منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t137379.html)

اعتمادات 05-03-10 11:13 PM

31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
http://www.hawahome.com/vb/nupload/1...1210451651.gif


حبيت اشارككم برواية من روايات قلوب عبير القديمة

الرواية: دخان
الكاتبة : أيسى سامرز



للأمانة الرواية منقولة مع كل الشكر والتقدير للى كتبتها

http://www.alhnuf.com/gallery/albums...0%28192%29.gif

أتمنى قراءة ممتعه للجميع

مس وااااااو 05-03-10 11:21 PM

بانتظاار الملخص....


وشكرا لك مقدما,,,



:8_4_134:

اعتمادات 05-03-10 11:29 PM

الملخص

:liilas::liilase::liilas::liilase:


" ما الحب إلا للحبيب الأول " هل هذا صحيح ؟ وعداوة الكنه والحماة ، هل هي حقيقة تاريخية أم مجرد خرافة ؟ مسافات طويلة قطعتها دينا لتتأكد من ذلك ، ولتعرف أن الأمثال أحيانا تكذب ، والخرافات ربما تكون صادقة .
رفض قلبها تصديق أن حبها الأول سيتحول كذبة . وأن عمرا بكامله ، مع حبيبها راسل ، سيلغى بلقاء .
وتعرفت إلى مديرها الجديد ، انطونيو مورغان الذي
تحوم حوله الشائعات ، وقررت الا تصدق وتختبره بنفسها حتى النهاية ، محافظة على المسافات اللازمة بينهما ... لترى جيدا قلبه. منتدى ليلاس
ورأت ... وقاومت ما استطاعت . ومن يستطيع مقاومة القلب ؟ الأمر في النهاية له . هو القائد . وهي الطائعة .



:8_4_134::8_4_134:
:8_4_134:

اعتمادات 06-03-10 02:39 AM

دخان

فتح راسل باب البيت أمام دينا : ( سينادي الآن امه وستأتي سيدة هذا البيت الكبير خافقة القلب ، سريعة الخطى لاستقبالي ) . لكن آمال دينا في استقبال حافل ذهبت إدراج الرياح ، واجتازت مع زوج المستقبل الردهة بصمت في اتجاه حجرة الاستقبال حيث كانت السيدة ميلغروف تنتظرهما . تأملت دينا السيدة الواقفة أمامها مليا : ( إن السيدة ميلغروف اكبر سنا مما توقعت ، ويبدو لي انها من السيدات المتمسكات بحبال التقاليد القديمة الموروثة . ورؤيتها تقف في جمود امام تلك الباقة الحلوة من الأزهار الربيعية ، اكبر دليل على صدق إحساسي ) .
خطت السيدة مليغروف نحو دينا فتبعثرت أفكار الفتاة ، ومدت لها يدها مصافحة . فلامست السيدة اطراف اصابع اليد المدودة بترفع قبل ان تقول :
- اهلا بك يا دينا .
فوجئت دينا بما لاحظته من تصرفات وما سمعته من كلام : ( ما هذه المقبلة الجافة وهذا الكلام المدروس ؟ آه . . . لابد ان السيدة متوترة الأعصاب . عني شيئا ، وهذه المرة الأولى التي تلقاني فيها . لا شك في ان مستقبلنا يقلقها بما يطويه بين جنباته من مجهول ) .
تخلصت دينا من افكارها ، وتبعت السيدة ميلغروف الى غرفة نوم خاصة بالضيوف ، حيث خلعت قبعتها ، ووقفت امام المرآة تصلح من هندامها ، في الوقت الذي كانت فيه السيدة مليغروف تزيح الستائر عن النوافذ تاركة اشعة الشمس تحتل الغرفة ، وتستوطن كل زاوية من زاواياها . حين اصطدمت الأشعة الفضية الدافئة بخصلات شعر دينا داعبتها ، وغرقت في خضمها مبرزة لونها الناري الرائع . فجأة ارتعدت دينا مثل ورقة صفراء داعبتها رياح الخريف ، عندما اشتبكت عيناها في المرآة بعيني السيدة مليغروف : ( يا الهي . . . ما بال نظرات حماتي تقطر كراهية وحقدا ؟ ساعدني يا رب على الخلاص من حراب نظراتها المؤلمة . . . لا . . . لا . . . لا يمكن . . . اني انسانة ذات خيال جامح بلا شك . لذلك بت اتصور اشياء غير صحيحة . ما اغباني . . . ) .
هربت دينا من افكارها ، واستدارت لتجدالسيدة مليغروف تعيد اسدال الستائر قائلة :
- ان اشعة الشمس محرقة في انيوزيلندا ، ومن الممكن ان تضر بالمفروشات اذا لم يلتزم الإنسان جانب الحذر .
- اصارحك انني وخالتي من عاشقات الاستمتاع بدفء اشعة اشمس في أي مكان وزمان . لذلك لايسعني الا التمني بألا تعود بالضرر على مفروشاتنا .
- انصحكما بارخاء الستائر اكثر ساعات النهار ، ان اردت ان تصبح امنيتك حقيقية .
- ان الخوف من اشعة الشمس الحارقة على البضائع المعروضة في واجهات المحلات التجارية هو السبب في بناء الشرفات امامها اذا.
في الأيام الأولى لوجوديهنا ، تصورت انها لحماية الزبائن من الأمطار ، لكنني لاحظت في ما بعد اختفاء القبعات السوداء المستديرة والمظلات الواقية .
- لكن ابني راسل يلبس قبعة في شكل دائم .
تقطعت عند هذا الحد اوصال الحديث بينهما في شكل اربك دينا : ( يا رب . . . يا قادر على كل شيء. . . اعني . فهذه هي المرة الأولى التي اشعر فيها انني عاجزة تماما عن الخوض في اية مواضيع مع انسان مثلي . صحيح انها المرة الأولى التي اقابل فيها والدة راسل ، لكنني اقسم بعضمتك وعزتك انها المرة الأولى التي اسأل فيها نفسي : ما الذي سنتكلم عنه فيما بعد ؟ وانت الأعلم بذات الصدور . لقد اقترب موعد تناول الغداء . ما من شك في ان تناولي طعام الغداء معهما سيريحني من اعباء كثيرة ، ويغطي الهوة القائمة بيني وبينها ؟ ما هي المواضيع التي يسعدها خوض غمارها يا ترى ؟ لا شك في ان تنسيق الأزهار واحد منها ، ثم هناك الكلام عن راسل . فلأبدأ با لأزهار ) .
قالت دينا للسيدة ميلغروف :
- ان موهبتك في تنسيق الأزهار واضحة يا سيدتي .
- لقد اخذت دروسا في اصول التنسيق لكي اتقنه . وبعد ذلك جعلت الورود جزءا لايتجزأ من حياة راسل .
- ما اجمل هذا .
اختطف التفكير في الورود والأزهار دينا من الواقع : ( انا ايضا احب الأزهار واهوى تنسيقها ) .
عندما اجتمع الثلاثة في حجرة الجلوس ، اكملت دينا حديثها عن الأزهار فقالت :
- ان رسم الورود يدخل ضمن اختصاصات خالتي الفنية .
- من الشيق ان نسمع بانسانة تتلاعب بالألوان .
- لكن خالتي لا تتلاعب بالألوان يا سيدتي ، انها فنانة تتقن الرسم وتعتبره قوام حياتها ، ولديها مرسم خاص بها .
قاطع راسل دينا فجأة ، وقال وقد وضح في صوته رنين الاعتذار :
- ان خالة دينا يا امي فنانة لاتؤمن بالفن التجريدي ، واعتقد انك ستعجبين بلوحاتها المستوحاة من صميم البيئة بكل سهولها ووديانها ، وبيوتها وشوارعها ، وحتى ورودها ورياحينها .
بعدما مضت دقائق حل الصمت فيها ثقيلا على الثلاثة ، لكن راسل حطم سلاسل السكون بقوله :
- رايت دينا اول مرة في معرض فني . . .
فأسكتته امه بقولها :
- اعرف . . . اعرف هذا كله يا بني .


تاهت دينا مع افكارها : ( لايا سيدتي ، لا اعتقد انك تعرفين الا القليل من روعة اللحظات التي امضيتها مع راسل بعد لقائنا ) .
ردتها السيدة مليغروف الى الواقع بقولها :
- اتمنى الا تكون فكرة الإنتظار ستة اشهر قبل اعلان أي ارتباط رسمي لك براسل قد ازعجتك . اعرف ان الشباب في ايامنا هذه لا يقيمون وزنا للوقت ، لكنني فخورة بأنني انتمي الى جيل يؤمن بالتعقل وينبذ الاستعجال .
- ان رسالتك التي وصلتني حاملة فكرة الانتظارلم تزعجني مطلقا
يا سيدتي ، كما انها نزلت بردا وسلاما على قلب خالتي التي تؤمن
بالتصرفات والقرارات الموزونة مثلك تماما . لذلك اصرت على ان تأتي معي ، وتتعرف الى راسل في وطنه وبين اهله .
ازعج كلام دينا السيدة مليغروف : ( ما شاء الله . . . ما شاء الله . . . الا يكفي اضاعة الوقت مع هذه الفتاة حتى اتحمل خالتها التي اتت الى هنا خصيصا لتتأكد من صلاحيات ابني وصفاته ؟ اكاد اجن . ماذا فعلت لأستحق هذا ؟ ) .
كسا الغضب صوت السيدة مليغروفوهي تقول :
- تأكدي يا آنسة ان راسل عريق الحسب اصيل النسب ، فأجداده معروفون في دنيا المصارف ، واولهم المرحوم فيليب لانغ الذي اقام مؤسسة للخدمات المصرفية في هذا البلد .
- لاداعي لأن تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا سيدة ميلغروف ، فانا اعرف هذا عن راسل . لكن خالتي لم تتعود الحكم على مظاهر الناس ، وتفضل دائما صقل البواطن والأعماق . وقد خيل ألي ان هذه الطريقة في معرفة أي انسان سوف ترضيك ، ولن تزعجك .
صوب راسل الى امه نظرات غامضة لم تفهم دينا ، لكنها سمعت
السيدة تقول :
- ومن قال انها تزعجني ؟ لكنني استغربت اتفاقي مع خالتك على المبدأ الواحد .
انصاعت
دينا لالحاح افكارها : ( عندما حططت الرحال في هذه البلاد ، سحرني لطف اهلها وطيبتهم ، حتى انني تمنيت لقاء والدة راسل في اسرع وقت ممكن ، متصورة انها لن تختلف عنهم . لكن صدق والدي ، حين اكد انه في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ، خصوصا في الحكم على الناس ) .
حان وقت الغداء ، فجلس الثلاثة حول مائدة حفلت بأطايب الطعام : ( من امستغرب ان تستطيع سيدة قادمة من رحلة طويلة كللها الحزن ، تحضير مثل هذه الأصناف الفاخرة . لماذا اشعر بكل هذا التوتر ؟ انتهى الغداء وقد ابت السيدة علي مساعدتها حتى في نقل الأطباق ، ووضعتها على طاولة متحركة قريبة . ربما فعلت ذلك لكسب الوقت وللتعرف علي اكثر ، لأن راسل سيعود الى المكتب في الثانية تماما) .
اكدت السيدة ميلغروف لابنها :
- ان عودتك الى المكتب ستفتح امامي مجال الانفراد بالآنسة دينا .
سارعت دينا الى القول :
- كنت اتمنى اطالة الزيارة اكثر يا سيدتي ، لكنني مرتبطة بموعد سابق مع رئيس الشركة التي ارجو ان اصبح من موظفيها .
ظهرت خيبة الأمل واضحة في صوت راسل وهو يقول :
- اليس من الأفضل لك استكشاف المدينة وضواحيها قبل البدء بأي
عمل ؟
- ان فرصة العمل في شركة براين مورغان واولاده للاقمشة فرصة ذهبية يا راسل . وقد اكد لي مؤسس الشركة براين ، عندما التقيته مع زوجته في كندا ، ان ابنه انطوني في حاجة ماسة الى سكرتيرة مثلي للعمل معه . لذلك ارسلت اوراقي اليه قبل يومين فحدد لي السيد انطوني اليوم موعدا للقائه .
صرخ راسل :
- يا الهي . . . لااستطيع ان اصدق انك ستعملين لدى . . .
قاطعته والدته :
- ان العمل مع انطوني براين مورغان شبه مستحيل ، فهو رجل لا اخلاقي ، ينقصه اللطف و اللباقة .
- يصعب علي تصديق ما تقولين ياسيدتي ، لأن والدي السيد انطوني تركا ابلغ الأثر في نفسي بعد لقائنا الأول .
- معك حق بالتأثر بالوالدين ، لكنه يختلف عنهما تماما .
خافت دينا : ( هل صحيح ما تقوله السيدة مليغروف عن انطوني براين مورغان ؟ ام ان في قولها بعض المبالغة ؟ الله وحده اعلم ) .
حاولت دينا ان تذكر السيدة ببعض صفات انطوني التي سمعتها من والده :
- اعتقد انك مخطئة يا سيدتي ، فأنطوني مورغان الذي اتكلم عنه انسان يعمل جاهدا في سبيل خير الشركة وموظفيها .
اكد لها راسل :
- ان امي محقة في كل ما تقول يا دينا ، وارجوك ان تنسي فكرة العمل مع براين مورغان .
- لماذا انساها يا راسل ؟ اذا كان هذا الانسان لا اخلاقيا كما تقولان ، فعملي معه لا يعني اطلاقا انني سأنحرف عن خط المثل والمبادىء التي نشأ ت عليها وارتضيتها لنفسي .
اشتعلت نار الغضب في عيني السيدة مليغروف :
- اعتبر قولك محاولة طعن صريحة بآرائي .
- انتظرت السيدة الغاضبة كلمة اعتذار ، لكن دينا لم تنطق بحرف واحد ، فتدخل راسل لانقاذ الموقف قائلا :
- يظهر انك لست على ما يرام اليوم يا دينا ، لذلك سأتصل بالسيد مورغان وابلغه انك عدلت عن الحضور لمقابلته ، واعد ان اساعدك قيبا في البحث عن عمل .
- لم اغير رأيي يا راسل . ما زلت مصرة على مقابلة السيد مورغان . اولا ، لأنني وعدت اهله بمقابلته ، ووعد الحر دين عليه . ثانيا ، انا في حاجة الى عمل شريف يؤمن لي مصاريفي خلال فترة اقامتي هنا ،لأنني اكره ان اكون عالة على احد . ثالثا، احس رغم كل ما سمعت ان السيد مورغان سيلزم حدود الأدب واللباقة معي ، واحساسي قلما يخطىء . لهذا كله ارجوك ان تتمنى لي التوفيق في مساعيي يا راسل .


فقالت السيدة مليغروف :
- بل ادعو الله لك بالاخفاق مع مثل هذا الرجل ، وذلك حرصا مني على مصلحتك .
شعرت دينا بغصة مفاجئة ، ولم تتمالك نفسها عن القول :
انا واثقة من خوفك على مصالحي يا سيدتي ، لكنني افضل اتخاذ قراراتي بنفسي .
تشعبت الأحاديث بعد ذلك وتغيرت مجاريها حتى حان موعد انصراف راسل ، فرافقته دينا الى السيارة حيث عانقها مودعا وقال : ارجوك يا دينا ، اعذري امي اذا كان بدر منها ما يزعجك .
لقد عانت الكثير منذ وفاة العمة ايفي .
- لاتقلقفي شأني يا راسل . الم تكن العمة ايفي صديقة عمرها ؟
يصعب على أي انسان فقدان صديق الطفولة .
- لم تكن العمة ايفي صديقة طفولة ، بل كانت شقيقة ابي . وكان من المفروض ان ارثها بعد وفاتها . لكن جرت الرياح بما لاتشتهي السفن ، وهذا ازعج امي .
- ماذا تعني يا راسل ؟
- لقد اوصت عمتي بكل ما تملك لشقيقتي روبن .
- وماذا في ذلك ؟ اليس المهم ا يبقى الارث في العائلة ؟
- نعم ... لكن امي تكره زوج اختي وتعتبره مبذرا كبيرا .
- ولماذا ؟ اهو رجل سيء الى هذا الحد ؟
- بريت زوج اختي كاتب يعشق الاسفار والتنقلات ولايعرف للاستقرار معنى . وروبين تحبه بجنون ، ويسرها ان ترافقه في اسفاره كلها . ويعيش الاثنان حاليا حياة الغجر ، ويتنقلان من مكان الى آخر دون كلل او ملل . اتعرفين انهما موجودان الآن في سوفا في جزيرة فيجي ؟
- ان حياة التنقل والسفر الدائم حياة مثالية بالنسبة الى كاتب اذا اراد ان يضفي على كتاباته لمسات واقعية .
- لكن امي من اللواتي تعتقدن ان اموال عمتي ستذهب هدرا ، اذا لم تستثمر في مجال العقارات اوالأراضي .
- تأكد ان استثمارها في مجال تأليف كتاب جديد ، تلذ قراءته للناس ، مشروع رابح ايضا .
ضحك راسل :
- تعجبني المثالية في تفكيرك يا عزيزتي . سأذهب الآن راجيا ان تعيدي النظر في قرارك الخاص بالعمل لدى مؤسسة براين مورغان . اعتذرت دينا :
- لن استطيع تنفيذ رغبتك هذه المرة ، مع الأسف يا حبيبي . فقد اعتدت الوفاء بوعودي ، ثم ان لدي الثقة بكفاءتي وقدرتي على القيام بأعباء الوظيفة التي تنتظرني . رافقتك السلامة يا راسل.
بقيت دينا وحدها مع السيدة مليغروف ما يقارب نصف الساعة ، امضتها في التعرف على البيت الكبير ، واستكشاف حديقته الغناء . وعندما اقترب موعد المقابلة ، طلبت سيارة اجرة ، ووقفت امام المرآة في غرفة النوم الخاصة بالضيوف تمشط شعرها . في تلك اللحظة سمعت السيدة تقول :
- اتعرفين يا دينا ان احدى صديقاتي كانت حمراء الشعر مثلك تماما ، لكنها استطاعت تغيير لونه باستعمال زيت الزيتون ؟ خانت الكلمات دينا : ( سمعت الكثير من الملاحظات حول جمال شعري وروعة لونه ، لكنني لم اسمع مثل هذا التلميح حوله من قبل . ماذا افعل ؟ هل تكفي ابتسامة ؟ ) .
ابتسمت دينا قائلة :
- ان تطبيق مثل هذه الوصفات مزعج بالنسبة لخالتي التي تهمها نظافة البيت قبل أي شيء آخر . اعتقد يا سيدتي انك لا تحبين الشعرالاحمر ، اليس كذلك ؟
- بلى يا عزيزتي ، بلى ، لكنني بصراحة اكره الفتيان ذوي الشعر الأحمر لأنه يكون مصحوبا عندهم بالغش والمكر والخبث .
سخرت دينا من السيدة بصمت : ( يظهر ان حماتي لاتريد احفادا بشعر احمر . كم اتمنى لو استطيع الضحك بصوت عال ، لكن يجب الا أنسى ان اضبط النفس من الفضائل ) .
جابهت دينا السيدة :
- لله في خلقه شؤون يا سيدتي . صدقيني ، لدي صديقة انجبت قبل فترة توأما من الذكور بشعر احمر ، مع انها وزوجها ذوو شعر اسود . على كل حال ، اعتقد ان وقت انصرافي قد حان . اشكرك على وجبة الغداء اللذيذة ، وعلى ما وهبتني اياه من وقت . واتمنى تشريفك لنا مع راسل في اقرب فرصة .
حملت دينا حقيبتها وهبطت الدرجات امام الباب الرئيسي ، متجهة نحو سيارة الجرة التي كانت تنتظرها .
استولت عليها في طريق العودة رغبة مجنونة بالتحدي : (بما ان حماتي لاتحب انطوني مورغان هذا ، فسأقبل الوظيفة عنده مهما
كانت شروطها ، وذلك ليقيني بأنني سأحب ما تكره) . 2- لقاؤها الأول بمديرها الشاب انطوني مورغان كان اشبه بالعاصفة . وبعد العاصفة الهدوء : السكرتيرة الجميلة ستمل لديه ، لدى الشاب الوسيم المغامر .


وقفت دينا وجها لوجه امام انطوني براين مورغان : ( استغرب رغبتي في الضحك ... ماذا دهاني ؟ آه ... ربما لأن الصورة التي رسمها خيالي للسيد مورغان تختلف تماما عما اراه امامي . انه رجل عريض المنكبين ، متوسط القامة ، شديد الجاذبية ، رسمت التجارب على وجهه خطوطا زادته رجولة . اما عينيه الزرقاوان فهما عالم قائم في ذاته ، عالم يختلط فيه الصفاء بالعمق ، والطيبة بالقوة . وترتاح عيناي اخيرا عند خصلات شعره التي اختطفت لون الرمال . لماذا اطيل النظر اليه هكذا ؟ يتملكني شعور فريد بأن المقابلة ستكون عاصفة ) .
وصدق حدس دينا ، اذ لم يمض على وجودها خمس دقائق في مكتب انطوني براين مورغان ، حتى بدأت موجة نقاشهما تعلو . حاولت السيطرة على جموح اعصابها وهي تؤكد له :
- لم افهم ما ترمي اليه مع الأسف يا سيدي .
- بل فهمت ما اعنيه تماما . لقد خدعني والدي يا آنسة ، وارسلك الي عوضا عن سكرتيرة بسيطة المظهر ، رزينة ، ناضجة . اذكر انه امتدح صفاتك ومؤهلاتك كثيرا ، لكنني اعتقد انه كان يرزح تحت ثقل تأثيرات معينة في ذلك الوقت . آسف يا آنسة بريتشارد . لا يمكنني استخدام شابة جميلة مثلك في مؤسستي .
عجزت دينا عن اطفاء نار غضبها ، فقالت له والشرر يتطاير من عينيها :
- لم يكن جمالي يوما عثرة في طريق نجاحي العملي . اما اذا كانت المقاييس تختلف في نيوزيلندا ، فالأفضل ان


ابحث عن أي عمل آخر ، بعيدا عن دنيا السكريتارية .
- انني لست في حاجة هنا الا الى سكرتيرة ، وافضلها جدية المظهر ، ومتفانية في عملها .
- يظهر انك تبحث في موظفاتك عما تفتقده في حياتك الخاصة .
- ماذا تعنين يا آنسة بريتشارد ؟
- انت تفهم ما اعنيه تماما ، لكنك تحاول التهرب من انك انسان سيء السمعة ، وتلوك الألسنة سيرتك في كل مكان .
كان الغضب يمضغ تقاطيع وجه انطوني مورغان وهو يقول :
-احذرك من الاستمرار يا آنسة برتشارد .
- كف عن تهديدي يا سيدي وافعل ما يحلو لك . كان من واجبي ان استمع الى نصيحة السيدة الجليلة التي حذرتني اليوم من مقابلتك لأنك انسان لا اخلاقي ، لكن رغبتي في الحفاظ على وعد قطعته لأبيك منعني من الاستجابة لطلبها ، وصممت على القدوم لأكتشف
مع الأسف انها على حق ... نعم كانت على حق في كل ما قالته عنك . اختفى صفاء عينيه وراء غيوم الغضب وهو يقول :
- انني ارفض توظيف السكرتيرات الجميلات يا آنسة ، لأنهن يأتين الى هنا واحلام اصطيادي كزوج تملك خيالهن . فاذا كانت مثل هذه الافكار تداعب راسك ، فأرجو تناسيها لأنني اعشق حريتي وحياة العزوبية .
جن جنون دينا :
- اذا كنت تعتقد انك فارس احلامي يا سيدي فأنت مخطىء ، لأنني اهرب من اصحاب القامات القصيرة ، المنتفخين كالطبل ، ذوي لأشقر المائل الى الحمرة امثالك . فاطمئن . اكمئن وقر عينا . يا الهي ... يا الهي ... ماذا زرعت حتى احصد هذا كله ؟
تهلكت دينا على مقعد قريب ، وتركت ذكريات صباح مضى تتلاحق امام ناظريها : ( استخفت والدة راسل بي ، والقتني الأقدار على درب رجل متوحش اسمه انطوني براين هدم بمعول رفضه صرح آمالي واحلامي بحياة عملية ناجحة ، دون اي رحمة او شفقة . ترى ، ماذا تخبىء الساعات المقبلة لمسكينة مثلي ؟ انني خائفة .
مضت دقائق قبل ان تعاود دينا الوقوف قائلة :
- اقسم بالله العظيم ، انه لولا اعادتي السيطرة على اعصابي يا سيد مورغان ، لقذفتك بما يهشم وجهك ، وينسيك السخافات التي نطق بها لسانك . مساء الخير .
خرجت دينا من حجرة المكتب مسرعة ، لتصطدم بوجوه الموظفين في الحجرة الخارجية . تأملته عينا موظف او اثنين ، لكنها لم تكن في حالة تسمح لها بأن تعير ايا من الموجودين انتباها : ( كفوا عن النظر الي . اريد ان اخرج من هنا ... ساعدني يا رب ).
تجاهلت دينا المصعد وهبطت الدرجات بسرعة : ( لن اركب المصعد لئلا اضطر الى شكر الموظف امسؤول عن سلامة الركاب فيه ، فأنا لا اريد مخاطبة احد العاملين في مؤسسة يديرها انطوني مورغان ).
عندما وصلت الى اقسام بيع القفازات والسلع الصغيرة والجوارب ،
اجتازتها بسرعة البرق : ( اريد ان اخرج من هذا المكان ، وبودي لو ابتعد عنه بأسرع وقت ).
بحثت في الشارع عن سيارة اجرة ، وركبت اول سيارة صادفتها قائلة :
- خذني الى منطقة بيل نوز من فضللك .
- لك ما تريدين يا آنسة .
وصل انطوني مورغان الى الشارع بعد ركوبها السيارة بثوان .
حاول اللحاق بها ، لكن اعصابها المتوترة منعتها من رؤيته ، وبدأت السيارة مسيرتها عبر الشوارع المؤدية الى منطقة سكناها .
كانت دينا في تلك الأثناء تسعى لاطفاء سعير الغضب الممزوج بالألم في داخلها : ( لن يكون لدي الوقت الكافي لاخفاء عذابي عن خالتي كيت . هل احدثها عن الصفعة الأليمة التي وجهها الي السيد مورغان ؟ لن تصدقني حتما ، وستعتبرني المسؤولة عما حدث ، لأنني لم اعالج الأمور بهدوء وروية . ساحكي لها كل شيء . كل شيء ... وبأدق التفاصيل . يا الهي ... ذكريات هذا النهار التعس تحاصرني من جديد . ماذا افعل ... ؟ ماذا افعل ... ؟ ) .
فجأة سمع السائق صوتها :
- قف لي عند المنعطف ارجوك . اريد ان امضي بعض الوقت في الغابة القريبة من هنا .
استولت الحيرة على السائق : ( غريب امر هذه الانسة . عندما استقلت السيارة امام المؤسسة ، خيل الي انها تهرب من شيء ما ، وهاهي الآن تطلب مني انزالها لتمضي بعض الوقت في الغابة ، اف ... حسبي الله ونعم الوكيل من زبائن هذه الأيام ) .
دفعت دينا الأجرة المترتبة عليها ، ومشت عبر تقاطع شارعين حتى وصلت الى الطريق الترابية المؤدية الى غابة خضراء صغيرة . مشت الهوينا ، ودخلت البقعة الزمردية التي لم تغتالها بعد فأس الانسان : ( هنا في حضن الطبيعة ، وفي ظل هذه الأشجار الباسقة ، سأنسى همومي ، واطفىء جمرات غضبي قبل ان اعود الى البيت )
مشت دينا على مهل بين الأشجار المتعانقة ، الوارفة الظلال ، وتغلصت من اثقال الهموم ولآلام . وهي تصغي الى نجوى الطيور على الأغصان . قادتها خطواتها البطيئة الى ممر مفروش بالحصى ، كان صلة وصل بين دغلين متشابهين للغابة الصغيرة التي عبرتها : ( سأكمل سيري ، واترك حنان الطبيعة يغمرني اكثر واكثر) .
لكن صوتا ينضح بالرجولة منعها من تنفيذ ما عزمت عليه :
- ان المكان مناسب جدا لتهدئة الأعصاب يا لآنسة بريتشارد .
افزعها الصوت ، فاستدارت على عجل لتفاجأ بأنطوني براين مورغان يقف على بعد خطوات منها :
- ماذا تفعل هنا بحق السماء ؟
- ركبت سيارة اجرة ، وجئت بحثا عن الراحة مثلك .
تعالت ضربات قلبها : ( لماذا يلاحقني ؟ لاشك في انه هنا ليكمل تعذيبي بسياط غضبه ) .
قرأ انطوني مورغان افكارها فطمأنها :
- لا تقلقي يا آنسة بريتشارد ، فأنا هنا لأعتذر .
- ومن قال لك اني قلقة ؟ ولماذا اقلق يا سيد مورغان ؟
ارتسمت على ثغره ابتسامة ساخرة وهو يقول :
- سؤال وجيه يا آنسة بريتشارد .

اعتمادات 06-03-10 02:45 AM

توقفت ديتا في منتصف الممر ، واستدارت لمواجهته ، فسألها :
- الى اين تريدين متابعة المسير ؟
اجابته ببرود :
- لا اعرف . ولا يهمني ان اعرف .
- ان توتر الأعصلب يناسب ذوات الشعر الأحمر ، وانا شخصيا افضلك غارقة في خضم الغضب ... لا ... لا... ارجوك لا تفقدي السيطرة على اعصابك مرة اخرى ، وتذكري اني هنا للاعتذار .
- وما الذي تنوي الاعتذار عنه ؟
- اعتذر عن عدم التزامي حدود اللياقة معك ، وعن انني اشعلت نار غضبك بكلامي وتصرفاتي .
- اما انا فلست آسفة على أي شيء قلته او فعلته ، لأنني اكره الرجل المغرور .
- لست مغرورا يا آنسة ، لكن التجارب التي مررت بها مع السكرتيرات السابقات علمتني ان اكون حذرا ، هذا كل ما في الأمر.
- نظرة واحدة اليك تكفي لفضح غرورك يا سيدي .
- كيف تصفينني بالغرور ، وقد اكدت لي قبل دقائق انني لن اكون يوما الرجل المثالي لأية فتاة ؟ اتذكرين ؟ انا ذو الشعر الأشقر المائل الى الحمرة ، القصير القامة ، المنتفخ كالطبل ! فكيف يمكن لرجل بمثل هذه الأوصاف ان يغتر بنفسه ؟ لماذا لاتجيبيني ؟
- قرأت يوما ان اصحاب الشوار يميلون الى الغرور .
ضحك انطوني مورغان ملء شدقيه قبل ان يمسك بذراعها ويقول :
- مارأيك في ان نكمل مناقشتنا اثناء السير ؟ منتدى ليلاس
اطاعته دينا لمسافة قصيرة ثم توقفت فجأة ، وانتزعت ذراعها من قبضته قائلة :
- ما الذي يحدث ؟ انت تصدر الأوامر وانا انفذها ؟ شيءغريب عجيب . اذا كنت قد اتيت لتعتذر ، فقد قبلت اعتذارك . يمكنك الآن ان تعود الى المدينة ، وتتركني اعود الى البيت ، وكأن شيئا لم يكن . اما والدك فتستطيع اخباره ان العمل في الشركة لم يرق لي .
لديك شخصية غريبة ... غريبة فعلا .
- اهدئي يا آنسة بريتشارد ، واسمحي لي بأن اعرض عليك الوظيفة مرة اخرى .
- يبدو لي انك فقدت عقلك . من المستحيل ان اعود للعمل معك .
- لماذا ترفضين فكرة العودة بهذا الشكل القاطع ؟
على الغضب في اعماق دينا :
- كيف تجرؤ على سؤالي ؟ حسنا اذا ... اليك الجواب . انا لا احب العمل مع الرجال امثالك . افضل ان يكون مديري رجلا جادا ، لبقا ، مهذبا ، ومتقدما في السن تماما مثل والدك . لقد اخطأت عندم تصورتك نسخة مصغرة عنه ، لكن جل من لا يخطىء .
- وكيف اكون نسخة عنه ، وانا ابنه بالتبني يا آنسة ؟
عقدت المفاجأة لسان دينا ، وتركتها مغمضة العينين ، ثقيلة الأنفاس ، تبحث بجنون عن مخرج من مأزقها : ( يا الهي ماذا فعلت ؟ كيف سمحت للغضب بأن يسيطر علي الى هذا الحد ؟ صحيح ان لسان الانسان سيف ذو حدين . لقد قسوت على هذا الانسان .
قسوت عليه دون وعي مني . لكني لم اكن اعلم . لم اكن اعلم يا سيد مورغان ... صدقني . اغفر لي يا رب ... اغفر لي قسوتي وجهلي ) . وانسابت دموع الندم من عيني دينا حارة مدرارة ، صادقة .
تأملها انطوني مورغان لحظات قبل ان يعطيها منديله قائلا :
- كفكفي دموعك يا آنسة . كفكفيها . اتصدقين انها المرة الأولى التي المح فيها دموعا لمجرد تصريحي بأنني لقيط ؟ تأكدي انني لااجد داعيا للدموع ، فأنا مع شقيقي وشقيقتي نعتبر انفسنا من اللقطاء المحظوظين بوالدين مثل براين مورغان وزوجته ، فقد احاطونا منذ الصغر بكل الرعاية والعطف والعناية . اتعرفين انني كنت احمر الشعر ، وذا وجه مليء بالنمش عندما تبنياني ؟
سألته دينا بصوت مختنق :
- ام تكن عظام ركبتيك بارزة ايضا ؟
ضحك انطوني مورغان قائلا :
- لا ... برزت عظام الركبتين فيما بعد . يا الهي ... الهاني الحديث عن الخوض في الموضوع الأساسي الذي انا هنا في صدده .
متى يمكنك البدء بالعمل ؟ هل تفضلين الانتظار حتى يوم الاثنين المقبل ؟
- اعذرني يا سيدي ، فأنا لم اعد اعي اقوالي بعدما حدث .
- لا اطلب سوى موافقتك علىان تصبحي سكرتيرتي . ان ما حدث بيننا خلال دقائق يشجعني على معرفتك اكثر .
- سأقبل الوظيفة شرط ان تبقى العلاقة بيننا علاقة عمل يا سيد مورغان .
عادت الابتسامة الساخرة الى شفتيه وهو يقول :
- لك ما شئت يا آنسة بريتشارد .
- واريدك ان تطمئن يا سيدي الى ان قلبي مشغول بحب انسان
رائع .
- عظيم ... عظيم ... اين الخاتم الذي يثبت ذلك ؟
- تأكد انني لم اخلعه للحصول على اوظيفة عندك . لكننا بعد اجتماعنا في لندن قررنا ، انا وحبيبي ، التريث لمدة ستة اشهر ، آتي خلالها الى هنا ، وامتحن قدراتي على معايشة المحيط النيوزلندي ، قبل اعلان أي ارتباط رمي بيننا ، وقد وافقت والدته وخالتي على قرارنا .
- لم اتوقع مثل هذا التروي والتعقل من انسانة ذات شعر احمر ، كانت هذا الصباح مثالا حيا للاندفاع ، وعدم القدرة على ضبط النفس . لكن ما شأني بطريقة ادارتك لدفة حياتك الخاصة ؟ اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب في مثل هذه المواضيع .
تاهت دينا في بحر عيني : ( سأثبت لك يا سيد مورغان انني انسانة مختلفة ، وسكرتيرة نا جحة ، وسأبذل اقصى الجهود لأغير انطباعك الأول عني . من اين لك ان تفهم يا سيدي ؟ من اين لك ان تفهم ان براكين الغضب التي تفجرت اليوم ماهي الا محاولة لكسر قيود اسمها الأمل بمستقبل باهر ، والرغبة في الاستقرار ، حاولت من خلالها




تنظيم حياتي ، لكن ... لا ... لا يمكنني ان انجرف مع هذا التيار من الأفكار . يجب ان انسى . عليان انسى ) .
وافقت دينا على تسلم الوظيفة ، فأطلعها انطوني مورغان على ساعات الدوام الرسمي ، وذكر لها الساعات الاضافية التي قد تضطرها للعمل في امسيات ايام الجمعة وعندما وصلا الى الطريق العام اسرعت دينا الى القول :
- اعتقد ان سيل مناقشاتنا يجب ان يتوقف ، وافضل ان اعود الى البيت وحدي . اشكر لك صحبتك .
- لايمكنني ان اتركك تجتازين الدغل بمفردك .
- لست طفلة صغيرة يا سيدي ، واصر على العودة وحدي .
- آه ... فهمت ، انت لاتريدين الظهور برفقة رجل لااخلاقي ، اليس هذا مانعتني به هذا الصباح ؟
- ارجوك دعنا نلتزم حدود المدير والموظفة ، وننسى ما حدث هذا الصباح .
- معك حق . اعتذر لكنني اصر على مرافقتك عبر الدغل .
تضايقت دينا : ( انك انسان ملحاح ، وتعرف كيف تصل الى ما تريد يا سيد انطوني . ليتني ما عرفتك ) .
رافقته حتى المنعطف ، ثم توقفت وقالت بعناد :
- اعتقد ان رؤية خالتي ترسم هناك على الشرفة ، اكبر داع للاطمئنان ، وانا لا اريدها ان ترانا سوية ، لأنني احب الفصل بين العملية والخاصة . لذلك كله ، ارجوك اذهب .
-لك ما تريدين يا آنسة بريتشارد . سأختفي من امامك في الحال ،
آملا ان نلتقي يوم الخميس في التاسعة صباحا . على فكرة ، انا من الذين يحبون المحافظة على على المواعيد . مع السلامة .
ردت دينا تحيته باقتضاب ، وسارت متجهة نحو البيت .
بقيت اصداء المقابلة تتردد في حنايا دين رغم اطلالة يوم جديد :
( ان جمر الكلمات التي احرقت بها انطوني مورغان البارحة ، كانت وسيلتي الوحيدة للتعبير عن ثورتي على حماتي ، ومن رفضي للطريقة التي عاملتني بها اثناء الزيارة ، وكأنها نسيت انني سأصبح قريبا زوجة لابنها ).
زارهم راسل مع والدته يوم الأربعاء ، ولاحظت دينا ان السيدة مليغروف كانت مثلا يحتذى بطيب معشرها طوال الزيارة : ( ان لطف حماتي ينثر في قلبي بذور الأمل بمستقبل مشرق مع راسل . لابد انه نبهها الى ضرورة تحسين معاملتها معي . لذلك ، ابدت اليوم اعجابها بخالتي وبالبيت الذي نسكنه . اما خالتي كيت فلم تشب تصرفاتها شائبة ، واظهرت كل الامتنان للسيدة مليغروف عندما وعدتها حماتي بتنسيق باقة من الورود البيضاء خصيصا لها لترسمها ) .
شكرت دينا خالتها بعد رحيل الضيفين :
- كنت مضيفة رائعة يا خالتي ، شكرا لك .
- لا شكر على واجب يا ابنتي . دينا . اتذكرين ذلك الكتاب الذي كانت بطلته لقيطة متبناة ؟
- نعم اذكره .
- هل تذكرين منه الفصل الذي اجتمعت فيه البطلة بانسانة تكرهها؟
- يصعب علي تذكر التفاصيل ، لماذا ؟
- ما زلت احفظ بعضا من وصفها لذلك الاجتماع ، واذكر احساسها بأن اروع الكلام بينهما كان يتحول الى جماد بمجرد التفوه به .
فهمت دينا ما تعنيه خالتها ، وقهقهت المرأتن ضاحكتين.
حاولت الخالة كيت بعد ذلك تناسي احساسها وقالت :
- قد تتغير نظرتي اليها اذا عرفتها اكثر ، لكنها في الحقيقة تختلف اختلافا تاما عن السيدة براين مورغان التي تركت في نفسي اطيب الأثرمنذ اللحظات الأولى للقائنا .
اشرقت شمس يوم الخميس ، ونزلت دينا لتناول الفطور مع خالتها بعدما ارتدت قميصا ابيض ، ولبست فوقه ثوبا اسود بلا اكمام .
استغربت خالتها :
- ما هذه الألوان القاتمة يا دينا ؟ انها لا تناسبك اطلاقا .
- لكنها تناسب مزاجي يا خالتي ، ثم ان الموظفة الجادة يجب ان تبتعد عن الألوان الفاقعة واملابس الملفتة للنظر .
- من الرائع ان يستيقظ الانسان على درس في الفلسفة . ما الذي حدث يا دينا ؟ اخبريني.
- عادت بي الذكريات الى المرة الأولى التي استلمت فيها وظيفة ، وتذكرت رعونة ابن المدير آنذاك .
- اتعنين ان ابن براين مورغان ارعن ، ولا يشبه اباه في شيء ؟ لا
يمكنني تصديق هذا .
- مديري الجديد لا يشبه اباه ، لأنه ابنه بالتبني .
- من قال لك هذا ؟ ابوه ؟ امه ؟ ثم لماذا لم تخبريني من قبل ؟
- صرح لي بذلك بنفسه .
- معنى هذا انه وثق بك ، واراد التقرب منك .
- ليس الأمر كما تتصورين يا خالتي ، لقد اخطأت ، وكان من نتائج خطأي ان صرح لي بذلك .
- وهل شعر بالندم في ما بعد ؟
- لا ... ابدا .
- ان بعض الآباء يحبون ابنائهم بالتبني حبا حقيقيا ، ويتفوقون في ذلك على الكثير من الآباء الحقيقين .
ضحكت دينا قائلة :
- اتمنى سماع رد والة راسل على مثل هذا الكلام .
- رغم انني لا اعرف السيد انطوني براين مورغان ، الا انه بدأ يعجبني . صدق من قال ان الأذن تعشق قبل القلب احيانا .
ازعج الكلام دينا :
- لن اسمح لك بدعوته الى بيتنا لمجرد اننا التقينا والديه في كندا يا خالتي .
- لكنني وعدتهما بزيارة ودية بعد عودتهما من رحلتهما السياحية .
- حتى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون .
- استحلفك بالله ... الست معجبة به ؟
- لا افضل امثاله من الرجال ، وقد قبلت الوظيفة عنده لئلا ابقى بلا عمل .
وفضلت الخالة الصمت منتدى ليلاس

اعتمادات 06-03-10 02:49 AM

امضت دينا يومها الأول تتعرف الى الموظفين المسؤلين عن تسيير المؤسسة ، وتزور مستودعاتها ، وتتنقل بين اقسلمها التجارية المختلفة ، بصحبة المدير العام السيد انطوني براين مورغان .
ارهبها حجم المؤسسة ، واقلقها تعدد اقسامها ، وكثرة موظفيها :
( ماذا ينتظرني بين طيات الغد ؟ لم اعتد العمل في مثل هذه المؤسسات الضخمة . اشتغلت لدى الكثير من المكاتب القانونية من قبل ، لكن اين اثرى من الثريا ؟ انني محاطة هنا بالناس ... بالضجيج ... بالحركة . اما مديري فقد تبين لي انه بين موظفيه مزيج رائع من الحزم واللطافة ، لا شك في انه يتقن فن التعامل مع الناس ، ويعرف اصول الاختلاط بهم . يا مجيب الدعوات ، اكتب لي النجاح في عملي وساعدني على المضي قدما الى الأمام ) .
اوقفها انطوني مورغان امام القسم الخاص ببيع الأدوات التجميلية قائلا :
- اقدم لك الآنسة كليو ديفيس المسؤولة عن قسم الأدوات التجميلية في مؤسستنا . انها انجليزية جميلة ، وآتية من ويلز مثلك يا آنسة دينا .
- اعتقد ان الأنسة دينا تجمع بين جمال الوجه ورجاحة العقل يا سيدي .
تأملت دينا الفتاة الواقفة امامها : ( سبحان الله . وجهها حلو التقاطيع . عيناها سوداوان تحرسهما اهداب طويلة داكنة ، ويتوج هذا كله شعر جميل اشقر . لكن كلامها ينذرني بقرب سير الحديث فيدروب لن ارضاها . لذلك ، علي ان اتدارك الأمر قبل فوات الأوان ) .
سألت دينا كليو :
- من أي جزء من مقاطعة ويلز اتيت يا آنسة ؟ هل تعيشين في البلاد من زمان ؟
- تركت ويلز عندما كنت تلميذة في المرحلة الأبتدائية ، واعتقد ان اللهجة المحلية الواضحة في كلامي اكبر دليل على عدد السنين التي عشتها هنا .
عندما قاربت الجولة على الانتهاء ، تلقت دينا وعدا من انطوني مورغان :
- لا تدعي ضخامة المؤسسة ترعبك ، سأعطيك قائمة بكل الأقسام والمستودعات فيها ، لتكون بين يديك عند الحاجة .
اثبتت دينا جدارتها ومقدرتها العملية في وقت قصير : ( كل شيء يسير على ما يرام . بدأت احب عملي ، وارتاح اليه، واتوق الى العمل الاضافي ايام الجمعة ، فهو يترك المجال مفتوحا امامي لشراء حاجياتي بهدوء وروية ) . توقفت عند القسم الخاص بأدوات التجميل ، وبدأت تنتقي ما تريد منها ، فنبهتها كليو :
- ان شراء حاجياتنا محظور علينا الا في ساعات معينة ، لأن من واجبنا تكريس اكثر اوقاتنا للزبائن .
- اشكرك على تنبيهي يا كليو ، فأنا لا اريد ازعاج احد بتصرفاتي .
اشرق وجه كليو بابتسامة حلوة :
- السيد انطوني محب للنظام ، لكن قد تكون هناك استثناءات خاصة بسكرتيرات المؤسسة ، فبتاعي ما تريدينه واكتشفيها .
حين عادت الى حجرة المكتب مثقلة بالأغراض ، فاجأها انطوني ورغان بوجوده . تأمل الأكياس في يدها ، فرمتها نظراته في جحيم الاحساس بالذنب . قال لها :
- نسيت ان اخبرك انه ...
- لاداعي لأن تتعب نفسك بالشرح يا سيدي . فقد اوضحت لي الآنسة ديفيس كل شيء . تأ كد انها ستكون المرة الأولى والأخيرة .
- دعيني اكمل ما اردت قوله يا آنسة دينا ، ان من حقك شراء ما تحتاجين اليه من بضائع المؤسسة بحسم عشرة في المئة . فإذا لم تحصلي اليوم على مثل هذا الحسم ،
فسأوقع لك اشعارا يثبت حقك بالتخفيض ، مثل اية موظفة هنا .
خجلت دينا من تسرعها .
- شكرا لك يا سيد انطوني .
- سأريحك الآن من وجودي ، راجيا ان تنهي مراجعة جميع التقارير المتراكمة امامك قبل اطلالة يوم الأثنين ، لأن وزير البلاط سيأتي يومها لزيارتنا .
راقبته وهو يغادر المكتب : ( قد يريحني رحيلك ، لكنه سيتعب الموظفين الآخرين الذين تحثهم على العمل المتواصل دائما ) .
خرجت دينا في الساعة التاسعة وعشر دقائق من مساء ذلك اليوم مع المدير ومجموعة من الموظفين ، لتجد راسل في انتظارها . تزايدت خفقات قلبها : ( ان وجود راسل في انتظاري سيعرضني لطعنات الأقاويل والشائعات ) .
تناهى الى اسماعها صوت انطوني مورغان :
- تصبحين على خير يا آنسة بريتشارد .
وفجأة حيى راسل بقوله :
- الحمدلله على سلامتك يا راسل ، انها المرة الأولى التي نجتمع فيها بعد عودتك من رحلتك . اتمنى ان تكون قد امضيت امتع الأوقات .
هل اتيت لشراء شيء ؟ يمكنني فتح المحلات ثانية من اجلك .
- لا داعي لذلك ، اشكرك . كنت انتظر خروج الآنسة بريتشارد . استمعت دينا الى الحديث الدائر بين الرجلين : ( اشعر بنظرات التحدي في عينيهما . لا ... لا... لقد اخذني الخيال بعيدا . لماذا لم يخبرني راسل بمعرفته بالمدير ؟ لو انه فعل لكان تقيمي للأمور قد اختلف .
دعاها انطوني مورغان الى الواقع بقوله :
- اهذا هو الرجل الذي اتيت من اجله الى ديارنا ؟ معذرة يا صديقي كنت اجهل معرفتك بسكرتيرتي .
سارع راسل الى القول :
- الآنسة بريتشارد موجودة هنا مع خالتها حبا بالاستكشاف ، ورغبة في الاستطلاع .
- لا ادري لماذا تصورت ان رياح الحب هي التي قذفت بسفينة الآنسة برتشارد نحو شواطئنا . على كل حال ، انزل


كلامك السكينة على قلبي ، فالآنسة دينا سكرتيرة ممتازة ، وتزعجني خسارتها .
ودعهما انطوني مورغان بعد ذلك وابتعد ، تاركا دينا وراسل يتقدمان نحو سيارتهما .
حاصرهما الصمت اثناء العودة فترة طويلة ، لكن دينا فكت الحصار متسائلة :
- لماذا اخفيت عني معرفتك بأ نطوني مورغان يا حبيبي ؟
- ولماذا اخبرك اننا كن معا في المرحلتين الاعدادية والثانوية ؟
- لأن اجتماعكما معا في مرحلتين دراسيتين كاملتين ، يعني انك تعرفه معرفة وثيقة .
- احسست بتوتر اعصابك يوم زيارتك لنا ، فلم ارغب في ارهاقك اكثر بمثل هذا الأحاديث .
عادت دينا الى ديار الصمت ، فتساءل راسل :
- لم الصمت يا عزيزتي ؟ الم اكن محقا في تصرفي ؟
- لا اعرف كيف اجيبك على مثل هذا السؤال ، لكنني اعترف بأن والدتك المصون كانت يومها السبب المباشر في توتر اعصابي ، بما حاولت ان تمليه علي من آراء .
انت تبالغين يا عزيزتي .
شعرت دينا بأن الهدوء سيختفي من حياتها : ( يا رب ... لا تتركني فريسة سهلة للغضب مرة اخرى . ان حفنة الأيام الرائعة التي امضيتها مع راسل في ويلز ستعود . يجب ان تعود ) .
سألته بمرارة :
- ما الذي يحدث بيننا يا راسل ؟ كنا مثالا رائعا للتفاهم والانسجام في كارديف ، فما الذي حدث ؟ لماذا يتملكي شعور مخيف بأن الأيام بدأت تتغير ؟
- لا ينقصك بعد هذا الكلام الا ذرف الدموع ، مصحوبة بالآهات . ما الداعي لكل هذا ؟ اعتقد ان محاولتك اعتياد اجوائنا هي التي تتلاعب باعصابك على هذا النحو السخيف .
- هل يعني هذا ان الحلم الرئع ، الذي عشته في ويلز ، مات على ارض الواقع هنا في نيوزيلندا يا راسل ؟
احاط راسل كتفها بذراعيه وقال محاولا التخفيف عنها :
- خففي عنك يا حبيبتي . خففي عنك . هذه الفترة الانتقالية وما يرافقها من احساسات فترة طبيعية ، سيمحوها قريبا استقرارك معي في بيتنا ، حيث سأحميك ، وأرعاك ، واكون لك خير الزوج والصديق . ما رايك في ان نذهب غدا الى المسرح ؟
- اتمنى ذلك ، فأنا اعشق حضور الحفلات الغنائية على المسرح .
- سنذهب غدا لحضور اوبرا مشهورة ، وسنستمتع معا بالموسيقى والغناء الأوبرالي ، فما رأيك ؟
فضلت دينا الاحتفاظ برأيها : ( انني لااطيق لا الموسيقى ولا الغناء الأبرالي ، ورغم ذلك سأسكت . لن اتفوه بكلمة ) .
اقتربا من البيت ، فسألت دينا راسل :
- الن تدخل لشرب قدح من القهوة معنا يا عزيزي ؟
- سأفعل يا غاليتي ، لكنني لن استطيع البقاء طويلا . يجب ان اكون خير معين لأمي ، حتى تتخطى عقبات هذه الفترة العصيبة من حياتها . تصوري انها لا تأوي الى فراشها ، الا بعد الاطمئنان على عودتي سالما الى البيت .
خانت الكلمات دينا ، فنزلت من السيارة ، وحاولت كبت مشاعرها باستنشاق هواء البحر النقي .
احست الخالة كيت بالتوتر الذي يباعد بين الاثنين ، فحاولت تخفيف وطأته بأحاديثها الشيقة ، لكن محاولاتها باءت بالاخفاق .
انهى راسل شرب قهوته ، ووقف مستعدا للانصراف ، فرافقته دينا حتى السيارة حيث صفعها بقوله :
- لن اطيل وداعنا يا عزيزتي ، فالوقت متأخر .
ردت دينا الصفعة بقولها :
- ومن قال لك انني اريد ان اكون جولييت يا روميو الزمان ؟
حاول راسل معانقتها , لكنها دفعته عنها بعصبية ، فدخل سيارته مسرعا , وابتعد عن البيت ,تاركا اياها مع الليل ونجومه , والربيع وازهاره , والشاطىء وانواره . فجأة احتل التفكير بأنطوني براين مورغان ساحة افكارها : ( لا بد ان السيد انطوني يقيم في احدى هذه البيوت الغافية على الشاطىء . لا ... لا ... راسل حبيبي لماذا ؟ لماذا ؟ اين انت ؟ اين انت لتجيبني يا اغلى الناس ؟ ) .
وشهدت نجوم الليل انسياب دمعتين حارتين من عيني دينا , كفكفتهما , واستسلمت لمداعبات النسيم العليل , قبل ان تعاود الدخول الى المنزل .
لاحظت دينا وجود كدمة حول عين مديرها صباح يوم الاثنين , لكنها خنقت رغبتها في السؤال , وحولت انظارها نحو النافذة , فقال لها انطوني مورغان :
- اعتقد انه من اللياقة بمكان ان تتساءل السكرتيرة عن سبب الكدمة حول عين رئيسها يا آنسة دينا .
- لكن كيفية قضائك عطلة نهاية الأسبوع لا تهمني يا سيدي , ثم انني اعتدت الفصل بين الحياتين العملية والخاصة .
- اعرف ذلك , لكنني تصورت ان يغلبك الفضول مثل غيرك من بنات جنسك .
- شهرت دينا سيف الصمت في وجه انطوني مورغان , وعادت للغرق بين اوراقها . احترم انطوني صمتها لحظات ثم قال :
- فهمت معنى صمتك . كنت قد نسيت انني في نظرك رجل لا اخلاقي , لذلك تورعت عن سؤالي عن الكدمة , مخافة ان يكون مسببها زوج نهشته الغيرة , عندما رآني اتودد الى زوجته , اليس كذلك ؟
- ماتقوله لايدخل دائرة اختصاصي يا سيدي ، لأن علاقتنا علاقة عمل رسمية يتوجها النظام .
- اعرف ذلك .
ارادت دينا الاستمرار في الكلام :
- لذلك يا سيد انطوني براين مورغان ...
فقاطعها :
- اسمحي لي ان امنعك عن الكلام , لأعترف لك انك سكرتيرة ممتازة , واطلب منك الغاء استعمال اسمي بالكامل من قاموسك العملي , والاكتفاء بمناداتي بالسيد انطوني كما يفعل باقي الموظفين.

- ولماذا يا سيد انطوني ؟


لأنك عندما تقولين يا سيد براين مورغان فكأنك تنادين ابي , وانا لااريد استعمال اسمه لمجرد انه اعتكف في بيته بعد سنين من الكفاح المرير .
دخل المشرف على موظفي المؤسسة في تلك اللحظة :
- صباح الخير يا سيدي . اهنئك على فوزك في مباراة البارحة لكرة القدم .
- الفضل في الفوز يعود للفريق بكامل افراده , وليس لي وحدي . لكن خروجي من المباراة بكدمة منعني من قضاء يوم مريح . احمد الله على وجود عمتي هيتي .
ضحك المشرف قائلا :
- لاتنس ان المصور سيأتي لتصويرك مع سعادة الوزير بعد ظهر اليوم . ستكون صورتك رائعة . وآثار الكدمة واضحة على وجهك .
بعد خروج المشرف سأل انطوني دينا :
- هل امضيت عطلة اسبوع مريحة ياآنسة بريتشارد ؟ وهل زرت الريف ؟
- شكرا لاهتمامك سيد مورغان ,
لقد وصلت مع خطيبي حتى منطقة لورانس الريفية , ورغبت في مشاهدة منطقة اوتاغو .
- لكن مناطق الجبال والبحيرات اجمل بكثير . على كل حال , ما يهمني الآن ان تكوني على اتم الاستعداد لنقل الملاحظات عن اجتماعي مع الوزير .
ابدت دينا استعدادها للعمل , ثم تركت ذكريات العطلة الاسبوعية تذبحها ببطء : ( بعد انتهاء حفلة الأوبرا , صارحت راسل برغبتي في قضاء عطلة الأسبوع معه مثل أي حبيبين . واتفقنا بالفعل على الذهاب الى الأماكن المقدسة في اليوم التالي , ثم استكشاف المناطق الريفية القريبة . وهكذا كان . امضينا معا ساعات حلوة في بداية اليوم لكن رحلتنا الى الريف اغتالت الفرحة في قلبي , لأنني اكتشفت ان راسل رجل يفتقد اللمسات الانسانية , عندما اصر على عدم انقاذ خروف لمحناه في مأزق على جانب الطريق . اذكر انني اجبرته على التوقف , وساعدت الحيوان المسكين بنفسي , فعنفني , واظهر اشمئزازه من رائحة يدي , ومن الطين الذي علق باطراف حذائي ... لماذا تصر على خدش مشاعري وجرح احاسيسي ؟ ليت ايامنا الماضية تعود يا راسل . ليتها تعود ).
اشتعلت الفترة الصباحية بالحياة والحركة , ودارت دينا في دوامة العمل المتواصل , الى ان سمعت انطوني مورغان يقول :
- يكفيك ما انجزت اليوم يا آنسة دينا . شكرا لك .
- سأطبع هذه التقارير قبل ذهابي الى الغداء .
- ليس لديك الوقت الكافي لانهائها .
- افضل انهاء ما بدأت من اعمال .
- سيحرمك ذلك من استراحة الغداء , لانني احتاج اليك هنا في الواحدة تماما .
- سأكتفي بتناول وجبة خفيفة هنا اذا .
- اندفاعك في العمل يثلج صدري يا آنسة . شكرا لك .
-لا شكر على واجب يا سيد انطوني , انني معتادة العمل المتواصل.
- احضري لنا وجبتين من وجبات مطعم المؤسسة من فضلك , وسأدرس هذه البنود حتى عودتك .
احاطت السعادة دينا بذراعيها : ( احب العمل , واحبذ الروتين العملي , وافضل اعتياد الأشياء والأشخاص . لكنني لم اتعود بعد تصرفات راسل وامه . لماذا ؟ ما هذا السؤال السخيف ؟ لم اقطع هذه المسافات كلها لأسأل نفسي مثل هذا السؤال التافه . اتيت الى هنا حبا بالمغامرة , وسعيا وراء اكتشاف كل جديد . جئت بحثا عن الحرية . فو جدت قيودا ثقيلة في انتظاري ) .
سألت دينا انطوني اثناء تناولهما الغداء :
- كيف تريد تنظيم ساعات العمل مع سيادة الوزير يا سيد انطوني ؟
- سأحتاج اليك لكتابة الملاحظات عن اجتماعنا , ولتقديم الشاي في وقت الراحة , اذا سمحت . سيستعين الوزير بالملاحظات في اجتماعاته المقبلة , لذا ارجو طباعتها في شكل جيد . اذا اصطدمت بأية صعوبات , يمكن للآنسة ايريني مساعدتك . اتعرفين انها من اهالي البلاد الأصليين , وتمت بصلة قربى لنائب البرلمان ؟
عادت صورة ايريني , بكل شموخها وكبريائها , تضيء ذاكرة دينا , فوجدت نفسها تسأل انطوني :
- لماذا لم تستعن بإيريني يا سيد انطوني ؟ انها ...
انها سكرتيرة ممتازة . لكنني عندما تلطخت سمعتي مع احدى السكرتيرات قبل سنتين , ابعدت ايريني عن مكتبي لأحمي سمعتها , فأنا اعرفها منذ كانت طفلة .
- تلك مثالية قل مثيلها في ايامنا , يا سيد انطوني .
واختطفها صدى كلماته الى التفكير : ( السيد انطوني رجل مثالي واخلاقي ومتواضع ... اما راسل فمغرور ومتكبر . صدق من قال ان التوضع من شيم الكرام . يا الهي . انني اقارن بين الرجلين . هذا خطأ خطأ ) .
ووصل الضيف المنتظر , فرحب انطوني مورغان به اجمل ترحيب , وعرفه على ايريني كاهيكا , قبل ان يدخله الى غرفة مكتبه .
بعد نصف ساعة , قرع انطوني الجرس , فدخلت دينا , وتعرفت على الوزير , واستعدت لمباشرة عملها . بدأت تنقل الملاحظات في هدوء , لكنها رفعت رأسها بعد دقائق عاقدة الجبين لاحظ انطوني مورغان عبوسها , فضحك قائلا :
- الآنسة دينا لا تعرف انني املك مزرعة كبيرة , بالاضافة الى كوني مدير مؤسسة لبيع الأقمشة , يا سيادة الوزير .
فقال الوزير :
- ان انطوني مورغان مزارع قبل ان يكون تاجرا يا آنسة , ومزرعته تساعد الحكومة كثيرا في مجالات التنمية الزراعية .
قال انطوني :
- اذا لم تفهمي معاني الاصطلاحات المستعملة , فسنستعين معا بالقاموس في ما بعد .
كان الوزير يعطي ملاحظاته , وهو يزرع الغرفة جيئة وذهابا . لم تستغرب دينا تحركاته : ( لا بد انه يتصور نفسه في حلقة انتخابية , لذلك يفكر بكلماته وينسقها , وقد وافق على الكثير من الجمل التي اقترحها السيد انطوني ) .
سأل الوزير انطوني :
- ما رايك في اني استعمل بعض العبارات من كتاب السيد مريدث بريتشارد ؟
تدخلت دينا :

اعتمادات 06-03-10 02:50 AM

من الأفضل لك يا سيدي الاستعانة بالنص الذي يشرح عملية تحويل الحليب الى لبن في الكتاب .
حملق الرجلان فيها قبل ان يؤكد الوزير :
- معك حق يا آنسة . فمجموعة المثقفين في الاجتماعات لن تتغاضى عن اخطائي . لكن كيف تذكرت النص الذي يمكن ان يساعدني ؟
- انني احفظ ما ورد في الكتاب عن ظهر قلب , بعد ان قمت بطباعته خمس مرات .
سألها انطوني :
- هل السيد ميريدث بريتشارد من اقربائك ؟
- انه والدي يا سيد انطوني , لكنني لم ارى ضرورة لذكر ذلك قبل الآن . افضل العودة الى العمل , فالوقت يتسرب من ايدينا .
لكن الوزير اصر على التعرف الى دينا اكثر :
- اتعرفين انه من دواعي سرور أي انسان ان يتعرف الى ابنة كاتب معروف مثل السيد ميريديث بريتشارد ؟ ان ذكر مصادفتي اياك والتعرف اليك , ضمن الخطاب الذي سألقية , سيضفي عليه لمحة انسانية .
احست دينا بالفرح يطل من عيني انطوني مورغان : ( السعادة الواضحة في عينيه تنسيني ما قاسيته من راسل وامه , منذ عرفتها ... لا ... علي ان اعود الى اوراقي , فوقت العمل يجب الا يهدر بمثل هذه التفاهات ) .
وحان وقت تقديم الشاي , فرجا انطوني مورغان دينا :
- احضري لنا اقداح الشاي من فضلك , وشاركينا في شربه حتى نستطيع اعادة المياه الأحاديث بيننا الى مجاريها .
سر الكلام دينا : ( ان خطوات الاجتماع تسير على ما يرام , وفي شكل مرض لم اكن اتوقعه , فألف حمد والف شكر لك يا رب ) .
اخذت دينا الأقداح من ايريني , وعبرت بها الباب
الأول فسألتها الفتاة :
- هل تستطيعين فتح الباب الثاني وحدك ؟
- اعرف انه باب متأرجح , لكن وجود مانعات الارتداد في الأسفل ستساعدني على ابقائه مفتوحا كي ادخل المكتب .
دفعت دينا الباب بكتفها , وضغطت على مانعة الارتداد في اسفله , قبل ان تتقدم نحو الرجلين اللذين وقفا يتحدثان في منتصف الغرفة . كانت قد تقدمت خطوتين , عندما سمعت صوتا غريبا ارتد بعده الباب الى ظهرها , ودفعها بخطوات متعثرة نحوهما .
تذكرت دينا اقداح الشاي التي تحملها , فصرخت :
- انتبها ...
حاول الرجلان تحاشيها , لكن دينا تعثرت بهما , فشرب الوزير الشاي من قمة راسه الى اخمص قدميه .
مرت ثوان قبل ان يدرك الثلاثة ما حدث , ثم نهضوا واعتذرت دينا من الوزير بقولها :
آمل الا اكون قد آذيتك بالشاي الساخن يا سيدي .
فأكد الوزير لها :
- انه ساخن فعلا يا آنسة .
كان انطوني مورغان , في تلك الأثناء , قد جلس في مقعد قريب من مكتبه , وراح يحاول تنظيف قميصه مما علق به من آثار الشاي .
حين استوى الوزير على قدميه , ابعد قميصه عن جلده قائلا :
- اعتقد ان جلدي لم يحترق .
تأمل الثلاثة بعضهم بعضا , وغرقوا في الضحك . عندما سمع الموظفون اصوات الارتطام , وتحطم الأقداح , اندفعوا الى الغرفة خائفين , فوجدوا الوزير يقهقه ضاحكا , بينما وقفت دينا تعتذر , والسيد انطوني يحاول الخلاص من الفوضى المحيطة به .
قال للآنسة كاهيكا :
- ارجو استبدال هذا الباب المتأرجح بآخر عادي في اسرع وقت . هل اصبت بأذى ياآنسة بريتشارد ؟
سخرت دينا من نفسها :
- لقد اصبت في كبريائي يا سيدي , لأنني اسقطت وزيرا على الأرض في اول لقاء لي معه ... تصور .
اجابها الوزير ضاحكا :
- سيزودني الحادث بقصة مسلية , سأرويها لأصدقائي بعد الاجتماع المقبل .
- وكيف ستحضر الاجتماع بمثل هذه البذلة يا سيدي ؟
سارع انطوني الى القول :
- سنتدبر من قسم الملابس الرجالية بذلة اخرى حالا.
شكره الوزير :
- لا تتعب نفسك يا انطوني , فأنا لم اعتد لبس الملابس الجاهزة .
الا نستطيع تنظيف بذلتي ؟
- بالطبع . سأرسلها مع الأنسة كاهيكا الى التنظيف في الحال .
وستلبس من محلاتنا ملابس مؤقتة اذا سمحت . ولآن , اين اقداح الشاي يا آنسة ؟ يا الهي , اتى المصور ... لقد نسيت امر موعده تماما .
فوجىء المصور بكدمة انطوني وحالة الوزير , فتساءل :
- هل لاحدكم ان يفسر لي ما يحدث هنا ؟
شرح انطوني الوضع بقوله :
- سبب الكدمة حول عيني مباراة في كرة القدم لعبتها يوم السبت . اما ما حدث للوزير فسببه باب متأرجح وثلاثة اقداح من الشاي .اتريد ان تلتقط لنا صورا , ام تفضل مشاركتنا شرب قدح من الشاي ؟ اطلبي قدحا اضافيا للسيد المصور يا آنسة بريتشارد .
عندما حانت ساعة الاغلاق , فرحت دينا لأنها كانت خجلى من لقاء انطوني مورغان بعدما حدث , لكن حناياها بقيت كأنها تردد:
- غدا القاك
ياخوف فؤادي من غد

- انها تتخبط في الظلام . الهوة تصبح اعمق فأعمق بينها وبين حبيبها وحماة المستقبل ... وانطوني مورغان ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج . ماذا عليها ان تفعل ؟
قررت الخالة كيت زيارة والدة راسل , حفاظا على المظاهر .
واثبتت خلال الزيارة انها مثل يحتذى في ضبط النفس , والحفاظ على هدوء الأعصاب , حين امتدحت لوحة لراسل رسمها وهو في المرحلة الابتدائية . لكنها اثنت صادقة على باقات الأزهار التي نسقتها والدة راسل احتفالا بقدومهما .
تلاحقت ساعات الأمسية هادئة , حلوة , فأشرق وجه راسل بابتسامة رضى اسعدت دينا , وتركت شعاع الفرح يضيء عينيها .
خاطبتها السيدة مليغروف :
- لابد انك امضيت امتع الاوقات يوم امس , بعد ان تعرفت الى وزير الزراعة .
- هل شاهدت الصورة في الصحيفة ؟
- نعم لمحتها في صحيفة الصباح , ان سيماء السكرتيرة الناجحة واضحة في وجهك يا عزيزتي .
تذكرت دينا ما حدث في ماض قريب , وكبتت رغبتها في الضحك : ( لا اريد حتى الابتسام , لأن خالتي قد تخبر الجميع بما حدث ليلة امس , لتؤكد لهم نجاحي في حقل السكرتارية . اما الصورة فقد التقطها المصور , بعدما استعاد الوزير بدلته نظيفة .
ووقف انطوني مورغان الى جانبه , في شكل اخفى الكدمة حول عينيه , وظهرت انا في الزاوية اليسرى منها ).
رفعت الصورة من شأن دينا عند السيدة مليغروف : ( يحق لي ان افخر بين الصديقات بأن الفتاة التي اعجب بها راسل تعرفت الى الوزير , وصارت تنقل عنه ملاحظاته ) .
تأملت دينا الأصناف على مائدة العشاء : ( تأبى الذكريات الا ان تعيدني الى الأيام التي كنا فيها , انا وشقيقي ديفيد , ندخل المطبخ مع اصدقائنا لتحضير طبق كبير من البيض المقلي مع الخالة كيت ... ما احلى ايامنا الماضية . اما هذا البيت فكل ما فيه ومن فيه يحكمهم التصنع . ها قد عدت للمقارنة بين الناس . هذا لايجوز ... لا يجوز ابدا ) .
تابعت دينا تناول طعامها بصمت , لكن سماعها مواء قطة انساها ما حولها , فاندفعت نحو الباب المؤدي الى الحديقة تفتحه , لتدخل قطة شقراء هزيلة , جائعة , اسرعت نحو الخالة كيت تتمسح بساقيها طلبا للطعام . اشفقت الخالة كيت عليها , وملأت دينا طبقها بالحليب , ووضعته امامها .
احتجت السيدة مليغروف على تصرفها , فاعتذرت الفتاة قائلة :
- اعذريني يا سيدتي . كان علي ان استأذنك في استعمال احد اطباق المائدة لاطعام القطة , لكني اشفقت عليها .
ردت السيدة مليغروف بعصبية :
- ان اطعام القطط المشردة لا يهمني , لأنها حيوانات نهمة .
استغربت دينا رد فعل السيدة :
- ظننت انك تحبين القطط , خصوصا بعد ان اتيت بواحد منهم الى هذا البيت , واسميته تيموثي .
- تيموثي قط اصيل .
داعبت دينا القطة قائلة :
- هذه القطة لاتنقصها الأصالة يا سيدتي .
استشاطت السيدة مليغروف غضبا :
- انك تتحدينني وتسفهي آرائي يا دينا .
- لم اقل ما يسيء اليك يا سيدتي . لكن والدي كان طبيبا بيطريا , وكنت مساعدته . لهذا اعرف الكثير عن طبائع الحيوانات وصفاتها.
- وهل شجعك هذا على ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) آرائي امام ابني وخالتك ؟ الحمد لله ان لا غرباء بيننا هذا المساء . راسل , ارم القطة خارجا .
سيطر التوتر على الأجواء , واحرقت نار الغضب دينا , فتركت مجلسها وامسكت بالقطة قائلة :
ارحموا من في الأرض , يرحمكم من في السماء يا سيدة مليغروف.
الا تلاحظين ان القطة مسكينة , هزيلة وجائعة ؟
حاول راسل ايجاد تسوية بين امه والفتاة التي يحب , فأحس بمخالب المحاولة تمزقه قبل ان يسأل دينا :
- ما رايك في ان نطعم القطة في الحديقة يا عزيزتي ؟ امي تحب الحيوانات الأليفة وترعاها , لكن ليس في استطاعتها ايواء جميع القطط التي تأتين من الحديقة .
نزلت دينا عند رغبته , وتركت خالتها وحيدة مع السيدة ميلغروف , التي تأففت بعد خروجهما قائلة :
- ان شراسة دينا وقلة لباقتها , دليل واضح على افتقارها الى رعاية الأم وتوجيهها .
استماتت الخالة كيت في الدفاع عن دينا :
- ارجوك كفي عن هذا الكلام يا سيدة ميلغروف . دينا فتاة طيبة , رقيقة , كانت تحلم بأن تصبح طبيبة بيطرية لشدة تعلقها بالحيوانات , لكن والدها نصحها بدراسة السكريتارية , فعملت بنصيحته . واذا كانت قد ابدت رأيها في قول او تصرف , فهذا لايعني انها اخلت بالأدب , لا سمح الله .
- انني من المحافظات اللواتي يفضلن احترام المتقدمين في السن اثناء الكلام .
- كلام سليم . لكنني احبذ الحرية في ابداء الرأي .
- ماذا تقصدين يا سيدة ليفنغستون ؟
- اقصد ان دينا تملك شحنة عارمة من الصدق والصراحة , واكره ان تفقدها تحت ضغط أية ظروف . انها فتاة رصينة , جادة تهمها سعادة الآخرين , لذلك ارجوا ان ترحميها من سموم انتقاداتك .
احست السيدة ميلغروف بالثورة تشتعل في اعماقها , فقالت :
- لا يهمني سوى مستقبل ابني يا سيدة ليفنغستون .
- وماذا يخبىء له المستقبل يا ترى ؟ منصب مستشار الملكة مثلا ؟
- اتمنى ذلك من كل قلبي , وأرى ان تتدرب دينا منذ الآن على كبح جماح رغباتها , والسيطرة على اعصابها , اذا ارادت النجاح في حياتها الزوجية المقبلة .
ضحكت الخالة كيت :
- انك تطلبين المستحيل يا سيدة ميلغروف .


تحولت السيدة ميلغروف في لحظات الى بركان ثائر , وراحت تنفث حممها في وجه الخالة كيت :
- اذا كان الأمر كذلك , فأرجو الله ان تكون دينا نزوة عابرة اخرى من النزوات الكثيرة في حياة ابني .
- لا شك في ان امنيتك صادقة .
كانت دينا في الحديقة , تطعم القطة مع راسل حين قالت له :
- لا داعي لهذا الاشمئزاز يا عزيزي , انك تشبع قطة جائعة فقط . يظهر انك كأمك لا تحب الحيوانات . اسمح لي ان اصارحك بأنني سأربي اولادنا على حب الحيوانات , والتعلق بهم .
امسك راسل بذراعها قائلا:
- اسمعي يا دينا انني احب الحيوانات الجميلة , وهذه القطة مثال حي للقباحة . انظري الى فرائها المتعدد الألوان . تأكدي انني سأغرس بذور حب الحيوانات الجميلة في نفوس اولادي ...
قاطعته دينا :
- ان ما يهمك هو اصالة الحيوان , وليس جماله كما تدعي . انك لا تشفق على حيوان جائع , جريح او مريض , اذا لم يكن اصيلا . وهذا مؤلم ... مؤلم جدا .
حاول راسل التهرب من الموقف بالبقاء النكات , ثم قال :
- ما رايك في ان نشبع القطة , ثم نتركها تذهب في حال سبيلها ؟
- لا ... سآخذها معي الى البيت .
- كما تريدين يا حبيبتي ... كما تريدين .
استطاع راسل ازالة التوتر العالق في الأجواء بعد ذلك , ثم قال لوالدته :
- سأعيد السيدة ليفنغستون ودينا الى منزلهما , اذا سمحت . لقد صممت دينا العزيزة على الاحتفاظ بالقطة , وستأخذها معها الى البيت .
اجبر كلام راسل دينا على التفكير : ( تعجبني طريقته في معالجة الأمور احيانا , لكن والدته لا تزال متوترة الأعصاب ) .
عادتا الى البيت , ومعهما القطة التي راحت تدور سعيدة بين الغرف . وحين رتبتا لها مكانا للنوم , صارحت دينا خالتها :
- اشعر انني اتخبط في ظلام دامس يا خالتي . ساعديني . ارجوك سا عديني .
- تصعب علي مساعدتك يا ابنتي . ان طريق الزواج طويل , مليء بالعقبات , مفروش بالعثرات . فحاولي التغلب عليها بمفردك .
استنجدت دينا بأفكارها : ( ان خالتي محقة في ما تقول . فالعقبات كثيرة , ويجب ان اتغلب عليها وحدي .


لكن لماذا لم استطع ان احب حماتي بالسرعة التي احببت فيها السيدة مورغان ؟ يا الهي , ما الذي اوصلني الى التفكير بوالدة انطوني مورغان ؟ انه ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج , واذا فكر في خوض خضمه , فسينتقي فتاة يلفها المال بأرديته .
وصلت دينا الى مقر عملها في صباح اليوم التالي , في الوقت الذي وصل فيه انطوني مورغان , فوجدت بعض العمال يغيرون اللافتة التي تحمل اسم المؤسسة , فاستغربت وتساءلت :
- ما الذي يفعله هؤلاء العمال يا سيد انطوني ؟
- انهم يحولون كلمة"ابناء" على اللافتة الى كلمة " ابن ".
- وهل لي ان اسألك لماذا يفعلون ذلك يا سيدي ؟
سكن الألم عينيه وهو يقول :
- لأن اخي اوين , الذي كان قلب هذه المؤسسة النابض توفي قبل سنتين , وبقي ابي يؤجل عملية تغيير اللافتة طوال الفترة الماضية ,
ففكرت ان اقوم انا بالعملية اثناء غيابه , لعلي اجنبه لسعات الألم , ولدغات الحزن والذكريات .
- قلت ان اخاك كان قلب المؤسسة النابض , لكنني اؤكد لك يا سيدي انك تدير المؤسسة بشكل ناجح جدا .
- قد يكون الأمر كذلك , لكنني في اعماقي انسان محب لافتراش الأرض , والتحاف السماء . انسان عاشق للطبيعة .

5- عمل اضافي اضطرت دينا للبقاء في المؤسسة لانجازه لاغية موعدها مع راسل . وعندما جاء الأخير مساء لاصطحابها , كانت قد خطفتها سيارة المدير .


" ان الله يحب اذاعمل احدكم عملا ان يتقنه " . اتخذت دينا هذا المبدأ نبراسا اضاءت به درب حياتها العملية , وتذوقت طعم الاستقرار , وتعلمت كيف تتمسك بتلابيب الحذر في تعاملها مع والدة راسل .
اكدت دينا للسيدة ميلغروف يوما :
- اثبت لي العمل مع السيد مورغان انه ماهر في الفصل بين حياته العملية والخاصة , ويعرف كيف يفرض احترامه على الموظفين .
- لم يكن كذلك قبل سنتين , عندما غرر بسكرتيرته المسكينة .
صحيح ان الفضيحة خنقت في المهد , واخفيت آثارها بعد تدخل والده شخصيا , لكن انصياع انطوني لأوامر ابيه لم يكن الا طمعا بالأموال التي تنتظره بعد وفاته .
لم تكن دينا تعرف حقائق القصة في شكل يمكنها من الدفاع عن مديرها ضد الهجوم الشرس , لذلك فضلت الإحتماء بالصمت : ( لا اعرف عن انطوني مورغان الا انه انسان لطيف , محبوب من موظفيه , يمزج بين المرح والجد , يلهث وراء النظام في كل مايفعل ) .
لم تستطع دينا منع نفسها من القول :
- لكنه يحترمني ويحسن معاملتي يا سيدتي .
قاطعتها السيدة ميلغروف , وادارت دفة الحديث نحو مواضيع اخرى .
في صباح اليوم الثاني , اوصى انطوني مورغان المسؤولة عن الرعاية الاجتماعية باحدى الموظفات . سمعته دينا

اعتمادات 06-03-10 02:51 AM

مصادفة يقول :
- ان الآنسة فانشو موظفة ممتازة , وتستحق منا العون كله . تبيني اوضاعها المادية والاجتماعية , ولا تبخلي عليها بالمساعدة , على ان يبقى هذا سرا مخفيا عن جميع الموظفين.
لم تستطع دينا محو صدق كلمات انطوني مورغان من حناياها بسهولة , وظل عقلها يردد : ( ان انطوني مورغان طيب . معطاء . انسان ... ) .
غاب راسل عن دينا بضعة ايام , لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة حياتها الاجتماعية التي بدات تستقطب الكثير من الأصدقاء , واولهم كليو ووالدتها .
كانت كليو فتاة متفائلة , طيبة القلب , صارحت دينا يوما بقولها :
- اتعرفين انني مستعدة للموت تحت اقدام انطوني مورغان ؟ صدقيني . لكن ما الفائدة ما دام لا يعيرني أي اهتمام ؟ على فكرة , طالت غيبة راسل هذه الفترة , لماذا لم نعد نراه كثيرا ؟ حافظي عليه , فهو رجل وسيم .
- عمله هو الذي اختطفه مني , فلا تخافي .
بعد عودة انطوني مورغان , طلب من دينا البقاء مساء يوم الجمعة لانجاز بعض الأعمال الاضافية . تذكرت الفتاة ارتباطها بموعد مسبق مع راسل الذي لم تره منذ خمسة ايام , فحاولت الاعتذار :
- آسفة يا سيد انطوني , لدي ارتباطات سابقة مع السيد ميلغروف , فهل يمكنك تأجيل الساعات الاضافية الى مساء الغد ؟
- من الأفضل لك الاعتذار عن موعدك هذا المساء .
- معذرة . لم افهم ما تعنيه .
- بل تفهمين تماما . يحسن بك الغاء موعدك الليلة . لماذا لا تصرخين : من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ؟
- ارجوك يا سيدي . ارجوك .
ضحك انطوني مورغان وقال :
- انك تحاولين التمسك بفكرة الموظفة والمدير , ولو كان على حساب اعصابك , ومشاعرك , واحاسيسك , اليس كذلك يا آنسة بريتشارد ؟ دعيني اذا اخبرك انه يسرني الاكتشاف بأنك لم تفقدي بعد شفافيتك ورهافة حسك , لأن ملازمة راسل وامه مقبرة لكل الأحاسيس , وخنجر مغروس في ضلوع المشاعر , وأرجو ان تتذكري يا آنسة انه الغى موعدين معك في الأسبوع الماضي .
- اعتتذر لكثرة اشغاله . هل تحرضني الآن على الاعتذار للسبب نفسه ؟
- طلبت منك تناسي موعدك , لأنني اعرف حبك لعملك , وتف( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) فيه .
- انني محبة لعملي فعلا , لكن ... لا بأس ... لا بأس . لك ما تريد يا سيد انطوني .
رفعت دينا سماعة الهاتف , ولا حظ انطوني انها تدير القرص بأصابع مرتجفة , فقال لها :
- لا اريد ارغامك على ما تكرهين يا آنسة , لكن اسلوبك في معاملة راسل سيعود عليك بنتائج عكسية , صدقيني . يجب ان تكوني الهدف الذي عليه ان يتعب للوصول اليه .
- رغم معرفتي بعمق خبرتك في شؤون القلوب يا سيدي , الا انني اجد نفسي مضطرة لرفض العمل بنصيحتك , فأنا لا اؤمن بهذه الأساليب في معاملة الرجال .
- لم اتوقع مثل هذه الرزانة من صاحبة شعر احمر .
- اكملت دينا طلب الرقم , وعندما سمعت صوت راسل حيته :
- مرحبا راسل ... انا دينا ... انني مضطرة للعمل ساعات اضافية مع السيد مورغان . لذلك اعتذر عن الذهاب معك ... لا ... الأعمال كثيرة , ولا يمكنني رفض طلب المدير , بعدما سمعك تعتذر مرتين في الأسبوع الفائت بسبب اشغالك المتراكمة ... اذهب الليلة مع اصدقائك , وسنلتقي في يوم آخر ان شاء الله ... ارجوك يا راسل تفهم موقفي ... واعذرني ... مع السلامة .
- اعادت دينا السماعة الى مكانها , فشجعها انطوني :
- عظيم . لا بد ان اعتذارك ازعجه .
- لقد ازعجه فعلا ... افضل العودة الى العمل .
علا رنين الهاتف , فأجابت دينا , ثم قالت لمديرها :
- ممثل احدى الشركات الكبرى للأقمشة يطلب مقابلتك يا سيدي .
- دعيه يدخل , وخذي هذه القائمة الى قسم المحفوظات للتدقيق من فضلك .
اتخذت دينا طريقها الى قسم المحفوظات , فصادفتها كليو في منتصف الطريق :
اهلا كليو , ما رايك في تناول قدح من الشاي بعد الانتهاء من الساعات الاضافية ؟
- يسرني ذلك يا عزيزتي ... لكن , ماذا حدث لموعدك مع راسل؟
- اضطررت لالغائه بعدما طلب مني السيد مورغان مساعدته في تسيير بعض الأعمال .
- استغرب ان تفضلي العمل على راسل ... هل انطفأ بريق الحب في قلبك ؟
- لا , اطعت أوامر مديري فقط .
- السيد انطوني لا يصدر الأوامر . انه يطلب بلطف , لذلك نسعى جاهدين لخدمته . هل يعجبك السيد انطوني يا دينا ؟
- ارجوك يا كلير , لقد اعتدت الفصل بين حياتي العملية ومشاعري الشخصية , بعد التجربة القاسية التي مررت بها وانا اخطو أولى خطواتي على درب العمل .
- تأكدي ان السيد انطوني ليس ذئبا بشريا . على كل حال لكل انسان طريقته في التفكير وتصريف الأمور , واعتقد ان وجود فتاة مثلك يناسبه . لأنه بعد ما قاساه من سكرتيرته السابقة , اثبت لنا في اكثر من مناسبة , ومع اكثر من موظفة . انه آدم الهارب من حواء .
انصرفت كليو تاركة دينا بين براثن الأفكار : ( لم يلم احد من الموظفين انطوني مورغان على ما حدث في الماضي . يظهر ان الفتاة ارادت دفعه الى هاوية الزواج , فارتد كيدها الى نحرها . اعرف ان التجارب بوتقة تصهر الأنسان , لكنها كانت سيفا قاطعا أضعف السيد مورغان , واجتث جذور ثقته بمن حوله .
يا الهي انقذني من افكاري , فأنا لا اريد التدخل في ما لا يعنيني )
زادت ساعات العمل الاضافي في يقين دينا من ان السيد انطوني متواضع مع الموظفين , وناجح في ادارة اعمال المؤسسة . ارادت نسيان نفسها في احضان العمل الهادىء المتواصل , لكن التفكير براسل وامه كان يجبرها على العودة للواقع مكرهة : ( عندما احلم بزيارة معرض فني مع راسل , اتمنى بعدها لكلينا جلسة هادئة امام المدفأة ,


ننصت لزغاريد نارها , ونستمع لنجوى قلبينا . لكن هيهات ... كيف تتحقق اماني واحلامي بوجود والدته التي تلازمه كظله ؟ أغبط روبن على خلاصها من قيود والدتها . ان السيدة ميلغروف بقيت وحدها في حياة راسل بعد وفاة زوجها , لكنها تدفن ابنها برمال رعايتها , وعنايتها , ورغبتها في حمايته ... حان وقت الانصراف . سأعود الى البيت , وارتاح بشرب قدح من الشاي الساخن قبل ان آوي الى فراشي . لن اترك اعصار الشكوك , الذي أثاره انطوني مورغان في داخلي , يحرمني لذة النوم . هل يتعمد راسل اهمالي ؟ لا ... لا ... انه يعمل بجد . وعلي ان اثبت ان وراء كل رجل عظيم امراة . اشعر انه لم يعد متشوقا للقائي . اصبح العمل هاجسه الوحيد )
حاولت دينا قطع دابر افكارها بالغوص من جديد , لكن انطوني مورغان منعها بقوله :
- يكفينا ما انجزنا اليوم ياآنسة .
- ثم علا صوته مخاطبا باقي الموظفين :
- ايها الآنسات والسادة , حان الآن وقت الانصراف . تأكدي يا ساندي من حسن اقفال المحلات قبل الانصراف من فضلك . سأوصل الآنسة بريتشارد الى البيت .
استغرب الموظفون تصريحه , واتجهت انظارهم الى دينا التي اشاحت بوجهها عنهم , حتى سمعته يقول :
- احضري معطفك وقبعتك لنغادر المكان يا آنسة بريتشارد .
وذهب لتصريف بعض اموره , تاركا اياها مع كليو :
- اؤكد لك انك من المحظوظات يا عزيزتي .
ارتبكت دينا :
- تصبحون على خير ... تصبحون على خير جميعا .
تسارعت ضربات قلبها وهي تتجه نحو المكتب . اخذت معطفها والقبعة , واستعدت للخروج ثانية , لكن انفتاح باب الحجرة الملاصقة سمرها مكانها :
- العجلة من الشيطان , والتأني من الرحمن يا آنسة بريتشارد .
واجهته بقولها :
- لم اعد افهم تصرفاتك يا سيد انطوني , لماذا لا تعاملني مثل بقية الموظفين ؟ أنا ...
- انت تخافين من سمعتي وماضي الملطخين , اليس كذلك ؟
- بصراحة ... نعم . وافضل الا اختلف عن زملائي في شيء .
- لماذا يا آنسة ؟
- لأن الماضي لسعني بسياط تجربة قاسية , كان بطلها ابن مدير أول شركة عملت فيها .
- ما المسه فيك من صراحة وجدية هما بقاياها , اليس كذلك ؟
- ليس هذا ما اعنيه يا سيدي . تركت عملي في الشركة يومها بعدما خيل للمدير انني احاول ايقاع ابنه في حبائلي . كان ابنه يافعا . سخيفا . تنقصه الجاذبية ...
- وانت تحبين الانسان الذي انضجته نار التجربة .
- افضل النضوج على الاحتراق يا سيدي .
ضحك انطوني :
- احمد الله ان راسل وامه لم يصلا ببرودتهما الى اعماقك .
- لا اعرف كيف اصفك يا سيد انطوني .
- لا تتعبي نفسك بمحاولة وصفي يا آنسة . اتعرفين ان قذائف الكلام التي نتبادلها تسليني ؟
لم تستطع دينا منع نفسها من الضحك , فشجعها انطوني :
- هذا افضل يا آنسة , اضحكي تضحك لك الدنيا . ولنذهب الآن.
ركبت دينا سيارة انطوني , قبل ان ترى سيارة راسل تتوقف امام باب المؤسسة . رآهما راسل سوية , وتصادمت نظرات الرجلين , فلاح على ثغر انطوني خيال ابتسامة لم تفهمها دينا .
ابتعد انطوني مورغان بسيارته , تاركا راسل يتخبط في مهاوي حيرته . انقذته رؤية كليو من عذابه , فتقدم منها وحياها متسائلا:
- رأيت دينا تركب سيارة المدير يا كليو , فهل هي بخير ؟
- اطمئن يا راسل انها بألف خير وتتربع في هذه اللحظة على قمة السعادة , فهي تركب سيارة الرجل الأول في المؤسسة , وهو رجل عازب وصاحب ملايين .
- ماذا تعنين يا كليو ؟
- اعني ان دينا تتمتع بمكانة خاصة عند المدير , لذلك يحيطها بكل العناية والرعاية .
- لكن دينا خطيبتي .
- هل هي خطيبتك فعلا , ام ان ما يربطكما هو مجرد صداقة عميقة ؟
- اننا متفاهمان على وضعنا الحالي .
- لا ادري كيف استطعتما التفاهم على مثل هذا الوضع . ان الفتيات في ايامنا هذه يفضلن الاستقرار , والاحساس بالأمانوالطمأنينة في كنف رجل . اما في حال عدم وجود روابط , فإن للفتاة الحق بالتصرف كما تشاء . يؤسفني انك تركت معرضك الفني باكرا , لأن دينا دعت المدير لتناول العشاء في البيت , فأرجو الاتفسد عليهما هدوءهما بظهورك المفاجىء .
لم يصدق راسل ما سمعه :
- لا اعتقد ان دينا تستقبل وحدها غريبا في البيت . كفي عن الضحك يا كليو , فأنا اعرف دينا اكثر منك .
- قد يتناولان العشاء في احد المطاعم الفخمة يا راسل . يمكنني ان اخفف من مصابك الليلة . وسأقبل الذهاب معك الى احد المطاعم الصغيرة . اتعرف يا صديقي ؟ بعد ان بالغت في اهمال دينا , راحت المسكينة تبحث عن انسان يستطيع اغناء حياتها بكل مثير , جديد .
- اقبلي دعوتي الى العشاء , وسأثبت لك انني قادر على اغناء حياة اية فتاة بشكل مثير وجديد .
- استضافت دينا الصمت اثناء رحلة العودة , لكن انطوني طرده بسؤالها :
- اما زلت متوترة الاعصاب ؟
- لا ابدا . لكن في الأيام المشابهة لهذا اليوم , اتوقع حدوث المستحيل .
- اشعر ان العاصفة بيننا مرت بسلام . واذا كنت تفكرين بدعوتي لشرب قدح من الشاي , فسأقبلدعوتك بكل سرور . لماذا الصمت ؟ اتخافين من ثورة السيدة ميلغروف ؟


تحدته :
- رغم ان خالتي ليست في البيت , الا انه يسرني تشريفك .
توقفت السيارة امام البيت , وتقدمت دينا من الباب تفتحه وكأنها في حلم : ( انها المرة الأولى التي ادعو فيها السيد مورغان الى بيتي . سأستضيفه اليوم بدلا من راسل ) .
دخلا غرفة الجلوس , فقال لها انطوني :
- احب سماع زغاريد السنة اللهب في كل وقت , اتوافقينني على اشعال المدفأة ؟
- انا وخالتي نحب الاستكانة الى جانبها ايضا . تفضل وافعل ما تريد.
تأمل لوحة فنية نامت على الحائط فوق المدفأة قبل ان يقول :
- اليست هذه احدى لوحات الفنانة كيت ليفنغستون ؟ لدي بعض رسوماتها في البيت . انها ماهرة جدا في التعامل مع الألوان المشرقة الزاهية .
- يجب ان تخبر خالتي برأيك في لوحاتها عندما تعود .
- هل يعرف ابي ذلك ؟ لا اعتقد , فهو لا يهتم بالفن والفنانين . لكن عمتي هيتي تلاحق تطورات الحركة الفنية , وقد اشترت اللوحات عندما كانت في رحلة الى انجلترا .
- سأذهب لتحضير الشاي .
تبعها انطوني الى المطبخ الذي اختلط فيه القديم بالحديث :
- ان المطبخ مرآة صاحبة البيت . ومطبخك اكبر دليل على حيرتك وعدم اقتناعك براسل ميلغروف .
استدارت نحوه قائلة :
- ارجوك يا سيدي . لا تتدخل في شؤوني .
- كما اتحضرون هذا اللحم لفطور الغد ؟
- طبعا لا . انه لعشاء الغد يا سيد مورغان .
- ولماذا لا نتناوله الآن يا آنسة ؟ انني جائع , واحب اللحوم المشوية . سنأكل هذا اللحم اليوم وادعوك مع خالتك غدا لتناول العشاء في اح المطاعم . ما رايك ؟
- هذا غير ممكن . اقصد انه ممكن ... اعني انه يمكنك ان تأكل ما تريد من اللحم الليلة , لكن بالنسبة الى دعوة الغد ...
- ان قبولك لدعوتي هي افضل وسيلة لإثارة غيرة السيد ميلغروف . دينا لا تغضبي يا عزيزتي . لا تغضبي . اعرف انني وعدتك بعدم التدخل في امورك .
- لا اسمح لك بمناداتي باسمي المجرد يا سيد انطوني . ثم ... ثم ... كيف تقول عزيزتي ؟
- اسمك جميل ويتماشى تماما مع لفظ عزيزتي . لم هذا الانزعاج ؟ اعطيني سكينا لأساعدك في تقطيع اللحم .
استسلمت دينا للأمر الواقع, وبدأت تستسيغ مساعدة انطوني مورغان لها . وحين فاجأها الجوع , قامت بتحضير المائدة استعدادا للعشاء . ثم جلست تتناول عشاءها معه , بعدما حضرت طعاما للقطة . قال لها انطوني :
- يغلب على عشائي الليلة الطابع الانجليزي .
كان يهم بوضع لقمة في فمه , عندما انفتح الباب وظهرت على عتبته الخالة كيت برفقة راسل . تلاقت العيون , والتهمت الدهشة الوجوه , فتململ انطوني في مجلسه , تاركا راسل يجلده بسياط نظراته .
زحف سرور غريب الى قلب دينا بهذا اللقاء بين الرجلين, فتركت مجلسها وتقدمت نحو راسل :
اهلا بك ومرحبا يا راسل . خالتي كيت اقدم لك انطوني براين مورغان , مدير المؤسسة التي اعمل فيها . اما انت يا راسل ...
كظم راسل غيظه وهو يقول :
- لا ضرورة لأن تتعبي نفسك يا دينا , لأنني اعرف السيد مورغان . اعرفه جيدا .
- هل طلبت منك خالتي ان تأتي معها الى هنا بعد انتهاء المعرض ؟
- لا ... التقينا عند الباب . مررت بالمؤسسة مساء لأصطحبك , فأخبرتني كليو انك عدت الى البيت مع السيد مورغان , فدعوتها لشرب قدح من القهوة , واتيت بعدها الى هنا .
- ارجو ان تكونا قد امضيتما معا احلى الأوقات ... اشكرك على مجيئك في هذا الوقت المتأخر , وارجو الا تقلق عليك والدتك .
قاوم انطوني رغبته المجنونة في الضحك , وترك المائدة . وبعد ان وضع الأطباق المستعملة على منضدة صغيرة متحركة , جرها الى المطبخ وهو يقول :
- سنتدبر امر هذه الأطباق بعد ذهاب الضيوف .
وحين عاد من المطبخ , استرخى في احد المقاعد وقال :
- ما احلى الراحة بعد التعب يا دينا .
- كان يوما متعبا فعلا يا انطوني .
انزعج راسل : ( تناديه باسمه . ويناديها باسمها مجردا . ما هذا التغير المفاجىء ) .
قدم انطوني لفافة تبغ الى الخالة كيت , وقال :
- انت لا تدخنين يا دينا , لذلك لن اعرض عليك واحدة .
انكمشت دينا : ( اكتشف انطوني مورغان انني لا ادخن قبل دقائق فقط , لكن راسل لن يصدقني , حتى لو اقسمت له على ذلك ) .
خاطب انطوني الخالة كيت بقوله :
- عمتي من المعجبات بفنك يا سيدة ليفنغستون , وستسر كثيرا اذا زرتها يوما في بيتي ، فهي مقيمة عندي .
سأل راسل دينا :
- هل تمانعين في تناول العشاء مع امي غدا يا عزيزتي ؟ لن اكون معك لأنني مضطر للسفر ، لكن وجودك سيفرحها .
نادت الأفكار دينا : ( هل اعتذر بحجة انني مضطرة لتلبية دعوة انطوني مورغان مع خالتي غدا مساء؟ لا . لقد رفضت الدعوة ولن اقبلها ثانية بالرغم من ان امسية كاملة مع والدة راسل ليست منتهى املي . اشعر بأن الحرب سجال بين الرجلين . اتمنى ان تكون احاسيسي خاطئة , اتمنى ذلك من كل قلبي . رنين الهاتف يملأ المكان سأذهب لأجيب ) .
عادت دينا بعد قليل , لتجد انطوني مورغان في المطبخ , يساعد خالتها في تجفيف الأطباق ، فقالت :

اعتمادات 06-03-10 02:52 AM

لا ضرورة لما تفعل يا سيدي , فأنا وخالتي نستطيع انجاز العمل وحدنا .
- اتستطيعين الثبات على اسم واحد في مناداتي يا دينا ؟
تضرج وجهها بدماء الخجل :
- اعذرني على مناداتك باسمك مجردا قبل قليل .
- ولماذا الاعتذار يا عزيزتي , ما دمت تطبقين ما اوصيتك به ,
وتغيضين راسل ؟
فضلت دينا عدم الرد , وقالت لخالتها :
- هناك من يطلبك على الهاتف يا خالتي .
تركتهما كيت وحدهما , فأغلقت دينا باب المطبخ قائلة :
- اعتقد ان وقت انصرافك قد حان يا سيدي , ويكفيك ما سببته لي اليوم من مشاكل .
- ما يزعجك اليوم ستشكريني عليه غدا , لأنه سيحث راسل على تحسين معاملته لك , فأنت لا تستحقين الا الخير .
- انك لا تعرفني الا منذ فترة وجيزة , فما الذي يدفعك الى مثل هذا الكلام ؟
- لن اجيب الا بأنني عرفتك في الأيام الماضية بما فيه الكفاية , لذلك اوصيك بألا تعتذري لراسل على ما حدث اليوم , وان تستمري في السير على درب زعوعة ثقته بحبك وعواطفك . الم تسعدك النتائج التي توصلنا اليها اليوم ؟
- تذكر انني احب راسل يا سيد انطوني , وحبي له ليس اعمى .
- ومن قال لك ان الحب اعمى ؟ تأكدي ان للحب عيونا جميلة يرى بها قلب الانسان ادق الأشياء واحلى التفاصيل . لا تتصوري ان ما اقوله سببه خبرة سابقة في شؤون القلوب , كما سبق وألمحت . لا , ان تجربتي الماضية كانت تفتقر الى الحب وتتوق اليه .
عجزت دينا حتى عن الاعتذار , لكنها قالت بعد فترة سكوت مقيتة :
- يكفيني ما قاسيته اليوم يا سيد انطوني , ارجوا منك الانصراف مع راسل في اسرع وقت ممكن , لأنني متعبة وفي حاجة ماسة الى الراحة .
- ثقي بأن طلباتك اوامر يا آنستي .
جلست دينا مع خالتها امام المدفأة , بعد انصراف الضيفين وتساءلت الخالة :
- هل استمتعت اليوم بأوقاتك يا ابنتي ؟
- ان الضياع يطويني يا خالتي . لم اعد اعرف الا انني متعبة وفي حاجة الى ساعات من النوم العميق . تصبحين على خير.
لكن التفكير بأنطوني مورغان خطف النوم من عينيها , وقادها الى التفكير في مصيرها مع راسل : ( لطالما تصورت راسل هو فارس أحلامي المنتظر , لكن هيهات . ما السبب ؟ أتراها امه ام حادثة وفاة ابيه المبكرة ؟ لا اعرف . ربما يحتاج راسل الى فتاة تكتشف فيه خصاله الحسنة الدفينة . لكن هل انا هذه الفتاة ؟
لا مست اصابع الفجر جفنيها , فأسرعت الى احضان النوم استعدادا لاستقبال يوم جديد , تمنت ان يكون سعيدا .

6- ... وانهمرت دموعها وهي تشعر بحنان انطوني مورغان نحوها . ثم توسلت اليه وذراعه تحيط بكتفيها : ساعدني , ارجوك , لوضع نهاية سعيدة لقصتي .


وغاب نهار آخر , رحل نهار عمل آخر من حياة دينا , وتركها منهوكة القوى , تبحث عن السكون بعد ساعات الضجيج , وعن فيء الراحة بعد قيظ التعب . كانت تستعد لترك غرفتها , عندما فتح السيد انطوني باب غرفته قائلا :
- سأوصلك الى منزل السيدة ميلغروف يا دينا .
- افضل الذهاب وحدي . شكرا لك يا سيدي .
- ستكون رحلتك مرهقة , فالحافلات مزدحمة في هذه الساعة .
- سأركب سيارة اجرة .
- طيب هل طلبت واحدة ؟
- كنت على وشك ان افعل .
- استسغت الكذب سلاحا لمقاومتي , منذ بدأت اهتم بك . لكن شيئا لن يثنيني عما عزمت عليه . هيا بنا .
- جردتني حتى من قدرتي على الرفض , ولا املك الآن الا الانصياع للأوامر , لأنك سيدي في العمل .
قهقه انطوني مورغان ضاحكا :
- دينا ... عزيزتي ... لم اتوقع منك مثل هذا الاستسلام السريع . يظهر انك تحاولين التخلص من الحاحي , لكن هذا التخاذل لن ينفعك في حياتك المستقبلية , صدقيني .
- مادمت تعرف انني احاول تحطيم قيود الحاحك وسخريتك , فلماذا لا تدعني وشأني ؟
- لا استطيع . لأنك تحبين ما افعل .
- ماذا تقصد يا سيد مورغان .
- اقصد يا عزيزتي انك تحبين الحاحي , وملاحقتي , وقذائفي الكلامية .
- هل فقدت عقلك ؟ هل جننت يا سيدي ؟ ما هذا الذي أسمع ؟
تتهمني في البداية بالضعف أمام راسل , ثم تتجرأ وتؤكد انني استسيغ مضايقتك لي . هذا كثير . كثير جدا يا حضرة المدير .
اشعل انطوني لفافة تبغ , قبل ان يقول :
- الفرق شاسع بيني وبين راسل , فهو يهملك , وانا الاحقك .
كادت دينا تنفجر غيضا :
- لقد اعتذر راسل عن بعض ارتباطاتنا لانشغاله , يا سيد انطوني , وقد تفهمت الوضع تماما .
- وانعكس تفهمك للوضع على الطباعة السيئة لرسائلي بعد اعتذاره الأخير , اليس كذلك ؟


لا اعرف لماذا تتعمد ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )ي واذلالي , لكنني اؤكد لك قدرتي على حل مشاكلي مع راسل دون أي تدخل خارجي , هذا أولا , وثانيا اسمح لي ان ارفض الذهاب معك الى بيت السيدة ميلغروف .
- اعتراضك مرفوض . هيا بنا .
- لا اعتقد انك سترغمني على الذهاب يا سيدي .
- بلى , سأجبرك عليه حتى لو جعلت سيرتك مضغة في افواه الموظفين . هيا يا فتاتي ... هيا .
- استسلمت للواقع . فنزلت الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , وراحت تمخر عباب البحر البشري , الذي كانت امواجه تتابع على المؤسسة . فأحست بنظرات الفضول تلاحقها , فأسرعت تحتمي بسيارة انطوني السوداء , وبالصمت طوال الطريق .
تركها انطوني تتمتع بحرية السكوت , حتى وصلا الى المنزل المطلوب . تأمله انطوني قبل ان يقول :
- البيت ضخم , فخم . لكنني متأكد من ان اصحابه يثقلونك بأصفاد التصنع .
حاولت دينا الخروج من السيارة , لكنها لم تستطع ذلك الا بمساعدة انطوني الذي فتح لها الباب قائلا :
- اتمنى لك قضاء امسية سعيدة . الى اللقاء .
- سنلتقي غدا في المؤسسة .
- لا . سأتناول عشائي وحيدا في المدينة , وارتاح قليلا في المكتب , ثم آتي لأعيدك الى البيت .
- سيعيدني راسل , شكرا لك .
- تذكري ان راسل خارج المدينة , وسيعود الليلة متأخرا .
- لا اريدك ان تعود . لا اريدك ان تعود . سأطلب سيارة اجرة .
اتخذت دينا طريقها نحو الباب الرئيسي , واختفى انطوني بسيارته عند المنعطف .
رحبت بها السيدة ميلغروف , وسألتها :
- من كان هذا يا عزيزتي ؟
- السيد انطوني مورغان , مديري .
- ااتى لزيارة صديق له في المنطقة ؟
- لا . أراد انقاذي من زحمة المواصلات , فأوصلني مشكورا .
دخلتا غرفة النوم , حيث قالت لها السيدة ميلغروف :
- يسرني قدومك هذا المساء يا دينا .
ازعجها تلطف السيدة ميلغروف : ( يارب , ماذا يخبىء لي سكون الليل من اسرار ؟ ) .
جليت دينا تتناول عشاءها : ( كل مايحيط بي مرتب , حتى اصناف الطعام تم اختيارها بعناية . اين منها ليلة امس , وما اتصفت به من بساطة . اشعر برمال التصنع تبتلعني . اكاد اختنق . كل ما حولي مصطنع ... مصطنع ... مصطنع ) .
شربتا القهوة بعد العشاء في غرفة الجلوس , امام مدفأة كهربائية .
قالت السيدة ميلغروف :
انني اكره المدافىء الحجرية , لأن اشعالها شاق جدا . من دواعي سروري التعرف اليك والتقرب منك اكثر يا دينا , بعدما جمعت الأقدار بينك وبين راسل . لم تتعد جميع علاقاته السابقة حدود الاعجاب , وقد استطعت اقناعه بأن كل ما مر به سيعينه على اختيار الشريكة الأفضل لحياته . لذلك طلبت منه عدم التعجل في اعلان أي ارتباط رسمي بينكما , لكنني سعيدة جدا باطلالتك في افق حياته , واعتقد انه بقليل من التوجيه , ستكونين الزوجة المثالية لابني , خاصة اذا قبلت تغيير ... اسمك .
تطلعت دينا نحوها عاقدة الحاجبين :
- ولماذا اغيره يا سيدتي ؟ الا يعجبك ؟
- انه اسم ينقصه البريق يا عزيزتي .
- لكنني اجده جميلا جدا .
- قد يكون جميلا , غير انه لا يناسب زوجة ...
- اكملت دينا :
- لا يناسب زوجة الطامح الى منصب مستشار الملكة , اليس كذلك ؟
- نعم , بالفعل . لذلك أتصور انك لن تمانعي اذا ناديتك ديانا من الآن فصاعدا . وقد وافق راسل على اقتراحي .
- معنى هذا انك اخبرته بما تريدين اجراءه من تعديلات .
- نعم . لقد فعلت .
- ان ماتطلبينه يا سيدة ميلغروف هو المستحيل بعينه , لأنني معجبة باسمي , ولا أود تغييره . دعينا نغير الموضوع من فضلك .
- لم انوي ازعاجك يا دينا . واعتقد ان اقتراحي هو الأفضل لك.
- هل هو الأفضل لي ام لأبنك يا سيدة ميلغروف ؟
- لا افهم سببا لغضبك يا دينا .
- وانا لا افهم سببا لهذا التمادي من جهتك يا سيدتي .
- لم اقصد ايلامك يا عزيزتي , فأنت زوجة ابني .
- لست زوجة ابنك يا سيدة ميلغروف .
- كل آت قريب , يا عزيزتي .
- تذكري ان الخطبة لم تعلن رسميا بعد يا عزيزتي .
- ألم نتفاهم على تأجيلها في الوقت الحاضر ؟
- نعم تفاهمنا على اعفاء ابنك من جميع المسؤوليات والروابط حتى يستطيع تقرير مصيره على مهل , وعلي ان ابقى انا سجينة الارتباط به الى ما شاء الله , اليس كذلك ؟ اجيبيني .
- لا اجد سببا لهذا الانزعاج كله يا دينا ... صدقيني . هل انت بخير ؟ هل ...
- انني بألف خير . واعتقد ان من حقيالتروي قبل الاقدام على الزواج , مثل راسل تماما .
- لا اعتقد انك في كامل وعيك يا دينا .
- ثقي انني أعي كل كلمة أقولها .
- هل حصل بينكما أي سوء تفاهم في الفترة الأخيرة ؟ لماذا لم يخبرني ؟
- ماذا تقولين ؟
- اعتاد راسل الا يخفي عني شيئا منذ نعومة اظفاره .
- لا شك في انك تبالغين يا سيدة ميلغروف .
- انني لا أبالغ . انها الحقيقة .
- هل اخبرك اذا , انه شرب قدحا من القهوة مع كليو ديفيس في احد المطاعم ؟
- من كليو هذه ؟ لا احسبك تتكلمين عن الفتاة التي تعمل في المؤسسة ؟
- بلى . انها الفتاة المسؤولة عن قسم التجميل الذي يحمل اسم كليوباترا . ما رايك بهذا الاسم البراق يا سيدتي ؟
- لم اعد افهم شيئا . لم اعد افهم أي شيء . لكنني عرفت السبب الكامن وراء ثورتك . احكي لي ما حدث بالتفصيل . من اخبرك بهذا كله ؟
- راسل هو الذي اخبرني يا سيدتي الكريمة .
- اتمزحين يا دينا ؟
- لا . ابدا ... زارنا في البيت ليخبرني انه خرج مع كليو لشرب قدح من القهوة , بعد قبولي دعوة مماثلة من مديري انطوني مورغان , الذي يحب اسم " دينا " كثيرا .
- لماذا قبلت دعوة المدير يا دينا ؟
- لأن التفحص قبل الانتقاء من ابسط حقوقي يا سيدة ميلغروف .
- لكن التوقيت الذي اخترته للتفحص والانتقاء خاطىء يا ابنتي .
- ولماذا يا سيدتي ؟
- لأن جيني خطيبة راسل السابقة عادت الى المدينة .
- وماذا في ذلك ؟ ما فات قد مات يا سيدة ميلغروف . هل فقدت الثقة بقدرة الحب على تخطي العقبات ؟
- لقد احب راسل جينا حبا جما .
استمعت دينا الى همس افكارها : ( لابد ان حب راسل الجنوني لخطيبته الأولى هو الذي اقتلع جذور الرضى عنها من قلب والدته انها انانية في حبها لابنها . وهذا يثبت وجود خيط رفيع يفصل بين الحب الحقيقي والرغبة في التملك ) .
جابهت دينا السيدة ميلغروف بثقة :
- اكره ان ينافسني احد على قلب راسل , لذلك احمد الله على تأجيلنا اعلان الخطبة .
- ان جيني كابوس مزعج , عليكما الخلاص منه , ولو كنت تعرفينها لاكتشفت منبع قلقي .
- يؤكد كلامك انها ما زالت مليكة على عرش قلبه , وهذا يتركني ريشة في مهب ريح الشك بعواطفه , وصدق مشاعره . احتاج الى رجل يحميني ويرعاني , يحبني ويحرص علي . لذلك علي التأكد من احاسيسي قبل السير على درب الرباط المقدس .
ولف دينا ضباب الأفكار : ( هل احب راسل ؟ نعم احبه . لكنني اتوق الى ان يبقى حبنا متوجا بالعزة , مزدانا بالكرامة . يكفي السيدة ميلغروف ما قاسته اليوم مني . حان وقت الرحيل ) .
تركت دينا مقعدها قائلة :
- هل يمكنني استعمال الهاتف يا سيدة ميلغروف ؟
لم تمانع والدة راسل , فرفعت دينا السماعة , وطلبت رقم انطوني . عندما تناهى الى اسماعها , خاطبته بلطف ونعومة :
- اهلا انطوني , ايمكنك ان تأتي لاصطحابي ؟ لقد انتهت الزيارة .
لم يتوقع انطوني هذا فتردد قليلا قبل ان يقول :
- يسرني ان اعود بك الى البيت يا عزيزتي . لكن ما الذي افسد امسيتك ؟
تهربت دينا من الجواب واردفت :
- سأنتظرك على احر من الجمر , مع السلامة .
حين وصل انطوني , قامت دينا بتعريفه الى السيدة ميلغروف التي دهشت لأناقته , ولباقته , وحسن تصرفه .
مضت دقائق , خرجت بعدها دينا لتستقل السيارة مع انطوني قال لها :
- اعتقد اننا اذهلنا السيدة ميلغروف بتصرفاتنا .
- لقد انستني هذه السيدة معنى الشفقة .
- ما الذي حدث بينكما يا دينا ؟
- اسمح لي ان اعتذر أولا عما سببته لك من ازعاج .
- لا اجد أية حاجة الى الاعتذار .
تلاشت في حضن افكارها: ( كنت واحة للراحة بعد ساعات التعب يا سيدي . كنت أول الغيث بعد طول قحط . كنت منقذي يا سيدي ) .
غير انطوني مورغان وجهة سيره , فاستغربت دينا . قال لها :
- سأريك ملاعب طفولتي , والبقعة التي ألجأ الى احضانها كلما كشرت لي الحياة عن انيابها .
اوقف انطوني السيارة في منطقة منعزلة , ومشى الاثنان الهوينى عبر طريق ترابية , حتى وصلا الى هضبة ارتاحت دينا بالقرب من قمتها , تاركة النسيم العليل يسافر فوق صفحة وجهها .
همس انطوني متسائلا :
- الا تريدين اخباري بما حدث الليلة يا دينا ؟
سبقت دموعها الكلمات , فتركها تسيل حارة مدرارة على مسارب خديها . احاطت ذراع انطوني بكتفها , وكأنها تحميها من ضعفها ثم سمعته يقول :
- توقعت ان يحدث هذا منذ البداية .
احست دينا بتفهم انطوني لها , وتعاطفه معها , لكنها خافت من ضعفها , فاعترفت حين احتضن يده :
- اكره ان ابكي ... اكره الضعف ... صدقني .
- ليست الموع الحقيقية دليل ضعف , انها لغة بليغة يعبر الناس عن مكنونات قلوبهم .
- فقدت الليلة الاحساس بالكرامة وعزة النفس , لم تجد التضحيات والتنازلات نفعا ... اعتقدت انك مجنون يوم حاولت توعيتي . استميحك العذر يا سيدي . فأنا لا أعي ما اقول .
- لا تعتذري يا دينا . اتركي نفسك على سجيتها . نعم , اذكر انني حاولت تنبيهك لاخطائك , فطلبت مني عدم

اعتمادات 06-03-10 02:54 AM

التدخل .
- تحول مديري الى نبع للحنان . انني اعيش حلنا جميلا , رائعا .
- حناني ليس حلما . تناسي انني مديرك , واريحي نفسك من اعبائها.
- انت وحدك الذي يستطيع مساعدتي .
- وكيف استطيع ذلك يا دينا ؟
- ساعدني في وضع نهاية سعيدة لقصتي ... أرجوك .
- عن اية قصة تتحدثين ؟
- اليس حبي لراسل قصة ؟ آسفة اذا كنت قد ازعجتك برجائي لكنني ...
- لا تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا دينا . يسعدني ان امد لك يد المساعدة دائما , شرط ان تناديني انطوني , كما يناديني الأصدقاء.
- لكنني اعتدت استعمال " السيد انطوني " في الفترة الأخيرة .
- الإرادة تصنع المعجزات , وتغير العادات , فلا تيأسي . اكثري من مناداتي طوني امام راسل وامه , لأنني اريد لجحيم الشك ان يعذبهما .
- وماذا عن الموظفين في المؤسسة ؟ الا يهمك امرهم ؟ الا تخيفك الشائعات التي يمكن ان يثيروها ؟
- انني اقوى من أي شائعة , فلا تخافي , ولا تحزني . ارمي همومك جانبا , تعالي الى قمة الهضبة لنمتع انفسنا بما تطل عليه من مناظر خلابة .
امتثلت لأوامره , وأحست عند قمة الهضبة بقربه , وعندما احاطها بذراعيه , دفنت رأسها المتعب في غياهب صدره . استمتعت بدفئه وحنانه , انتشت بسماع نبضات قلبه وراحت كل ذرة في كيانها كأنها تردد :
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم
ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا
اخافها اندفاعها : ( لا ... لا ... لا يمكن ان يحدث هذا . ان انطوني مورغان يشاركني احاسيسي , ويشعر بمشاعري , لا اكثر . انه يشفق علي . نعم انه يشفق علي فقط ) .
حاولت دفعه عنها قائلة :
- لا حاجة الى بدء التمثيل منذ الآن . يكفينا ان نتقن ادوارنا امام راسل ووالدته . لست في حاجة الى الشفقة .
احتضن وجهها بين يديه وقال ضاحكا :
- دينا ... يا عزيزتي ... لم يكن احتضاني لك رأفة بك , او شفقة عليك . اردت فقط ان اسعد بقربك .
ضمها الى صدره ثانية وقال :
- اعتقد ان وقت عودتنا قد حان , فهيا بنا يا عزيزتي ... هيا .

7- إغاظة راسل , هكذا بدأت الحيلة ... وانتهت بحب انطوني . هل كانت دينا تريد ذلك ؟ لم يعد هذا هو السؤال . كل ماتعرفه انها بدأت تذوق شهد السعادة .



لم يكن انطوني مورغان من الذين يضيعون الوقت في ازقة الأيام . لذلك سأل دينا :
- ما الذي ستفعلينه في عطلة الأسبوع ؟ هل لديك مشاريع خاصة مع السيد ميلغروف ؟
- كنا ننوي السهر في مقر هواة الغناء الأبرالي , لكن راسل اعتذر لانشغاله .
- لماذا يتهرب من الظهور معك في الأماكن العامة ؟
- لأن ظهوري معه بلا رابط رسمي قد يحرجه . ماذا قلت يا سيد انطوني ؟
- قلت كفاك اختلاقا للأعذار , اذا كنت تحبين الأوبرا الى هذا الحد , فسأذهب معك الى السهرة .
- لست من عاشقات الأوبرا , لكن راسل مصر على انه فن ويغني العقول ويهذب النفوس .
- لماذا لم تصارحيه برأيك يا دينا ؟ ما كل هذا الخنوع ؟ أي نوع من المسرحيات تفضلين ؟
- اعشق مسرحيات شكسبير , خصوصا مسرحية عطيل .
- ليس على مسارحنا في الوقت الحاضر اية مسرحية لشكسبير,
لكننا نستطيع الذهاب الى مسرحية فكاهية اذا احببت , واؤكد لك انني لن اعتذر في اللحظة الأخيرة .
وافقت دينا على تلبية الدعوة , وتلقت من انطوني مكالمة هاتفية في تلك الليلة :
- اقترحت عمتي هيتي مشروعا وافقت عليه في الحال .
- لكنك تعطي الاقتراحات , ولا تتلقاها يا سيد انطوني .
- اسمعي يا عزيزتي . تتوق عمتي هيتي الى لقائكما , فلماذا لا تأتين مع خالتك لقضاء عطلة الأسبوع معنا في تانغاروا ؟ سأمر بكما صباح يوم السبت , هل تحبين ركوب الخيل ؟ عظيم ...بدأت امي تظهر مع ابي
- يا سيد انطوني ... اقصد طوني ... الست خائفا من الشائعات ؟
- قلت لك ان الشائعات لا ترهبني . بدأت امي تظهر مع ابي
بلا خوف منذ كانت موظفة في المؤسسة .
- لاشك في انها ظهرت مع ابيك بعد تأكدها من صدق نواياه . اما نحن , فقد اتفقنا على التمثيل فقط .
- تناسي الموضوع , وكوني جاهزة في التاسعة والنصف من صباح الغد .
وتحمست الخالة كيت للفكرة :
- سأتعرف الى افراد عائلة السيد براين مورغان , وازور الريف في آن واحد .
اشرقت شمس يوم السبت دافئة , حانية , وكان انطوني مورغان عند وعده . وخلال دقائق كان الثلاثة يتمتعون بمناظر الطريق الساحلي المؤدي الى تانغاروا . كانت السماء زرقاء صافية , والتلال تتسربل بردائها السندسي الرائع . اما مياه الخليج , فقد تحولت الى مرآة كبيرة , تعكس زرقة السماء بكل صفاتها . سلكت السيارة طريقا فرعية تؤدي الى المزرعة , فقالت دينا مبهورة الأنفاس :
- تبارك الخلاق في ما خلق . لوحات الهية ولا اروع , والبيت والمزرعة جزء لا يتجزأ من هذه اللوحات الخلابة .
- امتاز البيت بلونه الأبيض وسقفه المطلي بالقصدير البرتقالي . اما حديقته فاشتعلت بالورود ولأزهار على اختلاف اشكالها والوانها .


اوقف انطوني السيارة امام الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , فأسرعت سيدة صغيرة القد , قصيرة القامة , في العقد الخامس من عمرها , للترحيب بهم . قال انطوني :
- اقدم لكم عمتي هيتي , انسانة تعشق السرعة والخفة في كل ما تفعل . انتبهي يا عمتي ... انتبهي ... لا اريد رؤيتك تسقطين ارضا .
قالت السيدة :
- اهلا وسهلا بكم . ما اسعدني بقدومكم . واخيرا تشرفت بمعرفتك يا سيدة لفينغستون . اغبطك يا دينا على كونك احدى قريبات فنانة موهوبة , واشفق على طوني , لأنني لا اتقن في امور الدنيا الا فنون الطهي .
سارع انطوني الى التأكيد :
- الطهي وصنع المرطبات فن في ذاته يا عمتي . دينا هيا بنا لأريك غرفتك يا عزيزتي .
دخلا البيت . فصعد طوني الدرجات المؤدية الى غرف النوم , وتبعته دينا قائلة :
- لا ضرورة لاستعمال لفظ " عزيزتي " في مناداتي يا طوني , فنحن لسنا امام راسل ووالدته . فكر في عمتك ارجوك .
- ولماذا افكر فيها يا دينا ؟ ان طرق الحب لأبواب قلبي سيسعدها , لأنه يعني زواجي , ولرحيلي عن البيت , ويترك لها حرية استقدام شقيقة لها , تقيم حاليا في اوكلاند .
- سيحرمك رحيلك عن البيت من ربة منزل ممتازة .
ضحك انطوني وقال مغيرا مسار الحديث :
ستكون لك غرفتك الخاصة . انتبهي الى هذه العتبة .
وصلا الى جناح مؤلف من غرفتي نوم , تطل النافذتان فيهما على الخليج , وتفصل بينهما غرفة الاستحمام .
تأملت دينا غرفتها القديمة الطراز , وتاهت مع جمال الخليج , قبل ان تقول :
- قلبي يحدثني انها ستكون نهاية اسبوع رائعة يا طوني .
احاط انطوني كتفيها بذراعيه وهو يقول :
- ستكون كذلك بإذن الله ياعزيزتي .
- اشم رائحة قطعان الغنم .
- يكره كثير من الناس هذه الرائحة , ويتهربون منها .
- تحيرني رائحة عبقة اخرى من اعشاب المروج . كان يحلو لي دائما قطف بعضها والاحتفاظ بها في جيبي . اتعرفين ان على الطرف الآخر لهذه الهضبة غابة من اشجار الميموزا "السنط " , اطلق عليها الأولاد اسم غابة المسرة !
- عن أي اولاد تتكلم ؟
- اولاد اختي ميغان التي تقيم مع زوجها في مزرعة يملكانها على ضفاف بحيرة هيز , في منطقة اوتاغو . انها منطقة يسكنها الجمال , وخاصة الريف . اما في الشتاء فهي مركز للرياضيات الشتوية .
- وصفك للمكان رائع , قرأت الكثير عن اوتاغو , ولطالما تمنيت رؤيتها .
- سأحاول تحقيق امنياتك قريبا ان شاء الله , وآمل ان تكون المنطقة منبع وحي والهام لخالتك .
- قررت زيارة المنطقة واكتشافها مع خالتي , فلا تتعب نفسك يا طوني .
-
- ومن قال لك انني اتعب نفسي ؟ تذكري اننا هنا لاغاظة راسل , وعلينا ان نجتهد في تحقيق هدفنا . يجب ان نعود الى البيت , فقد رأيت بالقرب منه قنفذا في حفرة .
- وماذا تنوي ان تفعل ؟
- سأخرجه منها , وأبعده عن المنطقة .
اخرج انطوني القنفذ , ثم تحدى دينا :
- ما رايك بسباق في الجري نحو البيت ؟
قبلت دينا التحدي , لكنها توقفت في منتصف الطريق متقطعة الأنفاس , وراحت تتأمل ما حولها ما احلى عناق التلال للسهول . ما اجمل اصوات الحيوانات . انه الريف , رمز الخير والعطاء والحرية ) .
تناولا وجبة خفيفة في البيت , وغيرت دينا ثيابها قبل ان تركب جوادا وتدور مع انطوني في انحاء المزرعة . وهي تقوم بجولتها , التي تعرفت خلالها الى جميع افراد عائلة ايريني كاهيكا .
احسنت العائلة استقبالها , وتودد اليها والد ايريني بقوله :
- واخيرا , تعرفت الى الفتاة التي انست جاري العزيز نفسه .
رد انطوني :
- معك حق ... اولى بهذا القلب ان يخفق .
قال كلمته , وانطلق فارسا مقداما , يسابق الريح على صهوة جواده.
راقبته دينا اثناء عودتهما الى البيت : ( ان السيد انطوني يحب الأرض , ومحبوب بين اصحابها . يؤلمني ان ارى مثل هذا الانسان سجين جدران المكاتب والمؤسسات ) .
كان الغداء ينتظرهما في الحديقة , ولما انتهيا من تناوله , عرض انطوني على السيدتين مشاركتهما في مشاريعهما لفترة بعد الظهر , فأربك رفضهما دينا , لكن انطوني فسره بقوله :
- ان بقائهما وحدهما يساعد في تعميق جذور صداقتهما . اذا كنت تريدين حلب البقرة , فهيا بنا , لأن بيتر سيكون مشغولا الليلة في الاحتفال بعيد زواجه الأول .
احتجت عمته :
- لماذا لاترتاح قليلا يا طوني ؟ اتعرفين يا دينا انه امضى الليلة الماضية ساهرا على معالجة نعجة مريضة ؟
تذكرت دينا السهرة المقبلة فقالت :
- لا ضرورة لسهرة الليلة اذا كنت متعبا الى هذا الحد يا طوني , صدقني .
- دينا ... عزيزتي ... اهدئي . فما أطال النوم عمرا , ولا قصر في
الأعمار طول السهر .
- انني اعني ما اقول يا طوني .
- اعرف انك , لكنني مصر على الوفاء بوعدي , واعدك ان احلق شاربي حالما نعود . اعترفت دينا لي في أول اجتماع لنا بأنها تعتبر الشوارب علامة غرور عند الرجل يا عمتي .
خجلت دينا :

- رغم ماذا يا سيدتي ؟
اجابها انطوني :
- رغم انها ايضا غيرواثقة من حسن اختيارك .
حاولت دينا الدفاع عن راسل :
- قد تكون بعض تصرفاته خاطئة , لكن جل من لا يخطىء ...
قاطعها انطوني :
- كفي يا دينا . كفاك دفاعا عنه . ارجوك , اريد تناول عشائي بهدوء.
وشيئا فشيئا , تغير مجرى الحديث .
اختارت دينا للسهرة فستانا نحاسي اللون انيقا , زادها رونقا وجمالا . تأملها انطوني باعجاب :
- ما هذا الجمال , وهذا السحر يغمره الدلال ؟ سيحسدني الحاضرون الليلة على صحبتك .
- اشكرك على هذا الاطراء .
ليس اطراء , انها الحقيقة يا عزيزتي , واعتقد ان زهره الليلك الأبيض التي احضرتها ستتناسب تماما مع اشراقتك ... تعالي لنجرب .
عذبتها خفقات قلبها وهي تدخل غرفة انطوني البسيطة الأثاث . اوقفها امام المرآة , وعلق على صدرها الزهرة البيضاء , قبل ان يضمها اليه . استسلمت لأسر ذراعيه . ضاعت دقائق في غياهب صدره , ثم قالت له :
- اعذرني يا انطوني على ماقلته في شأن شاربيك , فأنت لاتعرف للغرور سبيلا .
- ولماذا تعتذرين يا دينا ؟
- لا اعرف ... لم اعد اعرف شيئا ... دعني اذهب , ارجوك .
- اتمنى ابقاءك بين ذراعي الى الأبد , لكن وقت المسرحية قد حان .
نزلت دينا الدرجات في اتجاه الباب الرئيسي : ( ماذا دهاني ؟ ما كل هذا الاستسلام ؟ انقلبت مشاعري واحاسيسي الى اعاصير اطاحت عروش الطمأنينة في نفسي ... لا سأكبح جماح عواطفي . سأعيد السيطرة عليها واستمتع بمسرحية الليلة مع رجل لن يعتذر في اللحظة الأخيرة ) .
كانا يستعدان لركوب السيارة عندما حمل النسيم الى اسماعهما انات الم , فصرخا بصوت واحد :
- ان فليك في حالة وضع .
توجها نحو الاسطبل , ليجداها هناك متعبة مرهقة . وبعد دقائق لحقت بهنا سيارة بيتر الذي قال :
- سنشرف انا وزوجتي عليها , فلا تقلقا .
اعترض انطوني :
- اذهب انت يا بيتر واحتفل بعيد زواجك , وسنبقى معها انا ودينا .
حاول بيتر مناقشته في الأمر , لكنه ترجع امام اصراره . تأمل انطوني دينا بعد رحيله :
- يؤسفني ان اعتذر انا ايضا في اللحظة الأخيرة يا دينا ... لكن هل يكفي الاعتذار ؟
اسعد دينا اهتمام انطوني بالحيوانات , فطمأنته :
- لا عليك يا انطوني , سأعود بعد تغيير ملابسي .
رجعت بعد دقائق لتقول له :
- عقمت العمة هيتي بعض قطارات العيون , لاطعام الجراء بعد ولادتهم .
- اثبت اعتذاري الليلة عدم اختلافي عن راسل .
- وضعنا يختلف تماما . صدقني .
- وكيف ذلك ؟
- لم يندم راسل يوما على تقصير في حقي , كما انه يقدم اعذارا واهية في الكثير من الاحيان . يخيل الي ان رعاية امه له احالته الى انسان اناني .
- انت نعمة اغبط راسل عليها , واتمنى ان تمنحك الأيام الفرصة لتصححي له مسار حياته .
- آلمتها برثن الأفكار : ( ماذا يحدث لي ؟ لماذا احس بكلماته وكأنها سهام حادة تمزقني ؟ غريب ... تكاد الكآبة تقتلني ) .
سلخها الواقع عن افكارها , فسألت انطوني :
- ماذا تفعل ؟
- ارتب القش على شكل مقعد , كي نرتاح في جلستنا .
مضت ساعتان قبل ان تضع فليك تسعة جراء صغيرة . صرخ انطوني :
- ماذا تفعلين يا دينا ؟
- يجب ان اساعد فليك في وضعها لبقية الجراء .
تمت عملية الوضع , وتركت فليك اثني عشر جروا جائعا , وراحت في سبات عميق . زارتهما العمة هيتي في الاسطبل :
- الا تستطيعان الآن شرب قدح من القهوة ؟
قال انطوني :
- اذهبي لشرب القهوة يا دينا , وسأبقى مع الجراء لأطعمها .
- لن اذهب وحدي .
- قالت العمة هيتي :
- سآتيكما بالطعام وقدحي القهوة الى هنا .
اعاد لهما الطعام بعضا من نشاطهما , فبقيا يطعمان الجراء , حتى استسلم انطوني لسلطان النوم .
سخرت دينا من نفسها : ( خفت من البقاء وحدي معه , لكنه تمسك بالأدب واللياقة ... ما اغباني . ينام على القش وكأنه فراش وثير . الاعجاب بهذا الرجل يسري في دمي . لا ... لا ...



انني معه لأثير غيرة راسل فقط ) .
مضت ساعة قبل ان تسمع دينا وقع اقدام تقترب من الاسطبلات : ( لا بد ان بيتر جاء للاطمئنان على فليك ) .

اعتمادات 06-03-10 02:55 AM

لكن باب الاسطبل انفرج عن والدي انطوني . فوجئت دينا بعودتهما المبكرة , ونهضت لتهنئتهما بسلامة الوصول . فردا التحية بأحسن منها . واقتربت والدة انطوني من مرقده توقظه :
- استيقظ يا بني . استيقظ , فقد عدنا .
لم يصدق انطوني ما تراه عيناه :
- ابي ... امي ...اهلا بكما .
نهض وعانق امه , وصافح اباه قائلا :
- تسرني رؤيتكما . ما الذي عاد بكما بهذه السرعة ؟
اجابت امه على سؤاله :
اشتقت للبيت , والمزرعة , والأصدقاء , فعدنا على متن أول طائرة , وركبنا سيارة اجرة الى هنا .
استمعت دينا الى حديث الثلاثة : ( ما اروع هذين الزوجين . حديثهما مفعم بأريج الشوق والمحبة الصادقة ) .
استمرت في اطعام الجراء حتى عاتبها انطوني :
- لماذا تركتني فريسة للنوم يا دينا ؟ وعدتها ان اصطحبها الى مسرحية فكاهية يا امي , لكن اوجاع فليك كانت عقبة في طريق وفائي بوعدي .
ابتسم السيد براين مورغان :
- لايستطيع الانسان بالتحكم بالظروف دائما يا بني . واعرف انه يمكن للآنسة دينا الخضوع للأمر الواقع .
- ان دينا لاتعرف معنى الرضوخ يا ابي , اسألني انا عنها .
اشرقت الفرحة في عيني السيدة براين مورغان :
- معرفتك العميقة بالآنسة تسعدني يا بني .
تدخلت دينا :
- انطوني يحب المبالغة يا سيدتي .
قال انطوني :
- ومن قال لك انني ابالغ ؟ هل اتتك يوما يا ابي سكرتيرة ارادت تهشيم وجهك بعد أول لقاء بينكما ؟
اخفت دينا وجهها خجلى :
- كفى يا انطوني , ارجوك .
ربت والد انطوني على كتفها قائلا :
- ابني يحب المزاح , فلا تدعي ذلك يزعجك يا دينا . ان عودته الى ما كان عليه قبل سنتين تثلج صدري .
نبهها انطوني :
- هذا الجرو اخذ كفايته من الغذاء , فدعيه يتنفس يا دينا . على فكرة , اننا نحب المرح والضحك فعلا . ابي , هل عرفت عمتي بوصولكما ؟
- نعم , وهي تحضر لنا شيئا لنأكله . ماذا ستفعلان الآن يا ولدي ؟
- سآخذ فليك وجراءها الى غرفتي في صندوق , ليتسنى لي اطعامهما .
تناول الجميع وجبة خفيفة , وصعدت دينا الى غرفتها لتنام وفكرة واحدة تهدهد كيانها : ( اشكرك ربي . واحمدك , فقد اذقتني الليلة شهد السعادة ) . 8 - يوم آخر تمضية دينا وخالتها عند عائلة مورغان: زيارة اماكن مقدسة , نزهات, سباحة , وليل بلا قمر . ثم ... لقاء مفاجىء .



احضر انطوني الشاي للخالة كيت ودينا , في غرفتهما في صباح اليوم التالي :
- اسعد الله صباح الضيفتين العزيزتين .
اعتدلت دينا في سريرها :
- اسعدت صباحا يا انطوني . ياله من نهار مشرق . يؤسفني ان نهدر ساعاته بين جدران البيت . كيف حال فليك ؟
- انها في احسن حال , وسعيدة بجرائها .
تأملت دينا الخليج من النافذة , تاركة هواءه المنعش يلامس وجهها . سألها انطوني :
- اتريدين ان نذهب في جولة على ظهور الخيل ؟
- سأكون مجحفة في حقك اذا طلبت ذلك , فأنت لم تنل قسطك من النوم والراحة طوال ليلتين .
- لست متعبا . سنحظر وجبة الفطور لأهل البيت , ثم نذهب في نزهة الى التلال القريبة .
كانت تساعده في المطبخ حين قال :
- سأريح العمة هيتي اليوم , وأضع لها اللحم في الفرن , في الساعة التي تقترحها .
- من الغريب ان ترفض فكرة الزواج , وانت رجل عائلة من الطراز الأول .
- ترفقي بي يا آنسة بريتشارد , فالوقت مبكر على مثل هذا الملاحظات الشائكة .
- لم اقصد ازعاجك , لكنك قلت لي ذلك بنفسك .
- ومتى كان هذا ؟
- قلت في لقائنا الأول , ان السكرتيرة الجميلة تفطر وتدبر حتى تدفع بمديرها الى فخ الزواج .
- اجتاحني يومها اعصار غضب , فأرجوك تناسي ماقلته .
- اعدك بذلك , شرط ان تنسى انت ايضا التعليق على هفواتي .
- هل يعني هذا ان رايك بي قد تغير ؟
- بل يبرز ايماني بمبدأ " جل من لا يخطىء " ويؤكد انني لست دائما ضحية الغضب .
قرع انطوني الباب , ودخلا معا غرفة والديه :
- اتسمحان لنا بالدخول ؟ اتيناكما بالفطور .
رحبت بهما السيدة براين مورغان :
- تفضلا . ما احلى الرجوع الى البيت . اتفقت مع ابيك يا انطوني على ان نبدأ بتشيد منزلنا الجديد في الأسبوع المقبل , ان شاء الله .
- في التأني السلامة يا امي . لا داعي للاستعجال .
- اعشق البيوت الجديدة , وقد آن لأبيك ان ينقل اغراضه كلها من المستودعات .


احضرهم الى هنا يا أبي .
- ليس عندك متسع لأشيائي كلها يا بني .
تلاقت عينا السيدة بعيني دينا : ( تريحني الطيبة في عيني والدة انطوني . انها تختلف تماما عن السيدة ميلغروف ) .
عادا الى المطبخ لتحظير وجبة فطورهما , ووضع انطوني اللحم في الفرن بعد تنفيذ تعليمات العمة هيتي , ثم مازح دينا :
- الست طباخا ماهرا ؟
- بلى . انك من امهرهم .
- هل لفت احد انتباهك لى انك جميلة جدا في الصباح يا دينا ؟
- اشكرك لهذا الكلام اللطيف .
- انها الحقيقة وليست كلاما لطيفا فقط . دعينا نذهب للسباحة في الخليج الصغير القريب من هنا .
امتطيا صهوتي جوادين , واتخذا طريقهما الى شاطىء ذهبي الرمال , يلاصق خليجا صغيرا هادىء الأمواج .
استسلمت دينا لعناق اشعة الشمس الدافئة قبل ان تقول :
- ما احلى السباحة في الخريف .
- يمكنك السباحة بأمان في هذه المنطقة . تعالي نسبح نحو تلك الصخرة .
جذبها من الماء بقوة , بعد ان سبقها الى الصخرة , فتحدته :
- هل تحاول اثبات ان الرجال قوامون على النساء ؟
- نعم . خصوصا بعدما اخذت البارحة قسطي من الراحة . اراك عاقدة الحاجبين يا دينا , مابك ؟
- يشغلني الغد المجهول , وعودتنا الى العمل .
- اتقصدين عودتنا الى ديار السكرتيرة والمدير ؟
- يدخل كل هذا ضمن اطار العمل .
- كم اتمنى بقاءنا على ما نحن عليه الآن يا دينا .
- تذكر اننا هنا لإغاظة راسل فقط .
حول دفة الحديث فجأة :
- انظري . بدأت أشرعة سفينة قادمة تظهر في الأفق .
- العودة الى مناداتك سيدي , او السيد انطوني صعبة .
- تفرض اجواء المؤسسة على موظفيها التعامل الرسمي .
- اجد نفسي مضطرة لسؤالك ثانية , الا تخاف الشائعات يا انطوني ؟
- علاقتي بك وضاءة كالشمس , فلماذا اخاف الشائعات يا دينا ؟
- عادت الى الماء قائلة :
- يجب الا نتأخر عن والديك .
سمعت دينا والد انطوني يقول بعد الغداء :
- احب التقرب الى الله , ويسعدني الذهاب مع زوجتي الى اماكن العبادة دائما .
اكدت الخالة كيت :
- ان زيارة الأماكن المقدسة تدخل السكينة الى قلبينا , وانا ودينا ايضا يا سيد براين مورغان .
حضر الجميع يومها جلسة وعظ وارشاد , استمعت دينا الى الخطيب يقول فيها : " تذكر يا اخي الإنسان انه جل من لا يخطىء, وان الله يغفر الذنوب جميعا , لأنه غفور رحيم . يا اخي في الانسانية , ان سمعة الانسان السيئة لا تدل على اختلال ميزان اخلاقه , فاجتهد ان تكتشفه بنفسك قبل ان تصدر حكمك " .
ارتعدت دينا عند سماعها ذلك : ( احس ان كلام الخطيب موجه الي دون الناس جميعا . قد يكون انطوني مذنبا . لكن من منا بلا ذنوب ؟ يا واسع الرحمة والمغفرة , ارشدني سواء السبيل , فأنا اتخبط في ظلمات الشك ) .
سالها انطوني بعد خروجهما من المكان :
- احسست بك مشدودة الى كل كلمة قالها الخطيب , فهل اعجبك كلامه الى هذا الحد ؟
- نعم ... نعم ... كان لكلامه اعمق الأثر في نفسي .
- تسابق الموجودون بعد ذلك لتحية السيد براين مورغان وزوجته , اللذين وقفا يتلقيان التهاني بسلامة الوصول , في الفسحة المحيطة بقاعة الاجتماعات . وقام انطوني بتعريف دينا بهم , الواحد تلو الآخر .
كانا يستعدان للعودة الى البيت , عندما احست دينا بنظرات تلاحقها . وحين اكتشفت انها نظرات راسل وامه , اجتاحتها جيوش الخجل والحياء . فالتجأت أصابع يدها الرقيقة , دون ارادة منها الى كف انطوني تطلب الحماية والسند , فاحتوت كفه الدافئة اصابعها بحنان قبل ان ينادي :
- ابي ... امي ... السيدة ميلغروف وابنها راسل هنا , يريدان تحيتكما .
خاطب راسل دينا :
- حاولت الإتصال بك في البيت , فلم الق جوابا . واذا عرف السبب بطل العجب . لم اتوقع عودة السيد براين مورغان وقرينته بهذه السرعة . هل كنت معهما في نزهة ؟
- لا . أمضيت عطلة الأسبوع مع خالتي في مزرعة انطوني .
وقد وصل والداه فجأة , مع ساعات الصباح الأولى .
- ولماذا لم تخبريني ؟ لماذا لم تخبريني يا دينا ؟
- لم يتسنى لي مقابلتك نهار الجمعة , هذا عدا انني لم ارغب في اضاعة وقتك الثمين يا راسل .
- عفى الله عما مضى يا دينا . سأعود بك الى البيت .
- لا تتعب نفسك يا عزيزي , ستزورنا السيدة براين مورغان لرؤية مرسم خالتي . سنلتقي في الأسبوع المقبل بإذن الله . الى اللقاء .
- كانوا في طريقهم الى البيت , عندما قالت السيدة براين مورغان :
- لماذا اجبرتني على تحية السيدة ميلغروف يا طوني ؟ انت تعرف انني لا احبها .
- تعرفت دينا الى راسل هذا العام اثناء وجوده في لندن يا امي .
قالت السيدة مورغان :
- انني متأكدة من ان والدته لم تكن معه في تلك الفترة . تعلق هذا الرجل بأمه مخيف . أتعرفين يا دينا ان شقاوة


انطوني هي سبب عدائي للسيدة ميلغروف ؟ اتتني يوما تشكو سوء تصرفه مع ابنها , ولما حاولت الدفاع عنه , طعنت باخلاقه , وعزت السبب الى انه ابني بالتبني .
ضحك اليد براين مورغان :
- وما ان سمعت زوجتي هذا الكلام , حتى هبت للإنتقام هبوب الريح الهوجاء .
- شاركه انطوني الضحك ثم قال :
- كفاك مبالغة يا ابي .
تأملت دينا الثلاثة بنظرات ملؤها التقدير : ( ان عمق الروابط العائلية والعاطفية واضح بين انطوني ووالديه . يذكرون خادثة التبني بلا خجل . في هذا قوة . بل انه القوة بذاتها ) .
همس انطوني قبل وصولهما الى البيت بقليل :
- اعذري والدي على اندفاعهما في الكلام واطلاق الأحكام , فهما لا يعرفان عمق العلاقة بينك وراسل . انني اشفق على الرجل , واتمنى ان تستطيعي مستقبلا اصلاح ما افسدته امه من سنين عمره .
تلاحقت ساعات الزيارة هادئة حلوة : ( لن انسى زيارتهم لنا ما حييت . وجبة خفيفة , دفء , قهوة ساخنة , والسعادة تطل من عيني خالتي كيت ) .
عادت مع صوت انطوني الى الواقع :
- تعالي الى الشرفة لنستمتع بمرأى القمر والمناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا .
كانت صفحة الليل سوداء , مرصعة بالنجوم , والخليج هادىء الأمواج , واضواء البيوت تزين شواطئه بصمت . اما النسائم الرقيقة فقد اثقلها اريج الأزهار والورود على اختلاف انواعها .
تأملت دينا السماء بعينين خاشعتين :
- غاب القمر عن صدر السماء الليلة .
- كانت رؤية القمر حجتي للانفراد بك .
واستكانت لسماء صدره : ( ان انطوني غريب الأطوار . لماذا يريد الانفراد بي ؟ ما معنى تصرفاته ؟ ماذا سيقول والداه ؟ لماذا اعشق الضياع في متاهات صدره ؟
احتضن وجهها قائلا :
- عودي يا دينا . عودي الي من احلامك . بماذا تفكرين ؟ بماذا تحلمين ؟
- افكر بشاربيك , وافضلك من دونهما .
- ما اروع صراحتك يا دينا . لا تدعي راسل يحيلك بقيوده الى انسانة جامدة باردة , ارجوك .
- انطوني انس راسل , وتعال نعود الى الداخل .
جافاها النوم تلك الليلة : ( بدأ انطوني يستحوذ على قلبي وعقلي .
انه انسان عركته تجاربه في عالم المرأة , ويعرف كيف يتلاعب بالمشاعر والأحاسيس . لا . علي الا انسى كلام الخطيب , وامتحنه بنفسي , قبل ان اصدر حكمي ) .
اتصل راسل بدينا في اليوم التالي :
- اعرف انك من عشاق المسرح , لذلك ارى ان نذهب الى مسرحية الثلاثاء المقبل ...
قاطعته :
- شكرا لك يا راسل , لكن انطوني دعاني لحضور مسرحية يوم الأربعاء . لماذا لا ننتقي فيلما سينمائيا , يمكننا حضوره سوية يا عزيزي ؟
احست دينا بالانزعاج يتسرب الى صوت راسل , لكنها اردفت قائلة : - على فكرة , ارجوك يا راسل لا تحاول الاتصال بي ثانية في مقر عملي , فمديرالمؤسسة يكره ان تشغل خطوط الهاتف فيها بالمكالمات الشخصية .
سمع انطوني ادعاء دينا , فانتزع منها السماعة قائلا :
- اسمعني يا راسل انا انطوني مورغان , لا تصدق ما قالته الآنسة بريتشارد , فليس لمؤسستي مثل هذه الأنظمة . اتصل بخطيبتك في أي يوم اردت , وفي كل الأوقات اذا احببت . مع السلامة .

لم تستطع دينا بعد المكالمة مجابهة انطوني , وفضلت البقاء اسيرة الصمت .
دعت العمة كيت انطوني لتناول طعام العشاء معهم مساء يوم الأربعاء . فلبى انطوني الدعوة حاملا باقة من زهر الليلك , قبلتها دينا شاكرة . حاول ان يرفق هديته بكلمات , لكنه كبح جماح كلماته في اللحظة الأخيرة .
أحست دينا بتردده . وكانت لا تزال بصحبة افكارها , عندما اعطاها عقدا من حجر التوباز مع قرطيه وقال :
- ارجوا ان تقبلي مني هذا , هدية ايضا يا دينا .
صفعها طلبه :
- انها هدية ثمينة , لا يمكنني قبولها منك يا انطوني . لقد اتفقنا على التمثيل لاغاظة راسل فقط , وانا ...
- ما الذي تريدين قوله يا دينا ؟
- انني لست من الفتيات اللواتي يمكنك التلاعب بهن بتقديم مثل هذه الهدايا .
شبت نيران الغضب في اعماقه , ورقص اللهب في عينيه وهو يقول:
- آه ... صحيح ... نسيت انني بالنسبة اليك رجل سيء السمعة .
اتجه نحو الباب , فلحقت دينا به , وامسكت بذراعه قائلة :
- لا تسىء فهمي ارجوك يا انطوني , لقد تغيرت فكرتي عنك تماما , صدقني . لكنني لا استطيع تقبل فكرة شرائك لصداقتي بالهدايا .
اطفأ غيث الدموع في مآقيها نار غضبه , فقال :
- سامحيني اذا آلمتك يا دينا , لكن الماضي ما زال يلاحقني بظلاله السوداء , وقلة هم الذين يؤمنون بقدرة صبي متبنى , على الصلاح.
تخبطت في بحر عينيه قبل ان تقول :
- سأحتفظ بهديتك , ما دامت احتفظ بقلبي , شكرا لك .
- ضعيها لتراها الخالة كيت . لكن ... لكن اخشى ان ترفض هي ايضا فكرة قبول الهدية .
- لا تقلق , يكفي انني قررت الاحتفاظ بها .
تأمل وجهها قبل ان يقول :
- لا اعتقد ان خالتك تكبدت مشقة في تربيتك .

اعتمادات 06-03-10 02:56 AM

- اشكرك على حسن ظنك بي , واصارحك بأن المسكينة عانت الكثير في تربيتنا أنا وأخي ديفيد .
اعجبت الخالة كيت بالهدية :
- ما اجمل عقدك يا دينا . انه اكبر دليل على ذوقك الرفيع يا انطوني .
قال انطوني فجأة :
- يا الهي , كدت انسى ان أدعوكما باسم امي وابي الى مزرعة شقيقتي ميغان في عطلة نهاية الأسبوع المقبل .
شكرته الخالة كيت :
- يسرنا تلبية دعوتكم , لكن الا يفضل والدك قضاء عطلة أسبوع عائلية مع شقيقتك , بعيدا عن الغرباء ؟
- ومن قال انكم غرباء يا خالة ؟
- حسنا ... حسنا ... اشكر لكم دعوتكم .
- سنضطر الى السفر في وقت مبكر , ليتسنى لنا كسب ساعات النهار , لأن المسافات التي سنقطعها طويلة .
- لماذا لاتمضون ليلة الخميس عندنا اذا, توفيرا للوقت يا بني ؟
- يخلق الله ما لاتعلمون حتى ذلك الحين يا خالة , شكرا لك .
رحل انطوني , وأوت دينا الى فراشها تاركة الأفكار تمزقها :
( اصحيح ان الابن بالتبني غير قادر على الصلاح ؟ حرام ان تبقى سنين الملجأ وصمة عار في حياة انطوني . أراني مهتمة بأموره , بمشاعره واحاسيسه . لماذا ؟ لماذا ؟ انني انسانة رقيقة الاحاسيس , مرهفة . هذا كل ما في الأمر . هذا كل ما في الأمر ) .
وسكن الليل , فغفت دينا وهي تردد : آه ... كم اخشى غدي هذا , وارجوه اقترابا . 9- قطعت دينا المسافات الطويلة من اجل حلم , فاصطدمت بواقع مقيت . وها هي تعلن لراسل اخيرا انها تغيرت ... تغيرت كثيرا .

فاجأت السيدة ميلغروف دينا بدعوتها الى العشاء : ( تناثرت توقعاتي اشلاء على درب الواقع . اختطفتني المخاوف بعيدا حين خيل الي ان آثار سلبية ستترتب على رؤية السيد ميلغروف لي مع انطوني . هاهي الظروف تثبت العكس . ان تلطفها في دعوتي يخجلني , يربكني ويحيرني . علي ان اتفهمها اكثر ).
سألتها الخالة كيت وهما على الغداء:
- ما الذي قررت ارتداءه الليلة يا دينا ؟ ان الفستان النحاسي اللون مناسب ورائع التصميم .
- سألبس فستاني الأخضر يا خالتي .
- لكن الفستان الأخضر مخملي , ولا يتناسب مع الأجواء الحارة اليوم .
- اللون النحاسي لافت للنظر , وانا لا انوي اجتذاب الأنظار .
- ينتابني شعور غريب بأنك تحاولين مجاراة الأوضاع حولك , وقد اثبت كلامك صدق حدسي . يؤسفني ان يثقلك راسل ووالدته بالقيود , لأنك تعشقين الحرية .
- انت تكررين ما قاله انطوني قبل ايام . لا تدعي القلق يتعبك يا خالتي . الى اللقاء .
- لن انتظر عودتك , فقد تتأخرين , تصبحين على خير يا عزيزتي .
- لن اتأخر يا خالتي , فراسل سيرجع الى البيت بمجرد انتهاء الفيلم , رأفة بأمه التي تهرب من النوم حتى عودته .
ودعت دينا خالتها , وتركتها وحدها مع الأفكار : ( بدأت دينا تزن راسل بميزان العقل , وفي هذا الخير كله . تعذبني رؤية آمالها تذهب ادراج الرياح , لكنني احمد الله واشكره , لأن احلامها الزائفة بالعيش مع راسل تتبدد , فأنا لا اريدها ان تسقط في يوم من الأيام ضحية السراب ) .
كانت تصرفات السيدة ميلغروف طبيعية اثناء العشاء , لكن الشك في حسن نواياها بقي يدمي قلب دينا .
عندما انتهتا من نقل الصحون وغسلها , قالت السيدة ميلغروف :
- دينا يا عزيزتي , هل تتقبلين نصيحة انسانة عركتها الحياة ؟
- بالطبع يا سيدتي . تفضلي .
- ان اختيارك هذه الفترة بالذات لمصادقة انطوني براين مورغان وعائلته , غير مناسب ابدا يا عزيزتي .
- الحب والصداقة طارقان بلا استئذان يا سيدتي .
- لكن علاقتك بأنطوني براين مورغان تعدت حدود الصداقة يا عزيزتي .
حاولت دينا اخماد بركان اعصابها :
- كفاك كلاما عن انطوني براين مورغان يا سيدتي . انني قادرة على تكوين آرائي الخاصة في الناس , لكنني اتبع مبدأ التروي , الذي رفعت رايته بعد وفاة ابي .
- قصدت تذكيرك بأن خطيبة راسل السابقة في المدينة الآن , وقد خرجا البارحة معا , بعد ان فضلت صحبة انطوني مورغان عليه .
- ولماذا لا تقولين انهما التقيا مصادفة ؟ ورب صدفة خير من الف ميعاد . أتعرفين ان اتفاقنا على تأجيل اعلان الخطوبة ستة اشهر ساعدني على معرفة راسل اكثر ؟
- انا التي لم اعد اعرف ابني يا دينا . عودني الصراحة , واراه اليوم متقوقعا على نفسه .
- لكل منا عالمه الخاص يا سيدة ميلغروف .
- الم يثر كلامي غيرتك يا دينا ؟
- الغيرة جنون , وقد اعتدت التعقل في اتخاذ قراراتي . على راسل ان يتزوج الانسانة التي يحب , ولن اقبل بأن اكون بديلة من احد على عرش قلبه .
- هذا استهتار بمشاعر ابني . هل استحوذ انطوني مورغان بخبثه ودهائه عليك الى هذا الحد ؟ انه انسان لا اخلاقي فعلا .
- يزعجني كلامك عن السيد انطوني بهذه الطريقة .
- انت يا دينا زهرة بالنسبة الى انطوني مورغان , سيمتص رحيقها ثم يرميها .
- لا دخل للسيد انطوني بموضوعي مع راسل .
تركت دينا المطبخ اسيرة للانزعاج , فلحقت بها السيدة متسائلة :
- هل ستخبرين راسل بما دار بيننا من حديث ؟
- لا . فهو لا يملك الوقت الكافي لايجاد التوازن بيننا .
صرفت روعة الفيلم دينا عن التفكير بما يحيطها من مشاكل , وحين ارجعها راسل الى البيت قالت له :
- امك تنتظرك يا راسل , فعد اليها .


- لقد تغيرت يا دينا .
- نعم تغيرت . لم اعد تلك الفتاة الحالمة , التي تعدو وراء العواطف . لقد اصبحت متزنة , عاقلة . اليس هذا ما تريده ؟
اجبرها راسل على مواجهته :
- ما هذا كله يا دينا ؟ هل حدث ما ازعجك الليلة ؟
وسألتها نبضات قلبها : ( دينا ... دينا ... ماذا اقول له ان جاء يسألني ان كنت اهواه ؟ اني لست اهواه . اني لست اهواه ) .
اصمت دينا اذنيها عن صرخات قلبها وقالت :
- لقد عدت يا راسل الى الواقع , لم يعد يهمني شيء . لم يعد يهمني أي شيء .
ابتسم راسل قائلا :
- عزيزتي , لن تكون امي الليلة في انتظاري , واستطيع البقاء معك لفترة اطول , فما رايك ؟
- يمكننا تناول وجبة خفيفة , شرط ان نعود بعدها الى البيت , فأنا متعبة جدا .
- قال لها بعد العشاء :
- لماذا لا نرتاح قرب النافذة , في ذلك المقعد الوثير ؟
- انني مرهقة , سآوي الى الفراش استعدادا لعطلة اسبوع طويلة.
- ماذا تعنيين يا دينا ؟
- سنذهب مع السيد براين مورغان وعائلته الى مزرعة ابنتهم ميغان على ضفاف بحيرة هيز .
- كنت اود اصطحابك الى تلك المناطق , لكن مشاغلي ...
- اعرف ... اعرف ... مشاغلك كثيرة . هلكنت تهمل جيني دائما يا راسل ؟ هل كان تناسيك اياها السبب في فسخ خطوبتكما ؟
- كل هذا دفنه الماضي .
- اتمنى تصديقك لكن ...
زرع راسل الغرفة جيئة وذهابا قبل ان يسألها :
- هل تحبين انطوني يا دينا ؟

- انت بالنسبة اليه ...
- انا بالنسبة اليه زهرة في روض , سيمتص رحيقها وينساها .
افهمتني والدتك ذلك , ومع هذا لن تنجحا ابدا في زعزعة ثقتي بنفسي . اذهب يا راسل . اذهب الى امك , فهي وحدها القادرة على تحمل اخطائك .
- هل غيرتك من جيني هي سبب ثورتك ؟
- لم تنهش الغيرة قلبي بعد , ويظهر انني قطعت المسافات سعيا وراء حلم , فاصطدمت بواقع مقيت .
- اعتدلت الخالة كيت في سريرها تستمع لنقاشهما : ( ارجوا ان يكون هذا بداية النهاية بينهما . الصبر جميل . الصبر جميل ).
ابتلعت الحيرة دينا بعد خروج راسل : ( من انا بالنسبة الى انطوني ؟ من انا بالنسبة اليه ؟ ) .
دخل انطوني
المكتب صباح يوم الجمعة مسرورا :
- قلبي يحدثني اننا سنمضي عطلة اسبوعية رائعة بإذن الله , سيكون ابي وامي في بيتكم عند الظهر , وقد قررنا الانطلاق الى المزرعة في السابعة من صباح الغد , فكوني على اتم الاستعداد .
كانت جذوة الأمل بقضاء عطلة لا تنسى قد خبت في اعماق دينا :
( ذكريات داعبت فكري , ولست ادري ايها اقرب الي . لا تزال ذكرى اقوال راسل وامه تعبر افق خيالي , فماذا افعل يا رب ؟ ماذا افعل ؟ ) .
وجدت نفسها تقول :
- لك ما تريد .
- ما رايك في الذهاب الى الهضبة القريبة بعد انتهاء ساعات العمل , لنستقبل جحافل الليل هناك ؟
كان الليل قد بدأ يزدرد بقايا النهار ببطء , عندما وقفت دينا تتأمل انطوني على قمة الهضبة : ( انك يا انطوني الرجل الذي احب . انت الرجل الذي اهوى ) .
افزعتها افكارها , فسألت انطوني :
- هل تعرف جيني , خطيبة راسل السابقة ؟
- رأيتها معه مرة .
- هل ذهبت يوما برفقتها ؟
- ولماذا اذهب برفقتها يا دينا ؟
- سألتك لارضاء فضولي فقط .
- ما اغرب اسألتك . هل انت متعبة ؟ اراك شاحبة يا عزيزتي .
- اتعبتني كثافة العمل قليلا .
احاطتها ذراعاه بكل حنان وهو يقول :
- امضينا نهار عمل مرهق . معك حق . ستريحك عطلة هذا الأسبوع ان شاء الله .
تلاشت في افق صدره : ( يا حبيبي كل شيء بقضاء / لاتقل شئنا فإن الحظ شاء . احبك يا انطوني , وحبك قضائي وقدري ) .
في صباح اليوم التالي , وعندما كانت السيارة تتجه بالجميع الى ضفاف بحيرة هيز , صافحت دينا بأنظارها الجبال والسهول , الوديان والأنهار , فأنساها جمال الطبيعة الهموم كلها .
توقع انطوني ان تكون ميغان في انتظارهم , لكنهم وجدوها في المطبخ توبخ ابنتها برونوين :
- ما هذا الذي فعلته ؟ الم يكن في وسعك الانتظار ؟
اجابتها الطفلة :
- اردت الحصول على المادة اللاصقة دون تأخير . ساعديني يا امي. بدأت المادة تتسرب الى فمي . طعمها فظيع .

اسرعت ميغان لمساعدة طفلتها , متناسية صراخ طفلها الرضيع .
تأمل الزائرون الأم وطفليها قبل ان يستسلموا للضحك . التفتت ميغان مذعورة , فوجدتهم وقوفا بباب المطبخ , فشاركتهم ضحكهم , واسرعت الصغيرة لتحية جدتها متناسية وضعها , فاندفعت السيدة براين مورغان نحوها قبل ان تصرخ :
- برونوين عزيزتي . انتظري . لا تحيطيني بذراعيك .
تدخل انطوني :
- ما رأيك في تأجيل العناق حتى تنتهي من تنظيف الغراء ؟
قالت ميغان :
كان كل شيء يسير على ما يرام قبل دقائق . ما اسوأ حظي .
سأذهب لتنظيف الصغيرة . تعالي معي يا امي . وانت يا انطوني , ارجوك احتضن الصغير , عله يهدأ قليلا .
تأملت دينا انطوني : ( انه صورة رائعة للحنان والعطاء والمحبة ) .
اعادها اعتذار ميغان الى الواقع :
- أسفة لهذا الاستقبال يا دينا , سأنتهي من تنظيف برونوين , ثم نشرب سوية قدحا من الشاي .
- لا تعتذري يا ميغان , دعيني اساعدك .
انهى الثلاثة تنظيف الطفلة , وخلال دقائق كانت الحياة في البيت قد عادت الى طبيعتها .
لاحظ انطوني ذلك فقال :
- تحضر العمة هيتي بعض المآكل , وابي يتفقد قطعان الماشية , فلماذا لا انادي ايفان ولويد يا ميغان ؟
- ناديهما بأعلى صوتك حتى يسمعاك .
مضت دقائق قبل ان يدخل ايفان زوج ميغان , ومعه ابنهما البكر لويد الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره .
اخبرت ميغان زوجها بما حدث لبرونوين , فقال :
- ارجو ان لا يضطرنا الحادث الى قص شعرها .
طمأنته دينا :
- لن نضطر الى قص الشعر , لكنه قد يحتاج الى عملية تنظيف اخرى قبل النوم .
تأمل انطوني دينا مبتسما , فأشاحت بصرها عنه : ( ان رماح نظراته تخترق اعماقي , وتهتك ستر اسراري . نظرات اخته تقلقني. هل انا اول فتاة يأتي بها الى هنا ؟ ) .
كان الليل قد ارخى سدوله عندما سألتها ميغان :
- ما الذي اتى بك الى نيوزليندا يا دينا ؟
اجابها انطوني :
- اتت لتزيد معرفتها براسل ميلغروف .
فوجئت ميغان :
- لا اصدق انك اتيت الى نيوزيلندا اكراما لراسل ميلغروف . انه ... انه... اسوأ مثال للشباب النيوزلندي .
اسكتها شقيقها :
- ولم هذا الكلام يا ميغان ؟
- آسفة لازعاجكم بكلامي , لكن الرجل ترك اسوأ الأثر في نفسي منذ اللحظة الأولى التي عرفته فيها .
ذهب الأطفال للنوم بعد العشاء , وتركوا الكبار يفكرون بأفضل وسيلة لقضاء الأمسية .
قال انطوني :
- سأصطحب دينا في جولة استكشافية .
- أفضل الصعود الى غرفتي اولا , اذا سمحت .
وقفت دينا امام نافذة غرفتها , تراقب عظمة الخالق في خلقه .
قالت بلا تفكير :
كل شيء هنا رائع يا خالتي , المروج , والهضاب , وسكون الليل ...
فسمعت صوت انطوني يتساءل :
- الست انا رائعا ايضا يا دينا ؟
- لا اعرف يا انطوني. لا اعرف .
- ستتخلصين من حيرتك قريبا .
- ماذا تعني ؟
- لست مضطرا لتفسير ما اعنيه منذ الآن يا عزيزتي .
اقترب منها واحتضن وجهها متسائلا :
- لماذا لا المح شعاع الفرح في عينيك يا دينا ؟ هل راسل هو السبب ؟
- تستطيع قول ذلك , نعم .
- ما الذي يزعجك ؟
- ارجوك دعني وشأني .
- لا بد انك متعبة .
- لست متعبة ابدا .
- عندما تتوتر اعصابك تتحولين الى طفلة صغيرة .
غاصت دينا في بحر عينيه : ( الى متى تنوي تعذيبي يا انطوني ؟ الى متى ؟ ) .
قالت له :
- انني متعبة فعلا , لكن وجودي هنا سيريحني حتما .
- انني متأكد من هذا . فكرت قبل موت اخي اوين بشراء قطعة ارض في هذه المنطقة .
- لفهما بعد ذلك الصمت , الى ان قالت دينا :
- لنشرب القهوة مع الأهل يا انطوني .
- لكنهم لا يمانعون على بقائنا هنا يا عزيزتي .
استعصت الكلمات على دينا , ففضلت السكوت , وعندما انتهت من شرب قهوتها , سمعت انطوني يقول :
- لن ارهق دينا بنزهة الليلة . تعالي يا عزيزتي .


اعتمادات 06-03-10 02:57 AM

- يريحني السير لمسافات طويلة يا انطوني , فلا تقلق .
- سارا على مهل في الخارج , سألها انطوني :
- ايريحك السير من اعبائك حقا ؟
- في بعض الأحيان . سامحني على توتر اعصابي قبل قليل .
لامس اصابعها بحنان :
لا لزوم للاعتذار , فنحن بشر يا عزيزتي . ثم اننا اصدقاء , والصديق وقت الضيق .
- اشكرك ... اشكرك يا انطوني .
- ارتدي سترتك , فالأجواء تميل إلى البرودة .
جلسا على صخرة , فأحاطها انطونيو بذراعه قائلا :
- لا أريد لنبوءات الصخر آن تؤذيك .
غلب النوم دينا وهي مستكينة لصدر انطوني , وحين داعب اسماعها بتحية المساء , فاجأته بسؤال :
- لماذا اسأت التصرف مع راسل في الماضي يا انطوني ؟
- ما هذا الأهتمام المفاجىء بالماضي ؟
- لأرضي فضولي فقط .
- كانت شقاوة أطفال , لا أكثر .
- حسنا ... حسنا .
- انسي راسل يا دينا . انسيه , إن كلامك عنه يزعجني .
- تذكر إنني قطعت من اجله مسافات طويلة . طويلة جدا .
- اعرف هذا . ومع ذلك , ارجو ان ترحميني من ذكره .



10. لهذا جاءت الى بيت راسل . طلبت منه , بلسانها , ان يعطيها الحرية . وبقلبها اخذتها .




بانت السعادة واضحة على وجه براين مورغان وهو يـتأمل بحب افراد عائلته الكبيرة , واستولت الغبطة على دينا وهي تراقب ميغان بين زوجها واطفالها : ( حياة ميغان فيها استقرار وحب . ما احلى العائلة ) .
استمتع الجميع بعد الغداء بدفء الشمس وظلال الأشجار .
وقال ايفان :
- يفكر جيراننا بطرح مزرعتهم للبيع في الأسبوع المقبل .
ضغط انطوني على يد دينا بحنان وهو يقول :
- انها مزرعة رائعة , ما رأيكم في ان نترك ايفان بعض الوقت مع ميغان ونذهب جميعا في نزهة مع الأولاد ؟
امسكت ميغان بذراع دينا قائلة :
- اتمنى ان تكوني اعتدت تصرفات اخي المفاجئة يا عزيزتي . لا تنسوا العشاء في الخامسة .
تأملت دينا انطوني وهو يلاعب الاطفال في الحقول : ( استغرب ان يرفض رجل عائلة من الطراز الأول مثله , فكرة الزواج . قد تباعد الأيام بيني وبين انطوني , لكني احلم باليوم الذي سأبعد فيه راسل عن ساحة حياتي ) .
قال والد انطوني في طريق العودة :
- هناك بعض الأعمال التي تتطلب الانجاز في مدينة كرايست تشيرتش . خذ دينا معك في عطلة الأسبوع المقبل , واذهب الى هناك , تستطيع ايريني القيام بمسؤليات المكتب اثناء غيابكما .
- فكرة حسنة يا ابي , لكنني افضل وجود السيدة بتسون سكرتيرتك معنا , رفقا بسمعة دينا .
تساءلت امه :
- الم تنسى الماضي بعد يا بني ؟
- لا يا امي ... لم ولن انساه ما حييت .
غيرت الخالة كيت مسار الحديث :
- من فضلك يا انطوني , توقف هنا قليلا , فالمناظر تستحق الرسم .
بقي الندم يؤرق دينا اياما بعد ذلك : ( لماذا غيرت خالتي مسار الحديث ؟ كنت اتمنى معرفة اصول الحادثة وجذورها ) .
اعتذر راسل عن رؤيتها نهار الاثنين , فاتفقت معه على الذهاب في نزهة بالسيارة نهار الاربعاء: ( يجب ان احطم قيود راسل . علي ان امحو آثاره من حياتي مهما كان كلفني الأمر ) .
دعت السيدة ميلغروف دينا الى العشاء يوم الثلثاء , فلم تستطع رفض الدعوة : ( اردت الاجتماع براسل وحدي . لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) . استغربت دينا حسن استقبال السيدة لها : ( ما الذي تحاول السيدة ميلغروف فعله ) .
كانتا تتناولان العشاء عندما سألتها السيدة :
- ما رايك في الاقامة معي بعد زواجكما يا دينا ؟ لا ... لا اعتقد انك تفضلين فكرة الاستقلال , اليس كذلك ؟
- ان مثل هذا الحديث سابق لأوانه يا سيدتي , ومازال امامنا الكثير من الوقت للتفكير .
- لا لزوم للتفكير يا دينا , فقد عرفتك , ويسرني ان تكوني زوجة لابني .
- جاء دوري الآن للتأكد من مشاعري يا سيدة ميلغروف .
دخلتا غرفة الجلوس بعد انتهاء العشاء . فقالت السيدة ميلغروف :
- سأقيم في عطلة الأسبوع حفل عشاء كبير , اعرفك فيه الى اصدقائنا .
- آسفة يا سيدتي , سأذهب مع مديري في عطلة الأسبوع الى كرايست تشيرش , في رحلة عمل .
- وهل يعقل ان تظهر خطيبة ابني بصحبة هذا الرجل اللااخلاقي .
- لست خطيبة ابنك يا سيدتي , وانا اثق باخلاق السيد انطوني مورغان ثقة عمياء .



- انه لايستحق ثقتك يا عزيزتي .
قاطعتها دينا غاضبة :
- انه رجل بكل معنى الكلمة .
استغربت السيدة :
- ما هذا الدفاع المستميت عن الرجل يا دينا ؟ ان فضيحته ما زالت على كل لسان .
- احكي لي بالتفصيل عما تسميه فضيحة يا سيدتي .
استمعت دينا الى تفاصيل القصة بانتباه , فتبين لها ان انطوني انتشل سكرتيرته من مأزق وقعت فيه , وقام برعايتها , كما يرعى أي موظف في المؤسسة . فجابهت السيدة ميلغروف برأيها , وسفهت محاولتها تشويه سمعة انطوني .
دخل راسل في تلك اللحظة وقال :
- لا بد ان انطوني هذا قد خلب لبك , وملأ راسك بالأكاذيب عني يا دينا .
- لم يفعل شيئا من هذا يا راسل . اما ما تسميه انت وامك فضيحة , فأنت تعرف انه كان تصرفا انسانيا , انقذ به
احدى الموظفات . انك انسان جبان وضعيف الشخصية يا راسل . وانا هنا الليلة لأمحو اسمك من قاموس حياتي . وكلي امل في ان تعود الى جيني التي كنت معها ليلة السبت .
تدخلت السيدة ميلغروف :
- لم يكن مع جيني مساء السبت , كان مع كليو .
سخرت دينا منها :
- وماذا في ذلك ؟ كليو فتاة طموحة وجميلة وتستحق الخير , واسم كليوباترا يناسب الأوضاع في هذا البيت اكثر من اسمي .
اسكتها راسل بقوله :
- كفاك سخرية من امي يا دينا , واؤكد لك مرة اخرى انك لست بالنسبة الى انطوني مورغان الا وسيلة تسلية .
- وكيف اكون بالنسبة اليه وسيلة للتسلية , وهو لا يعرف بعد عمق مشاعري نحوه , ولا هيامي المجنون به ؟
حاولت السيدة ميلغروف تدارك الموقف :
- اهدئي يا دينا , اهدئي . لا اجد ضرورة لهذا , فأنت الفتاة المناسبة لابني .
- لم ولن اكون الفتاة المناسبة لابنك في يوم من الأيام يا سيدتي . ان انطوني مورغان هو الرجل الوحيد الذي ملك علي قلبي وعقلي . انصحك بأن تعيدي ابنك الى حبيبته الأولى , مع اطمئنانها بأنني خرجت من حياته والى الأبد .
تلقفها جوف الليل وسمعت نجومه كل ذرة من كيانها وكأنها تصرخ : أعطني حريتي أطلق يدي .
إنني أعطيت ما استبقيت شيئا . 11- رحلة مثيرة وشاقة يذوق انطوني ودينا الأمرين , في يوم ممطر وعاصف . وعلى بعد خطوة يكمن لهما الموت .
فضلت دينا تأجيل إخبار العمة كيت بانفصالها عن راسل :
( سأتجرع كأس الألم الخيبة وحدي . لا اريد مساعدة احد . لا اريد مشاركة احد لا سيما انطوني براين مورغان ) .
فاجأها انطوني في صباح اليوم التالي بقوله :
- هناك اشياء يجب ان تعريفيها يا دينا .
تحسبت دينا لأي طارىء : ( هذه المرة الأولى التي يناديني فيها باسمي مجردا في المؤسسة . علام تنطوي الدقائق المقبلة يا ترى؟ )
سألته :
- وما هي يا سيد انطوني ؟
- ما سأقوله قد يغير مجرى حياتنا يا دينا .
جنت نبضات قلبها : ( ترفق بي يا انطوني . ترفق بي ارجوك ) .
سمعته يقول :
- سأبتاع المزرعة القريبة من بيت اختي ميغان , واتفرغ للزراعة . تلاقت نظراتهما : ( نعم يا انطوني . قتلني سهم حبك مرة , وسيقتلني غيابك الف مرة ) .
قالت له :
- ان اتخاذ أي قرار في مثل هذه الشؤون يعود اليك وحدك .
- هذا ما قاله ابي ايضا , لكنني تصورت ان في امكانك مساعدتي .
- لن استطيع ذلك , حتى لو حاولت .
ترك مقعده متجها نحو النافذة وقال :
- لهذه المؤسسة تاريخ عريق يا دينا . عريق جدا .
اقتربت منه بقلب واجف :
- تنبئني نبرات صوتك بتوصلك الى قرار .
- نعم يا دينا . بعد شعوري الليلة الماضية قررت البقاء . فإن ادارة المؤسسة تشدني بسلاسل من حرير .
ازدحمت مآقيها بدموع الفرح , فأشاحت بوجهها عنه . لكنه اجبرها على مواجهته :
- دينا ... انظري الي . احب دموعك . سأستدعي ابي من قسم المعروضات , لأبلغه قراري في الحال .
- لاح الفرح في عيني دينا :
- اسمح لي ان استدعيه بنفسي .
اسرعت الى قسم المعروضات , فوجدت براين مورغان يناقش الموظفين في افضل الطرق لعرض البضائع .
انتظرت انتهاء المناقشة , ثم حيته قائلة :
- انت مطلوب في مكتب السيد انطوني يا سيدي .
حملت نظراته اسئلة كثيرة :
- هل اخبرك انطوني بشيء يا دينا ؟
- نعم يا سيدي , اخبرني بالعرض المقدم له .
- وهل اطلعك على قراره ؟
- سيخبرك قراره بنفسه . اعذرني , سأذهب لشراء الحاجيات .
مرت دينا بزاوية كليو , فسرت الفتاة لرؤيتها :

اعتمادات 06-03-10 02:58 AM

- هناك امور اود مصارحتك بها .
- اعرف انك كنت بصحبة راسل مساء السبت الماضي يا كليو .
علاقتي به استقرت في جوف النسيان .
- احمد الله على ذلك , فراسل لا يستحقك . عرفني يومها بفتاة اسمها جيني .
ابتسمت دينا : ( اراد ان يثير غيرة جيني , بوجوده مع كليو . مسكين ) .
رجتها كليو :
- عودي الي يا دينا بعد انتهائك من شراء حاجياتك . هناك سؤال يتردد في خاطري باحثا عن جواب .
استجابت دينا للرجاء , فسألتها كليو :
- هل صارحك المدير بمكنونات قلبه ؟
فهمت دينا ما عنته كليو بسؤالها , فأكدت لها :
- علاقتي بالمدير لا تتعدى الصداقة , وهو ليس سبب انهاء ارتباطاتي براسل .
- لا اصدق ما تقولين . اخبريني ... هل وصلتك الاشاعات المغرضة ؟ لا تعيري انتباها لما تسمعينه يا دينا , ارجوك . ان السيد انطوني رجل شهم وكريم , اما سكرتيرته السابقة ايلويز هاربر ف ... استغفر الله العظيم دائما .
- اخبريني يا كليو , هل انتشلها من مأزقها لأنها موظفة في الشركة فقط ؟
- نعم , سا عدها , ونسي المثل القائل : اتق شر من احسنت اليه.
- اشكرك على تزويدي بالمعلومات . الى اللقاء .
دعاها انطوني بعد ذلك لمشاهدة فيلم سينمائي . فرفضت الدعوة قائلة :
- آسفة . علي التفرغ لخالتي كيت في اليومين المقبلين .
- اليست مواعيدك مع السيد ميلغروف هي سبب اعتذارك ؟
- ابدا ... صدقني .
اتسمت نبرات انطوني بالجدية وهو يقول لدينا مساء يوم الاثنين :
- ايحق لي ارهاقك بساعات عمل اضافية , قبل يومين من رحلتنا الى مدينة كرايست تشيرش يا آنسة بريتشارد ؟
- ان طلبي للعمل هو من ابسط حقوقك علي يا سيدي, اما اذا كنت تعتقد انني لن استطيع تحمل اعباء الرحلة ومسؤولياتها , فاختر غيري .
- لا تحولي العمل الى مرآة تعكس مشاكلك مع السيد ميلغروف .
- ومن قال لك انني اعاني من راسل ووالدته ؟ اننا ولله الحمد على احسن حال .
- اقبلي تهاني الحارة اذا . سأكون في مستودعات التخزين , اذا دعت الحاجة الي .
جلست دينا في ذلك اليوم تتناول غداءها على مائدة واحدة مع المسؤول عن مستودعات التخزين فصارحها :
- اعتقد ان السيد انطوني متوتر الأعصاب في هذه الفترة , فقد وبخ عمال المستودعات اليوم لأتفه الأسباب .
- لا شك انه متعب .
بقي انطوني مورغان عصبي المزاج طوال يومين , لكنه عاد للتحكم بدقه مزاجه مساء يوم الثلثاء اذ قال لها :
- سأوصلك الى البيت يا دينا .
- اشكرك . طلبت ذلك من احد الزملاء . ستكون رحلتنا طويلة وشاقة في الغد .
- نعم . وسترافقنا الآنسة موريسون ايضا . يبدو عليك الهزال . ارجوا ان تعود الرحلة عليك بالصحة والعافية .
- اشكرك على اهتمامك يا سيدي .
- سأمر بك يا آنسة بريتشارد في التاسعة من صباح الغد , ثم بالسيدة بيتسون , واخيرا بالآنسة موريسون . ماذا بك يا دينا ؟
معاناتك واضحة . لكن مما تعانين ؟
- لا اريد ان اثقل كاهلك بمشاكلي دائما ياسيد انطوني .
- نادني انطوني , ارجوك . هل ازعجتك السيدة ميلغروف بتصرفاتها مؤخرا ؟
- لا ابدا . كانت ستقيم حفل عشاء لتعرفني الى اصدقائها في عطلة هذا الأسبوع .
- وما الذي اعاد الأمور بينكما الى نصابها ؟
- باركت خطواتي مع راسل , بعدما تفحصت جذوري العائلية والأخلاقية .
- اهنئك , واتمنى لك حياة سعيدة .
- اشكرك .
- ارجوا ان يحقق هذا الزواج آمالك واحلامك .
- ان الزواج ليس جنة نعيم دائم , لذلك لا يسعني الا طلب التوفيق من الله .
- كان الله معك يا آنسة بريتشارد , فراسل يحتاج الى فتاة مثلك , تصلح اعوجاج طريق حياته . تصبحين على خير .
تأخر انطوني بالوصول في صباح اليوم التالي , وعندما مر ببيت دينا , كانت السيدة بيتسون تحتل المقعد الى جانبه .
حين تقدم نحو دينا تصاعد انين قلبها : ( انطوني ... حبيبي ... اتراك تسمع آهات قلبي ؟ اتراك تحس بعذابي ؟) .
حيا انطوني الخالة كيت قائلا :
- ارجوا ان تقبلي دعوة والدتي لشرب قدح من الشاي معها . في الثالثة من بعد ظهر اليوم يا سيدتي .
- بكل سرور يا بني . سأوافيها في الموعد المحدد بإذن الله . مع السلامة .
- فتح انطوني باب السيارة الخلفي لدينا قائلا :
- بقاء السيدة بيتسون في المقعد الأمامي ضروري , لئلا تصاب بالدوار .
حجب الألم عن دينا نعمة الاستمتاع بمناظر الطبيعة , والمدن الصغيرة الحلوة التي تناثرت هنا وهناك . لكن حناياها بقيت تردد :
( الحب طارق بلا استئذان . الحب طارق بلا استئذان ) .
انذرتهم الغيوم التي كست السماء بردائها الرمادي , بقرب هبوب العاصفة . فاقترحت عليهم السيدة بيتسون قضاء الليل في بيت صغير تملكه , قريب من المدينة التي ينوون زيارتها . لكن انطوني قال معتذرا :
- اشكرك يا سيدة بيتسون , افضل متابعة الرحلة , وسيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله بمساعدة الآنسة بريتشارد .
تابعا رحلتهما , بعد ان اطمأن انطوني على احوال السيدتين في البيت الصغير . كانت السماء تلك الليلة تغني



بأمطارها للأرض اغنية حب خالدة , فحلقت دينا في افق الخيال , وسماء الأحلام , حتى اصطدمت سيارتهما فجأة بصخرة كبيرة اسقطتها السيول من عل , فتربعت في منتصف الطريق . حاول انطوني تخفيف الصدمة فانحرف بالسيارة عن مسارها , فتدهورت في خندق جانبي .
عاد الهدوء يغمر كل شيء بعد قليل من الحادث , وسمعت دينا انطوني يسألها مذعورا :
- دينا عزيزتي هل اصبت بسوء ؟
كانت الرجفة تسري في اوصالها وهي تقول :
- اطمئن . اطمئن يا انطوني انني بخير . ما هذا ؟ الدماء تسيل من رسغك .
- انه جرح بسيط . لا تقلقي . من الأفضل لنا ان نخرج من السيارة . اصبح الخروج من جهتي مستحيلا . ماذا عن جهتك؟ انفتح باب دينا بعد جهد , واستسلم الاثنان لجنون العاصفة , وهما يبتعدان السيارة المهشمة رويدا رويدا .
كان زئير العاصفة يصم الآذان , فرفع انطوني صوته قائلا :
- علينا الاتصال بالشرطة لاخبارهم بالحادث , ولكن انى لنا بجهاز هاتف ؟
لاحت لهما من بعيد انوار كوخ ريفي تشامخ على قمة الهضبة , فأملت دينا خيرا , وقال انطوني :
- قد نجد جهازا للهاتف في ذلك البيت . هيا بنا .
- احست دينا بالدم يسير حارا من جرح انطوني :
- مازال جرحك ينزف .
- لا تقلقي يا دينا , انه جرح بسيط . انظري . علينا ان نجتاز ذلك الجسر الخشبي قبل الوصول الى البيت .
- كأني به على وشك الانهيار .
- فلنتقدم .
احس انطوني بالجسر ينهار , فقفز الى الطرف الآخر مع دينا , التي صرخت فزعة عندما شعرت بنفسها قاب قوسين او ادنى من الموت . بقي انطوني ممسكا بها وجذبها معه , وعندما اطمئن على سلامتها قال بلهفة :
- دينا يا حبيبتي , احمد الله على نجاتك .
عجز لسانها عن النطق بكلمة , فأشارت الى البيت قائلة :
- من الصعب علينا الوصول الى البيت يا انطوني , فهو بعيد , وعلى مرتفع .
- علينا ان نحاول الوصول اليه يا عزيزتي . هيا بنا . اراك مرتبكة الخطوات . ماذا بك ؟
- عندما انهار الجسر , فقدت حذائي , لا تخف .
لف انطوني قدم دينا بمنديله وهو يقول :
- سيقيك هذا المنديل من الجروح اثناء السير .
كانت ابواب البيت مقفلة , الا بابا جانبيا دخلا منه , واسرع انطوني الى الهاتف ليبلغ رجال الشرطة بالحادث , واوكلهم باخبار الأهل بانهما بخير . بحث بعد ذلك بمساعدة عاملة الهاتف عن مكان وجود صاحب البيت , واتصل به ليخبره بما حدث . فهنأهما بالسلامة
وطلبت منهما زوجته اعتبار نفسيهما في بيتهما .
بعد الاستحمام ومعالجة الجروح . وتناول وجبة خفيفة , قال انطوني:
- اذا تجرأ راسل على الاحتجاج في الغد فسأتدبر امره .
- لن يحرك راسل ساكنا , فاطمئن .
- ثقتك به كبيرة .
لامست ذراعه قائلة :
- لكن ثقتي بك اكبر يا انطوني . حمدا لله على سلامتك . وتصبح على خير .
نامت يدها بين يديه وهو يقول :
- وانت بألف خير يا عزيزتي . اشكرك على ثقتك .
اشرقت ابتسامة الشمس دافئة على وجه السماء في صباح اليوم التالي , وغصت الطريق برجال الشرطة الذين جاؤوا لسحب السيارة المهشمة , بينما كان الصحافيون يتساءلون عن تفاصيل الحادث .
وصلت الخالة كيت ودمع العين يسبقها :
- احمد الله على سلامتكما .
سأل انطوني :
- لماذا لم يأت راسل حتى الآن يا دينا ؟
- ربما لم يسمع بالحادث بعد .
- اغبطه على ثقتك به .
شرب الجميع الشاي في منزل الخالة كيت , قبل ان يتابعوا طريقهم الى المزرعة .
وفي الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم , اتصلت ميغان :
- احمد الله على سلامتك يا دينا . كيف حال انطوني ؟
- كلنا بخير والحمد لله , شكرا لك .
- حاولت الاتصال بالبيت بمجرد سماعي بالنبأ , لكن محاولاتي باءت بالاخفاق , فتركت ايفان مع الأولاد . واتيت لأطمئن بنفسي . لكن حادثاوقع لسيارتين على الطريق , اجبرني على التأخر .
- اين انت الآن يا ميغان ؟
- في مكان قريب من بيتكم .
- لماذا لاتمضين الليلة معنا , وتتابعين رحلتك الى المزرعة غدا صباحا ؟
- الوقت متأخر لفعل أي شيء آخر , اشكرك على دعوتك , سآتي في الحال .
تربعت شمس يوم جديد وضاءة في كبد السماء , واستيقظت ميغان على صوت الخالة كيت ودينا :
- صباح الخير يا ميغان , جئناك بالفطور .
شكرتهما ميغان وتناولت فطورها قبل ان تستحم , ثم شربت قدحا من الشاي , واستعدت للانطلاق بعد يأسها من اقناع كيت ودينا بمرافقتها . سألتها دينا قبل ان ترحل :
- لماذا اساء انطوني التصرف مع راسل في الماضي يا ميغان ؟
- التقط راسل في ذلك اليوم ضفدعا , وراح يعذبه باسم التسلية , وعندما رأى انطوني ذلك اطلق سراح الضفدع , والقى براسل في البحيرة . قد نكون اخطأنا , لكن راسل لا يعرف معنى الرفق بالحيوان .

اكدت دينا :
هذا صحيح , كان الله معك في حلك وترحالك يا ميغان . مع السلامة .
12- ... وتنكشف الحقيقة على حدثين كبيرين : براءة انطوني مورغان من الشائعات , وكلمتين عميقتين قالهما انطوني ودينا : احبك ... احبك .
نشرت الصحف خبر الحادث , فاهتم الموظفون طوال يومين بمعرفة التفاصيل .
سأل انطوني دينا :
- ماذا كان تعليق راسل على الحادث ؟
- ترك الأمور بلا تعليق . ماذا تريدني ان افعل بهذه الرسومات يا سيد انطوني ؟
- سلميها الى الموظف المختص , انه يعمل على تنظيم احدى الواجهات .
- كانت كليو تتكلم على الهاتف عندما مرت بها دينا :
- هناك مكالمة خارجية للسيد كلادستون , ناديه من فضلك .
اخبرت دينا السيد كلادستون بالمكالمة الخارجية , فانزعج وقال :
- في اضيق الأوقات اتانا عزيز كتابكم . ارجوا منك الوقوف مكاني , لتثبيت قطعة القماش , حتى اعود يا آنسة بريتشارد .
احتلت مكانه لحظات , سمعت خلالها امرأة شقراء الشعر تقول لرجل معها :
- ما زلت افضل القيام بالمحاولة خارج اوقات الدوام .
- اما انا فأفضلها بوجود الموظفين , لأن ذلك يضعفه .
فكرت دينا : ( من هو هذا المسكين الذي سيثيرون زوبعة من المشاكل في افق حياته يا ترى ؟ ها قد عاد السيد كلادستون . سأبحث عنهما بنفسي ... لم اجد احدا ... ماذا افعل ؟ سأبلغ السيد انطوني في الحال ) .
سمعت اصواتا في مكتب انطوني , فترددت في الدخول . تسربل صوته غاضبا وهو يقول :
- كان علي ان امنع دخولك , او اطلب من سكرتيرتي تسجيل ما سيدور بيننا من حديث يا ايلويز .
صعقت دينا : ( ان سكرتيرة انطوني السابقة في مكتبه , يجب ان انقذه من براثنها بكتابة ما يقال على الورق , سأسجله على شريط ايضا . هاهي الآلة امامي ) .
ضحكت ايلويز قائلة :
- يالك من جبان , ان اعطائي بعض المال سينقذك من المشاكل . فلم الرفض ؟
- لأنني اكره المبتزين , وامقت محاولات الابتزاز .
- اعطني الفين من الجنيهات, وسأختفي من حياتك الى الأبد .
اما اذا رفضت , سأثبت شائعة فضيحتي بين الناس , واتركهم يشوهون سمعتك .
فكرت دينا في استدعاء بعض الموظفين ليكونوا شهودا على ما يقال, فأتت بالسيد ويلسون المحاسب , مع ضيفه رجل المباحث , وجارة انطوني ايريني كاهيكا . ثم عادت الى تدوين ما يقال :
هدد انطوني ايلويز :
- ان الابتزاز جريمة يعاقب عليها القانون , ولن ادعك تهربين من قبضة العدالة هذه المرة .
- سيصدقني الناس ويكذبونك يا انطوني , خصوصا بعد قضائك عطلة الأسبوع في كوخ صغير مع سكرتيرتك الجديدة .
- اياك ان تحاولي تلويث اسمها . انها على خلق رفيع , وانا احترمها .
- ان دفاعك عنها يثبت حبك لها .
- نعم , انني احبها ... احبها .
- عظيم ... سيساعدني هذا على تنفيذ ما عزمت عليه .
- صدق من قال : ( ان انت اكرمت اللئيم تمردا ) . سأتصل بالشرطة لتمنعك من نفث سمومك بين الناس .
دخل رجل المباحث في تلك اللحظة قائلا :
- الشرطة هنا , وفي خدمتك يا سيد انطوني . قامت سكرتيرتك بتدوين ما حدث وتسجيله . وفي استطاعتك اعتبارنا شهودا . انت رجل محظوظ يا سيدي .
اغمي على ايلويز , وطغت الفرحة على الجميع . لكن دينا ذكرت رجل المباحث بضرورة القبض على زوج ايلويز ايضا . ورافقته لمساعدته في التعرف عليه .
خرج رجل المباحث مع دينا من المكتب , فقال المحاسب لأنطوني :
- تحطيمك طوق الشائعات يستحق احتفالا كبيرا .
- معك حق كدت افقد الأمل في اثبات براءتي , لكن لاتقل ضاع الرجاء , ان للباطل جولة ...
تعرفت دينا على زوج ايلويز , وتم القبض عليهما , وذهب الجميع معهما للمخفر للادلاء بشهاداتهم . وعندما تمت الاجراءات القانونية , طلبت دينا من الموجودين تركها وحدها مع انطوني , فكان لها ما ارادت .
خاطبها انطوني :
- اعتقد انك سمعت وسجلت اعترافي بحبك , ولكن لا تدعي ذلك يؤثر على حياتك مع راسل . اتمنى لكما السعادة والهناء الدائمين . انني نادم على ما فعلته اليوم بالزوجين . كان علي تهديدهما فقط .
- لكن تسليمهما للشرطة هو وسيلتك الوحيدة لتنقية سمعتك من الشوائب التي قد تؤثر على اولادنا في المستقبل .
- لم يصدق انطوني ما سمعته اذناه , لكن دينا اردفت قائلة :
- خرج راسل من حياتي قبل اسبوعين . او يكفي اعترافي لك بأنني احبك حبا جما ...
ضمها اليه فرحا , وقال بلهفة :
- دينا حبيبتي ... يا كل الحاضر والماضي ... ياعمر العمر .
اغرورقت عيناها بالدموع , بينما كانت كل ذرة من كيانها تردد :
- ما اضيع اليوم الذي مر بي
من غير ان اهوى وان اعشق .



(تمت )


( اتمنى تعجبكم )

اعتمادات 06-03-10 03:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مس وااااااو (المشاركة 2197812)
بانتظاار الملخص....


وشكرا لك مقدما,,,



:8_4_134:

العفو اختى . انا نزلتها كلها واتمنى تعجبك
:lol:

اماريج 08-03-10 02:18 AM

الرواية حلوة كتير موفقة في الاختيار
انا اول مرة بقرائها وبارك الله فيك
تحيااااااااتي

:rdd12zp1::flowers2:

الجبل الاخضر 08-03-10 08:56 AM

تسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلم ايدك روعه وننتظر الزيد

Rehana 08-03-10 02:29 PM

يعطيك العافية ..اعتمادات

وإن شاء الله ماتكون آخر مشاركاتك هنا

تحــــــياتي لك

rana_rana 08-03-10 05:12 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اعتمادات 12-03-10 08:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اماريج (المشاركة 2200714)
الرواية حلوة كتير موفقة في الاختيار
انا اول مرة بقرائها وبارك الله فيك
تحيااااااااتي

:rdd12zp1::flowers2:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2201185)
تسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلم ايدك روعه وننتظر الزيد

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمــر الليل (المشاركة 2201342)
يعطيك العافية ..اعتمادات

وإن شاء الله ماتكون آخر مشاركاتك هنا

تحــــــياتي لك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rana_rana (المشاركة 2201443)
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


http://www.rjeem.com/up/images/zp6xkjlisw9zx6p4305.gif
http://www.rjeem.com/up/images/0ik0qs400moh7vooye.gif

قماري طيبة 03-04-10 06:25 PM

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

اعتمادات 07-04-10 02:15 AM

شرفتينى ونورتينى قمارى

:flowers2:

زهرة الماس 20-04-10 12:41 AM

يسلموووووووووووووووووووووووو

سفيرة الاحزان 02-05-10 02:55 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

رومنسية زمانها 03-05-10 01:03 AM

يسلمووووواعتمادات الف شكر على الرواية الممتعه لاهنتي قلبي

hoob 03-02-11 06:46 PM

:flowers2::friends:

hamesha 07-02-11 02:47 AM

rewaya jamila chokrannn

حنان محمد ابراهيم 04-11-11 03:24 AM

الرواية فى منتهى الرووووعة شكرا على مجهودك

سماري كول 12-11-11 02:03 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه الممتعه

ندى ندى 15-11-11 08:37 PM

جميله جدا جدا جدا

الملآك القاسي 06-07-12 12:16 PM

شكــــراً اعتماادات يا غاليــــه على الرواية النااايس

منى على سيد 21-07-15 12:21 AM

رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلم ايديكى

زينه مالك 02-08-15 09:23 AM

رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
أعجبتني مفردات القصة جدا
شكرا لمجهودك

فاكى 30-08-15 07:12 PM

رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
:toot::8_4_134::8_4_134:

نجلاء عبد الوهاب 21-10-23 05:34 PM

رد: 31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754:

Moubel 22-12-23 01:59 AM

رد: 31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
رائعة شكرا كثيرا 🥰🥰🥰🥰


الساعة الآن 09:40 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية