وأشار إلى أوراق كان يتفحصها على طاولة مليئة بالزهور . . هزت رأسها تراقبه يزيح وعاء الزهور بنفاد صبر ، ثم رفع رأسه : -كان هناك أربع شابات هنا ... وكلهن حصلن على إشارة غير مناسبة . . دعينى أرى . . أخذ يقرأ الأسماء والتعليقات ثم رفع نظره : - هل اسمك بينها يا سنيوريتا ؟. -لا . . فاسمى تيرانت ... غريتا تيرانت . تفحص اللائحة مجددا . . وهز رأسه : -اسمك لا يظهر هنا يا آنسة ترانت . أحست بإحباط : - لكن يجب أن يكون مسجلا ... فلدى موعد دون أدنى شك . . صمتت ثم تنهدت بإرتياح وقد تذكرت البطاقة ، وبسرعة فتشت حقيبتها . - لدى بطاقة من مكتب التوظيف . . ها هى . أخذها ثم قطب ، ونظر مجددا إلى دفتر المواعيد ، حينئذ انزاح العبوس عنه . - أعتقد أنه حدث ما يمكن أن نعتبره سوء تفاهم . وأخشى أن تكون تيريستا قد خلطت بين اسم تيرانت وتارليت . نظر إليها بتمعن للحظات ، ثم قال : - إذن يبدو أن لاشئ يمكن فعله الآن سوى أن أجرى معك المقابلة بنفسى . . وأطرح عليك كل هذه الأسئلة الشخصية المتطرفة . عضت شفتيها : - آه . .. لكن . . هل سيكون هذا صائبا ؟ أعنى . . فجأة بدا لها أطول قامة ، والنور فى عينيه النفاذتين مخيفا أكثر : - بالطبع سيكون صائبا . . لا تخافى يا سنيوريتا ! أنا أعرف عائلة رامون غارسيا أكثر من سنيورا جورادو . المسألة أنه من الأفضل أن نحصل على رأىامرأة . |
أشار إليها لتجلس وجلس إلى الجهة الأخرى من الطاولة ... مرة أخرى أصبحت تلك الباقة الكبيرة من الأزهار عائقا بينهما . فوقفت غريتا باندفاع تنقل وعاء الزهور إلى طاولة أخرى . . بقى صامتا حتى جلست ، ثم قال بسخرية : - شكرا لك . .. تبدين مفيدة جدا يا آنسة تيرانت . على الفور تحول احمرار خديها إلى لون زهرى وأحست بالغباء ، وطغى عليها إحساس أنها صغيرة . والأسوأ من هذا أن نظرته السوداء أشعرتها بأنوثتها يشكل لم تفعله بها نظرة أى رجل من قبل. .. وتصلبت لتخفى حرجها . . ثم ابتسم ، وعلى الفور تلاشى ارتباكها وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة فيها خجل . .. وقال بالإسبانية : - هل سبق لك العمل مع الأطفال يا سنيوريتا تيرانت ؟ ردت بنفس لغته : - لا . . وهذا شئ يجب أن أوضحه . أنا لست مؤهلة لتعليم الأطفال ،إذا كان هذا هو تطلبون . . برغم أن لدى مستوى مرتفع من التعليم إلا أننى لا أريد أن أضللك فى هذا المجال . هز رأسه : -لا يا آنسة تيرانت ... كارلوس لديه معلم خاص ممتاز فى اختصاصه ، فيما عدا أنه لا يجيد الإنجليزيه والفرنسية . . وتعليم كارلوتا يرتكز أساسا على تحسين إنكليزيتها ، وتوفير رفقة غير متوترة لها فى الوقت الحاضر . سألت غريتا بدهشة وهى تفكر بالأمر من وجهة نظر إنكليزية بحتة : - أليس لها أصدقاء من مثل سنها ! بدا لها من الغريب استيراد فتاة من انكلترا ... هل ليما خاوية من فتيات مناسبات ؟ وكأنه قرأ أفكارها فأشار بيده : - ليس الأمر بسيطا هكذا ، فلم يتح الوقت بعد لكارلوتا كى تقيم صداقات جديدة مناسبة . . منذ ستة أسابيع ، عانت هى وشقيقها كارلوس خسارة كبيرة . . لقد فقد والداهما فى تلك الكارثة الجوية فى التشيلى . . ربما قرأت عنها ؟ ولم يكن هناك ناجين . - آه . . هذا فظيع . . ! أنا آسفة . رفع رأسه وقال: |
- وقد أصرت جدتهما حينذاك على أن يأتيا إلى ليما ، وسيبقيان هناك حتى تتزوج كارلوتا ويكمل كارلوس تعليمه . صمت قليلا وبدت الجدية على ملامح وجهه ، وتحدث فجأة بالإنجليزية : - أتساءل كم تعرفين عن الأعراف والتقاليد التى تحكم تربية فتاة مثل كارلوتا . - سمعت القليل عن طريقة الحياة الأسبانية المحافظة ... وأعرف أن كارلوتا لن يكون لها حرية كبيرة ، بل إن حياتها وصداقاتها ستكون مدبرة وستتقبلها كما هى دون سؤال . . وأعرف كذلك أن زواجها سيكون مدبرا لها ، بغض النظر عما إذا كان للحب دخل فيه أم لا ... وعليها الطاعة كما كانت دائما . أنهت حديثها بهدوء دون أن يفارق نظرها القسمات المشدودة العنيدة لهذا الرجل . قال ببرود : -أنت تفهمين الكثير ... ألا توافقين على طريقة الإسبان المحافظة ؟ - بما أنك سألت سنيور ، فأنا لا أوافق . . فنحن الآن فى القرن العشرين ولم نعد فى العصور الوسطى ... قد يصدمك رأيى بهذا الشأن لكن هذا يرجع لحريتى يا سنيور . كانت تتكلم بنبرة تحد بالرغم من الجو السلطوى الذى يلوح حوله . . ولم تندم على ما نطقت به ، ولو كلفها هذا عملها ... ثم رأت رفرفة عند زاوية فمه ، وتراجع فى كرسيه إلى الخلف . -تتحدثين بصراحة يا آنسة تيرانت . . عظيم ، فأنا أفضل الصدق على المداهنة . . برغم أننا لن نتفق فى الرأى أبدا . . أجل ... وبالرغم من الهالة اللندنية حولك ، فقد تمثلين أنت التغيير التى تحتاجه كارلوتا . - إذن أنت تعترف أنها بحاجة إلى تغيير . ظهرت النظرة الساخرة مجددا : - أنا لا أنكر هذا ... وبرغم مظهرنا السلطوى إلا أننا نتفهم الأمور . - ألا تخشى أن يكون لى . . تأثير ما عليها ؟ قد أثير شهيتها إلى الحرية التى أتمتع بها أنا . قال بهدوء : -أبدا . .. بل هناك إمكانية أن تؤثر كارلوتا عليك لدرجة تجعلك تتساءلين عن بعض المفاهيم الخاطئة التى تعتزين بالتمسك بها . - أبدا ! أشار بيده ساخرا : |
لا ؟ أين هو فكركم المنفتح الشهير ؟ عش واترك غيرك يعيش ! لم ترد . .. فتابع : - سنرى . . مهما اختلفت آراءنا . . والآن يجب أن أسالك بعض من تلك الأسئلة السخيفة . . لماذا تسعين إلى العمل فى الخارج ؟ -لأننى أحب السفر ورؤية الأماكن الغريبة . -هكذا إذن . .. لكن حب السفر والأماكن الغريبة لا يشابه أبدا تأسيس حياة جديدة هناك ، ولمدة طويلة . . هل منزل عائلتك ترفرف عليه السعادة ؟ - أجل . .. وأنا لا أحاول الهرب من الحياة الأسرية التعيسة إذا كان هذا ما تقصد . - ألا تحاولين الهرب من شئ آخر ؟ أحمر وجهها : - لا ! ثم إن حياتى الشخصية ليست من شأنك ! رفع يده : - لا تحتجى . .. لقد قلت لى ما أردت معرفته . زمت شفتيها : -حقا ؟ إذن لست بحاجة لطرح المزيد من الأسئلة عن حياتى الشخصية . - لديك شهادة جيدة بحسن أخلاقك من رب عملك السابق . . . ولكن لماذا أستقلت فجأة ولأسباب واهية ؟ اجفلت لتغيير موضوع الحديث بسرعة : - أردت التغيير وهذا هو كل شئ . انحنى رأسه الأسود الشعر للحظات فوق البطاقة التى أتت بها من مكتب التوظيف . .. ثم رفع رأسه : - حسن جدا . . لن أضغط على شأن يبدو أنه يؤلمك ، آه . . أجل . .. يا آنسة تيرانت ، حين تدخل النار على تصرفات امرأة نتأكد حينذاك ان هناك رجل مسئول .فهل أنا على حق ؟ اكتفت غريتا من كلامه ، ووقفت : - أظن أنه لا شئ لدينا لنناقشه بعد يا سنيور ، أتمنى لك الحظ فى ما تطلب وأنصحك ان تتحلى بالقليل من اللياقة فى المستقبل ، إذا أردت ان تجد فتاة إنكليزية تناسب متطلباتكم . .. نهار سعيد يا سنيور . . أستطيع أن أجد طريقى إلى الخارج . تركها حتى اقتربت من الباب ، ثم قال بهدوء : |
- لحظة واحدة يا آنسة تيرانت . . . أرجوك ان تسمعينى . . أنا اثق ان سمعتكم الوطنية ستجعلك تكفين عن إطلاق الإتهامات جزافا فوق رأسى ، وربما أعترف أن تصرفى مال قليلا نحو قلة اللياقة 0 وقفت حيث هى لحظة ثم عادت ببطء . . . كان واقفا باستقامة مسترخيا قليلا . . ولم يتحرك حتى جلست على حافة المقعد . . فعاد إلى مكانه مسترخيا قليلا ، يتناول علبة سجائر رفيعة محفورة بدقة من جيبه ، وفتحها ليقدمها إليها . منتديات ليلاس - ليس الآن . .. شكرا لك . دون كلا ، اقفل العلبة وأعادها إلى جيبه : -حاولى ألا تكونى منحازة يا آنسة تيرانت . . وتصورى وجة نظرنا . . لو كنت تسعين إلى فتاة بيرونية لمساعدتك على تعليم أختك وشقيقك الأصغر ،ووجدت واحدة تعد بكل شئ ترغبين به ، وجاءت لتسكن منزلك واكتسبت ثقة عائلتك ، ثم غيرت رأيها فجأة وقالت لك إنها ستعود إلى بلادها ، فسوف تثير سخطك . . . أليس كذلك ؟ - طبعا . .. لكن فتاة ذكية لن توقع عقدا قبل أن تكون مستعدة لتفى بشروطه . رد بهدوء : - لكن لو أنها قررت السفر لمجرد تغيير المكان بسبب مغامرة رومانسية محطمة . . بالتالى ستكون تصرفاتها غير مضمونة ... الحطام يمكن إصلاحه ونداء القلب قوى جدا . . خاصة قلب الأنثى . صمت قليلا : -أنا لا أحاول التطفل على حياتك الخاصة يا سنيوريتا ، بل لمجرد التأكد من عدم وجود رجل يؤمى إليك عبر البحار بعد خمس دقائق من ظننا أن الاتفاق قد تم . تابع بهدوء : - صدقينى . .. هذا هو السبب الوحيد لمثل هذه الأسئلة الشخصية . . أليس هذا مفهوما يا سنيوريتا ؟ ابتسم ابتسامة فتنة خاصة ، غيرت تماما قسمات وجهه العنيدة . . كلامه مفهوم ومنطقى تماما . قالت بصراحة : - أجل . .. وأؤكد لك أن قلبى ليس لديه ما يتذكره . ارتفع حاجباه : |
الساعة الآن 01:19 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية