لكن باب الاسطبل انفرج عن والدي انطوني . فوجئت دينا بعودتهما المبكرة , ونهضت لتهنئتهما بسلامة الوصول . فردا التحية بأحسن منها . واقتربت والدة انطوني من مرقده توقظه :
- استيقظ يا بني . استيقظ , فقد عدنا . لم يصدق انطوني ما تراه عيناه : - ابي ... امي ...اهلا بكما . نهض وعانق امه , وصافح اباه قائلا : - تسرني رؤيتكما . ما الذي عاد بكما بهذه السرعة ؟ اجابت امه على سؤاله : اشتقت للبيت , والمزرعة , والأصدقاء , فعدنا على متن أول طائرة , وركبنا سيارة اجرة الى هنا . استمعت دينا الى حديث الثلاثة : ( ما اروع هذين الزوجين . حديثهما مفعم بأريج الشوق والمحبة الصادقة ) . استمرت في اطعام الجراء حتى عاتبها انطوني : - لماذا تركتني فريسة للنوم يا دينا ؟ وعدتها ان اصطحبها الى مسرحية فكاهية يا امي , لكن اوجاع فليك كانت عقبة في طريق وفائي بوعدي . ابتسم السيد براين مورغان : - لايستطيع الانسان بالتحكم بالظروف دائما يا بني . واعرف انه يمكن للآنسة دينا الخضوع للأمر الواقع . - ان دينا لاتعرف معنى الرضوخ يا ابي , اسألني انا عنها . اشرقت الفرحة في عيني السيدة براين مورغان : - معرفتك العميقة بالآنسة تسعدني يا بني . تدخلت دينا : - انطوني يحب المبالغة يا سيدتي . قال انطوني : - ومن قال لك انني ابالغ ؟ هل اتتك يوما يا ابي سكرتيرة ارادت تهشيم وجهك بعد أول لقاء بينكما ؟ اخفت دينا وجهها خجلى : - كفى يا انطوني , ارجوك . ربت والد انطوني على كتفها قائلا : - ابني يحب المزاح , فلا تدعي ذلك يزعجك يا دينا . ان عودته الى ما كان عليه قبل سنتين تثلج صدري . نبهها انطوني : - هذا الجرو اخذ كفايته من الغذاء , فدعيه يتنفس يا دينا . على فكرة , اننا نحب المرح والضحك فعلا . ابي , هل عرفت عمتي بوصولكما ؟ - نعم , وهي تحضر لنا شيئا لنأكله . ماذا ستفعلان الآن يا ولدي ؟ - سآخذ فليك وجراءها الى غرفتي في صندوق , ليتسنى لي اطعامهما . تناول الجميع وجبة خفيفة , وصعدت دينا الى غرفتها لتنام وفكرة واحدة تهدهد كيانها : ( اشكرك ربي . واحمدك , فقد اذقتني الليلة شهد السعادة ) . 8 - يوم آخر تمضية دينا وخالتها عند عائلة مورغان: زيارة اماكن مقدسة , نزهات, سباحة , وليل بلا قمر . ثم ... لقاء مفاجىء . احضر انطوني الشاي للخالة كيت ودينا , في غرفتهما في صباح اليوم التالي : - اسعد الله صباح الضيفتين العزيزتين . اعتدلت دينا في سريرها : - اسعدت صباحا يا انطوني . ياله من نهار مشرق . يؤسفني ان نهدر ساعاته بين جدران البيت . كيف حال فليك ؟ - انها في احسن حال , وسعيدة بجرائها . تأملت دينا الخليج من النافذة , تاركة هواءه المنعش يلامس وجهها . سألها انطوني : - اتريدين ان نذهب في جولة على ظهور الخيل ؟ - سأكون مجحفة في حقك اذا طلبت ذلك , فأنت لم تنل قسطك من النوم والراحة طوال ليلتين . - لست متعبا . سنحظر وجبة الفطور لأهل البيت , ثم نذهب في نزهة الى التلال القريبة . كانت تساعده في المطبخ حين قال : - سأريح العمة هيتي اليوم , وأضع لها اللحم في الفرن , في الساعة التي تقترحها . - من الغريب ان ترفض فكرة الزواج , وانت رجل عائلة من الطراز الأول . - ترفقي بي يا آنسة بريتشارد , فالوقت مبكر على مثل هذا الملاحظات الشائكة . - لم اقصد ازعاجك , لكنك قلت لي ذلك بنفسك . - ومتى كان هذا ؟ - قلت في لقائنا الأول , ان السكرتيرة الجميلة تفطر وتدبر حتى تدفع بمديرها الى فخ الزواج . - اجتاحني يومها اعصار غضب , فأرجوك تناسي ماقلته . - اعدك بذلك , شرط ان تنسى انت ايضا التعليق على هفواتي . - هل يعني هذا ان رايك بي قد تغير ؟ - بل يبرز ايماني بمبدأ " جل من لا يخطىء " ويؤكد انني لست دائما ضحية الغضب . قرع انطوني الباب , ودخلا معا غرفة والديه : - اتسمحان لنا بالدخول ؟ اتيناكما بالفطور . رحبت بهما السيدة براين مورغان : - تفضلا . ما احلى الرجوع الى البيت . اتفقت مع ابيك يا انطوني على ان نبدأ بتشيد منزلنا الجديد في الأسبوع المقبل , ان شاء الله . - في التأني السلامة يا امي . لا داعي للاستعجال . - اعشق البيوت الجديدة , وقد آن لأبيك ان ينقل اغراضه كلها من المستودعات . احضرهم الى هنا يا أبي . - ليس عندك متسع لأشيائي كلها يا بني . تلاقت عينا السيدة بعيني دينا : ( تريحني الطيبة في عيني والدة انطوني . انها تختلف تماما عن السيدة ميلغروف ) . عادا الى المطبخ لتحظير وجبة فطورهما , ووضع انطوني اللحم في الفرن بعد تنفيذ تعليمات العمة هيتي , ثم مازح دينا : - الست طباخا ماهرا ؟ - بلى . انك من امهرهم . - هل لفت احد انتباهك لى انك جميلة جدا في الصباح يا دينا ؟ - اشكرك لهذا الكلام اللطيف . - انها الحقيقة وليست كلاما لطيفا فقط . دعينا نذهب للسباحة في الخليج الصغير القريب من هنا . امتطيا صهوتي جوادين , واتخذا طريقهما الى شاطىء ذهبي الرمال , يلاصق خليجا صغيرا هادىء الأمواج . استسلمت دينا لعناق اشعة الشمس الدافئة قبل ان تقول : - ما احلى السباحة في الخريف . - يمكنك السباحة بأمان في هذه المنطقة . تعالي نسبح نحو تلك الصخرة . جذبها من الماء بقوة , بعد ان سبقها الى الصخرة , فتحدته : - هل تحاول اثبات ان الرجال قوامون على النساء ؟ - نعم . خصوصا بعدما اخذت البارحة قسطي من الراحة . اراك عاقدة الحاجبين يا دينا , مابك ؟ - يشغلني الغد المجهول , وعودتنا الى العمل . - اتقصدين عودتنا الى ديار السكرتيرة والمدير ؟ - يدخل كل هذا ضمن اطار العمل . - كم اتمنى بقاءنا على ما نحن عليه الآن يا دينا . - تذكر اننا هنا لإغاظة راسل فقط . حول دفة الحديث فجأة : - انظري . بدأت أشرعة سفينة قادمة تظهر في الأفق . - العودة الى مناداتك سيدي , او السيد انطوني صعبة . - تفرض اجواء المؤسسة على موظفيها التعامل الرسمي . - اجد نفسي مضطرة لسؤالك ثانية , الا تخاف الشائعات يا انطوني ؟ - علاقتي بك وضاءة كالشمس , فلماذا اخاف الشائعات يا دينا ؟ - عادت الى الماء قائلة : - يجب الا نتأخر عن والديك . سمعت دينا والد انطوني يقول بعد الغداء : - احب التقرب الى الله , ويسعدني الذهاب مع زوجتي الى اماكن العبادة دائما . اكدت الخالة كيت : - ان زيارة الأماكن المقدسة تدخل السكينة الى قلبينا , وانا ودينا ايضا يا سيد براين مورغان . حضر الجميع يومها جلسة وعظ وارشاد , استمعت دينا الى الخطيب يقول فيها : " تذكر يا اخي الإنسان انه جل من لا يخطىء, وان الله يغفر الذنوب جميعا , لأنه غفور رحيم . يا اخي في الانسانية , ان سمعة الانسان السيئة لا تدل على اختلال ميزان اخلاقه , فاجتهد ان تكتشفه بنفسك قبل ان تصدر حكمك " . ارتعدت دينا عند سماعها ذلك : ( احس ان كلام الخطيب موجه الي دون الناس جميعا . قد يكون انطوني مذنبا . لكن من منا بلا ذنوب ؟ يا واسع الرحمة والمغفرة , ارشدني سواء السبيل , فأنا اتخبط في ظلمات الشك ) . سالها انطوني بعد خروجهما من المكان : - احسست بك مشدودة الى كل كلمة قالها الخطيب , فهل اعجبك كلامه الى هذا الحد ؟ - نعم ... نعم ... كان لكلامه اعمق الأثر في نفسي . - تسابق الموجودون بعد ذلك لتحية السيد براين مورغان وزوجته , اللذين وقفا يتلقيان التهاني بسلامة الوصول , في الفسحة المحيطة بقاعة الاجتماعات . وقام انطوني بتعريف دينا بهم , الواحد تلو الآخر . كانا يستعدان للعودة الى البيت , عندما احست دينا بنظرات تلاحقها . وحين اكتشفت انها نظرات راسل وامه , اجتاحتها جيوش الخجل والحياء . فالتجأت أصابع يدها الرقيقة , دون ارادة منها الى كف انطوني تطلب الحماية والسند , فاحتوت كفه الدافئة اصابعها بحنان قبل ان ينادي : - ابي ... امي ... السيدة ميلغروف وابنها راسل هنا , يريدان تحيتكما . خاطب راسل دينا : - حاولت الإتصال بك في البيت , فلم الق جوابا . واذا عرف السبب بطل العجب . لم اتوقع عودة السيد براين مورغان وقرينته بهذه السرعة . هل كنت معهما في نزهة ؟ - لا . أمضيت عطلة الأسبوع مع خالتي في مزرعة انطوني . وقد وصل والداه فجأة , مع ساعات الصباح الأولى . - ولماذا لم تخبريني ؟ لماذا لم تخبريني يا دينا ؟ - لم يتسنى لي مقابلتك نهار الجمعة , هذا عدا انني لم ارغب في اضاعة وقتك الثمين يا راسل . - عفى الله عما مضى يا دينا . سأعود بك الى البيت . - لا تتعب نفسك يا عزيزي , ستزورنا السيدة براين مورغان لرؤية مرسم خالتي . سنلتقي في الأسبوع المقبل بإذن الله . الى اللقاء . - كانوا في طريقهم الى البيت , عندما قالت السيدة براين مورغان : - لماذا اجبرتني على تحية السيدة ميلغروف يا طوني ؟ انت تعرف انني لا احبها . - تعرفت دينا الى راسل هذا العام اثناء وجوده في لندن يا امي . قالت السيدة مورغان : - انني متأكدة من ان والدته لم تكن معه في تلك الفترة . تعلق هذا الرجل بأمه مخيف . أتعرفين يا دينا ان شقاوة انطوني هي سبب عدائي للسيدة ميلغروف ؟ اتتني يوما تشكو سوء تصرفه مع ابنها , ولما حاولت الدفاع عنه , طعنت باخلاقه , وعزت السبب الى انه ابني بالتبني . ضحك اليد براين مورغان : - وما ان سمعت زوجتي هذا الكلام , حتى هبت للإنتقام هبوب الريح الهوجاء . - شاركه انطوني الضحك ثم قال : - كفاك مبالغة يا ابي . تأملت دينا الثلاثة بنظرات ملؤها التقدير : ( ان عمق الروابط العائلية والعاطفية واضح بين انطوني ووالديه . يذكرون خادثة التبني بلا خجل . في هذا قوة . بل انه القوة بذاتها ) . همس انطوني قبل وصولهما الى البيت بقليل : - اعذري والدي على اندفاعهما في الكلام واطلاق الأحكام , فهما لا يعرفان عمق العلاقة بينك وراسل . انني اشفق على الرجل , واتمنى ان تستطيعي مستقبلا اصلاح ما افسدته امه من سنين عمره . تلاحقت ساعات الزيارة هادئة حلوة : ( لن انسى زيارتهم لنا ما حييت . وجبة خفيفة , دفء , قهوة ساخنة , والسعادة تطل من عيني خالتي كيت ) . عادت مع صوت انطوني الى الواقع : - تعالي الى الشرفة لنستمتع بمرأى القمر والمناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا . كانت صفحة الليل سوداء , مرصعة بالنجوم , والخليج هادىء الأمواج , واضواء البيوت تزين شواطئه بصمت . اما النسائم الرقيقة فقد اثقلها اريج الأزهار والورود على اختلاف انواعها . تأملت دينا السماء بعينين خاشعتين : - غاب القمر عن صدر السماء الليلة . - كانت رؤية القمر حجتي للانفراد بك . واستكانت لسماء صدره : ( ان انطوني غريب الأطوار . لماذا يريد الانفراد بي ؟ ما معنى تصرفاته ؟ ماذا سيقول والداه ؟ لماذا اعشق الضياع في متاهات صدره ؟ احتضن وجهها قائلا : - عودي يا دينا . عودي الي من احلامك . بماذا تفكرين ؟ بماذا تحلمين ؟ - افكر بشاربيك , وافضلك من دونهما . - ما اروع صراحتك يا دينا . لا تدعي راسل يحيلك بقيوده الى انسانة جامدة باردة , ارجوك . - انطوني انس راسل , وتعال نعود الى الداخل . جافاها النوم تلك الليلة : ( بدأ انطوني يستحوذ على قلبي وعقلي . انه انسان عركته تجاربه في عالم المرأة , ويعرف كيف يتلاعب بالمشاعر والأحاسيس . لا . علي الا انسى كلام الخطيب , وامتحنه بنفسي , قبل ان اصدر حكمي ) . اتصل راسل بدينا في اليوم التالي : - اعرف انك من عشاق المسرح , لذلك ارى ان نذهب الى مسرحية الثلاثاء المقبل ... قاطعته : - شكرا لك يا راسل , لكن انطوني دعاني لحضور مسرحية يوم الأربعاء . لماذا لا ننتقي فيلما سينمائيا , يمكننا حضوره سوية يا عزيزي ؟ احست دينا بالانزعاج يتسرب الى صوت راسل , لكنها اردفت قائلة : - على فكرة , ارجوك يا راسل لا تحاول الاتصال بي ثانية في مقر عملي , فمديرالمؤسسة يكره ان تشغل خطوط الهاتف فيها بالمكالمات الشخصية . سمع انطوني ادعاء دينا , فانتزع منها السماعة قائلا : - اسمعني يا راسل انا انطوني مورغان , لا تصدق ما قالته الآنسة بريتشارد , فليس لمؤسستي مثل هذه الأنظمة . اتصل بخطيبتك في أي يوم اردت , وفي كل الأوقات اذا احببت . مع السلامة . لم تستطع دينا بعد المكالمة مجابهة انطوني , وفضلت البقاء اسيرة الصمت . دعت العمة كيت انطوني لتناول طعام العشاء معهم مساء يوم الأربعاء . فلبى انطوني الدعوة حاملا باقة من زهر الليلك , قبلتها دينا شاكرة . حاول ان يرفق هديته بكلمات , لكنه كبح جماح كلماته في اللحظة الأخيرة . أحست دينا بتردده . وكانت لا تزال بصحبة افكارها , عندما اعطاها عقدا من حجر التوباز مع قرطيه وقال : - ارجوا ان تقبلي مني هذا , هدية ايضا يا دينا . صفعها طلبه : - انها هدية ثمينة , لا يمكنني قبولها منك يا انطوني . لقد اتفقنا على التمثيل لاغاظة راسل فقط , وانا ... - ما الذي تريدين قوله يا دينا ؟ - انني لست من الفتيات اللواتي يمكنك التلاعب بهن بتقديم مثل هذه الهدايا . شبت نيران الغضب في اعماقه , ورقص اللهب في عينيه وهو يقول: - آه ... صحيح ... نسيت انني بالنسبة اليك رجل سيء السمعة . اتجه نحو الباب , فلحقت دينا به , وامسكت بذراعه قائلة : - لا تسىء فهمي ارجوك يا انطوني , لقد تغيرت فكرتي عنك تماما , صدقني . لكنني لا استطيع تقبل فكرة شرائك لصداقتي بالهدايا . اطفأ غيث الدموع في مآقيها نار غضبه , فقال : - سامحيني اذا آلمتك يا دينا , لكن الماضي ما زال يلاحقني بظلاله السوداء , وقلة هم الذين يؤمنون بقدرة صبي متبنى , على الصلاح. تخبطت في بحر عينيه قبل ان تقول : - سأحتفظ بهديتك , ما دامت احتفظ بقلبي , شكرا لك . - ضعيها لتراها الخالة كيت . لكن ... لكن اخشى ان ترفض هي ايضا فكرة قبول الهدية . - لا تقلق , يكفي انني قررت الاحتفاظ بها . تأمل وجهها قبل ان يقول : - لا اعتقد ان خالتك تكبدت مشقة في تربيتك . |
- اشكرك على حسن ظنك بي , واصارحك بأن المسكينة عانت الكثير في تربيتنا أنا وأخي ديفيد .
اعجبت الخالة كيت بالهدية : - ما اجمل عقدك يا دينا . انه اكبر دليل على ذوقك الرفيع يا انطوني . قال انطوني فجأة : - يا الهي , كدت انسى ان أدعوكما باسم امي وابي الى مزرعة شقيقتي ميغان في عطلة نهاية الأسبوع المقبل . شكرته الخالة كيت : - يسرنا تلبية دعوتكم , لكن الا يفضل والدك قضاء عطلة أسبوع عائلية مع شقيقتك , بعيدا عن الغرباء ؟ - ومن قال انكم غرباء يا خالة ؟ - حسنا ... حسنا ... اشكر لكم دعوتكم . - سنضطر الى السفر في وقت مبكر , ليتسنى لنا كسب ساعات النهار , لأن المسافات التي سنقطعها طويلة . - لماذا لاتمضون ليلة الخميس عندنا اذا, توفيرا للوقت يا بني ؟ - يخلق الله ما لاتعلمون حتى ذلك الحين يا خالة , شكرا لك . رحل انطوني , وأوت دينا الى فراشها تاركة الأفكار تمزقها : ( اصحيح ان الابن بالتبني غير قادر على الصلاح ؟ حرام ان تبقى سنين الملجأ وصمة عار في حياة انطوني . أراني مهتمة بأموره , بمشاعره واحاسيسه . لماذا ؟ لماذا ؟ انني انسانة رقيقة الاحاسيس , مرهفة . هذا كل ما في الأمر . هذا كل ما في الأمر ) . وسكن الليل , فغفت دينا وهي تردد : آه ... كم اخشى غدي هذا , وارجوه اقترابا . 9- قطعت دينا المسافات الطويلة من اجل حلم , فاصطدمت بواقع مقيت . وها هي تعلن لراسل اخيرا انها تغيرت ... تغيرت كثيرا . فاجأت السيدة ميلغروف دينا بدعوتها الى العشاء : ( تناثرت توقعاتي اشلاء على درب الواقع . اختطفتني المخاوف بعيدا حين خيل الي ان آثار سلبية ستترتب على رؤية السيد ميلغروف لي مع انطوني . هاهي الظروف تثبت العكس . ان تلطفها في دعوتي يخجلني , يربكني ويحيرني . علي ان اتفهمها اكثر ). سألتها الخالة كيت وهما على الغداء: - ما الذي قررت ارتداءه الليلة يا دينا ؟ ان الفستان النحاسي اللون مناسب ورائع التصميم . - سألبس فستاني الأخضر يا خالتي . - لكن الفستان الأخضر مخملي , ولا يتناسب مع الأجواء الحارة اليوم . - اللون النحاسي لافت للنظر , وانا لا انوي اجتذاب الأنظار . - ينتابني شعور غريب بأنك تحاولين مجاراة الأوضاع حولك , وقد اثبت كلامك صدق حدسي . يؤسفني ان يثقلك راسل ووالدته بالقيود , لأنك تعشقين الحرية . - انت تكررين ما قاله انطوني قبل ايام . لا تدعي القلق يتعبك يا خالتي . الى اللقاء . - لن انتظر عودتك , فقد تتأخرين , تصبحين على خير يا عزيزتي . - لن اتأخر يا خالتي , فراسل سيرجع الى البيت بمجرد انتهاء الفيلم , رأفة بأمه التي تهرب من النوم حتى عودته . ودعت دينا خالتها , وتركتها وحدها مع الأفكار : ( بدأت دينا تزن راسل بميزان العقل , وفي هذا الخير كله . تعذبني رؤية آمالها تذهب ادراج الرياح , لكنني احمد الله واشكره , لأن احلامها الزائفة بالعيش مع راسل تتبدد , فأنا لا اريدها ان تسقط في يوم من الأيام ضحية السراب ) . كانت تصرفات السيدة ميلغروف طبيعية اثناء العشاء , لكن الشك في حسن نواياها بقي يدمي قلب دينا . عندما انتهتا من نقل الصحون وغسلها , قالت السيدة ميلغروف : - دينا يا عزيزتي , هل تتقبلين نصيحة انسانة عركتها الحياة ؟ - بالطبع يا سيدتي . تفضلي . - ان اختيارك هذه الفترة بالذات لمصادقة انطوني براين مورغان وعائلته , غير مناسب ابدا يا عزيزتي . - الحب والصداقة طارقان بلا استئذان يا سيدتي . - لكن علاقتك بأنطوني براين مورغان تعدت حدود الصداقة يا عزيزتي . حاولت دينا اخماد بركان اعصابها : - كفاك كلاما عن انطوني براين مورغان يا سيدتي . انني قادرة على تكوين آرائي الخاصة في الناس , لكنني اتبع مبدأ التروي , الذي رفعت رايته بعد وفاة ابي . - قصدت تذكيرك بأن خطيبة راسل السابقة في المدينة الآن , وقد خرجا البارحة معا , بعد ان فضلت صحبة انطوني مورغان عليه . - ولماذا لا تقولين انهما التقيا مصادفة ؟ ورب صدفة خير من الف ميعاد . أتعرفين ان اتفاقنا على تأجيل اعلان الخطوبة ستة اشهر ساعدني على معرفة راسل اكثر ؟ - انا التي لم اعد اعرف ابني يا دينا . عودني الصراحة , واراه اليوم متقوقعا على نفسه . - لكل منا عالمه الخاص يا سيدة ميلغروف . - الم يثر كلامي غيرتك يا دينا ؟ - الغيرة جنون , وقد اعتدت التعقل في اتخاذ قراراتي . على راسل ان يتزوج الانسانة التي يحب , ولن اقبل بأن اكون بديلة من احد على عرش قلبه . - هذا استهتار بمشاعر ابني . هل استحوذ انطوني مورغان بخبثه ودهائه عليك الى هذا الحد ؟ انه انسان لا اخلاقي فعلا . - يزعجني كلامك عن السيد انطوني بهذه الطريقة . - انت يا دينا زهرة بالنسبة الى انطوني مورغان , سيمتص رحيقها ثم يرميها . - لا دخل للسيد انطوني بموضوعي مع راسل . تركت دينا المطبخ اسيرة للانزعاج , فلحقت بها السيدة متسائلة : - هل ستخبرين راسل بما دار بيننا من حديث ؟ - لا . فهو لا يملك الوقت الكافي لايجاد التوازن بيننا . صرفت روعة الفيلم دينا عن التفكير بما يحيطها من مشاكل , وحين ارجعها راسل الى البيت قالت له : - امك تنتظرك يا راسل , فعد اليها . - لقد تغيرت يا دينا . - نعم تغيرت . لم اعد تلك الفتاة الحالمة , التي تعدو وراء العواطف . لقد اصبحت متزنة , عاقلة . اليس هذا ما تريده ؟ اجبرها راسل على مواجهته : - ما هذا كله يا دينا ؟ هل حدث ما ازعجك الليلة ؟ وسألتها نبضات قلبها : ( دينا ... دينا ... ماذا اقول له ان جاء يسألني ان كنت اهواه ؟ اني لست اهواه . اني لست اهواه ) . اصمت دينا اذنيها عن صرخات قلبها وقالت : - لقد عدت يا راسل الى الواقع , لم يعد يهمني شيء . لم يعد يهمني أي شيء . ابتسم راسل قائلا : - عزيزتي , لن تكون امي الليلة في انتظاري , واستطيع البقاء معك لفترة اطول , فما رايك ؟ - يمكننا تناول وجبة خفيفة , شرط ان نعود بعدها الى البيت , فأنا متعبة جدا . - قال لها بعد العشاء : - لماذا لا نرتاح قرب النافذة , في ذلك المقعد الوثير ؟ - انني مرهقة , سآوي الى الفراش استعدادا لعطلة اسبوع طويلة. - ماذا تعنيين يا دينا ؟ - سنذهب مع السيد براين مورغان وعائلته الى مزرعة ابنتهم ميغان على ضفاف بحيرة هيز . - كنت اود اصطحابك الى تلك المناطق , لكن مشاغلي ... - اعرف ... اعرف ... مشاغلك كثيرة . هلكنت تهمل جيني دائما يا راسل ؟ هل كان تناسيك اياها السبب في فسخ خطوبتكما ؟ - كل هذا دفنه الماضي . - اتمنى تصديقك لكن ... زرع راسل الغرفة جيئة وذهابا قبل ان يسألها : - هل تحبين انطوني يا دينا ؟ - انت بالنسبة اليه ... - انا بالنسبة اليه زهرة في روض , سيمتص رحيقها وينساها . افهمتني والدتك ذلك , ومع هذا لن تنجحا ابدا في زعزعة ثقتي بنفسي . اذهب يا راسل . اذهب الى امك , فهي وحدها القادرة على تحمل اخطائك . - هل غيرتك من جيني هي سبب ثورتك ؟ - لم تنهش الغيرة قلبي بعد , ويظهر انني قطعت المسافات سعيا وراء حلم , فاصطدمت بواقع مقيت . - اعتدلت الخالة كيت في سريرها تستمع لنقاشهما : ( ارجوا ان يكون هذا بداية النهاية بينهما . الصبر جميل . الصبر جميل ). ابتلعت الحيرة دينا بعد خروج راسل : ( من انا بالنسبة الى انطوني ؟ من انا بالنسبة اليه ؟ ) . دخل انطوني المكتب صباح يوم الجمعة مسرورا : - قلبي يحدثني اننا سنمضي عطلة اسبوعية رائعة بإذن الله , سيكون ابي وامي في بيتكم عند الظهر , وقد قررنا الانطلاق الى المزرعة في السابعة من صباح الغد , فكوني على اتم الاستعداد . كانت جذوة الأمل بقضاء عطلة لا تنسى قد خبت في اعماق دينا : ( ذكريات داعبت فكري , ولست ادري ايها اقرب الي . لا تزال ذكرى اقوال راسل وامه تعبر افق خيالي , فماذا افعل يا رب ؟ ماذا افعل ؟ ) . وجدت نفسها تقول : - لك ما تريد . - ما رايك في الذهاب الى الهضبة القريبة بعد انتهاء ساعات العمل , لنستقبل جحافل الليل هناك ؟ كان الليل قد بدأ يزدرد بقايا النهار ببطء , عندما وقفت دينا تتأمل انطوني على قمة الهضبة : ( انك يا انطوني الرجل الذي احب . انت الرجل الذي اهوى ) . افزعتها افكارها , فسألت انطوني : - هل تعرف جيني , خطيبة راسل السابقة ؟ - رأيتها معه مرة . - هل ذهبت يوما برفقتها ؟ - ولماذا اذهب برفقتها يا دينا ؟ - سألتك لارضاء فضولي فقط . - ما اغرب اسألتك . هل انت متعبة ؟ اراك شاحبة يا عزيزتي . - اتعبتني كثافة العمل قليلا . احاطتها ذراعاه بكل حنان وهو يقول : - امضينا نهار عمل مرهق . معك حق . ستريحك عطلة هذا الأسبوع ان شاء الله . تلاشت في افق صدره : ( يا حبيبي كل شيء بقضاء / لاتقل شئنا فإن الحظ شاء . احبك يا انطوني , وحبك قضائي وقدري ) . في صباح اليوم التالي , وعندما كانت السيارة تتجه بالجميع الى ضفاف بحيرة هيز , صافحت دينا بأنظارها الجبال والسهول , الوديان والأنهار , فأنساها جمال الطبيعة الهموم كلها . توقع انطوني ان تكون ميغان في انتظارهم , لكنهم وجدوها في المطبخ توبخ ابنتها برونوين : - ما هذا الذي فعلته ؟ الم يكن في وسعك الانتظار ؟ اجابتها الطفلة : - اردت الحصول على المادة اللاصقة دون تأخير . ساعديني يا امي. بدأت المادة تتسرب الى فمي . طعمها فظيع . اسرعت ميغان لمساعدة طفلتها , متناسية صراخ طفلها الرضيع . تأمل الزائرون الأم وطفليها قبل ان يستسلموا للضحك . التفتت ميغان مذعورة , فوجدتهم وقوفا بباب المطبخ , فشاركتهم ضحكهم , واسرعت الصغيرة لتحية جدتها متناسية وضعها , فاندفعت السيدة براين مورغان نحوها قبل ان تصرخ : - برونوين عزيزتي . انتظري . لا تحيطيني بذراعيك . تدخل انطوني : - ما رأيك في تأجيل العناق حتى تنتهي من تنظيف الغراء ؟ قالت ميغان : كان كل شيء يسير على ما يرام قبل دقائق . ما اسوأ حظي . سأذهب لتنظيف الصغيرة . تعالي معي يا امي . وانت يا انطوني , ارجوك احتضن الصغير , عله يهدأ قليلا . تأملت دينا انطوني : ( انه صورة رائعة للحنان والعطاء والمحبة ) . اعادها اعتذار ميغان الى الواقع : - أسفة لهذا الاستقبال يا دينا , سأنتهي من تنظيف برونوين , ثم نشرب سوية قدحا من الشاي . - لا تعتذري يا ميغان , دعيني اساعدك . انهى الثلاثة تنظيف الطفلة , وخلال دقائق كانت الحياة في البيت قد عادت الى طبيعتها . لاحظ انطوني ذلك فقال : - تحضر العمة هيتي بعض المآكل , وابي يتفقد قطعان الماشية , فلماذا لا انادي ايفان ولويد يا ميغان ؟ - ناديهما بأعلى صوتك حتى يسمعاك . مضت دقائق قبل ان يدخل ايفان زوج ميغان , ومعه ابنهما البكر لويد الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره . اخبرت ميغان زوجها بما حدث لبرونوين , فقال : - ارجو ان لا يضطرنا الحادث الى قص شعرها . طمأنته دينا : - لن نضطر الى قص الشعر , لكنه قد يحتاج الى عملية تنظيف اخرى قبل النوم . تأمل انطوني دينا مبتسما , فأشاحت بصرها عنه : ( ان رماح نظراته تخترق اعماقي , وتهتك ستر اسراري . نظرات اخته تقلقني. هل انا اول فتاة يأتي بها الى هنا ؟ ) . كان الليل قد ارخى سدوله عندما سألتها ميغان : - ما الذي اتى بك الى نيوزليندا يا دينا ؟ اجابها انطوني : - اتت لتزيد معرفتها براسل ميلغروف . فوجئت ميغان : - لا اصدق انك اتيت الى نيوزيلندا اكراما لراسل ميلغروف . انه ... انه... اسوأ مثال للشباب النيوزلندي . اسكتها شقيقها : - ولم هذا الكلام يا ميغان ؟ - آسفة لازعاجكم بكلامي , لكن الرجل ترك اسوأ الأثر في نفسي منذ اللحظة الأولى التي عرفته فيها . ذهب الأطفال للنوم بعد العشاء , وتركوا الكبار يفكرون بأفضل وسيلة لقضاء الأمسية . قال انطوني : - سأصطحب دينا في جولة استكشافية . - أفضل الصعود الى غرفتي اولا , اذا سمحت . وقفت دينا امام نافذة غرفتها , تراقب عظمة الخالق في خلقه . قالت بلا تفكير : كل شيء هنا رائع يا خالتي , المروج , والهضاب , وسكون الليل ... فسمعت صوت انطوني يتساءل : - الست انا رائعا ايضا يا دينا ؟ - لا اعرف يا انطوني. لا اعرف . - ستتخلصين من حيرتك قريبا . - ماذا تعني ؟ - لست مضطرا لتفسير ما اعنيه منذ الآن يا عزيزتي . اقترب منها واحتضن وجهها متسائلا : - لماذا لا المح شعاع الفرح في عينيك يا دينا ؟ هل راسل هو السبب ؟ - تستطيع قول ذلك , نعم . - ما الذي يزعجك ؟ - ارجوك دعني وشأني . - لا بد انك متعبة . - لست متعبة ابدا . - عندما تتوتر اعصابك تتحولين الى طفلة صغيرة . غاصت دينا في بحر عينيه : ( الى متى تنوي تعذيبي يا انطوني ؟ الى متى ؟ ) . قالت له : - انني متعبة فعلا , لكن وجودي هنا سيريحني حتما . - انني متأكد من هذا . فكرت قبل موت اخي اوين بشراء قطعة ارض في هذه المنطقة . - لفهما بعد ذلك الصمت , الى ان قالت دينا : - لنشرب القهوة مع الأهل يا انطوني . - لكنهم لا يمانعون على بقائنا هنا يا عزيزتي . استعصت الكلمات على دينا , ففضلت السكوت , وعندما انتهت من شرب قهوتها , سمعت انطوني يقول : - لن ارهق دينا بنزهة الليلة . تعالي يا عزيزتي . |
- يريحني السير لمسافات طويلة يا انطوني , فلا تقلق .
- سارا على مهل في الخارج , سألها انطوني : - ايريحك السير من اعبائك حقا ؟ - في بعض الأحيان . سامحني على توتر اعصابي قبل قليل . لامس اصابعها بحنان : لا لزوم للاعتذار , فنحن بشر يا عزيزتي . ثم اننا اصدقاء , والصديق وقت الضيق . - اشكرك ... اشكرك يا انطوني . - ارتدي سترتك , فالأجواء تميل إلى البرودة . جلسا على صخرة , فأحاطها انطونيو بذراعه قائلا : - لا أريد لنبوءات الصخر آن تؤذيك . غلب النوم دينا وهي مستكينة لصدر انطوني , وحين داعب اسماعها بتحية المساء , فاجأته بسؤال : - لماذا اسأت التصرف مع راسل في الماضي يا انطوني ؟ - ما هذا الأهتمام المفاجىء بالماضي ؟ - لأرضي فضولي فقط . - كانت شقاوة أطفال , لا أكثر . - حسنا ... حسنا . - انسي راسل يا دينا . انسيه , إن كلامك عنه يزعجني . - تذكر إنني قطعت من اجله مسافات طويلة . طويلة جدا . - اعرف هذا . ومع ذلك , ارجو ان ترحميني من ذكره . 10. لهذا جاءت الى بيت راسل . طلبت منه , بلسانها , ان يعطيها الحرية . وبقلبها اخذتها . بانت السعادة واضحة على وجه براين مورغان وهو يـتأمل بحب افراد عائلته الكبيرة , واستولت الغبطة على دينا وهي تراقب ميغان بين زوجها واطفالها : ( حياة ميغان فيها استقرار وحب . ما احلى العائلة ) . استمتع الجميع بعد الغداء بدفء الشمس وظلال الأشجار . وقال ايفان : - يفكر جيراننا بطرح مزرعتهم للبيع في الأسبوع المقبل . ضغط انطوني على يد دينا بحنان وهو يقول : - انها مزرعة رائعة , ما رأيكم في ان نترك ايفان بعض الوقت مع ميغان ونذهب جميعا في نزهة مع الأولاد ؟ امسكت ميغان بذراع دينا قائلة : - اتمنى ان تكوني اعتدت تصرفات اخي المفاجئة يا عزيزتي . لا تنسوا العشاء في الخامسة . تأملت دينا انطوني وهو يلاعب الاطفال في الحقول : ( استغرب ان يرفض رجل عائلة من الطراز الأول مثله , فكرة الزواج . قد تباعد الأيام بيني وبين انطوني , لكني احلم باليوم الذي سأبعد فيه راسل عن ساحة حياتي ) . قال والد انطوني في طريق العودة : - هناك بعض الأعمال التي تتطلب الانجاز في مدينة كرايست تشيرتش . خذ دينا معك في عطلة الأسبوع المقبل , واذهب الى هناك , تستطيع ايريني القيام بمسؤليات المكتب اثناء غيابكما . - فكرة حسنة يا ابي , لكنني افضل وجود السيدة بتسون سكرتيرتك معنا , رفقا بسمعة دينا . تساءلت امه : - الم تنسى الماضي بعد يا بني ؟ - لا يا امي ... لم ولن انساه ما حييت . غيرت الخالة كيت مسار الحديث : - من فضلك يا انطوني , توقف هنا قليلا , فالمناظر تستحق الرسم . بقي الندم يؤرق دينا اياما بعد ذلك : ( لماذا غيرت خالتي مسار الحديث ؟ كنت اتمنى معرفة اصول الحادثة وجذورها ) . اعتذر راسل عن رؤيتها نهار الاثنين , فاتفقت معه على الذهاب في نزهة بالسيارة نهار الاربعاء: ( يجب ان احطم قيود راسل . علي ان امحو آثاره من حياتي مهما كان كلفني الأمر ) . دعت السيدة ميلغروف دينا الى العشاء يوم الثلثاء , فلم تستطع رفض الدعوة : ( اردت الاجتماع براسل وحدي . لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) . استغربت دينا حسن استقبال السيدة لها : ( ما الذي تحاول السيدة ميلغروف فعله ) . كانتا تتناولان العشاء عندما سألتها السيدة : - ما رايك في الاقامة معي بعد زواجكما يا دينا ؟ لا ... لا اعتقد انك تفضلين فكرة الاستقلال , اليس كذلك ؟ - ان مثل هذا الحديث سابق لأوانه يا سيدتي , ومازال امامنا الكثير من الوقت للتفكير . - لا لزوم للتفكير يا دينا , فقد عرفتك , ويسرني ان تكوني زوجة لابني . - جاء دوري الآن للتأكد من مشاعري يا سيدة ميلغروف . دخلتا غرفة الجلوس بعد انتهاء العشاء . فقالت السيدة ميلغروف : - سأقيم في عطلة الأسبوع حفل عشاء كبير , اعرفك فيه الى اصدقائنا . - آسفة يا سيدتي , سأذهب مع مديري في عطلة الأسبوع الى كرايست تشيرش , في رحلة عمل . - وهل يعقل ان تظهر خطيبة ابني بصحبة هذا الرجل اللااخلاقي . - لست خطيبة ابنك يا سيدتي , وانا اثق باخلاق السيد انطوني مورغان ثقة عمياء . - انه لايستحق ثقتك يا عزيزتي . قاطعتها دينا غاضبة : - انه رجل بكل معنى الكلمة . استغربت السيدة : - ما هذا الدفاع المستميت عن الرجل يا دينا ؟ ان فضيحته ما زالت على كل لسان . - احكي لي بالتفصيل عما تسميه فضيحة يا سيدتي . استمعت دينا الى تفاصيل القصة بانتباه , فتبين لها ان انطوني انتشل سكرتيرته من مأزق وقعت فيه , وقام برعايتها , كما يرعى أي موظف في المؤسسة . فجابهت السيدة ميلغروف برأيها , وسفهت محاولتها تشويه سمعة انطوني . دخل راسل في تلك اللحظة وقال : - لا بد ان انطوني هذا قد خلب لبك , وملأ راسك بالأكاذيب عني يا دينا . - لم يفعل شيئا من هذا يا راسل . اما ما تسميه انت وامك فضيحة , فأنت تعرف انه كان تصرفا انسانيا , انقذ به احدى الموظفات . انك انسان جبان وضعيف الشخصية يا راسل . وانا هنا الليلة لأمحو اسمك من قاموس حياتي . وكلي امل في ان تعود الى جيني التي كنت معها ليلة السبت . تدخلت السيدة ميلغروف : - لم يكن مع جيني مساء السبت , كان مع كليو . سخرت دينا منها : - وماذا في ذلك ؟ كليو فتاة طموحة وجميلة وتستحق الخير , واسم كليوباترا يناسب الأوضاع في هذا البيت اكثر من اسمي . اسكتها راسل بقوله : - كفاك سخرية من امي يا دينا , واؤكد لك مرة اخرى انك لست بالنسبة الى انطوني مورغان الا وسيلة تسلية . - وكيف اكون بالنسبة اليه وسيلة للتسلية , وهو لا يعرف بعد عمق مشاعري نحوه , ولا هيامي المجنون به ؟ حاولت السيدة ميلغروف تدارك الموقف : - اهدئي يا دينا , اهدئي . لا اجد ضرورة لهذا , فأنت الفتاة المناسبة لابني . - لم ولن اكون الفتاة المناسبة لابنك في يوم من الأيام يا سيدتي . ان انطوني مورغان هو الرجل الوحيد الذي ملك علي قلبي وعقلي . انصحك بأن تعيدي ابنك الى حبيبته الأولى , مع اطمئنانها بأنني خرجت من حياته والى الأبد . تلقفها جوف الليل وسمعت نجومه كل ذرة من كيانها وكأنها تصرخ : أعطني حريتي أطلق يدي . إنني أعطيت ما استبقيت شيئا . 11- رحلة مثيرة وشاقة يذوق انطوني ودينا الأمرين , في يوم ممطر وعاصف . وعلى بعد خطوة يكمن لهما الموت . فضلت دينا تأجيل إخبار العمة كيت بانفصالها عن راسل : ( سأتجرع كأس الألم الخيبة وحدي . لا اريد مساعدة احد . لا اريد مشاركة احد لا سيما انطوني براين مورغان ) . فاجأها انطوني في صباح اليوم التالي بقوله : - هناك اشياء يجب ان تعريفيها يا دينا . تحسبت دينا لأي طارىء : ( هذه المرة الأولى التي يناديني فيها باسمي مجردا في المؤسسة . علام تنطوي الدقائق المقبلة يا ترى؟ ) سألته : - وما هي يا سيد انطوني ؟ - ما سأقوله قد يغير مجرى حياتنا يا دينا . جنت نبضات قلبها : ( ترفق بي يا انطوني . ترفق بي ارجوك ) . سمعته يقول : - سأبتاع المزرعة القريبة من بيت اختي ميغان , واتفرغ للزراعة . تلاقت نظراتهما : ( نعم يا انطوني . قتلني سهم حبك مرة , وسيقتلني غيابك الف مرة ) . قالت له : - ان اتخاذ أي قرار في مثل هذه الشؤون يعود اليك وحدك . - هذا ما قاله ابي ايضا , لكنني تصورت ان في امكانك مساعدتي . - لن استطيع ذلك , حتى لو حاولت . ترك مقعده متجها نحو النافذة وقال : - لهذه المؤسسة تاريخ عريق يا دينا . عريق جدا . اقتربت منه بقلب واجف : - تنبئني نبرات صوتك بتوصلك الى قرار . - نعم يا دينا . بعد شعوري الليلة الماضية قررت البقاء . فإن ادارة المؤسسة تشدني بسلاسل من حرير . ازدحمت مآقيها بدموع الفرح , فأشاحت بوجهها عنه . لكنه اجبرها على مواجهته : - دينا ... انظري الي . احب دموعك . سأستدعي ابي من قسم المعروضات , لأبلغه قراري في الحال . - لاح الفرح في عيني دينا : - اسمح لي ان استدعيه بنفسي . اسرعت الى قسم المعروضات , فوجدت براين مورغان يناقش الموظفين في افضل الطرق لعرض البضائع . انتظرت انتهاء المناقشة , ثم حيته قائلة : - انت مطلوب في مكتب السيد انطوني يا سيدي . حملت نظراته اسئلة كثيرة : - هل اخبرك انطوني بشيء يا دينا ؟ - نعم يا سيدي , اخبرني بالعرض المقدم له . - وهل اطلعك على قراره ؟ - سيخبرك قراره بنفسه . اعذرني , سأذهب لشراء الحاجيات . مرت دينا بزاوية كليو , فسرت الفتاة لرؤيتها : |
- هناك امور اود مصارحتك بها .
- اعرف انك كنت بصحبة راسل مساء السبت الماضي يا كليو . علاقتي به استقرت في جوف النسيان . - احمد الله على ذلك , فراسل لا يستحقك . عرفني يومها بفتاة اسمها جيني . ابتسمت دينا : ( اراد ان يثير غيرة جيني , بوجوده مع كليو . مسكين ) . رجتها كليو : - عودي الي يا دينا بعد انتهائك من شراء حاجياتك . هناك سؤال يتردد في خاطري باحثا عن جواب . استجابت دينا للرجاء , فسألتها كليو : - هل صارحك المدير بمكنونات قلبه ؟ فهمت دينا ما عنته كليو بسؤالها , فأكدت لها : - علاقتي بالمدير لا تتعدى الصداقة , وهو ليس سبب انهاء ارتباطاتي براسل . - لا اصدق ما تقولين . اخبريني ... هل وصلتك الاشاعات المغرضة ؟ لا تعيري انتباها لما تسمعينه يا دينا , ارجوك . ان السيد انطوني رجل شهم وكريم , اما سكرتيرته السابقة ايلويز هاربر ف ... استغفر الله العظيم دائما . - اخبريني يا كليو , هل انتشلها من مأزقها لأنها موظفة في الشركة فقط ؟ - نعم , سا عدها , ونسي المثل القائل : اتق شر من احسنت اليه. - اشكرك على تزويدي بالمعلومات . الى اللقاء . دعاها انطوني بعد ذلك لمشاهدة فيلم سينمائي . فرفضت الدعوة قائلة : - آسفة . علي التفرغ لخالتي كيت في اليومين المقبلين . - اليست مواعيدك مع السيد ميلغروف هي سبب اعتذارك ؟ - ابدا ... صدقني . اتسمت نبرات انطوني بالجدية وهو يقول لدينا مساء يوم الاثنين : - ايحق لي ارهاقك بساعات عمل اضافية , قبل يومين من رحلتنا الى مدينة كرايست تشيرش يا آنسة بريتشارد ؟ - ان طلبي للعمل هو من ابسط حقوقك علي يا سيدي, اما اذا كنت تعتقد انني لن استطيع تحمل اعباء الرحلة ومسؤولياتها , فاختر غيري . - لا تحولي العمل الى مرآة تعكس مشاكلك مع السيد ميلغروف . - ومن قال لك انني اعاني من راسل ووالدته ؟ اننا ولله الحمد على احسن حال . - اقبلي تهاني الحارة اذا . سأكون في مستودعات التخزين , اذا دعت الحاجة الي . جلست دينا في ذلك اليوم تتناول غداءها على مائدة واحدة مع المسؤول عن مستودعات التخزين فصارحها : - اعتقد ان السيد انطوني متوتر الأعصاب في هذه الفترة , فقد وبخ عمال المستودعات اليوم لأتفه الأسباب . - لا شك انه متعب . بقي انطوني مورغان عصبي المزاج طوال يومين , لكنه عاد للتحكم بدقه مزاجه مساء يوم الثلثاء اذ قال لها : - سأوصلك الى البيت يا دينا . - اشكرك . طلبت ذلك من احد الزملاء . ستكون رحلتنا طويلة وشاقة في الغد . - نعم . وسترافقنا الآنسة موريسون ايضا . يبدو عليك الهزال . ارجوا ان تعود الرحلة عليك بالصحة والعافية . - اشكرك على اهتمامك يا سيدي . - سأمر بك يا آنسة بريتشارد في التاسعة من صباح الغد , ثم بالسيدة بيتسون , واخيرا بالآنسة موريسون . ماذا بك يا دينا ؟ معاناتك واضحة . لكن مما تعانين ؟ - لا اريد ان اثقل كاهلك بمشاكلي دائما ياسيد انطوني . - نادني انطوني , ارجوك . هل ازعجتك السيدة ميلغروف بتصرفاتها مؤخرا ؟ - لا ابدا . كانت ستقيم حفل عشاء لتعرفني الى اصدقائها في عطلة هذا الأسبوع . - وما الذي اعاد الأمور بينكما الى نصابها ؟ - باركت خطواتي مع راسل , بعدما تفحصت جذوري العائلية والأخلاقية . - اهنئك , واتمنى لك حياة سعيدة . - اشكرك . - ارجوا ان يحقق هذا الزواج آمالك واحلامك . - ان الزواج ليس جنة نعيم دائم , لذلك لا يسعني الا طلب التوفيق من الله . - كان الله معك يا آنسة بريتشارد , فراسل يحتاج الى فتاة مثلك , تصلح اعوجاج طريق حياته . تصبحين على خير . تأخر انطوني بالوصول في صباح اليوم التالي , وعندما مر ببيت دينا , كانت السيدة بيتسون تحتل المقعد الى جانبه . حين تقدم نحو دينا تصاعد انين قلبها : ( انطوني ... حبيبي ... اتراك تسمع آهات قلبي ؟ اتراك تحس بعذابي ؟) . حيا انطوني الخالة كيت قائلا : - ارجوا ان تقبلي دعوة والدتي لشرب قدح من الشاي معها . في الثالثة من بعد ظهر اليوم يا سيدتي . - بكل سرور يا بني . سأوافيها في الموعد المحدد بإذن الله . مع السلامة . - فتح انطوني باب السيارة الخلفي لدينا قائلا : - بقاء السيدة بيتسون في المقعد الأمامي ضروري , لئلا تصاب بالدوار . حجب الألم عن دينا نعمة الاستمتاع بمناظر الطبيعة , والمدن الصغيرة الحلوة التي تناثرت هنا وهناك . لكن حناياها بقيت تردد : ( الحب طارق بلا استئذان . الحب طارق بلا استئذان ) . انذرتهم الغيوم التي كست السماء بردائها الرمادي , بقرب هبوب العاصفة . فاقترحت عليهم السيدة بيتسون قضاء الليل في بيت صغير تملكه , قريب من المدينة التي ينوون زيارتها . لكن انطوني قال معتذرا : - اشكرك يا سيدة بيتسون , افضل متابعة الرحلة , وسيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله بمساعدة الآنسة بريتشارد . تابعا رحلتهما , بعد ان اطمأن انطوني على احوال السيدتين في البيت الصغير . كانت السماء تلك الليلة تغني بأمطارها للأرض اغنية حب خالدة , فحلقت دينا في افق الخيال , وسماء الأحلام , حتى اصطدمت سيارتهما فجأة بصخرة كبيرة اسقطتها السيول من عل , فتربعت في منتصف الطريق . حاول انطوني تخفيف الصدمة فانحرف بالسيارة عن مسارها , فتدهورت في خندق جانبي . عاد الهدوء يغمر كل شيء بعد قليل من الحادث , وسمعت دينا انطوني يسألها مذعورا : - دينا عزيزتي هل اصبت بسوء ؟ كانت الرجفة تسري في اوصالها وهي تقول : - اطمئن . اطمئن يا انطوني انني بخير . ما هذا ؟ الدماء تسيل من رسغك . - انه جرح بسيط . لا تقلقي . من الأفضل لنا ان نخرج من السيارة . اصبح الخروج من جهتي مستحيلا . ماذا عن جهتك؟ انفتح باب دينا بعد جهد , واستسلم الاثنان لجنون العاصفة , وهما يبتعدان السيارة المهشمة رويدا رويدا . كان زئير العاصفة يصم الآذان , فرفع انطوني صوته قائلا : - علينا الاتصال بالشرطة لاخبارهم بالحادث , ولكن انى لنا بجهاز هاتف ؟ لاحت لهما من بعيد انوار كوخ ريفي تشامخ على قمة الهضبة , فأملت دينا خيرا , وقال انطوني : - قد نجد جهازا للهاتف في ذلك البيت . هيا بنا . - احست دينا بالدم يسير حارا من جرح انطوني : - مازال جرحك ينزف . - لا تقلقي يا دينا , انه جرح بسيط . انظري . علينا ان نجتاز ذلك الجسر الخشبي قبل الوصول الى البيت . - كأني به على وشك الانهيار . - فلنتقدم . احس انطوني بالجسر ينهار , فقفز الى الطرف الآخر مع دينا , التي صرخت فزعة عندما شعرت بنفسها قاب قوسين او ادنى من الموت . بقي انطوني ممسكا بها وجذبها معه , وعندما اطمئن على سلامتها قال بلهفة : - دينا يا حبيبتي , احمد الله على نجاتك . عجز لسانها عن النطق بكلمة , فأشارت الى البيت قائلة : - من الصعب علينا الوصول الى البيت يا انطوني , فهو بعيد , وعلى مرتفع . - علينا ان نحاول الوصول اليه يا عزيزتي . هيا بنا . اراك مرتبكة الخطوات . ماذا بك ؟ - عندما انهار الجسر , فقدت حذائي , لا تخف . لف انطوني قدم دينا بمنديله وهو يقول : - سيقيك هذا المنديل من الجروح اثناء السير . كانت ابواب البيت مقفلة , الا بابا جانبيا دخلا منه , واسرع انطوني الى الهاتف ليبلغ رجال الشرطة بالحادث , واوكلهم باخبار الأهل بانهما بخير . بحث بعد ذلك بمساعدة عاملة الهاتف عن مكان وجود صاحب البيت , واتصل به ليخبره بما حدث . فهنأهما بالسلامة وطلبت منهما زوجته اعتبار نفسيهما في بيتهما . بعد الاستحمام ومعالجة الجروح . وتناول وجبة خفيفة , قال انطوني: - اذا تجرأ راسل على الاحتجاج في الغد فسأتدبر امره . - لن يحرك راسل ساكنا , فاطمئن . - ثقتك به كبيرة . لامست ذراعه قائلة : - لكن ثقتي بك اكبر يا انطوني . حمدا لله على سلامتك . وتصبح على خير . نامت يدها بين يديه وهو يقول : - وانت بألف خير يا عزيزتي . اشكرك على ثقتك . اشرقت ابتسامة الشمس دافئة على وجه السماء في صباح اليوم التالي , وغصت الطريق برجال الشرطة الذين جاؤوا لسحب السيارة المهشمة , بينما كان الصحافيون يتساءلون عن تفاصيل الحادث . وصلت الخالة كيت ودمع العين يسبقها : - احمد الله على سلامتكما . سأل انطوني : - لماذا لم يأت راسل حتى الآن يا دينا ؟ - ربما لم يسمع بالحادث بعد . - اغبطه على ثقتك به . شرب الجميع الشاي في منزل الخالة كيت , قبل ان يتابعوا طريقهم الى المزرعة . وفي الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم , اتصلت ميغان : - احمد الله على سلامتك يا دينا . كيف حال انطوني ؟ - كلنا بخير والحمد لله , شكرا لك . - حاولت الاتصال بالبيت بمجرد سماعي بالنبأ , لكن محاولاتي باءت بالاخفاق , فتركت ايفان مع الأولاد . واتيت لأطمئن بنفسي . لكن حادثاوقع لسيارتين على الطريق , اجبرني على التأخر . - اين انت الآن يا ميغان ؟ - في مكان قريب من بيتكم . - لماذا لاتمضين الليلة معنا , وتتابعين رحلتك الى المزرعة غدا صباحا ؟ - الوقت متأخر لفعل أي شيء آخر , اشكرك على دعوتك , سآتي في الحال . تربعت شمس يوم جديد وضاءة في كبد السماء , واستيقظت ميغان على صوت الخالة كيت ودينا : - صباح الخير يا ميغان , جئناك بالفطور . شكرتهما ميغان وتناولت فطورها قبل ان تستحم , ثم شربت قدحا من الشاي , واستعدت للانطلاق بعد يأسها من اقناع كيت ودينا بمرافقتها . سألتها دينا قبل ان ترحل : - لماذا اساء انطوني التصرف مع راسل في الماضي يا ميغان ؟ - التقط راسل في ذلك اليوم ضفدعا , وراح يعذبه باسم التسلية , وعندما رأى انطوني ذلك اطلق سراح الضفدع , والقى براسل في البحيرة . قد نكون اخطأنا , لكن راسل لا يعرف معنى الرفق بالحيوان . اكدت دينا : هذا صحيح , كان الله معك في حلك وترحالك يا ميغان . مع السلامة . 12- ... وتنكشف الحقيقة على حدثين كبيرين : براءة انطوني مورغان من الشائعات , وكلمتين عميقتين قالهما انطوني ودينا : احبك ... احبك . نشرت الصحف خبر الحادث , فاهتم الموظفون طوال يومين بمعرفة التفاصيل . سأل انطوني دينا : - ماذا كان تعليق راسل على الحادث ؟ - ترك الأمور بلا تعليق . ماذا تريدني ان افعل بهذه الرسومات يا سيد انطوني ؟ - سلميها الى الموظف المختص , انه يعمل على تنظيم احدى الواجهات . - كانت كليو تتكلم على الهاتف عندما مرت بها دينا : - هناك مكالمة خارجية للسيد كلادستون , ناديه من فضلك . اخبرت دينا السيد كلادستون بالمكالمة الخارجية , فانزعج وقال : - في اضيق الأوقات اتانا عزيز كتابكم . ارجوا منك الوقوف مكاني , لتثبيت قطعة القماش , حتى اعود يا آنسة بريتشارد . احتلت مكانه لحظات , سمعت خلالها امرأة شقراء الشعر تقول لرجل معها : - ما زلت افضل القيام بالمحاولة خارج اوقات الدوام . - اما انا فأفضلها بوجود الموظفين , لأن ذلك يضعفه . فكرت دينا : ( من هو هذا المسكين الذي سيثيرون زوبعة من المشاكل في افق حياته يا ترى ؟ ها قد عاد السيد كلادستون . سأبحث عنهما بنفسي ... لم اجد احدا ... ماذا افعل ؟ سأبلغ السيد انطوني في الحال ) . سمعت اصواتا في مكتب انطوني , فترددت في الدخول . تسربل صوته غاضبا وهو يقول : - كان علي ان امنع دخولك , او اطلب من سكرتيرتي تسجيل ما سيدور بيننا من حديث يا ايلويز . صعقت دينا : ( ان سكرتيرة انطوني السابقة في مكتبه , يجب ان انقذه من براثنها بكتابة ما يقال على الورق , سأسجله على شريط ايضا . هاهي الآلة امامي ) . ضحكت ايلويز قائلة : - يالك من جبان , ان اعطائي بعض المال سينقذك من المشاكل . فلم الرفض ؟ - لأنني اكره المبتزين , وامقت محاولات الابتزاز . - اعطني الفين من الجنيهات, وسأختفي من حياتك الى الأبد . اما اذا رفضت , سأثبت شائعة فضيحتي بين الناس , واتركهم يشوهون سمعتك . فكرت دينا في استدعاء بعض الموظفين ليكونوا شهودا على ما يقال, فأتت بالسيد ويلسون المحاسب , مع ضيفه رجل المباحث , وجارة انطوني ايريني كاهيكا . ثم عادت الى تدوين ما يقال : هدد انطوني ايلويز : - ان الابتزاز جريمة يعاقب عليها القانون , ولن ادعك تهربين من قبضة العدالة هذه المرة . - سيصدقني الناس ويكذبونك يا انطوني , خصوصا بعد قضائك عطلة الأسبوع في كوخ صغير مع سكرتيرتك الجديدة . - اياك ان تحاولي تلويث اسمها . انها على خلق رفيع , وانا احترمها . - ان دفاعك عنها يثبت حبك لها . - نعم , انني احبها ... احبها . - عظيم ... سيساعدني هذا على تنفيذ ما عزمت عليه . - صدق من قال : ( ان انت اكرمت اللئيم تمردا ) . سأتصل بالشرطة لتمنعك من نفث سمومك بين الناس . دخل رجل المباحث في تلك اللحظة قائلا : - الشرطة هنا , وفي خدمتك يا سيد انطوني . قامت سكرتيرتك بتدوين ما حدث وتسجيله . وفي استطاعتك اعتبارنا شهودا . انت رجل محظوظ يا سيدي . اغمي على ايلويز , وطغت الفرحة على الجميع . لكن دينا ذكرت رجل المباحث بضرورة القبض على زوج ايلويز ايضا . ورافقته لمساعدته في التعرف عليه . خرج رجل المباحث مع دينا من المكتب , فقال المحاسب لأنطوني : - تحطيمك طوق الشائعات يستحق احتفالا كبيرا . - معك حق كدت افقد الأمل في اثبات براءتي , لكن لاتقل ضاع الرجاء , ان للباطل جولة ... تعرفت دينا على زوج ايلويز , وتم القبض عليهما , وذهب الجميع معهما للمخفر للادلاء بشهاداتهم . وعندما تمت الاجراءات القانونية , طلبت دينا من الموجودين تركها وحدها مع انطوني , فكان لها ما ارادت . خاطبها انطوني : - اعتقد انك سمعت وسجلت اعترافي بحبك , ولكن لا تدعي ذلك يؤثر على حياتك مع راسل . اتمنى لكما السعادة والهناء الدائمين . انني نادم على ما فعلته اليوم بالزوجين . كان علي تهديدهما فقط . - لكن تسليمهما للشرطة هو وسيلتك الوحيدة لتنقية سمعتك من الشوائب التي قد تؤثر على اولادنا في المستقبل . - لم يصدق انطوني ما سمعته اذناه , لكن دينا اردفت قائلة : - خرج راسل من حياتي قبل اسبوعين . او يكفي اعترافي لك بأنني احبك حبا جما ... ضمها اليه فرحا , وقال بلهفة : - دينا حبيبتي ... يا كل الحاضر والماضي ... ياعمر العمر . اغرورقت عيناها بالدموع , بينما كانت كل ذرة من كيانها تردد : - ما اضيع اليوم الذي مر بي من غير ان اهوى وان اعشق . (تمت ) ( اتمنى تعجبكم ) |
اقتباس:
العفو اختى . انا نزلتها كلها واتمنى تعجبك :lol: |
الساعة الآن 04:52 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية