اشارت بحركة من يدها الى الاثاث الفاخر و الشرفات المضاءة ,ثم اضافت :
- لا اصر على الاشتراك بهذه الثروات الملطخة بالعار ! - تعرفين اذن اننى املك كازينو ؟ و مهنتى هذه لا تعجبك ؟ رفعت ذقنها بفخر و اعتزاز و قالت : - فى الحقيقة انا استخف ذلك . و انت فى وضع لا يسمح ان تعظنى بأمر اخيك ! - انت لست من عصرك , يا فيفيان . فى ايامنا هذه الكازينو يعتبر مهنة محترمة يتعاطاه كبار رجال العالم. سألته مندهشة من شجاعتها امام هذا الرجل المخيف : - هل هذا سبب اختيارك؟ - ربما . تظاهر بجهل ملاحظة ضيفته الاذعة و نظر الى ساعة يده و قال : - حان الوقت اذهب لعملي . تجدين فى غرفة المكتبة اختياراً واسعاً من الكتب و الاسطوانات الكلاسيكية و الحديثة . - اشكرك ,لكنى متعبة و افضل ان اصعد الى غرفتي . قال باصرار كأنه يريد ان تكون له الكلمة الاخيرة : - انت على حق . لأن الغد يوم كبير . روبرت متحمس ان يتعرف اليك ولا يجب ان نخيب امله . تصبحين على خير يا فيفيان . خرج من الغرفه و بعد لحظات , اقلعت السيارة . فاحتل فيفيان خوف كبير . هى الآن فى طنجة , فى منزل اشخاص مجهولين , تحل محل صديقتها العزيزة . هل كانت على حق فى الانصياع لتوسلات لوسي ؟ قبلت ان تلعب هذا الدور فقط من اجل حماية روبرت , لكنها لم تفكر بوجود ترانت كولبى الذى يسهر على شقيقه مثل فهد يعتنى بصغيره الجريح . راح قلبها ينبض بسرعة و هى تصغى الى هدير المحرك يبتعد فى الليل . عليها الحذر , لأن ترانت سيتصرف من دون شفقة تجاه اى انسان يحاول ايذاء اخيه.منتديات ليلاس ***** يتبع.. |
2 – حوض السباحة
و منذ ان افاقت فيفيان من نومها استنشقت رائحة هذه المدينة و عطرها الذى كان عزيزاً على قلبها فى الماضى : البهارات , خشب الصندل , الياسمين ... كم كان سهلا عليها كبت حزنها فى انكلترا البعيدة الباردة !منتديات ليلاس تنهدت و نهضت من سريرها . ازاحت الستائر و دهشت لرؤية البحر الذى ايقظ فى ذاكرتها ذكريات الماضى الحلوة و المرة . و رأت الكاسبا محاطة بهالة وردية و ليلكية بتأثير شمس الصباح الباكر , و بارزة بوضوح من بين اشجار السرو و الشربين و الأوكاليبتوس . الى يمينها , على طول الشاطئ الرملي ووراء اشجار النخيل العالية تظهر البنايات و قصور طنجة البيضاء . و هنا فى , باستور , يقع فندق الرياض هل ستتمكن يوماً من نسيان هذا الفندق و اسمه . ..من نسيان تلك السهرة حيث تعرفت فيها الى غاري ؟ اغمضت عينيها لتحاول محو هذه الذكريات الناعمة من مخيلتها لماذا آه , لماذا عليها ان تعانى مثل هذا العذاب ؟ لكن ألمها لن يمكث طويلا . فمنذ اربع سنوات و فيفيان تفرض على نفسها مخططاً نظامياً قاسياً غايته منعها من الاستسلام و الخضوع لهواجس مخيلتها . تمالكت نفسها و توجهت الى الحمام . و بعد ان اخذت حماماً بارداً , ارتدت فستاناً مقلماً , و سرحت شعرها و تناولت حقيبة مصنوعة من القش و خرجت من غرفتها . كانت الشرفة محاطة بسلسلة متوازية من القبب المتشابهة . و فى طرفيها , برجان ابيضان حيث تقع غرفتا الاستقبال القت الفتاة نظرة سريعة الى داخلهما و شاهدت الاثاث , من طراز لويز الخامس عشر , حيث اضيفت المصابيح المغربية و الصناديق الثقيلة المحفورة و الارائك الجلدية .... ابتسمت بسخريه امام هذا الترف ثم هبطت السلم الخارجى متجهة الى حوض السباحة و من خلال اشجار النخيل و الشجيرات المزهرة , سمعت اصواتاً عالية، لا شك اذن ان حوض السباحة يقع من هذه الجهة . راح قلبها ينبض بسرعة روبرت ينتظرها هناك بفارغ الصبر . من اين لها الشجاعة لعبور هذا الممر المشجر ؟ فجأة شعرت بخوف و خجل . لا يمكنها ابداً النجاح فى تمثيل دور صاحبة الرسائل ! و خطر ببالها ان تتوجه فوراً لرؤية ترانت كولبى و التصريح له عن خداعها و تعود الى انكلترا على الفور ...لكنها تخيلت وجه لوسى المتوسل .... ووجه الشاب المشلول , الذى يبحث عن قليل من السعادة يتمتع بها فى اخر ايام حياته . ***** يتبع.. |
ليس امامها الاختيار . تحلت بالشجاعة و هبطت السلالم الباقية المؤدية الى الشرفة الثانية حيث حوض السباحة وراء المزروعات الكثيفة . شاهدت من بعيد وجود شخصين , بينهما خادم . نعم , و هذا الكرسى النقال !
فانعقدت حنجرتها و اقتربت من الرصيف . كانت تسير بأناقة , و من دون اى انزعاج مستمتعة بحرارة الشمس تلمس ذراعيها . و لما وصلت قرب روبرت , و بابتسامة ناعمة بدأت لعب الدور الذى وافقت على اتخاذه فصرخ المعاق ماسكاً يديها : - فيفيان اخيراً . - روبرت ! من زمان اريد مقابلتك ! . و بخجل ابتعدا . و راحت فيفيان تراقب الرجل محاولة ان تعطى لنظراتها بريقاً حنوناً و محباً . كانت بشرته سمراء من شدة تعرضها لاشعة الشمس . و عيناه زرقاوان قاتمتان . لكن ساقيه و ذراعيه و كتفيه تبدو كأنها منخوره من الداخل . انعقدت حنجرتها لكنها ظلت مبتسمة لا تبعد نظرها عنه بالرغم من رغبتها فى الصراخ لقساوة القدر . كان شعره كثيفاً و اشقر . يشبه اخاه الكبير لكن ملامحه كانت اشد رقة و نعومة . و باختصار كان كثير الجاذبية . قال ماداً يده يلمس رأس الفتاة المالس : - شعرك تماماً كما فى الصورة . و انت تماماً كما تخيلتك ..... كم انت جميلة ! رمقته فيفيان بنظرة اعجاب و اجابت ضاحكة : - لو تعرف اى اثر تفعل بى , لكنت تعاظمت من الكبرياء ! . وجه اليها ابتسامة فاتنة و ازاح كرسيه قليلاً ليقدم لها خادمه الذى كان واقفاً وراءه : - هذا هارون . ينقلنى الى الحوض عندما اشعر برغبه فى السباحة , و فى المساء يحملنى الى فراشى . كان هارون ممشوق القامة , اطول من عبدول , يرتدى سروالاً ابيض و ستره فاتحة و عمامه فوق رأسه . اضاف روبرت قائلاً : - يتكلم اللغة الانجليزية بقدر ما اتكلم انا اللغة العربية , لكننا نتفاهم قدر المستطاع ! اليس كذلك يا هارون ؟ الضاهر ان خادمه لم يفهم شيئاً لكنه اجاب قائلاً : - نعم يا سيدى . - هارون من قبيلة الاورزات جاء به ترانت من مراكش فانا لست بوزن الريشة ولا احد هنا فى طنجة كان على استعداد لقبول هذه الوظيفة . يعلمنى هارون اللغة العربية . و عندما احاول اثير الضحك لكننى مصر على تعلم هذه اللغة لكى اتمكن من الاتصال به بطريقة افضل . و هو الذى لا يبقى له الا القليل ليعيش ! ادركت فيفيان ان عليها الا تظهر له اي ردة فعل مهما كانت شجاعة روبرت تثيرها . و كانت تتحدث معه عندما وصل ترانت من الجهه الثانية للحوض . لا شك انه اراد ان يحضر هذا اللقاء الاول من دون ان يراه احد . و امام هذه الفكرة , احمرت وجنتا فيفيان بعنف ..... لسببين : اولاً من القلق : هل لعبت دورها كما يجب ؟ . . . . . ثم من النقمه ! فى كل حال , لم يكن ترانت يثق بها ابداً .منتديات ليلاس ***** يتبع.. |
كان يرتدى سروالاً اصفر و قميصاً حريرياً معرقاً . و يبدو مسترخياً , واثقاً من نفسه لا شك انه يكبر اخاه بعشر سنوات او اكثر و تعترف فيفيان ان هذا الرجل جميل الطلعة بشعره الاسود ووجهه الوسيم .
لم تظهر فيفيان اى شئ مما يدور فى ذهنها و اجتهدت فى اتخاذ تعبير مرح بينما كان صاحب الدار يتقدم منهما . قال ترانت قبل ان يرمق اخاه بنظرة حنونة : - صباح الخير يا فيفيان . و الآن يا خى الصغير , لقد صدقت بوعدى , اليس كذلك , هل انت سعيد ؟ امسك روبرت بيد الزائرة و قال : - فيفيان اروع مما كنت اتصوره ! ثم شرح لفيفيان قائلاً : - اصريت على ترانت ان يوافق على استقبال امرأة فى هذا المنزل .انه عازب محنك و شديد الصعوبة فى اختيار مدعويه . - سأحاول عدم ازعاجه . قال ترانت بصوت ناعم و هو يقدم لها كرسياً لتجلس : - ولا تنسى ان تمشى على رؤس اصابعك ! اعترف بأن عنصراً انثوياً فى هذا المنزل يشكل نوعاً من الزينة . اراد روبرت ان يعرف كل شئ عن وصول صديقته ....... الاستقبال فى المطار , الطريق فى السيارة حتى الفيللا . اجاب ترانت و فيفيان على اسئلته من دون ان يذكرا طبعاً المشاحنة الباردة داخل السيارة , و الجو المتوتر خلال العشاء . و بينما كانا يتكلمان , كان روبرت يراقب كل واحد بدوره كأنه لاحظ سوء التفاهم من وراء ابتساماتهما . و فى تلك الاثناء , كان عبدول و معين يحضران المائده فى زاوية الشرفة المطلة على المناظر الخلابة . و لما اصبح الفطور جاهزا نهض ترانت و تبعته فيفيان , و قام هارون بمساعدة روبرت على ارتداء مئزره القطنى ثم جر كرسيه حتى الطاولة . المنظر كان رائعاً . و لدى رؤية هذه الاماكن الحميمة شعرت الفتاة بغصة و ادارت رأسها للمنظر . عبس ترانت بسخرية و قال : - اى انسان لا ينبهر بمظر الكاسبا الرائع و منظر المرفأ ؟ اجابت الفتاة بهدوء : - العظمة لا تهمنى . صرخ روبرت ضاحكاً و هو يسكب اللبن فى فنجان الشاى : - انت تمزحين يا فيفيان تذكرى يوم وجدت نفسك فوق كومة العلف فى مزرعة والدك ! لقد وصفت لى هذا الحادث بكل تفاصيله , انسيت ذلك ؟ نظر ترانت مفصلاً الى كتفى الفتاة الصغيرتين و معصميها النحيلتين و قال : - انت ابنة مزارع ؟ اه فهمت ! قال روبرت بفخر : - و فوق ذلك , فهي ذكية جداً ! تصور انها تسلقت مرة فوق كومة علف بغية الوصول الى مرفاع على علو 15 متراً , كى تحل بكرة معلقة . - يا للوقاحة ! اسرعت فيفيان فى القول بعد ان امتلأ وجها بالاحمرار : - منذ زمن طويل لم اعمل فى القرية . شعرت فيفيان بارتياح لوصول الفطور اذ تغير الحديث و قدمت ثمار البحر , و لحم العجل و اكباد الدجاج و العسل و البلح و التين و الليمون الافندى . و فكرت فيفيان ان كل هذا التنوع فى المأكولات لابد ان تكون غايته اثارة قابلية روبرت .منتديات ليلاس ***** يتبع.. |
و كان روبرت يحب الحديث عن تاريخ طنجة . و بينما كان يتذوق هذه المأكولات الشهية , راح يقص على صديقته الحكايات الفكاهية حول هذه المدينة , محاولاً تسليتها . فشعرت بالارتياح يحتلها تدريجياً . و معين كان يهتم بخدمة المائدة وخاصة بالآنسة الضيفة . قدم لها صحن البلح الذيذ للمره الثانيه قائلاً :
- اذا سمحت الآنسه , احب ان اقدم لها من جديد هذا البلح الذى يشبه دموع الشمس . - ان طعمه لذيذ , يا معين , لكننى لا استطيع ان آكل المزيد منه . منه . شكراً . - العصفور يأكل اكثر من الآنسة ! اجابت ضاحكة : - اى نوع من العصافير , يا معين ؟ الوز ام البط ؟ و من دون انتباه كانت فيفيان تتكلم باللغة الفرنسية و لم تنتبه الى ذلك الا بعد فترة قصيرة و ترانت كان يراقبها بشده ثم قال : - تتكلمين الفرنسية بطلاقة يا فيفيان. اجابت بلطف : - اشكرك . هذه المرة بذلت جهداً كبيراً لتمنع الدم من الصعود الى خديها . لا شك ان اعصابها متوترة , لأنه ليس غريباً ان تتقن لغة تستعمل بكثافة فى طنجة و يتقنها عدد كبير من الناس ! بعد الفطور لم يدخل ترانت الى المنزل , بل رافق روبرت و فيفيان الى الشرفة حيث حوض السباحة , و جلس امام طاولة وراح ينقب و يراجع فى السجلات و المستندات . و جلست فيفيان قرب روبرت و شعرت فجأة برغبة فى الاستراحة بعد هذا اللقاء المتوتر او على الاقل , بعيدة عن انظار ترانت كولبى . و ترانت يرغب فى تكريس معظم وقته لأخيه , و هذا امر طبيعى جداً . لكن من جهة ثانية كانت الفتاة تشعر بالتعب من البقاء دائماً متحفظة و محترسة و عرضة للأنظار و الانتقادات . بعد قليل اعلن روبرت قائلاً : - فيفيان و انا سنقوم ينزهة قصيرة , يا ترانت . سأريها الحديقة . رفع ترانت رأسه و هز حاجبيه بسخرية و قال بنبرة حادة : - لا تقلقا عليّ . اقترب هارون ليجر الكرسى , فاوقفه روبرت فى الحال و قال : - ستساعدنى فيفيان على ذلك , يا هارون . قال ترانت ملاحظاً : - سيكون ذلك حملاً ثقيلاً عليها . اجابت الفتاة : - سأتدبر الامر ارجوك . بامكانها ان تجر دبابات الاقحام من اجل ان تتخلص من هذا الرجل و لو لفترة قصيرة .منتديات ليلاس اعطاها روبرت بعض التعليمات و استدارا حول حوض السباحة لاجتياز ممر صغير بين الاسيجة العالية . كانت الحدائق روعة حقيقية . ووسط حوض بشكل نجمة , مبلط بالفسيفساء الملونة , يهدر سبيل ماء . تحيط به اشجار النخيل و الموز . و هناك ممر طويل يصل الى عرزال مصنوع من تشابك الياسمين و العريش , ثم يمتد الى العشب الاخضر المسقى و المعتنى به باتقان والمحاط بمساكب الازهار العطرة و بعض اشجار الارز و الفلفل التى كانت ترمى ظلالها هنا و هناك . مرت فيفيان تجر روبرت امام استراحة داخل البستان تعلوها قبة مبنية على اعمدة حجرية و اجتازا المقاعد الخشبية التى تظللها اشجار الزهر و الغار و من خلال اوراق الشجر لمحت فيفيان المروج الهادئة البعيدة عن الضجيج و الضوضاء . ***** يتبع.. |
الساعة الآن 09:39 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية