منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   313 -امرأتان ورجل - فيكتوريا غوردون - المركز الدولي ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t115424.html)

safsaf313 25-07-09 08:29 AM

313 -امرأتان ورجل - فيكتوريا غوردون - المركز الدولي ( كاملة )
 
معايا النهارده ان شاء الله روايه جميله جدا اسمها امرأتان ورجل وهى للامانه منقوله

امـرأتـان ورجــل


المركز الدولى – العدد 313

للكاتبة فيكتوريا غوردون

الملخص

رحلة وعاصفة

منتديات ليلاس
قصور وأشجار جوز هند ؟ ما هذا ! يا له من ملل ! حدثها

أولا عن الأعاصير وأسماك القرش ! كانت الجنة تتلخص


بالنسبة لـ تراسى – فى هذه الكلمات فقط .... وفى هذا العام ،

تذهب الباحثة الشقراء فى دنيا أبعد من أحلامها المجنونة ،

حيث تتخذ أسماك القرش الغريبة مياه بحر أرافورا

المضطربة مقرا لها


المقدمة


تركت تراسى بريان بغموضه وتوجهت إلى الكابينة وهى ترسم

على وجهها ابتسامة عريضة ، وعندما وصلت ، طرقت باب الكابينة ثم دخلت وهى تصيح :


- ماذا بك أيها القرصان الهرم ، ألن نرحل بعد ؟


وعندئذ توقفت تراسى فى مكانها حيث رأت رجلا غريبا يجلس


على المقعد وبنظر إليها باستغراب .


كانت عيناه ولونهما كلون البحر الصافى . وكانت نظراته


حادة وهادئة وأخاذة فى نفس الوقت . وملامحه قاسية كأنها منقوشة


فى الصخر ، أما ويل جاكوبز فيبدو شخصية مطمئنة .... ولكن ماذا


يفعل هذا الرجل هنا ؟

وماذا بعد ؟ إن الفتاة جادة ولا تهتم إلا بعملها ، ولكنه دون جوان


خطير ، ناجح فى عمله ومغامر من الدرجة الأولى ....


والرحلة طويلة معا ، فيا لها من أيام عاصفة ....


شخصيات الرواية


تراسى بومون : فتاة ذات جمال مميز ، تعشق عملها فى الأبحاث والصيد على الرغم من مشقته .

جرانت مورجان : ربان الباخرة برفيدى . رجل وسيم وجذاب إلى حد كبير . ويثق فى نفسه بطريقة لافتة للنظر .

ويل جاكوبز : الربان الهرم الذى يضع ثقته فى تراسى وجرانت .

فيفيان دوهرتى : فتاة شقراء رائعة الجمال . تعمل فى نفس المجال . وعلى الرغم من الشائعات التى تدور حولها إلا أنها تفضل الجدية فى تصرفاتها .

ميليسا ستيوارت : فتاة مدللة ، تدعى البراءة . وتخفى وراء قناعها الطفولى إنسانة حقودة .

ميل ستيوارت : والد ميليسا ويشغل منصبا سياسيا كبيرا ، إلا أنه يستغل نفوذه فى القيام ببعض الأعمال المريبة .
الفصل الأول
كانت تراسى غاضبة جدا , فالصف الطويل الواقف أمام الطائرة لا يتحرك قيد أنملة منذ حوالى نصف الساعة .
ظلت الفتاة تنظر بعينيها الزرقاوين الثاقبتين إلى هذين الضابطين اللذين يتسببان فى تعطيل كل هذا الحشد من المسافرين متعللين بقولهما :
- إنها إجراءات أمن .
وشيئا فشيئا تلاشى الهرج والمرج وسادت حالة من البلادة بين الجميع ما عدا تراسى . فقد ظلت ثائرة كما هى تنظر بنفاد صبر إلى الرجلين المسؤولين عن التفتيش .
ولكن لأن طول قامتها لا يتعدى 154 سنتيمترا فقد كانت مهتمها صعبة . فهامات المسافرين تحول بينها وبين رؤية هذين الرجلين وتشعر كأنهما يتوقفان عن العمل بمجرد أن تكف هى عن مراقبتهما . وقالت لنفسها وهى تنظر إلى أحدهما :
- يا إلهى ، كف عن النظر إلى أيها الشقى .....
تقدم الصف قليلا , ولم يعد يتبقى أمام تراسى أكثر من عشرة مسافرين . إنها مرهقة جدا حقا . شئ لا يصدقه عقل , فيا له من حظ سئ ! فى كل مرة تأتى إلى داروين ، تقع تحت طائلة هذه المحنة من إجراءات الأمن .
والأسوأ من ذلك , هذه الأسئلة الكثيرة التى يجب عليها الإجابة عنها ، فهم لا يكتفون بفض حقائبها ولكنهم يتلذذون أيضا بهذا الحديث معها :
- ترى ما هدف إقامتك فى داروين يا آنسة بومون ؟
- بومون , حسن جدا , صيد أسماك القرش .
- أسماك القرش ؟
- القرش الأزرق , القرش الأسود , وأنواع مختلفة من أسماك القرش ...
- أنت فتاة رياضية ؛
- كلا , أنا مسؤولة عن إنجاز بعض الابحاث .
نظر إليها الرجل بعين فاحصة وساخرة , فرجال الامن غالبا ما ينظرون إلى الفتيات الشقراوات اللاتي يرتدين الجينز كأنهم لا يصلحن لدراسة علم أحيار البحار , وفى كل مرة يكون من الواجب عليها شرح الموقف وتفسيره وتأكيد فكرة انها لا تعود بأسماك القرش فى حقيبتها ولا تستخدم هذه الاسماك فى الطعام ولكنها تلقى بها إلى البحار ثانية بعد الحصول على بعض المعلومات عنها .
قالت تراسى لنفسها : ما الداعي لأن تخبرهم بالحقيقة ؟ يكفيها إذن – مجرد إخبارهم بانها تاتى لزيارة صديق لها فى داروين وعليهم أن يدعوها وشأنها ؟
لا يزال أمامها ستة أشخاص , ولا تزال تراسى تنظر إلى الرجلين اللذين يقومان بتفتيش الحقائب وإخراج الملابس منها وفحص كل جزء فيها ..... إنهما حقا يحاولان تضيع الوقت بشتى الطرق . يتبقى أربعة أشخاص .... شخصان .... وهنا استدارت السيدة العجوز التى تقف أمامها ونظرت إليها وإلى ملابسها باستغراب , فقد كانت تراسى ترتدى تى – شيرت كتب عليه بالأحرف السوداء الكبيرة " إن تقبل شخصا مدخنا فكأنك تقبل منفضة سجائر " أخيرا جاء دورها , وهاهى ذى أمام نفس الرجل الذى تقابلت معه فى رحلتها السابقة , وهنا أشرق وجه الرجل لدى رؤيتها :
- آه , صديقة أسماك القرش !
- نعم هى نفسها !
ثم ابتسم لها ابتسامة ساحرة مما إضطرها إلى الابتسام له . وهنا لم يستطع الرجل أن يمنع نفسه من قراءة الرسالة المكتوبة على التى – شيرت الذى ترتديه :
- إنها تسبب لك القلق أيضا ! ربما ترتدينها عن قصد .
- إننى متأخرة يومين عن موعدى ! وأعتقد أن ربان السفينة سيقوم بتقطيعى إربا إربا , ثم يلقى بى إلى الأسماك .
- إذن هيا يا آنسة بومون مع تقديم اعتذارات مظار داروين إليك . وعند عودتك لا تنسى دعوتى للعشاء التى عرضتها عليك فى المرة السابقة لا تزال قائمة .
- من الأفضل لك الإضراب عن تناول الطعام – أنت وقائدو الطائرات ... ! فأنا أكره الذهاب إلى هوبار !
أمسكت تراسى بالحقيبتين وتوجهت مسرعة نحو باب الخروج دون أن تترك له فرصة الرد .
وعندما عبرت أخيرا هذه الأبواب , تنفست تراسى الهواء الساخن والرطب للجو الإستوائى . وأخذت تبحث عن برونوين زميلتها فى معمل الأحياء المائية فى داروين .
يا إلهى حمدا لله , لقد رأيتها أخيرا تبحث عنها فى جراج داروين . فأخذت تلوح بذراعيها حتى تشد انتباهها . وهنا جرت الفتاة الشقراء للقائها .
- دائما متأخرة هكذا يا تراسى ؟
- أؤكد لك أنها ليست غلطتى هذه المرة ......
فقد اتصلت تليفونيا منذ ثلاثة أيام بهدف تغيير الموعد , وطلب منها المدير ضرورة الحضور من أجل إستلام عمل مهم , وها هى ذى أخيرا تصل إلى الطرف الآخر من العالم استراليا بعد تأخير يومين وبعد تغيير موعد الطائرة أكثر من مرة .
كانت الساعة حوالى التاسعة صباحا . وكان على برونوين ضرورة اصطحابها مباشرة إلى الميناء قبل التوجه إلى العمل .
توجهت الفتاتان نحو السيارة الـ دانستون الصغيرة الخاصة بـ برونوين . ألقت تراسى نظرة نحو صديقتها التى ترتدى بلوفر واسعا جدا وقالت :
- كلما أتذكر أنك ترتدين هذه الملابس فى هذا الجو الحار أتذكر أن جبل ولينجتون يكون دائما مغطى بالجليد .
- ولكننى أرى ذلك مناسبا .
- تكون درجة الحرارة فى الظهيرة حوالى 30 درجة بينما فى تاسمانى يتسابق الناس فى الذهاب إلى الشواطئ .
سارت برونوين بالسيارة ببطء وسط الزحام :
- أخبرينى عن أحوال مدير العمل معك ؟
- إنه التقرير الشهير الخاص بحصص الصيد , فأنا مسؤولة عن كتابته ، أما هو فكل ما يهمه هو الظهور على شاشات التليفزيون والذهاب إلى حفلات الاستقبال ..... فى رأيى ، أنه ذو طموحات سياسية ....
- ولا يزال يلقى على عاتقك بأعمال كثيرة , نفس الحديث
- نعم يجب على العمل ليل نهار .
- ولكنه تمرين ممتاز , فالانسان لا ينام كثيرا على متن مراكب الصيد
- هذا ما أعتقده أنا أيضا . ولكن الحق أننى قلقة جدا ، فأنا أعرف أنه سيقوم بتغيير جميع ملحوظاتى , كما أن تخفيض صيد أسماك القرش ليس لهذا العام .
أومأت برونوين برأسها . فهى تعرف جيدا اليأس الذى يصيب الباحث عندما لا يستمع إلى النصائح العلمية .
قالت برونوين :
- هل تعرفين من سيشترك فى هذه الرحلة ؟
- لا ليس بعد . إنها مفاجأة , فهم لا يخبروننى بأسماء الباحثين الثلاثة المشتركين معى فى الرحلة . وأنا لا أجد الوقت الذى يسمح بمعرفتهم . وأنت ألم تسمعى شيئا ؟
أشارت صديقتها بعلامة النفى وقالت :
- على أية حال , أنا أثق فى ويل وأثق فى اختياره لرجال ظرفاء كطاقم للرحلة .
إن تراسى تعرف جيدا ربان السفينة الصغيرة الخاصة بالصيد ويل جاكوبز . ففى كل شتاء منذ أربع سنوات تأتى تراسى لإجراء الأبحاث على أسماك القرش فى بحر أرافورا , وتقوم باصطياد النماذج الممكنة وقياس أطوالها والإلقاء بها ثانية بعد وضع العلامات المميزة عليها وبهذه الطريقة , يمكن معرفة تحركات هذه الأسماك وتناسلها وأنواع مرضها . وبالتأكيد العمل لمدة أربعة أسابيع يكون قصيرا ومرهقا جدا .
ومنذ أن تولت تراسى رئاسة الطاقم , وهى تعمل على قدم وساق , منذ الفجر ولا تخلد إلى النوم إلا قليلا جدا . وتتناول طعامها بسرعة شديدة ولا تجد الوقت الكافى للراحة . وقد تتعرض السفينة للعواصف أيضا , والحق أن الحياة على متن هذه السفينة المخصصة لحمل أربعة أفراد , بينما يستقلها حوالى سبعة أفراد لا تمر هكذا بسلام .
أما بالنسبة لـ تراسى فهذه الفترة هى أفضل أشهر السنة . إنها حقا تعشق الرحلات التى تساعدها على الخروج من جو المعامل فى هوبار حيث القيام بالإحصاءات وتحليل المعلومات فقط .
كما أنها تعشق مدينة داروين الجديدة وتتحرق شوقا دائما لرؤية شوارعها الجميلة .
فى عام 1974 فى صبيحة يوم عيد الميلاد , تعرضت المدينة إلى إعصار شديد قضى عليها . ولكن ها هى ذى المدينة يتم إنشاؤها من جديد على الطراز الحديث الذى يخلب اللب .
وتشعر الفتاة كأنها مسؤولة عن تغيير هذه المدينة وذلك لأن الإعصار الذى أصابها قد سمى بنفس اسمها تراسى . ومنذ ذلك الوقت لم تستطع تراسى التخلص من سخرية أصدقائها وتهكم الذين يدعون أنها تسبب هذا الإعصار .
وهنا توقفت برونوين بالسيارة أمام الميناء وأمام الباخرة القديمة برفيدى التى تصل طولها إلى 21 مترا .
وكان لونها يميل إلى الأزرق الصدفى وعليها خط كأنه عصابة سوداء . أما كابينة القيادة فكان لونها أبيض , بينما يتدلى من الصارى الخاص بالرادار كابلات حمل الأثقال . نعم أنها حقا سفينة تراسى , وها هى تنتظرها على الشاطئ كأنها عصفور ضخم يحط على الأرض .
أخذت تراسى حاجاتها من السيارة . ولوحت إلى برونوين التى تبتعد عنها ثم تقدمت نحو الجسر الصغير , وهاهى ذى أخيرا تبدأ مغامرتها التى تنتظرها منذ العام إلى الآخر بنفاد صبر .
وما إن صعدت تراسى إلى الجسر حتى سمعت صيحات عالية , فرفعت رأسها لترى الشعر الأشعث لـ برايان روبرتس الذى ينظر إليها . إنه طالب علم الأحياء البحرية الذى شارك فى الرحلة السابقة . وهنا نزل الرجل مسرعا لمساعدتها فى حمل الحقائب .
- مرحبا بك على متن برفيدى ! لم أكن أعرف أن الإعصار تراسى سيأتى معنا , فيشحب وجهى بعد ذلك .
- ولكنه ليس خطئى أنك تصاب بدوار البحر , فدراسة الأحياء المائية ليست لهؤلاء البحارين .
- إنها مهنتى بمزاياها ومساوئها , ولكن حاولى ألا تسببى لنا سوء الحظ هذه المرة .
وللأسف كان ذلك حقيقة . فكانت تراسى كأنها تجذب العواصف . وفى الرحلة الأخيرة أصيب الجميع بمن فيهم بريان المسكين بدوار البحر , تراسى وربان السفينة فقط ظلا على ما يرام .
توقف برايان على الميناء ووضع الحقيبتين ومن ينظر إليه بشعره الأشعث وابتسامته البريئة لا يصدق أنه فى الواحدة والعشرين من عمره , ولكنه بتصرفاته الساذجة والمضحكة مجرد شاب أبله , كثيرا ما يسبب القلق لـ تراسى , وعندئذ بدا على وجه برايان الضيق وهو يضع قطعة من القماش على كتفه ويقف صامتا , وتعجبت تراسى لهدوئه هذا ولم تفهم أيضا سبب عدم وجود أحد على متن الباخرة . وكان برفيدى مهجورة من الناس .
- أين الباقون ؟
- الربان فى الكابينة ورجلا الطاقم الآخران يهتمان بإعداد المؤن , أما الباقيان فإنهما يقومان بجولة سياحية .
- جولة سياحية ولكنهم يعرفون جيدا موعد حضورى هذا الصباح ويجب علينا الرحيل خلال ساعة واحدة .
- ولكن ذلك ليس شأنى ...
نظرت إليه تراسى متعجبة , إنها المرة الأولى التى تراه غير ثرثار كما أن وجوده على متن الباخرة وحيدا بينما يتنزه الباحثان الآخران يعد شيئا غريبا
وأخيرا سيفسر لها ويل الموقف ، والسبب فى التأخير . وها هى ذى تراسى تثق فى الرجل دائما ...
ولكن بمجرد أن تذكرت تصرفات بريان حتى انتابها القلق من جديد , فقدأخبرها أن ويل يعمل فى الكابينة . وهذه ليست عادته , إنه ربان قديم مجرب ويركز اهتمامه دائما على السيدات الجميلات , كما أنها نادرا ما ترة مزاج الرجل متعكرا . وهو كما يتضايق سريعا يهدأ سريعا ، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن وقع هذا الرجل أسيرا لمغامراته . وهكذا من المستحيل أن يكون سبب ضيقه هو قصة حب .....
- حسن سأذهب لرؤيته . لابد أنه غاضب لتأخرى , إلى اللقاء الآن .
تركت تراسى بريان بغموضه وتوجهت إلى الكابينة وهى ترسم على وجهها ابتسامة عريضة . وعندما وصلت طرقت باب الكابينة ثم دخلت وهى تصيح :
- ماذا بك أيها القرصان الهرم , ألم ترحل بعد ؟
وعندئذ توقفت تراسى فى مكانها حيث رأت رجلا غريبا يجلس على المقعد وينظر إليها بإستغراب . كانت عيناه غريبتين ولونهما أخضر كلون البحر الصافى وكانت نظراته حادة وهادئة وأخاذة فى نفس الوقت , وملامحه قاسية كأنها منقوشة فى الصخر , أما ويل جاكوبز فيبدو شخصية مطمئنة ... ولكن ماذا يفعل هذا الرجل هنا ؟
كان شعره قصيرا , قصيرا جدا ولونه أسود داكن مع بعض الشعيرات الفضية , أما حاجباه فهما كثيفان مما يسبب تناقضا واضحا بين لونهما ولن عينيه الصافيتين , كانت ملامحه حقا قاسية ومثيرة فى نفس الوقت ...
نعم إن وجهه مفعم بحيوية غريبة وكأن الحياة والبحار قد تركت آثارها واضحة عليه , ويبدو على وجهه قوة غريبة لم تقابلها تراسى من قبل ... وعندئذ قالت لنفسها :
" إنه قرصان ! نعم قرصان حقيقى "
لم ينهض الرجل من مكانه وظل مستريحا على الكرسى وأخذ يتفحصها بوقاحة شديدة ، وأخيرا ركز نظراته الصافية على الـ تى –شيرت , ودون أن يبعد عينيه عن الفتاة , أمسك الرجل بعلبة السجائر وأخرج واحدة منها بهدوء شديد ثم أشعلها وأخذ نفسا عميقا .
لم تتحمل تراسى هذه النظرات ولكنها لا تستطيع الخروج ثانية ... وهكذا تذرعت الفتاة بالصمت , ولكنها تكاد تفقد توازنها .
أخذ الرجل نفسا آخر من السيجارة , ثم قال بصوت أجش :
- إذا صدقت الكلمات المكتوبة على الـ تى – شيرت , فأنت – إذن لا تأتين لتقبيلى .... أعتقد أنك تراسى بومون ، لقد تأخرت يومين .
- نعم أعرف ذلك للأسف ......
- يومان تأخير بينما يقوم الطاقم الأرعن الخاص بك بتصرفاته اللامسؤولة على متن باخرتى . وأخيرا لا تقولين سوى ذلك ؟
- أنت لم تترك لى فرصة لتفسير الأمر ......
عقد الرجل ذراعيه فوق صدره دون أن يبعد نظراته عنها , فبدا قويا وذا عضلات كأنه تمثال من البرونز , وكان يتحدث إليها بخبث غرب , فلم تتحمل تراسى هذه التصرفات .
- أنا .... أنا لا أعرف ماذا أقول ..... وأمام صمته الغريب , تابعت ببرود :
- ألا يمكنك تقديم نفسك لى ؟
- جرانت مورجان , كابتن مورجان .
نعم أنه هو , رئيس برفيدى , تعجبت تراسى كثيرا لرؤية هذا الرجل على رأس باخرة صيد منذ كان فى الثلاثين من عمره , وها هو ذا يتجاوز الأربعن الآن . ولكنها بمجرد أن رأته لم تعد متعجبة من هذه السمعة التى سمعتها عنه من قبل . فقد قيل عنه إنه متجدد دائما وجاد جدا فى عمله ، بل خطير أحيانا ، وإن كان يميل إلى الكرم فى أحيان أخرى .
وقد سمعت تراسى من أحد البحارة فى يوم ما قصة غرق السفينة الخاصة به فى حادثة فى البحر , فرفضت شركات التأمين سداد قيمة السفينة له , وعندئذ تولى جرانت مورجان أمره حتى ساعده فى الحصول على الأموال اللازمة لشراء سفينة أخرى . وهكذا ظل الرجل معترفا بجميله . وما يكاد يذكر هذه القصة حتى تغرورق عيناه بالدموع . جرانت مورجان البطل . جرانت مورجان القرش . جرانت مورجان الـ دون جوان , قصص كثيرة جدا تناقلها الأصدقاء والأعداء ويقال إن له سيدة فى كل شاطئ , وعندئذ نهض مورجان من مكانه واقترب منها , فارتجفت تراسى . وعندما أصبح على بعد خطوتين منها , لاحظت ضخامة حجمه ...
- أرى أنك سمعت عنى من قبل ....
لم تجب تراسى والحق أنها لم تكن تريد إلا مغادرة المكان فورا , ولكن بريان كان قد أخبرها من قبل أن الربان فى الكابينة ..... ترى ما السبب الذى جعل جرانت مورجان يتولى مكان ويل جاكوبز ؟ إنها حقا تخشى سماع الإجابة عن هذا السؤال .
- ماذا حدث لكابتن جاكوبز ؟
- إنه فى المستشفى , لقد تعرض لأزمة قلبية منذ ثلاثة أيام , ولكن حالته ليست خطيرة , اطمئنى . كل ما فى الأمر ضرورة الحذر .
- أتعتقد أنه يستطيع تولى مسؤولية باخرة من جديد ؟
- ليس قبل فترة . ولكن ربما لا يستطيع تولى مسؤولية ربان من جديد , هو نفسه يشك فى هذا ولكنه لم يتحدث عن ذلك .
- إذن أنت الذى ....
أومأ جرانت مورجان برأسه , ثم قال بلطف شديد :
- يمكنك زيارته إذا أردت , سيكون سعيدا بذلك , فهو يكن لك محبة عظيمة
- بكل سرور , ولكننى لا أريد إزعاجه .
- هيا , سيسعده ذلك كثيرا .
ثم استدار نحو المكتب ليمسك بسلسلة مفاتيح , ثم قذف بها لـ تراسى التى نجحت فى الإمساك بها .
- هيا خذى سيارتى , إنها الـ تويوتا الحمراء الواقفة أمام برفيدى , فنحن لن نرحل قبل غد صباحا وأمامك الوقت الكافى كما يمكنك العودة فى المساء , فلا يوجد ما يتعجلك .
- ولكن لا داعى لذلك .... سأستقل سيارة أجرة . كما أنك ربما تحتاج إلى سيارتك .... وهذا يضايقنى أن ....
- لا سأبقى هنا حتى الصباح , كما أن الطاقم سيعود فى الظهيرة وإذا احتجت إلى أى سيارة يمكننى استعارة واحدة .
ومن جديد تحولت نظراته الهادئة إلى نظرات ساخرة . وأخذ يتفحص الفتاة من جديد من أخمص قدميها حتى قمة رأسها , إنها تراسى التى نجحت فى الحصول على مكانها وسط عالم الرجال الناجحين ونجحت أيضا فى الدفاع عن نفسها دائما .
وغالبا ما تستطيع تراسى رد الوقاحة والوقحين بكلمة أو تعليق حاسم , ولكن جرانت مورجان ليس سهلا . ولو تركت نفسها له فمن المؤكد أنها ستعيش مدة أربعة أسابيع فى حجيم .
- هيا , أسرعى وإلا غيرت فكرتى عنك .منتديات ليلاس
- أتمنى أن أكون مخطئة .
- غالبا ما يلجأ الإنسان إلى التعميم عند الخطأ .
- تبدو كلماتك كسلاسل الذهب . وأنت تعتقد أنك تؤثر على ولكن ليست كل النساء من النوع الذى يتأثر بسهولة .
- ولذلك أحب النساء , لأنهن مختلفات !
ثم اقترب منها فى خطوة واحدة ، وأحاط خصرها بذراعيه , فلم تستطع التخلص من قبضته ولا حتى الاعتراض وكان عندئذ قد قرب شفتيه من شفتيها , وكانت قبلة عميقة وقاسية , ولكنها رائعة , فشعرت تراسى بإحساس غريب يعتريها وسعادة مفاجئة وغير منتظرة .
إنها لم تكن تريد هذه القبلة ولكن جسدها كله يستجيب لها , فتشممت رائحة جسده واستمتعت بمذاق شفتيه وذابت فى حرارة جسده وبين قوة ذراعيه حول خصرها . ولكنها تشعر بالخوف .... لا ليس الخوف , ولكنه الهلع
فزعت تراسى لهذا الشعور خاصة عندما أخذ يداعب جسدها بيديه وجعلها – رغما عنها – تلف رقبته بذراعيها , واستجابت لقبلته , إنه جنون حقا , ولكن جسدها لا يخصع لها الآن .
وفجأة رفع رأسه , ونظر إليها , ليتأكد من تأثيره عليها , ثم قال بخبث :
- إن منفضة السجائر موجودة على المنضدة ويمكنك المقارنة ....
وعندئذ أمسك مورجان بيدها التى رفعتها لتنهال بها على وجهه فى صفعة
- هل تظن نفسك لطيفا ؟
- ولكننى أعتقد أنك تقدرين المزاح !
كانت تراسى تريد توبيخه , ولكنها لم تستطع , فقد كانت ذراعا مورجان لا تزالان حول خصرها , ومذاق قبلته لا يزال على شفتيها .... ثم حاولت الابتعاد عنه , ولكنه أحكم قبضته عليها .
- اتركنى .
- ليس قبل أن تعدينى بأنك لن تصفعينى , أن العنف هو ملجأ الضعفاء .
- ولكنه ملجأ جيد .
ابتسم مورجان وعندما تأكد من هدوئها , تركها تمضى , وعندئذ توقفت تراسى على الباب عندما سمعته يقول لها :
- لا تقودى السيارة كالمجنونة .
ودون أن تلتفت نحوه , هبطت تراسى الجسر وهى تشعر بوجود مورجان وراءها , وعندئذ لاحظت تراسى نظرات بريان الذاهلة نحوها , فشعرت بالذنب ! وتساءلت تراسى ما السبب الذى يجعله محجوزا هكذا على متن الباخرة , ولكنها سعدت بهذا الخجل الذى يعتريه ويمنعه من التهكم عليها كالعادة .
أمسكت تراسى بحقيبيتها وهى لا تزال تشعر بنظرات جرانت مورجان مسلطة عليها , ثم صعدت السلم المؤدى إلى كابينة الطاقم ، إن عددهم ستة أشخاص فى هذا المكان الضيق , ولكن المكان منظم جدا , وقد ترك لها المكان الخاص بها فى خزانة الملابس وكل ما عليها هو ترتيب حاجاتها خلال دقائق معدودة : ثلاثة بنطلونات من الجينز وعدد من البلوزات الـ تى – شيرت , عدد ستة من لباس البحر , وهى ملابس لن تأخذ مكانا كبيرا , كما أنها أحضرت معها ثوبا للسهرة .
وأخيرا ارتدت تراسى تى – شيرت أقل جاذبية وبنطلونا قصيرا لونه وردى وعندما توجهت إلى الميناء ثانية , كان جرانت مورجان قد اختفى , لابد أنه سعيد جدا بفوزه فى هذه المعركة . وهكذا أقسمت تراسى بينها وبين نفسها أن تكون حذرة دائما , وكل ما يهمها الآن هو هذه الرحلة العلمية التى تنوى الوصول بها إلى بر الأمان .
عثرت الفتاة على السيارة الـ تويوتا الحمراء بسهولة , وبدأت تقودها بهدوء .وعندما وصلت إلى المستشفى سألت عن حجرة ويل جاكوبز , ثم بدأت تسمع صوته الأجش عبر ممرات الحجرات وهى فى طريقها إليه وكان يقول :
- إنهم يرفضون كل شئ هنا ! إن الموت أفضل بالنسبة لى ! والآن هأنتذى تفرضين على قانونك ايتها الفتاة الصغيرة ولكنك سترين من أنا ! ..
وعندما دخلت تراسي الحجرة . وجدته جالسا فى فراشه , يوجه حديثه إلى سيدة جميلة ناضجة ترتدي زي المستشفي وتبدو صبورا جدا . وعندما تلاقت نظرات الممرضة بنظرات تراسي فوجئت السيدة بصياح البحار الهرم كأنه الرعد :
- ها هي ذي معجزتي الصغيرة ! تعالي هنا يا بنيتى حتى أراك بوضوح وابتعد عن هذه المرأة المسنة .
قالت تراسى ضاحكة :
- انت حقا ثعلب هرم معاند .
ثم مالت الفتاة نحوه لتقبله وهي دهشة من رؤيته هكذا , فبدا كأنه مستعد تماما لمغادرة الفراش فورا ومعاودة حياته الطبيعية من جديد .
ولكنها بمجرد أن رأت عينيه عن كثب حتى غيرت رأيها , فهو يبدو مرهقا متألما جدا , وقوته هذه قوة ظاهرية ليس أكثر .
لقد تمكن منه المرض حقا وكل هذا الصياح لم يكون سوى قناع يخفي وراءه الخوف الذى يملأ قلبه , نعم إنه يعرف الموت جيدا .
سحبت تراسي مقعدا وجلست قريبة منه وأخذت تداعب برقة , إنه حقا بحاجة إلى المزاح والضحك .
- لقد قيل لى إنك تمضى عطلتك هنا , كم اتمنى حجز غرفة فى نفس الفندق معك !
- عطلة ! إنك تضحكيننى , إننى على ما يرام , ولكن هؤلاء الأشخاص لا يريدون تركي وشأنى , أنا أعرف جيدا أنها الممرضة التى تريد بقائي هنا , بالمناسبة , أقدم إليك بيتي واتسون .
لاحظت تراسي نظرات ويل القاسية للممرضة بينما نظرت إليها السيدة بهدوء وبدت السيدتان كأنهما متعارفتان !
وعندئذ نظرت الممرضة إلى تراسي وقالت لها :
- إنه ليس من حقه التعرض لزيارات لمدة طويلة , سأتى إليك بعد قليل , فـ ويل الهرم بحاجة إلى الراحة , ولكنه لا يكف عن القيام بهذه الحركات العنيفة كأنه يرقص على لحن الرقصة الجاوية !
وعندئذ خرجت الممرضة وهى تستمع إلى كلمات الرجل اللاذعة :
- الرقصة الجاوية , نعم وأريد أن أراك ترقصين هذه الرقصة معي ... يجب ان أعلمك إياها ! ولكن عليك أن تكوني أكثر لطفا !
قالت تراسي وهي تجيب عن غمزة عينيه بتقطيب وجهها :
- أنت شخصية لا يمكن تغييرها .
تمدد الرجل فى الفراش وهو يتنفس بعمق ويريح رأسه على الوسادة , نعم , يبدو مرهقا , وهنا شعرت تراسي بوخز في قلبها , فهي لم تره هكذا من قبل , لقد كان دائما كثير الحركة محبا للمزاح , وقد تأكدت منذ أول مرة فيها أنه لن يتقبلها إلا إذا كانت ذات مزاج عال .. وتقبلت مزاحه بصدر رحب , وسرعان ما تفاهما معا , وبدا الرجل يعتبرها كأنها ابنته , ومرت الحياة بينهما خلال رحلاتهما معا رائعة يسودها الاحترام المتبادل .
ولكن تراسي لا تستطيع الاحتفاظ بروحها المرحة معه , وحقا تشعر بالألم الشديد لرؤيته , وكأنه يحاول إخفاء ألمه وحزنه عنها .
أمسكت الفتاة بيده وهي تقول :
- إذن الامور ليست على ما يرام .
- لقد مررت بالأسوأ من ذلك وأنت تعرفين , لقد فقدت توازنى على متن الباخرة " برفيدي " , ولكن لحسن الحظ , كان جرانت بجانبي فى هذه اللحظة ونجح فى الإمساك بي حتى لا أجد نفسى خارج السفينة ملقى على الأرض ! عندئذ تذكرت تراسي لقاءها بـ جرانت مورجان .
- أعتقد أنك تعرفت على الربان الجديد . وإذا كنت لم تستطيعي الإعجاب به , فذلك لن يدهشنى ...
- الحق إننى لم أركع على ركبتي بمجرد رؤيته , هذا ما تريد قوله , وهذا ما كان يتوقعه هو .
- أنت لست الأولى , ولكن كما أعرفك لا بد أنك قد وجهت إليه الصفعة المناسبة التى تؤكد له عدم إعجابك به .
ضحكت تراسي فهو لم يبتعد عن الحقيقة كثيرا .. ولكنه يبدو قادرا على لعب الكاراتيه , فقد نجح فى التصدى لي , واعترف انه لابد أن أكون ناسكة حتى لا أقع فى غرامه .
- حسن جدا يا صغيرتي .
بدا صوت الرجل الهرم واهنا , فشعرت تراسي بضرورة قطع الزيارة .
- لا داعي لتهنئتي .. ولكننى سأتركك الآن , ربما تكون لا تخاف من ممرضتك , أما أنا فأخاف من نظراتها كما أننى سأقوم بجولة سياحية قصيرة ثم أعود إلى الباخرة وإلى الربان , فقد أعارني سيارته . ومن المؤكد إنه يخشي رحيلي فى نزهة طويلة دون ترك عنواني .
نهضت الفتاة من مكانها ثم مالت لتقبل الرجل على وجنته وهي تقول :
- استرح جيدا , فانا أريد رؤيتك فى الميناء لدي عودتنا إلى داروين .
- لو كان يوجد بعض التسلية هنا فقط !
هل يمكنك إحضار زجاجة من الشراب لى فى السر ؟
- لقد جننت !
وعندئذ كانت الممرضة قد وصلت إلى الحجرة , فصاحت لسماع هذه الكلمات . ولكن تراسي استدارت نحوها وهي تقول :
- لا تخشي شيئا , فلن أفعل ذلك أبدا .
- حسن جدا , ولكن الجميع لا يتصرفون مثلك .
وفى هذه اللحظة كان ويل فى فراشه كأنه طفل صغير يشاهد معركة أمامه . فنظرت إليه تراسي بحدة .
- تري من هذا الذى نجح فى إقناعك بهذه الحماقة ؟ أتمنى ألا يكون أحد من الطاقم !
وأمام نظرة الممرضة , فهمت تراسي على الفور .
لابد أنه بريان روبرتس ! هذا الشخص الأبله .
- إنه ذو شعر أحمر . ويبدو كأنه فى الخامسة عشرة من عمره .
أجابت الممرضة :
- نعم هو واعتقد أن شعره أصبح ناصع البياض الآن . فقد ظل الكابتن مورجان يصرخ فيه بقوة حتى سمعه المستشفى كله .
قال ويل :
- لقد فوجئ الغبى بـ جرانت فى حجرتى .
- إذن فهمت سر غضب مورجان ! إنه يحقد على .
- ولكنك كنت فى الطرف الاخر من العالم أمس .
- نعم , ولكن بريان فرد من الطاقم العلمي . وحتى لو كنت غير مسؤولة عن اختياره بين أفراد الطاقم . فأنا المسؤولة عنه الآن .
قاطعت الممرضة الحديث قائلة :
- ولكننى أعتقد أن الكابتن مورجان سيعيده إلى صوابه بعد ذلك .
- ولكن هذا الشاب الغبي سيعرف من أنا .
قال ويل :
- كلا . لا تكونى قاسية معه , فلم يكن خطأه كما أن جرانت عاقبه بما فيه الكفاية .
- مورجان لا شأن له بهذه القصة , فأنا المسؤولة عن هذا الطاقم وحساب بريان معى انا .
- ولكن تذكرى يا صغيرتى , انه الربان على الباخرة ...
ولاتجعلى منه عدوا لك ...
سكتت الفتاة لحظة وهى تتأمل الربان الهرم . نعم , لم تواجه معه أبدا أى صراع على السلطة , فقد كانا يتخذان أهم القرارات وسط الصياح والمزاح , ولكن يبدو أن الامر مختلف مع الربان الجديد .
رفعت الفتاة كتفيها وهى تلوح بيدها نحو ويل والممرضة , ثم خرجت من الحجرة .
كان الوقت صالحا للتنزه عقب الظهيرة , ولكنها لن تجوب طويلا شوارع المدينة , فهى تريد العودة بسرعة إلى الباخرة لمقابلة بقية أفراد الطاقم , كما يبدو أن هناك مشاحنات بين بريان ومورجان .
ولابد لها من التعرف على أفراد الطاقم الآخرين حتى يمكنها تأكيد سلطتها فيما بعد , ولكن مع بريان روبرتس وجرانت مورجان لن تمر الأمور بسلام , وكل ما تتمناه الآن ألاتظهر مشكلات جديدة بينها وبين البقية الباقية .
ولدى وصولها إلى برفيدى , حاولت تراسى تغيير لهجة حديثها .

الفصل الثاني
رأت " تراسي " كل أفراد الطاقم مجتمعين في الميناء الخلفي . لا يوجد حظ حقا . لا يوجد حظ! و في وسط الحشد المجتمع ، تعرفت " تراسي " عليها بقامتها الطويلة . لابد أنها " فيفيان دوهرتي " التي سمعت عنها كثيرا .
و إذا كانت الشائعات التي سمعتها عنها حقيقية ، فلابد أن الشهر القادم سيكون قاسيا جدا . و يبدو أن " فيفيان " تستطيع السيطرة على جميع الرجال . فقد التف الجميع حولها كالنحل . و هاهي ذي تقف بينهم مرتدية شورتا قصيرا و بلوزة قصيرة جدا . ظلت الفتاة تنظر إليها و تراقبها جيدا و لاحظت أن شعرها يتدلى على ظهرها في ضفيرة طويلة .
كانت " فيفان " تعمل في وزارة الصيد . واشتهرت بأنها حورية البحار ، و غازية الرجال و أكثر الفتيات وصولية . و قد سمعت عنها " تراسي " كثيرا بتفاصيل مملة و عرفت مغامراتها و المصائب العديدة التي تسببت في وقوعها .
أليست هي التي تسببت خلال إحدى الرحلات في وقوع جميع رجال الطاقم تحت تأثير المشروبات الكحولية لينسوا معاركهم العقيمة معها و قلوبهم الجريحة ؟
ففي الباخرة ، لابد على كل فرد أن يجاهد في الحصول على احترام الغير مع الرغبة في الاختلاء بالنفس قليلا . و لكن هذة ليست سياسة " فيفيان " و حتى هذة اللحظة ، لم يكن أحد قد لاحظ وصول " تراسي " وعندئذ صعدت " تراسي " إلى الجسر و هي تلعن حظها السيئ . ومع
ذلك قد يكون لوجود " جرانت مورجان " فرصة جيدة . ولكن ربما يفشل هو أيضا في السيطرة على " فيفيان "
و كانت " فيفيان " أول من لاحظت وجود " تراسي " و عندما تحولت الأنظار إليها . شعرت " فيفيان " بالغضب يستولي عليها . فهي لا تريد منافسة من أي نوع و لا تريد أن تتحول نظرات الإعجاب عنها أبدا .
بحثت " تراسي " عن " بريان " وسط الجميع فهي تريد توجيه بعض الكلمات إليه ولكنه غير موجود . و عند رؤيتها صاح " ديك فرنش " : - " تراسي " . عجبا ، إن السماء لم تمطر بعد ! شئ غريب . أليس كذلك ؟
و هنا اقترب منها الرجل الثاني في الباخرة " برفيدي " و كان رجلا طويل القامة و ذا ملامح غير منتظمة . ولكنه رقيق جدا . ثم رفعها بين ذراعيه ليقبلها على خديها ثم وضعها على الأرض ثانية .
- دائما صغيرة . لابد من تناول طعامك كله يا " " أينشتين " .
و البحار الآخر كانت " تراسي " تعرفه جيدا . فابتسمت له ، و لم تكن الفتاة تتخيل وجود رجل صامت مثل " توم بوس " و لا وسيم مثله . فكان جسده قويا كأنه مصارع . وكان مختلط النسب . جزء من أهل المنطقة و جزء من " ماليزيا " ز جزء ثالث من " الصين " ويقال إنه لم يذهب إلى المدرسة أبدا . ولكنه يعرف عالم البحار كأنه موسوعة .... و لكن ذلك إذا استطاع أي شخص انتزاع ثلاث كلمات فقط من فمه ، أما هو فقد كان يقدر " تراسي " كثيرا و يعتبر وجودها ركيزة مهمة جدا .
تولى " ديك " مهمة تقديمها لبقية الطاقم ، و بدأ ب" فيفيان " التي أخذت تنظر إليها ببرود شديد على الرغم من ابتسامة " تراسي " . ثم جاء دور " جلين جيمس " المساعد الثالث للفتاة . وكان رجلا قصيرا أسمر اللون ،ذا ابتسامة خجلى و يبدو أنه صامت مثل " توم بوس " و هنا فكرت " تراسي " في ضرورة اقتراب أفراد الطاقم بعضهم من بعض . و الحق أن " فيفيان " لم تكن أبدا فتاة كسلى . و لكنها صيادة ممتازة . أما " بريان " فإنه تعرفه جيدا . و تعرف طبيعة عمله ، إذن لم يعد يتبقى أمامها إلا ضرورة معرفة قدرات " جلين جيمس "
سألته " تراسي " :
- إنها رحلتك الأولى ؟
فأكتسى وجه الرجل بحمرة الخجل و فكر قليلا قبل أن يجيب :
- أنا أعرف أنواع أسماك القرش ، كما أنني قمت باصطياد التونة الحمراء على شؤاطي بورت لينكولن . أجابته " تراسي " بابتسامة دافئة :
- إذن العمل هنا لن يكون غريبا عليك .
يبدو أنه طاقم مجرب ، ثم استدارت نحو " فيفيان " و قالت لها:
- وأنت ؟ أعرف أنك تذهبين في رحلات بحرية ولكن هل تعرضت لأسماك القرش من قبل ؟
- نعم ، لقد تعرضت لأسماك القرش ، و الأسماك الضخمة و الصيادين . لقد قمت بأسفار كثيرة ......
قيلت هذى الجملة بشئ من الازدراء . ولكن " فيفيان " حرصت على ألا تتجاوز حدود اللياقة و الأدب . و الآن لم يعد يتبقى شئ يقال . من الؤكد أن " تراسي " كانت تتمنى الرد عليها ولكنها امتنعت نظرا للتعبير الغريب الذي ارتسم على وجه " فيفيان " . و كانت نظرتها دافئة و جذاية إلى حد جعل " تراسي " تشعر بالاختناق . و هنا شعرت بشخص ما يقف وراءها . فاستدارت .... في فضول لتعرف من هذا الذي تابع مثل هذا المشهد . إنه " جرانت مورجان " ثم قال بصوت قوي :
- هل يمكنك الحضور إلى الكابينة لنتحدث قليلا يا آنسة " بومون " ؟
واستدار سريعا سريعا وذهب نحو الكابينة .
وسعدت " تراسي " باختفائه هذا وسارعت باللحاق به . ترى ما لعبته الجديدة . ياله من دور يحاول القيام به ولكن ذلك كثير .إذا ظل الحال على ما يبدو عليه طوال الرحلة لمدة شهر كامل . صعدت " تراسي " إلى كابينته ، ودخلت وراءه و أغلقت الباب خلفها . وعندئذ جلس " مورجان " و أشار إليها لتجلس على المقعد الوحيد المتبقي في الغرفة . وكان الميناء بشمسه المحرقة يظهر من خلال الطاقة الصغيرة المربعة وأطاعته " تراسي " وهي على استعداد تام لتحمل مزاجه المعكر ، فقد قرررت التماسك بعض الشئ . حتى تستطيع معاقبة " بريان " المسكين بنفسها . وعلى أيه حال فما حدث كان قبل وصولها ولكن من الواضح أن " مورجان " يريد إلقاء المسؤلية على عاتقها . ولكنها ستحاول أن تؤكد له أنها رئيس هذة الرحلة العلمية بداية من الآن .
وقبل أن يبدأ " مورجان " حديثه ، ألقى على الفتاة نظرة ممزوجة بالرغبة و القسوة في آن واحد . مما جعل وجهها يكتسي بحمرة الخجل و أخيرا قال :
- و الآن كيف حال القرصان الهرم ؟
ظللت " تراسي " دهشة . فلم تكن تتوقع مثل هذة البداية في حديثه
- لا يزال مجنونا ، و يريد القيام بإضراب . ولكنني أعتقد أنه يخشى الموت بداخله دون أن يظهر ذلك .
- بالضبط ، ولكن هل تعرفين أن " بريان " الغبي قد ذهب إليه بزجاجة من الكحول ؟
- نعم . لقد حدثني بذلك . و " ويل " هو الذي تجرأ و طلب منه ذلك ولكنني لن أوافق على ذلك أبدا و لحسن الحظ ، المسؤولة عنه هي الممرضة " بيتي واتسون " . وعلى ما أعتقد أنها تعرف كيف تتعامل مع هذا المجنون الهرم .
- ليس بالتأكيد ......
- ما معنى ذلك ؟
- تصوري لو تم زواجهما ، يجب أن نعترف أنها صغيرة السن . ولكننا يمكن أن نعتبرها أرملة زوج ثان لرجل أسوأ من " ويل " ! ظللت " تراسي " دهشة من المفاجأة . فلم يحدثها " ويل " عن حياته الشخصية من قبل . كما أنها تعتقد أنه أعزب و يفضل الحرية بعيدا عن قيود الأسرة .
قال " جرانت مورجان " :
- يبدو أنك لا ترينه مناسبا للزواج !
و أنت محقة في ذلك . ولكن يمكنه التجربة ..........
و أجاب " مورجان " عن سؤال " تراسي " الذي لاح في نظراتها و هو يعد على أصابعه . الثاني ، الثالث ، ثم الرابع . و أخيرا توقف عند الخامس .
- إن " بيتي واتسون " الثانية و ربما الثالثة ، صراحة حياة " ويل " الغراميه لا تستهويني . علقت الفتاة غاضبة :
- لم يكن أبدا مثابرا .
- هذا خطأ . ففي كل مرة ينفصل فيها عن زوجته يتألم كثيرا و علة أية حاال هذا لا يعنيك في شئ . و الآن حدثيني عن طاقمك .......
- لينبدأ ب" بريان " و تقول : إنه لا يحب حياة البحارة . و ربما يكون نادما على التحاقه بها ، ولو كنت أستطيع حقا . لألقيت به بعيدا . ولكن إذا تسبب في أية مشاكل لنا . يمكننا تركه وحيدا في جزيرة مهجورة .
- أنا أثق بك . وفي رأيي أنك ستنجحين في تعريفه أين يكون الطريق السليم . بالنسبة لفرس السباق ، ماذا بشأنها ؟
انفجرت " تراسي " في الضحك لهذا التشبيه الذي خلعه على " فيفيان " .
- بالنسبة للعمل ، سأتولى أنا أمرها . أما بالنسبة لمواهبها في الإغراء ، فعليك أنت المقاومة . و أتمنى ألا يكون ذلك كثيرا عليك أيها الربان ؟
كانت هذة ضربة موجهة إليه . وهي تعرف ذلك جيدا . وكم تتمنى أن تكون نظراته هذة إليها دليل لا مبالاة تجاه هذة المرأة الشقراء .
غير " مورجان " مجرى الحديث تماما دون أن يجيب عن سؤالها .
- في نظر " ويل " أنت مسؤؤله ممتازة و تستطيعين فرض سلتطك إنه يمتدحك كثيرا .

safsaf313 25-07-09 08:32 AM

دهشت " تراسي " من سماع هذة المجاملة . ولم تستطع الإجابة و لحسن الحظ أخرجها " مورجان " من هذة الحيرة بسؤال آخر .
- يبدو أنك – حتى الآن – تبحرين دائما نحو الغرب ؟
- هذا حقيقي ، ولكن بالنسبة لهذة الرحلة . هناك خط سير مختلف . ألم يحدثك أحد عنه ؟
- نعم سنرى ذلك فيما بعد على الخريطة . و أنت هل يمكنك تحمل صعاب السفر بالسفينة ؟
- لا تقل لي إنك تتنبأ بجو سيئ ! ففي المرة السابقة ، كان البحر سيئا جدا لدرجة اضطرننا لترك السفينة راسية أكثر من نصف الرحلة .
- لنؤكد قدرتك الخارقة كساحرة . يبدو أن الجو من الممكن احتماله غدا ولكننا نريد طبيعة طيبة البحر .
- أتعرف كم سمعت هذة المزحه من قبل !
استطرد " جرانت " غير مبال بتعليق " تراسي "
- كل ما نخشاه ألا تكوني قادرة على تحمل دوار البحر !
هنا ضحكت " تراسي " ،فتأملها " جرانت " ثم ضحك بدوره .منتديات ليلاس
فقالت " تراسي " :
- معذرة ، فأنا لا أجيد اللعب بالكلمات .
نظرت إليه " تراسي " ولاحظت أنه عندما يضحك ، يظل متحفظا كما هو . وكان ينظر إليها بعينين صافيتين كأنه يحاول التسلل إلى روحها . وهنا فهمته الفتاة . و عرفت أنه يريد مزيدا من الوضوح و فجأة قال لها :
- معي لا يمكنك اقتسام السلطة كما كنت تفعلين مع " ويل " .
وهنا شعرت " تراسي " أنه يتحداها و يحثها على الرد عليه . فحاولت العثور على إجابة حاسمة ولكنه لم يعطها هذة الفرصة و قال :
- لا تهتمي الآن . ففي الوقت المناسب ، لن تجدي أية مشكلة . ولكن نظرا للظروف .......
وعندئذ سمعا صوت ضحكة عالية من الخارج فتوقف عن حديثه لحظة ، ثم تابع قائلا :
- ربما أجد نفسي مضطرا خلال الرحلة – لتقويم الآنسة " دوهرتي " أما أنت فعليك الالتزام بعملك . و أنا سأهتم بسلوك الجميع . وهذا أفضل لك .
- ربما تكون غير محق ............
- أنا محق جدا .
ثم تابع حديثه بهدؤء شديد بعد الإجابة الحاسمة .
- بالتأكيد ، سنتناقش معا . و أعرض عليك أن تتم المناقشة في الكابينة الخاصة بي حيث الهدؤء ! و أتمنى أن تجدي راحتك هنا ...
ثم ابتسم " جرانت " و قالت "
تراسى بعد ان فقدت هدوئها:
- أعتقد أنها فكرة سيئة !
- هل تخشين على سمعتك ؟
- سمعتي ليس لها أي دخل في الموضوع . ولكنني أريد الاحتفاظ بسلطتي . ولا أريد ضياع وقتي في شائعات قد تضعفها .
- إن الخلافات العامة أمام الناس هي التي يمكن أن تضعف سمعتك . و أخيرا يجب أن تفكري جيدا .و إذا كان لديك اقتراح أكثر عملية
يمكنك عرضه علي . و الآن إنها الليلة الأخيرة لنا على الأرض . و أتمنى أن ينجح طاقمي و طاقمك في استغلالها جيدا . فيما عدا " روبرتس " الصغير ، فأريد بقاءه هنا على متن الباخرة . و الآن هيا نتناول عشاءنا معا في المدينة حتى يتسنى لنا الحديث معا بصورة أفضل .
في ظروف أخرى ، ربما توافق " تراسي " ولكن مع هذا الرجل الذي يصر على وضع مسافات بينهما ووجود تحفظات ....
- أفضل النوم مبكرة حتى أكون على ما يرام في الصباح .
- لا أعتقد أنك تستطيعين العثور على الهدوء هنا . و لا يمكنك النوم بمجرد عودة هذا الطاقم الصغير من نزهته في المدينة . وأخيرا ، كما تريدين .....
لاحظت " تراسي " أنه غير مقتنع ، ومن المؤكد أنه سيبحث عن صحبة أخرى معه خلال هذة الليلة الأخيرة في المدينة ، فقالت :
ولكنهم سيشربون كثيرا وينهارون في غرفهم بمجرد عودتهم . ولن أخشى عندئذ أصوات غطيطهم في النوم .
- وغدا يكون الإرهاق و دوار البحر .
- هل تنبأ البعض بسوء الجو غدا ؟
- نعم ، ولكن ذلك سيكون مؤقتا على الاقل في اتجاه جزيرة " ويسل " ثم توجه نحو الخرائط الموجودة على المنضدة الصغيرة .
- و يمكننا ملاحظة طريقنا جيدا خلال هذة الرحلة .
لحقت به " تراسي " متحمسة ، فهي – طوال عمرها – تعشق الخرائط البحرية و كم تحب هذة المناطق الشمالية .
زجزر " ويسل " هي محموعة من الجزر الممتدة في الشمال الشرقي لأرض " أرنهم " وهي الحدود الشرقية للأ**** الشمالية بين خليج " كاربنتاري " و بحر " أرافورا " و قد سميت الجزر باسم إحدى الباخرتين اللتين اكتشفتا المنطقة عام 1937 ، و هو اسم جديد بدلا من الاسم الذي أطلق عليها عندما اكتسفت عام 1623 فسميت " سبولت " و هذة المنطقة كلها تحت تصرف البحارين من " تايوان " واستراليا " الذين يعملون في اصطياد أسماك القرش و هو موضوع دراسة " تراسي " . وهي تقصد به تخفيض حجم عمليات الصيد في المنطقة .
انحنى " جرانت مورجان " على الخريطة و أشار نحو خط سير الرحلة بيدية المنهكتين نتيجة لأعماله في الصيد و كانت الفتاة تتابع حديثه باهتمام كبير . و من الميناء في " داروين " هنا سيتجه الطاقم نحو الشمال مارين بجزر " فرنون " و خليج " فان ديمن " حتى يصلوا إلى مضيق " داندا " ثم يتجهون نحو بحر " أرافورا " . و من هناك يتجهون إلى الساحل الشمالي ل" أستراليا " حتى جزر" ويسل " . و أشار " جرانت " نحو نقطة صغيرة على الخريطة
قائلا :
- ها هو ذا " جواربي ريب " الممر اصغير الذي يفصل بين جزر " جولورو " و " راراجالا " . و إذا سمح لنا الوقت و الجو ، يمكننا المغامرة هناك . ولكن ذلك خطر . فهي منطقة ضيقة جدا و تقع بين صخور ضخمة على الجانبين . وسيكون من الصعب أن تمر باخرة مثل باخرتنا من هذا المكان .
فجأة لمعت عيناه كعيني رجل يعشق الخطر . ثم استطرد قائلا :
- بالتأكيد ، يمر الصيادون في هذة المنطقة سواء أكان الجو عاصفا أم لا . أما نحن إذا لم نمر من هذة المنطقة ، فلابد حينئذ من أن نلف حول رأس " ويسل " نمر عبر جزر " كانينجهام " . وجزر المستعمرة الإنجليزية مارين حول رأس " ويلبرفورس " و ندخل في خليج " ملفيل " حتى نصل إلى شبه جزيرة " جواب " و يمكننا هناك التزود بالمؤن . فالخيرات كثيرة هناك . ولكنني لا أعرف كنه احتياجاتك .
أجابته " تراسي " باقتضاب شديد . فقد كانت مشغولة جدا بملاحظة هذة الخريطة التي تعبر عن الماضي و تعكس الغزوات التاريخية
ل"هولندا " و " البرتغال " و " ماليزيا " و " إنجلترا " و بعض المناطق الأخرى التي كانت تسمى بأسماء مختلفة . من المؤكد أن معظم هذة الأسماء الجديدة يرجع إلى رحلات مكتشفها " ماثيو فليبدرز " عام 1803 . وقد ذكرت " تراسي " تاريخ المستعمرة الإنجليزية ل"جرانت مورجان " إذ لم يعرفها جيدا .......
وقالت :
- لقد اختار " فليندرز " أسماء هذة الجزر الصغيرة من بين أسماء علية القوم المدونة في مستعمرة الهند الشرقية . ولكن في أحد أيام شهر فبراير . حضر ربان " ماليزي " للصيد في هذة المنطقة وكان يدعي " بوباسو " وهو رجل شهير جدا في الصين . وأكد أنه أول من اكتشف أرض "أرنهم" منذ ثلاثين عاما مضت . وقد سمى "فليندرز " إحدى الجزر باسمه ولكنني لا أعتقد أن كبارالقوم الإنجليز قد قدروا ذلك واستساغوه .
قال " مورجان " :
- إن مثل هؤلاء المكتشفين يقضون وقتا خرافيا في تسمية هذة المناطق كأنهم يريدون بداية التاريخ من الصفر وكأن لم يكن هناك أي شئ قبلهم .....
نظر " مورجان " إلى الخريطة قليلا ثم أشار نحو جزيرة قريبة جدا من رأس "ويسل "
- مثلا هذة الجزيرة ،كانت تسمى جزيرة " مارشينبر " ولكن سكانها منحوها اسما آخر " إرميبيجا "
- وما معنى هذا ؟
لم يجد " مورجان " الوقت الكافي ليجيب عن سؤالها . فقد فتح الباب فجأة و دخلت منه سيدة شقراء نحيفة جدا . ثم قالت بصوت ساحر :
- " جرانت " عزيزي .
ولكنها توقفت بمجرد أن رأت " تراسي " ، و قالت :
- معذرة .كنت أعتقد أنك وحدك ......
- " ميلسا " . أقدم لك " تراسي بومون " دكتورة في علم الأحياء المائية و المسؤولة عن الطاقم العلمي . آنسة " بومون " أقدم لك "مليسا ستيوارت " .
وعندئذ شعرت " تراسي " أنه لا داعي لوجودها . فاستأذنت خارجة وهي تتساءل من تكون " مليسا " هذة ؟
و بعد قليل رأتهما و هما يخرجان من الحجرة و الفتاة الشقراء تمسك بذراع الربان . وقبل مغادرة الباخرة ، أعلن " مورجان " أن جميع أفراد الطاقم لهم مطلق الحرية فيما عدا " بريان روبرتس " . ثم أعلن أوامره الأخيرة :
- وأطلب من الجميع العودة على ما يرام دون الإسراف في الشرب . سنرحل في الفجر مهما كانت الظروف .
ثم ألقى نظرة نحو " تراسي " و تابع حديثه قائلا :
- إن الآنسة " بومون " تريد التماس الراحة ، وحذار من إحداث ضوضاء لدى عودتكم من الخارج .
ثم وجه نظراته على " فيفيان " و " ديك فرنش " فقد كفا عن الحديث فجأة بمجرد وصوله . أما " تراسي " فقد لاحظت أن " فيفيان " تنظر إلى " مليسا " ببرود غريب .
ظل جميع أفراد الطاقم ينظرون إلى الربان و صديقته الشقراء وهما يبتعدان . ثم أخذ الجميع في الصياح بعد ذلك في حماس وهم يتجهون إلى غرفهم لتغيير ملابسهم .
ظلت " تراسي " تنتظر رحيلهم وهي تتأمل أشعة الشمس الحمراء أثناء اختفائها وسط المياه الهادئه لميناء " داروين " و كانت الفتاة تشعر بالراحه وهي ترتدي الشورت و التي – شيرت و تتنسم الهواء الهادئ . ومع ذلك كانت صورة " جرانت مورجان " أمامها تعكر صفو هدوئها .أما " بريان روبرتس " فقد انتظر حتى ينصرف الجميع و جاء ليتحدث مع " تراسي " .
لقد أحبط " مورجان " معنوياتي عندما مضى متفاخرا بصحبة فتاة من المؤكد أنها ابنته .
- ابنته ؟ ولم لا ؟ إنها لا تحمل نفس الاسم ولكن ربما .....
- كلا . إن والدها هو " ميل ستيوارت " رجل السياسة ، ويعمل في كابينة الأعمال البحرية للمنطقة الشمالية . ويبدو أن " مورجان " على اتفاق معه في مسألة ما . ولكن المؤكد أنه معجب بالفتاة . نعم إنها أذواق و ألوان ....
- هل يمكنك أن تتحدث ؟ لا داعي لهذا الخبث . و يجب أن تخجل من نفسك . ألا تتذكر ما فعلته مع " ويل " فلا أحد يثق بك الآن . و أحذرك من أي خطأ بعد ذلك .
تجهم وجه " برايان " و الحق أن " تراسي " ندمت كثيرا على تساهلها معه خلال الرحلة السابقة ، عندما فضلت كتابة تقرير جيد عنه حتى تترك له فرصة النضج قليلا . وهاهي ذي الآن تدفع ثمن ذلك . ولكن من الآن فصاعدا لن يكون أمامه خيار آخر .
- تماسك أرجوك يا " برايان " . فلن أدعك ترتكب مثل هذة الخطأ ثانية و لا أي خطأ آخر في مجالنا هذا . هل سمعت جيدا ؟
لاحظ " برايان " مدى جدية حديثها ، فأشار بالموافقة . ومن المؤكد أنه سيتعامل بطريقة أكثر تيقظا بداية من الآن . ثم قال لها :
- حسن . و الآن لا داعي للحديث أكثر من ذلك يا " تراسي " . لقد قررت النوم مبكرا وفورا قبل عودة الطاقم المنشرح من الخارج ،فاستيقظ ثانية . وعندئذ توجهت " تراسي " لتأخذ حمامها ثم تمددت على إحدى الأرائك و لكن النوم ظل بعيدا عنها . كما ظلت صورة " جرانت موجان " تلاحقها . نعم " جرانت مورجان " وصديقته التي تروقه كثيرا . نعم لقد شعرت " تراسي " ببعض الغيرة عندما رأ ت شعر " فيفيان " . ولكن ما قيمة هذا بجانب شعر " ميليسا ستيوارت " الطويل الأشقر . إن الجميع يؤكدون جمال " تراسي " ولكنها ليست في روعة " فيفيان " ولا أناقة " ميليسا " .
إن لها عينين زرقاوين تميلان إلى اللون الرمادي . وحاجبين كثيفين و أنفا صغيرا لا يعطيها مظهر الجدية . إن ذلك ما تتذكره من وجهها كما كثيرون يمتدحون جمال ساقيها . ولكن ما قيمة ذلك بجانب ساقي " فيفيان " الطويلتين الرائعتين .
حاولت " تراسي " إن تتعقل بعض الشئ ! فليس هناك داع لأن تحسد جمال النساء . فإذا نظرت إلى نفسها و إلى شهاداتها الجامعية و ضحكتها المؤثرة . من المؤكد أنها ستثق في نفسها أكثر من ذلك . اما كل هذة الشكوك ، فهي بسبب " جرانت مورجان " . وذلك عندما لاحظت مدى جاذبيته و قوته . ومع ذلك فهما يتقابلان للمرة الأولى ... نعم يتقابلان و يتعانقان ثم استغرقت " تراسي " في نوم هادئ سعيد بهذا الليل الاستوائي الرائع . كما امكنها الخلود إلى النوم من جديد بعد عودة الطاقم أيضا . ولكنها تستمع الآن إلى بعض الأصوات التي تأتيها من الجسر العلوي فاستيقظت من نومها . إنهما صوتان لشخصين يقتربان وسط هدوء الليل العميق و هما يقفان على مقربة منها .
- يمكنك عدم الرحيا يا عزيزي . إنها مدة طويلة . شهر كامل .... نعم . لقد تعرفت " تراسي " على صوت المرأة الشقراء . الصوت الطفولي . يبدو أن ل"جرانت مورجان " ذوقا مميزا في اختيار النساء ..........
- ربما نقضي وقتا أطول من ذلك في عرض البحر إذا كان الجو سيئا ....
- كلا يا عزيزي ، يمكنك إرسال شخص آخر بدلا منك .. كم سأفتقدك يا " جرانت " ! وكم سأشعر بوحدة قاتلة في عدم وجودك . نعم سأكون تائهة حقا . و أعقب ذلك هدوء عميق ،
لماذا ؟ كيف يمكنها معرفة ذلك ؟ إن " تراسي " تشعر بالغضب الشديد . لابد أن " مولاجان " معتاد على استقبال صديقاته هنا في الكابينه الخاصة به ......
إن الجميع ينامون في هدوء الآن . فيما عدا هي ، وندمت الفتاة لعدم ذهابها في نزهة إلى المدينة . فلو حدث ذلك فمن المؤكد أنها ستستغرق في نوم عميق الآن . بدلا من سماع مثل هذة الأحاديث . و هنا عاد صوت الفتاة من جديد يقول :
- " جرانت " . أعتقد أنه سيكون من الأفضل الدخول إلى الكابينة الان هيا بنا .
- كلا . إن الوقت متأخر، و الغد مملوء بالكثير .
- " جرانت " أرجوك ......
- كلا . كلا . و أشكرك على هذة النزهة . و الأن يجب أن تعودي إلى منزلك .
دهشت " تراسي " كثيرا لسماع هذا الحديث يا له من دونجوان . وهنا سمعت صوت الفتاة يقول ثانية :
- انت لست لطيفا .....
- احترسي يا " ميليسا " فقد أغضب من ذلك . و الآن هيا إنصرفي و إلا منحتك الصفعة التي كان على والدك أن يمنحك إياها منذ زمن طويل .
- لن تجرؤ ، و ساخبر أبي بذلك ....
- نعم و ستشكريني كثيرا !!
وفجأة سمعت " تراسي " صوت صفعة . من صفع من ؟ وجاءتها الإجابة بسرعة عندما تألمت " ميليسا " قائلة :
- أنت تؤلمني .
- لم تكن الصفعة قوية . و الآن هيا انصرفي و أخلدي إلى فراشك أما أنا فسأكرس كل وقتي لعملي خلال الشهر القادم و ليس أكثر .
- إذن عدني بأن تتصل بي فور عودتك .
- يجب أولا أن أذهب للقاء والدك في " جوف " و اساله إذا كنت تستحقين ذلك .
فانفجرت " ميليسا " في ضحكة أفزعت " تراسي " ثم قالت :
- هل تعرف أنني دائما متعقلة .... إلا في وجودك . قالت " تراسي " لنفسها . يا لك من فتاة كاذبة . ولكن كيف يتحملها " مورجان " ؟ إن ذلك يدهشها كثيرا . وبعد قليل سمعت " تراسي " صوت وقع أقدام أعقبها كلمات وداع .
و الآن بعد أن خيم الصمت ثانية ، لم تستطع " تراسي " النوم من جديد . و أخيرا و بعد ان ظلت تتقلب في فراشها لمدة ربع الساعة قررت النهوض و ارتدت ملابسها . ثم صعدت إلى أعلى في هدوء لتعد لنفسها فنجانا من القهوة . وكانت عيناها قد اعتادتا الظلام . فعرفت طريقها بسهولة .
كانت سعادة " تراسي " كبيرة لأنها توشك أن ترحل . وشعرت في هذة اللحظة بالذات أن مغامرتها قد بدأت .
دخلت " تراسي " المطبخ و أشعلت الموقد و بدأت تبحث عن البن وبمجرد أن وضعت القهوة على النار شعرت بوجود أحد وراءها و فجأة قال لها " مورجان " :
- هل يمكنك إعداد فنجان لي معك ؟
- كنت أعتقد أنك نمت .
- إنني أظل مؤرقا بعض الشئ قبل بداية الرحلة . لا أعرف لماذا و لكنني لم أستطع أبدا التخلص من هذا الإحساس و يجب أن اعتاده . قالت "تراسي " لنفسها لابد أن " ميليسا " لم تكن علاجا
كافيا . وعندئذ كتمت رغبتها في الضحك . وعندما خيم الصمت من جديد ،سألته " تراسي " :
- هل تسافر بحرا كثيرا ؟ أعتقد أن أصحاب بواخر الصيد يسعدون بدور الربان .... كما أعتقد أن لك عملا في الأرض بعيدا عن البحر . لماذا لا تبقى هناك ؟
- إنني أبقى على الأرض إذا أردت ذلك . شعرت " تراسي " أنه لا يريد الإجابة ثم قال :
- و أنت . ما السبب في استيقاظك في هذا الوقت ؟ لا تقولي إنك نمت مبكرة بما فية الكفاية ثم استيقظت بعد ذلك :
- شئ هكذا . لقد استيقظت منذ برهة و تأكدت أنني لن أنام ثانية . لم تشأ بالتأكيد أن تخبره أن حديثة مع " ميليسا " هو سبب استيقاظها ! ولكنه ربما يشك في ذلك . فنظر إليها وهو يمسك بفنجان القهوة دون أن ينطق بكلمة واحدة .
أعجبت " تراسي " كثيرا بأصابع " جرانت " الطويلة ، و ظلت تتأمل جسده القوي و تتخيله قريبا منها . ثم تاهت في أحلامها ، حتى سيطرت عليها الرغبة ، فأسرعت دقات قلبها و فتحت شفتيها قليلا وعندئذ لاحظت أنه بدأ يفهم فيما تفكر . عندما ظل يتأملها و تلاقت نظراتهما في حدة غريبة .
كلا . إن ذلك خطر . هزت " تراسي " خصلات شعرها كما لو كانت تطرد هذة الافكار بعيدا عن رأسها . ثم ألقت نظرة نحو الباب . نعم إنها لا تستطيع مغادرة المكان الآن خوفا من الاقتراب منه . ولكن لحسن الحظ ، لم يعلق " جرانت " بأي كلمة . واهتم بتناول القهوة من جديد . ثم قال يعد صمت طويل : - يجب أن تنتبهي لذلك جيدا ....
و نظر إلى الفتاة في حدة . مما جعل دقات قلبها تسرع بشدة . و أخيرا نجحت في أن تقول :
- ماذا تقصد ؟
- تنبهي لعدم إبداء مثل هذة الإشارات ، فقد يفهم ذلك بطريقة حاطئة .
- أنا لا أفهمك .
- أعتقد أنك لا تقصدين ذلك . ولذلك أنبهك لهذا الأمر . فيجب أن يتولى أحد ذلك . و إذا كنت لا تريدين من أحد أن يقبلك فعليك عدم ترك فرصة له لتخمين ذلك .
- أنت مجنون !
ثم نظرت إليه بقسوة شديدة ، حتى لا يفكر في الاقتراب منها و لكنه ظل بعيدا عنها ، واكتفى بنظراته الملحة إليها .
- إنني أقول لك ذلك لصالحك . فأنت لست من النوع الذي يفكر في الإغراء . ولكن تصرفاتك تقول غير ذلك .
ودون أن يضيف كلمة أخرى ، نهض " مورجان " من مكانه و توجه نحو الباب . وبدا كبير الحجم لدرجة أنه لا يسمح لأحد بالمرور بجانبه . ثم قال أخيرا :
- أمامي ساعة واحدة لأستريح قليلا و أنصحك بالراحة أنت أيضا . فأمامنا الكثير في رأس " دون " و يجب أن نستريح فبلها – وهل هذا خطئي أيضا ؟
- ربما تهدأ العاصفة بمجرد أن تعرفي ماذا تريدين بالضبط ....
- أنت تزعجني . فأنا أعرف ماذا أريد بالضبط . و بالتأكيد لست أنت يا " مورجان " .
نهضت " تراسي " من مكانها لمغادرة الغرفة . ولكنه كان قد تقدم نحوها ، واقترب منها لدرجة أنه لم يعد بحاجة إلى لمسها . وكانت نظراته كأنها تتحسس جسدها . فشعرت بدفء أنفاسه على رقبتها ثم شفتيها ، ثم جسدها وفجأة قال لها بصوت مهدد :
- أرجوك . ناديني كابتن . كابتن " مورجان " و إلا فلن نكون صديقين .
لم تستطع " تراسي " الإجابة . ومرت ثوان دون أن يبعد " مورجان " نظراته عنها . من المؤكد أنه يرغبها . ولكنها هي التي اقتربت منه في هذة اللحظه ووضعت رأسه بين كفيها ثم قبلته أخيرا .
وعندئذ استجاب لقبلتها . ولكنه تماسك فجأة وقال في سخرية :
- ها أنت تتصرفين بحكمة . أنا أفضل ذلك .....
إنه يسخر منها ، ظلت " تراسي " صامتة وهي تنظر إليه و هو خارج من الغرفة بينما كان يخفض رأسه قليلا حتى لا يصطدم بالباب أثناء مروره .
و هنا انحدرت دمعة ساحنة على خدها ......

الفصل الثالث
بدأت الرحلة في الفجر. وخرجت الباخرة برفيدي من الميناء بسرعة متوسطة محدثة ضجيجاً عاليا بصوت المحرك، ثم توجهت نحو الشمال لتغادر خليج داروين تماماً وذلك قبل أن تتجه إلي الشرق.
كانت الشمس المشرقة تلقي بأشعتها المتناثرة هنا وهناك في السماء كما لو كانت كائنات بحرية تسير معهم في الهواء.
وبعيداً عن مياه الخليج، بدت المياه أكثر عمقاً. وبدأت الباخرة تأخذ طريقها فوق المياه الضطربة ووسط الهواء الذي ينفث رائحة عطرة.
وكانت "تراسي" مشغولة لدرجة أنها لم تشعر بهذه الاهتزازات العشوائبة علي ظهر الباخرة. ولكن الآخرين الذين قضوا هذه الليلة الرائعة في المدينة لم تفتهم هذه الاهتزازات وبدأ الجميع يشعرون بالإرهاق.
وكان الربان هو الشخص الوحيد الذي استطاع تحمل إهتزازات الباخرة العنيفة، وظل واقفاً فوق الجسر العلوي يوجه اباخرة بحزم وثقة وعيناه مركزتان علي الأفق.
ولم يكن من السهل أبداً الوقوف في هذه المنطقة في مقدم الباخرة، ولكنه ظل متماسكاً يدقق النظر في الأفق محاولاً التنبؤ بحالة الجو عند أدنى حركة لهذه الباخرة الصغيرة.
ولم يكف هذا العذاب إلا عند بداية الليل عندما هدأت الرياح الجنوبية الشرقية.منتديات ليلاس
واستطاع بعض الأفراد أن يتماسكوا ويتجهوا نحو المطبخ لتناول البيض المقلي لسد رمقهم.
وبسرعة شديدة ، اختفى الجميع ولم يتبقي سوى "جرانت مورجان" و "تراسي"، وظل الإثنان جالسين معاً وهما مبتعدان بأرجلهما حتى لا تصطدم ب"بريان روبرتس" الذي ظل ممدداً أسفل المنضدة لشدة أرهاقه نتيجة لإصابته بدوار البحر.
جاهدت "تراسي" حتى تستطيع تناول طعامها، فالمعدة المملوءة بالطعام تساعد أكثر علي مقاومة دوار البحر.
أما "جرانت مورجان" لا، "الكابتن مورجان"! فقد تناول طعامه بشهية مفتوحة، وكانت "تراسي" قد لاحظت أن معاملته قد هذدأت كثيراً منذ أن بدأت الرحلة. والآن ها هو ذا يحاول القيام بدور الربان المتسلط وأنه هو المسؤول الوحيد عن اتخاذ جميع القرارات المهمة مع ترك الحرية الكافية لبقية أفراد الطاقم.
وإلي الآن لم يلم "جرانت مورجان" أحداً علي الإرهاق الشدي الذي أصاب جميع أفراد الطاقم. ولم يتهكم عليهم وعلي ضعف مقاومتهم ، فهم سيقضون معاً شهراً كاملاً، ومن الأفضل أن يكون السماح هو أفضل كلمة للتعامل فيما بينهم. وبعد أن انتهى من تناول طعامه، وجه حديثه إلي تراسي قائلاً:
- إذاً أنت لا تشعرين بالألم؟
- كلا. ليست هذه المرة، فيمكنني التحمل. ولكن منذ عامين وأنا أصاب بدوار البحر وكثيرا ما شغلت محل بريان أسفل المنضدة!
وحاولت الفتاة تجنب نظراته طوال الوقت. ومالت إلي الأمام فرأت أن البحار الصغير ما زال ملقى علي ظهره ولا ينتبه لأي كلمة تقال حوله، أما "ديك فرنشي" فقد بدا بحاراً مجرباً واستطاع التماسك، ونفس الشيء بالنسبة ل"توم-بوس" الذي تمكن من الاحتفاظ بتوازنه بعد أقل من ربع الساعة.
ومن ناحية الباحثين، فقد ظلوا مرهقين ولا يستطيعون الحراك، ولا فائدة في هذه اللحظات في أن يوجه إليهم أوامر قبل الغد، وتماسكت فيفيان دوهرتي كثيراً حتى تستطيع الوصول إلي فراشها، أما "جلين جيمس" فقد ظل ممددا فوق الجسر. وبريان" لا يزال كما هو أسفل المنضدة. وربما إذا اخلد الجميع إلي الراحة طوال الليل يتمكنون من الصيد بعد ذلك شريطة ألا يكون الجو عاصفاً.
وأخيراً قال "جرانت مورجان" :
-أتمني ألا تكوني فعلاً - كما تقول الشائعات عنك - سبباً لهبوب العواصف.
ألا تظن أن اسم اعصار كان علي اسمي بالصدفة فقط؟ علي أية حال، النتائج مذهلة!
فقد وقع "توم-بوس" اسيراً لدوار البحر. ولم أكن اتخيل شيئا كهذا أبداً.
- علي أية حال، أنا أعرف التوقعات الخاصة بالأرصاد جيداً، وأنا الذي قررت الرحيل فورا دون انتظار.
- نعم، ولكن عندما يعتقد الإنسان في الخرافات ...
- إذا كان يعتقد في الخرافات. فلن يرغمه أي شيء علي السفر معك علي مت باخرة واحدة، ولكنه شعر بالإرهاق سريعاً مثله مثل الآخرين, لآنه أسرف في الشرب وهو يعرف ذلك جيداً.
- لحسن الحظ. أنا لم أشرب نهائياً، و"بريا" ايضا، ومع ذلك....
- لقد اصيب "بريان روبرتس" بدوار البحر، لأنه كان يعتقد مسبقاً أنه سيصاب به. وعلي أية حال، الأمر هين، فالأصابة بدوار البحر أمر محتمل وأنا نفسي توقعته من قبل.
نظرت إليه "تراسي" فزعة فياله من شخص سادي وعندئذ ابتسم لها بهذوء.
- ولكنني لم أكن قاسيا عليهم. فالكل يعرف أن مثل هذه البداية محتملة، ثم يعتاد الجميع علي الوضع بعد ذلك،وأعتقد أن هذه المحنة التي أصابت الجميع معاً، سيصبح أفراد الطاقم شديدي الأرتباط ببعضهم.
كان حديثه متعقلاً . ولك "تراسي" تعتقد أنه تشبيه ساخر، كما أن نظرته إليها لا تعجبها. وما الذي جعله يتخيل أنها ستوافق علي هذه النظرات الملحة في عينيه؟ وأنها ستؤدي معه لعبة القط والفأر دون اعتراض؟
ثم قالت له:
- هل حزنت لأنني لم أصب بدوار البحر مثل الباقين؟
- لا لم أحزن. ولكنني فوجئت. وهي نقطة لصالحك، ولذلك يتأثر بك الجميع، وترفضين مناقشة أمر تسلطك.
- لقد تعاملت مع طاقمي بكفاءة منذ البداية جعلت الأحترام متبادلاً بيننا، ولم اشعر للحظة أني أريد أداء دور البطل الذي لا يقهر أو الإنسان السادي.
- أنا لا أشك بكفاءتك ، وحياتك الشخصية أيضاً تبدو باردة وهادئة بنفس الطريقة ؟
-نعم ولم لا؟
-عليك أنت معرفة ذلك...
فهمت تراسي أنه يحاول استفزازها......
وأنه لن يتركها هادئة، وأنه سيظل يبحث في أغوار نفسها بعينيه الفاحصتين. ولكن ما سبب كل ذلك وما السبب الذي يجعله يحاول نزع الثقة من نفسها؟
أومأ "مورجان" برأسه، ثم نهض من مكانه وخرج أمامها وها تأكدت الفتاة كم هو وسيم لدرجة كبيرة.
ظلت الفتاة ساهمة لحظة، ولي من الغريب أن "جرانت مورجان" يستطيع التعامل مع الآخرين والسيطرة عليهم، فالإنسان لا يستطيع بناء امبراطورية دون أن ينجح في توجيه رعاياه.
وفجأة سمعت أنين "بريان روبرتس"
فأفاقت من تخيلاتها فنظرت فوجدت "بريان" يحاول النهوض وهو غاية في الشحوب ويحاول أن يتحدثفقال:
- سادي؟ أنك رؤوفة جداً. ويدعي أنه يحاول أن يشعرنا جميعاً بالألم مرة واحدة حتى نرتبط ببعضنا.. لابد أنه يحلم!
إذن لقد استمع إلي كل شيء.. ولكنه لم يستطع الإجابة! وجاهد "بريان" حتى يستطيع النهوض وتوجه إلي فراشه بخطى متأرجحة.
وبعد دقائق لحق "ديك فرنش" بها في المطبخ، أما هي فقد ألقت ببقية القهوة الباردة، وأعدت فنجانين آخرين من القهوة الساخنة. وأخيراً لم تستطع "تراسي" تحمل نظرات الفضول في عينيه، ترى هل يفكر هو الآخر في نوايا "جرانت مورجان"؟
قالت "تراسي":
- لقد اعترف لي الربان أنه أصر علي الرحيل أثماء العاصفة حتى يعرضنا لنفس المحنة معا.
انفجر "ديك" ضاحكاً:
- هذا لا يدهشني! فهو يعرف ما يفعله.
- يبدو لي أنك تحبه.
- لا يمكن أن أمنع نفسي من الإعجاب به، ويبدو أنه ربان أكثر قسوة من عزيزنا الهرم "ويل".
- يبدو لي كأنه قرصان.
- هذا ما يقوله البعض عنه، ويدعون أنه قادر علي كل شيء. ويستطيع الوصول إلي أهدافه ، وهو ينجح دائماً ولا شك في ذلك!
- يبدو أنه لا يخيفك.
- إنه نموذج جيد. وكثيرون غيري يرون ذلك، و"ويل" أيضاً يشاركني نفس الرأي، وعلي كل حال لم يكن هناك داعي لأقامة الاحتفالات قبل رحيلنا، كما أن البداية بدوار البحر كأنها مصل لنا، وسترين أن الجميع سيكونن علي ما يرام بداية من الغد.
وفي صباح اليوم التالي ، تقابلت "تراسي" مع "جرانت" فوق الجسر، وأشار لها نحو الجنوب حيث تمتد سلسل
وفجأة سمعت أنين "بريان روبرتس"
فأفاقت من تخيلاتها فنظرت فوجدت "بريان" يحاول النهوض وهو غاية في الشحوب ويحاول أن يتحدثفقال:
- سادي؟ أنك رؤوفة جداً. ويدعي أنه يحاول أن يشعرنا جميعاً بالألم مرة واحدة حتى نرتبط ببعضنا.. لابد أنه يحلم!
إذن لقد استمع إلي كل شيء.. ولكنه لم يستطع الإجابة! وجاهد "بريان" حتى يستطيع النهوض وتوجه إلي فراشه بخطى متأرجحة.
وبعد دقائق لحق "ديك فرنش" بها في المطبخ، أما هي فقد ألقت ببقية القهوة الباردة، وأعدت فنجانين آخرين من القهوة الساخنة. وأخيراً لم تستطع "تراسي" تحمل نظرات الفضول في عينيه، ترى هل يفكر هو الآخر في نوايا "جرانت مورجان"؟
قالت "تراسي":
- لقد اعترف لي الربان أنه أصر علي الرحيل أثماء العاصفة حتى يعرضنا لنفس المحنة معا.
انفجر "ديك" ضاحكاً:
- هذا لا يدهشني! فهو يعرف ما يفعله.
- يبدو لي أنك تحبه.
- لا يمكن أن أمنع نفسي من الإعجاب به، ويبدو أنه ربان أكثر قسوة من عزيزنا الهرم "ويل".
- يبدو لي كأنه قرصان.
- هذا ما يقوله البعض عنه، ويدعون أنه قادر علي كل شيء. ويستطيع الوصول إلي أهدافه ، وهو ينجح دائماً ولا شك في ذلك!
- يبدو أنه لا يخيفك.
- إنه نموذج جيد. وكثيرون غيري يرون ذلك، و"ويل" أيضاً يشاركني نفس الرأي، وعلي كل حال لم يكن هناك داعي لأقامة الاحتفالات قبل رحيلنا، كما أن البداية بدوار البحر كأنها مصل لنا، وسترين أن الجميع سيكونن علي ما يرام بداية من الغد.
وفي صباح اليوم التالي ، تقابلت "تراسي" مع "جرانت" فوق الجسر، وأشار لها نحو الجنوب حيث تمتد سلسلة من الجزر في الأفق وقال:
- جزر "جوليون" يمكننا إلقاء الشباك، ولكن لنقم بتجربة أولاً حتي يعرف كل فرد طبيعة عله.
كانت "تراسي" أول من استيقظ علي متن الباخرة، بينما ما يزال جميع أفراد الطاقم نائمين.
فاعترضت الفتاة قائلة:
- لنتناول فطورنا أولاً ، فأنا لا أفضل بداية العمل وأنا صائمة.
- هل تكونين متذمرة هكذا في الصباح؟
- لا ولكن لم يستيقظ أحد بعد، فهل تريدني أن أجذبهم من أقدامهم ليبداوأ العمل؟
- لنتركهم نائمين.. وفي انتظار استيقاظهم يمكننا ..نعم أنت محقة فلا يزال الوقت مبكراً،
اكتسي وجه "تراسي" بحمرة الخجل عندما ركز "جرانت" نظراته عليها. وكانت ترتدي لباس البحر وجيبة شفافة جداً تسمح لعيني الكابتن باختراقها.
توجهت تراسي نحو المطبخ مسرعة، فقد كانت تشعر بميل رهيب نحو "جرانت" وها هو ينجح دائما في استثارة غضبها.
دخلت الفتاة المطبخ وبدأت تعد القهوة عندما لحق بها "ديك فرنش" وسألها قبل أ يلقي عليها التحية:
- هل هناك فنجان لي؟
فأجابته "تراسي" وهي تغادر المطبخ.
- ألا تستطيع أن تعد القهوة بنفسك كشخص ناضج.
لحسن الحظ لم تجد تراسي أحدا علي الجسر وكان "جرانت" قد توجه إلي كابينة القيادة، أخذت الفتاة تتنفس بعمق وهي تتأمل المنظر من حولها وبعد دقائق قليلة ، استعادت الفتاة هدوءها، ثم تماسكت وعادت إلي المطبخ ثانية لتقول ل"ديك فرنش" :
- معذرة فأنا لا أعرف ما حدث لي.
- إن ذلك يحدث للجميع، هيا تناولي ذلك الآن .
تناولت الفتاة فنجان القهوة من يده وهي تبتسم ثم قالت له:
- اليوم سنوقف الباخرة ونقوم بالصيد. هل تعلم ذلك؟
- نعم ، إنها منطق جيدة ويوجد كثير من أسماك القرش هنا، وأعتقد أن من الأفضل للجميع أن نبدأ العمل.
وبعد قليل لحق بهما بقية افراد الطاقم وكانوا لا يزالون مرهقين، ولم يتناول أحد طعامه وأخذ الجميع يتحدثون بكسل غريب. وعندما توجه الجميع غلي الجسر ،لاحظت "تراسي" أن النشاط يسيطر عليهم ، وهنا بدأ "جرانت" حديثه القصير :
- أنتم تعرفون أننا سنبدأ الصيد الليلة، كما اننا سنبدأ عملنا منذ الآن حت نتعرف جميعا علي كنة عملكم العلمي. وبعد ذلك نتجه نحو الشرق وإذا ظل الجو هادئاً كما هو يمكننا الوصول إلي جزر "ويسل" خلال عدة أيام.
تم القاء شبكة طولها حوالي 500 متر، وبعد انتهاء الصيد، أمسك رجلان بالحبال وحاولا جذبها، وبعد عدة توجيهات، بدأ طاقم "تراسي" عمله، وكان علي "تراسي" و"فيفيان" و"بريان" تخليص أسماك القرش من الشباك ليقوموا بفحصها ومعرفة أطوالها، ثم يضعوا علامات مميزة عليها ويقومو بإلقاءها ثانية في البحر.
أما "جلين جيمس" فقد اهتم بتدوي كل شيء في السجل الموجود معه.
كانت "تراسي" تعشق عملها، وكانت في هذه اللحظة تنتعل حذاء ذا رقبة عالية، ولباس البحر كما هو مع حجاب من المطاط لحمايتها وذلك لأن جلد أسماك القرش يمكنه أن يصيبها بجروح.
تم جذب الشبكة في هدوء فبدت في البداية كأنها خاوية، ولكن فجأة هتف الجميع عندما لاحظوا وجود إحدى سمكات القرش السوداء طولها حوالي متر واحد وهي من النوع الذي اعتاد صيده اهل "تايوان" و"استراليا".
والعادة ، شعرت "تراسي" بسعادة غامرة تعتريها، فأمسكت سريعا برأس القرش الذي كان يتحرك بغضب شديد، ثم وضعت يديها حول فكه حتى لا يجرحها. وبدات تخلصه من الشبكة. وكان يجب بعد ذلك نقل القرش فوق منضدة كبيرة من الخشب حتي يمكن قياس أطواله بالآلات الخاصة بذلك، وعندئذ أسرعت "فيفيان" نحوها لمساعدتها، وكان "بريان" يقف قريبا منهما وهو يمسك في يده مسدساً يمكن استخدامه في حالة الحاجة إليه.
جرت هذه العملية أكثر من مرة خلال فترة الصباح.وكان الجميع يعملون بسرعة ونشاط، وفي النهاية قرر "جرانت" التوقف عن العمل بعد أن تعرف علي مهارة الطاقم.
مر كل شيء بهدوء شديد. كأنه معجزة مع وقوع أخطاء طفيفة تعتبر عادية في نظر تراسي" ولا يقلل ذلك من كفاءة الطاقم.
ومن المؤكد حدوث بعض الخلافات أثناء الشهر. ولكن جميع أفراد الطاقم يبدون مترابطين ونشطين. بعد أن تم تنظيف الجسر، قام "يك فرنش" بتشغيل المحرك ليتجهوا بالباخرة نحو الشرق. ولسوء الحظ، حاولو ا الصيد أكثر من مرة ، ولكن النتيجة لم تكن رائعة، وشعرت "تراسي" باليأس. فقال لها "جرانت" عندما لاحظ انها تراقب عملية الصيد والشباك الفارغة بحزن شديد.
لقد قمنا بعمل رائع خلال هذه الليلة، ومن الأفضل دائماً الصيد أثناء الليل.
تراقب عملية الصيد وهي علي استعداد تام.
وعلي عكس المتوقع، بدأت "تراسي" تحترم هذه الفتاة الشقراء، فقد تأثرت كثيراً بكفاءتها. ولكن من يعرف، ربما يكون موقفها هذا كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، علي أية حال، هي تتقن عملها ولا تستطيع "تراسي" الحكم عليها الآن.
استدارت "تراسي" ولاحظت أن "جرانت مورجان" يراقب "فيفيان" بإعجاب واضح، وكان لباس البحر الذي ترتديه يكشف عن رعة جسدها. لا بد أن موقف "جرانت" طبيعي جداً، ولك "تراسي" لم تستطع منع نفسها من الشعور بالمرارة والغيرة ..فهي تشعر بضآلتها دائماً بجانب هذه الفتاة الشقراء.
وبما أن "فيفيان" أصبحت مسؤولة الآن عن الاهتمام بأسماك القرش، فقد نزعت تراسي" الحجاب المطاطي والحذاء، ثم ارتدت تي شيرت خفيفاً فوق لباس البحر، وجيبة معقودة من الأمام، فهي لن تستطيع العمل أبداً إذا ظل "مورجان" يتأملها بهذه الطريقة، وإن كان ذلك القمة بعد أن تبادل معا قبلتين فقط!
ولكنها لا يمكن أن تقع في غرامه بهذه السرعة.
وعلاالرغم من ذلك فهو يشغل تفكيرها طوال الوقت.
والآن ها هو ذا يقف بجانبها ولكنه يركز نظراته علي "فيفيان" فتشعر "تراسي" كأنها مرتبطة به وفجأة قال لها:
- تري، كيف سيكون تصرفها في رأيك؟
قفزت "تراسي" في مكانها عند سماعها هذا السؤال غير المتوقع، ولكنها أجابت دون تردد:
- لقد كانت رائعة! وهي تعمل بجد وتعرف عملها جيدا.
لم يجب "مورجان" وظل يتأمل جسد "فيفيان" الرائع،وهنا شعرت تراسي بالغيرة.
ثم قال بهدوء:
- ألا تعتقدين أنه يجب عليها ارتداء الحجاب المطاطي؟ فقد تصاب بجروح إذا لم تنتبه جيداً ، وأنت ترين أن جلدها حساس جداً كأنه قطعة من الزجاج.
نعم، لقد تعرضت "تراسي" لمثل هذه التجربة أكثر من مرة خلال الرحلات السابقة. ولكنها تعتقد جيداً أن الجسد قادر علي كل شيء وأن جميع الإصابات والجروح يمكن شفائها بسرعة شدييدة شريطة تنظيفها جيداً بالماء. و"فيفيان" لا تخاطر بنفسها، كما أنها تعمل بعناية شديدة فأجابته "تراسي":
- إنها مشكلتها هي، فهو جسدها....
- حسنا.. ولكنه قد يصاب بسوء. فتكون خسارة كبيرة!
- علي أية حال. عملنا مملوء بالمخاطر، ومن الطبيعي أن نصاب بالأذي. وفي حالة الإصابة الشديدة، لن يفيد الحجاب المطاطي في شيء، ثم إن الجو حار! وربما يكون سدها غير قادر علي تحمل الحجاب المطاطي. علي أية حال يمكنك عرض مخاوفك عليها أثناء الليل.. وربما تستمع إليك بانتباه.
ثم ابتعدت "تراسي" دون أن تستمع إلي إجابته. وسرعان ما هبط الليل وإذا لم تنجح "تراسي" في استغلال هذه الساعات القليلة لتتمكن من النوم، فلربما تظل متيقظة طوال الليل.
ثم صعدت السلالم ، وتوجهت نحو حجرتها، بينما كانت نظرات "مورجان" مركزة عليها ولحقت بها "فيفيان" بعد قليل ولم تكن قد أصيبت بأية جروحز وقررت "تراسي" ألا تذكر لها شيئاً عن مخاوف الربان وملاحظاته عنها. فهي ناضجة بما فيه الكفاية ويمكنها المحافظة علي نفسها. وإذا كان "مورجان" يريد التحدث إليها، فلن يجد صعوبة في ذلك.
قالت "فيفيان" وهي تبتسم وتهز خصلات شعرها بعد أن تركته علي ظهرها:
- أريد غسل أسناني والاستحمام، ولكن الأولوية لكِ. هيا إذا أردتِ.
وعلي الرغم من كل شيء، لاحظت "تراسي" أنها لطيفة، فابتسمت لها وقالت:
- لا توجد أية أولوية علي هذه الباخرة إلا باتقان العمل! هيا، فقد أرهقت نفسك أكثر من الجميع اليوم.
فنهضت "فيفيان" من مكانها وقالت جملة غامضة وهي تبتعد:
- حذار من الكابتن! فلا تدعيه يؤثر عليك.....
- أنا لا أنوي ذلك فعلاً!
وعلي الرغم من رد فعل "تراسي" السريع، إلا أنها لم تستطع منع نفسها من التفكير في هذا التعليق، وظلت تتساءل حتى أخذت حمامها هي الأخري، والحق أن الاستحمام علي متن الباخرة "برفيدي" لم يكن مريحاً بالدرجة الكافية، قم عادت "تراسي" إلي الغرفة وهي تتساءل ربما "فيفيان" تعرف عن الكابتن الكثير، بما إنها تقيم في "داروين" ، والحق أن تعليقها هذا بحاجة إلي يفسير أكثر.
كان يمكنها طرح الأسئلة عليها ولكن الجميع أخلدوا إلي النوم الآن بما فيهم "فيفيان" .
وخلال فترة الصيد ، لا يمكنها طرح أية اسئلة، ولا أحد يستطيع ترك عمله للثرثرة.
بدا العمل أثناء الليل ثانية ولكن الصيد كان ضئيلاً ، ولم يستطيعوا إلا صيد كمية صغيرة من أسماك القرش مع كمية أخري من التونة وبعض الأنواع الأخري.
وبدا "مورجان" سعيداً بهذا العمل، وكم دهشت "تراسي" عندما بدأ يساعدهم في فض الشباك ولكن دون أن يتساهل في معاملتهم دائماً.
وأثناء الليل . تمكنوا من صيد إحدى أسماك القرش الضخمة، وهنا جري الكابتن لمساعدتهم في الأمساك بها بيديه القويتين وما أن أقترب من القرش حتى أصابه ذيله في إحدى ساقيه، وأخيراً نجح "جرانت" و"تراسي" في نقل القرش إلي المنضدة فحص عندئذٍ قال "جرانت":
- ياله من قاس! غحترسي يا "تراسي" من ذيله، فهو قوي جداً وكاد يقتطع جزءاً من جسدي!
دهشت الفتاة، فهي لم تلاحظ إصابته، ولكنها فجأة رأت الدم يسيل من ساقه اليسري، وعندئذٍ قالت له:
- أنت تنزف! لابد من علاجك!
- إنه جرح صغير . هيا اسرعي بفحصه الآن وقياس أطواله.
لم يكن هذا وقت المناقشة، فاستمعت "تراسي" إليه علي الرغم من اللآلام التي بدأت ترتسم علي وجهه، وأخيراً انتهي العمل وتم القاء القرش ثانية في مياه البحر"آرافورا" الدافئة.
واعترض "جرانت" بقوله:
- يمكنكم المواصلة بدوني، فأمامكم عدة أمتار من الشبكة. أما أنا فسأهتم بتنظيف الجرح في المياه، فهو ليس خطيراً.
ظلت "تراسي" تتابعه بعينيها، ما الذي جعله يأتي لمساعدتهم وهو يرتدي شورتاً علي الرغم من أنه عاب علي "فيفيان" طريقة عملها دون حماية؟
وغضبت "تراسي" من نفسها لأنها ل تحذره من الأقتراب دون أن يرتدي الزي المناسب. وظلت تراقبه دون أن تنطق بكلمة واحدة، وأخيراً قالت:
- لنكف عن العمل الآن. فالصيد يمكنه الإنتظار، كما أني المسؤولة عن هذا العمل يا كابتن "مورجان" ةلا بد من اسعافك.
حاول "جرانت" الأعتراض ولكنه أذعن في النهاية عندما لاحظ موافقة جميع أفراد الطاقم، فقال بضيق:
- حسن، حسن.. هيا إلي الكابينة الأن.
ولحقت به تراسي" وعندئذ لاحظت أن وجودها لن يفيده بشيء، فقد أمسك "جرانت" بقطعة من القماش. وبللها بالمياه النظيفة، ثم بدأ ينظف الجرح، وهنا وجه "جرانت" لها الحديث في صيغة الأمر:
- حاولي أن تفيديني في شيء. هيا أعطيني هذا المطهر الموجود هناك علي الرف.
فأمسكت الفتاة بالزجاجة المملوءة بسائل أصفر اللون. وكان عبارة عن سائل يقوم "ويل جاكوبز" بإعداده بنفسه. وهو في رأيه ترياق معجزة. وكم من مرة استخدمه الرجل الهرم.
وعندئذ وضع "جرانت مورجان" قليلاً من السائل علي الجرح، ثم ضغط عليه بضمادة وأخيراص لف الجرح جيدا بالضمادة.
ثم قال وهو يتحدى "تراسي" بنظراته:
- سيختفي الجرح تماماً خلال يومين.
وكان الاثنان يعرفان جيداً مدى خطورة مثل هذه الجروح في جو استوائي رطب، خاصة إذا استمر الشخص المجروح في عمله، وهنا قالت الفتاة بحسم:
- بداية من الآن ، سيرتدي كل فرد حجاباً مطاطياً وحذاءاً ذا رقبة عالية، بما فيهم أنت!
وكانت قد توجهت نحو الباب، ولكنها فجأة توقفت، ونظرت إليه في دهش قائلة:
- هل.. هل جرحت نفسك عمداً؟
وتلاقت نظراتهما في تحدٍ مدة ثوانٍ ، وأخيرا قال لها:
- يا لها من فكرة غريبة!
- ليس من السهل خداعي!
ثم غادرت "تراسي" الكبينة وأغلقت الباب وراءها، من المؤكد أنه تعمد جرح نفسه حتى يؤكد للجميع ضرورة الحذر!
أما بقية الطاقم، فقد بأ الجميع يعملون، ونجحوا في اصطياد سمك ضخمة جداً ذات رأس رائع ملون ببقع من اللون الأسود.
ولم يتوقف العمل طوال اليوم إلا لحظات معدودة. وأخيراً عندما بدأت الشمس تشرق، شعر الجميع بالارهاق الشديد . وبعد أن أعيد كل شيء إلي نصابه، توجه أفراد الطاقم إلي النوم دون أن يتناولوا طعامهم لشدة الإرهاق. و"تراسي" أيضاً كانت في شدة الإرهاق. ولكنها لم تستطع النوم، فقد كان الأمر شيقاً جداً بالنسبة لها، ولا يزال ذهنها متيقظاً.
ولكن لا بد لها من الخلود إلي النوم حتى يمكنها تحمل هذا المجهود البدني الشاق ، فتوجهت إلي فراشها وهي تلعن "جرانت مورجان" الي نجح في أداء هذا الدور الغريب، ومع ذلك فقد وافقته علي تصرفه لإقناع الجميع بالتصرف السليم دون اللجوء إلي التسلط والسيطرة في القرار.
نعم لقد تصرفت بمهارة شديدة.. ولكنها تجد صعوبة شديدة في الإعتراف بذلك!

safsaf313 25-07-09 08:35 AM

الفصل الرابع
لم تسنح الفرصة لـ " تراسي " الأيام التالية لتفكر فى مشاعرها نحو " جرانت " .
كان البحر هادئا والصيد ممتازا . فاستغل أفراد الطاقم هذه الظروف الطيبة ليعملوا بجد وحماس .
وظنوا مبحرين على طول الجانب الشمالي لـ " استراليا " نحو الشرق واعمال الصيد مستمرة على الرغم . من حرارة الجو طوال اليوم ليلا ونهارا .منتديات ليلاس
وفى بداية الاسبوع الثانى . رأوا جزر " ويسل " فى الجنوب الشرقي , منتديات روايتى .اخيرا سينعمون ببعض الراحة بعد كل هذا التعب .
وفى الصباح وقبل التوجه الى الفراش , تماسكت " تراسي " حتى تبقى لملاحظة الصخور المتناثرة التى تمثل الإطار الأساسى لـ " جوجاري ريب " , وكانت هيئتها المهيبة تبدو وكأنها تهددهم عندما اقتربت الباخرة الصغيرة من هذه الصخور .العملاقة الضخمة التى تسيطر على الممر الضيق .
تاهت " تراسي " وسط تأملاتها حتى قفزت من مكانها عندما لحق بها " جرانت " . وهو يقول :
-قد نعتبر هؤلاء الكباتن مجرد اشخاص مصابين بالجنون لانهم يفكرون فى عبور هذا الممر ببواخرهم , أليس كذلك ؟
استدارت " تراسي " نحوه , وكان يتفحص الممر الضيق بعينيه الثاقبتين , كما لو كان يحاول تقدير مدى الخطورة واحتمالات النجاح , إن هذا الرجل يعشق المغامرة والمراهنات الصعبة وكم تشده المخاطر , فسألته :
-هل هي المرة الأولى ؟
انفجر " جرانت " ضاحكا :
-ألم تفكرى أبدا متى اكتسبت .هذه الشعيرات البيضاء ؟ هيا اطمئنى , سنتخذ طريقا اخر .
-ألم تخبرنى ان الصيادين يمرون من هنا فى كثير من الأحيان ؟
-كثير من الاحيان .إنها جملية كبيرة , نعم , انهم يمرون من هنا , وقد قلت لك من قبل إنهم مجانين !
-ومع ذلك كانت بواخرهم اكبر من باخرتنا .
-أكبر واقوى , ويجب علينا الوصول .الى المد والاستفادة من الرياح الطيبة كما يجب أن يكون لنا حظ رائع ...
كان " ديك فرنش " المسؤول عن الدفة يتخذ طريقة نحو الجزيرة الصغيرة " جو لوورو " .
-اليوم سنمر حول جزر " كاينجهام " .ثم نتجه جنوبا نحو " جوف " , إننا جميعا مرهقون بشدة . وبمجرد وصولنا إلى منطقة ذات مياه هادئة , يجب أن نستريح قليلا.
-لن يخالفك احد القول فى هذه المنطقة , لقد كان الصيد رائعا , اما الأن فلا يمكننا عمل أى شئ .
-نعم , إن الامر قاس جدا , اعترف بذلك , ولكنه كان على ما يرام اكثر مما كنت اتصور . فلقد قام جميع أفراد الطاقم بعملهم على خير وجه .
ذهلت " تراس " من هذا المديح لدرجة أعجزتها عن الرد , وكانت تشعر بالضيق من نظرات هذا الرجل التى كانت .كأنها تحتجزها فى شباك الصيد مثل الأسماك .
قال " جرانت " حتى يضع نهاية لهذا الصمت :
-لا تدهشى هكذا , ألم يوجه لك أحد مثل هذا المديح طوال حياتك ؟
-نعم , ولكننى لم اتوقع ذلك منك.
-أنا لا اعرف الفكرة التى كونتها عنى ! ولكننى أعترف بذكائك ..
ولكن نظراته إليها جعلتها تفهم أشياء اخرى .
وكان قادرا على النظر إليها بطريقة ما, ويصر دائما على الوقوف أمامها بجسده البرونزي الرائع ..
من المؤكد انه يعرف جيدا مدى تأثيره عليها .
إن " تراس " تتحرق شوقا لأن تمد يدها نحوه . وتلمس أصابع يديه الطويلة وبدلا من أن يساعدها فى ذلك , كان " جرانت " يتلذذ بهذه اللعبة وكأنه يريد أن يتذوق جمال تأثيره عليها !
-فى يوما ما , سنهتم بذلك جيدا ..
كان صوته هادئا وعميقا فى آن واحد ,على الرغم من صوت الامواج والمحرك .
وبدلا من أن تؤثر هذه الملاحظة على الفتاة , إلا انها شعرت بالغضب يعتريها , وبدا الأمر وكأنها هى وحدها التى تشعر بالرغبة فيه , وانه فى يوم ما سيساعدها على تجاوز هذه المحنة ,ابدا لم تكن " تراسى " من الفتيات اللاتى يمكن إذلالهن بهذه الطريقة .
-حسن , لنهتم بذلك فورا يا كابتن " مورجان " لم يعجب " جرانت " بمثل هذ التحدى , وخشيت " تراسي " لحظة واحدة أن يستغل " جرانت " الموقف , ولكنه اكتفى بأن يسألها فى ابتسامة :
-هل أنت موافقة ؟
-لا بالتأكيد ! وما معنى هذه اللعبة الصغيرة ؟
انفجر " جرانت " فى الضحك قائلا :
-لاشئ , لاشئ البتة يا أستاذة " بومون "
-إذن اغمد سيفك .وكف عن القيام بدور القراصنة !
كان يجب ان يخبروك بأن النساء . فى عصرنا هذا – ينعمن بالحرية ولا يمنحن قلوبهن الا لمن يردن .
قال " جرانت " والابتسامة فى عينيه :
-هذا أفضل ... هذا أفضل ...
كان واثقا من نفسه لدرجة أصابت " تراسي " باليأس , ولكنها على الأقل تشعر بأنها تحتفظ بكرامتها .
استدارت " تراسي " لتراقب مياه البحر الصافية , وكانت الأدوات الخاصة بالصيد ممتدة أمامها على الجسر وكان المنظر عاديا جدا بالنسبة لها , فلقد اعتادت عليه طوال النهار , كانت وجهة الباب .نحو الجنوب الغربي , ثم نحو الجنوب حتى يمروا بجزر " ويسل " ثم يتجهوا نحو المياه الهادئة لجزر المستعمرة الانجليزية نحو رأس " ويلبرفورس " .
كان الكابتن يتقدم بسرعة شديدة نحو وجهته وفى نفس الوقت كان الصيد يقل شيئا فشيئا حتى دخلت " برفيدى " بعد الظهيرة فى الخليج الصغير الرائع , وهنا أعلن " مورجان " :
-لنتناول عشاء مشويا اليوم على الشاطئ بعد حوالى ساعتين !
وعلى الأرض .كان من الضرورى الإسراع فى جمع الخشب قبل هبوط الليل الاستوائى المفاجىء .
وكان من عادة أفراد الطاقم تنظيم أنفسهم بسرعة .وفعلا بعد دقائق معدودة . كان كل شئ معدا , من مكان للإقامة الى الأسماك التى تم صيدها خلال فترة ما بعد الظهيرة . وأصبح الشئ الوحيد المتبقى هو عملية إنضاج السمك وهى مهمة " تراسي ".ولكن الجميع كانوا يحاولون تسهيل مهمتها عليها .
وقد سعد الجميع عندما عرض " مورجان " فكرة مراقبة أسماك القرش من اعلى الباخرة بينما يذهب الباقون للاستحمام .
وفعلا ألقى جميع أفراد الطاقم بانفسهم فى المياه الدافئة ذات اللون الزمردي . بينما كانت الأسماك الملونة تسبح بينهم .
سبحت " تراسي" قليلا , ثم جلست بعد ذلك على الجسر الممدود بين الباخرة والشاطئ , واخذت تنظف بكسل شعرها من الأسماك الصغيرة التى اختبأت فيه كما لو .كانت تختبئ وسط الحشائش البحرية .
وفى هذه اللحظة , كان " جرانت " موجودا على الجسر العلوى كانه قرصان يذهب ويجيء وعيناه مثبتتان على المياه الصافية لمراقبة أسماك القرش . ولم يكن ينقصه سوى عصابة سوداء على عينيه .
ثم القت الفتاة بنفسها فى المياه ثانية وكانت المياه هادئة جدا وصافية للغاية ولم يكن هناك سوى الاسماك الملونة التى تسبح حولهم .احمر , اصفر ... وفجأة قفزت سمكة صغيرة فوق أنفها ...
وعندما سبحت " تراسي " فوق سطح المياه , كانت وحدها , فقد صعد الجميع إلى الشاطئ ,فألقت نظرة قلقة حولها نحو الباخرة " برفيدي " لتتأكد من وجود " جرانت " لمراقبة أسماك القرش , وفعلا كان لايزال هناك بجسده الرائع , وفجأة القى " جرانت " بنفسه فى المياه على بعد أمتار قليلة من " تراسى " , ورأته يتجه نحوها كأنه سمكة ضخمة , ولكنه أمسك .بخصرها وصعد بها فجأة فوق سطح المياه وعيناه تلمعان بلون مياه الخليج بل بلون أكثر صفاء من لون الزمرد , ثم قال لها :
-يجب ألا تسبحى وحدك يا أنستى ! فأنت فريسة رائعة لأسماك القرش
-ولكن كان يجب عليك البقاء أعلى للمراقبة !
-كنت وحيدة , ورأيت ان من الافضل ان اقوم بحراستك على بعد أمتار قليلة منك !
-نعم ولكن ليس قريبا هكذا .
جاهدت " تراسي " حتى تفك قبضته حول خصرها , ولكن هيهات , فقد كان يضمها بشدة نحوه وهويضحك ويسبح بقدميه حتى يظلا معا فوق سطح الماء .
وبما أنه من المستحيل ان تبقى " تراسي " هكذا فى لا مبالاة عندما تلمس جسده ! فلهذا تحينت الفرصة أخيرا وتخلصت من قبضته وسبحت بعيدا عن متناول يديه .
-أنا اتساءل : ما الذى تريد رؤيته من هنا ؟
إنها خطورة شديدة وانت نفسك قلت من قبل لا تصح السباحة فى هذا المكان دون مراقبة , وكنت اعتقد انك اكثر طاعة من ذلك يا كابتن !
-إذن سبب ممتاز للعودة الى الشاطئ بسرعة !
كما اننى اتضور جوعا وانت المسؤولة عن اعداد الطعام . إذا كنت غير مخطئ .
-ولكنك اذا استمررت على هذا الحال , فلن تجد سوى الحشائش المشوية لتأكلها !
وهنا أمسك بها ثانية ولكنها ركلته بشدة مما حال دون السيطرة عليها . وهنا سعد " جرانت " بلمسة قدمها له , ترى ما اللعبة الجديدة التى ينوى القيام بها ؟ وفجأة تجمدت الابتسامة على وجهها وصرخت " تراسي " من الألم .
وكانت إحدى قدميها قد أصيبت بتشنج شديد . فلوت قدميها وانحنت لشدة الألم وهنا . فهم " جرانت " ما حدث لها .
وسألها على الفور :
-أى قدم ؟
-هذه .
وهنا لمس " جرانت " ساقها بيده ليتحسس هذه العضلة واخذ يتحسسها بهدوء حتى يهدأ تشنجها وهو يساعدها فى نفس الوقت لتطفو فوق سطح الماء محاولا الامساك بظهرها , وخلال دقيقة واحدة , هدأت الألام وبمجرد ان شعرت " ترايسي " بقدرتها على الحركة ابعدت " جرانت " عنها وسبحت نحو الشاطئ , والان هاى ذى تبدو بعيدة تماما !
وهنا قال لها " جرانت " محاولا الإمساك بها :
-توقفى ! لا تتصرفى بغباء هكذا !
وفعلا نجح فى الإمساك بها ليعيدها بنفسه إلى الشاطئ كانه منقذها .
وعلى الرغم من اعتراضاتها المستمرة , إلا انه لم يتركها لحظة واحدة حتى وصلا الى الشاطئ , وظل بعد ذلك يمسك بها ويحيط خصرها بذراعه.
بينما تعترض " تراسي " قائلة :
-اتركنى , فأنا استطيع السير وحدي وعندما ابتعدت عنه , كانت تتعثر فى سيرها , فأمسكت به ثانية وساعدها حتى وصلا الى الشاطئ بينما كانت تشعر بالضيق الشديد .
وعند وصولهما , نظر إليهما الجميع فى قلق , ولكن " جرانت " طمأنهم بسرعة قائلا : -لا شئ , مجرد تشنج , إن " تراسي " تتحدى قوانين الطبيعة , فهى لم تستطع الانتظار حتى تسبح ثانية عقب تناول الطعام ولكنها سبحت ساعة كاملة من قبل !
وهنا أسرعت " تراسي " لتتخلص من قبضته , وسارت وهى تعرج نحو الجانب الاخر من المخيم وهى تقول :
-إننى أتضور جوعا !
فقال " ديك فرتش " :
-كلنا نتضور جوعا , وإذا كنت تتفضلين عدم القيام بمهمة اعداد الطعام , فبإمكانى ان احل محلك .
-شكرا ولكننى احسن كثيرا الان .
كان الطعام شبه معد الان بعد ان تم قلى البطاطس ولم يتبق سوى قلى السمك واعداد السلطة , بينما كانت " تراسي " تقوم باعداد الصوص الخاصة بالسلطة .
وبعد حوالى ساعة , كان الجميع قد انتهوا من تناول الطعام , وتمددوا على الشاطئ وهم ممسكون باكواب العصير , وتوجه الجميع بالشكر للطباخة الماهرة , وذلك بعد ان تم تنظيف المكان ولم يعد هناك سوى النار المشتعلة امامهم .
كانت السماء صافية لدرجة تسمح برؤية اكبر عدد ممكن من النجوم الساطعة . فقال " جلين جيمس " :
-يا لها من جنة , لو استطيع لطلبت البقاء هنا حتى العودة !
فقال " جرانت " :
-إنه امر يروق كثيرا للتماسيح , وبذلك لن تقضى الاجازة كلها مستريحا . بل يجب عليك القيام ببعض التمارين الرياضية , بما ان هذه الحيوانات الصغيرة تستطيع الجرى بسرعة !
-انت تمزح . فنحن لم نر تمساحا واحدا منذ وصولنا !
-حاول ان تنام هنا على الشاطىء وسنتحدث عن ذلك فيما بعد ! ولكن افضل ان تؤجل ذلك الى نهاية الرحلة . فقد تحتاج عندئذ الى طعام جديد !
قال " ديرك فرنش " :
-هذا صحيح , فمنذ ان تم إنشاء هذه المحمية عام 1971 والتماسيح تتوافد على المنطقة , اننى حقا لا افضل النوم اسفل هذه النجوم الرائعة فى اى مكان على هذه الشواطئ المنطقة الشمالية قال " جلين " :
-ليس لهذه الدرجة واعتقد انهم لم ينشئوا هذه المحمية الا لأن التماسيح اصبحت فى طريقها الى الانقراض .
تدخل " جرانت مورجان " قائلا :
-هذا حقيقى , ولكنه ليس بالظبط , ووفقا لاحد البرامج التليفزيونيه التى رأيتها مؤخرا على الشاشة , هناك حوالى 30 ألف تمساح فى المنطقة الواحدة , وليسامحنى اصدقائى من الباحثين.عندما اقول اننا يجب ان نضاعف هذا لعدد لتقترب اكثر من الحقيقة , إذن حوالى 60 الفا او اكثر , واعتقد انه عدد لا بأس به !
لم يحاول احد السخرية من حديثه , ولكن "جلين جيمس " استمر فى طرح الاسئلة عليه قائلا : ان هذه الزواحف تشده كثيرا لانها تنتمى الى حيوانات ما قبل التاريخ .
-ولكن ,هل هى حيوانات خطيرة جدا ؟.
وعلى أية حال يعيش سكان المنطقة معها منذ قرورن طويلة ولم يتضرر احد من ذلك .
-لأنهم يفهمون كل شئ جيدا . كما ان بعض القبائل تعتقد فى عبادتها .
-ماذا.
نعم , وسترى فى " جوف " ان قبيلة " جومانج " تعتبرالتماسيح تميمة لها , وإذا سمح لنا الوقت فسأريكم الحيوان الضخم الذى يحتفظ به رؤساء القبيلة , انها قصة طويلة و ... وعندئذ لم يكتف مستعموه بهذا الجزء من القصة , واخذوا يلحون عليه بصيحاتهم المتكررة , فتابع حديثه قائلا :
-فى عام 1979 , تم التهام احد السياح اثناء رحلة صيد بحرية فى " رينبو كليف" , ونتيجة للخوف الشديد الذى اعترى الجميع , تم اعداد تمساح ضخم جدا وتم أسر تمساح اخر ونقله بعد ذلك الى حديقة الحيوان فى " داروين " , ولكنه مرض هناك ومات بعد ذلك . هاجت وتذمرت , حيث ان التمساح يعد إلها بالنسبة لها. ومن ثم اضطرت الحكومة إلى ان تعيد اليهم التمساح ثانية .
قال " بريان " :
-مصبرا ؟
-نعم , وكان امامهم حوالى خمسة أعوام حتى يعود فعلا اليهم .
تدخل " جلين " قائلا :
-والسكان الاصليون , ما رأيهم فى ذلك ؟
-لقد اكتفوا بهذا الحد , وكان ذلك بمثابة تصالح سياسي بينهم , وتم إقامة احتفال كبير تصافح فيه الجميع بالايدى-شئ من النفاق , أليس كذلك ؟
عملية علاقات عامة مثل الاخرين , وعلى العموم هذا أفضل من إرسال الاسلحة للقضاء على التماسيح التى لا تدفع الضرائب !
وهنا صفق الجميع , ونهض " جرانت " لتحيتهم , ثم مال نحو " تراسي " ليساعدها على النهوض .
-هيا الان , إن قدمك لا تزال متشنجة ويجب عليك السير قليلا .
كانت حركته هذه طبيعية جدا ولطيفة فى نفس الوقت .وهنا تبعته الفتاة دون تفكير .
وسارا معا مبتعدين عن النار بمحاذاة الشاطئ فى ضوء القمر الذى يرسل أشعته الفضية على الرمال .
-لا تقلقى . فلن نخاطر ابدا بلقاء احد التماسيح اسفل ضوء القمر , إلا إذا توجهنا نحو الادغال لمعاكسة انثى التمساح التى ترعى صغارها .
-إننى لا أخاف من التماسيح بقدر خوفى منك .
-يالك من فتاة جاحدة نحو منقذك ؟ ألا استحق مجرد شكر منك؟
-نعم , واعتقد ...
فقال مبتسما :
-هيا , إنه حقا حماس صادق !
واستمرا فى سيرهما دون كلمة واحدة , وكان يمسك بذراعها كأنه وضع طبيعى جدا , ولم يكن هناك أي تفكير إلا فى الاستمتاع بجمال هذه الليلة الرائعة والقمر يتلألأ فوق سطح الماء والرمال دافئة أسفل أقدامهما ...منتديات ليلاس
-كيف حال ساقك الأن ؟
-لقد انتهى كل شئ , إننى حقا لا اعرف ما الذى حدث لى .
-إن ذلك لا يحتاج إلى أية دهشة , ففى البحر يجب ان نتوقع أى اختلال فى التوازن , وذلك لأننا نحرك اقدامنا فى كل الاتجاهات , اما انت فقد نزلت الى الماء بعد قضاء عدة ايام على متن الباخرة , ولذلك تعرضت لهذا التشنج العضلى .
كانا فى هذه اللحظة . قد وصلا الى نهاية الخليج . وكان امامهما مجموعة ضخمة من الصخور , وعندئذ فوجئت " تراسي " بأنها تشعر براحة غريبة مع " جرانت " , ولكن كيف حدث هذا ؟ وفجأة شعرت بأن هذه الراحة وهذا الهدوء يخيفانها . ولكن فى هذه المرة لا يوجد أى تصرف غير طبيعى من قبل رفيقها , بل على العكس من ذلك كان لطيفا ويحاول حمايتها , وفجأة شعرت بذراعيه حولها معا جعلها تريح رأسها على كتفه ...
وكما لو كان يقرأ افكارها , فقد ترك " جرانت " ذراعها ولف ذراعيه حول خصرها ليضمها إليه , فوافقته فى هدوء شديد , وتركت جسدها يستمتع بحرارة دفء جسده , فغمرها شعور غريب بالسلام والأمان .
وهكذا سارا جنب إلى جنب , وهما ملتصقان ببعضهما فى خطى بطيئة نحو المخيم , وعندما اقتربا من المجموعة أبعد " جرانت " يده عنها , ولم تستطع " تراسي " فى هذه اللحظة مقاومة الشعور بالندم لأنها تبتعد عنه .
حان الان موعد العودة الى الباخرة واتخذ جميع افراد الطاقم أماكنهم فيما عدا " توم – بوس " و " جرانت " اللذين اهتما بالقيام بأخر استعداد للرحيل قبل صعودهما على متن الباخرة .
ربما تكون عودة " تراسي " والكابتن وهما يحتضنان بعضهما قد لوحظت , ولكن أحدا لم ينطق بكلمة واحدة , وفى اليوم التالى كان على الفتاة مواجهة " فيفيان " , وكانتا تقفان وحدهما على الجسر , اما بقية افراد الطاقم فقد استغلوا فرصة الراحة ليسبحوا قليلا , وكانت " فيفيان " قد عرضت عليهم فكرة مراقبة الماء , بينما لحقت بها " تراسي " بعد قليل , وظلتا معا تراقبان البحر , وفجأة قالت " فيفيان " دون مقدمة :
-هل تعرفين أنك تلعبين لعبة خطرة ؟ إنه قادر على تحطيم قلبك !
قفزت " تراسي " فى مكانها , لقد أكدت الفتاة الشقراء مخاوفها فعلا , ولكنها لا تريد فتح هذا الموضوع معها , وعلى أية حال فقد كان لملاحظتها تأثير سيئ حقا , فقد أخلدت " تراسي " الى النوم بالأمس وهى فى شدة السعادة بعد نزهتها مع " جرانت " على الشاطئ , نعم لقد نقشت هذه اللحظات فى ذاكرتها , ولكن الا يكون هناك أى شئ اخر بينها وبين الكابتن؟
على أية حال , لم تكن تتوقع أن يفسد عليها أحد هذه الذكرى .
-أنا ... أنا لا اعرف عن اى شئ تتحدثين ...
-لا تدعى البراءة هكذا .
دهشت " تراسي " عندما تحدثت إليها " فيفيان " بهذه الطريقة , وكانت تتحدث اليها وهى تركز عينيها على الماء ولكنها نظرت إليها نظرة لم تستطع " تراسي " خلالها تخمين مشاعرها .
من المؤكد ان الفتاة الشقراء تراقبها ولكنها تتحدث اليها بلطف الان وها هي ذى تقرأ الشفقة على وجهها .
تنهدت " فيفيان " وهى تقول :
-استمعى الى , أنا أعرف أن الامر لا يعنينى فى شئ , كما اننى لا أريد مفاجأتك بأى شئ , ولكننى احبك فعلا , ولم اكن اتوقع حدوث ذلك منك!
-آه ... اشكرك على اية حال , وحتى اكون صريحة معك , كنت فى البداية احترس منك , اما الان , فأنا احبك كثيرا .
ابتسمت الفتاتان وزال التوتر بينهما تماما.
فقالت " فيفيان ":
-حسن فى هذه الحالة , استمعى الى , حذار من الكابتن الوسيم , انا لااريد دس أنفى فى امور حياتك , ولكننى اسمع عنه كثيرا , كما انك بريئة جدا بالنسبة له , اما هو فخطير .
-ولكننى لن امنحه هذه الفرصة , كما انه لا يعجبنى .
اكتسى وجه " تراسي " بحمرة الخجل عندما نطقت بهذه الكذبة , كما انها منحته الفرصة من قبل , ولسوء الحظ دون ادنى تردد . وهى لا تفكر الا فى استعادة لحظات الليلة السابقة .
إن " فيفيان " غير مخطئة , فهزت الفتاة رأسها فى حزن , وقالت فى ندم :
-هذا ما تقولينه ولكننى لا أصدق كلمة واحدة من حديثك , ويمكنك ان تخبرينى بحكايات كثيرة ...
ولكن تذكرى اننا فى عرض البحر , مهما كنا مكلفين بمهمة عادية , إلا اننا منعزلون عن العالم , إنه عالم اخر خرافى وسرعان ما تموت الرومانسية على الشاطئ كما تولد بسرعة أيضا .
كان هذا الحديث غريبا , فقد تحدثت الفتاتان معا وهما تركزان نظرهما على الماء والامواج .
ثم استطردت " فيفيان " قائلة :
-كما يجب ألا تنسى " ميليسا " ... ولا تنخدعى بإهماله لها وبصوتها الطفولة , فأنا أؤكد لك انها اخطر من اكبر اسماك القرش .
-أنا لا أشك فى ذلك , ولكنه امر لا اهمية له , كما اننى لم ازج بنفسى فى هذا السباق , فلا تقلقى !
-لقد خدعت نفسى حقا , ويبدو واضحا انك لم تعتادى الكذب من قبل , كما انك لم تخدعى احدا . واخيرا انها حياتك ..وعلى اية حال اتمنى لك حظا سعيدا .
نعم , ان " تراسي " فى حاجة الى الحظ , واخيرا تنهدت الفتاة بعمق وتركت " فيفيان " للمراقبة . وذهبت لتتناول فطورها قبل عودة افراد الطاقم .
وبعد قليل , كان الجميع يتكدسون فى الحجرة الصغيرة ويطالبون بالطعام , لذلك لم تجد " تراسي " فرصة للتفكير فى حديثها مع " فيفيان ".
بدأت اعمال الصيد بعد الظهيرة وهم فى طريقهم الى رأس " ويلبرفورس " على خليج " ملقيل " وشبه جزيرة " جوق".
وبدأ الطاقم فعلا يعمل , يرمون الشباط ويرفعونها ويجاهدون فى الإمساك بأسماك القرش والاسلحة فى ايدى البعض , وها هم أولا ينتهون من اخذ البيانات عن احدى الاسماك , ثم يقذفون بها , ويحاولون الامساك بغيرها , وها هم اولاء يعملون بجد والمياه تغمر الجسر واشعة الشمس على عضلاتهم المرهقة ورائحة اليود .. الليل والشباك والعمل المتكرر والنوم الذى اصبح نادرا .
وبعد يومين , وصلوا – لحسن الحظ – إلى ميناء " جوق " . وهنا أعلن " جرانت " :
-يومان على الارض , واهتموا بأمركم جيدا فى انتظار تعليماتى !
وكان الدور على " بريان " فى المراقبة , وكان ذلك افضل له بدلا من النظر الى عينى الكابتن الباردتين .
وعندما كان " جرانت ينظر إلى " تراسي " كانت هى الاخرى لا تحتمل نظراته .
-إذا كنت تريدين . يمكننا الاهتمام بإعداد المؤن فورا , وإذا كنت تحتاجين إلى أى شئ , يمكننا تأجير سيارة لنذهب معا الى " نولونبوي "فيما بعد .
-نعم , لقد كسرنا إحدى الات الشباك ونحن فى حاجة إلى غيرها , كما أننا فى حاجة الى اقلام للكتابة . ولن تجد مثل هذه الاشياء على الميناء ويجب على البحث عنها فى المدينة .
وكان كل شئ يمكن شراؤه من الميناء سواء كانت الاشياء الخاصة بالصيد او الغوص , اما فيما عدا ذلك بما فيها الطعام , فلابد من الذهاب الى المدينة " نولونبوي " وهى المركز التجاري الوحيد والرئيسي لشبه جزيرة " جوق ".
وهى منطقة منعزلة جدا وتقع فى شمال أراضـي " ارنهم " كما أن عدد سكانها محدود , والجميع يعيشون على خيرات المناجم .
وكانت أرضـي " ارنهم " خاصة بسكان " استراليا " القدامى , وهى منطقة حافلة بالاساطير والحكايات .
وكانت اساطير السكان الجدد لاتزال فى مهدها . كما ان المنطقة لا تزال تحمل اسم قائد الطائرة الذى لقى حتفه خلال الحرب العالمية الثانية فوق أراضـى هذه الجزيرة .
والان , اصبح خليج " ملقيل " شهيرا جدا بمينائه الرائع ذى المياه العميقة .
كما أن السياحة تجد طريقها دائما قريبا من " داروين ".
وبعد الاستحمام , توجه الجميع الى المدينة , وكان " بريان روبرتس " و " توم – بوس " اول من استقلا شاحنة كبيرة , بينما عثر الباقون على سائق وتوافد الجميع نحو المدينة .
وعندئذ وجدت " تراسي " نفسها وحيدة فى الباخرة , كما اختفى " جرانت " فجأة دون ان يهتم بها , من المؤكد انه يهتم الان بشراء المؤن , كما انه يبدو انه غيرمحتاج الى مساعدتها .
ارتدت الفتاة " شورت " اخضر وقميصا خفيفا . ولم يعد امامها الان الا انتظار " جرانت "فى الظل , فجلست قريبة من كابينة القيادة حيث حرارة الجو معتدلة بعض الشئ .
واخيرا عاد ورأته يقترب منها وهويبتسم .
-لقد أعد كل شئ يا جميلتى , والان اخبرينى ما مشاريعك لقضاء اليومين التاللين فى هذه الجنة ؟
-لا شئ محدد . ولكننى انوى القيام بجولة فى المدينة لأزيل الصدأ قليلا عن ساقى .
-يوجد هناك مطعم صغير رائع وحديث ويساعدنا قليلا فى تغيير نكهة طعام المطبخ هنا .
-اذن هى دعوة لتناول العشاء ؟
-يمكننا ان نقول ذلك , وفى هذه الساعات القليلة انا مرتبط بموعد , ولكننى ساحاول ان اتفرغ لك خلال المساء .
كانت " تراسي " تشعر بأنها ممزقة بين رغبتها فى الذهاب معه وخوفها منه . ولكن الخوف كان اقوي منها . كما انها تخشى ان يراها احد بصحبته , وتخشى من تفكير افراد الطاقم عنهما كما حدث مع " فيفيان ".
ومن ناحية اخرى , تخشى البقاء معه وحدها , فقالت :
-كلا , ليس مهما ... لا تغيرمواعيدك .
-كرم منك , أم حذر
-لا هذا ولا ذاك , ولكننى لا اعرف ما اود عمله الى الان ... وربما لا اجد الوقت لذلك ..
انها تكذب كثيرا ولكنها تبدو غير مقتنعة , فغيرت خطتها قائلة :
-فى الحقيقة , انا لا اريد ان يرانى احد بصحبتك , فالمكان صغير – وربما يفكر افراد الطاقم فى اى شئ .
انفجر " جرانت " ضاحكا :
-كما تريدين , واوافق على حججك القوية .
والان – حسن , الى اللقاء , فسنرحل فجر يوم الثلاثاء ..
واستدار " جرانت " وتوجه نحو الكابينة الخاصة به دون ان يعير ندم الفتاة الواضح اى اهتمام .
وبعد ذلك , ذهبت الفتاة الى المدينة ولاحظت كم هى صغيرة وانه من المتسحيل ان تتجنب لقاء افراد الطاقم .
وتقابلت معه امام احد المحال , ولكنه لم يقف وتابع طريقه , وفيما بعد راته يتناول العصير فى مطعم اخر , ولكن كان بصحبته رجل نحيف يرتدي حلة بيضاء اللون , وتقابلت معه اكثر من ثلاث مرات فى شوارع المدينة بعد ذلك .
اعجبت الفتاة بالمدينة واعجبت بالمنطقة كلها ورأت انها رائعة , وكم ان سكانها يعيشون فى وداعة شديدة , ولولا انها تشعر دائما بسخرية " جرانت " لسعدت بنزهتها كثيرا .
وعند عودتها الى الباخرة فى الليل . رأت " ديك " وفيفيان " يستعدان للخروج , فقالا لها معا :
-هيا , غيرى ملابسك ونحن ننتظرك .
فقالت " تراسي " :
-أرى انكما تسعدان بقضاء الوقت هنا !
ولكننى لا أرغب فى ...
فقال " ديك " :
-هيا , لا داعى لذلك , هيا استمتعى بإجازتك .
وأضافت " فيفيان " :
-نعم , فما الذى تنوين عمله خلال المساء , هل تريدين قضاء الليل وحدك ؟ إلا إذا كنت تنتظرين احدا .
-كلا , مطلقا !
ولكنها لا تريد فعلا الذهاب معهما .كما أن قضاء الامسيات فى الاحتفالات هنا أشبه بالجنون وخاصة فى هذه المناطق النائية , ولكنها لا تريد البقاء وحدها حبيسة هذا المكان .
-اتفقنا , خمس دقائق واكون مستعدة .
وبدت الفتاة سعيدة , ولكنها تشعر بالحزن فى قرارة نفسها , ومع ذلك تطمئن نفسها بان كل شئ على ما يرام وان الامر انتهى تماما . ولكنها تخدع نفسها حقا ...

safsaf313 25-07-09 08:39 AM

الفصل الخامس
إنه عيد ..كرنفال حقيقي ! هذيان جماعي لم تعرفة تراسي إلا في الجامعه عندما قاموال بتقليد اليالي * الشمالية و قام الأصدقاء جميعاً بجولة في أحياء المدينة طوال الليل .
أما في نولوتيوي فهي ليست تقلعية و لكنها تقاليد حقيقية . وعادة ما تقام هذه الأعياد في جميع أرجاء المدينة و هنا تكون الموائد مغطاة بجميع منتجات البحر و تعلو الموسيقى هنا ةو هناك ليرقص على أنغامها الراقصون حتى الفلاسفة يأتون ليتحدثون عن أحوال العالم مرة واحدة .
و يتبادل الجميع الزيارات من منزل إلى آخر و تتناقل المشروبات بين الأيدي و هنا و صلت تراسي بصحبة زميليها فاستقبلوا بحفاوة شديدة ووضعت الكوؤس بين أيديهم ..منتديات ليلاس
فمن المستحيل ألا يشرب أحد هذه الليالي!
و من الواجب ألا يترك الضيف الكأس إلا فارغة .
و عندما دخلوا المنزل الرابع كانت تراسي تشك أن هناك شخصاً ما يتعقبها و تأكدت تماماً من ذلك عند زيارتها للمنزل السادس و لكنها لم تنزعج و أخيراً تقدم منها هذا الرجل المعجب بها و قدم نفسه إليها
و هو يعمل مهندساً و يسمى تيد مالانبي و هو رجل بش جداً و لا يردي سو اتباعها و الحق إنها سعدت بذلك .
و من جهه أخرى أعجب بها شخص آخر و كان أسمر اللون و يبدو جذاباً و تقدم منها مباشرة و هو يقول :
-أنا أسمي ريك هل نتزوج ؟
و قبل أن تجيب تراسي أقترب تيد قائلا:
-لتبحث لك عن فتاة أخرى يا ريك إذا تزوجت تراسي فلن تتزوج غيري !
و هنا قالت الفتاة:
-ماهذا؟ ألا أقول رأيي!
عندئذ انفجر الرجلان في الضحك و بدأ يقدمان نفسيهما و يذكران محاسنهما فيقول لأول ‘نه يملك ثلاث بواخر و يقول الثاني إنه يملك أربعاً ثم يتفاخر بالجواهر و الممتلكات ... و الحق أن كلاً منهما يبدو كأفضل صديق في العالم و سعدت تراسي بصحبتهما و بكونها معهما فهي تخشى بذلك اقتراب أحدهما منها دون الآخر و ظل الأثنان على هذه الحال حتى و صلا المنزل التالي و هنا بدا الرقص و دخل الجميع حديقة كبيرة جداً و أخذت تراسي ترقص بسعادة و لكنها تيقظت أخيراً و تذكرت أنها شربت كثيراً دون أن تأكل أي شيء و لم يكن ذلك بسبب عدم وجود الطعام و لكن لأنها لم ترغب في تناول الطعام و بدأت تتعثر في خطاها و تتأرجح بين يدي تيد فقالت:
-معذره يجب أن أتوقف قليلاً .
-بالتأكيد كا يجب أن تأكلي شيئاً .
و جذبها تيد نحو المنزل ثم جذبها لتجلس على الأريكه أمام المائدة كبيرة حافلة بالطعام .
-اجلسي هنا سأذهب لأحضر لك طبقاً .
-أشكرك!
انهارت تراسي على الأريكه و هي تتنفس الصعداء و كان الضوء خافتاً و الموسيقى تنبعث من الخارج عاليه حتى أنها بدأت تشعر بألم في رأسها عندئذ هاد تيد و تبعه ريك حاملا مثلهأطباقاً مملوءة بالأصداف و الجمبري و الخبز المدهون بالزبدة و الفواكة الإستوائية .
و بعد قليل لاحظ تيد أن تراسي تريد الجلوس وحيدة فجذب رفيقة بعيداً وهو يقول :
-استريحي قليلاً و إلى اللقاء و لكن لا تسرفي في تناول الطعام !
أغمضت تراسي عينيها لحظة ثم بدأت تتناول طعامها الشهي وكان الجمبري طازجاً و كبير الحجم و الأصداف أيضاً كانت رائعه مع الصوص المصاحب لها أما الفواكه فكانت تذوب في الفم .
و أخيراً شبعت تراسي ووضعت الأطباق الفارغة على المائدة الضغيرة ثم عادت لتستريح ثانية على الأريكة و عندئذ أخذت تتفحص الحجرة بعينيها ثم نظرت إلى المدعوين و هم يتناولون الطعام و الأطفال يأكلون الحلوى بنهم شديد.
فكرت تراسي بالعودة إلى الباخرة و لكنها كانت مستريحة هنا وهي ممددة هكذا و لهذا قررت البقاء قليلاً و هي لم تهتد ارتداء الأحذية ذات الكعوب العالية كثيراً و عندما جلست و هي عارية القدمين و ظلت الفتاة تلاحظ المدعوين و هم يعودون إلى الحديقة بعد الإنتهاء من تناول طعامهم و خلال ذلك كانت قد استغرقت في نوم عميق .
-هل نوقظها ؟
ترامت هذه الكلمات إلى أذن تراسي و هي نائمة من يريد إيقاظها ؟ و لكنها لا تريد أن تنتهي من هذه الجلسة المريحة .
-إذا ظلت نائمة هكذا بعد انصراف الجميع فسأتولى إيقاظها .
ففتحت تراسي عينيها هذه المرة و تعرفت على صوت جرانت مورجان لابد أنه يظن أنها ثملة جلست الفتاة على الفور ة هي مجهدة بعض الشيء من أثر النوم ..و اعترضت قائلة :
-أنا على ما يرام ! و لا داعي لهذا التفكير ! واجهت تراسي موجان و ميليسا ستيوارت و هي ترتدي ثوباً من اللون الأخضر و ظلت تراسي تنظر إلى التاة التي تراقبها باحتقار أما جرانت مورغان فكان على وجهه تعبير ساخر يعني الكثير و عندما رآها بدا و كأنه اكتشف فتاة تحاول القيام باشياء تريد إخفاءها عن الجميع .
-بما أنك يقظة لأن استغلي الفرصة لتعودي فوراً إلى الباخرة قبل أن تفقدي وعيك من جديد! و هنا استدار مورجان و ابتعد و ميليسا تتبعه فقالت تراسي:
-إنها القمة! فأنا لم أشرب شيئاً!
و لكن مورجان لم يكلف نفسة عناء النظر إليها و تابع طريقة كأنه لم يسمع شيئاً و لكن ميليسا استدارت ببطء و ألقت نحو تراسي نظرة خبيثة كأنها لا تصدقها .
كانت الفتاة قد استردت و عيها بما فيه الكفاية ففكرت في اللحاق بهما لتجبر جرانت على الاستماع إليها و لكنها تراجعت فليفكر فيما يريد على أية حال هي لن تعود إلى الباخرة الآن ذلك لأنه نصحها بذلك فقط .
ارتدت تراسي حذائها و ذهبت لتبحث عن دورة مياة لتغسل و جهها بالماء البارد ثم تضع قليلاً من الماكياج و بعد أن زينت نفسها عادت ثانية إلى الحجرة الكبيرة و جلست أمام النافذة تراقب جرانت و ميليسا و هما يرقصان متعانقين على أنغام الموسيقى الهادئة .
و كان تيد و زيك قد اختفيا كذلك جميع أفراد طاقم الرحلة و هنا توجهت تراسي نحو البار و جلست محاولة ترتيب الأفكار في رأسها من جديد.منتديات ليلاس
ما الذي تفعلة ميليسا في نولونبوي؟لم يبد أن جرانت كان ينتظرها وإلا ما دعا تراسي لتناول العشاء معه قبل مغادرة الباخرة .
إنها حقاً خسارة كبيرة لأنها رفضت دعوته! و لكن لابد أنع كان سيبحث عن حجة مناسبة في النهاية تمنعه من الخورج معها ! و ياله من مشهد كوميدي و هو يحاول البحث عن حجة مناسبة ترى ماذا سيقول ؟
شربت تراسي الكوب مرة واحدة ثم عادت لتملأه من جديد...
و بعد حوالي الساعة كانت تراسي لا تزال في مكانها و هي تجلس في هذا الموقع الاستراتيجي و الحق أنها كانت قد تقابلت مع عدد كبير من الأشخاص يأتون إليها ليتحدثوا معها .
أحدهم مؤلف قصص بوليسية أخذ يتحدث معها طويلاً عن عادات أسماك القرش قائلاً :إن بطلة قصتة الأخيرة ستذهب في رحلة في عرض خليج جوف و تمثل تراسي لهذا الكاتب مصدر معلومات مهمه .
و بعد قليل لحق بها مهندس معماري ثم عامل منجم يحلم بالإقامة في تاسماني .
و عن بعد ظلت تراسي تراقب جرانت و هو ينظر إليها شزراً ترى ما سر حقده الشديد عليها ؟ و ما الذي يجعله ينظر إليها هكذا ؟
ألم يرقص هو نفسه مع ميليسا و لكنه لم يكن مهتماً بها بالقدر الكافي فقد ظل ينظر إلى البار طوال الوقت .
و في منتصف الليل تقريباً كانت الموسيقى هادئة جداً رفضت تراسي الرقص مع أكثر من شخص دعاها لمراقصته و هي تشعر حقاً بالخوف من مواجهة أشخاص غرباء .

safsaf313 25-07-09 08:42 AM

و كان توم-بوس و جين جيمس قد غادرا المكان و فكرت تراسي في اللحاق بهما و لكنها بدت ملتصقة بالمقعد و سعيدة بالنظرات التي تختلسها نحو مورجان و هو أيضاً نفس الشيء .
و ظنت لحظة أنه سيأتي ليدعوها لمراقصته و سعدت عندما لاحظت أنه يحاول الاقتراب منها متناسياً رفيقته و لكن ميليسا كانت تقترب منه و تهمس له بعدة كلمات في أذنه فيعود الكابتن معها ثانية إلى حلقة الرقص .منتديات ليلاس
و يتقبض قلب تراسي تراسي فيتحول نظرها عنه عندما يلتصق ب ميليسا و يرقص معها على انغام الموسيقى و تفكر تراسي في الانصراف و لكنها تشعر بالإرهاق كما أنها لن تغادر المكان أبداً بسببهما!.
فجأة شعرت الفتاة أنها مراقبة فاستدارت فرأت جرانت مورجان يقترب منها ووجهه يكتسي تعبير تصميم غريب و كانت ميليسا قد اختفت تماماً و عندئذ كاد قلب تراسي يقفز من مكانه فقالت له عندما اقترب من البار:
-هل تشعر بالعطش أيها الكابتن ؟
-لا أنا لا أريد شيئاً فقد شربت ما فيه الكفاية كما انني لست الوحيد ...
-آه؟ و لكنه رائع و هذا الشراب و يجب تذوقه .
ملأت تراسي كوبها مرة أخرى عندما سمعت هذه الكلمات و لكن يد جرانت الضخمه كانت قد امسكت بها لتمنعها من ذلك و مع ذلك كا إن اقترب منها على بعد سنتيمترات حتى تردد و تراجع دون أن ينطق بكلمة واحدة و عندئذ أكملت الفتاة و هي تبتسم فقال لها :
-في الحقيقة أعتقد أن من الضروري الكف عن ذلك لقد شربت ما فيه الكفاية .
-شربت ما فيه الكفاية أم لا من يعرف ؟ على أيه حال أنا لا أقود سيارة للعودة و الآن استمتع بوقتك!.
و بدأت تراسي تضحك بشدة و كان تيد قد ظهر من جديد بعد أن فقد أثر ريك و استغلت تراسي هذه الفرصة الذهبية لتثير غيرة جرانت و نهضت من مكانها و توجهت نحو حلقة الرقص دون أن تكلف نفسها عناء تقديم الرجلين لبعضهما و ظل جرانت وحيداً في مكانه و هو ينظر إلى الفتاة شرراً وهي تراقص تيد .
كانت تراسي متضايقة من معاملتها لـ نيد بهذه الطريقة و لكنها تريد تؤكد لـ جرانت أنها ليست بحاجة في حاجة إليه و فجأة تحولت الأنغام الهادئة إلى موسيقى صاخبة مما اصطرها إلى الإبتعاد عن رفيقها و رقص الاثنان معاً و هما مبتعدان عن بعضهما و لاحظت تراسي من تعبير وجه نيد أنه يفهم الأمر و فعلاً قال لها بصوت عالي حتى تسمعه على الرغم من علو الموسيقى :
-إذا كان هذا يمنحني فرصة الرقص معك فلا ضرر إذن في ذلك و لكن يبدو صديقك غير متساهل ؟
-ماذا؟
-يبدو غير سعيد
-من ؟
-أنت تعرفين من! هذا الرجل الضخم الجالس هناك!
-لا شأن لي به!
-إذاً أنت تهتمين بي! أِشكرك!.
و فجأة تجمدت ابتسامة نيد على وجهه و هو يقول :
-انتبهي ها هو ذا! إلى المخبأ!
و فهمت تراسي مقصد نيد متأخراً فقد كان جرانت يقف وراءها و يمسك بذراعها بعنف و يقول لـ نيد :
-هل تسمح لي؟
و دون أن ينتظر الإجابة أمسك جرانت تراسي و ألصقها به فجأة تحولت الموسيقى الصاخبة إلى موسيقى هادئة كما لو كان قد وصى العازفين بذلك .
و اقترب جرانت منها كثيراً لدرجة أن تراسي عجزت عن الابتعاد عنه إنها حقاً كانت تريد الرقص معه و لكن ليس بهذه الطريقة فهي ملتصقة به حتى تكاد تختنق و أغمضت تراسي عينيها و هي تتمنى أن تعود الموسيقى صاخبه من جديد أو ربما يفاجئ المكان تمساح كبير فيثير الذعر بين الجميع ..ولكن ما من معجزة حدثت .
استمرت أنغام الموسيقى الهادئة كما هي فجأة قال جرانت بصوت أجش:
-قررت إعلان الحرب علي ؟
كان قد نطق بهذه الكلمات بصوت مشوب بالعاطفة و التهديد في آن واحد .
ولكن تراسي لم تجب إذا فكرت بالرد فمن المؤكد أن صوتها سيكون مرتعشاً و هي لا تريد ذلك .
ففال لها ثانية :
-ماذا؟ هل تحاولين إسكاتي بسكوتك؟
و لكن ذلك لا يليق بك ...
ها هو ذا يعود إلى سخريته من جديد إنه لا يهدأ إلا فترات قليلة جداً و لكن تراسي قد اعتادت ذلك و يمكنها الرد عليه الآن .
-كل ما في الأمر أنني سعيدة هنا و لم احضر الإعلان الحرب عليك و أنت تعرف جيداً كما انني لم أكن أتوقع حتى مقابلتك ..
و أكلمت الجملة لنفسها : بما أنك تجد الصحبة المناسبة و لكنها فهمت أنه فهم مغزى صمتها .
-ولكن ذلك لم يكن سبباً يسمح لك بمصابحة هذا و ذاك !
-ولكنني أتحدث فقط!
حاولت الابتعاد قليلاً لتستطيع النظر إليه و لكن هيهات و عندئذ همس جرانت قائلاً :
-حسن حسن
دهشت تراسي من رد فعل جرانت فهي لم تعتد منه هذا الصمت و الموافقة على انتصارها بهذه السهولة و لكنه لم يقل أي شيء و اكتفى باقترايه منها أكثر .
و على الرغم من اعتراضات تراسي إلا أن جرانت لم يسمح لها بالرحيل و ظل ملتصقاً بها .
ترى أين ميليسا؟ ظلت تراسي تطرح السؤال على نفسها و هي ما تزال ملتصقة به لا تاتي للمطالبة بفارسها ؟ و عندئذ تذكرت الحديث الذي دار بينها و بين الكابتن في ميناء داروين و تذكرت أن الفتاة تخشاه كثيراً .
و انها لا تريد مجادلته أبداً على الرغم من أنها حقاً فتاة مدللة .
و استمرت الموسيقى الهادئة و بدأت رقصة جديدة و إن كانت تختلف عن الأولى و شعرت تراسي بالإرهاق نتيجة نيجة لتناولها كمية كبيرة من الشراب كما أن التصاقها بهذا الرجل الذي يجذبها كثيراً يسبب لها مزيداً من الإرهاق .
و تركت تراسي نفسها لأنغان الموسيقى و سعدت بوجودها بين ذراعيه ووضعت رأسها على كتفه و هي في غاية السعادة .
و بسرعة شديدة جداً توقفت الموسيقى و بدأت من جديد الموسيقى المجنونة و هنا ألقى جرانت نظرة نحو الحجرة المجاورة ثم قطب جبينه بعد أن كان هادئاً تماماً و ترك تراسي و هو يقول :
-معذرة فأنا أكره موسيقى الروك .
و كان صوته يبدو بعيداً و غير مبال و لكن تراسي لم تظل دهشة لوقت طويل فقد لاحظت و صول ميليسا و لاحظت أن الفتاة تنظر إليها ببرود شديد لابد أنها تراقبهما منذ فترة فارتجفت تراسي لحدة نظراتها عندما قالت لها ميليسا:
-اشكرك لمصاحبتك جرانت بينما كنت اقوم باتصال تليفوني ...
وهنا أجابتها تراسي:
-أنا دائماً في خدمتك!
و شعرت تراسي بالضيق الشديد لدرجه لم توجه أي نظرة نحو جرانت إذا كانت هذه الأفعى الصغيرة قد فكرت في الرد عليها فلابد أنها كانت ستضايقها كثيراً و أسرعت تراسي بمغادرة المكان و بعد حوالي عشر دقائق كانت تراسي قد أوقفت سيارة اجرة و بعد لحظة تردد طلبت من السائق توصيلها إلى الفندق الوحيد المقام في نولونبوي فهي ليست في حاله تجعلها تحتمل جو الباخرة كما انها في حاجة شديدة إلى البقاء و حدها .منتديات ليلاس
و نامت تراسي طويلاً و في الصباح استيقظت على ما يراك بل و استيقظت مبكرة نوعاً ما و كان الإرهاق الشديد الذي شعرت به في الليلة الماضية قد اختفى تماماً بعد استغراقها في النوم خلال هذه الساعات
كان ضوء الشمس يتسلل إلى الحجرة و يداعب أنف تراسي إن اليوم يبدو جيداً و مع ذلك فهي مضطرة إلى العودة إلى الباخرة خلال هذه المساء بما أن مورجان قد قرر الرحيل في فجر اليوم التالي و لكنها لا تزال حرة حتى هذا الموعد.
و فكرة تراسي إن الإستحمام في حمام السباحة الموجود في الفندق أفضل شيء قبل تناول طعام الفطور
و تذكرت أحداث الأمس و تصرفات جرانت شيء غريب حقا أن يكون هادئاً بهذه الدرجة مع ميليسا و لكن بما أنه يحبها ما السبب الذي يجعله يحين أول فرصة لغيابها ليأتي إليها وهي بصحبتها؟
إنها تصرفات غير مفهومة حقاً
من الأفضل عد التفكير في ذلك و على كل خال فالحياة حافلة بأشياء مثيرة كثيرة تجعلها تستطيع الاستغناء عن جرانت مورجان هذا .
توجهت تراسي نحو حمام السباحة و غمرت رأسها في المياة الدافئة ثم صعدت على حافته و هي تهز رأسها و قد قررت تناول فطورها الذي ينتظرها منذ قليل ووجدت حشية ذات ألوان زرقاء متداخلة فتمددت عليها لتجفف جسمها تحت أشعة الشمس .
و لكن يبدو أن تصرفها غير حكيم فبمجرد أن استلقت تحت اشعة الشمس حتى تذكرت جرانت و تذكرت أول لقاء لهما في الكابينه الخاصه به و قبلتهما الثانية و الليله رأته خلالها في المطبخ .
إنها حقاً لا تستطيع أن تنطر أنجذابها إليه حتى لو أرادت ذلك استدرات تراسي حتى تجفف ظهرها و بدأت تفكر في تصرفات جرانت الغريبة و بدأت تشعر بالغيرة من ميليسا .
وهبت رياح استوائية خفيفة و كان لباس البحر الذي ترتديه قد جف تماماً فنهضت لتتناول فطورها .
فجأة قبل أن تتحرك و دون أن تسمع أي صوت لاحظت وجود ظل شخص قريب منها فاستدارت على الفور لترى من هذا الذي جاء إليها في هذا المكان المهجود في هذه الساعة ؟
ميليسا إنها ..ميليسا و هي ترتدي الـ بيكيني إنه نوع من لباس البحر الخليع جداً و لكنه يكشف عن جسدها الرائع المتناسق بطريقة لافته للنظر إنه جمال بارد جداً و لكنه أنيق و شعرها .. كانت خصلاته رائعه ووجهها غاية في الجمال إنه لشيء مؤسف أن يكون كل هذا الجمال لفتاة تافهة مثلها و هنا قالت ميليسا مهاجمة :
-شيء لا يصدقه عقل كأنك تتبعيني !
أجابتها تراسي :
-يالها من فكرة!
-أنصحك بأن تدعيني و شأني إلا فسوف تندمين على ذلك !
إنها تحاول التشاجر معها ! و هنا نهضت تراسي و أمسكت بالمنشفة و ابتعدت عنها و لكن ميليسا توقفت كحجر عثرة في طريقها فقالت لها تراسي و هي تتقدم بخطوات ثابته :
-حسناً أنا سعيدة بلقائك و أتمنى لك يوماً سعيداً .
و كانت تراسي قد قررت ألا تتأثر بوجود الفتاة الغبية و لكن ميليسا لم توافق على هذا التصرف و انزعجت كثيراً لتجاهل تراسي لها فدفعتها بيدها بعنف و هي تقول :
-دقيقة واحدة! لم أنه حديثي بعد! إنني لم أستستغ تصرفاتك بالأمس ستدفعين ثمن ذلك غالياَ صدقيني!
كان وجه ميليسا يكسوه الحقد لدرجه أخافت تراسي فحاولت الابتعاد عنها و هي تظن أن البقاء معها يمثل خطورة .
ولكن ميليسا اقتربت منها و أمسكت بذراعها و دفعتها بشدة نحو حمام السباحة و الحق أن دهشة تراسي قد أعجزتها تماماً عن الرد و ما إن بدأت تعي ما حدث حتى كانت ميليسا قد اندفعت نحوها كالمجنونه و كانت في قمت ثورتها ثم ركلت تراسي تراسي بحدة و كأنها حقاً فريسة لازمة أصابتها بالجنون .
ولكن أن أوان التصرف فعلاً فأمسكت تراسي بقدم الفتاة و جذبتها نحوها بشدة لدرجة تسببت في وقوع ميليسا في حمام السباحة و هنا نهضت تراسي من مكانها و أمسكت بالمنشفة ثم ألقت نظرة سريعة إلى الوراء لتتأكد من أن ميليسا لم تغرق ثم غادرت المكان و توجهت على الفور نحو حجرتها .
و عندما أغلقت باب الحجرة وراءها بدأت تستوعب مدى أهمية ما حدث و خطورته

فراولة2008 26-07-09 01:56 AM

اهلين صف صف
يا عمري اشتقنالك ولرواياتك الجميلة
لا تطولين علينابليــــــــــــز

safsaf313 26-07-09 09:30 PM

يا عيونى يا فراوله يا لذيذه التكمله لعيونك يا قمر


الفصل السادس
حاولت تراسي تهدئه نفسها خلال ساعه كامله فلاول مره في حياتها تتعرض لمثل هذا الهجوم
ومايزيد الامر تعقيدا انه من قبل سيده مثلها
كانت تراسي ممزقه بين الضحك والخوف حتى انها لم تستطيع فهم مغزي ماحدث وهي لاتزال تتذكر كلب مبلول
ترى هل راها جرانت مورجان بهذا الشكل ؟ مجنونة قلبها
لا بالتأكيد على اية حال كان من الواضح جدا ان ميليسا تكره تراسي بشده وعندئذ لاحظت تراسي انها لم تتناول
فطورها بعد وانها تتضور جوعا ولكن من المستحيل ان تذهب نحو قاعه تناول الطعام في الفندق فقد تجد ميليسا
هناك فقررت طلب فطورها في حجرتها عن طريق التليفون
وعندئذ ارسل اليها صينيه عليها بيضتان وقالب من الزبده وشرائح من التوست مع بعض الفواكه الاستوائيه
وقررت تراسي وهي تتناول طعامها الا تذكر ماحدث لـ جرانت مورجان . مجنونة قلبها
وعلى اية حال فليس هناك شاهد وقد تحافظ ميليسا ايضا على السر فلا داعي اذن لمثل هذه الاحاديث
كما وانها ليست فخورا بقدرتها على دفع ميليسا نحو حمام السباحه
وبعد ان تنهدت من تناول طعامها ذهبت تراسي لتستقل سيارة اجره بعد حوالي ربع الساعه ولانها تحمل امتعه معها
فقد استعدت للرحيل بسرعه .
وعندما وصلت السياره ذهبت تراسي لتدفع حسابها بسرعه
حتى لا تتأخر كثيرا في قاعة الاستقبال خوفا من لقاء ميليسا ومن يعرف ريما يكون جرانت مورجان بصحبتهاا
وعندما تخيلت تراسي ذلك عجزت ساقاها عن حملها ولكنها لحسن الحظ لم تقابل احد ووصلت بسرعه الى برفيدي .
وتوجهت مسرعه نحو حجرتها لتغير ملابسها فخلعت ثوبها وارتدت شورتا وبلوزه خفيفه
ثم صعدت ثانيه الى الجسر وجلست في الظل على احد الكراسي الشيزلونج وامسكت باحدى القصص بين يديها
التي لم تتمكن من الانتهاء منها طوال هذه المده فهي لم تجد الوقت الكافي لنفسها ابدا
في البدايه وجدت الفتاه صعوبه في التركيز فصورة ميليسا وجرانت تداعب مخيلتها دائما واخيرا تمكنت من التركيز في القراءه
واخيرا في الظهيره انتهت من قراءة القصه وللاسف لم تات بقصه اخرى معها
فقد علمتها التجربه انها لن تجد الوقت الكافي دائما للقراءه خلال هذه الرحلات
قد تذهب لتناول الغداء في المدينه
ولكن الفتاه زارت جميع انحاء نولونبوي ولم يعد هناك اي مكان تذهب اليه لذلك قررت اعداد طبق من السلطه لنفسها
ثم تدون بعد ذلك ملاحظتها
وبعد تناول طعامها وضعت تراسي لوحا من الخشب على كرسيين وجلست مستريحه وراء مكتبها هذا ثم استغرقت في عملها فلم يعد الان لديها الوقت الذي تكرسه للتفكير في جرانت او ميليسا
وكانت مستغرقه في علمها لدرجه انها لم تنتبه لعودة جرانت الى الباخره على الرغم من انها كانت تترقب مجيئه وعندما رفعت وجهها عن الاوراق لتزيخ خصله من شعرها بعيدا عن عينيها قفزت الفتاه من مكانها فقد كان هذا يقف وبراقبها
ترى منذ متى وهو هنا ؟ انها لا تعرف حقا
وكان يرتدي شورتا ابيض وتي شيرت خفيفا ويبدو في اوج صحته وقوته بجسده البرونزي وعندئذ قال لها
-يالها من طريقه غريبه للراحه
-لقد كتفيت بهذا القدر من السباحه والان واذا لم اهتم بترتيب كل شيء الان فلن اتمكن من التوفيق
-اراهن انك لم تفكري في شراء تذكارت من هنا
-هذا حقيقي واخشى انني لا استطيع ذلك الان
من المستحيل بالتأكيد ان تخبره ان افضل ذكره لها هنا هي اللحظات التى كانت فيها بين ذارعيه في حفله الرقص
ولكن ربما يكون غير متذكر هذه اللحظات
-اتمنى الا تكوني قد نسيت ارسال كروت المعايده ...
ماالذي يريد الوصول اليه بعد كل هذه الاسئله ؟
نظرت تراسي بثبات في عينيه وهي دهشه
فاستطرد قائلا
-الم ترسلي كروتا ؟ ولا حتى مجرد خطاب لصديق!
ولا صباح الخير لمدير العمل ؟
هذا مايريد معرفته اذن اذا كان لديها صديق ! ربما تنوي عدم طمائنته عليها اجابته كالتائهه
-ساكتب فيما بعد ....
-ولكنني احذرك انها الفرصه الاخيره لارسال الخطابات فلن يكون هناك مرسى ثان قبل وصولنا الى داروين لدى عودتنا
-ليس قبل خمسة عشر يوما اليس كذلك ؟
-هذا في حالة ما اذا قررت العوده مبكرا فانت رئيس الرحله رغم كل شيء
-لاشك في ذلك ! كما ان الاحصاءات خاصه بالاعداد الضخمه ونحتاج الى تجارب كثيره ثم انني لست متعجله للحياه في فصل الشتاء
-الشتاء ... هل تعرفين ااني افهمك بالكاد ؟
فانا لم ارى ثلوج الا في سينما
لم تستطع تراسي ان تمنع نفسها من الابتسام عندما تخيلت حال هذا الرجل الذي ولد في هذه الاماكن الاستوائيه
اذا توجه للاقامه في الجنوب وعاش ليالي الشتاء هناك ففي هذه الفتره في تاسماني تغطي الثلوج جبال والتجتون
وعندما لاحظ جرانت هدوءها استراح اكثر في مقعده حتى يستطيع مواصله حديثه في هدوء اكثر
-انا واثق انك تعشقين التزحلق على الجليد فقد رايت من قبل هؤلاء المجانين الذين يغمرون انفسهم بالثلوج حتى قمة رؤوسهم
-ماذا تقصد ؟ بالنسبه لي يمثل الشتاء الليالي الدافئه بجانب المدفأه وانا اتفق معك ان الجو يكون نقياً .. وهادئاً كما وانني
اجد الثلوج رائعه ولكن من بعيد !
-اذن انت تحبين الجو لدينا ؟
-كثيرا الحراره والزرع واتخيل موسم الامطار موسما رهيبا فانا لا احب الامطار ..
اما بالنسبه للثلوج فاعتقد انها اقل خطوره من الاعاصير ..
مجنونة قلبها
-اراضـي الشمال انها اجمل المناطق في العالم فلا يوجد مايشبهها ابدا انها كالخرافه
-نعم اراضـي الرواد ...
وطال حديثهما معا عن المقارنه بين الشمال والجنوب وبدت
تراسي سعيده بهذا الحديث كما بدا جرانت متشوقا للمواصله وربما يمكنها دفعه للحديث عن نفسه قليلا طالما في الازاء بهذه الصوره ولكنه كالعاده ظل كتوما بشأن حياته في داروين
كما وانه نجح باسلوبه المعتاد في تغيير مجرى الحديث حيث اراد
ثم اقترب منها ووضع احدى يديه على كومه الاوراق امامها وهو يقول
-انت محقه في اريك فلتفعلي مافي وسعك قبل الرحيل انها فرصه طيبه يبدو ان هناك شيئا ماغير مريح في الجو
وهنا ابتعد جرانت دون ان يضيف كلمه واحده فرفعت تراسي راسها نحو السماء انها زرقاء صافيه ولا يوجد بها سوى سحب قليله ورياح خفيفه ان الجو رائع كما وانها سمعت نشرة الارصاد عندما كانت في الفندق وتاكدت من ان الجو سيكون رائعا فما معنى
كلمات جرانت اذن ؟ اخذت تراسي تعمل بجديه حتى هبوط الليل وغربت الشمس بسرعه كالمعتاد في هذه الاماكن الاستوائيه
فجمعت الفتاه حاجاتها ولاداعي لان تتجه الى الداخل الان وبعد خروج جميع افراد الطاقم الى الخارج للعمل لقد انتهى الهدوء
ومن الفجر اتجه الجميع نحو الجسر وكانت الشمس قد بدأت تشرق وحان وقت الرحيل وبدا الجميع يعملون بهمه ونشاط
وبعد مرور الباخر من خليج ملقيل كانت السماء صافيه والبحر هادئا وبقي جرانت في كابينة القياده طوال الوقت تاركا
ديك فرنش وتوم بوس في مساعدة تراسي وبريان وفيفان وجلين واما الكابتن فقد بقي طوال الوقت على اتصال
مع جميع البواخر التي تعبر المنطقه
وأثناء الليل قاموا بالقاء الشباك وفي الصباح لاحظت تراسي ان جرانت غير وجهته دون ان يخبر احد بشيء
انزعجت الفتاه لهذه التصرفات الا انها لم تجرؤ على سؤاله عن السبب ولكنها استجمعت قواها
في اليوم التالي وسألته فاجابها دون ان يزعجه فضولها
-ان الجو لاينبئ بالخير انه مجرد شعور ..ولكني افضل الاحتياط
كانت السماء لاتزال زرقاء والرياح هادئه والاذاعه ايضا لم تعلن عن اي شيء ومع ذلك اصر الكابتن على رأيه
وظل في طريقه نحو المياه الهادئه لجزيرة انجليس حيث يمكنهم هناك الاحتماء في خليج ارنهم ويبدو ان الكابتن متأكد
من احتمال هبوب العاصفه
وكان الجميع يثقون فيه ثقه عمياء ولم يحاول ديك فرنش او توم بوس معارضته على الرغم من انهما بحاران مجربان
وكانت تراسي تلاحظ كثرة احاديثهما معا بصوت منخفض
وظل العمل مستمرا في انتظار ذلك وظلت الاسماك بجميع انواعها بما فيها سمك القرش تهاجم الشباك طوال اليوم
وفي الليل ازدادت سرعة الرياح وازداد العمل سرعه ايضا وتوالت الاسماك على الشباك وكان العمل يتم بسرعه
فيرفعون الشباك ويدونون ملاحظاتهم عن الاسماك ويضعون العلامات عليها وكل ذلك يتم بسرعه شديده وكان الجميع
يعملون بنشاط منقطع النظير
واستغلت تراسي فرصه الراحه الصغيره عندما كانوا يلقون بالشباك في البحر وتوجهت نحو جرانت لتتبادل معه كلمتين
-هذا شيء غير معقول فانا لم ار مثل ذلك من قبل
-نعم الاسماك تأتي بكثره وهذا شيء غير طبيعي وكأن من الطبيعي ان نجد كل هذه الكميه من الاسماك
عند رأس ويلبرفورس وليس هنا في المياه الهادئه
ربما كان ذلك اشاره الى هبوب العاصفه التي يخشاها هو ..
ولكن الشمس اشرقت في الصباح والرياح كانت لاتزال هادئه ونام الجميع نوما عميقا ولم يبق مستيقظا سوى جرانت
وفي الظهيره بدا افراد الطاقم يتحركون من جديد فاستيقظت تراسي وعندما فتحت عينيها كانت تتوقع رؤية مابؤكد مخاوف الربان
ولكن البحر كان هادئا والسماء صافيه
واثناء ذلك عهد جرانت بقيادة الباخره الى ديك فرنش وتوجه الى الكابينه ليستريح قليلا وعلى الرغم من ان ديك لم يكن
يتوقع هبوب العاصفه الا انه اخذ راي جرانت ماخذ الجد واستغلت تراسي الفرصه لتوجه اسئلتها التي تؤرقها
-هل تعتقد في احتمال هبوب عاصفه ؟
-اذا كان هو يشك في ذلك فعلينا الاخذ برايه فهو محنك جدا في هذه الامور ولكنني لااعرف من اين اتى بهذه الفكره
ولكن هذا الموسم لحسن الحظ ليس موسم اعاصير واما العواصف فمن المحتمل هبوبها فعلا الحقيقه
ان اكثر مايزعج الكابتن هو المحرك وهو قلق جدا بهذا الشأن منذ ان كنا في جوف
كيف ؟ هل هناك خلل في المحرك طوال هذه المده ؟
-لايمكننا ان نقول ان هناك خللا ولكن هناك شيء ماليس على مايرام
-انا لا ارى ان ..
-في الحقيقه لايمكننا ان نعرف الشيء الذي يستمر مدة ستة اشهر ثم يختفي فجأه وغدا ستتضح الامور
-شيء غريب ولم تفعل اي شي في جوف ؟
انزعجت تراسي من هذه الاخبار وتعجبت من هذا الموقف الذي لايتسم بالجديه في البدايه العاصفه والا هذا المحرك
الغامض انهم ليسوا بحارين هؤلاء يبحرون معها ولكنعم مجرد عرافين يحاولون التنبؤ
وفجأه دوى صوت جرانت وراءها فقد سمع سؤالها وعندئذ قال
-لايوجد مايستدعي الاصلاح ثم مالذي تريدين عمله ؟
استدرات تراسي وقالت في شجاعه
-لا اعرف كيف يمكن فك محرك .. ولكن من المنطقي ان نعرف هل هناك عطل ام لا ...
- لا بالتأكيد ! وهذا هو السبب الذي يجعلنا نسمي البواخر باسماء مؤنثه ...
وكانت السخريه تبدو واضحه في نبرات صوته
-كما واننا لانهمل المنطق في البواخر وكل مافي الامر ان هناك شيئا ماليس على مايرام ومع ذلك فلا وجود لعطل ويمكننا
عمل اي شيء
-اذن فنحن ننتظر انهيار كل شيء ونحن في عرض البحر ؟
-اننا على اهبة الاستعداد لمواجهة اية احتمالات فاطمئني كما اننا نحمل معا قطع الغيار اللازمه وكل شيء نحن في حاجه اليه للاعطال
-وفي حالة هبوب عاصفه ؟
-اننا الان في المياه الهادئه وعلى مقربه من الخلجان الصغيره المحميه والخطوره تكمن وسط الخليج واما هنا فلا خوف
من هبوب الرياح ولاداعي لانزعاجك واهتمي باسماك القرش التي تصطادينها فقط
ثم استدار وابتعد بينما كانت تراسي تنظر اليه في حيره
بدأت اعمال الصيد من جديد وكانت مثمره دائما حتى اضطرهم الارهاق الى التوقف قليلا وبعد ان تناولوا طعاما خفيفا استغرق الجميع في نوم عميق
بزغ الفجر بسرعه حتى ان تراسي شعرت انها لم تنم بما فيه الكفايه وعندما صعدت الى الجسر لاحظت ان الجو تغير بعض
الشيء فقد كانت السماء لاتزال صافيه والبحر هادئا ولكنه كان هادئا اكثر من اللازم هذه المره بينما كان الهواء ثقيلا
ويصعب التنفس من خلاله وكان من المعروف ان الجو في هذه المنطقه يكون دائما عبقا برائحة الازهار الطيبه
ولكن الرائحه في هذه اللحظه كانت منفره وغير مريحه
واثناء ذلك كان جرانت وديك يركزان نظرهما على المنطقه الشماليه الشرقيه وعلى الرغم من انهما لم يكونا
قلقين الا ان جسديهما كانا يعلنان عن توتر وارهاق غربين وكانا يجلسان في هدوء شديد ويحاولان تحليل
الاشارات الجديده التي تظهر امامهما ولم تشا تراسي ازعاجهما ولكنها فكرت انهما ربما يريدان تناول قليل من القهوه
فقالت وهي تقترب منهما
-انني اضع السخان في الماء هل تريدان تناول اي مشروب ساخن ؟
فوجئ الرجلان بوجودها فاستدرا نحوها وشكراها في هدوء وبعد قليل احضرت لهما الفتاه فناجنين من القهوه وكانت الاسئله
تحرق شفتيها ولكنها تماسكت واخيرا ضعفت وقالت
-ماذا يحدث ؟ هل هناك عاصفه ؟
واكتفى ديك بان رفع كتفيه وهو يأخذ القهوه منها واما جرانت فقد اكتفى بأن نظر اليها بثبات ولكنه لم ينطق بكلمه واحده
فأخذ منها فنجان القهوه ثم استدار ليركز نظره على الافق من جديد
وعندما توجها ثانية الى اعلى الباخره ولم يستطع احد من الافراد الطاقم فهم اي شيء منهما ولكن جرانت اشار
اليهم بأنه لاداعي للصيد الان
وانتبه الجميع محاولين معرفة من اي اتجاه سوف تهب الرياح ولكنهم حقا متاكدون من ان العاصفه ستكون رهيبه
فقد اصبحت حرارة الجو غير محتمله
واخيرا بدا جرانت يتحدث يتحدث مع مساعده فارهف الجميع السمع
-هناك خليج صغير على بعد نصف الساعه وهناك يمكننا البقاء في امان
-الشمال الشرقي هل انت متأكد من ذلك ؟
-اتمنى الا اكون مخطئا ....
وتوجه جرانت بعد ذلك نحو الدفه تاركا توم وديك يسويان حساباتهما الاخيره قبل التحرك
وارهفت تراسي السمع ولكنها لم تسمع اي شيء من حديثهما المزعج وبالنسبه لبقيه افراد الطاقم
فقد ازداد التوتر بينهم وكان من السهل عليهم التخمين بان هناك شيئا ليس على مايرام بعد ان اصبح الهواء ثقيلا الى هذه الدرجه
وقبل ان ينتهوا من تناول فطورهم كانو قد رسوا جميعا في خليج صغير رائع
-كم هو رائع هذا المكان
كان هذا تعليق فيفان بعد ان لحقت ببقيه افراد الطاقم وضحك الجميع على براءة تعليقها وكان شعرها مسترسلا
في جديه على ظهرها وجسدها رائعا كأنه قطعه من البسكويت وهي ترتدي لباس البحر الذي يبرز جماله والحق ان فيفان
كانت تبدو اكثر جاذبيه على الرغم من انها لاترتدي لباسا للبحر اجمل من لباس تراسي
ولكن تراسي قالت في نفسها انه على الرغم من انها تبدو اقل روعه من فيفان الا ان فيفيان قد نجحت في الا تخلق
لها اعداء على متن الباخره
وهنا اصرت فيفيان على تعليقها قائله
-انه خليج غايه في الروعه حقا واذا كنا لن نقوم باعمال الصيد هنا اذن فمن الممكن ان نسبح قليلا ومن سيتولى مهمة المراقبه ؟
عندئذ اجاب جرانت بصوت حازم
-لا احد كما انه لااحد سيسبح
وفوجئت فيفيان بهذا الرد فنظرت الى تراسي دهشه وعندئذ قالت تراسي
-بسبب العاصفه ؟
ولكن الفتاتين لم تحصلا على اجابه فركزتا نظريهما على جرانت ثم اقتربا نحو الحافه ونظرتا الى المياه وهنا قالت فيفيان
-هذا حقيقي اسرع الى الباخره ياديك
وكان ديك في الزورق الصغير وفي نفس الوقت كان هناك تمساح صخم يبدو على سطح الماء ولكن التمساح ابتعد
لحسن الحظ بينما صعد ديك على متن الباخره بهدوء ودون صعوبه
-ترى اين كان هذا التمساح عندما نزل ديك الى المياه في هذا الزورق ؟
وقال جرانت
-ان التمساح ليس كبيرا لهذه الدرجه ولكن المياه هي التي تبرز حجمه
فاعترضت تراسي قائله
-ولكن طوله حوالي ثلاث امتار !
-انت لاتخاطرين بأي شيء مادمت على متن الباخره كما وانه لن يفك ف مهاجمتنا !
هنا هدأت تراسي وكان جرانت قد حول عينيه عن التمساح الوحش وعاد فركز نظره على الافق من جديد
فمن هنا يأتي الخطر الحقيقي ....
وظلت الفتااه تنظر اليه انه حقا رائع ولكنها فجأه هبت من مكانها وصرخت وهي تشير نحو الافق
وعندئذ صرخ جرانت صرخه مدويه حتى جرى الجميع نحوه وكان المنظر رهيبا فهناك على البعد تختفي السماء تماما ؟ ترى ماهذا ؟
هل هي عاصفه ؟ ام اعصار ؟ والان في هذا الفصل شيء مستحيل ...
نعم انها ظاهره خاطفه مفاجئه لدرجه انها لم تعط لـ جرانت الفرصه للاحتياط ولكن آه لو كانوا في عرض البحر الان
فلم يكن من السهل عليهم ابدا اللجوء الى مكان مأمون
وصاح المساعد قائلا
-ليجتمع الكل فوق الجسر
واسرع الجميع باتباع نصائح ديك وفعلا تم رفع كل شيء بسرعه رهيبه وظل الجميع على الجسر بعد ذلك
فمن المستحيل ان يترك احد هذا المشهد الغريب وهو مشهد هبوب العاصفه
وعلى بعد لم يكن من السهل تمييز الافق بعيدا فوق الماء كانت تبدو كتلة خضراء تؤكد هبوب الرياح التي تسرع نحو الباخره
اما جرانت فكان قد لحق بهم على الجسر وهو عاري القدمين ويقول
-لم اتلق اي اشاره على اللاسلكي ولم ترسل الى اي باخره معلومات عن العاصفه ويبدو انها ستهب تنتهي من حيث اتت
ولكننا للاسف على الطريق هذه العاصفه
ولاحظت تراسي بريق عينيه انه الخوف من الخطر ولكنه لا يبدو خائفا بل مستمتعا ومع الوقت بدا لون البحر يتحول
من الاخضر الى الاصفرار بسرعه رهيبه كما بدات اشعه الشمس تتخذ اللون الاخضر وفجأه سادت ظلمه غريبه
انه الظلام الذي اصبح يحيط بالمكان كله وبدا البحر يهيج والامواج بدأت تتسارع تهز الباخره بعنف
وفجأه هطلت الامطار وزارت الرياح بشده وابتل الجميع لدرجة جعلتهم يتقوقعون على انفسهم
وامسك توم والمساعد في حافة المركب بينما وقف جرانت وكأنه في تحد مع العاصفه ووضع يديه في خصره وقد وجه وجهه
نحو الرياح بينما بدأت المياه تصفع الجميع وتدحرج الباحثون ولكنهم نجحوا في الامساك بحافة الباخره واخيرا طلب منهم جرانت
النزول الى اسفل مع توخي الحذر فقد يعصف بهم الهواء ويطيح بهم لعدم خبرتهم اما تراسي فقد ارادت البقاء وكانت فكرة الاختفاء
خوفا من الخطر تضايقها كثيرا
وهنا قال الكابتن لــ تراسي وهو يدفع بها نحو السلم ويصيح بصوت عال حتى تسمعه على الرغم من الرياح
-هيا الحقي الباقين وكما اننا نعرف مايجب عمله فلا تقلقي
-انا لااخشى شيئا ولكنني ....
-لايوجد لكن فانا لااريد احد يتابعني اثناء المناورات الصعبه
وما ان هبطت الفتاه الى اسفل حتى هبت المياه على الباخره ووقعت الفتاه على السلالم وسمعت صوت صرخه من اعلى
ولكنها صرخه مكتومه لم تستطع تمييزها وحتى لاتصطدم بشيء ارتمت الفتاه على الفراش الخاص بها
ورفعت يديها حول رأسها محاوله مقاومه الحركات العنيفه للباخره التي اصبحت تتخبط بطريقه جنونيه
ورفعت الامواج العنيفه برفيدي الى اعلى ثم تركتها تنحدر في الاعماق الرهيبه في اسفل وكان الباحثون يتخبطون هنا وهناك
حتى اصطدم رأس جلين بحافة الصوان اما بريان فكان وجه شاحبا وكان فعلا مريضا بالنسبه لـ فيفيان فقد امسكت هي
الاخرى بفراشها وكأنه زورق النجاه
ولعد حوالي عشر دقائق بدت كأنها ساعات طوال ظهر الضوء ثانية ومن فراشها رأت تراسي جرانت وهو يهبط السلالم
بسرعه وكان مبتلا تماما بالمياه ثم فتح الصوان وهو يستند على الجدارن الخشبيه واقتربت الفتاه لترى مايفعله
وكان جرانت قد امسك بانبوبتي اوكسجين وقناع وملابس غوص ولاحظ وجود تراسي فاعطاها الانبوبتين وكان وجودهاالى جانبه شيء طبيعي ثم قال لها بسرعه
-هيا ساعديني لاتردي هذا
-هل تنوي الغطس ؟ ولكنك لاترتدي الملابس الخاصه بالغطس كامله ؟
-لاوقت لذلك فالهلب يغوص نحو القاع واذا لم ننجح في السيطره عليه فقد نغرق جميعا هيا اسرعي
وفهمت تراسي من حديثه ان الوقت ضيق جدا وكانت الامواج تتلاطم في الخارج بعنف وبسرعه صعد جرانت الى الجسر
ودهشت عندما لاحظت انها لاتستطيع التحرك بسرعه وبمجرد ان صعدت الجسر تلقت صفعه من الماء على وجهها فتأرجحت
لشدة الدفعه وعندئذ شعرت بيد جرانت تمسك بها فاخذ من يديها ادوات الغوص ثم استند على حافة الجسر ليرتديها بسرعه
وكان يصيح بصوت عال بين الحين والاخر موجها تعليماته الى توم الذي كان يقف على مقربه منه
-قف على مقربه من الهلب وساعدني عندما احاول جذب الهلب وانتبه جيدا فهي فرصتنا الوحيده
ارتجفت تراسي في مكانها وكانت الامواج تتسارع نحو الباخره بشده والامطار تزداد فوق الجسر والحق ان تراسي لم تكن ترتجف
من لطمات الامواج ولكن من الخوف الذي اعتراها التمساح الهريب ... اسماك القرش هو ايضا عليه ان يتوخى الحذر
اقتربت تراسي من جرانت وهي تتأرجح وكان جرانت يستعد لوضع القناع على وجهه ثم صاحت بكل قوتها حتى يسمعها قائله
-الا توجد وسيله اخرى ؟
-ماذا تفعلين هنا ؟ هيا اهبطي الى اسفل فورا
-لاشك في ذلك ولكنك تخاطر بحايتك وانا اهب لاختبئ اسفل ؟ كلا !
-ولكن ذلك لن يفيدك في شيء هيا اهبطي
وكان صوته قويا ولكن عينيه صافيتان كل الصفاء واخيرا قال لها جمله لم تستطع الاستماع اليها ولكنها اصرت قائله
-والتماسيح واسماك القرش ؟
من المؤكد انه سمع كلماتها ولكن ابتسامته رددت عزمه وتصميمه ونفاذ صبره لمواجهة المخاطر ...
وجلس في مكانه ليرتدي بقية ادوات الغطس وعندما عصفت العاصفه والبرق من جديد ليضيء المكان ويبقى كل فرد
متجمدا في مكانه ظل توم ايضا في مكانه مستعدا لجذب الهلب اما ديك فكان عند المحرك مستعدا لتشغيله فورا في حالة الخطر
وبعد دقائق تحسس جرانت وجنتها ثم القى بنفسه سريعا في البحر وهو يضع يديه على القناع ليثبته في مكانه
وظلت تراسي تراقبه وهو بين الامواج يحاول فرد جسده وثنيه حتى اختفى تماما
اما توم فكان براقب المياه بكل دقه ولحقت به تراسي وهي تثبت عينيها على السلسله الضخمه المغموره في مياه البحر
الهائج مما يحول دون رؤية اي شيء من كان يعتقد في ذلك بينما كان الصباح صافيا لدرجه تسمح برؤية اعماق البحر ؟
وفجأه بدا توم يعمل وكأنه تلقى اشارة من الكابتن واخذ يبذل اقصى جهده محاولا جذب السلسله ثم توقف من جديد
وتحركت الباخره من مكانها بشده وبصوره خطيره كما لوكانت قد تحولت الى لعبة بين الامواج واصبح خطر الغرق قريبا
ومع ذلك كان على توم انتظار نجاح جرانت في امساك السلسله وبالهلب حتى يبدا هو عمله من جديد
وكان كل شيء يمر بسرعه شديده وكانت الباخره تتحرك بشده ولقد انتهى كل شيء وتم بنجاح وهاهو
ذا جرانت يظهر من جديد ويساعده توم في الصعود
وبسرعه البرق نزع جرانت ادوات الغطس واسرع ليساعد توم في اتمام مهمته ولكن هيهات هنا كان لابد من اللجوء الى ديك فقال جرانت وهو يتنهد
-ليس امامنا خيار لابد من تشغيل المحرك
وفعلا بدا المساعد يشغل المحرك هو متجهم الوجه وشعرت تراسي بأن المحرك بدا يعمل ولكنها لم تسمعه وتعلقت الفتاه
بما يحيط بها بشده مقاومه حركة الباخره وما ان بدأت تتنفس الصعداء حتى سمعت صوتا من جديد
وفجأه توقفت الاهتزازت تماما انه المحرك يتوقف عن العمل نهائيا
الفصل السابع
قال " جرانت " كأنه طفل صغير اكتشف أمره .
- لقد كنت محقا يا " تراسي " , كان لابد لنا من إصلاح العطل فى " جوف".
كانوا يجلسون على الجسر وسط قطع المحرك التى فكوها , والايدي ملطخة بالشحم والوجوه قذرة وكانوا يحاولوا اصلاح العطل قبل تركيب أجزاء المحرك من جديد .
ولحسن الحظ كان " ديك فرتش " قد قطع الغاز قبل أن تصبح الخسارة جسيمة وغير قابلة للإصلاح , والان سطعت الشمس من جديد .
لا داعى للندم . إن المحرك جيد ولا بأس به فقط استطاع الصمود امام هذه العاصفة القوية .
وكما توقع " جرانت " بالضبط , لم تستمر العاصفة اكثر من بضع ساعات , والان اصبح البحر هادئا وصافيا .
والحق ان " تراسى " لن تنسى ابدا التصرف البطولي للكابتن الذى انقذ حياتهم .
وعندما هدأ البحر اخيرا , قاموا جميعا بتنظيف الباخرة , فهنا وهناك توجد قاذورات كثيرة على الرغم من محافظتهم , ففى الارض , توجد قطع الاوانى المكسرة , والعلب المحفوظة , وهاهم أولاء يحاولون الانتهاء من ترميم المحرك ولكن الليل هبط دون ان يكملوا مهمتهم , وبعد ان استغرق الجميع فى النوم قليلا . استيقظوا فوجدوا انفسهم على الجسر واجسادهم مغطاة بالزيت الاسود بينما يسيطر عليهم الارهاق بشدة . قالت " فيفيان " :
- على الاقل فى " جوف " كان يمكننا الاستحمام . فأجاب " ديك " :
- هيا فالتماسيح لا تنتظر الا ذلك ! ويبدو انها لم تتناول فطورها بعد . منتديات ليلاس
انفجرت " فيفيان " ضاحكة ثم قالت :
- لو لم تتول انت كسر المحرك , لامكننا احتجاز اسماك القرش به لكي تنشغل عنا , وخلال هذا الوقت كان من الممكن ان نستحم !
كانت ضحكة " فيفيان " تعلو فى هذا الجو الحار , وكانت كلماتها المازحة مع المساعد تبعث السرور فى نفوس الجميع , وشيئا فشيئا , تلاشى التوتر والخوف وسط هذا الجو المرح .
واخيرا , تم اصلاح المحرك ومع اول تجربة له علا صوته وسط هتاف الجميع واعلن " جرانت " وهو سعيد انه يجب الاحتفال بهذه المناسبة , ثم ذهب الى الكابينة الخصة به واتى بزجاجة من العصير والاكواب , ثم قال بعد ان قام بخدمة الجميع بنفسه :
-غدا إجازة للجميع , وبالإضافة الى ذلك أعلن لكم انه يمكنكم السباحة كما تريدون .
هنا فرح الجميع وظلوا يهتفون ونظرت " تراسى " الى الكابتن دهشة وهى تفكر : ترى ماذا يحمل فى جعبته هذه المرة من مفاجأت ؟
انتهى الاحتفال مبكرا , فقد كان الجميع مرهقين , فذهبوا الى فراشهم بمجرد حلول الليل , اما " تراسى " فقد استغرقت فى النوم فور ان وضعت رأسها على الوسادة , ولكنها استيقظت بعد قليل عندما سمعت صوت المحرك يعمل من جديد , فانزعجت وارتدت ملابسها ثم صعدت الى الجسر .
كان المركب يتقدم ببطء أسفل السماء المرصعة بالنجوم والقمر البراق الذى لم تر جماله من قبل ومياه البحر أيضا كانت صافية كالمرآة .
لم يكن الضوء كافيا للرؤية ولكن " تراسى " استطاعت ان تلمح " جرانت مورجان " جالسا فى ضوء القمر , وعندما رأها رفع يده وأشار اليها لتلحق به , ولكنها ذهبت الى المطبخ اولا لتعد القهوة ثم عادت إليه وهي تحمل بين يديها صينية عليها كوبان من القهوة .
- يا لها من فكرة طيبة , إنه توارد أفكار , لقد كنت اتحرق شوقا الى تنناول أى مشروب ساخن .
- هل يمكننى ان اعرف ما الذى تفعله هنا فى الليل ؟ انه من الصعب جدا النوم مع سماع صوت المحرك ! لقد تخيلت نفسى فى إجازة .
ولم تستطع " تراسى " ان تمنع نفسها من الابتسام اليه بعد ان ابتسم لها ابتسامة رائعة مشرقة .
- كان من الضرورى الاسراع بالذهاب الى الجنة !
ولا داعى للانتظار حتى الغد لكي ترحل فيضيع نصف اليوم فى السفر . اما اذا بدأنا رحلتنا الأن . فإنه يمكننا الوصول مبكرين عند الاستيقاظ , أليست فكرة جيدة !
- ولكن متى تنام أنت ؟ فانت لم تسترح منذ بداية العاصفة .
- إننى على ما يرام , وانت فى حاجة الى انلوم الا اذا كان صوت المحرك يزعجك . اشكرك على القهوة . وعلى صحبتك هذه .
ثم استراح فى جلسته وهو ينظر الى " تراسى " تارة والى البحر الممتد امامه تارة اخرى أجابت الفتاة :
- لا داعى للشكر . وانت محق فانا لم انم بما فيه الكفاية هذه الليلة .
- هذا حقيقى . فاليومين الاخيران كانا مرهقين للغاية . ان هذه المغامرة ستكلفنى الكثير . خاصة فيما يتعلق بطاقمك .
- ولكنك لست المسؤول عن دفع رواتب طاقمة على ما اعتقد .
- بالنسبة لصيد اسماك القرش . لا , ولكن اصلاح المحرك ليس مذكورا فى العقد كما يبدو لى ! لا أعتقد ان يوم إجازة والسباحة يمكنهما منحك الراحة اللازمة .
- فى المياه الهادئة ؟ بعد أسبوع فى البحر ؟
أنت مخطئ ! إن " فيفيان " مستعدة لدفع روحها ثمنا لهذا اليوم والسباحة وانا ايضا ..
وفجأة شعرت " تراسى " ان عينيها حبيستا نظراته . كما لاحظت ضيق الكابينة وانه اذا مد يده نحوها , اذا حاول لمسها , فلن تستطيع الفكاك ولن تستطيع الرفض .
شعرت " تراسى " ان انفاسها تتلاحق تحت تأثير نظراته لها . ان له اسلوبا معينا يستطيع به التأثير عليها حتى دون ان يلمسها .
ألقى " جرانت " نظرة سريعة نحو البحر , ثم مد يده نحو الفتاة , من المستحيل مقاومته . وشيئا فشيئا جذبها نحوه واحتضنها بين ذراعيه وقبلها برقة متناهية , واستجابت الفتاة لقبلاته ولم تحاول مقاومته نهائيا .
وعندئذ لفت " تراسي" يديها حول رقبته وداعبت خصلات شعره وهي سعيدة بقربه منها وبدفء جسده ولمسات يديه .
إنه جنون وهي تعرف ذلك , جنون مؤكد عقب العاصفة وفي هذه الليلة المقمرة بعيدا عن الجميع وهنا همس " جرانت " فى أذنها :
- هناك وبعد قليل , سأريك شيئا لك وحدك , مكانا رائعا يصلح لي ولك...
لم تجب " تراسى " ولكنها استمرت فى تقبيله وهو يلتصق بها بشدة . ثم ابتعد عنها قائلا :
- حسن .. كدنا نفقد هذا المكان .
ثم أشار بيده نحو جزيرة صغيرة .
- من المستحيل القيادة وتقبيلك فى أن واحد !
كان صوته مملوءا بالاحساس والرقة , ثم وضع يده على يد " تراسى " وابتسم , بينما ظلت الفتاة صامتة ومتأكدة من عدم قدرتها على السيطرة على نفسها , إنها لن تمل قبلاته ولمساته ابدا .
نعم يجب أن تعترف بذلك , إنها تحب " جرانت " ولا يمكنها التراجع , إنه الجنون بعينه . فكرت الفتاة فى " ميلسيا " وتذكرت ما قيل عنهما فى هذا الصدد , انها مخطئة عندما تقع فى حب رجل يحاول اللعب بها لتضيع الملل الذى يسيطر على الرحلة !
وفجأة شعرت بانها عاجزة عن السيطرة على دموعها , فخفضت عينيها , وكم كانت تتمنى منحه ثقتها الكاملة .
نهضت " تراسى " من مكانها وتوجهة نحو فراشها , وعندئذ لاحظت نظرات " جرانت " الدهشة مصوبة نحوها , ولكنه لم يحاول اللحاق بها , كان الجميع مستغرقين فى النوم , ولم يلاحظ احد عودة " تراسي ".
من الصعب جدا ان تغمض عينيها وسط هذه المشاعر والاحاسيس , كما ان حرارة الجو تضايقها أيضا , وظلت " تراسى " تتحرك فى فراشها وذكرى " جرانت " ونظراته تلاحقها , ولم يستطع احد التأثير فيها بهذه الطريقة من قبل .
استيقظ افراد الطاقم الواحد تلو الاخر ولكنها تنتظر صعود الجميع الى الجسر حتى تلحق بهم .
شعرت الفتاة بالخجل وكان من السهل جدا قراءة تعبير وجهها , ومعرفة ما يلم بها . ولكن هذا الصباح مثله مثل أى يوم أخر . اما بالنسبة لها , فالوضع يختلف تماما .
وعندما توجهت الفتاة الى المطبخ لتعد فطورها , استقبلها " جرانت " بابتسامة ولكنه لا يسخر منها مثلما يحدث كل مرة وجاهدت " تراسي " كثيرا حتى تستطيع الابتسام .
وبعد الانتهاء من تناول الفطور , وصل الجميع الى هذه المنطقة من الارض فى الجزيرة الصغيرة .
انها أرض الاحلام ! الجزيرة وحولها الصخور السوداء العالية فى اشكال غريبة والرمال البيضاء من حولها , كما يوجد ثلاثة جداول من المياه تصب فى الخليج وكأنها ثعابين من الزمرد وسط الرمال .
تقدم " جرانت " المجموعة وهو يمسك ببندقية فى يده , واخيرا وصلوا إلى أعلى تل متوسط الارتفاع , ومن هذا المكان يستطيعون رؤية البحيرة الصافية , وعندئذ قال " جرانت " وهو يعطى البندقية الى " ديك " :
- لا توجد اسماك قرش هنا وربما لاتوجد تماسيح أيضا , اعتقد ان المياه هنا صافية جدا لدرجة لا تسمح بوجودها . ومع ذلك لابد من الانتباه جيدا , فلا احد يعرف شيئا .
وهنا ابتعد الكابتن ومساعده للاطمئنان على المكان قبل ان يعودا ويؤكدا للجميع سلامة المنطقة من المخاطر . وبمجرد إعلان ذلك أسرع الجميع نحو البحيرة .
يبدو ان اليوم سيكون رائعا , لقد أحضروا كل شئ معهم ليستمتعوا بالرحلة جيدا بعد هذا الاسبوع الطويل المرهق .
خرج " جرانت " من الماء بسرعة وانتحى بمساعده جانبا ليصدر إليه بعض التعليمات , ثم أشار بيده نحو " تراسي " , فدهشت الفتاة كثيرا ولكنها ارتدت ملابسها مسرعة دون أن تجفف جسدها , وعندئذ ابتعد " جرانت " متوجها نحو الصخور وما كان عليها إلا اللحاق به , وعندما وصلت اليه . قال لها بغموض شديد :
- إذا أطلعتك على سر ما . هل تحتفظين به ؟
- أى سر هذا ؟
- ألا تثقين بى ؟
نظرت إليه الفتاة فى حذر . فقال لها :
- لقد أخبرتك أننى سأريك شيئا اليوم ... اكتسى وجه الفتاة بحمرة الخجل ولم تستطع منع نفسها من الندم . كما ان ابتسامة " جرانت " لا تريحها فقال لها بصوت منخفض :
- ألا تتذكرين ؟
- نعم ..
- عدينى بأنك لن تخبرى احدا بذلك .. حتى ولا افراد الطاقم .
- ولكن ماذا تقصد ؟ هل تخفى كنز احد القراصنة هنا ؟. انت حقا قادر على ذلك !
- أفضل من ذلك بكثير . بالنسبة لى على أية حال , كم أتمنى أن اعرف فيما تفكرين .
- إننى أتساءل ماذا تدبر ؟!
- سترين .
ثم تقدما سيرا على الاقدام وسط جداول المياه الثلاثة . وكانت الصخور السوداء العالية أمامهما . إنه عالم اخر ساحر به كل الالوان أحمر . بنى وذهبى . ياله من مكان غامض حقا .
تقدم " جرانت " امامها وهو منتبه تماما للطريق بينما كان يضرب الارض بعصاه ليتأكد من عدم وجود ثعابين . وكانت " تراسى " تتبعه فى انتباه وهى ترفع رأسها بين كل خطوة واخرى لتلاحظ روعة المكان وسحره .
وعندئذ كان " جرانت " يبدو كأنه يبحث عن الثعابين واخيرا اقترب من ممر ضيق . فقال مبتسما :
- هنا من خلال هذا الممر يمكنك الوصول الى قلب الجزيرة . كنت اخشى دائما ان تسد المياه هذا الممر . ولكن كأنها معجزة فى كل مرة أجده خاليا من المياه . سنرى هذه المرة أيضا هذا الكهف . أتمنى ألا تخافى من الوطاويط ؟
- هل يوجد الكثير ؟
ضحك " جرانت " قائلا :
- إنها فى غقر دارها , ودون إضاءة لن تزعجها . فلا تخشى شيئا , أريد أن أنبهك أن النهر عميق فى هذا المكان , وقد نضطر الى السير فى الماء , اتبعينى عن كثب , ولا تخافى , والان قليلا من الصبر !
- ألا توجد تماسيح أو ثعابين هنا ؟
- تماسيح , لا , اما الثعابين فهى اكثر خوفا منا , على أية حال سأمر أمامك
- شئ ما لا يريحنى!
- هيا اتبعينى والا لن نستطيع العودة قبل موعد الغداء .
تقدما فى المياه والظلام , ولكن الضوء كان كافيا بعض الشئ لرؤية الطريق . لقد اضطرا الى العوم فى بعض الاحيان وكان المرور صعبا خاصة فى الظلام الدامس . وسمعت " تراسى " صوت الوطاويط قريبا منها وحركة اجنحتها فوق رأسها .
بالنسبة لـ " تراسى " كانت ثقتها فى الرجل الذى يقوم مقام دليلها ثقة عمياء لدرجة جعلتها تسير وراءه نحو مصير غامض ولكن التجربة مرعبة حقا.
واخيرا وصلا الى النور ورأت " تراسى " الروعة مجسدة أمامها لدرجة قطعت أنفاسها كان أمامها جزيرة صغيرة جدا كأنها محفورة وسط الصخور , وفى المنتصف توجد بحيرة ذات مياه مثلجة وقاع لونه أحمر وكان الصمت يخيم على المكان كله .
واخيرا استطاعت " تراسى " النطق , فقالت :
- انه رائع .. رائع لدرجة لم يرها إنسان من قبل .
- انتظرى قليلا .
ثم جذبها " جرانت " نحو الجهة الاخرى لترى صخرة سوداء كأنها صخرة الذكرى , نعم لقد حضر الكثيرون من قبلها الى هنا , ان هذا المكان يشبه الكاتدرائيه , وعلى الجدران , ترى تحت الذين رأوا المكان من قبل.
كما توجد رسومات أهالى المنطقة , إنها أشياء تستحق التأمل فعلا : حيوانات ضخمة , أسماك , ألوان مختلفة , حياة كاملة ومخلوقات كانها تتحرك على الصخور .
أمسكت " تراسي " بذراع " جرانت " حتى يسير ببطء قليلا وكانت تقف عند كل خطوة وتمعن النظر فيما ترى , إنه فن بدائى كأنه يأتى من زمن مختلف فيتغلغل فى الروح , فى هذا المكان ترى رسوما تعبر عن أسماك ضخمة ذات عيون سوداء , وهنا سمكة قرش سوداء ومعها سمكة أخرى تحاول اللحاق بها , وهناك أيد , أيد كثيرة تغطى المكان , فقالت الفتاة متنهدة :
- كيف أمكنهم الصعود الى أعلى ؟ فالسقف على ارتفاع عشرة أمتار على الأقل .
- ربما بواسطة الإسقالة , وربما كان المكان أقل ارتفاعا فيما مضى .
كان " جرانت " يتحدث بصوت منخفض خوفا من كسر هذا الصمت والغموض اللذين يسيطران على المكان .
وفى الجهة الاخرى , توجد رسومات من عهد حديث , فهناك رسومات مراكب وأشخاص ومسلحين ببنادق لهم ملامح أسيوية أو اوروبية , كما يوجد اشخاص محاربون يمسكون بالسهام فى أيديهم , وهم مزودون بالدروع .
تقدما قليلا , فأمسكت " تراسى " بذراع " جرانت " بقوة وهمست قائلة :
- نحن لسنا فى مكاننا هنا , هذا المكان ليس لنا ...
وفى مكان أخر , صرخت " تراسى " بشدة وحاول " جرانت " منعها من التقدم ولكن الوقت كان متأخرا , لقد رأت كل شئ , فقال لها :
- معذرة , لقد نسيت هذا المكان .
- كان الحائط مرسوم عليه صورة لاثنين من السكان يرقصان رقصة مرعبة دليل الرجولة ويمسكان بأسلحة فى ايديهما . وكان منظرهما مرعبا جدا كأن الحياة تدب فى أوصالهما .
الحق انه ما من امرأة رأت هذه الصورة من قبل ... وبسرعة شديدة استدارت الفتاة .
فخرجا معا من الكهف نحو الشمس .
وشعرت " تراسى " كأنها تعيش القرن الماضى والغامض لـ " استراليا"..
لم يكن أحدهما يريد التحدث الى الاخر . وشعر كل منهما أنه يعيش فى مكان منعزل . جلس الاثنان على حافة النهر يستريحان قليلا وبسرعة شديدة جادت ملابسهما .
حتى هنا , كانا يتحدثان بصوت منخفض وكأنهما تحت تاُثير شعور غريب يسيطر عليهما .
سألته " تراسى " بعد طول صمت :
- كيف اكتشفت هذا المكان ؟
- لقد ترعرعت وسط مجموعة نادرة من القبائل هنا , وعرفت من خلالهم هذا المكان , وانت أول انسان اصطحبه الى هنا .
- أشكرك , أشكرك .. ولكن ربما كان من الواجب أن ..
- كنت أريد معايشة هذا السر معك , فلا تخبرى احدا به . فمن الممكن تدمير هذا المكان إذا عرفه السياح .
- ولهذا السبب حاولت المجئ ليلا حتى لا يسألك احد عن شئ .
- نعم , هذا جزء من الحقيقة , ولكن البحارة يمكنهم زيارة هذه الجزيرة ومعرفة مكانها بسهولة إذا أرادوا , ولكن لا تقولى شيئا .. كما إنه إذا عرف " توم – بوس " سر هذه الجزيرة لم يكن ليوافق على الحضور هنا , فهو مكان مقدس .
- هل لأنه من السكان الأصليين للمنطقة ؟ ولكننى لا أصدق ذلك ..
- كلا إنه من " برووم " ولكنه يخشى الاماكن المقدسة كثيرا ..
- أفهمك جيدا .. أما نحن نتأثر بالمكان .. ومع ذلك فإنى لا أعتقد فى السحر .
إنه " جرانت " مختلف تماما عن هذا الذى عرفته من قبل , إنه رجل منحها هدية قيمة جدا , وأتى بها وحدها إلى هذا المكان الرائع أجابها " جرانت " :
- أنا أيضا لا أعتقد فى السحر , ولكن هذه الاعمال لها تأثير ما على الخيال بدرجة تجعلنا نحاول المحافظة عليها .
- هل تعتقد أنه لم يحضر أحد لزيارة هذا المكان مثلنا ؟
- لقد اختفى معظم سلالة هذه القبيلة , والحق أنا لا أعرف ماذا أفعل , فيما أننى أخفى هذا المكان ربما يختفى فى يوم ما , لكن تخيلى لو عرفه الجميع وأصبحوا يزورونه ..
إننى أخضر هنا منذ عشرين عاما , كأننى احج إلى مكان مقدس وخلال هذه الاعوام لم ألاحظ أثر لأى زائر , أعتقد أنه لم يأت أحد إلى هنا منذ أن رأيت هذا المكان أول مرة عندما كنت طفلا .
- ربما يهتم الزائرون بالمكان مثلك تماما ولا يتركون أثرا يدل على وجودهم أيضا .
- ربما , ولكنه احتمال ضعيف , فحتى فى أيام طفولتى كان الاشخاص المتبقون من القبيلة قليلين جدا , ومتقدمين فى السن , وكان والدى يأتى للصيد فى هذه الاماكن عندما كان من الممكن صيد التماسيح فيما مضى . وكان يحضرنى الى هنا ونزور بعض سكان المنطقة الاصليين ولكننى لم أقابل احد هنا بعد ذلك .
ظل " جرانت " و " تراسى " يتأملان أسفل أشعة الشمس ثم نهضا ليلحقا بالباقين على الشاطئ , كان الطريق طويلا وموعد الغداء يقترب , لقد تركا أفراد الطاقم منذ حوالى ثلاث ساعات .
تبعته " تراسى " وهى مضطربة وتفكر , هل ستنجح فى التكيف مع مزاج " جرانت " المتقلب ؟
فأحيانا يكون ساهما واحيانا يكون جذابا وأحيانا يكون فيلسوفا .. من الصعب جدا فهم شخصيته , فأثناء الليل كان حنونا وجذابا , واليوم لم يحاول الاقتراب منها نهائيا . ولكن أليست هذه المغامرة الغريبة دليل ثقته بها ؟
وعندها اقتربا من الشاطئ , لاحظا وجود نيران تأتى من الجهة الاخرى , وقد حال ذلك دون الرؤية , ودون تردد جرى " جرانت " نحو الشاطئ ووراءه " تراسى " وبمجرد أن اقتربا حتى سمعا انفجارا , ونظرا معا فرأيا جميع افراد الطاقم موجودين ولكنهم ليسوا وحدهم , كما توجد باخرة فاخرة تقف على مقربة منهم . وهى عبارة عن يخت رائع يقف على مقربة من " برفيدي " لدرجة جعلتها تبدو وكأنها مركب صيد قديم .
لم يجر " جرانت " مسرعا ., ولكنه سار بخطئ هادئة نحو الفتاة الشقراء التى تقف فى انتظاره .
لقد كانت " ميليسا ستيوارت " فى انتظاره بصحبة رجل مميز يبدو انه والدها ومعهما اثنان من البحارة الفصل الثامن
عندما وصلت تراسي إلي الشاطيء، ورأت "جرانت" يقف بعيداً مع "ميل ستيوارت" يتحدث معه، وكان الرجل يرتدي حلة بيضاء أنيقة جداً، ويبدو أن والد "مليسا" رجل دبلوماسي من الدرجة الأولي.
وشعرت "تراسي" أن "جرانت" يحاول كبح غضبه علي الرغم من أنها كانت تراه من ظهره.
فسر ديك" سبب النيران التي تنفجر أنه فجرها كنداء للكابتن وذلك وفقاً لأوامر والد "مليسا"
وحاولت الفتاة معرفة المزيد عن الموضوع ولكن دون نجاح، فلم يكن "ديك" يعرف شيئاً.
أما مليسا" فلم تحاول الأندماج وسط المجموعة، وظلت واثقة من نفسها، لقد وقعت أحداث كثيرة لتراسي" منذ واقعة حمام السباحة التي حاولت نسيانها لكنها تذكرت كل شيء بمجرد أن رأت "مليسا" ومع ذلك حاولت أن تبدو مهذبة في تصرفاتها تجاه الفتاة الشقراء التي لم تكلف نفسها حتى عناء النظر إليها.
وحاول "جلين جيمس" التقدم من الفتاة وفتح أي حديث معها ولكن "مليسا" سحقته بكبريائها. فآثر الصمت من جديد، وأخيراً أقترب الكابتن من الطاقم وقال دون مقدمات:
- إن الرحلة انتهت إلي هذا الحد وسنعود إلي داروين.
كانت المفاجأة شديدة جداً. ونظر الجميع إلي بعضهم.
- هل فهمتم سنعود: إنه أمر الوزير.
رددت "تراسي" دهشة:
- الوزير! هل هو الوزير؟ انا لا أعرفه!
- صه! إنه "ميل ستيوارت" يعمل في مكتب وزير الصيد، فهو يرسل إينا الأوامر العليا.
فأصرت الفتاة قائلة:
- زلكنما الذي يهمه في رحلتنا؟
- سنعرف ذلك فيما بعد... وفي داروين يمكنك الإتصال بالمعمل والتحدث معهم كما تريدين، أما الآن علينا تنفيذ الأوامر بالرحيل.
شعرت "تراسي" أن قرار "جرانت" لا رجعة فيه ولم تكن تريد طرح أي أسئلة علي "ميل ستيوارت".
ومن الصعب بالتأكيد التحدث إلي جرانت أمام الجميع، إذن من الأفضل أن تنتظر حتى تحدثه سراً. فربما يفسر لها الأمر بعد ذلك.
وهنا أقترب "ميل ستيوارت" وابنته من أفراد الطاقم، بينما كانت الإبتسامة المشوبة بالقسوة ترتسم علي شفتي مليسا.
ثم قال الرجل لجرانت:
- صديقي إنني أعهد ‘ليك بأبنتي، إنها تريد الترويح عن نفسها...
وهنا ساد الصمت المكان لكن أحداً لم يستطع أن الأعتراض فأجاب جرانت:
- إذن لتذهب وتأتِ بحاجاتها، سنرحل فوراً.
وهنا اعترضت فيفيان قائلة:
- لقد قضيت ساعات طويلة في اعداد طعام الغداء، ولا يمكننا بالتأكيد استكمال الرحلة ونحن جائعون.
ولم يستطع الكابتن الاعتراض علي هذه الحجة. فوافق علي التأخير، وهنا ابتعدت مليسا وقبل أن يصعد ميل إلي اليخت الخاص به، أمسك يد تراسي، فارتعشت الفتاة. ثم أمسك بيد فيفيان وظل ممسكاً بها طويلاً، ثم وجه كلامه إلي الفتاتين بينما ركز نظراته علي فيفيان قائلاً:
- إنني سعيد بمعرفتكما، وآسف لأننا لن نستطيع البقاء معا طويلاً! ولكن ربما أستطيع في داروين...
جذبت فيفيان يدها بطريقة لطيفة، فقد انزعجت من هذه المصافحة الطويلة.منتديات ليلاس
وأخيراً، اصطحب الرجل ابنته معه إلي اليخت لتناول الغداء.
انتهى الغدلء بسرعة، وظل بريان يطرح اسئلته الفضولية علي جرانت الذي أمره بالصمت في النهاية، فقد كان الكابتن معكر المزاج حقاً...
أما تراسي فكانت في قمة غضبها، لقد انتهت الرحلة العلمية دون الأخذ برأيها. ودون وضع هذه النهاية المفاجئة للرحلة. ومورجان لم يحاول تفسير الأمر لها.
وفي صمت قاتل ، توجه الجميع نحو برفيدي، وإذا كان البحر يسمح ، فسوف يتجهون إلي داروين خلال ثلاثة أيام وتنتهي الرحلة تماماً.
حضرت مليسا مع أحد البحارة ومعها أمتعتها، وها هي ذي تحمل عددا كبيرا من الحقائب لمجرد رحلة صغيرة إلي داروين.
وكانت حقائبها اكثر من حقائب الطاقم كله خلال شهر.
ودون أي تردد، أقامت مليسا في كابينة الكابتن جرانت مورجان قال بريان مغتاظاً:
- إنها تعرف ماذا تريد.
فأجابته فيفيان:
- هذا حقيقي، ولكنها غبية جدا في رأي، وتلعب حقاً بالنار!
كان هذا التلميح الوحيد للموقف، والحق أن الجميع كانوا يلاحظون شعور تراسي نحو الكابتن واختفائها معه في الجزيرة،
وتبادل أفراد الطاقم النظرات فيما بينهم عندما حاولت مليسا قطع الطريق عليهم بهذه الطريقة، والحق أن صمتهم كان يؤلم تراسي كثيرا.
واخيراً عثرت تراسي علي جرانت وحده وكأنه يحاول تجنبها، فصاح فيها قائلا:
- لا داعي للنقاش سنعود فوراً وانتهي الأمر.
- شيء غريب... أتوافق علي رأي هذا ال... ؟
ألم تر كيف تحدث معي ومع فيفيان؟ ألم تلاحظ كيف كان ينظر إليها؟ إنني لم أقابل شخصاً كريهاً مثله من قبل!
- هدئي من روعك، رأيك فيه شيء آخر. أما الأوامر فهي أوامر ويجب أن تنفذ.
- إذاص، ستنفذ ما قاله؟ حتى لو كان ما يقوله لا معنى له؟ إنك تستمع له دون أدنى تعليق، وهل ستوافق علي ما يقوله حت لوكان أمراً غير شريف؟...
صاح فيها جرانت..
- صه. إنك تهذين، يمكنك التحدث في ذلك مع مديرك. وفي ازنتظار ذلك أنا الكابتن ولا بد من الرحيل.
- مفهوم يا كابتن مورجان أنا أعرف ماذا يخيفك؟
مجرد قرار صغير! عندئذ استدارت الفتاة وغادرت المكان وهي في قمة غضبها وأغلقت الباب ورائها بعنف، وعندما خرجت وجدت فيفيان التي قالت لها عندما لاحظت غضبها:
- هل خيب الكابتن آمالك؟
- إنني لا أفهم شيئاً؛
- لمعلوماتك، غن ميل ستيوارت ليس مجرد رجل سياسي، ولكنه رجل أعمال كبير، وهنا في الشمال يحظي بسوة عظيمة، وله أعمال كثيرة، كما أن له أسماء مستعارة ورجالاً يحمونه لا يمكن مواجهتهم. إنه ثري جداً ولكن لا أحد يعرف كيف.
- كيف عرفت كل هذا؟
- إن لي صديقة صحفية قامت ببحث حول فضيحة مالية. وكانت تريد إدانته واشتراكه في هذه الفضيحة، ولكنها لم تستطع الحصول علي دليل واحد ضده.
- هذا لا يدهشني : إنه رجل غير جدير بالثقة، ولكن ما الذي يهمه في رحلتنا هذه؟ ولماذايستمع جرانت إليه دون أية اعتراضات؟
- أنا لا أعرف ذلك، ولكن لا تنسي أن مورجان لم يكن ليستطيع بناء هذه دون مقابل مثل هؤلاء الرجال،ربما...
- أنت تشكين في أنه شريك معه؟
- أنا أعرف أن ذلك أمر غريب، ولكن من الممكن الشك في هذا..
لم تستطع تراسي الأجابة. جرانت مورجان رجل غير شريف! لقد كونت عن هذا الكابتن صورة مختلفة تماماً! كلا: من المؤكد أن فيفيان مخطئة.. ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في معرفة اي شيء منه! كما أنه لا يتحدث عن نفسه كثيراً.
وفجأة خطر علي بال تراسي فكرة ما،فحاولت التحدث فيها مع فيفيان:
- إنني أتسائل كيف عرف ستيوارت وابنته مكاننا؟! كنت أريد طرح هذا السؤال علي جرانت ولكنه لم يترك لي أية فرصة.
- بالتأكيد بواسطة اللاسلكي.
- هو الذي أعطاهما المعلومات عن مكاننا؟
- ولم لا؟ إن الأمر لم يكن سرياً علي ما أعتقد ..
- كلا .. أنت محقة في ذلك...
كانت هذه الأيام حافلة بالعمل وتدوين الملاحظات. وفيما بعد يتأتي لتراسي دراسة كل شيء في معمل هوبار، ويمكنها دراسة النماذج التي حصلت عليها، إنها حقا لا تفضل دراسة الأجزاء المجعدة من الأسماك ولكنها مضطرة.
أما بريان وجلين فقد ظلا دون عمل وحاولا مساعدة تراسي ولكنها منحتهما إجازة منذ ثلاثة أيام، والحق أنها تشك في مقدرتهما علي العمل، لذلك لم تحاول اشراكهما في شيء. وحاول بريان شغل نفسه بأي شيء، ولحق بتوم بوس ليساعده في صيد طعام العشاء، أما جلين فقد اكتشف مواهبه في الطبخ. وأعلن أن المطبخ أصبح من مهامه ولم يحاول أحد مجادلته في ذلك، وافقت تراسي علي مساعدة فيفيان لها. والحق أن فيفيان أسدت إليها معروفاً ضخماً بهذه المساعدة، فقد كان اممها عمل كثير ولم يعد يتبقي أمامها سوي ساعتين من العمل قبل الوصول، كما أن وجود فيفيان اللطيف بجانبهاسيساعدها كثيراً علي نسيان تصرفات جرانت الفظة.
مر اليوم الأول بسلام، وكانت مليسا تلاحق جرانت في كل خطوة من خطواته كأنها طفلة في العاشرة من عمرها. ولا تعرف كيف تلعب وحدها. وكان جرانت قد أخذها في زيارة للباخرة كلها، ولكن ذلك لم يكفها. واضطر الكابتن إلي أن يترك كل شيء حتى يتفرغ لصحبتها علي الحدسر العلوي بينما تأخذ هي حمامها أسفل أشعة الشمس الذهبية.
وهكذا يتولي المساعد مسئولية برفيدي أثناء النهار ويحل جرانت محله أثناء الليل.
كيف كان يعاملها بكل هذه الرقة ثم ينساها بعد ذلك تماماً بمجرد وصول الفتاة الشقراء؟
هي التي اعتقدت أنه منحها ثقته... ألم يذهب بها إلي ذلك هذا المكان المقدس الذي احتفظ به سراً لنفسه ولم يطلع أحداً غيرها علي وجوده؟
إن مرارة الخيانة من الصعب جدا تحملها.
ومنذ صباح اليوم الثاني، تخلت مليسا عن تحفظها نهائياً وبدأت تتعامل كطفلة مدللة، وهكذا أصبحت تشكوا من كل شيء،
فتقول:
- إن هذه البرتقالة كإنها كهل هرم؛ من المستحيل الحصول علي نقطة عصير منها، إنك تحتفظين بثلاجتين كبيرتين علي متن الباخرة، كان من الأفضل لك أن تأتي بعصير برتقال محفوظ!
وهنا أجابت تراسي بنفاذ صبر:
- إنها مملوئتان بالمواد العلمية الخاصة بنا، وقد كان معنا في البداية أطعمة محفوظة ولكنا أجهزنا عليه كلها لنفسح مكاناً للنماذج التي نحصل عليها.وعادة عند عودتنا من هذه الرحلات العلمية، نلجأ إلي صيد السمك ونأكله في التو واللحظة.
لم تكلف مليسا نفسها عناء الرد عليها، واكتفت برفع كتفيها، ثم واصلت شكواها، فالزبد دسم جداً والأسماك التي تم اصطيادها في الصباح لم تعجبها، كما إنها تريد خبزاً طازجاً..
وهكذا تركها جرانت تتحدث طويلاً،و لكنه ما إن قطب جبينه حتي كفت تماما عن كلماتها الناقدة .
وبعد قليل أرادت مليسا اللحاق بجلين وبريان علي الجسر، ولكن الرجلين ادعيا عدم رؤيتها وابتعدا بسرعة عنها. فقررت اللحاق بجرانت الذي كان يستريح في الكابينة بعد قضاء الليل ساهراً عند الدفة.
وبعد دقائق من دخول مليسا الحجرة وسماع صوت صياح مختنق، خرجت الفتاة وهي شاحبة الوجه وهي ترتجف.
- إنها حيوانة حقيقية...
وتظاهرت تراسي بعدم سماعها جملة فيفيان ، فقد كانت حزينة جداً ولا يمكن مواساتها حتى بتوتر مليسا وانزعاجها.
وطوال فترة الصباح، اعتكفت فيفيان وتراسي في المطبخ، ووضعتا كومة من الأوراق أمامهما. ظلتا تعملان طويلا دون أن يحاول أحد ازعاجهما.
وعندما دخلت عليهما مليسا وأخبرتهما أنها جائعة، أعطتها فيفيان السكين والبطاطا وطلبت منها تقشيرها، وهنا اختفت الفتاة بسرعة... . وفي الظهيرة، خرج جرانت من الكابينة وتولي مسئولية تسلية الفتاة، والحق أنه كان رائعاً، كما بدت مليسا مشرقة، وبالتالي نعم الطاقم بالهدوء.
ونظرت فيفيان إلي الجسر العلوي، وأخذت تراقب الكابتن وصديقته وتتحدث عنهما، ولكن تراسي لم تعلق بكلمة واحدة، والحق أنها لم توجه كلمة واحدة إلي جرانت منذ أن تشاجرا معا في كبينة القيادة، وظلت منزعجة وعيناها مملوءتان بالدموع وأصبحت لا تفكر إلا في شيء واحد:
وهو التماسك وعدم الأنهيار حتى عودتها إلي داروين.
وهناك يمكنها معرفة سبب قطع الرحلة المفاجئ وبالتالي يمكنها نسيان جرانت مورجان، وإلي أن يحدث ذلك عليها إغراق نفسها في العمل.
كانت تراسي لا تزال تعمل في المطبخ عندما لحق بهاجرانت نحو الساعة الحادية عشرة مساء.
ودون أن يتسبب في أي ضوضاء ، أعد لنفسه فنجاناً من القهوة بينما لم ترفع الفتاة عينيها عن الأوراق المكومة أمامها لحظة واحدة.
وفجأة قال لها:
- إنك تعملين كثيراً. ألا يمكن تأجيل ذلك قليلاً؟
فأجابته دون أن تنظر إليه وكان صوتها ينم عن غضب واضح:
- ولماذا؟
- لا أعرف ... ولكن استريحي واستفيدي من هذه الأيام في البحر، أفعلي مثل الباقين.... فأنت تستحقين الراحة بعد أن أرهقت نفسك كثيراً أثناء الرحلة.
- لم يفكر أحد في الراحة.. ففيفيان تأتي لمساعدتي ليلاً ونهاراً، وديك يعمل، وتوم بوس أيضا...
والكابتن أيضاً يمسك الدفة طوال الليل وإن كانت لم تذكر ذلك.
- استمعي إلي، لقد حدث كل شيء بسرعة مفاجئة، أنا أعرف أن الطريقة لم ترقك ولكن ...
- ولكن من الأفضل لي أن آخذ حماماً شمسياً لمدة ثلاثة أيام كإجازة لي؟ اليس كذلك؟ وعلي أية حال، ما الذي يزعجك؟ إنه عملي! وحتى إذا لم أصل إلي شيء ولم أحصل علي مستحقاتي، فلا يهمني شيء...
- لم أقصد ذلك... ولكن ما معني غرقك في العمل إلي هذا الحد؟ هل تريدين الوصول إلي داروين وأنت مريضة؟
- كما أنني لا أعرف سببا لبقائي متفرغة، علي الأقل أنا لا أضيع وقتي.
ثم استدارت لتستمر في عملها، ولاذ هو بالصمت. ولكنه بقي بجانبها يحتسي القهوة.
شعرت تراسي بنظراته مركزة عليها، وكان من المستحيل أن تستغرق في عملها هكذا؛
وهكذا ظلا طويلاً علي هذا الحال. وشيئاً فشيئاً بدا التوتر يتلاشي، وبدأت الفتاة تشعر علي الرغم من اضطرابها - أن نظرات جرانت إليها أصبحت أكثر حناناً وأكثردفئاً....
وعندما رفعت عينيها نحوه لتطلب منه أن يدعها تعمل في سلام، لاحظت أنه لا ينظر إليها، لكنه استراح في مقعده وأغمض عينيه. ربما يفكر، وربما يشعر بالأرهاق.
وعندئذ أخذت تراسي تراقبه خلسة وهي تحنو عليه، ولكنها سرعان ما تذكرت وجود مليسا، فأدارت وجهها بعيدا عنه وهي مقطبة الجبين، ولم تجد ملاذا لها أفضل من العمل.
وبعد فترة طويلة، نهض جرانت من مكانه، وغادر المطبخ، فتنهدت تراسي وحاولت الاستغراق في العمل من جديد حتى لا تفكر في شيء وعلي الرغم من ارهاقها إلا أنها ظلت تعمل حتى منتصف الليل، واخيراً قررت التوجه إلي الفراش. وفي اليوم التالي، كان العمل المتواصل في انتظارها أيضاً وكان أمامهم ليلتان أخريان علي الباخرة قبل وصولهم إلي داروين في صباح اليوم الرابع... فيا له من وقت طويل!
وفي الفجر، لم تستيقظ تراسي علي أشعة الشمس كما يحدث كل يوم، ولكنها استيقظت عندما شعرت بيد تهزها بقوة.
- استيقظي يا تراسي! لقد حدث شيء.
عندئذ هبت الفتاة من مكانها وفتحت عينيها فوجدت فيفيان أمامها، وكانت منزعجة جداً، وتتحدث بصوت مختنق وهي حريصة علي ألا توقظ بقية أفراد الطاقم.
- هيا ارتدي ملابسك ، شيء غريب...
- ماذا؟ ماذا حدث؟
ولكن فيفيان لم تخبرا بشيء. واكتفت بأن أعطتها ملابسها، فارتدتها تراسي بإعياء شديد حيث كانت مرهقة للغاية. ثم تبعت فيفيان نحو الجسر وكان الفجر قد بزغ منذ قليل. كانت تراسي تتعثر في خطواتها وراء فيفيان وهي تفرك عينيها وعاجزة عن التغلب علي النعاس، ودخلت فيفيان المطبخ وورائها تراسي التي كاد قلبها يتوقف من الخوف والدهشة. وأحيراً استيقظت تماماً!
كان كل شيء ملقي علي الأرض وكأن عاصفة اجتاحت المكان، فأوراق تراسي متناثرة علي الأرض... كل أوراقها في كل مكان مختلطة بالبصل والجزر والبرتقال. حتى طبق الدقيق قد وقع وأيضاً زجاجة عصير الطماطم وقعت فوق الأوراق فصرخت تراسي:
- ما هذا؟ هل هي عاصفة؟ لقد نمت نوماً عميقاً لدرجة أنني لم أشعر بشيء.
- عاصفة؟ كلا بالتأكيد! هيا لا تدعي البراءة فأنت تعرفين جيداً من الذي فعل ذلك؟
- ما الذي يحدث هنا؟
كان هذا صوت جرانت مورجان يتحدث وهو في شدة الارهاق، لكنه ما إن وقف بجانبهما حتى دهش تماماً من المنظر، وقال:
- ماذا فعلتما؟
فأجابته فيفيان:
- إننا لم نفعل شيئاً! أليست لديك فكرة أيها الكابتن؟ قد تكون ضيفتك؟
- مليسا؟
- نعم ، هي جذابة وبريئة... وما فعلته شيء رائع أليس كذلك؟
- فيفيان ! هل لديك أدلة؟
- أدلة؛ وهل هناك شخص آخر يمكنه أن يفعل ذلك؟
أجابها جرانت ببرود:
- يجب أن لا نتهم أحداً دون أدلة.
أقتربت منه فيفيان في قمة غضبها، فقد كان من المستحيل أن تتحمل تظاهر الكابتن بعدم المعرفة، ولكن تراسي امسكت بها وحاولت تهدئتها وهي تقول:
- هذا حقيقي. لا توجد أدلة، علي كل حال ، سأهتم بتنظيف كل شيء، ساعديني يا فيفيان حتى نقلل حجم الخسارة بقدر الإمكان.
فأسرعت فيفيان بمساعدتها ، وظل جرانت ينظر إليهما ، ثم لحق بهما وهو مذهول وغاضب.
- وما الذي يدفع مليسا لفعل هذا؟
صاحت فيفيان:
- لا تدعي البراءة.
- حقاً أنا لا أعرف...
- هل تريد رسماً؟ هذا ال...
امسسكت تراسي بذراع صديقتها لتضطرها إلي الصمت. وكانت مستعدة لعمل أي شيء حتى لا تذكر فيفيان أي شيء يدل علي الغيرة من مليسا حتى لا تشعر هي بالذل. ثم قالت:
- لا داعي لأي كلام، أنا لم أفقد سوي ورقة أو اثنتين، أما الباقي فمن الممكن قراءته.
ولكن فيفيان لم تكن مستعدة لأن تهدأ بسهولة. أما تراسي فقد حاولت تهدئتها من جديد.
- لا داعي لأن نتسبب في فضيحة، واؤكد لك أن الأمر بالنسبة لي سيان، لنحاول إنهاء هذه الرحلة علي خير. ولننس هذه التصرفات الصغيرة.
لم تشعر تراسي قط أنها سجينة في هذه الباخرة مثلما تشعر هذه المرة وكم تتحرق شوقاً للوصول إلي الميناء!
ولحسن الحظ لم يعد يتبقي سوى يوم واحد علي متن هذه الباخرة في هذا الجو الخانق، حتى فيفيان التي تتفاهم معها توده إليها أحياناً النظرات الغريبة، لقد أبح كل شيء غير محتمل، أما بالنسبة لفيفيان فكل ما كان يضايقها هو جبن تراسي.
واخيراً قالت فيفيان:
- حسن، أنت الرئيس، فافعلي ما تريدين!
- ولكنني أخجل من قبول هذا الوضع!
ثم خرجت مسرعة وهي تكاد تصطدم بجرانت في طريقها، وعلي عكس ما كانت تراسي تتمنى، لم يتركها الكابتن. وكان كل شيء قد أوشك أن يصبح مرتبا في المطبخ وكانت فيفيان قد كسرت بعض الزجاج، فوضعته تراسي في سلة المهملات. كما أعادت الخضروات إلي أماكنها. والآن ها هي ذي تحاول تنظيف أوراقها من الدقيق وإزالة بقع الطماطم التي ألمت بها
- تراسي.. أنا أعتذر، وغذا كان يمكنني عمل أي شيء مهما كان...
- انتهى الأمر ولا داعي للحديث فيه.
- هل أنت متأكدة من ذلك؟
كان صوته رقيقاً لدرجة جعلت تراسي تكاد تنهار باكية. ولاحظت مرة أخري كم أن مجرد وجوده بجانبها يؤثر فيها . فأعطته ظهرها حتى لا يري دموعها وتابعت عملها.
وبعد لحظات لم تنطق خلالها تراسي بكلم واحدة، آثر جرانت العودة إلي الجسر، وهنا عادت فيفيان إليها من جديد وسألته قائلة:
- ما الذي حدث لك؟ ألا يكفيك إقامة هذه الأفعي في كبينته الخاصة؟ هل ستتركينها تفوز عليك للمرة الثانية؟ إن الأمر يتعلق بعملك الأن!
صمتت تراسي ولم تجد إجابة لهذه الأسئلة، فكيف تخبر فيفيان بما حدث لها فجأة؟ يف تخبرها أن ما آلمها هو فقد جرانت السيطرة عليها تماما، فهي لا تهتم بعملها الأن! ومليسا فازت عليها، وكذا لم يعد شيء يهمها بعد ابتعاد جرانت. وبمجرد مغادرة هذه الباخرة عليها نسيان كل شيء وأخيراً أجابت:
- لقد حدث ما حدث ولا داعي لأي رد فعل، أما البقية، فلا أهمية لها...
- كيف يكون لا أهمية لها؟إنه يعاملك مثل...
- مثلما حذرتني في البداية، إذن ما الذي يدهشك في ذلك؟ أؤكد لك أنه لا أهمية لما تفعلين لأجلي الآن، وانهذه التصرفات لا معني لها...
هزت فيفيان رأسها في أسى:
- حسنز كما تريدين، لكن لوكان الأمر يتعلق بي، لكنت ألقيت بهذه المليسا في البحر ومعها الكابتن! شيء غريب أن جرانت لا يتصرف، وأنا التي كنت أقدره!
- خيبة أمل... خيبة امل، إذن انتهى الأمر، هل يمكنك إعداد قليل من القهوة بينما انا أرتب أوراقي؟فأنا معجلة لعادة كل شيء كما كان عليه وفي حاجة شديدة إلي تناول أي مشروب
وافقتها فيفيان ولكن تراسي ظلت تسمع همهمتها.
ىثرت مليسا عدم دخول المطبخ عليهما، وراتها تراسي وهي تتجه نحو الجسر العلوي لتأخذ حماما شمسيا، أم جرانت فكان قد أخبرها سرابحزنه لما فعلت.
انتهى تناول الفطور. وأصرت فيفيان علي خدمة الجميع وهي تحاول عبثاً السيطرة علي غضبها، وحاول جرانت طوال الوقت المزاح مع الجميع، بينما قدمت له فيفيان له فطوراً نيئاً وسيئاً للغاية. وجاهدت تراسي في التعامل بجدية، في حين أن الكابتن أظهر أنه لا يلاحظ شيئا.
وبعد قليل، انتحت تراسي بفيفيان جانباً وطلبت منها الهدوء ومحاولة اخفاء حقدها وأخبرتها أنها لن تستفيد شيئاً إن نجحت في غيظ جرانت.
فانفجرت فيفيان في ضحكة عالية، وعندئذ قالت لها تراسي:
-. أنت تعرفين أنه يستطيع ايذائك في عملك.
- هذا آخر شيء يشد اهتمامي! وفي انتظار ذلك سأتولي أنا اعداد الطعام حتى عودتنا إلي داروين!
وبعد انقضاء فترة الصباح المشحون باعمال كثيرة، هدات فيفيان بعض الشيء وتناول الجميع طعام الغداء والعشاء دون مشاحنات.
وزيادة في الطمأنينة ن وضعت تراسي اوراقها في خزانتها أثناء الليل، وفي الصباح كانوا قد وصلوا إلي داروين في سلام.
وقضوا وقتا طويلا في نقل حاجاتهم، وعلي الرغم من الأتصال التلفوني أكثر من مرة لم تستطع تراسي الوصول إلي مدير المعمل، وكان لا بد من الانتظار قليلا قبل سماع أي تفسير...
وكان من الطبيعي أن تنتهي مثل هذه الرحلة، بأن يتناول جميع أفراد الطاقم طعام وداع في أحد المطاعم، ولكن لم يرد أحد هذه المرة الاحتفال بأي شيء.
وهكذا تنفست تراسي الصعداء، فكل ما كان يهمها هو الابتعاد سريعاً عن داروين وعن الكابتن جرانت مورجان.
وبمجرد وصولهم غلي الميناء اختفي الكابتن مع مليسا.
وفي الظهيرة، انتهى كل شيء ولم يظهر جرانت ثانية وهكذا ودع أفراد الطاقم بعضهم بعضا علي شاطئ الميناء.
واحتضن ديك فرانش تراسي بين ذراعيه وقال لها مبتسماً:
- لا تقلقي، أنا أعرف السبب الذي من أجله أعادونا إلي هنا ولكن تأكدي ان الأمر لم يكن خطاك ولا لوم عليك.
- وعلي الرغم من العاصفة، هل تجد نفسك مستعدا لرحلة أخري معي للمرة الثانية؟
- بالتأكيد، إن هذه المزحة التي تحمل اسمك تذكرني بالمزحة التي تقول أن السيدات يحملن سوء الحظ معهن علي متن اي باخرة.
وهن ألقي ديك نظرة نحو فيفيان فهمت تراسي مغزاها، نعم كانت تراسي مشغولة جدا أثناء الرحلة ولكن ذلك لا يدهشها، فقد قضي ديك مع فيفيان وقتا طويلا جدا. ومن الواضح الآن أن عاطفة ما تربط بينهما وحقا كم سعدت تراسي بذلك، ثم ابتعد ديك فرنش بخطوات واسعة بصحبة توم بوس الذي صافحها بحرارة. اما بريان وجلين فقد حصل كل منهما علي إجازة من رئيس الرحلة.
وظلت تراسي مع فيفيان وحدهما، وكانت فيفيان تلح باسئلتها علي تراسي التي اكتفت بمجرد الابتسام. وظلتا كما هما طوال طريق عودتهما إلي المدينة.
وعرضت فيفيان علي تراسي قضاء الليل لديها انتظارا لعودتها إلي تاسماني. ولكن هناك مقعد شاغر علي متن الطائرة المتجهة إلي هوبار ومن المؤكد أن تراسي ستستغل هذه الفرصة.
وقبل كل شيء، ذهبت الفتاتان في زيارة قصيرة إلي ويل جاكوبز الذي غادر المستشفي.
وكان الكابتن الهرم قد استرد صحته بعض الشيء وكانت مقابلته لهما كفيلة بازالة الغيوم التي سيطرت عليهما في الفترة الأخيرة، وقال لهما:
- ساسافر بحرا من جديد بداية من الأسبوع القادم، لقد تماثلت للشفاء تماماً.
من الواضح أنه يبالغ ولكنه فعلا استرد بعض عافيته، وعلي الرغم من الارهاق لا يزال واضحا علي وجهه إلا أن الوهن الذي أصابه مؤخرا والذي شغل تراسي عليه منذ ثلاثة اسابيع قد اختفي تماماً
وقال الكابتن الهرم في فرح:
- في العام القادم، سأكون الربان معك.
- هذا أفضل أيها القرصان الهرم، لقد افتقدناك كثيراً.
وقالت تراسي لنفسها وهي في الطائرة التي ستقلها غلي مدينتها: إنهم حقاً سيفتقدونه كثيرا. إذ إنه لن يستطيع الابحار معهم ثانية لفترة طويلة، وحتى اذا نجح الكابتن الهرم في السفر معهم من جديد، فلللأسف هذه الرحلة الأخيرة لتراسي علي متن الباخرة برفيدي...
وحتى اللحظة الأخيرة، كانت تراسي تحاول الاتصال بمدير المعمل في هوبار ولكن دون جدوي، إنها حقا لا تفهم شيئاً. ولكن قلقها بدأ يتزايد، فمن المؤكد أن هناك سببا كبيرا اضطرهم إلي قطع الرحلة والعودة إلي المدينة. وفجأة بدأت تراسي تفكر في جرانت، لقد اختفي تماما بمجرد عودتهم إلي داروين، حتى انهم اضطوا إلي اخلاء الباخرة في عدم وجوده، تري ما الأمر الذي اضطره إلي مغادرة الميناء سريعا حتى دون كلمة وداع؟
من المؤكد أن مليسا تشغل حيزا كبيرا في حياته... ولكن لا أهمية لذلك، لقد انتهي الأمر بالنسبة لها تماماً.
وعندما رأت تراسي قمة جبل ولنجتون الناصعة البياض، شعرت بالهدوء وشعرت أخيراً أنها عادت إلي مطنها، وأنها أوشكت أن تعرف سر هذا اللغز، وسيكون من السهل بعد ذلك نسيان جرانت... وبعد خروج تراسي من المطار، توجهت فورا إلي منزلها، وبعد قضاء الليل مستريحة، توجهت إلي المعمل. وعلي الرغم من كل توقعاتها، لم تتخيل أبدا هذا اللقاء المخزي الذي استقبلوها به هناك!

safsaf313 26-07-09 09:32 PM

الفصل التاسع
-ها أنت ذي أخيرا! لقد خيبت أملي تماما بتصرفاتك هذه!
كانت هذه أولى الكلمات التي تلقتها"تراسي"من المدير،فأغلقت الباب وراءها،واقتربت من الرجل الصغير الحجم الجالس خلف المكتب الكبير..
لم يعرض المدير عليها مجرد الجلوس،وظلت واقفة أمامه تتلقى لومه وتأنيبه لها.
والحق أنها كانت قد أعدت نفسها من قبل لمقابلة سيئة،فبمجرد وصولها إلى معمل قسم الصيد أخبرها رئيسها المباشر أن المدير في غاية الضيق ولكنه لم يعطيها أية تفاصيل.
واستطرد المدير حديثه قائلا:
-إن سمعة المعمل هنا هي رأسمالنا،وكل ما انتظره هو حسن سير وسلوك الموظفين،وأنت تعرفين ذلك جيدا،ولكن تصرفاتك الأخيرة حقا غير مقبولة نهائيا.منتديات ليلاس
ترى علام يلمح؟إن"تراسي"لاتفهم شيئا مما يقول،وقررت الجلوس سواء أكان ذلك يرضيه أم لا،وذلك حتى تهدأ العاصفة بدلا من طرح الاسئلة عليه الآن.
إن سمعة المدير معروفة فعلا،فهو وصولي وأناني.ولا يفكر إلا في عمله وطموحه السياسي. وهكذا واصل الرجل حديثه:
-إن الخلفيات السياسية لهذا الأمر جسيمة ،تخيلي عندما يطلب مني الوزير تفسيرا لذلك!لقد وصل الموضوع إلى مكتب وزير الصيد في الأ**** الشمالية؛هل تقدرين قيمة ذلك؟
ارتجفت"تراسي"،إذن فالأمر اخطر مما تتصور. وبما أن الوزير يهتم بالأمر،فذلك يعني أن هناك أشخاصا ستطير رؤوسهم،ومن المؤكد أنها منهم؛ نسيت"تراسي"صوت المدير وصراخه لحظة وفكرت إذا كانت"فيفيان"تستطيع العثور لها على وظيفة في"داروين". ولكن ستلاحقها في"داروين"ذكرى "جرانت"وكم كان ذلك مؤلما ومن الأفضل لها ألا تفكر فيه أبدا.
ظل المدير يواصل صراخه دون ان يترك الفرصة ل"تراسي"لتتحدث.
وكان من الصعب جدا أن تفهم كنه الموضوع وسط هذا الخضم من اللوم والتقريع.لقد أدانها المدير دون أن يطلب منها تقريرا عن الرحلة ودون أن يترك لها فرصة الدفاع عن نفسها.فالبنسبة له مادامت الأخبار تأتي من مكتب الوزير،فهي صحيحة ولاشك فيها.
وأخيرا فقدت الفتاة صبرها.وقررت التحدث وبما انه قد قرر طردها لا محالة.إذن فلابد لها من الدفاع عن نفسها.وبعد عدة محاولات باءت كلها بالفشل.نجحت"تراسي"أخيرا في التحدث قائلة:
-إنني لا أفهم عن أي شئ تتحدث يا سيدي،هل يمكنك أن توضح قليلا؟ما الاتهام الذي توجهونه إلي بالضبط؟
-إن الأمر واضح وأتمنى أن تكوني قد استمعت إلي؟
-ولكنك لم تقل شيئا!
وأخيرا قال:
-إن الأمر يتعلق بتصرفك الشائن في""نولونبوي ".ولا تدعي البراءة،فلا أهمية لذلك!
وها هو ينفجر ثانية في الصراخ تاركا"تراسي"دهشة دون أي تفسير إضافي،تصرفك الشائن في"نولونبوي"..ما المقصود بهذا؟
-أنا لا أرى شيئا في...
فانفجر في الصراخ أكثر.فاضطرت"تراسي"إلى أن ترفع صوتها حتى يستمع إليها ،وقالت:
-وفقا لما اعرف،لم يحدث شئ مني أو من الطاقم في"نولونبوي"يمكنه أن يؤذي سمعة الوزارة!أرجوك وضح كلامك!
من الواضح انه لا يعرف ما حدث بالضبط ،وهنا صرخت"تراسي"قائلة:
-هل قتلت احد؟بم تتهمونني؟جريمة قتل أم سرقة؟تحدث بحق السماء!
عندئذ فوجئت"تراسي"بهدوء المدير تماما وقال ببطء:
-إنني أتحدث عن سلوكك عندما شربت حتى الثمالة وظللت تترنحين في شوارع المدينة.
نظرت إليه"تراسي"دهشة.
-سلوكي أنا ؟شخصيا؟شربت حتى الثمالة!
-نعم –أنت شخصيا.
-هل يمكنني أن أسألك من الذي اتهمني بذلك؟
-لا أعرف.
-كيف لا تعرف؟هل طلبت مني قطع الرحلة والعودة فورا لمجرد سماع مثل هذه الوشاية؟
أنا لا أصدق أذني!
-إن الوزير.....
فقاطعته"تراسي"على الفور وصرخت قائلة:
-الوزير،فليذهب هذا الوزير إلى الجحيم !
أنا أريد تفاصيل ،أريد معرفة اسم من يتهمني! وإذا كنت لا تعرفه فلنحاول معرفته!إذ لايمكن أن نتهم احد دون دليل ولا يمكن أن ننفذ أوامر لمجرد سماع وشاية كاذبة !إلا إذا كنت جبانا لدرجة تجعلك عاجزا عن تحمل المسؤولية!
كانت"تراسي"تنطق بهذه الكلمات وهي تقصد"جرانت مورجان" اكثر من المدير نفسه...
فقد نفذ الأوامر فورا لمجرد أنها تأتي من جهة عليا،وهنا انفجرت"تراسي"في البكاء.
ساد صمت طويل،ولدهشتها لم ينفعل المدير،ولكن على العكس فقد أثر فيه موقفها.
وأخيرا قال لها:
-أرجو أن تحصلي على أجازة ثم تحضري معك بعد ذلك تقرير المهمة ،ومن هنا حتى عودتك سأحاول توضيح الأمور جيدا.
شئ غريب!انه لم يفصلها من عملها....
ربما ليس الآن ،كيف يمكنها التصرف مع هذا البيروقراطي الصغير، ومع ذلك ، قليل من المجهود ويؤدي هذا الرجل وظيفته على أكمل وجه!
على أية حال ستأتي هي بعملها وتترك الأمر في يده وحده.
كان اليوم الأربعاء ،إذن أمام"تراسي"أربعة أيام أجازة ،ولكن احتمال فقد وظيفتها يؤثر عليها كثيرا.وحاولت الفتاة الاتصال ب"فيفيان"أكثر من مرة دون جدوى.
وفي يوم الاثنين، عادت"تراسي"إلي المعمل ،ولكن المدير لم يكن موجودا وكان أمام"تراسي"أعمال كثيرة يجب إنجازها،فقد وصلت النماذج المجمدة من"داروين"وهى في حالة جيدة،وهكذا استغرقت الفتاة في عملها.
وفي اليوم التالي ،انتهت"تراسي"من تقرير الرحلة في بداية فترة الظهيرة عندما رن جرس التليفون،إنها"فيفيان"أخيرا ..وها هي ذي تدخل مباشرة في لب الموضوع دون ان تقول صباح الخير.
-الو ،ما هذه القصة عن حالة السكر في"نولوتبوي"؟
- آه" يا فيفيان"!صباح الخير ،أين أنت؟
ودون أن تنتظرالاجابة ،تابعت"تراسي"قائلة:
-لو كنت أعرف التفاصيل فقط! لقد تلقى المدير شكوى عني من مكتب وزارة الصيد كما يقول ،والآن يتظاهر انه يحاول معرفة مصدر هذه الشكوى ،ولكن ذلك متأخر،أليس كذلك؟ كان لابد له من التحري قبل عودتنا.
وحكت"تراسي"تفاصيل لقائها مع المدير ل"فيفيان"التي تخيلت المشهد وانفجرت في الضحك.
-كان من الأفضل لك أن تقفزي على مكتبه وتمسكي بياقة قميصه!
-كدت افعل ذلك،صدقيني! على أية حال انه يطرح الأسئلة على نفسه الآن. ولكنني اشك في مقدرته على الوصول إلى نتائج،وأنت هل علمت شيئا؟
-إنهم يقومون الآن بتحقيق سري. وقاموا بسؤال جميع أفراد طاقم الرحلة.ولكن لم يقض احد منا هذه الليلة معك في "نولونبوي" لذلك لم نستطيع أن نقول شيئا ذا أهمية,وهكذا لم يعتبرونا من الشهود...
-ولكن هناك شخصان رأيتهما تقريبا طوال الأمسية في "نولونبوي" وهما "جرانت"و"ميليسا".. اسمعي أنا أفكر في شئ..
لو كان يمكنك الوصول إلى شخص يدعى"تيد مالانبي"أو"ريك"لا أعرف بقية اسمه..
لو كان يمكن الوصول إلى "تيد"إذن،لقد التصق بي هذان الشخصان طوال الليل.
-سأتولى أنا الأمر إذن، ف"ريك"له اتصالات دائمة مع "جوف" ويمكنه تسهيل هذه المأمورية علينا. ولكن أنت تعرفين مثلي تماما أن "ميليسا" وراء كل ذلك ،يا لها من أفعى صغيرة!
-لا توجد أدلة! ..دائما لا توجد أدلة، ولكنني اعرف انك محقة فيما تقولين، لابد أنها أقنعت والدها بذلك...
-هذا أمر لاشك فيه، كما أن "ستيوارت" معروف بسمعته السيئة.
-ولكن الأمر فظيع أن يسبب هذه الفضيحة لي لمجرد إرضاء ابنته...
-انها تحقد عليك كثيرا...
هنا حكت "تراسي"واقعة حمام السباحة لصديقتها عندما هاجمتها "ميليسا" في اليوم التالي بعد"نولونبوي".
فقالت "فيفيان":
أرأيت أنها لا تتوانى عن عمل أي شئ ،في رأيي كان يجب عليك استغلال هذه الفرصة لتلحقي بها الضرر المناسب.
/
ارتجفت " تراسي " لمجرد تذكرها تعبير وجه " ميليسا " آنذاك...
-لم يكن هناك داع لذلك ، كما أنها فازت على عندما فضل " جرانت " البقاء معها.
-ولكن كان يجب عليها تفجير الموقف قبل مغادرة"جوف".
-ربما لم يكن ليصدقها أحد..على أية حال أنها تفعل ذلك لأنها تحب الكابتن! ولا يوجد اى تفسير أخر غير ذلك.
-للأسف، لقد اختلفت تماما ، ربما تكون قد خشيت أن نعثر عليها، ونوجه إليها الاسئله ، ولكن بمجرد ظهورها ثانية، سأقوم بزيارتها ولو زيارة قصيرة...
شعرت " تراسي " بالخوف من لهجة التهديد التي تحدثت بها " فيفيان".
-لاداعى لاستخدام العنف " فيفيان " ، ولا ترتكبى اى حماقة... أما إذا كان ولا بد ، فعلينا إثبات أنها ووالدها وراء هذه الفضيحة...
- ربما تغيرين رأيك إذن ، إذا أخبرتك أن الكابتن أيضا مختف ، واراهن أنهما معا.
-هذا لا يغير من الأمر ، كما أننا نعرف منذ وقت طويل انه في صفها هي وليس في صفنا.منتديات ليلاس
كلما أتذكر ما يقال عن سمعته ! إن الجميع يتحدثون عنه كأنه قديس ، لم أكن أبدا أتخيل انه يحب مثل هذه الفتاه الجاحدة " ميليسا". هذا حقيقي ومع ذلك لا يمكن ل " تراسي " أن تشك في شئ ، لقد رأتهما فعلا معا : " جرانت وميليسا " ،ولكن من يعرف ربما تكون عائله" ستيوارت " تضغط عليه في شئ ما ... وربما يكون مضطرا إلى مجاراة " ميليسا" لأنهم يجبرونه على ذلك!
هذا محتمل .. ومع ذلك...
وبعد أن انتهى الحديث مع " فيفيان " ، وضعت " تراسي " السماعة ، وظل هذا الحديث يراودها طوال اليوم.
ولكنها لم تستطيع الوصول الى شئ اذ أن المدير لم يحضر طوال اليوم.
عادت " تراسي " إلى منزلها واستعدت لتناول العشاء . وهى في غاية الإرهاق ثم حاولت النوم عندما اتصل بها "ويل جاكوبز".
- لقد علمت بالنبأ لتوى!
لم تستطع " تراسي " أن تمنع نفسها من الضحك، لقد دخل في لب الموضوع مباشرة مثل " فيفيان " ،ترى هل هذه هي طريقه أهل الاراضى الشمالية ؟
- لقد حاولت معرفه اى شئ ولكن لا جدوى , اخبريني بكل شئ ..
- ولكنني لا اعرف شيئا ، كل ما اعرفه أن المدير امرني بالعودة فورا بناء على وشاية مجهولة ، هذا كل ما في الأمر.
-مثل هذا الرجل , يجب القذف به فى البحر ليكون فريسة لأسماك القرش!
-انه يريد فصلى من العمل يا " ويل " .ولا اعتقد أن هناك أملا في الاستناد إلى شهادة معي ! ومع ذلك أتحرق شوقالمعرفه نهاية هذه القصة.
-لاداعى للقلق ف" ويل " الهرم سيتولى مسئوليه الأمر كله على عاتقه ، بمجرد عوده " جرانت " سنلتقيبه معا وسترين!
شعرت الفتاه بغصة في حلقها ولكنها تماسكت وقالت بصعوبة:
- ويل " ... " ويل " ، لا تنس أن الكابتن في صفهما ، لو كنت رايته مثلي مع عائلة " ستيوارت " الأب
والابنة...
-إذا كنت تصدقين ذلك ، فأنت غاية في البراءة!
-لا داعي للتفوه بحماقات ، سننتهي من هذه المشكلة أنا و" جرانت " معا.
ثم وضع " ويل " السماعة بعد أن حاول طمأنتهابهذه الكلمات ، وبعد قليل دق جرس التليفون . فاستيقظت ثانية ،وذهبت لترفع سماعة التليفون ،وقالت "تراسي" وهى شبه نائمة:
-آلو؟
وهنا سمعت صوت "جرانت" الأجش :
-ما هذه القصة؟ لقد عدت لتوي واتصلت ب"ويل"ولكنني لم أفهم شيئا مما قال!
اخترق هذا الصوت قلبها وعقلها ،كلا ،انها لم تستطع نسيانه،وعندئذ لم تستطع الرد عليه ،يا لها من مشاعر وأحاسيس واشياء كثيرة لا يمكن ان تغفرها له...
تراسى " اجيبى ... "تراسى "!
كان ذلك متأخرا ، متاخرا ومبكرا فى نفس الوقت ، لو كان قد اتصل بها قبل ذلك ، ربما كانت استطاعت الرد عليه ، ولكنها تشعربالعجز التام الان.
ظلت الفتاه ممسكه بالسماعه دون ان تنطلق بكلمه واحده . ولكنها تشعر بالحزن يسيطر عليها ، فوضعت
السماعه فى مكانها ..
وسرعان ما رن جرس التليفون من جديد ، فجذبت " تراسى " السلك لتضع حدا لهذا الرنين .. وذهبت لتنام ثانية . ولكن نومها ظل مؤرقا بذكرى "جرانت " ، " جرانت " على متن " برفيدى " ، والامسيات الساخنة بجانبه، وقبلاته والوقت الساحر الذى قضياه معا فى الكهف...
مرت بقيه الاسبوع دون اى جديد ودون اى اخبار من " داروين ".،كما ان الحال ظل كما هو عليه فى العمل ولم يحاول المدير الاتصال بها .
واستغلت هى هذه الفرصه لتكمل عملها ، فاذا قاموا بفصلها فعليها ترك اثر طيب لها، ، والان عليه التذرع بالشجاعه ، فالغد يحمل لها اخبار كثيره وربما ينهون التعاقد معها.
وفى يوم الاثنين تلقت " تراسى " رساله من " ويل جاكوبز"! لقد تزوج هذا الشيطان للمره السادسه ،.
والعروس هى " بيتي واتسون " الممرضةالشجاعة التى تجرب حظها مع البحار الهرم انه خبر رائع،
ولكن " تراسى " لا تعرف اذا كانت ستتمكن من المشاركه فى الاحتفال معه ام لا.
وكان " ويل " قد كتب لها بخط يده على الدعوه كلمه صغيره وهى : " احضرى ! " ولكنها قد تقابل " جرانت مورجان " هناك وهى لا تحتمل ذلك ابدا
لن يهمها وجوده مع " ميلسا " او وحيدا ولكن مجرد رؤيته ستفجر فى داخلها ذكريات القلب الحزين وذلك اكبرمن تحملها.
ولكن كيف تفسر ذلك ل"ويل" ؟ ان البحار الهرم يحبها حبا جما ، وهى ايضا تبادله نفس المشاعر..
وبعد أن قررت عدم الذهاب إلى الحفل ، فكرت في اختيار هديه لترسلها إليه في اليوم التالي لتصل إليه قبل موعد الحفل. قضت " تراسى " ساعة في المساء تعد باقة الورد الرائعة التي اشترتها له ... وظلت مدة خمس ساعات تحاول كتابه رسالة تبعثها إليه مع الهدية .
وأخيرا أبعدت المسودات الكثيرة التي أصبحت تملا المائدة أمامها وقررت تأجيل هذه المهمة إلى الغد بعد أن
شعرت بألم شديد في رأسها وعينيها.
ثم جذبت سلك التليفون من جديد حتى تتأكد من عدم أي شخص بها من "داروين". فهي لن تتمكن أبدا من رفض دعوه " ويل " إذا ما سمعت صوته.
وفى الصباح ، لم يأتها كما تتوقع ، فقررت اخذ الباقة معها الى المعمل ، وإثناء راحة الغداء ذهبت لشراء
كارت جميل لترسله مع الهدية.
وعندما وصلت إلى المعمل جلست " تراسى " فى مكتبها وطلبت عدم استعدادها لتلقى اى مكالمة تليفونيه
وبعد أربع ساعات من الصمت ، حان وقت الاتصال ب " فيفيان " ولكنها فضلت الاتصال بها من منزلها
وفى انتظار ذلك لن تترك اى شئ يزعجها.
وفجأه سمعت الفتاه طرقا على الباب ، فرفعت رأسها فوجدت السكرتيره تحمل اليها البريد ، ونظرت "تراسي"إلى العلبة الكرتون الصغيرة المرسلة إليها في دهشة ، ولاحظت أنها من " داروين " وان
الراسل " فيفيان دوهرتى"
وجدت الفتاه جريده الامس الصادره فى " داروين " فى العلبه ، ورأت فى الصفحه الاولى .. عنوانا كبيرا
محاطا باللون الاحمر يقول:
سمكه رائعه تقع فى شباك كابتن الصيد "
واسفل العنوان ، توجد صور ل " جرانت " و " ميلسا " و "ميل ستيوارت".
التهمت " تراسى " المقال بعينيها ، شئ غريب حقا : " ميل ستيوارت"وابنته ماثلان امام القضاء ، و"جرانت مورجان" هو المسئول عن الحصول على الادله الخاصة بعمليه ترويج المخدرات الضخمة التي حدثت في المحيط الهندي وبحر " ارافورا " ، التي تدين كبرى شركات الأسماك التايوانية واليابانية.
ويؤكد المقال حصول "ميل ستيوارت " على رشاوى ضخمه لتسهيل عمليات تصاريح الصيد المخالفةللقانون الاسترالي.
وفى جانب الصفحة لفت انتباه " تراسى " مقال صغير باللون الأحمر يقولون فيه .. ان هناك مؤامرة تم
تدبيرها بإحكام ضد باحثه فى علم البيولوجى فى " تسماني " ، وان عمل هذه الباحثة مقتصر على صيد اسماك القرش السوداء وحصص الصيد مما ازعج هذا السياسى الشهير...
إذن هو ذلك ! فالأمر اكبر من مجرد غيره فتاه مدلله وحاقدة مثل " ميلسا"!
ولاحظت " تراسى " اعلى الصفحه كلمه مكتوبه بخط اليد ، وكان من الواضح ان "فيفيان " كتبت هذه الملاحظة الصغيرة بسرعة شديدة:
اتصلى بى فمن الصعب جدا الاتصال بك ، اين انت ؟
شئ متوقع بعد ان ظلت " تراسى " تجذب سلك التليفون هذه الأيام ..
ظلت " تراسى " تنظر إلى مقالات الجريدة دون أن تقراها ، بينما تنحدر من عينيها الدموع وتسقط فوق الأوراق أمامها ، إذن لقد كان"جرانت " يلعب دورا مزدوجا طوال هذه المدة..
وهذا يعنى انه لم يكن يتصل بعائله " ستيوارت " منذ البداية إلا ليكشف النقاب عنهم.
أخذت " تراسى " تبحث عن رقم تليفون " فيفيان " فى مفكرتها بسرعة عندما سمعت طرقا على باب المكتب ، وقبل ان تجيب الطارق ، دخل مدير المعمل الى الحجره مسرعا ..
-أقدم اعتزاراتى الشديدة يا انسه " بومون " لقد انتهى التحقيق ، هذا ما بلغه إلى الوزير بنفسه..
ولكن " تراسى " لم تسمعه ، وكانت عيناها مركزتين على الشخص الذي يقف عند باب الحجرة ويرتدى حله داكنة اللون وتعبير وجهه ينم عن صراحة واضحة ، انه هو " جرانت مورجان " ينظر إليها بعينيه الخضراوين........

safsaf313 26-07-09 09:34 PM

الخاتمة
تجمدت الكلمات على لسان المدير واخذ ينظر بدهشه فوجد تراسى قد تحولت الى تمثال من الحجر خلف مكتبها ووجد جرانت متجمدا على الباب وهو يركز نظراته على الفتاه فاستغل الرجل هذه الفرصه وغادر الحجره ولكن الكابتن اعترض طريقه دون ان ينظر اليه قال له بصوت تشوبه المرارة :
"كرر كلماتك من جديد فهى لم تسمعك " ثم استدار الى تراسى وقال لها امرا:" استمعى اليه"
وهكذا كرر الرجل حديثه كلمه كلمه مبتدئا بكلمات الاعتذار بعد ان تلقى الانباء الجديده من الوزير محاولا تعويض تراسى كما تريد ولا احد يريد تلويث سمعة معمل هوباربمثل هذه الفضيحه من المؤكد ان الشائعات كانت تدور حول تراسى وحدها ولكن الرحله توقفت فجاه ولحسن الحظ لم يحدث اكثر من ذلك وقد يساعد المنصب الجديد هذه الباحثه الشابه على نسيان الامر برمته وانتهى المدير من اعتذاراته الصادقه وتوقف فجاه عن الكلام وهنا قال جرانت لها وهو لايزال فى مكانه :
"والان حان دورك فى الحديث يا تراسى"
مالذى يمكنها ان تقوله نظرت اليه متسائله انه هنا فى هوبار شىء لايصدقه عقل
"اخبريه مالذى يمكن عمله بهذا المنصب وبسرعه بعد ذلك اجمعى اوراقك فلدينا قطط اخرى نريد جلدها"
شعرت تراسى بالسعاده تملا قلبها نعم لقد عرفت منه كل شىء عن طريق ابتسامه النصر التى ترتسم على شفتيه انها لم تعد وحيده لقد حضر الى هوبار لاجلها تطلعت الفتاه الى وجهه فى سعاده غامرة كانها تلتهمه بعينيها نعم من المؤكد انها كانت ستقضى بقية حياتها فى ندم اذا لم تعثر عليه ثانية. شعرت بحاجتها الى الضحك والتعلق برقبته ولكنها تماسكت رغما عنها ونهضت من مكانها وهى تحييه ثم قالت:"مفهوم يا كابتن"
وامسكت حقيبتها ثم ارتدت الجاكت واخذت الهديه الخاصه بـ ويل ثم لحقت بجرانت وقالت له باختصار:"لنرحل"
هبطا السلالم معا فى صمت وخجل انهما لم يريا بعضهما منذ اسبوعين كما انهما افترقا دون كلمة وداع وتحت تاثير سوء تفاهم رهيب والان كيف يمكنهما اعاده علاقتهما ثانيه بعد ان اختلفا فجاه ؟
قال لها جرانت :
"اعتقد ان سيارتك معك اما انا فقد حضرت من الفندق بسيارة اجرة"
"نعم هى معى الخضراء هذه ولكننى ادعوك لزيارتى الان ايها الكابتن ؟"
"كفى عن ندائى بهذا اللقب ايتها الملعونه وخذينى معك اينما تريدين "
"ساخذك الى منزلى"
وطوال الطريق لم تعر تراسى ادنى اهتمام للمرور من حولها واكنت تركز كل انتباهها على الرجل ذى العينين الخضراوين الموجود بجانبها وعندما وصلا الى المنزل وقفا امام الباب وكاد قلبها يقفز من صدرها انه سيزورها للمرة الاولى ترى هل سيظلان على نفس طبيعتهما عندما كانا معا على متن برفيدى؟
وسرعان ما تلاشت مخاوف الفتاه اذ ان جرانت مورجان بدا يتعامل بطبيعته فجلس على المقعد مستريحا ثم قال لها فى هدوء :
"اخيرا تعرفت على منافسى "
فانفجرت تراسى فى الضحك عندما تذكرت الـ تى شيرت الذى كانت ترتديه عند اول لقاء بينهما ثم وضعته بعد ذلك فى خزانة ملابسها وفجاه اكتسى وجهها بحمرة الخجل فاتجهت نحو المطبخ مسرعه وهى تقول :"ساعد القهوة"
وهناك توقفت حائرة ودهشه هى التى كانت تتمسك بعملها وتحزن لمجرد التفكير فى تركه ترحل هكذا خلال خمس دقائق كانت اوراقها لاتزال فى المكتب وعليها العوده للحصول على هذه الاوراق .
هنا شعرت تراسى بيدين دافئتين على كتفها ودون ان تستدير عادت بظهرها الى الوراء والتصقت بهولم تستطع ان تنطق بكلمه واحده ولكنها اكتفت بان اومات براسها وهى تخفى وجهها بين كتفيه ابعدها عنه قليلا حتى يتمكن من رؤية تعبير وجهها المشرق ولما اطمان الى ذلك تابع حديثه قائلا:
"ستاتين معى الى داروين؟هل تريدين ذلك؟"
عجزت تراسى عن الرد فرفعت راسها نحوه وعندئذ تلاقت الشفاه واحتضنها جرانت بقوه كانه يمتلكها وغرقا معا وسط مشاعرهما القويه واخيرا قال والابتسامه على شفتيه:
"اذن الاجابه نعم على مايبدو"
فاجابته وهى تخفى وجهها بين كتفيه :"نعم ولكن يجب ان تتزوجنى اولا"
"يبدو لى انك امراه مخلصه"
"مخلصه وفضوليه والان فسر لى السبب فى معاملتك الرقيقه لـ ميليسا ستيوارت"
"وغيورة ايضا! هذا امر لا شك فيه الحق كدت اجن وانا اضغط على نفسى حتى اكون لطيفا معها"
جاهدت تراسى لتكتم ضحكتها فقد تذكرت المشهد المفاجىء الذى راته فى الليل وذلك قبل رحيل الباخرة بيوم واحد. تابع جرانت قائلا:"عندما تعرض ويل للازمه القلبيه ففكرت انها فرصه مناسبه لى حتى استطيع الاتجاه نحو جوف دون ان يلاحظ احد وكما تعرفين كان ميل ستيوارت هناك فى هذه الفتره وهكذا يمكننى كشفه قد يدهشك ذلك ولكن ميليسا اذكى مما تتخيلين وستيوارت يستغل منصبه ولكن ميليسا كانت شريكته ولسوء الحظ لم استطع ادانتها وبمجرد اكتشاف الامر القت بالمسؤوليه كلها على عاتق والدها"
"رائع"
"هل تعرفين انها نجحت فى الافلات منى بفضلك انت؟"
"ولكننى لم افعل شيئا الا دورى كحمل صغير يتم ذبحه"
"حمل صغير مسكين ! هذا ما لم اكن اعرفه عندما اصبحت الربان فى الباخرة برفيدى وهكذا وقعت فى حبك وكان ويل قد ذكر لى الكثير عنك ولكن...."
"انه يبالغ دائما"
"غالبا ولكنه قال الحقيقه هذه المرة"
توقف جرانت عن الحديث ليمنح تراسى بعض القبلات الدافئه وبعد دقائق معدوده احدث الماء المغلى صوتا اعادهما الى الواقع فمد جرانت يده ليطفىء النار . قالت تراسى مرتبكه:
" وكيف كنت السبب فى انقاذ هذه الفتاه الرائعه"
"فى نولونبوى كان هدفى اشاعة جو من الثقه وكان الاب سيضع ثقته فى اذا ما اخبرتنى ابنته بعض الاسرار ..."
"ولكنها لم تتحدث؟"
"لم تتحدث بالتاكيد بعد ان راتنى ارقص معك ولسوء الحظ لم استطع منع نفسى عن ذلك فقد كنت هناك تحاولين اثارتى بهذا الكم من المعجبين حولك وكنت ضعيفا"
ثم اخذ يتحسس وجه الفتاه التى تنظر اليه
"وعندما وصلا الى جزيرتنا اصطررت الى الخضوع الى ستيوارت فقد كنت مقتربا فعلا من تحقيق هدفى ولم يكن امامى خيار اخر اخبرينى انك فهمت كل شىء"
عندما سمعته تراسى يقول جزيرتنا ارتعشت وغفرت له على الفور لو كان ذلك شيئا طبيعيا ولكنها سالته قائله:
"فهمت انك لم تكن تستطيع الدفاع عنى ولكن لماذا لم تحاول تفسيرالامر لى ؟الم تثق فى؟"
"الحقيقه اننى اردت ان اخبرك بكل شىء اكثر من مائه مرة ولكننى لم استطع ولو لم تكن ميليسا قد رافقتنا فى رحلة العودة فلربما كنت اخبرتك بكل شىء ولكنها كانت اصبحت حذرة وبدات تراقبنى وكان فى ذلك خطورة كبيرة وهكذا كان لابد من التماسك حتى نعود الى الارض وهنا كان فى استطاعتى مقاومة ستيوارت"منتديات ليلاس
"وانا لماذا حاولا ايذائى ؟ هل بسبب حكاية الصيد فقط ؟ اننى غير مسؤوله الا عن تدوين بعض التوصيات ليس اكثر"
"ربما ولكن دراستك وصلت الى مكتب الوزير الذى اكد انها دراسة ممتازة وعندما علم ستيوارت انك الد اعداء ابنته قرر الحاق الضرر بك ولكننى اتساءل حقا مالذى فعلته بها"
"الغيرة وحدها تكفى واعترف اننى القيت بها ذات مرة فى حمام السباحه"
دهش جرانت وقال:" ولكن متى وجدت الوقت المناسب لذلك؟ "
ابتسمت تراسى وان كانت ذكرى هذه الحادثه السيئه لا تروقها ابدا
قبلها جرانت برقه على شفتيها وقال:" هيا تحدثى"
وعندما لاحظ انها لاتنوى الحديث ضاعف قبلاته وهو يرد :
"الن تتحدثى!"
وعندئذ نسى انه بصدد انتظار اجابه عن سؤاله والتصقا ببعضهما بشده واخيرا قال لها بعد ان تماسك قليلا:
"انت لم تدعينى لارى منزلك"
ودون ان تنطق بكلمة واحده جذبته تراسى من يده نحو ممر صغير وقالت:" هنا الممر"
وعندئذ توقف جرانت عن السير واحتضنها بشده فارتجفت تراسى واخذت تتحسس وجهه بينما استغرق هو فى تقبيل وجهها ورقبتها حتى اغمضت الفتاه عينيها واستسلمت له تماما وعندئذ فاقت ونظرت الي عينيه الخضراوين وقالت له وهى تتنهد :"تعال"
وسارت معه عدة خطوات حتى وصلا الى باب حجرة ففتحته وهى تقول:" هذه حجرتى "
ثم ابتعدت عن الباب لتسمح له بالمرور الى داخلها وعندئذ اغلقت الباب على حبهما الرائع. منتديات ليلاس


تمـ بحمد الله ـت


وارجو انكم تكونوا استمتعتم بالروايه وان شاء الله فيه انزل روايه تانيه قريب

safsaf313 26-07-09 09:36 PM

يالاااااااااااااااااااا
تشجيييييييييييييييع

love song 28-07-09 01:59 PM

مشكورة على الرواية :)
يعطيك العافيه

safsaf313 22-09-09 08:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة love song (المشاركة 2017067)
مشكورة على الرواية :)
يعطيك العافيه

الله يعافيكى يا احلى اغنيه:flowers2:

زهرة الماس 28-11-09 07:59 PM

يسلموووووووووووووووووووووو000000000تحياتي لكي

قماري طيبة 29-12-09 06:01 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

حجر فيروزي 01-06-10 04:36 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بحيرة الدموع 02-10-10 03:13 PM

شكرا عاشت الايادي:55::55::55::55::55:

فجر الكون 05-10-10 05:47 AM

يسلموااا,,,

hamesha 06-01-11 12:52 AM

مشكورة على الرواية

سومه كاتمة الاسرار 07-01-11 03:29 AM

روايه راااااااااااااااااائعه تسلم اناملك صفصف ومنتظرين دايما الجديد والجديد منك ياسكر تقبلى تحياتى

الجبل الاخضر 11-01-11 09:54 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :flowers2:تسسسسسسسسسسسسسسسسلمين روايه روعه:Welcome Pills4: واختيار ممتاز :toot:ونتتظرجديدك:7_5_129:

ساكنه 01-03-11 06:18 PM

:dancingmonkeyff8::mo2::lol:حماااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااس هذي الراية منتظرين التكملة ياقمر الف تحية الك ودمتي لي في قلبي سكنة

زهرة منسية 20-06-11 04:48 PM

مشكوره كتير يسلموا ايديكى

ندى ندى 15-12-11 07:11 PM

روووووووووووووووووعه

لوشة العزاوي 17-12-11 04:11 PM

رواية ولا اروع تسلم الايادي

الملآك القاسي 07-12-12 12:39 PM

رد: 313-امرأتان ورجل - بربارا بيكر - المركز الدولي (كاملة)
 
شكرااااا ع الرواااية ^__^

هتونا 26-07-22 05:36 AM

رد: 313 -امرأتان ورجل - فيكتوريا غوردون - المركز الدولي ( كاملة )
 
وااااااااااو رؤاية مذهلت لدرجة اني اتخيلت اني معاهم في السفينة والمواصفات والفرش والتماسيح ههههه
احلا تحية واحلا شكر


الساعة الآن 11:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية