وذات صباح ، وصلت مخابرة هاتفية من مكتب التوظيف يسأل عن غريتا ويطلب زيارتها لهم بعد الظهر . فى هذا النهار كان الغداء صامتا على غير العادة . . فقد كان هناك قناعة صامتة أن هذا الأمر سيحدث ، لكن غريتا ابتسمت وأكدت أنها قد تكون إنذارا خاطئا آخر . وبالرغم من هذا ارتدت ملابسها بعناية واعتنت بزينتها وهندامها ... وانسدل شعرها الذهبى المصقول لامعا حتى ياقة بذلتها المشمشية . . كانت تغلق السترة أربعة أزرار لؤلؤية ، وتنتاسب مع الحذاء الذى يلف قدميها . كانت الغرفة فى مكتب التوظيف مضاءة ... لكن دخول غريتا إليها زادها إشراقا مما جعل المرأة المتجعدة الوجه وراء المكتب تتفرس بها عن كثب وتبتسم بدفء مفاجئ . جلست على كرسى حيث أشارت المرأة ، ووضعت يديها فى حجرها حتى لا تفضح توترها الداخلى . بينما المرأة تضع ورقة على الطاولة وترفع رأسها : - والآن ، يا آنسة تيرانت ، هذا المركز . . فرصة مثيرة للفتاة المناسبة . . مع أنه ليس بالضبط عمل سكرتارية ... ما هو رأيك فى العمل مع الأطفال ؟ نسيت غريتا توترها : - الأطفال ؟ هل هو عمل مزدوج ؟ -أبدا . . هناك صبى فى السادسة ، والمطلوب معرفة الإنجليزية وشئ من الفرنسية . . كما أن هناك فتاة فى السابعة عشرة ، ستكونين مرافقة لها . . . المرتب سخى وأنا واثقة أنك ستتلقين كل تقدير . . إنها عائلة رائعة ذات سمعة ممتازة . . أسلاف الدون تعود أصولهم إلى أيام الفتوحات . ابتسمت المرأة مطمئنة : - ولن نرسلك إلى مكان بعيد إلا إذا كنا واثقين من سلامتك . . فلنا سمعتنا التى نحافظ عليها . . وعليك كذلك أن تكونى مستعدة لتقديم كتب إعتماد تؤكد أنك مناسبة . - آه . . أعرف هذا . . لكن . . قلت إلى مكان بعيد ؟ - آه . . أجل ! نسيت أن أذكر أنها عائلة إسبانية . . أنا آسفة ! ستقيمين معهم فى منزلهم فى "ليما ، البيرو" . |
صمتت المرأة قليلا ، واضح أنها تنتظر بعض دلائل الانسحاب . . لكن غريتا لم تبد شيئا ما عدا لمعان مفاجئ فى عينيها اللوزيتين ، فتابعت المرأة : - كذلك يجب أن تكونى واثقة جدا من استعدادك لتحمل الإقامة هناك . . فقد تتعرضين إلى أمراض حقيقية ... ولمدة سنة على الأقل ، وأن تكونى مستعدة للسفر مع من ستكونين وصية عليهم إذا لزم الأمر ، وإلا ستخسرين أجرة سفرك ، وهو مبلغ ضخم . لذا إذا كان لديك أدنى شك أخبرينى قبل أن نستمر أكثر . التقت عينا غريتا بعينى المرأة : - ليس لدى مشكلة ... هل سأحصل على معلومات إضافية حين أقابل رب العمل المقترح ؟ أحنت المرأة رأسها : - لم يكن هناك داع لإرسالك إليه قبل أن ننهى الخطوات الأولية ... أما الآن . . مدت يدها إلى الهاتف تستشير دفترا أمامها . فأدارت غريتا رأسها بلباقة تتظاهر باهتمام بلوحة زهور بينما المرأة تتحدث فى الهاتف ، ثم قالت بعد أن أغلقت السماعة : - والآن . . عليك أن تذهبى يا آنسة تيرانت قبل الرابعة والنصف ، خذى معك هذه البطاقة . . صمتت لتكتب شيئا على بطاقة المكتب ثم : - سنيورا جورادو ستتكلم معك وتقدم توصيتها بناء على اللقاء . - ألن أقابل الشخص الذى سأعمل لديه ؟ ابتسمت المرأة : - يا إلهى . . لا . . ليما تبعد أكثر من ستة آلاف ميل عبر المحيط . . والسنيورا جورادو تمثل العائلة . والآن لا تكونى متوترة ! ستجدينها فاتنة جدا ومتفهمة . وقفت : - من الأفضل أن تسرعى . . حظا سعيدا ! عندما خرجت غريتا من المبنى لوحت لسيارة أجرة كانت قد توقفت لتنزل الراكب ثم ركضت نحوها . وجدت أن الإثارة تسرع دقات قلبها وتجعل معدتها ترفرف وهى تدفع أجرة التاكسى وتقف لحظة خارج الفندق . شكرا للسماء لأنها اعتنت |
بمظهرها . . . أخذت نفسا عميقا ، وتقدمت إلى بهو فندق ( لندن لوكسور) الدافئ الهادئ . وفى الردهة النصف دائرية لمكتب الاستعلامات لم يتحرك شئ فى قناع الموظف الذى رد عليها : - سنيورا جورادو ؟ الطابق الأول ... ثم الغرفة تسعة عشر إلى اليسار يا سيدتى. بدا لها أن هناك نصف ميل من السجاد الأزرق عليها أن تسير فوقه . . وقررت صعود السلم . . الغرفة تسعة عشر ، مثل عمرها . . سارت ببطء إلى أن وقفت خارج الباب الأبيض المذهب . لم يكن هناك رد فورى على قرعها الباب ... ثم انفتح لتظهر فتاة سوداء الشعر بمعطف أحمر وهى تبتسم : - واحدة أخرى ؟ تعالى وانضمى إلينا . لم تتوقع غريتا أن ترى مرشحات أخريات ... نظرية سخيفة . . فلماذا تكون هى المتقدمة الوحيدة لها ؟ كان هناك أربعة منهم : إحداهن مسنة شاحبة الوجه مشدودة الفم مما يوحى بتوترها الداخلى . .. وفتاة مكتنزة مرحة تبدو فى سن غريتا ، ومراهقة ، والفتاة ذات المعطف الأحمر التى فتحت لها الباب . الفتاة المراهقة بدت فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة ... التقطت نظرة غريتا وكشرت ، ثم مدت يدها إلى الوراء شعرها الكثيف . انفتح الباب الداخلى ، وسأل صوت غريب جهورى : - أنسة توربز . . ؟ قفزت المراهقة بخفة ومرح . بعد ثلاث أو أربع دقائق عادت إلى الظهور لكن ليس بذات الخفة أو المرح ... تعطى إشارة الإبهام إلى الأسفل وهى تفتح الباب الخارجى . لكن المرأة المسنة بقيت وقتا أطول ، وأمضت الفتاة المكتنزة حوالى عشر دقائق ، ثم استدعت الفتاة ذات المعطف الأحمر وبقيت غريتا وحدها . اغتنمت الفرصة لتتأكد من أن مظهرها لا زال ممتازا ، لم تكن غريتا مزهوة بنفسها يوما ما ، بل العكس فهى لم تعرف أبدا مدى جمال الصورة التى ترسمها فى عيون بقية الناس . . لكن إحساسا طبيعيا كان يجعلها تكره اللامبالاة والمظهر الفوضوى . |
كانت تعيد مرآتها إلى حقيبتها حين خرجت الفتاة ذات الشعر الأسود وهمست : - لا تتصلى بنا . . سنتصل بك ... على أى حال أعتقد أننى فقدت تلك الرحلة . مرة أخرى أصبحت غريتا وحدها . . مرت دقيقة . . ثم أخرى . . وثالثة . . ولم يكن هناك صوت فى الغرفة الداخلية ... وقفت مقطبة .لا يمكن أن ينسوها . . سمعت صوت قرقعة عربة شاى تمر بالباب الخارجى وأصوات مكتومة خارجا . . ثم صمت مجددا ... فجأة تحركت إلى الأمام ودقت الباب الداخلى . منتديات ليلاس لا أحد يرد . . عضت شفتها ، ثم دقت مرة أخرى وفتحت الباب قليلا . . ونظرت إلى الداخل وعلى شفتيها كلمة إعتذار . . وفى عينيها حيرة ... كانت غرفة الجلوس الواسعة فى الجناح خالية . انسحبت مقطبة لتغلق الباب بهدوء ،وعادت إلى كرسيها قرب الباب الخارجى . . تتساءل ماذا تفعل ؟ هل يستحق ذلك هذا الانتظار ؟ انتابها الإحساس بخيبة الأمل ، ونظرت إلى الباب المغلق ... ربما استدعيت السنيورا جورادو خارجا لبضع دقائق . . ستنتظر خمس دقائق أخرى ، ثم ستقرع الباب ثانية ... ربما تكون السنيورا جورادو قد عادت وإلا سوف تنسحب على أى حال . انحنت غريتا تسترد قفازها الذى سقط من يدها إلى الأرض . . ووقع القفاز مجددا ، وعندما استقامت غريتا دائخة ، رأت النجوم تلمع أمامها . . ثم واجهت مباشرة نظرة سوداء مجفلة بقدر إجفالها وأكثر . -سانتو . . أرجو عفوك ! عاد الباب الذى أصاب لتوه رأس غريتا إلى مكانه ، ووقف رجل طويل فى بدلة رمادية يعلوها : - هل أصبت بأذى ؟ لم يكن لدى فكرة . . |
هزت رأسها : - لا بأس . . لقد أخطات بالجلوس قرب الباب . ارتجف حاجباه : - آه . . لا . . أبدا . . هل أنت واثقة أنك بخير ؟ - واثقة تماما . وهذه حقيقة . .. فضربة على الرأس تخسر المنافسة أمام شخصية قوية رجولية كهذه ! بصعوبة ، وباهتمام مؤدب تخلصت غريتا من سحره . . وقالت : -متأكدة جدا يا سنيور . لمع حذر ما فى قسمات الوجه الأسمر ، ثم أحنى رأسه بأدب واستدار إلى الباب الداخلى . . فاسترخت غريتا . . ثم توقف الغريب والتفت : -كنت ترغبين فى رؤيتى يا سنيوريتا ؟ ابتسمت : -لا يا سنيور . . لكن ، أرجوك ... لدى موعد مع سنيورا جورادو . . وأتساءل ما إذا كنت . . وتغيرت تعبيرات وجهها للحيرة التى ارتسمت على وجهه . - لكننى ظننت أن كلهن قد ... منذ متى وأنت فى الانتظار ؟ - ثلاثة أرباع الساعة تقريبا . - وتيريستا ليست هنا . . ؟ أفلتت منه كلمة لم تفشل فى ترجمتها ، وأخفت ابتسامة ، يبدو أن تيريستا هنا سيد جبار هذا إذا كانت زوجته ... لكنه كان يحرك يدا قوية جميلة الشكل ، فمرت من الباب إلى حيث أشار . لم تعد الغرفة الداخلية تبدو متسعة بعد أن احتلها الجسد الطويل بالبذلة الرمادية . وأشار إلى مقعد ثم دخل غرفة أخرى ... ثم عاد بعد لحظات وعلى وجهه الأرستقراطى الوسيم شئ من الانزعاج . قال : - أنا آسف . . فالسنيورا جورادو ليست هنا ... أرجوك اقبلى اعتذارى للإزعاج الذى تعرضت له . وقفت غريتا . . لم تستطع إظهار مدى انزعاجها على ضياع وقتها لكنها لم تخف رنة خيبة الأمل وهى ترد بسرعة : - أرجوك لا تقلق . . هذه ليست غلطتك ... وشكرا على . . على السؤال لأجلى . . كان يمكن أن أنتظر دون جدوى لو لم تظهر . ومدت له يدها لكنها تركتها تهبط مجددا ، فلم ينتبه لحركتها . قال : - لحظة واحدة . . هل أنا على حق لو قلت إنك هنا بشأن مقابلة ؟ ... كل شئ مكتوب هنا . . |
الساعة الآن 11:04 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية