منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t137379.html)

اعتمادات 06-03-10 02:49 AM

امضت دينا يومها الأول تتعرف الى الموظفين المسؤلين عن تسيير المؤسسة ، وتزور مستودعاتها ، وتتنقل بين اقسلمها التجارية المختلفة ، بصحبة المدير العام السيد انطوني براين مورغان .
ارهبها حجم المؤسسة ، واقلقها تعدد اقسامها ، وكثرة موظفيها :
( ماذا ينتظرني بين طيات الغد ؟ لم اعتد العمل في مثل هذه المؤسسات الضخمة . اشتغلت لدى الكثير من المكاتب القانونية من قبل ، لكن اين اثرى من الثريا ؟ انني محاطة هنا بالناس ... بالضجيج ... بالحركة . اما مديري فقد تبين لي انه بين موظفيه مزيج رائع من الحزم واللطافة ، لا شك في انه يتقن فن التعامل مع الناس ، ويعرف اصول الاختلاط بهم . يا مجيب الدعوات ، اكتب لي النجاح في عملي وساعدني على المضي قدما الى الأمام ) .
اوقفها انطوني مورغان امام القسم الخاص ببيع الأدوات التجميلية قائلا :
- اقدم لك الآنسة كليو ديفيس المسؤولة عن قسم الأدوات التجميلية في مؤسستنا . انها انجليزية جميلة ، وآتية من ويلز مثلك يا آنسة دينا .
- اعتقد ان الأنسة دينا تجمع بين جمال الوجه ورجاحة العقل يا سيدي .
تأملت دينا الفتاة الواقفة امامها : ( سبحان الله . وجهها حلو التقاطيع . عيناها سوداوان تحرسهما اهداب طويلة داكنة ، ويتوج هذا كله شعر جميل اشقر . لكن كلامها ينذرني بقرب سير الحديث فيدروب لن ارضاها . لذلك ، علي ان اتدارك الأمر قبل فوات الأوان ) .
سألت دينا كليو :
- من أي جزء من مقاطعة ويلز اتيت يا آنسة ؟ هل تعيشين في البلاد من زمان ؟
- تركت ويلز عندما كنت تلميذة في المرحلة الأبتدائية ، واعتقد ان اللهجة المحلية الواضحة في كلامي اكبر دليل على عدد السنين التي عشتها هنا .
عندما قاربت الجولة على الانتهاء ، تلقت دينا وعدا من انطوني مورغان :
- لا تدعي ضخامة المؤسسة ترعبك ، سأعطيك قائمة بكل الأقسام والمستودعات فيها ، لتكون بين يديك عند الحاجة .
اثبتت دينا جدارتها ومقدرتها العملية في وقت قصير : ( كل شيء يسير على ما يرام . بدأت احب عملي ، وارتاح اليه، واتوق الى العمل الاضافي ايام الجمعة ، فهو يترك المجال مفتوحا امامي لشراء حاجياتي بهدوء وروية ) . توقفت عند القسم الخاص بأدوات التجميل ، وبدأت تنتقي ما تريد منها ، فنبهتها كليو :
- ان شراء حاجياتنا محظور علينا الا في ساعات معينة ، لأن من واجبنا تكريس اكثر اوقاتنا للزبائن .
- اشكرك على تنبيهي يا كليو ، فأنا لا اريد ازعاج احد بتصرفاتي .
اشرق وجه كليو بابتسامة حلوة :
- السيد انطوني محب للنظام ، لكن قد تكون هناك استثناءات خاصة بسكرتيرات المؤسسة ، فبتاعي ما تريدينه واكتشفيها .
حين عادت الى حجرة المكتب مثقلة بالأغراض ، فاجأها انطوني ورغان بوجوده . تأمل الأكياس في يدها ، فرمتها نظراته في جحيم الاحساس بالذنب . قال لها :
- نسيت ان اخبرك انه ...
- لاداعي لأن تتعب نفسك بالشرح يا سيدي . فقد اوضحت لي الآنسة ديفيس كل شيء . تأ كد انها ستكون المرة الأولى والأخيرة .
- دعيني اكمل ما اردت قوله يا آنسة دينا ، ان من حقك شراء ما تحتاجين اليه من بضائع المؤسسة بحسم عشرة في المئة . فإذا لم تحصلي اليوم على مثل هذا الحسم ،
فسأوقع لك اشعارا يثبت حقك بالتخفيض ، مثل اية موظفة هنا .
خجلت دينا من تسرعها .
- شكرا لك يا سيد انطوني .
- سأريحك الآن من وجودي ، راجيا ان تنهي مراجعة جميع التقارير المتراكمة امامك قبل اطلالة يوم الأثنين ، لأن وزير البلاط سيأتي يومها لزيارتنا .
راقبته وهو يغادر المكتب : ( قد يريحني رحيلك ، لكنه سيتعب الموظفين الآخرين الذين تحثهم على العمل المتواصل دائما ) .
خرجت دينا في الساعة التاسعة وعشر دقائق من مساء ذلك اليوم مع المدير ومجموعة من الموظفين ، لتجد راسل في انتظارها . تزايدت خفقات قلبها : ( ان وجود راسل في انتظاري سيعرضني لطعنات الأقاويل والشائعات ) .
تناهى الى اسماعها صوت انطوني مورغان :
- تصبحين على خير يا آنسة بريتشارد .
وفجأة حيى راسل بقوله :
- الحمدلله على سلامتك يا راسل ، انها المرة الأولى التي نجتمع فيها بعد عودتك من رحلتك . اتمنى ان تكون قد امضيت امتع الأوقات .
هل اتيت لشراء شيء ؟ يمكنني فتح المحلات ثانية من اجلك .
- لا داعي لذلك ، اشكرك . كنت انتظر خروج الآنسة بريتشارد . استمعت دينا الى الحديث الدائر بين الرجلين : ( اشعر بنظرات التحدي في عينيهما . لا ... لا... لقد اخذني الخيال بعيدا . لماذا لم يخبرني راسل بمعرفته بالمدير ؟ لو انه فعل لكان تقيمي للأمور قد اختلف .
دعاها انطوني مورغان الى الواقع بقوله :
- اهذا هو الرجل الذي اتيت من اجله الى ديارنا ؟ معذرة يا صديقي كنت اجهل معرفتك بسكرتيرتي .
سارع راسل الى القول :
- الآنسة بريتشارد موجودة هنا مع خالتها حبا بالاستكشاف ، ورغبة في الاستطلاع .
- لا ادري لماذا تصورت ان رياح الحب هي التي قذفت بسفينة الآنسة برتشارد نحو شواطئنا . على كل حال ، انزل


كلامك السكينة على قلبي ، فالآنسة دينا سكرتيرة ممتازة ، وتزعجني خسارتها .
ودعهما انطوني مورغان بعد ذلك وابتعد ، تاركا دينا وراسل يتقدمان نحو سيارتهما .
حاصرهما الصمت اثناء العودة فترة طويلة ، لكن دينا فكت الحصار متسائلة :
- لماذا اخفيت عني معرفتك بأ نطوني مورغان يا حبيبي ؟
- ولماذا اخبرك اننا كن معا في المرحلتين الاعدادية والثانوية ؟
- لأن اجتماعكما معا في مرحلتين دراسيتين كاملتين ، يعني انك تعرفه معرفة وثيقة .
- احسست بتوتر اعصابك يوم زيارتك لنا ، فلم ارغب في ارهاقك اكثر بمثل هذا الأحاديث .
عادت دينا الى ديار الصمت ، فتساءل راسل :
- لم الصمت يا عزيزتي ؟ الم اكن محقا في تصرفي ؟
- لا اعرف كيف اجيبك على مثل هذا السؤال ، لكنني اعترف بأن والدتك المصون كانت يومها السبب المباشر في توتر اعصابي ، بما حاولت ان تمليه علي من آراء .
انت تبالغين يا عزيزتي .
شعرت دينا بأن الهدوء سيختفي من حياتها : ( يا رب ... لا تتركني فريسة سهلة للغضب مرة اخرى . ان حفنة الأيام الرائعة التي امضيتها مع راسل في ويلز ستعود . يجب ان تعود ) .
سألته بمرارة :
- ما الذي يحدث بيننا يا راسل ؟ كنا مثالا رائعا للتفاهم والانسجام في كارديف ، فما الذي حدث ؟ لماذا يتملكي شعور مخيف بأن الأيام بدأت تتغير ؟
- لا ينقصك بعد هذا الكلام الا ذرف الدموع ، مصحوبة بالآهات . ما الداعي لكل هذا ؟ اعتقد ان محاولتك اعتياد اجوائنا هي التي تتلاعب باعصابك على هذا النحو السخيف .
- هل يعني هذا ان الحلم الرئع ، الذي عشته في ويلز ، مات على ارض الواقع هنا في نيوزيلندا يا راسل ؟
احاط راسل كتفها بذراعيه وقال محاولا التخفيف عنها :
- خففي عنك يا حبيبتي . خففي عنك . هذه الفترة الانتقالية وما يرافقها من احساسات فترة طبيعية ، سيمحوها قريبا استقرارك معي في بيتنا ، حيث سأحميك ، وأرعاك ، واكون لك خير الزوج والصديق . ما رايك في ان نذهب غدا الى المسرح ؟
- اتمنى ذلك ، فأنا اعشق حضور الحفلات الغنائية على المسرح .
- سنذهب غدا لحضور اوبرا مشهورة ، وسنستمتع معا بالموسيقى والغناء الأوبرالي ، فما رأيك ؟
فضلت دينا الاحتفاظ برأيها : ( انني لااطيق لا الموسيقى ولا الغناء الأبرالي ، ورغم ذلك سأسكت . لن اتفوه بكلمة ) .
اقتربا من البيت ، فسألت دينا راسل :
- الن تدخل لشرب قدح من القهوة معنا يا عزيزي ؟
- سأفعل يا غاليتي ، لكنني لن استطيع البقاء طويلا . يجب ان اكون خير معين لأمي ، حتى تتخطى عقبات هذه الفترة العصيبة من حياتها . تصوري انها لا تأوي الى فراشها ، الا بعد الاطمئنان على عودتي سالما الى البيت .
خانت الكلمات دينا ، فنزلت من السيارة ، وحاولت كبت مشاعرها باستنشاق هواء البحر النقي .
احست الخالة كيت بالتوتر الذي يباعد بين الاثنين ، فحاولت تخفيف وطأته بأحاديثها الشيقة ، لكن محاولاتها باءت بالاخفاق .
انهى راسل شرب قهوته ، ووقف مستعدا للانصراف ، فرافقته دينا حتى السيارة حيث صفعها بقوله :
- لن اطيل وداعنا يا عزيزتي ، فالوقت متأخر .
ردت دينا الصفعة بقولها :
- ومن قال لك انني اريد ان اكون جولييت يا روميو الزمان ؟
حاول راسل معانقتها , لكنها دفعته عنها بعصبية ، فدخل سيارته مسرعا , وابتعد عن البيت ,تاركا اياها مع الليل ونجومه , والربيع وازهاره , والشاطىء وانواره . فجأة احتل التفكير بأنطوني براين مورغان ساحة افكارها : ( لا بد ان السيد انطوني يقيم في احدى هذه البيوت الغافية على الشاطىء . لا ... لا ... راسل حبيبي لماذا ؟ لماذا ؟ اين انت ؟ اين انت لتجيبني يا اغلى الناس ؟ ) .
وشهدت نجوم الليل انسياب دمعتين حارتين من عيني دينا , كفكفتهما , واستسلمت لمداعبات النسيم العليل , قبل ان تعاود الدخول الى المنزل .
لاحظت دينا وجود كدمة حول عين مديرها صباح يوم الاثنين , لكنها خنقت رغبتها في السؤال , وحولت انظارها نحو النافذة , فقال لها انطوني مورغان :
- اعتقد انه من اللياقة بمكان ان تتساءل السكرتيرة عن سبب الكدمة حول عين رئيسها يا آنسة دينا .
- لكن كيفية قضائك عطلة نهاية الأسبوع لا تهمني يا سيدي , ثم انني اعتدت الفصل بين الحياتين العملية والخاصة .
- اعرف ذلك , لكنني تصورت ان يغلبك الفضول مثل غيرك من بنات جنسك .
- شهرت دينا سيف الصمت في وجه انطوني مورغان , وعادت للغرق بين اوراقها . احترم انطوني صمتها لحظات ثم قال :
- فهمت معنى صمتك . كنت قد نسيت انني في نظرك رجل لا اخلاقي , لذلك تورعت عن سؤالي عن الكدمة , مخافة ان يكون مسببها زوج نهشته الغيرة , عندما رآني اتودد الى زوجته , اليس كذلك ؟
- ماتقوله لايدخل دائرة اختصاصي يا سيدي ، لأن علاقتنا علاقة عمل رسمية يتوجها النظام .
- اعرف ذلك .
ارادت دينا الاستمرار في الكلام :
- لذلك يا سيد انطوني براين مورغان ...
فقاطعها :
- اسمحي لي ان امنعك عن الكلام , لأعترف لك انك سكرتيرة ممتازة , واطلب منك الغاء استعمال اسمي بالكامل من قاموسك العملي , والاكتفاء بمناداتي بالسيد انطوني كما يفعل باقي الموظفين.

- ولماذا يا سيد انطوني ؟


لأنك عندما تقولين يا سيد براين مورغان فكأنك تنادين ابي , وانا لااريد استعمال اسمه لمجرد انه اعتكف في بيته بعد سنين من الكفاح المرير .
دخل المشرف على موظفي المؤسسة في تلك اللحظة :
- صباح الخير يا سيدي . اهنئك على فوزك في مباراة البارحة لكرة القدم .
- الفضل في الفوز يعود للفريق بكامل افراده , وليس لي وحدي . لكن خروجي من المباراة بكدمة منعني من قضاء يوم مريح . احمد الله على وجود عمتي هيتي .
ضحك المشرف قائلا :
- لاتنس ان المصور سيأتي لتصويرك مع سعادة الوزير بعد ظهر اليوم . ستكون صورتك رائعة . وآثار الكدمة واضحة على وجهك .
بعد خروج المشرف سأل انطوني دينا :
- هل امضيت عطلة اسبوع مريحة ياآنسة بريتشارد ؟ وهل زرت الريف ؟
- شكرا لاهتمامك سيد مورغان ,
لقد وصلت مع خطيبي حتى منطقة لورانس الريفية , ورغبت في مشاهدة منطقة اوتاغو .
- لكن مناطق الجبال والبحيرات اجمل بكثير . على كل حال , ما يهمني الآن ان تكوني على اتم الاستعداد لنقل الملاحظات عن اجتماعي مع الوزير .
ابدت دينا استعدادها للعمل , ثم تركت ذكريات العطلة الاسبوعية تذبحها ببطء : ( بعد انتهاء حفلة الأوبرا , صارحت راسل برغبتي في قضاء عطلة الأسبوع معه مثل أي حبيبين . واتفقنا بالفعل على الذهاب الى الأماكن المقدسة في اليوم التالي , ثم استكشاف المناطق الريفية القريبة . وهكذا كان . امضينا معا ساعات حلوة في بداية اليوم لكن رحلتنا الى الريف اغتالت الفرحة في قلبي , لأنني اكتشفت ان راسل رجل يفتقد اللمسات الانسانية , عندما اصر على عدم انقاذ خروف لمحناه في مأزق على جانب الطريق . اذكر انني اجبرته على التوقف , وساعدت الحيوان المسكين بنفسي , فعنفني , واظهر اشمئزازه من رائحة يدي , ومن الطين الذي علق باطراف حذائي ... لماذا تصر على خدش مشاعري وجرح احاسيسي ؟ ليت ايامنا الماضية تعود يا راسل . ليتها تعود ).
اشتعلت الفترة الصباحية بالحياة والحركة , ودارت دينا في دوامة العمل المتواصل , الى ان سمعت انطوني مورغان يقول :
- يكفيك ما انجزت اليوم يا آنسة دينا . شكرا لك .
- سأطبع هذه التقارير قبل ذهابي الى الغداء .
- ليس لديك الوقت الكافي لانهائها .
- افضل انهاء ما بدأت من اعمال .
- سيحرمك ذلك من استراحة الغداء , لانني احتاج اليك هنا في الواحدة تماما .
- سأكتفي بتناول وجبة خفيفة هنا اذا .
- اندفاعك في العمل يثلج صدري يا آنسة . شكرا لك .
-لا شكر على واجب يا سيد انطوني , انني معتادة العمل المتواصل.
- احضري لنا وجبتين من وجبات مطعم المؤسسة من فضلك , وسأدرس هذه البنود حتى عودتك .
احاطت السعادة دينا بذراعيها : ( احب العمل , واحبذ الروتين العملي , وافضل اعتياد الأشياء والأشخاص . لكنني لم اتعود بعد تصرفات راسل وامه . لماذا ؟ ما هذا السؤال السخيف ؟ لم اقطع هذه المسافات كلها لأسأل نفسي مثل هذا السؤال التافه . اتيت الى هنا حبا بالمغامرة , وسعيا وراء اكتشاف كل جديد . جئت بحثا عن الحرية . فو جدت قيودا ثقيلة في انتظاري ) .
سألت دينا انطوني اثناء تناولهما الغداء :
- كيف تريد تنظيم ساعات العمل مع سيادة الوزير يا سيد انطوني ؟
- سأحتاج اليك لكتابة الملاحظات عن اجتماعنا , ولتقديم الشاي في وقت الراحة , اذا سمحت . سيستعين الوزير بالملاحظات في اجتماعاته المقبلة , لذا ارجو طباعتها في شكل جيد . اذا اصطدمت بأية صعوبات , يمكن للآنسة ايريني مساعدتك . اتعرفين انها من اهالي البلاد الأصليين , وتمت بصلة قربى لنائب البرلمان ؟
عادت صورة ايريني , بكل شموخها وكبريائها , تضيء ذاكرة دينا , فوجدت نفسها تسأل انطوني :
- لماذا لم تستعن بإيريني يا سيد انطوني ؟ انها ...
انها سكرتيرة ممتازة . لكنني عندما تلطخت سمعتي مع احدى السكرتيرات قبل سنتين , ابعدت ايريني عن مكتبي لأحمي سمعتها , فأنا اعرفها منذ كانت طفلة .
- تلك مثالية قل مثيلها في ايامنا , يا سيد انطوني .
واختطفها صدى كلماته الى التفكير : ( السيد انطوني رجل مثالي واخلاقي ومتواضع ... اما راسل فمغرور ومتكبر . صدق من قال ان التوضع من شيم الكرام . يا الهي . انني اقارن بين الرجلين . هذا خطأ خطأ ) .
ووصل الضيف المنتظر , فرحب انطوني مورغان به اجمل ترحيب , وعرفه على ايريني كاهيكا , قبل ان يدخله الى غرفة مكتبه .
بعد نصف ساعة , قرع انطوني الجرس , فدخلت دينا , وتعرفت على الوزير , واستعدت لمباشرة عملها . بدأت تنقل الملاحظات في هدوء , لكنها رفعت رأسها بعد دقائق عاقدة الجبين لاحظ انطوني مورغان عبوسها , فضحك قائلا :
- الآنسة دينا لا تعرف انني املك مزرعة كبيرة , بالاضافة الى كوني مدير مؤسسة لبيع الأقمشة , يا سيادة الوزير .
فقال الوزير :
- ان انطوني مورغان مزارع قبل ان يكون تاجرا يا آنسة , ومزرعته تساعد الحكومة كثيرا في مجالات التنمية الزراعية .
قال انطوني :
- اذا لم تفهمي معاني الاصطلاحات المستعملة , فسنستعين معا بالقاموس في ما بعد .
كان الوزير يعطي ملاحظاته , وهو يزرع الغرفة جيئة وذهابا . لم تستغرب دينا تحركاته : ( لا بد انه يتصور نفسه في حلقة انتخابية , لذلك يفكر بكلماته وينسقها , وقد وافق على الكثير من الجمل التي اقترحها السيد انطوني ) .
سأل الوزير انطوني :
- ما رايك في اني استعمل بعض العبارات من كتاب السيد مريدث بريتشارد ؟
تدخلت دينا :

اعتمادات 06-03-10 02:50 AM

من الأفضل لك يا سيدي الاستعانة بالنص الذي يشرح عملية تحويل الحليب الى لبن في الكتاب .
حملق الرجلان فيها قبل ان يؤكد الوزير :
- معك حق يا آنسة . فمجموعة المثقفين في الاجتماعات لن تتغاضى عن اخطائي . لكن كيف تذكرت النص الذي يمكن ان يساعدني ؟
- انني احفظ ما ورد في الكتاب عن ظهر قلب , بعد ان قمت بطباعته خمس مرات .
سألها انطوني :
- هل السيد ميريدث بريتشارد من اقربائك ؟
- انه والدي يا سيد انطوني , لكنني لم ارى ضرورة لذكر ذلك قبل الآن . افضل العودة الى العمل , فالوقت يتسرب من ايدينا .
لكن الوزير اصر على التعرف الى دينا اكثر :
- اتعرفين انه من دواعي سرور أي انسان ان يتعرف الى ابنة كاتب معروف مثل السيد ميريديث بريتشارد ؟ ان ذكر مصادفتي اياك والتعرف اليك , ضمن الخطاب الذي سألقية , سيضفي عليه لمحة انسانية .
احست دينا بالفرح يطل من عيني انطوني مورغان : ( السعادة الواضحة في عينيه تنسيني ما قاسيته من راسل وامه , منذ عرفتها ... لا ... علي ان اعود الى اوراقي , فوقت العمل يجب الا يهدر بمثل هذه التفاهات ) .
وحان وقت تقديم الشاي , فرجا انطوني مورغان دينا :
- احضري لنا اقداح الشاي من فضلك , وشاركينا في شربه حتى نستطيع اعادة المياه الأحاديث بيننا الى مجاريها .
سر الكلام دينا : ( ان خطوات الاجتماع تسير على ما يرام , وفي شكل مرض لم اكن اتوقعه , فألف حمد والف شكر لك يا رب ) .
اخذت دينا الأقداح من ايريني , وعبرت بها الباب
الأول فسألتها الفتاة :
- هل تستطيعين فتح الباب الثاني وحدك ؟
- اعرف انه باب متأرجح , لكن وجود مانعات الارتداد في الأسفل ستساعدني على ابقائه مفتوحا كي ادخل المكتب .
دفعت دينا الباب بكتفها , وضغطت على مانعة الارتداد في اسفله , قبل ان تتقدم نحو الرجلين اللذين وقفا يتحدثان في منتصف الغرفة . كانت قد تقدمت خطوتين , عندما سمعت صوتا غريبا ارتد بعده الباب الى ظهرها , ودفعها بخطوات متعثرة نحوهما .
تذكرت دينا اقداح الشاي التي تحملها , فصرخت :
- انتبها ...
حاول الرجلان تحاشيها , لكن دينا تعثرت بهما , فشرب الوزير الشاي من قمة راسه الى اخمص قدميه .
مرت ثوان قبل ان يدرك الثلاثة ما حدث , ثم نهضوا واعتذرت دينا من الوزير بقولها :
آمل الا اكون قد آذيتك بالشاي الساخن يا سيدي .
فأكد الوزير لها :
- انه ساخن فعلا يا آنسة .
كان انطوني مورغان , في تلك الأثناء , قد جلس في مقعد قريب من مكتبه , وراح يحاول تنظيف قميصه مما علق به من آثار الشاي .
حين استوى الوزير على قدميه , ابعد قميصه عن جلده قائلا :
- اعتقد ان جلدي لم يحترق .
تأمل الثلاثة بعضهم بعضا , وغرقوا في الضحك . عندما سمع الموظفون اصوات الارتطام , وتحطم الأقداح , اندفعوا الى الغرفة خائفين , فوجدوا الوزير يقهقه ضاحكا , بينما وقفت دينا تعتذر , والسيد انطوني يحاول الخلاص من الفوضى المحيطة به .
قال للآنسة كاهيكا :
- ارجو استبدال هذا الباب المتأرجح بآخر عادي في اسرع وقت . هل اصبت بأذى ياآنسة بريتشارد ؟
سخرت دينا من نفسها :
- لقد اصبت في كبريائي يا سيدي , لأنني اسقطت وزيرا على الأرض في اول لقاء لي معه ... تصور .
اجابها الوزير ضاحكا :
- سيزودني الحادث بقصة مسلية , سأرويها لأصدقائي بعد الاجتماع المقبل .
- وكيف ستحضر الاجتماع بمثل هذه البذلة يا سيدي ؟
سارع انطوني الى القول :
- سنتدبر من قسم الملابس الرجالية بذلة اخرى حالا.
شكره الوزير :
- لا تتعب نفسك يا انطوني , فأنا لم اعتد لبس الملابس الجاهزة .
الا نستطيع تنظيف بذلتي ؟
- بالطبع . سأرسلها مع الأنسة كاهيكا الى التنظيف في الحال .
وستلبس من محلاتنا ملابس مؤقتة اذا سمحت . ولآن , اين اقداح الشاي يا آنسة ؟ يا الهي , اتى المصور ... لقد نسيت امر موعده تماما .
فوجىء المصور بكدمة انطوني وحالة الوزير , فتساءل :
- هل لاحدكم ان يفسر لي ما يحدث هنا ؟
شرح انطوني الوضع بقوله :
- سبب الكدمة حول عيني مباراة في كرة القدم لعبتها يوم السبت . اما ما حدث للوزير فسببه باب متأرجح وثلاثة اقداح من الشاي .اتريد ان تلتقط لنا صورا , ام تفضل مشاركتنا شرب قدح من الشاي ؟ اطلبي قدحا اضافيا للسيد المصور يا آنسة بريتشارد .
عندما حانت ساعة الاغلاق , فرحت دينا لأنها كانت خجلى من لقاء انطوني مورغان بعدما حدث , لكن حناياها بقيت كأنها تردد:
- غدا القاك
ياخوف فؤادي من غد

- انها تتخبط في الظلام . الهوة تصبح اعمق فأعمق بينها وبين حبيبها وحماة المستقبل ... وانطوني مورغان ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج . ماذا عليها ان تفعل ؟
قررت الخالة كيت زيارة والدة راسل , حفاظا على المظاهر .
واثبتت خلال الزيارة انها مثل يحتذى في ضبط النفس , والحفاظ على هدوء الأعصاب , حين امتدحت لوحة لراسل رسمها وهو في المرحلة الابتدائية . لكنها اثنت صادقة على باقات الأزهار التي نسقتها والدة راسل احتفالا بقدومهما .
تلاحقت ساعات الأمسية هادئة , حلوة , فأشرق وجه راسل بابتسامة رضى اسعدت دينا , وتركت شعاع الفرح يضيء عينيها .
خاطبتها السيدة مليغروف :
- لابد انك امضيت امتع الاوقات يوم امس , بعد ان تعرفت الى وزير الزراعة .
- هل شاهدت الصورة في الصحيفة ؟
- نعم لمحتها في صحيفة الصباح , ان سيماء السكرتيرة الناجحة واضحة في وجهك يا عزيزتي .
تذكرت دينا ما حدث في ماض قريب , وكبتت رغبتها في الضحك : ( لا اريد حتى الابتسام , لأن خالتي قد تخبر الجميع بما حدث ليلة امس , لتؤكد لهم نجاحي في حقل السكرتارية . اما الصورة فقد التقطها المصور , بعدما استعاد الوزير بدلته نظيفة .
ووقف انطوني مورغان الى جانبه , في شكل اخفى الكدمة حول عينيه , وظهرت انا في الزاوية اليسرى منها ).
رفعت الصورة من شأن دينا عند السيدة مليغروف : ( يحق لي ان افخر بين الصديقات بأن الفتاة التي اعجب بها راسل تعرفت الى الوزير , وصارت تنقل عنه ملاحظاته ) .
تأملت دينا الأصناف على مائدة العشاء : ( تأبى الذكريات الا ان تعيدني الى الأيام التي كنا فيها , انا وشقيقي ديفيد , ندخل المطبخ مع اصدقائنا لتحضير طبق كبير من البيض المقلي مع الخالة كيت ... ما احلى ايامنا الماضية . اما هذا البيت فكل ما فيه ومن فيه يحكمهم التصنع . ها قد عدت للمقارنة بين الناس . هذا لايجوز ... لا يجوز ابدا ) .
تابعت دينا تناول طعامها بصمت , لكن سماعها مواء قطة انساها ما حولها , فاندفعت نحو الباب المؤدي الى الحديقة تفتحه , لتدخل قطة شقراء هزيلة , جائعة , اسرعت نحو الخالة كيت تتمسح بساقيها طلبا للطعام . اشفقت الخالة كيت عليها , وملأت دينا طبقها بالحليب , ووضعته امامها .
احتجت السيدة مليغروف على تصرفها , فاعتذرت الفتاة قائلة :
- اعذريني يا سيدتي . كان علي ان استأذنك في استعمال احد اطباق المائدة لاطعام القطة , لكني اشفقت عليها .
ردت السيدة مليغروف بعصبية :
- ان اطعام القطط المشردة لا يهمني , لأنها حيوانات نهمة .
استغربت دينا رد فعل السيدة :
- ظننت انك تحبين القطط , خصوصا بعد ان اتيت بواحد منهم الى هذا البيت , واسميته تيموثي .
- تيموثي قط اصيل .
داعبت دينا القطة قائلة :
- هذه القطة لاتنقصها الأصالة يا سيدتي .
استشاطت السيدة مليغروف غضبا :
- انك تتحدينني وتسفهي آرائي يا دينا .
- لم اقل ما يسيء اليك يا سيدتي . لكن والدي كان طبيبا بيطريا , وكنت مساعدته . لهذا اعرف الكثير عن طبائع الحيوانات وصفاتها.
- وهل شجعك هذا على ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) آرائي امام ابني وخالتك ؟ الحمد لله ان لا غرباء بيننا هذا المساء . راسل , ارم القطة خارجا .
سيطر التوتر على الأجواء , واحرقت نار الغضب دينا , فتركت مجلسها وامسكت بالقطة قائلة :
ارحموا من في الأرض , يرحمكم من في السماء يا سيدة مليغروف.
الا تلاحظين ان القطة مسكينة , هزيلة وجائعة ؟
حاول راسل ايجاد تسوية بين امه والفتاة التي يحب , فأحس بمخالب المحاولة تمزقه قبل ان يسأل دينا :
- ما رايك في ان نطعم القطة في الحديقة يا عزيزتي ؟ امي تحب الحيوانات الأليفة وترعاها , لكن ليس في استطاعتها ايواء جميع القطط التي تأتين من الحديقة .
نزلت دينا عند رغبته , وتركت خالتها وحيدة مع السيدة ميلغروف , التي تأففت بعد خروجهما قائلة :
- ان شراسة دينا وقلة لباقتها , دليل واضح على افتقارها الى رعاية الأم وتوجيهها .
استماتت الخالة كيت في الدفاع عن دينا :
- ارجوك كفي عن هذا الكلام يا سيدة ميلغروف . دينا فتاة طيبة , رقيقة , كانت تحلم بأن تصبح طبيبة بيطرية لشدة تعلقها بالحيوانات , لكن والدها نصحها بدراسة السكريتارية , فعملت بنصيحته . واذا كانت قد ابدت رأيها في قول او تصرف , فهذا لايعني انها اخلت بالأدب , لا سمح الله .
- انني من المحافظات اللواتي يفضلن احترام المتقدمين في السن اثناء الكلام .
- كلام سليم . لكنني احبذ الحرية في ابداء الرأي .
- ماذا تقصدين يا سيدة ليفنغستون ؟
- اقصد ان دينا تملك شحنة عارمة من الصدق والصراحة , واكره ان تفقدها تحت ضغط أية ظروف . انها فتاة رصينة , جادة تهمها سعادة الآخرين , لذلك ارجوا ان ترحميها من سموم انتقاداتك .
احست السيدة ميلغروف بالثورة تشتعل في اعماقها , فقالت :
- لا يهمني سوى مستقبل ابني يا سيدة ليفنغستون .
- وماذا يخبىء له المستقبل يا ترى ؟ منصب مستشار الملكة مثلا ؟
- اتمنى ذلك من كل قلبي , وأرى ان تتدرب دينا منذ الآن على كبح جماح رغباتها , والسيطرة على اعصابها , اذا ارادت النجاح في حياتها الزوجية المقبلة .
ضحكت الخالة كيت :
- انك تطلبين المستحيل يا سيدة ميلغروف .


تحولت السيدة ميلغروف في لحظات الى بركان ثائر , وراحت تنفث حممها في وجه الخالة كيت :
- اذا كان الأمر كذلك , فأرجو الله ان تكون دينا نزوة عابرة اخرى من النزوات الكثيرة في حياة ابني .
- لا شك في ان امنيتك صادقة .
كانت دينا في الحديقة , تطعم القطة مع راسل حين قالت له :
- لا داعي لهذا الاشمئزاز يا عزيزي , انك تشبع قطة جائعة فقط . يظهر انك كأمك لا تحب الحيوانات . اسمح لي ان اصارحك بأنني سأربي اولادنا على حب الحيوانات , والتعلق بهم .
امسك راسل بذراعها قائلا:
- اسمعي يا دينا انني احب الحيوانات الجميلة , وهذه القطة مثال حي للقباحة . انظري الى فرائها المتعدد الألوان . تأكدي انني سأغرس بذور حب الحيوانات الجميلة في نفوس اولادي ...
قاطعته دينا :
- ان ما يهمك هو اصالة الحيوان , وليس جماله كما تدعي . انك لا تشفق على حيوان جائع , جريح او مريض , اذا لم يكن اصيلا . وهذا مؤلم ... مؤلم جدا .
حاول راسل التهرب من الموقف بالبقاء النكات , ثم قال :
- ما رايك في ان نشبع القطة , ثم نتركها تذهب في حال سبيلها ؟
- لا ... سآخذها معي الى البيت .
- كما تريدين يا حبيبتي ... كما تريدين .
استطاع راسل ازالة التوتر العالق في الأجواء بعد ذلك , ثم قال لوالدته :
- سأعيد السيدة ليفنغستون ودينا الى منزلهما , اذا سمحت . لقد صممت دينا العزيزة على الاحتفاظ بالقطة , وستأخذها معها الى البيت .
اجبر كلام راسل دينا على التفكير : ( تعجبني طريقته في معالجة الأمور احيانا , لكن والدته لا تزال متوترة الأعصاب ) .
عادتا الى البيت , ومعهما القطة التي راحت تدور سعيدة بين الغرف . وحين رتبتا لها مكانا للنوم , صارحت دينا خالتها :
- اشعر انني اتخبط في ظلام دامس يا خالتي . ساعديني . ارجوك سا عديني .
- تصعب علي مساعدتك يا ابنتي . ان طريق الزواج طويل , مليء بالعقبات , مفروش بالعثرات . فحاولي التغلب عليها بمفردك .
استنجدت دينا بأفكارها : ( ان خالتي محقة في ما تقول . فالعقبات كثيرة , ويجب ان اتغلب عليها وحدي .


لكن لماذا لم استطع ان احب حماتي بالسرعة التي احببت فيها السيدة مورغان ؟ يا الهي , ما الذي اوصلني الى التفكير بوالدة انطوني مورغان ؟ انه ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج , واذا فكر في خوض خضمه , فسينتقي فتاة يلفها المال بأرديته .
وصلت دينا الى مقر عملها في صباح اليوم التالي , في الوقت الذي وصل فيه انطوني مورغان , فوجدت بعض العمال يغيرون اللافتة التي تحمل اسم المؤسسة , فاستغربت وتساءلت :
- ما الذي يفعله هؤلاء العمال يا سيد انطوني ؟
- انهم يحولون كلمة"ابناء" على اللافتة الى كلمة " ابن ".
- وهل لي ان اسألك لماذا يفعلون ذلك يا سيدي ؟
سكن الألم عينيه وهو يقول :
- لأن اخي اوين , الذي كان قلب هذه المؤسسة النابض توفي قبل سنتين , وبقي ابي يؤجل عملية تغيير اللافتة طوال الفترة الماضية ,
ففكرت ان اقوم انا بالعملية اثناء غيابه , لعلي اجنبه لسعات الألم , ولدغات الحزن والذكريات .
- قلت ان اخاك كان قلب المؤسسة النابض , لكنني اؤكد لك يا سيدي انك تدير المؤسسة بشكل ناجح جدا .
- قد يكون الأمر كذلك , لكنني في اعماقي انسان محب لافتراش الأرض , والتحاف السماء . انسان عاشق للطبيعة .

5- عمل اضافي اضطرت دينا للبقاء في المؤسسة لانجازه لاغية موعدها مع راسل . وعندما جاء الأخير مساء لاصطحابها , كانت قد خطفتها سيارة المدير .


" ان الله يحب اذاعمل احدكم عملا ان يتقنه " . اتخذت دينا هذا المبدأ نبراسا اضاءت به درب حياتها العملية , وتذوقت طعم الاستقرار , وتعلمت كيف تتمسك بتلابيب الحذر في تعاملها مع والدة راسل .
اكدت دينا للسيدة ميلغروف يوما :
- اثبت لي العمل مع السيد مورغان انه ماهر في الفصل بين حياته العملية والخاصة , ويعرف كيف يفرض احترامه على الموظفين .
- لم يكن كذلك قبل سنتين , عندما غرر بسكرتيرته المسكينة .
صحيح ان الفضيحة خنقت في المهد , واخفيت آثارها بعد تدخل والده شخصيا , لكن انصياع انطوني لأوامر ابيه لم يكن الا طمعا بالأموال التي تنتظره بعد وفاته .
لم تكن دينا تعرف حقائق القصة في شكل يمكنها من الدفاع عن مديرها ضد الهجوم الشرس , لذلك فضلت الإحتماء بالصمت : ( لا اعرف عن انطوني مورغان الا انه انسان لطيف , محبوب من موظفيه , يمزج بين المرح والجد , يلهث وراء النظام في كل مايفعل ) .
لم تستطع دينا منع نفسها من القول :
- لكنه يحترمني ويحسن معاملتي يا سيدتي .
قاطعتها السيدة ميلغروف , وادارت دفة الحديث نحو مواضيع اخرى .
في صباح اليوم الثاني , اوصى انطوني مورغان المسؤولة عن الرعاية الاجتماعية باحدى الموظفات . سمعته دينا

اعتمادات 06-03-10 02:51 AM

مصادفة يقول :
- ان الآنسة فانشو موظفة ممتازة , وتستحق منا العون كله . تبيني اوضاعها المادية والاجتماعية , ولا تبخلي عليها بالمساعدة , على ان يبقى هذا سرا مخفيا عن جميع الموظفين.
لم تستطع دينا محو صدق كلمات انطوني مورغان من حناياها بسهولة , وظل عقلها يردد : ( ان انطوني مورغان طيب . معطاء . انسان ... ) .
غاب راسل عن دينا بضعة ايام , لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة حياتها الاجتماعية التي بدات تستقطب الكثير من الأصدقاء , واولهم كليو ووالدتها .
كانت كليو فتاة متفائلة , طيبة القلب , صارحت دينا يوما بقولها :
- اتعرفين انني مستعدة للموت تحت اقدام انطوني مورغان ؟ صدقيني . لكن ما الفائدة ما دام لا يعيرني أي اهتمام ؟ على فكرة , طالت غيبة راسل هذه الفترة , لماذا لم نعد نراه كثيرا ؟ حافظي عليه , فهو رجل وسيم .
- عمله هو الذي اختطفه مني , فلا تخافي .
بعد عودة انطوني مورغان , طلب من دينا البقاء مساء يوم الجمعة لانجاز بعض الأعمال الاضافية . تذكرت الفتاة ارتباطها بموعد مسبق مع راسل الذي لم تره منذ خمسة ايام , فحاولت الاعتذار :
- آسفة يا سيد انطوني , لدي ارتباطات سابقة مع السيد ميلغروف , فهل يمكنك تأجيل الساعات الاضافية الى مساء الغد ؟
- من الأفضل لك الاعتذار عن موعدك هذا المساء .
- معذرة . لم افهم ما تعنيه .
- بل تفهمين تماما . يحسن بك الغاء موعدك الليلة . لماذا لا تصرخين : من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ؟
- ارجوك يا سيدي . ارجوك .
ضحك انطوني مورغان وقال :
- انك تحاولين التمسك بفكرة الموظفة والمدير , ولو كان على حساب اعصابك , ومشاعرك , واحاسيسك , اليس كذلك يا آنسة بريتشارد ؟ دعيني اذا اخبرك انه يسرني الاكتشاف بأنك لم تفقدي بعد شفافيتك ورهافة حسك , لأن ملازمة راسل وامه مقبرة لكل الأحاسيس , وخنجر مغروس في ضلوع المشاعر , وأرجو ان تتذكري يا آنسة انه الغى موعدين معك في الأسبوع الماضي .
- اعتتذر لكثرة اشغاله . هل تحرضني الآن على الاعتذار للسبب نفسه ؟
- طلبت منك تناسي موعدك , لأنني اعرف حبك لعملك , وتف( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) فيه .
- انني محبة لعملي فعلا , لكن ... لا بأس ... لا بأس . لك ما تريد يا سيد انطوني .
رفعت دينا سماعة الهاتف , ولا حظ انطوني انها تدير القرص بأصابع مرتجفة , فقال لها :
- لا اريد ارغامك على ما تكرهين يا آنسة , لكن اسلوبك في معاملة راسل سيعود عليك بنتائج عكسية , صدقيني . يجب ان تكوني الهدف الذي عليه ان يتعب للوصول اليه .
- رغم معرفتي بعمق خبرتك في شؤون القلوب يا سيدي , الا انني اجد نفسي مضطرة لرفض العمل بنصيحتك , فأنا لا اؤمن بهذه الأساليب في معاملة الرجال .
- لم اتوقع مثل هذه الرزانة من صاحبة شعر احمر .
- اكملت دينا طلب الرقم , وعندما سمعت صوت راسل حيته :
- مرحبا راسل ... انا دينا ... انني مضطرة للعمل ساعات اضافية مع السيد مورغان . لذلك اعتذر عن الذهاب معك ... لا ... الأعمال كثيرة , ولا يمكنني رفض طلب المدير , بعدما سمعك تعتذر مرتين في الأسبوع الفائت بسبب اشغالك المتراكمة ... اذهب الليلة مع اصدقائك , وسنلتقي في يوم آخر ان شاء الله ... ارجوك يا راسل تفهم موقفي ... واعذرني ... مع السلامة .
- اعادت دينا السماعة الى مكانها , فشجعها انطوني :
- عظيم . لا بد ان اعتذارك ازعجه .
- لقد ازعجه فعلا ... افضل العودة الى العمل .
علا رنين الهاتف , فأجابت دينا , ثم قالت لمديرها :
- ممثل احدى الشركات الكبرى للأقمشة يطلب مقابلتك يا سيدي .
- دعيه يدخل , وخذي هذه القائمة الى قسم المحفوظات للتدقيق من فضلك .
اتخذت دينا طريقها الى قسم المحفوظات , فصادفتها كليو في منتصف الطريق :
اهلا كليو , ما رايك في تناول قدح من الشاي بعد الانتهاء من الساعات الاضافية ؟
- يسرني ذلك يا عزيزتي ... لكن , ماذا حدث لموعدك مع راسل؟
- اضطررت لالغائه بعدما طلب مني السيد مورغان مساعدته في تسيير بعض الأعمال .
- استغرب ان تفضلي العمل على راسل ... هل انطفأ بريق الحب في قلبك ؟
- لا , اطعت أوامر مديري فقط .
- السيد انطوني لا يصدر الأوامر . انه يطلب بلطف , لذلك نسعى جاهدين لخدمته . هل يعجبك السيد انطوني يا دينا ؟
- ارجوك يا كلير , لقد اعتدت الفصل بين حياتي العملية ومشاعري الشخصية , بعد التجربة القاسية التي مررت بها وانا اخطو أولى خطواتي على درب العمل .
- تأكدي ان السيد انطوني ليس ذئبا بشريا . على كل حال لكل انسان طريقته في التفكير وتصريف الأمور , واعتقد ان وجود فتاة مثلك يناسبه . لأنه بعد ما قاساه من سكرتيرته السابقة , اثبت لنا في اكثر من مناسبة , ومع اكثر من موظفة . انه آدم الهارب من حواء .
انصرفت كليو تاركة دينا بين براثن الأفكار : ( لم يلم احد من الموظفين انطوني مورغان على ما حدث في الماضي . يظهر ان الفتاة ارادت دفعه الى هاوية الزواج , فارتد كيدها الى نحرها . اعرف ان التجارب بوتقة تصهر الأنسان , لكنها كانت سيفا قاطعا أضعف السيد مورغان , واجتث جذور ثقته بمن حوله .
يا الهي انقذني من افكاري , فأنا لا اريد التدخل في ما لا يعنيني )
زادت ساعات العمل الاضافي في يقين دينا من ان السيد انطوني متواضع مع الموظفين , وناجح في ادارة اعمال المؤسسة . ارادت نسيان نفسها في احضان العمل الهادىء المتواصل , لكن التفكير براسل وامه كان يجبرها على العودة للواقع مكرهة : ( عندما احلم بزيارة معرض فني مع راسل , اتمنى بعدها لكلينا جلسة هادئة امام المدفأة ,


ننصت لزغاريد نارها , ونستمع لنجوى قلبينا . لكن هيهات ... كيف تتحقق اماني واحلامي بوجود والدته التي تلازمه كظله ؟ أغبط روبن على خلاصها من قيود والدتها . ان السيدة ميلغروف بقيت وحدها في حياة راسل بعد وفاة زوجها , لكنها تدفن ابنها برمال رعايتها , وعنايتها , ورغبتها في حمايته ... حان وقت الانصراف . سأعود الى البيت , وارتاح بشرب قدح من الشاي الساخن قبل ان آوي الى فراشي . لن اترك اعصار الشكوك , الذي أثاره انطوني مورغان في داخلي , يحرمني لذة النوم . هل يتعمد راسل اهمالي ؟ لا ... لا ... انه يعمل بجد . وعلي ان اثبت ان وراء كل رجل عظيم امراة . اشعر انه لم يعد متشوقا للقائي . اصبح العمل هاجسه الوحيد )
حاولت دينا قطع دابر افكارها بالغوص من جديد , لكن انطوني مورغان منعها بقوله :
- يكفينا ما انجزنا اليوم ياآنسة .
- ثم علا صوته مخاطبا باقي الموظفين :
- ايها الآنسات والسادة , حان الآن وقت الانصراف . تأكدي يا ساندي من حسن اقفال المحلات قبل الانصراف من فضلك . سأوصل الآنسة بريتشارد الى البيت .
استغرب الموظفون تصريحه , واتجهت انظارهم الى دينا التي اشاحت بوجهها عنهم , حتى سمعته يقول :
- احضري معطفك وقبعتك لنغادر المكان يا آنسة بريتشارد .
وذهب لتصريف بعض اموره , تاركا اياها مع كليو :
- اؤكد لك انك من المحظوظات يا عزيزتي .
ارتبكت دينا :
- تصبحون على خير ... تصبحون على خير جميعا .
تسارعت ضربات قلبها وهي تتجه نحو المكتب . اخذت معطفها والقبعة , واستعدت للخروج ثانية , لكن انفتاح باب الحجرة الملاصقة سمرها مكانها :
- العجلة من الشيطان , والتأني من الرحمن يا آنسة بريتشارد .
واجهته بقولها :
- لم اعد افهم تصرفاتك يا سيد انطوني , لماذا لا تعاملني مثل بقية الموظفين ؟ أنا ...
- انت تخافين من سمعتي وماضي الملطخين , اليس كذلك ؟
- بصراحة ... نعم . وافضل الا اختلف عن زملائي في شيء .
- لماذا يا آنسة ؟
- لأن الماضي لسعني بسياط تجربة قاسية , كان بطلها ابن مدير أول شركة عملت فيها .
- ما المسه فيك من صراحة وجدية هما بقاياها , اليس كذلك ؟
- ليس هذا ما اعنيه يا سيدي . تركت عملي في الشركة يومها بعدما خيل للمدير انني احاول ايقاع ابنه في حبائلي . كان ابنه يافعا . سخيفا . تنقصه الجاذبية ...
- وانت تحبين الانسان الذي انضجته نار التجربة .
- افضل النضوج على الاحتراق يا سيدي .
ضحك انطوني :
- احمد الله ان راسل وامه لم يصلا ببرودتهما الى اعماقك .
- لا اعرف كيف اصفك يا سيد انطوني .
- لا تتعبي نفسك بمحاولة وصفي يا آنسة . اتعرفين ان قذائف الكلام التي نتبادلها تسليني ؟
لم تستطع دينا منع نفسها من الضحك , فشجعها انطوني :
- هذا افضل يا آنسة , اضحكي تضحك لك الدنيا . ولنذهب الآن.
ركبت دينا سيارة انطوني , قبل ان ترى سيارة راسل تتوقف امام باب المؤسسة . رآهما راسل سوية , وتصادمت نظرات الرجلين , فلاح على ثغر انطوني خيال ابتسامة لم تفهمها دينا .
ابتعد انطوني مورغان بسيارته , تاركا راسل يتخبط في مهاوي حيرته . انقذته رؤية كليو من عذابه , فتقدم منها وحياها متسائلا:
- رأيت دينا تركب سيارة المدير يا كليو , فهل هي بخير ؟
- اطمئن يا راسل انها بألف خير وتتربع في هذه اللحظة على قمة السعادة , فهي تركب سيارة الرجل الأول في المؤسسة , وهو رجل عازب وصاحب ملايين .
- ماذا تعنين يا كليو ؟
- اعني ان دينا تتمتع بمكانة خاصة عند المدير , لذلك يحيطها بكل العناية والرعاية .
- لكن دينا خطيبتي .
- هل هي خطيبتك فعلا , ام ان ما يربطكما هو مجرد صداقة عميقة ؟
- اننا متفاهمان على وضعنا الحالي .
- لا ادري كيف استطعتما التفاهم على مثل هذا الوضع . ان الفتيات في ايامنا هذه يفضلن الاستقرار , والاحساس بالأمانوالطمأنينة في كنف رجل . اما في حال عدم وجود روابط , فإن للفتاة الحق بالتصرف كما تشاء . يؤسفني انك تركت معرضك الفني باكرا , لأن دينا دعت المدير لتناول العشاء في البيت , فأرجو الاتفسد عليهما هدوءهما بظهورك المفاجىء .
لم يصدق راسل ما سمعه :
- لا اعتقد ان دينا تستقبل وحدها غريبا في البيت . كفي عن الضحك يا كليو , فأنا اعرف دينا اكثر منك .
- قد يتناولان العشاء في احد المطاعم الفخمة يا راسل . يمكنني ان اخفف من مصابك الليلة . وسأقبل الذهاب معك الى احد المطاعم الصغيرة . اتعرف يا صديقي ؟ بعد ان بالغت في اهمال دينا , راحت المسكينة تبحث عن انسان يستطيع اغناء حياتها بكل مثير , جديد .
- اقبلي دعوتي الى العشاء , وسأثبت لك انني قادر على اغناء حياة اية فتاة بشكل مثير وجديد .
- استضافت دينا الصمت اثناء رحلة العودة , لكن انطوني طرده بسؤالها :
- اما زلت متوترة الاعصاب ؟
- لا ابدا . لكن في الأيام المشابهة لهذا اليوم , اتوقع حدوث المستحيل .
- اشعر ان العاصفة بيننا مرت بسلام . واذا كنت تفكرين بدعوتي لشرب قدح من الشاي , فسأقبلدعوتك بكل سرور . لماذا الصمت ؟ اتخافين من ثورة السيدة ميلغروف ؟


تحدته :
- رغم ان خالتي ليست في البيت , الا انه يسرني تشريفك .
توقفت السيارة امام البيت , وتقدمت دينا من الباب تفتحه وكأنها في حلم : ( انها المرة الأولى التي ادعو فيها السيد مورغان الى بيتي . سأستضيفه اليوم بدلا من راسل ) .
دخلا غرفة الجلوس , فقال لها انطوني :
- احب سماع زغاريد السنة اللهب في كل وقت , اتوافقينني على اشعال المدفأة ؟
- انا وخالتي نحب الاستكانة الى جانبها ايضا . تفضل وافعل ما تريد.
تأمل لوحة فنية نامت على الحائط فوق المدفأة قبل ان يقول :
- اليست هذه احدى لوحات الفنانة كيت ليفنغستون ؟ لدي بعض رسوماتها في البيت . انها ماهرة جدا في التعامل مع الألوان المشرقة الزاهية .
- يجب ان تخبر خالتي برأيك في لوحاتها عندما تعود .
- هل يعرف ابي ذلك ؟ لا اعتقد , فهو لا يهتم بالفن والفنانين . لكن عمتي هيتي تلاحق تطورات الحركة الفنية , وقد اشترت اللوحات عندما كانت في رحلة الى انجلترا .
- سأذهب لتحضير الشاي .
تبعها انطوني الى المطبخ الذي اختلط فيه القديم بالحديث :
- ان المطبخ مرآة صاحبة البيت . ومطبخك اكبر دليل على حيرتك وعدم اقتناعك براسل ميلغروف .
استدارت نحوه قائلة :
- ارجوك يا سيدي . لا تتدخل في شؤوني .
- كما اتحضرون هذا اللحم لفطور الغد ؟
- طبعا لا . انه لعشاء الغد يا سيد مورغان .
- ولماذا لا نتناوله الآن يا آنسة ؟ انني جائع , واحب اللحوم المشوية . سنأكل هذا اللحم اليوم وادعوك مع خالتك غدا لتناول العشاء في اح المطاعم . ما رايك ؟
- هذا غير ممكن . اقصد انه ممكن ... اعني انه يمكنك ان تأكل ما تريد من اللحم الليلة , لكن بالنسبة الى دعوة الغد ...
- ان قبولك لدعوتي هي افضل وسيلة لإثارة غيرة السيد ميلغروف . دينا لا تغضبي يا عزيزتي . لا تغضبي . اعرف انني وعدتك بعدم التدخل في امورك .
- لا اسمح لك بمناداتي باسمي المجرد يا سيد انطوني . ثم ... ثم ... كيف تقول عزيزتي ؟
- اسمك جميل ويتماشى تماما مع لفظ عزيزتي . لم هذا الانزعاج ؟ اعطيني سكينا لأساعدك في تقطيع اللحم .
استسلمت دينا للأمر الواقع, وبدأت تستسيغ مساعدة انطوني مورغان لها . وحين فاجأها الجوع , قامت بتحضير المائدة استعدادا للعشاء . ثم جلست تتناول عشاءها معه , بعدما حضرت طعاما للقطة . قال لها انطوني :
- يغلب على عشائي الليلة الطابع الانجليزي .
كان يهم بوضع لقمة في فمه , عندما انفتح الباب وظهرت على عتبته الخالة كيت برفقة راسل . تلاقت العيون , والتهمت الدهشة الوجوه , فتململ انطوني في مجلسه , تاركا راسل يجلده بسياط نظراته .
زحف سرور غريب الى قلب دينا بهذا اللقاء بين الرجلين, فتركت مجلسها وتقدمت نحو راسل :
اهلا بك ومرحبا يا راسل . خالتي كيت اقدم لك انطوني براين مورغان , مدير المؤسسة التي اعمل فيها . اما انت يا راسل ...
كظم راسل غيظه وهو يقول :
- لا ضرورة لأن تتعبي نفسك يا دينا , لأنني اعرف السيد مورغان . اعرفه جيدا .
- هل طلبت منك خالتي ان تأتي معها الى هنا بعد انتهاء المعرض ؟
- لا ... التقينا عند الباب . مررت بالمؤسسة مساء لأصطحبك , فأخبرتني كليو انك عدت الى البيت مع السيد مورغان , فدعوتها لشرب قدح من القهوة , واتيت بعدها الى هنا .
- ارجو ان تكونا قد امضيتما معا احلى الأوقات ... اشكرك على مجيئك في هذا الوقت المتأخر , وارجو الا تقلق عليك والدتك .
قاوم انطوني رغبته المجنونة في الضحك , وترك المائدة . وبعد ان وضع الأطباق المستعملة على منضدة صغيرة متحركة , جرها الى المطبخ وهو يقول :
- سنتدبر امر هذه الأطباق بعد ذهاب الضيوف .
وحين عاد من المطبخ , استرخى في احد المقاعد وقال :
- ما احلى الراحة بعد التعب يا دينا .
- كان يوما متعبا فعلا يا انطوني .
انزعج راسل : ( تناديه باسمه . ويناديها باسمها مجردا . ما هذا التغير المفاجىء ) .
قدم انطوني لفافة تبغ الى الخالة كيت , وقال :
- انت لا تدخنين يا دينا , لذلك لن اعرض عليك واحدة .
انكمشت دينا : ( اكتشف انطوني مورغان انني لا ادخن قبل دقائق فقط , لكن راسل لن يصدقني , حتى لو اقسمت له على ذلك ) .
خاطب انطوني الخالة كيت بقوله :
- عمتي من المعجبات بفنك يا سيدة ليفنغستون , وستسر كثيرا اذا زرتها يوما في بيتي ، فهي مقيمة عندي .
سأل راسل دينا :
- هل تمانعين في تناول العشاء مع امي غدا يا عزيزتي ؟ لن اكون معك لأنني مضطر للسفر ، لكن وجودك سيفرحها .
نادت الأفكار دينا : ( هل اعتذر بحجة انني مضطرة لتلبية دعوة انطوني مورغان مع خالتي غدا مساء؟ لا . لقد رفضت الدعوة ولن اقبلها ثانية بالرغم من ان امسية كاملة مع والدة راسل ليست منتهى املي . اشعر بأن الحرب سجال بين الرجلين . اتمنى ان تكون احاسيسي خاطئة , اتمنى ذلك من كل قلبي . رنين الهاتف يملأ المكان سأذهب لأجيب ) .
عادت دينا بعد قليل , لتجد انطوني مورغان في المطبخ , يساعد خالتها في تجفيف الأطباق ، فقالت :

اعتمادات 06-03-10 02:52 AM

لا ضرورة لما تفعل يا سيدي , فأنا وخالتي نستطيع انجاز العمل وحدنا .
- اتستطيعين الثبات على اسم واحد في مناداتي يا دينا ؟
تضرج وجهها بدماء الخجل :
- اعذرني على مناداتك باسمك مجردا قبل قليل .
- ولماذا الاعتذار يا عزيزتي , ما دمت تطبقين ما اوصيتك به ,
وتغيضين راسل ؟
فضلت دينا عدم الرد , وقالت لخالتها :
- هناك من يطلبك على الهاتف يا خالتي .
تركتهما كيت وحدهما , فأغلقت دينا باب المطبخ قائلة :
- اعتقد ان وقت انصرافك قد حان يا سيدي , ويكفيك ما سببته لي اليوم من مشاكل .
- ما يزعجك اليوم ستشكريني عليه غدا , لأنه سيحث راسل على تحسين معاملته لك , فأنت لا تستحقين الا الخير .
- انك لا تعرفني الا منذ فترة وجيزة , فما الذي يدفعك الى مثل هذا الكلام ؟
- لن اجيب الا بأنني عرفتك في الأيام الماضية بما فيه الكفاية , لذلك اوصيك بألا تعتذري لراسل على ما حدث اليوم , وان تستمري في السير على درب زعوعة ثقته بحبك وعواطفك . الم تسعدك النتائج التي توصلنا اليها اليوم ؟
- تذكر انني احب راسل يا سيد انطوني , وحبي له ليس اعمى .
- ومن قال لك ان الحب اعمى ؟ تأكدي ان للحب عيونا جميلة يرى بها قلب الانسان ادق الأشياء واحلى التفاصيل . لا تتصوري ان ما اقوله سببه خبرة سابقة في شؤون القلوب , كما سبق وألمحت . لا , ان تجربتي الماضية كانت تفتقر الى الحب وتتوق اليه .
عجزت دينا حتى عن الاعتذار , لكنها قالت بعد فترة سكوت مقيتة :
- يكفيني ما قاسيته اليوم يا سيد انطوني , ارجوا منك الانصراف مع راسل في اسرع وقت ممكن , لأنني متعبة وفي حاجة ماسة الى الراحة .
- ثقي بأن طلباتك اوامر يا آنستي .
جلست دينا مع خالتها امام المدفأة , بعد انصراف الضيفين وتساءلت الخالة :
- هل استمتعت اليوم بأوقاتك يا ابنتي ؟
- ان الضياع يطويني يا خالتي . لم اعد اعرف الا انني متعبة وفي حاجة الى ساعات من النوم العميق . تصبحين على خير.
لكن التفكير بأنطوني مورغان خطف النوم من عينيها , وقادها الى التفكير في مصيرها مع راسل : ( لطالما تصورت راسل هو فارس أحلامي المنتظر , لكن هيهات . ما السبب ؟ أتراها امه ام حادثة وفاة ابيه المبكرة ؟ لا اعرف . ربما يحتاج راسل الى فتاة تكتشف فيه خصاله الحسنة الدفينة . لكن هل انا هذه الفتاة ؟
لا مست اصابع الفجر جفنيها , فأسرعت الى احضان النوم استعدادا لاستقبال يوم جديد , تمنت ان يكون سعيدا .

6- ... وانهمرت دموعها وهي تشعر بحنان انطوني مورغان نحوها . ثم توسلت اليه وذراعه تحيط بكتفيها : ساعدني , ارجوك , لوضع نهاية سعيدة لقصتي .


وغاب نهار آخر , رحل نهار عمل آخر من حياة دينا , وتركها منهوكة القوى , تبحث عن السكون بعد ساعات الضجيج , وعن فيء الراحة بعد قيظ التعب . كانت تستعد لترك غرفتها , عندما فتح السيد انطوني باب غرفته قائلا :
- سأوصلك الى منزل السيدة ميلغروف يا دينا .
- افضل الذهاب وحدي . شكرا لك يا سيدي .
- ستكون رحلتك مرهقة , فالحافلات مزدحمة في هذه الساعة .
- سأركب سيارة اجرة .
- طيب هل طلبت واحدة ؟
- كنت على وشك ان افعل .
- استسغت الكذب سلاحا لمقاومتي , منذ بدأت اهتم بك . لكن شيئا لن يثنيني عما عزمت عليه . هيا بنا .
- جردتني حتى من قدرتي على الرفض , ولا املك الآن الا الانصياع للأوامر , لأنك سيدي في العمل .
قهقه انطوني مورغان ضاحكا :
- دينا ... عزيزتي ... لم اتوقع منك مثل هذا الاستسلام السريع . يظهر انك تحاولين التخلص من الحاحي , لكن هذا التخاذل لن ينفعك في حياتك المستقبلية , صدقيني .
- مادمت تعرف انني احاول تحطيم قيود الحاحك وسخريتك , فلماذا لا تدعني وشأني ؟
- لا استطيع . لأنك تحبين ما افعل .
- ماذا تقصد يا سيد مورغان .
- اقصد يا عزيزتي انك تحبين الحاحي , وملاحقتي , وقذائفي الكلامية .
- هل فقدت عقلك ؟ هل جننت يا سيدي ؟ ما هذا الذي أسمع ؟
تتهمني في البداية بالضعف أمام راسل , ثم تتجرأ وتؤكد انني استسيغ مضايقتك لي . هذا كثير . كثير جدا يا حضرة المدير .
اشعل انطوني لفافة تبغ , قبل ان يقول :
- الفرق شاسع بيني وبين راسل , فهو يهملك , وانا الاحقك .
كادت دينا تنفجر غيضا :
- لقد اعتذر راسل عن بعض ارتباطاتنا لانشغاله , يا سيد انطوني , وقد تفهمت الوضع تماما .
- وانعكس تفهمك للوضع على الطباعة السيئة لرسائلي بعد اعتذاره الأخير , اليس كذلك ؟


لا اعرف لماذا تتعمد ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )ي واذلالي , لكنني اؤكد لك قدرتي على حل مشاكلي مع راسل دون أي تدخل خارجي , هذا أولا , وثانيا اسمح لي ان ارفض الذهاب معك الى بيت السيدة ميلغروف .
- اعتراضك مرفوض . هيا بنا .
- لا اعتقد انك سترغمني على الذهاب يا سيدي .
- بلى , سأجبرك عليه حتى لو جعلت سيرتك مضغة في افواه الموظفين . هيا يا فتاتي ... هيا .
- استسلمت للواقع . فنزلت الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , وراحت تمخر عباب البحر البشري , الذي كانت امواجه تتابع على المؤسسة . فأحست بنظرات الفضول تلاحقها , فأسرعت تحتمي بسيارة انطوني السوداء , وبالصمت طوال الطريق .
تركها انطوني تتمتع بحرية السكوت , حتى وصلا الى المنزل المطلوب . تأمله انطوني قبل ان يقول :
- البيت ضخم , فخم . لكنني متأكد من ان اصحابه يثقلونك بأصفاد التصنع .
حاولت دينا الخروج من السيارة , لكنها لم تستطع ذلك الا بمساعدة انطوني الذي فتح لها الباب قائلا :
- اتمنى لك قضاء امسية سعيدة . الى اللقاء .
- سنلتقي غدا في المؤسسة .
- لا . سأتناول عشائي وحيدا في المدينة , وارتاح قليلا في المكتب , ثم آتي لأعيدك الى البيت .
- سيعيدني راسل , شكرا لك .
- تذكري ان راسل خارج المدينة , وسيعود الليلة متأخرا .
- لا اريدك ان تعود . لا اريدك ان تعود . سأطلب سيارة اجرة .
اتخذت دينا طريقها نحو الباب الرئيسي , واختفى انطوني بسيارته عند المنعطف .
رحبت بها السيدة ميلغروف , وسألتها :
- من كان هذا يا عزيزتي ؟
- السيد انطوني مورغان , مديري .
- ااتى لزيارة صديق له في المنطقة ؟
- لا . أراد انقاذي من زحمة المواصلات , فأوصلني مشكورا .
دخلتا غرفة النوم , حيث قالت لها السيدة ميلغروف :
- يسرني قدومك هذا المساء يا دينا .
ازعجها تلطف السيدة ميلغروف : ( يارب , ماذا يخبىء لي سكون الليل من اسرار ؟ ) .
جليت دينا تتناول عشاءها : ( كل مايحيط بي مرتب , حتى اصناف الطعام تم اختيارها بعناية . اين منها ليلة امس , وما اتصفت به من بساطة . اشعر برمال التصنع تبتلعني . اكاد اختنق . كل ما حولي مصطنع ... مصطنع ... مصطنع ) .
شربتا القهوة بعد العشاء في غرفة الجلوس , امام مدفأة كهربائية .
قالت السيدة ميلغروف :
انني اكره المدافىء الحجرية , لأن اشعالها شاق جدا . من دواعي سروري التعرف اليك والتقرب منك اكثر يا دينا , بعدما جمعت الأقدار بينك وبين راسل . لم تتعد جميع علاقاته السابقة حدود الاعجاب , وقد استطعت اقناعه بأن كل ما مر به سيعينه على اختيار الشريكة الأفضل لحياته . لذلك طلبت منه عدم التعجل في اعلان أي ارتباط رسمي بينكما , لكنني سعيدة جدا باطلالتك في افق حياته , واعتقد انه بقليل من التوجيه , ستكونين الزوجة المثالية لابني , خاصة اذا قبلت تغيير ... اسمك .
تطلعت دينا نحوها عاقدة الحاجبين :
- ولماذا اغيره يا سيدتي ؟ الا يعجبك ؟
- انه اسم ينقصه البريق يا عزيزتي .
- لكنني اجده جميلا جدا .
- قد يكون جميلا , غير انه لا يناسب زوجة ...
- اكملت دينا :
- لا يناسب زوجة الطامح الى منصب مستشار الملكة , اليس كذلك ؟
- نعم , بالفعل . لذلك أتصور انك لن تمانعي اذا ناديتك ديانا من الآن فصاعدا . وقد وافق راسل على اقتراحي .
- معنى هذا انك اخبرته بما تريدين اجراءه من تعديلات .
- نعم . لقد فعلت .
- ان ماتطلبينه يا سيدة ميلغروف هو المستحيل بعينه , لأنني معجبة باسمي , ولا أود تغييره . دعينا نغير الموضوع من فضلك .
- لم انوي ازعاجك يا دينا . واعتقد ان اقتراحي هو الأفضل لك.
- هل هو الأفضل لي ام لأبنك يا سيدة ميلغروف ؟
- لا افهم سببا لغضبك يا دينا .
- وانا لا افهم سببا لهذا التمادي من جهتك يا سيدتي .
- لم اقصد ايلامك يا عزيزتي , فأنت زوجة ابني .
- لست زوجة ابنك يا سيدة ميلغروف .
- كل آت قريب , يا عزيزتي .
- تذكري ان الخطبة لم تعلن رسميا بعد يا عزيزتي .
- ألم نتفاهم على تأجيلها في الوقت الحاضر ؟
- نعم تفاهمنا على اعفاء ابنك من جميع المسؤوليات والروابط حتى يستطيع تقرير مصيره على مهل , وعلي ان ابقى انا سجينة الارتباط به الى ما شاء الله , اليس كذلك ؟ اجيبيني .
- لا اجد سببا لهذا الانزعاج كله يا دينا ... صدقيني . هل انت بخير ؟ هل ...
- انني بألف خير . واعتقد ان من حقيالتروي قبل الاقدام على الزواج , مثل راسل تماما .
- لا اعتقد انك في كامل وعيك يا دينا .
- ثقي انني أعي كل كلمة أقولها .
- هل حصل بينكما أي سوء تفاهم في الفترة الأخيرة ؟ لماذا لم يخبرني ؟
- ماذا تقولين ؟
- اعتاد راسل الا يخفي عني شيئا منذ نعومة اظفاره .
- لا شك في انك تبالغين يا سيدة ميلغروف .
- انني لا أبالغ . انها الحقيقة .
- هل اخبرك اذا , انه شرب قدحا من القهوة مع كليو ديفيس في احد المطاعم ؟
- من كليو هذه ؟ لا احسبك تتكلمين عن الفتاة التي تعمل في المؤسسة ؟
- بلى . انها الفتاة المسؤولة عن قسم التجميل الذي يحمل اسم كليوباترا . ما رايك بهذا الاسم البراق يا سيدتي ؟
- لم اعد افهم شيئا . لم اعد افهم أي شيء . لكنني عرفت السبب الكامن وراء ثورتك . احكي لي ما حدث بالتفصيل . من اخبرك بهذا كله ؟
- راسل هو الذي اخبرني يا سيدتي الكريمة .
- اتمزحين يا دينا ؟
- لا . ابدا ... زارنا في البيت ليخبرني انه خرج مع كليو لشرب قدح من القهوة , بعد قبولي دعوة مماثلة من مديري انطوني مورغان , الذي يحب اسم " دينا " كثيرا .
- لماذا قبلت دعوة المدير يا دينا ؟
- لأن التفحص قبل الانتقاء من ابسط حقوقي يا سيدة ميلغروف .
- لكن التوقيت الذي اخترته للتفحص والانتقاء خاطىء يا ابنتي .
- ولماذا يا سيدتي ؟
- لأن جيني خطيبة راسل السابقة عادت الى المدينة .
- وماذا في ذلك ؟ ما فات قد مات يا سيدة ميلغروف . هل فقدت الثقة بقدرة الحب على تخطي العقبات ؟
- لقد احب راسل جينا حبا جما .
استمعت دينا الى همس افكارها : ( لابد ان حب راسل الجنوني لخطيبته الأولى هو الذي اقتلع جذور الرضى عنها من قلب والدته انها انانية في حبها لابنها . وهذا يثبت وجود خيط رفيع يفصل بين الحب الحقيقي والرغبة في التملك ) .
جابهت دينا السيدة ميلغروف بثقة :
- اكره ان ينافسني احد على قلب راسل , لذلك احمد الله على تأجيلنا اعلان الخطبة .
- ان جيني كابوس مزعج , عليكما الخلاص منه , ولو كنت تعرفينها لاكتشفت منبع قلقي .
- يؤكد كلامك انها ما زالت مليكة على عرش قلبه , وهذا يتركني ريشة في مهب ريح الشك بعواطفه , وصدق مشاعره . احتاج الى رجل يحميني ويرعاني , يحبني ويحرص علي . لذلك علي التأكد من احاسيسي قبل السير على درب الرباط المقدس .
ولف دينا ضباب الأفكار : ( هل احب راسل ؟ نعم احبه . لكنني اتوق الى ان يبقى حبنا متوجا بالعزة , مزدانا بالكرامة . يكفي السيدة ميلغروف ما قاسته اليوم مني . حان وقت الرحيل ) .
تركت دينا مقعدها قائلة :
- هل يمكنني استعمال الهاتف يا سيدة ميلغروف ؟
لم تمانع والدة راسل , فرفعت دينا السماعة , وطلبت رقم انطوني . عندما تناهى الى اسماعها , خاطبته بلطف ونعومة :
- اهلا انطوني , ايمكنك ان تأتي لاصطحابي ؟ لقد انتهت الزيارة .
لم يتوقع انطوني هذا فتردد قليلا قبل ان يقول :
- يسرني ان اعود بك الى البيت يا عزيزتي . لكن ما الذي افسد امسيتك ؟
تهربت دينا من الجواب واردفت :
- سأنتظرك على احر من الجمر , مع السلامة .
حين وصل انطوني , قامت دينا بتعريفه الى السيدة ميلغروف التي دهشت لأناقته , ولباقته , وحسن تصرفه .
مضت دقائق , خرجت بعدها دينا لتستقل السيارة مع انطوني قال لها :
- اعتقد اننا اذهلنا السيدة ميلغروف بتصرفاتنا .
- لقد انستني هذه السيدة معنى الشفقة .
- ما الذي حدث بينكما يا دينا ؟
- اسمح لي ان اعتذر أولا عما سببته لك من ازعاج .
- لا اجد أية حاجة الى الاعتذار .
تلاشت في حضن افكارها: ( كنت واحة للراحة بعد ساعات التعب يا سيدي . كنت أول الغيث بعد طول قحط . كنت منقذي يا سيدي ) .
غير انطوني مورغان وجهة سيره , فاستغربت دينا . قال لها :
- سأريك ملاعب طفولتي , والبقعة التي ألجأ الى احضانها كلما كشرت لي الحياة عن انيابها .
اوقف انطوني السيارة في منطقة منعزلة , ومشى الاثنان الهوينى عبر طريق ترابية , حتى وصلا الى هضبة ارتاحت دينا بالقرب من قمتها , تاركة النسيم العليل يسافر فوق صفحة وجهها .
همس انطوني متسائلا :
- الا تريدين اخباري بما حدث الليلة يا دينا ؟
سبقت دموعها الكلمات , فتركها تسيل حارة مدرارة على مسارب خديها . احاطت ذراع انطوني بكتفها , وكأنها تحميها من ضعفها ثم سمعته يقول :
- توقعت ان يحدث هذا منذ البداية .
احست دينا بتفهم انطوني لها , وتعاطفه معها , لكنها خافت من ضعفها , فاعترفت حين احتضن يده :
- اكره ان ابكي ... اكره الضعف ... صدقني .
- ليست الموع الحقيقية دليل ضعف , انها لغة بليغة يعبر الناس عن مكنونات قلوبهم .
- فقدت الليلة الاحساس بالكرامة وعزة النفس , لم تجد التضحيات والتنازلات نفعا ... اعتقدت انك مجنون يوم حاولت توعيتي . استميحك العذر يا سيدي . فأنا لا أعي ما اقول .
- لا تعتذري يا دينا . اتركي نفسك على سجيتها . نعم , اذكر انني حاولت تنبيهك لاخطائك , فطلبت مني عدم

اعتمادات 06-03-10 02:54 AM

التدخل .
- تحول مديري الى نبع للحنان . انني اعيش حلنا جميلا , رائعا .
- حناني ليس حلما . تناسي انني مديرك , واريحي نفسك من اعبائها.
- انت وحدك الذي يستطيع مساعدتي .
- وكيف استطيع ذلك يا دينا ؟
- ساعدني في وضع نهاية سعيدة لقصتي ... أرجوك .
- عن اية قصة تتحدثين ؟
- اليس حبي لراسل قصة ؟ آسفة اذا كنت قد ازعجتك برجائي لكنني ...
- لا تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا دينا . يسعدني ان امد لك يد المساعدة دائما , شرط ان تناديني انطوني , كما يناديني الأصدقاء.
- لكنني اعتدت استعمال " السيد انطوني " في الفترة الأخيرة .
- الإرادة تصنع المعجزات , وتغير العادات , فلا تيأسي . اكثري من مناداتي طوني امام راسل وامه , لأنني اريد لجحيم الشك ان يعذبهما .
- وماذا عن الموظفين في المؤسسة ؟ الا يهمك امرهم ؟ الا تخيفك الشائعات التي يمكن ان يثيروها ؟
- انني اقوى من أي شائعة , فلا تخافي , ولا تحزني . ارمي همومك جانبا , تعالي الى قمة الهضبة لنمتع انفسنا بما تطل عليه من مناظر خلابة .
امتثلت لأوامره , وأحست عند قمة الهضبة بقربه , وعندما احاطها بذراعيه , دفنت رأسها المتعب في غياهب صدره . استمتعت بدفئه وحنانه , انتشت بسماع نبضات قلبه وراحت كل ذرة في كيانها كأنها تردد :
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا
اخافها اندفاعها : ( لا ... لا ... لا يمكن ان يحدث هذا . ان انطوني مورغان يشاركني احاسيسي , ويشعر بمشاعري , لا اكثر . انه يشفق علي . نعم انه يشفق علي فقط ) .
حاولت دفعه عنها قائلة :
- لا حاجة الى بدء التمثيل منذ الآن . يكفينا ان نتقن ادوارنا امام راسل ووالدته . لست في حاجة الى الشفقة .
احتضن وجهها بين يديه وقال ضاحكا :
- دينا ... يا عزيزتي ... لم يكن احتضاني لك رأفة بك , او شفقة عليك . اردت فقط ان اسعد بقربك .
ضمها الى صدره ثانية وقال :
- اعتقد ان وقت عودتنا قد حان , فهيا بنا يا عزيزتي ... هيا .

7- إغاظة راسل , هكذا بدأت الحيلة ... وانتهت بحب انطوني . هل كانت دينا تريد ذلك ؟ لم يعد هذا هو السؤال . كل ماتعرفه انها بدأت تذوق شهد السعادة .



لم يكن انطوني مورغان من الذين يضيعون الوقت في ازقة الأيام . لذلك سأل دينا :
- ما الذي ستفعلينه في عطلة الأسبوع ؟ هل لديك مشاريع خاصة مع السيد ميلغروف ؟
- كنا ننوي السهر في مقر هواة الغناء الأبرالي , لكن راسل اعتذر لانشغاله .
- لماذا يتهرب من الظهور معك في الأماكن العامة ؟
- لأن ظهوري معه بلا رابط رسمي قد يحرجه . ماذا قلت يا سيد انطوني ؟
- قلت كفاك اختلاقا للأعذار , اذا كنت تحبين الأوبرا الى هذا الحد , فسأذهب معك الى السهرة .
- لست من عاشقات الأوبرا , لكن راسل مصر على انه فن ويغني العقول ويهذب النفوس .
- لماذا لم تصارحيه برأيك يا دينا ؟ ما كل هذا الخنوع ؟ أي نوع من المسرحيات تفضلين ؟
- اعشق مسرحيات شكسبير , خصوصا مسرحية عطيل .
- ليس على مسارحنا في الوقت الحاضر اية مسرحية لشكسبير,
لكننا نستطيع الذهاب الى مسرحية فكاهية اذا احببت , واؤكد لك انني لن اعتذر في اللحظة الأخيرة .
وافقت دينا على تلبية الدعوة , وتلقت من انطوني مكالمة هاتفية في تلك الليلة :
- اقترحت عمتي هيتي مشروعا وافقت عليه في الحال .
- لكنك تعطي الاقتراحات , ولا تتلقاها يا سيد انطوني .
- اسمعي يا عزيزتي . تتوق عمتي هيتي الى لقائكما , فلماذا لا تأتين مع خالتك لقضاء عطلة الأسبوع معنا في تانغاروا ؟ سأمر بكما صباح يوم السبت , هل تحبين ركوب الخيل ؟ عظيم ...بدأت امي تظهر مع ابي
- يا سيد انطوني ... اقصد طوني ... الست خائفا من الشائعات ؟
- قلت لك ان الشائعات لا ترهبني . بدأت امي تظهر مع ابي
بلا خوف منذ كانت موظفة في المؤسسة .
- لاشك في انها ظهرت مع ابيك بعد تأكدها من صدق نواياه . اما نحن , فقد اتفقنا على التمثيل فقط .
- تناسي الموضوع , وكوني جاهزة في التاسعة والنصف من صباح الغد .
وتحمست الخالة كيت للفكرة :
- سأتعرف الى افراد عائلة السيد براين مورغان , وازور الريف في آن واحد .
اشرقت شمس يوم السبت دافئة , حانية , وكان انطوني مورغان عند وعده . وخلال دقائق كان الثلاثة يتمتعون بمناظر الطريق الساحلي المؤدي الى تانغاروا . كانت السماء زرقاء صافية , والتلال تتسربل بردائها السندسي الرائع . اما مياه الخليج , فقد تحولت الى مرآة كبيرة , تعكس زرقة السماء بكل صفاتها . سلكت السيارة طريقا فرعية تؤدي الى المزرعة , فقالت دينا مبهورة الأنفاس :
- تبارك الخلاق في ما خلق . لوحات الهية ولا اروع , والبيت والمزرعة جزء لا يتجزأ من هذه اللوحات الخلابة .
- امتاز البيت بلونه الأبيض وسقفه المطلي بالقصدير البرتقالي . اما حديقته فاشتعلت بالورود ولأزهار على اختلاف اشكالها والوانها .


اوقف انطوني السيارة امام الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , فأسرعت سيدة صغيرة القد , قصيرة القامة , في العقد الخامس من عمرها , للترحيب بهم . قال انطوني :
- اقدم لكم عمتي هيتي , انسانة تعشق السرعة والخفة في كل ما تفعل . انتبهي يا عمتي ... انتبهي ... لا اريد رؤيتك تسقطين ارضا .
قالت السيدة :
- اهلا وسهلا بكم . ما اسعدني بقدومكم . واخيرا تشرفت بمعرفتك يا سيدة لفينغستون . اغبطك يا دينا على كونك احدى قريبات فنانة موهوبة , واشفق على طوني , لأنني لا اتقن في امور الدنيا الا فنون الطهي .
سارع انطوني الى التأكيد :
- الطهي وصنع المرطبات فن في ذاته يا عمتي . دينا هيا بنا لأريك غرفتك يا عزيزتي .
دخلا البيت . فصعد طوني الدرجات المؤدية الى غرف النوم , وتبعته دينا قائلة :
- لا ضرورة لاستعمال لفظ " عزيزتي " في مناداتي يا طوني , فنحن لسنا امام راسل ووالدته . فكر في عمتك ارجوك .
- ولماذا افكر فيها يا دينا ؟ ان طرق الحب لأبواب قلبي سيسعدها , لأنه يعني زواجي , ولرحيلي عن البيت , ويترك لها حرية استقدام شقيقة لها , تقيم حاليا في اوكلاند .
- سيحرمك رحيلك عن البيت من ربة منزل ممتازة .
ضحك انطوني وقال مغيرا مسار الحديث :
ستكون لك غرفتك الخاصة . انتبهي الى هذه العتبة .
وصلا الى جناح مؤلف من غرفتي نوم , تطل النافذتان فيهما على الخليج , وتفصل بينهما غرفة الاستحمام .
تأملت دينا غرفتها القديمة الطراز , وتاهت مع جمال الخليج , قبل ان تقول :
- قلبي يحدثني انها ستكون نهاية اسبوع رائعة يا طوني .
احاط انطوني كتفيها بذراعيه وهو يقول :
- ستكون كذلك بإذن الله ياعزيزتي .
- اشم رائحة قطعان الغنم .
- يكره كثير من الناس هذه الرائحة , ويتهربون منها .
- تحيرني رائحة عبقة اخرى من اعشاب المروج . كان يحلو لي دائما قطف بعضها والاحتفاظ بها في جيبي . اتعرفين ان على الطرف الآخر لهذه الهضبة غابة من اشجار الميموزا "السنط " , اطلق عليها الأولاد اسم غابة المسرة !
- عن أي اولاد تتكلم ؟
- اولاد اختي ميغان التي تقيم مع زوجها في مزرعة يملكانها على ضفاف بحيرة هيز , في منطقة اوتاغو . انها منطقة يسكنها الجمال , وخاصة الريف . اما في الشتاء فهي مركز للرياضيات الشتوية .
- وصفك للمكان رائع , قرأت الكثير عن اوتاغو , ولطالما تمنيت رؤيتها .
- سأحاول تحقيق امنياتك قريبا ان شاء الله , وآمل ان تكون المنطقة منبع وحي والهام لخالتك .
- قررت زيارة المنطقة واكتشافها مع خالتي , فلا تتعب نفسك يا طوني .
-
- ومن قال لك انني اتعب نفسي ؟ تذكري اننا هنا لاغاظة راسل , وعلينا ان نجتهد في تحقيق هدفنا . يجب ان نعود الى البيت , فقد رأيت بالقرب منه قنفذا في حفرة .
- وماذا تنوي ان تفعل ؟
- سأخرجه منها , وأبعده عن المنطقة .
اخرج انطوني القنفذ , ثم تحدى دينا :
- ما رايك بسباق في الجري نحو البيت ؟
قبلت دينا التحدي , لكنها توقفت في منتصف الطريق متقطعة الأنفاس , وراحت تتأمل ما حولها ما احلى عناق التلال للسهول . ما اجمل اصوات الحيوانات . انه الريف , رمز الخير والعطاء والحرية ) .
تناولا وجبة خفيفة في البيت , وغيرت دينا ثيابها قبل ان تركب جوادا وتدور مع انطوني في انحاء المزرعة . وهي تقوم بجولتها , التي تعرفت خلالها الى جميع افراد عائلة ايريني كاهيكا .
احسنت العائلة استقبالها , وتودد اليها والد ايريني بقوله :
- واخيرا , تعرفت الى الفتاة التي انست جاري العزيز نفسه .
رد انطوني :
- معك حق ... اولى بهذا القلب ان يخفق .
قال كلمته , وانطلق فارسا مقداما , يسابق الريح على صهوة جواده.
راقبته دينا اثناء عودتهما الى البيت : ( ان السيد انطوني يحب الأرض , ومحبوب بين اصحابها . يؤلمني ان ارى مثل هذا الانسان سجين جدران المكاتب والمؤسسات ) .
كان الغداء ينتظرهما في الحديقة , ولما انتهيا من تناوله , عرض انطوني على السيدتين مشاركتهما في مشاريعهما لفترة بعد الظهر , فأربك رفضهما دينا , لكن انطوني فسره بقوله :
- ان بقائهما وحدهما يساعد في تعميق جذور صداقتهما . اذا كنت تريدين حلب البقرة , فهيا بنا , لأن بيتر سيكون مشغولا الليلة في الاحتفال بعيد زواجه الأول .
احتجت عمته :
- لماذا لاترتاح قليلا يا طوني ؟ اتعرفين يا دينا انه امضى الليلة الماضية ساهرا على معالجة نعجة مريضة ؟
تذكرت دينا السهرة المقبلة فقالت :
- لا ضرورة لسهرة الليلة اذا كنت متعبا الى هذا الحد يا طوني , صدقني .
- دينا ... عزيزتي ... اهدئي . فما أطال النوم عمرا , ولا قصر في
الأعمار طول السهر .
- انني اعني ما اقول يا طوني .
- اعرف انك , لكنني مصر على الوفاء بوعدي , واعدك ان احلق شاربي حالما نعود . اعترفت دينا لي في أول اجتماع لنا بأنها تعتبر الشوارب علامة غرور عند الرجل يا عمتي .
خجلت دينا :

- رغم ماذا يا سيدتي ؟
اجابها انطوني :
- رغم انها ايضا غيرواثقة من حسن اختيارك .
حاولت دينا الدفاع عن راسل :
- قد تكون بعض تصرفاته خاطئة , لكن جل من لا يخطىء ...
قاطعها انطوني :
- كفي يا دينا . كفاك دفاعا عنه . ارجوك , اريد تناول عشائي بهدوء.
وشيئا فشيئا , تغير مجرى الحديث .
اختارت دينا للسهرة فستانا نحاسي اللون انيقا , زادها رونقا وجمالا . تأملها انطوني باعجاب :
- ما هذا الجمال , وهذا السحر يغمره الدلال ؟ سيحسدني الحاضرون الليلة على صحبتك .
- اشكرك على هذا الاطراء .
ليس اطراء , انها الحقيقة يا عزيزتي , واعتقد ان زهره الليلك الأبيض التي احضرتها ستتناسب تماما مع اشراقتك ... تعالي لنجرب .
عذبتها خفقات قلبها وهي تدخل غرفة انطوني البسيطة الأثاث . اوقفها امام المرآة , وعلق على صدرها الزهرة البيضاء , قبل ان يضمها اليه . استسلمت لأسر ذراعيه . ضاعت دقائق في غياهب صدره , ثم قالت له :
- اعذرني يا انطوني على ماقلته في شأن شاربيك , فأنت لاتعرف للغرور سبيلا .
- ولماذا تعتذرين يا دينا ؟
- لا اعرف ... لم اعد اعرف شيئا ... دعني اذهب , ارجوك .
- اتمنى ابقاءك بين ذراعي الى الأبد , لكن وقت المسرحية قد حان .
نزلت دينا الدرجات في اتجاه الباب الرئيسي : ( ماذا دهاني ؟ ما كل هذا الاستسلام ؟ انقلبت مشاعري واحاسيسي الى اعاصير اطاحت عروش الطمأنينة في نفسي ... لا سأكبح جماح عواطفي . سأعيد السيطرة عليها واستمتع بمسرحية الليلة مع رجل لن يعتذر في اللحظة الأخيرة ) .
كانا يستعدان لركوب السيارة عندما حمل النسيم الى اسماعهما انات الم , فصرخا بصوت واحد :
- ان فليك في حالة وضع .
توجها نحو الاسطبل , ليجداها هناك متعبة مرهقة . وبعد دقائق لحقت بهنا سيارة بيتر الذي قال :
- سنشرف انا وزوجتي عليها , فلا تقلقا .
اعترض انطوني :
- اذهب انت يا بيتر واحتفل بعيد زواجك , وسنبقى معها انا ودينا .
حاول بيتر مناقشته في الأمر , لكنه ترجع امام اصراره . تأمل انطوني دينا بعد رحيله :
- يؤسفني ان اعتذر انا ايضا في اللحظة الأخيرة يا دينا ... لكن هل يكفي الاعتذار ؟
اسعد دينا اهتمام انطوني بالحيوانات , فطمأنته :
- لا عليك يا انطوني , سأعود بعد تغيير ملابسي .
رجعت بعد دقائق لتقول له :
- عقمت العمة هيتي بعض قطارات العيون , لاطعام الجراء بعد ولادتهم .
- اثبت اعتذاري الليلة عدم اختلافي عن راسل .
- وضعنا يختلف تماما . صدقني .
- وكيف ذلك ؟
- لم يندم راسل يوما على تقصير في حقي , كما انه يقدم اعذارا واهية في الكثير من الاحيان . يخيل الي ان رعاية امه له احالته الى انسان اناني .
- انت نعمة اغبط راسل عليها , واتمنى ان تمنحك الأيام الفرصة لتصححي له مسار حياته .
- آلمتها برثن الأفكار : ( ماذا يحدث لي ؟ لماذا احس بكلماته وكأنها سهام حادة تمزقني ؟ غريب ... تكاد الكآبة تقتلني ) .
سلخها الواقع عن افكارها , فسألت انطوني :
- ماذا تفعل ؟
- ارتب القش على شكل مقعد , كي نرتاح في جلستنا .
مضت ساعتان قبل ان تضع فليك تسعة جراء صغيرة . صرخ انطوني :
- ماذا تفعلين يا دينا ؟
- يجب ان اساعد فليك في وضعها لبقية الجراء .
تمت عملية الوضع , وتركت فليك اثني عشر جروا جائعا , وراحت في سبات عميق . زارتهما العمة هيتي في الاسطبل :
- الا تستطيعان الآن شرب قدح من القهوة ؟
قال انطوني :
- اذهبي لشرب القهوة يا دينا , وسأبقى مع الجراء لأطعمها .
- لن اذهب وحدي .
- قالت العمة هيتي :
- سآتيكما بالطعام وقدحي القهوة الى هنا .
اعاد لهما الطعام بعضا من نشاطهما , فبقيا يطعمان الجراء , حتى استسلم انطوني لسلطان النوم .
سخرت دينا من نفسها : ( خفت من البقاء وحدي معه , لكنه تمسك بالأدب واللياقة ... ما اغباني . ينام على القش وكأنه فراش وثير . الاعجاب بهذا الرجل يسري في دمي . لا ... لا ...



انني معه لأثير غيرة راسل فقط ) .
مضت ساعة قبل ان تسمع دينا وقع اقدام تقترب من الاسطبلات : ( لا بد ان بيتر جاء للاطمئنان على فليك ) .


الساعة الآن 08:42 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية