منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   حصري 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t120265.html)

redroses309 25-10-09 11:38 PM



الفصــــــل التــــاســــــع


كان موعد العشاء قد حان تقريبا عندما رسى اليخت في الميناء. لم يعرض عليها بيرس محاولة قيادة الدفة مرة أخرى. أما أليكس فقد كانت غارقة في أفكارها الخاصة لمجرد الحلم حتى في ان تطلب ذلك. كان لديها الكثير الكثير لتفكر به، فكثير من الأشياء قد اتضحت لها أخيرا، كان في كل مرة القليل فقط يقال فيزاح بعض الغموض.
و خامرها احساس متزايد بأن شيئا مهما و حيويا سيتضح لها عندما يزول آخر وجه من هذا الغموض.
منتديات ليلاس
لم يكن هناك شك الآن في تصديق روايته في ما يختص بأسطول السفن التجارية، و عرفت فيما هي تفكر بالأمر الآن، بمعزل عن ألم خيانته الذي لطالما ضلل حكمها، ان بيرس كان يقول الحقيقة دائما. لكن، كما قالت له ان ذلك لا يبرر ما فعله، و مع هذا فإن الأمر اصبح غير واضح تماما الآن. ان اضفنا له ما قاله بأن مساعدته لوالدها كانت من أجلها... و فجأة لم تعد تعرف بماذا تفكر. لقد خمدت حدة غضبها.
كم تمنت لو أنه اخبرها ذلك من قبل، لكن حدسها جعلها تعترف بأنها ما كانت لتصدقه. قال أنها ليست على استعداد بعد لسماع ما يريد قوله، و لم تكن كذلك، إلا انها كانت تقترب من تلك الحالة الآن. لكان الأمر مختلفا حتى قبل أسبوع، اما الآن فإنها تريد أن تسمع... لو أنه يتكلم فقط.
تعثرت فيما كانت تخطو نحو حاجزالماء على الميناء، إلا ان حركة بيرس السريعة أنقذتها من الاصطدام بالاسمنت و سحبها بثبات نحوه، رفعت نظرها إليه، مباشرة إلى تلك العينين الزرقاوين اللتين لا يسبر غورهما.
سألها بيرس بصوت بدا مضطربا: "هل أنت بخير؟"
و أجبرت أليكس نفسها على أن تطلق ضحكة متوترة من حنجرة مطبقة. و قالت مازحة: "لا اعتقد اني استعدت قوة ساقي المتخدرتين بعد؟" فيما كان صوت في داخلها يقول لها ان كل ما عليها القيام به هو ان تلغي الفجوة الصغيرة التي بينهما.
قال لها: "إذا، علي ان احملك، أليس كذلك؟" و أقرن القول بالفعل قبل أن تتمكن أليكس من الأعتراض، و لم تكن تنوي ذلك. حملها إلى عربة الخيل التي أحضرها إلى هناك، تاركة نفسها للسعادة التي هي على مقربة منها.
وضعها في مقعدها، و بقي بيرس منحنيا فوقها و سألها برقة: "هل احصل على شكر؟"
و قررت أليكس فجأة أنه كفاها التفكير مرتين. و لم تفكر هذه المرة على الاطلاق، انما قبلته قبلة رقيقة، و سألته برقة مماثلة: "هل تفي هذه بالغرض؟" فانتصب و هو يتأوه.
و اجابها بسخرية لطيفة: "ليس كثيرا، أنما هنا في العلن، إنها كل ما يمكنني أن ارجوه." و استدار ليجلس في مقعده تاركا أليكس و قد اتقدت وجنتيها.
كانت الرحلة غلى الفيلا قصيرة، انما كافية بالنسبة إليها لتعترف بأنها قطعت مسافة طويلة منذ الأمس، حتى منذ هذا الصباح، و أنها تقوم بأشياء في العلن كانت لتقاتل ضدها بيديها و اسنانها قبل ساعات قليلة فقط، ربما السبب في ذلك يعود إلى الجزيرة، أو لعدم عدائية بيرس. لكنها كانت تدرك ايضا أنها لم تعد تهتم كثيرا لكبريائها.
التقتهما كاتينا التي كان قلقها واضحا عندما دخلا إلى الفيلا ليجدا حشدا من اليونانيين، الأمر الذي أثار حيرة أليكس و جعل بيرس يقطب حاجبيه.
سألته أليكس: "مشاكل؟" عندما عادت مدبرة المنزل إلى المطبخ.
اجابها و قد بدا غارقا بالتفكير: "اتمنى ألا يكون كذلك. كانت الشركة تحاول الأتصال بي، هذا كل ما في الأمر." كان ينظر إليها و هو يتكلم، فابتسم و اضاف: "لن يتطلب ذلك وقتا طويلا، سأنضم إليك بعد ذلك لتناول العشاء."
راقبته أليكس فيما كان يبتعد، ثم اتجهت إلى غرفة النوم. كانت مدركة تماما فيما كانت تستحم و تبدل ملابسها انهما على ابواب نقطة تحول. و مع ذلك أتجرؤ هي على القيام بتلك الحركة المهمة فقط لأجل ما حدث خلال يوم واحد؟ ارادت ذلك، لأنها تحبه، لكنها بحاجة لتعرف ان كان هو يهتم بها حقا. و لم يكن هناك سوى اثبات بسيط على ذلك حتى الآن، لذلك ما زالت مترددة.
رغم ان بيرس لم يعد إلى غرفة النوم قبل ان تغادرها، إلا انه لم يمض وقت طويل حتى انضم إليها في غرفة الجلوس. و مع ذلك، فقد بقي منشغلا بأفكاره طوال فترة تناول الطعام.
كانت اجاباته لمحاولاتها الهادفة لإقامة محادثة بينهما قد اصبحت مختصرة بشكل متزايد، لذا توقفت أليكس عن ذلك أخيرا.
و استمر الصمت طويلا حتى بعد ان خرجا إلى الشرفة لتناول القهوة. و وجدت نفسها تحدق في ظهر بيرس فيما كان واقفا يتأمل البحر. فقررت عند ذلك بأنه يكفي إلى هذا الحد.
فسألته: "ما الخطب يا بيرس؟" و عيناها تنظران إلى عضلات ظهره المشدودة تحت سترته البيضاء.
لابد أنه كان سارحا بعيدا جدا، لأنه جفل عند سماع صوتها، و استدار نحوها و هو يبتسم ابتسامة اعتذار و قال: "آسف، هل كنت اتجاهلك؟"
صرت أليكس على اسنانها و قالت بنوع من الحدة المرتبكة: "لا تحاول التظاهر هكذا. هناك خطب ما، أليس كذلك؟ ألا يمكنك ان تتكلم عنه؟"
لم يقل شيئا، بل سار ليجلس على المقعد إلى جانبها، و وضع ساقا فوق الأخرى. ثم قال: "ليس هناك من شيئ لتزعجي نفسك بالتفكير فيه. من المفترض أن تكون هذه عطلة."
كان ذلك المسار الخاطئ، إن كان يفكر في أن يحول انتباهها عن الأمر. ضاقت عيناها و قالت بإصرار: "انها ليست عطلة. انه شهر عسل. أنا زوجتك." و شعرت بإعتصار في معدتها لصدى الملكية التي توهي بها تلك الكلمات إلا انها تابعت: "إن لم يكن بإمكاني القيام بأي شيء، على الأقل استطيع ان استمع و احاول تخفيف العبء."
نظر بيرس إلى قهوته، ثم اجابها بلهجة ساخرة: "لقد اخترت وقتا ملائما لتبدأي في تثبيت وضعك." و سرت في جسدها رجفة لتلك الكلمات.
جعلها ذلك الاستنتاج تتوقف فجأة و تفكر قبل ان تقف على قدميها، شيء ما لم يكن يبدو صحيحا، و ضغطت على شفتيها عندما ادركت ما هو. فقالت بثبات: "لا يمكنك ان تجعلني اتجادل معك يا بيرس. اريد ان اعرف."
اجابها و هو يضحك استهزاء: "حسنا، حسنا، حسنا، عرفت انه سيأتي يوم تبدأي فيه ادراك ما في نفسي، لكني لم اتوقع ان يحدث ذلك الليلة. حسنا، إن كنت تصرين. لقد حدث صدع صغير في احد مراكز منشآتنا. انه احد مشاريعي المحببة، لذا من الطبيعي ان اجد صعوبة كوني لست على مقربة لمد يد المساعدة."
"اي نوع من التصدع؟"
حك بيرس جبهته و سألها: "هناك عدة أسئلة، مثل من يملك الأرض التي نبني عليها؟"
شعرت أليكس ان بعض التوتر قد فارقها و سألته بارتياب: "هل هذا كل ما في الأمر؟ اعتقدت من تصرفك ان الأمر اهم من ذلك."
ابتسم ابتسامة رقيقة و سألها: "و هل أكذب عليك؟"
اجابته: "أجل، ان كان عليك ذلك. ان اعتقدت ان ذلك ضروري." و عرفت على الفور ان ذلك ليس سوى الحقيقة.
و لقد كانت على الأرجح الحقيقة دائما... و كان يجب ان تدرك شيئا من ذلك.
بدا بيرس هادئا تماما، إلا ان عينيه كانتا يقظتين. قال: "الآن هناك سؤال ممتع. هل تعتقدين أنك أخيرا قد أصبحت قادرة على فهمي، يا أليكس؟"
ادارت أليكس بوجهها استياء، لأنها لأول مرة في حياتها بدأت تعتقد انها تفهمه. فقالت ساخرة: "ألم تقل انه قد حان الوقت لذلك؟" و قد شعرت انها بحاجة لبعض الحماية حتى في هذا الوقت.
مرر بيرس يده في شعره بعد سماعه اجابتها تلك تاركا إياه مبعثرا، ثم سألها: "أمور كثيرة فات موعد استحقاقها منذ زمن طويل بيننا. فأية نتائج استخلصت؟"
اجابته: "انك رجل معقد جدا." فيما هي تنظر إليه من خلال اهدابها و رأت الطريقة التي لوى فيها شفتيه.
قال موافقا: "معقد كما احجية صينية." و جفلت أليكس قليلا للمفاجأة.
اجابته: "كان لدي احجية صينية يوما، كانت معقدة جدا. و حدث في يوم من الأيام، صدفة تقريبا، اني اكتشفت فجأة مفتاحها، و بالطبع وجدت انها لم تكن صعبة لتلك الدرجة اطلاقا. يمكنني حلها و عيناي مغمضتين." و شعرت بإضطراب غريب في داخلها، دون أن تعرف سببا لذلك.
عاود بيرس النظر إليها برزاة و قال لها: "الأسئلة الصعبة هي تلك فقط التي لا تعرفين لها اجوبة."
"تعني ان هناك جواب منطقي لكل شيء؟"
بسط ذراعيه و اجابها: "حتى أنا."
كانت هذه لعبة بين الهرة و الفارة مع فارق هو أن الأمر هنا كانت نتيجته مخاطرة و ليس مجرد نصر في معركة الكلمات. فقالت له: "الأمر الذي يتركني امام سؤالين، هل اريد ان اعرف الإجابة؟ و ان كان الأمر كذلك كيف علي أن ابحث عنها؟"
غابت عن وجه بيرس كل تعابير المرح فيما كان ينظر إليها من خلال عينيه اللتين ضاقتا، و اجابها بحدة متعمدة في نبرة صوته: "حسنا، في الوقت الحاضر لا استطيع مساعدتك فيما يتعلق بالسؤال الأول، اما بالنسبة للسؤال الثاني كم مفتاح تريدين، يا أليكس؟"
سألته بحدة: "كيف لي أن أعرف فيما انت تعطيني نصف الحقائق فقط؟" و قد شعرت ان الفرصة تفلت منها في الوقت الذي بدا لها انها تحرز تقدما.
نهض بيرس واقفا على قدميه بحركة مفاجئة. و اجابها بفظاظة: "انك لا تريدين الحقائق، يا اليكس. انك تريدين تأكيدات."
فانفجرت هي ايضا قائلة: "و هل تلك جريمة؟ ماذا تريد مني، يا بيرس؟" و يا ليته ادرك انها كانت صرخة من القلب.
اجابها برقة: "ماذا تريدين انت مني، يا أليكس؟" ثم و قد رأى ارتباكها الجلي، تنهد بعمق و قال: "ان قررت ذلك، تعرفين اين تجدينني. علي ان اقوم باتصال هاتفي آخر. اعذريني."
نظرت إليه أليكس و هو يذهب بقلب غائر، لقد كانا قريبين جدا، عرفت ذلك في قرارة نفسها. و مع ذلك... قريبان من ماذا؟ لماذا يجعل الأمور معقدة لهذه الدرجة؟
و رغم ذلك الم تقل للتو ان الأحجية الصينية بقيت معقدة غلى ان عرفت مفتاح حلها؟ ذاك يعني ان هناك اجابة بسيطة، لماذا تكبد كل هذه المتاعب لكي يساعدها؟ كان يستطيع ان يقوم بذلك بسهولة تامة دون الزواج منها! مما يعني فقط انه اراد الزواج منها.
بدأ رأسها يؤلمها فضغطت يديها على صدغيها. كان ذلك كله لا يحملها إلى نتيجة عقلانية، و لا يتفق مع ما عرفته عنه دائما. و مع ذلك بدأت اليوم فقط تكتشف انها لم تعرفه فعلا على الاطلاق. مما يعني... ماذا؟ ان ما من شيء كان كما بدا لها، سواء في ما مضى أم الآن. إلا انه لم يكن هناك ما ينكر الواقع و هو انه جرحها بقسوة كبيرة. و من الصعب أن يكون ذلك امر يقوم به رجل محب. ثم تذكرت انه مد يد العون لوالدها في حين لم يكن مجبرا على القيام بذلك.
أوقف التفكير بوالدها تساؤلاتها فجأة، ليخطر لها انه كان من المفترض بها ان تتصل بالمنزل. نظرت إلى ساعتها نظرة سريعة فأدركت ان الوقت ليس متأخرا جدا ان تصرفت بسرعة. فذهبت للبحث عن بيرس و هي تعتزم ذلك. و حينما لم تر أي أثر للهاتف، أدركت أنه لا بد موجود في غرفة مكتبه، اين يمكن أن تكون تلك الغرفة؟
و حدث أن ألتقته خارجا من الغرفة. قال و في نبرة صوته نبرة حادة للسخرية: "تبحثين عني؟"
اجابته: "اردت استعمال الهاتف للاتصال بوالدتي. كان علي ان افعل ذلك بالأمس." و شعرت لسبب ما بحياء كبير.
ربما كان ذلك نتيجة لملامح وجهه المتجهمة التي جعلتها تشعر انها مخطئة نوعا ما.
اختفى التجهم عن وجهه، و عادت السخرية لتظهر في نظرات عينيه و سألها بتعب: "هل من شيء آخر؟" و اعاد فتح الباب مظهرا كياسة بالغة متعمدة و أضاء النور ثم قال: "تفضلي. ان رمز هاتف المدينة موجود على مجموعة الأوراق إلى جانب الهاتف."
"شكرا." تمتمت بتهذيب فيما كانت تمر امامه.
ضحك بفظاظة و قال لها: "لماذا تشكرينني؟ انه هاتفك ايضا. كل شيء هنا ملك لك الآن، يا حلوتي أليكس. بلغي والدتك حبي، هلا فعلت؟" ثم اقفل الباب وراءه.
و جفلت بعد مغادرته. كل شيء هنا لها؟ هل يعتبر نفسه ضمنا؟ و ان كان الأمر كذلك، فماذا يعني؟ بدأت تشعر انها ضائعة، و كأنه كان يضحك عليها لأنها و مع كل مفاتيح الحلول التي أعطاها لها، ما زالت غير قادرة على رؤية الجواب!
تخلت عن تلك الأفكار و قد اربكتها و ذهبت لتجري اتصالها الهاتفي. و كما توقعت كانت أمها ماتزال مستيقظة، و تكلمتا لنحو ساعة تقريبا قبل ان تتساءل إميلي بتراكوس بشأن الفاتورة التي تسجلانها، و شعرت أليكس أنها مرغمة على تمني ليلة هانئة لها. شعرت بتحسن بعد تلك المخابرة رغم انها لم تحل شيئا، لكن من الجيد ان تعرف ان صحة والدها كانت تتحسن الآن حيث لم يعد من داع للقلق.
تنهدت و بقيت جالسة إلى المكتب، و أخذت تجول بعينيها ارجاء الغرفة في نظرة فضولية. بدت و كأنها تعكس شخصية بيرس تماما فقد كانت عملية انما مريحة. كانت الجدران مزينة بخزانة للكتب. بعضها ملئ بالكتب و البعض الآخر ملئ بصور تذكارية. كانت هناك الصور العائلية المعتادة على احد الرفوف. و دون تفكير نهضت و سارت نوها. كانت هناك صورة لرجل عرفت انه جد بيرس، إلا إنها لم تكن الصورة نفسها التي أراها لها يوما في الشقة في نيويورك و لا بد ان الصور الأخرى كانت لافراد اخرى من عائلته. و كانت هناك صورة زفاف ايضا مدسوسة في الخلف، و صدمت عندما لاحظت انها صورتهما، إلا ان تلك الصدمة لم تكن تذكر نسبة إلى الصدمة التي شعرت بها في ما بعد عندما تيقنت انها كانت صورة لزواجهما الأول!
وقفت هناك مذهولة. لقد احتفظ بيرس بصورة لهما؟ لماذا، بينما و باعترافه انه تزوجها فقط ليستعيد اسطول السفن التجارية؟ لماذا رجل يضمر الانتقام يفعل ذلك، إلا إذا..؟ و هزت رأسها غير مصدقة. لا، لا يمكن ان يكون كذلك، سيكون الأمر مستحيلا جدا! لكن و فيما كانت تشيح بنظرها وقعت عيناها على عنوان احد الكتب، مقتطفات شعرية، و تذكرت انه اشار إلى الشاعر لوفليس بعد ظهر ذلك اليوم، فلم تتردد في تناول الكتاب و فتحه للبحث عن الفهرس.
إلا انها لم تكن بحاجة لذلك لأنها فيما كانت تبحث عن تلك الصفحة انفتح الكتاب من تلقاء نفسه. و كان هناك قصيدة شعر سطر تحت آخر سطرين بخط أحمر.
ما كنت لاستطيع حب حبيبتي إلى هذه الدرجة، لم أني لم احب الشرف أكثر.
حب؟ شرف؟ و تكسكت بالمكتبة و قد شعرت ان ساقيها لم تعد تقويان على حملها. أكان طوال هذه الفترة يحاول أن يخبرها أنه يحبها؟ و انه احبها دائما؟ لم تصدق تحليلها للأمور. و رغم ذلك و لدهشتها، توضحت الأمور فجأة.
الأسباب التي قدمها لمساعدة عائلتها، و اصراره على الزواج. فعل كل ذلك لأنه احبها؟
كم تاقت لتصديق ذلك، لكنها كانت قد جرحت بشكل عميق ذات مرة مما حال دون تصديقها انه احبها. لم تتصور انها تستطيع ان تمر بتلك التجربة مرة اخرى و تبقى على قيد الحياة. خاصة و ان تفسيرات اخرى تناسبت مع الظروف التي كانت تحيط بها، لكن ان كان يحبها، لماذا لم يخبرها؟
لأن لديه كبرياءه. ايضا، فحتى اشجع الرجال يخاف ان يرفض. و هي لم تمنحه اي سبب يجعله يفترض انها سترحب بحبه. انما على العكس، كانت سريعة في جرحه خشية ان تجرح، و لهذا اخبرها انها ليست على استعداد بعد لسماعه.
و كان كل ما فعله هو ان اعطاها وردة و قال لها ممازحا انه قد يكون اهداها إياها لتضع قلبه بشكل رمزي على الأرض و تدوس عليه بقدميها بدورها.
آه، يا بيرس.
كان من الممكن ان تكون مخطئة، بالطبع، لكن عليها ان تعرف ذلك، بطريقة أو بأخرى، عليها أن تعرف ذلك أخيرا لأن مستقبلها كله يعتمد على ما تكتشفه. لذا اعادت الكتاب متجهة إلى الفناء. إلا ان بيرس لم يكن هناك و لم يكن في غرفة الجلوس ايضا، فلم يعد هناك إلا غرفة نومهما.
وجدته هناك، و كان الضوء يظهر قامته الطويلة و هو واقف على الشرفة، و شعره الرطب يلمع، دليل على انه قد انهى استحمامه و خرج للتو. ترددت للحظة، ثم خلعت حذائها و سارت على السجادة نحوه دون ان تصدر اي صوت. توقفت على مقربة منه، و رغم ذلك لم يظهر أية حركة تشير إلى انه سمعها تقترب منه.
قالت: "بيرس؟" كان صوتها صرخة خافتة بالكاد سمعتها هي بنفسها. و رغم ذلك تشنج، فقد كان في موقف انتظار. تكلمت ثانية فيما هي تمد يدها هذه المرة لتلمس كتفه و رددت: "بيرس؟"
كانت ردة فعله سريعة جدا، إذ استدار و هو يتأوه، مد يديه ليمسك بها و يضمها بين ذراعيه قائلا بانفعال: "انك امرأة قاسية، يا أليكس. اعتقدت انك لن تأتي ابدا!" و احنى رأسه نحوها.
شعرت ان قلبها قفز من مكانه. و امتدت يداها نحو كتفيه و في نيتها ان تبعده لأنها ترفض ان تنصاع له و قالت: "لا. لا تفعل ذلك يا بيرس، اني..." و ماتت بقية الكلمات.
ترددت قبل ان تتابع كلامها قائلة: "بيرس... انتظر!"
رفع رأسه، و نظر بعينيه المتقدتين في عينيها، و قال بصوت اجش: "لم يعد هناك وقت للانتظار، يا أليكس، كلانا بحاجة إلى بعضنا. أليس كذلك؟" و شعرت أنها تكاد تختنق.
كان محقا. ما فائدة الكلام الآن. و اختفى السبب الذي دفعها إلى المجيء إليه.
"اني بحاجة إليك يا أليكس." و ضاعت تحت ذلك الاعتراف اليائس حاجتها إليه لمعانقته.
كانت تريده، ان يعانقها ليزيل فراغ و وحدة السنين الماضية. و رفعت رأسها لتقول له ذلك لكن و قبل ان تنطق بأية كلمة احنى رأسه لقبلها من جديد... و ليجعلها زوجته بكل ما في الكلمة من معنى.
و تمتم قائلا: "لا! لن افقدك مرة ثانية."
و كانت الكلمات و كأنها تخرج من بين شفتيه رغما عنه.
تنهدت أليكس عند سماعها هذا الاعترف، و اعتصر قلبها داخل صدرها. و ترقرقت الدموع في عينيها فجأة، فإن سماع زوجها الواثق من نفسه بقوة يقول ذلك، ملأ الفراغ الذي كان يعذبها. انه يهتم لأمرها. يجب ان يكون الأمر كذلك. لكن ما حصل كان كافيا، لأنها حتى الآن لم تتأكد من شيء.
لذلك جاء صوتها منخفضا و جشا عندما قالت: "اني لست ذاهبة إلى اي مكان."
سحبها نحوه و قال: "آسف." ثم ضمها بين ذراعيه.
لم تشعر أليكس قط بأمان أو تدليل اكثر من الآن.
و تساءلت ان كان يحبها أم لا، لكنها تمنت أن يكون مغرما بها، لأنها ماعادت تستطيع اخفاء حبها له بعد الآن. ستعرف غدا. غدا.
استيقظا في الصباح على صوت غريب مألوف. تحرك بيرس أولا و حركاته هي التي اعادت أليكس إلى أرض الواقع. كانت ما تزال نائمة، إلا ان بيرس حرر نفسه و غادر الفراش. رفعت نفسها على مرفقيها و نظرت بعينين غائمتين على قامته المنتصبة فيما كان يسير نحو النافذة.
سألته: "ما الأمر؟" إذ لم تكن واعية تماما بعد لتستطيع معرفة الصوت.
اطلق بيرس تنهيدة عميقة. و رفع كتفيه، ثم استدار ليخبرها بصوت مروع: "انها طائرة مروحية." مما ازال على الفور حالة النعاس التي كانت تنعم بها و جعلها تجلس و تتنبه لما يحدث.
ظهر على جبهتها نوع من التجهم عندما لاحظت انه لم يفاجأ اطلاقا لوصولها، انما العكس، و سألته: "هل كنت تتوقع حضورها؟"
ابتعد بيرس عن النافذة فيما كان يمرركلتا يديه من خلال شعره، و اجابها: "لقد تدبرت ذلك الليلة الماضية، لكني لم اتوقع ان استغرق في النوم هذا الصباح."
الواقع انه كان يعرف، و رغم ذلك لم يقل شيئا، جعل خوفا لا تدرك ما هيته يجمد الدم في عروقها. و شعرت أليكس ان فمها قد جف إلا انها سألته بصوت خفيض اجش: "لم هي هنا؟"
نظر بيرس إليها نظرة خاطفة و قال بصوت حاد: "اخشى ان شهر العسل قد انتهى، يا أليكس." و جعل انعدام العاطفة في نبرة صوته فيما كان يتكلم، القلق يخامر قلبها فجأة.
كان الأمر و كأنه مدبر، و كأن الاحداث التي جرت قبل خمس سنوات تعيد نفسها الآن، و رغم ذلك رفضت ان تستسلم للتوتر الذي زحف إلى حنايا نفسها. لم تكن على استعداد بعد لتصدق بأن الليلة الماضية لم يكن لها أي معنى.
فسألته: "و ماذا يعني ذلك؟"
اجابها بيرس من بين فكين ثابتين قائلا: "ذلك يعني انه من الافضل أن ترتدي ملابسك و تحزمر حقيبتك، اما البقية فيمكن ارسالها في ما بعد."
سبح قلبها في موجة سريعة من الارتياح. كاد يصيبها بالهلع! و انطلقت منها ضحكة متقطعة و قالت: "اتعني انها جاءت لأجلنا؟ اخبرني إلى اين نحن ذاهبان لأعرف ماذا احزم."
رفع رأسه و اخذ نفسا عميقا و قال: "ستكونين على متن الرحلة التي ستقلع إلى انكلترا."
ما كانت لتصدم أكثر لو انه ضربها بالفعل، و اطبقت أليكس اصابعها على الملاءة و سألته و قد تشوش تفكيرها: "أترسلني بعيدا؟" دون ان تستطيع رفع عينيها عن عينيه.
و جاءت إيماءة رأسه للتصديق على ذلك مفاجئة لها و قال: "من الأفضل ان تبدأي بالتحرك الآن. فالوقت قصير و قد اضعنا ما يكفي منه حتى الآن."
اضعنا وقتا؟ ايقول بأن كل ذلك الحب كان مضيعة للوقت؟ كانت صفعة أخرى، إلا ان هذه المرة اعادتها من الصدمة. لن تدع التاريخ يعيد نفسه، هذه المرة ترفض أن تختفي بهذه القساوة. فسألته: "لماذا؟"
فردد بشكل نزق: "لماذا ماذا؟" فشعرت و كأن كرة من الغضب بدأت تكبر داخل نفسها.
فأعادت سؤالها بشكل موسع و بلهجة لاذعة: "لماذا ترسلني بعيدا؟" و ابعدت عينيها الغائمتين عن عينيه.
إلا انه اجابها: "لأن عندي اشياء علي القيام بها و لا أريدك هنا فتعرقلي ذلك."
و كان من السهل جدا في تلك اللحظة، ان تدع عواطفها تسيرها، إلا انها كانت أكبر و أكثر حكمة الآن. كانت هناك نواقيس تدق في رأسها واحداها لم تكن دقاته متناغمة. اشياء عليه القيام بها؟ أية اشياء؟ كان هذا و حتى الليلة الماضية مجرد شهر عسل. أما الآن عند الصباح فقد كان يبعدها. فما الذي حث خلال الليل؟
ثم عرفت بالطبع، فقالت: "كذبت علي، أليس كذلك؟ ذاك الاتصال الهاتفي ليلة أمس حمل إليك أكثر مما أخبرتني به."
و قد ازعجتها الطريقة التي استبعدها فيها، و التي ما زال يستبعدها عما يجري. فأضافت: "هذه هي الحقيقة. أليس كذلك؟ لم لا تستطيع ان تخبرني؟ أليس لي الحق بأن اعرف؟"
و وقعت عينا بيرس على الاتهام الذي كان ظاهرا في عينيها الرماديتين مما جعله يشد بقوة الحزام الذي كان يضعه و قال بإختصار: "لم يكن هناك من داع لإزعاجك بشكل غير ضروري." و على الفور قفز قلبها من مكانه.
فسألته بغضب: "اتعتقد ان اخباري لأحزم حقائبي و اذهب أقل إزعجا؟" و نهضت من الفراش. امسكت روبها و ارتدته.
اجابها بتوتر: "ما كنت آمل في تجنبه هو هذا النوع من الجدال العقيم."
رددت بصوت يحمل نبرة من السخرية: "عقيم؟ انا اعتقد انه مهم جدا. كيف لي ان اثق بك فيما انت تعاملني هكذا؟ ما الذي لا تريد ان تخبرني به عن هذه العقدة الصغيرة؟"
بدت نظرات بيرس هادئة فيما هو يقول بإصرار ثابت: "اخبرتك كل ما انت بحاجة لمعرفته." إلا ان ذلك زاد من اتقاد غضبها.
فصرخت قائلة: "اخبرتني كل ما تريدني ان اعرف، و هذا امر مختلف كليا! ماذا ستفعل عندما ابتعد من الطريق بشكل ملائم؟"
بدا واضحا ان سخريتها لم تعجبه فقال بحدة: "لدي رحلة خاصة بي علي ان اقوم بها. انها رحلة عمل، و لا اريدك ان تكوني برفقتي."
قالت مستنتجة: "مما يعني انها خطرة، مهما كانت."
اجابها بفظاظة: "عبور الشارع خطر، ان لم تنتهبي لما تقومين به." مما زاد من خوفها، و لم يخففه على الاطلاق.
كان موقفه من "زوجته الصغيرة" يزيدها غضبا و يجرحها ايضا، انها تستحق افضل من هذا منه. سارت نحوه و امسكت بطيات ياقة روبه و صرخت قائلة: "توقف عن معاملتي و كأني طفل مجنون، يا بيرس، اخبرني إلى أين انت ذاهب."
مد يديه ليمسك بشدة على يديها، إلا انه لم يقم بأية حركة ليبعدها. و اجابها: "اخباري لك بذلك لن يشكل أي فارق."
جالت عيناها في عينيه فلم تجد سوى جدارا مربكا من الغضب، و مع ذلك عندما يصل الأمر إلى تشبث كل منهما برأيه فإن لها حصة جيدة في ذلك ايضا، فقالت: "حسنا، لا تخبرني، لكني زوجتك، يا بيرس مارتينو. و لقد عبرت الشوارع بأمان لسنوات. اني ذاهبة معك حيثما انت ذاهب."
و بدا الجو في غضون لحظة بينهما مشحونا بالتوتر بكل ما في الكلمة من معنى. و تحطم الجدار ليظهر غضبا جامحا و ضغط بيديه بقوة على معصميها قائلا: "انك كذلك تماما! لكنك لن ترافقيني إلى اي مكان."
رفعت أليكس رأسها بتحد و قالت: "حاول ان تمنعني!"
استطاع بيرس بشكل واضح ان يسيطر على غضبه و بدا في عينيه بريق ساخر حين قال: "ما هذا؟ منذ اسابيع و كنت تحاولين الهروب مني. أما الآن فأنت تتشبثين بي. ماذا حدث؟"
كانت كلماته الساخرة، التي كرهتها، و كأنها صفعة على الوجه إلا انها رفضت التراجع، و قد ادركت انه فعل ذلك عن تعمد ليثير غضبها و توافق على الرحيل. لذا ذكرته برقة: "ما حدث هو ليلة الأمس، أو انك نسيت؟"
تنهد بصوت عال عند سماعه كلماتها تلك، و بدت تقاسيم وجهه عميقة و متجهمة. قال باقتضاب: "مناورة فاشلة، يا أليكس."
قالت بتحد: "أنت من بدأ هذا بناء على أوامرك! حسنا، أنا لن انفذ الأوامر دون سبب منطقي. الزواج مشاركة و أنا لست ضعيفة، استطيع تحمل الحقيقة، اني استحق ذلك. سأذهب معك لأنك لم تعطني سببا واحدا يمنعني من ذلك!"
ترك يديها و امسك بكتفيها، ثم هزها قائلا: "اصغي، ايتها الحمقاء الصغيرة، الخطر الوحيد هو ان جدالي معك لا يصحح الخطأ!"
قالت تنصحه بإختصار: "إذا، توقف عن الجدل."
تراجع مبتعدا عنها و قال: "لا وقت عندي لهذا. لن ترافقيني و هذا قرار نهائي."
غمرها مزيج متساو من الغضب و الألم فقد اصبحت القضية الآن قضية مبدأ، فإما ان يكون زواجهما مكتمل من كل النواحي أو لا يكون هناك زواج بينهما... لا يمكنه ان يأمرها هكذا دون اي تفسير، و إن كان يتوقع منها ان تثق به، فلها الحق إذا ان تعرف الحقيقة. و لكن ألا يستطيع ان يرى ايضا كم هي قلقة؟ و كان كلما ازداد كتمانه يجعل قلقها يزداد! إن هناك خطب ما و هي تريد ان تساعد. انها تحبه، و لن توافق على الجلوس جانبا بهدوء و تدعه يسير إلى فم الأسد لوحده!
كان اختلاط حبها و خوفها هما اللذان دفعاها لقول جملتها التالية، إذ قالت: "ارغمني على المغادرة دون سبب معقول يا بيرس، و سوف لن تراني بعد ذلك." كانت كلمات التحدي هذه صدمة لأليكس عندما خرجت من بين شفتيها كما كانت بالنسبة لبيرس، الذي تجمد و كأنه تمثال.
سألها بصوت عذب: "أتهددينني، يا أليكس؟"
شحب لون وجهها كورقة بيضاء، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع عما قالته، رغم انها ندمت على الفور. عرفت انها لم تكن تلك الطريقة الصحيحة التي يجب أن تتبعها، لكنها ارادت منه ان يكلمها، لا ان ينطوي على نفسه! اما الآن و قد بدأت فعليها المتابعة، فقالت: "لن أوافق على ان استبعد!"
"و أنا ارفض ان اخضع لتهديدات."
ازدردت ريقها بصعوبة و قالت: "إذا فإنها ورطة، أليست كذلك؟"
ابتسم بيرس ابتسامة مقززة و اجابها: "ليس تماما، فما زال عليك ان تحزمي امتعتك، لن تجدي صعوبة في ان تستقلي طائرة من البر الرئيسي إلى انكلترا."
لم تصدق انه كان يدعوها لتنفيذ تهديدها فقالت بصوت اجش: "إذا لقد انتهى الأمر، هكذا؟"
"انه قرارك، يا أليكس."
حدقت به و قلبها يخفق بقوة لدرجة أنها كانت متأكدة من انه يستطيع سماعه. اين ذهبت كل وعود الليل؟ كيف توصلا إلى هذا بسرعة كبيرة؟ شعرت بالغثيان، و تمنت بيأس لو انها تستطيع التراجع، لكنها وجدت ان الكلمات تكاد تخنقها
قالت: "لا، انه قرارك. ما كان يجب ان تصل الأمور إلى هذا."
"لقد وصلت."
احرقت دموع حارة عينيها، إلا انها لم تدع أية دمعة تنهمر، و قالت له: "إذا، فالليلة الماضية لا تعني لك شيئا؟"
ومض شيء في عينيه للحظة و اجابها: "على العكس، يمكنك ان تسميها وداعا رائعا. و الآن، إن لم يكن لديك ما تضيفينه فمن الأفضل ان اذهب و أرى من وصل." و دون ان يضيف أية كلمة أخرى، استدار و سار مبتعدا.
و قفت تحدق في الباب المقفل و هي مصدومة. لم تستطع التصديق بأنه وافق على أن تنفذ انذارها. لا بد انه عرف بالتأكيد انها لم تكن جادة في ما قالته ، و إن ذلك كان زلة لسان. سارت على ساقين متلكئتين إلى السرير، حيث جلست بإمتنان. لم تعرف كيف حدث كل ذلك بهذه السرعة، فبعد ان كانت مصرة على مرافقته، انتهى الزواج فجأة و اصبحت هي في طريق العودة إلى الوطن!
كان الأمر و كأنه كابوس فقد بدا كل شيء مشوشا. اعتقدت الليلة الماضية انها أخيرا فهمته، ثم حدث كل هذا.
لماذا رفض بعناد ان يخبرها إلى اين هو ذاهب و لماذا؟
و بسرعة حل الغضب مكان الصدمة فيما كانت تمعن التفكير بما حدث خلال الدقائق القليلة الماضية. لا و لن ترحل، ليس قبل ان تحصل على تفسير مقنع. قال الليلة الماضية أنه لن يدعها ترحل و الآن اخبرها بهدوء ان عليها الرحيل؟ ذلك ليس منطقيا.
لكن ذلك بدا منطقيا بالطبع، حالما فكرت بالنقيض، فتنهدت عاليا. و ادركت انه استغل ببراعة غضبها ضدها، و كانت على وشك ان تدعه يفوز، تلك المعرفة منحت نفسيتها المحطمة عزما جديدا.
و نهضت لتسير نحو غرفة الملابس لتأخذ بعض الثياب و تتجه نحو غرفة الحمام. استحمت و ارتدت سروالا من الجينز و قميصا. و لم تزعج نفسها بأكثر من تمرير الفرشاة على شعرها، لم تكن تتحمل الوقت الحاضر. لأن مهما كان قد قاله بيرس فإنها مصممة على البقاء حيث هي. و رغم ذلك حزمت الحقيبة و تركتها على السرير مع حقيبة يدها فقد تحتاجها لكن ليس للذهاب إلى انكلترا.
و هكذا دخلت إلى الردهة، بعد أقل من عشر دقائق، مستعدة للقيام بمعركة، لتجد ان بيرس قد وجد بطريقة ما متسعا من الوقت ليرتدي ملابسه هو ايضا و قد كان غارقا الآن في محادثة مع رجل طويل أملس الشعر. استدارا كلاهما عند دخولها. و كانت ملامح وجه زوجها متجهمة فيما دعاها للدخول.
و عرفهما ببعض بصوت بارد قائلا: "أليكس، هذا بات داننغ، انه مساعدي الخاص."
قال بات داننغ بلهجة تكساسية ودودة: "يسعدني لقائك أخيرا ، يا سيدة مارتينو." و صافحها فيما بدت ابتسامته متوترة نوعا ما، إذ اضاف: "يؤسفني ان علي ابعادك عن زوجك."
قابلت ابتسامته بابتسامة لاذعة و قالت: "لا بأس، لأني لست ذاهبة على أية حال."
تنفس بيرس بنفاذ صبر إلى جانبها و قال بتوتر: "اعتقدت اننا قد سوينا هذا الأمر."
رفعت أليكس كتفيها بلا مبالاة. رغم ان ذلك تطلب منها جهدا كبيرا لتبدو غير آبهة و قالت: "كنت أكذب و انت تعرف ذلك."
و التقت عيونهما في معركة صامتة، دون أن يحاول أيا منهما ابعاد نظره. شد بيرس على فكه، ثم اجابها: "لم أكن اعرف." رفعت ذقنها بكل بساطة فحذرها قائلا ببرودة: "ما بك يا أليكس؟ لا ترغميني على القيام بأشياء أندم عليها!"
بدت تعابير العناد على ملامحها كما قد يتوقعه تماما، و قالت: "لا اصدق انك ندمت على شيء في حياتك! و أنا أرفض أن أرحل قبل أن تشرح لي لماذا علي القيام بذلك."
ارتعش ذلك العصب في فكه من جديد، و صاح قائلا: "ماذا تحاولين يا أليكس؟ انني حصلت على كل ما اريده منك، و الآن يمكنك الرحيل، حسنا. إن كان ذلك ما يتطلبه الأمر. اعتبري اني قلت ذلك!"
شعرت بدمائها تغلي غضبا لقساوة تلك الكلمات التي تعمد قولها، و ربما كانت لتصدقه قبل خمس سنوات، لكن مع تبصرها رأت أن شيئا ما جعل توترا غريبا يملأ نفسه، الأمر الذي جعلها ترفع ذقنها مرة أخرى و تجيبه برقة: "اني لا اصدقك، و الطريقة الوحيدة التي يمكنك اخراجي بها من هذه الجزيرة هي أن تجعلني افقد الوعي."
مما جعل بيرس يسترسل في السباب لمدة طويلة و بشكل قاس.
قاطعه بات داننغ، إذ قال: "تأخر الوقت يا سيدي."
جعل ذلك التعليق أليكس تدير رأسها نحوه و في الجزء التالي من الدقيقة سمعت بيرس يتمتم: "آه، يا للهول!"
فأستدارت لتلتقي قبضة يده القوية. اسودت الدنيا في عينيها و غابت عن الوعي على الفور.
امسكها بيرس قبل ان تسقط و قد بدت شاحبة الآن كما كانت من قبل و قال: "انها بخير، لقد تهاونت في تسديد ضربتي. احضر حقائبها من غرفة النوم، انها هناك، هلا فعلت، بينما اضعها في الطائرة المروحية؟" ثم حملها إلى الخارج و قد علت وجهه تعابير التجهم وضعها داخل الطائرة و مرر يده بلطف على البقعة الداكنة على ذقنها و تمتم: "أنا آسف يا أليكس. ايجب أن تقاتليني دائما؟" ثم استدار عندما جاء بات داننغ ليصعد إلى الطائرة.
نظر بتساؤل إلى مستخدمه و سأله: "أمتأكد انك تريد أن تجري الأمور بهذه الطريقة، يا سيدي؟"
فأجابه: "اخرجها من هنا فقط، هلا فعلت يا بات؟ و تأكد أنها بمأمن."
اشار بات إلى الطيار، ثم قال بصوت عال ليسمع رغم ضجيج صوت المحرك الذي ادير: "سأفعل ذلك، لكنني بالتأكيد ما كنت لأرغب في أن أكون مكانك حين تعود! فهمت ما أعنيه يا سيدي."



***********************************

يتبع....
انتظروني باقي الفصل العاشر و الأخير قريبا.

posy220 26-10-09 12:54 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

mersalli 26-10-09 07:35 PM

موفقة بأذن الله
الرواية كتير جميلة:smile:
ما طولي علينا

بنيتي بنيه 26-10-09 07:56 PM

:f63:بليز كمليه حلوه مره اعجبتني جدااا تسلمين الغاليه

القريصة 26-10-09 11:03 PM

أرجوك لاتتأخري علينا


الساعة الآن 09:09 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية