منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t121757.html)

زونار 25-10-09 05:01 PM

305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
الملخص

لقد عاد ليستعيد كبرياءه...وعروسه!
أن تهرب منه فرجينيا ليلة الزفاف,أمر لا يمكن أن يتركه رايان من دون عقاب.هذا هو السبب الذي جعل رايان يعود بعد سنتين...
كان يريد أن يعلم لماذا هربت منه فرجينيا بعد الحب العنيف الذي كان بينهما.وأكثر من هذا,كان يريد أن ينفذ انتقامه كما يحلو له...
ولن يستطيع أحد أن يقف في وجهه!


منتديات ليلاس

زونار 25-10-09 05:03 PM

1- مفاجأة غير سارة
تسللت شمس حزيران من النافذة تبعث الدفء بعد انقضاء فصل الربيع البالغ البرودة.
نظرت فرجينيا من نافذتها في الطابق الثاني,فرأت كرة حمراء تلقى بين الأشجار.ابتسمت ثم عادت إلى عملها في الفهرسة.
وماهي إلا لحظة,حتى رن هاتفها,فمدت يدها النحيلة الطويلة الأصابع لترفع السماعة:"آلو؟"
جاءها صوت هيلين يقول بلهجة رسمية:"ثمة سيد يا آنسة أشلي يسأل عما إذا كان لدينا لوحات لبراد أو مايا آدامز.أخبرته أن ليس لدينا أيا منها في الفهرست,لكنه يريد ان يعلم إن كان بإمكاننا ان نحصل على واحدة"
أثناء السنوات الأخيرة,كثر الطلب على لوحات آدامز,ونشأت فرجينيا على فكرة أن والديها مشهوران...على الأقل في عالم الفن.فقالت : "أنا قادمة".
منتديات ليلاس
اطمأنت إلى ان شعرها البني الحريري مرتب وانيق,ورفعت عن عينيها النظارات السميكة التي تغير مظهرها وتجعلها تبدو اكبر من سنوات عمرها الأربع والعشرين,ثم غادرت مكتبها بخطوات واسعة,فبدت عملية بطقمها الحريري الأسود.
كان المعرض بيضاوي الشكل,ذا شرفة داخلية وتنير كوة عالية في السقف,مغطاة بستارة معدنية لتحمي المكان من أشعة الشمس الساطعة.
نظرت فرجينيا من الأعلى فرأت أشخاص عدة يتمشون.وفي الناحية البعيدة,رأت رجلا طويلا حسن البنية أسود الشعر يقف قرب مكتب الإستقال.
كان الرجل يقف باسترخاء,لايبدو عليه أي أثر لفروغ الصبر,رغم ان الانتظار كان واضحا عليه.
عندما وصلت فرجينيا إلى السلم الذي وضعت عند أسفله لوحة مربوطة بحبل كتب عليها(خاص)التفت لينظر في اتجاهها... رايان!
لم تخطئ في تمييز ذلك الوجه القوي الملامح,وتنك الكتفين المستقيمتين,وذلك الرأس المرفوع الأسود الشعر وتلك القامة القوية رغم رشاقتها.
ورغم انه كان من البعد بحيث لم تميز لون عينيه,إلا أنها تعلم جيدا أن لونهما يتماوج بين الاخضر والازرق.
انحبست أنفاسها وجمدت في مكانها,وهي تتمسك بحافت السلم بيدين متشنجتين.
حتى بعد ان غادرت نيويورك وعادت إلى لندن,مازالت خائفة من أن تراه.وتشعر بتوتر في اعصابها كلما رأت رجلا طويلا.لكنها ومنذ ستة أشهر فقط,أخدت تشعر بأمان نسبي,واثقة من أنها تركت الماضي خلفها.
والآن يبدو أن ثقتها تلك لم تعد في محلها.
راح قلبها يخفق,وتملكها التوتر.فاستدارت وهربت عائدة إلى مكتبها الآمن.
جلست خلف مكتبها وهي تشعر بالغثيان,وتوسلت الله ألا يكون قد رآها وعرفها.فهو إذا ما عرفها,ليس بالرجل الذي يعود بهدوء من حيث جاء.وتذكرت ما قاله مرة:"لن ادعك ترحلين أبدا"
وارتجفت.بالرغم من كل ماكان بينهما,فقد تركته لأنها لم تعد قادرة على احتمال ألم خيانته,ولأنها خافت من مواجهت الدمار الذي قد يسببه ذلك للأسرة.هربت من دون ان تقول كلمة.
لذلك لن يصفح عنها بسهولة.
لكن إذا لم يعرفها,فربما بالإمكان إنقاد الوضع...
تناولت سماعة الهاتف راجية أن يكون تشارلز قد عاد من موعده المقرر بعد الظهر.
لم تحصل على أي جواب من مكتب الطابق الأرضي.اتصلت فرجينيا بغرفة العروض الخاصة لكن من دون فائدة وفي قمة يأسها اتصلت بغرفت العروض الثمينة,فإذا به يجيب مذهولا:"نعم...ماذا هناك؟"
كادت تبكي لشدة الارتياح:"آسفة لإزعاجك.ولكن هل يمكنك ان ترى زبونا ينتظر في مكتب الاستقبال؟"
-ماذا يريد الزبون؟
-سأل ما إذا كان بإمكاننا الحصول على أي من رسوم آدمز من أجله.
فقال بدهشة:"يمكنك بالتأكيد أن تتولي الأمر".
-إنه شخص كنت...عرفته من قبل ولا أريد ان أراه...مرة أخرى.
ورغم أن فرجينيا حاولت جهدها أن تقلل من أهمية رؤيتها لهذا الرجل,إلا أن تشارلز لاحظ اللهفة في لهجتها,فقال:"لابأس.دعي الأمر لي".
أحال الخوف لون عينيها الذي هو في الأصل مزيج من الأخضر والرمادي,أسود تقريبا.راحت تتساءل عما جعل رايان يأتي إلى هذا المعرض الفني من بين معارض المدينة كلها.
منذ عودتها إلى لندن منذ سنتين ونصف,وهي تستعمل إسمها الأوسط كشهرة لها,وتعيش مختبئة.لا أحد يعرف مكانها حتى والديها.وهي تقيم في فندق رخيص,مكتفية بالقليل من المال.لكن بما ان عيد الميلاد يقترب وهي بحاجة ماسة للعمل,أرسلها مكتب العمل إلى مكتب رينور حيث أجرى معها المقابلة تشارلز بنفسه.
حدثته عن دراستها الفنية في كلية الفنون,موضحة له أنها وصلت لتوها من الولايات المتحدة.وبعد أن تأملها بتفكير عميق وهي تتحدث,عرض عليها أن تعمل كمساعدة له.
بعد أن عملت عنده حوالي سنة,أخد المعرض يتعامل مع أسرة آدمز.وعندما أقترح تشارلز عليها أن تكون حلقة الوصل بينهما, اضطرت إلى أن تخبره بجزء من الحقيقة.فقال محتجا:"فرجينيا,عزيزتي,بما أنك ابنتهما,من المؤكد..."
-لا أريدهما أن يعلما بمكاني.
إنهما من معارف رايان,وهذا يجعل أي اتصال بهما خطرا للغاية.قطب تشارلز:"ولكن ألا يقلقان عليك؟"
-لا,وأنا واثقة من ذلك.لم نكن قط أسرة عادية.
وإذ رأته غير مقتنع,شرحت له:"كانت أمي قد تخرجت حديثا من كلية الفنون عندما تعرفت إلى أبي القادم من الولايات المتحدة.كانا يرسمان منذ طفولتهما,وعاشا من اجل الفن.وبعد زواجهما عاشا في غرينويتش فيلاج قبل ان يعودا ليستقرا في انكلترا.عندما ولدت أنا كانا في الثلاثينيات من عمرهما.كنت,بالنسبة إليهما,غلطة.فأي منهما لم يكن يريدني.ولو أن أمي لم تنشأ على عقيدة أن الحياة ثمينة لما أنجبتني".
-آه,حتما هذا غير صحيح!
-كانا من الإنشغال بعملهما بحيث شكل طفل غير مرغوب فيه,تعقيدا لحياتهما...
ورغم أنها كانت تتحدث بفتور وهدوء,إلا أنه شعر بألم كامن في نفسها فرق قلبها عليها.
-كانا غنيين فوجدا الحل في سلسلة من المربيات,ثم في مدارس داخلية للبنات.وكنت على وشك مغادرة المدرسة ودخول كلية الفنون,عندما عادا إلى أميركا ليعيشا هناك.
-وتركاك خلفهما؟
-كنت قد قاربت الثامنة عشرة حينذاك.
-ولكن,لاشك أنهما استمرا في مساعدتك,أعني ماديا؟
-لا.لم أقبل بذالك,بل فضلت أن أعمل في المساء وفي العطل الاسبوعية لأبقى مستقلة.لذا فعدم معرفتهما بمكاني حاليا لن يقلقهما.في الواقع أشك في أن يكونا قد فكرا بي لحظة واحدة.
-حسنا,إذا كنت واثقة؟
-أنا واثقة تماما.
-إذن سأتعامل معهما شخصيا.
فسألته بلهفة:"ولن تخبرهما شيئا؟"
-لا.سرك دفين عندي.
شعرت بدفق من العطف نحوه.فهو رجل بالغ الرقة واللطف,وتنفست الصعداء لثقتها بأنه سيحفظ وعده.
حتى الآن...
وتحرك قفل الباب.رفعت بصرها بحدة وكاد قلبها يقفز من صدرها.
كان تشارلز,أنيقا متحفظا,في بذلة العمل الرقيقة,وقد تدلت خصلة من شعره الأشقر الأجعد على جبهته فمنحته مظهرا صبيانيا,لا يفضح عمره الحقيقي الذي قارب الثالثة والأربعين.
عندما رأى وجهها يشحب,قال يطمئنها:"لا حاجة بك للقلق,فقد ذهب"
ربما,في عقلها الباطني,كانت تتوقع أن يندفع رايان إلى المكتب.واكتسحتها موجة من الارتياح إلى ان خطرت لها فكرة جعلتها تسأله بقلق:"ألم يسأل عني؟"
رفع حاجبيه الأشقرين يسألها وهو يجلس على كرسي أمامها:"ولماذا يسأل؟"
فعضت شفتها السفلى:"كنت أهبط السلم عندما عرفته.ظننته,رآني وعرفني"
فقال تشارلز بهدوء:"لم يذكر ذلك.وبما أنه من النوع الذي لا يتردد في السؤال عن أي شيء يريده,أظن أن بإمكاننا أن نفترض أنه لم يعرفك".
وعندما رأى الارتياح البالغ على وجهها,تساءل عما حصل بينها وبين ذلك الرجل القوي الشخصية الذي كان يتحدث إليه منذ برهة.
بدا واضحا من رد فعلها,أن شعورها نحو ذلك الرجل أعمق بكثير من قولها ببساطة إنه شخص عرفته يوما.ولعله جزء من السبب الذي جعلها ترفض عرضه للزواج بها.
سألته آملة أن تطمئن أكثر إلى أن زيارة رايان مجرد صدفة:"ماذا قال بالضبط؟وكيف تصرف؟"
-كان سلوكه عاديا هادفا.أخبرني أن اسمه رايان فالكونر,وأنه يريد لوحات قديمة لآدمز.أخبرته انني سأبحث له عنها,ثم أخبره بالنتيجة في أسرع وقت ممكن...
-هل هو مقيم في إنكلترا؟
-لعدة أيام كما يبدو.أعطاني عنوانه في مانهاتان ورقم هاتف فندق في حي مايفير.
مايفير!زكبحت رجفة تملكتها.إنه قريب منهم للغاية...ما جعل شعورها بالارتياح يتبخر.
-رغم إنه رجل أعمال ,إلا أنه يهتم بالفن ويملك معرض فنون في نيويورك...لكن ربما تعرفين ذلك.
-نعم.
وعندما لم تزد في الكلام تابع يقول:"على أي حال,أظن أن اللوحات التي يرجو أن يشتريها هي لمجموعته الخاصة.ذكر لوحة من رسم مايا آدامز يريدها بشكل خاص,إسمها(صبية الأربعاء)"
وجمدت فرجينيا في مكانها.
-يعتقد فالكونر أنها رسمت منذ سبع أو ثماني سنوات,وهي إحدى لوحاته المفضلة...لكني لم أسمع بها قط...أوضح لي أن المال لايهم,لهذا وعدته أن أبذل جهدي.طبعا حتى لو استطعت الحصول عليها,قد يرفض مالكها الحالي أن يبيعها.
شيء ما في مظهر فرجينيا الجامد,جعله يسألها:"هل تتذكرين هذه اللوحة؟"
تنفست بعمق,واعترفت قائلة:"في الحقيقة,نعم.إنها صورتي أنا,ولم أكن فد بلغت السابعة عشرة بعد"
لمعت عيناه الزرقاوان اهتماما,وهتف:"لم أكن اعلم أن أمك اتخذتك نموذجا!
-حصل ذلك مرة واحدة فقط.دعيت لقضاء العطلة الصيفية مع زميلة لي في المدرسة.كانت جين من أسرة كبيرة سعيدة,وكنت متلهفة لقضاء العطلة معها,لكنها ألغيت في آخر لحظة,فعدت إلى بيتنا.قالت أمي إن من الأفضل أن تستغل وجودي.حاولت جاهدة أن أفعل ما طلبته مني,ولكن لسبب ما,لم تعجبها اللوحة عندما انتهت,فلم تطلب مني بعد ذلك قط أن أجلس لترسمني.
-ماذا كان رأيك أنت في اللوحة؟
فأجابت بفتور:"لم أرها.وعندما عدت إلى البيت في العطلة التالية كانت قد بيعت".
والآن يريد رايان أن يشتريها.
هذه الحقيقة بعثت فيها الاضطراب بقدر رؤيته مرة أخرى...لكن لعل اختياره لوحة(صبية الأربعاء)مجرد صدفة.ربما لايعلم أنها صاحبة الصورة.
لكن حدثتها غريزتها أن لادخل للصدفة في ذلك وأنه يعلم الحقيقة تماما.
وارتجفت,وكان تشارلز يراقب وجهها,فسألها بهدوء:"إذا وجدت تلك اللوحة واشتريتها,فماذا سيكون شعورك حيال امتلاك فالكونر لها؟"
فقالت بحذر وهي تقلل من شأن الأمر:"أضل ألا يمتتلكها"
-سأخبره إذن انني لم أعثر عليها.
تذكرت الخسارة المالية التي عانى منها تشارلز في السنة الماضية,فابتلعت ريقها بصعوبة وأرغمت نفسها على القول:"لا.إذا استطعت أن تعثر عليها,ودفع هو مبلغا حسنا,فلا تدع تحاملي عليه يقف في طريق العمل"
-حسنا,سنرى.قد تتحسن الأمور.
قبل أن تسأله تفسير قوله الغامض نوعا ما,نظر إلى ساعته:"إنها الرابعة تقربا.من الأفضل أن أتابع العمل"
نهض واقفا,واقرح باهتمام بالغ اعتادت عليه:"تبدين شاحبة قليلا.لم لاتذهبين إلى بيتك؟"
كانت تشعر بقلق بالغ وبعدم رغية في العمل فقالت شاكرة:"لدي صداع بسيط,ولهذا أظنني سأذهب إذا كنت حقا لاتمانع"
هز رأسه باسما:"بما أن اليوم هو الاثنين,أنا واثق من قدرتنا,أنا وهلين,على مواجهة أي طارئ"
ثم توقف عند الباب,ليقول:"آه,بالمناسبة,لن أعود إلى البيت في الوقت المعتاد,فقد قبلت دعوة على العشاء مع الزبون الذي قابلته اليوم"
غاص قلبها.فبعد ماحدث,كانت بحاجة إلى وجوده المتفهم.
-وحيث أنه دوري في الطهو...
كانت فرجينيا قد انتقلت إلى الغرفة الإضافية لديه,واتفقا على أن يتناوبا على الطبخ للعشاء.وتابع مقترحا:"يمكنك أن تحضري طعاما جاهزا على نفقتي..."
فسألته:"هل ستمر على المطعم الصيني لتحاسبه؟"
فرد ضاحكا:"ربما,إذا وعدتني بأن تبقي لي بعض القريدس المقلي"
-سأفعل هذا!
كم هو بالغ اللطف والاهتمام بالغير,كما خطر لفرجينيا بعد خروجه.سيكون زوجا رائعا,كما أنه رفيق ممتاز,سهل المعشر حسن المزاج,بالإضافة إلى تلك الميزة النادرة وهي قدرته على أن يتفهم وجهة نظر الآخرين.
وهو رجل وسيم ذو جاذبية هادئة لايمكن تجاهلها.وفرجينيا واثقة تقريبا من أن هلين غارقة في حبه منذ سنة.من المؤسف أنها لم تستطع أن تحبه كما يحبها.
منذ أسابيع,فاتحها بموضوع الزواج بخجل وحذر خوفا من أن يفزعها.حتى ذلك الحين,كانت تظنه أعزب ثابتا على مبدئه,ولم يخطر لها قط أن يعرض عليها الزواج.
-لم أكن أدرك كم تنقصني الصحبة حتى جئت أنت...حتى عشت هنا...حسنا,أحدث ذلك تغيرا كبيرا في حياتي...ويبدو أنك سعيدة بهذا الترتيب بيننا...
فابتسمت بحرارة:"نعم.هذا صحيح"
شجعته ابتسامتها,وبدا الجد في عينيه,ثم تطرق إلى الموضوع:"فرجينيا,أود أن أطلب منك شيئا,ولكن,إذا كان جوابك(لا),فعديني ألا يغير ذلك شيئا من صداقتنا"
-أعدك
-لابد أنك تعلمين أنني أحبك...
فسألته برقة:"ألا تظن أن لشعورك هذا صلة بتقاسمي الشقة نفسها معك؟"
فهز رأسه:"لقد أحببتك منذ أن وقع نظري عليك"
ثم أضاف:"يسعدني جدا أن توافقي على الزواج مني"
تملكها الإغراء لحظة.ورغم أنها تحب مهنتها وتعبت جدا في تعليمها,إلا أنها كانت دوما تضعها في المرتبة الثانية بعد تأسيس أسرة.
لكن الأمر لن يكون منصفا بحق تشارلز.إنه يستحق زوجة تحبه,وليس إمرأة مثلها لاتشعر نحوه سوى بالعطف.
وهكذا تنفست بعمق:"آسفة...آسفة أكثر مما يمكنني أن أقول...لكنني لا أستطيع"
-هل هو فارق السن؟"
فقالت صادقة:"لا"
لو كانت تحبه حقا لما وجدت للعمر أهمية.
دفع خصلة الشعر الشقراء التي كانت تتدلى على جبهته وقال:"كنت أرجو أن تفكري على الأقل.لكن لعلي لا أعجبك بما يكفي"
-بل أنا معجبة بك وأحترمك أيضا,وفي الواقع أنا مولعة بك جدا,ولكن...
-من المؤكد أن هذا يكفي لإنجاح الزواج.
قال هذا بلهفة,لكنها هزت رأسها:"إنه ولع أخوي,وهذا لا يكفي"
-أنا مستعد للجربة.كثير من الزيجات مبني على أقل من هذا.
-لا.لن يكون هناك إنصافا لك...
وعندما رأى عدم الإرتياح على وجهها,قال بحزم:"لاتقلقي.أعدك بألا أتطرق إلى هذا الموضوع مرة أخرى.ولكن لاتنسي أنني أحبك وأنني مستعد للقيام بأي شئ لأجلك...وإذا غيرت رأيك ذات يوم,فما يزال عرض الزواج قائما"
لقد حاولت,بعد ما واجهته من أخطار,أن تنسى حب رايان لكنها فشلت.إلا أنها لن تفكر فيه بعد الآن...
وخيل إليها أن رايان بوجهه الأسمر وعينيه الزرقاوين يبتسم لها ساخرا من تفكيرها هذا.
الفكرة الوحيدة التي خطرت لها في أول لقاء لهما هي أنها لم تر من قبل عينين بمثل هذا اللون الخلاب.تبا,ها هي ذي تفكر فيه.
صرفت بأسنانها وهي تفلق النافذة,ثم حملت حقيبة يدها,واتهت إلى السلم الخلفي.وبدل من أن تتجه إلى الطريق الرئيسي لتستقل سيارة أجرة,كما تفعل عادة عندما لايوصلها تشارلز إلى البيت بسيارته,وقفت مترددة.
بدت الحديقة العامة بديعة للغاية وأشعت الشمس تداعب الأزهار.فكرت في أن تسير إلى بيتها عبر الحديقة,عل هذا يعيد الصفاء إلى ذهنها ويبدد التوتر الذي يتملكها.
وفجأة,فرغ صبرها من نظارتها فدستها في حقيبتها,ثم دخلت الحديقة.
كانت تسير بنشاط وكأنها تحاول أن تسابق أفكارها.لكن رغم محاولاتها,كانت أفكارها تعود دوما إلى رايان,وسبب مجيئه إلى المعرض,ورغبته في أن يشتري لوحة(صبية الأربعاء)
أتراه يريد صورة لها...ليخزها بالدبابيس,فينتقم منها؟
التفكير في القدر من الغضب المكبوت والكراهية لها أخافها حتى الموت.أخدت ساقاها ترتجفان فألقت بتفسها على أول مقعد خشبي رأته,وأخدت تحدق بعينين لا تبصران.
كانت ترجو أن يخفف الزمن من العداوة التي يكنها لها.ولكن لم يفف الزمن من شعوره ذاك,بينما لم يفف من شعورها هي نحوه؟
الحيرة,الإستياء,الشعور بالغدر,جرح الكرامة...
ومن دون إنذار مسبق,سمعت من خلفها صوتا أجش يقول في أ ذنها:"خمني من أنا؟"
شعرت وكأن قبلها توقف عن الخفقان,وكاد الإغماء يصيبها ليحملها إلى الهاوية...
ما إن بدأ الضباب ينقشع,حتى وجدت نفسها آمنة والشمس الدافئة تدغدغ وجهها.فتمالكت نفسها.
كانت خفقات قلبها كضربات المطرقة,وأنفاسها سريعة ضحلة.حدقت إلى ملامح رايان الصلبة الخشنة...الى وجه تعرفه كما تعرف وجهها.وجه لطالما نظرت إليه وهما مخطوبان,لم تتمكن من نسيانه على الإطلاق.
كان شعره الكث الأسود مقصوصا,فمه لايزال جميلا كما تتذكره,وكذلك عيناه بأهدابهما الطويلة ولونهما الأزرق الداكن.
إنهما عينان كفيلتان بأن تجعلا أي رجل عادي,يبدو ساحرا وجذابا.إلا أن رايان أبعد ما يكون عن الرجل العادي حتى من دون هاتين العينين الرائعتين.فسيبدو شخصا مميزا ولو كان بين جمع غفير من الناس.
وبحركة متملكة,أزاح عن وجنتيها الشاحبتين خصلة شاردة من شعرها البني الأجعد.
أجفلت ظنا منها أنه سيصفعها.وبدا الألم على وجهه وهو يقول معاتبا:"ياعزيزتي فرجينيا,لا تتصرفي وكأنك تخافين مني"
فقالت بصوت أجش:"إذن,فقد رأيتني في المعرض؟"
-لمحة واحدة فقط قبل أن تهربي.يبدو أن الهرب حصنك المنيع.
عضت شفتها ثم سألته:"لماذا لم تقل شيئا لتشارلز؟"
فأجاب سآخرا:"فكرت في أن أجعلها مفاجأة لك"
وقد نجح في ذلك.ورغم الجو الدافئ,ارتجفت:"كيف علمت أنني سأكون في هذه الحديقة؟"
-انتظرت حتى رأيتك تخرجين من المعرض,فتبعتك.
-لماذا تبعتني؟
لمعت أسنانه بابتسامة الذئب:"خطر لي أن الوقت حان لكي نتفاهم"
-ما من شيء يقال بيننا.
وقفزت واقفة,ثم خطت بشكل غير ثابت.
-لا تستعجلي بالذهاب.
وقطع عليها الطريق فقالت وهي تترنح:"دعني أذهب.لا أريد أن أتحدث إليك"
جعلها تجلس على المقعد بهدوء محاذرا أن يؤذيها.وبعد أن جلس,ابتسم قليلا:"إذا كنت لاتريدين أن تتحدثي معي فيمكنني أن أفكر في شيء أكثر تشويقا"
فصرخت مذعورة:"لا!"
وإذ لم يعد أمامها خيار آخر,أذعنت قائلة:"ما الذي تريد أن تحدثني عنه؟"
-أريد أن أعرف سبب هربك,ولماذا تركتني من دون أي كلمة...
كان صوته عادة,دافئا جذابا...ولطالما سحرها.لكنه بدا الآن باردا كالثلج,مما أرسل قشعريرة في جسدها.وتابع يقول:"لماذا لم تخبريني على الأقل,عما أغضبك؟"
نظرت نحوه لتواجهه بغضب بالغ وعينين ملتهبتين:"كيف تتضاهر بالبراءة؟وبالجهل؟فتسألني عما أغضبني؟"
تنهد:"يمكنك أن توفري ثورة الأعصاب هذه وتخبريني"
ولعدم رغبتها في الكشف عن مدى ألمها ووحشتها,ابتلعت اتهامها الغاضب,وقالت بألم:"لقد انتهى ذلك منذ عامين.ولا أرى ذلك مهما الآن"
لكنه مهم طبعا,وسيكون كذلك دوما.
وتابعت تقول:"أصبحنا شخصين مختلفين الآن.والفتاة التي كنتها ذات يوم لم تعد هي نفسها"
-لقد تغيرت بكل تأكيد.
اعترف بذلك وهو يتأمل وجهها البيضاوي وملامحها الرقيقة,وعينيها الخضراوين الرماديتين بأهدابهما الطويلة,وأنفها القصير المستقيم وفمها الجميل العاطفي.وتابع يقول:"حينذاك,كنت صغيرة برئة متوهجة الجمال,متألقة"
إذا كان هذا صحيحا,فلا بد أن الحب هو الذي كان يجعلها تبدو كذلك.فالسعادة منبع للجمال.
-والآن أصبحت...
وتلاشى صوته وسكت فجأة..لكنها تعلم جيدا ما الذي أوشك أن يقوله.في كل صباح كانت مرآتها تعكس لها صورة امرأة صدمتها الحياة.امرأة تلاشى تألقها,وأصبحت ضعيفة,حزينة العينين رغم جهودها لكي تبتسم.
وغصت بريقها وهي تقول:"أدهشني أن تعرفني من تلك اللمحة البسيطة"
-كدت لا أعرفك.وشعرك البسيط الصارم والنظارات على عينيك غيرت مظهرك إلى حد كبير.واسم(الآنسة آشلي)جعلني أتساءل.ولو أنني لم أكن أتوقع رؤيتك...
فقاطعته بحدة:"إذن كنت تعلم أنني هنا؟"
-نعم.أعلم.علمت ذلك منذ فترة.هل ظننت حقا أنني لا أستطيع العثور عليك؟
لم تجب وإنما سألته:"ما الذي جعلك تأتي إلى المعرض؟"
-قررت أن أرى الأمور شخصيا.
-أخبرت تشارلز أنك تريد لوحة(صبية الأربعاء).
-هذا صحيح.
-لماذا؟
-يمكنك أن تخمني السبب بكل تأكيد.هل هو قادر على أن يجدها لي؟
-ليس لدي فكرة.
-لكنه لن يجدها إذا استطعت أن تمنعيه؟
لم تجب,فأضاف مبتسما:"لا أظن أنني سأكون بحاجة إلى لوحة(صبية الاربعاء)عندما يصبح لدي الأصل"
خافت أن تسأله عما يعنيه,فبقيت صامتة,وهي تبعد نظرها عنه.وتابع يقول:"فهمت من تصرفات تشارلز أنك لم تخبريه عن..خطبتنا...؟"
-هذا أمر لا أحب التحدث عنه.
عبس للهجتها:"ماذا ستخبرينه الآن,بغد أن رآني في مكان عملك؟"
-قلت له لتوي إنك رجل عرفته ذات يوم ولا أريد أن أراه مرة أخرى.
-ياله من تبخيس وعدم مبالاة.
-وهذه هي الحقيقة.
رأت وجهه يتوتر غضبا قبل أن تعود ملامحه إلى الجمود:"عليك أن تقولي له انني كنت أكثر من مجرد شخص عرفته ذات يوم"
تململت متلهفة للرحيل,لكنها كانت تعلم أنها لن تتمكن من ذلك إلا بإذنه.فقالت بتوتر:"كل هذا من الماضي وقد أنتهى كل شيء"
-هذا غير صحيح.
-بالنسبة إلي,كل شيء انتهى.
فهز رأسه:"أنت مخطئة في ذلك.أريد أن تعودي إلي"
-ماذا؟
وكرر بهدوء:"أريدك أن تعودي إلي"
فصرخت وقد جعلها الاضطراب تتلعثم:"لن أ...أعود إليك أبدا"
فقال بمرح:"كلمة (أبدا) هي مدة طويلة"
-أنا أعني ذلك يارايان.لاشيء تقوله أو تفعله سيجعلني أغير رأيي.
-لا تراهني على ذلك.
وجعلت ابتسامته الصغيرة الملتوية الدم يجمد في عروقها.ووجدت نفسها تتوسل إليه:"أرجوك يا رايان...لقد بدأت حياة جديدة,ولا أريد سوى أن تتركني أستمتع بها"
-أخبرتني ذات مرة أنك تكرهين العيش وحدك.
-أنا لا أعيش وحدي.
كانت كلمات متمردة تقصد بها التأثير عليه.
-دعيني أفهم الأمر.هل نتحدث عن مجرد المشاركة في المسكن؟
فأجابت بوقاحة:"لا.ليس مجرد مشاركة"
إذا اعتقد أنها متورطة مع شخص آخر,فقد يتركها وشأنها.فهي لاتريد أن تسبب لنفسها الألم مرة أخرى.
جمد في مكانه قبل أن يسألها بهدوء:"هكذا إذن؟من هو ذلك الرجل؟"
-هذا ليس من شأنك.
-أنا أجعله من شأني.
وسمرتها عيناه الزرقاوان ثم كرر:"من هو؟"
-تشارلز.
فضحك غير مصدق:"ذلك العجوز؟"
-إياك أن تجرؤ على وصف تشارلز بالعجوز,فهو لطيف وحساس وأنا مدينة له بالكثير.لقد منحني العمل والمأوى حين كنت في غاية اليأس.
-أعلم أنك تشاركينه منزله...مخبري الخاص تبعكما بما يكفي.لكن معرفتي بك تجعلني أتردد في تصديق أن (عرفانك)لجميله كاف ليجعلك ترتبطين به.
-ليس عرفانا بالجميل وحسب,فأنا أحبه ومن كل قلبي.
حدثتها ابتسامته الساخرة أنه لم يصدق حرفا من ذلك.
-لكن علاقتكما لا تبدو حميمة جدا في المنزل..أعني ليس كشخصين متحابين.
-وما الذي يجعلك تظن ذلك؟
-أنا لا أظن,بل أعلم.
-وكيف تعلم شيئا كهذا؟
-يمكن للخدم أن يكونوا مصدرا ممتازا للمعلومات.السيدة كرابتري تسعد بالأقاويل.
غاص قلب فرجينيا.السيدة كرابتري,الثرثارة البشوش!وهذا قالت تعترف:"لا بأس فتشارلز يفضل المحافظة على التقاليد ويحرص على المظاهر"
-هذا ليس مدهشا.إنه كبير في العمر بما يكفي ليكون أباك.
-إنه ليس كذلك.
-هراء.لابد أنه في الخامسة والأربعين.
-بل هو في الثالثة والأربعين.على أي حال,لا علاقة للعمر بذلك,فهو شخص رائع.
كانت تشعر بتأنيب في ضميرها وهي تتكلم.لم يكن منصفا بحق تشارلز أن تستغله بهذه الطريقة.ربما عليها أن تخبر رايان الحقيقة...لكنها ابتعدت كثيرا عن الحقيقة بحيث لم يعد بإمكانها أن تتراجع الآن.
فقال وفي عينيه لمعان خطير:"أرجو,ولمصلحة الجميع,أن تكوني كاذبة"
-هل تتوقع مني حقا أن أعيش من دون حب طيلة حياتي؟
-كنت كذلك عندما عرفتك.
-كنت ساذجة بر يئة.لكنك علمتني الكثير,ومن الصعب جدا أن أعود إلى الوراء.
نظرت إليه متسائلة...وقررت أن توجه إلى غرور الرجل فيه:"هل تظن نفسك الرجل الوحيد الذي يمكن أن يثير مشاعري؟"
-لكنني لم أكن أعلم أن تشارلز هو من النوع الذي يعجبك.
-نحن منسجمان تماما,وهو يريد أن يتزوجني.
احمرت وجنتا رايان:"لن يتحقق هذا إلا على جثتي.لن أدع أحدا يأخذك مني"
فقالت وكأنها تتعلق بقشة:"قلت لتوك إني تغيرت كثيرا,حتى أنني لم أعد جميلة"
-هذا غير صحيح,فأنت لم تعودي جميلة وحسب,بل أصبح جمالك حاداً لايبارح النفس.
-حتى ولو كان هذا صحيحا,فالعالم ملئ بالنساء الرائعات الجمال.
خصوصا واحدة بالذات.
-في الماضي,حصلت على نصيبي من النساء الجميلات.لكن ما من واحدة منهن تصلح لي.أنت وحدك التي أريدها في حياتي.
فصرخت يائسة:"لا أفهم السبب"
فقال بصوت بارد كالفولاذ:"لسبب واحد,وهو الثأر.وأنت مدينة لي"
***

زونار 25-10-09 05:04 PM

2-هزة في الأعماق
همست وقد ابيضت شفتاها:"ثأر؟"
-لماذا يدهشك هذا؟لابد أنك تعلمين أن تركك لي بذلك الشكل جعلني أبدو أحمق للغاية؟
لم تستطيع أن تنكر ذلك.جزء منها أراد أن يثأر منه,أن يجرحه كما جرحها,ويدمره كما دمرها.
وخوفا من أن يقرأ هذا في عينيها,حولت نظراتها بعيدا,تنظر إلى صبي يركض ناحية البحيرة.
منتديات ليلاس
عندما ركع قرب حاجز منخفض لكي يضع سفينته في الماء,نادته أمه التي كانت تدفع عربة طفل:"حذار يا توماس فالمياه عميقة"
وعندما عادت فرجينيا بنتباهها إلى رايان,أخذ يقنعها:"بعد أن أختفيت ولم أعد أعرف مكانك,كدت أجن من القلق.ومنذ ذلك الحين أمضيت سنتين ونصف,وأنفقت مبلغا طائلا من المال في البحث عنك.وها قد وجدتك الآن,وأريدك أن تعودي إلي..ألا تثير هذه الفكرة مشاعرك؟"
اكتسحتها موجة ساخنة,وقالت بصوت ثقيل:"لا,لا أستطيع احتمال التفكير في العودة إليك"
تألقت عيناه الجميلتان:"سيمنحني ذلك رضى بالغا,ويضيف إلى بهجتي قدرا غير محدود من السعادة..."
وإذا بصرخت رعب ترتفع,وتخبط في الماءيقطعان عليه الحديث.
وسرعان ما ركض رايان نحو البحيرة,فيما تابعت المرأة التي تجر العربة صراخها الهستيري.وماهي إلا لحظة حتى ألقى بنفسه في البحيرة.
تسمرت فرجينيا في مكانها وأخذت تنظر إليه وهو يرفع الجسم الصغير من الماء ويضعه على كتفه.وأنبأها صراخ الخوف الصادر عن الطفل بأنه لم يصب بسوء.
أخذ ذهن فرجينيا يعمل بسرعة.أدركت أنه لم يحدث أي ضرر حقيقي,فأمسكت حقيبة كتفها ثم هربت,تاركة رايان وحده.
أسرعت قدر إمكانها إلى أقرب باب,ثم خرجت إلى الشارع المزدحم.
مرت سيارة أجرة فأوقفتها ثم قفزت إلى داخلها وهي تلهث وخفقات قلبها تتسارع.
-إلى أين سيدتي؟
-ستة عشر,شارع أشر.
أسندت رأسها إلى الخلف وكان العرق يتصبب منها بغزارة,ثم أخدت تنظر إلى ناحية الحديقة العامة.لم تر أي أثر لرايان إلا أن كل عضو فيها كان يرتجف.وراحت تشكر الله لأنها تمكنت من الهرب.لكن إلى متى؟فرايان يعلم كل شيء عنها,مكان عملها, وعنوان سكنها, وتحركاتها...لقد قال إنه يريد أن تعود إليه,وهو ليس بالرجل الذي يذعن.
مجرد رؤيتها له مرة أخرى,هزمتها.لكن معرفة أنه يريد استعادتها,زادت الأمر سوءً.فهي لم تتوقع ذلك على الإطلاق.ولم تفكر قط في أنه قد يرغب بعودتها إليه.
إنها فكرة تجمد الدم في عروقها.كل مايريده هو الإنتقام.فهو لايحبها.ولو أحبها لاختلف الأمر...
لكن لو أحبها لما تركته منذ البداية على الإطلاق.
وقطع حبل أفكارها المحمومة صوت سيارة الأجرة وهي تستدير وتدخل شارع أشر,ثم تقف أمام المبنى الذي تقيم فيه.
كان تشارلز قد ورث هذا البيت عن والديه منذ حوالي الخمس سنوات,وهو مرتاح فيه,لا سيما وأنه قرب معرضه.
وفجأة شعرت فرجينيا بالضيق وهي تتذكر ما قاله رايان عن أن مخبره الخاص يتبعها أنى ذهبت.
خرجت من السيارة ثم صعدت الدرجات راكضة لتدخل إلى المبنى.شعرت وكأن عينينغير مرئيتين تثقبان ظهرها.
أسرعت من الر هة إلى غرفة الجلوس الجميلة الأثاث وألقت بحقيبتها على الأريكة ثم سارت إلى النافذة تنظر من خلال ستائرها بحذر,متوقعة أن ترى رجلا غريبا يقف هناك ليراقبها.لكن الشارع المشمس الذي تحيط به الأشجار,كان خالياً.
وما لبثت أن شعرت بالوهن,وأخذت تؤنب نفسها.لكن محاولتها للخروج من حالتها هذه,فشلت بشكل محزن.فالخطر المحدق بها حقيقة مخيفة لايمكن تبديدها بسهولة.
شعرت برأسها ينبض بعنف,فسارت إلى المطبخ لتحضر لنفسها كوبا من الشاي وتبتلع قرص أسبر ين,ثم قررت أن تستحم وتغسل شعرها,فقد يشعرها ذلك بشيء من التحسن.
عندما مدت يدها إلى الشامبو,وجدت نفسها تفكر في رايان.لابد أن ملابسه تبللت تماما بعد أن غطس في الماء...أتراه عاد إلى الفندق سيرا على قدميه؟أتراه هو أيضا يستحم في هذه اللحظة بالذات؟
وبينما كان البخار المعطر يرتفع حولها,جمدت يداها وهي تتذكر عينيه الزرقاوين تحدقان بها...
ارتجفت فأقفلت صنبور الماء وراحت تنشف جسدها بنشاط لا ضرورة له.وتدعك جلدها الذهبي حتى أصبح وردياً متوهجاً.
كانت لاتزال حافية القدمين وشعرها المجعد مبللا ومرسلا على طبيعته فوق كتفيها,حين رن جرس الهاتف.
أوشكت أن ترفع السماعة عندما خطر لها أن المتصل قد يكون رايان,فترددت.من غيره يمكن أن يتصل بها؟من غيره يعلم أنها في بيتها قبل موعدها المعتاد؟
تركته يرن,لكن إلحاحه أخد يمزق أعصابها فرفعت السماعة.
-فرجينيا؟
كان هذا تشارلز,وقد بدا في صوته شيء من القلق.
فقالت بسرعة:"نعم,نعم.أنا هنا"
-هل من خطب ما؟
تنفست بعمق:"لا.طبعا لا"
-اتصلت لأطمين عليك.
-نعم,أنا بخير.
هل هذا أكيد؟
قاومت رغبتها في أن تخبره عن رايان,وأن ترجوه أن يعود إلى البيت,ثم قالت ببشاشتها المعتادة:"هل لديك فكرة عن موعد عودتك؟"
-ينبغي أن أكون في البيت حوالي الثامنة والنصف.لاتنسي أن تبقي لي بعض القريدس المقلي.
-لن أنسى.الى اللقاء.
يمكنها أن تتصل بمطعم ليرسل لها عشاءها.وهذا لا يعني أنها جائعة الآن,لكن لابد لها أن تأكل شيئا فقد يساعدها على التخلص من الشعور بالفراغ والغثيان اللذين يلازمانها منذ سمعت صوت رايان يقول(خمني من أنا)في الحديقة العامة.كان وجه رايان يسبح أمام عينيها,حين أجابها صوت رتيب:"مطعم"جيد غاردن".مساء الخير"
كان ذهنها مشغولا برايان,مما جعلها تتخبط في الكلام وتتلعثم مرات ومرات.
عادت إلى غرفة الجلوس تتجول في أرجائها,وقد منعها القلق والتململ من الإستقرار في مكان واحد...
ما الذي سيفعله رايان؟كانت واثقة من أنه لن يدع الأمور على حالها.فهو يريدها وهو لا يتخلى أبدا عن أهدافه...
ورغم أنها كذبت وادعت أنها على علاقة بتشارلز,إلا أن ذلك لم ينتج التأثير المطلوب.
لكن حتى لو صدقها,فهل سيمنعه؟ وتذكرت وجهه وهو يقول(لن أدع أحدا يأخذك مني)واقشعر جلدها.
رؤيته مرة أخرى,وشعورها بقوة إرادته,جعلاها تشك في قدرتها على الصمود في وجهه.
لا!عليها أن لاتفكر بهذا الشكل.وإذا أضطرت ستخبر تشارلز الحقيقة كلها,طالبة صفحه ومساندته.فهو ليس عجوزا ضعيفا كما وصفه رايان ساخرا.في الواقع,كان بمثل قوة رايان وعزيمته الهادئة,لكن ذلك لايبدو واضحا عليه.
لكن كيف بإمكانها أن تطلب العون من تشارلز,وتسأله أن يدعي أنه حبيبها,فيما أنكرت عليه هذا الحق حين رفضت عرضه للزواج؟
وفجأة شعرت بالخزي يتملكها لمجرد التفكير في توريطه أكثر.عليها أن تتدبر أمورها من دون مساعدته.
تعرف أن رايان مخطط ممتاز إلا أنه ارتكب هذه المرة غلطة شنيعة,فقد اعترف أنه جاء ليجعلها تدفع ثمن هجرها له.
ورغم أن جاذبيه لم تفقد قوتها,إلا أن معرفتها لنواياه ستمكنها من الصمود أمامه.سوف تمنعه من القيام بشيء.
قطع رنين جرس الباب حبل أفكارها.لقد وصل العشاء من المطعم أسرع من المعتاد.
حملت كيس نقودها لتدفع ثمن العشاء وسارت إلى الباب تفتحه.
لكن المفاجأة جعلتها تبطئ في صفق الباب في وجه رايان الذي دخل مالئا الردهة بعرض كتفيه وقامته الطويلة.
أغلق الباب خلفه ووقف مستندا بظهره إلى الجدار.بدا أنيقا وجذابا للغاية.
صرخت بذعر:"أخرج! لا يحق لك الدخول إلى هنا عنوة"
-لم أدخل إلى هنا (عنوة).رغم أنني كنت سأفعل هذا إذا اضطررت.
أخد يتأمل ثيابها,ووجهها المتألق والشعر البني المجعد المسترسل على كتفيها,ثم قال:"تبدين وكأنك على وشك الخلود إلى الفراش,أليس كذلك؟"
وعندما توترت شفتاها الناعمتان ولم تقل شيئا,أضاف:"أخبريني يا فرجينيا,هل يغازلك تشارلز بشغف؟"
فصرخت به:"كفى!"
-بعد ما أخبرتني به,لا تلوميني على فضولي هذا.
قالت وهي تتمنى بحرارة لو أنها أبقت فمها مقفلا:"أريدك أن تخرج الآن!قبل أن يعود تشارلز.فهو لن يتأخر"
هز رأسه:"لا فائدة,يافرجينيا,ياحبيبتي.أعلم جيدا أنه لن يأتي قبل وقت طويل..."
كيف علم بذلك؟
-لكن,أتظنين حقا أن احتمال قدوم رينو سيخيفني ويجعلني أخرج؟
لا.إنها لا تظن ذلك.رفعت رأسها وقالت تهدده:"بإمكاني دوما أن أستدعي الشرطة"
-نعم,بإمكانكذلك.لكنني لا أظنك ستفعلين.على أي حال,لدى الشرطة,انشغالات أهم بكثير مما لاشك يعتبرونه مشكلة بيتية تافهة.
في المناوشات الماضية,كان أسرع بديهة منها,وهو الرابح دوما في كل معركة كلامية.لكنها لن تتركه يربح هذه المرة,فقالت وهي تصرف بأسنانها:"هذه ليست مشكلة بيتية تافهة.إنه دخول غير شرعي إلى منزل شخص آخر"
-وكيف يكون(دخول غير شرعي)وقد فتحت لي الباب بنفسك؟
-ظننت أن القادم هو نادل المطعم.
نظر إلى كيس النقود في يدها,وقال:"فهمت.حسنا,إذا طلبت عشاء,فربما ستدعينني للمشاركة فيه"
صرخت به وقد ازداد غضبها:"لا,لا أريدك أن تبقى.ولا أدري لماذا جئت أصلا"
-جئت أولا,لأننا لم ننه حديثنا...
-ما من كلام يقام.أنا لن أعود إليك أبدا.وأنت تضيع وقتك وحسب.
استمر يقول بصوت هادئ خطير وكأنها لم تقاطعه:"وثانيا,لن أدعك تهربين مني"
لأول مرة,أدركت أنه غاضب للغاية,فتملكها الخوف.
تقدم نحوها,فبدت إلى جانبه أقصر مما هي في الواقع بطولها البالغ مئة وسبعة وستين سنتيمترا.كانت عيناه مسمرتين على وجهها وفي وجهه الأسمر حدة وتصميم.توسلت إليه قائلة:"لا!آه,أرجوك رايان.إذهب.."
-لن أذهب إلى أي مكان إلا وأنت معي.
أرادت أن تبتعد عنه وقد أربكتها نظراته.فتعثرت بالسجادة.
كيس النقود الذي كانت متشبثة به كحبل نجاة سقط على الأرض,ورغم كل جهودها للإبتعاد عنه,راح الدم يتدفق بعنف إلى أذنيها,ودارت الدنيا من حولها.دار رأسها وتضاربت مشاعرها وتنبه كل عصب فيها...حتى أنها بدت ضائعة مخبولة عندما دق جرس الباب.
سبق وعي رايان وعي فرجينيا,فقادها برفق إلى المطبخ.
آه رباه,يالي من حمقاء! أخذت تعنف نفسها,فقد صممت أن توضح له أنها لم تعد واقعة تحت سحره.
وبدلا من ذلك,لابد أن شعورها بالضعف أمامه زاد من ثقته بنفسه,وجعله واثقا من نجاحه...
وهذا مالا ينبغي له.عليها ألا تدعه ينجح.
رغم اضطرابها النفسي,انتبهت إلى فتح الباب الخارجي وصوت رايان يقول:"شكرا,كم تريد مني؟"
وعندما عاد إلى المطبخ حاملا كيس ملونا كانت قد استجمعت بقايا شجاعتها.فوقفت أمامه بثبات:"أريدك أن تخرج.الآن,وفي هذه الدقيقة"
فقال بليونة:"يبدو أنك طلبت طعاما يكفي لاثنين,لدى من المخجل أن تضيعه سدى"
بدت مذهولة من كثرة الطعام,وأدركت أن تكرارها للكلمات جعلهم يحضرون طعاما كثيرا.
قال ساخرا وهو يراقب وجهها:"هل هذه زلت لسان؟هل كنت,في عقلك الباطن,تريدين أو تتوقعين حضوري؟"
-لا.على الإطلاق.لو أردت أحدا هنا,لكان تشارلز.
أدركت من توتر فم رايان أن جوابها أغاظه.
قد يصر على البقاء,لكن هذا لايعني أنها مستعدة للإحتفاء به.
أخذ يفتح الأغطية وهو يقول:"لماذا لاتجلسين إلى المائدة وتخبريني بأي نوع تريدين أن تبدئي؟"
فقالت وهي لاتزال واقفة:"لا أريد أن آكل.لقد فقدت شهيتي"
فرفع حاجبيه:"هذا مؤسف.ومع ذلك,هل أنت واثقة تماما من أنك لن تأكلي؟"
نبهتها نبرة التهديد الخطرة في صوته,والتألق في عينيه,فتلاشت كل رغبة في القتال لديها,وجلست فجأة,بينما ضحك هو فبدت أسنانه البيضاء:"لا؟آه...حسنا.."
وجلس أمامها وسألها:"ماذا تريدين إذن؟القريدس بالسمسم مع الخبز المحمص يبدو لذيذا"
كان قميصه الحريري الداكن يظهر عضلانه القوية.رفعت بصرها فتلاقت عيناها بنظراته الساخرة,وشعرت بالاحمرار يكسو وجنتيها.
قال مظهرا البراءة:"يبدو أنك تشعرين بالحر.هل لديك مرطبات باردة؟"
ملأ كأسين,ثم التقط قطعة دجاج بالشوكة,ومدها إليها عبر المائدة,ففتحت فمها دون وعي منها.
حركته هذه كانت أشبه بصدمة عصبية قطعت أنفاسها وجعلت قلبها يخفق بشكل غريب.
عندما تناولا الطعام لأول مرة معا,أخبرته أنها طلبت هذا النوع من الدجاج لأنها شغوفة بالدجاج بالكاجو.
وكعادة العشاق,أطعمها الكاجو من صحنه.وبعد ذلك أصبح هذا طقسا من طقوس الحنان بينهما.
لكن ذلك,كان مجرد تمثيل.ربما رغب فيها,لكنه لم يحبها في الحقيقة,لم يشعر نحوها بحنان حقيقي مطلقا.كان يريد فقط أن يستغلها.لكنها رفضت هذا الإستغلال,رغم أن هجرها له حطم قلبها...
وكأنما تابع مجرى أفكارها,فقد قال فجأة:"لم تخبريني بعد لماذا هربت مني"
-من المفترض أن تعلم.
-إذا كان الأمر ما أفترضه...
فانفجرت تقول:"هل ظننتني لن أمانع؟ظننت أنني سأدعك تستغلني من دون أن أقول شيئا؟"
قطب جبينه:"ليس لدي أدنى فكرة عما تتحدثين عنه.من الأفضل أن تفسري كلامك"
قفزت واقفة وقد ثار غضبها لإنكاره:"ليس في نيتي أن أفسر أي شيء.أريدك أن ترحل ,وإلا سأرحل أنا!"
وعندما همت بأن تبتعد,قال بهدوء:"اجلسي وأنهي طعامك"
وتشابكت نظراتهما.
أرادت أن تعصي أوامره,وتذهب.لكنها لم تستطع المغادرة.
وهكذا وجدت نفسها تجلس على كرسيها مستكينة.وبعد لحظة,سألها برقة:"لماذا لم تطمئنيني على الأقل,إلى أنك بخير؟"
-حاولت ألا أفكر فيك على الإطلاق.
-وماذا بالنسبة لبقية أفراد الأسرة؟
وعندما لم تجب,تابع يقول:"تكدرو جميعا وقلقو لرحيلك من دون كلمة,خاصة‘‘بيث‘‘"
أنا آسفة لذلك.فقد أحببت زوجة أبيك.
في الواقع,أحبت الأسرة كلها باستثناء شخص واحد.
فعاد يقول بفتور:"أصابتها نوبة قلبية أخرى"
وحبست فرجينيا أنفاسها.وإذ رأى التوجس على وجهها,تابع يقول بسرعة:"كانت نوبة بسيطة والحمد لله"
-إنها إذن بخير؟
-وشفيت تماما لحسن الحظ.
-أتعني أنها لو لم تشفَ لحملتني المسؤولية؟
-أنا أحملك المسؤولية فعلا.
أجفلت فرجينيا لسخريت القدر المرة هذه.فالسبب الرئيسي لهروبها بذاك الشكل,هو المحافظة على صحة زوجة أبيه الضعيفة.
-وماذا عن جانيس وستيفن؟
-مارأيك؟
غاص قلبها.ومع ذلك,فكرت أنه من الأفضل أن يلوماها هي,وهي الغريبة نسبيا,من أن يعلموا شيئا يمزق علاقتهم العائلية المتينة.
كان جزء منها يتسائل غير مصدق,كيف استطاع رايان أن يفعل مافعله.لكن لعله لم يستطع منع نفسه.فللحب سطوة قوية,يمكن أن تتغلب على كل شيء...وكذلك الرغبة في الإنتقام.لكن رغم أنه أخطأ بحقها أكثر مما أخطأت هي بحقه إلا أنها حطمت كل خططه التي وضعها بعناية,كما جعلته يبدو أحمق,في نظر نفسه على الأقل.
وهذا أمر لاينساه رجل مثله بسهولة.
ارتجفت فسألها:"أواثقة من أنك لاتشعرين بالبرد؟"
-لا.
-خجلي من نفسك.
-ولماذا أخجل من نفسي؟
-أعرف عدة أسباب,الأول,وهو الأهم,أنك عاملت امرأة كانت قد أحبتك من صميم قلبها,بتلك الطريقة القاسية...
ربما كان عليها حينذاك,أن تترك لهم ورقة تختلق فيها سببا لرحيلها..لكنها لشدة صدمتها,لم تعرف ماذا تفعل.
-آسفة إذا بدا الأمر كذلك.لم أقصد إيذائها قط...
قطع كلامها رنين حاد فمد يده إلى جيب سترته يخرج هاتفه الخلوي:"فالكونر...أصحيح؟هذا حسن...نعم...نعم...سأكون معك حالا"
أعاد الهاتف إلى جيبه ثم نهض واقفا وارتدى سترته:"آسف.علي أن أرحل بسرعة"
فقالت بلهجة لاذعة:"آسفة لأنني لا أستطيع أن أقول لك الشيء نفسه"
رمقها بنظرة عتاب قاسية,ثم ابتسم قليلا وقال:"عندما تكونين وحدك في سريرك الليلة,يمكنك أن تحلمي بي"
فأجابت بعنف:"لا,سأمنع نفسي من ذلك"
-ربما ستحلمين بي بالرغم منك.
-لست مشتاقة إليك.
ابتسم وهو يثبت نظره عليها:"لطالما كنت كذلك"
لم تعد قادرة على تحمل المزيد,فقفزت مبتعدة عنه وقالت:"ألم يغب عن بالك أمر ما؟أم ينبغي أن أقول شخص ما؟قد لايكون تشارلز شابا بمقياسك,لكنه مناسب لي"
رأت شفتيه تتوتران,وسرها غضبه فضحكت.فقال يحذرها بنعومة:"إياك حتى أن تفكري بذلك.من الآن وصاعدا سأكون أنا الرجل الوحيد في حياتك.إذا فكر رينو بالتقرب منك,فعليك أن ترفضي,وأنا أعني ذلك"
ثم قال ساخرا:"سأراك فيما بعد"
وماهي إلا لحظة,حتى سمعت الباب الخارجي يصفق.سارت إلى الردهة وهي ترتجف,عاجزة عن تثبيت ساقيها.
كان رايان قد رحل.لكنها لاحظت,بذهن شارد,أن كيس نقودها وضع بجانب الهاتف.
جلست على آخر درجة من السلم وهي ترتجف,وأخذت تحدق إلى الفراغ مفكرة.رباه,ماذا عليها أن تفعل؟زيارة رايان غير المرغوب فيها أثبتت أمرين مفزعين,الأول هو أنه جاد للغاية,والثاني أنها لاتملك القدرة على مقاومته.
منذ البداية كان الوضع على هذا النحو.رأته فأحبته.وإذ أدركت بغريزتها أنه الرجل الذي أنتظرته طوال حياتها,استسلمت لحبه سعيدة واثقة,راجية السعادة معه بقيت الحياة.
لكن بقيت الحياة تلك كانت قصيرة,شهران فقط بين البداية البهيجة والنهاية المرة...
والآن سيبدأعذابها من جديد,إلا إذا وجدت طريقة تبعد بها رايان عنها.
ستبقى المرأة الأخرى دوما بينهما.حتى وإن كان شعوره نحوها قد مات,فهي لن تتحمل هذا الوضع.
وبالرغم من قوله إنه لا يريد سواها,إلا أنها أدركت أنها لايمكن أن تصدقه أو تثق به مرة أخرى.ويجب أن يعلم هذا...ولعله يتعمد أن يجعلها تشعر بالغيرة,كجزء من انتقامه منها...
لا,لا...لاتستطيع,وهي لاتبغي العودة إليه.
لكن,حتى ولو حاولت أن تقنع نفسها بذلك,فهي تدرك أنها,مثل الفراشة,عاجزة عن منع نفسها من الإنجذاب نحو لهب الشمعة,غير قادرة على المقاومة.

زونار 25-10-09 05:07 PM

-حبل النجاة
صرفت بأسنانها,محاولة أن تنبذ تلك الصورة المخيفة.عليها أن تتدبر أمرها...أن تجد طريقة تتوقف بها عن حب رايان.
لو أستطاعت أن تحب تشارلز بما يكفي لتتزوجه...لكن المشكلة ليست أنها لا تحب تشارلز,بل أنها مازالت تحب رايان.
أما كيف يمكنها الاستمرار في حب رجل يكرهها,رجل يريد فقط أن يؤذيها,فهذا جنون خالص.هذا النوع من الحب المدمر للذات يمكنه أن يحطم حياتها كلها,ولن يبقى لها سوى مستقبل فارغ.
بالنسبة إليها,الحب والاخلاص رفيقان لاينفصلان.وهي لاتؤمن بالعلاقات العابرة.والزواج من تشارلز,الرجل الذي تشعر نحوه ببالغ المودة والاحترام هو الحل الأمثل لها.عندئذ ستصبح آمنة,كما يمكن أن ترزق بأطفال وتعيش حياة عائلية سعيدة.
منتديات ليلاس
أما بالنسبة إلى تحفظها واعتبارها أن ذلك لن يكون منصفا له.حسنا,لقد أطلعته على شعورها نحوه بكل صدق,فقال إنه لايرى مشكلة في ذلك...
ما المانع إذن؟تفتقر العلاقة إلى العواطف المحمومة من ناحيتها على الأقل,ولكن إذا كان بإمكانها أن تجعله سعيدا...
نبهتها دقات الساعة فنهضت وعاد إلى المطبخ لتغسل الأطباق مصممة على التفكير في مستقبل تتصوره أسعد من ماضيها التعيس.
كانت قد فرغت لتوها ووضعت إبريق القهوة على النار,عندما سمعت صوت مفتاح تشارلز يدور في القفل.
أسرعت إلى الردهة وابتسمت له:"لقد عدت باكرا"
سمع نبرة الإرتياح في صوتها,فسره أن يكون قد عاد مباشرة.
وسألته:"كيف كان موعدك؟"
-بأحسن حال.
-هذا حسن.
أحس في صوتها شروداً,وكأن ذهنها مشغول بأشياء أخرى.
تأمل وجهها الشاحب المنهك,ثم سألها بلطف:"هل مازال الصداع يزعجك؟"
-كلا.فقد أذت دواءً حال مجيئي إلى البيت.
كان شعرها المجعد منسدلاً على كتفيها,فبدت له جميلة أكثر من أي وقت آخر.كما بدت محفوفة بالخطر.ثمة شيء حدث فكدرها بشكل جاد.
تسائل عما إذا كانت تريد أن تتحدث عن ذلك أو أنها تفضل أن يدعها وشأنها,فسأل محاذرا:"أتفكرين في النوم باكراً الليلة؟"
هزت رأسها:"لا أشعر بالنعاس"
-إذا كنت لاتريدين النوم,فلماذا لاتشربين القهوة معي؟
-نعم سأشرب.ثمة أمر أريد أن أخبرك به.
وحملت القهوة إلى غرفة الجلوس.
سكبت له فنجانا ووضعت فيه السكر والقشدة,ثم ناولته إياه.
فقال هازلاً:"شكرا,لا أدري ما الذي فعلته لأستحق أن ينتظرني أحد عند عودتي"
منعها التوتر من الجلوس بهدوء,فتركت فنجانها من دون أن تلمسه ثم سارت إلى النافذة حيث وقفت تنظر من خلالها.
حانت الآن اللحظة الحاسمة.لكنها لاتعرف كيف تتطرق إلى الموضوع.
أخذ ينظر إليها,وتكهن بما تشعر به من صعوبة,فسألها:"ما الذي تريدين أن تخبريني به؟"
مازالت مترددة.لعله غير رأيه بالنسبة إلى الزواج,واعتبر طلبه مجرد غلطة لا غير.
حسنا,ثمة طريقة واحدة لمعرفة ذلك.استدار إليه وقالت:"عندما عرضت علي أن أتزوجك,قلت لي إنني إذا غيرت رأيي يوما ما,فالعرض سيبقى قائما.."
مضت لحظات قبل أن يجيب مؤكداً:"هذا صحيح"
تنفست فرجينيا الصعداء,وإمتلأت عينا تشارلز بالأمل,وسألها بلهفة:"هل غيرت رأيك؟"
-نعم.وسأتزوجك إذا كنت لاتزال تريد ذلك.
قفز واقفا وقال بلهفة:"صدقيني,لم أتمنى في حياتي قط شيئا أكثر مما تمنيت ذلك"
لكنه عاد ليسألها:"ما الذي غير رأيك؟"
-حسنا...لقد فكرت...أنا أريد زوجا وبيتاً وأسرة...أتريد أنت أطفالاً؟
سألته ذلك بشيء من القلق,فأجاب بصدق:"لم أفكر في ذلك قط.لكن إذا كان ذلك يجعلك سعيدة...كم ولداً تريدين؟"
-أريد إثنين على الأقل.وربما ثلاثة أو أربعة.تشارلز هل أنت واثق من أن هذا ماتريده؟أعني زوجة وأسرة؟
-لكنني لم أعد شابا,لذا متى ستتزوجينني؟
-بالسرعة التي تريدها.
-كيف تريدين عرسك؟
-أريده هادئاً.
-ألا تريدين ثوبا أبيض بكل ملحقاته؟
ارتجف قلبها لذكر ثوب العروس الأبيض وكأنه ذكرها بأمور جاهدت لكي تنساها.حاولت الإبتسام في وجهه,إلا أن تشارلز بحساسيته البالغة أدرك أن هناك أمر يزعجها.أحست فرجينيا أن عليها أن تخبره بالحقيقة,فقالت بفتور:"سبق أن بدأت التحضير لزفاف...لكن أموراً حصلت وجعلت مشروع الزواج يفشل.آسفة إذا كان هذا يزعجك"
فقال لها بهدوء:"هل كان رجلاً مميزاً,أعني هل أحببته كثيراً؟"
-نعم.
اعتصر قلبه فالعلاقات العابرة لاتعني شيئا في الحقيقة..لكن وجود شخص مميز في حياتها,أمر آخر.
وتذكر تشارلز ردة فعل فرجينيا على وصول الرجل الأسمر ذي المظهر القوي,إلى المعرض.فقال:"كان رايان فالكونر,أليس كذلك؟"
أومأت برأسها وهي تبلل شفتيها.عادت إلى الأريكة,وعندما غاصت بين الوسائد جلس على كرسي بجانبها:"أظن أنه من الأفضل أن تخبريني عنه"
آخر رجل أرادت التحدث عنه في تلك اللحظة هو رايان.ولكم تمنت إرجاء ذلك الحديث,فقالت متلعثمة:"أنا...أنا لاأدري كيف أبدأ"
وإذ رأت أن لامناص من ذلك,استجمعت شجاعتها,ثم قالت:"تعارفنا منذ ثلاث سنوات.كنت قد تركت كلية الفنون وحصلت على وظيفة في معرض ترانتور للفنون.دخل ذات صباح رجل..."
ودت أن تخبره بما يهمه فقط من تلك القصة,فإذا بالذكريات تنفجر مفصلة,وتكشف عن الماضي وكأنه لايزال حيا.
***
كان الوقت قرابة الظهر,والمعرض هادئا.
كانت فرجينياجالسة وراء مكتب الاستقبال,تتفحص محتويات كتيب,عندما انفتح الباب الزجاجي ودخل ذلك الرجل .
كان طويلا, متين البنية,ذاشعر الأسود كثامجعدا قليلا.عندما اقترب منها,رأته في الاوائل الثلاثينات من عمره,بوجه خشن يفيض بالرجولة,وملامح قوية,وفم رائع الجمال.كان أكثر الرجال الذين عرفتهم جاذبية,بل كان أكثر من مجرد جذاب,إنه بالغ الروعة.
-الآنسة ادامز؟
ابتسمت لها عينان مذهلتان فاستحال على فرجينياعدم التحديق فيهماوقد حف فمهاوتسرعات خفقات قلبها. سألته متلعثمة"نع...نعم؟"
-اسمي رايان فالكونر, وأنا من معارف والديك.
فقالت بغباء:"إنهما يعيشان في نيويورك"
تألقت أسنانهالبيضاء بابتسامة"نعم,أعلم هذا. تناولت الغداء معهمامنذ يومين.أخبراني أين أجدك"
كان صوته عذبا,دافئافيه بحة,ونبرته الأميركية غير ظاهرة:
"هناك أمرأحب أن أتباحث معك بشأنه. لذا,قد تسمحين لي بأن أدعوك إلى الغداء"
امتزجت في نفسها الإثارة بخيبة الأمل,فقالن:"لقد تناولت كوبا من اللبن لتوي.."
فقال ساخرا بلطف:"حسنا, إذا كان اللبن هوكل مايمكنك تناوله.."
ارتبكت لسخريته,وقالت تشرح له الأمر:"كما ترى مامن أحد يأخد مكاني,ولا أستطيع أن أتغيب لأكثر من عشر دقائق"
نظر في أنحاء المعرض :"من غيرالممكن أن تكوني هنا وحدك"
-آه,لا.السيدة والسيد ترانتور في المكتب.
- سأتكلم معهما.
فقالت بسرعة :"من الأفضل الاتفعل"
فرفع حاجبه الأسود:"ألا تريدين حقا أن تنماولي الغداء معي؟"
-ليس ذاك.لكنني لاأظنهما يوافقان على خروجي...
- آه, أظنهما يوافقان ... تذكرت الإيجار الباهظ الذي يتوجب عليها أن تدفعه من أجل شقتها فتوسلت إليه:"أرجوك ياسيد فالكونر,استلمت لتوي شقة ولا يمكنني أ، أتحمل خسارة وظيفتي..."
- قولي رايان,أرجوك.اطمئني فلن تخسري وظيفتك أبدا.
وقبل أن تعود إلى الاحتجاج, تقدم من باب المكتب وقرعه,ثم دخل إليه ,كأنه ملكه.ومالبث أن عاد بسرعة بصحبة السيدة ترانتور .وذهلت فرجينيا وهي ترى المرأة ,التي يلقبونها باسم(التنين),تبتسم.
-لامانع لدي,ياسيد فالكونر, ويسعدني أن أهتم بمكتب الاستقبال بنفسي.اذهبي,ياآنسة آدامز.
أسرعت فرجينيا,وهي تتلعثم بالشكر, لتحضرسترتهاوحقيبة يدها,متوفقة قليلا لتمشط شعرها الجعد.وبعد دقائق خرجت معه وكان ذلك في أوائل تشرين الأول, وكان الطقس بارداوجافا, والشمس تلطف ألوان الخريف.
قال رايان بلهجة عفوية:"مارأيك في الذهاب إلى مطعم(بتناغرام)؟"
لكن فرجينيا كانت تسير فوق السحاب برفقة هذا الرجل الغريب الساحر,لم تكن لتهتم حتى لو ذهبا إلى دكان لبيع الشطائر.
قالت بشيء من الخجل:"لاأدري إن كانت ملابسي مناسبة"
نظر إلى طقمها البني وبلوزتها التبنية اللون وقال:"تبدين ممتازة في نظري"
بعد أن سارا مسافة قصيرة,اقتربت منهما سيارة ليموزين,نزل منها السائق,وفتح لهما الباب.
صعدت فرجينيا إلى السيارة شاعرة أنها سندريلا عصرية.وبعد لحظة,ابتعدت السيارة الفخمة عن المنعطف لتسير في زحمة الشارع.
التفت رايان إليها باسماً.كانت ابتسامة خفق لها قلبها وانحبست أنفاسها.
كان قريبا منها إلى حد شعرت معه بالدوار كما لو أنها جالسة على حافة هاوية.ومع ذلك,ازدادت قوة الملاحظة لديها فانتبهت لطول أهدابة وجمال أذنيه,والخط الواضح في ذقنه وسواد شعره,والغضون الخفيفة حول فمه التي كانت تعمق عندما يبتسم...
وإذ انتبهت إلى أنها تحدق إليه كالمنومة مغناطيسياً حولت نظراتها عنه شاعرة بالخجل.
التوت شفتاه,فقالت ببرودة بعد أن شعرت أنه تكهن بشعورها تماما:"قلت إن ثمة ماتريد أن تناقشه معي"
-هذا صحيح.ولكن بعد الغداء.
-لا أدري إذا كان الوقت كافياً,ياسيد فالكونر,لكي..
قاطعها مصرا:"ادعني رايان.ولا تقلقي,لدينا الكثير من الوقت.السيدة ترانتور منحتك عطلة لبقية النهار"
قالت ذاهلة:"عطلة لبقية النهار؟وكيف أمكنك أن تقنعها بذلك؟"
كشر بأسى هازلاً:"يمكنك أن تعتبري ذلكى نتيجة ظرف بالغ"
تذكرت وجه السيدة ترانتور فقالت:"أنا واثقة أن للظروف دوراً في ذلك"
-إن لهم مصلحة معي.كل مافعلته هو أنني ذكرت أنني أريد أن أبتاع لوحات(جوناثان كاس).
طرفت فرجينيا بعينها.إذا كان ينوي أن يشتري إحدى لوحات جوناثان كاس,فهذا يدل على أنه يدفع مليونا أو مليونين,وأنه ذواقة في الفنون أيضاً.
-أنت إذن من عشاق الفن؟
فكر قليلا ثم أجاب:"رجل أعمال على الأغلب.لكن بما أنني أهتم بالفن,فأنا أشتري كل مايعود علي بنفع.لكني لا أبتاع سوى مايعجبني لمجموعتي الخاصة"
-وهل أعمال كاس...؟
-إنها لمجموعتي الخاصة.رغم أني قد أعلقها في المعرض لفترة لجلب الإهتمام.
-هل لديك معرض؟
-نعم,في شارع ماديسون.وهذا هو سبب معرفتي بوالديك.لكن أخبريني,يافرجينيا...هل بإمكاني أن أدعوك فرجينيا؟
-طبعا.
-لماذا لم تخبري آل ترانتور أن والديك هما براد ومايا آدامز؟
سألته بسرعة:"وكيف عرفت أنني لم أخبرهما؟"
-هذا واضح تماما.لو علما,لما عاملاك وكأنك مجرد موظفة استقبال.
لسوء الحظ,أنا كذلك حاليا.
منذ متى تعملين في هذا المعرض؟
-منذ أربعة أشهر تقريبا.
فقطب جبينه:"ولماذا تقبلين بهذا الوضع؟لم تمضي تلك السنوات في تلك الكلية لكي تجلسي خلف مكتب استقبال وتجيبي عن أسئلة تافهة"
-هذا صحيح.لكن الوظيفة في عالم الفن لا تأتي بسهولة.
إذا علم الجميع هوية والديك,فستفتح في وجهك الأبواب.
هزت رأسها بعناد:"إذا لم يكن لدي موهبة مبدعة,فإن هوية أبوي لاتشكل فرقا"
رأت في عينيه مزيج من الإعجاب والإحترام قبل أن يقول:"أتعلمين؟أنت فتاة غير عادية حقا.أكثر الناس يستعملون كل الحيل ليستفيدوا...لكنني من ناحية أخرى,لم أتوقع أن تكوني كمعظم الناس ووالداك موهوبان"
وسكت فجأة ثم أضاف بحزم:"وأنا لا أعني ذلك بالشكل الذي تظنينه"
فقالت بجفاء:"وما الذي تعنيه إذن؟"
التفت إليها بعينيه المذهلتين,ما جعل قلبها يخفق بقوة,قبل أن يتابع:"أتصور أن تربيتك لم تكن سهلة مع أبوين يشغل الفن حياتهما"
ومن دون أن ينتظر جوابا,تابع يقول:"أظنك كنت طفلة وحيدة,ولابد أنك شعرت غالباً أنك وحيدة مهجورة"
-نعم, كنت أشعر بذلك.
اعترفت بذلك,ثم وجدت نفسها تخبره بشيء لم تخبر به أحد من قبل:"كان لدي كل ما أحتاجه من الناحية المادية,لكن لم يكن لديهما وقت يخصصانه لي,لم يجلسني أي واحد منهما قط على ركبتيه أو يحتظنني"
-أظن أن الناس الذين يعيشون من أجل الفن,أو الذين يشغلهم أمر آخر,يميلون لعدم الإهتمام بأولادهم.
-يبدو وكأنك تتكلم من خلال خبرة شخصية.
فابتسم ساخرا:"أظننا من نوع واحد.ورغم انه كان لدي كل مايستطيع المال أن يشتريه,كل ماعرفته عن الحب هو كيف أعيش من دونه"
أدركت شعوره حينذاك,فتلهف قلبها إلى ذلك الطفل التعيس المهجور.
عندما رأى العطف في وجهها,تابع يقول:"كان اهتمام أبي الرئيسي ينصب على السياسة وكسب المال.ونادرا ما كنت أراه.وما كان هذا ليهمني كثيراً لو أن أمي خصصت وقتها لي,لكنها هي أيضا مولعة بالسياسة,وعندما منحت أبي,رغما عنها,الوريث الذي يريده,سلماني للمربيات,وفي مابعد,لعدد من المعلمين.."
تملكها إحساس غريب وهي تنظر إلى وجهه وتصغي إليه.إنها تعرف هذا الر جل وكأن روحه تعكس روحها...إنها مجرد تخيلات,كما أخذت تحدث نفسها بحزم,إلا أن شعورها بأنه نصفها الآخر بقي يلح عليها.
-كنت في العاشرة تقريباً حين قتلت أمي في حادث اصطدام.لم أكن اراها إلا نادرا حتى أنني,بعد أشهر عدة,لم أعد أذكر شكلها.ولم أعرف معنى الرعاية والحنان إلا بعد أن تزوج أبي ثانية.وكانت بيث أرملة إنكليزية لديها صبي صغير وطفلة من زوجها السابق.أحبتني من كل قلبها ومنحتني الحب الذي كان ينقصني حتى ذلك الحين...آه,هاقد وصلنا!!!
وقفت بهما السيارة في شارع هادئ,تحف به الأشجار,أمام مبنى جميل بدا أشبه بمنزل خاص منه مطعم.
قال وهو يساعدها على النزول:"آسف"
فأجابت بحيرة:"لماذا؟"
-كان في نيتي أن نتحدث عنك,بدلا من أن أضجرك بأخباري.
-أنت لم تضجرني مطلقا.
-إما أنك حسنة السلوك جدا,وإما دبلوماسية.سأتمكن من الحكم عليك عندما أعرفك أكثر.
قوله إنه ينوي معرفتها أكثر,جعلها تسير فوق السحاب.
-سيد فالكونر...ما أجمل أن نراك مرة أخرى.
-يسرني أن أراك,مايكل.
-هل أنت هنا لمدة طويلة؟
-لعدة أيام.
وارتفع صوت نداء هادئ,فقال المدير:"إنهم يريدونني,أرجو المعذرة.سيرافقكما ألفونس إلى مائدتكما"
برز الناذل فجأة,فقادهما إلى قاعة طعام تغطي أرضها سجادة سميكة,وتزينها زخارف باللونين الذهبي والقرمزي.
كانت مائدتهما مغطاة بشرشف مطرز,وقائمة قرب نافذة مستطيلة.
حالما جلست فرجينيا,اختفى رئيس الندل وجاء بلاً منه نادل شاب بصينية فضية عليها كأسان من العصير.قال رايان بما يشبه الهمس:
-كل ما يقدمونه هنا هو من أرقى الأصناف.لكن لايحق لك الإختيار.
-أتعني أنك لاتعلم ما ستحصل عليه إلا بعد أن يصل الطلب إليك؟
فقال هازلاً:"نعم,إلا إذا سألت أو أسترقت النظر إلى المائدة المجاورة,وهذا مرفوض"
كانت فرجينيا واثقة من أنه يسخر منها,إلا أنها قالت بهدوء:"حسنا,لا أرى هنا الكثير مما لايعجبني.."
-تعجبني المرأة التي تتمتع بروح المغامرة.
-إلا الرخويات البحرية.
التمعت عيناه السوداوان:"الرخويات هي من اختصاص هذا المكان"
قاومت رجفة تملكتها,فسأها بإخلاص:"أرجو ألا أكون وترت أعصابك؟"
فردت كاذبة:"أبداً"
ثم أضافت:" في أسوء الأحوال,لن آكله"
-لايمكنك ذلك إن شئت أن تخرجي من هنا حية.
تأكدت الآن من أنه يسخر منها,فابتسمت تلك الإبتسامة الجميلة التي تظهر أسنانها البيضاء والغمازتين حول فمها,وتعل عينيها الخضراوين تتراقصان.
قال رايان برقة:"أنت ساحرة جدا عندما تبتسمين"
وعندما رأى الإحمرار يكسو وجنتيها,قال:"ظننت أن هذا زال مع العهد الفيكتوري"
ماهو الذي زال مع العهد الفيكتوري؟
بدت على شفتيه إبتسامة تسلية صغيرة وهو يقول:"إحمرار الوجه خجلا لسماع تعليق ما.أجد ذلك...منعشاً للغاية"
ازعجتها إبتسامته تلك وقالت بحدة:"أتعني أنك تجده(مسليا)؟"
قال رافضاً أن تسكته لهجتها الحادة:"وهذا أيضاً, ولاكن بطريقة حسنة جدا"
-حمرة الخجل هو كل ما يصدر عني,فلا تتوقع مني أن أصاب بالهستريا أو أصرخ عندما أرى فأراً.
فقال هازلا:"إذا رأيت فأراً هنا الآن فأنا الذي سيصرخ"
حدقت فيه غير مصدقة,فقال:"هذا يسئ إلى سمعت المطعم,وبما أن لدي حصة فيه.."
-حصة فيه؟ظننتك تسكن في نيويورك؟
صحيح,ولكن بما أنني مستثمر عالمي,فإن لدي أسهماً في الكثير من المشاريع.
وعندما انتهى من الحديث,وصلت فطيرة الطعام البحري
فسألها:"لا بأس في هذا؟"
-إنه ممتاز,شكرا.
أجابته بأدب لكنها سرعان ما أدركت أن الطعام أكثر من مجرد ممتاز,فهو لذيذ للغاية.
لم يتكلم أي منهما أثناء الطعام,لكن عينا رايان كانتا تتجولان غالبا على وجهها أكثر منهما على طبق الطعام.
عندما نظرت إليه مستفهمة,قال:"أنت أول إمرأة أحضرها إلى هنا ولا تثرثر دون انقطاع أثناء تناول الطعام"
تسائلت عما إذا كان يجدها مرافقة فاترة بطيئة الفهم لكنه تابع يقول:"من هو الذي دعا زوجته(الصمت الرحيم)؟"
-لا أدري.
شعرت بشيء من الزهو والسرور لكلماته.ورغم أنهما تعارفا لتوهما,إلا أن إستحسانه لها كان يعني لها الكثير.
سألها وهو يمد ساقيه الطويلتين:"أخبريني يافرجينيا.هل ذهبت قط إلى نيويورك؟
-لا,لكنني لطالما تمنيت ذلك.
أومأ وكأن جوابها سره,قبل أن يسألها:"ما رأيك في العمل هناك؟"
-أحب هذا كثيراً,ولكن...
ثم سألته غير واثقة:"أتراك تقدم لي وضيفة هناك؟"
-ألا تريدين واحدة؟
فقالت بارتياب مفاجئ:"هذا يعتمد على سبب تقديمك للوظيفة"
-تظنين أن للأمر علاقة بوالديك؟
-أليس الأمر كذلك؟
-سبق أن قلت بنفسك(شخصية أبوي يجب ألا تشكل أي فرق,إنما فقط ماتعلمته وما أنا قادرة على القيام به).وأنا موافق على هذا.
وأضاف مقطباً:"هل تعتقدين حقا أن هوية والديك تهمني مقدار ذرة؟"
قالت شاعرة بأنها حمقاء:"من المفترض أنهما تحدثا عني,وإلا لماعلمت بوجودي قط"
-أنا لا أنكر أننا تحدثنا عنك.
-لا أتخيل السبب.فقد مضى أكثر من ثلاثة أشهر منذ وردني منهما خبر.
-بدا عليهما الزهو البالغ بما أنجزته.وقد فهمت أنك حصلت على جائزة خاصة.
-نعم.
-من أجل ماذا بالضبط؟
-كان المطلوب إقامة معرض لفنان مجهول انطلاقا من الصفر.
-وهل استمتعت بذلك العمل؟
-إلى درجة كبيرة.
-ألا تحبين القيام بالعمل نفسه؟
سألته بحذر,محاولة أن تكبت حماستها:"هل هذه هي الوضيفة التي تعرضها علي؟"
-نعم.
-لماذا؟
-لأن مساعدتي الآنسة كالفيلد سترحل لتتزوج.
-لماذا اخترتني أنا؟لا بد أن هناك الكثير ممن هم أكثر خبرة مني,ويسرهم جدا أن يشغلوا وظيفة كهذه.
هز كتفيه:"كلامك صحيح.لكنني أؤمن بإعطاء الجيل الجديد فرص للعمل".
-يبدو هذا رائعا,لكنني سأكون بحاجة إلى مسكن.
-ثمة شقة مخصصة لشاغل هذه الوضيفة,أما الراتب...
ونطق برقم خيالي بالنسبة إلى فرجينيا ثم تابع وكأنه قرأ أفكارها:"الحياة في نيويورك ليست رخيصة,لكنني أظنك ستستمتعين بها"
كان يتكلم وكأنها قبلت بالوظيفة وانتهى الأمر,ورغم أنها لم تستطع أن تصدق رجلاً مثل رايان فالكونر يبذل جهده لتحسين وضعها ويقدم مثل هذه الفرصة لها,إلا أن الحماسة خنقتها.
ستعيش في أكثر المدن إثارة في العالم,وتقوم بالعمل الذي لطالما أرادت القيام به.لكنها ستعمل عنده...
هل هذا أمر حسن؟حذرها صوت خفي في داخلها.فقد فتنها رايان بشكل خطير.إن رجلا في مثل عمره وجاذبيته لابد أن يكون متزوجا.
وحتى إذا لم يكن متزوجا,فهي ليست سوى فتاة عادية,وبالتالي ليست من طبقته...وإذا سمحت لمشاعرها بالتطرف,فسينعكس عليها بشكل سيء.فهل من المنطق أن تقبل عرضه المغري هذا؟
وخرق رايان الصمت الذي طال ليسألها بهدوء:"ربما تشعرين أنك لا تستطيعين أن تقبلي عرضي هذا بسبب اشتراك والديك فيه.."
-لا,ولكن...
-أؤكد لك أنهما لم يتدخلا في الأمر...
وهي تصدق ذلك,فهما لايهتمان بها بحيث يفعلان ذلك.
-لقد أخبراني أين أجدك,لكن ليس لديهما أي فكرة عن عرض العمل هذا...
وبشيء من نفاذ الصبر والتحكم بالنفس,سألها:"ماهو رأيك إذن؟"
أدركت أن عليها أن ترفض,إلا أنها ألقت بالحذر جانبا,وقالت بلهفة:"نعم,شكراً.سأقبل"
ابتسم وللحظة واحدة كان بإمكانها أن تقسم أن الارتياح بدا عليه.لكن لابد أنها أخطأت في فهم التعبير الذي بدا على ملامحه...
مد يده قائلا بمرح:"حسنا,بعد أن حسمت أمرك,فلنتصافح"
وضعت يدها في يده,فانتابها شعور غريب بأنها تقابل قدرها,وشعرت بهزة كهربائية تسري في ذراعها.
ثأثيره عليها كان قوياً,وحذرها التعقل من أن تلعب بالنار,لكنها كانت تشعر بأن هذا الأمر لايمكن تجنبه وأنها تورطت بحيث لم يعد يهمها شيء.
نبهها طبعها العملي,فأخذت تتساءل كم من الوقت يستغرق جمع ثمن الرحلة بالطائرة.وسألته:"متى تريدني أن أبدأ؟"
-بأسرع مايمكن.الأسبوع القادم مثلا.سأخبر رأيسك أنك لن تعودي,ونسوي الأمر معه.
قالت فرجينيا بارتباك:"ليس هذا فقط"
فقال بحدة:"هل هناك تعقيدات أخرى؟ربما صديق؟"
-لا,على الأقل ليس بشكل جاد.
عاد الإرتياح على وجهه مرة أخرى,وقال:"ذكرت أن لديك شقة...هل هي مستأجرة؟
-نعم.
-لا مشكلة إذن...أرجو ألا تكوني ممن يصيبهم الغثيان في الطائرة؟
-لا,لاأظن ذلك,فأنا لم أسافر يوماً بالطائرة.
-ولكن هل لديك جواز سفر؟
-نعم.
أخذ رايان يتأملها,ثم سألها:"إذن ماهي الصعوبة بالضبط؟"
فقالت رغما عنها:"ليس لدي مايكفي أجرة الطائرة"
-يا عزيزتي فرجينيا,أنا لا أتوقع منك أن تدفعي ثمن تذكرتك.في الواقع,فكرت في أن آخذك معي في طائرة الشركة النفاثة.
أخدت تفكر متأملة,في أنه يحاول جهده لكي يحصل عليها.
-هل بإمكانك نجهيز نفسك للسفر يوم الجمعة؟
عدا عن إخبار صاحب الشقة بأنها ستتركها,وحزم حقيبتها,لم يكن لديها سوى القليل لتقوم به.
-نعم,يمكنني أن أكون جاهزة.
-هذا حسن.
تغلب الفضول على خجلها الغريزي,فسألته:"ماذا كان سيحدث لو قلت إنني لا أستطيع القبول بالوظيفة؟"
فابتسم:"كنت سأبقي طاترتي في الإنتظار"
وإذا رأى مدى ذهولها,أضاف ساخرا من نفسه بطريقة تعودت عليها:"أنا الرئيس,والحصول على ما أريد هو القاعدة".

زونار 25-10-09 05:09 PM

- المغامرة
كانت طائرة الشركة النفاثة قمة في الرفاهية,والرحلة فوق المحيط سهلة وهادئة.أما بالنسبة لفرجينيا فهي أجمل ما قامت به في حياتها.
كانت نيويورك,بناطحات سحابها,تمثل كل ماتوقعته فرجينيا من عظمة وجمال.وشعرت أن عليها أن تقرص نفسها لترى إن كانت تحلم.
منذ أخذها رايان إلى المطعم لم يتركها إلا نادرا.وعندما سألته مترددة,عما إذا كان لديه عمل أكثر أهمية ليقوم به,أجاب بابتسامة عريضة:"أهم شيء عندي هو أن أحرص على أنك لن تغيري رأيك"
لماذا يهمه عدم تغيير رأيها إلى ذلك الحد؟أم أن قوله هذا مجرد ملاحظة لاتعني شيئا؟
منتديات ليلاس
ظل يظهر رغبة في مرافقتها ويصر على أن يتناولا العشاء معا.وفي كل مرة يعيدها إلى شقتها آمنة في ساعة مقبولة للغاية.
كانت لاتفك تحذر نفسها أن من الجنون أن تقع في غرامه,إلى أن أدركت أن الأوان قد فات,وأنها أصبحت أسيرة حبه,وأن كل قواعدها عن التحكم في النفس ذهبت أدراج الرياح.وبعد أن أكتشفت فرجينيا أنه ليس متزوجا,أصبح من الصعب عليها أن ترفض دعواته.
إلا أن عقلها بقي يحذرها,فالتورط مع رجل مثله قمة الغباء.ومع ذلك أحست أنها تورطت وانتها الأمر منذ اللحظة التي دخل فيها المعرض...أصبحت على ااستعداد للقيام بأي شيء لكي تبقى قربه,حتى من دون أي ضمان لاستمرار ذلك.
لو كانت امرأة عصرية لتقربت منه,لكنها ليست من ذلك النوع فهي لاتملك الشجاعة ولا الثقة بالنفس,كما منعتها من ذلك كبرياؤها.لعله لا يهتم بها كامرأة,رغم أنها لمحت في أكثر من مناسبة شيئا من اللهب في عينيه جعل خفقات قلبها تتسارع ودفعها إلى الاعتقاد بأن التجاذب متبادل.
لكن طالما أن رايان متحكم في نفسه, فهي آمنة.كان يعاملها كصديقة حميمة,وبشهامة تسرها وتحيرها في نفس الوقت.
لم تستطع أن تقتنع بأنه يعامل موظفاته بهذا الشكل...فما الذي يجعلها مختلفة عنهن؟
السبب الوحيد الذي خطر في بالها هو والداها,لكنها لم تقل شيئا بهذا الشأن.
عندما دخلا المدينة بالسيارة,كانت زحمة السير شديدة.وعندما وصلا إلى الشارع الخامس كان الوقت عصراً فبدى الشارع ساحراً.
رغم تعودها على إخفاء مشاعرها,فشلت فر جينيا لأول مرة في حياتها في ذلك.لقد خلب لبها الجمال والحيوية في ذلك الشارع الشهير,الذي بدا وكأنه في عيد.فهتفت:"أليس هذا رائعا؟"
ابتسم رايان لها:"إذن فلن تمانعي في العيش هنا؟"
ظنت أنه يعني المدينة,هتفت:"أنا واثقة من أنني سأحبها للغاية"
ثم سألت بلهفة:"أين سأسكن بالضبظ؟"
فأجاب:"هنا"
-هنا؟من المؤكد أنك لاتعني (الشارع الخامس)؟
-بل أعني (الشارع الخامس).في هذه البناية بالذات.
قال هذا والسيارة تقف أمام ناطحة سحاب,تظهر واجهة معرض متألقة على جانبي مدخلها البالغ الفخامة.
-ناطحة السحاب هذه معروفة بإسم(فالكونر)وقد بنيت منذ ثلاثين سنة فقط حين قرر أبي أن يستثمر في عقار حقيقي.
ساعدها على الخروج من السيارة,وهو يقول للسائق,كاتماً إبتسامة خفيفة:"هل لك أن ترسل الأمتعة إلى أعلى مباشرة؟"
-بكل تأكيد سيد فالكونر.
تطاولت بعنقها لترى البرج الزجاجي,ثم قالت:"إنه بالغ الإرتفاع.كيف يمكنكم قطع كل تلك المسافة إلى أعلى؟"
-أنا اسكن حاليا في الطابق الأخير.
تأمل وجهها ثم قال بلهجة ذات معنى:"أما أنت,فستسكنين شقة صغيرة بجانب شقتي"
وعندما نظرت إليه مذهولة,قادها إلى ردهة مضاءة بعدد من الثريات حيث حياهما حارس قصير البنية.
قال له رايان:"هذه الآنسة آدامز.ستسكن في الطابق الأعلى"
وعندما أرتفع بهما المصعد بهدوء,حاولت فرجينيا أن تلتقط أنفاسها.كانت تتوقع غرفة واحدة في منطقة ما ولم تتصور قط أن تسكن في الشارع الخامس بجانب رايان.
الأمر كله لايصدق.ومرة أخرى أخذت تتساءل,لماذا لا؟
لعل مساعدته الحالية لاتزال تسكن الشقة التابعة للمعرض؟
سألته :"هل هذا ترتيب مؤقت؟"
نظر إليها جانبيا:"لا.ليس مؤقتا.المبنى الذي تسكن فيه الآنسة كالفيلد سيتم إعادت تأهليه.وبما أن الشقة الملاصقة لشقتي خالية في الوقت الحالي..."
وتسائلت عما يجعل شقة في بناية فخمة كهذه تبقى خالية ؟
وكأنه قرأ أفكارها,فقال:"كنا نتوقع أن تنتقل إليها جانيس,ابنة زوجة أبي,عندما تنهي دراستها في الكلية,لكنها غيرت رأيها بالنسبة للإقامة في نيويورك"
ووصل المصعد وانفتح بابه.
قال:"إنها تحت السطح بقليل.يبدو أنها فكرت أمي,وبما أنني كنت قد ولدت لتوي,قرر والدي أن يحقق لها هذه النزوة.على أي حال,لطالما أحببت هذه الشقة"
ولاحظت نافذة كبيرة للغاية تطل على مشهد مثير فوق السطح"اعتدت أن اسمي هذا نافذتي إلى السماء"
وعلى الجدار المقابل رأت سلسلة من النوافذ الصغيرة المتماثلة على كل جانب من جوانب باب كبير منقوش بشكل جميل.
-هذه شقتي.كانت بيت الأسرة الرئيسي في حيات أبي.
ثم قاد فرجينيا إلى باب أكثر تواضعا,فتحه ودخل وهو يقول:"وهنا ستسكنين أنت.هيا لأريك الشقة.إن الشقة صغيرة,لكنها تقع في زاويت المبنى,وبهذا لديك مشاهد جيدة من الناحيتين..."
شعرت وكأنها في حلم,فتركت حقيبة يدها وتبعته,وإذا بها تكتشف أن شقتها الصغيرة أكبر حجما واتساعا مما كانت تتصور.
كانت غرفة الجلوس تطل على شرفة جميلة وحديقة على السطح فيبدو المنظر منها خلابا.
سألها :"هل أعجبك؟"
فأومأت من دون كلام.
-عندما تستريحين,سنتناول العشاء في مطعم"الغيوم"..
وأربكها تماما,حين أضاف بلهجة عفوية:"سنمر على بقية أفراد الأسرة ليتم التعارف بينكم".
وفجأة وجدت صوتها لتسأله:"بقيت أفراد الأسرة؟"
-بيث وجانيس تشغلان شقة في الطابق الذي يقع تحتنا مباشرة.وستيفن وزوجته مادلين يعيشان في شقة بجانبهما.
إذن ستعيش محاطة بعشيرة فالكونر كلها...كما أخذت فرجينيا تفكر مبهورة.
-إنهم يتوقعون منا أن نزورهم.لاتقلقي,فالأمر ليس كما يبدو.وأنا واثق من أنك ستحبين بيث...
بدا واضحا من الرقة التي بدت على وجهه أنه مولع للغاية بزوجة أبيه.
وعندما تبعته إلى الردهة ,أضاف يقول:"أرجو أن تنسجمو معا"
وإذ رأته ينتظر جوابا,قالت بقناعة أكبر مما تشعر به:"أنا واثقة من ذلك"
إذا كان هذا مايريده رايان فستبذل كل مافي وسعها لتنسجم معهم.لكن ماذا سيكون شعورهم نحوها؟
كان واضحا أنهم أسرة ثرية نافذة في مجتمع نيويورك بحيث يختلطون بالرؤساء أمثالهم.أما هي,ورغم ثقافتها الجيدة,فمتواضعة بالنسبة إليهم,إذ تعتاش من عملها.والأسوء من ذلك هي موظفة عند رايان...
رن الجرس ففتح رايان,وقال:"إنها الأمتعة.اترك هاتين الحقيبتين.أما الحقيبتان الأخريان فأدخلهما إلى هنا...أين تريدين أن يضعهما؟في غرفة النوم؟"
رفع حاجبيه مستفهما,فقالت محاولة أن تجعل صوتها عمليا جافا:"نعم.أرجوك"
وضع الغلام الحقيبتين,فناوله رايان بعض الدولارات,فتمتم شاكرا,وخرج.
قال رايان وهو يقف عند الباب المفتوح:"حسنا,سأتركك لكي تفتحي أمتعتك وترتاحي.."
فجأة,وربما لأول مرة بدا كل شيء حقيقيا.إنها هنا في نيويورك لتبدأ عملا جديدا,وتسكن في الشارع الخامس بجانب شقة رايان.ولم تدر إن كان ذلك لمصلحتها أم لا...
ابتسمت له,وعلى وجهها كل الحماسة والتوقعات,وغمرها السرور لوجودها معه.
وقف رايان ينظر إلى وجهها المشرق من دون أن يقوم بمحاولة للذهاب,فيما بدا وجهه متوترا بشكل غريب.ثم قال بنعومة:"كان يوما شاقا ولا بد أنك بحاجة إلى النوم باكرا.سأعود في حوالي الساعة السابعة"
وفيما وقفت جامدة كالتمثال,خرج هو مغلقا الباب خلفة بهدوء.تسمرت مكانها ولم تستطيع الحركة إلا بعد أن استجمعت شتات نفسها فاتجهت إلى غرفة النوم.
***
لم تكن الساعة قد بلغت السابعة عندما رن جرس الباب.سارت فرجينيا إلى الباب تفتحة وقد ارتدت الثوم الرسمي الوحيد الذي لم يره رايان عليها.بدت ****ة عن نفسها لأنها أنيقة ومتألقة بقدر استطاعتها.
كان يرتدي سترة أنيقة وقميصا حديث الطراز,وبدا شعره الأسود الكث جعدا قليلا.وقف يبتسم لها,جاعلا خفقات قلبها تتسارع وركبتيها ترتجفان.
بدا رايان وسيما إلى حد يخطف الأنفاس,وكان هادئا واثق من نفسة إلى حد أن ثقتها بنفسها تبخرت على الفور,وجدت نفسها تسأله بقلق:"هل مظهري حسن؟"
نظر إليها متأملا شعرها البني اللامع ووجهها الجميل بعينيها الخضراوين,وفمها الدقيق,وقوامها الرشيق في ثوبها الأخضر البسيط,ولاحظ أنها لاتضع أي مجوهرات,ثم فكر أنه لم يرى قط امرأة أجمل منها.
قال يطمأنها:"سيحسدني كل الرجال هذه الليلة"
نظر إلى أهدابة الطويلة وقد أسبلتها,ووجهها الذي تورد قليلا,وشعر بموجة من المشاعر جعلت صوته أجش تقريبا وهو يسألها:"هل لديك معطف؟"
أحضرت سترة من الفراء,فساعدها على ارتدائها قبل أن يقترح عليها:"بما أن الأسرة تسكن تحتنا بطابق واحد,فهل ننزل سيرا على الأقدام؟"
مخاوفها السابقة عاودتها,فأومأت محاولة أن تخفي توتر أعصابها.
وبابتسامة مطمئنة,نظر إليها ثم نزلا معا السلم الرخامي.وما كاد رايان يلمس الجرس حتى انفتح الباب,مادل على أن سكان الشقة كانوا في انتظارهما بلهفة.
-لابد أنك الآنسة آدامز,تفضلي.
وقادت امرأة باسمة,فضية الشعر,فرجينيا إلى ردهة جملية:"أنا اليزابيث فالكونر,زوجة والد رايان..."
ولم تجد أثراً للتعالي الذي خافت منه.
كانت اليزابيث فالكونر تتكلم بلهجة إنكليزية رغم السنوات العشرين التي أمضتها في الولايات المتحدة.كانت قصيرة القامة ورشيقة,ذات عينين بنيتين ناعمتين,ووجه جميل رقيق.
وأحبتها فر جينيا من أول نظرة.
-تعالي لتتعرفي إلى بقية أفراد الأسرة.
وفي غرفة الجلوس الفسيحة الجميلة,وجدت ثلاث أشخاص,امرأة شقراء مذهلة الجمال في أوائل الثلاثينات,ورجل حسن المظهر معتدل الطول ذو شعر أشقر وعينين زرقاوين.كما جلست على مقعد منخفض أمام النار المشتعلة,امرأة صغيرة السن ذات شعر أسود طويل.
وقالت بيث بمحبة:"هذه ابنتي جاينس"
قالت بابتسامة ودودة:"إذن أنت فرجينيا..رايان على حق"
قالت جملتها الأخيرة بلهجة ناقدة.وتابعت بيث تقول:"وهذا ابني ستيفن"
كان الشبه العائلي واضحا.وعندما تقدم ستيفن ليصافحها بحرارة قال:"تسرني مقابلتك,يا آنسة آدامز.هل لديك مانع في أن أدعوك فرجينيا؟"
-أرجوك أن تفعل ذلك.
بدا في ابتسامة فرجينيا الارتياح والسرور,وتابع ستيفن بزهو واضح:"هل لي أن أقدم لك زوجتي مادلين؟"
كانت مادلين شقراء مذهلة القوام,وهي إحدى أجمل النساء اللاتي قابلتهن فرجينيا.
تأملتها بعينيها الفيروزيتان ببرود:"مرحبا,يا آنسة آدامز.يجب أن أعترف أننا ذهلنا بعض الشيء حين قال رايان إنه سيعود وبصحبته امرأة عرفها لتوه"
الكلمات والابتسامة كانتا مهذبتين ظاهريا,لكن فرجينيا أحست بنبرة من الانتقاد,فقالت:"أنا واثقة من ذلك.حدث كل شيء بسرعة ومازلت أشعر بالغرابة"
-ألا تخلعين سترتك وتجلسي؟
وقبل أن تتمكن فرجينيا من أن تجيب,قال رايان الذي وقف صامتا طوال الوقت,بحزم:"شكرا ,لكن كارلسن ينتظر في السيارة.فنحن سنتناول العشاء في مطعم الغيوم"
رافقتهما بيث إلى الباب ثم ابتسمت لرايان ابتسامة خفيفة وربتت على ذراعه وكأنها تظهر له موافقتها الضمنية.
ثم التفتت إلى فرجينيا:"بما أننا أهل,نحن نرحب بكي على الدوام..بالمناسبة,حرصت على أن يكون لديك في الشقة كل ما تحتاجينه حتى تستقر أمورك,وإذا احتجت إلى شيء فأخبريني"
وفي المصعد قال لها رايان:"هل شعرت أنك تخضعين لامتحان قاس؟"
-على الاطلاق.كانو لطفاء للغاية.
فقال بفظاظة:"لا تكن مادلين المودة للنساء الأخريات,خصوصا الجميلات منهن"
أجفلت فرجينيا وقالت باحتجاج:"لكنني لست جميلة"
فالتفت إلها باسما:"إنها وجهة نظر.فأنا أراك كذلك"
ورغم أنها لم تكن توافقه الرأي,إلا أنها أحست بنفسها تسير فوق الريح لأنه يراها كذلك.
كان مطعم الغيوم أحد أرقى المطاعم في مانهاتان,ويطل على مشاهد خلابة للمدينة المرصعة بالجواهر.
كانت عينا فرجينيا غالبا مسمرتين على الرجل الجالس أمامها عند مائدتها الصغيرة.
في البداية حاولت أن تكون عملية,أن تسأله عن المعرض وعن الوظيفة التي ستستلمها قريبا,لكن رايان هز رأسه:"هذا ليس وقت التحدث عن العمل.نحن هنا لنرتاح ونتمتع بوقتنا,أليس كذلك؟"
-وهو كذلك.
قررت فرجينيا أن تستمتع بالحاضر والمكان من حولها,رافضة أن تدع المشاكل التي يمكن أن تواجهها,تضعف سعادتها.قررت أن تفرح بوجودها مع رايان في مثل هذا المكان الرائع.
مر الوقت بالحديث والضحك,وأكل الطعام الذيذ الذي لم تكد تتذوقه وهي غارقة في الحب حتى اذنيها.كان رايان مرافقا ساحرا,بث فيها شعورا بالحيوية البالغة وأشعرها بأنها أذكى وأكثر فتنة مما تعهده في نفسها.

زونار 25-10-09 05:10 PM

ساد شعور بالانسجام بينهما...شعور بالرضى,وكأنهما في المكان الذي يريدان أن يكونا فيه بالضبط.
وعندما أحضرت القهوة,ظهر وراء شعور الراحة والرضى نوع من التوتر...إحساس لم تشعر به فرجينيا من قبل,جعلها غير قادرة علة أن تنظر في عيني رايان,كما جعلها في البداية,تتلعثم,لتلوذ بعد إذ بالصمت.
سألها:"أتريدين المزيد من القهوة؟"
خطر لها أنه رجل ساحر,وأنها ستحب أي شيء بقربه,مابعث الوهن في كيانها.فيما تابع قائلا:"أم تفضلين أن نذهب"
ورغم أنها لم تكن واثقة,إلا أنها شعرت أنهاشعرت أنها تثير فيه مشاعر من نوع آخر غير التي يصرح بها.أما جوابها فكان حاسما.
وهكذا,هل الرئيس الذي سيستخدمها أم الرجل؟
الرجل بكل تأكيد.لكن لنفرض أنه يريد علاقة عابرة؟هل يمكنها أن تتحمل ذلك؟فقدانها كرامتها؟إذلالها؟
المشكلة هي أنها لا تعرفه بمايكفي لتكتشف أي نوع من الرجال يكمن خلف هذا المظهر الساحر.
ماذا لو أصبحت بالنسبة إليه مجرد عقبة,بعد أن يمل منها؟
من الممكن أن تنتهي من دون وظيفة,أو مال ومن دون مكان تعيش فيه ولا سبيل إلى الذهاب إلى وطنها.
الإحتمالات كانت كئيبة للغاية.ولكن,لسبب ما,كل هذا لم يعد له أهمية.بدا وكأن كل شيء مقدر.وكأنما قدر عليهما أن يتعارفا ويصبحا حبيبين...
وفيما الأفكار تتسابق في ذهنها,كان هو يجلس بهدوء متأملا وجهها.شعرت بفروغ صبره,وفجأه تملكها الشعور نفسه,فقالت بصوت أجش:"نعم,أنا مستعدة للذهاب"
كانت الليموزين في الانتظار,فعادا بصمت وبينهما مسافة قدم.عندما وصلا إلى "برج فالكونر",حيا رايان سائقه,ثم سار نحو الحارس ليتحدث إليه قليلا,وجو الهدوء المحيط به يتناقض مع المشاعر التي تتملكه.
في المصعد نظر إلى فرجينيا,فشعر أنها ترتجف.قال:"يا إلهي! إنك ترتجفين.هل أنت خائفة أم تشعرين بالبرد؟"
فأجابت متلعثمة:"لا..لا أبدا..ربما هو البرد"
نظر إليها رايان نظرة ذات مغزى,إذ أدرك أنها تكذب,لأنه هو أيضا يشعر بتيار عنيف يسري بينهما.ومن دون أن يضيف كلمة أحنى رأسه بانتظار توقف المصعد.
أثناء دراستها في الكلية,خرجت مع عدد من الشبان,إلا أنهم كانو يثيرون فيها الغثيان نوعا ما.أما رايان فملأها بالمشاعر والبهجة,وأذاب العظام في جسدها.
عندما وقف بهما المصعد وأنفتح الباب,قال لها والتصميم باد في صوته:"أود أن نتحدث قليلا في شأن هام"
وجدت نفسها تتساءل عما يريده؟ربما يعتقد أنها سهلة المنال.
قادها عبر الردهة إلى شقتها.
فسألته :"في أي شأن تريد أن تحدثني؟"
-لن نتكلم في الردهة,فلندخل أولا وستعرفين.
راحت تراقبهوهو يفتح الباب.كان رائعا بكتفيه العريضتين وحبست أنفاسها لمنظره.
توقف لحظة,ليفسح لها المجال للدخول.أضائت فرجينيا النور لكنها ظلت واقفة تنظر إليه.وسرعان ماقادها للجلوس على الأريكة بقربه.تعلم أن الأمر كالعب بالنار,لذا فعليها أن تكون حذرة.أطال التحديق إليها وكأنه يتفحص كل جزء من وجهها,مما جعل الإحمرار يعلو وجنتيها.كان رايان يتعجب دائما من ردة فعلها هذه وأراد أن يتأكد من أمر آخر فقال:"إن خجلك هذا يناسب فتاة صغيرة عذراء,لا امرأة راشدة تتحمل مسؤولية نفسها مثلك"
قالت فرجينيا وهي تشعر بالوهن تحت تأثير نظراته وحضوره المسيطر:"مع أنني لست صغيرة في السن وأتحمل مسؤولية نفسي إلا أنك محق في الجزء الآخر مماقلته"
وعضت على شفتها بسرعة,وكأنها خجلت لتحدثها عن هذا الموضوع.
بهت رايان لكلامها,وكأنه لم يتوقع ذلك إلا انه مالبث أن ابتسم ابتسامة رضى.وسألها:"لا أفهم كيف بقيت من دون حب طوال هذه المدة؟إن امرأة بجمالك تعيش بمفردها.."
-لا أحب العلاقات العابرة,كما لم أتعرف إلى رجل جعلني أحبه بما يكفي...
وأدركت بعد فوات الأوان أنها أخطأت في قولها الجملة الأخيرة.
فسألها برقة:"وأنا,ألا تشعرين نحوي..بشعور مختلف؟"
فأجابت متهربة:"أنا...وجدتك جذابا"
-فقط؟
-ألا يكفي هذا؟
-لا أظن ذلك,لأنني أريد أن أتزوجك.
فهتفت مصعوقة:"تتزوجني؟"
-نعم,أتزوجك.
كانت مقتنعة بأن ما يقوله خدعة,فقالت:"أليس من الافضل لك أن تكون حذرا؟فقد أظنك جادا"
-وأنا أريد أن تظنيني جادا.
-لايمكن أن ترغب حقا في أن تتزوجني.فقد تعارفنا لتونا.
-ألا تؤمنين بالحب من النظرة الأولى.
-بل أؤمن...
فهي أيضا منحته قلبها ما إن وقعت عيناها عليه.إنها لاتستطيع أن تنكر ذلك.
-كنت أرجو أن تؤمني أنت أيضا بذلك.
-و...ولكننا غير متناسبين.فأنت...
فقاطعها:"أنا رجل يريد أن يتزوجك وأنت لا تقتنعين بسهولة"
-أنا لا أفهم لماذا تريد أن تتزوجني.معظم الناس في هذه الأيام يختارون العلاقات الحرة.
-وهل هذا ماتريدينه؟
-لا.
-ولا أنا.أظنني من النوع الذي يتمسك بالقيم القدية,ومعرفة أن زوجة المستقبل مثلي,جعلني أشعر بسرور غير متوقع.
زوجة المستقبل...؟
كم تود أن تصدق ذلك.
-هناك سبب آخر يدعوني للزواج وهو أنني أريد أطفالا خلال عام أو نحوه,وأنا أريدهم منك.ألا ترغبين في إنشاء أسرة؟
-نعم أرغب في ذلك.
تأمل وجهها ثم سألها:"وما الذي يزعجك إذن؟"
-طراز حياتنا مختلف.
-لكنه غير متنافر.ألا تظنين أن بإمكانك أن تتعودي على حياة الأغنياء؟
-أنت تعيش في عالم مختلف تماما,مجتمعك...أصدقاؤك...
-أنت تعيشين في عالمي الآن,والمجتمع الذي أعيش فيه سيستقبلك بذراعين مفتوحتين.فأنت ذكية,رائعة الجمال ومثقفة ولديك ميزات خاصة...
-وأبوان مشهوران؟
-لن أعلق على تحاملك وموقفك هذا.
وإذ أدركت أن الحق معه,تمتمت:"آسفة,يبدو أنني لا أستطيع منع نفسي"
-حسنا,إذا كانت شهرة والديك تزعجك إلى هذا الاحد,فلن نأتي على ذكرهما ونزعم أنهما غير موجودين...
-ذلك لا يزعجني,إنه فقط...
-لكنني أدين لهما بالشكر ولهذا أريد أن أدعوهما إلى العرس.
وأردت أن تبدي ممانعتها قليلا:"لكنني لم أقل بعد إنني سأتزوجك"
-حسنا,أنا سأتزوجك.وإذا لم تقولي نعم وتعيني موعدا للزفاف,فسأبقى مصرا,وسأحاول التودد إليك ومغازلتك إلى أن تقتنعي.فما رأيك؟
-إذن من الأفضل أن أرفض...
ضحك مسرورا:"مادمت قد ظفرت بالجواب المناسب في النهاية,فأظنني سأقوم بالعمل على طريقتي"
***
5-رحلة العذاب
عند الصباح دعاها رايان لتناول الإفطار في مطبخ شقته الفسيح المشمس,قبل أن يعود إلى موضوع الزواج:"وهكذا,متى سيكون الزواج؟"
كانت فرجينيا تجلس قبالته,ووجهها مشرق خال من أي زينة,وشعرها المجعد مبلل من الدوش.
كانت ترتدي ثيابا قطنية خفيفة وأخذ يفكر في مدى جمالها وجاذبيتها.
رفعت بصرها إليه,وعيناها تلمعان في أشعة الشمس,وأخذت تتفحص وجهه:"هل أنت واثق من أنك تريد أن تتزوجني؟"
-مئة بالمئة.
وعندما رآها تقطب قليلا وتعود إلى طعامها,سألها:"هل مازالت هذه الفكرة تحيرك؟"
-ماذا عن أسرتك؟ماذا لو أعترضوا؟
-أنا واثق من أنهم لن يعترضوا.
-إفرض أنهم فعلوا.
-لا أحتاج إلى موافقتهم.لكنني واثق من أنهم سيبتهجون لأجلي,وخصوصا بيث.والآن فلنعد إلى سؤالي الأساسي,متى سيكون هذا؟
-متى تحب أنت أن يكون؟
-بأسرع مايمكن.فلنقل في منتصف كانون الأول؟وهذا يمنحنا حوالي شهرين لإنهاء الترتيبات.
-إنهاء الترتيبات؟
فرفع حاجبيه:"لم الدهشة؟ألا تأخذ ترتيبات الأعراس وقتا في العادة؟"
-ليس إذا كان عرسا هادئا.
-لكن عرسنا لن يكون هادئا.أريد أن أتباهى بعروسي.أريد أن نتزوج في كنيسة سانت باتريك ويكون لنا عرس يتكلم عنه مجتمع نيويورك...
وإذ رأت أنه يعني كل كلمة يقولها,وافقته ذاهلة:"لا بأس,إذا كنت تريد هذا حقا"
-وإذا لم يكن لديك مانع,مازلت أريد أن أدعو والديك إلى زفافنا.
-طبعا سندعوهما.
فقال بهدوء:"أظن أنه من الإنصاف أن نعطي أباك فرصة مرافقتك إلى الكنيسة.أليس كذلك؟"
-أظن ذلك,رغم أنني أشك في رغبته بذلك.
ابتسم رايان لها:"والآن,بالنسبة للترتيبات,أنا واثق من أن بيث ستسرها مساعدتنا..هذا إذا سمحت لها بذلك"
-طبعا سأسمح لها.لكن هل أنت واثق من أنها لن تتأذى؟أخبرتني أنها سبق وأصيبت بنوبة قلبية.
-أنا مقتنع بأن هذا النوع من الحماسة سيفيدها تماما.
***
تملك فرجينيا الإرتياح عندما أبدت بيث,ذات القلب الكبير,سرورها البالغ,كماتوقع رايان بالضبط.
أماوالداهااللذان يعيشان في حي سوهو في مبنى جميل فأطلعاهما على أمرفي الصباح نفسه.
وعندمااقترح رايان،أن يرافقهاأبوها إلى الكنيسة،حسب التقاليد،وافق على الفور،ماأدهش فرجينيا.
وبعدأن تناولاالطعام,أخذ رايان فرجينيالتختارخاتم الخطوبة.وقفت ذاهلة أمام المجموعة الضخمة من الأحجارالكريمة المتألقة,واختارت أخيراحجراأعجبها.
أعجبها لونه الأصفرالصافي المتألق,وطرازه القديم,فنظرت إلى رايان تطلب رأيه.وضعه في إصبعهافوجده مناسبا تماما.أخذيتأمله لحظه قبل أن يقول موافقا:"نعم,إنه يلائم يدك".
سار كل شيء على مايرام وكأنما حصل بسحرساحر.ابتهجت جاينس عندماطلبوا منهاأن تكونوصيفة العروس,بينماأعلن ستيفن أنه سيسره جدا أن يكون شاهد العريس.
وحدها مادلين كانت تجلسهادئة مؤدبة في حضور رايان, فيماتميل في غيابه إلى اللقاء ملاحظات خبيثة مقصودة,خصوصاعن خاتم خطوبةفرجينيا.
-كم هوعتيق الطراز!أماكان الماس أفضل؟فهو يساوي مبلغا أكبر فيمالوغير رايان رأيه بالنسبة إلى الزواج وأبقى الخاتم لك.
لكن حقد هذه المرأة لم يستطيع أن يفسد سعادة فرجينيا.فكانت أيامهاكلها فرحا.رايان يخبها وهما سيتزوجان,وستكون هي جزء من هذه الأسرة السعيدة .لقد تحقق حلمها.
ورغم أنها كانت تمضي الكثير من السهراتبرفقته,إلى أنها رفضت إلحاحه الدائم عليها بأن تنتقل إلى شقته,حتى أنهارفضت أن تأخذ مفتاحها.
وعندما عاد رايان إلى العمل كارها,بعد أن أخذ عطلة أسبوعين لكي يريها نيويورك,فررت فرجينيا أن الوقتحان لكي تفعل مثله وتذهب إلى العمل لتعيل نفسهاوتشعر بالاستقلالية,رافضة أن ينفق عليها قبل الزواج.
وفيما هما يشربان القهوة تلك الأمسية,بسرورورضى,فتحت الموضوع :"رايان.."
-نعم
_أريد أن أبدأعملي في المعرض
-لاحاجة بك إلى العمل على الإطلاق.
-لكنني أريد ذلك,وإلاماذا سأفعل طوال النهارأثناءوجودك في المكتب؟
-ياعزيزتي...عليك أن تهتمي بأمور العرس...وبمناسبة الحديث عن العرس,أين تريدين أن نقضي شهر العسل؟
- لايهمني في الحقيقة.
- حسنا,إماأن نذهب للتزلج,وإماأن نذهب إلى بلادمشمسة...ماذاتفضلين؟
- أطنني أفضل البلاد المشمسة.
- مكسيكو؟جزر هاواي؟جزرالكاراييب؟
- لطالما تمنيت الذهاب إلى هاواي.
- فليكن هاواي إذن.
وافقهاوهو يغمض عينه فانسدلت أهدابه الكثيفة السوداء على وجنتيه.
-رايان,لاأريد أن يتغبر الموضوع بكل هذا الحديث عن شهر العسل.
فقال متظاهرا بالبراءة:"أغير الموضوع؟لاأدريماتعنين".
-بل تعلم جيدا ماأغني.أريد أن أبدأالعمل الذي وعدتني به.فسألها:"حبيبتي,هل تحاولين التملق إلي لإقناعي؟"
- نعم.
فتنهد خاضعا:"حسناجدا,إذاكان هذا ماتريدينه حقا.ولكن خذني أيام عطلة من العمل بين حين وأخرلكي تشتري ماتحتاجينه"
-سأفعل.وافقت بسعادة,وهي تنظرإليه بدلال جعل رايان يذوب حبابها.
*****
رغم شفف فرجينيا بعملهاواستمتاعهابالأيام التي تمضيهافي المعرض,كانت تجد نفسها دومامتلهفة إلى قضاءبرفقة رايان,فهو رجل رائع وحبيب رقيق المشاعر,كماأنه سخي وحنون. وهكذا تسارعت الأيام في دوامة من السعادة والرضى.
ومع حلول الأسبوع الأول من كانون الأول,كانت معظم ترتيبات العرس قد انتهت,ولم تبق سوى بعض التفاصيل الصغيرة.
لم تعد فرجينيا ترى رايان كثيرا وذلك لأنه يتأخر في مكتبة غالبا لينتهي الأعمال المطلوبة منه قبل رحلة شهر العسل.
ويوم الجمعة,ذهبت فرجينيا مع بيث للقيام بأخر قياس لثوب الزفاف.
عادتا إلى البيت بعد فترة فسألتهابيث:"هل سترين رايان هذا المساء أم سيتأخرمرة أخرى؟"
-لا,لن يتأخر في العمل لكنني لن أراه, لأنه سيحضر عشاء جمعية خيرية.
- إذالم يكن لديك خطة أخرى,لماذالاتأتين لتناول العشاء معي؟جاينس ستتعشى في الخارج وسأكون لوحدي.
أجابت فرجينياعلى الفور:"هذا يسرني جدا".
وعند السادسةوالنصف,نزلت فرجينيا مجددا إلى شقة بيث أمضتا سهرة جميلة لعبتا فيها الورق واستمعتا إغلى الموسيقى بصمت وهماتتبادلان بعض الأحاديث من وقت لآخر.
وعندماألقت فرجينيا تحية المساء على بيث وتركتها,كانت الساعة قد قاربت العاشرة.
صعدت مشيا إلى الطابق الأعلى وهي تتساءل إذ كان رايان سيتأخر.وما وصلت إلى أعلى السلم حتى وجدت باب شقته مفتوحا وقد وقف في العتبة شخصان.
كان رايان حافي القدمين,يرتدي ثوب حمام كحليا قصيرا,كما كانت مادلين ترتدي عباءة من الحرير الأسود مع خف أسود أيضا وشعرهاالأشقر اللامع ينسدل على كتفيها.
كانت يدهاالنحيلة القرموزية الأظافرتتحرك بهدوء,وهي تتحدث بشكل ودي وحميم.ترددت فرجينيا,شاعرة بالارتباك فيما ألقت مادلين نظرة مختصرة باتجاهها من دون أن يبدو عليهاأنها لاحظت وجودها.
بعد ذلك بلحظة,تحركا إلى أحد جوانب الغرفة,فلم يعد بإمكان فرجينيا رؤيتهما.
وفجاة تملكت فرجينيا قشعريرة باردة,وتسمرت في مكانها,بينما مرت مادلين بجانبها بسرعة وهي ترمقها بنظرة لامعة تنضح بالعداء والانتصار.
قال رايان وهو يجتازالردهة ليلقاها:"من أين جئت؟"
ومن خلال شفتين متوترتين,قالت فرجينيا:"كنت أتعشى مع بيث"

بداصوتها مهتزا متوترا.أجفل رايان,ثم قال بهدوء:"لاتدعي هذا يزعجك.إن مادلين..فلنقل إنها...كانت غير متحفظة في مشاعرها".
صفة(غير متحفظة في مشاعرها) هي آخرصفة فرجينيا تتوقعها من مادلين الباردة كالثلج.
وإذا رأى الانزعاج البالغ على وجهها,حاول أن يخفف من الأمر:"يتبادل الأقارب أحيانا أحاديث خاصة".
إنهم أسرة مترابطة, ولكن هل الوقت مناسبا لأي حديث تجاهل رايان قلقها وهو يقول:"تعالي واخبريني كيف قضيت نهارك..وكيف وجدت ثوب الزفاف".
جاهدت لكي تجيبه بطريقة عفوية:"إنه ممتازة".
تذكرت كيف رفضت مادلين دعوة بيث,متسائلة إذا ماأمضيا السهرة معا,سألته:"ماذا حدث؟هل فشل العشاء الخيري؟"
-لا .بل انتهى أسرع مما توقعت.عدت منذ نحو نصف ساعة فقرعت جرسك,وعندما لم أجد جوابا,ظننت أنك في الحمام.لوأدركت أنك مع بيث لنزلت إليكما.
وبلا من ذلك,عقد هو ومادلين لقاء خاص...خطرت لها هذه الفكرة رغما عنها,فحاولت نبذها لكنها فشلت.
تأمل وجهها,ثم قال بسرعة:"اسمعي.أظن أنه من الأفضل أن نصفي الجو بيننا".
قادها إلى الأريكة,ثم دفعها للجلوس برفق وجلس على مقعد بجانبها:"لا أدري ماهو السيناريو الذي تشكل في رأسك,لكني,أنا ومادلين لم نتحدث معا سوى لدقيقتين,حتى إنها لم تدخل.كنت قد فرغت لتوي من الحمام عندما سمعت رنين جرس الباب فذهبت إلى الباب متوقعا أن أراك..."
وفيما كانت فرجينيا متلهفة إلى أن تصدقه ظل الش يساورها,فمن غير المألوف أن تزور امرأة شقيق زوجها في مثل هذا الوقت وهي ترتدي عباءة...
وتابع رايان يقول:"جاءت مادلين لتسألني أن أختار بين هديتين من أجل زواجنا.ولتقول لي أنها سعيدة من أجلنا"
وعندما ظهر على وجه فرجينيا تعبير ينم عن الإستهجان قال:"أعلم أن مادلين لا تسر من أجل أحد ولا تفكر إلا بنفسها.على أي حال,بدت صادقة بكل تأكيد"
لقد ارتاحت من شكوكها الآن.
***
بعد أيام عادت جاينس لتزرع في ذهن فرجينيا,ذات مساء وبكل براءة,شكوكا جديدة.
كانت فرجينيا قد عادت من المعرض لتوها,عندما رن جرس الهاتف...وإذا بجاينس تقول بحماسة:"لقد احضرو لي ثوب وصيفة العروس,فهل يمكنك أن تنزلي دقائق عدة لتساعديني على اختيار الأجمل منها؟"
-سأنزل حالا.
ركضت جاينس تفتح لها الباب,مرتدية توبها البرتقالي الحريري الفاخر:"يصعب علي الاختيار,فكلها رائعة.تعالي وانظري"
كانت الفتاتان منهمكتان في إختيار غطاء الرأس,عندما قاطعهما جرس الباب.فقالت فرجينيا:"سأفتح أنا الباب"
عندما فتحت الباب,هبط قلبها وهي تجد مادلين رائعة الأناقة كالعادة,وشعرها الأشقر يلمع بقوة.
مرت بجانبها من دون كلمة واتجهت إلى غرفة الجلوس تاركة فرجينيا تلحق بها.
-أين رايان؟أريد أن أتحدث إليه.إنه معك حتما,فهو يلازمك على الدوام.
قالت مادلين وهي تتأمل الأثواب:"هذا العرس سيكلف الكثير,ومن حسن الحظ أن الأسرة غنية"
سألتها جاينس:"هل أنت باقية هنا؟"
-لا.ستيفن سيأخذني إلى العشاء في الخارج.لكنني كنت أريد التحدث مع رايان أولا.
-آسفة لعدم استطاعتنا أن نساعدك.
عندما سارت مادلين إلى الباب,أطلقت رصاصة الوداع:"أظن أن المسكين رايان لم يكن يعلم ماينتظره حين وافق على إقامت عرس كبير"
قالت فرجينيا:"جعلتني أشعر وكأنني باحثة عن الذهب"
أجابت جانيس:"تلك الثرثرة عن نفقات العرس الكبير,كثيرا ما تصدر عنها.كانت ممثلة طموح مفلسة عندما أنشبت مخالبها في ستيفن,من المؤسف أنه تزوجها.كان رايان أعقل منه.
قالت فرجينيا باستغراب:"رايان؟"
ففسرت جاينس لها الأمر:"كانت صديقة رايان قبل ستيفن"
يبدو أنها انتبهت إلى أنها قالت الكثير فتابعت محاولة أن تخفف من وقع الأمر:"أمضيا وقتا قصيرا معا قبل ان تحول إهتمامها إلى ستيفن المسكين,فسلبته عقله.كيف يمكن أن يصبح الرجال بهذا العمى فيستعبدهم الوجه الجميل والقوام الرئع إلى هذا الحد؟"
-حسنا,مادام سعيدا...
-لا أفهم كيف يمكن أن يكون سعيدا.ومنذ أحضرك رايان معه,أراهن على أنه لم يعد بإمكانه أن يعيش معها.وأظنها أدركت بعد فوات الأوان أنها أقترفت غلطة شنيعة,لأن الذي تريده حقا هو رايان.وهكذا هو السبب في غيرتها البالغة منك.في الواقع,أشعر أنها مازالت تعتبر رايان رجلها هي...ولكن,دعينا ننساها.."
اختارت جاينس باقة من الأزهار الحريرية ووضعتها على شعرها الداكن وسألت فرجينيا:"مارأيك في هذا؟"
عندما تركت فرجينيا جاينس وصعدت إلى شقتها حاولت أن تواجه فكرة أن رايان ومادلين كانا حبيبين قبل أن تتركه وتتزوج ستيفن.
غاصت في الأريكة وهي تحدق أمامها من دون أن ترى شيئا وتساءلت عما جعل مادلين تتركه؟
ربما كانت جاينس على صواب.ربما أدركت مادلين,بعد فوات الأوان,أنها أقترفت غلطة شنيعة,لأن رايان هو حقا من تريد.
واكتسحت فرجينيا موجة باردة,وامتلأ ذهنها على الفور بصورة رايان ومادلين وهما يتحدثان.لو كانت مادلين تحب زوجها ستيفن وتريده,هل كانت لتنظر إلى رايان بكل تلك العاطفة المحمومة؟
والأهم من ذلك,لماذا يسمح لها رايان بالدخول إلى شقته فيما هو يعلم ما كان بينهما من قبل؟
ماذا لو أنه كذب عليها عندما أخبرها عما جاءت تفعله؟ماذا لو أن المشاعر كانت متبادلة بينهما؟
ولكن لا,رجل مثل رايان لايمكن أن يتصرف بهذا الشكل مع زوجة أخيه.فافتضاح أمرهما سيدمر الأسرة ويحطم قلب بيث,كما أنه هو نفسه سيتزوج بعد أيام معدودات.
لايعقل أن يكون راغبا في مادلين حتى الساعة,وإلا لماذا طلب منها أن تتزوجه؟وحتى لو كان حبهما عاصفا,فإن رايان ليس بالرجل الذي يتزوج مندفعا بتهور.


أثناء الأيام التالية,بذلت فرجينيا جهدها لنبذ الشكوكمن ذهنها....ولكنها كانت تعود إليها مرة بعد مرة.
إنه يرغب بها,وهي واثقة من ذلك...ولكن هل يحبها حقا؟ورغم أنه كان ينديها(حبي)من وقت لآخر,وأنه سألها إن كانت تؤمن بالحب من أول نظرة,إلا أنه لم يقل لها قط(أحبك).
لعلها ليست المرأة التي يرغب فيها.وإذا كانت المرأة التي يريدها حقا متزوجة من أخيه,ربما ستفي امرأة آخرى بالغرض!
.أيمكنها أن تجازف وتأله عن شعوره الحقيقي؟
لا,فسيضطر إلى أن يكذب.لايمكنه أن يعترف بالحقيقة لأن ذلك يعرض الأسرة إلى التفكك.
ولكن إذاكان لايحبها ولايرغب فيها,فلماذا اختار أن يتزوجها؟ولماذا قرر أن يتزوجا في الكنيسة,وأصرعلى إقامة عرس تتحدث عنه الصحف؟
لا.لا بد أنها هي فرجينيا,من يريد.ومع ذلك بقيت الشكوك تعود زاحفة,وأخذ نوم فرجينيا يسوء.
وفي لهفتها لإخفاء قلقها.حاولت بشجاعة أن تتصرف بشكل طبيعي,لكن هذا فشل في إقناع رايان.
وعندمابدت ظلال قاتمة في عينيها,راح يسألها عما بها,قائلا:"أنا واثق من أن ثمة خطبا ما.لقد بت أعرفك جيدا,وأعرف أنك تخفين من نفسك,حتى عني...لماذا لاتخريني بما يزعجك؟"
وعندمابقيت صامتة,أصر عليها:"هل أنت خائفة من ألا أكون زوجا صالحا؟"هزت رأسها نفيا.
-هل علي أن أخمن أم أنك ستخبرينني بما يقلقك؟
وإذا رأت إصراره,قالت بيأس :"من المؤكد أن كل عروس تعاني من الشكوك آخر لحظة"
حدق إليها متفحصا بطريقة تتراوح بين النقد والتقويم,وسألها:"أحقا؟"
تمسكت بهذه الفرصة وسألته:"والرجال ألا يعانون من مثل هذه الشكوك؟"
فقال بعنف تقريبا:"لاتدعي أي شكوك تمرضك.تذكري فقط أنك لي وأنني لن أدعك تتركينني أبدا".
نامت تلك الليلة عميفا.ثم نهضت في الصباح التالي وهي تشعر بالسعادة وثقة لم تشعر بمثلهما منذ علمت عن علاقة رايان ومادلين الماضية تلك .
مرت الأيام التالية حافلة, وقبل أن تنتبه, وإا باليوم السابق للزواج يطل.
تناولت الفطور في الصباح مع رايان.وقبل أن يذهب إلى مكتبه,وهمس لها بلهجة عاطفية:"أظن أن المرة القادمة التي سأراك فيه,ستكون في الكنيسة".
أصر ستيفن على أن يقيم لرايان حفلة توديع العزوبة التقليديه,بينما أقامت النساء سهرة في مارتندال.ظنت فرجينيا أنها ستكون مع بيث وجاينس,لكن مادلين أعلنت أنها ستحضر أيضا,فاختلف الأمر.لكن السهرة كانت أكثر بهجة مماتوقعت فرجينيا.وعندما انتهت ووصن إلى برج فالكونر,كما المرح يتملكهن.
فرحت فرجينيا لأن حلمها بأن تكون جزء من أسرة سعيدة سيتحنق قريبا. وأحست بأنها تسير فوق الغيوم لفرط سعادتها.وماإن خلعت سترتها حتى رن جرس الباب.
لم تكن الساعة قد بلغت الثانية عشرة,فهرعت إلى الباب تفتحه راجية أن يكون رايان.
ولدهشتها,وجدت أن القادم مادلين.ودخلت الشقراء من دون دعوة,قائلة:"جئت لأخبرك مدى سعادتي بعرسك هذا ولاحضر لك هذه".
فتحت فرجينيا العلبة المسطحة فإذا بها ترى حمالةجوارب جميلة من الدانتيل.
-ماأجملها!شكرا وسأعيدها لك حتما.
لمعت أسنان مادلين الجميلة بابتسامة:"لاتقلقي,أن دوما أستعيد ماهو ملكي".
تملكتها الحيرة للهجة مادلين الغريبة هذه,لكنها قررت تتجاهلها,وقالت لها:"أنا مسرورة لأنك سعيدة بهذا العرس".
-رغم أنني أعلم أن رايان يفعل هذا من أجلنا,إلا أنني يجب أن أعترف أني شعرت بالغيرة أحيانا.
-أتعنين أنه لم يخبرك لماذا يريد أن يتزوجك؟لعله ظن أن من الافضل ألا يفعل.
قالت فرجينيا بصوت لم تكد تعرفه:"أظنني سأعلم ذلك قريبا"
-حسنا,كنا,أنا ورايان,متحابين قبل أن أتزوج ستيفن...
-أعرف هذا.
بهتت مادلين للحظة, وما لبثت أن تابعت:"كانت علاقتنا جيدة,ولكن عندما تضطرم المشاعر,تضطرم معها الطباع.كان رايان مراوغا بالنسبة إلى الزواج,فتشاجرنا.رحت أخرج مع ستيفن لكي أجعل رايان يذعن لفكرة الزواج.ولكن رغم أنه كان دوما مجنونا بي,إلا أنه بقي عنيدا للغاية.وتعلمت أنا الدرس,وهكذا رفضت الخروج مع ستيفن.وعندما تملكه اليأس وعرض علي الزواج,فكرت في أنني أكون مجنونه إذا لم أقبل..".
سكت مادلين فجأة ثم فالت بحدة:"لاحاجة بك إلى إظهار هذا الاشمئزاز.أعترف أنني ندمت ماإن تزوجنا.أدركت أنني أقترفت غلطة شنيعة, وأنني لن أنسى رايان أبدا".
وإذا كانت جاينس على صواب.

--وذات ليلة,كان ستيفن في الخارج,فالتقينا أنا ورايان وعدنا حبيبين كما كنا,نجتمع في أي مكان يتوفر لنا,أحياناهنا,وأحيانافي المدينة...ولكن بعد فترة,أراد رايان أن يتوقف عن ذلك خشية أن يشك أحد في أمرنا.فهويخشى تكدير بيث والأسرة,أو التسبب في فضيحة.
فسألتها فرجينيا بصوت بارد كقلبها:"وماهي علاقتي أنا بذلك؟".
-فكر رايان أنه إذا تزوج,وأقام عرسا فسيتجنب خطر الفضيحة,ويرسم له صورة محترمة في المجتمع.بمعن آخر سيكون هذا بمثابة ستار للتمويه.ومادمنا حذرين,فمن الذي سيشك في أن عريسا جديدا يعبث في الأنحاء مه زوجة أخيه؟
شعرت فرجينياوكأنها تلقت لكمة في معدتها.كان الأمر منطقبا تماما فقد فهمت الآن الأمور التي كانت تحيرها.لماذا دفعها على قبول الزواج منه بسرعة,ولماذا كان حريصا على أن يخبرالأسرة؟ولماذا أصر على إقامة عرس فخم.ولماذا لم يقل لها قط إنه يحبها...؟
هتفت فرجينيا بصوت أبح:"إذ ظننت لحظة واحدة أنني سأوافق على هذا فأنت مجنونة...!".
-لاأرى ماذا ستخسرين.ستحصلين على كل ماتزوجت رايان من أجله.كماأن رايان رجل بما يكفي ليتمكن من إسعادنا,نحن الاثنتين.
فصرخت فرجينيا بها:"أخرجي من هنا.خذي هذا وأخرجي".
ودست حمالة الجوارب في يد مادلين وفتحت لها الباب.
استندت فرجينيا إلى الباب المغلق وهي تشعر بضغط حول لرأسها أشبه بعصابة من حديد.وعندما خف شعورها بالغثيان قليلا,استدعت سيارة أجرة بصوت لم تعرف أنه صوتها,وبكيان أثقله العذاب سارت إلى غرفتها لتحزم أمتعتها.
تجاهلت الحقائب التي سبق وحزمتها لشهر العسل ولم تجمه سوى الثياب التي جاءت بها معها.
تركت خاتم الخطوبة وكل مادفه رايان ثمنه وحملت معها فقط النفود التي كسبتها من عملها.وبعينين جافتين وقلب منقبض,أغلقت باب شقتها خلفها,ثم هبطت بالمصعد.أسرعت تعبر الردهة,ثم وضعت حقيبتها على الأرض ريثما تفتح الباب.وبعد ذلك بلحظة كانت تتسلل من دون أن يراها أحد ثم تسرع إلى سيارة الأجرة لتقول للسائق:"إلى المطار من فضلك".

زونار 25-10-09 05:12 PM

-سامحيني!
عادت فرجينيا إلى الحاضر وهي ترتجف,شاعرة باليأس والوحشة.
وبعد لحظة سألها تشارلز,ومازال الإهتمام باديا على وجهه الأشقر:"وماذا فعلت بعد ذلك؟"
-بقيت في المطار حتى الصباح,ثم استطعت ان أحصل على مقعد إلى مطار هيثرو.وفي الوقت الذي كان علي أن أكون فيه في الكنيسة,كنت في منتصف الطريق إلى لندن.وفي لندن نزلت في فندق,وصباح الإثنين رحت أبحث عن عمل.وأنت تعرف الباقي.
فقال مقطبا جبينه:"لم تذكري أنك تركت ملاحظة لهم"
-لم أترك شيئا.
-أتعنين أنك رحلت دون أن تقولي لأحد؟
-نعم,أظنني كنت في حالت صدمة.وماذا كنت سأقول؟وماهو العذرالذي يمكن أن أقدمه؟الحقيقة كانت ستمزق الأسرة,وبيث المريضة.
-ألم تفكري في مصارحة فالكونر؟
فهزت رأسها:"لم أستطع احتمال الذل,لم أشأ أن أراه مرة أخرى"
-أفهم من هذا أنك تشعرين بهذا الشكل.
-نعم,ولهذا لم أشأ أن يعرف والدي عنواني هنا.فقد يخبرونه به.
-فهمت.هل لهذا أسقطت من أسمك كلمة آدامز,وجعلته فرجينيا آشلي؟
-نعم.
وأضافت بقنوط:"بدأت لتوي أشعر بالأمان.كانت صدمة مخيفة أن أراه في المعرض"
قال تشارلز بعطف:"لاحطت أن تأثير حضوره عليك كان عميقا للغاية.في الواقع تساءلت إذا كنت تحبينه"
قالت وهي تحاول أن تقنع نفسها بأنها الحقيقة:"لا أدري بالضبط"
فقال تشارلز جادا:"لكن يبدو أن فالكونر لم يرك"
فعضت شفتيها:"بل رآني للأسف"
فسألها بحدة:"وكيف عرفك؟"
-عدت إلى البيت عبر الحديقة,وكان هو ينتظرني فتبعني.
توتر فم تشارلز:"هل تحدث إليك؟ لم يلمسك,أليس كذلك؟لو فعل لكسرت رقبته"
هذا النوع من التهديد العنيف لم يكن من عادت تشارلز رينور العملي,وتملكها الخوف من أن يصطدم برايان,فقالت متلعثمة:"ل...لا في الحقيقة.أعني أنه اقترب مني فقط وقال:خمني من أنا؟"
-لكنه أفزعك؟
-نعم,أفزعني.قال...
واهتز صوتها فسكتت لكي تأخذ نفسا مهدئا قبل أن تتابع:"قال أنه يريدني أن أعود إليه"..
تصلب جسم تشارلز:"يريدك أن تعودي إليه؟بعد معاملته الحقيرة تلك؟لماذا يريد استعادتك؟"
-كان بالغ الغضب لأني تركته وأفسدت كل خططه.قال إن هناك حسابا بيننا يريد أن يصفيه.
شبكت ذراعيها على صدرها وأخدت تدعكهما وكأنها تشعر بالبرد:"أخبرته أن لا نية لدي في الرجوع إليه على الإطلاق"
-يبدو لي فالكونر من الرجال الذين لا يقبلون كلمة (لا).
-هذا صحيح.
وابتلعت ريقها بصعوبة,ثم قالت بسرعة:"ولهذا أخبرته أننا نسكن معا.أرجو ألا يكون لديك مانع"
-كلا.طبعا أنا لا أمانع.
وبعد لحظة سألها بحذر:"وهل تخلصت منه أخيرا؟"
-ليس تماما...
-وكيف طردته إذن؟
-وقع صبي في البحيرة.وفيما كان رايان يخرجه من الماء,هربت وأخذت سيارة أجرة إلى البيت.
ثم قالت بلهفة:"تشارلز,لا أريد أن أعود إليه"
-أنا مسرور جدا لسماع هذا.لا حاجة بك إلى هذا الخوف,فهو لايستطيع أن يرغمك على ذلك.
-لا.هذا ما أحدث به نفسي دوما.
سكت ليفكر لحظة,ثم قال:"أظن أن رؤيتك لفالكونر مرة أخرى جعلتك تغيرين رأيك بالنسبة إلى الزواج مني؟"
فقالت بصوت خافت:"نعم"
-إذن يجب أن أحمد الله لأنه أرسله إلى معرضي ومنحك فرصة لتدركي أنك لم تعودي تحبينه...
تملك فرجينيا إحساس قوي بالعار,إلا أنها لم تقل شيئا.وتابع هو:"والآن,بعد أن علافت حقيقة شعورك ستتمكنين من أن تنبذيه من ذهنك...وسيعود هو إلى بلده بسلام"
عضت شفتيها شاعرة بالاضطراب والذنب لأنها لم تخبر تشارلز الحقيقة كلها.ثم قال بهدوء وعيناه على وجهها:"ثمة شيء يزعجك أتودين أن تخبريني به؟"
فانفجرت تقول:"وماذا سأفعل إلى أن يعود إلى بلاده؟بإمكانه أن يدخل المعرض في أي وقت"
-ستأخذين عطلة,وإذا جاء فسأتصرف معه.
وإذ رأى الشك على وجهها,سألها:"ماذا حدث؟ألا تظنينني على التصرف مع رجل مثل فالكونر؟"
فقالت بثقة أكبر مما تشعر بها:"أنا واثقة من قدرتك على ذلك"
-ما المشكلة إذن؟
كانت هناك مشاكل كثيرة.وتذكرت سخرية رايان وهو يقول لها(سأراك فيما بعد)فارتجفت.
ولكن إذا بقيت في البيت ورفضت أن تفتح له الباب,ستكون آمنه تماما.فهو لن يكسر الباب.
وقال تشارلز:"دعينا ننسى فالكونر ونعود إلى موضوع أجمل.قلت أنك ستكونين أسعد بعرس هادئ؟"
-نعم.
رمقها بنظرة حنون وهو يقول بصوت عميق:"سأبذل جهدي لكي أسعدك"
لم تشك في أنه سيكون حبيبا لطيفا حساسا,وقد يساعدها هذا على إخراج رايان من قلبها.
بعد قليل تمتم تشارلز يقول:"ما أجملك!ناعمة رقيقة وامرأة حقيقية.لم أتأثر قط بامرأة كما تأثرت بك"
ليتها تستطيع أن تبادله المشاعر!وبلا من ذلك,كان عقلها يقف محايدا يراقب مايجري بهدوء,معتبرا إياه محنة يجب أن يطيقها,لا أن يستمتع بها.
وفجأة,بدا على وجهه الارتباك والحيرة:"ماذا هناك يافرجينيا؟"
-أنا آسفة حقا.كان هذا النهار صعبا ومؤذيا بحيث أنني...فقط...
واغرورقت عيناها بالدموع.رق وجهه على الفور:"يا إلهي,كان على أن أدرك أنك مازلت مضطربة متكدرة.سامحيني"
تملكها شعور بالخجل لمعامتها له,فوجدت نفسها تكرر بعجز:"آسفة"
-لا بأس بهذا,صدقيني.
وبعد لحظة,أضاف:"عندما يرحل فالكونر,ونتزوج نحن,كل شيء سيكون على مايرام.أتعهد لك بذلك"
***
عند الصباح تناولا الفطور معا,قبل أن يستعد تشارلز للذهاب إلى المعرض,لكن وحده هذه المرة.
بدا في عينيه الجميلتين مبلغ الضياع الذي شعرت به فجأة,وقالت بتردد:"لا أدري ما الذي سأفعله طوال النهار"
-لماذا لاتخرجين إلى المدينة؟
لا,إنها لا تجرؤ على ذلك.ربما وضعها رايان تحت المراقبة.
أدركت مدى إهتمام تشارلز بها,فقالت ببشاشة:"ربما سأقوم ببعض التنظيفات في البيت"
-أنا أدفع أجرا للسيدة كرابتري لتقوم بذلك.إذا بقي الجو مشمسا ودافئا,فعليك أن تحضري لنفسك شرابا ثم تجلسي في الحديقة لتتمتعي بأشعة الشمس.
هتفت وقد تحسنت نفسيتها قليلا:"ما أجمل هذا وكم هو شاعري! لن أفعل سوى ذلك"
ثم أضافت:"أتعلم ماذا؟سأطهو لك عشاء لذيذا الليلة"
ضحك لمظهرها الطفولي وقال:"رائع"
وقفت تحدق في الباب بعد خروجه وقد تملكها شعور بالضياع.أمامها النهار بطوله خاليا موحشا لاشيء يشغلها فيه سوى التفكير في رايان...
كانت على وشك فتح الثلاجة عندما رن جرس الهاتف.لا بد أنه هو.
لا,يبدو أنها أصبحت موسوسة حقا,لأن رايان يضنها الآن في المعرض.في الواقع,إن الشخص الوحيد الذي يتوقع أن تكون في بيتها في مثل هذا الوقت هو تشارلز.
منتديات ليلاس
تناولت السماعة:"آلو؟"
كان هذا تشارلز الذي بحيوية غير عادية:"تحدثت إلى الكاهن بيتر فاقترح طلب رخصة خاصة للزواج.وبهذه الطريقة يمكننا أن نتزوج خلال أيام قليلة"
وبدلا من أن يكون الزواج وعدا بمستقبل مشرق,إذا به يصبح فجأة سيفا مسلطا فوق رأسها.
-الكنيسة محجوزة ليوم السبت,يمكننا أن نتزوج الإثنين إذا كنت توافقين.
الإثنين يعني أقل من أسبوع.
ورغم من أن فرجينيا مازالت واثقة من أنها تقوم بما هو صائب,إلا أنها فكرت في أن هذا العرس مستعجل جدا.
وبعد تردد بسيط,قالت "نعم.."
لكنه لاحظ ترددها:"يبدو أنك لست واثقة تماما"
تنفست فرجينيا بعمق:"نعم,أنا واثقة تماما,الإثنين مناسب جدا"
وسمعته يتنفسح بارتياح.
-علينا أن نتحدث عن شهر العسل.فكري أين تريدينه أن يكون.
كيف يمكنها أن تخطئ نحو زوج كهذا؟وإذا به يتابع:"لدي اتصال هاتفي.سأحاول ألا أتأخر في المساء.."
وضعت السماعة وعادت إلى المطبخ لتخرج من الثلاجة قطع الدجاج استعدادا لتحضير العشاء.
وبعدئد,صبت كأس عصير,قبل أن تغير ملابسها,وترفع شعرها الطويل الجعد.
حملت كأس العصير مع كتاب لم تكن قد قرأته بعد,ثم توجهت لتجلس في الشمس حافية القدمين.
كانت الحديقة معزولة عالية الأسوار,والطريق الوحيد للدخول إليها هو من المنزل.لذا فهي آمنة تماما.
ورغم أن الكتاب مثير,إلا أنها لم تستطع التريكيز عليه.كان وجه رايان الأسمر يطل من بين أوراقه وصفحاته.ووجدت فرجينيا نفسها تتساءل عما سيفعله الآن...
-صباح الخير.هل نمت جيدا؟
وكأنما جسدته أفكارها,لقد رأته يقف عند عتبة باب المطبخ,وهو يرتدي بنطلونا أسود أنيقا وقميصا أبيض مفتوحا عند العنق.
كانت المفاجأة كبيرة بحيث قفزت واقفة,مسقطة الكأس التي كانت بيدها لتتحطم على الأرض الحجرية ويتناثر العصير عليها.
أطلق صفرة قوية,وقال:"تبا! لا تتحركي لئلا تدوسي على قطع الزجاج المتناثرة"
وسار إلى المطبخ ثم عاد بمكنسة,وأخذ يكنس قطع الزجاج بدقة بالغة.
-رأيت في المطبخ المزيد من الليموناضة في الإبريق.سأسكب كأسين لي ولك لنشرب معا.
كانت لاتزال تستجمع شتات نفسها,وحين عاد بكأسين وضعهما على المنضدة المنخفضة,ثم تهالك على المقعد بقربها,وسيما وخطيرا كأحد القراصنة.
بوقاحة باردة,أخدت نظراته تتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها,مما جعلها تخجل من قدميها العاريتين.
تأمل البنطلون القديم والقميص القطني والشعر المربوط,ثم قال ساخرا:"تبدين بملابسك هذه كأنك تلميذة في الخامس عشرة من العمر"
وبعد أن استعادت قدرتها على الكلام,قالت بصوت عميق:"لكنني في الخامسة والعشرين تقريبا"
-لم يتغير فيك شيء.
انتبهت إلى اللهب الضئيل الذي بدا في عينيه,فسألته:"ما الذي تفعله هنا؟ماذا تريد؟"
ثم اضافت باضطراب:"كيف دخلت البيت؟"
ابتسم لذعرها الظاهر وأجاب:"من الباب الأمامي.كأي زائر محترم"
-يلزمك مفتاح.
-لدي واحد.
أخرج مفتاحا من جيبه,فسألته بحدة:"من أين احضرته؟"
فأجاب من دون خجل:"استعرته من حقيبة يدك الليلة الماضية"

زونار 25-10-09 05:13 PM

تذكرت بعد فوات الأوان,كيس نقودها الذي سقط أرضا ووجدته قرب الهاتف.أضاف رايان وهو يرى الغضب في عينيها:"كنت أرجو ألا تفتقديه,فالمفاجأت دوما سارة.وأنا أجدها مفيدة في تضليل الخصم"
فانفجرت غاضبة:"هل عليك أن تبدو بهذا الغرور؟"
هز رأسه بستياء:"يالطبعك!"
أدركت أنها إذا استمرت بابتلاع الطعم سوف يثور طبعها وتصبح لعبة بين يديه,فجاهدت لستعادة هدوئها.
وعندما وثقت بصوتها,قالت:"لا أدري ما الذي ستستفيده من هذا كله,فأنا لا أنوي العودة إليك"
-نعم,سبق وقلت هذا,وهذا هو أحد اسباب وجودي هنا,وهو أن أحاول تغير رأيك.
-كيف علمت أنني في البيت؟
-زرت المعرض هذا الصباح وتحدثت إلى تشارلز رينور.
جمد الدم في عروقها,بينما تابع:"علي أن أعترف بأنني كنت مخطئا بحقه,فهو ليس ضعيفا على الإطلاق,فقد واجهني بثبات واتزان ما أرغمني على الإعجاب به.."
رأى الرعب على وجهها فابتسم بهزل جاف:"لكي أريح بالك,عنيت بالمواجهة,شفهيا وليس جسديا.."
لكن مواجهة رايان,لم تكن عملا سهلا.فهي تعلم جيدا كيف يستطيع أن يرهب أقوى الرجال تقريبا.
-وهكذا,أنت لست بحاجة إلى تضميد جروحه.
لم تعبأ بتهكمه وسألته بقلق:"ماذا قلت له؟"
فقال رايان ببرودة الثلج:"أقل مما قاله بكثير.وما قاله كان مفيداً للغاية"
وانتظرت فرجينيا حابسة أنفاسها.وبعد لحظة,تابع رايان يقول:"دعاني بالخنزير والحقير,وأخبرني أنه إذا تمكن من أن يشتري لوحة (صبية الأربعاء) فلن يدعني أحصل عليها,لذا لاحاجة بي إلى زيارة معرضه"
-هل هذا كل شيء؟
-لا.بحسب قوله,أنا أحزنتك بما يكفي.فهمت أن المناسبة الوحيدة التي يعرفها حقا هي لقاءنا في الحديقة العامة.
فقالت باستياء:"لم يكن ذلك ممتعا أبدا"
فتابع متجاهلا مقاطعتها له:"لو كان يعلم أنني أعرف مكان سكنك,وأنني جئت إلى البيتفي الليلة الماضية لما تركك في البيت قط,وحدك.."
ثم سألها بصوت لاذع كالسوط:"لماذا لم تخبريه عن زيارتي؟"
-لم...لم أشأ أن اكدره.
فقال بشماتة:"سيشعر بكدر أكبر لو علم أنني هنا الآن"
سألته,محاولة أن تسيطر على الوضع:"ولماذا أنت هنا؟عدا عن محاولتك تغيير رأيي؟"
فقال بكسل وقد ضاقت عيناه بسبب الشمس:"فكرت في أخذك لتناول الغداء"
-ليس في نيتي أن أتغدى معك.
فقال من دون أن يرف له جفن:"كما تشائين.لسنا مضطرين للخروج.وأرى أنك محقة,وجودنا هنا أكثر متعة"
عضت فرجينيا شفتها وهي تدرك متأخرة,أن من الأسلم أن يتناولا الغداء في مكان عام,من أن تبقى هنا وحدهما.
ودفعها الإضطراب إلى الوقوف:"سأتزوج تشارلز.وإذا وضعت إصبعك علي,فسوف...فسوف.."
-سوف تفعلين ماذا؟
وتقدم منها خطوة,فتراجعت حتى الجدار حيث تبعها رايان ووضع يديه على الجدار حول رأسها ما جعلها محجوزة بينهما:"أخبريني يا فرجينيا...هل حلمت بي بعد أن تركتك الليلة الماضية؟"
فقالت بعنف:"لا,لم يحدث هذا.أخبرتك أن لا حاجة بي لذلك"
بدا التوتر على وجهه وسألها بحدة:"هل حلمت برينور؟"
لم تجبه بل اكتفت بالنظر إليه بغضب.
نظر إليها رايان بحدة:"هل فعلت ذلك؟"
-هذا ليس من شأنك.
سمعت أنفاسه من بين أسنانه:"من الآن وصاعدا سأكون الرجل الوحيد في حياتك.لقد أنتظرت طويلا لكي ألتقي بك مجددا.."
وحين جاهدت لتبدو غير متأثرة,سمعت ضحكته الخفيفة:"أنت تتجاوبين بشكل رائع,ياصغيرتي,فلا تنكري ذلك.."
وكان هذا صحيحا.ثم سألها بنعومة:"إلى متى تستطيعين الصمود؟حسنا,ماذا قلت بشأن غدائنا في الخارج؟"
فأجابت بقنوط:"نعم"
ابتسم وقال بخفة:"حسنا,اذهبي وارتدي ملابس أفضل لكي نخرج"
تركها ثم عاد ليجلس.
هربت فرجينيا إلى غرفتها وهي تتساءل بتعجب إلى أي مدى سيصل لكي ينال ما يريد.
أول فكرة خطرت لها هي أن تحجز نفسها في الغرفة,لكنها عادت فأدركت مدى سخافة تلك الفكرة.ودخلت الحمام رغما عنها لتغتسل وتجفف نفسها بسرعة,ثم ارتدت بذلة رمادية تلبسها عادة أثناء العمل,ووضعت لمسة خفيفة من الزينة على وجههالترفع معنوياتها,كما سرحت شعرها بشكل أنيق,ووضعت النظارة لتخفي عينيها وراءها.وهكذا عادت مرة أخرى امرأة عاملة وليس تلميذة في الخامسة عشرة من عمرها كما قال رايان.بقي لديها دقائق عدة من الوقت الذي حدده لها,ففكرت في أن تأخذ حقيبة يدها وتخرج متسللة إلى الشارع ثم تستقل سيارة أجرة وتهرب,قبل أن يدرك ماحدث!
حبست أنفاسها وهبطت السلم بحذر,ثم وصلت إلى الردهة لتأخذ حقيبة يدها.لكنها لم تجدها.
حسنا,ستطلب من السائق أن يأخذها إلى المعرض حيث تستدين الأجرة من تشارلز,حتى ولو اضطرت لأن تخبره الحقيقة كاملة.
كانت يدها على أكرة الباب’عندما سمعت صوت رايان الساخر:"أتحاولين أن تتسللي هاربة؟"
قفزت مجفلة,واستدارت لتراه مالئا باب غرفة الجلوس بقامته المديدة.
-من حسن الحظ أنني كنت حذرا.
منتديات ليلاس
فتمتمت بعجز:"تبا لك!"
فتقد نحوها ووقف ينظر إلى مظهرها ثم تمتم وفي عينيه لمعان ساخر:"ماهذا؟...ما كل هذا التحفظ والمظهر العملي؟"
- أنت قلت (ملابس أفضل).
-مظهرك هذا لا يناسب إلا العمل...على أي حال,هذا يصلح لبعض الوقت.منذ متى تضعين هذه النظارات الفظيعة؟
فقالت بجفاء:"منذ فترة.ولا أظنها فظيعة"
رفع النظارات عن عينيها ونظر من خلالها:"أنت لا تحتاجين إليها,لأنها مجرد زجاج عادي"
و ألقى بها على منضدة دون اهتمام وهو يضيف قائلا:"فات أوان التنكر"
وقبل أن تعترض,جعلها تنزع الدبابيس التي تثبت شعرها.
وعندما اسدل شعرها البني على كتفيها قال منتصرا:"هذا أحسن.على الأقل لم أعد أبدو وكأنني أتناول الغداء مع معلمة مدرسة"
فانفجرت قائلة:"تباً لك"
تنهد بكآبة:"والآن,هل هذا قول لطيف منك؟وأظن أن جرحك لشعوري سيجعلك تعاملينني الآن بشكل أفضل"
فوجئت بكلامه فكادت تضحك.كان دوما جذابا لا يمكن مقاومته حين يتصرف كمهرج.قال يستعجلها:"أنتظر سماع اعتذارك بسرعة لأن السيارة تنتظر في الخارج"
- لا أريد أن أعتذر.
قالت ذلك وقد ظهر ارتجاف واضح في صوتها.
-حسنا,سأكون صبورا ولن اضغط عليك.
كانت تسمع خفقات قلبه...أم لعله قلبها؟واشتمت شذا عطره الرجولي...
وسألها بصوت ممزق:"أتريدين أن تغيري رأيك بالنسبة إلى الخروج لتناول الغداء؟"
وبشكل ما,أجابت:"لا,لن أغير رأيي"
فقال بأسف:"لقد وقعت في الحفرة التي حفرتها"
لكنها أحست أن هذا مايريدها أن تقوله,وكأن خروجهما إلى الغداء معا هو جزء من خطة أكبر وأهم.

زونار 25-10-09 05:14 PM

أبعد من الكلمات
رافقها إلى حيث كانت سيارته الليموزين تنتظر,وساعدها على الصعود,ثم جلس بجانبها.تناول سترة كانت ملقاة على المقعد فلبسها,ثم أخرج من جيبه ربطة عنق وضعها حول عنقه وهو يقول ساخرا:"يجب الاهتمام بالتفاصيل"
عندما وصلا إلى مقصدهما الذي لا يبعد عن المعرض,كانت فرجينيا قد تمالكت نفسها.
ورغم أن المطعم بدا لأول وهلة,مزدحما,إلا أن رايان استقبل بالترحيب.فقالت بجفاء:"لا تقل لي إن لديك حصة في هذا المطعم"
مرة أخرى شعرت بجاذبيته الساحقة وهو يقول بابتسامة عريضة:"ليس هذه المرة,مع الأسف.ولكن صاحبه صديق لي"
-يا لحسن حظك!
فقال والدعابة تطل من عينيه:"ألا ترين ذلك؟"
شعرت فرجينيا بحيويتها تزداد,وكادت تحس بمتعة حقيقية عندما تذكرت الماضي فجأة,وما يحاول أن يفعله,فارتجفت وقد أدركت أنها أوشكت أن تستعيد مودتها له.
حرص رايان على أن يكون الحديث بينهما مرحا مسليا.لكنها كانت تجيبه باختصار,متقوقعة على نفسها,رافضة أن تخرج عن تحفظها.
وأخيرا سألها:"هل هناك خطب ما؟"
فسألته ساخرة:"وماذا يمكن أن يكون ذلك؟"
- لأنك ما إن تصبحي منفتحة قليلا حتى تتملكك الحدة فجأة وتتوتر أعصابك!لماذا لا تحاولين الإسترخاء وبهذا نستمتع بغدائنا معا.
-لعلك أقنعتني بتناول الغداء معك,لكن هذا لا يعني أن استمتع به.
هز كتفيه ولاذ بالصمت.لكنها انتبهت إلى انه يراقبها على الدوام وكأنه لا يستطيع ابعاد بصره عنها.
كان الطعام جيدا لكنها كانت تأكل بشكل آلي,ولا تكاد تجد لذة في ما تأكله بسبب التساؤلات التي تشغل ذهنها.
بعد ذلك الحديث في الردهة,لا بد أن رايان أدرك أن بإمكانه أن يحرك فيها مشاعر عميقة,فلماذا قدم لها فرصة التراجع؟
إنها طبعا ممتنة لذلك,لكنها تتساءل عن السبب.لماذا صمم على أن يتناول الغداء معها خارج البيت؟
سمعته يطرح سؤالا فرفعت رأسها بحدة:"عفوا؟"
-سألتك متى قررت الزواج من رينور.
فقالت متشجعة:"هل أخبرك تشارلز أننا سنتزوج؟"
-أخبرني أنكما تخططان لذلك.
تذكرت ما قاله رايان من قبل(فوق جثتي),فأجفلت:"أن...أنت لم...؟"
-لم أضربه؟لا,طبعا لم أضربه.أنذرته فقط إذا هو لم يتراجع.
وضعت يدها على فمها.فقال:"وماذا توقعت مني أن أفعل؟أهنئه؟"
وعندما لم تقل شيئا,أصر قائلا بنعومة:"وهكذا,أخبريني يافرجينيا,متى قبلت عرض رينور للزواج؟"
وفكرت فرجينيا بمرارة في أن رايان لا تفوته كذبة تكذبها.فقالت بحذر:"لقد طلب منى الزواج منذ أسابيع"
-وهل وافقت على الفور؟
-طبعا,فأنا أحبه!
بدا المكر في عينيه,وقال هازلا:"أنت تكذبين بشكل سيء"
-أخبرتك في الحديقة العامة أننا أنا وتشارلز سنتزوج.
-لا,لم تقولي هذا.بل قلت(أنه يريد أن يتزوجني)وهذا مختلف تماما.لماذا لاتكونين صادقة وتعترفي بأنك رفضته عندما عرض عليك الزواج أول مرة,ثم وافقت الليلة الماضية.
فأنكرت قائلة بجرأة:"لم أفعل هذا"
-لا تزعجي نفسك بمزيد من الأكاذيب,فقد اعترف رينور بأنك وافقت على الزواج به الليلة الماضية فقط.وهذا بنبئني بأمور كثيرة...رغم أنه وضع لذلك تفسيرا مختلفا.فهو يعتقد أنك وافقت على الزواج منه بعد أن اكتشفت أنك لم تعودي تحبينني.هل سيبقى سعيدا بهذا الشكل لو أدرك أنك تستعملينه كمجرد حارس أمني لك؟
-لا.الأمر ليس بهذا الشكل,فأنا أشعر نحو تشارلز بمعزة بالغة,وأنا أحترمه.وهو سيكون أبا جيدا.
-إذن فقد تحدثتما عن إنشاء أسرة؟
-نعم.
-وكم طفلا قررتما أن تنجبا؟
ورغم أنها أدركت أنه يسخر منها,إلا أنها أجابته:"أربعة"
-وهكذا قبلت الزواج منه,وخططتما لإنجاب الأطفال,لكن من الواضح أنك لا تحبينه بشغف.
-هل أخبرك هو بذلك أيضا؟
-لم يكن بحاجة إلى ذلك.عدا عن ملاحظات عدة كشفت ذلك تماما,وسرعان ما سيبدأ بالضغط عليك.
فقالت بعنف:"كما فعلت أنت"
-آه,لكن ثمة فرق.
-أي فرق؟
فقال بنعومة:"أنت أحببتني ومازلت تحبينني كما أحبك تماما.
أما معه,فثمة مودة ليس أكثر"
-وما الذي يجعلك واثقا إلى هذا الحد؟
-لو كنت أحببت تشارلز حقا لوافقت على الزواج قبل الآن.
-لقد سبق وأخبرتك...
-لقد أخبرتني بذلك حقا,وهكذا لا تزعجي نفسك بأن تخبريني مرة أخرى كم هو حبيب رائع.أنا لا أعتقد أنك تحبينه حقا,لكن موافقتك هي مجرد هروب.
فقالت ساخرة:"متى أصبحت طبيبا نفسيا؟"
-اكتشاف هذا لا يحتاج إلى طبيب نفسي.إنها مسألة واضحة جدا ولا مجال للخطأ فيها.
-أي نوع من الخبرة تحتاجها لتكتشف أنك تضيع وقتك؟
وتابعت تقول:"وماذا يهمك إذا أنا تزوجته,فأنا لن أعود إليك؟"
قال بثقة هادئة:"في هذه النقطة,أنت مخطئة.لكننا سنتحدث عن ذلك فيما بعد"
وبعد أن ألقى نظرة على ساعته,أشار إلى النادل ودفع الحساب قادها نحو الباب.أما هي فمشت مطأطئة الرأس,وهي تفكر كيف يمكنها الهرب منه,عندما توقف قال برقة وبصوت غريب"فرجينيا".
رفعت نظرها إليه,فنظر إليها وعلى وجهه ابتسامة متعمدة.
لم يكن رايان من النوع الذي يطلق العنان لعواطفه في مكان عام,فتملكتها الدهشة ووقفت جامدة حتى عاود سيره.
سارت كما يسير الشخص أثناء نومه,إلى أن نبهها بفظاظة,فرأت رجلاً أشقر يحدق إليها وكأنه لايصدق عينيه.
كان تشارلز يجلس إلى مائدة تبعد عدة أقدام,برفقة رجل أصلع.
عندما أصبحا بموازاته,تسمرت نظرات تشارلز عليهما,فنهض واقفا بحركة آلية,فيما كف مرافقه عن الكلام وأخذ ينظر إليهما.
أومأ رايان محييا بأدب:"مرحبا رينور"
فأجاب تشارلز متصلبا:"مرحبا فالكونر"
قال رايان ببساطة:"حيث أنك كنت مشغولا,فكرت في أن أخذ فرجينيا إلى الغداء"
فقال تشالرلز وهو ينظر إلى عروسه بذعر واتهام:"فهمت أنك ستبقين في اليت"
فقالت:"هذا ماكنت أنويه,ولكن.."
قاطعها رايان بابتسامة ونظرة جانبية أظهرتهما وكأنهما متآمران:"إن لدي موهبة كبرى في الإقناع,أليس كذلك يا حبي؟"
نظرت إلى تشارلز الذي تجمد لدى سماعه هذه الكلمة,وقالت متلعثمة:"أنا...أنا.."
فسارع رايان إلى القول:"استغرق ذلك بعض الوقت لكن عندما.."
فقاطعته بسرعة:"ألا ينبغي أن نذهب الآن؟"
فقال على الفور:"أنت على حق.علينا أن نذهب"
التفتت فرجينيا إلى الخلف فرأت أن تشارلز مازال واقفا على قدميه وهو يترنح كملاكم ثمل.
دار رأسها,ولم تعد قادرة على التفكير.وبينما كان المصعد يهبط بهما,حاولت أن تستوعب ماحدث,وكل ماتضمنه ذلك من المشاهد الصغيرة وما حدث قبله.
كانت تتساءل عن السبب الذي جعل رايان يلح عليها لتناول الغداء في هذا المكان العام,وهاقد وجدت الجواب الآن.كان على أن علم أن تشارلز سيتواجد هنا,فدبر كل هذا ليسبب له الإزعاج.
لقد احتال عليها ببراعة تامة,حتى أن توقيته كان ممتازا,لكنها تعلم أن أساليبه في تحقيق أهدافه مميزة وأنه أستاذ في وضع الخطط.
تذكرت نظرات تشارلز المتهمة,وتذكرت بمرارة نظرات رايان إليها,ونظراته التآمرية الماكرة,وكيف ابتسم لها وهو يكلمها بتحبب...
حالما أصبحا في الخارج,استدارت إليه بغضب ثائر:"أنت رجل متعفن,تعيس,عديم الضمير..."
راح يسكتها,قائلا بهدوء:"الناس هنا كثيرون.إذا شئت أن تشتمينني فمن الأفضل أن تشتمي في الحديقة العامة"
أثناء اجتيازهما المسافة القصيرة,جلست فرجينيا صامتة متوترة الشفتين,غاضبة من رايان ومن نفسها لعدم تكهنها بما كان يهدف إليه,لتحاول منعه.
عندما توقفا قرب بوابات الحديقة المزخرفة,قال رايان:"يمكنك يا مكسويل أن تأخذ بقية النهار عطلة لك فنحن لن نحتاجك"
وقفز رايان من السيارة مادا يده إلى فرجينيا ليساعدها على النزول,إلا أنها تجاهلته بوجه عابس.
لكنها ما لبثت أن تعثرت فقال بغرور أثار أعصابها:"هذه نتيجة محاولة الإستقلال,من حسن الحظ أنك لم تقعي أرضا"
توجهت من دون أن ترى,إلى البوابة الحديدية المرتفعة.
اختار رايان مكانا تحت الأشجار,ثم التفت يواجهها:"حسنا,ماذا عندك لتقولينه؟"
اندفعت تتهمه بصوت ابح من دون أن تستطيع كبح غضبها:"أنت دبرت كل ذلك لكي تسبب المشاكل! إياك أن تحاول إنكار ذلك"
-لن أفعل هذا,وأنا مسرور جدا لنجاحي.
فقالت بعجز:"لا أدري كيف علمت أنه سيكون هناك"
-الأمر بسيط.رفيقه الذي حدد له الوقت والمكان,كان مدفوعا مني.
اعتراف رايان الهادئ جدد غضبها:"أنت حقير تثير الإشمئزاز.."
لم يحدث لها في حياتها أن دفعها الغضب إلى صفع أحدهم,ولم تكن تظن نفسها قادرة على ذلك,لكن الغضب قد أعماها الآن.ومن دون وعي, رفعت يدها وصفعته بقوة أدارت رأسه إلى الجانب الآخر.
وفجأة,تملكها الخوف لما فعلته,وأخذت تحدق مدعورة في الأثر الأحمر الذي تركته على خد رايان.
وبأصابعه الطويلة,أخذ يتحسس البقعة برفق,ثم أجفل.
فقالت بصوت خشن:"أنت فقط تحاول أن تجعلني أشعر بأنني سيئة"
-ألا تشعرين بذلك؟
-بلى.
اعترفت بهذا بتعاسة ثم وجدت نفسها تعتذر,ولو أنها لم تكن تعني ذلك:"أنا آسفة"
-أظنني الملام في ماحدث,رغم أنني لا أنوي السماح لك بأن تصفعيني ثم تنفذي بجلدك.
وعندما تراجعت إلى الخلف,فزعة من التهديد الذي يلمع في عينيه,أضاف يقول:"لا تسيئي فهمي,فأنا لم أضرب امرأة قط,ولا أنوي أن أبدأ الآن.ولكن هناك طرقا أخرى"
ازداد ذعرها, واستدارت لتهرب,لكنه منعها من ذلك,وهو ينهي كلامه برقة قائلا:"طرق أكثر بهجة"
ثم تابع يقول:"أخبرتك أنني سأكون صبورا,فأنا واثق من نجاحي في اقناعك من النهاية"
تغير كل شيء بسهولة.وبستثناء وجه فرجينيا المتوهج,لم يظهر عليهما شيء سوى أنهما يتمشيان في أنحاء الحديقة.
سألها رايان وهو يبدو هادئا إلى درجة تثير الغيظ,وكأن لا شيء حدث على الإطلاق:"أترغبين في فنجان قهوة؟أم بآيس كريم؟"
وبالرغم من تصاعد الأدرينالين في عروقها الذي راح يدفعها للهروب أو المقاومة,شعرت بعدم القدرة على القيام بأي من هذين الأمرين.فأجابت:"أريد قهوة من فضلك"
حاولت أن تقلد لهجته الهادئة,لكنها فشلت تماما.
-فلنتابع سيرنا إلى مقهى"هنغري هيبو",حيث ألذ قهوة شربتها في لندن.
اختار رايان طاولة بعيدة عن الطاولات الأخرى فجلست فرجينيا مرتخية الأطراف تنظر إليه وهو يطلب القهوة.
عاد رايان بفنجانين من الخزف وضع أحدهما أمام فرجينيا,وهو يقول:"القهوة هنا ساخنة جدا,وقد تعلمت بعد المعاناة والأخطاء أن الفنجان الخزفي هو الأفضل لئلا تحرق الأصابع"
رشفة واحدة حذرة أثبتت لها أن القهوة جيدة كما وصفها تماما,وقالت بحيرة:"يبدو وكأنك تأتي غالبا إلى هذا المكان"
فقال بكسل:"جئت إلى هنا مرات عدة,فأنا أقيم في فندق كينيليم.وحديقة كينيليم قريبة من المكان الذي أمارس فيه رياضة الصباح,كما أن المقهى يفتح أبوابه باكرا ليقدم القهوة للزبائن"
قطبت جبينها وسألته:"منذ متى وأنت في لندن؟"
-منذ عشرة أيام تقريبا,هذه المرة.
هذه المرة...
وقال يجيب عن هذا السؤال الذي لم تنطق به:"جئت إلى هنا مرات عدة مؤخرا"
وبقلق مفاجئ,تساءلت عن السبب.فسألته بشكل بدا عفويا:"أظنها رحلة عمل؟"
-نعم...يمكنك القول إنه عمل سري ودقيق للغاية.
تمنت من كل قلبها لويسرع بإنهاء أعماله,ويعود إلى نيويورك.
وسألته دون رجاء كبير:"متى ستعود إلى وطنك؟"
-عندما أنهي أعمالي,وأحصل على ماجئت من أجله.
كان جوابه برئا في الظاهر,ولكن شئا ما في ابتسامته,ونبرة صوته,زادت من شعورها بالقلق.
اقتنعت بأنه من غير الحكمة الاستمرار في الحديث,فلاذت بالصمت وراحت تنهي قهوتها.
عندما وضعت فنجانها,قال رايان فجأة:"لم تخبريني بعد سبب هجرك لي عند باب الكنيسة؟"
-وأنت لم تخبرني بسبب اضطرارك إلى الزواج مني,في المقام الأول.
-ألا تظن أن السبب و أنني وقعت في غرامك كالمجنون؟
أجابت باختصار وهي تتمنى في قرارة نفسها لو أن الأمر كذلك:"لا,لا أظن ذلك"
وشعرت بسكين ينغرز في قلبها,ثم أضافت عندما لم تعد تستطيع احتمال الألم:"لا أريد أن أتحدث في الموضوع,فقد مضى كل ذلك وانتهى,ولا شيء يمكن أن يغير الماضي"
-ولا بأي شكل؟
لم يكن مزاجها يسمح بأن تجادله,فقالت بصوت منهك:"يجب أن أذهب إلى بيتي"
وعندما حاولت أن تنهض واقفة,قال لها:"هناك أمر واحد أود معرفته قبل أن تفكري في الذهاب.عندما تحدثت إلى رينور هذا الصباح,لم أستطع أن أصدق اتهامه السخيف لي.أريد أن أسمع من فمك لماذا تركتني"
-لأنه لم يكن في نيتي أن أدعك تستغلني,لكي تسنح لك الفرصة للعبث مع مادلين.
منتديات ليلاس
-تكهنت أن لذلك علاقة بمادلين.لم تعودي قط كما كنت عندما رأيتها في شقتي تلك الليلة...لكنني أقسم أنه لم يكن بيننا شيء.
-أخبرتني بنفسها أنكما كنتما جبيبين...وقبل أن تزعج نفسك بإنكار ذلك,كانت جاينس قد أخبرتني الشيء نفسه.
-صحيح أنني ومادلين كنا على علاقة,لكن ذلك كله كان في الماضي.أتظنين حقا أنني اعبث مع زوجة أخي أو أخدعك؟
-هذا ممكن,أنت أردتها فأخذها منك.
-أنا لم أكن أريدها.العلاقة البسيطة التي كانت بيننا انتهت تماما قبل أن يتزوجها ستيفن.
هزت فرجينيا رأسها:"لقد أخبرتني عن حقيقة خطتكما,وكيف أنك تريد أن تتزوجني لئلا تشك أسرتك بما يجري بينكما"
تمتم بصوت مخفض وكأنه يشتم,ثم تنهد وقال:"وأنت صدقتها؟"
كان هذا قولا أكثر منه سؤالا,لكنها أجابت:"نعم,صدقتها ولهذا السبب لن أعود إليك أبدا"
ابتسم من دون بهجة:"حتى ولو كنت لا تعرفين معنى كلمتي الحب والثقة,أريدك أن تعودي إلي يافرجينيا,وسأجعلك تدفعين ثمن كل يوم جعلتني فيه أنتظر"
ثقته هذه أرسلت موجة كالثلج في ظهرها فجعلتها ترتجف.قفزت واقفة بعنف,ما جعل الكرسي ينقلب إلى الخلف,وقالت بصوت أجش:"يجب أن أذهب"
نهض واقفا,وأصلح وضع الكرسي,ثم قال:"سأسير معك حتى البيت"
فوجئت بإذعانه غير المنتظر هذا,راحت تفكر في هدفه وراء ذلك.ولكن ربما,بعد أن أرضى غروره بما سببه لها من أذى في يوم واحد,أصبح مستعدا للراحة حاليا احتفالا بالنجاح.
هذا ما كانت ترجوه.مازال أمامها أن تواجه تشارلز.وشعرت بعدم القدرة على مواجهة أي شيء آخر.
لم يدر بينهما حديث حتى وصلا إلى منعطف الشارع الذي يقع فيه بيتها,فسألها:"ألم تغيري رأيك؟"
نظرت إليه:"بأي شأن؟"
-حول عودتك إلى البيت.قد لا يكون هذا عملا حكيما.
-عملا حكيما؟ لا أفهم ماتعنيه.
-إذا أصبح رينور حاقدا عليك...
-تشارلز ليس حقودا على الإطلاق.
-لو كنت مكانك لما وثقت من ذلك.بدا بالغ التكدر أثناء الغداء.
-قد يكون مصدوما أو غاضبا,لكنه لن يرفع إصبعا علي,إذا كان هذا ماتعنيه.
-شعور الغيرة قوي للغاية.وقد يدفع أكثر الناس وداعة ومسالمة إلى القيام بأمور ما كانوا ليفكروا بالقيام بها.
هزت رأسها وقالت بلهجة قاطعة:"تشارلز لن يفعل شيئا يؤذيني"
-هل أنت واثقة من ذلك تماما؟قد يكون أسلم لك إن حجزت لك في الفندق.
فكرت في أنه خطط لذلك لكي يضرب عصفورين بحجر واحد.
وهاهو يبذل جهده ليخيفها ويبعث الاضطراب في نفسها فقالت بهدوء:"أنا واثقة تماما"
عندما رافقها وهي تصعد الدرجات حتى الباب,سألها:"ماذا تنوين أن تخبريه؟"
-الحقيقة طبعا.
ورغم أن النهار مازال مشمسا,إلا أن رياحا خفيفة هبت منذ غادرا الحديقة العامة,وأخدت خصلة من شعرها تنزل على وجنتها.أزاحتها عن وجهها خلف أذنها,بلمسة خفيفة واثقة.وسألها بابتسامة ذات معنى:"الحقيقة كلها,أم نسخة منقحة عنها؟"
تذكرت مظهر الرعب على وجه تشارلز,وترددت,ثم قالت بذهن شارد:"لا أدري.لا أريد أن أجرحه أو أكدره أكثر مما أضطر إليه"
-هل يهمك أمره إلى هذا الحد؟
-نعم,فقد كان رائعا معي,وأمره يهمني.
-لقد بدأت أصدقك.
خطر لها أن رايان يبدو مسرورا أكثر منه منزعجا.
-أعترف أنك خططت لذلك كله بذكاء لامع,لكنني أخشى أن تكون قد ضيعت وقتك وجهودك سدى.
لمعت عيناه وهو يقول:"ثمة أجزاء من الخطة استمتعت بها حقا"
-أخشى أني لا أستطيع أن أقول الشيء نفسه.
سألها بهزة خفيفة من كتفيه:"وهكذا,متى موعد العرس؟"
دهشت لهذا السؤال المفاجئ,ومن دون أن تفكر,قالت:"الإثنين القادم"
ما أن تلفظت بهذه الكلمات حتى خطر لها أن عليها أن تكون أكثر حذرا وتكذب عليه,فيتم العرس قبل أن يدرك هو ذلك.لكن الأوان فات الآن.
ورفع حاجبيه:"بهذه السرعة؟"
-لا سبب يدفعنا إلى التأجيل.
ثم أضافت باختصار:"ولآن,بما أن مفتاحي معك,هل لك أن تدخلني؟"
-بكل تأكيد.
وفتح الباب ثم دس المفتاح في يدها وقال:"الأفضل أن تستعيديه"
فقالت ساخرة:"هل أنت واثق تماما من أنك لا تريد الإحتفاظ به؟"
ضحك ورد:"شكرا,لكن ذلك غير ضروري"
ثم تابع يقول بثقة:"لأنك في المرة القادمة أنت التي ستأتين إلي"
كانت تزال واقفة وكأنها تمثال من رخام عندما وصل إلى أسفل الدرجات فالتفت إليها:"بالمناسبة,ستجدين كيس نقودك على المنضدة في غرفت الجلوس"
وبعد لحظات كان يبتعد في الشارع بخطوات واسعة,والريح تعبث بشعره الأسود.
في المرة القادمة أنت التي ستأتين إلي.
إذا كان يحاول أن يشغل بالها فقد نجح في ذلك.كان صوته مليئا بالثقة...الى حد بعيد.
وتأوهت,رغم أنها حاولت التقليل من أهمية الأمر أمام رايان,إنما لعل ما رآه تشارلز أثناء الغداء,قد أحدث في علاقتهما الضرر أكثر مما تستطيع إصلاحه.
أرجوك ياربي لا تدع هذا يحدث,لكن كل ما يمكنها أن تفعله هو أن تنتظر لترى رد فعل تشارلز حين تخبره الحقيقة.قد لا يكون من السهل إقناعه بأن اريان خطط لكل شيء...
في السابعة والنصف,أصبحت المائدة جاهزة,والدجاج يغلي على نار هادئة,أما هي فلم تعد قادرة على الإستقرار,وأخدت تطوف في الأنحاء أشبه بقطة أسيرة.
وفي تمام الثامنة إلا ثلثا,سمعت صوت مفتاح يدور في قفل الباب,تبعه صرير معدن.
أسرعت الردهة وهي تنادي:"دقيقة واحدة"
وبعد محاولة قصيرة,فكت السلسلة وفتحت الباب.
-آسفة,لقد نسيت رفع السلسلة مسبقا.
كان وجه تشارلز جامدا,ودون أي تحية,أغلق الباب وعلق سترته.ثم سار إلى غرفة الملابس حيث جفف شعره بمنشفة,ثم مشطه,بينما كانت فرجينيا تتسكع بعجز في الردهة.
-تشارلز,أنا بحاجة إلى أن أتحدث معك لأوضح كل شيء.
ومن دون أن يجيب بكلمة,تبعها إلى غرفة الجلوس.
سألته بارتباك عندما لم يظهر دليلا على رغبته في الجلوس معها:"ألن تجلس؟"
فقال بتوتر:"ربما عليك أن تفتحي الموضوع رأساً.أظنك قد قررت العودة إليه"
فصرخت:"لا.لا.سبق وأخبرتك بأنني لن أعود إليه أبداً"
-ليس هذا ما بدا لي أثناء الغداء.
ابتلعت ريقها بصعوبة.يبدو أن إقناعه صعب تماما كما كانت تخشى.

زونار 25-10-09 05:15 PM

اللعبة الخطرة
قالت:" ما فهمته خطأ.رايان خطط لكل شيء لكي يجعلك تظن ما أراده هو"
كان واضحا أن تشارلز لم يصدقها.واغرورقت عيناها الجميلتان بدموع اليأس.وعلى الفور,رقت أساريره,فجلس بجانبها وقال:"ربما من الأفضل أن تخبريني القصة كاملة.لماذا ذهبت للقائه؟"
-لم أذهب للقائه.هو الذي جاء إلى هنا.
-كيف علم بمكان إقامتك؟
-عندما شاهدته لأول مرة في الحديقة العامة,أخبرته أنني أسكن معك.
-لكنك لم تعطه العنوان بكل تأكيد.
-كان يعرفه.
فهتف تشارلز:"كيف عرفه؟"
-وضع مخبرا سريا ليبحث عني منذ تركته.وهكذا عرفوا أين أعمل وأين أعيش.
فقال تشارلز ببطء:"وهكذا جاء إلى هنا.كيف علم أنك في البيت؟"
-قال أنه ذهب إلى المعرض,وأظنه علم بذلك حينذاك.
-لماذا أدخلته؟
-ما كنت لأدخله لولا أنه فاجأني وأصبح في الداخل قبل أن أدرك أنا ذلك.سألته ماذا يريد فقال أنه جاء ليأخذني إلى الغداء.ورفضت في البداية لكنه لم يقبل رفضي.وأخيرا,ظننت أن من الأفضل أن أكون معه في مكان عام أما الذي لم أعرفه فهو أنه كان ينوي أخذي إلى المطعم نفسه الذي كنت أنت فيه...
-وكيف عرف أين سأتناول غدائي؟أندروبيش الذي قام بالحجز هو وحده الذي يعلم,وأنا طبعا.
عندما رأت أن تشارلز لم يقتنع,قالت:"ما أقوله صحيح.هو أعترف لي بذلك.كل شيء كان مخططا له بعناية.وهذا هو السبب الذي جعله يتصرف وكأننا متحابان,ويقول لي(ياحبي).كان يريد أن ترى وتظن أسوأ الأمور"
نظر إليها بثباث:"هل ما أخبرتني به هو الحقيقة؟"
-نعم.هو كذلك.
-وأنت لاتريدين أن تعودي إليه؟
فقالت وهي تهتز:"لا أستطيع إحتمال ذلك"
ومرة أخرى,أصبح وجهه الحسن المظهر,متوترا.وهو يقول:"ماذا بالنسبة إلينا؟هل غيرتي رأيك بالنسبة للزواج مني؟"
-لا.مازلت أريد أن أتزوجك.هذا إذا لم تغير أنت رأيك؟
أضافت الجملة الأخيرة غير واثقة,فكان جوابه أن تنهد بارتياح وهو يبتسم لها.
شعرت بارتياح بالغ وهي ترى البهجة تحتل مكان الإنهاك في وجهه.
وبعد حين,تذكرت موعد العمل الذي أعتبره تشارلز هاما.وكيف قال بحيوية بالغة إنه إذا نجح,فسينهي مشاكله المالية كلها.وتساءلت كيف أنتهى الأمر.وأحست بتيار خفي من الحماسة يسري في رفيقها الفاتر في العادة.فسألته:"هل سارت الأمور على مايرام هذا المساء؟"
-كان الأمر ناجحا جدا.كنت سأخبرك على الفور,ولكن موضوعنا الأكثر أهمية طغى على كل شيء.
فقالت باسمة:"أخبرني الآن"
-خمني.
-عثرت على كنز؟
-يمكنك أن تقولي ذلك.منذ أكثر من أسبوع تلقيت مكالمة تعرض علي لوحة لرواسير.
-رواسير؟
-أنا نفسي لم أصدق ذلك أيضا,مع ذلك وافقت على أن ألقي نظرة عليها.أصر المتصل,الذي قدم نفسه باسم السيد سميث,على الكتمان المطلق والسرية.ولأنه بحاجة ماسة إلى المال فهو مستعد لأن يبيعها بنصف ما تستحقه من ثمن.شرطه الوحيد هو أن يكون الدفع نقدا,وأن يبقى الأمر سريا.
-ولكن ألا تؤدي إتفاقية كهذه...الى المشاكل؟
-نعم,هذا يحدث.كما أنه من غير السهل جمع مبلغ كبير من النقود,وهذا يعني أن اللوحة يجب أن تنتقل بالطريقة السرية نفسا.
فقالت بيأس:"لكنك لم تكن تؤيد قط عملا كهذا.وهناك سمعة المعرض الطيبة,عليك أن تفكر فيها"
-نعم,أعلم هذا,ولو أن ظروفي ليست بهذه الصعوبة,ما كنت لأقبل بهذا الأمر.
شعرت فرجينيا بأعصابها تتوتر.لا بد أن مشاكله المالية أصعب مما يعترف به.
ولخوفها عليه,قالت تعترض:"أليس في هذا كله مخاطرة كبرى؟ماذا لو انكشف الأمر؟"
-السيد سميث لن يثرثر,وأظن أن بإمكاني أن أعتمد عليك بعدم قول أي شيء.
-ولكن إذا كنت تعاني من مصاعب مالية,لا أدري كيف يمكنك أن تجمع مبلغا,اعترفت لتوك بأنه ضخم للغاية.
-لقد سبق وحللت المشكلة.وجدت قرضا قصير الأمد متخدا أعمالي ضمانا لذلك.
ألقت فرجينيا بورقها الأخير:"ثمة جامعي لوحات ثمينة يشترون دون طرح أسئلة كثيرة,ولكن قد يمر وقت طويل قبل أن تجد من هو..."
فقاطعها:"لدي شار ينتظر واسمه أندرسن"
فقالت بغباء:"هل وجدت زبونا بهذه السرعة؟"
-لو لم يكن لدي زبونا في الانتظار, لما جازفت.
كانت هذه عادت تشارلز في العمل.وتنفست هي الصعداء.
فقال يطمأنها:"لا تقلقي ياعزيزتي.لقد سلمت اللوحة الليلة واستعدت نقودي,مع نسبة أرباح جيدة.وسنبدأ حياتنا الزوجية وقد حلت جميع مشاكلنا"
ابتسمت فرجينيا فهي تريد أن تشعر بالسعادة من أجله,لكنها كانت تشعر في أعماقها بعدم صوابية ما حصل.
عندما اقترب موعد النوم,وصعدا السلم معا,كما اعتادا من قبل,شعرت فرجينيا بعدم الإرتياح.
كل هذا بسبب رايان,هكذا حدثت نفسها بغيظ.بعد أن يعود إلى أميركا,وتتزوج تشارلز,ستصبح الأمور على مايرام.لكن التفكير فيه يجعلها حاليا مضطربة وغير مستقرة على الإطلاق.
وكأن تشارلز قرأ أفكارها إذ قال لها:"تصبحين على خير إذن.إذا شئت أن تبقي في البيت غدا,فلن أزعجك من نومك..."
لكنها هزت رأسها:"لقد قررت الذهاب إلى العمل كالعادة"
وتذكرت ما قاله رايان وهو يتركها(في المرة القادمة أنت التي ستأتين إلي)فاقتنعت بأنه لن يأتي إلى البيت ولا إلى المعرض.
-لا.سأذهب معك إلى المعرض.على الأقل سنكون معا.
*****
منتديات ليلاس
أثناء اليومين أو الثلاث الأيام التالية,عادت الحياة إلى طبيعتها مع عودة فرجينيا إلى نظام حياتهما المألوف.
لكن على الرغم من مظهرها الخارجي الطبيعي,كانت فرجينيا تشعر بالتوتر في أعصابها وباضطراب.لا أثر لرايان,لكنها لا تستطيع أن تصدق أنه أذعن وتخلى عنها بهذه السهولة,وترقبها لما سيفعله جعلهاتشعر دائما بالقلق.لم تصدق أنه ينتظر أن تذهب إليه,أم أن هذا ممكن؟ظل هذا الخوف يكمن مترصدا في لا وعيها كظل أسود أثناء النهار,ويوقضها,وقلبها يخفق بقوة,في منتصف الليل.
والأسوأ هو محاولتها إخفاء ذلك عن تشارلز.فقد كان يبدو في ذروة السعادة لأنه دفع ديونه,ولأنه أصبح واثقا من أن رايان أذعن في النهاية وتركهما وشأنهما.لكن فرجينيا أخفت الجزء الأكبر من الحقيقة عنه,كما أنه لا يعرف رايان كما تعرفه هي.
وكلما اقترب موعد الزفاف,كلما اشتد قلق فرجينيا,حتى لم تعد تتمالك أعصابها.
أصر تشارلز على أن يقفل المعرض أبوابه يوم الإثنين,لتستطيع هيلين أن تحضر الزفاف.
قال تشارلز وهو يجلس على حافة مكتب فرجينيا:"أربعة أيام ستكون كافية لأخذ زوجتي إلى باريس للتسوق,وبعد ذلك نذهب في شهر العسل"
وإذ رأى الكآبة لم تبارح وجهها,طمأنها قائلا:"ألا تظنين أن الوقت حان لكي تتوقفي عن القلق بشأن فالكونر؟لو أنه يخطط لمزيد من الحيل,لفعل ذلك.الأرجح أنه عاد إلى بلاده.سأسأل عنه فلدي رقم هاتف فندقه في مكتبي"
وسرعان ما عاد وابتسامة رضى على وجهه:"كما ظننت تماما.لقد سافر إلى أميركا باكرا صباح يوم الأربعاء"
ورغم شعور فرجينيا بالارتياح إلا أن شعورا بعدم التصديق سيطر عليها فلم تقتنع بأن رايان أذعن بهذه السهولة.
*****
اليوم التالي كان يوم السبت,وهو أحد الأيام الأسبوع التي يكثر فيها العمل.ولم تكن فرجينيا قد اشترت شيئا للعرس,فأصر عليها تشارلز أن تأخذ استراحة لتشتري ما تريده.
-اذهبي واشتري ثوبا جميلا وملابس داخلية,وتناولي الغداء على مهل في"هارودز"...
خرجت باسمة لتحقيق رغبته,لكنها لم تشأ أن تتأخر.وهكذا تناولت غداء مبكرا,وذهبت إلى البيت حيث تركت مشترياتها,ثم عادت إلى المعرض.
أدهشها أن تعرف أن تشارلز خرج.فقالت لها هلين:"يبدو أن أمرا طارئا قد حصل فلم يستطع الإنتظار.قال إنه سيعود بأسرع وقت ممكن"
لكنه غاب طيلة العصر.وهكذا لم تره فرجينيا إلا عندما حان وقت العودة إلى البيت,فظهر عند باب مكتبها وقد بدا عليه الضيق والتعجل:"آسف لاضطراري إلى الخروج على الفور مرة أخرى.هل لديك مانع في أن تقفلي المعرض وتذهبي وحدك إلى البيت؟"
-طبعا ليس لدي مانع,هل كل شيء على مايرام؟
-ثمة أمر مستعجل بعض الشيء.علي أن أذهب إلى"ساسكي"ليس لدي فكرة متى أعود,ولهذا لا تنتظريني.
قطبت جبينها وهي تنظر إلى الباب الذي أغلقه وراءه,متسائلة عما حدث لكي يخرج تشارلز الهادئ النظامي عن هدوئه الطبيعي.
حاولت أن تنبذ التشاؤم,لكن إحساسها بكارثة وشيكة لم يتبدد.
عندما أخدت مفاتيحها من المكتب.سارت في المعرض تتفقده وتتأكد من أن الزوار غادروه.
قالت لها هلين:"بدا القلق البالغ على تشارلز عندما عاد,وكان يتصرف بشكل غريب"
أرادت فرجينيا أن تطمئن المرأة,لكنها لم تستطع فقالت:"كل ما قاله لي هو إن شيئا مستعجلا يشغله,ثم طلب مني إغلاق المعرض"
وفيما كانت هلين تخرج معطفها,رن جرس الهاتف,فرفعت السماعة:"معرض تشارلز رينور.نعم...نعم,مازالت هنا"
ثم نظرت إلى فرجينيا وقالت:"المخابرة لك"
ومن دون تمهيد قال رايان:"سأعود إلى نيويورك غدا,وأريدك معي"
رأت هيلين وجه فرجينيا يشحب,فقربت لها الكرسي باهتمام.
جلست عليها وهي تقول:"ظننتك ذهبت إلى بلدك"
-كانت زيارة خاطفة,وقد عدت إلى كينيليم.أنا في الجناح الملكي,أتوقع أن توافيني الليلة.
ردت بصوت أجش:"حسنا,سيخيب أملك"
فقال بهدوء يثير الغيظ:"لا أظن ذلك.إذا كنت تهتمين برينور,فستأتين إلي"
ساد الصمت عندما استوعب ذهنها المضطرب هذا التهديد,ثم سألته متلعثمة:"ماذا؟"
-قلت لك إنك ستأتين إذا كنت تهتمين برينور,ولا تنسي أنني أريدك الليلة ولا يهم مهما تأخرت.سأرسل لك سيارة.من الأفضل أن تكتبي رقم هاتفي لتتصلي بي عندما تصبحين مستعدة للمجيء"
غمرها شعور بأنها مرغمة على ذلك,لعلمها أن رايان لا يطلق أي تهديد أجوف على الإطلاق,فالتقطت قلما وورقة ودونت رقم هاتفه بأصابع مرتجفة.
-لا تزعجي نفسك بإحضار أكثر مما هو ضروري ليلة واحدة.يمكنك أن تشتري كل ما تحتاجينه من نيويورك.
ثم أقفل الخط.
بقيت للحظات تنظر إلى رقم الهاتف المدون على الورقة,حتى بدا وكأن الأرقام تحترق في دماغها.
سألتها هيلين:"هل أنت بخير؟وجهك شاحب للغاية"
فقالت كاذبة وقد جف فمها:"نعم,أنا بخير.كانت مجرد صدمة صغيرة.ظننته في أميركا"
فقالت هيلين بفضول:"إنه رايان فالكونر.فصوته مميز جدا...آخر مرة جاء فيها,أخذه تشارلز إلى مكتبه.رغم أن أيا منهما لم يرفع صوته,تكهنت بأن قتالا حقيقيا دار بينهما"
تلكأت هيلين دقيقة أو اثنتين,وعندما رأت فرجينيا لن تتكلم:"حسنا,إذا لم يكن هناك ما أفعله فمن الأفضل أن أذهب"
وعلى الفور سألتها فرجينيا:"أنت تحبين تشارلز,أليس كذلك؟"
فقالت هيلين بهدوء:"نعم,ولكن لا تظني لحظة أنني.."
-أنا لست غيورة منك.أنا أسألك فقط لأنه قد يحتاج إلى مساندتك! فلا تبخلي عليه بها.
تشابكت أعينهما للحظة,ثم أومأت هيلين وهي تعلق حقيبتها في كتفها وتتوجه إلى الباب.
تبعتها فرجينيا.وبعد أن أقفلت الباب خلفها,شغلت جهاز الإنذار قبل أن تخرج من الباب الخلفي.
عندما وصلت إلى البيت,أحست به خاليا ينتظر.وكانت مشترياتها لا تزال ملقاة على الأريكة,في جو من الوحشة والهجران,فحملتها إلى غرفتها,ووضعتها في الأدراج,من دون إلقاء نظرة أخرى عليها.
للحظة شعرت بهدوء غريب.وكم رغبت في استعجال الوقت كمجرم حكم عليه بالإعدام,وينتظر أن يهوي الفأس على عنقه.
هاجمها القلق مرة أخرى وأقلقتها الأسئلة التي لا جواب لها,ومر الوقت بطيئا.
عندما لم يعد تشارلز في التاسعة والنصف,صعدت فرجينيا إلى غرفتها منهكة مرهقة المشاعر.تمنت,ألا يكون رايان جادا في ما قاله,لكنها عادت فاقتنعت بأن هذا غير ممكن.
تركت باب غرفة النوم مفتوحا لتسمع صوت تشارلز عندما يأتي إلى البيت,ثم اندست في السرير لتحاول أن تنام.لكنها ما لبثت أن أخدت تتقلب متململة غير قادرة على الإستقرار,وأخيرا تخلت عن المحاولة وأضاءت المصباح بجانب السرير ثم التقطت كتابا.
كانت الساعة قد دقت الحادية عشرة عندما سمعت الباب الأمامي يفتح.انتظرت لحظة بدت لها دهرا ثم ارتدت عباءتها ونزلت السلم حافية القدمين.
كانت الردهة وغرفة الجلوس غارقتين في الظلام لكن الضوء يتسرب من باب المطبخ.
سارت بصمت ووقفت عند العتبة,فرأت تشارلز منهارا على كرسي بجانب المائدة,وقد أسند رأسه بيديه.بدا أكبر من سنه وكأنما هزمته الحياة فجأة.
وعندما ترددت عند الباب رفع بصره ورآها.نظرت إليه وهو ينتصب في جلسته...محاولا أن يعود ذلك الرجل الهادئ الواثق من نفسه الذي عرفته,فامتلأ قلبها عطفا وحنانا عليه.
جلست على مقعد قبالته,ثم قالت:"عجبت لأنك لم تصعد إلى سريرك"
-كنت أفكر في شرب فنجان كاكاو.
-أنا أعلم أن أمرا سيئا قد حدث.ألا تريد أن تخبرني عنه؟
-إنها لوحة رواسير التي اشتريتها...
تملكتها المخاوف,وانتظرت ما اصبحت واثقة الآن من أنه سيأتي.أضاف بفتور:"إنها نسخة لا تساوي شيئا.تزييف بارع.أنا أعرف أعمال رواسير,لكنني كنت مستعدا للمراهنة بحياتي على أنها حقيقية تماما"
سألته بصوت ثابت:"كيف اكتشفت أنها ليست حقيقية؟"
-اتصل بي اندرسن عند الغداء بانفعال بالغ.أخبرني أن النسخة الحقيقية للوحة"آثار أقدام"موجودة عند جامع لوحات آخر.
فقالت من دون أمل:"ألا يمكن أن يكون مخطئا؟"
-لا,تأكدت من ذلك.
-ماذا عن الرجل الذي بعته النسخة؟أندرسن؟
-لو استطعت أن أعيد إليه نقوده فهو مستعد لنسيان الأمر,عندئذ تصان سمعتي.لكنني لا أستطيع...وإذا لم يستعد ماله قبل يوم الإثنين,فسيبلغ الشرطة.أنا أكبر مغفل في العالم.سأفقد المعرض وكل ما أملكه وانتهي في السجن.
عندما استوعبت كلمات تشارلز اليائسة هذه,تردد في ذهنها كلمات رايان:(ستأتين إلي إذا كان أمر رينور يهمك...)
كان يعلم ما سيحدث,وهو يعرض السبيل للخروج من هذا المأزق,شرط أن تعود إليه...هادئه باردة كالثلج,راح ذهنها يعمل بسرعة ووضوح:"كم يلزمك من المال؟"
فذكر لها تشارلز مبلغا هائلا.
سارت فرجينيا بإذعان إلى الهاتف في الردهة,وطلبت الرقم الذي انطبع في ذهنها.وعندما أجاب رايان,قالت له بصوت متحجر:"أنا جاهزة للمجيء"
-كم يحتاج رينور؟
فأخبرته من دون أدنى تردد,قال:"ما كسويل سيحضر الشيك"
متى تريد أن تستعيد نقودك؟
-لن أستعيدها.إنها منحة لتمكين رينور من أن يبدأ من جديد,ويعطيني هو ما أريده.
نظرت من خلال باب المطبخ,فرأت تشارلز لا يزال جالسا كما تركته بالضبط,حتى أنه لم يبدو عليه أنه لاحظ غيابها.
وقع بصرها على امتعتها المحضرة لشهر العسل,وفكرت بمرارة ساخرة في أن الهروب وترك مشتريات الزفاف اصبح عادة لديها.
عندما نزلت السلم,وضعت حقيبتها وحقيبة يدها في غرفة الجلوس ثم واجهت أشق مهمة على الإطلاق.
كان تشارلز لايزال يحدق إلى الفضاء,غارقا في شبه غيبوبة من اليأس.وقفت إلى جانبه.
نظر إليها بعينين جامدتين زائغتين بشكل غريب,وكأنه ينظر إلى داخله وليس إليها.
-أريد التحدث إليك.
-ألا يمكن أن نؤجل هذا إلى الباح؟
-لا,لا يمكن.
وكان يقوم بمجهود بالغ,ليركز نظره:"طبعا...لا تقلقي.سألغي العرس.لا أتوقع أن ترتبط امرأة برجل مفلس مهدد بالسجن"
-لن تفلس ولن تدخل السجن.رايان مستعد لأن يمنحك المبلغ الذي تريده.غدا يمكنك أن تعيد إلى أندرسن كل قرش دفعه.
استغرق استيعابه لقولها لحظة أو أثنتين,ثم هز رأسه وكأنه ينبه ذهنه:"ماذا قلت؟"
فكررت قولها.قال وقد دار رأسه:"متى تكلمت معه؟"
-منذ دقائق.لكنني لم أطلب منه المال بل هو الذي قدمه لي.
-ومتى يريد استعادته؟
-إنه لا يريد استعادته.
-ذلك المبلغ من المال؟لا بد أنه يريد استعادته؟
هزت رأسها وأضافت بسرعة:"لا تقلق,ذلك سهل عليه,فهو يدفع أكثر من ذلك بكثير لأعمال الخير"
-ولماذا يريد أن يساعدني ونحن لسنا صديقين؟
وكان هذا هو السؤال الذي تخافه.
*****

زونار 25-10-09 05:16 PM

خيبة أمل
عندما ترددت لتفكر في أحسن طرية لإخباره,قال بعنف:"لا.قلت إنك لن تعودي إليه أبدا,لن أسمح بأن تبيعي نفسك من أجلي"
-أنا لا أقوم بشيء كهذا.
وأدركت أن عليها أن تقنعه بشكل ما,وإلا فسيرفض العون من رايان.قالت:"إسمع,ما كنت لأعود إليه فقط من أجل المال,ولكن.."
-ولكنك لا تستطيعين التفكير في الزواج من رجل مفلس.أنا لا ألومك...
-أرجوك,هل لك أن تكف عن مقاطعتي وتصغي إلي؟إذا لم يكن لديك قرش واحد,وكان عليك أن تذهب إلى السجن لبقيت أريد أتزوجك لو كنت حقا أحبك...
قال وكأنه يعلم ذلك دوما في أعماقه:"لكنك لا تحبينني"
واعترفت هي قائلة:"ليس إلى حد كاف"
-ربما كنت أعلم دوما أنني أعيش في فردوس زائف,لكنني لم أشأ أن أعترف بذلك.
-أردت أن أحبك.حاولت ذلك...
فتنهد من أعماقه:"مازلت تحبين فالكونر,أليس كذلك؟"
-نعم.
-رغم أنك حاولت أن تنكري هذا,أظنني كنت أعرف ذلك دوما.كنت أحاول أن أقنع نفسي أنني مخطئ,ولكن ذلك النهار في المطعم,كان حبك له واضحا بشكل مؤلم.
-أنا آسفة.
-وكنا على وشك الزواج.
-كنا سنرتكب غلطة.فأنت تستحق زوجة تحبك من أعماق قلبها,زوجة تشعر نحوك كما أشعر أنا نحو رايان.
-هل ستعودين إليه؟
-نعم.
-قلت من قبل إنك لا تريدين العودة إليه.
-هذا صحيح,لم أكن أريد ذلك.
وكبحت رجفة تملكتها:"لكنني لم أستطع السيطرة على نفسي"
لم يكن تشارلز أحمق.وبعد لحظة,قال:"هكذا عندما أخبرته أنني في مأزق,عرض هو المساعدة بشروط,وهنا قررت العودة إليه"
-لا.أنت مخطئ.
فقال متعبا:"لا فائدة.أنا أعلم أنك تقومين بهذا من أجلي فقط"
-أنت مخطئ!أنا عائدة إليه لأن هذا ما أريده.سبق وقررت هذا حتى قبل أن أعلم نوع المأزق الذي كنت فيه...انتظرتك لأخبرك.
انتصب في جلسته:"تقولين إنك قررت أمرك قبل أن تعلمي بمشاكلي؟"
-نعم.
-ومتى تكلمت معه عن ذلك؟
أجابت على أساس أكثر أمانا:"لقد عاد إلى لندن واتصل بي إلى المعرض بعد خروجك مباشرة,سيعود إلى وطنه غدا ويريدني أن أذهب معه"
وعندما رأت أن تشار لز غير مقتنع تماما,أضافت:"إسأل هيلين إذا كنت لا تصدقني.فقد ردت هي على الهاتف وعرفت صوته.."
رن جرس الباب أثناء كلامها:"هذا سائق رايان,جاء ليأخذني وقد أحضر الشيك"
وأسرعت إلى الباب لتجد ماكسويل واقفا,فناولها مغلف أبيض وقال:"طلب مني السيد فالكونر أن أسلمك هذا المغلف وأنتظرك"
عادت بالمغلف ووضعته في يد تشارلز,ففتحه ونظر إلى الشيك.بدا على وجهه مزيج غريب من الرهبة والإرتياح والقلق:"لقد دفع فالكونر مبلغا طائلا.إما أنه سخي للغاية,وإما أنه يكن لك تقديرا بالغا"
ثم سألها بسرعة:"هل أنت واثقة حقا من أنك تريدين العودة إليه؟"
-واثقة تماما.
-قال أنه يريد استعادتك فقط ليثأر منك.
فقالت بحذر:"قد يكون هذا صحيحا,لكن أفضل العيش مع رايان على العيش من دونه"
-أنا أفضل ان أمزق هذا الشيك وأستسلم لمصيري,على أن أدعك تجازفين بنفسك.
-يمكنك ذلك,إذا شئت,لكنني سأعود إلى رايان على أي حال.
ورأته مترددا,فعادت تقول:"أنت تعرف الوضع الآن.من الخسارة أن تمزقه,إلا إذا كانت كبرياؤك تمنعك من الإحتفاظ به..."
-المال غير مهم بالمقارنة...
-آه,بل هو كذلك.إنه لا ينقذك فقط,بل ينقضني أنا أيضا,فهو يمكنني من تركك من دون أن أشعر بالذنب.
حاول أن يبتسم:"لا أستطيع أن أشعر بغير الأسف لهذا"
-ستجعل امرأة محظوظة حبيبة رائعة.امرأه مثل هيلين التي تحبك من كل قلبها.
رأت الدهشة على وجهه.من الواضح أنه لم يكن لديه فكرة عن الموضوع.ربما سينظر إلى المرأة الأخرى بشكل مختلف,ولو استطاع فقط أن يرى كم هي جذابة...
-فرجينيا...
كانت عند الباب فالتفتت إليه,فقال:"إذا لم تنجح الأمور معك,فأنا مازلت هنا حتى لو بقينا صديقين فقط"
-شكرا.
وابتسمت له قبل أن تحمل حقيبة يدها وتخرج من المنزل.
الرحلة كانت بطيئة بسبب زحمت السير,لكن فرجينيا لم تلحظ ذلك.فقد جلست منهكة,شاعرة بالخواء,تحدق أمامها بعينين لا تريان.
عندما وصلا إلى الفندق,حمل ماكسويل حقيبتها ثم رافقها إلى الجناح الملكي.
فتح رايان الباب بنفسه,وأخذ منه الحقيبة قائلا:"شكرا يا مكسويل"
في الداخل,ألقى رايان بالحقيبة وأخذ يتأمل وجه فرجينيا الشاحب:"تبدين محطمة للغاية.أظن أن عليك أن تذهبي مباشرة إلى السرير.سندع الحديث حتى الصباح"
كان شعره الأسود مازال مبللا,وقد حلق ذقنه لتوه.
قادها إلى غرفة نوم مطلية باللونين الأزرق والرمادي,يتوسطها سرير فسيح.وعلى الفور وجدت نفسها تتذكر بوضوح ما قاله لها في الحديقة العامة:(الآن,بعد أن عثرت عليك,أريدك أن تعودي إلي)
وتملكتها رجفة.لقد جاهدت في إقناع تشارلز بأن هذا ماتريده,وأنها لن تعاود التفكير في النتائج.وهاهي الآن هنا,وقد فات الآوان على التراجع.لو كان أمرها يهمه مثقال ذرة فقط...ولكن لا.إنه يريدها فقط لكي يعذبها انتقاما منها لأنها تركته.
وسيكون الأمر أسوء عندما يصلان إلى أميركا لأن هذا يعني مزيدا من الآلام والإذلال.ستصبح كبش الفداء بينما تنظر إليها مادلين مستمتعة متشفية.ولكن عليها أن تحتمل كل ذلك,بشكل ما,حتى يحقق إنتقامه ويتملكه السأم أخيرا.
منتديات ليلاس
وقاطع صوت رايان أفكارها الكئيبة التعيسة:"تبدين وكأنك لا تستطيعين الوقوف"
كان الأمر ليصبح أفضل لو أن بإمكانها أن ترفضه عقلا وجسدا معا,لكنها تعلم جيدا أن ذلك مستحيل.ولو أن الأمر كذلك,لما رغب رايان فيها,فهو ليس بالرجل الذي يستمتع بحب امرأة كارهة له.
حتى لو كان ذلك للإنتقام منها فقط.
-أليس من الأفضل أن تصعدي إلى السرير حالا.
أجفلت لكلامه,لكنه قال بهدوء:"سأتركك لتغيري ملا بسك وتخلدي إلى النوم"
كانت من التوتر بحيث مرت لحظات قبل أن تشعر بالرضى لأن رايان لن يضايقها.
ظلت في البداية متصلبة بجفاء,ثم شيئا فشيئا,راح جسدها يسترخي وكأنها عادت إلى بيتها بعد طول غياب ومعاناة.
لم يكن رايان غافلا عما تشعر به نحوه,فأحس بالرضى.لكن سؤالاً واحداً يحيره ولن يرتاح قبل أن يعرف جوابه.كان واثقا بحد ما بأن الجواب سيرضيه,إلا أنه بحاجة إلى أن يطمأن نهائيا,فسألها:"لم يكن رينور حبيبك أبداً,أليس كذلك؟"
هزت رأسها نفيا,غير قادرة على الكذب.
-ولكن أثناء السنتين والنصف الماضية,لا بد أنك عرفت غيره؟
-لا.
سمعته يتنفس الصعداء قبل أن يقول بانتصار:"يا حلوتي,أنت لي وحدي"
لم تستطع أن تظهر أي امتعاض.فوجئت به يسألها:"لماذا لم يكن لديك أي حبيب؟"
لأنه الوحيد الذي أحبته في حياتها.وعندما لم تجب, عاد يلح عليها:"أنت صغيرة وجميلة فلماذا لم تتخذي حبيبا آخر؟"
خوفا من أن يتكهن الحقيقة ويستعملها سلا حا ضدها,سألته:"ألم تسمع قط بالمثل القائل:من لدغته الأفعى يخاف من الحبل؟"
فقال بمرح:"جعلتني أبدو و كأنني أفعى مخيفة"
لكنها كانت واثقة من أنه أصيب بخيبة أمل.
*****
أيقضتها جلبة خفيفة ففتحت عينيها لترى رايان واقفا عند الباب وقد اغتسل وارتدى ملابس بسيطة.
-سيكون الفطور جاهزا بعد دقائق,كما علينا أن نترك الفندق.
وأضاف وهو يبتسم لها:"أنت المرأة الوحيدة التي تستيقظ رائعة الجمال عند الصباح"
فاحمر وجهها,ونزلت من السرير وهربت إلى المطبخ تتبعها ضحكته ال****ة.
كيف أمكنها أن تتخلى عن سيطرتها على مشاعرها بهذه السهولة؟
أخذت تتساءل عن ذلك بغيظ,وهي تفرك أسنانها بشدة لا ضرورة لها.
لقد كانت حمقاء ضعيفة! أين قوة إرادتها؟
ولكن مافائدة تعنيف نفسها؟هكذا سيبقى حالها مع رايان.
الحب,وكل تلك المشاعر المضطرمة التي تكنها له,تجعلها تنتمي إليه أكتر مما تنتمي إلى نفسها.وعندما أخبرت تشارلز أنها مازالت تحب رايان,كانت تنطق بالحقيقة,فهي لم ولن تتوقف عن حبه أبدا.
ارتجفت بالرغم من البخار المعطر الذي يعبق في الحمام.حبها يجعلها ضعيفة للغاية,ويمنحه قوة هائلة يستغلها ضدها..وبقسوة بالغة.
لعل فرصتها الضعيفة والوحيدة هي إنكار هذا الحب...
عندما انتهت,أسرعت إلى غرفت النوم وفتحت حقيبتهاثم أخرجت ملابس نظيفة ارتدتها بسرعة.وضعت زينة خفيفة على وجهها,وكانت على وشك أن تربط شعرها لكنها عادت فغيرت رأيها,وتركته منسدلا.
كان رايان واقفا عند النافذة ينظر إلى الشارع المزدحم المؤدي إلى حديقة كينيليم العامة,فيما عربت الإفطار بالانتظار.استدار عند دخولها بأدبه المعتاد,سحب لها كرسيا لتجلس,ثم قال بعد أن سكب لهما كأسين من عصير البرتقال:"أتريدين بيضا مع اللحم؟"
-شكرا.أريد قهوة وخبزا محمصا فقط.
نظر إليها وهي تدهن الخبز بالزبدة,ثم سألها:"الآن كيف تقبل رينور الأمر؟ظننته سيعترض على بيعك نفسك"
عضت شفتيها باختصار:"لقد فعل.في الواقع كان مستعدا لتمزيق الشيك"
-أظنك أقنعته بقبوله وإلا لما كنت هنا.في الواقع شعرت بالارتياح لأنه اهتم بمصلحته أولا.
شعرت بنبرة خفيفة من الازدراء في صوته,فهبت في وجهه تقول:"لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق.لا تحكم عليه وأنت لا تعلم شيئا عن الأمر.اضطررت إلى الكذب,فأخبرته أنني أريد أن أعود إليك"
-وهل صدق ذلك؟
-ليس في البداية.بقي يفكر في أنني فعلت هذا من أجله.
-وكيف استطعت إقناعه؟
-أخبرته أنك اتصلت بي في المعرض وأن هيلين ستؤكد له هذا.ولأنني أدركت أن الزواج منه غلطة,وافقت على العودة إليك وذلك قبل أن أعلم أن لديه مشاكل.
-مازال هذا العذر يبدو ضعيفا بعض الشيء.
-اضطررت في النهاية إلى أن أخبره بأنني أحبك.
-وهل تحبينني حقا؟
-لا بد أنك تمزح!
توتر فمه قبل أن يجيب بجفاء:"أظن أن شعورك نحوي لم يعد مهما مادمت هنا"
وفكرت بمرارة في أنه لا يهتم مثقال ذرة بمشاعرها,وهذه الحقيقة ستظل تؤلمها إلى الأبد.
-صدقني,ما كنت لأعود إلى هنا لو أن أمامي خيار آخر.لكنني لم أستطع الوقوف جانبا فيما تشارلز يتحطم.
-ألا تظنين أن الذنب ذنبه لتهوره وحماقته؟
-تشارلز ليس متهورا ولا أحمق أبدا.
عبس رايان لدفاعها عنه:"حسنا,عليك أن تعترفي بأنه جازف وهو يشتري لوحة أصالتها غير مؤكدة تماما.على أي حال,لعله لم ير قط اللوحة الأصلية,وإذا رآها فربما كان ذلك في صباه,لأنها بين مجموعة أوتيس جفرسن منذ ثلاثين عاما"
-تشارلز يعرف لوحات رواسير جيدا,وكان مقتنعا بأنها حقيقية ثم من أنت حتى تدينه؟هل سجلاتك دوما بيضاء ناصعة؟
سكتت فجأة عندما خطرت لها فكرة.لقد افترض تشارلز أنها أخبرت رايان بأمر اللوحة الزائفة بعد أن عاد هو إلى البيت وأخبرها بذلك,لكنها لم تفعل ذلك بالتأكيد...كانت على حق...لا بد أن رايان يعلم منذ البداية.فسألته بصوت حاد:"كيف علمت بكل هذا؟من المفترض أن الأمر تم في سرية تامة.لا بد أنك كنت تعلم أي مأزق سيقع فيه تشارلز قبل أن يشتري.."
وتزايد الشك فتابعت تقول:"لا,هذا مستحيل,إلا إذا.."
فقال يكمل جملتها:"إلا إذا كان لدي حاسة سادسة؟"
-ولكن ليس لديك حاسة سادسة!
-لا,ليس لدي.
-فكيف علمت إذن؟ثلاثة أشخاص فقط عقدوا هذه الإتفاقية...البائع,ولا يمكن أن يكون هو من كشف الأمر,وتشارلز نفسة,وأندرسن,الرجل الذي أشترى اللوحة الزائفة.
عندما تردد رايان,وكأنه يقرر ما إذا كان عليه أن يخبرها أم لا,ألحت فرجينيا:"أريد أن أعرف كيف عرفت بذلك"
بدا الهزل لحماستها هذه فرفع يديه بإستسلام:"لا بأس.سأخبرك.كما تعلمين,كنت أبحث عن بعض اللوحات التى رسمتها أمك,فرتبت أمر تناول الغداء مع رجل يدعى أندرسن,وهو سمسار وجد لي في الماضي بعض اللوحات.وقد أشار إلى أن لوحة(آثار أقدام)ستعرض للبيع...على أن يبقى الأمر سرا.اهتممت للأمر,لأنني أعرف صاحب اللوحة جيدا.فالسيد همفري بوست ليس صديقي فقط,بل هو أيضا عم بيث...
رغم أن فرجينيا تعلم أن بيث إنكليزية,إلا أنها شعرت بالدهشة تصل إلى حد عدم التصديق.لكن رايان تابع قائلا:"قال السيد همفري إنه اشترى اللوحة ليضمها إلى مجموعته الخاصة وأنه لا ينوي بيعها على الإطلاق...وعندما ذكرت ذلك لأندرسن ,بدا متكدرا للغاية لأنه دفع ثمن ماعلم الآن أنه زائف...وقد انخدع رينور بها مثله.."
ساور فرجينيا الشك.رغم أن ما قاله رايان منطقي للغاية...لكن المسألة كانت من التنظيم بحيث لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة.
وبعد أن تأمل وجهها لحظة,تابع كلامه بشكل عفوي:"لا أظنك رأيت اللوحة؟"
-لا,لم أكن أعرف شيئا عنها حتى الليلة الماضية.رغم أنني كنت دوما أتمنى لو أرى هذه اللوحةإلا أنني لم أرى سوى نسخة عنها.
-إذا كنت ترغبين في رؤية اللوحة.فأنا واثق من أن السيد همفري سيسعده أن يسمح لك برؤيتها.
في أي وقت آخر,كانت فرجينيا ستقفز فرحا لهذه الفرصة,ولكن هذه الظروف...قالت بحذر:"كنت سأسر بذلك,ولكن..."
-سأتصل وأرتب أمر المرور إلى بيته ونحن في طريقنا إلى المطار.
*****
كان منزل السيد همفري الفخم جميلا قديم الطراز ومبنيا من الحجر.وكان السيد همفري في أواخر السبعينات من العمر,ذا مظهر أرستقراطي مميز,بشعره الفضي وعينيه البنيتين اليقضتين,مما ذكر فرجينيا ببيث,وصعقت على الفور لهذا الشبه العائلي الكبير بينهما.
قال السيد همفري يخاطبها:"كنت أرجو أن تمكثا حتى وقت الغداء,لكن رايان يقول إن عليكما أن تكونا في المطار قبل الظهر.وهكذا,إذا تفضلتما بالمجيء من هنا"
عبرا الردهة الطويلة ذات الجدران المغطاة بخشب السنديان إلى غرفة محصنة لحفظ الكنوز.
قال وهو يقودها إلى حامل لوحة ويزيح عنها خرقة تغطيه:"والآن,بالنسبة إلى اللوحة التي تريدين رؤيتها...أخشى أنك لن تريها في أفضل حالاتها"
نظرت فرجينيا إلى اللوحة وأدركت على الفور لماذا اعتبرت من أفضل أعمال رواسير,فهي قوية التأثير ومثيرة للعواطف معا.
قالت فرجينيا بصوت خافت:"إنها رائعة"
وبدا الرضى على السيد همفري:"نعم,هذا هو رأيي دوما"
وقال رايان فجأة:"حان الوقت لذهابنا,ياحبي.شكرا جزيلا ياهمفري"
شكرته فرجينيا بدورها.وعندما ودعاه ربت على كتف رايان:"سررت لسماع أخباركما السارة.لا تنسى أن تدعوني إلى العرس"
-لن ننسى.
شعر رايان بتصلب جسم فرجينيا,فمنحها ابتسامة جانبية وهو يتابع حديثه مع العجوز:"سنعلمك بالموعد حالما تسنح لنا الفرصة,أليس كذلك يا حبيبتي؟"
إذن فهو ينوي الإستمرار وكأن شيئا لم يحدث...حسنا,لن تكون شريكة له في هذا...
ما إن ساعد رايان فرجينيا على الصعود إلى السيارة وجلس بجانبها,حتى أنطلقت بهما.
رأت فرجينيا أن الزجاج الذي يفصل بينهما وبين السائق مفتوح,فعضت شفتها ولم تقل شيئا,فهي لا تريد أن تبدأمعركة يستمع إليها شخص آخر.
نظرة رايان أنبأتها بأنه يعلم جيدا مايدور في ذهنها,لكنه كان ****ا بأن يجعلها تترقب اللحظة المؤاتية.
كانت الرحلة إلى المطار صامته نسبيا.وحالما تمت الإجراءات الرسمية,صعدا إلى طائرة الشركة النفاثة.
رغم الغيظ الذي كان يملأ فرجينيا,اجتازت الإجراءات كلها كشخص يمر بحلم سيء,ولا يحاول الهرب لأنه يعلم أن لا مهرب له.وبعد فترة وجيزة,أقلعت الطائرة.
بعدئذ,دخل مضيف ببزة بيضاء يدفع أمامه عربت الغداء.وحين انتهيا بقيا لوحدهما,وأصبحت فرجينيا قادرة على أن تنفس عن الغضب الذي يغلي في صدرها.
ما إن انغلق الباب,حتى استدارت إلى رايان تسأله:"لماذا أخبرت السيد همفري بأننا سنتزوج؟"
-هل تريدين أن تبقي الأمر سرا؟
صرفت بأسنانها وهي تقول:"ليس في نيتي أن أتزوجك"
-هل تراجعت عن الإتفاقية؟
-لكننا لم نتحدث عن الزواج؟
-هل تظنين أنني أخطط لعلاقة قصيرة.لا,أنا أريد ما أردته دوما.الزواج,وعلى أساس دائم.
في أعماقها كانت تفكر أن بإمكانها دوما أن تهرب مرة أخرى.ولكن الزواج سيصبح قيدا...
أضاف وهو يراقب وجهها الشاحب:"عندما دفعت ذلك المبلغ الكبير,كنت أتوقع في مقابلة شيئا كبيرا...أريد زوجة وأسرة"
أسرة؟وكيف يمكنها تحمل أولاد رايان فيما هي تعلم أنه لا يحبها؟
وفجأة قالت بيأس:"لا أظنني أستطيع إحتمال ذلك"
فتغير وجهه:"هل الأمر سييء إلى هذا الحد؟مر وقت كنت فيه سعيدة بالزواج مني"
-كان ذلك حين ظننت أنك...
وابتلعت عبارة(كنت تحبني)لتقول:"تعني زواجا حقيقيا"
-وهل من زواج غير حقيقي؟
وإذ لم تستطع احتمال تهكمه,غطت وجهها بيديها:"لا أريد أن أتزوجك.يكفي سوءا أنني مضطرة للعودة إلى نيويورك لأواجه أسرة تكرهني,وامرأة ستبتهج لتراني ذليلة,محطمة الكرامة.."
-الأسرة لا تكرهك.وأنا واثق من أنهم سيكونون مسرورين جدا بعودتك إليهم...أما بالنسبة إلى مادلين,فقد رحلت إلى الأبدطلقها ستيفن بعد أن هربت مع مخرج سينمائي.
للحظة واحدة ارتفعت معنويات فرجينيا,إلا أن منطقها حدثها بأن غياب مادلين لن يؤثر كثيرا على علاقتها برايان.لقد وقع الكثير من الضرر,ولو أن الأسرة لا تكرهها فقد كرهها هو.ولعله يلومها أيضا على هروب مادلين الذي ما كان ليحصل لو لم تفسد عليهما خطتهما بفرارها,تلك الخطة التي مازالت تثير فيها مشاعر الغضب والغيظ المر.صرخت به:"سواء كانت مادلين هنا أم لا,مازلت لا أحتمل فكرة الزواج بك.لا أريد أن أرتبط برجل يقيم علاقة مع زوجة أخيه.."
تصلبت ملامح رايان:"عندما نعود إلى البيت,أريدك أن تحتفضي بهذه الإتهامات لنفسك,خصوصا أمام بيث"
ورغم أنه قال هذا بهدوء,إلا أنها أدركت أنه يأمرها بذلك.
وأضاف قبل أن تحاول تحدي أوامره:"أنا أرفض أن أكرر ماقلته مرة أخرى"
ليت رايان يهتم بها كما يهتم ببيث,وليت مادلين لم تكن موجودة أبدا...
وفجأة,تنهدت فرجينيا شاعرة بالهزيمة والتعب.فسألها برقة:"هل أنت متعبة؟"
-قليلا.
-لم تنامي جيدا الليلة الماضية!
منذ عودة رايان إلى حياتها وقلة الراحة جزء منها.
وأضاف بجفاء:"يمكنك أن تنامي فلدي عمل أنهيه"
نهضت محمرة الوجه,محدثة نفسها بأن هذا يريحها,ولكن هذه الراحة كانت في الحقيق,خيبة أمل.
*****

زونار 25-10-09 05:17 PM

القرار
قال وعيناه تلمعان:"تبدو عليك خيبة الأمل.إذا كنت كذلك فيمكن للعمل أن ينتظر"
عجبت كيف يمكنه أن يقرأ أفكارها,وقالت بجفاء:"أنا لا أشعر بخيبة أمل"
-ياحلوتي الصغيرة الكاذبة.
وتقدم إليها فإذا بها ترتجف:"رغم قولك إنك لا تريدين أن تتزوجيني,لكن عيناك تكذبانك.."
ورغم كل قلقها مما يخبئ لها المستقبل,كانت تشتاق إليه,تحن لرؤيته,وتتألم لأجله.لم يكن إنجذابها إليه مجرد إنجذاب بسيط,بل يطال كيانها بأجمعه.أشاحت فرجينيا وجهها لتخفي مشاعرها,إلا أنه قال برقة:"لا تستطيعين إخفاء ذلك...أشعر بخفقات قلبك تتسارع,وكذلك أنفاسك.فلماذا تنكرين حبك لي؟"
وقبل أن تتمكن من الدفاع عن نفسها قال بهدوء:"إذا كنت تريدين أن تنامي,فلا بأس.أنت بحاجة إلى الراحة"
ها هو يلقي بالكرة في ساحتها,وهي لاتريده أن يشمت بها منتصرا,فقالت له بقدر إمكانها من النفور:"نعم,أريد ذلك"
-إذهبي إذن.
كان عليها أن تأخذ حذرها من نعومة صوته الفولاذية,لكنها استدارت متجهة إلى غرفة النوم ظنا منها أنها انتصرت.
فقال لها بصوت ساخر:"نامي جيدا لكي نصل إلى نيويورك وأنت نشيطة"
فردت بصوت ثقيل:"أنت خنزير حقير"
تظاهر بالألم:"لم أتوقع هذه الشتيمة"
وإذ كانت تعلم أن رايان عادة,أكثر رقة وإحساسا,وإنه يتعمد إزعاجها.قالت له غاضبة:"تبا لك! أنت تريد أن تعاقبني وتذلني فقط.أنت قاس وسادي.."
توتر فمه وكأنه يتألم:"إذا كنت أنا كذلك,فهذا ما فعلته أنت بي.."
اقترب منها ثم وقف ينظر إليهاوعلى وجهه كآبة غريبة,لكنه لم يتفوه بكلمةقبل أن يخرج من الغرفة.جلست على السرير وأخذت تنظر في أثره.وعندما لم تهدء مشاعرها,راحت ترتجف بعنف.
ما الذي هدف إليه بقوله:"إذا كنت أنا كذلك فهذا ما فعلته بي.."
بدت عليه مرارة بالغة كما بدا غاضبا للغاية منها ومن نفسه...
بعد دقيقة أو اثنتين,حاولت خلالهما أن تسيطر على أطرافها المرتجفة,تكومت تحت الغطاء.وما إن لمس رأسها الوسادة حتى استغرقت في النوم,ولم تستيقظ إلا والطائرة تهبط بهم,ورايان يدق الباب حاملا إليها كوب شاي منعش.
لو بدا بحالته المعتادة,لحاولت أن تتحدث إليه,لكنه بدا متحفظا ولا مجال للتحدث إليه.
وجدت نيويورك حارة ومشمسة ومألوفة إلى حد يحطم القلب,فيما كانت السيارة تجول بهما في الشوارع مرة أخرى.الفرق الوحيد هو أن رحلتهما هذه المرة سادها الصمت,حيث أن رايان الذي كست وجهه الكآبة,راح يحدق إلى الفضاء,وكأن هموم الأرض كلها على كتفيه.
تذكرت بهجتها أثناء زيارتها الأولى,وقارنتها بمشاعرها الآن.
وحين توقفت السيارة أمام برج فالكونر,كانت فرجينيا قد أصبحت كتله من الأعصاب.
وسخر القد منها,فقد استقبلهما الحارس نفسه الذي ضحك لهما وقال:"مساء الخير ياسيد فالكونر,يسرني أن تعودي يا آنسة آدامز"
استطاعت أن ترد عليه باسمة:"شكرا ياجورج"
استقلا المصعد حيث وقفا متباعدين متجنبين أي احتكاك بينهما وكأنهما غريبان.
عندما وصلا إلى الطابق الأعلى,وفتح رايان باب شقتها,مشيرا إليها بالدخول.
-ستقيمين هنا طالما نحن مخطوبان.
فقالت متلعثمة:"نع..نعم.شكرا"
كانت الشقة كما تتذكرها بالضبط,فسيحة مشمسة.وغمرتها الذكريات.
وضع المفتاح في يدها وقال بهدوء:"طلبت بيث أن تنزلي لتريها حال وصولك"
فابتلعت فرجينيا ريقها بصعوبة:"طبعا"
قال بلهجة أكثر إنسانية:"لا حاجة بك إلى هذا القلق كله,فأنت لست مضطرة لمواجهتهم جميعا.جانيس تمضي عطلتها الأسبوعية في واشنطن,وستيفن في إجازة مع صديقته الجديدة,وهكذا فإن بيث وحدها هنا"
فقالت لكي تنهي كل شيء وتستريح:"سأنزل إليها الآن.إنما ماذا علي أن أقول لها؟"
فرفع حاجبيه:"عن أي شيء؟"
-رحيلي المفاجئ ذاك.
-أنت تترددين في أن تحقريني في عينيها؟
وأضاف بلهجة لاذعة:"يدهشني اهتمامك هذا"
-لو لم أهتم بالحفاظ على هذه الأسرة,لأخبرتهم حينذاك بما أخبرتني به مادلين.
-من المؤسف أنك لم تفعلي,والأمر كله مجرد أكاذيب.وكانت بيث ستدرك ذلك.
عندما أخذت فرجينيا تحدق إليه,وقد تأثرت لرنة الصدق الواضحة في صوته,قال:"عندما تنزلين إلى الطابق السفلي,أريدك أن تلبسي هذا.."
وبحث في جيبه ثم اخرج خاتما وضعه في إصبعها.
-كنت أنوي أن اعطيك إياه قبل الآن,ولكن...
وسكت وهو يهز كتفيه,فحدقت إلى حجر العقيق وكأنها في حلم.إذن فقد بقي محتفظا به طوال الوقت...
وعندما أشاح بوجهه,قالت وهي تكاد تبكي:"أرجوك يا رايان..ألن تأتي معي؟"
-أظن أن عليك أن تقومي بهذا وحدك.إمرأة لامرأة كما يقول المثل.
-لكنني لا أدري ماذا أقول لها...وبماذا أخبرها..ماذا لو سألتني لماذا عدت إليك؟
لوى فمه بما يشبه الإبتسامة:"حاولي أن تقولي الحقيقة.بيث هي أقوى مما تبدو عليه"
نظرت إليه وهو يسير مبتعدا,وأدركت أنه لن يمنحها مزيدا من العون,فترددت.أغاظها جبنها,لكنها انتصبت بقامتها,ثم نزلت إلى الطابق السفلي.
فتحت بيث الباب,وبعد نظرة واحدة إلى وجه زائرتها,فتحت لها ذراعيها.هذا العناق الدافئ بدد توتر أعصاب فرجينيا فاغرورقت عيناها بالدموع.
قالت بيث وعيناها تتألقان إلى حد مريب:"لا حاجة بك إلى إبداء الأسف.ثمة من ينتظرك ليراك.."
وسارت أمامها إلى غرفت الجلوس وفتحت الباب وهي تتابع:"وهكذا يمكنك أن تتحدثي بصراحة تامة وسأنتظرك في المطبخ"
نهضت مادلين واقفة لدخولها,وعندما رات الصدمة على وجه فرجينيا,قالت:"لا,لم يكن حضوري إلى هنا فكرتي"
وبمزيد من الحقد أضافت:"أنا راحلة في الصباح الباكر,لكن حماتي السابقة أصرت على أن آتي إلى هنا"
فأجابت فرجينيا فجأة:"لا بد أن لديها سببا لذلك"
-نعم,تريدني أن أخبرك بالحقيقة عما حدث بيني وبين رايان...
فقاطعتها فرجينا بهدوء:"أنا أعرف هذا.كان بينكما علاقة انتهت قبل أن يتزوجك ستيفن.ولأنك كنت غيورا,ولا تريدين أن يتزوج رايان,أخبرتني بكمية من الأكاذيب"
فقالت مادلين بازدراء:"وكنت أنت من الحماقة بحيث صدقتني,لو أراد رايان أن يتزوجني,لما تركته بسهوله مثلك,لكنني كنت أريده بينما أنت لم تكوني تريدينه,وإلا لناظلت لأجله,من المؤسف جدا أنه مهووس بك.فأنت لا تستحقينه"
ثم استدارت واتجهت إلى الباب.وبعد لحظة كان الباب ينصفق خلفها.
وهندما استطاعت فرجينيا أن تتمالك نفسها,اتجهت إلى المطبخ بساقين تكادان لا تقويان على حملها.
قالت بيث:"ربما ما كان لي أن أفاجأك بالأمر بهذا الشكل,لكني ظننت أن ذلك ضروري"
-كيف استطعت أن تقنعيها بالمجيء؟هل أنت من فعل هذا؟
-نعم,ورايان لا يدري شيئا عن ذلك...وقد يغضب تماما عندما يعلم.
وسألتها بتردد:"لدي سؤال واحد..كيف علمت أن مادلين هي التي سببت كل تلك المشاكل؟"
-لم أتأكد من ذلك إلا منذ يومين,عندما جاء رايان من لندن قائلا إنه بحاجة إلى أن يتحدث إلي,وأخبرني بكل ماحصل.كان شاحب الوجه يتميز غيضا وغضبا.كم أتمنى لو أنك تحدثت إلي بدلا من أن تهربي...
فقالت فرجينيا من كل قلبها:"ليتني فعلت ذلك,لكنني خفت عليك.."
وسكتت فقالت بيث:"إن معرفتي الجيدة برايان تمنعني من أن أصدق لحظة واحدة هذا الهراء.."
تنهدت فرجينيا بألم عميق.ثقة بيث الكاملة برايان كانت أشبه بخنجر غرز في قلبها.ليتها تملك مثل هذه الثقة...
وتابعت بي:"كما أنه واقع في الحب,وهو رجل امرأة واحدة"
فهمت فرجينيا بألم بالغ:"ما كان لهذا أن يحدث لو أنني وثقت به"
-ربما لم تكوني تعرفينه جيدا.إنما الآن..حسنا.أمامك الحياة بطولها...
وعندما رأت ملامح فرجينيا المعذبة,سألتها بقلق مفاجئ:"الأمر على مايرام الآن,أليس كذلك؟أرى خاتمه قد عاد إلى إصبعك,وأنت مازلت تحبينه,أليس كذلك؟"
-نعم,مازلت أحبه.حتى عندما صدقت عنه أسوء الأمور,لم أتوقف عن حبه قط.
-حاولي إذن أن تخبريه بذلك.
-فات الأوان.فهو لم يعد يحبني.وكل مايريده هو أن ينتقم.إنه يكرهني لأنني تركته بهذا الشكل.
لكن بيث هزت رأسها:"رغم أنه تألم وخاب أمله لأنك شككت به,إلا أنني واثقة جدا من أنه لا يزال يحبك.إذهبي وتحدثي إليه الآن.
جاهدت فرجينيا لصد ذلك الفيض من المشاعر الذي هدد بإغراقها.وقبل أن تصل إلى السلم, راحت تبكي.وإذ كانت تعلم أنها لا يمكنها أن تواجه رايان إلا بعد أن تتمكن من السيطرة على نفسها,توجهت إلى شقتها ثم دخلتها وقد أعمتها الدموع.
ليتها لم تسمح لمادلين بأن توقع بها بذلك الشكل...ولكن ما فائدة لوم مادلين؟فالذنب ذنبها هي.فهي التي سببت كل ذلك الألم لها ولرايان بسبب قلة ثقتها به.
وكما قالت بيث,لم تكن تعرفه حقا.
وتذكرت كيف أنه,عندما وفته بالقسوة والسادية,قال:(إذا كنت كذلك فهذا ماجعلتني أنت عليه...)وشعرت وكأنها تنزف حتى الموت.تملكها العذاب فجلست على الأريكة وأخذت تشهق شهقات عميقة منهكة.
قال رايان بخشونة:"بحق الله لا تبكي بهذا الشكل"
أجفلت وهي ترفع وجهها المبلل بالدموع لتراه واقفا بالباب.
-لم يكن الباب مغلقا جيدا فدخلت.سأخرج إذا شئت.
وكان الأوان قد فات فهزت رأسها.أما هو فقطب جبينه:"حتما إن بيث لم...؟"
-لا,كانت بيث رائعة...
وكأن فيضانا حصل,بقيت الدموع تتدفق منهمرة على خديها,واستمرت الشهقات تتواتر من حلقها.تأوه وهو يتقدم ويجلس بجانبها.
-آسف لطريقة معاملتي لك.لقد تصرفت بحقارة.
ولشدة ما أحست بالذنب,لم يفلح اعتذاره سوى في استدرار المزيد من دموعها.
أخذ يواسيها بكلمات غير مترابطة وتركها تبكي كما تشاء.عندما هدأت شهقاتها أخيراً,أخرج من جيبه منديلا وناولها إياه لتنشف وجهها.
أخذت منه المنديل,وقالت بحزن:"آسفة,ما كان لي أن أتصرف بهذا الشكل.لا بد أنني أبدو فضيعة الشكل"
نظر إلى أنفها الوردي وعينيها المنتفختين وخدها الملطخين وهز رأسه:"تبدين جميلة للغاية"
وصدر عنها صوت هو بين الضحك والبكاء,وانحدرت آخر دمعة على خدها.
فقال لها:"كفي عن البكاء.سيكون الأمر على مايرام.أتعهد لك بذلك"
فسألته بصوت خشن:"أحقا؟"
-ما كان لي إعادتك إلي فيما يبدو جليا أنك تكرهين هذه الفكرة.يمكنك أن تعودي إلى بيتك متى شئت.
كان هذا آخر ما توقعت أن تسمعه,فقالت بتبلد:"لا أفهم"
وعندما كرر كلماته,سألته:"ماذا بالنسبة إلى تشارلز؟"
-لا تقلقي.أنا لا أنوي استرجاع نقودي منه فقد عقدنا صفقة.
-لماذا؟
فتنهد:"لم تكن صفقة عادلة"
-بل كانت أكثر من عادلة.إنها سخية,وقد وافقت أنا عليها.
-لم يكن أمامك خيار.ولكن عندما أقول صفقة غير عادلة,فأنا أعني هذا بالضبط.ما أخبرتك به سابقا,كان غير صحيح أبدا.فقد وضعت الخطة بأكملها.
وعندما حدقت إليه فاتحة فمها,قال موضحا:"السيد سميث الذي تحول إلى ممثل ماهر,كان يعمل عندي"
-هل أنت من باع تشارلز اللوحة الزائفة؟
-لا.أنا بعته اللوحة الحقيقية.
-هل استعرتها من اليسد همفري؟
-بيث هي اللتي فعلت ذلك.وقبل أن تدينيها,أعلمي أنها فعلت ذلك متلهفة لأن نجتمع معا من جديد,ويعود كل شيء على مايرام.
ولكن الأمور ليست على مايرام...
نبذت هذه الفكرة من رأسها,وقالت له:"أنا لا أفهم كيف أستطعت ترتيب ذلك"
منتديات ليلاس
-أندرسن...يعمل معي أيضا.إدعي أنه سمسار لوحات فنية,اتصل برينور مظهرا اهتمامه بأعمال رواسير.وحالما وقع رينور في الفخ,اتصل بإحدى مؤسساتي المالية...فقدمت له قرضا قصير الأمد بشروط حسنة.اشترى اندرسن اللوحة واستعاد رينور نقوده,ولو أبديت أي دليل على رغبتك في العودة إلي,لتركت الأمر عند هذا الحد.ولكن إصرارك العنيد على الزواج منه أرغمني على الإستمرار.
ارتجفت فرجينيا.لا بد أن رايان كان متلهفا إلى الإنتقام لكي يتحمل كل ذلك العناء.
سألته بفضول:"ماذا كنت ستفعل لو أنني رفضت التعاون معك؟"
-كنت سأخبر رينور بالحقيقة.لكن نظرا لما اعرفه عن شخصيتك,فكرت في أن الرهان على تعاونك لن يخيب.
فقالت بكآبة:"كل هذا لكي ترغمني على العودة إليك؟"
-كلمة (إرغام)تعني الإكراه.كان ينبغي أن أفكر بتعقل لأدرك أن هذه الطريقة لن تنجح.
وتنهد بعمق:"لكنني لا أطيق رؤيتك تعيسة بهذا الشكل.حالما تصبحين جاهزة للرحيل,سأعيدك إلى لندن"
لو كان مايريده هو مجرد الإنتقام,لما اهتم بمقدار تعاستها.
وتذكرت ثقة بيث بأنه مايزال يحبها,فاستجمعت شجاعتها وقالت:"لا أريد أن أعود إلى لندن"
-حسنا,إذا كنت تفضلين البقاء في نيويورك,فسأشتري لك شقة و...
-لدي شقة...رغم أنني أفضل أن أسكن في "الشقة الأخرى"..
-أنت لست مضطرة للعيش هنا لمجرد أننا عقدنا صفقة...
-نعم,أنا لست مضطرة للعيش هنا وإنما أرغب في ذلك.
فهز رأسه:"لا أطيق أن أراك تعيسة بهذا الشكل"
-كنت تعيسة فقط لأنني تسببت بكل هذه المشاكل.
ومع إزدياد يأسها,قالت:"أرجوك يا رايان,أنا أحبك.لم أتوقف عن حبك وأريد أن أتزوجك"
-لقد فكرت كثيرا في الساعات القليلة الماضية فرأت أن زواجنا لن ينجح.فالزواج يجب أن يؤسس على الثقة بالإضافة إلى الحب.
عضت شفتهاحتى شعرت بمذاق الدماء:"عدم ثقتي بك هو أمر ندمت عليه بكل مرارة...ربما,كما تقول بيث,لم أكن أعرفك إلى حد كاف.وهكذا صدقت ما أخبرتني به مادلين...وكانت هي رائعة الجمال.."
-كانت حقيرة سافلة,ولسوء الحظ استغرقت معرفتي بهذا وقتا.أدركت منذ البداية أنها تسعى وراء المال.ولكن, كما تقولين,كانت رائعة الجمال.ابتدأت المشكلة عندما سئمت منها بسرعة.أردت أن أعطيها مبلغا من المال وأتخلص منها.ويبدو أنها طمعت بالزواج,وعندما أوضحت لها أنني لا أنوي الزواج منها,قررت أن تحصل على زوج غني,وهكذا نقلت اهتمامها إلى ستيفن.كانت مادلين تتحين الفرص لتعود إلي,ولم اعلم بنيتها حين ذالك وإلا لأوقفتها عند حدها...
فقالت بحزن:"اللوم لا يقع على مادلين وحدها.أنا ملامة مثلها لأنني صدقتها"
-لماذا صدقتها؟
حاولت أن تفسر الأمر:"ربما لم يكن المر مقتصرا على عدم الثقة بك,بل بنفسي أيضا.لم يسبق أن أحبني أحد قط..."
رقت أساريره بينما تابعت هي تقول:"منذ البداية,لم استطع أن أتصور لماذا تزعج نفسك بفتاة عادية مثلي.لم أفهم لماذا تتكبد كل تلك المشقة لكي تعثر على موضفة للمعرض,وكنت شبه مقتنعة بأن لديك مصلحة مع والدتي.حتى عندما عرضت علي الزواج,لم أصدق أنك تريد أن تتزوجني...رغم أنني أحببتك من أول نظرة,كان من المستحيل أن أصدق أنك تحبني.لقد فاجأني الوضع للغاية.."
-مع أن الأمر لم يكن مفاجأً على الإطلاق.فقد أحببتك حتى قبل أن نتعارف.
حملقت فيه قائلة:"ولكن هذا غير ممكن"
-اسمحي لي أن أريك شيئا.
أخرجها من شقتها ليدخلها إلى شقته.وفي غرفة الجلوس لاحظت لوحة لم ترها قط من قبل.
كانت لوحة صغيرة لصبية ذات شعر كستنائي طويل جعد مسترسل على كتفيها,تجلس على مقعد خشبي مرتفع وتنظر من نافذة بللها المطر.كان جسدها النحيل,في ذلك القميص البسيط القطني الوردي,مسترخيا يوحي بالغم والإنقباض,وجهها الجميل يبدو كئيبا.
عندما أخدت تحدق في اللوحة صامته,قال رايان:"رأيت لوحة(صبية الأربعاء)لأول مرة منذ ثلاث سنوات حين عرضت لوحات أمك.سمحت لي بأن أدخل مرسمها وأبحث عن بعض لوحاتها التي لم يسبق عرضها.وفجأة رأيتها.سحرتني اللوحة منذ اللحظة الأولى.ولم أستطع أن أرفع نظراتي عنها.ولو كا الوقوع في غرام صورة ممكنا,فقد وقعت أنا في الغرام.تصورت نفسي الشخص الذي تنتظره تلك الصبية.الشخص الذي سيحول أحاسيس الرفض والحزن,إلى دفء وسعادة.وتعبت كثيرا قبل أن تعترف أمك أخيرا,ورغما عنها بشخصيت الفتاة.وعندما سألتها أن تبيعني اللوحة أجابت بأنها ليست للبيع,كما رفضت أن تعرضها في المعرض.لم تستطع برأيي أن تحطم عملا فنيا جيدا,لكنها أخفت هذه اللوحة لأنها تكشف الكثير.كانت تظهر بوضوح فشلها كأم,وربما كانت تشعر باخزي.مرت أسابيع عدة قبل أن أجعلها تتحدث عنك.ولم أسترح حتى أرى بنفسي شكلك في الواقع.وكنت أجمل من صورتك,وكان افتتاني بك فوريا مرة أخرى...
رفعت إليه وجهها متألقا:"إذن,فقد أحببتني حقا؟"
-وبجنون.
-بيث تظن أنك مازلت تحبني.
فقال بجفاء:"أحقا؟ وما رأيك أنت؟"
اهتزت ثقتها فجأة,وقالت:"لآ أدري"
فتنهد:"أخبريني ماذا علي أن أفعل أو أقول لكي أقنعك"
اقتربت منه وقالت بصوت خفيض:"قل:ابقي معي...قل:تزوجيني.."
-هل أنت واثقة من أن هذا ماتريدينه؟
-نعم,واثقة.
ابتسم لها وقال:"إبقي معي...تزوجيني...ولا تتركيني أبدا مرة أخرى"
-لن أتركك.
سألته فرجينيا:"كيف حصلت على هذه اللوحة؟ألم تقل إن أمي رفضت التنازل عنها؟"
-بعد هربك,ذهبت رؤيت والديك لأرى إن كان لديهما فكرة عن مكانك,لكنهما لم يستطيها أن يفيداني.وبعد ذلك بيومين وصلتني لوحة(صبية الأربعاء),هدية من أمك.
-إذن كانت لديك عندما قصدت تشارلز ليحصل عليها من أجلك؟ أردت فقط أن تزلزل حياتي؟
سألها:"وهل نجحت؟"
فارتجفت:"نعم.جعلنتي أموت خوفا من ذلك الحديث عن الإنتقام"
-وهذا ما كان بالضبط...مجرد حديث.أردتك أن تعودي إلي.لكن كرامتي لم تسمح لي بالتوسل.ففكرت في أننا عندما نعود إلى بعضنا البعض وتستقر الأمور بيننا,سأخبرك بالحقيقة.أخبرك كم أحبك.
-استمر في حديثك.
تنهد قائلا:"لقد اخبرتك"
دنت منه أكثر وقالت بلهفة:"أحب أن أسمع ذلك مرة أخرى"
-أحبك أكثر مما تستطيع الكلمات أن تعبر عنه.وإذا استطعت تحمل سماع ذلك يوميا,فسأستمر بتكراره إلى آخر حياتي.
-حاول.
أطلت السعادة من عينيه وضحك,ثم قال:"سأبدأ بهذا الآن".
*******
النهاية

نور 25-10-09 05:43 PM

يعطيك الف عافية على القصة

جزاك الله الف خير

Rehana 25-10-09 07:19 PM

يعطيك العافية ..زونار

فرح احمد 27-10-09 07:51 PM

الرواية رائعة
عاشت الايادي

hamasat2010 28-10-09 12:35 AM

مشكورة علي المجهود
وعلي الرواية الاكثر من رائعة

بنوته نايس 28-10-09 07:37 AM

روووووووووووووووووووووووووووعه
يسلمو

الجبل الاخضر 06-11-09 02:27 AM

تسلللللللللللللللمين روعه من اجمل ماقريت شكرا

الهيفاء 09-11-09 01:13 PM

رواية جميلة، شكرا على الاختيار...

روح الامس 24-11-09 11:34 PM

الرواية حلوة
يعطيكي العافية

posy220 13-12-09 03:04 AM

رووووووووووووووووووووووووووووعه

جرحك حبيبى 30-12-09 10:20 PM

يسلمو هاالايادى القصة روعة كثير

الجيتار 17-01-10 08:44 PM

http://www.s3udy.net/pic/thankyou003_files/15.gif

moura_baby 09-02-10 04:42 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الحالمة دائما 10-02-10 09:55 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

قماري طيبة 14-03-10 06:24 PM

الله يعطيكي العافية من جد رواية رائعة سلمت يداك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

al7eeloh 14-03-10 09:26 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

goo_goo 15-03-10 04:55 PM

http://sl.glitter-graphics.net/pub/2...e3zybke75o.gif

سفيرة الاحزان 28-04-10 01:51 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أناناسة 14-10-10 02:38 PM

باين عليها حلوه يسلمممممممموووو

sara00 18-10-10 05:52 PM

شكـــــــــــــــــــــــــرا

sara00 18-10-10 06:30 PM

شكــــــــــــــــــرا ليك الف شكــــــــــــر
تسلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمى

ريماس27 19-10-10 10:52 PM

تسلمممممممم الاياااادي

شاهد 01-01-11 10:54 PM

شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا

زهرة منسية 02-01-11 07:18 PM

تسلم ايديك زونار

cat8cat 18-12-11 12:52 AM

تسلم ايدك رواية مميزه جدا
ومجهود رائع
لا ننحرم من ذوقك المتميز

ندى ندى 23-12-11 08:10 PM

قمة الجمال روووووووووووووووووعه

الجبل الاخضر 29-03-13 01:40 AM

رد: 305- فى عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة)
 
:peace::peace:تسلم عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبك:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

شووقهـ 17-08-13 12:42 AM

رد: 305- فى عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة)
 
يعطيكي العافية ياعسل
رواية جميلة

مروج الورد 14-05-15 10:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زونار (المشاركة 2086774)
الملخص

لقد عاد ليستعيد كبرياءه...وعروسه!
أن تهرب منه فرجينيا ليلة الزفاف,أمر لا يمكن أن يتركه رايان
ولن يستطيع أحد أن يقف في وجهه!


شكرًا على الحهود المبذوله

مروج الورد 14-05-15 10:27 PM

شكرًا على هذه الجهود

mongia 03-11-15 03:24 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
شكرا شكراااااااااااااااااااااااااااا

روينا99 18-01-16 04:50 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
يسلموا الأيادي البيضاء والف شكر

نجلاء عبد الوهاب 31-03-16 05:44 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
حلوة جداااااااااااااااا
تسلم الايادى
:8_4_134::8_4_134::8_4_134:

الاميرة لوجين 08-08-16 12:46 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
:8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134:
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زونار (المشاركة 2086775)
1- مفاجأة غير سارة
تسللت شمس حزيران من النافذة تبعث الدفء بعد انقضاء فصل الربيع البالغ البرودة.
نظرت فرجينيا من نافذتها في الطابق الثاني,فرأت كرة حمراء تلقى بين الأشجار.ابتسمت ثم عادت إلى عملها في الفهرسة.
وماهي إلا لحظة,حتى رن هاتفها,فمدت يدها النحيلة الطويلة الأصابع لترفع السماعة:"آلو؟"
جاءها صوت هيلين يقول بلهجة رسمية:"ثمة سيد يا آنسة أشلي يسأل عما إذا كان لدينا لوحات لبراد أو مايا آدامز.أخبرته أن ليس لدينا أيا منها في الفهرست,لكنه يريد ان يعلم إن كان بإمكاننا ان نحصل على واحدة"
أثناء السنوات الأخيرة,كثر الطلب على لوحات آدامز,ونشأت فرجينيا على فكرة أن والديها مشهوران...على الأقل في عالم الفن.فقالت : "أنا قادمة".

اطمأنت إلى ان شعرها البني الحريري مرتب وانيق,ورفعت عن عينيها النظارات السميكة التي تغير مظهرها وتجعلها تبدو اكبر من سنوات عمرها الأربع والعشرين,ثم غادرت مكتبها بخطوات واسعة,فبدت عملية بطقمها الحريري الأسود.
كان المعرض بيضاوي الشكل,ذا شرفة داخلية وتنير كوة عالية في السقف,مغطاة بستارة معدنية لتحمي المكان من أشعة الشمس الساطعة.
نظرت فرجينيا من الأعلى فرأت أشخاص عدة يتمشون.وفي الناحية البعيدة,رأت رجلا طويلا حسن البنية أسود الشعر يقف قرب مكتب الإستقال.
كان الرجل يقف باسترخاء,لايبدو عليه أي أثر لفروغ الصبر,رغم ان الانتظار كان واضحا عليه.
عندما وصلت فرجينيا إلى السلم الذي وضعت عند أسفله لوحة مربوطة بحبل كتب عليها(خاص)التفت لينظر في اتجاهها... رايان!
لم تخطئ في تمييز ذلك الوجه القوي الملامح,وتنك الكتفين المستقيمتين,وذلك الرأس المرفوع الأسود الشعر وتلك القامة القوية رغم رشاقتها.
ورغم انه كان من البعد بحيث لم تميز لون عينيه,إلا أنها تعلم جيدا أن لونهما يتماوج بين الاخضر والازرق.
انحبست أنفاسها وجمدت في مكانها,وهي تتمسك بحافت السلم بيدين متشنجتين.
حتى بعد ان غادرت نيويورك وعادت إلى لندن,مازالت خائفة من أن تراه.وتشعر بتوتر في اعصابها كلما رأت رجلا طويلا.لكنها ومنذ ستة أشهر فقط,أخدت تشعر بأمان نسبي,واثقة من أنها تركت الماضي خلفها.
والآن يبدو أن ثقتها تلك لم تعد في محلها.
راح قلبها يخفق,وتملكها التوتر.فاستدارت وهربت عائدة إلى مكتبها الآمن.
جلست خلف مكتبها وهي تشعر بالغثيان,وتوسلت الله ألا يكون قد رآها وعرفها.فهو إذا ما عرفها,ليس بالرجل الذي يعود بهدوء من حيث جاء.وتذكرت ما قاله مرة:"لن ادعك ترحلين أبدا"
وارتجفت.بالرغم من كل ماكان بينهما,فقد تركته لأنها لم تعد قادرة على احتمال ألم خيانته,ولأنها خافت من مواجهت الدمار الذي قد يسببه ذلك للأسرة.هربت من دون ان تقول كلمة.
لذلك لن يصفح عنها بسهولة.
لكن إذا لم يعرفها,فربما بالإمكان إنقاد الوضع...
تناولت سماعة الهاتف راجية أن يكون تشارلز قد عاد من موعده المقرر بعد الظهر.
لم تحصل على أي جواب من مكتب الطابق الأرضي.اتصلت فرجينيا بغرفة العروض الخاصة لكن من دون فائدة وفي قمة يأسها اتصلت بغرفت العروض الثمينة,فإذا به يجيب مذهولا:"نعم...ماذا هناك؟"
كادت تبكي لشدة الارتياح:"آسفة لإزعاجك.ولكن هل يمكنك ان ترى زبونا ينتظر في مكتب الاستقبال؟"
-ماذا يريد الزبون؟
-سأل ما إذا كان بإمكاننا الحصول على أي من رسوم آدمز من أجله.
فقال بدهشة:"يمكنك بالتأكيد أن تتولي الأمر".
-إنه شخص كنت...عرفته من قبل ولا أريد ان أراه...مرة أخرى.
ورغم أن فرجينيا حاولت جهدها أن تقلل من أهمية رؤيتها لهذا الرجل,إلا أن تشارلز لاحظ اللهفة في لهجتها,فقال:"لابأس.دعي الأمر لي".
أحال الخوف لون عينيها الذي هو في الأصل مزيج من الأخضر والرمادي,أسود تقريبا.راحت تتساءل عما جعل رايان يأتي إلى هذا المعرض الفني من بين معارض المدينة كلها.
منذ عودتها إلى لندن منذ سنتين ونصف,وهي تستعمل إسمها الأوسط كشهرة لها,وتعيش مختبئة.لا أحد يعرف مكانها حتى والديها.وهي تقيم في فندق رخيص,مكتفية بالقليل من المال.لكن بما ان عيد الميلاد يقترب وهي بحاجة ماسة للعمل,أرسلها مكتب العمل إلى مكتب رينور حيث أجرى معها المقابلة تشارلز بنفسه.
حدثته عن دراستها الفنية في كلية الفنون,موضحة له أنها وصلت لتوها من الولايات المتحدة.وبعد أن تأملها بتفكير عميق وهي تتحدث,عرض عليها أن تعمل كمساعدة له.
بعد أن عملت عنده حوالي سنة,أخد المعرض يتعامل مع أسرة آدمز.وعندما أقترح تشارلز عليها أن تكون حلقة الوصل بينهما, اضطرت إلى أن تخبره بجزء من الحقيقة.فقال محتجا:"فرجينيا,عزيزتي,بما أنك ابنتهما,من المؤكد..."
-لا أريدهما أن يعلما بمكاني.
إنهما من معارف رايان,وهذا يجعل أي اتصال بهما خطرا للغاية.قطب تشارلز:"ولكن ألا يقلقان عليك؟"
-لا,وأنا واثقة من ذلك.لم نكن قط أسرة عادية.
وإذ رأته غير مقتنع,شرحت له:"كانت أمي قد تخرجت حديثا من كلية الفنون عندما تعرفت إلى أبي القادم من الولايات المتحدة.كانا يرسمان منذ طفولتهما,وعاشا من اجل الفن.وبعد زواجهما عاشا في غرينويتش فيلاج قبل ان يعودا ليستقرا في انكلترا.عندما ولدت أنا كانا في الثلاثينيات من عمرهما.كنت,بالنسبة إليهما,غلطة.فأي منهما لم يكن يريدني.ولو أن أمي لم تنشأ على عقيدة أن الحياة ثمينة لما أنجبتني".
-آه,حتما هذا غير صحيح!
-كانا من الإنشغال بعملهما بحيث شكل طفل غير مرغوب فيه,تعقيدا لحياتهما...
ورغم أنها كانت تتحدث بفتور وهدوء,إلا أنه شعر بألم كامن في نفسها فرق قلبها عليها.
-كانا غنيين فوجدا الحل في سلسلة من المربيات,ثم في مدارس داخلية للبنات.وكنت على وشك مغادرة المدرسة ودخول كلية الفنون,عندما عادا إلى أميركا ليعيشا هناك.
-وتركاك خلفهما؟
-كنت قد قاربت الثامنة عشرة حينذاك.
-ولكن,لاشك أنهما استمرا في مساعدتك,أعني ماديا؟
-لا.لم أقبل بذالك,بل فضلت أن أعمل في المساء وفي العطل الاسبوعية لأبقى مستقلة.لذا فعدم معرفتهما بمكاني حاليا لن يقلقهما.في الواقع أشك في أن يكونا قد فكرا بي لحظة واحدة.
-حسنا,إذا كنت واثقة؟
-أنا واثقة تماما.
-إذن سأتعامل معهما شخصيا.
فسألته بلهفة:"ولن تخبرهما شيئا؟"
-لا.سرك دفين عندي.
شعرت بدفق من العطف نحوه.فهو رجل بالغ الرقة واللطف,وتنفست الصعداء لثقتها بأنه سيحفظ وعده.
حتى الآن...
وتحرك قفل الباب.رفعت بصرها بحدة وكاد قلبها يقفز من صدرها.
كان تشارلز,أنيقا متحفظا,في بذلة العمل الرقيقة,وقد تدلت خصلة من شعره الأشقر الأجعد على جبهته فمنحته مظهرا صبيانيا,لا يفضح عمره الحقيقي الذي قارب الثالثة والأربعين.
عندما رأى وجهها يشحب,قال يطمئنها:"لا حاجة بك للقلق,فقد ذهب"
ربما,في عقلها الباطني,كانت تتوقع أن يندفع رايان إلى المكتب.واكتسحتها موجة من الارتياح إلى ان خطرت لها فكرة جعلتها تسأله بقلق:"ألم يسأل عني؟"
رفع حاجبيه الأشقرين يسألها وهو يجلس على كرسي أمامها:"ولماذا يسأل؟"
فعضت شفتها السفلى:"كنت أهبط السلم عندما عرفته.ظننته,رآني وعرفني"
فقال تشارلز بهدوء:"لم يذكر ذلك.وبما أنه من النوع الذي لا يتردد في السؤال عن أي شيء يريده,أظن أن بإمكاننا أن نفترض أنه لم يعرفك".
وعندما رأى الارتياح البالغ على وجهها,تساءل عما حصل بينها وبين ذلك الرجل القوي الشخصية الذي كان يتحدث إليه منذ برهة.
بدا واضحا من رد فعلها,أن شعورها نحو ذلك الرجل أعمق بكثير من قولها ببساطة إنه شخص عرفته يوما.ولعله جزء من السبب الذي جعلها ترفض عرضه للزواج بها.
سألته آملة أن تطمئن أكثر إلى أن زيارة رايان مجرد صدفة:"ماذا قال بالضبط؟وكيف تصرف؟"
-كان سلوكه عاديا هادفا.أخبرني أن اسمه رايان فالكونر,وأنه يريد لوحات قديمة لآدمز.أخبرته انني سأبحث له عنها,ثم أخبره بالنتيجة في أسرع وقت ممكن...
-هل هو مقيم في إنكلترا؟
-لعدة أيام كما يبدو.أعطاني عنوانه في مانهاتان ورقم هاتف فندق في حي مايفير.
مايفير!زكبحت رجفة تملكتها.إنه قريب منهم للغاية...ما جعل شعورها بالارتياح يتبخر.
-رغم إنه رجل أعمال ,إلا أنه يهتم بالفن ويملك معرض فنون في نيويورك...لكن ربما تعرفين ذلك.
-نعم.
وعندما لم تزد في الكلام تابع يقول:"على أي حال,أظن أن اللوحات التي يرجو أن يشتريها هي لمجموعته الخاصة.ذكر لوحة من رسم مايا آدامز يريدها بشكل خاص,إسمها(صبية الأربعاء)"
وجمدت فرجينيا في مكانها.
-يعتقد فالكونر أنها رسمت منذ سبع أو ثماني سنوات,وهي إحدى لوحاته المفضلة...لكني لم أسمع بها قط...أوضح لي أن المال لايهم,لهذا وعدته أن أبذل جهدي.طبعا حتى لو استطعت الحصول عليها,قد يرفض مالكها الحالي أن يبيعها.
شيء ما في مظهر فرجينيا الجامد,جعله يسألها:"هل تتذكرين هذه اللوحة؟"
تنفست بعمق,واعترفت قائلة:"في الحقيقة,نعم.إنها صورتي أنا,ولم أكن فد بلغت السابعة عشرة بعد"
لمعت عيناه الزرقاوان اهتماما,وهتف:"لم أكن اعلم أن أمك اتخذتك نموذجا!
-حصل ذلك مرة واحدة فقط.دعيت لقضاء العطلة الصيفية مع زميلة لي في المدرسة.كانت جين من أسرة كبيرة سعيدة,وكنت متلهفة لقضاء العطلة معها,لكنها ألغيت في آخر لحظة,فعدت إلى بيتنا.قالت أمي إن من الأفضل أن تستغل وجودي.حاولت جاهدة أن أفعل ما طلبته مني,ولكن لسبب ما,لم تعجبها اللوحة عندما انتهت,فلم تطلب مني بعد ذلك قط أن أجلس لترسمني.
-ماذا كان رأيك أنت في اللوحة؟
فأجابت بفتور:"لم أرها.وعندما عدت إلى البيت في العطلة التالية كانت قد بيعت".
والآن يريد رايان أن يشتريها.
هذه الحقيقة بعثت فيها الاضطراب بقدر رؤيته مرة أخرى...لكن لعل اختياره لوحة(صبية الأربعاء)مجرد صدفة.ربما لايعلم أنها صاحبة الصورة.
لكن حدثتها غريزتها أن لادخل للصدفة في ذلك وأنه يعلم الحقيقة تماما.
وارتجفت,وكان تشارلز يراقب وجهها,فسألها بهدوء:"إذا وجدت تلك اللوحة واشتريتها,فماذا سيكون شعورك حيال امتلاك فالكونر لها؟"
فقالت بحذر وهي تقلل من شأن الأمر:"أضل ألا يمتتلكها"
-سأخبره إذن انني لم أعثر عليها.
تذكرت الخسارة المالية التي عانى منها تشارلز في السنة الماضية,فابتلعت ريقها بصعوبة وأرغمت نفسها على القول:"لا.إذا استطعت أن تعثر عليها,ودفع هو مبلغا حسنا,فلا تدع تحاملي عليه يقف في طريق العمل"
-حسنا,سنرى.قد تتحسن الأمور.
قبل أن تسأله تفسير قوله الغامض نوعا ما,نظر إلى ساعته:"إنها الرابعة تقربا.من الأفضل أن أتابع العمل"
نهض واقفا,واقرح باهتمام بالغ اعتادت عليه:"تبدين شاحبة قليلا.لم لاتذهبين إلى بيتك؟"
كانت تشعر بقلق بالغ وبعدم رغية في العمل فقالت شاكرة:"لدي صداع بسيط,ولهذا أظنني سأذهب إذا كنت حقا لاتمانع"
هز رأسه باسما:"بما أن اليوم هو الاثنين,أنا واثق من قدرتنا,أنا وهلين,على مواجهة أي طارئ"
ثم توقف عند الباب,ليقول:"آه,بالمناسبة,لن أعود إلى البيت في الوقت المعتاد,فقد قبلت دعوة على العشاء مع الزبون الذي قابلته اليوم"
غاص قلبها.فبعد ماحدث,كانت بحاجة إلى وجوده المتفهم.
-وحيث أنه دوري في الطهو...
كانت فرجينيا قد انتقلت إلى الغرفة الإضافية لديه,واتفقا على أن يتناوبا على الطبخ للعشاء.وتابع مقترحا:"يمكنك أن تحضري طعاما جاهزا على نفقتي..."
فسألته:"هل ستمر على المطعم الصيني لتحاسبه؟"
فرد ضاحكا:"ربما,إذا وعدتني بأن تبقي لي بعض القريدس المقلي"
-سأفعل هذا!
كم هو بالغ اللطف والاهتمام بالغير,كما خطر لفرجينيا بعد خروجه.سيكون زوجا رائعا,كما أنه رفيق ممتاز,سهل المعشر حسن المزاج,بالإضافة إلى تلك الميزة النادرة وهي قدرته على أن يتفهم وجهة نظر الآخرين.
وهو رجل وسيم ذو جاذبية هادئة لايمكن تجاهلها.وفرجينيا واثقة تقريبا من أن هلين غارقة في حبه منذ سنة.من المؤسف أنها لم تستطع أن تحبه كما يحبها.
منذ أسابيع,فاتحها بموضوع الزواج بخجل وحذر خوفا من أن يفزعها.حتى ذلك الحين,كانت تظنه أعزب ثابتا على مبدئه,ولم يخطر لها قط أن يعرض عليها الزواج.
-لم أكن أدرك كم تنقصني الصحبة حتى جئت أنت...حتى عشت هنا...حسنا,أحدث ذلك تغيرا كبيرا في حياتي...ويبدو أنك سعيدة بهذا الترتيب بيننا...
فابتسمت بحرارة:"نعم.هذا صحيح"
شجعته ابتسامتها,وبدا الجد في عينيه,ثم تطرق إلى الموضوع:"فرجينيا,أود أن أطلب منك شيئا,ولكن,إذا كان جوابك(لا),فعديني ألا يغير ذلك شيئا من صداقتنا"
-أعدك
-لابد أنك تعلمين أنني أحبك...
فسألته برقة:"ألا تظن أن لشعورك هذا صلة بتقاسمي الشقة نفسها معك؟"
فهز رأسه:"لقد أحببتك منذ أن وقع نظري عليك"
ثم أضاف:"يسعدني جدا أن توافقي على الزواج مني"
تملكها الإغراء لحظة.ورغم أنها تحب مهنتها وتعبت جدا في تعليمها,إلا أنها كانت دوما تضعها في المرتبة الثانية بعد تأسيس أسرة.
لكن الأمر لن يكون منصفا بحق تشارلز.إنه يستحق زوجة تحبه,وليس إمرأة مثلها لاتشعر نحوه سوى بالعطف.
وهكذا تنفست بعمق:"آسفة...آسفة أكثر مما يمكنني أن أقول...لكنني لا أستطيع"
-هل هو فارق السن؟"
فقالت صادقة:"لا"
لو كانت تحبه حقا لما وجدت للعمر أهمية.
دفع خصلة الشعر الشقراء التي كانت تتدلى على جبهته وقال:"كنت أرجو أن تفكري على الأقل.لكن لعلي لا أعجبك بما يكفي"
-بل أنا معجبة بك وأحترمك أيضا,وفي الواقع أنا مولعة بك جدا,ولكن...
-من المؤكد أن هذا يكفي لإنجاح الزواج.
قال هذا بلهفة,لكنها هزت رأسها:"إنه ولع أخوي,وهذا لا يكفي"
-أنا مستعد للجربة.كثير من الزيجات مبني على أقل من هذا.
-لا.لن يكون هناك إنصافا لك...
وعندما رأى عدم الإرتياح على وجهها,قال بحزم:"لاتقلقي.أعدك بألا أتطرق إلى هذا الموضوع مرة أخرى.ولكن لاتنسي أنني أحبك وأنني مستعد للقيام بأي شئ لأجلك...وإذا غيرت رأيك ذات يوم,فما يزال عرض الزواج قائما"
لقد حاولت,بعد ما واجهته من أخطار,أن تنسى حب رايان لكنها فشلت.إلا أنها لن تفكر فيه بعد الآن...
وخيل إليها أن رايان بوجهه الأسمر وعينيه الزرقاوين يبتسم لها ساخرا من تفكيرها هذا.
الفكرة الوحيدة التي خطرت لها في أول لقاء لهما هي أنها لم تر من قبل عينين بمثل هذا اللون الخلاب.تبا,ها هي ذي تفكر فيه.
صرفت بأسنانها وهي تفلق النافذة,ثم حملت حقيبة يدها,واتهت إلى السلم الخلفي.وبدل من أن تتجه إلى الطريق الرئيسي لتستقل سيارة أجرة,كما تفعل عادة عندما لايوصلها تشارلز إلى البيت بسيارته,وقفت مترددة.
بدت الحديقة العامة بديعة للغاية وأشعت الشمس تداعب الأزهار.فكرت في أن تسير إلى بيتها عبر الحديقة,عل هذا يعيد الصفاء إلى ذهنها ويبدد التوتر الذي يتملكها.
وفجأة,فرغ صبرها من نظارتها فدستها في حقيبتها,ثم دخلت الحديقة.
كانت تسير بنشاط وكأنها تحاول أن تسابق أفكارها.لكن رغم محاولاتها,كانت أفكارها تعود دوما إلى رايان,وسبب مجيئه إلى المعرض,ورغبته في أن يشتري لوحة(صبية الأربعاء)
أتراه يريد صورة لها...ليخزها بالدبابيس,فينتقم منها؟
التفكير في القدر من الغضب المكبوت والكراهية لها أخافها حتى الموت.أخدت ساقاها ترتجفان فألقت بتفسها على أول مقعد خشبي رأته,وأخدت تحدق بعينين لا تبصران.
كانت ترجو أن يخفف الزمن من العداوة التي يكنها لها.ولكن لم يفف الزمن من شعوره ذاك,بينما لم يفف من شعورها هي نحوه؟
الحيرة,الإستياء,الشعور بالغدر,جرح الكرامة...
ومن دون إنذار مسبق,سمعت من خلفها صوتا أجش يقول في أ ذنها:"خمني من أنا؟"
شعرت وكأن قبلها توقف عن الخفقان,وكاد الإغماء يصيبها ليحملها إلى الهاوية...
ما إن بدأ الضباب ينقشع,حتى وجدت نفسها آمنة والشمس الدافئة تدغدغ وجهها.فتمالكت نفسها.
كانت خفقات قلبها كضربات المطرقة,وأنفاسها سريعة ضحلة.حدقت إلى ملامح رايان الصلبة الخشنة...الى وجه تعرفه كما تعرف وجهها.وجه لطالما نظرت إليه وهما مخطوبان,لم تتمكن من نسيانه على الإطلاق.
كان شعره الكث الأسود مقصوصا,فمه لايزال جميلا كما تتذكره,وكذلك عيناه بأهدابهما الطويلة ولونهما الأزرق الداكن.
إنهما عينان كفيلتان بأن تجعلا أي رجل عادي,يبدو ساحرا وجذابا.إلا أن رايان أبعد ما يكون عن الرجل العادي حتى من دون هاتين العينين الرائعتين.فسيبدو شخصا مميزا ولو كان بين جمع غفير من الناس.
وبحركة متملكة,أزاح عن وجنتيها الشاحبتين خصلة شاردة من شعرها البني الأجعد.
أجفلت ظنا منها أنه سيصفعها.وبدا الألم على وجهه وهو يقول معاتبا:"ياعزيزتي فرجينيا,لا تتصرفي وكأنك تخافين مني"
فقالت بصوت أجش:"إذن,فقد رأيتني في المعرض؟"
-لمحة واحدة فقط قبل أن تهربي.يبدو أن الهرب حصنك المنيع.
عضت شفتها ثم سألته:"لماذا لم تقل شيئا لتشارلز؟"
فأجاب سآخرا:"فكرت في أن أجعلها مفاجأة لك"
وقد نجح في ذلك.ورغم الجو الدافئ,ارتجفت:"كيف علمت أنني سأكون في هذه الحديقة؟"
-انتظرت حتى رأيتك تخرجين من المعرض,فتبعتك.
-لماذا تبعتني؟
لمعت أسنانه بابتسامة الذئب:"خطر لي أن الوقت حان لكي نتفاهم"
-ما من شيء يقال بيننا.
وقفزت واقفة,ثم خطت بشكل غير ثابت.
-لا تستعجلي بالذهاب.
وقطع عليها الطريق فقالت وهي تترنح:"دعني أذهب.لا أريد أن أتحدث إليك"
جعلها تجلس على المقعد بهدوء محاذرا أن يؤذيها.وبعد أن جلس,ابتسم قليلا:"إذا كنت لاتريدين أن تتحدثي معي فيمكنني أن أفكر في شيء أكثر تشويقا"
فصرخت مذعورة:"لا!"
وإذ لم يعد أمامها خيار آخر,أذعنت قائلة:"ما الذي تريد أن تحدثني عنه؟"
-أريد أن أعرف سبب هربك,ولماذا تركتني من دون أي كلمة...
كان صوته عادة,دافئا جذابا...ولطالما سحرها.لكنه بدا الآن باردا كالثلج,مما أرسل قشعريرة في جسدها.وتابع يقول:"لماذا لم تخبريني على الأقل,عما أغضبك؟"
نظرت نحوه لتواجهه بغضب بالغ وعينين ملتهبتين:"كيف تتضاهر بالبراءة؟وبالجهل؟فتسألني عما أغضبني؟"
تنهد:"يمكنك أن توفري ثورة الأعصاب هذه وتخبريني"
ولعدم رغبتها في الكشف عن مدى ألمها ووحشتها,ابتلعت اتهامها الغاضب,وقالت بألم:"لقد انتهى ذلك منذ عامين.ولا أرى ذلك مهما الآن"
لكنه مهم طبعا,وسيكون كذلك دوما.
وتابعت تقول:"أصبحنا شخصين مختلفين الآن.والفتاة التي كنتها ذات يوم لم تعد هي نفسها"
-لقد تغيرت بكل تأكيد.
اعترف بذلك وهو يتأمل وجهها البيضاوي وملامحها الرقيقة,وعينيها الخضراوين الرماديتين بأهدابهما الطويلة,وأنفها القصير المستقيم وفمها الجميل العاطفي.وتابع يقول:"حينذاك,كنت صغيرة برئة متوهجة الجمال,متألقة"
إذا كان هذا صحيحا,فلا بد أن الحب هو الذي كان يجعلها تبدو كذلك.فالسعادة منبع للجمال.
-والآن أصبحت...
وتلاشى صوته وسكت فجأة..لكنها تعلم جيدا ما الذي أوشك أن يقوله.في كل صباح كانت مرآتها تعكس لها صورة امرأة صدمتها الحياة.امرأة تلاشى تألقها,وأصبحت ضعيفة,حزينة العينين رغم جهودها لكي تبتسم.
وغصت بريقها وهي تقول:"أدهشني أن تعرفني من تلك اللمحة البسيطة"
-كدت لا أعرفك.وشعرك البسيط الصارم والنظارات على عينيك غيرت مظهرك إلى حد كبير.واسم(الآنسة آشلي)جعلني أتساءل.ولو أنني لم أكن أتوقع رؤيتك...
فقاطعته بحدة:"إذن كنت تعلم أنني هنا؟"
-نعم.أعلم.علمت ذلك منذ فترة.هل ظننت حقا أنني لا أستطيع العثور عليك؟
لم تجب وإنما سألته:"ما الذي جعلك تأتي إلى المعرض؟"
-قررت أن أرى الأمور شخصيا.
-أخبرت تشارلز أنك تريد لوحة(صبية الأربعاء).
-هذا صحيح.
-لماذا؟
-يمكنك أن تخمني السبب بكل تأكيد.هل هو قادر على أن يجدها لي؟
-ليس لدي فكرة.
-لكنه لن يجدها إذا استطعت أن تمنعيه؟
لم تجب,فأضاف مبتسما:"لا أظن أنني سأكون بحاجة إلى لوحة(صبية الاربعاء)عندما يصبح لدي الأصل"
خافت أن تسأله عما يعنيه,فبقيت صامتة,وهي تبعد نظرها عنه.وتابع يقول:"فهمت من تصرفات تشارلز أنك لم تخبريه عن..خطبتنا...؟"
-هذا أمر لا أحب التحدث عنه.
عبس للهجتها:"ماذا ستخبرينه الآن,بغد أن رآني في مكان عملك؟"
-قلت له لتوي إنك رجل عرفته ذات يوم ولا أريد أن أراه مرة أخرى.
-ياله من تبخيس وعدم مبالاة.
-وهذه هي الحقيقة.
رأت وجهه يتوتر غضبا قبل أن تعود ملامحه إلى الجمود:"عليك أن تقولي له انني كنت أكثر من مجرد شخص عرفته ذات يوم"
تململت متلهفة للرحيل,لكنها كانت تعلم أنها لن تتمكن من ذلك إلا بإذنه.فقالت بتوتر:"كل هذا من الماضي وقد أنتهى كل شيء"
-هذا غير صحيح.
-بالنسبة إلي,كل شيء انتهى.
فهز رأسه:"أنت مخطئة في ذلك.أريد أن تعودي إلي"
-ماذا؟
وكرر بهدوء:"أريدك أن تعودي إلي"
فصرخت وقد جعلها الاضطراب تتلعثم:"لن أ...أعود إليك أبدا"
فقال بمرح:"كلمة (أبدا) هي مدة طويلة"
-أنا أعني ذلك يارايان.لاشيء تقوله أو تفعله سيجعلني أغير رأيي.
-لا تراهني على ذلك.
وجعلت ابتسامته الصغيرة الملتوية الدم يجمد في عروقها.ووجدت نفسها تتوسل إليه:"أرجوك يا رايان...لقد بدأت حياة جديدة,ولا أريد سوى أن تتركني أستمتع بها"
-أخبرتني ذات مرة أنك تكرهين العيش وحدك.
-أنا لا أعيش وحدي.
كانت كلمات متمردة تقصد بها التأثير عليه.
-دعيني أفهم الأمر.هل نتحدث عن مجرد المشاركة في المسكن؟
فأجابت بوقاحة:"لا.ليس مجرد مشاركة"
إذا اعتقد أنها متورطة مع شخص آخر,فقد يتركها وشأنها.فهي لاتريد أن تسبب لنفسها الألم مرة أخرى.
جمد في مكانه قبل أن يسألها بهدوء:"هكذا إذن؟من هو ذلك الرجل؟"
-هذا ليس من شأنك.
-أنا أجعله من شأني.
وسمرتها عيناه الزرقاوان ثم كرر:"من هو؟"
-تشارلز.
فضحك غير مصدق:"ذلك العجوز؟"
-إياك أن تجرؤ على وصف تشارلز بالعجوز,فهو لطيف وحساس وأنا مدينة له بالكثير.لقد منحني العمل والمأوى حين كنت في غاية اليأس.
-أعلم أنك تشاركينه منزله...مخبري الخاص تبعكما بما يكفي.لكن معرفتي بك تجعلني أتردد في تصديق أن (عرفانك)لجميله كاف ليجعلك ترتبطين به.
-ليس عرفانا بالجميل وحسب,فأنا أحبه ومن كل قلبي.
حدثتها ابتسامته الساخرة أنه لم يصدق حرفا من ذلك.
-لكن علاقتكما لا تبدو حميمة جدا في المنزل..أعني ليس كشخصين متحابين.
-وما الذي يجعلك تظن ذلك؟
-أنا لا أظن,بل أعلم.
-وكيف تعلم شيئا كهذا؟
-يمكن للخدم أن يكونوا مصدرا ممتازا للمعلومات.السيدة كرابتري تسعد بالأقاويل.
غاص قلب فرجينيا.السيدة كرابتري,الثرثارة البشوش!وهذا قالت تعترف:"لا بأس فتشارلز يفضل المحافظة على التقاليد ويحرص على المظاهر"
-هذا ليس مدهشا.إنه كبير في العمر بما يكفي ليكون أباك.
-إنه ليس كذلك.
-هراء.لابد أنه في الخامسة والأربعين.
-بل هو في الثالثة والأربعين.على أي حال,لا علاقة للعمر بذلك,فهو شخص رائع.
كانت تشعر بتأنيب في ضميرها وهي تتكلم.لم يكن منصفا بحق تشارلز أن تستغله بهذه الطريقة.ربما عليها أن تخبر رايان الحقيقة...لكنها ابتعدت كثيرا عن الحقيقة بحيث لم يعد بإمكانها أن تتراجع الآن.
فقال وفي عينيه لمعان خطير:"أرجو,ولمصلحة الجميع,أن تكوني كاذبة"
-هل تتوقع مني حقا أن أعيش من دون حب طيلة حياتي؟
-كنت كذلك عندما عرفتك.
-كنت ساذجة بر يئة.لكنك علمتني الكثير,ومن الصعب جدا أن أعود إلى الوراء.
نظرت إليه متسائلة...وقررت أن توجه إلى غرور الرجل فيه:"هل تظن نفسك الرجل الوحيد الذي يمكن أن يثير مشاعري؟"
-لكنني لم أكن أعلم أن تشارلز هو من النوع الذي يعجبك.
-نحن منسجمان تماما,وهو يريد أن يتزوجني.
احمرت وجنتا رايان:"لن يتحقق هذا إلا على جثتي.لن أدع أحدا يأخذك مني"
فقالت وكأنها تتعلق بقشة:"قلت لتوك إني تغيرت كثيرا,حتى أنني لم أعد جميلة"
-هذا غير صحيح,فأنت لم تعودي جميلة وحسب,بل أصبح جمالك حاداً لايبارح النفس.
-حتى ولو كان هذا صحيحا,فالعالم ملئ بالنساء الرائعات الجمال.
خصوصا واحدة بالذات.
-في الماضي,حصلت على نصيبي من النساء الجميلات.لكن ما من واحدة منهن تصلح لي.أنت وحدك التي أريدها في حياتي.
فصرخت يائسة:"لا أفهم السبب"
فقال بصوت بارد كالفولاذ:"لسبب واحد,وهو الثأر.وأنت مدينة لي"
***


فرحــــــــــة 08-08-16 11:42 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
غاليتى
زونار
استمتعت بقراءة هذه القصة الرائعة
سلمت يداكى على حسن الاختيار
لك منى كل الشكر والتقدير
وننتظر جديدك القادم
دمتى بكل الخير
فيض ودى

زهرة الفلامنجو 10-10-21 04:31 PM

رد: 305 - في عينيك اللقاء - لي ولكنسون ( كاملة )
 
رواية جميلة تسلموا عليها


الساعة الآن 09:54 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية