منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t119070.html)

جين استين333 09-09-09 09:40 PM

14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انا كنت حابه انزلكم القصة بكتابتي لكني لقيتها متوفرة فقلت أنقلكم هي و ان شاء الله أحطلكم قصة تانية بكتابتي


الملخص/

شقيقتان الجميلة الموهوبة اعتادت منذ الطفولة أن تأخذ كل شيء يخص اختها حتى خطفت منها خطيبها فما كان من ليلى ديرمونت الا أن تنحت مفسحة في المجال امام شقيقتها صاحبة السحر الذي لا يقاوم وقبلت عرضا بزواج أبيض ... زواج خدعة هدفه حصول مديرها الاسباني على ارث تركه جده مشترطا ان يكون الوارث قد تزوج لكن الأمور تجري على غير ماتصوره وبات الزواج الابيض يتلون بألوان اخرى ... تحت شمس المكسيك... لكن ماذا تريد تلك الشقيقة المعروفة باسم(النجمة الداكنة) لأنها سينمائية ذات مصير غامض... وهل تستطيع ان تخطف من اختها زوجها الاسباني الوسيم؟ منتدى ليلاس

جين استين333 09-09-09 09:41 PM

أسرة ديرموت


أغلقت الباب بعنف كمن يتمنى أن يصفعه بشدة, ولكنه يحاول أن يكبح جماح نفسه. وابتسمت ليلى للفتاة الغاضبة التي القت كومة من الاوراق على مكتبها وسألتها بعطف:
-يبدو عليك الاضطراب , فماذا يجري؟
أشارت الآنسة كيريغان بيأس وكأن شرح ما يزعجها بدقة أمر يفوق طاقتها وقالت:
- سأقول يوما لذلك الرجل رأيي فيه... وثقي أنني لن أكون ممهذبة في ذلك!
اختلجت شفتا ليلى ديرموت قليلا, وظهرت في عينيها الفاتنتين الداكنتين ومضة انشراح. ولو أن أحدا اطال النظر اليها لأعجب أيضا بلون بشرتها القرمزي الشاحب وبشعرها المجدول في عناية, بعدما عقصته مثل اكليل حول رأسها الصغير. وكان مظهرها خادعا اذ تبدو هادئة ساكنة الاعصاب, لكنها كانت ذات مزاج حاد وكانت كيري كيريغان تعرفها معرفة جيدة ولا ترتاب اطلاقا في الصفات الكامنة تحت كمال بشرتها الشاحبة. وأدركت كذلك ان ليلى لم تأخذ كلامها على محمل الجد. وقالت وهي تجلس على ركن من المكتب:
- آه... لعله من الصعب أن اجد الجرأة.. ربما يكون مديرنا جذابا ولمنه ارهب مثال صادفته!.الأميرة شوق
فقالت ليلى معلقة:
- مشكلتك انك تسمحين له بأن يثير اعصابك.
وأعادت كلماتها اللهب الى العينين الخضراوين , فتهفت كيري:
- يثير أعصابي؟ كاد يهيج غضبي منذ لحظات, واصارحك بأنني لا فهم كيف استطعت أن تلازميه ثلاث سنوات.
وأجالت عينيها في محجريهما واردفت:
- لابد أن عندك صبر القديسين
فهزت ليلي كتفيها في شيء من عدم المبالاة وقالت:
- كل ماهنالك أنني لا أحفل اطلاقا به ولا بأطواره.
- هذا من حظك .. لأنك تضطرين لتلبية جرسه معظم الوقت ! ولكن هناك كلمة حق لا أحجم عن قولها بصدد صاحب مؤسسة ميريديث, وهي انه لا يقول كلمة في غير موضعها.
والتوت شفتا ليلي الجميلتان الى اعلى وقالت: منتدى ليلاس
- أتعنين أنه لا ينساق للحب ؟ يا للمسكين ! انه لا يعرف كيف يحب اذا هو حاول!.
انطلق صوت الجرس كأنه ازيز سرب من النحل المهتاج فبدد هدوء غرفة ليلي الصغيرة فوثبت كيري عن المكتبولاذت بالغرفة العامة المجاورة. وجمعت ليلي بعض الاقلام وكراسة للمذكرات وأسرعت الى باب المكتب الخاص برئيسها الباب الذي كادت كيري أن تصفعه لولا انه كان متوما عليها الا تفعل لان رويز آلدوريت لم يكن من ذلك الطراز من الرجال الذي قد يجيز عنفا من هذا النوع. لم يكن من الطراز الذي يسمح بأي شيء من قبيل الألفة أو الازدراء لمركز المهيب كرئيس لدار مريديت وكان التصدي له بالرد يتطلب درجة من التصلب في الرأي لم توءتها كيري قطعا.
كان بوسع رويز ألدوريت أن يخمد التوتر العصبي بكلمة هادئة أو أن يذكيه بنظرة واحدة. كان الكفاءة بعينيها عنده معرفة كاملة ومطلقة بكل شؤون شركته وما كان ليشفق قط على نفسه اذا دعت الضرورة للعمل الشاق وبهذا القدر من الكفاءة التي لا ترحم كان يتوقع نفس الكفاءة من كل امرىء يعمل لديه . ولكنه ما فصل أحدا يوما ظلما وكانت نظرته واحدة من عينيه الباردتي النظرات توضح انه لا يطيق جدالا . كانت كلمته هي الفاصلة في كل المناسبات وهو صاحب السلطان النهائي.الأميرة شوق
لم تشعر ليلي بأي توجس حين دخلت حجرته ولكنها اختلست نظرة اليه لتستبين ما اذا كان مزاجه معكرا اكثر من المعتاد. كان يقف وراء مكتبه حين دخلت يسيطر بقامته الطويلة على الموقف بينما كان ينبش نافذ الصبر في ركامات الاوراق على مكتبه. وقدرت ليلي أن بارومتر مزاجه يشير الى درجة عاصف فتمنت أن يكون من الممكن تفادي العاصفة. ولكنها لم تأمل كثيرا فأن رويز آلدوريت كان نصف أسباني فقد آلت اليد دار مريديت من ناحية أمه.



- أكنت تطلبني يا سيد آلدوريت؟
- ما كنت لأدق الجرس لو لم اكن أطلبك.
كان جوابه حادا وما من شك في أن الرجل كان جذابا ولكن امارات الغضب كانت تشوه جاذبيته. وهتف:
- أين ملف براون وكينتون؟
فأخرجت ليلي ملفا متخما بالوثائق من خزانة بجوار الحائط:
- أنت طلبت مني مساء أمس أن آخذه.
وشعرت بارتياح ضئيل. وتناول الملف منها وأخرج العقد منه فقرأه بأكمله وهو مقطب ثم التفت فرآها لا تزال واقفة أمام مكتبه . وانعقد حاجباه الاسودان ثم لانت أسارير وجهه وهدأت وقال:
- حسن .. لك أن تنصرفي.
وخرجت ليلي وهي تكبت رغبه طائشة في أن تضحك بالرغم من انها كانت تغادر مكتبه وهي تشعر كأنها كانت في معركة.الأميرة شوق
وخطر لها وهي تعود الى مقعدها خلف مكتبها ان كيري كانت على صواب . كان بوسع رويز آلدوريت أن يثيرها اذا سمحت لنفسها بأن تهتاج ولكنها لحسن حظها كانت اكثر سيطرة على انفعالاتها من كيري المتقدة الطباع فضلا عن أنها كانت قد ألفت هذه المعاملة . وعلى النقيض من رويز آلدوريت كان حبيبهها في بروس أشبه بالملاك. وسمحت لنفسها بأن تفكر في بروس وأوشكت أن تستسلم لحلم من احلام اليقظة لولا انباعاث رنين الجرس مرة أخرى ولكنه لم يكن متعجلا وملحا كالمرة السابقة.
كان رويز آلدوريت يذرع غرفة مكتبه ذهابا وايابا حين دخلت للمرة الثانية فحدجها بعينين سوداوين ثاقبتين تشعان بفضول واهن وقال:
- أتعرفين مطعما جيدا لا يبعد كثيرا عن الادارة يا آنسة ديرموت؟ انني على موعد للاجتماع بمندوب من براون وكينتون ولن يتسع الوقت لأذهب لمطعمي المعتاد.
وفكرت ليلي بسرعة . كان ثمة مقهى أو أثنان قريبان لكنهما ليسا من الطراز الراقي الغالي الذي يليق برئيسها وقالت أخيرا في تردد:
- هناك مطعم ريكي على مسيرة بضع دقائق من هنا. لا يتردد عليه من شركتنا سوى قلائل . والطعام جيد ولكنه ليس ممتاز.الأميرة شوق
قال في غير تردد:
- أنه مع ذلك يصلح. كيف اذهب اليه؟
ارشدته فشكرها في لهجة فاترة مقتضبة ثم صرفها مرة أخرى. وفي طريقها الى مكتبها عرجت على القاعة العامة لتسأل كيري عما اذا كانت سترافقها للغداء. فتطلعت كيري اليها منصرفة عن نسخ تقرير على الالة الكاتبة وسألتها :
- في مطعم كيري؟
- نعم. سأقابلك هناك اذا لم يعوقني صاحب الشأن لأي أمر.
وهمت بأن تعود الى مكتبها لولا أن كيري نادتها قائلة:
- بالمناسبة جاءت مكالمة هاتفية من ستيلا بينما كنت مع صاحب الجلالة منذ لحظة . قالت اننها ستأتي بسيارتها في وقت ما غدا.
وبرقت عينا ليلي وهتفت:
- هلا ستيلا قادمة؟
قتطلعت اليها كيري بملامح متحفظة وتساءلت:
- انك بالغة الاعجاب بها .ألست كذلك؟
رمتها ليلي بنظرة متعجرفة وازدادت ابتسامتها رقة فأصبحت كتلك التي تؤثر بها بروس. وقالت:
- طبعا . كلنا بالغوا الاعجاب بها يا كيري وفخورون بها . ربما لانها جميلة وموهوبة وبارعة بدرجة غير متوقعة في أسرة عادية.الأميرة شوق
هكذا كانوا دون شك اسرة عادية. وكان سر دهشتهم من أن يكونوا يسمونها مداعبين ولكنهم كانوا جميعا فخورين بستيلا نورديت الممثلة الكبيرة وكانوا يعجبون كل الاعجاب بها كشخص من الاسرة.
وما كانت كيري التي شعرت بما جال بخاطر صديقتها تقرها على ذلك. فلم يكن أي من أفراد عائلة ديرموت عازبا ولو أن ستيلا كانت تظفر بالاعتراف بأنها جميلة . لم تكن ثمة دمامة أو جمال عادي في تيس وتوم التوأمين اللذين يتعذر كبح جماحهما ولا في جولي المراهقة التي أوشكت أن تتخرج من كلية الفنون - حيث كانت تتلقى برنامجا للسكرتيرية - ولا في ليلي ذات الهدوء الذي ل ينم عما بداخلها... والى جانب هذا كله لم تكن كيري تقر البتة بعض آراء الاسرة عن ستيلا.

جين استين333 09-09-09 09:43 PM

ما كان ثمة ريب في أن ستيلا جميلة كان لشعرها الاسود المصقول لمعان جناح الغراب الاسود الامر الذي لم يكن مرتقبا في أسرة شعر افرادها أحمر وكانت قسمات وجهها وبشرتها الخالية من أي عيب - والتي يعرفها رواد السينما - أقصى ماتشتهيه فتاة ..الأميرة شوق ولكن هذا كان أقصى ما توافق كيري به على اسطورة أسرة ديرموت التي كانت اسطورة زائفة تماما. فان ستيلا كانت أنانية لا تعني الا بنفسها وما كانت شخصيتها في جمال جسمها. وفي أية حال فأن كيري كانت ترى - بينهما وبين نفسها - أن ليلي كانت الجميلة الحقيقية في الأسرة. كان جمال ستيلا من النوع الظاهر أما جمال ليلي فكان في قسمات وجهها الشبيهة بنحت أزميل فنان وفي وضع رأسها الاشم الهادئ تاج شعرها اللامع الذي ر يقل تألقا عن شعر ستيلا ... وفوق كل شيء آخر كان في ليلي جوهر عميق ثابت من الاخلاص الصادق الذي كانت ستيلا تفتقر اليه بالتأكيد . كانت الممثلة المشهورة تتلقى كل التزلف والاعجاب اللذين يوجهان اليها - حتى من أسرتها - وكأنها حق واجب لها وا كانت تمنح شيئا سوى ابتسامة لطيفة غير صادقة لا معنى لها!
كان هذا رأي كيري ولكنه كان آخر ما يمكن ان تقدم على مصارحة ليلي به. وتساءلت ليلي : هل ذكرت ستيلا كم ستمكث؟ فهزت كيري رأسها قائلة:
- الواقع أنها لم تقل الكثير اذ كانت متعجلة لحضور مؤتمر صحفي أو شيء كهذا . اتصلت بالبيت ولكن الرقم كان مشغولا فاتصلت بك هنا بدلا من أن تنتظر خلو خط البيت.
فابتسمت ليلي قائلة:
- هكذا هي ستيلا حقا... اشتكت مرة انهم لا يتركونها تخلو بنفسها ابدا ولكني أخال أنها تستمتع بكل دقيقة يحيطونها بها.
ووافقت كيري - في نفسها - على ان هذه الكلمات كانت صريحة خالية من الرياء. كانت ستيلا نهمة الى الشهرة والاهتمام فلا بد من أن تكون مركز الجاذبية باستمرار. كان لبد من أن تستحوذ على كل ماتبغي واذا كان ما تبغيه ملكا لغيرها فانها كانت تأخذه دون أي تأنيب ضمير ودون أن تفكر لحظة فيما قد تسببه للغير اصابعها الطامعة . ولو أنها تراجعت لحظة فمن المحتمل ان يقتصر ترويها على هزة غير مبالية من كتفيهاوعندما استقرت ليلي في عزلة مكتبها جلست الى منضدة المكتب لتطبع على الالة الكاتبة ما أعطاها رويز آلدوريت من عمل ولكنها لم تستطع إيقاف افكارها برغم انسياب اصابعها على مفاتيح الالة بكفاءة: ترى هل ستعجب ستيلا ببروس ؟ طبعا!. واضافت في سرها وفي عينيها ابتسامة : من المستحيل ألا تعجب به!
وعادت الى العمل وهي تكبح رغبتها في الانسياق لأحلام اليقظة عن بروس وهي رغبة كانت مطردة الازدياد و التسلط في الشهور القلائل الاخيرة وهو أمر مفهوم مادام قد اصبحا خطيبين كان من المستحيل - برغم كل رصانتها - ألا تحب من النظرة الأولى وأن لم يظهر عليها ذلك. وغشيت عينيها رقة لطيفة وهي تفكر فيه... في بروس العزيز الضخم غير المصقول! لم يكن لها مفر من أن تحبه حين دخل مكتبها وابتسم لها وسلمها مجموعة من التقارير من القسم الهندسي في المصنع موجهة الى رويز آلدوريت
ولقد أقرت الاسرة اختيارها عندما رأته ... ابتدأ من أبيها المحامي الخشن الى أمها المتزنة - والتي مازالت جميلة - الى جولي المراهقة الى التوأمين الجامحين اللذين اعربا عن تحبيذهما بطرقتهما العابرة: لا بأس به ! وكان هذا منهمابمثابة الأطراء بل أكثر. وقد داعبوها جميعا أما جولي فقد استهوت فكرة العمل في شركة آلدوريت خلال العطلة الدراسية الاخيرة ولكن كيري كانت ترى انها قد تعدل رأيها بعد لقاء واحد بصاحب الشركة الموقر ! وعلى أي حال... فكان من الرائع ان تعود للبيت بعد أيام قلائل عندما تحين العطلة الدراسية . وبمجيء ستيلا كذلك ستسنح فرصة لا لتئام الاسرة تفوق كل ما كان متوقعا. سيكون وجود ستيلا وجولي معا مناسبة بديعة حقا.
وفجأة تذكرت موعد الغداء فنهضت لترتدي السترة اسوداء الانيقة سترة البذلة المحكمة حول جسمها الرشيق والتقت بكيري خارج باب حجرتها الملحقة بقدس اقداس رويز آلدوريت. فسارتا متجاورتين على البوابة البيضاء للمصنع الحديث النظيف ومضيتا في الطريق الى المطعم ... على الباب العادي كتب عليه ريكي. كان داخل المطعم عليل الهواء فسيحا اصطفت على طول احد جانبيه مقصورات صغيرة أسدلت عليها ستائر
واستقبلهما ريكي نفسها وكانت امراءة متوسطة العمر ذات شعر أسود وخطه الشيب قليلا وقادتهما الى احدى المقصورات وهي تقول مخاطبة ليلي:
- بالمناسبة أختك هنا.
ورددت ليلي مشدوهة : أختي ؟ واذ ذاك ازيحت ستارة احدى المقصورات وخرجت منها في حركة رشيقة فتاة يافعةفي العقد الثاني من العمر ذات شعر برونزي عقص على شكل ذيل الحصان وعيناها العسليتان ترقصان بضحك ماكر ورمقتها ليلي مصعوقة وهتفت:
- جولي ! ماذا تفعلين هنا؟
- تفشت الحصبة في المدرسة بشكل وبائي فأرسلونا جميعا الى بيوتنا من لم يصب بها من قبل على الأقل . لقد انتهى الفصل الدراسي تقريبا على أية حال.
كانت جولي تدرس في مدرسة داخلية للسكرتيرية اشتهرت بتفوق برامجها ومناهجها العامة . ولم تلبث ان اردفت في مرح:
- عندما ينحسر الوباء سنختتم الفصل الدراسي وتقام حفلة توزيع الشهادات وحتى يتسنى هذا فأنا هنا.
واحتضنتها ليل بحنان مغتبط ثم ألقت نظرة على حقيبة الملابس المستقرة على الأرض وقالت:
- ألم تذهبي للبيت بعد؟
فهزت رأسها قائلة:
- لم أذهب بعد .خطر لي أنني سأصل الى هنا قبيل وقت الغداء فرأيت أن أفاجئك هنا.
قالت ليلي بشيء من الجفاء:
- لقد فاجأتني حقا قطعا . والاسرة أيتوقعون مجيئك؟
فرمتها جوولي با بتسامة ماكرة أخرى قالت:
- كلا . كان المفترض أن أبرق لهم ولكني رأيت أن افاجئهم هم الاخرين.
ودخلت المقصورة معه فتهالكت على المقعد وزفرت في ارتياح قائلة:
- ها قد عدت نهائيا.. اني مصمممة على العمل بشركة مريميت . فعقبت ليلي بجفاء:
- اما زلت على فكرتك القديمة
برقت عينا جولي وقالت:
- بالتأكيد ... أنني وقعت حقا في حب مديركما
ولم تبد ليلي أي ردة فعل اذ كانت على دراية بأختها وقالت:
- ولكنك لم تره قط.
- بل رأيته لم احدثه طبعا ولكني رأيته فعل عندما مررت بالشركة في طريقي الى هنا كان يهم بأن يسقل سيارته التي تساوي ثروة ولابد , فأدركت من هذا ومما وصفتماه به أنه هو.
قالت ليلي وفي صوتها رنة دهشة جافة:
- اذن فقد وقعت في هواه يا صغيرتي ؟ أتسمحين بأن تخبريني ما الذي استهواك ؟
تنهدت جولي في نشوة المراهقة وقالت:
- أنه جذاب أسمر رومانسي.
قالت ليلي في برودة:
- وعاطفي كقطعة ثلج... حان ان تكبري على نزوات الطالبات!
- ولكنه رائع! لابد أنك لاحظت هذا فانت تعملين معه ثلاث سنوات.
وعلقت كيري بضحكة خفيفة :
- ألا ترينها سريعة في تفكيرها؟
وخالت ليلي ان اختها تمزح ولكن شيئا من القلق جعلها تأخذ الامر مأخذ الجد. فقد كانت جولي في سن تجعلها سريعة التأثر . ومع أنها نزوة لا بد أن تنقضي مع الزممن فان ليلي لم تشأ لشقيقتها المراهقة أن تقع فريسة لجاذبية سمرة رويزآلدوريت وان تكن جاذبية غير انسانية . زقالت في تؤدة:
- ان رويز آلدوريت جذاب جدا واني لأوافقك على ذلك ولكنه كرجل فهو آخر من ينبغي لفتاة ان تقع في هواه!
- لماذا بالله؟ ماأظنني رأيت شخصا مليحا منذ سنوات حتى بين اولئك الذين تمثل ستيلا معهم!
فقالت ليلي باقتضاب ا
بهذه المناسبة ان ستيلا قادمة غدا .
وانتظرت ردة الفعل فصاحت جولي:
- ستيلا قادمة ؟ كم ستمكث؟
- لست أدري بعد . احسبها ستخبرنا حين تصل.
وكان في عيني ليلي وميض الفرح الذي ظهر حين سمعت النبأ لأول مرة فأحست كيري فجأة بخوف من اجلها .. كان في ذهنها شك في ان ستيلا ستجرح شعور أختها.
- أنني موزعة بين الولاء له و الاعجاب بستيلا ثم الارتياب الفظيع في أنه سيغوص بنظراته في كيانها . انه قد يكون نصف اسباني ولكني على يقين بأنه يعتبر النساء - كنساء - شرا لابد من احتماله لمجرد بقاء النوع . ولو وجدت مؤسسة علمية تعكف على البحث عن طريقة للاستغناء عن النساء فأنني متأكدة من أنه سيتبرع لها بجزء طيب من ارباح شركة مريديت!.
وضحكت جولي ولكنها أردفت على الفور:
- لا يحتمل أن يفكر على هذا النحو وقد اوتي هاتين العينين!
وفي تلك اللحظة بدأ الرجل الجالس في المقصورة المجاورة بالأصغاء الى حديثهما بمزيج غريب من الانزعاج والحنق ان لم يكن قد سمع شيئا ينال منه كرجل. كان من الواضح ان الفتيات لم يكن لديهن فكرة عن وجود هناك وبدأ ان سكرتيرته نسيت تماما أنه كان قد اعتزم تناول غدائه في مطعم ركي . وكان قد أودع سيارته شارعا خلفيا فلم يكن ثمة ما يذكر ليلي بأنه جالس في مقصورة مجاورة منذ وصلت جولي والا لاستطاعت ان تنذر الأخرين ولما تحدثت هي نفسها على هذا النحو غير المتحفظ
ولقد شعر مديرها في البداية بحرج من استراق السمع دون تعمد ولكن لم يكن من سبيل لتفادي ذلك . ثم جد ما جعله يصغي لكل كلمة اذ انبعث صوت ليلي جافا وان لم يشبه ذلك الصوت الهادئ الذي اعتاد سماعه منها:
- هذا هو يوم المفاجآت حقا. حدثيني يا صغيرتي . الامر الوحيد بشأن عينيه هو أن لهما قدرة على الايحاء باستياء سيادته.
هتفت جولي في دهشة من قصر نظر شقيقتها:
- لابد أنك لاحظت فأنا لم اره الا في لمحة مقتضبة اما أنت فتعلمين لديه منذ زمن ولا أدري كيف تسنى ان تفلتي من الوقوع في حبه!
فاعترضتها ليلي قائلة:
- ما كنت لأجسر.
وتبينت الوميض المداعب المتراقص في عيني اختها فأدركت ان جولي لم تكن جادة ولكنها قررت المضي فيما بدأت فيه. فما كان ينبغي لجولي - اذا جاءت للعمل في الشركة - ان تشعر خظأ بجاذبية صاحبها . كانت بعد في سن الحرج وقد تصبح كلماتها المداعبة جادة. لذلك مضت ليلي تقول لجولي :
- كنت أكثر انشغالا بعملي من ان أوليه اهتماما. وعندما ازدادت معرفتي به تبينت أن من الخير ألا تساورني اية افكار عاطفية نحوه . انه رئيس جاد جدا .
وهنا اولى المستمع غير المشتبه في وجوده كلماتها شكرا ساخرا وهي تستطرد:
- هذا اذا استطعن احتمال اطواره ولكني اعترا بأنني لا اوافق على انه عاطفي على الاطلاق!
وأخذت تعدد ميزاته على اصابعها:
- انه طويل رشيق ليس في هذا شيء عادي .وهو شديد السمرة أمر عادي كذلك فمعظم الرجال ذوي الدم اللاتيني سمر أما أنه عاطفي ! وضحكت وكأنها تطرد آخر وهم قد يكون ساور جولي وقالت :
- أنني اسفة اذ اخيب تصورك ياصغيرتي ففي ساق المقعد الذي تجلسين عليه الآن من العاطفية أكثر مما في مديرنا المحترم. أنه لا يعرف كيف يحب!
وضحكت كيري في خبث وقالت:
- كم اتمنى أن ارى وجهه لو سمعك تقولين هذا!
فابتسمت ليلي قائلة:
- لا قدر الله . انه قد يعتبر هذا نوعا مستغربا من الاطراء .
فغمغم شاغل المقصورة المجاورة لنفسه :
أواه هذا محتمل!
واردفت ليلي:
- ليس للنساء مكان في حياة رويز آلدوريت أكثر من أنهن أدوات لامساك الاقلام وكتابة ما يمليه عليهن واداء الواجبات الكتابية الاخرى للشركة!
وضحكت جولي نفسها متخيلة عن مداعباتها ثم اضطرب الحديث ازاء عبير الطعام الذي طلبته . وبعد فترة من الصمت انبعث صوت جولي:
- هل تسدين لي صنيعا يا ليلي ؟
فأجابت هذه بمكر وهي الخبيرة بأختهها:
- هذا يتوقف على ما تريدين.
فضحكت جولي قائلة:
- عندما تعودين لمكتبك تأملي رويز آلدويت مليا ثم أخبريني في المساء عما اذا كنت لا ترينه مليحا بعد.
- لأي داع هذا؟
- لأسباب لدي!
فهزت ليلي كتفيها قائلة:
- لم أقل أنه غير مليح .. انما قلت انه يكاد يكون عدوا للنساء , فأكملت لها جولي العبارة:
- وف ساق المقعد أكثر مما في من العاطفة!
لم تططمئن ليلي للمكر المتراقص في عيني اختها ولكن ما من شيء قيل عن رويز آلدوريت بعد ذلك.
نهض شاغل المقصورة المجاورة بعد قليل فدفع حسابه وانصرف دون أن تفطن الفتيات اليه . واكنه في الطريق الى مكتبه لم يستطع - وان شغل ذهنه بأمور غير شخصية كعادتته - ان ينسى الصوت الهادئ وصاحبته تتناول مظهره قطعه فقطعه موضحة بجلاء انها لا تؤمن بحب السكرتيرة و المدير.
وكانت فترة بعد الظهر فترة موفقة أتم فيها المدير توقيع عقد براون وكينتون ثم عكف على بقية أعماله متناسيا الحديث الذي تناهى لأذنيه حتى جاءت سكرتيرته الى مكتبه لتعنى ببعض الملفات . ووجد نفسه يراقبها - على الرغم منه - وهي تتحرك دون ما صوت. كانت السكرتيرة المثالية التي عهدها والتي لا تنم اساريرها عن شيء حتى كاد يقتنع بأنه تصور ذلك الحديث في خياله و بالرغم من تأكده بأن ما سمعه كان صوتها. وادهشه ان يسائل نفسه عما يكون قرارها النهائي اذا ما فعلت ما طلبته اختها . ولكن وجهها وعينيها لم تكشف شيئا مما كان يساورها برغم انه كان يراقبها عن كثب كأنما كان فينظرها مجرد قطعة اثاث أخرى ... وهذا ما كان يبتغيه.. ولم يكن أى طراز أخر من الكرتيرات ليناسبه..
ووجد نفسه - هو يراقب تحركاتهها في مكتبه بهدوء ورصانة ورشاقة - يسائل نفسه عمما اذا كانت قد شعرت يوما بانفعال عاطفي حقيقي . كانت تبدو أشد سيطرة على نفسها من أن يراودها شيء من الشهوات الحارة التي قد تمزق الادميين.ا

جين استين333 09-09-09 09:44 PM

وتحولت ليلي عن آخر خزانة للملفات وألقت نظرة على ساعتها ثم تطلعت اليه قائلة:
- أوشكت الساعة على الخامسة. هل تريد أي شيء آخر هذا المساء ؟
فقال:
- كلا ... طابت ليلتك.
وردت التحية بهدوؤ وخرجت مغلقة الباب خلفها بنفس السيطرة على نفسها التي كان يبدو انها سمة لكل تصرفاتها. وان هي الا دقائق حتى ساد الجو نشاط سريع مع رنين جرس الانصراف . وبعد ثوان كان المكان قد خلا وساد الظلام عدا الضوء الوحيد الذي ظل في حجرة رويز آلدورت الذي بقي هناك وحيدا لساعات وعيناه السوداوان على الاوراق التي امامه . ثم نهض أخيرا وأودع احدى خزانات الملفات أوراقه وضغط زرا للتليفون الداخلي وقال:
- لك ان تأتي وتقفل الأبواب.
وحياه حارس الأبواب الخارجية وسيارته الفارهة تنطلق في الظلام وهو يدرك أن أمسيته هي نفس أمسية البارحة .. سيذهب الى البيت - وان كان لم يعتبره مكسنه يوما بيتا! - كان ثمة مكان واحد يمثل في نظره البيت دائما... مكان لم يكن بوسعه قط ان يعود اليه.. المبنى الأبيض الممتد الأرجاء الذي كان يذكر بجلاء تام وان كانت قد انقضت أعوام منذ رآه أخر مرة . وتشبثت يده بقوة بعجلة القيادة -لمجرد تفكيره فيه - حتى اصبحت سلاميات اصابعه في بياض الكاراسترانو. ثم خف تشبث قبضته اذ أجبر ذهنه على تناسي الموضوع. والسيارة تمضي به الى مسكنه الفخم والى الزوجين العجوزين اللذين يعنيان به. كانا من الدقة والحرص والتجرد الذاتي كبقية عناصر حياته ومع ذلك فقد كان يحس احيانا بأن الاصداف الصلبة الباردة تتشقق احيانا فتزحف يداه على عجلة القيادة.
ان اي شيء كان يمكن ان يسبب ذلك الشعور ... ولكن بعض الأشياء كانت أكثر تأثيرا من سواها شجر نخيل المنطقة الحارة في بعض الاعلانات السياحية أو لمعان ضوء الشمس على مبنى ابيض.. ولكن الموسيقى أكثر من كل شييء . فعندما كان يسمع العذوبة المتراخية لأغنية أو رقصة من أسبانيا القديمة مع الوقع اللحوح الذي يشد الحواس تحت جاذبيته الناعمة عندما كان يسمع ذلك كانت تعود الذكريات أقوى ما تكون
ولكنه كان يكبح الذكريات بالشدة الباردة التي نمها في نسفه ويردها الى اغوار ذهنه حتى لا تعود لها أية ممعان تقريبا . لعله كان على وجه مايستحق التحليل الذي آثرته به سكرتيرته فقد تعمد عبر السنين ان يعود نفسه على هذا النسق ولكن صوتها البارد البعيد راح يتردد في ذهنه في تلك اللحظة على نمط غريب
كان الضجيج الذي أثارته عودة جولي غير المرتقبة والانفعال الناجم عن الزيارة المتوقعة لستيلا لا يزالان قائمين - وان أخذا في الهدوء قليلا- حين وصلت الى البيت في ذلك المساء.
واستقبلت مرغريت ديرموت ابنتها الكبرى عند الباب وهي تطوق جولي بأحدى ذراعيها كانت لا تزال جذابة بل ومتحفظة ببعض خبث جولي ولشعرها الانيق مما لشعر ليلي من تألق يمتزج في اللونان البني و البرتقالي ولا تتخلله شعرة بيضاء واحدة وحيت مرغريت ابنتها الكبرى ليلي قائلة
مارأيك في هذه الفتاة اذ تعود كالتلميذة الهاربة من المدرسة؟
صاحت جولي محتجة:
- تلميذة هاربة؟ لقد بلغت السادسة عشرة !
قالت أمها في سخرية وحب:
- يا لها من سن كبيرة !
واذ ذاك اندفع التوأمان من جانب البيت وانطلقا الى البهو... ما كان ثمة وصف غير هذا يناسبها فما اعتادا ان يدخلا أى مكان انما مانا يندفعان ومعا دائما كأنهما شقان لاعصار غير متوقع. كان شعرهما خشنا واشبه بالجزر الاحمر. وكانت جولي شقراء ذات شعر جميل نحاسي اللون بينما للأم والابنه الكبرى جدائل يختلط فيها اللون البني بالبرتقالي بينما شعر كيري -وهي زائرة دائمة للبيت- يدخل في نطاق الاحمر الذي تشعبت منه كل هذه الالوان . ولهذا السبب أصبحت كيري كيريغان جزءا من آل بيت ديرموت.
وقف التوأمان أمام جولي وتطلعا اليها بوجهين يكسوهما النمش ولهما انفان افطسان . قال توم باغتباط عفوي:
- أذن فأنت قد جئت ؟ وأومأ لتوأمه قائل:
- هيا بنا وإلا تأخرنا . فحييت تيس أختها العائدة باقتضاب واختفت لاحقة بتوأمها. ووضعت جولي يديها على ردفيها في استياء غير جدي ثم ابتسمت قائلة:
-ان الطفلين لم يتغيرا البتة.
فضحكت امها قائلة:
- ما أظنهما سيتغيران يوما . والتفت الى ليلي- وهي تغلق الباب الأمامي - وسألتها:
- كيف كان العمل اليوم؟
فهزت الفتاة كتفيها قائلة:
- كالعهد به دائما الى حد كبير.
وتغيرت أساريرها فجأة قائلة:
أليس من الرائع ان ستيلا قادمة؟
أقبل الأب وكان محاميا معروفا ومحترما ومعه حقيبة مليئه بالأوراق فرفع حاجبيه اذ رأى جولي وبدا مشدوها قليلا لنبأ مقدم ستيلا ووافق في شيء من الجفاء - على أن مجئ جولي و الوصول المترقب لستيلا في اليوم التالي - لن يمكناه من أن ينصرف لشيء من العمل:

جين استين333 09-09-09 09:48 PM

زيارة ستيلا


وصلت ستيلا الى البيت حوالي الساعة الثامنه من مساء اليوم التالي تقود سيارتها الثمينة ذات اللون الأزرق الياقوتي التي لم تكن تقل عنها اناقة وأبهة!
وشعرت ليلي بغصة في حلقها عندما نظرت الى اختها التي تصغرها عاما واحدا . ورمقت أمها فأحست من اسارير مرغريت بأنها تحس با لاحساس نفسه. هذا ما كان يحدث دائما عندما تريان ستيلا سواء مثلت بشخصيتها أو على شاشة السينما. كانت الفتاة أكمل ما تكون رونقا وبهاء.
وهمست مرغريت وهي تحيط ابنتها الممثلة الرائعة الاناقة بذراعيها : "ستيلا ياعزيزتي " ومست شفتها الخد الناعم فاذا نفحة من عطر غال تجعل انفها يختلج في تقدير . وما لبثت ستيلا ان خلصت نفسها ورمقت جولي في عجب وحيرة وهتفت
- ياألهي ! أهذه جولي الصغيرة ؟
هتفت جولي محتجة: منتدى ليلاس
- صغيرة ؟ أنني الآن في السابعة عشر كاتبة اختزال مبتدئة ومؤهلة.
فقالت ليلي مازحة:
- قلت لها ان من الخير ألا تعد رويز يرى شيئا من عملها اذا كان هذا ظنها.
كانت مضطرة لأن تخفف من لهجتها اذ كان التئام شمل الاسرة ذا أهمية للجميع. ورفعت ستيلا حاجبيها متسائلة فقالت:
- تعملين مع ذلك الشيخ البغيض الصارم؟
قالت جولي:
- انه ليس بغيضا وليس شيخا وان كان على شيء من الصرامة.
وابتسمت في خبث قائلة لاختها ذات الشهرة:
- لقد فكرنا في انه يجوز ان نقدمك اليه فتلطفين طباعه قليلا.
عادت الابتسامه المميزة تبدو على فم ستيلا الجميل وقالت:
- أهو من مبغضي النساء؟ انهم عادة صنف ظريف. اتظنين ان بوسعي ان اعالجه؟
فابتسمت جولي قائلة:
- بل متأكدة.
وفي تلك اللحظة انفع التوأمان للحجرة فألقيا نظرة نحو اختهما وهتفا بتحيتها الموجزة:
- أهلا!
ثم انصرفا لأمور أخرى . كانت ستيلا تضحك دائما لطريقتهما الموجزة غير المبالية.
قالت تيس -احدى التأمين- وهي تتحسس المعطف الفرائي القصير الذي ألقته على ظهر أحد المقاعد في غير اكتراث: لا بأس به!. وهمس توم التوأم الآخر مبهوتا وقد ألصق انه بزجاجة النافذة : هذه سيارة ممتازة كان في عمر تشغل السيارة فيه الأولوية بين افكاره ختى قبل الفراء الثمين . فأولته ستيلا الابتسامة المشهورة في طول البلاد وعرضها وقالت
سأصحبك في جولة اذا كنت حسن السلوك.
فهتف في كبرياء:
- أنني حسن السلوك دائما ألست كذلك؟
والتفت لأمه في اقضاب :احيانا ! وتأملت ستيلا وعيناها تتحليان من ذلك الجمال الخالص. لكم كان يحيرها دائما انها استطاعت ان تنجب ابنة كهذه. واستدركت نفسها فقالت لقد تأخر ابوك في المكتب عطله امر لم يستطع تفاديه . لقد اتصل هاتفيا منذ دقائق. فابتسمت ستيلا قائلة:
- لا عليك سيتيح لي هذا أن أصلح ماكياجي من أجله.
وضحك الجميع لفكرة ان تتجمل ستيلا لأنها كانت بديعة بلا تجمل . وان هي الا دقائق حتى اصطحبتها جولي الى الطابق الأعلى وانطلق التوأمان الى مكانها المفضل الحديقة ووقفت ليلي وأمها عند اسفل السلم تشاهدان جولي وهي تثب الدرجات كأنها في سن تيس وقد تساقطت السنون أمام الانفعال الطروب وستيلا تداعبها في حب طاغ. حتى اذا اختفيا التفت الام وابنتها الكبرى كل للأخرى وابتسمتا. الأميرة شوق وقالت ليلي برفق:
- ماأطيب أن تعود ستيلا الينا!
فردت الام قائلة :
- انها جديرة بأن نفخر بها.
- ولم تتغير وهذا أروع ما فيها!
مسحت مرغريت الأم دمعة افلتت خلسة ثم تحولت نحو مطبخها مستردة نشاطها وقالت:
- أرى ان نتناول بعض الشاي فهو مفيد لاعادة الناس الى دنيا الواقع. ووضعت الابريق على النار والتفتت الى ليلي وهي تحضر الاقداح والاطباق وتضعها بعناية , وقالت :
- انك تبدين متعبة قليلا. هل آلدوريت يزداد صرامة؟
فابتسمت ليلي قائلة:
- أعتقد ان مابي نتيجة الانفعال.
- أهو متزمت في صرامته؟
-أظن هذا بدرجة ضئيلة على أية حال.
- فلماذا لا تغيرين عملك اذن؟
- لا يضايقني العمل تحت أمرته.. ما ان تتعودي عليه حتى تجدي ألا غبار عليه.
وقبت جبينا وهزت رأسها ورمقت امها بنظرة حائرة واردفت:
- بل أنني أحيانا أشعر بأسف لأجله.
ووضعت امها طبقا مليئا بالبسكويت ونظرت بدهشة فأومأت ليلي قائلة:
- أعرف أن هذا سخيف .. فهو من الثراء بحيث يحظى بكل ما ينبغي ومع ذلك فانني - احيانا- لا أتمالك ان اشعر بأنه في داخله غير سعيد. وفي تلك اللحظة التالية اذا هو كالعهد به دائما فاتر حاد منطو .. فأوقن انني كنت واهمة وأن من المحتمل انه يستطيب ماهو عليه.
ربما... أو لعله تحت مظهره غير سعيدا حقا.. حتى الاغنياء لهم مشكلاتهم.
وارسل الابريق صفيرا فأنصرفتا الى الشاي . وعندما تركتا المطبخ وجدتا جون ديرموت رب الاسرة يدخل من البا الامامي .. وفي اللحظة ظهرت ستيلا على السلم فهبطت مسرعة وبسطت ذراعيها لأبيها .. واحتواها كأنه دب كبير وضحك اذ احتجت بأنه يفسد استواء ثوبها المخملي وقال مداعبا:
- المخمل لا بيفقد استواءه في هذه الايام . تستطيع ليلي أن تحدثك عن الأقمشة التي ينتجونها اليوم في مصنع مريديت.
فرمت ستيلا أختها بنظرة مازحة وقالت:
- يا لمديرها الشهير!.. لابد لي من أن اقابله.
قالت ليلي برجفة مصطنعة:
- لم تخسري شيئا بعدم لقائه ياعزيزتي.. أن اه اسلوبا رهيبا في النظر فكأنه يكشف اعماقك!
وفي تلك اللحظة رن جرس البيت فجرت تيس الى الباب صائحة بأعلا صوتها بمجرد ان فتحته معلنة عن وصول كيري . ودخلت كيري وسط هذا الاعلان الصاخب والتقت عيناها عبر القاعة بعيني ستيلا فأومضت بينهما لمحة نفور. وأخفت ستيلا ما بها بسرعة بخبرة تشهد مقدرتها على التمثيل . ولكن كيري لم تكن أقل منها مقدرة وقالت بصوت ناعم:
- أهلا يا ستيلا سمعت بأنك قادمة اليوم.
أضافت جولي بسعادة وهي تهبط السلم :
- ستقضي اربعة عشر يوما كاملة.
وفكرت كيري في نفسها باكتئاب : اربعة عشر يوما ما أطولها ! وساورها شعور غريب مقبض . لم تكن تميل الى ستيلا ولا كانت تطممئن اليها ولل الممثلة كانت تحس بهذا مما يفسر التنافس المتبادل بينهما!
تأملتها في انتقاد متوار محاولة العثور على أية امارات لما كانت تخشاه ولكنها لم تر شيئا. كانت ستيلا تبدو عندما اخبرت أسرتها انها افلحت في اجتياز اختبار للسينما وظفرت بدور في أحد الافلام. قسماتها المتناسقة وشعرها الاسود اللامع وعينيها الخضراوين المائلين قليلا كل هذه تعاونت ولا ريب مع مقدرتها على التمثل لرفعها الى قمة السلم.ا
وبرغم ثرائها وشهرتها فانها لم تنس أسرتها قط ولهذا ازداد الجميع حبا لها غير أن هاجسا أوحى لكيري وحدها بأن لعودة ستيلا ديرموت للبيت سببا آخر ولو انها تهورت وذكرت بأن الممثلة ما جاءت لتزور اسرتها الا لسبب وليس لأنها كانت تحفل بهم لأنكروا هذا في شمم ولا نقطعت صداقتها لليلي وهي ما كانت لتريد ذلك. لهذا لزمت الصمت برغم انها كانت مقتنعة تماما بأن ستيلا لم تكن تجد وقتا لأسرتها اللهم الا خدمة لمصالحها فقد يكونون يوما ذوي نفع لها ولهذا لم تقطع صلتها بهم تماما ثم ان هذا كان يخدم الدعاية لها فقد كانت تحب ان تظل في عيون الرأي العام حسناء البلدة التي لم تنس اسرتها برغم شهرتها لولا هذا لنفضت ستيلا ديرموت عن نعليها غبار كورفيستون البلدة الصغيرة في أقليم كنت التي نشأت فيها ولنسيت انها عاشت فيها أو رأتها يوما.
وها هي قد جاءت لأربعة عشر يوما ولسوف تسبب شرا ما لم تكن كيري تعرفه نوعه بعد ولكنها كانت موقنة بأنه سيحدث يقينها من غروب الشمس كل مساء !.. وكانت ليلي محور القسط الاكبر من قلقها. وما كانت كيري تعرف ولكن حدسها أخبرها بأن ستيلا قد تكون أشبه بطفلة تمد يديها بطمع الى لعب اختها وانها تحظى بها دائما لأنها بارعة الجمال والكل يهيمون بها وبعد قترة تفقد عادة اهتمامها بما تكون قد اخذته وتهمله لصاحبته الحقيقية لتأخذه ثانية اذا شاءت ولكن اللعبة تكون قد تلفت. كانت كيري موقنة من هذا ومن ان ستيلا ما كانت لتعاقب أو تؤنب برغم ذلك لمجرد انها كانت ستيلا ,ستيلا الجميلة!

* * *

بعد حوالي عشرين دقيقة رن جرس الباب ثانية وأسرعت ليلي لتفتح الباب لبروس. كان شابا متين البنيان خشن الوجه في السادسة والعشرين أكبر من ليلي بعام واحد, وما كان ليوصف مهما تساهل التصور والخيال بأنه وسيم ولا كان ذا رشاقة تميزه ولكن ليلي كانت ترى دائما ان في جوهره شيئا ينم عن اخلاص صادق وعن أنه أهل للاعتماد عليه. وكان لكيري رأيها الخاص ازاءه هو الآخر . كانت ترتاح الى بروس كثيرا ولكنها تخال أحيانا فيه الضعف بجانب العند الذي يبرز أكثر ما يبرز الحب, فلاذت كيري يالصمت مرة أخرى.
قدمته ليلي الىستيلا بزهو باسم. وعند ذلك أدركت كيري ما كانت تخافه لأن ستيلا نظرت الى الشاب ذي الشعر البني والوجه الخشن ثم ابتسمت في نعومة وصمت. وراحت كيري تصلي باستماتة في قلبها:
- لا تجعله هو يارب هدفا لها ... ليس هو الآخر!
اللعب.. الدب, والدمية المحطمة, والآن الرجل الذي احبته ليلي قد تأخذه ستيلا هو الآخر! منتدى ليلاس

جين استين333 09-09-09 09:49 PM

الأرث

تسلم رويز آلدوريت خطابا خلق له أزمة وحطم حاجزا نفسيا حاول جاهدا بناءه لمدة عشر سنوات وعاوده الماضي بأكمله: الحنين الى ذلك البيت الابيض الجميل المحاط بالاشجار الباسقة و الزهور المتكاثفة والى الهواء البارد ينساب فوق الجبال.
وعاد يقرأ الخطاب فاذا به ينبئه بما انبأه به من قبل كان ثريا بعد أن آلت اليه ثروة آل ميريديت ولكن الخطاب كان يمنخه المزيد بشرط واحد: كان في بوسعه ان يرث ثروة خرافية سبق أن نبذها بوسعه أن يعود الى البيت الأبيض الذي ظل يحلم به دائما ولكن الشرط كان بعد قائما.
كان عليه أن يتزوج قبل أن بعود ويجب ألا يتزوج من مرشيديس لاسترو! فاذا حاول اعتراض الوصية خسر الميراث فورا ليؤول الى جمعيات معينة بدلا منه. وكان الشرط يمهله ثلاثة أشهر يجب أن يتزوج خلالها وأن يحضر عروسه الى كاراسترانو أو يتنازل مرة أخرى عما نبذه في الماضي.
كان الشيخ دييغو آلدوريت على معرفة جيدة بحفيدة عندما أدرك أان الشاب سوف يبذل ما في طاقته ليمتلك البيت والضياع التي كان يحبها منذ كان طفلا!
عاد رويز يتأمل الخطاب ثانية محالا التفكير بروية للتملص من الشرط الواضح في الخطاب. إذ أنه لابد من أن يكون متزوجا في خلال ثلاثة أشهر وكان رويز يعلم المقصود من هذا : ان يغدو وريثا لقصر كاراسترانو!
زم شفتيه النحيلتين. كان يطمع في الكارسترانو ولكنه لم يؤت اية نية لأن يجبر على التخلي عن القرار الذي اتخذه منذ زمن بعيد بألا يكون لأية امرأة وزن لديه مرة أخرى!
ضاقت عيناه وهو يقرأ الخطاب بتمعن لعل هناك مخرجا. لم يكن ثمة ذكر لمستقبل زواجه ولا نوع المرأة التي ينبغي ان يتزوجها اللهم الا انها لا تكون مرشيديس لاسترو وما كانت لديه أية رغبة في أن يتزوج من مرشيديس لاسترو بل ولا رغبة في الزواج اطلاقا. ماكان شيء أبعد عن رأسه بالأمس من هذا. وكان من ناحية اخرى يريد قصر كارسترانو!
وتذكر - وقد زم شفتيه الرفيعتين ثانية- الرجل الذي وضع هذا النص اللعين المقيت في الوصية. لقد كان دييغو آلدوريت دائما صارما قوي الارادة وما من شك في أنه كان يظن ان بوسعه تنفيذ ارادته ولو بعد موته!
لابد من طريقة تنفذ كل كلمة من ذلك النص الوارد في الوصية فترد اليه البيت الذي احبه كثيرا وتتيح له -في الوقت ذاته - استرداد المناعة العاطفية التي كان يعتزبها كثيرا تدبيؤ تجاري تجاري محض بين شخصين يمكن كلا منهما من استعادة حريته وطريقة الخاص بمجرد تحقيق الغاية من الزواج. فلم يكن الاذعان الفارغ لشروط الوصية هو الذي شغله في تلك اللحظة . كان شديد الغيظ - لكنه غيظ بارد - لأن اليد التي تحكم كانت تملك التحكم في حياته يوما وحرمانه من كل ما أعتاده- بل هدم اسس حياته ذاتها - تمتد لتحاول اعتراض حياته مرة أخرى لمدة طويلة من العمر بل الى ما بعد الوفاة!
لمعت في عينيه ابتسامة باردة. فلقد ارتكب دييغو آلدوريت خطأ لمرة واحدة في حياته اذ كان ينبغي ان يضع ذلك النص في تفصيل أوفى. أما الآن فمن السهل التحايل للتهرب منه غير انه كان لزاما ان يفكر في الفتاة التي تكون مستعدة لابرام عقد غير عاطفي كهذا فتاة تكون مثله لا تحفل بالحب ولا مكان له في حياتها ويمكن الاعتماد عليها في ابعاد المشاعر العاطفية عن الاتفاق طيلة المدة التي يتعين عليهما قضاؤها في المكسيك! ولكن أكانت هناك فتاة كهذه؟
وشدته الفكرة بحدة الى .. الفتاة التي في الغرفة الملاصقة! انها هادئة الاعصاب مسيطرة على نفسها حتى انها يشبه أحيانا لا تكاد تبدو من البشر. ما أبدت قط لمحة من أي شيء يشبه الضحك الفارغ الذي تبديه بعض الفتيات اللائي يعملن في بقية أرجاء المكتب واللائي يضايقنه احيانا بثرثرتهن التي لا معنى لها - وان لم يكن قد اصغى اليها قط! - أما هي سكرتيرته الخاصة فما كان يسمع اذا ما خرج الى مكتبها سوى صمت ملتزم. وما من شك في أن الفتيات كن يثرثرن عن اصدقائهن وعم الحب و الحياة العامة .. ما عدا ليلي يرموت فأنها كانت تبدو بعيدة تماما عن العاطفة السقيمة التي كانت تثير حنقة وكانت عيناها مشدودتين دائما الى عملها وما من ريب في انها كانت من جلاء الذهن بحيث ترى فوائد اتفاق عملي من النوع الذي يبتغيه!

جين استين333 09-09-09 09:50 PM

ومد يدا الى زر الجرس الموضوع على مكتبه. وبدون اقل ارتياب في ذهن ليلي يوحي اليها باختلاف الغاية من دعوته أياها الى مكتبه في هذه المرة عنا اعتادته التقطت كراسة الملاحظات والاقلام ودخلت.. ثم جلست في مقعدها المعهود وفتحت الكراسة مدركة انه سيملي عليها رسائله كالعادة في مثل هذا الموعد من كل يوم ثم يتركها وشأنها بقية اليوم ما لم يجد شيء عاجل.
* * *

لكنه قطب جبينه وعبث بالورقة التي بين يديه ثم شرع يتكلم وليلي تسجل ما كان يقول تلقائيا دون ان تتبين ما هو وقد شرد فكرها هذه المرة غير مركز على عملها .. ثم ترجمت لنفسها ما كتبته بالاختزال .. وراقبها رويز آلدوريت بامعان ولكن علامة الدهشة الوحيدة التي استطاع تبينها كانت ضيق خفيف في مقلتيها ! أما ليلي فقد كانت تسائل نفسها عما اذا كانت قد اختبلت تماما.. لكن هذا الوهم لم يكن اسخف أو ادعى للضحك والسخرية مما كتبت وهي شاردة الذهن... وتمالكت نفسها وتطلعت اليه قائلة:
- أخشى أنني لم أحسن التقاط ما أمليته يا سيد آلدوريت..
واكتست أسارير شيء من المزاح وقال:
- بل أظنك التقطته. لقد سألت عما اذا كان يوسعك تدبر عرض للزواج قائم على مجرد المصلحة؟
فعادت تنظر الى كراستها كان هذا ما كتبته حقا ولم تكن واهمة ان تستجمع شتات ذهنها استرسل يقول:
- قد ينبغي ان ازيدك وضوحا فبل أن تقولي شيئا . لقد ترك لي جدي أخيرا عقارات في المكسيك ولكني ملزم بتحقيق شروط معينة قبل المطالبة بها والا آل كل شيء لجمعيات خيرية معينة.
سمعت صوتها - هادئا رصينا- وهي تكرر كلنتي : شروط معينة؟ وعجبت في نفسها كيف تكون بلا شعور بالارتباك بعد عرض للزواج قائم على مجرد المصلحة مثل هذا! بينما كان هو يستطرد: لا بد لي من أن أتزوج وسيكون هذا تدبيرا وقتيا طبعا. وعاد يتأملها فشعرت باختلاجة فضول وجيزة تساوره: أكانت هي حقا بلا مشاعر ولا اكتراث كما بدت أم أن وجهها اكتسى قناعا بالغ الاتقان؟ ان أي شخص- ولو كان مجرد من أحاسيس البشر- كان خليقا بأن يبدي دهشة لاقتراحه العجيب ولكنها لم تبد أي تأثر عدا تضييق عينيها قليلا وكأنما كان يحدثها عن الطقس!
وجمعت ليلي شتات ما تبقى من وعيها المهتز وأجابت بهدوء غير كاشفة عن الاستحسان الطفيف الذي شعرت به وهي تخالة قد توقع ان تتقبل اقتراحه بجدية: أنني آسفة فأنا مخطوبة.
وكان هو الذي شعر في هذه المرة بصدمة حيث فوجيء بما لم يكن يتوقعه. وعاد يتأملها وفضولة يزداد وهو يتذكر صوتها في مطعم ريكي وقد كان أخف جمودا واينع شبابا وأكثر تشوقا للحديث. وعجبت ثانية وهو يسائل نفسه ترى أكانت ترتدي قناعا من البرود في المكتب؟ واستبعد هذا باستنكار ذهني فما كان مهتما حقا بشخصيتها . وقال:" اذن فالامر مستحيل في هذه الحال. وبالنسبة لخطبتك اتعتزمين مواصلة العمل بعد الزواج."
بل سأتركه عندئذ بطبيعة الحال. ولكن لم يحدد بعد تاريخ للزواج ولهذا لم اتخذ اية اجراءات وكنت اعتزم انن انذرك قبل ذلك بوقت كاف لتتمكن من العثور على من تحل محلي."
فأومأ مفكرا , وقال:
- طبعا . ولكني لا أدري تماما ما سيحدث . لقد قررت قبول عرض لبيع المصنع. وسيكون لأصحابه الجدد الحرية في اتخاذ تدبيراتته بصدد المستخدمين وقد يريدون ان تمكثي أطول ما تستطيعين.
- أننا لا نفكر في ابرام الزواج قبل عامين.
عادت الابتسامة الهازئة الى وجهه ثانية ,وقال:
- يبدو أنكما توءمنان بالخطبة الطويلة.
- أرى أن ذلك من الحكمة مهما كان الاثنان متأكدين تماما من مشاعرهما . فالزواج أكبر من ان يتم بتعجل . كما أننا ندخر كلانا بقدر ما نستطيع حتى نتمكن من الحصول على بيت مناسب.
فكرة عملية ومعقولة تماما وأصبح من الواضح بأنه كان على صواب بشأنها. فليس لديها الا القليل من العواطف. وساءل نفسه لحظة عن الرجل الذي كان مقدما على الزواج منها أكان رزينا وعمليا مثلها؟ ثم استبعدهما معا عن ذهنه وتناول الخطاب وشرع يملي عليها وكأن شيئا عادي لم يدر بينهما.
أما ليلي فلم تستطع أبعاد الامر عن ذهنها حيث شعرت بتغير مفاجئ في أعماقها ونظرت لمديرها بعينين جديدتين متبينة للمرة الأولى الجاذبية السمراء التي داعبتها جولي بشأنها. كان اكثر من عرفتهم من الرجال جاذبية بما أوتي من قوام وخفة حركة وطريقة لوضع رأسه تنطق بالشمم. كان شعره وعيناه داكني السواد لكن العينين لم تكونا تشبهان في شيء العيون المخملية لأهل الجنوب كما يصفها الروائيون ذو الشاعرية. كانتا حادتين عميقتي الأغوار باردتين كثلج اسود تزينان قسماته الجذابة الحادة كأنما نحتتها يد فنان واذ قدر لهذه البرودة أن تنحسر فأنما كانت تتحول الى سيء من الهزء يوحي بمرارة وراء المظهر.
ونظرت الى يديه حين التقط رسالة أخرى ورأت انهما رفيعتان متناسقتان بشكل جميل لهما طابع ارستقراطي واصابع طويلة بديعة ثم عادت تتأمل وجهه يتحدث بالهاتف وساءلت نفسها هل غشي العينين السوداوين شيء من اللطيف يوما ما وهل دق ذلك الصوت الحاد ذات الرنة الموسيقية العميقة لا مرأة مثلا؟ في يوم ما أكانت امرأة هي التي جعلته هكذا؟ ومع ذلك لم يكن يبدو محتملا أن أية امرأة اوتيت هذا القدر من المقدرة على تغييره لو كان التقوس الجامد لفمه في رجل آخر لأخذ على أنه دليل مشاعر قوية عميقة طال كبتها. ولكن رويز آلدوريت لم يكن هكذا ولو كان قد تعرض يوما لحب عميق .

جين استين333 09-09-09 09:51 PM

واستغربت اذ وجدت نفسها تتساءل عما كان يحتمل يحدث لو أنها في وصع يسمح بقبول خطيته الباردة. لعل الموقف كان يكون بشعا ثلاثة أشهر يتفادى كل منهما الآخر ثم الغاء سريع لارتباطهما عقد مصلحة من البداية الى النهاية ابتذال لكل معنى للزواج. وقالت لنفسها باكتئاب : ما أجدر الفتاة التي تقبل مثل هذا العقد بالرثاء ! ومع هذا لم تستطع اقصاء فكرها عنه بقية فترة الصباح وأن واصلت عملها بكفاءة لأن المرأة اذا صدمت بما يدعوها للتفكير في رجل ما كزوج محتمل لايعود يبدو لها كما عهدته ولو كان الموقف بينهما باردا تجاريا غير عاطفي ممن البداية للنهاية.
كانت ليلي في بهو البيت تتأهب للذهاب الى عملها حين اقبلت جولي من حجرة المائدة تراقبها بعين منتقدة ثم قالت:
- لا أدري لماذا تصرين على ارتداء ثياب لا تروق لأحد. أنك تبدين دائما شديدة التزمت.
قالت ليلي بشيء من الجفاء:
- لا أستطيع الذهاب للعمل بثياب متحزلقة أتحاولين أن تقولي أنني أبدو غير أنيقة نابية الذوق؟
فبادرت جولي:
- كلا طبعا.
وتأملت اختها التي كانت ترتدي كالعهد بها تنورة نظيفة وبلوزة لا تشوبها شائبة وسترة صيفية خفيفة وأردفت:
- ولكنك تظهرين دائما سكرتيرة مثالية.
- هذا ما أحاول أن أكونه يا صغيرتي والا ما ظللت طويلا في عملي . كان مديري خليقا بأن يطردني.
- لكم أود رؤية وجهه لو أنه فاجأك في جولة مع التوأمين فقد يغير هذا من آرائه قليلا.
لوت ليلي احدى خصلات شعر أختها في تحذير مصطنع وقالت:
- لا تحاولي السعي أن تكوني زوجة له.فلن تسنح لك فرصة. بل أنني لا أعتقد أن جميلتنا ستيلا تستطيع هدم الجدار الفولاذي المحيط به أما أنا فأود أن أتزوج بروس لا جبلا جليديا يسير على قدمين.
فقالت المراهقة الجريئة:
- ولكني لا أظنه الرجل اللائق بك.
بادرت ليلي في عجب يفوق أي شيء آخر : لا تظنينه
فهزت جولي رأسها وقالت مقطبة:
- كلا. بل أنني أحيانا أظنه يهابك ويخشاك قليلا.
- بروس يهابني ويخشاني ؟ لا تكوني سخيفة يا جولي!
- ليس بالمعنى الحقيقي ولكنك تلوحين في بعض الاحيان السكرتيرة القديرة اكثر مما ينبغي .
- انك عاطفية خيالية وأذا ظننت رويز آلدوريت ذا قلب يخفق فأنت لا تحسنين الحكم على الرجال حقا!.
- أذن فأنت لا توافقينني على رأيي بصدد بروس؟
عادت ليلي تبتسم وقالت:
- مهما يكن فاني اشكرك اذ نبهتني. سأرتدي ثوبا يكشف جزءا من محاسني عندها أذهب للقائه في المرة التالية.
أذ اتجهت الى الباب قالت جولي مودعة:
- مازلت ارى أن رويز آلدوريت رائع.
فردت ليلي وهي تخرج:
- أذن فلا تدعيه يسمعها منك أذا جئت للعمل.
ومع ذلك فأن عبارة جولي اقلقت خاطرها فظلت تفكر فيها في طريقها الى المل. لقد كانت ثمة غرابة بسيطة تحف ببروس في الفترة الاخيرة. ترى.. الى أي شيء تشير؟
أكان فيما قالت جولي ايعاز بشيء ما ؟ أكان ما تتخذه من مسلك السكرتيرة المثالية قد أصبح يلازمها ويجعلها مسرفة في رصانتها وفي سيطرتها على نفسها حتى بالنسبة لبروس ؟ اتراه كان يشعر حين يقبلها بأنها تفتقر الى شيء ما؟ لعلها كانت تبدو اذا قيست بستيلا مجردة من الشعور بل ذات شخصية متعالية. ولكنه رآها تعمل في الحديقة مرتدية بنطلونا قصيرا قديما وبلوزة والتراب يلطخ وجهها أي وهي بعيدة كل البعد عن شخصية السكرتيرة المثالية التي تعيبها عليها جولي.
وفي صمت أقسمت ألا ترتدي ثيابا متزمنة عندما تكون مع بروس.
تأخرت فترة بعد موعد الانصراف للغداء فلما وصلت الى مطعم ريكي كانت قد سبقتها واستقرت في مقصورتها مع جولي التي كانت تطوف بالمتاجر ووعدتهما أن تلتقي بهما لتناول الغذاء . ولاحظت كيري وهن تتداولن بشأن أصناف الطعلم أن ليلي كانت شاردة الذهن حائرة تعض شفتيها احيانا دون أن تفطن. أكاد مجرد شعور عام بشيء ما لا يدعو للارتياح أم لأنها علمت بأن بروس كان يلتقي بستيلا سرا؟ لعلها لا تعرف فقد كان محض مصادفة أن رأتهما كيري معا دون أن يشعرا . كانت تقيم في الماضي في مزرعة وكان الحنين يدفعها احيانا الى الذهاب اليها و السير على غير هدى في الحقول وفي دروب الريف الهادئه. وفي لأحد هذه الدروب لمحت سيارة ستيلا واقفة وهي تجلس فيها مع بروس. وكانا يجلسان متباعدين ولكن منظر ستيلا كان يوحي بأنها لتوها تلقت قبلة.... أو قبلات. وانسحبت كيري بهدوء عائدة الى حيث كانت تنزل وقلبها مثقل بالغثيان وصوت بروس يتردد في أذنيها خافتا أجش كما سمعته في اللحظة التي برزت فيها من أحد المنعطفات فرأت السيارة ولقد سمعته يتكلم ثانية وهي تراجع عائدة وسمعت ضحكة ستيلا الخافتة المبحوحة تشوبها رنة هادئة ولم تنتظر كيري الى الوراء ولكن الصمت المفاجئ الذي أعقب ذلك أشعرها بأنهما لم يعودا يجلسان متباعدين.
وراحت كيري تفكر في نفسها باكتئاب ... كانت ستيلا جميلة حقا. ولكن جمال الأفعى الذي يخدر الحواس.
وارتدت الى الحاضر أذ انفرجت ستارة المقصورة وبرز رأس جميل أسود الشعر وهتفت صاحبته جانيس مارتين: قالت ريكي انكن هنا هل تمانعن في أن أنضم اليكن؟ ولم تلمح صدا فجلست مبتسمة. كانت في حوالي الخامسة و الثلاثين ذات ابتسامه متوانية وقورة وكانت من أكفأ العاملات بالشركة ويقال انها أصيبت في الليلة السابقة لزواجها قبل أعوام وقيل أن خطيبها مات في حادث سيارة في تلك الليلة ولكنها لم تتكلم عن هذا لأحد قط.
قالت مبتسمة حين عرفتها ليلي بأختها :
- أذن فأنت جولي كنت تواقة لأن ألقاك فإن ليلي كانت تتحدث عنك باستمرار حين كنت هنا قبل ثلاثة أشهر. وشهقت جولي في استغراب فقالت جانيس:
- ألا تصدقين ؟.
وأبتسمت للأخرين متسائلة:
- هل حدث شيء ذو بال اثناء غيابي ؟ فبادرت جولي : لقد خطبت ليلي.
أشرق وجه جانيس اغتباطا ,وهتفت:
- تهاني ! أنه بروس طبعا أذن فقد نطق أخيرا!.
قالت كيري في جفاء أنه بروس طبعا فما راق لعينيها أحد سواه. وأضافت جولي:
" وستهبهما ريكي ايرني كهدية زواج... فرفعت المرأة حاجبيها متسائلة:
من يكون أيرني."
وأذ ذاك ضحكت جولي قائلة:
" سخان الشاي"
وسارعت كيري قائلة:
" اختار بروس العزيز أبعد الامكنة عن العاطفة الشاعرية كنا قد جئنا لتناول العشاء قبل الذهاب للمسرح. وكنا عند طاولة الخدمة نتجاذب الحديث مع ريكي. ولا بد أننا شعرنا بموجات لاسلكية حولنا فتحولنا قليلا دون أن تفطن تاركين المجال خاليا له ولليلي وابتسمت بمكر اذ لاحظت حمرة الخجل تضرج وجه ليلي فجأة, واستطردت:
" الظاهر أن سخان الشاي منحه جرأة فسألها يدخا في الحال. لذلك وعدت ريكي بأن تمنحها السخان كهدية للزواج."مكسات

* * *
لم يدر رويز آلدوريت ما الذي دفعه للذهاب ثانية الى مطعم ريكي. لعل الطعام كان ممتازا حقا كما كان المطعم قريبا. ولكنه لم يكن متعمدا. ووجد نفسه مرة أخرى يسترق السمع وقد أشرق وجهه في هذه المرة بابتسامة لا أرادية اذ كان في تقدم رجل أنكليزي لخطبة فتاة بين أقداح الشاي والسخان ما يثير الضحك. كان الامر كما تصوره تماما اختارت سكرتيرته الجادة العملية رجلا بعيدا عن العاطفة مثلها فيما يبدو... ثم حاول ان يتناسى شاغلات المقصورة المجاورة كما فعل من قبل أو كان يتعتزم ذلك على الأقل لولا أنه كان مضطرا للاستماع كما في المرة السابقة... وانبعثت ضحكة خفيفة تبين رويز لدهشته أنها من سكرتيرته التي أردفت بقولها:
" يا لبروس المسكين يأبين أن يتركنه ينسى هذا."
فقالتت جانيس مبتسمة:
" لا يمكن لكل فتاة أن تقول أنها خطبت بين ادوات الشاي."
ووجمت فجأة وبدا في عينيها ظل من ذكرى قاسية وهي تقول:
" أحيانا تكون الخطبة غير الشاعرية أفضل من خطبة تحت ضوء القمر.."
ولاذت الاخريات بالصمت. ولكنها استرسلت وكأنها تحدث نفسها:
" كان أدريان فنانا في هذه الامور حقا.. ولكن هذا لم يردعه عن الهرب مع ارملة ثرية في الليلة السابقة على زواجنا بالذات!."
وأذ أدخلت الى الصمت سألتها ليلي بصوت خافت:
" أمازلت تفتقدينه؟"
فتطلعت جانيس اليها وحدقت في عينيها وقالت:
" أظنني سأظل افتقده دائما... ولو أنهما قتلا في حادث سيارة في الليلة التي غدر فيها بي بالذلت."
وسرت قشعريرة في جسد جولي فاردفت جانيس مبتسمة:
اراني اثير فزعك ياطفلتي المسكينة.
هزت جولي رأسها وقد اكتسى وجهها الضاحك عادة بالوجوم ما لم تره أحداهن من قبل. وقالت:
" كلا. أنما جال بخاطري أن من الفظيع ان تستمري في حب شخص وأنت تعلمين أنه ما من أمل لك في رؤيته."
فأبتسمت جانيس وقالت:
" أنه أمر فظيع في البداية يا عزيزتي ولكن الزمن يلئم الجروح . ولكن.. أما من واحدة لديها موضوع أكثر بهجة؟"
أومأت ليلي برأسها , وقالت:
" لدي انباء عن مصنع ميريدت وقد تريان بيانا بعد ظهر اليوم ولكن قد يحسن أن أخبركما الآن أنه سيباع. فهتفت كيري يباع؟
كان واضحا أن النبأ أفلح في محو كل فكرة عن الموضوع السابق. وقالت ليلي:
" يبدو أن آلدوريت ورث في المكسيك وهو يبيع مشروعه ليعود الى هناك."
لم تشأ أن تخبرهن بشيء عن شروط الوصية لأن الأمر يخصه وحده. وهتفت جولي:
" ياللالهة !... لا تقولي انه من علية الاسبانيين حقا."
فقالت بجفاء ليلي:
" لم اسأله. معظم الثروات العريقة تقترن غالبا بلقب.. وأن كان اسمه الكامل كافيا في حد ذاته رويز دييغوباليا دي آلدوريت."
وارسلت كيري صفير دهشة , وقالت:
" أن له وقعا! كيف عرفت أسمه الكامل هذا؟"
" كنت أطبع أوراقا مختلفة خاصة به أحيانا تتعلق باقامته في هذه البلاد. أنه ليس انكليزيا كما تعرفن, ولا يزال يحتفظ بجنسيته الاصلية."
هتفت جولي دون أن تتمالك نفسها:
" من المؤسف الا تبدي تصرفاته شيئا من هذا."
فقالت أختها:
" هذا أفضل فلست اتصور أن أعمل مع رجل يطاردك في غرفة المكتب."
وضحطت جولي قائلة:
" لا أدري. فأنا أظن أن هذا ممتع ولا سيما مع رجل مثل رويز آلدوريت."
قالت كيري:
" رباه! أظن الفتاة مفتونة به حقا!."
فقالت ليلي بأستهانة:
" لو صح هذا, فأنها سرعان ما ستتغلب على الافتتان . ما أظن أنني أعرف نزواتك. أتذكرين بائع الحليب وأنت في الرابعة عشرة؟ كأنما الدنيا كانت قد أنتهت عندما نقل من المنطقة ولكن سرعان التئام الجرح كانت عجيبة."
فقالت كيري قائلة:
" ما أحسب أن رويز آلدوريت سيشعر بالسرور لمقارنته ببائع الحليب!"
وفي تلك اللحظة أقبلت ريكي بالطعام فهمست: " بالمناسبة... اتعلمن أن مديركن يشغل المقصورة المجاورة؟"
فصاحت جولي:
" ماذا ؟ وساد صمت مرتاع. وأخذت كل منهن ترمق الاخرى وتحاول تذكر ما قلن.
هدأت ليلي نفسها بأن مسترقي السمع لا يتبينون بجلاء عادة ما يقال. ثم تذكرت المرة الاخرى التي اعتزم فيها المجيء للمطعم وسألت ريكي بصوت منخفض:
"هل جاء هنا يوم الثلاثاء الماضي؟"
واومأت ريكي برأسها وقالت:
"اردت يومئذ أن أحذركن ولكني شغلت اذ ذاك ."
تساءلت ليلي في يقين ورهبة عما اذا كان قد شغل المرة السابقة المقصورة التي يشغلها اليوم:
"أين كان يجلس؟"
فقالت ريكي معززة الهاجس:
" نفس المكان الذي يشغله اليوم, فآمل ألا تكن قد قلتن أي شيء غير مستحب عنه."
وخرجت تاركة فترة صمت يشوبها الفزع.. ونقلت جانيس نظرها من واحدة لأخرى وهمست:
" أتصور من الصمت المرتاع انكن قلتن شيئا بغيضا" فأومأت ليلي برأسها وهي تحاول في جزع تذكر ما قالته يومذاك! بينما غمغمت كيري وهي ترمق ليلي بنظرة عطف ماكرة:
"انصراف تام الى الغداء منذ الآن. ارثي لك اضطرارك لمواجهة صاحب السيارة بعد ظهر اليوم."
قالت ليلي تطمئنها بهمس خفيض:
" لاأظنه يتنازل بأن يشير لهذا. لو انه كان قد سمع شيئا من قبل أنه تجاوز عنه كأمر لا يليق بكرامته أن يعلق عليه. وقد يفعل الشيء ذاته هذه المرة."
وبرغم هذا وجدت ليلي نفسها تتأمله بامعان حين دخلت حجرة مكتبه بعد الظهر. ولكنها لم تتبين أي اختلاف البتة, فقد تلقى نظراتها بعدم الاكتراث البارد المعهود من عينيه السوداوين فشعرت بالحرج ينحسر بعد مخاوفها في البداية من مواجهته.

* * *

جين استين333 09-09-09 09:52 PM

لم يدر رويز آلدوريت ما الذي دفعه للذهاب ثانية الى مطعم ريكي. لعل الطعام كان ممتازا حقا كما كان المطعم قريبا. ولكنه لم يكن متعمدا. ووجد نفسه مرة أخرى يسترق السمع وقد أشرق وجهه في هذه المرة بابتسامة لا أرادية اذ كان في تقدم رجل أنكليزي لخطبة فتاة بين أقداح الشاي والسخان ما يثير الضحك. كان الامر كما تصوره تماما اختارت سكرتيرته الجادة العملية رجلا بعيدا عن العاطفة مثلها فيما يبدو... ثم حاول ان يتناسى شاغلات المقصورة المجاورة كما فعل من قبل أو كان يتعتزم ذلك على الأقل لولا أنه كان مضطرا للاستماع كما في المرة السابقة... وانبعثت ضحكة خفيفة تبين رويز لدهشته أنها من سكرتيرته التي أردفت بقولها:
" يا لبروس المسكين يأبين أن يتركنه ينسى هذا."
فقالتت جانيس مبتسمة:
" لا يمكن لكل فتاة أن تقول أنها خطبت بين ادوات الشاي."
ووجمت فجأة وبدا في عينيها ظل من ذكرى قاسية وهي تقول:
" أحيانا تكون الخطبة غير الشاعرية أفضل من خطبة تحت ضوء القمر.."
ولاذت الاخريات بالصمت. ولكنها استرسلت وكأنها تحدث نفسها:
" كان أدريان فنانا في هذه الامور حقا.. ولكن هذا لم يردعه عن الهرب مع ارملة ثرية في الليلة السابقة على زواجنا بالذات!."
وأذ أدخلت الى الصمت سألتها ليلي بصوت خافت:
" أمازلت تفتقدينه؟"
فتطلعت جانيس اليها وحدقت في عينيها وقالت:
" أظنني سأظل افتقده دائما... ولو أنهما قتلا في حادث سيارة في الليلة التي غدر فيها بي بالذلت."
وسرت قشعريرة في جسد جولي فاردفت جانيس مبتسمة:
اراني اثير فزعك ياطفلتي المسكينة.
هزت جولي رأسها وقد اكتسى وجهها الضاحك عادة بالوجوم ما لم تره أحداهن من قبل. وقالت:
" كلا. أنما جال بخاطري أن من الفظيع ان تستمري في حب شخص وأنت تعلمين أنه ما من أمل لك في رؤيته."
فأبتسمت جانيس وقالت:
" أنه أمر فظيع في البداية يا عزيزتي ولكن الزمن يلئم الجروح . ولكن.. أما من واحدة لديها موضوع أكثر بهجة؟"
أومأت ليلي برأسها , وقالت:
" لدي انباء عن مصنع ميريدت وقد تريان بيانا بعد ظهر اليوم ولكن قد يحسن أن أخبركما الآن أنه سيباع. فهتفت كيري يباع؟
كان واضحا أن النبأ أفلح في محو كل فكرة عن الموضوع السابق. وقالت ليلي:
" يبدو أن آلدوريت ورث في المكسيك وهو يبيع مشروعه ليعود الى هناك."
لم تشأ أن تخبرهن بشيء عن شروط الوصية لأن الأمر يخصه وحده. وهتفت جولي:
" ياللالهة !... لا تقولي انه من علية الاسبانيين حقا."
فقالت بجفاء ليلي:
" لم اسأله. معظم الثروات العريقة تقترن غالبا بلقب.. وأن كان اسمه الكامل كافيا في حد ذاته رويز دييغوباليا دي آلدوريت."
وارسلت كيري صفير دهشة , وقالت:
" أن له وقعا! كيف عرفت أسمه الكامل هذا؟"
" كنت أطبع أوراقا مختلفة خاصة به أحيانا تتعلق باقامته في هذه البلاد. أنه ليس انكليزيا كما تعرفن, ولا يزال يحتفظ بجنسيته الاصلية."
هتفت جولي دون أن تتمالك نفسها:
" من المؤسف الا تبدي تصرفاته شيئا من هذا."
فقالت أختها:
" هذا أفضل فلست اتصور أن أعمل مع رجل يطاردك في غرفة المكتب."
وضحطت جولي قائلة:
" لا أدري. فأنا أظن أن هذا ممتع ولا سيما مع رجل مثل رويز آلدوريت."
قالت كيري:
" رباه! أظن الفتاة مفتونة به حقا!."
فقالت ليلي بأستهانة:
" لو صح هذا, فأنها سرعان ما ستتغلب على الافتتان . ما أظن أنني أعرف نزواتك. أتذكرين بائع الحليب وأنت في الرابعة عشرة؟ كأنما الدنيا كانت قد أنتهت عندما نقل من المنطقة ولكن سرعان التئام الجرح كانت عجيبة."
فقالت كيري قائلة:
" ما أحسب أن رويز آلدوريت سيشعر بالسرور لمقارنته ببائع الحليب!"
وفي تلك اللحظة أقبلت ريكي بالطعام فهمست: " بالمناسبة... اتعلمن أن مديركن يشغل المقصورة المجاورة؟"
فصاحت جولي:
" ماذا ؟ وساد صمت مرتاع. وأخذت كل منهن ترمق الاخرى وتحاول تذكر ما قلن.
هدأت ليلي نفسها بأن مسترقي السمع لا يتبينون بجلاء عادة ما يقال. ثم تذكرت المرة الاخرى التي اعتزم فيها المجيء للمطعم وسألت ريكي بصوت منخفض:
"هل جاء هنا يوم الثلاثاء الماضي؟"
واومأت ريكي برأسها وقالت:
"اردت يومئذ أن أحذركن ولكني شغلت اذ ذاك ."
تساءلت ليلي في يقين ورهبة عما اذا كان قد شغل المرة السابقة المقصورة التي يشغلها اليوم:
"أين كان يجلس؟"
فقالت ريكي معززة الهاجس:
" نفس المكان الذي يشغله اليوم, فآمل ألا تكن قد قلتن أي شيء غير مستحب عنه."
وخرجت تاركة فترة صمت يشوبها الفزع.. ونقلت جانيس نظرها من واحدة لأخرى وهمست:
" أتصور من الصمت المرتاع انكن قلتن شيئا بغيضا" فأومأت ليلي برأسها وهي تحاول في جزع تذكر ما قالته يومذاك! بينما غمغمت كيري وهي ترمق ليلي بنظرة عطف ماكرة:
"انصراف تام الى الغداء منذ الآن. ارثي لك اضطرارك لمواجهة صاحب السيارة بعد ظهر اليوم."
قالت ليلي تطمئنها بهمس خفيض:
" لاأظنه يتنازل بأن يشير لهذا. لو انه كان قد سمع شيئا من قبل أنه تجاوز عنه كأمر لا يليق بكرامته أن يعلق عليه. وقد يفعل الشيء ذاته هذه المرة."
وبرغم هذا وجدت ليلي نفسها تتأمله بامعان حين دخلت حجرة مكتبه بعد الظهر. ولكنها لم تتبين أي اختلاف البتة, فقد تلقى نظراتها بعدم الاكتراث البارد المعهود من عينيه السوداوين فشعرت بالحرج ينحسر بعد مخاوفها في البداية من مواجهته.

* * *
وبعد هذه الملاحظة العابرة كادت ستيلا تفقد توازنها اذ اندفع الى الحجرة كلب أبيض ضخم موفور الحيوية وقطع الحجرة في وثبه واحدة وألقى مخلبيه الأماميين على كتفيها. كان الكلب المعروف باسم سنوكس قد أدرك أنها موجودة فجاء يحييها بطريقتة المعتادة فلم تعد بعد ذلك ثمة فرصة لأى حديث جدي. وقد سرت ستيلا لذلك فقد عاودها الشعور العجيب بأن شيئا ما لا يسيسر على ما يرام!
توالت أيام الاسبوع تتخللها الاحداث اليومية العادية ممتزجة بمتعة وجود ستيلا وكانت جولي قد اسقرت حتى لكأنها لم تبتعد قط عن البيت الى المدرسة الداخلية. وأهدت فليكس قطة البيت الجميع مجموعة من القطيطات ذات اللونين البني والابيض جرح أحد مخلبي الكلب سنوكس وكان لزاما أخذه الى الطبيب البيطري. ومضى العمل كالعهد به والحياة في مسيرتها العادية الى ان حانت الامسية السابقة على يوم عودة ستيلا الى لندن. حيث انقلب كل شيء رأسا على عقب.
كان بروس قد حظى بيوم للراحة بدلا من يوم عطلة كان قد قضاه في العمل منذ بضعة أشهر. وقررا أن يذهبوا لحفلة راقصة في ذلك المساء. وسمع رويز سكرتيرته تكلم كيري عن هذا ويبدو أنه أصبح يسمع عفوا, في أبعد الاوقات عن المتوقع ففاجأها بأن دعاها للانصراف قبل موعده بساعة, ليتسع لها الوقت كي تتأهب. ولم تدر فيما بعد أكان جديرا بها أن تشكره او أن تكرهه لأنه صرفها قبل الموعد.
كان البيت يبدو هادئا ساكنا حين وصلت . واوحى الهدوء بان ستيلا كانت هي الأخرى خارج البيت أو مستلقية أو مستغرقة في القراءة.
وفتحت باب قاعة الجلوس فسمعت:
" لا نستطيع أن نفعل بها هذا. لن اسمح لك. انني أؤثر أن أشقى بقية عمري على أن أؤذي ليلي."
وقفت ليلي في المدخل لحظة تقاوم ادراكها أن الصوت الذي سمعته كان صوت ستيلا ثم تبينت الرجل الذي ضم اليه قوام ستيلا النحيل الرشيق واحنى رأسه ليلصق خده ببشرتها الناعمة في زمجرة خاغته كانت أكثر ايضاحا من أية كلمات.
أنه... بروس!

جين استين333 09-09-09 09:53 PM

الحل الوحيد

وقفت ليلي لحظة والألم يعتصر قلبها ثم أنسحبت بحركة تلقائية وبنفس الهدوء الذي اقبلت به واسندت ظهرها الى الباب المغلق وكأنها لا تقوى على الحركة. لقد سمعت عن تلك اللحظات التي يسكن فيها كل شيء جامدا ولكنها لم تتصور أبدا أن تعاني واحدة منها وأن تعرف الشعور بأن كل ما كانت تحلم به يتلاشى في لحظة وجيزة!
لم يكن بروس يحبها... كان يحب ستيلا!
لم يكن للمشهد الذي فوجئت به معنى آخر فقد كان كل منهما منصرفا للآخر حتى أنهما لم يحسا بوجودها. ووقفت عند الجانب الآخر للباب لحظة وهي تضغط شفتيها بيد متشنجة محاولة الحركة ولكنها بدت كما لو كانت قد تجمدت في تلك البقعة والبيت من حولها صامت ساكن. كان موعد عودتهما للبيت عادة ضجة وحركة ولكن كل شيء كان اليوممختلفا. لم يكن اليوم ككل تلك الايام التي انقضت من قبل.
لم تشعر بأي نذير هاجس حين تركت العمل ولكن جو التوتر والانتظار الذي ران على البيت كان خليقا بأن ينذرها . فلم يكن الكلب سنوكس هناك ليخف لتحيتها بوثباته الطويلة أنه كان لسبب ما لايحب ستيلا ومن الواضح انه أعتزل بنفسه في مكان ما في الحديقة. حتى فيلكس وقطيطاتها كانت من الباب الأمامي بدلا من المدخل الخلفي... لعلها لو لم تترك العمل مبكرة لما كانت قد رأت ستيلا في احضان بروس... ولسمعا صوت مفتاحها في الباب الأمامي ... ومن المحتمل أنهما ما كانا يسمعاته فهما لم يسمعا صوت باب قاعة الجلوس يفتح!
أخيرا, تمكنت من التحرك فتحولت ببطء وعادت الى المطبخ ومن ثم الى الحديقة الى الطريق ثانية. وهناك توقفت واخذت تتلفت حولها مخدرة الحس. ماذا ينبغي ان تفعل الآن؟ ماكان لها أن تقف امام البيت كأحدى شجيرات الورد التي كانت الاسرة تعني بها. كلا... كان الوقوف خظأ... هكذا أخبرها عقلها المذهول المصدوم... ماكان لها أن تقف هتاك فان الناس قد ينظرون اليها... كان يجب أن تتحرك وأن تمشي.. فسارت بخطوات سريعة وحركات تلقائية دون أن تعرف وجهتها!
كيف تسنى لها أن تكون عمياء الى هذا الحد وأن تكون مطمئنة باعتداد الى سعادتها غير مدركة أن أثنين ممن تحبهم كانا شقيين الى هذه الدرجة؟ واستدركت حين ذلك الشعور الغريب بأن هناك شيئا غير طبيعي؟ بروس المتوتر احيانا وفوق كل هذا ستيلا, اذا أهتدت للحب أخيرا لتجده أذ ذاك من حق غيرها, من حق شقيقتها بالذات. هل خطر لها شيئا عندما قالت ستيلا حتى أذا وجدت الرجل الذي تؤمن به وتثق به, فستجده من حق أمرأة سواها, سبقتها اليه؟
يالستيلا الحبيبة من مسكينة! أنها بالرغم من شقائها وتعاستها فكرت في الاخت التي قد تسيء اليها اذا أخذت منها سعادتها. وكان واضحا أن بروس هو الآخر فكر في ذلك, وأبى أن يفصم الخطبة التي كان من المحتمل أن تدمر حياته هو الآخر لو أتيح لها أن تستمر. ولكن ما من سبيل الى استمرارها طبعا, فما ينبغي السماح لهما بأن يدمرا حياتهما. مهما يكن الألم الذي سوف تقاسي منه ليلي فأية سعادة يمكن أن تتيسر لها من زواج تظل فيعلى علم كلما قبلها بروس بأنه انما يحاول أن تتخيل أنها ستيلا, وتكون فيه موقنة أنه كان بوسعها أن تتيح لهما أن يكونا سعيدين؟
وتنهدت وقطبت جبينها وهي تسير بسرعة دون ما غاية. وخيل اليها كأن شخصا أخر كان يراقبها أينما تذهب ليحرص على الا تخطو أمام سيارة وما كانت من الجبن بحيث تفكر في ارتكاب شيء كهذا وعقلها مشغول تماما بما كان ينبغي عليها أن تفعل أزاء المفاجأة!
ماذا كان عليها أن تفعل؟ أكان ينبغي أن تدخل الحجرة وهما معا؟ كان هذا كفيلا بأن يفرض مناقشة الأمر. أما الآن فمن العسير اثارة الموضوع بأعصاب هادئة. ولكن أما كان عسيرا بالدرجة ذاتها لو أنها حاولت فسخ الخطبة في الحال؟ كان من الممكن أن تظل ستيلا على رفضها الزواج من بروس وما كان ينبغي أن يحدث هذا بالتأكيد.
وتركز كل الحب الذي كانت تكنه لشقيقتها في حل واحد في أيجاد طريقة للانسحاب. كان من الخير أن يسعد أثنان ويشقى واحد بدلا من العكس. ومهما يكن فهي لن تسعد الآن لو تزوجت من بروس.
واضلت السير بخطواتها الحادة والتلقائية الآلية ودركة أنه لابد من التوصل لمخرج قبل أن تهدأ الصدمة ويسيطر اليأس. ومن العجيب أن ذهنها أصبح صافيا وأخذ يعمل سريعا بجلاء ذكي غريب. وقالت لنفسها: لابد من البت فورا قبل أن تستسلم للدموع ولكنها لم تستطع أن تهتدي الي اي مخرج!
وكان لزاما أن تعود -أخيرا - الى البيت وأن تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. كانت بقية الاسرة قد عادت في تلك الاثناء ولكنها تجنبت الذهاب للحفلة الراقصة. وكان الصداع عذرا كافيا. وانبأتها بديهتها بأن بروس قد سر بقرارها.

* * *
عادت ستيلا الى لندن في الصباح وليلي لا تزال تبحث عن طريقة لفسخ الخطبة دون أن تتيح للعاشقين سببا لأن يعتقدا أنها اكتشفت سرهما. ما كان بوسعها أن تفسخها دون ما سبب على الاطلاق ولا كان بوسعها التظاهر بالاهتمام برجل آخر لأن الاسرة بأكملها كانت تعلم بأنه لم تبد يوما ميلا الى اي رجل آخر بل أنها لم على صلة وثيقة بأي شخص آخر بدرجة تسمح لها التظاهر بأنها وقعت في هواه. لم يكن في حياتها سوى رويز آلدوريتفي العمل وبروس في الامسيات.
وفجأة أومضت الفكرة... تردد في أذنها صوت جولي هندما داعبتها: لا أدري كيف تسنى أن تفلتي من الوقوع في حبه. كان هنا الحل الشنيع... كان واضحا بحيث لا يدعو الى المزيد من التفكير.. فلتتزوج من رويز آلدوريت!
كان ثمة نفور متمرد في اللحظة الاولى من هذا القرار. أنها لم تكن راغبة في الزواج من ذلك الرجل البارد المشاعر, الذي لم يكن بالنسبة لها طيلة أعوام ثلاثة أكثر من صوت حاد قاطع. كانت تبتغي في حياتها الدفء والحب, لا الأستهزاء الأجوف لفترة ستكون دون شك محددة.. ثم تنتهي.
لم ترغب في التعرف عليه أكثر لكن ما من ضرر من ذلك حيث سيعيشان في بيت واحد. كان ثمة شيء منفر في تلك الشخصية الباردة المنطوية التي لم تكن تحتمل في العمل فكيف تكون الحال في بلاد غريبة عليها وهي وحيدة متزوجة من رجل كانت تكاد تكرهه؟!
ارتجفت ولكنها مع ذلك لم تتزحزح عن قرارها . ولم تكن قد قالت شيئا بعد لأسرتها ولا لبروس حيث أرادت أن تضعهم أمام أمر واقع فكان لزاما أن تتريث حتى تتحدث الى رويز آلدوريت.
لم تستطع أن تمنع انهمار بعض الدموع حين خلت لنفسها في حجرتها ليلا. ولكن الرغبة في البكاء تلاشت في الصباح. ولكم سرت لشدة سيطرتها على نفسها وعززت القناع المجرد من أية سمة شخصية والذي كانت ترتدية دائما في العمل حتى اذا استدعاها رويز آلدوريت طرقت بابه ودخلت ساكنة النفس. ولم تجفل الا للحظة حين خطر لها أنه ربما كان قد عثر على سواها ولكنها هزت كتفيها مستبعدة الفكرة لو حدث هذا فما عليها الا أن تبحث عن رجل آخر.
ووجدت نفسها بطريقة غير ارادية تتأمله في ذلك الصباح بعينين مهتمتين بشخصه فعاودها الذهول أذ أكتشفت أنه كان جد جذاب بل أنه خليق بأن يكون مغناطيسي الجاذبية لولا بروده وعدم اكتراثه. ورمقتها عيناه السوداوان عبر مكتبه وفيهما تساؤل فجمعت اطراف شجاعتها , وسألته:
" أمن الممكن أن أتحدث معك لبضع لحظات أذا لم تكن جد مشغول يا سيد آلدوريت؟"
فأجاب :
" طبعا . واومأ برأسه نحو مقعدها المعتاد واردف: أجلسي!"
خطر لها وهي تجلس أنه لس ثمة سوى طريقة واحدة لأداء مهمتها وهي أن تكون هادئة غير مرتبكة كأن الامر لا يتعدى مشروع المصلحة كما سماه... وكما كان في الواقع وأن تناول أوثق رباط بين رجل وامرأة!
ترددت وعضت على شفتيها بالرغم من تمالكهها نفسها وقالت:
" مشروع المصلحة الذي ذكرته من قبل ألا يزال مطروحا؟ لأنني... لأنني... لو..."
فأكمل عنها قائلا:
" لأنك لو غيرت رأيك؟"
وتفرست العينان السوداوان في وجهها متفحصتين وأن ظلتا لا تكشفان عن شيء وأردف:
" وخطبتك؟"
وتقبلت ليلي تفرسة بجلد, وقالت:
" فسخت."
" حديثا... مساء أمس مثلا؟"
قالت مؤكدة:
"نعم."
وعادت تشعر بتفرس عينه السوداواين اللتين. لا تشيان بشيء, وقال:
" هكذا. وهل بدلت رأيك بصدد اقتراحي؟"
عادت تقول:
" نعم. وهي تقاوم رغبة رعناء في أن تضحك كطفلة لأن كلمة اقتراحي بدت غريبة. كانت بطريقة ماتقرن هذه الكلمة دائما بالشراوات والماس والفراء وعلاقات الحب المحرم وما من شيء من هذا يصلح للموقف الراهن. بل أن علاقات الحب بالذات محرمة أو غير محرمة فتساءلت:
"أحسب أن الناس لن يعلموا نه مجرد مشروع مصلحة؟!"
صحيح أن فكرة اية علاقة غرامية بينها وبين رويز آلدوريت تبدو لها سخيفة تماما ولكن كان لابد من جعل بروس وستيلا يعتقدان عكس الحقيقة تماما. ولو تطايرت مجرد اشاعات عن الوضع الحقيقي لكان ذلك كفيلا بجعل الفكرة كلها عقيمة تماما وغير مجدية!
أجاب رويز بهدوء:
" على أية حال فليس لدي الرغبة في نشره على الملاء. وفي الوقت الراهن لا يعلم بشروط الوصية سوى المحامين وانت وانا طبعا."
فتساءلت وهي تسيطر على صوتها بحرص ليبدو هادئا... تجاريا:
" ما المطلوب تماما؟"
" لا بد من قضاء وقت قصير في قصر الكاراسترانو بعد الزواج لنضفي عليه مظهر الزواج الطبيعي . وبعد أن تكون شروط الوصية نافذت يمكن فيما بعد تدبير الغاء للزواج في هدوء. فلا سبيل هناك لأي نزاع قضائي بهذا الصدد. ومن الجائز لأي زواج أن يفشل!"
هذا يبدو مقبولا تماما."
واهتز القناع المنيع على أسارير قليلا وارتفع احد حاجبيه السوداوين في عجب ساخر وقال:
" الا تريدين معلافة بنود الاتفاق اولا؟"
فأجفلت ليلي مرددة:
" بنود ؟"
" لا أتوقع طبعا أن تمضي في هذا السبيل دون مقابل... أنه, برغم كل شيء , أتفاق تجاري."
قالت في بطء:
" ما فكرت في هذا في الواقع."
ثم خطرت لها فكرة متهورة ومتواقحة فهتفت:
" اذا, اذا تضمن الاتفاق أي ثمن فأنني أؤثر أن يكون في شكل آخر."
وعاد القناع يخفي ما في نفسه وتلاشى العجب الساخر وسألها:
" مثل؟!
مثل أن تتظاهر بأنك تحبني؟"
وران صمت مذهل وفي انحساره البطيء تمنت او أستطاعت أن تضحي بأي شيء لتسحب هذه الكلمات التي لا تغتفر ولم تجسر على النظر الى وجهه بل ركزت عينيها على يديها اللتين التحمتا في حجرها , وهي ترتجف وتنكمش ازاء نفحة من الازدراء الجليدي في أية لحظة. ثم وجه اليها سؤالا كان آخر ما توقعت سماعه:
" لماذا انفصمت خطبتك؟"
وجعلتها المفاجأة تنظر الى وجهه بسرعة ولكن ملامحه ظلت جامده لا تشر لهابأي رد فعل طلبته.... وتساءلت بدورها بعد لحظة:
"هل لهذا اهمية ما؟"
" كلا... ما لم يكن قبولك اقتراحي مجرد محاولة لاثارة غيرة خطيبك السابق!"

* * *

جين استين333 09-09-09 09:57 PM

فهزت رأسها قائلة:
" كنت أعتزم الذهاب في العام الماضي , ولكن..."
وأسعفها قائلا وهو يعود الى اللغة الانكليزية:
" ولكنك ارتبطت بالخطبة بدلا من ذلك؟ اعترف بأنني أكن للمكسيك اعتبارا كبيرا. وسيكون من الطريف أن أريك الاماكن التي عرفتها معرفة جيدة."

* * *
وفجأة تلاشى كل طابع غير شخصي لم يكن ممكنا للصفقة أن تحدث مثل هذا التبدل ولكن المسالة لم تعد تبدو بشعة بمجملها كما كانت قبل فترة وجيزة فأخذت تتأمله بفضول لابد أنه تجلى على أساريرها. وجابهها بنظرة متسائلة قائلا:
" هل من شيء يحيرك؟"
أسرعت تنكر قائلة:
" كلا, في الواقع.. ثم اردفت: أنما خيل الي أنك تبدو مختلفا قليلا. لم يبد الامر باردا, وبشعا."
" بشع؟ أظنه كذلك بوجه ما, ولكن ليس ثمة ما يبرر ألا نكون صديقين, ثم حكم الضرورة اذا راعينا الدور الذي علينا أن نؤديه."
وخالط عبارته الأخيرة نوع من الفكاهة الساخرة أرسل الدم الى وجنتيها ثانية. فقالت بارتباك:
"نعم... نعم, طبعا. فعقب في تلطف حملها على أن ترمقه مأخوذة: أعترف بأنني أجدك غير ما توقعت تماما."
فقالت بعد لحظة وهي في حيرة من حقيقة هذا الرجل الكامنة تحت مظهره:
" أحسب أننا جميعا لسنا كما تبدي مظاهرنا."
كانت قد بدأت تشعر بأن رأيها عنه غير صحيح كل الصحة.
قال موافقا:
" هذا حقيقي ارى أنه كان يخلق بك أن تحدثني قليلا عن أسرتك فسيبدو وغريبا ألا أعرف شيئا."
واثار بهذا مشكلة أخرى. فلا بد من أن يلتقي بأسرتها وما كانت تدري ما يكون عليه شعور كل من الطرفين ازاء الآخر. لقد ظل ثلاث سنوات يبدو منطويا وأذا بها خلال دقائق معدودة ترى وجهين من شخصيته الحقيقية غير المعروف. التلطف العابر عندما أطرى لهجتها في الحديث بلغة وطنه الاصلي و السخرية الهازئة التي بدأت تكتشف ان لها قدرة على أن يخرق رباطة الجأش التي كانت تحرص على ألا تمسها اية ارتباكها أثناء العمل.
ثم انتهت الى نظراته المترقبة وكأنها تنبهها الى أنه رجل جم المشاغل وأنه يجب عليه العناية بمثل هذه التفصيلات الشخصية فأسرعت يوصف موجز لأسرتها . حتى اذا فرغت عقب قائلا: وهل ستيلا هي التي كانت سبب فسخ خطبتك؟ لم يبد بادرة دهشة أو أهتمام بأن ستيلا نورديت الشهيرة كانت أختها!
وأمأت في تأكيد صامت غير مطمئنة الى الكلام اذ شعرت بألم خطبتها المفسوخة فاضطرت الى مواراته عنه, لا سيما وقد خامرها شك غير مريح أوحى اليها بأنه سيقابل كلامها باهتمام خال من المشاعر.
بعد هذا الحديث العجيب ألح على أن يتناولا الغذاء معا, ليألف الذين في الأدارة ما كان مقدرا أن يحدث وادركت ليلي المفاجأة التي كان سيصاب الجميع بها.
على أنه كان لزاما أن يقع ما هو أسوء ان تفضي بالنبأ الى بروس وتحمله على أن يصدقه. بل أنه كان ثمة ما هو أسوأ عندما تضطر للبدء في اداء الدور الذي أصرت بنفسها عليه كان هذا خليقا بأن يكون اقسى الامور جميعا أن تكون باقية على حب بروس ومضطرة للتظاهر بحب رجل ما كانت تشعر معه بالارتياح.

* * *
لم تقل شيئل حين عادت الى البيت, وأنما انتظرت حتى جاء بروس ليصطحبها لمشاهدة فيلم كانا قد اتفقا من قبل على مشاهدته. كان يبدو متعبا ومهموما نوعا ما وقد سرها أن تكون أخيرا قادرة على أن تمنحه أملا جديدا.
ولم يكونا قد ابتعدا كثيرا عن البيت وبروس منصرف لقيادة السيارة حين خرقت الصمت المتوتر قليلا بينهما:
" أتسمح بإيقاف السيارة؟ لدي حديث اريد أن أفضي لك به."
رمقها بروس بنظرة سريعة ثم عرج بالسيارة الى شارع جانبي غير مطروق وأوقف المحرك. واستدار اليها منتظرا فقالت بايجاز:
" أريد أن تحلني من خطبتك."
وشعرت به يجفل الى جوارها وهتف:
" أحلك؟"
فهزت كتفيها بحركة سريعة رجت أن تساعدها في شبه العتمة السائدة على التظاهر.
" نعم. كنت اظنها خطبة موفقة, ولكني ارى الآن ان ما من امل في نجاح الزواج بيننا."
صمت بروس فترة طويلة ثم التفت ليرمقها مباشرة , وسألها:
"ما الذي دعاك الى هذا القرار المفاجئ؟"
" يخجلني أن أعترف, ولكني لم أحبك, حتى في بداية خطبتي اليك. كان هناك... شخص آخر."
وصمتت ثم أردفت:
" هذا كل ما هناك لا أستطيع المضي."
سألها بروس باقتضاب:
" من هو؟ أجابت باقتضاب :
" رويز آلدوريت."
كانت نظرته المذهولة أشبه باهانة للرجل الآخر, وقال:
" رويز آلدوريت؟ أأنت جادة؟"
أجابت وقد عضت شفتيها مرة آخرى وتبدي عليها انها توشك على البكاء:
" كل الجد!"
وكانت موشكة على البكاء فعلا ولكن لسبب آخر... واسترسلت:
" لم أشأ أن أوذي مشاعرك ولكني هويته ثلاثة أعوام , لم يفطن أحد حتى رويز نفسه !"
وتعمدتت أن تنطق بأسمه بألفة وهي تسائل نفسها عما اذا كانت تستطيع ان تفعل ذلك امامه؟ ثم خلعت عن اصبعها الخاتم بماسته البراقة الصغيرة وكان من عادتها ان ترتديه في المساء بعد انصرافها من العمل وناولته أياه وأصبعها تشعر كأنها عارية تماما. فأخذه بروس بغير وعي تقريبا وسألها:
" أرجو ألا يكون لهذا علاقة ب... ستيلا؟"
وتعمدت انتجتذب قدرا كافيا من الحيرة والعجب الى صوتها:
" ستيلا؟ أي شأن لستيلا بهذا؟"
" الواقع ظننت... أعني ليس لهذا علاقة بستيلا وبي"
رددت وكأنها لا تفقه ما يشير اليه:
" ستيلا وأنت؟"
فتردد في غير ارتياح ثم اطلق ما بصدره:
" أنا وستيلا... اكتشفنا اننا متحابان ولكنها أبت أن أخبرك."
رددت وكأنها مصعوقة تماما:
"ستيلا وأنت؟"
ثم اغتصبت ضحكة وقالت:
" هذا رائع! الآن لاأشعر بالخجل من فسخ خطبتنا هكذا."
ثم اكسبت صوتها جدية من جديد, وأردفت:
" ماذا تعني, بأنها لم تشأ أن تخبرني؟"
فأجاب:
" ابت ان تحطم خطبتك, قالت ان من الخير ان تظل الامور كما كانت قبل مجيئها "
صاحت وهي تعض شفتيها في اسف واضح:
" وتركتها تعود الى لندن والامور بينكما هكذا, انني خجله من نفسي اذ لم افطن من قبل. لا بد انك تعيس, وكل هذا بسببي
قال:
" لم يعد هذا ذا بال! "
ضمها بصدق فاق كل ما اعتاده, فكان هذا هو الذي هدم الوهم الذي شيدته. فقد تعلقت به دون اراده منها, فلما ابعدها بعد لحظه, كادت تبكي في خزي واشمئزاز من نفسها.
قال بهدوء:
" كانت كل هذه اكاذيب...وكيف تسنى لرويز الدوريت ان يدخل في الامر؟ "
عضت شفتيها وقالت:
" رأيت ان هذا ييسر موقفك وستيلا لذا... وافقت حقا على الزواج به "
" ولكنك لا تحبينه "
" كلا, ولكن لا قيمه لهذا
" لا قيمه لهذا, لا يمكن ان ترتبطي بزواج كهذا! ان استيلا لن...."
فقطعت حديثه بعزم:
" يجب الا تعلم ستيلا بشيء من هذا "
وبدا لها الا سبيل لاقناعه الا بأن تخبره بالحقيقه, فأفضت بها بعجله واردفت:
" هكذا ترى انه مشروع مصلحه لن يستمر "
واستطاعت اخيرا ان تقنعه بأنه لا بد للامر ان يمضي كما دبرت. فما كان بوسعها الان ان تتزوج منه. ولو علمت استيلا بالحقيقه, فمن الارجح انها ستأبى ان تتزوج منه. وكان الحل الوحيد ان يجعل اختها تعتقد بأن زواجها برويز زواج طبيعي...
" يجب الا تعلم بعودتي للبيت مبكره واكتشافي ما بينكما...لقد تقبلت الواقع. ثم انا لن اخذل رويز الدوريت الان. انها عمليه تجاريه لن تضيرني ولن تغير شيئا ولكنها ستجعل ستيلا سعيده, ولن تلوم نفسها, ويجب الا تخبرها بأنها عمليه مصلحه عدني بذلك "

عندما استقرت السياره امام البيت, التفت بروس اليها بسرعه وسألها:
" اتودين ان ادخل واعلن النبأ عنك؟ "
فهزت ليلي رأسها وقالت:
" لا...افضل ان اعلنه بنفسي "
وقبل ان يجادلها حيته واسرعت بالدخول. وحياها سنوكس بوثبته المعهوده, فأستطاعت ان تهدئه بجهد كبير لتستجمع ارادتها. كان عليها ان تتظاهر بسعاده غامره. وان تبدأ من الان.
سرها حين دخلت حجره الجلوس, انه لم يكن سوى امها وجولي, اذ ذهب التوأمان الى الفراش.
تطلعت مرغريت بابتسامه وقالت:
" حسبنا كنتما ذاهبين الى السنما. هل عدلتما؟ "
قالت:
" نعم "
ثم تريثت, كان لابد من مصارحه جريئه, كالتي استجمعت اعصابها لتجريها مع رويز ثم مع بروس, غير انه كان لابد من ان يكون تظاهرها موفقا في هذه المره, فقالت بهدوء مصطنع:
" لم اعد خطيبه لبروس "
وبسطت يسراها لتريا اصبعها عاريا. وبدا القلق على وجه الام فابتسمت ليلي قائله:
" قرننا ان ما بيننا كان غلطه....."
واسترسلت ضحكه مقتضبه, واردفت:
" لا تنزعجي...ان الدنيا لم تنته! "
قالت الام :
" ولكنك قلت....."
فقطعت حديثها بهدوء:
" يخجلني ان اعترف بأنني قلت اشياء كثيره لم تكن صحيحه. انني لا احب بروس, ولا احببته يوما "
وساد الصمت لحظه, ثم قالت مرغريت بنفس هادئه:
" يحسن ان تخبرينا بما حدث
فقالت ليلي:
" ليس هناك الكثير ليقال في الواقع "
حاولت ليلي ان تنسق وقائعها وتطلقها متتابعه, فأسوأ ما في الخداع ان يضطر المرء الى تذكر ما قاله من
قبل بحذافيره. ومضت تقول:
" حاولت فترة أن أحمل نفسي على تقبل بروس ثم حدث اليوم شيء فأدركت انه لابد من أستجمع الشجاعة لأخبره بأنني لا أستطيع أن أتزوج منه وأنني أريد الزواج من شخص آخر."
وتوقفت لحظة ثم أردفت وهي تشعر بالجسور تحترق خلفها فلا يبقى سبيلا للتراجع:
" هو... رويز آلدوريت."
صاحت جولي:
" رويز آلدوريت؟"
ورددت مارغريت الاسم بلهجة اكثر هدوءا, ولكن نظرة ذهول قفزت الى عينيها. ولعلها تذكرت وصف ابنتها لصاحب شركة ميريديت, فسألت نفسها كيف تود فتاة الزواج منذلك الرجل البارد, المنطوي بالرغم منأعتباره جذابا فوق المستوى العادي. وأردفت ام: هذا شيء لم يكن مرتقبا."
فرمقتها ليلي باعتذار, وقالت:
تمنيت أن أشير من قبل, ولكن ذلك كان كان مستحيلا."
وسألتها جولي وهي لا تتمالك نفسها:
" هل ستتزوجينه حقا؟"
فأومأت ليلي بالاجابة, وقالت:
" سنعلن خطبتنا عما قريب جدا, ولا تعتزم أن يطول أمدها. وسنعقد القران في نهاية الشهر."
وكان عليها بعد ذلك, أن تروي بعناية وحذر القصة التي اعدتها للأسرة: أنها كانت من اللحظة الاولى لالتحاقها بالعمل تقريبا قد أحبت رويز ولكنها لم تر جدوى من الامل في أن ينتهي ذلك الحب الى شيء كان من الغريب ان تتبين سهولة اداء دورها وادائه باتقان... وشعرت بالضيق اذ مكنت بروس الشعور بالأمر ولكن الخطبة خليقة بالنجاح اذا لم تكتشف ستيلا الحقيقة.
كان غريبا بل رهيبا ان تتبين انها سترتبط في القريب برجل غريب تقريبا بالنسبة لها من الناحية الشخصية برباط من أوثق الروابط بين أي رجل وأية أمراة, وأن كان ذلك في الظاهر فحسب... فما كانت لتتصور ان تطمئن الى حرص أي رجل على التجرد من الطابع الشخصي للارتباط ولكن مجرد التفكير في ألا يحرص رويز آلدوريت أمر يدعو للضحك.
قالت جولي في فضول:
" ولكنك لم تبدي اتفه اشارة من قبل عن شعورك حتى أنك يوم تغدينا عند ريكي كدت تهاجمينه."
" كنت مضطرة. كان اتفه شيء كفيلا بأن يجتذب اهتمامه. وأنت تعرفين كيف تنتشر التقولات في مؤسسة كبيرة. أفترضي أن شخصا سمعني اقرك على ما قلت. وسرعان ما كانت الشائعة تنتشر بأنني أحبه."
ابتسمت مرغريت لابنتها الكبرى وهي تهز رأسها ومازالت الدهشة الحائرة واضحة على محياها. وعادت تكرر:
" الامر لم يكن مرتقبا ياعزيزتي ولكن اذا كان هذا ما تريدين حقا, فيسرني ما حدث."
والتفتت الى ليلي وابتسامتها تكتسب بعض الخبث, وقالت:
" ومتى سنرى هذا الوريز آلدوريت المثير؟"
فأجابت الفتاة:
"عما قريب كما أمل."
هتفت جولي في جزع مفاجيء:
" رباه! كيف سيكون صاحب العمل زوجا لاختي؟ ألا تشعرين بأن الموظفة تكون وقحة حين تنادية باسمه الأول؟"
فوافقتها ليلي:
" أحيانا؟"
وما كانت لتعتزم ان تبين انها لم تناده باسمه مجردا. بل كانت موقنة من ان جولي مصيبة في ما قالت. ولكن مجمل الموقف وتصنعها للحب كان موقفا سيئا.الأميرة شوق
وحانت في وقت لاحق مهمة اطلاع الوالد جون ديرموت على النبأ. وساءلت ليلي نفسها:
" ترى كيف سيتلقاه؟"

* * *

تقارب حاجباه الكثيفان حين انبأته زوجته مرغريت تسائل في حدة:
" ماذا؟"
وتضرج وجه ليلي وعضت شفتيها. ولم تكن لهجته مشجعة ولو قوبل رويز بنفور متوار لكان الموقف محرجا. ولكنها لم تكن بحاجة لأن تقلق حدجتها عينا وابيها الذي قال:
" أنه رجل طيب ما كنت لتختاري أحسن منه."
قالت زوجته مستنكرة:
" كان ينبغي أن تبدي شيئا من الدهشة..."
فسألها:
" لماذا؟ أنه من النوع الذي ينبغي أن تتزوجه. اما بروس فكان يحب الاتكال على سواه؟"
" أذن فهكذا كان بروس في رأيك؟"
مأعجب ما تبينه المرء عن المشاعر الحقيقية للناس عندما يحدث امر كهذا ! كيف سيتلقى الاب اخبار خطبة بروس وستيلا المقبلة؟ آثرت ليلي أن تخبر الاسرة بنفسها.

جين استين333 09-09-09 09:59 PM

كان يجب ان تعاد القصة مرارا وتكرارا وأحست ليلي بالخجل من أنها أصبحت تجيد الكذب. بل أنها أصبحت تضيف للقصة بعض الزخرفة وتذكرت ما أعتزمه رويز آلدوريت من بيع المصنع والعودة الى المكسيك وأن هذا جعله يوقن من انه لن يراها ثانية وأذ لم يكن على علم بخطبتها لعدم ارتدائها الخاتم اثناء العمل فقدأخذها على غرة وسألها فجاة ان تتزوجه. بل كان من السهل ان تقنع كل أمريء بان تريطها في بروس بدأ يسبب لها تأنيب الضمير بدرجة مؤلمة.
ولكنها استغرقت في البكاء اذ أوت الى فراشها حتى بللت وسادتها ثم تمالكت نفسها وكبحت دموعها واستلقت على ظهرها محملقة في السقف. لقد أدت المهمة وأصبح كل امرئ يعرف أنها ستتزوج من رويز آلدوريت بدلا من بروس.
وفي طريقها الى العمل في الصباح التالي شعرت ليلي بمزيد من الغثيان لأنها مضطرة للتظاهر بحب رويز عندما يكون معها. وراحت تتمثل حاجبيه السوداوين يرتفعان في عجب بارد أذا ما نادته باسمه مجردا فما بالك بالاظرار لبعض النظرات الناعمة وكلمات الاعزاز. وتمنت من أعماق قلبها لو انها لم تقترح قط التظاهر بالحب ولكنها أصبحت ملزمة بالمضي في ذلك لأنه السبيل الوحيد لنجاح الخدعة.
وشعرت بلحظة ارتباك حين سمعت الجرس يدعوها اليه بعد وصولهما الى المكتب. ولكن ما كان ثمة ما يدعو للانزعاج اذ كان العهد به دائما حتى انه لم يذكر شيئا عن خطبتهما!
غير أن كيري اتخذت وضعا مختلفا تماما. فقبيل انتهاء عمل اليوم أقتحمت مكتب ليلي وأثارت الموضوع مباشرة, بصراحتها المعهودة:
" هل علمت ان هناك شائعات بأنك ستتزوجين من رويز آلدوريت؟ لقد بلغتني منذ لحظات فقط, والا لكنت أوقفتها... لكم أود أن أخنق الغبية التي أطلقتها! الله وحده يعلم ما سوف يقول اذا ما ترامت الى أذنيه!"
تطلعت اليها ليلي, وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة ببطء متعمدة, وقالت:
" أنا الت أطلقتها."
فحملقت فيها كيري بغباء.... وأردفت ليلي:
"أنها ليست شائعة انني سأتزوجه!"
" أنك مجنونة."
"كلا, بل أنني أحبه حقا."
صاحت كيري في استهجان وأصرت على ان تعرف الحقيقة فروت لها ليلي القصة التي أصبحت تجيد روايتها و أذا كانت القصة مقنعة لكل امرئ فانها لم تكن ذات أثر يذكر على كيري التي قالت في أستهجان:
" هذا أسخف كذب مكشوف سمعته يوما! الآن بالحقيقة! أنني أعرفك أمدا طويلا ونظرتي لأمورك مختلفة تماما عن نظرة أهلك."أخيرا هزت ليلي كتفها وقالت في أعياء:
" الحق, ما من أحد منا يهوى الآخر. أنه اتفاق مصلحة منذ البداية للنهاية. فهو مضطر للزواج والعودة للمكسيك ليرث ضياع الاسرة..."
وأرسلت كيري صفيرا خفيفا وهزت رأسها قائلة:
" هذا أقرب للمعقول. ولكن ماذا يدعوك بحق السماء لا تفاق مصلحة؟ وبروس؟"
قالت ليلي معززة ما كان في خاطر صديقتها:
" بروس يريد الزواج من ستيلا" وشعرت بالارتياح في حديثها الى كيري وهي لا تدرك ان صديقتها كانت تتحرق شوقا الى أن يخنق شخص ما ستيلا, وهي تصغى في صمت واجم الى ليلي وقد راحت تروي كيف أكتشفت الامر, وكلنلتها المقتضبة تكشف عن مدى ألمها... واختتمت ليلي حديثها قائلة:
" هكذا رأيت أن شيئا كهذا كفيل بأن يساعدهما. فان ستيلا قد تلوم نفسها وتأبى الزواج من بروس, اذا لم تصدق أنني أحب سواه."
ودار بخلد كيري: ما كان محتملا لستيلا أن تلوم نفسها على شيء ما, وودت كيري في تلك اللحظة ان تفجر كل شكوكها في ستيلا ولكنها كبحت جماح سخطها مدركة أن ليلي لن تصدقها وبأن تعزف عن صداقتها, أو تسبقيها متوترة. لذلك عادت تلزم الصمت... ثم أزداد أشفاقها وجزعها فجأة, اذ خامرتها فكرة فرمقت صديقتها بنظرة مترددة وقالت:
" هذا ال... الاتفاق التجاري... ألا يلزمكما بانجاب وريث للا****؟"
شعرت ليلي بالدماء تتدافع لوجهها بشدة وأسرعت تقول:
"كلا طبعا وأن لم تتمالك ان تشعر بأن الوريث هو بالذات ما قصد به شرط الوصية ولكن اذا كان رويز يؤثر ان يتغافل عن هذا الجزء غير المكتوب من الشرط, فليس لها أن تثيره ولا كانت راغبة فيه. فما كانت تتصور شيئا من أن تسلم نفسها لرويز آلدوريت البعيد عن المشاعر الآدمية . ولو كان هذا صريحا في الشرط لما قبلت مهما تكن الظروف!
وتساءلت ليلي في شيء من القلق:
" أتظنين أن أحدا غيرك سيشعر بالسبب الحقيقي للخطبة؟"
فهزت كيري رأسها وهتفت بحرارة:
" يا الله!... كلا أنا نفسي ام أكن متأكدة."
وقالت:
" قد تعتقد الاخريات أنك كنت تحبينه طيلة الوقت ولكن كيف ستتغلبين على أنه مجرد اتفاق تجاري؟ لو أستمر صاحب السيادة على سلوكه المتباعد المعتاد فان أمك أول من سيرتاب."
وأقرت ليلي وقالت وهي تحاول معرفة تأثير كلامها على صديقتها:
" لقد سألته عما أذا كان يمانع في أن يتظاهر بالحب."
ولم تخيب كيري توقعها ففغرت فمها لحظة, واختلجت اهذابها ثم هزت رأسها وهتفت:
"ماذا؟ لا داعي لأن تكرري ما قلت, فقد سمعته ولكن لم أصدقه."
وأبتسمت ثم سألتها بصراحه وفضول مغتبط في تلك اللحظة:
" كم دام الصمت الجليدي وكيف انفجر صاحب السيادة عندما تغلب على الصدمة المشدوهة؟"
قالت ليلي بهدوء:
" لقد وافق...."
وعادت كيري تحملق فيها وتهز رأسها وتقول:
" ماذا؟ لا أصدق!"
هزت ليلي كتفيها وقالت:
" أنتظري ... وسترين."
فأبتسمت كيري فجأة وقالت:
" لا أستطيع الانتظار."
ثم ضحكت وتحولت عن الخوف من مكر ستيلا الى فكرة الجديدة المثيرة فكرة تظاهر رويز آلدوريت بالحب لسكرتيرته, وقالت:
" أتمنى لو أختلس النظر خلال ثقب الباب عندما يحتويك الرجل في عناق حار."
وأتبعت كلماتها بابتسامة تستثير بها صديقتها مداعبة. ولدهشتها تضرج وجه ليلي ولو كانت الظروف غير هذه لرمتها كيري بنظرة متفحصة ومتألمة.
وأسرعت ليلي قائلة:
" لا أكاد أظن أن هذا محتمل... ثم أننا لن نضطر لهذا ونحن وحدنا!"
فهزت كيري رأسها قائلة:
" مازلت لا أتصوره يتظاهر بالحب لأي امرئ وأن كان الجدير به ألا يكون جبل الجليد الذي يمشي على قدمين كما هو حقا أذا راعينا انه نصف أسباني."
وتطلعت الى صاحبتها وأبتسمت في مداعبة خبيثة وأسترسلت:
" لا أقول هذا لأنني أظن أن هناك ما يدعو للاكتراث بهذا الصدد وأنما لأنني لا أستطيع أن أتصوره يتحول الى هذا الطراز وأن لم يكن بوسع المرء أن يتكهن بما قد تفعله به بلاده الاصليه!"
رمقتها ليلي بجفاء وأمتنعت عن التعليق على الفكرة السخيفة فكرة أن ينتهك رويز اتفاق عذريا افلاطونيا. بل كانت مرتابة في أن سيكون قادرا على أن ينفذ بنجاح الخدعة البسيطة التي لم يكن منها بد أمام الملأ. وأختلست كيري نظرة جاذبية وهي تعجب... كيفي سينتهي هذا الارتباط المتورط الرهيب؟. وودت لو تنصح ليلي بألا تتعجل الامور وأن ترجيء هذا الزواج غير العاطفي أطول ما تستطيع فقد كانت موقنة بأن ستيلا ستدخل تغييرا جديدا على الموقف في القريب. كانت موقنة بأن ستيلا لم تحب بروس وأنما كانت تدفع الملل فحسب بانتزاعه من اختها. ولعلها في الحقيقة كانت تعتزم أن تتخلص من بروس وتصده بمشهد عاطفي قبل رحيلها الى لندن وكان الامر بالنسبة لستيلا مجرد لعبة ولكن ليلي ولا ريب قلبت الامور بوصولها الى البيت دون أن يفطن أحدهما وما كانت ستيلا في رأى كيري لتستسيغ أن تجد بروس يلاحقها ولم تعد تربطه الى ليلي أية خطبة أذ هذا كفيلا بأن تضطرها الى أيضاح وتفسير لبروس فقد كان آخر رجل تود ان تتزوج به وقد أصبح لزاما عليها بعد تحرره من خطبة ليلي أن تتخلص منه. فعندما تقرر ستيلا الجميلة المشهورة أن تتزوج فما من شك في أنها ستنتقي رجلا موفور المال لتحظى بكل الرفاهية و الترف اللذين تشتهيهما دون أن تضطر للعمل باستمرار. أذ كانت ستيلا برغم حبها الشهرة خاملة
لم تكن كيري تملك سوى أن ترجو أن تحدث ستيلا نفسها تطورات في الموقف قبل أن تمضي ليلي بعيدا مع رويز آلدوريت فلو رغب بروس في أن يعود الى ليلي فلن يشدها رويز آلدوريت بالتأكيد الى ذلك الاتفاق التجاري غير المعقول!

جين استين333 09-09-09 10:06 PM

المدير... الخطيب

تنامت بلدة كورفيستون في سرعة فائقة. وحرصت بلديتها على توزيع الابنية القديمة و الحديثة في تناسق. وتحيط بها طبعا الضواحي السكننية بمنازلها الصغيرة بينما ظلت على الجانب الآخر للنهر الضواحي القديمة محتفظة بطابعها الريفي الهاديء... وعلى قمة أحد المرتفعات كانت دار ذات طابع يوحي بالود بنيت من الطوب الذي أضفى عليه الجو طبقة رمادية.
كانت مرغريت في المطبخ تغسل الاطباق بمساعدة ابنتيها اذ كان يوم السبت وليس من عمل يشغلها كما راح التوأمان يساعدانهن وان كان الشطر الاكبر من مساهمتهما صخبا أكثر منه عملا مما أنتهى بطردهما الى الحديقة. و التفتت الام الى أبنتيها مبتسمة فخورة بهما, وقالت منتقية كلماتها:
" يبدو ان احدثا تلم بهذه الاسرة أخيرا."
وما كانت الفتاتان في بعاء ستيلا حقا ولكنهما كانت جذابتين... جولي بشعرها النحاسي الطويل ينساب معقوصا على شكلا ذيل الحصان , وليلي بشعرها البرونزي المجدول في ذلك الصباح في ضفيرتين التفت كلن منهما مع الاخرى في مؤخرة عنقها.
قالت جولي موافقة أمها:
" أنني أرى هذا , لاسيما اذ فاجأتنا ليلي باعتزامها الزواج من رويز آلدوريت, وبرس يوشك أن يدبر أمره مع ستيلا."
فقالت مرغريت ضاحكة:
" أن الامور لا تسير في رتابة حقا."

كان نبأ بروس وستيلا يحير الاسرة منذ تسعة أيام ولكنهما لم يستطيعا بعد أن يعلنا خطبتهما.فقد ذهب بروس الى لندن ليقابل ستيلا فوجد مسكنها معلقا وذهب الى شركة الافلام, فتلقى جوابا غير مشجع... كان من الواضح أن أحدا لم يدر بشيء عن الخطبة المتوقعة بين نجمتهم الاولى وهذا الرجل غير المعروف الذي يوحى مظهره بأنه غير ذي أهمية فظنوه من أولئك الذين يلاحقون نجوم السينما, فرفضوا أن يعطوه عنوانها. كل ما تفضلوا به عليه أن اللقطات الأخيرة في الفبلم الذ تمثله كانت تلتقط في موقع أحداثه ولكنهم لم يخبروه أين كان ذلك الموقع. وعاد بروس متوتر الاعصاب محبطا الى المدينة وحاول أن يتبين ما أذا كان آل ديرموت يعلمون أين يستطيع الاتصال بستيلا. وأضطر طبعا ان يحدثهم بما جرى. ولم يجد لديهم عنوانا فاضطر في النهاية الى أن يكتب لها بعنوان مسكنها املا أن تصلها رسالته.
كبحت كيري تعليقا حادا حين سمعت أن ستيلا سافرت لموقع أحداث الفيلم دون ان تسمع تحلل بروس من خطبته لأختها. ورأت في داخلها أن الأقدار كانت في صف ستيلا. كانت تأمل أن ترفض ستيلا الشاب صراحة فيثوب الى رشدة.... وأتفاق المصلحة يزداد أقترابا من موعده.
وقالت جول معلقة على ذلك:
" أن أمر بروس وستيلا مستغرب. ما خطر لي قط أنها تختار شابا مثل بروس."
وأبتسمت وهي ترنو الى ليلي بخبث مردفة:
" أما رويز آلدوريت فأوقن الآن بأنه خبير بمبادلة الفتيات الغرام."
وشعرت ليلي بدفء يثير الشك يتصاعد لوجهها نذيرا بالخجل وأن لم تكن تتصور حدوث شيء كهذا ولكن ضحكة جولي أكدت ذلك وهي تقول:
"هذا هو الدليل! وأراهن بأنه لا يقل حرارة ولعل لانتمائه للاسبان يدا في ذها."
وعاد التوأمان الى المطبخ وأن هي الا لحظة حتى تصاعدت صيحاتهما من الحديقةثانية منبئة بأنهما يمثلان حرب الهنود الحمر.. وكان جدار من الحجر الذي كسته الطحالب يفصل الحديقة عن بستا الفاكهة ويحول دون رؤيتهما ولكن صرخاتهما وضجيجهما كانا يعلنان أن الحرب الهندية أو رقص الحرب مستمرة.
* * *
تناولت جولي كتابا وخرجت الى الحديقة بعد تنظيف الادوات بينما ارتدت ليلي سروالا قديما بلون الكاكي وبلوزة بيضاء بدون أكمام وأخذت تقطع الحشائش... وأتجهت مرغريت بالسيارة الى الجزء الحديث من كورفيستون فأودعت السيارة في موقف السيارات ريثما تشتري لوازمها.. وأتمت مهممتها ولكنها حين عادت للسيارة وجدتها لا تعمل فوقفت حائرة... فسألها حارس الموقف:
" أهناك مشكلة يا سيدة ديرموت؟"
والتفت فجأة عند سماع أسمها. رجل كان على بضع ياردات.. بينما أجابت مرغريت الحارس:
" لست أدري ماذا أصاب هذه السيارة المتعبة!"
ورفع الحارس غطاء المحرك وتأمل ما تحته وعبث بأصابعه فترة ثم أستوى واقفا وهز رأسه قائلا:
" ما من شيء واضح فيها. يبدو أنه لا بد من أرسالها الى الكاراج."
وأنبعث صوت عميق ينطوي على أختلاف بسيط عن الاصوات المحيطة بهما:
" هل أستطيع تقديم أي عون؟"
فالتفتت مرغريت لترى أن الرجل الاسمر الطويل الذي كان يقف بجوار سيارته على بضع ياردات قد أقبل عليهما. كان له طابع مميز ولاحظت عيناها على الفور ثيابه الانيقة, وقد ارتداها في عفوية الشخص الذي ألف هذه الثياب وعزز ظنها أن الحارس أجابه باحترام بالغ:
" بعض الخلل في السيارة يا سيدي..."
قال الرجل وقد أشرقت وجهه الأبتسامة النادرة:
" أذن فقد يكون بوسعي أن أقل السيدة ديرموت الى البيت."
وأردف يخاطبها:
" أنني رويز آلدوريت"
وشعرت مرغريت بهزة دهشة تعتريها ثم باهتمام طريف يغشاها. أذن فهذا الشخص هو الصهر الذي كانت ليلي تعتزم أن تقدمه اليها! ودبر , بروح الشخص الذي أعتا اصار الاوامر وهوموقن من أطاعتها أمر نقل سيارتها الى الكاراج, فشكرته وهي ترمقه بنظرة أنثوية شاملة, يخالطها شوق الأم لمعرفة نوع الرجل الذي اختارته أبنتها!
ولاحظت بحاستها الانثوية على الفور جاذبيته السمراء ودقة القسمات والعينين السوداوين والشعر الاسود اللامع يتخلله وميض أزرق تحت الشمس والاسنان البيضاء القوية والفم على الحزم و الذقن الناطقة بعناد يكاد يبلغ درجة القسوة. وكانت بشرته شاحبه لا عن مرض ولكن... كأنما كانت بحاجة الى لمسة من الشمس أشد مما ألقت خلال السنوات العشرة الاخيرة. كانت عينا الأم أكثر خبرة من عيني الابنة فلاحظت أمورا كثيرة ما كانت ليلي مدركة لها... فالفم الحاوم كان حازما عن قصد كأنما صاغته السنوات من السيطرة العميقة على النفس, ومع ذلك فقد بقى ظل واهن من توجس يكاد يبلغ مبلغ التجهم الصبياني وبقى التقوس الغريب لشفته العليا الذي خيل لليلي يوما على أنه شاهد على مشاعر قوية وأستبعدته في الحال مستنكرة مجرد التفكير بهذا ولكن أمها رأت فيها اموارا أخرى... فها ذا الرجل معتد وحيد أصيب بجرح نفسي بالغ في وقت ما من الماضي فانطوى على نفسه متظاهرا بأنه فوق أن يصاب ثانية بجرح نزوات الدنيا وقسواتها. وتجلى للأم أن الكبت البارد الذي كسا قسماته وصوته ظاهرة غير طبيعية فلم يساورها قلق مما قد يكون له من تأثير على ليلي. ةغلى أي حال فان شكله كان يتغير تماما اذا ما ابتسم ولعل هذه هي الناحية التي عرفتها ليلي يه.
قال رويز أذ انسابت السيارة الفخمة السوداء بهما:
" أمل ألا تكون خطبتنا قد وقعت موقع هزة مفاجئة!"

فهزت مرغريت رأسها وقالت ضاحكة:
" هزة؟ الواقع لا أدري كيف أستطاعت أبنتي التكتم الى هذا الحد!"
ومرة أخرى لمحت ومضة الابتسامة الدافئة التي كانت تغير شكله وهو يقول:
" آمل ألا تحمليها في نفسك ضدي."
فابتسمت وهي تهز رأسها ثانية, وقالت مطمئنة:
" سصفح عنك...."
وعجبت من نفسها أن ليلي اوحت اليها بأنه كان جامدا... كان رجلا فاتن بالرغم من الفم الحازم الذي كان يحي بقسوة لكنها أدركت بغريزتها أنها لا يمكن أن تكون قسوة ظالمة. كان رجلا قادرا على أن يمزج الحزم بالطف. وأذ ذاك تبددب آخر هواجسها نحو الاختيار المفاجئ الغريب صدر عن ليلي فبالرغن من قصر عمر المعرفة أدركت مرغريت أن رويز آلدوريت أهلا للثقة وأنه كفيلا بأن يسعد ليلي .
كان قطع على ليلي انهماكهما في العمل في الحديقة, وعلى جولى انصرافها للقراءة قدوم التوأمين وقد خططا وجهيهما بأحمر شفاه جولي وزينا رأسيهما بالريش وأخذا يصرخان بجنون, وهتفت جولي:
" يا ألهي! عاد الهنديان الى الحرب ثانية!"
فقالت تيس في صرامة:
"المرأة الشاحبة الوجه أسيرتنا."
وهتفت جول بأن تبادر بالانسحاب. وأبتسمت الصغيرة ابتسامة متملقة وقالت لجولي:
" ألن تقبلي؟"
فأومأت جولي بأستسلام. والتفتت تيس الى ليلي قائلة:
" وأنت الأخرى ؟ أنك لا تصلحين أسيرة فأنت تجيدين تسلق الشجر."
وتأملها توم بعناية ثم قال لجولي:
" أنك تصلحين لأن تكوني اميرة هندية أسرتها قبيلة أخرى ."
وأومأت ليلي : وأنت الزعيم الشهير الذي يحاول انقاذها.
وكان لزاما أن يخطط التوأمان أختيهما بأحمر الشفاه. وتحمست جولي وأخذت تعبث بشعر أختها الكبرى وهتفت تيس مغتبطه:
" الآن تبدو هندية حقا!"
وأقبلت تزين جبينها بنطاق من الريش . وأخذ توم يرسم خطوطا على وجهها غير آبه باحتجاجها. وأنصاعت ليلي وهي تشعر بأنها ما كان ينبغي أن تفعل ذلك. وأتكأت جولي على شجرة تفاح قديمة تتأملها صامته بينما غاب توم لحظات وعاد يحمل صندوقا كبيرا من الورق المقوى مصطحبا كيري التي بهتت لأول مرة ثم انطلقت ضاحكة لزميلتها:
" ليتك ترين شكلك!"
جلس التوأمان القرفصاء حول الصندوق يتشاوران بينما راحت جولي وكيري تتيادلان نظرات متغبطة تتعجلان الاحداث وليلي ترمق الصغيرين بحذر... ثم رأت توم يقبل بقطعة من الطباشير الازرق فيرسم خطا عريضا بعرض جبينها وآخر على طول أنفها وهي صامتة مستسلمة... ثم أحاط السروال الكاكي الذي كانت ترتديه بحزام جلدي تدلت منه مدية وأعطاها بلطة من الورق المقوى ووقف وتيس يتأملان نتيجة ما فعلا... وهتفت كيري وعيناها ترقصان:
" النتيجة النهائية تفوق ما يصدقه العقل... هذا منظر جدير بالتسجيل. و التفت الى جولي, وقالت:
" هلأحضر آلة التصوير؟"
صاحت ليلي معترضة:
" لا"
ولكن الضغيرين أخذا يلحن فانصاعت مرة أخرى ودخلت كيري الدار لتحضر آلة التصوير بينما أستسلمت جولي وهي متمتعة بما جرى للصغيرين اللذين أخذا يوثقانها الى الشجرة بطريقة كان بوسعها أن تتحرر منها متى شاءت. وأبتسمت ليلي وقالت للتوأمين وهي ترفع البلطة الورقية فوق رأس جولي:
" أتودان أن أقف مهددة عند التقاط الصورة؟"
فصاحت جولي:
" المفترض أنك جئت لأنقاذي."
وتأملت تيس المنظر ثم قالت لأختها الكبرى:
" أرى من الافضل أنتتسلقي الشجرة."
وتحت الحاح الصغيرين, أضطرت لتسلق شجرة التفاح بمهارة اكتسبتها في ماضي السنين. وبسطت جسمها على أحد الفروع غير العالية متشبثة بالشجرة باحدى يديها ممسكة بالبلطة الورقية باليد الاخرى.

* * *
في تلك الاثناء كانت كيري قد دخلت البيت وعندها سمعت سيارة تقف في الخاج. وتناولت آلة التصوير ثم خرجت متقدة أن مرغريت ديرمموت قد عادت... وأتسعت حدقتاها ذعرا, حين رأت الشخص الذي كان يصحبها!
هتفت مرغريت مبتسمة:
" مرحبا كيري ! أظنك على معرفة بالسيد آلدوريت."
وغص حلق كيري انفعالا وكان رويز قد رآها في العمل طبعا ولكنه لم يولها أنتباهه أما الآن فقد أدرك أنها كانت مع ليلي في مقصورة المطعم يوم أوسعته هذه انتقادا...
تساءلت مرغريت:
" أين الفتاتان؟"
وأضطرت كيري وهي مترددة الى أن تقول انهما في الحديقة, وأن هي الا لحظة, حتى أنبعثت صيحة حرب منكرة, فضحكت مرغريت قائلة وهي ترمق آلة التصوير:
" أتلتقطان صورا للهنديين؟"
فأقرت كيري ذلك متلعثمة وهي تساءل نفسها... كيف تستطيع أن تنبه ليلي وقالت أخيرا:
" أرى من الأفضل أن أخبر ليلي بأنك رجعت..."
وفي هذه اللحظة أنبعثت صرخة من الحديقة وبدت أنها صرخة ليلي فقالت مرغريت ضاحكة:
" أذن فقد أستدرجا ليلي الىأحدى ألعابهما الهندية."
فقالت كيري تنبهها وهي ترمق رويز بنظرة جانبية:
" أجل. وقد أكيباها هيئة الهنود... يحسن أن أخبرها ...أعني...."
ونظرت مرة أخرى نحو خطيب ليلي.
وهزت مرغريت رأسها وقالت ضاحكة:
" أعتقد ان السيد آلدوريت لن يمانع."
وأبتسمت للرجل , وفي عينيها وميض ماكر, وقالت:
" أنه منظر جدير بالمشاهدة حقا... اذا كان شبيها بما فعله بها التوأمان في آخر مرة."
فقالت كيري في ارتباك:
"أنه أسوأ. ولكن مرغريت قالت:
" هذا أفضل وتناولت آلة التصوير من كيري وهي تقول:
" وأنى أوافق على أن نلتقط لها صورة."

وعندما خرج الثلاثة من البيت كانت ليلي فوق الشجرة. وهكذا وصلوا الى الحديقة في لحظة مثالية ليرى ريوز آلدوريت أعجب منظر أذهله في حياته... فالى شجرة التفاح عتيقة كانت ثمة فتاة حسناء موثقة بطريقة بدائية و الريحتعبث بشعرها وعلى وجهها تظاهر بالخوف تخالطه الرغبة لا تقاوم في الضحك. ومن خلف شجرتين صغيرتين برز وجهان صغيران مخططان بالألوان يعلوهما الريش ولكن المشهد الرابع هو الذي سبب الشعور المفاجأة المدهلة الواضحة على وجهه... فعلى أحد فروع الشجرة كانت سكرتيرته الكفء- التي أعتادت السيطرة على نفسها - وقد تدلى شعرها البرونزي اللامع واصطبغ وجهها بالخطوط الحمراء والزرقاء.

جين استين333 09-09-09 10:07 PM

والتفتت ليلي اذ سمعت ازيز آلة التصوير فاذا الذعر يقفز فجأة الى عينيها وودت لو أنها تستطيع أن تغوص في جوف الشجرة... وأطلت غير مصدقة فالتقت بعيني رويز آلدوريت السوداوين اللتين تجلت فيهما الدهشة الطاغية مع انبساط لا سبيل لأنكاره.
وأذ اقترب من الشجرة تحركت ليلي بغية الهرب بطريقة ما, ولو بالتسلق لارتفاع أكبر والاختباء بين أوراق الأشجار, ولكن حيرتها وأرتباكها افقداها توازنها... وحاولت أن تستعيد بالتشبث باليد التي كانت تمسك بالبلطة الورقية... وأذ بها تهوى فيتلقاها بين ذراعيه وظلت لثانية واحدة بينهما وقد جمد حراكها من الصدمة.. ثم أنتزعت نفسها متخلصة وهي تغمغم بكلمات غير واضحة وجرت بكل ما أوتيت من قوة فلم تتوقف الا حين لاذت بحجرتها. وهناك رأت لأول مرة كيف كان شكلها تماما!
كان البنطال والبلوزة قديمين وعليهما آثار من التربة خلفتها عنايتها بالحديقة وبضع بقع من طلاء اخضر منذ ساهمت في طلاء الكاراج... وعلى كل شفة خطوط عريضة من طلاء الشفاه الأحمر وشريطان أرزقان عبر الجبهة وخط يفزع اى هندي حقيقي بالاضافة الى عصابة خضراء تلف الشعر البرونزي وفوقها ريشة مائلة. وكانت المدية تتأرجح عند خاصرتها... وأنتبهت اذ ذاك فقط الى أنها كانت مازالت قابضة على البلطة الورقية التي طليت باللونين الاحمر الفاقص والأسود.. كانت صورة غنية بالألوان غير التي أعتاد رويز ظان يواجهها!

* * *




ما لبثت ان ألقت بالبلطة وجلست على السرير وتملكها ضحك كضحك الاطفال. وهكذا وجدتها كيري حين دخلت الحجرة فحملقت فيها في البداية منزعجة ثم عاودتها الابتسامة اذ أبصرتها وقالت:
" الحق أن منظرك عجيب!"
فقالت ليلي وهي تكاد تبكي:
" ماذا ترينني فاعلة يا كيري؟ لا أستطيع أن أنزل وأواجهه!"
قالت كيري:
" يبدو أنك مضطربة لذلك... أنني آسفة اذ لم أنذرك ولكن أمك سمعت صيحات الحرب فأدركت ما كان يجري وظنت أن خطيبك العزيز سيعجب بالمنظر."
فشرعت ليلي في الضحك ثانية وهي تقول:
" ما رأيت على وجه أحد ما كان على وجهه من دهشة ولكنه ضحك!"
ونهضت فخلعت حزام توم ومديته ونزعت العصابة و الريش, وقالت وهي تغيب في الحمام:
" يحسن أن أشرع في أزالة اصباغ الحرب"
وعادت بعد برهة كانت بشرتها ناصعة لامعة وخصلات شعرها متهدلة على كتفيها.. فلما خلعت ثوبها رأت صديقتها أنها كانت أكثر فتنة من أن ترتبط بزواج مصلحة ولكن رويز آلدوريت كما تبادر لذهنها كان أبعد ما يكون عن العذرية المتزمتة.
وراقبت كيري ليلي وهي تتناول تنورة سوداء وبلوزة بيضاء, ثم قالت مبتسمة:
" ألا ينبغي أن ترتدي شيئا أكثر أنوثة؟ أنك لست في المكتب الآن... والمفترض أنه الحبيب المفضل."
فترددت ليلي لحظة ثم اعادت القطعتين وتناولت ثوبا اكثر انوثة ذا لون أخضر ضاربا للاصفرار الليموني كان خير ما يبرز لون شعرها. وراقبتها كيري في تقدير ملاحظة التصاق الثوب بقوام صديقتها الممشوق, بينما كانت ليلي تفكر في أن هذا كله كان عناية ضائعة بالنسبة لرويز, فما كان ليلاحظ أي اختلاف فيما ترتدي. كان بروس هو الجدير بأن تتأنق له, وليس الرجل البارد العواطف الذي ينتظر باطابق الأسفل!
وألقت على كتفيها وشاحا وتحولت تعنى بشعرها البورنزي البهي المتموج على ظهرها ولكن كيري تنازلت الفرشاة منها قائلة:
"دعي هذا لي فذلك أسرع."
وبعد فترة وجيزة كان شعرها تاجا براقا معقوصا حول رأسها وأكتسى وجهها بزينة خفيفة ذات لون طبيعي . وتهيأت للنزول وهي موجسة تماما... كيف سيقدر لها أقناع أسرتهها بأنها كانت تحب رجلا لا قيمة شخصية لديها؟ والاسوأ أننه رجل مغلق بارد من الناحية العاطفية اعتاد أن يبعث فيها اضطرابا كتلميذ يخشى أن يبدر عنه ما يعتبر قحة!
كان التلطف الوجيز الذي ابداه في أول صباح لخطبتها قد تلاشى وعاد لطبيعته العادية الى حد كبير مما جعلها تسائل نفسها عما كانت ستصادف في ذلك الصباح.
غمغمت كيري وهما تغادران الحجرة:
" اعاننا الله... أن تيس على الاقل بعيدة عن طريقنا."
وتصاعدت صيحات التوأمين من الحديقة فقد كانت لتيس عادة النطق بما يتبادر الى ذهنها.
وأحدث ثوبها حفيفا وهي تهبط الدرجات... وشعرت أنه كان يجدر بها ارتداء هذا الثوب لبروس... وأحست بحنين يفوق ما كان يخالجها في أي يوم قبل أكتشافها حبه لستيلا. كان الألم في أعماقها قاسيا حادا وساءلت نفسها:
" هل ستكون مثل جانيس مارتن تتحسر بقية عمرها على رجل ما كان من الممكن أن تحظى به."
لقد قالت جانيس مارتن أن الزمن يلئم الجرح ولكن الوجع الصامت يظل كامنا حتى لحظة أثارة الكوامن. وكانت تلك هي اللحظة التي لا ينبغي لها أن تتذكرها. كان عليها أن تجبر نفسها على النسيان بقدر ما تستطيع وأن تركز أهتمامها على ما ينبغي أن تفعله. كان هذا صعبا و الموق على ما هو عليه دون حنين الى الرجل الذي أحبت لا الرجل الذي تظاهرت بحبه لأن عليها أن تكون ابرع اداء من أية ممثلة. بل أن دورها أصعب أذ أنها تمثل في الحياة وليس على المسرح.

أجتازت البهو وكيري بجوارها ودخلت قاعة الجلوس الكبيرة وكانت دائما مريحة نظيفة يسودها جو البيت الحقيقي بما للبيت من معنى الطمأنينة والسكن.
وكان أبوها قد عاد في تلك الاثناء وأنضم الى الأسرة. ولاح أن رويز كان يتحدث اليه بقدر من عدم التكلف. ولكنه نهض واقفا اذ دخلت الفتاتان وعيناه السوداوان تتأملانهما... كانت الرابطة الوثيقة بينهما واضحة له, ثم صادفت نظراته عيني كيري فرأى بأنها مثل ليلي لم تكن شديدة الاطمئنان الى مقدرته على المضي في التمثيلية... كانت موزعة بين قلقها على ليلي, وأستغرابها فكرة أن يقوم بدور كهذا. وتذكر كلمات سمعها في مقصورته بمطعم ريكي.
أما ليلي فكادت لا تجسر على النظر اليه ولكنها لاحظت لأول وهلة بمجرد دخولها اذ رأته يتحدث مع أبيها, أنه كان ذا طباع لطيفة اذا ما شاء أن يبديها, وكان جذابا بدرجة غير عادية. وبذلت مجهودا لترسم ابتسامة على شفتيها ولدهشتها أذا به يحييها بابتسامة كانت كمفاجأة اذهلتها, ولكنها مفاجأة سارة ولو أنها أضطربت لها قليلا... ما كانت تتصور قط أن تحدث أبتسامة كل هذا التغير... كانت ثمة مناسبات في العمل شهدته فيها يبتسم ولكن الابتسامة في هذه المرة كانت تنطوي على شيء مختلف بدرجة كبيرة, حتى أنها جعلت أنفاسها تتهدج بطريقة غريبة, وأوحت اليها بأنه يستطيع أن يكون خطرا على راحة بال أية أمرأة بفتنته السمراء ومغناطيسيته عندما يبتسم.
وقال وهي تجاهد لتفيق من هزة أبتسامته غير المرتقبة:
" مساء الخير يا عزيزتي..."
وبدا وكأنه كان يستخدم كلمة الاعزاز منذ سنوات طويلة... قد يكون أستعملها لأنه لم يكن يعرف أسمها الاول, فقد كانت متأكدة من أنه لم يفكر فيها قط الا ك... آنسة ديرموت. ثم ليزيد من دهشتها جذبها اليه واحاط كتفيها بذراع مسيطرة نوعا ما وكأن ذلك كان تصرفا طبيعيا بالنسبة اليه.
وأردف بلهجة جعلت الاسرة تضج بالضحك:
" لعلك تعرفينني بالآنسة التي قابلتها فوق الشجرة منذ قليل."
فقالت وهي تحاول أن تألف ذراعه حول كتفيها:
" أرجو أن تنساها."
وضحكت مرغريت قائلة وهي تهز رأسها:
" كلا... لقد ألتقطنا لها صورة جميلة وسأعطي خطيبك نسخة منها."
وأجاب رويز:
" شكرا لك. أستطيع أن أبرزها لها اذا حاولت الاسراف في الوقار معي."
وأبتسم لها بالطريقة ذاتها فضحكت ليلي باضطراب وتخلصت من ذراعه بالجلوس على الاريكة.
ضحطت أمها قائلة:
" أستطعنا أن نقنعه بأنه لا يتزوج هندية حمراء ولكن هذا تطلب جهدا."
وأثار قولها الضحك من جديد فسرت ليلي لذلك لأنه كان كفيلا بتبرير الارتباك والحيرة اللذين تجليا على أساريرها. وقد جلس رويز الى جوارها وأحاط كتفيها مرة أخرى بذراعه بنفس الحركة الطبيعية المسيطرة وما كانت بقادرة على أن تتقبل الشعور بذراعه وهي متمالكه الجأش... وزادها أضطرابا غريبا وجوده قريبا منها.
راحت مرغريت ترمقها مبتسمة.. وأذا كانت قد لاحظت بعض التحفظ في مسلك أبنتها فكان من السهل تفسيره بأنها ما كانت ابدب ممن يكشفن عواطفهن أمام الملأ..وأذهلت ليلي ازاء التبسط الذي أنساق به رويز لدوره. وتبادلت مع كيري نظرة تظهر انها غير مصدقة بينما قالت نظرة كيري صراحة: ما كنت أطنه ينطوي على شيء كهذا... واعترضت نظرة رويز نظراتها ولعل هذا ما دفع بابتسامة مفاجئة الى فمه الحازم. وسرها وادهشها سهولة اندماجه مع أسرتها فلم يبد أن أحدا منهم كان يفكر في مركزه أو ثروته, لهذا خلا الجو من التوتر... بينما تجلى عليه شيء من الجاذبية جعل نظراتها تتعلق به مبهورة رغما عنها.

* * *
تحول الحديث بعد فترة الى موضوع وطنه القديم فسألته مرغريت بابتسامة:
" حدثنا عن بيتك في المكسيك, أظنه كما قالت ليلي يسمى كاراسترانو."
فأومأ برأسه قائلا:
" هذا صحيح. أنني لم أره منذ عشر سنوات."
وشردت نظرات عينيه السوداوين بعيدا, وأختلجت شفتاه بابتسامه شبه حزينة وكأنما نسي كل الموجودين وهو ينظر الى ماض دفنه. فقالت باندفاع لم تتمالكه:
"مأحسبك نسيت ابدا!"
التفت اليها وقد رقت نظراته بدرجة لم تكد تصدقها فلم تدر أكان هذا جزءا من التمثيل أم أنها كانت رقة صادقة لأنه كان يفكر في شيء مهم له... وقال برقة:
" كلا لم أنس قط... وبدا في عينيه السوداوين للحظة عابرة ألم مرير جعلها تود ان تمد اليه يدها... وأردف:
" ما أظنني سأنسى أبدا. وما كانت ثمة حاجة به لأن ينسى وقد آل قصر كارسترانو اليه."
وما لبث أن أبتسم فأدركت في هذه المرة أن ابتسامته تظاهر لأنها كانت الابتسامة الدافئة التي كانت تثير فيها اضطرابا, وقال:
" سنعود الى هناك معا, وهكذا أفضل بكثير من ذهابي وحيدا"
وقطع الصمت صوت صفير سليط: عندما تفرغ من أبداء حبك لها, نود أن نسمع مزيدا عن المكسيك. فصاحت مرغريت وقد عرفت صوت ابنتها الصغرى دون أن تلتفت اليها تيس! كانت الصغيرة تجلس على النافذة مدلية ساقيها داخل الغرفة وحول رأسها أحد اربطة عنق ابيها تلتصق به ريشة, كان منظر تيس أو تيريزا ديرموت مضحكا, وأن لم يبلغ مبلغ أختها الكبرى قبل قليل. وأبتسم رويز وهو يقول لها:
" ماذا تودين أن تعرفي؟"
كانت ليلي جديرة بأن تنذره بأن اختها لا تقنع بالقليل. ورمقته تيس باهتمام صريح, ثم انزلقت عن النافذة وأقتربت تتأمله عن قرب. وأرتجفت ليلي أشفاقا مما قد يصدر عن أختها التي لا سبيل لكبح جماحها... وأخيرا قالت تيريزا الصغيرة:
" هل ينحدر أجدادك من سلالة الفاتحين؟"
"أجل كان منشىء فرعنا من الاسرة دون اكزافيير ويقال انني أشبهه نوعا ما."
هتفت تيس عجبا وعادت تتأمله باهتمام وتساءل, وقالت:
" ما شكل قصركم؟"

قال:
" كارسترانوا؟"
وأبتسم بطريقة أنبأت ليلي بأن أفكاره ارتدت الى هناك وقال:
" أنه كبير مترامي الاطراف, عتيق جدا, تحف به الزهور من كل جانب. وفي الفناء الداخلي نافورة يبدو كأنها تغرد, غني بالزهور لا سيما الورود لأن أمي كانت تحبها أكثر من الزهور... كانت انكليزية, ولكني لم أعرفها قط, لأنها ماتت عند مولدي... وأغتيل والدي بعدها ببضع سنوات."
وشعرت ليلي بجزع اذ سكت خشية أن تسأله تيس عما دعاه لترك موطنه والاقامة في انكلترا. ولكن الصغيرة قالت:
وكأنها تسدي اليه صنيعا: " أتود أن تحضر حفلة عيد ميلادي؟"
همت ليلي بأن تعتذر نيابة عنه, ولكن رويز أدهشها أذ ابتسم لتيس وقبل دعوتها بجدية رصنة قائلا:
" شكرا يا آنسة ديرموت... يشرفني أن أحضر , فلعلك تخبرينني أذ حان موعده."
وأطرب تيس أن يدعوها الآنسة ديرموت وبادرت بأخباره بأنها وضعته فعلا في قمة معارفها من الكبار. وفي اللحظة ذاتها, التقت عينا ليلي بعيني خطيبها فابتسما...

جين استين333 09-09-09 10:08 PM

وبسبب النظره الوجيزه, والابتسامه, ادركت ان الامر لم يكن ادعاء, اذ شعرت بخجل لا تفسير له, غضت بصرها وبدلت موضوع الحديث.



وبعد تناول الشي خرجت ليلي مع رويز الى البهو, وهو ما بدا ان الجميع توقعوه, كرغبه منها في الفرار من الحرج, ورغبة منهم هم في ان يخلوا لهما الجو, لتوديع ليلي خطيبها, وبادرت ليلي بإثارة عيد ميلاد تيس, فقال بصراحه:
" اترين الا احضر؟ "
واجابته:
" كلا....كلا, طبعا. انما عنيت انها لا تكاد تكون مناسبه مما يروق لك "
" لعلك لا تعرفين ما يروق لي...الا ترين هذا؟ "
وظنت للحظه انه ليس راغبا في الحضور فقالت:
" بلى..لهذا اتيح لك الفرصه, ان شئت الرفض. وبوسعي ان ادعي اصابتك بانفلونزا طارئه. ان حفلات تيس عاده تنتهي بصخب
فنظر اليها واساريره تنم عما في نفسه, وسألها:
" اكان خطيبك السابق يحضر حفلاتها؟ "
فلما اومأت بالايجاب قال بحزم قاطع:
" اذا فلست ارى ما يدعوني لرفض دعوة اختك "
وقالت في نفسها:
" اذا فلا يلومن الا نفسه, اذا تورط في دعابات تيس". على انها وهي تفكر في احدى اللعب المحببه الى اختها, رأت ان تبذل جهدا اخيرا الى تحذيره
من العاب تيس المفضله لعبه العقوبات فهي توجه اسأله, بحيث تفرض عقوبات على احد منا. وفي عيدها يطلق لها العنان اكثر من المعتاد, واذا امكن فإننا ننفذ كل ما تقضي به. وسيكون مرتقبا منك ان تحذو حذونا "
ابتسم وسألها:
" ما الذي تخافينه بوجه خاص؟ "

فقالت:
" لا ادري...ولكن لا يستغرب من تيس اي شيء! "
وتحولت نظرته اليها فجأه الى نظره ثاقبه, متفحصه, وقال:
" اذا سنحاول الا ندع اسألتها توقعنا. وهناك امر اخر...تمثيلنا هذا...عليك ان تكوني افضل اداء, والا كشفت انه تظاهر وادعاء! "
تضرج وجه ليلي وقالت:
" انني اسفه...من العسير...."
ومنعها صوته المتميز بشيء من السخريه, من ان تكمل, اذ قال:
" هذا صحيح, ولكنه كان اقتراحك, وليس لك ان تتراجعي في هذه المرحله "
فنظرت اليه ورفعت رأسها في كبرياء وقالت:
" ما كنت افكر في التراجع يا سيد الدوريت. انني لا ابدأ عادة الا ما اوقن انني سأكمله "
قال في رفق:
" انني متأكد من هذا "
ثم عاد يرمقها بتطفل ساخر بدا يضايقها, واردف:
" اسمي على فكره رويز...مثل لويس فيما عاد تغير الحرفين الاول والاخير في كل منهما. وسيبدو مستغربا ان تواصلي مخاطبتي بتكلف, لا سيما امام اسرتك. "
واومأت برأسها, وهي تشعر بشيء من الحرج اذا تضطر لأن تناديه باسمه.
وفجأه قال وقد عاودته اللهجه الهازئه, وكأنه شعر بما ساورها:
" انني اسمح لك تماما ان تناديني به, ثم هناك امر اخر "
ودس يده في جيبه واخرج علبه سوداء صغيره, وحدست بغريزتها ما جعلها تعقد يديها خلف ظهرها في حركه طفوليه لم تستطع مقاومتها. كان تقديم الخاتم رمزا للحب وعهدا للمستقبل, ولكن هذا الخاتم بالذات كان وجها اخر من وجوه التظاهر...كان الدليل الظاهري لصفقه فارغه لم يعرف حقيقتها الا كيري طبعا وبروس.
ارتفع الحاجبان الاسودان في استغراب هازئ واضح, وامسك باحدى يديه الرفيعتين رسغها الايسر, وقال:
" يؤسفني انه شر محتوم. انني ادرك هواجسك, ولكن لا داعي لاعتباره رمزا لارتباط باق "
فرفعت رأسها بتحد وهي تتساءل عما عساه كان يساور افراد الاسره لو رأوا هذا المشهد. رويز يقف ممسكا بمعصمها باحدى يديه لا يفلته, بينما يمسك بيده الاخرى علبه وقد ارتفع غطاؤها عن خاتم ذي حجر من الياقوت العميق الزرقه. وقالت اخيرا:
" ما كنت افكر على هذا النحو...انما بدا لي انه...تبذير لا داعي له "
" ولكني أظنك توافقين على أنه أجراء طبيعي... فستتوقع أسرتك أن ترتدي خاتما."
وأقرت رأيه وهي تقف بلا حراك بينما أحاط أصبعها بالخاتم بعكس ما توقعت من أن يعطيها العلبة ويطلب منها أن ترتدي الخاتم. كان هذا أكثر تمشيا مع اتفاقية المصلحة التي أبمتها معه, ولكن هذا لم يخطر له, واذا كان قد خطر فانه آثر أن يتجاهله لتكون الخطبة أقرب الى ما هو متعارف عليه وأدهشها أن الختم ناسب أصبعها تماما, وكأنه صنع خصيصا لها!
قال وفي عينيه نظرة غامضة المعنىوجدت أن من العسير أن تصمد لها:
" أتمنى أن يكون فألا حسنا..."
ولم يذكر لأي شيء هذا الفأل ولكنه زادها ذهولا أذ أنحنى ومس بشفتيه النحيلتين يدها, قائلا بفكاهة ساخرة:
" وهذا أيضا متعارف عليه عند تقديم خاتم الخطبة."
بينما تحاشت ليلي الظر الو وجهه!

* * *
تمتمت أخيرا:
" أنه خاتم جميل جدا!"
قال صوته رنة التهكم ثانية:
" لعله كان ينبغي أن أقول أنني أخترته ليناسب لون عينيك."
فعقبت على الرغم منها:
" ماتصورت أنك تعرف لونهما!"
رفعت يده ذقنها فجأة للحظة أمسكت فيها أنفاسها, اذ خامرتها فكرة رعناء بانه يوشك ان يقبلها. ولكنه اكتفى بأن ابتسم في شيء من الاستهجان - أراه حدس ما جال بخلطرها - وتركها قائلا:
" لابد أنني اعرف الآن ان لونهما لون الخاتم تماما. أنني على الاقل لم أفكر في انك قد تفضلين الماس."
ما كانت تظنه يعرف شيء عما تفضله ولا عن لون عينيها ... كان أعجب رجل حقا. وقالت متلعثمة:
" أنني ... أفضل الياقوت."
قال وهو يوجه بصره الى باب قاعة الجلوس المغلق خلفهما:
" حسن. أترين من المناسب الآن أن أنصرف؟ أترينهم أنهم أفسحوا لنا وقتا كافيا؟"
وشعرت ليلي بالدم يتدافع الى وجهها ثانية, وسخطت في نفسها اذ خطر لها أن أي أمرىء خليق بأن يظنها تلميذة طائشة... ما الذي أصاب هدوء اعصابها واتزانها اللذين اعتادت الاحتفاظ بهما تكن الازمات؟
قالت في تردد:
" أظن... أظن ذلك."
وأجفلت على الرغم منها, أذ مد يدا قوية الى شعرها فعبثت بتناسقة , قائلا في أقتضاب:
" هذه أضافة ضرورية! لا سيما لفتاة المفترض أنها كانت تودع الرجل الذي تحبه!"
ومرة أخرى شعرت بوجهها يتضرج ولم تجد كلمة واحدة تقولها, وهي بعد تشعر بلمسة شفتيه الجامدتين ليدها. وأخيرا رفعت رأسها في كبرياء غير متعمدة, وقالت:
" طبعا, أذا كنت تعتبر أن التأثير غير واقعي بدرجة كافية..."
لم تكن ثمة حاجة الى التهكم في صوته أذ قال:
" أنني أعتقد أنه واقعي بدرجة كافية."
وتلاشت تحت تهكم صوته ونظراته الكبرياء التي خالطت صوتها. بينما أردف هو:
" أذن أرى الوقت قد حان لأقول ... أديوس."
وذهلت للمفاجأة مرة أخرى, أذ أستعمل الكلمة الاسبانية للوداع, ومع ذلك فقد لاحت مناسبة تماما, في تلك اللحظة!
ردت ليلي بالكلمة ذاتها, وهي تعجب مما جعله يستعملها, فما عهدته ينثر الكلمات الاسبانية في حديثه. أترى فكرة العودة الى كارسترانو تحطم حاجزا ما؟ وأذا صح هذا, فماذا كان خلف الحاجز؟ وقال:
" أليس لديك شيء آخر تضيفينه؟"
فقالت و الحياء يغلبها:
"أديوس... يارويز."




وقفت بعد أنصرافه مستغربة في التفكير لا تدري حقيقة رأيها به. كانت الشخصية الباردة المتباعدة في المكتب مالوفة لديها حتى الطريقة الساخرة الهازئة... أكان هكذا في كل معاملاته مع النساء اذا تجاوزن التكلف المحض؟ ولكن الشخصية الثالثة لرويز آلدوريت هي مبعث الدهشة الكبرى لديها شخصية مجهولة منها تماما... شخصية الرجل الذي أبتسم لها في دفء متكاسل و الذي جعلتها لمسته تفطن بقوة الى جاذبيته شخصية شديدة ما كانت تعلم أنه أوتيها!

* * *

جين استين333 09-09-09 10:13 PM

كانت عيناها توحيان باستغراب في التفكير حين عادت الى قاعة الجلوس لتقابل بنظرة مبتسمة من أمها, وهي تبادرت قائلة:
" أعرف أنك ستوجهين سؤالا لامناص منه, وسأوفر عليك العناء.. أنني أميل اليه.. كثييرا جدا."
فتحولت ليلي الى أبيها تسأله:
" وأنت؟"
قال جون ديرموت وهو يهز رأسه مقطبا نوعا ما:
" رجل بديع لا أتمنى سوى أن أتأكد من أن الامور ستنتهي خير انتهاء بالنسبة لستيلا وبروس."
فسألته وهي تحرص على الا يبدي صوتها الفضول العادي:
" ولم لا؟"
قالت مرغريت:
" أننا لم نصارحك من قبل, ولكنا غير مطمئنين قليلا حينما خطبت الى بروس."
فعادت ليلي تتساءل:
" من حيث؟"
فقال أبوها:
" لقد قلتها مرة من قبل , حين فسخت الخطبة... أنه ضعيف, يريد الاتكال على الناس."
فقالت:
" لم ألاحظ هذا أبدا."
قالت أمها:
" أنه شيء متوار, تحدسينه أكثر مما تعرفينه عن يقين. لهذا دهشنا حين قيل أن ستيلا وقعت في هواه."
فقالت جولي:
" لعله دبر هذا اصطناعا."
فبادرت ليلي باندفاع غير أرادي وهي تتذكر ما رأته حين فتحت باب قاعد الجلوس بهدوء:
" كلا... أعني أن هذا شيء سمعت ستيلا تقوله."
وأذ نظروا اليها في تساؤل لم تشأ أن تذكر لهم السبب الحقيقي فيتأكيدها وقالت:
" لم أشك في البداية ولكن الامر تجلى لي فيما بعد."
علقت ججولي:
" هذا غريب حقا, عندما يفكر المرء فيه... ما تصورت قط أن ستيلا قد تود الزواج من شخص مثل بروس ولكن قد يكون هذا رد فعل لما تلقاه من الرجال الذين تمثل معهم."
وأضطرت ليلي لأصطناع ابتسامة واهنة, وهي لا تدري ما يدعوها لتقبل هذه الملاحظات عن بروس وهي ساكنة النفس. ومالبثت أن قالت:
" أعتقد أنه عادي... والامر كما قلت رد فعل من ناحية ستيلا ولكني أثق بأن كل شيء سيبتهي الى خير نهاية."
وفكرت كيري مكتئبة:
" سينتهي الى خير نهاية لستيلا فهكذا حظها دائما."
يبدو أن فكرة صغيرة, غريبة, خطرت لها في تلك اللحظة.. كان من المؤسف أزاء الاداء الذي مثل به رويز آلدوريت دوره في ذلك اليوم الا ينتهي الزواج الى زواج حقيقي. أذا كان الرجل الذي رأوه في ذلك اليوم هو رويز آلدوريت الحقيقي, وليس مجرد ممثل فقد داخلها شعور بأنه كفيل بأن يفوق بروس بكثير في أسعاد ليلي.
ابتسمت مرغريت فجأة في تخابث وقالت:
"أليس صاحبك رويز فارساً أسبانيا عظيماً حقا؟"
فتضرج وجه ليلي وقالت:
" نعم, أراه كذلك. الواقع أنني ما لاحظت هذا من قبل. لقد أعتاد... أن يكون باردا متباعدا منطويا, حتى أك لتنسين أنه نصف أسباني."
فأبتسمت جولي قائلة:
"أراهن أنه يدعك الآن تنسين هذا."
ماكان من سبيل لتفادي حمرة الخجل وهي تتذكر الدفء الذي كان في عينيه السوداوين, والذي كان أبعد الأمور عن التوقع. وتساءلت كيري وهي ترمقها:
" أصحيح هذا؟"
والتقت نظراتهما فابتسمت ليلي ابتسامة ضئيلة وقالت: "لن أتكلم!"
ولكي توقف تدفق الاسئلة أرتهم اخيرا خاتم الخطبة. وكانت حتى تلك اللحظة تبقي يدها متوارية لسبب لم تدر كنهه وهي خجلى مترددة. وصاخت جولي في أعجاب ردده الأخرون وهم يتأملون الحجر الياقوتي المربع والحجرين الماسيين الدقيقين اللذين أحاطا به.

* * *

عندما أستلقت ليلي في فراشها في ذلك المساءء وجدت فكرها يستعيد كل دقيقة من تلك الأمسية. الفارس العظيم كما وصفته أمها, كيف سيكون في كاراسترانو؟ كان يبدو بالتأكيد انه يتمتع بالشهامة والمجاملة التي فطرت عليها العائلات الاسبانية العريقة, ولكنه لم يؤت الخصلة الاخرى التي أشتهر بها عنصره... ثم تذكرت اللمحة الخاطفة التي مرت بها في البهو, حين خالت انه يوشك أن يقبلها... أكان ذلك مجرد تةهم, أم أنها كانت نزوة لم يشأ أن يستسلم بها؟.
ثم بدأت تتذكر الفكرة التي ساورتها قبيل انصرافه. أكان التفكير في العودة الى كاراسترانو يحطم حاجزا أخفى نفسه وراءه خلال السنوات العشر التي قضاها في انكلترا؟ أذا كان الامر كذلك فكيف كانت حقيقته أكان الرجل البارد المشاعر المتباعد الذي عرفته في العمل؟ أم الغريب الساخر؟ أو كان هناك رويز آلدوريت ثالث لم تحدث وجوده قط قبل اليوم ولا عرفت عنه سوى أنه كان قادرا على أن يبتسم وفي عينيه ذلك الدفء المتكاسل؟
وعندها فطنت الى أنها طيلة الوقت الذي قضاه معها لم تفكر في بروس وكان هذا أغرب الامور جميعا!

جين استين333 09-09-09 10:18 PM

التوأمان

لم يرد أثناء العمل يوم الاثنين التالي أي ذكر للتمثيل الذي أياد بعد ظهر يوم السبت فيما عدا تساؤل متهكم اذا كان كل شيء في البيت على ما يرام فاستطاعت ليلي أن تجيب في رصانة كاملة بأن كل شيء بخير وعندها انغلق رويز على نفسه, وأستأنف املاء خطاباته. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أخبرها بأنه كان معتزما السفر الى كاراسترانو في يوم الاربعاء وأنه كان يتوقع أن يغيب حوالي أسبوعين. وتلقت ليلي هذا النبأ على الفور على أنه طريقته لتفادي حفلة تيس, وهذا ما لم تلمه عليه, لأن أي أمرئ لم يألف هذا النوع من الأمور كان خليقا بأن يراه ثقيلا على أعصابه. ولكنه بادر بتبديد هذه الفكرة اذ أردف قائلا أنه عائد في وقت مناسب لحضوره الحفلة!
جاء بروس بعد ظهر ذلك اليوم ببعض تقارير لرويز, كما حدث حين التقت به لأول مرة. وحشدت ليلي صلابتها لتسيطر على نفسها ولكن السحر كان قد غاب للمرة الاولى. وقالت في نفسها لعل هذا طبيعي فأن السحر قد تهشم على أية حال يوم عادت الى البيت فوجدته وستيلا بين ذراعيه! وما خطر لها أن ألم ذكرى تلك الامسية لم يكن بالغ الحدة, أو أنها تذكرت قول جانيس ان الزمن يلئم الجروح اذا ما اتيحت له فرصه مما خفف عليها.
وسألته:
" الم تتلق بعد نبأ من ستيلا؟"
وأستغرب في نفسها أنها أستطاعت أطلاق السؤال دون أتفه تهدج في صوتها! فأجاب في شبه اكتئاب:
" كلا... يبد وأن خطابي لم يصلها بعد."
فقالت تطمئنه:
" لاتقلق فهي ستتلقاه وعندها ستتصل بك على الفور."
وهزت رأسها وأردفت:
" أنني آسفة لأنني لم أفاتحك في ... في اليوم ذاته ما كان ينبغي أن أرجيء ذلك الى أن ظننت أنني أوتيت عذرا معقولا لفسخ الخطبة!"
وكاد بروس يقطب جبينه ولكن لسبب غير الذي خطر لها في البداية وقال:
" أنا لست مرتاحا لما تفعلين. ألا بد لك من الزواج منه حقا؟"
فهزت كتفيها قائلة:
" أحسبنا تحدثنا في هذا من قبل فلسوف يسهل ذلك لستيلا الامور ولن يضيرني."
وأضافت محاولة أن تمزح:
" سأقضي بضعة أشهر للراحة في المكسيك دون مقابل."
قال في شيء من التجهم:
" آمل ألا يضيرك ذلك ألا تدركين.."
فقاطعته بهدوء:
" أنك تعرف رويز آلدوريت ليس لدي أتفه شك في أنه سيلتزم بالاتفاق. ومهما يكن ما يخالجك حين ترانا معا, فثق أنه مجرد تمثيل. وهو لم يتغير في الواقع لا يزال تحت مظهره بارد العواطف كالعهد به دائما."
وساءلت نفسها:
" ترى ألم يتغير حقا؟ كان هذا شيئا لا تستطيع الجزم به."

ووافقها بروس على مضي قائلا:
" ربما ولكني مازلت لا أرتاح لذلك." سواء أرتاح أو لم يرتاح. فلم يعد هناك ما يملك ان يفعله. لقد اختارت المخرج ورفضت ان تعدل عنه. وقالت معقبة:
" على أية حال فانني حين قبلت الاتفاق وعدت بألا أرجع عنه في اللحظة الاخيرة. أنه أوتى فترة معينة لتنفيذ شروط الوصية ولو تخليت عنه فسيكون عليه ان يبدأ من جديد."
سيكون الوقت متسعا ليعثر على سواك."
" ربما , ولكن ما من ضرورة لذلك بجانب هذا, كيف تتقبل ستيلا الامر في رأيك اذا أنا فسخت الخطبة الى رويز؟"
" لابد من أن تفسخ بعد مدة لابد من فصم الزواج على الاقل."
فهزت كتفيها قائلة:
" سيكون هذا بعد شهور على الاقل وكثير من الزيجات تنفصم بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر. ولا تنس أن لدي عذرا مشروعا تماما. فان رويز في وسط لاتيني ومع أه قضى في انكلترا عشر سنوات فسيكون من المفهوم ان تتجدد اذا ما عاد للمكسيك كل الآراء والأفكار القديمة مما يسبب عدم التكافؤ. أن للمكسيك تراثا أسبانيا قويا ولديهم آراء عن تبعية النساء للرجال. وأنا شديدة الاعتداد بالاستقلال. أنني أكره خداع الاسرة طبعا ولكن..." وتوقفت عن الكلام وهزت كتفيها ثانية. فتمتم بروس:
" ما أزال غير مستريح لذلك. وعلى أية حال فلست أفهم كيف أقتنعت أسرتك بهذه السهولة. أنا شخصيا لم أقتنع."
" أنك تبينت الحقيقة عفوا. ما كنت أعتزم ذلك. أما بالنسبة الى الاسرة.. فأرجو الا أجرح غرورك بنفسك اذا قلت أن في المحيط سمكا آخر وهم يظنوني عثرت على واحدة."
وتضرج وجهه في أرتباك بينما أستطردت هي:
" ما كنت أقصد هنا وأنما كنت أمزح... ما قصدت أن تحمل قولي على هذا المحمل."
فتمتم وهو يغالب الارتباك:
" مازلت غير مستريح."
" ولا أنا ... ولكني ماضية في الاتفاق. لو كان في الامر فتاة أخرى لاكتفيت بفسخ الخطبة. ولكن لأنها ستيلا فاني اعتزم ان أبذل كا ما يمكن لأجعل الامور تسير نحو نهاية صحيحة. فلندع الأمور على هذا النحو..."

* * *


أقترب يوم عيد ميلاد تيس ورويز مازال غائبا وأضطرت ليلي الى أن تجعل الجميع يظنونه رحل ليتفقد ممتلكاته خشية أن تكون ثمة ضرورة لبعض التعديلات قبل أن يذهبا معا الى كاراسترانو. وما كان في الواقع قد قال شيئا من هذا القبيل حتى أنه لم يخبرها بسبب ذهابه الى هناك. ولكن هذا الايضاح بدا مناسبا أذا ما صادف ان سألها شخص ما.
وحان يوم الحفلة وما من نبأ من رويز عن عودته. بل أنه لم يرجع الى انكلترا في الليلة السابقة. وكانت ليلي تهز كتفيها في غير مبالاة اذا ما سئلت وتقول:
" أنني أتوقع وصوله في آخر لحظة."
ولم يعلق أحد على أنها لم تتلق منه خطابات لأنها جعلت أهلها يعتقدون أنها تسلمت منه رسائل في المكتب. والواقع أن الرسائل وصلت من للمكتب ولكنها كانت مقتصرة على العمل. ومع ذلك فأنها حرصت على اختيار ثيابها وزينتها كما يفترض في فتاة ترتقب خطيبها, بالرغم من أنها لم تكن متأكدة من قدومه. كان ثوبها في هذه المرة أزرق يضاهي لون حجر الخاتم الذي أهداها اياه, مما ابرز تألق زرقة عينيها.
وعندما نزلت الى البهو ابتسمت جولي ثم ضمت شفتيها في صفير اعجاب وتمتمت:
" لا عجب في أنه قرر أنه لا يستطيع العودة الى المكسيك بدونك."
فأومات ليلي مهددة في مزاح بأنها ستقتلها ما جعل جولي تضحك.
كانت تتوقع وجود بروس الى جوارها, حين بدأت التدابير للحفلة قبل مدة من في حين أن رويز آلدوريت هو الذي سقوم بدور الخطيب الولهان الآن, واد ان الكلمتان الاخيرتان اثارتا تململ وعجبا... اما العجب فلأنها الى وقت قصير ما كانت تتصور أنه أوتى اقل فكرة عن أداء دور كهذا... أما التململ فلأنه كان عليها هي الاخرى ان تقوم بدور الخطيبة الولهانة.
وكان خليقا بتيس وقد أقامت حفلة للاطفال بعد الظهر أن تكون متعبة مهيأ للنوم ولكن أمورا كهذه كانت مستبعدة التوقع من الآنسة تيريزا ديرموت. بل أنها في الواقع كانت أكثر أشراقا مما أسيقظت في الصباح وفي أوج النشاط, وأن لاحت وتوأمها في تلك اللحظة غير طبيعين.. كانا في نظافة تامة وشعر منسق ولكن الى متى كان مرتقبا لهذا الحال ان تدوم. كان الكل يسمونها حفلة تيس ولكنها في الواقع كانت حفلتهما معا ومع أن توم كان يبدي ضجرا الحفلات زاعما أنها تليق بالفتيات وتاكا أخته توجه الدعوات فكان بالطبع يود حضور الحفلة.
عندما دخلت ليلي غرفة الجلوس كان الصغيران يركعان على الاريكةوانفهما ملتصقا بزجاج النفاذة بينما كانت مرغريت ترتب الحجرة. وفجأة أطلق توم صيحة انفعال واعجاب:
" يا لها من سيارة ممتازة!"
فأضافت تيس:
" أنها تقف هنا."
وما كان التوأمان قد رأيا سيارة رويز في زيارته السالفة اذ كانا في الحديقة عند وصوله وعند رحيله. وكانت سيارة جديرة بالآعجاب... فخمة غالية دون ما تبهرج وفخفخة كما كانت ثيابه. كانت تلك الاشياء هي التي تذكر ليلي بين آن وآخر بأنه واسع الثراء.
قالت مرغريت لابنتها:
" يحسن ان تذهبي لاستقباله يا عزيزتي... كانت تتيح لها فرصة لتحية الرجل الذي كان مفترضا أنها تحبه بعيدا عن عيون الباقين وأحمر وجه ليلي أذ ادركت ما تعنيه امها. وزادها ارتباكا اذ لمحت جولي تبتسم وكان من الافضل, أنها لم تنتبه الى النظرة التي قفزت فجأة الي عيني صغرى بنات ديرموت. وأذ خرجت ليلي الى البهو وأغلقت الباب خلفها تسللت تيس من أحد أبواب الحديقة الخلفية فاختفت فجأة.. وعادت تدخل الدار من باب المطبخ وتزحف في حرص خلال الردهة المؤدية الى البهو..
شعرت ليلي اذ فتحت الباب للرجل الطويل الاسمر الذي ترجل من السيارة الفخمة بشيء من الدهشة اذ بدا متغيرا. فان الاسبوعين اللذين قضاهما في كارسترانو زادا من سمرة بشرته وهتفت في أرتباك:
" أذن فقد عدت في الوقت المناسب؟"
فقال:
" لقد قلت أنني سأعود في الوقت المناسب..."
وكأنما كان قوله اذ ذاك فصلا. ثم أردف بابتسامة اضطربت لها:
" أنك تبدين جميلة جدا هذا المساء."
شهقت ليلي وشعرت بالدفء يتصاعد الى جبينها وهي تساءل نفسها عما دعاه لهذا القول... لم تشعر ليلي بأختها تراقبها في حين رويز لمح الوجه الصغير يسترق النظر.
أحاط رويز كتفي ليلي بذراعيه وكأنه يهم بالتوجه الى قاعة الجلوس وأذا بصوت رفيع تثقله خيبة الرجاء:" ألن تقبلها ؟ هكذا كان بروس يفعل دائما!"
ودت ليلي لو تصفع أختها برغم حبها لها ولكن صوتها نبهها على الاقل الى التصرف الذي أذهلها من رويز.. وراقبته وهي مبهورة بسهولة سيطرته على الموقف, قائلا هذا لا يجوز على مشهد منك. ولاح أن تيس رأت هذا الجواب معقولا , فقالت:
" أذن فسأنصرف."
أستدارت ليلي لتتأكد من أبتعاد الصغيرة عن مرمى البصر والسمع, ثم التفتت الى رويز وقالت:
" أرجو ألا تلقى بالا الى تيس. أنها مفطورة على الجهر برأيها في أي وقت وبما أنها تعرف أننا مخطوبان فانها..."
وأمسكت حائرة فأكمل عبارتها والتهكم في عينيه:
" تتوقع أن ترى مظهرا لذلك؟"
هزت ليلي رأسها وهي تعجب من أمر تيس فما كان من عادتها أن تتسلل لتسترق النظر الى الناس ومن ثم فلا بد أن في رأسها شيئا يتخمر وما كانت تحب أن تفكر في كنهه. فكل شيء يحتمل حدوثه من تيس لا سيما في عيد ميلادها أذ تطلق لها الحرية أكثر مما تطلق في أي وقت آخر.
أن دخلا الحجرة حتى توجهت عيون الجميع اليهما كانت تيس قد عادت الى الحجرة حين خاب رجاؤها في مشاهدة موقف غرامي!
أبتسمت مرغريت اذ دخل رويز قائلة:
" أذن فقد قررت أن تخوض المجازفة. أننا نقول دائما أن من يخرج من حفلات تيس سالما يكون قد تدرب على أن يخرج سالما من أي شيء حتى القنابل الذرية."
فضحك رويز قائلا:
" أذن فهذه مقردة ثمينة ينبغي للمرء اكتسابها."
وحيته جولي في رزانة أكثر مما كانت في العادة ولكن روحها المتوثبة ما كانت لتسمح لها بأن تبقى طويلا مرتبكة أو مبهورة بأن أختها خطيبة صاحب ميريديث. فما لبثت بعد فترة أن أصبحت أكثر من أختها نفسها تبسطا معه. وظل توم ملصقا انفه بزجاج النافذة يتأمل بأعجاب صامت السيارة العملاقة اللامعة. مكتفيا بالتفاتة وجيزة الى رويز عند دخوله.
أما تيس فكانت على النقيض ولسبب كان يقلقها وتمنت ليلي صادقة أن تكتمه في نفسها راحت تحملق في أختها ورويز باهتمام ملح وتوقع ورجت ليلي وهي التي تعرفها حق المعرفة ألا يكون أمر مستهجن يدور في رأسها!
وبعد برهة قدم رويز حزمة أجتذبت أنظار التوأمين.. حيث ضمت زوجين من الاحذية الحقيقية للهنود الحمر كان قد أمر بصنعهما لهما أثناء رحلته! فتطلعت اليه ليلي خلسة وفي عينيها دهشة وتساؤل... أنه لم يحرص على العودة في الموعد المناسب فحسب لكي لا يخيب رجاء ولد وبنت صغيرين بل أنه تجشم عناء تدبير صنع الحذائين خصيصا لهما... متذكرا ولا ريب أغارتهما الهندية. هل تذكر كذلك هندية أخرى كانت معهما. تلك التي كانت على فرع من شجرة التفاح وهوت لتتلقها ذراعاه؟
التفت فجأة فرأى نظراتها.. ودلت اساريره على أنه تذكرها. أذ شاعت في وجهه أبتسامة مداعبة لا تشبه في شيء الابتسامة المتهكمة التي رمقها بها في البهو وقال:
" لعله كان جديرا بي أن آمر بصنع شيء لمدام جيرونيمو!"
وهتفت راجية وهي تعجب كيف عرف الاسم الذي ابتكرته لها كيري في ذلك المشهد:
" لا ... أرجوك دعها تمت خزيا وخجلا."
فصاح وهو بعد محتفظ بالابتسامة الخالية من التهكم:
" لماذا ؟ بل أوقن أنها جديرة بالتسجيل للاجيال المقبلة."
" كان الافضل أن تغوص في الشجرة وتغيب عن الابصار اذ ذاك."
قال بصوت خافت لم يسمعه سواها:
" يسرني أنها لم تفعل!"
كان الآخرون منصرفين الى الصغيرين وقد ألاتديا الحذائين وراحا يطوفان بالحجرة واردف قائلا:
" أنني اعجبت بما رأيت اذ ذاك."
قالت بصوت هامس:
" بهذه البشاعة المخضبة بالالوان؟"
قال برقة:
" الفتاة التي تحت الخضاب هي المهمة. أتعرفين ما كنت أظنه قبل ذلك؟"
فهزت رأسها شبه مسحورة بينما أستطرد قائلا:
" كنت أظن سكرتيرتي من الكمال بدرجة لا تجعلها من البشر, كفاءة فوق ما ينبغي خلو من الشوائب والنقائض. ثم قابلته فتاة مختلفة كل الاختلاف فتاة مستعدة لأن تفسخ خطبتها لتسع اختها, وتأبى وأن شقيت أن يشعر أحد أنها تمادت في التضحية لكي لا يشوب شيء هناءة أختها, بل أنها لتمارس العاب الاطفال مع اخيها وأختها الصغيرين."
وقفت ليلي لحظة مسحورة ونظراتها لا تفقه ما كان يدور حولها... ثم دوى رنين جرس الباب , فتحولت الى البهو في ارتياح قائلة وهي تقعد أمها عن الذهاب للباب:
" لابد أن هذه كيري."
ووقفت في البهو ثانية وكأنها تفيق من أغفاءة السحر ثم فتحت الباب فاذا كيري تحييها بابتسامة عريضة وهي تقول:
" أذن فصاحب السيادة هنا؟ كيف تسير الامور؟"
قالت في تردد وهي تتذكر عبارته الغريبة الأخيرة:
" أنني لا أستطيع أن أفهمه تماما."
فعلقت كيري في أقتضاب:
" أهناك تقصير من ناحيته؟ كان يجب أن نتوقع هذا... وأن كان قد أدى تمثيلا جيدا في المرة السابقة."
فهزت ليلي رأسها بابتسامة حائرة وقالت:
" كلا... لا شيء من هذا اطلاقا. الوافع أنه أحسن اداء منه في المرة الماضية!"
" أذن فما المشكلة؟"
" لا أدري... لعل خيالي هو الذي يصور لي هذا."
ما كان بوسعها أن تقر حتى امام كيري بأنها كانت تزداد شعورا به كرجل فاتن.
" هل قالت تيس شيئا منكرا؟"
عندما دخلتا الغرفة وجدت كيري نظراتها تتجه الى الرجل محاولة اكتشاف أي أختلاف طرأ عليه كان جذابا دائما ولكنه بدا في هذه المرة- مفعما بالحيوية , تشعر النساء بجاذبيته المتوارية بدلا من عدم المبالاة والبرود اللذين كانا يسببان الانكماش عنه. كانت حيويته السمراء خطورة جلية, كما وصفتها لنفسها. لعل هذا كان الاختلاف الذي استشعرته ليلي ولم تستطع أن تفهمه. ولعلها كانت بعد لا تزال على حب بروس ولكن رويز آلدوريت أصبح من ذلك الصنف من الرجال الذي يجتذب من المرأة نظرة ثانية, ثم يظل في أفكارها بعد ذلك.

* * *
صح ما حذرت ليلي منه رويز. فان تيس ما لبثت ان قررت أنها تريد لعبة العقوبات. كان عقلها قد شغل بالهدية لفترة ثم ارتد الى فكرة تمتلكها في وقت مبكر وتوقعت واليوم عيد ميلادها ان يباح لها توقيع ما تشاء من عقوبات اذا أوقعت بهم. وحذرتهما أمها قائلة:
" في نطاق المعقول" وبهذا بدأت اللعبة.
قالت تيس لرويز:
" سنبدأ بك فما أحسبك لعبتها من قبل, لهذا فسأخبرك بما يجري. سأوجه اليك بعض الاسئلة فاذا لم تستطع الاجابة عن أحدها أو باغتتك وأنت تغش فسأوقع عليك عقوبة."
هز رأسه وقال ميتسما:
" ولكن لا تكوني شديدة القسوة علي."
فقالت متفضلة:
" سنبدأ بسؤال سهل كم عمرك؟"
أجاب :
" أربعة وثلاثون عاما."
" أين ولدت؟"
" في كارسترانو."
قالت ليلي لنفسها, لا ضير الى الآن... وأذا تيس تقول:
" هل خطبت من قبل؟"
كان كل امرئ يعرف أن ليلي خطبت من قبل, فلم تر تيس ما يدعو لأن يحرج اذا كان هو الآخر قد خطب مرة . وجمد رويز لحظة وتردد ولكنه في النهاية قال متباطئا:
نعم... خطبت مرة من قبل."
رمقته ليلي ولكن أساريره لم تفصح عن شيء جعل ذلك الحاجز الصلب حوله. سألته تيس بغتة:
" كم عمر ليلي؟"
وبدا عليه الجهل فورا. وشرعت ليلي تشير له بأصبعها في تلهف, اذ تعرف عقوبة تيس. ولكن الصغيرة أعترضت وعادت تلتفت الى رويز مؤنبة وقالت:
" أذن فأنت لا تعرف عمر خطيبتك؟ أذن أعلم أنه خمس وعشرون."
وهزت رأسها بما أوحى الى ليلي بما عزز شكوكها. وقالت تيس تدعم رأيها:
" سأدخر العقاب الى ما بعد . الآن دور ليلي."
وأنتبهت ليلي الى اجاباتها بحرص مدركة أنها أذا أستطاعت أن تتجاوز الحد الزمني لأسئلة تيس فستكون في مأمن. كان الخطر الحقيقي في الافتقار لمعلومات تجيب بها, كما حدث لرويز بالنسبة لعمرها, وأخذت تيس تطلق أسئلتها بسرعة لتربك أختها:
" كم قضيت في العمل بالمصنع؟"
وأجابت ليلي:
" ثلاث سنوات."
" أين كنت تعملين قبل ذلك؟"
ولما أجابت ليلي عادت الصغيرة تسألها:
" وقبل ذلك؟"
" كنت في المدرسة."
كانت تيس تعرف كل هذا, ولكنها كانت تستدرج ليلي بمكر الى شعور زائف بالأمان ثم سألتها:
" هل قبلك يوما أي شخص عدا بروس؟"
قالت ليلي بصدق تام:
" كلا." ما كان أحد ليلقي هذا السؤال سوى تيس وما كان ينبغي في الواقع ان ينطق به لسانها الشيطاني.
ولكن جوابها كان أسوأ فقد كان غير صادق في رأي بقية الموجودين أذ لابد أن رويز قد قبلها بوصفة خطيبها... وبادرت تعدل اجابتها:" أقصد.... نعم."
ورمقتها تيس متشفية وهي تدرك أنها الفائزة وقالت:
" ليس المهم ما قصدت أنما الاهمية لما قلت."
وتماسكت ليلي أنتظارا لما يعقب ذلك... وأخيرا قالت تيس بجدية:
" أظنك تعرفين أنني أؤلف كتابا."
وكانت الاسرة قد صادفت دليلا كافيا ممثلا في أوراق متناثرة في كل مكان تحمل خطها العشوائي الذي لم يجعل الامر مفاجأة تذكر وأستأنفت أبنة العشر المذهلةك
" ولكني أعاني صعوبة أزاء مشاهد الحب... وكأنما ران على قلب ليلي ثقل من الرصاص هوى به في شدة. أنها ما كانت بحاجة للذكاء لتعرف ما سيتلو ذلك وأكملت تيس حديثها وهي تنظر لأختها ورويز في أمل:
" خطر لي أنكما قد لا تمانعان في عرض هذه المشاهد."

* * *

جلست ليلي جامدة وعقلها يعمل محاول التفكير في مخرج. كان بوسعها أن ترفض وقد أدركت لماذا تسللت تيس الى البهو عند وصول رويز... أخيرا قالت بحزم:
" لن أفعل شيئا كهذا أختاري أي عقاب آخر"
فأجابت تيس في عناد:
" ولماذا؟ ان للعبة قواعد."
لم تقو ليلي على النظر الى رويز في تلك اللحظة ولو كان في ذلك حياتها وواتاها الرد, فقالت متظاهرة بالمرح:
" لن يعطيك هذا فكرة صحيحة فان وجود جمع.."
فأتمت لها تيس عبارتها وكأنها خبيرة:
" أتعينين أنه يقيد حريتكما؟ صحيح... ما رأيك؟ أي امرئ جدير بأن يظنك لم تقبليه من قبل."
قال رويز:أنها خجلى."

"ورمقته ليلي بجانب عينيها فألفته يبدو مأخوذا في أنبساط.. كان هو الذي اتهمها بأنها التي تجد أن التظاهر صعب الاداء, وها هو ذا يكرر الاتهام في صمت وسرها ان ستيلا وبروس لم يكونا حاضرين لا سيما وأنها قالت أن أحدا غير بروس لم يقبلها. وأرتاحت حيث سمعت أمها تعنف تيس بشدة.
ومع أن الأمسية أستمرت بعد ذلك بشكل مرض فان ليلي كانت تشعر بظل من القلق يكتنف أمها. فأدركت أن أمها كانت تسائل نفسها عما أذا كان ثمة داع لرفض أبنتها تقبيل الرجل الجالس الى جوارها. وتمنت ليلي أذ ذاك لو تركته يقبلها ولكن هذا بدا مستحيلا اذ ذاك... ولقد علق رويز على ذلك فيما بعد كما توقعت وأن يبد أية حركة لمساعدتها في الخروج من المأزق في ذلك الوقت.
كانا يقفان في البهو حيث نركهما الآخرون للحظات الوداع كالعادة. وفجأة رأت ليلي حاجبيه الاسودين يرتفعان في أهتمام ساخر أصبح مألوفا وقال:
أنني أسأل مرة أخرى من منا يجد هذا التظاهر صعبا؟"
أحمر وجه ليلي وقالت محتجة:
" تقبيل أي شخص على مرأى من الناس صعب بطبيعته فما بالك اذا كان شخصا.."
وتوقفت محرجة فتولى اكمال العبارة عنها:
" لم يسبق لك تقبيل؟"
خرجت مرغريت ومعها كيري بعد خمس دقائق فوجدتا ليلي تقف جامدة في البهو. وقالت الام ضاحكة:
" أفيقي يا حبيبتي... أنك تبدين مذهولة!"
وأجفلت ليلي ثم تدافع الدم الى وجهها والتفت الى أمها . وظهرت جولي وكأنما اجتذبها ضحك أمها وقالت ليلي:
" ما سمعت خروجكن!"
فابتسمت مرغريت وقالت مداعبة:
" لا تنزعجي فقد أتينا للتو حين سمعنا سيارته تنطلق."
غمغمت ليلي بشيء غير واضح وأسرعت تغادر المكان.

* * *
ظلت ليلي مستلقية على فراشها معظم الليل تحاول أن تستبين كل ماحدث. طيلة عمرها لم تشعر بكيانها مهتزا بهذه الدرجة وكان اعجب ما في الامر ان رويز آلدوريت هو الذي فعل بها هذا.
ولم يكن قلبها مرتاحا في الواقع الى أن تكون باقية على حب بروس وتنبهر مسحورة برجل آخر ولم يكن لديها أتفه فكرة عما كان يقوله لها عندما افلتها في النهاية من ذراعيه. كانت هناك صورة باهتة له وهو ينظر اليها بنظرات غريبة باحثة, ثم يغمغم بكلمات لم تذكرها ويستدير فينصرف. ول يعد الى ذهنها شيء من التماسك وأدراك الواقع الا حين خرجت الأخريات الى البهو, وأن ظلت أعصابها تشدو وتغرد حتى الآن وبعد انقضاء ساعات.
وعندما تبينت أن عليها أن تواجه رويز وذكرى هذه الامسية بينهما بدا لها الامر مروعا. ولكنها لم تكن بحاجة للقلق, اذ بدا حين رأته كأن شيئا لم يحدث. فقد أستدعاها الى مكتبه وأملى عليها خطابات كما أعتاد أن يفعل طيلة ثلاث سنوات غير أنها لم تدر أنه بعد أنصرافها مسرورة بأنها أستطاعت الحفاظ على رصانتها ورزانتها المعهودين جلس لحظات طويلة يحدق في الباب الذي خرجت منه وقد ارتفع حاجباه الاسودان في تقطيب خفيف.
وكان من الطبيعي أن تلتقي بكيري في وقت لاحق من ذلك اليوم. ومع أن صديقتها تأملتها بنظرة غريبة فأنها أعرضت عن ذكر شيء عن التعبير الذي حمله وجه ليلي في المساء السابق وأن كانت لابد قد أدركت كما أدرك الاخرون معناه. أما بالنسبة الى بروس فقد سرها وأن أستنكرت ذلك في نفسها أن ألم فقدانه أخذ يخبو بسرعة. زكان الاستنكار لأنها ما كانت تعتقد انها تقبل على الحب بهذه البساطة والسرور... كانت تظن في البداية أنها ستعيش على حنين الى شيء لا سبيل لأن تحطى به, كما فعلت جانيس غير أن القدر فيما يبدو قرر غير ذلك, وما كانت تملك سوى أن تحمد له ذلك ولو أنها شعرت بشيء من الاشمئزاز من نفسها لأنها كانت موقنة من قبل بأن الحياة بدون بروس خواء.
وشرعت تسائل نفسها عم جعل الامر يحدث هكذا فجأة بيد أنها ويا للغرابة ! لم توغل في هذا التفكير طويلا أذ تراءى لها أن فيه شيئا من الخطورة وأنها ما كانت راغبة في مواجهة هذا الخطر أيا يكون في الوقت الراهن!

جين استين333 09-09-09 10:21 PM

الفصل السابع
ردة الفعل


لاحاجة الى شرح مدى غضب ستيلا حين وصل اليها خطاب بروس في النهاية. ضاقت العينان الجميلتان وعلت الشفتين الرقيقتين قسوة للحظة.وبدت شرسة ضارية مختلفة كل الاختلاف عن الحسناء الفانتة التي عرفتها الدنيا... وبدت مقاربة لما كان بعض الناس مثل كيري يرونه المخلوق الحقيقي الذي يتوارى تحت كل اللطف والسحر و الحسن البدني المفرط.
تمتمت في حنق:
" اللعنة على الاغبياء!"
كان بروس آخر رجل تود أن ترتبط به. وكان بوسعها أن تتخلص منه بسهولة ولكن هذا كان سيكتشف حقيقتها وهي الحريصة لغرورها على الاحتفظ باللطف الظاهري الذي كان الكل يعرفونه عنها. لم يكن لديها شعور مميز نحو أسرتها تماما كما أستشفت كيري من قبل ولكن أعجابهم الشديد بها كان متعة لها ضرورة ولكن ما الذي دعا ليلي لأن تختار هذه اللحظة المعينة بالذات لتفسخ خطبتها؟ كانت هذه أبعد اللحظات عن أن تناسب أختها. فكان على ستيلا الآن ان تهتدي الى مخرج لا يضر ولا يبده شيئا من الاعجاب الطاغي الذي كان ضرورة ماسة لغرورها.
لم يعد ثمة مجال لرفض الزواج ببروس بحجة أنها لاتستطيع أيذاء مشاعر أختها وهي الحجة التي صدته بها من قبل لأن ليلي لم تكن تحب بروس أو تراها كانت تحبه وساورها ريب ما... أم الخبيثة كيري أخبرتها بشيء؟ ذلك أن ستيلا لم تكن تجهل ان كيري كانت تكرهها؟ وهكذا أخذت كلما امعنت التفكير تزداد اقتناعا بأن هذا كان تفسيرا ما حدث وأن من الغباء ان تضحي بذاتها ولكن اذا كان الامر كذلك فمن أين دخل ذلك الرجل المدعو رويز آلدوريت؟ كان من المفترض ان ليلي عانت من حب لا يلقي أستجابة أو جزاء طيلة عملها لحسابه ولكن الامعان في التفكير كان يبين لستيلا أن الأرجح ان ليلي أكتشفت بطريقة ما أمرها مع بروس وكانت تقوم بتضحية ذاتية لتهون الأمر على أختها وأن الارجح أن آلدوريت هو الذي كان يخفي حبا ميؤوساً منه فلما سمع بفسخ خطبة ليلي أسرع باقتناصها... وبغض النظر عن هذا كان يبدو ان ليلي قد أحسنت الى نفسها أذ كان الشائع ان الرجل كان واسع الثراء.
وأستقر رأى ستيلا على أن الشيء الوحيد الذي ينبغي أن تفعله هو أن تزور أسرتها وأن تحاول أستخلاص ما حدث فعلا وأن تصلح أذا أستطاعت ما بين بروس وأختها وأن تباعد في سياق ذلك بينهما وبين آلدوريت, ولم تنقص ساعات حتى كانت سيارتها الزرقاء تقف أمام البيت العتيق الذي ترعرعت فيه.
كانت مرغريت هي التي فتحت الباب فبدت مشدوهة أذ رأت ابنتها الشهيرة ولكن وجهها أشرق بابتسامة مغتبطة بمجرد المفاجأة وقالت:
" هذه مفاجأة بديعة يا حبيبتي!"
تخلصت ستيلا من عناق أمها ودخلت معها حجرة الجلوس الصغيرة مصطنعة تظاهرا جميلا بالقلق والانزعاج... فسألتها مرغريت:
" هل هناك ما يسوؤك؟"
فالتفتت اليها ستيلا بحركة تمثيلية وقالت:
" موضوع بروس طبعا."
فأبتسمت مارغريت قائلة:
" أهذا ما يزعجك؟"
ثم ضحكت بارتياح قائلة:
" لا تشغلي بالك بهذا البتة. ان ليلي سعيدة كل السعادة مع خطيبها رويز آلدوريت."
" ليتني أستطيع أن أتأكد من هذا! لست أحب لها أن تتزوج من شخص فظيع من أبناء أميركا الجنوبية لا تطيق أن تراه وذلك بسببي..."
عادت مرغريت تضحك وقالت: " ما كنت لتقولين هذا لو رأيته وأني على يقين بأن يجعل قلبك الذي حنكته التجارب يخفق ولو كان مستغرقا في حب بروس!"
وكانت كيري جديرة بأن تطمئنها الى أن الشخص الوحيد الذي كان قلب ستيلا مستغرقا في حبه هو.. ستيلا ديرموت نفسها!
قالت ستيلا في أرتياح ظاهري وهي تتحرق غيظا في داخلها:
" أذن فكل شيء على مايرام؟"
وبدا كأن خطتها الاصلية على وشك الاخفاق... خطة ابلاغ بروس أن ليلي مازالت تحبه وما ارتبطت بذلك الرجل آلدوريت الا لتيسر لهما أمرهما. كان هذا جديرا بأن يجعلها تقوم بتمثيل دور جميل للتضحية بأن ترفض السعادة على حساب أختها فترد بروس الى ليلي.
لكن مرغريت طمأنتها بقولها:
" كل شيء على مايرام طبعا" ثم التفتت اذ سمعت صوتا عند الباب الأمامي وأردفت:
" يحتمل أن ليلي عادت من عملها. لك أن تكلميها بنفسك لتطمئني تماما."
وسمعتا الباب يغلق ثم أنبعثت في البهو خطوات سريعة وأقبلت ليلي الى الحجرة مبتسمة وهي تقول:
" خطر لي أنني عرفت هذه السيارة الرائعة."
فقالت أمها دون مقدمات:
" ستيلا جزعة من جراء موضوع بروس وقلت لها أن تكلمك كي تطمئنيها تماما ونهائيا. أن المسكينة تقلق نفسها عليم بسبب مشكلة لا وجود لها!"
رمقت ليلي أختها وعلى شفتيها ابتسامة واهنة بينما أبتسمت ستيلا أبتسامة خفيفة. وبدت كأنها تعيش فترة ألم ذهني ملتاع وأن معرفة أنها ربما جنت على مستقبل أختها كانت تثقل قلبها بأكثر مما تحتمل. وقالت:
" هذا صحيح أنني صراحة لا أصدق أنك كنت تتظاهرين بحب بروس وأنت طيلة الوقت تهيمين بشخص غيره!"
ضحكت مرغريت وقالت:
" كنت تصدقينها لو أنك رأيتها منذ ليال!"
فهتفت ليلي برفق محتجة... وقالت مرغريت تذكرها:
" ولكنك يا حبيبتي وقفت في البهو خمس دقائق كاملة بعد أنطلاق سيارة السيد آلدوريت... وما رأيت شخصا في مثل غيبوبة السعادة المطلقة التي كنت فيها!"
كانت مرغريت مغتبطة لهذا. فقد أعتادت أن ترى ليلي رصينة الى درجة غير طبيعية تقريبا في سلوكها نحو بروس وسرها أن تتبين أن أبنتها لم تكن دائما رصيينة.
دهشت ليلي لردة فعل نفسها فقد تضرج وجهها بشدة ولكنها لم تنكر . فاذا كان لابد من خلق خيالة كاذبة فعليها ان تمضي في تغذيتها وأذا أمكن لهذه القصة أن تضائل من شعور ستيلا بأنها جانية فان رابطة الأخوة تظل باقية وهي رابطة لا يملك المرء ان يتجاهلها.
صعدت ليلي الى حجرتها وأخذت تتأمل نفسها في المرأة طويلا وهي مستغرقة في التفكير... أكانت حقا في غيبوبة انتشاء واضحة في ذلك المساء بعد أنصراف رويز آلدوريت حتى ن أمها خدعت تماما؟ وهل كان ذلك مجرد خداع؟ أم كان في الأمر ما هو أكثر... وأكثر بكثير؟
وتحولت بشء من العجلة عن مرأتها غير راغبة في أن تشاهد التعبير الذي انعكس في عينيها العميقتي الزرقة بل غير راغبة في أن تصدق ان هذا التعبير موجود في عينيها... فلئن كانت سريعة التحول الى درجة انها استطاعت نسيان بروس في هذه الفترة القصيرة من الزمن فهي ليست ليلي ديرموت التي كانت تعرفها وأنما كانت فتاة مختلفة كل الاختلاف وجديدة ومثيرة لدهشتها اذ كانت كما رأت أمها مدلهة في الحب لأول مرة في حياتها!

جين استين333 09-09-09 10:31 PM

الفصل الثامن
شهر العسل


أستيقظت ليلي صباح اليوم المحدد للزواج على صوت الرعد... صحيح أنه لا شاعرية في هذا القران ولكنها كانت تتمنى على الاقل ان تكون الشمس مشرقة في مثل هذه المناسبة ولكن حتى الطقس كان يذكرها بعدم صحة زواجها... وما ان أنقضت ساعة على يقظتها حتى بدأ الطقس يتحسن وخف الرعد وتباعدت الغيوم واشرقت الشمس. وأضطرت ليلي أن تعترف لنفسها بانها لم تكن تشعر بخسارة فادحة لفقدان بروس الآ ان رويز آلدوريت كان يشغل بالها أكثر مما ينبغي في الفترة الاخيرة. ولكنها حاولت الا تقر بشعورها السعيد والا تستنتج معنى هذه السعادة فتفكر باستمرار في زواجها المقبل وهي بعد على أهبة الاستعداد للذهاب الى مكتب التسجيل لتوقيع عقد الزواج.
أندفعت جولي الى الغرفة طالبة من ليلي ان تتناول فطورها في الفراش. وبدأت الامور بعدئذ تتلاحق وتتسارع وكأنما لم تستغرق وقتا يذكر حتى وجدت نفسها تغادر الفراش وتأخذ حماما دافئا معطرا ثم تضع اللمسات الاخيرة لزينتها وتتأهب للذهاب الى مككتب التسجيل.
وقبل موعد الخروج وصلت ستيلا في موجة من العطر وسحابة من الفراء فقبلت أختها بحب متمنية لها الحظ كله. وكان وجهها ينم عن أن لديها أمرا أخر أو أثنين تود أضافتهما أولا أن أباهما كان في البهو ينتظر بفارغ الصبر وعصبية فلم تشأ ليلي أن تطيل أنتظاره... فضلا عن أنها ما كانت لتجازف بترك رويز في الانتظار بمكتب التسجيل.
وقد كان رويز هناك بالفعل عندما وصلوا وليس في مظهره ما ينم عن امتلائه بأية عواطف معينة. ونظر الى عروسه بطريقة مبهمة جعلتها تتساءل عما كان رأيه في ارتدائها الثوب الابيض لمناسبة لم تكن برغم كل شيء سوى صفقة عمل غير أنها لم تشأ أن تصدم أهلها بأن تتزوج وهي مرتدية أي شيء سوى اللون الأبيض التقليدي. وكان رويز في الواقع كالعهد به دائما... طويلا أسمر جذابا بدرجة مذهلة جعلت ليلي تعجب في داخلها لأنها لم تقدر من قبل كيف كان مليحا بهذا الشكل.
أكان من الممكن أن تصدق قبل شهر ولنقل يوم سفهت أي أهتمام شاعري لجولي, بأنها ستقف يوما الى جواره وتنطق بكلمات تربطها به بأوثق رباط بين رجل وامرأة؟ ما كانت لتصدق هذا لأنه كان آخر ما يمكن ان تتوقع حدوثه لها. كانت في ذلك اليوم خطيبة بروس وها هي ذي اليوم تتزوج من رويز آلدوريت!
ورددت في نفسها الاسم الذي لم يبد شديد الغرابة: ليلي آلدوريت ثم سمعت المسجل يقول مبتسما ان للشباب أن يقبل الآن عروسه. وبدون تردد أحاطها رويز بذراعه ورفع رأسها بيده الأخرى وأحنى رأسه ليلصق فما جامدا بفمها في قبلة العري التقليدي. والتقت عيناها بعينيه السوداوين فأحست بالدماء الحارة تندفع لوجنتيها. أتراه أدرك شيئا مما كان يدور بخلدها ويساورها؟ وفي الوقت ذاته كانت ستيلا تسائل نفسها: ليلي... دون كل الناس تتزوج رجلا كهذا! رجلا طويلا رشيق وصلب البنيان وفم بادي القسوة يوحي بالعاطفة المشبوبة, وشعر أسود لامع يشوبه ظل من زرقة جميلة وقد أوتى مغناطيسية كفيلة بأن تجعل أية امرأة تشعر للتوه بوجوده.. ثم العينان السوداوين اللتان أطلتا وفي اعماقها ابتسامة على زوجته.
زوجته! أحقا تزوجت ليلي رجل هذا شكله, أوتي ثروة ومركزا وشباب وجاذبية مغناطيسية. وبقدر الدهشة شعرت ستيلا ب... الحسد! ولكنها أخفت كل ذلك, وأبتسمت لرويز في مرح قائلة:
" أمل أن تعي بأختي يا سنيور آلدوريت."
وتعمدت أن تنادية باللقب الاسباني وشفتاها تختلجان فأطل عليها رويز بنظرة مبهمة قائلا:
" سأحاول ذلك, وسأحاول أن أسعدها كذلك."
قالت ليلي مبتسمة:
" مجرد وجودي معك سيسعدني..."
كانت تبغي التموية على ستيلا ولكن الى أي مدى كانت جادة؟مرة أخرى وسوس لها الشعور الغريزي الخطير أن في هذا القول من الحقيقة الشيء الكثير. وهتفت ستيلا بمرح:
" يا للسماء! انكما ترهفان عواطفي, حتى لأظنني سأبكي بعد لحظة!"
ولكنها كانت أبعد ما تكون في مظهرها عن البكاء وقررت كيري التي كانت تراقبها منذ وصولها انها اذا ذرفت دمعة فلن تذرفها لأجل ليلي وانما على الارجح حسدا لها! فما غفلت عن أن عيني الممثلة الحسناء ضاقتا عند تقديمها الى رويز ولم يفتها أتفه تغيير في أسارير وجهها.
فكرت كيري مكتئبة:
" أهكذا وضعت ستيلا عينيها على هذا الرجل أيضا؟"
الم تقنع بأنها انتزعت من أختها رجلا , فها هي ذي تشهر مخالبها الجشعة استعداداً لغزوة ثانية ؟ رويز؟
ونظرت كيري إليه ولكن تأثره بستيلا كان مستحيلا فقد كان قادرا على أن يبدو غامضا أو مبهما حين يشاء. لعله بهر بها كأي رجل آخر... وأذا كان هذا الزواج عملية تجارية محضة فبأي حق جعل ليلي تبدو مسحورة في تلك الليلة لأنه ضمها في البهو... لعلها كانت بالنسبة له اكثر من مجرد نزوة عابرة.
يا للحب والرجال! عنصران أولهما أذى وثانيهما لا ينبغي الركون اليه. ويحسن بأية فتاة عاقلة الابتعاد عنهما... افكار كانت تدهش اولئك الذين عرفوا كيري كيريغان انها قد تضحك وتمزح بل وتشترك في بعض المغازلات الخفيفة بيد أنها ما أعتزمت يوما ان تشغل نفسها جديا بالرجال. ولابد أن لديها سببا لذلك ولكن ما أقل الذين كانوا يعرفونه ّ الرجال! انهم أكثر أيذاء مما يبدون ! فهم يقلبون حياة أي أنثى بسهولة ولا يحفلون. فها هوذا بروس قد فتن وسحر وبدأ يتطلع الى ستيلا منصاعا, ثم ها هوذا رويز آلدوريت يشعر ليلي بالعاطفة لجمال ستيلا كأى شخص آخر... يا لعمى الرجال! لا يرون ابعد من الشعر الاسود اللامع, والعينين الخضراوين المنحرفتين قليلا... لا يرون ما وراء ذلك من فساد؟!

جين استين333 09-09-09 10:33 PM

بعد عقد القران أقيم حفل استقبال صغير... وحانت لحظة الوداع ومرغريت تبذل قصارى وسعهاا لتكبح دموعها فقالت ليلي مهونة عليها:
" أنني ذاهبة الى المكسيك فحسب وليس الى القمر..."
وما كانت تعتزم الغياب طويلا وان لم تدر أمها انها ترتقب العودة عما قريب. قالت الام بابتسامة دامعة:
" آمل أن تكوني سعيدة يا حبيبتي... أعتقد أن رويز أهل لأن تعتمدي عليه."
أجابت ليلي موافقة:
" هذا يقيني أنا الاخرى..."
ولأول مرة داخلها شعور خفيف عجيب من الاستياء لأن هذا الزواج لم يكن حقيقيا فهو قادر على أن يسعد امراة وهي جديرة بان تعتمد عليه ومهما يكن فمع انقضاء الوقت بدأت تشعر بجزع فلن تلبث ان ترحل بصحبة زوج يكاد يكون غير معروف لها.
كيف يكون الرحيل في شهر العسل حقيقيا معه وللمرة الثانية وجدت نفسها تتمنى لو أن زواجها كان حقيقيا ولكنها ظلت تأبى أن تنظر لما وراء هذه الرغبة التي لا تفسير لها وأن تكتشف الداعي لأمنيتها بأن يكون الزواج حقيقيا فعل... لعلها كانت تعرف في عقلها غير الواعي ولكنها لم تشأ مواجهة السبب.
وخلال الرجلة في القطار الذي أقلهما للباخرة وجدت نفسها تتأمل خلسة.. زوجها!
كلمة كانت ذات وقع غريب وأن اعترفت بينها وبين نفسها بأنه كان وقعا مستحبا يرتبط برجل جذاب جدا. من كان يظن قبل شهر واحد ان الرجل البارد المشاعر المثير للنفور في المكتب كان قادرا على أن يتحول الى شخص قادر على ان يبعث قشعريرة انفعال سار في كيانها... الرجل الذي كان يتذبذب على فمه الصارم في تلك اللحظة شبح ابتسامة ضئيلة وكأنه كان يعرف انها تنظر اليه, دون أن يعتزم شعارها... وغاصت في المعطف الفرائي الثمين الذي كان هدية الزواج شاعرة بانها اكثر سعادة مما كانت الظروف توحى.
وأبتسمت لنفسها... كاد هذا المعطف أن يسبب أول شقاق بينهما. فهو ثمين وقد أعترضت على أن يبتاعه هدية لزواج مؤقت ولكنه أصر في تشدد على أن تقبله قال ان الزواج في ظاهرة زواج عادي ولهذا كان لزاما ان يقدم هدية زواج كما كان يناسبه ان يبدو كأي زواج آخر. وانصاعت للي أزاء أصراره العنيد واستيائه البارد وفوجئت باكتشتف أنه لم يكن يحب الخلاف. ومنذ تلك اللحظة طرأ على علاقتهما تغير آخر. لم تعد ليلي ترى الوميض المتهكم في عينيه السوداوين وأصبحت ضحكة ود وصداقة... لعل امرأة ما جعلته يشعر بأن الهدايا الثمينة منشودة تستقبلها دائما بأصابع جشعة.. لذا فاعراضها عن تقبل هدية ثمينة حطم الحاجز القديم الخفي الذي كان يرسم التهكم والازدراء على فمه الفاتن.

وأذ صعدا الى الباخرة التي كانت تهم بنقلهما الى أميركا تلفتت حولها مشدوهة... كانت " السديم الازرق" سفينة أصحاب الملايين ووقفت ليلي مذهولة لمظاهر الترف البالغ حولها وأقرت لنفسها دون طمع بأن وفرة المال متعة سارة وأنها جديرة بأن تهنأ ببضعة أشهر تقضيها في الرفاهية. وفي تلك اللحظة بالذات خطرت لها فكرة.. لقد قالت لجولي مرة أنها ما كانت لتؤثر أجمل مليونير في الدنيا على بروس ومع ذلك فها هي ذي زوجة لرجل أكثر من مليح وكان واسع الثراء وأن لم يكن مليونيرا. وبالرغم من هذا فان امواله ما كانت ذات قيمة تذكر... كان بوسعها ان تعترف لنفسها أخيرا بأن الرجل نفسه هو الاثير باهتمام منها يفوق اهتمامها بأي شخص آخر.

* * *

وعندما بلغ الجناح المحجوز لهما وقفت مبهوتة ازاء فخامته فما خطر لها ان لمثل هذه الاشياء وجودا الا في الافلام... كان هناك حجرة جلوس خاصة بهما ولها بابان... فلما فتحت احدهما كادت تسمع دقات قلبها فجأة اذ رات سريرين منفصلين... وسرت في كيانها هزة غريبة اذ شعرت بيد رويز على ذراعها تديرها لتواجهه وقال:
" في الجانب الآخر لحجرة الجلوس حجرة أخرى سأستعملها لقد تعمدت أن اطلب جناحا واسعا."
ولم تسعفها قريحتها ولو بكلمات تبعد عن بالة فكرة انها فكرت لحظة في أن يتشاطرا نخدعا واحد.
وقال فجأة:
"كان جديرا بي أن أعتذر لأنني ضممتك على ذلك النحو ليلة كنت في داركم... أهذا هو ما يقلق بالك؟ لا داعي للقلق فلن يحصل شيء من هذا."
وسادت فترة من صمت وجيز. ثم وجدت نفسها تسأله دون تعمد:
" أكانت تلك ردا على ما قلت في مطعم ريكي؟ فأجاب :
" إلى حد ما فما من رجل يتقبل تلك العبارات كاطراء ومجاملة و..."
واومضت في عينيه ابتسامة واهنة وهو يردف:
" أنها كانت بعيدة جدا عن الحقيقة فأنا كأي رجل آخر ثم أنني نصف اسباني."
وساءلت نفسها:
" أكان هذا تحذيرا خفيا؟ بينما مضى يقول:
" ولعلك لم تضيقي بذلك كثيرا؟"
وشعرت بوجهها يتضرج فتمنت لو قاومت هذا الشعور... لكنها تلميذة غريرة, أين ذهبت كل رصانتها وسيطرتها على نفسها؟ إنه لم يجعلها تشعر بشعور كهذا وهما يعملان معا.. ولكن مسافة طويلة كانت تفصل بينهما في العمل. ما تعرضت يوما لموقف كهذا في العمل بل انها ما تصورت أبدا خلال سنوات العمل أنه كان ينطوي في أعماقه على هذا الرجل الغريب الاطوار... كانت لالعبارات التي قالتها في المطعم غير حقيقية كما ذكر منذ لحظات.
وعاد ليسألها:
" هل ضقت بذلك؟"
ورمقته بنظرة مباشرة وسريعة ثم غضت بصرها قائلة :
" كلا..."
لو انها أجابت بغير ذلك لكان جوابها بمثابة صفقة ثم ان سؤاله كشف عن أنها كان يدرك انها كاذبة لو أجابت بالنقيض. وقال بهدوء:
" أشكرك... يسرني انك حاملتني بأن كنت صادقة." فتطلعت اليه متسائلة:
" أكنت تدرك أنني أكذب لو لم أفعل؟"
هز رأسه مؤكدا. وتبينت انها ما كانت تحفل بعدد مرات خرقة تأكيداته.. وتساءلت في نفسها:
" يا للسماء! ما بالي؟ ما الذي دهاني؟"
كان ثمة شعور غريب يسيطر عليها ومع ذلك, فانه لم يكن شيئا يبعث على الخوف ! بل أنها بدأت تستشعر نوعا من خبية الرجاء لأن هذا الزواج لم يكن مقدرا له أن يدوم!

* * *
بينما عنيت المضيفة باخراج ملابس رويز وطرحها على السرير ذهب رويز الى امين خزانة السفينة فقررت ليلي أن تصعد الى السطح وبعد قليل لحق بها رويز.
قال بصوت خافت:
" آن للباخرة أن تبحر" وشردت نظراته بعيدا وكأنما كانت أفكاره تسابق السفينة وكانه نسي الفتاة التي كانت بجانبه. ولكنه في الوقت الذي خطر لها فيه هذا - أقترب قليلا, وابتسم لها وأمتدت ذراعه فأحاطت كتفيها. وبدون ارادة منها مال رأسها الى الخلف مستندا الى كتفه فاشتدت ذراعه حولها بينما أخذا يشاهدان المسافة تتسع بين رصيف الميناء والسفينة, كأنها هوة تفصل بين الحياة القديمة والحياة الجديدة.
وحاولت ليلي ألا تفكر في أن الحياة الجديدة كانت لفترة محدودة انها ستضطر ذات يوم الى أن تعبر الهوة لتعود الى الحياة القديمة.
• * *

تلفتت ليلي باعجاب وهما يدخلان قاعة الطعام الواسعة في ذلك المساء وداخلها استمتاع ساذج بهذا النوع من الرفاهية الذي لم تعرفه من قبل. وشغلا مائدة صغيرة لاثنين حتى اذا فرغا من العشاء ذهبا الى قاعة الرقص. وبالرغم من أن السفينة كانت في أول أيام الرحلة فقد بدا ثمة جو من المرح والاحتفال ولعل ذلك كان لقصر الرحلة نسبيا ورغبة المسافرين بغية الترويح في الاستمتاع بأقصى لهو في عطلتهم.
واشتركا مع الراقصين فتبينا أن خطواتهما كانت متناسقة. وراحا طيلة السهرة يضحكان ويتكلمان دون ما حرج وبالرغم من أنهما لم يتزوجا الا في صباح اليوم ذاته.
وفي وقت لاحق من ذلك المساء استلقت ليلي في غرفتها الفخمة تنظر الى السرير الخالي وهي تفكر... كانت تلك ليلة زفاف غريبة. فمنذ أشهر قلائل. كانت تتصور أنها ستقضيها مع بروس ولكن لو كان بروس هو الزوج لما حظيت بجناح فاخر على السفينة ولما شعرت كذلك بوحدة. اترى كان رويز هو الآخر مستلقيا يتأمل السقف في غرفته. ويشعر بالوحدة أو لعله كان يفكر في الفتاة التي أحبها يوما منم قبل.

وأثار هذا فكرة جديدة لديها: ترى كيف كان شكلها تلك الفتاة التي خطبها من قبل وماذا فعلت لتسبب له هذا الجمود العميق الذي خالته يوما جزءا جوهريا منه؟ لقد أدركت الان أنه لم يكن من طبيعته ولكن الصدمة التي أدت اليه كانت ولا بد حادة أليمة أحدثت في أعماقه جرحا غائرا وخلفت مرارة وعدم طمأنينة الى كل النساء. وداخل ليلي شعور من الارتياح الى عدم الثقة بدأ يتبدد ولكنها تمنت ان تفعل شيئا أكثر من القليل الذي فعلته حتى الآن للتسرية عنه.
ومع خيوط الفجر غشيها النعاس. ولكن من أجمل ما في السفر في باخرة أن المرء لم يكن مضطرا لأن يستيقظ مبكرا لتناول الفطور.
ووجدت رويز في حجرة الجولس وقال مبتسما:
" لقد أمرت باحضار الفطور هنا."
فجلست في مقعد مريح وهي تقول:
" ما أجمل هذا ! لكن أشعر بالكسل!"
فعاد يبتسم قائلا:
" أكنت تفعلين هذا لو أنك في انكلترا؟"
قالت:
" أتعني قبل أن يجري كل هذا؟"
اومأ برأسه فنظرت الى ساعتها وأرسلت ضحكة خفيفة قائلة:
" كنت في مثل هذه الساعة أدق مفاتيح الآلة الكاتبة وأنتظر شاي الصباح أو ارتقب جرسا ملحاحا من سيد صعب عليه العثور على شيء يريده." وارتفع احد حاجبيه الاسودين وتساءل:
" هل كنت ترينني رئيسا متعبا جدا؟"
فابتسمت قائلة في مداعبة:
" في بعض المناسبات."
"وهل كنت في تلك المناسبات تشعرين باغراء لأن تخبريني بما كنت تظنينه في؟"
قالت بصراحة:
" كلا. كنت أكتفي بتجاهل حالات غضبك الصغيرة."
وضحك ازاء ما بدا على وجهه وهو يقول:
" يا لك من جريئة صغيرة!"
ما من أحد وصفها بهذا من قبل.
فلم تتمالك أن ضحكت اذ اعتادت أن ترى نفسها طويلة ليست صغيرة قط ولا من الصنف الخبيث الذي يوصف عادة بهذا الوصف.
نظر اليها في فضول وقال ببطء:
" لا أفهم كيف لم اتبين حقيقة شخصيتك من قبل. انك كنت تبدين..."
فتساءلت كقطعة من أثاث المكتب: " قال شيء من هذا القبيل فيما أحسب."
" أليس هذا ما كنت تبغي؟ كنت انظر لعملي بجدية مصممة على أن أكون فتاة عاملة الى أن ألتقيت ببروس."
لم يخالط صوتها أقل اختلاج بينما واصلت حديثها:
" كنت عازمة على ان اكون ناجحة فانتهجت السلوك الذي رايت أنك تريده . ولو كنت راغبا في قطعة اثاث اخرى بالمكتب لكان بوسعك الظفر بها."
قال بصوت أجش:
" لابد أن هذا أقتضى منك سيطرة على النفس عظيمة. فبعد السكرتيرة العجوز أخذت أغير سكرتيركاتي باستمرار قبل أن احظى بك."
فاومأت برأسها وعيناها تتوثبان بالضحك وقالت:
" كان عملا ممتعا من نواحي الاعتبار... فضاقت عيناه السوداوان وهو يتفرس فيها قائلا:
" لعله كان من الخير انني لم أعرف حقيقتك تحت مظهرك الرخامي."
" لماذا؟ اكان هذا يغير من الامر شيئا؟"
هز رأسه في شيء من الحيرة وقال:
" لا أظن. لولا تلك الوصية ما عرفتك ابدا على حقيقتك!"
وسألته في فضول:
" ما الذي جعل جدك يضع وصية كهذه؟"
والتقت نظراته بنظرة جادة منه وأجاب سؤالها بسؤال:
" أليس الامر واضحا؟"
وتضرج وجه ليلي حيث أدركت ما كان قد خطر لها عن سبب الوصية بينما واصل هو الحديث:
" كان يريد وريثا لكارسترانو..." وكانما نسي وجودها لحظة وراح يتأمل يديه النحيلتين القويتين وقد انعقدتا على ركبتيه ثم قال في لهجة تكاد تكون غاضبة:
" أنني لا أحب أن يملي أحد تصرفاتي علي... وكانت لجدي السلطة التي جعلته يفعل ذلك يوما فلم اشأ ان اسمح بأن يحدث هذا مرة أخرى."
وبدا عابسا كما تعودته في المكتب... وهمت بالكلام ولكنه قطعه عليها دون أن يفطن تقريبا اذ مضى يقول:
" حاولت من البداية أن اموه الشروط التي فرضها... فتزوجت فلا سبيل الآن الى أية عقبة تعترض أن أرث كاراسترانو."

قالت بهدوء:
" اليس هذا... غشا... الى حد ما؟"
فهتف: "غش؟"
هزت رأسها قائلة:
" نعم . فأنت في الواقع سترث تحت ادعاء زائف."
ولم تدر كيف تسنى لها أن تجد الجرأة لتقول هذا. ونظؤ اليها وعادت لعينيه السخرية المتهكمه التي كثيرا ما صادفتها في الايام الاولى لاتفاقهما العجيب وتساءل:
" أتقترحين أن يجري تنفيذ الشر بحذافيره حتى النهاية؟"
شعرت ليل بأن وجهها يحمر ثانية وقالت بلهجة وأن تمنت لو أستطاعت السيطرة على بوادر الحرج الاخرى:
" لست اقترح شيئا... كان من العسير بعد أن بدأت هذا الدرب ان تتحول عنه وأستأنفت قائلة:
" لعلك كنت تقدم على زواج عادي لو لم يستفزك هذا الشرط من جدك."
" ولكن لعلي لم أشأ الرضوخ له تماما."
" أذن فهل تعتزم بعد انفصام زواجنا أن تعيش هناك بقية عمرك ثم تدع كارسترانو بعد موتك لأغراب... أذا لم يكن هناك اعضاء آخرون بالاسرة لهم حق الوراثة؟"
قال متعجلا:
" ليس هناك أحدا سواي."
كان مقطب الجبين وكأن فكرة استيلاء أغراب على كارسترانو لم تكن مستحبة. وقال بعد لحظة:
" أحسب أن ما كان ينبغي أن أفرط في لومه. فالعادة في المكسيك أن يدير الاهل الزيجات... لا بد أنني عشت في انكلترا مدة طويلة انستني ذلك."
وأمضت عيناه بابتسامة ضئيلة جدا وأردف:
" ما الذي تقترحين أذن ان أفعل؟"
تحاشت ليلي نظراته وقالت:
" لست أملك ان أقول لك ما تفعل... فهذا امر لم ان تقرره وحدك ولكني أحسب أن جدك كان يحب كاراسترانو ولابد قدر حبك اياه والا ما وضع هذا الشرط أملا منه في أن يكفل الا يؤول الميراث لأغراب."
كان الحديث أعجب حديث فأسرعت تضيف لكيلا يسئ فهم قولها:
" أحسب أنه سيكون من السهل بعد انفضاض زواجنا أن تدبر على وجه أفضل ذلك النوع من الزواج الذي كان جدك يفكر فيه ولكنه في هذه المرة سيكون زواجا باختيارك الشخصي الحر لن تكون مستهدفا بالزواج ان تكفل ميراثا."
" تعنين بتعبير آخر أن أختار بنفسي وأن يصدر الاختيار عن أرادة حرة وليس عن رضوخ له؟"
" نعم."
ضحك في اسهجان وقال:
" فتاة اسبانية مطيعة تتزوجني بأمر من أسرتها هل هذا ما تقترحين أن أفعل؟"
عادت ترفض بعناد ان تدلي بجواب محدد مؤثرة أن تعلق على الموقف بوجه عام: أنني لا أملك أن أقترح شيئا. لقد كانت لي أسباب شخصية لهذا الزواج...و... فأكمل عنها العبارة:
" ولا رغبة لديك في أن تستمري فيه."
نهض وأخذ يتأملها لحظة وعلى وجهه تعبير غامض ثم خرج متمتا بأن سجائره نفذت وأنه سيذهب لشراء غيرها.
وقفت ليلي هي بعد أنصرافه وقد فطنت أخيرا الى أن يديها كانت تتمسكان بشدة بردجة لآلمتها ولكنها لم تلاحظ ألالم قبل ذلك... ولعل السبب كان ألما من نوع آخر خالجها وهو يتكلم عن زواج ينشأ عن رغبته ورضاه بعد حل زواجهما.
انتهى الفصل الثامن

جين استين333 09-09-09 10:37 PM

الفصل التاسع
البيت الأبيض

من فيراكروز حيث رست الباخرة استقلا الطائرة الى مكسيكو ستي ونزلا في فندق صغير ولكنه راقيا تسوده الاناقة والترف غير الصارخ. كان المبنى حديثا يربط مسكيكو ستي بالحاضر. ومع ذلك فكانت تشعر ليلي بشيء ما يربطهما بالماضي عندما كانت تتمشى في الطرقات الصباح التالي مع رويز.
وقفا بجوار الكاتدرائية يتطلعان عبر الزوكالا التي كانت يوما موقع بلازا تينو كتيتلان العظيم حيث كانت نعال الآزتيك تطأ الارض يوما وأيمت على ارتفاع عشرين قدما فوق أطلالة العتيقة المدينة الحديثة التي لا تزال تسمع همسات الماضي... وتأمل رويز وجه عروسه وابتسم قائلا:
" هل يثير أهتمامك شعب الآزتيك القدامى كانوا من الهنود الحمر وحكموا المكسيك قبل الفتح الاسباني؟"
أومأت برأسها بدون أن تنظر اليه وقالت:
" لكم وددت دائما أن أجيء الى هنا!"
ولكنها لم تحلم أبدا بأن يكون مجيئها في هذه الظروف. وأردفت بصوت خافت:
" كأني بالماضي لا يزال بطريقة ما! أيبدو من البلاهة أن أقول أن بوسعي أن أغمض عيني وأعتقد حقا بأنني أراهم يسيرون؟"
هز رأسه وقال:
" كلا... فكثيرا ما شعرت شخصيا بهذا..."
وكأنما كان وقع اقدام الازتيك ينبعث هامسا في ردهات الزمن وزعماء قبائلهم يمرون والريش التقيدي يهتز فوق رؤوسهم وعيونهم الضاربة تبرق والمحاربون بدروعهم المحشوة باقطن والكهنة بجلابيتهم السوداء يمسكون بخناجرهم المصنوعة من الزجاج البركاني التي كانت تشق قلب القرابين من الضحايا الاحياء والنساء في ثياب بسيطة ولكنها عنية بالوشي المطرز وشعورهن السوداء مسدلة على أكتافهن وتتوجها أكاليل من الزهور... كل ما كان يمت الى وثنية الماضي الغنية.
قال رويز مشيرا بأصبعه:
" هناك يقع قصر رئيس الجمهورية على أطلال قصر مونتزوما ولا تدري سوى السماء أبة تحف دفينة تحت الزوكالا... لقد هدموا المعابد القديمة من أساسها..."
وهز رأسه وكأنه لا يقر تحمس أسلافه في اخفاء الحضارة القديمة تماما تحت حضارتهم. وبعدلحظة أشار اليها لكي تتبعه وراح يريها الحفر التي كشفت درجات المعبد الأكبر العتيق. ومضى في الحديث بهدوء فاذا الماضي يتمثل حيا... وكأنها ترى الخيال المعبد الأكبر كما كان يوما والاسرى يصعدون مئات الدرجات الى حيث كان الكهنةينتظرون عند القمة والحضور يترنمون لاسترضاء القوى الخفية وأشار رويز الى حيث كان حامل الجماجم والحوض الشمالي على شكل القارب ومعبد دائري لرمز الرياح وحجر القرابين والكأس الدائري الكبير الذي كان يستخدم لحرق القلوب.


ثم قطح حديثه مبتسما وقال:
" لايمكن أن ننكر بأن بعض عاداتهم كانت سيئة جدا لكني كثيرا ما أرثي لضياع كل هذا."
ومضى يحدثها عما كان مقدرا للفاتحين الاسبانيين ان يجدوه وعندما وفدوا لأول مرة الى المدينة التي كانت تدعى إذ ذاك تينو كتيتلان... حدائق يانعة وبنايات بيضاء جميلة لم يكن بعضها ينم في البداية عن الاغراض الرهيبة التي كانت تستخدم لأجلها... كانت المدينة القائمة بين البحيرات تربط بين معابر وجسور وتعبر سطحها الازرق الزوارق تلوح وكأنها تبرز من حلم. وكانت المعابد الهرمية الشكل تعلو فوقبنايات المدينة وحامل الجماجم بزينته المخيفة ولو انهما كانا جاء! في تلك الايام لشهدا حجرا دائريا آخر يختلف في النقوش والغاية عن حجر القرابين الكبير... هنا كانت تمارس ألعاب رياضية قاسيى في أيام الاحتفالات اذ يربط أسير الى حجر وعليه أن يدافع عن نفسه بهراوة خشبية ضد غريم يمتاز بالاستحواذ على خنجر حاد من الزجاج البركاني.
قال رويز بصوت أجش:
" كان عادة يلقي حتفه... ميتة مشرفة حيث انه يقدم قربانا الى رمز الشمس تونتنتيوه.. وأحيانا كان الاسير يقاوم مقاومة بارعة تكسبه العفو."
" ماذا جرى للهنود بعد الفتح؟"
" أنهم لا يزالون باقين... مستذلين أبشع أستذلال لسوء الحظ ولكن قد تتاح لهم الآن فرصة."
كانت ليلي قد سمعت عن البرنامج التعليمي الذي قدمته الحكومة المكسيكية لأهل البلاد القدامى بعد ان كانوا مستعبدين لفترة طويلة.
سألت ليلي في فضول:
" الا يزال الهنود الموجودين كثيرين؟"
فأومأ رويز قائلا:
" حوالي خمسي سكان المكسيك من ذوي الدم الهندي الخالص. واذا استبعدت اولئك الذين فيهم بعض الدم الهندي فلن يبقى من السكان سوى جزء من عشرين من عدد السكان الحالي."
رمقته ليلي بنظرة فضولية وسألته:
" هل في عروقك دم هندي؟"
فابتسم قائلا:
" كلا. ليس فينا شيء من دم الآزتيك."
وتأملها وهو يقول مداعبا:
" هل خيب هذا أملك؟ أكان يزيدني أثارة وجود الدم العنهدي في عروقي؟"
قالت وعيناها تتراقصان:
" الى حد كبير جدا ولكني على أستعداد لتقبلك بدونه."
ضحك قائلا:
" أظنك تودين رؤية المتحف ما دام هذا شعورك نحو الماضي."
ووافقت على الفور فلما بلغاه أذهلها القدر الهائل من الآثار المستخلصة من ماض متباين المراحل مغرق في الدماء.
وبعد الغداء قاما بجولة مختلفة حيث اتجها الى المتاجر الحديثة وأصر رويز على أن يشتري لها برغم أعتراضها أي شيءكان يعجبها. مما أجبرها في النهاية على أن تلزم الصمت أذ شعرت بأنها أخذت أكثر مما ينبغي ولكن هذا لم يحقق غرضها تماما أذ بدا أنه اكتسب قدرة على قراءة أفكارها.
ثم تناولا العشاء في ذلك المساء في مطعم حديث ورقصا في قاعة للرقص واسعة بدرجة مدهشة. وكانت قد أكتشفت على الباخرة انه راقص بارع لم ينقصه المران وأن كان مسلكه السابق في العمل أوحى لها بأنه ما كان يحضر كثيرا من المناسبات الاجتماعية. كان رجلا يختلف كل الاختلاف عن ذلك الذي عرفته في المكتب حتى لم يعد يدهشها ان تكتشف جديدا عنه في كل يوم تقريبا. بل بدا انه كان يزداد تغيرا في كل دقيقة حتى أيقنت أنه سيأتي يوم سيبدو فيه غريبا لكل من عرفه حيث لم يعد فيه شيء من رويز آلدوريت الذي كان يمتلك مؤسسة مريديت
وفي اليوم التالي حضرا حفلة عشاء ومع انها كانت مستحيية في بادئ الامر فانها سرعان ما تخلت عن ارتباكها اذ تبينت أن في وسعها الكلام باسبانية مفهومة وأن تشترك في الحديث الدائر حولها. وبدا أن رويز مازال على أتصال بكثير من أصدقائه في المكسيك وربما انه جدد صلات التعارف في زيارته السابقة. كان أحد معارفه ممثلا شابا ذا شعبية كما بدا لها نشأ قريبا منه وكان كثير الحركة جريئا. ومع انها لم تكن قد امضت في مكسيكو سيتي أياما تذكر فقد عرفت اسم رامون تالمونت كواحد من أشهر الممثلين.
وأخذت تراقب رويز في السهرة وتنصت الى صوته الخافت وهو يتكلم الاسبانية بسرعة وطلاقة وشعره الاسود اللامع يتألق تحت الاضواء كان واضحا أنه لم يكن يختلف عن أي من الموجودين في شيء بل أنه رقص مثلهم وكأن في كل حركة من رقص اللاتينيين بهاء ووقعا موسيقيا. وشعرت بشيء من العذر اذ لم تتمالك ان تعترف لنفسها بأنها اكثر استمتاعا بالرقص معه, مما كانت مع بروس.
كذلك امتازت الامسية بحدث آخر هو أن أسمها الجديد لم يبد لها لأول مرة غريبا بل كان من الممتع ان يوجه اليها الحديث كسنيورا آلدوريت.
وفي اليوم التالي تناولا العشاء ورقصا معا على حدة وتكلما بالانكليزية ولكنها بعد أن سمعته يكثر من الحديث بالاسبانية لا سيما في الامسية السابقة بدت لها اللغة الانكليزية غريبة من شفتيه وهي التي تعودت سماعها منه طيلة وقت عملها معه.
وقالت له:
" أتعرف... أنني أفضل أن تتحدث الاسبانية."
ثم تضرج وجهها اذ تنينت انه ليس من حقها ابداء اية تفصيلات وقالت تعتذر بارتباك:
" أعني أنني..."
فابتسم قائلا:
" أنني أحتار أحيانا أي اللغتين لغتي."
فسألته:
" ألست تفضل احداها؟"
وأخلد للتفكير ثم قال:
" لا أدري في الواقع أنني أحب الاثنتين ولكن تعلمت الاسبانية اولا."
وعاد يبتسم ابتسامة غريبة الدفء ارسلت هزة عجب في نفسها وأردفت:
" لعل الجدير بي أن أدع القرار لك."
قالت وقد عاودها الارتباك مدركة أنه لم يعني ذلك:
" الآن وقد عدت لوطنك فسيكون من الطبيعي أن تتكلم الاسبانية."
استمرا بعد ذلك يرقصان فترة أخرى ثم أويا الى غرفتيهما المنفصلتين. ورأت ليلي في نومها حلما بالغ الغرابة. بدا كأن ستيلا ظهرت لها فجأة وقالت:
" ان ما حدث كان خطأ وأنها لم تكن راغبة في بروس حقا فلها أن تستعيده اذا أرادت." كان هذا في حد ذاته سخفا ساذجا ولكن الذي أدهشها حقا هو أن الحلم أقنعها بأنها لا تريد استعادة بروس. أذ قالت:
" أنني أوثر أن أبقى كما أنا..."
وعندها ظهر رويز فجأة في الحلم وابتسم لها أبتسامة دافئة الابتسامة التي بعثت في نفسها الدفء في وقت سابق من الليل.
في الصباح التالي أحضرت لهما السيارة السوداء الكبيرة التي اشتراها رويز في زيارته السابقة وكانت أولى جولاتهما فيها في بقعة كالدي تاكوبا الممتدة على طريق مرتفع قديم - الى تلاكوبان - حيث تقهقر القائد كورتيز وهو كسير القلب وحيث ظلت شجرة السرو القديمة التي بكى تحتها القائد الشهير تجسد الصلة بالماضي وحيث انشئت كنيسة في الميدان الرئيسي في ازكابوتزالكو العاصمة العريقة لزهماء التولتيك والتبانيك وفي الطريق العودة الو مكسيكو سيتي عرجا على البقعة التي كان الهنود يوما يكرمون فيها تونانتزين رمز الامومة لدى الآزتيك.
كانت ليلي في بادئ الامر مترددة في الاسراف في ابداء اهتمامها بماضي المكسيك لكيلا تضجر رويز ولكنها حين تبينت أخيرا أنه كان يستمتع بهذا الماضي قدر استمتاعها لم تحاول أن تكبح اهتمامها وأخذت تبتسم لنفسها كلما أدركا أنه كان يفخر بأن يريها معالمه. كان يحب ماضي هذه البلاد وحاضرها ثم كان هناك كارسترانو... لا عجب في أنه كان على أستعداد لأن يفعل أي شيء ليظفر بالميراث الذي كان في انتظاره.
بعد أسبوع اشبعا فيه حبهما للماضي قررا أن الوقت حان ليمضيا الى كارسترانو. ومع ذلك فانهما قطعا الرحلة ليعرجا على تيو تيهواكان, حيث كانت الحكومة تنقب عن المدينة التي كانت عظيمة يوما ما. وما زالت الاطلال توضح بعضا من عظمة الماضي وأمجاد. كانت تيوتيهواكان أولى مدن المعابد المقدسة وأعظم مدن عشائر التولتيك موطن أولئك المعماريين والميكانيكيين المحفوفين بالغموض والنجارين والزراعيين البارعين كان وادى تيوتيهواكان بأكمله ثلاثة اميال ونصف الميل طولا وحوالي ميلين عرضا فكأنه طريق ممهد.. وقد تناثرت في المساحة كلها أطلال بنايات فخمة هجرت... قبل مجيء الاسبانيين الى المكسيك.
أدركت ليلي أن هذا الوادي أكثر ما سيلصق بذاكرتها والتفتت خلفها أكثر من مرة تتأمل الاهرام وهي تتلاشى عند الافق. وعادا بعد ذلك الى الطريق العامة المفضية الى كاراسترانو وتوقفا عند فندق كبير لبتناولا الغداء فرأت ليلي عددا كبيرا من السياح وسمعت اللهجات الاميركية ولكن المكان الذي تناولا فيه العشاء وقضيا فيع ليلتهما كان بيتا اسباني الطراز على النمط المعماري القديم في عهد الاستعمار وقد حول الى مطعم تعلوه بضع غرف فسيحة. وبعد افطار خفيف في الصباح التالي استأنفا رحلتهما بالسيارة.وكان اليوم قد انتصف تقريبا عندما اقبلا على قرية صغيرة وراء حدودها مباشرة مخفض رويز سرعة السيارة والتفت اليها مبتسما وسألها:
"أتودين أ تذهبي الي عرافة؟"
فأجابت على الفور:
" أحب هذا..."

جين استين333 09-09-09 10:42 PM

ثم أردف وهي تضحك:
" أنني أعرف ان المرء لا يصدق كلمة مما يقوله العرافون ولكنهم مع ذلك يأسرونك!"
كانت العرافة عجوزا مجهدة الوجه, تعيش في كوخ على حافة البحيرة تأملتها بنظرات مبهمة وهذا طابع المهنة لدى كل العرافين ثم وجهت ليلي الى مقعد صغير بلا مسند, خارج الكوخ وجلست على الارض وأمامها وعاء مسطح فيه ماء. وناولت ليلي حفنة من التراب لتقبض عليها لحظة ثم أشارت لها بأن تلقيها في الوعاء وراحت تتفرس فيه لدقائق.
وقالت أخيرا دون أن تنظر اليها:
" كان هناك شقاء ستنسيه بعض الوقت ولكنه سيعود."
وتفرست بنظرات غامضة في ذرات من التراب طافية ثم قالت:
" حزن يغيم على الماء..."
وفي تلك اللحظة ظهرت الشمس من وراء بضع سحابات في السماء ألقت أشعتها على الماء وكأنها تثبت خطأ العرافة. واختلجت شفتا ليلي بابتسامة صغيرة على الرغم منها في حين أنها كانت تعجب في نفسها كيف أستطاعت المرأة أن تعرف أنها تعرضت لشقاء.
وكأنما بدت بوادر خفيفة على وجهها فاذا العجوز تنظر اليها فجأة قائلة أنك تبتسمين ولكن هناك نجمة داكنة في حياتك ولن تشرق الشمس بسعادة باقية الا بعد غيابها. ونهضت فجأة وأفرغت الماء في البحيرة ودخلت كوخها وأغلقت بابه بشدة. فألقى رويز قطع نقدية على المقعد ومس بأصبعه مرفق ليلي يقودها الى السيارة. وعندها انتبه الى صمتها فوجم لحظة ثم ادار وجهها اليه, وقال بابتسامة واهنة:
" ما أظنك تأخذين قولها على محمل الجد؟"
فقالت متعجلة:
" كلا... كلا طبعا, ولكنها لم تتمالك أن أردفت:
" كيف عرفت بأنني صادفت شقاء؟"
" هولاء المسنات يتعلمن قراءة ما يغفل عنه سواهن من أسارير الوجه ولكنا سنحاول ان ندبر الا يكون ثمة شقاء آخر لك!"
وحاولت ليلي أن تبتسم ولكنها لم تستطع أن تنسى كلمات العجوز بالرغم من أستهجانها هذا من نفسها... ماذا كانت تعني العرافة بوجود نجمة داكنة في حياتها... وفجأة تذكرت أنهم كانوا يسمون ستيلا بالنجمة الداكنة احيانا فشهقت والتفت اليها رويز متسائلا:
" ما بالك لا أحسبك تدعين العجوز تضايقك؟"
ورفع احدى يديه عن عجلة القيادة وأمسك يدها واستبقاها تحت أصابعه وهو يمسك العجلة وقال:
" ما كان ينبغي أن آخذك اليها."
" أنه سخف مني ولكن أظن أن في نفوسنا جميعا قدرا من الايمان بالخرافات وخاصة أذا مست وترا في النفس."
واستسلمت مطمئنة الى قبضة اصابعه فقال:
" أنسي هذه المرأة
وجاهدت نفسها لتطيعه ولكنها لم تستطع أن تنسى تماما... كانوا يسمون ستيلا النجمة الداكنة كتدليلي ومحبة وليس كتشائم وأذا كانت ستيلا قد سببت لها بعض الشقاء فنها لم تكن متعمدة... لم تتمالك نفسها من أن تقع في هوى بروس.. ومثل هذه الامةر تحدث!.
ولكن ما الذي رمت اليه العجوز بقولها ان السعادة المقيمة لن تكون دائمة حتى تغرب النجمة الداكنة.
أوقف رويز السيارة حوالي العصر على قمة طريق منحدر طويل. وتبعته ليلي عندما فتح باب السيارة وغادرها فقادها الى حافة التل, وقال:
" كاراسترانو." وأطلت الى حيث أشار. كان التل ينحدر في سلسلة من الطرق النحدرة حتى اذا بلغ مستوى الارض في النهاية رأت جوهرة في سهل مترامي الاطراف رأت مبنى ابيض كبيرا تحيط به غلالة لامعة من اللون بدت انها ازهار... على مسافة قصيرة من قرية صغيرة كأنها من مخلفات الايام التي كانت فيها كاراسترانو مجتمعا صغيرا ذا كفاية ذاتية.
وسمعت نفسها تقول بصوت خافت:
" ما أحمله!"
وفهمت اذ ذاك لماذا ارتبط بزواج دون حب في سبيل الاستحواذ عليه.
وعادا الى السيارة وانطلقا فأخذ كاراسترانو يغيب عن بصريهما كلما انحرفا بين التلال المنخفضة ليهبطا أخيرا , انسابت بهما السيارة خلال القرية التي بدت كأنها من فيلم عن عهد الاستعمار. وكان ثمة رجال ونساء يرتدون زيا تقليديا قديما... ولعلهم كانوا يؤثرون أسرة آلدوريت بولاء يفوق ما يكنون للحكومة.
ورمقت رويز بنظرة سريعة تسائل نفسها كيف يبدو لو أنه ارتدى الزي القديم في كاراسترلنو كما يرتديه القوم. أنه يناسبه أكثر من الثياب الحديثة. وما لبثت السيارة ان خلفت القرية وراءها وأخذت تقترب من كارسترانو.
كان المبنى اذا ازداد اقترابا أكثر جمالا.. والورود المسلقة تعلو السياج الحجري القديم ,والابواب الخارجية المعدنية مفتوحة تحمل أشعارا للاسرة كادت نقوشه تنمحي. ولم تستطع ليلي أن تتبين الشعار ودخلت السيارة عبر البوابة المفتوحة واستقرت في فناء مرصوف تكاثفت الورود في كل مكان فيه. وكانت امامها مباشرة درجات تؤدي الى اقواس من الطراز العربي المغربي. وفي أعلى الدرجات خلف الاقواس كانت شرفة مرصوفة بالقرميد الازرق الدقيق بينما تخلل جدران المبنى البيضاء بابان مفتوحان من الخشب السميك.
سارا عبر البابين الضخمين اللذين كانا يحملان نفس الشعار الذي حملته الابواب المعدنية, وأذا بأمرأة بدينة تقف في البهو الرطب مرحبة بهما باحترام على النمط القديم, واصطف خلفها بقية الخدم, وقد انحنوا ورويز يقدمهم كل بدوره... وما لبثت أن صرفتهم مدبرة البيت البدينة تشيتا ايستوريل.
طلب رويز قدحين من القهوة ثم اجتازا حجرة منخفضة طويلة تطل على فناء داخلي منخفض أثار عند ليلي رغبة ملحة في أكتشاف البيت, فقال رويز:
" سأصطحبك في جولة تفقدية بعد أن تستريحي وتتناولي بعض المرطبات وآمل أن يروق لك."
فهتفت: " كل مارأيت حتى الآن جميل كل الجمال.. جميل حتى لقد بدأ يأسر قلبي
جلسا في مقعدين مرتفعي الظهر من خشب أسود عتيق كان يلمع تحت الصقل المستمر. وكان الظهر والمقعد مبطنين بالجلد الموشى بالنقوش التي ظلت زاهية بالرغم من قدمه. وأحضرت تشيتا القهوة من قدحين صغيرين رقيقين تزينهما رسوم يدوية. فهتفت ليلي:
" أشعر كأنني رجعت القهقرى في الزمن. فأومأ رويز قائلا:
" لقد أنشئ كاراسرتانو في عهد الاستعمار القديم وحاولنا ادخال الطابع الحديث دون ان نفسد مظهره الخارجي."
نهض رويز اذ فرغا من القهوة وقال:
" الآن سأصطحبك في الجولة التفقدية التي تريدين
وأذ خرجا الى البهو قادها الى ممر تحف به الاقواس يؤدي الى ردهة جدرانية من الزجاج. وأدت الردهة مباشرة الى الجناح الجنوبي للقصر وادركت ليلي سر البذخ في فخامته حين عرفت أن أرض الجناح بأكمله تؤلف قاعة للرقص في أحد جانبيها نوافذ طويلة تطل على الساحة الوسطى للقصر وفي الجانب الآخر شرفة واسعة واجهتها صف الاقواس المتوالية التي شاهدتها وهما يقتربان من كاراسترانو.
قالت متهدجة الانفاس وهي تتصور الموسيقى والمرح يترددان في جنبات الحجرة الجميلة:
" أنها... باهرة!"
فابتسم قائلا:
" يجب أن نقيم حفلة راقصة بعودتنا لدارنا... العودة للدار! أهذا ينطبق عليها؟"
قال وهما يخرجان الى الساحة الوسطى فيجتازانها الى الجناح المقابل:
" سوف اصطحبك لتلتقي ببعض جيراننا."
في هذا الجزء من المبنى كانت غرف استقبال , مزيد من الغرف في واجهة المبنى بعضها كبير وبعضها صغير بعضها ذو طابع رسمي وقلة منها لا تقل عن الباقيات جمالا ولكنها مستعملة. وكان من الواضح أنها اكثر الغرف التي استخدمتها أسرة آلدوريت.
ومن هناك عادا الى البهو ولخطواتهما همس على الارض الخشبية الناعمة وهما يتجهان الى السلم الرحب المنساب... لا بد أنه كان مقاما منذ قرون وأن فرسانا وسيدات رفيعات المقام قد صعدوا درجاته الواسعة في الماضي... كم كان الاختلاف كبيرا بين خلفياتهما حتى أن سفنا من بلادها وسفنا شراعية من بلاده التحمت في الماضي في حرب لقد كانت ثمة اقاويل عن مغامرين من أجدادها فسألت نفسها عما اذا كان قد قدر لأحدهم ان يكون على سفينة اشتبكت يوما مع سفينة تحت امرة فرد من أسرة آلدوريت عفا عليه الرمن...لقد قال رويز أن أسرته وفدت أصلا مع الفاتحين فربما كانت عائلته خارج المكسيك عندما كان القراصنة الانكليز يغزون البحر القاري.
وها قد صمتت المدافع منذ زمن بعيد وجاءت هي عروسا الى هذا البيت العتيق الزاخر بذكريات الماضي... عروسا مؤقتة جاءت للزيارة وليس للاقامة!
كان هناك رواق للصور ذو ثلاثة جواننب وفي طرف من الجزء الاوسط منه اقواس تقود الى الاجنحة الاخرى بالقصر. وكان الجزءان الايسران والاوسط يحملان لوحات لأفراد من الأسرة بينما كان جزء من القسم الاوسط وكل القسم الايمن مبطنين بالخشب الاسود الصقيل.
نظرت ليلي الى الصور مبتسمة, وقالت:
" هؤلاء بعض أسلافك؟"
فأجاب ابسامتها بمثلها, وقال:
" تعالي أعرفك بهم..."
وسارا الى بداية القسم الايسر واومأ برأسه نحو اللوحة الأولى في الصف قائلا:
" دون اكزافيير مانويل جوزيه باليادى آلدوريت."
فهتفت ضاحكة:
" ما أروعه!"
قرص خدها برفق مداعبا, وقال:
" لا تنسي الاحترام!"
ومد يده الى كتفها وذراعه تحيط بمنكبيها في عناق خفيف.
كان دون اكزافيير - فيما يبدو- هو الجد الذي جاء مع الغزاة وشيد كاراسترانو. ومضيا من الصورة الى أخرى وهو يحدثها عن الرجال والنساء في تاريخ القصر: دون فيليب. الذي كاد يقضي على ثروة الاسرة في القمار دون ريناتو, الذي انقذ القصر وثروة آلدوريت, بالكشف عن أحد كنوز الاينكا الدفينة في بيرو وعن احد مناجم الذهب, وهذه الحسناء دونا روزاليا التي آثرت دخول الدير على الزواج من رجل اختارته لها الاسرة وكانت تحب سواه, ووصلا الى رجل ذي ذقن تنم عن العناد, وشفتين رفيعتين قاسيتين كان ذا شبه مذهل بالرجل الذي وقف الى جوار ليلي, ثم رجل وامرأة لا يشبهان رويز الا في القليل, بالرغم من أنهما كانا... أبويه!
ووقفا اما الرجل الذي استرعى انتباه ليلي واهتمامها وتساءلت:
" أهو جدك؟"

فهز رأسه وزم فمه ثم قال:
" نعم..." أذن فهو الرجل الذي أجبر حفيده على الزواج رغم ارادته.
وتأملت القسمات الحادة السمراء التي كانت شديدة الشبه بقسمات الرجل الذي تزوجته.. لعله أوتي طباعا كطباع رويز ومن هنا كان الصدام بينهما. بالاضافة الى خلافهما بشأن الخطبة المفسوخة التي ذكرها لها مرة؟ ووجدت ليلي نفسها اكثر فضولا بصدد الفتاة التي اراد ان يتزوجها يوما يبد أنه كان من المستحيل أن تسأله عنها. كانت عروسا غريبة, لا تعرف عن زوجها سوى القليل... بل لا تعرف كيف مات أبواه!
ولعله فطن الى نظراتها الفضولية المتسائلة فقالت في شيء من التردد:
" يبدو أنني لا أعرف الا القليل."
فقال:
" وهذا ليس عدلا لأنني أعرف الكثير عنك."
وابتسم لها محيطا كتفيها بذراعه أكثر أو لعلها تخيلت ذلك وتجلت رغبته في المداعبة, اذ قال:
" أنني أعرف مثلا أن أوتيت ولعا بتسلق الاشجار! لابد أن أعرفك يوما ببعض الهنود الحقيقين!"
تطلعت اليه في دهشة وتساءلت:
" أيوجد بعض منهم حقا؟"
قال:
" قلة ضئيلة في التلال وفي كاراسترانو بعض افراد يجري في عروقهم دم هندي."
وسارا الى نهاية القسم الاوسط من الرواق حيث انتدت ردهة ضيقة معتمة تقود الى الجناح الشمالي. وكانت ثمة ردهة اخرى بطول هذا الجناح تحيط بها حجرات وبعض نوافذ تطل على الساحة الوسطى ونوافذ في الجانب الآخر تؤدي الى شرفات على الجانب الخارجي للقصر.

جين استين333 09-09-09 10:44 PM

وقال رويز:
" أن الجناح الجنوبي كان على النسق ذاته." ولما بلغا نهاية الردهة تحولا الى القسم الخلفي للدار حيث غرف الخدم. وكان هذا الجزء من الدار مغلقا ببابين ضخمين من الخشب الصقيل مزخرفين بنقوش محفورة أما الاثاث فكان مريحا بل فخما شأنه في الحجرات الاخرى التي كانت مؤثثة بذوق أنيق يجمع بين الطرازين الاستعماري والحديث.
عادا الى مقدمة البيت خلال الردهة الوسطى للجناح الجنوبي فوق قاعة الرقص . كان كاراسترانو مربعا يتوسطه فناء مغلق من كل النواحي. وفي المقدمة تماما كانت هناك ردهة واسعة تؤدي الى احد جانبي البهو. حيث النوافذ الواسعة التي تطل على الساحة الامامية لكاراسترانو وتسمح بدخول اشعة الشمس. وكانت هذه الردهة مزودة ببضعة مقاعد عتيقة الطراز من الخشب المنقوش والجلد المزركش. هنا بدأت أولى لحظات الحرج فمن هذه الردهة دخلا الى الغرفة الرئيسية الكبيرة على باب واسع يحمل شعار آلدوريت الذي أبلاه الزمن... حيث أعدت الغرفة لسيد كاراسترانو وعروسه.
كانت غرفة جميلة ذات باب يوءدي الى حمام خاص ولكن ما بدد جمال المكان سرير ضخم ذو أربعة أعمدة وستائر قرمزية وذهبية... وشهقت ليلي على الرغم منها مأخوذ!
لم تستطع ليلي - بكل ما اوتيت من قوة - أن تحول دون تدافع الدماء الى وجهها حتى أيقنت أنه أصبح بلون الستائر القرمزية .أما رويز فبدأ متعجبا اكثر منه محرجا. وقال:
" كان ينبغي أن أفكر في هذا فان من الطبيعي أن تعد تشيتا الغرفة الرئيسية
كانت حقائبها قد نقلت الى الغرفة ولم يكتمل افراغها وكأن الخادمة الشابة التي تولت العملية استدعيت لأمر ما, سرت لأجله ليلي بيد أن ارتباك العروس لمشاطرت زوجها الغرفة كان جدير بأن يثير الاقاويل لو شاهده أحد غير الزوج!
التفت اليها رويز بابتسامة مداعبة وقال:
" هناك غرفة للملابس. واتجه للطرف الآخر من الغرفة وازاح أحدى الستائر القرمزة والذهبية فاذا بها تكشف عن باب يؤدي لغرفة صغيرة ذات رياش لائقة ان لم تكن باذخة وقال رويز:
" كان جدي معتل الصحة قبل موته فكان خادمه ينام هنا."
ورمقته - بعد لحظة - بنظرة مترددة وقالت:
" حقا, ولكن.. ألن يثير.. أعني أحسب أن الخدم سيتقولون بهذا الصدد!"
هذا صحيح ولا مفر منه.. هنا أختلف الامر عما كان عليه في الفندق فالعيون حولهما هنا ودودة ومتطفلة. وما من شك في أن من حولهما سيتساءلون عما اذا كان السيد وزوجته على شقاق ولن تكون هذه بداية طيبة. ولو أن الغرفة ضمت سريرين صغيرين بدلا من السرير الهائل ذي الاعمدة الاربعة لكان محتملا أن تجد ليلي الشجاعة لأن تقترح أن يستعملا الغرفة معا.أما في هذه الظروف فكان الامر يختلف.
وبينما ذهب رويز ليصدر التعليمات لاعداد فراش الحجرة الصغيرة اقتربت ليلي من حقائبهما لتكمل افراغ محتوياتها. ولم تكن قد أخرجت سوى ثوب واحد حين أقبلت خادمة مكسيكية شابة فبدت مرتاعة لرؤية سيدة كاراسترانو الجديد تهم باستخراج ثيابها بنفسها. وسمحت ليلي لنفسها بأن تقف جانبا متخذة مركز سيدة القصر المركز الذي كان مفترضا ان تشغله في كاراسترانو والذي بدا غريبا لها ولكنها انصاعت للامر تاركة ماريا تفرغ الحقائب وعلى اساريرها ابتسامة تحبيذ وأعجاب ممزوجين باحترام. وآثرت ليلي ان تغتسل اسعدادا للعشاء. فلما عادت وجدت ماريا في انتظارها لتساعدها في ارتداء ثيابها. ومرة آخرى انصاعت ليلي مسرورة لأن تكون مخدوعة وهي التي اعتادت الاعتماد على نفسها.
كان الثوب الذي اختارته ابيضا بسيطا بالغ الاناقة كان من الثياب التي ابتاعتها لحياتها الجديدة قبل مغادرتها انكلترا. وغني عن البيان انه كان من نوع ما كانت لتبتاعه لولا المبلغ الذي اودعه رويز المصرف لحسابها. وفتح لها حسابا آخر عندما وصلا الى مكسيكو سيتي وقبلت دون جدل - اذ تعلمت ان النقاش معه لا يجدي - معتزمة الا تكثر من الافادة من هذا الحساب الا لشراء ما يكون من الطبيعي ان تبتاعه كزوجة رجل غني دون ان تسرف.
كانت قد ارتدت ثيابها واخذت ماريا تسوي شعرها عندما عاد رويز. فابتسم لها ابتسامة جعلت قلبها يخفق بشدة ولعله اضطر اليها لوجود ماريا ثم ذهب ليغتسل. وما لبث ان سمعته يغني لنفسه بصوت خافت فابتسمت اذ بدا ان سيد كارسترانو كان سعيدا في تلك الليلة الاولى له في داره ووطنه. وكان لزاما ان تعترف لنفسها بأنها هي الاخرى كانت سعيدة جدا مع أنها لم تنس للحظة ان الوضع مؤقت وعليها ذات يوم ان ترحل الى انكلترا حيث تعود حياتها لسابق عهدها وأن أصبحت الآن تعرف انها لن تنسى ابدا الرجل الذي تزوجته. طبعا ليس من الضروري أن تعود حياتها لما كانت تماما فسيكون بوسعها لو شاءت ان تنشيء لنفسها مشروعا صغيرا بعد أن دبر رويز ما يكفل لها الاستقلال بدخل خاص بها في المستقبل.
وعندما أصبحت مستعدة للهبوط الى الطابق الاسفل صرفت ماريا وقالت بصوت لابد أن يسمعه رويز في الحجرة الصغيرة:
سألقي نظرة أخرى على رواق الصور وأقوم بجولة..."
فواتاها صوته:
" حذار أن تضلي الطريق... وضلت مطمئنة اياه الى أنها لن تضطره لارسال حملة للبحث عنها.
عندما التقيا بعد فترة في قاعة الجلوس شاهدت ثانية جاذبية الرجل الذي كانت تظنه يوما داعيا للنفور. كان يرتدي بزة سهرة تناسب المنطقة الحارة وقد رفع رأسه الأسمر بكبرياء غير متعمد وعيناه السوداوان تبتسمان لها وسألها:
" ألم تحتاجي لحملة للبحث عنك؟"
فضحكت وهزت رأسها قائلة:
" المكان مخطط بحيث يصعب ان تتوه... أنه جميل يا رويز."
بدا أنه مسرورا جدا لأن كاراسترانو راق لها... وبعد أن قدم لها كأسا من الشيري التفت الى الحدائق البادية خلال اقواس الشرفة وقال:
" ما أحسبني أدركت مدى افتقادي لهذا المكان حتى عدت اليه."
فسألته:
" ما الذي دفعك لتركه؟"
ما أن نطقت بالكلمات حتى تمنت لو أستطاعت ان تسحبها فما كانت لتحب أن توحي بالفضول لاسيما أنه بدا عاوفا عن الحديث عن نفسه عندما ذكرت له انها لم تكن تعرف عنه الا القليل. ولكنه لم يضق بها هذه المرة بل قال وعلى وجهه الاسمر تجهما:
" لأنني تشاجرت مع جدي..."
ولمحت الوميض المتهكم الذي ندر ظهوره في الفترة الاخيرة:
" بشأن امرأة في الواقع."
قالت:
" أهي التي كنت قد خطبتها؟" وبادرت تردف معتذرة, " أسفة ما ينبغي أن أتطفل هكذا."
فهز كتفيه قائلا:
" لم لا؟ ربما من الافضل أن تعرفي فلا بد ان يخبرك شخص ما؟"
قالت:
" لم أتمالك نفسي من الاهتمام..."
وترددت أذ أوشكت أن تقول الفضول ولكن هذه الكلمة كانت كفيلة بأن توحي بالتطفل. وأضافت تتذكر اسئلة اختها الصبية تيس المداعبة المستحيية:
" لا سيما بعد الذي قلته في حفلة التوأمين."
ابتسم اذ ذاك ابتسامة صبيانية وقال:
" لم يكن لدى أختك الصغرى اية مخاوف من القاء الاسئلة."
فسألته بلهفة:
" الم تتضايق منها؟"
قال:
" كلا في الواقع... لو كنت تضايقت لرفضت ان أجيب."
فعلا كان يمكن أن يتصرف هكذا... ان يتراجع وراء حاجز الانكماش الجامد والتحفظ. لكنه أخذ الكأس من يدها ووضعها على خزانة المشروبات ذلت القمة الزجاجية وقادها الى مقعد وثير وقال:
" تعالي فاجلسي..."
وظل واقفا ميتسما وسألها:
" من أين تودين أن أبدأ؟"
قالت:
" ربما.." وتوقفت ثم سألته وهي مازالت مترددة:
" كيف مات ابواك؟"
وأسرعت مردفة:
" ولكنك أخبرتني بهذا من قبل."
فقال:
" نعم... وأنا بعد أفيق من لقاء جيرونيمو كان يشير الى يوم فاجأها في دور الهندية الحمراء وابتسم في مداعبة ثم قال:
" ماتت أمي عند مولدي. اما أبي فمات بعد ذلك ببضع سنوات مات في حادث وهو على صهوة جواد."
" وتولى جدك تنشئتك؟"
" لعلي كنت مرهقا لهما... احسبني كنت... جامحا."
وابتسم فضحكت ضحكة خفيفة واسترسل قائلا:
" اننا اهل المكسيك من أصل اسباني ولعلنا - كما تزعم الدنيا - أكثر اسعدادا للاثارة العاطفية من غيرنا."
وهز كتفيه دون ما ارتباك وهو يقول:
" ما كانت مغامرتي الغرامية تزعجهما طالما كنت اوخضها بتعقل ولكنهما عارضاني حينما رغبت في الزواج من احدى صاحباتي."
وتأمل النظر اليه مباشرة ثم أضاف بعد لحظة:
" كان أسمها ميرسيدس لاسترو راقصة في ملهى دون الدرجة الثالثة" تطلعت اليه اذ ذاك فرأت في تلك اللحظة في الذات - امارات استهجان ممزوج بالعجب ولكنه كان يستهدف نفسه بها. وعاد يقول:
" بالرغم مما قلت عن تجاربي فانها كانت اكثر تجربة مني بقليل. كان يبدو أن كل امرئ كان يرى حقيقة ...ألا أنا."

وكان ثمة أصرار على ألا أتزوجها ولكني قررت العكس وغادرت كاراسترانو. كنت أعرف ما يترتب على ذلك وكنت مستعدا للمضي فيه واخشوشن صوته وهو يقول:
" والظاهر أن ميرسيدس لم تكن مستعدة كنت أظنها ستتقبل الا نظفر بشيء من كاراسترانو."
سألته ليلي باستحياء وقد بدأ الامر يتخذ وجها جديدا:
" ولكنها... لم تتقبله؟ كانت تظن من قبل انه لم يكن قد بلغ سن الرشد وأن مجرد رفض السماح له بالزواج هو الذي حال بينه وبينها. وقال في شيء من العجب ولكنه ظل عجيبا مستهجنا:
" لم تتقبله. ذهبت لشراء زهور الزفاف فلما عدت لم أجدها. بدا أنها كانت تود الزواج من كاراسترانو وثروة الجد وليس رويز آلدوريت.. وفي تلك السن يبدو أن المرء يأخذ الامور مأخذ الجد في مبالغة ظللت أريدها ولكني كرهتها وألقيت اللوم على جدي لرفضه استقبالها في كاراسترانو.. لم أعد أهتم باي امرئ هنا.. بل أنني هجرت البلاد وذهبت الى انكلترا حيث أهل أمي التي كان يبدو أن زواجها بأبي أثار بعض الشحناء اذ لم يكونوا راغبين في زواج ابنتهما من أجنبي ولكنها خرجت على أرادتهم وتزوجته. كانت ثمة مرارة باقية فسرهم ان يستقبلوني اذ لاح ان في ذلك صفعة لأل آلدوريت في كاراسترانو. وسررت أنا الآخر بذلك أذ كنت ألقي على جدي اللوم على كثير مما حدث. وأشركوني في مؤسسة ميريديت... وأنت تعرفين بقية ما جرى."
أجل كانت تعرف ماجرى... فتى مسكين كسير القلب ناقم على الفتاة التي أحبها لغدرها به وعلى الجد الذي كان يعرف عنها ما يكفي لأن يرفض أن يتقبلها كسيدة مقبلة لكاراسترانو. وكثيرا ما يكره المرء شخصا حاول العمل لخيره ومن المحتمل كذلك ان دون دييغو تصرف في غطرسة وتعصب. فان تصلب عضلات عنقه - في صورته - كان ينم عن كبرياء متعنت كاف لان يقصى رويز عن كاراسترانو - الذي كان يحبه - الى قارب غير معروفين في انكلترا ولعل رويز فكر في الايعود أبدا وحاول طيلة الوقت ان يكره الدار التي احبها اكثر مما أحب اي شيء آخر في الدنيا وأن يغلق قلبه دون أن تدري أنه حدث... أو على الاقل رأته يحدث ولكنها لم تفهم. ان صفقتها - التي أقدما عليها كعملية مصلحة دون أية عاطفة - فظيعة, بل بشعة - ثم أخذت بشاعتها تخف قليلا أزاء طلبها العجيب بأت يتظاهر بأنه يهواها أمام ارتها وعلى ما يبدو فان كل المراة القديمة قد انزاحت واصبح على استعداد لأن يبدأ حياة جديدة وربما لأن يقع في الحب من جديد ولعل هذا ما كان سيحدث اذا ما وضع نهاية لزواج العمل.
وعبست دون ان تفطن وهي تعجب من أن هذا ما كان يبعث فيها مسرة تذكر. لقد اتفقا منذ البداية على أن هذا ليس سوى زواج عمل وما كان من حقها هي ان تود تبديل ذلك ولا كانت لديها فكرة عما يدعوها لأن تود ذلك.
أم تراها كانت توده؟ أن حبا واحدا خاب كان صدمة كافية وما كانت من الحماقة بحيث... مست تغضنات العبوس بين حاجبيها اصبع سمراء اصبع رويز وقال:
" أنك عابسة كل العبوس. ما الذي يضايقك؟ أهي قصتي؟"
" نعم... أعني أنني شعرت بالأسف من أجلك... ومما حدث."
" لا داعي لأن تأسفي حدث كل هذا منذ زمن طويل.."
وبسط يده نحوها مبتسما اذ انبعث رنين ينبهها وقال:
" الآن... هل ننتقل لنتناول العشاء؟"
نهضت ليلي مسرعة وبالرغم من أن العبوس زايل محياها فاته يلازم ذهنها وهي تحاول أن تتبين الداعي له. أهي فكرة أنتهاء زواجها وهي التي عرفت من البداية أنه لابد أن ينتهي؟

جين استين333 09-09-09 10:52 PM

الفصل العاشر
على صهوة الجواد


رفعت ليلي رأسها عن الرسالة إذ أقبل رويز إلى الغرفة وقالت:
" أنه من كيري. هل تتذكرها؟ أنها الأخرى ذات شعر أحمر."
فقال بلهجة محيرة:
" أنني أذكرها جيدا. أعتقد أنها الأخرى كانت في مطعم ريكي في يوم ذي ذكرى معينة. وقالت رأيا يشبه رأيك نوعا ما."

فتضرج وجه ليلي ولكنها ضحكت قائلة:
" ما أحسبك ستتركني أنسى هذا."
قال:
" قد لا تنسيه حتى أجعلك تعتقدين العكس."
وبدت مترددا لحظة ثم دس يده في جيبه فأخرج صندوقا صغيرا وقال:
" أتذكر أنك أعجبت بقرط من طراز الآزتيك وقد أمرت بصنع واحد لك."
فتحت ليلي العلبة فرأت قرطين من الذهب كانا مطابقين تماما لقرطين أعجبت بهما في المتحف. وومضت عيناها ابتهاجا وبدافع لا إرادي اندفعت لتقبل خده. وتضرج وجهها إذ فطنت لما فعلت ولكنه لم يضق البتة بالحركة اللاإرادية بل ضحك مداعبا وقال وعيناه السوداوان تتأملان ارتباكها في مرح:
" أحسن طريقة للتعبير عن الشكر. أظنني سأضطر لشراء مزيدا من الهدايا."
فقالت:
" أنك أفرطت في الكرم حقا."
هز رأسه وأضاف وفي عينيه بريق مداعب:
" من الذي لا يحاول أن يكون كريما إزاء حافز كهذا؟"
كان في عينيه وميض دافيء أخذ ينمو باطراد خلال الشهرين اللذين قضياهما في كاراسترانو. وابتسمت ليلي ولمست المرصعة المعدنية في حزامه الجلدي وقالت:
" أراك متأهبا لركوب الخيل."
ولم يكن يرتدي ثياب الركوب المتعارف عليها كما كان يفعل في إنكلترا بل كان يرتدي بنطلونا أسود غاب طرفا ساقيه في حذاءين قصيرين وقميصا حريريا أبيض مفتوحا عند الرقبة وحزاما عريضا مرصعا بقطع فضية. لم يكن يشبه الرجل الذي كان يملي عليها الرسائل في المصنع في إنكلترا!


أومأ برأسه وقال:
" هل تستطيعين أن تحتملي درسا آخر؟"
فهتفت:" لكم أتمنى؟"
وصعدت لترتدي ثياب الركوب وكانت نسخة أنثوية من ثيابه وأكثر إشراقا من ثياب الركوب العادية. وتوجت رأسها بقبعة واسعة الحواف. عندها وافت رويز كان يقف عند رواق الصور يتأمل اللوحات باستغراق. وكان ثمة منديل حريري أحمر قان عقد حول رقبته وإحدى القبعات العريضة الحواف - المألوفة في تلك البلاد - مدلاة على ظهره من شريط جلدي حول عنقه.
ولم يبد انتمائه للأصل اللاتيني صارخا كما كان في تلك اللحظة فوقفت عند مدخل الردهة الجانبية المفضية إلى مخدعها تتأمله -دون أن يفطن - وتعجب مما إذا كان يفكر في الخيط الطويل من آل آلدوريت الذي كان ينتهي إليه. وقالت بصوت ظنته خافتا وهي تتقدم دون أن يفطن إلى أن صوتها كان مرتفعا:
" كل هؤلاء الرجال والنساء يضربون في سنين الزمن... وأنت آخرهم. هل نترك الماضي الآن ونتلقى درسنا في الركوب؟"
هبطا سويا وخرجا الى الشرفة الممتدة حول البيت وهبطا الدرجات التي في الجزء الخلفي إلى الساحة الخارجية حيث كانت الحظائر مقامة وحيث الفرس الكستنائية التي اعتادت ليلي ركوبها منذ وصولها الى كارسترانو - بصهيل خافت - فربتت عنقها الناعم برفق. وبينما كان السائس يسرج الفرس التفتت الى حيث كان رويز يتلقى لمسات منبه من جواد أسود ضار أصيل وسمعته يقول: ليس اليوم يا خوان... ربما غدا."
وعندها انطلق الى جوارها هذه المرة كان على جواد أشيب مثير للإعجاب.
كانت مليدا فرستها سلسة القياد. على أن ليلي كانت على أية حال- قد أصبحت تجيد الركوب. فقد اعتاد أبناء ديرموت منذ الصغر التردد على المزرعة التي نشأت فيها كيري وكانت فيها بعض جياد صغيرة. فكان ركوبها مع رويز مجرد إعادة مران على التدريب.
وبدا أن القبعة عريضة الحواف وقد مالت قليلا على رأس رويز فتنته السمراء. وأحست بأنفاسها تحتبس في حلقها وهي تتأمل أشعة الشمس تترامى على قسمات وجهه الحاد.
وإذ ابتعدا مسافة عن كراسترانو ترجلا وأخذا يطلان على المبنى من قمة تل. فبدا ليعني ليلي أجمل مما كان حين رأته أول مرة وأن كانت عرفت ان جماله الحالم يخفي بعض لمسات حديثه جدا مثل ذلك المبنى الطويل المنخفض الذي أقيم على هضبة منبسطة ليكون لطائرة صغيرة ومثل ذلك النطاق من الأشجار الى جنوب من كاراسترانو وقد توارت خلالها محطة توليد الكهرباء لإمداد القصر والقرية الصغيرة القريبة كان القصر قديما جدا. ومع ذلك فقط ارتبط - بفضل العلم الحديث - بالحاضر المعاصر.
التفتت إليه مبتسمة وقالت:
" أنه يبدو أجمل مما رأيته أول مرة. الآن أفهم انك كنت مستعدا لأن تفعل أي شيء لتسترده."
قال بهدوء:
" نعم كنت مستعدا لأن أفعل أي شيء ولو كان غير مستحب - كما كنت أرى الزواج المفروض إجبارا - ولكني أجد أن زواجنا هذا أبعد من أن يكون غير مستحب!"
والتقت نظراتها بنظراته لحظة وهي تحمل نفسها على أن تبدو وكأن كلامه أية مجاملة أخرى. ثم قالت بلهجة عفوية وهي تتحاشى نظراته:
" شكرا لك ماذا ستفعل عندها... تدعو الحاجة لإنهاء هذه الصفقة؟"
وظل برهة لا يجيب فالتفتت لتواجهه متسائلة:
" هل ستعيش هنا وحيدا؟"
مد يده فأدار ليلي لمواجهته تماما وتفرس في عينيها وقال بصوت أجش قليلا:
" هل ستعودين لإلقاء المحاضرات؟"
عضت ليلي شفتيها ثم عادت الى تفادي نظراته - وهو الأسلوب الأسهل - وقالت:
" أحسبني كنت على وشك ولكن لا ينبغي ذلك... فليس هذا من شأني."
فقال برصانة:
" بل قولي... لعلي أجد محاضراتك طريفة... وربما تكون مفيدة. وأردف باقتضاب: على أية حال يبدو أن جدي دون دييغو كان يحظى بمشورة ملحاحة."
قالت:
" ليس الأمر هكذا... أني أرى أنكما كلاكما عنيدان وأنت لا تخالف ما كان يريد إلا أنه حاول أن يأمرك به أمرا!"
قال في عجب خشن:
" شكرا لك."

راحت ليلي ترمق رويز خلسة. كانت الشمس قد اشتدت فارتديا قبعتيهما
ورمقته إذ ذاك فلم يبد عليه غضب أو ضيق. وسألته:
" هل قدر لك أن تراه بعد أن غادرت كاراسترانو؟"
فأومأ برأسه قائلا:
" مرة واحدة."
" منذ عهد قريب؟"
" قبل حوالي ستة أشهر."
هزت رأسها وكأن هذا يعزز شيئا دار بخلدها وقالت:
" أحسبني الآن أدرك السبب في أنه أثبت ذلك الشرط في وصيته. لعله كان يعتزم ان يدعك تستحوذ على كاراسترانو على أية حال ولكنه كان يحاول أن يضمن إلا ينقطع خيط السلالة. ولن أدهش قط اذا ظهرت في وقت لاحق وصية تمنحك كاراسترانو دون ما قيد ولا شرط اذا رفضت الرضوخ لشروط الوصية الأولى."
" ماذا كان يدعوه لكل هذا العناء اذا كان ينوي أن أظفر بكاراسترانو على أي الأحوال؟"
" قلت لك أنه يحاول أن يكفل إلا يؤول كاراسترانو - بعد موته - لأغراب ويحتمل أنه حين رآك منذ ستة أشهر شعر بأنك لن تتزوج قط..."
" أنني شخصيا كنت موقنة من أنك لن تتزوج أبدا. كنت تبدو أبعد مخلوق صادفته عن العواطف!"
ومرة أخرى قال:
" شكرا لك."
فبادرت قائلة:
" لا تقطع استرسالي. أنت طلبت أن أحاضرك."
وبد كأن قوة غريبة تسوقها ولم يعد بوسعها التوقف.فعادت تقول:
" كان يريد أن تمتلك كاراسترانو ولكن من المحتمل أنه كان يخشى أن تكتفي بالمجيء والاستحواذ على القصر الإقامة وحيدا وبذلك... واختلج صوتها قليلا ولكنها واصلت الحديث:
" بذلك لن يكون ثمة وريث لكارسترانو ويكوت أسم آلدوريت. في رأيي أن هذا السبب في أنه صاغ وصيته على ذلك النحو وليس لأنه كان يحاول ان يفرضه عليك أمرا."

* * *
ساد صمت طويل ثم تحول رويز داسا يديه في جيبه وهو يطل من فوق التل على كاراسترانو. وتساءل:
" أذن فمن رأيك أنه كان ينبغي أن أرفض الشرط وانتظر الوصية اللاحقة - التي تفترضينها - حتى تظهر؟"
" فاتت الفرصة الآن وعلى أية حال فإنني قد أكون مخطئة ولا تكون هناك اية وصية أخرى."
" ولكن من المحتمل أنك لا تزالين تظنينني أغش إذ اتخذت هذا المخرج وأنه كان جديرا بي أن أدبر زواجا عاديا باختياري لتوفير وريث كاراسترانو؟"
كان صوته قد أصبح خاليا من أي تعبير عما في نفسه مما لم يتح لها فرصة لأن تحدد أكان مغضبا أم غير مكترث لما قالته... فقالت محاولة معرفة ما بنفسه:
" قد لا تلبث أن تقع في الحب بالطريقة الطبيعية."ولكنه هز رأسه في تأكيد حاسم وقال:
" لا أظن!"
وكان لا يزال يتفادى النظر إليها فلم يكن بوسعها الحكم على ما يدور برأسه. ثم أستأنف الحديث قائلا:
" أذن فالرأي النهائي أنني بالاستحواذ على كاراسترانو بهذه الطريقة أغش بالنسبة لبنود الوصية ان لم يكن بأجراء مكتوب فعن طريق نية غير مكتوبة."
قالت مترددة مدركة ان كلامها كان شخصيا ولم يكن له داعي:" تقريبا!"
" أذن ففي رأيك ان الحاجة الى زواجنا تنتهي اذا ما اكتملت الإجراءات القانونية وأصبح كاراسترانو ملكا لي دون ما شك.. عندها ينفصم الزواج وأشرع في زواج عادي باختياري لأنجب وريثا لكاراسترانو وأكفر عن محاولتي للغش؟"
قالت:
" نعم... وأبقت نظراتها مشدودة الى الأرض وقد أدركت كيف تحول الحديث الى مجرى عجيب وغير عادي.
وعاد يتكلم:
" ولكن ما الذي يجعل هذا ضروريا؟ وبدا لها ان صوته تغير بشكل لم يعد من الميسور تحيده وتحول إليها أخيرا وشدت قبضتاه على كتفيها بحزم وسألها بهدوء:
" هل تمنحيني وريثا لكاراسترانو برضائك؟"
ورفعت رأسها وهي تشهق ثم أجفلت إذ التقت نظراتها بنظراته وبينت أنها كانت تحبه وانها كانت كذلك منذ مدة!

جين استين333 09-09-09 10:54 PM

الفصل الحادي عشر
ولادة الحب


ساد الصمت لحظة طويلة وليلي تحاول ان تتبين كيف حدث لها شيء كهذا. لابد أنه ظل يزحف عليها وقتا وهي لا تفطن. والواقع انه أوضح أمورا كثيرة إذ أصبحت تتبين ما كان وراءها كيف برئي سريعا من ظنها بأنها تحب بروس... الرغبة القوية العجيبة في ألا ينتهي هذا الزواج هذا وحده كان كفيلا بأن يجعلها تدرك ما كان يطرأ عليها. كان رويز قد عاد من زيارته الأولى لكاراسترانو متغيرا. وقد أذاب وطأة السنين الباردة وأصبح بذلك شخصا مختلفا كل الاختلاف. أصبح رجلا يجتذب النساء على الفور بمغناطيسية لا يمتلكها سوى القلة من الرجال. لذلك لم يكن ثمة عجب يذكر في أن شعورها نحو بروس مات بسرعة ميتة طبيعية!
ورق صوته اذ أساء فهم الدهشة والإجفال اللذين اعترياها وظنها قد نتجا عما قاله: أسف لأنني روعتك الى هذا الحد. يبدو أن الفكرة لم تخطر ببالك قط. لم تخطر؟ ما الذي كان وراء انشغالها بشروط وصية دييغو؟ أكانت رغبة صادقة في ألا يموت أسم عريق وأنه ما كان ينبغي لرويز أن يتحايل ليسترد القصر الذي أحب ولعله يلوم نفسه على ذلك, أو لعلها رغبة شخصية خفية كانت هناك رغبة عميقة في أن يكون هذا الزواج أكثر من مجرد صفقة المصلحة التي بدأ بها؟ رغبة في أن تكون حقيقية له بكل ما في هذه الصفة.
ولما واصلت الصمت انزلقت يداه عن كتفيها والتفت ذراعه حولها وقربها منه قائلا:
" أهو أمر صعب جدا؟"
وحاولت ليلي أن تتكلم فكأنما كان ثمة شيء يسد حلقها ولم تكن تملك سوى أن تتطلع إليه صامتة وقد اتسعت حدقتاها وارتجفت شفتاها قليلا.
قال وفي صوته العميق الناعم رنة إغراء:
" لا داعي لأن نبقى هنا طيلة الوقت اذا كنت تودين مزيدا من المرح. من الممكن أن تكون هناك زيارات لمدن المكسيك كما أن هناك فيلا على الساحل. أنني أعرف أن النقود لا تعني لك الكثير ولكنني غني وفي وسعك أن..."
وقطعت عليه كلامه قائلة وقد استعادت صوتها:
" أرجو ألا تتحدث عن المال في هذا الصدد."
فابتسم قائلا:
" كنت أدرك أنك ستقولين هذا."
ساد الصمت لحظة ثم هز رأسه وقال:
" أجد كلمات مناسبة لإقناعك.. أردت أن أسألك أن تبقي هنا معي بدلا من العودة الى إنكلترا فإذا بي لا أتكلم إلا عن المال!"

" الكلمات تسعف فقط الأناس المنمقين عندما يريدون التعبير."
أفلتت الكلمات منها دون إرادة ولكن بدا إنها راقت فشدها إليه وأحنى رأسه وأحست بدفء يديه وقال:
" ما أحسبني منفرا لك " فبادرت قائلة:"كلا."
قال:
" أنك فقدت الرجل الذي تحبين" وأحس بجسدها يتصلب فلم يفهم السبب على حقيقته وواصل الحديث ولكن الحياة قد تكون حافلة في كاراسترانو والزمن يقتل الألم."
وتحولت للتطلع إليه وسألته:
" هل كنت تحبها حبا جما؟"
فتحرك الرأس الأسمر نفيا وقال:
" كنت أظنني كذلك ولكن هذا مات من زمن طويل. المرء يظن أن الألم سيستمر للأبد ولكن... ولكن... إذا به يتبدد ذات يوم ويدرك المرء ان الحب خرافة شاعرية."
سألته ليلي بهدوء:
" الآن ألم تعد تؤمن بالحب إطلاقا؟"
فهز رأسه ثانية وقال:
" الحب المثالي الذي يؤمن به أهل الخيال؟ أليس يكفي أن يتبين الرجل والمرأة أن بوسعهما أن يعيشا في صداقة؟"
ودت لو تقول له أن منطقة خطأ وأن الحب حقيقة وأنه يأتي مرة واحدة. أما الذي يموت فهو الافتتان ومات افتتانها ببروس بسهولة وسرعة وعندما واجهه الحب الحقيقي ولعل لمسة من التعب الذهبي بدت على وجهها فأدارها نحوه ليتفرس في أساريرها ثم اشتدت ذراعاه حولها وبعد لحظة أبعدها عنه وهو ممسك بها وأطل على وجهها المتضرج.. وصمدت لحظة الابتسامة المحيرة التي أبرقت عيناه. وقالت:
" أكان هذا... لتغريني بالاقتناع؟"
وبدا للحظة أنه يفكر ثم هز رأسه قائلا:
" كلا يا عزيزتي أظنه كان لإثبات أن ألم فقدان الرجل الذي تحبين يمكن أن ينسى!"
وبقيت متكئة على ذراعه وهي تود لو تخبره بأن بروس لم يعد يعنيها في شيء ولكن كيف تصارحه بحبها له وهو لم يذكر شيئا عن حبه لها ولكنها شعرت بالارتياح لرغبته ببقائها. ولم يؤلمها أنه لم يحبها بعد فالحب قد يأتي فيما بعد. ولو أنه لم يكن قد شعر نحوها بشيء ما وأرادها ان تبقى معه لتنجب له أبناء لكان هذا أمرا لا يطاق لقد انثنت محاولتها لأن تنبهه الى واجبة نحو كاراسترانو على نحو لم تتوقعه ولكنها لم تأسف لذلك.
وسمعت نفسها تسأله في استحياء:" هل ذاك من أجل كاراسترانو فحسب؟"
ولم تتمالك أن تشعر أنه سؤال سخيف. وتأملها لحظة ثم هز رأسه وكأنه تبين لتوه أمرا. وقال بتؤدة: بل لأنني أجدك قد أصبحت جزءا من حياتي ورأى بوسعنا أن نسعد معا وأن لم نستطع أن نتحاب.
" أيكون هذا عسيرا؟"
وابتسم إذ حاولت تتكلم فلم تستطع سوى أن تهمس باسمه وقال:
" لا تحاولي أن تبكي الآن. سنعود الى كاراسترانو وهناك فكري مليا ثم لعلك تمنحينني الليلة الجواب الذي أود سماعه."
وهكذا عادا الى كاراسترانو وفكرت كما قال ولكنها كانت على استعدادا لأن تعطيه الرد في الحال. كانت مغادرة كاراسترانو وتركه لتحتل أخرى مكانها أشبه بتمزيق كل شيء حي في جسدها!
عندما جاء إليها في تلك الليلة كانت النوافذ مفتوحة والنسيم اللطيف المنحدر من التلال القريبة يحمل أريج ورود كاراسترانو لو أنها اضطرت الى أن تبرح كاراسترانو فإنها يقينا كانت ستظل دواما تذكر هذا أكثر مما تذكر أي شيء آخر عدا الرجل الذي تتركه هناك أما الآن فكان مقدرا لأريج الورد أن يلازمها على الدوام.
كانت تجلس الى المرأة ترتب شعرها الطويل حين دخل الحجرة وتوقفت بحركة غير إرادية والفرشاة معلقة في الهواء فأخذها من يدها وجلس الى جوارها قائلا:
" دعيني أفعل هذا عنك!"
وجلست ليلي جامدة ويده السمراء تعمل الفرشاة في الشعر الحريري. وفجأة أفلت الفرشاة ورفع الشعر الناعم الى وجهه محنيا به خده الأسمر. وقال:
" شعر جميل يا عزيزتي... لا تقصيه أبدا."
قالت بصوت مرتجف وهي لا تكاد تدري ما كانت تقول:
" لقد فكرت في ذلك أحيانا فهو مبعث إزعاج."
قال:
" أنه جميل جدا وصارخ بالأنوثة لا أحب الشعور القصيرة."
ابتسمت ليلي ولكنها قالت ولا يزال صوتها مرتجفا:
" يقولون كلما طال الشعر قل العقل."
" بوسعي أن أشهد لهم بأنهم مخطئون."
كانت ليلي سكرتيرة عظيمة الكفاءة.
وأردف بصوت مبحوح:
" ولكني أفضل زوجتي الجميلة جدا."
وشعرت ليلي بأنها ترتجف قليلا قالت:
" ما خطر لي وأنا أعمل لديك - أن من الممكن أن يكون الأمر كذلك."
فقال بلطف:
" أظن أن كلا منا كان يخفي عن الآخر شعوره ولابد" ثم ضحك فجأة وقال برثاء مستغرب:
" أن هؤلاء الشيوخ المسنين ماكرون. وأني لا تساءل! أكان جدي يعرف أن هذا سيحدث؟" فرمقته وقالت:
" لعله كان يعرف" ثم أشاحت مستحيية أمام نظراته الدافئة وقالت:
" ترى هل تمانع في أن يحدث؟"
فهز رأسه وعاد يبتسم قائلا:
" من الحماقة ان يتمنى رجل أن يأتي الى هنا وحيدا ويعيش بقية عمره وحيدا. وأني لمسرور لأنني لم أرتكب خطأ السماح لك بالعودة الى إنكلترا."
وأطبقت يداه على كتفيها وتفرست عينان السوداوان في وجهها وهو يردف:
" وأنت... يا ليلي آلدوريت؟ هل تمانعين في أن يحدث هذا؟"
قالت بصوت خافت:
" كلا, لا أمانع البتة. بدا أن ردها كاف فتركت يداه كتفيها وشدها الى أحضانه. كان هذا كافيا كبداية لعل الحب يأتي في وقت لاحق اذا كان القدر رحيما.

جين استين333 09-09-09 11:01 PM

الفصل الثاني عشر
الأفعى


كانت ليلي تمشط شعرها حين مست يده كتفيها دون أن تلتفت وقالت:
" إذا كانت هذه لعبة التخمين فلست احتاج لغير حدس واحد, والتفتت إذ ذاك وقد تحولت ابتسامتها إلى شيء من المداعبة, وأردفت:
" ليس هناك سوى رجل واحد قادر على أن يؤثر على كياني."
فابتسم رويز قائلا:
" وأنا سعيد بذلك."
أكان هذا الجبل الجليدي الذي عملت معه في إنكلترا.
كانت أحيانا تشعر بأن أقزاما سحرية غيرته - في غفلة منها - ليكون اختبارا لها وتحديا!
وفجأة قال جادا:" ألست تفتقدين بروس كثيرا ألآن؟"
فبادرت قائلة:
" أنني لا أفقده بتاتا. " ورفع ذقنها بأصابعه النحيلة القوية وقال:
" هذا جيد... أنني قلت إن الألم والفقدان لا يلبثان أن يخمدا ولا أظنني أتركه يستعيدك الآن."
فابتسمت قائلة: "أنه الآن خطيب لستيلا وهما سعيدان."
" بقدر ما نحن سعيدان؟"
" هذا ما لا يتسنى لهما."
ضحك بلطف وتناول الفرشاة يمشط شعرها كما فعل ليلة تغير زواجهما من مجرد صفقة عمل إلى شيء رائع وواقعي.
بعد أسابيع ثلاثة من ذلك وصلت رسالة من ستيلا فعلمت ليلي أن أختها ستطير لإنتاج فيلم في المكسيك وتلقت النبأ بمشاعر مختلطة... من اللطيف طبعا أن ترى أختها وهي التي كانت مشغوفة بستيلا عمرا طويلا فمن العسير أن تعتقد الآن شخصا أهلا لأن تعامله بحذر وأن تخشى غدره... كانت مستعدة لأن تعتقد أن ستيلا قد شعرت بندم لما فعلته بها غير أن هذا لا يعني امكان محو الأذى ونسيانه وكأنه مجرد غبار على نافذة قذرة.
ولأية امرأة في وضع ليلي مع زوج أيقنت الآن أنها مولعة به, كانت فكرة وصول ستيلا المتألقة لتبسط تأثيرها الأنثوي علىرجل تحرر من تحفظه فأصبح أكثر تعرضا للتأثر مما كان قبل بضعة أشهر... كانت الفكرة مروعة. ولكن ليلي شعرت في الوقت ذاته بخفقات من اللهفة لأن ستيلا كانت تمثل الأسرة وقد ودت ليلي أن تعرف جميع أعضاء الأسرة مدى سعادتها.
قالت لزوجها بهدوء:
" سيكون من الجميل أن نرى ستيلا ثانية... وهي تقول أنها ستمثل فيلما أمام رامون تالمونت أليس هو الذي قابلناه في المطعم عندما أتينا للمكسيك؟"
فأومأ رويز برأسه وعيناه تتأملان زوجته بفضول, وقال:
"نعم... الظاهر أنه واسع الشعبية."
وأمسك لحظة ثم قال:
" ليس ثمة ما يمنع من فتح دارنا في مكسيكوستي وسآخذ الإجراءات لإرسال بعض الخدم إليها وتستطيع أختك أن تمكث معنا هنا."
كان ثمة ساكن يستأجر الدار حين وصولهما أول مرة ولكنه ما لبث أن تركها."
حاولت ليلي أن تبدي ابتهاجا بالفكرة وسألته:
" ألن تمانع؟ أعني ألن يكون في هذا إزعاج؟"
ولما نفى ذلك عادت تقول وفي نفسها أمل واهن في أن يقر قولها:
" ليس هناك ما يمنع من نزولها في فندق فهي لن تكون وحيدة ولابد أن معها أعضاء آخرين من الشركة."
بدت الرقة في عينيه بالإضافة إلى نظرات متحدية مختبرة وقال:
" لا تزعمي أنه ليس عندك الكثير لتتحدثي حوله مع أختك عند وصولها. ستكون متلهفة لمعرفةكل صغيرة وكبيرة عنك, وما لم تهيئي لها كل الفرص كيف سيبلغ أهلك النبأ السار عن أن زواجك موفق وأنك سعيدة هنا؟"
تضرج وجه ليلي غبطة وركعت إلى جوار مقعده وشعرت بأصابعه تداعب شعرها وجذبها نحوه وطبع قبلة خفيفة على جبينها وقال بصوت خافت: "أنك سعيدة ألست كذلك يا عزيزتي؟"
فقالت وأنفاسها تحتبس في حلقها من نشوة السعادة:
"سعيدة جدا."
وبعد بضعة أيام ذهبا بالطائرة إلى مدينة مكسيكو واستقرا في دار آل آلدوريت وكان المبنى رائعا يشبه كاراسترانو حتى في الفناء الداخلي والنافورة المفردة. كان ثمة شعور بالاستمرار والاسترسال في تلك الدار وكأن أجيال أسرة آل آلدوريت قد تركت طابعها في المكان وتاقت إلى أن تبهر الأجيال اللاحقة من خلفها بما فعلت وكانت الحياة هناك أكثر اتساما بالشكليات مما هي في كاراسترانو فجو الحفلات والمآدب الطويلة الأمد وأصداء حفيف الثياب الحريرية والأوشحة المطرزة كان مخيما على الدار كانت قاعة الطعام حيث علقت فوق المدفأة لوحة لدون دييغو من الفخامة بحيث بهرت ليلي.
اختارت ليلي لستيلا حجرة في الطابق الأول وهي موقنة من أنها ستعجب بها كانت أغطية الفراش ثرية بالنقوش المطرزة والأثاث من خشب البلوط الأسباني القاتم وهناك خزانة فسيحة للثياب وكثير من المرايا كما كان الحمام الملحق بها فخما كانت ليلي تدرك أن ستيلا ستعجب بهذا الوسط لأنه الجو الذي من حقها الإقامة فيه فلن تساورها أية فكرة للانتقال إلى فندق وإعفاء زوج أختها من عبء الاحتفال بها بالرغم من رغبة ليلي بالترحيب بأختها وتكريم وفادتها وتشعرها بأنها في بيتها ولكنها في الوقت ذاته - كانت تتمنى أن تطمئن تماما إلى أن ستيلا ستجازيها عن إكرامها بسلوك يعفيها من لحظات القلق وعدم الارتياح. كانت موقنة من أنها لن تنسى قط ما حدث بالنسبة لبروس وكان رويز أهم واثمن لا سيما في سعادتها الراهنة من أن تعرضه للخطر.
ومع ذلك حرصت على أن تخفي عن رويز أية وساوس تنتابها بالنسبة لأختها. وشعرت أنه في بعض الأوقات كان يرمقها بنظرات محيرة لا سيما حين كانت تؤكد له مدى تطلعاتها إلى وصول ستيلا فكانت تسائل نفسها:
" أتراه كان يحدس عدم ارتياحها الخفي؟ ولكنه لم يقل شيئا."
وكانت تتمنى أحيانا لو أنه سألها فقد تجسر على أن تصارحه مقدما بمخاوفها!

* * *

وانطلقا بالسيارة إلى المطار لاستقبال ستيلا في يوم مشرق وجاهدت ليلي خلال الطريق لتظهر بمظهر مرح فأخذت تثرثر ولكنها كانت إذا نظرت لوجه رويز الأسمر الفاتن تشعر فجأة بلوعة الهواجس والتوجس وتسائل نفسها كيف لم تبتكر على الفور حجة للحيلولة دون إقامة ستيلا معهما غير أنه كان من المستحيل الاهتداء إلى حجة تقنع ستيلا ورويز بأن من الأفضل للممثلة أن تنزل مع أعضاء الشركة السينمائية في أحد الفنادق الراقية في مكسيكو ستي.
كان لابد من المضي فيما كان مقدرا ولم تكن تملك سوى الأمل...الأمل في أن تسير الأمور على خير.
ارتمت ستيلا بين ذراعي أختها حين التقيا في أرض المطار كانت كالعهد بها في أقصى أناقة وقد بدت فاتنة إلى درجة مذهلة غاص لها قلب ليلي وقالت ستيلا وقد هدأت انفعالات اللقاء:
" أنك تبدين رائعة يا عزيزتي!"
كان في عينيها ومضة التهكم القديمة إلى جانب اشراقة الحب وهي تواصل الحديث:
" أنك مثال المرأة المتزوجة! رشيقة جميلة المنظر حتى كدت لا أعرفك في البداية
أترينها تبدو في حال طيبة؟"
" في أطيب حال. ما كنت يوما أحسن مما هي . لا بد أنك زوج بالغ الإرضاء!"
ورمقته بعينيها الجميلتين وتساءلت:
" هل لي أن أقبلك يا رويز أننا على أية حال وثيقا القرابة الآن."
وبدون انتظار لموافقته ألصقت شفتيها في لين ونعومة أوراق الورد بخده الأسمر وغمرته بموجة من عطرها الذي كان أشد وأكثر من أي عطر سمحت ليلي لنفسها باستعماله.
تراجعت ستيلا وتأملته وهي تقول:
" أظنني سأرتاح إليك كزوج لأختي!"
لم يرد رويز المجاملة ولكنه بعد نقل حقائبها إلى سيارته رأى أن من اللائق كأمر طبيعي أن تشغل المقعد الأمامي المجاور له وأن تجلس زوجته في المقعد الخلفي بالرغم من شعوره بعدم رضا ليلي عن هذا الترتيب وانطلقت بهم السيارة وشمس المكسيك تغدق عليها أشعتها وأظافر ليلي تغوص في لحم يديها وهي مضطرة لأن تقاوم مشاعرها موقنة بأنها تتصرف بصورة تثير السخرية إزاء وصول أختها حيث كانت في الواقع تعتقد بأن ستيلا لن تتورع عن فعل أي شيء لهدم زواجها. وحاولت السيطرة على مخاوفها فمهما يكن فان رويز كان طرازا مختلفا كل الاختلاف عن بروس وأقنعها هذا الخاطر أخيرا بأن تكون طبيعية في تصرفها وأن تنظر إلى ستيلا كما كانت تفعل في الأيام الخالية قبل أن تصادف أي مبرر للشك في أختها!
أمر واحد هز تجلدها: بينما كانت ستيلا تفرغ حقائبها في حجرتها بعد وصولها إلى الدار وسألتها ليلي:
" هل أعلنت وبروس خطبتكما؟"
فالتفتت ستيلا واعترفت بأنه ما من خطبة بينهما وغام وجهها وكأنها تناضل لتخفي ظهور الشقاء على محياها ثم أردفت:الواضح أن بروس لم يكن يحبني حقا. كانت النجمة السينمائية اللامعة هي التي اجتذبته! هكذا قال لي.
هتفت ليلي بدافع غير إرادي:
" أنني آسفة يا عزيزتي ! لست أدري ماذا أقول؟"
وكانت آسفة حقا. فهزت ستيلا كتفيها قائلة:
" لا عليك يا عزيزتي ! ليس هناك ما تملكين في هذه الظروف سوى... أنني قد استحق ما حدث!"
وأكفهر بريق عينيها لحظة وزمت فمها... وأرتجف الفم الجميل فجأة سواء كان ذلك عفوا أو عن عمد أو مجرد نتيجة لعاطفة مكبوتة... وأشاحت بوجهها لتخفي ضيقها وقالت في رجاء, بصوت مختنق:
" أفضل ألا نتحدث في هذا الآن."
قالت ليلي على الفور في عطف:
" طبعا..."
وأسرعت تضيف:
" أنني أفهم شعورك فهما تاما. علينا أن نحيطك بأمور بهيجة وأنت هنا حتى لا تفكري في بروس ولا تدعي التفكير المهموم يشقي. فالهم لن يجديك شيئا ومكسيكو ستي رائعة في الواقع وأوقن بأنك ستحبينها. أن لرويز أصدقاء كثيرين وسنقدمك إليهم... لن تجدي وقتا للشقاء."
التفتت إليها ستيلا شاكرة ولكن أهدابها الطويلة كانت تخفي عينيها بحيث كان من المستحيل الجزم بحقيقة فكرها وشعورها. وقالت:
" ألا يحسن بنا الهبوط والانضمام إلى زوجك؟"
" كان من حسن التوفيق أن تزوجته. انه يبدو لي مثيرا... مثيرا حقا! وقالت وهي تضيف لمسات لزينتها:
" وهذا بيت مدهش حقا, فقالت ليلي معلقة:
" انتظري حتى تري كاراسترانو."
فابتسمت قائلة:
" أنني مصممة على رؤيته قد أمكث معكما طويلا وستكون مهمة شاقة أن تتخلصا مني."
أخفت ليلي جزعها بجهد وكان رويز في انتظارهما بقاعة الجلوس الرئيسية ومرة أخرى أبدى رعاية للضيفة فقدم لها شرابا قبل العشاء واختار لها مقعدا مريحا وأطرى ثوبها بلهجة الخبير وأجلسها إلى يمينه في قاعة الطعام الفخمة الأثاث.
وقالت ستيلا له:
" لا تنادني آنسة نورديت فهذا اسمي الفني وليس لأفراد أسرتي أن يستعملوه أن أسمي ستيلا إذا لم تكن تعرف."
وأرسلت ضحكة مرحة فردد اسمها باحترام وأحنى رأسه عرفانا إذ سمحت له بنماداتها باسمها وراح يردده وكأنه معجب بوقعه قائلا:
" ستيلا؟ أظن أن معناه النجمة."
واستقرت عيناه السوداوان عليها وبدا مأخوذا بتألقها وقال لنفسه بخفوت:
" نجمة داكنة" واستغرق في التفكير... ودهش إذ اضطربت ستيلا بل ارتجفت قليلا. وقالت:
" لا أظنني أود أن أكون نجمة داكنة فهذا يبدو نذيرا بنحس ما.. أؤثر أن أكون نجمة تزداد باستمرار ارتفاعا وبريقا. إن النجمة لا تعتم إلا عند اقتراب الفجر وأنا أفضل أوج التألق..."
فقالت ليلي برفق تطمئنها:
" لا تجزعي فأوج تألقك سيدوم طويلا... أنك الآن في الأوج من ناحية فنك."
فقالت ستيلا:
" أصحيح هذا؟"
والتقت نظراتها بنظرات رويز ثانية فقالت وكأن الحديث ينبعث من فؤادها:
" أحسبني أفضل زواجا موفقا على الاستمرار كممثلة ناجحة. لقد بدأت أسأم التمثيل ومطالبهُ, أما الزواج - كما منظركما - فأمره مرض للغاية."
ومرة أخرى أحنى رويز رأسه قائلا:
" أنك على صواب."
وابتسم موليا وجهه إلى ليلي فخفق قلبها وأسرعت تقول لستيلا متلهفة على أن تواسيها لفقدانها بروس:
" أننا نريد أن تحظي بفترة هانئة هنا وقد اعددنا العدة لحفل عشاء صغير ترحيبا بك وأظن أن جليسك في العشاء لن يفكر فيما إذا كنت ممثلة أو غير ممثلة كنت ستقابلينه في أية حال وقد رأينا التعجيل بذلك."
وتساءلت ستيلا برجاء طفولي جذاب عمن يكون فابتسمت ليلي قائلة:
" رامون تالمونت زميلك في بطولة الفيلم واكبر ذئب في مكسيكو ستي."
وحبذت ستيلا هذا وقالت:
" لعله ليس سيئا كما يصورنه... ومن اللطيف مداعبة ذيل الذئب!"
وتشعب الحديث وليلي تعجب بتمثيل أختها لو أنها كانت تحب بروس لشعرت بتعاسة بالغة ولكان مجهودها عظيما لإخفاء عواطفها.
بعد ليلتين توافد الضيوف لحفلة العشاء. واختارت ليلي ثيابها بعناية لهذه المناسبة فكان الثوب من المخمل الياقوت الأزرق الداكن وقد زركش ببراعة بحبات من اللؤلؤ ... كان غاية في الرشاقة حتى انه لم تكن بها حاجة لمزيد من الزينة. وفيما كانت تقف أمام المرآة تتأمل قلادة من الياقوت والماس أهداها رويز إياها وتختار سوارا يتمشى معها اقبل رويز ووضع على المائدة علبة غير سميكة من الجلد. ثم رفع غطاء العلبة فإذا بقلادة من اللؤلؤ الوضاء, فهتفت:
" ما أروعها!"
قال:
" ستكون حول عنقك أروع!"
وأحاطت أصابعه النحيلة عنقها بالقلادة وقدم إليها قرطا من لؤلؤ على شكل الأجاص. وظلت لحظة تحملق في المرآة لا تصدق أن الصورة المنعكسة كانت صورتها. ثم تحولت بدافع غريزي فقربت رأسه وقبلته قائلة:
" لست أدري كيف أشكرك على كل ما منحتني!"
فقال بهدوء:
" أن ما منحتني أنت أكثر. كنت قد نسيت كيف يكون المرء حيا حين ينزوي في قوقعه." وظل لحظة يحتضنها ثم نحاها برفق وقال:
" أذهبي وتبيني هل استعدت أختك... تذكري أن الأمسية مهمة لها ويجب أن توليها أكبر قدر ممكن من الانتباه!"
وقبل أن تبلغ الباب دعاها ورأت وجهه الأسمر يستدير نحوها وعينيه ترقبانها في استغراب وسألها:
" أحسب أن هذا اللقاء بأختك لا يسبب لك ألما يا عزيزتي؟"
ابتسمت وهزت رأسها قائلة:
" أتعني... بسبب بروس؟ أنه لا يسبب لي أتفه ألم لقد تغلبت على ذلك منذ زمن."
قال:
" هذا بديع. وهل يسرك وجود أختك هنا؟"
فترددت لحظة ثم طمأنته بقدر من الصدق:
" أجل . من الجميل أن أراها ثانية."
فبدا عليه الرضا وقال:
" يجب إن ندعو صديقتك كيري يوما ونبحث عن شخص مثل رامون تالمونت ليتزوجها!"
هتفت ليلي باغتباط:
" يا لرامون المسكين! ستضعضعه ستيلا الليلة وارى إن تعفيه من كيري في الوقت الحاضر ولكني أوافق على أنه سيكون من الرائع أن تأتي كيري وتنزل عندنا وسنبحث لها عمن يتزوجها."
قال بصوت أجش:
" عليك أن تزوجي ستيلا أولا!"

* * *

أسرعت ستيلا بإطراء فخامة ثوب ليلي حين وافتها في حجرتها وتعلقت عيناها بالقلادة اللؤلئية وأخذت تمسها برفق وقالت:
" لست بحاجة لأن أسألك أهو لؤلؤ حقيقي."
فأكدت ليلي ذلك. وهتفت ستيلا:
" يا لك من فتاة محظوظة!"
ثم تحولت تتأمل صورتها في المرآة وعلى وجهها تعبير غير عادي وغضت بصرها تتفرس في أظافرها وقالت:
" لقد هنأتك يا عزيزتي بزواجك الناجح ولكني اعنيبالنجاح أنه تحول على نحو مدهش. أنك وريز عقدتما صفقة عمل , أليس كذلك؟ وقدر لها التوفيق."
قالت ليلي متلعثمة:
" ص.. صفقة؟"
واستدارت ستيلا الجميلة ومست خد أختها بحنان قائلة:
" أجل هذا ما حدث.. ولو أنك مثلت دورا لإراحة بال أمنا أما الآن وقد تزوجته فعلا فيجب أن تكوني بارعة إذا شئت الاحتفاظ برويز! أنه يعجب بالجمال لاسيما الجمال الإنكليزي الهادئ... لقد ارتبكت لطريقة حملقته في هذا المساء."
كان من العسير على ليلي أن تصدق ما سمعت. فقالت:
" هذا لأنك أختي و... وهو يعجب بك طبعا كأي امرئ!"
وأبرقت عينا ستيلا بنوع من الهزأ وقالت متلطفة:
" طيب ولكن أنصتي لنصيحتي وأبعديه عن كل الحسناوات اللاتينيات هنا!"
ثم هبطتا لاستقبال الضيوف وقد شعرت ليلي بأن شطرا كبيرا من متعة الأمسية قد تبدد. وقدمت ستيلا بطريقة آلية إلى رامون تاليمونت وبقية الضيوف. وحاولت ليلي جاهدة أن تبدو طبيعية عندما لمحت رويز يحملق بأختها. لقد أدركت بأن ستيلا شعرت بالغيرة إذ رأت القلادة اللؤلئية الثمينة مما جعلها ماكرة ولكن هناك احتمالا بأن الأمر لم يكن مكرا وأن ما قالته كان إنذارا... فلو أنها كانت قد قابلت رويز وعرفته قبل أن تلتقي ببروس لكان رويزوليس بروس هو الذي انتزعته. ولابد أنها الآن تأسف لأنها لم تلتق برويز أولا.
صعب على ليلي أن تصدق أن أختها خطر يهدد سعادة مستقبلها ولكن التجربة الماضية علمتها أن تجزع وأدركت أنها لا تستطيع أن تثق بستيلا وبالرغم من أنها كانت تثق برويز فان الموقف جعلها مكتئبة. ليت رويز لم يقترح نزولها عندهما وداخلها الأمل في أن يتغير الموقف إذا ما بدأت أختها العمل في الفيلم.

Rehana 09-09-09 11:05 PM

يعطيك ألف عافية ..جين

و ننتظر جديدك من يدك ياعسل

جين استين333 09-09-09 11:08 PM


وبدا الاهتمام على ستيلا برامون تالمونت فعادت الحياة تمضي هادئة لبضعة أسابيع. كانت ستيلا تود رؤية كل شيء في مكسيكو ستي, وتتذوق مباهجها وكان رامون لحسن الحظ تواقا إلى تمكينها من ذلك فأصبحت تقضي وقتها في صحبته وفي الاستديو. كانت ليلي تعيش على حافة بركان فما عادت تشعر بالسعادة إلا في غياب أختها عن البيت ولكنها كانت تشعر بالإثم لأن شكوكها في ستيلا كانت تتضمن رويز رغم أن رويز كان زوجا رائعا.
كانت الحياة تمضي على هذا النحو العصيب حين أعلنت إليها ماريا مديرة البيت ذات يوم وهي في قاعة الجلوس الرئيسية أن سيدا إنكليزيا يرغب في مقابلتها... وعجبت ليلي وسألتها عن أسمه فقالت السيد بروس ولم تتريث ليلي بل أسرعت إلى البهو حيث كان بروس يقف في شيء من الحرج كأن المكان قد بهره كأنه لم يكن يتوقع أن يقابل بترحاب ولكنه نسي حرجه حين وقعت عيناه على ليلي الجديدة الأنيقة الملبس سيدة هذا القصر المنيف...وعيناه تومضان وحاول دون تردد أن يتلقاها بين ذراعيه... فصعقت ليلي وتفادته وتساءلت في فتور:
" ماذا تفعل هنا يا بروس."
" لا يبدو عليك أنك سررت برؤيتي!"
قالت وهي تسترد سكينتها:
" يجب أن يكون هذا مفهوما في هذه الظروف ... أجئت لترى ستيلا؟"
قال:
" أذن فقد وصلت."
فقالت:
" نعم منذ أسبوعين تقريبا."
وتوقفت منتظرة تعليقه ولكنه لم يقل شيئا فعادت تسأله:
" أجئت لتراها؟"
ثم فطنت إلى أنه ما كان ليتصرف كما أراد أن يتصرف لو كانت رؤيته ستيلا هي غايته الوحيدة!
وأطلق ضحكة قصيرة وقال:
" أختك الساحرة؟ انتهى ما كان بيني وبينها. كنت أحمق ولكني أفقت في وقت مناسب."
فقالت:
" كنت أحمق؟ أما خطر لك أنك شيء آخر كذلك... لقد خذلتني ثم خذلت ستيلا."
فقاطعها قائلا:
" أهذا ما قالته لك؟"
" ألم تتخل عنها؟"
" لابد أنها روت لك قصة مؤثرة... أود سماع ما قالته أختك الناصعة البياض عني. ولو سمح الوقت فسأروي لك الكثير عنها."
قالت محنقة:
" لا أقبل أن تتحدث عن أختي هكذا!"
قال:
" ليكن... غير أن عليك أن تخبريني بما قالته عني. فأني أود معرفة موقفي."
ضاقت ليلي بالموقف وقالت بجفاء:
" ما من داع لأن تكذب ستيلا ولابد أن ما قالته هو الصدق... أنت فتنت بالنجمة السينمائية ثمأفقت من غوايتك."
فهز رأسه وأمسك بذراعيها بقوة وقال وهي تحاول التخلص:
" متى ستواجهين الحقيقة عن أختك؟ متى ستواجهين أنها لا تشبه أحدا من أسرتكما؟ أنها أكثر الشابات اللائي قابلت إيثارا لنفسها وهي على استعداد لتحطيم حياة أي امرئ دون أن تكترث. أنني أعرف حقيقتها... كانت تتسلى بي فحسب وما كانت جادة أبدا في الزواج مني... لو لم تصلي حين وصلت وتفاجئيننا في موقف باد مريبا..."
ضحكت ليلي وقالت:
" لقد كان موقفا مريبا وأنت تدرك ذلك.. وبرغم إنكارك الآن فأنت كنت مفتتنا بها."
قال لها: " أؤكد لك أنني لم أعد أحبها."
فهزت كتفيها وهي في دهشة من صلابتها إذ كانت لا تشعر برثاء يذكر له أو لستيلا. وقالت وفي عينيها اشمئزاز:
" أذن فكل ما أقوله هو أنك بارع في الوقوع في الحب والخروج منه وأنني لأستهجن بشدة مجيئك واتهامك أختي بالتنكر لك."
أطلق ضحكة قصيرة وقالك
" أنها لا تلم أبدا على أي شيء... هي دائما الصغيرة البرئية الناصعة لكنكستتبينين يوما ما حقيقتها وآمل ألا تكون الصدمة قاسية."


وأفلحت ليلي في التخلص من بروس وابتعدت وقالت:
" إذا استمريت بكلامك هذا فسأضطر لأن أدعوك للانصراف وعلى أية حال فلماذا جئت إلى هنا؟ انه موقف محرج كما تعلم."
وفوجئت برده: " لقد جئت لاصطحبك إلى الوطن..."
وساد الصمت لحظة وليلي تحاول أن تستوعب ما سمعت ثم قالت أخيرا:
" أنسيت أنني متزوجة من رويز؟"
فتقدم نحوها ولكنها أسرعت بالابتعاد وقال:
" إنه زواج عمل فحسب... هذا ما قلته أنت. يجب أن تعودي معي . فكل منا للآخر وما كانت ستيلا سوى نزوة جنونية."
قالت:
" أو تريد الآن أن تصل ما انقطع من خطبتنا؟"
خدعه هدوء صوتها فقال:
" بوسعك الحصول على الطلاق."
فقالت بنفس الهدوء:
" افترضني أنني لا أريد."
وهم بأن يتكلم فاحتبس صوته... واستأنفت ليلي حديثهما:
" لا أريد العودة إلى ما كانت عليه الأمور حتى لو لم تكن قد تخليت عن ستيلا ولا أريد أن أترك رويز فأنني الآن أحبه. وإذا كان زواجنا قد بدأ كاتفاق عمل فإنه الآن حقيقي..."
فضاقت عينه واحتقن وجهه غضبا وقال:
" أذن فقد كانت ستيلا على صواب. قالت أنك ما كنت لتقبلي التخلي عن صفقة كهذه."
فصاحت ببرودة قاسية :
" لا تقل هذا ثانية!"
فاعتذر متمتما:
" آسف."
وإذ ذاك أردفت تسأله:
" وما شأن ستيلا بهذا؟ أأخبرتها بأنه مجرد مشروع تجاري؟"
وراحت ليلي تحدث نفسها:
" أتراها أساءت الحكم عليه؟ لعل ستيلا اكتشفت انه زواج عمل فحسب فرفضت لهذا الزواج من بروس اعتقادا منها بأن أختها باقية على حبه فشاءت أن تتركه طليقا لها إذا ما انتهى الزواج. إذا صح هذا فلماذا ألقت ستيلا اللوم على بروس وقالت أنه لم يحبها وبهرته أضواء النجمة؟ كلا ما كان بوسع ستيلا أن تعرف شيئا عن أن زواج أختها بدأ كاتفاق عمل وألا لذكرت هذا لها!
وقال بروس معتذرا:
" ما تعمدت أن أخبرها.. كانت زلة لسان." ولكن كان واضحا أنه يكذب.

* * *

فجأة ظهرت ستيلا مقبلة من الحديقة وقالت:
" هل علمت ياليلي العزيزة..."
وتوقفت ورفعت إحدى يديها إلى فمها إذ رأت بروس... كان إجفالها حقيقيا في بعضه وتظاهرا في بعضه وقالت:
" أأنت هنا؟"
فأسرعت إليها ليلي وأحاطت كتفيها بإحدى ذراعيها لتسرى عنها قائلة:
" أنه يتأهب للانصراف يا عزيزتي."
قال بروس في قحة:
" كلا... لابد من إيضاح أمر أو أثنين قبل انصرافي."
وحملق في ستيلا وسألها:
" أية قصة كاذبة كنت تروينها لشقيقتك ليلي؟"
فرمقت ستيلا أختها بنظرة مبهمة وقالت:
" لست أفهم... عما يتحدث؟"
فصاح بسخرية:
" حقا؟ كأنك لم تتعمدي فسخخطبتنا لمجرد هواك وما كنت تعتزمين يوما الزواج مني! وكأنك لم تسخري مني, ولم تشرعي في إغاظتي بصدد رويز آلدوريت حين قلت لك أن ليلي تزوجته كاتفاق عمل وذلك لكي لا تلومي نفسك من جراء فسخ خطبتنا!"
التفتت ستيلا الى ليلي وقالت في استعطاف يثير الإشفاق:
" عما يتكلم بحق السماء؟"
فقال وقد ارتفع صوته:
" أنك تعرفين عما أتكلم... أنك جئت هنا معتزمة فصم زواج ليلي لأنك قررت يوم زواجها أنك تؤثرين أن تستحوذي على أموال رويز آلدوريت!"
وسحبت ليلي ذراعها فورا من حول أختها وذهبت نحو الجرس ولكنه اعتراضها قائلا:
" كلا... بل ستصغين لما أقول."
قالت وبعد أن دقت الجرس بشدة:
" أظنك قلت ما يكفي..."
قالت تشيتا بالأسبانية إذ أقبلت:
" السيد بروس جرمين يتأهب للانصراف أتسمحين بمرافقته للباب؟"
خفض بروس صوته وقال بالإنكليزية التي لا تفهمها مدبرة البيت:
" حسن سأنصرف ولكنك قد تجدين ما يدعوك لرؤيتي ثانية أنني أنزل في فندق منديتو."
فقالت ليلي في فتور:
" لا أظنني سأحتاج الى إزعاجك."
فأطلق ضحكة قصيرة مكتئبة ورمق ستيلا بنظرات عابرة ثم قال لأختها:
" قد تقررين أن تعودي الى إنكلترا معي..."
ورافق تشيتا مغادرا الغرفة.
ساد الصمت برهة وجيزة ثم قالت ستيلا:
" لا أظنك صدقته؟"
فأسرعت تطمئنها قائلة:
" كلا, طبعا لم أكن أظن أنك تعلمين."
قالت ستيلا:
" ولكن ماذا قصد؟ فأنت تبدين سعيدة جدا."
فقالت ليلي بهدوء:
" وأنا فعل سعيدة."
" ولكن هل كان الزواج اتفاق عمل؟"
" أجل. كان رويز مضطرا للزواج ليرث كاراسترانو.. وكنت أظن أنني بذلك أسهل الأمور لك ولبروس."
وظهرت ستيلا بمظهر الخجول وقالت مبهوتة:
" ولكن ما كان ينبغي أن تفعلي شيئا كهذا."
فابتسمت ليلي قائلة:
" الذي حدث أن كل شيء سار الى أفضل ما يمكن... لم أكن في البداية أحب رويز ولو كان الاتفاق ما يشترط إنجاب وريث لكاراسترانو عندها... لما وافقت لحظة."
" أذن فقد كانت عملية مؤقتة... طلاق بأسرع ما يمكن تدبيره دون ما ضجة؟"
ارتاعت ليلي لقسوة وقع الكلمات وحاولت أن تقنع أختها قائلة:
" ولكنه لم يعد كذلك... عندما بدا أننا منسجمان أقترح رويز أن نجعله زواجا حقيقيا... وأنه حقيقي فعلا الآن."
وبدت عن ستيلا حركة تنم عن أنها تجد صعوبة في الفهم والإدراك وهتفت:
" يا للسماء يا ليلي! أي تورط فظيع وغير ضروري. أنكما لو لم تتزوجا أو أنه ما يزال من الممكن إلغاء علاقتكما! أحسب أنه من السهل الحصول على الطلاق إذا لم تكوني واثقة تماما بصدد المستقبل... ولست أرى كيف تكونينمطلقة الثقة في هذه المرحلة؟"
وابتسمت ليلي في اعتداد وقالت:
" أنني متأكدة. ولست أريد طلاقا. قلت لك أن كل شيء تحول الى خير وضع. ولقد أحببت رويز ولا أريد استعادة بروس."
عضت ستيلا شفتيها وقالت:
" أموقنة أنت تماما؟ لكنك كنت مشغوفة به."
فقالت ليلي:
" أنني متأكدة تماما... والشغوف ليس جبا."
فرمقتها ستيلا بنظرة محيرة فيها ما عجزت ليلي عن فهمه وقالت:
" حسنا... هذا يريك كم من أخطاء تستطيعين ارتكابها في الحياة!"
بدت ستيلا مشغولة البال حين اصطحبها رويز وليلي في السيارة بجولة. وفي المساء سبقت ستيلا شقيقتها الى الهبوط قبل العشاء وكان رويز يقف بجوار خزانة المشروبات وتقبلت منه كأسا.
ولم تلبث ليلي أن فطنت الى أنها تأخرت فأسرعت بالهبوط.. ولما لم تعد ستيلا في حجرتها توقعت أن تجدها في قاعة الجلوس كانت وساوسها من ناحية أختها قد هدأت نوعا ما منذ حديثهما بعد الظهر لذلك صدمت إذ فتحت الباب قليلا فسمعت ستيلا تقول بصوتها الخافت, الجميل:
" يسرني أن وجدتك وحيدا يا رويز, فهناك شيء كنت أحاول قوله منذ وصولي ولكنني كنت أرجئه.. غير أن أمرا حدث بعد ظهر اليوم جعلني أدرك ألا بد من إقحام نفسي."
وكان رويز هادئا مشوبا بالدهشة:
" إذا كان هناك ما أستطيع فعله لمساعدتك فأرجو أن تخبريني."
" أنه عن أختي... وبروس."
قال بلهجة مؤدبة:
" نعم؟"

جين استين333 09-09-09 11:15 PM

فشرعت تقول:
" من العسير أن أتحدث في هذا... وازداد صوتها بحة. ولم تدر ليلي لماذا لم تبادر بالابتعاد فما كان من عادتها التنصت على أحاديث الغير. بيد أن ذكر أسمها سمرها في مكانها وستيلا ماضية في الحديث: لست أدري كيف أعبر ولكنك ربما تدرك الاتجاة إذا قلت أنني أعرف ما دعا ليلي الى الزواج منك... لترث كاراسترانو..."
وساد الصمت لحظة ثم واصلت الحديث:
" ألا تظن.. أن من الغبن أن تستبقيها مرتبطة بك.. أعني, يبدو لي أنك لا تنفذ نصيبك من الاتفاق. أنها فعلت من أجلي الكثير وأرى من واجبي تصحيح هذا الوضع."
قال في اقتضاب:
" أذن أخبرتك هي بالسبب لزواجنا؟"
" ليس تماما... تصادف أن سمعتها عفوا تذكره لشخص آخر."
" ومن يكون هذا الذي تحدثه في أمر شخصي بحت كهذا."
قالت " بروس ." فهتف:
" آه!."
لو لا أن ليلي كانت مسمرة في مكانها لاندفعت الى الغرفة في تلك اللحظة. وأردف رويز:
" الرجل الذي كان خطيبها يوما؟"
فأجابت ستيلا وفي صوتها رنة ارتياح:
" نعم.. أن هذا ليس شأني في الواقع ولكني شديدة الولع بها وأعرف كم كانت متعلقة ببروس يوما... ويبدو أن ستيلا تنفست بعمق إذ ذاك ثم أسهبت في القصة التي أعدتها:
" كنت في الحديقة مصادفة عندما جاء... ولم أشأ أن أقطع عليها اللقاء فتريثت متوارية عن البصر... بودي أن أعفيك من التفاصيل كان لقاء جياشا بالعواطف."
ظل رويز صامتا بينما استأنفت هي:
" وعندها سمعت طرفا من الحديث.
قضى رويز تلك الليلة في غرفة أخرى لأول مرة منذ أصبح زواجهما حقيقيا... وكان قد خرج عقب العشاء مباشرة لمقابلة اصدقائه وعاد في ساعة متأخرة وفي الصباح التالي أخبرها بأنه مضطر للعودة الى كاراسترانو فلما بادرت لإعداد عدتها لمرافقته قال بحزم:
" ما من داع لذهابك معي فلن أغيب سوى بضعة أيام."
وهمت بأن تتكلم ولكنا تريثت فما كانت اللحظة مناسبة للحساب بينما كانت تعد له حاجياته سألها فجأة:
" لماذا لم تخبريني بأن خطيبك السابق اتصل بك؟"
فأجابت :
" كنت أعتزم... ولكن الفرصة لم تسنح لذلك."
فقال:
" أم لعلك لم تظني أن للأمر أهمية؟"
قالت:
" كلا... لم يكن ذا أهمية."
ونظرت إليه في لوعة. كان الأمر المهم الوحيد هو أنه لم يقبلها, وهو يتعجل الخروج للحاق بالطائرة. ووقفت تعض على شفتها أمام الباب الخارجي للدار والسيارة تنطلق به نحو المطار.

* * *

أطبقت عليها الوحدة الموحشة بعد ذلك. كانت هي الأخرى تود العودة الى كاراسترانو حيث أصبح بيتا ومقرا وموطنا لها أكثر من الدار التي نشأت فيها لا سيما وأنه كذلك بالنسبة للرجل الذي أحبته. وتقبل الحياة معه برتابة وصداقة دون أن تكتشف أن ذلك لم يكن حبا ماذا لو لم تأت ستيلا... وتفتح عينيها على الحقيقة أن رويز وليس بروس هو الحبيب الحقيقي لها!
ترى أين رويز الآن؟ هل حطت به الطائرة؟ لو كانت معه لشعرت بيده تحت إبطها وهو يساعدها على الصعود درجات الشرفة الأمامية للبيت. ولأحست بكل عصب في جسمها يغرد لأن أتفه لمسة منه كانت كفيلة بأن تسعدها... ولدخلا البهو اللطيف الجو... وتراءت لها ذكريات لحظات هنيئة مشرقة ذكريات رويز يغادر الحمام وبشرته البرونزية تظفر بالصحة, وشعره الأسود مبتل ومتناثر.. أو هو في بذلة السهرة في أوج اناقتة... أو وهو ضاحك طروب في ثياب ركوب الخيل, وذكريات الوقوف في رواق الصور تتأمل أجيال آل آلدوريت حتى تصل للمساحة الخالية المحتجزة لأجيال ومع انه لم يكن ثمة وريث لكاراسترانو بعد, فإنها كانت تشعر دائما بيقين دافئ بأنها ستخبر يوما الرجل الذي أحبته بأنه لن يكون آخر آل آلدوريت... وكان أحيانا يجدها واقفة أمام الصور فيحيط كتفيها بذراعيه.. وتنفرج شفتاها - دون إرادة منها - عن ابتسامة وتخال أن عينيها تشيان بشعورها نحوه كان رجل تفخر أية امرأة بحبه وان لم يكن قد قال يوما أنه يحبها.
كان كاراسترانو نعيما خاصا بهما ولكن ما الذي يجري الآن؟ هل بدأ يندم على أنه سمح لزواجهما بأن يتحول من اتفاقية عمل بحت كما كان يوما أو ترى كانت ثمة يد بطريقة ما... لبروس؟


وقررت في اليوم التالي أن تذهب لمقابلة بروس خشية أن يكون رويز وقد علم بقدومه الى البيت - قد اتصل به, وأن يكون بروس قد قال شيئا يسبب مزيدا من المتاعب ولكنها حين وصلت الى الفندق الذي كان ينزل فيه علمت أنه خرج.
وعادت الى البيت ولكن نوبة من القلق وعدم الارتياح استولت عليها فعادت الى الخروج مرة أخرى وراحت تسير على غير هدى... ما كان بوسعها أن تتحدث مع أحد حتى ستيلا... إذ كانت أختها تلازم غرفتها طيلة ما بعد الظهيرة والستائر الخضراء مسدلة وقد تولاها صداع قاس نتيجة بقائها تحت الشمس خارج البيت - وقتا طويلا ... وعلى أية حال فان ليلي لم تعد تثق فيها أو تطمئن إليها.
شعرت ليلي بتعاسة إذ لم يعد بوسعها أن تطمئن الى أحد... فتابعت السير على غير هدى تحت الشمس الشديدة, الحارة حتى انهارت قواها... وعندها عادت الى البيت.

جين استين333 09-09-09 11:16 PM

الفصل الثالث عشر والأخير
الحقيقة


أخذت ليلي تستعيد ذكرى عودتها للبيت على غير موعد في المناسبة الأولى وقدومها غير المتوقع - في هذه المرة الذي كان مختلفا... فبدلا من أن تنسحب تلقائيا وقد شلت صدمة المفاجأة والألم تصرفها إذا بها تتوارى عن البصر, وتصغي.كانت المناسبة في هذه المرة - مختلفة جدا. لقد أقبلت - كما حدث من قبل - من غير المدخل الأمامي إذ دخلت من الأبواب المفضية من الشرفة الأمامية الى الحديقة... وهذا هو وجه الشبه الوحيد بين المناسبتين. ولكن ما شعرت به في هذه المرة لم يكن ألما وإنما كان تبدد لوهم, وبداية لقرار حاسم وهذا ما جعلها تستمر في الإصغاء لما كانت تقوله ستيلا لبروس, في إيضاح يشوبه شيء من السخرية:
" أظن بأنك جدير بأن تكون أكثر سرورا... فالأمر برغم كل شيء لصالحك أنت الآخر."
وأجابها بروس:
" قد لا أكون راغبا في أن أتردى الى المستوى الذي بلغته أنت!"
" من الذي يحفل بالوسائل ما دامت النهاية المنشودة تتحقق؟"
" يجب أن تشكرني يا عزيزتي. لقد مهدت الطريق فعلا ولن يدهشني إذا ما بات بوسعك - في القريب العاجل - أن تستطيع إقناع ليلي بأن تعود الى إنكلترا في صحبتك."
هنا قالت ليلي وقد ظهرت في باب الشرفة:
" كلا... أنك فسخت خطبتي من قبل يا ستيلا ولكني لا أنوي أن أسمح لك فصم زواجي من رويز!"
كان من الغريب حقا أن يتمكن المرء من التحول فجأة من النقيض الى النقيض في لحظة واحدة. أن ليلي ما كانت حتى بضع دقائق مضت على استعداد لأن تصدق أي سوء عن ستيلا أما الآن فقد زال تماما كل وهم وكل ما كان يحيرها وأتضح كل شيء حتى أدق دقائقه... وأصبحت تعرف أن بروس كان صادقا حين قال أن ستيلا كانت تعبث بهما معا حين فسخت خطبتهما.
استدارت ستيلا بهدوء وظلت أساريرها لحظة لا تنم عن شيء ثم عاودتها الابتسامة الهازئة ببطء وقالت دون حياء:
" أنك مولعة حقا بالظهور في أوقات غير متوقعة يا عزيزتي... أليس كذلك؟"
فقالت ليلي بنفس الهدوء الذي لازمها حين كشفت عن وجودها:
" كان من الخير أن أظهر في هذه المناسبة بالذات."
قالت ستيلا متهكمة:
" أتقصدين... أعذر من أنذر؟"
" نعم... كان من المحتمل أن تنجحي لو أنني لم أعرف أنك التي سببت المتاعب... ما الذي قلته لرويز حتى جعلته يرحل الى كاراسترانو فجأة على هذا النحو؟"
قالت ستيلا هازئة:
" آلا تفضلي عدم المعرفة؟"
فابتسمت ليلي ابتسامة واهنة وقالت:
" أحسب أنه كان من الإفراط في السذاجة أن تخبريني من تلقاء نفسك. لكن قد يكون بوسعي أن أعرف من رويز نفسه."
وأمسكت وتوقفت لحظة وقد زمت شفتيها في قسوة غير طبيعية ثم أردفت:
" أنني أعني ما قلت ستيلا.. لن ادعك تفسدين زواجي!"
كانت جادة فعلا فقد تولد الزم كاملا ووطيدا بمجرد أن تبينت حقيقة ستيلا وفهمت أخيرا مدى خطأ أسرة ديرموت في اعتزازها بالابنة الجميلة.. النجمة الداكنة كما كانوا يسمونها.. النجمة الداكنة! لقد انجلى للوصف معنى جديد ينطوي على شؤم. ما أعجب أن العرافة العجوز كانت على صواب! ولكن اعذر من أنذر حقا كما قالت ستيلا. ولقد عقدت ليلي العزم على النضال من أجل زواجها مستخدمة كل سلاح يتيسر لها ودون ما مخاوف أو تردد يذكر.
ومن خلال فهمها الجديد لستيلا أيقنت ليلي بأنها ما كانت مستعدة البتة للموافقة على طلاقلو أن أختها استغلت فتنتها وجمالها فجعلت رويز يهيم بها. فما كان بوسع ستيلا قط أن تسعده. ولكنها كانت مستعدة لتحمل نفوره وكراهيته والتردي في الشقاء والتعاسة ولكنها لن تسمح له بالتعرض لتبدد الوهم مرة أخرى إذ أن أي رجل يحب ستيلا يعرفها في النهاية على حقيقتها. على أن الوقت لم يكن قد اتسع لتحدث ستيلا ضررا جسيما.
أدركت من خلال فهمها الجديد لأختها - إن ستيلا ما كانت قادرة على أن تحب رجل. وإذا حاولت أن تنتزع منها رويز وقد بدا أنها شرعت في المحاولة فعلا - فما كان إلا رغبة في ماله ومكانته بالإضافة الى جاذبيته كرجل. وإذ كان الصراع على هذا المستوى فلليلي الحق كل الحق في أن تحمي زواجها والرجل الذي أحبته. ولو أن ستيلا كانت امرأة أخرى امرأة من طراز مختلف تماما فقد كان من المحتمل ألا يكون قرارها قاطعا أما مستوى الصراع فانه يقوم على الجاذبية الأنثوية وهي ناحية كان بوسع الزوجة أن تمنح رويز إياها فان النضال كان من حقها إذ أنها الى جانب ذلك كانت تحبه وكانت على استعداد لأن تفعل كل ما وسعها لإسعاده... بينما ستيلا لم تكن تفكر إلا في نفسها!
وإذا كان على ليلي أن تحارب ستيلا فلتحاربها على مستواها إذا دعت الضرورة... أنها كانت توفر السعادة لرويز ولهذا السبب وحده كان من حقها أن تحارب للذود عنه... أن تحارب لتستمر السعادة التي وفرتها له.
وقطع عليها أفكارها صوت ستيلا وهي تقول:
" وبعد؟ أحسبك ستطلبين أن أعد حقائبي وأغادر الدار؟"
فقالت ليلي محتفظة بهدوء صوتها:
" أظن أن هذا واضح!"
ضحكت ستيلا في سخرية وقالت:
" وماذا ستقولين لرويز؟ أنك تظنين أن أختك تحاول سلبك زوجك الغني؟"
فقالت ليلي:
" ليس لأمواله قيمة لدي."
وعادت ستيلا تضحك ولكن السخرية شابها شيء من الازدراء وقالت:
" أنني أكاد أصدقك... أنك من الغبيات اللائي يتدلهن في حب رجل دون أن يحفلن بأمواله."
وسارت الى الباب ثم وقفت لتقول:
" يحسن بك أن تعودي نفسك على الرضا ببروس لأنني اعتزم أن أفوز برويز."
فردت ليلي دون أن ترفع صوتها محتفظة بهدوئها:
" وأنا أعتزم ألا أمكنك من تحطيم زواجي."
قالت ستيلا في غرور غطرسة :
" تظنين أن في وسعك أن تنازليني؟"
" سأحاول. أنك لا تملكين سوى الجاذبية. ولو دعت الضرورة فسأنازلك في مجالك. أنني لست بشعة. وزواجي من رويز عرفني بهذا."
قالت ستيلا هازئة:
" أذن أتمنى لك حظا" ولوحت بيدها ثم خرجت.
وقفت ليلي حيث كانت وبدأت تشعر بالبرودة. كانت خائفة بالرغم مما قالت فان ستيلا كانت جميلة وما كانت تتورع في شيء... ومهما يكن فان رويز كان رجلا وله عواطف مشبوهة... وتذكرت ما قاله رويز يوما:
" أننا معشر أبناء المكسيك أوتينا دما أسبانيا وقد نكون كما تزعم الدنيا أسهل من سوانا استثارة في الناحية الحسية وفي هذه الناحية سيتركز مجهود ستيلا بطبيعة الحال!
هتف بروس لـ ليلي بعد انصراف أختها بصوت خافت:
" ما كنت أحسبك أوتيت هذه الجرأة يا ليلي وأمسك رسغيها فجأة وهو يقول:
" ولكنك لا يمكنك أن تفوزي... وضد ستيلا بالذات!"
فقالت بهدوء:
" بوسعي أن أحاول."
شد قبضته على معصميها وقربها إليه قائلا:
" الأمر لا يستحق المحاولة. لندعها تحظى به. كنا سعيدين يوما وبوسعنا أن نسعد من جديد."
فدفعته بحركة لا إرادية قائلة:
" لقد انتهى هذا وعفا عليه الزمن."
قال: " لا داع. ستيلا لا تتورع عن شيء" ومضى في حديثه: أنها ستهتدي الى طريقة كي تفوز في النهاية... لو جئت معي الآن فستعفين نفسك من كثير من الشقاء."
" لن أدعها تفوز. سأهتدي الى طريقة كي أمنعها. لابد من ذلك... فأنا أحب رويز... وهي ستشقيه لو فازت."
واكفهر وجهه فجأة وأصبحت قبضته مؤلمة وبحركة سريعة ضمها إليه وقد أثاره عدم اكتراثها فجأة. وتمتم وهي تناضله:
" ليس ممكنا أن تحبيه. أنك تحبينني. أنك لم تتزوجيه إلا بسبب ستيلا كما قلت... وسأبرهن لك على ذلك."
وزاد من هياجه أن حاولت التملص منه. ولكنه كان أقوى من مقاومتها... وإذ كانت قد احتاطت الى ما يثبت مدى شفائها من افتتانها به فقد وجدت إثبات في هذه اللحظة. وشعرت بأن قبلته تثير اشمئزازها فعلا!
في تلك الأثناء كانت ستيلا تقف في البهو... إذ فتح الباب الأمامي فجأة ودخل زوج أختها الطويل الأسمر. وأومأ لها برأسه إيماءة خفيفة وارتسمت على شفتيها الابتسامة الخادعة الساحرة. ولما أغلق الباب وتقدم في البهو تحركت بسرعة متظاهرة بأنها تود أن تعوقه عن الحجرة التي خرجت منها. وقالت:
" أرجو ألا تدخل."
فضاقت حدقتاه وهو ينظر إليها وسألها في حدة واقتضاب:
" لماذا؟"
" لأن بروس هناك... مع ليلي."
وفي هذه المرة اتجه رويز الى الحجرة بحدة دون إرادة منه تقريبا... فأمسكت بذراعه قائلة:
" أرجوك... يجب ألا تغضب. لقد أخبرتك قبل رحيلك..."
وكان قد وقف وقالت بعد لحظة صمت:
" هل فكرت فيما قلت؟"
وواجهها ودفع يدها عن ذراعه فجأة وكأنها قبضة سامة وقال:
" نعم. ولكن عليك أن تدعي حياة زوجتي وحياتي ندبرها معا. وهناك أمر أخر... أرجو أن تلتمسي عذرا لمغادرة بيتي. أن كرم الضيافة تقليد أسباني ولكني مضطر لأن أخرقه الآن. أنني لا أود أن أقول لزوجتي أن أختها غشاشة كاذبة لا قلب لها إطلاقا تحاول أن تفسد حياتها كما حاولت مرة -من قبل - في إنكلترا لمجرد اللهو التسلية."
فهمت بالكلام ولكنه أسكتها وأستأنف حديثه:
" أظنك تفهمين... وهناك أمر آخر. هذا ال بروس.. لا أدري إذا كنتما دبرتما هذا بينكما ولكني أود أن تفهمي كذلك أنني لن أسمح. لزوجتي بالعودة إليه مهما تكن الظروف سألتني أن أفكر فيما قلته لي ولقد فكرت... أنني لا أصدق أنها تحبه ولن أدعها - على أية حال - ترحل مع رجل تركها يوما من أجل امرأة مثلك. والآن أتسمحين باتخاذ الاستعدادات لمغادرة الدار؟"
وأحنى رأسه في تحية موجزة ودخل الغرفة... ووقفت ستيلا لحظة حائرة مرتبكة ثم أظلم وجهها وئيدا بالغيظ والقهر... وتحولت مسرعة تصعد درجات السلم.
أغلق رويز الباب ووقف لحظه ووجهه الأسمر لا ينم عن شيء... ما كان ليدخل في لحظة أسوأ من تلك ومع أن ستيلا أدركت أنها قد خسرت المعركة قبل أن تبدأ فإنها كانت تشعر بارتياح خبيث لو قدر لها أن تشهد هذه اللحظة.. فمع دخول رويز كان بروس يقبل ليلي! على أن ارتياح ستيلا ما كان ليدوم طويلا لأن الواضح أن ليلي كانت مكرهة غير راغبة وما أن تمكنت من تخليص احدى يديها حتى وجهت لكمة لمعدة بروس وهي مهتاجة... وانحنى بروس وهو يشهق ألما وإذ بصوت رويز ينبعث في إعجاب واضح:
" أنك تخالفين كل توقع يا عزيزتي. فالمعتاد أن توجهي اللكمة الى الأذنين!"
واستدارا... كان وجه ليلي شاحبا وبدا بروس مرتبكا و محرجا و متوجسا في آن واحد. وانحنى رويز في تحية مقتضبة وقال في هدوء:
" لا أعتقد أننا تقابلنا من قبل ولكني لا أجد داعيا للتعارف."
" أنني .. بوسعي أن أوضح."
" أتعني أنك كنت تتهيأ للانصراف؟ من المؤسف أن يكون تعارفنا قصيرا الى هذا الحد ولكنا نقدر رغبتك في الرحيل على الفور."
وشهق بروس وغادر الغرفة وهو يكاد يجري. وتابعه رويز وعلى وجهه الأسمر الجميل لمسة من السرور, وقال متفكها:
" أنني كواحد من آل آلدوريت أعتبر نفسي شديد السيطرة على أعصابي. ولعل هذا ورثته عن الجانب الإنكليزي في دمائي!"
همت ليلي بالتقدم إليه باسطة إحدى يديها ثم توقفت لا تدري كيف تتصرف... فبعد السوء الذي أحدثته ستيلا كيف يتسنى لها إيضاح ما حدث... دخوله الحجرة ليرى رجل يقبل زوجته... والأنكى أن الرجل كان خطيبها السابق!
ابتسم رويز فجأة تلك الابتسامة الوضاءة "هل كان يظن أنني ادعك ترحلين معه؟"
فتشبثت بذراعه وهتفت:
" أنني لا أريد الرحيل معه. يجب أن تصدقني. أنني لا أدري ما قالته لك ستيلا ولكنه أكاذيب!"
" أنني أصدقك ولكني لا أظن أنني كنت مستعدا لأن أتركك ترحلين ولو كنت راغبة في ذلك!"
وشعرت ليلي بهزة سعادة جديدة تسري في كيانها... بعد أن بدأت ستيلا ودسها الخبيث يتلاشيان.
وتساءلت لماذا؟ ولكن الغريزة وشهور السعادة التي قضياها معا سبقتاه الى الإجابة وهو يقول:
" لأن الرجل لا يفرط في المرأة التي أحبها دون نضال. وفي اللحظة التالية كانت بين ذراعيه وقبلاتهما المتبادلة تعبر عن الحب الكامل وعن ثقة كل منهما بالآخر وأدركت ليلي إذ ذاك انه لم يكن ثمة شيء من ستيلا في الواقع لأن شهور المعاشرة ولدت بينهما شيئا لا يمكن تدميره أبدا!
أبعدها رويز ونظر الى وجهها بعينيه السوداوين الدافئتين كما يفعل أي رجل حين يريد معرفة متى رفعته حبيبته الى مقام كل الرجال... وابتسمت ليلي قائلة:
" لقد حدث ذلك منذ زمن بعيد ولكني لا أحسبني أدركت عن بينةما كان يعتريني إلا حين سألتني أن أهبك وريثا لكاراسترانو فأدركت أن كل ما قلته لك بصدد تحاليلك على شروط الوصية أنما صدر في الواقع عن رغبة في عقلي الباطن في أن يكون زواجنا حقيقيا. كنت أخدع نفسي بكل حديثي عن كاراسترانو...."
فضحك بلطف ضحكة الرضا الكامل وقال:
" أحسبني بدوري كنت أخدع نفسي. ومع ذلك فلا بد أنني كنت أريدك دائما زوجة الى نهاية العمر!"
" لكنك كنت تقول إذ ذاك أنك لا تؤمن بالحب؟"
" كنت أحمق. فالرجل الذي لا يحب لا يكون مكتمل الحياة!"
" وكذلك أية امرأة."
" أذن فنحن متفقان على أننا مكتملا الحياة!"
وابتسمت عيناه السوداوين ثم اختفت الابتسامة فجأة وبدا جادا وهو يقول:
" لقد ذكرت أختك منذ لحظة... أهناك ما تبغيه أن تقوليه عنها؟"
فغضت ليلي بصرها وقالت:
" كلا... ليس الآن." ذلك أن ستيلا لم تعد في وضع يتيح لها إثارة المتاعب فما من حاجة لأن يعرف رويز حقيقة أختها ومدى ما سمعته هي نفسها عفوا. وأمسك بذقنها ورفع وجهها وراح يتفرس لحظة في محياها ثم هز رأسه. وقال:
" أظنك عرفت أخيرا حقيقتها!"


فانفرجت شفتاها دهشة وهتفت:
" أكنت تعرف يا رويز؟"
" عرفت من البداية. ولا أظن أنك تنزعجين أن تعرفي أنني سألتها أن ترحل!"
فضحكت ليلي قائلة:
" سألتها أن ترحل؟ أنني أمرتها بذلك قبل أن تفعل!"
فبتسم قائلا:
" ما أطيب أن نتشابه في تفكيرنا!"
" تشابه؟"
كانت ليلي مستعدة لأن تنازل ستيلا في المجال الذي اختارته والآن يبدو أن رويز عاد من كاراسترانو وقد عقد عزمه على ألا يدع زواجهما ينهار. وسألته:
" ولكن إذا كنت عرفت حقيقة ستيلا من البداية وأدركت أنها تحاول عن قصد أن توقع بنا سوءا فلماذا رحلت الى كاراسترانو على النحو الذي حدث؟ ألم يكن رحيلك بسبب شيء قالته؟"
" رحلت لأنني كنت أعرف أن في ما قالت قدرا كبيرا من الحقيقة وبالرغم من جهودها كي تلوي هذه الحقيقة لتناسب أغراضها."
وتوقف مقطبا جبينه قليلا ثم أستأنف الحديث:
" أنك عندما تزوجتني كنت تحبين ذلك ال.. بروس."
ونطق الاسم في ازدراء غاضب تحول إلى ابتسامة إذا رفعت يدها تخفف عنه فأمسك اليد وطبع على كفها قبلة وهو يتابع الحديث:
" ولقد أقنعتك بأن نجعل زواجنا حقيقيا وبدا لي أنك سعيدة ولكن أختك ما لبثت أن جاءت وأخبرتني بأنك مازلت تحبين بروس و بأنه كان يعلم أن زواجنا زواج عمل - أو هكذا كان - وبأنه جاء الى المكسيك ليحاول أن يستردك ولكنك صددته بسبب ولاء نحوي نشأ عن اعتقاد خاطئ. وبدا أن في هذا قدرا من الحقيقة. واكتشفت - في تلك اللحظة - كم كنت قد خدعت نفسي. لم يكن ما بيننا مجرد تكافؤ عقلي وقدر معين من الجاذبية الجسدية بل أنني كنت أحبك..."وفوجئت بفكرة احتمال أن اضطر الى التخلي عنك. كنت تبدين سعيدة معي ولكنني لم أكن أعرف ما إذا كنت - تحت هذا التظاهر- تحنين الى ذلك الرجل في إنكلترا. لهذا عدت الى كاراسترانو لأحاول أن أصل الى قرار. ولكني لم أكن بحاجة الى أن أبحث عن الحقيقة في كاراسترانو... كانت الحقيقة تحيط بي هناك... ذكريات سعادتنا فأدركت أننا ما كنا نسعد بهذا القدر ما لم نكن متحابين."
" كانت ليلة واحدة هناك كفيلة بأن تخبرني بالحقيقة. لعلك لم تتبيني هذا ولكني موقن منه لهذا عدت معتزما أن أرفض التفريط بك حتى لو سألتني أن أحلك من زواجنا! كنت على يقين بحيث أنني كنت على استعداد لأن أواجه الشقاء الى فترة... الى أن تتبيني أنك أنما تنعمين لي وأن الآخر كان مجرد بقايا راسبة من تعود قديم... تعود الظن بأنك تحبينه!"
ضحكت ليلي وقالت:
" تعود! كحذاء قديم نسيت أن ترميه ما كان أشد أسى بروس لو أنه سمع هذا الوصف." ومضت تقول:
" ما شعرت إلا بتوتر عصبي من الضيافة التي أحدثها... ثم بالخوف حين تبينت ما كانت عليه ستيلا حقا وما كانت تحاول أن تفعله."
وتوقفت لحظة وهي تهز رأسها في عجب ثم أردفت:
" أليس غريبا أن تساورنا معا فكرة واحدة؟ أنك كنت مستعدا لاحتمال كراهيتي إياك لفترة ولكنك كنت ترفض إن تدعني أعود لبروس... كذلك كان شعوري أنا إزاء ستيلا!"
قال بهدوء:
" ليس غريبا في الواقع. فكل منا يعرف أنه مرتبط بالآخر ويؤمن بهذا كل الإيمان بحيث أنه على استعداد لاحتمال أي شيء أخر. لعل قدومها الى هنا كان ضروريا حتى نعلم مدى قيمة كل منا للآخر!"
وشدها الى أحضانه ثانية ومضى يقول:
" والآن... لننس كل شيء عنها. فلن تلبث أن ترحل عن الدار بعد قليل وسنعود الى كاراسترانو معا."
العودة الى كاراسترانو ! الى السعادة الكاملة والدائمة! وابتسمت ليلي له مدركة أن زواجها الذي بدأ على ذلك النحو الغريب واجتازا بحارا غريبة قد بلغ أخيرا المرفأ الذي ينشده كل امرئ.
وغربت... النجمة الداكنة من سماء حياتهما!

جين استين333 09-09-09 11:20 PM

تــــــــــــــــــــــمــــــــــــت


أتمنى لكم قراءة ممتعة ^__^

جيرمون111 15-09-09 02:45 AM

الرواية متميزة عن باقي روايات عبير .
إنها بالفعل من أروع الروايات على مستوى العالم ...

ناعمة 15-09-09 03:55 AM

مشكوره حبيبتي ع الرواية

جدا رائعه :)

moura_baby 20-09-09 02:36 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الجبل الاخضر 22-09-09 04:17 AM

شكراتسلمين على الاختيار الرائع موفقه نريد المزيد من الابداع

زهرة الماس 28-11-09 09:43 PM

يسلموووووووووووووووووووو000000000تحياتي لكي

قماري طيبة 29-12-09 07:30 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

تشكيلة سحرية 01-02-10 04:58 PM

وااااااااااااااو
يسلموووووووووووووو
قصة ممتعة

rana_rana 02-02-10 11:40 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

جين استين333 06-02-10 06:21 PM

العفو ويسعدني ان الرواية عجبتكم ^___^

سفيرة الاحزان 07-04-10 01:01 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

وردة الزيزفون 10-04-10 08:43 PM

تسلم ايدك رواية جميلة جدا

بحيرة الدموع 01-10-10 06:58 PM

شكراتسلمين على الاختيار الرائع موفقه نريد المزيد من الابداع:0041:

hoob 13-12-10 12:23 AM

روععععععععععععععععععععععععععههههههههههههه

hamesha 11-02-11 12:29 AM

rewayaaa raw3aaa chokrann lakii jiine

زهرة منسية 22-02-11 11:54 AM

جين استين الروايه روعه يسلم ايدكى بجد حلوه كتيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ييييييييييييييييييييييييييييير

ندى ندى 20-11-11 06:31 PM

جميله جدا جدا جدا

سماري كول 27-11-11 06:30 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه

ملك محمد 22-03-12 07:49 AM

شكراااااااااااااااااااااااا على الرواية الجميلة

نجلاء عبد الوهاب 26-04-12 10:30 PM

الروايه جميله جدا
:55::55::55::55::55::55::55::55::55:
:Welcome Pills4::Welcome Pills4::Welcome Pills4::Welcome Pills4:
:0041::0041::0041::0041::0041::0041:
:djparty::djparty::djparty::djparty:

سومه كاتمة الاسرار 02-05-12 01:20 PM

مشكوره ياقمر على الروايه
:8_4_134:

نور صبحي 12-06-12 09:48 PM

[U]شكرررررررررررا[/على الرواية الجميلة :55::peace::wookie:فية رواية اسمها شاطئ الحب ياريت حد يجيبها U]

سماح الطيبة 25-07-12 11:27 PM

رواية رائعة شكرا علي المجهود الكبير

black star 14-09-12 10:22 PM

احلى روايه قريتها فى حياتى.. اول روايه اخلصها ف نفس اليوم :)

روان م 07-09-14 11:20 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
شكررررررررررررررررررررررررررررررررا

سماري كول 09-09-14 06:21 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلمين ع الروايه الحلوه 😍

جوهرة الدانة 21-09-14 07:41 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
رائعة رائعة رائعة شكرا

soo diaa 03-08-15 08:02 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلم ايدك ياقمر

سهير محمود 06-08-15 01:55 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
شكراااااااااا:party0033:

فريسة الهامها 06-08-15 12:43 PM

جميلة جدا شكرا على المجهود

غنجة بيا 09-08-15 02:49 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
حبيت:dancingmonkeyff8:

حنان محمد ابراهيم 13-11-15 11:09 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
الرواية روووووووعة روووووووعة تسلم ايدك

فرحــــــــــة 06-10-16 12:03 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
جين استين333
قصة جميلة رائعة
لا اجد اى نحليل لتك الاخت الحقودة ستيلا
فهى تملك المال والجمال والشهرة
وتطمع فى الحصول على زوج اختها وشقائها
ولكن النهاية كانت مرضية لنا
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

اسيل فلسطين 22-01-17 07:48 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكوره حبيبتي ع الرواية

جدا رائعه :)

doda qr 21-02-17 06:09 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموووووووووووو

Moubel 24-08-20 12:37 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
اختيار رائع شكرا

نجلاء عبد الوهاب 13-06-22 04:00 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041: :0041::0041::0041::welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_p ills3::welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_pills3::welco me_pills3::welcome_pills3::congrats::congrats::congrats::con grats::congrats::congrats::congrats::congrats:

سماري كول 23-06-22 11:10 PM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموا على الرواية الحلوة

هتونا 03-08-22 12:09 AM

رد: 14 - الزواج الابيض - نيرينا هيليارد - عبير القديمة ( كاملة )
 
مررررة حلوة احلا تحية واحلا شكر


الساعة الآن 11:28 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية