31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
http://www.hawahome.com/vb/nupload/1...1210451651.gif
حبيت اشارككم برواية من روايات قلوب عبير القديمة الرواية: دخان الكاتبة : أيسى سامرز للأمانة الرواية منقولة مع كل الشكر والتقدير للى كتبتها http://www.alhnuf.com/gallery/albums...0%28192%29.gif أتمنى قراءة ممتعه للجميع |
بانتظاار الملخص....
وشكرا لك مقدما,,, :8_4_134: |
الملخص :liilas::liilase::liilas::liilase: " ما الحب إلا للحبيب الأول " هل هذا صحيح ؟ وعداوة الكنه والحماة ، هل هي حقيقة تاريخية أم مجرد خرافة ؟ مسافات طويلة قطعتها دينا لتتأكد من ذلك ، ولتعرف أن الأمثال أحيانا تكذب ، والخرافات ربما تكون صادقة . رفض قلبها تصديق أن حبها الأول سيتحول كذبة . وأن عمرا بكامله ، مع حبيبها راسل ، سيلغى بلقاء . وتعرفت إلى مديرها الجديد ، انطونيو مورغان الذي تحوم حوله الشائعات ، وقررت الا تصدق وتختبره بنفسها حتى النهاية ، محافظة على المسافات اللازمة بينهما ... لترى جيدا قلبه. منتدى ليلاس ورأت ... وقاومت ما استطاعت . ومن يستطيع مقاومة القلب ؟ الأمر في النهاية له . هو القائد . وهي الطائعة . :8_4_134::8_4_134: :8_4_134: |
دخان فتح راسل باب البيت أمام دينا : ( سينادي الآن امه وستأتي سيدة هذا البيت الكبير خافقة القلب ، سريعة الخطى لاستقبالي ) . لكن آمال دينا في استقبال حافل ذهبت إدراج الرياح ، واجتازت مع زوج المستقبل الردهة بصمت في اتجاه حجرة الاستقبال حيث كانت السيدة ميلغروف تنتظرهما . تأملت دينا السيدة الواقفة أمامها مليا : ( إن السيدة ميلغروف اكبر سنا مما توقعت ، ويبدو لي انها من السيدات المتمسكات بحبال التقاليد القديمة الموروثة . ورؤيتها تقف في جمود امام تلك الباقة الحلوة من الأزهار الربيعية ، اكبر دليل على صدق إحساسي ) . خطت السيدة مليغروف نحو دينا فتبعثرت أفكار الفتاة ، ومدت لها يدها مصافحة . فلامست السيدة اطراف اصابع اليد المدودة بترفع قبل ان تقول : - اهلا بك يا دينا . فوجئت دينا بما لاحظته من تصرفات وما سمعته من كلام : ( ما هذه المقبلة الجافة وهذا الكلام المدروس ؟ آه . . . لابد ان السيدة متوترة الأعصاب . عني شيئا ، وهذه المرة الأولى التي تلقاني فيها . لا شك في ان مستقبلنا يقلقها بما يطويه بين جنباته من مجهول ) . تخلصت دينا من افكارها ، وتبعت السيدة ميلغروف الى غرفة نوم خاصة بالضيوف ، حيث خلعت قبعتها ، ووقفت امام المرآة تصلح من هندامها ، في الوقت الذي كانت فيه السيدة مليغروف تزيح الستائر عن النوافذ تاركة اشعة الشمس تحتل الغرفة ، وتستوطن كل زاوية من زاواياها . حين اصطدمت الأشعة الفضية الدافئة بخصلات شعر دينا داعبتها ، وغرقت في خضمها مبرزة لونها الناري الرائع . فجأة ارتعدت دينا مثل ورقة صفراء داعبتها رياح الخريف ، عندما اشتبكت عيناها في المرآة بعيني السيدة مليغروف : ( يا الهي . . . ما بال نظرات حماتي تقطر كراهية وحقدا ؟ ساعدني يا رب على الخلاص من حراب نظراتها المؤلمة . . . لا . . . لا . . . لا يمكن . . . اني انسانة ذات خيال جامح بلا شك . لذلك بت اتصور اشياء غير صحيحة . ما اغباني . . . ) . هربت دينا من افكارها ، واستدارت لتجدالسيدة مليغروف تعيد اسدال الستائر قائلة : - ان اشعة الشمس محرقة في انيوزيلندا ، ومن الممكن ان تضر بالمفروشات اذا لم يلتزم الإنسان جانب الحذر . - اصارحك انني وخالتي من عاشقات الاستمتاع بدفء اشعة اشمس في أي مكان وزمان . لذلك لايسعني الا التمني بألا تعود بالضرر على مفروشاتنا . - انصحكما بارخاء الستائر اكثر ساعات النهار ، ان اردت ان تصبح امنيتك حقيقية . - ان الخوف من اشعة الشمس الحارقة على البضائع المعروضة في واجهات المحلات التجارية هو السبب في بناء الشرفات امامها اذا. في الأيام الأولى لوجوديهنا ، تصورت انها لحماية الزبائن من الأمطار ، لكنني لاحظت في ما بعد اختفاء القبعات السوداء المستديرة والمظلات الواقية . - لكن ابني راسل يلبس قبعة في شكل دائم . تقطعت عند هذا الحد اوصال الحديث بينهما في شكل اربك دينا : ( يا رب . . . يا قادر على كل شيء. . . اعني . فهذه هي المرة الأولى التي اشعر فيها انني عاجزة تماما عن الخوض في اية مواضيع مع انسان مثلي . صحيح انها المرة الأولى التي اقابل فيها والدة راسل ، لكنني اقسم بعضمتك وعزتك انها المرة الأولى التي اسأل فيها نفسي : ما الذي سنتكلم عنه فيما بعد ؟ وانت الأعلم بذات الصدور . لقد اقترب موعد تناول الغداء . ما من شك في ان تناولي طعام الغداء معهما سيريحني من اعباء كثيرة ، ويغطي الهوة القائمة بيني وبينها ؟ ما هي المواضيع التي يسعدها خوض غمارها يا ترى ؟ لا شك في ان تنسيق الأزهار واحد منها ، ثم هناك الكلام عن راسل . فلأبدأ با لأزهار ) . قالت دينا للسيدة ميلغروف : - ان موهبتك في تنسيق الأزهار واضحة يا سيدتي . - لقد اخذت دروسا في اصول التنسيق لكي اتقنه . وبعد ذلك جعلت الورود جزءا لايتجزأ من حياة راسل . - ما اجمل هذا . اختطف التفكير في الورود والأزهار دينا من الواقع : ( انا ايضا احب الأزهار واهوى تنسيقها ) . عندما اجتمع الثلاثة في حجرة الجلوس ، اكملت دينا حديثها عن الأزهار فقالت : - ان رسم الورود يدخل ضمن اختصاصات خالتي الفنية . - من الشيق ان نسمع بانسانة تتلاعب بالألوان . - لكن خالتي لا تتلاعب بالألوان يا سيدتي ، انها فنانة تتقن الرسم وتعتبره قوام حياتها ، ولديها مرسم خاص بها . قاطع راسل دينا فجأة ، وقال وقد وضح في صوته رنين الاعتذار : - ان خالة دينا يا امي فنانة لاتؤمن بالفن التجريدي ، واعتقد انك ستعجبين بلوحاتها المستوحاة من صميم البيئة بكل سهولها ووديانها ، وبيوتها وشوارعها ، وحتى ورودها ورياحينها . بعدما مضت دقائق حل الصمت فيها ثقيلا على الثلاثة ، لكن راسل حطم سلاسل السكون بقوله : - رايت دينا اول مرة في معرض فني . . . فأسكتته امه بقولها : - اعرف . . . اعرف هذا كله يا بني . تاهت دينا مع افكارها : ( لايا سيدتي ، لا اعتقد انك تعرفين الا القليل من روعة اللحظات التي امضيتها مع راسل بعد لقائنا ) . ردتها السيدة مليغروف الى الواقع بقولها : - اتمنى الا تكون فكرة الإنتظار ستة اشهر قبل اعلان أي ارتباط رسمي لك براسل قد ازعجتك . اعرف ان الشباب في ايامنا هذه لا يقيمون وزنا للوقت ، لكنني فخورة بأنني انتمي الى جيل يؤمن بالتعقل وينبذ الاستعجال . - ان رسالتك التي وصلتني حاملة فكرة الانتظارلم تزعجني مطلقا يا سيدتي ، كما انها نزلت بردا وسلاما على قلب خالتي التي تؤمن بالتصرفات والقرارات الموزونة مثلك تماما . لذلك اصرت على ان تأتي معي ، وتتعرف الى راسل في وطنه وبين اهله . ازعج كلام دينا السيدة مليغروف : ( ما شاء الله . . . ما شاء الله . . . الا يكفي اضاعة الوقت مع هذه الفتاة حتى اتحمل خالتها التي اتت الى هنا خصيصا لتتأكد من صلاحيات ابني وصفاته ؟ اكاد اجن . ماذا فعلت لأستحق هذا ؟ ) . كسا الغضب صوت السيدة مليغروفوهي تقول : - تأكدي يا آنسة ان راسل عريق الحسب اصيل النسب ، فأجداده معروفون في دنيا المصارف ، واولهم المرحوم فيليب لانغ الذي اقام مؤسسة للخدمات المصرفية في هذا البلد . - لاداعي لأن تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا سيدة ميلغروف ، فانا اعرف هذا عن راسل . لكن خالتي لم تتعود الحكم على مظاهر الناس ، وتفضل دائما صقل البواطن والأعماق . وقد خيل ألي ان هذه الطريقة في معرفة أي انسان سوف ترضيك ، ولن تزعجك . صوب راسل الى امه نظرات غامضة لم تفهم دينا ، لكنها سمعت السيدة تقول : - ومن قال انها تزعجني ؟ لكنني استغربت اتفاقي مع خالتك على المبدأ الواحد . انصاعت دينا لالحاح افكارها : ( عندما حططت الرحال في هذه البلاد ، سحرني لطف اهلها وطيبتهم ، حتى انني تمنيت لقاء والدة راسل في اسرع وقت ممكن ، متصورة انها لن تختلف عنهم . لكن صدق والدي ، حين اكد انه في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ، خصوصا في الحكم على الناس ) . حان وقت الغداء ، فجلس الثلاثة حول مائدة حفلت بأطايب الطعام : ( من امستغرب ان تستطيع سيدة قادمة من رحلة طويلة كللها الحزن ، تحضير مثل هذه الأصناف الفاخرة . لماذا اشعر بكل هذا التوتر ؟ انتهى الغداء وقد ابت السيدة علي مساعدتها حتى في نقل الأطباق ، ووضعتها على طاولة متحركة قريبة . ربما فعلت ذلك لكسب الوقت وللتعرف علي اكثر ، لأن راسل سيعود الى المكتب في الثانية تماما) . اكدت السيدة ميلغروف لابنها : - ان عودتك الى المكتب ستفتح امامي مجال الانفراد بالآنسة دينا . سارعت دينا الى القول : - كنت اتمنى اطالة الزيارة اكثر يا سيدتي ، لكنني مرتبطة بموعد سابق مع رئيس الشركة التي ارجو ان اصبح من موظفيها . ظهرت خيبة الأمل واضحة في صوت راسل وهو يقول : - اليس من الأفضل لك استكشاف المدينة وضواحيها قبل البدء بأي عمل ؟ - ان فرصة العمل في شركة براين مورغان واولاده للاقمشة فرصة ذهبية يا راسل . وقد اكد لي مؤسس الشركة براين ، عندما التقيته مع زوجته في كندا ، ان ابنه انطوني في حاجة ماسة الى سكرتيرة مثلي للعمل معه . لذلك ارسلت اوراقي اليه قبل يومين فحدد لي السيد انطوني اليوم موعدا للقائه . صرخ راسل : - يا الهي . . . لااستطيع ان اصدق انك ستعملين لدى . . . قاطعته والدته : - ان العمل مع انطوني براين مورغان شبه مستحيل ، فهو رجل لا اخلاقي ، ينقصه اللطف و اللباقة . - يصعب علي تصديق ما تقولين ياسيدتي ، لأن والدي السيد انطوني تركا ابلغ الأثر في نفسي بعد لقائنا الأول . - معك حق بالتأثر بالوالدين ، لكنه يختلف عنهما تماما . خافت دينا : ( هل صحيح ما تقوله السيدة مليغروف عن انطوني براين مورغان ؟ ام ان في قولها بعض المبالغة ؟ الله وحده اعلم ) . حاولت دينا ان تذكر السيدة ببعض صفات انطوني التي سمعتها من والده : - اعتقد انك مخطئة يا سيدتي ، فأنطوني مورغان الذي اتكلم عنه انسان يعمل جاهدا في سبيل خير الشركة وموظفيها . اكد لها راسل : - ان امي محقة في كل ما تقول يا دينا ، وارجوك ان تنسي فكرة العمل مع براين مورغان . - لماذا انساها يا راسل ؟ اذا كان هذا الانسان لا اخلاقيا كما تقولان ، فعملي معه لا يعني اطلاقا انني سأنحرف عن خط المثل والمبادىء التي نشأ ت عليها وارتضيتها لنفسي . اشتعلت نار الغضب في عيني السيدة مليغروف : - اعتبر قولك محاولة طعن صريحة بآرائي . - انتظرت السيدة الغاضبة كلمة اعتذار ، لكن دينا لم تنطق بحرف واحد ، فتدخل راسل لانقاذ الموقف قائلا : - يظهر انك لست على ما يرام اليوم يا دينا ، لذلك سأتصل بالسيد مورغان وابلغه انك عدلت عن الحضور لمقابلته ، واعد ان اساعدك قيبا في البحث عن عمل . - لم اغير رأيي يا راسل . ما زلت مصرة على مقابلة السيد مورغان . اولا ، لأنني وعدت اهله بمقابلته ، ووعد الحر دين عليه . ثانيا ، انا في حاجة الى عمل شريف يؤمن لي مصاريفي خلال فترة اقامتي هنا ،لأنني اكره ان اكون عالة على احد . ثالثا، احس رغم كل ما سمعت ان السيد مورغان سيلزم حدود الأدب واللباقة معي ، واحساسي قلما يخطىء . لهذا كله ارجوك ان تتمنى لي التوفيق في مساعيي يا راسل . فقالت السيدة مليغروف : - بل ادعو الله لك بالاخفاق مع مثل هذا الرجل ، وذلك حرصا مني على مصلحتك . شعرت دينا بغصة مفاجئة ، ولم تتمالك نفسها عن القول : انا واثقة من خوفك على مصالحي يا سيدتي ، لكنني افضل اتخاذ قراراتي بنفسي . تشعبت الأحاديث بعد ذلك وتغيرت مجاريها حتى حان موعد انصراف راسل ، فرافقته دينا الى السيارة حيث عانقها مودعا وقال : ارجوك يا دينا ، اعذري امي اذا كان بدر منها ما يزعجك . لقد عانت الكثير منذ وفاة العمة ايفي . - لاتقلقفي شأني يا راسل . الم تكن العمة ايفي صديقة عمرها ؟ يصعب على أي انسان فقدان صديق الطفولة . - لم تكن العمة ايفي صديقة طفولة ، بل كانت شقيقة ابي . وكان من المفروض ان ارثها بعد وفاتها . لكن جرت الرياح بما لاتشتهي السفن ، وهذا ازعج امي . - ماذا تعني يا راسل ؟ - لقد اوصت عمتي بكل ما تملك لشقيقتي روبن . - وماذا في ذلك ؟ اليس المهم ا يبقى الارث في العائلة ؟ - نعم ... لكن امي تكره زوج اختي وتعتبره مبذرا كبيرا . - ولماذا ؟ اهو رجل سيء الى هذا الحد ؟ - بريت زوج اختي كاتب يعشق الاسفار والتنقلات ولايعرف للاستقرار معنى . وروبين تحبه بجنون ، ويسرها ان ترافقه في اسفاره كلها . ويعيش الاثنان حاليا حياة الغجر ، ويتنقلان من مكان الى آخر دون كلل او ملل . اتعرفين انهما موجودان الآن في سوفا في جزيرة فيجي ؟ - ان حياة التنقل والسفر الدائم حياة مثالية بالنسبة الى كاتب اذا اراد ان يضفي على كتاباته لمسات واقعية . - لكن امي من اللواتي تعتقدن ان اموال عمتي ستذهب هدرا ، اذا لم تستثمر في مجال العقارات اوالأراضي . - تأكد ان استثمارها في مجال تأليف كتاب جديد ، تلذ قراءته للناس ، مشروع رابح ايضا . ضحك راسل : - تعجبني المثالية في تفكيرك يا عزيزتي . سأذهب الآن راجيا ان تعيدي النظر في قرارك الخاص بالعمل لدى مؤسسة براين مورغان . اعتذرت دينا : - لن استطيع تنفيذ رغبتك هذه المرة ، مع الأسف يا حبيبي . فقد اعتدت الوفاء بوعودي ، ثم ان لدي الثقة بكفاءتي وقدرتي على القيام بأعباء الوظيفة التي تنتظرني . رافقتك السلامة يا راسل. بقيت دينا وحدها مع السيدة مليغروف ما يقارب نصف الساعة ، امضتها في التعرف على البيت الكبير ، واستكشاف حديقته الغناء . وعندما اقترب موعد المقابلة ، طلبت سيارة اجرة ، ووقفت امام المرآة في غرفة النوم الخاصة بالضيوف تمشط شعرها . في تلك اللحظة سمعت السيدة تقول : - اتعرفين يا دينا ان احدى صديقاتي كانت حمراء الشعر مثلك تماما ، لكنها استطاعت تغيير لونه باستعمال زيت الزيتون ؟ خانت الكلمات دينا : ( سمعت الكثير من الملاحظات حول جمال شعري وروعة لونه ، لكنني لم اسمع مثل هذا التلميح حوله من قبل . ماذا افعل ؟ هل تكفي ابتسامة ؟ ) . ابتسمت دينا قائلة : - ان تطبيق مثل هذه الوصفات مزعج بالنسبة لخالتي التي تهمها نظافة البيت قبل أي شيء آخر . اعتقد يا سيدتي انك لا تحبين الشعرالاحمر ، اليس كذلك ؟ - بلى يا عزيزتي ، بلى ، لكنني بصراحة اكره الفتيان ذوي الشعر الأحمر لأنه يكون مصحوبا عندهم بالغش والمكر والخبث . سخرت دينا من السيدة بصمت : ( يظهر ان حماتي لاتريد احفادا بشعر احمر . كم اتمنى لو استطيع الضحك بصوت عال ، لكن يجب الا أنسى ان اضبط النفس من الفضائل ) . جابهت دينا السيدة : - لله في خلقه شؤون يا سيدتي . صدقيني ، لدي صديقة انجبت قبل فترة توأما من الذكور بشعر احمر ، مع انها وزوجها ذوو شعر اسود . على كل حال ، اعتقد ان وقت انصرافي قد حان . اشكرك على وجبة الغداء اللذيذة ، وعلى ما وهبتني اياه من وقت . واتمنى تشريفك لنا مع راسل في اقرب فرصة . حملت دينا حقيبتها وهبطت الدرجات امام الباب الرئيسي ، متجهة نحو سيارة الجرة التي كانت تنتظرها . استولت عليها في طريق العودة رغبة مجنونة بالتحدي : (بما ان حماتي لاتحب انطوني مورغان هذا ، فسأقبل الوظيفة عنده مهما كانت شروطها ، وذلك ليقيني بأنني سأحب ما تكره) . 2- لقاؤها الأول بمديرها الشاب انطوني مورغان كان اشبه بالعاصفة . وبعد العاصفة الهدوء : السكرتيرة الجميلة ستمل لديه ، لدى الشاب الوسيم المغامر . وقفت دينا وجها لوجه امام انطوني براين مورغان : ( استغرب رغبتي في الضحك ... ماذا دهاني ؟ آه ... ربما لأن الصورة التي رسمها خيالي للسيد مورغان تختلف تماما عما اراه امامي . انه رجل عريض المنكبين ، متوسط القامة ، شديد الجاذبية ، رسمت التجارب على وجهه خطوطا زادته رجولة . اما عينيه الزرقاوان فهما عالم قائم في ذاته ، عالم يختلط فيه الصفاء بالعمق ، والطيبة بالقوة . وترتاح عيناي اخيرا عند خصلات شعره التي اختطفت لون الرمال . لماذا اطيل النظر اليه هكذا ؟ يتملكني شعور فريد بأن المقابلة ستكون عاصفة ) . وصدق حدس دينا ، اذ لم يمض على وجودها خمس دقائق في مكتب انطوني براين مورغان ، حتى بدأت موجة نقاشهما تعلو . حاولت السيطرة على جموح اعصابها وهي تؤكد له : - لم افهم ما ترمي اليه مع الأسف يا سيدي . - بل فهمت ما اعنيه تماما . لقد خدعني والدي يا آنسة ، وارسلك الي عوضا عن سكرتيرة بسيطة المظهر ، رزينة ، ناضجة . اذكر انه امتدح صفاتك ومؤهلاتك كثيرا ، لكنني اعتقد انه كان يرزح تحت ثقل تأثيرات معينة في ذلك الوقت . آسف يا آنسة بريتشارد . لا يمكنني استخدام شابة جميلة مثلك في مؤسستي . عجزت دينا عن اطفاء نار غضبها ، فقالت له والشرر يتطاير من عينيها : - لم يكن جمالي يوما عثرة في طريق نجاحي العملي . اما اذا كانت المقاييس تختلف في نيوزيلندا ، فالأفضل ان ابحث عن أي عمل آخر ، بعيدا عن دنيا السكريتارية . - انني لست في حاجة هنا الا الى سكرتيرة ، وافضلها جدية المظهر ، ومتفانية في عملها . - يظهر انك تبحث في موظفاتك عما تفتقده في حياتك الخاصة . - ماذا تعنين يا آنسة بريتشارد ؟ - انت تفهم ما اعنيه تماما ، لكنك تحاول التهرب من انك انسان سيء السمعة ، وتلوك الألسنة سيرتك في كل مكان . كان الغضب يمضغ تقاطيع وجه انطوني مورغان وهو يقول : -احذرك من الاستمرار يا آنسة برتشارد . - كف عن تهديدي يا سيدي وافعل ما يحلو لك . كان من واجبي ان استمع الى نصيحة السيدة الجليلة التي حذرتني اليوم من مقابلتك لأنك انسان لا اخلاقي ، لكن رغبتي في الحفاظ على وعد قطعته لأبيك منعني من الاستجابة لطلبها ، وصممت على القدوم لأكتشف مع الأسف انها على حق ... نعم كانت على حق في كل ما قالته عنك . اختفى صفاء عينيه وراء غيوم الغضب وهو يقول : - انني ارفض توظيف السكرتيرات الجميلات يا آنسة ، لأنهن يأتين الى هنا واحلام اصطيادي كزوج تملك خيالهن . فاذا كانت مثل هذه الافكار تداعب راسك ، فأرجو تناسيها لأنني اعشق حريتي وحياة العزوبية . جن جنون دينا : - اذا كنت تعتقد انك فارس احلامي يا سيدي فأنت مخطىء ، لأنني اهرب من اصحاب القامات القصيرة ، المنتفخين كالطبل ، ذوي لأشقر المائل الى الحمرة امثالك . فاطمئن . اكمئن وقر عينا . يا الهي ... يا الهي ... ماذا زرعت حتى احصد هذا كله ؟ تهلكت دينا على مقعد قريب ، وتركت ذكريات صباح مضى تتلاحق امام ناظريها : ( استخفت والدة راسل بي ، والقتني الأقدار على درب رجل متوحش اسمه انطوني براين هدم بمعول رفضه صرح آمالي واحلامي بحياة عملية ناجحة ، دون اي رحمة او شفقة . ترى ، ماذا تخبىء الساعات المقبلة لمسكينة مثلي ؟ انني خائفة . مضت دقائق قبل ان تعاود دينا الوقوف قائلة : - اقسم بالله العظيم ، انه لولا اعادتي السيطرة على اعصابي يا سيد مورغان ، لقذفتك بما يهشم وجهك ، وينسيك السخافات التي نطق بها لسانك . مساء الخير . خرجت دينا من حجرة المكتب مسرعة ، لتصطدم بوجوه الموظفين في الحجرة الخارجية . تأملته عينا موظف او اثنين ، لكنها لم تكن في حالة تسمح لها بأن تعير ايا من الموجودين انتباها : ( كفوا عن النظر الي . اريد ان اخرج من هنا ... ساعدني يا رب ). تجاهلت دينا المصعد وهبطت الدرجات بسرعة : ( لن اركب المصعد لئلا اضطر الى شكر الموظف امسؤول عن سلامة الركاب فيه ، فأنا لا اريد مخاطبة احد العاملين في مؤسسة يديرها انطوني مورغان ). عندما وصلت الى اقسام بيع القفازات والسلع الصغيرة والجوارب ، اجتازتها بسرعة البرق : ( اريد ان اخرج من هذا المكان ، وبودي لو ابتعد عنه بأسرع وقت ). بحثت في الشارع عن سيارة اجرة ، وركبت اول سيارة صادفتها قائلة : - خذني الى منطقة بيل نوز من فضللك . - لك ما تريدين يا آنسة . وصل انطوني مورغان الى الشارع بعد ركوبها السيارة بثوان . حاول اللحاق بها ، لكن اعصابها المتوترة منعتها من رؤيته ، وبدأت السيارة مسيرتها عبر الشوارع المؤدية الى منطقة سكناها . كانت دينا في تلك الأثناء تسعى لاطفاء سعير الغضب الممزوج بالألم في داخلها : ( لن يكون لدي الوقت الكافي لاخفاء عذابي عن خالتي كيت . هل احدثها عن الصفعة الأليمة التي وجهها الي السيد مورغان ؟ لن تصدقني حتما ، وستعتبرني المسؤولة عما حدث ، لأنني لم اعالج الأمور بهدوء وروية . ساحكي لها كل شيء . كل شيء ... وبأدق التفاصيل . يا الهي ... ذكريات هذا النهار التعس تحاصرني من جديد . ماذا افعل ... ؟ ماذا افعل ... ؟ ) . فجأة سمع السائق صوتها : - قف لي عند المنعطف ارجوك . اريد ان امضي بعض الوقت في الغابة القريبة من هنا . استولت الحيرة على السائق : ( غريب امر هذه الانسة . عندما استقلت السيارة امام المؤسسة ، خيل الي انها تهرب من شيء ما ، وهاهي الآن تطلب مني انزالها لتمضي بعض الوقت في الغابة ، اف ... حسبي الله ونعم الوكيل من زبائن هذه الأيام ) . دفعت دينا الأجرة المترتبة عليها ، ومشت عبر تقاطع شارعين حتى وصلت الى الطريق الترابية المؤدية الى غابة خضراء صغيرة . مشت الهوينا ، ودخلت البقعة الزمردية التي لم تغتالها بعد فأس الانسان : ( هنا في حضن الطبيعة ، وفي ظل هذه الأشجار الباسقة ، سأنسى همومي ، واطفىء جمرات غضبي قبل ان اعود الى البيت ) مشت دينا على مهل بين الأشجار المتعانقة ، الوارفة الظلال ، وتغلصت من اثقال الهموم ولآلام . وهي تصغي الى نجوى الطيور على الأغصان . قادتها خطواتها البطيئة الى ممر مفروش بالحصى ، كان صلة وصل بين دغلين متشابهين للغابة الصغيرة التي عبرتها : ( سأكمل سيري ، واترك حنان الطبيعة يغمرني اكثر واكثر) . لكن صوتا ينضح بالرجولة منعها من تنفيذ ما عزمت عليه : - ان المكان مناسب جدا لتهدئة الأعصاب يا لآنسة بريتشارد . افزعها الصوت ، فاستدارت على عجل لتفاجأ بأنطوني براين مورغان يقف على بعد خطوات منها : - ماذا تفعل هنا بحق السماء ؟ - ركبت سيارة اجرة ، وجئت بحثا عن الراحة مثلك . تعالت ضربات قلبها : ( لماذا يلاحقني ؟ لاشك في انه هنا ليكمل تعذيبي بسياط غضبه ) . قرأ انطوني مورغان افكارها فطمأنها : - لا تقلقي يا آنسة بريتشارد ، فأنا هنا لأعتذر . - ومن قال لك اني قلقة ؟ ولماذا اقلق يا سيد مورغان ؟ ارتسمت على ثغره ابتسامة ساخرة وهو يقول : - سؤال وجيه يا آنسة بريتشارد . |
توقفت ديتا في منتصف الممر ، واستدارت لمواجهته ، فسألها :
- الى اين تريدين متابعة المسير ؟ اجابته ببرود : - لا اعرف . ولا يهمني ان اعرف . - ان توتر الأعصلب يناسب ذوات الشعر الأحمر ، وانا شخصيا افضلك غارقة في خضم الغضب ... لا ... لا... ارجوك لا تفقدي السيطرة على اعصابك مرة اخرى ، وتذكري اني هنا للاعتذار . - وما الذي تنوي الاعتذار عنه ؟ - اعتذر عن عدم التزامي حدود اللياقة معك ، وعن انني اشعلت نار غضبك بكلامي وتصرفاتي . - اما انا فلست آسفة على أي شيء قلته او فعلته ، لأنني اكره الرجل المغرور . - لست مغرورا يا آنسة ، لكن التجارب التي مررت بها مع السكرتيرات السابقات علمتني ان اكون حذرا ، هذا كل ما في الأمر. - نظرة واحدة اليك تكفي لفضح غرورك يا سيدي . - كيف تصفينني بالغرور ، وقد اكدت لي قبل دقائق انني لن اكون يوما الرجل المثالي لأية فتاة ؟ اتذكرين ؟ انا ذو الشعر الأشقر المائل الى الحمرة ، القصير القامة ، المنتفخ كالطبل ! فكيف يمكن لرجل بمثل هذه الأوصاف ان يغتر بنفسه ؟ لماذا لاتجيبيني ؟ - قرأت يوما ان اصحاب الشوار يميلون الى الغرور . ضحك انطوني مورغان ملء شدقيه قبل ان يمسك بذراعها ويقول : - مارأيك في ان نكمل مناقشتنا اثناء السير ؟ منتدى ليلاس اطاعته دينا لمسافة قصيرة ثم توقفت فجأة ، وانتزعت ذراعها من قبضته قائلة : - ما الذي يحدث ؟ انت تصدر الأوامر وانا انفذها ؟ شيءغريب عجيب . اذا كنت قد اتيت لتعتذر ، فقد قبلت اعتذارك . يمكنك الآن ان تعود الى المدينة ، وتتركني اعود الى البيت ، وكأن شيئا لم يكن . اما والدك فتستطيع اخباره ان العمل في الشركة لم يرق لي . لديك شخصية غريبة ... غريبة فعلا . - اهدئي يا آنسة بريتشارد ، واسمحي لي بأن اعرض عليك الوظيفة مرة اخرى . - يبدو لي انك فقدت عقلك . من المستحيل ان اعود للعمل معك . - لماذا ترفضين فكرة العودة بهذا الشكل القاطع ؟ على الغضب في اعماق دينا : - كيف تجرؤ على سؤالي ؟ حسنا اذا ... اليك الجواب . انا لا احب العمل مع الرجال امثالك . افضل ان يكون مديري رجلا جادا ، لبقا ، مهذبا ، ومتقدما في السن تماما مثل والدك . لقد اخطأت عندم تصورتك نسخة مصغرة عنه ، لكن جل من لا يخطىء . - وكيف اكون نسخة عنه ، وانا ابنه بالتبني يا آنسة ؟ عقدت المفاجأة لسان دينا ، وتركتها مغمضة العينين ، ثقيلة الأنفاس ، تبحث بجنون عن مخرج من مأزقها : ( يا الهي ماذا فعلت ؟ كيف سمحت للغضب بأن يسيطر علي الى هذا الحد ؟ صحيح ان لسان الانسان سيف ذو حدين . لقد قسوت على هذا الانسان . قسوت عليه دون وعي مني . لكني لم اكن اعلم . لم اكن اعلم يا سيد مورغان ... صدقني . اغفر لي يا رب ... اغفر لي قسوتي وجهلي ) . وانسابت دموع الندم من عيني دينا حارة مدرارة ، صادقة . تأملها انطوني مورغان لحظات قبل ان يعطيها منديله قائلا : - كفكفي دموعك يا آنسة . كفكفيها . اتصدقين انها المرة الأولى التي المح فيها دموعا لمجرد تصريحي بأنني لقيط ؟ تأكدي انني لااجد داعيا للدموع ، فأنا مع شقيقي وشقيقتي نعتبر انفسنا من اللقطاء المحظوظين بوالدين مثل براين مورغان وزوجته ، فقد احاطونا منذ الصغر بكل الرعاية والعطف والعناية . اتعرفين انني كنت احمر الشعر ، وذا وجه مليء بالنمش عندما تبنياني ؟ سألته دينا بصوت مختنق : - ام تكن عظام ركبتيك بارزة ايضا ؟ ضحك انطوني مورغان قائلا : - لا ... برزت عظام الركبتين فيما بعد . يا الهي ... الهاني الحديث عن الخوض في الموضوع الأساسي الذي انا هنا في صدده . متى يمكنك البدء بالعمل ؟ هل تفضلين الانتظار حتى يوم الاثنين المقبل ؟ - اعذرني يا سيدي ، فأنا لم اعد اعي اقوالي بعدما حدث . - لا اطلب سوى موافقتك علىان تصبحي سكرتيرتي . ان ما حدث بيننا خلال دقائق يشجعني على معرفتك اكثر . - سأقبل الوظيفة شرط ان تبقى العلاقة بيننا علاقة عمل يا سيد مورغان . عادت الابتسامة الساخرة الى شفتيه وهو يقول : - لك ما شئت يا آنسة بريتشارد . - واريدك ان تطمئن يا سيدي الى ان قلبي مشغول بحب انسان رائع . - عظيم ... عظيم ... اين الخاتم الذي يثبت ذلك ؟ - تأكد انني لم اخلعه للحصول على اوظيفة عندك . لكننا بعد اجتماعنا في لندن قررنا ، انا وحبيبي ، التريث لمدة ستة اشهر ، آتي خلالها الى هنا ، وامتحن قدراتي على معايشة المحيط النيوزلندي ، قبل اعلان أي ارتباط رمي بيننا ، وقد وافقت والدته وخالتي على قرارنا . - لم اتوقع مثل هذا التروي والتعقل من انسانة ذات شعر احمر ، كانت هذا الصباح مثالا حيا للاندفاع ، وعدم القدرة على ضبط النفس . لكن ما شأني بطريقة ادارتك لدفة حياتك الخاصة ؟ اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب في مثل هذه المواضيع . تاهت دينا في بحر عيني : ( سأثبت لك يا سيد مورغان انني انسانة مختلفة ، وسكرتيرة نا جحة ، وسأبذل اقصى الجهود لأغير انطباعك الأول عني . من اين لك ان تفهم يا سيدي ؟ من اين لك ان تفهم ان براكين الغضب التي تفجرت اليوم ماهي الا محاولة لكسر قيود اسمها الأمل بمستقبل باهر ، والرغبة في الاستقرار ، حاولت من خلالها تنظيم حياتي ، لكن ... لا ... لا يمكنني ان انجرف مع هذا التيار من الأفكار . يجب ان انسى . عليان انسى ) . وافقت دينا على تسلم الوظيفة ، فأطلعها انطوني مورغان على ساعات الدوام الرسمي ، وذكر لها الساعات الاضافية التي قد تضطرها للعمل في امسيات ايام الجمعة وعندما وصلا الى الطريق العام اسرعت دينا الى القول : - اعتقد ان سيل مناقشاتنا يجب ان يتوقف ، وافضل ان اعود الى البيت وحدي . اشكر لك صحبتك . - لايمكنني ان اتركك تجتازين الدغل بمفردك . - لست طفلة صغيرة يا سيدي ، واصر على العودة وحدي . - آه ... فهمت ، انت لاتريدين الظهور برفقة رجل لااخلاقي ، اليس هذا مانعتني به هذا الصباح ؟ - ارجوك دعنا نلتزم حدود المدير والموظفة ، وننسى ما حدث هذا الصباح . - معك حق . اعتذر لكنني اصر على مرافقتك عبر الدغل . تضايقت دينا : ( انك انسان ملحاح ، وتعرف كيف تصل الى ما تريد يا سيد انطوني . ليتني ما عرفتك ) . رافقته حتى المنعطف ، ثم توقفت وقالت بعناد : - اعتقد ان رؤية خالتي ترسم هناك على الشرفة ، اكبر داع للاطمئنان ، وانا لا اريدها ان ترانا سوية ، لأنني احب الفصل بين العملية والخاصة . لذلك كله ، ارجوك اذهب . -لك ما تريدين يا آنسة بريتشارد . سأختفي من امامك في الحال ، آملا ان نلتقي يوم الخميس في التاسعة صباحا . على فكرة ، انا من الذين يحبون المحافظة على على المواعيد . مع السلامة . ردت دينا تحيته باقتضاب ، وسارت متجهة نحو البيت . بقيت اصداء المقابلة تتردد في حنايا دين رغم اطلالة يوم جديد : ( ان جمر الكلمات التي احرقت بها انطوني مورغان البارحة ، كانت وسيلتي الوحيدة للتعبير عن ثورتي على حماتي ، ومن رفضي للطريقة التي عاملتني بها اثناء الزيارة ، وكأنها نسيت انني سأصبح قريبا زوجة لابنها ). زارهم راسل مع والدته يوم الأربعاء ، ولاحظت دينا ان السيدة مليغروف كانت مثلا يحتذى بطيب معشرها طوال الزيارة : ( ان لطف حماتي ينثر في قلبي بذور الأمل بمستقبل مشرق مع راسل . لابد انه نبهها الى ضرورة تحسين معاملتها معي . لذلك ، ابدت اليوم اعجابها بخالتي وبالبيت الذي نسكنه . اما خالتي كيت فلم تشب تصرفاتها شائبة ، واظهرت كل الامتنان للسيدة مليغروف عندما وعدتها حماتي بتنسيق باقة من الورود البيضاء خصيصا لها لترسمها ) . شكرت دينا خالتها بعد رحيل الضيفين : - كنت مضيفة رائعة يا خالتي ، شكرا لك . - لا شكر على واجب يا ابنتي . دينا . اتذكرين ذلك الكتاب الذي كانت بطلته لقيطة متبناة ؟ - نعم اذكره . - هل تذكرين منه الفصل الذي اجتمعت فيه البطلة بانسانة تكرهها؟ - يصعب علي تذكر التفاصيل ، لماذا ؟ - ما زلت احفظ بعضا من وصفها لذلك الاجتماع ، واذكر احساسها بأن اروع الكلام بينهما كان يتحول الى جماد بمجرد التفوه به . فهمت دينا ما تعنيه خالتها ، وقهقهت المرأتن ضاحكتين. حاولت الخالة كيت بعد ذلك تناسي احساسها وقالت : - قد تتغير نظرتي اليها اذا عرفتها اكثر ، لكنها في الحقيقة تختلف اختلافا تاما عن السيدة براين مورغان التي تركت في نفسي اطيب الأثرمنذ اللحظات الأولى للقائنا . اشرقت شمس يوم الخميس ، ونزلت دينا لتناول الفطور مع خالتها بعدما ارتدت قميصا ابيض ، ولبست فوقه ثوبا اسود بلا اكمام . استغربت خالتها : - ما هذه الألوان القاتمة يا دينا ؟ انها لا تناسبك اطلاقا . - لكنها تناسب مزاجي يا خالتي ، ثم ان الموظفة الجادة يجب ان تبتعد عن الألوان الفاقعة واملابس الملفتة للنظر . - من الرائع ان يستيقظ الانسان على درس في الفلسفة . ما الذي حدث يا دينا ؟ اخبريني. - عادت بي الذكريات الى المرة الأولى التي استلمت فيها وظيفة ، وتذكرت رعونة ابن المدير آنذاك . - اتعنين ان ابن براين مورغان ارعن ، ولا يشبه اباه في شيء ؟ لا يمكنني تصديق هذا . - مديري الجديد لا يشبه اباه ، لأنه ابنه بالتبني . - من قال لك هذا ؟ ابوه ؟ امه ؟ ثم لماذا لم تخبريني من قبل ؟ - صرح لي بذلك بنفسه . - معنى هذا انه وثق بك ، واراد التقرب منك . - ليس الأمر كما تتصورين يا خالتي ، لقد اخطأت ، وكان من نتائج خطأي ان صرح لي بذلك . - وهل شعر بالندم في ما بعد ؟ - لا ... ابدا . - ان بعض الآباء يحبون ابنائهم بالتبني حبا حقيقيا ، ويتفوقون في ذلك على الكثير من الآباء الحقيقين . ضحكت دينا قائلة : - اتمنى سماع رد والة راسل على مثل هذا الكلام . - رغم انني لا اعرف السيد انطوني براين مورغان ، الا انه بدأ يعجبني . صدق من قال ان الأذن تعشق قبل القلب احيانا . ازعج الكلام دينا : - لن اسمح لك بدعوته الى بيتنا لمجرد اننا التقينا والديه في كندا يا خالتي . - لكنني وعدتهما بزيارة ودية بعد عودتهما من رحلتهما السياحية . - حتى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون . - استحلفك بالله ... الست معجبة به ؟ - لا افضل امثاله من الرجال ، وقد قبلت الوظيفة عنده لئلا ابقى بلا عمل . وفضلت الخالة الصمت منتدى ليلاس |
امضت دينا يومها الأول تتعرف الى الموظفين المسؤلين عن تسيير المؤسسة ، وتزور مستودعاتها ، وتتنقل بين اقسلمها التجارية المختلفة ، بصحبة المدير العام السيد انطوني براين مورغان .
ارهبها حجم المؤسسة ، واقلقها تعدد اقسامها ، وكثرة موظفيها : ( ماذا ينتظرني بين طيات الغد ؟ لم اعتد العمل في مثل هذه المؤسسات الضخمة . اشتغلت لدى الكثير من المكاتب القانونية من قبل ، لكن اين اثرى من الثريا ؟ انني محاطة هنا بالناس ... بالضجيج ... بالحركة . اما مديري فقد تبين لي انه بين موظفيه مزيج رائع من الحزم واللطافة ، لا شك في انه يتقن فن التعامل مع الناس ، ويعرف اصول الاختلاط بهم . يا مجيب الدعوات ، اكتب لي النجاح في عملي وساعدني على المضي قدما الى الأمام ) . اوقفها انطوني مورغان امام القسم الخاص ببيع الأدوات التجميلية قائلا : - اقدم لك الآنسة كليو ديفيس المسؤولة عن قسم الأدوات التجميلية في مؤسستنا . انها انجليزية جميلة ، وآتية من ويلز مثلك يا آنسة دينا . - اعتقد ان الأنسة دينا تجمع بين جمال الوجه ورجاحة العقل يا سيدي . تأملت دينا الفتاة الواقفة امامها : ( سبحان الله . وجهها حلو التقاطيع . عيناها سوداوان تحرسهما اهداب طويلة داكنة ، ويتوج هذا كله شعر جميل اشقر . لكن كلامها ينذرني بقرب سير الحديث فيدروب لن ارضاها . لذلك ، علي ان اتدارك الأمر قبل فوات الأوان ) . سألت دينا كليو : - من أي جزء من مقاطعة ويلز اتيت يا آنسة ؟ هل تعيشين في البلاد من زمان ؟ - تركت ويلز عندما كنت تلميذة في المرحلة الأبتدائية ، واعتقد ان اللهجة المحلية الواضحة في كلامي اكبر دليل على عدد السنين التي عشتها هنا . عندما قاربت الجولة على الانتهاء ، تلقت دينا وعدا من انطوني مورغان : - لا تدعي ضخامة المؤسسة ترعبك ، سأعطيك قائمة بكل الأقسام والمستودعات فيها ، لتكون بين يديك عند الحاجة . اثبتت دينا جدارتها ومقدرتها العملية في وقت قصير : ( كل شيء يسير على ما يرام . بدأت احب عملي ، وارتاح اليه، واتوق الى العمل الاضافي ايام الجمعة ، فهو يترك المجال مفتوحا امامي لشراء حاجياتي بهدوء وروية ) . توقفت عند القسم الخاص بأدوات التجميل ، وبدأت تنتقي ما تريد منها ، فنبهتها كليو : - ان شراء حاجياتنا محظور علينا الا في ساعات معينة ، لأن من واجبنا تكريس اكثر اوقاتنا للزبائن . - اشكرك على تنبيهي يا كليو ، فأنا لا اريد ازعاج احد بتصرفاتي . اشرق وجه كليو بابتسامة حلوة : - السيد انطوني محب للنظام ، لكن قد تكون هناك استثناءات خاصة بسكرتيرات المؤسسة ، فبتاعي ما تريدينه واكتشفيها . حين عادت الى حجرة المكتب مثقلة بالأغراض ، فاجأها انطوني ورغان بوجوده . تأمل الأكياس في يدها ، فرمتها نظراته في جحيم الاحساس بالذنب . قال لها : - نسيت ان اخبرك انه ... - لاداعي لأن تتعب نفسك بالشرح يا سيدي . فقد اوضحت لي الآنسة ديفيس كل شيء . تأ كد انها ستكون المرة الأولى والأخيرة . - دعيني اكمل ما اردت قوله يا آنسة دينا ، ان من حقك شراء ما تحتاجين اليه من بضائع المؤسسة بحسم عشرة في المئة . فإذا لم تحصلي اليوم على مثل هذا الحسم ، فسأوقع لك اشعارا يثبت حقك بالتخفيض ، مثل اية موظفة هنا . خجلت دينا من تسرعها . - شكرا لك يا سيد انطوني . - سأريحك الآن من وجودي ، راجيا ان تنهي مراجعة جميع التقارير المتراكمة امامك قبل اطلالة يوم الأثنين ، لأن وزير البلاط سيأتي يومها لزيارتنا . راقبته وهو يغادر المكتب : ( قد يريحني رحيلك ، لكنه سيتعب الموظفين الآخرين الذين تحثهم على العمل المتواصل دائما ) . خرجت دينا في الساعة التاسعة وعشر دقائق من مساء ذلك اليوم مع المدير ومجموعة من الموظفين ، لتجد راسل في انتظارها . تزايدت خفقات قلبها : ( ان وجود راسل في انتظاري سيعرضني لطعنات الأقاويل والشائعات ) . تناهى الى اسماعها صوت انطوني مورغان : - تصبحين على خير يا آنسة بريتشارد . وفجأة حيى راسل بقوله : - الحمدلله على سلامتك يا راسل ، انها المرة الأولى التي نجتمع فيها بعد عودتك من رحلتك . اتمنى ان تكون قد امضيت امتع الأوقات . هل اتيت لشراء شيء ؟ يمكنني فتح المحلات ثانية من اجلك . - لا داعي لذلك ، اشكرك . كنت انتظر خروج الآنسة بريتشارد . استمعت دينا الى الحديث الدائر بين الرجلين : ( اشعر بنظرات التحدي في عينيهما . لا ... لا... لقد اخذني الخيال بعيدا . لماذا لم يخبرني راسل بمعرفته بالمدير ؟ لو انه فعل لكان تقيمي للأمور قد اختلف . دعاها انطوني مورغان الى الواقع بقوله : - اهذا هو الرجل الذي اتيت من اجله الى ديارنا ؟ معذرة يا صديقي كنت اجهل معرفتك بسكرتيرتي . سارع راسل الى القول : - الآنسة بريتشارد موجودة هنا مع خالتها حبا بالاستكشاف ، ورغبة في الاستطلاع . - لا ادري لماذا تصورت ان رياح الحب هي التي قذفت بسفينة الآنسة برتشارد نحو شواطئنا . على كل حال ، انزل كلامك السكينة على قلبي ، فالآنسة دينا سكرتيرة ممتازة ، وتزعجني خسارتها . ودعهما انطوني مورغان بعد ذلك وابتعد ، تاركا دينا وراسل يتقدمان نحو سيارتهما . حاصرهما الصمت اثناء العودة فترة طويلة ، لكن دينا فكت الحصار متسائلة : - لماذا اخفيت عني معرفتك بأ نطوني مورغان يا حبيبي ؟ - ولماذا اخبرك اننا كن معا في المرحلتين الاعدادية والثانوية ؟ - لأن اجتماعكما معا في مرحلتين دراسيتين كاملتين ، يعني انك تعرفه معرفة وثيقة . - احسست بتوتر اعصابك يوم زيارتك لنا ، فلم ارغب في ارهاقك اكثر بمثل هذا الأحاديث . عادت دينا الى ديار الصمت ، فتساءل راسل : - لم الصمت يا عزيزتي ؟ الم اكن محقا في تصرفي ؟ - لا اعرف كيف اجيبك على مثل هذا السؤال ، لكنني اعترف بأن والدتك المصون كانت يومها السبب المباشر في توتر اعصابي ، بما حاولت ان تمليه علي من آراء . انت تبالغين يا عزيزتي . شعرت دينا بأن الهدوء سيختفي من حياتها : ( يا رب ... لا تتركني فريسة سهلة للغضب مرة اخرى . ان حفنة الأيام الرائعة التي امضيتها مع راسل في ويلز ستعود . يجب ان تعود ) . سألته بمرارة : - ما الذي يحدث بيننا يا راسل ؟ كنا مثالا رائعا للتفاهم والانسجام في كارديف ، فما الذي حدث ؟ لماذا يتملكي شعور مخيف بأن الأيام بدأت تتغير ؟ - لا ينقصك بعد هذا الكلام الا ذرف الدموع ، مصحوبة بالآهات . ما الداعي لكل هذا ؟ اعتقد ان محاولتك اعتياد اجوائنا هي التي تتلاعب باعصابك على هذا النحو السخيف . - هل يعني هذا ان الحلم الرئع ، الذي عشته في ويلز ، مات على ارض الواقع هنا في نيوزيلندا يا راسل ؟ احاط راسل كتفها بذراعيه وقال محاولا التخفيف عنها : - خففي عنك يا حبيبتي . خففي عنك . هذه الفترة الانتقالية وما يرافقها من احساسات فترة طبيعية ، سيمحوها قريبا استقرارك معي في بيتنا ، حيث سأحميك ، وأرعاك ، واكون لك خير الزوج والصديق . ما رايك في ان نذهب غدا الى المسرح ؟ - اتمنى ذلك ، فأنا اعشق حضور الحفلات الغنائية على المسرح . - سنذهب غدا لحضور اوبرا مشهورة ، وسنستمتع معا بالموسيقى والغناء الأوبرالي ، فما رأيك ؟ فضلت دينا الاحتفاظ برأيها : ( انني لااطيق لا الموسيقى ولا الغناء الأبرالي ، ورغم ذلك سأسكت . لن اتفوه بكلمة ) . اقتربا من البيت ، فسألت دينا راسل : - الن تدخل لشرب قدح من القهوة معنا يا عزيزي ؟ - سأفعل يا غاليتي ، لكنني لن استطيع البقاء طويلا . يجب ان اكون خير معين لأمي ، حتى تتخطى عقبات هذه الفترة العصيبة من حياتها . تصوري انها لا تأوي الى فراشها ، الا بعد الاطمئنان على عودتي سالما الى البيت . خانت الكلمات دينا ، فنزلت من السيارة ، وحاولت كبت مشاعرها باستنشاق هواء البحر النقي . احست الخالة كيت بالتوتر الذي يباعد بين الاثنين ، فحاولت تخفيف وطأته بأحاديثها الشيقة ، لكن محاولاتها باءت بالاخفاق . انهى راسل شرب قهوته ، ووقف مستعدا للانصراف ، فرافقته دينا حتى السيارة حيث صفعها بقوله : - لن اطيل وداعنا يا عزيزتي ، فالوقت متأخر . ردت دينا الصفعة بقولها : - ومن قال لك انني اريد ان اكون جولييت يا روميو الزمان ؟ حاول راسل معانقتها , لكنها دفعته عنها بعصبية ، فدخل سيارته مسرعا , وابتعد عن البيت ,تاركا اياها مع الليل ونجومه , والربيع وازهاره , والشاطىء وانواره . فجأة احتل التفكير بأنطوني براين مورغان ساحة افكارها : ( لا بد ان السيد انطوني يقيم في احدى هذه البيوت الغافية على الشاطىء . لا ... لا ... راسل حبيبي لماذا ؟ لماذا ؟ اين انت ؟ اين انت لتجيبني يا اغلى الناس ؟ ) . وشهدت نجوم الليل انسياب دمعتين حارتين من عيني دينا , كفكفتهما , واستسلمت لمداعبات النسيم العليل , قبل ان تعاود الدخول الى المنزل . لاحظت دينا وجود كدمة حول عين مديرها صباح يوم الاثنين , لكنها خنقت رغبتها في السؤال , وحولت انظارها نحو النافذة , فقال لها انطوني مورغان : - اعتقد انه من اللياقة بمكان ان تتساءل السكرتيرة عن سبب الكدمة حول عين رئيسها يا آنسة دينا . - لكن كيفية قضائك عطلة نهاية الأسبوع لا تهمني يا سيدي , ثم انني اعتدت الفصل بين الحياتين العملية والخاصة . - اعرف ذلك , لكنني تصورت ان يغلبك الفضول مثل غيرك من بنات جنسك . - شهرت دينا سيف الصمت في وجه انطوني مورغان , وعادت للغرق بين اوراقها . احترم انطوني صمتها لحظات ثم قال : - فهمت معنى صمتك . كنت قد نسيت انني في نظرك رجل لا اخلاقي , لذلك تورعت عن سؤالي عن الكدمة , مخافة ان يكون مسببها زوج نهشته الغيرة , عندما رآني اتودد الى زوجته , اليس كذلك ؟ - ماتقوله لايدخل دائرة اختصاصي يا سيدي ، لأن علاقتنا علاقة عمل رسمية يتوجها النظام . - اعرف ذلك . ارادت دينا الاستمرار في الكلام : - لذلك يا سيد انطوني براين مورغان ... فقاطعها : - اسمحي لي ان امنعك عن الكلام , لأعترف لك انك سكرتيرة ممتازة , واطلب منك الغاء استعمال اسمي بالكامل من قاموسك العملي , والاكتفاء بمناداتي بالسيد انطوني كما يفعل باقي الموظفين. - ولماذا يا سيد انطوني ؟ لأنك عندما تقولين يا سيد براين مورغان فكأنك تنادين ابي , وانا لااريد استعمال اسمه لمجرد انه اعتكف في بيته بعد سنين من الكفاح المرير . دخل المشرف على موظفي المؤسسة في تلك اللحظة : - صباح الخير يا سيدي . اهنئك على فوزك في مباراة البارحة لكرة القدم . - الفضل في الفوز يعود للفريق بكامل افراده , وليس لي وحدي . لكن خروجي من المباراة بكدمة منعني من قضاء يوم مريح . احمد الله على وجود عمتي هيتي . ضحك المشرف قائلا : - لاتنس ان المصور سيأتي لتصويرك مع سعادة الوزير بعد ظهر اليوم . ستكون صورتك رائعة . وآثار الكدمة واضحة على وجهك . بعد خروج المشرف سأل انطوني دينا : - هل امضيت عطلة اسبوع مريحة ياآنسة بريتشارد ؟ وهل زرت الريف ؟ - شكرا لاهتمامك سيد مورغان , لقد وصلت مع خطيبي حتى منطقة لورانس الريفية , ورغبت في مشاهدة منطقة اوتاغو . - لكن مناطق الجبال والبحيرات اجمل بكثير . على كل حال , ما يهمني الآن ان تكوني على اتم الاستعداد لنقل الملاحظات عن اجتماعي مع الوزير . ابدت دينا استعدادها للعمل , ثم تركت ذكريات العطلة الاسبوعية تذبحها ببطء : ( بعد انتهاء حفلة الأوبرا , صارحت راسل برغبتي في قضاء عطلة الأسبوع معه مثل أي حبيبين . واتفقنا بالفعل على الذهاب الى الأماكن المقدسة في اليوم التالي , ثم استكشاف المناطق الريفية القريبة . وهكذا كان . امضينا معا ساعات حلوة في بداية اليوم لكن رحلتنا الى الريف اغتالت الفرحة في قلبي , لأنني اكتشفت ان راسل رجل يفتقد اللمسات الانسانية , عندما اصر على عدم انقاذ خروف لمحناه في مأزق على جانب الطريق . اذكر انني اجبرته على التوقف , وساعدت الحيوان المسكين بنفسي , فعنفني , واظهر اشمئزازه من رائحة يدي , ومن الطين الذي علق باطراف حذائي ... لماذا تصر على خدش مشاعري وجرح احاسيسي ؟ ليت ايامنا الماضية تعود يا راسل . ليتها تعود ). اشتعلت الفترة الصباحية بالحياة والحركة , ودارت دينا في دوامة العمل المتواصل , الى ان سمعت انطوني مورغان يقول : - يكفيك ما انجزت اليوم يا آنسة دينا . شكرا لك . - سأطبع هذه التقارير قبل ذهابي الى الغداء . - ليس لديك الوقت الكافي لانهائها . - افضل انهاء ما بدأت من اعمال . - سيحرمك ذلك من استراحة الغداء , لانني احتاج اليك هنا في الواحدة تماما . - سأكتفي بتناول وجبة خفيفة هنا اذا . - اندفاعك في العمل يثلج صدري يا آنسة . شكرا لك . -لا شكر على واجب يا سيد انطوني , انني معتادة العمل المتواصل. - احضري لنا وجبتين من وجبات مطعم المؤسسة من فضلك , وسأدرس هذه البنود حتى عودتك . احاطت السعادة دينا بذراعيها : ( احب العمل , واحبذ الروتين العملي , وافضل اعتياد الأشياء والأشخاص . لكنني لم اتعود بعد تصرفات راسل وامه . لماذا ؟ ما هذا السؤال السخيف ؟ لم اقطع هذه المسافات كلها لأسأل نفسي مثل هذا السؤال التافه . اتيت الى هنا حبا بالمغامرة , وسعيا وراء اكتشاف كل جديد . جئت بحثا عن الحرية . فو جدت قيودا ثقيلة في انتظاري ) . سألت دينا انطوني اثناء تناولهما الغداء : - كيف تريد تنظيم ساعات العمل مع سيادة الوزير يا سيد انطوني ؟ - سأحتاج اليك لكتابة الملاحظات عن اجتماعنا , ولتقديم الشاي في وقت الراحة , اذا سمحت . سيستعين الوزير بالملاحظات في اجتماعاته المقبلة , لذا ارجو طباعتها في شكل جيد . اذا اصطدمت بأية صعوبات , يمكن للآنسة ايريني مساعدتك . اتعرفين انها من اهالي البلاد الأصليين , وتمت بصلة قربى لنائب البرلمان ؟ عادت صورة ايريني , بكل شموخها وكبريائها , تضيء ذاكرة دينا , فوجدت نفسها تسأل انطوني : - لماذا لم تستعن بإيريني يا سيد انطوني ؟ انها ... انها سكرتيرة ممتازة . لكنني عندما تلطخت سمعتي مع احدى السكرتيرات قبل سنتين , ابعدت ايريني عن مكتبي لأحمي سمعتها , فأنا اعرفها منذ كانت طفلة . - تلك مثالية قل مثيلها في ايامنا , يا سيد انطوني . واختطفها صدى كلماته الى التفكير : ( السيد انطوني رجل مثالي واخلاقي ومتواضع ... اما راسل فمغرور ومتكبر . صدق من قال ان التوضع من شيم الكرام . يا الهي . انني اقارن بين الرجلين . هذا خطأ خطأ ) . ووصل الضيف المنتظر , فرحب انطوني مورغان به اجمل ترحيب , وعرفه على ايريني كاهيكا , قبل ان يدخله الى غرفة مكتبه . بعد نصف ساعة , قرع انطوني الجرس , فدخلت دينا , وتعرفت على الوزير , واستعدت لمباشرة عملها . بدأت تنقل الملاحظات في هدوء , لكنها رفعت رأسها بعد دقائق عاقدة الجبين لاحظ انطوني مورغان عبوسها , فضحك قائلا : - الآنسة دينا لا تعرف انني املك مزرعة كبيرة , بالاضافة الى كوني مدير مؤسسة لبيع الأقمشة , يا سيادة الوزير . فقال الوزير : - ان انطوني مورغان مزارع قبل ان يكون تاجرا يا آنسة , ومزرعته تساعد الحكومة كثيرا في مجالات التنمية الزراعية . قال انطوني : - اذا لم تفهمي معاني الاصطلاحات المستعملة , فسنستعين معا بالقاموس في ما بعد . كان الوزير يعطي ملاحظاته , وهو يزرع الغرفة جيئة وذهابا . لم تستغرب دينا تحركاته : ( لا بد انه يتصور نفسه في حلقة انتخابية , لذلك يفكر بكلماته وينسقها , وقد وافق على الكثير من الجمل التي اقترحها السيد انطوني ) . سأل الوزير انطوني : - ما رايك في اني استعمل بعض العبارات من كتاب السيد مريدث بريتشارد ؟ تدخلت دينا : |
من الأفضل لك يا سيدي الاستعانة بالنص الذي يشرح عملية تحويل الحليب الى لبن في الكتاب .
حملق الرجلان فيها قبل ان يؤكد الوزير : - معك حق يا آنسة . فمجموعة المثقفين في الاجتماعات لن تتغاضى عن اخطائي . لكن كيف تذكرت النص الذي يمكن ان يساعدني ؟ - انني احفظ ما ورد في الكتاب عن ظهر قلب , بعد ان قمت بطباعته خمس مرات . سألها انطوني : - هل السيد ميريدث بريتشارد من اقربائك ؟ - انه والدي يا سيد انطوني , لكنني لم ارى ضرورة لذكر ذلك قبل الآن . افضل العودة الى العمل , فالوقت يتسرب من ايدينا . لكن الوزير اصر على التعرف الى دينا اكثر : - اتعرفين انه من دواعي سرور أي انسان ان يتعرف الى ابنة كاتب معروف مثل السيد ميريديث بريتشارد ؟ ان ذكر مصادفتي اياك والتعرف اليك , ضمن الخطاب الذي سألقية , سيضفي عليه لمحة انسانية . احست دينا بالفرح يطل من عيني انطوني مورغان : ( السعادة الواضحة في عينيه تنسيني ما قاسيته من راسل وامه , منذ عرفتها ... لا ... علي ان اعود الى اوراقي , فوقت العمل يجب الا يهدر بمثل هذه التفاهات ) . وحان وقت تقديم الشاي , فرجا انطوني مورغان دينا : - احضري لنا اقداح الشاي من فضلك , وشاركينا في شربه حتى نستطيع اعادة المياه الأحاديث بيننا الى مجاريها . سر الكلام دينا : ( ان خطوات الاجتماع تسير على ما يرام , وفي شكل مرض لم اكن اتوقعه , فألف حمد والف شكر لك يا رب ) . اخذت دينا الأقداح من ايريني , وعبرت بها الباب الأول فسألتها الفتاة : - هل تستطيعين فتح الباب الثاني وحدك ؟ - اعرف انه باب متأرجح , لكن وجود مانعات الارتداد في الأسفل ستساعدني على ابقائه مفتوحا كي ادخل المكتب . دفعت دينا الباب بكتفها , وضغطت على مانعة الارتداد في اسفله , قبل ان تتقدم نحو الرجلين اللذين وقفا يتحدثان في منتصف الغرفة . كانت قد تقدمت خطوتين , عندما سمعت صوتا غريبا ارتد بعده الباب الى ظهرها , ودفعها بخطوات متعثرة نحوهما . تذكرت دينا اقداح الشاي التي تحملها , فصرخت : - انتبها ... حاول الرجلان تحاشيها , لكن دينا تعثرت بهما , فشرب الوزير الشاي من قمة راسه الى اخمص قدميه . مرت ثوان قبل ان يدرك الثلاثة ما حدث , ثم نهضوا واعتذرت دينا من الوزير بقولها : آمل الا اكون قد آذيتك بالشاي الساخن يا سيدي . فأكد الوزير لها : - انه ساخن فعلا يا آنسة . كان انطوني مورغان , في تلك الأثناء , قد جلس في مقعد قريب من مكتبه , وراح يحاول تنظيف قميصه مما علق به من آثار الشاي . حين استوى الوزير على قدميه , ابعد قميصه عن جلده قائلا : - اعتقد ان جلدي لم يحترق . تأمل الثلاثة بعضهم بعضا , وغرقوا في الضحك . عندما سمع الموظفون اصوات الارتطام , وتحطم الأقداح , اندفعوا الى الغرفة خائفين , فوجدوا الوزير يقهقه ضاحكا , بينما وقفت دينا تعتذر , والسيد انطوني يحاول الخلاص من الفوضى المحيطة به . قال للآنسة كاهيكا : - ارجو استبدال هذا الباب المتأرجح بآخر عادي في اسرع وقت . هل اصبت بأذى ياآنسة بريتشارد ؟ سخرت دينا من نفسها : - لقد اصبت في كبريائي يا سيدي , لأنني اسقطت وزيرا على الأرض في اول لقاء لي معه ... تصور . اجابها الوزير ضاحكا : - سيزودني الحادث بقصة مسلية , سأرويها لأصدقائي بعد الاجتماع المقبل . - وكيف ستحضر الاجتماع بمثل هذه البذلة يا سيدي ؟ سارع انطوني الى القول : - سنتدبر من قسم الملابس الرجالية بذلة اخرى حالا. شكره الوزير : - لا تتعب نفسك يا انطوني , فأنا لم اعتد لبس الملابس الجاهزة . الا نستطيع تنظيف بذلتي ؟ - بالطبع . سأرسلها مع الأنسة كاهيكا الى التنظيف في الحال . وستلبس من محلاتنا ملابس مؤقتة اذا سمحت . ولآن , اين اقداح الشاي يا آنسة ؟ يا الهي , اتى المصور ... لقد نسيت امر موعده تماما . فوجىء المصور بكدمة انطوني وحالة الوزير , فتساءل : - هل لاحدكم ان يفسر لي ما يحدث هنا ؟ شرح انطوني الوضع بقوله : - سبب الكدمة حول عيني مباراة في كرة القدم لعبتها يوم السبت . اما ما حدث للوزير فسببه باب متأرجح وثلاثة اقداح من الشاي .اتريد ان تلتقط لنا صورا , ام تفضل مشاركتنا شرب قدح من الشاي ؟ اطلبي قدحا اضافيا للسيد المصور يا آنسة بريتشارد . عندما حانت ساعة الاغلاق , فرحت دينا لأنها كانت خجلى من لقاء انطوني مورغان بعدما حدث , لكن حناياها بقيت كأنها تردد: - غدا القاك ياخوف فؤادي من غد - انها تتخبط في الظلام . الهوة تصبح اعمق فأعمق بينها وبين حبيبها وحماة المستقبل ... وانطوني مورغان ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج . ماذا عليها ان تفعل ؟ قررت الخالة كيت زيارة والدة راسل , حفاظا على المظاهر . واثبتت خلال الزيارة انها مثل يحتذى في ضبط النفس , والحفاظ على هدوء الأعصاب , حين امتدحت لوحة لراسل رسمها وهو في المرحلة الابتدائية . لكنها اثنت صادقة على باقات الأزهار التي نسقتها والدة راسل احتفالا بقدومهما . تلاحقت ساعات الأمسية هادئة , حلوة , فأشرق وجه راسل بابتسامة رضى اسعدت دينا , وتركت شعاع الفرح يضيء عينيها . خاطبتها السيدة مليغروف : - لابد انك امضيت امتع الاوقات يوم امس , بعد ان تعرفت الى وزير الزراعة . - هل شاهدت الصورة في الصحيفة ؟ - نعم لمحتها في صحيفة الصباح , ان سيماء السكرتيرة الناجحة واضحة في وجهك يا عزيزتي . تذكرت دينا ما حدث في ماض قريب , وكبتت رغبتها في الضحك : ( لا اريد حتى الابتسام , لأن خالتي قد تخبر الجميع بما حدث ليلة امس , لتؤكد لهم نجاحي في حقل السكرتارية . اما الصورة فقد التقطها المصور , بعدما استعاد الوزير بدلته نظيفة . ووقف انطوني مورغان الى جانبه , في شكل اخفى الكدمة حول عينيه , وظهرت انا في الزاوية اليسرى منها ). رفعت الصورة من شأن دينا عند السيدة مليغروف : ( يحق لي ان افخر بين الصديقات بأن الفتاة التي اعجب بها راسل تعرفت الى الوزير , وصارت تنقل عنه ملاحظاته ) . تأملت دينا الأصناف على مائدة العشاء : ( تأبى الذكريات الا ان تعيدني الى الأيام التي كنا فيها , انا وشقيقي ديفيد , ندخل المطبخ مع اصدقائنا لتحضير طبق كبير من البيض المقلي مع الخالة كيت ... ما احلى ايامنا الماضية . اما هذا البيت فكل ما فيه ومن فيه يحكمهم التصنع . ها قد عدت للمقارنة بين الناس . هذا لايجوز ... لا يجوز ابدا ) . تابعت دينا تناول طعامها بصمت , لكن سماعها مواء قطة انساها ما حولها , فاندفعت نحو الباب المؤدي الى الحديقة تفتحه , لتدخل قطة شقراء هزيلة , جائعة , اسرعت نحو الخالة كيت تتمسح بساقيها طلبا للطعام . اشفقت الخالة كيت عليها , وملأت دينا طبقها بالحليب , ووضعته امامها . احتجت السيدة مليغروف على تصرفها , فاعتذرت الفتاة قائلة : - اعذريني يا سيدتي . كان علي ان استأذنك في استعمال احد اطباق المائدة لاطعام القطة , لكني اشفقت عليها . ردت السيدة مليغروف بعصبية : - ان اطعام القطط المشردة لا يهمني , لأنها حيوانات نهمة . استغربت دينا رد فعل السيدة : - ظننت انك تحبين القطط , خصوصا بعد ان اتيت بواحد منهم الى هذا البيت , واسميته تيموثي . - تيموثي قط اصيل . داعبت دينا القطة قائلة : - هذه القطة لاتنقصها الأصالة يا سيدتي . استشاطت السيدة مليغروف غضبا : - انك تتحدينني وتسفهي آرائي يا دينا . - لم اقل ما يسيء اليك يا سيدتي . لكن والدي كان طبيبا بيطريا , وكنت مساعدته . لهذا اعرف الكثير عن طبائع الحيوانات وصفاتها. - وهل شجعك هذا على ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) آرائي امام ابني وخالتك ؟ الحمد لله ان لا غرباء بيننا هذا المساء . راسل , ارم القطة خارجا . سيطر التوتر على الأجواء , واحرقت نار الغضب دينا , فتركت مجلسها وامسكت بالقطة قائلة : ارحموا من في الأرض , يرحمكم من في السماء يا سيدة مليغروف. الا تلاحظين ان القطة مسكينة , هزيلة وجائعة ؟ حاول راسل ايجاد تسوية بين امه والفتاة التي يحب , فأحس بمخالب المحاولة تمزقه قبل ان يسأل دينا : - ما رايك في ان نطعم القطة في الحديقة يا عزيزتي ؟ امي تحب الحيوانات الأليفة وترعاها , لكن ليس في استطاعتها ايواء جميع القطط التي تأتين من الحديقة . نزلت دينا عند رغبته , وتركت خالتها وحيدة مع السيدة ميلغروف , التي تأففت بعد خروجهما قائلة : - ان شراسة دينا وقلة لباقتها , دليل واضح على افتقارها الى رعاية الأم وتوجيهها . استماتت الخالة كيت في الدفاع عن دينا : - ارجوك كفي عن هذا الكلام يا سيدة ميلغروف . دينا فتاة طيبة , رقيقة , كانت تحلم بأن تصبح طبيبة بيطرية لشدة تعلقها بالحيوانات , لكن والدها نصحها بدراسة السكريتارية , فعملت بنصيحته . واذا كانت قد ابدت رأيها في قول او تصرف , فهذا لايعني انها اخلت بالأدب , لا سمح الله . - انني من المحافظات اللواتي يفضلن احترام المتقدمين في السن اثناء الكلام . - كلام سليم . لكنني احبذ الحرية في ابداء الرأي . - ماذا تقصدين يا سيدة ليفنغستون ؟ - اقصد ان دينا تملك شحنة عارمة من الصدق والصراحة , واكره ان تفقدها تحت ضغط أية ظروف . انها فتاة رصينة , جادة تهمها سعادة الآخرين , لذلك ارجوا ان ترحميها من سموم انتقاداتك . احست السيدة ميلغروف بالثورة تشتعل في اعماقها , فقالت : - لا يهمني سوى مستقبل ابني يا سيدة ليفنغستون . - وماذا يخبىء له المستقبل يا ترى ؟ منصب مستشار الملكة مثلا ؟ - اتمنى ذلك من كل قلبي , وأرى ان تتدرب دينا منذ الآن على كبح جماح رغباتها , والسيطرة على اعصابها , اذا ارادت النجاح في حياتها الزوجية المقبلة . ضحكت الخالة كيت : - انك تطلبين المستحيل يا سيدة ميلغروف . تحولت السيدة ميلغروف في لحظات الى بركان ثائر , وراحت تنفث حممها في وجه الخالة كيت : - اذا كان الأمر كذلك , فأرجو الله ان تكون دينا نزوة عابرة اخرى من النزوات الكثيرة في حياة ابني . - لا شك في ان امنيتك صادقة . كانت دينا في الحديقة , تطعم القطة مع راسل حين قالت له : - لا داعي لهذا الاشمئزاز يا عزيزي , انك تشبع قطة جائعة فقط . يظهر انك كأمك لا تحب الحيوانات . اسمح لي ان اصارحك بأنني سأربي اولادنا على حب الحيوانات , والتعلق بهم . امسك راسل بذراعها قائلا: - اسمعي يا دينا انني احب الحيوانات الجميلة , وهذه القطة مثال حي للقباحة . انظري الى فرائها المتعدد الألوان . تأكدي انني سأغرس بذور حب الحيوانات الجميلة في نفوس اولادي ... قاطعته دينا : - ان ما يهمك هو اصالة الحيوان , وليس جماله كما تدعي . انك لا تشفق على حيوان جائع , جريح او مريض , اذا لم يكن اصيلا . وهذا مؤلم ... مؤلم جدا . حاول راسل التهرب من الموقف بالبقاء النكات , ثم قال : - ما رايك في ان نشبع القطة , ثم نتركها تذهب في حال سبيلها ؟ - لا ... سآخذها معي الى البيت . - كما تريدين يا حبيبتي ... كما تريدين . استطاع راسل ازالة التوتر العالق في الأجواء بعد ذلك , ثم قال لوالدته : - سأعيد السيدة ليفنغستون ودينا الى منزلهما , اذا سمحت . لقد صممت دينا العزيزة على الاحتفاظ بالقطة , وستأخذها معها الى البيت . اجبر كلام راسل دينا على التفكير : ( تعجبني طريقته في معالجة الأمور احيانا , لكن والدته لا تزال متوترة الأعصاب ) . عادتا الى البيت , ومعهما القطة التي راحت تدور سعيدة بين الغرف . وحين رتبتا لها مكانا للنوم , صارحت دينا خالتها : - اشعر انني اتخبط في ظلام دامس يا خالتي . ساعديني . ارجوك سا عديني . - تصعب علي مساعدتك يا ابنتي . ان طريق الزواج طويل , مليء بالعقبات , مفروش بالعثرات . فحاولي التغلب عليها بمفردك . استنجدت دينا بأفكارها : ( ان خالتي محقة في ما تقول . فالعقبات كثيرة , ويجب ان اتغلب عليها وحدي . لكن لماذا لم استطع ان احب حماتي بالسرعة التي احببت فيها السيدة مورغان ؟ يا الهي , ما الذي اوصلني الى التفكير بوالدة انطوني مورغان ؟ انه ليس من الرجال الذين يؤمنون بالزواج , واذا فكر في خوض خضمه , فسينتقي فتاة يلفها المال بأرديته . وصلت دينا الى مقر عملها في صباح اليوم التالي , في الوقت الذي وصل فيه انطوني مورغان , فوجدت بعض العمال يغيرون اللافتة التي تحمل اسم المؤسسة , فاستغربت وتساءلت : - ما الذي يفعله هؤلاء العمال يا سيد انطوني ؟ - انهم يحولون كلمة"ابناء" على اللافتة الى كلمة " ابن ". - وهل لي ان اسألك لماذا يفعلون ذلك يا سيدي ؟ سكن الألم عينيه وهو يقول : - لأن اخي اوين , الذي كان قلب هذه المؤسسة النابض توفي قبل سنتين , وبقي ابي يؤجل عملية تغيير اللافتة طوال الفترة الماضية , ففكرت ان اقوم انا بالعملية اثناء غيابه , لعلي اجنبه لسعات الألم , ولدغات الحزن والذكريات . - قلت ان اخاك كان قلب المؤسسة النابض , لكنني اؤكد لك يا سيدي انك تدير المؤسسة بشكل ناجح جدا . - قد يكون الأمر كذلك , لكنني في اعماقي انسان محب لافتراش الأرض , والتحاف السماء . انسان عاشق للطبيعة . 5- عمل اضافي اضطرت دينا للبقاء في المؤسسة لانجازه لاغية موعدها مع راسل . وعندما جاء الأخير مساء لاصطحابها , كانت قد خطفتها سيارة المدير . " ان الله يحب اذاعمل احدكم عملا ان يتقنه " . اتخذت دينا هذا المبدأ نبراسا اضاءت به درب حياتها العملية , وتذوقت طعم الاستقرار , وتعلمت كيف تتمسك بتلابيب الحذر في تعاملها مع والدة راسل . اكدت دينا للسيدة ميلغروف يوما : - اثبت لي العمل مع السيد مورغان انه ماهر في الفصل بين حياته العملية والخاصة , ويعرف كيف يفرض احترامه على الموظفين . - لم يكن كذلك قبل سنتين , عندما غرر بسكرتيرته المسكينة . صحيح ان الفضيحة خنقت في المهد , واخفيت آثارها بعد تدخل والده شخصيا , لكن انصياع انطوني لأوامر ابيه لم يكن الا طمعا بالأموال التي تنتظره بعد وفاته . لم تكن دينا تعرف حقائق القصة في شكل يمكنها من الدفاع عن مديرها ضد الهجوم الشرس , لذلك فضلت الإحتماء بالصمت : ( لا اعرف عن انطوني مورغان الا انه انسان لطيف , محبوب من موظفيه , يمزج بين المرح والجد , يلهث وراء النظام في كل مايفعل ) . لم تستطع دينا منع نفسها من القول : - لكنه يحترمني ويحسن معاملتي يا سيدتي . قاطعتها السيدة ميلغروف , وادارت دفة الحديث نحو مواضيع اخرى . في صباح اليوم الثاني , اوصى انطوني مورغان المسؤولة عن الرعاية الاجتماعية باحدى الموظفات . سمعته دينا |
مصادفة يقول :
- ان الآنسة فانشو موظفة ممتازة , وتستحق منا العون كله . تبيني اوضاعها المادية والاجتماعية , ولا تبخلي عليها بالمساعدة , على ان يبقى هذا سرا مخفيا عن جميع الموظفين. لم تستطع دينا محو صدق كلمات انطوني مورغان من حناياها بسهولة , وظل عقلها يردد : ( ان انطوني مورغان طيب . معطاء . انسان ... ) . غاب راسل عن دينا بضعة ايام , لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة حياتها الاجتماعية التي بدات تستقطب الكثير من الأصدقاء , واولهم كليو ووالدتها . كانت كليو فتاة متفائلة , طيبة القلب , صارحت دينا يوما بقولها : - اتعرفين انني مستعدة للموت تحت اقدام انطوني مورغان ؟ صدقيني . لكن ما الفائدة ما دام لا يعيرني أي اهتمام ؟ على فكرة , طالت غيبة راسل هذه الفترة , لماذا لم نعد نراه كثيرا ؟ حافظي عليه , فهو رجل وسيم . - عمله هو الذي اختطفه مني , فلا تخافي . بعد عودة انطوني مورغان , طلب من دينا البقاء مساء يوم الجمعة لانجاز بعض الأعمال الاضافية . تذكرت الفتاة ارتباطها بموعد مسبق مع راسل الذي لم تره منذ خمسة ايام , فحاولت الاعتذار : - آسفة يا سيد انطوني , لدي ارتباطات سابقة مع السيد ميلغروف , فهل يمكنك تأجيل الساعات الاضافية الى مساء الغد ؟ - من الأفضل لك الاعتذار عن موعدك هذا المساء . - معذرة . لم افهم ما تعنيه . - بل تفهمين تماما . يحسن بك الغاء موعدك الليلة . لماذا لا تصرخين : من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه ؟ - ارجوك يا سيدي . ارجوك . ضحك انطوني مورغان وقال : - انك تحاولين التمسك بفكرة الموظفة والمدير , ولو كان على حساب اعصابك , ومشاعرك , واحاسيسك , اليس كذلك يا آنسة بريتشارد ؟ دعيني اذا اخبرك انه يسرني الاكتشاف بأنك لم تفقدي بعد شفافيتك ورهافة حسك , لأن ملازمة راسل وامه مقبرة لكل الأحاسيس , وخنجر مغروس في ضلوع المشاعر , وأرجو ان تتذكري يا آنسة انه الغى موعدين معك في الأسبوع الماضي . - اعتتذر لكثرة اشغاله . هل تحرضني الآن على الاعتذار للسبب نفسه ؟ - طلبت منك تناسي موعدك , لأنني اعرف حبك لعملك , وتف( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة ) فيه . - انني محبة لعملي فعلا , لكن ... لا بأس ... لا بأس . لك ما تريد يا سيد انطوني . رفعت دينا سماعة الهاتف , ولا حظ انطوني انها تدير القرص بأصابع مرتجفة , فقال لها : - لا اريد ارغامك على ما تكرهين يا آنسة , لكن اسلوبك في معاملة راسل سيعود عليك بنتائج عكسية , صدقيني . يجب ان تكوني الهدف الذي عليه ان يتعب للوصول اليه . - رغم معرفتي بعمق خبرتك في شؤون القلوب يا سيدي , الا انني اجد نفسي مضطرة لرفض العمل بنصيحتك , فأنا لا اؤمن بهذه الأساليب في معاملة الرجال . - لم اتوقع مثل هذه الرزانة من صاحبة شعر احمر . - اكملت دينا طلب الرقم , وعندما سمعت صوت راسل حيته : - مرحبا راسل ... انا دينا ... انني مضطرة للعمل ساعات اضافية مع السيد مورغان . لذلك اعتذر عن الذهاب معك ... لا ... الأعمال كثيرة , ولا يمكنني رفض طلب المدير , بعدما سمعك تعتذر مرتين في الأسبوع الفائت بسبب اشغالك المتراكمة ... اذهب الليلة مع اصدقائك , وسنلتقي في يوم آخر ان شاء الله ... ارجوك يا راسل تفهم موقفي ... واعذرني ... مع السلامة . - اعادت دينا السماعة الى مكانها , فشجعها انطوني : - عظيم . لا بد ان اعتذارك ازعجه . - لقد ازعجه فعلا ... افضل العودة الى العمل . علا رنين الهاتف , فأجابت دينا , ثم قالت لمديرها : - ممثل احدى الشركات الكبرى للأقمشة يطلب مقابلتك يا سيدي . - دعيه يدخل , وخذي هذه القائمة الى قسم المحفوظات للتدقيق من فضلك . اتخذت دينا طريقها الى قسم المحفوظات , فصادفتها كليو في منتصف الطريق : اهلا كليو , ما رايك في تناول قدح من الشاي بعد الانتهاء من الساعات الاضافية ؟ - يسرني ذلك يا عزيزتي ... لكن , ماذا حدث لموعدك مع راسل؟ - اضطررت لالغائه بعدما طلب مني السيد مورغان مساعدته في تسيير بعض الأعمال . - استغرب ان تفضلي العمل على راسل ... هل انطفأ بريق الحب في قلبك ؟ - لا , اطعت أوامر مديري فقط . - السيد انطوني لا يصدر الأوامر . انه يطلب بلطف , لذلك نسعى جاهدين لخدمته . هل يعجبك السيد انطوني يا دينا ؟ - ارجوك يا كلير , لقد اعتدت الفصل بين حياتي العملية ومشاعري الشخصية , بعد التجربة القاسية التي مررت بها وانا اخطو أولى خطواتي على درب العمل . - تأكدي ان السيد انطوني ليس ذئبا بشريا . على كل حال لكل انسان طريقته في التفكير وتصريف الأمور , واعتقد ان وجود فتاة مثلك يناسبه . لأنه بعد ما قاساه من سكرتيرته السابقة , اثبت لنا في اكثر من مناسبة , ومع اكثر من موظفة . انه آدم الهارب من حواء . انصرفت كليو تاركة دينا بين براثن الأفكار : ( لم يلم احد من الموظفين انطوني مورغان على ما حدث في الماضي . يظهر ان الفتاة ارادت دفعه الى هاوية الزواج , فارتد كيدها الى نحرها . اعرف ان التجارب بوتقة تصهر الأنسان , لكنها كانت سيفا قاطعا أضعف السيد مورغان , واجتث جذور ثقته بمن حوله . يا الهي انقذني من افكاري , فأنا لا اريد التدخل في ما لا يعنيني ) زادت ساعات العمل الاضافي في يقين دينا من ان السيد انطوني متواضع مع الموظفين , وناجح في ادارة اعمال المؤسسة . ارادت نسيان نفسها في احضان العمل الهادىء المتواصل , لكن التفكير براسل وامه كان يجبرها على العودة للواقع مكرهة : ( عندما احلم بزيارة معرض فني مع راسل , اتمنى بعدها لكلينا جلسة هادئة امام المدفأة , ننصت لزغاريد نارها , ونستمع لنجوى قلبينا . لكن هيهات ... كيف تتحقق اماني واحلامي بوجود والدته التي تلازمه كظله ؟ أغبط روبن على خلاصها من قيود والدتها . ان السيدة ميلغروف بقيت وحدها في حياة راسل بعد وفاة زوجها , لكنها تدفن ابنها برمال رعايتها , وعنايتها , ورغبتها في حمايته ... حان وقت الانصراف . سأعود الى البيت , وارتاح بشرب قدح من الشاي الساخن قبل ان آوي الى فراشي . لن اترك اعصار الشكوك , الذي أثاره انطوني مورغان في داخلي , يحرمني لذة النوم . هل يتعمد راسل اهمالي ؟ لا ... لا ... انه يعمل بجد . وعلي ان اثبت ان وراء كل رجل عظيم امراة . اشعر انه لم يعد متشوقا للقائي . اصبح العمل هاجسه الوحيد ) حاولت دينا قطع دابر افكارها بالغوص من جديد , لكن انطوني مورغان منعها بقوله : - يكفينا ما انجزنا اليوم ياآنسة . - ثم علا صوته مخاطبا باقي الموظفين : - ايها الآنسات والسادة , حان الآن وقت الانصراف . تأكدي يا ساندي من حسن اقفال المحلات قبل الانصراف من فضلك . سأوصل الآنسة بريتشارد الى البيت . استغرب الموظفون تصريحه , واتجهت انظارهم الى دينا التي اشاحت بوجهها عنهم , حتى سمعته يقول : - احضري معطفك وقبعتك لنغادر المكان يا آنسة بريتشارد . وذهب لتصريف بعض اموره , تاركا اياها مع كليو : - اؤكد لك انك من المحظوظات يا عزيزتي . ارتبكت دينا : - تصبحون على خير ... تصبحون على خير جميعا . تسارعت ضربات قلبها وهي تتجه نحو المكتب . اخذت معطفها والقبعة , واستعدت للخروج ثانية , لكن انفتاح باب الحجرة الملاصقة سمرها مكانها : - العجلة من الشيطان , والتأني من الرحمن يا آنسة بريتشارد . واجهته بقولها : - لم اعد افهم تصرفاتك يا سيد انطوني , لماذا لا تعاملني مثل بقية الموظفين ؟ أنا ... - انت تخافين من سمعتي وماضي الملطخين , اليس كذلك ؟ - بصراحة ... نعم . وافضل الا اختلف عن زملائي في شيء . - لماذا يا آنسة ؟ - لأن الماضي لسعني بسياط تجربة قاسية , كان بطلها ابن مدير أول شركة عملت فيها . - ما المسه فيك من صراحة وجدية هما بقاياها , اليس كذلك ؟ - ليس هذا ما اعنيه يا سيدي . تركت عملي في الشركة يومها بعدما خيل للمدير انني احاول ايقاع ابنه في حبائلي . كان ابنه يافعا . سخيفا . تنقصه الجاذبية ... - وانت تحبين الانسان الذي انضجته نار التجربة . - افضل النضوج على الاحتراق يا سيدي . ضحك انطوني : - احمد الله ان راسل وامه لم يصلا ببرودتهما الى اعماقك . - لا اعرف كيف اصفك يا سيد انطوني . - لا تتعبي نفسك بمحاولة وصفي يا آنسة . اتعرفين ان قذائف الكلام التي نتبادلها تسليني ؟ لم تستطع دينا منع نفسها من الضحك , فشجعها انطوني : - هذا افضل يا آنسة , اضحكي تضحك لك الدنيا . ولنذهب الآن. ركبت دينا سيارة انطوني , قبل ان ترى سيارة راسل تتوقف امام باب المؤسسة . رآهما راسل سوية , وتصادمت نظرات الرجلين , فلاح على ثغر انطوني خيال ابتسامة لم تفهمها دينا . ابتعد انطوني مورغان بسيارته , تاركا راسل يتخبط في مهاوي حيرته . انقذته رؤية كليو من عذابه , فتقدم منها وحياها متسائلا: - رأيت دينا تركب سيارة المدير يا كليو , فهل هي بخير ؟ - اطمئن يا راسل انها بألف خير وتتربع في هذه اللحظة على قمة السعادة , فهي تركب سيارة الرجل الأول في المؤسسة , وهو رجل عازب وصاحب ملايين . - ماذا تعنين يا كليو ؟ - اعني ان دينا تتمتع بمكانة خاصة عند المدير , لذلك يحيطها بكل العناية والرعاية . - لكن دينا خطيبتي . - هل هي خطيبتك فعلا , ام ان ما يربطكما هو مجرد صداقة عميقة ؟ - اننا متفاهمان على وضعنا الحالي . - لا ادري كيف استطعتما التفاهم على مثل هذا الوضع . ان الفتيات في ايامنا هذه يفضلن الاستقرار , والاحساس بالأمانوالطمأنينة في كنف رجل . اما في حال عدم وجود روابط , فإن للفتاة الحق بالتصرف كما تشاء . يؤسفني انك تركت معرضك الفني باكرا , لأن دينا دعت المدير لتناول العشاء في البيت , فأرجو الاتفسد عليهما هدوءهما بظهورك المفاجىء . لم يصدق راسل ما سمعه : - لا اعتقد ان دينا تستقبل وحدها غريبا في البيت . كفي عن الضحك يا كليو , فأنا اعرف دينا اكثر منك . - قد يتناولان العشاء في احد المطاعم الفخمة يا راسل . يمكنني ان اخفف من مصابك الليلة . وسأقبل الذهاب معك الى احد المطاعم الصغيرة . اتعرف يا صديقي ؟ بعد ان بالغت في اهمال دينا , راحت المسكينة تبحث عن انسان يستطيع اغناء حياتها بكل مثير , جديد . - اقبلي دعوتي الى العشاء , وسأثبت لك انني قادر على اغناء حياة اية فتاة بشكل مثير وجديد . - استضافت دينا الصمت اثناء رحلة العودة , لكن انطوني طرده بسؤالها : - اما زلت متوترة الاعصاب ؟ - لا ابدا . لكن في الأيام المشابهة لهذا اليوم , اتوقع حدوث المستحيل . - اشعر ان العاصفة بيننا مرت بسلام . واذا كنت تفكرين بدعوتي لشرب قدح من الشاي , فسأقبلدعوتك بكل سرور . لماذا الصمت ؟ اتخافين من ثورة السيدة ميلغروف ؟ تحدته : - رغم ان خالتي ليست في البيت , الا انه يسرني تشريفك . توقفت السيارة امام البيت , وتقدمت دينا من الباب تفتحه وكأنها في حلم : ( انها المرة الأولى التي ادعو فيها السيد مورغان الى بيتي . سأستضيفه اليوم بدلا من راسل ) . دخلا غرفة الجلوس , فقال لها انطوني : - احب سماع زغاريد السنة اللهب في كل وقت , اتوافقينني على اشعال المدفأة ؟ - انا وخالتي نحب الاستكانة الى جانبها ايضا . تفضل وافعل ما تريد. تأمل لوحة فنية نامت على الحائط فوق المدفأة قبل ان يقول : - اليست هذه احدى لوحات الفنانة كيت ليفنغستون ؟ لدي بعض رسوماتها في البيت . انها ماهرة جدا في التعامل مع الألوان المشرقة الزاهية . - يجب ان تخبر خالتي برأيك في لوحاتها عندما تعود . - هل يعرف ابي ذلك ؟ لا اعتقد , فهو لا يهتم بالفن والفنانين . لكن عمتي هيتي تلاحق تطورات الحركة الفنية , وقد اشترت اللوحات عندما كانت في رحلة الى انجلترا . - سأذهب لتحضير الشاي . تبعها انطوني الى المطبخ الذي اختلط فيه القديم بالحديث : - ان المطبخ مرآة صاحبة البيت . ومطبخك اكبر دليل على حيرتك وعدم اقتناعك براسل ميلغروف . استدارت نحوه قائلة : - ارجوك يا سيدي . لا تتدخل في شؤوني . - كما اتحضرون هذا اللحم لفطور الغد ؟ - طبعا لا . انه لعشاء الغد يا سيد مورغان . - ولماذا لا نتناوله الآن يا آنسة ؟ انني جائع , واحب اللحوم المشوية . سنأكل هذا اللحم اليوم وادعوك مع خالتك غدا لتناول العشاء في اح المطاعم . ما رايك ؟ - هذا غير ممكن . اقصد انه ممكن ... اعني انه يمكنك ان تأكل ما تريد من اللحم الليلة , لكن بالنسبة الى دعوة الغد ... - ان قبولك لدعوتي هي افضل وسيلة لإثارة غيرة السيد ميلغروف . دينا لا تغضبي يا عزيزتي . لا تغضبي . اعرف انني وعدتك بعدم التدخل في امورك . - لا اسمح لك بمناداتي باسمي المجرد يا سيد انطوني . ثم ... ثم ... كيف تقول عزيزتي ؟ - اسمك جميل ويتماشى تماما مع لفظ عزيزتي . لم هذا الانزعاج ؟ اعطيني سكينا لأساعدك في تقطيع اللحم . استسلمت دينا للأمر الواقع, وبدأت تستسيغ مساعدة انطوني مورغان لها . وحين فاجأها الجوع , قامت بتحضير المائدة استعدادا للعشاء . ثم جلست تتناول عشاءها معه , بعدما حضرت طعاما للقطة . قال لها انطوني : - يغلب على عشائي الليلة الطابع الانجليزي . كان يهم بوضع لقمة في فمه , عندما انفتح الباب وظهرت على عتبته الخالة كيت برفقة راسل . تلاقت العيون , والتهمت الدهشة الوجوه , فتململ انطوني في مجلسه , تاركا راسل يجلده بسياط نظراته . زحف سرور غريب الى قلب دينا بهذا اللقاء بين الرجلين, فتركت مجلسها وتقدمت نحو راسل : اهلا بك ومرحبا يا راسل . خالتي كيت اقدم لك انطوني براين مورغان , مدير المؤسسة التي اعمل فيها . اما انت يا راسل ... كظم راسل غيظه وهو يقول : - لا ضرورة لأن تتعبي نفسك يا دينا , لأنني اعرف السيد مورغان . اعرفه جيدا . - هل طلبت منك خالتي ان تأتي معها الى هنا بعد انتهاء المعرض ؟ - لا ... التقينا عند الباب . مررت بالمؤسسة مساء لأصطحبك , فأخبرتني كليو انك عدت الى البيت مع السيد مورغان , فدعوتها لشرب قدح من القهوة , واتيت بعدها الى هنا . - ارجو ان تكونا قد امضيتما معا احلى الأوقات ... اشكرك على مجيئك في هذا الوقت المتأخر , وارجو الا تقلق عليك والدتك . قاوم انطوني رغبته المجنونة في الضحك , وترك المائدة . وبعد ان وضع الأطباق المستعملة على منضدة صغيرة متحركة , جرها الى المطبخ وهو يقول : - سنتدبر امر هذه الأطباق بعد ذهاب الضيوف . وحين عاد من المطبخ , استرخى في احد المقاعد وقال : - ما احلى الراحة بعد التعب يا دينا . - كان يوما متعبا فعلا يا انطوني . انزعج راسل : ( تناديه باسمه . ويناديها باسمها مجردا . ما هذا التغير المفاجىء ) . قدم انطوني لفافة تبغ الى الخالة كيت , وقال : - انت لا تدخنين يا دينا , لذلك لن اعرض عليك واحدة . انكمشت دينا : ( اكتشف انطوني مورغان انني لا ادخن قبل دقائق فقط , لكن راسل لن يصدقني , حتى لو اقسمت له على ذلك ) . خاطب انطوني الخالة كيت بقوله : - عمتي من المعجبات بفنك يا سيدة ليفنغستون , وستسر كثيرا اذا زرتها يوما في بيتي ، فهي مقيمة عندي . سأل راسل دينا : - هل تمانعين في تناول العشاء مع امي غدا يا عزيزتي ؟ لن اكون معك لأنني مضطر للسفر ، لكن وجودك سيفرحها . نادت الأفكار دينا : ( هل اعتذر بحجة انني مضطرة لتلبية دعوة انطوني مورغان مع خالتي غدا مساء؟ لا . لقد رفضت الدعوة ولن اقبلها ثانية بالرغم من ان امسية كاملة مع والدة راسل ليست منتهى املي . اشعر بأن الحرب سجال بين الرجلين . اتمنى ان تكون احاسيسي خاطئة , اتمنى ذلك من كل قلبي . رنين الهاتف يملأ المكان سأذهب لأجيب ) . عادت دينا بعد قليل , لتجد انطوني مورغان في المطبخ , يساعد خالتها في تجفيف الأطباق ، فقالت : |
لا ضرورة لما تفعل يا سيدي , فأنا وخالتي نستطيع انجاز العمل وحدنا .
- اتستطيعين الثبات على اسم واحد في مناداتي يا دينا ؟ تضرج وجهها بدماء الخجل : - اعذرني على مناداتك باسمك مجردا قبل قليل . - ولماذا الاعتذار يا عزيزتي , ما دمت تطبقين ما اوصيتك به , وتغيضين راسل ؟ فضلت دينا عدم الرد , وقالت لخالتها : - هناك من يطلبك على الهاتف يا خالتي . تركتهما كيت وحدهما , فأغلقت دينا باب المطبخ قائلة : - اعتقد ان وقت انصرافك قد حان يا سيدي , ويكفيك ما سببته لي اليوم من مشاكل . - ما يزعجك اليوم ستشكريني عليه غدا , لأنه سيحث راسل على تحسين معاملته لك , فأنت لا تستحقين الا الخير . - انك لا تعرفني الا منذ فترة وجيزة , فما الذي يدفعك الى مثل هذا الكلام ؟ - لن اجيب الا بأنني عرفتك في الأيام الماضية بما فيه الكفاية , لذلك اوصيك بألا تعتذري لراسل على ما حدث اليوم , وان تستمري في السير على درب زعوعة ثقته بحبك وعواطفك . الم تسعدك النتائج التي توصلنا اليها اليوم ؟ - تذكر انني احب راسل يا سيد انطوني , وحبي له ليس اعمى . - ومن قال لك ان الحب اعمى ؟ تأكدي ان للحب عيونا جميلة يرى بها قلب الانسان ادق الأشياء واحلى التفاصيل . لا تتصوري ان ما اقوله سببه خبرة سابقة في شؤون القلوب , كما سبق وألمحت . لا , ان تجربتي الماضية كانت تفتقر الى الحب وتتوق اليه . عجزت دينا حتى عن الاعتذار , لكنها قالت بعد فترة سكوت مقيتة : - يكفيني ما قاسيته اليوم يا سيد انطوني , ارجوا منك الانصراف مع راسل في اسرع وقت ممكن , لأنني متعبة وفي حاجة ماسة الى الراحة . - ثقي بأن طلباتك اوامر يا آنستي . جلست دينا مع خالتها امام المدفأة , بعد انصراف الضيفين وتساءلت الخالة : - هل استمتعت اليوم بأوقاتك يا ابنتي ؟ - ان الضياع يطويني يا خالتي . لم اعد اعرف الا انني متعبة وفي حاجة الى ساعات من النوم العميق . تصبحين على خير. لكن التفكير بأنطوني مورغان خطف النوم من عينيها , وقادها الى التفكير في مصيرها مع راسل : ( لطالما تصورت راسل هو فارس أحلامي المنتظر , لكن هيهات . ما السبب ؟ أتراها امه ام حادثة وفاة ابيه المبكرة ؟ لا اعرف . ربما يحتاج راسل الى فتاة تكتشف فيه خصاله الحسنة الدفينة . لكن هل انا هذه الفتاة ؟ لا مست اصابع الفجر جفنيها , فأسرعت الى احضان النوم استعدادا لاستقبال يوم جديد , تمنت ان يكون سعيدا . 6- ... وانهمرت دموعها وهي تشعر بحنان انطوني مورغان نحوها . ثم توسلت اليه وذراعه تحيط بكتفيها : ساعدني , ارجوك , لوضع نهاية سعيدة لقصتي . وغاب نهار آخر , رحل نهار عمل آخر من حياة دينا , وتركها منهوكة القوى , تبحث عن السكون بعد ساعات الضجيج , وعن فيء الراحة بعد قيظ التعب . كانت تستعد لترك غرفتها , عندما فتح السيد انطوني باب غرفته قائلا : - سأوصلك الى منزل السيدة ميلغروف يا دينا . - افضل الذهاب وحدي . شكرا لك يا سيدي . - ستكون رحلتك مرهقة , فالحافلات مزدحمة في هذه الساعة . - سأركب سيارة اجرة . - طيب هل طلبت واحدة ؟ - كنت على وشك ان افعل . - استسغت الكذب سلاحا لمقاومتي , منذ بدأت اهتم بك . لكن شيئا لن يثنيني عما عزمت عليه . هيا بنا . - جردتني حتى من قدرتي على الرفض , ولا املك الآن الا الانصياع للأوامر , لأنك سيدي في العمل . قهقه انطوني مورغان ضاحكا : - دينا ... عزيزتي ... لم اتوقع منك مثل هذا الاستسلام السريع . يظهر انك تحاولين التخلص من الحاحي , لكن هذا التخاذل لن ينفعك في حياتك المستقبلية , صدقيني . - مادمت تعرف انني احاول تحطيم قيود الحاحك وسخريتك , فلماذا لا تدعني وشأني ؟ - لا استطيع . لأنك تحبين ما افعل . - ماذا تقصد يا سيد مورغان . - اقصد يا عزيزتي انك تحبين الحاحي , وملاحقتي , وقذائفي الكلامية . - هل فقدت عقلك ؟ هل جننت يا سيدي ؟ ما هذا الذي أسمع ؟ تتهمني في البداية بالضعف أمام راسل , ثم تتجرأ وتؤكد انني استسيغ مضايقتك لي . هذا كثير . كثير جدا يا حضرة المدير . اشعل انطوني لفافة تبغ , قبل ان يقول : - الفرق شاسع بيني وبين راسل , فهو يهملك , وانا الاحقك . كادت دينا تنفجر غيضا : - لقد اعتذر راسل عن بعض ارتباطاتنا لانشغاله , يا سيد انطوني , وقد تفهمت الوضع تماما . - وانعكس تفهمك للوضع على الطباعة السيئة لرسائلي بعد اعتذاره الأخير , اليس كذلك ؟ لا اعرف لماذا تتعمد ت( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )( تم الحذف : كلمة ممنوعة )ي واذلالي , لكنني اؤكد لك قدرتي على حل مشاكلي مع راسل دون أي تدخل خارجي , هذا أولا , وثانيا اسمح لي ان ارفض الذهاب معك الى بيت السيدة ميلغروف . - اعتراضك مرفوض . هيا بنا . - لا اعتقد انك سترغمني على الذهاب يا سيدي . - بلى , سأجبرك عليه حتى لو جعلت سيرتك مضغة في افواه الموظفين . هيا يا فتاتي ... هيا . - استسلمت للواقع . فنزلت الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , وراحت تمخر عباب البحر البشري , الذي كانت امواجه تتابع على المؤسسة . فأحست بنظرات الفضول تلاحقها , فأسرعت تحتمي بسيارة انطوني السوداء , وبالصمت طوال الطريق . تركها انطوني تتمتع بحرية السكوت , حتى وصلا الى المنزل المطلوب . تأمله انطوني قبل ان يقول : - البيت ضخم , فخم . لكنني متأكد من ان اصحابه يثقلونك بأصفاد التصنع . حاولت دينا الخروج من السيارة , لكنها لم تستطع ذلك الا بمساعدة انطوني الذي فتح لها الباب قائلا : - اتمنى لك قضاء امسية سعيدة . الى اللقاء . - سنلتقي غدا في المؤسسة . - لا . سأتناول عشائي وحيدا في المدينة , وارتاح قليلا في المكتب , ثم آتي لأعيدك الى البيت . - سيعيدني راسل , شكرا لك . - تذكري ان راسل خارج المدينة , وسيعود الليلة متأخرا . - لا اريدك ان تعود . لا اريدك ان تعود . سأطلب سيارة اجرة . اتخذت دينا طريقها نحو الباب الرئيسي , واختفى انطوني بسيارته عند المنعطف . رحبت بها السيدة ميلغروف , وسألتها : - من كان هذا يا عزيزتي ؟ - السيد انطوني مورغان , مديري . - ااتى لزيارة صديق له في المنطقة ؟ - لا . أراد انقاذي من زحمة المواصلات , فأوصلني مشكورا . دخلتا غرفة النوم , حيث قالت لها السيدة ميلغروف : - يسرني قدومك هذا المساء يا دينا . ازعجها تلطف السيدة ميلغروف : ( يارب , ماذا يخبىء لي سكون الليل من اسرار ؟ ) . جليت دينا تتناول عشاءها : ( كل مايحيط بي مرتب , حتى اصناف الطعام تم اختيارها بعناية . اين منها ليلة امس , وما اتصفت به من بساطة . اشعر برمال التصنع تبتلعني . اكاد اختنق . كل ما حولي مصطنع ... مصطنع ... مصطنع ) . شربتا القهوة بعد العشاء في غرفة الجلوس , امام مدفأة كهربائية . قالت السيدة ميلغروف : انني اكره المدافىء الحجرية , لأن اشعالها شاق جدا . من دواعي سروري التعرف اليك والتقرب منك اكثر يا دينا , بعدما جمعت الأقدار بينك وبين راسل . لم تتعد جميع علاقاته السابقة حدود الاعجاب , وقد استطعت اقناعه بأن كل ما مر به سيعينه على اختيار الشريكة الأفضل لحياته . لذلك طلبت منه عدم التعجل في اعلان أي ارتباط رسمي بينكما , لكنني سعيدة جدا باطلالتك في افق حياته , واعتقد انه بقليل من التوجيه , ستكونين الزوجة المثالية لابني , خاصة اذا قبلت تغيير ... اسمك . تطلعت دينا نحوها عاقدة الحاجبين : - ولماذا اغيره يا سيدتي ؟ الا يعجبك ؟ - انه اسم ينقصه البريق يا عزيزتي . - لكنني اجده جميلا جدا . - قد يكون جميلا , غير انه لا يناسب زوجة ... - اكملت دينا : - لا يناسب زوجة الطامح الى منصب مستشار الملكة , اليس كذلك ؟ - نعم , بالفعل . لذلك أتصور انك لن تمانعي اذا ناديتك ديانا من الآن فصاعدا . وقد وافق راسل على اقتراحي . - معنى هذا انك اخبرته بما تريدين اجراءه من تعديلات . - نعم . لقد فعلت . - ان ماتطلبينه يا سيدة ميلغروف هو المستحيل بعينه , لأنني معجبة باسمي , ولا أود تغييره . دعينا نغير الموضوع من فضلك . - لم انوي ازعاجك يا دينا . واعتقد ان اقتراحي هو الأفضل لك. - هل هو الأفضل لي ام لأبنك يا سيدة ميلغروف ؟ - لا افهم سببا لغضبك يا دينا . - وانا لا افهم سببا لهذا التمادي من جهتك يا سيدتي . - لم اقصد ايلامك يا عزيزتي , فأنت زوجة ابني . - لست زوجة ابنك يا سيدة ميلغروف . - كل آت قريب , يا عزيزتي . - تذكري ان الخطبة لم تعلن رسميا بعد يا عزيزتي . - ألم نتفاهم على تأجيلها في الوقت الحاضر ؟ - نعم تفاهمنا على اعفاء ابنك من جميع المسؤوليات والروابط حتى يستطيع تقرير مصيره على مهل , وعلي ان ابقى انا سجينة الارتباط به الى ما شاء الله , اليس كذلك ؟ اجيبيني . - لا اجد سببا لهذا الانزعاج كله يا دينا ... صدقيني . هل انت بخير ؟ هل ... - انني بألف خير . واعتقد ان من حقيالتروي قبل الاقدام على الزواج , مثل راسل تماما . - لا اعتقد انك في كامل وعيك يا دينا . - ثقي انني أعي كل كلمة أقولها . - هل حصل بينكما أي سوء تفاهم في الفترة الأخيرة ؟ لماذا لم يخبرني ؟ - ماذا تقولين ؟ - اعتاد راسل الا يخفي عني شيئا منذ نعومة اظفاره . - لا شك في انك تبالغين يا سيدة ميلغروف . - انني لا أبالغ . انها الحقيقة . - هل اخبرك اذا , انه شرب قدحا من القهوة مع كليو ديفيس في احد المطاعم ؟ - من كليو هذه ؟ لا احسبك تتكلمين عن الفتاة التي تعمل في المؤسسة ؟ - بلى . انها الفتاة المسؤولة عن قسم التجميل الذي يحمل اسم كليوباترا . ما رايك بهذا الاسم البراق يا سيدتي ؟ - لم اعد افهم شيئا . لم اعد افهم أي شيء . لكنني عرفت السبب الكامن وراء ثورتك . احكي لي ما حدث بالتفصيل . من اخبرك بهذا كله ؟ - راسل هو الذي اخبرني يا سيدتي الكريمة . - اتمزحين يا دينا ؟ - لا . ابدا ... زارنا في البيت ليخبرني انه خرج مع كليو لشرب قدح من القهوة , بعد قبولي دعوة مماثلة من مديري انطوني مورغان , الذي يحب اسم " دينا " كثيرا . - لماذا قبلت دعوة المدير يا دينا ؟ - لأن التفحص قبل الانتقاء من ابسط حقوقي يا سيدة ميلغروف . - لكن التوقيت الذي اخترته للتفحص والانتقاء خاطىء يا ابنتي . - ولماذا يا سيدتي ؟ - لأن جيني خطيبة راسل السابقة عادت الى المدينة . - وماذا في ذلك ؟ ما فات قد مات يا سيدة ميلغروف . هل فقدت الثقة بقدرة الحب على تخطي العقبات ؟ - لقد احب راسل جينا حبا جما . استمعت دينا الى همس افكارها : ( لابد ان حب راسل الجنوني لخطيبته الأولى هو الذي اقتلع جذور الرضى عنها من قلب والدته انها انانية في حبها لابنها . وهذا يثبت وجود خيط رفيع يفصل بين الحب الحقيقي والرغبة في التملك ) . جابهت دينا السيدة ميلغروف بثقة : - اكره ان ينافسني احد على قلب راسل , لذلك احمد الله على تأجيلنا اعلان الخطبة . - ان جيني كابوس مزعج , عليكما الخلاص منه , ولو كنت تعرفينها لاكتشفت منبع قلقي . - يؤكد كلامك انها ما زالت مليكة على عرش قلبه , وهذا يتركني ريشة في مهب ريح الشك بعواطفه , وصدق مشاعره . احتاج الى رجل يحميني ويرعاني , يحبني ويحرص علي . لذلك علي التأكد من احاسيسي قبل السير على درب الرباط المقدس . ولف دينا ضباب الأفكار : ( هل احب راسل ؟ نعم احبه . لكنني اتوق الى ان يبقى حبنا متوجا بالعزة , مزدانا بالكرامة . يكفي السيدة ميلغروف ما قاسته اليوم مني . حان وقت الرحيل ) . تركت دينا مقعدها قائلة : - هل يمكنني استعمال الهاتف يا سيدة ميلغروف ؟ لم تمانع والدة راسل , فرفعت دينا السماعة , وطلبت رقم انطوني . عندما تناهى الى اسماعها , خاطبته بلطف ونعومة : - اهلا انطوني , ايمكنك ان تأتي لاصطحابي ؟ لقد انتهت الزيارة . لم يتوقع انطوني هذا فتردد قليلا قبل ان يقول : - يسرني ان اعود بك الى البيت يا عزيزتي . لكن ما الذي افسد امسيتك ؟ تهربت دينا من الجواب واردفت : - سأنتظرك على احر من الجمر , مع السلامة . حين وصل انطوني , قامت دينا بتعريفه الى السيدة ميلغروف التي دهشت لأناقته , ولباقته , وحسن تصرفه . مضت دقائق , خرجت بعدها دينا لتستقل السيارة مع انطوني قال لها : - اعتقد اننا اذهلنا السيدة ميلغروف بتصرفاتنا . - لقد انستني هذه السيدة معنى الشفقة . - ما الذي حدث بينكما يا دينا ؟ - اسمح لي ان اعتذر أولا عما سببته لك من ازعاج . - لا اجد أية حاجة الى الاعتذار . تلاشت في حضن افكارها: ( كنت واحة للراحة بعد ساعات التعب يا سيدي . كنت أول الغيث بعد طول قحط . كنت منقذي يا سيدي ) . غير انطوني مورغان وجهة سيره , فاستغربت دينا . قال لها : - سأريك ملاعب طفولتي , والبقعة التي ألجأ الى احضانها كلما كشرت لي الحياة عن انيابها . اوقف انطوني السيارة في منطقة منعزلة , ومشى الاثنان الهوينى عبر طريق ترابية , حتى وصلا الى هضبة ارتاحت دينا بالقرب من قمتها , تاركة النسيم العليل يسافر فوق صفحة وجهها . همس انطوني متسائلا : - الا تريدين اخباري بما حدث الليلة يا دينا ؟ سبقت دموعها الكلمات , فتركها تسيل حارة مدرارة على مسارب خديها . احاطت ذراع انطوني بكتفها , وكأنها تحميها من ضعفها ثم سمعته يقول : - توقعت ان يحدث هذا منذ البداية . احست دينا بتفهم انطوني لها , وتعاطفه معها , لكنها خافت من ضعفها , فاعترفت حين احتضن يده : - اكره ان ابكي ... اكره الضعف ... صدقني . - ليست الموع الحقيقية دليل ضعف , انها لغة بليغة يعبر الناس عن مكنونات قلوبهم . - فقدت الليلة الاحساس بالكرامة وعزة النفس , لم تجد التضحيات والتنازلات نفعا ... اعتقدت انك مجنون يوم حاولت توعيتي . استميحك العذر يا سيدي . فأنا لا أعي ما اقول . - لا تعتذري يا دينا . اتركي نفسك على سجيتها . نعم , اذكر انني حاولت تنبيهك لاخطائك , فطلبت مني عدم |
التدخل .
- تحول مديري الى نبع للحنان . انني اعيش حلنا جميلا , رائعا . - حناني ليس حلما . تناسي انني مديرك , واريحي نفسك من اعبائها. - انت وحدك الذي يستطيع مساعدتي . - وكيف استطيع ذلك يا دينا ؟ - ساعدني في وضع نهاية سعيدة لقصتي ... أرجوك . - عن اية قصة تتحدثين ؟ - اليس حبي لراسل قصة ؟ آسفة اذا كنت قد ازعجتك برجائي لكنني ... - لا تتعبي نفسك بالشرح والتفصيل يا دينا . يسعدني ان امد لك يد المساعدة دائما , شرط ان تناديني انطوني , كما يناديني الأصدقاء. - لكنني اعتدت استعمال " السيد انطوني " في الفترة الأخيرة . - الإرادة تصنع المعجزات , وتغير العادات , فلا تيأسي . اكثري من مناداتي طوني امام راسل وامه , لأنني اريد لجحيم الشك ان يعذبهما . - وماذا عن الموظفين في المؤسسة ؟ الا يهمك امرهم ؟ الا تخيفك الشائعات التي يمكن ان يثيروها ؟ - انني اقوى من أي شائعة , فلا تخافي , ولا تحزني . ارمي همومك جانبا , تعالي الى قمة الهضبة لنمتع انفسنا بما تطل عليه من مناظر خلابة . امتثلت لأوامره , وأحست عند قمة الهضبة بقربه , وعندما احاطها بذراعيه , دفنت رأسها المتعب في غياهب صدره . استمتعت بدفئه وحنانه , انتشت بسماع نبضات قلبه وراحت كل ذرة في كيانها كأنها تردد : لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا اخافها اندفاعها : ( لا ... لا ... لا يمكن ان يحدث هذا . ان انطوني مورغان يشاركني احاسيسي , ويشعر بمشاعري , لا اكثر . انه يشفق علي . نعم انه يشفق علي فقط ) . حاولت دفعه عنها قائلة : - لا حاجة الى بدء التمثيل منذ الآن . يكفينا ان نتقن ادوارنا امام راسل ووالدته . لست في حاجة الى الشفقة . احتضن وجهها بين يديه وقال ضاحكا : - دينا ... يا عزيزتي ... لم يكن احتضاني لك رأفة بك , او شفقة عليك . اردت فقط ان اسعد بقربك . ضمها الى صدره ثانية وقال : - اعتقد ان وقت عودتنا قد حان , فهيا بنا يا عزيزتي ... هيا . 7- إغاظة راسل , هكذا بدأت الحيلة ... وانتهت بحب انطوني . هل كانت دينا تريد ذلك ؟ لم يعد هذا هو السؤال . كل ماتعرفه انها بدأت تذوق شهد السعادة . لم يكن انطوني مورغان من الذين يضيعون الوقت في ازقة الأيام . لذلك سأل دينا : - ما الذي ستفعلينه في عطلة الأسبوع ؟ هل لديك مشاريع خاصة مع السيد ميلغروف ؟ - كنا ننوي السهر في مقر هواة الغناء الأبرالي , لكن راسل اعتذر لانشغاله . - لماذا يتهرب من الظهور معك في الأماكن العامة ؟ - لأن ظهوري معه بلا رابط رسمي قد يحرجه . ماذا قلت يا سيد انطوني ؟ - قلت كفاك اختلاقا للأعذار , اذا كنت تحبين الأوبرا الى هذا الحد , فسأذهب معك الى السهرة . - لست من عاشقات الأوبرا , لكن راسل مصر على انه فن ويغني العقول ويهذب النفوس . - لماذا لم تصارحيه برأيك يا دينا ؟ ما كل هذا الخنوع ؟ أي نوع من المسرحيات تفضلين ؟ - اعشق مسرحيات شكسبير , خصوصا مسرحية عطيل . - ليس على مسارحنا في الوقت الحاضر اية مسرحية لشكسبير, لكننا نستطيع الذهاب الى مسرحية فكاهية اذا احببت , واؤكد لك انني لن اعتذر في اللحظة الأخيرة . وافقت دينا على تلبية الدعوة , وتلقت من انطوني مكالمة هاتفية في تلك الليلة : - اقترحت عمتي هيتي مشروعا وافقت عليه في الحال . - لكنك تعطي الاقتراحات , ولا تتلقاها يا سيد انطوني . - اسمعي يا عزيزتي . تتوق عمتي هيتي الى لقائكما , فلماذا لا تأتين مع خالتك لقضاء عطلة الأسبوع معنا في تانغاروا ؟ سأمر بكما صباح يوم السبت , هل تحبين ركوب الخيل ؟ عظيم ...بدأت امي تظهر مع ابي - يا سيد انطوني ... اقصد طوني ... الست خائفا من الشائعات ؟ - قلت لك ان الشائعات لا ترهبني . بدأت امي تظهر مع ابي بلا خوف منذ كانت موظفة في المؤسسة . - لاشك في انها ظهرت مع ابيك بعد تأكدها من صدق نواياه . اما نحن , فقد اتفقنا على التمثيل فقط . - تناسي الموضوع , وكوني جاهزة في التاسعة والنصف من صباح الغد . وتحمست الخالة كيت للفكرة : - سأتعرف الى افراد عائلة السيد براين مورغان , وازور الريف في آن واحد . اشرقت شمس يوم السبت دافئة , حانية , وكان انطوني مورغان عند وعده . وخلال دقائق كان الثلاثة يتمتعون بمناظر الطريق الساحلي المؤدي الى تانغاروا . كانت السماء زرقاء صافية , والتلال تتسربل بردائها السندسي الرائع . اما مياه الخليج , فقد تحولت الى مرآة كبيرة , تعكس زرقة السماء بكل صفاتها . سلكت السيارة طريقا فرعية تؤدي الى المزرعة , فقالت دينا مبهورة الأنفاس : - تبارك الخلاق في ما خلق . لوحات الهية ولا اروع , والبيت والمزرعة جزء لا يتجزأ من هذه اللوحات الخلابة . - امتاز البيت بلونه الأبيض وسقفه المطلي بالقصدير البرتقالي . اما حديقته فاشتعلت بالورود ولأزهار على اختلاف اشكالها والوانها . اوقف انطوني السيارة امام الدرجات المؤدية الى الباب الرئيسي , فأسرعت سيدة صغيرة القد , قصيرة القامة , في العقد الخامس من عمرها , للترحيب بهم . قال انطوني : - اقدم لكم عمتي هيتي , انسانة تعشق السرعة والخفة في كل ما تفعل . انتبهي يا عمتي ... انتبهي ... لا اريد رؤيتك تسقطين ارضا . قالت السيدة : - اهلا وسهلا بكم . ما اسعدني بقدومكم . واخيرا تشرفت بمعرفتك يا سيدة لفينغستون . اغبطك يا دينا على كونك احدى قريبات فنانة موهوبة , واشفق على طوني , لأنني لا اتقن في امور الدنيا الا فنون الطهي . سارع انطوني الى التأكيد : - الطهي وصنع المرطبات فن في ذاته يا عمتي . دينا هيا بنا لأريك غرفتك يا عزيزتي . دخلا البيت . فصعد طوني الدرجات المؤدية الى غرف النوم , وتبعته دينا قائلة : - لا ضرورة لاستعمال لفظ " عزيزتي " في مناداتي يا طوني , فنحن لسنا امام راسل ووالدته . فكر في عمتك ارجوك . - ولماذا افكر فيها يا دينا ؟ ان طرق الحب لأبواب قلبي سيسعدها , لأنه يعني زواجي , ولرحيلي عن البيت , ويترك لها حرية استقدام شقيقة لها , تقيم حاليا في اوكلاند . - سيحرمك رحيلك عن البيت من ربة منزل ممتازة . ضحك انطوني وقال مغيرا مسار الحديث : ستكون لك غرفتك الخاصة . انتبهي الى هذه العتبة . وصلا الى جناح مؤلف من غرفتي نوم , تطل النافذتان فيهما على الخليج , وتفصل بينهما غرفة الاستحمام . تأملت دينا غرفتها القديمة الطراز , وتاهت مع جمال الخليج , قبل ان تقول : - قلبي يحدثني انها ستكون نهاية اسبوع رائعة يا طوني . احاط انطوني كتفيها بذراعيه وهو يقول : - ستكون كذلك بإذن الله ياعزيزتي . - اشم رائحة قطعان الغنم . - يكره كثير من الناس هذه الرائحة , ويتهربون منها . - تحيرني رائحة عبقة اخرى من اعشاب المروج . كان يحلو لي دائما قطف بعضها والاحتفاظ بها في جيبي . اتعرفين ان على الطرف الآخر لهذه الهضبة غابة من اشجار الميموزا "السنط " , اطلق عليها الأولاد اسم غابة المسرة ! - عن أي اولاد تتكلم ؟ - اولاد اختي ميغان التي تقيم مع زوجها في مزرعة يملكانها على ضفاف بحيرة هيز , في منطقة اوتاغو . انها منطقة يسكنها الجمال , وخاصة الريف . اما في الشتاء فهي مركز للرياضيات الشتوية . - وصفك للمكان رائع , قرأت الكثير عن اوتاغو , ولطالما تمنيت رؤيتها . - سأحاول تحقيق امنياتك قريبا ان شاء الله , وآمل ان تكون المنطقة منبع وحي والهام لخالتك . - قررت زيارة المنطقة واكتشافها مع خالتي , فلا تتعب نفسك يا طوني . - - ومن قال لك انني اتعب نفسي ؟ تذكري اننا هنا لاغاظة راسل , وعلينا ان نجتهد في تحقيق هدفنا . يجب ان نعود الى البيت , فقد رأيت بالقرب منه قنفذا في حفرة . - وماذا تنوي ان تفعل ؟ - سأخرجه منها , وأبعده عن المنطقة . اخرج انطوني القنفذ , ثم تحدى دينا : - ما رايك بسباق في الجري نحو البيت ؟ قبلت دينا التحدي , لكنها توقفت في منتصف الطريق متقطعة الأنفاس , وراحت تتأمل ما حولها ما احلى عناق التلال للسهول . ما اجمل اصوات الحيوانات . انه الريف , رمز الخير والعطاء والحرية ) . تناولا وجبة خفيفة في البيت , وغيرت دينا ثيابها قبل ان تركب جوادا وتدور مع انطوني في انحاء المزرعة . وهي تقوم بجولتها , التي تعرفت خلالها الى جميع افراد عائلة ايريني كاهيكا . احسنت العائلة استقبالها , وتودد اليها والد ايريني بقوله : - واخيرا , تعرفت الى الفتاة التي انست جاري العزيز نفسه . رد انطوني : - معك حق ... اولى بهذا القلب ان يخفق . قال كلمته , وانطلق فارسا مقداما , يسابق الريح على صهوة جواده. راقبته دينا اثناء عودتهما الى البيت : ( ان السيد انطوني يحب الأرض , ومحبوب بين اصحابها . يؤلمني ان ارى مثل هذا الانسان سجين جدران المكاتب والمؤسسات ) . كان الغداء ينتظرهما في الحديقة , ولما انتهيا من تناوله , عرض انطوني على السيدتين مشاركتهما في مشاريعهما لفترة بعد الظهر , فأربك رفضهما دينا , لكن انطوني فسره بقوله : - ان بقائهما وحدهما يساعد في تعميق جذور صداقتهما . اذا كنت تريدين حلب البقرة , فهيا بنا , لأن بيتر سيكون مشغولا الليلة في الاحتفال بعيد زواجه الأول . احتجت عمته : - لماذا لاترتاح قليلا يا طوني ؟ اتعرفين يا دينا انه امضى الليلة الماضية ساهرا على معالجة نعجة مريضة ؟ تذكرت دينا السهرة المقبلة فقالت : - لا ضرورة لسهرة الليلة اذا كنت متعبا الى هذا الحد يا طوني , صدقني . - دينا ... عزيزتي ... اهدئي . فما أطال النوم عمرا , ولا قصر في الأعمار طول السهر . - انني اعني ما اقول يا طوني . - اعرف انك , لكنني مصر على الوفاء بوعدي , واعدك ان احلق شاربي حالما نعود . اعترفت دينا لي في أول اجتماع لنا بأنها تعتبر الشوارب علامة غرور عند الرجل يا عمتي . خجلت دينا : - رغم ماذا يا سيدتي ؟ اجابها انطوني : - رغم انها ايضا غيرواثقة من حسن اختيارك . حاولت دينا الدفاع عن راسل : - قد تكون بعض تصرفاته خاطئة , لكن جل من لا يخطىء ... قاطعها انطوني : - كفي يا دينا . كفاك دفاعا عنه . ارجوك , اريد تناول عشائي بهدوء. وشيئا فشيئا , تغير مجرى الحديث . اختارت دينا للسهرة فستانا نحاسي اللون انيقا , زادها رونقا وجمالا . تأملها انطوني باعجاب : - ما هذا الجمال , وهذا السحر يغمره الدلال ؟ سيحسدني الحاضرون الليلة على صحبتك . - اشكرك على هذا الاطراء . ليس اطراء , انها الحقيقة يا عزيزتي , واعتقد ان زهره الليلك الأبيض التي احضرتها ستتناسب تماما مع اشراقتك ... تعالي لنجرب . عذبتها خفقات قلبها وهي تدخل غرفة انطوني البسيطة الأثاث . اوقفها امام المرآة , وعلق على صدرها الزهرة البيضاء , قبل ان يضمها اليه . استسلمت لأسر ذراعيه . ضاعت دقائق في غياهب صدره , ثم قالت له : - اعذرني يا انطوني على ماقلته في شأن شاربيك , فأنت لاتعرف للغرور سبيلا . - ولماذا تعتذرين يا دينا ؟ - لا اعرف ... لم اعد اعرف شيئا ... دعني اذهب , ارجوك . - اتمنى ابقاءك بين ذراعي الى الأبد , لكن وقت المسرحية قد حان . نزلت دينا الدرجات في اتجاه الباب الرئيسي : ( ماذا دهاني ؟ ما كل هذا الاستسلام ؟ انقلبت مشاعري واحاسيسي الى اعاصير اطاحت عروش الطمأنينة في نفسي ... لا سأكبح جماح عواطفي . سأعيد السيطرة عليها واستمتع بمسرحية الليلة مع رجل لن يعتذر في اللحظة الأخيرة ) . كانا يستعدان لركوب السيارة عندما حمل النسيم الى اسماعهما انات الم , فصرخا بصوت واحد : - ان فليك في حالة وضع . توجها نحو الاسطبل , ليجداها هناك متعبة مرهقة . وبعد دقائق لحقت بهنا سيارة بيتر الذي قال : - سنشرف انا وزوجتي عليها , فلا تقلقا . اعترض انطوني : - اذهب انت يا بيتر واحتفل بعيد زواجك , وسنبقى معها انا ودينا . حاول بيتر مناقشته في الأمر , لكنه ترجع امام اصراره . تأمل انطوني دينا بعد رحيله : - يؤسفني ان اعتذر انا ايضا في اللحظة الأخيرة يا دينا ... لكن هل يكفي الاعتذار ؟ اسعد دينا اهتمام انطوني بالحيوانات , فطمأنته : - لا عليك يا انطوني , سأعود بعد تغيير ملابسي . رجعت بعد دقائق لتقول له : - عقمت العمة هيتي بعض قطارات العيون , لاطعام الجراء بعد ولادتهم . - اثبت اعتذاري الليلة عدم اختلافي عن راسل . - وضعنا يختلف تماما . صدقني . - وكيف ذلك ؟ - لم يندم راسل يوما على تقصير في حقي , كما انه يقدم اعذارا واهية في الكثير من الاحيان . يخيل الي ان رعاية امه له احالته الى انسان اناني . - انت نعمة اغبط راسل عليها , واتمنى ان تمنحك الأيام الفرصة لتصححي له مسار حياته . - آلمتها برثن الأفكار : ( ماذا يحدث لي ؟ لماذا احس بكلماته وكأنها سهام حادة تمزقني ؟ غريب ... تكاد الكآبة تقتلني ) . سلخها الواقع عن افكارها , فسألت انطوني : - ماذا تفعل ؟ - ارتب القش على شكل مقعد , كي نرتاح في جلستنا . مضت ساعتان قبل ان تضع فليك تسعة جراء صغيرة . صرخ انطوني : - ماذا تفعلين يا دينا ؟ - يجب ان اساعد فليك في وضعها لبقية الجراء . تمت عملية الوضع , وتركت فليك اثني عشر جروا جائعا , وراحت في سبات عميق . زارتهما العمة هيتي في الاسطبل : - الا تستطيعان الآن شرب قدح من القهوة ؟ قال انطوني : - اذهبي لشرب القهوة يا دينا , وسأبقى مع الجراء لأطعمها . - لن اذهب وحدي . - قالت العمة هيتي : - سآتيكما بالطعام وقدحي القهوة الى هنا . اعاد لهما الطعام بعضا من نشاطهما , فبقيا يطعمان الجراء , حتى استسلم انطوني لسلطان النوم . سخرت دينا من نفسها : ( خفت من البقاء وحدي معه , لكنه تمسك بالأدب واللياقة ... ما اغباني . ينام على القش وكأنه فراش وثير . الاعجاب بهذا الرجل يسري في دمي . لا ... لا ... انني معه لأثير غيرة راسل فقط ) . مضت ساعة قبل ان تسمع دينا وقع اقدام تقترب من الاسطبلات : ( لا بد ان بيتر جاء للاطمئنان على فليك ) . |
لكن باب الاسطبل انفرج عن والدي انطوني . فوجئت دينا بعودتهما المبكرة , ونهضت لتهنئتهما بسلامة الوصول . فردا التحية بأحسن منها . واقتربت والدة انطوني من مرقده توقظه :
- استيقظ يا بني . استيقظ , فقد عدنا . لم يصدق انطوني ما تراه عيناه : - ابي ... امي ...اهلا بكما . نهض وعانق امه , وصافح اباه قائلا : - تسرني رؤيتكما . ما الذي عاد بكما بهذه السرعة ؟ اجابت امه على سؤاله : اشتقت للبيت , والمزرعة , والأصدقاء , فعدنا على متن أول طائرة , وركبنا سيارة اجرة الى هنا . استمعت دينا الى حديث الثلاثة : ( ما اروع هذين الزوجين . حديثهما مفعم بأريج الشوق والمحبة الصادقة ) . استمرت في اطعام الجراء حتى عاتبها انطوني : - لماذا تركتني فريسة للنوم يا دينا ؟ وعدتها ان اصطحبها الى مسرحية فكاهية يا امي , لكن اوجاع فليك كانت عقبة في طريق وفائي بوعدي . ابتسم السيد براين مورغان : - لايستطيع الانسان بالتحكم بالظروف دائما يا بني . واعرف انه يمكن للآنسة دينا الخضوع للأمر الواقع . - ان دينا لاتعرف معنى الرضوخ يا ابي , اسألني انا عنها . اشرقت الفرحة في عيني السيدة براين مورغان : - معرفتك العميقة بالآنسة تسعدني يا بني . تدخلت دينا : - انطوني يحب المبالغة يا سيدتي . قال انطوني : - ومن قال لك انني ابالغ ؟ هل اتتك يوما يا ابي سكرتيرة ارادت تهشيم وجهك بعد أول لقاء بينكما ؟ اخفت دينا وجهها خجلى : - كفى يا انطوني , ارجوك . ربت والد انطوني على كتفها قائلا : - ابني يحب المزاح , فلا تدعي ذلك يزعجك يا دينا . ان عودته الى ما كان عليه قبل سنتين تثلج صدري . نبهها انطوني : - هذا الجرو اخذ كفايته من الغذاء , فدعيه يتنفس يا دينا . على فكرة , اننا نحب المرح والضحك فعلا . ابي , هل عرفت عمتي بوصولكما ؟ - نعم , وهي تحضر لنا شيئا لنأكله . ماذا ستفعلان الآن يا ولدي ؟ - سآخذ فليك وجراءها الى غرفتي في صندوق , ليتسنى لي اطعامهما . تناول الجميع وجبة خفيفة , وصعدت دينا الى غرفتها لتنام وفكرة واحدة تهدهد كيانها : ( اشكرك ربي . واحمدك , فقد اذقتني الليلة شهد السعادة ) . 8 - يوم آخر تمضية دينا وخالتها عند عائلة مورغان: زيارة اماكن مقدسة , نزهات, سباحة , وليل بلا قمر . ثم ... لقاء مفاجىء . احضر انطوني الشاي للخالة كيت ودينا , في غرفتهما في صباح اليوم التالي : - اسعد الله صباح الضيفتين العزيزتين . اعتدلت دينا في سريرها : - اسعدت صباحا يا انطوني . ياله من نهار مشرق . يؤسفني ان نهدر ساعاته بين جدران البيت . كيف حال فليك ؟ - انها في احسن حال , وسعيدة بجرائها . تأملت دينا الخليج من النافذة , تاركة هواءه المنعش يلامس وجهها . سألها انطوني : - اتريدين ان نذهب في جولة على ظهور الخيل ؟ - سأكون مجحفة في حقك اذا طلبت ذلك , فأنت لم تنل قسطك من النوم والراحة طوال ليلتين . - لست متعبا . سنحظر وجبة الفطور لأهل البيت , ثم نذهب في نزهة الى التلال القريبة . كانت تساعده في المطبخ حين قال : - سأريح العمة هيتي اليوم , وأضع لها اللحم في الفرن , في الساعة التي تقترحها . - من الغريب ان ترفض فكرة الزواج , وانت رجل عائلة من الطراز الأول . - ترفقي بي يا آنسة بريتشارد , فالوقت مبكر على مثل هذا الملاحظات الشائكة . - لم اقصد ازعاجك , لكنك قلت لي ذلك بنفسك . - ومتى كان هذا ؟ - قلت في لقائنا الأول , ان السكرتيرة الجميلة تفطر وتدبر حتى تدفع بمديرها الى فخ الزواج . - اجتاحني يومها اعصار غضب , فأرجوك تناسي ماقلته . - اعدك بذلك , شرط ان تنسى انت ايضا التعليق على هفواتي . - هل يعني هذا ان رايك بي قد تغير ؟ - بل يبرز ايماني بمبدأ " جل من لا يخطىء " ويؤكد انني لست دائما ضحية الغضب . قرع انطوني الباب , ودخلا معا غرفة والديه : - اتسمحان لنا بالدخول ؟ اتيناكما بالفطور . رحبت بهما السيدة براين مورغان : - تفضلا . ما احلى الرجوع الى البيت . اتفقت مع ابيك يا انطوني على ان نبدأ بتشيد منزلنا الجديد في الأسبوع المقبل , ان شاء الله . - في التأني السلامة يا امي . لا داعي للاستعجال . - اعشق البيوت الجديدة , وقد آن لأبيك ان ينقل اغراضه كلها من المستودعات . احضرهم الى هنا يا أبي . - ليس عندك متسع لأشيائي كلها يا بني . تلاقت عينا السيدة بعيني دينا : ( تريحني الطيبة في عيني والدة انطوني . انها تختلف تماما عن السيدة ميلغروف ) . عادا الى المطبخ لتحظير وجبة فطورهما , ووضع انطوني اللحم في الفرن بعد تنفيذ تعليمات العمة هيتي , ثم مازح دينا : - الست طباخا ماهرا ؟ - بلى . انك من امهرهم . - هل لفت احد انتباهك لى انك جميلة جدا في الصباح يا دينا ؟ - اشكرك لهذا الكلام اللطيف . - انها الحقيقة وليست كلاما لطيفا فقط . دعينا نذهب للسباحة في الخليج الصغير القريب من هنا . امتطيا صهوتي جوادين , واتخذا طريقهما الى شاطىء ذهبي الرمال , يلاصق خليجا صغيرا هادىء الأمواج . استسلمت دينا لعناق اشعة الشمس الدافئة قبل ان تقول : - ما احلى السباحة في الخريف . - يمكنك السباحة بأمان في هذه المنطقة . تعالي نسبح نحو تلك الصخرة . جذبها من الماء بقوة , بعد ان سبقها الى الصخرة , فتحدته : - هل تحاول اثبات ان الرجال قوامون على النساء ؟ - نعم . خصوصا بعدما اخذت البارحة قسطي من الراحة . اراك عاقدة الحاجبين يا دينا , مابك ؟ - يشغلني الغد المجهول , وعودتنا الى العمل . - اتقصدين عودتنا الى ديار السكرتيرة والمدير ؟ - يدخل كل هذا ضمن اطار العمل . - كم اتمنى بقاءنا على ما نحن عليه الآن يا دينا . - تذكر اننا هنا لإغاظة راسل فقط . حول دفة الحديث فجأة : - انظري . بدأت أشرعة سفينة قادمة تظهر في الأفق . - العودة الى مناداتك سيدي , او السيد انطوني صعبة . - تفرض اجواء المؤسسة على موظفيها التعامل الرسمي . - اجد نفسي مضطرة لسؤالك ثانية , الا تخاف الشائعات يا انطوني ؟ - علاقتي بك وضاءة كالشمس , فلماذا اخاف الشائعات يا دينا ؟ - عادت الى الماء قائلة : - يجب الا نتأخر عن والديك . سمعت دينا والد انطوني يقول بعد الغداء : - احب التقرب الى الله , ويسعدني الذهاب مع زوجتي الى اماكن العبادة دائما . اكدت الخالة كيت : - ان زيارة الأماكن المقدسة تدخل السكينة الى قلبينا , وانا ودينا ايضا يا سيد براين مورغان . حضر الجميع يومها جلسة وعظ وارشاد , استمعت دينا الى الخطيب يقول فيها : " تذكر يا اخي الإنسان انه جل من لا يخطىء, وان الله يغفر الذنوب جميعا , لأنه غفور رحيم . يا اخي في الانسانية , ان سمعة الانسان السيئة لا تدل على اختلال ميزان اخلاقه , فاجتهد ان تكتشفه بنفسك قبل ان تصدر حكمك " . ارتعدت دينا عند سماعها ذلك : ( احس ان كلام الخطيب موجه الي دون الناس جميعا . قد يكون انطوني مذنبا . لكن من منا بلا ذنوب ؟ يا واسع الرحمة والمغفرة , ارشدني سواء السبيل , فأنا اتخبط في ظلمات الشك ) . سالها انطوني بعد خروجهما من المكان : - احسست بك مشدودة الى كل كلمة قالها الخطيب , فهل اعجبك كلامه الى هذا الحد ؟ - نعم ... نعم ... كان لكلامه اعمق الأثر في نفسي . - تسابق الموجودون بعد ذلك لتحية السيد براين مورغان وزوجته , اللذين وقفا يتلقيان التهاني بسلامة الوصول , في الفسحة المحيطة بقاعة الاجتماعات . وقام انطوني بتعريف دينا بهم , الواحد تلو الآخر . كانا يستعدان للعودة الى البيت , عندما احست دينا بنظرات تلاحقها . وحين اكتشفت انها نظرات راسل وامه , اجتاحتها جيوش الخجل والحياء . فالتجأت أصابع يدها الرقيقة , دون ارادة منها الى كف انطوني تطلب الحماية والسند , فاحتوت كفه الدافئة اصابعها بحنان قبل ان ينادي : - ابي ... امي ... السيدة ميلغروف وابنها راسل هنا , يريدان تحيتكما . خاطب راسل دينا : - حاولت الإتصال بك في البيت , فلم الق جوابا . واذا عرف السبب بطل العجب . لم اتوقع عودة السيد براين مورغان وقرينته بهذه السرعة . هل كنت معهما في نزهة ؟ - لا . أمضيت عطلة الأسبوع مع خالتي في مزرعة انطوني . وقد وصل والداه فجأة , مع ساعات الصباح الأولى . - ولماذا لم تخبريني ؟ لماذا لم تخبريني يا دينا ؟ - لم يتسنى لي مقابلتك نهار الجمعة , هذا عدا انني لم ارغب في اضاعة وقتك الثمين يا راسل . - عفى الله عما مضى يا دينا . سأعود بك الى البيت . - لا تتعب نفسك يا عزيزي , ستزورنا السيدة براين مورغان لرؤية مرسم خالتي . سنلتقي في الأسبوع المقبل بإذن الله . الى اللقاء . - كانوا في طريقهم الى البيت , عندما قالت السيدة براين مورغان : - لماذا اجبرتني على تحية السيدة ميلغروف يا طوني ؟ انت تعرف انني لا احبها . - تعرفت دينا الى راسل هذا العام اثناء وجوده في لندن يا امي . قالت السيدة مورغان : - انني متأكدة من ان والدته لم تكن معه في تلك الفترة . تعلق هذا الرجل بأمه مخيف . أتعرفين يا دينا ان شقاوة انطوني هي سبب عدائي للسيدة ميلغروف ؟ اتتني يوما تشكو سوء تصرفه مع ابنها , ولما حاولت الدفاع عنه , طعنت باخلاقه , وعزت السبب الى انه ابني بالتبني . ضحك اليد براين مورغان : - وما ان سمعت زوجتي هذا الكلام , حتى هبت للإنتقام هبوب الريح الهوجاء . - شاركه انطوني الضحك ثم قال : - كفاك مبالغة يا ابي . تأملت دينا الثلاثة بنظرات ملؤها التقدير : ( ان عمق الروابط العائلية والعاطفية واضح بين انطوني ووالديه . يذكرون خادثة التبني بلا خجل . في هذا قوة . بل انه القوة بذاتها ) . همس انطوني قبل وصولهما الى البيت بقليل : - اعذري والدي على اندفاعهما في الكلام واطلاق الأحكام , فهما لا يعرفان عمق العلاقة بينك وراسل . انني اشفق على الرجل , واتمنى ان تستطيعي مستقبلا اصلاح ما افسدته امه من سنين عمره . تلاحقت ساعات الزيارة هادئة حلوة : ( لن انسى زيارتهم لنا ما حييت . وجبة خفيفة , دفء , قهوة ساخنة , والسعادة تطل من عيني خالتي كيت ) . عادت مع صوت انطوني الى الواقع : - تعالي الى الشرفة لنستمتع بمرأى القمر والمناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا . كانت صفحة الليل سوداء , مرصعة بالنجوم , والخليج هادىء الأمواج , واضواء البيوت تزين شواطئه بصمت . اما النسائم الرقيقة فقد اثقلها اريج الأزهار والورود على اختلاف انواعها . تأملت دينا السماء بعينين خاشعتين : - غاب القمر عن صدر السماء الليلة . - كانت رؤية القمر حجتي للانفراد بك . واستكانت لسماء صدره : ( ان انطوني غريب الأطوار . لماذا يريد الانفراد بي ؟ ما معنى تصرفاته ؟ ماذا سيقول والداه ؟ لماذا اعشق الضياع في متاهات صدره ؟ احتضن وجهها قائلا : - عودي يا دينا . عودي الي من احلامك . بماذا تفكرين ؟ بماذا تحلمين ؟ - افكر بشاربيك , وافضلك من دونهما . - ما اروع صراحتك يا دينا . لا تدعي راسل يحيلك بقيوده الى انسانة جامدة باردة , ارجوك . - انطوني انس راسل , وتعال نعود الى الداخل . جافاها النوم تلك الليلة : ( بدأ انطوني يستحوذ على قلبي وعقلي . انه انسان عركته تجاربه في عالم المرأة , ويعرف كيف يتلاعب بالمشاعر والأحاسيس . لا . علي الا انسى كلام الخطيب , وامتحنه بنفسي , قبل ان اصدر حكمي ) . اتصل راسل بدينا في اليوم التالي : - اعرف انك من عشاق المسرح , لذلك ارى ان نذهب الى مسرحية الثلاثاء المقبل ... قاطعته : - شكرا لك يا راسل , لكن انطوني دعاني لحضور مسرحية يوم الأربعاء . لماذا لا ننتقي فيلما سينمائيا , يمكننا حضوره سوية يا عزيزي ؟ احست دينا بالانزعاج يتسرب الى صوت راسل , لكنها اردفت قائلة : - على فكرة , ارجوك يا راسل لا تحاول الاتصال بي ثانية في مقر عملي , فمديرالمؤسسة يكره ان تشغل خطوط الهاتف فيها بالمكالمات الشخصية . سمع انطوني ادعاء دينا , فانتزع منها السماعة قائلا : - اسمعني يا راسل انا انطوني مورغان , لا تصدق ما قالته الآنسة بريتشارد , فليس لمؤسستي مثل هذه الأنظمة . اتصل بخطيبتك في أي يوم اردت , وفي كل الأوقات اذا احببت . مع السلامة . لم تستطع دينا بعد المكالمة مجابهة انطوني , وفضلت البقاء اسيرة الصمت . دعت العمة كيت انطوني لتناول طعام العشاء معهم مساء يوم الأربعاء . فلبى انطوني الدعوة حاملا باقة من زهر الليلك , قبلتها دينا شاكرة . حاول ان يرفق هديته بكلمات , لكنه كبح جماح كلماته في اللحظة الأخيرة . أحست دينا بتردده . وكانت لا تزال بصحبة افكارها , عندما اعطاها عقدا من حجر التوباز مع قرطيه وقال : - ارجوا ان تقبلي مني هذا , هدية ايضا يا دينا . صفعها طلبه : - انها هدية ثمينة , لا يمكنني قبولها منك يا انطوني . لقد اتفقنا على التمثيل لاغاظة راسل فقط , وانا ... - ما الذي تريدين قوله يا دينا ؟ - انني لست من الفتيات اللواتي يمكنك التلاعب بهن بتقديم مثل هذه الهدايا . شبت نيران الغضب في اعماقه , ورقص اللهب في عينيه وهو يقول: - آه ... صحيح ... نسيت انني بالنسبة اليك رجل سيء السمعة . اتجه نحو الباب , فلحقت دينا به , وامسكت بذراعه قائلة : - لا تسىء فهمي ارجوك يا انطوني , لقد تغيرت فكرتي عنك تماما , صدقني . لكنني لا استطيع تقبل فكرة شرائك لصداقتي بالهدايا . اطفأ غيث الدموع في مآقيها نار غضبه , فقال : - سامحيني اذا آلمتك يا دينا , لكن الماضي ما زال يلاحقني بظلاله السوداء , وقلة هم الذين يؤمنون بقدرة صبي متبنى , على الصلاح. تخبطت في بحر عينيه قبل ان تقول : - سأحتفظ بهديتك , ما دامت احتفظ بقلبي , شكرا لك . - ضعيها لتراها الخالة كيت . لكن ... لكن اخشى ان ترفض هي ايضا فكرة قبول الهدية . - لا تقلق , يكفي انني قررت الاحتفاظ بها . تأمل وجهها قبل ان يقول : - لا اعتقد ان خالتك تكبدت مشقة في تربيتك . |
- اشكرك على حسن ظنك بي , واصارحك بأن المسكينة عانت الكثير في تربيتنا أنا وأخي ديفيد .
اعجبت الخالة كيت بالهدية : - ما اجمل عقدك يا دينا . انه اكبر دليل على ذوقك الرفيع يا انطوني . قال انطوني فجأة : - يا الهي , كدت انسى ان أدعوكما باسم امي وابي الى مزرعة شقيقتي ميغان في عطلة نهاية الأسبوع المقبل . شكرته الخالة كيت : - يسرنا تلبية دعوتكم , لكن الا يفضل والدك قضاء عطلة أسبوع عائلية مع شقيقتك , بعيدا عن الغرباء ؟ - ومن قال انكم غرباء يا خالة ؟ - حسنا ... حسنا ... اشكر لكم دعوتكم . - سنضطر الى السفر في وقت مبكر , ليتسنى لنا كسب ساعات النهار , لأن المسافات التي سنقطعها طويلة . - لماذا لاتمضون ليلة الخميس عندنا اذا, توفيرا للوقت يا بني ؟ - يخلق الله ما لاتعلمون حتى ذلك الحين يا خالة , شكرا لك . رحل انطوني , وأوت دينا الى فراشها تاركة الأفكار تمزقها : ( اصحيح ان الابن بالتبني غير قادر على الصلاح ؟ حرام ان تبقى سنين الملجأ وصمة عار في حياة انطوني . أراني مهتمة بأموره , بمشاعره واحاسيسه . لماذا ؟ لماذا ؟ انني انسانة رقيقة الاحاسيس , مرهفة . هذا كل ما في الأمر . هذا كل ما في الأمر ) . وسكن الليل , فغفت دينا وهي تردد : آه ... كم اخشى غدي هذا , وارجوه اقترابا . 9- قطعت دينا المسافات الطويلة من اجل حلم , فاصطدمت بواقع مقيت . وها هي تعلن لراسل اخيرا انها تغيرت ... تغيرت كثيرا . فاجأت السيدة ميلغروف دينا بدعوتها الى العشاء : ( تناثرت توقعاتي اشلاء على درب الواقع . اختطفتني المخاوف بعيدا حين خيل الي ان آثار سلبية ستترتب على رؤية السيد ميلغروف لي مع انطوني . هاهي الظروف تثبت العكس . ان تلطفها في دعوتي يخجلني , يربكني ويحيرني . علي ان اتفهمها اكثر ). سألتها الخالة كيت وهما على الغداء: - ما الذي قررت ارتداءه الليلة يا دينا ؟ ان الفستان النحاسي اللون مناسب ورائع التصميم . - سألبس فستاني الأخضر يا خالتي . - لكن الفستان الأخضر مخملي , ولا يتناسب مع الأجواء الحارة اليوم . - اللون النحاسي لافت للنظر , وانا لا انوي اجتذاب الأنظار . - ينتابني شعور غريب بأنك تحاولين مجاراة الأوضاع حولك , وقد اثبت كلامك صدق حدسي . يؤسفني ان يثقلك راسل ووالدته بالقيود , لأنك تعشقين الحرية . - انت تكررين ما قاله انطوني قبل ايام . لا تدعي القلق يتعبك يا خالتي . الى اللقاء . - لن انتظر عودتك , فقد تتأخرين , تصبحين على خير يا عزيزتي . - لن اتأخر يا خالتي , فراسل سيرجع الى البيت بمجرد انتهاء الفيلم , رأفة بأمه التي تهرب من النوم حتى عودته . ودعت دينا خالتها , وتركتها وحدها مع الأفكار : ( بدأت دينا تزن راسل بميزان العقل , وفي هذا الخير كله . تعذبني رؤية آمالها تذهب ادراج الرياح , لكنني احمد الله واشكره , لأن احلامها الزائفة بالعيش مع راسل تتبدد , فأنا لا اريدها ان تسقط في يوم من الأيام ضحية السراب ) . كانت تصرفات السيدة ميلغروف طبيعية اثناء العشاء , لكن الشك في حسن نواياها بقي يدمي قلب دينا . عندما انتهتا من نقل الصحون وغسلها , قالت السيدة ميلغروف : - دينا يا عزيزتي , هل تتقبلين نصيحة انسانة عركتها الحياة ؟ - بالطبع يا سيدتي . تفضلي . - ان اختيارك هذه الفترة بالذات لمصادقة انطوني براين مورغان وعائلته , غير مناسب ابدا يا عزيزتي . - الحب والصداقة طارقان بلا استئذان يا سيدتي . - لكن علاقتك بأنطوني براين مورغان تعدت حدود الصداقة يا عزيزتي . حاولت دينا اخماد بركان اعصابها : - كفاك كلاما عن انطوني براين مورغان يا سيدتي . انني قادرة على تكوين آرائي الخاصة في الناس , لكنني اتبع مبدأ التروي , الذي رفعت رايته بعد وفاة ابي . - قصدت تذكيرك بأن خطيبة راسل السابقة في المدينة الآن , وقد خرجا البارحة معا , بعد ان فضلت صحبة انطوني مورغان عليه . - ولماذا لا تقولين انهما التقيا مصادفة ؟ ورب صدفة خير من الف ميعاد . أتعرفين ان اتفاقنا على تأجيل اعلان الخطوبة ستة اشهر ساعدني على معرفة راسل اكثر ؟ - انا التي لم اعد اعرف ابني يا دينا . عودني الصراحة , واراه اليوم متقوقعا على نفسه . - لكل منا عالمه الخاص يا سيدة ميلغروف . - الم يثر كلامي غيرتك يا دينا ؟ - الغيرة جنون , وقد اعتدت التعقل في اتخاذ قراراتي . على راسل ان يتزوج الانسانة التي يحب , ولن اقبل بأن اكون بديلة من احد على عرش قلبه . - هذا استهتار بمشاعر ابني . هل استحوذ انطوني مورغان بخبثه ودهائه عليك الى هذا الحد ؟ انه انسان لا اخلاقي فعلا . - يزعجني كلامك عن السيد انطوني بهذه الطريقة . - انت يا دينا زهرة بالنسبة الى انطوني مورغان , سيمتص رحيقها ثم يرميها . - لا دخل للسيد انطوني بموضوعي مع راسل . تركت دينا المطبخ اسيرة للانزعاج , فلحقت بها السيدة متسائلة : - هل ستخبرين راسل بما دار بيننا من حديث ؟ - لا . فهو لا يملك الوقت الكافي لايجاد التوازن بيننا . صرفت روعة الفيلم دينا عن التفكير بما يحيطها من مشاكل , وحين ارجعها راسل الى البيت قالت له : - امك تنتظرك يا راسل , فعد اليها . - لقد تغيرت يا دينا . - نعم تغيرت . لم اعد تلك الفتاة الحالمة , التي تعدو وراء العواطف . لقد اصبحت متزنة , عاقلة . اليس هذا ما تريده ؟ اجبرها راسل على مواجهته : - ما هذا كله يا دينا ؟ هل حدث ما ازعجك الليلة ؟ وسألتها نبضات قلبها : ( دينا ... دينا ... ماذا اقول له ان جاء يسألني ان كنت اهواه ؟ اني لست اهواه . اني لست اهواه ) . اصمت دينا اذنيها عن صرخات قلبها وقالت : - لقد عدت يا راسل الى الواقع , لم يعد يهمني شيء . لم يعد يهمني أي شيء . ابتسم راسل قائلا : - عزيزتي , لن تكون امي الليلة في انتظاري , واستطيع البقاء معك لفترة اطول , فما رايك ؟ - يمكننا تناول وجبة خفيفة , شرط ان نعود بعدها الى البيت , فأنا متعبة جدا . - قال لها بعد العشاء : - لماذا لا نرتاح قرب النافذة , في ذلك المقعد الوثير ؟ - انني مرهقة , سآوي الى الفراش استعدادا لعطلة اسبوع طويلة. - ماذا تعنيين يا دينا ؟ - سنذهب مع السيد براين مورغان وعائلته الى مزرعة ابنتهم ميغان على ضفاف بحيرة هيز . - كنت اود اصطحابك الى تلك المناطق , لكن مشاغلي ... - اعرف ... اعرف ... مشاغلك كثيرة . هلكنت تهمل جيني دائما يا راسل ؟ هل كان تناسيك اياها السبب في فسخ خطوبتكما ؟ - كل هذا دفنه الماضي . - اتمنى تصديقك لكن ... زرع راسل الغرفة جيئة وذهابا قبل ان يسألها : - هل تحبين انطوني يا دينا ؟ - انت بالنسبة اليه ... - انا بالنسبة اليه زهرة في روض , سيمتص رحيقها وينساها . افهمتني والدتك ذلك , ومع هذا لن تنجحا ابدا في زعزعة ثقتي بنفسي . اذهب يا راسل . اذهب الى امك , فهي وحدها القادرة على تحمل اخطائك . - هل غيرتك من جيني هي سبب ثورتك ؟ - لم تنهش الغيرة قلبي بعد , ويظهر انني قطعت المسافات سعيا وراء حلم , فاصطدمت بواقع مقيت . - اعتدلت الخالة كيت في سريرها تستمع لنقاشهما : ( ارجوا ان يكون هذا بداية النهاية بينهما . الصبر جميل . الصبر جميل ). ابتلعت الحيرة دينا بعد خروج راسل : ( من انا بالنسبة الى انطوني ؟ من انا بالنسبة اليه ؟ ) . دخل انطوني المكتب صباح يوم الجمعة مسرورا : - قلبي يحدثني اننا سنمضي عطلة اسبوعية رائعة بإذن الله , سيكون ابي وامي في بيتكم عند الظهر , وقد قررنا الانطلاق الى المزرعة في السابعة من صباح الغد , فكوني على اتم الاستعداد . كانت جذوة الأمل بقضاء عطلة لا تنسى قد خبت في اعماق دينا : ( ذكريات داعبت فكري , ولست ادري ايها اقرب الي . لا تزال ذكرى اقوال راسل وامه تعبر افق خيالي , فماذا افعل يا رب ؟ ماذا افعل ؟ ) . وجدت نفسها تقول : - لك ما تريد . - ما رايك في الذهاب الى الهضبة القريبة بعد انتهاء ساعات العمل , لنستقبل جحافل الليل هناك ؟ كان الليل قد بدأ يزدرد بقايا النهار ببطء , عندما وقفت دينا تتأمل انطوني على قمة الهضبة : ( انك يا انطوني الرجل الذي احب . انت الرجل الذي اهوى ) . افزعتها افكارها , فسألت انطوني : - هل تعرف جيني , خطيبة راسل السابقة ؟ - رأيتها معه مرة . - هل ذهبت يوما برفقتها ؟ - ولماذا اذهب برفقتها يا دينا ؟ - سألتك لارضاء فضولي فقط . - ما اغرب اسألتك . هل انت متعبة ؟ اراك شاحبة يا عزيزتي . - اتعبتني كثافة العمل قليلا . احاطتها ذراعاه بكل حنان وهو يقول : - امضينا نهار عمل مرهق . معك حق . ستريحك عطلة هذا الأسبوع ان شاء الله . تلاشت في افق صدره : ( يا حبيبي كل شيء بقضاء / لاتقل شئنا فإن الحظ شاء . احبك يا انطوني , وحبك قضائي وقدري ) . في صباح اليوم التالي , وعندما كانت السيارة تتجه بالجميع الى ضفاف بحيرة هيز , صافحت دينا بأنظارها الجبال والسهول , الوديان والأنهار , فأنساها جمال الطبيعة الهموم كلها . توقع انطوني ان تكون ميغان في انتظارهم , لكنهم وجدوها في المطبخ توبخ ابنتها برونوين : - ما هذا الذي فعلته ؟ الم يكن في وسعك الانتظار ؟ اجابتها الطفلة : - اردت الحصول على المادة اللاصقة دون تأخير . ساعديني يا امي. بدأت المادة تتسرب الى فمي . طعمها فظيع . اسرعت ميغان لمساعدة طفلتها , متناسية صراخ طفلها الرضيع . تأمل الزائرون الأم وطفليها قبل ان يستسلموا للضحك . التفتت ميغان مذعورة , فوجدتهم وقوفا بباب المطبخ , فشاركتهم ضحكهم , واسرعت الصغيرة لتحية جدتها متناسية وضعها , فاندفعت السيدة براين مورغان نحوها قبل ان تصرخ : - برونوين عزيزتي . انتظري . لا تحيطيني بذراعيك . تدخل انطوني : - ما رأيك في تأجيل العناق حتى تنتهي من تنظيف الغراء ؟ قالت ميغان : كان كل شيء يسير على ما يرام قبل دقائق . ما اسوأ حظي . سأذهب لتنظيف الصغيرة . تعالي معي يا امي . وانت يا انطوني , ارجوك احتضن الصغير , عله يهدأ قليلا . تأملت دينا انطوني : ( انه صورة رائعة للحنان والعطاء والمحبة ) . اعادها اعتذار ميغان الى الواقع : - أسفة لهذا الاستقبال يا دينا , سأنتهي من تنظيف برونوين , ثم نشرب سوية قدحا من الشاي . - لا تعتذري يا ميغان , دعيني اساعدك . انهى الثلاثة تنظيف الطفلة , وخلال دقائق كانت الحياة في البيت قد عادت الى طبيعتها . لاحظ انطوني ذلك فقال : - تحضر العمة هيتي بعض المآكل , وابي يتفقد قطعان الماشية , فلماذا لا انادي ايفان ولويد يا ميغان ؟ - ناديهما بأعلى صوتك حتى يسمعاك . مضت دقائق قبل ان يدخل ايفان زوج ميغان , ومعه ابنهما البكر لويد الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره . اخبرت ميغان زوجها بما حدث لبرونوين , فقال : - ارجو ان لا يضطرنا الحادث الى قص شعرها . طمأنته دينا : - لن نضطر الى قص الشعر , لكنه قد يحتاج الى عملية تنظيف اخرى قبل النوم . تأمل انطوني دينا مبتسما , فأشاحت بصرها عنه : ( ان رماح نظراته تخترق اعماقي , وتهتك ستر اسراري . نظرات اخته تقلقني. هل انا اول فتاة يأتي بها الى هنا ؟ ) . كان الليل قد ارخى سدوله عندما سألتها ميغان : - ما الذي اتى بك الى نيوزليندا يا دينا ؟ اجابها انطوني : - اتت لتزيد معرفتها براسل ميلغروف . فوجئت ميغان : - لا اصدق انك اتيت الى نيوزيلندا اكراما لراسل ميلغروف . انه ... انه... اسوأ مثال للشباب النيوزلندي . اسكتها شقيقها : - ولم هذا الكلام يا ميغان ؟ - آسفة لازعاجكم بكلامي , لكن الرجل ترك اسوأ الأثر في نفسي منذ اللحظة الأولى التي عرفته فيها . ذهب الأطفال للنوم بعد العشاء , وتركوا الكبار يفكرون بأفضل وسيلة لقضاء الأمسية . قال انطوني : - سأصطحب دينا في جولة استكشافية . - أفضل الصعود الى غرفتي اولا , اذا سمحت . وقفت دينا امام نافذة غرفتها , تراقب عظمة الخالق في خلقه . قالت بلا تفكير : كل شيء هنا رائع يا خالتي , المروج , والهضاب , وسكون الليل ... فسمعت صوت انطوني يتساءل : - الست انا رائعا ايضا يا دينا ؟ - لا اعرف يا انطوني. لا اعرف . - ستتخلصين من حيرتك قريبا . - ماذا تعني ؟ - لست مضطرا لتفسير ما اعنيه منذ الآن يا عزيزتي . اقترب منها واحتضن وجهها متسائلا : - لماذا لا المح شعاع الفرح في عينيك يا دينا ؟ هل راسل هو السبب ؟ - تستطيع قول ذلك , نعم . - ما الذي يزعجك ؟ - ارجوك دعني وشأني . - لا بد انك متعبة . - لست متعبة ابدا . - عندما تتوتر اعصابك تتحولين الى طفلة صغيرة . غاصت دينا في بحر عينيه : ( الى متى تنوي تعذيبي يا انطوني ؟ الى متى ؟ ) . قالت له : - انني متعبة فعلا , لكن وجودي هنا سيريحني حتما . - انني متأكد من هذا . فكرت قبل موت اخي اوين بشراء قطعة ارض في هذه المنطقة . - لفهما بعد ذلك الصمت , الى ان قالت دينا : - لنشرب القهوة مع الأهل يا انطوني . - لكنهم لا يمانعون على بقائنا هنا يا عزيزتي . استعصت الكلمات على دينا , ففضلت السكوت , وعندما انتهت من شرب قهوتها , سمعت انطوني يقول : - لن ارهق دينا بنزهة الليلة . تعالي يا عزيزتي . |
- يريحني السير لمسافات طويلة يا انطوني , فلا تقلق .
- سارا على مهل في الخارج , سألها انطوني : - ايريحك السير من اعبائك حقا ؟ - في بعض الأحيان . سامحني على توتر اعصابي قبل قليل . لامس اصابعها بحنان : لا لزوم للاعتذار , فنحن بشر يا عزيزتي . ثم اننا اصدقاء , والصديق وقت الضيق . - اشكرك ... اشكرك يا انطوني . - ارتدي سترتك , فالأجواء تميل إلى البرودة . جلسا على صخرة , فأحاطها انطونيو بذراعه قائلا : - لا أريد لنبوءات الصخر آن تؤذيك . غلب النوم دينا وهي مستكينة لصدر انطوني , وحين داعب اسماعها بتحية المساء , فاجأته بسؤال : - لماذا اسأت التصرف مع راسل في الماضي يا انطوني ؟ - ما هذا الأهتمام المفاجىء بالماضي ؟ - لأرضي فضولي فقط . - كانت شقاوة أطفال , لا أكثر . - حسنا ... حسنا . - انسي راسل يا دينا . انسيه , إن كلامك عنه يزعجني . - تذكر إنني قطعت من اجله مسافات طويلة . طويلة جدا . - اعرف هذا . ومع ذلك , ارجو ان ترحميني من ذكره . 10. لهذا جاءت الى بيت راسل . طلبت منه , بلسانها , ان يعطيها الحرية . وبقلبها اخذتها . بانت السعادة واضحة على وجه براين مورغان وهو يـتأمل بحب افراد عائلته الكبيرة , واستولت الغبطة على دينا وهي تراقب ميغان بين زوجها واطفالها : ( حياة ميغان فيها استقرار وحب . ما احلى العائلة ) . استمتع الجميع بعد الغداء بدفء الشمس وظلال الأشجار . وقال ايفان : - يفكر جيراننا بطرح مزرعتهم للبيع في الأسبوع المقبل . ضغط انطوني على يد دينا بحنان وهو يقول : - انها مزرعة رائعة , ما رأيكم في ان نترك ايفان بعض الوقت مع ميغان ونذهب جميعا في نزهة مع الأولاد ؟ امسكت ميغان بذراع دينا قائلة : - اتمنى ان تكوني اعتدت تصرفات اخي المفاجئة يا عزيزتي . لا تنسوا العشاء في الخامسة . تأملت دينا انطوني وهو يلاعب الاطفال في الحقول : ( استغرب ان يرفض رجل عائلة من الطراز الأول مثله , فكرة الزواج . قد تباعد الأيام بيني وبين انطوني , لكني احلم باليوم الذي سأبعد فيه راسل عن ساحة حياتي ) . قال والد انطوني في طريق العودة : - هناك بعض الأعمال التي تتطلب الانجاز في مدينة كرايست تشيرتش . خذ دينا معك في عطلة الأسبوع المقبل , واذهب الى هناك , تستطيع ايريني القيام بمسؤليات المكتب اثناء غيابكما . - فكرة حسنة يا ابي , لكنني افضل وجود السيدة بتسون سكرتيرتك معنا , رفقا بسمعة دينا . تساءلت امه : - الم تنسى الماضي بعد يا بني ؟ - لا يا امي ... لم ولن انساه ما حييت . غيرت الخالة كيت مسار الحديث : - من فضلك يا انطوني , توقف هنا قليلا , فالمناظر تستحق الرسم . بقي الندم يؤرق دينا اياما بعد ذلك : ( لماذا غيرت خالتي مسار الحديث ؟ كنت اتمنى معرفة اصول الحادثة وجذورها ) . اعتذر راسل عن رؤيتها نهار الاثنين , فاتفقت معه على الذهاب في نزهة بالسيارة نهار الاربعاء: ( يجب ان احطم قيود راسل . علي ان امحو آثاره من حياتي مهما كان كلفني الأمر ) . دعت السيدة ميلغروف دينا الى العشاء يوم الثلثاء , فلم تستطع رفض الدعوة : ( اردت الاجتماع براسل وحدي . لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) . استغربت دينا حسن استقبال السيدة لها : ( ما الذي تحاول السيدة ميلغروف فعله ) . كانتا تتناولان العشاء عندما سألتها السيدة : - ما رايك في الاقامة معي بعد زواجكما يا دينا ؟ لا ... لا اعتقد انك تفضلين فكرة الاستقلال , اليس كذلك ؟ - ان مثل هذا الحديث سابق لأوانه يا سيدتي , ومازال امامنا الكثير من الوقت للتفكير . - لا لزوم للتفكير يا دينا , فقد عرفتك , ويسرني ان تكوني زوجة لابني . - جاء دوري الآن للتأكد من مشاعري يا سيدة ميلغروف . دخلتا غرفة الجلوس بعد انتهاء العشاء . فقالت السيدة ميلغروف : - سأقيم في عطلة الأسبوع حفل عشاء كبير , اعرفك فيه الى اصدقائنا . - آسفة يا سيدتي , سأذهب مع مديري في عطلة الأسبوع الى كرايست تشيرش , في رحلة عمل . - وهل يعقل ان تظهر خطيبة ابني بصحبة هذا الرجل اللااخلاقي . - لست خطيبة ابنك يا سيدتي , وانا اثق باخلاق السيد انطوني مورغان ثقة عمياء . - انه لايستحق ثقتك يا عزيزتي . قاطعتها دينا غاضبة : - انه رجل بكل معنى الكلمة . استغربت السيدة : - ما هذا الدفاع المستميت عن الرجل يا دينا ؟ ان فضيحته ما زالت على كل لسان . - احكي لي بالتفصيل عما تسميه فضيحة يا سيدتي . استمعت دينا الى تفاصيل القصة بانتباه , فتبين لها ان انطوني انتشل سكرتيرته من مأزق وقعت فيه , وقام برعايتها , كما يرعى أي موظف في المؤسسة . فجابهت السيدة ميلغروف برأيها , وسفهت محاولتها تشويه سمعة انطوني . دخل راسل في تلك اللحظة وقال : - لا بد ان انطوني هذا قد خلب لبك , وملأ راسك بالأكاذيب عني يا دينا . - لم يفعل شيئا من هذا يا راسل . اما ما تسميه انت وامك فضيحة , فأنت تعرف انه كان تصرفا انسانيا , انقذ به احدى الموظفات . انك انسان جبان وضعيف الشخصية يا راسل . وانا هنا الليلة لأمحو اسمك من قاموس حياتي . وكلي امل في ان تعود الى جيني التي كنت معها ليلة السبت . تدخلت السيدة ميلغروف : - لم يكن مع جيني مساء السبت , كان مع كليو . سخرت دينا منها : - وماذا في ذلك ؟ كليو فتاة طموحة وجميلة وتستحق الخير , واسم كليوباترا يناسب الأوضاع في هذا البيت اكثر من اسمي . اسكتها راسل بقوله : - كفاك سخرية من امي يا دينا , واؤكد لك مرة اخرى انك لست بالنسبة الى انطوني مورغان الا وسيلة تسلية . - وكيف اكون بالنسبة اليه وسيلة للتسلية , وهو لا يعرف بعد عمق مشاعري نحوه , ولا هيامي المجنون به ؟ حاولت السيدة ميلغروف تدارك الموقف : - اهدئي يا دينا , اهدئي . لا اجد ضرورة لهذا , فأنت الفتاة المناسبة لابني . - لم ولن اكون الفتاة المناسبة لابنك في يوم من الأيام يا سيدتي . ان انطوني مورغان هو الرجل الوحيد الذي ملك علي قلبي وعقلي . انصحك بأن تعيدي ابنك الى حبيبته الأولى , مع اطمئنانها بأنني خرجت من حياته والى الأبد . تلقفها جوف الليل وسمعت نجومه كل ذرة من كيانها وكأنها تصرخ : أعطني حريتي أطلق يدي . إنني أعطيت ما استبقيت شيئا . 11- رحلة مثيرة وشاقة يذوق انطوني ودينا الأمرين , في يوم ممطر وعاصف . وعلى بعد خطوة يكمن لهما الموت . فضلت دينا تأجيل إخبار العمة كيت بانفصالها عن راسل : ( سأتجرع كأس الألم الخيبة وحدي . لا اريد مساعدة احد . لا اريد مشاركة احد لا سيما انطوني براين مورغان ) . فاجأها انطوني في صباح اليوم التالي بقوله : - هناك اشياء يجب ان تعريفيها يا دينا . تحسبت دينا لأي طارىء : ( هذه المرة الأولى التي يناديني فيها باسمي مجردا في المؤسسة . علام تنطوي الدقائق المقبلة يا ترى؟ ) سألته : - وما هي يا سيد انطوني ؟ - ما سأقوله قد يغير مجرى حياتنا يا دينا . جنت نبضات قلبها : ( ترفق بي يا انطوني . ترفق بي ارجوك ) . سمعته يقول : - سأبتاع المزرعة القريبة من بيت اختي ميغان , واتفرغ للزراعة . تلاقت نظراتهما : ( نعم يا انطوني . قتلني سهم حبك مرة , وسيقتلني غيابك الف مرة ) . قالت له : - ان اتخاذ أي قرار في مثل هذه الشؤون يعود اليك وحدك . - هذا ما قاله ابي ايضا , لكنني تصورت ان في امكانك مساعدتي . - لن استطيع ذلك , حتى لو حاولت . ترك مقعده متجها نحو النافذة وقال : - لهذه المؤسسة تاريخ عريق يا دينا . عريق جدا . اقتربت منه بقلب واجف : - تنبئني نبرات صوتك بتوصلك الى قرار . - نعم يا دينا . بعد شعوري الليلة الماضية قررت البقاء . فإن ادارة المؤسسة تشدني بسلاسل من حرير . ازدحمت مآقيها بدموع الفرح , فأشاحت بوجهها عنه . لكنه اجبرها على مواجهته : - دينا ... انظري الي . احب دموعك . سأستدعي ابي من قسم المعروضات , لأبلغه قراري في الحال . - لاح الفرح في عيني دينا : - اسمح لي ان استدعيه بنفسي . اسرعت الى قسم المعروضات , فوجدت براين مورغان يناقش الموظفين في افضل الطرق لعرض البضائع . انتظرت انتهاء المناقشة , ثم حيته قائلة : - انت مطلوب في مكتب السيد انطوني يا سيدي . حملت نظراته اسئلة كثيرة : - هل اخبرك انطوني بشيء يا دينا ؟ - نعم يا سيدي , اخبرني بالعرض المقدم له . - وهل اطلعك على قراره ؟ - سيخبرك قراره بنفسه . اعذرني , سأذهب لشراء الحاجيات . مرت دينا بزاوية كليو , فسرت الفتاة لرؤيتها : |
- هناك امور اود مصارحتك بها .
- اعرف انك كنت بصحبة راسل مساء السبت الماضي يا كليو . علاقتي به استقرت في جوف النسيان . - احمد الله على ذلك , فراسل لا يستحقك . عرفني يومها بفتاة اسمها جيني . ابتسمت دينا : ( اراد ان يثير غيرة جيني , بوجوده مع كليو . مسكين ) . رجتها كليو : - عودي الي يا دينا بعد انتهائك من شراء حاجياتك . هناك سؤال يتردد في خاطري باحثا عن جواب . استجابت دينا للرجاء , فسألتها كليو : - هل صارحك المدير بمكنونات قلبه ؟ فهمت دينا ما عنته كليو بسؤالها , فأكدت لها : - علاقتي بالمدير لا تتعدى الصداقة , وهو ليس سبب انهاء ارتباطاتي براسل . - لا اصدق ما تقولين . اخبريني ... هل وصلتك الاشاعات المغرضة ؟ لا تعيري انتباها لما تسمعينه يا دينا , ارجوك . ان السيد انطوني رجل شهم وكريم , اما سكرتيرته السابقة ايلويز هاربر ف ... استغفر الله العظيم دائما . - اخبريني يا كليو , هل انتشلها من مأزقها لأنها موظفة في الشركة فقط ؟ - نعم , سا عدها , ونسي المثل القائل : اتق شر من احسنت اليه. - اشكرك على تزويدي بالمعلومات . الى اللقاء . دعاها انطوني بعد ذلك لمشاهدة فيلم سينمائي . فرفضت الدعوة قائلة : - آسفة . علي التفرغ لخالتي كيت في اليومين المقبلين . - اليست مواعيدك مع السيد ميلغروف هي سبب اعتذارك ؟ - ابدا ... صدقني . اتسمت نبرات انطوني بالجدية وهو يقول لدينا مساء يوم الاثنين : - ايحق لي ارهاقك بساعات عمل اضافية , قبل يومين من رحلتنا الى مدينة كرايست تشيرش يا آنسة بريتشارد ؟ - ان طلبي للعمل هو من ابسط حقوقك علي يا سيدي, اما اذا كنت تعتقد انني لن استطيع تحمل اعباء الرحلة ومسؤولياتها , فاختر غيري . - لا تحولي العمل الى مرآة تعكس مشاكلك مع السيد ميلغروف . - ومن قال لك انني اعاني من راسل ووالدته ؟ اننا ولله الحمد على احسن حال . - اقبلي تهاني الحارة اذا . سأكون في مستودعات التخزين , اذا دعت الحاجة الي . جلست دينا في ذلك اليوم تتناول غداءها على مائدة واحدة مع المسؤول عن مستودعات التخزين فصارحها : - اعتقد ان السيد انطوني متوتر الأعصاب في هذه الفترة , فقد وبخ عمال المستودعات اليوم لأتفه الأسباب . - لا شك انه متعب . بقي انطوني مورغان عصبي المزاج طوال يومين , لكنه عاد للتحكم بدقه مزاجه مساء يوم الثلثاء اذ قال لها : - سأوصلك الى البيت يا دينا . - اشكرك . طلبت ذلك من احد الزملاء . ستكون رحلتنا طويلة وشاقة في الغد . - نعم . وسترافقنا الآنسة موريسون ايضا . يبدو عليك الهزال . ارجوا ان تعود الرحلة عليك بالصحة والعافية . - اشكرك على اهتمامك يا سيدي . - سأمر بك يا آنسة بريتشارد في التاسعة من صباح الغد , ثم بالسيدة بيتسون , واخيرا بالآنسة موريسون . ماذا بك يا دينا ؟ معاناتك واضحة . لكن مما تعانين ؟ - لا اريد ان اثقل كاهلك بمشاكلي دائما ياسيد انطوني . - نادني انطوني , ارجوك . هل ازعجتك السيدة ميلغروف بتصرفاتها مؤخرا ؟ - لا ابدا . كانت ستقيم حفل عشاء لتعرفني الى اصدقائها في عطلة هذا الأسبوع . - وما الذي اعاد الأمور بينكما الى نصابها ؟ - باركت خطواتي مع راسل , بعدما تفحصت جذوري العائلية والأخلاقية . - اهنئك , واتمنى لك حياة سعيدة . - اشكرك . - ارجوا ان يحقق هذا الزواج آمالك واحلامك . - ان الزواج ليس جنة نعيم دائم , لذلك لا يسعني الا طلب التوفيق من الله . - كان الله معك يا آنسة بريتشارد , فراسل يحتاج الى فتاة مثلك , تصلح اعوجاج طريق حياته . تصبحين على خير . تأخر انطوني بالوصول في صباح اليوم التالي , وعندما مر ببيت دينا , كانت السيدة بيتسون تحتل المقعد الى جانبه . حين تقدم نحو دينا تصاعد انين قلبها : ( انطوني ... حبيبي ... اتراك تسمع آهات قلبي ؟ اتراك تحس بعذابي ؟) . حيا انطوني الخالة كيت قائلا : - ارجوا ان تقبلي دعوة والدتي لشرب قدح من الشاي معها . في الثالثة من بعد ظهر اليوم يا سيدتي . - بكل سرور يا بني . سأوافيها في الموعد المحدد بإذن الله . مع السلامة . - فتح انطوني باب السيارة الخلفي لدينا قائلا : - بقاء السيدة بيتسون في المقعد الأمامي ضروري , لئلا تصاب بالدوار . حجب الألم عن دينا نعمة الاستمتاع بمناظر الطبيعة , والمدن الصغيرة الحلوة التي تناثرت هنا وهناك . لكن حناياها بقيت تردد : ( الحب طارق بلا استئذان . الحب طارق بلا استئذان ) . انذرتهم الغيوم التي كست السماء بردائها الرمادي , بقرب هبوب العاصفة . فاقترحت عليهم السيدة بيتسون قضاء الليل في بيت صغير تملكه , قريب من المدينة التي ينوون زيارتها . لكن انطوني قال معتذرا : - اشكرك يا سيدة بيتسون , افضل متابعة الرحلة , وسيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله بمساعدة الآنسة بريتشارد . تابعا رحلتهما , بعد ان اطمأن انطوني على احوال السيدتين في البيت الصغير . كانت السماء تلك الليلة تغني بأمطارها للأرض اغنية حب خالدة , فحلقت دينا في افق الخيال , وسماء الأحلام , حتى اصطدمت سيارتهما فجأة بصخرة كبيرة اسقطتها السيول من عل , فتربعت في منتصف الطريق . حاول انطوني تخفيف الصدمة فانحرف بالسيارة عن مسارها , فتدهورت في خندق جانبي . عاد الهدوء يغمر كل شيء بعد قليل من الحادث , وسمعت دينا انطوني يسألها مذعورا : - دينا عزيزتي هل اصبت بسوء ؟ كانت الرجفة تسري في اوصالها وهي تقول : - اطمئن . اطمئن يا انطوني انني بخير . ما هذا ؟ الدماء تسيل من رسغك . - انه جرح بسيط . لا تقلقي . من الأفضل لنا ان نخرج من السيارة . اصبح الخروج من جهتي مستحيلا . ماذا عن جهتك؟ انفتح باب دينا بعد جهد , واستسلم الاثنان لجنون العاصفة , وهما يبتعدان السيارة المهشمة رويدا رويدا . كان زئير العاصفة يصم الآذان , فرفع انطوني صوته قائلا : - علينا الاتصال بالشرطة لاخبارهم بالحادث , ولكن انى لنا بجهاز هاتف ؟ لاحت لهما من بعيد انوار كوخ ريفي تشامخ على قمة الهضبة , فأملت دينا خيرا , وقال انطوني : - قد نجد جهازا للهاتف في ذلك البيت . هيا بنا . - احست دينا بالدم يسير حارا من جرح انطوني : - مازال جرحك ينزف . - لا تقلقي يا دينا , انه جرح بسيط . انظري . علينا ان نجتاز ذلك الجسر الخشبي قبل الوصول الى البيت . - كأني به على وشك الانهيار . - فلنتقدم . احس انطوني بالجسر ينهار , فقفز الى الطرف الآخر مع دينا , التي صرخت فزعة عندما شعرت بنفسها قاب قوسين او ادنى من الموت . بقي انطوني ممسكا بها وجذبها معه , وعندما اطمئن على سلامتها قال بلهفة : - دينا يا حبيبتي , احمد الله على نجاتك . عجز لسانها عن النطق بكلمة , فأشارت الى البيت قائلة : - من الصعب علينا الوصول الى البيت يا انطوني , فهو بعيد , وعلى مرتفع . - علينا ان نحاول الوصول اليه يا عزيزتي . هيا بنا . اراك مرتبكة الخطوات . ماذا بك ؟ - عندما انهار الجسر , فقدت حذائي , لا تخف . لف انطوني قدم دينا بمنديله وهو يقول : - سيقيك هذا المنديل من الجروح اثناء السير . كانت ابواب البيت مقفلة , الا بابا جانبيا دخلا منه , واسرع انطوني الى الهاتف ليبلغ رجال الشرطة بالحادث , واوكلهم باخبار الأهل بانهما بخير . بحث بعد ذلك بمساعدة عاملة الهاتف عن مكان وجود صاحب البيت , واتصل به ليخبره بما حدث . فهنأهما بالسلامة وطلبت منهما زوجته اعتبار نفسيهما في بيتهما . بعد الاستحمام ومعالجة الجروح . وتناول وجبة خفيفة , قال انطوني: - اذا تجرأ راسل على الاحتجاج في الغد فسأتدبر امره . - لن يحرك راسل ساكنا , فاطمئن . - ثقتك به كبيرة . لامست ذراعه قائلة : - لكن ثقتي بك اكبر يا انطوني . حمدا لله على سلامتك . وتصبح على خير . نامت يدها بين يديه وهو يقول : - وانت بألف خير يا عزيزتي . اشكرك على ثقتك . اشرقت ابتسامة الشمس دافئة على وجه السماء في صباح اليوم التالي , وغصت الطريق برجال الشرطة الذين جاؤوا لسحب السيارة المهشمة , بينما كان الصحافيون يتساءلون عن تفاصيل الحادث . وصلت الخالة كيت ودمع العين يسبقها : - احمد الله على سلامتكما . سأل انطوني : - لماذا لم يأت راسل حتى الآن يا دينا ؟ - ربما لم يسمع بالحادث بعد . - اغبطه على ثقتك به . شرب الجميع الشاي في منزل الخالة كيت , قبل ان يتابعوا طريقهم الى المزرعة . وفي الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم , اتصلت ميغان : - احمد الله على سلامتك يا دينا . كيف حال انطوني ؟ - كلنا بخير والحمد لله , شكرا لك . - حاولت الاتصال بالبيت بمجرد سماعي بالنبأ , لكن محاولاتي باءت بالاخفاق , فتركت ايفان مع الأولاد . واتيت لأطمئن بنفسي . لكن حادثاوقع لسيارتين على الطريق , اجبرني على التأخر . - اين انت الآن يا ميغان ؟ - في مكان قريب من بيتكم . - لماذا لاتمضين الليلة معنا , وتتابعين رحلتك الى المزرعة غدا صباحا ؟ - الوقت متأخر لفعل أي شيء آخر , اشكرك على دعوتك , سآتي في الحال . تربعت شمس يوم جديد وضاءة في كبد السماء , واستيقظت ميغان على صوت الخالة كيت ودينا : - صباح الخير يا ميغان , جئناك بالفطور . شكرتهما ميغان وتناولت فطورها قبل ان تستحم , ثم شربت قدحا من الشاي , واستعدت للانطلاق بعد يأسها من اقناع كيت ودينا بمرافقتها . سألتها دينا قبل ان ترحل : - لماذا اساء انطوني التصرف مع راسل في الماضي يا ميغان ؟ - التقط راسل في ذلك اليوم ضفدعا , وراح يعذبه باسم التسلية , وعندما رأى انطوني ذلك اطلق سراح الضفدع , والقى براسل في البحيرة . قد نكون اخطأنا , لكن راسل لا يعرف معنى الرفق بالحيوان . اكدت دينا : هذا صحيح , كان الله معك في حلك وترحالك يا ميغان . مع السلامة . 12- ... وتنكشف الحقيقة على حدثين كبيرين : براءة انطوني مورغان من الشائعات , وكلمتين عميقتين قالهما انطوني ودينا : احبك ... احبك . نشرت الصحف خبر الحادث , فاهتم الموظفون طوال يومين بمعرفة التفاصيل . سأل انطوني دينا : - ماذا كان تعليق راسل على الحادث ؟ - ترك الأمور بلا تعليق . ماذا تريدني ان افعل بهذه الرسومات يا سيد انطوني ؟ - سلميها الى الموظف المختص , انه يعمل على تنظيم احدى الواجهات . - كانت كليو تتكلم على الهاتف عندما مرت بها دينا : - هناك مكالمة خارجية للسيد كلادستون , ناديه من فضلك . اخبرت دينا السيد كلادستون بالمكالمة الخارجية , فانزعج وقال : - في اضيق الأوقات اتانا عزيز كتابكم . ارجوا منك الوقوف مكاني , لتثبيت قطعة القماش , حتى اعود يا آنسة بريتشارد . احتلت مكانه لحظات , سمعت خلالها امرأة شقراء الشعر تقول لرجل معها : - ما زلت افضل القيام بالمحاولة خارج اوقات الدوام . - اما انا فأفضلها بوجود الموظفين , لأن ذلك يضعفه . فكرت دينا : ( من هو هذا المسكين الذي سيثيرون زوبعة من المشاكل في افق حياته يا ترى ؟ ها قد عاد السيد كلادستون . سأبحث عنهما بنفسي ... لم اجد احدا ... ماذا افعل ؟ سأبلغ السيد انطوني في الحال ) . سمعت اصواتا في مكتب انطوني , فترددت في الدخول . تسربل صوته غاضبا وهو يقول : - كان علي ان امنع دخولك , او اطلب من سكرتيرتي تسجيل ما سيدور بيننا من حديث يا ايلويز . صعقت دينا : ( ان سكرتيرة انطوني السابقة في مكتبه , يجب ان انقذه من براثنها بكتابة ما يقال على الورق , سأسجله على شريط ايضا . هاهي الآلة امامي ) . ضحكت ايلويز قائلة : - يالك من جبان , ان اعطائي بعض المال سينقذك من المشاكل . فلم الرفض ؟ - لأنني اكره المبتزين , وامقت محاولات الابتزاز . - اعطني الفين من الجنيهات, وسأختفي من حياتك الى الأبد . اما اذا رفضت , سأثبت شائعة فضيحتي بين الناس , واتركهم يشوهون سمعتك . فكرت دينا في استدعاء بعض الموظفين ليكونوا شهودا على ما يقال, فأتت بالسيد ويلسون المحاسب , مع ضيفه رجل المباحث , وجارة انطوني ايريني كاهيكا . ثم عادت الى تدوين ما يقال : هدد انطوني ايلويز : - ان الابتزاز جريمة يعاقب عليها القانون , ولن ادعك تهربين من قبضة العدالة هذه المرة . - سيصدقني الناس ويكذبونك يا انطوني , خصوصا بعد قضائك عطلة الأسبوع في كوخ صغير مع سكرتيرتك الجديدة . - اياك ان تحاولي تلويث اسمها . انها على خلق رفيع , وانا احترمها . - ان دفاعك عنها يثبت حبك لها . - نعم , انني احبها ... احبها . - عظيم ... سيساعدني هذا على تنفيذ ما عزمت عليه . - صدق من قال : ( ان انت اكرمت اللئيم تمردا ) . سأتصل بالشرطة لتمنعك من نفث سمومك بين الناس . دخل رجل المباحث في تلك اللحظة قائلا : - الشرطة هنا , وفي خدمتك يا سيد انطوني . قامت سكرتيرتك بتدوين ما حدث وتسجيله . وفي استطاعتك اعتبارنا شهودا . انت رجل محظوظ يا سيدي . اغمي على ايلويز , وطغت الفرحة على الجميع . لكن دينا ذكرت رجل المباحث بضرورة القبض على زوج ايلويز ايضا . ورافقته لمساعدته في التعرف عليه . خرج رجل المباحث مع دينا من المكتب , فقال المحاسب لأنطوني : - تحطيمك طوق الشائعات يستحق احتفالا كبيرا . - معك حق كدت افقد الأمل في اثبات براءتي , لكن لاتقل ضاع الرجاء , ان للباطل جولة ... تعرفت دينا على زوج ايلويز , وتم القبض عليهما , وذهب الجميع معهما للمخفر للادلاء بشهاداتهم . وعندما تمت الاجراءات القانونية , طلبت دينا من الموجودين تركها وحدها مع انطوني , فكان لها ما ارادت . خاطبها انطوني : - اعتقد انك سمعت وسجلت اعترافي بحبك , ولكن لا تدعي ذلك يؤثر على حياتك مع راسل . اتمنى لكما السعادة والهناء الدائمين . انني نادم على ما فعلته اليوم بالزوجين . كان علي تهديدهما فقط . - لكن تسليمهما للشرطة هو وسيلتك الوحيدة لتنقية سمعتك من الشوائب التي قد تؤثر على اولادنا في المستقبل . - لم يصدق انطوني ما سمعته اذناه , لكن دينا اردفت قائلة : - خرج راسل من حياتي قبل اسبوعين . او يكفي اعترافي لك بأنني احبك حبا جما ... ضمها اليه فرحا , وقال بلهفة : - دينا حبيبتي ... يا كل الحاضر والماضي ... ياعمر العمر . اغرورقت عيناها بالدموع , بينما كانت كل ذرة من كيانها تردد : - ما اضيع اليوم الذي مر بي من غير ان اهوى وان اعشق . (تمت ) ( اتمنى تعجبكم ) |
اقتباس:
العفو اختى . انا نزلتها كلها واتمنى تعجبك :lol: |
الرواية حلوة كتير موفقة في الاختيار انا اول مرة بقرائها وبارك الله فيك تحيااااااااتي :rdd12zp1::flowers2: |
تسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلم ايدك روعه وننتظر الزيد
|
يعطيك العافية ..اعتمادات
وإن شاء الله ماتكون آخر مشاركاتك هنا تحــــــياتي لك |
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
http://www.rjeem.com/up/images/zp6xkjlisw9zx6p4305.gif http://www.rjeem.com/up/images/0ik0qs400moh7vooye.gif |
بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
|
شرفتينى ونورتينى قمارى :flowers2: |
يسلموووووووووووووووووووووووو
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
يسلمووووواعتمادات الف شكر على الرواية الممتعه لاهنتي قلبي
|
:flowers2::friends:
|
rewaya jamila chokrannn
|
الرواية فى منتهى الرووووعة شكرا على مجهودك
|
تسلمين ع الروايه الحلوه الممتعه |
جميله جدا جدا جدا
|
شكــــراً اعتماادات يا غاليــــه على الرواية النااايس
|
رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
تسلم ايديكى
|
رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
أعجبتني مفردات القصة جدا شكرا لمجهودك |
رد: 31 - دخان - ايسى سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
:toot::8_4_134::8_4_134:
|
رد: 31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754:
|
رد: 31 - دخان - ايسي سامرز - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
رائعة شكرا كثيرا 🥰🥰🥰🥰
|
الساعة الآن 09:40 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية