منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   حصري 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t120265.html)

redroses309 29-09-09 04:54 AM

526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
السلام عليكم يا حلوين
اخترت لكم رواية إنشاء الله تعجبكم رواية القدر القاسي

ملاحظة:(اتمنى من جد ، إذا في أحد ينقل روايتي إلى اي منتدى ثاني اتمنى على الأقل يذكر انها منقولة و يذكر المصدر للأمانة)


راح اكتب الملخص و إذا شفت فيه تشجيع راح أكتبها بسرعة على قد ماأقدر


**********************************



القدر القاسي لـ أماندا بروننغ
من سلسلة قلوب عبير ... 526 دار النحاس




الملخص


قبل خمس سنوات ، تزوج بيرس من اليكس ليوم واحد و نبذها في اليوم التالي. و لماذا؟ لأنها كانت طريقة للوصول إلى أسطول من السفن التجارية و ها هو قد عاد الآن متطلبا كما كان دائما. إنها مضطرة للزواج منه لتساعد والدها ، و مرة أخرى لم يكن لديها خيار آخر ، لكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة ، في ما مضى كانت تحبه ، لكنها الآن تكرهه و مهما حدث لن تثق به ثانية.
منتديات ليلاس

فراولة2008 29-09-09 08:56 AM

منتظرينك لا تطولين علينا

Rehana 29-09-09 10:01 AM

مقدما يعطيك ألف عافية

وياريت حبيبتي المرة ثانية تعلن عن روايةبهذا الموضووع

http://www.liilas.com/vb3/t79338.html

وهذا شيء من الإدارة

موفقة في الكتابة

تحياتي لك

وردة الزيزفون 29-09-09 12:02 PM

واو شكل الرواية جنان في انتظارك لاتطولين علينا

aghatha 29-09-09 10:15 PM

it looks intersting plz dnt keep us waitin

نور 29-09-09 10:29 PM

الله يعطيكي العافية مسبقا حبيبتي هي رواية كثييير حلوة وقريبا الأخت توتو حترجع تعيد تنزيلها كصور


تحياتي

redroses309 30-09-09 04:12 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمــر الليل (المشاركة 2066392)
مقدما يعطيك ألف عافية

وياريت حبيبتي المرة ثانية تعلن عن روايةبهذا الموضووع

http://www.liilas.com/vb3/t79338.html

وهذا شيء من الإدارة

موفقة في الكتابة

تحياتي لك


مشكورة على المرور و أنا أعتذر لأني ما أعلنت عن الرواية بس إنشاء الله المرات الجاية

redroses309 30-09-09 04:13 AM

أشكر كل اللي مروا على الموضوع و على التشجيع
أسعدتني ردودكم جدا...

redroses309 30-09-09 04:17 AM


الفصل الأول


نزلت اليكس بتراكوس من سيارة الأجرة بانتباه ، و أخذت لحظة كانت بحاجة ماسة لها كي تشد كتفيها قبل أن تبدأ رحلتها في صعود السلالم إلى باب الفندق المتلألئ بالأضواء. كان هناك حفل راقص ، و رغم أنها كانت تتطلع لذلك بشوق في مناسبة أخرى ، إلا أن الليلة لم تكن مهيأة للمرح ، كانت تعبة جدا. لقد كان يوما مميزا طويلا و غير مثمر بعد سيل من الأيام الطويلة غير المثمرة ، و لو أنها لم تكن مضطرة للمحافظة على ما تتطلبه المظاهر من أنها قد حضرت حفلة الإحسان الباهرة هذه ، لكانت بقيت في المنزل.
منتديات ليلاس
ساعدها واحد من الخدم على خلع معطفها ، أخذت نفسا عميقا قبل أن تتجه إلى غرفة الرقص بشخصها الطويل النحيل الذي يمكن أن يكون قد خرج للتو من صفحات إحدى مجلات الأزياء. منتديات ليلاس مع ذلك ، و رغم أن ثوب السهرة الذي كانت ترتديه من تصميم سان لوران ، و حذاءها من صنع إيطالي يدوي و مجوهراتها من مصنوعات كارتييه ، كانت أليكس تعرف أن أيامهم معدودة ما لم تستطع أن تجد الدعم المالي الذي تحتاجه أعمال العائلة بشدة ، فإن كل شيء سيذهب. و ليس سبب ذلك أنها قد تكون تضحية بارزة بغيضة ، فهي لم تكن متيمة بالموضة الراقية و الطبقة التي تدل عليها. لا ، إنما الأمر المحزن هو أن ممتلكات العائلة كلها إن جمعت لن تكفي إلا إلى تسديد القليل من جبل الديون.
توقفت لبرهة بعد مدخل الغرفة مباشرة ، و القت نظرة عامة على الغرفة المكتظة ، و لم تفاجأ حين عرفت العديد من الوجوه المتواجدة هناك. إنها في الواقع ، قد أمضت ساعات طويلة خلال الأسابيع القليلة الماضية تتحدث إليهم. الآن أولئك الذين شهدوا وصولها سارعوا إلى الإبتعاد ، و سارعوا أيضا إلى نشر أخبار الضيق المالي الذي تمر به عائلتها بأصوات منخفضة.
جعلها ذلك تشد على شفتيها اللتين أظهرتا مدى الضيق المرتسم على وجهها الرقيق ، الأمر الذي كان ملائما مع رقتها. منتديات ليلاس سمة أظهرتها قصة شعرها الحديثة ، فقد كانت قصة شعرها الأشقر ، تناسبها تماما. و سارت إلى داخل الغرفة بكل ما أستطاعت جمعه من هدوء.
و فيما هي متجهة لتحضر لنفسها كوب عصير ، ردت على تحيات أولئك الذين ما زالوا يتمتعون بشجاعة كافية لأن تلتقي عيونهم بعينيها ، و هم يبتسمون ابتسامة متهكمة باهتة. آوه ، لقد كان كل شيء مختلفا قبل ستة شهور ، مختلف جدا. الآن لقد إنهار المظهر الكاذب و عليها أن تتعامل مع ما ترتب على تصرفات والدها غير الحكيمة. مع ذلك مهما اعتقد هؤلاء الناس ،redroses309 فإنها لن تجعل أبدا التصرفات السيئة تزعجها هنا.
"لا تتظاهري بالدهشة لهذه الدرجة." كان ذلك صوت تردد من جانبها بسخرية ، و أضاف: "إنها لعادة قديمة للفئران أن تغادر السفينة الغارقة بعد إصطدامها بالصخور."
تلك اللهجة الرنانة المنخفضة هزت أعصابها ، و شعرت أليكس للحظة واحدة بالغثيان ، إن الغرفة تدور من حولها.
ثم تجمد الدم في عروقها و أشتدت عضلاتها ، و بدا أنها بذلت كل ذرة من قوتها لتدير رأسها كي تواجه صاحب الصوت ، لأنها عرفت من سترى.
أجابته بسرعة: "مفسحة المجال للنسور كي تنقض و تلتقط الهيكل البالي." و قد أدهشها كم بدا صوتها ثابتا ، فيما رؤية الرجل الذي قدم بهدوء تام ليقفبجانبها جعل قلبها يخفق بشكل مغث. و أضافت: "لماذا لدي شعور أن قول أمر غريب رؤيتك هنا ، بالكاد يكون ملائما؟ فقد سمعت إن القرش يمكنه أن يشم رائحة الدماء عن بعد أميال كثيرة."
دون أن تأبه إن كانت قد مزجت بين استعارات أم لا. فقد كان هناك سؤال واحد يدور في رأسها: ماذا يفعل هنا؟
ابتسم بيرس مارتينو ، إبتسامة كسولة طويلة ، قائلا:
"لقد أصبح عندك مخالب ، يا أليكس ، الأمر الذي لا يثير دهشتي ، لكنك كما القطة الصغيرة تماما ، عليك بعد أن تتعلمي متى يجب أن تنبشي أظافرك."
لسعتها تلك اللهجة الساخرة ، و ذكرتها كم كانت ضعيفة ذات يوم. مع ذلك فإن تلك الأيام مضت منذ زمن طويل ، و قد أرتفع جدار غليظ للحماية. فقالت: "في ما يختص بي ، إن ذلك يحدث دائما في كل آوان يا مارتينو!" سمحت لنقمتها أن تظهر ، راغبة أن تصفعه على الفور.
رفع أحد حاجبيه السوداوين ، و نصحها قائلا ببرودة:
"هل تستقبلين دائما صديقا ببنادق لامعة؟ أعترف أن لها قيمة البدع ، لكن قد يكوم من الحكمة أكثر أن تضعي سلاحك جانبا ، يا أليكس. فالعدو لا يرتدي هذه الأيام قبعة سوداء. redroses309 رغم كل ما تعرفينه ، يمكن أن تطلقي النار على حليف."
قالت: "حليف!" خرجت الكلمة بإشمئزاز كبير. ثم أضافت بعنف: "لم تكن كذلك قط ، و لن تستطيع أن تكون كذلك. إنك العدو يا بيبرس ، و كونك كذلك ، ليس عندي لك شيء سوى الإزدراء." كان عليها أن تعرف أنه قد يقول شيئا كهذا.
بدا لها أنه لم يعد يتذكر كل ما كان ، و أن ما طبع في ذاكرته أقتصر على أشياء محددة ، فيما كان كل شيء مطبوعا بوضوح في ذاكرتها. قالت له: "أخشى أن عليك أن تعذرني الآن. فكما ترى لقد أصبحت حسنة التمييز في أختيار أصدقائي هذه الأيام." و مع تلك العبارة استدارت بحدة و سارت بعيدا عنه و ساقيها تكاد أن تنهار تحتها مع كل خطوة.
لم تكن لديها فكرة واضحة إلى أي مكان تتجه ، إنما استمرت في السير حتى وجدت نفسها أخيرا في غرفة الإنتظار حيث لا مخرج آخر منها. و توقفت حينها ، حيث اكتشفت أن كل أوصالها ترتجف. لم كان عليه أن يكون هنا؟ ألم يكفه ما فعله؟ إنها تكرهه ، تكرهه بقدر ما أحبته في يوم من الأيام ، بمشاعر عميقة لا تعرف الحدود.
أحنت أليكس رأسها ، و شعرت بمعدتها تعتصر ، ما زال بيرس مارتينو يملك كل شيء. ما زالت لديه تلك النظرة التي تجعل قلب المرأة يخفق بجنون. ذات مرة ، جعلت تلك النظرات قلبها يطير. حيث لم تكن محصنة تجاه الشعر الأسود الكثيف اللامع ، و لا تجاه العينين الثاقبتين الزرقاوين ، و لا تجاه الوجنتين المظللتين بالغموض اللتين تحيطان بذلك الفم الجميل ، كانت أناقته و ثقته بنفسه تشعان و كأنها منارة ، فتشدانها ، كما العديد من الفراشات الأخرى ، للرقص ضمن نطاق حرارتها الخطرة و تألقها. كان يشربها الشراب و يطعمها الطعام ، و يعاملها بطريقة أكدت لقلبها الغارق في حبه أنه يحبها هو أيضا.
شعرت بالمرارة و كأنها قرح على لسانها ، و دون وعي منها ضغطت بشدة على الكوب الذي ما يزال في يدها. لقد حول ذلك الحب إلى كراهية باكاذيبه. لأن ذلك كله كان كذبا! كل شيء ، من البداية حتى النهاية! و قاطع تحطم الكوب ذكرياتها الغاضبة ، و قد أتبع ذلك على الفور صرخة رقيقة من الألم انطلقت منها. سقط الكوب المكسور من يدها ، و حدقت بإنشداه نحو الدماء التي سالت بسرعة على راحة يدها.
عندها فقط لاحظت أنها لم تكن في الغرفة لوحدها.
"هل جرحت نفسك؟ دعيني أرى." لا بد أن بيرس تبعها ، و تقدم نحوها الآن بسرعة و أمسك بيدها و تفحصها قبل أن تتاح لها الفرصة أن تسحبها بعيدا.
أرتعدت أليكس ، حيث وجدت نفسها فجأة تحدق في رأسه المنحني. أعادت إليها تموجات شعره الأسود الكثيف ذكريات ، إعتقدت أنها دفنت بأمان. شهقت بحدة ، فقط لتقذف احاسيسها برائحة عطره النافذة منه. ثم ، و كأنما لزيادة الإهانة إلى الأذى ، أرسلت لمسته في ذراعها شيئا يشبه صدمة كهربائية ، أرعبتها ردة فعلها هذه الغير متوقعة و غير المرغوب بها كليا ، فتجمدت مرتبكة ، و عقلها يصرخ في صمت لا!
"سوف تعيشين."
كلمات بيرس سلختها من صدمتها ، و تأخيره البسيط في رفع نظره أتاح لها فرصة كافية لتعيد السيطرة على تعابير وجهها ، كي لا تظهر مدى تأثرها.
قال: "إنه أكبر من خدش بقليل. و يبدو نظيفا." نظر إليها
أضاف: "ماذا كنت تتخيلين الكوب ، عنقي؟"
بذلت كل جهدها ، لكنها لم تستطع أن تحتمل تلك النظرة ، و بسرعة أبعدت عينيها عن نظرات السخرية الظاهرة في هاتين الفجوتين الزرقاوين. و وقعت نظرات عينيها على يدها ، و اكتشفت أنه قد ضمدها بمديله. كان هناك آثار دماء على المنديل الأبيض النقي. دماؤها. دائما هناك آثار لدمائها عندما يدخل بيرس حياتها! أبدت إمارات الإمتعاض ، و تبخرت لحظة الوعي تلك مع رياح الذكريات الكئيبة القاسية.
قالت له ببرودة: "إن كان هناك رجل يستحق قطع عنقه ، فهو أنت."
كانت ردة فعل بيرس الوحيدة الضحك بإستهتار ، و أجابها: "كثيرات حاولن ذلك ، و ما من واحدة نجحت."
ابتسمت أليكس إبتسامة باهتة لغروره الواضح و قالت: "غرور كهذا لا بد أن يتحطم. أتمنى فقط أن أكون موجودة لأشهد ذلك."
للحظة ، ومض في عينيه وميض غريب قد يكون ندما ، لكنه إختفى قبل أن تستطيع إثبات ذلك. و رد عليها قائلا: "ذلك إرث نتوارثه ، ألا تعتقدين أن هذا هو أساس صنع المأساة اليونانية التقليدية؟ حيث أن الزوجات الحاقدات يخططن لأسقاط أزواجهن. هل سترقصين على ضريحي ، يا أليكس؟"
كان يعبث معها ، لكنها رفضت أن تلعب لعبته فردت عليه بسرعة: "زوجتك السابقة!" و عندها اعتصر قلبها بحدة ، حتى هي نفسها لم تستطع أن تدرك ما هية المشاعر التي عصفت بها في تلك اللحظة.
أحنى بيرس رأسه مسلما بذلك بسخرية و كأنه لم يكن يتوقع أي جواب آخر و قال لها: "تقولين ذلك بخفة ظاهرة."
رفعت ذقنها على الفور ، و تلألأت عيناها ، فيما قالت: "كان أسعد يوم في حياتي!"
إن كانت تأمل أن تجرحه ، فإن هدفها ضل سبيله بشكل واضح. ذكرها قائلا بعذوبة: "غريب ، أذكر أنك قلت هذا يوم زفافنا."
اضطرارها للاعتراف كيف بإمكانه أن يجعلها تنفعل حتى في هذا الوقت ، جعلها غاضبة بشكل جنوني من نفسها كما منه ، لاستذكارها كل تلك الأوقات السيئة بوضوح تام.
أجابته: "لم أكن أعرف حينها أي سافل أنت."
كل تعابير المرح غابت عن وجهه فجأة. و قال: "كان يجب أن يحصل ما حصل ، عليك أن تتفهمي ذلك."
غامت عيناها الرماديتان بعواطف متأججة ، و كان بإمكانه أن يقرأ فيهما مدى كراهيتها له ، و قالت: "لن أفهم ذلك إطلاقا ، و لن أصفح عنك أبدا. سأكرهك حتى آخر يوم في حياتي!.
اتسعت فتحتا أنفه عندما أخذ نفسا عميقا و قال: "أبدا ، هو وقت طويل ، قد يصبح لديك يومها سبب لتشكريني."
تطلب الأمر منها بذل كل ذرة من السيطرة على نفسها لتمنعها من الوثب عليه و تمزيقه إربا. و إنها في اللحظة التي ستفقد بها السيطرة على نفسها ، سيفوز هو و ذلك أمر عليها تحاشيه مهما كلف ذلك ، لذا أجابته بعفوية: "علام؟! ألقتلك جدي؟".
لا بد أن شوكتها غرزت في نقطة رقيقة ، لأن بيرس تقدم بخطوة غاضبة نحوها ، ثم سيطر على نفسه بجهد واضح ، و قال لها برباطة جأش: "لا تلقي اللوم علي بذلك يا أليكس. redroses309 لقد كان رجلا عجوزا ، أقر بذلك ، لكنه عاش لسنوات عدة بعد أن التقيته لآخر مرة."
إرتجفت شفتيها ، من الغضب و الحزن معا فضغطت عليهما ثم أجابته: "ربما كان الأمر كذلك لكنك عجلت بموته بأخذك كل شيء غال على قلبه."
تصلب بكبرياء غاضب ، و تقززت عيناه الزرقاوان و كأنهما فقدتا الحياة تقريبا. و أجابها: "لم آخذ شيئا لم يكن لي بحكم الحق ، و عوضا عن ذلك تركتك له."
ضحكت أليكس بتكلف. لقد ترك جسدا. جسد إمرأة محطمة! قالت له: "إنك لص ، و قاتل ، و أنا أحتقرك."
بدا وجهه و كأنه قطعة اقتطعت من حجر ، و أصبحت هادئة جدا في ما قال: "ضعي الإحتقار جانبا ، لكني ما زلت أملك شيئا تريدينه."
أجابته: "أقطع يدي قبل أن تمتد لقبول أي شيء منك يا بيرس مارتينو!"
عادت الإبتسامة لترتسم على شفتيه لكنها كانت باردة و قاسية ، و قال: "أنت دائما مأساوية جدا. لقد نسيت أية مخلوقة عاطفية أنت."
لديه الوقاحة فقط ليذكرها بإستجابتها المطلقة له ، إستجابة استغلها من أجل مصلحته الشخصية ، لقد كانت غبية حينها ، لكن ذلك لن يحصل ثانية. قالت له بإيجاز بليغ: "إنك على حق ، لدي شيء علي أن أشكرك لأجله ، تعليمي درسا قيما ، درسا لن أنساه أبدا."
قال برقة: "إن كنت استاذا جيدا ، فأنت كنت تلميذة راغبة بالتعلم بشدة." متعمدا عدم فهم ما رمت إليه ، ثم أضاف: "يبدو أن ذلك قد أفادك ، أيضا ، إذ أنك تبدين أكثر جمالا مما أذكر."
صرت أليكس على أسنانها بغضب. الواقع أنه تزوج من فتاة بريئة. و كان أمرا وجدت صعوبة في التأقلم معه، بالنظر لم تبعه. اعتصرت معدتها لإنعدام إحساسه إذ عمل على تذكيرها بذلك الآن ، فقالت: "أتمنى أن لا تتوقع مني أن أشكرك على ثنائك. لأنه بصراحة تامة ، سيخنقني لفظ تلك الكلمات."
رقصت عيناه ، و قال: "ذلك لن يفي بالغرض أبدا. ربما علي التوقف قبل أن تصابي بسكتة قلبية ، لكني لا أستطيع مقاومة ذلك. تعجبني قصة شعرك هكذا ، إنها تجعلك تبدين أنيقة و حساسة في آن معا. عمل رائع. متى قصصته؟"
أجابته: "في الواقع ، قصصته لأول مرة منذ خمس سنوات!" و تركته يستنتج ما يريد من وراء ذلك.
لم يكن بيرس بطيء الفهم قط ، و قد فهم الآن ما قصدته على الفور. فقال لها: "آه ، مع كل ما هو قديم ، و أهلا بكل جديد... كنت معجبا جدا بشعرك الطويل الأسود ، كنت أحلم في غمر أصابعي و الأمساك به."
كاذت أن تختنق حينها ، لأنها كانت تقريبا تحلم الأحلام ذاتها عنه ، حتى بعد أن إنتهى الزواج بفترة طويلة. كانت الذكرى الآن تبدو كقطعة جليد حول قلبها. فقالت: "ذلك هو السبب الذي جعلني أقصه تماما." و أضافت محاولة أن تعيده إلى حقيقة قدره: "لم أرد أن يبقى شيء يذكرني بك."
لف بيرس ذراعيه ، و تأملها بتهكم قائلا: "و مع ذلك لم تنسِ ، على ما يبدو. ألهذا السبب أنت وحيدة هنا الليلة؟"
شهقت بحدة. ليس هناك من رجل آخر مثل بيرس يطرح أسئلة بفوارق دقيقة في المعنى لا تكاد تدرك من قبل الآخرين. أجابته: "يمكنك أن تحرر نفسك من فكرة أن لك أية صلة في حياتي الآن. إني هنا لوحدي لأن والدي مريض ، و على الأرجح أنك تعرف ذلك جيدا. لكنا أتينا كعائلة مجتمعة ، لكن عوضا عن ذلك أتيت بمفردي. هل يرضي ذلك فضولك؟"
أجابها: "ليس تماما. هل جميع الرجال في إنكلترا عميان؟ ألم يكن هناك أحد ما غيره ليرافقك؟"
أتخذت وضع المقاتل ، و سألته: "ماذا تريد أن تعرف بالضبط يا بيرس ، حالة حياتي العاطفية؟"
أجابها: "نظرا لحالتك المتوقدة ، أستطيع القول أنك لم تحصلي على فرصة واحدة ، أو أن أسلوبه سيء جدا فتركك محبطة."
سألته: "كيف تجرؤ؟"
"أيعني ذلك أنني مخطئ أم أنني على صواب؟"
أجابته بغضب: "ذلك يعني أن وقاحتك ثقيلة ، و ليس في نيتي الإجابة عن سؤال شخصي كهذا."
ضحك ثم قال لها: "أعتقد أنك فعلت هذا للتو. منتديات ليلاس على أي حال ، إن لم يكن الرجال قد شغلوا وقتك ، فماذا كنت تفعلين طوال السنوات الخمس الماضية؟"
أجابته: "يسعدني القول أني كنت أتقدم بشكل رائع بدونك."
أجابها موافقا: "هذا ما أراه." و بقليل من الصعوبة ثمن ملابسها و مجوهراتها ثم أضاف ساخرا: "إنك تعيشين فوق ما هو متاح لك. من دفع ثمنها جميعها ، والدك؟"
أتقدت إحمرارا من جديد ، و أجابته بحدة: "غير صحيح. إني أكسب المال لأدفع ثمن ملابسي ، و ذلك من خلال العمل بجد. و مجوهراتي هي هدية ذكرى مولدي الواحد و العشرون ، و لا أظنك ، تظنّ علي بذلك!"
قال بتهكم: "تتكلمين و كأنك لبوة تدافع عن أشبالها."
أجابته: "لم لا؟ ربما إنك تستمتع بضرب الناس فيما هم في الحضيض و لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، أما أنا فلا ، و في الحقيقة ، أني لا أحب حتى مصادقة أناس هكذا. لذا إن كنت لا تمانع..." إبتسمت إبتسامة باردة ، و كادت أن تمر من أمامه ، إلا أن يده أمتدت لتمسك بيدها و تؤخر مغادرتها.
"ليس بهذه السرعة. ما زال علينا التحدث."
حاولت أن تبعده عنها ، لكنه قاوم ذلك دون بذل أي جهد ، و كل ما استطاعت القيام به هو أن ترمقه بنظرة قاسية قاتلة بفتور: "بقدر ما يعنيني الأمر ، لقد قلنا أكثر مما ينبغي."
هز بيرس رأسه قائلا: "يا عزيزتي ، لم نبدأبالحديث بعد. لكنك محقة. ليس هذا هو الوقت أو المكان المناسبين. سأكون في مكتبك صباح الغد عند الساعة العاشرة."
"يمكنك أن تأتي ، لكنني لن أراك فلدي مواعيد طوال اليوم و كذلك في المستقبل المنظور."
أفلت معصمها ، لكن فقط ليرفع يده ليمسك بذقنها ، ليرغمها على التحديق به قائلا: "تفرغي لذلك! و إن لم يكن هذا تحذيرا كافيا ، توقفي عن التفكير بنفسك و إبدأي التفكير بشأن موظفيك بدلا من ذلك. قد تكون هذه ربما فرصتك الأخيرة في إنقاذ وظائفهم. إن الأمر على عاتقك يا أليكس. هل يمكن تحمل نتائج كبريائك؟" و استمر تحديق عينيه في عينيها للحظة أطول ، مطلقا سراحها من بعدها و هو يعدها بقوله: "حتى نهار الغد." و غادر الغرفة بإيماءة من رأسه.
راقبت قامته المديده و كتفيه العريضتين و هو يمشي مبتعدا ، فيما كانت تغلي من شدة الغضب الهادر. كم تمنت أن تقول له أغرب عن وجهي ، لكن كلماته أوقفتها ، حيث كانت متأكدة من أن كلماته قد تمنعها. لقد عرف أيضا أنها سوف تراه في الغد ، من أجل الوظائف العديدة التي كانت تحاول بصعوبة إنقاذها ، لكن دون أن يحالفها النجاح. طعم الفشل كان شيئا كريها يجب أن تبتلعه الآن. ها هو بيرس يلمح أنه قد يكون مستعدا لفعل شيء ما ، و بالرغم من أنها تكرهه ، كانت تعرف أنه لا يمكنها أن تصده.
غادرت الحفلة باكرا ، لكنها لم تذهب مباشرة إلى المنزل ، بل استقلت سيارة أجرة إلى مستشفى لندن حيث كان ستيفن بتراكوس ما زال في غرفة العناية الفائقة. فقد عانى منذ ثلاثة أسابيع مضت من نوبة قلبية حادة ، و قد سبقتها نوبة أقل حدة. كان بقاؤه على قيد الحياة أشبه بأعجوبة. كانت حياته معلقة في الميزان عندما أكتشفت حالة شؤون دار النشر المحفوفة بالمخاطر. فيما كان الأطباء يكسبون ببطء معركة بقاء والدها على قيد الحياة ، كانت هي ما تزال تحاول إنقاذ شركته.
تطلعت أمها التي كانت تحيك الصوف بصنارتها نحوها ، عندما دخلت أليكس إلى الغرفة. و قد رسمت المرأة الضعيفة ذات الوجه الشاحب الصغير إبتسامة مرحبة عند رؤية ابنتها قائلة: "مرحبا ، يا عزيزتي ، هل أمضيت وقتا طيبا؟"
أنحنت أليكس لتطبع قبلة على الخد الناعم. كانت إميلي بتراكوس إمرأة من النوع الذي تضفي طبيعتها الحلوة حماية من حولها ، و ليس أكثر من الحماية التي تقدمها فعلا لعائلتها ، و أصبح أمرا غريزيا لديها و قبل مرض والدها بزمن طويل ، أن تحمي أمها من الجانب القاسي جدا في الحياة. و سبب ذلك هو الفوضى التي تكافح بيأس لتسويها الآن. لكن رغم أن والدتها كانت تشتبه بالتأكيد أن هناك شيء ما ، و طالما أن والدها لم يخبر زوجته بشيء ، إذا فإنها لا تستطيع أن تقول شيئا لها أيضا. الأمر الذي جعل أليكس الآن ترسم على وجهها إبتسامة فرحة.
أجابتها: "آوه ، أنت تعرفين كيف تجري هذه الحفلات. كان سبب إقامتها وجيها. كيف حال والدي؟"
تنهدت أمها مجيبة: "إنه نائم الآن ، لكنه كان متعبا جدا قبل ذلك. أتمنى لو أنه يخبرنا ما الأمر." و أخذت تلوك شفتها بإهتمام ، و دون أن تدري أكدت شكوك ابنتها.
عانقتها أليكس ، قائلة : " حاولي أن لا تقلقي ، يا اماه ، أنت تعرفين كم يكره والدي أن يكون مريضا خاصة عندما يبعده المرض عن أعماله. على أية حال ، إني اسيطر على الأمور مؤقتا ، و اعتقد أني قد أحمل إليه أخبارا جميلة في القريب العاجل." و توسلت في قرارة نفسها آملة أن يكون ذلك صحيحا.
قالت إميلي بتراكوس و هي تبتسم : "انك قوية يا أليكس. و لا أحد يعلم ماذا كنت لأفعل من دونك." ثم زالت إبتسامتها ليحل محلها التجهم و هي تضيف : "لكنك تبدين متعبة يا عزيزتي ، ألا تنامين؟"
كان النوم أمرا نادرا هذه الأيام ، و حتى حين كانت تغفو قليلا كانت أحلامها مزعجة، إلا إنها ما كانت لتعترف بتلك الأمور. لذا قالت : "إنني بخير ، كل ما في الأمر ان اليوم كان يوما مرهقا، أنوي أن أذهب إلى الفراش مباشرة عندما أصل إلى المنزل. لا تنسي أن تنامي أنت أيضا يا أمي. أنت تعرفين أن رؤيتك قلقة ستحزن والدي كثيرا."
أجابتها: "أنت تجعلينني أبدو كدواء!"
ضحكت أليكس برقة، و قالت: "أنك كذلك ، و أفضل دواء يمكنه الحصول عليه." تظاهرت بالتثاؤب، نظرت إلى ساعتها ، و اضافت ، قبل أن تقبل أمها مرة أخرى و تغادر : "من الأفضل أن أذهب . سوف أمر عليكما غدا. قبلي والدي عني و أخبريه أن لا يقلق."
كانت شقتها تقع قرب النهر في تشيلسي. كانت شقة صغيرة إلا إنها كانت تناسبها تماما ، استأجرتها قبل زواجها القصير جدا. و لأنها رفضت أن تقبل أي مساعده مالية من مطلقها ، كانت سعيدة بالعودة إليها لتضمد جروحها. دخلت و هي تتنهد بارتياح، و لم تشعر بالأمان إلا بعد أن اقفلت المزلاج. بيرس هو من جعلها تشعر هكذا، و كأن عليها أن تهرب، و أن تستمر في الهروب. سارت نحو غرفة الجلوس ، ألقت بمعطفها على الأريكة و سارت لتسكب لنفسها شرابا منعشا. كان حضوره صدمة بالنسبة إليها، فهي لم تتوقع أن تراه ثانية بعد الطلاق. ثم فكرت و قد قلبت شفتيها ، بعد كل ما جرى ، لماذا عاد و قد أخذ كل ما أراده؟
لقد صدقت يوما أنها تجسد تلك الكلمات الثلاث العاطفية لكنها لم تكن سوى اداة. فقد اعد خططه كجنرال في الجيش، خطط لكل شيئ. فكانت كل الكلمات الرقيقة و نظرات الحب التي تبادلاها مجرد تصميم لهدف واحد. ليخفي وراءه هدفه الحقيقي.
لم تعرف أحدا في حياتها قط قد يستطيع التظاهر على هذا النحو. لقد أحبته و صدقت أنه يحبها، لكن ذلك ما كان يفترض أن تعتقده. كانت سذاجتها كسوط لروحها المعذبة.
كانت في الواحدة و العشرين من عمرها صغيرة بالنسبة إلى عمره البالغ التاسعة و العشرين و الواسع الخبرة، و لولا ذلك ما كان ليتأكد أنها ستقع في حبه فقد كان يعرف ما يكفي عن النساء ليستطيع أن يجعل ذلك الأمر ممكنا بشكل واضح.
أخذت أليكس ترتجففتقوقعت على كرسي ذات ذراعين ، كان بيرس محقا بشأن حياتها العاطفية ، فقد كانت خالية فعلا. و هل هناك أي عجب في ذلك؟ فما قاسته على يديه جعلها تخشى النار كأي أنسان مذنب.
لن تؤمن أي رجل على سعادتها ثانية. لديها بعض الأصدقاء من الرجال و الذين خرجت برفقتهم أحيانا، لكن رغم أنها كانت تعرف أن بعضهم كان يرغب في توثيق العلاقة أكثر، إلا إنها كانت دائما منتبهة لإبقاء مسافة بينها و بينهم.
توقف أصدقاؤها عن سؤالها عن سبب تغيرها بعد عودتها من امريكا عندما تمنعت عن الإجابة، و رغم ذلك استمروا في محاولة إيجاد زوج لها . لكنها في أحسن الأحوال كانت محاولة فاترة ، و احترموا رغبتها الخفية بعدم البوح عن خصوصياتها.
أغمضت عينيها. فقد كان إيقاف الأسئلة أمر سهل، لكن إيقاف الذكريات كان أمرا آخر. كانت المشاهد ترواد ذاكرتها الواحد تلو الآخر ، لكن رغم إنها كانت تطاردها ، تنام حينا و تستيقظ احيانا خلال السنوات الخمس الماضية، ثم أخذت تطول الفترة بينها ، حتى لم تفكر به منذ فترة طويلة ، لكن الليلة عاد كل شيئ بقوة.
كان بيرس ذكي جدا ليجعلها تعتقد ما ارادت أن تصدقه ، أنه يحبها. إلا إنه لم يفعل ، لقد بدا لها ذلك واضحا في ساعة قصيرة واحدة. لقد لعب دوره ببراعة فائقة، حتى أنها لم تكتشف ، إلا صباح اليوم الذي تلا زفافهما ، إن الرجل الذي تزوجته ليس سوى دجال.
و التقت أخيرا، في اليوم الذي كان يفترض أن يكون بداية حياتهما معا ، بيرس مارتينو الحقيقي...


*************************


يتبع...

safsaf313 02-10-09 05:21 PM

رووووززززاااااااااااااا
شكلها روايه من رواياتك الناريه اللى دايما انتى متألقه بيها
الملخص روووعه وانتى اروع مستنيين باقى الروايه على ناااار
وبعدين فين تشجيعكم يا بناات؟؟؟؟
:confused:

فوضى مشاعر 03-10-09 03:45 AM



تسلمين يا الغلا

شكل الروايه روووووووووووعه

لا طولين علينا

و بانتظارك و بتلقين منا التشجيع

تحيتيــ

rana_rana 03-10-09 01:25 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

momak 03-10-09 05:29 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

لا طولين علينا

اسماء88 03-10-09 07:04 PM

تسلم ايدك عالروايةو انشاء الله تكمليها بسرعة

redroses309 04-10-09 04:19 AM

أنا آسفة على التأخير بس من جد بسبب ظروف خارجة عن إرداتي
كان جهازي فيه مشاكل شوي و ألحين تصلح بس أوعدكم إنشاء الله اليوم راح أنزل فصلين تعويضا عن التأخير اللي صار
و مشكورين على المرور نورتوا بوجودكم

redroses309 04-10-09 08:15 AM

الفصـــــــــل الثـــــــــــــــــــــاني




كان يوما متعبا من العمل ، رغم أن أليكس لا تمانع العمل بجد إطلاقا. كانت على وشك إنهاء فترة ستة أشهر من تبادل العمل، و إكتشافها كيف أن شركة مماثلة تماما تعمل، سوف يمنحها بالتأكيد فائدة كبيرة عند عودتها إلى إنكلترا. الآن و قد باتت أسابيع قليلة فقط تفصلها عن المكان ، حيث ستستلم وظيفتها كمديرة تنفيذية مبتدئة في أعمال الاعلان و النشر التي أسسها والدها. و كان أصدقاؤها الجدد يشاركون في النشاطات الإجتماعية الليلية بنشاط لا يقل إطلاقا عن نشاطهم خلال العمل في النهار ، و لم تكن هي معتادة على المشاركة بالنشاطات طوال الوقت . و لهذا السبب كانت تشعر بالتعب ، و شكرت حظها لأنها استطاعت أن تتخذ الاستعدادات اللازمة الليلة ، للذهاب إلى المسرح مع بعض أصدقاء والدها.
منتديات ليلاس
كانت المسرحية جميلة جدا . و كانت تناقشها بحماس في البهو خلال في الاستراحة الأولى ، عندما شعرت بعينين تحدقان بها ، كان الاحساس غريبا . و قد جعل شعر جسدها يقشعر ، و شعرت كأن تلك العينين المجهولتين تجبرانها على الاستدارة . و فعلت، لأنها لم تستطع أن تمنع نفسها من ذلك، و أخذت عيناها تبحثان بين الحشد للحظات قليلة قبل أن تقعا على عينين زرقاوين مشعتين، بدا أنهما اصابتاها حتى اعماق روحها. افترت شفتاها عن تنهيدة صامتة فيما بدت غير قادرة على إبعاد عينيها عن الرجل الذي يقف على بعد ياردات قليلة منها، و انطلق بين عيونهما في هذه الثواني القليلة احساس قوي ، ثم كلمه احدهم فاسترعى انتباهه، عندهافقط اطلق سراحها.
استدارت أليكس على الفور لتبتعد، لكن دافعا لا يقاوم جعلها تنظر إلى الوراء من فوق كتفها. شعرت أن قلبها يخفق بجنون، و دون أن تشعر ضغطت بيدها على حنجرتها. كان ما يزال يتكلم، و لم ترى سوى جانب وجهه فقط لكن حتى ذلك سبب لها حالة من الإنزعاج الحذر جعل عضلات معدتها تنكمش. إنه الأكثر وسامة بين الرجال الذين رأتهم في حياتها، كانت بذلته تناسبه تماما ، فيما كان واقفا و يديه في جيبي سترته. بدا لها و كأن الدم في عروقها يخر ، و جف ريقها.
و عندما رفعت عينيها المذهولتين رأته يعتذر ، و بدأ يتجه نحوها.
نظرت بعيدا للمرة الثانية، لكن التوتر الذي غمرها انذرها باللحظة المحددة التي وقف فيها إلى جانبها. كان عقلها قد توقف عن العمل منذ وقت طويل ، لكنها سمعت مرافقيها يستقبلونه بسرور. و اجابهم بصوت خفيض رقيق، ثم سمعت اسمها، فكان عليها أن تستجمع نفسها بسرعة.
كان روبرت ولز يقول لها بمرح: "أليكس، نريدك أن تتعرفي على صديق طيب لنا ، بيرس مارتينو، هذه الشابة انكليزية ، و ابنة صديق قديم، أليكس بتراكوس."
مدت أليكس يدها بعفوية ، و هي تعرف أنها تحدق به بيأس و كأنها مغفلة، قالت له بصوت اجش: "كيف حالك؟" و شعرت أن اليد التي غمرت يدها ، ضغطت عليها قليلا. كان ذلك و كأنها لمست تيارا كهربائيا.
قابل بيرس مارتينو بصمت تلك النظرة بمثلها للحظة، و خالج أليكس شعور غريب جدا بأنه صدم. ابتسم بعد ذلك و تنحنح قائلا: "اعذري عدم تهذيبي، لكن لهجتك أربكتني، ناهيك عن جمالك ، و هذا كثير على رجل ضعيف."
حذرتها أوليفيا ولز و هي تضحك قائلة: "احذري ، يا أليكس لدى بيرس سمعة كبيرة ، إنه الثعلب بحد ذاته."
ترك بيرس مرغما يد أليكس؟، و بقي كل انتباهه منصبا عليها حتى بينما كان يجيب على المرأة الأخرى قائلا: "توقفي عن ذمي يا ليفي، إنك ستخيفينها."
غمر لون رقيق وجنتي أليكس ، قيما كانت تلوك شفتيها بعصبية مما جعل لونهما يصبح غامقا و مثيرا. و قد تتبعت عيناه حركتها تلك بدقة. فقالت بجرأة: "أفضل أن أكون احكامي الخاصة على الناس." و رأت شفتيه تتقوسان عندما ابتسم.
أجابها برقة: "ارتحت لسماعي ذلك." جاعلا أليكس تشعر و كأنهما الشخصين الوحيدين في الغرفة. ثم أضاف: "بتراكوس؟ يبدو اسما يونانيا و ليس انكليزيا."
أجابته بشق النفس تقريبا: "قدمت عائلتي من اليونان بعد الحرب. أمي انكليزية، و أنا ولدت هناك." و فيما رن الجرس معلنا بداية الفصل الثاني من المسرحية ، عضت على شفتها ، و قد أدركت أن عليهم الذهاب ، لكن فكرة أنها لن ترى هذا الرجل ثانية جعلها تشعر بالبرودة داخل نفسها.
أقفها بوضع يده على ذراعها ليسألها قائلا: "هل لي أن أدعوك غلى العشاء بعد المسرحية؟"
شعرت و كأن قلبها طار على أجنحة الفرح، و كانت متأكدة من أن ذلك انعكس على وجهها. و تذكرت قبل أن تنطق بأية كلمة أنها ضيفة عائلة ولز فأجابته: "أحب ذلك، لكننا سبق و حجزنا طاولة للعشاء."
علقت أولفيا بظرف على ذلك قائلة: "إنها تتسع لأربعة، أنضم إلينا يا بيرس."
قال موافقا: "سيكون ذلك من دواعي سروري." و ابقى عينيه طوال الوقت على أليكس، التي شعرت أنها تغرق في أعماقهما اللتين لا يسبر غورهما. ثم وعدهما بصوت أجش قائلا: "حتى نلتقي في ما بعد ، إذا." و ابتسم ابتسامة اخيرة قبل أن يبتعد.
أوضحت أوليفيا قائلة بتعجب: "حسنا! لا أعتقد أني رأيت بيرس يتأثر هكذا من قبل اطلاقا، انك بالتأكيد اصبت سهما هناك، يا أليكس."
كانت تأمل ذلك بالتأكيد، عرفت أليكس أنها وقعت في الحب من أول نظرة رغم أنها ما كانت تثق بذلك فعلا. و تاهت عن بقية المسرحية كلها، لأن افكارها كانت تسرح بعيدا جدا ، و لم يكن باستطاعتها أن تروي ما حدث، رغم أنها صفقت عند النهاية. و بدا أن الحياة عادت إليها فقط عندما خرجوا أخيرا إلى البهو و رأت بيرسينتظر عند الباب.
كان العشاء في المطعم القريب اكثر من عشاء عادي من جراء المشاعر الجديدة التي غمرت قلبها. و في ما بعد ، لم يكن هناك أدنى شك من أن بيرس سيوصلها إلى المنزل.
سار معها حتى باب الشقة التي كانت تستاجرها. و أخذ منها المفتاح و فتح الباب، و بقي ممسكا بيدها عندما اعاد المفتاح. ثم أخذ ينظر إلى وجهها المضطرب.
و تمتم بأنين متحسر غريب قائلا: "اليكس بتراكوس ، من كان ليعتقد أنك ستدخلين حياتي و تقلبينها رأسا على عقب؟"
حركت تلك العبارة أشياء غريبة في رأسها. سألته: "هل فعلت؟"
افترت شفتاه عن ابتسامة ساخرة ، و أجابها: "آه، أجل. بكل تأكيد. لم أكن اتوقعك."
"لم أكن أتوقعك، أنا أيضا، اتيت إلى هنما للعمل و ليس..." تعلثمت و توقفت عن الكلام.
ردد بيرس موافقا: "ليس." و هو ينظر في عينيها بغموض و اضاف: "ربما ليس من الذوق السليم أن ادخل منزلك في أول موعد لنا ، لكن رغبتي تعرف اني أريد ذلك."
سرقت الرقة التي غمرت صوته انفاسها، سألته: "أهذا موعد؟"
أجابها واعدا: "الأول من بين العديد."
قال بعد لحظات صمت: "الرجل الحكيم ينسحب عند هذه النقطة، لكن يبدو انني لا استطيع، ستتناولين العشاء معي غدا."
لم تفكر حتى في أن تقول لا، لكن لم يكن لديها فكرة كم ستغير كلمة "نعم" التي ستقولها حياتها.
ذهبت معه لتناول العشاء عشية اليوم التالي، و مرت الساعات بسرعة . و في الوقت الذي اعادها فيه إلى المنزل، كان حبها له أصبح عميقا جدا. كان شخصا يسهل التحدث إليه، مهتما بكل ما تقوله. و عندما أخذ يتكلم عن نفسه انشغلت بتأمل تعابير وجهه المتغيرة ، و الاستماع إلى النبرة الرقيقة في صوته ، مما جعلها غير قادرة على تذكر كلمة مما قاله، لكنها و رغم ذلك كانت مأخوذة به.
لم تلتق رجلا مثله في حياتها، إنه وسيم أنيق ، آسر بشكل لا يوصف ، جعلها تفتتن به. فكان بيرس كنسمة هواء منعشة بالنسبة لها.
اختار أن يرضي احاسيس أخرى ، فأصبح كل موعد مغامرة فيما يطلعها على تجارب جديدة و مثيرة، فقد يخضعان يوما للاستماع إلى الأوبرا الجليلة حيث يذهبان بعدها لتناول عشاء في مطعم راق ، و قد يسيران في اليوم التالي حفاة الأقدام على الشاطئ ، و يأكلان محار بحري على الرصيف الممتد على شاطئ البحر . و كان ذاك الانجذاب الضمني قائما بينهما، و لكن كان ذلك دائما ضمن الحدود. ثم و في إحدى الليالي، و فيما كان جالسا على الاريكة في منزلها ، قال لها بصوت أجش : "عندما آخذك إلى منزلي ، يا أليكس ، سيكون ذلك بعد الزواج ، و ليس بعلاقة عابرة."
و فيما كانت تنظر إليه ، دمعت عيناها و سألته بلهفة تحمل بعض الشك: "أتريد أن تتزوجني؟"
ابتسم ابتسامة ساخرة و قال: "اعتقد أن علي أن أفعل ذلك، قبل أن أفقد السيطرة على نفسي."
بحثت عيناها في عينيه، كانت تريد أن تتأكد و قالت له: "تعرف أنك لست مرغما على الزواج بي ، يا بيرس."
كانت نظرات عينيه الزرقاوين تحرقها ، ثم قال لها متهما: "اعرف ، لكن إما الزواج أو لا شيئ ، ام أنك لا تريدين الزواج مني؟"
صرخت قائلة: "أوه، لا! إني أريد الزواج منك يا بيرس، أنا أحبك كثيرا."
و بعد ثوان قليلة ، أوضح قائلا بصوت عميق : "إذا سنتزوج حالما استطيع الاعداد لذلك. لن تمانعي إن كنا نحن الاثنين فقط؟ لا أصدقاء ، و لا عائلة؟"
نظرت إليه ، و السعادة تغمرها ، و قالت : "ابي و امي لن يعارضا طالما سأكون سعيدة."
و هكذا، تزوجا بعد أيام قليلة في لوس انجلوس ، دون أن يخبرا أحدا أبدا، و استدعيا شهودا على زواجهما ، أشخاص غرباء لا يعرفونهما، و اتجها بسرعة من حيث اجريت مراسم الزواج إلى المطار ليلحقا بالطائرة المتجهة إلى نيويورك ، لم يكن يقلقها إنها لا تعرف عنه سوى القليل جدا، عدا أنه اميركي و رجل اعمال ، لقد وقعا في حب بعضهما البعض، و كان وقتهما ثمينا جدا للاهتمام بأمور كهذه. عرفت أنه رجل أعمال ناجح، لقد اكتشفت أن الحب هو كل ما يحتاجاناه ليكونا سعيدين.
كان الوقت متأخرا جدا عندما وصلا غلى شقته. و وجدت أليكس نفسها فجأة متوترة. قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يتواجدا فيها بمفردهما بالفعل، و ما ينتظرها في تلك الليلة جعلها ترتجف من الخوف. لم تتواجد مع رجل لوحدهما تحت سقف واحد طوال عمرها البالغ واحدا و عشرون عاما، كان مزاجه يبدو غريبا. كان هادئا طوال الرحلة ، منشغل البال، و عندما تكلم كان هناك تكلف غريب في تصرفه، الأمر الذي وجدته مثيرا للأعصاب قليلا.
و عندما استمر في مزاجه الغريب حتى عندما كانا يتناولان الوجبة التي كانت مدبرة منزله قد أعدتها لهما و التي لم يكن أيا منهما يتناولها بشهية، وجدت نفسها مجبرة على الكلام، فسألته: "هل كل شيئ على ما يرام؟"
استمر بيرس بتقطيع قطعة اللحم ، دون أن يرفع نظره غليها، ثم رمى بالسكين و الشوكة جانبا و رفع عينيه لتلتقي نظرتها الخائفة بنظرة كانت تعرفها جيدا، و التي جعلت قلبها يدق بقوة في صدرها.
قال موضحا بصوت أجش: "لا، الأمور ليست على ما يرام، أنا أريدك ، يا أليكس."
كانت تلك الليلة أجمل ليلة عرفتها في حياتها، ليلة دخلت فيها إلى عالم جديد لم تعرفه من قبل.
تقلبت أليكس في مخدعها في الصباح ، و سرت في جسمها موجة دافئة من السعادة الكلية لأنها لم تعد أليكس بتراكوس فقط بل السيدة بيرس مارتينو.
لكن كل ذلك كان الليلة الماضية. لقد أشرق الصباح الآن ، و كل ما عليها القيام به هو أن تمد يدها و تلمس شعره الداكن.
كانت حركة لم تكملها اطلاقا، لا، زوجها انتفض بعيدا عند أول لمسة لها ، جلس ، و دفع الغطاء . و صرخ قائلا: "لا تلمسيني." و صدمتها نبرات صوته الثائرة ، مما جعلها غير قادرة على الحراك، لكن فقط لجزء من الثانية ثم نهضت هي أيضا، و هي تنظر غليه دون أن تصدق ما سمعته اذناها ، فيما كان هو يبتعد عن السرير بخطوات ثابتة. ازاحت بيد مرتجفة خصلات شعرها الطويل و قد غشت عينيها الرماديتين ، سحابة من الألم.
سألته بنبرة كانت تتأرجح بين دعابة وادعة و رعب مما قد يحدث: "ماذا؟"
بدا و كأن زوجها الطويل ، النحيل ، الداكن الشعر قد تصلب لدى سماعه صوتها ، لكنه لم يوقف تقدمه نحو الحمام.
استجمعت أليكس أفكارها المبعثرة و نهضت من الفراش بسرعة . عليه أن يفسر لها معنى تلك الكلمات إن كان يريد منها أن تعتبرها مجرد دعابة إن كانت حقا كذلك.
استطاعت أليكس أن تبقي صوتها طبيعيا بجهد كبير، لكن رغم ذلك كانت صدمتها جلية عندما نادته قائلة: "بيرس! ليس ذلك مضحكا يا عزيزي."
و صدف أن بيرس كان منحنيا فوق المغسلة بانتظار أن يمتلئ الحوض بالماء، فأقفل صنبور الماء قبل أن يميل برأسه نحوها. لم تستطع أن تحبس تنهيدة خانتها فيما كانت عيناه تتفحصانها من رأسها حتى أخمص قدميها بإزدراء، و انتابتها موجة مؤلمة من الشعور بالاذلال لم تخالجها من قبل قط. فاتسعت عيناها و شعرت بشيئ ثقيل و بارد كالحديد يملأ معدتها.
كان صوت بيرس يحمل إهانة أيضا عندما تكلم قائلا: "لم أتخيل للحظة أنها كذلك."
لم تستطع أن تصدق أنه يقول شيئا يؤلمها هكذا، ليس بهذه البرودة. لم تكن دعابة ، بل كانت شيئا حقيقيا مريعا أكثر من ذلك. و كان عليها أن تعرف ما هو قبل أن ينهار عالمها و يتحول إلى حطام. فقال: "بيرس! ماذا حدث؟ ما الخطب؟"
كان بيرس منشغلا بوضع صابون الحلاقة على ذقنه، إلا أنه توقف ليرميها بنظرة ساخرة بدت و كأنها تحط من قدرها و قال: "ما الذي يجعلك تعتقدين أن هناك خطب ما؟"
و تعثرت في شرك من الارتباك. حتى الأمس كان محبا للغاية، و الآن... و بحثت يائسة في فكرها عن جواب ما، أي شيئ قد يوقف التيار المظلم من الألم. سألته: "هل هناك شيئ ما فعلته؟ هل أنت نادم على الزواج مني؟" لقد كان الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفكر به.
ضحك لسماعه ذلك، و قال دون أي أثر ينم عن المزاح: "لا، كان عندي كل العزم على الزواج منك. كان ذلك ما أردت."
كان ذلك هو الجواب الذي أرادت سماعه، لكنه كان يحمل في طياته ما أصاب قلبها بقشعريرة. لقد بدا باردا جدا، و خاليا من العاطفة كجوال في متاهة، عرفت أن هناك طريقا واحدا للخروج من هذه المتاهة، و ذلك أن تتبع الممر الذي وضعها فيه و قالت: "قد تكون أردت ذلك، لكن اعرف أن هناك خطب ما. لست حمقاء كثيرا، بقدر ما ابدو بالنسبة إليك الآن. اعرف ذلك فقط، أنه مهما كان الأمر ، فبإمكاننا أن نحله سوية. هذا كل ما يتطلبه الأمر عندما يحب شخصان بعضهما الآخر."
لم يزعج زوجها نفسه حتى في أن يوقف حلاقته. فقال: "من قال شيئا عن محبتنا لبعضنا؟"
كان السؤال الفظ ضربة قاضية هزت كيانها. شعرت أليكس بألم في حنجرتها و هي تدفع صوتها لتقول له: "لكنني احبك يا بيرس."
قال: "هذا أوافقك عليه." و رمقها بنظرة حادة من عينيه الزرقاوين جعلتها تدرك ما قصده.
لم يكن لديها دفاعا تجاه الحقيقة التي أرادها أن تقر بها و صرخت: "لا!" كانت صرختها انكارا صارخا للألم المدمر الذي مزقها.
غسل بيرس بهدوء الصابون المتبقي و تناول المنشفة و قال: "لا، صحيح تماما أن النوم العميق قد فعل العجائب لادراكك."
شعرت أليكس أنها ضعيفة جدا بحيث تمسكت بمقبض الباب حتى لا تقع أرضا، فيما ضغطت يدها الأخرى بشدة على قلبها و قالت هامسة بإنكسار: "لقد أخبرتني بأنك تحبني."
قال: "إذا فكرت بذلك بروية ستتحققين بأنني لم استعمل قط تلك الكلمات."
و جنح فكرها المعذب إلى الوراء، إلى كل محادثة أجرياها، و عرفت أن ذلك حقيقة. فيوم أخبرته أنها تحبه، اجابها بيرس... و أغمضت عينيها أمام عينيه بقلق . لقد ظنت أنه قد أخبرها ذلك ، لكن كلماته الفعلية كانت بأنها لن تدرك عمق المشاعر التي يكنها في قلبه لها!
لم تكن حبا قط، كانت فقط...
كان عليها أن تعرف، رغم أن ذلك آلمها حتى الموت فسألته: "لم تزوجتني يا بيرس؟"
اجابها و صوته يحمل تهكما محزنا: "لم؟ تزوجتك حبا بالانتقام."
دوت الكلمة كالقصف في اذنيها و سألته: "الانتقام؟ لكن ذلك لا يفسر شيئا، من أجل ماذا؟ ما الذي فعلته؟"
عندها رأت الغضب في عينيه ، غضب شديد ازاح جانبا كل الازدراء المريع و سألها قائلا: "هل حفيدة يانيس بتراكوس لا تعرف حقا؟ لا استطيع تصديق ذلك، يا عزيزتي أليكس. ابحثي في ثنايا ذاكرتك، و أنا متأكد انك ستجدين الحقيقة ، بالطبع ، إن لم تستطيعي تدبر الأمر ، يمكنك دائما اللجوء إلي لطلب ذلك." سيطر على غضبه بذلك الاستخفاف الساخر و تابع قائلا: "و الآن ، إن كان علي الوصول إلى المكتب عند الساعة الثامنة و النصف ، يجب أن أغتسل الآن الأمر الذي أفضله مع قليل من الخصوصية إن كنت لا تمانعين." اقفل بيرس باب الحمام بوجهها بعد اطلق رميته الفاصلة و رآها تصيبها في الصميم.
تعثرت أليكس على بعد بضعة اقدام من فراشها و سقطت منهارة عليه. كانت أطرافها مشوشة. الواقع الوحيد الذي تغلغل في اعماقها هو أنه لم يكن يحبها . كانت الكلمات تدور و تدور في رأسها و كأنها اسطوانة معطلة. عندما دخل بيرس عليها بعد دقائق و قد رمقها بنظرة سريعة ، راقبته بوجه شاحب و عينان غائرتان. لم يكن هناك أثر لتلك اللطافة المحببة، فقد بدا قاسيا مظهرا لونه الحقيقي.
توقف قليلا بعد أن ارتدى بدلته الرمادية الداكنة متجاهلا وجودها قبل مغادرته، و قال: "إن اسم مدبرة المنزل هو السيدة رانسوم، ان احتجت إلى شيئ اسأليها فقط."
لم يكن لدى أليكس رباطة الجأش اللازمة لتجيب، و لم يكن بيرس منتظرا لسماع ذلك. تركها دون أن يضيف كلمة أخرى، تركها برفقة تعاستها لشعورها بالغدر و افكارها المعذبة، بعد دقائق ظهرت السيدة رانسوم لتسالها ان كانت تريد تناول الفطور. كانت أليكس في مكانها دون حراك ، و وجهها الشاحب خاليا من أي أثر للدموع التي أبت أن تتساقط لم تكن تشعر بالخدر ، مع أنها تمنت ذلك الأمر الذي يضع نهاية لآلامها.
رفضت بهدوء تناول الطعام جاهدة تصنع ابتسامة على وجهها و هي تقول: "لا، شكرا، يا سيدة رانسوم. ما زلت اشعر بتعب من عناء السفر." التذرع بحجة تلك الظاهرة الحديثة كان أسهل بكثير من اخبارها الحقيقة التي كادت أن تفشيها لو لم تكبحها بقولها: "اعتقد اني بحاجة للراحة أكثر من الأكل."
اومأت مدبرة المنزل براسها و قالت: "حسنا، يا سيدة مارتينو. اتسمحين لي ان انتهز هذه الفرصة لأتمنى لك و للسيد بيرس السعادة؟"
لم تعرف أليكس ماذا تفعل ، أتضحك أم تبكي. السعادة؟ لا بد و أنها قدمت لها جوابا مقبولا، لأن مدبرة المنزل ابتسمت و غادرت المكان.و سقط القناع فيما اخفضت رأسها و قد اظهرت انحناءة عنقها انكسارها المريع. لم تعرف ماذا عنى بيرس بكلامه. فعائلتها لم تمسه بسوء ، حتى انها لم تسمعهم يذكرون اسمه قط. لكن بيرس كان متأكدا جدا . قال أنه يريد الانتقام ، لذا اعد خطة ليخدعها و نصب لها فخا لهذا الغرض. لقد امضى اسابيع و هو يلاحقها طالبا يدها للزواج مستعملا كل جاذبيته ليقنعها بهيامه ، لتكون زوجته حتى يتمكن من نبذها بخشونة بهذة الطريقة.
غطت وجهها بيديها. لكنها أحبته ايضا! كيف يمكنه أن يخدعها هكذا؟ هذا ليس عملا انسانيا ، كان خاليا من المشاعر... و احست بأن قلبها قد تمزق إلى اشلاء ، حتى أن شرايينها كانت تنزف ألما. فيما كان الألم يتعاظم كان يفسح المجال تدريجيا لولادة غضب عارم و حارق.
لم تفعل شيئا حتى تستحق هذا! كانت صرخة من أعماق قلبها اجابت عليها دماؤها. شعرت فجأة أنها تريد أن تؤذيه كما اذاها. ملأت تلك الفكرة جوفها بلهيب متوهج، مجرد ذكرى كيف منحت كل حبها و ثقتها لهذا الرجل جعلتها تشعر بوصمة عار في اعماق روحها. حرارة دموعها احرقت عينيها، لكنها رفضت البكاء امامه، لقد رماها في الحضيض ، لكنها لن تدعه يراها باكية.
عادت أليكس من رحلتها مع الماضي و قد أحست بقشعريرة. و ضعت كوب العصير جانبا دون أن تشرب منه شيئا. و أخذت تفرك ذراعيها براحة يديها لتزيد فيهما بعض الدفء. فالانتقام الذي سعت إليه من خلال غضبها و ألمها لم يتحقق بعد، فقد كانت هذه البداية فقط. لم يحدث معها شيء مؤخرا أثر بها كما فعل غدره بها. فقد اصابها الأذى عميقا متخطيا كل ما عداه.
حتى الآن، كما اخبرت بيرس بأن فترة زواجهما القصيرة قد لقنتها درسا. درسا قيما. لن تقع ثانية في مصيدة كذب الرجل ثانية، و لن تفسح له المجال ليسيطر على حياتها، و لن تكون له القوة ليتلاعب بها و يؤذيها. و لن تطلق العنان لأحاسيسها أن تقودها للغرق في نفس المياه الخطرة حاجبة عنها الرؤية الصحيحة.
لقد تلقت انذارا الليلة بأن جاذبيته طاغية و قد اكتشفت مدى هشاشة انوثتها التي جعلتها ضعيفة امامه ، اذن يجب أن تحترس و تبقي ذهنها صافيا و ان لا تدع عاطفتها تتغلب على منطقها. كانت الطريقة الوحيدة التي تجعلها متقدمة عليه خطوة واحدة إلى الامام ، أنها لا تثق به. لقد تعلمت ذلك بطريقة قاسية.
مهما كانت الخطة التي لديه، فعليها أن تكون على حذر منها. أنها تعرف كل شيء عن شركة مارتينو الآن. كانت متنوعة جدا. كانت هناك شكوك حول تهديده بالاستيلاء.
فقد كانت لديه عادة الحصول على الشركات النهارة حيث يعمد إلى تجزئتها ثم يبيعها كسبا للربح. إن كان هذا ما يفكر به ناحية دار بتراكوس للنشر، فعليه أن يعيد حساباته ثانية.
كانت سمعة بيرس الشخصية ناصعة البياض، فلديه لمسة ميداس. كان أمرا نادرا أن تكتب عنه كلمة في غير مدحه. و مع ذلك فقد كان هناك فارق بين شخصه كرجل اعمال و بين ما عرفت عنه مؤخرا كرجل. لو لم تكن امبراطورية بتراكوس في ضائقة ماسة ، لكانت قطعا دونما حاجة إليه. لكن عليها أن ترغم نفسها لتتغاضى عن كبريائها و أن تكون عملية من أجل معيشة الآلاف من العاملين في المؤسسة.
ان أبقت تفكيرها ضمن هذا الاطار فيمكنها أن تتولى أمر بيرس. فقد نضجت كفاية على مدى الخمس سنوات الأخيرة. و عرفت أنها أصبحت أكثر نباهة و ذكاء. لن تكون جبانة و تفر هاربة. هذه المرة ستقف في وجهه و ستنتصر عليه.
كانت مجرد فكرة جعلتها ترسم ابتسامة مشدودة على شفتيها و شقت أخيرا طريقها إلى غرفتها. ربما يمكنها أن تنتقم أخيرا.



***********************************

redroses309 04-10-09 08:16 AM



الفصـــــــــــــــل الثالــــــــــــــــــث


ارتدت أليكس ثيابها صبيحة اليوم التالي بعناية زائدة. فلقاؤها هذا مع بيرس سيكون امتحانا لإرادة كل منهما، و تقضي مصلحتها أن تظهر واثقة بنفسها تماما. لذا اختارت لنفسها ثوبا اسود اللون زينته بدبوس مرصع بالألماس على الياقة، كانت قد ورثته عن جدتها ، و جعلته متكاملا بوضع اقراط ماسية في اذنيها و سلسلة ذهبية بسيطة حول عنقها.
تقدمت نحو المرآة و نظرت فيها لترى مدى الأثر الذي قد يتركه ظهورها امامه . كانت مسحة الزينة التي وضعتها متقنة و خفيفة و كانها لم تضع شيئا، و رضيت عن نفسها.
منتديات ليلاس
إنها تبدو امرأة اعمال تسيطر على حياتها تماما. لقد عملت بجد لكسب عيشها و كسب الاحترام الذي تتلقاه الآن. و لم تكن لتتخلى عن ذلك بسهولة.
كان الوصول إلى المكتب امرا مرهقا دائما، لكن اليوم سبب آخر زاد من ذلك. كان الوصول متأخرة آخر شيء تريده أليكس فهي تعرف كم من الصعب تعويض الوقت الضائع. و إبقاء بيرس منتظرا لم يكن جزء من خطتها، إنما ارادت أن تريه أن بإمكانها المحافظة على برودة اعصابها تحت الضغوط . و لحسن الحظ كانت الأمور تسير لصالحها.
و سرعان ما استقلت المصعد من موقف السيارات السفلي ليوصلها إلى مكتبها في الطابق الأعلى. عرجت أليكس على سكرتيرتها المنكبة على عملها بجد قائلة لها: "طاب صباحك يا روث."
نظرت إليها المرأة بابتسامة و قالت: "طاب صباحك يا أليكس، كيف حال والدك؟"
أجابت أليكس و هي تنقر بأظافر اصابعها المطلية بلون زهري على سطح طاولة المكتب اللامعة قائلة: "بخير، اسمعي ، من الأفضل أن تغادري مكانك الآن. سيأتي أحدهم لزيارتي عند الساعة العاشرة ، لذا أريدك أن تخلي المكان لي."
تناولت روث المفكرة و قالت: "هناك فقط موعد مع السيد جونسون من الاتحاد مدون هنا لفترة قبل الظهر."
قطبت أليكس جبينها فالاتحاد كان يسبب لها آلاما منذ ايام ، و كانت تبعدهم عنها حتى تصلها بعض الأخبار المؤكدة لذا قالت: "حسن، لن يعجبه هذا، لكن ما باليد حيلة، حاولي أن تجدي له موعدا في فترة بعد الظهر ، لكن إن لم تفلحي، اخبريه... اخبريه بأننا سنحدد له موعدا آخر لأن النور قد يلوح في نهاية النفق."
انتصبت اذنا روث التي كانت قلقة على وظيفتها كأي شخص آخر و سألتها: "هل هناك بصيص نور؟"
لاكت أليكس شفتيها و قالت باقتضاب: "كل هذا يعتمد على لقائي مع بيرس مارتينو."
تساءلت سكرتيرتها بتلهف واضح: "تعنين السيد مارتينو نفسه الذي يعمل في تجارة السفن؟"
لسوء الحظ لم يكن هذا الكلام مدعاة فرح بالنسبة لأليكس التي أكدت لها ذلك.
تنططت روث في مقعدها و قالت: "تعرفين ، للمرة الأولى اشعر حقا بأن أمورنا قد تتحول ، و على اية حال ، لقد فعل العجائب بذلك الأسطول، أليس كذلك؟ محولا الخسارة إلى ربح بأسرع مما تتصورين."
تمتمت أليكس باكتئاب قائلة: "أجل، قد يكون ذلك صحيحا، لكن افضل أن لا تنشري هذا الخبر حتى نعرف طبيعة الاتفاق ، فإن بيرس مارتينو لا يفعل شيئا دون مقابل أبدا."
قالت روث بفضول: "تبدين و كأنك تعرفينه."
استجمعت أليكس قواها لتضبط نفسها، و قالت لها: "لقد سبق و التقينا. سأكون في مكتب والدي ان احتجتني."
سارت إلى مكتبها ، حيث ألقت بحقيبتها على طاولة المكتب قبل أن تدخل مكتب والدها عبر الباب الذي يصل بين المكتبين. بدا المكتب دون وجوده على كرسيه المتحرك ، كأنما الحياة قد هجرته. و لم تستطع بأية طريقة ، أن تتخيل أنه لن يعود إلى هنا. و كان على ستيفن بتراكوس فوق ذلك ، و إن كان ما يقوله الاطباء صحيحا، ان يحدث تغييرا سريعا في نمط حياته إن كان يرغب في البقاء حيا مدة أطول .
اتجهت إلى خلف طاولة المكتب ، و مررت يدها فوق جلد الكرسي الناعم، ثم و ببطء القت بنفسها على مقعدها الوثير.
و قد غمرها احساس انها قد بذلت كل ما في وسعها. كانت الكرسي كبيرة جدا عليها، انها بحاجة لستيفن بتراكوس آخر يملأها ، و جعلتها معرفة ذلك تشعر بالتعب. لقد حلت محل والدها لأن الجميع توقعوا ذلك منها، حتى هي نفسها. و الآن ها هم يتوقعون منها القيام بالعجائب.
دارت في الكرسي حتى أصبح بإمكانها ان تسرح بنظرها عبر النافذة. كانت تعرف انها نجحت بما قامت به، لكن ذلك كان على الصعيد الاعلاني للاعمال، فلم تكن الإدارة امر تهدف للحصول عليه. و مع ذلك فقد بذلت كل ما في وسعها، و كانت تشك في أن أحداغيرها يعرف حجم الديون التي تراكمت على والدها، الأمر الذي اظهر لها رجلا يتحلى بفسحة من الاحتيال لم تكن تعرف انها موجودة من قبل.
و رغم ذلك فقد ادركت من خلال اللقاءات مع المدراء الآخرين، أن الجميع ليسوا غافلين عن ذلك الأمر مثلها، و جعلها توسع الشركة بشكل متطرف و حجم فوائد المدفوعات الذي تم عبر قروض ضخمة من المصرف و نظم لبدء مشاريع جديدة، تشعر بالغثيان، بدا أن المال يتدفق إلى خارج الشركة لا إلى داخلها، مما جعل الأمر يبدو ككابوس. لا عجب ان عانى والدها من نوبة قلبية. فما كانت الشركة بحاجة إليه هو حفنة كبيرة من السيولة و يد قوية لتكبح الفرامل.
تنهدت بصوت عال. و كان من سخرية الأقدار المريرةأن الشخص الوحيد الذي يملك الحل هو زوجها السابق ، و لم تكن ترغب في إقامة علاقة عمل معه لأنها كانت تعرف في أعماق نفسها أن الثمن سيكون باهظا ، ففي المرة السابقة كان جدها هو من عانى. ربما أن الأمر لم يكن ذا قيمةكبيرة ، لكن اسطول السفن التجارية العائد لعائلة بتراكوس كان مصدر فخرا له ، و فقدانه قد قتله ، ليس مباشرة ، انما على المدى الطويل.
رغم أن نظراتها كانت ما تزال على العالم الخارجي ، إلا ان منظرا آخر انعكس على أفكارها. اسطول السفن التجارية لعائلة بتراكوس، فقبل خمس سنوات لم تكن تعرف بوجوده حتى، لكنه أمر لن تستطيع نسيانه اطلاقا ، كما أنها لن تنسى ذلك اليوم الذي سمعت عنه لأول مرة من بين شفتي بيرس مارتينو...
رفعت أليكس رأسها عند سماعها صوت فتح الباب و اغلاقه، و قد تبع ذلك نبرات زوجها الخافتة و المميزة ، فنظرت بعينين مروعتين إلى الساعة و دهشت عندما رأت أن عقاربها تشير إلى ما بعد السابعة مساءا. لقد مر الوقت و هي تجلس على الكرسي قرب النافذة سجينة في عالم النسيان حيث كانت احاسيسها مخدرة بالسعادة.
غادرت ، كما أملى عليها كبريائها ، لأنها أدركت أن عليها أن تواجهه مرة أخرى. لقد قتل حبها له. و استغلها دون أن يفكر بمشاعرها. و هي تريد أن تعرف السبب فإنها تستحق أن تعرف الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
أحست أليكس بتشنج عضلاتها و هي تنهض على قدميها فقد كان جسمها كله و كأنه قطعة صلب مؤلمة، و شعرت بالبرد رغم أنها كانت مرتدية سروالا من الجينز و كنزة.
عرفت أن احساسها ذلك كان ردة فعل و تمنت ان لا تخونها ملامحها عندما ترى بيرس. كان يعرف أنه قد جرحها ، لأنه تعمد أن يفعل ذلك.
مواجهته من جديد الآن لن تكون أمرا سهلا، و لعلها اصعب شيء قامت به في حياتها. كان باستطاعة الغضب فقط أن يمدها بالقوة التي تحتاجها.
كانت الشقة كبيرة، لكن كل ما كانت تعرفه فيها هو غرفة الطعام و غرفة النوم. كانت تتوق إلى معرفة أقسامها ، لكنها هذا الصباح لم تشعر برغبة في ذلك!
و فيما هي واقفة في الردهة ، نظرت بسرعة من حولها. كان هناك إلى يسارها باب مفتوح جزئيا و الضوء يظهر من خلاله ، ففكرت ان كان بيرس موجودا في أي مكان ، فعليها أن تبدأ بحثها عنه هناك.
وجدت أليكس نفسها في حجرة جلوس واسعة حديثة التصميم.
و كانت الستائر المخملية تغطي الجزء الأكبر من أحد الجدران، مما يعني على الأرجح أن نافذة تغطي ذلك الجزء. و كان هناك ارائك و كراسي ذات اذرع جميلة جدا حول مناضد منخفضة، و كان السجاد يخفي حتى أثقل وقع أقدام عليه، كما أن طلاء الجدران كان مبتكرا. كانت لتجدها في أي وقت آخر غرفة مذهلة جدا، لكنها الآن كانت متوترة جدا للاستمتاع بأي شيء سطحي كهذا. كانت هناك مدفأة في الجهة المقابلة، و رغم أنها لم تكن مشتعلة اتجهت نحوها ، بخطوات هادئة، و كأنما اقترابها من المدفأة يدفئ اصابعها الباردة كالثلج.
جعلتها قرقعة الثلج على الزجاج تدير رأسها بسرعة. لقد كان بيرس واقفا إلى جانب منضدة يراقبها بعينين غائمتين.
"أتودين تناول عصير الليمون قبل العشاء؟"
كان سؤاله ذلك كصفعة على الوجه. كيف بإمكانه أن يكون هادئا هكذا بعد ما حدث هذا الصباح؟ فازداد غضبها و اجابته و هي تصر على اسنانها: "لا، شكرا."
و أخذت تراقبه و هو يتقدم نحوها بخطوات متمهلة.
رأت شفتيه و قد قلبهما بسخرية عندما اصبح في نطاق الدائرة الضوئية التي بانت من المصباح المضاء إلى جانب الأريكة. ثم قال لها: "أرى انك تلبسين ملابس الحداد."
نظرت أليكس إلى ملابسها ، و لاحظت لأول مرة انها سوداء.
لم تكن تتعمد ذلك فقد كانت ملائمة تماما. تنحنحت قليلا و قالت بصوت أجش: "شيء ما مات اليوم يا بيرس، و مازلت لا أعرف لماذا."
اقترب بيرس أكثر، و ألقد بإحدى ذراعيه على رف المدفأة و قال: "اخبرتني السيدة رانسوم انك أمضيت النهار في غرفتك."
وجدت أليكس نفسها تكاد لا تحتمل اقترابه منها، و رغم ذلك أجبرت نفسها على أن لا تقوم بأية حركة لتبتعد عنه كي لا يعتقد أنها تهرب منه. قالت له: "اني اطلب منك أن تخبرني لماذا فعلت هذا؟ ماذا عنيت بما قلته عن جدي؟"
وقف للحظة يحدق بها ، ثم هز كتفيه بال مبالاة و قال لها برقة: "أنا و انت، يا عزيزتي أليكس ، تجري في عروقنا دماء يونانية. و بالنسبة إلينا القسم لا يؤخذ باستخفاف. و إني انفذ وعدا قطعته. أما متى ظهر يانيس بتروكس في الصورة فيسرني جدا أن اخبرك بالأمر عندما أرى ان الآوان قد حان لذلك."
تجاهله جعلها تشعر بالغثيان. و أصرت قائلة بغضب: "أريد ان أعرف الآن."
جالت عيناه الزرقاوان في شخصها المتصلب بتعجرف متكاسل. و اجابها: "بعد العشاء."
"أوه كم أكرهك!" خرجت تلك الكلمات من بين شفتيها كتنهيدة عميقة، فضغطت عليهما بقوة كي لا تتمكن اية كلمات أخرى الافلات من بينهما.
على اية حال لو أنها صرخت لبدا مستمتعا ، تماما كما يبدو الآن. اجابها: "حقا؟ البارحة فقط كنت تحبينني."
شهقت لتلك القساوة المتعمدة، و حدقت في عينيه فيما حدثت عملية قتل في قلبها. و سألته: "لماذا لم تتحداني عندما التقينا ان كان وعدك هذا مهم جدا؟"
اجابها: "ألم تجدي جوابا لذلك لوحدك؟ كان لديك النهار كله لأني كنت بحاجة لك لتكوني زوجتي، فدون ذلك ، كان بإمكانك ان تفري سالمة."
شعرت و كأن قلبها يعتصر بقوة. كان يمزقها ، تاركا اياها دون اي شيء. لا شيء سوى كبرياء عنيف، جعلها ترفع ذقنها قليلا و قالت له: "ما زال بإمكاني القيام بذلك الآن، أم تقول بأني سجينتك؟"
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة فاترة و اجابها مؤكدا بسهولة: "بإمكانك الذهاب ساعة تشائين. لست بحاجة لك كرهينة. كل ما كنت بحاجة إليه هو أن تصبحي زوجتي، و أنت كذلك الآن، أليس كذلك؟"
شعرت أليكس أن لونها قد شحب و سألته: "اتقول لي أن كل ما جرى بيننا فعلته فقط لتتم الزواج؟"
رفع أحد حاجبيه بازدراء، و اجابها: "ايمكن أن تكوني حمقاء لدرجة أن تتصوري أني قد أترك أي مهرب؟ فتنفيذ الوعد كان يعتمد على ذلك."
كادت تختنق تقريبا من شدة الغثيان الذي ازداد فجأة و هزت رأسها غير مصدقة ما تسمعه، و قالت له: "كيف حدث اني كنت حمقاء لدرجة اني اعتقدت اني احبك؟"
غطت جفناه العينين الزرقاوين فيما هو يمد يده ليمرر اصابعه على وجنتيها. و سألها: "أأنت متأكدة تماما انك لا تحبينني الآن؟"
سرقت قساوة قلبه انفاسها. لقد أخبرها للتو انه تزوجها لأنه مجبرا على ذلكو ليس لأنه كان يريد ذلك، و الآن ها هو يريد ان يثبت أنها ما تزال طوع بنانه متى أراد ذلك.
فصرخت بوجهه قائلة: "لا تجرؤ على لمسي."
و فجأة ظهرت في عينيه نظرة غريبة لم تعهدها بهما.
و قال لها موضحا بصوت أجش: "لا تتحديني أبدا ، يا أليكس، فهذا أسوأ شيء قد تقومين به." و أمسك بها فيما كانت تحاول الفرار و أعادها ، و هي تحاول المقاومة فيما ثبت ذراعيها بذراعيه ، و دفع رأسها بيد ثبتها باحكام في شعرها. و مرت لحظة التقت فيها عيونهما، عيناها تظهران الإشمئزاز و عيناه تحملان تلك النظرة الغريبة التي لم تستطع تفسيرها.
و عندما اطلق بيرس سراحها اخيرا بدت عيناها متسعتين في وجهها المتقد ، فيما كانت عيناه تلمعان بإشعاع لدرجة الانبهار.
قال لها: "ليس الأمر سهلا، أليس كذلك؟"
ما كان ليختار طريقة أفضل ، ان كان يريدها أن تشعر بالازدراء، لذا قالت له: "لم أكن اعتقد قط اني استطيع احتقار اي انسان كما احتقرك. و اني لا اشعر سوى بالكره لشخص قد يفعل ما فعلته انت بي اليوم." استدارت قبل ان يستوقفها صوته قائلا: "إلى اين أنت ذاهبة؟"
رمته بنظرة مليئة بالإشمئزاز ، و اجابته: "سأعود إلى غرفتي حتى تصبح مستعدا للتكلم معي."
كان التوتر الذي يبدو من صوته مرعبا عندما قال لها: "إن كنت تريدين معرفة الوقائع، عليك أن تنضمي إلي خلال العشاء. انني اصر على ذلك."
استدارت أليكس عائدة ، و قد كبتت أعتراضها و هي تعرف أن عليها معرفة كل شيئ رغم أنها لا تريد رؤيته ثانية.
جلست على الطرف الآخر من الأريكة لتبتعد عنه قدر ما تستطيع ، و أجبرت نفسها لتنظر في وجهه قائلة: "حسنا، ان كان ذلك ما تستمتع به، سآخذ ذلك العصير الآن." لقد كانت بحاجة ماسة له.
اجابها بيرس بإيجاز: "لم أقل اني استمتع بذلك." فيما كان متجها ليسكب لها كوبا من العصير ، ثم عاد حاملا بيده عصيرها المفضل.
ساد الصمت و لم يكن في نيتها القيام بمحاولة فتح محادثة لطيفة. فهذا لم يعد شهر عسل، و هي العروس الخجولة، اما حرب إنهاك، و هي لن تتصرف على غير هذا النحو ، لذا شعرت بالارتياح عندما قرع الباب و دخلت السيدة رانسوم لتخبرهما ان العشاء جاهز. كانت مجرد فكرة الطعام بالنسبة لأليكس مثيرة للغثيان، لذا حاولت استجماع كل رباطة جأشها لتتمكن من أن تأخذ مكانها إلى الطاولة، لكنها بعد ذلك لم تحاول أن تأكل الطعام الذي وضه امامها ، و لا حتى لتتظاهر انها فعلت ذلك.
تأملها بيرس عبر الطاولة ، و لم يعجبه مظهرها الهادئ الصامت.
و بعد لحظة قال لها مشجعا و هو يشير للحساء: "ان هذا لذيذ جدا، عليك أن تتذوقيه."
تحدت عيناها عينيه و هي تسأل بغطرسة: "هل هذا أمر؟"
فبدا التوتر على فمه و سألها قائلا: "هل تنوين ان تميتي نفسك جوعا؟"
"بسببك انت؟ ابدا!"
فابتسم ابتسامة متجهمة لذلك، و قال لها: "لذا تناولي بعض الحساء ، يا أليكس. فكما اخبرتني السيدة رانسوم فأنت لم تتناولي شيئا من الطعام طوال النهار." كان هناك حدة في صوت بيرس ممزوجة ، من بين أشياء عدة، باهتمام لا يحتمل، حين قال: "هل علي أن اذهب إليك و أطعمك؟"
لجأت أليكس إلى السخرية فأجابته: "ما الأمر؟ اتخشى أن ينعكس الأمر سلبا عليك ان مت؟"
استوى بيرس في جلسته على كرسيه، و نظر إليها بتجهم قائلا: "اني لا أخشى شيئا. اني افعل فقط ما يجب ان أقوم به. ليس في نيتي اطلاقا ان أجعلك تمرضين."
استعدت أليكس لمجابهته، و أجابته بشكل لاذع: "إذا، من الأفضل أن تغرب عن نظري أو تدعني أرحل، لأن مجرد رؤيتك تشعرني بالغثيان."
ابتسم و أجابها: "لا تقلقي، ليس في نيتي أن اطيل رفقتنا معا. حالما أحصل على ما أتيت من أجله. لن تريني ثانية اطلاقا."
شعرت أليكس ان عضلات وجهها تتصلب ، فصرخت قائلة: "اتمنى لو اني لم ارك قط." في الوقت الذي دخلت فيه مدبرة المنزل إلى الغرفة. فكان عليه أن ينتظر حتى تزيل السيدة رانسوم اطباق الحساء عن الطاولة و تضع مكانها طبق الطعام الأساسي كي يجيبها.
و عندما اصبحا بمفردهما من جديد ، هز بيرس كتفيه العريضتين بلامبالاة و قال لها: "لطالما كان علينا أن نلتقي، يا أليكس. هناك أمور لابد أن تحدث."
كادت تضحك ، يريدها الآن أن تصدق أن للاقدار دور بما حدث! لكنها اجابته: "اني لا أصدق هكذا أمورا خرافية. لقد خططت لكل شيء حتى التفاصيل الدقيقة ، و لم تترك شيئا للصدفة. يا لهذا التكبر! اخبرني، ماذا كنت لتفعل لو اني كنت مخطوبة و على وشك الزواج؟"
"لكنت حاولت جاهدا ان أفسخ خطوبتك، بالطبع."
صدقته، فرجل فعل ما فعله بيرس ما كان ليعيقه اي ارتباط موجود. و مهما يكن الأمر الذي يعتقد أن عائلتها قد فعلته، فإنه خطير بما يكفي ليقوم بأي تصرف ، مهما كان مخادعا. فقالت: "اعتقد أنك كنت لتفعل ذلك، و ليس عندي ما أشعر به تجاهك سوى الاحتقار."
"طالما انك افصحت عما في نفسك، و ربما احدا منا لا يستمتع بهذه الوجبة على ما يبدو ، يمكننا ان ننتقل إلى غرفة المكتبة."
غار قلبها، لكنها نهضت بسرعة و لحقت به عبر الممر.
اضاء النور و حثها على الدخول. كانت غرفة ترسل الارتياح في النفس مزدانة برفوف من الكتب، في إحدى جوانبها طاولة مكتب قديمة، و مجموعة من الكراسي حول مدفأة وهمية اخرى. و كان إلى جانبها مكان خصص للكؤوس و الميداليات و الصور. كانت يد بيرس على ظهرها تحثها على الوصول إلى هناك. و مد يده إلى أحد الرفوف المميزة، من حيث احضر صورة داخل اطار و ناولها إياها قائلا: "هل تعرفين أحدا منهما؟"
تجهمت ثم نظرت بسرعة إلى الصورة القديمة. حيث يقف رجلان يرتديان بذلتين سوداوين كتفا إلى كتف، و كأنما قزمان امام السفن التي تظهر خلفهما. لم تتعرف إلى اي منهما في البداية، لكن شيء ما في وجه أحد الرجلين الصارمين جعلها تتمعن في الصورة ثانية.
فصرخت بتعجب: "إنه جدي!"
"وجدي ، جورج اندرياس."
"اندرياس؟ لكنه اسم يوناني، و اسمك هو مارتينو."
"جداي كانا يونانيين لكنهما غادرا اليونان بعد الحرب و هاجرا إلى امريكا ، حيث تزوجت ابنتهما، أمي ، رجلا أميركيا ، لورنس مارتينو ، و أنا ولدت هنا." و كان بيرس ما يزال يشير باصبعه إلى الرجل الآخر ، قبل أن يحركه نحو خلفية الصورة ليضيف قائلا: "و هذا اسطول اندرياس."
و في غمرة ارتباكها ، نسيت ان تتصرف بغضب فقالت له: "انني لا أفهم. اتقول ان جدينا كانا يعرفان بعضهما البعض؟"
ضحك ضحكة قصيرة و اجابها: "اقول انهما كانا أفضل عدوين ، و ليثبت ذلك ، سرق يانيس بتراكوس الاسطول من جدي."
شهقت أليكس قائلة: "سرقه؟" ثم دفعت بالصورة إليه ، وأضافت: "لا تكن سخيفا! جدي لا يمكلك أية سفن."
كانت الابتسامة المستمتعة التي ظهرت على شفتي بيرس مقيتة، فيما قال: "اؤكد لك أنه يملك بضع سفن ترسو مهترئة في مسفن في شمال افريقيا ، و هي كل ما تبقى من مجموعة سفن بتراكوس التجارية. سفن كانت ذات يوم تحمل اسم اندرياس. كان يانيس بتراكوس يرغب دائما بالحصول على هذه السفن، فقد كانت تشكل اسطولا ممتازا، كان امتلاكها يعني الثروة، النفوذ و الخول ضمن طبقات المجتمع الراقية، كان هناك ثلاثة اشياء يتوق للحصول عليها، و اختار ان يحققها بالزواج من ابنة المالك. لأن تلك الاشياء ستكون جزءا من ثروتها ، لكنها كانت مخطوبة و لن تنظر إليه. كانت تلك المرأة جدتي، و حصل جدي على السفن عندما تزوجا. و منذ ذلك اليوم و صاعدا ، كرههما بتراكوس و أقسم ان يحطم جدي و السفن بأية طريقة قد تمنكه من ذلك، ما لم يستطع الحصول عليه، بحيث ان لا يحصل عليه احد سواه و وجد الطريقة المثلى ، بعد الحرب ، حيث اظهر اوراقا ، مزيفة بالطبع، تثبت ان جدي كان يتعاون مع العدو. و بكرم كبير عرض على جدي مخرجا لهذه الورطة ، ان وقع اوراقا بالتخلي عن السفن ، تختفي الاوراق، و ان لم يفعل فإن العائلة بأكملها ستقتل."
و أضاف: "بالطبع ذلك لم يكن صحيحا ، لكن لم يكن هناك طريقة لإثباته، بينما يانيس بتراكوس كان علاقة بالسوق السوداء ، و كان لديه طرق للحصول على ما كان يريده. و هكذا ، حصل أخيرا على السفن. لأن جدي كان يحب عائلته، فقد كل شيء، لكنه أخذ عهدا على نفسه انه سيستعيد سفنه يوما ما. اتى إلى اميركا و بدأ حياة جديدة ، و جمع ثروة جديدة. لكنه لم ينس قط رؤيته الطريقة التي كان الاسطول يترك فيها ليصبح شيئا فشيئا خرابا، حطم فؤاده. عرض ان يشتريه عدة مرات ، لكن بتراكوس رفض، و عندما لم يعد بحاجة لاستعمالها ، ترك السفن تهترئ بكل بساطة."
و تابع قائلا: "عندما مات جدي، جعلني اقسم عهدا له بأن افعل ما عجز عن فعله. و رفض بتراكوس ان يبيعني، لذا لم اجد مبررا لأستمر في ضرب رأسي في الحائط، فبحثت عن طريقة أخرى و وجدتك أنت المفتاح، يا أليكس. اريد سفن بتراكوس التجارية و انت من سيحضرها لي!"
رنين جهاز الاتصال الداخلي الحاد جعل أليكس تجفل و تعود من ذكرياتها المؤلمة من جديد فدارت على كرسيها لتجيب: "نعم، يا روث؟"
"السيد مارتينو هنا، يا آنسة بتراكوس."
خفق قلبها بشكل مثير للغثيان، و قالت لها: "دعيه يدخل من فضلك، يا روث." علمت أن عليها ان تطلب احضار قهوة ايضا.
لكن لم يكن في نيتها ابقاءه وقتا كافيا ليتمكن من تناولها.
بالكاد استطاعت ان تمرر يدها فوق شعرها و تتأكد من أن أزرار سترتها كانت مقفلة بشكل جيد قبل أن يدخل إلى الغرفة.
كان يبدو هذا الصباح مثال رجل الاعمال الناجح ، حيث كانت بذلته الايطالية الرمادية اللون تناسب قامته الطويلة تماما ، كان يبتسم بتهكم كبير فيما كان يعبر الغرفة نحوها.
قال لها برقة: "صباح الخير يا أليكس." و مد لها يده، فارغمها على ان تصر على اسنانها ة تمد له يدها، التي ابتلعتها يده الكبيرة، مما جعلها تشعر انها ستبتلعها هي ايضا. و نتيجة لذلك سحبت يدها بعيدا على نحو مفاجئ مما جعل وجنتيها تتقدان احمرارا.
قالت له ببرودة: "سيد مارتينو." و هي تضغط اصابعها بقوة على ظهر طاولة المكتب لتوقف نزعتها للاضطراب.
كانت لمسته كتيار كهربائي اطلق الكهرباء في ذراعها. ثم تابعت: "كما ترى ، لقد تركت لك موعدا مفتوحا، لكن اكون ممتنة ان لم تهدر كثيرا من وقتي القيم، فلدي اشخاص آخرين علي رؤيتهم."
اتخذ لنفسه مقعدا مقابلا لها، متجاهلا اصول اللياقة، و قال لها: "اجلسي. يا أليكس ، و توقفي عن محاولة إعطائي انطباعا عن اهميتك، كلانا نعرف انك لا تتوقعين استقبال احد سواي. لقد قابلت كل من كان من المتوقع ان يمد يد المساعدة ، و لم تفلحي."
شعرت أليكس باضطراب في داخلها. هل عليه ان يفرك لها انفها بهذا الأمر؟ كان معرفة أنها فشلت أمرا، لكن سماع ذلك منه كان أمرا آخر. و دون ضرورة لذلك قالت له: "لم اطلب منك المجيء اطلاقا."
سألها: "كيف حال والدك؟" تجهمت عند سماعها سؤاله.
اجابته بشكل قاطع: "أتهتم حقا للأمر؟ ان لم يكن كذلك ، افضل ان لا تتعب شفتيك بالسؤال."
تصلب وجهه و اجابها: "مهما يكن ما تعلمته في غضون خمس سنوات ، فإن اصول اللياقة لم يكن من ضمنه. انك تعضين اليد التي تطعمك ، يا أليكس. من الأفضل ان انصحك بان تتذكري بأني لست مجبرا على مساعدتك ، يمكنني النهوض و المغادرة ساعة أشاء."
استحقت التأنيب، و تنهدت بعمق. فرغم كل الكره كان عليها أن تتملق له. و استطاعت أخيرا أن تقول له و هي تصر على اسنانها: "اني آسفة."
بدا أنه استساغ ذلك، إذ قال بسخرية: "هل أعتبر اعتذراك هذا انك تريدينني أن ابقى؟"
أجابته بصوت مخنوق: "نعم."
فقلب شفتيه و قال لها: "إذا ، هل لي ان اقترح بأن تطلبي بعض القهوة؟ أنا انك ستحتاجينها."
لم تجبه إذ أنها لم تثق بقدرتها على ذلك، الأمر الذي أحس به و الذي جعله يستسيغ الأمر أكثر، فاكتفت بان مدت يدها نحو الهاتف و طلبت القهوة. ثم استوت في مقعدها و تنهدت بعمق مرات عديدة مرغمة نفسها على الاسترخاء.
تركته يتمكن من التأثير بها، مما كان يجعلها دائما عرضة للأذى. كان عليها أن تريه أنها لم تعد شخصا يسهل التغلب عليه.
قالت بصوت أفضل حالا: "أشرت الليلة الماضية إلى انك قد تكون قادرا على مسادتنا. فما الذي يدور في رأسك بالضبط؟"
وضع بيرس ساقا فوق الأخرى، ثم قال: "كما فهمت فإن شركة بتراكوس الإعلانية ترزح تحت حمل ثقيل من الديون. و لكي يتم انقاذها فإنها ليست بحاجة إلى مبالغ كبيرة من السيولة فقط، و إنما هي بحاجة إلى تقييم جذري للطريقة التي تجري بها الأعمال. بإختصار ، بعد أن تنتهي من قضية الديون، أنت بحاجة إلى أن تقلصي الاعمال إلى حجم يمكن إدارته بشكل أسهل أليس كذلك؟"
اجابته: "انك تعرف أن الأمر كذلك، لكن، على أية حال ، عليك أن تدرك اني لا استطيع الموافقة على أي نوع من تبنيك الأمور دون موافقة والدي."
رفع أحد حاجبيه. و سألها: "و ما الذي يجعلك تعتقدين إني أريد أن اتبني اعمالك."
"لا تحاول خداعي. هذه هي الطريقة التي تعمل بها، و الجميع يعرف ذلك. انك تشتري من الناس ، تقسم الأعما إلى أعمال صغيرة و تجني ربحا هائلا."
قال لها بهدوء: "هل هذا نقد؟ غريب، لم اسمع أحدا غيرك قط يتذمر. اني أتعامل بالعدل و الانصاف ، فالناس يأخذون قيمة شركاتهم في السوق و بعد ذلك تقع علي كل المخاطرة. على أية حال ، ليس هذا نوع الإتفاق الذي أقدمه لك." عند ذلك وجدت أليكس اعصابها متوترة جدا. لدرجة أنها لم تكن قادرة على البقاء ساكنة في مقعدها.
أضاف بيرس برقة: "ما أرمي إليه، يا عزيزتي أليكس، هو اني على استعداد لتغطية كافة الديون. كما و أني مستعد لأن امد الشركة بمبلغ كاف من السيولة لتبدأ العمل من جديد.
حدقت أليكس به ثم قالت: "كيف؟ قلت لتوك أن لا رغبة لديك في تبني الأعمال. و أنك لست مجنونا لدرجة أن تعطي المال دون أي مقابل."
"انك محقة تماما. اني لست مجنونا. كما ترين، ما اقدمه هو عبارة عن هبة أكثر منها قرض، و اني بالتأكيد اتوقع أن أنال شيئا مقابل ذلك."
قالت بغباء: "هدية؟" و ببطء اتكأت أليكس على ظهر مقعدها و كانت عيناها الواسعتين الرماديتين تحدقان في عينيه. ابتلعت ريقها بصعوبة و سألته: "ما هي شورطك؟ افترض ان لديك بعضا منها؟"
احنى رأسه تسليما بصحة كلامها. و اجابها: "بكل يقين. الشروط هي أن أسلمك الكميات المطلوبة من المال، و أعين فريق إداري لمراجعة أعمال الشركة في اليوم الذي تصبحين فيه ، أنت يا عزيزتي أليكس، زوجتي."


*******************************

تستاروسيسا 04-10-09 04:24 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .منتظرين التكملة على أحر من الجمر لا تطولين علينا عزيزتي وينك؟؟؟؟

redroses309 06-10-09 11:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تستاروسيسا (المشاركة 2070837)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .منتظرين التكملة على أحر من الجمر لا تطولين علينا عزيزتي وينك؟؟؟؟

و عليكم السلام و الرحمة
أهلين فيك و حياك الله
إنشاء الله ما اطول عليكم بس جهازي صاير فية شوية مشاكل عشان كذا أتأخر شوي بس من احاول أني ما أتأخر عليكم
و مشكورة حبيبتي على المرور.

redroses309 06-10-09 11:16 PM



الفصــــــــــــــــل الرابـــــــــــــــع



"زوجتـــك!"
شعرت أليكس للحظة أنها اصيبت بدوار، لكن بعد ذلك اندفع الدم يجري بقوة من جديد في عروقها ، و انفجرت تضحك بتهكم، و هي تهز رأسها انكارا.
ثم قالت له بقساوة: "انك مجنون! لا بد أنك فقدت عقلك تماما!"
لم تتغير تعابير ملامح بيرس قط بل اجابها: "ذلك بالطبع هو مسألة رأي ، و لا علاقة له اطلاقا بالموضوع الذي نتداول فيه..."
فقاطعته قائلة بفظاظة: "عدا انك تتوقع مني ان اتزوج رجلا مجنونا."
عند ذلك ظهرت على تعابير وجهه رقة متعمدة، و قال لها ببرودة: "اتوقع منك ان تفعلي ما هو عقلاني. ان كنت مجنونا كما تقولين ، إلا اني ما زلت ثريا جدا، و أنا أعرض عليك طريقة للخروج من متاعبك ، طريقتك الوحيدة للخروج من بين كل البيانات، و اختيار قبولها عائد إليك."
شعرت أليكس بغضب مغث يجيش في صدرها لفكرة أنه قد يملك الوقاحة حتى لمجرد اقتراح ذلك. فقالت له: "ان كنت تعتقد ، بعد زواجنا الأول الزائف، إني قد أفكر في الزواج بك يوما و تحت أي ظروف، فانك لست مجنونا فقط، بل مجاز بالجنون."
إلا ان بيرس أمرها بنبرة حادة، قائلا: "توقفي عن التصرف بشكل مأساوي هكذا، انت امرأة اعمال ، و هذا اتفاق عمل."
اتسعت عينا أليكس، و قالت باستهزاء: "اتعني أنك كنت لتقدم العرض نفسه لو أن رجلا كان يجلس هنا؟ كم هذا لطيف منك!"
نظر إليها بعينينه الزرقاوين الباردتين ، و قال: "ليس من الحكمة أن تدفعيني كثيرا، يا أليكس، عرضي فريد من نوعه، لكن يمكن سحبه بسهولة كأي عرض آخر."
شعرت بالارتباك من نظرات عينيه الثابتة ، إلا انها لم تستطع إلا أن تقول له: "ادهشني انك لم تفعل ذلك حتى الآن، فذلك سيتناسب و طريقتك في العمل." رغم أنها كانت تعرف أنها تعرض امكانيات انقاذ شركتها للخطر.
إلا انه قال لها: "اعتقدت انك قد تكونين الآن قد أدركت اننا فعلنا ما كان علينا القيام به. إنها سمة مشتركة لكلينا، لأننا نحن الأثنين تجري في عروقنا دماء يونانية."
رمته عيناها بسهام من الازدراء في محاولة فاشلة كي تذبحه. و قالت له بانفعال: "الدماء التي يسعدني فقط أن احررك منها. كما ترى ، لقد اكتشفت قبل خمس سنوات انه ان كان هناك أمر جيد قام به اليونانيون فهو معرفتهم كيف يحقدون. لقد قطعت عهدا على نفسي أنا ايضا يا بيرس، و هو ان انتقم منك لما فعلته بي."
"ما كنت لأتوقع أقل من ذلك من شخص من عائلة بتراكوس."
"و رغم ذلك تريد الزواج مني؟ و ستساعد والدي؟ هل تتوقع حقا ان يصدق شخص من عائلة بتراكوس كلمة من شخص من عائلة اندرياس؟"
أجابها بيرس و في صوته نبرة غضب قائلا: "اتوقع منك ان تأخذي كلمتي، بالاضافة إلى مالي كأي شخص حساس."
تركت أليكس بريق الاحتقار يظهر في عينيها فيما انحنت فوق طاولة المكتب نحوه، و قالت له بتحد: "جعلتني ابدو حمقاء لظهوري كلقمة سائغة في الفم ، لكنك نسيت اني أيضا سمعت عن طروادة. و اني اعرف جيدا كم عليك ان تحذر هبات اليونانيين ذات المغزى! لذا فإنه حقا ليس مثيرا للعجب ان لم اصدق بحبك للغير. إنها مجرد مكيدة أخرى لتضع يديك القذرتين على قطعة أخرى من ممتلكات عائلة بتراكوس!"
قال لها: "هناك عدة اهانات فقط اتقبل سماعها منك ، يا أليكس، لذا كوني حذرة. أما بالنسبة لزعمك عن نواياي..."
و توقف هنا عن الكلام و رفع كتفيه بلا مبالاة كما اليوناني التقليدي ثم تابع قائلا: "انت حرة لتصدقي ما تريدينه. اني أعرف ان محاولتي لأبدل لك رأيك ستجعلك فقط تتشبثين به. لذا سأقول هذا فقط كان لدي عدو واحد في حياتي، و هو يانيس بتراكوس. و لقد تم دفع الدينعندما استعدتمجموعة السفن التجارية."
لم تعد أليكس تقوى على الجلوس هادئة، لذا نهضت بتوتر على قدميها، و رغم ذلك لم ترى شيئا، لم تكن تعرف ان كانت حقا تؤمن بما زعمته للتو أو لا. كانت تقاتل بقدر ما تستطيع، لكن دون ذخيرة في أسلحتها و هي مكرهة على الدفاع عن نفسها.
قالت له بقسوة: "لقد استغليتني حينها، و تريد ان تستغلني الآن."
"على العكس، أنا أريد مساعدتك."
ضحكت و قالت له باجحاد: "أتتوقع مني حقا أن اصدق أنه سيسرك أن تساعدني فقط؟ أتقول انك ستدعني أرحل حالما أسدد المال؟"
نهض بيرس برشاقة على قدميه، و سار حتى وقف بجانبها استطاعت اليكس أن تشعر بتوتره و توترت هي ايضا.
أجابها مؤكدا شكوكها ، بصوت تغشوه نبرة حادة: "لا ، الاتفاق غير قابل للتحويل و التبديل ، ستبقين زوجتي. لن يكون هناك طلاق هذه المرة، و الزواج سيكون زواجا حقيقيا جدا و إلى الأبد."
و شعرت بصعوبة في التنفس للذكريات التي استحضرتها في ذهنها ، و حركت فمها بمرارة. كان الحب مع بيرس رائعا، و قد احبته فعلا، لكن ذلك قد تغير الآن فقالت له: "اتشعر بنوع من السرور ن تزوجت امرأة تعرف أنها تكرهك؟"
تحرك بيرس ليقترب منها أكثر بشكل جزئي، عرفت أنها حركة متعمدة من قبله، و عرفت بحدسها ان أفضل دفاعا لها حياله هو ان تبقى ساكنة تماما و تتجاهله.
و بصوت مختلف تماما، سألها: "ربما أنت تكرهينني ، يا أليكس، لكني اتساءل ان كنت قد توقفت عن حبي."
لم تستطع تجاهل تلك الكلمات. و رغم نواياها الطيبة، استدارت و الغضب يعتمر نفسها ، و رفعت يدها لتصفعه على خده بقوة لدرجة أن يدها آلمتها.
ثم قالت له بلهجة آمرة و يديها على كتفيه لتدفعه بعيدا: "سافل بكل معنى الكلمة. لا تذكرني كم كنت حمقاء! الجواب هو لا ، يا بيرس، ألف مرة لا. و الآن اخرج من هنا قبل أن استدعي رجال الأمن ليرموك خارجا."
ظهر في عينيه استجابة غاضبة ، و تحرك بسرعة فأمسك كلتا يديها و دفعها بقوة إلى وراء ظهرها، و دفعها نحوه قائلا بصوت متوتر: "أوه، لا! ليس حتى أثبت أمرا أيتها المرأة الصغيرة المشاكسة."
بيرس فقط... اسمه مزق الشرنقة التي كان يحيكها حولها، و عاودتها الحقيقة المرة تعمل معها موجة مثيرة للغثيان من ازدراء النفس. تصلبت في وقفتها، فاطلق بيرس سراحها بسرعة، و خطى إلى الوراء لينظر باستهزاء في عينيها المعذبتين.
قالت له يإيجاز: "أريدك أن تذهب." الشعور باحتقار نفسها جعل الكلمات تبدو و كأنها طلب أكثر مما هو أمر.
لكن بيرس قال رافضا ذلك بصراحة: "ليس قبل أن نسوي هذا الأمر." نظر إليها بتأمل إلى وجهها الذي اشاحته عنه، ثم اقترح بصدق ، و قد عاود السيطرة على نفسه تماما: "تقولين انك تريدين الانتقام. أية طريقة أفضل لذلك من الزواج مني؟"
عادت أليكس لتجلس على مقعدها و هي تبتلع مرارة معرفتها كم هي يائسة، ثم أخذت تضغط بأصابعها على ذراعي الكرسي حتى أصبحت مفاصلها بيضاء اللون. و قالت له بكل ما أوتيت من ثبات: "لن أضع رأسي في حبل المشنقة ثانية."
سار بيرس بعد لحظة ليجلس على طرف طاولة المكتب ، ليقيد من حرية حركتها ، و قال لها: "حسنا، إذا انظري للأمر من هذه الزواية. توقفي عن التفكير بنفسك. تقولين انك تريدين مساعدة والدك، و اني اعرض عليك الطريقة الوحيدة لذلك. إلى أي مدى تعنين ما تقولينه؟ ماذا جرى للاخلاص تجاه العائلة يا أليكس؟ ماذا حل بالتضحيات الشخصية لأولئك الذين تحبينهم و يحبونك؟"
شهقت أليكس فيما شعرت بموجة من الألم تندفع في داخلها. كيف تجرأ على سؤالها هذا؟ ما من تضحية قد تكون كثيرة عليهم! و رغم ذلك ما أن خطرت لها تلك الفكرة الغريزية حتى بدت لها أيضا الحقيقة المؤلمة. أنها برفضها تنكر على والدها الفرصة الوحيدة التي بقيت له.
لقد حاولت كل وسيلة أخرى ، و كانت هذه الوسيلة الوحيدة المتبقية. لطالما احسن بيرس دائما التوقيت! فقالت له بصوت مخنوق: "انك سادي!"
اقترب منها و أمسك ذقنها بيده و اجبرها على النظر في عينيه. و هو يقول: "أنا واقعي، كل ما عليك فعله هو الموافقة على أن تتزوجيني، و بعد ثلاثة ايام من الآن سيكون المال في المصرف ، و ستنتهي متاعب والدك."
و فيما كانت متاعبها ستبدأ، جذبت نفسها لتتحرر منه و أجابته: "لا! اضافة إلى أن والدي لا يقبل مالا منك!" محاولة تبرير ذلك لنفسها.
قال دون مفاخرة لأن ذلك كان حقيقة: "لم لا؟ ان اسمي غني عن التعريف." كان اسمه ضمانة فعلية عن مصداقيته عالميا، بالرغم من ملاحظاتها المسبقة. ضاقت عينا بيرس بعد لحظة و سألها: طهل تحاولين اخباري بطريقة ملتوية، بأنك اخبرته عن زواجنا؟"
كم احبت أن يكون بإمكانها قول نعم، و بأن والدها اعتقد بأنه كاذب ايضا، لكن ذلك يعني انها أخلت بوعدها لجدها.
كان وضعا لا تحسد عليه في مواجهتها للحقيقة و قالتبإشمئزاز: "ما من أحد يعرف ذلك، لكن ان اخبرته من تكون ، عندها ، اني أشك كثيرا في أن يقبل بذلك مهما كانت الظروف!"
بدا بيرس مستمتعا قليلا و قال: "أعرف انك تحبين التفكير هكذا، لكن والدك رجل واقعي ايضا. لم لا تحاولين سؤاله؟"
اتقدت عيناها بغضب يائس و قالت: "لا تظن اني لن أفعل ذلك." و مرة ثانية وجدها تنفعل بطريقة طفولية. ماذا حدث لكل وقارها و سيطرتها على نفسها عندما تكون بأمس الحاجة لهما؟ سؤال أحمق. بيرس هو السبب و هذا تفسير كاف.
و كما توقعت، ضحك في الحال و قال: "لم اضع شيئا أمامك يا عزيزتي أليكس تذكري فقط، ما زال بإمكانك عدم اخباره عن زواجنا القصير الأمد. و ليس من الحكمة أن ترتقي بآمالك عاليا جدا. فلا أعتقد انه سيكون البطل الذي تتوقعينه عندما يتعلق الأمر بزواج مدبر. فهو يوناني ، حتى لو كان متقلبا مثلنا قليلا، سيعرف ما هو صالحك، و زواجك مني سيوفر لك الأمان مدى الحياة."
كان وحشا. قد اقفل كل زواية يمكنها اللجوء إليها. بدأ شعورها يزداد أكثر و أكثر بأنها وقعت في الفخ. لم تكن تفكر ان كرهها قد يتعاظم ، لكنه حدث الآن و قالت: "تعتقد انك ذكي جدا ، أليس كذلك؟"
وقف يسوي بذلته و قال: "هل أنا كذلك؟ ستذهلين كم دعوت نفسي غبيا يا أليكس، لكن ليس هناك شيء افقده هذه المرة."
لم تفهم أليكس ما قاله و لم تكن قطعا راغبة في فهم ذلك و قالت: "سوى كمية كبيرة من المال!"
اقترب من طاولة مكتبها. و قال: "ليس المال كل شيء. تعلمت ذلك منذ زمن بعيد. و بالنسبة لهذا، فقولك لا ، ليس جوابا. فكري بالأمر يا أليكس. تحدثي إلى والدك ان وجدت ضرورة لذلك. سأمهلك اربع و عشرين ساعة. إذا أردت الاتصال بي فأنا باق في السافوي."
لم تنبس أليكس ببنت شفة و بقيت جالسة كتمثال، و راقبته و هو يغادر المكان. اغلاق الباب بهدوء جعلها تجفل. و ارتجفت و هي تطبق جفون عينيها. الزواج من بيرس؟ كيف يمكنها ان تقبل عرضا كهذا؟ كان أمرا لا يقبل التفكير. و بالرغم من ذلك أي خيار آخر أمامها؟ هل يمكنها أن تقف متفرجة على كل ما بناه والدها يذهب أدراج الرياح؟ هل يمكنها العيش بعد ذلك و هي تعرف أنه كان لديها الوسيلة لمنع حدوث ذلك؟
ارتعشت و شعرت بالبرودة تصل إلى عظامها. الزواج من بيرس؟ القت مرفقيها على الطاولة و دفنت رأسها بين يديها. منذ خمس سنوات قتلها بوحشيته. كيف لها أن تضع نفسها بين يديه ثانية؟ ماذا عليها أن تفعل؟
عند الساعة الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم. كانت أليكس قد استنفدت كل محاولاتها للعمل. لم تستطع حل ابسط الأمور و لقاءها مع ممثل الاتحاد كان مواجهة يمكنها تجنبها. و بعدما غادر المكان شعرت بأنها خائرة القوى. فقد ملأ عرض بيرس افكارها و استحوذ على كل ما عداه، لكنها عرفت أنها لن ترتاح قبل تسوية هذا الأمر وبدا لها أن هناك طريقة واحدة لتسويته.
منتديات ليلاس
أمسكت حقيبتها و مرت على مكتب سكرتيرتها و قالت: "أنا ذاهبة لزيارة والدي يا روث. هناك أمر هام علي مناقشته معه."
بدت روث منهارة قليلا و قالت: "ألم يقدم لك السيد مارتينو عرضا لا يقبل الرفض؟"
امتعضت أليكس لهذا الاطراء المفرط و قالت: "هذا ما أخشاه، سأراك في الغد." غادرت المكان و هي متأكدة بأن روث تحدق في انسحابها المرتبك. على أية حال لم يكن لديها الوقت لشرح الأمر مع أنها شعرت بأنها قادرة على ذلك.
كان الطريق مزدحما و بالرغم من طول الوقت فإن الشعور بالغليان و الإنزعاج لازمها حتى عندما أوقفت سيارتها في ساحة المستشفى. كان والدها يتعالج في غرفة خاصة و لم تفاجأ أليكس بوجود والدتها تحيك الصوف في غرفته فيما كان والدها نائما.
قالت أليكس بعدما حيت أمها بقبلة: "هل كنت هنا طوال الليل؟"
شرحت لها إميلي بتراكوس بعزم لطيف يصعب مواجهته: "ليس الليل بطوله ، لقد سمحوا لي بإستعمال إحدى الغرف للنوم فيها."
تنهدت أليكس و قالت: "سأجلس مع والدي قليلا. لم لا تخرجين قليلا لتنشق الهواء النقي؟ الطقس جميل في الخارج و انت بحاجة إليه و ذلك سيفيدك كثيرا."
قالت أمها بتردد: "حسنا ، إن كنت متأكدة يا عزيزتي ، هناك أمور يجب القيام بها. اعترف أنه أمر سخيف لكن لا استطيع أن أتركه. لدي شعور غريب بأن شيء ما سيحدث بينما أكون بعيدة عنه."
ضمتها أليكس بقوة و قالت: "فهمت، لكنني سأكون هنا. هيا اذهبي." ساعدتها في ارتداء سترتها قبل أن تخرج من الغرفة لتشيعها بابتسامة على شفتيها. و سرعان ما عادت إلى جانب السرير ثانية لتحتل المقعد الشاغر و تقترب من والدها النائم.
مع انها كانت بحاجة للتحدث معه ، لكنها لم توقظه، و انتظرت حتى تحرك. و لسوء الحظ قد ترك لها ذلك مزيدا من الوقت للتفكير. لم يكن هناك هكذا تأخير عندما ذهبت لرؤية جدها منذ خمس سنوات ، حيث كان طريح الفراش ايضا كان الوسيط حينها كما هو الآن. بيرس مارتينو، عادت بذاكرتها إلى الوراء غير راغبة في تصديق كلمة مما قاله بيرس...
خرج يانيس بتراكوس من غرفة النوم في شقته في مانهاتن، و قد بدا انزعاجه ظاهرا عندما رأى حفيدته جالسة على الكرسي الوثير.
سألها بوجه عابس و هو يحدق فيها و في بيرس الواقف إلى جانبها: "ما الذي يجري يا أليكس؟ و من يكون هذا الرجل؟"
قبل أن تجيب أليكس تكلم بيرس قائلا: "اسمح لي أن اقدم نفسي. اسمي بيرس مارتينو ، و أنا زوج أليكس."
بدا يانيس بتراكوس مستغربا و سأل: "زوجها؟ لماذا لم أكن على علم بذلك؟" تساءل و قد بدا عليه و كأنه جرح في كبريائه، الأمر الذي جعل بيرس يزم شفتيه أكثر.
قال باقتضاب: "نحن نعلمك الآن." مما جعل الرجل العجوز يحدق فيه بإمعان و قد ضاقت عيناه و هو يفكر و قال: "مارتينو؟ هذا الاسم مألوف لدي. ألم نلتق من قبل؟"
أجاب: "ليس مباشرة، قدمت إليك عرضا بشأن شركة بتراكوس للملاحة و أنت رفضته."
اوداد تجهم جدها على هذا التعليق العنيف. فلم يكن معتادا على مقابلة اناس لا يتأثرون من حضوره و قال: "آه، أجل، تذكرت الآن، لقد كنت مقنعا جدا، لكن هذه الشركة لم تكن يوما و لن تكون برسم البيع."
انتهى الأمر عند ذلك فيما يخصه، و كما ظهر تجهمه فجأة ابتسم فجأة و مد يديه لأليكس قائلا: "لكن ما شأن هذا بزواجك؟ أنت فتاة سيئة لأنك لم تخبري جدك، لكني لا استطيع ان اغضب منك في هذا اليوم المهم. تعالي ، دعيني أقبلك يجب أن نحتفل بذلك."
ابتسم بيرس لأليكس ابتسامة ساخرة و قال: "لم ارسل بطلب الشراب بعد. اعتقد انك ستكتشف ان أليكس تريد الطلاق. أليس كذلك يا حبيبتي؟"
تجهم وجه يانيس ثانية فيما هو يتراجع خطوة بعيدا عن حفيده و قال متسائلا: "طلاق؟ أي جنون هذا؟"
أجابه بيرس برقة دون أن يتأثر بتأفف و تنحنح الرجل العجوز: "ليس جنونا. اني مستعد لمنحها الطلاق لكن بثمن، في حال قبلت به لن أعارض. لكن أن رفضت الإذعان لطلبي اعدك ، اني سأعمد إلى مقاضاتك لسنوات."
جعلت تلك الكلمات جدها يميل برأسه إلى الوراء بغضب و جذب أليكس إلى جانبه ليحميها قائلا: "أي رجل أنت؟ تزوجت حفيدتي لتطلقها فقط؟"
ابتسم بيرس ، و رفع حاجبه باستهزاء عندما حصل على الطريقة التي كان يتمناها لبدء كلامه ، فقال: "أنا يوناني الأصل، و انطلاقا من الدم الذي يجري في عروقي اريد الانتقام لعائلتي. اريد استعادة ما سرقته منا يا يانيس بتراكوس ، و مقابل ذلك أعطيك حفيدتك."
و وجدت اليكس لأول مرة منذ دخولها الشقة القوة لتتكلم فقالت بصوت مخنوق: "انه يريد اسطول سفن بتراكوس البحري يا جدي. لذا تزوجني ، قال انك سرقته و..."
التعبير الذي حل على وجه يانيس بتراكوس فاجأ أليكس، لكن بيرس بدا و كأنه لم يتوقع اقل من ذلك. قاطعها يانيس قائلا بلهجة قاسية آمرة: "توقفي!" مما جعلها تشهق. إلا ان عينيه بقيتا مسمرتين على الشاب الذي يقف بمواجهته و سأله: "من أنت؟"
أجابه بيرس بسخرية مهينة: "ألم تحزر بعد؟ اني حفيد جورج اندرياس، و قد أتيت للمطالبة بما كان لنا." قال ذلك بلهجة طبيعية جعل أليكس تنظر إليه بخشية ، رغم ما تشعر به من كره له.
ظهرت لهجة الرجل العجوز الأصلية بشكل أوضح، عندما أعاد ترديد كلماته باحتقار واضح، إذ قال: "أنت مخبول و ابن مخبول. أنا يانيس بتراكوس، لست شخصا من هذا النوع. كانت الوثيقة الموقعة التي تحيل إلي ملكية السفن قانونية و ملزمة. تلك السفن ملكي قانونيا، و ما هو ملكي لا أتخلى عنه!" و في نفس الوقت سحب أليكس بقوة إلى جانبه و أضاف: "و الآن و قد أحضرت حفيدتي غلي فإني لن أدعها تذهب. لن أدع شخصا من عائلة اندرياس يلطخ شخصا من عائلة بتراكوس! الزواج سيلغى. و أنت لن تنال شيئا!"
تصلبت أليكس فهي تعرف تماما طبيعة الورقة التي يحملها بيرس في يده. اختنقت الكلمات في حنجرتها و لم تستطع سوى أن تحدق به بخوف.
أما بيرس من جانبه فقد رماها بنظرة طويلة ، ثم حول كل انتباهه إلى عدوه، و قال بلهجة خالية من أية عاطفة: "لا يمكن الغاء الزواج ، أخشى أنك تأخرت كثيرا يا بتراكوس، فأنا و أليكس تزوجنا أمس. لقد أمضت الليلة معي."
اعتقدت أليكس أنها هبطت إلى أكثر درجات الاذلال عمقا اليوم، لكن بيرس استطاع بتلك العبارة الصغيرة ان يظهر لها أن الحفرة التي وقعت فيها لا يسبر غورها. شعرت بالتوتر الذي اعترى جدها ، فرفعت نظرها لتلتقي عينيه المتهمتين.
طلب منها قائلا: "قولي لي ان ذلك غير صحيح. قولي لي يا أليكس أنك لم تلحقي بنا الخزي بزواجك من شخص من عائلة اندرياس."
لطالما عرفت ان جدها كان رجلا فخورا جدا، لكنها لم تتوقع قط ان تتهم بالحاق الخزي بالعائلة. لقد جعل من زواجها من بيرس عملا سيئا جدا ، فيما اقدمت هي على الزواج به بدافع من حبها و ثقتها، عرفت رغم ذلك ان ما من جدوى من الاعتراف انها كانت تجهل من هو بيرس. فما يهم كان التصرف ، و ليس المعرفة لأن الضرر قد وقع.
و كان كل ما استطاعت القيام به هو تحويل غضبها إلى الرجل المسؤول عن كل هذا. قالت: "لا أستطيع." و كانت عيناها تظهران ان حقدها و احتقارها لزوجها حتى بينما هي تتكلم.
اتبع ذلك سيل من الكلام اليوناني الذي لم تفهمشيئا منه، لكن الذي بدا ان بيرس فهمه، لنه تصلب بغضب مستعملا معرفته الخاصة باللغة بإيجاز انما الشديدة التأثير. صمت جدها بالرغم من ان النظرة التي رماها بها كانت باردة. خامر أليكس شعور غريب جدا بان بيرس كان يدافع عنها لكنها لم تستطع التصور لماذا قد يفعل ذلك. نظرت إليه لكن لم يكن هناك تعابير يمكن قراءتها في ملامحه المتصلبة ، فقررت انها لابد مخطءة ، و فوجئت انها شعرت بموجة من خيبة الأمل جعلت معدتها تعتصر.
الأمر أكثر جنونا على الإطلاق بعدما استغلها هو بهذه القساوة.
بدأ جدها يتكلم من جديد، بعد مرور قليل من الوقت ، لكن باللغة الإنكليزية فقط هذه المرة، قال: "انك رجل ذكي يا سيد مارتينو. لقد عرفت الشيء الوحيد الذي يجعلني اذعن لطلباتك. لربما انك ربحت، و لكن أنا لدي بضعة شروط، سوف أرتب الأمور من أجل الطلاق، و سيكون هذا الزواج و كانه لم يحدث قط لا أنت و لا حفيدتي ستذكرانه لأي كان ، و لا حتى لعائلتك. و إن حدث و علمت أنك فعلت هذا، عندها سأعمل بكل سلطتي لأجعلك تندم ندما كبيرا."
"وفر تهديداتك يا بتراكوس، لأولئك الذين يمكنك غخافتهم، فكل ما أريده هو ما هو لي بحق، و المسألة قد تسوى هنا و الآن. اعرف انك تسافر دائما برفقة محاميك، اطلب منه ان يسحب الوثائق الليلة ، و في الصباح ساكون خرجت من حياتك."
هكذا انتهى زواج أليكس القصير، خلال ساعات الليل القليلة ، بتوقيع الوثيقة التي قايضتها مقابل شركة سفن تجارية.
أتى بيرس إليها قبل مغادرته و قد ارتعش فكه قليلا فيما هو ينظر إلى وجهها الشاحب و قال: "اني نادم لأن الأمور حدثت بهذه الطريقة."
إلا ان الإزدراء الذي بدا في نظرات عينيها اخبره أنها لا تصدقه و قالت: "لا اعتقد أن ذلك سيقض مضجعك خلال الليالي. اتمنى ان تكتشف ان الأمور كانت تستحق هذا كله يا بيرس، و ان تمنحك تلك الورقة السعادة. لكن إن لم تفعل يمكنك أن تتأكد أن الضحك الذي ستسمعه هو ضحكي!" كان ذلك كل ما استطاعت قوله ثم استدارت مبتعدة و رحل هو...
و منذ ذلك الوقت لم تره ثانية حتى نهار أمس.
لم يسامحها جدها قط لأنها تسببت بخسارة كبريائه. و مرحه. و قد مات بعد بضع سنوات من جراء ذلك ، لكنها حافظت على الجزء المختص بها من الإتفاق و لم تخبر احدا عن زواجها من بيرس. كان ذلك جزء من حياتها شعرت بسعادة كبيرة في أن تنساه، رغم أنها لم تنسه حقا قط.
و الآن عاد بيرس من جديد، مع اتفاق آخر من اتفاقياته فشعرت انها وقعت في الفخ ثانية تماما كما حصل لها من قبل.



******************************************

يتبع...

Cheer 07-10-09 06:58 AM

مشكورة ياعمري
ومو لازم تضغطين على نفسك

متابعين معاك بشوق

ملووكه 07-10-09 05:50 PM

هممممممممممممم شكل الروايه مره روعه بليييييييز نحنو بنتظارك

^_^

redroses309 09-10-09 07:44 AM

أهلين فيكم cheer و ملوكة
ومشكورين على الردود الحلوة

redroses309 09-10-09 07:46 AM


الفصـــــــــــــــــــل الخامـــــــــــــــــــس


كانت أليكس لا تزال تطيل التفكير بظهور بيرس المفاجئ في حياتها، عندما تناهت إلى مسامعها تنهيدة من ناحية الفراش جعلتها تدير رأسها بسرعة لتجد والدها ينظر إليها.
قال لها بصوت حزين يفتقرالقوة: "كنت سارحة في البعيد البعيد، يا أليكس. و أفكارك بدت غير سعيدة."
نهضت لتطبع قبلة على خده، ثم جلست على حافة السرير، و أمسكت بيده و أضافت تقول بحذر: "أخشى ان المستشفيات تجعل الافكار السوداء تروادني. كيف تشعر؟ اصدقني القول."
ضحك ستيفن بتراكوس فيما بينه و بين نفسه، و ابتسم لابنته الوحيدة قائلا: "اشعر بتحسن كبير لرؤيتك، لكني لست مسرورا جدا لرؤيتك متجهمة." ثم تبددت ابتسامته، و غامت عيناه بنظرات اهتمام و وخز الضمير فيما قال بإحباط: "ما كان علي أن اترككتعالجين الفوضى التي احدثتها! لم كان يجب ان امرض الآن؟ آخر مكان احتاج ان أكون فيه هو سرير في المستشفى!"
شعرت أليكس ان قلبها قد غار من مكانه فيما هي تنظر إليه لمعرفتها انه من السيء لحالته اثارة مشاعره هكذا. فقالت: "هدىء من روعك يا أبي. لن تقدم مساعدة لأحد ان جعلت نفسك تمرض من جديد، غضافة..." عضت على شفتها، متحيرة بما تريد أن قوله. و بالطريقة التي تقوله فيها.
و اجبرتها الصراحة على ان تعترف ان جزءا كبيرا من حيرتها عائد إلى أنها كانت خائفة من سماع الجواب.
فأكمل والدها بغضب: "إضافة لماذا؟ إضافة إلى ان احدا لن يحرك ساكنا لكي يساعدك؟" و تراجع بوهن إلى الوراء على وسائده.
عرفت أليكس خطورة الموقف الآن و اختارت بسرعة الطريقة الوحيدة التي تعيد إليه هدوءه قائلة: "في الحقيقة ، هذا ليس صحيحا." شعرت بالراحة بعدما انكرت عنه الحقيقة و رأت مسحة الشحوب تختفي عن خديه و تحل مكانها نظرة عينيه الحادة و هو يسألها: "ماذا تعنين يا أليكس؟"
اختارت كلماتها بعناية شديدة قائلة: "حسنا، هناك شخصا يريد المساعدة، لكن عرضه... غير عادي."
انطلى الأمر على والدها فورا و قال: "تقولين غير عادي؟ بأية طريقة على وجه التحديد؟ على كل حال لدينا متاعب الآن لكن نحن شركة محترمة في الاساس. يمكننا أن نعود كذلك ثانية إذا استطعنا تسوية اخطائي. أفترض ان أي شخص راغب في تأمين السيولة سيطلب حصصا في الشركة و بعض الصلاحيات." رأى تصلب وجهها فأعاد التفكير و قال: "لا تقولي لي أن شخصا ما يريد استلام مقاليد الأمور كليا؟"
عرفت ان الأمر هو بمثابة اسوأ كابوس على والدها ، فأكدت له أليكس بسرعة: "ليس البتة، الحقيقة هي العكس تماما. الأمر هو أن هناك رجل... يريد الزواج مني. هو يعرف متاعبنا و على استعداد لمساعدتنا ماليا ، لكن... هناك مشكلة، فاسمه بيرس مارتينو." ذكرت اسمه بسرعة و انتظرت سماع دوي انفجار القنبلة التي اسقطتها.
بدا والدها للحظة عاجزا عن الكلام و بدت كلناته متعثرة و هو يقول: "تعنين مارتينو نفسه صاحب الملايين؟" تساءل و قد بدا وجهه مشرق: "تسمين ذلك مشكلة؟"
شهقت أليكس لأنها لم تكن متأكدة بأن بيرس بهذا الغنى الفاحش و استغربت طالما انه يستطيع شراء ما يريد، لماذا اختار مساعدة والدها دون مكسب ظاهر؟ و تابعت كلامها قائلة: "هناك أمر آخر، ان جده هو جورج اندرياس." لم يطل انتظارها طويلا لتسمع الرد.
امتعض ستيفن بتراكوس و قال: "آه ، الرجل الذي كرهه والدي، لم أخبرك قط عن ذلك يا أليكس و سبب الخلاف بيني و بين جدك هو اندرياس. لقد حاول أن يشركني في النزاع ايضا، أمر يتعلق ببعض السفن ، لكني رفضت. و حدث ذلك عندما عدت إلى انكلترا و بدأت بشركتي الخاصة، و كما ترين يا عزيزتي لا أحمل اية ضغينة تجاه عائلة اندرياس. تقولين الآن ان الحفيد يريد الزواج منك و اخراجي من الورطة؟" جلس والدها في سريره و قد علت الابتسامة العريضة على وجهه و تابع كلامه قائلا: "حسنا ، ذلك أفضل خبر نقلته إلي. هل تعتقدين ان هناك مشكلة؟ لا استطيع ان افكر بزواج افضل من هذا لك. هل تعرفينه منذ وقت طويل؟"
و كان من شدة حبه لها ان اتجهت افكاره اولا نحو سعادتها و ليس وراء انقاذ شركته.
قالت: "قابلته اول مرة منذ بضع سنوات. خرجنا سوية، لكن لم يحدث شيئا بيننا." و شعرت انها تكاد تختنق من جراء كذبتها، لكنها تنحنحت و تابعت قولها: "ثم عاد للظهور جديد ليلة البارحة و..."
"اخبرك بأنه لم ينسك طيلة هذه السنوات طلب منك الزواج؟ إذا، هذا ما قصدته أمك عندما أخبرتني أنك تحملين لي أخبارا جيدة!"
سألته: "ألاتعتقد ان الأمر حدث فجأة و على عجل؟"
أجابها: "هذا هراء. عندما يرى الرجل ماذا يريد ، فإنه يسعى في طلب ذلك! لم عليه الانتظار؟ و لم لا يريد الزواج منك؟ أنت جميلة و ذكية و الزوجة المثالية لأي رجل. من تكون أفضل منك؟"
غار قلبها في صدرها. و قالت بعد ان رسمت ابتسامة ملتوية: "لم تسألني يا أبي ان كنت احبه؟"
اشاح بيده و قال: "إذا كنت لا تحبينه الآن فستحبينه لاحقا. انه مهتم بك يا عزيزتي. ما الذي سيحدث لك لو لم اكن هنا؟ هذا الزواج سيوقف قلقي." ضغط على يدها متأثرا و اضاف: "هناك امورا اسوأ من الزيجات المدبرة يا أليكس. أنا و والدتك مثال على ذلك و ما كنا لنكون أكثر سعادة. عليك أن تتعلمي أن تعطي و تأخذي."
كانت تعرف ذلك. لكن حسب خبرتها فإن البعض يأخذون أكثر مما يعطون. مهما يكن ، فقد ابقت على سرها و لم تخبر والدها بأنها لم تقل نعم بعد. كان امامها خيار واحد. فقد كان الشرك يلتف حولها بقوة. إلا انها ابقت على شجاعتها و ابتسمت و قالت: "من الأفضل ان تتمنى لي السعادة. عندها، هذه المرة عندما اقول لك ان تكف عن القلق ، ستعرف انه يمكنك ان تفعل ذلك."
ضحك والدها فيما عادت والدتها، و بالطبع فقد اطلعت على الخبر و بكت متأثرة لارتياح زوجها و سعادة ابنتها.
وعدت أليكس والديها بأن تصطحب بيرس لمقابلتهما ، و غادرت المكان بعد نصف ساعة حيث كان عليها رؤية بيرس.
كان يمكنها بالطبع ان تؤجل الاجتماع إلى الغد، لكن ذلك لم يكن سهلا فقد علمتها التجارب أنه من الأفضل تناول الدواء الكريه بسرعة.
انطلقت نحو السافوي و هي في حالة من الغضب الشديد. فقد أملت عندما تم طلاقهما بأن لا ترى بيرس ثانية ابدا، لكن الآن عليها أن تربط نفسها به بقية حياتها. كان ذلك عرضه الذي لا يقبل التفاوض، فالمال متوفر مقابل ان تصبح زوجته ثانية و ليس هناك من طلاق. احدثت تلك الفكرة طعنة حادة من الألم في صدغها.
كرهت ان ينصب لها الفخ بهذه الطريقة ، لكن الأمر الذي لم تستطع ان تفهمه فعلا هو ، لماذا ارادها بيرس ان تكون زوجته طالما هو متأكد من ماهية شعورها نحوه؟ و لم تكن غبية لتتخيل ان عرضه هو من أجل منفعة الآخرين. لا بد أن يكون هناك شيء آخر وراء الأكمة ، ليس مجرد مساعدة والدها للخروج من ضائقته. لقد كان وسيما للغاية و رجلا واسع الثراء، و بإمكانه الحصول على أية إمرأة يريدها زوجة له، لماذا إذا يربط نفسه بشخص يكرهه؟
كان السؤال يختمر في ذهنها عندما دخلت الفندق و طلبت من موظف الاستقبال ان يتصل بجناح بيرس. أملها الأخير بأن لا يكون موجودا تحطم عندما قيل لها ان تصعد إليه.
تحققت من مظهرها في مرآة المصعد. مررت أحمر الشفاه على شفتيها لتعيد لها نضارتها و سرحت شعرها بسرعة لتشعر بحضورها أكثر. افترضت لو أنها تذهب إلى المنزل لتبدل ثيابها، لكن حاجتها لتنهي الاجتماع كانت أكثر اقناعا.
فتح بيرس الباب لها، بدا مرتاحا جدا و قد نزعربطة عنقه فيما كمي قميصه مثنيتين، و ظهرت ذراعيه القويتين و قد كساهما الشعر الأسود. لم يزعج نفسه بالسؤال عن سبب قدومها انما تنحى جانبا فقط ليتيح لها الدخول ثم اغلق الباب وراءهما. بدا الأمر لأليكس و كأن آخر فرصة للهرب قد سدت في وجهها. غمرها شعور قوي بالغضب مما جعلها تسير إلى الامام و ترمي حقيبة يدها على أقرب منضدة. تبعها بيرس. كان بإمكانها الشعور بنظرات عينيه مركزة عليها و تخيلته يسخر منها. كان احساسا قويا جعلها تستدير لتكتشف فقط انها كانت على خطأ. كانت نظراته بعيدة عنها، متفحصة و بعيدة كل البعد عن السخرية.
حركت رأسها و قد بدت منزعجة و مرتبكة و قالت له بفظاظة: "لقد جئت لتوي من المستشفى." فازدادت حدة نظراته الفاحصة ليسالها: "كيف حال والدك؟"
تنهدت بإحباط ، و قلبت شفتيها بإزدراء فيما كانت تحرر إحدى يديها من خلال خصلات شعرها الأشقر القصير عابثة بها. ثم اجابته: "انه يتعافى بسرعة. و قد يسرك ان تعلاف أنه لا يكن أية ضغينة لأي فرد من أفراد عائلة اندرياس."
فرد عليها بيرس قائلا بجفاف: "على عكس ابنته."
و سار إلى حيث توجد صينية عليها أكواب و زجاجة عصير إلى جانب الغرفة ثم اضاف قائلا: "هل يمكنني ان اقدم لك شيئا؟ تبدين و كأنك تحتاجينه."
أجابته بإيجاز: "سأتناول عصير الليمون." و رفعت ذقنها عندما نظر إليها بدهشة. بدت ابتسامة عذبة جميلة فيما اضافت: "يقولون انه يساعد على التهدئة ، و هو أمر احتاجه ان كنت مضطرة لامضاء أي وقت معك. ما كنت لأفجأ لو أمضيت اياما في سديم."
بدا انه لم يستمتع بكلماتها تلك اطلاقا، لكنها لم تعرف لماذا عليها ان تقيم وزنا لمشاعره فيما لم يفكر هو قط في مشاعرها. و لم تفاجأ في أن الكوب الذي أعطاه لها لم يكن يحتوي سوى على عصير آخر. فيما سكب لنفسه كوبا، و في رشفة واحدة ابتلع نصف محتويات الكوب، فيما شعرت أليكس أن عينيها قد تحولتا بشكل عفوي إلى عنقه الأسمر. فسرى من عنقها إلى وجهها دفق من الدماء جعله يتورد، فاشاحت وجهها عنه بسرعة و كرهت نفسها لأفكارها العابثة و ردة فعل احاسيسها. و رغم أنه لم يلمسها فإن شعورها بضعف ارادتها كان لا يحتمل. فما عادت قادرة على الجلوس بهدوء لذا سارت و وقفت قرب النافذة ، و توترت عندما رأت انعكاس صورة بيرس متجه نحوها لينضم إليها.
قال متأملا بتكاسل: "استنتج من ردة فعلك أنك اخبرته عن عرضي، و لم يرفضه؟"
قالت بسخرية و شعور بالكره: "كنت تعرف انه لن يرفض، لذا طلبت مني أن اتكلم معه في ذلك، و كنت تعرف بأني أردته أن يساندني. تبا، لابد أنه أمر رائع بأن تكون رجلا محقا طوال الوقت!"
"لو اني اعتقدت انك تعتقدين ذلك فعلا، لكنت جادلتك بالأمر. انك غاضبة فقط لأنك لا تملكين سببا يجعلك ترفضين عرضي." اثارت تلك الكلمات غضبها بقوة مما جعلها تستدير نحوه و تصرخ في وجهه بإزدراء قائلة: "مخطئ! لدي كل الاسباب لارفضك. قد يعتقد والدي أنك الأفضل منذ زمن. لكني أعرف اكثر منه. أليس كذلك؟ و انه لا يعارض الزيجات المنظمة ايضا و هو أمر مناسب جدا، لأنه ليس هناك من يقوم بتنظيمها أفضل منك لتناسب هواك."
نظر بيرس إلى وجهها المفعم بالحيوية و النشاط متفحصا كل قسمة من قسماته على حدة. ثم قال لها برقة: "انك جميلة جدا. و في الحقيقة، انت ما زلت أجمل امرأة رأيتها في حياتي."
اتسعت عيناها بإرتباك و قالت بدهشة: "ماذا؟" و جعلت ردة فعلها تلك ابتسامة باهتة تظهر على شفتيه.
قال: "كنت الاطفك."
هزت أليكس رأسها ساخرة من الدفاعات التي تجنبتها ببراعة و قالت: "حسنا، لا تضيع وقتك ، فما عليك أن تكسبني بالكلمات الفارغة، انك تمسك بكل الأوراق. و لا أفترض انك فكرت للحظة اني قد ارفض. اني احب والدي كثيرا مما يمنعني من رفض العرض الوحيد الذي لدي، مهما تكن رغبتي في ذلك."
تنهد بيرس بعمق، ثم قال بإيجاز: "ليس على زواجنا أن يكون ساحة معركة، يا أليكس."
قالت رافضة ذلك: "في ما يعني، فإنه لا يمكن أن يكون غير ذلك. أو هل تتصور انك ستنال من الفتاة الساذجة الحمقاء كما من قبل؟ تلك الفتاة لم تعد موجودة، أنت قتلتها يا بيرس. سوف تحصل علي كما أنا، و إن لم يعجبك ذلك فما عليك إلا لوم نفسك. هل هذا واضح لك؟"
نزع بيرس نظارته بكل تأن و وضعها جانبا، و بعد ذلك عندما أولاها كل اهتمامه من جديد، كانت عيناه مليئتين بالعزم و التصميم. و اجابها: "جعلت نفسك أكثر من واضحة على أية حال ، ان تصورت انك بإعلانك عن عدم حبك لي و ما قد يترتب عن ذلك سوف تجعلينني أغير شروطي، فأنت مخطئة. ستكونين زوجتي ، بكل ما في الكلمة من معنى."
صرت أليكس على أسنانها، متيحة لنفسها أن تعيد إليه نظراته بكل الإزدراء الذي استطاعت أن تجمعه و قالت: "ما كنت لأحلم بالرفض، و على كل حال، فإنها قضية شرف، و أنت ستشتري تلك الحقوق بالزواج مني، أليس كذلك؟ لكن هناك شيء اخطأت في حسابه، وهو اني لست مرغمة على الاستمتاع بذلك."
منتديات ليلاس
لسوء الحظ فإن ذلك ادى فقط إلى ظهور بريق مزعج في عينيه، و خطى خطوة ليصبح على مقربة منها، و تمتم على نحو خطر قائلا: "هل تقترحين انك لن تفعلي؟ ان ما قلته الآن جملة ساذجة، فلدي ذكرى قوية كيف انك فعلت ذلك من قلبك."
اجابته بقوة: "كان قبل أن أكرهك." ثم شهقت عندما امتدت يداه لتشد على كتفيها، فأمرته قائلة: "اتركني يا بيرس. و يحك ، قلت اتركني!" رفعت نظرها إلى وجهه، فرأت في عينيه نظرة تصميم مما جعل قلبها يخفق بجنون.
قال: "عندما أكون جاهزا." ثم اضاف بسخرية: "على أية حال، لقد اخبرتني لتوك بأني اشتريتك، لذا استطيع ان افعل ما أريده، أليس كذلك يا حبيبتي؟"
ثم فجأة عاد كل شيء إلى نصابه ثانية، ترك يدها و مشى نحو النافذة. كان بيرس يقف هناك ينظر إليها بتأمل، و تلاشت الحرارة في لحظة ، تاركة إياها مرتجفة.
قال بيرس بسخرية جارحة: "يبدو ان ليلة زفافنا ستكون هادئة جدا.يبدو ان كرهك قد اضاف نكهة خاصة إلى الصفقة." استرد نظارته و عبر الغرفة ليملها بشخصه من جديد.
أحنت أليكس رأسها و قد شعرت بالغثيان لحالها.
سألها: "هل تناولت طعامك؟"
لم تكن تتوقع السؤال العادي اطلاقا، فأجابته بصدق و إن كان بفظاظة: "لا."
قرر بيرس قائلا: "سأطلب طعاما إلى هنا." و سار نحو الهاتف و هو يتابع قائلا: "لدينا اشياء لنناقشها، و لا اريد ان افعل ذلك في العلن. هل انت موافقة؟"
سألته ألكيس بسخرية: "و هل عندي خيار؟" و هي تحاول بجهد لأن تجد نوعا من الهدوء يتماشى مع هدوئه.
قال بإيجاز: "بالطبع عندك خيار. أنا لست مسخا. تعرفين ذلك." ثم كان عليه أن يغير نبرة صوته فيما اجابه احدهم من مكتب خدمة الغرف ثم كان عليه ان يحول كل انتباهه إلى طلب الطعام.
لم تهتم أليكس من ناحيتها لما طلبه، فقد كانت تشك في أنها ستكون قادرة على تناول أي شيء. سارت إلى أقرب كرسي و غرقت فيها بامتنان. فقد كانت تشعر بتعب شديد، فاسقطت رأسها إلى الوراء على ظهر الكرسي اللين، و اقفلت عينيها. ما قد تعطيه لتتمكن من التوقف عن التفكير قد تعطي أكثر منه بعشر مرات مقابل ان لا تشعر بهذا الحب نحو بيرس. كانت تعتقد انه انطفأ، لكن في اللحظة التي رأته فيها من جديد عادت بها الذاكرة للوراء. حتى الآن فإن ما يخالجها يجعل من اعتقادها بأنها نسيته، اعتقاد كاذب...
ليست مضطرة للاستسلام دون معركة. لقد قال ذلك هو بنفسه، عندما سألها ان كانت هناك أية طريقة افضل لها لتحقيق انتقامها من الزواج به. لم تفكر في ذلك حينها، لكنها ادركت الآن الفكرة، قد لا تستطيع التخلص من هذا الزواج لكنها ليست مرغمة على أن تكون زوجة صغيرة مطيعة! و على أية حال، انها تملك سلاحا، فالمرأة لديها أسلحة خاصة بها، و حتى ان لم تربح الحرب يمكنها ان تتأكد تماما ان عليه الفوز بعدة معارك ليكسب نصره!
جعلت تلك الفكرة ابتسامة ترتسم على شفتيها، و اعادت إليها بعض القوة المفقودة، و فتحت عينيها من جديد، لتجد ان بيرس يراقبها، و عيناه تلمعان ببريق يعكس نوعا من الاستمتاع النفسي.
قال لها: "اتخططين لتدميري؟"
توترت اعصابها بشكل عفوي لتمكنه من قراءة افكارها، و لم تستطع ان تتحاش اتقاد وجنتيها و كل ما استطاعت القيام به هو مواجهته بذلك، فقالت: "لم لا أفعل؟ فقد تعلمت شيئا من زواجنا الأول، رغم قصر مدته. ان بامكان الانسان ان يحقق اي شيء تقريبا بالتخطيط إلى الامام."
وضع بيرس يديه في جيبي سرواله ، ثم قال: "إذا، أنت تخططين لاستخدامي كعملك المجسم؟"
رفعت أليكس كتفيها بلامبالاة و قالت: "لم ازعج نفسي بالبحث عن واحد آخر فيما لدي واحد استطيع التصرف به، اليس هذا كلام صحيح؟"
"لم يسبق أن كنت ساخرة هكذا. اتذكرك تنظرين إلى العالم بتفكير منفتح على مباهج الحياة."
ضحكت لكلماته تلك لأنه بدا خائب الأمل فقالت: "آه، حسنا. يقولون ان الزواج قد يكون عاملا فعليا لرؤية الأمور على حقيقتها، و زواجي كان زواجا رائعا جدا، و انت تعترف بذلك؟"
هز بيرس رأسه بسخرية تقريبا، و قد خانته ضحكة رقيقة رغم انها كانت تحوي القليل من الملاطفة، و قال: "لن تغفري لي أبد ذلك، أليس كذلك؟"
قالت بحدة: "ان كان هذا ما تريده فانك ستنتظر طويلا. و في الحقيقة لو كنت مكانك لكنت فكرت ثانية و جديا بامكانية التقمص، لأنه لن يكون هناك استبداد من قبلي في هذه الفترة من العمر!" تاركة عينيها تنقلان له كرهها عبر بريقهما.
لدهشتها فان بيرس لم يغضب، انما غرق في التأمل اكثر و ردد ساخرا مستمتعا بالكلام: "اني افضل فكرة اننا نمضي السنوات معا. دائما معا."
طقطقت أليكس اصابعها بإنزعاج و قالت بشكل لاذع: "لا تكن معتدا كثيرا بنفسك. فما من شيء يؤكد اننا سنعود كبشر. فإن كان هناك اية عدالة ستعود كحشرة صغيرة استطيع ان اسحقها تحت قدمي." و اخذت تنظر بإنزعاج إلى منظر بيرس و هو ينفجر ضاحكا بلهو فعلي.
قالت بألم: "يسعدني اني عملت على تسليتك." فابتسم لها ابتسامة عريضة.
أجابها برقة: "آه، لقد فعلت أكثر من ذلك يا حبيبتي."
قالت بنفور واضح: "ان كان بامكانك ابعاد تفكيرك عن هذه التصرفات فقد قلت ان لدينا اعمالا نناقشها." لكن لسوء الحظ تلك الكلمات جعلته يخطو نحوها بخطواته البطيئة.
ثم انحنى، و امسك ذقنها بين ابهامه و اصبعه، و قال برقة: "هكذا قلت، لكن لا تتصرفي بعلو و كبرياء هكذا يا أليكس. كلانا نعرف أنه لن يتطلب مني مجهودا كبيرا لأسحبك معي إلى تلك التصرفات، لذا هدئي من غضبك، و لا تهتمي إلى اين احملك طالما اعطيك الرضى الذي تتوقين إليه." مما جعل لونها يتغير بسرعة و فمها يجف.
لمعت عيناها الرماديتان بدموع أبية و قالت: "انك..."
فأكمل عنها قائلا: "شخص جدير بالإزدراء و بدون قلب، أعرف، و سيكون من الأسهل لك ان تتذكري ذلك، ان كنت تريدين ان تحافظي على كبريائك الغالي دون ان يصاب بأذى."
رغم أن أليكس استطاعت ان تجد اجابة لكن لم تتح لها فرصة لتقولها، لأن طرقة على الباب قد قاطعتهما. استوى بيرس في وقفته و هو يبتسم ابتسامة ساخرة.
قال: "انقذك جرس العشاء!" و ذهب ليجيب، تاركا أليكس جالسة ترتجف في كرسيها.
كيف بامكانها ان تعيش معه؟ اخذت تفكر بغضب، ثم انحنت كتفاها. و تساءلت كيف يسعها الا تفعل؟ فليس أمامها من خيار. عندما يصل الأمر إلى بيرس مارتينو، لن يكون لها ذلك اطلاقا.



***********************************

يتبع...

AZAHEER 11-10-09 02:24 AM

شكراااااااااااااااااااااا

posy220 11-10-09 07:07 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

redroses309 11-10-09 09:42 AM

أهلين AZAHEER و POSY220
مشكورين على المرور

اسماء88 12-10-09 03:19 PM

الله يوفقك عشان تكملي هالرواية الرائعة

قطوهـ سعوديه 12-10-09 04:27 PM

باين عليها الروايه حلوه لا تتاخري علينا
والله يعطيك العافيه

عيوني تذبح 13-10-09 01:35 PM

مشكوووورة .. الله يعطيك العافيهـ

لا تتأخري علينا ..

redroses309 13-10-09 08:50 PM

أهلين فيكم
اسما88
قطوهـ سعودية
عيوني تذبح
و إنشاء الله ما أتأخر عليكم
و اللحين راح انزل الفصل السادس أتمنى تستمتعوا بقراءته..

redroses309 13-10-09 08:53 PM




الفصـــــــــــــــل الســــــــــــــــــــــادس

بعد مضي يومين، وصلت أليكس إلى مكتبها و هي تشعر كأنما
قوة ساحقة تسيرها. فطالما أنها اختارت موافقتها للزواج منه ، فقد تحرك بيرس بما يسمونه ، في ظروف أخرى ، سرعة تستحق الاطراء و الثناء. إلا إنها اعتبرتها سرعة غير لائقة، و استاءت لان اندفاعه حملها معه.
منتديات ليلاس
سكبت لنفسها فنجانا من القهوة و وقفت تحدق غلى الخارج عبر النافذة، محاولة أن تخفي شعورها بأن كل شيء يخرج كثيرا عن نطاق سيطرتها. و تساءلت عما يخبئ لها اليوم من صدمات. فقد اصر بيرس في الأمس على أن يذهب معها إلى المستشفى و يلتقي أهلها، و ساءها أنه قد توافق معهما على الفور، لكن رغم شعور الغضب الذي خالجها ، لم تستطع إلا أن تعجب بالطريقة التي سيطر فيها على الوضع، و وجدت نفسها تعطيه تقديرها الذي ضنت به عليه.
و قد أذعن لرغبة والدها حتى عندما اسهب في اقتراحاته بأن يهتم بالأعمال. و كانت موافقته تلك مبنية على ان مديرا سيعين للاشراف على الشركة إلى ان يشفى ستيفن و يصبح قادرا على مزاولة اعماله. كما و ان نتائج التقرير المصنفة من قبل فريق إدارة بيرس لطرق التنظيم و تحسين الإنتاج لا يمكن تطبيقها دون موافقة والدها الكاملة عليها، الأمر الذي ، كان من الطبيعي، أن حصل عليه اضافة إلى احترام ستيفن بتراكوس الكامل.
الامر الوحيد الذي كان ليفسد المناسبة، هو اصرار والدها أنه لا بد من أن بيرس مغرم جدا بابنته ليكون بهذا الكرم و اللطف. و هو واقع لم يحاول الشاب أن ينكره، إنما عمل على تأكيد ذلك. و عندما افترقا أخيرا، بقيت مع الواقع المرير أنه كسبهما، و بغم إنها كانت تدرك ان ذلك خطة لتنهي اي قلق قد يخامرهما فإنها شعرت بإستياء مرير نحوه.
اطلقت تنهيدة عميقة و جلست إلى طاولة مكتبها و مدت يدها على البريد، و دهشت عندما وجدت المغلف الأول يحمل اسمها، فضت الظرف و هي متجهمة ثم فتحت الوقة الوحيدة التي يحويها. كانت الصفحة تحوي بضع كلمات فقط، لكنها كانت كافية لتجعلها تتقد غضبا. كانت الرسالة من بيرس، تحدد اليوم و الساعة و المكان لزفافهما. كانت تلك الكلمات بحد ذاتها بسيطة عدا انه ارسلها عبر مذكرة! و في الواقع كان لديه الوقاحة لأن يحول عملا سيغير حياتها إلى نوع صغير من الإعمال...
غضبت كثيرا لدرجة أنها اخذت ترتجف، كانت على وشك ان تمسك الهاتف لكي تتصل به في الفندق حيث يقيم، و تقول له بعضا مما تفكر به عندما سمعت رنين الهاتف في مكتب والدها. تملكتها الحيرة ، لأن كل الاتصالات كانت تحول إليها خلال الاسابيع القليلة الماضية. و كانت على وشك النهوض لتذهب و تجيب عندما توقف الرنين و سمعت صوتا مكتوما لأحدهم يتكلم.
و فيما هي تعبر الغرفة لتتحرى من هناك كان لديها حس داخلي لمن قد تجده. لذا عندما فتحت الباب الذي يوصل المكتبين، لم تفاجأ برؤية بيرس جالسا على كرسي والدها، يجيب بهدوء في محادثة هاتفية. عندما رآها، أشار لها كي تجلس. لكن، تلك الاشارة عملت على اثارة غضبها أكثر، فتجاهلته، و اختارت أن ترميه بنظرة لا تستطيع ان تظهر له سوى نصف ما تشعر به.
لم يستعجل بيرس نفسه، فقد أمضى نحو خمس دقائق قبل أن يضع سماعة الهاتف مكانها و يدير وجهه نحوها. في الوقت الذي كانت مستعدة فيه للانفجار.
فقالت متحدية بغضب بارد: "ماذا تفعل أنت هنا؟ كيف تجرأت و اعتقدت انه بإمكانك ببساطة الدخول إلى مكتب والدي و الاستيلاء عليه؟"
اسند بيرس نفسه إلى ظهر الكرسي الجلدي و اخذ يتأملها بسخرية، ثم قال: "لمعلوماتك ، يا حبيبتي، لا اعتقد اني استطيع القيام بأي شيء، اعرف. لكن عندما ذهبت لرؤية ستيفن الليلة الماضية ، اقترح علي أن استعمل مكتبه لكي اعمل على تنفيذ الخطط التي رسمتها، فوافقت."
اوقف تقدمها فجأة، لذا لم تنبس اليكس بأية كلمات أخرى كانت قد اعدتها، و وجهت غضبها عبر طريق آخر، فأجابته بشكل لاذع و مباشر جدا: "لماذا لم ابلغ بذلك؟ اعتقد الآن طالما أنت المسؤول، لا أهمية لي هنا! ان كنت تجد صعوبة في إخباري ذلك وجها لوجه، عندها فأقل ما يمكنك القيام به هو أن ترسل لي مذكرة!"
عند ذلك رفع بيرس حاجبيه بإدراك مفاجئ، ثم مرر احد اصابعه بتأمل على جانب أنفه و تأوه: "آه."
كان ذلك الصوت كافيا ليجعلها تدرك انها خسرت المعركة و لم تكسبها. أطلقت صوتا يائسا من حنجرتها و استدارت لتبتعد قائلة: "لا أحب أن اعامل و كأني فكرة لعينة خطرت على البال متأخرة!"
اجابها، دون أن يحاول اخفاء مرحه: "بما انك الشخص الرئيسي فإنك لست كذلك. على أية حال ، لقد كان لدي انطباع ، و اخبريني ان كنت على خطأ، بأنك تريدين كل شيء ان يبقى ضمن طابع العمل."
انه دائما يقلب الاوضاع باستعماله كلماتها ضدها! لامت نفسها، و استدارت نحوه من جديد و قالت: "تهتم كثيرا بما أريده يا بيرس مارتينو، و بالنسبة للمحافظة على الطابع العملي بكل شيء، كيف تفسر وضعك حين كنت بالأمس تبذل مجهودا كبيرا لتتظاهر بأنك مغرم بي؟ كلانا يعرف إنها كذبة، رغم أنه علي ان اعترف بانها لا تنطبق على نظام خداعك."
لم يرفع بيرس نظره عنها فيما هي تتقدم و قال: "لقد صدقها والديكو ذلك كان الهدف من العمل، أو انك كنت تفضلين لو اخبرتهم الحقيقة المرة على إخبارهم كذبة مقبولة؟"
فصرخت قائلة: "حتى أنت لا تملك الحس السيئ لدرجة ان تخبرهم انك تريدني مقابل الخدمات التي تقدمها."
نهض على قدميه في لحظة، وكانت كل خطوة نحوها تطفح بغضب واضح مكبوت، قال: "انك تدفعين بحسن طالعك نحو الطامة البكرى، أليس كذلك، يا أليكس؟ ماذا تحاولين أن تجعليني افعل؟ أن اغضب كثيرا لدرجة ان أتزوجك بالقوة! و هكذا تتمكنين دائما من الزعم بإنه لم يكن لديك خيار؟ هل هذا ما تريدين أن يحصل فعلا؟"
اضطربت أليكس من جراء موجات الغضب الجامح القادمة نحوها، و أخذت تحدق به بعينين عاصفتين و قلبها يخفق خوفا، فلم يسبق لها أن رأته غاضبا هكذا من قبل، و عرفت انها هي الملامة. لقد حان الوقت لتقوم بتراجع لبق، لذا اعترفت بصوت أجش قائلة: "لا."
قال: "إذا من الأفضل أن تراقبيني يا حبيبتي، و تتعلمي أين تتوقفي، اني مستعد لأن اعطيك مهلة معينة، لكن ان تدفعيني كثيرا فهذا يعني ان عليك تحمل العواقب." ثم استدار مبتعدا عنها، و التقط شيئا ما من على طاولة المكتب و مد يده ليعطيه لها، قائلا: "هذه لك."
استجمعت أليكس رباطة جأشها المهتزة بقوة و تقدمت نحوه ، و استلت الظرف من يده بسرعة، و كأنه أفعى مستعدة لأن تلدغ. كان بداخل الظرف بطاقات شراء لبعض المتاجر المعروفة جدا، فرفعت نظرها بسرعة إليه مستفسرة.
قال مقترحا بهدوء: "ستحتاجين لجهاز عروس، لذا فمن الأفضل ان تأخذي عطلة بعد الظهر و تذهبي للتبضع."
ثم وجه انتباهه إلى الأوراق التي على طاولة المكتب و كأنما المسألة قد اقفلت الآن.
ان كان سيلزم حدوده، إذا فهي ستفعل ذلك، لربما يكون قد اشتراها، لكنها لن تجاريه في ذلك! فأشارت أليكس قائلة بتهذيب: "لست بحاجة لأن تشتري لي ملابسي يا بيرس. لدي اجر كاف خاص بي، و اضافة لذلك ، فإني لست بحاجة لأي ملابس جديدة."
هز رأسه و قال: "أتعرفين؟ سيكون تغييرا جميلا ان فعلت مرة واحدة ما يقال لك. على أية حال ، يمكنني أن ألاحظ انك مصممة على أن تتشاجري معي على اي شيئ، أليس كذلك؟ لكن لسوء الحظ أنا مصمم ايضا كما أنت. و لا يهمني كم من الملابس لديك يا أليكس، فحسب خبرتي تستطيع المرأة دائما أن تجد مكانا في خزانتها للمزيد، تماما كما ستفعلين."
كانت معركة ارادات، و كانت ارادته هي الأقوى في هذا الوقت، لذا قالت له بتحد و بشيء يشبه كثيرا الاندفاع: "ان كان الأمر يعني لك هذا القدر فإني مندهشة لما لا تصر على القدوم معي." سخافة اندفاعها تلك جعلتها تتوقف فجأة و قد ادركت أنها تتيح له لأن يجعلها تتصرف بشكل مخالف تماما لطباعها.
إلا ان بيرس، من ناحية ثانية ، كان مثالا للهدوء الواثق و السيطرة فقال: "صدقيني، لكنت فعلت ، لو اني لم اكن منشغلا جدا بإنقاذ شركة والدك من الافلاس."
اضطربت داخليا من تذكير لم تكن في الحقيقة بحاجة إليه كانت في قرارة نفسها تعرفانها يجب ان تكون ممتنة، لكنه جعلها غاضبة جدا طوال الوقت لدرجة ان ذلك الشعوريطغى على أي شعور آخر. عاودتها العقلانية لذا قررت ان هناك اكثر من طريقة واحدة لحث هرة على الإسراع، و لمزج المجازات، فقد يصر ان يقودها إلى النبع لكنه لا يستطيع ارغامها على الشرب، لذا ، فإن هي اخذت البطاقات، لا يعني انها تنوي ان تنصاع إلى أمره. فقالت: "سمعا و طاعة يا سيدي."
و على أية حال، بدلا من أن تثير كلماتها تلك غضبه بدا انها أعادت إليه حسه الساخر، لأنه نظر إليها بمرح ظاهر قائلا: "سأكون منزعجا جدا لايجاد أي شخص قليل الشأن مثل العبد المذعن، و عندما يصل بي الأمر للتفكير بذلك أجد إني لا أريدك إلا كما أنت، و ليس بطريقة مختلفة، فذلك يجعل كل مناورة تبدو و كأنها مغامرة."
تجهمت أليكس و هي تنظر إليه، و قالت: "كيف يمكن أن يكون ذلك فيما أنت قد...؟" و و خفتت الكلمات و شعرت بدفق رقيق من الدماء يغزو وجنتيها.
أكمل عنها بصوت ناعم قائلا: "حصلت عليك؟ صحيح، لكنك كنت تحبينني حينها، و أنت لا تفعلين الآن."
قالت له بحدة: "لا اعتقد اني استطعت أن احبك يوما." ثم سارت نحو الباب.
إتكأ بيرس على طاولة مكتبه و لف ذراعيه فوق بعضهما البعض و قال لها: "لو أنك لم تفعلي، لما استطعت ان تكرهيني هكذا و لهذه الفترة الطويلة. لكن من قال انه حيثما ينتهي الحب يبدا الكره؟ أنت لم تنسيني يوما، تماما مثلي أنا... فتلك الشعلة ما زالت موجودة بيننا ، مهما تكن رغبتك في أن لا تكون موجودة."
حدجته أليكس بنظرة عاصفة فيما هي تقبض بإحكام على مسكة الباب و قالت له: "إنني سعيد لسماع ذلك." ثم نظر إلى ساعته و اضاف: "عليك ان تذهبي الآن، و لا تتصوري انك تستطيعين الافلات بمجرد الاختفاء بعد ظهر اليوم و التظاهر فقط بأنك تتسوقين. فسوف أمر بك عند الساعة الثامنة لاصطحبك إلى العشاء، و اتوقع ان أرى نتائج ما قمت به بعد الظهر. هل هذا واضح؟"
انتابها للحظة شعور مزعج بأنه يستطيع قراءة افكارها، و ابتسامته الرقيقة الساخرة اكدت ذلك. اصيبت بإحباط، فردت عليه بطيش و هي تبتسم متمتمة بعذوبة: "و كأني سأفعل شيئا كهذا." فضحك.
ردد فيما هي تخرج من الباب قائلا: "احم، كأنما! صيد ممتع." و فكرت أليكس لو أنها تملك بندقية لعرفت تماما اي حيوان ترغب في اطلاق النار عليه. ثم، عكس رغبتها، اظهرت تلك الفكرة ابتسامة على شفتيها، مما جعلها فعليا مبتسمة فيما هي تلتقط حقيبتها و تتجه لتخبر روث أنها لن تعود اليوم.
كانت سكرتيرتها يقظة لتقول: "حسنا، انك بالتأكيد تبدين أكثر ابتهاجا." فرمتها أليكس بتكشيرة ساخرة.
قالت لها: "الأشياء الصغيرة تسر العقول الصغيرة. عندما تنتهين من هذه الرسائل يا روث ، ربما من الأفضل أن تقدمي خدماتك إلى السيد مارتينو، إنه سيستخدممكتب والدي خلال الأيام القليلة المقبلة." و كانت على وشك الذهاب عندما خطر لها شيئ آخر ، فأصافت: "آه، و إن طلب أحدهم مقابلتي فمن الأفضل أن تحوليه له أيضا. اراك غدا."
حالما اصبحت خارجا في الشارع، أخرجت البطاقات و أخذت تنقر بتأمل عليها بظفر إبهامها. كانت ردة فعلها الغاضبة الأولى التي تملكتها هي أن تمزقها. لكن الآن خطرت لها فكرة أفضل، ان كان بيرس يريدها أن تنفق ماله، فإنها ستفعل، و لأول مرة في حياتها لن تزعج نفسها بالتحقق من ثمن اي شيء تشتريه.
كانت تعتمد دائما على قاعدة لها عندما تشتري، ان تبقي مقياس المتانة و قيمة المال في فكرها دائما، معتبرة أنه من الحماقة الإنفاق فقط لأنها تملك المال. لذا فإن موجة من الندم خالجتها عندما رأت مجموعة العلب التي وضعت في سيارة الأجرة بعد زيارتها لأول متجر، ثم وبخت نفسها بقسوة، لأن الشفقة لن تفيدها بشيء ضد رجل قوي الإرادة مثل بيرس ، عليها ان تبرهن له انها ليست مجرد انتصار سهل، و الفرص للقيام بذلك قد اثبتت انها قليلة و متباعدة.
رغم ذلك عندما ذهبت إلى المنزل اخيرا ، و رأت نتيجة جهودها منتشرة حولها و قد تكدست فوق كل كرسي و ملت كل سجادة غرفة الجلوس تقريبا، تساءلت ان كانت قد بالغت بما فعلته... ثم قررت ماذا تفعل، انها لا تستطيع ارجاعها، و لذا عليها ان تواجه ذلك بتحد ، و مع تلك الفكرة اخذت تفتح العلب و تضع محتوياتها هنا و هناك. شعرت بعد ذلك انها بحاجة لشيء ينعشها فأعدت لنفسها بعض الشاي و الخبز المحمص.
و مع توقع وصول بيرس عند الساعة الثامنة، اسرعت أليكس لتستحم و تغسل شعرها، فيما كانت تجففه و هي جالسة إلى طاولة الزينة و قد غمرها شعور بالصفاء، و قبل الموعد المحدد بساعة ، دق جرس الباب الأمامي. ذهبت لترى من الطارق و هي ترتدي معطفا طويلا حتى كاحلها أزرق اللون، مما اضفى عمقا على عينيها الرماديتين.
بدا بيرس وسيما و رائعا في بذلته الأنيقة الصنع، نظر إليها للحظة صامتا قبل أن يعلق بجفاء قائلا: "هل هذا يعني انك جاهزة للذهاب أو ان جهاز التدفئة المركزية قد تعطل؟"
حاولت أليكس أن تعيد الاستقرار لخفقان قلبها المضطرب بجنون من نفوذه القوي، هزت رأسها و تراجعت إلى الوراء لتفسح له المجال للدخول. سارعت في الإجابة عليه رغم انها حاولت ان تبقي ما ورد في فكرها قائلة: "لا هذا و لا ذاك. هذا المعطف واحد من المشتريات التي اردت رؤيتها." و مشت أمامه نحو الصالة رغم احساسها بوجوده وراءها و كأنه يحاول ان يمسك بها.
تابعت سيرها نحو منتصف الغرفة حيث توقفت لتواجهه.
نظر إلى المكان و قد رسم على شفتيه ابتسامة، فيما وضع يديه في جيبي بنطاله. رفع نظره نحوها و قال: "هل كنت تأملين أن تفلسي المصرف؟ ان كان الأمر كذلك سأخبرك ان تصرفك هذا لن يؤثر فيه."
قالت: "على العكس، طالما انك لم تضع حدا، ظننت أن علي ان اقحم نفسي و أجهزها من الرأس حتى أخمص القدمين." و بحركة منها لتظهر له حجم ما اشترته، بسطت ذراعيها و أشارت حيث وضعت باقي الثياب، و أضافت قائلة: "كل شيء تراه قد اشتريته على حسابك." و سمعت بهدوء بيرس و هو يلتقط انفاسه.
بدا عليه التوتر الشديد، الأمر الذي جعلها تقرر فجأة انها قد تمادت كثيرا. بلعت ريقها بصعوبة و حدقت به لترى الإحمرار يعلو وجنتيه. اخرج يديه بهدوء من جيبيه و وقف منتصبا.
قال بنبرة غريبة و هو يخطو نحوها: "اعتقد انك ادرجت نفسك ضمن هذه المشتريات؟"
عرفت أنها قللت من قدره كليا. كانت تنوي ان يكون الأمر بمثابة صفعة على الوجه، لكنه ضاع بتهور دون التفكير بكل العواقب الممكنة، و وقفت ثائرة لمواجهة الهجوم. لم تشأ أن تلوذ بالفرار و هي تجر ذيل الخيبة.
نظرة بيرس المتمعنة جعلت خديها تتقدان احمرارا و قد بذلت جهدا لتحافظ على هدوئها بدلا من ان تنفجر غضبا.
فقد رمت قفاز التحدي ليلتقطه هو. شعرت بالقرف عندما عرفت انها جلبت ذلك لنفسها نتيجة تهورها و عليها ان تبقى حتى ترى النهاية المرة.
أمرها بصوت أجش قائلا: "استديري!"
نظرت إليه أليكس غير مصدقة و قد شهقت مرتعبة و قالت: "لا، لست جادا فيما تقول؟"
بدت ابتسامة بيرس مثل لسعة الأفعى عندما قال: "ألم تكوني جادة؟ قلت انك اشتريت كل شيء استطيع رؤيته، حتى انك اتعبت نفسك بنثرها هنا و هناك حتى اتفحصها."
حاولت أليكس ان تضحك يائسة و قالت محتجة: "لكن الأمر كله كان مزحة!"
قال بيرس متحديا بطريقة ساخرة: "حقا؟ حسنا. اني لا اراك تمزحين يا أليكس و انا كذلك. اردت رؤيتي مهانا لكني تخطيت "مزحتك" الصغيرة. و الآن حان دوري، عليك أن تتقبلي ذلك يا عزيزتي، هناك طاولة محجوزة الساعة الثامنة و النصف و لا أريد ان أذهب متأخرا."
استدارت أليكس مطأطأة رأسها لتخفي دموعها الحارة و قد شعرت بالإذلال. كان المفترض ان تكون هي من يتفرس النظر لكن الأمور آلت إلى النتيجة الخطأ. نظرت حولها طلبا للهرب. لم تكن غرفة النوم بعيدة جدا، لكنها شكت في ان تصل إليها، لأن بيرس كان في منتصف الطريق بينها و بين الباب.
نظر في عينيها المليئتين بالدموع و قال: "ايتها الغبية الحمقاء. ألم تتعلمي بعد انه لا يجدر بك نفعا التلاعب معي؟ هيا اذهبي... و يمكنك ان تنسي موعد العشاء، لقد قفدت شهيتي، الساحة لك يا أليكس ، اترك لك أمر قيادتها. اتمنى ان يكون النصر يستحق هذه المعركة."
عضت أليكس بقوة على شفتها فيما هي تراقبه و هو يستدير ليغادر الغرفة ، و بعد دقيقة سمعت صفقة الباب الأمامي. شعرت و كأنها حمقاء و حدقت في مشهد إذلالها. كان محقا، أرادت ان تشعره بالخزي لكنها هي من شعرت بأنها رخيصة. كانت الثياب تعيد إليها نظرتها بسخرية فتمنت لو انها لم ترها.
غمرها شعورا بإزدراء النفس، فذهبت لتأخذ دوشا علها ترتاح، لكنها كانت تعرف ان غسل تلك الذكرى من عقلها يتطلب أكثر من ذلك. و هكذا بقيت طوال الليل تدور و تتقلب على فراشها و لم تستطع أن تنام جيدا. و قررت خلال إحدى تلك الساعات التي مضت عليها دون أن تستطيع النوم بأن عليها الاعتذار، و ان كانت معظم الكلمات قد يعلق في حنجرتها.
لذا لم يكن من المدهش اطلاقا انها استغرقت في النوم صباحا، و طالما ان ذلك حصل ، قررت بأنه لا داعي للعجلة لقد تأخرت على موعد العمل، لذا فإن قليلا من التأخر الزائد لن يشكل اي فرق ، استغلت الوقت لترغم نفسها على تناول بعض الخبز المحمص، و للاعتناء بمظهرها. و بما أنها كانت تريد أن تبدو هادئة و مسيطرة على نفسها، لجأت إلى استعمال المكياج لتخفي الارهاق الذي نتج عن عدم قدرتها على النوم خلال الليل، و اختارت ان ترتدي بذلة ذات لون رمادي فاتح مع بلوزة حمراء اللون. و أخيرا، اتجهت إلى المدينة و هي تشعر و كانها امرأة مدانة.
رغم كل جهودها التي بذلتها، لم تكن مهيأة لرؤية العيون تتحول إليها بعدما ساد الصمت عندما دخلت إلى القاعة التي كانت تضج بالحركة الغريبة. لماذا كان كل واحد يبتسم ابتسامة عريضة؟ سارت إلى ردهة الاستقبال في مكتبها و رأت روث، التي كانت تنتظر وصولها بفارغ الصبر كما كان واضحا.
ابتسمت ابتسامة عريضة و امسكت بصحيفة، وضعتها سكرتيرتها فرق رزمة من الرسائل، فقالت لها السكرتيرة: "انك بالتأكيد تعرفين كيف تكتمين سرا، يا أليكس! ما من احد منا توقع ذلك و لا حتى من خلال طريقة تصرفاتك، تهانينا. اتمنى لكما كل السعادة."
و فيما هي تنقب بتعجب بين رزمة الرسائل، نظرت أليكس إلى سكرتيرتها بإرتباك و سألتها: "عم تتكلمين؟"
اجابتها روث، و هي تمد لها صحيفتها: "الزفاف، الاعلان عنه موجود في كل الصحف، الاتعرفين ذلك؟ ربما ان السيد مارتينو اراد ان يجعل ذلك مفاجأة."
لقد فهمت الأمر أخيرا. رسمت أليكس ابتسامة و اخذت الصحيفة و قالت بشكل موجز: "لقد توقعت هذا." و ألقت نظرة على كل رسالة من الرسائل مرة ثانية، و أخذت تمتص شفتيها. كانت كل تلك الرسائل، عدا القليل منها، من اشخاص رفضوا مساعدتها قبل بضعة ايام فقط. أما الآن و مع وصول بيرس ، فإنهم لم يستطيعوا الاتصال بالسرعة المطلوبة. كان من الصعب ان لا تشعر بالمرارة، و لم يسهل الامر اطلاقا دخولها مكتب والدها و مواجهة بيرس.
رفع نظره عن الوثيقة التي كان يطلع عليها، ثم اخفضه ببطء نحو طاولة المكتب فيما تقدمت هي نحوه. و سألها: "ماذا يمكنني ان أفعل لك، يا أليكس؟" و هو يكاد لا يخفي نفاذ صبره.طكان اسلوبا كافيا لتتراجع على الفور. لكنها سيطرت على اعصابها لتطلق سؤالها النقدي اللاذع قائلة: "لماذا لم تخبرني بشان اعلان موعد الزفاف؟"
تنهد بيرس ثم نظر إليها نظرة متفحصة و قال: "ربما لأني لم أرغب في مناظرة معك، لكن يبدو و كاني سأحظى بواحدة على أية حال، أليس كذلك؟"
"لم آت إلى هنا للشجار، يا بيرس. أتيت لاعتذر."
استطاعت، على الأقل، أن تقول تلك الكلمات دون أن تخنقها.
اجابها بسخرية رقيقة: "انه شيء جديد الآن!" و على الفور شعرت ان حرارتها ارتفعت.
سألته بشكل لاذع: "هل تقبل هذا الاعتذار أم لا؟"
قال: "عجيب كيف انه يبدو و كأنه اعلان عن حرب."
"ذلك لأنك دائما تقول شيئا يثير جنوني! لو انك تصمت لخمس دقائق، فقط يمكنني ان أقول كلماتي و امشي!"
و لدهشتها العظيمة ، ضحك ثم قال: "سوف تصبحين في السلك الدبلوماسي، حسنا، إليك المنبر، يا آنسة بتراكوس."
كافحت لتبقي صوتها معتدلا، ثم قالت: "أدركت ان ما فعلته الليلة الماضية كان سيئا، اني آسفة."
ساد الصمت لثوان قليلة قبل ان يجيبها قائلا: "هل هذا كل ما في الأمر؟ حسنا ، قبلت الاعتذار." و مد يده نحو الوثيقة من جديد.
افترت شفتي أليكس عن تنهيدة صغيرة و سألته بتعجب: "أهذا كل ما يمكنك قوله؟"
بدا بيرس مستمتعا ببرودة، حيث سألها: "ربما كنت تتوقعين شيئا آخر؟"
أصرت على اسنانها بشكل يمكن سماعه بوضوح، و قالت بإزدراء: "اعتقدت انك انت نفسك قد تريد الاعتذار."
هجره كل اللهو، و قال لها بفظاظة: "لماذا؟ لني هزمتك في لعبتك؟ ربما كنت لأفعلذلك لو اني فكرت انك لا تحاولين شيئا في اللحظة التي ادير بها ظهري. لكن فيما أنت هنا، هناك بعض الاشياء التي يجب عليك معرفتها. من الأفضل ان تجلسي."
كان مذلا! بدا انه يعتقد ان باستطاعته ان يقول كل ما يريده، ومن ثم يتوقع منها ان تجلس لتتحادث نعه بارتياح! فقالت: "شكرا، لكني افضل ان اقف."
لم يرفع بيرس صوته عندما قال: "اجلسي يا أليكس، أو اني سأذهب إليك و اجعلك تفعلين ذلك."
بعد الليلة الماضية، قررت ان التعقل هو افضل جزء من الشجاعة و بسرعة جلست في المقعد المقابل له.
ابتسم لها ثانية ، و استوى في جلسته و وضع ساقا فوق الأخرى، ثم قال: "مرتاحة؟ سأحاول ان لا استبقيك طويلا فأنا اعرف ان وقتك ثمين. سيسرك ان تعرفي بإننا سنذهب في شهر عسل قصير بعد الزفاف، لذا فمن الأفضل ان تجهزي نفسك للرحيل. كما بإمكانك ايضا ، ان تخطري دائرة الموظفين لتضع اعلانا عن وظيفتك ، بهذه الطريقة نكون مستعدين لإجراء المقابلة حالما نعود."
كانت أليكس مذهولة جدا لدرجة أنها لم تستطع ان تنبس بكلمة لدقيقة أو دقيقتين، ثم تدفقت الكلمات فقالت: "ماذا تعني، بأن اعلن عن وظيفتي؟ لقد عملت بجد كثيرا لأصل إلى هنا، و أكون غبية ان سلمت وظيفتي لك أو لأي كان!"
فقال لها: "على الرغم من ذلك فإن وظيفتك ستبقى شاغرة." و حدجها بنظرة صارمة ثم أضاف: "ستكونين زوجتي، يا أليكس. لا يمكنك أن تتصوري فعليا بإنه يمكنك البقاء هنا عندما أذهب أنا إلى المنزل. فبالرغم من اني أملك بيوت في معظم عواصم العالم، إلا ان منزلي هو في الولايات المتحدة، و كذلك زوجتي. أنت ستعيشين هناك معي."
قالت بتحد: "و ماذا عن مستقبلي المهني؟"
اجابها بيرس بدون اهتمام: "اخشى ان ذلك لم يعد له اهمية كبيرة، هل يهمك ذلك فعلا؟ أتذكرين انك اخبرتني ذات مرة ان ليس في نيتك بأن تكوني زوجة عاملة."
كانت كلمات غير ضرورية، لإعادة تذكيرها بسذاجتها.
فقالت: "كان ذلك في الماضي، ان مستقبلي المهني اصبح مهما بالنسبة لي الآن ، يا بيرس."
اجابها: "لن يكون كذلك عندما يصبح لك عائلة خاصة بك أو هل أنك نسيت أن زواجنا سيكون زواجا حقيقيا، يا حبيبتي؟"
ردت عليه قائلة: "يفترض ان يكون الزواج الحقيقي مشاركة! و المفترض ان يكون هناك احترام متبادل و نحن لا نملك أيا منهما، فخياري الوحيد هو ان أفعل تماما ما تقوله، أليس كذلك؟"
اجابها بيرس ببرودة: "هل سمعت المثل القائل، من يدفع ثمن انغماسه في اللهو يتحمل العواقب؟ و حتى الآن، كان كل العطاء من جانبي."
جفلت أليكس و قالت بصوت منخفض: "فهمت، أنك تعرف حقا كيف تحمل شخصا على كرهك، أليس كذلك يا بيرس؟ اعتقد ان شهر العسل هذا هو حيث سأسدد أول دفعة."
قال لها بهدوء: "ما من أحد منا يستطيع ان يهرب من قدره ، يا أليكس."
فهزت رأسها و قالت بحدة: "تتكلم و كأننا لا نملك أية سيطرة على حياتنا، و كأن ليس لدينا عقل نفكر به، لن اسلم بمعتقداتك."
علق بيرس قائلا بسخرية: "ربما انك لا تصدقين بذلك، بقدر ما أرغب، و أنا حقيقة لا أملك متسع من الوقت لمناقشة النقاط الفلسفية الأفضل معك. ان فريق عملي سيصل اليوم و لدينا الكثير من العمل لننجزه قبل الزفاف. و أنت يجب ان تهتمي بإخلاء مكتبك ايضا."
قررت أليكس الانصراف دون أن تقول شيئا، فالجدال كان عقيما و أي شيء قد تقوله سوف يتجاهله على أية حال.
نهضت و عادت إلى مكتبها، المكتب الذي لن يكون لها لفترة طويلة بعد. سارت إلى النافذة ، و نظرت بعينين عاصفتين إلى منظر لندن الرائع فشعرت و كأنها تسلب السيطرة على أمرها، و كأنها بعد وقت ليس بطويل ، لن يبقى هناك شيء من أليكس بتراكوس التي عرفتها، كل ما استطاعت القيام به هو أخذ عهد على نفسها بألا تستسلم دون قتال، و تتأكد بأن اي نصر يحرزه بيرس سيكون نصرا فارغا.



************************************


يتبع...
[/COLOR]

mersalli 14-10-09 10:35 PM

please:f63:

kamliya ktir shawa2etina

الحب الوحيد 15-10-09 02:34 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

عيوني تذبح 15-10-09 12:59 PM

يسلمووو ..
شوقتينا للبارت الجاي ..

redroses309 16-10-09 09:57 AM

هلا و غلا فيكم
mersalli
الحب الوحيد
عيوني تذبح
و بعتذر إذا تأخرت عليكم
بس الفصل السابع حلو <<<<<< يعني يستاهل تنتظروه شوي
على كل حال اتركم مع الفصل السابع و قراءة ممتعة...

redroses309 16-10-09 09:57 AM



الفصـــــــــــــــــــــــل الســـــــــــــــــــــابع

منتديات ليلاس

جرت مراسم الزفاف بعد يومين، كان حدثا هادئا حسبما اقتضت الظروف، و اقتصر الحضور فقط على والدتها و صديق مرافق لبيرس. لم تشأ اليكس ان يتم الزفاف بطريقة أخرى. لأن حقيقة زواجهما كانت مدعاة للسخرية بالنسبة لما كانت تؤمن به دائما تجاه هذه الرباط المقدس. الأمر الوحيد الذي جعلها تقبل بكل هذا هو التفكير بمصير والدها.
كان الاحتفال قصيرا. اختارت أليكس ثوبا حريريا بلون العاج و وضعت على رأسها قبعة تتماشى مع لون الثوب و قد تدلى منها حجاب منثور بحبات اللؤلؤ. و قد حملت ايضا باقة من الزهور دفعتها إليها والدتها عندما وصلت. ما بقي في ذاكرتها من تلك المراسم، تصرفات بيرس المدهشة. فقد تدبر اظهار القسم الذي تبادلاه ان يبدو جديا و التي عرفت مسبقا أنه غير ممكن ، الأمر الذي احدث قشعريرة في عمودها الفقري.
جاء حضور المصور مفاجأة عندما سارا سوية تحت اشعة الشمس. كان عليها أن تعرف ان بيرس لن يفوت حدثا كهذا دون تسجيل. لكنها شعرت في قلبها ان التصرف هذا بدا ليزيد من حجم الكذب. لحسن الحظ لم تكن هناك حفلة استقبال. كان ترتيبا مثاليا بالنسبة لأليكس لأنها شكت في قدرتها اخفاء عدم توافق العروسين و المقتصر على تبادل بعض الكلمات. فمنذ مواجهتهما الأخيرة كانت الأجواء بينهما ما زالت باردة أشبه بالجليد.
قال المصور الذي لم يكن يعرف طبيعة الجو السائد بينهما أو تعمد تجاهله: "أريد أخذ صورة لك و أنت تحضن العروس."
ادارت أليكس وجهها طائعة فيما تمنت لو أنها ترفض هذا الطلب، غير أنها لم تجرؤ على فعل ذلك عندما رأت والدتها تراقبها و كذلك الحشد الصغير الذي يتطلع إليها.
و فيما وضع بيرس يده على كتفها، قالت له يإيجاز: "أشعر و كأنني فقمة!"
اجابها بصوت أجش: "ربما، لكن فقمة جميلة."
ابتسم و قال: "هذا يكفي." قاطعا عمل المصور ثم استدار نحو والدتها و أضاف: "ان لم نذهب الآن، ستفوتنا الطائرة. اعتني بنفسك ، يا إميلي، و قولي لستيفن أن لا يقلق خلال غيابنا، هناك فريق عمل جيد يتولى المسؤلية، لذا فكل ما عليه أن يفعله هو التركيز على أن يتعافى بسرعة."
انحدرت دموع إميلي بتراكوس كردة فعل فيما كانت تقبل وجنته ، ثم استدارت نحو ابنتها و عانقتها قائلة: "تبدين جميلة، كوني سعيدة يا حبيبتي، ان بيرس رجل طيب و سيعتني بك جيدا."
هذه الثقة ، التي شعرت بها تجاهه يوما، جعلتها تشعر و كأن شيئا ما علق في حنجرتها، على أية حال، لم تكن طبيعة أليكس تسمح لها بأن تصدم والديها، لذا قابلت العناق بمثله بسرعة لتخفي اليأس الذي خافت ان يظهر في عينيها، و اجابتها: "اعرف أنه كذلك، و سأبذل قصارى جهدي."
كان كل ما عليهما القيام به، هو الصعود إلى السيارة و التلويح بأيديهما مودعين فيما بدأت رحلتهما إلى المطار.
عضت أليكس على شفتها عندما لوحت بجنون تلويحة رافقتها دموع عاطفية بشكل طبيعي. لم تكن الأمور طبيعية و لا يمكن أن تكون كذلك ، على الأقل لم يكن عليها التظاهر أمام بيرس، فإنه يعرف تماما ما هية مشاعرها. لوت شفتيها بسخرية عندما نظرت إلى الباقة التي ما زالت تمسكها بيدها ، ثم رمتها جانبا في الرقعة التي تعمدت إبقاءها بينهما.
لدهشتها سمعت بيرس يتحرك، و عندما نظرت حولها اكتشفت انه التقطها.
قال برقة: "الأزهار ليست عدوتك يا أليكس." ثم اخذ يسوي الأوراق التي تضررت و تابع قائلا: "رغم اني اتصور بأنني أنا هو من ترغبين بتركه محطما."
اجابته بإيجاز: "انت لا تتحطم، لأنك مكون من الحجارة الصلبة." و نظرت إليه بحيرة و قد انحنى ليضع الباقة على المقعد الامامي إلى جانب السائق.و كان يتحدث طيلة ذلك الوقت باللغة اليونانية مع السائق، الذي جال معه في كل العالم، كما علمت.
عاد ليستوي في مقعده، ثم مال بجلسته ليتمكن من النظر إليها بسهولة اكثر، و اجابها: "بعض الاحجار يمكن كسرها ان ضربتها في المكان الصحيح."
فسألته بإنكار ساخر: "أتعني، اني ان استمريت بالبحث سأجد نقطة ضعفك؟"
ارتسمت ابتسامة على طرف شفتيه و قال: "ان هذا واضح جدا لأشخاص يملكون عيونا ترى. من يعرف؟ إن عرفتها قد لا ترغبين بتحطيمها اطلاقا."
تجهمت عند سماعها كلماته تلك، و خامرها شعور بأنه كان يمرر إليها رسالة بالرموز، لم تعرف كيف تحلها.
استوت في جلستها و قالت: "لم اعطيته أزهاري؟ و ماذا قلت له؟"
اجابها: "قلت له أن يأخذها و يحفظها. قد ترغبين بالاحتفاظ بها في غرفة النوم كذكرى لهذا اليوم."
اجابته ببرودة: "و هل يحتمل أن ينساه أي منا؟ اعرف اني لست بحاجة لما يذكرني به."
جادلها بيرس بعقلانية قائلا: "مهما يكن، فإنه سيتم حفظها. من يدري؟ قد تبدلين رأيك." ثم أمسك بيدها اليسرى و أخذ يتأمل تأثير الذهب على يدها النحيلة، و اضاف: "ان خاتمي يناسبك. ماذا فعلت بالخاتم الأول؟"
اهتزت اعصابها لسببين، اولهما تذكيرها بالزواج السابق، و ثانيهما لوخز التنبه الذي أرسلته لمسته الرقيقة عبر ذراعها، تنهدت محاولة أن تحرر يدها لكنه منعها من ذلك.
سألها: "هل ان لمستي تجعلك تثورين. يا أليكس؟"
اجابته: "كل شيء يخصك يجعلني أثور. أما بالنسبة إلى الخواتم التي قدمتها لي، كنت على وشك رميها في نهر هدسون، لكن بدا لي ذلك هدر لمبلغ كبير من المال. لذا وهبتها إلى أول مؤسسة احسان مررت بها."
اجابها بسخرية: "يسرني ان اعرف مصيرهما."
غضبت أليكس و قالت: "المال هو كل ما تصلح له!"
ضحك و اجابها: "حقا؟ سأذكرك بهذا الليلة."
اتقدت وجنتاها احمرارا عندما ادركت انها ستواجه ذلك قريبا. كانت تحاول تحاشي التفكير في ذلك الأمر، متصورة ذلك بحذر. حذر سببه معرفتها أنه مهما كان قرار عقلها، فإنها كانت تحبه في قرارة نفسها. و كانت كل ساعة تمر تجعل إبقاء القتال مستمرا اصعب. فقالت: "انك لمغرور... هلا تركت يدي من فضلك؟"
نظر إليها بيرس نظرة متفحصة و قال لها: "و ما هو الخطأ بأن يمسك زوج بيد زوجته؟ خاصة و أنهما قد تزوجا للتو."
ردت عليه بإزدراء قائلة: "لا تكن مرواغا، ليس هناك حاجة لنا الآن للتصرف بطريقة مشرفة، يا بيرس، فلا يوجد من يرانا حتى نبرهن له انطباعا مغايرا للحقيقة."
"و ماذا ان أخبرتك إني لا أحاول التصرف بطريقة مشرفة؟"
رمقته بنظرة محافظة، و قالت: "لا أصدقك."
تنهد بيرس بعمق و وضع ساقا فوق الأخرى إلا انه بقي ممسكا بيدها بقوة و قال لها برقة: "مهما تكن الظروف التي سيؤول إليها زواجنا، فأني أنوي أن ابذل قصارى جهدي لإنجاحه يا أليكس. و يمكنك ان تفعلي الشيء نفسه."
يبدو صادقا جدا ، لكنها عرفت من التجربة السابقة اي ممثل بارع هو. فأجابته: "لا حاجة لأن تتكبد كل هذا الأزعاج من أجلي." و سحبت يدها بقوة من يده.
"أوه ، ليس هناك من إزعاج، يا حبيبتي، فإن ذلك هو ما أردته دائما."
كان جوابه مفاجأة تامة لها فحدقت به بدهشة، و قالت ببطء: "تجعل الأمر يبدو و كأنك أردت هذا الزواج فعلا." إلا انها لم تتلق جوابا منه، سوى رفعة من حاجبه.
استدارت بعيدا بعد أن عجزت عن تفسير تلك النظرة و أخذت تحدق إلى الخارج عبر النافذة، و هي متجهمة تماما.
استدارت نحوه من جديد، وقالت: "لماذا تزوجتني يا بيرس؟ كان بإمكانك أن تساعد والدي دون القيام بذلك. لو انك أردت امبراطورية عائلة بتراكوس، كان بإمكانك ان تشتريها حسب طريقتك. لماذا اردت أن ترتبط بي ثانية؟"
نظر إليها بيرس للحظة، ثم استدار لينظر إلى الخارج عبر النافذة. و قال لها برقة: "لدي أسبابي، لكنك لست مستعدة لسماعها بعد." دقت كلماته تلك على وتر مألوف جدا جعل غضبها النائم يستيقظ.
أجابته بصوت أظهر دون وعي منها مزيجا من الغضب و الألم: "آه، أجل، لقد نسيت ، انت تحب أن تختار لحظتك، أليس كذلك؟ و كي أتذكر ، تترك مفاجأتك للصباح الباكر. هل علي أن اجهز سلاحي للغد؟"
استدار عند سماعه كلماتها تلك، و عيناه تظهران ندما عميقا لم يحاول حتى إخفائه. قال لها برقة: "استرخي، يا أليكس. لن يكون هناك مفاجآت هذه المرة. سوف تعرفين الوقت المناسب مثلي تماما."
سألته: "لم علي أن أثق بك؟"
ضاقت ابتسامته فيما اجابها: "هذا أمر لا استطيع أن اجبرك على القيام به. فإما ان تفعلي أو لا."
عضت على شفتها و شعرت لسبب لم يكن في الحسبان بالإنزعاج. قالت له: "غني لا أفهمك."
اجابها بلهجة غامضة: "لم تفعلي ذلك قط."
شعرت انها تكاد تختنق... استدارت و ركزت اهتمامها على العالم الخارجي، مبعدة نفسها قدر ما تستطيع عن الرجل الذي إلى جانبها.
كانت الجزيرة ممتدة امامها و قد بدت و كأنها تطفو بكسل فوق البحر الأزرق المتلألئ. كانت أليكس تنظر إليها منذ أن بدت كنقطة صغيرة في الأفق. أما بيرس فقد تعمد الغموض، فقال إنهما سينزلان في الفيلا التي يملكها على جزيرة يونانية عندما لاحظت في وقت مبكر من النهار انهما فوق اثينا، و هناك انتقلا من طائرته إلى طائرة مروحية حملتهما بقية الطريق.
اخفضت نظرها إلى المكان الأخير الذي يقصد. بدا رومنطيقيا، و أكثر اخضرارا مما توقعته. لكانت في أي وقت غير هذا تطلعت بشوق لتمضية فترة من الزمن هناك، إلا ان قلبها غار الآن في صدرها لفكرة انها ستبقى معه في هكذا عزلة رائعة. لذا، و رغم أنها تكره ذلك بشكل عام، إلا انها كانت لتعطي اي شيء مقابل أن تتجه إلى اي منتجع مزدحم خارج هذا المكان.
شعرت بعيني بيرس تحدقان بها، فنظرت حولها محاولة ان لا تتأثر عند رؤيته. لقد نزع في وقت مبكر سترته و ربطة عنقه. بدا مسترخيا قدر ما يستطيع. في هذه الحال، و نتيجة لذلك، اهتزت احاسيسها، كان من المستحيل ان تتجاهل وجوده، و كانت تجد التظاهر بعدم الاكتراث يزداد صعوبة ، الأمر الذي كانت متأكدة انه هو ايضا مدرك له.
ابعدت عينيها عنه، و سألته: "هل هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى الجزيرة؟"
اجابها بتهكم: "لا، لكنها الأسرع، لماذا؟ هل بدأت تبحثين عن طريق للهرب؟"
سألته بجهد: "و هل احتاج إلى واحدة؟" و شعرت أكثر مما رأت انه هز كتفيه بلا مبالاة.
اجابها: "من يدري ماذا يجول في خاطرك؟ لكن هناك الكثير منها، فالذين يعيشون على الجزيرة لديهم مراكب صيد، و ان أيا منهم قد ينقلك إلى البر الرئيسي ان طلبت منه ذلك، هذا ليس سجنا، يا أليكس." انهى كلامه برقة، و شعرت من جديد بتلك الموجة من الارتباك تعلو من حولها...
تذكرت ان العهود التي قطعتها على نفسها اليوم كانت سجنا بحد ذاتها. لم يكن قلقا بالطبع، على انها قد تحاول الهرب من الجزيرة، لأنه كان يعرف ان حسها الاخلاقي هو الذي سيبقيها إلى جانبه. لقد أشتراها، ألم يفعل؟
كانت تشعر أنها بخير إلى أن رأت الجزيرة، لماذا رؤيتها جعلتها تشعر فجأة، بأنها تريد اشياء كانت تعرف انه لا يمكنها أن تتوقع الحصول عليها؟ و ما الذي كانت تريده على أية حال؟ لم تكن تعرف ذلك أيضا. لم تشعر من قبل قط أنها تائهة هكذا و... خائفة هكذا.
قالت لنفسها ان لا يجب أن تكون مغفلة حالمة، و من الأفضل بكثير أن تركز على وصولهما. جالت الطائرة المروحية فوق الجزيرة، مما اتاح لها رؤية المنظر المذهل للمرفأ المزدحم، قبل أن تتجه إلى القمة الجنوبية، حيث كان بناء أبيض و سقف من القرميد يستدفئ بأشعة شمس الغروب. حطت الطائرة في بقعة مكشوفة من الأرض وراء المنزل، و فيما كان بيرس يساعدها على النزول، ظهر رجلان من خلال الأشجار التي تحيط بالمكان. و من خلال ابتساماتهما الواسعة و ترحيبهما الحار كان واضحا انهما كانا يعرفان أنه قادم إلى هنا مع عروسه.
وقفت أليكس بعيدا، و قد شعرت و كأنها دخيلة، لقد قطع جدها كل ما يربطه ببلده منذ سنين عديدة. و هكذا لم يكن أمرا غريبا أن أولاده أو أحفاده لا يتكلمون اليونانية. خطر لها أن عليها أن تتعلم اللغة اليونانية بسرعة إن كان عليهما تمضية أية فترة زمنية هنا. و عندما قدمهما بيرس لها باسم كوستاس و سبيرو اللذان يعتنيان بممتلكاته، ردت على تمنياتهما الطبية بابتسامة دافئة.
امسك بيرس بذراعها و قادها نحو المنزل فيما اهتم الرجلان بأمتعتهما. ثم سألها: "هل ترغبين بمشاهدة المنزل الآن، أو تريدين الاستراحة اولا؟"
شعرت أليكس و كأنها ستصرخ ان لم تنزع ثيابها عنها حالا من شدة الحر، لذا اجابته بابتسامة مريرة و ساخرة في آن معا: "فيما بعد. أريد ان اغتسل و ارتدي ملابس خفيفة."
تأملها ثم قال لها موافقا بصوت أجش: "تبدين متعبة قليلا. غرفة النوم الرئيسية من هنا."
كانت الغرفة التي قادها إليها كبيرة و مزينة بظلال خوخية اللون. و كانتا غرفة الملابس و غرفة الحمام على جانب واحد. فيما كان باب زجاجي متحرك يظهر منظرا نحو البحر يخلب الانفاس.
استطاع بيرس بسهولة ان يتتبع نظراتها، لذا قال لها: "لم لا تسترخين قليلا، يا أليكس؟ لقد كان يوما مرهقا. استحمي هنا، فأنا سأستعمل غرفة الحمام التي في الخارج هذه المرة... اننا لسنا على عجلة، و لن نأكل حتى وقت متأخر."
لم يكن العشاء هو ما يقلقها فيما كانت تنظر إليه و هو يدخل إلى إحدى غرف الملابس، و يخرج بعد لحظات فقط حاملا ثيابا لتبديل ملابسه. كانت تلك مناورة رقيقة أوضح من خلالها ان هذه هي غرفته، ايضا، لكنه مستعد لأن يفسح لها المجال فيها، في الوقت الحاضر، اما فيما بعد فإنه أمر آخر، على أية حال.
و مع مغادرته، اطلقت أليكس نفسا عميقا ثم خلعت حذاءها متجهة إلى غرفة الحمام. لفت نظرها حوض الاستحمام، و على الفور استبدلت فكرة أخذ دوش بأن تستلقي في المياه الدافئة لتحظى بقسط من الانتعاش.
لم يمض وقت طويل حتى فارقها التوتر و استرخت و قد اتكأت إلى الحافة و اغمضت عينيها. و من ثم راودتها الافكار، افكار مزعجة لم يعد بالإمكان تجاهلها. كان هناك الكثير لتفكر به في وقت سابق، لكن هنا، أصبح التفكير لا مفر منه. ضاقت شفتيها بمرارة. ذات يوم مر عليها وقت راغبة فقط بأن تكون مع بيرس، لكن الآن الأمر مختلف، فهذه المرة كانت مدينة له. لقد اشترى الحق في أن يبقى معها.
و انطلقت آهة من حنجرتها المخنوقة، كم تكره التفكير في ذلك، أن تهبط لدرجة أن تصبح مجرد تسديد لدين! ذلك يقلل من قيمتها و من قيمة كل ما كانت تشعر به. و جعلت تلك الفكرة قلبها يتوقف عن الخفقان لثوان قاتلة قبل أن يبدأ خفقانه من جديد بترنح. ماذا يعني وجودها و شعورها؟ لم تكن تشعر بشيء! لا شيء سوى الكره تجاه الرجل الذي استغلها و خدعها بقساوة، و رفعت يدها لتغطي عينيها.
طغى الصدق على شعورها، و ما أن وصل إليه حتى تعلق به بقوة مرغما إياها على الاعتراف أخيرا بالحقيقة لنفسها، فالسبب الذي جعلها تكره لهذه الدرجة ان تكون مجرد تسديد لدين ، هو لأنها ارادت أن يكون الزواج حقيقيا، و كانت فوق كل ذلك، تريد حب بيرس... لأنها تحبه. مما قد يجعلها من أسوأ نوع من الحمقى على قيد الحياة!
شعرت بالاختناق من شدة يأسها حتى فيما كان عندها دافع قوي للضحك. أنها كما باندورا، فتحت صندقها و لم يعد بإمكانها أن تفعل شيئا سوى أن تواجه ما نتج عن ذلك، فاعترفت أخيرا بالدور الأخير من خداع النفس. فقد كانت، حتى في الأيام الخمسة الأولى المؤلمة من الخسارة قبل خمس سنوات، تتمنى بجنون أن يأتي بيرس يوما و يعترف لها ان كل ذلك كان مجرد غلطة، و انه يحبها رغم كل شيء!
كل هذا لأنها أحبته. و كانت تحبه في ما مضى. لأنها تحبه... و ستظل تحبه دائما.
لكن لا يمكن أن تكون ما زالت تحبه! ليس بعد كل ما فعله... و ما زال يفعله. لقد استغلها، و ما زال يستغلها. كيف بإمكانها ان تبقى على حب رجل يمكنه فعل ذلك؟
لم تكن تعرف. الأمر الوحيد الذي كانت تعرفه انها تحبه بشكل لا يمكن نسيانه. و ان عرف ذلك يوما، فإنه لن يتوانى عن القيام بأي شيء، فالقوة التي ستعطيها له ستكون مطلقة.
لا يمكنها ان تعطيه هذا النصر، و عليها الآن أكثر من أي وقت مضى ان تستمر في صراعها معه، لأنها الطريقة الوحيدة للتغلب على نفسها. لذا يجب ان لا يكتشف بيرس اطلاقا القوة على اساس ضعفها. قد تكون ملزمة تجاهه و قد تضطر للقيام بكل ما يريده، لكنه لن يسيطر على قلبها كما فعل، بل عليها أن تأخذ سرها معها إلى القبر.
"ما بك يا أليكس. أين أنت؟" ردد صوت رجولي أجش من وراء الباب، و على الفور فتحت عينيها. و قد شعرت أنها في وضع غير مؤات لأي كلام. و قالت تذكره بحدة: "قلت انك ستسعمل غرفة الحمام الأخرى."
رفع أحد حاجبيه و قال: "فعلت، منذ ساعة تقريبا. خطر لي انك قد تحاولين تجنب رؤيتي لذا أتيت بحثا عنك."
تنهدت أليكس بغيظ و قالت له: "حسنا، لقد وجدتني. و الآن أود أن أحظى بقليل من العزلة."
ضاقت عيناه الزرقاوان للهجة التي تكلمت بها و قال لها: "لا تأمريني يا أليكس. اني زوجك و لست خادما، و لي كل الحق بأن أكون هنا."
كان بإمكانها انقاذ الموقف ببساطة و ببضع كلمات، لكن ذلك لم يكن في متناول يدها، لأنها لم تكن قد استقرت نفسيا بعد، مما جعل كلماته تلك تشعرها بتهديد أكبر مما جعل غريزتها تشهر دفاعاتها.
فخرجت من الحمام بعنف، بعد أن جففت نفسها و ارتدت ثيابها، ثم قالت: "آه، حقوقك. فهمت الآن، حان وقت التسديد. أليس كذلك؟"
كانت مأخوذة جدا بحماية نفسها لدرجة أنه فاتها ان تلاحظ الغضب الذي ظهر على وجه زوجها، بدا و كأنه على وشك الانفجار، و عندما توقفت عن الكلام كان قد ابتعد قليلا و صاح قائلا: "يكفي! كيف تجرؤين على التكلم عن نفسك بهذا الابتذال؟"
شعرت أليكس بالجبن قليلا، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع فقالت: "ألايسمونه كذلك عندما يشتري رجلا إمرأة؟ لقد اشتريتني، و أنا مستعدة تماما الآن لتسديد الدين. أنا امرأتك لتأمرني، ألست كذلك؟"
كانت تريد أن تخرجه عن سيطرته الباردة، و قد نجحت، لكن بطريقة لم تكن تتوقعها قط. و بعينين واسعتين، رأت الغضب الجامح يشتعل بداخله، و تنهدت فيما خطى نحوها.
صرخ قائلا: "لقد تماديت كثيرا هذه المرة، يا أليكس. ان كنت تريدين التسديد يمكنك ذلك."
و قبل أن تتمكن من أن تنبس بكلمة كان بيرس قد امسكها بقوة. تأوهت أليكس. لكن الآوان كان قد فات الآن لتتمنى لو أنها لم تدفعه لهذا الحد. كان كل ما ارادت القيام به هو حماية نفسها، لتبرهن له أنها غير مهتمة، لكنها ايقظت النمر النائم، و ها هي الآن لا تجرؤ على الإفلات منه لم يكن فيه شيء من بيرس الذي عرفته في ملاطفاته، من الرجل الذي يقمع مقاومتها انهمرت الدموع من عينيها، لأنها قادته إلى هذا، و لم يكن امامها إلا ان تلوم نفسها لما يتمخض عن ذلك من نتائج. و شعرت بالازدراء تجاه نفسها.
كانت تعرف انه ان لم يتوقف من تلقاء نفسه لن تقوى على الهروب في غمرة غضبه. لكن حتى عندما مرت ببالها تلك الفكرة المدمرة، اطلق بيرس صيحة مخنوقة و أبعد نفسه عنها. و تلك الحركة نفسها جعلته على قدميه، حيث وقف للحظة مؤلمة يحدق بها و هو يتنفس بسرعة، بدا و كأنه يقاتل الشر داخل نفسه، ثم و دون أن ينبس بأية كلمة استدار على عقبيه و ترك الغرفة، صافقا الباب وراءه.
بقيت أليكس جامدة في مكانها دون حراك، فيما انطلقت منها تنهيدة و تبعتها أخرى، رفعت رأسها في الوسادات. بكت حتى شعرت بالجفاف... و الخجل. ما حدث كان غلطتها. لقد انفعلت كثيرا، ما الذي حل بتكلفها البارد؟ لقد تبخر مع ادراكها انها لن يمكنها اطلاقا ألا تبالي ببيرس. كانت خائفة جدا من أن تعطيه القوة لأن يؤذيها ثانية، و عوضا عن ذلك، جعلته يؤذيها بطريقة أخرى.
نهضت بإرهاق لتقف على قدميها، و هرعت نحو الحمام.
و لم تكتشف عندما عادت إلى غرفة النوم ان صينية عليها ابريق من الشاي قد ظهرت بشكل مفاجئ، و انما وجدت حقائبها قد أفرغت ايضا. لم يكن أمرا مريحا ان تتصور ما قد فكر به ذلك الشخص الغير معروف عما حدث، تفكيرها ذاك جعل وجنتيها تتقدان احمرارا، و شعرت انها بحاجة ماسة لفنجان الشاي الذي سكبته لنفسها.
لقد هدأت الآن. وجدت أنها اصبحت قادرة على التفكير. كانت حمقاء، و ادركت الآن ان عليها ان تحاول ان تنقذ شيئا من هذا الخراب و إلا فإن زواجها سيتحطم. تسبب كبرياؤها بأسوأ سقطة على الأطلاق، و كان عليها أن تعتذر. اين اصبحا من ذلك؟ من يستطيع ان يقول..؟
كان الظلام قد بدأ يخيم الآن، و عرفت أليكس ان لا فائدة من النظر المتكرر إلى ساعتها، فإنها ستخبرها فقط ان عشر دقائق أخرى قد مرت، اضافة إلى الساعات التي مرت منذ تركها بيرس.
كانت تجلس على الشرفة، حيث احضرت لها كاتينا، زوجة سبيرو، القهوة قبل ساعة. لم يتساءل أحد عن العريس المتغيب، و لا عن العروس التي تناولت العشاء بمفردها. كان الصمت بليغا بالنسبة لأليكس مما جعلها تتمنى لو انها لم ترتدي ملابسها بهذه العناية، و لم تضع مكياجها لتخفي ما خلفته دموعها، كل ذلك لأجل رجل لم يظهر.
لاكت شفتيها. كان الغضب قد فارقها منذ وقت طويل ليحل محله القلق. اين هو؟ ماذا يفعل؟ هل أذى نفسه؟ هل هو مستلق في مكان ما، و قد تأذى جسديا، يتضرع طلبا لمساعدة؟ لم تكن هناك فائدة من اقناع نفسها بأن لا تكون سخيفة، انه يعرف الجزيرة جيدا. كانت كل لحظة تمر يشتد فيها الظلام أكثر و يزداد قلقها.
حتى عندما عارضت نفسها، بدا فجأة ان شعر جسدها اقشعر، و دار رأسها، فقد كان بيرس واقفا في العتمة ينظر إليها. دخل عليها دون أن تشعر، لكن هذه المرة كان الشعور الطاغي الذي خامرها هو الارتياح لأنها عرفت لو ان شيئا ما حدث له ما كانت لتغفر لنفسها ابدا. تحرك حتى اصبح في نطاق النور المضاء مما أتاح لها ان ترى بشكل ممتاز منظر وجهه المتجهم. كانت عيناه غائمتين. و لا توحيان بأي شيء. وجدت أليكس نفسها تحبس أنفاسها و قد عرفت ان عليها أن تتكلم قبل ان تخونها شجاعتها.
قالت بارتباك: "بيرس، أنا..."
"لا!" حدة تلك الكلمة جعلتها تتوقف عن الكلام. ثم أوضح باختصار قائلا: "لا يا زوجتي الجميلة، لقد قلت ما لديك في وقت سابق و الآن جاء دوري." و توقف قليلا ثم قال: "لم أحضر لأعتذر عما حدث. يا أليكس، فأنا اعرف انك ستسمرين في كرهي، أليس كذلك؟ لسؤ الحظ، اني لن اجاريك بلغتك، لن يتم الأمر على ذلك النحو. فخططي يا أليكس هو أن تأتي أنت إلي. اني أريدك، لكنني رجل صبور، سأنتظر حتى تأتي أنت إلي، و ستأتين، لأنك امرأة عاطفية، عندما يحين الوقت، ستطلبين مني ذلك، لأن ما حصل اليوم لن يتكرر." و انحنى في تلك اللحظة نحوها، مما جعل نظراته الحادقة قريبة بشكل خطير و اضاف: "لن المسك حتى تتوسلين إلي لأفعل ذلك، هل فهمت؟"
شعرت أليكس أن حنجرتها تكاد تطبق على بعضها، و خالجتها رعشة سرت في جسدها، و لم يساعدها بشيء ان تعرف انها هي من جلبت لنفسها ذلك. و ذهبت كل افكار الاعتذار مع الريح. رفعت ذقنها قليلا فيما هي تتحضر لتقوم بمعركة، و قالت: "ستنتظر طويلا."
ضحك ضحكة جنونية و اجابها: "اني مستعد لذلك، لكني لا أرى الأمر سيطول كما تتخيلين." و بعد نظرة أخرى شاملة كليا سار مبتعدا عنها إلى داخل الفيلا.
حبست أليكس أنفاسها فيما دقت تلك العبارة الأخيرة على الوتر الحساس لديها. كيف تجرأ على التفكير في أنها ستأتي ساعية وراءه؟ انه ليس بالشخص الذي لا يقاوم كما تصور! لكن ألم يكن كذلك؟ سألها صوت صغير في داخلها مما جعلها تجفل. حسنا، ربما كان كذلك لكنها استطاعت ان تحيا بدونه طيلة هذه السنين، و بإمكانها أن تستمر بالطريقة نفسها. لأنها متأكدة من شيئ واحد، هو أنها لن تتوسل إليه ابدا. ابدا. لن يكون هناك هدنة بينهما بعد الآن، انما معركة لن تستطيع تحمل خسارتها.



**************************************

يتبع...

عيوني تذبح 17-10-09 12:10 AM

مشكووره حبيبتيــ ..

ننتظر التكمله ..

mersalli 17-10-09 07:42 AM

thx bas please kamliha asra3 ne7na ktir metshaw2in :rdd12zp1::Thanx::rdd10ut5:

اسماء88 18-10-09 03:57 PM

الله يخليك لا تطولي علينا انا كتير حبيت هالروايةو تسلميل يا حلوة

redroses309 21-10-09 06:10 PM

مشكورين جمعيا لمروركم
عيوني تذبح
mersalli
اسماء88
و إنشاء الله ما أكون تأخرت عليكم كثير
و هذا الفصل الثامن و قراءة ممتعة لكل المتابعين...


redroses309 21-10-09 06:13 PM




الفصــــــــــــل الثـــــــــــــــامن




أصغت أليكس إلى صوت اندفاع الماء من الرشاش في غرفة الحمام بقلب حزين. ادارت رأسها مما اتاح لها رؤية تغضن الوسادة الثانية، حيث استراح رأس بيرس الليلة الماضية، لقد أثار أمر مشاركته الغرفة معها اول مشادة كلامية بينهما، و لقد خسرتها.
فعندما دخلت إلى غرفة النوم الليلة السابقة، كان بيرس قد ولج إلى الفراش، و توقفت فجأة عندما رأته مستندا إلى اللوحة الرأسية من السرير، كان يقرأ، لكنه رفع نظره عند دخولها.
قال ببرودة: "اعلميني ان كان الضوء يزعجك." و كأنما أمر مشاركتهما السرير كان عادة يومية، و ثار غضب أليكس. فصرخت قائلة: "بما اني لا أنوي ان أشاركك الكثير كأن أشاركك الغرفة، ناهيك عن السرير، فليس للأمر أهمية."
اجابها برقة: "على العكس يا حبيبتي، لن تنامي في أي مكان آخر." و رافق ذلك بنظرة حادة من عينيه.
عندئذ لفت ذراعيها فوق بعضهما البعض في وقفة محارب، ما من شيء على وجه الأرض يجعلها توافق على ذلك. فقالت: "لا يمكنك ان تمنعني ان استدرت ببساطة و خرجت من هنا."
لمعت اسنانه عندما ابتسم ابتسامة عريضة، و اجابها: "صحيح، لكن ذلك يجعلني مضطرا للنهوض و اعادتك، أمر أنا مستعد للقيام به، مهما يكن عدد المرات التي يتطلبها ذلك، هذه هي الغرفة و هنا ستنامين."
حدقت أليكس به بغضب جامح، مدركة أنه يعني ما يقوله، سيحملها و هي تصرخ و تركل ان اضطر لذلك.
ثم قال لها بلهجة ساخرة: "ما الأمر يا أليكس؟ هل انت خائفة مني؟" و على الفور أكلت الطعم و قد عرف انها ستفعل.
لم تقل أية كلمة، بل أكتفت بأن أخذت ملابس نومها و ذبت لتبدل ملابسها في غرفة الحمام، و كانت الاهانة القصوى عندما عادت إلى الغرفة حين وجدته و قد أطفأ النور و أدار لها ظهره. لم يشك للحظة انها ستفعل ما طلب منها! كان من المستحيل ان تستطيع النوم، بالطبع خاصة و ان أنفاس بيرس المتناغنة تتناهى إلى مسمعها، لتطلعها انه لا يعاني من تلك المشكلة. تقلبت في السرير لساعات و لم تغف إلا عند بزوغ الفجر.
و الآن اخذت تحدق بوسادته، و شيء ما اقوى من ارادتها جعلها تتقلب، لتضع رأسها في المكان المجوف منها، و تتنشق رائحته التي خلفها هناك.
جلست في السرير و اطلقت تنهيدة ازدراء للنفس لتصرفها العاطفي جدا، لديها كبرياؤها، أليس كذلك؟ لكن ذلك كان تهدئة باردة إذ انها قد عرفت منذ وقت طويل، ان الكبرياء لا يساعد الانسان خلال ساعات الليل الطويلة.
سمعت رشاش الماء يتوقف، فتشنجت على الفور، و لأنها لم تكن تتمنى في ان تدرك و هي ما تزال في السرير، مدت أليكس يدها إلى روبها الحريري الذي كان ملقى على المتكأ عند أسفل السرير، و تجمدت، لأنها وجدت عليه برعم ورد زهري رائع اللون، و انتفض قلبها ثم أخذ يخفق بجنون عندما التقطت ذلك البرعم بتردد، كانت رائحته ذكية جدا، و باعث لكل أنواع الأفكار المتهورة في عقلها، من أين أتى... و لماذا وضع هنا، على روبها؟
"وردة لوردة."
صوت بيرس غير المتوقع جعل أليكس تقفز بقوة، فوخزت ابهامها بشوكة، جفلت عندما تشنج رأسها، فقد روعها جدا دخوله الصامت، كما النبرة القوية الصادقة في صوته... و فيما كانت تشك بما سمعته، اقترب نحوها، و قبل أن تتمكن من ايقافه، أمسك بيدها متفحصا.
قال بصوت اجش: "كان المفترض ان تسعدك لا ان تؤذيك." ثم رفع يدها إلى شفتيه، و لثمها.
سبحت احاسيس أليكس بانشداه للحظة أو اثنتين، مأخوذة بنبرة صوته المهتمة الرقيقة، لم يكن هذا الرجل الذي عرفته أخيرا، لقد كان و كأنه الحبيب الذي عرفته في البداية، قبل خمس سنوات. و تذكرت أنه منذ ذلك الحين، لا يفعل شيئا دون مقابل، و نور ذلك عقلها بشكل رائع، و ازدادت حدة شكها، ما الذي يهدف إليه الآن؟
و استطاعت بعد ان أخذت نفسا عميقا ان تسحب يدها بعيدا عن تلك اللمسة المعذبة، و سألته بتهكم: "ورود، يا بيرس؟ ماذا فعلت لأستحق هذا... التكار؟ هل هو عبارة عن تقديرك؟" و حاولت ان تضمن تلك الكلمات كمية كبيرة من الاحتقار، و هي تدرك تماما ان ذلك تماما ان ذلك لمساعدتها كما له، تذكير انها يجب الا تسقط في المصيدة نفسها كما من قبل.
لكن زوجها لم يبتلع الطعم، قال: "لا شيء، ربما اني قررت ان اضع قلبي عند قدميك لتدوسي عليه هذه المرة."
افترت شفتيها عن تنهيدة صامتة، ايعقل انه يهتم لأمرها، أيعقل ذلك؟ و أتاها الرد بعنف: لا، ليس بيرس مارتينو، انه يلاعبها فقط من جديد، يحاول ايجاد طريقة للوصول غليها، و انها تعرف سببا واحدا لكل ذلك... لكي يقلل من شأن عزمها على مقاومته. بدا التجهم على وجهها فيما عبرت الغرفة نحو سلة المهملات، و رمت الزهرة فيها، و دون أية وخزة ندم للضرر الذي ألحقته ببرعم جميل بهذا الشكل، إذ اينما تواجدا هي و بيرس معا، كان يتحطم سيء جميل.
رفعت ذقنها في تعال نحوه و قالت: "لتفعل ذلك يجب أولا أن يكون لديك قلب."
سألها بيرس: "اتعتقدين أن ليس عندي قلب؟" فيما كان يتجه نحو باب الفناء، و كأنه مغناطيس، و اسند ظهره على اطاره مما جعل أشعة الشمس تبرز حركة عضلاته تحت بشرته.
انجذبت أليكس لذلك المنظر و كأنه مغناطيس، كان من المفترض أن يسرها ذلك، لكنه لم يفعل، و اجابته: "أعرف أنه ليس لديك. فلدي ذاكرة جيدة." كان هناك صباح آخر، الصباح الوحيد الذي رأته فيه على هذا النحو، يوم اهانها بإخبارها عن سبب زواجه منها. و ضاقت عينا بيرس و هو ينظر إليها، قبل أن يتوتر هو ايضا.
وعدها قائلا بنفس لهجة صوته الأجش: "لن يحدث شيء من ذلك هذه المرة، يا أليكس." و خانتها اعصابها بردة فعل عنيفة.
فقالت متظاهرة بالشجاعة، الأمر الذي لم يلحظه أحد سواها. لأنها كانت عرضة للسقوط، و بشكل فظيع أيضا: "لن ادع ذلك يحدث، لن أكون مجنونة اطلاقا لدرجة ان اجعل من نفسي عرضة للسقوط بيدك من جديد، يا بيرس."
تأملها بيرس ببرودة، ثم قال: "علينا ان نتكلم عن الماضي في وقت ما."
عرض جعلها تهز راها، و قالت: "ليس هناك شيء ليقال، كنت موجودة هناك، و اني اعرف كل ما أنا بحاجة لأعرفه."
لوى فمه بابتسامة ساخرة و قال: "و لربما رأيت ما أردت أنا أن أريك إياه. هل فكرت يوما يا أليكس؟" و دفع نفسه ليستقيم في وقفته ثم سار خطوة أو خطوتين نحوها، مما جعلها تتنفس بحدة.
اجابته اليكس بألم: "عندما يوجه احدهم إليك ضربة ساحقة، لا تنظر لترى ان كان قد طعنك ايضا، أما النتيجة فواحدة، لقد اقترفت جريمة قتل، و ان كنت فجأة قد بدأت تبحث عن الغفران يا بيرس، اذهب إلى المكان المناسب، و لا تأتي إلي!"
عرفت انها قد سجلت ضربة عندما غام وجهه وقال: "الغفران؟ ربما هذا ما أريده، لكن ليس منك، لقد اكتشفت انه من الأسهل ان يسامح الانسان الآخرين من أن يسامح نفسه."
ضحكت أليكس، انما بجهد مؤلم من خلال حنجرة منقبضة و سألته: "ايمكن حقا ان يكون هذا ندم من بيرس مارتينو العظيم؟ هل تحاول ان تقنعني بانك نادم على ما فعلت؟"
ارتعشت عضلة ذقنه قليلا، ثم سألها: "هل ذلك ممنزوع؟"
حدقت في العينين اللتين بدتا فجأة غائمتين بشيء لم تستطع فهمه، ربما كان حزنا، و ربما طلبا للصفح.
لكن واقعية تذكرها اي ممثل بارع هو، جعلها تقول: "سأخبرك ما هو ذلك، أنه أمر لا يصدق! انك قاس و متآمر كما كنت دائما، يا بيرس، و لن تستطيع ان تجعلني اعتقد غير ذلك."
استعادت عيناه صفاءهما، و امتلأتا من جديد بمزيج من الغضب و السخرية، مؤكدا فكرتها ان ما رأته لم يكن صحيحا، و تحداها قائلا: "ان كان الأمر كذلك، لماذا امضيت الليل ملتفة بين ذراعي؟" الأمر الذي سلبها انفاسها.
صرخت قائلة: "لم افعل ذلك قط! لقد كنت على جهتي من السرير عندما استيقظت."
رفع احد حاجبيه عاليا و قال: "ذاك فقط لأني وضعتك هناك. لأنك سمحت لي بذلك أخيرا، إذ عندما حاولت أن افعل الشيء نفسه في ساعات الليل الأولى، رفضت أن تتركيني، لقد كنت رقيقة كهرة صغيرة أنما متشبثة بي كما العليقة، و رغم اني شعرت برغبة لإيقاظك و سؤالك عن سر انقلاب الأمور رأسا على عقب، إلا اني فكرت انك قد تفضلين ان تستيقظي على راحتك."
اتقدت وجنتاها احمرارا، و صاحت قائلة: "انك تكذب!"
"ليس بما يتعلق بهذا الأمر، يبدو ان حسك اللاواعي يعرف اين ترغبين في أن تكوني؟ انه كبرياؤك العنيد الذي يمنعك من الاعتراف بذلك علانية."
تألمت بينها و بين نفسها حيث أجبرت على قبول الحقيقة، و سألته: "لكي تتمكن من تأمل انتصارك برضى و حبور؟"
اطلق بيرس تنهيدة معاناة طويلة، و قال: "أذكر بأنني اخبرتك ان هذه المرة ستكون مختلفة، ليس عندك الكثير من الثقة بي، يا حبيبتي."
"لقد شفيتني من سذاجتي منذ فترة طويلة، اتعجب لأن ثقتي بكلامك قد تبعثرت ايضا؟ كما في قصة هامبتي دامبتي، هناك اشياء لا يمكنك اطلاقا اعادة جمعها ثانية."
خرجت تلك الكلمات من بين شفتيها بما حوتها من مرارة كبيرة، ربما انها ما زالت تحبه، لكنها تشك في انها قد تثق به من جديد بشكل مطلق يوما.
بقي بيرس هادئا تماما للحظة فيما كانا يحدقان ببعضهما البعض، ثم مد يده ليمرر اصابعه على وجنتها، و تمتم قائلا بغموض: "اننا نحصد ما نزرعه فقط." ثم رفع كتفيه بلامبالاة و اتجه نحو غرفة ملابسه مضيفا: "ارتدي ملابسك، يا أليكس، سنبحر في نزهة على متن اليخت بعد الفطور."
اربكتها لهجته الآمرة كثيرا لدرجة أنها ردت عليه بشكل صبياني قائلة: "ربما أنا لا أريد الذهاب بنزهة على متن اليخت!"
استدار نحوها فيما كانت على وشك الخروج من الباب و هو يبتسم ابتسامة ساخرة، ثم قال: "قلت لي ذات مرة انك تحبين الابحار، هل تنوين قطع انفك لتغيظي وجهك؟"
وضعها في موقف حرج، لكن فكرة ان تتشبث بموقفها، و تضيع على نفسها فرصة الابحار فوق المياه الصافية المتلألئة، كانت مؤلمة جدا، فقالت على مضض: "لا."
و ضاقت ابتسامته ليحذرها قائلا فيما هو يختفي: "إذا، ارتدي شيئا ليحميك فقد تكون الشمس حادة جدا هنا، و لا أريدك أن تمرضي في اليوم الأول من شهر عسلنا."
و تركها مع شعور مزعج بأنها قد هزمت بأكثر من طريقة واحدة، لقد بيرس معاملته لها بين ليلة و ضحاها، و عليها أن تبقى محترسة جدا، لكن حتى ذلك لم يسطع ان يخفف حماسها للنزهة البحرية التي عرضت عليها، لذا ذهبت على غير عادتها بقلب فرح لتستحم و ترتدي ملابسها.
كان يوما لا يمكن ان ينسى ابدا، حيث كان بيرس يرتدي سرولا من الجينز، و يدير دفة اليخت نحو عرض البحر، اما أليكس فقد كانت ترتدي سروالا قطنيا و بلوزة واسعة قطنية لونها ازرق ضارب إلى اللون الأرجواني، لون بحري جميل ، كان من المستحيل ان تبحر بمركب و تبقى في مزاج سيء، لذا لم يمض وقت طويل حتى استرخيا كلاهما و اخذا يضحكان. قد يكون ذلك نتيجة لدفء الشمس، أو لصوت المياه الصادر من تحت المجاذيف، أو ربما فقط نتيجة للشعور الرائع الذي يحدثه النسيم و هو يتغلغل في شعرها، و فجأة أدركت أليكس أنها لأول مرة منذ فترة طويلة تشعر بالسعادة.
منتديات ليلاس
و تخلت عن حذرها.
أتيحت الفرصة لأليكس، بعد ان رفعت الأشرعة، لتجلس و تراقب بيرس فيما كان يقف عند دفة المركب، و ساقاه الطويلتان ثابتتان ، و كأنه معتاد على هذا المحيط، و انه يشعر بالارتياح و هو يرتدي سروالا متواضعا اكثر من ارتدائه بذلات غاليه الثمن، كان من المستحيل ان تنظر إليه و لا تشعر بأن قلبها قد ازدادت خفقاته، فلم يكن هناك كلمة مناسبة لوصف روعة هذا الرجل، و كل ما كانت تدركه، هو أنها تراه جميلا جدا.
بدا في عينيها مزيج من تعابير التوق و الكآبة لتلك الأفكار، توق لو أن الأمور كانت مختلفة، ثم طردت تلك الأفكار من رأسها، لأن النهار كان جميلا جدا لكي يفسد بهذه الافكار الحزينة، و عندما استدار بيرس، بعد دقائق قليلة، ليبتسم لها لم تستطع إلا ان ترد له الابتسامة بمثلها.
سألها و هو يشير إلى المقود: "ما رأيك بقيادة الدفة؟" و لم تتردد في قبول التحدي.
كان احساسا ذكيا بالقوة لشعورها ان المركب يستجيب لأصغر أوامرها، لكن ما من شيء كان يشبه السلام بينهما لأول مرة، و ها هما متفقان مع بعضهما البعض، و مالت براسها إلى الوراء و هي تضحك بفرح.
فعلق بيرس على ذلك قائلا: "هل اعتبر انك سعيدة لأنك اتيت؟" و كان بغمكانها ان تسمع رنين ضحكته في صوته.
مالت أليكس برأسها غلى الوراء أكثر، و نظرت إليه بعينين لامعتين و قالت: "لم ألاحظ كم افتقدت لهذا." لم يكن هناك الكثير من الوقت لديها للتسلية مؤخرا.
ظهرت في عينيه نظرات رقيقة فيما كانتا تتأملان ملامحها، ثم طبع قبلة سريعة على خدها، و قال: "آه، فكرت انها قد تسرك." قبل أن يمد يده ليوجه الدفة التي انزلقت من بين اصابعها، قائلا: "انتبهي إلى مسارك."
اجبرت أليكس نفسها، و قلبها يخفق بسرعة، على ان تركز على ما تقوم به، لكن ذلك بدا صعبا، فتلك القبلة القصيرة سرت في جسمها و كأنها صدمة كهربائية قوية. إلا ان كلماته هي التي جعلت حاجبيها يقطبان قليلا.
فسألته بصوت أجش: "ألهذا نحن هنا، لتسرني؟"
فأجابها برقة: "ألديك فكرة أفضل؟"
ارتجفت أليكس كردة فعل على دفء نبرة صوته، و أجابته: "لتسرك."
أجابها بيرس ببساطة: "سرورك يسعدني، يا أليكس."
و مال برأسه نحو رأسها، و رفع يده ليشير إلى نقطة أمامها، قائلا: "هل ترين تلك الجزيرة؟ اعتقد اننا سنرسو هناك لتناول الغداء. يمكننا ان نسبح ايضا، ايبدو ذلك جيدا؟"
تملك أليكس شعور جنوني لدرجة أنها لم تعرف اهي واقفة على قدميها ام على رأسها. فأجابتته بحدة: "كثيرا."
ثم سألته ببساطة: "بيرس، لماذا تفعل هذا؟ لماذا اصبحت لطيفا جدا معي فجأة؟"
اجابها دون تفكير: "ألا تعتقدين أنك تستحقين ان تعاملي بلطف؟"
"هذا ليس ما أتوقعه منك، لا بد من وجود دافع آخر."
"هناك دافع آخر."
حول ذلك الأعتراف قلبها إلى ثلج، فقد بدا و كأنه يؤكد كل ما فكرت به، فقالت و طعم مرارة الغضب على لسانها: "لتحملني إلى الاستسلام دون قتال."
أجابها: "كان بإمكاني القيام بذلك في أي وقت، و أنت تعرفين ذلك."
كانت تلك حقيقة لم تزعج نفسها بنكرانها، انه يملك جاذبية لا تقاوم، لا يمكنها ان تنتصر عليه، و بكل صراحة لم تكن تريد ذلك، لكن إلى اين اوصلها ذلك الآن؟ و سألته: "إذا، ما الذي تريده؟"
نظر بيرس إليها و عيناه الزرقاوان تظهران عمقا مدهشا من ازدراء الذات، ثم قال: "معجزة، و ليس هناك العديد منها هذه الأيام، كم تعتقدين مدى امكانية حدوثها؟"
حبست أليكس أنفاسها، بدا و كأنه يجس نبضها، باحثا عن اجابة لسؤاله في اعماق نفسها، حتى بدا تقريبا غير متأكد، متردد. جاء جوابها مزعزعا لرجائه إذ قالت: "قليلة جدا."
ضحك لذلك و قال لها: "نتجه أنا و أنت على الاتفاق على اشياء أكثر كل يوم، هاتي، من الأفضل ان تدعيني استلم القيادة، لم لا تنزلين إلى الأسفل و ترين ما حضرته لنا كاتينا؟"
فعلت ما اقترحه عليها فقط لأنها كانت بحاجة لكي تفكر، لقد اعتقدت هذا الصباح انها ادركت ما يسعى إليه، اما الآن فإنها لم تعد متأكدة تماما، قال معجزة، لكنه لم يحدد أي نوع من المعجزات، و هذا يعني ان هناك امرا يريده، لكنه ليس متأكدا من أنه يستطيع الحصول عليه. و ذلك كان أمرا لا يصدق بالنسبة لبيرس. لقد عرفت من الخبرة انه عندما يريد شيئا يفعل ما بوسعه حتى يناله، ألم يستغلها حتى يستعيد أسطول السفن التجارية، ألم يستغل اخلاصها و حبها لوالدها لكي يرغمها على الزواج منه ثانية؟
لم تحمل تلك الشكوك أي تفسير عقلاني تماما كما لتغيير في تصرفاته منذ اللحظة التي تزوجا فيها، مرت اوقات كان يتصرف و كأنه حبيب، يفعل اشياء ليثير البهجة في نفسها، ليجعلها سعيدة، و كأنه أراد هذا الزواج ان يكون زواجا حقيقيا، و ليس مجرد عقد كما كانا متفقين. لماذا شعرت و كأنها على وشك اكتشاف شيء مذهل؟
قطع صوت بيرس حبل أفكارها بقوله: "هل انت بخير في الأسفل؟"فرفعت رأسها بقوة و لاحظت متأخرة أنهما قد رسيا.
صاحت قائلة: "اني قادمة!" و أخذت صندوقا مبردا صغيرا مدفوعا تحت الطاولة. أمسكت به و سحبته و كانت على وشك الصعود إلى سطح السفينة عندما ظهرت ساقان طويلتان على الدرج، و مد بيرس يديه ليأخذ الصندوق منها، تلامست أصابعهما، و ارتفعت عيناها إلى عينيه، لتلتقي و تتخبط في الدفء الذي وجداه هناك.
قال لها: "يبدو و كأنها وضعت طعاما يكفي لمعسكر، هل تريدين أن تأكلي الآن، أو تسبحين أولا؟"
تخلت أليكس عن بذل الجهد لمحاربة الارتباك الذي تسببه لها تصرفاته. اضافة لذلك، كانت تعرف في اعماق نفسها انها ليست مضطرة حقا للتفكير على الاطلاق. قد يكون ذلك ذروة الجنون، لأنها اليوم كانت ببساطة على استعداد لتقوم بخطوة...
لذا ابتسمت له ابتسامة عريضة، و قالت: "اني اتوق للسباحة."
قال و عيناه تلمعان: "اذكر انك كنت فتاة البحر في الماضي، فقد كان من الصعب اخراجك من البحر عندما تنزلين إليه."
تنهدت بغضب و قالت: "أحب ذلك! لقد كنت كذلك ايضا، لا بل أسوأ. انه لمن العجب كيف يمكنك انجاز أي عمل!"
نظر إليها نظرة ساخرة و قال: "لم تحاولي مقاومتي كثيرا. و لقد كنت في الحقيقة مذهلة أكثر من المياه."
مسحت تلك الكلمات الابتسامة عن وجهها، تاركة إياه منزعجا. و أجابته بحدة: "أوه، اني اشك بذلك، رغم انك قمت بمحاولة جيدة لتتظاهر بذلك."
أجابها بيرس بعد هنيهة: "كانت عاطفتي نحوك صادقة جدا، يا أليكس، ذلك أمر لا يستطيع الرجل التظاهر به."
استدرات بسرعة، و شفتيها ملتويتان بسخرية.
و قالت: "على أية حال اصبح ذلك من الماضي الآن." إلا انها لم و لن تنساه. و أضافت بتحدي: "ساسبقك وصولا إلى الشاطئ." و قفزت إلى حافة المركب و غطست بهدوء في المياه المتلآلئة.
لم يكن هناك مجال للمنافسة، لكنها كانت تعرف ذلك، عندما قامت بالتحدي، و كان اقتراحها ذاك فقط ليحولهما عن موضوع مؤلم جدا، فلطالما كان بيرس هو السباح الأفضل، إلا انه فاجأها بالبقاء على مقربة منها و لم يسبح بسرعة و قوة متزايديتين كما تصورت انه قد يفعل. و صلا إلى الشاطئ معا، و سارا بترنح إلى حيث المياه الضحلة ليرتميا على الرمل الرطب، تاركين الأمواج الرقيقة تدغدغ ساقيهما.
و بعدما ألتقطت انفاسها و اصبح بإمكانها الكلام، قالت: "كانت المسافة ابعد مما تصورت. اني متعبة."
استدار بيرس على صدره، بجانبها و اجابها: "ما كنت لأقول ذلك، تبدين في حالة جيدة جدا من هنا." كلماته جعلتها تدير رأسها بسرعة.
حدقت في عينيه و هما ترمقانها بدفء، مما جعل وجنتيها تزدادان احمرارا. أعادت التوتر إلى صوتها بشكل غرائزي فقالت: "لا حاجة لأن تغازلني."
نظر إليها بتأمل و قال: "اعرف، لكني استمتع بذلك."
كتمت آهة، و قالت: "حسنا، اني لا افعل."
مد بيرس يده ليبعد خصلة شعر ملساء عن وجهها، و قال: "ما عهدك ابدا كاذبة هكذا."
ردت قائلة: "لا يمكنني أن اقول الشيء نفسه عنك، أليس كذلك؟" متوقعة ان تثير غضبه، لكن بدلا من ذلك اكتفى بأن أومأ برأسه موافقا.
و قال: "اني ادهش لنفسي كم كنت بارعافي ذلك، لكن اتعرفين ماذا يقولون؟ الأخطاء التي تقومين بها مجتمعة عليك أن تدفعي ثمنها واحدة واحدة."
كانت هناك نبرة في صوته جعلتها تتجهم، و سألته: "و هل أنت تدفع؟"
تنهد بيرس و أراح ذقنه على يده ليجيبها قائلا: "اني ادفع منذ فارقت أول كذبة شفتاي. أمر يجب أن يسرك، يا أليكس، ألا تريدين ان تريني أتألم؟"
كان سؤالا مباشرا، اجابه قلبها دون اي تردد، لا، انها لا تريد ان تراه يتألم، و لاحظت فجأة بعد كل هذه السنوات انها ليست راغبة بالانتقام، لا يمكنك ان تحب شخصا و ترغب في رؤيته يتألم. و لا اهمية لما قد تقوله أو تفكر به في لحظة الانفعال الشديد.
لك تستطع رغم ذلك، الاعتراف له بمكنزنات قلبها، لأن ذلك سيجعلها عرضة للسقوط بيده أكثر، لذا كان من الاسهل ان ترفع درعها لتخفي عينيها، و تقول برقة: "اني لا استمتع برؤية احد يتألم، هناك الكثير من الألم في هذا العالم."
فقال لها بصوت أجش: "شكرا." عندها كان عليها ان تنظر إليه متسائلة: طعلى ماذا؟"
ظهرت ابتسامة على شفتيه تحمل مزيجا من المرارة و السخرية، و اجابها: "على ذكري في كلامك هذا، لطالما كنت امرأة كريمة و محبة، اني سعيد لأرى ان كرمك لم يمت، ماذا عن النحبة؟"
لم يكن هناك مجال للكذب، أو للاجابة عن سؤاله، فجلست بشكل مفاجئ، و هي تعرف ان وجهها يظهر ما في نفسها، فأجابته متعمدة اساءة فهمة: "ان كنت تحاول ان تعرف كم عدد المحبين الذين لدي، إذا، اهتم بشؤونك الخاصة."
قال لها بيرس بهدوء: "ليس لديك أيا منهم." و كاد قلبها يتوقف عن الخفقان للحظة قبل أن يتابع خفقانه بجنون.
و اخذت تحدق به بانشداه، و سألته: "ما... ماذا؟" كيف عرف ذلك؟ و خطر لها الجواب على الفور، فسألته بغيظ: "هل تقصد ان تخبرني بأنك كنت تلاحقني؟"
قال: "افضل القول اني ابقيت عليك عينا صديقة."
صرخت اليكس بغضب شديد قائلة: "لم نكن صديقين يوما، يا بيرس، ثم كيف تجرؤ على التجسس علي؟"
قال لها برقة: "كيف كان بإمكاني ان اعرف انك في مأزق و بحاجة لمساعدتي؟ و عندما يصل الأمر إلى الصداقة، فإنها تقيم على مدى رغبة اولئك المستعدين لمساعدتك عندما تكونين بحاجة لذلك و نسبة لذلك، انني افضل صديق لك."
كان على حق تام في ما قاله. رغم ان الاعتراف بذلك و قوله بتلك الطريقة، مؤلم. رغم ذلك قالت: "لم تكن تساعدني، كنت تساعد نفسك للوصول إلى شركة ابي!"
"لم أكن أريد و لا كنت بحاجة للشركة، فقد ظن مستشاريي الماليون اني احمق لأخذها كما هو حالها، لأنها سوف تبتلع المال كجرة دون قعر. لو أنها كانت لأحد غيركم لكنت تركتها تتحطم."
رفعت يدها إلى صدغها و هي تحدق به غير قادرة على تصديق ما تسمعه، سألته: "أتقول أنك أنقذت الشركة من أجلي فقط؟"
فأعترف لها بفظاظة قائلا: "ما من شيء آخر كان ليغريني بإقحام نفسي فيها."
"لكن... لماذا؟"
رفع احد حاجبيه و سألها: "لماذا؟ هل قرأت شعر لوفليس يوما؟"
تجهم وجهها أكثر و سألته: "الشاعر؟ لا."
"إذا، ربما عليك القيام بذلك." كان جوابه الوحيد فيما وقف و مد لها يده، أمسكتها أليكس بشكل عفوي، و عيناها تبحثان في عينيه فيما هي واقفة امامه. لكن بيرس ابتسم ابتسامة مبهمة فقط و قال: "لنعد، اني جائع، و بشرتك بدأت بالاحمرار. انك بحاجة لتضعي شيئا عليك و إلا فإنك ستحترقين..."
لم يكن امام أليكس الكثير لتقوم به فيما كان ممسكا بيدها و متجها نحو المياه، رغم أن رأسها كان يعج بالأسئلة، ومن جديد بقي بيرس على مقربة منها فيما سبحا عائدين إلى اليخت، و تسلقه أولا ليساعدها على الصعود، إلا انه احبط عزمها ايضا لسؤاله، و ذلك بأن رمى إليها منشفة و حول انتباهها إلى الصندوق النبرد.
وضع بسرعة كبيرة مجموعة من الاطعمة على مقعد الجلوس الطويل بينهما، كما أنه فتح زجاجة من الشراب.
منظر الطعام جعلها تدرك كم هي جائعة، و تخلت عن كل افكارها لتتحول إلى الطعام.
لم يتكلم أي منهما كثيرا فيما هما يتناولان انواع السلطة المختلفة و اللحوم المبردة. استرخت أليكس من جديد، و عندها اخذت قضمة من البندورة لسوء الحظ سالت البذور على ذقنها و لم تستطع إلا ان تضحك.
قال بيرس: "من الجيد رؤيتك غير متجهمة." و ضحك هو ايضا، فيما جلس القرفصاء امامها و امسك بذقنها و أخذ يمسح عنه بمنديل ما سال عليه.
ماتت ضحكتها، و أجابته: "لم يكن هناك الكثير مما يثير الابتسام." و توترت في داخلها، لأنها كانت متأثرة جدا بلمسته.
سكن بيرس، و قال: "اعرف ماهية ذلك الشعور."
و نظرت إليه نظرة ملأى بالشك قائلة: "حقا؟ اعتقدت انك كنت تضحك طوال الطريق إلى المصرف! اعني اسطول السفن التجارية الذي سرقته من جدي، لم يكلفك شيئا، لكنه زادك ثراء منذ ذلك الحين!"
اختفت تلك النظرة الغريبة عندما اسدل اهدابه، و نظر إليها بثبات قائلا: "غريب كيف أن الأمور تؤول دائما إلى هذا الأمر، انك تعرفين الحقيقة، يا أليكس، رغم انك ترفضين ان تتقبليها."
ضاقت عيناها و صاحت: "كان مصدر كبريائه و فرحه!"
لمع الغضب في عينيه ايضا و قال: "إذا، لماذا تركه يهترئ؟ كان رمزا، يا أليكس، تذكير دائم كيف استطاع ان يخدع جدي، عدوه اللدود، لو اصلحه لكان عاد عليه بثروة، لكنه فضل ان يراه يهترئ على ان يبيعه. لم آخذ شيئا ليس لي شرعا."
كانت على وشك انكار ذلك بقوة، لكنها توقفت لأن ما قاله يحمل صدى الحقيقة. لطالما اعتبرت دائما ان جدها كان يحب اسطول السفن، ان كان كذلك لماذا تركه يهترئ؟ ليس لأنه كان يفتقر للمال، لأن تكاليف اصلاحه بالنسبة إلى يانيس بتراكوس كانت لتكون كنقطة ماء في المحيط، بدا ذلك و كأنه من أجل لذة الانتقام. من اجل الكراهية التي أصر بيرس على انها كانت تواجه كل اعماله. أولم تعرف دائما ان جها كان رجلا قاسيا؟ كان سمح النفس طالما أنت تفعل ما يريده و تعرف حدودك، و لم يكن والدها على استعداد لقبول ذلك، لذا غادر ليشكل حياته الخاصة، حياة لم تكن تحمل أية ضغينة تجاه عائلة اندرياس.
هزها بيرس، الذي كان يراقب تعابير وجهها المتغيرة فيما طال صمتها، و سألها برقة: "هل فهمت الآن؟"
لقد فهمت، لكن كان هناك الكثير غير ذلك، فقالت بصوت مرتعش: "و ماذا ان فهمت؟ فذلك لا يبرر شيئا. فالغاية لا تبرر الوسيلة، ذلك لا يبرر الطريقة التي استغليتني بها لتستعيد السفن دون أي مقابل!"
تركها بيرس و نهض و على وجهه تعبير ساخر، و قال: "على العكس، لقد دفعت ثمنا غاليا جدا."
صعقتها تلك العبارة البسيطة، فنهضت على قدميها على الفور و صاحت قائلة: "ماذا تعني؟ كنت هناك، أتذكر؟ لم تدفع له مالا."
ارتسم على شفتيه التواء قاس فيما هو يتأملها و قال برقة: "كانت هناك أمور أهم بكثير من المال." و بدأ يجمع ما تبقى من وجبتهما.
راقبته أليكس بتوتر جامح و قالت: "ماذا يعني ذلك؟ ويحك يا بيرس، لا يمكنك أن تقول عبارة كتلك و لا تشرحها."
ضحك انما بتجهم و علق بقوله من فوق كتفه: "ألم تتعلمي بعد اني استطيع ان افعل اي شيء أريده؟ اضافة لذلك، أنك لست مستعدة بعد للاصغاء إلى تفسيرات."
ثم تجاهلها، نظر إلى الشمس و أضاف: "لقد حان الوقت لنعود، سنتأخر ان انطلقنا الآن، و أنا لا أريدهم ان يرسلوا فرقة للبحث عنا."
قال ذلك و هو يقف إلى جانب العارضة الخشبية، تاركا أليكس تختنق بغيظها، فقالت بحدة: "ذلك لن يجدي نفعا."
"لا تكوني متذمرة، ستجعلينني اعتقد انك اصبت بالاحباط."
صرت أليكس على اسنانها و قالت له: "احيانا احتقرك فعلا، يا بيرس مارتينو."
التقط الصندوق المبرد، و سار نحوها ليعطيها إياه، إلا انه لم يتركه على الفور عندما أمسكته، سألها برقة: "لكن ماذا عن الأوقات الأخرى؟ بماذا تشعرين نحوي عندها يا أليكس؟"
أجابته: "أحاول في الأوقات الأخرى ان لا أفكر بك أبدا."
و أمسكت بالصندوق، الذي تركه أخيرا.
ضحك ضحكة خافتة و قال برضى: "إذا هناك أمل لي بعد، فطالما أنك ما زلت تحاولين، فإني استنتج من ذلك انك لم تفلحي." ثم احنى رأسه نحوها.
رفعت أليكس على الفور يدها الطليقة لتبعده، ثم ذكرته قائلة و ان بشق النفس: "قلت لن تلمسني!"
اتسعت ابتسامته ورفع يديه بعيدا عن جسمه و قال: "أنظري. يداي بعيدتان." و أحنى رأسه ليطبع على وجنتها قبلة سرقة انفاسها و جعلت النار تجري في عروقها.
ارتجفت و لم تعد تقوى على كبح ردة الفعل التي يريدها.
لكن، من حسن حظها انها كانت تمسك بالصندوق. شكرت حظها على انها لم تتماد عندما ابتعد بيرس عنها بعد دقائق قليلة فقط.
كانت عيناه الزرقاوين تظهران عاطفة مكبوتة حين قال: "اني احافظ على وعدي دائما، يا أليكس... إلا إذا كنت تريدينني ان استمر؟"
لم تكن تريده ان يفعل، و كان يعرف ذلك، و كان هذا هو السبب الذي جعلها ترجع خطوة إلى الوراء بساقين مرتجفتين، و اجابته: "قلت ان علينا العودة."
انتصب و قد زالت نظرة العاطفة لتحل محلها نظرة مرحة و قال: "بإمكانك أن تجعليني ابدل رأيي."
أخذت أليكس نفسا متقطعا و قالت: "لا أريد أن أفعل ذلك."
قال لها: "سأفعل يوما ما تطلبه مني عيناك، و ليس ما تقوله شفتاك، حينها لن تقاومي حتى." و ذهب ليرفع المرساة.
أخذت تحدق في ظهره، و هي تعرف ان ذلك صحيح، كان القتال يصبح اصعب أكثر و أكثر عندما تكون هي العدوة اللدودة لنفسها. تنهدت تنهيدة عميقة و نزلت إلى الأسفل.




***********************************


يتبع...

mersalli 22-10-09 02:08 PM

thx 3al part el helou
bas please kamliha asra3
3am nez3ejak bas el rewyeh ktir helwe :7_5_120:

csi 25-10-09 09:12 PM

hi
bgd 2l rwaayaaaaa gmdaaaaaaaaaaaaaaaaa w 27na mntzreenha bshoo2

redroses309 25-10-09 11:35 PM

هلا وغلا
mersalli
csi
و مشكورين على المرور

redroses309 25-10-09 11:38 PM



الفصــــــل التــــاســــــع


كان موعد العشاء قد حان تقريبا عندما رسى اليخت في الميناء. لم يعرض عليها بيرس محاولة قيادة الدفة مرة أخرى. أما أليكس فقد كانت غارقة في أفكارها الخاصة لمجرد الحلم حتى في ان تطلب ذلك. كان لديها الكثير الكثير لتفكر به، فكثير من الأشياء قد اتضحت لها أخيرا، كان في كل مرة القليل فقط يقال فيزاح بعض الغموض.
و خامرها احساس متزايد بأن شيئا مهما و حيويا سيتضح لها عندما يزول آخر وجه من هذا الغموض.
منتديات ليلاس
لم يكن هناك شك الآن في تصديق روايته في ما يختص بأسطول السفن التجارية، و عرفت فيما هي تفكر بالأمر الآن، بمعزل عن ألم خيانته الذي لطالما ضلل حكمها، ان بيرس كان يقول الحقيقة دائما. لكن، كما قالت له ان ذلك لا يبرر ما فعله، و مع هذا فإن الأمر اصبح غير واضح تماما الآن. ان اضفنا له ما قاله بأن مساعدته لوالدها كانت من أجلها... و فجأة لم تعد تعرف بماذا تفكر. لقد خمدت حدة غضبها.
كم تمنت لو أنه اخبرها ذلك من قبل، لكن حدسها جعلها تعترف بأنها ما كانت لتصدقه. قال أنها ليست على استعداد بعد لسماع ما يريد قوله، و لم تكن كذلك، إلا انها كانت تقترب من تلك الحالة الآن. لكان الأمر مختلفا حتى قبل أسبوع، اما الآن فإنها تريد أن تسمع... لو أنه يتكلم فقط.
تعثرت فيما كانت تخطو نحو حاجزالماء على الميناء، إلا ان حركة بيرس السريعة أنقذتها من الاصطدام بالاسمنت و سحبها بثبات نحوه، رفعت نظرها إليه، مباشرة إلى تلك العينين الزرقاوين اللتين لا يسبر غورهما.
سألها بيرس بصوت بدا مضطربا: "هل أنت بخير؟"
و أجبرت أليكس نفسها على أن تطلق ضحكة متوترة من حنجرة مطبقة. و قالت مازحة: "لا اعتقد اني استعدت قوة ساقي المتخدرتين بعد؟" فيما كان صوت في داخلها يقول لها ان كل ما عليها القيام به هو ان تلغي الفجوة الصغيرة التي بينهما.
قال لها: "إذا، علي ان احملك، أليس كذلك؟" و أقرن القول بالفعل قبل أن تتمكن أليكس من الأعتراض، و لم تكن تنوي ذلك. حملها إلى عربة الخيل التي أحضرها إلى هناك، تاركة نفسها للسعادة التي هي على مقربة منها.
وضعها في مقعدها، و بقي بيرس منحنيا فوقها و سألها برقة: "هل احصل على شكر؟"
و قررت أليكس فجأة أنه كفاها التفكير مرتين. و لم تفكر هذه المرة على الاطلاق، انما قبلته قبلة رقيقة، و سألته برقة مماثلة: "هل تفي هذه بالغرض؟" فانتصب و هو يتأوه.
و اجابها بسخرية لطيفة: "ليس كثيرا، أنما هنا في العلن، إنها كل ما يمكنني أن ارجوه." و استدار ليجلس في مقعده تاركا أليكس و قد اتقدت وجنتيها.
كانت الرحلة غلى الفيلا قصيرة، انما كافية بالنسبة إليها لتعترف بأنها قطعت مسافة طويلة منذ الأمس، حتى منذ هذا الصباح، و أنها تقوم بأشياء في العلن كانت لتقاتل ضدها بيديها و اسنانها قبل ساعات قليلة فقط، ربما السبب في ذلك يعود إلى الجزيرة، أو لعدم عدائية بيرس. لكنها كانت تدرك ايضا أنها لم تعد تهتم كثيرا لكبريائها.
التقتهما كاتينا التي كان قلقها واضحا عندما دخلا إلى الفيلا ليجدا حشدا من اليونانيين، الأمر الذي أثار حيرة أليكس و جعل بيرس يقطب حاجبيه.
سألته أليكس: "مشاكل؟" عندما عادت مدبرة المنزل إلى المطبخ.
اجابها و قد بدا غارقا بالتفكير: "اتمنى ألا يكون كذلك. كانت الشركة تحاول الأتصال بي، هذا كل ما في الأمر." كان ينظر إليها و هو يتكلم، فابتسم و اضاف: "لن يتطلب ذلك وقتا طويلا، سأنضم إليك بعد ذلك لتناول العشاء."
راقبته أليكس فيما كان يبتعد، ثم اتجهت إلى غرفة النوم. كانت مدركة تماما فيما كانت تستحم و تبدل ملابسها انهما على ابواب نقطة تحول. و مع ذلك أتجرؤ هي على القيام بتلك الحركة المهمة فقط لأجل ما حدث خلال يوم واحد؟ ارادت ذلك، لأنها تحبه، لكنها بحاجة لتعرف ان كان هو يهتم بها حقا. و لم يكن هناك سوى اثبات بسيط على ذلك حتى الآن، لذلك ما زالت مترددة.
رغم ان بيرس لم يعد إلى غرفة النوم قبل ان تغادرها، إلا انه لم يمض وقت طويل حتى انضم إليها في غرفة الجلوس. و مع ذلك، فقد بقي منشغلا بأفكاره طوال فترة تناول الطعام.
كانت اجاباته لمحاولاتها الهادفة لإقامة محادثة بينهما قد اصبحت مختصرة بشكل متزايد، لذا توقفت أليكس عن ذلك أخيرا.
و استمر الصمت طويلا حتى بعد ان خرجا إلى الشرفة لتناول القهوة. و وجدت نفسها تحدق في ظهر بيرس فيما كان واقفا يتأمل البحر. فقررت عند ذلك بأنه يكفي إلى هذا الحد.
فسألته: "ما الخطب يا بيرس؟" و عيناها تنظران إلى عضلات ظهره المشدودة تحت سترته البيضاء.
لابد أنه كان سارحا بعيدا جدا، لأنه جفل عند سماع صوتها، و استدار نحوها و هو يبتسم ابتسامة اعتذار و قال: "آسف، هل كنت اتجاهلك؟"
صرت أليكس على اسنانها و قالت بنوع من الحدة المرتبكة: "لا تحاول التظاهر هكذا. هناك خطب ما، أليس كذلك؟ ألا يمكنك ان تتكلم عنه؟"
لم يقل شيئا، بل سار ليجلس على المقعد إلى جانبها، و وضع ساقا فوق الأخرى. ثم قال: "ليس هناك من شيئ لتزعجي نفسك بالتفكير فيه. من المفترض أن تكون هذه عطلة."
كان ذلك المسار الخاطئ، إن كان يفكر في أن يحول انتباهها عن الأمر. ضاقت عيناها و قالت بإصرار: "انها ليست عطلة. انه شهر عسل. أنا زوجتك." و شعرت بإعتصار في معدتها لصدى الملكية التي توهي بها تلك الكلمات إلا انها تابعت: "إن لم يكن بإمكاني القيام بأي شيء، على الأقل استطيع ان استمع و احاول تخفيف العبء."
نظر بيرس إلى قهوته، ثم اجابها بلهجة ساخرة: "لقد اخترت وقتا ملائما لتبدأي في تثبيت وضعك." و سرت في جسدها رجفة لتلك الكلمات.
جعلها ذلك الاستنتاج تتوقف فجأة و تفكر قبل ان تقف على قدميها، شيء ما لم يكن يبدو صحيحا، و ضغطت على شفتيها عندما ادركت ما هو. فقالت بثبات: "لا يمكنك ان تجعلني اتجادل معك يا بيرس. اريد ان اعرف."
اجابها و هو يضحك استهزاء: "حسنا، حسنا، حسنا، عرفت انه سيأتي يوم تبدأي فيه ادراك ما في نفسي، لكني لم اتوقع ان يحدث ذلك الليلة. حسنا، إن كنت تصرين. لقد حدث صدع صغير في احد مراكز منشآتنا. انه احد مشاريعي المحببة، لذا من الطبيعي ان اجد صعوبة كوني لست على مقربة لمد يد المساعدة."
"اي نوع من التصدع؟"
حك بيرس جبهته و سألها: "هناك عدة أسئلة، مثل من يملك الأرض التي نبني عليها؟"
شعرت أليكس ان بعض التوتر قد فارقها و سألته بارتياب: "هل هذا كل ما في الأمر؟ اعتقدت من تصرفك ان الأمر اهم من ذلك."
ابتسم ابتسامة رقيقة و سألها: "و هل أكذب عليك؟"
اجابته: "أجل، ان كان عليك ذلك. ان اعتقدت ان ذلك ضروري." و عرفت على الفور ان ذلك ليس سوى الحقيقة.
و لقد كانت على الأرجح الحقيقة دائما... و كان يجب ان تدرك شيئا من ذلك.
بدا بيرس هادئا تماما، إلا ان عينيه كانتا يقظتين. قال: "الآن هناك سؤال ممتع. هل تعتقدين أنك أخيرا قد أصبحت قادرة على فهمي، يا أليكس؟"
ادارت أليكس بوجهها استياء، لأنها لأول مرة في حياتها بدأت تعتقد انها تفهمه. فقالت ساخرة: "ألم تقل انه قد حان الوقت لذلك؟" و قد شعرت انها بحاجة لبعض الحماية حتى في هذا الوقت.
مرر بيرس يده في شعره بعد سماعه اجابتها تلك تاركا إياه مبعثرا، ثم سألها: "أمور كثيرة فات موعد استحقاقها منذ زمن طويل بيننا. فأية نتائج استخلصت؟"
اجابته: "انك رجل معقد جدا." فيما هي تنظر إليه من خلال اهدابها و رأت الطريقة التي لوى فيها شفتيه.
قال موافقا: "معقد كما احجية صينية." و جفلت أليكس قليلا للمفاجأة.
اجابته: "كان لدي احجية صينية يوما، كانت معقدة جدا. و حدث في يوم من الأيام، صدفة تقريبا، اني اكتشفت فجأة مفتاحها، و بالطبع وجدت انها لم تكن صعبة لتلك الدرجة اطلاقا. يمكنني حلها و عيناي مغمضتين." و شعرت بإضطراب غريب في داخلها، دون أن تعرف سببا لذلك.
عاود بيرس النظر إليها برزاة و قال لها: "الأسئلة الصعبة هي تلك فقط التي لا تعرفين لها اجوبة."
"تعني ان هناك جواب منطقي لكل شيء؟"
بسط ذراعيه و اجابها: "حتى أنا."
كانت هذه لعبة بين الهرة و الفارة مع فارق هو أن الأمر هنا كانت نتيجته مخاطرة و ليس مجرد نصر في معركة الكلمات. فقالت له: "الأمر الذي يتركني امام سؤالين، هل اريد ان اعرف الإجابة؟ و ان كان الأمر كذلك كيف علي أن ابحث عنها؟"
غابت عن وجه بيرس كل تعابير المرح فيما كان ينظر إليها من خلال عينيه اللتين ضاقتا، و اجابها بحدة متعمدة في نبرة صوته: "حسنا، في الوقت الحاضر لا استطيع مساعدتك فيما يتعلق بالسؤال الأول، اما بالنسبة للسؤال الثاني كم مفتاح تريدين، يا أليكس؟"
سألته بحدة: "كيف لي أن أعرف فيما انت تعطيني نصف الحقائق فقط؟" و قد شعرت ان الفرصة تفلت منها في الوقت الذي بدا لها انها تحرز تقدما.
نهض بيرس واقفا على قدميه بحركة مفاجئة. و اجابها بفظاظة: "انك لا تريدين الحقائق، يا اليكس. انك تريدين تأكيدات."
فانفجرت هي ايضا قائلة: "و هل تلك جريمة؟ ماذا تريد مني، يا بيرس؟" و يا ليته ادرك انها كانت صرخة من القلب.
اجابها برقة: "ماذا تريدين انت مني، يا أليكس؟" ثم و قد رأى ارتباكها الجلي، تنهد بعمق و قال: "ان قررت ذلك، تعرفين اين تجدينني. علي ان اقوم باتصال هاتفي آخر. اعذريني."
نظرت إليه أليكس و هو يذهب بقلب غائر، لقد كانا قريبين جدا، عرفت ذلك في قرارة نفسها. و مع ذلك... قريبان من ماذا؟ لماذا يجعل الأمور معقدة لهذه الدرجة؟
و رغم ذلك الم تقل للتو ان الأحجية الصينية بقيت معقدة غلى ان عرفت مفتاح حلها؟ ذاك يعني ان هناك اجابة بسيطة، لماذا تكبد كل هذه المتاعب لكي يساعدها؟ كان يستطيع ان يقوم بذلك بسهولة تامة دون الزواج منها! مما يعني فقط انه اراد الزواج منها.
بدأ رأسها يؤلمها فضغطت يديها على صدغيها. كان ذلك كله لا يحملها إلى نتيجة عقلانية، و لا يتفق مع ما عرفته عنه دائما. و مع ذلك بدأت اليوم فقط تكتشف انها لم تعرفه فعلا على الاطلاق. مما يعني... ماذا؟ ان ما من شيء كان كما بدا لها، سواء في ما مضى أم الآن. إلا انه لم يكن هناك ما ينكر الواقع و هو انه جرحها بقسوة كبيرة. و من الصعب أن يكون ذلك امر يقوم به رجل محب. ثم تذكرت انه مد يد العون لوالدها في حين لم يكن مجبرا على القيام بذلك.
أوقف التفكير بوالدها تساؤلاتها فجأة، ليخطر لها انه كان من المفترض بها ان تتصل بالمنزل. نظرت إلى ساعتها نظرة سريعة فأدركت ان الوقت ليس متأخرا جدا ان تصرفت بسرعة. فذهبت للبحث عن بيرس و هي تعتزم ذلك. و حينما لم تر أي أثر للهاتف، أدركت أنه لا بد موجود في غرفة مكتبه، اين يمكن أن تكون تلك الغرفة؟
و حدث أن ألتقته خارجا من الغرفة. قال و في نبرة صوته نبرة حادة للسخرية: "تبحثين عني؟"
اجابته: "اردت استعمال الهاتف للاتصال بوالدتي. كان علي ان افعل ذلك بالأمس." و شعرت لسبب ما بحياء كبير.
ربما كان ذلك نتيجة لملامح وجهه المتجهمة التي جعلتها تشعر انها مخطئة نوعا ما.
اختفى التجهم عن وجهه، و عادت السخرية لتظهر في نظرات عينيه و سألها بتعب: "هل من شيء آخر؟" و اعاد فتح الباب مظهرا كياسة بالغة متعمدة و أضاء النور ثم قال: "تفضلي. ان رمز هاتف المدينة موجود على مجموعة الأوراق إلى جانب الهاتف."
"شكرا." تمتمت بتهذيب فيما كانت تمر امامه.
ضحك بفظاظة و قال لها: "لماذا تشكرينني؟ انه هاتفك ايضا. كل شيء هنا ملك لك الآن، يا حلوتي أليكس. بلغي والدتك حبي، هلا فعلت؟" ثم اقفل الباب وراءه.
و جفلت بعد مغادرته. كل شيء هنا لها؟ هل يعتبر نفسه ضمنا؟ و ان كان الأمر كذلك، فماذا يعني؟ بدأت تشعر انها ضائعة، و كأنه كان يضحك عليها لأنها و مع كل مفاتيح الحلول التي أعطاها لها، ما زالت غير قادرة على رؤية الجواب!
تخلت عن تلك الأفكار و قد اربكتها و ذهبت لتجري اتصالها الهاتفي. و كما توقعت كانت أمها ماتزال مستيقظة، و تكلمتا لنحو ساعة تقريبا قبل ان تتساءل إميلي بتراكوس بشأن الفاتورة التي تسجلانها، و شعرت أليكس أنها مرغمة على تمني ليلة هانئة لها. شعرت بتحسن بعد تلك المخابرة رغم انها لم تحل شيئا، لكن من الجيد ان تعرف ان صحة والدها كانت تتحسن الآن حيث لم يعد من داع للقلق.
تنهدت و بقيت جالسة إلى المكتب، و أخذت تجول بعينيها ارجاء الغرفة في نظرة فضولية. بدت و كأنها تعكس شخصية بيرس تماما فقد كانت عملية انما مريحة. كانت الجدران مزينة بخزانة للكتب. بعضها ملئ بالكتب و البعض الآخر ملئ بصور تذكارية. كانت هناك الصور العائلية المعتادة على احد الرفوف. و دون تفكير نهضت و سارت نوها. كانت هناك صورة لرجل عرفت انه جد بيرس، إلا إنها لم تكن الصورة نفسها التي أراها لها يوما في الشقة في نيويورك و لا بد ان الصور الأخرى كانت لافراد اخرى من عائلته. و كانت هناك صورة زفاف ايضا مدسوسة في الخلف، و صدمت عندما لاحظت انها صورتهما، إلا ان تلك الصدمة لم تكن تذكر نسبة إلى الصدمة التي شعرت بها في ما بعد عندما تيقنت انها كانت صورة لزواجهما الأول!
وقفت هناك مذهولة. لقد احتفظ بيرس بصورة لهما؟ لماذا، بينما و باعترافه انه تزوجها فقط ليستعيد اسطول السفن التجارية؟ لماذا رجل يضمر الانتقام يفعل ذلك، إلا إذا..؟ و هزت رأسها غير مصدقة. لا، لا يمكن ان يكون كذلك، سيكون الأمر مستحيلا جدا! لكن و فيما كانت تشيح بنظرها وقعت عيناها على عنوان احد الكتب، مقتطفات شعرية، و تذكرت انه اشار إلى الشاعر لوفليس بعد ظهر ذلك اليوم، فلم تتردد في تناول الكتاب و فتحه للبحث عن الفهرس.
إلا انها لم تكن بحاجة لذلك لأنها فيما كانت تبحث عن تلك الصفحة انفتح الكتاب من تلقاء نفسه. و كان هناك قصيدة شعر سطر تحت آخر سطرين بخط أحمر.
ما كنت لاستطيع حب حبيبتي إلى هذه الدرجة، لم أني لم احب الشرف أكثر.
حب؟ شرف؟ و تكسكت بالمكتبة و قد شعرت ان ساقيها لم تعد تقويان على حملها. أكان طوال هذه الفترة يحاول أن يخبرها أنه يحبها؟ و انه احبها دائما؟ لم تصدق تحليلها للأمور. و رغم ذلك و لدهشتها، توضحت الأمور فجأة.
الأسباب التي قدمها لمساعدة عائلتها، و اصراره على الزواج. فعل كل ذلك لأنه احبها؟
كم تاقت لتصديق ذلك، لكنها كانت قد جرحت بشكل عميق ذات مرة مما حال دون تصديقها انه احبها. لم تتصور انها تستطيع ان تمر بتلك التجربة مرة اخرى و تبقى على قيد الحياة. خاصة و ان تفسيرات اخرى تناسبت مع الظروف التي كانت تحيط بها، لكن ان كان يحبها، لماذا لم يخبرها؟
لأن لديه كبرياءه. ايضا، فحتى اشجع الرجال يخاف ان يرفض. و هي لم تمنحه اي سبب يجعله يفترض انها سترحب بحبه. انما على العكس، كانت سريعة في جرحه خشية ان تجرح، و لهذا اخبرها انها ليست على استعداد بعد لسماعه.
و كان كل ما فعله هو ان اعطاها وردة و قال لها ممازحا انه قد يكون اهداها إياها لتضع قلبه بشكل رمزي على الأرض و تدوس عليه بقدميها بدورها.
آه، يا بيرس.
كان من الممكن ان تكون مخطئة، بالطبع، لكن عليها ان تعرف ذلك، بطريقة أو بأخرى، عليها أن تعرف ذلك أخيرا لأن مستقبلها كله يعتمد على ما تكتشفه. لذا اعادت الكتاب متجهة إلى الفناء. إلا ان بيرس لم يكن هناك و لم يكن في غرفة الجلوس ايضا، فلم يعد هناك إلا غرفة نومهما.
وجدته هناك، و كان الضوء يظهر قامته الطويلة و هو واقف على الشرفة، و شعره الرطب يلمع، دليل على انه قد انهى استحمامه و خرج للتو. ترددت للحظة، ثم خلعت حذائها و سارت على السجادة نحوه دون ان تصدر اي صوت. توقفت على مقربة منه، و رغم ذلك لم يظهر أية حركة تشير إلى انه سمعها تقترب منه.
قالت: "بيرس؟" كان صوتها صرخة خافتة بالكاد سمعتها هي بنفسها. و رغم ذلك تشنج، فقد كان في موقف انتظار. تكلمت ثانية فيما هي تمد يدها هذه المرة لتلمس كتفه و رددت: "بيرس؟"
كانت ردة فعله سريعة جدا، إذ استدار و هو يتأوه، مد يديه ليمسك بها و يضمها بين ذراعيه قائلا بانفعال: "انك امرأة قاسية، يا أليكس. اعتقدت انك لن تأتي ابدا!" و احنى رأسه نحوها.
شعرت ان قلبها قفز من مكانه. و امتدت يداها نحو كتفيه و في نيتها ان تبعده لأنها ترفض ان تنصاع له و قالت: "لا. لا تفعل ذلك يا بيرس، اني..." و ماتت بقية الكلمات.
ترددت قبل ان تتابع كلامها قائلة: "بيرس... انتظر!"
رفع رأسه، و نظر بعينيه المتقدتين في عينيها، و قال بصوت اجش: "لم يعد هناك وقت للانتظار، يا أليكس، كلانا بحاجة إلى بعضنا. أليس كذلك؟" و شعرت أنها تكاد تختنق.
كان محقا. ما فائدة الكلام الآن. و اختفى السبب الذي دفعها إلى المجيء إليه.
"اني بحاجة إليك يا أليكس." و ضاعت تحت ذلك الاعتراف اليائس حاجتها إليه لمعانقته.
كانت تريده، ان يعانقها ليزيل فراغ و وحدة السنين الماضية. و رفعت رأسها لتقول له ذلك لكن و قبل ان تنطق بأية كلمة احنى رأسه لقبلها من جديد... و ليجعلها زوجته بكل ما في الكلمة من معنى.
و تمتم قائلا: "لا! لن افقدك مرة ثانية."
و كانت الكلمات و كأنها تخرج من بين شفتيه رغما عنه.
تنهدت أليكس عند سماعها هذا الاعترف، و اعتصر قلبها داخل صدرها. و ترقرقت الدموع في عينيها فجأة، فإن سماع زوجها الواثق من نفسه بقوة يقول ذلك، ملأ الفراغ الذي كان يعذبها. انه يهتم لأمرها. يجب ان يكون الأمر كذلك. لكن ما حصل كان كافيا، لأنها حتى الآن لم تتأكد من شيء.
لذلك جاء صوتها منخفضا و جشا عندما قالت: "اني لست ذاهبة إلى اي مكان."
سحبها نحوه و قال: "آسف." ثم ضمها بين ذراعيه.
لم تشعر أليكس قط بأمان أو تدليل اكثر من الآن.
و تساءلت ان كان يحبها أم لا، لكنها تمنت أن يكون مغرما بها، لأنها ماعادت تستطيع اخفاء حبها له بعد الآن. ستعرف غدا. غدا.
استيقظا في الصباح على صوت غريب مألوف. تحرك بيرس أولا و حركاته هي التي اعادت أليكس إلى أرض الواقع. كانت ما تزال نائمة، إلا ان بيرس حرر نفسه و غادر الفراش. رفعت نفسها على مرفقيها و نظرت بعينين غائمتين على قامته المنتصبة فيما كان يسير نحو النافذة.
سألته: "ما الأمر؟" إذ لم تكن واعية تماما بعد لتستطيع معرفة الصوت.
اطلق بيرس تنهيدة عميقة. و رفع كتفيه، ثم استدار ليخبرها بصوت مروع: "انها طائرة مروحية." مما ازال على الفور حالة النعاس التي كانت تنعم بها و جعلها تجلس و تتنبه لما يحدث.
ظهر على جبهتها نوع من التجهم عندما لاحظت انه لم يفاجأ اطلاقا لوصولها، انما العكس، و سألته: "هل كنت تتوقع حضورها؟"
ابتعد بيرس عن النافذة فيما كان يمرركلتا يديه من خلال شعره، و اجابها: "لقد تدبرت ذلك الليلة الماضية، لكني لم اتوقع ان استغرق في النوم هذا الصباح."
الواقع انه كان يعرف، و رغم ذلك لم يقل شيئا، جعل خوفا لا تدرك ما هيته يجمد الدم في عروقها. و شعرت أليكس ان فمها قد جف إلا انها سألته بصوت خفيض اجش: "لم هي هنا؟"
نظر بيرس إليها نظرة خاطفة و قال بصوت حاد: "اخشى ان شهر العسل قد انتهى، يا أليكس." و جعل انعدام العاطفة في نبرة صوته فيما كان يتكلم، القلق يخامر قلبها فجأة.
كان الأمر و كأنه مدبر، و كأن الاحداث التي جرت قبل خمس سنوات تعيد نفسها الآن، و رغم ذلك رفضت ان تستسلم للتوتر الذي زحف إلى حنايا نفسها. لم تكن على استعداد بعد لتصدق بأن الليلة الماضية لم يكن لها أي معنى.
فسألته: "و ماذا يعني ذلك؟"
اجابها بيرس من بين فكين ثابتين قائلا: "ذلك يعني انه من الافضل أن ترتدي ملابسك و تحزمر حقيبتك، اما البقية فيمكن ارسالها في ما بعد."
سبح قلبها في موجة سريعة من الارتياح. كاد يصيبها بالهلع! و انطلقت منها ضحكة متقطعة و قالت: "اتعني انها جاءت لأجلنا؟ اخبرني إلى اين نحن ذاهبان لأعرف ماذا احزم."
رفع رأسه و اخذ نفسا عميقا و قال: "ستكونين على متن الرحلة التي ستقلع إلى انكلترا."
ما كانت لتصدم أكثر لو انه ضربها بالفعل، و اطبقت أليكس اصابعها على الملاءة و سألته و قد تشوش تفكيرها: "أترسلني بعيدا؟" دون ان تستطيع رفع عينيها عن عينيه.
و جاءت إيماءة رأسه للتصديق على ذلك مفاجئة لها و قال: "من الأفضل ان تبدأي بالتحرك الآن. فالوقت قصير و قد اضعنا ما يكفي منه حتى الآن."
اضعنا وقتا؟ ايقول بأن كل ذلك الحب كان مضيعة للوقت؟ كانت صفعة أخرى، إلا ان هذه المرة اعادتها من الصدمة. لن تدع التاريخ يعيد نفسه، هذه المرة ترفض أن تختفي بهذه القساوة. فسألته: "لماذا؟"
فردد بشكل نزق: "لماذا ماذا؟" فشعرت و كأن كرة من الغضب بدأت تكبر داخل نفسها.
فأعادت سؤالها بشكل موسع و بلهجة لاذعة: "لماذا ترسلني بعيدا؟" و ابعدت عينيها الغائمتين عن عينيه.
إلا انه اجابها: "لأن عندي اشياء علي القيام بها و لا أريدك هنا فتعرقلي ذلك."
و كان من السهل جدا في تلك اللحظة، ان تدع عواطفها تسيرها، إلا انها كانت أكبر و أكثر حكمة الآن. كانت هناك نواقيس تدق في رأسها واحداها لم تكن دقاته متناغمة. اشياء عليه القيام بها؟ أية اشياء؟ كان هذا و حتى الليلة الماضية مجرد شهر عسل. أما الآن عند الصباح فقد كان يبعدها. فما الذي حث خلال الليل؟
ثم عرفت بالطبع، فقالت: "كذبت علي، أليس كذلك؟ ذاك الاتصال الهاتفي ليلة أمس حمل إليك أكثر مما أخبرتني به."
و قد ازعجتها الطريقة التي استبعدها فيها، و التي ما زال يستبعدها عما يجري. فأضافت: "هذه هي الحقيقة. أليس كذلك؟ لم لا تستطيع ان تخبرني؟ أليس لي الحق بأن اعرف؟"
و وقعت عينا بيرس على الاتهام الذي كان ظاهرا في عينيها الرماديتين مما جعله يشد بقوة الحزام الذي كان يضعه و قال بإختصار: "لم يكن هناك من داع لإزعاجك بشكل غير ضروري." و على الفور قفز قلبها من مكانه.
فسألته بغضب: "اتعتقد ان اخباري لأحزم حقائبي و اذهب أقل إزعجا؟" و نهضت من الفراش. امسكت روبها و ارتدته.
اجابها بتوتر: "ما كنت آمل في تجنبه هو هذا النوع من الجدال العقيم."
رددت بصوت يحمل نبرة من السخرية: "عقيم؟ انا اعتقد انه مهم جدا. كيف لي ان اثق بك فيما انت تعاملني هكذا؟ ما الذي لا تريد ان تخبرني به عن هذه العقدة الصغيرة؟"
بدت نظرات بيرس هادئة فيما هو يقول بإصرار ثابت: "اخبرتك كل ما انت بحاجة لمعرفته." إلا ان ذلك زاد من اتقاد غضبها.
فصرخت قائلة: "اخبرتني كل ما تريدني ان اعرف، و هذا امر مختلف كليا! ماذا ستفعل عندما ابتعد من الطريق بشكل ملائم؟"
بدا واضحا ان سخريتها لم تعجبه فقال بحدة: "لدي رحلة خاصة بي علي ان اقوم بها. انها رحلة عمل، و لا اريدك ان تكوني برفقتي."
قالت مستنتجة: "مما يعني انها خطرة، مهما كانت."
اجابها بفظاظة: "عبور الشارع خطر، ان لم تنتهبي لما تقومين به." مما زاد من خوفها، و لم يخففه على الاطلاق.
كان موقفه من "زوجته الصغيرة" يزيدها غضبا و يجرحها ايضا، انها تستحق افضل من هذا منه. سارت نحوه و امسكت بطيات ياقة روبه و صرخت قائلة: "توقف عن معاملتي و كأني طفل مجنون، يا بيرس، اخبرني إلى أين انت ذاهب."
مد يديه ليمسك بشدة على يديها، إلا انه لم يقم بأية حركة ليبعدها. و اجابها: "اخباري لك بذلك لن يشكل أي فارق."
جالت عيناها في عينيه فلم تجد سوى جدارا مربكا من الغضب، و مع ذلك عندما يصل الأمر إلى تشبث كل منهما برأيه فإن لها حصة جيدة في ذلك ايضا، فقالت: "حسنا، لا تخبرني، لكني زوجتك، يا بيرس مارتينو. و لقد عبرت الشوارع بأمان لسنوات. اني ذاهبة معك حيثما انت ذاهب."
و بدا الجو في غضون لحظة بينهما مشحونا بالتوتر بكل ما في الكلمة من معنى. و تحطم الجدار ليظهر غضبا جامحا و ضغط بيديه بقوة على معصميها قائلا: "انك كذلك تماما! لكنك لن ترافقيني إلى اي مكان."
رفعت أليكس رأسها بتحد و قالت: "حاول ان تمنعني!"
استطاع بيرس بشكل واضح ان يسيطر على غضبه و بدا في عينيه بريق ساخر حين قال: "ما هذا؟ منذ اسابيع و كنت تحاولين الهروب مني. أما الآن فأنت تتشبثين بي. ماذا حدث؟"
كانت كلماته الساخرة، التي كرهتها، و كأنها صفعة على الوجه إلا انها رفضت التراجع، و قد ادركت انه فعل ذلك عن تعمد ليثير غضبها و توافق على الرحيل. لذا ذكرته برقة: "ما حدث هو ليلة الأمس، أو انك نسيت؟"
تنهد بصوت عال عند سماعه كلماتها تلك، و بدت تقاسيم وجهه عميقة و متجهمة. قال باقتضاب: "مناورة فاشلة، يا أليكس."
قالت بتحد: "أنت من بدأ هذا بناء على أوامرك! حسنا، أنا لن انفذ الأوامر دون سبب منطقي. الزواج مشاركة و أنا لست ضعيفة، استطيع تحمل الحقيقة، اني استحق ذلك. سأذهب معك لأنك لم تعطني سببا واحدا يمنعني من ذلك!"
ترك يديها و امسك بكتفيها، ثم هزها قائلا: "اصغي، ايتها الحمقاء الصغيرة، الخطر الوحيد هو ان جدالي معك لا يصحح الخطأ!"
قالت تنصحه بإختصار: "إذا، توقف عن الجدل."
تراجع مبتعدا عنها و قال: "لا وقت عندي لهذا. لن ترافقيني و هذا قرار نهائي."
غمرها مزيج متساو من الغضب و الألم فقد اصبحت القضية الآن قضية مبدأ، فإما ان يكون زواجهما مكتمل من كل النواحي أو لا يكون هناك زواج بينهما... لا يمكنه ان يأمرها هكذا دون اي تفسير، و إن كان يتوقع منها ان تثق به، فلها الحق إذا ان تعرف الحقيقة. و لكن ألا يستطيع ان يرى ايضا كم هي قلقة؟ و كان كلما ازداد كتمانه يجعل قلقها يزداد! إن هناك خطب ما و هي تريد ان تساعد. انها تحبه، و لن توافق على الجلوس جانبا بهدوء و تدعه يسير إلى فم الأسد لوحده!
كان اختلاط حبها و خوفها هما اللذان دفعاها لقول جملتها التالية، إذ قالت: "ارغمني على المغادرة دون سبب معقول يا بيرس، و سوف لن تراني بعد ذلك." كانت كلمات التحدي هذه صدمة لأليكس عندما خرجت من بين شفتيها كما كانت بالنسبة لبيرس، الذي تجمد و كأنه تمثال.
سألها بصوت عذب: "أتهددينني، يا أليكس؟"
شحب لون وجهها كورقة بيضاء، لكن لم يكن هناك مجال للتراجع عما قالته، رغم انها ندمت على الفور. عرفت انها لم تكن تلك الطريقة الصحيحة التي يجب أن تتبعها، لكنها ارادت منه ان يكلمها، لا ان ينطوي على نفسه! اما الآن و قد بدأت فعليها المتابعة، فقالت: "لن أوافق على ان استبعد!"
"و أنا ارفض ان اخضع لتهديدات."
ازدردت ريقها بصعوبة و قالت: "إذا فإنها ورطة، أليست كذلك؟"
ابتسم بيرس ابتسامة مقززة و اجابها: "ليس تماما، فما زال عليك ان تحزمي امتعتك، لن تجدي صعوبة في ان تستقلي طائرة من البر الرئيسي إلى انكلترا."
لم تصدق انه كان يدعوها لتنفيذ تهديدها فقالت بصوت اجش: "إذا لقد انتهى الأمر، هكذا؟"
"انه قرارك، يا أليكس."
حدقت به و قلبها يخفق بقوة لدرجة أنها كانت متأكدة من انه يستطيع سماعه. اين ذهبت كل وعود الليل؟ كيف توصلا إلى هذا بسرعة كبيرة؟ شعرت بالغثيان، و تمنت بيأس لو انها تستطيع التراجع، لكنها وجدت ان الكلمات تكاد تخنقها
قالت: "لا، انه قرارك. ما كان يجب ان تصل الأمور إلى هذا."
"لقد وصلت."
احرقت دموع حارة عينيها، إلا انها لم تدع أية دمعة تنهمر، و قالت له: "إذا، فالليلة الماضية لا تعني لك شيئا؟"
ومض شيء في عينيه للحظة و اجابها: "على العكس، يمكنك ان تسميها وداعا رائعا. و الآن، إن لم يكن لديك ما تضيفينه فمن الأفضل ان اذهب و أرى من وصل." و دون ان يضيف أية كلمة أخرى، استدار و سار مبتعدا.
و قفت تحدق في الباب المقفل و هي مصدومة. لم تستطع التصديق بأنه وافق على أن تنفذ انذارها. لا بد انه عرف بالتأكيد انها لم تكن جادة في ما قالته ، و إن ذلك كان زلة لسان. سارت على ساقين متلكئتين إلى السرير، حيث جلست بإمتنان. لم تعرف كيف حدث كل ذلك بهذه السرعة، فبعد ان كانت مصرة على مرافقته، انتهى الزواج فجأة و اصبحت هي في طريق العودة إلى الوطن!
كان الأمر و كأنه كابوس فقد بدا كل شيء مشوشا. اعتقدت الليلة الماضية انها أخيرا فهمته، ثم حدث كل هذا.
لماذا رفض بعناد ان يخبرها إلى اين هو ذاهب و لماذا؟
و بسرعة حل الغضب مكان الصدمة فيما كانت تمعن التفكير بما حدث خلال الدقائق القليلة الماضية. لا و لن ترحل، ليس قبل ان تحصل على تفسير مقنع. قال الليلة الماضية أنه لن يدعها ترحل و الآن اخبرها بهدوء ان عليها الرحيل؟ ذلك ليس منطقيا.
لكن ذلك بدا منطقيا بالطبع، حالما فكرت بالنقيض، فتنهدت عاليا. و ادركت انه استغل ببراعة غضبها ضدها، و كانت على وشك ان تدعه يفوز، تلك المعرفة منحت نفسيتها المحطمة عزما جديدا.
و نهضت لتسير نحو غرفة الملابس لتأخذ بعض الثياب و تتجه نحو غرفة الحمام. استحمت و ارتدت سروالا من الجينز و قميصا. و لم تزعج نفسها بأكثر من تمرير الفرشاة على شعرها، لم تكن تتحمل الوقت الحاضر. لأن مهما كان قد قاله بيرس فإنها مصممة على البقاء حيث هي. و رغم ذلك حزمت الحقيبة و تركتها على السرير مع حقيبة يدها فقد تحتاجها لكن ليس للذهاب إلى انكلترا.
و هكذا دخلت إلى الردهة، بعد أقل من عشر دقائق، مستعدة للقيام بمعركة، لتجد ان بيرس قد وجد بطريقة ما متسعا من الوقت ليرتدي ملابسه هو ايضا و قد كان غارقا الآن في محادثة مع رجل طويل أملس الشعر. استدارا كلاهما عند دخولها. و كانت ملامح وجه زوجها متجهمة فيما دعاها للدخول.
و عرفهما ببعض بصوت بارد قائلا: "أليكس، هذا بات داننغ، انه مساعدي الخاص."
قال بات داننغ بلهجة تكساسية ودودة: "يسعدني لقائك أخيرا ، يا سيدة مارتينو." و صافحها فيما بدت ابتسامته متوترة نوعا ما، إذ اضاف: "يؤسفني ان علي ابعادك عن زوجك."
قابلت ابتسامته بابتسامة لاذعة و قالت: "لا بأس، لأني لست ذاهبة على أية حال."
تنفس بيرس بنفاذ صبر إلى جانبها و قال بتوتر: "اعتقدت اننا قد سوينا هذا الأمر."
رفعت أليكس كتفيها بلا مبالاة. رغم ان ذلك تطلب منها جهدا كبيرا لتبدو غير آبهة و قالت: "كنت أكذب و انت تعرف ذلك."
و التقت عيونهما في معركة صامتة، دون أن يحاول أيا منهما ابعاد نظره. شد بيرس على فكه، ثم اجابها: "لم أكن اعرف." رفعت ذقنها بكل بساطة فحذرها قائلا ببرودة: "ما بك يا أليكس؟ لا ترغميني على القيام بأشياء أندم عليها!"
بدت تعابير العناد على ملامحها كما قد يتوقعه تماما، و قالت: "لا اصدق انك ندمت على شيء في حياتك! و أنا أرفض أن أرحل قبل أن تشرح لي لماذا علي القيام بذلك."
ارتعش ذلك العصب في فكه من جديد، و صاح قائلا: "ماذا تحاولين يا أليكس؟ انني حصلت على كل ما اريده منك، و الآن يمكنك الرحيل، حسنا. إن كان ذلك ما يتطلبه الأمر. اعتبري اني قلت ذلك!"
شعرت بدمائها تغلي غضبا لقساوة تلك الكلمات التي تعمد قولها، و ربما كانت لتصدقه قبل خمس سنوات، لكن مع تبصرها رأت أن شيئا ما جعل توترا غريبا يملأ نفسه، الأمر الذي جعلها ترفع ذقنها مرة أخرى و تجيبه برقة: "اني لا اصدقك، و الطريقة الوحيدة التي يمكنك اخراجي بها من هذه الجزيرة هي أن تجعلني افقد الوعي."
مما جعل بيرس يسترسل في السباب لمدة طويلة و بشكل قاس.
قاطعه بات داننغ، إذ قال: "تأخر الوقت يا سيدي."
جعل ذلك التعليق أليكس تدير رأسها نحوه و في الجزء التالي من الدقيقة سمعت بيرس يتمتم: "آه، يا للهول!"
فأستدارت لتلتقي قبضة يده القوية. اسودت الدنيا في عينيها و غابت عن الوعي على الفور.
امسكها بيرس قبل ان تسقط و قد بدت شاحبة الآن كما كانت من قبل و قال: "انها بخير، لقد تهاونت في تسديد ضربتي. احضر حقائبها من غرفة النوم، انها هناك، هلا فعلت، بينما اضعها في الطائرة المروحية؟" ثم حملها إلى الخارج و قد علت وجهه تعابير التجهم وضعها داخل الطائرة و مرر يده بلطف على البقعة الداكنة على ذقنها و تمتم: "أنا آسف يا أليكس. ايجب أن تقاتليني دائما؟" ثم استدار عندما جاء بات داننغ ليصعد إلى الطائرة.
نظر بتساؤل إلى مستخدمه و سأله: "أمتأكد انك تريد أن تجري الأمور بهذه الطريقة، يا سيدي؟"
فأجابه: "اخرجها من هنا فقط، هلا فعلت يا بات؟ و تأكد أنها بمأمن."
اشار بات إلى الطيار، ثم قال بصوت عال ليسمع رغم ضجيج صوت المحرك الذي ادير: "سأفعل ذلك، لكنني بالتأكيد ما كنت لأرغب في أن أكون مكانك حين تعود! فهمت ما أعنيه يا سيدي."



***********************************

يتبع....
انتظروني باقي الفصل العاشر و الأخير قريبا.

posy220 26-10-09 12:54 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

mersalli 26-10-09 07:35 PM

موفقة بأذن الله
الرواية كتير جميلة:smile:
ما طولي علينا

بنيتي بنيه 26-10-09 07:56 PM

:f63:بليز كمليه حلوه مره اعجبتني جدااا تسلمين الغاليه

القريصة 26-10-09 11:03 PM

أرجوك لاتتأخري علينا

redroses309 27-10-09 12:10 AM

هلا و غلا
posy220
mersalli
بنيتي بنيه
القريصة
إنشاء الله بكرة راح أنزل الفصل الأخير
و مشكورين على المتابعة.

تستاروسيسا 27-10-09 04:38 PM

مشكوره على المجهود الرائع والرواية الاروع يمكن هاذي رابع مره اقرأ فيها الرواية بس في كل مرة كأني أقراها لأول مرة متابعين معاكي للأخير وشكراً مرة ثانية لأختيارك الرائع

redroses309 28-10-09 01:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تستاروسيسا (المشاركة 2088182)
مشكوره على المجهود الرائع والرواية الاروع يمكن هاذي رابع مره اقرأ فيها الرواية بس في كل مرة كأني أقراها لأول مرة متابعين معاكي للأخير وشكراً مرة ثانية لأختيارك الرائع

أهلين فيك حبيبتي
تسلمي والله
من جد يسعدني ان اختياري عجبك... كلك ذوق

redroses309 28-10-09 01:29 PM




الفصـــــــــــــــل العاشــــــــــــــــر



استعادت أليكس وعيها و هي تئن. كان فكها يؤلمها جدا و بدا رأسها يصرع بشكل لا يحتمل.
"هل أنت بخير يا سيدتي؟"
جعلها السؤال الذي انطلق ممن إلى جانبها ترفع رأسها و تديره، و ادركت ان الاحساس بالصرع كان نتيجة إلى انها على متن طائرة مروحية. ثم تذكرت كل شيء، بالطبع، رفضها الرحيل، و تحذير بيرس و الاهانة الأخيرة ألا و هي الطريقة التي ضربها بها.
نظرت حولها فيما صرخت صرخة زادت من ألم فكها. ان الطيار جالس أمامها و كان إلى جانبها يتكأ شخص ضخم أشقر الشعر، و كانت تستطيع رؤية الجزيرة و المياه المتلألئة تحيط بها من خلال النافذة. و استطاعت رؤية نقطة صغيرة. كان ذلك بيرس ينظر إليهم فيما هم يغادرون. و على الفور مدت يديها إلى الحزام الذي كان يشدها إلى مقعدها، محاولة خلعه بكل قوتها لتتحرر، سوف تقفز و تعود سباحة! سوف...
و أمسكت يدان قويتان بيديها بصرامة لتضع حدا لحركاتها. ثم ردد صاحبهما قائلا: "رويدك يا سيدتي. ان بيرس يريدك على قيد الحياة، لا ان ترمي بنفسك من طائرة مروحية في الجو و تقتلين!"
استدارت أليكس بغضب و نظرت إلى حارسها بعينين لامعتين لتسأله: "من أنت؟" ثم جفلت و رفعت احدى يديها لتتحسس فكها.
صفر الرجل الضخم بهدوء و قال بعطف: "بات داننغ، لقد تقابلنا من قبل. أخشى ان كدمة بحجم بيضة الدجاجة ستظهر على وجهك."
قالت: "ضربني!" كانت لهجتها تلك مزيجا من الغضب و عدم التصديق.
أجابها: "اعتبر انها الطريقة الوحيدة الذي يمكنه القيام بها، اتصور انها كانت غلطة كبيرة، لكنه يعرفك أكثر مني."
فقالت أليكس بغضب: "سوف اقتله!" محاولة التفكير، إلا انها لم تنجح بذلك كثيرا. كان التصرف على نحو يدعوه للقيام للقيام بذلك شيء، لكن ان يشرع بذلك الاختيار شيء آخر!
أجابها بات داننغ موافقا بإيجاز: "تصورت انك قد تريدين القيام بذلك."
حث أليكس حتى و هي في أوج غضبها على الضحك إلا انها صرت على اسنانها، و بدلا من ذلك أمرته قائلة: "اعدني إلى الجزيرة."
رفض ذلك بطريقته الودودة قائلا: "لا استطيع القيام بذلك يا سيدتي. فلدي أوامر." فنظرت إليه نظرة حادة.
سألته: "إلى أين هو ذاهب؟" و قد قررت ان تستقل رحلة إلى هناك بطريقة أو بأخرى.
رغم حزنه لحالتها هز بات داننغ رأسه قائلا: "آسف، لا استطيع اخبارك بذلك."
تحولت نظرتها إلى نظرة ساخرة حين قالت: "هل هناك شيء يمكنك أن تخبرني به؟"
فكر قليلا ثم أجابها: "لا أتصور ذلك."
جعلت تلك الكلمات شفتيها تلتويان بسخرية و سألته: "انك تتصور كثيرا، أليس كذلك؟ ألهذا السبب استخدمك بيرس؟"
أجابها موافقا: "أعتقد ذلك."
قالت له: "لذلك و لخطف النساء، للتحديد أكثر."
استدار بات داننغ نحوها متجهما عند سماعه تلك الملاحظة و قال: "عليك توخي الحذر يا سيدتي، فقول أشياء كهذه قد تدخل الانسان في مشاكل كثيرة و عصيبة."
وجدت أليكس و قد هدأت الآن، انها بدأت تستطيع السيطرة على هذا الرجل، فقالت تقايضه: "تماما. لذا هل ستخبرني الآن إلى أين بيرس ذاهب؟"
نظر إليها نظرة فيها الكثير من الاحترام. ثم قال بذهن متكبر: "لا، انك تلعبين لعبة وضيعة يا سيدتي... الحقيقة ان بيرس لن يذهب إلى اي مكان."
لم تكن تتوقع ذلك، فسألته: "ماذا تعني؟ ماذا عن شركة المنشآت؟"
ابتسم لها بات ابتسامة فيها مزيج من الألم و السخرية و قال: "آه، ان الشركة تبني سدا في إحدى المقاطعات الصغيرة في وسط اميركا، لكن لا علاقة لذلك بهذا الأمر. إن أحد المجانين الحاقدين أطلق النار على شقيقه في ايطاليا أمس الأول، إلا انها أخطأته. لكن ذلك المجنون اختفى. و أننا نعتقد انه في طريقه إلى بيرس ليحاول قتله. تقضي الخطة بأن يبقى بيرس ملازما مكانه لا يبرحه و سوف تلقي الشرطة القبض عليه خلال تحركاته." نظر إليها نظرة رزينة عندما سمع تنهيدتها و تابع: "تصورت أن لك الحق بأن تعرفي يا سيدتي."
ازدردت أليكس دفعة من الغثيان المفاجئ عندما فكرت ببيرس و بقائه في منطقة الخطر. انه مشدود إلى وتد و كأنه حيوان بإنتظار أن يقتل! صرخت من حنجرة جافة قائلة: "لماذا لم يخبرني؟"
أضاف بات: "قال أنه لا يريدك أن تقلقي."
قالت فجأة و بقوة: "أن لا أقلق؟" كيف أمكنه التفكير ان قلقها سيكون أقل ان لم تعرف الحقيقة؟ أهو مجنون؟ ثم أضافت: "كان عليه أن يخبرني!"
أجابها: "اعتقد كان عليه أن يفعل ذلك، اخبرته بذلك لكنه لم يصغ إلي. قال انك ستصرين على البقاء و هو كان يريدك أن تكوني بمأمن خارج الجزيرة."
"آه، يا للمصيبة!" و كان على أليكس ان تعترف بأن بيرس كان محقا. فلو أخبرها لكانت رفضت الرحيل، لكن ذلك لم يغير الواقع بأنه كان عليه أن يخبرها الحقيقة.
قال لها بات: "لا تكوني قاسية عليه كثيرا يا سيدتي، فإن بيرس المسكين لا يمكنه اطلاقا التفكير بشكل سوي عندما يتعلق الأمر بك." و ضغط على يدها و كأنه عمها، بالرغم من أنه كان بعمر بيرس تقريبا.
تجهمت أليكس و ابعدت نظرها عن النافذة و الجزيرة التي كانت تبدو أصغر و أصغر بسرعة كلما ابتعدوا لتسأله: "ماذا تعني؟"
رفع كتفيه بلا مبالاة ثم قال: "من أين أبدأ؟ خذي مثلا ذلك العمل الذي يتعلق بأسطول السفن التجارية. اخبرناه جميعنا ان بإمكانه الحصول عليه بعشر ثمنه، لكن هل أصغى إلينا؟ لا، لا. دفع الثمن كاملا و كأن الأسطول يعمل، ثم دفع كمية مماثلة من المال ليجعله في حالة جيدة. مجنون لكنه ما كان ليستمع لأي جدال."
لم تعرف أليكس أكان ما تسمعه حقيقة أم حلم، فسألته: "أتتكلم عن اسطول سفن بتراكوس التجارية؟" و عندما أومأ برأسه تابعت بتكلف: "لكنه حصل عليه دون أي مقابل."
و فكرت بحزن، اني أعرف ذلك لقد كنت هناك! لن تنسى ذلك ابدا، لقد كان محفورا بشكل لا يمحى في ذاكرتها.
صحح لها معلوماتها قائلا: "أكره أن أتجادل مع سيدة، لكنك مخطئة يا سيدتي. لقد ساعدت في إعداد الأوراق اللازمة و شهدت على فاتورة البيع."
غرقت أليكس في صمت، كل ما اعتقدت انها فهمته وجدته فجأة مغمورا بإضطراب عظيم. لقد اشترى بيرس السفن، ثم عاد و اشتراها مجددا! لكن لماذا؟ لماذا، بعد ان كان قد حصل عليها دون أي مقابل؟ لم يبدو الأمر منطقيا لكنها فهمت الآن لماذا قال أنه دفع ثمنا باهظا لأسطول السفن. و قد كان ذلك السعر باهظا جدا بالتأكيد بالنسبة إلى بات داننغ.
لم يخبرها جدها بذلك قط، فكرت بألم. كان يعرف كيف أن استغلالها قد آلمها و رغم ذلك لم تعرف إلا الآن انه كان يهتم لماله أكثر من اهتمامه بإحساسها. طوال هذه السنوات كانت تعتقد ان بيرس قايضها، و قد تركها جدها تعتقد ذلك لأنه لم يكن يحتمل فكرة ان تغرم بشخص من عائلة اندرياس!
تمتمت بصوت أجش: "شكرا لأنك اخبرتني ذلك يا بات."
أجابها: "أتمنى فقط أن يكون لذلك فائدة، لأني أكره أن أرى بيرس يتألم كما كان من قبل. جعلنا جميعا نقلق عليه، فقد كان يعمل و كأنه شخص بائس حتى أصبح نحيلا جدا. و كل ما قاله هو انك غادرت بسببه و هذه هي الطريقة الوحيدة لتسوية الأمر. اعتقدت أنا ايضا، ان الأمر قد نجح عندما أخبرني أخيرا أنه سيتزوجك. إلا اني لن ادهش مع ذلك ان كان لا يفكر بأنه ربما يضيع الفرصة مرة ثانية."
"لماذا قد يفكر بذلك؟"
أجابها: "يبدو لي أن الأمر يتطلب امرأة مميزة لتسامح رجلا ضربها ببرودة." و نظر إليها نظرة متفحصة، و قد رفع حاجبيه.
لم تستطع أليكس ان تضحك، لا، ليس و بيرس على الجزيرة ينتظر رجلا مجنونا ليظهر و يطلق عليه النار!
سألته بصوت مرتعش: "كيف استطيع أن أسامحه ان مات؟"
أجابها: "لا تستبقي الأمور يا سيدتي، بيرس لن يدعه يقتله. سوف تحظين بالفرصة لتقتليه!"
وجدت أليكس نفسها تضغط على يده بقوة، و قالت متضرعة: "ليكن الحظ إلى جانبه."
فقال: "أرجو ذلك."
و نظرت من النافذة مرة أخرى، لكن لم يكن هناك شيء لتراه الآن. انقبض قلبها من الخوف، و سألت: "ماذا سأفعل؟"
أجابها بات: "أفضل شيء يمكنك القيام به هو ما يريده بيرس. انه لا يحتاج لأن يقلق عليك أيضا. اذهبي إلى انكلترا، و انتظري هناك."
ازدردت أليكس ريقها بصعوبة. أنتظر؟ ماذا بوسعها ان تفعل سوى الانتظار و التضرع؟
بعد مرور أربع و عشرين ساعة، كانت أليكس تتجه إلى النافذة مرة أخرى، في الشقة التي تعلو مكتب بيرس في مبنى مارتينو. لم تذهب إلى انكلترا، على عكس التوقعات.
لقد أوصلها بات داننغ إلى المطار بالفعل، لكنه كان مضطرا للعودة ثانية. لذا ما عرف قط، انها بدلت بطاقة السفر التي اعطاها لها مقابل مقعد على طائرة متجهة إلى نيويورك.
لم تخبره لأنها لم تكن مستعدة لمناقشة ذلك معه، و كان كل ما فكرت به أن أية أخبار عن بيرس ستصل إلى المكتب الرئيسي أولا، و ذلك المبنى كان في نيويورك. كانت خطتها الأولية تقضي بأن تستعمل شقة بيرس، رغم الذكريات المؤلمة التي تحملها لها. و تتصل بمكتبه من هناك، لكن تبين أن الشقة خالية من أي أثاث، و أنها كذلك منذ وقت طويل، حسب ما أخبرها به الجيران. أحبطت و كانت على وشك التوجه للنزول في فندق عندما تذكرت كلام بيرس عن وجود شقة له فوق المكتب في مبنى مارتينو. كان الوقت متأخرا عندما وصلت لكن حارس الأمن كان سعيدا جدا بأن يدعها تدخل عندما عرف من هي.
منتديات ليلاس
ثم بدأ الانتظار. كانت الرحلة إلى هنا مليئة بالتوتر، لكنها على الأقل كانت تفعل شيئا، أما الآن فكل ما تستطيع القيام به هو الجلوس و تضييع الوقت سدى. لم يكن هناك من تستطيع التحدث معه دون أن تنشر الذعر، و ادركت بفطرتها ان الشائعات قد تنتشر بسرعة. و كان كل ما استطاعت ان تفعله هو الاتصال بسكرتيرته ملفقة رواية بأنها هنا في رحلة تبضع، و طلبت منها أن تقول لبيرس ان يتصل بالشقة ان اتصل بها، لكن الهاتف لم يرن طوال اليوم، و وجدت نفسها الآن تسقط في دوامة القلق المزعج التي تهدد أحيانا بأن تبتلعها.
أين هو؟ كيف حاله؟
الآن في الوقت الذي شعرت أنها بحاجة لتراه، لتسمع صوته كان الصمت مروعا، لم يكن يهمها ان تسمعه اطلاقا ليشرح ما أخبرها به بات داننغ، و ان لم تسمعه يقول ما كانت قد بدأت بصدق تعتقد انه شعر به حيالها، كانت تريد ان تعرف فقط بأنه على قيد الحياة.
أين أصبحا من ذلك؟ لم تكن تعرف. كان هناك الكثير لشرحه و لم تجرؤ على التفكير بالمستحيل. لقد خاضت ذلك المضمار مرة، و انتهى بالرفض مع ان ذلك أيضا كان يحتاج لتفسير، لماذا فعل ذلك؟ لماذا فعل كل الأشياء التي فعلها؟ بدا لها ان لديها مليون سؤال و ليس هناك من زوج حاضر ليمدها بالأجوبة.
سحبت بحركة متوترة الخيط الذي يقفل الستائر، قرقرت معدتها، فلاحظت حينها انها لم تتناول شيئا منذ الفطور. لم تكن تشعر برغبة لتناول الطعام أكثر مما تفعل الآن، إلا انها ادركت بفطرتها انه سيكون من الحماقة ان تترك نفسها تمرض الآن، لذا اتجهت إلى المطبخ و سوت لنفسها سندويشا و بعض القهوة. حاولت أن تأكلها فيما هي تشاهد التلفاز، لكن ذلك سخيفا جا بالنسبة لها لتتمكن من التركيز عليه، فاستسلمت في آخر الأمر.
و رغم انها تثاءبت إلا ان أليكس عرفت انها لن تسطيع النوم لشدة قلقها، خاصة في ذلك السرير الكبير المصمم لأثنين و الذي بدا فقط و كأنه يؤكد وحدتها. تحاشت النظر إليه و ذهبت لتأخذ دوشا، ثم لفت نفسها في ما بعد بروب حريري يصل حتى كاحليها قبل ان تتجه عائدة إلى غرفة الجلوس. كان هناك فيلما قديما على التلفاز فأطفأته، و أخذت تنظر فيما كانت الظلمة تسود من حولها، و قد جلست في إحدى زوايا الأريكة. شيئا فشيئا رغم ان الانهاك التام جعل أهدابها ثقيلة، و دون أن تلاحظ غطت في نوم خفيف.
و جعلها لمعان الضوء على أهدابها تتحرك بعد عدة ساعات. فنظرت بعينين شبه مغمضتين، ثم طرفت عينيها مستيقظة لتحدق بالشخص الطويل الذي وقف عند الباب و كأنه شبح.
"أليكس؟" كان اسمها صرخة لا تصدق على شفتي بيرس، فاستوت في جلستها و قد استيقظت جيدا فجأة. بدا منهكا و قد نمت لحيته بشكل كثيف على ذقنه، و كانت ملابسه و كأنه نام فيها لعدة أيام، لكن، لم تره جميلا لهذه الدرجة من قبل.
سألها بصوت أجش: "ماذا تفعلين هنا؟"
تضاعفت خفقات قلب أليكس عند رؤيته، كانت على وشك ان تركض إليه و ترمي بنفسها بين ذراعيه، لكن كان هناك شيء ما في الطريقة التي وقف بها جعلها تتسمر في مكانها. و أجابته شارحة بشكل تافه: "ذهبت إلى الشقة، لكنها كانت خالية. فتذكرت انك ذكرت أمامي هذه الشقة، و قد سمح لي حارس الأمن بالدخول."
رأت بيرس عبر الغرفة يهز رأسه كمن أصيب بدوار. قال لها بصوت غريب: "لقد تركتها." حتى فيما كانت عيناه تنظران بانشداه، و كأنه لم يكن يتوقع قط أن يراها ثانية.
تملك أليكس شعور غريب جدا بأنها كانت تنظر غلى شخصين يمثلان مشهدا من مسرحية، ينطقان بكلمات بعيدة جدا عما يشعران به حقا، سألته: "لماذا؟"
أجابها بيرس: "لم استطع العيش فيها بعد ان رحلت. لم استطع العيش مع ذكرى ما حدث هناك." ثم ارتعش رعشة كبيرة و كأنه استيقظ من حلم مزعج، و اسقط الحقيبة التي كان ما يزال يحملها، و دفع الباب ليقفله ثم تقدم خطوة إلى الأمام. و أعاد السؤال بنبرة حادة قائلا: "أليكس، ماذا تفعلين هنا؟" مما جعلها تجفل.
و بجهد و قفت على قدميها، و سوت قماش روبها الحريري بيدين مرتعشتين. لم يكن ما يجري كما توقعت، أجابته: "لقد اخبرتك. لم استطع استعمال الشق..."
و توقفت عن الكلام عندما قطع المسافة التي تفصل بينهما بثلاث خطوات و امسك بكتفيها و هزها قائلا: "ليس هنا انما في اميركا. كان من المفترض ان تكوني في انكلترا!"
طرفت عينيها عندما تنبهت إلى نبرة الغضب البائس في صوته فتنحنحت بعصبية و قالت له بسرعة: "أعرف، لكن المسافة كانت بعيدة جدا! أتيت إلى هنا لأني اعتقدت ان أية اخبار عنك قد تصل إلى هنا أولا. كنت بحاجة لأعرف انك بخير." و قد دهشت عندما رأت وجهه يمتقع.
تركها عند ذلك، و مرر يديه على وجهه بإيماءة متعبة جعلت قلبها يعتصر. و اتت ضحكة السخرية من نفسه بشكل مؤلم. قال: "هل عندك أية فكرة بما شعرته عندما وصلت إلى انكلترا و لم أجدك هناك؟ عندما علمت ان ما من أحد يعرف أين أنت؟ كنت و كأني عدت إلى دوامة الماضي ثانية و لم أتصور انني استطيع تحمل ذلك، و طوال تلك الفترة كنت أنت هنا، تنتظرين أخبارا مني!"
ذهلت أليكس للنظرة الشاحبة التي ظهرت على وجهه عندما ذكر الماضي. و قالت بارتباك: "أنا... لم أكن أعرف."
كان جوابها رقيقا، لكنها كانت تشك بأنه كان ليسمعها حتى لو صرخت، لأنه كان غارقا في مكان ما خاص به بعيدا عن الذكريات الجميلة، إذ قال: "عرفت اني قد اضيع فرصتي في عودتك إلي ثانية، عودتك إلي فعلا، عندما اضطررت لأن أضربك، لكن كان علي أن أحاول ثانية على أية حال." و ضحك ضحكة ساخطة، و تابع قائلا: "عندما لم أجدك هناك، كدت أجن تقريبا!" و نظر إليها الآن فرآها فعلا، و كانت تنظر إليه نظرة مصدومة، فأضاف بصوت عال كفيل بايقاظ النائمين: "ما بك يا أليكس، متى ستدركين انني أحبك؟"
مرت لحظة بدت فيها ان الغرفة تسبح منذرة بالخطر، إلا انها تمالكت نفسها و قد عرفت ان هذا الوقت لم يكن بالتأكيد الوقت المناسب ليغمى عليها. قالت بصوت أجش: "عندما تخبرني..." ثم شعرت بالغضب، فصرخت قائلة: "ويحك يا بيرس. لم أكن أعلم شيئا. اني بحاجة لمن يخبرني بكل شيء."
و قال: "لقد فعلت للتو."
"سمعتك."
سألها: "و ماذا؟"
عرفت ماذا يريد ان يسمع، لكن الكلمات ترددت على شفتيها. كانت خائفة من الاعتراف بمشاعرها، ان تورط نفسها في حين انها قد جرحت من قبل. و فيما طال صمتها، ابتعد عنها ليسير و يقف أمام جهاز التلفاز الصامت.
قال بتحد وافر: "لقد فقدت الحق بسماعك تقولين انك تحبينني منذ وقت طويل. أليس كذلك؟ ان الحظ كان يبتسم لي عندما وضعتك الأقدار في طريقي لأحبك!"
نبرة الغضب و اليأس المريرة في صوته مزقت قلبها فصرخت بحزن قائلة: "لا، يا بيرس!" م تنهدت عندما استدار و رأت وجهه الشاحب جدا.
سألها: "لا، ماذا؟ لا أكره نفسي؟ لكن على من أضع اللوم، يا أليكس؟ من سواي جرحك؟ من سواي اغمد السكين في صدرك و قتل أفضل ما قد حدث له؟ كنت مذنبا و استحق كل ما أصابني من عقاب. أحببتك عندما تزوجتك. أحببتك حتى عندما كنت أحطمك، و أحببتك كل يوم منذ ذلك الحين، و سأحبك حتى يوم مماتي."
لم تكن أليكس تعرف انها تبكي، لكن الدموع كانت تنهمر على وجنتيها فيما كانت تهز رأسها بيأس، و سألته: "إذا لماذا؟"
لم تكن بحاجة لأن تقول المزيد. فقد أغمض بيرس عينيه بألم، ثم تقدم نحوها و ضمها بين ذراعيه، أحاط رأسها بيدين مرتعشتين و اعترف بصوت أجش قائلا: "لأني التقيتك في وقت متأخر جدا." و تنهد تنهيدة حملت التعب الذي قاساه خلال السنوات الطويلة الماضية، و أضاف: "جعلني جدي أتعهد له و هو على فراش الموت اني سأثأر من يانيس بتراكوس و بأني سأستعيد سفننا بأية وسيلة كانت، تعهدت له بذلك يا أليكس، قبل وقت طويل من معرفتي بوجودك، لا أستطيع ان أبرر ما فعلته. لكن عندما علمت بوجود حفيدة، و كنت قد فشلت في شراء السفن بالطرق القانونية، قررت ان استغلها لاستعادة السفن بواسطة الابتزاز. الاخلاص كان يتطلب ذلك. حاولي ان تفهمي. كنت أعرف انه كان هناك شيئا يكرهه بتراكوس فهو معرفته ان حفيدته قد تزوجت فردا من عائلتي. كنت أعرف انه قد يعطي أي شيء ليضع حدا لذلك، عندها سيكون الثمن الذي أطلبه اسطول السفن التجارية. كان عملا وحشيا لكنه سهل... لكني لم أكن قد التقيتك بعد... و عندما التقيتك وقعت في حبك من أول نظرة.كنت فاتنة جدا، بريئة جدا و مع ذلك كريمة، كل ما كنت أتمنى وجوده في المرأة التي أحبها. و كنت أتعذب، كنت مستعدا لأن أعطي كل ما أملكه لتغيير الأمور. لكني لم استطع. كنت قد قطعت عهدا لجدي، رغم اني عانيت عذابا مريرا في تنفيذ الخطة. و كل ما استطعت القيام به لك هو القيام بكل ما يجعلك تكرهينني، تكرهينني لدرجة انك ستلومي نفسك ان سمحت لي بالتأثير على حياتك منذ ذلك اليوم و صاعدا. قلت انني قتلت شيئا طيبا فيك ذلك اليوم، حسنا، شيء ما قد مات داخل نفسي أنا أيضا. لم يكن عندي أمل باستعادة ما قد حطمته، و مع ذلك لم استطع تركك تضيعين مني. فوعدت نفسي بأني سأراقبك، و أساعدك ان احتجت للمساعدة يوما و لربما فزت يوما بالحق في الحصول على حبك ثانية."
و فيما كانت أليكس تصغي إليه اتضح لها الكثير من الأمور، إذا لقد كان يتعذب مثلها تماما ان صدقت ما يقوله، و كيف بإمكانها أن لا تفعل بعد هذا الاعتراف الصادر من القلب؟ لم يكن ذلك تبريرا انما واقعا، لقد تقبل الملامة و عايشها يوميا، لكن المعرفة لا يمكنها ان تهزم الأمل تماما. ألا تعرف ما هية ذلك الشعور؟ فرفعت رأسها أخيرا و نظرت بتمعن في عينيه الزرقاويت.
و سألته: "ألهذا تزوجتني؟"
أومأ برأسه إيجابا و أضاف بكآبة: "و لهذا اعطيك حريتك ان اردتها."
و جاء دور أليكس بالكلام، فيما دموع عينيها تنهمر. فقالت: "لا بد انك أحببت جدك كثيرا."
تردد بيرس قليلا قبل أن يقول: "أجل، لكن ليس بالطريقة نفسها التي أحببتك بها. ماذا يمكنني أن أقول؟ عرفته قبل أن أعرفك، هو من قام بتربية عائلتي بعد ان مات والداي. و كان السباق لطلب الوفاء مني."
عاشت أليكس طوال حياتها وهي تدرك معنى الاحساس اليوناني بما يتعلق بكرامة العائلة. كان بإمكانها تفهم الوضع، حتى و ان كانت لا تستطيع الصفح. استغلها بيرس ليسدد دينا و بما انه فعل ذلك، فقد منحها ذلك الاخلاص. لقد فهمت الآن تماما تلك الاشارة إلى الشاعر لوفليس. لو أنه لم يكن رجلا شريفا لهذه الدرجة لما استطاع ان يحبها أكثر مما أحبها.
رفعت عينيها و قالت له: "يجب أن أكرهك."
هز بيرس معترفا بذلك و قال: "استحق ذلك."
"يجب أن أقول لك اني لن أسامحك أبدا."
لمعت العينان الزرقاوان و هما تنظران في عينيها و قال: "و هل تقولين لي ذلك، يا أليكس؟"
و أمسكت كلماتها من جديد، فلم تصبح مستعدة بعد لتوريط نفسها بشكل تام، و سألته: "كيف لي ان أتأكد ان شيئا من ذلك لن يتكرر ثانية؟"
أجابها بيرس بقوة: "لأني أفضل ان أقطع ذراعي اليمنى على أن ادع أي ألم يصبيك، سواء مني أو من أي شخص آخر." جعلت قوة تصميمه تلك التي ظهرت في كلماته رجفة تنبه تجري في جسدها.
لم تستطع أن تقاوم رفع يدها متحسسة ذقنها و قالت: "إلى درجة ان تضربني؟"
تجمد بيرس، و نظر بعينين كئيبتين إلى ذقنها، و رفع يده ليبعد يدها و يمرر يده برقة على الكدمة الباهتة، و قال بصوت أجش: "اردتك أن تكوني بمأمن، يا أليكس."
فتنهدت و قالت: "كان عليك ان تحاول التكلم معي، يا بيرس."
أجابها بتحد: "لم اعتقد انك ستصغين، كما ترين، لقد افترضت انك كنت تشعرين بما أشعر به تماما، فلو انك كنت ذاهبة لأي مكان خطر، لكنت لازمتك كما الغراء. هل كنت مخطءا بما فعلت؟" و رقت نظرة عينيه عندما رأى وجهها قد شحب.
قالت: "لا." ثم نظرت في عينيه و قالت: "هل امسكوا الرجل؟ هل أنت بمأمن الآن؟"
"هل اخبرك بات؟"
ردت عليه: "ظن انه من حقي ان اعرف. أجل، لكن كنت افضل ان اسمع ذلك منك يا بيرس."
تنهد و قال: "سامحيني، لكن كل ما فكرت به هو اخراجك من الجزيرة."
تفحصته عيناها باحثة عن أي أثر لجرح و قالت: "هل أصبت بأذى؟"
قال: "لقد ألقت الشرطة القبض على الرجل قبل أن يصل إلي. كنت لأحضر إلى هنا سريعا، لكن كانت هناك أسئلة يجب الاجابة عليها، و كان علي التحدث مع أخي."
قالت: "لم أكن أعلم ان لديك أخا." متسائلة ان كانا سيتوافقان حقا فيما بعد فيما كانت تفتقد معلومات أساسية كهذه.
ابتسم بيرس و كأنه قرأ أفكارها، ثم قال: "عندما نكون أنا و أنت معا تبدو المحادثة العادية غير ضرورية، لكن اعدك بألا أخفي عنك شيئا بعد الآن. لدي أخ و شقيقتان، و جميعهم ينتظرون لقاءك."
ذهلت أليكس و سألته: "أتعني انهم يعرفون عني؟"
رفع كتفيه بلا مبالاة و أجابها: "كل شيء. اننا مقربون جدا من بعضنا البعض. لقد ساعدوني على الاستمرار عندما ساءت الأمور جدا. شقيقتاي تأملان أن تتوقفي اخيرا عن كرهي."
كلماته تلك جعلتها تطرح سؤالا آخر في ذهنها فقالت: "ان كنت مصمما على جعلي أكرهك عندما استغليتني للحصول على اسطول السفن التجارية، لماذا عدت و اشتريته؟"
قال موافقا بكآبة: "بات، من جديد."
قالت بسرعة: "لا تلق اللوم عليه، كان يحاول تقديم المساعدة." ثم تجهمت و سألته برقة: "ألم تخش أن أعرف ذلك من جدي؟"
أمسك بيرس يدها و طبع قبلة على كفها قبل أن يجيبها قائلا: "كنت اتمنى ان تفعلي، لكني عرفت انك لن تعرفي، ما كان بتراكوس ليخبرك اطلاقا."
"لكن لماذا لم تخبرني أنت بذلك عندما ألتقينا ثانية؟"
رفع كتفيه بلا مبالاة و أجابها: "أنا أيضا لدي كبريائي يا أليكس. كنت أعرف اني قمت بعملي بشكل جيد جدا، و حتى أنا لا أستطيع ان أكشف كل أوراقي أمام امرأة تكرهني. لذا لم استطع اخبارك قط اني لم استطع العيش و فكرة مقايضتك تستبد بي، فعدت و أرغمت جدك على قبول المبلغ كاملا. لم يقم بمحاربتي لكن بعودتي إليه تأكد من حقيقة شعوري نحوك و استغل ذلك قدر استطاعته. و لا أنا حاربته. كنت تستحقين كل قرش دفعته ان كنت لا تعرفين ذلك."
هزت رأسها بحزن قائلة: "إذا، دفعت لهم ثمنا باهظا."
و دهشت عندما شد يده على يدها و قال: "ليس المال يا أليكس، الثمن الذي دفعته مقابل السفن كان أنت... أثمن من كل ما أملك. لقد تخليت عنك فقط لأني عرفت أنه لن يهدأ لي بال قبل أن استردك ثانية."
ثارت عاطفة أليكس و بلعت ريقها بصعوبة و هي تضع يدها على قميصه ناحية قلبه لتشعر بخفقانه. و قالت: "يا بيرس، ألا تشعر بأنك وضعت كبرياءك عند قدمي؟ بأمكاني أن أدوس عليه بالطريقة التي دعوتني أن أقوم بها."
قال: "لك كل الحق في فعل ذلك، لقد قدمت لك قلبي و حياتي لكن غذا كان كبريائي هو ما تريدينه، فإنه رهن اشارتك."
"اعتقد... انه لن يفيدني بشيء عدم مسامحتك، لأنك لا تستطيع أن تسامح نفسك و مع ذلك لا استطيع إلا أن أسامحك، لأني أحبك، و في الحقيقة اني لم اتوقف يوما عن حبك. لذا يا حبيبي ان كنت تحبني كما تقول يجب ان تسامح نفسك ايضا. هذا ما أطلبه منك."
و فجأة بدا و كأن العالم قد سكن من حولهما، و نظرت أليكس بشجاعة في العينين اللتين كانتا تشعان بعاطفة قوية تاقت لتراها فيهما. و سألها: "و ان لم استطع يا حلوتي أليكس؟"
وعدته قائلة: "عندها سأضطر لأن أحبك أكثر حتى تستطيع ذلك." و أنهت كلماتهابتنهيدة فيما ضمها بيرس بين ذراعيه و لفهما حولها بقوة و كأنه لن يدعها أبدا، لكنها لم تمانع. فها هما أخيرا بعد تأخر طويل جدا، قد عادا إلى حيث ينتميا و تشبثت به. لقد مرا عبر محنة لم يختاراها، أما الآن فقد أصبحا أحرارا لأن يتطلعا إلى المستقبل و ليس إلى الماضي.
قال لها بيرس: "انك ترتعشين." و ضحك بقوة.
اجابته: "و أنت كذلك."
هدأ بيرس قليلا و رفع يديه المرتعشتين لتحيطا بوجهها و قال معترفا: "اعتقدت اني فقدتك إلى الأبد هذه المرة."
و أفلتت منها آهة، و قالت له: "كنت لأعود و لو لألكمك على انفك!"
ضحك بيرس و قد عادت إليه تلك الثقة الكبيرة بالنفس و قال لها: "أنت يا مثيرة الفتنة الصغيرة! انها فكرة جيدة، لكني أفضل أن تقبليني بدلا من ذلك."
و جعلت كلماته الساخرة تلك عيناها تلمعان، و سألته: "هل تتوسل إلي، يا بيرس؟"
أجابها: "إذا ما زلت تريدين ان تتقاضي حقك كاملا بعد كل ما جرى؟"
حدجته بنظرة من تحت أهدبها و قالت: "في الحقيقة، اني بحاجة ماسة إلى حبك كحق كامل لي!"
أجابها بانشداه: "اني في الحقيقة أخشى ان ألمسك تقريبا."
و كرد على ذلك رمقته بنظرة جذابة، و قالت: "لكنك لا تخشى ان تتركني ارحل؟"
ضحك لكلماتها تلك و قال لها بتحد: "لن أدعك ترحلين أبدا اني قدرك يا أليكس. أيخيفك ذلك؟"
اعترفت له قائلة: "لا شيء يخيفني و أنا معك."
و عندما رفع بيرس رأسه ادركت من تعابير وجهه كم كان عملا صعبا بالنسبة إليه ان يكبت حبه في صدره. و كانت بسرعة تفقد السيطرة على عواطفها، لكنها لم تأبه، و تركت نفسها تسبح في بحر من اللامبالاة.
و ليغيظها قال برقة: "ذكريني ان ارسلك بعيدا غالبا، ان كانت هذه هي الطريقة التي تستقبليني بها عندما أعود." و دفع عن وجهها خصلات رقيقة من شعرها.
غامت عيناها للحظة و قالت: "إياك ان تفعل ذلك بي ثانية، اطلاقا يا بيرس."
لوى قسمات وجهه و قال: "اعترف اني كنت مخطئا، لكن ذلك ما جعلتني أشعر به و كأني أخشى ان افقدك فقلت ان علي أن أبعدك! سامحيني."
طالما أنها عرفت انه يحبها فإنها مستعدة لأن تسامحه على أي شيء. فقالت له برقة: "اعتقد بأني أثبت لك انهليس من السهل التخلص مني."
اعترف لها بصوت أجش: "اعتقد اني لا استطيع تصديق حظي هذا، لذا فاني أقرص نفسي لأتأكد ان هذه حقيقة و ليس حلما." و طبع قبلة على جبينها و سألها: "اسعيدة؟"
تنهدت قائلة: "سعيدة بشكل لا يوصف." قد يكون بيرس بإمكانه احداث اسوأ جرح، لكنه وحده يستطيع ان يجعلها تشعر بهذه السعادة.
نظر في عينيها لفترة طويلة و هو ما يزال يتنفس بتثاقل، و سألها: "و هل تصدقين اني احبك؟ أحبك بالرغم مما فعلته. لقد أحببتك دائما."
تنهدت أليكس ثانية و قالت: "آه، نعم. أنه التفسير الوحيد المنطقي." ثم لمعت عيناها بابتسامة مشرقة و أضافت: "اني مسرورة لأني لم أعد مضطرة لأن أكرهك بعد الآن، ان ذلك أمر يصعب القيام به عندما تكون مغرما في حب شخص ما. بيرس، أصحيح ان كل شيء قد انتهى الآن؟"
أومأ برأسه بوقار و أجابها: "كل ما أريده الآن هو أن انسى ما مضى. اني لا أحمل أية ضغينة لعائلتك. كنت بكل بساطة انفذ عهدا قطعته، و من الآن فصاعدا كل وعودي ستكون لك و لعائلتنا."
أمسكت أليكس يده و ضمتها إليها، ثم تمتمت قائلة: "عائلة، يبدو ذلك جميلا."
فارتسمت على شفتيه ابتسامة و سألها: "هل اعتبر ان ذلك يعني انك ما عدت تتمنين أن أكون كشيء مغث يمكنك سحقه تحت قدمك؟"
ضحكت و سألته: "هل قلت ذلك حقا؟"
أجابها بغضب ساخر: "لقد فعلت و أكثر من ذلك بكثير."
و لتغيظه قالت: "حسنا، كنت تستحق ذلك في ذلك الوقت."
ثم تنهدت عندما خطرت لها أفكارا أخرى، و قالت: "أنت أيضا قلت أشياء. يوم اخذتني لترى جدي، ذكرتني انك لم تقل لي قط بأنك احببتني، انك لم تقل تلك الكلمات."
تنهد بيرس أيضا و قال: "كنت أعرف بأني لن استطيع قول تلك الكلمات و انكارها فيما بعد، لذا قلت لك انك لن تستطيعي ان تعرفي عمق الشعور الذي أحمله لك في قلبي. قصدت ان اجعلك تعتقدين اني قصدت بذلك الرغبة بالانتقام، لكن الأمر كان دائما كما ظننته في البداية، ان عمق ذلك الشعور كان الحب، يا اليكس لكني كنت مرغما للتظاهر بعكس ذلك."
إذا، لم تكن مخطئة إطلاقا. و مع ذلك كان هناك شيء ما زال يؤلمها كثيرا فسألته: "لماذا تزوجتني لليلة واحدة؟ أكان من الضروري حقا أن تقفل ذلك المهرب بتلك الطريقة؟" غير مدركة عمق الألم الذي عكسه صوتها.
رغم ذلك استمع بيرس و اغمض عينيه للألم، ثم أجابها: "لم يكن هناك مهرب قط. لم أكن مجبرا على الزواج منك، بل كنت بحاجة لذلك. كان ذلك ضروريا يا حبيبتي، لأني اعتقدت أنها المرة الوحيدة التي استطيع أن أعبر فيها عن حبي، المرة الوحيدة التي استطيع أن أظهر لك خلالها كم أحببتك. كنت أريد أن أكون طيبا معك و رغم اني كنت أعرف ان ذلك قد يكون مصدر ألم فقط لكلينا. فيما بعد لم استطع ان أمنع نفسي من ذلك فإن كان علي ان اعيش في العذاب و الندم، إذا فعلي ان اتذوق طعم الهناء و لو لمرة واحدة."
نظرت أليكس إليه و قد اغتاظت من الطريقة التي ارغمه سؤالها للضغط على نفسه. رفعت يدها لتلمس خده و الألم يملأ نفسها، و على الفور عاد بأفكاره ليكون معها من جديد.
قالت له: "كان ذلك هو الهناء بالنسبة لي أيضا يا بيرس، لطالما كانت السعادة دائما معك."
هز راسه و قال: "اعرف اني آلمتك كثيرا، لكني أنوي ان أعوض عليك كل لحظة ألم مررت بها."
ابتسمت برقة و استكانت إليه، ثم قالت لتغيظه: "آه، كيف تخطط لأن تفعل ذلك؟"
أجابها بصوت أجش: "امنحيني دقيقتين بعد و سأفكر بشء ما."
قالت بتحد: "هل تكفي بضع دقائق؟"
فصرخ قائلا بغضب ساخر: "اليكس مارتينو ألا تخجلين؟" رغم ان عينيه كانتا تنقلان رسالة مغايرة...


******************************************

النهــــــــــــــــــــــــــــاية


تمـــــــــــــــــ بحمد الله ــــــــــــــــــــــت

posy220 01-11-09 09:21 AM

شكراعلى الروايه الروووووووووووووووواعه موووووووووووووووت

دانة الربيع 07-11-09 06:47 PM

مشكوووووورة
وتسلم ايدك على الرواية الحلوة
ننتظر جديدك

Cheer 08-11-09 01:53 PM

يسلموووووووو قلبك ياعسل

الرواااااية رووووووووعة

تسلم الايدين

زهرة الماس 27-11-09 10:02 PM

يسلموووووووووووووووووووووو00000000000تحياتي لكي

moura_baby 14-12-09 03:18 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

قماري طيبة 03-01-10 09:22 PM

واااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااو
رواية مرة روعة تنزل الواحد لسابع ارض وبعدين ترفعة لسابع سماء
من جد زمان على روايات زي كدا من جدتشكري عليها
بانتظار جديدك عزيزتي لا تطولي علينا
:flowers2::flowers2::flowers2:

الجبل الاخضر 04-01-10 08:48 PM

اختيار رائع جدا جدا تسلم الانامل الكتبتها ولا يحرمنا من اختيارك الرائع شكرا استمتعت

الهيفاء 06-01-10 02:22 PM

رواية رااااااااااائعة، ألف شكر على الاختيار الرائع جدا جدا...

سفيرة الاحزان 28-04-10 02:53 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

gaviotta 30-04-10 02:14 AM

رووووووووووووعة
يسلموووو

حجر فيروزي 17-06-10 12:46 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اللطيف 19-06-10 01:04 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

sadeka 22-06-10 08:18 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

nounoucat 27-07-10 03:24 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

بسمه فجر 07-11-10 03:50 AM

الف شكر الرواية رائعة

فجر الكون 10-11-10 07:45 PM

يعطيج العافية ,,,,,

طائر عاصي 18-11-10 12:45 AM

الرواية دي رائعة وقد سبق ان قراتها ونفسي اقرأها ثانيا

الملآك القاسي 18-11-10 06:57 AM

مشكووووووووووووووورة وتسلمين على الرواية الحلوة

sara00 28-11-10 07:44 PM

شكـــــــــــــــــــــــرا
و
تســـلم الانامــــــل

a7wak 30-11-10 06:15 PM

shklha 7lwe
Natrenk

ريماس27 05-03-11 11:46 PM

يسلموووووووووو يااااااذوووووووووووق

سنيوريتا 18-04-11 08:23 PM

روووووووووووووووووووووووووووووعه شكرا

ubax 03-05-11 09:57 PM

شكرا على مجهودك يا عســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل

زهرة منسية 05-05-11 11:06 PM

يسلموا ريد روزيز الروايه رائـــــــــ بارك الله فيكى عــــــــــــــــه

ندى ندى 06-05-11 05:57 AM

رووووووووووووووووووووووعه

زهرة سوداء 05-07-11 02:43 PM

يسلمو ايديك

سومه كاتمة الاسرار 05-07-11 06:29 PM

شكل الملخص تحفففففففففففففه

سومه كاتمة الاسرار 06-07-11 12:40 AM

ميرسى على المجهود الاختيار كان موفق جداااااااا منتظرين الجديد دائما دومتى بود
:8_4_134:

fadi azar 13-07-11 04:57 PM

شكرا كتير الرواية روعة

faiza531 14-07-11 09:51 PM

بالجد روايه جميله جدا جدا

شكرا ليك

أسيرة الاحزان 19-07-11 01:54 AM

يسلموا حياتي


رواية مميزة ورائعة

ساحرات 15-05-12 02:33 AM

شكرالكى على الرواية الرائعة يا احلى وردة حمراء

الجبل الاخضر 17-05-12 01:22 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

انجلى 18-06-12 10:45 PM

:0041::0041::0041::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::342::342::3 42::shokrn::shokrn::shokrn::98yyyy::98yyyy::98yyyy:لكى احلى الابتسامات لانكى خعلتينى سعيدة فى الايام

الملآك القاسي 20-06-12 04:17 PM

شكـــراااااا على الروايه

ام عبيده 27-08-13 06:25 AM

رد: 526- القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس (كاملة)
 
انتي رائعه والروايه رائعه وما تركتها الا ان خلصتها والله ما اعرف شلون راح اصحى واحضر غدا لاولادي هههههه
تسلميلي ياقمر وشكرا ع مجهودك

الجمال البهي 22-09-15 07:02 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
:dancingmonkeyff8:

رانما 02-01-16 02:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة redroses309 (المشاركة 2066293)
السلام عليكم يا حلوين
اخترت لكم رواية إنشاء الله تعجبكم رواية القدر القاسي

ملاحظة:(اتمنى من جد ، إذا في أحد ينقل روايتي إلى اي منتدى ثاني اتمنى على الأقل يذكر انها منقولة و يذكر المصدر للأمانة)


راح اكتب الملخص و إذا شفت فيه تشجيع راح أكتبها بسرعة على قد ماأقدر


**********************************



القدر القاسي لـ أماندا بروننغ
من سلسلة قلوب عبير ... 526 دار النحاس




الملخص


قبل خمس سنوات ، تزوج بيرس من اليكس ليوم واحد و نبذها في اليوم التالي. و لماذا؟ لأنها كانت طريقة للوصول إلى أسطول من السفن التجارية و ها هو قد عاد الآن متطلبا كما كان دائما. إنها مضطرة للزواج منه لتساعد والدها ، و مرة أخرى لم يكن لديها خيار آخر ، لكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة ، في ما مضى كانت تحبه ، لكنها الآن تكرهه و مهما حدث لن تثق به ثانية.

دي من الرويات اللي امووووت فيها ثانكس ليلاس😍😘

رانما 02-01-16 02:05 AM

مررررره روووعه

mony manosh 19-10-16 06:58 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
شكرااااااااااااااا

زهرة الخليج العربي 02-11-16 02:16 AM

رواية رااااائعة

زهرة الخليج العربي 02-11-16 02:18 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
السلام عليكم
رواية رااااائعة من الملخص

الخنساء الشاعره 01-12-16 09:31 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
جميله جدا شكرًا على المجهود

زهرة النهر 26-12-16 09:35 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
موفق ولك جزيل الشكر

doda qr 21-02-17 09:32 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
روووعه وشيقه احداثها شدتني جدا يسلمواااا

متاب الحافظ 11-09-18 09:23 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
يعطيكم العافيه

متاب الحافظ 11-09-18 09:25 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
يعطيكم الف عافيه

Smarta 14-09-18 06:33 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
السلآم عليكم ورحمة اللة وبركاته الرواية من الملخص روعة بس

رباب مشالى 14-09-18 09:57 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
:8_4_134:شكرا جزيلا لك

ربعية 23-10-18 05:18 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
روايات روعة

حنايا القلوب 28-01-20 06:03 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
رواية قراتها قديما وانا طالبة
مع ضديقتي وعجبتني مرررره

سازونا 10-07-20 01:00 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
Hello what a happened

بشائر شوشو 20-12-20 12:38 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
يسلمو ع الروايه بتوفيق وكل عام

بشائر شوشو 20-12-20 12:41 AM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
شكرا ع الروايه

Moubel 14-05-21 04:46 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
رواية مسلية فعلا
قرأتها مرات عديدة

نجلاء عبد الوهاب 29-07-23 02:36 PM

رد: 526 - القدر القاسي ـ أماندا برواننغ ـ قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
:LgN05096::LgN05096::075::075::LgN05096::LgN05096::075::075: :075::075::LgN05096::LgN05096::075::075:


الساعة الآن 03:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية