امضت دينا يومها الأول تتعرف الى الموظفين المسؤلين عن تسيير المؤسسة ، وتزور مستودعاتها ، وتتنقل بين اقسلمها التجارية المختلفة ، بصحبة المدير العام السيد انطوني براين مورغان .
ارهبها حجم المؤسسة ، واقلقها تعدد اقسامها ، وكثرة موظفيها : ( ماذا ينتظرني بين طيات الغد ؟ لم اعتد العمل في مثل هذه المؤسسات الضخمة . اشتغلت لدى الكثير من المكاتب القانونية من قبل ، لكن اين اثرى من الثريا ؟ انني محاطة هنا بالناس ... بالضجيج ... بالحركة . اما مديري فقد تبين لي انه بين موظفيه مزيج رائع من الحزم واللطافة ، لا شك في انه يتقن فن التعامل مع الناس ، ويعرف اصول الاختلاط بهم . يا مجيب الدعوات ، اكتب لي النجاح في عملي وساعدني على المضي قدما الى الأمام ) . اوقفها انطوني مورغان امام القسم الخاص ببيع الأدوات التجميلية قائلا : - اقدم لك الآنسة كليو ديفيس المسؤولة عن قسم الأدوات التجميلية في مؤسستنا . انها انجليزية جميلة ، وآتية من ويلز مثلك يا آنسة دينا . - اعتقد ان الأنسة دينا تجمع بين جمال الوجه ورجاحة العقل يا سيدي . تأملت دينا الفتاة الواقفة امامها : ( سبحان الله . وجهها حلو التقاطيع . عيناها سوداوان تحرسهما اهداب طويلة داكنة ، ويتوج هذا كله شعر جميل اشقر . لكن كلامها ينذرني بقرب سير الحديث فيدروب لن ارضاها . لذلك ، علي ان اتدارك الأمر قبل فوات الأوان ) . سألت دينا كليو : - من أي جزء من مقاطعة ويلز اتيت يا آنسة ؟ هل تعيشين في البلاد من زمان ؟ - تركت ويلز عندما كنت تلميذة في المرحلة الأبتدائية ، واعتقد ان اللهجة المحلية الواضحة في كلامي اكبر دليل على عدد السنين التي عشتها هنا . عندما قاربت الجولة على الانتهاء ، تلقت دينا وعدا من انطوني مورغان : - لا تدعي ضخامة المؤسسة ترعبك ، سأعطيك قائمة بكل الأقسام والمستودعات فيها ، لتكون بين يديك عند الحاجة . اثبتت دينا جدارتها ومقدرتها العملية في وقت قصير : ( كل شيء يسير على ما يرام . بدأت احب عملي ، وارتاح اليه، واتوق الى العمل الاضافي ايام الجمعة ، فهو يترك المجال مفتوحا امامي لشراء حاجياتي بهدوء وروية ) . توقفت عند القسم الخاص بأدوات التجميل ، وبدأت تنتقي ما تريد منها ، فنبهتها كليو : - ان شراء حاجياتنا محظور علينا الا في ساعات معينة ، لأن من واجبنا تكريس اكثر اوقاتنا للزبائن . - اشكرك على تنبيهي يا كليو ، فأنا لا اريد ازعاج احد بتصرفاتي . اشرق وجه كليو بابتسامة حلوة : - السيد انطوني محب للنظام ، لكن قد تكون هناك استثناءات خاصة بسكرتيرات المؤسسة ، فبتاعي ما تريدينه واكتشفيها . حين عادت الى حجرة المكتب مثقلة بالأغراض ، فاجأها انطوني ورغان بوجوده . تأمل الأكياس في يدها ، فرمتها نظراته في جحيم الاحساس بالذنب . قال لها : - نسيت ان اخبرك انه ... - لاداعي لأن تتعب نفسك بالشرح يا سيدي . فقد اوضحت لي الآنسة ديفيس كل شيء . تأ كد انها ستكون المرة الأولى والأخيرة . - دعيني اكمل ما اردت قوله يا آنسة دينا ، ان من حقك شراء ما تحتاجين اليه من بضائع المؤسسة بحسم عشرة في المئة . فإذا لم تحصلي اليوم على مثل هذا الحسم ، فسأوقع لك اشعارا يثبت حقك بالتخفيض ، مثل اية موظفة هنا . خجلت دينا من تسرعها . - شكرا لك يا سيد انطوني . - سأريحك الآن من وجودي ، راجيا ان تنهي مراجعة جميع التقارير المتراكمة امامك قبل اطلالة يوم الأثنين ، لأن وزير البلاط سيأتي يومها لزيارتنا . راقبته وهو يغادر المكتب : ( قد يريحني رحيلك ، لكنه سيتعب الموظفين الآخرين الذين تحثهم على العمل المتواصل دائما ) . خرجت دينا في الساعة التاسعة وعشر دقائق من مساء ذلك اليوم مع المدير ومجموعة من الموظفين ، لتجد راسل في انتظارها . تزايدت خفقات قلبها : ( ان وجود راسل في انتظاري سيعرضني لطعنات الأقاويل والشائعات ) . تناهى الى اسماعها صوت انطوني مورغان : - تصبحين على خير يا آنسة بريتشارد . وفجأة حيى راسل بقوله : - الحمدلله على سلامتك يا راسل ، انها المرة الأولى التي نجتمع فيها بعد عودتك من رحلتك . اتمنى ان تكون قد امضيت امتع الأوقات . هل اتيت لشراء شيء ؟ يمكنني فتح المحلات ثانية من اجلك . - لا داعي لذلك ، اشكرك . كنت انتظر خروج الآنسة بريتشارد . استمعت دينا الى الحديث الدائر بين الرجلين : ( اشعر بنظرات التحدي في عينيهما . لا ... لا... لقد اخذني الخيال بعيدا . لماذا لم يخبرني راسل بمعرفته بالمدير ؟ لو انه فعل لكان تقيمي للأمور قد اختلف . دعاها انطوني مورغان الى الواقع بقوله : - اهذا هو الرجل الذي اتيت من اجله الى ديارنا ؟ معذرة يا صديقي كنت اجهل معرفتك بسكرتيرتي . سارع راسل الى القول : - الآنسة بريتشارد موجودة هنا مع خالتها حبا بالاستكشاف ، ورغبة في الاستطلاع . - لا ادري لماذا تصورت ان رياح الحب هي التي قذفت بسفينة الآنسة برتشارد نحو شواطئنا . على كل حال ، انزل كلامك السكينة على قلبي ، فالآنسة دينا سكرتيرة ممتازة ، وتزعجني خسارتها . ودعهما انطوني مورغان بعد ذلك وابتعد ، تاركا دينا وراسل يتقدمان نحو سيارتهما . حاصرهما الصمت اثناء العودة فترة طويلة ، لكن دينا فكت الحصار متسائلة : - لماذا اخفيت عني معرفتك بأ نطوني مورغان يا حبيبي ؟ - ولماذا اخبرك اننا كن معا في المرحلتين الاعدادية والثانوية ؟ - لأن اجتماعكما معا في مرحلتين دراسيتين كاملتين ، يعني انك تعرفه معرفة وثيقة . - احسست بتوتر اعصابك يوم زيارتك لنا ، فلم ارغب في ارهاقك اكثر بمثل هذا الأحاديث . عادت دينا الى ديار الصمت ، فتساءل راسل : - لم الصمت يا عزيزتي ؟ الم اكن محقا في تصرفي ؟ - لا اعرف كيف اجيبك على مثل هذا السؤال ، لكنني اعترف بأن والدتك المصون كانت يومها السبب المباشر في توتر اعصابي ، بما حاولت ان تمليه علي من آراء . انت تبالغين يا عزيزتي . شعرت دينا بأن الهدوء سيختفي من حياتها : ( يا رب ... لا تتركني فريسة سهلة للغضب مرة اخرى . ان حفنة الأيام الرائعة التي امضيتها مع راسل في ويلز ستعود . يجب ان تعود ) . سألته بمرارة : - ما الذي يحدث بيننا يا راسل ؟ كنا مثالا رائعا للتفاهم والانسجام في كارديف ، فما الذي حدث ؟ لماذا يتملكي شعور مخيف بأن الأيام بدأت تتغير ؟ - لا ينقصك بعد هذا الكلام الا ذرف الدموع ، مصحوبة بالآهات . ما الداعي لكل هذا ؟ اعتقد ان محاولتك اعتياد اجوائنا هي التي تتلاعب باعصابك على هذا النحو السخيف . - هل يعني هذا ان الحلم الرئع ، الذي عشته في ويلز ، مات على ارض الواقع هنا في نيوزيلندا يا راسل ؟ احاط راسل كتفها بذراعيه وقال محاولا التخفيف عنها : - خففي عنك يا حبيبتي . خففي عنك . هذه الفترة الانتقالية وما يرافقها من احساسات فترة طبيعية ، سيمحوها قريبا استقرارك معي في بيتنا ، حيث سأحميك ، وأرعاك ، واكون لك خير الزوج والصديق . ما رايك في ان نذهب غدا الى المسرح ؟ - اتمنى ذلك ، فأنا اعشق حضور الحفلات الغنائية على المسرح . - سنذهب غدا لحضور اوبرا مشهورة ، وسنستمتع معا بالموسيقى والغناء الأوبرالي ، فما رأيك ؟ فضلت دينا الاحتفاظ برأيها : ( انني لااطيق لا الموسيقى ولا الغناء الأبرالي ، ورغم ذلك سأسكت . لن اتفوه بكلمة ) . اقتربا من البيت ، فسألت دينا راسل : - الن تدخل لشرب قدح من القهوة معنا يا عزيزي ؟ - سأفعل يا غاليتي ، لكنني لن استطيع البقاء طويلا . يجب ان اكون خير معين لأمي ، حتى تتخطى عقبات هذه الفترة العصيبة من حياتها . تصوري انها لا تأوي الى فراشها ، الا بعد الاطمئنان على عودتي سالما الى البيت . خانت الكلمات دينا ، فنزلت من السيارة ، وحاولت كبت مشاعرها باستنشاق هواء البحر النقي . احست الخالة كيت بالتوتر الذي يباعد بين الاثنين ، فحاولت تخفيف وطأته بأحاديثها الشيقة ، لكن محاولاتها باءت بالاخفاق . انهى راسل شرب قهوته ، ووقف مستعدا للانصراف ، فرافقته دينا حتى السيارة حيث صفعها بقوله : - لن اطيل وداعنا يا عزيزتي ، فالوقت متأخر . ردت دينا الصفعة بقولها : - ومن قال لك انني اريد ان اكون جولييت يا روميو الزمان ؟ حاول راسل معانقتها , لكنها دفعته عنها بعصبية ، فدخل سيارته مسرعا , وابتعد عن البيت ,تاركا اياها مع الليل ونجومه , والربيع وازهاره , والشاطىء وانواره . فجأة احتل التفكير بأنطوني براين مورغان ساحة افكارها : ( لا بد ان السيد انطوني يقيم في احدى هذه البيوت الغافية على الشاطىء . لا ... لا ... راسل حبيبي لماذا ؟ لماذا ؟ اين انت ؟ اين انت لتجيبني يا اغلى الناس ؟ ) . وشهدت نجوم الليل انسياب دمعتين حارتين من عيني دينا , كفكفتهما , واستسلمت لمداعبات النسيم العليل , قبل ان تعاود الدخول الى المنزل . لاحظت دينا وجود كدمة حول عين مديرها صباح يوم الاثنين , لكنها خنقت رغبتها في السؤال , وحولت انظارها نحو النافذة , فقال لها انطوني مورغان : - اعتقد انه من اللياقة بمكان ان تتساءل السكرتيرة عن سبب الكدمة حول عين رئيسها يا آنسة دينا . - لكن كيفية قضائك عطلة نهاية الأسبوع لا تهمني يا سيدي , ثم انني اعتدت الفصل بين الحياتين العملية والخاصة . - اعرف ذلك , لكنني تصورت ان يغلبك الفضول مثل غيرك من بنات جنسك . - شهرت دينا سيف الصمت في وجه انطوني مورغان , وعادت للغرق بين اوراقها . احترم انطوني صمتها لحظات ثم قال : - فهمت معنى صمتك . كنت قد نسيت انني في نظرك رجل لا اخلاقي , لذلك تورعت عن سؤالي عن الكدمة , مخافة ان يكون مسببها زوج نهشته الغيرة , عندما رآني اتودد الى زوجته , اليس كذلك ؟ - ماتقوله لايدخل دائرة اختصاصي يا سيدي ، لأن علاقتنا علاقة عمل رسمية يتوجها النظام . - اعرف ذلك . ارادت دينا الاستمرار في الكلام : - لذلك يا سيد انطوني براين مورغان ... فقاطعها : - اسمحي لي ان امنعك عن الكلام , لأعترف لك انك سكرتيرة ممتازة , واطلب منك الغاء استعمال اسمي بالكامل من قاموسك العملي , والاكتفاء بمناداتي بالسيد انطوني كما يفعل باقي الموظفين. - ولماذا يا سيد انطوني ؟ لأنك عندما تقولين يا سيد براين مورغان فكأنك تنادين ابي , وانا لااريد استعمال اسمه لمجرد انه اعتكف في بيته بعد سنين من الكفاح المرير . دخل المشرف على موظفي المؤسسة في تلك اللحظة : - صباح الخير يا سيدي . اهنئك على فوزك في مباراة البارحة لكرة القدم . - الفضل في الفوز يعود للفريق بكامل افراده , وليس لي وحدي . لكن خروجي من المباراة بكدمة منعني من قضاء يوم مريح . احمد الله على وجود عمتي هيتي . ضحك المشرف قائلا : - لاتنس ان المصور سيأتي لتصويرك مع سعادة الوزير بعد ظهر اليوم . ستكون صورتك رائعة . وآثار الكدمة واضحة على وجهك . بعد خروج المشرف سأل انطوني دينا : - هل امضيت عطلة اسبوع مريحة ياآنسة بريتشارد ؟ وهل زرت الريف ؟ - شكرا لاهتمامك سيد مورغان , لقد وصلت مع خطيبي حتى منطقة لورانس الريفية , ورغبت في مشاهدة منطقة اوتاغو . - لكن مناطق الجبال والبحيرات اجمل بكثير . على كل حال , ما يهمني الآن ان تكوني على اتم الاستعداد لنقل الملاحظات عن اجتماعي مع الوزير . ابدت دينا استعدادها للعمل , ثم تركت ذكريات العطلة الاسبوعية تذبحها ببطء : ( بعد انتهاء حفلة الأوبرا , صارحت راسل برغبتي في قضاء عطلة الأسبوع معه مثل أي حبيبين . واتفقنا بالفعل على الذهاب الى الأماكن المقدسة في اليوم التالي , ثم استكشاف المناطق الريفية القريبة . وهكذا كان . امضينا معا ساعات حلوة في بداية اليوم لكن رحلتنا الى الريف اغتالت الفرحة في قلبي , لأنني اكتشفت ان راسل رجل يفتقد اللمسات الانسانية , عندما اصر على عدم انقاذ خروف لمحناه في مأزق على جانب الطريق . اذكر انني اجبرته على التوقف , وساعدت الحيوان المسكين بنفسي , فعنفني , واظهر اشمئزازه من رائحة يدي , ومن الطين الذي علق باطراف حذائي ... لماذا تصر على خدش مشاعري وجرح احاسيسي ؟ ليت ايامنا الماضية تعود يا راسل . ليتها تعود ). اشتعلت الفترة الصباحية بالحياة والحركة , ودارت دينا في دوامة العمل المتواصل , الى ان سمعت انطوني مورغان يقول : - يكفيك ما انجزت اليوم يا آنسة دينا . شكرا لك . - سأطبع هذه التقارير قبل ذهابي الى الغداء . - ليس لديك الوقت الكافي لانهائها . - افضل انهاء ما بدأت من اعمال . - سيحرمك ذلك من استراحة الغداء , لانني احتاج اليك هنا في الواحدة تماما . - سأكتفي بتناول وجبة خفيفة هنا اذا . - اندفاعك في العمل يثلج صدري يا آنسة . شكرا لك . -لا شكر على واجب يا سيد انطوني , انني معتادة العمل المتواصل. - احضري لنا وجبتين من وجبات مطعم المؤسسة من فضلك , وسأدرس هذه البنود حتى عودتك . احاطت السعادة دينا بذراعيها : ( احب العمل , واحبذ الروتين العملي , وافضل اعتياد الأشياء والأشخاص . لكنني لم اتعود بعد تصرفات راسل وامه . لماذا ؟ ما هذا السؤال السخيف ؟ لم اقطع هذه المسافات كلها لأسأل نفسي مثل هذا السؤال التافه . اتيت الى هنا حبا بالمغامرة , وسعيا وراء اكتشاف كل جديد . جئت بحثا عن الحرية . فو جدت قيودا ثقيلة في انتظاري ) . سألت دينا انطوني اثناء تناولهما الغداء : - كيف تريد تنظيم ساعات العمل مع سيادة الوزير يا سيد انطوني ؟ - سأحتاج اليك لكتابة الملاحظات عن اجتماعنا , ولتقديم الشاي في وقت الراحة , اذا سمحت . سيستعين الوزير بالملاحظات في اجتماعاته المقبلة , لذا ارجو طباعتها في شكل جيد . اذا اصطدمت بأية صعوبات , يمكن للآنسة ايريني مساعدتك . اتعرفين انها من اهالي البلاد الأصليين , وتمت بصلة قربى لنائب البرلمان ؟ عادت صورة ايريني , بكل شموخها وكبريائها , تضيء ذاكرة دينا , فوجدت نفسها تسأل انطوني : - لماذا لم تستعن بإيريني يا سيد انطوني ؟ انها ... انها سكرتيرة ممتازة . لكنني عندما تلطخت سمعتي مع احدى السكرتيرات قبل سنتين , ابعدت ايريني عن مكتبي لأحمي سمعتها , فأنا اعرفها منذ كانت طفلة . - تلك مثالية قل مثيلها في ايامنا , يا سيد انطوني . واختطفها صدى كلماته الى التفكير : ( السيد انطوني رجل مثالي واخلاقي ومتواضع ... اما راسل فمغرور ومتكبر . صدق من قال ان التوضع من شيم الكرام . يا الهي . انني اقارن بين الرجلين . هذا خطأ خطأ ) . ووصل الضيف المنتظر , فرحب انطوني مورغان به اجمل ترحيب , وعرفه على ايريني كاهيكا , قبل ان يدخله الى غرفة مكتبه . بعد نصف ساعة , قرع انطوني الجرس , فدخلت دينا , وتعرفت على الوزير , واستعدت لمباشرة عملها . بدأت تنقل الملاحظات في هدوء , لكنها رفعت رأسها بعد دقائق عاقدة الجبين لاحظ انطوني مورغان عبوسها , فضحك قائلا : - الآنسة دينا لا تعرف انني املك مزرعة كبيرة , بالاضافة الى كوني مدير مؤسسة لبيع الأقمشة , يا سيادة الوزير . فقال الوزير : - ان انطوني مورغان مزارع قبل ان يكون تاجرا يا آنسة , ومزرعته تساعد الحكومة كثيرا في مجالات التنمية الزراعية . قال انطوني : - اذا لم تفهمي معاني الاصطلاحات المستعملة , فسنستعين معا بالقاموس في ما بعد . كان الوزير يعطي ملاحظاته , وهو يزرع الغرفة جيئة وذهابا . لم تستغرب دينا تحركاته : ( لا بد انه يتصور نفسه في حلقة انتخابية , لذلك يفكر بكلماته وينسقها , وقد وافق على الكثير من الجمل التي اقترحها السيد انطوني ) . سأل الوزير انطوني : - ما رايك في اني استعمل بعض العبارات من كتاب السيد مريدث بريتشارد ؟ تدخلت دينا : |
من الأفضل لك يا سيدي الاستعانة بالنص الذي يشرح عملية تحويل الحليب الى لبن في الكتاب .
حملق الرجلان فيها قبل ان يؤكد الوزير : - معك حق يا آنسة . فمجموعة المثقفين في الاجتماعات لن تتغاضى عن اخطائي . لكن كيف تذكرت النص الذي يمكن ان يساعدني ؟ - انني احفظ ما ورد في الكتاب عن ظهر قلب , بعد ان قمت بطباعته خمس مرات . سألها انطوني : - هل السيد ميريدث بريتشارد من اقربائك ؟ - انه والدي يا سيد انطوني , لكنني لم ارى ضرورة لذكر ذلك قبل الآن . افضل العودة الى العمل , فالوقت يتسرب من ايدينا . لكن الوزير اصر على التعرف الى دينا اكثر : - اتعرفين انه من دواعي سرور أي انسان ان يتعرف الى ابنة كاتب معروف مثل السيد ميريديث بريتشارد ؟ ان ذكر مصادفتي اياك والتعرف اليك , ضمن الخطاب الذي سألقية , سيضفي عليه لمحة انسانية . احست دينا بالفرح يطل من عيني انطوني مورغان : ( السعادة الواضحة في عينيه تنسيني ما قاسيته من راسل وامه , منذ عرفتها ... لا ... علي ان اعود الى اوراقي , فوقت العمل يجب الا يهدر بمثل هذه التفاهات ) . وحان وقت تقديم الشاي , فرجا انطوني مورغان دينا : - احضري لنا اقداح الشاي من فضلك , وشاركينا في شربه حتى نستطيع اعادة المياه الأحاديث بيننا الى مجاريها . سر الكلام دينا : ( ان خطوات الاجتماع تسير على ما يرام , وفي شكل مرض لم اكن اتوقعه , فألف حمد والف شكر لك يا رب ) . اخذت دينا الأقداح من ايريني , وعبرت بها الباب الأول فسألتها الفتاة : - هل تستطيعين فتح الباب الثاني وحدك ؟ - اعرف انه باب متأرجح , لكن وجود مانعات الارتداد في الأسفل ستساعدني على ابقائه مفتوحا كي ادخل المكتب . دفعت دينا الباب بكتفها , وضغطت على مانعة الارتداد في اسفله , قبل ان تتقدم نحو الرجلين اللذين وقفا يتحدثان في منتصف الغرفة . كانت قد تقدمت خطوتين , عندما سمعت صوتا غريبا ارتد بعده الباب الى ظهرها , ودفعها بخطوات متعثرة نحوهما . تذكرت دينا اقداح الشاي التي تحملها , فصرخت : - انتبها ... حاول الرجلان تحاشيها , لكن دينا تعثرت بهما , فشرب الوزير الشاي من قمة راسه الى اخمص قدميه . مرت ثوان قبل ان يدرك الثلاثة ما حدث , ثم نهضوا واعتذرت دينا من الوزير بقولها : آمل الا اكون قد آذيتك بالشاي الساخن يا سيدي . فأكد الوزير لها : - انه ساخن فعلا يا آنسة . كان انطوني مورغان , في تلك الأثناء , قد جلس في مقعد قريب من مكتبه , وراح يحاول تنظيف قميصه مما علق به من آثار الشاي . حين استوى الوزير على قدميه , ابعد قميصه عن جلده قائلا : - اعتقد ان جلدي لم يحترق . تأمل الثلاثة بعضهم بعضا , وغرقوا في الضحك . عندما سمع الموظفون اصوات الارتطام , وتحطم الأقداح , اندفعوا الى الغرفة خائفين , فوجدوا الوزير يقهقه ضاحكا , بينما وقفت دينا تعتذر , والسيد انطوني يحاول الخلاص من الفوضى المحيطة به . قال للآنسة كاهيكا : - ارجو استبدال هذا الباب المتأرجح بآخر عادي في اسرع وقت . هل اصبت بأذى ياآنسة بريتشارد ؟ سخرت دينا من نفسها : - لقد اصبت في كبريائي يا سيدي , لأنني اسقطت وزيرا على الأرض في اول لقاء لي معه ... تصور . اجابها الوزير ضاحكا : - سيزودني الحادث بقصة مسلية , سأرويها لأصدقائي بعد الاجتماع المقبل . - وكيف ستحضر الاجتماع بمثل هذه البذلة يا سيدي ؟ سارع انطوني الى القول : - سنتدبر من قسم الملابس الرجالية بذلة اخرى حالا. شكره الوزير : - لا تتعب نفسك يا انطوني , فأنا لم اعتد لبس الملابس الجاهزة . الا نستطيع تنظيف بذلتي ؟ - بالطبع . سأرسلها مع الأنسة كاهيكا الى التنظيف في الحال . وستلبس من محلاتنا ملابس مؤقتة اذا سمحت . ولآن , اين اقداح الشاي يا آنسة ؟ يا الهي , اتى المصور ... لقد نسيت امر موعده تماما . فوجىء المصور بكدمة انطوني وحالة الوزير , فتساءل : - هل لاحدكم ان يفسر لي ما يحدث هنا ؟ شرح انطوني الوضع بقوله : - سبب الكدمة حول عيني مباراة في كرة القدم لعبتها يوم السبت . اما ما حدث للوزير فسببه باب متأرجح وثلاثة اقداح من الشاي .اتريد ان تلتقط لنا صورا , ام تفضل مشاركتنا شرب قدح من الشاي ؟ اطلبي قدحا اضافيا للسيد المصور يا آنسة بريتشارد . عندما حانت ساعة الاغلاق , فرحت دينا لأنها كانت خجلى من لقاء انطوني مورغان بعدما حدث , لكن حناياها بقيت كأنها تردد: - غدا القاك ياخوف فؤادي من غد - انها تتخبط في الظلام . الهوة تصبح اعمق فأعمق بينها وبين حبيبها وحماة المستقبل ... وانطوني مورغان ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج . ماذا عليها ان تفعل ؟ قررت الخالة كيت زيارة والدة راسل , حفاظا على المظاهر . واثبتت خلال الزيارة انها مثل يحتذى في ضبط النفس , والحفاظ على هدوء الأعصاب , حين امتدحت لوحة لراسل رسمها وهو في المرحلة الابتدائية . لكنها اثنت صادقة على باقات الأزهار التي نسقتها والدة راسل احتفالا بقدومهما . تلاحقت ساعات الأمسية هادئة , حلوة , فأشرق وجه راسل بابتسامة رضى اسعدت دينا , وتركت شعاع الفرح يضيء عينيها . خاطبتها السيدة مليغروف : - لابد انك امضيت امتع الاوقات يوم امس , بعد ان تعرفت الى وزير الزراعة . - هل شاهدت الصورة في الصحيفة ؟ - نعم لمحتها في صحيفة الصباح , ان سيماء السكرتيرة الناجحة واضحة في وجهك يا عزيزتي . تذكرت دينا ما حدث في ماض قريب , وكبتت رغبتها في الضحك : ( لا اريد حتى الابتسام , لأن خالتي قد تخبر الجميع بما حدث ليلة امس , لتؤكد لهم نجاحي في حقل السكرتارية . اما الصورة فقد التقطها المصور , بعدما استعاد الوزير بدلته نظيفة . ووقف انطوني مورغان الى جانبه , في شكل اخفى الكدمة حول عينيه , وظهرت انا في الزاوية اليسرى منها ). رفعت الصورة من شأن دينا عند السيدة مليغروف : ( يحق لي ان افخر بين الصديقات بأن الفتاة التي اعجب بها راسل تعرفت الى الوزير , وصارت تنقل عنه ملاحظاته ) . تأملت دينا الأصناف على مائدة العشاء : ( تأبى الذكريات الا ان تعيدني الى الأيام التي كنا فيها , انا وشقيقي ديفيد , ندخل المطبخ مع اصدقائنا لتحضير طبق كبير من البيض المقلي مع الخالة كيت ... ما احلى ايامنا الماضية . اما هذا البيت فكل ما فيه ومن فيه يحكمهم التصنع . ها قد عدت للمقارنة بين الناس . هذا لايجوز ... لا يجوز ابدا ) . تابعت دينا تناول طعامها بصمت , لكن سماعها مواء قطة انساها ما حولها , فاندفعت نحو الباب المؤدي الى الحديقة تفتحه , لتدخل قطة شقراء هزيلة , جائعة , اسرعت نحو الخالة كيت تتمسح بساقيها طلبا للطعام . اشفقت الخالة كيت عليها , وملأت دينا طبقها بالحليب , ووضعته امامها . احتجت السيدة مليغروف على تصرفها , فاعتذرت الفتاة قائلة : - اعذريني يا سيدتي . كان علي ان استأذنك في استعمال احد اطباق المائدة لاطعام القطة , لكني اشفقت عليها . ردت السيدة مليغروف بعصبية : - ان اطعام القطط المشردة لا يهمني , لأنها حيوانات نهمة . استغربت دينا رد فعل السيدة : - ظننت انك تحبين القطط , خصوصا بعد ان اتيت بواحد منهم الى هذا البيت , واسميته تيموثي . - تيموثي قط اصيل . داعبت دينا القطة قائلة : - هذه القطة لاتنقصها الأصالة يا سيدتي . استشاطت السيدة مليغروف غضبا : - انك تتحدينني وتسفهي آرائي يا دينا . - لم اقل ما يسيء اليك يا سيدتي . لكن والدي كان طبيبا بيطريا , وكنت مساعدته . لهذا اعرف الكثير عن طبائع الحيوانات وصفاتها. - وهل شجعك هذا على ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) آرائي امام ابني وخالتك ؟ الحمد لله ان لا غرباء بيننا هذا المساء . راسل , ارم القطة خارجا . سيطر التوتر على الأجواء , واحرقت نار الغضب دينا , فتركت مجلسها وامسكت بالقطة قائلة : ارحموا من في الأرض , يرحمكم من في السماء يا سيدة مليغروف. الا تلاحظين ان القطة مسكينة , هزيلة وجائعة ؟ حاول راسل ايجاد تسوية بين امه والفتاة التي يحب , فأحس بمخالب المحاولة تمزقه قبل ان يسأل دينا : - ما رايك في ان نطعم القطة في الحديقة يا عزيزتي ؟ امي تحب الحيوانات الأليفة وترعاها , لكن ليس في استطاعتها ايواء جميع القطط التي تأتين من الحديقة . نزلت دينا عند رغبته , وتركت خالتها وحيدة مع السيدة ميلغروف , التي تأففت بعد خروجهما قائلة : - ان شراسة دينا وقلة لباقتها , دليل واضح على افتقارها الى رعاية الأم وتوجيهها . استماتت الخالة كيت في الدفاع عن دينا : - ارجوك كفي عن هذا الكلام يا سيدة ميلغروف . دينا فتاة طيبة , رقيقة , كانت تحلم بأن تصبح طبيبة بيطرية لشدة تعلقها بالحيوانات , لكن والدها نصحها بدراسة السكريتارية , فعملت بنصيحته . واذا كانت قد ابدت رأيها في قول او تصرف , فهذا لايعني انها اخلت بالأدب , لا سمح الله . - انني من المحافظات اللواتي يفضلن احترام المتقدمين في السن اثناء الكلام . - كلام سليم . لكنني احبذ الحرية في ابداء الرأي . - ماذا تقصدين يا سيدة ليفنغستون ؟ - اقصد ان دينا تملك شحنة عارمة من الصدق والصراحة , واكره ان تفقدها تحت ضغط أية ظروف . انها فتاة رصينة , جادة تهمها سعادة الآخرين , لذلك ارجوا ان ترحميها من سموم انتقاداتك . احست السيدة ميلغروف بالثورة تشتعل في اعماقها , فقالت : - لا يهمني سوى مستقبل ابني يا سيدة ليفنغستون . - وماذا يخبىء له المستقبل يا ترى ؟ منصب مستشار الملكة مثلا ؟ - اتمنى ذلك من كل قلبي , وأرى ان تتدرب دينا منذ الآن على كبح جماح رغباتها , والسيطرة على اعصابها , اذا ارادت النجاح في حياتها الزوجية المقبلة . ضحكت الخالة كيت : - انك تطلبين المستحيل يا سيدة ميلغروف . تحولت السيدة ميلغروف في لحظات الى بركان ثائر , وراحت تنفث حممها في وجه الخالة كيت : - اذا كان الأمر كذلك , فأرجو الله ان تكون دينا نزوة عابرة اخرى من النزوات الكثيرة في حياة ابني . - لا شك في ان امنيتك صادقة . كانت دينا في الحديقة , تطعم القطة مع راسل حين قالت له : - لا داعي لهذا الاشمئزاز يا عزيزي , انك تشبع قطة جائعة فقط . يظهر انك كأمك لا تحب الحيوانات . اسمح لي ان اصارحك بأنني سأربي اولادنا على حب الحيوانات , والتعلق بهم . امسك راسل بذراعها قائلا: - اسمعي يا دينا انني احب الحيوانات الجميلة , وهذه القطة مثال حي للقباحة . انظري الى فرائها المتعدد الألوان . تأكدي انني سأغرس بذور حب الحيوانات الجميلة في نفوس اولادي ... قاطعته دينا : - ان ما يهمك هو اصالة الحيوان , وليس جماله كما تدعي . انك لا تشفق على حيوان جائع , جريح او مريض , اذا لم يكن اصيلا . وهذا مؤلم ... مؤلم جدا . حاول راسل التهرب من الموقف بالبقاء النكات , ثم قال : - ما رايك في ان نشبع القطة , ثم نتركها تذهب في حال سبيلها ؟ - لا ... سآخذها معي الى البيت . - كما تريدين يا حبيبتي ... كما تريدين . استطاع راسل ازالة التوتر العالق في الأجواء بعد ذلك , ثم قال لوالدته : - سأعيد السيدة ليفنغستون ودينا الى منزلهما , اذا سمحت . لقد صممت دينا العزيزة على الاحتفاظ بالقطة , وستأخذها معها الى البيت . اجبر كلام راسل دينا على التفكير : ( تعجبني طريقته في معالجة الأمور احيانا , لكن والدته لا تزال متوترة الأعصاب ) . عادتا الى البيت , ومعهما القطة التي راحت تدور سعيدة بين الغرف . وحين رتبتا لها مكانا للنوم , صارحت دينا خالتها : - اشعر انني اتخبط في ظلام دامس يا خالتي . ساعديني . ارجوك سا عديني . - تصعب علي مساعدتك يا ابنتي . ان طريق الزواج طويل , مليء بالعقبات , مفروش بالعثرات . فحاولي التغلب عليها بمفردك . استنجدت دينا بأفكارها : ( ان خالتي محقة في ما تقول . فالعقبات كثيرة , ويجب ان اتغلب عليها وحدي . لكن لماذا لم استطع ان احب حماتي بالسرعة التي احببت فيها السيدة مورغان ؟ يا الهي , ما الذي اوصلني الى التفكير بوالدة انطوني مورغان ؟ انه ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج , واذا فكر في خوض خضمه , فسينتقي فتاة يلفها المال بأرديته . وصلت دينا الى مقر عملها في صباح اليوم التالي , في الوقت الذي وصل فيه انطوني مورغان , فوجدت بعض العمال يغيرون اللافتة التي تحمل اسم المؤسسة , فاستغربت وتساءلت : - ما الذي يفعله هؤلاء العمال يا سيد انطوني ؟ - انهم يحولون كلمة"ابناء" على اللافتة الى كلمة " ابن ". - وهل لي ان اسألك لماذا يفعلون ذلك يا سيدي ؟ سكن الألم عينيه وهو يقول : - لأن اخي اوين , الذي كان قلب هذه المؤسسة النابض توفي قبل سنتين , وبقي ابي يؤجل عملية تغيير اللافتة طوال الفترة الماضية , ففكرت ان اقوم انا بالعملية اثناء غيابه , لعلي اجنبه لسعات الألم , ولدغات الحزن والذكريات . - قلت ان اخاك كان قلب المؤسسة النابض , لكنني اؤكد لك يا سيدي انك تدير المؤسسة بشكل ناجح جدا . - قد يكون الأمر كذلك , لكنني في اعماقي انسان محب لافتراش الأرض , والتحاف السماء . انسان عاشق للطبيعة . 5- عمل اضافي اضطرت دينا للبقاء في المؤسسة لانجازه لاغية موعدها مع راسل . وعندما جاء الأخير مساء لاصطحابها , كانت قد خطفتها سيارة المدير . " ان الله يحب اذاعمل احدكم عملا ان يتقنه " . اتخذت دينا هذا المبدأ نبراسا اضاءت به درب حياتها العملية , وتذوقت طعم الاستقرار , وتعلمت كيف تتمسك بتلابيب الحذر في تعاملها مع والدة راسل . اكدت دينا للسيدة ميلغروف يوما : - اثبت لي العمل مع السيد مورغان انه ماهر في الفصل بين حياته العملية والخاصة , ويعرف كيف يفرض احترامه على الموظفين . - لم يكن كذلك قبل سنتين , عندما غرر بسكرتيرته المسكينة . صحيح ان الفضيحة خنقت في المهد , واخفيت آثارها بعد تدخل والده شخصيا , لكن انصياع انطوني لأوامر ابيه لم يكن الا طمعا بالأموال التي تنتظره بعد وفاته . لم تكن دينا تعرف حقائق القصة في شكل يمكنها من الدفاع عن مديرها ضد الهجوم الشرس , لذلك فضلت الإحتماء بالصمت : ( لا اعرف عن انطوني مورغان الا انه انسان لطيف , محبوب من موظفيه , يمزج بين المرح والجد , يلهث وراء النظام في كل مايفعل ) . لم تستطع دينا منع نفسها من القول : - لكنه يحترمني ويحسن معاملتي يا سيدتي . قاطعتها السيدة ميلغروف , وادارت دفة الحديث نحو مواضيع اخرى . في صباح اليوم الثاني , اوصى انطوني مورغان المسؤولة عن الرعاية الاجتماعية باحدى الموظفات . سمعته دينا |
مصادفة يقول :
- ان الآنسة فانشو موظفة ممتازة , وتستحق منا العون كله . تبيني اوضاعها المادية والاجتماعية , ولا تبخلي عليها بالمساعدة , على ان يبقى هذا سرا مخفيا عن جميع الموظفين. لم تستطع دينا محو صدق كلمات انطوني مورغان من حناياها بسهولة , وظل عقلها يردد : ( ان انطوني مورغان طيب . معطاء . انسان ... ) . غاب راسل عن دينا بضعة ايام , لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة حياتها الاجتماعية التي بدات تستقطب الكثير من الأصدقاء , واولهم كليو ووالدتها . كانت كليو فتاة متفائلة , طيبة القلب , صارحت دينا يوما بقولها : - اتعرفين انني مستعدة للموت تحت اقدام انطوني مورغان ؟ صدقيني . لكن ما الفائدة ما دام لا يعيرني أي اهتمام ؟ على فكرة , طالت غيبة راسل هذه الفترة , لماذا لم نعد نراه كثيرا ؟ حافظي عليه , فهو رجل وسيم . - عمله هو الذي اختطفه مني , فلا تخافي . بعد عودة انطوني مورغان , طلب من دينا البقاء مساء يوم الجمعة لانجاز بعض الأعمال الاضافية . تذكرت الفتاة ارتباطها بموعد مسبق مع راسل الذي لم تره منذ خمسة ايام , فحاولت الاعتذار : - آسفة يا سيد انطوني , لدي ارتباطات سابقة مع السيد ميلغروف , فهل يمكنك تأجيل الساعات الاضافية الى مساء الغد ؟ - من الأفضل لك الاعتذار عن موعدك هذا المساء . - معذرة . لم افهم ما تعنيه . - بل تفهمين تماما . يحسن بك الغاء موعدك الليلة . لماذا لا تصرخين : من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ؟ - ارجوك يا سيدي . ارجوك . ضحك انطوني مورغان وقال : - انك تحاولين التمسك بفكرة الموظفة والمدير , ولو كان على حساب اعصابك , ومشاعرك , واحاسيسك , اليس كذلك يا آنسة بريتشارد ؟ دعيني اذا اخبرك انه يسرني الاكتشاف بأنك لم تفقدي بعد شفافيتك ورهافة حسك , لأن ملازمة راسل وامه مقبرة لكل الأحاسيس , وخنجر مغروس في ضلوع المشاعر , وأرجو ان تتذكري يا آنسة انه الغى موعدين معك في الأسبوع الماضي . - اعتتذر لكثرة اشغاله . هل تحرضني الآن على الاعتذار للسبب نفسه ؟ - طلبت منك تناسي موعدك , لأنني اعرف حبك لعملك , وتف( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) فيه . - انني محبة لعملي فعلا , لكن ... لا بأس ... لا بأس . لك ما تريد يا سيد انطوني . رفعت دينا سماعة الهاتف , ولا حظ انطوني انها تدير القرص بأصابع مرتجفة , فقال لها : - لا اريد ارغامك على ما تكرهين يا آنسة , لكن اسلوبك في معاملة راسل سيعود عليك بنتائج عكسية , صدقيني . يجب ان تكوني الهدف الذي عليه ان يتعب للوصول اليه . - رغم معرفتي بعمق خبرتك في شؤون القلوب يا سيدي , الا انني اجد نفسي مضطرة لرفض العمل بنصيحتك , فأنا لا اؤمن بهذه الأساليب في معاملة الرجال . - لم اتوقع مثل هذه الرزانة من صاحبة شعر احمر . - اكملت دينا طلب الرقم , وعندما سمعت صوت راسل حيته : - مرحبا راسل ... انا دينا ... انني مضطرة للعمل ساعات اضافية مع السيد مورغان . لذلك اعتذر عن الذهاب معك ... لا ... الأعمال كثيرة , ولا يمكنني رفض طلب المدير , بعدما سمعك تعتذر مرتين في الأسبوع الفائت بسبب اشغالك المتراكمة ... اذهب الليلة مع اصدقائك , وسنلتقي في يوم آخر ان شاء الله ... ارجوك يا راسل تفهم موقفي ... واعذرني ... مع السلامة . - اعادت دينا السماعة الى مكانها , فشجعها انطوني : - عظيم . لا بد ان اعتذارك ازعجه . - لقد ازعجه فعلا ... افضل العودة الى العمل . علا رنين الهاتف , فأجابت دينا , ثم قالت لمديرها : - ممثل احدى الشركات الكبرى للأقمشة يطلب مقابلتك يا سيدي . - دعيه يدخل , وخذي هذه القائمة الى قسم المحفوظات للتدقيق من فضلك . اتخذت دينا طريقها الى قسم المحفوظات , فصادفتها كليو في منتصف الطريق : اهلا كليو , ما رايك في تناول قدح من الشاي بعد الانتهاء من الساعات الاضافية ؟ - يسرني ذلك يا عزيزتي ... لكن , ماذا حدث لموعدك مع راسل؟ - اضطررت لالغائه بعدما طلب مني السيد مورغان مساعدته في تسيير بعض الأعمال . - استغرب ان تفضلي العمل على راسل ... هل انطفأ بريق الحب في قلبك ؟ - لا , اطعت أوامر مديري فقط . - السيد انطوني لا يصدر الأوامر . انه يطلب بلطف , لذلك نسعى جاهدين لخدمته . هل يعجبك السيد انطوني يا دينا ؟ - ارجوك يا كلير , لقد اعتدت الفصل بين حياتي العملية ومشاعري الشخصية , بعد التجربة القاسية التي مررت بها وانا اخطو أولى خطواتي على درب العمل . - تأكدي ان السيد انطوني ليس ذئبا بشريا . على كل حال لكل انسان طريقته في التفكير وتصريف الأمور , واعتقد ان وجود فتاة مثلك يناسبه . لأنه بعد ما قاساه من سكرتيرته السابقة , اثبت لنا في اكثر من مناسبة , ومع اكثر من موظفة . انه آدم الهارب من حواء . انصرفت كليو تاركة دينا بين براثن الأفكار : ( لم يلم احد من الموظفين انطوني مورغان على ما حدث في الماضي . يظهر ان الفتاة ارادت دفعه الى هاوية الزواج , فارتد كيدها الى نحرها . اعرف ان التجارب بوتقة تصهر الأنسان , لكنها كانت سيفا قاطعا أضعف السيد مورغان , واجتث جذور ثقته بمن حوله . يا الهي انقذني من افكاري , فأنا لا اريد التدخل في ما لا يعنيني ) زادت ساعات العمل الاضافي في يقين دينا من ان السيد انطوني متواضع مع الموظفين , وناجح في ادارة اعمال المؤسسة . ارادت نسيان نفسها في احضان العمل الهادىء المتواصل , لكن التفكير براسل وامه كان يجبرها على العودة للواقع مكرهة : ( عندما احلم بزيارة معرض فني مع راسل , اتمنى بعدها لكلينا جلسة هادئة امام المدفأة , ننصت لزغاريد نارها , ونستمع لنجوى قلبينا . لكن هيهات ... كيف تتحقق اماني واحلامي بوجود والدته التي تلازمه كظله ؟ أغبط روبن على خلاصها من قيود والدتها . ان السيدة ميلغروف بقيت وحدها في حياة راسل بعد وفاة زوجها , لكنها تدفن ابنها برمال رعايتها , وعنايتها , ورغبتها في حمايته ... حان وقت الانصراف . سأعود الى البيت , وارتاح بشرب قدح من الشاي الساخن قبل ان آوي الى فراشي . لن اترك اعصار الشكوك , الذي أثاره انطوني مورغان في داخلي , يحرمني لذة النوم . هل يتعمد راسل اهمالي ؟ لا ... لا ... انه يعمل بجد . وعلي ان اثبت ان وراء كل رجل عظيم امراة . اشعر انه لم يعد متشوقا للقائي . اصبح العمل هاجسه الوحيد ) حاولت دينا قطع دابر افكارها بالغوص من جديد , لكن انطوني مورغان منعها بقوله : - يكفينا ما انجزنا اليوم ياآنسة . - ثم علا صوته مخاطبا باقي الموظفين : - ايها الآنسات والسادة , حان الآن وقت الانصراف . تأكدي يا ساندي من حسن اقفال المحلات قبل الانصراف من فضلك . سأوصل الآنسة بريتشارد الى البيت . استغرب الموظفون تصريحه , واتجهت انظارهم الى دينا التي اشاحت بوجهها عنهم , حتى سمعته يقول : - احضري معطفك وقبعتك لنغادر المكان يا آنسة بريتشارد . وذهب لتصريف بعض اموره , تاركا اياها مع كليو : - اؤكد لك انك من المحظوظات يا عزيزتي . ارتبكت دينا : - تصبحون على خير ... تصبحون على خير جميعا . تسارعت ضربات قلبها وهي تتجه نحو المكتب . اخذت معطفها والقبعة , واستعدت للخروج ثانية , لكن انفتاح باب الحجرة الملاصقة سمرها مكانها : - العجلة من الشيطان , والتأني من الرحمن يا آنسة بريتشارد . واجهته بقولها : - لم اعد افهم تصرفاتك يا سيد انطوني , لماذا لا تعاملني مثل بقية الموظفين ؟ أنا ... - انت تخافين من سمعتي وماضي الملطخين , اليس كذلك ؟ - بصراحة ... نعم . وافضل الا اختلف عن زملائي في شيء . - لماذا يا آنسة ؟ - لأن الماضي لسعني بسياط تجربة قاسية , كان بطلها ابن مدير أول شركة عملت فيها . - ما المسه فيك من صراحة وجدية هما بقاياها , اليس كذلك ؟ - ليس هذا ما اعنيه يا سيدي . تركت عملي في الشركة يومها بعدما خيل للمدير انني احاول ايقاع ابنه في حبائلي . كان ابنه يافعا . سخيفا . تنقصه الجاذبية ... - وانت تحبين الانسان الذي انضجته نار التجربة . - افضل النضوج على الاحتراق يا سيدي . ضحك انطوني : - احمد الله ان راسل وامه لم يصلا ببرودتهما الى اعماقك . - لا اعرف كيف اصفك يا سيد انطوني . - لا تتعبي نفسك بمحاولة وصفي يا آنسة . اتعرفين ان قذائف الكلام التي نتبادلها تسليني ؟ لم تستطع دينا منع نفسها من الضحك , فشجعها انطوني : - هذا افضل يا آنسة , اضحكي تضحك لك الدنيا . ولنذهب الآن. ركبت دينا سيارة انطوني , قبل ان ترى سيارة راسل تتوقف امام باب المؤسسة . رآهما راسل سوية , وتصادمت نظرات الرجلين , فلاح على ثغر انطوني خيال ابتسامة لم تفهمها دينا . ابتعد انطوني مورغان بسيارته , تاركا راسل يتخبط في مهاوي حيرته . انقذته رؤية كليو من عذابه , فتقدم منها وحياها متسائلا: - رأيت دينا تركب سيارة المدير يا كليو , فهل هي بخير ؟ - اطمئن يا راسل انها بألف خير وتتربع في هذه اللحظة على قمة السعادة , فهي تركب سيارة الرجل الأول في المؤسسة , وهو رجل عازب وصاحب ملايين . - ماذا تعنين يا كليو ؟ - اعني ان دينا تتمتع بمكانة خاصة عند المدير , لذلك يحيطها بكل العناية والرعاية . - لكن دينا خطيبتي . - هل هي خطيبتك فعلا , ام ان ما يربطكما هو مجرد صداقة عميقة ؟ - اننا متفاهمان على وضعنا الحالي . - لا ادري كيف استطعتما التفاهم على مثل هذا الوضع . ان الفتيات في ايامنا هذه يفضلن الاستقرار , والاحساس بالأمانوالطمأنينة في كنف رجل . اما في حال عدم وجود روابط , فإن للفتاة الحق بالتصرف كما تشاء . يؤسفني انك تركت معرضك الفني باكرا , لأن دينا دعت المدير لتناول العشاء في البيت , فأرجو الاتفسد عليهما هدوءهما بظهورك المفاجىء . لم يصدق راسل ما سمعه : - لا اعتقد ان دينا تستقبل وحدها غريبا في البيت . كفي عن الضحك يا كليو , فأنا اعرف دينا اكثر منك . - قد يتناولان العشاء في احد المطاعم الفخمة يا راسل . يمكنني ان اخفف من مصابك الليلة . وسأقبل الذهاب معك الى احد المطاعم الصغيرة . اتعرف يا صديقي ؟ بعد ان بالغت في اهمال دينا , راحت المسكينة تبحث عن انسان يستطيع اغناء حياتها بكل مثير , جديد . - اقبلي دعوتي الى العشاء , وسأثبت لك انني قادر على اغناء حياة اية فتاة بشكل مثير وجديد . - استضافت دينا الصمت اثناء رحلة العودة , لكن انطوني طرده بسؤالها : - اما زلت متوترة الاعصاب ؟ - لا ابدا . لكن في الأيام المشابهة لهذا اليوم , اتوقع حدوث المستحيل . - اشعر ان العاصفة بيننا مرت بسلام . واذا كنت تفكرين بدعوتي لشرب قدح من الشاي , فسأقبلدعوتك بكل سرور . لماذا الصمت ؟ اتخافين من ثورة السيدة ميلغروف ؟ تحدته : - رغم ان خالتي ليست في البيت , الا انه يسرني تشريفك . توقفت السيارة امام البيت , وتقدمت دينا من الباب تفتحه وكأنها في حلم : ( انها المرة الأولى التي ادعو فيها السيد مورغان الى بيتي . سأستضيفه اليوم بدلا من راسل ) . دخلا غرفة الجلوس , فقال لها انطوني : - احب سماع زغاريد السنة اللهب في كل وقت , اتوافقينني على اشعال المدفأة ؟ - انا وخالتي نحب الاستكانة الى جانبها ايضا . تفضل وافعل ما تريد. تأمل لوحة فنية نامت على الحائط فوق المدفأة قبل ان يقول : - اليست هذه احدى لوحات الفنانة كيت ليفنغستون ؟ لدي بعض رسوماتها في البيت . انها ماهرة جدا في التعامل مع الألوان المشرقة الزاهية . - يجب ان تخبر خالتي برأيك في لوحاتها عندما تعود . - هل يعرف ابي ذلك ؟ لا اعتقد , فهو لا يهتم بالفن والفنانين . لكن عمتي هيتي تلاحق تطورات الحركة الفنية , وقد اشترت اللوحات عندما كانت في رحلة الى انجلترا . - سأذهب لتحضير الشاي . تبعها انطوني الى المطبخ الذي اختلط فيه القديم بالحديث : - ان المطبخ مرآة صاحبة البيت . ومطبخك اكبر دليل على حيرتك وعدم اقتناعك براسل ميلغروف . استدارت نحوه قائلة : - ارجوك يا سيدي . لا تتدخل في شؤوني . - كما اتحضرون هذا اللحم لفطور الغد ؟ - طبعا لا . انه لعشاء الغد يا سيد مورغان . - ولماذا لا نتناوله الآن يا آنسة ؟ انني جائع , واحب اللحوم المشوية . سنأكل هذا اللحم اليوم وادعوك مع خالتك غدا لتناول العشاء في اح المطاعم . ما رايك ؟ - هذا غير ممكن . اقصد انه ممكن ... اعني انه يمكنك ان تأكل ما تريد من اللحم الليلة , لكن بالنسبة الى دعوة الغد ... - ان قبولك لدعوتي هي افضل وسيلة لإثارة غيرة السيد ميلغروف . دينا لا تغضبي يا عزيزتي . لا تغضبي . اعرف انني وعدتك بعدم التدخل في امورك . - لا اسمح لك بمناداتي باسمي المجرد يا سيد انطوني . ثم ... ثم ... كيف تقول عزيزتي ؟ - اسمك جميل ويتماشى تماما مع لفظ عزيزتي . لم هذا الانزعاج ؟ اعطيني سكينا لأساعدك في تقطيع اللحم . استسلمت دينا للأمر الواقع, وبدأت تستسيغ مساعدة انطوني مورغان لها . وحين فاجأها الجوع , قامت بتحضير المائدة استعدادا للعشاء . ثم جلست تتناول عشاءها معه , بعدما حضرت طعاما للقطة . قال لها انطوني : - يغلب على عشائي الليلة الطابع الانجليزي . كان يهم بوضع لقمة في فمه , عندما انفتح الباب وظهرت على عتبته الخالة كيت برفقة راسل . تلاقت العيون , والتهمت الدهشة الوجوه , فتململ انطوني في مجلسه , تاركا راسل يجلده بسياط نظراته . زحف سرور غريب الى قلب دينا بهذا اللقاء بين الرجلين, فتركت مجلسها وتقدمت نحو راسل : اهلا بك ومرحبا يا راسل . خالتي كيت اقدم لك انطوني براين مورغان , مدير المؤسسة التي اعمل فيها . اما انت يا راسل ... كظم راسل غيظه وهو يقول : - لا ضرورة لأن تتعبي نفسك يا دينا , لأنني اعرف السيد مورغان . اعرفه جيدا . - هل طلبت منك خالتي ان تأتي معها الى هنا بعد انتهاء المعرض ؟ - لا ... التقينا عند الباب . مررت بالمؤسسة مساء لأصطحبك , فأخبرتني كليو انك عدت الى البيت مع السيد مورغان , فدعوتها لشرب قدح من القهوة , واتيت بعدها الى هنا . - ارجو ان تكونا قد امضيتما معا احلى الأوقات ... اشكرك على مجيئك في هذا الوقت المتأخر , وارجو الا تقلق عليك والدتك . قاوم انطوني رغبته المجنونة في الضحك , وترك المائدة . وبعد ان وضع الأطباق المستعملة على منضدة صغيرة متحركة , جرها الى المطبخ وهو يقول : - سنتدبر امر هذه الأطباق بعد ذهاب الضيوف . وحين عاد من المطبخ , استرخى في احد المقاعد وقال : - ما احلى الراحة بعد التعب يا دينا . - كان يوما متعبا فعلا يا انطوني . انزعج راسل : ( تناديه باسمه . ويناديها باسمها مجردا . ما هذا التغير المفاجىء ) . قدم انطوني لفافة تبغ الى الخالة كيت , وقال : - انت لا تدخنين يا دينا , لذلك لن اعرض عليك واحدة . انكمشت دينا : ( اكتشف انطوني مورغان انني لا ادخن قبل دقائق فقط , لكن راسل لن يصدقني , حتى لو اقسمت له على ذلك ) . خاطب انطوني الخالة كيت بقوله : - عمتي من المعجبات بفنك يا سيدة ليفنغستون , وستسر كثيرا اذا زرتها يوما في بيتي ، فهي مقيمة عندي . سأل راسل دينا : - هل تمانعين في تناول العشاء مع امي غدا يا عزيزتي ؟ لن اكون معك لأنني مضطر للسفر ، لكن وجودك سيفرحها . نادت الأفكار دينا : ( هل اعتذر بحجة انني مضطرة لتلبية دعوة انطوني مورغان مع خالتي غدا مساء؟ لا . لقد رفضت الدعوة ولن اقبلها ثانية بالرغم من ان امسية كاملة مع والدة راسل ليست منتهى املي . اشعر بأن الحرب سجال بين الرجلين . اتمنى ان تكون احاسيسي خاطئة , اتمنى ذلك من كل قلبي . رنين الهاتف يملأ المكان سأذهب لأجيب ) . عادت دينا بعد قليل , لتجد انطوني مورغان في المطبخ , يساعد خالتها في تجفيف الأطباق ، فقالت : |
لا ضرورة لما تفعل يا سيدي , فأنا وخالتي نستطيع انجاز العمل وحدنا .
- اتستطيعين الثبات على اسم واحد في مناداتي يا دينا ؟ تضرج وجهها بدماء الخجل : - اعذرني على مناداتك باسمك مجردا قبل قليل . - ولماذا الاعتذار يا عزيزتي , ما دمت تطبقين ما اوصيتك به , وتغيضين راسل ؟ فضلت دينا عدم الرد , وقالت لخالتها : - هناك من يطلبك على الهاتف يا خالتي . تركتهما كيت وحدهما , فأغلقت دينا باب المطبخ قائلة : - اعتقد ان وقت انصرافك قد حان يا سيدي , ويكفيك ما سببته لي اليوم من مشاكل . - ما يزعجك اليوم ستشكريني عليه غدا , لأنه سيحث راسل على تحسين معاملته لك , فأنت لا تستحقين الا الخير . - انك لا تعرفني الا منذ فترة وجيزة , فما الذي يدفعك الى مثل هذا الكلام ؟ - لن اجيب الا بأنني عرفتك في الأيام الماضية بما فيه الكفاية , لذلك اوصيك بألا تعتذري لراسل على ما حدث اليوم , وان تستمري في السير على درب زعوعة ثقته بحبك وعواطفك . الم تسعدك النتائج التي توصلنا اليها اليوم ؟ - تذكر انني احب راسل يا سيد انطوني , وحبي له ليس اعمى . - ومن قال لك ان الحب اعمى ؟ تأكدي ان للحب عيونا جميلة يرى بها قلب الانسان ادق الأشياء واحلى التفاصيل . لا تتصوري ان ما اقوله سببه خبرة سابقة في شؤون القلوب , كما سبق وألمحت . لا , ان تجربتي الماضية كانت تفتقر الى الحب وتتوق اليه . عجزت دينا حتى عن الاعتذار , لكنها قالت بعد فترة سكوت مقيتة : - يكفيني ما قاسيته اليوم يا سيد انطوني , ارجوا منك الانصراف مع راسل في اسرع وقت ممكن , لأنني متعبة وفي حاجة ماسة الى الراحة . - ثقي بأن طلباتك اوامر يا آنستي . جلست دينا مع خالتها امام المدفأة , بعد انصراف الضيفين وتساءلت الخالة : - هل استمتعت اليوم بأوقاتك يا ابنتي ؟ - ان الضياع يطويني يا خالتي . لم اعد اعرف الا انني متعبة وفي حاجة الى ساعات من النوم العميق . تصبحين على خير. لكن التفكير بأنطوني مورغان خطف النوم من عينيها , وقادها الى التفكير في مصيرها مع راسل : ( لطالما تصورت راسل هو فارس أحلامي المنتظر , لكن هيهات . ما السبب ؟ أتراها امه ام حادثة وفاة ابيه المبكرة ؟ لا اعرف . ربما يحتاج راسل الى فتاة تكتشف فيه خصاله الحسنة الدفينة . لكن هل انا هذه الفتاة ؟ لا مست اصابع الفجر جفنيها , فأسرعت الى احضان النوم استعدادا لاستقبال يوم جديد , تمنت ان يكون سعيدا . 6- ... وانهمرت دموعها وهي تشعر بحنان انطوني مورغان نحوها . ثم توسلت اليه وذراعه تحيط بكتفيها : ساعدني , ارجوك , لوضع نهاية سعيدة لقصتي . وغاب نهار آخر , رحل نهار عمل آخر من حياة دينا , وتركها منهوكة القوى , تبحث عن السكون بعد ساعات الضجيج , وعن فيء الراحة بعد قيظ التعب . كانت تستعد لترك غرفتها , عندما فتح السيد انطوني باب غرفته قائلا : - سأوصلك الى منزل السيدة ميلغروف يا دينا . - افضل الذهاب وحدي . شكرا لك يا سيدي . - ستكون رحلتك مرهقة , فالحافلات مزدحمة في هذه الساعة . - سأركب سيارة اجرة . - طيب هل طلبت واحدة ؟ - كنت على وشك ان افعل . - استسغت الكذب سلاحا لمقاومتي , منذ بدأت اهتم بك . لكن شيئا لن يثنيني عما عزمت عليه . هيا بنا . - جردتني حتى من قدرتي على الرفض , ولا املك الآن الا الانصياع للأوامر , لأنك سيدي في العمل . قهقه انطوني مورغان ضاحكا : - دينا ... عزيزتي ... لم اتوقع منك مثل هذا الاستسلام السريع . يظهر انك تحاولين التخلص من الحاحي , لكن هذا التخاذل لن ينفعك في حياتك المستقبلية , صدقيني . - مادمت تعرف انني احاول تحطيم قيود الحاحك وسخريتك , فلماذا لا تدعني وشأني ؟ - لا استطيع . لأنك تحبين ما افعل . - ماذا تقصد يا سيد مورغان . - اقصد يا عزيزتي انك تحبين الحاحي , وملاحقتي , وقذائفي الكلامية . - هل فقدت عقلك ؟ هل جننت يا سيدي ؟ ما هذا الذي أسمع ؟ تتهمني في البداية بالضعف أمام راسل , ثم تتجرأ وتؤكد انني استسيغ مضايقتك لي . هذا كثير . كثير جدا يا حضرة المدير . اشعل انطوني لفافة تبغ , قبل ان يقول : - الفرق شاسع بيني وبين راسل , فهو يهملك , وانا الاحقك . كادت دينا تنفجر غيضا : - لقد اعتذر راسل عن بعض ارتباطاتنا لانشغاله , يا سيد انطوني , وقد تفهمت الوضع تماما . - وانعكس تفهمك للوضع على الطباعة السيئة لرسائلي بعد اعتذاره الأخير , اليس كذلك ؟ لا اعرف لماذا تتعمد ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )ي واذلالي , لكنني اؤكد لك قدرتي على حل مشاكلي مع راسل دون أي تدخل خارجي , هذا أولا , وثانيا اسمح لي ان ارفض الذهاب معك الى بيت السيدة ميلغروف . - اعتراضك مرفوض . هيا بنا . - لا اعتقد انك سترغمني على الذهاب يا سيدي . - بلى , سأجبرك عليه حتى لو جعلت سيرتك مضغة في افواه الموظفين . هيا يا فتاتي ... هيا . - استسلمت للواقع . فنزلت الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , وراحت تمخر عباب البحر البشري , الذي كانت امواجه تتابع على المؤسسة . فأحست بنظرات الفضول تلاحقها , فأسرعت تحتمي بسيارة انطوني السوداء , وبالصمت طوال الطريق . تركها انطوني تتمتع بحرية السكوت , حتى وصلا الى المنزل المطلوب . تأمله انطوني قبل ان يقول : - البيت ضخم , فخم . لكنني متأكد من ان اصحابه يثقلونك بأصفاد التصنع . حاولت دينا الخروج من السيارة , لكنها لم تستطع ذلك الا بمساعدة انطوني الذي فتح لها الباب قائلا : - اتمنى لك قضاء امسية سعيدة . الى اللقاء . - سنلتقي غدا في المؤسسة . - لا . سأتناول عشائي وحيدا في المدينة , وارتاح قليلا في المكتب , ثم آتي لأعيدك الى البيت . - سيعيدني راسل , شكرا لك . - تذكري ان راسل خارج المدينة , وسيعود الليلة متأخرا . - لا اريدك ان تعود . لا اريدك ان تعود . سأطلب سيارة اجرة . اتخذت دينا طريقها نحو الباب الرئيسي , واختفى انطوني بسيارته عند المنعطف . رحبت بها السيدة ميلغروف , وسألتها : - من كان هذا يا عزيزتي ؟ - السيد انطوني مورغان , مديري . - ااتى لزيارة صديق له في المنطقة ؟ - لا . أراد انقاذي من زحمة المواصلات , فأوصلني مشكورا . دخلتا غرفة النوم , حيث قالت لها السيدة ميلغروف : - يسرني قدومك هذا المساء يا دينا . ازعجها تلطف السيدة ميلغروف : ( يارب , ماذا يخبىء لي سكون الليل من اسرار ؟ ) . جليت دينا تتناول عشاءها : ( كل مايحيط بي مرتب , حتى اصناف الطعام تم اختيارها بعناية . اين منها ليلة امس , وما اتصفت به من بساطة . اشعر برمال التصنع تبتلعني . اكاد اختنق . كل ما حولي مصطنع ... مصطنع ... مصطنع ) . شربتا القهوة بعد العشاء في غرفة الجلوس , امام مدفأة كهربائية . قالت السيدة ميلغروف : انني اكره المدافىء الحجرية , لأن اشعالها شاق جدا . من دواعي سروري التعرف اليك والتقرب منك اكثر يا دينا , بعدما جمعت الأقدار بينك وبين راسل . لم تتعد جميع علاقاته السابقة حدود الاعجاب , وقد استطعت اقناعه بأن كل ما مر به سيعينه على اختيار الشريكة الأفضل لحياته . لذلك طلبت منه عدم التعجل في اعلان أي ارتباط رسمي بينكما , لكنني سعيدة جدا باطلالتك في افق حياته , واعتقد انه بقليل من التوجيه , ستكونين الزوجة المثالية لابني , خاصة اذا قبلت تغيير ... اسمك . تطلعت دينا نحوها عاقدة الحاجبين : - ولماذا اغيره يا سيدتي ؟ الا يعجبك ؟ - انه اسم ينقصه البريق يا عزيزتي . - لكنني اجده جميلا جدا . - قد يكون جميلا , غير انه لا يناسب زوجة ... - اكملت دينا : - لا يناسب زوجة الطامح الى منصب مستشار الملكة , اليس كذلك ؟ - نعم , بالفعل . لذلك أتصور انك لن تمانعي اذا ناديتك ديانا من الآن فصاعدا . وقد وافق راسل على اقتراحي . - معنى هذا انك اخبرته بما تريدين اجراءه من تعديلات . - نعم . لقد فعلت . - ان ماتطلبينه يا سيدة ميلغروف هو المستحيل بعينه , لأنني معجبة باسمي , ولا أود تغييره . دعينا نغير الموضوع من فضلك . - لم انوي ازعاجك يا دينا . واعتقد ان اقتراحي هو الأفضل لك. - هل هو الأفضل لي ام لأبنك يا سيدة ميلغروف ؟ - لا افهم سببا لغضبك يا دينا . - وانا لا افهم سببا لهذا التمادي من جهتك يا سيدتي . - لم اقصد ايلامك يا عزيزتي , فأنت زوجة ابني . - لست زوجة ابنك يا سيدة ميلغروف . - كل آت قريب , يا عزيزتي . - تذكري ان الخطبة لم تعلن رسميا بعد يا عزيزتي . - ألم نتفاهم على تأجيلها في الوقت الحاضر ؟ - نعم تفاهمنا على اعفاء ابنك من جميع المسؤوليات والروابط حتى يستطيع تقرير مصيره على مهل , وعلي ان ابقى انا سجينة الارتباط به الى ما شاء الله , اليس كذلك ؟ اجيبيني . - لا اجد سببا لهذا الانزعاج كله يا دينا ... صدقيني . هل انت بخير ؟ هل ... - انني بألف خير . واعتقد ان من حقيالتروي قبل الاقدام على الزواج , مثل راسل تماما . - لا اعتقد انك في كامل وعيك يا دينا . - ثقي انني أعي كل كلمة أقولها . - هل حصل بينكما أي سوء تفاهم في الفترة الأخيرة ؟ لماذا لم يخبرني ؟ - ماذا تقولين ؟ - اعتاد راسل الا يخفي عني شيئا منذ نعومة اظفاره . - لا شك في انك تبالغين يا سيدة ميلغروف . - انني لا أبالغ . انها الحقيقة . - هل اخبرك اذا , انه شرب قدحا من القهوة مع كليو ديفيس في احد المطاعم ؟ - من كليو هذه ؟ لا احسبك تتكلمين عن الفتاة التي تعمل في المؤسسة ؟ - بلى . انها الفتاة المسؤولة عن قسم التجميل الذي يحمل اسم كليوباترا . ما رايك بهذا الاسم البراق يا سيدتي ؟ - لم اعد افهم شيئا . لم اعد افهم أي شيء . لكنني عرفت السبب الكامن وراء ثورتك . احكي لي ما حدث بالتفصيل . من اخبرك بهذا كله ؟ - راسل هو الذي اخبرني يا سيدتي الكريمة . - اتمزحين يا دينا ؟ - لا . ابدا ... زارنا في البيت ليخبرني انه خرج مع كليو لشرب قدح من القهوة , بعد قبولي دعوة مماثلة من مديري انطوني مورغان , الذي يحب اسم " دينا " كثيرا . - لماذا قبلت دعوة المدير يا دينا ؟ - لأن التفحص قبل الانتقاء من ابسط حقوقي يا سيدة ميلغروف . - لكن التوقيت الذي اخترته للتفحص والانتقاء خاطىء يا ابنتي . - ولماذا يا سيدتي ؟ - لأن جيني خطيبة راسل السابقة عادت الى المدينة . - وماذا في ذلك ؟ ما فات قد مات يا سيدة ميلغروف . هل فقدت الثقة بقدرة الحب على تخطي العقبات ؟ - لقد احب راسل جينا حبا جما . استمعت دينا الى همس افكارها : ( لابد ان حب راسل الجنوني لخطيبته الأولى هو الذي اقتلع جذور الرضى عنها من قلب والدته انها انانية في حبها لابنها . وهذا يثبت وجود خيط رفيع يفصل بين الحب الحقيقي والرغبة في التملك ) . جابهت دينا السيدة ميلغروف بثقة : - اكره ان ينافسني احد على قلب راسل , لذلك احمد الله على تأجيلنا اعلان الخطبة . - ان جيني كابوس مزعج , عليكما الخلاص منه , ولو كنت تعرفينها لاكتشفت منبع قلقي . - يؤكد كلامك انها ما زالت مليكة على عرش قلبه , وهذا يتركني ريشة في مهب ريح الشك بعواطفه , وصدق مشاعره . احتاج الى رجل يحميني ويرعاني , يحبني ويحرص علي . لذلك علي التأكد من احاسيسي قبل السير على درب الرباط المقدس . ولف دينا ضباب الأفكار : ( هل احب راسل ؟ نعم احبه . لكنني اتوق الى ان يبقى حبنا متوجا بالعزة , مزدانا بالكرامة . يكفي السيدة ميلغروف ما قاسته اليوم مني . حان وقت الرحيل ) . تركت دينا مقعدها قائلة : - هل يمكنني استعمال الهاتف يا سيدة ميلغروف ؟ لم تمانع والدة راسل , فرفعت دينا السماعة , وطلبت رقم انطوني . عندما تناهى الى اسماعها , خاطبته بلطف ونعومة : - اهلا انطوني , ايمكنك ان تأتي لاصطحابي ؟ لقد انتهت الزيارة . لم يتوقع انطوني هذا فتردد قليلا قبل ان يقول : - يسرني ان اعود بك الى البيت يا عزيزتي . لكن ما الذي افسد امسيتك ؟ تهربت دينا من الجواب واردفت : - سأنتظرك على احر من الجمر , مع السلامة . حين وصل انطوني , قامت دينا بتعريفه الى السيدة ميلغروف التي دهشت لأناقته , ولباقته , وحسن تصرفه . مضت دقائق , خرجت بعدها دينا لتستقل السيارة مع انطوني قال لها : - اعتقد اننا اذهلنا السيدة ميلغروف بتصرفاتنا . - لقد انستني هذه السيدة معنى الشفقة . - ما الذي حدث بينكما يا دينا ؟ - اسمح لي ان اعتذر أولا عما سببته لك من ازعاج . - لا اجد أية حاجة الى الاعتذار . تلاشت في حضن افكارها: ( كنت واحة للراحة بعد ساعات التعب يا سيدي . كنت أول الغيث بعد طول قحط . كنت منقذي يا سيدي ) . غير انطوني مورغان وجهة سيره , فاستغربت دينا . قال لها : - سأريك ملاعب طفولتي , والبقعة التي ألجأ الى احضانها كلما كشرت لي الحياة عن انيابها . اوقف انطوني السيارة في منطقة منعزلة , ومشى الاثنان الهوينى عبر طريق ترابية , حتى وصلا الى هضبة ارتاحت دينا بالقرب من قمتها , تاركة النسيم العليل يسافر فوق صفحة وجهها . همس انطوني متسائلا : - الا تريدين اخباري بما حدث الليلة يا دينا ؟ سبقت دموعها الكلمات , فتركها تسيل حارة مدرارة على مسارب خديها . احاطت ذراع انطوني بكتفها , وكأنها تحميها من ضعفها ثم سمعته يقول : - توقعت ان يحدث هذا منذ البداية . احست دينا بتفهم انطوني لها , وتعاطفه معها , لكنها خافت من ضعفها , فاعترفت حين احتضن يده : - اكره ان ابكي ... اكره الضعف ... صدقني . - ليست الموع الحقيقية دليل ضعف , انها لغة بليغة يعبر الناس عن مكنونات قلوبهم . - فقدت الليلة الاحساس بالكرامة وعزة النفس , لم تجد التضحيات والتنازلات نفعا ... اعتقدت انك مجنون يوم حاولت توعيتي . استميحك العذر يا سيدي . فأنا لا أعي ما اقول . - لا تعتذري يا دينا . اتركي نفسك على سجيتها . نعم , اذكر انني حاولت تنبيهك لاخطائك , فطلبت مني عدم |
التدخل .
- تحول مديري الى نبع للحنان . انني اعيش حلنا جميلا , رائعا . - حناني ليس حلما . تناسي انني مديرك , واريحي نفسك من اعبائها. - انت وحدك الذي يستطيع مساعدتي . - وكيف استطيع ذلك يا دينا ؟ - ساعدني في وضع نهاية سعيدة لقصتي ... أرجوك . - عن اية قصة تتحدثين ؟ - اليس حبي لراسل قصة ؟ آسفة اذا كنت قد ازعجتك برجائي لكنني ... - لا تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا دينا . يسعدني ان امد لك يد المساعدة دائما , شرط ان تناديني انطوني , كما يناديني الأصدقاء. - لكنني اعتدت استعمال " السيد انطوني " في الفترة الأخيرة . - الإرادة تصنع المعجزات , وتغير العادات , فلا تيأسي . اكثري من مناداتي طوني امام راسل وامه , لأنني اريد لجحيم الشك ان يعذبهما . - وماذا عن الموظفين في المؤسسة ؟ الا يهمك امرهم ؟ الا تخيفك الشائعات التي يمكن ان يثيروها ؟ - انني اقوى من أي شائعة , فلا تخافي , ولا تحزني . ارمي همومك جانبا , تعالي الى قمة الهضبة لنمتع انفسنا بما تطل عليه من مناظر خلابة . امتثلت لأوامره , وأحست عند قمة الهضبة بقربه , وعندما احاطها بذراعيه , دفنت رأسها المتعب في غياهب صدره . استمتعت بدفئه وحنانه , انتشت بسماع نبضات قلبه وراحت كل ذرة في كيانها كأنها تردد : لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا اخافها اندفاعها : ( لا ... لا ... لا يمكن ان يحدث هذا . ان انطوني مورغان يشاركني احاسيسي , ويشعر بمشاعري , لا اكثر . انه يشفق علي . نعم انه يشفق علي فقط ) . حاولت دفعه عنها قائلة : - لا حاجة الى بدء التمثيل منذ الآن . يكفينا ان نتقن ادوارنا امام راسل ووالدته . لست في حاجة الى الشفقة . احتضن وجهها بين يديه وقال ضاحكا : - دينا ... يا عزيزتي ... لم يكن احتضاني لك رأفة بك , او شفقة عليك . اردت فقط ان اسعد بقربك . ضمها الى صدره ثانية وقال : - اعتقد ان وقت عودتنا قد حان , فهيا بنا يا عزيزتي ... هيا . 7- إغاظة راسل , هكذا بدأت الحيلة ... وانتهت بحب انطوني . هل كانت دينا تريد ذلك ؟ لم يعد هذا هو السؤال . كل ماتعرفه انها بدأت تذوق شهد السعادة . لم يكن انطوني مورغان من الذين يضيعون الوقت في ازقة الأيام . لذلك سأل دينا : - ما الذي ستفعلينه في عطلة الأسبوع ؟ هل لديك مشاريع خاصة مع السيد ميلغروف ؟ - كنا ننوي السهر في مقر هواة الغناء الأبرالي , لكن راسل اعتذر لانشغاله . - لماذا يتهرب من الظهور معك في الأماكن العامة ؟ - لأن ظهوري معه بلا رابط رسمي قد يحرجه . ماذا قلت يا سيد انطوني ؟ - قلت كفاك اختلاقا للأعذار , اذا كنت تحبين الأوبرا الى هذا الحد , فسأذهب معك الى السهرة . - لست من عاشقات الأوبرا , لكن راسل مصر على انه فن ويغني العقول ويهذب النفوس . - لماذا لم تصارحيه برأيك يا دينا ؟ ما كل هذا الخنوع ؟ أي نوع من المسرحيات تفضلين ؟ - اعشق مسرحيات شكسبير , خصوصا مسرحية عطيل . - ليس على مسارحنا في الوقت الحاضر اية مسرحية لشكسبير, لكننا نستطيع الذهاب الى مسرحية فكاهية اذا احببت , واؤكد لك انني لن اعتذر في اللحظة الأخيرة . وافقت دينا على تلبية الدعوة , وتلقت من انطوني مكالمة هاتفية في تلك الليلة : - اقترحت عمتي هيتي مشروعا وافقت عليه في الحال . - لكنك تعطي الاقتراحات , ولا تتلقاها يا سيد انطوني . - اسمعي يا عزيزتي . تتوق عمتي هيتي الى لقائكما , فلماذا لا تأتين مع خالتك لقضاء عطلة الأسبوع معنا في تانغاروا ؟ سأمر بكما صباح يوم السبت , هل تحبين ركوب الخيل ؟ عظيم ...بدأت امي تظهر مع ابي - يا سيد انطوني ... اقصد طوني ... الست خائفا من الشائعات ؟ - قلت لك ان الشائعات لا ترهبني . بدأت امي تظهر مع ابي بلا خوف منذ كانت موظفة في المؤسسة . - لاشك في انها ظهرت مع ابيك بعد تأكدها من صدق نواياه . اما نحن , فقد اتفقنا على التمثيل فقط . - تناسي الموضوع , وكوني جاهزة في التاسعة والنصف من صباح الغد . وتحمست الخالة كيت للفكرة : - سأتعرف الى افراد عائلة السيد براين مورغان , وازور الريف في آن واحد . اشرقت شمس يوم السبت دافئة , حانية , وكان انطوني مورغان عند وعده . وخلال دقائق كان الثلاثة يتمتعون بمناظر الطريق الساحلي المؤدي الى تانغاروا . كانت السماء زرقاء صافية , والتلال تتسربل بردائها السندسي الرائع . اما مياه الخليج , فقد تحولت الى مرآة كبيرة , تعكس زرقة السماء بكل صفاتها . سلكت السيارة طريقا فرعية تؤدي الى المزرعة , فقالت دينا مبهورة الأنفاس : - تبارك الخلاق في ما خلق . لوحات الهية ولا اروع , والبيت والمزرعة جزء لا يتجزأ من هذه اللوحات الخلابة . - امتاز البيت بلونه الأبيض وسقفه المطلي بالقصدير البرتقالي . اما حديقته فاشتعلت بالورود ولأزهار على اختلاف اشكالها والوانها . اوقف انطوني السيارة امام الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , فأسرعت سيدة صغيرة القد , قصيرة القامة , في العقد الخامس من عمرها , للترحيب بهم . قال انطوني : - اقدم لكم عمتي هيتي , انسانة تعشق السرعة والخفة في كل ما تفعل . انتبهي يا عمتي ... انتبهي ... لا اريد رؤيتك تسقطين ارضا . قالت السيدة : - اهلا وسهلا بكم . ما اسعدني بقدومكم . واخيرا تشرفت بمعرفتك يا سيدة لفينغستون . اغبطك يا دينا على كونك احدى قريبات فنانة موهوبة , واشفق على طوني , لأنني لا اتقن في امور الدنيا الا فنون الطهي . سارع انطوني الى التأكيد : - الطهي وصنع المرطبات فن في ذاته يا عمتي . دينا هيا بنا لأريك غرفتك يا عزيزتي . دخلا البيت . فصعد طوني الدرجات المؤدية الى غرف النوم , وتبعته دينا قائلة : - لا ضرورة لاستعمال لفظ " عزيزتي " في مناداتي يا طوني , فنحن لسنا امام راسل ووالدته . فكر في عمتك ارجوك . - ولماذا افكر فيها يا دينا ؟ ان طرق الحب لأبواب قلبي سيسعدها , لأنه يعني زواجي , ولرحيلي عن البيت , ويترك لها حرية استقدام شقيقة لها , تقيم حاليا في اوكلاند . - سيحرمك رحيلك عن البيت من ربة منزل ممتازة . ضحك انطوني وقال مغيرا مسار الحديث : ستكون لك غرفتك الخاصة . انتبهي الى هذه العتبة . وصلا الى جناح مؤلف من غرفتي نوم , تطل النافذتان فيهما على الخليج , وتفصل بينهما غرفة الاستحمام . تأملت دينا غرفتها القديمة الطراز , وتاهت مع جمال الخليج , قبل ان تقول : - قلبي يحدثني انها ستكون نهاية اسبوع رائعة يا طوني . احاط انطوني كتفيها بذراعيه وهو يقول : - ستكون كذلك بإذن الله ياعزيزتي . - اشم رائحة قطعان الغنم . - يكره كثير من الناس هذه الرائحة , ويتهربون منها . - تحيرني رائحة عبقة اخرى من اعشاب المروج . كان يحلو لي دائما قطف بعضها والاحتفاظ بها في جيبي . اتعرفين ان على الطرف الآخر لهذه الهضبة غابة من اشجار الميموزا "السنط " , اطلق عليها الأولاد اسم غابة المسرة ! - عن أي اولاد تتكلم ؟ - اولاد اختي ميغان التي تقيم مع زوجها في مزرعة يملكانها على ضفاف بحيرة هيز , في منطقة اوتاغو . انها منطقة يسكنها الجمال , وخاصة الريف . اما في الشتاء فهي مركز للرياضيات الشتوية . - وصفك للمكان رائع , قرأت الكثير عن اوتاغو , ولطالما تمنيت رؤيتها . - سأحاول تحقيق امنياتك قريبا ان شاء الله , وآمل ان تكون المنطقة منبع وحي والهام لخالتك . - قررت زيارة المنطقة واكتشافها مع خالتي , فلا تتعب نفسك يا طوني . - - ومن قال لك انني اتعب نفسي ؟ تذكري اننا هنا لاغاظة راسل , وعلينا ان نجتهد في تحقيق هدفنا . يجب ان نعود الى البيت , فقد رأيت بالقرب منه قنفذا في حفرة . - وماذا تنوي ان تفعل ؟ - سأخرجه منها , وأبعده عن المنطقة . اخرج انطوني القنفذ , ثم تحدى دينا : - ما رايك بسباق في الجري نحو البيت ؟ قبلت دينا التحدي , لكنها توقفت في منتصف الطريق متقطعة الأنفاس , وراحت تتأمل ما حولها ما احلى عناق التلال للسهول . ما اجمل اصوات الحيوانات . انه الريف , رمز الخير والعطاء والحرية ) . تناولا وجبة خفيفة في البيت , وغيرت دينا ثيابها قبل ان تركب جوادا وتدور مع انطوني في انحاء المزرعة . وهي تقوم بجولتها , التي تعرفت خلالها الى جميع افراد عائلة ايريني كاهيكا . احسنت العائلة استقبالها , وتودد اليها والد ايريني بقوله : - واخيرا , تعرفت الى الفتاة التي انست جاري العزيز نفسه . رد انطوني : - معك حق ... اولى بهذا القلب ان يخفق . قال كلمته , وانطلق فارسا مقداما , يسابق الريح على صهوة جواده. راقبته دينا اثناء عودتهما الى البيت : ( ان السيد انطوني يحب الأرض , ومحبوب بين اصحابها . يؤلمني ان ارى مثل هذا الانسان سجين جدران المكاتب والمؤسسات ) . كان الغداء ينتظرهما في الحديقة , ولما انتهيا من تناوله , عرض انطوني على السيدتين مشاركتهما في مشاريعهما لفترة بعد الظهر , فأربك رفضهما دينا , لكن انطوني فسره بقوله : - ان بقائهما وحدهما يساعد في تعميق جذور صداقتهما . اذا كنت تريدين حلب البقرة , فهيا بنا , لأن بيتر سيكون مشغولا الليلة في الاحتفال بعيد زواجه الأول . احتجت عمته : - لماذا لاترتاح قليلا يا طوني ؟ اتعرفين يا دينا انه امضى الليلة الماضية ساهرا على معالجة نعجة مريضة ؟ تذكرت دينا السهرة المقبلة فقالت : - لا ضرورة لسهرة الليلة اذا كنت متعبا الى هذا الحد يا طوني , صدقني . - دينا ... عزيزتي ... اهدئي . فما أطال النوم عمرا , ولا قصر في الأعمار طول السهر . - انني اعني ما اقول يا طوني . - اعرف انك , لكنني مصر على الوفاء بوعدي , واعدك ان احلق شاربي حالما نعود . اعترفت دينا لي في أول اجتماع لنا بأنها تعتبر الشوارب علامة غرور عند الرجل يا عمتي . خجلت دينا : - رغم ماذا يا سيدتي ؟ اجابها انطوني : - رغم انها ايضا غيرواثقة من حسن اختيارك . حاولت دينا الدفاع عن راسل : - قد تكون بعض تصرفاته خاطئة , لكن جل من لا يخطىء ... قاطعها انطوني : - كفي يا دينا . كفاك دفاعا عنه . ارجوك , اريد تناول عشائي بهدوء. وشيئا فشيئا , تغير مجرى الحديث . اختارت دينا للسهرة فستانا نحاسي اللون انيقا , زادها رونقا وجمالا . تأملها انطوني باعجاب : - ما هذا الجمال , وهذا السحر يغمره الدلال ؟ سيحسدني الحاضرون الليلة على صحبتك . - اشكرك على هذا الاطراء . ليس اطراء , انها الحقيقة يا عزيزتي , واعتقد ان زهره الليلك الأبيض التي احضرتها ستتناسب تماما مع اشراقتك ... تعالي لنجرب . عذبتها خفقات قلبها وهي تدخل غرفة انطوني البسيطة الأثاث . اوقفها امام المرآة , وعلق على صدرها الزهرة البيضاء , قبل ان يضمها اليه . استسلمت لأسر ذراعيه . ضاعت دقائق في غياهب صدره , ثم قالت له : - اعذرني يا انطوني على ماقلته في شأن شاربيك , فأنت لاتعرف للغرور سبيلا . - ولماذا تعتذرين يا دينا ؟ - لا اعرف ... لم اعد اعرف شيئا ... دعني اذهب , ارجوك . - اتمنى ابقاءك بين ذراعي الى الأبد , لكن وقت المسرحية قد حان . نزلت دينا الدرجات في اتجاه الباب الرئيسي : ( ماذا دهاني ؟ ما كل هذا الاستسلام ؟ انقلبت مشاعري واحاسيسي الى اعاصير اطاحت عروش الطمأنينة في نفسي ... لا سأكبح جماح عواطفي . سأعيد السيطرة عليها واستمتع بمسرحية الليلة مع رجل لن يعتذر في اللحظة الأخيرة ) . كانا يستعدان لركوب السيارة عندما حمل النسيم الى اسماعهما انات الم , فصرخا بصوت واحد : - ان فليك في حالة وضع . توجها نحو الاسطبل , ليجداها هناك متعبة مرهقة . وبعد دقائق لحقت بهنا سيارة بيتر الذي قال : - سنشرف انا وزوجتي عليها , فلا تقلقا . اعترض انطوني : - اذهب انت يا بيتر واحتفل بعيد زواجك , وسنبقى معها انا ودينا . حاول بيتر مناقشته في الأمر , لكنه ترجع امام اصراره . تأمل انطوني دينا بعد رحيله : - يؤسفني ان اعتذر انا ايضا في اللحظة الأخيرة يا دينا ... لكن هل يكفي الاعتذار ؟ اسعد دينا اهتمام انطوني بالحيوانات , فطمأنته : - لا عليك يا انطوني , سأعود بعد تغيير ملابسي . رجعت بعد دقائق لتقول له : - عقمت العمة هيتي بعض قطارات العيون , لاطعام الجراء بعد ولادتهم . - اثبت اعتذاري الليلة عدم اختلافي عن راسل . - وضعنا يختلف تماما . صدقني . - وكيف ذلك ؟ - لم يندم راسل يوما على تقصير في حقي , كما انه يقدم اعذارا واهية في الكثير من الاحيان . يخيل الي ان رعاية امه له احالته الى انسان اناني . - انت نعمة اغبط راسل عليها , واتمنى ان تمنحك الأيام الفرصة لتصححي له مسار حياته . - آلمتها برثن الأفكار : ( ماذا يحدث لي ؟ لماذا احس بكلماته وكأنها سهام حادة تمزقني ؟ غريب ... تكاد الكآبة تقتلني ) . سلخها الواقع عن افكارها , فسألت انطوني : - ماذا تفعل ؟ - ارتب القش على شكل مقعد , كي نرتاح في جلستنا . مضت ساعتان قبل ان تضع فليك تسعة جراء صغيرة . صرخ انطوني : - ماذا تفعلين يا دينا ؟ - يجب ان اساعد فليك في وضعها لبقية الجراء . تمت عملية الوضع , وتركت فليك اثني عشر جروا جائعا , وراحت في سبات عميق . زارتهما العمة هيتي في الاسطبل : - الا تستطيعان الآن شرب قدح من القهوة ؟ قال انطوني : - اذهبي لشرب القهوة يا دينا , وسأبقى مع الجراء لأطعمها . - لن اذهب وحدي . - قالت العمة هيتي : - سآتيكما بالطعام وقدحي القهوة الى هنا . اعاد لهما الطعام بعضا من نشاطهما , فبقيا يطعمان الجراء , حتى استسلم انطوني لسلطان النوم . سخرت دينا من نفسها : ( خفت من البقاء وحدي معه , لكنه تمسك بالأدب واللياقة ... ما اغباني . ينام على القش وكأنه فراش وثير . الاعجاب بهذا الرجل يسري في دمي . لا ... لا ... انني معه لأثير غيرة راسل فقط ) . مضت ساعة قبل ان تسمع دينا وقع اقدام تقترب من الاسطبلات : ( لا بد ان بيتر جاء للاطمئنان على فليك ) . |
الساعة الآن 08:42 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية