ثانية يقول:
" هيلين, هيلين, هل أنت بخير؟".
تركزت عيناها على الرجل الذي يركع بجانبها ,وعلى شعره الكثيف ذي اللون الرمادي الفاتح وقد سقط على جبهته , وعلى ملامحه السمراء المنحوتة وعينيه الصفراوين الغريبتين وقد بدا فيهما الأهتمام وهو ينظر اليها.
تمتمت بصوت خفيض:
" دومينيك- آوه يا دومينيك- لقد أصطدمت!".
" أعرف".
كانت تبدو على وجهه علامات الأجهاد:
" أيتها الغبية الصغيرة! كان يمكن أن تقتلي نفسك!".
" هل كنت ستهتم؟".
غمغم ثم قام واقفا فجأة :
" نعم كنت سأهتم".
وقف بصبر نافذ ينظر الى الطريق... رفعت هيلين رأسها بحذر – لم يكن بها شيء على ما يبدو , عدا ما شعرت به من صداع عنيف.
وقامت جالسة وهي تنفض الثلج عن كتفيها , أستدار دومينيك اليها آمرا :
" أبقي كما أنت! سيحضر بولت الجرار حتلا ويشد السيارة من البركة".
تجاهلت هيلين أمره وقامت بشيء من عدم الأتزان , أستدار اليها دومينيك وقال بضيق:
"قلت لك أن تبقي حيث أنت".
فردت في محاولة للتحدي , وأحتجت قائلة:
" لا تستطيع أن تعطيني أوامر أنا لست بولت".
وكان يبدو عليه التفكير والأكتئاب:
" لاحظت ذلك , أن بولت ليس بهذه الدرجة من الأزعاج".
" أنا آسفة".
وكانت قد بدأت تفقد ما تبقى لها من تماسك , كان الموقف أكثر مما تستطيع أن تحتمل- أتهامه القاسي لها هذا المساء , ثم التوتر الذي سببته محاولتها الهرب من المنزل , وأخيرا جاء التصادم والنهاية التعسة لكل آمالها كآخر قشة تتعلق بها.
وشعرت بالدموع تنهمر على خديها , فهي لم تشعر بمثل هذا الشقاء من قبل.
وسمع دومينيك بكاءها المكتوم فأستدار ونظر اليها , كانت في حالة سيئة , الثلج ما زال عالقا بشعرها وملابسها , وشعور بالهزيمة الكاملة على وجهها.
قال بصبر نافذ:
" أوه يا هيلين!".
وقبل أن تفهم ما يفعله , رفعها بين ذراعيه وأخذ يسير نحو المنزل , لت ذراعيها حول عنقه ورأسها يستند الى صدره وبدأت تشعر بالدفء الجميل يسري فيها ولكنها تذكرت عرجه:
" أرجوك- أنزلني- أستطيع أن أمشي- لا يجب أن تحملني".
قال بتوتر:
" أنا لست عاجزا تماما".
حاولت أن تجعله ينظر اليها ولكنه لم يفعل فأكتفت بأن تستمتع بوجودها بين ذراعيه ,وسارا لعدة دقائق في صمت.
وعندما وصلا الى المرتفع الذي كان السبب في بداية مشاكلها سمعت صوت الجرار فأدارت رأسها ورأت بولت يتجه تحوها وتوقف أمامها تماما ونزل ووجهه ينطق بالغيظ:
" حضرت بأسرع ما يمكن".
صاح وهو يهز رأسه :
ط هاتها! هل أصابتها خطيرة؟".
رفعت هيلين رأسها وردت:
"أنا بخير يا بولت حقا".
ولكنها لاحظت أن كل أهتمامه كان موجها الى مخدومه.
وأعطاها دومينيك لبولت فشعرت هيلين كأنها رزمة غير مرغوب فيها وقالت محتجة:
" أنزلني- أستطيع أن أمشي".
ولكن أحدا لم يلتفت اليها , سارا المسافة القصيرة المتبقية حتى وصلا وقد جعلاها تشعر بشدة أن عرج دومينيك أزداد , وأن بولت يلومها على ذلك , ففكرت بأسى أنها السبب رغم كل شيء.
كان دخولها المنزل مرة أخرى شيئا غير سار وقد أنزلها بولت في الصالة قائلا:
" أذهبي الى سريرك يا آنسة وسأحضر لك مشروبا ساخنا بعد قليل".
" هذا ليس ضروريا".
وبدأت تتكلم ولكنها وجدت أنها تكلم نفسها , سار دومينيك يعرج الى غرفة الجلوس وذهب بولت وراءه وأغلق الباب بشدة كأنه كان يعاقب هيلين , ونظرت الى أعلى السلالم ودمعت عيناها مرة أخرى , فمن الواضح أنه لا يعمها محاولة الهرب مرة أخرى هذه الليلة- ولكن من يستطيع أن يلومها؟ الى جانب شعورها أنها محطمة لدرجة تشك معها في قدرتها على جمع شجاعتها وحماسها لتحاول ذلك ثانية.

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:40 PM



8- من سجن الى سجن

أغلق الأجهاد عينيها بمجرد أن وضعت رأسها على الوسادة , ولم تشعر ألا بطلوع النهار , فنهضت جالسة في السرير وهي تتوقع أن تجد الصداع ما زال يؤلمها لكنها لم تشعر بألم ,وعندما فحصت جبهتها وجدت كدمة بسيطة يمكن أخفاؤها بشعرها.
وأخذت حمامها وأرتدت تنورة خضراء قصيرة وقميصا ليموني اللون وكانت تمشط شعرها أمام المرآة عندما أحضر لها بولت أفطارها ,وقال وهو يضع الصينية:
" السيد لايول يريد أن يراك يا آنسة".
لم يكن في نبرات صوته ذلك الدفء الذي أعتادته.
" هل تعرف لماذا؟".
فهز بولت رأسه :
" سيشرح لك السيد لايول عندما ترينه يا آنسة".
وسار نحو الباب – وذهبت هيلين وراءه:
" بولت! بولت , ماذا حدث ؟ أنت لست غاضبا مني لأنني حاولت الهرب؟".
" لا يا آنسة ".
تنهدت هيلين:
" ولكنك غاضب- بولت , قلت بالأمس أنك لا تريد أن تراني أتألم , بالطبع أنت تعرف أنه كلما طال بقائي هنا كلما زاد هذا الأحتمال".
" نعم يا آنسة".
" آه.... بولت أرجوك حاول أن تفهم!".
" أفهم يا آنسة".
" أذن لماذا أنت هكذا؟".
وقطبت حاجبيها :
" ألا أذا كنت آسفا لأنني لم أمجح".
" نعم يا آنسة".
شهقت هيلين:
" هل كنت تريدني أن أذهب؟".
" كان أفضل".
وتمتمت بأستغراب:
" وكنت تتخيل أنني سأحاول لذلك تركت مفتاح السيارة فيها".
هز بولت كتفيه:
" لا يوجد لصوص هنا يا آنسة – والمفاتيح عادة تترك في السيارة".
" ولو....".
وهزت هيلين رأسها:
" لم أكن أعرف أنك متضايق الى هذه الدرجة".
وأنطبق فكا بولت :
" وجودك هنا ضار للجميع يا آنسة".
وبهذا التعليق الغامض أنصرف.
وجلست هيلين تأكل أفطارها بقلب حزين ,لمدة أسبوع كان بولت سندها في مواجهة عدم أهتمام دومينيك , وصديقها رغم أختلاف دوافعهما , ولكن الآن يبدو أنها ستفقد حتى صداقته ,وماذا يريد دومينيك ؟ أي سبب قد يكون لديه ليطلبها ألا أذا كان لمعاقبتها على تصرفاتها السيئة بالأمس.
فحصت محتويات الصينية , ما يهم ما بها؟ أن فكرة الأكل جعلتها تشعر بالرغبة في القيء لكنها أستطاعت أن تشرب فنجان القهوة لتهدىء أعصابها .
عندما أنزلت الصينية شعرت بالأرتياح لأنها لم تجد بولت في المطبخ . وبسرعة ألقت كل محتويات الصينية التي لم تذوقها في صندوق القمامة وهي سعيدة أن بولت غير موجود ليرى ذلك.
وهدّأت نفسها ثن خرجت من المطبخ وعبرت الصالة الى غرفة الجلوس وفتحت الباب بحذر ونظرت في الداخل , لكن دومينيك , لم يكن هناك بالطبع لا بد أنه في غرفة المكتب بعمل , وطرقت باب غرفة المكتب ولكن أحدا لم يرد , نظرت في الداخل فتأكدت أنه ليس هناك , فقطبت جبينها , أين يمكن أن يكون؟
قال بولت وهو يقف على السلم:
" أن السيد لايول في سريره يا آنسة , لو كنت أعلم أنك أنتهيت من أفطارك لحضرت لأوصلك".
سألت هيلين :
" هل هو مريض؟".
وأستدار بولت وقال:
" تعالي من هنا يا آنسة".
وصعدا الى الدور العلوي وأستدارا يسارا نحو غرفة دومينيك .
وفتح بولت الباب وأشار اليها بالدخول , وجدت نفسها في غرفة بسيطة جدا لا تشبه غرفتها ,أرضها من خشب مدهون مغطى ببضع أبسطة وجدرانها عارية , والسرير يشبه سريرها .... والهواء البارد يدخل من النوافذ المفتوحة , لاحظت هيلين هذه الأشياء بسرعة ولكن عينيها أنجذبتا الى الرجل الجالس في السرير مستندا على الوسائد ووجهه الأسمر شاحب ونحيل , وأنتقلت نظرته منها الى بولت ثم قال:
" حسنا يا بولت يمكنك أن تتركنا".


وأنصرف بولت ونظر دومينيك الى هيلين قائلا بهدوء:
" لا بد أنك تتعجبين لأحضاري لك الى هنا".
أنفجرت هيلين قائلة:
"لماذا أنت في الفراش؟ هل فخذك أسوأ كثيرا؟".
تحولت ملامح دومينيك الى القسوة وقال بخشونة:
"هل يمكن أن نترك موضوع حالتي جانبا؟ أنك هنا لأنني قررت أن أتركك تذهبين".
"تتركني أذهب!".
ذهلت هيلين وبدا عليها ذلك.
" نعم , أصلح بولت سيارتك وهي الآن في حالة جيدة وصالحة للأستعمال , كما أنه يقوم حاليا بأعداد حقائبك أستعدادا لرحيلك".
ولم تستطع هيلين أن تصدق ذلك:
" ولكن ماذا عنك؟ هل أنت مستعد للرحيل أيضا؟".
وهز دومينيك رأسه:
" لا أظن ذلك , سنعتمد على أنك لن تفشي مكاننا لأحد".
يا ألهي ! فكرت هيلين بأسى – أنها لا تريد أن تذهب!ليس الآن وهو في الفراش , قالت مرة أخرى:
" ما الخبر؟ لماذا أنت في الفراش؟ أرجوك, أريد أن أعرف".
" لماذا؟ هل تسعدين لمعرفة مدى ضعفي؟".
" أنك لست ضعيفا".
" أذن فأنا أتمارض , ماذا يهم؟ ستنسين كل شيء عني وعن أمراضي السخيفة قريبا".
وأطبقت يداه على ملاءة السرير :
" لن أنسى- دومينيك... أنني...".
" أرجوك أن تذهبي".
وكان صوته باردا وحاسما.
" مع السلامة , بولت سيشرح التفاصيل وبتعليماته لن تجدي صعوبة في الوصول الى الطريق الرئيسي".
فركت هيلين يديها وقالت بطريقة يرثى لها:
"لن أذهب أذا لم تكن تريد ذلك".
ولكنه كان بلا رحنة.
" يا فتاتي الصغيرة- أنا لم أكن أريدك هنا منذ البداية!".
كان بولت خارجا من غرفتها وهي تسير كالعمياء في الممر , وكان يحمل حقائبها وظنت أنها رأت للمحة قصيرة شيئا من التعاطف في عينيه ولكن هذا لم يدم ألا لحظة ثم أشار اليها أن تسبقه عل السلم.
قال بصوت لا تعبير فيه:
" أحضرت كل شيء , هل ستحضرين معطفك أم أحضره لك؟".
" أنا سأحضره".
فتحت هيلين غرفة الملابس ثم قالت:
" آه , كنت أريد أن أشكرك على أهتمامك بأشيائي".
" التي كانت في المطبخ؟ أنها في الحقيبة يا آنسة- هل هذا كل شيء؟".
هزت هيلين رأسها بالأيجاب , عليها أن ترافقه حتى الخارج.
وكان قد أحضر سيارتها الى الباب ولاحظت أنه قام يتنظيفها , ووضع حقائبها في صندوق السيارة ثم أعطاها المفتاح قائلا:
" المفتاح الآخر في الكونتاكت – هل أنت مستعدة ؟".
هزت هيلين رأسها بالأيجاب – كانت تخشى أن تتكلم من شدة أنفعالها .
" حسنا".
وأشار الى الطريق الذي سارت فيه الليلة الماضية وقال:
" أتبعي هذا الطريق حوال ميل ونصف وستجدين منعطفا على يسارك سيري فيه وستصلين الى قرية , هذه القرية هي هوكسمير أذا سألت هناك فسيدلونك على الطريق الذي يؤدي الى المكان الذي تريدين الذهاب اليه".
هزت رأسها مرة أخرى ثم أستطاعت أن تقول أشكرك وهي مختنقة:
" العفو- مع السلامة يا آنسة".
" مع السلامة".
نظرت هيلين مرة أخيرة الى المنزل ثم الى الرجل الذي يقف أمام الباب ثم ركبت السيارة وأدارت المحرك وتحركت بعيدا بدون أن تنظر خلفها.
وصلت الى هوكسمير قبل أن تتمالك نفسها , وهناك وضح لها الطريق الذي تسلكه.
وسارت بدون تفكير يكفي أنها عائدة الى لندن , وأي أفكار كانت لديها لقضاء عدة أسابيع في منطقة البحيرات أصبحت مرفوضة الآن , وحتى منزل أبيها في ميدان بارباري حيث يعيش مع أيزابيل فهو يمثل ملاذا لها الآن ولعواطفها الجريحة.
منتديات ليلاس

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بقليل عندما وصلت الى الميدان ورأت سيارة والدها المرسيدس أمام الباب , وتوترت أعصابها , كان هذا شيئا آخر عليها أن تواجهه , وكانت تشعر أنه لن يكون سهلا , كانت أطرافها متخشبة بعد أربع ساعات من القيادة , وكانت تشعر بصداع سببع التوتر العصبي , وصعدت سلالم المنزل ثم فتحت الباب بمفتاحها , وقد جذب صوت فتح الباب سيدة سمراء صغيرة الجسم , عندما رأت هيلين رفعت يديها في أندهاش ثم صاحت:
" أوه ... أوه آنسة هيلين – شكرا لله لقد عدت!".
أغلقت هيلين الباب الخارجي وأستندت عليه لحظة تستجمع قواها ثم حيّت مديرة منزل والدها بهدوء:
" أهلا يا بيسي- هل كان هناك ذعر؟".
وهزت بيسي رأسها:
" وأي ذعر! أين كنت يا آنسة؟".
" يا ألهي ! هيلين!".
ونظرت هيلين لدى سماع صوت والدها ,كان ينزل السلم بسرعة وهو يحملق فيها وكأنه لا يصدق عينيه , وشعرت بالخجل من نفسها عندما رأت خطوط الأرهاق حول عينيه , وفي لحظة كانت في أحضانه القوية وهو يضمها بشدة الى صدره.
أخذ يتمتم وهو يتجاهل تماما وجود بيسي:
"أوه شكرا لله !أين كنت أيتها الصغيرة المستقلة الغبية؟".
شعرت هيلين بالدموع تكاد تنهمر من عينيها , لكنها يجب ألا تسمح لنفسها بالبكاء , أذا فكر والدها أنها تبكي لرؤيته فأن أي ميزةأكتسبتها بذهابها ستضيع منها ثانية .
وقالت أخيرا بعد أن أفلتها وأخذ ينظر اليها كأنه لا يستطع ألا أن يفعل ذلك.
" ألم تصلك رسالتي؟".
" رسالتك؟ طبعا وصلتني رسالتك ولولا ذلك كنت فقدت صوابي الآن , بحق السماء أين كنت ؟ كلفت نصف مخبري بريطانيا السريين للبحث عنك!".
أستطاعت هيلين أن تبتسم :
" هل فعلت؟".
" نعم , لقد فعلت , وكدت أدفع أيزابيل للجنون أيضا , أين كنت بحق الشيطان؟".
سحبت هيلين نفسها من يديه ونظرت الى بيسي بأستعطاف:
" هل يمكن أن أشرب شايا؟ لم أتناول شيئا منذ الصباح الباكر".
ونظرت بيسي الى فيليب جيمس للموافقة وعندما هز رأسه موافقا ذهبت بسرعة ثم سار والدها الى المكتبة وأقفل بابها المزدوج وراءهما.
قال بعد أن جلست في كرسي مريح ذي مسند:
" والآن أريد أن أعرف كل شيء".
تنهدت هيلينوهي تنظر الى يديها:
" حسنا , ليس شيء كثير يقال حقا".
" ماذا يعني هذا بالضبط؟".
وهزت كتفيها قائلة:
" ذهبت الى منطقة البحيرات ".
" ماذا فعلت؟".
" سمعتني يا والدي – ذهبت الى منطقة البحيرات , الى ذلك الفندق الصغير في باونيس الذي أعتدنا النزول فيه عندما كنت طفلة".
فضاقت عينا جيمس وقطب جبينه:
"الثور الأسود؟".
" نعم , هل تذكره؟ قضينا أوقاتا سعيدا هناك , أليس كذلك؟".
حاولت هيلين أن تبدو متحمسة برغم أنها لم تكن تشعر بأي حماس ,وقام والدها عن الكرسي وسألها بهدوء:
" وبقيت هناك كل هذه المدة؟".
" نعم- أظن أنه آخر مكان كنت تفكر أن تبحث فيه عني ".
" في الواقع آخر مكان".
وأخرج علبة سكائره وأخذ منها سيكارة وضعها في فمه :
" ما الذي كنت تريدين الوصول اليه بهروبك؟".
أسترخت هيلين , سيسير الأمر على ما يرام – أنه ليس سئا حقيقة في قرارة نفسه وبعد التجربة المؤلمة التي مرت بها هذا الأسبوع فأن المشاكل التي ستواجهها معه تبدو تافهة بالمقارنة وتذكرت المعاناة التي مرت بها فشعرت بشعور مفاجىء باليأس الفظيع فأطبقت شفتيها وحاولت أن تركز تفكيرها على ما يقوله والدها فقط.
وقالت أخيرا:
" كنت أحتاج لبعض الوقت يا والدي – وقت لأكون بمفردي- لأراجع الأمور بيني وبين نفسي".
ورفع فيليب جيمس كأسه عن الأفريز وأعتدل , كان متوسط الطول ولكن جسمه الممتلىء قليلا كان يجعله يبدو أكثر طولا.
وقال ببطء:
" أظن أن هذا الكلام مقصود به كابح السيارة".
" نعم بشكل ما".
" أنك ما زلت تصرين على عدم الزواج به؟".
" نعم".
قال بعنف:
" أذن مع من كنت؟ لأنني أقول لك يا هيلين أنك لم تنزلي في الثور الأسود في باونيس!".


لحسن حظ هيلين أن بيسي دخلت بمنضدة الشاي في هذه اللحظة وأخذت ترتب الفناجين في أطباقها وتلفت النظر الى طبق الشطائر والبسكويت وكعكة البهار الطازجة قائلة:
" ظننت أنك قد تكونين جوعى يا آنسة- أنك تبدين نحيفة , فندق أو بدون فندق يبدو أنهم لم يكونوا يطعمونك جيدا".
وصاح فيليب جيمس بغضب:
" هل كنت تتنصتين وراء الباب يا بيسي؟".
وتحفزت بيسي:
" لا يا سيدي , أنا لا أتنصت على أحد , انا لست من ذلك النوع , ولكنها ليست غلطتي أذ سمعتك تقول أن الآنسة هيلين لم تكن في ذلك الفندق".
وهز فيليب جيمس رأسه بأستسلام :
" هذا يكفي يا بيسي – يمكنك أن تذهبي- الآنسة هيلين تستطيع أن تأخذ ما تريد بنفسها".
وأنصرفت مدبرة المنزل وبعد ذهابها أنكبت هيلين على أبريق الشاي وهي تحاول أخفاء مفاجأتها بما قاله والدها.
" حسنا يا هيلين , أنتظر الرد".
وقال والدها وهو يعود الى كرسيه أمامها ويطفىء سيكارته التي لم يدخن الا نصفها:
" أريد أن أعرف أين كنت؟".
أحنت هيلين كتفيها وسألت وهي تحاول أن تكسب بعض الوقت:
" كيف علمت أنني لم أكن في باونيس؟".
" بالطرق المعروفة – لقد أجرينا البحث وعلمنا أنك لم تكوني مسجلة هناك في الفندق".
" ولكن كيف علمت أنني قد أذهب الى هناك؟".
" لم أعلم ولكن عندما تبين أنك لم تغادري أنكلترا على الأقل بالطرق المعروفة كان يجب أن أفكر في المكان الذي قد تكونين فيه".
" ولكن باونيس!".
" ولم لا؟ قضينا فعلا أوقاتا سعيدة هناك , أنا أوافقك على ذلك- كان أحتمالا ممكنا".
حركت هيلين رأسها يمينا ويسارا – أذن لو كانت ذهبت الى الفندق الصغير الذي كان يبدو أحسن ملجأ لها من أسبوع لوجدها والدها بعد أيام قليلة , كان يجب أن تفعل الشيء غير المنطقي على الأطلاق , ولكن لو فعلت ذلك لما قابلت دومينيك لايول ولما وقعت في حبه ولما تحملت كل الألم والأذلال على يديه .
وأشتد شعورها باليأس , هل كانت تفضل ذلك؟ ألا تتعرف عليه أطلاقا وألا تشاركه ولو لوقت قصير على الأق آلام وحدته في عزلته! لكنها الآن ستعاني من آلامها الخاصة هي أيضا.
وقالت بتأثر:
" يبدو محزنا ألا أستطيع الذهاب بمفردي لبضعة أيام بدون أن تستأجر فرقة من المخبرين للبحث عني , ما الذي كنت تريده بالعثور علي؟ وماذا كنت ستفعل لو وجدتني في فمدق الثور الأسود".
بدأ والدها يغضب وقال بصبر نافذ:
" لا تجعلينني أفقد أعصابي يا هيلين , لقد سألتك أين كنت ومع من , هل ستجيبينني؟".
نظرت اليه هيلين:
" وأذا قلت لا؟".
فوقف والدها كأن الجلوس يضايقه:
" هيلين للمرة الأخيرة".
" لم أكن مع أحد".
" هل تتوقعين أن أصدق ذلك؟".
" لا يهم ماذا تصدق".
" هيلين أنني أحذرك".
" أوه يا والدي – أرجوك- ألا أستطيع أن أشرب الشاي بدون هذا التحقيق؟".
ودفع والدها يديه في جيب بنطلونه :
" حسنا ... حسنا".
وقال وهو يحاول ألا يفقد أعصابه:
" أشربي الشاي ,أستطيع أن أنتظر".
سكبت هيلين الشاي ووضعت الحليب ثم أخذت ترشفه ببطء , كان الشاي الساخن منشطا جدا وسكبت لنفسها فنجانا آخر , وكانت تشعر أن والدها يراقبها وأن عداءه يزداد مع كل دقيقة.
ولم يعجبها الطعام , أنها تشعر فعلا بالخواء ولكنه خواء الروح وليس الجسد , كانت صورة دومينيك الأخيرة وهو شاحب ومتعب في سريره لا تفارقها.
" حسنا يا هيلين ... هل ستخبرينني أين كنت؟".


وشدها صوت والدها الى محيطها الحالي.
وقالت بهدوء:
" لا أريد أن أجادل معك يا والدي , ألا تستطيع أن تقبل أنني قضيت بعض الأيام بمفردي؟".
" ولكن أين قضيت هذه الأيام- في فندق؟".
وترددت هيلين :
" وأين يمكن أن أقضيها؟".
" هذا ما أريد أن أعرفه".
تنهدت :
" أنني أفضل عدم مناقشة الموضوع- أذا كان هذا لا يضايقك".
" أذا كان لا يضايقني؟".
وقال وقد أغلق قبضتيه:
" أسمعي يا هيلين – يجب توضيح الأمور- ليس فقط لي ولكن لجيش النخبرين الذي أستأجرته للبحث عنك , ماذا أقول لهم؟".
" ألا تستطيع أن تقول أنه كان خطأ كبيرا وأنني لم أكن مفقودة ؟ أقصد أن رسالتي وصلتك".
" هل تظنين أنني أطلعتهم على رسالتك؟ هل تظنين أنني غبي؟".
ووضعت هيلين فنجانها الفارغ:
" أنا آسفة يا والدي لكنني لا أريد أن أتكلم في هذا الموضوع".
" لم لا؟ ما الذي حدث؟ هيلين- قد لا أكون ذكيا فيما يختص بك , ولكنني أعلم أنك تخفين شيئا ,هناك شيء يضايقك أو شخص ما؟ وأنا أنوي معرفة الحقيقة".
وضاقت عيناه:
" ما هذه الكدمة في جبهتك؟ كيف حدثت؟".
" لا شيء ... لقد خبطت رأسي , هذا كل ما في الأمر".
" كيف خبطت رأسك؟".
" كيف يخبط أي شخص رأسه؟ أرجوك يا والدي أنا تعبة ومرهقة – هل أستطيع أن أذهب الى غرفتي".
" هل ضربك أحد؟ هل هذا ما حدث؟ لأنني أحذرك يا هيلين أذا كان هذا ما حدث وأكتشفت من هو...".
" لا تكن دراميا يا والدي- أنك تعلم شعوري بالنسبة الى مايك قبل أن أذهب ,ولن تستطيع أرغامي على الزواج ولا شيء تستطيع أن تقوله سيجبرني عليه".
أخذ يذرع الغرفة بضيق قائلا:
" ولم لا؟ ما الذي يعيب مايكل؟ يا ألهي, لقد قضيت معه وقتا طويلا وكنت أظن أنكما معجبان ببعض وكذلك والده كان يظن الشيء نفسه".
" كنا وأون أننا ما زلنا – ولكن هذا لا يكفي لأن نتزوج".
" لم لا؟ هل تظنين أنني وأيزابيل....".
" ما فعلته أنت وأيزابيل يخصكما وأنا لا دخل لي به".
وأحمر وجه والدها:
" أذا كنت لا تريدين أن تتزوجي مايكل أذن لا بد أنك وجدت شخصا آخر".
" حقا يا والدي؟".
" ما الخطأ في هذا الرأي؟".
" من كنت سأقابل وأنت ووالد مايك وراءنا في كل لحظة؟".
" لا أعلم.... من الجائز أنك تصرفت....".
" لا لم أفعل ".
ونظر في عينيها :
" هل يمكنك أن تؤكدي بأمانة أنك قضيت هذه الأيام الأخيرة بمفردك- أو على الأقل بدون صحبة رجل؟".
أحنت هيلين رأسها بسرعة حتى لا يرى والدها وجهها وقالت:
" نعم".
" أنا لا أصدقك , أنا لم أصدقك من قبل وأنا لا أصدقك الآن – هيلين , أذا كنت تكذبين عليّ...".
" ماذا يحدث هنا؟".


جاءت كلمات زوجة أب هيلين الباردة الهادئة كالماء على الهواء الساخن , ولأول مرة تشعر هيلين بالسرور لرؤيتها برغم أن كلماتها لم تكن مرحبة , قالت بجفاف:
" أذن لقد عدت , كان يجب أن أفهم , فيليب هل هي طريقتك للترحيب بالشاه الضالة؟".
أحنى فيليب كتفيه العريضتين وهو ينظر الى زوجته:
" لا تتدخلي في هذا يا أيزابيل – لقد عدت مبكرة أليس كذلك؟ ألم تستطيعي اللعب؟".
" أن أهتمامك يغمرني يا عزيزي – ولكن الجو كان باردا ورغم أنني أحب الغولف لكنها ليست لعبة يمكن ممارستها بأصابع متجمدة".
ثم نظرت بعينين فاحصتين الى هيلين:
" حسنا , أين كنت؟ هل كنت تقضين أسبوعا ممتعا مع حارس الغابة؟".
" أيزابيل!".
أسكتها صوت زوجها ,وقامت هيلين بعدم أتزان وسألت بهدوء:
" هل أستطيع أن أذهب الى غرفتي يا أبي؟".
قال فيليب بغضب:
" آه ,نعم , ولكن الموضوع لم ينته بعد".
" نعم يا أبي".
سارت هيلين محو الباب وهي تحاول السيطرة قدر الأمكان على نفسها , كل شيء يتكرر مرة ثانية , المجتمع غير الطبيعي الذي تربت فيه يستمر مرة أخرى وهي تكره التكلف وعدم البساطة فيه, ربما كان دومينيك على حق في الأبتعاد عنه ,وربما يجب عليها أن تفعل الشيء نفسه ,ولكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الأمور لن تكون كما كانت.
وخلال الأسابيع التالية حاولت هيلين أن تعود الى نظام حياتها القديم , وبمجرد أت علم أصدقاؤها بعودتها كانوا متحمسين لدعوتها الى العشاء , لكنها كانت فقدت حماسها لهذه الأمور , كانت تريد أبعاد كل الأفكار الخاصة بذلك الأسبوع عن مخيلتها ,ولكن هذا كان مستحيلا , وكان دومينيك يسيطر على تفكيرها , كانت لا تأكل ولا تنام وبدأ تأثير ذلك يبدو عليها.
وكان مايكل فراملي أول من لاحظ التغيير عليها , بدأت تقابله مرة أخرى من ناحية لأنه هو ووالدها يتوقعان ذ لك , ومن نحية أخرى لأنه كان مرافقا مريحا حريصا على مشاعرها لدرجة منعته من توجيه الأسئلة ,وفكرت هيلين أنها قد اخبره ذات يوم بما حدث لأنها تستطيع أن تفضي بمشاكلها لمايك ولا تعرف ما أذا كان رد فعله سيكون متفهما كالمعتاد عندما يتعلق الأمر بمسألة تخصه كهذه.
وبعد ظهر أحد الأيام بعد أن زارا أحد المعارض الفنية في قاعة هيوارد تناولا الشاي في مطعم صغير بجوار نهر التايمس , كان الجو دافئا وكانت أزهار النرجس الصفراء قد بدأت تتفتح في الحديقة ,وأنتظر مايك حتى أنصرفت الفتاة التي أحضرت لهما الشاي وقال بهدوء:
"الى متى تظنين أنك تستطيعين الأستمرار على هذه الحال؟".
ورفعت هيلين رأسها بعنف , كانت ترسم بأصبعها على مفرش المنضدة وهي سارحة في أفكارها وغير منتبهة الى وجوده تقريبا , وصاحت وقد أحمر وجهها:
" أنا... ماذا تعني؟".
" أظن أنك تعرفين ماذا أعني".
قال ذلك ثم تولى سكب الشاي لنفسه.
" الى متى تستطيعين العيش هكذا على أعصابك؟ أنك لا تأكلين ومظهرك يدل على أنك لا تنامين أيضا".
وقالت محاولة تغيير الموضوع الى مزاح:
" هل منظري بهذا السوء؟".
فتنهد مايك:
" شكلك على ما يرام ,وأنت تعرفين ذلك , لكننا نعرف بعضنا جيدا يا هيلين , وأنا أعلم أن شيئا ما أو شخصا ما يضايقك".
قالت هيلين وهي تمد يدها الى قدح الشاي:
" كان الشتاء طويلا".
" أنا لم ألاحظ ذلك".
" لديك عملك- أليس كذلك؟".
قال مايك وهو يشرب الشاي :
" حسنا .... أذا كنت تفضلين عدم الكلام عن الموضوع".
وقالت هيلين :
" أنا لم أقل ذلك بالضبط".
" أذن فأنت تعترفين أن هناك شيئا يقلقك؟".
هزت هيلين رأسها وقالت ببطء:
" نعم , أظن ذلك".
" أنه رجل ,أليس كذلك؟".
" تقريبا".
لم تدر هيلين بماذا تجيبه:
" مايك- أنك تعلم أن والدي... أقصد أنك تعلم أن والدينا يتوقعان أن نتزوج".
" بالطبع".
" وقد خمنت... على الأقل بمعرفتك أنني لا أريد الزواج منك؟".
" هذا واضح جدا حتى لي".
نظرت اليه هيلين بأسف :
" أوه يا مايك , أنك لطيف جدا ,كنت أتمنى أن أحبك – كان الأمر يصبح أكثر بساطة".
وهز مايك رأسه:
" الحياة نادرا ما تكون بسيطة يا هيلين , وأنا متأكد أن هذه طريقة لطيفة لتخبريني أنك لا تريدينني".
" ربما".
فقالت عيلين وهي تضع يدها على يده فوق الطاولة :
" ولكنك لطيف وطيب ومتفهم ".
ورد مايك عابسا:
" يا له من أعتراف خطير!".
" أنت تعلم ما أقصد".
" للأسف أنني أعلم- وبمعنى آخر أنا لا أثيرك , ولكن شخصا آخر يفعل هذا – هل هذا ما تحاولين قوله؟".
نظرت هيلين الى يده البيضاء الرقيقة المختلفة تماما عن يد دومينيك القوية السمراء:
" نعم- هذا ما أحاول قوله".
" أذن هذا الأسبوع الذي غبت فيه , هل كنت مع هذا الرجل؟".
صححت هيلين قائلة بهدوء:
" قابلته عندما كنت غائبة".
" فهمت ,ووالدك لا يريد أن تكون لك به أية علاقة؟".
" بحق السماء ! الأمر ليس كذلك على الأطلاق!".


سحبت هيلين يدها وأطبقت قبضتيها :
" والدي لا يعرف شيئا عن الموضوع وأنا لا أريدك أن تخبره".
" لم لا؟".
" لأنه لم يفهم".
" لماذا؟ من هو ذلك الرجل؟ ماذا تعرفين عنه وأين يعيش؟".
" أوه يا مايك , لقد بدأت تفعل مثل والدي".
وقال مايك وهو يضغط على نفسه لئلا ينفذ صبره:
" حسنا .... تكلمي أنت في الموضوع بكلماتك ".
" أنه كاتب".
" كاتب قصص؟".
" ليس بالضبط – أنه يكتب كتبا غير راوائية".
" هل أعرفه".
" لا أظن".
" لم لا؟ أنني أعرف كثيرا من الكتاب".
" أنه لا يختلط بالمجتمع".
" من هو؟".
" لا أستطيع أن أخبرك".
" لم لا بحق السماء ؟ هيلين أنت تعرفين أن أي شيء تخبريني به سأبقيه طي الكتمان وألا ما كنت بدأت أصلا أن تقصي علي ما حدث".
" أعرف ولكن هذا مختلف- لقد وعدت".
وأسترخى مايك في كرسيه وقال بضيق:
" أنه مأزق".
قالت هيلين وهي تحتضن فنجان الشاي في يدها:
" حسنا , على الأقل أنت تعرف الموقف الآن".
" ليس بما فيه الكفاية , أنك تقولين أنك قابلت أحدا وأنت مسافرة , وأن هذا الشخص يثيرك! ماذا تعنين بذلك! هل تحبينه؟".
ترددت هيلين ثم قالت:
" وعلى فرض أنني أحبه؟".
قال مايك بصبر نافذ :
" لماذا لا تتزوجان أذن؟".
" قد يكون هذا غريبا يا مايك , ولكن أظن أنه يميل الي كثيرا".
فعكس وجه مايك أندهاشه:
" هيلين هذا يصبح أكثر جنونا كل لحظة ؟".
" لماذا؟".
" كيف وقعت في حب ذلك الرجل أذا كان هو لا يميل اليك؟".
قالت هيلين بأسف:
" بسهولة جدا للأسف".
ورد مايك وهو يمسك يدها :
" أوه يا هيلين- ألا تظنين أن كل ذلك خيالي أكثر من اللازم ؟ أقصد أنك قابلت رجلا أنجذبت اليه وظننت أنك وقعت في حبه ولكن يبدو أن كل شيء أنتهى الآن – أليس كذلك؟ ما الذي تستطيعين عمله ؟ لا معنى للمخاطرة بصحتك بعدم الأكل والنوم".
" هل تظن أنني لم أقل ذلك لنفسي مئات المرات؟".
وأستمر يقول بأصرار:
" الى جانب أنه من المحتمل أن يكون متزوجا أو شيئا من هذا القبيل ,هل فكرت في هذا الأحتمال ؟ في كل حال لا بد أن هناك أمرأة في الموضوع".
قالت هيلين بتأكيد:
" أنه ليس متزوجا".
" قد يكون له خطيبة".
" لا!".
" وكيف يمكنك أن تتأكدي من ذلك".
" لأنني أقمت في منزله".
وبعد أن نطقت بتلك الكلمات تمنت لو أنها لم تفعل , كان مايك يحملق فيها غير مصدق ما تقول كأنه لم يرها من قبل , أحست بالحرارة في خديها.
رد مايك بعدم تصديق:
" أقمت في منزله؟ كيف يمكن أن تفعلي ذلك بحق الجحيم؟".
وهزت هيلين رأسها:
" أوه يا مايك ... أرجوك لا تسألني , أرجوك".
" هل عشت معه؟".
" أذا كنت تقصد كزوجين فالجواب لا!".
بدا عليه شيء من الأرتياح ثم أستمر قائلا:
" ولكن كان هناك علاقة ما بينكما أليس كذلك؟".
" تستطيع أن تقول ذلك".
فتنفس بعمق :
" أوه يا هيلين ! لم لا تقولين لي الحقيقة؟ قد أستطيع مساعدتك".
" حسنا- سأحاول أن أخبرك بقدر ما أستطيع".
وهز مايك رأسه موافقا وأستطردت تقول:
" لقد توقفت سيارتي في العاصفة الثلجية ".
" أية عاصفة؟".
" العاصفة التي واجهتني وأنا أقود سيارتي".
" أذن ذهبت فعلا الى منطقة البحيرات؟".
" نعم وكما قلت توقفت سيارتي وقد أتى هذا الرجل لمساعدتي ".
" آه فهمت".
" ثم عرض أن يأويني تلك الليلة وقبلت".
"أستمري".
" في الصباح كان الجو أسوأ – فبقيت في منزله".
" بمفردك مع هذا الرجل".
" لا ليس بمفردي – كلن لديه خادم – كنا ثلاثة".
" وبقيت كل الأسبوع بمنزله؟".
" نعم".
" ووقعت في حبه؟".
" نعم".
" أذن لماذا عدت؟".
" لأنه طلب مني أن أذهب".


نظر مايك للسماء :
" يا ألهي! لماذا؟ ماذا فعلت؟".
لم تستطع هيلين أن تقابل نظرته:
" لم أفعل شيئا , لقد أخبرتك بما حدث".
" بل قصة معينة عما حدث".
" ماذا تقصد؟".
" يا هيلين.... لماذا يطلب منك هذا الرجل أن تبقي في منزله أذا كنت لا تعجبينه؟ ثم لماذا يطلب منك فجأة أن تذهبي؟ أن هذا غير مفهوم , هل كان حقا جذابا جدا؟".
فتنهدت هيلين :
" أنه يعرج- وهذا يسبب كثيرا من المشاكل".
" هل هو كسيح؟".
" ليس بالضبط- أنه يحتاج للراحة".
" وهذا هو الرجل الذي وقعت في حبه؟".
كان مايك مندهشا جدا , وأضاف:
" تقولين أنه يميل اليك وهو كسيح أيضا فوق كل شيء ,يا ألهي! هيلين ,لم أكن أتصور أن...".
نظرت اليه هيلين:
"أعرف ما تحاول أن تقوله يا مايك .... أنك لا تستطيع أن تتصور كيف أجد مثل هذا الرجل جذابا بينما أستطيع أن أتزوج شخا بكامل صحته وبرصيد كبير في البنك فوق ذلك".
" تقريبا".
قالت هيلين وهي تز كتفيها بأستسلام:
" أعرف – أن هذا سيكون شعور والدي بالضبط لو أخبرته".
" هذا طبيعي".
وبدا عليه عدم الأدراك الكامل – فقالت:
" ولذلك لم أخبره".
وهز مايك رأسه بالموافقة:
" لقد بدأت أفهم ".
أخذ يفكر لحظات فيما قالته ثم قال:
" أخبريني يا هيلين- هذه العرقة التي كانت بينك وبين هذا الرجل , هل هي علاقة عاطفية؟".
" يمكن أن تسميها كذلك".
" ولكنه لم يكن مهتما".
" لا".
" هل أنمت متأكدة من ذلك؟".
قالت بضيق:
"طلب مني أن أذهب- أليس هذا كافيا؟".
" نعم ولكن ألم تفكري في أن السبب قد يكون شعوره بعجزه؟".
فحملقت فيه هيلين:
" ماذا تقصد؟".
" من الممكن أن شعوره بالعجز كبير لدرجة تمنعه أن يطلب من أحد مشاركته حياته".
" لا, لا".
رفضت هيلين أن تفكر في هذا الأحتمال الجديد المقلق- أنه ببساطة غير ممكن- أن مايك لا يعرف جميع الحقائق فكيف يمكن أن يعطي تفسيرا معقولا؟ على سبيل المثال فهو لا يعلم أن دومينيك لم يدعها للبقاء في منزله ولكنه حبسها فيه , وهو لا يعلم أنه منذ ذلك الحادث الرهيب الذي قتل فيه شقيقه وأدى لأصابته , يرفض دومينيك مخالطة النساء , وأخيرا لا يعلم أن دو**** كان ينوي في تلك الليلة الأخيرة أن.... ولم يمنعه من ذلك ألا أعترافها المفاجىء بحبها له, هذا الحب الذي رفضه على الفور- لا, أن دومينيك ليس عاجزا بأية حال.
" وماذا ستفعلين الآن؟".
شدها صوت مايك من تأملاتها:
" لا شيء على ما أظن".
" هل تدركين أن والدك ما زال مصمما على أن يعرف أين كنت؟".
فغامت عيناها :
" هل أخبرك بذلك؟ هل طلب منك أن تحاول أن تعرف؟".
قال بصراحة:
" نعم".
وهزت هيلين رأسها:
" لقد خمنت ذلك".
وأمسك يديها بحنان :
" تعلمين أنك تستطيعين أن تثقي بي – أليس كذلك؟".
قالت وهي تبتسم قليلا:
" نعم أعلم ولولا ذلك ما كنت هنا".

سفيرة الاحزان 23-04-10 05:42 PM




9- الزيارة

منتديات ليلاس
رغم أن هيلين رفضت أقتراح مايك
بأن دومينيك قد تكون لديه أسباب جعلته يطلب منها الرحيل , وجدت نفسها في الأيام القليلة التالية تفكر بأستمرار في هذا الأحتمال.
خطط كثيرة تواردت على ذهنها ولكنها أستبعدتها ,ولم تستطع أن تصل الى قرار , ألا عندما عرفت رأي أيزابيل , كان ذلك صباح أحد الأيام بعد أسبوع من عودتها , كان والدها قد أنصرف الى عمله وجلست هي وأيزابيل تشربان القهوة وقالت بقسوة :
" أنك تبدين في أسوأ حال , بحق السماء يا هيلين أذهبي لرؤية هذا الرجل أيا كان!".
" أي رجل؟".
" أوه لا تقولي لي هذا الكلام".
وأخذت أيزابيل سيكارة :
" ذاك الرجل الذي يجعلك لا تنامين , لا داعي لأن تتظاهري بغير ذلك- أنا أعرف الأعراض".
ونظرت هيلين الى يديها :
" هل طلب والدي منك أن تحدثيني في هذا الأمر يا أيزابيل؟".
" بالطبع لا .... هل تظنين أن والدك يتصور أنني أستطيع التأثير عليك في أي أتجاه؟".
" لا أظن ذلك".
" أذن لماذا لا تذهبين لرؤيته ! لا بد أنه رجل له قيمته , أنني لم أرك بهذا الشكل أبدا".
فتنهدت هيلين وقالت:
" أنك تجعلين الأمر يبدو سهلا".
" أليس هو كذلك ؟ ما المانع؟ هل هو متزوج؟".
"لا".
" أذن ما الذي يمنعك؟".
نظرت هيلين الى زوجة أبيها وقالت بهدوء وقد وصلت الى قرار:
" لا شيء .... لا شيء أبدا".
وأبتسمت أيزابيل:
" هل أفهم أنك ستختفين لبضعة أيام أخرى؟".
" أفهمي ما تريدين".
" في أي حال لا تشغلي بالك – سأخبر فيليب أنك ذهبت لقضاء بضعة أيام مع أحدى صديقاتك- ما رأيك في ذلك؟".
قالت هيلين بسخرية وهي تقف:
" أنه كالحلم".
وضحكت أيزابيل:
" يا عزيزتي – أريدك فقط أن تكوني سعيدة".
" هكذا! وبعيدا عنك أيضا".
" أنه أحتمال مغر".
هزت هيلين رأسها وخرجت من الغرفة , أيزابيل تقول رأيها بصراحة , في أي حال أذا كانت تستطيعأن تهدىء شكوك والدها فهذا شيء حسن.
كان الوقت يقترب من موعد الغداء عندما أستطاعت هيلين أن تخرج لتبدأ رحلتها الى هوكسمير في الشمال.
ووصلت هوكسمير حوالي الغروب , وبينما كانت تسير في القرية كانت تبحث بعينيها عن فندق صغير قد يستقبل نزلاء لقضاء الليل , هناك فندق واحد هو فندق البجعة وقد أخذت ملحوظة بذلك من باب الأحتياط وزمت شفتيها , هل يحتمل أن يمنعها دومينيك من دخول المنزل بعد أن سافرت كل هذه المسافة؟ هل يرفض مقابلتها؟
كان من السهل أن تجد المنزل القديم في ضوء النهار , لكن ضوء النهار لن يستمر طويلا .... زادت من سرعتها وأخيرا وصلت الى الباب الأمامي , لم يكن هناك أي علامة من علامات الحياة وهي تقترب من المنزل , لا دخان يتصاعد من المداخن ولا صوت للحيوانات من الخلف.
أوقفت السيارة وخرجت منها وهي ترتعش وتنظر الى النوافذ البيضاء.
كانت تريد أن تدير المقبض وتفتح الباب , لكن فكرة أن شيبا قد تكون وراءه منعتها , وبدلا من ذلك طرقت الباب ,ووقفت تنتظر بصبرأن يفتح بولت ,ولكن أحدا لم يرد , تردد صوت طرقها في المبنى الحالي فغشيتها موجة من خيبة الأمل غير المتوقعة- كان أفتراضها الأول صحيحا – أن المنزل مهجور – لقد رحلوا!


حاولت أن تفتح الباب يحدوها أمل ضئيل أن تكون مخطئة ولكنه كان مغلقا بأحكام , وولة سريعة في الفناء الخلفي أكدت لها أن الحيوانات غير موجودة أيضا ,ولكن الى أين؟ ولماذا؟ تنهدت بخيبة أمل , هل تصور أنها ستذهب وتخبر والدها عن مكانه؟
بشعور من الأكتئاب عادت الى السيارة ,ومرت بها سيارة واحدة في طريق عودتها , سيارة رمادية عادية لكن راكبها كان قصيرا وسمينا وأشقر ولا يشبع أبدا دومينيك لايول أو بولت.
رحب مدير فندق البجعة بها , وبعد أن دخلت غرفتها نزلت لتتناول عشاءها في غرفة الطعام , لم يكن هناك ألا نزيل واحد آخر , كان رجلا قصيرا أشقر له شارب , كانت شبه متأكدة أنه الرجل نفسه الذي رأته من قبل عندما تركت المنزل , لكنها كانت مشغولة بالتفكير في أشياء أخرى فلم تلق بالا الى ذلك الشخص- بعد أن أنتهت من طعامها حاولت التحدث مع المدير , قالت:
" أخبرني .... هل ذلك المنزل في أعلى الطريق.... القريب من هنا...".
" هل تقصدين منزل أشبورن يا آنسة؟".
" أذا كان هذا أسمه , مبنى قديم ولكنه لطيف".
" أنه هو يأ آنسة , هل أنت مهتمة به؟".
" أنا.... حسنا ...أظن ذلك".
هز المدير رأسه بأسف:
" وجدتيه خاليا ولكنه ليس للبيع".
" ليس للبيع؟".
" لا,الشخص الذي يملكه مسافر , هذا كل ما في الأمر , سمعت أنه ذهب الى المستشفى".
" المستشفى!".
وصاحت هيلين بدون تفكير ثم أجبرت نفسها أن تسترخي وتبتسم:
" أقصد- هذا مؤسف , هل هو أمر خطير؟".
" لا أستطيع أن أعرف بالضبط يا آنسة- لم نكن نراهما كثيرا".
" هما؟".
" نعم معه شخص آخر أسمه بولت كان يحضر الى القرية وأن كان هذا لا يهمك يا آنسة".
" أوه.... أنه يهمني – أستمر".
نظر اليها المدير نظرة غريبة:
" لعلك تعرفين ذا الشخص؟".
أخفت هيلين وجهها في فنجان القهوة وهزت رأسها بشدة بالنفي , وأستطرد المدير قائلا:
" في أي حال أتوقع أنهما سيعودان , ليس هناك أمل كبير في أن يبيعا المنزل".
" لا".
وكانت هيلين تسأل نفسها : كيف تصوغ سؤالها التالي:
"يبدو من المؤسف أن يبقى المنزل خاليا , ولكن لماذا لم يبق بولت؟ كنت أظن أنه يبقى في المنزل بينما مخدومع في المستشفى لو كانا سيعودان".
" آه , نعم, ولكن كما سمعت ذهبا الى لندن – من الجائز أن هذا الشخص كان يجب أن يدخل المستشفى هناك".
" لندن؟".
شعرت هيلين بالتخاذل ,جاءت كل هذه المسافة الى هنا ودومينيك يرقد في أحدى مستشفيا ت لندن , ولكن لماذا؟ ماذا حدث له؟ شعرت أنها تريد أن تأخذ سيارتها وتسرع عائدة الى لندن , ولكنها بالطبع لا تستطيع ذلك- تركها المدير وذهب ليحادث النزيل الآخر , فقامت وصعدت الى حجرتها , ستذهب لتنام مبكرة وفي الغد ستغادر الفندق بمجرد طلوع النهر .
ولأول مرة منذ عدة أسابيع نامت نوما هادئا , كانت متأكدة أن ذلك أذ كانت تشعر بأنها مرهقة .
ولكن في اليوم التالي , شعرت بأنتعاش وعادت الى المدينة بحماس أكبر.
كانت مستلقية بتعب في كرسيها بعد أن آلمتها عيناها من كثرة البحث في دليل التلفون عندما دخل والدها , فنظرت اليه نظرة أستطشافيى فوجدته في حال من الغضب الشديد.
" ماذا تفعلين بحق الجحيك؟".
سألها وهو يدفع أحد أدلة التلفون الضخمة التي تركتها على السجادة بقدمه ,وتنهدت هيلين وقالت بهدوء:
" أجري مكالمات تلفونية".
" أرى ذلك- من تطلبين؟".
" هل هذا مهم؟ ألا أستطيع أن أجري مكالمة تلفونية قبل أن أسألك؟".
" لا تكوني وقحة؟".
ودفع والدها يديه في جيبي بنطلونه :
" لماذا ذهبت الى هوكسمير أمس؟".
وفتحت هيلين فمها في دهشة:
" كيف علمت؟ أوه- لا يمكن أن تطلب من أحد أن يتبعني؟".
"لم لا؟ هناك مخبر يتبعك منذ ثلاثة أسابيع".
كان هذا رد والدها بأقتضاب .
وأرتعشت شفتا هيلين:
" أفهم ".


وقف والدها أمامها ونظر أليها بصبر نافذ:
"هل ستخبرينني لماذا ذهبت الى هوكسمير ؟ أم أخبرك أنا؟".
" أنت تعلم؟".
" أظن ذلك".
كان والدها يتنفس بصعوبة:
" أظن أنك ذهبت لمقابلة رجل كنت تظنين أنه يقيم في منزل أشبورن , دومينيك لايول ".
كانت هيلين ترتجف:
" أوه يا والدي! لماذا لا تترك الأمور تسير كما هي؟".
" يا هيلين أنت أبنتي الوحيدة , هل تظنين أنني سأجلس هادئا وأتركك تحطمين حياتك- حياتك التي خططتها لك؟".
" أنا أبلغ الثانية والعشرين يا والدي".
" وما أهمية ذلك- أنك ما زلت أبنتي ومن حقي أن أعرف ماذا تفعليم".
" يا والدي , أنك لا تفهم".
" أفهم جيدا الآن- ماذا كنت تأملين أن تحققي بذهابك للايول – هل هو الرجل الذي قضيت معه ذلك الأسبوع؟".
" هل هناك فائدة من الأنكار؟".
" لا أظن – أن باركلاي كفء جدا".
" لا بد أنه ذلك الشخص المجهول الذي كان في المطعم الليلة الماضية".
" نعم , أظن أنك تستطيعين أن تصفيه بذلك الوصف , كل النخبرين الخصوصيين يجب أن يكونوا كذلك! أقصد مجهولين .... لأن مهنتهم تتطلب ذلك , فمن غير المفيد لهم أن يلاحظهم الناس".
" نعم , أظن ذلك".
" أذن لم تجديه؟".
" لا".
" هذا ليس غريبا , بما أنه موجود هنا في لندن".
طرفت عينا هيلين فقد خطر لها خاطر:
" هل تعرف أين هو في لندن؟".
" ربما أعرف".
وأعتدلت هيلين في جلستها.
" أوه يا والدي أرجوك – أين هو؟".
قطب والدها :
" لماذا أخبرك؟".
" أرجوك".
" حسنا , سأخبرك- أنه في عيادة خاصة".
" كيف عرفت ذلك؟".
" باركلاي أكفأ منك قليلا يا عزيزتي , سأل في مكتب البريد عن العنوان الذي ترسل اليه مكاتباته".
وأطبقت هيلين قبضتيها:
" يا ألهي ! لماذا لم أفكر في هذا؟".
" أشك في أنهم كانوا سيخبروك , من المذهل أن بطاقة المخبر الخاص تبدو رسمية لهذه الدرجة".
وهزت هيلين رأسها :
" أريد أن أراه".
" لا أظن أن هذه فكرة حسنة".
" لا تظن؟".
وقامت هيلين:
" يا أبي- أذا لم تخبرني أين هو سأخرج من هذا المنزل ولن تراني ثانية!".
" هيلين! هيلين! بحق السماء ى تتصرفي كطفلة غبية ! ماذا يعني هذا الرجل لايول بالنسبة اليك؟ وماذا تعنين بالنسبة اليه؟ كيف تعرفت عليه؟ ".
" أذا أخبرتك هل ستخبرني أين هو؟".
أخذ والدها نفسا ثم أجاب:
" حسنا- بشرط أن تخبريني بالحقيقة كلها".


ترددت هيلين ثم غاصت في كرسيها وأخذت تحكي ببطء الأحداث التي أدت للقائها بدومينيك – أخبرته عن العاصفة الثلجية وتوقف سيارتها ثم الظروف المروعة التي أدت لذهابها معه الى منزله- ثم كيف كان وجهه مألوفا لديها وكيف تعرفت عليه.
في هذه النقطة قاطعها والدها قائلا:
" هل تقصدين أن هذا الرجل هو دومينيك لايول بطل السباق؟".
وكان يبدو مذهولا.
تلعثمت هيلين :
" ظننت أنك علمت".
" هيلين – هيلين ! أنه ليس أسما غريبا , لم أحلم أبدا ....".
وهز رأسه :
" آسف – أستمري ".
أستمرت هيلين بحماس أكبر الآن بعدما شعرت أن عداء والدها قد خف لحد ما , بالطبع كان معجبا بدومينيك لايول ... هل من الممكن أنه ما زال معجبا به؟".
لم تذكر التفاصيل في علاقتهما , وأن كانت قد لمحت الى ما حدث , وعندما أنهت قصتها فقط تنفس والدها محدثا صفيرا".
" يا ألهي ,أي موقف!".
" والآن هل تفهم لماذا لم أستطع أن أخبرك؟".
" كان يمكن أن تثقي بي".
" هل كنت أستطيع حقا؟".
ونظرت اليه هيلين بشك فبدا عليه الخجل .
" لعل لديك بعض الحق ألا تثقي بي – ولكن يا هيلين دومينيك لايول لا بد أنه يبلغ الأربعين عاما تقريبا".
وافقت بهز رأسها:
" أظن أنه يبلغ الثمانية والثلاثين ولكن ما أهمية ذلك؟".
هز والدها رأسه مرة ثانية:
" أنه كبير بالنسبة اليك, الى جانب أنك تقولين أنه كسيح".
" أوه يا والدي أرجوك لا تستعمل هذه الكلمة- أن به عرجا فقط هل تظن أن هذا يهمني- حتى لو كان سيمضي حياته على كرسي فأنني سأستمر أحبه!".
ذهب فيليب ليسكب لنفسه كأسا- وعندما رفع الكأس في سؤال صامت هزت رأسها بالنفي.
" لا أشكرك , لا أريد ,والآن هل ستخبرني أين هو؟".
" حالا... حالا".
أبتلع والدها نصف كأسه ثم قال:
" هل تعلمين لماذا هو في المستشفى؟".
" لا – هل تعلم أنت؟".
" لا , أن تحرياتنا لم تصل الى هذه الدرجة , وقد طلبت من باركلاي أن يتوقف حاليا".
" الحمد لله".
" ماذا تعنين ؟".
" أوه – يا والدي- ماذا سيكون شعوره أذا أكتشف أنك كنت تتجسس عليه؟ سيظن أنني أخبرتك".
" لقد أخبرتني!".
" أنك تعلم ما أعني".
تحركت هيلين بصبر نافذ:
" يا والدي أخبرني أين هو ".
" حسنا".


سحب والدها بطاقة من جيبه الداخلي:
" هذه هي العيادة- مديرها هو الدكتور جورج جوهانسن لا أعرف شيئا عنه سوى أنه مشهور بأنه أخصائي جراحة عظام".
فأمتقع لون هيلين:
"أخصائي جراحة عظام ! هل تظن أنه دخل العيادة لأجراء عملية جراحية في فخذه؟".
" كيف أعلم؟ أذا كنت مصممة على رؤيته أقترح أن تذهبي وتري بنفسك".
فوافقت هيلين وقد أصابها الدوار:
" نعم- نعم سأفعل ذلك".
وأتجهت نحو الباب :
" أشكرم يا والدي".
وأحنى فيليب كتفيه بضيق :
" لا تشكريني – أنا لا أعد بشيء – ولكن أذا كانت رؤية ذلك الرجل ستعيدك الى الحياة فأنا مستعد لذلك".
ترددت هيلين لحظة وهي تريد أن تضيف شيئا ولكنها هزت رأسها وأنصرفت.
وكانت عيادة جوهانسن في شارع هارلي , كانت فيما مضى منزلا فخما أما الآن فأن طوابقه الثلاثة تحولت الى مستشفى خاص , مجهز تجهيزا فاخرا , صرفت هيلين سيارة الأجرة , وصعدت السلم الى الباب , ضغطت على جرس صغير , وقفت تنظر حولها بفضول محاولة ألا تفكر في الأسباب التي دفعتها الى الحضور , وكانت الزهور تعطي جمالا وتخفف الجو الرسمي في غرفة الأستقبال , وبدد عبيرها رائحة العيادة الطبية , وكانت الصالة التي يؤدي اليها السلم مغطاة بسجادة خضراء فاتحة , وحاولت هيلين أن تدعي أنها لا تختلف عن الفندق.
" هيلين".
قطع عليها تفكيرها هذا النداء المصدوم فأستدارت لتجد بولت نزل السلالم القليلة التي تفصله عنها.
وقالت بصوت مهتز:
" أوه بولت! بولت هل دومينيك هنا؟".
كان بولت يبدو في شكل رسمي غير مألوف وهو يلبس حلة رمادية , ولكنه عندما رأى القلق على وجهها قال بهدوء:
" نعم أنه هنا".
وذهبت هيلين اليه وهي تنظر بأستعطاف:
" كيف حاله ولماذا هو هنا؟ هل أصابه التعب بعد أن حملني؟".
نظر بولت حوله :
" هل قابلت أي شخص في العيادة؟".
" لا لم يكن هناك أحد- ضغطت على الجرس ولكن لم يأت أحدا".
ونظر بولت الى ساعته:
" أنه موعد تناول الشاي – الشاي يقدم للمرضى الساعة الخامسة , أظن أن الجميع مشغولون".
أشار الى غرفة كتب عليها الزائرون :
" لندخل هنا- ليس من المحتمل أن يكون أحدا منتظرا في هذا الوقت".
لم يكن هناك أحد فعلا في غرفة الأستقبال وأغلق بولت الباب وعندما رفضت هيلين أن تجلس كما أقترح سألها:
" ماذا تفعلين هنا؟".
تنهدت هيلين:
" أريد أن أرى دومينيك".
" كيف علمت أنه هنا؟".
" أنها قصة طويلة- بولت أرجوك- ألن تتكلم في الموضوع , لماذا أتى دومينيك الى هنا؟".
دفع بولت يديه في جيبي بنطلونه وقال بحزن:
" قرر أن يجري العملية التي أرادوا أجراءها له بعد الحادث".
" هل تقصد... هل تقصد أنه وافق على أن توضع قطعة من العظم الصناعي في فخذه؟".
وكانت هيلين مذهولة :
" شيء من هذا القبيل".
" أوه يا بولت".
وضغطت يداها على خديها :
" ومتى ستجري العملية؟".
" أجريت من أسبوعين".
ولم تستطع هيلين أن تصديق :
" من أسبوعين ؟ ولكن هذا ... كان هذا....".
" بعد ذهابك مباشرة , نعم".
ونظرت اليه هيلين بأستغراب:
" لماذا قرر فجأة أن يجري العملية؟".
نظر بولت الى طرف حذائها :
" لا أعلم حقيقة".
وأمسكت هيلين بذراعه :
" أنا لا أصدقك! لا بد أن دومينيك ناقشك في الأمر!".
وقال بولت بهدوء :
" وهل هذا يخصك؟".
لمعت عينا هيلين :
" أظن ذلك- أنني أحبه".
هز بولت رأسه:
" هل حقا تحبينه؟".
" نعم ,نعم – حسنا أذا كنت لا تريد أن تخبرني لماذا أجرى العملية , هلى الأقل أخبرني أذا كانت قد نجحت".
وتردد بولت :
" أذا أخبرتك يجب أن تعديني بألا تخبريه بما أقوله لك".
" بالطبع".



فقطبت هيلين جبينها بقلق – شعرت من نغمة صوته أن الجواب سلبي .
وأعترف رغما عنه.
" أذن فالجواب لا – لم ينجحوا".
وتدلت كتفا هيلين :
" هل تعرف السبب؟".
" لا أعرف الكلام الطبي , ولكن أساسا يبدو أنه أذا تركت العظمة تلتئم بدون أصلاح فأنها تصبح مصدرا دائما لتشويه المفاصل الأخرى , وفي هذه الحالة أدى أنقضلء الوقت بين الحادث وبين محاولة العلاج الى أن يصبح الموقف أكثر صعوبة".
" أوه يا بولت".
وشعرت هيلين يشعور غامر بالعطف على الرجل الذي أحبته.
" أوه أين هو ؟ يجب أن أراه!".
فتنهد بولت:
" لا أعرف أذا كان سيوافق أن يراك يا هيلين".
" لم لا؟".
" أظن أنك تعلمين لم لا".
وسارت هيلين الى الباب وقالت بوضوح:
" سأذهب لأراه ولن يمنعني أحد".
عندما خرجت الى القاعة مرة أخرة وبولت وراءها , كانت المضيفة أمام مكتبها , ونظرت الى هيلين بأستغراب وأخذ بولت يشرح.
" هذه صديقة للسد لايول ,هل يمكن أن تراه الآن؟".
وشعرت هيلين بأمتنان شديد لبولت لتدخله , كان تعريفه لها يجعل وجودها أسهل , فأبتسمت المضيفة ووافقت قائلة أنه لا مانع من ذلك , وفتحت الممرضة الشابة الباب وقالت بمرح:
" أن لك زائرة يا سيد لايول- تفضلي يا آنسة جيمس".
ودخلت هيلين بشيء من الخوف وهي تتوقع أن يأمرها دومينيك بالخروج , لكن رغم أنه لم يبتسم لم يقل شيئا يجرحها قبل خروج الممرضة من الغرفة , كان يجلس في السرير الضيق ويلبس بيجاما من الحرير الأحمر الغامق ,لم تستطع هيلين أن ترفع بصرها عنه , كانت تشعر أنها لم تره من مدة طويلة , وأنها مشتاقة لرؤيته رغم أن المدة لم تزد عن ثلاثة أسابيع , لم تلاحظ الغرفة الجميلة ذات السجادة الزرقاء والستائر وغطاء السرير ذا اللون الأزرق أيضا , والتي تختلف عن أي غرفة في مستشفى عادي وبعد خروج الممرضة فزعت هيليت فجأة عندما سمعت صوته وقد أمتلأ بالغضب والخشونة .
" كيف بحق الجحيم وجدتني هنا؟".
تنفست بأضطراب ثم تمتمت:
" هالو دومينيك ! كيف حالك؟".
كان وجهه يعكس الضيق الشديد الذي يشعر به فغاص قلبها في صدرها .
" هل أرسل بولت وراءك؟".
" لا , بالطبع".
أقتربت من السرير – كانت مشتاقة لتلمس يده السمراء- ونظرت اليه وهي تتذكره عندما حملها بين يديه وكانت تشعر بقربه , وتمنت لو أحتضنها مرة أخرى- ثم قالت:
" دومينيك- ذهبت الى هوكسمير .... و... علمت أنك جئت الى لندن".
" لماذا ذهبت الى هوكسمير ؟".
للحظة تغلب فضوله على غضبه , فأجابت بأشتياق:
" أردت أن أراك مرة ثانية".
وألتوت شفتاه :
" حقا؟ لماذا؟".
" دومينيك , أنك تعلم لماذا".
لم تستطع أن تكمل كلامها .... مدت يدها لتمسك بيده , ولكنه سحبها بعيدا .
وقال ببرود:
"أظن أنك ترتكبين خطأ- أوضحت لك الموقف بما فيه الكفاية من عدة أسابيع ماضية- لا يوجد بينك وبيني أي شيء".
حبست هيلين أنفاسها :
" أنا لا أصدق ذلك".
" لا يهمني أذا كنت تصدقيه أم لا".
وقطب حاجبيه :
" كيف وجدت هذا المستشفى؟ أنا لم أخبر أحدا ألا بولت".
" ليس بولت".
وتكلمت هيلين بصعوبة:
" أذا كان لا بد أن تعرف فقد أستأجر والدي من يتبعني ".
"ماذا تقصدين؟".
وبدأت تبكي:
" أستأجر والدي مخبرا خاصا ليتبعني –أخبرتك عن شخصية والدي , حاول أن يجبرني عندما عدت أن أخبره أين كنت".
" لماذا لم تخبريه بكل بساطة أنك كنت تقيمين بفندق؟".
"فعلت ولكنه قد أتصل بالفندق الذي ذكرته وعلم أنني غير موجودة فيه وبعد ذلك...".
وصدرت عنها حركة تعبر عن الأستسلام.


وأطبقت يدا دومينيك :"
" وأظن أن ذلك المخبر وجد العيادة؟".
" نعم".
تنهدت هيلين وقالت:
" لكن والدي لم يعرف من أنت ألا ... ألا عندما أخبرته".
ضاقت عينا دومينيك:
"أنت أخبررته؟".
" نعم أضطررت الى ذلك , رفض أن يخبرني أين أنت , ألا أذا , ألا أذا.....".
وحملق دومينيك في أتجاه النافذة.
" هل أنت متأكدة أن هذه هي الحقيقة كاملة؟".
" ماذا تعني؟".
" حسنا- هل أنت متأكدة أن المخبر لم يذهب الى هوكسمير وأكتشف أنني في المستشفى؟ ثم أستنتج الباقي؟".
بدا على هيلين عدم الفهم :
" أنا لا أفهم".
ونظر اليها مرة أخرى :
" أظن أنك تفهمين , ألم تسنتجي أنني في المستشفى لأصلح فخذي".
" أنا.... حنا , نعم".
" ظننت ذلك – ول فكرت أنني فعلت ذلك من أجلك؟".
" لا... أنا".
لكنها كانت قد فكرت في ذلك, خطرت لها هذه الفكرة بشكل غير محدد بعدما تكلمت مع بولت وكان يبدو ذلك على وجهها.
ثم سألها:
" مع من تحدثي منذ مجيئك الى هنا؟".
" لماذا ..... لا أحد".
" حسنا .... أنا لا أريدك أن تناقشي أموري مع أي شخص – هل تفهمين؟ أموري لا تخصك , أنا آسف لأنني أخيب أملك ولكن عندما أخرج من هنا ليس لدي النية في أن أستعمل حريتي المستعادة في البحث عنك".
" حريتك المستعادة؟".
" بالطبع- أنط لا تعرفين , أليس كذلك؟ لقد نجحت العملية نجاحا كاملا , وسأصبح شخصا جديدا تماما بعد بضعة أشهر ,ولكنك لن تكوني موجودة للمشاركة في الأحتفالات , وسأرسل اليك بطاقة من فلوريدا أو جامايكا أو أي مكان آخر !".
تجمدت هيلين في الحال , ما الذي يقوله؟ العملية نجحت في تصحيح فخذه؟ ولن يعرج عندما يخرج من المستشفى؟ ولكن بولت قال أنها فشلت وأن التشويه لا يمكن علاجه!
وشعرت بالدوار , لا بد أن أحدا منهما يكذب – ولكن أيهما؟ وفي أي حال هل يهم ذلك؟ دومينيك لا يريدها , أوضح ذلك تماما , يجب أن تخرج من هنا وكلما أسرعت كان ذلك أفضل.
ونظرت الى الباب , كان يبدو بعيدا ولكنها تستطيع أن تتمالك نفسها حتى تخرج يجب ألا تنهار أمامه.
وتحركت بعدم ثبات وعندما وصلت الى الباب ووضعت يدها على المقبض قال:
" لا تقلقي لمعرفة والدك بوجودي , أنا متأكد أنك عندما تخبريه بما حدث سوف يسعده الأحتفاظ بهذه المعلومات لنفسه".
ونظرت اليه هيلين نظرة أخيرة , أنها لن تفكر فيه بعد اليوم.


سفيرة الاحزان 23-04-10 05:44 PM



10- هالو هيلين!

شعرت بالأرتياح لأنها لم تقابل بولت وهي خارجة من المبنى .
أشارت لسيارة أجرة وهي في حالة أقرب الى الدوار , وأعطت السائق عنوان منزل والدها , ولكن في منتصف الطريق غيرت رأيها وطلبت منه أن يأخذها الى شاطىء النهر- ولاحظت أن السائق ينظر اليها بطريقة غريبة عندما دفعت له أجرته وفكرت بطريقة هستيرية أنه يعتقدها ستنتحر.
راودتها هذه الفكرة وهي تنظر الى المياه المظلمة أسفل الجسر , كانت تعلم أن والدها ينتظرها في المنزل الأمر الذي ملأها بالأكتئاب , لم تكن تريد الكلام عن المشهد الذي حدث بينها وبين دومينيك ولكن لم يكن أمامها مخرج.
منتديات ليلاس
أخذت تتجول بلا هدف بينما حركة المرور على أشدها , ثم دخلت مقهى وطلبت بعض الشاي , الساعة حوال السابعة مساء عادت الى المنزل, وعندما توقف التاكسي أمام الباب قفز والدها هابطا السلم وذهب ليساعدها , تمتم قائلا وهو يمسك ذراعها:
" أوه حمدا لله ! هل تريدين أن أصاب بأزمة قلبية؟".
وأرتعش فمها , كانت تشعر دائما أو والدها قوي لا يقهر.
وبدأت تقول :
" آسفة أذا كنت سببت لك القلق".
ولكنه قتطعها بحدة:
" قلقت عليك؟ هيلين- هل تلاحظين أنك تركت العيادة منذ أكثر من ساعة ونصف!".
وقالت بتعب:
" أظن أنك أتصلت تلفونيا ".
" طبعا أتصلت تلفونيا – أين كنت؟".
" ذهبت أتريض سيرا على الأقدام – على شاطىء النهر".
" شاطىء النهر ؟".
وأصفر لونه قليلا:
" يا ألهي- هيلين , هل كنت تفكرين........".
وأعترفت بهدوء:
" نعم – فكرت –أوه يا أبي- أنني تعيسة جدا!".
وأنفجرت باكية.
بعد حوال ثلاث ساعات دق جرس الباب في منزل جيمس في ميدان بارباري , كانت هيلين في فراشها كنها لم تكن نائمة رغم أن والدها أعطاها بعض الأقراص المنومة قبل أن يخرج مع أيزابيل الى العشاء.
منذ عودتها الى المنزل هذا المساء أخذت تراجع رأيها في والدها- كان طيبا ورقيقا ومتفهما – وأدركت أنه في الحقيقة مهتم بسعادتها كأي أب آخر.
وعندما دق الجرس مرة أخرى جلست في فراشها ونظرت الى ساعتها , كانت الساعة حوال العاشرة والنصف , من الذي يحتمل أن يأتي في مثل هذه الساعة من الليل؟ ألا أذا وقع حادث لوالدها وزوجته , خرجت من فراشها وأرتدت ثوبا من الشيفون الأخضر الشفاف فوق قميص نومهل , لم تكن بيسي موجودة.
وركضت هابطة السلم وأجتازت القاعة ثم فتحت الباب نصف فتحة وفغرت فاها دهشة , كان دومينيك يقف على عتبة الباب ويستند بثقل على عصا.
وقال:
" هالو هيلين- هل أستطيع الدخول؟ أريد أن أتحدث معك".
خطوط الأجهاد التي رأتها من قبل حول فمه تبدو أكثر عمقا.
فتحت الباب ثم وقفت وراءه تخفي نفسها وهو يعرج الى الداخل , تنبهت في هذه اللحظة فقط أن ملابسها خفيفة أكثر من اللازم , فقالت بسرعة:
"سأذهب لأرتدي بعض الملابس".
"لا".
مد يده وأمسك بيدها وهي تمر بجانبه ثم نظر اليها نظرة فاحصة قائلا:
" لا , لا تذهبي- أنك تعجبينني كما أنت".
وأحمر خداها :
" دومينيك".
" هل هناك مكان يمكن أن نتكلم فيه؟".
أجفل عندما أعترته نوبة من الألم وقال:
" هل أستطيع – أن أجلس؟".
" بالطبع ... بالطبع , هل تريد أن تستند علي؟".
أتسعت عيناها – كانت قلقة عليه , ولكنه هز رأسه قائلا :
" لا أظم أن هذا ضروري".
ولكنها لاحظت أنه يستند بثقل أكبر على عصاه وهي تقوده الى غرفة الجلوس .
وأضاءت النور ثم وقفت بتردد الى جانب الباب بينما سار هو نحو الأريكة الواسعة وجلس عليها بأرتياح ظاهر , ثم أستدار لينظر اليها ,ومرة أخرى شعرت بالحرج , وقالت بأصرار:
" لا بد أن أذهب لأرتدي ملابس أخرى".
هز كتفيه العريضتين :
" حسنا , أذا كنت تريدين أن تكوني محتشمة ,ولكن لدي فكرة جيدة عن جسم المرأة ".
فحملقت فيه هيلين وقد نسيت موضوع مظهرها ثم سألت بأضطراب:
" لماذا.... لماذا أتيت الى هنا؟".
أسترخى على الوسائد , وقد بدا على وجهه النحيف شيء من السخرية بعد أن أستراح من عناء المشي , وفكرت بيأس أنها لن تتعب أبدا من النظر اليه , الى ملامحه السمراء وشعره الفضي الكثيف الذي يسقط بأستمرار على جبهته وفمه الذي تبدو فيه الرغبة.
" تعالي وسأخبرك".
ولم يكن في صوته أي سخرية الآن".


فتقدمت هيلين قليلا ثم توقفت – وقالت مرة أخرى:
" دومينيك...".
لكنه مال الى الأمام وسحبها من يدها وجذبها اليه وعانقها , لم يتركها ألا بعد مدة طويلة , شد نفسه واقفا ونظر اليها قائلا:
" ليس هنا يا هيلين- هل تريدين أن يعود والدك الى المنزل فيجدنا نتبادل الغرام؟".
وتحركت هيلين كأنها في غيبوبة :
" لا يهمني.....".
ورفعت يدها لتلمس خده :
" أوه يا دومينيم أنني أحبك".
أمسك دومينيك يدها وأخذ يقبل راحتها قائلا:
" هيلين , هل أنت متأكدة أنك تعلمين ما تفعلين؟".
هزت رأسها بالأيجاب , ثم قامت مستندة على منكبيها وعيناها تطرفان- أن شيئا مما قاله قد لفت نظرها – فقالت:
" دومينيك-هل طلب منك والدي أن تأتي الى هنا؟".
فترك دومينيك يدها وأعتدل في جلسته :
" لا بالعكس- لا أظن أنه يرحب بي كزوج لأبنته".
" ماذا قلت الآن".
قال بسخرية:
" أنا متأكد أنك سمعتني جيدا – أوه يا هيلين , أنني أحبك- أنا متأكد , لا بد أنك أدركت ذلك الآن!".
" أنك تحبني؟".
أرتعشت شفتاها وأرتعش كل جسمها بعاطفة أقوى منها.
" أوه يا دومينيك دومينيك لماذا لم تخبرني".
وألقت نفسها بين ذراعيه ودفنت وجهها في عنقه وقد سالت دموع السعادة والأرتياح على وجهها.
" ما هذا؟".
وقال وهو يبعدها عنه:
" لدينا الكثير لنتكلم عنه وأذا بقيت هكذا لن نستطيع الكلام".
فقالت وهي تسمح دموعها وتجلس:
" حسنا- قابلت والدي- أليس كذلك؟".
" نعم رأيت والدك وكان مهتما جدا بتأثيري السيء عليك , وأنا أقدر شعوره ,فأنه كان يأمل أن تجدي شخصا يناسبك أكثر مني كزوج".
ووضعت يدها على فمها :
" لا تكمل- أنا لا يهمني ما يأمل- أنني أحبك أنتو.... ولقد أخبرني بولت عن العملية".
قال بخشونة :
" نعم , أعلم ذلك الآن".
نظرت اليه :
" كيف؟".
" كيف تتصورين ؟ أعترف بولت".
" أرجو ألا تكون قد غضبت منه؟".
" ماذا تظنين؟".
وفجأة جذبها دومينيك اليه:
" يا ألهي حاولت يا هيلين أن أنكر نفسي حقا , حاولت , لقد أخذت أكرر لنفسي أنني يجب ألا أربطك بشخص كسيح بقية حياتك ....ولكن هذا المساء".
هز رأسه ودفن وجهه في عنقها وشعرت بجسمه يقشعر:
" عندما أخبرني بولت أنك كنت تعلمين قبل أن تحضري لرؤيتي....".
وأمسك بوجهها بين يديه:
" لقد ظننت حقا أنك لم تحضري ألا عندما علمت أنني سأصبح طبيعيا".


ولفت هيلين ذراعها حول عنقه :
" أنك طبيعي ! أوه يا دومينيك .... حبي لك لا يتوقف على كومك تسير بعرج أو بدون عرج .... أنا لا يهمني هذا ... أنا أحبك....".
وأرتعشت شفتاها:
" رغم أنني لا أعلم لماذا , بعد الطريقة التي عاملتني بها".
" هل كنت بهذا السوء كل الوقت.؟"
وافقت وقد أحمر خداها , وأعترف لها قائلا:
" كدت أفقد سيطرتي على نفسي ذلك اليوم في غرفة السونا ! ما كان يجب أن أتركك تفعلين ما فعلت".
وضحك من خجلها :
" عدينب أنك ستفعلين ذلك مرة أخرى عندما نتزوج".
" كل يوم أذا شئت".
ولكنه هز رأسه :
" لا أظن أن بولت يجب أن يبقى في عمله حاليا , أذا كان هذا لا يضايقك".
" بالطبع لا".
ثم أخذت نفسا عميقا – كان كل شيء جميلا لدرجة لم تستطع تصديقها .
" هل يمكن أن نعيش هناك حيث تعيش؟".
" أنه بعيد جدا عن لندن".
" وماذا في ذلك؟".
" حسنا , ألا تريدين أن تكوني أقرب للمدينة؟ أقصد.....".
"هل تريد أن تعيش هنا في لندن؟".
" هيلين- قررت أذا كان هذا ما ترغبين...".
" لكن ماذا عنك أنت؟ أنت لا تريد حقا أن تعيش هنا ,أليس كذلك؟".
" أنا لا أريد أن أبعدك عن أصدقائك وأسرتك".
فقالت ببساطة:
"أنا أحب العيش في منزل آشبورن – ليس لدي ما أتمناه أكثر من ذلك".
وسكت دومينيك للحظات ثم أبعدها عنه بأصرار قائلا:
" قد يكون من الأفضل يا هيلين أن ترتدي ملابسك لأنني أنوي الأنتظار حتى أكلم والدك ولا أريده أن يصدم, من يدري , قد لا يرفض".
وبعد ستة أشهر من ذلك كانت هيلين تهبط السلالم في ذلك المنزل قرب هوكسمير وكانت اللشمس تضيء تلك الأمسية ,كانت تعلم أنها تبدو جميلة وخاصة في ثوبها الطويل العنبري اللون الذي يخفي حملها عن أقرب العيون , ونظرت أعلى السلم لكن والدها وزوجته لم يظهرا بعد ,كان دومينيك يقف قرب المكتب يعد بعض المشروبات عندما دخلت , وكان يبدو نحيفا وجذابا وهو يرتدي سترة غامقة اللون , كان قد شفي تماما من العملية وأصبح الآن لا يحتاج للعصا التي كان يستعملها في البداية , نظر اليها نظرة نافذة وترك ما كان يفعله وذهب اليها وأحتضنها بين ذراعيه ,وقال:
" أنك تبدين جميلة جدا هذا المساء , هل ستخبرينهم؟".
وسحبت هيلين نفسها وهي تبتسم:
" أنهم سيصبحون أجدادا بعد خمسة شهور! هل تظن أنني يجب أن أفعل؟".
فقال وهو يبدو مسرورا:
" قد لا تحتاجين الى ذلك , أنا متأكد أن أيزابيل خمنت , ألم تلاحظي الطريقة التي كانت تنظر بها اليك بعد وصولهم مباشرة ؟ أن البنطلونات والملابس الواسعة ما زالت تبدو عادية عليك ولكن هناك شيئا ما في مظهرك , لا أعرف ما هو...".
ربتت هيلين على خديه:
" هل يضايقك هذا؟".
أحتضنها بشدة أكثر ودفن رأسه في عنقها وهو يقول:
" حقيقة كنت أفضل أن أحتفظ بك لنفسي مدة أطول .... ولكن طالما أنني المسؤول....".
وأمسك بها بتملك." أنا لا أستطيع أن أقاومك..... لم تفلح أية أحتياطات".
ولفت هيلين ذراعيها حول عنقه وقد أصبحت لا تحرج مما يقوله.
" أظن أن بولت سيكون مربيا ممتازا".
" ربما".
ورفع دومينيك رأسه بضيق:
" يا للعنة- أظن أن أحدهم قادم- لماذا عدنا الى المنزل- أنا لا أحب أن يشاركني أحد فيك".
وتنهدت هيلين برضى:
" يا عزيزي- قضينا أربعة أشهر بعيدين ومن الطبيعي أن والدي يريد أن يطمئن الى أنني سعيدة".
" وماذا ستقولين له؟ أنني أضربك؟ أنني أجعلك تعيسة؟".
وقالت وهي تفرد ذراعيها:
" وهل تظن أنه سيصدقني في هذه الحال؟".
أستقرت نظرة دومينيك على بطنها:
" لا أظن".
ثم قال بسخرية:
" من حسن الحظ أن شيبا ليست هنا الآن , وألا لأثارت بعض الشكوك".
وضحكت هيلين0 ثم سمعا طرقة على الباب فأستدارت ونادت:
" أدخل يا بولت".
دخل الخادم الضخم الغرفة على أستحياء , ولكن الأبتسامة العريضة التي نظر بها الى هيلين كانت أبلغ تعبير عن موافقته.
وسأل بأدب:
" في أي وقت أقدم العشاء يا سيدي؟".
ونظر دومينيك الى ساعته:
" أظن بعد حوالي نصف ساعة يا بولت- أشكرم , أوه على فكرة يا بولت هل أنت ماهر في غسيل ثياب الأطفال؟".
أرتفع حاجبا بولت الكثيفان في دهشة:
"" أنا.... أنا.... أنت لا تقصد".
وقالت هيلين وهي تتجه نحوه باسمة:
" نعم , ونريدك أن تكون أول من يعرف".
وبدا عليه السرور الشديد – وصاح:
" أنا سعيد جدا".
ثم ذهب فشد على يد دومينيك فناوله كأسا قائلا :
" خذ هذا الكأس , أنا لا أصبح أبا كل يوم!".
رفع بولت الكأس وقال بحرارة:
" الى الجيل الجديد من أبناء لايول".
وشرب دومينيك معه هذا النخب.




تمت



سفيرة الاحزان 23-04-10 05:44 PM

اتمنى انها تعجبكم

..مــايــا.. 23-04-10 09:42 PM

يعطيك ألف الف عافيه

شكلها حلوووه

Rehana 25-04-10 03:19 PM

يعطيك العافية

http://www.commentsyard.com/graphics...ank-you108.gif

الجبل الاخضر 27-04-10 06:21 AM

:flowers2::flowers2::flowers2:تسلمين برافو لك مني اجمل تحيه وشكرا على الختيارالرئع

قماري طيبة 05-05-10 10:37 PM

رواية جميلة جدا تشكري عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

احلى البنات سكر نبات 06-05-10 03:17 AM

يعطيك العافية رائعــــــة

بنوتهـ عسل 22-10-10 10:12 PM

تسلم إيدينك حلوة كثييييير ،،

يسلمووووووو ،،

:Welcome Pills4:

فجر الكون 19-11-10 10:05 PM

مشكورة يعطيك العافية ,,,,

كتبيه 26-03-11 02:06 AM

وايد حللللللللللللللللللللللللللللوه:7_5_129:

زهرة منسية 07-04-11 10:40 PM

يـــــــــسلـــــــــــــــــم ايـــــــــــــــــــديــــــــــــــــــكى بالرغم من ان قريها قبل كده بس مش قدرت اقومها لانها من رواياتى المفضله

rehab abdo 14-09-11 09:34 PM

جميلة جدا شكرا لك على المجهود

ندى ندى 27-09-11 04:50 AM

روووووووووووووووووووووووووعه

doda qr 25-03-17 03:51 PM

رد: 47 - صحراء الثلج - آن مثير - عبير القديمة ( كاملة )
 
جدا رائعه شكراااااا


الساعة الآن 04:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية