منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   129 - الفجر في الغسق - روميليا لاين - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t139402.html)

Rehana 10-04-10 02:39 PM

اشارت بحركة من يدها الى الاثاث الفاخر و الشرفات المضاءة ,ثم اضافت :
- لا اصر على الاشتراك بهذه الثروات الملطخة بالعار !
- تعرفين اذن اننى املك كازينو ؟ و مهنتى هذه لا تعجبك ؟
رفعت ذقنها بفخر و اعتزاز و قالت :
- فى الحقيقة انا استخف ذلك . و انت فى وضع لا يسمح ان تعظنى بأمر اخيك !
- انت لست من عصرك , يا فيفيان . فى ايامنا هذه الكازينو يعتبر مهنة محترمة يتعاطاه كبار رجال العالم.
سألته مندهشة من شجاعتها امام هذا الرجل المخيف :
- هل هذا سبب اختيارك؟
- ربما .
تظاهر بجهل ملاحظة ضيفته الاذعة و نظر الى ساعة يده و قال :
- حان الوقت اذهب لعملي . تجدين فى غرفة المكتبة اختياراً واسعاً من الكتب و الاسطوانات الكلاسيكية و الحديثة .
- اشكرك ,لكنى متعبة و افضل ان اصعد الى غرفتي .
قال باصرار كأنه يريد ان تكون له الكلمة الاخيرة :
- انت على حق . لأن الغد يوم كبير . روبرت متحمس ان يتعرف اليك ولا يجب ان نخيب امله . تصبحين على خير يا فيفيان .
خرج من الغرفه و بعد لحظات , اقلعت السيارة . فاحتل فيفيان خوف كبير .
هى الآن فى طنجة , فى منزل اشخاص مجهولين , تحل محل صديقتها العزيزة . هل كانت على حق فى الانصياع لتوسلات لوسي ؟ قبلت ان تلعب هذا الدور فقط من اجل حماية روبرت , لكنها لم تفكر بوجود ترانت كولبى الذى يسهر على شقيقه مثل فهد يعتنى بصغيره الجريح .
راح قلبها ينبض بسرعة و هى تصغى الى هدير المحرك يبتعد فى الليل . عليها الحذر , لأن ترانت سيتصرف من دون شفقة تجاه اى انسان يحاول ايذاء اخيه.منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:35 PM

2 – حوض السباحة

و منذ ان افاقت فيفيان من نومها استنشقت رائحة هذه المدينة و عطرها الذى كان عزيزاً على قلبها فى الماضى : البهارات , خشب الصندل , الياسمين ... كم كان سهلا عليها كبت حزنها فى انكلترا البعيدة الباردة !منتديات ليلاس
تنهدت و نهضت من سريرها .
ازاحت الستائر و دهشت لرؤية البحر الذى ايقظ فى ذاكرتها ذكريات الماضى الحلوة و المرة . و رأت الكاسبا محاطة بهالة وردية و ليلكية بتأثير شمس الصباح الباكر , و بارزة بوضوح من بين اشجار السرو و الشربين و الأوكاليبتوس . الى يمينها , على طول الشاطئ الرملي ووراء اشجار النخيل العالية تظهر البنايات و قصور طنجة البيضاء . و هنا فى , باستور , يقع فندق الرياض هل ستتمكن يوماً من نسيان هذا الفندق و اسمه . ..من نسيان تلك السهرة حيث تعرفت فيها الى غاري ؟
اغمضت عينيها لتحاول محو هذه الذكريات الناعمة من مخيلتها لماذا آه , لماذا عليها ان تعانى مثل هذا العذاب ؟
لكن ألمها لن يمكث طويلا . فمنذ اربع سنوات و فيفيان تفرض على نفسها مخططاً
نظامياً قاسياً غايته منعها من الاستسلام و الخضوع لهواجس مخيلتها . تمالكت نفسها و توجهت الى الحمام .
و بعد ان اخذت حماماً بارداً , ارتدت فستاناً مقلماً , و سرحت شعرها و تناولت حقيبة مصنوعة من القش و خرجت من غرفتها . كانت الشرفة محاطة بسلسلة متوازية من القبب المتشابهة . و فى طرفيها , برجان ابيضان حيث تقع غرفتا الاستقبال القت الفتاة نظرة سريعة الى داخلهما و شاهدت الاثاث , من طراز لويز الخامس عشر , حيث اضيفت المصابيح المغربية و الصناديق الثقيلة المحفورة و الارائك الجلدية .... ابتسمت بسخريه امام هذا الترف ثم هبطت السلم الخارجى متجهة الى حوض السباحة و من خلال اشجار النخيل و الشجيرات المزهرة , سمعت اصواتاً عالية، لا شك اذن ان حوض السباحة يقع من هذه الجهة . راح قلبها ينبض بسرعة روبرت ينتظرها هناك بفارغ الصبر . من اين لها الشجاعة لعبور هذا الممر المشجر ؟ فجأة شعرت بخوف و خجل . لا يمكنها ابداً النجاح فى تمثيل دور صاحبة الرسائل ! و خطر ببالها ان تتوجه فوراً لرؤية ترانت كولبى و التصريح له عن خداعها و تعود الى انكلترا على الفور ...لكنها تخيلت وجه لوسى المتوسل .... ووجه الشاب المشلول , الذى يبحث عن قليل من السعادة يتمتع بها فى اخر ايام حياته .

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:37 PM

ليس امامها الاختيار . تحلت بالشجاعة و هبطت السلالم الباقية المؤدية الى الشرفة الثانية حيث حوض السباحة وراء المزروعات الكثيفة . شاهدت من بعيد وجود شخصين , بينهما خادم . نعم , و هذا الكرسى النقال !
فانعقدت حنجرتها و اقتربت من الرصيف . كانت تسير بأناقة , و من دون اى انزعاج مستمتعة بحرارة الشمس تلمس ذراعيها . و لما وصلت قرب روبرت , و بابتسامة ناعمة بدأت لعب الدور الذى وافقت على اتخاذه فصرخ المعاق ماسكاً يديها :
- فيفيان اخيراً .
- روبرت ! من زمان اريد مقابلتك ! .
و بخجل ابتعدا . و راحت فيفيان تراقب الرجل محاولة ان تعطى لنظراتها بريقاً حنوناً و محباً . كانت بشرته سمراء من شدة تعرضها لاشعة الشمس . و عيناه زرقاوان قاتمتان . لكن ساقيه و ذراعيه و كتفيه تبدو كأنها منخوره من الداخل . انعقدت حنجرتها لكنها ظلت مبتسمة لا تبعد نظرها عنه بالرغم من رغبتها فى الصراخ لقساوة القدر .
كان شعره كثيفاً و اشقر . يشبه اخاه الكبير لكن ملامحه كانت اشد رقة و نعومة . و باختصار كان كثير الجاذبية .
قال ماداً يده يلمس رأس الفتاة المالس :
- شعرك تماماً كما فى الصورة . و انت تماماً كما تخيلتك ..... كم انت جميلة !
رمقته فيفيان بنظرة اعجاب و اجابت ضاحكة :
- لو تعرف اى اثر تفعل بى , لكنت تعاظمت من الكبرياء ! .
وجه اليها ابتسامة فاتنة و ازاح كرسيه قليلاً ليقدم لها خادمه الذى كان واقفاً وراءه :
- هذا هارون . ينقلنى الى الحوض عندما اشعر برغبه فى السباحة , و فى المساء يحملنى الى فراشى .
كان هارون ممشوق القامة , اطول من عبدول , يرتدى سروالاً ابيض و ستره فاتحة و عمامه فوق رأسه .
اضاف روبرت قائلاً :
- يتكلم اللغة الانجليزية بقدر ما اتكلم انا اللغة العربية , لكننا نتفاهم قدر المستطاع ! اليس كذلك يا هارون ؟
الضاهر ان خادمه لم يفهم شيئاً لكنه اجاب قائلاً :
- نعم يا سيدى .
- هارون من قبيلة الاورزات جاء به ترانت من مراكش فانا لست بوزن الريشة ولا احد هنا فى طنجة كان على استعداد لقبول هذه الوظيفة . يعلمنى هارون اللغة العربية . و عندما احاول اثير الضحك لكننى مصر على تعلم هذه اللغة لكى اتمكن من الاتصال به بطريقة افضل .
و هو الذى لا يبقى له الا القليل ليعيش ! ادركت فيفيان ان عليها الا تظهر له اي ردة فعل مهما كانت شجاعة روبرت تثيرها . و كانت تتحدث معه عندما وصل ترانت من الجهه الثانية للحوض . لا شك انه اراد ان يحضر هذا اللقاء الاول من دون ان يراه احد . و امام هذه الفكرة , احمرت وجنتا فيفيان بعنف ..... لسببين : اولاً من القلق : هل لعبت دورها كما يجب ؟ . . . . . ثم من النقمه ! فى كل حال , لم يكن ترانت يثق بها ابداً .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:38 PM

كان يرتدى سروالاً اصفر و قميصاً حريرياً معرقاً . و يبدو مسترخياً , واثقاً من نفسه لا شك انه يكبر اخاه بعشر سنوات او اكثر و تعترف فيفيان ان هذا الرجل جميل الطلعة بشعره الاسود ووجهه الوسيم .
لم تظهر فيفيان اى شئ مما يدور فى ذهنها و اجتهدت فى اتخاذ تعبير مرح بينما كان صاحب الدار يتقدم منهما .
قال ترانت قبل ان يرمق اخاه بنظرة حنونة :
- صباح الخير يا فيفيان . و الآن يا خى الصغير , لقد صدقت بوعدى , اليس كذلك , هل انت سعيد ؟
امسك روبرت بيد الزائرة و قال :
- فيفيان اروع مما كنت اتصوره !
ثم شرح لفيفيان قائلاً :
- اصريت على ترانت ان يوافق على استقبال امرأة فى هذا المنزل .انه عازب محنك و شديد الصعوبة فى اختيار مدعويه .
- سأحاول عدم ازعاجه .
قال ترانت بصوت ناعم و هو يقدم لها كرسياً لتجلس :
- ولا تنسى ان تمشى على رؤس اصابعك ! اعترف بأن عنصراً انثوياً فى هذا المنزل يشكل نوعاً من الزينة .
اراد روبرت ان يعرف كل شئ عن وصول صديقته ....... الاستقبال فى المطار , الطريق فى السيارة حتى الفيللا . اجاب ترانت و فيفيان على اسئلته من دون ان يذكرا طبعاً المشاحنة الباردة داخل السيارة , و الجو المتوتر خلال العشاء . و بينما كانا يتكلمان , كان روبرت يراقب كل واحد بدوره كأنه لاحظ سوء التفاهم من وراء ابتساماتهما .
و فى تلك الاثناء , كان عبدول و معين يحضران المائده فى زاوية الشرفة المطلة على المناظر الخلابة . و لما اصبح الفطور جاهزا نهض ترانت و تبعته فيفيان , و قام هارون بمساعدة روبرت على ارتداء مئزره القطنى ثم جر كرسيه حتى الطاولة .
المنظر كان رائعاً . و لدى رؤية هذه الاماكن الحميمة شعرت الفتاة بغصة و ادارت رأسها للمنظر . عبس ترانت بسخرية و قال :
- اى انسان لا ينبهر بمظر الكاسبا الرائع و منظر المرفأ ؟
اجابت الفتاة بهدوء :
- العظمة لا تهمنى .
صرخ روبرت ضاحكاً و هو يسكب اللبن فى فنجان الشاى :
- انت تمزحين يا فيفيان تذكرى يوم وجدت نفسك فوق كومة العلف فى مزرعة والدك ! لقد وصفت لى هذا الحادث بكل تفاصيله , انسيت ذلك ؟
نظر ترانت مفصلاً الى كتفى الفتاة الصغيرتين و معصميها النحيلتين و قال :
- انت ابنة مزارع ؟ اه فهمت !
قال روبرت بفخر :
- و فوق ذلك , فهي ذكية جداً ! تصور انها تسلقت مرة فوق كومة علف بغية الوصول الى مرفاع على علو 15 متراً , كى تحل بكرة معلقة .
- يا للوقاحة !
اسرعت فيفيان فى القول بعد ان امتلأ وجها بالاحمرار :
- منذ زمن طويل لم اعمل فى القرية .
شعرت فيفيان بارتياح لوصول الفطور اذ تغير الحديث و قدمت ثمار البحر , و لحم العجل و اكباد الدجاج و العسل و البلح و التين و الليمون الافندى . و فكرت فيفيان ان كل هذا التنوع فى المأكولات لابد ان تكون غايته اثارة قابلية روبرت .منتديات ليلاس

*****

يتبع..

Rehana 11-04-10 02:39 PM

و كان روبرت يحب الحديث عن تاريخ طنجة . و بينما كان يتذوق هذه المأكولات الشهية , راح يقص على صديقته الحكايات الفكاهية حول هذه المدينة , محاولاً تسليتها . فشعرت بالارتياح يحتلها تدريجياً . و معين كان يهتم بخدمة المائدة وخاصة بالآنسة الضيفة . قدم لها صحن البلح الذيذ للمره الثانيه قائلاً :
- اذا سمحت الآنسه , احب ان اقدم لها من جديد هذا البلح الذى يشبه دموع الشمس .
- ان طعمه لذيذ , يا معين , لكننى لا استطيع ان آكل المزيد منه . منه . شكراً .
- العصفور يأكل اكثر من الآنسة !
اجابت ضاحكة :
- اى نوع من العصافير , يا معين ؟ الوز ام البط ؟
و من دون انتباه كانت فيفيان تتكلم باللغة الفرنسية و لم تنتبه الى ذلك الا بعد فترة قصيرة و ترانت كان يراقبها بشده ثم قال :
- تتكلمين الفرنسية بطلاقة يا فيفيان.
اجابت بلطف :
- اشكرك .
هذه المرة بذلت جهداً كبيراً لتمنع الدم من الصعود الى خديها . لا شك ان اعصابها متوترة , لأنه ليس غريباً ان تتقن لغة تستعمل بكثافة فى طنجة و يتقنها عدد كبير من الناس !
بعد الفطور لم يدخل ترانت الى المنزل , بل رافق روبرت و فيفيان الى الشرفة حيث حوض السباحة , و جلس امام طاولة وراح ينقب و يراجع فى السجلات و المستندات .
و جلست فيفيان قرب روبرت و شعرت فجأة برغبة فى الاستراحة بعد هذا اللقاء المتوتر او على الاقل , بعيدة عن انظار ترانت كولبى . و ترانت يرغب فى تكريس معظم وقته لأخيه , و هذا امر طبيعى جداً . لكن من جهة ثانية كانت الفتاة تشعر بالتعب من البقاء دائماً متحفظة و محترسة و عرضة للأنظار و الانتقادات . بعد قليل اعلن روبرت قائلاً :
- فيفيان و انا سنقوم ينزهة قصيرة , يا ترانت . سأريها الحديقة . رفع ترانت رأسه و هز حاجبيه بسخرية و قال بنبرة حادة :
- لا تقلقا عليّ .
اقترب هارون ليجر الكرسى , فاوقفه روبرت فى الحال و قال :
- ستساعدنى فيفيان على ذلك , يا هارون .
قال ترانت ملاحظاً :
- سيكون ذلك حملاً ثقيلاً عليها .
اجابت الفتاة :
- سأتدبر الامر ارجوك .
بامكانها ان تجر دبابات الاقحام من اجل ان تتخلص من هذا الرجل و لو لفترة قصيرة .منتديات ليلاس
اعطاها روبرت بعض التعليمات و استدارا حول حوض السباحة لاجتياز ممر صغير بين الاسيجة العالية . كانت الحدائق روعة حقيقية . ووسط حوض بشكل نجمة , مبلط بالفسيفساء الملونة , يهدر سبيل ماء . تحيط به اشجار النخيل و الموز .
و هناك ممر طويل يصل الى عرزال مصنوع من تشابك الياسمين و العريش , ثم يمتد الى العشب الاخضر المسقى و المعتنى به باتقان والمحاط بمساكب الازهار العطرة و بعض اشجار الارز و الفلفل التى كانت ترمى ظلالها هنا و هناك . مرت فيفيان تجر روبرت امام استراحة داخل البستان تعلوها قبة مبنية على اعمدة حجرية و اجتازا المقاعد الخشبية التى تظللها اشجار الزهر و الغار و من خلال اوراق الشجر لمحت فيفيان المروج الهادئة البعيدة عن الضجيج و الضوضاء .

*****

يتبع..


الساعة الآن 09:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية