منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   281 - اميرة رغما عنها - صوفي ويستون ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t139453.html)

اماريج 11-04-10 04:12 AM

281 - اميرة رغما عنها - صوفي ويستون ( كاملة )
 

مرحباااااااااا
:flowers2::flowers2::flowers2:
اليوم راح انزلكم رواية من
رويات احلام
بتمنى انو تنال رضاكم ياحلوين
للامانة الرواية منقولة

اسم الرواية :اميرة رغما عنها
الكاتبة :صوفي ويستون
:liilas:

الملخص
...................
تساءلت فرانسيسكا قبل ان ترى كونراد :"هل هو رجل ام فارة ؟".
لكن كونراد لم يكن فارة او رجلا عاديا .....
انه امير حقيقي ,وهذا الامير يريد عروسا لامارته .
وفرنسيسكا هي الاصلح لتملا هذا الدور والسبب :اموال ابيها الطائلة !ستكون فرنسيسكا هي الفارة اذا قبلت هذا الدور .
ولكن كيف تستطيع مقاومة اغراء كونراد الرائع رغم انها تعرف ان الامر لايتعدى الخداع؟.
.....................
قراءة ممتعة للجميع

Rehana 11-04-10 01:06 PM

بانتظارك حبيبتي ..اماريج

والله يعطيك العافية

زهرة العلى 11-04-10 01:12 PM

السلام عليكم
من الملخص الرواي شكلها روووعه
بانتظارها غاليتي
ويعطيك الف عافيه

اماريج 11-04-10 09:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمــر الليل (المشاركة 2259674)
بانتظارك حبيبتي ..اماريج

والله يعطيك العافية


الله يعافيك يارب
وشكرا لمرورك حبيبتي
لك مني احلى واجمل تحية

اماريج 11-04-10 09:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة العلى (المشاركة 2259677)
السلام عليكم
من الملخص الرواي شكلها روووعه
بانتظارها غاليتي
ويعطيك الف عافيه


الله يعافيك
وان شاءالله تعجبك يارب
وتحياااااتي لك

اماريج 11-04-10 10:10 PM

الفصل الاول
- كيف أري ؟؟؟ قالت فرانسيسكا بانفعال:
(كان هذا النهار أسوأ نهار في حياتي).
وكانت شاحبة بعض الشيء فقالت "جاز "توقفها :
لاتجعلي "باري دي لاتوش "يهزمك ماهو افضل من ان تخرجي وتستمتعي ؟".

نظرت اليها فرانسيسكا غير مصدقة :
(لايمكن ان تتوقعي مني ان اذهب الى حفلة بعد ذلك)
هزت "جاز"راسها وقالت رافضة التنازل عن رايها :
(نعم فانت بائعة كتب ممتهنة الان.اذهبي الى حفلة الناشرين ولو قتلك ذلك)
حملقت بعا فرنسيسكا
جاز" طويلة سوداء رائعة لكن حملقة فرانسيسكا كانت تقص الفولاذ إذا وضعت إرادتها فيها.
لم تكن "فرانسيسكا هيلير" طويلة، بل نحيفة صغيرة الجسم ذات شعر بني عادي ووجه عادي يسر الناظرين. إنها، كما تقول أمها الرشيقة الأنيقة، ليس فيها ما يميزها بين مجموعة من الفتيات.
لكن الاثنتين كانتا تبخسان من تأثير عينيها.
كانتا كبيرتين بلون بني ذهبي، أهدابهما طويلة سوداء. وكانتا تعبران عن كل ما تقوله فرانسيسكا أو تشعر به، رغم وجود نظارتين كبيرتين عليهما

فرانسيسكا حاليا تشعر بنفسها مخدوعة. لكن "جاز ألن" كانت شريكتها في أحدث مكتبة مستقلة في لندن، مكتبة باز وكانت جاز تعرف ما تتحدث عنه
قالت فرانسيسكا :
( أنت غير جادة)
أجابت جاز:
( بل أنا كذلك)
وكانت تتحدث وهي تهبط درجات سلم. قالت لها فرانسيسكا بقنوط:
( لكنك كنت هنا، ورأيت بنفسك)

فضحكت جاز:
( لقد ثار طبع أبيك عليه، وهكذا؟)
حدقت إليها فرانسيسكا, كانت جاز معروفة بالغلظة, لكنها هنا من فولاذ. فقالت:
(مرحبا؟ لقد رأيت بنفسك أبي يدخل ويدمر الرجل الذي أفكر بالزواج به)
قالت جاز بهدوء:
( لقد رأيت أباك يضع بعض المفرقعات ولكنك ما كنت أبدا لتتزوجي ذلك الرجل)
هزت فرانسيسكا رأسها. لم تكن قد أخبرت جاز, لكنها عندما غادرت البيت هذا الصباح كانت قد قررت قبول عرض الزواج بباري.
قالت بأسي:( كنت أنوي ذلك).
كان المفروض أن يخرجا للعشاء في أحد المطاعم في المساء. وكانت فرانسيسكا تتصور مشهد المائدة المضاءة بالشموع , بسرور بالغ.

ولكن هذه كانت تصورات هذا الصباح. ثم دخل أبوها, بيتر هيلير, يواجه الأعزل من كل قوة الذي هرب من "مونتاسورو" مقاولا منذ خمسة عشر عاماً وانتعشت أحواله وأصبح ملياردير, لأنه يكتشف مواطن الضعف في خصومه ثم يقضي عليهم, أما باري فلم تحصل له فرصة.
وجه له أبوها سلسلة من التجريحات والإدانات الجرمية, وأشار إلى أن باري لم يبدأ بإظهار حبه لأبنته إلا بعد أن علم بثرائها.
في البداية لم تصدقه فرانسيسكا لكن بيتر هيلير أعلن أنه لن يورثها, وبهذا تلاشي تقرب باري العاطفي منها, آخذا معه كل أحلام فرانسيسكا ومعظم احترامها لنفسها.

قالت جاز متشجعة:
(عليك التفكير بطريقة حكيمة, في النهاية. وبعد, لاشيء يميز باري)
بعد ذلك المشهد الذي قذف فيها أبوها اتهاماته في وجه باري, لم تستطع فرانسيسكا أن تناقش حقا هذا الأمر. بل عضت شفتها وقالت :
( لماذا لم أفهم أنا هذا؟)
أجابت جاز مواسية:
( بل فهمت, في الواقع. قد يكون هو الذي قام بالتحريات, لكن التدمير هو من عمل يديك).
اتسعت عينا فرانسيسكا المعبرتين, ثم جلست بشيء من الصعوبة.
وعادت جاز تنصحها:
( فكري في الأمر).
أخذت فرانسيسكا تحدق, بعينين لا تريان, في المجموعة الكاملة لحدث كتب الأطفال.
كانت قد واجهت أباها متحدية, متأبطة ذراع باري متهمة والدها بالمناورة والنهم إلى المال, نافية عن باري كل الصفات التي نعته بها.
قال لها برقة فائقة:
(يا عصفورتي, لا يمكن أن أفعل هذا بك)
ومد يده يرفع النظارات عن عينيها ويضعها في جيبه, وهي إحدى حركاته الصغيرة الظريفة. والواقع أن هذه النظارات جديدة وقد كلفتها مبلغاً كبيرا من المال.
كانت فرانسيسكا ترى الأشياء, دون نظاراتها الطبية, غائمة. ومع ذلك قالت له:
( نحن الاثنين، شابان صحيحا الجسم، فلماذا نحتاج أموال أبي؟ يمكننا أن نعمل).

عند ذلك تحول باري إليها وقد محى كل ما على وجهه من ظرف. لم تستطع أن تراه جيدا دون نظارات, لكنها شعرت بذلك من سماعها حركته الخشنة وهو يقول:
( لا. لا يمكننا ذلك).
تملك أباها السرور, ورفع أصابعه:(آهة).
لكنها تجاهلته, وقالت لبارى:
(لست بحاجة إلى مال...)
فصرخ فيها بألم:
(أما أنا فبحاجة الى ذلك... لقد أمضيت زمنا أتساءل من أين سأحصل على وجبة طعامي التالية, ولا أريد العودة إلى ذلك أبداً).

لم تقل فرانسيسكا شيئاً بينما قال أبوها:
(الوداع, يا سيد هارب).
وكان ذلك أسم باري الحقيقي. وليس (دي لاتوش).
تجاهلت فرانسيسكا أباها وقالت لباري بصوت غريب:
(أتظن أنه ليس بإمكاني أن أنفق عليك؟).
منتديات ليلاس
فقال أبوها :(لقد تأكد ذلك النغل من ذلك لتوه).
عند ذلك استسلمت. وكان ذلك اليوم أسوأ أيام حياتها.
أطلقت ضحكة صغيرة, ومدت يدها بأدب باتجاهه وهي تقول: (نعم, فعل ذلك. وداعا يا باري).
لكنها كانت مع ابيها اقل تهذيبا



اماريج 11-04-10 10:20 PM

ثم ذهبت إلى غرفة المخزن حيث أخذت تبحث عن آخر نظارات للطوارئ تحتفظ بها, ووجدتها في صندوق الإسعاف الأولي. ولكن أحد طرفي النظارة كان مخلخلاً وكانت قد شدته يوما بشريط طبي استحال لونه رماديا في صندوق الإسعاف هذا. وهكذا غالبت فرانسيسكا دموعها بشدة, وقالت:
( ماذا تعنين بقولك إن التدمير كان من عمل يدي؟)

نظرت إليها جاز بعطف:
(لأنك لم تخبري باري بأنك غنية...).
قفزت فرانسيسكا :
( ماذا تعنين؟)
أجابتها المرأة:
(هل نسيت أن أباك وضع في البنك مقدارا كبيرا من المال باسمك عندما كنت مراهقة. وهو ملكك ويمكنك أن تفعلي به ما تريدين).
ابتلعت فرانسيسكا ريقها :
( نعم صحيح .... فهمت).
قالت جاز:
(كان الأمر صحيحا عندما قلت إن أباك لا يمكنه أن يحرمك من ميراثك، لأنه سلمك ميراثك ذاك, لماذا لم تقولي هذا لباري؟)
قالت:
(لقد .... لقد حاولت).
قالت جاز بدهاء:
( لا,لم تفعلي هذا, لأنك أردت أن تعلمي، أليس كذلك؟).
فسألتها:
(أعلم؟ أعلم ماذا؟)
أجابتها:
(ما إذا كان المال مهما بالنسبة إليه أم لا).

أجفلت فرانسيسكا, لكنها كانت امرأة قادرة علي مواجهة الحقيقة مهما كانت سيئة. (نعم. أظن هذا).
فقالت المرأة:
(أرأيت؟ لم تكوني مخدوعة تماما, بل كان لديك شكوك كأية امرأة عاقلة مثلك).
تمتمت فرنسيسكا تقول :
(امرأة عاقلة وغير جميلة).
فقالت جاز:
(ما كنت لتتزوجي ذلك المعتوه).
ثم انتبهت فجأة لما قالت فرنسيسكا .
- ماذا قلت؟
قالت فرانسيسكا بإشارة خشنة:
(كل من أبدى اهتماما بي كان السبب إما لقب أمي, أما ملايين أبي. لأنهم عندما كانوا يرونني جيدا, يتراجعون).
اللإستسلام الذي لمسته جاز في صوتها صدمها. فقالت:
(كلام فارغ).
ولكن كلامها هذا تأخر عشر ثواني, فابتسمت فرانسيسكا
بضعف:
(أنت لا تعرفين المصائب التي عرفتها , يا جاز).
فقالت جاز:
(ألسنا جميعا كذلك؟ هذا يسمى سن الرشد) .
قالت فرانسيسكا:
(عندما يتعلق الأمر بالناس أجدني عاجزة).

وقفت فرانسيسكا منتصبة القامة، حتى إنها استطاعت أن تبتسم وهي تقول :
(وهكذا، هذا يعني أن أركز عقلي في مهنة. صح؟ خذيني إذا إلي تلك الحفلة اللعينة).

هز كونراد دوميتيو رأسه أمام كل هذا الحشد, ثم صرخ بمساعدته:
(إلي متى سيستمر هذا؟)

تقدمت خطوة إلى الرجل الأسمر الرائع أمامها... كان طويل عسلي العينين, ذا جسم رياضي وجبهة فيلسوف. كونراد دوميتيو يملك كل شيء,جاذبية ورجولة ووسامة وهذه الصفات كانت تجعلها ترتجف وليست هي وحدها في ذلك بل كل امرأة في دار ناشريه ( غافرون وبليك).
ردت عليه بصرخة:
(بعد ساعة أخرى).

كانت تعلم طبعا أن الحفلة ستمتد أكثر من ذلك, ولكن كونراد دوميتيو كان عديم الصبر مع الدعاية والإعلان مع أنه لم يكن وسيما وبطلاً فقط . بل كان أيضا أميراً, أميراً...
دائرة الدعاية لم تكد تصدق عندما عرفوا حقيقته, فهو أمير إضافة إلى كونه كاتبا ممتازاً. وكتاب ( رماد تذروه الرياح) سيحوز على الرقم القياسي في المبيع

قال كونراد وهو ينظر إلي ساعته:
(بعد ساعة؟ لا بأس).
بإمكانه احتمال ساعة أخرى, ما كان الأمر ليبدو له بهذا السوء لو لم تكن الجدران مغطاة بصوره الفوتوغرافية وكأنه نجم سينمائي فهو لم يشأ قط أن تؤخذ له تلك الصور
وفي الواقع, لم يكن يريد أن يكتب ذلك الكتاب على الإطلاق. ولكن مصور البعثة تقدم مسافة مذهلة من البركان المتفجر وأخذ مزيدا من الصور للفريق الهارب من فوهة البركان, وهذا جعل كونراد يقر بأنهم يستحقون كتاباً
لكنه لم يكن مستعدا لهذا العرض,وكان هذا هو السبب في أن الرجال الستة الذين أخرجوا إلى خارج ظلام بركان هائج واقفون هنا تحيط بهم صور فوتوغرافية تبلغ الست أقدام علوا لجبال يتصاعد منها الدخان. وعلى مناضد هناك أكوام من كتب لامعة بينها كتابه ( رماد تذروه الرياح).

وعاد ينظر إلى ساعته فلم يكد يراها في الضوء الخافت. وسأل مساعدته في مجال الإعلان:
(ماذا تريدين أن أفعل؟).
أشارت بيدها إلي الجموع الحاشدة التي كانت تتحرك وتثرثر, وهي تقول:
(الدعاية...الدعاية.......)

التوى فم كونراد وقد بدت له في تلك اللحظة أشبه بجده الملك "فليكس" ملك مونتاسورو السابق. لم يقل هذا, وإنما هز كتفيه كالعادة بشكل ذي معنى:
(بإمكاني حالما نلقي الكلمة إن أعود إلى حياتي الطبيعية. أذهبي أنتي من تلك الناحية, وسأذهب أنا من هذه)..
أدار كل منهما ظهره للآخر, وعاد هو ليؤدي واجبه.

منتديات ليلاس


اماريج 11-04-10 10:41 PM

شعرت فرانسيسكا بصدمة
وقالت وهي تنظر إلي امرأة ترتدي ثوباً فضيا ذا شرائط علي الكتفين:
(كان علي أن أغير ملابسي).
ضحكت جاز وهي تنظر في إثر المرأة:
(إنها منظمة حفلات, لا تهتمي لذلك, نصف الناس هنا جاءوا مباشرة من أعمالهم مثلنا. والباقون هم المؤلفون المحررون).
ثم شملت فرانسيسكا بنظرة فاحصة هتفت بعدها:
(آه, لا, إنها ليست النظارات الموجودة في صندوق الإسعاف!)

فقالت فرانسيسكا متحدية:
(لم أجد غيرها).
مدت جاز يدها إليها:
(هاتها).
قالت فرانسيسكا :
(لكنني من دونها أشبه بالوطواط الأعمى).

قالت جاز دون عطف:
(سأقرأ لك التعليمات,حاولي أن تحضري شرابا دون أن تصطدمي بالأثاث. هذا كل ما عليك عمله).
قالت محتجة: ( ولكن...).
قالت جاز:
(ليس هناك سيدة أعمال جادة تقوم بالعمل في قاعة كهذه واضعة علي عينيها نظارات مضمدة برباط).

وعندما رأت فرانسيسكا تتمتم متمردة, عادت تقول:
(لا تنسي أنك كرست نفسك للمهنة).
أجابت:
(لكنني ما زلت أفضل أن أري بعيني).
قالت جاز بلهجة باتة:
(لا. فأنت تمثلين مكتبة باز الليلة. وينبغي أن نكون محترمات هادئات, وهذا لا يمكن بنظارات مربوطة برباط)

أذعنت فرانسيسكا وسلمتها النظارات, فتناولت جاز كيساً لامعا؛ (خذي هذه بيانات الدعاية وهدية الحفلة).
قالت فرانسيسكا بأسي:
(علي أن أتعلم الكثير).
وكانت جاز قد بدأت تبحث في محتويات الكيس.
قالت برضى :
(هذا شوكولا..... خذيه. برنامج الحفلة, نحن بحاجة إليه الآن. أي كتب لدينا الآن؟ ( عين موضع الحوت)لا. ( خمسة آلاف سنة من الرفض) قصة تافهة حتما تأليف البروفيسور لا أدري ماذا, لا. ( رماد تذروه الرياح) و ( مؤلفان) لا أحب هذا.... ومع ذلك, يبدو أن الاثنين ممتعان تماماً.فلنرى...)

علمت فرانسيسكا أن لا جدوى من أن تحاول قراءة شيء من دون نظاراتها. وفي مثل هذه القاعة المظلمة ستكون محظوظة جداً إن هي لم تصطدم بشيء, قالت بجفاء:
(سأكون مصدر خطر الليلة).
لكن جاز لم تكن منتبهة إليها وهي تدس في يدها ورقة لامعة وتقول بحماسة وهي تنظر إلي المدخل بلهفة:
(انظري إلي هذا).
نظرت فرانسيسكا... يبدو أن هناك وجها في مكان ما.
قالت:(آسفة).
قالت جاز وهي تمسك بالنشرة بنفاذ صبر:
( إنه بالغ الجاذبية بل أكثر من ذلك بكثير, اسمعي).
وقرأت النشرة بصوت مرتفع:
(كونراد دوميتيو هو أحد أهم علماء الزلازل في عصرنا, لكنه ليس خبيراً في البراكين. وعندما ذهب في بعثة البروفيسور"روي بلاكلاند" إلى "سلامان كاو" , كانت هي مغامرته الأولى إلى فوهة البركان).

قالت فرانسيسكا:
(آه, أرجو ألا يكون كتابا آخرعن البراكين).
فقالت جاز وهي تطالع النشرة:
(اسمعي. هذا هو الجزء الجيد,أما كونراد دوميتيو, فهو أيضا معروف بأنه كونراد ولي عهد مونتاسورو. فهو وريث جده, الملك السابق فليكس البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً, وفيليكس نفسه هرب إلي لندن عن طريق إيطاليا بعد أن أمضي سنوات مراهقته محاربا الغزاة من قلعته دوميتيو الحصينة في الجبال. ويقول فيليكس, الملك السابق دون تردد: ( حفيدي خُلق قائداً). أما جواب كونراد دوميتيو نفسه فهو بسيط, إذ يقول:
(كنت أفعل كل شيء بإرشاد الكتاب لأني كنت جديداً, أما الآخرون فقد كانوا معتادين علي الوضع تماماً. لأنني كنت قد انتهيت لتوي من قراءة كتاب عن ثورة البراكين. ونتيجة لعمله هذا, هناك ستة رجال ما زالوا أحياء اليوم. وهذه هي قصتهم ).

ورفعت بصرها عابسة:
(مونتاسورو؟).
تجاهلت جاز قولها هذا, وهي تقول:
(له جسد أبولو وهو إلي ذلك ينقذ حياة الناس أيضاً....إنه هادئ... أليس كذلك؟).
هزت فرانسيسكا كتفيها:
(أظنه استلم المسؤولية لأنه توقع الناس أن يقفزوا حين يقول لهم, اقفزوا, كيف عرفت أي نوع من الأجساد لديه؟)
فقالت جاز:
(بالنظر إليه. إنه هناك, رجل طويل يرتدي قميصا كحلياً. ربما أنت المرأة الوحيدة التي لم تنتبه إليه لحظة دخولها).

رفعت فرانسيسكا يديها باستسلام: ( حسنا, حسناً... أنا آسفة بشأن النظارات . ماذا أقول غير ذلك؟).
قالت جاز:
(ليس شكله فقط, أريده, أحضريه إلي).
هزت فرانسيسكا رأسها البني الشعر وقالت بحدة:
(أحضريه بنفسك. ماذا تضنينني؟ كلب صيد؟).

فقالت جاز:
(أنت هي المسؤولة عن دفتر الإمضاءات وإلقاء الكلمات المسائية. وهذا هو الموضوع الذي يخصك الآن,أذهبي وقدمي له عرضا لا يستطيع رفضه, هذا الرجل غير عادي, إنه طبق شهي).
قالت فرانسيسكا ضاحكة :
( قسم الأطباق الشهية هو القسم المسؤولة أنت عنه, أما أنا فمسؤولة فقط عن كتب والعلوم المملة , والأهم أنني لا أستطيع رؤية الرجل دون نظارات).

قالت جاز بجفاء:
(هذا يعني إنك لن تضعي يدك عليه).
حاولت فرانسيسكا ألا تجفل وهي تقول بحزم:
(أنت تريدينه, قومي إذن بإغوائه).
ضحكت جاز بصوت عال:
(الناشرون لن يهتموا بالجدد المستقلين أمثالنا, لا شك أنهم سيركزون اهتمامهم علي المكتبات الكبرى).
سألتها فرانسيسكا:
(حسناً, ليس عليه أن ينفذ كل ما يقوله له ناشره أليس كذلك, هل هو رجل أم فأرة؟).
قالت جاز:
(إنه كاتب يريد بيع كتابه, فإذا طلب منه الناشر, أو موظف العلاقات العامة, أن يدهن نفسه باللون الأخضر ويقوم بشعوذات أمام الأطفال, فسيفعل. لن ينظر إلينا! فلا رجاء في ذلك).

لم تكن فرانسيسكا تحب الإلحاح. لكنها ابنة أبيها وهي مثله لا تحب أن يطلب منها القيام بشيء لا فائدة فيه.
أجابتها ساخطة:
(لن ينظر إلينا؟).
أخذت جاز تنظر إليها برضي وفرانسيسكا تلقي بنفسها بين الجموع متجه إلى حيث أمير مونتاسورو. لقد تعلمت في الأشهر الثلاثة التي عملتا فيها أن لا شيء يوقف فرانسيسكا عن ملاحقتها هدفاً.
منتديات ليلاس
انطلقت فرانسيسكا في طريقها متفجرة بالحماسة, لكنها لم تكد تخطو ثلاث خطوات حتى بدأت حماستها تخبو. كانت أصغر حجما من أن تخطو بين هذه الجموع وحاولت أن تكبح حافزا كان يدفعها إلي القفز طلبا للهواء.


اماريج 11-04-10 10:53 PM

شعرت بأن كل شيء بضعفي طولها, أطول وأكثر ثقة بالنفس وأعلم منها بكثير. وكلهم كانوا يتحدثون من فوق رأسها.
أخذت تتمتم بصوت غير مسموع: وما الجديد في ذلك! ورسمت على وجهها ابتسامة مشرقة. وتبددت الحماسة وحلت محلها قوة الإرادة...
ثم أخذت تبحث عنه وكأنها تبحث عن رجل خارج الكرة الأرضية والذين سمعوها تصيح تسأل عن كونراد دوميتيو لم يعرفوا أين هو رغم معرفتهم الاسم, فقد كان كل منهم مشغولا بالاستمتاع بوقته.
وقفت لتأخذ بعض الكتب, وإذا بها تسمع صوتا خلفها يسألها:
(هل قلت دوميتيو؟).

استدارت, ثم كان عليها أن ترفع بصرها إلى أعلى, ثم أعلى, كان المكان أكثر ظلمة من أن ترى جيداً حتى ولو كانت تضع نظاراتها. لكن حسا بالقوة تملكها...وقالت بشيء من الاضطراب: ( نعم أتعرفه؟).
تردد الرجل وحاولت هي عبثا, أن تركز عينيها عليه, ولكن كان شيء في الرجل جعلها تريد أن تراه جداً.
هزت رأسها قائلة بحزم:
(لأنني أريد أتحدث إليه).
فانحني عليها يسألها:(ماذا؟).

شمت رائحة برية مثل رائحة الغابة أو الشربين, وكانت خفيفة أشبه بذكرى نصف منسية, وفاجئها ذلك.
أمسك بمرفقها, قائلا:
(فلنذهب إلى مكان يمكننا فيه أن نسمع بعضنا).
خرج بها إلى شرفة صغيرة حيث ابتعدا عن القاعة الخانقة. كان الجو ممطراً, لكن مظلة هناك أبعدت معظم المطر عنهما, ثم أدارها إليه.

هل هو انطباع بالقوة تملكها؟ لا بد أنها جنت, فلدى هذا الرجل أكثر من مجرد القوة. كان صخرة, صخرة مغناطيسية دافئة ما جعلها تحبس أنفاسها لمجرد وجودها معه, وأخذ شيء في أعماقها يهتز بشكل غير محسوس, مستجيبا لتلك المغناطيسية. سألها:
(أتشعرين بالبرد؟).
هزت رأسها. لم تثق بنفسها في الكلام فقد جعل صوته أعصابها تتنبه. أخافها ذلك. إنها لا تستجيب عادة إلى رجل غريب بهذا الشكل. وحدثت نفسها بان هذه ردة فعل لرحيل باري.
أغلق الباب الزجاجي خلفهما, فخفت ضجة القاعة نوعا ما.
استطاعت أن تلحظ تحركاته حتى دون نظارتيها, كانت بطيئة لينة كسلى تقريباً. ومع ذلك كانت هادفة. وقررت أنه رجل بري بكل تأكيد, ثم التفت إليها قائلاً:
- وهكذا, لماذا تبحثين عن كونراد دوميتيو؟

شعرت وكأنها اصطدمت بجدار. رفعت بصرها إليه.. متمنية لو أنها أطول... ولو أن نظارتها على عينيها.
اهتزت ابتسامتها المشرقة وهي تقول:
- أريد... أريد أن أدعوه إلى حفلة توقيع كتاب.
فقال بتكاسل:
(توقيع كتاب).
كانت تشعر به متيقظا حذرا. بدا وكأنه كان يراقب وينتقد ويستنتج ملاحظات بالغة الدقة والذكاء هنا الآن, إلا أنه لن يطلع عليها أحداً.
تمنت لو تستطيع رؤية وجهه بشكل واضح, وصممت على أن تشتري نظارات جديدة غدا صباحا قبل أي شيء آخر.

حاولت أن تتملك نفسها, واستطاعت ذلك باستثناء رنين خفيف في أذنيها. ثم قالت:
- نعم. فأنا بائعة كتب.
أدركت فجأة أنها المرة الأولي التي تقول فيها ذلك.
- أنا جديدة في المهنة نوعا ما. وقد اتخذت مكتبة مستقلة منذ عدة أشهر.
فقال مفكراً:
- وهكذا تريدين أن تظهري نشاطك.
- أظن ذلك.
فسأل باهتمام صادق:
- هل عملك ممتع؟

حملقت فيه لكن حملقتها لم تجعلها ترى بشكل أفضل, مع أنه على الأقل, أخفي حقيقة أن نظرها ضعيف كالوطواط.. وأجابت: _حتى الآن هو ممتع.
- أنت حذرة جداً.

كان من القرب منها بحيث استطاعت أن تشعر في صوته أنه يبتسم فرفعت إليه بصرها ضاحكة:
- لا بأس. حتى الآن هو بغيض. ما رأيك في هذا؟
ساد صمت غريب. وساورها إغراء ساحق بأن تغضن عينيها لتركز نظرها علي وجهه فتراه بشكل أفضل, لكنها حدثت نفسها بعنف بأنها لن تفعل ذلك.
أجاب:
منتديات ليلاس
_أنه مشجع أكثر.


اماريج 11-04-10 11:04 PM

حاول شخص ما أن يفتح الباب خلفهما, فتحرك وبذلك سد الطريق على الخارج إلى الشرفة. وسمع صوت يعتذر, ثم عاد الباب ينغلق.
لا يمكنها أن تكون واثقة تماماً, خاصة وهي غير قادرة على رؤية وجهه كما يجب.. لكنها شعرت أنه لا يريد أن يقتحم وحدتهما أحد.
تأوهت فرانسيسكا داخليا, لكنها ما لبثت أن تمالكت نفسها.
سألها:
_(أين هي مكتبتك؟).

- في شارع صغير جانبي قرب النهر في "فولهام". كانت مكتبتنا في الأصل كوخين من طراز العهد الفيكتوري, خلف مستودعات الغاز, خلف "كينغ رود".
أعطته هذه الإرشادات الدقيقة لأن هذه عادتها في الدقة. فضحك وقال:
(لا أظنك ترسمين الخرائط؟).

أجابت بشيء من الخجل:
(أحب أن أكون واضحة في ما أقوله. آسفة).
- لا داعي للأسف, فهذا نافع جدا. ليس لديك فكرة عن عدد الناس الذين يدلونك على المناطق بشكل غير كافٍ, ضانين أنهم على صواب.
فكرت فرانسيسكا في صور الجبال والشلالات التي رأتها في المدخل وسألته:
_هل أنت عالم بالجغرافيا؟.
- نوعا ما.
أتراه بائع كتب منافسا يحاول أن يستخرج أسرارها بأسئلته هذه؟ ولكن ما هي الفائدة من ذلك؟.

قالت:
_طبعا, عندما أقول,توقيع كتاب, فأنا أعني في الواقع أكثر من هذا. فنحن نقيم لاجتذاب الزبائن إلى مكتبتنا "باز", مناسبات مسائية, قراءات, أحاديث وما أشبه. إن الناس يتصلون بنا ليسألونا عن المناسبة التالية ونوعها. وقد نقيم أحيانا مناسبة لعرض وترويج عدة كتب.

علمت أنها تثرثر...لكنها لم تعرف لماذا, كان طويلا ولم يكن الطوال من الناس يرهبونها عادة.
لم يكن مرهبا بالضبط...إنما مسيطرا.. ثمة شيء ما فيه جعلها تتكلم بكثرة وبصوت مرتفع.. وكانت طوال الوقت تشعر به ينظر إليها.
تنحنحت قائلة:
_وماذا تفعل أنت هنا ؟.
أحست بأنه قرر شيئاً ما. وقال:
_آه, طائر غريد.
ظنت أنها لم تسمعه جيدا . فسألته:
_ماذا؟.
فقال:
_أنا أغني لأحصل على عشائي, أو يحدث هذا عندما يستدعونني لمواجهة الصحافة بعد دقائق.
قالت بارتياح:
_آه, أنت كاتب إذن !.
قال الرجل بأسى:
_ليس هذا بالضبط. كل ما في الأمر أن مصورا لصا أدركني وكنت أنا أضعف من أن أقول له لا.

قالت بارتياب فهي لا تصدق أن من الممكن أن يكون هذا الرجل ضعيفاً:(أحقاً؟).
فضحك:
_ كان يجب أن تري الصور على مدخل بركان ثائر يعلو عشر أقدام, وذئب يقفز جعل كل شخص يتراجع خطوتين.
- لقد فاتتني رؤية الذئب.
- هذا أفضل, أنه كالكابوس.
قالت بفضول:
_يبدو كأنك تستنكر لذلك.

- أنا؟ وماذا لدي لكي أستنكره؟ لقد كتبت شيئا وليس علي أن أقوم بالدعاية له.
فلم تصدق إنكاره فقالت:(ولكن...؟).
ثم سكتت, فقال:
_أنت حادة الطبع أليس كذلك؟ لا بأس, أعترف بأنني لست متحمسا لكتب التسلية تلك, ولم يسبق أن تصورت نفسي مساهما فيها.

- ولماذا فعلت ذلك إذن؟
ثم قرر أن يأخذ الأمر بهزل:
_لقد قدموا إلي مالا كثيرا حسناً؟ هل انتهت تساؤلاتك؟.
- نعم. انتهت.
لكنها لم تستطع أن تتخلص تماما من الشعور بخيبة الأمل, إذ لم تتوقع أن يقدم رجل مثل هذا على عمل لا يحبه من أجل مبلغ وافر من المال.

قال بدهاء:
_ والآن يبدو أنك أنت التي تستنكرين.
تحركت بضيق, قائلة:
_من السهل أن تتعفف عن المال عندما يكون لديك الكفاية منه.
قال بشيء من الانفعال:
_أنت ذات عقل راجح.
أسرعت تغير الموضوع:
_وأنا واثقة من أن كتابك سينجح. الناس يلتهمون هذه الكتب المصورة حالياً, خاصة إذا كان المؤلف امرأة شقراء أو أميراً ملكياً كما أظن.
فقال :
_اميرا.
منتديات ليلاس


اماريج 11-04-10 11:14 PM

فأجابت:
_نعم. لهذا أردت أن أتحدث إلى كونراد دوميتيو فقد رأيت من النشرة التي وزعوها للدعاية أنهم استطاعوا أن يجعلوه أن يقوم ببعض مغامرات الغلمان.

ساد صمت طويل... طويل, ثم قال بصوت يحوى أكثر من مجرد الاستنكار:
_آه, إذن لهذا كنت تبحثين عنه؟.
تملكها الشك لحظة, لكنها نبذت ذلك حالاً. لا يمكن أن يكون هذا الشخص أميراً! هذا الرجل الطويل الممشوق. فكل من تعرف من المونتاسوريين هم سمر صغار الأجسام كأبيها.
فقالت:
_حسناً, أنه في الحقيقة أمير سابق, ولكن يبدو أن بعض الناس يتأثرون به.
- بعض الناس, ولكن ليس أنت.

قالت ضاحكة:
_لا, ليس أنا, لكنني على كل حال, حالة استثنائية.
- أحقاً؟ ألا يستحق الأمراء اهتمامك؟.
فضحكت بصوت مرتفع:
_لست ضد الحكم الملكي إذا كان هذا ما تعنيه. ولكني أعرف قليلا عن هذه الأسرة المالكة بالذات.

فقال ببطء أكثر من المعتاد وشيء من الارتياب:
_أحقاً؟.
انتصبت تقول وقد أصاب ذلك منها وترا حساساً:
_ولي عهد مونتاسور يطالب بعرش بقعة حقيرة في البلقان مؤلفة من جبلين وساقيتين يسمونهما نهرين, إنها أشبه بمزرعة عائلية منها بمملكة.

ساد الصمت. لقد استحوذت الآن على اهتمامه بكل تأكيد, ثم قال رجل الغابات بتكاسل:
_أنت ذات اطلاع كبير.
فقالت:
_ بكل تأكيد, محصولها الرئيسي القمح والعنب, وسكانها بمعظمهم قطاع طرق.
انفجر يقول بحدة:
_قطاع طرق؟ لقد أكملت بحثك حقاً.

- المونتاسوريون في المنفي حسني السيرة, لكنهم كانوا, في الأصل, قطاع طرق في الجبال, ثم استقروا في محطات الطرق, في العصور الوسطي, ثم شرعوا يأخذون الإتاوات من المسافرين.
فقال:
_هذا ليس قطع طرق.
- لقد طوروا هذا فيما بعد, وقد اغتنوا من وراء الخطف والابتزاز والاغتصاب قرابة العشرة قرون. ثم ارتبطوا بعلاقات عامة كبرى ومن ثم تحولوا إلى مرتزقة أحرار.

ساد صمت صاعق. ثم قال ببطء:
(يبدو أنك خبيرة. هل تخصصت في دراسة تاريخ البلقان؟.
ضحكت ساخرة:
_بشكل ما. أبي من مونتاسورو فنشأت على ما كان يقصه علي.

صمت آخر أطول, وشعرت به يفكر... مازال الموقف مربكاً رغم خصامهما, كان الجو يضج بذبذبات الإعجاب... تباً لذلك!
قال:
_إنها قصص لا تبعث على الزهو.
فقالت:
_حسناً, أبي هو ضد الملكية.
فقال وكأن هذا فسر كل شيء:
_وأنت ورثت عنه التحامل والتحيز.

فتصلب جسدها:
_لا, أبدا لا يهمني أمر الملكية بأي شكل. أما ما لا أستطيع احتماله, فهو أن كثير من الناس مازالوا يعيشون في الماضي, ملوك سابقون؟... يا للسخافة! لا يمكنك أن تمضي حياتك بصفتك شيئا سابقاً. عليك أن ترسم لنفسك خطاً تسير عليه.
- أنت.... حقود جداً.

نظرت إليه بارتباك:
_لماذا؟ هل لأنني أكره الحنين الزائف إلى الوطن؟.
كان ينظر إليها بتلك الطريقة مرة أخرى, لم تكن تستطيع رؤيته بوضوح, لكن التحفظ كان يفارقه شيئاً فشيئاً.
وكان يقول ببطء:
_لأنك رسمت لنفسك خطاً ترفضين التزحزح عنه. كم عمرك؟.
ففتحت عينيها بحدة:
_ثلاثة وعشرون, وأنت؟.

ضحك برقة:
_اثنان وثلاثون صاعدا نحو المائة في هذه الدقيقة فقط .
فسألته:
_ولماذا في هذه الدقيقة ؟.

لكن الحظ لم يسمح له بأن يجيب, إذ انفتح الباب الزجاجي بعنف لتنساب منه أصوات الموسيقي. فتنحى جانبا لكي يمر بعض المحتفلين واغتنم الفرصة لكي ينظر في ساعته قائلاً:
_المفروض أن أكون الآن في غرفة الصحافة أؤدي واجبي.

فهتفت بغضب وخيبة أمل, وهي تمد يدها:
_آه, أتمنى لك حظاً سعيداً.

وسألها وهو يصافحها:
_هل سأراك فيما بعد؟.
فهزت رأسها:
_حالما أعثر على الأمير, سأذهب إلى البيت.

ابتسم بفتور:
_تقصدين الأمير السابق.

وبقي ممسكا بيدها فقالت بذهن شارد:
_أيا كان لقبه.
- أنت تحبين أن تكوني دقيقة .
- نعم. أظن ذلك.
وكانت ترتجف بشكل غريب.
فقال:
_هذا واضح. حسنا إذن. الأفضل أن نقول وداعاً.

وجذبها بيدها يدنيها منه خطوة ثم انحنى عليها, وقبلها على وجنتها بخفة.
شهقت فرانسيسكا. وشعرت لحظة بموجة من الهواء البارد النقي تغمرها... لكنها ما لبثت أن عادت إلى واقعها على الشرفة المزدحمة. وقالت لاهثة قليلاً:
_ ال.. الوداع.
فانتصب واقفاً:
_حظاً سعيدا لك أيضاً, أرجو أن تعثري على أميرك السابق.

فرانسيسكا, التي لم يسبق أن أقرت قط بعجزها عن أداء مهمة باشرت بها, فكرت, بأن تتخلي عن مهمتها هذه. لم تشعر برغبة في القيام بأي عمل هذا المساء سوى العودة إلي البيت واستعادة أنفاسها.
منتديات ليلاس
لن تفقد تركيز ذهنها على عملها فقط لأن باري دي لاتوش تركها, ولأن رجلاً غريبا قبلها على وجنتها....لا, لن تفعل! وقالت تحدث نفسها: أنا أحصل دوما على الرجل الذي أريده.


اماريج 12-04-10 01:14 AM

2-اشواك بلا ورود

قال كونراد بحزم:
_أريد أن أعرف كل شيء عن مكتبة في شارع فولهام قرب مستودعات الغاز. لن أتحرك من هنا قبل أن أعرف اسم صاحبتها.

كانت وكيلة الدعاية تبحث عنه بلهفة متزايدة. قالت متعهدة: _سأبحث لك عن ذلك. تعال فقط الآن وتحدث إلي الصحافيين.
سألها:
_ وكيف ستعرفين ذلك؟.

- سأسأل. لا بد أن أحداً بين هذه الجموع يعلم.
- لكنني لا أعرف اسم المكتبة.
أخذت تحثه على السير نحو الغرفة حيث اللقاء بالصحافيين, وهي تسأل:
_ ماهو شكلها؟ وكم عمرها؟ بماذا تهتم؟.
- إنها سمراء صغيرة الحجم ذات عينين كبيرتين بنيتين تتسعان أحياناً وتدمعان وكأنك أعظم شيء رأته في حياتها. إنها في الثالثة والعشرين, وهي عنيفة.

فقالت موظفة الدعاية مجفلة بعض الشيء:
_آه, هذا يكفي لكي يجعلنا نعثر عليها, هل قلت شارع فولهام؟.
وعندما أنهى حديثه عن كتابه ( رماد تذروه الرياح) كانت قد عادت:
_يبدو أن اسم صاحبته هو "جاز إلين" , اسم المكتبة "باز". لكن طول جاز حوالي ست أقدام, سوداء اللون ورائعة الجمال.

- ليست هي ابحثي مرة أخرى, اسمعي... هي تعرف الكثير عن مونتاسورو, أو تظن نفسها تعلم, فقد كان أبوها لاجئاً.
أحد الصحافيين الذي تسلل خارجا من الغرفة أملاً في أن يظفر بحديث خاص مع الأمير السابق, سمع هذا الكلام, فدس نفسه بينهما:
_أتعني ابنة بيتر هيلير؟.

قطب كونراد حاجبيه وقال باشمئزاز:
_هيلير؟ ذلك المحتال؟.
ضحك الصحافي:
_أيمكنني أن أنقل عنك هذا الكلام؟ إنه مليونير عالمي محترم هذه الأيام.

لكن كونراد لم يبتسم بل بدا منزعجا كل الانزعاج وقال له:
_أتريد أن تقول أن ابنة بيتر هيلير تضيع وقتها في مكتبة صغيرة في ظل مستودعات الغاز؟ لا أصدق هذا.
قال الصحافي:
_المكتبة ليست صغيرة. لديها أيضا زاوية خاصة في الإنترنت وضعتها, كما سمعت, ابنة هيلير بنفسها.

فقال شخص آخر انضم إليهم:
_أتعني شريكة "جاز إلين" الجديدة؟ سمعت أنها فتاة غير عادية.
قال الصحافي موافقاً:
_نعم. كل شخص يعتقد أن المكتبة ستثير فضول الناس في وقت قصير, حسناً, إنها غنية إلى حد تتمكن معه من إدارة عمل صغير كهذا دون أن تخسر.

فقال شخص آخر متأثراً:
معك حق, فرانسيسكا هيلير ليست شريكة غافلة. إنها امرأة مخيفة دائمة التحدي, و"جاز" تراها رائعة.
وقال الصحافي بنظرة جانبية:
_وهكذا يراها الأمير كونراد كما يبدو.

لكنه لم يحصل على الجواب الذي رجاه, لأن الرجل الطويل نظر إليه لحظة صامتاً, وعيناه غير مقروءتين, ثم أشاح بوجهه هازاً كتفيه, وقال يحدث موظفة الدعاية دون اكتراث:
_هل لك أن تحصلي على العنوان لأجلي؟ فقد وعدتها بأن ألقي لديهم حديثاً في إحدى الأمسيات.

لم يعد إلى سيرة فرانسيسكا هيلير بقية المساء. وبدلا من ذلك, وزع اهتمامه على كل الموجودين, كما أنه بقي إلى نهاية الحفلة. لكنه لم ير أثراً لفرانسيسكا هيلير.
أخيراً ترك الحفلة بخطوات واسعة غير سريعة حتى غاب عن النظر قبل أن يتسني لأحد التفكير في مناداته للعودة.
فرانسيسكا, ياله من اسم غريب لفتاة نصف انكليزية ونصف مونتاسورية! شعر وجبين واسع وملامح بشبه ابتسامة غامضة.
طبعاً, لم تكن فرانسيسكا هيلير هادئة هذا المساء لكنها لم تصادفه بصفتها من الجيل الثاني المونتاسوري لكي تخدعه وتستولي على ثقته.

هذا لا يعني أنها تعتبر نفسها مونتاسورية. فكل ذلك الهراء الذي قالته عن قطاع الطرق! كان عليه أن يتحداها بالنسبة إلى ذلك على الفور. ولم يعرف لماذا سكت. رباه! بل يعرف. يعرف بالضبط لماذا, فقد كانت تنظر إليه بتينك العينين الواسعتين, وكأنها موجودة في حلم, وكل ما كان يريده هو أن يدعيها تنظر إليه بهذا الشكل إلى الأبد.

نعت نفسه بالحماقة. والغباء!كل ما كان يهمها هو أن تحصل على أمير لأحدى مناسبات مكتبتها, وكل ما استطاع أن يعرفه هو أنها في العمل بمهارة أبيها, وابنة بيتر هيلير هي آخر شخص قد يتورط معها
نعم. ذلك أفضل. سيتمشي قليلاً ليفكر في كل شيء يعرفه عن أبيها
منتديات ليلاس
ذكر كونراد نفسه بأنه يعلم كل شيء عن بيتر هيلير ومعاملاته التجارية, وكل الجالية المونتاسورية تعرف ذلك, فهم يعرفون أن هيلير رجل عديم الرحمة مولع بالمكاسب وغير شريف أبداً... وقد سخر عدة أشخاص من الجالية المونتاسورية لمصلحته بشكل قاس أناني دون أي جرم اقترفه أولئك سوى الترحيب به عند مجيئه إلى لندن.

سيضع فرانسيسكا هيلير الغامضة ذات العينين النديتين في مكانها الصحيح لأنها ابنة بيتر هيلير.
ولكن هذا لم يحدث, فقد نفذت فرانسيسكا تحت جلده كشوكة الوردة. أسرع كونراد في سيره دون أن يلحظ برودة الليل أو المطر المتقطع وكان يحاول أن يقنع نفسه بأنها غلطة آنية, وأنه لا يريد في حياته امرأة يخجل من تقديمها إلى جده أو شعبه ... وأنه لا يريد أيضا في حياته فتاة بريئة غامضة العينين. ثم تذكر كيف رفعت رأسها مجفلة عندما ظنته يسخر منها. وكيف انحبست أنفاسها عندما لمسها
وتذكر العينين الكبيرتين المتسائلتين اللتين شعر بهما تنظران في أعماق روحه ,حدث نفسه بأن فرانسيسكا هيلير إما ورثت عن أبيها معاملاته الماكرة، وفي هذه الحالة لا تصلح له. وإما هي فعلا كما بدت له هذه الليلة.... ولكن ليس هناك فتاة في الثالثة والعشرين بهذا الوضوح والغفلة والضعف.... وإذا كانت كذلك حقاً........
آه، إذا كانت كذلك حقاً, فإن كونراد دوميتيو ليس بالرجل الذي يصلح لها.


اماريج 12-04-10 01:27 AM

تخلت فرانسيسكا عن بحثها حالما تركها الرجل الطويل. كان الزحام شديداً, ولم تستطع العثور على جاز. ولأنها لن تعثر أبدا على الأمير الذي لا تعرفه, ارتدت معطفها وخرجت إلى حيث الظلام والمطر.
لم يكن سهلاً أن تجد تكسي دون نظاراتها. أشارت بالوقوف إلى سيارة "رانج روفر", ثم إلى شاحنة, وأصبح ضوء إشارة السير برتقالياً قبل أن تجد تاكسي. أعطت السائق العنوان, ثم استندت إلى الخلف في مقعدها وأغمضت عينيها, صباح غد ستشتري ثلاث نظارات. واحدة للبيت وواحدة للمكتبة وواحدة تبقي في حقيبة يدها, الكابوس الذي حدث هذا المساء لن تسمح بحدوثه مرة أخرى أبداً.

لكنه لم يكن كابوسا من كل النواحي, كما همس لها صمت غامض. ذلك أن الرجل الطويل في الشرفة لم يكن كابوساً.... بل كان.... ساحراً جداً.
أدركت أن ثمة فرقا بين التوقع والحقيقة.... لقد كانت تتوقع أن تنتهي هذه الليلة بعودتها مع باري حيث يخططان لمستقبلهما. ولكن, بدلاً من ذلك, انتهى بها الأمر في هذه التاكسي التي كانت تخترق بها شوارع لا تكاد تراها أو تميزها, وتحلم برجل لا تستطيع تمييزه إذا رأته مرة أخرى.

حسناً, قد لا يكون هذا صحيحاً. لأن جو السلطة الذي يحيط به كان بالغ التأثير. ربما سيعود ذلك التأثير عندما تستعيد نظاراتها وتتمكن من رؤية وجه الرجل, وتلك الهالة من الطاقة الفياضة ورائحة البراري, تلك الرائحة ستذكرها من مسافة خمسين خطوة.
لم تكن ليلتها مريحة. حاولت أن تأوي إلى سريرها لكنها بقيت تفكر في باري, وفي الرجل الغريب, ثم باري مرة أخرى.

وكانت لحظة تدعو إلى السخط عندما وجدت نظاراتها الجيدة خلف وسادة الأريكة, وتذكرت عندما رفعها باري عن عينيها.
عليها أن تنسي رجل الشرفة ذاك وتفكر في باري. فهي تعرفه علي الأقل... أو تظن أنها تعرفه.
الآن وهي وحدها, أخذت تتذكر أن باري كان دوما يبدو وكأنه يصاحب فتاة أخرى, وبعد أن تعرف إليها أنتحل لذلك عذراً بكل سهولة, والآن وهي تفكر في ذلك, أدركت أنه لا بد كان يصاحبهما هما الاثنتين, رباه, ما أفظع حكمها عليه!
تخلت عن النوم وأخذت تجول في أنحاء شقتها الفارغة في معطفها المنزلي القرمزي اللون.

تسربت الدموع من عينيها فمسحتها بغضب لكنها لم تبك قط, فماذا حل بها؟
إنها لا تفتقده. إنها لم تعرفه قط فكيف تفتقده؟ كانت تفتقد الحنان فقط. حسناً, ليس هناك رجل حقا يشعر بالحنان نحو امرأة تجد أسهل عليها أن تعد وتحسب من أن تدع مخيلتها تنطلق. هي التي ورثت شكلها عن أبيها الذي يشبه سكان الكهوف الأوائل. والتي تضع نظارات مربوطة إلى بعضها البعض بشريط لاصق.
حتى ذلك الغريب لم يكن ليتحدث إليها لو أن الظلام لم يستر وجهها عنه.

لا, لا, لم يكن مكان لها في مجال الإشباع العاطفي. وقد أثبتت ذلك حوالي عشر مرات خلال سن الرشد وحدثت نفسها بأن عليها أن تعتاد على ذلك وتكتفي بمهنتها. وبهذا, على الأقل, يكون لها حظ في النجاح.

وهكذا, كانت في الصباح التالي قد أنهت تنظيم مناضد الكتب عندما وصلت جاز, فبادرتها فرانسيسكا قائلة:
_آسفة لأنني لم أستطع أن أعثر على الأمير لأجلك.

أخرجت جاز "ترموس" من كيس ورقي وأزاحت غطاءه البلاستيكي ثم ناولتها إياه.
ثم قالت متفلسفة:
_هذا لا يدهشني لقد نجحت في أن أتبادل الحديث مع "موريس ديلون" الذي سيقيم حلقات دراسية حرة للمؤلفين الجدد في مكتبتنا, وذلك في الشهر القادم, ماذا عنك؟.
هزت فرانسيسكا رأسها:
_التقيت فقط برجل أراد أن نخرج إلى الشرفة ونتحدث تحت المطر.
رفعت جاز حاجبيها الأنيقين:
_هذا مثير.

ودهشت حين احمرت وجنتا فرانسيسكا قليلاً, وقالت متأملة:
_لا أراك فعلت شيئاً كنت أنا سأفعله لو كنت مكانك, أليس كذلك؟.
فقالت فرانسيسكا مضطربة بشكل عادي:
_طبعاًَ لا.
ضحكت جاز بصوت مرتفع , فقالت فرانسيسكا:
- لم أقصد ذلك. حسناً, كفى ضحكا علي. رباه! وكيف أعرف ما كنت ستفعلينه.
رشفت جاز قهوتها:
_في الحقيقة, ما كنت لأستطيع القيام بالكثير على شرفة تحت المطر.

ونظرت إلى فرانسيسكا متأملة:
_لا بد أن الجو كان باردا جداً.
أجابت:
_آه....نعم, ربما. أنا لم ألاحظ في الحقيقة.
رشفت جاز مزيدا من القهوة:
_آه... كم لبثتما في الشرفة؟.

فأجابت فرانسيسكا بشيء من التمرد:
_لا أتذكر.
فقالت جاز:
_آه, هذا مثير للخيال كما أرى.
لم تستطع فرانسيسكا من الشعور برجفة خفيفة لا إرادية. وأدركت أن جاز لاحظت ذلك. وقالت دون وعي:
_وماذا كان بإمكاني أن أرى منه؟ هذا يذكرني.... هل لك أن تعطيني نظاراتي الاحتياطية من فضلك.

لم تقل جاز شيئاً. فقالت فرانسيسكا:
_اسمعي, لا يمكنك أن تظني أنني انجذبت إليه بشكل جاد. فأنا لم أره سوى مرة واحدة.
فقالت جاز:
_التجاذب عادة يحصل على الفور, ولا يمكنك أن تفعلي شيئا تجاهه. حسناً, بإمكانك أن تختاري بين الاستمرار فيه أو الهرب منه... فالتجاذب قد صعقكما لتوه.

ارتجفت فرانسيسكا مرة أخري. حتى شعورها نحو باري لم يكن صاعقا تماماً, ليس بالشكل الذي تعنيه جاز. فقالت بعنف:
_اسمعي. كنت أظن, حتى أمس, أنني أحب باري, لذا لست مستعدة الآن لتلقي صعقات الانجذاب.
بدت ابتسامة واسعة على شفتي جاز, فكادت فرانسيسكا تجن , فصاحت بها بقنوط:
_ ماذا؟ ماذا؟.

محت جاز الابتسامة عن فمها, وقالت:
_كما تقولين.
قالت فرانسيسكا بكبرياء:
_أعطيني نظاراتي. لدي عملاً أريد القيام به.
أعطتها جاز ما طلبت, ثم ذهبت فرانسيسكا إلى غرفة المخزن وهي تهمهم.

تبعتها جاز أخيراً وقالت لها:
_أنا أعرف أنك لم تعثري الليلة الماضية على الأمير, لكنني أظن أن بإمكاننا أن نقيم محاورة مثيرة ذات مساء, إذا استطعنا أن ندعوه.
لم تكن فرانسيسكا قد صفحت عنها بعد, فرفعت نظاراتها فوق أنفها وقالت:
_إنه اللجوء الرخيص إلى معالجة الموضوعات المثيرة.
فقالت جاز:
_نعم, هذا ما ظننته. لكنني نظرت في كتابه الليلة الماضية. هل قرأته؟.

رفعت فرانسيسكا أنفها في الهواء فقالت جاز:
_لا أظنك قرأته, إنها قصة جهنمية بقدر ما هي علمية.
فقالت فرانسيسكا: أهكذا؟.
أجابت جاز:
_ولهذا, ادعيه.... تحدثي إليه, أخبريه بمبلغ أهمية زبائننا.

نسيت فرانسيسكا أنها أخبرت ذلك الغريب الليلة الماضية بهذا الشيء نفسه, فسألتها:
_ولماذا أفعل ذلك؟.
كانت جاز مستعدة لهذا السؤال, فأبرزت لها من وراء ظهرها ورقة لامعة, وهي تقول:
_انظري إلى هذه.

نظرت فرانسيسكا, فاستطاعت هذه المرة أن ترى الصورة الفوتوغرافية, كانت رائعة الجمال بالأبيض والأسود.
كان وجها مؤثراً مثيراً للإعجاب. لم يكن وسيما بالشكل المتعارف عليه, فقد كان أكثر قوة من أن يكون جميلاً بوجنتيه العاليتين وأنفه البارز المنحني وعينيه اللامعتين. لكنه كان وجها لا يمكن نسيانه بسهولة,وارتجفت فرانسيسكا لسبب يتعذر تفسيره.

قلبت الصفحة. بالإضافة إلى التعريف بالكتاب, كانت هناك صورة أخرى, من الكتاب هذه المرة, وبألوان رائعة أظهرت لونه الذي لوحته الشمس بشكل بديع. كان قميصه قد فقد معظم أزراره يشكل واضح. بينما هو يلوح بفأس فوق رأسه, ضاحكاً. كان مفروضا أن تجعله الجبال المكللة بالثلج خلفه يبدو صغير الحجم, لكن هذا لم يحصل.
منتديات ليلاس


زهاري 12-04-10 10:33 PM

ثااانكس.......في انتظار التكمله




الله يعطيكي العافية

Bony 13-04-10 12:30 AM

في انتظار التكملة .....

بليز في اقرب وقت
Bony

اماريج 13-04-10 04:18 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهاري (المشاركة 2261879)
ثااانكس.......في انتظار التكمله




الله يعطيكي العافية


الله يعافيك ويسعدك
وشكرا لمرورك
تحيااااااتي

اماريج 13-04-10 04:20 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Bony (المشاركة 2262020)
في انتظار التكملة .....

بليز في اقرب وقت
Bony


بوني شكرا لمرورك
العطر
تحياااااااتي

اماريج 13-04-10 04:36 AM

لم يكن ذلك لأن كونراد دوميتيو كان طويلاً بشكل غير متوقع, بل لأنه كان هناك تلك الثقة المتكاسلة بالنفس, والفم المرن. وتلك الضحكة في عينيه الثابتتين.
وفكرت فرانسيسكا فجأة في أنها لا تستطيع التعامل مع رجل له مثل هاتين العينين.

لكن جاز لم تشاركها تحفظها وهي تقول:
_إنه حلم النساء. كل الرجال سيرغبون في أن يكونوا مثله ويبدو أنه أنزل المجموعة من البركان بمفرده.

وقرأت بصوت مرتفع:
_لماذا يستلم الصبي الجديد المسؤولية بين المجموعة؟ هل لأن كونراد في الثانية والثلاثين وهو متسلق صخور أم لأنه مبرمج بالوراثة للحكم!.
_هذا مضحك! إنه مجرد رجل متسلط اعتاد أن يرمي بثقله هنا وهناك.
فقالت جاز:
_بهذا العمل أنقذ أرواحا كثيرة. والكتاب من السهل الحصول عليه.
أعادت فرانسيسكا قلب الورقة ونظرت إلى الصورة, قائلة:
_وهكذا المؤلف, كما يبدو.
كبحت جاز ابتسامة وقالت بنبرة استعطاف:
_آه, أرجو ذلك.
ضاقت عينا فرانسيسكا:
_لا تمنحي الأمراء أي قدر من الاعتبار ولا مقالة جذابة كهذه حتى.

فقالت جاز تتملقها:
_علينا أن نستغل أمسية مع الأمير الجميل, يا فرانسيسكا.
تنهدت فرانسيسكا:
_حسناً, سأتصل بالناشر.
فقالت:
_سبق أن أخبرتك بأنهم لن يهتموا بنا. نحن أقل أهمية من ذلك. عليك أن تتصلي به مباشرة, هاجميه بسحرك.
قالت فرانسيسكا بسخرية:
_سحري؟ أنا؟ هذا حلم.

وفكرت قليلاً ثم عادت تقول:
_لا بأس. إذا لم يتصل بنا الناشر, فسأتصل بالجالية المونتاسورية سائلة كم سيكلفنا.


فقالت جاز مجفلة:
_يكلفنا.
قالت فرانسيسكا ساخرة:
_أن نستأجر أميراً, كيف تظنين أن هؤلاء الأمراء السابقين يحصلون على خبزهم؟ إنهم يؤجرون ميزتهم الوحيدة.
نظرت جاز إلى ذلك الوجه القوي في الصورة, وتمتمت تقول بمكر:
منتديات ليلاس
_هل قلت ميزته الوحيدة؟.

اماريج 13-04-10 04:41 AM

قالت فرانسيسكا شامخة:
_ما أسهل أن تعجبين برجل.
فقالت جاز:
_أنا؟ هذا هراء. كل شخص يعلم أنني صعبة الإرضاء. أنت هي الشاذة لأنك تركت نفسك مشوشة مرتبكة مع باري دي لا توش.
أجفلت فرانسيسكا:
_استمري. قولي كل شيء. لماذا سكت؟.

فأجابت جاز:
_لا أصدق أنك فكرت حقا في الزواج بباري.
كانت فرانسيسكا قد أمضت ليلة سيئة, مفكرة في ذلك الموضوع فقط.
قالت بعنف:
_كل ذلك يظهر أنني لا أميز جيداً وأنني أتجاوب مع الحنان بشكل زائد عن الحد.

هزت جاز رأسها:
_ولماذا لم تقولي شيئاً؟ كان بإمكاني أن أخبرك عن كذبه وزيفه.
لم تكن فرانسيسكا مسرورة لسماعها هذا, فسألتها:
_هل كان يمكنك ذلك؟ باعتبار أن كل من ينجذب لي غشاش؟.
ردت جاز بحدة:
_ لقد زعم باري أنه كاتب مسرحي, مع أنه لم يسبق أن خط قلما على ورق. والواقع أنني لم أعلم قط أنه كان يدعي الانجذاب إليك, لقد أبقيتما الأمر سراً.

حولت فرانسيسكا نظراتها بعيدا وقالت:
_كانت فكرة باري أن من غير المناسب أبدا أن يخرج الرجل مع المرأة التي يعمل معها ... وهكذا صدقته.

شتمت جاز بصوت منخفض, بينما عادت فرانسيسكا تقول بحزم, مشرقة الوجه:
_بإمكاني أن أعتبر هذا درساً مفيداً.
سألتها جاز وهي تتفحصها بدقة:
_هل أحببته حقاً؟.
ساد صمت قصير قالت فرانسيسكا بعده بصوت خافت:
_هذا ما ظننته.
منتديات ليلاس
رفست جاز, وهي الهادئة عادة, سلة المهملات بقدمها بحقد:
_يا له من ضفدع سام!.
قالت فرانسيسكا متأثرة:
_هيه.... سأنسي ذلك, يكفي أنني تعلمت درساً كهذا, وسأعود طبيعية.


اماريج 13-04-10 04:47 AM

وكما قالت جاز. لم يساعدها الناشرون بشيء فقد قالت السكرتيرة:
_صدقيني ليس في مذكرة سموه مكاناً لمزيد من الظهور شخصيا في مكان عام.

وهكذا فشلت خطة فرانسيسكا, ولم تكن مسرورة لذلك, طبعاً, بعد أن أقحم أبوها نفسه في حياتها العاطفية. كانت رفضت أن تراه.
كانت, في الواقع, متمسكة بكرامتها إلى أن قال لها :
"لكنني كنت على صواب, وأنا دوماً كذلك",عند ذلك فقدت أعصابها وأخبرته بأن يعود إلى نيويورك.

وهكذا, أن تتصل به الآن وتطلب منه العون للاتصال بأسرة مونتاسورو المالكة, هو مذلة حقيقية لها. لكنها عادت تقنع نفسها بالقيام بذلك بعد أن تذكرت أنه طالما أعلن أنه لا وقت لديه للأسرة المالكة,
وهكذا لن يقدمهما للأسرة المالكة بنفسه, وإنما سيوجهها إلي صديق صديقه ليقوم بذلك عنه, هذا إذا شاء أن يساعدها.وهكذا اتصلت به.
لم يكن بيتر هيلير قد عاد إلى نيويورك, ولكنه كان يتناول الغداء في مكان ما فخم, فقد سمعت أصوات أدوات المائدة تقرقع.
قالت وهي تحاول أن تنسي لقاءهما الأخير:
_مرحبا يا أبي, كيف حالك؟.

فقال مسروراً:
_فرانسيسكا, إذن فقد صفحت عني لأنني كنت على حق؟.
تخلت عن المقاومة, قائلة:
_ شكراً, أنا بخير, أنا بحاجة إلى خدمة.
- اطلبي. ولكن بسرعة لأن لدي ضيفاً.
اختصرت طلبها بجملة واحدة. وتلا ذلك صمت قال أبوها بعده ببطء:
_أتريدين أن تقابلي الأمير كونراد؟.
أجابت:" نعم ".
ساد صمت آخر أطول. ثم قال أبوها فجأة:
_يمكنني تدبير هذا الأمر. وسأتصل بك فيما بعد.

ثم قطع الاتصال حتى قبل أن تتمكن فرانسيسكا من شكره, ربما كان هذا أفضل بالنسبة إلى الظروف.
وما كانت لتتفلسف بهذا الشكل لو أنها رأت وجه أبيها بعد أن أقفل الخلوي ووضعه في جيبه. أسند ظهره إلى الخلف في كرسيه الوثير, وابتسم عبر المائدةبدا لمضيفه العجوز, أشبه بقط عثر على صحن قشدة, ولم يكن معتاداً على هذا, فشعر بالضيق.

ومنحه مضيفه ابتسامة عريضة عريضة, ثم انحنى إلى الأمام يقول:
_والآن, لدي معاملة لأجلك...
.............
قال كونراد دوميتيو بحزن:
_لا, أبداً."
كان لديه موقف ضد مشاريع جده اللاعقلانية, وقد علمته التجارب أن يقول "لا" باكرا ويبقي على قوله هذا.
فقال جده:
_لكنك لم تسمع فكرتي بعد.

بدا على وجهه الأشبه بوجه ضفدع مغضن, مزيج من الأمل وجرح الكرامة. خفض حفيده الطويل بصره إليه بتفهم كبير, كانت الريح التي تهب عبر الملعب تعبث بشعر فيليكس دوميتيو الخفيف, فارتجف... أخرج كونراد قفازين من جيب معطفه وناوله إياهما, لكنه لم يلن وهو يقول:
_لست بحاجة إلى سماع ذلك. لقد خرجت من سريرك صباح سبت ممطر وقبل الثامنة, لكي تخبرني بهذا... وهذا يعني أنك تعلم أنني لن أوافق.
منتديات ليلاس

فقال جده نائحاً:
_أنت كثير الشك.

وأدخل يديه في القفازين ثم أخذ يضرب الأرض بقدميه للتدفئة. لم يكن حذاءه المصقول مصمما للسير الذي تغطيه المياه القذرة والرمال, وبدا الحذاء مبتلاً بالماء.
وقال كونراد بجفاء:
_علمتني التجارب.


اماريج 13-04-10 04:55 AM

كان وجهه أسمر متحفظاً, لكنه أثناء جلسات السبت هذه, كان يبدو دوما وكأنه على وشك الضحك.
كان الجد يعلم أن التسلية ليست بشير خير بالنسبة إلى خطته الكبرى, فشبك يديه المكسوتين بالقفازين فوق صدرته القديمة الطراز, ثم قال:
_لكنه سبب جيد.

أجاب كونراد:
_هذا صحيح بكل تأكيد, وهذا هو السبب في أنني مسافر إلى مونتاسورو حالما يجهز ذلك المستشفي المتحرك.
فقال الجد بانتصار:
_حسناً, إذن, فكرتي صغيرة سهلة التنفيذ نسبياً, كل ما عليك أن تقوم به هو أن تلبس بذلة ضابط في سلاح الفرسان وتكون مهذباً مع الناس.
تصلب الوجه الأسمر:
_أتعني أن أتبختر في الأنحاء, مزيناً صدري بأوسمة لا أستحقها؟.

قال الجد:
_بل أنت تستحقها, فأنا أنعم بها على من أريد.
فهز كونراد رأسه:
_لم تفهمني, أليس كذلك؟ لا بأس يا جدي, أنا لم أكتسب ميداليات. هل هذا واضح؟.

أحنى الجد كتفيه وقال بتكدر:
_يا لك من مترفع.
لكن كونراد عاد يضحك قائلاً:
_آسف يا جدي.
أحكم الجد معطفه حوله, ثم عاد يضرب الأرض بقدميه. ثم قال بحيرة:
_خذ هذا المكان, مثلاً, أنت تعلم أن عمتك قد قدمت لك الغرفة الكبيرة في المنزل القائم في "برينزغيت" بدل أن تجر نفسك إلى مساكن المزرعة التعيسة, الموحشة.

ساد صمت. وأخيرا قال كونراد بإيجاز:
_عليك أن تخرج أكثر من بيتك, لأن في المزرعة مساكن ممتازة, فهناك يلعب الأطفال, وأنا أعلمهم لغة أجدادهم, أنا أعرف سبب قيامي بذلك, لكنني لست واثقاً أبدا سبب قيامهم بذلك, فهم يفضلون أن يتفرجوا علي التلفزيون أو يقوموا بألعاب الكمبيوتر. وإذا أنا لم أذهب إليهم فقد يقلب هذا التوازن, ولن يأتوا عندئذ.
فقال الجد بسرعة:
_الحق معك بالتأكيد فأنا لم أكن أفكر, ربما بسبب هذا الصباح الممطر والقدمين المبتلتين. والآن, لقد قدم إلي بيتر هيلير عرضاً بأن يمول المستشفي الجبلي لأول سنة...

ساد صمت مربك, ورأي فيليكس كونراد ينظر إليه بعدم تصديق, وأخيراً قال:
_أنت بحاجة فعلاً إلى الخروج بشكل أكثر, هيلير ماكر كالثعلب, فهو لا يمنح شيئاً دون ثمن, علي الأقل المال.

لكن فيليكس كان يفكر في أن هذا ليس أول شيء كان ينوي قوله، فقال:
منتديات ليلاس
_حسناً, ربما, لكنه هذه المرة يريد بإخلاص أن يقدم عوناً.
فقال كونراد:
_لا. هذا غير صحيحا. لم يحدث قط أن كان لبيتر هيلير حافز خال من الغرض, في حياته.

كان الأولاد قد بدؤوا في الوصول, فاخذ كونراد يحييهم أثناء مرورهم.
تنهد فيليكس بحدة, وهو يفكر باكتئاب, أي ملك كان كونراد سيصبح, وهو بمثل هذا الذكاء والفطنة. وتمالك نفسه. قد يعود ملكاً إذا تغيرت الأمور إلى ما يرجوه, طبعاً إذا استطاع أن يقنع كونراد.
وكان كونراد يقول:
_لا يمكنك أن تثق بكلمة يقولها بيتر هيلير.

حول فيليكس عينيه بعيداً. ولحسن الحظ, كان كونراد ينظر إلى ولدين وصلا لتوهما وأخذا يخططان أرض الملعب, فلم يلحظ شرود جده وأكمل الحديث بيقظة الصقر:
_إنه يريد بذلك أن يكسب مزيداً من المال. ما الذي يظن أن بإمكاننا أن نقدم إليه؟ أن نستخرج له رخصة؟).

أخذ فيليكس يتفحص السماء الغبراء ثم قال:" لا! ".
ثم قال مخاطباً الغيوم:
_ربما حباً بوطنه.


اماريج 13-04-10 05:01 AM

لكن كونراد لم يتأثر:
_يحب وطنه؟ بيتر هيلير؟ لقد كان يتفقد أحوال محبي وطنهم من المونتاسوريين في لندن منذ عشرين عاماً, فزاد أكثرهم فقراً, إنه "مخلص معاملات".
فتمتم الملك السابق بأسي:
_مخلص معاملات غني.

فهز كونراد كتفيه:
_ كان فتى طموحاً عندما خرج من مونتاسورو منذ سنوات وما زال فتى طموحاً الآن. ليس علينا أن نتعامل معه.
فقال بمكر:
_لهذا جئت إليك, أنت تعلم أنني أقدر نصائحك حقاً, عندما تعرف بقية فكرتي...."

لكن حفيده أحد الناس القلائل في العالم الذين لا يستطيع الملك السابق فيليكس أوف مونتاسورو أن يناوره, فقاطعه كونراد بجفاء:
_لا,مهما كانت فكرتك, فالجواب هو هو, لا سبيل إلى ذلك. لا. والآن اذهب, لأن لدي عملاً.
ولكن هذا لم يثن فيليكس فقال:
_لا. ليس لديك عمل, فالأولاد مسرورون للغاية.
وأخذ يلوح بيده للأولاد المبكرين الذين كانوا يلغطون بسرور.
قال كونراد:
_وهذا ما يقلقني.

وشمل ملعب المدرسة بنظراته بكل أقسامه وقد ضاقت عيناه, مركزا بشدة, ليس فقط اهتماماً بل يقظة وسهراً كالصقر.
قال جده:
_فكر لحظة يا كونراد, ماذا سيكلفك هذا؟ ما الذي سيكلفك حقاً أن تقوم بهذا الشيء البسيط لأجل بلادك.
لم يحول كونراد نظراته عما يجري في الملعب وهو يرد عليه قائلاً:
_لا تتصرف معي كلاجئ عجوز يا فيليكس, لا تنسي أبداً أن بإمكاني أن أفهم مقاصدك.

فقال جده:
_لا بأس, لكنني أريد فقط عطلة أسبوعية من حياتك. هل هذا كثير علي ؟.
أجاب كونراد:
_نعم.. كثير جداً إذا كان هذا يتطلب مني أن انسجم مع بيتر هيلير.

بدرت من جده إشارة تنبئ بصدمة وخيبة أمل فخفض كونراد بصره لينظر إليه. كان قد اجتاز جده طولا عندما أصبح في الرابعة عشرة, وهو الآن يشرف بقامته على الرجل العجوز. ولم يكن يختلف عنه بالطول فقط. بل بوجنتيه العاليتين وعينيه الثابتتين اللتين كانتا سوداوين تقريباً, كانتا عينين مرهبتين, وكان يعتمد عليهما في حفظ النظام في الملعب, بقدر ما يعتمد في سرعة التصرف, الشخص الوحيد الذي فشل في إرهابه في الخمس سنوات الأخيرة كان جده.

قال كونراد متأثراً:
_إني أتفرغ الآن كل صباح سبت, لكي أستطيع تعليم الأولاد الذين لا يريدون تعلم لغتهم... هذه اللغة التي لن يستعملوها أبداً, إلا إذا استطاعوا أن يتصلوا بأشباح أجدادهم.
وأضاف بمرارة:
_وأنا إلي ذلك غير ماهر مع الأولاد.

قال جده ضاحكاً:
_للمركز التزاماته. أنا لا أمانع في أن أقايض مركزي ببقائي أحياناً صباح السبت في فراشي.
فرفع كونراد حاجبه ساخراً:
_أحقاً؟ أظنك تريد مني أن أؤجر نفسي للمشاركة في أعمال بيتر هيلير؟.
منتديات ليلاس

وفجأة تحول انتباه كونراد وقال:
_يا إلهي, سيشنق ذلك الوحش الطفلة بضفيرتها.


اماريج 13-04-10 05:05 AM

نظر كونراد الى ذاك الصبي وصرخ به:
_غريغور, اترك دوريتيا وشأنها.

وقف الصبي مكانه ولكن دون اقتناع كامل.
استدار كونراد ووجه إليه نظراته المسيطرة:
_إذا لم تفعل ذلك فسأقلع بنفسي كل سن في فمك بالكلاب.

وبدا التفكير علي الصبي ذو العاشرة.
وتنهد جلالة الملك في كآبة:
_أي حاكم عظيم ستكونه.
قال كونراد بخشونه:
_لا. لن أكون كذلك. وإنما سأكون راصداً جيداً للزلازل, ومعلم أحياناً يثير الرثاء. أقنع بهذا.
قال الملك:
_لكنك وريثي أيضاً.

نظر إليه كونراد, وساد صمت خطر. ولأول مرة, لم يبسط فيليكس يديه قائلاً أنه كان مبالغاً في تصرفاته. بل قال برزانة:
_الحياة غير جيدة في مونتاسورو. النظام القديم قد انهار وليس هناك مكانه إلا المجرمين. والناس يموتون جوعاً يا كونراد.
قال كونراد بفظاظة:
_أعرف هذا, ولكنك فعلت كل ما بوسعك. رباه! لا يبدو وكأن الأسرة عاشت هناك ستين عاماً.....

قال جده ببساطة:
_حكمت أسرة دوميتيو الجبال مدة ثمانمائة عام, وكنت هناك بنفسي إلي أن...
وسكت فجأة .
كان كونراد يعلم أن جده طاف بالجبال إلي أن أصبح في السابعة عشرة.. عندئذ استلم الشيوعيون الحكم أخيراً فهرب فيليكس عبر الجبال إلي ايطاليا.

وضع كونراد ذراعه حول جده, وكانت هذه لفتة نادرة منه.
قال فيليكس بلهجة لا أثر فيها للتمثيل:
_لدينا واجب.
وساد صمت حاد, قال فيليكس بعده:
_ لو كان ابوك حياً, لما طلبت منك شيئاً.
تحرك كونراد بخشونة إذ لم يسبق لأي منهما أن أتى على ذكر أبن فيليكس الوحيد. وما دام جده استطاع أن يحمل نفسه علي ذكر ابنه فهذا يعني أن مشروعه أهم من أي شيء آخر حدث منذ وقت طويل.

فقال بضعف:
_لا بأس أنت انتصرت. سآتي إلي الغداء وأكون لطيفاً مع بيتر هيلير. وسأستمع حتى إلي ما سيقوله, ولا تطلب مني شيئاً أكثر من ذلك,اتفقنا.
كان فيليكس أكثر خبرة ودبلوماسية من أن يشمت به متباهيا بانتصاره, فقد قال برزانة:
_هذا شيء حسن منك, يا كونراد. جدتك ستتطلع شوقاً إلى ذلك.
منتديات ليلاس
نظر كونراد إليه بحدة وقال منبهاً:
_هذا كل ما سأفعله, يا فيليكس. سأستمع فقط, ليس هناك وعود أبداً.
وافق جده:
_حسنا, لا وعود, ولكنك ستستمع. هذا كل ما أطلبه منك.
بدأت ساعة الكنيسة القريبة تدق ساعة واحدة, ولم يهتم الأولاد. فرفع كونراد رأسه وأطلق تلك الصرخة التي كان آل دوميتيو قد اختصوا بها حين كانوا ينادون بعضهم بعضاً من رؤوس الجبال المكسوة بالغابات.
توقف أكثر الأولاد عن اللعب, وشكلوا صفا أمام باب المدرسة على كره منهم


........................نهاية الفصل الثاني....................


اماريج 13-04-10 05:20 AM

3-اهانات بالجملة

قالت فرانسيسكا:
_والآن أخبرني إلى أين نحن ذاهبان
بالضبط ؟.
كانت جالسة مع أبيها في سيارة أجرة سوداء. وكان قد أخبرها أنه سيأخذها إلى الغداء مع صديق قديم للأسرة. لكنها عادت وتذكرت أن لدي أمها فقط أصدقاء, أما أصدقائه فهم مثله, أشبه برعاة البقر.
ما كان أي من أصدقاء أبيها المقربين ليستحق أن ترتدي لأجله هذا الثوب الحريري المجلوب من باريس, والحذاء العالي الكعب. كان الثوب بلون القشدة والعسل والذهب ويلزمه تنظيف على البخار كلما خرجت به مرة واحدة, أما الحذاء فقد كان يسبب لها العرج, وكان أبوها قد طلب إرسال كل ذلك إلى مكتبتها في صناديق بيضاء مذهبة, قائلاً:
_أريد منك أن تظهري بشكل جيد.

ارتدت الملابس الجديدة هذه, وجعلت بقية اليوم عطلة. وها هي ذي الآن تبدو حسنة المظهر ولكنها لا ,ما زالت لا تدري لماذا كل هذا
كما أن شيئا من تصرفات أبيها أشعرها بالضيق. نظر من النافذة إلى شرفة الفندق الأرضية الواسعة الأنيقة وتردد. وازداد فضول فرانسيسكا فليس من عادة أبيها أن يتردد.

استدارت إليه في التاكسي ونظرت إليه بعينين ضيقتين لامعتين:
_من هو؟ اعترف يا أبي.
وبعد لحظة قال:
_آل دوميتيو.
لم تفهم:
_من ؟ .
فأجاب:
_الملك والملكة السابقان فيليكس وانجليكا.

قطبت فرانسيسكا جبينها, مما تعرفه أن علاقة أبيها مع الأسرة المونتاسورية المالكة في المنفي علاقة يشوبها التوتر....
قالت وهي تراقبه بدقة:
_لم أكن أعرف أنهم من أصدقاء الأسرة.
فقال:
_ لم يكونا كذلك حتى الآن. إنما أرجو أن نصبح أصدقاء حميمين في المستقبل.

كان سريعاً دوما في تصرفاته, وشعرت فرانسيسكا بالتسلية رغما عنها.
قالت:
_لا بأس. ولكن لماذا أحضرتني معك؟.
بدت الحيرة على بيتر هيلير وهو يقول:
_ لكنك طلبت مني ذلك.
فقالت:" ماذا ؟".

- قلت أنك تريدين أن تقابلي الأمير كونراد.
فقالت وقد فهمت أخيرا:
_آه. لم أقصد, في الواقع, غداء رسميا بكل المظاهر الملكية. كنت أفكر في تناول شراب في مقهى ذات أمسية.
لكن أباها لم يقتنع.
- لقد أزلت كل المعوقات لكي أرتب أمر هذا الاجتماع.

منتديات ليلاس


اماريج 13-04-10 05:27 AM

قالت:
_حسناً, أظن أنه كان بإمكاني أن أحاول لقاءه لتناول كوب شاي.
لم يكن لديها كثير من الخبرة بمقابلة الأمراء, وسألته:
_هل سيكون علي الانحناء لأحد؟.
أجفل قائلاً:" لا ".
اعتدلت فرانسيسكا في مقعدها وهي تخفي ابتسامتها. لا بأس. فهذا أبوها الذي تعرفه. وقالت:
_أردت أن أتأكد.

فقال متضايقاً:
_أرجو أن تتصرفي بأدب.
- أراهن على أنك ستكون كذلك.
فقال عاتباً:
_فرانسيسكا......"
لكنهما كانا قد وصلا, فقد وصلت سيارة الأجرة أمام مبني فخم. نسيت فرانسيسكا ما كان يريد أبوها أن يقول وهي تهبط من العربة بحذر, ثم انتصبت واقفة على كعبيها العاليين النحيفين.
سوت موضع نظارتها الجديدة الحديثة الطراز والمؤطرة بالذهب علي أنفها, ثم استندت علي ذراع أبيها وهو يقودها إلي الداخل.
كثيراً ما كانت فرانسيسكا تذهب إلي غداءات رسمية,
لكنها لم تذهب قط إلى حفلة غداء رسمية في فيلا فخمة الأثاث, ديكورها هو شيء بين قاعة العرش وبين حانوت أثاث قديم.
هتفت الملكة السابقة انجليكا عندما أشار زوجها للضيفين للدخول إلى الغرفة المشمسة: " آه" .

كانت تضع حول عنقها قلادة تنتهي بياقوتة رائعة, وعلي وجهها إمارات ضيق. وفكرت فرانسيسكا في أنه كان عليها أن تنحني, وقالت الملكة:
_ ما أجمل أن أراك أخيراً يا آنسة هيلير! فقد سمعت الكثير عنك.
نظرت فرانسيسكا إلى أبيها بعنف"ما الذي كان يقوله عنها؟"
لكنه كان مشغول عنها بمصافحة الملك السابق متعمدا ذلك نوعا ما .

وهكذا قالت بمرح:
_هذا يبعث دوما علي شيء من الخوف,فهو أشبه بإعلان علي الجدار عن "المطلوبين" للشرطة.
ابتسمت مضيفتها. لكنها لم تكن ابتسامة البتة بل مجرد انفراجة لشفتيها المصبوغتين بحمرة متألقة.
لكنها قالت في لطف:
_ليس ثمة شيء من السوء بحيث يتطلب وضع ثمن لرأسك.

ألقت على أبيها نظرة لوم حارقة. كان عليه أن ينبهها إلى أنهما جاءا لترميم الجسور, على الأقل بالنسبة إلي الملكة السابقة. أما بالنسبة للملك. الذي كان أشبه بالضفدع, فقد بدا سعيدا للغاية بالترحيب بفرانسيسكا.
وهو أيضا لم يبد أنه يريد منها أن تنحني له, بل صافحها بحماسة.
منتديات ليلاس
قالت الملكة السابقة انجليكا بعذوبة مصطنعة:
_حسناً, أنت لم تلتزمي أي عمل بشكل ثابت, أليس كذلك يا عزيزتي.
آه... وانتصبت فرانسيسكا في جلستها. فهي غير مستعدة لتلقي النقد من وطواط عجوز قابلتها للتو, فقالت بابتسامة متألقة:
_أظن من الخطأ الكبير أن يلزم الإنسان نفسه بشكل مبكر. وهكذا أغتنم الفرصة لكي أرى العالم وأكتسب خبرة في مختلف الأمور.
واشتبكت أعينهما.
رأت فرانسيسكا أن المعركة قد جاءت. وأومأت الملكة السابقة كأنها أدركت ذلك هي أيضاً. لانت فرانسيسكا, ثم أشارت إلي المائدة نصف الجاهزة وقالت:
_أيمكنني أن أساعدك؟ .

مضت لحظة قصيرة جداً قبل أن تقبل الملكة السابقة هذا العرض بلطف بالغ. قد لا يكون الرجلان لاحظا ذلك, كما ظنت فرانسيسكا, لكن مضيفتها حرصت علي أن تلاحظ فرانسيسكا هذا.
قالت الملكة السابقة وهي تشير إلي زوجها وضيفه بالذهاب إلي غرفة الجلوس:
_هذا لطف بالغ منك. يمكننا الآن أن نتسلى بالحديث بحرية, امرأة لامرأة.
نتسلى بالحديث؟ وساور الشك فرانسيسكا.
سارت أمامها الملكة السابقة إلي المطبخ وكأنها داخلة إلي قاعة وخلفها وصيفتها, وازداد هبوط قلب فرانسيسكا. سوت نظاراتها على عينيها متحدية, حامدة الله علي أنها استطاعت شراء نظارات جديدة.

حمدت الله الذي أنقذها من تأنيب الملكة, عندما قالت هذه:
_فهمت أنك "مهتمة" بحفيدي.
وجعلت هذا يبدو شائنا بعض الشيء.
احمر وجه فرانسيسكا وقالت:
_من ناحية العمل تماماً.

منتديات ليلاس

اماريج 13-04-10 05:35 AM

تصلب جسم الملكة السابقة:
_ أنت صريحة.
أجابت فرانسيسكا:
_من السهل علي دوما أن أقول ما أريده مقدماً.
وتساءلت عما قالته لتبدو هذه الوطواط العجوز علي هذا الشكل, وتابعت تقول:
_هذا يبعد سوء التفاهم.

قالت الملكة السابقة وقد أصبح فمها كالفخ:
_تماماً, هذا ينطبق جدا على مفاهيم القرن الواحد والعشرين. لا تظاهر, لا تهذيب ولا سمح الله "لا غرام".
حدقت فرانسيسكا إليها قائلة:" غرام؟."
فقالت الملكة:
_لكنني واثقة أن الحق معك. أنتم الشباب عموماً كذلك, إذا كان اهتمامك الوحيد به هو جعله شريكا في أهداف عملية فقط, فمن الصواب إذن أن تقولي ذلك."

لوت شفتيها. لم يبد عليها أنها تظن أن كل ما تقوله فرانسيسكا أو تفكر فيه هو صواب.
أخذت غرفة الطعام المكتظة بالأثاث تهتز أمام عيني فرانسيسكا, وضعت يدها على الجدار تثبت نفسها, ثم قالت بصوت أجش:
_"شريك؟".

أجابت الملكة السابقة:
_ما دمنا نتجنب سوء التفاهم, فلن أخفي عليك بأنني لا أوافق زوجي علي ذلك.
وألقت ببعض الشوك والملاعق علي المائدة المصقولة بحدة, وفكرت فرانسيسكا في أن هذا كابوس حقاً. فتنحنحت قائلة:
_ أي شراكة؟.
وكانت مضيفتها تنظم أدوات المائدة مكانها بغضب فقالت:
_ قد يكون هذا شيئاً عصريا جداً وعقلانياً. ولكن علينا أن نتبع أيضاً بعض العادات القديمة من الحنان والمودة. حتى ولو لم تؤمنا بالحب, عليكما, علي الأقل, أن تشعرا ببعض المودة والاحترام نحو بعضكما البعض. أنا لا أريد أن تصيب حفيدي كارثة أخرى....".

وسكتت فجأة. ثم سألتها باستياء:
_ إلى أين تذهبين؟.
أجابت فرانسيسكا عابسة:
_أريد أن أتحدث إلى أبي.
لا عجب في أن أباها بدا متضايقا في التاكسي. نسيت حذرها من كعبها العالي, فقد كانت ملهوفة إلي اتخاذ موقف من أبيها. وهتفت:
"أبي.."وإذا بجرس الباب يرن. وكانت قد أصبحت بجانبه, ودون وعي منها فتحت الباب وهي تقول:
_ هالو. الأسرة في....".

سكتت وهي تطرف بعينيها.
فأول ما فكرت فيه أن الصور لم تظهر نصف الأمر. وما افتقدته الصورة هو النظرات الثاقبة التي كانت تجتاحها حتى العظم.
أمسكت بالباب تستند إليه. في مكان ما في ذهنها, كان هناك إحساس غامض بالألفة التامة, وكأنها عرفت الأمير كونراد منذ الأزل.
هاتان العينان الثابتتان, بتجردهما الهادئ وتلك اللمحة الضاحكة فيها رائعتان... إنها تعرف أيضا كيف تبدوان, ولكنها لم تتوقع أن تطبق نظرة التسلية تلك من مسافة ستة انشات.
ابتلعت ريقها بصعوبة, ورفعت بصرها, لم تستطع أن تفكر في شيء تقوله.
وقف كونراد جامداً.

فأول ما خطر في ذهنه فكرة غير منطقية وهي أن فيليكس قد قرأ أفكاره! ولكن, لا. كان أول ما خطر له فكرة أبعد عن المنطق, فكرة بدائية للغاية, وهي أن يحمل هذه المرأة معه ويهرب بعيداً.
كان متلهفا إلي رؤيتها. لقد أدرك مبلغ ذلك وهو يراها هنا, وكان ذلك يشغل باله منذ أيام.
ففي كل وقت كان يرفع فيه بصره عن عمله, وفي كل مرة يقف في الصف في السوبر ماركت أو ينتظر أن يغلي أبريق الشاي..... كان خيالها يتسلل إليه من الظلال مرة أخرى, ودوما بنفس السؤال,هل أنا فتاة بريئة واسعة العينين, أم عجوز أنانية مشاكسة؟
ولكن ما كان يجعل فكه يتوتر إلي حد يؤلم أسنانه,هل أنت مفتون بي بحيث لا تهتم؟

الورقة المدون عليها رقم التلفون وعنوان البريد التي أحضرتها له السكرتيرة في دار نشر "غفرون وبليك" كادت تبلى لكثرة الاستعمال, لكثرة ما كان يخرجها من جيبه ثم يعيدها إليها.

حتى الآن بقي متماسكاً أمام إغراء ابنة بيتر هيلير. لكنه كان يعلم أن ذلك شيء فاشل.
في الأيام التي تلت تلك الحفلة السخيفة, لم يستطع أن يعد المرات التي نظر فيها إلي جدول مواعيده وهو يتساءل كم من الوقت تستغرق الرحلة إلي تلك المكتبة عند خزانات الغاز
ثم يقرر أن ذلك ليس استغلالاً جيداً لوقته ثم يهنئ نفسه لهذا القرار العقلاني, كان في قراره يراهن قيها على طول المدة التي سيثبت فيها علي مبدئه ويبقي بعيدا عن ابنة بيتر هيلير.. حتى هذا النهار كان قد وضع خطة للذهاب للمكتبة بعد الصف, ثم, بعد أن طلب منه فيليكس الحضور للغداء, أجل ذلك إلي العصر.
والآن ها هي ذي...هنا!

ولكن كيف عرف فيليكس ذلك بحق الله؟ وكيف كتم الأمر؟ أمضى الصباح, وهو يقنع كونراد بأن يتحدث إلي ذلك المحتال عن منحه منة لفقراء الجالية المونتاسوربة, لكنه لم يأت علي ذكر فرانسيسكا قط. لقد فكر فيها كونراد, طبعاً. فكر فيها؟ يا الله! كان عليه أن يكافح موجة الشوق التي يشعر بها تجاهها. موجة الشوق التي تشبه مد البحر....

ففي اللحظة التي ذكر فيليكس فيها اسم بيتر هيلير, أصبح كونراد وجها لوجه مع غموض ابنته. وعادت تحتل أحلامه, وأصبح لا يعرف, ما إذا كانت ساحرة أم أميرة من الجن. أم أن تلك مشكلته هو وليست مشكلتها؟
لكن فيليكس لم يذكر حتى اسمها, ولم يذكر أيضاً أنها مدعوة إلي ذلك الغداء, وكان ذلك منتهي التفوق في المناورة حتى بالنسبة إلي مستوى فيليكس, ما الذي يهدف إليه يا ترى؟

حسناً, إذا كان يظن أن كونراد سيذعن ويفعل ما يريده بيتر هيلير لأنه انبهر بابنته, فإنه مخطئ كثيراً. لم ير كونراد اليوم من تلك العينين البريئتين الغامضتين أية لمحة.. بل بدتا مركزتين حادتين وراء نظارات مؤطرة حديثة الطراز, وكانت أطول بانشين تقريباً, وأكثر أناقة بعدة سنوات ضوئية.
شعر بغضب متعذر تفسيره وهو يتأملها, كان ثوبها التبني, المذهب من تفصيل خبير, وكان شعرها ممشطا بنعومة شعر راقصة باليه, وشم رائحة عطر هو أكثر ندرة وثمنا من أن يعرف نوعه.لا شك في أنها ليست أبداً تلك الفتاة البريئة صاحبة المكتبة, فهذه امرأة عاملة واضحة العينين, كانت بالضبط المرأة التي كان يتوقعها ابنة لبيتر هيلير, بالغة الأناقة والحنكة, مستقلة بحياتها تماماً.لكنه ما زال يريدها.
وسألها فجأة , رغم غضبه من نفسه:
_ "ماذا تفعلين هنا؟."

منتديات ليلاس


اماريج 13-04-10 05:39 AM

لم تظهر أي من الصورتين جوهر هذا الرجل, ولا عرض كتفيه, ولا رشاقته أو طاقته. لكنه كان ينظر إليها وكأنه يكرهها.
تراجعت خطوة إلى الخلف بشكل لا إرادي وكأنها قريبة من النار أكثر مما يجب, وفكرت بارتباك فيما تراها فعلت.
لكنها قالت بحيوية:
_أنا مدعوة إلي الغداء وقد فتحت الباب لأني كنت مارة بجانبه, آسفة إذا كنت توقعت رئيس الخدم.

وأخذا يحملقان في بعضهما بعضا. وعاد إلي نفسه أولاً فقال:
_لا بالطبع, لم يستطع جداي قط أن يتحملا نفقات رئيس خدم. لأنهما ليسا من الملوك الذين يهربون مع جواهر التاج.
مد يده يقدم نفسه:
_كونراد دوميتيو.

صافحته قائلة:
_ وأنا فرانسيسكا هيلير.
- أعلم هذا.
إنه يعلم. يعلم؟ هل هذا يعني أنه يعلم عن شراكة العمل غير العاطفية؟ وهل وافق علي ذلك؟
هل هي الوحيدة التي لم يعبأ أحد بإبلاغها ذلك؟ صعقتها هذه الفكرة بالفعل. وقالت بلهجة محاربة:
_آه, أحقاً؟.
دخل وأغلق الباب خلفه, ثم سألها:
_أين يجلس الباقون في غرفة الجلوس؟."

كان مهذباً الآن, لكن عينيه كانتا حذرتين ويقظتين...ربما كان مثلها غارقاً في الظلام. وتبدد غضبها ليحل مكانه الشك.
سألته فجأة:
_هل تقابلنا من قبل؟."

كانت حتماً ستتذكر هاتين العينين الثقيلتي الجفنين بتكاسلهما الخداع وعنفهما المستتر. وكانت حتماً ستتذكر تلك الطاقة لو سبق لهما التعارف.
قالت:
_"آسفة,لا أتذكر."

أومأ بخفة وكأنه كان يتوقع هذا, وقال بنفس الصوت الهادئ:
_إذن نحن لم نتقابل.
ولكن لماذا لم تصدقه؟ وكادت تسأله عن ذلك. لكن أباها والملك خرجا في تلك اللحظة إلي الردهة, ثم كانت الأفضلية لأمور أهم.
قالت وهي تعترض طريق أبيها وتحدق إليه:
_أبي. هل لي أن أحدثك لحظة علي انفراد؟.

تململ, لكن الطلب ناسب الملك السابق تماما فقال:
_طبعا طبعاً, استعملا مكتبي, ثم عودا وتناولا شرابا قبل الغداء.
وأشار إلي غرفة صغيرة معتمة مزدحمة بالأثاث أكثر من سائر غرف الشقة.

نخست فرانسيسكا أباها بصدره بإصبعها, وهي تقول:
_ما الذي كنت تصنعه بالضبط؟.
جعله الحذر يتراجع إلي خلف مجسم لكرة أرضية:
_ والآن, يا فرانسيسكا. لقد وعدتني أن تحسني التصرف.



اماريج 13-04-10 05:43 AM

قالت بغضب:
_كان هذا قبل أن أعلم أنك تمثل دور نابليون في ترتيب أمر زواج المصلحة, من تراني؟ ماري أنطوانيت؟.
فقال:
_أنت التي أردت أن تقابلي الأمير كونراد.

فقالت:
_أقابله, نعم. ولكن هذا الزواج! إنه غير حقيقيا!.
فلم يقل شيئاً, وعادت تقول:
_كان هذا يحدث في القرن التاسع عشر فكيف في القرن الواحد والعشرين؟.

- "هل تخرجين مع صديق حاليهً؟."
- أنت تعلم أن هذا لا يحدث, فقد تخلصت أنت للتو من الرجل الوحيد في حياتي.
قال بفروغ صبر:
_لقد ساعدتك فقط علي رؤية الحقيقة.

لم تستطع أن تنكر ذلك. ولكن لم يكن عليها أن تجيبه, فأطبقت فمها ولم تقل شيئاً.
قال أبوها:
_لا أفهم النساء, لقد كان الرجل مخادعاً فانسيه.
فحملقت فيه قائلة:
_أنا أحاول هذا.
- هذا جميل, هذا اليوم إذن سيساعدك على السير في طريق النسيان.

ضاقت عيناها, بينما قال بسرعة:
_عليك أن تكوني عملية. فترك شاب ليس نهاية العلم, عليك فقط..."
فقاطعته:
_ سأترك حفلة الغداء اللعينة هذه الآن.

قالت هذا بشكل خطر, فنظر إليها بإمعان. وقرر أنها تعني ذلك فعلاً.. فجرب طريقة أخرى:
_لدي خبرة تفوق خبرتك ..صدقيني, يجب أن لا تشعري بسبب خبرة سيئة بالمرارة أو بالخوف من تكرار التجربة, فهذا لا يعني أن كل شخص لا يستحق الثقة."
نظرت إليه حانقة. ما أجدره بأن يأخذ من "بابا نويل" نصائح في الإحسان. وقالت ساخرة:
_كم هذا مؤثر, ربما كان كلامك أكثر إقناعاً لو تجاوز طردك لباري مدة أسبوع."

لم يتغير مظهره الأبوي وهو يقول:
_ أنا أعرفك حساسة أكثر مما ينبغي.
وكانت تهتز غضباً فكادت تقع من فوق كعبي حذاءيها, فاندفع إليها أبوها يساعدها علي استعادة توازنها, ودهشت وهي تراه يمسك بيدها, ويقول برزانة:
_أنت امتنعت عن الخروج مع الشبان منذ وقت طويل بحيث كان باري أول صديق استمر... حسناً, لن نقول المدة. ولم يكن يستحق ذلك. وكل هذا ذنبي أنا."

- ليس ذنبك طبعاً, فأنا فوق الحادية والعشرين. فإذا أخطأت فأنا المسؤولة.
منتديات ليلاس
تنهد بعمق قائلاً:
_لكن صيادو الثروات هؤلاء.



اماريج 13-04-10 05:47 AM

وأطلق شتيمة باللغة المونتاسورية:
_ما كانوا ليلاحقونك لولا أموالي.
قالت مداعبة:
_ما كان لك أن تكون ناجحاً إلي هذا الحد.

هز رأسه:
_كنت أظنني علي صواب. كنت أتعب نفسي في العمل كي أعيل أسرتي. فإلي أين أوصلني هذا؟ إلي الطلاق وابنة لا يمكنها أن تجعل حياتها الخاصة ملكاً لها.
فقالت مجفلة:
_ليس الأمر بهذا السوء.
- بل هو كذلك, لقد حدثتني أمك بكل شيء عنه.

نظرت بعيداً شاعرة فجأة بالضيق:
_ حسناً, أنت تعرف أمي... عندما لم يخطبني أحد وأنا في الثامنة عشرة, ظنت أنني أصبحت عانساً.
- لو كانت لديك مهنة تحبينها لما اهتمت لذلك, لكنها قالت قبل أن يكون لديك المكتبة تلك مع صديقتك, أخذت تفقدين أعمالك بسبب المخبرين الصحافيين.

- حسناً, هذا صحيح.
- كم عملاً أنجزت؟
أخذت تعد علي أصابعها:
_كان استمراري في كل عمل بمعدل ثمانية أسابيع.
فقال أبوها وقد فوجئ:
_هذا فظيع.

- آه, لا أدري, تعلمت قليلاً من كل شيء, وكان هذا أفضل من أن أعيش طوال الوقت فتاة غنية.

- لو كنا أغنياء طوال حياتك, لكنت علمتك ماذا كيف تتصرفين بحياتك تلك. ولكنت سعيدة الآن, ولا تهتمين بالعمل, وكنت ستعرفين كيف تتعاملين مع صيادي الثروات وكاتبي مقالات الإشاعات.
فقالت:"أتراهن؟".
تجاهل ذلك وهو يتابع:
_ولو كنت فتاة غير غنية الآن, لما تعرضت لكل تلك الصعوبات.

- لو كنت غير غنية لما كانت لي شقة علي شاطئ وملابس من باريس. لا تدع الخيال يجرفك.
نظر إليها أبوها بأسي:
_لكنك لا تريدين ملابس من باريس. أنت تريدين زوجاً وأولاداً.
ذعرت وهي تشعر بالغثيان, حتى أمها لم تكن صريحة معها إلي حد الفظاظة:"أبي".

تابع يقول:
_لقد أفسدت عليك ذلك, الرجال الطيبون لا يقتربون منك لأنك ابنتي.
منتديات ليلاس
فقالت بحدة:
_ومن قال لك أن الرجال الطيبين لا يقتربون مني؟ إنها أمي أيضاً, أليس كذلك؟.
فلم ينكر ذلك. فقالت:
_اسمع يا أبي, لا بأس! السنتان الماضيتان كانتا حافلتين قليلاً. لكنني الآن تشاركت مع جاز, وأنا بأحسن حال, كانت المكتبة مهتزة قليلاً في البداية. لكنني الآن بدأت بإنشاء "نادي الكتاب" في الانترنت, ومحاضرات للمؤلفين, والنتيجة ممتازة, إنها حياة عظيمة. فقد وجدت شيئاً أحسنه. سأمشي في أثرك وأصبح امرأة عاملة.

ساد صمت لحظة, قال أبوها بعده:
_لا تكذبي علي فأنت لست سعيدة.

كانت أصدق من أن تنكر ذلك فقالت:
_ لا أحد يحصل علي كل ما يريده, وصدقني, الخطبة الفورية لا تفعل شيئاً سوى جعل الأمور أسوأ, حتى ولو كان أنسب شخص في العالم.
عاد يمسك بيدها:
_ "فرانسيسكا. دعيني أفعل هذا لأجلك. أمك تقول..".
هتفت:
_إذا قالت لك أمي أن تشتري لي زوجاً, فهي قد جنت.



اماريج 13-04-10 05:53 AM

وبدا أنه تألم, بل صعق, فوخزها ضميرها:
_آه, رباه! لم أقصد هذا.
أكملت فرانسيسكا بضيق:
_آه, لا بأس لن أخرج قبل الغداء, لكنني لن أتابع عملكم الجنوني أكثر من ذلك. أفهمت؟.

قال بيتر هيلير:
_نعم, فهمت. شكرا لك.
وعادا إلي غرفة الجلوس.
توقف الملك السابق عن الحديث فجأة, ونظر هو وحفيده حولهما, كان العناد مرتسما علي وجه كونراد, أما الملك السابق فبدا قلقاً:
_كونراد, دعني أقدمكما إلي بعضكما البعض بشكل صحيح, بيتر هيلير الذي تكرم بالتبرع بمبلغ وافر لتمويل مستشفيات المونتاسوريين.
أومأ الرجلان بالتحية لبعضهما البعض بحذر ثم قال كونراد بابتسامة كلمعان الخنجر:
_ حسناً, لا تنس أن علينا أن نتحدث بهذا الشأن, يا فيليكس.
وقال الجد:
_وابنته فرانسيسكا.

قال كونراد وكأنه يتذوق الاسم:
_ "فرانسيسكا ".
يبدو أنه قرر شيئاً إذ اختفت ابتسامته الشبيهة بالخنجر ومعها كل دلائل العداء. وكانت النظرة التي ألقاها عليها..كانت...تفيض بالعاطفة. منحها ابتسامة دافئة في أعماق عينيها. وقال الملك السابق وقد بدا عليه القلق:
_وهذا حفيدي ولي العهد كونراد.

أخذت فرانسيسكا تفكر إن كان يعرف شيئاً, فربما هو مثلها, أحضروه هنا دون أن يعلم شيئا, وهي ترجح أن الملك الضفدع قد خبأ عنه الأمر ولكن ماذا لو قبل الزواج المدبر منذ البداية؟
حدقت إليه ولكن العينين الباسمتين بقيتا غير مقروءتين. أتراه يظن أنها وأباها هنا للحديث عن تبرعه لتمويل المستشفيات؟ وكادت تسأله. كانت علي وشك أن تسأله, ولكن...
حسناً, لقد أمسك بيدها, وإذا بكل تفكير في عقلها يتوقف. وبدا وكأن الأمير كونراد يناقش الأمر في ذهنه. وفي الواقع, بدا لها وكأنه علي وشك أن ينحني بشكل ملكي ويقبل أطراف أصابعها.
لم تعرف ما إذا كان يفكر في أن ذلك سيجعلها تقبل الزواج به, أم يجعلها تتجنب ذلك نهائياً, لم تهتم بذلك.

حملقت فيه متحدية:
_حسناً, أترانا تقابلنا من قبل؟.
منحها أكبر ابتساماته فتنة, وقال:
_يا لحماقتي. لا, وكيف يمكنني أن أنسي؟ سامحيني.
فقالت بغلظة دون أن تتأثر:
_لا بأس.

وسحبت يدها من يده, وساد صمت حاد يكاد المرء يقرأ فيه أفكار الآخرين. وبدا الضيق علي فيليكس, والتحدي الواضح علي بيتر هيلير, أما هي نفسها فبدت في مرآة الردهة المواجهة كئيبة كتلميذة مدرسة.

بدا علي كونراد وحده التسلية. فقال ضاحكاً:
_ما رأيكم في شراب تقليدي؟.
سألت الملكة السابقة بيتر هيلير:
_ هل تشرب مشروباً وطنياً في بيتك, يا سيد هيلير؟.

فأجاب:
_ لا. منذ تركت مونتاسورو لم أفكر في أخذ أي من الوصفات القديمة معي. كنت في الرابعة عشرة فقط من عمري, ولم أكن أفكر في العادات التراثية, بل في سيارة "الفيراري" التي ستكون لي ذات يوم.
وضحك, وضحك الآخرون أيضاً...بدت هذه الضحكات فارغة في أذني فرانسيسكا.
وسأل كونراد ببراءة مصطنعة:
_وكم فيراري لديك الآن؟.

هز بيتر هيلير رأسه وأجاب بلهجة واقعية:
_عندما أصبحت غنياً بما يكفي لأشتري واحدة, كل ما كنت أريده من السيارة أن تكون خالية من الارتجاج بينما شخص آخر يقودها, أنا أركب هذه الأيام في المقعد الخلفي فقط وأتحدث في التليفون.
منتديات ليلاس
فقال كونراد متفجعاً:
_آه, إنها ضريبة الثراء.
نظرت إليه فرانسيسكا بغضب, لكن كونراد لم يرها لانشغاله بتحضير الشراب لكن جده خف إلي تصحيح الموقف, وقال:
_إذن فقد استغرق منك بناء إمبراطوريتك هذه وقتا؟ً.



اماريج 13-04-10 05:58 AM

أومأ بيتر الذي يشعر دوماً بالراحة وهو يتحدث عن الأعمال. وقال بأسف:
_مضت مدة طويلة قبل أن أبني هذه الإمبراطورية. وعشت أنا في كل أنحاء العالم, أتاجر بشيء من هذا وشيء من ذلك, وأتعلم طوال الوقت, طبعاً لم أنظر إلي الخلف قط, ولكن كان ذلك فقط....ماذا تقولين يا فرانسيسكا..منذ ست سنوات؟.

فقالت فرانسيسكا بهدوء:
_بل سبع سنوات ونصف.
قال أبوها موزعاً بين الضيق والتسلية:
_آه, يا لدقتك هذه.

وقال للآخرين:
_كان عليها أن تعمل بالمحاسبة فهي دقيقة جداً.
هزت فرانسيسكا كتفيها وقالت:
_لدي ذاكرة قوية.

لديها طبعاً سبب جيد لتتذكر فيه التاريخ الذي ذهب فيه أبوها حول العالم, فقد كانت في السادسة عشرة تقريباً, تجيد اللغات, وتريد أن تكون معلمة, وإذا بها فجأة لا تصلح لشيء. فهي لا تمكث في مدرسة أكثر من أسابيع معدودة.
لم تحاول فرانسيسكا أن تعلق علي كل هذا. فقد كانت واعية أكثر من اللازم إلي الأمير كونراد, لو لم يكن جنوناً, لقالت...
ولكنه جنون طبعاً. المشكلة هي أنها لم تكن تستطيع أن تخرج رجل الشرفة ذاك من ذهنها.
منتديات ليلاس
نعم كان الأمير كونراد في حفلة الناشر تلك, ولكن رجل الشرفة كان مختلفاً عنه وعندما سألته إن كان يعرف الأمير كونراد نفي ذلك. حسناً, لقد ظنت أنه نفي ذلك, وقطبت جبينها محاولة أن تتذكر.
وظهرت كأس أمامها فجأة, فرفعت بصرها مجفلة.
فقال كونراد ووجهه يكسو بلطف ماكر:
_جربي عصير التفاح هذا.

أخذت ترتشف الشراب بحذر بالغ. وسرها أن تركز علي مذاق غريب, وسألته:
_هل هو عسل حقاً؟ لا يبدو بهذا المذاق.
ورشفت مرة أخرى. لم يكن مذاقه يشبه السكر كما توقعت. أدهشها أن يبدو كونراد مسروراً, مسرورا حقا هذه المرة قال لها:
_ إنه ممزوج بروح الورد, هل أعجبك؟.
عادت فرانسيسكا إلي رشفه, وقالت:
_لا أدري ما هي روح الورد؟.

فأجاب:
_أنه تقطير الورود, أنه نادر جداً, وثمين للغاية.
وساد صمت مفعم بالمشاعر.
نظر إليها كونراد, وهي متأكدة من أنه كان يستمتع بذلك تماماً.



اماريج 13-04-10 06:05 AM

وكأنه كان يعلم ما يحدث بينما هي لا تعلم.
ثم تذكرت فتي الشرفة. آه, رباه. فتي الشرفة ذاك قد ترك تاثيره حقا فيها فهي تراه في كل مكان !.

ابتسم كونراد ببطء. وتساءلت إن كان ذلك لأنه يظن أنها تريده أن يخطبها, أم أنه واثق من أنها لا تريد! وفكرت في أن هذا الغداء لن ينتهي, ولكن, علي الأقل, لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو الآن, لكنها كانت مخطئة في هذا.

حسناً, لم تكن مخطئة كلياً, إذ كان الطعام لذيذاً, وعندما جلسوا, دب شيء من الحيوية في الحديث. لم تكن قد سمعت قط من قبل أباها وهو يتحدث عن وطنه. وأثار هذا فضولها.
لم يتدخل ولي العهد الأمير كثيراً في الحديث, طبعاً, والواقع أن الأمير بدا معظم الوقت وكأنه يتفرج على مهزلة. ولو أبقت فرانسيسكا نظرها علي مضيفيها أو على غطاء المائدة, لما كان عليها أن تقاوم ذلك الدافع الذي كان يحثها أن تضربه, ولما استحال الغداء إلي ما يقرب من الألم.

مساهمة فرانسيسكا في الحديث تطورت من مجرد كلمات إلي الصمت التام, وعبر المائدة كان ولي العهد كونراد يتألق بظرف وبراعة معطياً إياها سبباً آخر لأن تكرهه.
وكانت تدعو الله أن يوفقها إلي الخروج دون تحقير لنفسها, وكادت تفلح في ذلك, كادت
ثم, إذا بها تسمعه عرضاً..
كانت أمها تقول دوماً أن مسترقي السمع لا يسمعون أبداً عن أنفسهم ما يرضيهم, لكن فرانسيسكا لم تقصد قط أن تسترق السمع. فهذا آخر ما تريده في العالم, ولكن فيما كانت خارجة من الحمام وجدت نفسها تدخل من الباب الخطأ الذي ينفذ إلي المطبخ.

كان هناك شخصان يتحدثان, رجل صوته غامض مألوف كاد يجعلها تستدير حول الزاوية لتري من هو.
ثم أدركت أنهما كانا يتجادلان, ومن لهجتهما أدركت, وهي الحساسة بالنسبة للهجات, بأن ذلك كان جدالاً حتى قبل أن تسمع الكلمات, حتى قبل أن تدرك من كان يتحدث.
كانت الجملة هي "كانت ضيفتي وكنت أنت فظاً" وهكذا عرفت شخصية المتكلمة فهي الملكة السابقة انجليكا, كان الاستياء والغضب في صوتها وهي تقول:
_أنت لم تترك لها فرصة.

- فرصة؟ وهل تظنين أنني أجري لها مقابلة لوظيفة هنا؟
- كن عاقلاً يا كونراد.
منتديات ليلاس
إذن ذاك كان صاحب الصوت الآخر, ودهشت فرانسيسكا التي لم تلاحظ مبلغ عمق صوته عندما كان يسخر منها.
ومرة أخرى, تحركت ذاكرتها, أنها تعرف ذلك الصوت بكل تأكيد. وهي لم تربطه بولي العهد الساخر الأمير كونراد بل بشخص آخر.. بشخص تعتبره رجلاً بكل معني الكلمة وليس مشعوذاً ساخراً كالذي كان يغيظها مداعبا طوال فترة الغذاء الفظيعة هذه.

ترددت فرانسيسكا ويدها علي مقبض الباب. كانت تعلم أن من الخطأ أن تستمع دون أن تعلمهم بوجودها, لكن صوته كان مختلفاً بشكل فاجأها.
وقال بجفاء:
_أنا عاقل يا جدتي, لقد أمضيت حياتي كلها عاقلاً, أقوم بعملي, وأدفع ضرائبي, وأساند جاليتي.

وسمعت خبطة يد علي المنضدة وصوت يردد:
_أنا لا أريد أن أكون قرباناً بشرياً.
- لكن جدك يظن أن...

فقال ببرودة:
_جدي يظن نفسه نابليون. حسناً, لن أجعله يعقد اتحاداً سياسياً علي حساب حياتي الخاصة.
جمدت يد فرانسيسكا علي قبضة الباب, ورأت نفسها ترتجف. حسنا, هذا هو جواب اللغز, عرف كونراد ما هي الخطة, وكان جالساً طوال الغداء يحاول تجنب ذلك, ولا بد أنه ظن أنها موافقة علي ذلك وأنها جاءت إلي هنا خصيصاً لكي تجتذبه.

استولي عليها فجأة الشحوب والحرارة والغضب والإحراج... لم تكن تدري أي شعور هو الأقوى.
بدت الملكة السابقة أكثر إنسانية وكانت تقول:
_إنه يحاول أن يقوم بما يعتقده الأفضل.

رق الصوت المخملي العميق:
_اعرف هذا يا جدتي, لكنه لا يستطيع أن يجعل كل شخص يرقص علي أنغامه. وهذه الفكرة عن الزواج هي...غير واقعية.
فقالت الجدة وكأنها علي وشك البكاء:
_آه, رباه, أما زالت سيلفيا....؟.
ارتفعت خبطة أخري عنيفة علي المائدة اهتز لها كل ما يعلوها من أكواب وأوان:
_آه... لا علاقة لهذا بما إذا كنت سأتزوج أم لا.

لم يعد الصوت العميق ناعماً الآن, كان فولاذياً ناطقاً بالسخط:
_فلنوضح ذلك الآن. أنا لن أتزوج أبداً فرانسيسكا هيلير, أبداً. أنا فقير جداً. وهي معدومة الجمال تماماً وبالغة الحساسية وقارصة اللسان جداً.هل فهمت؟.
منتديات ليلاس
..........نهاية الفصل الثالث........


rosi 14-04-10 05:51 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

اماريج 16-04-10 06:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rosi (المشاركة 2263864)
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

نوررررتي الرواية
ياعمري
تحياااااااتي لك

اماريج 16-04-10 06:15 AM

4-الانتقام

رفع كونراد رأسه بحدة:
_ما هذه الضجة ؟.
هناك شخص أغلق الباب بلطف لتوه. شخص لم يشأ أن يلفت الانتباه إلي الباب الذي انفتح ,ولكن أي باب؟ثم تذكر أن مطبخ أمه كان يشكل حرف(L)! ولهذا يمكن أن يدخل شخص ما من الطرف الآخر من المطبخ دون أن يراه أحد,شخص يمكن أن يكون وقف هناك مدة طويلة,شخص سمع كل كلمة !.
سألته جدته وهي ترى التغير في وجهه:
_ "أي ضجة ؟."
فأجاب:
_هناك شخص كان يستمع ...".
سار إلي الطرف الآخر في المطبخ بخطوات واسعة, كان خالياً,وهذا طبيعي فما كان ليسمع الباب يغلق بذلك اللطف لو أن المستمع ما يزال هناك,وذلك الشخص لم يكن يريد أن يلحظه أحد
ولم يكن علي كونراد أن يفكر كثيراً لكي يخمن من هو وتأوه,وقالت جدته وهي تتبعه بارتباك :
_ "ليس هناك أحد ".
_ "بالطبع لم تعد موجودة. لقد سمعت كل شيء ثم هربت.
سألته:
_ من تعني ؟".
_حسناً, أراهن أنها المرأة التي قلت عنها للتو بأنها قارصة اللسان معدومة الجمال.
غطت جدته وجهها بذعر:
_لكن ماذا كانت تفعل هنا ؟.
هز كتفيه,فقالت جدته:
_ربما عادت مارتا مبكرة.
_آسف يا جدتي,ليس في المكان موسيقي عالية, ومارتا ليست هنا, وأنت تعرفين هذا كما أعرفه. لا, لا بد أنها فرانسيسكا هيلير.
قالت جدته عابسة:
_ماذا بإمكاننا أن نفعل؟كان جدك يعتمد حقاً علي بيتر هيلير ".
شخر كونراد ضاحكاً:
_ "يا لقلبك الحنون يا جدتي! لقد أهنت المرأة للتو بشكل شامل, وكل ما يهمك هو جدي ؟".
هزت جدته كتفيها:
_ "ما كان لها أن تنصت إلي حديث خاص."
فقال ببطء :
_"أنت لا تحبينها, أليس كذلك؟".
فقالت :
_ "ولا أنت تحبها أيضاً, لم يسبق لي قط أن سمعتك تنعت امرأة بأنها معدومة الجمال قارصة اللسان ".
فقال :
منتديات ليلاس
_ "لقد جاءت أثناء شجار عنيف. ومع ذلك ما كان لي أن أفقد أعصابي ".
أخذت جدته تفكر:
_نعم,هذا صحيح ".


اماريج 16-04-10 06:20 AM

لكن أفكار كونراد كانت في ناحية أخرى :
_ "ما كان لي أبداً أن أقول ذلك, وعلي أن أعتذر ".
كان منزعجاً من نفسه كثيراً فقالت له جدته:
_ "لا يمكنك ذلك, فأنت لم تقله مباشرة, فقد كانت تتنصت, وعلي كل حال لا يمكنك أن تعتذر إذ لا يمكنك أن تعتذر لتفكيرك في شيء, خصوصاً إذا كان ذلك صحيحاً ".

رفع جفنيه الثقيلين :
_" صحيحاً ؟ " .
أجابت:
_حسناً, هي غير جميلة.

_أتظنين ذلك ؟.
فأجابت:
_طبعاً, عليها أن تنتف حاجبيها. ثم تلك النظارات الفظيعة! وذلك الشعر! لا أحد يظن أن لديها كل ذلك المال ولا تنفق منه علي حلاقي الشعر ".

فقال كونراد بالرغم عنه :
_أظن ذلك .
فقالت متلذذة :
_كما أنها قصيرة وممتلئة. لا بد أنها تعودت علي أن يقول عنها الناس, أنها معدومة الجمال .

قال :
_ ولكن ليس أنا .
قالت بدهاء :
_لا تهتم بذلك, لأن قولك هذا لا يمكن أن يصدمها. فأنا لا أظنها مغرمة بك. حتى قبل كلامك الفارغ ذاك عنها .
لم يستطع أن يتحدى هذا الكلام حقاً, رغم أنه ضايقه في أعماقه.
منتديات ليلاس
سار في أنحاء المطبخ متضايقاً وهو يقول :
_تباً لذلك, لم أقصد أن أجرح مشاعر تلك المرأة .
فقالت الجدة :
_هذا يجعل الأمر أسوأ .
ضاقت عيناه :
_يبدو أنك سررت لذلك .

ضحكت :
_حسنا, كنت واثقاً أنك مسيطر دوماً علي كل شيء. لذا جميل أن نراك تخطئ أحياناً
مثلنا .
فقال ساخراً :
_بدأ الأمر يصبح عادة مع فرانسيسكا هيلير .
جفلت الجدة :
_ ماذا؟ متى؟ وكيف؟ .

تجاهل كونراد أسئلتها,وضرب قبضته في راحة يده الأخرى في قنوط :
_علي أن أفعل شيئاً .
فقالت بسرور خبيث :
_عليك أن تتظاهر بأنك لم تقل شيئاً, وسيكون عليها أن تتظاهر بأنها لم تسمعه فهذا هو الأنسب لكما معاً .

_هذا عظيم ,سيجعل هذه الحفلة تهتز حقاً.
قالت :
_سيذهبان بعد قليل, وبعد ذلك لا حاجة بك لرؤيتها مرة أخرى.
لم يجد كونراد في ذلك أي عزاء, وازداد ضيقه ولم يحاول أن يخفي ذلك,وكبحت جدته ابتسامة وتركته يحمل صينية القهوة ألي غرفة الجلوس .

كانت علي حق,لأن الزائرين لم يطيلا مكوثهما, وفي الواقع أفرغت فرانسيسكا قهوتها في حلقها ووقفت بحركة واحدة, وعندما رأي أبوها ذلك أنبأه قلبه بالمتاعب. قالت بحزم :
_علينا أن نخرج .
نظر إلي قهوته البالغة السخونة. ثم قال محتجاً :
_من المؤكد أن لدينا وقتاً كافياً .
منتديات ليلاس
لأجل ماذا؟ فكرت فرانسيسكا بذلك وهي علي شفا ثورة عصبية لكنها قالت كاذبة :
_لقد وعدت جاز بأنني سأعود إلي المكتبة بعد الظهر .


اماريج 16-04-10 06:25 AM

_لقد أخبرتك أننا سنمضي النهار بطوله خارجاً.
_السبت هو يوم عمل كثير عندنا,وأنا واثقة من أنكم ستعذروننا .
ووجهت جملتها الأخيرة إلي مضيفتهما بابتسامة ضعيفة.
لم تكن الملكة السابقة قد عملت في مكتبة طوال حياتها, لكنها قالت بحرارة :
_ "طبعاً يا عزيزتي ".

وكانت تعني ذلك, أما فرانسيسكا فأرادت أن تخرج من هنا بشكل مناسب, رغم أنها كانت تهتز انفعالاً.
أن تقول لها أمها أنها أكثر بلادة وجفاء من أن تجذب رجلاً لديه امرأة أخرى, هو شيء, وأن تسمع رجلاً يقول عنها أنها عديمة الجمال قارصة اللسان, شيء آخر,حسناً, ستريه كيف يكون قرص اللسان.

عندما صافحها مودعاً قبل خروجها, سحبت يدها من يده, وبدت عليه المفاجأة, ثم بدا رزيناً فجأة... ربما رأي الثروة تخرج من الباب, كما ظنت فرانسيسكا بسرور وحشي.
مال نحوها متمتماً :
_اسمعي,هل يمكننا أن نتحدث؟ أعني علي انفراد .
فأجابت :"لا ".

طرف بعينيه, وفكرت فرانسيسكا في أن آماله تحطمت لأن امرأة تقاومه...
لكن عزيمته لم تثبط, فقال بنفس اللهجة الواثقة :
_حفلة الغداء هذه لم تكن فكرة جيدة,ولكن هناك أشياء أريد أن... نناقشها .

جمدت فرانسيسكا مكانهاأتراه سيقول لها في وجهها إنها عديمة الجمال قارصة اللسان؟ ووجدت نفسها ترتجف, ونظرت إلي حيث كان أبوها يودع مضيفه مبالغاً في إطرائها, فقالت لكونراد ساخرة :
_آه, كل شيء واضح,ليس هناك تفسير ضروري.

وفجأة بدت عليه العجلة :
_بل هناك, كنت مغتاظاً من...حسناً, يمكننا أن نتحدث عن ذلك فيما بعد, لقد شعرت بأن جدي يحرك أموري خفية, لكن ذلك ليس سبباً لأن.. أجرح مشاعرك..".
فنظرت إليه غاضبة:
_هل تعتذر لي ؟".
فقال :
_نعم...لا, يا الله !.

ودس يده في شعره الكث :
_اسمعي, أنا آسف,هل هذا يكفي ؟".
وبدا عليه فروغ الصبر, حسنا هو الآن علي الأقل لا يستعلي عليها.
وقالت :
_هذا لا يكفي ".
تأملها جزءاً من الثانية, ثم قال بأسف :
_ "أنت لست متسامحة جداً, أليس كذلك ؟".

منحته ابتسامة واسعة غاضبة,وقالت :
_أنا ابنة أبي,ونحن حقودان للغاية .
فقال وقد شابت صوته نبرة تسلية بغيضة :
_هذا ما أراه, وأنا آسف,لم أقصد قط أن أجرح مشاعرك... ألا يمكننا أن نجتمع في مكان ما ؟".
فقالت باختصار :
_أنت لم تجرح مشاعري,أتصور أنك تنظر إلي كل إنسان باحتقار.. لذا لن أعتبر تلك الإهانة شخصية,ثم لا, لا يمكننا أن نجتمع مرة أخرى .
قال :
منتديات ليلاس
_أنظر باحتقار... ؟.


اماريج 16-04-10 06:30 AM

قال ذلك مصعوقاً,ولأول مرة هذا النهار, بدأت فرانسيسكا تشعر بالمتعة, فقالت بمرح :
_ظننت أن الصدق قد أصبح شيئاً رجعياً,فالناس لم تعد تعتبر أن الحق الإلهي للملوك أمراً جاداً, أليس كذلك ؟.

ثم قالت بشكل أقل براءة بكثير :
_ "خصوصاً إذا كان الملوك الذين نتحدث عنهم هم عصابة من قطاع الطرق الجبليين ".
أدهشتها ردة فعله لكلامها هذا,فقد توقعت الغضب والسخط, وما إلي ذلك,ولكن ما رأته هو نظرات ثابتة,وساد صمت يثير الأعصاب.
ثم قال ببطء :
_هل تجدين المتعة والتسلية في ذلك الأمر ؟.
اجابت:منتديات ليلاس
_ماذا؟ .
فقال :
_"إنكار أن أسرة دوميتيو هي الأب الروحي (لمونتاسورو) ."
فقالت بكبرياء :
_أتريد أن تقول أن هذا غير صحيح ؟".
أجاب :
_أنت تعلمين ذلك .

انفجرت تقول :
_"دوما كان أبي يقول... ".
فقاطعها بلهجة ذات معني :
_أبوك ليس في وضع يؤهله للحديث عن قطاع الطرق .
اشتبكت نظراتهما كالسيوف , وجذبت نفساً كالفحيح :
_لا أراك أرجعت إليه نقوده .
فقال بتسلية :
_لا دخل لذلك في هذا الأمر,وأنت تعلمين ذلك .

وكان هذا صحيحاً, فقد كانت تعرف جيداً أن تبرع أبيها سيذهب ألي تمويل مستشفي متنقل في مونتاسورو, وطبعاً لن يعيد كونراد هذا إلي أبيها مهما كان رأيه في أخلاقيات أعماله.
كادت تختنق غضباً, وقالت :
_ "قد لا تكون أسرة دوميتيو مافيا, لكنكم دوماً كنتم من كبار المستغلين,أليس كذلك ؟."
فقال :
_"ماذا ؟".

فأجابت بشماتة :
_ "بحثت عنك علي شاشة الانترنت ."
ضاقت عيناه احتقاراً, وسألها بشكل لاذع :
_ "هل تفتشين دوماً عن الإشاعات التي تتحدث عن مضيفيك ؟."

لو أن فرانسيسكا لم تكن غاضبة, أو مجروحة المشاعر, إذن لتراجعت في كلامها , لكنها لم تفعل, بل قالت بمرارة مهلكة :
_أريد أن أكون علي علم بكل شيء عندما أقابل غرباء , لأن كثيراً من الناس الذين يبدون محترمين يتضح فيما بعد أنهم رجال غشاشون .

ولم تدرك أنها تجاوزت الحد إلا بعد أن رأت عضلة في خده تنبض.
وقال :
_كان عليك أن تري الآنسة هيلير شجرة العائلة يا فيليكس, لأنها تظنك فناناً في الغش .
كان صوته مرتفعاً رغم أن شفتيه لم تكادا تتحركان.
أدركت إلي أي حد ساقها سخطها, وقالت بذعر :
_"لا ".
فاستدار الرجلان المسنان مصعوقين وتراجعت الملكة السابقة إلي مقعد بجانب النافذة, وهتف أبوها كثور غاضب :
_ فرانسيسكا؟ .
منتديات ليلاس


اماريج 16-04-10 06:34 AM

فقد الملك السابق ابتسامته المهذبة أخيراً :
_ماذا تظن الآنسة هيلير ؟.
سرت في جسدها سخونة منهكة شعرت بها في خديها, ثم قالت :
_لم أقصد قط...

الآن كانت هي المخطئة,تتخبط وتعتذر, فيما هذه الأسرة المتكبرة تنظر عبر أنوفها المعقوفة إليها متعالية.
لقد انتصر عليها, لقد وصفها بعدم الجمال وسلاطة اللسان, ثم قذف بها إلي الذئاب, وحملقت فرانسيسكا في الأمير كونراد بكراهية حقيقية.

كانت الملكة تنظر مفكرة, ثم قال الملك السابق ببرودة بالغة :
_السلالة واضحة جداً, لم يشك قط أحد بها, ولا حتى الشيوعيون والفوضويون. ربما لا يريدون ملكاً, لكن الشك لم يتملكهم أن لأسرة دوميتيو الحق .

قالت وهي تصرف بأسنانها :
_لقد أساء الأمير كونراد فهمي .
خفض الأمير كونراد بصره إليها باهتمام زائف ثم قال برقة :
_آه؟ وكيف؟ لقد قلت أنه غالباً ما يثبت أن الناس غشاشون في النهاية .
قالت شاعرة نحوه بالكراهية :
_نعم,أعرف هذا,لكنني كنت أتكلم بوجه عام, وليس بوجه خاص, ليس عن...

فقاطعها :
_ليس عني ؟.
قال هذا برقة بالغة وتحد ظاهر,وقف شعر فرانسيسكا وكأنها حيوان شعر بالخطر. وقالت بيأس :
_ولا عن أي شخص هنا .
ونظرت إلي أبيها ضارعة, ولكن لم يكن هناك عون من تلك الجهة, لأنه كان مصعوقاً.
ثم قالت الملكة السابقة بهدوء :
_لدي فرانسيسكا وجهة نظر .

استدارت لها الأعين بدرجات مختلفة تتراوح بين الذهول والتحدي,فابتسمت قائلة :
_ربما ليس بالنسبة إلي شجرة العائلة, بل بالنسبة للوثوق بأي إنسان هذا منطقي للغاية, كان بإمكاننا, أنا وأنت, أن يكون عملنا أفضل, يا فيليكس, لو كنا أكثر حذراً من الناس .

وجاء دور بيتر لكي يتصلب جسده, مشتماً رائحة إهانة, وكبح كونراد ابتسامة ثم أشاح بوجهه, ولكن ليس بالسرعة الكافية, فقد رأتها فرانسيسكا, وقررت أن الكراهية هي أحسن من أن يستحقها.
الهزيمة, هذا ما كان الأمير كونراد يستحق, أرادت أن تمحو تلك الابتسامة عن وجهه, وترغمه علي الاعتراف بالخطأ والشعور بالمذلة.

فجأة تنهد الملك السابق قائلاً :
_معك حق طبعاً يا عزيزتي, هذا الجيل الشاب أكثر دنيوية مما كنا نحن عليه .
بدا أنه لم يكن يقصد المديح,وقالت الملكة السابقة بنعومة :
_ربما إذن تريد الآنسة هيلير أن تري شيئاً من العادات القديمة, تقيم الجالية المونتاسورية حفلة كل عام في عيد ميلاد كونراد الأسود بطل مونتاسيرو وهذا العام يذهب إيراد الحفلة إلي متطلبات المستشفيات,وسنكون مسرورين جداً لو حضرت الحفلة بصفتك ضيفتنا يا عزيزتي .
منتديات ليلاس
الصمت المتوتر الذي تلا هذا القول كان دليلاً واضحاً علي أنها تكذب, ذلك أن الملك السابق لن يكون مسروراً أبداً, كما أن الذعر بدا واضحاً علي الأمير كونراد.
كان هذا ما جعلها تقرر الحط من قدره,ولكن الإذلال ينبغي أن يؤجل,وحالياً ستكتفي بإذعانه المذعور,وأجابت بسرور :
_ما ألطف هذا منك !.


اماريج 16-04-10 06:37 AM

كبت كونراد غضبه بجهد واضح, واتسعت ابتسامة فرانسيسكا وهي تقول :
_سأنتظر ذلك بشوق .
كانوا مسرورين لتركها تذهب,وكان الملك السابق فيليكس يكاد يرقص تلهفاً إلي خروجها من بيته.
قال كونراد :
_"سأنزل وأوقف لكما تاكسي ".

تابعت فرانسيسكا سيرها وكأنها لم تسمعه, ولكنه وضع يده علي ذراعها.
منتديات ليلاس
مرة أخرى, تملك فرانسيسكا شعور غريب بأنها عرفته من قبل,التفتت إليه وشمت رائحة الغابات والبراري المقفرة....لا بد أن هذا من تأثير تبك الصورة اللعينة خصوصاً تلك التي يبدو فيها علي الجبل.
تمتم في أذنها :
_علينا حقاً أن نتحدث, وفي مكان محايد .
قالت بعنف :
_ليس هناك مكان محايد بما يكفي .
بدت سيارة أجرة من بعيد فرفع كونراد مظلته وهو يسير نحو الرصيف قائلاً :
_لابد من ذلك, سأتصل بك .

فاستدارت إليه بعنف :
_ "لا أريد أن أراك أبداً مرة أخرى."
وقفت سيارة الأجرة فانحنى أبوها يحدث السائق.
_كان عليك أن تفكري في ذلك قبل أن تقبلي دعوة جدتي إلي الحفلة الراقصة.

كانت قد نسيت ذلك, فعضت شفتها, ثم هزت كتفيها وقالت :
_يمكنني أن أتهرب منها, إذا شئت, بحجة الصداع أو نوبة تسمم غدائي, سأخترع عذراً مناسباً .
_وكأنك أمضيت سنوات في التدرب علي التملص من المواعيد الاجتماعية.
_هذا صحيح.
_جبانة.

فقالت غاضبة دون إن تنظر إليه :
_لا بأس! إذن سأقول فقط أنني غيرت رأيي .
فضحك :
_أنت لا تعرفين جدتي, لقد قبلت الدعوة وليس هناك طريقة للتخلص منها أقل من إصابتك بمرض معد .
كانت من الغضب بحيث أوشكت تبكي. فقالت بصوت كالفحيح :
_لن يرغمني أحد علي الذهاب إلي الحفلة, فأنا امرأة مستقلة لا يستطيع أحد أن يجعلني أفعل ما لا أريده
_"أتراهنين؟".

التفتت إليه بسرعة الحية:
_لا تخلط بيني وبين جماعة من الطفيليين اعتدت عليها علي ما يبدو .
فطرف بعينيه :
_طفيليون؟ ما الذي تتحدثين عنه؟.
قالت هائجة بصوت مختنق :
_أتحدث عن أناس يريدون أن يقلبوا الأوضاع ليعيدوا الوضع الرجعي فقط ليمثلوا دور الملك والملكة, وأنا لست واحدة منهم, فأغرب عن وجهي.

وكادت تدفع أباها عن طريقها وهي تصعد إلي السيارة.
قال له جده :
_يا لها من امرأة فظيعة! أنا آسف يا كونراد.
كان الرجلان مستندين إلي خزائن المطبخ بينما الملكة تكوم الأواني في ماكينة غسل الأواني.
قال كونراد بضيق :
_حسنا, لم أكن أيضاً لطيفاً معها.

فقال جده :
_هذا ما كنت أتوقعه فلم أرى فتاة أقل منها جاذبية.
ولوح بسيجاره يبعده عن أوان المطبخ المعلقة علي الجدار.
_أشك في أن بإمكان كازانوفا نفسه أن ينتزع منها ابتسامةونظر إلي كونراد نادماً.
_أنس أموال أبيها, لأنه سيدفع مرغماً ما تبرع به للمستشفي لكننا لن نعود إلي طلب تبرعات أخرى منه.

قال كونراد :
_حسناً, هذا شيء حسن, علي الأقل.
ثم سأله محاولاً التركيز علي شؤون جده :
_تبرعات أخرى؟ تبرعات لأجل ماذا؟.

بدا المكر علي الجد وهو يجيب :
_ لدي فكرة عن الانتخابات.
قال كونراد دون أن يفهم:
_انتخابات؟.


اماريج 16-04-10 06:44 AM

أجاب ببشاشة :
_في مونتاسورو, لقد طلبوا مني الترشح لانتخابات الرئاسة, علي لائحة غير سياسية بالطبع.
فقال كونراد:
_ماذا؟.
_وهكذا بدأت حملة للتمويل.

انتصب كونراد في وقفته وقال عابساً:
_ليس بأموال بيتر هيلير.
فقال الجد موافقاً وقد فقد شيئاً من بشاشته:
_لا,رغم أنها كانت ستفيدنا, ولكن كان علي أن أدرك أن هناك عيباً في الفتاة حين أقترح ذلك. ما كان علي أن أجمعكما معاً. تلك الفتاة تعض.
تجاهل كونراد معظم هذا الكلام وقال بصوت غريب :
_هل أقترح هو هذا؟.
منتديات ليلاس
فأجاب :
_نعم, كنا نتناول الغداء معاً, فتلقي مكالمة تلفونية منها,وبعد ذلك قال....ما هذا؟.

قال الجملة الأخيرة فجأة وهو يري كونراد....كونراد المنطقي الهادئ يقبض يديه وكأنه يريد أن يضرب شخصاً ما.
ثم قال بصوت هادئ لم يسمعه منه من قبل:
_دعني أستوضح هذا,هل طلبت فرانسيسكا من أبيها أن يطلب يدي للزواج؟.
رفعت جدته حاجبيها, بينما قال الجد :
_حسناً, فهمت أن هناك شاباً كان قد...
ولوح بيده بارتباك, فقال كونراد بنفس الهدوء :
_"نبذها ؟".

_هذا ما حدث,نعم".
فقال :
_إذن كنت أنا مجرد منحة للتسرية عنها.
فقال الجد :
_الآن, يا كونراد......

فقاطعه كونراد :
_وقد اختارت المنحة بنفسها, ما تريده فرانسيسكا تحصل عليه فرانسيسكا.
فقال الجد بارتباك أنما متعاطفاً معه :
_إنها فتاة وقحة .
تجاهله كونراد وهو يتابع :
_بابا سيشترينني لها .

قال فيليكس بعظمة :
_وعرش مونتاسورو وتقاليدها ليست للبيع ولو مقابل كل التبرعات في العالم.
صفقت الملكة السابقة ماكينة غسيل الأطباق بعنف لا يستلزمه الأمر,وقالت لزوجها :
_كفي هراء, يا فيليكس, ليس لتبرع أبيها صلة بالأمر. وكونراد سيحكم علي الأمر بنفسه كعادته دوماً.

انتبه كونراد من غضبه غير العادي, وما زال فكه يهتز متوتراً, ويبدو أنه لم يستطع السيطرة عليه. لكنه عندما تكلم, تكلم ببطء كالعادة :
_نعم. سأفعل ذلك.
تبادل جداه النظرات, كانا يعرفان معنى تغير ملامحه هذا, ولم يكن يبشر بالخير إلي فرانسيسكا هيلير.

قال الجد متوتر الأعصاب:
_هذا يعني أنه لا حاجة بك إلي رؤية تلك الفتاة مرة أخرى, أليس كذلك؟.
ابتسم كونراد. كانت ابتسامة بطيئة للغاية ولم تصل إلي عينيه البتة. وقال:
_آه, بل هناك حاجة لذلك.

وكانت جملة ناعمة رقيقة لكنها مهلكة.
كان غاضباً جداً عندما استدار بالسيارة داخلاً إلي الشارع العام.
لا بأس. ما كان له أن ينعتها بأنها قارصة اللسان عديمة الجمال,كما أنه ما كان له أن يدعها تسمعه, وكان عليه أن يتحداها في اللحظة التي وصل فيها إلي البيت, ولا يسمح لها بأن تدعي بأنهما لم يتقابلا من قبل, كان عليه أن يعتبرها مخادعة كأبيها, ويقول لها هذا في وجهها.

اندفع بسيارته الرانج روفر الكبيرة في الشوارع المزدحمة عصر يوم السبت,لم يكن, في العادة, يسوق سيارته في هذا الشارع في مثل هذه الساعة.

بعد تعليم الصباح,كان عادة يقضي وقته مع الأصدقاء, وغالباً ما كان يمضي الأمسية مع فتاة صديقة, لكنه منذ عرف فرانسيسكا هيلير, كره بشكل غريب أن يتصل بأي من أولئك النساء الماهرات المحنكات الموجودة أسماءهن في دفتر عناوينه.

ولأمر ما, زاد ذلك في غضبه,وهو يفكر في أن ما يلزم فرانسيسكا هيلير, صدمة بعد صدمة,انفجار يهزها هزاً, ويجعلها تتساءل عن تلك الثقة بأن بإمكانها أن تجعل العالم اللعين كله يرقص علي أنغامها, وأخذ يفكر في ما يمكن أن يهز فرانسيسكا هيلير.

سألتها جاز :
_حسناً, هل حصلت عليه؟.


اماريج 16-04-10 06:48 AM

حملقت فرانسيسكا فيها :
_إذا كنت تعنين ولي العهد كونراد, فأنا صرفته من ذهني.

وصرفت موظفة يوم السبت من مكتب الاستعلامات, وثبتت نظاراتها علي عينيها ونادت:التالي
لكن جاز قررت أن الوقت قد حان لكي تتصرف,فقالت لها:
_تعالي إلي هنا قبل أن تصيبي زبوناً بنوبة قلبية من الخوف.

وتركت آلة تسجيل النقود لموظفة يوم السبت وسارت مع فرانسيسكا إلي غرفة الموظفين الصغيرة, ثم سألتها :
_ماذا حدث بحق الله؟.
حولت فرانسيسكا إليها عينين ملتهبتين,منذ تركت أباها عند شقته, لم تفعل شيئاً سوى التفكير فيما حدث في حفلة الغداء الفظيعة تلك.
قال بصراحة :
_أنا قارصة اللسان عديمة الجمال وهو لا يريد أن يتزوجني .
فسألتها :
_"ماذا؟".
منتديات ليلاس
_يبدو أن أبي عقد اتفاقية معهم لكي يتزوجني.
نظرت جاز إليها وهي ترمش بجفنيها... ثم ألقت بيديها في الهواء :
_هل كل المونتاسوريين مجانين؟.
وافقته فرانسيسكا بكآبة :
_نعم, ألا ترين ذلك؟.

وقالت جاز :
_لقد طلبت منك أن تدعيه إلي إلقاء حديث عن كتابه وليس إلي الزواج.
تملك فرانسيسكا الغيظ:
_لست المسؤولة لأن أبي هو المجنون, وعلي كل حال, بقية تلك الأسرة البغيضة أسوأ منه.

قال جاز حانقة :
_كم مرة قلت لك أن تركزي اهتمامك علي عملك, وألا تمزجي العمل بالمتعة.
قالت فرانسيسكا :
_المتعة؟.
_كان المفروض أن تصطاديه لكي تحضريه إلي مكتبتنا لا أن تبدأي عداءاً إجراميا معه.
وزفرت من شدة الغيظ,أتظنين أن هناك أي أمل في أن يأتي إلينا بعد كل هذا؟
تملك فرانسيسكا الهدوء فجأة:
_ليس لدي فكرة, ولكن إذا أردت مني أن أتابع إقامة الندوات الأدبية المسائية, فأبعدي ذلك الرجل عني.

ونسيت جاز ضيقها:
_"آه!."
وهكذا لم تدهش كلياً عندما دخل كونراد دوميتيو مكتبة الباز في اللحظة التي فتحوها صباح الاثنين,كانت وحدها عند المكتب,أنصفق الباب واندفعت هبة من هواء الربيع عبثت بأوراق دفتر التسجيل
رفعت جاز بصرها فعرفت من يكون علي الفور,كانت تنضح منه طاقة كافية لإشعال العالم, وسألها دون تمهيد :
_أين هي؟.

حتى في المكتبة المزدحمة, كان يسير بخطوات واسعة وكأنه في البراري, خطوات واسعة مسيطرة.
بدأت جاز تبتسم :
_صورتك لا تنصفك,مرحباً,أنا جاز.
فقال دونما اهتمام:
_مرحباً. أين فرانسيكا هيلير؟.

أجابت بعذوبة مصطنعة:
_أتعني شريكتي القارصة اللسان العديمة الجمال؟.
بدا لجاز وكأنه رآها فجأة فخمدت بعض ناره.
سألها :
_هي أخبرتك بذلك, أليس كذلك؟.

فأجابت :
_"نعم".
_لا بد أنها كانت متكدرة.
فأجابت متأملة :
_متكدرة؟ إنها مجرد طريقة لوصف حالتها,لكنني لم أسمعها قط تطلب مني أن أبعد رجلاً عنها.
أمضي كونراد وقتاً استوعب فيه هذا الكلام. ولهذا كانت من سوء الحظ أن فرانسيسكا من رحلتها وجمدت عند العتبة, ثم ألقت علي جاز نظرة محرقة :
_ما الذي يفعله هنا؟لقدأخبرتك..أخبرتك.


اماريج 16-04-10 06:54 AM

ثم خرجت عائدة إلي الشارع.
ونظر إليها بجمود :
_أي مصيبة تجعلها....؟.
فقاطعته جاز بلطف :
_لن تعود إلا بعد خروجك, كانت تعني ما تقوله.

فقال وهو يخرج من المكتبة :
_آه...هذا شيء مضحك.
ولكنه أدركها عند شارع كنغز رود.
قال :
_لا بأس,تريدين مني أن أعتذر؟ أنا أعتذر.
كانت فرانسيسكا مندفعة كالعاصفة لا تكاد تلحظ أي طريق تسلك.. كانت تفكر في أن عليه أن يركع, نعم, هذا ما تريده, أن يركع عند قدميها, أما الاعتذار فهو لا يفيد, وصاحت به :
_لا أريدك أن تفعل أي شيء إلا أن تدعني وشأني.
فقال :
_لا تكوني حمقاء.

صرخت نائحة :
_لا تعاملني باستعلاء.
فقال :
_توقفي إذن عن الخداع.
تملكها من الغضب ما لم تكد تستطيع معه أن تتكلم :
_أنا لا أخدع.
_لا؟ لماذا إذن تتظاهرين بأننا لم نتقابل من قبل؟ هل كان ذلك لمصلحة بابا هيلير أم لمصلحتي؟
فقالت :
_"ماذا؟".
كان غضبه يعادل غضبها, لكنه كان أكثر منها سيطرة عليه.
وقال :
منتديات ليلاس
_هل المفروض أن أتجاهل حقيقة أنك في أول مرة اجتمعنا فيها, شوهت سمعة بلادي وأسرتي؟ لم أسمعك تعتذرين عن ذلك.
فقالت :
_"أول......".

وسكتت جمدت مكانها... دخان الخشب والصنوبر. والشعور المثير بأنها علي حافة شيء خطير. وغضبه علي جديه. وسؤاله هل تقابلنا من قبل؟وجوابه"لا أدري. أخبريني هل تقابلنا؟".
قالت بصوت ثقيل كالرصاص :
_أنت رجل الشرفة.
_لقد تأخرت في الاعتراف بذلك.
_لماذا لم تخبرني؟.

لم يكن صوته هو نفسه,وكانت ترتجف في داخلها, فواجهها
قائلاً :
_ولماذا لم تفعلي أنت؟.
كان صوته طبيعياً تماماً...غاضباً لكنه طبيعي, وهو حتماً لا يرتجف في داخله... ولا خارجه.
قالت محاولة أن تقنع نفسها :
_كان ذلك ثرثرة علي الشرفة فقط. لم تكن هامة..".

فقال مكشراً عن أسنانه :
_ تعنين ليس بأهمية ولي العهد الذي كان سيشتريه لك أبوك.
كانت مخطئة عندما ظنت أنه لم يكن يرتجف. بل كان يهتز, فكرامته انبرت ثائرة لأنه ليس شخصاً قد يعرض للبيع.... أدركت فرانسيسكا ذلك, في نفس الوقت الذي أدركت فيه أنها لم تر قط رجلاً بهذا الغضب في حياتها, غضب بمثل عنف اندفاعه وهو
يقول :
_أنت...إلي الجحيم..
سكت, فتصاعد الدم إلي رأسها. لو لم تكن تحمل بيديها فنجاني القهوة الورقيين, لعادت ألي طفولتها وضربته. وهكذا لم يكن لديها أي شيء سريع من وسائل الدفاع عندما قربها كونراد منه وعانقها.

مضت لحظة, لحظة واحدة فقط, شعرت فيها وكأنها في الفردوس, شعرت وكأنها عادت إلي بيتها بعد رحلة فظيعة وشعرت بما يشبه الحب,وإذا بها ترفسه, ثم تلقي بالقهوة بعيدا,ً وتهرب.

كانت صوراً رائعة, حسناً, إنها سلسلة من الصور في الواقع... الصحافي المستقل, الذي كاد ييأس من ولي العهد كونراد, حمد الله ثم التقط صوراً للدقيقتين العاصفتين.... حتى أنه أدرك فرانسيسكا وهي تصفق باب مكتبتها بعنف كما أظهرت الصور الدموع التي كانت تتألق خلف نظاراتها واضحة تماماً.
وفي الصباح التالي, ظهرت الصور في صحيفتين من الصحف الشعبية الملونة, ثم في كل المجلات المعروفة في نهاية الأسبوع. ومع نهاية الشهر, كانت قد نشرت في كل صحف أوروبا والولايات المتحدة.

توقفت فرانسيسكا عن الإجابة علي تلفونها, ولم تعد تخرج قط دون وشاح حول رأسها, لقد كلفها هذا مبلغاً كبيراً للبوابين المستمتعين بذلك في المبني الذي تسكنه ولكنهم نفذوا ما أرادت وسدوا الباب في وجوه مندوبي الصحف الشهيرة.
ودخل مكتبة الباز من الزبائن في أسبوع أكثر مما دخلها خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
منتديات ليلاس
وعقد بيتر هيلير مؤتمراً صحفياً تعهد فيه بدفع مبلغ لا يستهان به لتمويل حملة الرئاسة للملك السابق فيليكس ورفض أن ينجر إلي ما إذا كانت لأبنته علاقة بولي العهد كونراد, وسرعان ما كانت أخبار الحملة تحتل أعمدة صحف يوم الأحد الأوروبية. وانهال عليها مزيد من التمويل.

أما كونراد...حسناً, لم يتكلم كونراد مع أحد, لا مع الصحافة ولا مع أسرته ولا مع بيتر هيلير المتسلط... لقد أعلن كونراد أنه يريد فقط أن يتحدث إلي شخص واحد, وهو فرانسيسكا.

..........نهاية الفصل الرابع..........


اماريج 17-04-10 03:27 AM

5-لن اراك ابدا امراة جامحة

رفضت فرانسيسكا أن تتحدث إليه, قائلة بغير صدق:
_لا يهمني ما تقوله الصحف.
قال أبوها أن اهتمامها هو بنفسها, والملك السابق فيليكس يقول أن ذلك ينبغي أن يكون ببلادها, والملكة السابقة تقول أنه ينبغي أن يكون كونراد, لكن فرانسيسكا قاومتهم جميعاً.ثم, إذا بأمها تتدخل.

قالت اللايدي آنا, وهي تدخل إليها في الشقة وكأنها في الشقة وكأنهما كانتا أمس معاً وليس منذ أربعة أشهر :
_ يا لك من ماهرة, يا عزيزتي! لم أظن قط أن لديك كل هذا.
وكانت تبدو, بالوشاح حول رأسها, وكأنها قادمة من الحقول فقالت فرانسيسكا بحذر:
_لدي ماذا؟.

_لديك القدرة علي إبقاء أمير معلق بخيط, خصوصاً كونراد دوميتيو,جميع الفتيات كن يلاحقنه عندما كان فتياً, طبعاً, قبل أن يصبح عالماً كئيباً,وها أنت الآن قد استطعت أن تجعليه جذاباً مرة أخري, فيا لك من ماهرة!
فقالت فرانسيسكا غاضبة :
_جذابا؟.
منتديات ليلاس
كبحت أمها ابتسامة:
_بالتأكيد! كل شخص يقول أنك تحطمين قلبك لأجله لا شيء يجعل رجلاً جذابا بهذا الشكل مثل تحطيم القلوب من بعيد.
قالت فرانسيسكا بشبه صراخ :"من بعيد؟."
سألت اللايدي آن ببراءة :
_أليس هذا ما يسمون ذلك عندما تعرفين كل شيء عن شخص دون أن تكوني قد خرجت معه.

قالت :
_أنا لا.
قالت أمها متأملة:
_نعم,هذا يظهرك وكأنك غارقة في حبه منذ سنوات. يظهرك وكأنك تعرفين الكثير.
فقالت فرانسيسكا ببرودة :
_إنهم الناشرون. فأنا في وضع فريد.
قالت أمها:
_نعم, هذا ما تقوله الصحف, أتعلمين؟ لقد اتصل بي شخص وسألني عما إذا كنت تضعين صورته علي جدار غرفتك عندما كنت طفلة؟.

أمسكت فرانسيسكا برأسها:
_أيظنونني حمقاء إلي هذا الحد؟.
جلست أمها إلي مائدة المطبخ وأحاطت فنجان القهوة بيديها وقالت بصراحة:
_بل يظنونك فتاة ثرية لا يمكنها الحصول علي رجل, مهما اجتهدت, وأنت تساعدينهم علي التفكير في ذلك.

لم تستطع فرانسيسكا أن تتكلم.
قالت الأم وهي تعبث بفنجانها:
_لا أدري إذا كان ينبغي لذلك الشخص أن يتحدث إليهم.
عادت إلي فرانسيسكا روح النكتة:
_ويخبرهم أنه قام بمراجعة ما لدي من أموال وممتلكات قبل أن يطلب يدي؟ لا أظن ذلك.


اماريج 17-04-10 03:31 AM

هزت الأم رأسها إزاء ابنتها غيرالمادية:
_ليس عليه أن يخبرهم بالحقيقة, فكل ما عليه أن يخبرهم هو إنكما كنتما تخرجان مع بعضكما البعض وانتهي ذلك الآن. المحرر المطلوب منه البحث في هذه الأمور التافهة قادر علي استغلال هذا الخبر إلي حد كبير ويجعلك تبدين في غاية اليأس والقنوط. لماذا تهتمين؟ أنت امرأة عاملة ولديك عمل ناجح.

لكن فرانسيسكا لم تجد في هذا عزاءً كبيرافتمتمت تقول:
_كل هذا أكاذيب ملفقة.
فقالت الأم:
_الكاميرا لا تكذب, هل جعلك كونراد تبكين أم لا؟.

كانت فرانسيسكا قد نظرت إلي تلك الصورة الكريهة مرات كثيرة حتى أصبح بإمكانها أن ترسمها من الذاكرة.
قالت تعتذر:
_جعلني أبكي من الغيظ.
فقالت الأم:
_مثل أي فتاة منبوذة تماماً.

ساد صمت طويل مشحون وقفت فرانسيسكا بعده وقالت بحزم:
_لا يهمني ما يظنه الناس,لكنني لا أريد أن يظن أصدقائي وأقاربي أنني أدور بحثاً عن رجل, سأتحدث إلي كونراد.
زمت اللايدي آن شفتيها:
_لا بد أن اهتمام الصحف الشعبية تلك يقف في طريق عمله,ربما كل ما يريده هو أن ينتهي من كل هذا,وربما لن يكون في هذا أي فائدة أو رجاء.

رفعت فرانسيسكا ذقنها بعزم
كبحت أمها ابتسامتها, هذه هي ابنتها التي لا يمكن أن تعترف بأن هناك شيئاً لا رجاء فيه.
وقالت فرانسيسكا بحزم:
_سيتحدث إلي.

كان كونراد قد تخلي عن الأمل في أن ترد فرانسيسكا علي اتصالاته, وجلس إلي شاشة الكمبيوتر محاولاً ألا يفكر فيها ولكنه كان عاجزاً عن التركيز .
ما الذي يحدث له؟ حتى عندما تحطم زواجه من سيلفيا, لم يحدث له أن أصبح عديم القدرة علي التركيز كما هو الآن.

رباه! لقد دفن نفسه في العمل بعد طلاقه من سيلفيا التي ذهبت إلي التزلج علي الثلج والقيام بالحمامات الشمسية, والزواج أخيراً بمدربها الوسيم في لعبة التنس,ولم يحدث قط أن تذكر أحاديثهما كلمة كلمة,كما هو الحال مع فرانسيسكا كما أنه لم يعلم قط ما فعلته به فرانسيسكا؟

لقد سكنت أحلامه, بتلك العينين البنيتين الكبيرتين, وتلك الذقن المتحدية! الشيء الذي لم يستطع أن ينبذه من تفكيره, هو الطريقة التي ارتجفت فيها عندما لمسها علي تلك الشرفة المبتلة بالماء, ومرة أخرى عندما عانقها
لقد رفسته,وبدا عليها أنها ستنفجر, وكادت المكتبة تنهار عندما صفقت بابها بذاك العنف, لكنها قبل ذلك ارتجفت, وعندما لمسها تغير صوتها.

تصلب جسده للذكري, وتأوه بصوت عال,
ما كانت لتعترف بذلك, طبعاً, رباه! ربما لم تدرك ذلك, لكن كونراد كان خبيراً في ذلك, وهو يعرف تلك النغمة في الصوت مهما كان مصدرها
تباً لأبيها وتدخله! وتباً لفيليكس والأسرة المالكة! وتباً لتجارة الكتب! وتباً لكل الأشياء التي تقف في الطريق! فما يريده هو أن يحملها بين ذراعيه ويأخذها إلي التلال, حيث لا مال ولا أبهة ملوكية..
منتديات ليلاس
حيث يكونان وحدهما فقط, سيجعلها تقف وتحارب لأجل الحصول علي رجلها, لا أن تجعل أباها يشتري لها واحداً, وعند ذلك يعتني هو بها. آه,نعم,سيفعل ذلك, سيجعل تينك العينين البنيتين الناعمتين تتألقان كما تألقتا تلك الليلة التي لم يكن أيهما يعرف إلي من يتحدث...
كان قلبه يتجاوب مع أفكاره بشكل ملحوظ, وضحك كونراد وقد انحبست أنفاسه, يجب أن يكف عن هذاقال
بصوت عال :
_ليس الآن, عليها أن تتحدث إلي أولاً."


اماريج 17-04-10 03:35 AM

وهي لن تتحدث إليه... بالتأكيد ما كان له أن ينعتها بانعدام الجمال وبأن لسانها قارص, ولم يكن يدري لماذا قال ذلك... ما عدا أنه اهتز عندما وجدها في منزل جديه تبحث عن زوج ذي لقب, لقد جعله هذا في أسوأ طبع مر عليه في حياته.

الأمير كونراد الهادئ المتزن! والمسيطر علي نفسه! البالغ الثقة بنفسه وبتصرفاته, لم يستطع السيطرة علي لسانه, وبانسياقه مع أفكاره الحالية, لم يكن مسيطراً أيضا علي قلبه وكيانه.
خبط بقبضته علي مفاتيح الكمبيوتر بعنف جعل الجهاز يصفر, وسمع صوتا من الشاشة يخاطبه :
_لقد أنجزت عملية غير قانونية."

فكشر كونراد إزاء هذه الرسالة :
_ليتني فعلت ذلك."
حاول أن يعزي نفسه بأن الأوضاع, أحياناً, ينبغي أن تترك حتى تختمر, وسيأتي الحل إليه, وكان كونراد يؤمن تماماً بعدم استعجال الأمور,
المشكلة كانت أن جسده لم يوافقه علي ذلك, لكن علي جسده أن يصبر.

ثم انكب علي التعليل الحذر للبروفسور الياباني لتغير الحرارة بشكل متنافروهكذا, عندما اتصلت به لم يكن مستعداً
قالت بجفاء :
_هنا فرانسيسكا هيلير".
جف فمه, ولم يستطع أن يفكر فيما يقوله, وبلهجة أقل جفاء تابعت :
_هالو هالو...هل هذا مكتب كونراد دوميتيو؟.
أجاب بصوت مختنق :"نعم".

قالت وقد بدا وراء ذلك الجفاء شيء من الرجفة العصبية سمع مثلها من قبل :
_هل يمكنني التحدث إليه من فضلك؟.
ميز جسده ذلك قبل عقله,تنفس بعمق, ما الذي كانت تفعله به؟
منتديات ليلاس
وابتلع ريقه بصعوبة :
_"كونراد دوميتيو يتكلم ".
بدت البغتة في صوتها :"آه.......".
كاد يري عينيها تتسعان,كانت قد أعدت حديثها مسبقاً لكنها لم تستطع الآن أن تفكر في كلمة واحدة منه, وكان كونراد واثقاً من ذلك,فكر في مبلغ قوة معرفته بها, فهو يعرفها أكثر مما عرف سيلفيا بعد ثلاثة أعوام من الزواج,الزواج!

وفجأة انطبعت الصورة في رأسه, ونسي غضبه... نسي كبرياءه,هو وفرانسيسكا قد خلقا لبعضهما البعض, كان هناك حل واحد وممكن, وسيكون من الصعب عليه إقناعها به... ولكنه سيقنعها بذلك...بإمكانه ذلك, إنه يعرفها...وهو يعرف نفسه أنه صبور مصمم,سيأخذ ذلك وقتاً, وهي ستحاربه في كل خطوة من الطريق,لكنها ستتزوجه في النهاية, ليس هناك حل آخر, وعادت تقول وقد ازدادت شكوكها :" هالو؟ ".

ابتلع ريقه, من هنا البداية, بداية الزواج بفرانسيسكا... قال بحذر ولطف :
_لقد فاجئتني,لم أتوقع اتصالاً منك.
فقالت :
_ليس صحيحا إذن أنك أخبرت أبي بأنك لن تتحدث إلي أي شخص سواي؟ أعني عما تكتبه الصحف.


اماريج 17-04-10 03:39 AM

قال منتقياً كلامه بعناية:
_بل هو صحيح لكنني لم أظن أنك... مستعدة للحديث.
فقالت بخشونة :
_أنا مستعدة .
قفز قلبه, وشعر لحظة أنه يكاد يختنق:
_"لماذا ؟".
قالت :
_لأنهم يقولون بأنني مغرمة بك من بعيد وأنا لا أريد أن يظن أصدقائي أنني أسعي لاصطيادك خفية.

قال:"آه".
حسناً, هذا هو السبب إذن! وكان مصدوما لعمق خيبة أمله عندما قالت بفروغ صبر:
_ ألم تر الجرائد؟.
فأجاب :
_لا. أنا لا أقرا أعمدة الصحف التي تتحدث عن المشاهير.
فقالت :
_ولكن عندما تكون أنت موضوع تلك الأعمدة.

فقال بجفاء :
_ليست المرة الأولي ولن تكون الأخيرةلا أريد أن يخبروني عما أفعل وأشعر به, فإذا كان ما يقولونه صحيحاً, فأنا لست بحاجة إليه, وإذا كان ما يقولونه كذباً, فسيثير ذلك طباعي.
ساد صمت قصير,لا بد أنها تستوعب قوله هذا
ثم سألته بكآبة :
_هل تعتقد أن ثورة الطباع هي أمر سيء؟.

_إنه تضييع للطاقة,فقالت وكأن هذا لم يعجبها :
_ما أهدأ أعصابك! ألا يقلقك هذا أبداً؟.
_الشيء الوحيد الذي يقلقني هو التفكير في أنك قد تكونين منزعجة,والآن, أين سنتقابل؟.

حاولت أن تتراجع,كان عليه أن يراهن أنها ستتراجع حالما يعين الوقت والمكان,لكنه فلح أخيراً في أن يقنعها, دون وعي منها تقريباً, حتى أنه تركها ضاحكاً عندما قطعت الاتصال فجأةوضع السماعة, وجلس ينظر إليها خمس دقائق كاملة ثم أخذ يدور بمقعده الدوار, وهو يلكم الهواء بقبضته وعاد ليقذف بنفسه إلي العمل.

لم تسمح له فرانسيسكا بأن يأتي ليأخذها من المكتبة, قالت هذا خوفاً من أن يلمحهما أحد رجال الصحافة لكن هذا لم يكن السبب الحقيقي لأنها في الواقع لم تشأ أن تراهما جاز معاً
منتديات ليلاس

كان يسير متمهلاً في الممر الطويل, طويلاً رشيقاً كلاعب رياضي في بنطلون جينز أسود, فبدا مدمرا, حتى الموظفة خلف مكتب الاستعلامات المنهكة أدركت ذلك, أما فرانسيسكا , التي أسرتها عيناه العميقتا الغور فقد رفرف قلبها بين جنبيها.

ربما... عليها أن تستدير ومن ثم تنطلق هاربة... الآن.
لكن الوقت كان فات علي ذلك فقد رآها, وكان يبتسم, وفجأة, بدا لها ذلك أقل خطورة,
تقدمت نحوه, تضم "الكتالوج" إلي صدرها .


اماريج 17-04-10 03:43 AM

لم يحاول أن يعانقها, ولم تعرف ما إذا كانت مسرورة أو آسفة لذلك, كما أنه لم يكن بإمكانه أن يصافحها دون أخذ الكتالوج منها وهكذا أومأ كلاً منهما للآخر, هو بشكل طبيعي وهي بضيق حاد.

كان بالغ التهذيب والاحترام, وقال :
_آسف لجعلك تنتظرين.
أثار الاعتذار اضطرابها :
_لا, لا, أنا التي جئت مبكرة... لا شيء يستلزم أسفك"

_إنها وجهة نظر"

ولمعت عيناه وهو يخفض بصره إليها وكأنه يدعوها إلي أن تشاركه النكتة,وابتلعت ريقها, لم تكن تريد الدخول حالياً في موضوع المزاح هذا.
فقالت بلهجة ملتوية :
_حسناً, أتريد التفرج علي أي من الصور المعروضة؟ أم نذهب فقط إلي مكانا ما ونتحدث."

فقال :
_يمكننا أن نري لوحة أو اثنتين ما دمنا هنا.
وكالعادة أيضاً, كان يعرف ما يعرضه المعرض فذهب مباشرة إلي لوحاته المفضلة, ثم هو يعرف كل شيء عن الرسم. هتف مسروراً :
_أنظري هناك "صورة رجل" لتيتيان."

نظرت فرانسيسكا, وقالت بأدب :"رائعة".
نظر إليها نظرة ملؤها التسلية :
_ألم تعجبك؟."
هزت رأسها :
_لا أعرف شيئاً من رسم "عهد النهضة الأوروبية".

لكن الحقيقة هي أن الصورة لم تعجبها... كانت صورة لرجل بثلاثة أرباع الوجه, أسمر يميل رأسه بشكل عدائي.
ابتلعت ريقها, ثم قالت :
_"الكمان جميلتان"

القي كونراد برأسه إلي الخلف وانفجر ضاحكاً, ثم سألها :
_هل أخافك؟.
كان الوجه الأسمر المتحفظ مليئاً بالشر والمكر, وأكمل كونراد قوله :
_والآن, لماذا؟.
فقالت وهي تتأمل اللوحة :
_إنه لا يبدو لطيفاً للغاية.

طرف كونراد بعينيه :
_لطيف؟ لا,ربما هو ليس كذلك,لكنه ملئ بالحياة.
وأخذ يسير أمام اللوحة بنشاط :
_انظري إليه,نظرياً, ترينه متكئاً علي شيء ما, لكنه, في الواقع, مستعدا للقفز والاشتراك مع الآخرين عند حدوث أي مشكل, يمكنك أن تري ذلك.

هل بهذا يشبه كونراد أيضاً؟ ما أقل ما تعرفه عنه.
تحت جفني كونراد الكسولتين, ووراء تلك المشية الهادئة والحذرة, تكمن رجولة بعنف غابة تحترق.
نظرت مرة أخرى إلي اللوحة, ثم اكتشفت شيئاً :
_إنه يتحدانا بالطريقة التي ينظر فيها إلينا, إنه يتحدانا أن نجرؤ علي أخذه.
رفع كونراد حاجبيه :
_ظننت هذا دوما أيضاً, لكن النساء لا يرين ذلك, عادة".
منتديات ليلاس


اماريج 17-04-10 03:48 AM

فقالت بجفاء :
_التحدي هو, تقريباً, اللغة الجسدية الوحيدة التي أميزها, حسب قول أمي.
قال كونراد :"آه ".
اختزن هذه المعلومة ليعود إليها في المستقبل, ثم قال :
_هو بالتأكيد لا يقصد أن يتحدى المتفرجين بل يحاول أن يجلب انتباه الرسام.
منتديات ليلاس
فقالت :
_ولماذا يجلس أمامه ليرسمه إذا لم يكن يحبه؟.
تنفس الصعداء,وقال :
_لا علاقة للمحبة بذلك, إنها كيمائيات الجسم وتجاوبها.
نظرت فرانسيسكا إليه دون أن تفهم:
_آسفة,لقد ضيعتني."
فقال :
_الرجل حسن الوضع, ناجح, شابا, ذو طاقة,ثم تعرف إلي الرسام, والرسام يمكنه أن يقوم بشيء لا يحسنه هو,يمكنه أن يرسم,وعندما يأتي الناس يمكنهم أن يقولوا:
_"يا لك من وسيم.... وما أجمل كميك !وانما سيقولون: الرسام تيتيان عظيم حقاً

سألته :
_أتعني أنه غيور؟.
أجاب :
_لا ,لا,طبعاً لا, بل هو يريد لأن يكون تيتيان العظيم... إنهما من نفس النوع, وكان الاثنان يهدفان إلي أن يكونا كأحسن ما يمكنهما, لكن تيتيان هو الموهوب,هذا هو التحدي الذي تقولين أنك توسمته في الصورة.
فقالت ببطء :
_فكرت في هذا كثيراً, أليس كذلك؟.

فأجاب :
_أنا أحب تلك الصورة,أحببتها دوماً."
_لا, ليس الصورة بل مسألة التحدي تلك".
فأومأ ببطء :
_ أظن أن هذا صحيح."
فقالت :
_أنت تتحدي الناس إذن؟."

انخفض جفناه فجأة..أجاب بعد وقت طويل :
_ أحياناً ."
فقالت :
_إذن كنت تتحداني أثناء حفلة الغداء الفظيعة تلك بكل تلك المحاضرات عن شجرة أسرتكم؟ مجرد التحدي؟ احتيال؟."
وشعرت بالوحدة بشكل غريب,نظر إليها لامع العينين, كيف ظننتهما سوداوين؟ إنها تراهما عن قرب الآن, فهما مزيج غريب من الأخضر والعسلي
وقال برقة :
_أنا لا أحتال, وتحدياتي جادة كلياً.
قفزت فرانسيسكا وكأنها لمست سلكاً مكهرباً ثم
قالت بتردد :
_إذن لم يكن ذلك تحدياً منك؟ عندما كنت..".

فأكمل كلامها :"كريهاً ".
أطلقت ضحكة قصيرة مجفلة :
_نعم, هذه هي الصفة تقريباً.
أمسك بذراعها يبعدها عن اللوحة :
_هذا يذكرني بأول شيء أردت أن أفعله.
فسألته :
_وما هو؟.
أجاب :
_أن أعفر وجهي بالتراب.

قفزت فرانسيسكا في الهواء أتراه استطاع أن يقرأ أفكارها؟قال :
_كنت مجنونا لشدة الغضب, ولم يكن مفروضاً أن تسمعي, ولكن مع ذلك ما كنت لأقول عنك قارصة اللسان لو لم أكن ثائراً غاضباً.
قالت تذكره عابسة :
_قارصة اللسان معدومة الجمال.

لكنه لم يظهر التوبة, كان سحره يغلفها أشبه بلوحة طبيعية تبدو فيها الشمس فوق تلال إيطاليا
وقال :
_حسناً, ها أنت ذي, هذا يثبت أن الأمر كان مجرد غباء من وحي ذلك الغضب.
سارت خلفه لحظة بصمت, وأفكارها تغلي, وتذكرت باري الذي كان ساحراً للغاية .

قالت :
_ليتني لم أكن بهذا السوء في قراءة الناس.
جمد كونراد في مكانه يحدق إليها, وتحت عينيه الثقيلين كانت عيناه تلمعان اهتماماً.
وسألها :
_سيئة في قراءة الناس؟.
منتديات ليلاس

اماريج 17-04-10 03:50 AM

فابتسمت بجفاء :
_أنا ميئوس مني, أمي تقول أن السبب شبهي الكبير بأبي.
فسألها :
_وهل أنت كذلك؟.
فأجابت :
_في بعض الأشياء.

تقدمت باتجاههما مجموعة من السياح, وأثناء محاولاتهم البقاء بقرب دليلهم, سدوا الطريق علي فرانسيسكا,وضع كونراد ذراعه حولها وجرها إليه وكأنه كان يفعل ذلك طوال حياته, وسقط منها الكتالوج,كان تماسهما المكهرب هذه المرة أشبه بالبرق بلمعانه,كيف لم يشعر به؟ فكرت فرانسيسكا في ذلك بينما كانت هي لا تستطيع التنفس
وكان هذا جنوناً,أن يغمي عليها كلما وضع رجل إصبعه عليها,حتى عندما تركها تذهب لتلتقط الكتالوج ظلت تشعر بلمسته وكأنها وسمة اخترقت جلدها.

قال :
_لقد امتلأ المكان, أليس كذلك؟ أتريدين أن نذهب إلي مكان أقل ازدحاماً؟.
فابتلعت ريقها :
_"نعم, أرجوك ".
أخذها إلي مقهى صغير مشرق وأحضر لها قهوة.
بدا فجأة جاداً تماماً,قال :
_اسمعي.. أتظنين أن بإمكاننا أن نبدأ مرة أخرى.

لم تعرف ماذا تقول, وهكذا لم تقل شيئاً.
قال باسما :
_اعلم أنني أطلب الكثيرولو كنت مكانك لرفضت, ولكن هذا الأمر ليس لأجلي فقط.
طعنها قوله في قلبها, فهو ما كان ليرغب في أن يراها مرة أخرى لأنه يريد أن يراها.

قالت :
_أظن من الأفضل أن توضح كلامك."
آه, كم بدت هادئة متمالكة لمشاعرها, وشعرت بالزهو لذلك.
وتردد :
_ وعدت جدي..".
كان تقريباً يحدث نفسه :
_ كما ترين, جدي فيليكس ملتزم تماماً بعهوده لمونتاسورو لا أدري إن كنت تفهمين ذلك, رغم أنه كان في السابعة عشرة فقط, وكان سيقتل لو بقي هناك, ولكن لم يكن أحد يظن أن سقوط الحكم الشيوعي سيستغرق خمسين سنة تقريباً,ولأن الحياة كانت سيئة في مونتاسورو بالنسبة لأكثر الناس, قام جدي بما يستطيعه.... أرسل معونات, ساعد اللاجئين....لكن الأمر الأساسي هو أنه كان ينبغي أن يكون هناك ليشارك شعبه شظف العيش.
منتديات ليلاس
قطبت فرانسيسكا جبينها :
_هكذا إذن؟.
فقال :
_حسناً.... يتصور الآن أن لديه فرصة لذلك.
فقاطعته :
_أتعني أنه يريد أن يريح ضميره بأن يمطر شعبه بالهدايا, ويريد من أبي أن يدفع له ثمن ذلك؟.
فقطب جبينه :
_الحق معك, فأنت مثل أبيك,هذا بالضبط ما كان سيقوله هيلير.
فرفعت رأسها بكبرياء :
_ أنا لااشعر بالخزي لذلك.


اماريج 17-04-10 04:00 AM

تشابكت أعينهما ثم قالت :
_علي كل حال, هذا صحيح, فهو سيشتري لك مستشفي متنقلاً, أليس كذلك؟.
نظر إليها طويلاً بثبات, ثم قال بلطف :
_إنه يشتري مستشفي متنقلاً لمونتاسورو.
فهزت كتفيها :
_ لا فرق .
فقال :
_أنت مخطئة كثيراً.

قال ذلك برقة تبلغ حد الخطورة, لكن فرانسيسكا تملكها شعور غريب بأنه غاضب من نفسه أكثر مما هو غاضب منها , أو من أبيها.
استقام في جلسته ثم قال باقتضاب :
_منذ سقوط الحكم الشيوعي حكم مونتاسورو حفنة من مهربي الأسلحة, ومن الأنتفاعيين, ولا شك أن بإمكان أبيك أن يخبرك بكل شيء عن هذا, والآن ستجرى انتخابات, فيليكس سيترشح للرئاسة, وهو يريد...".

فقاطعته :
_ حملة للتمويل,أعلم هذا, فقد بدأ أبي يجمع تبرعات شعبية.
فتنهد ساخطاً :
_ألا تفكرين بشيء آخر غير المال؟ إنه يريد التأييد من أبيك.

لم تقل فرانسيسكا شيئاً,لكنها استطاعت أن تبدو متشككة إلي حد جعله يعقد جبينه ويقول باختصار

_كان أبوك لاجئاً وفيليكس أيضاً كان لاجئاً وهما الآن يظنان أن بإمكانهما أن يقوما بشيء ما للمساعدة,هل من الصعب تصديق ذلك؟."

ولم يكن لهذا جواب,بل هناك جواب, كما فكرت فرانسيسكا بتمرد, لكنها لن تقول إن أبي يريد أن يشتري لي زوجاً ذا مركز,وهو يظن أن مستشفي متنقلاً لمونتاسورو هو الثمن كيف تقول ذلك؟
وهكذا تمتمت تقول :
_لا أظن ذلك".
ثم أخذت تحرك السكر في قهوتها دون حاجة لذلك, قال بمزيد من اللطف :
_أعلم أننا بدأنا بخطوة خاطئة."
عند ذلك نظرت إليه :"بدأنا؟ ".

فبسط يديه بحركة استسلام :
_ لا بأس لقد فعلت ذلك وحدي,لم أكن أحب ما أعرفه عن معاملات أبيك في أعماله,كما أنني لم أحب فيليكس وهو يحاول أن يرغمني علي الزواج أيضاً,لقد قصدت أن أكون لئيماً في حفلة الغداء تلك, لكنني لم أقصد قط أن أؤذي شعورك بهذا الشكل.
جفلت فرانسيسكا في داخلها, لكنها قالت بحيوية :
_أنا لا أحب أن يرغمني أحد علي الزواج.

فقال :
_نعم, يمكنني أن أري ذلك الآن.
ولم يبد عليه السرور لذلك.
وقالت :
_والآن, بعد أن اعتذرت, فقد تصافينا إذن أنت تصفح عني وأنا أصفح عنك, ولم يعد علينا أن نري بعضنا بعضاً بعد الآن.
لماذا تشعر بذلك وكأنه نهاية العالم؟ وعادت تقول
بصعوبة :
_يمكننا أن نخبر كبارنا في السن أن ينسوا كل شيء عن سمسرة الزواج الغبية التي يقومون بها, ونخبر الصحافة بأن ذلك انتهي ."

فتردد,ورفعت رأسها أشبه بحصان يتشمم رائحة معركة وسألته :
_ألا يمكننا ذلك؟ أليس هذا هو سبب اجتماعنا هذا؟.
منحها تلك الابتسامة البطيئة التي لو سمحت هي بذلك, لأحالت عظامها إلي ماء, وقال :
_ ليس بالضبط.

جمدت في مكانها, وقال هو بحذر :
_أريد منك أن تقولي أنك ستتزوجينني."
بدت وكأنه أطلق عليها النار, والواقع أنه ما كان لخطته الماهرة أن تلاقي ردة الفعل هذه,لقد ظن أنه استعد لكل شيء, قد تثور, تغضب... قد تضحك علي أي غزل يبدر منه,
منتديات ليلاس
ولكن لم يخطر له قط أنها ستجلس جامدة تحدق إليه وكأنها شاشة كومبيوتر, وبقيت كذلك دقيقة كاملة دون أن تطرف عيناها,ثم قالت :
_هل أنت مجنون؟".


اماريج 17-04-10 04:07 AM

أجاب :
_لا,أريد فقط أن أكون عملياً.
فقالت :
_عملياً!.
_هناك سببان رئيسيان,الأول, هو شعور فيليكس بأن ذلك يمنح حملته لتمويل الانتخابات دفعة جيدة هو بحاجة إليها, الثاني, يخلصنا ذلك من ملاحقات الصحافة,فبدا العداء علي وجهها :
_ ماذا تعني؟".
فقال بطلاقة :
_كل إنسان يحب العشاق,فإذا كان أحد العاشقين أميراً ملكياً, والثاني ابنة أغني رجل في العالم, فستكون لنا حكاية جن خرافية".

_أبي ليس أغني رجل في العالم .
_سيكون كذلك عندما ينتهي الكتاب من كتابة القصة ."
وضحك لكنها لم تجد الأمر مضحكاً :
_حتى ولو حدث هذا, ما علاقة ذلك ب...".

ولم تعرف ما تدعو فيليكس به وكان كونراد يراقبها بإعجاب عميق عندما استقرت علي أن تقول :
_جدك.
فهز كتفيه :
_هناك علاقة,فمنذ أن أصبحنا, أنا وأنت, نجمين في المجلات المشهورة, ازداد إيراد حملته التمويلية,ويبدو أن الناس اخذوا أخيراً ينظرون إلي بيانه الذي أشاعه بشكل جدي, غريب!.
قررت أمرها :
_حسناً, سأقبل رأيك هذا بالنسبة إلي حملة التمويل,فلماذا تساعدني خطبتي لك علي أن أتخلص من ملاحقة الصحافة؟.

تمهل كونراد لحظات قبل أن يجيب,فهذا كان هو السؤال الأهم :
_هل سبق أن لاحقك مخبري كتاب الإشاعات في الصحف؟.
عضت شفتها :
_نعم. لكنه لم يكن بهذا الشكل قط.

أومأ كونراد برأسه :
_أعرف, صدقيني أن القول أن ليس هناك قصة عبث, فهذا يجعلهم أكثر حماسة ويقظة."
أخذ يراقبها من تحت أجفانه وهي تحاول أن تستوعب معلوماته غير المرغوب فيها هذه... كانت تعض شفتها وهي تفكر وأراد أن يضع أصبعه علي فمها الوردي ويقول لها أن لا تفعل هذا لأنه يؤذيها... أراد أن....
عيناها تصبحان قاتمتين عندما تأخذ في التفكير, أتراهما يعودان إلي لونهما إذا مال إليها يعانقها؟ وهل ستبقي عينيها مفتوحتين أم......؟
ما لبث أن حدث نفسه بحزم أن يكف عن ذلك, فهذا ليس جزءاً من الخطة,وهو سيعرف تصرفها عندما يعانقها في الوقت المناسب.

قال بعفوية قدر إمكانه :
_أنظري إلي الأمر من هذه الناحية, طالما نحن ننكر الأمر, فإن لديهم قصة, ولكن إذا أحطناهم علماً بخطوبتنا, نصبح مجرد خطيبين مملين.
عضت شفتها السفلية بحركة لا إرادية,
تنهد في داخله, لكن الأمر كان مشجعاً,حسناً, ربما مشجع للنساء الأخريات,لكن فرانسيسكا هيلير ليست كغيرها من النساء.
منتديات ليلاس
قال :
_ما أقترحه هو أن نعلن خطبتنا في حفلة المستشفي الراقصة, ونتركهم يأخذون الصور التي يريدون,ثم ندع كل تلك الجلبة تهمد وتموت.
كانت مقطبة بعنف :
_وهل تظن حقاً أنهم سيتركوننا وشأننا بعد ذلك؟.
لم يكن صادقاً تماماً, لكن في هذه النقطة كان صادقاً تماما فقال :
_ليس في البداية,ولكن في النهاية نعم.... وستأتي قصة أخرى,وفي نفس الوقت سيلتقطون صور كثيرة جميلة لي ولك ولخاتم الخطوبة.

قفزت ونظرت إليه مجفلة,فقال :
_لا تقلقي,يمكن أن تعيديه إلي بعد ذلك إذا كان يشعرك بعدم الراحة.
هزت رأسها :
_ليس هذا هو الأمر.


اماريج 17-04-10 04:16 AM

سألها :
_ما هو إذن؟.
تصاعد احمرار خفيف إلي وجهها :
_لم أخطب قط من قبل, ويبدو أن الخطبة لأول مرة تجلب سوء الحظ إذا كانت حيلة."

فوجئ تماماً, ومضت لحظة لا يعرف ما يقوله,يبدو أنها لم تلاحظ, وقالت بصعوبة :
_منذ أسابيع قليلة فقط كنت سأ....حسناً, هذا غير مهما".

لكنه فكر في أن هذا مهم فعلاً, وأخذ ينظر إلي أصابعها التي كانت تلوي الملعقة البلاستيكية,هذا مهم كثيراً, ولأول مرة خطر في باله أن يتساءل عن الرجال السابقين في حياتها, ولم يعجبه هذا,وبدا أنها لاحظت فجأة الملعقة, وكيف أنها فضحت توترها, فألقت بها جانباً وكأنها أحرقتها,ثم رفعت ذقنها بتمرد :
_أنا لست ماهرة في العلاقات.

وللمرة الثانية, لم يجد كونراد ما يقوله,
وتابعت بعد لحظة :
_أنا عادة أقول ما أعنيه, أنا لا أقرأ لغة الأجسام, كما أنني لست لبقة في الكلام أبداً".

فابتسم :
_يبدو أنك امرأة ممتازة."
نظرت إليه بنفور :
_أنت تضيع الموضوع وهو أنه يجعلني أبدو كذابة فظيعة,لن أعرف أبداً كيف أتظاهر بأنني خطيبة فأنا سأنسي علي الدوام."
فقال :"آه...".
قالت :
_وإذا ألقي علي أي شخص سؤالاً محدداً, مثل ما إذا كنا حددنا موعد الزفاف, أو أين سنعيش, لن أستطيع أن أجيب."
منتديات ليلاس
نظر كونراد إليها, كانت متكدرة بشكل بالغ, وعيناها البنيتان غامضتين بشكل يثير الشك, حتى خلف النظارات, لقد سبق أن رأي هاتين العينين غامضتين,لكنه, أدرك في المرة الماضية أن السبب هو عدم قدرتها علي الرؤية بشكل صحيح بلا نظارات, أما الآن, فهو يظن أن وراء ذلك سبباً آخر,وذهل وهو يري نفسه يمد يده ويضعها علي يدها,ثم يقول :
_ ما هذا؟ لا تظهري بهذا الشكل,لا أحد سيرغمك علي القيام بشيء لا تريدينه."

ابتلعت ريقها :
_آسفة."
فقال :
_لا تأسفي,المفروض فيك أن تقولي الحقيقة إذا شئت.
ضحكت بجفاء :
_هذا عظيم منك.

قال بشكل لا إرادي :
_ليس لديك فكرة كم هو عظيم.
شتت هذا ذهنها فنظرت بحذر :
_" ماذا؟".
_لا شيء, حدثيني بدلاً من ذلك عن الرجل الذي تريدين أن تخطبي له".

والآن, لماذا قال ذلك؟ أنه آخر شيء يريد أن يسمعه, وشعر بارتياح جنوني عندما هزت رأسها وقالت :
_ أريد أن يخطبني؟ باري أصبح فعل ماضي. غلطة أخرى من غلطاتي."

كانت تريد أن تمزح, لكن كونراد رأي أن الأمر أكثر من ذلك,وقاوم حافزاً لأن يأخذ وجهها بين راحتيه مواسياً,
وقال :
_"أتريدين أن تتحدثي عن ذلك الأمر؟."
هزت رأسها مرة أخرى, وبعنف هذه المرة :
_لا,لقد تعلمت درساً,ووضعت خطاً تحته ثم انتقلت إلي الأمام, هذه هي فلسفتي."

لكن كلماتها الشجاعة تتناقض مع ما بدا في عينيها من كرامة مجروحة.
فقال :
_إذن, فقد أصبح ذلك تاريخاً, وأنت مستعدة للانتقال إلي الأمام."
ابتلعت ريقها مرة أخري :"نعم ".

_إذا كنت واثقة...
_بكل تأكيد,لم يعد اسم باري دي لا توش في قائمة بطاقات عيد الميلاد الدائمة عندي.

لاحظ الاسم, وبدلاً من ذلك منحها ابتسامة طويلة بطيئة فيها دعوة لها لتنضم إليه في المكر.
وقال :
_" أظن أن لدي حلاً ".
قالت مجفلة :
_وما هو؟.
قال :
_انسي كل هذا الهراء عن التظاهر بأننا مخطوبان والحكايات للصحافة, إننا الاثنين, راشدان, ونحن الاثنين عازبان, ولسنا مرتبطين,فلنجعل الأمر حقيقة إذن."
منتديات ليلاس
...........نهاية الفصل الخامس............


اماريج 19-04-10 03:51 AM

6-قفاز التحدي

قالت فرانسيسكا :
_أنت مجنون.
استمرت في هذا القول إلي أن ذهب إلي إلقاء محاضرة علمية في متحف علم طبقات الأرض.
بعد أسبوع من الاتصالات التلفونية كل مساء قالت له ساخطة :
_الا تتخلى عما تريد أبداً؟.
فقال :
_وأنت؟.
فقالت :
_غالباً لا."

_هذا شيء آخر نتشابه به إذن ."
فسألته ببرودة :
_وما هو الشيء الأول؟ يبدو أنني نسيت ذلك.

ضحك بهدوء :
_القدرة علي تمييز التحدي.

لم تكن تثق به رغم طوله الفارع, وظرفه وثقته بسحره. وقد نجح ظرفه هذا, تبا له, إذ جعلها تضحك في كل مرة.
بذلت فرانسيسكا جهدها لكي تمحو ابتسامة الغطرسة تلك عن شفتيه, محدثة نفسها بأن ولي العهد كونراد هو رجل متكبر وانتهازي. كان يظنها عديمة الجمال قارصة اللسان إلي أن رأي مناسباً أن يتزوجها.

قالت بهزل خفي :
_آه, أنا أميز التحدي فعلاً.
كان كونراد سريعاً كالقط, حتى وهو في الناحية الأخرى من التلفون, قال :
_يبدو أن هناك مؤامرة, هل يمكنني المساعدة؟."

أطلقت ضحكة سرعان ما كبحتها,فقال :
_آه, ما زلت متهماً, لقد سبق لي أن علقت علي عدم تسامحك هذا من قبل.
نقلت المعركة إلي ساحته :
_أتلومني؟ لقد كنت سافلاً طوال حفلة الغداء الفظيعة تلك.
فقال :
منتديات ليلاس
_أنت نفسك كنت حادة الطبع. علي الأقل أنا اعتذرت ".
قالت بغموض :
_الكلمات رخيصة."
_آه..... تريدين أعمالاً أليس كذلك؟ كلفيني بمهمة..... فإذا أكملتها تتزوجينني,موافقة؟

فقالت :
_آه....كبر عقلك.
ثم وضعت السماعة بعنف,ولكن عندما اتصل بها في الليلة التالية, كانت قد دونت مسبقاً قائمة متطلباتها.
قالت :
_حسناً, قبل كل شيء عليك أن تكون حسن الخلق مع أبي,أعني يشكل حقيقي, لا أن تنظر إليه باحتقار وتأخذ في اللغو والتلميح إلي سياراته "الفيراري".

قال متذمراً :
_أنت تضعين شروطاً صعبة,سأحاول,ماذا بعد؟."
قالت :
_أعترف بأنك استغللت لقبك الملكي لكي تنشر كتابك اللعين ذاك.

ساد صمت قصير قال بعده ببرودة ثلجية :
_لم أفهم؟.
_"ذلك الشيء عن البركان مع الصور".
_"أقترح عليك أن تقرئي الكتاب أولاً, ثم تسأليني ذلك مرة أخرى, إذا جرؤت ".

وكان دوره في خبط السماعة
وهكذا وجدتها جاز في الصباح التالي تتسلل خفية إلي ناحية العلوم المبسطة في المكتبة فقالت لها :
_إذا كنت تبحثين عن كتاب الأمير الساحر, فهو تحت الطلب,لأننا بعنا كل ما عندنا"
أجفلت فرانسيسكا شاعرة بالذنب :
_لا لا. كنت فقط مهتمة بما هو رائج حالياً."

واختطفت مجموعة من مواد القراءةواتجهت بها إلي صندوق النقود.
قالت جاز ضاحكة :
_"أراهن علي أنك كذلك."
ثم عادت تقول :
_سأعيرك كتابي شرط أن لا تبقعيه ببصمات أصابع شوكولا أو تمزقي أطرافه. أنا قلقة علي الكتاب لأنك تعرفين الرجل ".

اعترضت فرانسيسكا علي ذلك لكنها مع ذلك قبلت العرض قائلة بغطرسة :
_من غير المحتمل أن أبكي لكتاب عن الزلازل."
لكنها كانت مخطئة. لأن كونراد نقل معظمه عن يوميات رحلته. سرده الواقعي للحقائق والصور الفوتوغرافية المروعة جعل قلب فرانسيسكا يثب إلي حلقها.

وعندما اتصل بها تلك الليلة قالت له علي الفور :
_آسفة ما كان لي أن أقول ذلك عن الكتاب. إنه غير عاديا."

فقال بسرور صادق :
_شكراً,رغم أنني أعترف أن الناشر سر لأنني ولي عهد, أنا فقط من يظن أن لا صلة للأمر بذلك."
تابع :
_والآن, هل تتزوجينني؟."
أجابت :"لا".
فتنهد :
_ماذا علي أن أفعل غير هذا؟."


اماريج 19-04-10 03:56 AM

ضحكت دون أن يراها, عليه ثانياً أن يتخلي عن رأيه في أنها عديمة الجمال قارصة اللسان. لكن سيأخذ وقتاً وجهداً من ناحيتها.
ما الذي يجعلها تشعر بنفسها عجينة بين يديه, كما كانت مع باري؟ وشعرت بالمذلة, أية حمقاء يظناها؟ وهجرتها كل رغبة في الضحك.
قال :
_ فرانسيسكا..أما زلت هناك؟.

انتبهت قائلة :
_" نعم. أنا هنا."
فقال باهتمام :
_" ما بك؟ ".
أجابت بعنف مختلقة عذراً :
_لا شيء. لقد أوقعت لتوي كتاباً عن المنضدة."

لكنها أسرعت تغير الموضوع, وبقيت تغير الموضوع في كل مرة يتجه الحديث إلي منحى عاطفي, صميم....حدثته عن وظائفها العديدة التي زاولتها, وعن والديها المتقلبين, عن السرور الذي تجده في مكتبتها الباز لكنها لم تخبره عن باري, وهو لم يسألها أيضاً.
حدثها ما معنى أن يكون خبيراً بالزلازل :
_ علي أن أكون بجانب الكمبيوتر معظم الوقت, ولا أخرج من المكتب إلا في أحيان قليلة. كان أبي يقول دوماً إن هذا لا مناص منه".

مع أنها لا تفهم الناس جيداً, إلا أنها واثقة من أنه كان يحب أباه كثيرا, كان والداه قد غرقا في حادث غرق مركب عندما كان كونراد في العشرين من عمره. لم يكن يتطرق إلي هذا الموضوع البتة, وكانت فرانسيسكا أكثر خجلاً من أن تسأله. فالواضح أن ذلك يؤلمه, وكانت هي, كما تظن, تفتقر إلي اللباقة في التعامل مع مشاعر الناس.

لم يلبث أن اتصل أبوها وقال إن كونراد دعاه للذهاب معه إلي كمبريدج. وأخذه في جولة سارة جداً في المدينة انتهت بعشاء في إحدى الكليات ضيوفاً علي صديق لكونراد.
وقال :
_يا لهم من أناس ممتعين وأذكياء! لقد دعوني للذهاب معهم إلي مسابقة في الشطرنج.
قال أبوها هذا مسروراً :
_ وأنت مدعوة أيضاً, لقد طلب مني أن أدعوك بشكل خاص.

رأت فرانسيسكا أن هذا الشرط من شروطها قد أنجزه كونراد, وخفق قلبها, هل من الممكن أن ترى كونراد علي عتبة الباب وقد أنجز كل شروطها؟ طالباً منها إتمام الخطوبة؟ وخطوبة حقيقية؟
لم يفعل هذا, لكنه عرض عليها أن يحيي أمسية في مكتبتها يحاضر فيها عن كتابه. وعندما جاء, أوضح بأن هذه خدمة خاصة لفرانسيسكا. كانت هي المحاضرة الوحيدة في سبيل دعم كتابه "رماد تذروه الرياح", وقد أخبر كل شخص بذلك.
منتديات ليلاس
جذبت المحاضرة مجموعة ضخمة من الناس, وقام عدة مصورين بالتقاط صور لكونراد وذراعه حول فرانسيسكا. وكانت هناك صورة له بشكل خاص وهو يبتسم لها من فوق رؤوس المعجبين الذين كانوا يطلبون توقيعه علي دفاتر "الأوتوغراف".
رأت فرانسيسكا ذلك فتملكها الشك, ما الفائدة من أن تخبر نفسها بأنهما ليسا علي علاقة حميمة, بينما هناك صور كهذه في كل المجلات الشعبية؟

أرسل إلي المكتبة أزهاراً في اليوم التالي لتلك المحاضرة ومعها بطاقة تقول"تقبلي بعض الأزهار التي لن تضطري إلي رفضها... ويمكننا أن نتحدث عن البقية..".
قالت عندما رأت نظرة جاز الساخرة :
_"فرحة سخيفة ".

ومع ذلك أخذت الورود معها إلي البيت. وهي تضمها مثل دمية عيد الميلاد بيد طفلة, محاولة أن تكبح جماح حافز يدفعها إلي القفز.
ومع ذلك, ذهلت عندما ظهر علي عتبتها تلك الليلة. لكنها ما لبثت أخذت تعنف نفسها. أي امرأة طبيعية تري هذا الأمر قادماً بطبيعة الحال.

وكانت فرانسيسكا بعيدة عن رؤية ذلك الأمر قادماً.
لم يكن هناك تحذير من مكتب حارس المبنى, ولا صوت أزيز التلفون الداخلي من الخارج بل كان مجرد ضغط علي الجرس في الممر.

فتحت فرانسيسكا باب الشقة. متوقعة أن تجد الطارق أحد موظفي الصيانة. كان مظهرها أشعث إلي أقصي حد, وشعرها البني مرفوعاً علي شكل ذيل حصان, ووجهها قذراً متوهجاً من أثر تنظيف البيت. وكانت أيضاً حافية تمسك بمكنسة, ويداها في قفازات مطاطية.

كان ذلك بعيداً عن تلك الأزياء الباريسية أو الثياب الأنيقة التي رآها فيها من قبل.... وبعيداً جداً أيضاً عما تعهدت به لنفسها فقد تعهدت لنفسها أن تفعل ما بوسعها ليراها جميلة رائعة, رائعة إلي حد يعصف به ويجعله يندم علي أنه دعاها يوماً بعديمة الجمال, كانت صممت علي ذلك, لكنها لم تعرف كيف تنفذه.

جمد كونراد مكانه لمظهرها هذا, وارتفع حاجباه بذهول ساخر.
منتديات ليلاس
وصرخت فرانسيسكا نائحة :
_آه, لا.
حاولت أن تخفي المكنسة والقفازات المطاطية وقدميها الحافيتين, بحركة بهلوانية ملتوية. ففشلت وتقدم منها يأخذ المكنسة من يدها ويضعها بعيداً, وهو يقول باستسلام :
_ها قد ذهبت افتتاحيتي.


اماريج 19-04-10 03:59 AM

أجفلت إلي حد توقفت معه جذب قفازيها المطاطيين بعجز, وقالت ذاهلة :"ماذا؟".
فقال :
_"كنت جاهزاً للقول, أرجو أن لا يكون وقتاً غير مناسب."
انفجرت ضاحكة وقد تملكها الارتياح وهي تري نفسها عادت إلي طبيعتها.

كان يبدو بالغ الروعة وكانت عيناه تضحكان. واكتشفت أنهما خضراوان براقتان. كيف ظنت من قبل أنهما بنيتان؟
قال :
_هل هذا تنظيف فصل الربيع الذي تتحدث عنه الإشاعات؟.
_حسناً, لا بد من التخلص من الفوضى بين الوقت والآخر.
كانت تثرثر, وكانت تعلم أنها تثرثر, ولكن كان هناك شيء ما في نظرات هاتين العينين الغريبتين الهازلتين هزها.
قالت فرانسيسكا ببشاشة مصطنعة وهي ما تزال تشد قفازيها دون جدوى :
_يقال أبدأ بإزالة الفوضى من بيتك.. وهكذا فكرت أنا.....لماذا لا؟....آه, ماذا تفعل؟.

كان قد أمسك بمعصميها, فتسارع نبضها علي الفور, وابتسم لها محدقاً في عينيها, فتملكها الدوار مما رأته في عينيه.
قال متهكماً بلطف :
_أنتزع قفازيك ما داما يزعجانك كما يبدو.

نزع القفازين الفظيعين بسهولة, ولكن ببطء جعل ضغط دمها يرتفع.
وسحبت يديها قائلة :" شكراً ".
فالتمعت عيناه الخضراوان :"بكل سرور ".
وأخذت تفكر أنها ليست في السادسة عشرة, وليست خيالية, ولن تسمح لوجهها بأن يحمر خجلاً.
قالت دون لباقة :
_حسناً, ما دمت هنا, فالأفضل أن تدخل."

ثم أغلقت الباب خلفه :
_"اتريد شراباً. ليمونادة؟ كوكتيل؟"
قال بعفوية :
_لا بأس بكوكتيل الفاكهة."
وتبعها إلي المطبخ حيث أخذت تتفقد ما لديها من فاكهة.
قال عندما سكبت كوبين من الفاكهة :
_كنت أرجو أن أقنعك بالخروج معي للعشاء, هل هناك فرصة لذلك؟."
ولم تكن هناك فرصة بالطبع, فقد كان شعرها قذراً وأصابعها سوداء

_"لماذا؟".
كان الرجاء والشك في لهجتها تلك.
قال برباطة جأش :
_لأنني أريد أن تؤخذ لنا صورة أخرى وأنا أقنعك بأن تتزوجينني ".

شهقت فرانسيسكا وهي ترشف الكوكتيل وتلا ذلك لحظات سيئة أخذت تكح فيها.
أخذ يربت علي ظهرهاوعندما فشل هذا, أحضر ماء في فنجان.

حاول أن يظهر العطف ولكن ضحكه أضعف ذلك. سعلت فرانسيسكا وسعلت حتى دمعت عيناها, وقررت أنها تكرهه, وكانت واثقة من أنها لن تتزوجه أبدا أبداً. وعندما استطاعت أخيراً أن تتكلم, قالت :
_لا بأس قبلت دعوتك."
لكن قولها هذا كان أقرب إلي قول "لا" أكثر من أي قول آخر.
منتديات ليلاس

اماريج 19-04-10 04:11 AM

قالت نعم للخروج للعشاء رغم أن معدتها كانت ترفض أي طعام. حتى أنها أخذت "دوش" سريعاً رغم حاجتها إلي حمام ساخن طويل, وكان بإمكانها ذلك علي الأقل لولا شعورها البالغ بوجوده في الشقة.
وحدثت الوجه المتوهج في مرآة الحمام بأنه الآن يجوس بلا شك رفوف الكتب يحلل المواد التي تقرأها. ولكن عندما خرجت, وشعرها ما زال مبتلاً, لم يكن ما سألها عنه ذوقها في القراءة وإنما ربطة العنق الرجالية التي كان يرفعها بيده. لم يكن مبتسماً,وفجأة, عاد لون عينيه عسلياً مرة أخرى.
قال :
_ظننتك قلت أنه أصبح فعل ماضي؟.

اختطفت فرانسيسكا ربطة العنق من يده :
_ولكنني لم أقل قط أنني ربة منزل لائقة أيضاً, أين وجدتها؟.
فأجاب :
_خلف وسادة علي الأريكة.
فقالت :"آه...".

فقد تذكرت كل شيء بوضوح الآن, ليلة طلب منها باري الزواج به.. نزع ربطة عنقه لأنها تضايقه... وعندما رحل بعد ذلك بساعة نسي أن يأخذ معه ربطة عنقه.
سارت إلي المطبخ ودست ربطة العنق في القمامة, ثم استدارت. كان كونراد واقفاً عند العتبة ينظر إليها برزانة. وقفت متمالكة شجاعتها وكأنها تواجه فرقة الإطفاء ورفعت رأسها بتحد :"حسناً؟".

فسألها :"هل آلمك؟".
فهزت كتفيها :
_ليس بشكل دائم.
فقال بانزعاج :
_أما زلت تحبينه؟.
كان أكثر انزعاجاً مما كانت تظن فسألته :
_وبماذا يهمك الأمر؟.

فقال :
_طبعا يهمني. إذا كان قلبك محطماً من أجل باري دي لا توش , فهذا سيسبب تعقيداً في الأمور.
تعقيداً في الأمور؟ هل هذا كل شيء؟ ولكن من الأفضل أن تعرف مسبقاً أسباب عرضه الزواج عليها, كيلا تعود فتتألم مرة أخرى.
فقالت :
_قلبي ليس محطماً.

جاء كونراد إلي المطبخ وأمسك بذقنها بأصابعه ورفع وجهها إليه متفحصاً :
_هل أنت واثقة؟.
فقالت بحدة :
_كل الثقة.... فأنا لست بطلة رومانتيكية وقلبي لم يتحطم, لقد تألم قليلاً إنما ليس بقدر ما تألمت كرامتي.
ضحك لذلك, لكنها بقيت تفاجئه وهو ينظر إليها باهتمام أثناء خروجها من الشقة للعشاء, وبقيت عيناه عسليتين قاتمتين طوال الأمسية.

لا يعني هذا أنه لم يكن مرافقاً ساحراً, لقد أخذها إلي مطعم فخم هادئ, وأغدق عليها الأطعمة الشهية. وابتسمت لحكاياته عن نشأته الغريبة, وعندما أخذ يصف تلاميذ صباح السبت العفاريت عنده, أخذت تضحك بصوت عالِ.
سألته :
_وما الذي يجعل الشخص أن يعلم أطفالاً صغارا عن الزلازل؟.

فهز رأسه :
_ليس الزلازل, وإنما لغة مونتاسورو, تراثنا الثقافي.
فقالت ذاهلة :
_"يا إلهي! لم أعلم أن هناك مكاناً لتعليمها".
فقال :
_حسناً, صباح كل سبت, تتحول كنيسة سانت كاترين إلي قاعدة لمونتاسورو لمدة ثلاث ساعات.

فقالت :
_هذا عظيم, ولماذا يهتم الناس؟.
ساد صمت قصير ثم قال بهدوء:
- اللاجئون ينقذون من تراثهم قدر ما يستطيعون.
شعرت بتعنيف لنفسها, وخفضت بصرها. شعرت بأن عليها أن تعتذر ولم تعرف كيف, ولهذا لم تقل شيئاً, وشعرت بكراهية لنفسها.

قال كونراد بصوت متزن :
_ستجدين أن معظم المهاجرين يقومون بذلك. بعضهم, كجدي, يأملون العودة ذات يوم, والبعض الآخر يريدون فقط من أولادهم أن يحسنوا التحدث بلغة أجدادهم.
جاهدت للتفكير في شيء طبيعي تقوله :
_هل هذا هو السبب في تعليمك إياهم هذه اللغة؟.
_"ليس هذا خياري. فقد ورثت هذا الالتزام."

لم تستطع أن تفهم من لهجته ما إن إذا تقبل هذا بسرور أو باستياء. المرأة العادية الحساسة تفهم هذا عادة, كما تظن.
كان عليها أن ترفس نفسها, أو تبكي, أو تصرخ, ولكن بدلاً من ذلك فعلت ما تفعله دوماً عندما تواجهها عدم كفاءتها, فقد غيرت الموضوع.
منتديات ليلاس
سألته :
_"هل هي سهلة؟ أعني اللغة".
دهش إلي حد الضحك :
_"المونتاسورية؟ بصراحة, هي شيء من ديناصور, ما دمت تسألين. وديناصور هجين خمسون بالمئة منه سلافي , وأربعون بالمئة لاتيني".
_والعشرة بالمئة الباقية؟.
فطوي فمه بمكر :
_"رجل كهف خالص."


اماريج 19-04-10 04:15 AM

وسرعان ما توقفت عن كراهيتها لنفسها, نظرت إلي العينين اللامعتين وفكرت في أن هذا الرجل جذاب بشكل خطير. ومن الممكن أن أغرق في حبه,ولكنني فعلاً غارقة في حبه الآن.

قالت بصوت مرتفع :
_لغة رجل الكهف؟.
_"ربما في هذا بعض المبالغة, لكن الجبال بقيت مسكونة زمناً طويلاً, حتى أنه قيل أن صوراً كانت هناك علي جدران الكهوف, لكنها ضاعت الآن. ليس لديك فكرة عن مقدار التقاليد المتوارثة التي محاها الحكم الشيوعي, خصوصاً في سنواته الأولي. أرادوا أن يجددوا كل السواحل ويجعلوها عصرية, يقول جدي إن ذلك كلفهم روح الجبال.

أجفلت فرانسيسكا من هذه الجملة المأساوية وهتفت :
_روح الجبال؟ آه, أرجوك.
فتنهد :
_"أعلم هذا. وأنا لا يمكنني أن أتصور ذلك لكنه يعتقد ذلك حقاً, والواقع أن الناس يريدونه".

توقف عن الكلام رغم أنه كان بإمكانه أن يستمر وبقي السؤال الذي لم يطرح معلقاً في الهواء.
بقي لها لتنطق به, فقالت ساخرة :
_وتريد مني أن آتي للمساعدة؟.

مال إلي الأمام وقد بدت عليه لهفة المفاجئة :
_هذه هي القصة, سنعقد خطبة حقيقية, كما قلت. لا إدعاء فيها....سنأخذ الأمور كما تجئ.

وفكرت بشكل لا إرادي لو أن.... صدمت لعنف ذلك, ولم يلاحظ كونراد وهو يقول :
_ نذهب إلي حفلة المستشفي الراقصة. نعلن خطبتنا, ثم نتابع حياتنا. لديك عمل, ولدي عمل أنا أسافركثيراًوسأذهب إلي مونتاسورو لمدة شهرهذا الصيف حيث آخذ أول مستشفي متنقل إلي الجبال. ولكن عندما أكون في انجلترا, فسنخرج معاً كأي خطيبين عاديين.

حدقت فرانسيسكا فيه غير مصدقة :
_ كأي خطيبين عاديين؟ ومن تراك تخدع؟ نحن غير عاديين, ونحن لسنا خطيبين.
لم يؤثر فيه كلامها بشئ :
_يمكننا أن نكون كذلك, ثم ليس هناك أي شخص عادي, إذا فكرت في ذلك.

فقالت ساخرة :
_يا لك من ماهر.
تقبل ذلك وكأنه مديح منها :
_كل ما عليك أن تفعليه هو القدوم معي إلي المناسبات الرسمية. وسأدعك تأخذين مواعيد وبعض الملاحظات قبل الوقت.
تمتمت فرانسيسكا :
_هذا عظيم! حفلات مع بعض الملاحظات المختصرة. هل أنت واثق من أن هذا فقط ما علي عمله؟.

_يعود الأمر لك في أي شيء آخر...
لم تشأ أن تتداول معه حول هذا الموضوع, فرفعت ذقنها متحدية وسألته :
_" مثل ماذا؟".
تردد, ثم ارتسمت علي شفتيه ابتسامة غريبة :
_حسناً, أن تدعيني أخطب ودك, طبعاً.

فكادت تقفز عن كرسيها :"ماذا؟".
تلاشت ابتسامته وخفض بصره وعندما رفعه بدا السأم في عينيه :
_"أنت التي قلت إنك لا تريدين خطبة زائفة ".
فقالت متلعثمة :
_لم أكن أعني أني أريدك أن.... أعني ليس عليك أن... حسناً, الفكرة كلها غير عقلانية.

فقال :
_لا, هي ليست كذلك, يمكننا أن نتخذ خطبة زائفة, أو أن أخطب ودك, ليس هناك طريق وسط.
فقالت بحدة :
_يمكنني أن أنسي كل شيء وأعود إلي بيتي.

كانت مستاءة للغاية, لا تدري لماذا.
رفع بصره :
_أيمكنك ذلك؟.
فكرت في صف اللغات صباح يوم السبت, وفي الجد فيليكس الذي يحاول أن يعوض عن هربه من بلاده منذ ستين سنة, وفي رسوم الكهوف الضائعة. وفوق كل شيء, في القرى الجبلية حيث لا عناية طبية وفي الرجل الذي سيسافر إليهم ليأخذ لهم المستشفي المتنقل. وقالت بشيء من الغضب والقنوط :
_"لا ,لا,لا أستطيع ذلك. أظن أن علي أن أقوم بما يتوجب علي. فأنا نصف مونتاسورية علي كل حال."


اماريج 19-04-10 04:21 AM

ساد صمت قصير, وتملكها شعور غريب بأنه يشعر بخيبة الأمل.
لكنه قال بنعومة :
_إذن فقد اتفقنا.
أدركت أنها لا بد أخطأت مرة أخرى!

مشي معها إلي شقتها. كانت السماء صحواً والليل منعشاً والشوارع خالية تقريباً. أمسك بيدها فقفزت وكبحت غريزتها في أن تنزعها من يده... شعرت أنها حمقاء وأنها تحمر من منابت شعرها إلي أخمص قدميها.

حدثت نفسها بعنف بأن تتماسك, وحمدت الله لأن أنوار مصابيح الشارع تسلب كل لون منهما هما الاثنين. فهو, علي الأقل, لن يري لونها القرمزي من الخجل. لكنه يمكنه أن يشعر بتوترها, فلا شيء يخفي ذلك.
قال لها هازلاً, إنما بشيء من التوتر :
_لا تخافي....فأنا لم أقفز علي امرأة في الشارع حتى عندما كنت مراهقاً.

قالت :
_"لست خائفة ".
كان هذا شركا....وكادت تصدق ذلك,لقد حاولت ذلك حقاً, طلبت منه الدخول لتناول القهوة, دعته إلي المطبخ وثرثرت معه وكأنها تعرفه طوال حياتها. أخذت القهوة إلي غرفة الجلوس وتكورت علي الأريكة بعد أن رفست حذاءيها من قدميها, وكأنهما علي علاقة حميمة. لكنها لم تنظر في عينيه, وبقيت بعيدة عنه مسافة.

عند ذلك وقف كونراد يتحدث, وضع كوب القهوة من يده ثم تقدم نحوها إلي الأريكة :
_"فرانسيسكا ".
كانت تتحدث عن جاز ومخططاتها. فسكتت تقول :"نعم؟".
وبلطف بالغ انحنى وأنزل ساقيها علي الأرض ثم جلس علي الأريكة بجانبها :
_"علينا أن نبدأ في مكان ما ".

بدا هادئاً بشكل فظيع,وقالت :"أظن ذلك ".
مد ذراعه علي مسند الأريكة خلفها :
_"هل أنت واثقة من أن قلبك لم يتحطم؟".
حسناً, بإمكانها علي الأقل أن تجيب عن هذا السؤال بصدق. فقالت :
_كل الثقة".

_"وليس لديك علاقة أخرى يجب أن أعرفها؟".
- لا.....لا.
نظر إليها متفحصاً :
_هل تعرضت لصدمة أثناء المراهقة سببت لك عقدة نفسية؟.
ابتلعت ريقها :" لا ".
فابتسم. كان بالقرب منها بحيث شعرت به يبتسم داخل رأسها, وتابع يقول :
_"ولا خوف نفساني من خبراء الزلازل؟ لا ينبغي أن تخافي. أنت تعلمين أننا لا نتسبب بزلازلنا ".

أجفلت لكلامه إلي حد أنها أخذت تضحك, تضحك من قلبها دون خجل أو كبت. تضحك عاليا. وكان هذا مهارة بالغة منه, لأنها كانت تضحك عندما عانقها....
نعم, مهارة بالغة, لكنه علي كل حال, ذو خبرة بالغة. حتى فرانسيسكا, التي كادت مشاعرها تعميها عن كل شيء, أدركت ذلك.
منتديات ليلاس
كان ذلك في الطريقة التي أخذها فيها بين ذراعيه بحزم ولكن دون إرغام, وفي الطريقة التي أمال بها رأسها, وبهذا رفع وجهها ولكن دون ضغط علي عنقها. وفوق كل شيء, كان في الطريقة التي أخذها فيها بين ذراعيه, ما يجعلها تشعر وكأنهما اعتادا القيام بذلك منذ الأزل.
والتفتت إليه وكأنها زهرة دوار الشمس عند الفجر, كان عناقا رقيقاً, وكأنهما يقومان بلعبة يعرفان قواعدها, لكن ذلك الجزء من فرانسيسكا الذي كان قادراً علي التفكير, فكر في أنها لا تلعب, لأن معظم كيانها كان يتجاوب مع شيء هو أكثر عمقاً مما تصورت يوماً.

تمتم يسألها :
_"لماذا تضعين نظارات دوماً؟ العدسات اللاصقة...
أحسن ".
كان قلبها مسروراً وكأنها أصبحت فجأة شهرزاد أو مدام دي بومبادور, وقالت بصعوبة :"شكل عيني...".
همس يقاطعها :
"_عينان رائعتان, بلون حلوى التوفي."

فشهقت :
_"لا أستطيع....".
قال مشجعاً :
_"ما الذي لا تستطيعينه يا فرانسيسكا الرائعة الجمال؟".
فقالت :
_"لا أستطيع... لا أستطيع أن أضع عدسات, ماذا تفعل؟".
وتأوهت. ولم يحاول أن يجيب بل ضحك برقة ونزع عن وجهها نظاراتها.

تخلت حتى عن المقاومة, وطوقت عنقه بذراعيها ثم سلمت نفسها للأحاسيس. ولكنها ما لبثت أن قفزت مصدومة.....
انفتحت عيناها علي اتساعهما.... واسعتين قصيرتي النظر, كان بالغ القرب منها, حتى لم تستطع استجلاء ملامحه, وشعرت فجأة بالضعف وبالبرودة أيضاً.
جاهدت لتبتعد, وتتحسس نظاراتها, ولم يدعها تذهب تماماً.

سألها :"ما هذا؟ ".
_"لا أستطيع أن أراك ".
ووضعت نظاراتها علي عينيها, وإذا بها تراه يبتسم, وكانت ابتسامة انتصار.
قال :"ضميني إذن".

ضمته فشعرت بدقات قلبه بطيئة منتظمة. هل هو انتصار؟
ابتعدت عنه وكأن قربه منها أحرقها بحرارته,
وقالت بذعر :
_"ما الذي أفعله؟ ".
ونظرت إلي كونراد ببطء, لكنه لم ير هذه النظرة وهو يقول ببطء :
_"أتبعي قلبك فقط ".

جاهدت للابتعاد عنه :
_"أرجوك. هذه.... ليست طبيعتي. أنا لا...".
لكن فمه الهازل توتر, ولم يعد هناك هزل, إنما عزيمة عنيدة فقط.
أخذ يعانقها بعنف وأطلقت صرخة صغيرة. صدمة؟ احتجاج؟

وهمس :
_"أخبريني بما تريدين".
جعلتها كلماته تستيقظ بعنف من تصوراتها. وعادت إلي الواقع بارتطام بدد كل شيء, وبشبه صرخة, هتفت به:
_"كفي ".
أجفل مثلها, ورفع رأسه :
_"ماذا حدث؟ ماذا فعلت لك؟ ".

أخذت تضربه علي صدره بيدين بمثل ضعف فراشة
الضوء :
_"لم أفكر قط....لم اقصد قط....أنا لست بهذا الشكل.....آه, دعني أذهب ".
تراجع وكأنها طعنته. ثم قفز واقفاً :
_"ماذا حدث؟".

أدارت رأسها بعيداً عنه :
_"أرفض أن أكون ألعوبة أحد ".
لم يكن قولها هذا قريباً من الحقيقة. لكنه يصلح لحالتها الآن, وساد صمت مؤلم. ثم سمعت صوتاً خفيفاً, فأدركت أنه يهم بالانصراف.

_"تريدين مني أن أذهب إذن؟".
شعرت بفكها ينبض توتراً. فالتفتت إليه.....آه,بدا لها مجروح الكرامة للغاية! وصرخ قلبها بألم...لا.لكن فمها
قال :
_"نعم ".
ثم انغلق بحدة كفخ الجرذان ,تراجع خطوة. ولكن قبل أن يذهب نظر إليها طويلاً ورأت نفسها في عينيه مكومة علي الأريكة وعيناها ذاهلتان غير مركزتين رغم أن نظاراتها موجودة.
منتديات ليلاس

وقالت بذعر حقيقي :"آه, رباه".
وأجفل كونراد, ثم خرج دون كلمة


اماريج 19-04-10 04:24 AM

7-تبكي ايضا....وايضا

لكنهما اتفقا علي الخطة فربطها بذلك, وكانت هي من الكبرياء بحيث لم تتراجع. وحدثت نفسها بأن بإمكانها التصرف في هذا الأمر,رغم إنها, ليلة الحفلة الراقصة, وقفت أمام مرآة حمامها وارتجفت.

رأت نفسها غريبة, كل شيء فيها كان جديداً, ثوب مثير جديد ضيق التفصيل من الساتان,طراز شعر جديد أكثر جرأة مما اعتادت عليه, قرطان جديدان من الياقوت هدية من أبيها, زينة وجه جديدة عمل عليها العاملون في أهم دار للتجميل في لندن, هدية من أمها.

حتى عطرها كان جديداً ومثيراً للغاية فأصابها بالدوار,وهي لن تستعمله إلا في تلك المناسبة, وهو أيضاً كان هدية من الملكة السابقة انجليكا.
لم يظهر علي جدة كونراد سوى التهذيب منذ أخبراها معاً بخبرهما لكنها استمرت تبدو متشككة حتى عندما أمسك كونراد بيد فرانسيسكا.

كل شخص آخر ظن أنه يحبها كثيراً إلا فرانسيسكا. وفرانسيسكا الآن لم تكن واثقة من أن ذلك العطر القوي ما هو إلا ازدراء غامض, فهو مصمم لأجل امرأة غامضة واثقة من ميولها, وليس لبائعة كتب تافهة متعلقة بأمير فاتن صعب المنال.

ولكنه لم يكن صعب المنال إذ يمكنها الحصول عليه علي طبق, وقد أخبرها بذلك. ولكن فقط لأن لديها أباً ثرياً, فهو لم يقع في غرامها من أول نظرة. وهي لن تستطيع أن تحصل علي قلبه.

هذا ما كانت تريده, والأسابيع بين تلك الليلة في شقتها والحفلة الراقصة أوضحت ذلك. كانت متلهفة إلي قلب كونراد كما لم تتلهف إلي شيء آخر في حياتها.

لا انتهاء معارك والديها, ولا البقاء في المدرسة أكثر من سنة في كل مرة, ولا أن يكون لديها أب غير محترم... لا شيء من هذه الرغبات تماثل عنف رغبتها في أن يحبها كونراد ذات يوم. كانت أحياناً تحلم بذلك, فتستيقظ مليئة بالحب والثقة.... وعند ذلك تنظر إلي صورتها في المرآة...آه ....نعم عديمة الجمال قارصةاللسان...كوني واقعية! وها هي ذي واقفة أمام المرآة بثوب متألق, وشفتين متألقتين وأظافر متألقة وفي إذنيها ياقوتتان, كان ينبغي أن تكون كل شيء تحلم به لأجله......من الجمال بحيث لن يستطيع أن يصفها بعدم الجمال بعد ذلك, لولا أنها قط لا تشعر أنها جميلة, كما أنها تشعر بثقل الرصاص في قلبها.

رن تلفون المدخل. منذ تلك الليلة, لم يعد كونراد يفاجئها بظهوره فجأة عند العتبة مرة أخرى. ألقت نظرة ذعر علي مظهرها الأنيق, وابتلعت ريقها بصعوبة, ثم رنت الجرس تدعوه للدخول.

وقفت عند باب الشقة المفتوح. تدق بأصابعها علي طلائه الأبيض, تنتظره, وحالما خرج من المصعد رآها, فوقف جامداً مكانه.
وقال :
_"تبدين..... رائعة ".

لم يبد مسرورا تماماً لهذا, كما كانت تتصور. لم يتراجع شاهقاً بذهول, وهو يتذكر انتقاده الطائش لها, وكانت خيبة الأمل ستتملك فرانسيسكا لو أنها لم تشعر مسبقاً بالذعر وقالت تصحح قوله :
_ "بل أبدو زائفة تماماً ".

وكان صوتها عالياً متوتراً كالطبل. فتقدم إليها يمسك بأصابعها المرتجفة يهدئها وهو يسألها :
_"ما الذي لا يعجبك؟ ".
تركته يمسك يديها, شاعرة بالارتياح :
_"لا ينفك كل شخص عن إعطائي نصائح ".
ضحك :
_"يفعلون دوماً ذلك. ذلك جزء من الطبيعة البشرية ".
منتديات ليلاس
قالت :
_"يخبرونني دوماً كيف أفعل أشياء لم أكن أعلم أنني بحاجة إلي التفكير فيها, مثل الركوع والنزول من السيارة, وشكل الدخول إلي قاعة الرقص. أمي تقول,أجعلي رأسك مرفوعا,جاز تقول أجعلي عينيك في أعين المصورين, وجدتك تقول لا تنظري إلي المصورين, ولا أدري ما أفعل وياليتني لم أدخل هذا الأمر! ".


اماريج 19-04-10 04:27 AM

أمسك بذراعها قائلاً :
_"أبقي معي يا طفلتي, وسأجعلك تجتازين كل هذا ".
رأت نفسها تصدقه. وبدأ ذعرها يتبدد, وعندما وصلا إلي الفندق الفخم حيث قاعة الرقص, بدأت الكاميرات تعمل حالما أخرجت قدمها العالية الكعب من سيارة الليموزين المستأجرة لهذه المناسبة.

بذلت فرانسيسكا جهدها كيلا تجفل وتخفي عينيها من وهج كاميرات التصوير, وكيلا تعبس. وهمس كونراد في إذنها :
_"تمسكي بي فأنا أعرف كيف أتعامل مع هذا ".

وضع ذراعه حولها, ثم صعدا معاً الدرجات المنخفضة وهو يوزع ابتساماته علي الكاميرات حوله,وتصاعدت الأصوات-انظري إلي هذه الناحية, يا عزيزتي-امنحينا ابتسامة-من صنع ثوبك؟.
رفع يده يطلب منهم السكوت فهمدت الأصوات.
قال :
_"أشكركم لاهتمامكم بشأننا, لكننا, أنا والآنسة هيلير, هنا الليلة, لمناصرة تمويل مستشفيات مونتاسورو. هذه هي القصة الحقيقية, وهذا ما نحن ملتزمين به حقاً. أليس كذلك يا حبيبتي؟ ".

ونظر في عينيها باسماً,أحب المصورون ذلك, وهذا طبيعي, أنها الصورة التي كانوا يحاولون الحصول عليها منذ أدركوا فرانسيسكا هاربة من الأمير كونراد والدموع علي خديها, ووجدت فرانسيسكا نفسها متكئة علي كونراد.
وإذا به يستدير نحو المصورين الذين كانوا يصيحون طالبين قبلة ويهز رأسه باسماً :
_"آسف يا شباب, هذا عمل يلزمه انفراد تام ".
تبع ذلك صياح بالموافقة, واشتدت ذراع كونراد حول فرانسيسكا ثم همس في أذنها :
_" ابتسامة سعيدة أخيرة لما حولك ثم نخرج من هنا......".

لم يكن عليهما أن يضعا حداً لذلك. فقد كان مستخدمو الفندق متدربين تماما علي ذلك, هذا إلي أن سيارة ليموزين أخرى كانت تقف خلفهما, وهكذا هربا إلي قاعة الرقص بشكل حسن.
قال كونراد :
_"عمل جيد. لا أحد كان سيفعل ذلك بشكل أفضل. أبقي معي تصبحين أميرة رائعة ".

ضحكت فرانسيسكا, لكنها كانت ضحكة جوفاء,لم يكن لديها وقت للشعور بعدم الكفاءة لذلك, علي كل حال, إذ سرعان ما كانت تركع للملكة السابقة أنجليكا. كانت قد تدربت علي الركوع, ولكن ما يزال عليها أن تركز انتباهها, وعندما نهضت وجدت الملكة السابقة تلبس قفازين طويلين أبيضين, وبدت أظافر فرانسيسكا الحمراء وقحة بالمقارنة.
وتمتمت :
_"يا لها من غلطة ".
لكن كونراد تابع نظرتها ثم ضحك :
_"زينة أصابعك؟ أنسي ذلك. جدتي سيخضر لونها حسداً, فهي, منذ عرفتها, لا تنفك عن قضم أظافرها ".

ثم جرها معه في القاعة. وبين الاستماع للناس الذين كانوا متلهفين للفت انتباه كونراد إليهم, وبين التحدث إلي أناس لم تعرفهم قط من قبل, نسيت شكوكها. لم يسمح لها الوقت بالشعور بأنها زائفة, وعندما جلسا إلي رأس المائدة. كانت تشعر بأنها أمضت نصف حياتها صديقة لكونراد. كان شعبياً بشكل ملحوظ, وليس فقط من النساء ذوات العيون الملتهبة, كما كانت تخاف.

قالت امرأة فضية الشعر جالسة أمامهما وهي تميل إلي الأمام تفضي إليها :
_"يا له من فتى حبيب! ما أحسن أن نراه وقد نسي سيلفيا أخيراً ".
قطب الرجل الجالس إلي يسار فرانسيسكا وقال :
_"كونراد رجل حسن, وممتاز في تسجيل الاهتزازات الأرضية. سمعت أنه سيلقي محاضرة في مؤتمر المهندسين الدولي في الخريف ".
فسألت فرانسيسكا :
_"ومن هي سيلفيا؟ ".
فقال جارها لا يريد أن يتخلى عن موضوعه:
_"ومن الشرف الكبير لمن ليس مهندساً, أن يطلبوا إليه ذلك ".

فنظرت إلي المرأة فضية الشعر :
_"سيلفيا؟ ".
فتنهدت المرأة :
_"اه يا عزيزتي. أظنهم لا يتحدثون عنها, هذا ما كانت الأسرة تدعو زوجته علي الدوام, زوجته السابقة الآن, طبعا, الأميرة "ماري إلينا",لكن أمه كان أسمها إلينا أيضاً وبعد أن قتلت مع أبيه لم يشأ أحد أن يتذكر ذلك. وهكذا نادوها دوماً باسم سيلفيا".
جمدت فرانسيسكا في مكانها. وقالت بعد فترة بدت لها ساعات طويلة :
_"آه, زوجته السابقة طبعاً ".

كيف لم تعلم بذلك؟ كيف لم يخبرها أحد بذلك؟ لا أبوها ولا أمها. وفوق كل شيء, كيف لم يخبرها به كونراد؟ وشعرت وكأن الثلج يغمرها من كل الجهات,جلست تستمع إلي الخطب الرسمية, مخدرة الجسم,وعندما أعلن فيليكس أن وقت الرقص قد حان, صفقت كالبقية, وفمها متيبس من الابتسام.

جاء كونراد في الحال, ومد يده إليها باسماً, وقد بدت عيناه خضراوان,آه, كان واثقاً منها للغاية, كما رأت فرانسيسكا, وكان هذا شرخاً صغيراً في الثلج الذي يغمرها, وكانت تعلم أنها, إذا ذاب الجليد, ستثور غضباً, ربما من الأفضل أن لا يذوب الجليد إلا بعد أن يخرجا من هنا إلي مكان منفرد حيث يمكنها قول كل شيء.
منتديات ليلاس

اماريج 19-04-10 04:31 AM

أخذها بين ذراعيه ودار بها في قاعة الرقص, ولا بد أنه أحس بالتوتر في ظهرها, لأنه سألها قائلاً :
_"ماذا حدث؟ ".
لم تزايلها ابتسامتها :"لا شيء ".
فسألها :
_"هل قال أحد شيئاً يكدرك؟ :"
يكدرها؟ يا الله! وأجابت :"لا".

فعاد يسألها :
_"ألم يقل لك أحد شيئا قذراً عن أبيك؟ ".
كان أبواها هنا الليلة, جالسين جنباً إلي جنب رغم الجفوة بينهما.
وقالت :
_"لم يذكر أحد أبي ".

فتنفس الصعداء :
_"حسناً إذن. فلنمرح ونبتهج ".
قالت فرانسيسكا :
_"متى ستخبرني عن زوجتك؟ ".
قال :
_"ما الذي تتحدثين عنه؟".

أجابت :
_"سيلفيا, أليس هذا اسمها؟ متى ستأتي علي ذكرها؟".
فقال بفروغ صبر :"آه, سيلفيا
قالت وهي تعجب لفروغ صبره :
_"نعم, زوجتك."
_" بل زوجتي السابقة ".

_"ما أكثر السوابق في أسرتك. الملك السابق... الملكة السابقة.... الزوجة السابقة..... أنتم لا تعرفون كيف تتمسكون بالأشياء.
بدا عليه الارتباك :
_"هذه ليست لباقة ".

وافقته بغضب :
_"لا. ليست لباقة ".
ومنحته ابتسامة مشرقة غاضبة. فقال :
_"وهذا ليس من صفاتك ".

_"آه, بل هي كذلك. فأنا تلك التي تحب أن تكون أمورها واضحة. هل نسيت؟ وهكذا, أوضح لي أمر سيلفيا. متى, وأين, ولماذا؟ وكم دام الزواج؟
نظر حوله بضيق وقد فارقه هدوءه :
_"لا يمكننا أن نتحدث في هذا المكان عن ذلك ".
فقالت بحدة :
"_فلنذهب إذن إلي مكان يمكننا التحدث فيه".
_"لا بأس إذن ".

_"لا بأس".
وتبادلا النظرات كمتبارزين, ثم خرج بها من باحة الرقص. وهبطا السلالم ومن ثم إلي الشارع, وكان ذلك من المدخل الخلفي للفندق, وسألهما الناطور عما إذا كان يريدان التاكسي.
أجابه كونراد باقتضاب :"لا ".

وأمسك بيدها وركض معها إلي أسفل التلة عابراً الطريق إلي جدار رصاصي اللون. وكان نهر التايمز يعكس النجوم والأنوار المتألقة.
نظرت فرانسيسكا إلي المياه السوداء المتحركة, وشعرت وكأنها علي حافة هاوية, واستدارت, وكانت كتفاها العاريتان تلمعان في أنوار الشارع.

وقالت :
_" أخبرني بالحقيقة, يا كونراد".
ارتد إليها واتكأ إلي حائط النهر. كان نسيم الربيع يحرك شعره, وبدا غير واع لذلك. داعبت خياشيمها هبة من عطرة سرعان ما تبددت كالنسيم, وقال بملل :
_"ظننت أن الجميع يعلمون ".

_"ليس أنا ".
_"ولماذا لا؟ أنت تعرفين كل شيء ".
وتمالك نفسه وتابع يقول بهدوء :
_"كنا صغيرين جداً, وكانت هي مناسبة ".
أجفلت فرانسيسكا خفية. ومنعت نفسها من أن تقول(أكثر مني ).

وتابع يقول :
_"كان أبوها وزير داخلية جدي فيليكس الملك السابق في المنفي, ولنا نفس جدة جدة جدة الجدة, وكانت تعلم ما هو منتظر وراء قرابتنا هذه ".
كان من الكآبة بحيث شعرت فرانسيسكا بالعطف عليه. سألته :" لماذا تزوجتها؟ ".
منتديات ليلاس
_أصبحت ولياً للعهد فجأة, فقد كان والداي قد غرقا.... أنت تعلمين عن هذا, أليس كذلك؟ كنت لا أزال في الجامعة. ولكن, فجأة, أصبحت شريداً دون وطن. نعم. كان فيليكس وأنجليكا ذكيين, فأنشآ منزلاً هو بين مركز اللاجئين والبلاط الملكي, لم يكن هذا منزلاً عائلياً. وكنت في العشرين, وبدأ فيليكس يتحدث عن ورثة. وفكرت أنا ....في أن الأولاد سينشئون لي بيتاً مرة أخري. وكنت غبياً. ولكن, في العشرين, يري الفتي ما يريد أن يراه.


اماريج 19-04-10 04:37 AM

كان هذا أسوأ مما كانت تتوقع وتمتمت :
_" الأولاد؟ ".
_"آه, لا تقلقي. لم ترد سيلفيا أولاداً ".

قال هذا بوحشية ثم سكت فجأة, وتخلل شعره بيده :
_"آه, وما الفائدة؟ ربما كانت علي حق. فأنا كنت أصغر من أن أصلح للأبوة. وكنت أيضاً متزمتاً كثيراً ".

لم تستطع فرانسيسكا أن تتصور أن هذا الرجل كان يوماً متزمتاً, لكنها رأت أن هذا ليس بالوقت المناسب للحديث عن ذلك. سألته :
_"وماذا حدث بعد ذلك؟ ".
قال بخشونة :
_"اتخذت لنفسها رجلاً آخر".

اقتربت فرانسيسكا منه تضع يدها علي كتفه. وعندما أمسك بيدها بشدة كاد معها يحطم أصابعها, لم تنطق بكلمة.
لم ينظر إليها, بل قال للنهر :
_"أنا عاشق ماهر...يمكنني أن أكون عاشقاً ممتازاً أحياناً, لكنني زوج فظيع ".

فأمسكت أنفاسها,التفت إليها دون أن يترك يدها لكنه أيضاً لم يلمسها. ثم قال بصوت متهدج :
_"تزوجيني. تزوجيني الآن! ".
ذهل كونراد. رباه ليس هذا ما كان مفروضاً أن يحصل....ليس هذا ما قرره علي الإطلاق. كان يعلم بالضبط إلي أين كان سيأخذها, لقد استأجر جداه جناحاً في الفندق لقضاء الليلة, وفي الجناح حجرة جلوس مترفة ملأها بالورود مع الخاتم التراثي الذي غير حجمه ليناسب أصبع فرانسيكا, لقد وعدها بخطبة حقيقية, وطلب يد تقليدي.

وكان يريد أن تتذكر الوقت الذي طلب فيها يدها, بينما هي تقول :"هل جننت؟ ".

كان يريدها.... أن تتذكر موسيقي وأزهاراً وشموعاً, وليس هذا. وليس وهي غاضبة مجروحة الكرامة, ترتجف بجانبه من البرد وليس من المشاعر التي يوقضها فيها بعناقه. انتصب واقفاً جامعاً شتات نفسه بجهد. كان متلهفاً إلي عناقها,وكان هذا يسبب له ألماً جسدياً, لكنه سيكون أسوأ غلطة يقترفها,وترك يديها, وقال بهدوء :
_"آسف, أنسي أنني قلت هذا ".

منحته إحدى ابتساماتها المتألقة وكان قد تعلم أن يخاف هذه الابتسامات :
_"لا أدري. إنه أمر لا ينسي ".
فقال :"فرانسيسكا ".
_"هذا ما كنت تريده, أليس كذلك؟ أليس هذا ما هو مفروض أن تفعله خطبتك لي؟ أن تمنحني شيئا للذكري؟
رآها غاضبة ولم يعرف لماذا.
_"نعم,لكنني كنت أرجو أن تمتعي نفسك الليلة,ما الخطأ في ذلك؟".

قالت وأسنانها تصطك :
_"الخطبة هي أكثر من مجرد إمتاع للنفس ".
كان سيناقش هذا الأمر معها لولا شعوره بالقلق فقد أخذت ترتجف.
قال نادماً :
_"أنت بردت,ما كان علي أن أحضرك إلي هنا أبداً ".

وخلع سترته السوداء ووضعها علي كتفيها. فقفزت, وصدر عنها صوت انزعاج خفيف. ففكر بضجر :
_" آه. لا. أي خطأ سيحدث أكثر من هذا؟".
لكنه قال بهدوء :"هيا بنا ندخل ".

قالت متعلقة بذراعه :
_"لا,سأكون علي ما يرام,دعنا تتمشي ".
حدق إليها محاولاً أن يفلح في قراءة التعبير البادي علي وجهها, لكن في وهج ضوء مصباح الشارع الغريب, لم ير سوى خط توتر شفتيها وشعر بارتعاشها المستمر. من الطبيعي أن يتعرضا, هما الاثنين, للبرد بقدر الغضب أو... أجفل لهذه الفكرة: لجرح الكرامة.
وضع ذراعه حولها يشدها إليه :
_"لا بأس, سنتمشى قليلاً, إذا شئت, ولكن حالما تشعرين بقدميك باردتين, ندخل إلي الفندق صح؟ ".

فقالت :"صح ".
وأطلقت ضحكة مرتجفة ثم جرت طرفي سترته حول عنقها, وكان الشارعان الرئيسان خاليين تقريباً, ولم يكن علي الرصيف سواهما, ولم تكن فرانسيسكا تنظر, فقد كانت مطأطئة رأسها. ثم قالت :
_"والآن, أخبرني لماذا تحطم زواجك؟ ".

_"لقد أخبرتك....".
فنظرت إليه بعينين ملتهبتين أم لعل ذلك من تأثير ضوء الشارع علي زجاج نظاراتها؟
وقالت :
_"لا يمكن أن يكون السبب تزمتك ورغبتك في ولد ".
قال بمزيج من الغيظ والقلق :
_"آه, يا لهذا الذهن المدقق! ".
وخطر له فجأة أنها علي شفا البكاءفاشتدت ذراعه حولها, لم يكن يحتمل أن يري فتاته فرانسيسكا تبكي وهي المحاربة القوية. هذا ليس عدلاً.

وقال بصدق :
_"لا,كان الأمر أكثر من هذا بكثير, لكن الأساس هو أننا كنا صغيرين جداً ولم أكن أفهم ما تريده ".

وقفت فرانسيسكا, ووقف بدوره ورددت هي كلمته :
_"ما تريده؟ ".
قال برزانة :
_"أن تكون أميرة, أن تذهب إلي موناكو تريد ثيابها من عمل مصمم خاص, وحياة راقية. أرادت أن تكون شخصية مشهورة. لم تشأ أن تكون متزوجة من خبير زلازل لا يذهب إلا أماكن الزلازل).

وسكت لحظة انتهي بعدها إلي القول:
_"لم تكن تريدني ".
اتسعت عيناها خلف نظاراتها :
_"ولكن ألم تخبرها...؟".

_"لا, لا, لم أخبرها بشيء, لم أفكر في أنني بحاجة إلي ذلك. فقد كانت أسرتها تعرفني طوال حياتي, وظننتها تعرف كيف ستكون حياتها معي ".
بدا ضجراً حتى لنفسه. كان يظن أن كل هذا انتهي فما الذي يجعله ما زال مجروحا من ذلك؟ وما فائدة نبش هذه الأمور القديمة المخيبة للآمال, الآن؟
أخذت تتفحص وجهه :
_"قلت أنك كنت زوجاً سيئاً ".
منتديات ليلاس
وتلعثمت فاشتدت ذراعه حولها :
_"ولكن كنت عاشقاً جيداً فهل لهذا تركتك؟ ".
_"أتعنين أنني كنت غير مخلص, لا "



زهاري 19-04-10 09:02 PM

الله يعطيك العافية

ننتظر التكمله

اماريج 20-04-10 04:55 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهاري (المشاركة 2271031)
الله يعطيك العافية

ننتظر التكمله


زهاري الله يعافيك حبيبتي
وشكرا لمتابعتك
نورررررررررررررتي ياعسل
تحيااااااااتي لك

اماريج 20-04-10 04:59 AM

وسكت قليلاً ثم أضاف بصدق:
_ قلت أنني متزوج بمهنتي أكثر مما كنت متزوجا بها وأنا أعترف أنني كنت مرتبطاً بعملي جداً. فقد كنت مثلاً استغرق في عملي في المختبر بحيث أنسي أننا خارجان للعشاء في المطعم. كانت تقول أنني أفضل أن أتحدث إلي خبراء زلازل آخرين علي أن أتحدث إليها .
استوعبت فرانسيسكا ذلك. وأخيراً قالت:
_وهل كانت صادقة؟.

شعر بشيء من الضيق, وكان قد تعهد لنفسه بأن لا يعيد نبش هذا الموضوع التعس مرة أخرى, وقال :
_"ما هذا؟ استنطاق؟ ".
عادت تقول :
_"هل كانت صادقة؟ ".
فتنهد ساخطاً :
_"رباه! نعم كانت صادقة. سبق أن أخبرتك.... بأنني كنت صغيراً علي الزواج ".
_ولماذا تزوجت إذن؟

ما زال صوتها جامداً دون مشاعر وكأنها وكيل قضائي صغير السن يقوم بالإجراءات القانونية, أو قاضي.
وقطب جبينه :هل هي قاض؟ ولم يجب.
_"كنت تحبها, أليس كذلك؟".
_"أنا...".
فقاطعته :
_"كنت صغيراً. وكنت قد فقدت والديك, وكانت هرموناتك في أوج تفاعلها ".

كانت نائية بعيدة كالقمر, وكانت ذراعه حولها. احتضنها بشدة شعر معها كل نفس تتنفسه, ومع ذلك كان يشعر أنه لا يستطيع الوصول إليها, وأنه لن يستطيع الوصول إليها مرة أخرى.
قالت بذلك الصوت الفضي :
_"كنت تحبها طبعاً ".
كان بينهما ذلك الشيء الذي لم تقله وهو بثقل الرصاص (بينما أنت لا تحبني). التوى قلبه في صدره. لقد جرح هذه المرأة إلي حد كبير.
وقال دون وعي :
_"أواه , يا فرانسيسكا ".

_"لا بأس. أردت فقط أن أعلم ".
لكنها ابتعدت عن دفء ذراعه :
_"علينا أن نعود الآن فلدينا خطوبة نعلنها ".
تملك كونراد الذعر لما فعل, وقال بعنف :
_"لا. هذا غير ممكنا إذا كنت تعيسة ".
التفتت إليه جامدة الوجه, وهذه المرة كانت الابتسامة عبوساً وقالت بأدب :
_"آه, لا, ولماذا أكون تعيسة؟ أنا أقوم بواجبي نحو مونتاسورو, وأنشر صورة خاتم خطبتي في كل الصحف الشعبية في نفس الوقت. وهو شيء تزهو به أي فتاة ".

تملكته صدمه. ما الذي فعله؟ ماذا فعل بها؟
_لسنا مضطرين لإعلان أي شيء الليلة, نحن غير ملتزمين.
أحكمت السترة حولها, وقالت بعناد :
_"بل نحن كذلك. فهذا سيضع تمويل مستشفيات مونتاسورو علي الصفحة الأولي من كل صحيفة في البلاد. دعنا ننهي الأمر".
وارتجفت متشنجة :
_"أرجوك ".
منتديات ليلاس
ماذا يمكنه أن يفعل؟ وهكذا عاد معها إلي قاعة الرقص.
شعرت فرانسيسكا وكأنها في كابوس, بطانة سترته علي كتفيها منحتها شعوراً بالدفء ذكرها بشعورها عندما عانقها علي أريكتها.
أتراها ظنت أنه سيحبها؟ أتراها ظنت ذلك حقاً؟ يا لها من فتاة مثيرة للشفقة!
كان هذا زواجاً تقليدياً للمصلحة وقد شرح تماماً من البداية. حتى إنها كانت هي نفسها البادئة, حين أخبرت أباها إنها تريد التعرف علي الأمير كونراد دوميتيو.

آه, لقد ساهمت في تحطيم نفسها بنفسها, ولا يمكنها أن تلوم أحداً سواها.... عدة لقاءات, عشرات من الاتصالات التلفونية المداعبة, وإذا بها تقع في الحب رأساً علي عقب.

لا يمكنها أن تلوم كونراد, فقد حدثها بالحقيقة منذ اللحظة التي عرف من تكون, لم يحاول قط أن يدعي أنه يحبها, لم يشأ أن يحطم قلبها. حتى الآن, يحاول هذا الرجل أن يحررها من وعدها.
فلماذا لا تغتنم الفرصة وتهرب كالمجنونة؟ وجرحها الجواب....
لأنني أحبه, وأنا من الغباء بحيث أظن أنني, إذا بقيت معه, فقد يحبني يوماً ما.

نعم. هذا صحيح, وإلا ماذا؟ لأنني أحبه وهو يحتاجني.
وما زالت تسمع ذلك الصوت المتهدج في أذنيها :"تزوجيني!"إنه عرض زواج من رجل, علي حافة الانهيار, ويمد يديه متوسلاً.


اماريج 20-04-10 05:04 AM

ومن هنا كان جوابها, إنه يحتاجها.
حدثت نفسها عابسة, وهي تنظر في مرآة غرفة استراحة السيدات الفاخرة, بأن هذه سخافة, وأن كلامها غير صحيح, فهي لا تحبه. لكنها أمسكت بياقة سترته وأخذت تتشمم رائحته,
لم يسبق أن فعلت ذلك لأي من ملابس باري أو أي من الرجال الآخرين الذين كانت تخرج معهم. فهذا الرجل غير عاديا, ويبدو أنه قدرها.
كان خاتم الخطبة ياقوتة كبيرة مربعة محاطة بالماس وبدا كبيراً علي أصبع فرانسيسكا الصغيرة, لكنه بدا متألقاً بجانب تألق قماش ثوبها, والقرطين المتدليين, هدية أبيها الفاخرة لها,اللذين صمما خاصة ليتلاءما مع الخاتم.

كان مخبرو الصحف مغتبطين, وكذلك الأسرة المالكة ورجال البلاط الذين عرفوا كونراد وهو طفل
استمرت فرانسيسكا تبتسم حتى آلمها فكها, أما كونراد الذي عادت سترته إليه, فلم يفارقها. وكان يتجنب الكثير من الأسئلة, ولكن, بالطبع, كان هناك الكثير منها عليها أن تجيب عليها بنفسها
جاءت إلينا جدته, وكان قفازاها ما يزالان ناصعين, وعيناها باردتين. لم تكونا عدائيتين, وإنما حياديتين منتظرتين.
كانت هنا للحكم علي عروس ابنها التي اختارها, وسألتها الملكة السابقة من دون تمهيد :
_"هل ستذهبين معه إلي مونتاسورو؟ ".

أجفلت فرانسيسكا :
_"حسنا, نعم, بالتأكيد في النهاية ".
قالت الملكة :
_"أعني عندما يأخذ المستشفي المتنقل إلي هناك ".
قالت فرانسيسكا :
_"لم نناقش هذا الأمر بعد...".
قالت الملكة السابقة :"ناقشاه إذن ".
تحركت فرانسيسكا بضيق :
_"شكراً لنصيحتك, ولكن...".

_"كونراد مثل جده, صادق وذكي ومجد في العمل والنوم معه كالأحلام.
شهقت فرانسيسكا واحمر وجهها. وتنهدت الملكة السابقة :
_"المفروض أن يكون جيلكم منطلقاً علي سجيته, ولكن إذا كان فيه عيب, فهو تركيزه علي هدف واحد. هذا ما لم تفهمه سيلفيا. تركته يلاحق أماكن الزلازل دون أن تدرك أن هذا يعني أنه ينسي كل شيء عنها طوال شهور كل مرة ".

".أتظنين أنه سينساني عندما يذهب إلي مونتاسورو؟ ".

_"أطن أن أمام كونراد تجربة جيدة للغاية , إنه يتضايق من العلاقات الحميمة وإظهار الألفة ".
أخذت فرانسيسكا تفكر في سترته حولها, وفي صوته المتهدج وهو يقول"تزوجيني!".
ونظرت إلي حيث كان يقف, كان ظهره إليها, حاني الرأس وهو يستمع إلي رجل أعمال. وعندما شعر بعينيها عليه, نظر إليها وابتسم, والتوى فمها دون وعي منها.....ألا يقوم كونراد بحركات أليفة؟

وأجابتها :"أحقاً؟ ".
فرفعت الجدة حاجباها :
_".قد يكون تغير. فلا تدعي ذلك يثنيك عن التقرب منه ".
_"أحقاً؟ ولماذا؟ ".
_"الأسابيع الأولي من أي خطبة, تكون عادة متأزمة عندما يكون الفريقان سلبيين, وبجانب ذلك..."
وبان الدهاء في عينيها :
_"ألا تريدين أن تذهبي معه؟ إنه طويل أسمر وسيم وكله لك, ألا تريدين أن تري ما يحدث؟ ".

وانحنت بطريقة ملكية ثم تركتها.
بقيت فرانسيسكا خرساء, وعندما عاد كونراد إلي جانبها رآها كذلك.
فسألها باهتمام :"ما الأمر؟ ".
_"إنها جدتك.....
تابع نظراتها وهو يقول بسرعة :
_"ما الذي فعلته جدتي الآن؟ ".

أجابت بغضب :
_"قالت لي, تقريباً, أن أتقرب منك بطريقة حميمة قبل أن
ترحل ".
منتديات ليلاس
قهقه ضاحكاً, وعندما استطاع أن يتكلم, قال:
_"لا بد أنك أسأت الفهم. إن جدتي عضو في جمعية"البكارة قبل الزواج".
_"لا.... إنها ليست كذلك. طلبت مني الذهاب معك إلي مونتاسورو و....".
فقال مداعباً :
_"ونتغازل في كل خطوة من الطريق؟ ".
- نعم...أنا....

ثم أدركت ما كانت الملكة السابقة تقوله. إذا كانت تؤمن بالبكارة قبل الزواج, فهي تعني (نامي معه ولكن لا تتزوجيه! لا تفسدي حياة حفيدي)لكن فرانسيسكا تريد أن يحبها.
كل تلك الثقة الجميلة الذهبية تلاشت في ثانية واحدة, وتملكها الارتباك. وشعرت فرانسيسكا بأعضائها ثقيلة كالرصاص.
وابتسمت له متوترة :
_"آسفة. شعرت بإرهاق مفاجئ, متى يمكننا.... أعني يمكنني أن أعود إلي البيت؟ ".

_"يمكننا أن نذهب حين تشائين ".
_"لست مضطراً لتأخذي إلي بيتي بنفسك ".
أمسك بيدها وقال بهدوء :
_"بل سأفعل ".
كانت رسالة الجدةواضحة تماماً : ستستمتعين بوقت رائع. لكنه لن يدعك تتقربين إليه, ولن يحبك.
وكان ذلك ما قاله هو نفسه, عاشق ممتاز, وزوج فظيع.
وهي تريده زوجاً....زوجاً يحبها ويرغب فيها. حاولت أن تقول شيئاً....أن تخبره بشعورها.
وطبعاً, رآها كونراد تتراجع علي الفور, فقال بملل, تاركا يديها :
_"أريحي نفسك, لست مضطرة إلي أن تحاربيني. سآخذك إلي البيت ثم أتركك ".

فقالت :"أنا...".
_"أليس هذا ما تريدينه؟
لم يكن هذا ما تريده. قالت مستوحشة :"نعم".
_"فلنذهب إذن ".
تركها عند باب شقتها, دون أن يعانقها حتى عندما ذهب, وأمضت ليلتها, لأول مرة في حياتها, دون نوم.
علي أن أقوم بشيء ما في هذا السبيل, حدثت نفسها بذلك وهي تجلس في مطبخها, منتفخة الأجفان, في الساعة الخامسة والنصف صباحاً.

كيف سأخبره بأنني اقترفت غلطة؟ لقد بدا مجروحاً تماماً, كان ذلك حين تذكرت بقية رسالة جدته لها, ربما كان هناك شيء ما في تلك النصيحة.
وفي ذلك الصباح بالذات, حالما وجدت الوقت مناسباً, اتصلت برقم تلفون كونراد في كمبريدج, وتركت له رسالة. وكانت قد راجعتها وراجعتها إلي أن حفظتها تماماً, كانت تعني العالم بالنسبة إليها.
(أول مرة تقابلنا فيها قلت أن بإمكانك أن تتخذ في فريقك عضواً دقيقاً في حساباته مثلي. حسناً, ها هي ذي فرصتك قد أقبلت..... أريد أن أذهب معك إلي مونتاسورو ).
منتديات ليلاس
............نهاية الفصل السابع............

اماريج 20-04-10 05:08 AM

8-اميرة حكايات الجن

انطلقا بعد ذلك بستة أسابيع. استطاع الوكلاء أن يجهزوا ثلاثة باصات بمواد الإسعاف الأولي الأساسية وعلاج الطوارئ, ومستشفي متنقلاً. لم تكن فرانسيسكا تحمل رخصة لقيادة أي منها. بعكس كونراد الذي قال لها :
_"عليك أن تكوني أنت قارئة الخريطة".

قال ذلك بتلك الطريقة الساحرة الهادئة التي أخذ يستعملها معها منذ ليلة الحفلة تلك, وكانت طريقة ودوداً. مع أن أبقتها بعيدة عنه. فقد عاملها بالضبط كما يعامل أي شخص في فريقه هذا.
وكانت جاز قد قالت لها مواسية وهي تساعدها علي حزم
أمتعتها :
_"لا تقلقي. إنه يحميك حقاً. فالصحافة ما زالت في أثركما, لا أظنك تريدين صوراً لكما متعانقين في كل الصحف الشعبية. أليس كذلك؟ ".
منتديات ليلاس
قالت فرانسيسيكا بارتياب :
_"هل هذا ما تظنينه؟ لا أشعر بأنه يفعل هذا لحمايتي. بل أظنه, بكل بساطة, يدفعني عنه بعيداً ".
قالت جاز :
_"فليكن لك قلب. لدي الرجل قافلة سيجتاز بها نصف القارة, ثم يصعد بها في أكثر الطرق الجبلية وعورة وفظاعة في أوروبا وربما ذهنه مركز علي هذا الأمر أكثر من أي شيء آخر ".

عضت فرانسيسكا شفتها :
_"نعم, طبعاً ".
_"اصبري عليه حالياً حتى يسلم مواد المستشفي, وبعد ذلك يتحول إلي دور أمير العشاق(كازانوفا )."
فقالت ولكن دون اقتناع :"نعم ".
والواقع أنها كانت تفقد اقتناعها, ولو لم تبذل جاز جهدها في تنسيق الأمور لتراجعت فرانسيسكا ربما عن وعدها. لكن جاز وجدت روائية ناشئة تحل مكان فرانسيسكا مؤقتاً في المكتبة أثناء رحلتها. وبجانب ذلك,
كان كونراد قد أنذر كل شخص بأن يسافر خفيفاً, وكانت فرانسيسكا قد عملت بنصيحة جاز, الخبيرة بحقائب الظهر فإذا النتيجة كانت معجزة في توفير المساحة بشكل رائع.

وقالت جاز باستمتاع :
_"أغسلي ما تستطيعين كلما وجدت فرصة لذلك ولا تضيفي شيئاً إلي الحقيبة إلا بعد أن تتخلصي من شيء فيها أولاً ".

وقبل أن تذهب قدمت لها أمها اللايدي ثوباً طويلاً أسود.
وقالت جاز :
_"هذا ينفعك لأي شيء حتى لحضور عشاء رسمي, اشتري بعض المجوهرات من هناك لتلبسيها معه, وهكذا تساعدين الاقتصاد الوطني وتبدين وكأنك تبذلين مجهوداً في سبيل ذلك ".
أما والدها فقد أهداها سكيناً من النوع الذي يستعمله الجيش السويسري, وقائمة بأسماء أشخاص نافعين يمكنها الاتصال بهم.

أما الملك السابق فيليكس فقد قدم لها كتاب جمل باللغة المونتاسورية, ومباركته. وبدا كأن صوته أختنق وهو يقول ذلك. كما أعطتها زوجته نصيحة هي :"لا يمكنك, وأنت تذهبين في هذه الرحلة الاستكشافية, أن تتصرفي وكأنك إنسان عادي مجهول, لأن أعين الناس ستكون عليك ".

فقالت فرانسيسكا وقد أتعبها عداء المرأة
لها :
_" حسناً, إنها عيناك أنت, علي كل حال ".
قالت الجدة :
_"كونراد حفيدي وأنا أريد أن يكون سعيدا ".
غضبت فرانسيسكا :
_"أتظنينني لا أريد ذلك؟ ".
ضمت الملكة السابقة شفتيها :"سنري ".

ولكن عندما خرجت فرانسيسكا, سمحت الملكة السابقة لنفسها بابتسامة لا تليق بالملوك. وهكذا التحقت فرانسيسكا بالقافلة.
عاملها كونراد كواحد من الفتيان. طوال الطريق عبر أوروبا, رأته كما لم تره من قبل قط. كانت العجلات تنفجرقام بتبدلها بنفسه. يتشاجر السائق مع دليل القافلة, فيقنعهما بإقامة هدنة بينهما.

ثم دخلوا مونتاسورو, فكان الأمر أسوأ, الطرقات مسدودة, فكان عليه أن يجد طريقه حولها. مناظر البراري الرائعة لم تتناسب تماماً مع خريطتهم. أخذ كونراد يجول في الحقول مفتشاً عن دليل محلي, وطوال الوقت كان كفؤاً واسع الحيلة.....دبلوماسياً وهادئاً للغاية.

بدأت فرانسيسكا تري ما اشتبهت فيه من قبل وهو أن كونراد رجل جاد للغاية. فامتلأ قلبها زهواً أما عقلها فكان يسألها في الوقت نفسه ألم تفكري بعد لماذا يهتم رجل كهذا بامرأة لم تستقر في عمل قط أكثر من ستة أشهر؟
وكان الجواب واضحاً, طبعا, فهي ابنة أغني رجل في مونتاسورو

وفي نفس الوقت, اتبعت نصيحة جاز حرفياً حتى إنها ظفرت من كونراد بثناء مختصر قائلاً :
_"كنت أعلم أنك ستكونين نافعة ".
كان ذلك وهما يستعدان لتناول العشاء علي مائدة خشبية خارج فندق في قرية في الجبال, ذات ليلة.

فقالت فرانسيسكا :
_"نافعة.....آه, إنه مديح حقيقي ".
التمعت عيناه :
_"ليس لديك فكرة عن مبلغ ما أنت عليه من صواب ".


اماريج 20-04-10 05:13 AM

قالت مازحة:
_"نافعة وعلي صواب؟ سيتورم رأسي ".
لامس خدها, أنها أول مرة يضع يده عليها منذ ليلة الحفلة. وقال برقة زائدة :
_"ليس أنت من يحصل له ذلك ".

ووقفت جامدة. ولكن جاء من يستدعيه ليعطي قراره لرجلين كانا يتأملان الخريطة.
هزت رأسها وذهبت لتجلس مستندة إلي جدار المبني ذي الطابق الواحد. حدثت نفسها بأن تصبر علي ذلك, فالرجل هو قائد حملة معقدة. وفي كل مكان كانوا بحاجة إلي إرشاداته, واتصالاتهما يبعضهما البعض لن تكون أكثر من كلمات سريعة مبتورة إلي أن يسلموا هذه الشاحنات.

رفعت وجهها تنظر إلي النجوم. كانت متألقة قريبة بشكل محير في أجواء الجبال العالية. ما أجمل أن يكون كونراد معها ينظر مثلها إلي تلك النجوم! أن تكون نافعة هو شيء حسن, وأن تجعله يعترف بأنها علي صواب أحياناً,
هو شيء حسن, لكن فرانسيسكا لا تستطيع أن تمنع نفسها من أن تتمني لو تبهره.....ولو قليلاً!ما لبثت أن حدثت نفسها بأن تكون واقعية. إنها فتاة تملك مفتاحاً للعلاقات العامة وللكثير من المتبرعين الأغنياء,
إنه يكن لك إعزازاً وتقديراً أيضاً, وهذا أكثر كثيراً مما يتمتع به معظم الناس.....لكنني أريده أن يحبني!هذا في أحلامك فقط.
نهضت فرانسيسكا واقفة, وشغلت نفسها عن هذه الأفكار إلي أن كادت تنهار إرهاقاً.

وأخيراً وصلوا إلي أكبر مدينة في الجبال حيث سيقام المستشفي, لم تكن أكثر من قرية كبيرة ذات سوق مربع ومجموعة من المنازل حوله. جاء لاستقبالهما طبيبان محليان, فأفسح لهما الرجال الطريق. وكانا في منتهي اللهفة للحصول علي المعدات الجديدة.

لم تكد تبرد محركات الشاحنات حتى كانا يقومان بعملية الزائدة الدودية لصبي. هذا ما كتبه كونراد في تسجيله للأحداث اليومية.
كان يجلس تحت مظلة في أحد المقاهي الثلاثة القائمة في الشارع الواسع المشجر. وقرأت فرانسيسكا ما يكتب من فوق كتفه. فسألته وهي تجلس :
_"هل تحتفظ دوماً بمذكرات يومية؟ ".

فرفع بصره إليها :
_"لا. في الرحلات فقط ".
وأطبق الدفتر ودفعه عنه بعيداً.
_"كان هذا في الأساس نافعاً في تنظيم الأحداث, فالواحد منا لا يتذكر دوماً تتابع الأحداث بدقة وما لبثت أن أخذت بالكتابة عن انطباعاتي الخاصة, عن القليل منها فقط للتسلية.
استند إلي الخلف في كرسيه. كان يبدو كسولا سمرته الشمس, وجذاباً للغاية.

ذكرت فرانسيسكا نفسها بأنها لن تسمح بأن ينشغل بالها إلا بعد انتهاء الرحلة, فسألته بصوت حاولت أن تجعله مؤدباً :
_"هل هكذا كان كتابك عن البركان؟ ".
- نعم. لقد جاء كله من دفتر المذكرات لكنني وضعت التعليقات فقط تحت الصور.

أومأت :
_"وعندما قلت إنك ألفته لأجل المال؟ ".
نظر إلي الشاحنة التي تجر المستشفي عبر السوق, وأجاب :
_"اشتريت بالمبلغ الذي دفع لي مقدماً, جهاز التصوير بالأشعة المتنقل. وهو يبقي للتذكر بأن الأسرة المالكة يمكنها أن تقدم شيئاً ".
منتديات ليلاس
_"هل ذهب كل شيء لتمويل المستشفي؟ فهمت ".
فهز رأسه :
_"أنا لا أهتم بالمال في الحقيقة فأنت فهمت الأمر خطأ. لم أهتم بذلك قط. وإنما أحب القيام بالأشياء ".
استوعبت فرانسيسكا ذلك, ثم قالت :
_"نعم. يمكنني أن أري ذلك. ولكن لأجل مونتاسورو... ".
فقال :
_" سأقوم بالكثير لأجل بلادي. لكنني لن أضع نفسي في المزاد العلني ".

تذكرت فرانسيسكا حين قال لجدته"لا أريد أن أقدم نفسي قرباناً بشرياً ".
ربما يريدها لأكثر من إرثها واتصالاتها العملية, ولكن ما الذي سيجعلها تعرف الحقيقة؟ فتأملت وجهه, فقابل نظراتها بهدوء. عضت شفتها وقالت :
_"لا تريد ذلك؟ لكن ماذا عن ترشيح جدك نفسه للانتخابات؟ إنك ستفعل الكثير لأجل جدك, أليس كذلك؟ ".

مال علي المنضدة ووضع إصبعه علي فمها.
_"لماذا تعضين شفتك؟ ستتقرح ".
قفزت فرانسيسكا وقلبها يخفق بعنف, وشعرت وكأنها استحالت حجراً. وعندما انفرجت شفتاها, تغيرت عينا كونراد وبدا فيهما العزم, فمال نحوها وقد تسارعت أنفاسه.
منتديات ليلاس
وإذا بصوت من الساحة, فتمتم غاضباً :
_"تباً لذلك ".
برزت مجموعة رجال من خلف المنعطف. رجال في بذلات, وكاميرات تصوير, ورجل يسير إلي الخلف حاملاً, مع شخص أمامه, شيئاً غامضاً فوق الرؤوس. وقال كونراد بسأم :
_"التلفزيون. كنت أتساءل متى يبدأ السياسيون بالعمل ".



اماريج 20-04-10 05:16 AM

ووقف وعيناه علي المجموعة وهي تتقدم.
نظرت إليه فرانسيسكا. لم تكن تفكر في ستر ما يبدو علي وجهها من تعبير. إن نظر إليها فسيري قلبها في عينيها, وسيري فيهما كل شيء.....ارتباكها ولهفتها إليه ورجاءها العنيف, وعدم تصديقها.
نظر إليها قائلاً :
_"آسف. أنا مضطر إلي....".

جمد في مكانه :"فرانسيسكا! ".
أجفلت :"ماذا؟ ".
قال بصوت متهدج :
_"لا تنظري إلي بهذا الشكل ".

ودار حول المنضدة بحيث حجبها جسمه عن الشارع. لم يعانقها, وإنما لامس وجنتها بحنان. ثم لمس ذقنها, وكأنما يقوم بنوع من الطقوس الدينية الرقيقة. وضغطت هي شفتيها علي ظهر يده بقبلة خاطفة.
خاطفة لكنها حقيقية. هما الاثنين أدركا ذلك, وتأوه, وقال بضحكة منفعلة :
_"تمسكي بهذا الشعور ".

كان القادمون الجدد قد جاءوا بطائرة هليكوبتر مع حاشية ضخمة. ألقي السياسيون أحاديث, لكن الصحافة كانت مهتمة بكونراد ولي العهد. أحدقوا به بأسئلتهم وتعليقاتهم وطلباتهم. ثم أرادوا أن يروا فرانسيسكا

السياسيون عانقوها والموظفون الرسميون طلبوا نصيحتها, ورجال البلاد المحترمون طلبوا دعمها للمؤسسات الخيرية. الأمهات وضعن أطفالهن بين ذراعيها, والبنات الصغيرات قدمن لها باقات الزهر وهن راكعات. واستمر ذلك أياماً

وبما أنها كانت نافعة جداً للفريق, أصبحت أشبه بالجنية التي يضعونها علي قمة شجرة عيد الميلاد, كما قالت خفية لكونراد, وقد جعلها هذا تشعر بالضيق

قالت له بكآبة :
_"قالت لي جاز أنني سأمضي وقتي بين الأطفال وباقات الزهور لكنني لم أصدقها. لكنها كانت علي صواب, أليس كذلك؟ ".
قال ضاحكاً :
_"عملك ممتاز ".
_"لكنني أحب جداً أن أذهب معك إلي القرية في باص الإسعافات الأولية ".
منتديات ليلاس
قال بدهشة :
_"أتحبين ذلك؟ ".

كانا يتمشيان خارج الجدران العتيقة عند مغيب الشمس. كان الحر طوال النهار يضغط عليهما, وكانت فرانسيسكا تلجأ إلي ظلال البيوت كلما استطاعت. أما كونراد فكان يذهب إلي القرية مع فريق الإسعاف الأولي.
لأول مرة منذ أيام هما وحدهما.
قال لفرانسيسكا وهما يتوقفان لينظرا إلي المنظر الرائع :
_"علينا أن نذهب إلي حفلة استقبال كبري في (فيلناغراد), لقد وعدتهم بجلسة هناك يلقون فيها ما يريدون من أسئلة ويأخذون ما يشاءون من الصور. وهكذا سيتركوننا, هذين اليومين القادمين, وشأننا, وفي هذه الأثناء نسلم آخر باص للإسعاف الأولي ".

لم يعجبها ذلك, وقالت بقلق :
_"هل سيكون ذلك مؤتمراً صحفياً كبيراً؟ ".
احتضنها قائلاً :
_"لا تقلقي علي هذا ".
قالت مستسلمة بهزل :
_"أعرف هذا. سألتصق بك وستبقي أنت معي إلي النهاية صحيح؟ "ز
فقبل قمة رأسها :
_"علي الدوام ".

شعرت بالدفء :
_"كونراد هل أنت واثق؟ ".
فقال بعدم اهتمام :
_"إذا كنت أستطيع التعامل مع فيليكس, يمكنني التعامل مع مجموعة من كتاب المواضيع التافهة ".
صدقته فرانسيسكا, وتمتمت بمكر :
_"ما أجمل أن أكون بين يدي خبير! ".
اشتدت ذراعه حولها :
_"الأفضل أن تصدقي ذلك ".

وضعت يدها علي كتفه. لكنها عادت تتمتم :
_"حذار. قد تكون عقدت هدنة مع الصحافيين, إنما هناك صبي يتسلق ذلك المرتفع, وفي أي لحظة سيندفع نحونا بباقة زهر أو دفتر اوتوغراف ".
توقف كونراد ونظر إليها وقال بفظاظة :
_"تباً لكل الأولاد ".
عانقها بقوة, فتنهدت مستسلمة باستمتاع, غابت الشمس وراء الأفق, مرسلة أشعتها ذات اللون المشمشي المحترق, محيلة الوادي إلي ذهب.

وصل الصبي, كما تنبأت, كان في حوالي الثامنة, وكان يحمل بيده كاميرا رخيصة.
رفع كونراد رأسه مكرهاً, ثم قال شيئاً باللغة المونتاسورية بحدة. هز الصبي كتفيه ولم يتزحزح من مكانه.
سألته فرانسيسكا :
_"ماذا قلت له؟ ".
_"قلت له أما كان ينبغي أن يكون نائماً الآن؟".
وإذا الصبي المتسكع قادر علي التحدث بالانجليزية كما يبدو, إذ قال :
_"أريد صورة, وسأدفع لكم فيها ثمنها جيداً جداً ".


اماريج 20-04-10 05:23 AM

مضت لحظة ظنت فيها فرانسيسكا أن كونراد سينفجر, ثم جلس علي صخرة, ووضع رأسه بين يديه وأخذ يضحك ويضحك حتى دمعت عيناه.
لم تستطع فرانسيسكا أن تمنع نفسها من القول للصبي المتسكع :
_"خذ له صورة الآن وسأشتري منك الفيلم كله ".
وفي النهاية أستعمل الصبي الفيلم بأكمله في تصوير ولي العهد وهو يطارد حبيبته.


وقالت للصبي وهي لا تتمالك نفسها من الضحك :
_"أحضر لي الصور غداً إلي(تافيرنا سان سيمون) فستستحق هذه أي ثمن ".
لكن الصبي تأخر. وباص الإسعاف الأولي تحرك باكراً, وهكذا لم تستلم الصور قبل ذهابهم في آخر رحلة للتسليم.
كانت السحب المحيطة بالجبال في الليلة الماضية نذير شؤم فقد هبت العاصفة قبل أن يقطعا نصف الطريق إلي القرية العالية. وأغرقت الأمطار الطريق

كانت فرانسيسكا مع آخرين, في سيارة جيب. وكانوا قد تأخروا إلي الخلف كي يفسحوا للباص الثقيل حرية التحرك. ولا بد أنه كان بينهم ربع ميل حين رأوا الباص ينزلق في الطريق.
وإذ كانت تجلس قرب السائق في الجيب,
فقد كانت أول من رأي ذلك, فصرخت بالرغم عنها, ورأت كونراد يكافح بالعجلة الضخمة بينما أخذ الباص ينزلق ثم يثب كسفينة في بحر هائج

أوقف سائقها سيارته, ثم أخذوا ينظرون عاجزين عن القيام بأي شيء.شبكت يديها لكي تمنعهما من الارتجاف. وحدثت نفسها بأن بإمكانه أن يحمي نفسه, فإذا استسلمت للرعب فلن تفعل سوى تحويل انتباهه

وما لبث الباص أن أخذ يتوقف بشكل خطر قريباً من هوة عميقة. وما إن توقف عن الاهتزاز, حتى اندفعت فرانسيسكا من سيارة الجيب وركضت صاعدة المنحدر, كانت واثقة تقريباً من أن واحدة علي الأقل من عجلات الباص علي الحافة

كانت الحصى تقرقع ناحية الجبل, وقد زحزحها من مكانها انهمار المطر. ولن يطول الوقت قبل أن تتبع الصخور الحصى...بهذا أخذت فرانسيسكا تفكر وقد تندت راحتاها بالعرق رعباً

انفتح باب الباص البعيد عن الرصيف. ونزل الطبيب والممرضة والموظف الذين مع كونراد, نزلوا بحذر إلي الطريق. ثم انضمت إليهم فرانسيسكا. وقال الطبيب :
_"سيحاول أن يجعل الباص يقفز إلي الخلف من الطريق. أما نحن فسنحاول تثبيته بسرعة بشيء ما... ماذا لديكم في الصندوق الخلفي؟ ".

ولحسن الحظ كان هناك قطع من الحبال المستعملة في الصناعة...أخذوا جميعاً يعملون بسرعة, فربطوا الباص إلي أشجار عتيقة تاركين الحبال غير مشدود جيداً لكي تشتد حين يتحرك الباص, ووصل الطبيب أطول حبل بصخرة هناك حول الانحناء. وجاءت فرانسيسكا بوسائد مقاعد الباص الجديدة فوضعتها بين الحبل والصخرة كيلا تنشر الحبل فتقطعه. وعادوا يجتمعون أمام الباص مرة أخرى

قال الطبيب مناديا :
_"ماذا لو قطرنا الجيب بالباص ليجره؟ ".
قال كونراد :
_"لا أريد أن أجازف ".
دفعت فرانسيسكا شعرها المبتل عن عينيها وقالت عابسة :
_"بل جازف, وسأسوق أنا الجيب ".
قال كونراد :" فرانسيسكا! لا ".

نظرت إليه. كانت تقطر ماء, وشعرها ملتصق برأسها. لم تهتم, ربما هذه آخر فرصة لها. عليها أن تخبره, واضطرت إلي أن تصيح :"أنا أحبك ".
نفضت شعرها المتكتل إلي الخلف, ورفعت ذقنها بعزم :
_"ولن أدعك تسقط من فوق هذا الجبل اللعين ما دام بإمكاني
ذلك ".
منتديات ليلاس
نظر إليها كونراد لحظة طويلة. قابلت عينيه مباشرة بينما المطر يصفع زجاج نظاراتها ثم يسيل علي وجنتيها, ودون اهتمام بالآخرين, أشارت إليه بشفتيها قائلة بصمت : "احبك ".
رأته يتقبل ذلك بترحيب, ثم أخذ يضحك, يضحك فحيرها... إنه يحبني.... وأنزاح من قلبها ثقلا كبيرا. ونادي يجيبها :
_"لا بأس. عند الإشارة, يا دكتور ".

بدا وكأنه تلميذ. وكأنه يستمتع بهذه المعركة مع عناصر الطبيعة.
ركضت عائدة إلي السيارة الجيب. تفحصت الآلات غير المألوفة لديها, بلحظة, وفجأة, وببرودة الثلج, أخذت تستوعب كل التفاصيل بسرعة ودقة. ربما لأنها تعلم أن هذه فرصتها الوحيدة. وربما لأنها دقيقة بطبعها إلي حد ممل...
أدارت المحرك, وأشارت بيدها من النافذة إلي الطبيب بأنها جاهزة. كانت مركزة مشاعرها علي الطبيب, منتظرة إشارتها له بالتحرك.


اماريج 20-04-10 05:26 AM

وإذا بكونراد يدير محرك الباص. فسقطت يد الطبيب, وأدار كونراد عجلة القيادة بجهد بالغ فقذفت فرانسيسكا بالجيب في الاتجاه المعاكس. شعرت بالباص ينجذب فزادت إعطاء البنزين بحذر, ليس الوقت مناسباً للاندفاع بذعر طلباً للنجاة

وتصاعد صرير هائل للمعدن وأخذ كونراد يصارع عجلة القيادة.
تصاعد صوت انسحاق ثم تمايل الباص عائداً إلي الطريق. وبدأت سرعة الجيب تزداد فخففت فرانسيسكا البنزين علي الفور. ثم أوقفت الجيب وسط الطريق بهدوء

جلست فيه تتنفس بصعوبة. كل الخطر الذي محته من ذهنها عاد فاكتسحها, وأخذت ترتجف قفز كونراد من الباص, وعاد إليها راكضاً, وفي ثوان جعل المطر قميصه شفافاً, ولم يبد عليه أنه لاحظ ذلك. فقد فتح الباب بعنف, هاتفاً :
_"فرانسيسكا.....حبيبتي....حبيبتي ".

جذبها من السيارة إلي ما بين ذراعيه وعانقها بوحشية تقريباً :
_"أنت بخير, يا إلهي, أنت بخير! الحمد لله لأنك بخير ".
قال هذا وهو يعانقها بلهفة وكانت ذراعاه تضغطان عليها فكادتا تمنعانها من التنفس لكنها لم تهتم.
كان عناقها له بمثل عناقه لها تشنجاً, قالت تعنفه :
_"إياك أن تفعل ذلك مرة أخرى ".

ثم أخذت تنشج باكية. فهتف بها :
_"لا, لا يا حبيبتي, لا تبكي, لا شيء يستوجب البكاء, أنت بخير, أنا بخير, والباص اللعين بخير. وسنكون جميعاً بأحسن حال ".
لكن الدموع استمرت تتدفق.
نظر حوله عاجزاً :
_"ليس لدي ما أمسح به دموعك ".

اختنقت فرانسيسكا بالضحك بالرغم عنها. وقالت :
_"في هذا المطر؟ من يمكنه أن يجفف شيئاً؟ ".
تمالكت نفسها بشكل ملحوظ. فنظر إليها بحذر. وسألها :
_"هل أنت بخير؟ علينا أن نتابع سيرنا كما تعلمين ".
أومأت :
_"نعم, أنا بأحسن حال. دعنا ننتهي من تسليم ذلك الباص ".
وعندما عادت تجلس في الجيب بجانب السائق, لم تلحظ دموعها التي جفت علي خديها, وهي تفكر في أنه يحبها, محدثة نفسها ما بين الخجل والسعادة: إنه حقاً حقاً, يحبني.

أكملوا بقية الرحلة ببطء شديد. حتى بعد أن هدأ الرعد وتوقف المطر, بقيت الطرق لزجة.
لم تهتم فرانسيسكا. فقد نجوا, وكونراد يحبها. والمشاهد المتألقة بعد أن غسلها المطر هي أجمل من كل ما رأته في حياتها. ولم تشعر قط من قبل بمثل هذه السعادة.
في القرية القائمة في قمة الجبل, جاء الجميع لتحيتهما, وكان احتفالاً كبيراً. كانت هناك فرقة موسيقية صغيرة وكثير من الرايات. وحتى مكان وقوف الباص الأولي كان مخططاً بخطوط خضراء وذهبية.

قالت :
_"أريد مكاناً أغير فيه ملابسي, وبسرعة ".
أومأ السائق وقاد الجيب حول منعطف إلي منزل من طابق واحد ذي سطح صيني الطراز. وقال :"الكنيسة ".
نزلت فرانسيسكا من السيارة واتجهت إلي الباب وحقيبتها علي كتفها. لم يكن هناك كاهن, وإنما امرأة أخذتها إلي غرفة صغيرة فيها مرحاض ومرآة مكسورة.

استغرق منها ارتداء الثوب الأسود وتمشيط شعرها وتنظيف وجهها ويديها, ست دقائق. أخيراً سحبت نفساً عميقاً, ورسمت علي وجهها ما ظنته ابتسامة الأميرة. ثم خرجت لتلتقي الفرقة الموسيقية.
رآها كونراد حالما جاءت من خلف الزاوية وأدركت أنه كان يفتش بعينيه عنها في ساحة القرية, فعم الدفء قلبها فذهبت إليه.
اشتبكت أيديهما دون أن يحول أي منهما عينيه عن عيني الآخر, كان ذلك أشبه بالمغناطيس. لقد عثر الواحد منهما علي الآخر لأن ذلك كان لا مناص منه. وابتسم في عينيها وقال :
_"تبدين رائعة ".
منتديات ليلاس
قالت برزانة :
_"شكراً. وأنت أيضاً ".
وكان هذا صحيحاً أيضاً, فالقميص الرطب قد أبرز عضلاته التي كانت البذلة تخفيها عادة.
قالت :
_"لا بد أن الأخطار تلاؤمك ".
اشتدت أصابع يده علي يدها خفية :"أنت تلائمينني ".


اماريج 20-04-10 05:31 AM

احمر وجهها وشعرت بالبهجة والتسلية. في هذا الوقت التقط لهما شخص ما صورة فوتوغرافية, وعزفت الفرقة النشيد الوطني. تأبط ذراعها ومن ثم بدأ الاحتفال بالترحيب بهما.استغرق هذا وقتاً طويلاً فكل شخص أراد أن يلقي كلمة, وبعضها كانت طويلة مملة,
فهمت أنهم شاكرون لهذه المساعدة الطبية, شاكرون الانتباه العالمي لهم, مسرورون بولي العهد كونراد وأصدقائه. وتصاعد تصفيق طويل,
وجاءت فتاة صغيرة بباقة زهر وشرائط في شعرها, فكادت تسقط عن المنبر الخشبي المهتز لولا أن كونراد قبض من الخلف علي ثوب الطفلة المطرز الذي ترتديه, بينما ركعت فرانسيسكا علي ركبة واحدة تأخذ منها الباقة

عند ذلك رأت أصابع الطفلة, كان هناك من أعطاها شوكولا, يا للمصيبة! كان الثوب ناصع البياض ذا تطريز يدوي رائع الإتقان, كان واضحاً أنه من صنع أم محبة أو جدة, وهو الآن معرض للاتساخ

تملك فرانسيسكا الاهتمام, ودون تفكير, أمسكت بمعصم الطفلة, ثم أخرجت واحدة من فوط الأطفال مسحت بها الشوكولاتة عن يد الصغيرة,وقفت الصغيرة جامدة تنظر إلي العملية باهتمام خفيف لكن كلمة "آههه" تصاعدت من المجموعة الصغيرة في صوت واحد

أجفلت فرانسيسكا. ثم ابتسمت وهي تمد يدها لتأخذ باقة الأزهار.
لكن الطفلة قررت ألا تعطيها الباقة, وبدأ شجار صغير, وإذا بثلاثة أشخاص يظهرون إلي جانب المنبر, يهمسون للطفلة بإرشادات تخلت الطفلة بعدها مكرهة عن الزهور. جادلت لحظة, ثم نظرت إلي مشيريها بتردد, ثم إذا بها تطبع قبلة خاطفة علي وجنة فرانسيسكا المجفلة

وكادت قرانسيسكا تفقد توازنها من الدهشة. وهمس لها الأشخاص الثلاثة بالمونتاسورية "_لا, بل أركعي".
قال كونراد بسرعة :
_"لا تدعوها تفعل ذلك, فسترتبك ".

وبسرعة الصقر, حمل الفتاة الصغيرة, ورفعها بين يديه ليناولها إلي أسرتها المنتظرة. كانت القبلة التي منحته إياها أكثر حماساً بكثير لاحظت فرانسيسكا.
وتصاعد الضحك مع بعض التصفيق.
قال كونراد ضاحكاً في عينيها :
_"ما كان لك أن تكوني جميلة إلي هذا الحد يا أميرة حكايات الجن ".

ولكن كان في صوته أكثر من الضحك....كان فيه طلب خفي....يقول فيه: تعالي معي. تعالي معي إلي ما وراء الأفق....إلي مشاعر لا يمكن تصورها, وقبل يدها.
أنا في الفردوس, والليلة في حفلة الرقص التي أقيمت لعيد ميلاده سيعلم مبلغ حبي له. وسأعرف ماذا أعني له!
عندما ذهبا إلي مدينة الجبل الصغيرة لكي يحضرا أمتعتهما , قال كونراد :
_"هناك حفلة استقبال لنا في (فيلناغراد)الليلة, وعلينا أن
نذهب ".
منتديات ليلاس
قال ذلك بعد أن تحدث إلي بعض الرجال في التلفون الخلوي.
كانت فرانسيسكا, حينذاك, مستعدة لأن تذهب معه إلي نهاية العالم. ولكن لغتها المونتاسورية البدائية خذلتها وهكذا أمضي كونراد الليل في اجتماع خاص. علي الأقل هذا ما افترضته.
بقيت جالسة وقتاً طويلاً تنتظره,
وكانت قد تمكنت من الحصول علي الصور التي التقطهما لهما الصبي الليلة الماضية. وهكذا أخرجت مصباحاً إلي شرفتها وأخذت تتصفحها.كونراد يضحك. كونراد يطاردها. كونراد يرشقها بالعشب.كونراد يحب؟
كانت واثقة من ذلك من الطريقة التي نظر إليها فيها في طريق الجبل

ولكن عندما بزغ القمر وهمدت الضجة في المدينة البعيدة أولاً ثم صوت صراصير الأجمات ثانياً, أخذت ثقتها بذلك تتناقص شيئاً فشيئاً

وفي اليوم الثاني, رغم أن كونراد ابتسم لها عبر قاعة الاستقبال, لم يأت إلي جانبها. كان مرتدياً بذلته مرة أخرى ويحيط به رجال يحملون تليفونات خلوية. وابتسمت له,
ولكن كان في داخلها شيء من الصقيع. تمسكت بثقتها بما حدث في ذلك الطريق المغرق بالمياه أثناء العاصفة الرعدية. لكن الأمر أصبح أسوأ, فهو مشغول, لأنه يمهد الطريق لعودة جده فيليكس إلي انتخابات الرئاسة

ثم سأل إن كان بإمكانه القدوم لرؤيتها, كان نهاية يوم برنامج عمل حافل, وكانت قد رأت المتحف الوطني, قابلت موظفين من وزارة الثقافة وزارت مدرسة حديثة, رأت عرضاً رياضياً, وجالت في أنحاء كروم عنب, وأرهقها استحسان وتقدير أشياء لا تعني لها شيئاً, وآلمتها قدماها

لكنها قفزت حالما انفتح الباب, وقلبها في عينيها.
دخل كونراد ومنحها قبلة سريعة علي خدها ثم قال بسرعة :"لن أتأخر ".
كان قد أحضر لوح الكتابة الخاص به. أتراه يضع قائمة بالأمور التي سيناقشها معها؟ وتابع يقول :
_"يريدون منا أن نتحدث إلي الصحافة. هل نقيم الزواج هنا؟ هل هذا يناسبك؟ ".
فهتفت ذاهلة :
_"ماذا؟ ".
فقال :
_"إنهم يريدون استعراضاً جيداً يعرض حول العالم, ويعطي صورة جيدة وينفع في السياحة ".

فجأة, شعرت بالصقيع في قلبها يكبر ويعظم. وقالت له بهدوء :
_"هل هذا ما تريده؟ ".
قال غائب الذهن تقريباً :
_"دخل الدولة بحاجة إليه. إنه يشجع الخدمات ".
امتد الصقيع إلي مكان ما خلف عينيها, وتساءلت عما إذا كانت ستستطيع إغماضهما مرة أخرى. وقالت بألم :
_"كونراد. لا نستطيع أن نتزوج لمجرد تشجيع اقتصاد البلاد ".
لم يبد عليه أنه فهم :
_"طبعاً لا. لكنهم سيرحبون بنا حقاً ".

_"علينا أن نتحدث عن ذلك....
_"وهم يريدون أن يعلموا ما إذا كنا سنعيش هنا. وقد قلت لهم لا. فنحن الاثنين إنسانان عاملان. ولا تستطيع البلاد أن تطيق ملوكاً لا يعملون. لكننا سننشئ بيتاً هنا, وسأعلم فترة في السنة في الجامعة, أترين هذا معقولاً؟".
بدا مشغولاً جداً, وعملياً للغاية, ومنطقياً تماماً. إنه يحول حياتهما الخاصة إلي بنود علي التقويم الوطني, فلم يلاحظ حتى أنهما فقدا القدرة علي لمس بعضهما البعض.

قالت ببساطة :
_"لقد أخبرتني جدتك بأنك جاف غير ودود ".
رفع بصره عن قائمته :"ماذا؟ ".
_"لا تشغل بالك, تجاوز عن ذلك ".
ونظر إلي ساعته :
_"والآن, بالنسبة إلي مهنتك... ".
منتديات ليلاس
قاطعته ساخرة :
_"أنا لست مؤهلة للتدريس في الجامعة ".
فضحك :
_"ربما هذا صحيح, ولكن بإمكانك أن تديري روضة أطفال, كما بدا من الدور الذي مثلته أمس ".


اماريج 20-04-10 05:36 AM

آلمها ذلك إلي حد بقيت لحظة لا تستطيع أن تتكلم. وعندما استطاعت, قالت :
_"آه, إنني أمثل جيداً أمام الكاميرا ".
قطب جبينه :
_"آسف, لم أفهم؟ ".

نهضت إلي درج فتحته وأخرجت الصور التي التقطها الصبي, قائلة :
_"ربما عليك أن تعرض هذه, فهي تنفع في إعطاء صورة. ألا تظن ذلك؟ فكر فيما سيفعل هذا للدخل الوطني ".
أخذ كونراد يتصفح الصور :
_"فهمت ما تعنينه ".
بدأت فرانسيسكا ترتجف, وقالت بمرارة :
_"آه, أنا نافعة حقاً ".

مر علي جبينه بيده :
_"إذا كانت لديك وجهة نظر, فاعرضيها يا فرانسيسكا. ليس لدي وقت لحل الألغاز ".
صعد غضبها فجأة إلي الذروة :
_"عندما قلت إنني سأتزوجك, لم أكن أدري أنني وافقت علي الارتباط ببرنامج عمل وعقد مؤتمر معك مرتين أسبوعيا, أريد الخروج من هذا الاتفاق ".
هتف :"ماذا؟ ".

لو هددت بالوثوب من النافذة لما كان أقل ذهولاً.وتمنت لو يأخذها بين ذراعيه. لكنها قالت :
_"هذا ليس زواجاً, يا كونراد. هذا عمل في العلاقات
الاجتماعية ".
ارتجف :
_"إنه زواج بالنسبة إلي ".
آلمها ذلك حتى تمنت الموت :
_"آسفة يا كونراد! أنا لست المرأة المناسبة لهذه الوظيفة ".
فقال بلهفة :
_"بل أنت كذلك, أنت علي الفطرة, وتصرفاتك ذكية للغاية ".

تمنت لو تصرخ. تمنت لو تزحف إلي الزاوية وتموت. إنه يحاول أن يقنعها بالبقاء معه لكنه حتى الآن, لم يستطع أن يضع ذراعيه حولها.
ابتلعت ريقها وتمالكت نفسها, ثم قالت :
_"آسفة يا كونراد, أنا واثقة من أن لديك أشياء هامة عليك أن تقوم بها. لكنني لست الشخص المناسب لتفعل معه هذه الأشياء. أنا أطلب أن نتوقف الآن ".
أخذ فقط يحدق إليها. وتابعت بهدوء مؤلم :
_"سأوافقك علي كل ما تريد أن تفعل بالنسبة إلي إعلان ذلك. أنت تختار التوقيت. دعني أعلم فقط ما تقرره ".

كان بالغ الشحوب :
_"ولكن.. ".
بان الألم في عينيها. لكن ما زال لديها كبرياءها :
_"كان يوماً شاقاً, وأنا بحاجة حقاً إلي استحمام وراحة. إذا كنت تسمح.. ".
منتديات ليلاس
فقال :"فرانسيسكا..".
قالت بصوت متهدج :
_"أنا متعبة يا كونراد ".
لأن لديه اجتماعات ومؤتمراً صحفياً عليه أن يرتب أمره, قال بحزم :
_"سنتحدث عن ذلك غداً ".
أومأت وهي متسعة العينين, لم تثق بصوتها كي تقول شيئاً.
وقال بغضب :
_"أنت أردت المجئ, لا بد أنك كنت تعلمين ما سيكون عليه الأمر هنا ".
فهزت رأسها وقد آلمها حلقها :
_"لا. لكنني أعلم الآن .... أريد أن أرحل ".

نظر إليها متأملاً بألم, لكنها لم تلن. وأخيراً أذعن قائلاً :
_"أراك غداً ".
وخرج ,وفي اليوم التالي لم تره.. لكنها رأت كل ما نشر عنها. صورتها وهي تمسك بفوطة تنظيف الأطفال تمسح بها أصابع البنت الصغيرة وقد دارت حول العالم, كما يبدو. وفجأة, إذا بصورها مع كونراد في كل صحيفة رأتها

هناك شخص ما, وتمنت ألا يكون كونراد, قد سرب صور عبثهما عند الغروب إلي وكالة للصور.(أخيراً وقعا في الغرام)كان هذا هو العنوان الرئيسي في مجلة فرنسية. وضعت المجلة قائمة بأسماء السيدات اللاتي صاحبهن كونراد قبل وبعد زواجه, وكانت هناك صور لهن.وكن, جميعا, هادئات رائعات محنكات أنيقات. وطبعاً, كانت هناك سيلفيا, تصلح كملكة وراقصة بالية وهي امرأة. في الواقع, أنه أحبها علي عكسها هي وتقلصت ثقة فرانسيسكا بنفسها إلي حجم رأس دبوس. تمنت لو أنها لم تر قط هذه المقالة. ولكن, هناك شخص ما تلطف بإحضار نسخة لها أرسلها إلي غرفتها في منزل الضيافة الرسمي

خلال أيام لم تره سوى في حفلة رسمية وكان يبعد عنها بثلاثة مقاعد بدأ الإنهاك يبدو علي ثوبها الأسود, ولكن ليس بقدر ما هي عليه. وأخيراً, تمنت لو أنها في الوطن

لكن ذلك كان ميئوسا منه, العالم كله كان مغرماً بالعشاق, وكان فيليكس وانجليكا قادمين إلي "فيلناغراد" للالتحاق بهما


اماريج 20-04-10 05:39 AM

امتنعت عن النظر في الصحف, فالصور تجعل كونراد يبدو سعيداً جداً وعاشقاً جداً.
ربما كان عاشقاً في تلك الفترة القصيرة من الزمن, كما أخذت تحدث نفسها, ولكن شؤون البلاد وترشيح فيليكس نفسه للرئاسة, قد ذكره بالحياة الحقيقية, فتبخر كل شيء

أرسلت إليه خبراً. هذا ما انتهي إليه الأمر. لم تكن تستطيع, في الواقع, أن تسير في الممر وتقرع بابه, رباه! هي لا تعرف حتى أين هي غرفته. وكان عليها أن ترسل رسالة مع المترجم إلي مديرية التشريفات لكي ترسلها إليه
كتبت :
_"لقد فعلت ما جئت لأجله, وأنا بحاجة إلي العودة. لدي أعمال في لندن, هل يمكنك ترتيب هذا من فضلك؟ ".

ترددت كثيراً فيما إذا كان عليها أن تكتب" مع حبي". لكنها لم تكن واثقة مما سيفعله بهذه الرسالة, ربما سيعيدها مباشرة إلي أحد مساعديه الرسميين ليتصرف بها.لم تشأ أن ترسل حبها إلي مديرية التشريفات, لم تتوقع أن يأتي كونراد ليراها مرة أخرى, طبعاً لم تتوقع ذلك,فهو مشغول جداً حالياً, ولكنها كانت تأمل بشكل ما....ولم يأت, بل أتصل تلفونياً :
_"مرحباً فرانسيسكا, هنا كونراد ".

كانت تسمع الناس يتكلمون حوله, وتلفوناً آخر يرن, ونقراً علي آلة كاتبة. وسألها :
_"ما هذا الكلام عن العودة إلي الوطن؟ ".
كان واضحاً أنه محاط بالمساعدين, وشعرت بنفسها متطفلة, ووحيدة.
وهكذا قالت بمرح :
_"آه, أنت تعلم. لقد قمت بما وعدت بالقيام به. والآن حان الوقت لأتحرك, وأري الأماكن, وأري الناس ".
ساد صمت, كانت واثقة تقريباً من أن شخصاً ما ألقي عليه سؤالاً فأشار إليهم بالانتظار. وقال وقد بدا الهمود في صوته :
_"لم تقولي من قبل أن وقتك محدود؟ ".

فانفجرت تقول :
_"ولم أقل أيضاً أنني قدمت حياتي لمدة غامضة غير محدودة ".
قال بحدة :
_"هل هذا لأجل باري دي لا توش؟ ".
قالت :"ماذا؟ ".
_"لقد حصل علي مقابلة مع تلك المجلة اللعينة, قال إنك تركته لأجلي وإن قلبه محطم, أنت لا تصدقين ذلك الهراء, أليس كذلك؟".
منتديات ليلاس
أمسكت فرانسيسكا بذلك وكأنه حبل النجاة فقالت :
_"ربما غير رأيه ".
قال بغضب شديد :
_"لا يمكن أن تكوني ساذجة إلي هذا الحد ".
شعرت بطبعها يثور, فقالت :
_"لا. لكنني لست عديمة القيمة أيضاً. أريد أن أذهب ".
وقبل أن يجيب, خبطت السماعة بعنف. اكسبها هذا كثيراً من الانتباه, إذ حصلت فجأة علي كثير من العون من مديرية التشريفات وعدة وزراء طلبوا رؤيتها. حتى إن الملك السابق فيليكس أتصل بها من لندن.

وكانت علي وشك أن تصرخ بأنها لا تريد منه أن يهتم بها وكأنها طفلة مدللة.وأخيراً جاء بنفسه. لم تكد تعرفه في البداية ببذلته الرمادية وربطة عنقه الرصينة. وفكرت فرانسيسكا ساخرة بأنها ما زالت تغسل ملابسها في الليل, لتستطيع ارتداءها في النهار.
وسألته :
_"هل خرجت للتسوق؟ ".

بدا عليه الارتباك للحظة, كما أنه, كما لاحظت بأسي, متعب جداً.
هز كتقيه :
_"آه, لقد اشتراها لي شخص ما, نعم ".
تبدد ارتيابها علي الفور :
_"حسنا, أنت ترهبهم. بينما أنا ما زلت أجاهد بين البنطلون الجينز وثوب أمي الأسود ".
بدا عليه فروغ الصبر وقال :
_"دعيهم إذن يشترون لك ثوباً آخر. وهذا ليس صعباً, هناك متاجر للملابس في "فيلناغراد" كما تعلمين ".

فقالت :"ألديهم حقا؟ ".
وسكتت لحظة ثم عادت تقول :
_"أنت تعلم يا كونراد أن هذا الهوس الملكي قد تملك عقلك
حقاً ".
دفع شعره إلي الخلف بضجر :
_"آسف. كل ما في الأمر أن الملابس آخر اهتماماتي حالياً ".
شعرت بإغراء في أن تسأله عما هو أكبر اهتماماته, لكنها عادت ففكرت أنه كان قادراً علي الإفضاء إليها بذلك في أي وقت من الأيام الستة الأخيرة لو شاء, فهو يعرف مكانها, أكثر مما تعرف هي مكانه. وهكذا قست قلبها, وقالت :
_"آسفة لذلك. وهذا غير مهما علي كل حال. أريد أن أعود إلي لندن في أقرب ممكن ".

فتردد :
_"لكنني ظننتك تستمتعين بوقتك ".
قالت بحدة وقد ظهر ألمها أخيراً :
_"هل ظننت أنني سأقع في غرام كل تلك الدعاية الزائفة؟ هل ظننت مرة أن علي أن أصبح أميرة خرافية للصحافة فيبهرني ذلك ؟ حسناً, أنا لست كذلك ولن أكون ".
_"أنا لم...
منتديات ليلاس
ارتفع صوتها بشبه صراخ :
_"سأجن إن لم أعد إلي أصدقائي الذين يعلمون حقيقتي ".


اماريج 20-04-10 05:44 AM

نظر إليها مصعوقا, فقالت بلهفة :
_"هل تفهم ؟ ".
قال :"نعم ".
قال ذلك دون أن يفتح أسنانه تقريباً. ولم يكن في صوته أية مشاعر :
_"كل شيء كان زائفاً وأنت تريدين أن تعودي إلي الحياة الحقيقية. هذا واضح جداً. سأرتب الأمر لك حالاً ".

ربما فعل ذلك. لم تعلم. لأن الزائر التالي الذي استقبلته عقب عودتها كان فيليكس الملك السابق وقد جاء من المطار مباشرة مثقلاً بالحقائب ومبتسماً بنفاق.
قال لها وهو يضمها إلي صدره :
_"يا طفلتي الحبيبة. يا له من نصر! ".
لم تكن مستعدة لعناق ملك سابق في الخامسة والسبعين, ملك دمر حياتها بمكره. فخلصت نفسها منه وسألته بضجر :
_"ماذا تريد؟ ".

_سمعت أنك قلقة لأن ليس لديك ملابس ملائمة....
_"ماذا؟".
_"هذا ما قاله كونراد ".
لم تصدق ذلك. ملابسها؟ هل ظن حقاً أنها كانت قلقة بشأن الملابس؟ وفكرت في أنها ستقتله.
ولم يلاحظ الملك السابق ذلك, من الواضح أن انعدام الحساسية هو شيء متوارث. واستمر يقول :
_"هناك بالتأكيد حفلة راقصة الليلة, ولا بد أنك لم تحضري شيئاً لتلبسيه لهذه المناسبة, وهكذا طلبت المساعدة من أمك فقط. ومن شريكتك المسلية في المكتبة!".

وأشار إلي الحقائب.
حدقت إليه غير مصدقة:
_"هل قلبت ملابسي؟ ".
بدا مذهولاً :
_"ليس أنا بل صديقتك جاز ".
_"كيف تجرؤ...
وسكتت فجأة وكأنها فهمت الآن ما قاله :
_"أية حفلة؟ ".
فابتسم مشرق الوجه :
_"الاحتفال بمنتصف الصيف...عيد سان جون...هناك دوماً احتفال كبير في هذا العيد. ولكنه سيكون هذه الليلة أكبر. فأنا أقدم حفيدي إلي شعبه ".

هزت فرانسيسكا رأسها لكي تفهم, وقالت :
_" أنت مجنون! نحن في القرن الواحد والعشرين ".
_"أبداً. إن للقصر قاعة رائعة للرقص, وقد سبق أن دعوت الضيوف....
تمتمت :
_"أراهن علي ذلك ".
تظاهر بأنه لم يسمع :
_"كل شيء قد رتب في آخر لحظة وأحضرت بذلة كونراد الرسمية وأثواباً لك لتختاري من بينها ".
_"لكنني راجعة إلي الوطن.

أمسك فيليكس بيديها, فحاولت أن تخلصهما منه, لكنه كان قد أمسك بهما, وبدا جاداً للغاية :
_"فرانسيسكا, عزيزتي. يجب أن تصغي إلي. عليك أن تكوني هنا, كونراد بحاجة إليك ".
فوجئت بذلك وعاد إليها الأمل مرة أخري وسألته :"أحقاً؟ ".
_"طبعاً, إنه لا شيء من دونك ".
ارتجفت فجأة :
_"هل قال ذلك؟ ".
_"ليس مضطراً لأن يقول ذلك وكل شخص يعرف هذا ".
قالت :"آه! ".

وتشبثت بهذه الكلمات. إنه بحاجة إليها, إنه لا شيء من دونها. كل شخص يعرف هذا.
وقال :
_"أنت شيء نافع لا يقدر بثمن ".
حاولت فرانسيسكا ألا تجفل, لكن ابتسامتها أصبحت جافة....
وتابع قائلاً :
_"أنت ودود للغاية وطبيعية غير متصنعة, وتحبين حبيبي كونراد, صدقيني إنك أحسن سفيرة يمكن أن نختارها ".
تلاشت ابتسامتها فجأة. وعاد هو يقول :
_"أعترف أنني شككت فيك في البدء ولكن في هذه الرحلة... كنت رائعة إلي حد فاق كل توقعاتنا ".

توقعاتنا! توقعاتنا! هل هذا يتضمن توقعات كونراد أيضاً؟
وفجأة, بدأت فرانسيسكا تشعر ببرد شديد, لفت ذراعيها حولها رغم أن غرف القصر دوما دافئة في شمس العصر. وقالت بصوت خطر :"آه؟ ".
لكن الملك السابق فيليكس استمر في حديثه, وعلي أي حال, لم يكن ماهراً في استشعار الخطر. وقال :
_"لأجلك فقط وافق المسؤول عن المتحف الوطني علي الإفراج عن التاج ".

شعرت فرانسيسكا بالارتباك. فسألته :
_"أي تاج؟ ".
_"حسناً, ليس تاجي, فذلك يعني خرقاً للدستور, ولكن تاج ولي العهد, وتاج آخر نسائي صغير سيكون لك بالتأكيد".
نظرت إليه خرساء. وشعر بأنه لم يؤد دوره كما يجب, فقال بلهجة لوم :
_"إنه شرف عظيم ".
_"إنه أعظم مما يلزمني. فأنا عائدة إلي الوطن ".
انتبه أن هنالك شيء ما, لا يعرف الصفح.
_"لا يمكنك ذلك ".
_"سنري ".

وكان, علي كل حال, دبلوماسي خبير.
_"وماذا عن كونراد؟".
_"عمل كونراد ممتاز تماماً من دوني ".
_"هذه هي النقطة. لم يصبح عمله ممتازاً حتى حصل عليك ".
نظرت إليه بتمرد, ولم تقل شيئاً.
فكر فيليكس في كل تلك المجلات التي كان يقرأها بغبطة في الأيام القليلة الماضية, وقال بإخلاص :
_"يا عزيزتي. لقد أعدته إلي بلاده ".
أشاحت بوجهها :
_"أنا مسرورة لأجله. وبهذا يمكنني أقول أن وظيفتي انتهت ".
_"أبدا فقد جلبت إليه سعادة لم أرها من قبل".

وأدرك فيليكس فجأة أن هذا صحيح. فأفاق من غفلته, وتخلي عن التكلف في حديثه. وقال :
_"أنا أعلم إن هذا ليس من شأني, ولكن لا تتركيه الآن. أظنه بحاجة إليك حقاً ".
التفتت فرانسيسكا وأخذت تتفحصه وقد ضاقت عيناها. لأول مرة منذ وصوله, توقف عن الابتسام. فقالت ببطء :
_"أتعني ذلك؟ ".

_"لقد عرفته زمناً طويلاً, فلم أره قط يعبث مع فتاة. لا تكلفيني بما يفسد الأمر عليه....أو بالأحرى عليكما أنتما الاثنين.
ترددت, فقال متملقاً :
_"الليلة فقط أبقي هنا الليلة وتحدثي معه في الصباح ".
رآها مترددة. فتملكه اليأس :
_"ألا تريدين أن تمنحيه فرصة أخري؟ ".

لكنها لم تجب, فأذعن وخرج من الغرفة. وعندما انفردت بنفسها, سارت إلي النافذة وأخذت تنظر إلي الحدائق المنظمة. لم يكن القصر كبيراً, ولكن في الحدائق كل ما يتوقعه المرء,النافورات, أحواض الزهور بهندستها الجميلة, والطرق الممهدة, لكنها لم تر أياً من ذلك.أتراها تريد أن تمنح كونراد فرصة أخيرة؟ أتريد ذلك حقاً؟
منتديات ليلاس
ومن أعماق ذاكرتها جاءها صوته, وقد أدفأه الضحك والمودة. فيجذبها...يجذبها إلي بحر من المشاعر المتلاطمة, ثم: ما كان لك أن تكوني بهذا الجمال, يا أميرة حكايات الجن.

ارتجفت بالرغم عنها. آه, إنها تريد أن تمنح كونراد فرصة أخيرة. تريد أن تمنحها لهما, هما الاثنين. لا تريد فقط, بل ترغب وتحتاج إلي ذلك.
وقالت بصوت مرتفع :
_"إذا في ذلك فرصة تريني أنه يحبني, فسأجازف بأي شيء ".


......نهاية الفصل الثامن.......

اماريج 20-04-10 05:48 AM

9-وردا.....وحبا

وفيما بعد في ذلك المساء, جلست أمام المرآة في غرفتها تنظر بكآبة إلي التاج الماسي الجميل وهو يصر علي أن يميل نحو أذنها أليسري.
وقالت بيأس للمرأة القادمة من وزارة الثقافة المونتاسورية :
_"لدي شعر غير مناسب, ورأس غير مناسب التكوين, وأتحرك دوماً. لا أدري ما أفعل. آه, أنا لا أستطيع ليس هذا الشيء "؟.
قالت المرأة بعطف :
_"لا يمكن أن تساعدك في ذلك وزارة الثقافة, لأن لا أحد من الأحياء يتذكر طريقة لبسه. ربما يضعون تحته ما يمسك الشعر؟ رشاش للشعر؟ جيلاتين؟ ".

وأخيراً ثبتته في مكانه وبقي كذلك, علي الأقل ما دامت تسير بخطوات قصيرة جداً وما دامت لا تلتفت بسرعة. وتمنت بحقد, أن يكون كونراد يعاني نفس الانزعاج من تاج ولي العهد.
ولكن عندما تقابلا في الغرفة الصغيرة المبطنة بالمرايا, في انتظار مؤتمرهما الصحفي,
لم يكن كونراد يضع علي رأسه أي نوع من التيجان, كان شعره أسودا لامعا ومغسولاً حديثاً.ومن ناحية أخرى, كان يرتدي بنطلونا أبيض وعلي جانبه خط ذهبي,
وسترة عسكرية ضيقة باللونين الأخضر والذهبي, ذات حواش وأكتاف ذهبية, وسيف, وملامح جامدة, وفجأة شعرت فرانسيسكا بالفرح.

أشارت إلي سترته الضيقة :
_"أحببت السترة. لا تخبرني بأنها ألوان العلم الوطني ".
لم تشرق أسارير كونراد وهو يقول :
_"إنها بذلة فرسان الجبال ".

ربما لا يحبها, فهو قد استغلها ويريد أن يستمر في استغلالها, بكل تأكيد, فهو يراها شيئاً نافعاً وقابلاً للبيع, ومع ذلك ما يزال يبدو رائعاً في بذلته المشابهة لبدلات الموسيقيين.
شعرت بحافز للضحك بصوت مرتفع, لكنها لم تفعل, فما زال لديها ذلك الشعور باحترام الذات, وقالت :
_"أحمد الله لأن جسمك مناسب لها, لو كان فيليكس في بذلتك هذه لبدا كالمهرج ".
لوي كونراد شفتيه :
_"أتراك تفكرين في كرمز للرجولة؟ ".

وبدا في صوته الاشمئزاز فقالت مخفية ابتسامتها :"نعم ".
ألقي عليها فجأة نظرة جانبية ماكرة من تحت أهدابه :
_"هذا رائع, إنه أحسن شيء سمعته هذا الأسبوع. أبقي علي تفكيرك الجيد هذ ا".
فاختنقت فرانسيسكا.
كان المؤتمر الصحفي محنة حقيقية. كان دفتر الملاحظات ومختصرات مما عليها أن تقوله, أمامها علي المنضدة, ولكن إذا هي نظرت إلي أسفل, فسيسقط هذا التاج اللعين فوق عينيها بكل تأكيد, وهكذا ركزت اهتمامها علي جعل أجوبتها قصيرة قدر إمكانها موجهة أي شيء صعب نحو كونراد

وهكذا سمعته يقول إنه مسرور لإحضاره معونات طبية إلي مونتاسورو ولرؤيته كثير من مناطق البلاد لم يعرفها من قبل. نعم, فرانسيسكا ستتابع العمل لأجل تمويل مستشفي مونتاسورو. لا, إنه لا ينوي أن يتدخل في سياسة مونتاسورو. نعم, إنه سيتابع العمل خبيراً في الزلازل.
سأله صحافي :"هنا؟ ".
فأجاب :
منتديات ليلاس
_"ربما. لماذا تظنني مهتماً بالزلازل؟ ذلك لأن مونتاسورو عانت من الكثير منها علي مر القرون, ربما هناك عيب في خط الزلازل لا ندري شيئاً عنه بعد ".
وجاءه سؤال :
_"هل سيطالب بالعرش يوماً ما؟ ".


اماريج 20-04-10 06:03 AM

_"لا ".
وسؤال آخر :
_"هل سيقبل العرش إذا عرض عليه؟ ".
فأجاب :
_"هذا غير محتمل. ولكن سيكون علي أن أسأل زوجتي, ليس هذا قراراً يمكن لرجل متزوج أن ينفرد بالجواب عليه ".

وتصاعدت أصوات التأييد والتعاطف, ولي العهد كونراد كان يثبت أنه رجل عصري, كما فكرت فرانسيسكا وقد عاد إليها حنقها, لولا خوفها من أن يسقط التاج من مكانه, لأخذت تقذف الأشياءتحولت الأسئلة إليها, فأجفلت. وقالت :
_"اسمعوا. كل صحافي هنا رأي صورتي وأنا أمسح الشوكولا عن أصابع الطفلة. ولهذا قررتم كلكم أنني ملاك في البيت. أنا هنا لأخبركم أن هذه ليست شخصيتي, فأنا صاحبة مكتبة, ولدي صديقة ماهرة لديها خطط تتضمن تجنب الأصابع المتسخة. وقد تلقيت منها نصيحة بذلك, وهذا كل شيء ".

وانفجر المكان بالضحك. فقالت بجد :
_"أنا أعني ذلك, لقد استمتعت كثيراً وتعلمت في مونتاسورو, لكنني لا أتمتع بالخصال اللازمة لكي أكون أم البلاد. أما اختيار مهنة كونراد فيعود له وحده ".
ثم تركا القاعة وسط التصفيق.
وفي الممر قال لها :
_"شكراً لبقائك, فقد كنا فريقاً جيداً متلائماً ".

وسكت لحظة ثم عاد يقول :"كالعادة ".
بقيت نظراتها إلي الأمام. حسناً, هذا يمنع التاج من السقوط. وهكذا لم تكن تنظر إليه عندما قالت :
_"أمام الناس فقط ".
جمد مكانه :
_"ماذا؟ ".
منتديات ليلاس
لكنها استمرت في سيرها :
_"أعني أن عمل الفريق هو فقط للاستهلاك العام, أنت خبير في تحقيق الأهداف, ومزاياي نافعة. لذا أنت تستغلني,
أليس كذلك؟ ".
لحق بها قائلاً بذهول :
_"لا يمكن أن تعتقدي ذلك ".

فقالت :
_"هل هذا غير صحيحا؟ ألست نافعة؟ ".
قال بفروغ صبر :
_"بل أنت كذلك, لكنك أكثر من هذا بكثير. عليك أن تعلمي ذلك ".
قالت وهي تقترب من قاعة الرقص :
_"هذا ما لا أعلمه. وما زلت أريد العودة إلي الوطن حالما تهمد الجلبة ".

أوسع كونراد خطواته, ومن خلفهما أخذ مساعدوه يهرولون.
قال :"لكنني أحبك ".
استدارت علي عاقبيها لتواجهه. ومال التاج بشكل خطر, لكنها تجاهلته. وهبت في وجهه :"أثبت ذلك ".

فقال مفكراً :
_"من الأفضل أن تخلعي هذا ".
ثم أزاح التاج عن رأسها, وتخلل شعرها غير المنظم بحنان.أدركهما أحد مساعديه, فناوله كونراد التاج دون أن ينظر إلي الرجل أو الماسات :
_"أعد هذا إلي المتحف من فضلك يا توني, ليس علي الآنسة هيلير إلا أن تعطس فيطير التاج فيفقأ عيني شخص ما ".
قال توني ضاحكاً :
_"نعم يا صاحب السمو ".

فقال كونراد :
_"هل نحن إذن جاهزون جميعاً للدخول؟ حتى جدي ".
_"نعم يا صاحب السمو ".
وفي الواقع, كان هناك فيليكس, وكان يبدو أهدأ من كونراد, في بذلة سوداء لا يلطف سوادها سوى صفين رائعين من الميداليات.
لكنها لم تهتم بفيليكس,
ذلك أن كونراد لم يجب علي تحديها. وأخذت تنظر إليه عندما جاء أحد المساعدين يعرض عليه ما يتطلبه منه البروتوكول.

وقالت لكونراد بصوت خافت :
_"يبدو لي هذا كروضة أطفال. لن أستطيع أبداً أن أفهم طريقة العمل فيها. ما الذي ستفعلونه؟ ".
قال مفكراً :
_"لست واثقاً بعد, ولكن أولاً علي أن أرافق السيدة زوجة رئيس الوزراء إلي مائدة العشاء وأحاول أن أمنع فيليكس من تقديم نفسه للتتويج ".

أجفلت وقد تذكرت ذلك الحديث الذي وصل إلي سمعها منذ أسابيع. أنا أعرف, أنت لا تحب القربان البشري. ولكن في مطبخ جدته سمعت كونراد يقول لجدته إنه لن يدع فيليكس يرغمه علي الزواج بها, وبدت عليه التسلية :
_"وأنت ابنة أبيك....يمنعك الحقد من أن تصفحي, كما قلت مرة لي ".

ولامس خدها بسرعة خاطفة تصورت معها فرانسيسكا أنها تخيلت ذلك لولا أنها كانت تقفز كجراد العشب كلما لمسها. وقال لها باسماً :
_"لا تقلقي يا عزيزتي, سأفكر في طريقة تقنعك ".
كان العشاء والرقص محنة. وهكذا, عندما أشار فيليكس بأنه مستعد للذهاب كادت تصرخ قنوطاً. فلم يكن يفصلها عن كونراد سوى ثلاثة مقاعد, ومع ذلك كان الوصول إليه كالوصول إلي القمر.

وحالما أصبحوا خارج قاعة الرقص. وضع فيليكس يده علي الكم العسكري الأخضر وقال :
_"تعال معي إلي غرفتي, أريد أن أتحدث إليك ".
ألقيا علي فرانسيسكا تحية المساء بذهن غائب ثم أسرعا خارجين.

وعادت إلي غرفتها ورفست وسادة الأقدام المطرزة, ثم أخذت تحزم أمتعتها بحركات شرسة حاقدة. ثم أخذت تنظف أسنانها بشكل جعل معجون الأسنان ينتشر علي المرآة. ثم قذفت بنفسها علي السرير وحاولت أن تنام, ولكن عبثاً,
فكلما أغمضت عينيها رأت نفسها وهي تقوم بإفناء وتدمير كونراد, ثم ..فجأة أنصفق مصراعي النافذة بعنف, هذا كثير. ونزلت من سريرها ثم سارت نحو النافذة المستطيلة حيث خرجت منها إلي الشرفة.
أمسكت بالمصراعين المفتوحين وحاولت إغلاقهما وهي تقول حانقة :"لماذا لا يصنعون أبوابهم متماسكة؟ ".
منتديات ليلاس
فجاءها صوت هازل يقول :"نعم, لماذا؟ ".
كادت فرانسيسكا تسقط عن الشرفة. وانفتح مصراعي الباب علي اتساعه في يدها. وأمسكها كونراد بذراعه القوية, وأقفل المصراعين, ثم ابتسم لها.
قالت متلعثمة :
_"ما....ما الذي تفعله هنا؟ ".


اماريج 20-04-10 06:06 AM

_"ما....ما الذي تفعله هنا؟ ".
قال ببرودة :"جاءني إلهام ".
ثم حملها. وصرخت بشكل غير رومانطيكي لكنه لم يخل من مشاعر....
_"أنزلني, فأنا ثقيلة ".

وتشبثت به متشنجة. فسألها باهتمام :
_"ثقيلة بالنسبة لماذا؟ ".
وجدت نفسها تحمر حتى منابت شعرها, لكنها أجابت :
_"بالنسبة للعبث الأحمق ".

فضحك :
_"لا أظن ذلك ".
ثم عاد بها إلي غرفتها. وقال مسروراً :
_"أنت لم تستطيعي النوم كما أري ".
رفعت بصرها إليه. كانت ترتدي قميصاً مقفلاً قديماً. لم تشعر في حياتها قط بانعدام الأناقة والجمال كما تشعر الآن. وقالت بعنف :
_" إياك أن تجرؤ علي الضحك مني ".
_"ومن يضحك ".

وعانقها... كان عناقاً حاراً جارفاً...وكان كونراد واثقاً مما يفعل. وجذبته بين ذراعيها بعنف بالغ, وكان تجاوبها غير محدود, كما كان حب كونراد أشبه بغابة مشتعلة...
كان يحتضنها وكأن هذه المخلوقة خلقت من أجله فقط. شيء في أعماقها ميز كل ردة فعل منه, وكل نفس محبوس, وكل آهة.
وشعرت بقلبها يفيض من بين يديها إلي قلبه

وشعرت فجأة بالحيرة :
_"هل هذا لأجلي؟ ".
ضحك وهو يجيب :
_"ومن غيرك؟ ".
أزاح شعرها عن وجهها بيد غير ثابتة وهو يتمتم :
_"حبيبتي. ظننتك لا تريدينني ".

تنفست بعمق شاعرة فجأة بالشجاعة :
_"أنا أريدك, ولكنني أرفض العلاقات العابرة, وأنت تعلم هذا. لا يمكنني أن أستسلم إلي مشاعري ولو أردت أنا ذلك ".
رفع رأسه وقال برقة :
_"إذن أسألك لآخر مرة, هل تتزوجينني؟ زواجاً حقيقياً ".
حملقت فيه بمكر :
_"وهل تعدني بالسعادة؟ ".

لكن كونراد لم يضحك, وبدلاً من ذلك أخذ يمر علي شفتها السفلى الحساسة بإبهامه فأرتجف جفناها تجاوباً.
وأجاب :
_"سأجعل حياتك ورداً وحباً إن استطعت ".
_"وكيف؟".
أخذ يتأملها. ثم همس الكلمات التي يقولها الكاهن عادة أثناء عقد الزواج :
منتديات ليلاس
_"في الغنى والفقر, في المرض والصحة. هذا هو الزواج الحقيقي ".
لم تستطع فرانسيسكا احتمال ذلك. فرفعت نفسها نحوه تضمه إلي قلبها, كانت هذه لفتة بعمر الزمن. لفتة تقول أحبك...أثق بك.....أنا ملك لك....

وتنهدت :
_"أرجوك ".
عانقها برقة بالغة, قائلاً بحنان :
_"أحبك بقلبي وروحي وجسدي... لن تندمي أبداً علي هذا يا فرانسيسكا, أتعهد لك ".
منتديات ليلاس
..............نهاية الفصل التاسع..............


اماريج 20-04-10 06:10 AM

الخاتمة

تزوجا ثلاث مرات, مرة في احتفال هادئ في كنيسة صغيرة في قرية أمها "كوتسوولد". وكان أبواها مسرورين طبعاً, لكنهما فقدا اهتمامهما بتنظيم شؤون زواج ابنتهما إلي حد كبير. لأنهما انشغلا كثيراً بالتفاوض بشأن العودة إلي بعضهما البعض

ومرة أخرى في "قاعة المدينة" في "فيلناغراد" وكان فيليكس والملكة السابقة أنجليكا شاهدين. كان لديهما حينذاك شقة في فيلناغراد. ولكن أي منهما لم يتخلي عن عمله فارتاح السياسيون لمعرفة, أن كونراد, بعكس جده, لا يريد سوى تمديد إقامته في بلاد أجداده
منتديات ليلاس

فقد قال كونراد لهم :
_" في الأساس, نحن نريد, ككل العرسان, الانفراد, لكننا سنقوم بأي من المناسبات الرسمية التي تريدون
وأضاف بنظرة ماكرة :
_"إن زوجتي مخلوقة لتلبس التاج ".

ومرة ثالثة, كان الزواج علي قرع الأجراس وموسيقي الفرقة النحاسية, حضرها من المصورين أكثر من أي عرس آخر, وذلك في كاتدرائية سان سيمون.
وقالت فرانسيسكا :
_"أعتدت الآن علي الكاميرات ".

وكانت وهي تقول ذلك تصعد إلي العربة المكشوفة والمزخرفة بشعارات النبالة. لفت بيدها تنورة ثوبها الأبيض الساتان تبعدها عن طريقها أثناء صعودها, وقال زوجها وهو يأمر السائق بالسير:
_"لكنك لم تتعودي علي التاج ".

لكن فرانسيسكا كانت تنظر إلي الخلف حيث الجمهور المحتشد علي درجات الكاتدرائية فقالت :
_"قف. إن فيليكس يريد شيئاً, فهو يشير إلينا ملوحاً بيده ".
نظر كونراد ناحية جده دون اهتمام. وقال :
_"تجاهليه. إنه يتمرن علي الإشارات الملكية, لا تهتمي بأمره فتشجعيه علي ذلك".

ضحكت قائلة :
_"يا للمشعوذ العجوز! ".
قال وهو يضع ذراعه حولها :
_"حسناً..... سيكون مفيداً بالنسبة للسياحة علي الأقل, والأفضل لنا أن نشير لبعضنا البعض ".
مالت علي كتفيه, دافئة حباً وثقة. وإذا بها تشعر بتاج شعرها ينزلق بشكل فاضح

وهتفت منزعجة :
_"تباً لذلك. ها إن التاج ينزلق مرة أخري, آه, حسناً, أظن أن هذا سيعطي الصحف شيئاً تكتب عنه ".
وشعرت به يكتم ضحكة وهو يقول ببرودة :
_" أظن أن بإمكاننا القيام بشيء أفضل ".
وتحت غطاء القبلة التي سَرت كل رومانطيكي في العالم, همس يقول :
_"أنت كل شيء كنت أحلم به. لم أكن أعلم أن ذلك سيسعدني إلي هذا الحد ".

فتألق وجهها :
_"هذا أسعد يوم في حياتي ".
منتديات ليلاس
انخفض جفنا كونراد بنظرة الدعابة الماكرة المألوفة منه تلك, وقال:
_"حتى الآن....حتى الآن ".

النهاية


اماريج 20-04-10 06:11 AM


تمت والحمد لله

بتمنى انو تكون نالت اعجابكم
قراءة ممتعة للجميع

Rehana 20-04-10 07:13 PM

يعطيك العافية

حبيبتي على المجهودك



http://i92.photobucket.com/albums/l2...s/thankyou.jpg

اماريج 21-04-10 05:44 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمــر الليل (المشاركة 2271898)
يعطيك العافية

حبيبتي على المجهودك



http://i92.photobucket.com/albums/l2...s/thankyou.jpg

الله يعافيك يارب
والرواية نورت بوجودك
ربي ماانحرم من طلتك الحلوة
لك مني احلى تحية
:flowers2:
:rdd12zp1:


a7wak 25-04-10 06:55 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اماريج 26-04-10 11:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة a7wak (المشاركة 2276707)
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


شكرا لمرورك العطر حبيبتي
نورررتي
:flowers2:
تحياااااااتي لك ياعسل:flowers2:

قماري طيبة 07-05-10 04:15 PM

رواية رائعة جدا سلمت أناملك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

deemaah 08-05-10 03:44 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

اماريج 08-05-10 04:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قماري طيبة (المشاركة 2296195)
رواية رائعة جدا سلمت أناملك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

الله يسلمك ياعسولة
وتحياااااااتي لك ياحلوة

اماريج 08-05-10 04:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة deemaah (المشاركة 2298119)
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

تسلمي حبيبتي
نورتي الرواية ياقمورة

غرشوه 15-05-10 12:24 PM

روايه حلوه واستمتعت بقرايتها
يعطيج العافيه لاخلا ولاعدم

اماريج 18-05-10 05:48 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غرشوه (المشاركة 2307839)
روايه حلوه واستمتعت بقرايتها
يعطيج العافيه لاخلا ولاعدم

الله يعافيك ياعمري
غرشوه كلامك افرحني كثيراااااااااربي يسعدك
والاحلى هو ردك الرقيق حبيبتي
تحيااااااااتي لك
:flowers2:


لمسة حب 19-05-10 07:05 PM

شكرا لهذه القصة الملكية الممتعة :55::55::55::liilas::liilas::liilase::liilase::Welcome Pills4::Welcome Pills4:

اماريج 21-05-10 02:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمسة حب (المشاركة 2313210)
شكرا لهذه القصة الملكية الممتعة :55::55::55::liilas::liilas::liilase::liilase::Welcome Pills4::Welcome Pills4:

الاحلى ياعمري مرورك العطر
والاتحرميني هااااااااااالطلة الحلوة ياعسولة
ربي يسعدك
تحيااااااتي لك يااحلى لمسة حب
:lol:



حجر فيروزي 22-05-10 11:21 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اماريج 03-06-10 12:44 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حجر فيروزي (المشاركة 2317530)
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

فيروز نورتي حبيبتي
تحيااااتي العطر لك ياعسولة
:lol:

فجر الكون 04-11-10 07:42 PM

مشكورة يعطيك العافية ,,,,

اماريج 09-11-10 04:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فجر الكون (المشاركة 2511203)
مشكورة يعطيك العافية ,,,,


العفوووووو يالغلا منورة والله
والله يعافيك يارب ويحفظك ويحلي ايامك :flowers2:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة استراليا (المشاركة 2512465)
شكرا على الرواية الرائعة


العفووووو ياعسل
وسعيدة انها عجبتك منورة يالغلا :flowers2:
:liilas:

كشخه زود 21-02-11 10:37 PM

روووووووووووعه

مشكوووووره

طيف السما 22-02-11 04:29 AM

شكرااااااااااااااااااااااااااااااا وتسلم ايديك:friends:

ندى ندى 22-02-11 07:27 PM

روووووووووووووووووووووعه

سومه كاتمة الاسرار 24-02-11 01:54 AM

روووووووووووووووووووووووووووووعه مشكوووووووووووره ياقمر
:flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2:
:8_4_134:

سماري كول 14-03-11 06:19 PM

تسلمين ع الروايه

sara00 15-03-11 02:39 PM

مشكووووووووووووووووووووووووووووووووورة

قلب حائر 24-03-11 10:05 AM

رائعة جداااااااااااا شكرا

اماريج 25-03-11 08:21 PM


الاروع مروركم وطلتكم العطرة فيها ياحلوات

وسعيدة انو اختياري للرواية عجبكم ^_^ منورين ياقلبي
:liilas:

حياة حلوة 28-03-11 11:54 PM

شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا:8_4_134:

اماريج 29-03-11 07:35 PM

العفووووو حبيبتي
وشاكرة لك مرورك وتواجدك فيها يالغلا كله

asel 02-06-11 01:22 AM

تحياتي
 
السلام عليكم ورحمة اللة وبركاتة انا عندي في اجزاء من الروايا لا تظهر ارجو المساعدة ومششششششششششششكورة كككككتتتتتتتتتتتتير علي الروايا الرئعة:flowers2:

شووقهـ 05-06-11 04:43 AM

يعافيك يا عسل

اماريج 07-06-11 04:39 PM

ياهلا وغلا بالحلوات
الروايات منورة فيكم ويارب مااتحرم من هالطلة الحلواة ابدااااااا

nounoucat 03-11-11 12:41 PM

merci amarij dayman riwayatik raw3a
no comment

عصافير الجنة 10-11-11 02:26 AM

:0041::0041::0041::0041::0041:

حنين عربي 16-03-12 09:16 PM

يسلموا ايديك اماريج

ساحرات 19-03-12 06:00 PM

شكرا لكى على مجهودك

ام عبد الرحمن وسجى 19-03-12 11:11 PM

رررررررررررررررائعة ارجو التكملة

نجلاء عبد الوهاب 25-04-12 03:14 PM

الروايه حلوه بس مش قوى يعنى
:party0033::party0033::party0033:

الجبل الاخضر 19-09-13 08:53 AM

رد: 281- اميرة رغما عنها - صوفي ويستون ( كاملة )
 
تسلمي عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

غديررر 15-06-15 02:24 PM

دائم انتم متميزين با اختيرتكم

Asmaa adel 31-07-15 09:13 PM

رد: 281 - اميرة رغما عنها - صوفي ويستون ( كاملة )
 
اماريج دائماً تاتي بالافضل شكراً لك


الساعة الآن 02:42 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية